مرآة العقول المجلد 3

اشارة

سرشناسه : مجلسي، محمد باقربن محمدتقي، 1037 - 1111ق.

عنوان قراردادي : الكافي .شرح

عنوان و نام پديدآور : مرآه العقول في شرح اخبار آل الرسول عليهم السلام/ محمدباقر المجلسي. مع بيانات نافعه لاحاديث الكافي من الوافي/ محسن الفيض الكاشاني؛ التحقيق بهراد الجعفري.

مشخصات نشر : تهران: دارالكتب الاسلاميه، 1389-

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : 100000 ريال: دوره 978-964-440-476-4 :

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي -- نقد و تفسير

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 11ق.

شناسه افزوده : فيض كاشاني، محمد بن شاه مرتضي، 1006-1091ق.

شناسه افزوده : جعفري، بهراد، 1345 -

شناسه افزوده : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. شرح

رده بندي كنگره : BP129/ك8ك20217 1389

رده بندي ديويي : 297/212

شماره كتابشناسي ملي : 2083739

ص:1

اشارة

بَابُ أَنَّ الْمُتَوَسِّمِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ ع وَ السَّبِيلُ فِيهِمْ مُقِيمٌ

1 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَسْبَاطٌ بَيَّاعُ الزُّطِّيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ قَالَ فَقَالَ نَحْنُ

تتمة كتاب الحجة

باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله عز و جل في كتابه هم الأئمة عليهم السلام و السبيل فيهم مقيم

الحديث الأول

: ضعيف، و قال في المغرب: الزط جيل من الهند تنسب الثياب الزطية إليهم.

" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ" هذه الآية وقعت بعد قصة لوط عليه السلام و قال الطبرسي رحمه الله: أي فيما سبق ذكره من إهلاك قوم لوط لدلالات للمتفكرين المعتبرين، و قيل: للمتفرسين، و المتوسم: الناظر في السمة و هي العلامة، و توسم فيه الخير أي عرف سمة ذلك فيه، و قال مجاهد: قدصح عن النبيصلى الله عليه و آله أنه قال:

اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، و قال: قال: إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ثم قرأ هذه الآية، و روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: نحن المتوسمون و السبيل فينا مقيم، و السبيل طريق الجنة" وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ" معناه أن مدينة

ص: 1

الْمُتَوَسِّمُونَ وَ السَّبِيلُ فِينَا مُقِيمٌ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ سَالِمٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ فَقَالَ لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قَالَ نَحْنُ الْمُتَوَسِّمُونَ وَ السَّبِيلُ فِينَا مُقِيمٌ

3 مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ ع قَالَ رَسُولُ اللَّهِص اتَّقُوا فِرَاسَةَ

لوط لها طريق مسلوك يسلكه الناس في حوائجهم، فينظرون إلى آثارها و يعتبرون بها و هي مدينة سدوم، و قال قتادة: أي قرى قوم لوط بين المدينة و الشام، انتهى.

و لعله على تأويله عليه السلام" ذلِكَ" إشارة إلى القرآن أي أن في القرآن" لَآياتٍ" و علامات" لِلْمُتَوَسِّمِينَ" الذين يعرفون بطون القرآن و يعرفون الأمور بالدلالات و الإشارات الخفية، وَ" إِنَّها" أي الآيات حاصلة لهم لسبب سبيل مقيم فيهم، لا يزول عنهم و هو الإمامة، أو الإلهام و إلقاء روح القدس، أو في سبيل، أو متلبسة به، أو أن الآيات منصوبة على سبيل ثابت هو السبيل إلى الله و دين الحق، و بين عليه السلام أنهم أهل ذلك السبيل و الدالون عليه.

الحديث الثاني

: ضعيف، و" هيت" بالكسر: اسم بلد على الفرات.

الحديث الثالث

: مجهول كالصحيح.

" في قول الله" متعلق بقوله قال رسول اللهصلى الله عليه و آله، أي قال ذلك القول في تفسير هذه الآية، أو خبر مبتدإ محذوف، أي نظره بنور الله مذكور في قول الله، و الأول أظهر.

و قال في النهاية: فيه: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، الفراسة يقال لمعنيين: أحدهما: ما دل ظاهر هذا الحديث عليه و هو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات و إصابة الظن و الحدس، و

ص: 2

الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ عَنْ عُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ فَقَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ ع- وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ قَالَ لَا يَخْرُجُ مِنَّا أَبَداً

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِص الْمُتَوَسِّمَ وَ أَنَا مِنْ بَعْدِهِ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِي الْمُتَوَسِّمُونَ

وَ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ

الثاني: نوع يتعلم بالدلائل و التجارب و الخلق و الأخلاق فتعرف به أحوال الناس، و للناس فيها تصانيف قديمة و حديثة، و فيه: و أنا أفرس بالرجال منك، أي أبصر و أعرف، و رجل فارس بالأمر أي عالم به بصير، انتهى.

و اتقاء فراسته ترك القبيح خوفا من أن يطلع عليه و إن كان غائبا.

الحديث الرابع

: ضعيف بسنديه.

" قال كان" تأكيد لقوله:" قال" أولا، و قوله: و في نسخة أخرى، كلام الجامعين لنسخ الكافي، فإنهم أشاروا إلى اختلاف نسخ النعماني و الصفواني و غيرهما من تلامذة الكليني.

ص: 3

بَابُ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَى النَّبِيِّص وَ الْأَئِمَّةِ ع

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِص أَعْمَالُ الْعِبَادِ كُلَّصَبَاحٍ أَبْرَارُهَا وَ فُجَّارُهَا فَاحْذَرُوهَا وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى- اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ سَكَتَ

2 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ

باب عرض الأعمال على النبي (ص) و على الأئمة عليهم السلام

الحديث الأول

: ضعيف.

" أعمال العباد" عطف بيان للأعمال" كلصباح" منصوب بالظرفية باعتبار المضاف إليه" أبرارها و فجارها" بجرهما بدل تفصيل للعباد، و الضميران راجعان إلى العباد، و الأبرار جمع بر بالفتح بمعنى البار، و الفجار بالضم و التشديد جمع فاجر، أو برفعهما بدل تفصيل لإعمال العباد، و الضميران راجعان إلى الأعمال، ففي إطلاق الأبرار و الفجار على الأعمال تجوز، على أنه يحتمل كون الأبرار حينئذ جمع البر بالكسر، و ربما يقرأ الفجار بكسر الفاء و تخفيف الجيم جمع فجار بفتح الفاء مبنيا على الكسر و هو اسم الفجور، أو جمع فجر بالكسر و هو أيضا الفجور" فاحذروها" الضمير للفجار أو للأعمال باعتبار الثاني، و لعله عليه السلام سكت عن ذكر المؤمنين و تفسيره تقية أو إحالة على الظهور.

الحديث الثاني

: ضعيف.

و إنما خصوا عليه السلام باسم المؤمنين، لأن من شرط الإيمان العمل بما يؤمن

ص: 4

قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ

3 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَا لَكُمْ تَسُوءُونَ رَسُولَ اللَّهِص فَقَالَ رَجُلٌ كَيْفَ نَسُوؤُهُ فَقَالَ أَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى فِيهَا مَعْصِيَةً سَاءَهُ ذَلِكَ فَلَا تَسُوءُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ سُرُّوهُ

4 عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الزَّيَّاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَانٍ الزَّيَّاتِ وَ كَانَ مَكِيناً عِنْدَ الرِّضَا ع قَالَ قُلْتُ لِلرِّضَا ع ادْعُ اللَّهَ لِي وَ لِأَهْلِ بَيْتِي فَقَالَ أَ وَ لَسْتُ أَفْعَلُ وَ اللَّهِ إِنَّ أَعْمَالَكُمْ لَتُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ قَالَ فَاسْتَعْظَمْتُ

به و هو لازم للعصمة، فهم المؤمنون حقيقة، و قيل: هو مشتق من آمنه إذا جعله ذا أمن و يقين و بصيرة و هم عالمون بجميع القرآن فيؤمنون السائلين المخلصين.

و قال الطبرسي (ره):" قُلِ اعْمَلُوا" أي اعملوا ما أمركم الله به عمل من يعلم أنه مجازي على فعله، فإن الله سيري عملكم، و إنما أدخل سين الاستقبال لأن ما لم يحدث لا تتعلق به الرؤية، فكأنه قال: كل ما تعملونه يراه الله تعالى، و قيل: أراد بالرؤية هيهنا العلم الذي هو المعرفة، و لذلك عداه إلى مفعول واحد، أي يعلم الله فيجازيكم عليه، و يراه رسوله أي يعلمه فيشهد لكم بذلك عند الله و يراه المؤمنون قيل: أراد بالمؤمنين الشهداء، و قيل: أراد بهم الملائكة الذين هم الحفظة الذين يكتبون الأعمال، و روى أصحابنا أن أعمال الأمة تعرض على النبيصلى الله عليه و آله و سلم في كل- اثنين و خميس فيعرفها، و كذلك تعرض على أئمة الهدى عليه السلام، و هم المعنون بقوله:" وَ الْمُؤْمِنُونَ".

الحديث الثالث

: حسن موثق، يقال: ساءه كصانه إذا أحزنه، و فعل به ما يكره، و مساءتهصلى الله عليه و آله للشفقة على الأمة و للغيرة على معصية الله.

الحديث الرابع

: مجهول.

و المكانة: المنزلة عند ملك، يقال مكن ككرم فهو مكين، و يقال: استعظمه إذا عده عظيما.

ص: 5

ذَلِكَ- فَقَالَ لِي أَ مَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ قَالَ هُوَ وَ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع

5 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّامِتِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسَاوِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ- فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ قَالَ هُوَ وَ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع

6 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا ع يَقُولُ إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِص أَبْرَارَهَا وَ فُجَّارَهَا

بَابُ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الَّتِي حُثَّ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهَا وَلَايَةُ عَلِيٍّ ع

1 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً قَالَ يَعْنِي لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى وَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي

قوله عليه السلام" هو" أي الأخير" و الله علي بن أبي طالب" إنما خصه عليه السلام بالذكر لأنه المصداق حين الخطاب، أو لأنه الأصل و العمدة و الفرد الأعظم.

الحديث الخامس

: ضعيف.

الحديث السادس

:صحيح.

و هنا، أيضا يحتمل إرجاع الضميرين إلى الأئمة بقرينة المقام.

باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي

الحديث الأول

: ضعيف.

" وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ" قال الطبرسي (ره): أي على طريقة

ص: 6

طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهِ ع وَ قَبِلُوا طَاعَتَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ وَ نَهْيِهِمْ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً يَقُولُ لَأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ الْإِيمَانَ وَ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْإِيمَانُ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ الْأَوْصِيَاءِ

2 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع

الإيمان" لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً" أي ماءا كثيرا من السماء، و ذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين، و قيل: ضرب الماء الغدق مثلا أي لوسعنا عليهم في الدنيا، و في تفسير أهل البيت عليه السلام عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله" إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*" قال: هو و الله ما أنتم عليه" وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً" و عن بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: معناه لأفدناهم علما كثيرا يتعلمونه من الأئمة عليه السلام" انتهى".

و أقول: استعارة الماء للعلم شائع لكونه سببا لحياة القلب و الروح، كما أن الماء سبب لحياة البدن، و قال الجوهري: الماء الغدق: الكثير.

الحديث الثاني

: ضعيف.

" الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ" قال الطبرسي (ره): أي وحدوا الله تعالى بلسانهم، و اعترفوا به وصدقوا أنبياءه" ثُمَّ اسْتَقامُوا" أي استمروا على التوحيد، و استقاموا على طاعته، و روى محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الاستقامة؟

قال: هي و الله ما أنتم عليه" تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ" يعني عند الموت، و روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام، و قيل: تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم في الموقف بالبشارة من الله، و قيل: في القيامة و قيل: عند الموت و في القبر و عند البعث" أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا" أي يقولون لهم لا تخافوا عقاب الله، و لا تحزنوا لفوت الثواب، و قيل:

لا تخافوا مما أمامكم و لا تحزنوا على ما خلفتم من أهل و مال و ولد" نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ

" أي أنصاركم و أحباؤكم" فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

" نتولى إيصال الخيرات إليكم من قبل الله

ص: 7

عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع اسْتَقَامُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ- تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ

1 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع مَا يَنْقِمُ النَّاسُ مِنَّا فَنَحْنُ وَ اللَّهِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَ مُخْتَلَفُ

تعالى" وَ فِي الْآخِرَةِ

" فلا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة، و قيل: أي نحرسكم في الدنيا و عند الموت و في الآخرة عن أبي جعفر عليه السلام" انتهى".

و قيل: القول في الميثاق، و الاستقامة في الأبدان، فثم لتراخي الزمان.

" استقاموا على الأئمة" أي الطريقة ولاية الأئمة.

و أقول: ورد في كثير من الأخبار أنها في الأئمة عليه السلام حيث تتنزل عليهم الملائكة في ليلة القدر و غيرها و تخاطبهم، و يحتمل نزولهم على المؤمنين أيضا و مخاطبتهم بحيث لم يسمعوا كلامهم، و يكون فائدتها نزول البركات عليهم عند القول أو اليقين بها بعد سماع الآية.

باب أن الأئمة عليهم السلام معدن العلم و شجرة النبوة و مختلف الملائكة

الحديث الأول

: ضعيف.

" ما ينقم الناس منا" كلمة" ما" استفهامية للإنكار، و هي مفعول ينقم، يقال:

نقم الأمر كضرب و علم إذا كرهه و عابه" شجرة النبوة" شبههم عليهم السلام بالشجرة في كثرة المنافع و الثمار، و الاستظلال بفيئهم من حر شر الأشرار" و بيت الرحمة"

ص: 8

الْمَلَائِكَةِ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع إِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ

3 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْخَشَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا خَيْثَمَةُ نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ وَ مَفَاتِيحُ الْحِكْمَةِ وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ

لأنهم منبع كل نعمة و رحمة و بتوسطهم تفيض الرحمات على سائر الكائنات" و معدن العلم" بكسر الدال و هو منبت الجواهر" و مختلف الملائكة" بفتح اللام من الاختلاف بمعنى الذهاب، و المجي ء مرة بعد مرة لنزولها إليهم مرة بعد أولى و طائفة بعد أخرى لزيارتهم و التشرف بهم و إنزال الأخبار إليهم.

الحديث الثاني

: ضعيف على المشهور.

" إنا أهل البيت" بنصب الأهل على الاختصاص" و موضع الرسالة" أي مخزن علوم الرسالة و إسرارها، أو قبيلتهم محل نزول الرسالة، أو نزلت في بيتهم أو عليهم في ليلة القدر.

الحديث الثالث

: مرسل مجهول، و خيثمة بفتح الخاء و سكون الياء و فتح المثلثة مشترك بين مجاهيل.

" و مفاتيح الحكمة" إذ بهم تفتح خزائن علوم الله سبحانه و حكمه، و تصل إلى الخلق، نظير قول النبيصلى الله عليه و آله: أنا مدينة الحكمة و على بابها" و موضع سر الله" السر بالكسر ما يكتم عن غير الخواص، و هم موضع أسرار الله التي لا تقبلها عقول الخلق كغوامض علوم التوحيد و القضاء و القدر و أشباهها، و ما لا مصلحة لإذاعتها عند الخلق كعلم ما يكون من أعمار الخلق و أحوالهم، و الحوادث الكائنة، و يحتمل

ص: 9

الْمَلَائِكَةِ وَ مَوْضِعُ سِرِّ اللَّهِ وَ نَحْنُ وَدِيعَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَ نَحْنُ حَرَمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ وَ نَحْنُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَ نَحْنُ عَهْدُ اللَّهِ فَمَنْ وَفَى بِعَهْدِنَا فَقَدْ وَفَى بِعَهْدِ اللَّهِ وَ مَنْ خَفَرَهَا فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ وَ عَهْدَهُ

شموله للشرائع و سائر ما يظهر منهم فإنها كانت مستورة فانتشرت بسببهم" و نحن وديعة الله" الوديعة ما تدفعه إلى غيرك ليصونه و يحفظه، و لما خلقهم الله و جعلهم بين عباده و أمرهم بحفظهم و رعايتهم و عدم التقصير في حقهم، فكأنهم ودائع الله، و يحتمل أن يكون الإضافة إلى المفعول، أي استودعهم الله النبيصلى الله عليه و آله و سلم حيث قال مرارا:

أستودعكم الله" و نحن حرم الله الأكبر" بالتحريك و هو ما يجب احترامه و عدم انتهاك حرمته كحرم الكعبة، و هم أكبر إذ حرمة الكعبة بسببهم كما سيأتي.

و قد ورد أن حرمات الله ثلاث: القرآن و الكعبة و الإمام.

" و نحن ذمة الله" أي أهل ذمة الله و هي العهد و الأمان و الضمان و الحرمة، فهم ذوو ذمة الله إذ أخذ على العباد عهد ولايتهم، و بهم آمنوا من عذابه" و نحن عهد الله" أي أهل عهده، فإن الله أخذ على العباد عهد ولايتهم و حفظهم و رعايتهم، فقال تعالى:

" وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ".

" و من خفرها" أي الذمة أو العهد لكونه بمعنى الذمة، و في بصائر الدرجات" خفر هما" بصيغة التثنية، فالضمير للعهد و الذمة معا و هو أنسب و أوفق بما بعده و ما قبله كما لا يخفى، ثم أنه في أكثر كتب اللغة أن الخفر هو الوفاء بالعهد، و الإخفار نقضه و الهمزة للسلب، قال في النهاية: خفرت الرجل أجرته و حفظته، و خفرته إذا كنت له خفيرا أي حاميا و كفيلا، و تخفرت به إذا استجرت به، و الخفارة بالكسر و الضم: الذمام و أخفرت إذا انقضت عهده و ذمامه و الهمزة فيه للإزالة أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت شكواه، و نحوه قال في الصحاح و غيره، لكن قال في القاموس: خفره و به و عليه يخفر و يخفر خفرا: أجاره و منعه و أمنه،

ص: 10

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع وَرَثَةُ الْعِلْمِ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً الْعِلْمَ

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ عَلِيّاً ع كَانَ عَالِماً وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ وَ لَنْ يَهْلِكَ عَالِمٌ إِلَّا بَقِيَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهُ- أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ

و خفر به خفرا و خفورا: نقض عهده و غدرة كأخفره" انتهى" فيدل على أن مع التعدية بالباء يأتي بمعنى نقض العهد و لا ينفع في المقام إلا بتكلف، و لا يخفى أن الأنسب بهذا المقام كونه بمعنى النقض لا الرعاية، لا سيما على نسخة البصائر إذ على هذه النسخة يمكن إرجاع الضمير إلى الذمة، فلا تكرار، لكن كثيرا ما رأيت بعض الأبنية المتداولة في كلام الفصحاء لم يتعرض لها اللغويون، و لا يبعد سقوط همزة الأفعال من النساخ.

باب أن الأئمة عليهم السلام ورثة العلم يرث بعضهم بعضا العلم

الحديث الأول

:صحيح.

" من يعلم علمه" أي جميع علمه" أو ما شاء الله" أي زائدا على علم السابق لكن بعد الإفاضة على روح الإمام السابق، لئلا يكون علم الآخر أكثر من علم الأول كما ورد في الأخبار الكثيرة، و سيأتي بعضها.

و قيل: المراد بما شاء الله أقل من علم السابق، بحمله على ما قبل الإمامة إذ وردت الأخبار الكثيرة بل المتواترة بأن الإمام في أول إمامته يعلم جميع علوم الإمام السابق، و قيل: يحتمل أن يكون ما شاء الله كناية عن ما بعد زمان الصاحب عليه السلام، يعني أو لم يبق، و لا يخفى بعده.

ص: 11

2 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ وَ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ ع لَمْ يُرْفَعْ وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ وَ كَانَ عَلِيٌّ ع عَالِمَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ إِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ مِنَّا عَالِمٌ قَطُّ إِلَّا خَلَفَهُ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ عَلِمَ مِثْلَ عِلْمِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ الْعِلْمَ يُتَوَارَثُ وَ لَا يَمُوتُ عَالِمٌ إِلَّا وَ تَرَكَ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ

4 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْصَفْوَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ فِي عَلِيٍّ ع سُنَّةَ أَلْفِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ ع لَمْ يُرْفَعْ وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ فَذَهَبَ عِلْمُهُ وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ

الحديث الثاني

: حسن.

" لم يرفع" على بناء المجهول أي لم يذهب علمه" و العلم يتوارث" على المجهول أيضا" إلا خلفه" من باب نصر أي أتى خلفه وصار خليفته، و يدل أن الخليفة لا بد أن يكون من أهله و أقاربه.

الحديث الثالث

:صحيح، و ليس في بعض النسخ و هو الصواب، لأنه سيأتي بعينه في أواخر الباب.

الحديث الرابع

: ضعيف كالموثق.

" سنة ألف من الأنبياء" أي طريقتهم وصفاتهم التي اختص كل منهم بواحد منها على الكمال، فكمل جميعها فيه عليه السلام كما قال النبيصلى الله عليه و آله: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، و إلى نوح في عبادته، و إلى إبراهيم في خلته، و إلى موسى في سطوته، و إلى عيسى في زهده، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فإن فيه سبعين خصلة من خصال الأنبياء.

ص: 12

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ ع لَمْ يُرْفَعْ وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ فَذَهَبَ عِلْمُهُ

6 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَمُصُّونَ الثِّمَادَ- وَ يَدَعُونَ النَّهَرَ الْعَظِيمَ قِيلَ لَهُ وَ مَا النَّهَرُ الْعَظِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِص وَ الْعِلْمُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَمَعَ لِمُحَمَّدٍص سُنَنَ النَّبِيِّينَ مِنْ آدَمَ وَ هَلُمَّ جَرّاً إِلَى مُحَمَّدٍص قِيلَ لَهُ وَ مَا تِلْكَ السُّنَنُ قَالَ عِلْمُ النَّبِيِّينَ بِأَسْرِهِ وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِصصَيَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع- فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ- فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ أَمْ بَعْضُ النَّبِيِّينَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع اسْمَعُوا مَا يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ مَسَامِعَ مَنْ يَشَاءُ إِنِّي حَدَّثْتُهُ أَنَّ اللَّهَ جَمَعَ لِمُحَمَّدٍص عِلْمَ النَّبِيِّينَ وَ أَنَّهُ جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ هُوَ يَسْأَلُنِي أَ هُوَ أَعْلَمُ أَمْ بَعْضُ النَّبِيِّينَ

الحديث الخامس

:صحيح" فذهب علمه" عطف على المنفي.

الحديث السادس

: مرفوع.

" يمصون" من باب علم و نصر، و المص: الشرب بالجذب كما يفعل الرضيع، و الضمير للمخالفين، و الثماد ككتاب و الثمد بالتحريك: الماء القليل الذي لا مادة له، أو ما يبقى في الجلد و هو الأرض الصلبة، أو ما يظهر في الشتاء و يذهب في الصيف، ذكره الفيروزآبادي، و الغرض تشبيه من يأخذ العلم من المخالفين عن أئمتهم بالذي يمص ماءا قليلا مخلوطا بالطين و الحمأ لقلة علمهم و عدم مادة له، و انقطاعه قريبا و كونه مخلوطا بالشبه و الشكوك، و من يأخذ العلم من أهل البيت عليهم السلام بمن يشرب من نهر جارصاف عظيم لا ينقطع أبدا جرى من منبع الوحي و الإلهام" و هلم" اسم فعل بمعنى تعال، و قال في الفائق: المسامع جمع المسمع و هو آلة السمع، أو جمع السمع على غير قياس كمشابه و ملامح جمع شبه و لمحة.

ص: 13

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ الْعِلْمَ يُتَوَارَثُ فَلَا يَمُوتُ عَالِمٌ إِلَّا تَرَكَ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ

8 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ ع لَمْ يُرْفَعْ وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ إِلَّا وَ قَدْ وَرَّثَ عِلْمَهُ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَبْقَى بِغَيْرِ عَالِمٍ

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ وَرِثُوا عِلْمَ النَّبِيِّ وَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

1 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُهْتَدِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ الرِّضَا ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مُحَمَّداًص كَانَ أَمِينَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ فَلَمَّا قُبِضَص كُنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَثَتَهُ فَنَحْنُ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ عِنْدَنَا عِلْمُ الْبَلَايَا وَ

الحديث السابع

:صحيح مكرر، و الطائي النسبة إلى طيئ بالهمزة و هو القبيلة.

الحديث الثامن

" إلا و قد ورث" من باب التفعيل.

باب أن الأئمة عليهم السلام ورثوا علم النبي و جميع الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام الذين من قبلهم

الحديث الأول

: حسن.

" فنحن أمناء الله" أي على علومه و أحكامه و معارفه" و أنساب العرب" لعل التخصيص بهم لكونهم أشرف، أو لكونهم في ذلك أهم و كان فيهم أولاد الحرام عادوا

ص: 14

الْمَنَايَا وَ أَنْسَابُ الْعَرَبِ وَ مَوْلِدُ الْإِسْلَامِ وَ إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ وَ إِنَّ شِيعَتَنَا لَمَكْتُوبُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ يَرِدُونَ مَوْرِدَنَا وَ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَنَا لَيْسَ عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ غَيْرُنَا وَ غَيْرُهُمْ نَحْنُ النُّجَبَاءُ النُّجَاةُ وَ نَحْنُ أَفْرَاطُ الْأَنْبِيَاءِ وَ نَحْنُ أَبْنَاءُ الْأَوْصِيَاءِ وَ نَحْنُ الْمَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ نَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ نَحْنُ أَوْلَى

الأئمة عليهم السلام و نصبوا لهم الحرب و قتلوهم" و مولد الإسلام" أي يعلمون كل من يولد هل يموت على الإسلام أو على الكفر، و قيل: أي يعلمون محل تولد الإسلام و ظهوره، أي من يظهر منه [الإسلام و من يظهر منه] الكفر.

" بحقيقة الإيمان" أي الإيمان الواقعي لا الظاهري" و حقيقة النفاق" كذلك" لمكتوبون" أي عندنا في كتاب كما سيأتي" أخذ الله علينا و عليهم الميثاق" أي أخذ علينا العهد بهداية شيعتنا و رعايتهم و تكميلهم و عليهم بالإقرار بولايتنا و طاعتنا و رعاية حقنا" يردون موردنا" عند الحوض و سائر الموارد العالية" و يدخلون مدخلنا" من الجنة و الدرجات الرفيعة" ليس على ملة الإسلام غيرنا" يدل على كفر المخالفين.

" نحن النجباء النجاة" النجباء جمع النجيب و هو الفاضل الكريم السخي و الفاضل من كل حيوان ذكرهما الجزري، و النجاة بضم النون جمع ناج كهداة و هاد" و نحن إفراط الأنبياء" أي أولادهم أو مقدموهم في الورود على الحوض و دخول الجنة، أو هداتهم، أو الهداة الذين أخبر الأنبياء بهم، قال في النهاية: الفرط بالتحريك الذي يتقدم الواردة، و في الحديث: أنا فرطكم على الحوض، و منه قيل للطفل: اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا حتى نرد عليه، و في القاموس: الفرط العلم المستقيم يقتدى به، و الجمع أفرط و إفراط، و بالتحريك: المتقدم إلى الماء للواحد و الجمع، و ما تقدمك من أجر و عمل، و ما لم يدرك من الولد" و نحن أبناء الأوصياء" أي كل منا ولد وصي" و نحن المخصوصون" أي بالمدح أو القرابة أو الإمامة" و نحن أولى الناس بكتاب الله تعالى" أي لفظا و معنى و موردا، لأن أكثره في مدحهم و ذم أعدائهم و الأولوية بالرسولصلى الله عليه و آله من حيث النسب و التعلم و القرابة و الصحبة المتكررة.

ص: 15

النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِص وَ نَحْنُ الَّذِينَ شَرَعَ اللَّهُ لَنَا دِينَهُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ- شَرَعَ لَكُمْ يَا آلَ مُحَمَّدٍ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً قَدْ وَصَّانَا بِمَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ- وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى فَقَدْ عَلَّمَنَا وَ بَلَّغَنَا عِلْمَ مَا عَلِمْنَا وَ اسْتَوْدَعَنَا عِلْمَهُمْ نَحْنُ وَرَثَةُ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ- أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يَا آلَ مُحَمَّدٍ- وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ وَ كُونُوا عَلَى جَمَاعَةٍ- كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ إِنَّ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ مَنْ يُجِيبُكَ إِلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ ع

" شَرَعَ لَكُمْ" أي بين و أوضح لكم، و بين أن الخطاب إلى آل محمدصلى الله عليه و آله أو هم الأصل و العمدة في هذا الخطاب" ما وَصَّى بِهِ" أي أمر به و بحفظه" وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ" قيل: إنما لم يقل" وصينا" كما قال في غيره من أولي العزم، للإشارة إلى تأكيد عزمه حتى أنه لا يحتاج إلى التوصية و المبالغة، قال البيضاوي: أي شرع لكم من الدين دين نوح و محمدصلى الله عليه و آله و من بينهما من أرباب الشرائع و هو الأصل المشترك فيما بينهم، المفسر بقوله:" أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ" و هو الإيمان بما يجب تصديقه و الطاعة في أحكام الله تعالى، و محله النصب على البدل من مفعول شرع، أو الرفع على الاستئناف، كأنه جواب و ما ذلك الشرع، أو الجر على البدل من هاء" به".

" وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" و لا تختلفوا في هذا الأصل، أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال:" لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً".

" كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ" عظم عليهم" ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ" من التوحيد" اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ" يجتلب إليه و الضمير لما يدعوهم أو للدين" وَ يَهْدِي إِلَيْهِ" بالإرشاد و التوفيق" مَنْ يُنِيبُ" يقبل إليه انتهى من أشرك بولاية علي فإنهم أشركوا بالله حيث أشركوا مع علي عليه السلام من ليس خليفة من الله.

ص: 16

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِص إِنَّ أَوَّلَ وَصِيٍّ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ- هِبَةُ اللَّهِ بْنُ آدَمَ وَ مَا مِنْ نَبِيٍّ مَضَى إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ وَ كَانَ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِائَةَ أَلْفِ نَبِيٍّ وَ عِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ أُولُو الْعَزْمِ- نُوحٌ وَ إِبْرَاهِيمُ وَ مُوسَى وَ عِيسَى وَ مُحَمَّدٌ ع وَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ هِبَةَ اللَّهِ لِمُحَمَّدٍ وَ وَرِثَ عِلْمَ الْأَوْصِيَاءِ وَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ أَمَا إِنَّ مُحَمَّداً وَرِثَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى قَائِمَةِ الْعَرْشِ مَكْتُوبٌ- حَمْزَةُ أَسَدُ اللَّهِ وَ أَسَدُ رَسُولِهِ وَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وَ فِي ذُؤَابَةِ الْعَرْشِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَهَذِهِ حُجَّتُنَا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ حَقَّنَا وَ جَحَدَ مِيرَاثَنَا وَ مَا مَنَعَنَا مِنَ الْكَلَامِ وَ أَمَامَنَا الْيَقِينُ فَأَيُّ حُجَّةٍ تَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا

الحديث الثاني

: ضعيف.

" هبة الله" هو شيث عليه السلام" هبة الله لمحمدصلى الله عليه و آله" أي كان بمنزلة شيث عليه السلام من آدم، أو وهبه الله له عليه السلام، أو هو أول أوصياء محمدصلى الله عليه و آله كما أن هبة الله أول أوصياء آدم عليهما السلام.

و من قوله:" و كان جميع الأنبياء" من كلام أبي جعفر عليه السلام" و سيد الشهداء" في زمانه أو بالنسبة إلى من تقدمه أو بالإضافة إلى من عدا الحسين و أمير المؤمنين و سائر الأئمة عليهم السلام و في النهاية: ذؤابة كل شي ء: أعلاه.

" فهذه حجتنا" لأن مثله مروي من طرق المخالفين أيضا، أو لأن المخالفين كانوا معترفين بصدقهم" و ما منعنا من الكلام" أي إظهار إمامتنا و لزوم حقنا و بيان فضلنا" و إمامنا اليقين" أي الموت أو العلم بأنه لا يصيبنا منهم ضرر على ذلك، و المراد على الأول أنهم بعد الموت يعلمون حقيتنا، أو من كان مشرفا على الموت و يموت لا محالة لم لا يتكلم بالحق و يصدع به في موضع أمر الله به" فأي حجة تكون أبلغ من هذا" أي مما ذكرنا أولا فإنه مع كونه متفقا عليه بيننا و بين المخالفين مؤيد بأنا نتكلم به مع كوننا معروفين عند جميع الخلق بالصدق و الزهد و الورع، و بأننا عالمون

ص: 17

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ وَ إِنَّ مُحَمَّداً وَرِثَ سُلَيْمَانَ وَ إِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداً وَ إِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ وَ تِبْيَانَ مَا فِي الْأَلْوَاحِ قَالَ قُلْتُ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعِلْمُ قَالَ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْعِلْمَ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي يَحْدُثُ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ وَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ

بالموت و ما بعده حق العلم و اليقين، و من كان حاله كذلك لا يتكلم إلا بالحق، و يحتمل أن يكون راجعا إلى الأخير فقط، و يحتمل أن يكون المعنى إنا مع خوفنا من خلفاء الجور و أئمة الضلالة، و عدم الدواعي النفسانية في ذلك نظهر الحق و نتفوه به، فهذه أعظم الحجج علىصدقنا إذ لو كنا كاذبين و مبطلين لكنا نسلك مسلك أهل الزمان و نتقرب إلى الخلفاء و أرباب البدع بما يوافق طباعهم ليرفعونا في الدنيا إلى أعلى المنازل و المراتب.

الحديث الثالث:

" إن سليمان ورث داود" إشارة إلى قوله تعالى:" وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ" و يحتمل أن يكون التخصيص بسليمان و داود لأنهما أعطيا مع النبوة السلطنة الظاهرة و كان معهما رئاسة الدنيا و الآخرة" إن هذا لهو العلم" أي هذا أفضل عليكم كأنه منحصر فيه فنفى عليه السلام ذلك و قال:" العلم" أي العلم العظيم الكامل الذي ينبغي أن يتعجب منه هو" الذي يحدث يوما بعد يوم، و ساعة بعد ساعة".

أقول: يرد هيهنا إشكال و هو أنه قد دلت الأخبار الكثيرة على أن النبيصلى الله عليه و آله كان يعلم علم ما كان و ما يكون و جميع الشرائع و الأحكام، و أنه قد علم جميع ذلك أمير المؤمنين و كذا علم أمير المؤمنين الحسن عليهما السلام جميع ذلك و هكذا، فأي شي ء يبقى بعد ذلك حتى يحدث لهم بالليل و النهار؟

ص: 18

و يمكن أن يجاب عنه بوجوه:" الأول" ما قيل: أن العلم ليس ما يحصل بالسماع و قراءة الكتب و حفظها، فإن ذلك تقليد و إنما العلم ما يفيض من عند الله سبحانه على قلب المؤمن يوما فيوما و ساعة فساعة، فيكشف به من الحقائق ما تطمئن به النفس و ينشرح له الصدر، و يتنور به القلب، و الحاصل أن ذلك مؤكد و مقرر لما علم سابقا يوجب مزيد الإيمان و اليقين و الكرامة و الشرف بإفاضة العلم عليهم بغير واسطة المرسلين و النبيين، بل بغير توسط الملائكة أيضا.

الثاني: أن يفيض عليهم السلام تفاصيل التي عندهم مجملاتها و إن أمكنهم إخراج التفاصيل مما عندهم من أصول العلم و موادة.

الثالث: أن يكون مبنيا على البداء، فإن فيما علموا سابقا ما يحتمل البداء و التغيير، فإذا ألهموا بما غير من ذلك بعد الإفاضة على أرواح من تقدم من الحجج أو أكد ما علموا بأنه حتمي لا يقبل التغير كان ذلك أقوى علومهم و أشرفها.

الرابع: ما خطر بالبال و لعله أقوى الوجوه و هو أنه يلوح من فحاوي الأخبار الكثيرة أنهم عليهم السلام في جميع النشأة أي قبل حلول أرواحهم المطهرة في الأجساد المقدسة، و بعد حلولها فيها، و بعد مفارقتها الأبدان و عروجها إلى عالم القدس، لهم ترقيات في المعارف الربانية و درجات الكمال، و لا يزالون سائرون على معارج القرب و الوصال، و غائصون في بحار أنوار معرفة ذي الجلال، إذ لا غاية لمدارج عرفانه و حبه و قربه تعالى، و بين درجة الربوبية و درجات العبودية منازل لا تحصى، فإذا عرفت ذلك فإنهم إذا تعلموا في بدو إمامتهم من الإمام السابق قدرا من العلوم و المعارف، فلا محالة هم لا يقفون في تلك المرتبة و يحصل لهم بسبب مزيد القرب و الطاعات زوائد العلوم و الحكم و الترقيات، و كيف لا يحصل لهم مع حصوله لسائر الخلق مع نقص قابلياتهم و استعداداتهم، فهم عليهم السلام بذلك أولى و أحرى، فيمكن أن يكون هذا هو المراد بما يحصل آنا فآنا و ساعة فساعة في الليل و النهار.

ص: 19

4 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ شُعَيْبٍ الْحَدَّادِ عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ عِنْدَهُ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ دَاوُدَ وَرِثَ عِلْمَ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ وَ إِنَّ مُحَمَّداًص وَرِثَ سُلَيْمَانَ وَ إِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداًص وَ إِنَّ عِنْدَنَاصُحُفَ إِبْرَاهِيمَ وَ أَلْوَاحَ مُوسَى فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعِلْمُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْعِلْمَ إِنَّمَا الْعِلْمُ مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ يَوْماً بِيَوْمٍ وَ سَاعَةً بِسَاعَةٍ

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يُعْطِ الْأَنْبِيَاءَ شَيْئاً إِلَّا وَ قَدْ أَعْطَاهُ مُحَمَّداًص قَالَ وَ قَدْ أَعْطَى مُحَمَّداً جَمِيعَ مَا أَعْطَى الْأَنْبِيَاءَ وَ عِنْدَنَا الصُّحُفُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ-صُحُفِ إِبْراهِيمَ

و لعل هذا أحد وجوه استغفارهم و توبتهم في كل يوم سبعين مرة و أكثر من غير ذنب، إذ كلما عرجوا درجة من تلك الدرجات العالية يرون الدرجة السابقة و ما وقع فيها من الطاعات و القربات ناقصة عن تلك الدرجة فيستغفرون منها و يتوبون إلى الله تعالى و يتضرعون إليه سبحانه في الوصول إلى ما هو أعلى منها، و من المرتبة التي هم فيها، و هذا شبيه بما يزعمه الحكماء في الأفلاك أن حركتها على الدوام للتشبيه بالمبدء تعالى و لا ينتهي ذلك إلى حد.

هذا ما حل بالبال و أستغفر الله مما لا يرتضيه من العقل و المقال.

الحديث الرابع

:صحيح على الظاهر، إذ الظاهر أن ضريسا هو ابن عبد الملك بن أعين الثقة، لا ابن عبد الواحد بن المختار المجهول و يحتمله أيضا.

" إن هذا هو العلم" أي أفضل العلوم كأنها منحصرة فيه فنفى عليه السلام كون أشرف علومهم و أعظمها" يوما بيوم" الباء للإلصاق أي بعد يوم.

الحديث الخامس

:صحيح.

" قال و قد أعطى" هذا تأكيد لما سبق لئلا يتوهم أن المراد إعطاء مثل ما

ص: 20

وَ مُوسى قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هِيَ الْأَلْوَاحُ قَالَ نَعَمْ

6 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ مَا الزَّبُورُ وَ مَا الذِّكْرُ قَالَ الذِّكْرُ عِنْدَ اللَّهِ وَ الزَّبُورُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى دَاوُدَ وَ كُلُّ كِتَابٍ نَزَلَ فَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَ نَحْنُ هُمْ

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي زَاهِرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَخِيهِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ

أعطاهم" هي الألواح" أيصحف موسى عليه السلام.

الحديث السادس

:صحيح.

" وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ" قال الطبرسي: فيه أقوال:

أحدها: أن الزبور كتب الأنبياء، معناه كتبنا في الكتب التي أنزلناها علي الأنبياء من بعد كتبه في الذكر أي أم الكتاب الذي في السماء و هو اللوح المحفوظ.

و ثانيها أن الزبور: الكتب المنزلة بعد التوراة و الذكر هو التوراة. و ثالثها أن الزبور زبور داود و الذكر التوراة و قيل: الذكر القرآن و بعد بمعنى قبل.

" أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ" قيل: يعني أرض الجنة يرثها عبادي المطيعون، و قيل: هي الأرض المعروفة يرثها أمة محمدصلى الله عليه و آله بالفتوح بعد أجلاء الكفار، و قال أبو جعفر عليه السلام: هم أصحاب المهدي في آخر الزمان، و يدل عليه أخبار كثيرة وردت في المهدي عليه السلام، انتهى.

قوله:" الذكر عند الله" أي المراد بالذكر اللوح المحفوظ عند الله تعالى كما قال سبحانه:" وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" و في بالي أن في بعض الأخبار أن الذكر رسول الله، و ذكر في الزبور بعد ذكرهصلى الله عليه و آله أن المهدي من ولده و الأئمة من ذريته يرثون الأرض و هم الصالحون.

الحديث السابع

: مجهول.

ص: 21

جُعِلْتُ فِدَاكَ أَخْبِرْنِي عَنِ النَّبِيِّص وَرِثَ النَّبِيِّينَ كُلَّهُمْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى نَفْسِهِ قَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَّا وَ مُحَمَّدٌص أَعْلَمُ مِنْهُ قَالَ قُلْتُ إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ قَالَصَدَقْتَ وَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ يَفْهَمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِص يَقْدِرُ عَلَى هَذِهِ الْمَنَازِلِ قَالَ فَقَالَ إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ قَالَ لِلْهُدْهُدِ حِينَ فَقَدَهُ وَ شَكَّ فِي أَمْرِهِ- فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ حِينَ فَقَدَهُ فَغَضِبَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وَ إِنَّمَا غَضِبَ لِأَنَّهُ كَانَ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ فَهَذَا وَ هُوَ طَائِرٌ قَدْ أُعْطِيَ مَا لَمْ يُعْطَ سُلَيْمَانُ وَ قَدْ كَانَتِ الرِّيحُ وَ النَّمْلُ وَ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ وَ الشَّيَاطِينُ وَ الْمَرَدَةُ لَهُ طَائِعِينَ وَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْمَاءَ تَحْتَ الْهَوَاءِ وَ كَانَ الطَّيْرُ يَعْرِفُهُ وَ إِنَ

" ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ" قال البيضاوي: أم منقطعة، كأنه لما لم يره ظن أنه حاضر و لا يراه لساتر أو غيره فقال: ما لي لا أراه، ثم احتاط فلاح له أنه غائب، فأضرب عن ذاك و أخذ يقول أ هو غائب؟ كأنه يسأل عنصحة ما لاح له" لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً" كنتف ريشه و إلقائه في الشمس، أو حيث النمل يأكله، أو جعله مع ضده في قفص" أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ" ليعتبر به أبناء جنسه" أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ" أي بحجة يبين عذره، و الحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث، لكن لما اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثلاثة ثلث المحلوف عليه بعطفه عليهما، انتهى.

قوله عليه السلام: و لم يكن يعرف الماء تحت الهواء، لأنهم كانوا على البساط في الهواء و كان الله أعطى الهدهد حدة بصر يرى الماء في المسافة البعيدة، أو كان له علم يستدل بحال الهواء على كون الماء تحته، أو المراد بتحت الهواء تحت الأرض.

كما روى العياشي بإسناده قال: قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه السلام: كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال: لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة، فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه فضحك! قال أبو عبد الله عليه السلام:

ما يضحكك؟ قال: ظفرت بك جعلت فداك! قال: و كيف ذلك؟ قال: الذي يرى الماء

ص: 22

اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ- وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى وَ قَدْ وَرِثْنَا نَحْنُ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي فِيهِ مَا تُسَيَّرُ بِهِ الْجِبَالُ- وَ تُقَطَّعُ بِهِ الْبُلْدَانُ وَ تُحْيَا بِهِ الْمَوْتَى وَ نَحْنُ نَعْرِفُ الْمَاءَ تَحْتَ الْهَوَاءِ وَ إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لآَيَاتٍ مَا يُرَادُ بِهَا أَمْرٌ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ بِهِ مَعَ مَا قَدْ يَأْذَنُ اللَّهُ مِمَّا كَتَبَهُ الْمَاضُونَ جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا فِي أُمِ

في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حيث يأخذ بعنقه؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: يا نعمان أ ما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر.

" وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً" قال البيضاوي: شرط حذف جوابه، و المراد منه تعظيم شأن القرآن أو المبالغة في عناد الكفرة و تصميمهم، أي و لو أن كتابا زعزعت به الجبال عن مقارها لكان هذا القرآن، لأنه الغاية في الإعجاز، و النهاية في التذكير و الإنذار و لما آمنوا به كقوله:" وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ" الآية، و قيل: إن قريشا قالوا:

يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين و قطائع، أو سخر لنا الريح لنركبها و نتجر إلى الشام، أو ابعث لنا به قصي بن كلاب و غيره من آبائنا ليكلمونا فيك، فنزلت، و على هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير.

و قيل: الجواب متقدم و هو قوله:" وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ" و ما بينهما اعتراض، و تذكير" كُلِّمَ" خاصة لاشتمال" الْمَوْتى" على المذكر الحقيقي، انتهى.

و أقول: حمل عليه السلام تقطيع الأرض على قطعها بطي الأرض في مسافة قليلة، و حاصل الكلام أنا إذا عرفنا القرآن الذي شأنه هذا فلا يخفى علينا شي ء، و كان سليمان يخفى عليه ما يعلمه طير فنحن أعلم منه و من غيره.

و ما قيل: من أن الغرض من ذكر قصة سليمان أنه إذا جاز أن يخفى على سليمان ما لم يخف على طير فأي استبعاد في أن يخفى عليه ما لم يخف علينا، فلا يخفى بعده و ركاكته.

" ما يراد بها أمر" أي في القرآن أسماء من أسماء الله العظام إذا قرأناها لحصول

ص: 23

الْكِتَابِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ- وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَنَحْنُ الَّذِينَ اصْطَفَانَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَوْرَثَنَا هَذَا الَّذِي فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع عِنْدَهُمْ جَمِيعُ الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهَا

1 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ بُرَيْهٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ مَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَلَقِيَ أَبَا الْحَسَنِ

أمر يحصل ذلك الأمر بإذن الله تعالى، و هذه مضافة إلى ما أعطاه الله سائر الأنبياء، فإنا ورثناها أيضا و كتبها الله لنا في القرآن، فالمراد بأم الكتاب القرآن، و يحتمل اللوح على بعد.

" وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ" قيل: أي خافية فيهما، و هما من الصفات الغالبة، و التاء فيهما للمبالغة كما في الرواية، أو اسمان لما يغيب و يخفى كالتاء في عاقبة و عافية" إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ" فسره أكثر المفسرين باللوح، و هو عليه السلام فسره بالقرآن، و استدل على كون القرآن و علمه عند الأئمة عليهم السلام بقوله سبحانه:" أَوْرَثْنَا الْكِتابَ" ثم استدل أيضا على كون علم كل شي ء في القرآن بقوله تعالى:" وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ" حيث قال:" و أورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شي ء".

باب أن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز و جل، و أنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها

الحديث الأول

: مجهول.

" و بريه" مصغر إبراهيم كما في القاموس، و في توحيد الصدوق و بعض نسخ

ص: 24

مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ع فَحَكَى لَهُ هِشَامٌ الْحِكَايَةَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع لِبُرَيْهٍ

الكتاب" بريهة".

روى الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له: بريهة، قد مكث جاثليق في النصرانية سبعين سنة، و كان يطلب الإسلام و يطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه، و يعرف المسيح بصفاته و دلائله و آياته، قال: و عرف بذلك حتى اشتهر في النصارى و المسلمين و اليهود و المجوس، حتى افتخرت به النصارى و قالت: لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا، و كان طالبا للحوق الإسلام مع ذلك، و كانت له امرأة تخدمه طال مكثها معه، و كان يسر إليها ضعف النصرانية و ضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه فضرب بريهة الأمر ظهر البطن و أقبل يسأل عن أئمة المسلمين و عنصلحائهم و علمائهم و أهل الحجى منهم، و كان يستقرئ فرقة لا يجد عند القوم شيئا، و قال: لو كانت أئمتكم حقا لكان عندكم بعض الحق، فوصفت له الشيعة و وصفت له هشام بن الحكم.

فقال يونس بن عبد الرحمن: فقال لي هشام: بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس و عندي قوم يقرءون على القرآن، فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم من مائة رجل، عليهم السوار و البرانس و الجاثليق الأكبر فيهم بريهة، حتى بركوا حول دكاني، و جعل لبريهة كرسي فجلس عليه، فقامت الأساقفة و الرهابنة على عقبهم و على رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقي في المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا و قد ناظرته بالنصرانية فما عندهم شي ء، و قد جئت أناظرك في الإسلام.

قال: فضحك هشام و قال: يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح و لا مثله و لا أدانيه، ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة، آياته ظاهرة و علاماته قائمة، قال بريهة، فأعجبني الكلام و الوصف ثم سأل هشاما عن مسائل و أجابه، و سأله هشام عن مسائل من دين النصرانية عجز عن جوابها و تحير فيها، و

ص: 25

ندم النصارى عن المجي ء إليه و افترقوا و هم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما و لا أصحابه.

قال: فرجع بريهة مغتما مهتما حتىصار إلى منزله، فقالت امرأته التي تخدمه: ما لي أراك مهتما مغتما؟ فحكى لها الكلام الذي كان بينه و بين هشام، فقالت لبريهة: ويحك تريد أن تكون على حق أو على باطل؟ قال بريهة: بل على الحق، فقالت له: أينما وجدت الحق فمل إليه و إياك و اللجاجة، فإن اللجاجة شك و الشك شؤم و أهله في النار.

قال: فصوب قولها و عزم على الغدو على هشام، قال فغدا عليه و ليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام أ لك من تصدر عن رأيه و ترجع إلى قوله و تدين بطاعته؟

قال هشام: نعم يا بريهة، قال: و ماصفته؟ قال هشام: في نسبه أو في دينه؟ قال:

فيهما جميعا، قال هشام: أما النسب خير الأنساب رأس العرب وصفوة قريش و فاضل بني هاشم، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه، لأن قريشا أفضل العرب و بنو هاشم أفضل قريش و أفضل بني هاشم خاصتهم و دينهم و سيدهم و كذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره، و هذا من ولد السيد قال: فصف دينه، قال هشام: شرائعه أوصفة بدنه و طهارته؟

قال:صفة بدنه و طهارته، قال هشام: معصوم فلا يعصي، و سخي فلا يبخل، و شجاع فلا يجبن، و ما استودع من العلم فلا يجهل، و حافظ للدين، قائم بما فرض عليه، من عترة الأنبياء و جامع علم الأنبياء، يحلم عند الغضب، و ينصف عند الظلم، و يعين عند الرضا و ينصف من الولي و العدو، و لا يسلك شططا في عدوه و لا يمنع إفادة وليه، يعمل بالكتاب و يحدث بالأعجوبات. من أهل الطهارات، يحكي قول الأئمة الأصفياء، لم تنقض له حجة، و لم يجهل مسألة، يفتي في كل سنة و يجلو كل مدلهمة.

قال بريهة: وصفت المسيح فيصفاته و أثبته بحججه و آياته، إلا أن الشخص بائن عن شخصه، و الوصف قائم بوصفه، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص، قال هشام

ص: 26

يَا بُرَيْهُ كَيْفَ عِلْمُكَ بِكِتَابِكَ قَالَ أَنَا بِهِ عَالِمٌ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ ثِقَتُكَ بِتَأْوِيلِهِ قَالَ مَا أَوْثَقَنِي بِعِلْمِي فِيهِ قَالَ فَابْتَدَأَ أَبُو الْحَسَنِ ع يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ فَقَالَ بُرَيْهٌ إِيَّاكَ كُنْتُ أَطْلُبُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ مِثْلَكَ قَالَ فَآمَنَ بُرَيْهٌ وَ حَسُنَ إِيمَانُهُ وَ آمَنَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ فَدَخَلَ هِشَامٌ وَ بُرَيْهٌ وَ الْمَرْأَةُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَحَكَى لَهُ هِشَامٌ الْكَلَامَ الَّذِي

إن تؤمن ترشد، و إن تتبع الحق لا تؤنب. ثم قال هشام: يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أن أقامها على وسط خلقه و آخر خلقه، فلا تبطل الحجج، و لا تذهب الملل، و لا تذهب السنن، قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق، و أقربه من الصدق، و هذهصفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم، فارتحلا حتى أتيا المدينة و المرأة معهما، و هما يريدان أبا عبد الله عليه السلام، فلقيا موسى بن جعفر عليهما السلام فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال موسى بن جعفر عليه السلام: يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال:

أنا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي به، قال: فابتدأ موسى بن جعفر عليه السلام بقراءة الإنجيل، قال بريهة: و المسيح لقد كان المسيح يقرأها هكذا، و ما قرأ هذه القراءة إلا المسيح ثم قال بريهة: إياك كنت أطلب، و ساق الحديث مثل ما في المتن إلى آخره.

ثم قال: فلزم بريهة أبا عبد الله عليه السلام حتى مات أبو عبد الله عليه السلام، ثم لزم موسى بن جعفر عليه السلام حتى مات في زمانه، فغسله بيده و كفنه بيده و لحده بيده، و قال:

هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه، قال: فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله.

قوله: أنا به عالم، تقديم الظرف لإفادة الحصر الدال على كمال العلم به" كيف ثقتك بتأويله" أي كيف اعتمادك على نفسك في تأويله و العلم بمعانيه" ما أوثقني"صيغة تعجب أي أنا واثق وثوقا تاما بما أعرف من تأويله" أو مثلك" أي كنت أطلبك أو من

ص: 27

جَرَى بَيْنَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع وَ بَيْنَ بُرَيْهٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَقَالَ بُرَيْهٌ أَنَّى لَكُمُ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِيلُ وَ كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ هِيَ عِنْدَنَا وِرَاثَةً مِنْ عِنْدِهِمْ نَقْرَؤُهَا كَمَا قَرَءُوهَا وَ نَقُولُهَا كَمَا قَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ يُسْأَلُ عَنْ شَيْ ءٍ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي

2 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ بَكْرِ بْنِصَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَتَيْنَا بَابَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ نَحْنُ نُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَاهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَتَوَهَّمْنَا أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ ثُمَّ بَكَى فَبَكَيْنَا لِبُكَائِهِ

يكون مثلك، و يحتمل أن يكون أو بمعنى الواو، و كون الترديد من الراوي بعيد.

" ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ" أقول: قبله:" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ" و" ذرية" حال أو بدل من الآلين أو منهما و من نوح، أي إنهم ذرية واحدة متشعبة بعضها من بعض، أو علم بعضهم من بعض، و علومهم و كمالاتهم متشابهة فقرأ عليه السلام الآية مصدقا لحال موسى عليه السلام و لرفع استبعاد كونه في عنفوان شبابه عالما بتلك العلوم الغريبة الكاملة، و قد يقال: ذرية هنا منصوب على الإغراء، أي ألزموهم و اطلبوهم، و لا يخفى ما فيه" وَ اللَّهُ سَمِيعٌ" لأقوال الناس" عَلِيمٌ" بصفاتهم و نياتهم و قابليتهم فيختار للإمامة و الخلافة من يستحقهما" أنى لكم التوراة" أي من أين حصل لكم التوراة" نقرؤها كما قرءوها" أي من غير تحريف و زيادة و نقص، أو بلهجتهم و لغتهم" و نقولها كما قالوا" أي نفسرها كما فسروا" يسأل عن شي ء" نعت لحجة.

الحديث الثاني

: ضعيف.

" فتوهمنا" أي ظننا، و اختلف في اليأس فقيل هو إدريس، و قيل: هو من أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع و هو قول ابن عباس و أكثر المفسرين قالوا إنه بعث حزقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل، و قيل: إن اليأسصاحب البراري و الخضرصاحب الجزائر، و يجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات، و ذكر وهب أنه ذو الكفل.

ص: 28

ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا الْغُلَامُ فَأَذِنَ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ أَتَيْنَاكَ نُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْكَ فَسَمِعْنَاكَ تَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَتَوَهَّمْنَا أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ ثُمَّ بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا لِبُكَاءِكَ قَالَ نَعَمْ ذَكَرْتُ إِلْيَاسَ النَّبِيَّ وَ كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ- فَقُلْتُ كَمَا كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ ثُمَّ انْدَفَعَ فِيهِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَلَا وَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا قَسّاً- وَ لَا جَاثَلِيقاً أَفْصَحَ لَهْجَةً مِنْهُ بِهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ لَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ- أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ أَظْمَأْتُ لَكَ هَوَاجِرِي أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ عَفَّرْتُ لَكَ فِي التُّرَابِ وَجْهِي أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدِ اجْتَنَبْتُ لَكَ الْمَعَاصِيَ أَ- تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ أَسْهَرْتُ لَكَ لَيْلِي

و أقول: في البصائر و غيره أن هذا الدعاء و هذه القصة لإلياس عليه السلام، و قال- الفيروزآبادي: اندفع في الحديث أفاض و الفرس أسرع في سيره، و قال:" القس" بالفتح رئيس النصارى في العلم كالقسيس، و قال:" جاثليق" بفتح الثاء المثلثة رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام، و يكون تحت يد بطريق أنطاكية ثم المطران تحت يده، ثم الأسقف يكون في كل بلد من تحت المطران، ثم القسيس ثم الشماس، و هو الذي يحلق وسط رأسه لازما للبيعة، انتهى.

و لهجة الرجل بفتح اللام و سكون الهاء و فتحها لغته التي جبل عليها و اعتادها في التكلم، و ضمير" منه" له عليه السلام و" به" للكلام، و يقال: ظمئ بالهمزة كعلم إذا عطش أشد العطش، و أظمأ غيره، و في القاموس:" الهاجرة" نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر، أو من عند زوالها إلى العصر، لأن الناس يسكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا من شدة الحر، انتهى.

و نسبة الإظماء إلى الهواجر على الإسناد المجازي، كقولهم:صام نهاره، أو المفعول مقدر أي أظمأت نفسي و هواجري، و الأول أظهر و كذا القول في نسبة الإسهار إلى الليل، و في الصحاح: العفر بالتحريك التراب، و عفره في التراب يعفره عفرا و عفره تعفيرا أي مرغه، انتهى.

ص: 29

قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ قَالَ فَقَالَ إِنْ قُلْتَ لَا أُعَذِّبُكَ ثُمَّ عَذَّبْتَنِي مَا ذَا أَ لَسْتُ عَبْدَكَ وَ أَنْتَ رَبِّي قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ إِنِّي إِذَا وَعَدْتُ وَعْداً وَفَيْتُ بِهِ

بَابُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَّا الْأَئِمَّةُ ع وَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ عِلْمَهُ كُلَّهُ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ مَا ادَّعَى أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ

" ثم عذبتني ما ذا" أي أي شي ء يكون ينافي عدلك، و لعله عليه السلام جوز أن يكون وعده تعالى مشروطا بشرط فتضرع ليعلم أنه غير مشروط بل مطلق، مع أنه يحتمل أن يكون وجوب الوفاء بالوعد شرعيا لا عقليا يقبح تركه، و إن كان خلاف المشهور.

باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام و أنهم يعلمون علمه كله

الحديث الأول

مختلف فيه" ما ادعى أحد" أي غير الأئمة عليهم السلام و المراد بالقرآن كله ألفاظه و حروفه جميعا، و المراد بكما أنزل، ترتيبه و إعرابه و حركاته و سكناته و حدود الآي و السور، و هذا رد على قوم زعموا أن القرآن ما في المصاحف المشهورة، و كما قرأه القراء السبعة و أضرابهم، و اختلف أصحابنا في ذلك، فذهب الصدوق ابن بابويه و جماعة إلى أن القرآن لم يتغير عما أنزل و لم ينقص منه شي ء، و ذهب الكليني و الشيخ المفيد قدس الله روحهما و جماعة إلى أن جميع القرآن عند الأئمة عليهم السلام، و ما في المصاحف بعضه، و جمع أمير المؤمنينصلوات الله عليه كما أنزل بعد الرسولصلى الله عليه و آله و سلم و أخرج إلى الصحابة المنافقين فلم يقبلوا منه، و هم قصدوا لجمعه في زمن عمر و عثمان

ص: 30

كُلَّهُ كَمَا أُنْزِلَ إِلَّا كَذَّابٌ وَ مَا جَمَعَهُ وَ حَفِظَهُ كَمَا نَزَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ ع

كما سيأتي تفصيله في كتاب القرآن.

قال شيخنا السديد المفيد روح الله روحه في جواب المسائل السروية أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله و تنزيله، و ليس فيه شي ء من كلام البشر و هو جمهور المنزل، و الباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا عند المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام، لم يضع منه شي ء، و إن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع، الأسباب دعته إلى ذلك، منها قصوره عن معرفة بعضه، و منها ما شك فيه، و منها ما عمد بنفيه، و منها ما تعمد إخراجه عنه، و قد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره و ألفه بحسب ما وجب من تأليفه، فقدم المكي على المدني و المنسوخ على الناسخ و وضع كل شي ء منه في موضعه، فلذلك قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: أما و الله لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا، و ساق الكلام إلى أن قال: غير أن الخبر قدصح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين و أن لا نعتداه إلى زيادة فيه و لا نقصان منه حتى يقوم القائم عليه السلام، فيقرأ الناس القرآن على ما أنزل الله و جمعه أمير المؤمنين عليه السلام، و إنما نهونا عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف، لأنها لم تأت على التواتر، و إنما جاءت بها الآحاد، و الواحد قد يغلط فيما ينقله، و لأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين- الدفتين غرر بنفسه من أهل الخلاف و أغرى به الجبارين و عرض نفسه للهلاك فمنعونا عليهم السلام عن قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين لما ذكرناه، انتهى.

و الأخبار من طريق الخاصة و العامة في النقص و التغيير متواترة، و العقل يحكم بأنه إذ كان القرآن متفرقا منتشرا عند الناس، و تصدي غير المعصوم لجمعه يمتنع عادة أن يكون جمعه كاملا موافقا للواقع، لكن لا ريب في أن الناس مكلفون بالعمل بما في المصاحف و تلاوته حتى يظهر القائم عليه السلام، و هذا معلوم متواتر من طريق أهل البيت عليهم السلام و أكثر أخبار هذا الباب مما يدل على النقص و التغيير و سيأتي كثير منها في الأبواب

ص: 31

2 مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنِ الْمُنَخَّلِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ ظَاهِرِهِ وَ بَاطِنِهِ غَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ

3 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ مِنْ عِلْمِ مَا أُوتِينَا تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَ أَحْكَامَهُ وَ عِلْمَ تَغْيِيرِ الزَّمَانِ وَ حَدَثَانِهِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْراً أَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ لَوَلَّى مُعْرِضاً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ ثُمَّ أَمْسَكَ هُنَيْئَةً ثُمَّ قَالَ وَ لَوْ وَجَدْنَا أَوْعِيَةً أَوْ مُسْتَرَاحاً

الآتية لا سيما في كتاب القرآن، و سنشبع القول فيه هناك إنشاء الله تعالى.

الحديث الثاني

ضعيف.

و المنخل بضم الميم و فتح النون و تشديد المعجمة المفتوحة، و ربما يقرأ منخل بسكون النون و تخفيف الخاء.

و المراد بظاهره ألفاظه و بباطنه معانيه، أو بالأول ما في المصاحف، و بالباطن ما سقط أو بالظاهر المعاني الظاهرة و بالباطن المعاني الكامنة التي لا يعلمها إلا الأئمة عليهم السلام و الأول أظهر.

الحديث الثالث

ضعيف" إن من علم ما أوتينا" أي مما أوتينا من العلم و يحتمل أن يكون المراد مما أوتينا الإمامة، أي إن من العلوم اللازمة للإمامة" و أحكامه" بالفتح تخصيص بعد التعميم، و المراد الأحكام الخمسة أو بالكسر أي ضبطه و إتقانه، و في القاموس: حدثان الأمر بالكسر:

أوله و ابتداؤه، و من الدهر: نوبة و أحداثه" انتهى" أي حوادث الدهر و نوازله.

" أسمعهم" أي بمسامعهم الباطنة، و لو أسمع ظاهرا من لم يسمع باطنا لولي معرضا كان لم يسمع ظاهرا، و قد مر تمام القول فيه في باب فضل الإمام وصفاته" ثم أمسك" أي عن الكلام" هنيئة" أي ساعة يسيرة كما في المغرب، و الأوعية جمع وعاء بالكسر و المد أي قلوبا كاتمة للإسرار، حافظة لها" أو مستراحا" أي من لم يكن قابلا

ص: 32

لَقُلْنَا وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ كِتَابَ اللَّهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ كَأَنَّهُ فِي كَفِّي فِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ وَ خَبَرُ الْأَرْضِ وَ خَبَرُ مَا كَانَ وَ خَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي زَاهِرٍ عَنِ الْخَشَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ

لفهم الأسرار و حفظها كما ينبغي لكن لا يغشيها و لا يذيعها و لا يترتب ضرر على اطلاعه عليها فيستريح النفس بذلك.

الحديث الرابع

: ضعيف.

" إني لأعلم كتاب الله" أي لفظه و معناه من أوله إلى آخره أي كله بترتيب نزوله" كأنه في كفى" أي يدي مبالغة في الإحاطة به" فيه خبر السماء" من أحوال الأفلاك و حركاتها و حالات الملائكة و درجاتها و حركات الكواكب و مداراتها، إلى غير ذلك من الأمور الكائنة في العلويات و المنافع المتعلقة بالفلكيات" و خبر الأرض" من جوهرها و طبقاتها و مقدارها، و ما في أجوافها و معادنها و نباتها و يحتمل شموله لجميع العناصر" و خبر ما كان و خبر ما هو كائن" من أخبار السابقين و أحوال اللاحقين، و أخبار جميع الحوادث من الدنيا و الآخرة" فيه تبيان كل شي ء" الذي في المصحف في سورة النحل" وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ" فيحتمل أن يكون في قراءتهم عليهم السلام كذلك، أو نقل بالمعنى، و الظاهر أنه من تصحيف النساخ و الرواة.

الحديث الخامس

: ضعيف.

" قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ" أي آصف بن برخيا و قال البيضاوي: هو آصف بن برخيا و زيره، أو الخضر أو جبرئيل أو ملك أيده الله به، أو سليمان نفسه و يكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم، و أن هذه الكرامة كانت بسببه،

ص: 33

أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قَالَ فَفَرَّجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَوَضَعَهَا فِيصَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَ عِنْدَنَا وَ اللَّهِ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ

6 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع- قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قَالَ إِيَّانَا عَنَى

و الخطاب في" أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" على الاحتمال الأخير للعفريت و على غيره لسليمان عليه السلام" و آتيك" يحتمل الفعلية و الاسمية، و الطرف: تحريك الجفن للنظر، فوضع موضعه، و لما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف وصف برد الطرف، [و الطرف] بالارتداد، و المعنى أنك ترسل طرفك نحو شي ء فقبل أن ترده أحضر عرشها بين يديك، و هذا غاية في الإسراع و مثل فيه.

و قال: المراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة أو اللوح.

و أقول: ظاهر الخبر أن المراد بالكتاب القرآن، و يحتمل الجنس أيضا، فالمراد عندنا علم جميع الكتب، و احتمال اللوح في غاية البعد و" كله" إما مرفوع و الضمير للعلم، أو مجرور و الضمير للكتاب.

الحديث السادس

: حسن كالصحيح.

" وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ"صدر الآية هكذا: و" يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً" أي كفى الله شاهدا بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ بما أظهر من الآيات و أبان من الدلائل على نبوتي" وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ".

قال الطبرسي قيل فيه أقوال:" أحدها" أنه هو الله" و الثاني" أن المراد به مؤمنوا أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام و سلمان و تميم الداري" و الثالث" أن المراد به علي بن أبي طالب و أئمة الهدى عليهم السلام، و يؤيد ذلك ما روي عن الشعبي أنه قال:

ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبي اللهصلى الله عليه و آله من علي بن أبي طالب عليه السلام، و روى عاصم

ص: 34

وَ عَلِيٌّ أَوَّلُنَا وَ أَفْضَلُنَا وَ خَيْرُنَا بَعْدَ النَّبِيِّ ع

بَابُ مَا أُعْطِيَ الْأَئِمَّةُ ع مِنِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَ غَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ أَخْبَرَنِي شُرَيْسٌ الْوَابِشِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً- وَ إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ آصَفَ مِنْهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ فَتَكَلَّمَ بِهِ فَخُسِفَ بِالْأَرْضِ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَرِيرِ بِلْقِيسَ حَتَّى تَنَاوَلَ السَّرِيرَ بِيَدِهِ ثُمَّ عَادَتِ الْأَرْضُ

ابن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحدا اقرأ من علي بن أبي طالب عليه السلام للقرآن، انتهى.

و قال السيد في الطرائف: روى الثعلبي من طريقين أن المراد بقوله: و من عنده علم الكتاب، علي بن أبي طالب عليه السلام.

" و على أولنا" أي و إن كنا في العلم سواء و عندنا جميعا علم الكتاب، لكن علي عليه السلام له الفضل علينا بالسبق و كثرة الجهاد و تأسيس الإسلام و كون علمنا منه عليه السلام.

باب ما أعطي الأئمة عليهم السلام من اسم الله الأعظم

باب ما أعطي الأئمة عليهم السلام من اسم الله الأعظم

أقول: كلمة" من" للتبعيض أو البيان.

الحديث الأول:

مجهول.

" على ثلاثة و سبعين حرفا" أي كلمة فإنه يطلق على واحد من حروف التهجي و على الكلمة، و على الكلام المختصر، و قيل: أي وجها كقوله تعالى:" وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ".

" فخسف بالأرض" اعلم أنه معلوم أن السرير تجرك في مسافة قريبة من مسافة شهرين في أقل من مقدار طرف العين إلى سليمان عليه السلام.

ص: 35

كَمَا كَانَتْ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَ نَحْنُ عِنْدَنَا مِنَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً وَ حَرْفٌ وَاحِدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

و ربما يستشكل في ذلك بوجهين:" الأول" كيف يمكن تحقق تلك الحركة في هذا الزمان القليل؟" و الثاني" أنه على تقدير جوازه كيف لم تخرب الأبنية و المساكن الواقعة فيما بين المكانين؟

و الجواب عن الأول أن الحركة قابلة للسرعة إلى غير النهاية، مع أن الحركة أسرع من ذلك واقعة، فإن كل جزء من فلك الأفلاك يتحرك في مقدار ذلك الزمان آلاف فرسخ، و جبرئيل يتحرك من العرش إلى الأرض عند المسلمين في مثل ذلك الزمان و لا نسبة بين المسافتين، فهذا محض استبعاد.

و عن الثاني أن هذه الحركة تحتمل وجوها:" الأول" أن يكون تحرك السرير في الهواء حتى نزل على سليمان، و هذا مخالف للأخبار" الثاني" أن يكون تحركت الأرض التي عليها السرير إلى المكان الذي عليها سليمان عليه السلام، بأن يكون انخسف ما بينهما حتى التقت قطعا الأرض" الثالث" أن تكون الحركة في جوف الأرض بأن يكون الله تعالى خرق الأرض و حرك السرير أو الأرض التي هو عليها حتى خرج السرير من تحت مجلس سليمان" الرابع" أن يكون بتكاثف بعض أجزاء الأرض و تخلخل بعضها.

فبعض الروايات ظاهرة في الثاني، و بعضها في الثالث، و على الثالث لا يرد الإيراد الثاني أصلا و على الثاني و الرابع يمكن أن يكون الله تعالى حرك و زعزع الجبال و المساكن و الأشجار الواقعة فيما بينهما يمينا و شمالا، حتى لا تمنع حركة موضع السرير، و ظاهر هذا الخبر هو الوجه الثاني.

و قال الجوهري:" استأثر" فلان بالشي ء أي استبد به" في علم الغيب" أي كائنا هو في سائر الغيوب التي تفرد بعلمها أو معه" و لا حول و لا قوة إلا بالله" أي وقوع جميع هذه الأمور بحول الله و قوته لا بقدرة العباد.

ص: 36

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عِمْرَانَ الْقُمِّيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع لَمْ أَحْفَظْ اسْمَهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ع أُعْطِيَ حَرْفَيْنِ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا وَ أُعْطِيَ مُوسَى أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ وَ أُعْطِيَ إِبْرَاهِيمُ ثَمَانِيَةَ أَحْرُفٍ وَ أُعْطِيَ نُوحٌ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً وَ أُعْطِيَ آدَمُ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ حَرْفاً وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِمُحَمَّدٍص- وَ إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ ثَلَاثَةٌ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً أُعْطِيَ مُحَمَّدٌص- اثْنَيْنِ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً وَ حُجِبَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ

3 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِصَاحِبِ الْعَسْكَرِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ ثَلَاثَةٌ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً كَانَ عِنْدَ آصَفَ حَرْفٌ فَتَكَلَّمَ بِهِ فَانْخَرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَبَإٍ فَتَنَاوَلَ عَرْشَ بِلْقِيسَ حَتَّىصَيَّرَهُ إِلَى سُلَيْمَانَ ثُمَّ انْبَسَطَتِ الْأَرْضُ فِي أَقَلَّ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَ عِنْدَنَا مِنْهُ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً وَ حَرْفٌ عِنْدَ اللَّهِ مُسْتَأْثِرٌ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ

الحديث الثاني

: مجهول.

" أعطي حرفين" أي زائدا على ما أعطي من قبله من الأنبياء، كان يعمل بهما أيضا، و إن احتمل أن لا تكون الأسماء العظام مما يورث، أو يكون لكل نبي مناسبة لنوع من الأسماء كان عمله بها، و أما نبيناصلى الله عليه و آله فكان جامعا لجميع الأسماء إلا اسما واحدا استأثر الله به، و كان لمرتبته الجامعة عاملا بالجميع، و ذلك في قوله" جمع ذلك" إشارة إلى الأربعة و الخمسين التي أعطاه الله الأنبياء و زاده ثمانية عشر حرفا.

الحديث الثالث

: ضعيف على المشهور.

" فانخرقت له الأرض" أي شقت لتتحرك القطعة التي عليها السرير من وجه الأرض أو من تحته أو تحركت الأرض، قال الجوهري: خرقت الأرض خرقا أي جبتها، و الخريق: المطمئن من الأرض و فيه نبات.

ص: 37

بَابُ مَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ مِنْ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ع

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَنِيعِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْبَصْرِيِّ عَنْ مُجَاشِعٍ عَنْ مُعَلًّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَيْضِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ كَانَتْ عَصَا مُوسَى لآِدَمَ ع فَصَارَتْ إِلَى شُعَيْبٍ ثُمَّصَارَتْ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَ إِنَّهَا لَعِنْدَنَا وَ إِنَّ عَهْدِي بِهَا آنِفاً وَ هِيَ خَضْرَاءُ كَهَيْئَتِهَا حِينَ انْتُزِعَتْ مِنْ شَجَرَتِهَا وَ إِنَّهَا لَتَنْطِقُ إِذَا اسْتُنْطِقَتْ أُعِدَّتْ لِقَائِمِنَا ع يَصْنَعُ بِهَا مَا كَانَ يَصْنَعُ مُوسَى وَ إِنَّهَا لَتَرُوعُ وَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* وَ تَصْنَعُ مَا تُؤْمَرُ بِهِ إِنَّهَا حَيْثُ أَقْبَلَتْ- تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* يُفْتَحُ لَهَا شُعْبَتَانِ إِحْدَاهُمَا فِي الْأَرْضِ وَ الْأُخْرَى فِي السَّقْفِ وَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ بِلِسَانِهَا

2 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ أَلْوَاحُ مُوسَى ع عِنْدَنَا وَ عَصَا مُوسَى عِنْدَنَا وَ نَحْنُ وَرَثَةُ النَّبِيِّينَ

باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام

الحديث الأول

: ضعيف.

و في القاموس راع أفزع كروع لازم متعد، و قال: لقفه كسمعه: تناوله بسرعة، و الإفك: الكذب، و هو تضمين من الآية الكريمة حيث قال" وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ" قال البيضاوي أي ما يزورونه من الإفك و هو الصرف و قلب الشي ء عن وجهه، و يجوز أن تكون" ما" مصدرية، و هي مع الفعل بمعنى المفعول، انتهى.

و لعل المراد هنا ما يجمع المخالفون من عساكرهم و أدوات حربهم، و قيل: كتبهم التي يفترون فيها على ربهم.

الحديث الثاني

: مجهول.

ص: 38

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ بِمَكَّةَ- وَ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْكُوفَةِ نَادَى مُنَادِيهِ أَلَا لَا يَحْمِلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ طَعَاماً وَ لَا شَرَاباً وَ يَحْمِلُ حَجَرَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَ هُوَ وِقْرُ بَعِيرٍ فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا انْبَعَثَ عَيْنٌ مِنْهُ فَمَنْ كَانَ جَائِعاً شَبِعَ وَ مَنْ كَانَ ظَامِئاً رَوِيَ فَهُوَ زَادُهُمْ حَتَّى يَنْزِلُوا النَّجَفَ مِنْ ظَهْرِ الْكُوفَةِ

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع ذَاتَ لَيْلَةٍ

الحديث الثالث

: ضعيف.

و الوقر بالكسر: الحمل الثقيل أو الأعم، و قيل: وحدة العين في زمن القائم عليه السلام و كثرتها في زمن موسى عليه السلام إشارة إلى أن مشرب أصحاب القائم عليه السلام واحد لا اختلاف بينهم أصلا، و النجف: اسم مدفن أمير المؤمنين عليه السلام لوقوعه على مرتفع، قال في القاموس: النجف محركة و بهاء، مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد، و يكون في بطن الوادي و قد يكون ببطن من الأرض، أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها، و النجف محركة التل و مسناة بظاهر الكوفة يمنع ماء السيل أن يعلو مقابرها و منازلها.

الحديث الرابع

: ضعيف.

و في البصائر أبي الحصين الأسدي.

و في القاموس: العتمة: وقتصلاة العشاء، قال الخليل: هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق، و قال: الهمهمة ترديد الصوت في الصدر، و الكلام الخفي، انتهى.

و الثاني تأكيد الأول و هما من كلام أبي جعفر عليه السلام، و كذا قوله: و ليلة مظلمة أي و الحال أن الليلة مظلمة، أو في ليلة مظلمة و يمكن أن يكون همهمة ثانيا من كلام أمير المؤمنين عليه السلام فتكون مرفوعة، أو كلتاهما من كلامه عليه السلام على أنه

ص: 39

بَعْدَ عَتَمَةٍ وَ هُوَ يَقُولُ هَمْهَمَةً هَمْهَمَةً وَ لَيْلَةً مُظْلِمَةً خَرَجَ عَلَيْكُمُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ قَمِيصُ آدَمَ وَ فِي يَدِهِ خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَ عَصَا مُوسَى ع

5 مُحَمَّدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ عَنْ بِشْرِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ أَ تَدْرِي مَا كَانَ قَمِيصُ يُوسُفَ ع قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ع لَمَّا أُوقِدَتْ لَهُ النَّارُ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ ع بِثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ فَأَلْبَسَهُ إِيَّاهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ مَعَهُ حَرٌّ وَ لَا بَرْدٌ فَلَمَّا حَضَرَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْتُ جَعَلَهُ فِي تَمِيمَةٍ وَ عَلَّقَهُ عَلَى إِسْحَاقَ وَ عَلَّقَهُ إِسْحَاقُ عَلَى يَعْقُوبَ فَلَمَّا وُلِدَ يُوسُفُ ع عَلَّقَهُ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي عَضُدِهِ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ فَلَمَّا أَخْرَجَهُ يُوسُفُ بِمِصْرَ مِنَ التَّمِيمَةِ وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَهُ وَ هُوَ قَوْلُهُ- إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ فَهُوَ ذَلِكَ الْقَمِيصُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِلَى مَنْصَارَ ذَلِكَ الْقَمِيصُ قَالَ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ قَالَ كُلُّ نَبِيٍّ وَرِثَ عِلْماً أَوْ غَيْرَهُ فَقَدِ انْتَهَى إِلَى آلِ مُحَمَّدٍص

خبر مبتدإ محذوف، أو مبتدأ محذوف الخبر، أي همهمة و ليلة مظلمة مقرونتان، أو بنصب الليلة كقولهم: كل رجل و ضيعته.

و في بصائر الدرجات: خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة على أصحابه بعد عتمة و هم في الرحبة و هو يقول: همهمة في ليلة مظلمة خرج عليكم الإمام" إلخ" و هو أصوب، و لعل قميص آدم عليه السلام قصرت و ضاقت حتى استوت على قامته عليه السلام.

الحديث الخامس

: ضعيف على المشهور.

و التميمة: عوذة تعلق على الإنسان، من باب التفعيل أي عقده" وجد يعقوب ريحه" أي في كنعان و بينهما مسيرة تسعة أيام من البدو حين أقبل به إليه يهود أو قيل: كان بينهما ثمانون فرسخا" لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ" بكسر النون و حذف الياء أي تنسبوني إلى النفد، و هو بالتحريك: نقصان عقل يحدث من هرم، قيل: و جواب لو محذوف تقديره لصدقتموني أو لقلت أنه قريب.

ص: 40

بَابُ مَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ مِنْ سِلَاحِ رَسُولِ اللَّهِص وَ مَتَاعِهِ

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدٍ السَّمَّانِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ فَقَالا لَهُ أَ فِيكُمْ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ قَالَ فَقَالَ لَا قَالَ فَقَالا لَهُ قَدْ أَخْبَرَنَا عَنْكَ الثِّقَاتُ أَنَّكَ تُفْتِي وَ تُقِرُّ وَ تَقُولُ بِهِ وَ نُسَمِّيهِمْ لَكَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ هُمْ أَصْحَابُ وَرَعٍ وَ تَشْمِيرٍ وَ هُمْ مِمَّنْ لَا يَكْذِبُ فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ- مَا أَمَرْتُهُمْ بِهَذَا فَلَمَّا رَأَيَا الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ خَرَجَا فَقَالَ لِي أَ تَعْرِفُ هَذَيْنِ قُلْتُ نَعَمْ هُمَا مِنْ أَهْلِ سُوقِنَا وَ هُمَا مِنَ الزَّيْدِيَّةِ وَ هُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِص عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَقَالَ كَذَبَا لَعَنَهُمَا اللَّهُ وَ اللَّهِ مَا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بِعَيْنَيْهِ وَ لَا بِوَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنَيْهِ وَ لَا رَآهُ أَبُوهُ اللَّهُمَ

باب ما عند الأئمة عليهم السلام من سلاح رسول الله (ص) و متاعه

الحديث الأول

: مجهول.

" فقال لا" قال عليه السلام ذلك تقية، و لعله أراد تورية: ليس فينا إمام لا بد له من الخروج بالسيف بزعمكم، و في المصباح المنير: التشمير في الأمر السرعة فيه و الخفة، و منه قيل: شمر في العبادة إذا اجتهد و بالغ، و شمر ثوبه رفعه" و هم ممن لا يكذب" على بناء المجرد المعلوم، أو بناء التفعيل المجهول" ما أمرتهم بهذا" فيه أيضا تورية لأنه عليه السلام كان أمرهم بالتقية و لم يأمرهم بالإذاعة عند المخالفين، لكن ظاهره يوهم إنكار أصل القول" اللهم إلا أن يكون رآه" أي عبد الله أو أبوه، فالمراد أنهما لم يرياه رؤية كاملة يوجب العلم بعلاماته وصفاته، فضلا عن أن يكون عندهما، و في المصباح: مقبض السيف و زان مسجد و فتح الباء لغة، و هو حيث يقبض باليد، و قال: مضرب السيف بفتح الراء و كسرها المكان الذي يضرب به منه، و في الصحاح: قدر شبر من طرفه.

ص: 41

إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَإِنْ كَانَاصَادِقَيْنِ فَمَا عَلَامَةٌ فِي مَقْبِضِهِ وَ مَا أَثَرٌ فِي مَوْضِعِ مَضْرَبِهِ وَ إِنَّ عِنْدِي لَسَيْفَ رَسُولِ اللَّهِص وَ إِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اللَّهِص وَ دِرْعَهُ وَ لَامَتَهُ وَ مِغْفَرَهُ فَإِنْ كَانَاصَادِقَيْنِ فَمَا عَلَامَةٌ فِي دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِص وَ إِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اللَّهِص الْمِغْلَبَةَ وَ إِنَّ عِنْدِي أَلْوَاحَ مُوسَى وَ عَصَاهُ وَ إِنَّ عِنْدِي لَخَاتَمَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَ إِنَّ عِنْدِي الطَّسْتَ الَّذِي كَانَ مُوسَى يُقَرِّبُ بِهِ الْقُرْبَانَ وَ إِنَّ عِنْدِي الِاسْمَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِص إِذَا وَضَعَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَصِلْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ نُشَّابَةٌ وَ إِنَّ عِنْدِي لَمِثْلَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ

و الغرض أنه إن كاناصادقين في كونه عند عبد الله فليسألاه عن العلامتين فيخبرا، و في النهاية اللامة مهموزة: الدرع و قيل: السلاح، و لامة الحرب أداته و تترك الهمزة تخفيفا، و المغفر بكسر الميم، و في المغرب هو ما يلبس تحت البيضة، و البيضة أيضا، و أصل الغفر الستر، و قال الأصمعي: المغفر زرد ينسج من الدرع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة، انتهى.

و المغلبة كمكحلة اسم آلة من الغلبة، أو اسم فاعل من باب التفعيل، أو اسم مفعول من باب التفعيل، أي ما يحكم له بالغلبة قال في القاموس: المغلب المغلوب مرارا أو المحكوم له بالغلبة، ضد، انتهى.

" و إن عندي الطست" إلخ. القربان كان عظيما عند بني إسرائيل، و كان الأنبياء و الأوصياءصاحب قربانهم، و هو مذكور في توراتهم و في الصحاح: النشاب بالضم مشددة: السهام، الواحدة نشابة" لمثل الذي جاءت به الملائكة" أي السلاح و يفسره ما بعده، و هو إشارة إلى قوله سبحانه في قصة الطالوت:" وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ" و قيل: التابوت كانصندوق التوراة و كان من خشب الشمشاد مموها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين، و كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فتسكن

ص: 42

وَ مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا كَمَثَلِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَيِّ أَهْلِ بَيْتٍ وُجِدَ التَّابُوتُ عَلَى أَبْوَابِهِمْ أُوتُوا النُّبُوَّةَ وَ مَنْصَارَ إِلَيْهِ السِّلَاحُ مِنَّا أُوتِيَ الْإِمَامَةَ وَ لَقَدْ لَبِسَ أَبِي دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِص فَخَطَّتْ عَلَى الْأَرْضِ خَطِيطاً وَ لَبِسْتُهَا أَنَا فَكَانَتْ وَ كَانَتْ وَ قَائِمُنَا مَنْ إِذَا لَبِسَهَا مَلَأَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

نفوس بني إسرائيل فلا يفرون، و قيل: كانت فيهصور الأنبياء، و أما وجه حمل الملائكة فقيل: رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة و هم ينظرون إليه، و قيل: كان بعده مع أنبيائهم يستفتحون به حتى أفسدوا فغلبهم الكفار عليه، و كان في أرض جالوت إلى أن ملك طالوت، فأصابهم بلاء حتى هلكت خمس مدائن فتشأموا بالتابوت، فوضعوه على ثورين فساقهما الملائكة إلى طالوت.

و قال علي بن إبراهيم في تفسيره: هو التابوت الذي أنزل الله على موسى فوضعته فيه أمه و ألقته في أليم، فكان في بني إسرائيل يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح و درعه، و ما كان عنده من آيات النبوة و أودعه يوشع وصيه فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به و كان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عز و شرف ما دام التابوت عندهم، فلما عملوا بالمعاصي و استخفوا بالتابوت رفعه الله منهم، فلما سألوا النبي و بعث الله إليهم طالوت ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت كما قال الله تعالى:" إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ" إلى قوله" فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ" فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو و بين المسلمين، فخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان، و تفصيله في كتابنا الكبير.

" فكانت و كانت" أي كانت قريبة من الاستواء و كانت زائدة أو كانت كذلك و كانت أوفق، و قيل: يعني قد يصل إلى الأرض و قد لا يصل، يعني لم يختلف على و على أبي اختلافا محسوسا ذا قدر، و قيل: أي فكانت لي و كانت لأبي سواء، و قيل: أي فكانت و كانت كذلك و التكرير لإفادة تكرير اللبس" ملأها" أي لم يفضل عنه و لم يقصر، و كان موافقا لبدنه، و لعل هذا غير الدرع الذي استواؤه على البدن من علامات الإمامة،

ص: 43

2 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ عِنْدِي سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِص لَا أُنَازَعُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ السِّلَاحَ مَدْفُوعٌ عَنْهُ لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ لَكَانَ خَيْرَهُمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَصِيرُ إِلَى مَنْ يُلْوَى لَهُ الْحَنَكُ فَإِذَا كَانَتْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ خَرَجَ فَيَقُولُ النَّاسُ مَا هَذَا الَّذِي كَانَ وَ يَضَعُ اللَّهُ لَهُ يَداً عَلَى رَأْسِ رَعِيَّتِهِ

أو هذا الدرع يستوي في أول الإمامة على كل إمام و على القائم عليه السلام دائما، أو الاستواء في الموضعين بمعنيين مختلفين.

الحديث الثاني

: ضعيف على المشهور.

" لا أنازع فيه" أي لا يمكن الله المخالفين على جبرنا على أخذه منا، أمر لا يمكنهم إنكار كونه عندنا، أو هو من مواريث الإمامة ليس لسائر الورثة فيه شركة" مدفوع عنه" أي لا يصيبه ضرر كما سيأتي في خبر ابن حكيم، أو لا يصيب من هو عنده معصية و لا منقصة.

قوله:" لو وضع" تفسير له أو لا يمكن للمخالفين غصبه منا" إلى من يلوي له الحنك" يقال لويت الحبل و اليد ليا فتلته، و لوى رأسه و برأسه: أماله.

و الأظهر عندي أنه إشارة إلى إنكار الناس لوجوده و ظهوره، و الاستهزاء بالقائلين له أو حك الأسنان غيظا أو حنقا به بعد ظهوره، و كلاهما شائع في العرب، و قيل:

كناية عن الإطاعة و الانقياد له جبرا، و قيل: أي يتكلم عنه، و قيل: أصحابه محنكون و لا يخفى بعده، و على التقادير المراد به القائم عليه السلام.

" ما هذا الذي كان" تعجب من قضاياه و أحكامه القريبة و سفك دماء المخالفين أو من قهره و استيلائه، و يحتمل على الأول أن تكون" ما" نافية، أي ليس هذا المسلك مثل الذي كان في زمن الرسول و سائر الأئمةصلوات الله عليهم و وضع اليد كناية عن اللطف و الشفقة أو القهر و الغلبة للتربية كما مر في كتاب العقل عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد يجمع بها عقولهم و كملت به أحلامهم.

ص: 44

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِص فِي الْمَتَاعِ سَيْفاً وَ دِرْعاً وَ عَنَزَةً وَ رَحْلًا وَ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ فَوَرِثَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع

4 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَبِسَ أَبِي دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِص ذَاتَ الْفُضُولِ فَخَطَّتْ وَ لَبِسْتُهَا أَنَا فَفَضَلَتْ

5 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذِي الْفَقَارِ سَيْفِ

الحديث الثالث

:صحيح.

و المتاع ما يتمتع به في البيت كالفروش و الأواني و الستور، و" في" بمعنى مع أو للظرفية، و قال الجوهري: العنزة أطول من العصا و أقصر من الرمح و فيه زج كزج الرمح، و قال الفيروزآبادي: الرحل مركب للبعير و مسكنك، و ما تستصحبه من الأثاث و في الصحاح: الشهبة من الألوان: البياض الذي غلب على السواد.

و أقول: الخبر يحتمل وجهين:" الأول" أن يكون المراد بالترك البقاء إلى مرض الموت، و بالتوريث إعطاءه إياه عند الموت، و الثاني: أن يكون المعنى أنه سلم جميع ميراث الوصي إليه في مرضه الذي مات فيه سوى الأشياء الخمسة، فإنها كانت معه إلى موته و انتقلت بعده إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

الحديث الرابع

: ضعيف.

و قال في النهاية: فيه إن اسم درعه كان ذات الفضول لفضلة كان فيها و سعة.

الحديث الخامس

:صحيح ظاهرا لكن في السند غرابة إذ أحمد بن أبي عبد الله ليس في الرجال إلا أحمد بن محمد بن خالد البرقي و هو لا يروي عن الرضا عليه السلام و قد يروي عن الجواد و الهادي عليهما السلام و محمد بن عيسى العبيدي أعلى منه مرتبة فكيف يروي عنه،

ص: 45

رَسُولِ اللَّهِص مِنْ أَيْنَ هُوَ قَالَ هَبَطَ بِهِ جَبْرَئِيلُ ع مِنَ السَّمَاءِ وَ كَانَتْ حِلْيَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَ هُوَ عِنْدِي

6 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع قَالَ السِّلَاحُ مَوْضُوعٌ عِنْدَنَا مَدْفُوعٌ عَنْهُ لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ كَانَ خَيْرَهُمْ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ حَيْثُ بَنَى بِالثَّقَفِيَّةِ وَ كَانَ

و لعل فيه اشتباها.

و قال في النهاية: فيه أنه كان اسم سيفه ذا الفقار لأنه كان فيه فقرصغار حسان و المفقر من السيوف الذي فيه خروز مطمئنة، انتهى.

و حلية السيف بالكسر: زينته، و سيأتي الخبر في الروضة بسند آخر عن الرضا عليه السلام، و فيه: مكان حليته حلقته، و على التقديرين يدل على جواز كون حلية السيف أو حلقته من فضة كما ذكره الأصحاب، و فيه رد على العامة القائلين بأن ذا الفقار كان مما غنمه النبيصلى الله عليه و آله من الكفار، قال في القاموس: ذا الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرا، فصار إلى النبيصلى الله عليه و آله ثمصار إلى علي عليه السلام.

الحديث السادس

: حسن.

" لقد حدثني أبي" نقل هذا الحكاية لتأييد كونه مدفوعا عنه" حيث بنى بالثقفية" أي تزوج الامرأة التي كانت من قبيلة ثقيف، و أدخلت عليه، قال الجزري الابتناء و البناء الدخول بالزوجة، و الأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها، فيقال: بنى الرجل أهله، قال الجوهري: و لا يقال بنى بأهله، و هذا القول فيه نظر، فإنه قد جاء في غير موضع من الحديث و غير الحديث و عاد الجوهري استعمله في كتابه، انتهى.

و أقول: هذا الحديث أيضا يصحح قول الجزري" و قد كان شق له في الجدار" أي كان قبل ذلك شق للسلاح في الجدار شق و أخفي فيه لئلا يصل إليه ضرر، و لا

ص: 46

قَدْ شُقَّ لَهُ فِي الْجِدَارِ فَنُجِّدَ الْبَيْتُ فَلَمَّا كَانَتْصَبِيحَةُ عُرْسِهِ رَمَى بِبَصَرِهِ فَرَأَى حَذْوَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِسْمَاراً فَفَزِعَ لِذَلِكَ وَ قَالَ لَهَا تَحَوَّلِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ مَوَالِيَّ فِي حَاجَةٍ فَكَشَطَهُ فَمَا مِنْهَا مِسْمَارٌ إِلَّا وَجَدَهُ مُصْرِفاً طَرَفَهُ عَنِ السَّيْفِ وَ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْ ءٌ

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ حُجْرٍ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَمَّا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ دُفِعَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَصَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص لَمَّا قُبِضَ وَرِثَ عَلِيٌّ ع عِلْمَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ مَا هُنَاكَ ثُمَّصَارَ إِلَى الْحَسَنِ ثُمَّصَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ ع

يطلع عليه أحد" فنجد البيت" أي زين للزفاف، قال في القاموس: النجد ما ينجد به البيت من فرش و بسط و وسائد، و التنجيد: التزيين" فرأى حذوه" أي بحذاء السلاح أو الشق" ففزع لذلك" مخافة أن يكون وصل إلى السيف شي ء من المسامير فانكسر.

فإن قيل: كيف فزع عليه السلام مع علمه بأنه مدفوع عنه؟ قلت: يمكن أن يكون الفزع ظاهرا، و الكشط ليعلم الناس ذلك، أو يكون العلم بكونه مدفوعا عنه حصل بعد ذلك، أو يكون معلوما أنه لا يتكسر و كان يجوز عليه السلام أن يحدث فيه نقص، أو كان الدفع معلوما و كشف ليعلم كيف دفع" و قال لها تحولي" أي أخرجي من البيت، و كان ذلك لئلا تطلع عليه، و الكشط الكشف و الإزالة.

الحديث السابع

: حسن.

" و ما هناك" أي عند النبيصلى الله عليه و آله من آثار الأنبياء و الأوصياء و كتبهم، تعميم بعد التخصيص" فلما خشينا أن نغشى" علىصيغة المتكلم المجهول بمعنى نهلك أو نقلب أو نؤتى، و الحاصل إنا خشينا أن نستشهد في كربلاء فيقع في أيدي الأعادي أو يأخذوا منا قهرا عند ضعفنا، قال الفيروزآبادي: غشيه الأمر و تغشاه و أغشيته إياه و غشيه بالسوط كرضيه: ضربه و فلانا: أتاه، انتهى.

ص: 47

فَلَمَّا خَشِينَا أَنْ نُغْشَى اسْتَوْدَعَهَا أُمَّ سَلَمَةَ ثُمَّ قَبَضَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ ثُمَّصَارَ إِلَى أَبِيكَ ثُمَّ انْتَهَى إِلَيْكَ وَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَيْكَ قَالَ نَعَمْ

8 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَمَّا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ دُفِعَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَصَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص لَمَّا قُبِضَ وَرِثَ عَلِيٌّ ع عِلْمَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ مَا هُنَاكَ ثُمَّصَارَ إِلَى الْحَسَنِ ثُمَّصَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ ع قَالَ قُلْتُ ثُمَّصَارَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ثُمَّصَارَ إِلَى ابْنِهِ ثُمَّ انْتَهَى إِلَيْكَ فَقَالَ نَعَمْ

9 مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِص الْوَفَاةُ دَعَا الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ يَا عَمَّ مُحَمَّدٍ تَأْخُذُ تُرَاثَ مُحَمَّدٍ وَ تَقْضِي دَيْنَهُ وَ تُنْجِزُ عِدَاتِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنِّي شَيْخٌ كَثِيرُ الْعِيَالِ قَلِيلُ الْمَالِ مَنْ يُطِيقُكَ وَ أَنْتَ تُبَارِي الرِّيحَ قَالَ فَأَطْرَقَص

" استودعها" أي الحسين عليه السلام عند ذهابه إلى العراق.

الحديث الثامن

:صحيح.

الحديث التاسع

: ضعيف و آخره مرسل.

" تأخذ تراث محمد" الاستفهام كان لمصلحة مع علمه بعدم قبوله لئلا يتفطن المنافقون أن هذا من علامات الإمامة فيحتالوا في أخذها منهم و سلبها عنهم، كما أخذوا فدك، و إلا فقد كانصلى الله عليه و آله مأمورا بأن يسلمها إلى أمير المؤمنين عليه السلام، و التراث بضم التاء: الميراث، و أصل التاء فيه الواو، و العدة: الوعد في الخير، و الهاء عوض عن الواو و العدات جمعها" من يطيقك" أي يطيق فعالك و في القاموس: الإطاقة القدرة على الشي ء و قد طاقة طوقا و أطاقه و المبارأة: المعارضة، و الريح مشهورة بالسخاء لكثرة نفعها من سياق السحاب و الأمطار، و ذر و كل ما تلقاه، و عدم أخذها معها، و هذا المثل مشهور بين العرب و العجم، قال الجوهري: فلان يباري فلانا أي يعارضه و يفعل مثل فعله و هما يتباريان

ص: 48

هُنَيْئَةً ثُمَّ قَالَ يَا عَبَّاسُ أَ تَأْخُذُ تُرَاثَ مُحَمَّدٍ وَ تُنْجِزُ عِدَاتِهِ وَ تَقْضِي دَيْنَهُ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي شَيْخٌ كَثِيرُ الْعِيَالِ قَلِيلُ الْمَالِ وَ أَنْتَ تُبَارِي الرِّيحَ قَالَ أَمَا إِنِّي سَأُعْطِيهَا مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا ثُمَّ قَالَ يَا عَلِيُّ يَا أَخَا مُحَمَّدٍ أَ تُنْجِزُ عِدَاتِ مُحَمَّدٍ وَ تَقْضِي دَيْنَهُ وَ تَقْبِضُ تُرَاثَهُ فَقَالَ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ذَاكَ عَلَيَّ وَ لِي قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى نَزَعَ خَاتَمَهُ مِنْ إِصْبَعِهِ فَقَالَ تَخَتَّمْ بِهَذَا فِي حَيَاتِي قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ حِينَ وَضَعْتُهُ فِي إِصْبَعِي فَتَمَنَّيْتُ مِنْ جَمِيعِ مَا تَرَكَ الْخَاتَمَ ثُمَّصَاحَ يَا بِلَالُ عَلَيَّ بِالْمِغْفَرِ وَ الدِّرْعِ وَ الرَّايَةِ وَ الْقَمِيصِ وَ ذِي الْفَقَارِ وَ السَّحَابِ

و فلان يباري الريح سخاء، و يقال: أطرق أي سكت و لم يتكلم، و" أرخى عينيه" ينظر إلى الأرض و هنيئة و هنية بضم الهاء و فتح النون و تشديد الياء تصغير هنو بكسر الهاء و سكون النون بمعنى وقت، اجتمعت الواو و الياء مع سكون سابقتهما فانقلبت الواو ياء و أدغمت، و التأنيث باعتبار ساعة.

و ضمير" سأعطيها" و نظيريه للتراث باعتبار الوصية أو باعتبار الأشياء المعهودة و" حقها" القيام بلوازمها كما ينبغي أو استحقاقها و" ذاك" إشارة إلى مجموع الثلاثة أعني إنجاز العدات و قضاء الدين و قبض التراث و" علي" باعتبار الأولين" ولي" باعتبار الثلاث.

" قال فنظرت" الضمير في" قال" راجع إلى علي عليه السلام أو العباس على اختلاف النسخ فيما سيأتي، و في سائر الكتب ما يؤيد الثاني" حين وضعته في إصبعي" في بعض النسخ: حين وضعه في إصبعه، فعلى الأول الظاهر أن فاعل" قال" في الموضعين علي عليه السلام و على الثاني العباس، فعلى الثاني التمني ظاهر لأنها عرضت عليه أولا، و على الأول فالمعنى حب الشي ء و مراقبته مجازا.

و فيما روى الصدوق في العلل عن أبان أيضا هكذا قال: فنظرت إلى الخاتم حين وضعه علي عليه السلام في إصبعه اليمنى، و هو يؤيد الثاني، و في النهاية فيه: كان اسم عمامة النبيصلى الله عليه و آله السحاب، سميت به تشبيها بسحاب المطر لانسحابه في الهواء

ص: 49

وَ الْبُرْدِ وَ الْأَبْرَقَةِ وَ الْقَضِيبِ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُهَا غَيْرَ سَاعَتِي تِلْكَ يَعْنِي الْأَبْرَقَةَ فَجِي ءَ بِشِقَّةٍ كَادَتْ تَخْطَفُ الْأَبْصَارَ فَإِذَا هِيَ مِنْ أَبْرُقِ الْجَنَّةِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي بِهَا وَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ اجْعَلْهَا فِي حَلْقَةِ الدِّرْعِ وَ اسْتَذْفِرْ بِهَا مَكَانَ الْمِنْطَقَةِ ثُمَّ دَعَا بِزَوْجَيْ نِعَالٍ عَرَبِيَّيْنِ جَمِيعاً أَحَدُهُمَا مَخْصُوفٌ وَ الْآخَرُ غَيْرُ مَخْصُوفٍ وَ الْقَمِيصَيْنِ الْقَمِيصِ الَّذِي

و البرد بالضم نوع من الثياب معروف، و الأبرقة سميت بها لبريقها، أو لكونها ذات لونين، قال في القاموس: الأبرق: الحبل الذي فيه لونان، و كل شي ء اجتمع فيه سواد و بياض فهو أبرق" انتهى".

و القضيب هو الغصن، و المراد به العصا سميت به لكونها مقطوعة من الشجر و القضب: القطع" يعني الأبرقة" تفسير عن الصادق عليه السلام لضمير" رأيتها" و في القاموس: الشقة بالكسر من العصا و الثوب و غيره: ما شق مستطيلا، و القطعة المشقوقة و نصف الشي ء إذا شق، و في النهاية: الشقة جنس من الثياب، و قيل: هي نصف ثوب" انتهى".

و خطف الشي ء يخطفه استبله و ذهب به بسرعة" و استدفر بها" لعله كان و استثفر بها و أريد به الشد على الوسط، قال في النهاية: فيه أنه أمر المستحاضة أن تستثفر هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا، و توثق طرفيها في شي ء تشده على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدم، و هو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها، و فيصفة الجن: مستثفر من ثيابهم، هو أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه كما يفعل الكلب بذنبه" انتهى" و أما ما في النسخ بالذال ففي القاموس: الذفر محركة شدة ذكاء الريح كالذفرة و مسك أذفر، ففيه تضمين معنى الشد مع الإشارة إلى طيب رائحتها، فصار الحاصل تطيب بها جاعلا لها مكان المنطقة، أو يكون" مكان المنطقة" متعلقا باجعلها، و قيل: الاستدفار: جعل الشي ءصلبا شديدا، في القاموس: الذفر كطمر الصلب الشديد، و لا يخفى ما فيه.

و في النهاية خصف الرجل نعله خصفا و هو فيه كرقع الثوب.

ص: 50

أُسْرِيَ بِهِ فِيهِ وَ الْقَمِيصِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَ الْقَلَانِسِ الثَّلَاثِ قَلَنْسُوَةِ السَّفَرِ وَ قَلَنْسُوَةِ الْعِيدَيْنِ وَ الْجُمَعِ وَ قَلَنْسُوَةٍ كَانَ يَلْبَسُهَا وَ يَقْعُدُ مَعَ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ يَا بِلَالُ عَلَيَّ بِالْبَغْلَتَيْنِ الشَّهْبَاءِ وَ الدُّلْدُلِ وَ النَّاقَتَيْنِ الْعَضْبَاءِ وَ الْقَصْوَاءِ وَ الْفَرَسَيْنِ الْجَنَاحِ كَانَتْ تُوقَفُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ لِحَوَائِجِ رَسُولِ اللَّهِص يَبْعَثُ الرَّجُلَ فِي حَاجَتِهِ فَيَرْكَبُهُ فَيَرْكُضُهُ فِي حَاجَةِ رَسُولِ اللَّهِص وَ حَيْزُومٍ وَ هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ وَ الْحِمَارِ عُفَيْرٍ فَقَالَ اقْبِضْهَا فِي حَيَاتِي

و قال: دلدل في الأرض: ذهب و مر، يدلدل و يتدلدل في مشية إذا اضطرب، و منه الحديث: كان اسم بغلته دلدل، و قال فيه: كان اسم ناقته العضباء هو علم لها منقول من قولهم ناقة عضباء أي مشقوقة الأذن، و قال بعضهم: إنها كانت مشقوقة الأذن و الأول أكثر، و قال الزمخشري: هو منقول من قولهم ناقة عضباء و هي قصيرة اليد و قال القصوى لقب ناقة رسول اللهصلى الله عليه و آله، و القصوري: الناقة التي قطع طرف أذنها و لم تكن ناقة النبيصلى الله عليه و آله قصواء، و إنما كان هذا لقبالها، و قيل: كانت مقطوعة الأذن.

و قال الجوهري: الركض تحريك الرجل و ركضت الفرس إذا استحثثته ليعدو.

" و هو الذي كان يقول" أي النبي عليه السلام حين يريده" أقدم حيزوم" فيجيب و يقبل، أو جبرئيل حين أراد نصرة النبيصلى الله عليه و آله كما سيأتي في الروضة في حديث طويل عن أبي عبد الله عليه السلام فيصفة غزوة بدر، قال: فأقبل علي عليه السلام إلى النبيصلى الله عليه و آله فقال يا رسول الله أسمع دويا شديدا و أسمع: أقدم حيزوم، و ما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه؟ فقال: هذا جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل" الخبر".

و لا ينافي هذا كون حيزوم اسم فرس النبيصلى الله عليه و آله، لكن قال الجوهري: حيزوم اسم فرس من خيل الملائكة و نحوه، قال الفيروزآبادي: و قال الجزري في حديث بدر أقدم حيزوم، جاء في التفسير أنه اسم فرس جبرئيل عليه السلام، أراد أقدم يا حيزوم، فحذف حرف النداء، و الياء فيه زائدة، و قال هو أمر بالأقدام و هو التقدم في الحرب و الإقدام: الشجاعة و قد تكسر همزة أقدم، و يكون أمرا بالتقدم لا غير، و الصحيح

ص: 51

فَذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّ أَوَّلَ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِص قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ بَنِي خَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهُ: وَ: رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِص فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْصُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ

الفتح من أقدم" انتهى".

و قال الطيبي: قيل: من باب نصر، و قال النووي: كلمة زجر للفرس" انتهى".

و أقول: لا عبرة بقولهم بعد ورود الخبر المعتبر، و لعلهم توهموا ذلك من ظاهر الرواية، و قد عرفت أنه يحتمل أن يكون الخطاب لفرس النبيصلى الله عليه و آله حين ركبه هو أو أمير المؤمنينصلوات الله عليهما، و قيل: يحتمل أن يكون هذا الفرس جاء به جبرئيل عليه السلام من السماء فأعطاه النبيصلى الله عليه و آله، و ما ذكرنا أظهر.

و قال الجوهري:" يعفور" بلا لام حمار للنبيصلى الله عليه و آله أو هو عفير كزبير" انتهى" و توفي بصيغة الماضي المجهول أو المعلوم، و" ساعة" منصوب مضاف إلى الجملة، و عامله" قطع" و الخطام بالكسر: ما يقاد به الدابة، و بنو خطمة بفتح الخاء و سكون الطاء حي من الأنصار، و" قبا" بضم القاف مقصورا و ممدودا قرية بالمدينة، و لا يستبعد من كلام الحمار من يؤمن بالقرآن و بكلام هدهد و النمل و غيرهما.

ص: 52

بَابُ أَنَّ مَثَلَ سِلَاحِ رَسُولِ اللَّهِص مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدٍ السَّمَّانِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِص يَقُولُ إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيُّ أَهْلِ بَيْتٍ وُجِدَ التَّابُوتُ عَلَى بَابِهِمْ أُوتُوا النُّبُوَّةَ فَمَنْصَارَ إِلَيْهِ السِّلَاحُ مِنَّا أُوتِيَ الْإِمَامَةَ

2 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السُّكَيْنِ عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَيْثُمَا دَارَ التَّابُوتُ دَارَ الْمُلْكُ فَأَيْنَمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا دَارَ الْعِلْمُ

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْصَفْوَانَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَيْثُمَا دَارَ التَّابُوتُ أُوتُوا النُّبُوَّةَ وَ حَيْثُمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا فَثَمَّ الْأَمْرُ قُلْتُ فَيَكُونُ السِّلَاحُ مُزَائِلًا لِلْعِلْمِ قَالَ لَا

باب أن مثل سلاح رسول الله (ص) مثل التابوت في بني إسرائيل

الحديث الأول

: مجهول و هو جزء من الخبر الأول من الباب المتقدم، و السند واحد.

الحديث الثاني

: موثق.

الحديث الثالث

:صحيح.

" حيثما دار التابوت" أي بالاستحقاق من غير قهر لا كما كان عند جالوت و" ما" في حيثما و أينما كافة، و المزايلة المفارقة، و السؤال لاستعلام أنه هل يمكن أن يكون السلاح عند من لا يكون عنده علم جميع ما تحتاج إليه الأمة كبني الحسن؟

قال: لا، فكما أنه دليل للإمامة فهو ملزوم للعلم أيضا.

ص: 53

4 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا كَمَثَلِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْنَمَا دَارَ التَّابُوتُ دَارَ الْمُلْكُ وَ أَيْنَمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا دَارَ الْعِلْمُ

بَابٌ فِيهِ ذِكْرُ الصَّحِيفَةِ وَ الْجَفْرِ وَ الْجَامِعَةِ وَ مُصْحَفِ فَاطِمَةَ ع

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامِي قَالَ فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع سِتْراً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ بَيْتٍ آخَرَ فَاطَّلَعَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ شِيعَتَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِص عَلَّمَ عَلِيّاً ع بَاباً يُفْتَحُ لَهُ مِنْهُ أَلْفُ بَابٍ قَالَ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِص- عَلِيّاً ع أَلْفَ بَابٍ يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ قَالَ فَنَكَتَ سَاعَةً فِي الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ مَا هُوَ بِذَاكَ

الحديث الرابع

:صحيح.

باب فيه ذكر الصحيفة و الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة عليها السلام

الحديث الأول

:صحيح.

" قال فرفع" لعل رفع الستر لإيهام أنهم عليهم السلام لا يعلمون ما في خلف الستر و الجدران إلا بالاستعلام لنوع من المصلحة، أو تكون أحوالهم مختلفة، و في بعض الأحوال يحتاجون إلى ذلك لأنه لم يكن جميع العلوم حاضرة عندهم، بل يحتاجون إلى مراجعة إلى بعض الكتب، أو إلى روح القدس، و المراد بالباب أولا النوع، و ثانيا القواعد الكلية التي تستنبط منها الأحكام، أو بالأول القواعد الكلية و بالثاني الجزئيات المتفرعة عليها كما يومئ إليه بعض الأخبار." هذا و الله العلم" أي غاية العلم، أو العلم الكامل العظيم من علومهم و" النكت" أن تضرب في الأرض بقضيب فتؤثر فيها فعل المتفكر أو المهموم" ثم قال إنه لعلم" أي علم معتد به عظيم،" و ما هو بذاك" أي ما توهمت

ص: 54

قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَامِعَةَ وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَامِعَةُ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الْجَامِعَةُ قَالَصَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ رَسُولِ اللَّهِص وَ إِمْلَائِهِ مِنْ فَلْقِ فِيهِ وَ خَطِّ عَلِيٍّ بِيَمِينِهِ فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَ حَرَامٍ وَ كُلُّ شَيْ ءٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ حَتَّى الْأَرْشُ فِي الْخَدْشِ وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَيَّ فَقَالَ تَأْذَنُ لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّمَا أَنَا لَكَ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ قَالَ فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ وَ قَالَ حَتَّى أَرْشُ هَذَا كَأَنَّهُ مُغْضَبٌ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ لَيْسَ بِذَاكَ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَفْرَ وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَفْرُ قَالَ قُلْتُ وَ مَا الْجَفْرُ قَالَ وِعَاءٌ مِنْ أَدَمٍ فِيهِ عِلْمُ النَّبِيِّينَ وَ الْوَصِيِّينَ وَ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ قُلْتُ إِنَّ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ لَيْسَ بِذَاكَ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ وَ إِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ ع وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ

أنه أعظم العلوم، أو العلم الكامل الممتاز في جنب علومهم" و ما يدريهم" أي المخالفين أو أكثر الشيعة" و أملاه" بصيغة الماضي، و كذا" خط" و الإملاء أن تقول كلاما و يكتب غيرك" من فلق فيه" أي مشافهة، قال الجزري: كلمني من فلق فيه بالكسر و يفتح أي من شقه.

" و ضرب بيده إلى" كان" إلى" هنا بمعنى" على".

" إنما أنا لك" اللام للملكية أي عبد لك" كأنه مغضب" أي أخذ بشدة و يدل على تأثير إبراء ما لم يجب خلافا للأكثر" هذا و الله العلم" إشارة إلى مجموع ما سبق أو الأخير، و قال الجوهري: الأدم جمع الأديم و قد يجمع على أدمة، و في القاموس: الأديم الجلد أو أحمرة أو مدبوغة، جمعه أدمة و أدام، و الأدم اسم للجمع، و قال: الجفر من أولاد الشاء ما عظم و استكرش، أو بلغ أربعة أشهر، و البئر لم تطو أو طوى بعضها، و الجفر: جعبة من جلود لا خشب فيها أو من خشب لا جلود فيها" انتهى".

" مثل قرآنكم" أي القرآن الذي عند الإمام" ما فيه من قرآنكم" أي فيه

ص: 55

فَاطِمَةَ ع قَالَ قُلْتُ وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ع قَالَ مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَ اللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ مَا هُوَ بِذَاكَ- ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ مَا كَانَ وَ عِلْمَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا وَ اللَّهِ هُوَ الْعِلْمُ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ لَيْسَ بِذَاكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيُّ شَيْ ءٍ الْعِلْمُ قَالَ مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِ الْأَمْرِ وَ الشَّيْ ءُ بَعْدَ الشَّيْ ءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

2 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ

علم بما كان و ما يكون.

فإن قلت: في القرآن أيضا بعض الأخبار؟

قلت: لعله لم يذكر فيه ما في القرآن.

فإن قلت: يظهر من بعض الأخبار اشتمال مصحف فاطمة عليها السلام أيضا على الأحكام؟

قلت: لعل فيه ما ليس في القرآن.

فإن قلت: قد ورد في كثير من الأخبار اشتمال القرآن على جميع الأحكام و الأخبار مما كان أو يكون؟

قلت: لعل المراد به ما نفهم من القرآن لا ما يفهمون عليهم السلام منه، و لذا قال عليه السلام: قرآنكم، على أنه يحتمل أن يكون المراد لفظ القرآن، ثم الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها عليها السلام على الأخبار فقط، فيحتمل أن يكون المراد عدم اشتماله على أحكام القرآن.

" علم ما كان و ما هو كائن" أي من غير جهة مصحف فاطمة عليها السلام أيضا.

الحديث الثاني

: ضعيف

ص: 56

عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ تَظْهَرُ الزَّنَادِقَةُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ وَ ذَلِكَ أَنِّي نَظَرْتُ فِي مُصْحَفِ فَاطِمَةَ ع قَالَ قُلْتُ وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّهُص دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ ع مِنْ وَفَاتِهِ مِنَ الْحُزْنِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكاً يُسَلِّي غَمَّهَا وَ يُحَدِّثُهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ إِذَا أَحْسَسْتِ بِذَلِكِ وَ سَمِعْتِ الصَّوْتَ قُولِي لِي فَأَعْلَمَتْهُ بِذَلِكَ فَجَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ- حَتَّى أَثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ مُصْحَفاً قَالَ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْ ءٌ مِنَ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامِ وَ لَكِنْ فِيهِ عِلْمُ مَا يَكُونُ

3 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ عِنْدِي الْجَفْرَ الْأَبْيَضَ قَالَ قُلْتُ فَأَيُّ شَيْ ءٍ فِيهِ قَالَ زَبُورُ دَاوُدَ وَ تَوْرَاةُ مُوسَى وَ إِنْجِيلُ عِيسَى وَصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ ع وَ الْحَلَالُ وَ الْحَرَامُ وَ مُصْحَفُ فَاطِمَةَ مَا أَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ قُرْآناً وَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْنَا وَ لَا نَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ حَتَّى فِيهِ الْجَلْدَةُ وَ نِصْفُ الْجَلْدَةِ وَ رُبُعُ الْجَلْدَةِ

" تظهر الزنادقة" يخطر بالبال أن المراد بهم ابن أبي العوجاء و ابن المقفع و أضرابهما ممن ناظر الصادق عليه السلام معهم، و هذا التاريخ قبل وفاته عليه السلام بعشرين سنة، و كان هذا الوقت وقت طغيانهم و كثرتهم كما يظهر من الروايات و التواريخ، و قيل: المراد بهم خلفاء بني العباس فإنهم روجوا كتب الفلاسفة و الزنادقة، و في السنة المذكورة كتب أو لهم إبراهيم السفاح كتابا إلى أهل خراسان و جعل أبا مسلم المروزي أميرا عليهم، و كان ذلك مادة شوكة بني العباس.

و الملك: جبرئيل عليه السلام كما سيأتي أو غيره، بأن يكونا أتيا معا أو كل منهما في زمان، و المراد بالشكاية مطلق الإخبار أو كانت الشكاية لعدم حفظها عليها السلام جميع كلام الملك، و قيل: لرعبها عليها السلام من الملك حال وحدتها به و انفرادها بصحبته و لا يخفى بعد ذلك عن جلالتها، و يقال: جعل يفعل كذا، أي أقبل و شرع.

الحديث الثالث

: حسن" و فيه ما يحتاج الناس إليه" لعل الضمائر كلها أو الأخيرين راجعة إلى الخبر

ص: 57

وَ أَرْشُ الْخَدْشِ وَ عِنْدِي الْجَفْرَ الْأَحْمَرَ قَالَ قُلْتُ وَ أَيُّ شَيْ ءٍ فِي الْجَفْرِ الْأَحْمَرِ قَالَ السِّلَاحُ وَ ذَلِكَ إِنَّمَا يُفْتَحُ لِلدَّمِ يَفْتَحُهُصَاحِبُ السَّيْفِ لِلْقَتْلِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ أَصْلَحَكَ اللَّهُ أَ يَعْرِفُ هَذَا بَنُو الْحَسَنِ فَقَالَ إِي وَ اللَّهِ كَمَا يَعْرِفُونَ اللَّيْلَ أَنَّهُ لَيْلٌ وَ النَّهَارَ أَنَّهُ نَهَارٌ وَ لَكِنَّهُمْ يَحْمِلُهُمُ الْحَسَدُ وَ طَلَبُ الدُّنْيَا عَلَى الْجُحُودِ وَ الْإِنْكَارِ وَ لَوْ طَلَبُوا الْحَقَّ بِالْحَقِّ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ

4 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ فِي الْجَفْرِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ لَمَا يَسُوؤُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ الْحَقَّ وَ الْحَقُّ فِيهِ فَلْيُخْرِجُوا قَضَايَا عَلِيٍّ وَ فَرَائِضَهُ إِنْ كَانُواصَادِقِينَ وَ سَلُوهُمْ عَنِ الْخَالاتِ وَ الْعَمَّاتِ وَ لْيُخْرِجُوا مُصْحَفَ فَاطِمَةَ ع فَإِنَّ فِيهِ وَصِيَّةَ فَاطِمَةَ ع وَ مَعَهُ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِص إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فَأْتُوا بِكِتابٍ

لا المصحف، فلا ينافي الأخبار الدالة على أنه ليس في مصحفها الأحكام" و لو طلبوا الحق" أي أنهم يدعون أنا نطلب ثار الحسين عليه السلام أو رفع المنكرات و إزالة الباطل و أهله، و يطلبون ذلك بالباطل كادعاء الإمامة بغير الحق و إنكار إمامة الأئمة عليهم السلام و حقوقهم، و لو طلبوا الحق بإذن الإمام و في أوانه لكان خيرا لهم.

الحديث الرابع

: مرسل.

" إن في الجفر الذي يذكرونه" أي الأئمة الزيدية من بني الحسن، و يفتخرون به و يدعون أنه عندهم" لما يسوؤهم" لاشتماله على مصحف فاطمة عليها السلام، و فيه: أنهم لا يملكون و لا يجوز لهم الخروج، و أيضا فيه الأحكام الحقة الواقعية و هم لا يعرفونها و لا يعلمون بها" فليخرجوا قضايا علي في الأحكام و فرائضه" في المواريث" إن كانواصادقين" في أن الجفر عندهم" و سلوهم عن" خصوص مواريث" الخالات و العمات" فإنهم لا يعلمونها و يعلمون بأحكام المخالفين فيها" فإن فيه" أي في مصحفها" وصية فاطمة" في أوقاتها و أولادها أو وصية جبرئيل لفاطمة عليها السلام في أمر أولادها و ما يقع عليهم

ص: 58

مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْصادِقِينَ

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ فَقَالَ هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً قَالَ لَهُ فَالْجَامِعَةُ قَالَ تِلْكَصَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَ هِيَ فِيهَا حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ قَالَ فَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ ع قَالَ فَسَكَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وَ عَمَّا لَا تُرِيدُونَ إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِص خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً وَ كَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ ع يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا

" و معه" أي مع المصحف" سلاح رسول اللهصلى الله عليه و آله" و هما في مكان واحد" فأتوا بكتاب من قبل هذا" لعله عليه السلام نقل بالمعنى أو في قراءتهم كذلك، و فيما عندنا:" ائْتُونِي بِكِتابٍ" و الآية في سياق الاحتجاج على المشركين حيث قال:" قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا" أي من قبل القرآن فإنه ناطق بالتوحيد" أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ" أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به" إِنْ كُنْتُمْصادِقِينَ" في دعواكم، و الاستشهاد بالآية لبيان أنه لا بد في إثبات حقية الدعوى إما إظهار الكتاب من الكتب السماوية أو بقية علوم الأنبياء و الأوصياء المحفوظة عند الأئمة عليهم السلام، و هم عاجزون عن الإتيان بشي ء منهما، أو لبيان أنه يكون أثارة من علم و هي من عندنا.

الحديث الخامس

:صحيح.

" عن الجفر" يعني الأبيض" هو جلد ثور" لعل الجلد وعاء الكتب لا أنها مكتوبة فيه، و في القاموس: الفالج الجمل الضخم ذو السنامين يحمل من السند للفحلة" إنكم لتبحثون" أي تفتشون" عما تريدون" أي عما ينبغي لكم أن تريدوه و يتعلق

ص: 59

عَلَى أَبِيهَا وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَ يُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَ كَانَ عَلِيٌّ ع يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ع

6 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْصَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ كَرِبٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ عِنْدَنَا مَا لَا نَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى النَّاسِ وَ إِنَّ النَّاسَ لَيَحْتَاجُونَ إِلَيْنَا وَ إِنَّ عِنْدَنَا كِتَاباً إِمْلَاءُ رَسُولِ اللَّهِص وَ خَطُّ عَلِيٍّ عصَحِيفَةً فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَ حَرَامٍ وَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَّا بِالْأَمْرِ فَنَعْرِفُ إِذَا أَخَذْتُمْ بِهِ وَ نَعْرِفُ إِذَا تَرَكْتُمُوهُ

7 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ وَ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ زُرَارَةَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَعْيَنَ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ الزَّيْدِيَّةَ وَ الْمُعْتَزِلَةَ قَدْ أَطَافُوا بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَهَلْ لَهُ سُلْطَانٌ فَقَالَ وَ اللَّهِ إِنَ

غرضكم به، و عما لا ينبغي لكم إرادته و لم يتعلق غرضكم به، و فيه تنبيه على أنه ينبغي للإنسان أن يتعلم ما ينفعه و لا يتكلف علم ما لم يؤمر به و لا ينفعه في العقائد الضرورية و الأعمال المطلوبة.

الحديث السادس

: مجهول" إملاء رسول الله" بالرفع أي هو إملاؤه و كذا" خط" مرفوع" وصحيفة" منصوب بالبدلية من قوله" كتابا" أو مرفوع أيضا بالخبرية" لتأتونا بالأمر" أي من الأمور التي تأخذونها عنا من الشرائع و الأحكام فنعلم أيكم يعمل به و أيكم لا يعمل به.

الحديث السابع

: حسن.

و محمد هو ابن عبد الله بن الحسن من أئمة الزيدية الملقب بالنفس الزكية خرج على الدوانيقي و قتل كما سيأتي قصته، و لعل الكتابين الجفر و مصحف فاطمة عليها السلام" في واحد منهما" أي من الكتابين، أو من الأنبياء و الملوك، و ذكر الأنبياء على المبالغة أو على التهكم و قيل: هما جزءان من المصحف أحدهما متعلق بالنبي و الآخر بالملك

ص: 60

عِنْدِي لَكِتَابَيْنِ فِيهِمَا تَسْمِيَةُ كُلِّ نَبِيٍّ وَ كُلِّ مَلِكٍ يَمْلِكُ الْأَرْضَ لَا وَ اللَّهِ مَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا

8 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ سُكَّرَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ يَا فُضَيْلُ أَ تَدْرِي فِي أَيِّ شَيْ ءٍ كُنْتُ أَنْظُرُ قُبَيْلُ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ كُنْتُ أَنْظُرُ فِي كِتَابِ فَاطِمَةَ ع لَيْسَ مِنْ مَلِكٍ يَمْلِكُ الْأَرْضَ إِلَّا وَ هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِاسْمِهِ وَ اسْمِ أَبِيهِ وَ مَا وَجَدْتُ لِوُلْدِ الْحَسَنِ فِيهِ شَيْئاً

بَابٌ فِي شَأْنِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ تَفْسِيرِهَا

1 مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى

و قال: النبي: من خرج من بلد [إلى بلد] بقصد السلطنة إذا لم يتم له ما قصد، في القاموس: نبأ من أرض إلى أرض: إذا خرج و نفى كونه نبيا لأنه قتل في المدينة قبل خروجه إلى أرض أخرى، و لا يخفى ما فيه.

الحديث الثامن

" قبيل" أي قبيل هذا الوقت، و فيه قدح لنسب خلفاء مصر، إلا أن يقال:

المراد ولد الحسن الموجودون في ذلك الزمان.

باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر و تفسيرها

الحديث الأول:

ضعيف. على المشهور بالحسن بن العباس، لكن يظهر من كتب

ص: 61

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِيشِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي ع قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع بَيْنَا أَبِي ع يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إِذَا رَجُلٌ مُعْتَجِرٌ قَدْ قُيِّضَ لَهُ فَقَطَعَ عَلَيْهِ أُسْبُوعَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ إِلَى دَارٍ جَنْبَ الصَّفَا فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَكُنَّا ثَلَاثَةً فَقَالَ مَرْحَباً يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي وَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ يَا أَمِينَ اللَّهِ بَعْدَ آبَائِهِ يَا أَبَا جَعْفَرٍ إِنْ شِئْتَ فَأَخْبِرْنِي وَ إِنْ شِئْتَ فَأَخْبَرْتُكَ وَ إِنْ شِئْتَ سَلْنِي وَ إِنْ شِئْتَ سَأَلْتُكَ وَ إِنْ شِئْتَ فَاصْدُقْنِي وَ إِنْ شِئْتَصَدَقْتُكَ قَالَ كُلَّ ذَلِكَ أَشَاءُ قَالَ فَإِيَّاكَ أَنْ يَنْطِقَ لِسَانُكَ عِنْدَ مَسْأَلَتِي بِأَمْرٍ تُضْمِرُ لِي غَيْرَهُ قَالَ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ فِي قَلْبِهِ عِلْمَانِ

الرجال أنه لم يكن لتضعيفه سبب إلا رواية هذه الأخبار العالية الغامضة التي لا يصل إليها عقول أكثر الخلق، و الكتاب كان مشهورا عند المحدثين و أحمد بن محمد روى هذا الكتاب مع أنه أخرج البرقي عن قم بسبب أنه كان يروي عن الضعفاء، فلو لم يكن هذا الكتاب معتبرا عنده لما تصدى لروايته و الشواهد علىصحته عندي كثيرة.

" و الاعتجار" التنقب ببعض العمامة، و يقال: قيض الله فلانا لفلان أي جاء به و أتاحه له" فقطع عليه أسبوعه" أي طوافه" فقال مرحبا" أي لقيت رحبا و سعة، و قيل: أي رحب الله بك مرحبا، فجعل المرحب موضع الترحيب، و قيل: أتيت سعة" بارك الله فيك" أي زاد الله في علمك و كمالك.

قوله عليه السلام" يا با جعفر" أي ثم التفت إلى أبي و قال يا أبا جعفر،: قوله:" بأمر تضمر لي غيره" أي لا تخبرني بشي ء يكون في علمك شي ء آخر يلزمك لأجله القول بخلاف ما أخبرت كما في أكثر علوم أهل الضلال، فإنه يلزمهم أشياء لا يقولون بها، أو المعنى أخبرني بعلم يقيني لا يكون عندك احتمال خلافه، فقوله:" علمان" أي احتمالان متناقضان أو أراد به لا تكتم عني شيئا من الأسرار، فقوله عليه السلام:" إنما يفعل ذلك" أي في غير مقام التقية، و قيل: إشارة إلى بطلان طريقة أهل الاجتهاد، فإنهم يقولون ظن المجتهد يفضي به إلى علم، و ظنية الطريق لا ينافي علمية الحكم، فيضمرون في جميع

ص: 62

يُخَالِفُ أَحَدُهُمَاصَاحِبَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَبَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ هَذِهِ مَسْأَلَتِي وَ قَدْ فَسَّرْتَ طَرَفاً مِنْهَا أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ مَنْ يَعْلَمُهُ قَالَ أَمَّا جُمْلَةُ الْعِلْمِ فَعِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ أَمَّا مَا لَا بُدَّ لِلْعِبَادِ مِنْهُ فَعِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ قَالَ فَفَتَحَ الرَّجُلُ عَجِيرَتَهُ وَ اسْتَوَى جَالِساً وَ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَ قَالَ هَذِهِ أَرَدْتُ وَ لَهَا أَتَيْتُ زَعَمْتَ أَنَّ عِلْمَ مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ عِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ فَكَيْفَ يَعْلَمُونَهُ قَالَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِص يَعْلَمُهُ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِص يَرَى لِأَنَّهُ كَانَ نَبِيّاً وَ هُمْ مُحَدَّثُونَ وَ أَنَّهُ كَانَ يَفِدُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيَسْمَعُ الْوَحْيَ وَ هُمْ لَا يَسْمَعُونَ فَقَالَصَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ سَآتِيكَ بِمَسْأَلَةٍصَعْبَةٍ أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْعِلْمِ مَا لَهُ لَا يَظْهَرُ كَمَا كَانَ يَظْهَرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِص قَالَ فَضَحِكَ أَبِي ع- وَ قَالَ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُطْلِعَ عَلَى عِلْمِهِ إِلَّا مُمْتَحَناً لِلْإِيمَانِ

أحكامهم الاجتهادية أنه إذا تعلق ظنهم بخلاف ما حكموا به رجعوا عن ذلك الحكم و حكموا بخلافه، و ادعوا العلم في كلتا الصورتين.

" ففتح الرجل عجيرته" أي اعتجاره أو طرف العمامة الذي اعتجر به، و التهلل الإضاءة و التلألؤ بالسرور" إن علم ما لا اختلاف فيه" مصدر مضاف إلى المفعول" من العلم" من إما للبيان و العلم بمعنى المعلوم، أو للتبعيض أي من جملة العلوم.

قوله عليه السلام:" كما كان رسول اللهصلى الله عليه و آله يعلمه" أي بعض علومهم كذلك، و إلا فجل علومهم كان عن النبيصلى الله عليه و آله أو يعلمون على هذا الوجه أيضا و إن كانوا سمعوا من النبيصلى الله عليه و آله و يقال: وفد إليه أي قدم و ورد" فضحك أبي" لعل ضحكه عليه السلام كان لهذا النوع من السؤال الذي ظاهره الامتحان تجاهلا مع علمه بأنه عارف بحاله، أو لعده المسألةصعبة و ليست عنده عليه السلام كذلك، و حاصل الجواب أن ظهور هذا العلم مع رسول اللهصلى الله عليه و آله دائما في محل المنع، فإنه كان في سنين من أول بعثته مكتتما إلا عن أهله، لخوف عدم قبول الخلق منه حتى أمر بإعلانه، و كذلك الأئمة

ص: 63

بِهِ كَمَا قَضَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِص أَنْ يَصْبِرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ وَ لَا يُجَاهِدَهُمْ إِلَّا بِأَمْرِهِ فَكَمْ مِنِ اكْتِتَامٍ قَدِ اكْتَتَمَ بِهِ حَتَّى قِيلَ لَهُ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَ ايْمُ اللَّهِ أَنْ لَوْصَدَعَ قَبْلَ ذَلِكَ لَكَانَ آمِناً وَ لَكِنَّهُ إِنَّمَا نَظَرَ فِي الطَّاعَةِ وَ خَافَ الْخِلَافَ فَلِذَلِكَ كَفَّ فَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْنَكَ تَكُونُ مَعَ مَهْدِيِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ الْمَلَائِكَةُ بِسُيُوفِ آلِ دَاوُدَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ تُعَذِّبُ أَرْوَاحَ الْكَفَرَةِ مِنَ الْأَمْوَاتِ وَ تُلْحِقُ بِهِمْ أَرْوَاحَ أَشْبَاهِهِمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ ثُمَّ أَخْرَجَ سَيْفاً ثُمَّ قَالَ هَا إِنَّ هَذَا مِنْهَا قَالَ فَقَالَ أَبِي إِي وَ الَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّداً عَلَى الْبَشَرِ قَالَ فَرَدَّ الرَّجُلُ اعْتِجَارَهُ وَ قَالَ أَنَا إِلْيَاسُ مَا سَأَلْتُكَ عَنْ أَمْرِكَ وَ بِي مِنْهُ جَهَالَةٌ غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ قُوَّةً لِأَصْحَابِكَ وَ سَأُخْبِرُكَ بِآيَةٍ أَنْتَ تَعْرِفُهَا إِنْ خَاصَمُوا بِهَا فَلَجُوا-

عليهم السلام يكتمون عمن لا يقبل منهم حتى يؤمروا بإعلانه في زمن القائم عليه السلام" فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ" أي تكلم به جهارا" وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" و لا تلتفت إلى ما يقولون من الاستهزاء و غيره" و أيم" مخفف أيمن جميع يمين، و هو مبتدأ محذوف الخبر أي أيمن الله يميني،" إنما نظر في الطاعة" أي طاعة الأمة أو طاعته" و خاف الخلاف" أي مخالفة الأمة.

قوله: تعذب أرواح الكفرة، قيل: إشارة إلى الذين أحياهم في الرجعة" ثم أخرج" أي إلياس عليه السلام" سيفا ثم قال: ها" و هو حرف تنبيه، أو بمعنى خذ" إن هذا منها" أي من تلك السيوف الشاهرة في زمانه عليه السلام، لأن اليأس من أعوانه عليهما السلام و لعل رد الاعتجار لأنه مأمور بأن لا يراه أحد بعد المعرفة الظاهرة.

و قوله:" قوة لأصحابك" أي بعد أن تخبرهم به أنت و أولادك المعصومون عليهم السلام" إن خاصموا بها" أي أصحابك أهل الخلاف" فلجوا" أي ظفروا و غلبوا.

ص: 64

ثم اعلم أن حاصل هذا الاستدلال هو أنه قد ثبت أن الله سبحانه أنزل القرآن في ليلة القدر على نبيهصلى الله عليه و آله و أنه كان ينزل الملائكة و الروح فيها من كل أمر ببيان و تأويل سنة فسنة، كما يدل عليه فعل المستقبل الدال على التجدد الاستمراري، فنقول: هل كان لرسول اللهصلى الله عليه و آله طريق إلى العلم الذي يحتاج إليه الأمة سوى ما يأتيه من السماء من عند الله سبحانه إما ليلة القدر أو في غيرها أم لا، و الأول باطل لقوله تعالى:

" إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى" فثبت الثاني، ثم يقول: فهل يجوز أن لا يظهر هذا العلم الذي يحتاج إليه الأمة أم لا بد من ظهوره لهم، و الأول باطل لأنه إنما يوحى إليه ليبلغ إليهم و يهديهم الله عز و جل، فثبت الثاني ثم نقول: فهل لذلك العلم النازل من السماء من عند الله إلى الرسول اختلاف بأن يحكم في زمان بحكم ثم يحكم في ذلك الأمر بعينه في ذلك الزمان بعينه بحكم آخر أم لا؟ و الأول باطل لأن الحكم إنما هو من عند الله عز و جل، و هو متعالي عن ذلك كما قال تعالى:" وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً" ثم نقول فمن حكم بحكم فيه اختلاف كالاجتهادات المتناقضة هل وافق رسول اللهصلى الله عليه و آله في فعله ذلك أم خالفه، و الأول باطل لأنهصلى الله عليه و آله لم يكن في حكمه اختلاف، فثبت الثاني، ثم نقول: فمن لم يكن في حكمه اختلاف فهل له طريق إلى ذلك الحكم من غير جهة الله إما بغير واسطة أو بواسطة، و من دون أن يعلم تأويل المتشابه الذي يقع بسببه الاختلاف أم لا؟ و الأول باطل فثبت الثاني ثم نقول: فهل يعلم تأويل المتشابه إلا الله و الراسخون في العلم الذين ليس في علمهم اختلاف أم لا؟ و الأول باطل لقوله تعالى:" وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" ثم نقول فرسول اللهصلى الله عليه و آله الذي هو من الراسخين هل ماتصلى الله عليه و آله و ذهب بعلمه ذلك و لم يبلغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته أم بلغه؟ و الأول باطل، لأنه لو فعل ذلك

ص: 65

قَالَ فَقَالَ لَهُ أَبِي إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِهَا قَالَ قَدْ شِئْتُ قَالَ إِنَّ شِيعَتَنَا إِنْ قَالُوا لِأَهْلِ الْخِلَافِ لَنَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ لِرَسُولِهِص- إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى آخِرِهَا فَهَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِص يَعْلَمُ مِنَ الْعِلْمِ شَيْئاً لَا يَعْلَمُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ يَأْتِيهِ بِهِ جَبْرَئِيلُ ع فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ لَا فَقُلْ لَهُمْ فَهَلْ كَانَ لِمَا عَلِمَ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُظْهِرَ فَيَقُولُونَ لَا فَقُلْ لَهُمْ فَهَلْ كَانَ فِيمَا أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِص مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ اخْتِلَافٌ فَإِنْ قَالُوا لَا فَقُلْ لَهُمْ فَمَنْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَهَلْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِص فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَإِنْ قَالُوا لَا فَقَدْ نَقَضُوا أَوَّلَ كَلَامِهِمْ

فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده فثبت الثاني، ثم نقول: فهل خليفته من بعده كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطأ و الاختلاف في العلم أم هو مؤيد من عند الله بحكم رسول اللهصلى الله عليه و آله بأن يأتيه الملك فيحدثه من غير وحي و رؤية أو ما يجري مجرى ذلك و هو مثله إلا في النبوة و الأول باطل لعدم إغنائه حينئذ لأن من يجوز عليه الاختلاف لا يؤمن عليه الاختلاف في الحكم، و يلزم التضييع من ذلك أيضا فثبت الثاني.

فلا بد من خليفة بعد رسول اللهصلى الله عليه و آله راسخ في العلم عالم بتأويل المتشابه مؤيد من عند الله لا يجوز عليه الخطأ و لا الاختلاف في العلم، يكون حجة على العباد و هو المطلوب.

هذا إن جعلنا الكل دليلا واحدا، و يحتمل أن يكون دلائل كما سنشير إليه و لعله أظهر.

قوله عليه السلام" أو يأتيه" معطوف على" لا يعلمه" فينسحب عليه النفي، و المعنى:

هل له علم من غير تينك الجهتين كما عرفت" فقد نقضوا أول كلامهم" حيث قالوا لا اختلاف فيما أظهر رسول اللهصلى الله عليه و آله من علم الله فهذا يقتضي أن لا يكون في علم من لا يخالفه في العلم أيضا اختلاف.

و بهذا يتم دليل على وجود الإمام، لأن من ليس في علمه اختلاف ليس إلا المعصوم المؤيد من عند الله تعالى.

ص: 66

فَقُلْ لَهُمْ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَإِنْ قَالُوا مَنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَقُلْ مَنْ لَا يَخْتَلِفُ فِي عِلْمِهِ فَإِنْ قَالُوا فَمَنْ هُوَ ذَاكَ فَقُلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِصصَاحِبَ ذَلِكَ فَهَلْ بَلَّغَ أَوْ لَا فَإِنْ قَالُوا قَدْ بَلَّغَ فَقُلْ فَهَلْ مَاتَص وَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُ عِلْماً لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَإِنْ قَالُوا لَا فَقُلْ إِنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِص مُؤَيَّدٌ وَ لَا يَسْتَخْلِفُ رَسُولُ اللَّهِص إِلَّا مَنْ يَحْكُمُ بِحُكْمِهِ وَ إِلَّا مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُ إِلَّا النُّبُوَّةَ- وَ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِص لَمْ يَسْتَخْلِفْ فِي عِلْمِهِ أَحَداً فَقَدْ ضَيَّعَ مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ مِمَّنْ يَكُونُ بَعْدَهُ فَإِنْ قَالُوا لَكَ فَإِنَّ عِلْمَ رَسُولِ اللَّهِص كَانَ مِنَ الْقُرْآنِ فَقُلْ- حم. وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها إِلَى قَوْلِهِ- إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ فَإِنْ قَالُوا لَكَ لَا يُرْسِلُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا إِلَى نَبِيٍّ فَقُلْ هَذَا الْأَمْرُ الْحَكِيمُ

قوله:" فقل لهم ما يعلم تأويله" هذا إما دليل آخر سوى مناقضة كلامهم على أنهم خالفوا رسول الله أو على أصل المدعى، و هو إثبات الإمام. قوله عليه السلام:" فقل من لا يختلف في علمه" لعله استدل عليه على ذلك بمدلول لفظة الرسوخ، فإنه بمعنى الثبوت، و المتزلزل في علمه المنتقل عنه إلى غيره ليس بثابت فيه.

قوله عليه السلام:" فإن قالوا لك إن علم رسول الله كان من القرآن" لعل هذا إيراد على الحجة و تقريره: أن علم رسول الله لعله كان من القرآن فقط و ليس مما يتجدد في ليلة القدر شي ء؟ فأجاب عليه السلام بأن الله عز و جل يقول:" فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" فهذه الآية تدل على تجدد الفرق و الإرسال في تلك الليلة المباركة بإنزال الملائكة و الروح فيها من السماء إلى الأرض دائما، و لا بد من وجود من يرسل إليه الأمر دائما.

ثم قوله:" فإن قالوا لك" سؤال آخر تقريره: أنه يلزم مما ذكرتم جواز إرسال الملائكة إلى غير النبي مع أنه لا يجوز ذلك، فأجاب عنه بمدلول الآية التي

ص: 67

الَّذِي يُفْرَقُ فِيهِ هُوَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ أَوْ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى أَرْضٍ فَإِنْ قَالُوا مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ فَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ أَحَدٌ- يَرْجِعُ مِنْ طَاعَةٍ إِلَى مَعْصِيَةٍ فَإِنْ قَالُوا مِنْ سَمَاءٍ إِلَى أَرْضٍ وَ أَهْلُ الْأَرْضِ أَحْوَجُ الْخَلْقِ إِلَى ذَلِكَ فَقُلْ فَهَلْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ سَيِّدٍ يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ فَإِنْ قَالُوا فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ هُوَ حَكَمُهُمْ فَقُلْ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ إِلَى قَوْلِهِ خالِدُونَ لَعَمْرِي مَا فِي الْأَرْضِ وَ لَا فِي السَّمَاءِ وَلِيٌّ لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ إِلَّا وَ هُوَ مُؤَيَّدٌ وَ مَنْ أُيِّدَ لَمْ يُخْطِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ عَدُوٌّ لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ إِلَّا وَ هُوَ مَخْذُولٌ وَ مَنْ خُذِلَ لَمْ يُصِبْ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ لَا بُدَّ مِنْ تَنْزِيلِهِ مِنَ السَّمَاءِ يَحْكُمُ بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ كَذَلِكَ لَا بُدَّ

لا مرد لها، و قوله:" و أهل الأرض" جملة حالية.

قوله:" فهل لهم بد" لعله مؤيد للدليل السابق بأنه كما أنه لا بد من مؤيد ينزل إليه في ليلة القدر فكذلك لا بد من سيد يتحاكم العباد إليه، فإن العقل يحكم بأن الفساد و النزاع بين الخلق لا يرتفع إلا به، فهذا مؤيد لنزول الملائكة و الروح على رجل ليعلم ما يفصل به بين العباد، و يحتمل أن يكون استئناف دليل آخر على وجود الإمام." فإن قالوا فإن الخليفة التي في كل عصر هو حكمهم" بالتحريك" فقل" إذا لم يكن الخليفة مؤبدا معصوما محفوظا من الخطإ فكيف يخرجه الله و يخرج به عباده من الظلمات إلى النور، و قد قال سبحانه:" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا" الآية، و الحاصل أن من لم يكن عالما بجميع الأحكام و كان ممن يجوز عليه الخطأ فهو أيضا محتاج إلى خليفة آخر لرفع جهله، و النزاع الناشئ بينه و بين غيره.

و أقول: يمكن أن يكون الاستدلال بالآية من جهة أنه تعالى نسب إخراج المؤمنين من ظلمات الجهل و الكفر إلى نور العلم إلى نفسه، فلا بد من أن يكون من يهديهم منصوبا من قبل الله تعالى مؤيدا من عنده، و المنصوب من قبل الناس طاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات.

" لعمري" بالفتح قسم بالحياة" إلا و هو مؤيد" لقوله:" يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ

ص: 68

مِنْ وَالٍ فَإِنْ قَالُوا لَا نَعْرِفُ هَذَا فَقُلْ لَهُمْ قُولُوا مَا أَحْبَبْتُمْ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍص أَنْ يَتْرُكَ الْعِبَادَ وَ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ هَاهُنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بَابٌ غَامِضٌ أَ رَأَيْتَ إِنْ قَالُوا حُجَّةُ اللَّهِ الْقُرْآنُ قَالَ إِذَنْ أَقُولَ لَهُمْ إِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِنَاطِقٍ يَأْمُرُ وَ يَنْهَى وَ لَكِنْ لِلْقُرْآنِ أَهْلٌ يَأْمُرُونَ وَ يَنْهَوْنَ وَ أَقُولَ قَدْ عَرَضَتْ لِبَعْضِ أَهْلِ الْأَرْضِ مُصِيبَةٌ

إِلَى النُّورِ" و لما قلنا: من أنه لو لم يكن كذلك لكان محتاجا إلى إمام آخر" كذلك لا بد من وال" أي من يلي الأمر و يتلقاه من الملائكة و الروح، و يدل الناس على الأمر الحكيم.

" فإن قالوا لا نعرف هذا" أي الوالي أو الاستدلال المذكور و نفى معرفتهم إياه نظير قوله تعالى:" قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ" و" قولوا ما أحببتم" نظير قوله تعالى:" اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ" و قوله:" تَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ" و هذا الكلام متعارف بعد مكابرة الخصم" قال ثم وقف" أي ترك أبي الكلام" فقال" أي إلياس، و قيل: ضمير وقف أيضا لا ليأس، أي قام تعظيما و الأول أظهر.

" باب غامض" أي شبهة مشكلة استشكلها المخالفون لقول عمر عند إرادة النبي الوصية: حسبنا كتاب الله، و قيل: الغامض بمعنى السائر المشهور من قولهم: غمض في الأرض إذا ذهب و سار." إن القرآن ليس بناطق" أي ليس القرآن بحيث يفهم منه الأحكام كل من نظر فيه، فإن كثيرا من الأحكام ليست في ظاهر القرآن، و ما فيه أيضا تختلف فيه الأمة و كل منهم يستدل بالقرآن على مذهبه، فظهر أن القرآن إنما يفهمه الإمام، و هو دليل له على معرفة الأحكام، و المراد أن القرآن لا يكفي بسياسة الأمة و إن سلم أنهم يفهمون معانيه، بل لا بد من آمر و ناه و زاجر يدعوهم إلى العمل بالقرآن، و يحملهم عليه، و يكون هو معصوما عاملا بجميع ما أمر به فيه منزجرا عن كل ما نهى عنه فيه.

فقوله:" و أقول قد عرضت" مشيرا إلى ما ذكرنا أولا دليل آخر" و الحكم

ص: 69

مَا هِيَ فِي السُّنَّةِ وَ الْحُكْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ- وَ لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ أَبَى اللَّهُ لِعِلْمِهِ بِتِلْكَ الْفِتْنَةِ أَنْ تَظْهَرَ فِي الْأَرْضِ وَ لَيْسَ فِي حُكْمِهِ رَادٌّ لَهَا وَ مُفَرِّجٌ عَنْ أَهْلِهَا فَقَالَ هَاهُنَا تَفْلُجُونَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ عَلِمَ بِمَا يُصِيبُ الْخَلْقَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي أَنْفُسِهِمْ

الذي ليس فيه اختلاف" أي الضروريات أو السنة المتواترة أو ما أجمعت عليه الأمة" و ليست في القرآن" أي في ظاهر القرآن و ما يفهمه منه علماء الأمة إذ جميع الأحكام في القرآن، و لكن لا يمكن استنباطه إلا للإمام" أن تظهر" أي الفتنة و هو مفعول" أبى" و قوله:" و ليس في حكمه" جملة حالية و الضمير في حكمه راجع إلى الله" في الأرض" أي في غير أنفسهم كالمال" أو في أنفسهم" كالدين أو القصاص، إشارة إلى قوله تعالى:" ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ".

قال البيضاوي: في الأرض كجدب و عاهة" وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ" كمرض و آفة" إِلَّا فِي كِتابٍ" أي إلا مكتوبة في اللوح، مثبتة في علم الله" مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها" أي نخلقها، و الضمير للمصيبة أو للأرض أو للأنفس" إِنَّ ذلِكَ" أي إن ثبته في كتاب" عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" لاستغنائه فيه عن العدة و المدة" لِكَيْلا تَأْسَوْا" أي أثبت و كتب" لئلا تحزنوا عَلى ما فاتَكُمْ" من نعم الدنيا" وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ" بما أعطاكم الله منها، فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر.

و لعل حاصل كلامه عليه السلام أنه كثيرا ما يعرض للناس شبهة في أمر من أمور الدين مما يتعلق بأنفسهم و أموالهم، و ليس في ظاهر الكتاب و السنة ما يزيل تلك الشبهة، و هذه مصيبة عرضت لهم، و لا بد أن تكون تلك المصيبة في علمه سبحانه قبل وقوعها، لأن المصيبة الواقعة في الآية نكرة في سياق النفي يفيد العموم، و المصيبة أعم من أن تكون

ص: 70

مِنَ الدِّينِ أَوْ غَيْرِهِ فَوَضَعَ الْقُرْآنَ دَلِيلًا- قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ هَلْ تَدْرِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ دَلِيلَ مَا هُوَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع نَعَمْ فِيهِ جُمَلُ الْحُدُودِ وَ تَفْسِيرُهَا عِنْدَ الْحُكْمِ فَقَالَ أَبَى اللَّهُ أَنْ يُصِيبَ عَبْداً بِمُصِيبَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي مَالِهِ لَيْسَ فِي أَرْضِهِ مِنْ حُكْمِهِ قَاضٍ بِالصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْمُصِيبَةِ قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ أَمَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَقَدْ فَلَجْتَهُمْ بِحُجَّةٍ إِلَّا أَنْ يَفْتَرِيَ خَصْمُكُمْ عَلَى اللَّهِ فَيَقُولَ لَيْسَ لِلَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ حُجَّةٌ وَ لَكِنْ أَخْبِرْنِي عَنْ تَفْسِيرِ- لِكَيْلا

في أمور الدين أو الدنيا، فلا يختص بالبلايا و الأمراض و الآفات، بل يعم المصائب الدينية و ما أشكل عليهم من الأحكام، و إليه أشار عليه السلام بقوله:" من الدين أو غيره" و إذا ثبت علمه تعالى بعروض تلك الشبهة لهم فلا بد في حكمته و لطفه أن يرفع تلك الشبهة عنهم إما بصريح الكتاب و السنة أو بإمام يزيح علتهم و يكون عالما بحكم جميع ما يعرض لهم، و الأولان مفقودان فتعين الثالث.

" فوضع القرآن دليلا" أي للإمام فإنه يمكنه أن يستنبط منه تفاصيل الأحكام، أو لسائر الخلق إلى جمل الأحكام و لا بد في علمهم بتفاصيلها من الرجوع إلى الإمام، و يمكن أن يكون عليه السلام فسر الكتاب في الآية بالقرآن، و أفاد أنه لا يعلم ذلك من القرآن إلا الإمام، فثبت الاحتياج إليه، و الأول أظهر.

قوله:" من حكم" بالتحريك و في أكثر النسخ من حكمه، فربما يقرأ بالفتح اسم موصول فحكمه مبتدأ و قاض خبره، و الجملةصلة للموصول، و المجموع اسم ليس، و نسبة القضاء إلى الحكم على المبالغة نحو جد جده، أو بالكسر فيكونصلة للخروج الذي يتضمنه معنى القضاء في قاض، أي قاض خارج من حكمه بالصواب، و المراد بالفلج بالحجة أما إتمام الحجة فالاستثناء منقطع، أو إلزام المخالفين و إسكاتهم فالاستثناء متصل" إلا أن يفتري خصمكم على الله" أي يكابر و يعاند بعد إتمام الحجة" و يقول ليس لله جل ذكره حجة" أي إمام ليعيد مدعاه بعد إتمام الحجة على نقيضه، أو ينكر وجوب اللطف على الله و اشتراط التكليف بالعلم.

ص: 71

تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ مِمَّا خُصَّ بِهِ عَلِيٌّ ع- وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ قَالَ فِي أَبِي فُلَانٍ

قوله:" مما خص علي عليه السلام به، هذا من كلام أبي جعفر عليه السلام، ففي الكلام حذف يعني قال: مما خص علي به، يعني الخلافة و الإمامة، و كأنه سقط من النساخ، و يحتمل أن يكون من كلام إلياس عليه السلام.

قوله: قال في أبي فلان و أصحابه، أقول: هذا الكلام يحتمل وجوها من التأويل:

الأول: ما خطر ببالي القاصر و هو أن الآية نزلت في أبي بكر و أصحابه يعني عمر و عثمان. و الخطاب معهم، فقوله:" لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ" أي لا تحزنوا على ما لكم من النص و التعيين للخلافة و الإمامة، و خص علي عليه السلام به حيث نص الرسولصلى الله عليه و آله بالخلافة عليه و حرمكم عنها" وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ" من الخلافة الظاهرية بعد الرسولصلى الله عليه و آله أي خلاكم و إرادتكم و لم يجبركم على تركها، و مكنكم من غصبها من مستحقها" واحدة مقدمة" أي قوله: لا تأسوا، إشارة إلى قضية متقدمة و هي النص بالخلافة في حياة الرسولصلى الله عليه و آله" و واحدة مؤخرة" أي قوله: و لا تفرحوا، إشارة إلى واقعة مؤخرة و هي غصب الخلافة بعد الرسولصلى الله عليه و آله، و لا يخفى شدة انطباق هذا التأويل على الآية فإنه يصير حاصلها هكذا: ما تحدث مصيبة و قضية في الأرض و في أنفسكم إلا و قد كتبناها و الحكم المتعلق بها في كتاب من قبل أن تخلق المصيبة أو الأنفس لكيلا تأسوا على ما فاتكم من الخلافة و تعلموا أن الخلافة لا يستحقها إلا من تنزل عليه الملائكة و الروح بالوقائع و الأحكام المكتوبة في ذلك الكتاب، و لا تفرحوا بما يتيسر لكم من الخلافة و تعلموا أنكم لا تستحقونه و أنه غصب، و سيصيبكم وباله، فظهر أن ما ذكره الباقر عليه السلام قبل ذلك السؤال أيضا كان إشارة إلى تأويلصدر تلك الآية، فلذا سئل إلياس عليه السلام عن تتمة الآية، و يحتمل وجها آخر مع قطع النظر عما أشار إليه أو لا بأنا قدرنا المصائب الواردة على الأنفس قبل خلقها، و قدرنا الثواب على من وقعت عليه و العقاب على من تسبب لها، لكيلا تأسوا على ما فاتكم و تعلموا أنها لم تكن مقدرة لكم فلذا لم يعطكم الرسولصلى الله عليه و آله" وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ" للعقاب

ص: 72

المترتب عليه.

الثاني: ما أفاده والدي العلامة قدس الله روحه و هو أن السؤال عن هذه الآية لبيان أنه لا يعلم علم القرآن غير الحكم إذ كل من يسمع تلك الآية يتبادر إلى ذهنه أن الخطابين لواحد، لاجتماعهما في محل واحد، و الحال أن الخطاب في قوله لكيلا تأسوا، لعلي عليه السلام لما فاته من الخلافة، و في قوله: و لا تفرحوا، لأبي بكر و أصحابه لما غصبوا الخلافة فقوله:" واحدة مقدمة و واحدة مؤخرة" لبيان اتصالهما و انتظامهما في آية واحدة، فلذا قال الرجل: أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه، حيث تعلمون بطون الآيات و تأويلاتها و إسرارها و موارد نزولها.

الثالث: ما ذكره الفاضل الأسترآبادي حيث قال: لا تأسوا، خطاب مع أهل البيت عليهم السلام، و لا تحزنوا على مصيبتكم للذي فات عنكم، و لا تفرحوا خطاب مع المخالفين، أي لا تفرحوا بالخلافة التي أعطاكم الله إياها بسبب سوء اختياركم، و إحدى الآيتين مقدمة و الأخرى مؤخرة فاجتمعتا في مكان واحد في تأليف عثمان.

الرابع: ما قيل أن قوله: لكيلا تأسوا، خطاب للشيعة حيث فاتهم خلافة علي عليه السلام، و لا تفرحوا بما آتاكم، خطاب لمخالفيهم حيث أصابتهم الخلافة المغصوبة و إحدى القضيتين مقدمة على الأخرى.

الخامس: ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال: من في" مما" للتبعيض، و الظرف حال تفسير و ما عبارة عن التفسير الذي خص رسول اللهصلى الله عليه و آله عليا عليه السلام به، و لا تفرحوا بما آتاكم بتقدير: و عن تفسير لا تفرحوا بما آتاكم، و المقصود السؤال عن تفسيرهما الذي خص رسول الله عليا عليه السلام به، قال: في أبي فلان أي في أبي بكر، و هذا تفسير الكلمة الثانية و هي و لا تفرحوا بما آتاكم، قدمه للاهتمام به و هو مبني على أن المخاطبين بالثانية غير المخاطبين بالأولى، نظير" يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ" و على أنه أهل دولة الباطل إن علموا أن أهل الحق لا يأسون على ما فاتهم

ص: 73

وَ أَصْحَابِهِ وَاحِدَةٌ مُقَدِّمَةٌ وَ وَاحِدَةٌ مُؤَخِّرَةٌ- لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ مِمَّا خُصَّ بِهِ عَلِيٌّ ع- وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي عَرَضَتْ لَكُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِص- فَقَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَصْحَابُ الْحُكْمِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ وَ ذَهَبَ فَلَمْ أَرَهُ

2 عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ بَيْنَا أَبِي جَالِسٌ وَ عِنْدَهُ نَفَرٌ إِذَا اسْتَضْحَكَ حَتَّى اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ دُمُوعاً ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا أَضْحَكَنِي قَالَ فَقَالُوا لَا قَالَ زَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مِنَ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَقُلْتُ لَهُ هَلْ رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ

لعلمهم بكل مصيبة قبل وقوعه و كرامتهم عند الله تكدرت عليهم دولتهم و ما آتاهم، و كثرت آلامهم في أنفسهم، و تأنيث" واحدة" باعتبار الكلمة أو الفقرة" مقدمة" بشد المهملة المكسورة وصف الأولى بأنها لإعزاز المخالفين بها" مؤخرة" بشد المعجمة المكسورة وصف للثانية بأنها لإذلال المخاطبين فيها" لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ" مبتدأ خبره" مما خص به علي عليه السلام" و الجملة استيناف بياني، و المراد أنه مما نزل في علي عليه السلام و أوصيائه، و هذا تفسير للكلمة الأولى، و تغيير الأسلوب في" وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ" من الفتنة إلى آخره لأن كونها مما خص به أبو بكر و أصحابه معلوم مما مر، و لا يحسن إعادته، فمن في قوله" من الفتنة" لبيان" ما آتاكم" و المراد بالفتنة الامتحان بدولة الدنيا كما في قوله تعالى:" اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً" و لا يخفى بعد تلك الوجوه و ظهور ما ذكرنا أو لا على المتدبر.

الحديث الثاني

: سنده كما تقدم.

و الاستضحاك كأنه مبالغة في الضحك و في القاموس: اغرورقت عيناه، أي دمعتا كأنهما غرقا في دمعهما" انتهى".

و" دموعا" تميز و قيل: هو مصدر دمعت عينه كمنع إذا ظهر منه الدمع، و هو مفعول له أو جمع دمع بالفتح و هو ماء العين، فهو بتقدير" من" مثل: الحوض ملآن ماء، أو هو مفعول فيه.

" هل رأيت الملائكة" إشارة إلى تتمة الآية، إذ هي هكذا:" إِنَّ الَّذِينَ قالُوا

ص: 74

تُخْبِرُكَ بِوَلَايَتِهَا لَكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْحُزْنِ قَالَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وَ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا جَمِيعُ الْأُمَّةِ فَاسْتَضْحَكْتُ ثُمَّ قُلْتُصَدَقْتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ فِي حُكْمِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ اخْتِلَافٌ قَالَ فَقَالَ لَا فَقُلْتُ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا أَصَابِعَهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى سَقَطَتْ ثُمَّ ذَهَبَ وَ أَتَى رَجُلٌ آخَرُ فَأَطَارَ كَفَّهُ فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْكَ وَ أَنْتَ قَاضٍ كَيْفَ أَنْتَصَانِعٌ قَالَ أَقُولُ لِهَذَا الْقَاطِعِ أَعْطِهِ دِيَةَ كَفِّهِ وَ أَقُولُ لِهَذَا الْمَقْطُوعِصَالِحْهُ عَلَى مَا شِئْتَ وَ أَبْعَثُ بِهِ إِلَى ذَوَيْ عَدْلٍ قُلْتُ جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَ نَقَضْتَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ

رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" فيظهر منه أنه عليه السلام فسر الآية بأن هذا الخطاب من الملائكة يكون في الدنيا بحيث يسمعون كلامهم، و ذهب جماعة إلى أن الخطاب في الدنيا و هم لا يسمعون، أو عند الموت و هم يسمعون و ما ذكره عليه السلام ألصق بالآية فالمراد بالاستقامة الاستقامة على الحق في جميع الأقوال و الأفعال، و هو ملزوم العصمة.

قوله عليه السلام:"صدقت" أي في قولك" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" لكن لا ينفعك إذ الأخوة لا يستلزم الاشتراك في جميع الكمالات، أو قال ذلك على سبيل المماشاة و التسليم، أو على سبيل التهكم، و ضحكه عليه السلام لوهن كلامه و عدم استقامته.

قوله" و ابعث به إلى ذوي عدل" أقول: سيأتي هذا الجزء من الخبر في كتاب الديات، و فيه" أو ابعث إليها ذوي عدل" و لعل البعث للأرش كما قال به ابن إدريس و بعض أصحابنا حيث رد و الخبر بالضعف و قالوا بثبوت الأرش، بأن يفرض كونه عبدا مقطوع الأصابع، ثم عبدا مقطوع اليد و ينسب التفاوت إلى دية الحر، فحكمه أولا على القاطع بإعطاء تمام الدية على الاحتياط من طرف الجاني، أو البعث لتقويم الأصابع ليسقط من دية اليد، فيكون قولا آخر لم يقل به أحد، و الاختلاف إما بين

ص: 75

أَبَى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي خَلْقِهِ شَيْئاً مِنَ الْحُدُودِ وَ لَيْسَ تَفْسِيرُهُ فِي الْأَرْضِ اقْطَعْ قَاطِعَ الْكَفِّ أَصْلًا ثُمَّ أَعْطِهِ دِيَةَ الْأَصَابِعِ هَكَذَا حُكْمُ اللَّهِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا أَمْرُهُ إِنْ جَحَدْتَهَا بَعْدَ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِص فَأَدْخَلَكَ اللَّهُ النَّارَ كَمَا أَعْمَى بَصَرَكَ يَوْمَ جَحَدْتَهَا عَلَى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فَلِذَلِكَ عَمِيَ بَصَرِي قَالَ وَ مَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ فَوَ اللَّهِ إِنْ عَمِيَ بَصَرِي إِلَّا مِنْصَفْقَةِ جَنَاحِ الْمَلَكِ قَالَ فَاسْتَضْحَكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ لِسَخَافَةِ عَقْلِهِ ثُمَّ لَقِيتُهُ فَقُلْتُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا تَكَلَّمْتَ بِصِدْقٍ مِثْلِ أَمْسِ قَالَ لَكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَ إِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ وَ إِنَّ لِذَلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِص فَقُلْتَ مَنْ هُمْ فَقَالَ أَنَا وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْصُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ فَقُلْتَ لَا أَرَاهَا كَانَتْ إِلَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَتَبَدَّى لَكَ الْمَلَكُ

تقويم قوله"صالحه" و بين قوله" و ابعث" أو بينهما و بين قوله" أعطه دية كفه" أو لاختلاف المقومين فلا يبتني عليه حكم الله، و فيه نظر، أو المراد بالاختلاف الحكم بالظن الذي يزول بظن آخر كما عرفت سابقا.

قوله عليه السلام: اقطع قاطع الكف، عمل به أكثر أصحابنا و إن ضعف الخبر عندهم، قوله:" فلذلك عمي بصري" الظاهر أن هذا تصديق و اعتراف منه بذلك كما يدل ما سيأتي لا استفهام إنكار كما يتراءى من ظاهره، ثم بعد اعترافه قال له عليه السلام: و ما علمك بذلك؟ و قوله:" فو الله" من كلام الباقر عليه السلام و" إن" نافية و قائل" فاستضحكت" أيضا الباقر عليه السلام، و قوله:" ما تكلمت بصدق" إشارة إلى اعترافه، ثم لما استبعد ابن عباس في اليوم السابق علمه عليه السلام بتلك الواقعة ذكر عليه السلام تفصيلها بقوله:" قال لك" إلخ، ليظهر لابن عباس علمه بتفاصيل تلك الواقعة.

قوله: فتبدأ لك الملك، لعله بإعجاز علي عليه السلام، و يحتمل أن يكون المراد ظهور كلام الملك له، و قال الملك رأت عيناي ما حدثك به علي عليه السلام من نزول الملائكة لأني كنت من جملة الملائكة النازلين عليه، و لم تره عينا علي عليه السلام لأنه محدث

ص: 76

الَّذِي يُحَدِّثُهُ فَقَالَ كَذَبْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ رَأَتْ عَيْنَايَ الَّذِي حَدَّثَكَ بِهِ عَلِيٌّ وَ لَمْ تَرَهُ عَيْنَاهُ وَ لَكِنْ وَعَى قَلْبُهُ وَ وَقَرَ فِي سَمْعِهِ ثُمَّصَفَقَكَ بِجَنَاحِهِ فَعَمِيتَ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا اخْتَلَفْنَا فِي شَيْ ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ فَهَلْ حَكَمَ اللَّهُ فِي حُكْمٍ مِنْ حُكْمِهِ بِأَمْرَيْنِ قَالَ لَا فَقُلْتُ هَاهُنَا هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْتَ

و لا يرى الملك عند إلقاء الحكم" و وقر في سمعه" كوعد أي سكن و ثبت" ثمصفقك" أي الملك و هو كلام الباقر عليه السلام، و الصفقة: الضربة يسمع لهاصوت.

قوله: ما اختلفنا، لعل غرضه أن الله يعلم المحق منا و المبطل، تعريضا بأنه محق، أو غرضه الرجوع إلى القرآن في الأحكام، و أنه لا يلزم أن يكون في الأمة من يعلم المختلف فيه، فأجاب عليه السلام بأن القرآن لا يرفع الاختلاف، و بعبارة أخرى إذا كان الحكم مردودا إلى الله و ليس عند الله في الواقع إلا حكم واحد، فكيف تحكمون تارة بأمره و تارة بضده، و هل هذا إلا مخالفة لله في أحد الحكمين التي هي سبب الهلاك و الإهلاك.

ثم اعلم أن هذه المناظرة بين أبي جعفر عليه السلام و ابن عباس لا بد أن يكون فيصغره عليه السلام و في حياة أبيه عليه السلام إذ ولادة أبي جعفر عليه السلام كانت سنة سبع و خمسين، و وفاة ابن عباس سنة ثمان و ستين، و وفاة علي بن الحسين عليهما السلام سنة خمس و تسعين.

ثم إنه لا خلاف بين الإمامية في أن ليلة القدر و فضلها باقية بعد الرسولصلى الله عليه و آله و سلم إلى انقراض الدنيا، و في كل منها يكون تنزل الملائكة و الروح، و إليه ذهب أكثر العامة، قال المازري: أجمع من يعتد به على وجودها و دوامها إلى آخر الدهر لتظافر الأحاديث و كثرة رؤية الصالحين لها، و قال عياض: و شذ قوم فقالوا كانت خاصة بهم فرفعت." انتهى"

ص: 77

3 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ- فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ يَقُولُ يَنْزِلُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَ الْمُحْكَمُ لَيْسَ بِشَيْئَيْنِ إِنَّمَا هُوَ شَيْ ءٌ وَاحِدٌ فَمَنْ حَكَمَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَحُكْمُهُ مِنْ حُكْمِ

الحديث الثالث

: السند كما مر.

و قيل: المستفاد من هذا الحديث أن معنى إنزال القرآن في ليلة القدر إنزال بيانه بتفصيل مجمله و تأويل متشابهه و تقييد مطلقة و تفريق محكمه عن متشابهه، و بالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان كما قال سبحانه:" شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ" يعني في ليلة القدر منه" هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ" تنبيه لقوله عز و جل:" إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" أي محكم" أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ" فقوله:" فِيها يُفْرَقُ" و قوله" و الفرقان" معناهما واحد.

و روي في معاني الأخبار بإسناده عن الصادق عليه السلام أن القرآن جملة الكتاب، و الفرقان المحكم الواجب العمل به، و قد قال تعالى:" إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ

" أي حين أنزلناه نجوما" فَإِذا قَرَأْناهُ

" عليك حينئذ" فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

" أي جملته" ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ" أي في ليلة القدر بإنزال الملائكة و الروح فيها عليك و على أهل بيتك من بعدك بتفريق المحكم من المتشابه، بتقدير الأشياء و تبيين أحكام خصوص الوقائع التي تصيب الخلق في تلك السنة إلى ليلة القدر الآتية، و في بعض الأخبار أنه لم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر و أنه لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن. و قال في الفقيه: تكامل نزول القرآن في ليلة القدر، و هو مؤيد لما قلنا، و فسر عليه السلام الحكيم بمعنى المحكم في ضمن قوله:" و المحكم ليس بشيئين" و فسر المحكم

ص: 78

اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ حَكَمَ بِأَمْرٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَرَأَى أَنَّهُ مُصِيبٌ فَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ إِنَّهُ لَيَنْزِلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ تَفْسِيرُ الْأُمُورِ سَنَةً سَنَةً يُؤْمَرُ فِيهَا فِي أَمْرِ نَفْسِهِ بِكَذَا وَ كَذَا وَ فِي أَمْرِ النَّاسِ بِكَذَا وَ كَذَا وَ إِنَّهُ لَيَحْدُثُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ سِوَى ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ عِلْمُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْخَاصُّ وَ الْمَكْنُونُ الْعَجِيبُ الْمَخْزُونُ- مِثْلُ مَا يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ الْأَمْرِ ثُمَّ قَرَأَ وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ

بما لا يحتمل غير معناه كما هو المشهور في تفسيره، لأنه هو الذي ليس بشيئين إنما هو شي ء واحد لا اختلاف فيه، و أما الذي يحتمان غير معناه فهو شيئان و لا بد فيه من الاختلاف.

و أقول: الحكيم فعيل بمعنى المفعول، أي المعلوم اليقيني، من حكمه كنصره إذا أتقنه و منعه عن الفساد كأحكمه، و المراد بشيئين أمران متنافيان كما يكون في المظنونات، فيدل ما في سورة الدخان و ما في سورة القدر على أن الحكم النازل من عنده سبحانه في ليلة القدر هو الحكم اليقيني الحتمي الواقعي، و لا بد من عالم بذلك الحكم و إلا فلا فائدة في إنزاله، و ليس العالم بذلك إلا الإمام المعصوم المؤيد من عند الله سبحانه، فيدل على أنه لا بد في كل عصر إلى انقراض التكليف من إمام مفترض الطاعة عالم بجميع أمور الدين، دقيقها و جليلها و" الطاغوت" الشيطان و الأوثان و كل ما عبد من دون الله أوصد عن عبادة الله أو أطيع بغير أمر الله، فعلوت من الطغيان، قلبت عينه و لامه و المراد بالعلم الخاص، العلم اللدني المتعلق بمعرفة الله سبحانه وصفاته و غير ذلك مما لم يتعلق بأفعال العباد كما مر، و بالمكنون العجيب المخزون إما خصوصيات الحوادث و الأمور البدائية و أسرار القضاء أو الأعم منها و مما لا يصل إليه عقول أكثر الخلق من غوامض الأسرار و الحقائق، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام" اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة".

" وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ" قال البيضاوي: أي و لو ثبت كون الأشجار أقلاما، و توحيد شجرة، لأن المراد تفصيل الآحاد" وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ

ص: 79

مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِصَدَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ- وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِص لَا أَدْرِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِص وَ هَلْ

أَبْحُرٍ" أي و البحر المحيط سبعة مداد ممدود بسبعة أبحر، فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من مداد الدواة و أمدها، و رفعه للعطف على محل" أن" و معمولها،" و يمده" حال، أو الابتداء على أنه مستأنف و الواو للحال" ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ" بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد، و إيثار جمع القلة للإشعار بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير" إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ" لا يعجزه شي ء" حَكِيمٌ" لا يخرج عن علمه و حكمته أمر.

الحديث الرابع

قال رسول اللهصلى الله عليه و آله، أي بالمقال أو بلسان الحال" خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر" إنما قيد بذلك لئلا يلزم تفضيل الشي ء على نفسه و غيره، و المراد بعدم كونها فيها عدمها مطلقا، أو المراد قطع النظر عنها و عن فضلها، فقد روي في خبر الصحيفة السجادية على من ألهمها السلام، عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام، أن رسول الله أخذته نعسة و هو على منبره فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة يردون الناس على أعقابهم القهقرى، فاستوى رسول الله جالسا و الحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه السلام بهذه الآية" وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً" يعني بني أمية، قال: يا جبرئيل أ على عهدي يكونون و في زمني؟ قال: لا و لكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمس

ص: 80

و ثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا، ثم لا بد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها، ثم ملك الفراعنة.

قال: و أنزل الله تعالى في ذلك إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ يملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر، قال: فأطلع الله تعالى نبيه عليه السلام أن بني أمية تملك سلطان هذه الأمة و ملكها طول هذه المدة إلى آخر الخبر، و سيأتي في هذا الكتاب مثله أيضا في باب ليلة القدر.

و اختلف في معنى كونها خيرا من ألف شهر، فقيل: المراد أن العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر كما في رواية الصحيفة، و هي تحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المراد أن الله سلب فضل ليلة القدر في مدة ملكهم عن العالمين سوى أهل البيت المعصومين عليهم السلام، فعبادة ليلة القدر أفضل من عبادة تلك المدة لعدم كون ليلة القدر فيها.

الثاني: أنه تعالى سلب فضلها عن بني أمية، فالمراد بالعبادة العبادة التقديرية لعدمصحة عباداتهم، أي لو كانت مقبولة لكانت عبادة ليلة القدر أفضل منها، لسلب فضل ليلة القدر عنهم.

الثالث: أن يكون بيان مدة ملكهم و أنها تقريبا ألف شهر، و قوله:" ليس فيها ليلة القدر" أي مع قطع النظر عن ليلة القدر، لا أن الله سلبها في تلك المدة عنهم أو مطلقا.

الرابع: أن يكون المراد أن الثواب الذي يمنحه الله على العمل فيها خير من سلطنة بني أمية و شوكتهم و اقتدارهم في تلك المدة، و الحاصل أن امتياز هذا الثواب من سائر المثوبات الأخروية كامتياز ملك بني أمية بالنسبة إلى سائر الاعتبارات و الدرجات الدنيوية و إلا فقد ورد أن ثواب تسبيحة خير من ملك سليمان و يرد هذا الوجه كثير من الأخبار.

ص: 81

تَدْرِي لِمَ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قَالَ لَا قَالَ لِأَنَّهَا- تَنَزَّلُ فِيهَا الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ- بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ وَ إِذَا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِشَيْ ءٍ فَقَدْ رَضِيَهُ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ

قوله عليه السلام" لأنها تنزل فيها الملائكة و الروح" اعلم أنه اختلف في الروح، فروي عن ابن عباس أنه جبرئيل و به قال أكثر المفسرين، و قيل: هو ملك أعظم من جبرئيل و من سائر الملائكة، و قيل: ليس هو من جنس الملك بل هو خلق أشرف و أعظم من الملائكة و به وردت أكثر أخبارنا و استدلوا عليهم السلام بهذه الآية و بقوله تعالى:" يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ" على المغايرة للعطف المقتضي لها.

و اختلفوا أيضا في معنى نزول القرآن في ليلة القدر، فقيل: المراد ابتداء نزوله، و قيل: نزول جملته من اللوح إلى السفرة، و قيل: إلى السماء الدنيا، و قيل: كان ينزل مجموع ما ينزل في السنة في ليلة القدر إلى السفرة، و يحتمل نزول جملته على النبيصلى الله عليه و آله و سلم أولا ثم كان ينزل بحسب المصالح منجما و قد مر وجه آخر آنفا، و سيأتي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم نزل في طول عشرين سنة.

و اختلف أيضا في تعيينها، فقال بعض العامة: بأنها مشتبهة في ليالي السنة كلها، و منهم من قال: مشتبهة في شعبان و شهر رمضان، و الأكثرون منهم على أنها في شهر رمضان، فذهب بعضهم إلى أنها أول ليلة منه، و بعضهم إلى أنها ليلة سبع عشر منه، و بعضهم إلى أنها ليلة سبع و عشرين، و لا خلاف عندنا في عدم خروجها من الليالي الثلاث: تسع عشرة، و إحدى و عشرين، و ثلاث و عشرين و الأكثرون على الأخيرين، بل نقل شيخ الطائفة (ره) الإجماع على كونها في فرادى العشر الأواخر، و أكثر أخبارنا وردت في الأخيرتين، و كثير منها في الثالث و العشرين، و سيأتي تمام القول فيه في بابها إنشاء الله تعالى.

قوله عليه السلام" فقد رضيه" هذا إما تفسير للإذن بالرضا، أو لبيان أن من ينزلون

ص: 82

الْفَجْرِ يَقُولُ تُسَلِّمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مَلَائِكَتِي وَ رُوحِي بِسَلَامِي مِنْ أَوَّلِ مَا يَهْبِطُونَ إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ- ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ كِتَابِهِ- وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فِي

عليه هو مرضي لله" تسلم عليك" هذا أحد التفاسير لهذه الآية، و هو أن الملائكة و الروح يسلمون على من ينزلون إليه إلى طلوع الفجر، و ذكره النبيصلى الله عليه و آله و سلم على المثال، أو لأنهصلى الله عليه و آله و سلم كان مصداقه في زمان نزول الآية، قال الطبرسي (ره)" بِإِذْنِ رَبِّهِمْ" أي بأمر ربهم كما قال:" وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ" و قيل: بعلم ربهم كما قال" أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ".

" مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" من الخير و البركة كقوله:" يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" أي بأمر الله و قيل: بكل أمر من رزق و أجل إلى مثلها من العام القابل ثم قال:" سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" أي هذه الليلة إلى آخرها سلامة من الشرور و البلايا و آفات الشيطان و هو تأويل قوله:" فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ" عن قتادة، و قال مجاهد: يعني أن ليلة القدر سالمة عن أن يحدث فيها سوء أو يستطيع شيطان أن يعمل فيها، و قيل: معناه سلام على أولياء الله و أهل طاعته، فكلما لقيهم الملائكة في هذه الليلة سلموا عليهم من الله تعالى عن عطاء و الكلبي، و قيل: إن تمام الكلام عند قوله: بإذن ربهم، ثم ابتدأ فقال: من كل أمر سلام، أي بكل أمر فيه سلام و منفعة و خير و بركة، لأن الله يقدر في تلك الليلة كل ما فيه خير و بركة، ثم قال: هي حتى مطلع الفجر، أي السلامة و البركة و الفضيلة تمتد إلى وقت طلوع الفجر، و لا تكون في ساعة منها فحسب، بل تكون في جميعها، انتهى.

قوله تعالى:" وَ اتَّقُوا فِتْنَةً" الخطاب للمؤمنين المذكورين في سابق الآية بقوله:

" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" و الفتنة: الكفر و الضلال" لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا" الآية، أقول:

فيها قراءتان إحداهما" لا تُصِيبَنَّ" و هي المشهورة و الأخرى" لتصيبن" باللام المفتوحة

ص: 83

إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ قَالَ فِي بَعْضِ كِتَابِهِ- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ

و قال الطبرسي (ره): هي قراءة أمير المؤمنين عليه السلام و زيد بن ثابت و أبو جعفر الباقر عليه السلام و غيرهم، فعلى الأول قيل: إنه جواب الأمر على معنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة، و قيل:صفة لفتنة و لا للنفي أو للنهي على إرادة القول، و قيل:

جواب قسم محذوف، و قيل. إنه نهى بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم فإن وباله يصيب الظالم خاصة، و قيل: كلمة" لا" زائدة و قيل: إن أصلها لتصيبن فزيدت الألف للإشباع، و على القراءة الثانية جواب للقسم، فما ذكره عليه السلام شديد الانطباق على القراءة الثانية، و لعله كانت النسخة كذلك فحرفها النساخ تبعا للقراءة المشهورة و كذا ينطبق على القراءة الأولى على بعض محتملاتها، ككونه نهيا أو لا زائدة أو مشبعة.

و أما على سائر المحتملات فيمكن أن يقال أنه لما ظهر من الآية انقسام الفتنة إلى ما يصيب الظالمين خاصة و ما يعمهم و غيرهم فسر عليه السلام الأولى بذلك.

و تفصيله أن الفتنة فتنتان فتنة تصيب الذين ظلموا منهم خاصة و هي إنكارهم ليلة القدر بعد النبي عليه السلام أصلا و رأسا، و ارتدادهم على أعقابهم كفرا و نفاقا، و أصحاب هذه الفتنة ليسوا مخاطبين في هذه الآية لأنهم ليسوا بأهل للخطاب و لا ينفعهم النصح، و فتنة أخرى لا تصيبن الذي ظلموا خاصة بل تعمهم و غير الظالمين، و هي عدم المبالاة بمعرفةصاحب هذا الأمر بعد رسول اللهصلى الله عليه و آله، و أن ليلة القدر بعده لمن؟ و إن تنزل الملائكة و الروح فيها على من؟ و أصحاب هذه الفتنة أهل الحيرة الذين لا يهتدون إلى الحق سبيلا، و هم المخاطبون بهذه الآية يقول الله لهم: اجتهدوا في معرفة الأمور المذكورة و تعرفوها من قبل أن يخرج طريق تعرفها من أيديكم، و هذا معنى اتقاء الفتنة، و الآية الثانية نزلت في جماعة فروا من الزحف في غزوة أحد، مرتدين على أعقابهم زعما منهم أن الرسولصلى الله عليه و آله قد قتل حين نادى إبليس فيهم بذلك، و هم في الحقيقة أهل الفتنة الأولى، المنكرون لبقاء ليلة القدر بعد الرسول، بل لبقاء الدين أيضا يقول الله تعالى لهم وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ كسائر الرسل الذين مضوا فإنه سيمضي كما

ص: 84

الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ يَقُولُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِنَّ مُحَمَّداً حِينَ يَمُوتُ يَقُولُ أَهْلُ الْخِلَافِ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَضَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِص فَهَذِهِ فِتْنَةٌ أَصَابَتْهُمْ

مضوا، فإذا مضى لم يمض معه الدين حتى تنقلبوا بعده كفارا، أف لكم و لأيمانكم، كلا بل الدين باق بعده و الأمر وصاحب الأمر باق، و ليلة القدر باقية، و تنزل الملائكة و الروح فيها علىصاحب الأمر باق ما بقيت الدنيا و أهلها، و أنه يكون بعد الرسولصلى الله عليه و آله خليفة بعد خليفة و وصي بعد وصي و نزول أمر بعد نزول أمر.

فقوله عليه السلام:" يقول في الآية الأولى" إلى آخره، إشارة إلى ما قلناه، و بيان لارتباط إحدى الآيتين بالأخرى، و تنبيه على أن الذين ظلموا في الأولى هم المشار إليهم بالانقلاب على الأعقاب في الثانية بالحقيقة، و قوله عليه السلام" أهل الخلاف لأمر الله" إشارة إلى أصحاب الفتنة الأولى، و قوله:" بها ارتدوا" إشارة إلى أنهم في الحقيقة هم المرتدون في تلك الغزوة على أعقابهم، و أنهم بهذه الفتنة ارتدوا، و قوله:

" لأنهم إن قالوا" تعليل لقولهم يمضي ليلة القدر، و ارتدادهم عن الدين و ذلك لأنهم إن اعترفوا ببقاء ليلة القدر فلا بد لهم من الاعتراف بالحق كما بينه عليه السلام.

و بعبارة أخرى لعل المراد بالذين ظلموا الثلاثة الغاصبون للخلافة، فإنهم ظلموا آل محمدصلى الله عليه و آله و غصبوا حقوقهم، و كونهم محل نزول الملائكة و الروح، و كون إنا أنزلناه في ليلة القدر نازلا فيهم، فأنكروا النص جهارا و كفروا و ارتدوا، و هم الذين ارتدوا يوم أحد بظنهم أن الرسولصلى الله عليه و آله قد قتل، فأظهروا الكفر و ولوا و فروا، و عزموا على أن يتركوا الدين بالكلية و لم يقروا بخليفة بعد الرسولصلى الله عليه و آله يقوم به الدين، و الفتنة التي شملت غيرهم هو اشتباه الأمر عليهم، و تمسكهم بالبيعة الباطلة و الإجماع المفتري كما بقي الناس إلى هذا الزمان، فالتحذير إنما هو عن هذه الفتنة، و قيل: المراد بالذين ظلموا المشركونصريحا و المنافقون، و ذلك لأنهم لا يصدقون بليلة القدر في عهد رسول اللهصلى الله عليه و آله أصلا فلا يقولون بذهابها بعد رسول الله

ص: 85

خَاصَّةً وَ بِهَا ارْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ لِأَنَّهُمْ إِنْ قَالُوا لَمْ تَذْهَبْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا أَمْرٌ وَ إِذَا أَقَرُّوا بِالْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْصَاحِبٍ بُدٌّ

5 وَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ عَلِيٌّ ع كَثِيراً مَا يَقُولُ- مَا اجْتَمَعَ التَّيْمِيُّ وَ الْعَدَوِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِص وَ هُوَ يَقْرَأُ- إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ بِتَخَشُّعٍ وَ بُكَاءٍ فَيَقُولَانِ مَا أَشَدَّ رِقَّتَكَ لِهَذِهِ السُّورَةِ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِص لِمَا رَأَتْ عَيْنِي وَ وَعَى قَلْبِي وَ لِمَا يَرَى قَلْبُ هَذَا مِنْ بَعْدِي فَيَقُولَانِ وَ مَا الَّذِي رَأَيْتَ وَ مَا الَّذِي يَرَى قَالَ فَيَكْتُبُ لَهُمَا

صلى الله عليه و آله و" من" في منكم للسببية أو للابتداء، و الظرف خبر مبتدإ محذوف، أي هي منكم خاصة و الجملة استئناف بياني للسابق، و الاستفهام في" ا فإن" توبيخي و الانقلاب على الأعقاب، الارتداد عن دين الإسلام بالقول بأن ليلة القدر مضت مع رسول اللهصلى الله عليه و آله، و المراد بالشاكرين المقرين بنعمة الوصي، العالم بكل ما يحتاج إليه الأمة إلى انقراض التكليف، يقول في الآية الأولى هذا تفسير لآية سورة الأنفال" و بها ارتدوا" تفسير لآية آل عمران بأن المراد بالانقلاب على الأعقاب الفتنة المذكورة في الآية الأولى، و هو القول بذهاب ليلة القدر، و المراد بالأمر ما يعلم في ليلة القدر، و بتحديث الملائكة و الروح، وصاحب الأمر الإمام الذي تنزل الملائكة و الروح إليه.

الحديث الخامس

: مثل السند السابق.

قوله عليه السلام: كثيرا ما يقول ما اجتمع، لعل كلمة ما أخيرا زيدت من النساخ و في كتاب تأويل الآيات الظاهرة مكان" فيقولان ما أشد"" إلا و يقولون" و هو أصوب، و التيمي أبو بكر، و العدوي عمر.

" لما رأت عيني" إشارة إلى الملائكة المنزلين في تلك الليلة" و وعى قلبي" أي ما حدثته من تبيين الأمور و إحكام الأحكام.

" و لما يرى قلب هذا من بعدي" يعني من الملائكة و تحديثهم إياه و أشار بهذا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، و إنما نسب الجميع إلى القلب لأنه عليه السلام لا يراهم بالعين عند الإلقاء كما مر" و ما الذي رأيت" سؤالهما عن المرئي بالعين و القلب معا، أي

ص: 86

فِي التُّرَابِ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ قَالَ ثُمَّ يَقُولُ هَلْ بَقِيَ شَيْ ءٌ بَعْدَ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- كُلِّ أَمْرٍ فَيَقُولَانِ لَا فَيَقُولُ هَلْ تَعْلَمَانِ مَنِ الْمُنْزَلُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ فَيَقُولَانِ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ هَلْ تَكُونُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مِنْ بَعْدِي فَيَقُولَانِ نَعَمْ قَالَ فَيَقُولُ فَهَلْ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْأَمْرُ فِيهَا فَيَقُولَانِ نَعَمْ قَالَ فَيَقُولُ إِلَى مَنْ فَيَقُولَانِ لَا نَدْرِي فَيَأْخُذُ بِرَأْسِي وَ يَقُولُ إِنْ لَمْ تَدْرِيَا فَادْرِيَا هُوَ هَذَا مِنْ بَعْدِي قَالَ فَإِنْ كَانَا لَيَعْرِفَانِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِص مِنْ شِدَّةِ مَا يُدَاخِلُهُمَا مِنَ الرُّعْبِ

6 وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ خَاصِمُوا بِسُورَةِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ تَفْلُجُوا فَوَ اللَّهِ إِنَّهَا لَحُجَّةُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِص وَ إِنَّهَا لَسَيِّدَةُ دِينِكُمْ وَ إِنَّهَا لَغَايَةُ عِلْمِنَا يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ خَاصِمُوا بِ حم وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فَإِنَّهَا لِوُلَاةِ الْأَمْرِ خَاصَّةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ

ما الذي ترى؟ و ما الذي تعلمان؟ فبين عليه السلام بالكتابة إن المرئي بالعين الملائكة، و المفهوم بالقلب كل من أمور الدين و الحوادث التي تحدث في السنة، ثمصرح بالتعميم بقوله: و هل بقي. إلخ.

قوله عليه السلام" فإن كانا ليعرفان" إن مخففة من المثقلة، و ضمير الشأن مقدر، يعني إن الشأن أنهما ليعرفان البتة تلك الليلة بعد النبيصلى الله عليه و آله لشدة الرعب الذي تداخلهما فيه و الرعب إما لأخبار النبيصلى الله عليه و آله بنزول الملائكة أو بمحض النزول بالخاصية أو بإلقاء الله سبحانه الرعب في قلوبهم لإتمام الحجة.

الحديث السادس

: السند مشترك.

" تفلجوا" من باب ضرب و نصر، أي تظفروا و تغلبوا" و إنها لسيدة دينكم" أي أعظم الحجج التي يرجعون إليها في إثبات دينكم" و إنها لغاية علمنا" أي دالة على نهاية علمنا لكشفها عن ليلة القدر التي يحصل لنا فيها غرائب العلم و مكنوناتها و يحتمل أن تكون الغاية بمعنى الراية و العلامة" فإنها لولاة الأمر خاصة" أي هذه

ص: 87

ص يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ قِيلَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ نَذِيرُهَا مُحَمَّدٌص قَالَصَدَقْتَ فَهَلْ كَانَ نَذِيرٌ وَ هُوَ حَيٌّ مِنَ الْبِعْثَةِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَقَالَ السَّائِلُ لَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع- أَ رَأَيْتَ بَعِيثَهُ أَ لَيْسَ نَذِيرَهُ كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِص فِي بِعْثَتِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ نَذِيرٌ فَقَالَ بَلَى قَالَ

الآيات إنما هي للأئمة المعصومين بعد النبيصلوات الله عليه و عليهم و في شأنهم، ليست لغيرهم يعني هذا الإنزال إنما هو عليهم بعده، و هذا الإنذار إنما يكون بهم بعده و إرسال الأمر المذكور فيهما إنما هو إليهم خاصة.

" وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ" قال الفيروزآبادي نذر بالشي ء كفرح علمه فحذره و أنذره بالأمر إنذارا و بضم و بضمتين، و نذيرا: أعلمه و حذره و خوفه في إبلاغه و النذير و الإنذار و المنذر" انتهى" و المعنى ما من أهل عصر من الماضين إلا مضى فيهم إمام علمهم بكل أمر، فكيف يكون أهل هذا العصر بدون نذير، و كذلك أهل الأعصار الآتية إلى انقراض التكليف" نذيرها محمدصلى الله عليه و آله و سلم" ضمير نذيرها إما راجع إلى الأمة في زمان نزول الآية فالكلام على الاستفهام و قوله عليه السلام:"صدقت" ظاهر، أو إلى جميع الأمة فيكون غرض السائل الاعتراض بأنه يكفي النبيصلى الله عليه و آله و سلم نذيرا لجميع الأمة فتصديقه لأصل كونهصلى الله عليه و آله و سلم نذيرا لجميع الأمة لكن بتوسط جماعة من المنذرين بواسطة في حياته و بعد وفاته.

و الحاصل أنه عليه السلام أخذ في الاحتجاج على السائل للاضطرار إلى النذير في كل قرن حتى في قرنه، فقال:" فهل كان نذير و هو حي من البعثة" و هي بالتحريك جمع بعيث بمعنى المبعوث أو بالكسر مصدر" في أقطار الأرض" أي كون النبيصلى الله عليه و آله و سلم نذيرا يستلزم أن يعين جماعة للإنذار من قبله، لأنه لم يكن يمكنه أن ينذر جميع الأمة بنفسه، فالصحابة الذين كان يبعثهم لهداية الخلق كانوا نذراء من قبله كما أنهصلى الله عليه و آله و سلم نذير من قبل الله فلما سلم السائل المقدمتين ألزمه عليه السلام بأنه لا بد أن يكون له نائب في الإنذار بعد وفاته أيضا و إلا لم ينذر جميع الأمة، مع أنه مبعوث إلى جميعهم، فيلزم

ص: 88

فَكَذَلِكَ لَمْ يَمُتْ مُحَمَّدٌ إِلَّا وَ لَهُ بَعِيثٌ نَذِيرٌ قَالَ فَإِنْ قُلْتُ لَا فَقَدْ ضَيَّعَ رَسُولُ اللَّهِص مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ مِنْ أُمَّتِهِ قَالَ وَ مَا يَكْفِيهِمُ الْقُرْآنُ قَالَ بَلَى إِنْ وَجَدُوا لَهُ مُفَسِّراً قَالَ وَ مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِص قَالَ بَلَى قَدْ فَسَّرَهُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَ فَسَّرَ لِلْأُمَّةِ شَأْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ السَّائِلُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ هَذَا أَمْرٌ خَاصٌّ لَا يَحْتَمِلُهُ الْعَامَّةُ قَالَ أَبَى اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا سِرّاً حَتَّى يَأْتِيَ إِبَّانُ أَجَلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ دِينُهُ كَمَا أَنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ خَدِيجَةَ مُسْتَتِراً حَتَّى أُمِرَ بِالْإِعْلَانِ قَالَ السَّائِلُ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ هَذَا الدِّينِ أَنْ يَكْتُمَ قَالَ أَ وَ مَا كَتَمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع يَوْمَ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِص حَتَّى ظَهَرَ أَمْرُهُ قَالَ بَلَى قَالَ فَكَذَلِكَ أَمْرُنَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ

أن يكون قد ضيع من في أصلاب الرجال من أمته كما أنه لو لم يبعث في حال حياته إلى من غاب عنه في أقطار الأرض لكان قد ضيعهم، و الفرق بين البعث في حال الحياة و بعد الوفاة إنه تلزم العصمة في الثاني دون الأول لأنه مع وجودهصلى الله عليه و آله و سلم كان يمكن تغييرهم و عزلهم إنصدرت منهم معصية أو شي ء ينافي استحقاق النيابة، بخلاف النذير بعد الوفاة، فإنه ليس للخلق أن يعزلوا من نصبه الرسولصلى الله عليه و آله و سلم خليفة عليهم فلا بد من عصمته و كمال علمه و أخلاقه.

" و ما يكفيهم القرآن"؟ استفهام، و كذا قوله:" و ما فسره".

" كان هذا" أي اختصاص علم القرآن برجل واحد نذير في كل زمان" لا يحتمله العامة" أي المخالفون و جمهور الناس، و الإبان بكسر الهمزة و تشديد الباء: أول المدة، و الأجل: المدة و منتهاها و ضمير" أجله" راجع إلى الله، في القاموس: إبان الشي ء حينه و أوله" ينبغي لصاحب هذا الدين" بتقدير الاستفهام على الإنكار، و الكتاب عبارة عن وجوب التقية و الكتمان،" و أجله" عن آخر مدته.

ص: 89

7 وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ- لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَوَّلَ مَا خَلَقَ الدُّنْيَا وَ لَقَدْ خَلَقَ فِيهَا أَوَّلَ نَبِيٍّ يَكُونُ وَ أَوَّلَ وَصِيٍّ يَكُونُ وَ لَقَدْ قَضَى أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَيْلَةٌ يَهْبِطُ فِيهَا بِتَفْسِيرِ الْأُمُورِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ مَنْ جَحَدَ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِلْمَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ الْأَنْبِيَاءُ وَ الرُّسُلُ وَ الْمُحَدَّثُونَ

الحديث السابع

: السند مشترك.

" أول ما خلق الله الدنيا" فيه إشعار بتقديم الليل على النهار، و يمكن أن يكون المراد أول ليلة من ليالي الدنيا" و لقد خلق فيها أول نبي" أي آدم عليه السلام.

" و أول و وصى" أي شيث عليه السلام، و يمكن أن يكون الخلق في الأخير أو في الجميع بمعنى التقدير.

قيل: و لعل السر في كون خلق ليلة القدر مع أول خلق الدنيا و خلق أول نبي أو وصي يكون فيها أن ليلة القدر يدبر فيها كل أمر يكون في الدنيا و يقدر فيها كل شي ء يوجد في العالم، و تنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر إلى نبي أو وصي كما تقرر ذلك كله في النصوص، و تعيين الوصي للنبي إنما يكون في تلك الليلة، فلو كانت الدنيا متقدمة على ليلة القدر لزم أن يكون إمضاؤها قبل تدبيرها و تقديرها، و لو كانت ليلة القدر متقدمة على الدنيا لزم أن لا تنزل الملائكة و الروح فيها لفقد المنزل إليه.

ثم إن الدنيا إنما كانت دنيا لدنوها من الإنسان بالإضافة إلى الآخرة، فهما حالتان للإنسان فلا دنيا قبل إنسان، و لا إنسان قبل نبي أو وصي إذ لا يقوم هذا النوع إلا بحجة كما بين في الأخبار فخلق النبي الأول و الوصي الأول من حيث كونه وصيا إنما يكون في ليلة القدر و لا ليلة القدر و لا دنيا إلا و فيهما نبي أو وصي و لا نبي و لا وصي إلا و لهما ليلة القدر.

قوله عليه السلام" فقد رد على الله عز و جل علمه" لأن علم الله في الأمور المتجددة في كل سنة لا بد أن ينزل في ليلة القدر إلى الأرض، فيكون حجة على الأنبياء

ص: 90

إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بِمَا يَأْتِيهِمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَعَ الْحُجَّةِ الَّتِي يَأْتِيهِمْ بِهَا جَبْرَئِيلُ ع قُلْتُ وَ الْمُحَدَّثُونَ أَيْضاً يَأْتِيهِمْ جَبْرَئِيلُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ع قَالَ أَمَّا الْأَنْبِيَاءُ وَ الرُّسُلُصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَلَا شَكَّ وَ لَا بُدَّ لِمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ خُلِقَتْ فِيهِ الْأَرْضُ إِلَى آخِرِ فَنَاءِ الدُّنْيَا أَنْ تَكُونَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ حُجَّةٌ يَنْزِلُ ذَلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْ عِبَادِهِ وَ ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ الرُّوحُ وَ الْمَلَائِكَةُ بِالْأَمْرِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى آدَمَ وَ ايْمُ اللَّهِ

و المحدثين لنبوتهم و ولايتهم، فالراد لليلة القدر هو الراد على الله علمه، الجاحد أن يكون علمه في الأرض أو المراد بالعلم المعلوم، أي فقد رد على الله ما يعلمه من نزول العلوم فيها على الأوصياء" لا يقوم الأنبياء و الرسل و المحدثون" أي بإمامتهم و خلافتهم أو بكل أمر حكيم، أو لا يستقيم أمورهم" إلا أن يكون" أي إلا بأن يكون، و المراد بالحجة ما يفيد العلم اليقيني التي" يأتيهم بها جبرئيل" أي في غير تلك الليلة.

" فلا شك" أي في نزول جبرئيل عليهم، و إنما أبهم عليه السلام الأمر في الأوصياء للتقية أو لقصور عقل السائل، لئلا يتوهم النبوة فيهم، و قيل: أعرض عنه إلى غيره تنبيها له على أن هذا السؤال غير مهم له، و إنما المهم له التصديق بنزول الأمر على الأوصياء ليكون حجة لهم على أهل الأرض، و أما أن النازل بالأمر هل هو جبرئيل أو غيره، فليس العلم به بمهم له.

و أقول: الظاهر أن قوله" قلت" كلام الحسن بن العباس الراوي و ضمير" قال" لأبي جعفر عليه السلام، و قوله:" أن يكون" أي من أن يكون و" حجة" إما مرفوع فالعائد مقدر، و حاصل الكلام و أما من سواهم أي من سوى الأنبياء من أول الدنيا إلى آخره فلا بد من أن يكون على أهل الأرض حجة لهم أو بسببهم، ثم بين الحجة بقوله" ينزل ذلك" أي الحكم و الأمر" في تلك الليلة إلى من أحب من عباده" أي إليهم، فهذا من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر، لبيان أن المنزل إليه لا بد أن يكون من أحب العباد، و إما منصوب بكونه خبر يكون و اسمه الضمير الراجع إلى الموصول،

ص: 91

مَا مَاتَ آدَمُ إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ وَ كُلُّ مَنْ بَعْدَ آدَمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ أَتَاهُ الْأَمْرُ فِيهَا وَ وَضَعَ لِوَصِيِّهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ ايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيُؤْمَرُ فِيمَا يَأْتِيهِ مِنَ الْأَمْرِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍص أَنْ أَوْصِ إِلَى فُلَانٍ- وَ لَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍص خَاصَّةً- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ يَقُولُ

و المعنى أن من سوى الأنبياء لا بد من أن يكون حجة على العباد بكمال علمهم، و كونهم عالمين بجميع ما يرد عليهم من الحوادث و الأحكام، و لا يكون ذلك إلا بنزول الملائكة إليهم في تلك الليلة، و جملة" ينزل" أيضا بيان كما مر.

و يؤيد الأول أن هذا الخبر رواه مؤلف كتاب تأويل الآيات الظاهرة و فيه هكذا:" و لا بد لمن سواهم من أول يوم خلقت فيه الأرض إلى آخر فناء الدنيا من أن يكون على أهل الأرض حجة ينزل ذلك الأمر في تلك الليلة إلى من أحب من عباده و هو الحجة" بناء على إرجاع هو إلى النزول و يحتمل إرجاعه إلى من أحب، فيوافق الثاني أيضا و هذان الوجهان مما خطر بالبال.

و قيل: المراد بمن سواهم سائر أهل الأرض سواء كان محدثا أم لا، و قوله" على أهل الأرض" من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر أي عليهم، يعني أن إتيان جبرئيل الأنبياء و الرسل ينسب إلى من سواهم أيضا، لأنه لا بد لهم من ذلك الإتيان، ليكون على أهل الأرض حجة فكونه منسوبا إلى المحدثين بطريق أولى، و لا يخفى ما فيه.

" و وضع" على بناء المعلوم أو المجهول، أي وضع الله أو النبي و قرر نزول الأمر لوصيه، و ربما يقرأ وضع بالتنوين عوضا عن المضاف إليه عطفا على الأمر، و في تأويل الآيات" و وضعه لوصيه".

" إن كان النبي" أن بكسر الهمزة مخففة عن المثقلة و ضمير الشأن فيه مقدر" كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" و بعد ذلك:" وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ

ص: 92

أَسْتَخْلِفُكُمْ لِعِلْمِي وَ دِينِي وَ عِبَادَتِي بَعْدَ نَبِيِّكُمْ كَمَا اسْتَخْلَفَ وُصَاةَ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى يَبْعَثَ النَّبِيَّ الَّذِي يَلِيهِ- يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً يَقُولُ يَعْبُدُونَنِي بِإِيمَانٍ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍص فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ- فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ فَقَدْ مَكَّنَ وُلَاةَ الْأَمْرِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ بِالْعِلْمِ وَ نَحْنُ هُمْ فَاسْأَلُونَا فَإِنْصَدَقْنَاكُمْ فَأَقِرُّوا وَ مَا أَنْتُمْ بِفَاعِلِينَ- أَمَّا

وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ" فيقول، تفسير للآية أي يقول الله، و في تأويل الآيات" يقول" و في بعض نسخ الكتاب أيضا.

" أستخلفكم" بصيغة المتكلم" لعلمي" أي لحفظه" كما استخلف" بصيغة الغائب المعلوم على الالتفات، أو المجهول أو بصيغة المتكلم، و في تأويل الآيات" كما استخلفت" و هو أظهر.

" بإيمان لا نبي بعد محمدصلى الله عليه و آله و سلم" و في تأويل الآيات: أن لا نبي، يعني أن نفي الشرك عبارة عن أن لا يعتقد النبوة في الخليفة الظاهر الغالب أمره" و من قال غير ذلك" هذا تفسير لقوله تعالى:" وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ" يعني من كفر بهذا الوعد بأن قال مثل هذا الخليفة لا يكون إلا نبيا و لا نبي بعد محمد فهذا الوعد غيرصادق أو كفر بهذا الوعد بأن قال إذا ظهر أمره هذا نبي أو قال ليس بخليفة لاعتقاده الملازمة بين الأمرين، فقوله عليه السلام:" غير ذلك" إشارة إلى الأمرين، و السر في هذا التفسير أن العامة لا يعتقدون مرتبة متوسطة بين مرتبة النبوة و مرتبة آحاد أهل الإيمان من الرعية في العلم اللدني بالأحكام، و لهذا ينكرون إمامة أئمتنا زعما منهم أنهم كسائر آحاد الناس، فإذا سمعوا منهم من غرائب العلم أمرا زعموا أنهم عليهم السلام يدعون النبوة لأنفسهم، و لذا قال هشام بن عبد الملك مشيرا إلى الباقر عليه السلام هذا نبي أهل الكوفة.

" فقد مكن ولاة الأمر بعد محمدصلى الله عليه و آله بالعلم" أي مكنهم في الخلافة أو في الدين بما أعطاهم من العلم الكامل لا ببسط اليد، فإنه مختص ببعضهم، أو الباء بمعنى في،

ص: 93

عِلْمُنَا فَظَاهِرٌ وَ أَمَّا إِبَّانُ أَجَلِنَا الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ الدِّينُ مِنَّا حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافٌ فَإِنَّ لَهُ أَجَلًا مِنْ مَمَرِّ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ إِذَا أَتَى ظَهَرَ وَ كَانَ الْأَمْرُ وَاحِداً وَ ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ قُضِيَ الْأَمْرُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ اخْتِلَافٌ وَ لِذَلِكَ جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ لِيَشْهَدَ مُحَمَّدٌص عَلَيْنَا وَ لِنَشْهَدَ عَلَى شِيعَتِنَا وَ لِتَشْهَدَ شِيعَتُنَا عَلَى

أو ضمن التمكين معنى التوكيل، و في بعض النسخ" فقد مكن و وكل" و لعله من إضافة الناسخ، و الظاهر أنه إشارة إلى قوله تعالى:" وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ" و فسر تمكين الدين لهم بتمكينهم في الدين بوفور العلم، و هذا عام يشمل جميعهم، و قوله:" وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ" إشارة إلى غلبتهم في زمان القائم عليه السلام، و لذا قال:" أما علمنا فظاهر" أي في كل زمان و من كل أحد منا.

" و أما أبان أجلنا" إشارة إلى تبديل الخوف بالأمن" و كان الأمر" أي الدين واحدا لا اختلاف فيه.

قوله عليه السلام" و لذلك" أي لعدم الاختلاف" جعلهم شهداء" لأن شهادة بعضهم على بعض بالحقية لا تكون إلا مع التوافق و كذا على غيرهم لا تتأتى إلا مع ذلك، إذ الاختلاف في الشهادة موجب لرد الحكم، و يحتمل أن يكون المراد بالمؤمنين الأئمة عليهم السلام أي حكم الله حكما حتما أن لا يكون بين أئمة المؤمنين اختلاف، و أن يكونوا مؤيدين من عنده تعالى، و لكونهم كذلك جعلهم الشهداء على الناس، و الظاهر أن قوله" أن لا يكون" بيان للأمر و قيل: المراد بالأمر الذي ينزل في ليلة القدر" و أن لا يكون" مفعول له أي لأن لا يكون.

و" جعلهم شهداء" إشارة إلى قوله تعالى:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ" فإن جعلنا الخطاب

ص: 94

النَّاسِ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِهِ اخْتِلَافٌ أَوْ بَيْنَ أَهْلِ عِلْمِهِ تَنَاقُضٌ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَضْلُ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِ بِجُمْلَةِ- إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ وَ بِتَفْسِيرِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْإِيمَانِ بِهَا كَفَضْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْبَهَائِمِ وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَيَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهَا عَنِ الْجَاحِدِينَ لَهَا فِي الدُّنْيَا لِكَمَالِ عَذَابِ الْآخِرَةِ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتُوبُ مِنْهُمْ مَا يَدْفَعُ بِالْمُجَاهِدِينَ عَنِ الْقَاعِدِينَ وَ لَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ جِهَاداً إِلَّا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ وَ الْجِوَارَ

متوجها إلى جميع المؤمنين فيكون شهادتهم عليهم السلام داخلة في شهادة الرسول، و يكون شهادتهم على الناس إشارة إلى الشهادتين الأخيرتين معا، و إن جعلناه متوجها إلى الأئمة فذكر شهادة الشيعة استطرادي أو شهادة الشيعة بمنزلة شهادتهم و داخلة فيها.

قوله عليه السلام:" فضل إيمان المؤمن" أي فضل المؤمن من حيث الإيمان، أو يقدر مضاف في قوله" على من ليس مثله" أي على إيمان من ليس مثله" لكمال عذاب الآخرة" أي إنما يدفع عنهم في الدنيا ليكمل لهم العذاب في الآخرة.

" لمن علم" أي كون الدفع لكمال عذاب الآخرة و شدته إنما هو لمن علم أنه لا يتوب، و أما من علم أنه يتوب فإنما يدفع لعلمه بأنه يتوب.

و لما ذكر الجهاد هنا و في الآية المشار إليها سابقا، و كان مظنة أن يفهم السائل وجوب الجهاد في زمانه عليه السلام مع عدم تحقق شرائطه مع المخالفين، أو مع من يخرج من الجاهلين أزال عليه السلام ذلك التوهم بقوله:" و لا أعلم" أي هذه الأعمال قائمة مقام الجهاد لمن لم يتمكن عنه، أو قوله تعالى:" جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ" شاملة لهذه الأمور أيضا، و المراد بالجوار المحافظة على الذمة و الأمان، أو رعاية حق المجاورين في المنزل، أو مطلق المجاورين و المعاشرين و التقية منهم و حسن المعاشرة معهم و الصبر على أذاهم، و قيل: كأنه عليه السلام شبه العبادات الثلاث بالجهاد لما فيها من جهاد النفس على مشاقها، و لا سيما ما يتحمل من أذى الأعداء الجاهلين للحق، و قيل: المراد بالجوار مجاورة العلماء و كسب التفقه في الدين و لا يخفى بعده.

ص: 95

8 قَالَ وَ قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَغْضَبُ عَلَيَّ قَالَ لِمَا ذَا قَالَ لِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ قَالَ قُلْ قَالَ وَ لَا تَغْضَبُ قَالَ وَ لَا أَغْضَبُ قَالَ أَ رَأَيْتَ قَوْلَكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ فِيهَا إِلَى الْأَوْصِيَاءِ يَأْتُونَهُمْ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِص قَدْ عَلِمَهُ أَوْ يَأْتُونَهُمْ بِأَمْرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِص يَعْلَمُهُ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِص مَاتَ وَ لَيْسَ مِنْ عِلْمِهِ شَيْ ءٌ إِلَّا وَ عَلِيٌّ ع لَهُ وَاعٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مَا لِي وَ لَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ وَ مَنْ أَدْخَلَكَ عَلَيَّ قَالَ أَدْخَلَنِي عَلَيْكَ الْقَضَاءُ لِطَلَبِ الدِّينِ قَالَ فَافْهَمْ مَا أَقُولُ لَكَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ لَمْ يَهْبِطْ حَتَّى أَعْلَمَهُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عِلْمَ مَا قَدْ كَانَ وَ مَا سَيَكُونُ وَ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ عِلْمِهِ ذَلِكَ جُمَلًا يَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ كَذَلِكَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع قَدْ عَلِمَ جُمَلَ الْعِلْمِ وَ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ كَمَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِص قَالَ السَّائِلُ أَ وَ مَا كَانَ فِي الْجُمَلِ تَفْسِيرٌ قَالَ بَلَى وَ لَكِنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِي بِالْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي لَيَالِي الْقَدْرِ إِلَى النَّبِيِّ وَ إِلَى الْأَوْصِيَاءِ افْعَلْ كَذَا وَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ كَانُوا عَلِمُوهُ أُمِرُوا كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ قُلْتُ فَسِّرْ لِي هَذَا قَالَ لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِص إِلَّا حَافِظاً لِجُمْلَةِ الْعِلْمِ وَ تَفْسِيرِهِ قُلْتُ فَالَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ فِي لَيَالِي

الحديث الثامن

السند مشترك.

" و تنزل الملائكة" بصيغة المصدر، مجرور عطف على" ليلة القدر" يعني ما قولك في شأن ليلة القدر و في الملائكة و الروح فيها" و قد علمت" بصيغة المتكلم أو الخطاب.

" ما لي و لك" ليس هذا على وجه الغضب حتى ينافي وعده، بل على سبيل المصلحة و التأديب، و بيان أن المسألة غامضة لا يفي عقله بفهمها و لذا كرر السائل السؤال، و تقرير شبهته أن الجملة إن كانت مشتملة على كل ما اشتمل عليه التفسير فما الذي يأتيهم في ليلة القدر من العلم؟ و إن لم تكن مشتملة على الجميع و كان يبقى من العلم ما لم يأتهم بعد، و إنما يأتيهم في ليالي القدر، فيلزم أن لا يعلم الرسولصلى الله عليه و آله ذلك الباقي.

ص: 96

الْقَدْرِ عِلْمُ مَا هُوَ قَالَ الْأَمْرُ وَ الْيُسْرُ فِيمَا كَانَ قَدْ عَلِمَ قَالَ السَّائِلُ فَمَا يَحْدُثُ لَهُمْ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ عِلْمٌ سِوَى مَا عَلِمُوا قَالَ هَذَا مِمَّا أُمِرُوا بِكِتْمَانِهِ وَ لَا يَعْلَمُ تَفْسِيرَ

قوله عليه السلام" الأمر و اليسر" لعل المراد أنه كان يعلم العلوم على الوجه الكلي الذي يمكنه استنباط الجزئيات منه، و إنما يأتيه تفصيل أفراد تلك الكليات لمزيد التوضيح و لتسهيل الأمر عليه في استعلام الجزئيات.

ثم ذكر عليه السلام بعد ذلك فائدة أخرى لنزول الملائكة في ليلة القدر، و هي أن إخبار ما يلزمهم إخباره و إمضاء ما أمروا بإمضائه من التكاليف موقوف على تكرير الإعلام في ليلة القدر، و يحتمل أن يكون المراد بالجمل ما يقبل البداء من الأمور و بالتفسير و التفصيل تعيين ما هو محتوم و ما يقبل البداء كما يظهر من سائر الأخبار، و لما كان علم البداء غامضا و فهمه مشكلا أبهم عليه السلام على السائل و لم يوضحه له، فقوله عليه السلام" هذا مما أمروا بكتمانه" أي أمروا بكتمان أمر البداء عن غير أهله لقصور فهمهم، و أنهم قبل أن يعين لهم الأمور البدائية و المحتومة لا يجوز لهم الإخبار بها، و لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: لو لا آية في كتاب الله لأخبرت بما يكون إلى يوم القيامة فقوله" لا يعلم تفسير ما سألت" أي لا يعلم ما يكون محتوما و ما ليس بمحتوم في السنة قبل نزول الملائكة و الروح إلا الله.

و أما قوله" لا يحل لك" فهو إما لقصوره عن فهم معنى البداء، أو لأن توضيح ما نزل في ليلة القدر و العلم بخصوصياته مما لا يمكن لسائر الناس غير الأوصياء عليهم السلام الإحاطة به، و يؤيد هذا قوله" فإن الله تعالى أبى" و على الأول يمكن تعميم الأنفس على وجه يشمل خواص أصحابهم و أصحاب أسرارهم مجازا كما ورد: سلمان منا أهل البيت.

و الحاصل أن توضيح أمر البداء و تفصيله لأكثر الخلق ينافي حكمه البداء إذ هذه الحكمة لا تحصل لهم إلا بجهلهم بأصله ليصير سببا لإتيانهم بالخيرات و تركهم الشرور و السيئات، كما أومأنا إليه في باب البداء، أو بالعلم بكنه حقيقة ذلك، و هذا

ص: 97

مَا سَأَلْتَ عَنْهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ السَّائِلُ فَهَلْ يَعْلَمُ الْأَوْصِيَاءُ مَا لَا يَعْلَمُ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ لَا وَ كَيْفَ يَعْلَمُ وَصِيٌّ غَيْرَ عِلْمِ مَا أُوصِيَ إِلَيْهِ قَالَ السَّائِلُ فَهَلْ يَسَعُنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ أَحَداً مِنَ الْوُصَاةِ يَعْلَمُ

لا يتيسر لعامة الخلق، و لذا منعوا عن تعلم علم النجوم و الخوض فيه، و التفكر في مسائل القضاء و القدر و هذا بين لمن تأمل فيه، و أيضا الإحاطة بكيفيات ما ينزل في ليلة القدر و تفصيلها و كنه حقيقتها إنما يحصل بعد الإحاطة بغرائب أحوالهم و شؤونهم، و هذا مما تعجز عنه عقول عامة الخلق و لو أحاطوا بشي ء من ذلك لطاروا إلى درجة العلو و الارتفاع، و لذا كانوا عليهم السلام يتقون من شيعتهم أكثر من مخالفيهم، و يخفون أحوالهم و أسرارهم منهم خوفا من ذلك، و لعله يشير إلى هذا قولهم عليهم السلام: إن علمناصعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، و في بعض الأخبار لا يحتمله ملك مقرب، إلخ، و إليه يومي أيضا قولهم عليهم السلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله.

قال الفاضل الأسترآبادي (ره) في قوله عليه السلام:" هذا مما أمروا بكتمانه" يفهم من كلامه عليه السلام أن الله تعالى علم النبيصلى الله عليه و آله و سلم جل نقوش اللوح المحفوظ المتعلقة بما مضى و ما سيكون، و نقوش اللوح المحفوظ قسمان: قسم منه لله فيه المشية و البداء يجري فيه، و قسم محتوم لا يجري فيه البداء، و النقوش المتعلقة بكل سنة تصير محتومة في ليلة القدر و تنزل الملائكة و الروح فيها بالإذن فيماصار محتوما و أما قوله عليه السلام: و هذا مما قد أمروا بكتمانه، فمعناه أنهم مأمورون بكتمان خصوصيات ما ينزل عليهم في ليلة القدر، و أما قوله: و لا يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله فمعناه أنه لا يعلم ما يصير محتوما في كل سنة قبل أن يصير محتوما إلا الله تعالى و أما قوله: لا يستطيعون" إلخ" فمعناه أنه لا يجوز لهم العمل بمقتضى علمهم إلا بعد العلم بأنهصار محتوما و بعد الإذن في العمل، و أما قوله: لا يحل لك، ففيه احتمالات: أحدها: أنه لا يحل له ذلك لأن ذهنه قاصر عن فهم أنه لا

ص: 98

مَا لَا يَعْلَمُ الْآخَرُ قَالَ لَا لَمْ يَمُتْ نَبِيٌّ إِلَّا وَ عِلْمُهُ فِي جَوْفِ وَصِيِّهِ وَ إِنَّمَا تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالْحُكْمِ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ قَالَ السَّائِلُ وَ مَا كَانُوا عَلِمُوا ذَلِكَ الْحُكْمَ قَالَ بَلَى قَدْ عَلِمُوهُ وَ لَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِمْضَاءَ شَيْ ءٍ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمَرُوا فِي لَيَالِي الْقَدْرِ كَيْفَ يَصْنَعُونَ إِلَى السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ قَالَ السَّائِلُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ لَا أَسْتَطِيعُ إِنْكَارَ هَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مَنْ أَنْكَرَهُ فَلَيْسَ مِنَّا

قصور في البداء، و ثانيها: أنه لا يحل له السؤال عن خصوصيات ما ينزل في ليلة القدر و يؤيد ذلك أنه عليه السلام أجاب السائل مرارا كثيرة بوجوه واضحة و لم يأت في شي ء منها بذكر مثال مخصوص، و يؤيده قوله عليه السلام: قال عز و جل" إلخ" هذا هو الذي سنح لي في حل هذا المقام و الله أعلم بما قال حجته عليه السلام" انتهى". و قيل: لما كرر السائل سؤاله و أعاد بعد الجواب الواضح ما كان يسأله أولا و جزم عليه السلام بأنه ليس من شأنه أن يفهم ذلك عدل عن جوابه بالبيان إلى جوابه بالأمر بالكتمان، و أنه لا يعلم تفسير ذلك و بيانه لمثل هذا الرجل بحيث يفهم أو يسكت سوى الله سبحانه أي الإفهام إنما هو بيد الله سبحانه، و إنما المعلم فاتح للمتعلم و معد لأن يصير بحيث يفهم من الله عز و جل ما يلقيه، و إنما أمروا بكتمانه لأنهم عليهم السلام أمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم، فمن لم يكن مقدار عقلهصالحا لفهم أمر وجب كتمان ذلك الأمر عنه، فلما عاد في المرة التاسعة لسؤاله ذلك حرم عليه السؤال، فما أصبره بأبي و أمي على مخاطبته و الرفق في جوابه،صلوات الله عليه" انتهى".

" في جوف وصيه" أي كل وصي له، فكلهم يعلمون ما يعلم النبي و قد مر أن علم الوصي لا يزيد على علم النبي، فلا بد أن يكونوا متساويين في العلم، و لعله عليه السلام قال ذلك على وفق فهم السائل أو هو مبني على ما ورد في الأخبار أنه كل ما يحدث من علم الإمام فيعرض أولا على روح النبيصلى الله عليه و آله و سلم ثم الوصي الذي بعده إلى أن ينتهي إلى إمام الزمان عليه السلام.

و قوله:" لا أستطيع إنكار هذا" استفهام، أي هل إنكار ذلك غير مجوز لي

ص: 99

قَالَ السَّائِلُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَ رَأَيْتَ النَّبِيَّص هَلْ كَانَ يَأْتِيهِ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ شَيْ ءٌ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ قَالَ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ هَذَا أَمَّا عِلْمُ مَا كَانَ وَ مَا سَيَكُونُ فَلَيْسَ يَمُوتُ نَبِيٌّ وَ لَا وَصِيٌّ إِلَّا وَ الْوَصِيُّ الَّذِي بَعْدَهُ يَعْلَمُهُ أَمَّا هَذَا الْعِلْمُ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَبَى أَنْ يُطْلِعَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ قَالَ السَّائِلُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ أَعْرِفُ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَكُونُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَالَ إِذَا أَتَى شَهْرُ رَمَضَانَ فَاقْرَأْ سُورَةَ الدُّخَانِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ فَإِذَا أَتَتْ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ فَإِنَّكَ نَاظِرٌ إِلَى تَصْدِيقِ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ

9 وَ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع لَمَا تَرَوْنَ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلشَّقَاءِ- عَلَى

" أن يطلع" من باب الأفعال" إلا أنفسهم" بضم الفاء أي اطلاع كل منهمصاحبه، و ربما يقرأ بفتح الفاء أفعل التفضيل من النفيس، أي خواص شيعتهم، و قد مر أن الأول أيضا يحتمل شموله لخواص الشيعة، فلا حاجة إلى هذا التكلف.

قوله: عليه السلام فإنك ناظر" إلخ" أي تنكشف لك بعلامة إنها ليلة القدر أو يظهر لك منه تعيين ليلة القدر، و إن كان فيه أيضا إيماء إلى أنها ليلة القدر، و ذلك إذا كان مع الإخلاص التام و سائر الشرائط.

الحديث التاسع

: بالسند السابق.

" لما ترون من بعثه الله" اللام موطئة للقسم و ما موصولة، و عبارة" من أجناد الشياطين و أزواجهم" إلحاقا لهم بغير ذوي العقول، و الرؤية بمعنى الزيارة، و الضمير لما باعتبار التعدد في المعنى" و من بعثه" مفعول يرون و استعيرت البعثة هنا للتخلية و عدم الحيلولة كما مر مرارا كقوله تعالى" بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا" و" من" بيان لما أو للتبعيض، و" أزواجهم" في أكثر النسخ بالراء و الحاء المهملتين، فيمكن أن يكون عطف تفسير للأجناد لبيان أنهم أجسام لطيفة أو المراد بأرواحهم أرواح من مات منهم من شياطين الإنس، و في بعض النسخ" و أزواجهم" بالزاء المعجمة و الجيم و هو

ص: 100

أَهْلِ الضَّلَالَةِ مِنْ أَجْنَادِ الشَّيَاطِينِ وَ أَزْوَاجِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا تَرَوْنَ خَلِيفَةَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَهُ لِلْعَدْلِ وَ الصَّوَابِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قِيلَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ وَ كَيْفَ يَكُونُ شَيْ ءٌ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ كَمَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ السَّائِلُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ إِنِّي لَوْ حَدَّثْتُ بَعْضَ الشِّيعَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَأَنْكَرُوهُ قَالَ كَيْفَ يُنْكِرُونَهُ قَالَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ ع أَكْثَرُ مِنَ الشَّيَاطِينِ قَالَصَدَقْتَ افْهَمْ عَنِّي مَا أَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَ لَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَ جَمِيعُ الْجِنِّ وَ الشَّيَاطِينِ تَزُورُ أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ وَ يَزُورُ إِمَامَ الْهُدَى عَدَدُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى

أصوب، أي أشباههم و قرنائهم من الإنس و" أكثر" خبر الموصول، و في بعض النسخ" بل أكثرها".

" ترون" بالتاء، فقوله:" من بعثه الله" أي ممن بعثه الله أو بدل" ما" أو" ما" مصدرية، و قوله: خليفة الله أي لخليفة الله كما قيل، و الأول أظهر، و الذي هو أصوب عندي أنه كان: لما يزور، في الموضعين فصحف كما تدل عليه تتمة الكلام.

قوله عليه السلام: كما شاء الله، لعله عليه السلام حمل كلامه أولا على أن مراده بالملائكة بعضهم و هم النازلون على الإمام، فلذا قال كما شاء الله، أي لا استبعاد في ذلك إذا تعلقت به مشية الله ثم لماصرح بأنه فهم من كلامه عليه السلام أن الجن و الشياطين أكثر من جميع الملائكة أجاب عليه السلام بأنه لم يكن غرضي ذلك بل إنما أردت أنهم أكثر من عدد الملائكة الذين يزورون الإمام في ليلة القدر باعتبار أن الله تعالى يضاعف عدد الشياطين في تلك الليلة، فقوله عليه السلام"صدقت" أي في أن الملائكة أكثر من الشياطين، و يمكن حمل الكلام على جميع الملائكة و قوله:صدقت، على أن التصديق لقول الشيعة لا لقولهم و هذا أنسب بقوله: كما شاء الله، لكنه مخالف لكثير من الأخبار الدالة على أن ليس شي ء من خلق الله أكثر من الملائكة، و يمكن على الوجه الأول مع حمل الملائكة في كلام السائل على الجميع أن يكون مراده عليه السلام بقوله ما شاء الله، أن جميع خلق الله من غير الملائكة، أكثر من الملائكة و إن كانصنف الملائكة أكثر من كلصنف مما سواهم، ثم بين عليه السلام مراده و دفع توهم السائل في الجواب الثاني.

ص: 101

إِذَا أَتَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَيَهْبِطُ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ خَلَقَ اللَّهُ أَوْ قَالَ قَيَّضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ الشَّيَاطِينِ بِعَدَدِهِمْ ثُمَّ زَارُوا وَلِيَّ الضَّلَالَةِ فَأَتَوْهُ بِالْإِفْكِ وَ الْكَذِبِ حَتَّى لَعَلَّهُ يُصْبِحُ فَيَقُولُ رَأَيْتُ كَذَا وَ كَذَا فَلَوْ سَأَلَ وَلِيَّ الْأَمْرِ عَنْ ذَلِكَ لَقَالَ رَأَيْتَ شَيْطَاناً أَخْبَرَكَ بِكَذَا وَ كَذَا حَتَّى يُفَسِّرَ لَهُ تَفْسِيراً وَ يُعْلِمَهُ الضَّلَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَ ايْمُ اللَّهِ إِنَّ مَنْصَدَّقَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ لَيَعْلَمُ أَنَّهَا لَنَا خَاصَّةً لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِص

و قال المحدث الأسترآبادي (ره) حاصل كلامه أن زيارة أجناد الشياطين للرجل الذي هوصاحبهم أكثر من زيارة الملائكة لصاحب الأمر و ذلك لأن زيارة الملائكة لصاحب الأمر عليه السلام إنما يكون في ليلة القدر، و زيارتهم لصاحبهم يكون في ليلة القدر و يكون في غيرها،" انتهى".

و لا يخفى ما فيه إذ عبارة الخبرصريحة في أن الملائكة أيضا يزورون إمام الهدى كل يوم، فالأصوب ما ذكرنا.

و قال الجوهري:" قيض الله" فلانا لفلان، أي جاءه به و أتاحه له، و منه قوله تعالى:" وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ" انتهى، و الإفك- بالكسر- الكذب، فالعطف للتفسير و قد يقال: الكذب من حيث أنه مخالف للواقع كذب، و من حيث أنه يصرف السامع عن الحق إفك، قال الجوهري: الإفك الكذب، و الإفك بالفتح مصدر قولك: أفكه يأفكه إفكا أي قلبه وصرفه عن الشي ء و منه قوله تعالى:" قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا".

" فلو سأل" أي إمام الجور" ولي الأمر عن ذلك" أي عمار أي و سمع" لقال" أي ولي الأمر و" يعلمه" من الإعلام و ضمير الفاعل راجع إلى ولي الأمر، و المفعول إلى ولي الضلالة، كضمير" هو" و ضمير" عليها" إلى الضلالة.

" إن منصدق بليلة القدر" أي أنها باقية بعد الرسولصلى الله عليه و آله و سلم و أن نزول الملائكة فيها إلى أحد من الأئمة" لقول رسول الله" الاستشهاد إما لأن المراد بوليكم

ص: 102

لِعَلِيٍّ ع حِينَ دَنَا مَوْتُهُ هَذَا وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي فَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ رَشَدْتُمْ وَ لَكِنْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِمَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُنْكِرٌ وَ مَنْ آمَنَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ مِمَّنْ عَلَى غَيْرِ رَأْيِنَا فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ فِي الصِّدْقِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ إِنَّهَا لَنَا وَ مَنْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُنَزِّلَ الْأَمْرَ مَعَ الرُّوحِ وَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى كَافِرٍ فَاسِقٍ فَإِنْ قَالَ إِنَّهُ يُنَزِّلُ إِلَى الْخَلِيفَةِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ بِشَيْ ءٍ وَ إِنْ قَالُوا إِنَّهُ لَيْسَ يُنَزِّلُ إِلَى أَحَدٍ فَلَا يَكُونُ أَنْ يُنَزَّلَ شَيْ ءٌ إِلَى غَيْرِ شَيْ ءٍ وَ إِنْ قَالُوا وَ سَيَقُولُونَ لَيْسَ هَذَا بِشَيْ ءٍ فَقَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيداً

ولى أمر ليلة القدر، أو لأن المراد بالولي الأولى بأمر الإمامة المتولي لإصلاحهم، و من يجب عليهم طاعته كما مر في تفسير قوله سبحانه:" إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ" و لا يقول عاقل بنزول الملائكة و الروح إلى غير من هو كذلك، مع كونه بين الأمة لا سيما مع قولهصلى الله عليه و آله و سلم" إن أطعتموه رشدتم"" منكر" أي لنا و لفضلنا و إمامتنا و كوننا مخصوصين بليلة القدر" فإنه كاذب" أي في الإقرار بليلة القدر، أو في أنه لا يعتقد أنها فينا.

قوله" إلى الخليفة الذي هو عليها" الظاهر أن المراد به خليفة الجور و ضمير عليها راجع الضلالة أو الخلافة، و قيل: إلى الأرض، و قيل: ضمير عليها راجع إلى خليفة الجور، و المراد بالخليفة إمام العدل و لا يخفى بعده، فعلى الأول المراد بقوله:

ليس بشي ء، أن بطلانه ظاهر مما تقدم، و على الثاني المراد أنه مخالف لمذهبهم.

" فإن قالوا و سيقولون" في بعض النسخ بالواو و هو الصواب، نظير قوله تعالى:

" فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا".

" ليس هذا بشي ء" أي هذا الكلام الأخير أو سائر ما مر مباهتة و عنادا" فقد ضلوا" أي ضلالهم ظاهر بين لا يحتاج إلى بيان، و في بعضها بدون الواو فالمعنى: فإن قالوا لا ينزل إلى أحد فسيقولون بعد التنبيه أو الرجوع إلى أنفسهم ليس هذا بشي ء،

ص: 103

بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع يَزْدَادُونَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ

1 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْقُمِّيُّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي يَحْيَى الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ لِي يَا أَبَا يَحْيَى إِنَّ لَنَا فِي لَيَالِي الْجُمُعَةِ لَشَأْناً مِنَ الشَّأْنِ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا ذَاكَ الشَّأْنُ قَالَ يُؤْذَنُ لِأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَوْتَى ع وَ أَرْوَاحِ

فقوله: فقد ضلوا تفريع على جميع ما تقدم أو يكون" سيقولون" مفعول قالوا أي إن قال المخالفون سيقول الشيعة بعد غيبة إمامهم أو بعد التأمل في دلائلنا ليس هذا، أي أنه لا بد من نزول الملائكة و الروح إلى إمام بشي ء فقد ضلوا ضلالا بعيدا، و لا يخفى بعدهما و الصواب النسخة الأولى و الله يعلم.

باب أن الأئمة عليهم السلام يزدادون في ليلة الجمعة

الحديث الأول

: ضعيف.

و الشأن بالفتح و الهمز و قد يلين: الخطب و الأمر و الحال، و التنكير للتفخيم، و قوله: من الشأن، مبالغة فيه. و قال في النهاية: فيه فأقاموا بين ظهرانيهم و بين أظهرهم، و قد تكرر في الحديث و المراد بها أنهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار و الاستناد إليهم، و زيدت فيه ألف و نون مفتوحة تأكيدا و معناه أن ظهرا منهم قد أمه و ظهرا خلفه فهو مكفوف من جانبيه أو من جوانبه إذا قيل بين أظهرهم ثم كثر استعماله حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا، و قال في حديث أبي ذر قلت: يا رسول الله كم الرسل؟ قال ثلاثمائة و ثلاثة عشر جم الغفير هكذا جاءت الرواية، قالوا: و الصواب جما غفيرا يقال: جاء القوم جما غفيرا و الجماء الغفير و جماءا غفيرا أي مجتمعين كثيرين، و الذي أنكر من الروايةصحيح فإنه يقال: الجم الغفير، ثم حذف الألف و اللام و أضاف من بابصلاة الأولى و مسجد الجامع، و أصل الكلمة من الجموم و الجمة و هو الاجتماع و الكثرة، و الغفير من الغفر و هو التغطية و الستر،" انتهى".

ص: 104

الْأَوْصِيَاءِ الْمَوْتَى وَ رُوحِ الْوَصِيِّ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى تُوَافِيَ عَرْشَ رَبِّهَا فَتَطُوفُ بِهِ أُسْبُوعاً وَ تُصَلِّي عِنْدَ كُلِّ قَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُرَدُّ إِلَى الْأَبْدَانِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا فَتُصْبِحُ الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَوْصِيَاءُ قَدْ مُلِئُوا سُرُوراً وَ يُصْبِحُ الْوَصِيُّ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ وَ قَدْ زِيدَ فِي عِلْمِهِ مِثْلُ جَمِّ الْغَفِيرِ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي زَاهِرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ يُوسُفَ الْأَبْزَارِيِّ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع ذَاتَ يَوْمٍ وَ كَانَ لَا يُكَنِّينِي قَبْلَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ لَبَّيْكَ قَالَ إِنَّ لَنَا فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ سُرُوراً قُلْتُ زَادَكَ اللَّهُ وَ مَا ذَاكَ قَالَ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَافَى رَسُولُ اللَّهِص الْعَرْشَ وَ وَافَى الْأَئِمَّةُ ع مَعَهُ وَ وَافَيْنَا مَعَهُمْ فَلَا تُرَدُّ أَرْوَاحُنَا إِلَى أَبْدَانِنَا إِلَّا بِعِلْمٍ مُسْتَفَادٍ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَأَنْفَدْنَا

فالمعنى هنا مثل الأنبياء و الرسل الكثيرين، أو مثل الشي ء الكثير أي علما كثيرا و يؤيد الخبر ما رواه في البصائر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: و الله إن أرواحنا و أرواح النبيين لتوافي العرش كل ليلة جمعة، فما ترد في أبداننا إلا بجم الغفير من العلم.

و ذهاب روح الإمام الحي إما في البدن المثالي أو أصل الروح بناء على تجسمه في المنام، أو يكون المراد تعلق أرواحهم المقدسة بالملأ الأعلى و يكون الصلاة على الاستعارة و المجاز، و الإيمان الإجمالي بتلك الأمور أولى و أسلم.

الحديث الثاني

: ضعيف.

" و كان لا يكنيني" أي لا يدعونني بالكنية قبل هذا اليوم، و في هذا اليوم دعاني به و قال: يا أبا عبد الله، و هذا افتخار من المفضل لأن الكنية عندهم من أفضل أنواع التعظيم، و يقال: وافيت القوم و أوفيتهم أي أتيتهم" إلا بعلم مستفاد" أي مع علم جديد" و لو لا ذلك لأنفدنا" على بناء الفاعل من باب الأفعال، أيصرنا ذوي نفاد العلم، قال الجوهري: نفد الشي ء بالكسر نفادا: فنى، و أنفدته أنا و أنفد القوم: ذهبت أموالهم

ص: 105

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ يُونُسَ أَوِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ مَا مِنْ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَّا وَ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِيهَا سُرُورٌ قُلْتُ كَيْفَ ذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَافَى رَسُولُ اللَّهِص الْعَرْشَ وَ وَافَى الْأَئِمَّةُ ع وَ وَافَيْتُ مَعَهُمْ فَمَا أَرْجِعُ إِلَّا بِعِلْمٍ مُسْتَفَادٍ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَنَفِدَ مَا عِنْدِي

بَابُ لَوْ لَا أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع يَزْدَادُونَ لَنَفِدَ مَا عِنْدَهُمْ

1 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع يَقُولُ كَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ع يَقُولُ لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْصَفْوَانَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مِثْلَهُ

أو فني زادهم، انتهى.

ثم اعلم أنه يحتمل أن يكون بقاء ما عندهم من العلم مشروطا بتلك الحالة أو يكون المستفاد لما علموه مجملا و يمكنهم استنباط التفصيل منه، و ألا يجوز لهم الإظهار بدون ذلك كما مر في الباب السابق، أو المعنى أنفدنا من علم مخصوص سوى الحلال و الحرام لم يفض على النبي و الأئمة المتقدمينصلوات الله عليهم و إن أفيض في ذلك الوقت، و ذلك إما من المعارف الربانية أو من الأمور البدائية، كما مر منا الإشارة إليهما، و يؤيد الأخير كثير من الأخبار.

الحديث الثالث

: ضعيف.

باب لو لا أن الأئمة عليهم السلام يزدادون لنفد ما عندهم

الحديث الأول

ضعيف بسنده الأول على المشهور،صحيح بسنده الثاني.

ص: 106

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ ذَرِيحٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا ذَرِيحُ لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا قَالَ قُلْتُ تَزْدَادُونَ شَيْئاً لَا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِص قَالَ أَمَا إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِص ثُمَّ عَلَى الْأَئِمَّةِ ثُمَّ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْنَا

4 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ

الحديث الثاني

صحيح.

الحديث الثالث

صحيح و يدل على أنهم عليهم السلام في جميع النشئات مترقون في الكمالات، و أن أنوارهم و أرواحهم مرتبطة بعضها ببعض، و ترقياتهم على نهج واحد، و الكلام في العلم الذي يزداد قد مر.

و روي في البصائر بسنده عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك سمعتك و أنت تقول غير مرة: لو لا أنا نزداد لأنفدنا، قال: أما الحلال و الحرام فقد و الله أنزله الله على نبيه بكماله، و ما يزداد الإمام في حلال و لا حرام، قال: فقلت: فما هذه الزيادة؟ قال: في سائر الأشياء سوى الحلال و الحرام، قال: قلت: فتزدادون شيئا يخفى على رسول اللهصلى الله عليه و آله؟ فقال:

لا إنما يخرج الأمر من عند الله فيأتي به الملك رسول اللهصلى الله عليه و آله فيقول: يا محمد ربك يأمرك بكذا و كذا، فيقول: انطلق به إلى علي فيأتي عليا فيقول: انطلق به إلى الحسن، فيقول: انطلق به إلى الحسين فلم يزل هكذا ينطلق إلى واحد بعد واحد حتى يخرج إلينا، قلت: فتزدادون شيئا لا يعلمه رسول اللهصلى الله عليه و آله؟ فقال: ويحك يجوز أن يعلم الإمام شيئا لم يعلمه رسول الله و الإمام من قبله.

الحديث الرابع

مرسل.

ص: 107

أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَيْسَ يَخْرُجُ شَيْ ءٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَسُولِ اللَّهِص ثُمَّ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع ثُمَّ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ لِكَيْلَا يَكُونَ آخِرُنَا أَعْلَمَ مِنْ أَوَّلِنَا

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع يَعْلَمُونَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الَّتِي خَرَجَتْ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الرُّسُلِ ع

1 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عِلْمَيْنِ عِلْماً أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ وَ رُسُلَهُ فَمَا أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ فَقَدْ عَلِمْنَاهُ وَ عِلْماً اسْتَأْثَرَ بِهِ فَإِذَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْ ءٍ مِنْهُ أَعْلَمَنَا ذَلِكَ وَ عَرَضَ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِنَا

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَ مُحَمَّدُ

باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة و الأنبياء و الرسل عليهم السلام

الحديث الأول

ضعيف بسنده الأولصحيح بسنده الثاني.

" و علما استأثر به" أي تفرد به و لم يعلمه أحدا و هو العلم البدائي الذي يتغير به ما أفضى إلى الأنبياء و الأوصياء، فهذا العلم لم يصل إلى أحد، أو المراد به نوع آخر من المعارف الربانية التي لم يطلع عليها بعد أحدا" فإذا بدا لله في شي ء منه" أي علم المصلحة في تغيير ما قضى، و كتب في لوح المحو و الإثبات، و تعلقت مشيته بإظهار هذا العلم المكنون، قال الجوهري: بدا الأمر بدوا مثل قعد قعودا أي ظهر،

ص: 108

ابنُ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ جَمِيعاً عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع مِثْلَهُ

6- 2 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِلْمَيْنِ عِلْماً عِنْدَهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ وَ عِلْماً نَبَذَهُ إِلَى مَلَائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ فَمَا نَبَذَهُ إِلَى مَلَائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ فَقَدِ انْتَهَى إِلَيْنَا

3 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْصَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ ضُرَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ مَبْذُولٌ وَ عِلْمٌ مَكْفُوفٌ فَأَمَّا الْمَبْذُولُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ ءٍ تَعْلَمُهُ الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّسُلُ إِلَّا نَحْنُ نَعْلَمُهُ وَ أَمَّا الْمَكْفُوفُ فَهُوَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي أُمِّ الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ نَفَذَ

5- 4 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ

و بدا له في الأمر بداء ممدودا أي نشأ له فيه رأي، انتهى.

و المعنى الأخير في حقه سبحانه مجاز كما مر تحقيقه في باب البداء.

الحديث الثاني

: ضعيف.

الحديث الثالث

: مجهول.

" علم كذا" في أكثر النسخ بالرفع فهو مبتدأ، أي علم منهما و" مبذول" خبره، و كذا قوله" علم مكفوف" أي مصون ممنوع عن الخلق، و في نسخة الشهيد الثاني (ره) علما مبذولا و علما مكفوفا، بدلا من العلمين و" أم الكتاب" اللوح المحفوظ إذا خرج بإعلام الملك و إرساله، أو بالوحي و الإلهام بلا واسطة" نفذ" أي وصل إلى رسول الله و الأئمةصلوات الله عليهم، أو يصير نافذا جاريا لا بداء فيه بخلاف العلم الأول، فإنه كان يجري فيه البداء.

الحديث الرابع

:صحيح، و هنا أيضا في نسخة الشهيد الثاني بالنصف في الموضعين.

ص: 109

عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سُوَيْدٍ الْقَلَّاءِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ وَ عِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ ع فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ

بَابٌ نَادِرٌ فِيهِ ذِكْرُ الْغَيْبِ

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ ع رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ فَقَالَ لَهُ أَ تَعْلَمُونَ الْغَيْبَ- فَقَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يُبْسَطُ لَنَا الْعِلْمُ فَنَعْلَمُ وَ يُقْبَضُ عَنَّا فَلَا نَعْلَمُ وَ قَالَ سِرُّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَسَرَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ ع وَ أَسَرَّهُ جَبْرَئِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍص وَ أَسَرَّهُ مُحَمَّدٌ إِلَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ

باب نادر فيه ذكر الغيب

الحديث الأول

:صحيح.

" يبسط لنا العلم فنعلم" أي علمنا الغيب إنما هو بتعليمه سبحانه قد يبسط لنا فنعلم، و قد يقبضه عنا لبعض المصالح فلا نعلم" سر الله" أي هو سر الله و الضمير الراجع إلى العلم المبسوط أو إلى العلم الذي يحتاج الناس إليه و يسألونهم عنه بقرينة المقام، فالمراد بالعلم المبسوط و المقبوض غير ذلك مما يحدث بالليل و النهار و في ليالي الجمعة و ليالي القدر و غيرها، و لو عمم القبض و البسط في جميع العلوم فلا بد من تخصيصه بغير ما يحتاج الناس إليه من أمور الدين بل كل ما يسألون عنه فإنه قد ورد أنه لا يكون الإمام يسأل عن أمر و يقول: لا أدري.

و يؤيد ما ذكرنا سابقا ما رواه الصفار بإسناده عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا مضى الإمام يفضي من علمه في الليلة التي يمضي فيها إلى الإمام القائم من بعده مثل ما كان يعلم الماضي؟ قال: و ما شاء الله من ذلك يورث كتبا و لا يوكل إلى نفسه، و يزاد في ليله و نهاره، و المراد بمن شاء الله أمير المؤمنين أو مع سائر الأئمة عليهم السلام.

ص: 110

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ يَسْأَلُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِعِلْمِهِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ قَبْلَهُ فَابْتَدَعَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُنَّ سَمَاوَاتٌ وَ لَا أَرَضُونَ أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى- وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ أَ رَأَيْتَ قَوْلَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع- إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ وَ كَانَ وَ اللَّهِ مُحَمَّدٌ مِمَّنِ

الحديث الثاني

: مجهول،" بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ*" البديع فعيل بمعنى مفعل أي مبدعهما، أو بمعنى المفعول فالوصف بحال متعلق الموصوف، أي مبدع سماواته و أرضه، قال الفيروزآبادي: البديع المبتدع و المبتدع، و بدعه كمنعه أنشأه كابتدعه" بعلمه" أي كما يقتضيه العلم بالمصلحة بلا استعانة بمثال كان قبله أي قبل الابتداع، و لم يكن قبلهن سماوات و لا الأرضون لينشئهما و يضعهما على مثالهما" أ ما تسمع" استدلال بابتداع السماوات و الأرضين بقوله تعالى:" وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ" إذ لو كان حينئذ سماء و أرض لكان عرشه عليهما، و هذاصريح في حدوث السماوات و الأرضين بل جميع الأشياء" أ رأيت" أي أخبرني.

" عالِمُ الْغَيْبِ" أي هو عالم الغيب و الضمير لقوله: ربي، في قوله قبل ذلك" أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً" و الغيب ما غاب عن الشخص إما باعتبار زمان وقوعه كالأشياء الماضية و الآتية، أو باعتبار مكان وقوعه كالأشياء الغائبة عن حواسنا في وقتنا، و إما باعتبار خفائه في نفسه كالقواعد التي ليست ضروريات و لا مستنبطة منها بالفكر، و ضد الغيب الشهادة" فَلا يُظْهِرُ" أي لا يطلع" عَلى غَيْبِهِ أَحَداً" من عباده" إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ" قال الطبرسي: يعني الرسل، فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية معجزة لهم، و معناه من ارتضاه و اختاره للنبوة و الرسالة،

ص: 111

ارْتَضَاهُ وَ أَمَّا قَوْلُهُ عالِمُ الْغَيْبِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ عَالِمٌ بِمَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ فِيمَا يَقْدِرُ مِنْ شَيْ ءٍ وَ يَقْضِيهِ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ وَ قَبْلَ أَنْ يُفْضِيَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَذَلِكَ يَا حُمْرَانُ عِلْمٌ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ إِلَيْهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ فَيَقْضِيهِ إِذَا أَرَادَ وَ يَبْدُو لَهُ فِيهِ فَلَا يُمْضِيهِ فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي يُقَدِّرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَيَقْضِيهِ وَ يُمْضِيهِ فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي انْتَهَى- إِلَى رَسُولِ اللَّهِص ثُمَّ إِلَيْنَا

3 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَدِيرٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ يَحْيَى الْبَزَّازُ وَ دَاوُدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي مَجْلِسِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا وَ هُوَ مُغْضَبٌ فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ قَالَ يَا عَجَباً لِأَقْوَامٍ

فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من المصلحة.

قوله عليه السلام: فهو العلم الذي انتهى، لعل المراد به أنه لا بداء فيه غالبا، لا مطلقا كما يظهر من كثير من الأخبار، أو يخص بالعلم المحتوم، أو بالذي يظهر في ليلة القدر أو بما يحدث في الليل و النهار.

أقول: و روى علي بن إبراهيم لهذه الآية تأويلا آخر حيث قال: إلا لمن ارتضى من رسول يعني على المرتضى من الرسولصلى الله عليه و آله و هو منه، قال الله:" فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً" قال: في قلبه العلم، و من خلفه الرصد، يعلمه علمه و يزقه العلم زقا، و يعلمه الله إلهاما و الرصد التعليم من النبيصلى الله عليه و آله و سلم ليعلم النبي أنه قد بلغ رسالات ربه و أحاط علي بما لدى الرسول من العلم و أحصى كل شي ء عددا، ما كان و ما يكون منذ يوم خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة من فتنة أو زلزلة أو حتف أو قذف أو أمة هلكت فيما مضى أو تهلك فيما بقي، و كم من إمام جائر أو عادل يعرفه باسمه و نسبه، و من يموت موتا أو يقتل قتلا و كم من إمام مخذول لا يضره خذلان من خذله، و كم من إمام منصور لا ينفعه نصر من نصره.

الحديث الثالث

مجهول.

" و هو مغضب" على المجهول أي غضبا ربانيا لجماعة يزعمون أنه الرب،

ص: 112

يَزْعُمُونَ أَنَّا نَعْلَمُ الْغَيْبَ مَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَقَدْ هَمَمْتُ بِضَرْبِ جَارِيَتِي فُلَانَةَ فَهَرَبَتْ مِنِّي فَمَا عَلِمْتُ فِي أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ هِيَ قَالَ سَدِيرٌ فَلَمَّا أَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَصَارَ فِي مَنْزِلِهِ دَخَلْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ مُيَسِّرٌ وَ قُلْنَا لَهُ جُعِلْنَا فِدَاكَ سَمِعْنَاكَ وَ أَنْتَ تَقُولُ كَذَا وَ كَذَا فِي أَمْرِ جَارِيَتِكَ وَ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ عِلْماً كَثِيراً وَ لَا نَنْسُبُكَ إِلَى عِلْمِ الْغَيْبِ قَالَ فَقَالَ يَا سَدِيرُ أَ لَمْ تَقْرَأِ الْقُرْآنَ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ قَرَأْتُهُ قَالَ فَهَلْ عَرَفْتَ الرَّجُلَ وَ هَلْ عَلِمْتَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ قَالَ قُلْتُ أَخْبِرْنِي بِهِ قَالَ قَدْرُ قَطْرَةٍ مِنَ الْمَاءِ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ- قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أَقَلَّ هَذَا فَقَالَ يَا سَدِيرُ مَا أَكْثَرَ هَذَا أَنْ يَنْسُبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي أُخْبِرُكَ بِهِ يَا سَدِيرُ فَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَيْضاً- قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قَالَ قُلْتُ قَدْ قَرَأْتُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ أَ فَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ أَفْهَمُ أَمْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ بَعْضُهُ قُلْتُ لَا بَلْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ قَالَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَىصَدْرِهِ وَ قَالَ

تعالى الله عن ذلك أو يزعمون أنه يعلم جميع الغيوب و في جميع الأحوال أو على الجارية" فقال: يا عجبا" أي يا عجب ائتني فهذا أوانك أو يا قوم اعجبوا عجبا" فما علمت" لعله عليه السلام قال ذلك تورية لئلا ينسب إلى الربوبية و أراد علما مستندا إلى الأسباب الظاهرة، أو علما غير مستفاد، مع أنه يحتمل أن يكون الله تعالى أخفى عليه ذلك في تلك الحال لنوع من المصلحة كما مر.

" و لا ننسبك" الظاهر أنه إخبار أي لا ننسبك إلى إنك تعلم الغيب بنفسك من غير استفادة أو الغيوب المختصة به تعالى، و يحتمل أن يكون استفهاما إنكاريا" و البحر الأخضر" هو المحيط يسمى بذلك لخضرته و سواده بسبب كثرة مائه، و إنما لم يخبر عليه السلام عن تعيين الشخص لعدم الاهتمام به و عدم مدخليته فيما هو بصدد بيانه.

ص: 113

" ما أكثر" لعل هذا رد لما يفهم من كلام سدير من تحقير العلم الذي أوتى آصف عليه السلام بأنه و إن كان قليلا بالنسبة إلى علم كل الكتاب فهو في نفسه عظيم كثير لانتسابه إلى علم الذي أخبرك بعد ذلك برفعة شأنه و يحتمل أن يكون هذا مبهما يفسره ما بعده و يكون الغرض بيان وفور علم من نسبه الله إلى مجموع علم الكتاب و لعل الأول أظهر، و أظهر منهما ما في البصائر حيث روي عن إبراهيم بن هشام عن محمد بن سليمان و فيه" ما أكثر هذا لمن لم ينسبه".

و بهذا السند في البصائر" لمن ينسبه" و الظاهر أنه سقطت كلمة" لم" و المعنى حينئذ بين، و على التقادير يقرأ أخبرك علىصيغة المتكلم، و يمكن أن يقرأ على ما في الكتاب بصيغة الغيبة أي أخبرك الله بأنه أتى بعرش بلقيس في أقل من طرفة عين.

و حاصل الجواب أحد وجهين: الأول، أن يكون الغرض بيان عدم المنافاة بين أن يخفى الله عليهم في وقت من الأوقات لبعض المصالح بعض الأمور الجزئية، و بين أن يكونوا متهيئين لعلم كل الكتاب إذا أراد الله تعالى لهم ذلك، أو يكونوا محتاجين إلى مراجعة لتحصيل بعض العلوم و لا يكون لهم جميع العلوم بالفعل.

و الثاني: أن يكون الغرض بيان أن ما ذكره عليه السلام أولا كان للتقية من المخالفين أو من ضعفاء العقول من الشيعة، لئلا ينسبوهم إلى الربوبية و لعله أظهر و أرفق بسائر الأخبار، و على التقادير فيه دلالة على أن الجنس المضاف يفيد العموم،

ص: 114

عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا

4 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَمْرِو

و فيه خلاف بين الأصوليين.

الحديث الرابع

: موثق.

و حاصله أنه لا يعلم الغيب إلا بتعليم الله سبحانه و به يجمع بين الآيات و الأخبار الواردة في ذلك فإنه تعالى قال:" وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ" و قال سبحانه:" قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ" و قال عز و جل:" وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ" و قال جل و علا:" وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ" و قال عز من قائل:" فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ" و قال جل جلاله حاكيا عن نوح عليه السلام" وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ" و قال سبحانه:" وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ*" و قال تعالى:" قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ" و قال تبارك و تعالى" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ" و قال عز و علا" قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ" و قال جل من قائل" عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً".

فالآية الأولى تدل على أن الله تعالى يطلع من يجتبي من رسله على بعض الغيوب.

ص: 115

ابْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقِ بْنِصَدَقَةَ عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع

و أما الثانية فقال الطبرسي رحمه الله: و لا أعلم الغيب الذي يختص الله بعلمه و إنما أعلم قدر ما يعلمني الله من أمر البعث و النشور و الجنة و النار و غير ذلك" إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ*" يريد ما أخبركم إلا بما أنزل الله إلى.

و قال في الثالثة: معناه و عنده خزائن الغيب الذي فيه علم العذاب المستعجل و غير ذلك لا يعلمها أحد إلا هو أو من أعلمه به و علمه إياه، و قيل: معناه و عنده مقدورات الغيب يفتح بها على من يشاء من عباده بإعلامه به و تعليمه إياه و تيسيره السبيل إليه، و نصب الأدلة له و يغلق عمن يشاء و لا ينصب الأدلة.

و قال في الرابعة: معناه و لله علم ما غاب في السماوات و الأرض، لا يخفى عليه شي ء منه، ثم قال: وجدت بعض المشايخ ممن يتسم بالعدل و التشيع قد ظلم الشيعة الإمامية في هذا الموضع من تفسيره، فقال: هذا يدل على أن الله تعالى يختص بعلم الغيب خلافا لما تقوله الرافضة أن الأئمة عليهم السلام يعلمون الغيب و لا نعلم أحدا منهم استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق، و إنما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد، و هذاصفة القديم سبحانه، العالم لذاته، لا يشركه فيه أحد من المخلوقين، و من اعتقد أن غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة فهو خارج عن ملة الإسلام.

و أما ما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام و رواه عنه الخاص و العام من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم و غيرها، كإخباره عنصاحب الزنج و عن ولاية مروان بن الحكم و أولاده، و ما نقل من هذا الفن عن أئمة الهدى عليهم السلام فإن جميع ذلك متلقى من النبيصلى الله عليه و آله و سلم مما أطلعه الله عليه فلا معنى لنسبة من روى عنهم هذه الأخبار المشهورة إلى أنه يعتقد كونهم عالمين بالغيب، و هل هذا إلا سب قبيح و تضليل لهم بل تكفير، و لا يرتضيه من هو بالمذاهب خبير، و الله يحكم بينه و إليه المصير.

و قال (ره) في قوله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ" أي استأثر الله سبحانه به

ص: 116

عَنِ الْإِمَامِ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَالَ لَا وَ لَكِنْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْ ءَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ

و لم يطلع عليه أحدا من خلقه" وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ" فيما يشاء من زمان و مكان" وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ" ذكر أم أنثى،صحيح أم سقيم، واحد أم أكثر" وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً" أي ما ذا تعمل في المستقبل" وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ" أي في أي أرض يكون موته، و قد روي عن أئمة الهدى عليهم السلام أن هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل و التحقيق غيره تعالى، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

و الحاصل أن مقتضى الجمع بين الآيات و الأخبار حملها على أن نفي الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام، و إلا فظاهر أن عمدة معجزات الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام من هذا القبيل، و أحد وجوه إعجاز القرآن أيضا الأخبار بالغائبات، و نحن أيضا نعلم كثيرا من المغيبات بأخبار الله تعالى و رسوله و أئمة الهدى عليهم السلام، كالقيامة و أحوالها، و الجنة و النار، و الرجعة و قيام القائم عليه السلام و نزول عيسى عليه السلام و غير ذلك من أشراط الساعة، و العرش و الكرسي و الملائكة.

و أما الخمسة التي وردت في الآية فتحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المراد أن تلك الأمور لا يعلمها على التعيين و الخصوص إلا الله تعالى، فإنهم عليهم السلام إذا أخبروا بموت شخص في اليوم الفلاني فيمكن أن لا يعلموا خصوص الدقيقة التي تفارق الروح و الجسد مثلا، و يحتمل أن يكون ملك الموت أيضا لا يعلم ذلك.

الثاني: أن يكون العلم الحتمي بها مختصا به تعالى، و كلما أخبر الله من ذلك كان محتملا للبداء.

الثالث: أن يكون المراد عدم علم غيره تعالى بها إلا من قبله، فيكون كسائر الغيوب، و يكون التخصيص بها لظهور الأمر فيها أو لغيره من الوجوه.

الرابع: أن الله تعالى لم يطلع على تلك الأمور كلية أحدا من الخلق على وجه لا بداء فيه، بل يرسل حتمها على وجه الحتم في زمان قريب من حصولها كليلة القدر

ص: 117

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع إِذَا شَاءُوا أَنْ يَعْلَمُوا عُلِّمُوا

1 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ غَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ بَدْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ عُلِّمَ

2 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْصَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ بَدْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ أُعْلِمَ

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ وَ أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ

أو أقرب من ذلك، و هذا وجه قريب تدل عليه الأخبار الكثيرة، إذ لا بد من علم ملك الموت بخصوص الوقت، كما ورد في الأخبار و كذا ملائكة السحاب بوقت نزول المطر، و كذا المدبرات من الملائكة بأوقات وقوع الحوادث.

قال الشيخ المفيد قدس سره في كتاب المسائل: أقول: إن الأئمة من آل محمد عليهم السلام قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد و يعرفون ما يكون قبل كونه، و ذلك ليس بواجبصفاتهم، و لا شرطا في إمامتهم، و إنما أكرمهم الله تعالى به، و أعلمهم إياه للطف في طاعتهم و التسجيل بإمامتهم، و ليس ذلك بواجب عقلا و لكنه وجب لهم من جهة السماع، فأما إطلاق القول بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بين الفساد، لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء لا بعلم مستفاد، و هذا لا يكون إلا الله عز و جل، و على قولي هذا جماعة أهل الإمامية إلا من شذ منهم من المفوضة و من انتمى إليهم من الغلاة.

باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا

الحديث الأول

: ضعيف.

" علم" على بناء المجرد المعلوم، أو على بناء التفعيل المجهول، و يؤيد الثاني الخبر الآتي.

الحديث الثاني

: مجهول.

ص: 118

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئاً أَعْلَمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمَاعَةَ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ الْبَطَلِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَيُّ إِمَامٍ لَا يَعْلَمُ مَا يُصِيبُهُ وَ إِلَى مَا يَصِيرُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ

2 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قَطِيعَةِ الرَّبِيعِ مِنَ الْعَامَّةِ بِبَغْدَادَ مِمَّنْ كَانَ يُنْقَلُ عَنْهُ قَالَ

الحديث الثالث

: مجهول أيضا، و الإعلام أما بالإلهام أو بإلقاء روح القدس.

باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون و أنهم لا يموتون إلا باختيار منهم

الحديث الأول

: ضعيف.

" لا يعلم ما يصيبه" أي من الخير و الشر و العافية و البلاء في مدة عمره" و إلى ما يصير" أي من الموت أو الشهادة.

الحديث الثاني

: مجهول.

و في القاموس: القطيعة كشريفة: محال ببغداد أقطعها المنصور أناسا من أعيان دولته ليعمروها و يسكنوها ثم عد القطائع إلى أن قال: و قطيعتا الربيع بن يونس الداخلة و الخارجة" ممن كان ينقل عنه" أي كان من المحدثين يعتمد الناس على حديثهم، و في رواية الصدوق: ممن كان يقبل قوله، و قال في آخره: قال الحسن: و كان الشيخ من خيار العامة شيخصدوق مقبول القول ثقة ثقة جدا عند الناس.

ص: 119

قَالَ لِي قَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ مَنْ يَقُولُونَ بِفَضْلِهِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ فِي فَضْلِهِ وَ نُسُكِهِ فَقُلْتُ لَهُ مَنْ وَ كَيْفَ رَأَيْتَهُ قَالَ جُمِعْنَا أَيَّامَ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ- ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنَ الْوُجُوهِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْخَيْرِ فَأُدْخِلْنَا عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع فَقَالَ لَنَا السِّنْدِيُّ يَا هَؤُلَاءِ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ هَلْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَدْ فُعِلَ بِهِ- وَ يُكْثِرُونَ فِي ذَلِكَ وَ هَذَا مَنْزِلُهُ وَ فِرَاشُهُ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُضَيَّقٍ وَ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سُوءاً وَ إِنَّمَا يَنْتَظِرُ بِهِ أَنْ يَقْدَمَ فَيُنَاظِرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ هَذَا هُوَصَحِيحٌ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَسَلُوهُ قَالَ وَ نَحْنُ لَيْسَ لَنَا هَمٌّ إِلَّا النَّظَرُ إِلَى الرَّجُلِ وَ إِلَى فَضْلِهِ وَ سَمْتِهِ فَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ع أَمَّا مَا ذَكَرَ مِنَ

" بعض من يقولون" أي الشيعة، و في بعض النسخ بالخطاب و" نسكه" بضمتين أي عباداته، و يجي ء مصدرا أيضا كالنسك، و مثلثة" جمعنا" علىصيغة المجهول، و" ثمانين" منصوب على الاختصاص أو حال عن ضمير" جمعنا".

و في العيون و نحن ثمانون و السندي بن شاهك بفتح الهاء كانصاحب حرس هارون الرشيد" من الوجوه" أي المعتبرين المشهورين بين الناس بالفضل و الصلاح، قال الفيروزآبادي: الوجه سيد القوم" هل حدث به حدث" أي مكروه و آفة من جراحة و سم و نحوها" قد فعل به" على المجهول و الضمير المرفوع راجع إلى الحدث أو القائم مقام الفاعل مقدر حذف للتعميم، أي فعل به كل مكروه، و في رواية الصدوق أنه قد فعل مكروه في ذلك" و يكثرون" أي القول في ذلك" و هذا فراشه" الواو للحال" و إنما ينتظر به" على المعلوم أي هارون أو على المجهول، و في العيون" و إنما ينتظره" أي يقدم فيناظره أمير المؤمنين و ها هو ذا هوصحيح.

" و السمت" هيئة أهل الخير و سيماء أهل الصلاح أي لم يكن لنا مجال السؤال لشغل القلب بفضله و سمته، و قال الجوهري: النفر بالتحريك: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، و قال: الارتعاد: الاضطراب، و" مثل" منصوب بنيابة المفعول المطلق، و السعفة بالتحريك: ورقة النخل و جريدته.

ص: 120

التَّوْسِعَةِ وَ مَا أَشْبَهَهَا فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَ غَيْرَ أَنِّي أُخْبِرُكُمْ أَيُّهَا النَّفَرُ أَنِّي قَدْ سُقِيتُ السَّمَّ فِي سَبْعِ تَمَرَاتٍ وَ أَنَا غَداً أَخْضَرُّ وَ بَعْدَ غَدٍ أَمُوتُ قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَضْطَرِبُ وَ يَرْتَعِدُ مِثْلَ السَّعَفَةِ

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَتَى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع لَيْلَةً قُبِضَ فِيهَا بِشَرَابٍ فَقَالَ يَا أَبَتِ اشْرَبْ هَذَا فَقَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي

أقول: روى الصدوق أن الذي فعل به عليه السلام ذلك الفضل بن يحيى البرمكي لعنه الله بعث إليه عليه السلام مائدة فلما أحضرته رفع يده إلى السماء فقال: يا رب أنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم لكنت قد أعنت على نفسي، قال: فأكل فمرض، فلما كان من غد بعث إليه بالطبيب ليسأله عن العلة فقال له الطبيب: ما حالك؟ فتغافل عنه، فلما أكثر عليه أخرج عليه راحته فلما رآها الطبيب قال: هذه علتي و كانت حضرة وسط راحته على أنه سم فاجتمع في ذلك الموضع، قال: فانصرف الطبيب إليهم فقال:

و الله لهو أعلم بما فعلتم به منكم ثم توفي عليه السلام.

و يمكن أن يكون للملعونين كليهما فيه مدخل، بل ليحيى البرمكي لعنه الله أيضا كما سيأتي في الخبر.

و روى الصدوق عن محمد بن سليمان النوفلي في حديث طويل قال في آخره:

حمل موسى بن جعفر عليهما السلام من البصرة إلى بغداد سرا و حبس، ثم أطلق ثم سلم إلى السندي بن شاهك فحبسه و ضيق عليه ثم بعث إليه الرشيد بسم في رطب و أمره أن يقدمه إليه و يحتم إليه في تناوله منه، ففعل فمات عليه السلام.

الحديث الثالث

: ضعيف.

" بشراب" لعله كان دواء أتى به ليشربه و يتداوى به، فأظهر عليه السلام أنها الليلة التي قدر فيها وفاته و لا ينفع الدواء" فقال: يا أبه" و في بعض النسخ يا أباه، و في بعضها يا أبت و الكلصحيح، قال في القاموس: قالوا في النداء: يا أبت بكسر التاء و ضمها

ص: 121

أُقْبَضُ فِيهَا وَ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِص

4 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ قُلْتُ لِلرِّضَا ع إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع قَدْ عَرَفَ قَاتِلَهُ وَ اللَّيْلَةَ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا وَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ وَ قَوْلُهُ لَمَّا سَمِعَصِيَاحَ الْإِوَزِّ فِي الدَّارِصَوَائِحُ تَتْبَعُهَا نَوَائِحُ وَ قَوْلُ أُمِّ كُلْثُومٍ- لَوْصَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ دَاخِلَ الدَّارِ وَ أَمَرْتَ غَيْرَكَ يُصَلِّي

و يا أبه بالهاء و يا أبتاه و يا أباه، انتهى.

و قالوا أصل يا أبه يا أبي قلبت الياء ألفا للتخفيف، ثم حذفت الألف اكتفاء بفتحة ما قبلها ثم أدخلت الهاء للوقف.

و قال الصدوق: سمهصلوات الله عليه الوليد بن عبد الملك لعنه الله، ثم اعلم أن هذا التاريخ مخالف للمشهور كما سيأتي في تاريخه عليه السلام، فإن المشهور أن وفاته عليه السلام كان في المحرم و وفاة الرسولصلى الله عليه و آله و سلم إما فيصفر على مذهب الشيعة، أو في ربيع الأول بزعم المخالفين، إلا أن يكون المراد الليلة بحسب الأسبوع، و إن كان فيه أيضا مخالفة لما ذكره الأكثر لأنهم ذكروا في وفاته عليه السلام يوم السبت و في وفاة الرسولصلى الله عليه و آله و سلم وردت الأخبار الكثيرة أنها كانت يوم الاثنين لكن خصوص اليوم ضبطه بعيد، و لعله لذلك لم يعين المصنف فيما سيأتي اليوم و لا الشهر.

الحديث الرابع

: ضعيف.

" و قوله" مرفوع بالابتداء و خبره محذوف أي مروي أو واقع، و كذا قوله:

" و قول أم كلثوم" و يحتمل أن يكون من قبيل كل رجل و ضيعته، فيتحمل في قوله وقوع النصب و الرفع، و الواو في قوله" و قوله" يحتمل العطف و الحالية، و" الإوز" بكسر الهمزة و فتح الواو و تشديد الزاي: البط و قيل: الكبير منه، و قوله:صوائح خبر مبتدإ محذوف أي هيصوائح" تتبعها نوائح" نعت له أي هذه الصوائح وصياحها علامة لنوائح تكون بعدها.

أقول: ذكر المفيد (ره) في الإرشاد أنه عليه السلام لما طلع الصبح في تلك الليلة شد

ص: 122

بِالنَّاسِ فَأَبَى عَلَيْهَا وَ كَثُرَ دُخُولُهُ وَ خُرُوجُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِلَا سِلَاحٍ وَ قَدْ عَرَفَ ع أَنَّ ابْنَ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ قَاتِلُهُ بِالسَّيْفِ كَانَ هَذَا مِمَّا لَمْ يَجُزْ تَعَرُّضُهُ فَقَالَ ذَلِكَ كَانَ وَ لَكِنَّهُ خُيِّرَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِتَمْضِيَ مَقَادِيرُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ

إزاره و خرج و هو يقول:

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك و لا تجزع من الموت إذا حل بواديك

فلما خرج إلىصحن داره استقبلته الإوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردونهن فقال: دعوهن: فإنهن نوائح ثم خرج فأصيب عليه السلام.

و قال ابن شهرآشوب: فلما طلع الفجر أتاه ابن النباح فنادى: الصلاة، فقام فاستقبلته الإوز فصحن في وجهه، فقال: دعوهن فإنهنصوائح تتبعها نوائح، و تعلقت حديدة على الباب في مئزره فشد إزاره و أنشد البيت المتقدم.

" كان هذا مما لم يجز تعرضه" و في بعض النسخ: لم يحل، و منشأ الاعتراض أن حفظ النفس واجب عقلا و شرعا، و لا يجوز إلقاؤها إلى التهلكة" فقال عليه السلام ذلك كان و لكنه خير" في بعض النسخ بالخاء المعجمة أي خيره الله بين البقاء و اللقاء فاختار لقاء الله، و هذه النسخة مناسبة لعنوان الباب و هو مبني على منع كون حفظ النفس واجبا مطلقا، و لعله كان من خصائصهم عدم وجوب ذلك عند اختيارهم الموت، و حكم العقل في ذلك غير متبع، مع أن حكم العقل بالوجوب في مثل ذلك غير مسلم.

قال المحدث الأسترآبادي (ره): أقول: أحاديث هذا البابصريحة في أن المقدمة المشهورة بين المعتزلة من أن حفظ النفس واجب عقلا غير مقبولة، و لو خصصناها بحالة رجاء الخلاص، انتهى.

و في بعض النسخ" حير" بالحاء المهملة أي إنسي و أغفل عنه في ذلك الوقت، و يؤيده ما رواه الصفار في البصائر عن أحمد بن محمد عن إبراهيم بن أبي محمود عن بعض أصحابنا قال: قلت للرضا عليه السلام: الإمام يعلم إذا مات؟ قال: نعم، يعلم بالتعليم ممن

ص: 123

تقدم في الأمر، قلت: علم أبو الحسن بالرطب و الريحان المسمومين الذين بعث إليه يحيى بن خالد؟ قال: نعم، قلت: فأكله؟ قال: أنساه لينفذ فيه الحكم.

و عن أحمد بن محمد عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت: الإمام يعلم متى يموت؟

قال: نعم، قلت: حيث ما بعث إليه يحيى بن خالد برطب و ريحان مسمومين علم به؟

قال: نعم، قلت: فأكله و هو يعلم فيكون معينا على نفسه؟ فقال: لا يعلم قبل ذلك ليتقدم فيما يحتاج إليه، فإذا جاء الوقت ألقى الله على قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم.

و أقول: هذا الوجه و إن كان مؤيدا بالخبر لكنه مناف لظواهر أكثر الأخبار الواردة في هذا الباب، و يمكن أن يكون هذا لضعف عقول السائلين عن فهم ما هو الجواب في هذا الباب، و في بعض النسخ" حين" بالحاء المهملة و النون أخيرا قال الجوهري: حينه: جعل له وقتا، يقال حينت الناقة إذا جعلت لها في كل يوم و ليلة وقتا نحلبها فيه، انتهى.

فالمعنى أنه كان بلغ الأجل المحتوم المقدر، و كان لا يمكن الفرار منه، و لعله أظهر الوجوه، و حاصله أن من لا يعلم أسباب التقديرات الواقعية يمكنه الفرار عن المحذورات و يكلف به، و أما من كان عالما بجميع الحوادث فكيف يكلف الفرار، و إلا يلزم عدم وقوع شي ء من التقديرات فيه، بل هم عليهم السلام غير مكلفين بالعمل بهذا العلم في أكثر التكاليف، فإن النبي و أمير المؤمنينصلى الله عليهم كانا يعرفان المنافقين و يعلمان سوء عقائدهم و لم يكونا مكلفين بالاجتناب عنهم و ترك معاشرتهم و عدم مناكحتهم أو قتلهم و طردهم، ما لم يظهر منهم شي ء يوجب ذلك و كذا علم أمير المؤمنينصلوات الله عليه بعدم الظفر بمعاوية و بقاء ملكه بعده لم يصر سببا لأن يترك قتاله، بل كان يبذل في ذلك غاية جهده إلى أن استشهدصلوات الله عليه، مع أنه كان يخبر بشهادته و استيلاء معاوية بعده على شيعته، و كذا الحسينصلوات الله عليه كان عالما بغدر أهل العراق به و أنه يستشهد هناك مع أولاده و أقاربه و أصحابه، و يخبر بذلك مرارا

ص: 124

و لم يكن مكلفا بالعمل بهذا العلم، بل كان مكلفا بالعمل بظاهر الأمر حيث بذلوا نصرتهم و كاتبوه و راسلوه و وعدوه البيعة و تابعوا مسلم بن عقيل رضي الله عنه.

و سئل الشيخ السديد المحقق المفيد قدس الله روحه في المسائل العكبرية الإمام عندنا مجمع على أنه يعلم ما يكون فما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد و هو يعلم أنه مقتول و قد عرف قاتله و الوقت و الزمان؟ و ما بال الحسين بن علي عليهما السلام سار إلى الكوفة و قد علم أنهم يخذلونه و لا ينصرونه و أنه مقتول في سفرته تيك و لم لما حضر و عرف أن الماء قد منع منه و أنه إن حضر أذرعا قريبة و نبع الماء لم يحفر و أعان على نفسه حتى تلف عطشا؟ و الحسن عليه السلام و ادع معاوية و هادنه و هو يعلم أنه ينكث و لا يفي و يقتل شيعة أبيه عليه السلام؟

فأجاب (ره) و قال: أما الجواب عن قوله: أن الإمام يعلم ما يكون فإجماعنا أن الأمر على خلاف ما قال، و ما أجمعت الشيعة على هذا القول، و أن إجماعهم ثابت على أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث، و يكون على التفصيل و التمييز، و هذا يسقط الأصل الذي بني عليه الأسئلة بأجمعها، و لسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث، و يكون بإعلام الله تعالى له ذلك فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه و لا نصوب قائله لدعواه فيه من غير حجة و لا بيان، و القول بأن أمير المؤمنين عليه السلام يعلم قاتله و الوقت الذي كان يقتل فيه، فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول، و جاء أيضا بأنه يعلم قاتله على التفصيل، فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل، و لو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون، إذ كان لا يمتنع أن يتعبده الله تعالى بالصبر على الشهادة و الاستسلام على القتل، فيبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به، بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها، و لا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بذلك ملقيا بيده إلى التهلكة، و لا معينا على نفسه معونة يستقبح في العقول.

ص: 125

5 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ غَضِبَ عَلَى الشِّيعَةِ فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ

و أما علم الحسين عليه السلام بأن أهل الكوفة خادعوه فلسنا نقطع على ذلك إذ لا حجة عليه من عقل و لا سمع، و لو كان عالما بذلك لكان الجواب عنه ما قدمناه في الجواب عن علم أمير المؤمنين عليه السلام بوقت قتله، و معرفة قاتله كما ذكرناه.

و أما دعواه علينا أنا نقول: أن الحسين عليه السلام كان عالما بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء حيث كان ممنوعا منه حسبما ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام غير أن ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدمناه، و الكلام في علم الحسن عليه السلام بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدم و قد جاء الخبر بعلمه بذلك و كان شاهد الحال له يقضي به، غير أنه دفع به عن تعجيل قتله و تسليم أصحابه له إلى معاوية، و كان في ذلك لطف في بقائه إلى حال مضيه و لطف لبقاء كثير من شيعته و أهله و ولده و دفع فساد في الدين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته و كان عليه السلام أعلم بماصنع لما ذكرناه و بينا الوجوه فيه، انتهى.

و سئل العلامة الحلي طيب الله تربته عن مثل ذلك في أمير المؤمنينصلوات الله عليه فأجاب (ره) بأنه يحتمل أن يكون عليه السلام أخبر بوقوع القتل في تلك الليلة أو في أي مكان يقتل و أن تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفةصلوات الله عليه في ذات الله تعالى كما يجب على المجاهد الثبات و إن كان ثباته يفضي إلى القتل، انتهى كلامه رفع مقامه.

قوله عليه السلام" لتمضي مقادير الله" على بعض الوجوه السابقة اللام للعاقبة.

الحديث الخامس

: مرسل.

" غضب على الشيعة" إما لتركهم التقية فانتشر أمر إمامته عليه السلام فتردد الأمر بين أن يقتل الرشيد شيعته و تتبعهم أو يحبسه عليه السلام و يقتله، فدعا عليه السلام لشيعته و اختار البلاء لنفسه، أو لعدم انقيادهم لإمامهم و خلوصهم في متابعته و إطاعة أو أمره،

ص: 126

فَوَقَيْتُهُمْ وَ اللَّهِ بِنَفْسِي

6 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ مُسَافِرٍ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ لَهُ يَا مُسَافِرُ هَذَا الْقَنَاةُ فِيهَا حِيتَانٌ قَالَ نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ

فخيره الله تعالى بين أن يخرج على الرشيد فتقتل شيعته إذا يخرج، فينتهي الأمر إلى ما انتهى إليه.

و قيل: خيرني الله بين أن أوطن نفسي على الهلاك و الموت، أو أرضى بإهلاك الشيعة" فوقيتهم و الله بنفسي" يعني فاخترت هلاكي دونهم، و قيل: أي فخيرني بين إرادة موتي أو موتهم لتحقق المفارقة بيني و بينهم، فاخترت لقاء الله شفقة عليهم.

الحديث السادس

: حسن.

" هذا القناة فيها حيتان" في مناسبة السؤال عن الحيتان في هذا المقام وجوه:

" الأول" ما أفيد أن المعنى علمي بحقية ما أقول كعلمي بكون الحيتان في هذا الماء.

الثاني: ما قيل كأنه عليه السلام كان يعجبه القناة التي كانت في داره و حيتانها و لا يخفى ما فيه.

الثالث: ما قيل أيضا أنه مبني على إخباره عليه السلام مسافرا بأنه مستحدث في هذه القناة حيتان و هو علامة دنو أجلي.

الرابع: أن يكون إشارة إلى ما رواه الصدوق في العيون بإسناده عن أبي الصلت الهروي في خبر طويل يذكر فيه سمه في العنب و شهادته عليه السلام به، فأوصاه بأشياء منها كيفية حفر القبر و اللحد إلى أن قال عليه السلام: و إذا فعلوا ذلك يعني الحفر و اللحد فإنك ترى عند رأسي نداوة، فكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد و ترى فيه حيتاناصغارا، ففتت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شي ء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شي ء، ثم تغيب، فإذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه

ص: 127

إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِص الْبَارِحَةَ وَ هُوَ يَقُولُ يَا عَلِيُّ مَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَكَ

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَأَوْصَانِي بِأَشْيَاءَ فِي غُسْلِهِ وَ فِي كَفْنِهِ وَ فِي دُخُولِهِ قَبْرَهُ فَقُلْتُ يَا أَبَاهْ وَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ اشْتَكَيْتَ أَحْسَنَ مِنْكَ الْيَوْمَ مَا رَأَيْتُ عَلَيْكَ أَثَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ أَ مَا سَمِعْتَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع يُنَادِي مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ يَا مُحَمَّدُ تَعَالَ عَجِّلْ

8 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى النَّصْرَ عَلَى الْحُسَيْنِ ع حَتَّى كَانَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ خُيِّرَ النَّصْرَ أَوْ لِقَاءَ اللَّهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى

ينصب الماء و لا يبقى منه شي ء، و لا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون، إلى آخر ما أوردناه في الكتاب الكبير، و المناسبة حينئذ إما لأنه عند مشاهدة الحيتان تذكر عليه السلام فأخبر به، أو لكون هذه الحيتان هي التي تظهر في القبر، و إن كان بعيدا، مع أنه لا ضرورة في المناسبة بين الكلامين،" و البارحة" الليلة الماضية.

الحديث السابع

: ضعيف كالموثق.

" اشتكيت" أي مرضت" تعال" بفتح اللام أمر من باب تفاعل أي أقبل، و كان هذه الأخبار مما لا تكاد تصح إلا بالقول بالأجساد المثالية.

الحديث الثامن

: حسن.

" النصر" أي النصرة و المراد سببها أي الملائكة، و ما قيل: أنه اسم ملك فلا يخفى بعده" حتى كان بين السماء" في بعض النسخ" ما بين" و لعله بيان لكثرتهم، أي ملأ ما بين السماء و الأرض أو المراد خير بين الأمرين عند ما كانوا بين السماء و الأرض و لم ينزلوا بعد.

ص: 128

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ وَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشَّيْ ءُصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ

1 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَحْمَرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ قَالَ كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع جَمَاعَةً مِنَ الشِّيعَةِ فِي الْحِجْرِ فَقَالَ عَلَيْنَا عَيْنٌ فَالْتَفَتْنَا يَمْنَةً وَ يَسْرَةً فَلَمْ نَرَ أَحَداً فَقُلْنَا لَيْسَ عَلَيْنَا عَيْنٌ فَقَالَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ وَ رَبِّ الْبَنِيَّةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ مُوسَى وَ الْخَضِرِ لَأَخْبَرْتُهُمَا أَنِّي أَعْلَمُ مِنْهُمَا وَ لَأَنْبَأْتُهُمَا بِمَا لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا لِأَنَّ مُوسَى وَ الْخَضِرَ ع أُعْطِيَا عِلْمَ مَا كَانَ وَ لَمْ يُعْطَيَا عِلْمَ مَا يَكُونُ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَ قَدْ وَرِثْنَاهُ

باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان و ما يكون و أنه لا يخفى عليهم الشي ء صلوات الله عليهم

الحديث الأول

: ضعيف.

" جماعة" منصوب على الاختصاص أو على الحالية عن ضمير" كنا".

" علينا." استفهام و العين الرقيب و الجاسوس و" يمنة و يسرة" بفتحهما منصوبان بالظرفية، أي في ناحية اليمين و ناحية اليسار، و البنية كصنيعة الكعبة" و لم يعطيا علم ما هو كائن" أي جميعها، و إلا فكان قصة الغلام من جملة ما يكون، إلا أن يقال المراد به الأمور المتعلقة بما سيكون و متعلق ذلك الأمر كان الغلام الموجود، لكن قد أوردنا في باب أحوال موسى و الخضر من كتابنا الكبير ما يأبى عن هذا التأويل و الأول أظهر، و في البصائر هكذا: و لم يعطيا علم ما هو كائن و أن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم أعطي علم ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة فورثناه من رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم وراثة.

فإن قيل: سؤاله عليه السلام ينافي علمه عليه السلام بما كان و ما هو كائن؟

قلت: قد مر و سيأتي أنهم عليه السلام ليسوا بمكلفين بالعمل بهذا العلم فلا بد لهم من العمل بما يوجب التقية ظاهرا، أو يقال لعلهم يحتاجون في العلم على هذا الوجه

ص: 129

مِنْ رَسُولِ اللَّهِص وِرَاثَةً

2 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ عَبْدُ الْأَعْلَى وَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ سَمِعُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ وَ أَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ وَ أَعْلَمُ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ قَالَ ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْئَةً فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ كَبُرَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَقَالَ عَلِمْتُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ

3 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ جَمَاعَةَ بْنِ سَعْدٍ الْخَثْعَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْمُفَضَّلُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ لَهُ الْمُفَضَّلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَفْرِضُ اللَّهُ طَاعَةَ عَبْدٍ عَلَى الْعِبَادِ وَ يَحْجُبُ عَنْهُ خَبَرَ السَّمَاءِ قَالَ لَا اللَّهُ أَكْرَمُ وَ أَرْحَمُ وَ أَرْأَفُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ عَلَى الْعِبَادِ ثُمَّ يَحْجُبَ عَنْهُ خَبَرَ السَّمَاءِصَبَاحاً وَ مَسَاءً

إلى مراجعة إلى الكتب أو توجه إلى عالم القدس في بعض الأحيان.

الحديث الثاني

: ضعيف على المشهور.

" فيه تبيان كل شي ء" لعله نقل بالمعنى، فإن في المصاحف" وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ" أو كان في قراءتهم عليهم السلام كذلك.

الحديث الثالث

: و في الرجال: جماعة بن سعد الجعفي و ضعفه ابن الغضائري" خبر السماء" أي الخبر النازل من السماء سواء نزل عليه بالتحديث أو نزل على من قبله و قيل: المراد به أحوال السماوات و ما فيها و أهلها و الأول أظهر، و كون مثل هذا العالم بين العباد لطف و رأفة بالنسبة إليهم ليرجعوا إليه في كل ما يحتاجون إليه في دينهم و دنياهم و الله أرأف من أن يمنعهم مثل هذا اللطف، و يفرض طاعة من ليس كذلك فيصير سببا لمزيد تحيرهم، و ذكر الصباح و المساء على المثال أو لأنهما وقت الاستفادة، أو لأنه ينزل ما يحتاج إليه الإمام في اليومصباحا، و ما يحتاج إليه في الليل مساء.

ص: 130

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ وَ عِنْدَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ يَتَوَلَّوْنَا وَ يَجْعَلُونَا أَئِمَّةً وَ يَصِفُونَ أَنَّ طَاعَتَنَا مُفْتَرَضَةٌ عَلَيْهِمْ كَطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِص ثُمَّ يَكْسِرُونَ حُجَّتَهُمْ وَ يَخْصِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِضَعْفِ قُلُوبِهِمْ فَيَنْقُصُونَا حَقَّنَا وَ يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ بُرْهَانَ حَقِّ مَعْرِفَتِنَا وَ التَّسْلِيمَ لِأَمْرِنَا أَ تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى افْتَرَضَ طَاعَةَ أَوْلِيَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ ثُمَّ يُخْفِي عَنْهُمْ أَخْبَارَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ-

الحديث الرابع

:صحيح.

" ثم يكسرون حجتهم" أي على المخالفين لأن حجتهم على المخالفين أن إمامهم يعلم ما لا يعلم إمامهم، و لا بد أن يكون الإمام كاملا في العلم، و إمام المخالفين ناقص جاهل، فإذا اعترفوا في إمامهم أيضا بالجهل كسروا و أبطلوا حجتهم و خصموا أنفسهم أي قالوا بشي ء إن تمسك به المخالفون غلبوا عليهم، فإن لهم أن يقولوا: لا فرق بين إمامنا و إمامكم، أو المعنى كسروا حجتهم في هذا الكلام إذ للمعارض لهم في هذا المدعى أن يحتج عليهم بأن خليفة الرسول و القائم مقامه لا بد أن يكون مثله في الصفات بالعقل و النقل، و خصموا أنفسهم أي قالوا بشي ء ينافي ما ادعوه في الإمامة، يقال: خصمه كضربه إذا غلب عليه في الخصومة.

" و ينقصونا حقنا" مأخوذ من نقص، المتعدي إلى مفعولين، يقال: نقصه حقه إذا لم يؤد إليه حقه أو حقنا بدل من الضمير" و يعيبون ذلك" أي أداء حقنا و عرفان أمرنا على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا من الكتاب و السنة، فأقروا بغاية علمنا" و التسليم لأمرنا" أي الإذعان و التصديق بما أوصل إليه من الأمور المنسوبة إلينا من وفور علومنا و فضائلنا و علو درجاتنا أو لأمر الإمامة لأن القول به يستلزم القول بكمالهم في جميع الأمور.

ص: 131

وَ يَقْطَعُ عَنْهُمْ مَوَادَّ الْعِلْمِ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِمَّا فِيهِ قِوَامُ دِينِهِمْ فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ- عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع وَ خُرُوجِهِمْ وَ قِيَامِهِمْ بِدِينِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَ مَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَ الظَّفَرِ بِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا وَ غُلِبُوا فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَا حُمْرَانُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَ قَضَاهُ وَ أَمْضَاهُ وَ حَتَمَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ أَجْرَاهُ فَبِتَقَدُّمِ عِلْمٍ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِص قَامَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع وَ بِعِلْمٍصَمَتَ مَنْصَمَتَ مِنَّا وَ لَوْ أَنَّهُمْ يَا حُمْرَانُ حَيْثُ نَزَلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِظْهَارِ الطَّوَاغِيتِ عَلَيْهِمْ سَأَلُوا اللَّهَ

" ثم يخفى" ثم للتراخي في المرتبة و" مواد العلم" ما يمكنهم استنباط علوم الحوادث و الأحكام و غيرهما منه مما ينزل عليهم في ليلة القدر و غيرها، و المادة الزيادة المتصلة" فيما يرد عليهم" أي من القضايا و ما يسألون عنه من الأخبار و" من" في قوله" مما فيه" لبيان العلم فيما يرد عليهم و قوام دينهم، كما يكون في القضايا و الأحكام كذلك يكون في الإخبار بالحوادث و الغيوب، لأنه سبب لصحة أيمانهم و زيادة يقينهم في إمامة أئمتهم.

" و أ رأيت" أي أخبرني ما كان من تلك الأمور لأي سبب كان، فإن هذا يوهم عدم علمهم بما يكون قبل وقوعه، أو يلزم أنهم ألقوا بأيديهم إلى التهلكة كما مر في الباب السابق" على سبيل الاختيار" في أكثر النسخ بالياء المثناة التحتانية، أي وقع ما وقع عليهم برضاهم، و بعد أن أخبروا بذلك و اختاروه، و لذا لم يفروا منه و سلموا و فعلوا ما أمروا به ذلك، و في بعض النسخ بالباء الموحدة أي على سبيل الابتلاء و الامتحان، و الأول أوفق بما سيأتي في هذا الخبر و بما مر و سيأتي في غيره من الأخبار، و كذا التفريع في قوله" فبتقدم علم" به أنسب، و الظرفان أعني إليهم و من رسول الله حالان عن علم أو نعتان له، و القيام الإعلان بدعوى الإمامة، و الصمت ترك الإعلان و كذا قوله:" و لو أنهم" بيان لكون وقوع تلك الأمور باختيارهم و رضاهم على سبيل التسليم و الرضا بقضاء الله.

ص: 132

عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَ أَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي طَلَبِ إِزَالَةِ مُلْكِ الطَّوَاغِيتِ وَ ذَهَابِ مُلْكِهِمْ إِذاً لَأَجَابَهُمْ وَ دَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ثُمَّ كَانَ انْقِضَاءُ مُدَّةِ الطَّوَاغِيتِ وَ ذَهَابُ مُلْكِهِمْ أَسْرَعَ مِنْ سِلْكٍ مَنْظُومٍ انْقَطَعَ فَتَبَدَّدَ وَ مَا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَصَابَهُمْ يَا حُمْرَانُ لِذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ وَ لَا لِعُقُوبَةِ مَعْصِيَةٍ خَالَفُوا اللَّهَ فِيهَا وَ لَكِنْ لِمَنَازِلَ وَ كَرَامَةٍ مِنَ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يَبْلُغُوهَا فَلَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ فِيهِمْ

5 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع بِمِنًى- عَنْ خَمْسِمِائَةِ حَرْفٍ مِنَ الْكَلَامِ فَأَقْبَلْتُ أَقُولُ يَقُولُونَ كَذَا وَ كَذَا قَالَ فَيَقُولُ قُلْ كَذَا وَ كَذَا قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا الْحَلَالُ وَ هَذَا الْحَرَامُ أَعْلَمُ أَنَّكَصَاحِبُهُ وَ أَنَّكَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ وَ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فَقَالَ لِي وَيْكَ يَا هِشَامُ لَا يَحْتَجُّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ بِحُجَّةٍ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ كُلُّ مَا

" حيث" ظرف مكان استعمل في الزمان" إذا لأجابهم" جواب لو" من سلك" أي من انقطاع سلك، و التبدد التفرق و" الاقتراف" الاكتساب.

و الحاصل أنهم ليسوا داخلين تحت قوله:" ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" و الخطاب في تلك الآية إنما توجه إلى أرباب الخطايا و المعاصي من الأمة و فيهم إنما هي لرفع درجاتهم" فلا تذهبن بك المذاهب" الباء للتعدية، و المذاهب الأهواء المضلة، أي لا تتوهمن أن ذلك لصدور معصية عنهم، أو لنقص قدرهم و حط منزلتهم عند الله، أو أنهم لم يكونوا يعلمون ما يصيبهم.

الحديث الخامس

: مجهول.

" عن خمسمائة حرف" أي مسألة، و إطلاق الحرف على الجملة بل على جمل موردة لمعنى واحد شائع" فأقبلت" أي شرعت، و ضمير يقولون للمتكلمين من العامة و قوله" هذا" مبتدأ و" أعلم" خبره" يا هشام" في بعض النسخ" ويسك يا هشام" قال في القاموس ويس كلمة يستعمل في موضع رأفة و استملاح للصبي" يحتج الله"

ص: 133

يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ

6 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ لَا وَ اللَّهِ لَا يَكُونُ عَالِمٌ جَاهِلًا أَبَداً عَالِماً بِشَيْ ءٍ جَاهِلًا بِشَيْ ءٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ وَ أَعَزُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ يَحْجُبُ عَنْهُ عِلْمَ سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ ثُمَّ قَالَ لَا يَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْهُ

بَابُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يُعَلِّمْ نَبِيَّهُ عِلْماً إِلَّا أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَهُ فِي الْعِلْمِ

14،، 1،، 6- 1 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ جَبْرَئِيلَ ع أَتَى رَسُولَ اللَّهِص بِرُمَّانَتَيْنِ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِص إِحْدَاهُمَا وَ كَسَرَ الْأُخْرَى بِنِصْفَيْنِ

استفهام إنكار و في بعض النسخ: لا يحتج الله.

الحديث السادس

: مجهول.

" لا يكون عالم" أي من وصفه الله في كتابه بالعلم، أو عالم افترض الله على الناس طاعته، أو من يستحق أن يسمى عالما و الأوسط أظهر بقرينة آخر الخبر" جاهلا" أي شي ء مما يحتاج الناس إليه" عالما بشي ء جاهلا بشي ء" بدل تفصيل لقوله جاهلا، و الحاصل أن العالم الحقيقي من يكون عالما بجميع ما يحتاج إليه الأمة و إلا فليس أحد من الناس لا يعلم شيئا و المراد بعلم السماء علم حقيقة السماء و ما فيها من الكواكب و حركاتها و أوضاعها و من فيها من الملائكة و درجاتهم و أعمالهم و أحوالهم و منازلهم، أو المراد به العلم الذي يأتي من جهة السماء، و كذا علم الأرض يحتمل الوجهين و يمكن التعميم فيهما معا.

باب أن الله عز و جل لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين (ع) و أنه كان شريكه في العلم عليهما السلام

الحديث الأول

: مجهول.

ص: 134

فَأَكَلَ نِصْفاً وَ أَطْعَمَ عَلِيّاً نِصْفاً ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِص يَا أَخِي هَلْ تَدْرِي مَا هَاتَانِ الرُّمَّانَتَانِ قَالَ لَا قَالَ أَمَّا الْأُولَى فَالنُّبُوَّةُ لَيْسَ لَكَ فِيهَا نَصِيبٌ وَ أَمَّا الْأُخْرَى فَالْعِلْمُ أَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ شَرِيكَهُ فِيهِ قَالَ لَمْ يُعَلِّمِ اللَّهُ مُحَمَّداًص عِلْماً إِلَّا وَ أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ عَلِيّاً ع

2 عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع عَلَى رَسُولِ اللَّهِص بِرُمَّانَتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُمَا فَأَكَلَ وَاحِدَةً وَ كَسَرَ الْأُخْرَى بِنِصْفَيْنِ فَأَعْطَى عَلِيّاً ع نِصْفَهَا فَأَكَلَهَا فَقَالَ يَا عَلِيُّ أَمَّا الرُّمَّانَةُ الْأُولَى الَّتِي أَكَلْتُهَا فَالنُّبُوَّةُ لَيْسَ لَكَ فِيهَا شَيْ ءٌ وَ أَمَّا الْأُخْرَى فَهُوَ الْعِلْمُ فَأَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍص بِرُمَّانَتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ فَلَقِيَهُ عَلِيٌّ ع فَقَالَ مَا هَاتَانِ الرُّمَّانَتَانِ اللَّتَانِ فِي يَدِكَ فَقَالَ أَمَّا هَذِهِ فَالنُّبُوَّةُ لَيْسَ لَكَ فِيهَا نَصِيبٌ وَ أَمَّا هَذِهِ فَالْعِلْمُ ثُمَّ فَلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِص بِنِصْفَيْنِ فَأَعْطَاهُ نِصْفَهَا وَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِص نِصْفَهَا ثُمَّ قَالَ

" أما الأولى فالنبوة" أي إحداهما بإزاء النبوة و الأخرى بإزاء العلم، و يمكن أن يكون لإحداهما مدخل في تقوية النبوة و للأخرى في تقوية العلم.

قوله: كيف كان، لما كان المتبادر من الشركة في أمر اختصاص كل من الشريكين بحصة فيه ليس للآخر فيها نصيب و هو ليس بمراد، سأل عن كيفية الشركة، و كان فيه مدح الرمان و أنه يوجب تنوير القلب كماصرح به في أخبار أخر.

الحديث الثاني

: حسن.

قوله: فهو العلم، تذكير الضمير للخبر.

الحديث الثالث

: موثق.

قوله: و أنا شريكك فيه، ليس بمناف لما مر في الخبر، إذ التفاوت إنما هو في

ص: 135

أَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ وَ أَنَا شَرِيكُكَ فِيهِ قَالَ فَلَمْ يَعْلَمْ وَ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِص حَرْفاً مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا وَ قَدْ عَلَّمَهُ عَلِيّاً ثُمَّ انْتَهَى الْعِلْمُ إِلَيْنَا ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىصَدْرِهِ

بَابُ جِهَاتِ عُلُومِ الْأَئِمَّةِ ع

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ عَلِيٍّ السَّائِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ مُوسَى ع قَالَ قَالَ مَبْلَغُ عِلْمِنَا عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ مَاضٍ وَ غَابِرٍ وَ حَادِثٍ فَأَمَّا الْمَاضِي فَمُفَسَّرٌ وَ أَمَّا الْغَابِرُ فَمَزْبُورٌ وَ أَمَّا الْحَادِثُ فَقَذْفٌ فِي الْقُلُوبِ وَ نَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ وَ هُوَ أَفْضَلُ عِلْمِنَا وَ لَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا

الإجمال و التفصيل، و الإشارة إلى الصدر للتأكيد و لبيان عدم شركة الغير فيه، أو كونه محفوظا فيصدورهم لم يفتهم منه شي ء.

باب جهات علوم الأئمة عليهم السلام

الحديث الأول

:صحيح على الظاهر، و السائي منسوب إلى قرية من المدينة يقال لها الساية.

" مبلغ علمنا" أي غايته و كماله أو محل بلوغه و منشإه.

" ماض" أي ما تعلق بالأمور الماضية و" غابر" أي ما تعلق بالأمور الآتية، قال في القاموس: غبر الشي ء غبرا أي بقي و الغابر الباقي و الماضي و هو من الأضداد" فأما الماضي فمفسر" أي فسره لنا رسول الله" و أما الغابر" أي العلوم المتعلقة بالأمور الآتية المحتومة" فمزبور" أي مكتوب لنا في الجامعة و مصحف فاطمة و غيرهما، و الشرائع و الأحكام يمكن إدخالهما في الأول أو في الثاني أو بالتفريق" و أما الحادث" و هو ما يتجدد من الله حتمه من الأمور البدائية، أو العلوم و المعارف الربانية أو تفصيل المجملات أو الأعم" فقذف في القلوب" بالإلهام من الله تعالى بلا توسط ملك أو نقر في الإسماع، بتحديث الملك و كونه من أفضل علومهم لاختصاصه بهم و لحصولهم

ص: 136

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي زَاهِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ عِلْمِ عَالِمِكُمْ قَالَ وِرَاثَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِص وَ مِنْ عَلِيٍّ ع قَالَ قُلْتُ إِنَّا نَتَحَدَّثُ

بلا واسطة بشر، أو لعدم اختصاص الأولين بهم إذ قد اطلع على بعضهما بعض خواص الصحابة مثل سلمان و أبي ذر بإخبار النبيصلى الله عليه و آله بل قدر أي بعض أصحابهم عليهم السلام بعض مواضع تلك الكتب، أو لأنها من المعارف الربانية التي هي أشرف العلوم كما مر تفصيله، و لما كان هذا القول منه عليه السلام يوهم ادعاء النبوة فإن الإخبار عن الملك عند الناس مخصوص بالأنبياء، نفى عليه السلام ذلك الوهم بقوله:" و لا نبي بعد نبينا" و ذلك لأن الفرق بين النبي و المحدث إنما هو برؤية الملك عنه إلقاء الحكم و عدمها بالإسماع منه و عدمه كما مر.

الحديث الثاني

: مجهول.

" وراثة" أي بعض منه كذلك، و إنما اكتفي به أو لا تقية أو لقصور فهم السائل لئلا يتوهم فهم النبوة، فلما سأل السائل قال عليه السلام: أو ذاك، أي علمنا إما وارثة أو ذاك الذي ذكرت، و لم يكن غرضي الحصر بل ذكر نوع منه، أو العلم الذي لا بد منه في بدو الإمامة، أو المراد يحتمل ذلك، و عدم الجزم للمصلحة و هو بعيد، أو يكون" أو" بمعنى بل كما ذكر في المغني و غيره ردا لإنكاره، أي بل ذاك أي الوراثة واقع البتة، أو يكون الألف للاستفهام أي أو يكون ذلك؟ على الإنكار للمصلحة، و الأول أظهر، و يحتمل أن يكون في الأصل: ذاك أو ذاك، فسقط الأول من النساخ، أو يكون:

ذاك و ذاك، كما في سائر الروايات عن النضري.

فقد روي في البصائر عن أحمد بن محمد عن البرقي عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الأرض لا تترك بغير عالم؟

قلت: الذي يعلمه عالمكم ما هو؟ قال: وراثة من رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و من علي بن أبي طالب عليه السلام علم يستغني عن الناس و لا يستغني الناس عنه، قلت: و حكمة يقذف فيصدره أو ينكت في أذنه؟ قال: ذاك و ذاك.

ص: 137

أَنَّهُ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ يُنْكَتُ فِي آذَانِكُمْ قَالَ أَوْ ذَاكَ

3 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع رُوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ إِنَّ عِلْمَنَا غَابِرٌ وَ مَزْبُورٌ وَ نَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ وَ نَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ فَقَالَ أَمَّا الْغَابِرُ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِنَا وَ أَمَّا الْمَزْبُورُ فَمَا يَأْتِينَا وَ أَمَّا النَّكْتُ فِي الْقُلُوبِ فَإِلْهَامٌ وَ أَمَّا النَّقْرُ فِي الْأَسْمَاعِ فَأَمْرُ الْمَلَكِ

و بسند آخر عن النضري مثله، و بسند آخر مثل ما في المتن، و في آخره قال: ذاك و ذاك، و بسند آخر عن أبان عمن رواه عنه عليه السلام بغير عبارة المتن و في آخره قال: أو ذاك.

الحديث الثالث

: ضعيف على المشهور.

" روينا" على المعلوم من باب ضرب أو المجهول من هذا الباب أو من باب التفعيل، و على الأخير أكثر المحدثين يقال رواه الحديث تروية إذا حمله على روايته" فما تقدم من علمنا" أي معلومنا أي العلم بالأمور الماضية، أو المراد ما سمعه من الإمام المتقدم في حال حياته و عند موته، و هو متقدم على الإمامة، فالمراد بالمزبور ما يقرأه بعد الإمامة في الكتب التي دفعها إليه الإمام المتقدم، و المراد بالغابر في هذا الخبر الماضي.

و قال في البصائر بعد رواية هذا الخبر: و روى زرارة مثل ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: كيف يعلم أنه كان من الملك و لا يخاف أن يكون من الشيطان إذا كان لا يرى الشخص؟ قال: إنه يلقى عليه السكينة فيعلم أنه من الملك، و لو كان من الشيطان اعتراه فزع، و إن كان الشيطان يا زرارة لا يتعرض لصاحب هذا الأمر.

أقول: قال الشيخ المفيد قدس سره في كتاب شرح العقائد:" القول في سماع الأئمة عليهم السلام كلام الملائكة الكرام و إن كانوا لا يرون منهم الأشخاص" أقول بجواز هذا من جهة العقل، و أنه ليس بممتنع في الصديقين من الشيعة المعصومين من الضلال و قد جاءت بصحته و كونه للأئمة عليهم السلام و من أسميت من شيعتهم الصالحين الأبرار الأخيار واضحة الحجة و البرهان، و هو مذهب فقهاء الإمامية و أصحاب الآثار منهم، و قد أباه بنو نوبخت و جماعة من الإمامية لا معرفة لهم بالأخبار، و لم يتعمقوا النظر و لا سلكوا طريق الصواب.

ص: 138

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع لَوْ سُتِرَ عَلَيْهِمْ لَأَخْبَرُوا كُلَّ امْرِئٍ بِمَا لَهُ وَ عَلَيْهِ

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْمُخْتَارِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع لَوْ كَانَ لِأَلْسِنَتِكُمْ أَوْكِيَةٌ لَحَدَّثْتُ كُلَّ امْرِئٍ بِمَا لَهُ وَ عَلَيْهِ

2 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَصِيرٍ يَقُولُ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مِنْ أَيْنَ أَصَابَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ مَا أَصَابَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَنَايَاهُمْ وَ بَلَايَاهُمْ قَالَ فَأَجَابَنِي شِبْهَ الْمُغْضَبِ مِمَّنْ ذَلِكَ

باب أن الأئمة عليهم السلام لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له و عليه

الحديث الأول

: مجهول.

و في القاموس: الوكاء ككساء: رباط القربة، و كل ما شد رأسه من وعاء" بما له" أي من المنافع" و بما عليه" من البلايا و المضار.

الحديث الثاني

: ضعيف.

" من أين أصاب أصحاب علي عليه السلام ما أصابهم" أي من البلاء و الشدة و القتل.

و الحاصل أن السائل استبعد إصابة العالم بمناياه و بلاياه و ما يصيبه، لأن العلم يوجب الحذر عما ينتهي إليه.

و الجواب أن العلم لا يوجب الحذر بوجوه:" الأول" أنهم لم يكونوا مكلفين بالعمل بذلك العلم كما مر تحقيقه" و الثاني" أنه ربما لم يكن الحذر مع وجود العلم و ذلك ظاهر" و الثالث" أنه ربما كان العلم سببا لوقوعه لا رفعه بأن أخبروا بذلك فصار سببا لوقوعه.

و جوابه عليه السلام يومئ إلى الأخير، حيث قال: ممن ذلك إلا منهم، أي لم يكن

ص: 139

إِلَّا مِنْهُمْ فَقُلْتُ مَا يَمْنَعُكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ ذَلِكَ بَابٌ أُغْلِقَ إِلَّا أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّصَلَوَاتٌ عَلَيْهِمَا فَتَحَ مِنْهُ شَيْئاً يَسِيراً ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ أُولَئِكَ كَانَتْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ أَوْكِيَةٌ

ذلك إلا منهم، و إنما أصابهم البلايا و الفتن لأخبارهم بما علموا من ذلك، فما زعمت مانعاصار مؤيدا، أو المعنى لم ينفعهم العلم لدفعه لأنهم فعلوا ما استحقوا بذلك نزول البلاء عليهم من عدم إطاعته عليه السلام كما ينبغي، و لا ينافي ذلك علو مرتبتهم، لأن المقر بين قد يؤاخذون بشي ء قليل فيكون إشارة إلى قوله تعالى:" ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ".

و قيل: المراد بما أصابهم القرب و المنزلة عند الإمام عليه السلام، و اطلاعهم على العلوم الغريبة و الأسرار العجيبة، منضما إلى ما علموا من علم المنايا و البلايا، و الجواب حينئذ أنه لم يكن ذلك إلا منهم لكونهم قابلين مستعدين لذلك" فقلت: ما يمنعك"؟ أي من أن تخبر أصحابك بمناياهم و بلاياهم كما أخبر علي عليه السلام؟ فأجاب عليه السلام بأن ذلك باب مغلق عليهم لم يؤذن لهم في فتحه إلا يسيرا، و هو ما أخبر به الحسين عليه السلام أصحابه من ذلك" إن أولئك" أي أصحاب الحسين عليه السلام" كانت على أفواههم أوكية" و كانوا كاتمين للإسرار فلذا أخبرهم، و أنتم مذيعون لها فلذا لم يخبركم، أو المراد أعم من أصحاب الحسين و أصحاب علي عليهما السلام، فالمعنى أنهم كانوا قادرين على ضبط الأسرار و كتمها، و لم يكتموا حتى قتلوا بذلك فكيف أنتم و لا تقدرون على الكتم، أو هم كانوا كاتمين لبعض الأسرار و أنتم لا تكتمون شيئا.

ص: 140

بَابُ التَّفْوِيضِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِص وَ إِلَى الْأَئِمَّةِ ع فِي أَمْرِ الدِّينِ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي زَاهِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ النَّحْوِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَدَّبَ نَبِيَّهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ فَقَالَ وَ إِنَّكَ لَعَلى

باب التفويض إلى رسول الله و إلى الأئمة عليهم السلام في أمر الدين

باب التفويض إلى رسول الله و إلى الأئمة عليهم السلام في أمر الدين

أقول: لعل مراده إثبات التفويض للتقييد بالدين احترازا عن التفويض في الخلق.

الحديث الأول

: مجهول بالسند الأولصحيح بالثاني.

و التأديب تعليم الأدب و هو ما يدعو إلى المحامد من الأعمال الصالحة و الأخلاق الفاضلة، قال في المصباح المنير: أدبته أدبا من باب ضرب علمته رياضة النفس و محاسن الأخلاق، و أدبته تأديبا مبالغة و تكثيرا، و منه قيل: أدبته تأديبا مبالغة و تكثيرا، و منه قيل: أدبته تأديبا إذا عاقبته على إساءته، لأنه سبب يدعو إلى حقيقة الأدب، انتهى.

" على محبته" أي على النحو الذي أحب و أراد، فيكون قائما مقام المفعول المطلق، أو متعلق بأدب، و" على" للتعليل أي لمحبة الله، أو لأن يصير محبا له أو علمه طريق المحبة أو حال عن فاعل أدب أو مفعوله، أي كائنا على محبته، و على بعض الوجوه الضمير راجع إلى الرسولصلى الله عليه و آله، و قيل: يعني علمه و فهمه ما يوجب تأدبه بأدب الله، و تخلقه بأخلاق الله لحبه إياه، أو حالكونه محبا له و هذا مثل قوله سبحانه:" وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ" أو علمه ما يوجب محبة الله له أو محبة لله التي هي سبب لسعة

ص: 141

خُلُقٍ عَظِيمٍ ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ قَالَ ثُمَّ قَالَ وَ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ فَوَّضَ إِلَى عَلِيٍّ وَ ائْتَمَنَهُ فَسَلَّمْتُمْ وَ جَحَدَ النَّاسُ فَوَ اللَّهِ لَنُحِبُّكُمْ أَنْ تَقُولُوا إِذَا قُلْنَا وَ أَنْ تَصْمُتُوا إِذَاصَمَتْنَا وَ نَحْنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِأَحَدٍ خَيْراً فِي خِلَافِ أَمْرِنَا

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ

الخلق و عظم الحلم، انتهى.

و الخلق بالضم و بضمتين: السجية و الطبع، و المراد هنا استجماع كمال العلم و كمال العمل.

" ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ" أي ما أمركم به أو إباحة لكم فاقبلوه و اعملوا به" وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ" أي تحريما أو الأعم منه و من التنزيه" فَانْتَهُوا" أي فاتركوه وجوبا أو الأعم.

و قال الطبرسي (ره) أي ما أعطاكم الرسول من الفي ء فخذوه و ارضوا به و ما أمركم به فافعلوه و ما نهاكم عنه فانتهوا، فإنه لا يأمر و لا ينهى إلا عن أمر الله، و هذا عام في كل ما أمر به النبيصلى الله عليه و آله و سلم و نهى عنه، و إن نزل في آية الفي ء، انتهى.

" نحن فيما بينكم و بين الله" أي لا واسطة بينكم و بينه تعالى إلا نحن و لا يقبل منكم الأقوال و الأفعال إلا بمتابعتنا.

ثم اعلم أن التفويض يطلق على معان بعضها منفي عنهم عليهم السلام، و بعضها مثبت لهم.

فالأول التفويض في الخلق و الرزق و التربية و الإماتة و الإحياء فإن قوما قالوا

ص: 142

إن الله تعالى خلقهم و فوض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون و يرزقون و يحيون و يميتون و هذا يحتمل وجهين:

" أحدهما" أن يقال: إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم و إرادتهم و هم الفاعلون لها حقيقة فهذا كفرصريح، دلت على استحالته الأدلة العقلية و النقلية، و لا يستريب عاقل في كفر من قال به.

و ثانيها: أن الله تعالى يفعلها مقارنا لإرادتهم كشق القمر و إحياء الموتى و قلب العصا حية و غير ذلك من المعجزات، فإن جميعها إنما تقع بقدرته سبحانه مقارنا لإرادتهم لظهورصدقهم فلا يأبى العقل من أن يكون الله تعالى خلقهم و أكملهم و ألهمهم ما يصلح في نظام العالم، ثم خلق كل شي ء مقارنا لإرادتهم و مشيتهم، و هذا و إن كان العقل لا يعارضه كفاحا لكن الأخبار الكثيرة مما أوردناها في كتاب بحار الأنوار يمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بلصريحا، مع أن القول به قول بما لا يعلم، إذ لم يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم، و ما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان و أمثالها فلم توجد إلا في كتب الغلاة و أشباههم، مع أنه يمكن حملها على أن المراد بها كونهم علة غائبة لإيجاد جميع المكنونات و أنه تعالى جعلهم مطاعا في الأرضين و السماوات، و يطيعهم بإذن الله تعالى كل شي ء حتى الجمادات، و أنهم إذا شاءوا أمرا لا يرد الله مشيتهم، لكنهم لا يشاءون إلا أن يشاء الله.

و ما ورد من الأخبار في نزول الملائكة و الروح لكل أمر إليهم، و أنه لا ينزل من السماء ملك لأمر إلا بدأ بهم فليس لمدخليتهم في تلك الأمور، و لا للاستشارة بهم فيها، بل له الخلق و الأمر تعالى شأنه، و ليس ذلك إلا لتشريفهم و إكرامهم و إظهار رفعة مقامهم.

و قد روى الطبرسي (ره) في الاحتجاج عن علي بن أحمد القمي قال: اختلف

ص: 143

جماعة من الشيعة في أن الله عز و جل فوض إلى الأئمةصلوات الله عليهم أن يخلقوا و يرزقوا، فقال قوم: هذا محال لا يجوز على الله، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز و جل، و قال آخرون: بل الله عز و جل أقدر الأئمة على ذلك و فوض إليهم فخلقوا و رزقوا، و تنازعوا في ذلك تنازعا شديدا، فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلىصاحب الأمر عليه السلام، فرضيت الجماعة بأبي جعفر و سلمت و أجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة و أنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: أن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام و قسم الأرزاق لأنه ليس بجسم و لا حال في جسم ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير، فأما الأئمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق، و يسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم، و إعظاما لحقهم.

و روى الصدوق في العيون عن الرضا عليه السلام في معنى قول الصادق عليه السلام: لا جبر و لا تفويض بل أمر بين أمرين، قال: من زعم أن الله تعالى يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر، و من زعم أن الله عز و جل فوض أمر الخلق و الرزق إلى حججه عليهم السلام فقد قال بالتفويض، و القائل بالجبر كافر، و القائل بالتفويض مشرك، الخبر.

الثاني: التفويض في أمر الدين، و هذا أيضا يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون الله تعالى فوض إلى النبي و الأئمةصلوات الله عليهم عموما أن يحلوا ما شاءوا و يحرموا ما شاءوا من غير وحي و إلهام، أو يغيروا ما أوحى إليهم بآرائهم و هذا باطل لا يقول به عاقل، فإن النبيصلى الله عليه و آله و سلم كان ينتظر الوحي أياما كثيرة لجواب سائل و لا يجيبه من عنده، و قد قال تعالى:" وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى".

و ثانيهما: أنه تعالى لما أكمل نبيه بحيث لم يكن يختار من الأمور شيئا إلا ما يوافق الحق و الصواب، و لا يحل بباله ما يخالف مشيته سبحانه في كل باب، فوض إليه

ص: 144

تعيين بعض الأمور كالزيادة في ركعات الفرائض و تعيين النوافل من الصلاة و الصيام، و طعمة الجد، و غير ذلك مما سيأتي بعضها في هذا الكتاب إظهارا لشرفه و كرامته عنده، و لم يكن أصل التعيين إلا بالوحي، و لا الاختيار إلا بالإلهام، ثم كان يؤكد ما اختارهصلى الله عليه و آله و سلم بالوحي، و لا فساد في ذلك عقلا، و قد دلت النصوص المستفيضة عليه، و ظاهر الكليني و أكثر المحدثين القول به، و الصدوق (ره) و إن أوهم كلامه نفي ذلك يمكن تأويله بما يرجع إلى نفي المعنى الأول، لأنه قد أورد في كتبه أكثر الأخبار الدالة على المعنى الثاني، لا سيما في كتاب علل الشرائع، و لم يردها و لم يتعرض لتأويلها و قال في الفقيه: و قد فوض الله عز و جل إلى نبيه أمر دينه و لم يفوض إليه تعدى حدوده.

الثالث: تفويض أمور الخلق إليهم من سياستهم و تأديبهم و تكميلهم و تعليمهم و أمر الخلق بإطاعتهم فيما أحبوا و كرهوا و فيما علموا جهة المصلحة فيه و ما لم يعلموا و هو المراد بهذا الخبر، و هذا معنى حق دلت عليه الآيات و الأخبار و أدلة العقل.

الرابع: تفويض بيان العلوم و الأحكام إليهم بما أرادوا و رأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم و إفهامهم، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالأحكام الواقعية، و بعضهم بالتقية، و يسكتون عن جواب بعضهم للمصلحة، و يجيبون في تفسير الآيات و تأويلها و بيان الحكم و المعارف بحسب ما يحتمله عقل كل سائل كما سيأتي، و لهم أن يجيبوا و لهم أن يسكتوا كما ورد في أخبار كثيرة: عليكم المسألة و ليس علينا الجواب، كل ذلك بحسب ما يريهم الله من مصالح الوقت كما سيأتي في خبر ابن أشيم و غيره.

و لعل تخصيصه بالنبي و الأئمةصلوات الله عليه و عليهم لعدم تيسر هذه التوسعة لسائر الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام، بل كانوا مكلفين بعدم التقية في بعض الموارد و إن أصابهم الضرر، و إن كانوا مكلفين بأن يكلموا الناس على قدر عقولهم، و التفويض بهذا المعنى أيضا حق ثابت بالأخبار المستفيضة، و تشهد له الأدلة العقلية أيضا.

ص: 145

الخامس: الاختيار في أن يحكموا بظاهر الشريعة أو بعلمهم و بما يلهمهم الله تعالى من الواقع و مخ الحق في كل واقعة، و هو أحد محامل خبر ابن سنان الآتي، و دل عليه غيره من الأخبار. السادس: التفويض في الإعطاء و المنع، فإن الله تعالى خلق لهم الأرض و ما فيها، و جعل لهم الأنفال و الخمس و الصفايا و غيرها، فلهم عليهم السلام أن يعطوا من شاءوا و أن يمنعوا من شاءوا، و هذا المعنى أيضا حق يظهر من كثير من الأخبار.

فإذا أحطت خبرا بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم أخبار هذا الباب، و عرفت ضعف قول من نفي التفويض مطلقا، و لما يحط بمعانيه.

قال الصدوق رضي الله عنه في رسالة العقائد: اعتقادنا في الغلاة و المفوضة أنهم كفار بالله جل جلاله، و أنهم شر من اليهود و النصارى و المجوس و القدرية و الحرورية و من جميع أهل البدع و الأهواء المضلة، و أنه ماصغر الله جل جلاله تصغيرهم شي ء، إلى قوله رحمه الله: و كان الرضا عليه السلام يقول في دعائه: اللهم إني بري ء إليك من الحول و القوة، و لا حول و لا قوة إلا بك، اللهم إني أبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق، اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا، اللهم لك الخلق و منك الرزق و إياك نعبد و إياك نستعين، اللهم أنت خالقنا و خالق آبائنا الأولين و آبائنا الآخرين، اللهم لا تليق الربوبية إلا بك، و لا تصلح الإلهية إلا لك فالعن النصارى الذينصغروا عظمتك، و العن المضاهئين لقولهم من بريتك اللهم إنا عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعا و لا ضرا، و لا موتا و لا حياة و لا نشورا، اللهم من زعم أنا أرباب فنحن منه براء، و من زعم أن إلينا الخلق و علينا الرزق فنحن منه براء كبراءة عيسى بن مريم عليهما السلام من النصارى، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون، و اغفر لنا ما يدعون و لا تدع على الأرض منهم ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا.

و روي عن زرارة أنه قال: قلت للصادق عليه السلام: إن رجلا من ولد عبد الله بن

ص: 146

سنان يقول بالتفويض، فقال: و ما التفويض؟ قلت: إن الله تبارك و تعالى خلق محمدا و علياصلوات الله عليهما ففوض إليهما فخلقا و رزقا و أماتا و أحييا؟ فقال عليه السلام: كذب عدو الله إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية في سورة الرعد:" أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ" فانصرفت إلى الرجل فأخبرته فكأني ألقمته حجرا أو قال: فكأنما خرس.

و قد فوض الله عز و جل إلى نبيه أمر دينه، فقال عز و جل:" وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" و قد فوض ذلك إلى الأئمة عليهم السلام، و علامة المفوضة و الغلاة و أصنافهم نسبتهم مشايخ قم و علماءهم إلى القول بالتقصير، و علامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلي مع العبادة، مع تركهم الصلاة و جميع الفرائض، و دعوى المعرفة بأسماء الله العظمى، و دعوى انطباع الحق لهم، و أن الولي إذا خلص و عرف مذهبهم فهو عندهم أفضل من الأنبياء عليهم السلام، و من علامتهم دعوى علم الكيمياء و لم يعلموا منه إلا الدغل و نفيف الشبه و الرصاص على المسلمين، انتهى.

و قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح هذا الكلام: الغلو في اللغة هو تجاوز الحد و الخروج عن القصد، قال الله تعالى:" يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ" الآية فنهى عن تجاوز الحد في المسيح و حذر من الخروج عن القصد في القول، و جعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعدية الحد على ما بيناه، و الغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين و الأئمة من ذريته عليهم السلام إلى الإلهية و النبوة، و وصفوهم من الفضل في الدين و الدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد و خرجوا عن القصد، و هم ضلال كفار، حكم فيهم أمير المؤمنينصلوات- الله عليه بالقتل و التحريق بالنار و قضت الأئمة عليهم السلام فيهم بالإكفار و الخروج عن الإسلام.

و المفوضةصنف من الغلاة، و قولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة،

ص: 147

2 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يُونُسَ عَنْ بَكَّارِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَشْيَمَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَخْبَرَهُ بِهَا ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْآيَةِ فَأَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْأَوَّلَ فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى كَأَنَّ قَلْبِي يُشْرَحُ بِالسَّكَاكِينِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي تَرَكْتُ أَبَا قَتَادَةَ بِالشَّامِ لَا يُخْطِئُ فِي الْوَاوِ وَ شِبْهِهِ وَ جِئْتُ إِلَى هَذَا يُخْطِئُ هَذَا الْخَطَأَ كُلَّهُ فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْآيَةِ فَأَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَنِي وَ أَخْبَرَصَاحِبَيَّ فَسَكَنَتْ نَفْسِي فَعَلِمْتُ-

اعترافهم بحدوث الأئمة و خلقهم، و نفي القدم عنهم، و إضافة الخلق و الرزق مع ذلك إليهم، و دعواهم أن الله تعالى تفرد بخلقهم خاصة، و أنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه و جميع الأفعال.

و الحلاجية ضرب من أصحاب التصوف و هم أصحاب الإباحة و القول بالحلول، و كان الحلاج يتخصص بإظهار التشيع و إن كان ظاهر أمره التصوف، و هم قوم ملاحدة و زنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم، و يدعون للحلاج الأباطيل و يجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات، و مجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات و البينات، و المجوس و النصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم، و هم أبعد من الشرائع و العمل بها من النصارى و المجوس.

الحديث الثاني

: ضعيف.

" حتى كان قلبي" في البصائر: حتى كاد قلبي، و الشرح: القطع، قال الجوهري: الشرح: الكشف و منه تشريح اللحم. و أبو قتادة العدوي بفتح القاف من التابعين من علماء المخالفين اسمه تميم بن نذير" بخلاف ما أخبرني" كأنه كان شريكا للسائل الأول فيما أخبره به في الاستماع و التوجه، و لذا نسبه إلى نفسه أو يكون السائل أيضا سأل عن الآية أولا فأخبره، فيكون"صاحبي" بتشديد الياء على التثنية.

و لعل فيه سقطا أو تصحيفا فإنه روى الصفار بسند آخر عن موسى بن أشيم

ص: 148

أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَقِيَّةٌ قَالَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي يَا ابْنَ أَشْيَمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَقَالَ هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ وَ فَوَّضَ إِلَى نَبِيِّهِص فَقَالَ- ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فَمَا فَوَّضَ إِلَى

هكذا: قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسألته عن مسألة فأجابني، فبينا أنا جالس إذ جاءه رجل فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء آخر فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني و أجابصاحبي، ففزعت من ذلك و عظم علي، إلى آخر الخبر.

و بسند آخر عن أديم بن الحر قال: سأله موسى بن أشيم يعني أبا عبد الله عليه السلام عن آية من كتاب الله فخبر بها فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبره، قال ابن أشيم: فدخلني من ذلك ما شاء الله إلى قوله:

فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبرني و الذي سأله، الخبر.

قوله: إن ذلك منه تقية، في بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقانية و هو ظاهر و في بعضها بالباء الموحدة أي إبقاء و شفقة على الناس كما قال تعالى:" أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ" و الإبقاء إما لئلا يتضرروا من المخالفين بأخبارهم بخلاف قولهم، أو لعدم قابليتهم لفهم بعض المعاني فكلمهم على قدر عقلهم، و في البصائر في هذه الرواية" منه تعمد" و في رواية أخرى" تعمد منه" و هو أصوب.

" هذا عَطاؤُنا" قال الطبرسي: أي الذي تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك" فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ" أي فأعط من الناس من شئت و امنع من شئت" بِغَيْرِ حِسابٍ" أي لا تحاسب يوم القيامة على ما تعطي و تمنع، فيكون أهنأ لك، و قيل: بغير جزاء أي أعطيناه تفضلا لا مجازاة، انتهى.

ص: 149

رَسُولِ اللَّهِص فَقَدْ فَوَّضَهُ إِلَيْنَا

3 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَجَّالِ عَنْ ثَعْلَبَةَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولَانِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ إِلَى نَبِيِّهِص أَمْرَ خَلْقِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ- ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

4 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ الْمَاصِرِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَدَّبَ نَبِيَّهُ فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الْأَدَبَ قَالَ- إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ

و أقول: التشبيه في أصل التفويض لا في نوعه، فإن ما فوض إلى سليمان إعطاء الأمور الدنيوية و منعها، و ما فوض إليهم عليهم السلام بذل العلوم و المعارف و الأمور الدينية و منعها بحسب المصالح، و بالجملة التفويض الوارد في هذا الخبر هو المعنى الرابع من المعاني المتقدمة.

الحديث الثالث

صحيح و الحجال بياع الحجل و هو الخلخال" لينظر كيف طاعتهم" أي لله أو للنبيصلى الله عليه و آله و سلم و هو أظهر، و المراد بالتفويض هنا الوجه الثاني من المعنى الثاني، لأن قبول ما كان بتعيين الرسولصلى الله عليه و آله و سلم أصعب على الخلق فكان التكليف فيه أشد و الثواب أعظم، أو الوجه الثالث لأن طاعة بني نوع واحد بعضهم لبعض مما يكبر في الصدور، و تشمئز منه النفوس، و إذا تحقق ذلك كما ينبغي دل عليه إخلاص النية في الطاعة لله عز و جل.

الحديث الرابع

: حسن.

و قد تقدم أن قيسا تعلم الكلام من علي بن الحسين عليهما السلام و أنه كان فيمن ناظر الشامي عند الصادق عليه السلام، و السياسة الإرشاد بالأمر و النهي و التأديب و الزجر، قال الجوهري: سست الرعية سياسة، و سوس الرجل أمور الناس على ما لم يسم فاعله إذا ملك أمرهم.

ص: 150

عَظِيمٍ ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَ الْأُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ- ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص كَانَ مُسَدَّداً مُوَفَّقاً مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ لَا يَزِلُّ وَ لَا يُخْطِئُ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الْخَلْقَ فَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ فَأَضَافَ رَسُولُ اللَّهِص إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَ إِلَى الْمَغْرِبِ رَكْعَةً فَصَارَتْ عَدِيلَ الْفَرِيضَةِ- لَا يَجُوزُ تَرْكُهُنَّ إِلَّا فِي سَفَرٍ وَ أَفْرَدَ الرَّكْعَةَ فِي الْمَغْرِبِ فَتَرَكَهَا قَائِمَةً فِي السَّفَرِ وَ الْحَضَرِ فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَصَارَتِ الْفَرِيضَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِص النَّوَافِلَ أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِينَ رَكْعَةً مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ ذَلِكَ وَ الْفَرِيضَةُ وَ النَّافِلَةُ إِحْدَى وَ خَمْسُونَ رَكْعَةً مِنْهَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ جَالِساً تُعَدُّ بِرَكْعَةٍ مَكَانَ الْوَتْرِ وَ فَرَضَ اللَّهُ فِي السَّنَةِصَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِصصَوْمَ شَعْبَانَ وَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ ذَلِكَ وَ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا وَ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِص الْمُسْكِرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَ عَافَ رَسُولُ اللَّهِص

قوله عليه السلام: تعد بركعة، ضمير تعد راجع إلى الركعتين باعتبار أنهما في حكم ركعة، أو بتأويل الصلاة، و قال الفاضل الأسترآبادي رحمه الله: توضيح المقام أنه وقع التصريح في الأحاديث المذكورة في كتاب العلل و غيره بأن الله تعالى لاهتمامه بصلاة الوتر وضع الوتيرة لتكون بدلا عن الوتر في حق من يفوته الوتر بنوم أو غيره، و بأنه ماصلى النبي الوتيرة أصلا لعلمه بأنه لا تفوته أصلا، و بأنها لا تسقط في السفر لأنها ليست من نوافلصلاة العشاء و بأنها في أصل وضعها كانت ركعتين من جلوس لتعد بركعة قائما، و توافق المبدل في كونه وترا، ثم رخص الله تعالى في الإتيان بها قائما، انتهى.

و يدل الخبر على أن الخمر هو المأخوذ من عصير العنب فقط.

و قال الجوهري: عاف الرجل الطعام و الشراب يعافه عيافا أي كرهه فلم يشربه فهو عاف، انتهى.

ص: 151

أَشْيَاءَ وَ كَرِهَهَا وَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَهْيَ حَرَامٍ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا نَهْيَ إِعَافَةٍ وَ كَرَاهَةٍ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا- فَصَارَ الْأَخْذُ بِرُخَصِهِ وَاجِباً عَلَى الْعِبَادِ كَوُجُوبِ مَا يَأْخُذُونَ بِنَهْيِهِ وَ عَزَائِمِهِ وَ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِص فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ وَ لَا فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ فَرْضٍ لَازِمٍ فَكَثِيرُ الْمُسْكِرِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ لِأَحَدٍ وَ لَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِص لِأَحَدٍ تَقْصِيرَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَمَّهُمَا إِلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَلْ أَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ إِلْزَاماً وَاجِباً لَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي شَيْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَخِّصَ شَيْئاً مَا لَمْ يُرَخِّصْهُ رَسُولُ اللَّهِص فَوَافَقَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِص أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ نَهْيُهُ نَهْيَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ وَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ التَّسْلِيمُ لَهُ كَالتَّسْلِيمِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى

" نهي إعافة" لما كان أعاف أيضا بمعنى عاف أتى بالمصدر هكذا، و في بعض النسخ عافة و كأنه تصحيف عيافة، أو جاء مصدر المجرد هكذا أيضا.

قوله عليه السلام: فصار الأخذ برخصه يدل على أن الأخذ بالمكروه و المندوب من حيث أنه مكروه أو مندوب أي قبول حكمهما و الانقياد له واجب" فكثير المسكر" أي عدد كثير من أفراد المسكر يعني سوى الخمر من المسكرات، لأن الخمر حرمت بتحريم الله تعالى لا بتحريم الرسول، و قال بعض الأفاضل: يستفاد من فحوى هذا الكلام أن القليل من الأشربة ليس بحرام، و إنما تحريم القليل مختص بالخمر بعينها و فيه إشكال لما سيأتي أن قليلها و كثيرها حرام كالخمر، و لعله عليه السلام اكتفى بذكر الكثير، لأن المخاطب لا يحتمل حرمة القليل، لأنه كان من المخالفين الذين يحلون القليل منه الذي لا يسكر، انتهى.

و على ما ذكره لا حاجة إلى هذه التكلفات و هذا الخبرصريح في الوجه الثاني من المعنى الثاني كما لا يخفى.

ص: 152

5 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ زُرَارَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولَانِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَوَّضَ إِلَى نَبِيِّهِص أَمْرَ خَلْقِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ- ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَجَّالِ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ زُرَارَةَ مِثْلَهُ

6 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَدَّبَ نَبِيَّهُص فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى مَا أَرَادَ قَالَ لَهُ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَفَوَّضَ إِلَيْهِ دِينَهُ فَقَالَ وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَرَضَ الْفَرَائِضَ وَ لَمْ يَقْسِمْ لِلْجَدِّ شَيْئاً وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص أَطْعَمَهُ السُّدُسَ فَأَجَازَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لَهُ ذَلِكَ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ

الحديث الخامس

: موثق كالصحيح، و قد تقدم باختلاف في أول السند، و سنده الثانيصحيح و مطابق لما مر إلا أن فيما مر مكان محمد بن يحيى العدة، فإن كان أحمد، ابن محمد بن عيسى كما هو الظاهر فمحمد بن يحيى داخل في عدته، فلا وجه لا عادة السند ناقصا بعد إيراده كاملا، و إن كان ابن محمد بن خالد، فيحصل اختلاف أيضا في أول السند لكنه بعيد.

الحديث السادس

: ضعيف على المشهور، معتبر عندي.

" فلما انتهى به إلى ما أراد" الباء للتعدية أي أوصله إلى ما أراد من الدرجات العالية و الكمالات الإنسانية" و لم يقسم للجد" أي مع الأبوين، و سيأتي تفصيله في كتاب المواريث.

" و ذلك قول الله" أي نظيره إن حملنا هذا عطاؤنا على الأمور الدنيوية كما مر و إن عممناه فالاختلاف بمحض المخاطب لا الخطاب، و هذا الخبر أيضاصريح في الوجه الثاني من المعنى الثاني.

ص: 153

7 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِص دِيَةَ الْعَيْنِ وَ دِيَةَ النَّفْسِ وَ حَرَّمَ النَّبِيذَ وَ كُلَّ مُسْكِرٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِص مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ جَاءَ فِيهِ شَيْ ءٌ قَالَ نَعَمْ لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَعْصِيهِ

8 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ وَجَدْتُ فِي نَوَادِرِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَا وَ اللَّهِ مَا فَوَّضَ اللَّهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا إِلَى رَسُولِ اللَّهِص وَ إِلَى الْأَئِمَّةِ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ هِيَ جَارِيَةٌ فِي الْأَوْصِيَاءِ ع

الحديث السابع

: ضعيف على المشهور.

" من غير أن يكون جاء فيه شي ء" أي على الخصوص فلا ينافي الوحي إليهصلى الله عليه و آله في أصل الوضع مجملا.

" من يطع الرسول" أي إطاعة كاملة" ممن يعصيه" من للتميز كما في قوله تعالى" وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ" على ما قاله ابن مالك، و هذا الخبر أيضا في الدلالة مثل السابق.

الحديث الثامن

: ضعيف على المشهور.

" بِما أَراكَ اللَّهُ" ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد به بما عرفك الله و أوحى إليك، و منهم من زعم أنه يدل جواز الاجتهاد عليهصلى الله عليه و آله و سلم، و لا يخفى وهنه، و ظاهر الخبر أنه عليه السلام فسر الإرادة بالإلهام، و ما يلقي الله في قلوبهم من الأحكام، فيدل على التفويض إما بالمعنى الخامس، أو بالثاني من الثاني، لكن جريانه في الأوصياء محتاج إلى تكلف، أو بالمعنى الثالث و إن كان بعيدا، فيكون المعنى: ما فوض الله إلى أحد الحكم بين الناس و رجوع الناس إليه في جميع الأحكام، و تطبيق الآية عليه غير خفي بعد التأمل.

ص: 154

9 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَدَّبَ رَسُولَهُ حَتَّى قَوَّمَهُ عَلَى مَا أَرَادَ ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ فَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ- ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فَمَا فَوَّضَ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِص فَقَدْ فَوَّضَهُ إِلَيْنَا

10 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْصَنْدَلٍ الْخَيَّاطِ عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ قَالَ أَعْطَى سُلَيْمَانَ مُلْكاً عَظِيماً ثُمَّ جَرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَسُولِ اللَّهِص فَكَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَا شَاءَ مَنْ شَاءَ وَ يَمْنَعَ مَنْ شَاءَ وَ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَعْطَى سُلَيْمَانَ لِقَوْلِهِ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

الحديث التاسع

: مجهول، و هو مثل السابق في الاحتمالات.

الحديث العاشر

: مجهول.

" و أعطاه الله أفضل" إلخ، وجه الأفضلية أن ما أعطي سليمان كان في الرئاسة الدنيوية و أضيف إلى ذلك تفويض الأمور الدينية أيضا للرسولصلى الله عليه و آله و سلم و الأخير وحده أفضل، لأنه متعلق بالأمور الباقية الأخروية، و الأول بالأمور الفانية الدنيوية، و اجتمع لهصلى الله عليه و آله هذا الأفضل مع الأول، و هذا أظهر ففيه دلالة على التفويض بالمعنى السادس، و الثاني من الثاني أو الرابع أو الخامس.

ثم اعلم أن بعض من أنكر التفويض في الأحكام مطلقا حمل الأخبار المتقدمة الدالة عليه على أن التفويض عبارة عن استنباط الأحكام من بطون القرآن، أي ما يظهر بالدلالات الالتزامية دون ظواهرها التي هي المدلولات المطابقية و التضمنية، و قد علمت أنه لا داعي إلى ارتكاب هذه التكلفات، و الله يعلم درجات أوليائه و مراتبهم.

ص: 155

بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ بِمَنْ يُشْبِهُونَ مِمَّنْ مَضَى وَ كَرَاهِيَةِ الْقَوْلِ فِيهِمْ بِالنُّبُوَّةِ

1 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع مَا مَوْضِعُ الْعُلَمَاءِ قَالَ مِثْلُ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ وَصَاحِبِ مُوسَى ع

باب في أن الأئمة عليهم السلام بمن يشبهون ممن مضى و كراهية القول فيهم بالنبوة.

باب في أن الأئمة عليهم السلام بمن يشبهون ممن مضى و كراهية القول فيهم بالنبوة.

أقول: المراد بالكراهية هنا الحرمة بل هو موجب الكفر قطعا.

الحديث الأول

: حسن.

" موضع العلماء" أي علماء أهل البيت عليهم السلام و التشبيه في عدم كونهم أنبياء مع وفور علمهم و وجوب طاعتهم، و إن كان في المشبه أقوى.

و المراد بصاحب موسى إما يوشع عليه السلام كماصرح به في بعض الأخبار أو الخضر عليه السلام كما يدل عليه بعضها، فيدل على عدم نبوة واحد منهما، و يمكن أن يكون المراد عدم نبوته في تلك الحال، فلا ينافي نبوته بعد في الأول، و قيل في الثاني، و يحتمل أن يكون التشبيه في محض متابعة نبي آخر و سماع الوحي لكن التخصيص يأبى ذلك كما لا يخفى.

و مما يدل على كون المراد بصاحب موسى الخضر عليه السلام ما رواه الصفار بإسناده عن الثمالي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أي شي ء المحدث؟ فقال: ينكت في أذنه فيسمع طنينا كطنين الطست، أو يقرع على قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة علي الطست، فقلت: نبي؟ قال: لا مثل الخضر، و مثل ذي القرنين، و سيأتي التصريح بيوشع في بعض الأخبار الآتية.

ص: 156

2 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّمَا الْوُقُوفُ عَلَيْنَا فِي الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ فَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَلَا

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ خَتَمَ بِنَبِيِّكُمُ النَّبِيِّينَ فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ أَبَداً وَ خَتَمَ بِكِتَابِكُمُ الْكُتُبَ فَلَا كِتَابَ بَعْدَهُ أَبَداً وَ أَنْزَلَ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ خَلْقَكُمْ وَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ نَبَأَ مَا قَبْلَكُمْ وَ فَصْلَ مَا بَيْنَكُمْ وَ خَبَرَ مَا بَعْدَكُمْ وَ أَمْرَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ وَ مَا أَنْتُمْصَائِرُونَ إِلَيْهِ

4 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع

الحديث الثاني

حسن.

" إنما الوقوف علينا" أي إنما يجب عليكم أن تقوموا عندنا و تعكفوا على أبوابنا و [لا] تكونوا معنا لاستعلام الحلال و الحرام، لا أن تقولوا بنبوتنا، أو إنما لكم أن تقفوا لنا و تقتصروا على الحكم بإثبات علم الحلال و الحرام لنا، و إنا نواب الرسولصلى الله عليه و آله في بيان ذلك لكم، و لا تتجاوزوا بنا إلى إثبات النبوة.

الحديث الثالث

صحيح.

" و خلقكم" بسكون اللام إما منصوب بالعطف على تبيان أو مجرور بالعطف على كل شي ء" و نبأ ما قبلكم" أي من الأمم و الأنبياء و ما أنزل إليهم" و فصل ما بينكم" من الشرائع و الأحكام أو الأعم منهما و من سائر الأمور الدينية و الدنيوية و المسائل الغامضة" و خبر ما بعدكم من الأمم" و ما يحدث في السماوات و الأرض و ما أنتمصائرون إليه في الدنيا و الآخرة من أحوال البرزخ و البعث و النشور، و من يصير إلى الجنة أو إلى النار.

الحديث الرابع

موثق

ص: 157

إِنَّ عَلِيّاً ع كَانَ مُحَدَّثاً فَقُلْتُ فَتَقُولُ نَبِيٌّ قَالَ فَحَرَّكَ بِيَدِهِ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ أَوْ كَصَاحِبِ مُوسَى أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْنِ أَ وَ مَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ قَالَ وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ

" فحرك بيده هكذا" الباء لتقوية التعدية، و الراوي حرك يده إلى فوق حكاية لفعله عليه السلام فقال هكذا أي أشار عليه السلام بيده هكذا، مبالغة لنفي النبوة" ثم قال أو كصاحب سليمان" و كلمة" أو" بمعنى بل كما قيل في قوله تعالى:" مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ" أو المعنى لا تقل إنه نبي بل قل: محدث أو كصاحب سليمان، أو المعنى أن تحديث الملك قد يكون للنبي و قد يكون لغيره كصاحب سليمان" أ و ما بلغكم" بهمزة الاستفهام و واو العطف على مقدر، و هذا إشارة إلى ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن ذي القرنين أ نبيا كان أم ملكا؟

فقال: لا نبيا و لا ملكا، عبد أحب الله فأحبه الله و نصح الله فنصح له، فبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الثالثة فمكن الله له في الأرض، و فيكم مثله يعني نفسه، و روى مثله الزمخشري في الكشاف.

و يحتمل إرجاع الضمير إلى النبيصلى الله عليه و آله و سلم لكونه معلوما لرواية مثله عنهصلى الله عليه و آله و سلم و قالصلى الله عليه و آله و سلم: إن عليا ذو قرني هذه الأمة.

قال النهاية فيه إنه قال لعلي عليه السلام: إن لك بيتا في الجنة، و إنك ذو قرنيها أي طرفي الجنة و جانبيها، قال أبو عبيد: و أنا أحسب أنه أراد ذو قرني الأمة فأضمر، و قيل: أراد الحسن و الحسين عليهما السلام، و منه حديث علي عليه السلام و ذكر قصة ذي القرنين، ثم قال: و فيكم مثله، فنرى أنه عنى نفسه لأنه ضرب على رأسه ضربتين إحداهما يوم الخندق، و الأخرى ضربة ابن ملجم، و ذو القرنين هو الإسكندر سمي بذلك لأنه ملك الشرق و الغرب، و قيل: لأنه كان في رأسه شبه قرنين، و قيل: رأى في النوم أنه أخذ بقرني الشمس، انتهى.

ص: 158

5 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا مَنْزِلَتُكُمْ وَ مَنْ تُشْبِهُونَ مِمَّنْ مَضَى قَالَصَاحِبُ مُوسَى وَ ذُو الْقَرْنَيْنِ كَانَا عَالِمَيْنِ وَ لَمْ يَكُونَا نَبِيَّيْنِ

6 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَنْ سَدِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ قَوْماً يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ- يَتْلُونَ بِذَلِكَ عَلَيْنَا قُرْآناً- وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ فَقَالَ يَا سَدِيرُ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي وَ شَعْرِي مِنْ هَؤُلَاءِ بِرَاءٌ وَ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَا هَؤُلَاءِ عَلَى دِينِي وَ لَا عَلَى دِينِ آبَائِي وَ اللَّهِ لَا يَجْمَعُنِي اللَّهُ وَ إِيَّاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَ هُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِمْ قَالَ قُلْتُ

و أقول: قيل لأنه عاش قرنين، و أمير المؤمنين عليه السلام عاش قرنين قرنا في حياة النبي و قرنا بعد وفاته، و الذي يظهر من الخبر السابق أن التشبيه باعتبار الضربتين و الرجوع إلى الدنيا و استيلائه على شرق الأرض و غربها.

الحديث الخامس

حسن.

"صاحب موسى" أي تشبهصاحب موسى" كانا عالمين" استيناف لبيان وجه الشبه، أي التشبيه في أنها كانا عالمين بالعلوم الدينية و كاملين فيصنوف العلم، و لم يكونا نبيين فلا ينافي كونهم أفضل منهما و من سائر الأنبياء، و لا يلزم في كل تشبيه كون المشبه به أفضل من المشبه، بل يكفي كونه أشهر و أعرف عند المخاطب.

الحديث السادس

حسن.

" يتلون علينا" قد مر الكلام فيه في كتاب التوحيد، و أن هؤلاء الزنادقة زعموا أن إله السماء غير إله الأرض، و أن الله سبحانه إله السماء و كل إمام إله الأرض و جعلوا قوله:" وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ" جملة مستقبلة معطوفة على حملة الضمير و الموصول، مع أن الآية مسوقة لتأكيد التوحيد، و الظرف في الموضعين متعلق بإله، لكونه بمعنى المعبود،" و إله" خبر مبتدإ محذوف هو ضمير الموصول، و التقدير و هو

ص: 159

وَ عِنْدَنَا قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ رُسُلٌ يَقْرَءُونَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ قُرْآناً- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُواصالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فَقَالَ يَا سَدِيرُ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي مِنْ هَؤُلَاءِ بِرَاءٌ وَ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ رَسُولُهُ مَا هَؤُلَاءِ عَلَى دِينِي وَ لَا عَلَى دِينِ آبَائِي وَ اللَّهِ لَا يَجْمَعُنِي اللَّهُ وَ إِيَّاهُمْ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَ هُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِمْ قَالَ قُلْتُ فَمَا أَنْتُمْ قَالَ نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اللَّهِ نَحْنُ تَرَاجِمَةُ أَمْرِ اللَّهِ نَحْنُ قَوْمٌ مَعْصُومُونَ أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِطَاعَتِنَا وَ نَهَى عَنْ مَعْصِيَتِنَا نَحْنُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى مَنْ دُونَ السَّمَاءِ وَ فَوْقَ الْأَرْضِ

الذي هو إله في السماء و إله في الأرض، أي مستحق لأن يعبد فيهما أو الإله بمعنى الخالق، أي هو الخالق فيهما.

قوله: يقرءون علينا بذلك قرآنا، لعل مناط استدلالهم بها توهم أن المراد بالرسل محمدصلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام بناء على زعمهم أن هذا الخطاب كسائر الخطابات القرآنية متوجه إلى الموجودين، و إلى من سيوجد تبعا، و الجواب أنه يمكن أن يكون الخطاب متوجها إلى الموجود و إلى من مضى تبعا بل على زعمهم يمكن أن يكون إطلاق الرسل عليهم على التغليب الشائع، و ذكر المفسرون أنه نداء و خطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة، بل على معنى أن كلا منهم خوطب به في زمانه، و فيه تنبيه على أن الأمر بأكل الطيبات لم يكن له خاصة، بل كان لجميع الأنبياء، و حجة على رفض أكلها تقربا إلى الله تعالى، و قيل:

النداء لهصلى الله عليه و آله و سلم و الجمع للتعظيم، و الطيبات يحتمل المستلذات أو المحللات، فإنهم لا يرتكبون المحرمات و الشبهات، و لذا ورد أن الحلال قوت المصطفين.

و التراجمة بفتح التاء و كسر الجيم جمع الترجمان، أي المفسرون لأوامر الله النازلة في القرآن أو الأعم.

" نحن الحجة البالغة" أي الكاملة، إشارة إلى قوله تعالى" فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ".

ص: 160

7 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ الْأَئِمَّةُ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِص إِلَّا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَا يَحِلُّ لِلنَّبِيِّص فَأَمَّا مَا خَلَا ذَلِكَ فَهُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِص

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع مُحَدَّثُونَ مُفَهَّمُونَ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَجَّالِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ أَرْسَلَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِلَى زُرَارَةَ أَنْ يُعْلِمَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ أَنَّ أَوْصِيَاءَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مُحَدَّثُونَ

الحديث السابع

ضعيف.

و يدل على أنه لا يحل للأئمة عليهم السلام ما يخص حلها بالرسولصلى الله عليه و آله و سلم من الزائد على الأربع، و الموهوبة و أشباههما، و اشتراك سائر الخصائص بينه و بينهمصلوات الله عليهم، إلا أن يحمل ذكر النساء على المثال.

باب أن الأئمة عليهم السلام محدثون مفهمون

الحديث الأول

: ضعيف.

و الحكم كان بتريا زيديا و حكي عن علي بن الحسين بن فضال أنه قال: كان الحكم من فقهاء العامة و كان أستاذ زرارة و حمران و الطيار قبل أن يروا هذا الأمر، و لعل إعلامه هذا ليعلم أن زيدا و أضرابه و أحزابه ليسوا مستأهلين للإمامة و الوصاية، لأنه كان يعلم أنهم ليسوا كذلك، و المحدث كمعظم من يحدثه الملك.

ص: 161

2 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِصَالِحٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سُوقَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع يَوْماً فَقَالَ يَا حَكَمُ هَلْ تَدْرِي الْآيَةَ الَّتِي كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع يَعْرِفُ قَاتِلَهُ بِهَا وَ يَعْرِفُ بِهَا الْأُمُورَ الْعِظَامَ الَّتِي كَانَ يُحَدِّثُ بِهَا النَّاسَ قَالَ الْحَكَمُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَعْلَمُ بِذَلِكَ تِلْكَ الْأُمُورَ الْعِظَامَ قَالَ فَقُلْتُ لَا وَ اللَّهِ لَا أَعْلَمُ قَالَ ثُمَّ قُلْتُ الْآيَةُ تُخْبِرُنِي بِهَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ هُوَ وَ اللَّهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ- وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لَا نَبِيٍّ وَ لَا مُحَدَّثٍ وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع مُحَدَّثاً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ كَانَ أَخَا عَلِيٍّ لِأُمِّهِ سُبْحَانَ

الحديث الثاني

: ضعيف.

" يعرف قاتله بها" الباء دخلت على الواسطة في الإثبات و توهم الحكم دخوله على الواسطة في الثبوت، فطمع في المحال، و هو كون آية واحدة تبيانا لكل شي ء" الآية" منصوب" و تخبرني" بمعنى أخبرني، و الاستفهام مقدر" قال هو و الله" تذكير الضمير لمناسبة الخبر أو لرجوعه إلى مطلوب السائل، أو بتأويل القول و يدل على أنه كان في القرآن" و لا محدث" فأسقطوه.

" فقال له رجل" قيل:" فقال" كلام زياد بن سوقة، و ضمير" له" للحكم، و هذه الحكاية كانت بعد وفاة علي بن الحسين في مجلس الباقر عليهم السلام، و لا يخفى ما فيه من التكلف.

و الذي ظهر لي أنه اشتبه على المصنف (ره) أو النساخ فوصلوا إلى آخر حديث آخر فإنه روى الصفار في البصائر خبر ابن عتيبة إلى قوله: و لا محدث، و زاد فيه: فقلت: أ كان علي بن أبي طالب محدثا؟ قال: نعم، و كل إمام منا أهل البيت فهو محدث، ثم روي بسند آخر عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم: من أهل بيتي اثنا عشر محدثا، فقال له عبد الله بن زيد: و كان أخا علي

ص: 162

اللَّهِ مُحَدَّثاً كَأَنَّهُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا أَبُو جَعْفَرٍ ع فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُمِّكَ بَعْدُ قَدْ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ قَالَ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ سَكَتَ الرَّجُلُ فَقَالَ هِيَ الَّتِي هَلَكَ فِيهَا أَبُو الْخَطَّابِ فَلَمْ يَدْرِ مَا تَأْوِيلُ الْمُحَدَّثِ وَ النَّبِيِ

لأمه، سبحان الله و ساق الخبر إلى آخره.

و أما كون عبد الله أخا علي بن الحسين عليه السلام لأمه فهو مما ذكره العامة في كتبهم ففي مختصر تهذيب الكمال: علي بن الحسين أمه أم ولد اسمها غزالة خلف عليها بعد الحسين زيد مولى للحسين بن علي فولدت له عبد الله بن زيد، انتهى.

و الحق أنه لم يكن أخاه حقيقة بل قيل: إن أم عبد الله كانت أرضعته عليه السلام فكان أخا رضاعيا له عليه السلام، و قال ابن داود: عبد الله كان أمة وشيكة ظئر علي بن الحسين عليه السلام و كان يدعوها أما و هي التي زوجها فعابه عبد الملك بن مروان بأنه زوج أمه توهما أنها والدته، و كانت والدته شهربانويه و قد توفيت و هو طفل.

و روى الصدوق في العيون عن الحسين بن محمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن عون بن محمد عن سهل بن القاسم القوشجاني، قال: قال لي الرضا عليه السلام بخراسان:

إن بيننا و بينكم نسب، قلت: ما هو أيها الأمير، قال: إن عبد الله بن عامر بن كربز لما افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم، فبعث بهما إلى عثمان بن عفان، فوهب إحداهما للحسن و الأخرى للحسين عليهما السلام، فماتتا عنده نفساوين و كانتصاحبة الحسين عليه السلام نفست بعلي بن الحسين عليه السلام فكفل عليا عليه السلام بعض أمهات ولد أبيه، فنشأ و هو لا يعرف أما غيرها، ثم علم أنها مولاته و كان الناس يسمونها أمه و زعموا أنه زوج أمه و معاذ الله إنما زوج هذه على ما ذكرنا.

و كان سبب ذلك أنه واقع بعض نسائه ثم خرج يغتسل، فلقيته أمه هذه، فقال لها: إن كان في نفسك من هذا الأمر شي ء فاتقي الله و أعلميني، فقالت: نعم، فزوجها، فقال ناس: زوج علي بن الحسين عليه السلام أمه قال عون: قال لي سهل بن القاسم: ما بقي طالبي عندنا إلا كتب هذا الحديث عن الرضا عليه السلام.

" هي التي" الضمير راجع إلى الآية أو إلى مسألة الفرق بين النبي و المحدث،

ص: 163

3 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع يَقُولُ الْأَئِمَّةُ عُلَمَاءُصَادِقُونَ مُفَهَّمُونَ مُحَدَّثُونَ

4 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ ذُكِرَ الْمُحَدَّثُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ إِنَّهُ يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَ لَا يَرَى الشَّخْصَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَلَامُ الْمَلَكِ قَالَ إِنَّهُ يُعْطَى السَّكِينَةَ وَ الْوَقَارَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ كَلَامُ مَلَكٍ

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى

و أبو الخطاب هو محمد بن مقلاص و كان يقول: أن الأئمة عليهم السلام أنبياء لما سمع أنهم محدثون و لم يفرق بين المحدث و النبي، ثم عدل عنه و كان يقول: إنهم آلهة كما ذكره الشهرستاني في كتاب الملل و النحل.

الحديث الثالث

صحيح.

" علماء" أي هم العلماء المذكورون في قوله تعالى:" هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ" الآية، و غيرها.

"صادقون" إشارة إلى قوله سبحانه:" وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ".

" مفهمون" من جهة النبيصلى الله عليه و آله و سلم فهمهم القرآن و تفسيره و تأويله و غير ذلك من العلوم و المعارف" محدثون" من الملك.

الحديث الرابع

: مرسل.

و كنى بالسكينة و الوقار عن سكون النفس و طمأنينة القلب اللذين يدلان على أن ما يلقى إليهم من الملك، و الحاصل أنه تعالى يلقى عليه علما ضروريا بذلك أو ينصب له معجزات و علامات بها يتيقن ذلك.

الحديث الخامس

: حسن موثق.

ص: 164

عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ عَلِيّاً ع كَانَ مُحَدَّثاً فَخَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ جِئْتُكُمْ بِعَجِيبَةٍ فَقَالُوا وَ مَا هِيَ فَقُلْتُ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ كَانَ عَلِيٌّ ع مُحَدَّثاً فَقَالُوا مَاصَنَعْتَ شَيْئاً إِلَّا سَأَلْتَهُ مَنْ كَانَ يُحَدِّثُهُ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ إِنِّي حَدَّثْتُ أَصْحَابِي بِمَا حَدَّثْتَنِي فَقَالُوا مَاصَنَعْتَ شَيْئاً إِلَّا سَأَلْتَهُ مَنْ كَانَ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لِي يُحَدِّثُهُ مَلَكٌ قُلْتُ تَقُولُ إِنَّهُ نَبِيٌّ قَالَ فَحَرَّكَ يَدَهُ هَكَذَا أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ أَوْ كَصَاحِبِ مُوسَى أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْنِ أَ وَ مَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ قَالَ وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ

بَابٌ فِيهِ ذِكْرُ الْأَرْوَاحِ الَّتِي فِي الْأَئِمَّةِ ع

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فَالسَّابِقُونَ هُمْ رُسُلُ اللَّهِ ع

باب في ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم السلام

الحديث الأول

:صحيح.

" وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً" أي أصنافا ثلاثة" فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ" الاستفهام للتعجب من علو حالهم، و الجملة الاستفهامية خبر بإقامة الظاهر مقام الضمير، و سموا أصحاب الميمنة لأنهم عند أخذ الميثاق كانوا على اليمين، أو يكونون عند الحشر عن يمين العرش أو يؤتونصحائفهم بإيمانهم في القيامة، أو لأنهم أهل اليمن و البركة و أصحاب المشيمة على خلاف ذلك" وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ" أي الذين سبقوا الإيمان و الطاعة بعد ظهور الحق، أو سبقوا إلى حيازة الفضائل و الكمالات، أو الأنبياء

ص: 165

وَ خَاصَّةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ جَعَلَ فِيهِمْ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْقُدُسِ فَبِهِ عَرَفُوا الْأَشْيَاءَ وَ أَيَّدَهُمْ

و الأوصياء فإنهم مقدموا أهل الإيمان هم الذين عرفت حالهم و مالهم، كقول أبي النجم: و شعري شعري، أو الذين سبقوا إلى الجنة أولئك المقربون، أي الذين قربت درجاتهم في الجنة و أعليت مراتبهم.

" و خاصة الله" أي الأوصياء الذين اختصهم الله لخلافته.

" جعل فيهم خمسة أرواح" الروح يطلق على النفس الناطقة، و على الروح الحيوانية السارية في البدن، و على خلق عظيم إما من جنس الملائكة أو أعظم من الملائكة كما قال تعالى:" يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُصَفًّا" و الأرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا مختلفة متباينة بعضها في البدن و بعضها خارجة عنه، أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة الإنسانية باعتبار أعمالها و درجاتها و مراتبها في الطاعة، و كما يطلق عليها العقل الهيولاني و العقل بالملكة، و العقل بالفعل، و العقل المستفاد بحسب مراتبها في العلم و المعرفة.

و يحتمل أن يكون روح القوة و الشهوة و المدرج كلها الروح الحيوانية و روح القدس النفس الناطقة بحسب كمالاتها، أو تكون الأربعة سوى روح القدس مراتب النفس، و روح القدس الخلق الأعظم، فإن ظاهر أكثر الأخبار مباينة روح القدس للنفس.

و يحتمل أن يكون ارتباط روح القدس متفرعة على حصول تلك الحالة القدسية للنفس فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة، و على تلك الحالة، و على جوهر القدس الذي يحصل له ارتباط بالنفس في تلك الحالة، كما أن الحكماء يقولون:

أن النفس بعد تخليها عن الملكات الرديئة و تحليها بالصفات العلية و كشف الغواشي الهيولائية و نقض العلائق الجسمانية يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط

ص: 166

بِرُوحِ الْإِيمَانِ فَبِهِ خَافُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْقُوَّةِ فَبِهِ قَدَرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ فَبِهِ اشْتَهَوْا طَاعَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ كَرِهُوا مَعْصِيَتَهُ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْمَدْرَجِ الَّذِي بِهِ يَذْهَبُ النَّاسُ وَ يَجِيئُونَ وَ جَعَلَ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَ أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ رُوحَ الْإِيمَانِ فَبِهِ خَافُوا اللَّهَ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْقُوَّةِ فَبِهِ قَدَرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الشَّهْوَةِ فَبِهِ اشْتَهَوْا طَاعَةَ اللَّهِ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْمَدْرَجِ الَّذِي بِهِ يَذْهَبُ النَّاسُ وَ يَجِيئُونَ

البدن بالروح، فتطالع الأشياء فيها و يفيض منه عليها آنا فآنا و ساعة فساعة، العلوم و الحكم و المعارف، و به يأولون علم ما يحدث بالليل و النهار، و هذا و إن كان مبنيا على أمور أكثرها مخالفة لأصول الدين لكن إنما ذكرنا للتشبيه و التنظير، و علم جميع ذلك عند العليم الخبير.

" فبه قدروا على طاعة الله" روح القوة روح بها يقدرون على الأعمال و هي مشتركة بين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال، لكن لما كان أصحاب اليمين يصرفونها في طاعة الله عبر عنها كذلك، و كذا روح الشهوة هي ما يصير سببا للميل إلى المشتهيات، فأصحاب الشمال يصرفونها في المشتهيات الجسمانية و اللذات الفانية و أصحاب اليمين يستعملونها في الشهوات الروحانية و الأمور الباقية.

و المدرج من قولهم: درج الرجل أي مشى.

و عدم ذكر أصحاب المشيمة لظهور أحوالهم مما مر لأنه ليس لهم روح القدس و لا روح الإيمان ففيهم الثلاثة الباقية التي في الحيوانات أيضا، و لذا قال سبحانه" إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا" و سيأتي تفصيل ذلك في خبر طويل في باب الكبائر عن أمير المؤمنين عليه السلام.

و قال بعض من يذهب مسالك الصوفية و الإشراقيين: إنما خلقهم ثلاثة أصناف لأن أصول العوالم و النشئات ثلاثة: عالم الجبروت و هو عالم العقل المجرد عن المادة

ص: 167

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنِ الْمُنَخَّلِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ الْعَالِمِ فَقَالَ لِي يَا جَابِرُ إِنَّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْقُدُسِ وَ رُوحَ الْإِيمَانِ وَ رُوحَ الْحَيَاةِ وَ رُوحَ الْقُوَّةِ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ فَبِرُوحِ الْقُدُسِ يَا جَابِرُ عَرَفُوا مَا تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى مَا تَحْتَ الثَّرَى ثُمَّ قَالَ يَا جَابِرُ إِنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَرْوَاحٌ يُصِيبُهَا الْحَدَثَانُ إِلَّا رُوحَ الْقُدُسِ فَإِنَّهَا لَا تَلْهُو وَ لَا تَلْعَبُ

3 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ الْإِمَامِ بِمَا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَ هُوَ فِي بَيْتِهِ مُرْخًى عَلَيْهِ سِتْرُهُ فَقَالَ يَا مُفَضَّلُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّبِيِّص خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْحَيَاةِ فَبِهِ دَبَّ وَ دَرَجَ وَ رُوحَ الْقُوَّةِ فَبِهِ نَهَضَ وَ جَاهَدَ

و الصورة و أصحابه السابقون و فيهم روح القدس، و عالم الملكوت و هو عالم المثال و الخيال المجرد عن المادة دون الصورة، و أصحابه أصحاب الميمنة و فيهم روح الإيمان، و عالم الملك و هو عالم المدرج، و عالم الغيب يشمل الأولين، و كذا عالم الأرواح، و ربما يطلق الملكوت أيضا على ما يعمهما.

الحديث الثاني

: ضعيف.

و روح الحياة هنا هو روح المدرج و قال الجوهري: حدث أمر أي وقع، و الحدث و الحادثة و الحدثان كله بمعنى، انتهى.

و المراد هنا ما يمنعها عن أعمالها كرفع بعض الشهوات عند الشيخوخة و ضعف القوي بها، و بالأمراض، و مفارقة روح الإيمان بارتكاب الكبائر، و أما من اتصف بروح القدس فلا يصيبه ما يمنعه عن العلم و المعرفة.

" و لا يلهو" أي لا يسهو عن أمر" و لا يلعب" أي لا يرتكب أمرا لا منفعة فيه.

الحديث الثالث

: ضعيف على المشهور.

و إرخاء الستر إرساله، و دب يدب دبيبا: مشى على هنيئة و سهولة

ص: 168

وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ فَبِهِ أَكَلَ وَ شَرِبَ وَ أَتَى النِّسَاءَ مِنَ الْحَلَالِ وَ رُوحَ الْإِيمَانِ فَبِهِ آمَنَ وَ عَدَلَ- وَ رُوحَ الْقُدُسِ فَبِهِ حَمَلَ النُّبُوَّةَ فَإِذَا قُبِضَ النَّبِيُّص انْتَقَلَ رُوحُ الْقُدُسِ فَصَارَ إِلَى الْإِمَامِ وَ رُوحُ الْقُدُسِ لَا يَنَامُ وَ لَا يَغْفُلُ وَ لَا يَلْهُو وَ لَا يَزْهُو وَ الْأَرْبَعَةُ الْأَرْوَاحِ تَنَامُ وَ تَغْفُلُ وَ تَزْهُو وَ تَلْهُو وَ رُوحُ الْقُدُسِ كَانَ يَرَى بِهِ

بَابُ الرُّوحِ الَّتِي يُسَدِّدُ اللَّهُ بِهَا الْأَئِمَّةَ ع

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا

" لا ينام" أي لا يعرضصاحبه الغفلة في النوم، و ليس نومه كنوم سائر الناس كما قال رسول اللهصلى الله عليه و آله: تنام عيني و لا ينام قلبي.

و قال الجوهري: الزهو الكبر و الفخر، و حكى بعضهم الزهو الرجاء الباطل و الكذب و الاستخفاف" كان يرى به" على بناء المجهول أو المعلوم، أي كان النبي أو الإمام يرى به ما غاب عنه في أقطار الأرض، و ما في أعنان السماء، و أما انتقال هذا الروح إن حملناه على خلق آخر غير النفس فانتقاله ظاهر، و إن حملناه على النفس الكاملة فانتقاله مجاز عن انتقال حالته و حصول شبه تلك الحالة في نفس أخرى.

باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم السلام

الحديث الأول

:صحيح.

" وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ" هذه الآية بعد قوله تعالى:" وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ".

و قال الطبرسي: أي مثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا لك،" رُوحاً مِنْ أَمْرِنا" يعني الوحي بأمرنا و معناه القرآن لأنه يهتدى به ففيه حياة من موت

ص: 169

ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ قَالَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِص يُخْبِرُهُ وَ يُسَدِّدُهُ وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ

الكفر، و قيل: هو روح القدس، و قيل: هو ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول اللهصلى الله عليه و آله عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام، قالا: و لم يصعد إلى السماء و أنه لقينا.

" ما كُنْتَ تَدْرِي" يا محمدصلى الله عليه و آله قبل الوحي" مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ" أي ما القرآن و لا الشرائع و معالم الإيمان، و قيل: معناه و لا أهل الإيمان أي مسن الذي يؤمن و من الذي لا يؤمن، و هذا من باب حذف المضاف" وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً" أي جعلنا الروح الذي هو القرآن نورا، لأن فيه معالم الدين، و قيل جعلنا الإيمان نورا لأنه طريق النجاة" نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا" أي نرشده إلى الجنة.

و قال البيضاوي:" رُوحاً مِنْ أَمْرِنا" يعني ما أوحي إليه، سماه روحا لأن القلوب تحيي به، و قيل: جبرئيل عليه السلام، و المعنى أرسلنا إليك بالوحي ما كنت تدري، أي قبل الوحي و هو دليل على أنه لم يكن متعبدا قبل النبوة بشرع، و قيل: المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع" وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً" أي الروح أو الكتاب أو الإيمان" نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا" بالتوفيق للقبول و النظر فيه" وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ" هو الإسلام، انتهى.

و قيل: قوله: من أمرنا،صفة لروحا أو حالا عنه، يعني أنه من عالم الأمر، و هو عالم المجرد لا من عالم الخلق و هو عالم الماديات كما قيل في قوله تعالى:" أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ" و قوله سبحانه:" قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" و منهم من يحمل الروح على العقل و إنزاله على ارتباطه بالنفس و إشراقه عليها، و كل ذلك مبني على إثبات مجرد سوى الله، و هو مما لا يجترئ عليه كما عرفت مرارا لكن يمكن

ص: 170

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ وَ أَنَا حَاضِرٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا فَقَالَ مُنْذُ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ذَلِكَ الرُّوحَ عَلَى مُحَمَّدٍص مَاصَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَ إِنَّهُ لَفِينَا

3 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ

أن يكون المراد أنه من عالم الملكوت و السماويات و الملائكة و الروحانيات لا من عالم العناصر و الأرضيات، و قيل: كان المراد بهذا الروح غير روح القدس، لأن روح القدس لا تفارقهم كما لا تفارقهم الأرواح الأربعة التي دونه، و هذا الروح قد يفارقهم كما يأتي أنه ليس كلما طلب وجد إلا أن يقال: أن روح القدس فيهم كان يبلغ إلى مقام هذا الروح و تصير متحدا معه.

الحديث الثاني

: مجهول.

" و هيت" بالكسر: بلد بالعراق، و على بعض الوجوه المتقدمة يكون الصعود و النزول على الاستعارة و المجاز.

الحديث الثالث

:صحيح.

و" يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ" قال الطبرسي (ره): اختلف في الروح المسؤول عنه:

أحدها: أنهم سألوه عن الروح الذي هو في بدن الإنسان ما هو و لم يجبهم، و سأله عن ذلك قوم من اليهود عن ابن عباس و غيره، و على هذا فإنما عدلصلى الله عليه و آله و سلم عن جوابهم لعلمه بأن ذلك ادعى لهم إلى الصلاح في الدين، و لأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين، فلوصدر الجواب لازدادوا عنادا، و قيل: إن اليهود قالت لقريش: سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي و إن لم يجبكم فهو نبي، فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم، و أن يكلمهم في معرفة الروح على ما في عقولهم، ليكون ذلك علما علىصدقه، و دلالة لنبوته.

ص: 171

الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قَالَ خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِص وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ وَ هُوَ مِنَ الْمَلَكُوتِ

4 عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ

و ثانيها: أنهم سألوه عن الروح أ هي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك؟ فقال سبحانه:

قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، أي من فعله و خلقه، و كان هذا جوابا لهم عما سألوه عنه بعينه، و على هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوه عنه هو الذي به قوام الجسد على قول ابن عباس و غيره، أم جبرئيل على قول الحسن و قتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك، على ما روي عن علي عليه السلام، أم عيسى فإنه سمي بالروح.

و ثالثها: أن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن كيف يلقاك به الملك و كيفصار معجزا؟ و كيفصار نظمه و ترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب و الأشعار و قد سمى الله سبحانه القرآن روحا في قوله: و" كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا" فقال سبحانه: قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي أنزله دلالة على نبوتي، و ليس من فعل المخلوقين و لا مما يدخل في إمكانهم، و على هذا فقد وقع الجواب أيضا موقعه، و أما على القول الأول فيكون معنى قوله: من أمر ربي هو الأمر الذي يعلمه ربي، و لم يطلع عليه أحد، انتهى.

و الخبر يدل على أنه خلق عظيم، و ظاهره أنه ليس من الملائكة، بناء على أن جبرئيل أعظم من سائر الملائكة.

" و هو من الملكوت" أي السماويات و الروحانيات لا المجردات كما قيل.

الحديث الرابع

: حسن.

و يدل على اختصاص الروح بالنبي و الأئمةصلوات الله عليهم، و قد اشتملت الأخبار الكثيرة على أن روح القدس يكون في الأنبياء أيضا لا سيما أولي العزم منهم، و قد دلت الآية على خصوص عيسى عليه السلام، و يمكن الجمع بوجهين

ص: 172

قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قَالَ خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى غَيْرِ مُحَمَّدٍص وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ يُسَدِّدُهُمْ وَ لَيْسَ كُلُّ مَا طُلِبَ وُجِدَ

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْعِلْمِ أَ هُوَ عِلْمٌ يَتَعَلَّمُهُ الْعَالِمُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ أَمْ فِي الْكِتَابِ عِنْدَكُمْ تَقْرَءُونَهُ فَتَعْلَمُونَ مِنْهُ قَالَ الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَ أَوْجَبُ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ ثُمَّ قَالَ أَيَّ شَيْ ءٍ يَقُولُ أَصْحَابُكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَ يُقِرُّونَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَ لَا الْإِيمَانُ فَقُلْتُ لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا يَقُولُونَ فَقَالَ لِي بَلَى قَدْ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ

الأول: أن يكون روح القدس مشتركا و الروح الذي من أمر الرب مختصا، و قد دل على مغايرتهما بعض الأخبار.

و الثاني أن يكون روح القدس نوعا تحته أفراد كثيرة، فالفرد الذي في النبي و الأئمة عليهم السلام أو الصنف الذي فيهم لم يكن مع من مضى، و على القول بالصنف يرتفع التنافي بين ما دل على كون نقل الروح إلى الإمام بعد فوت النبيصلى الله عليه و آله و سلم و بين ما دل على كون الروح مع الإمام من عند ولادته فلا تغفل.

قوله عليه السلام: و ليس كل ما طلب وجد، أي ليس حصول تلك المرتبة الجليلة ميسرة بالطلب، بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، أو المعنى أن ذلك الروح قد يحضر و قد يغيب، و ليس في كل وقت طلب وجد، فلذا قد يتأخر جوابهم حتى يحضر و الأول أظهر.

الحديث الخامس

: مجهول.

" الأمر أعظم من ذلك و أوجب" و في البصائر" و أجل" قيل: إنما كان الأمر أوجب من ذلك لأن الأمرين المذكورين مما يشترك فيه سائر الناس، فلا بد

ص: 173

وَ لَا الْإِيمَانُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّوحَ الَّتِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَمَّا أَوْحَاهَا إِلَيْهِ عَلَّمَ بِهَا الْعِلْمَ وَ الْفَهْمَ وَ هِيَ الرُّوحُ الَّتِي يُعْطِيهَا اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ فَإِذَا أَعْطَاهَا عَبْداً عَلَّمَهُ الْفَهْمَ

6 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ قَالَ أَتَى رَجُلٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع يَسْأَلُهُ عَنِ الرُّوحِ أَ لَيْسَ هُوَ جَبْرَئِيلَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع جَبْرَئِيلُ ع مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحُ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ فَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ قُلْتَ عَظِيماً مِنَ الْقَوْلِ مَا أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع إِنَّكَ ضَالٌّ تَرْوِي عَنْ أَهْلِ الضَّلَالِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِص أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ وَ الرُّوحُ غَيْرُ الْمَلَائِكَةِصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ

في الحجة من أمر يمتاز به عن سائر الناس، لا يحتمل الخطأ و الشك.

الحديث السادس

: مختلف فيه، مرسل.

" أَتى أَمْرُ اللَّهِ" قال المفسرون: لما أوعدهم النبي بإهلاكهم كما فعل يوم بدر أو بقيام الساعة استعجلوا ذلك استهزاء و تكذيبا و قالوا: إنصح ذلك يخلصنا أصنامنا عنه، فرد عليهم جل شأنه بقوله:" أَتى أَمْرُ اللَّهِ" أي أمره بالإهلاك، أو قيام الساعة، و عبر عنه بالماضي للدلالة على تحقق وقوعه" فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ" لأنه لا حق بكم و لا مرد له" سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ" نزهة عن أن يكون له شريك يدفع عنهم ما أراد بهم" يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ" أي مصاحبين معه فاستدل عليه السلام باستدعاء المصاحبة المغايرة.

ص: 174

بَابُ وَقْتِ مَا يَعْلَمُ الْإِمَامُ جَمِيعَ عِلْمِ الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ ع

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَتَى يَعْرِفُ الْأَخِيرُ مَا عِنْدَ الْأَوَّلِ قَالَ فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقَى مِنْ رُوحِهِ

2 مُحَمَّدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ وَ جَمَاعَةٍ مَعَهُ قَالُوا سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ يَعْرِفُ الَّذِي بَعْدَ الْإِمَامِ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقَى مِنْ رُوحِهِ

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ

باب وقت ما يعلم الإمام جميع علوم الإمام الذي قبله عليهم جميعا السلام

الحديث الأول

: مجهول.

قوله عليه السلام: في آخر دقيقة من روحه، الضمير في روحه راجع إلى الأول، و ذلك لأن العالم لا بد له أن يكون فيه عالم يكون الحجة على الناس و يكون عنده علم ما يحتاج إليه الناس فإذا قبض ذلك العالم فلا بد من وجود من يصلح أن ينوب منابه و يكون في درجته في ذلك، قيل: و يحتمل أن يكون الضمير عائدا إلى الأخير و يكون الوجه فيه أن ما عند الأول هو نهاية الكمال الممكن في حقهم عليهم السلام، فإذا بلغه الأخير كمل أمره فيقبض، و هذا المعنى واضح و لا يأباه الحديث الثالث، لأن السؤال في ذلك أمر آخر فجاز افتراقهما في المعنى، انتهى.

و أقول: مع بعده لفظا و معنى يخالف الأخبار الكثيرة الدالة على أن علم الإمام السابق منتقل جميعا إلى الإمام اللاحق في أول إمامته كما مر.

الحديث الثاني

: مجهول كالحسن.

الحديث الثالث

: مرسل.

ص: 175

أَسْبَاطٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ الْإِمَامُ مَتَى يَعْرِفُ إِمَامَتَهُ وَ يَنْتَهِي الْأَمْرُ إِلَيْهِ قَالَ فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ مِنْ حَيَاةِ الْأَوَّلِ

بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ الطَّاعَةِ سَوَاءٌ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي زَاهِرٍ عَنِ الْخَشَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ قَالَ

قوله: و ينتهي الأمر إليه، ظاهره حصول الإمامة للاحق قبل ذهاب السابق، و هو مخالف لما ورد أنه لا يجتمع إمامان في زمان واحد إلا أن يقال: المراد الاجتماع في زمان معتد به، أو يكون المراد بالأمر في هذا الخبر استحقاق الإمامة و استعدادها التام لأنفسها، أو العلم بالإمامة تأكيدا.

باب في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم و الشجاعة و الطاعة سواء

الحديث الأول

: ضعيف.

" الَّذِينَ آمَنُوا" في القرآن" و الذين" مع العطف، و قال المفسرون: هو مبتدأ خبره" أَلْحَقْنا بِهِمْ" و قوله" وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ" اعتراض للتعليل، و قرأ ابن عامر و يعقوب" ذرياتهم" بالجمع و قرأ أبو عمرو" و اتبعناهم ذرياتهم" أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان، و قيل: بإيمان حال من الضمير أو الذرية أو منهما، و التنكير للتعظيم أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق، المتابعة في أصل الإيمان.

و قال الطبرسي (ره): يعني بالذرية أولادهم الصغار و الكبار، لأن الكبار يتبعون الآباء بإيمان منهم، و الصغار يتبعون الآباء بإيمان من الآباء، فالولد يحكم

ص: 176

الَّذِينَ آمَنُوا النَّبِيُّص وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ ذُرِّيَّتُهُ الْأَئِمَّةُ وَ الْأَوْصِيَاءُصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَلْحَقْنَا بِهِمْ وَ لَمْ نَنْقُصْ ذُرِّيَّتَهُمُ الْحُجَّةَ- الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌص فِي عَلِيٍّ ع وَ حُجَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ وَ طَاعَتُهُمْ وَاحِدَةٌ

2 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ دَاوُدَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع قَالَ قَالَ لِي نَحْنُ فِي الْعِلْمِ وَ الشَّجَاعَةِ سَوَاءٌ

له بالإسلام تبعا لوالده، و اتبع بمعنى تبع، و من قرأ" و اتبعناهم" فهو منقول بمعنى تبع و يتعدى إلى المفعولين، و المعنى إنا نلحق الأولاد بالآباء في الجنة و الدرجة من أجل الآباء لتقر أعين الآباء باجتماعهم معهم في الجنة كما كانت تقر بهم في الدنيا عن ابن عباس و غيره، و في رواية أخرى عن ابن عباس أنهم البالغون ألحقوا بدرجة آبائهم و إن قصرت أعمالهم تكرمة لآبائهم، و إذا قيل: كيف يلحقون بهم الثواب و لم يستحقوه؟

فالجواب أنهم يلحقون بهم في الجميع لا في الثواب و المرتبة، و روى زاذان عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللهصلى الله عليه و آله: إن المؤمنين و أولادهم في الجنة ثم قرأ هذه الآية، و روي عن الصادق عليه السلام قال: أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة" وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ" أي لم ينقص الآباء من الثواب حين ألحقنا بهم ذرياتهم، يقال ألته يألته ألتا و ألته يؤلته إيلاتا و لاته يليته، و ولته يلته ولتا أي نقصه، انتهى.

و أقول: على تأويله عليه السلام الضمير في" ألتناهم" راجع إلى الذرية، و في" عملهم" إلى الذين آمنوا، و المراد بالعمل سياسة الأمة و هدايتهم و إرشادهم إلى مصالحهم، و عبر عن تلك بما يلزمها من الحجة و وجوب الطاعة أو المراد بالعمل إقامة الحجة على وجوب الطاعة، و هو من عمل الله أو عمل النبي الذي هو من الآباء، فالإضافة إما إلى الفاعل أو إلى المفعول، و قيل: فسر عليه السلام العمل بما كانوا يحتجون به على الناس من النص عليهم، أو من العلم و الفهم و الشجاعة و غير ذلك فيهم، و ذلك لأنها ثمرة الأعمال و العبادات المختصة بهم، و في البصائر الأئمة الذرية الأوصياء.

الحديث الثاني

: مجهول.

ص: 177

وَ فِي الْعَطَايَا عَلَى قَدْرِ مَا نُؤْمَرُ

3 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِص نَحْنُ فِي الْأَمْرِ وَ الْفَهْمِ وَ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ نَجْرِي مَجْرًى وَاحِداً فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِص وَ عَلِيٌّ ع فَلَهُمَا فَضْلُهُمَا

قوله عليه السلام: و في العطايا، أي عطاء العلم أو المال أو الأعم أي إنما نعطي على حسب ما يأمرنا الله به بحسب المصالح.

الحديث الثالث

: حسن.

" نحن في الأمر" أي أمر الإمامة و الخلافة، أو وجوب طاعتنا فيما نأمر و يؤيد الأخير أن في البصائر نحن في الأمر و النهي و الحلال و الحرام و المراد بالحلال و الحرام علمهما، و يدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من سائر الأئمة، و يدل بعض الأخبار على فضل الحسنين عليهما السلام على سائر الأئمة عليهم السلام، و يفهم من بعضها فضل القائم عليه السلام على الثمانية الباقية.

قال الكراجكي فيما عد من عقائد الإمامية: يجب أن يعتقد أن أفضل الأئمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و أنه لا يجوز أن يسمى بأمير المؤمنين أحد سواه، و أن بقية الأئمةصلوات الله عليهم يقال لهم الأئمة و الخلفاء و الأوصياء و الحجج و إن كانوا في الحقيقة أمراء المؤمنين، فإنهم لم يمنعوا من هذه الاسم لأجل معناه، لأنه حاصل على الاستحقاق، و إنما منعوا من لفظه سمة لأمير المؤمنين عليه السلام، و إن أفضل الأئمة بعد أمير المؤمنين ولده الحسن ثم الحسين، و أفضل الباقين بعد الحسين إمام الزمان المهدي عليه السلام، ثم بقية الأئمة من بعده سواء على ما جاء به الأثر و ثبت في النظر، انتهى.

ص: 178

بَابُ أَنَّ الْإِمَامَ ع يَعْرِفُ الْإِمَامَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فِيهِمْ ع نَزَلَتْ

1 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ قَالَ إِيَّانَا عَنَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَوَّلُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ الْكُتُبَ وَ الْعِلْمَ وَ السِّلَاحَ وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ الَّذِي

باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون من بعده

باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون من بعده

و أن قول الله عز و جل" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها" فيهم عليهم السلام نزلت

الحديث الأول

: ضعيف على المشهور.

" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ" قال الطبرسي (ره) فيه أقوال:

أحدها: أنها في كل من ائتمن على أمانة من الأمانات فأمانات الله أوامره و نواهيه، و أمانات عباده ما يأتمن بعضهم بعضا من المال و غيره عن ابن عباس و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام.

و ثانيها: أن المراد به ولاة الأمر أمرهم الله سبحانه أن يقوموا برعاية الرعية و حملهم على موجب الدين و الشريعة، و رواه أصحابنا عن الباقر و الصادق عليهما السلام، قال: أمر الله كل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده، و يعضده أنه سبحانه أمر الرعية بعد هذا بطاعة ولاة الأمر، فروي عنهم عليهم السلام أنهم قالوا: آيتان إحداهما لنا و الأخرى لكم، قال الله سبحانه:" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها"

ص: 179

فِي أَيْدِيكُمْ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً- أَمَرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِطَاعَتِنَا- فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي أَمْرٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ

الآية و قال:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" و هذا القول داخل في القول الأول، لأنه من جملة ما ائتمن الله سبحانه عليه الأئمة الصادقين و كذلك قال أبو جعفر عليه السلام: إن أداء الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج من الأمانة، و يكون من جملتها الأمر لولاة الأمر بقسمة الغنائم و الصدقات، و غير ذلك مما يتعلق به حق الرعية.

و ثالثها: أنه خطاب للنبيصلى الله عليه و آله و سلم برد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة حين قبض منه يوم الفتح، و أراد أن يدفعه إلى العباس، و المعول على ما تقدم" وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" أمر الله الولاة و الحكام أن يحكموا بالعدل و النصفة، انتهى.

" الذي في أيديكم" هو تفسير للعدل في الآية، أي المراد بالعدل الأحكام المشتملة عليه المحفوظة عند الأئمة عليهم السلام.

قال المحدث الأسترآبادي رحمه الله: الذي في أيديكم، يعني مكتوب عندكم في كتاب علي عليه السلام، و قوله:" فإن خفتم تنازعا في أمر" يعني إن خفتم من الاختلافات في الفتوى و قوله: يرخص لهم في منازعتهم، يعني يرخص لهم في الاختلاف في الفتوى، و فيه دلالاتصريحة على أنه لا يجوز الفتوى بالظن، بل لا بد من السماع منصاحب الشريعة كما هو مذهب علمائنا إلا شرذمة قليلة من المتأخرين، انتهى.

و أقول: في القرآن الذي عندنا" فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ" و ليس فيه: و إلى أولي الأمر منكم، فقوله:" فإن خفتم تنازعا" يحتمل أن

ص: 180

كَذَا نَزَلَتْ وَ كَيْفَ يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَ يُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ- أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ

2 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍص أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِمَامُ الْأَمَانَةَ إِلَى

يكون تفسيرا لقوله فَإِنْ تَنازَعْتُمْ، بأن يكون المعنى إن أشرفتم على التنازع باختلاف ظنونكم و آرائكم كما في قوله سبحانه:" إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ" أي أردتم طلاقهن و كقوله تعالى:" إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ" و هذا شائع.

و أما قوله:" و إلى أولي الأمر منكم" فالظاهر أنه كان في قرآنهم عليهم السلام هكذا فأسقطه عثمان لقوله عليه السلام:" كذا نزلت" و يحتمل أن يكون تفسيرا للرد إلى الله و إلى أولي الأمر، لأمر الله و الرسول بطاعتهم فالرد إليهم رد إليهما فالمراد بقوله كذا نزلت أي بحسب المعنى، و قوله:" و كيف يأمرهم الله" رد على المخالفين حيث قالوا معنى قوله سبحانه فَإِنْ تَنازَعْتُمْ، فإن اختلفتم أنتم و أولو الأمر منكم في شي ء من أمور الدين، فارجعوا فيه إلى الكتاب و السنة، و وجه الرد أنه كيف يجوز الأمر بإطاعة قوم مع الرخصة في منازعتهم، فقال عليه السلام: إن المخاطبين بالتنازع ليسوا إلا المأمورين بالإطاعة خاصة، و أن أولي الأمر داخلون في المردود إليهم لفظا أو معنى.

و قوله:" و يرخص في منازعتهم" أي منازعة الناس معهم، أو منازعة بعضهم لبعض و كلاهما ينافي وجوب الطاعة.

الحديث الثاني

: ضعيف على المشهور.

" هم الأئمة" أي هم المخاطبون بها" أن يؤدى" أي أمرهم بأن يؤدى" و لا يخص"

ص: 181

مَنْ بَعْدَهُ وَ لَا يَخُصَّ بِهَا غَيْرَهُ وَ لَا يَزْوِيَهَا عَنْهُ

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع- فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ يُؤَدِّي الْإِمَامُ إِلَى الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ وَ لَا يَخُصُّ بِهَا غَيْرَهُ وَ لَا يَزْوِيهَا عَنْهُ

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها قَالَ أَمَرَ اللَّهُ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ كُلَّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَا يَمُوتُ الْإِمَامُ حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ فَيُوصِيَ إِلَيْهِ

6 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ أَبِي عُثْمَانَ عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ الْإِمَامَ يَعْرِفُ الْإِمَامَ الَّذِي مِنْ بَعْدِهِ فَيُوصِي إِلَيْهِ

7 أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ مَا مَاتَ عَالِمٌ حَتَّى يُعْلِمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مَنْ يُوصِي

يحتمل النصب و الرفع، و كذا قوله عليه السلام:" و لا يزويها" و في النهاية: زويت إلى الأرض أي جمعت، و ما زويت عني أيصرفته عني و قبضته، و منه حديث أم معبد فيا لقصي ما زوى الله عنكم أي ما نحى عنكم من الخير و الفضل.

الحديث الثالث

: مجهول.

الحديث الرابع

: ضعيف على المشهور.

الحديث الخامس

:صحيح.

الحديث السادس

: ضعيف على المشهور.

الحديث السابع

:صحيح.

ص: 182

بَابُ أَنَّ الْإِمَامَةَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَعْهُودٌ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ ع

1 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَذَكَرُوا الْأَوْصِيَاءَ وَ ذَكَرْتُ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا ذَاكَ إِلَيْنَا وَ مَا هُوَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يُنْزِلُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ أَ تَرَوْنَ الْمُوصِيَ مِنَّا يُوصِي إِلَى مَنْ يُرِيدُ لَا وَ اللَّهِ وَ لَكِنْ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِص لِرَجُلٍ فَرَجُلٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَىصَاحِبِهِ

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ مِنْهَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مِثْلَهُ

باب أن الإمامة عهد من الله عز و جل معهود من واحد إلى واحد عليهم السلام

الحديث الأول

: ضعيف على المشهور.

" و ذكرت إسماعيل" هو ابنه الأكبر الذي مات في حياته، و تدعي مع ذلك الإسماعيلية إمامته و ذكره له إما كان طلبا لجعله وصيا أو سؤالا عن أنه هل وصى أم لا، و الأول أظهر.

الحديث الثاني

: مجهول بالسند الأول، ضعيف بالسند الثاني.

و العهد الوصية و التقدم إلى المرء في الشي ء و منه العهد الذي يكتب للولاة" حتى ينتهي الأمر إلىصاحبه" أي إلى إمام العصر أو إلى القائم عليه السلام، و يحتمل أن يكون حتى للتعليل، أي لو لا ذلك لكان منوطا برأي الناس، و لم ينته إلىصاحبه الذي يستحقه بل إلى غاصبه، و الأوسط أظهر.

ص: 183

3 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِصَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَيْثَمِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ الْإِمَامَةَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَعْهُودٌ لِرِجَالٍ مُسَمَّيْنَ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْوِيَهَا عَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ ع أَنِ اتَّخِذْ وَصِيّاً مِنْ أَهْلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنْ لَا أَبْعَثَ نَبِيّاً إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ مِنْ أَهْلِهِ وَ كَانَ لِدَاوُدَ ع أَوْلَادٌ عِدَّةٌ وَ فِيهِمْ غُلَامٌ كَانَتْ أُمُّهُ عِنْدَ دَاوُدَ وَ كَانَ لَهَا مُحِبّاً فَدَخَلَ دَاوُدُ ع عَلَيْهَا حِينَ أَتَاهُ الْوَحْيُ فَقَالَ لَهَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَيَّ يَأْمُرُنِي أَنِ أَتَّخِذَ وَصِيّاً مِنْ أَهْلِي فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ فَلْيَكُنِ ابْنِي قَالَ ذَلِكَ أُرِيدُ وَ كَانَ السَّابِقُ فِي عِلْمِ اللَّهِ الْمَحْتُومِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ أَنْ لَا تَعْجَلْ دُونَ أَنْ يَأْتِيَكَ أَمْرِي فَلَمْ يَلْبَثْ دَاوُدُ ع أَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي الْغَنَمِ

الحديث الثالث

: ضعيف على المشهور.

" أن اتخذ" أن مفسرة و قيل: يدل على أن الأمر ليس للفور، و الظاهر أن المراد اتخاذ الوصي بعد الوصي الآخر، و في هذا الإعلام مصالح يظهر بعضها من الخبر" أن لا أبعث نبيا" له كتاب كداود عليه السلام، أو مطلقا" من أهله" أي من ذريته و أقاربه القريبة" كانت أمه عند داود" أي كانت حية و لم تخرج من عندها.

" فلم يلبث" أي لم يمكث" أن ورد" أن زائدة" يختصمان في الغنم و الكرم" إشارة إلى قوله تعالى:" وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ" قال الطبرسي (ره): النفش- بفتح الفاء و سكونها- إن تنتشر الإبل و الغنم بالليل فترعى بلا راع، أي اذكر داود و سليمان حين يحكمان في الوقت الذي نفشت فيه غنم القوم أي تفرقت ليلا" وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ" أي بحكمهم عالمين لم يغب عنا منه شي ء، و اختلف في الحكم الذي حكما به، فقيل: إنه زرع وقعت فيه الغنم ليلا فأكلته، و قيل: كان كرما قد بدت عنا قيده فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان

ص: 184

وَ الْكَرْمِ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى دَاوُدَ أَنِ اجْمَعْ وُلْدَكَ فَمَنْ قَضَى بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَأَصَابَ فَهُوَ وَصِيُّكَ مِنْ بَعْدِكَ فَجَمَعَ دَاوُدُ ع وُلْدَهُ فَلَمَّا أَنْ قَصَّ الْخَصْمَانِ قَالَ سُلَيْمَانُ

غير هذا يا نبي الله، قال: و ما ذاك؟ قال: يدفع الكرم إلىصاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، و تدفع الغنم إلىصاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان دفع كل واحد منهما إلىصاحبه، روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام.

و قال الجبائي: أوحى الله تعالى إلى سليمان بما نسخ به حكم داود الذي كان يحكم به قبل و لم يكن ذلك عن اجتهاد، لأنه لا يجوز للأنبياء أن يحكموا بالاجتهاد و هذا هو الصحيح المعول عليه عندنا، و يقوي ذلك قوله" فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ" أي علمناه الحكومة في ذلك، و روي عن النبيصلى الله عليه و آله أنه قضى بحفظ المواشي على أربابها ليلا و قضى بحفظ الحرث على أربابه نهارا، انتهى.

و أقول: لا ريب في أن الأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الاجتهاد، و استدلال المخالفين بهذه القضية على جواز ذلك مردود من وجوه:

الأول: أنه يمكن أن يكون حكم سليمان بالوحي كما ذكره الطبرسي (ره).

فإن قيل: كيف يجوز نسخ الشريعة في غير زمان أولي العزم، فإن كل من كان بعد موسى عليه السلام إلى زمان عيسى عليه السلام إنما كانوا يحكمون بحكم التوراة و لا يتصور الاختلاف فيه؟

قلنا: يمكن أن يكون نسخ جميع شرائع من قبله أو أكثره مخصوصا بأولى العزم، و أما نسخ بعض الأحكام الجزئية فلا دليل على عدم جوازه لغير أولي العزم، على أنه يمكن أن يكون موسى عليه السلام أخبر الأنبياء بأن الحكم برقاب الغنم يمتد إلى زمان سليمان ثم بعد ذلك يتغير الحكم و كان لا يعلم ذلك غير الأنبياء من علماء بني إسرائيل، فأظهر داود عليه السلام استحقاق سليمان للخلافة بأن فوض الحكم في ذلك إليه فلا يكون ذلك نسخا، و لو سمى ذلك نسخا كان نسخا من أولي العزم أيضا.

و يؤيد هذا الوجه ما رواه الصدوق في الفقيه عن أحمد بن عمر الحلبي قال: سألت

ص: 185

ع يَاصَاحِبَ الْكَرْمِ مَتَى دَخَلَتْ غَنَمُ هَذَا الرَّجُلِ كَرْمَكَ قَالَ دَخَلَتْهُ لَيْلًا قَالَ قَضَيْتُ عَلَيْكَ يَاصَاحِبَ الْغَنَمِ بِأَوْلَادِ غَنَمِكَ وَ أَصْوَافِهَا فِي عَامِكَ هَذَا ثُمَّ قَالَ لَهُ دَاوُدُ فَكَيْفَ لَمْ تَقْضِ بِرِقَابِ الْغَنَمِ وَ قَدْ قَوَّمَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ كَانَ ثَمَنُ الْكَرْمِ قِيمَةَ

أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز و جل:" وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ" قال: كان حكم داود رقاب الغنم، و الذي فهم الله عز و جل سليمان أن الحكم لصاحب الحرث باللبن و الصوف في ذلك العام كله.

و ما سيأتي في هذا الكتاب في أبواب كتاب المعيشة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أن داود عليه السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم، و حكم سليمان عليه السلام الرسل و الثلة و هو اللبن و الصوف في ذلك العام، و في رواية أخرى عن أبي بصير عنه عليه السلام أنه قال: فحكم داود بما حكمت به الأنبياء عليهم السلام من قبله، و أوحى الله عز و جل إلى سليمان عليه السلام أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها، و كذلك جرت السنة بعد سليمان عليه السلام و هو قول الله عز و جل:" وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً" فحكم كل منهما بحكم الله عز و جل.

الثاني: أن يكون حكم داود موافقا لحكم سليمان عليهما السلام، و الخطأ إنما كان من قضاة بني إسرائيل، فأظهر داود عليه السلام خطاءهم بذلك، و يؤيد ذلك ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل رجل و كان له كرم، فنفشت فيه الغنم بالليل و قضمته، و أفسدته، فجاءصاحب الكرم إلىصاحب الغنم، فقال داود عليه السلام: اذهب إلى سليمان ليحكم بينكما فذهبا إليه فقال سليمان عليه السلام: إن كانت الغنم أكلت الأصل و الفرع فعلىصاحب الغنم أن يدفع إلىصاحب الكرم الغنم و ما في بطنها، و إن كانت ذهبت بالفرع و لم تذهب الأصل فإنه يدفع ولدها إلىصاحب الكرم، و كان هذا حكم داود، و إنما أراد أن يعرف

ص: 186

الْغَنَمِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ إِنَّ الْكَرْمَ لَمْ يُجْتَثَّ مِنْ أَصْلِهِ وَ إِنَّمَا أُكِلَ حِمْلُهُ وَ هُوَ عَائِدٌ فِي قَابِلٍ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى دَاوُدَ إِنَّ الْقَضَاءَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مَا قَضَى سُلَيْمَانُ بِهِ يَا دَاوُدُ أَرَدْتَ أَمْراً وَ أَرَدْنَا أَمْراً غَيْرَهُ فَدَخَلَ دَاوُدُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَرَدْنَا أَمْراً وَ أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَمْراً غَيْرَهُ- وَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ رَضِينَا بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سَلَّمْنَا وَ كَذَلِكَ الْأَوْصِيَاءُ ع لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَعَدَّوْا بِهَذَا الْأَمْرِ فَيُجَاوِزُونَصَاحِبَهُ إِلَى غَيْرِهِ

قَالَ الْكُلَيْنِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْغَنَمَ لَوْ دَخَلَتِ الْكَرْمَ نَهَاراً لَمْ يَكُنْ

بني إسرائيل أن سليمان وصيه بعده و لم يختلفا في الحكم، و لو اختلف حكمهما لقال:" و كنا لحكمهما شاهدين".

و روى الصدوق في الفقيه بسندصحيح عن زرارة عنه عليه السلام أنه قال: لم يحكما إنما كانا يتناظران ففهما سليمان فيمكن حمل الأخبار السابقة علي التقية، و المناظرة الواردة في الخبر الأخير يمكن أن يكون على سبيل المصلحة و الله يعلم.

و قال الجوهري: جثة قلعه، و اجتثه اقتلعه، و في القاموس: الحمل ثمر الشجر و يكسر، أو الفتح لما بطن من ثمره و الكسر لما ظهر، أو الفتح لما كان في بطن أو على رأس شجرة و الكسر لما على ظهر أو رأس، أو ثمر الشجر بالكسر ما لم يكثر و يعظم فإذا كثر فبالفتح، انتهى.

" أن القضاء" أي الصواب في القضاء، و الفاء في قوله" فيجازون" للاستئناف و البيان، نحو قول الشاعر: أ لم تسأل الربع القواء فينطق.

قوله: معنى الحديث الأول، لعل الأول بدل من الحديث، أي الأول منه

ص: 187

عَلَىصَاحِبِ الْغَنَمِ شَيْ ءٌ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَسْرَحَ غَنَمَهُ بِالنَّهَارِ تَرْعَى وَ عَلَىصَاحِبِ الْكَرْمِ حِفْظُهُ وَ عَلَىصَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَرْبِطَ غَنَمَهُ لَيْلًا وَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ أَنْ يَنَامَ فِي بَيْتِهِ

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ وَ جَمِيلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ أَ تَرَوْنَ أَنَّ الْمُوصِيَ مِنَّا يُوصِي إِلَى مَنْ يُرِيدُ لَا وَ اللَّهِ وَ لَكِنَّهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِص إِلَى رَجُلٍ فَرَجُلٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى نَفْسِهِ

بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ ع لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئاً وَ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَمْرٍ مِنْهُ لَا يَتَجَاوَزُونَهُ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ الْوَصِيَّةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مُحَمَّدٍ كِتَاباً لَمْ يُنْزَلْ عَلَى مُحَمَّدٍص

و الحاصل معنى أول الحديث و هو سؤال سليمان عن وقت دخول الغنم و الكرم و فائدته، و يقال: أسرحت الماشية أي أنفشتها و أهملتها، و سيأتي أن هذا التفصيل الذي ذكره الكليني هو قول أكثر الأصحاب، و ذهب ابن إدريس و المحقق و من تأخر عنه إلى اعتبار التفريط مطلقا.

الحديث الرابع

: مجهول.

" حتى انتهى" أي ذكره آباءه و وصية كل منهم إلىصاحبه حتى انتهى إلى نفسه، و قيل: يعني كرر لفظة" فرجل" أربع مرات بأن يكون الرجل ستة سادسهم نفسه.

باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئا و لا يفعلون إلا بعهد من الله تعالى و أمر منه لا يتجاوزونه

الحديث الأول

: ضعيف.

" كتابا" حال عن فاعل نزلت أو تميز، و المراد بالوصية هنا الطومار الذي

ص: 188

كِتَابٌ مَخْتُومٌ إِلَّا الْوَصِيَّةُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ ع يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ وَصِيَّتُكَ فِي أُمَّتِكَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِص أَيُّ أَهْلِ بَيْتِي يَا جَبْرَئِيلُ قَالَ نَجِيبُ اللَّهِ مِنْهُمْ وَ ذُرِّيَّتُهُ لِيَرِثَكَ عِلْمَ النُّبُوَّةِ كَمَا وَرَّثَهُ إِبْرَاهِيمُ ع وَ مِيرَاثُهُ لِعَلِيٍّ ع وَ ذُرِّيَّتِكَ مِنْصُلْبِهِ قَالَ وَ كَانَ عَلَيْهَا خَوَاتِيمُ قَالَ فَفَتَحَ عَلِيٌّ ع الْخَاتَمَ الْأَوَّلَ وَ مَضَى لِمَا فِيهَا ثُمَّ فَتَحَ الْحَسَنُ ع الْخَاتَمَ الثَّانِيَ وَ مَضَى لِمَا أُمِرَ بِهِ فِيهَا فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْحَسَنُ وَ مَضَى فَتَحَ الْحُسَيْنُ ع الْخَاتَمَ الثَّالِثَ فَوَجَدَ فِيهَا أَنْ قَاتِلْ فَاقْتُلْ وَ تُقْتَلُ وَ اخْرُجْ بِأَقْوَامٍ لِلشَّهَادَةِ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ قَالَ فَفَعَلَ ع فَلَمَّا مَضَى دَفَعَهَا إِلَى عَلِيِ

كتب فيه وصية الله للأئمة.

" هذه وصيتك" إنما نسب إليه لأن وصية الله و وصية رسوله واحدة" في أمتك" في- للظرفية أو للتعليل، و" أي" منصوب بتقدير أعني، أو مجرور مضاف بتقدير عند، أو مرفوع منون، أو مبني على الضم لقطعه عن الإضافة، و هو مبتدأ خبره أهل بيتي كما قيل، و كذا" نجيب الله" يحتمل الرفع و النصب و الجر و هو أمير المؤمنين عليه السلام" ليرثك" بالنصب أو بصيغة أمر الغائب" كما ورثه" أي علم النبوة" إبراهيم" بالرفع أو إبراهيم بالنصب، فالضمير المرفوع في" ورثة" عائد إلى علي عليه السلام و على الأول ضمير ميراثه للعلم، و على الثاني لإبراهيم عليه السلام.

" و مضى لما فيها" اللام للظرفية كقولهم: مضى لسبيله، أو للتعليل أو للتعدية أي أمضى ما فيها، أو يضمن فيه معنى الامتثال و الأداء، و الضمير للوصية.

" أن قاتل" أن مفسرة عند أبي حيان، و مصدرية عند غيره ذكره ابن هشام، و الباء في" بأقوام" للمصاحبة أو التعدية، و اللام في قوله" للشهادة" للعاقبة، و جملة" لا شهادة" استئنافية أو قوله: للشهادة و لا شهادة كلاهما نعت لأقوام، أي بأقوام خلقوا للشهادة.

" فلما مضي" أي أشرف على المضي من الدنيا" قبل ذلك" أي قبل المضي.

ص: 189

بْنِ الْحُسَيْنِ ع قَبْلَ ذَلِكَ فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الرَّابِعَ فَوَجَدَ فِيهَا أَنِ اصْمُتْ وَ أَطْرِقْ لِمَا حُجِبَ الْعِلْمُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَ مَضَى دَفَعَهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الْخَامِسَ فَوَجَدَ فِيهَا أَنْ فَسِّرْ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَصَدِّقْ أَبَاكَ وَ وَرِّثِ ابْنَكَ وَ اصْطَنِعِ الْأُمَّةَ وَ قُمْ بِحَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قُلِ الْحَقَّ فِي الْخَوْفِ وَ الْأَمْنِ وَ لَا تَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَفَعَلَ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ قَالَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَنْتَ هُوَ قَالَ فَقَالَ مَا بِي إِلَّا أَنْ تَذْهَبَ يَا مُعَاذُ فَتَرْوِيَ عَلَيَّ قَالَ فَقُلْتُ أَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي رَزَقَكَ مِنْ آبَائِكَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ أَنْ

" و أطرق" قال الجوهري: أطرق الرجل: سكت فلم يتكلم، و أطرق أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض، انتهى. فعلى الأول تأكيد و على الثاني كناية عن عدم الالتفات إلى ما عليه الخلق من آرائهم الباطلة و أفعالهم الشنيعة.

" لما حجب" بفتح اللام و تشديد الميم أو بكسر اللام و تخفيف الميم، فكلمة" ما" مصدرية" و اصطنع الأمة" أي أحسن إليهم و ربهم بالعلم و العمل، قال الفيروزآبادي: هوصنيعي أي اصطنعته و ربيته، وصنعت الجارية كعني: أحسن إليها حتى سمنت كصنعت بالضم تصنيعا، وصنع الجارية بالتشديد أي أحسن إليها و سمنها، و قال الجزري: فيه اصطنع رسول اللهصلى الله عليه و آله خاتما من ذهب أي أمر أن يصنع له، و الطاء بدل من تاء الافتعال لأجل الصاد، و منه حديث آدم عليه السلام قال لموسى عليه السلام:

أنت كليم الله الذي اصطنعك لنفسه، هذا تمثيل لما أعطاه الله من منزلة التقريب و التكريم، و الاصطناع افتعال من الصنيعة و هي العطية و الكرامة و الإحسان، انتهى.

" و قم بحق الله" من نشر العلم و هداية الأمة" و قل الحق في الخوف و الأمن" الظرف متعلق بقل، و المعنى أنه لا حاجة لك إلى التقية، فإن الله يعصمك من الناس، و قيل: متعلق بالحق أي بين لهم وجوب التقية في الخوف و أنها الحق حينئذ، و وجوب ترك التقية في الأمن و هو بعيد.

" فقال ما بي" ما نافية، و الباء للإلصاق، نحو بزيد داء، أي ما بي بأس و ضرر و" إلا" للاستثناء المفرغ، و" على" للإضرار، أي أن تروي عند المخالفين و يضرني،

ص: 190

يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ مِثْلَهَا قَبْلَ الْمَمَاتِ قَالَ قَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ يَا مُعَاذُ قَالَ فَقُلْتُ فَمَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ هَذَا الرَّاقِدُ وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَ هُوَ رَاقِدٌ

2 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكِنَانِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِص كِتَاباً قَبْلَ وَفَاتِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ وَصِيَّتُكَ إِلَى النُّجَبَةِ مِنْ أَهْلِكَ قَالَ وَ مَا النُّجَبَةُ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ وُلْدُهُ ع وَ كَانَ عَلَى الْكِتَابِ خَوَاتِيمُ مِنْ ذَهَبٍ فَدَفَعَهُ النَّبِيُّص إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ أَمَرَهُ أَنْ يَفُكَّ خَاتَماً مِنْهُ وَ يَعْمَلَ بِمَا فِيهِ فَفَكَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع خَاتَماً وَ عَمِلَ بِمَا فِيهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ ع فَفَكَّ خَاتَماً وَ عَمِلَ بِمَا فِيهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى الْحُسَيْنِ ع فَفَكَّ خَاتَماً فَوَجَدَ فِيهِ أَنِ اخْرُجْ بِقَوْمٍ إِلَى الشَّهَادَةِ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ وَ اشْرِ نَفْسَكَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَفَعَلَ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فَفَكَّ خَاتَماً فَوَجَدَ فِيهِ أَنْ أَطْرِقْ وَ اصْمُتْ وَ الْزَمْ مَنْزِلَكَ

و ضمير" مثلها" لهذه المنزلة و العبد الصالح موسى عليه السلام.

الحديث الثاني

: مجهول، و أحمد في أول السند هو العاصمي، و تحير فيه كثير من الأصحاب فلم يعرفوه.

و النجبة بضم النون و فتح الجيم مبالغة في النجيب، أو بفتح النون جمع ناجب بمعنى نجيب، قال الفيروزآبادي: النجيب و كهمزة الكريم الحسيب، انتهى.

و الظاهر أن الخواتيم كانت متفرقة في مطاوي الكتاب بحيث كلما نشرت طائفة من مطاويه انتهى النشر إلى خاتم يمنع من نشر ما بعدها من المطاوي، إلا أن يفض الخاتم.

" و أشر نفسك" أي بعها من الشراء بمعنى البيع، إشارة إلى قوله تعالى:" وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ".

ص: 191

وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ فَفَعَلَ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَفَكَّ خَاتَماً فَوَجَدَ فِيهِ حَدِّثِ النَّاسَ وَ أَفْتِهِمْ وَ لَا تَخَافَنَّ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ فَفَعَلَ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ جَعْفَرٍ فَفَكَّ خَاتَماً فَوَجَدَ فِيهِ حَدِّثِ النَّاسَ وَ أَفْتِهِمْ وَ انْشُرْ عُلُومَ أَهْلِ بَيْتِكَ وَصَدِّقْ آبَاءَكَ الصَّالِحِينَ وَ لَا تَخَافَنَّ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنْتَ فِي حِرْزٍ وَ أَمَانٍ فَفَعَلَ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ مُوسَى ع وَ كَذَلِكَ يَدْفَعُهُ مُوسَى إِلَى الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى قِيَامِ الْمَهْدِيِّصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ لَهُ حُمْرَانُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع وَ خُرُوجِهِمْ وَ قِيَامِهِمْ بِدِينِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَ الظَّفَرِ بِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا وَ غُلِبُوا فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَا حُمْرَانُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَ قَضَاهُ وَ أَمْضَاهُ وَ حَتَمَهُ ثُمَّ أَجْرَاهُ فَبِتَقَدُّمِ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَامَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ بِعِلْمٍصَمَتَ مَنْصَمَتَ مِنَّا

" حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" أي الموت المتيقن لحاقه كل حي" ثم دفعه ابنه" كأنه قال عليه السلام: ثم ادفعه إلى ابني فغيره الراوي، و كذا قوله: ثم دفعه إلى ابنه جعفر، كان ثم دفعه إلى فغيره الراوي، و يحتمل أن يكون التفاتا.

و قيل في الأول: ظاهره أن هذا الكلامصدر عنه في آخر عمره بعد دفع الوصية إلى ابنه و لا يخفى بعده.

" إلى قيام المهدي" أي بالإمامة لا ظهوره و خروجه بالسيف.

الحديث الثالث

صحيح، و هو جزء من حديث مر في باب- أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان و ما يكون- و فيه: و حتمه على سبيل الاختيار، و فيه: فبتقدم علم إليهم، و قد مضى شرحه هناك.

ص: 192

4 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسْتَفَادِ أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ع قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَ لَيْسَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع كَاتِبَ الْوَصِيَّةِ وَ رَسُولُ اللَّهِص الْمُمْلِي عَلَيْهِ وَ جَبْرَئِيلُ وَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ع شُهُودٌ قَالَ فَأَطْرَقَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ قَدْ كَانَ مَا قُلْتَ وَ لَكِنْ حِينَ نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِص الْأَمْرُ نَزَلَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كِتَاباً مُسَجَّلًا نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ

الحديث الرابع

: ضعيف على المشهور، لكنه معتبر أخذه من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد و هو من الأصول المعتبرة ذكره النجاشي و الشيخ في فهرستيهما، و أورد أكثر الكتاب السيد بن طاوس قدس سره في كتاب الطرف، و ما ذكره الكليني (ره) مختصر من حديث طويل قد أوردناه في الكتاب الكبير، و فيه فوائد جليلة و أمور غريبة.

" أ ليس" اسمه ضمير الشأن" و رسول الله" الواو للحال، و الإملاء أن يقول أحد و يكتب آخر و الإطراق النظر إلى الأرض مع السكوت و" طويلا" مفعول فيه أي زمانا طويلا أو نائب المفعول المطلق أي إطراقا طويلا، و لعل الإطراق لإفادة أن ما يذكر في الجوابصعب مستصعب لا يذعن به إلا الخواص من الشيعة فيجبصونه عن غيرهم ما أمكن، و قيل: راجع في ذلك روح القدس" قد كان ما قلت" يدل على أنه كان الإملاء و نزول الكتاب معا و المراد بالأمر الموت أو المرض المنتهى إليه، أو أمر الله بالوصية و فيه بعد، و المراد بالمسجل المكتوب تأكيدا أو المحكم أو المختوم أو المرسل [أ] و المبذول للأئمة عليهم السلام أو الكبير، أو بسكن الجيم أي كثير الخير، قال في النهاية: في حديث ابن مسعود افتتح سورة النساء فسجلها أي قرئها قراءة متصلة، من السجل الصب، يقال: سجلت سجلا إذاصببتهصبا متصلا، و في حديث ابن الحنفية قرأ:

" هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ" فقال: هي مسجلة للبر و الفاجر، أي هي مرسلة مطلقة في الإحسان إلى كل واحد برا كان أو فاجرا، و المسجل: الماء المبذول و منه

ص: 193

اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ مُرْ بِإِخْرَاجِ مَنْ عِنْدَكَ إِلَّا وَصِيَّكَ لِيَقْبِضَهَا مِنَّا وَ تُشْهِدَنَا بِدَفْعِكَ إِيَّاهَا إِلَيْهِ ضَامِناً لَهَا يَعْنِي عَلِيّاً ع فَأَمَرَ النَّبِيُّص بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَا خَلَا عَلِيّاً ع- وَ فَاطِمَةُ فِيمَا بَيْنَ السِّتْرِ وَ الْبَابِ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ يَقُولُ هَذَا كِتَابُ مَا كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ وَ شَرَطْتُ عَلَيْكَ وَ شَهِدْتُ بِهِ عَلَيْكَ وَ أَشْهَدْتُ بِهِ عَلَيْكَ مَلَائِكَتِي وَ كَفَى بِي يَا مُحَمَّدُ شَهِيداً قَالَ فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ

الحديث: و لا تسجلوا أنعامكم أي لا تطلقوها في زروع الناس، و قال: السجل الكتاب الكبير، و في القاموس: السجل الكتاب الكبير، و في القاموس: أسجل: كثر خيره و أسجل الأمر للناس: أطلقه، و المسجل: المبذول المباح لكل أحد، و سجل تسجيلا: كتب، السجل: الكتاب، العهد و نحوه، انتهى.

" ضامنا لها" حال عن ضمير إليه، أي ملتزما للعمل بمقتضاها كما هو حقه" و فاطمة" الواو للحال و هو مبني على أن ما بينهما خارج عن البيت.

" هذا كتاب ما كنت عهدت إليك" أي في ليلة المعراج كما ورد في الأخبار الكثيرة، و قيل: إشارة إلى إملاء الرسولصلى الله عليه و آله و سلم بأمره تعالى.

أقول: و يظهر مما رواه في الطرف أن نزول الملائكة للوصية في مرضه عليه السلام كان مرتين، حيث روي من كتاب الوصية لابن المستفاد عن الكاظم عليه السلام عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنينصلوات الله عليه: كنت مسندا النبيصلى الله عليه و آله و سلم إلىصدري ليلة من الليالي في مرضه، و قد فرغ من وصيته، و عنده فاطمة ابنته و قد أمر أزواجه أن يخرجن من عنده ففعلن، فقال: يا أبا الحسن تحول من موضعك و كن أمامي، قال: ففعلت و أسنده جبرئيل عليه السلام إلىصدره، و جلس ميكائيل عليه السلام على يمينه، فقال: يا علي ضم كفيك بعضها إلى بعض ففعلت، فقال لي: قد عهدت إليك أحدث العهد لك بحضرة أميني رب العالمين: جبرئيل و ميكائيل، يا علي بحقهما عليك إلا أنفذت وصيتي على ما فيها و على قبولك إياها بالصبر و الورع و منهاجي و طريقي لا طريق فلان و فلان، و خذ ما آتاك الله

ص: 194

النَّبِيِّص فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ رَبِّي هُوَ السَّلَامُ وَ مِنْهُ السَّلَامُ وَ إِلَيْهِ يَعُودُ السَّلَامُصَدَقَ

بقوة، و أدخل يده فيما بين كفى- و كفاي مضمومتان- فكأنه أفرغ فيهما شيئا، فقال: يا علي [قد] أفرغت بين يديك الحكمة و قضاء ما يرد عليك، و ما هو وارد لا يعزب عنك من أمرك شي ء، و إذا حضرتك الوفاة فأوص وصيتك من بعدك على ما أوصيك، و اصنع هكذا بلا كتاب و لاصحيفة.

و روي فيه أيضا بهذا الإسناد قال: قال علي عليه السلام: كان في وصية رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم في أولها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد محمد بن عبد اللهصلى الله عليه و آله و سلم و أوصى به و أسنده بأمر الله إلى وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، و كان في آخر الوصية: شهد جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل على ما أوصى به محمدصلى الله عليه و آله و سلم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام و قبض وصيه و ضمن على ما فيها على ما ضمن يوشع بن نون لموسى بن عمران عليه السلام و ضمن وصي عيسى بن مريم عليهما السلام و على ما ضمن الأوصياء من قبلهم إلى آخر ما قال.

و بهذا الإسناد قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: دعاني رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم عند موته و أخرج من كان عنده في البيت غيري، و البيت فيه جبرئيل و الملائكة أسمع الحس و لا أرى شيئا، فأخذ رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم كتاب الوصية من يد جبرئيلصلى الله عليه و آله و سلم مختومة، فدفعها إلى فأمرني أن أفضها ففعلت، و أمرني أن أقرأها فقرأتها، فقال: إن جبرئيل عندي نزل بها الساعة من عند ربي، فقرأتها فإذا فيها كل ما كان رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم يوصي به شيئا فشيئا ما تغادر حرفا.

و ارتعاد مفاصلهصلى الله عليه و آله و سلم لمهابة تغليظ العهد إليه، و إشهاد الملائكة و التسجيل عليه.

قولهصلى الله عليه و آله" ربي هو السلام" أي السالم مما يلحق الخلق من العيب و العناء و البلاء، و قيل: المسلم أوليائه و المسلم عليهم" و منه السلام" أي كل سلامة من عيب و آفة فمنه سبحانه" و إليه يعود السلام" أي التحيات و الأثنية و قيل: أي منه بدء السلام و إليه يعود في حالتي الإيجاد و الإعدام، و قيل: أي التقدس و التنزه

ص: 195

عَزَّ وَ جَلَّ وَ بَرَّ هَاتِ الْكِتَابَ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وَ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ لَهُ اقْرَأْهُ فَقَرَأَهُ حَرْفاً حَرْفاً فَقَالَ يَا عَلِيُّ هَذَا عَهْدُ رَبِّي تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَيَّ وَ شَرْطُهُ عَلَيَّ وَ أَمَانَتُهُ وَ قَدْ بَلَّغْتُ وَ نَصَحْتُ وَ أَدَّيْتُ فَقَالَ عَلِيٌّ ع وَ أَنَا أَشْهَدُ لَكَ بِأَبِي وَ أُمِّي أَنْتَ بِالْبَلَاغِ وَ النَّصِيحَةِ وَ التَّصْدِيقِ عَلَى مَا قُلْتَ- وَ يَشْهَدُ لَكَ بِهِ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي فَقَالَ جَبْرَئِيلُ ع وَ أَنَا لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِص يَا عَلِيُّ أَخَذْتَ وَصِيَّتِي وَ عَرَفْتَهَا وَ ضَمِنْتَ لِلَّهِ وَ لِيَ الْوَفَاءَ بِمَا فِيهَا فَقَالَ عَلِيٌّ ع نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي عَلَيَّ ضَمَانُهَا وَ عَلَى اللَّهِ عَوْنِي وَ تَوْفِيقِي عَلَى أَدَائِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِص يَا عَلِيُّ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُشْهِدَ عَلَيْكَ بِمُوَافَاتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ

أو سلامتنا عن الآفات منه بدأت و إليه عادت" و بر" أي أحسن أو و في بالعهد و الوعد" هات" اسم فعل أي أعطني، و في القاموس العهد الوصية و التقدم إلى المرء في الشي ء و الموثق و اليمين.

" و أمانته" إشارة إلى ما مر في تفسير قوله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها".

" بأبي و أمي أنت" معترضة و الأصل فديت بأبي و أمي بصيغة مخاطب مجهول، فحذف الفعل و أخر الضمير المتصل فجعل منفصلا، و البلاغ اسم مصدر من باب التفعيل و الأفعال، أي الإيصال.

" و التصديق" منصوب على أنه مفعول معه، أو مجرور بالعطف على البلاغ" بموافاتي بها يوم القيامة" أي بالتزام موافاتي، و الموافاة الإتيان مع جماعة و المصدر مضاف إلى المفعول، أي موافاتك إياي و الباء للمصاحبة أو التعدية، و الضمير للوصية، و المراد بالموافاة بها الإتيان بها كما هو معمولا بها كما هو حقها" فيما أمر الله" في للتعليل و" ما" مصدرية أو في للظرفية و ما موصولة كما في السابق، و على التقديرين حال عن أمر جبرئيل و البراءة منهم بالجر تأكيدا أو بالرفع على الابتداء و الواو حالية، و قوله: على الصبر خبر، و على الأول حال عن فاعل" تفي" و حرمة الرجل ما يجب عليه و على غيره رعايته و حفظه، و انتهاكها عدم رعايتها و تناولها بما لا يحل.

ص: 196

عَلِيٌّ ع نَعَمْ أَشْهِدْ فَقَالَ النَّبِيُّص إِنَّ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ الْآنَ وَ هُمَا حَاضِرَانِ مَعَهُمَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ لِأُشْهِدَهُمْ عَلَيْكَ فَقَالَ نَعَمْ لِيَشْهَدُوا وَ أَنَا بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي أُشْهِدُهُمْ فَأَشْهَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِص وَ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ بِأَمْرِ جَبْرَئِيلَ ع فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ قَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ تَفِي بِمَا فِيهَا مِنْ مُوَالاةِ مَنْ وَالَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الْبَرَاءَةِ وَ الْعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ عَلَى الصَّبْرِ مِنْكَ وَ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ وَ عَلَى ذَهَابِ حَقِّي وَ غَصْبِ خُمُسِكَ وَ انْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ فَقَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ ع يَقُولُ لِلنَّبِيِّ يَا مُحَمَّدُ عَرِّفْهُ أَنَّهُ يُنْتَهَكُ الْحُرْمَةُ وَ هِيَ حُرْمَةُ اللَّهِ وَ حُرْمَةُ رَسُولِ اللَّهِص وَ عَلَى أَنْ تُخْضَبَ لِحْيَتُهُ مِنْ رَأْسِهِ بِدَمٍ عَبِيطٍ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَصَعِقْتُ حِينَ فَهِمْتُ الْكَلِمَةَ مِنَ الْأَمِينِ جَبْرَئِيلَ حَتَّى سَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي وَ قُلْتُ نَعَمْ قَبِلْتُ وَ رَضِيتُ وَ إِنِ انْتَهَكَتِ الْحُرْمَةُ وَ عُطِّلَتِ السُّنَنُ وَ مُزِّقَ الْكِتَابُ وَ هُدِّمَتِ الْكَعْبَةُ وَ خُضِبَتْ لِحْيَتِي مِنْ رَأْسِي بِدَمٍ عَبِيطٍصَابِراً مُحْتَسِباً أَبَداً حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِص- فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ أَعْلَمَهُمْ مِثْلَ مَا

" و الذي فلق الحبة" أي شقها للإنبات، و النسمة بالتحريك النفس من نسيم الريح، ثم سميت بها النفس أي ذات الروح و برأها خلقها و إيجادها من كتم العدم" و على أن تخضب" عطف على قوله" و على كظم الغيظ" و قال الجوهري: العبيط من الدم: الطري الخالص، و قيل: المراد هنا ما ليس فاسدا بمرض، و الصعق محركة شدة الصوت و الفزع، و يقال:صعق كسمع أي غشي عليه، ذكره الفيروزآبادي، و قال: مزقه يمزقه مزقا خرقه، كمزقه فتمزق، و عرضه أخيه: طعن فيه.

و قال: أحتسب بكذا عند الله: أي أعتده ينوي به وجه الله، انتهى.

" عليك" الخطاب لله أو للرسولصلى الله عليه و آله" لم تمسه النار" أي لم يكن معمولا

ص: 197

أَعْلَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِ فَخُتِمَتِ الْوَصِيَّةُ بِخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ وَ دُفِعَتْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي أَ لَا تَذْكُرُ مَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ فَقَالَ سُنَنُ اللَّهِ وَ سُنَنُ رَسُولِهِ- فَقُلْتُ أَ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ تَوَثُّبُهُمْ وَ خِلَافُهُمْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ نَعَمْ وَ اللَّهِ شَيْئاً شَيْئاً وَ حَرْفاً حَرْفاً أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِص- لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةَ ع أَ لَيْسَ قَدْ فَهِمْتُمَا مَا تَقَدَّمْتُ بِهِ إِلَيْكُمَا وَ قَبِلْتُمَاهُ فَقَالا بَلَى وَصَبَرْنَا عَلَى مَا سَاءَنَا وَ غَاظَنَا

وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ زِيَادَةٌ

لبشر بلصنع بمحض قدرة الله، أو لم يكن من قبيل ذهب الدنيا ليحتاج إلى النار" أ لا تذكر" بهمزة الاستفهام، و لا النافية للعرض،" ما كان" ما، استفهامية أو موصولة" سنن الله و سنن رسوله" أي أحكامهما في الحلال و الحرام مطلقا أو في خصوص أمر الخلافة و هو أظهر في المقام، و التوثب الاستيلاء ظلما" إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى" نحن تأكيد لضمير إنا، من قبيل وضع الضمير المرفوع موضع المنصوب، و قيل: هو خبر إن على سبيل التمدح و ما بعده استيناف بياني، و الإحياء بالبعث و قيل بالهداية" وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا" أي ما أسلفوا من الأعمال الصالحة و الطالحة" وَ آثارَهُمْ" الحسنة كعلم علموه و خير ارتكبوه، و السيئة كإشاعة باطل و تأسيس ظلم" فِي إِمامٍ مُبِينٍ" يعني اللوح المحفوظ.

و ذكر الآية لرفع الاستبعاد عن كتابته في الصحيفة لكون جميع الأشياء مكتوبا في اللوح و يحتمل أن يكون عليه السلام فسر الإمام هنا بهذه الصحيفة أو ما يشملهما، و في بعض الأخبار أن الإمام المبين أمير المؤمنين عليه السلام، و قيل: هوصحيفة الأعمال.

قوله" و في نسخة الصفواني زيادة" هذا كلام بعض رواة الكليني، فإن نسخ الكافي كانت بروايات مختلفة كالصفواني هذا، و هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن

ص: 198

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازِ عَنْ حَرِيزٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أَقَلَّ بَقَاءَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ أَقْرَبَ آجَالَكُمْ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْكُمْ فَقَالَ إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّاصَحِيفَةً فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِي مُدَّتِهِ فَإِذَا انْقَضَى مَا فِيهَا مِمَّا أُمِرَ بِهِ عَرَفَ أَنَّ أَجَلَهُ قَدْ حَضَرَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّص يَنْعَى إِلَيْهِ نَفْسَهُ وَ أَخْبَرَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَ أَنَّ الْحُسَيْنَ ع قَرَأَصَحِيفَتَهُ الَّتِي أُعْطِيَهَا وَ فُسِّرَ لَهُ مَا يَأْتِي بِنَعْيٍ وَ بَقِيَ فِيهَا أَشْيَاءُ لَمْ تُقْضَ فَخَرَجَ لِلْقِتَالِ وَ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الَّتِي بَقِيَتْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ سَأَلَتِ اللَّهَ فِي نُصْرَتِهِ فَأَذِنَ لَهَا وَ مَكَثَتْ تَسْتَعِدُّ لِلْقِتَالِ وَ تَتَأَهَّبُ لِذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ فَنَزَلَتْ وَ قَدِ انْقَطَعَتْ مُدَّتُهُ

صفوان بن مهران الجمال و كان ثقة فقيها فاضلا، و محمد بن إبراهيم النعماني و هارون بن موسى التلعكبري، و كان بين تلك النسخ اختلاف فتصدى بعض من تأخر عنهم كالصدوق محمد بن بابويه أو الشيخ المفيد رحمة الله عليهما و أضرابهما، فجمعوا بين النسخ و أشاروا إلى اختلاف الواقع بينها، و لما كان في نسخة الصفواني هذا الخبر الآتي و لم تكن في سائر الروايات أشار إلى ذلك بهذا الكلام، و سيأتي مثله في مواضع.

الحديث الخامس

: ضعيف" أن لكل واحد مناصحيفة" حاصل الجواب أن الله تعالى جعل لكل واحد منهم شؤونا و أعمالا قدر الله لهم أن يأتوا بها، فإذا انقضى تلك الأمور كان ذهابهم إلى عالم القدس أصلح لهم، و النعي خبر الموت" ينعى" في النسخ بصيغة المضارع المجهول و في بعضها بنعي بصيغة المصدر و باء المصاحبة.

" لم تقض" على بناء المجهول أي كتب فيها أشياء لم تتحقق بعد، منها أنه يخرج في آخر الزمان في الرجعة و تنصره تلك الملائكة و هو بعد متوقع لم يتحقق، و قيل:

لم يتعلق بها القضاء بأن يكون كتب فيه النصر ثم بد الله فيه و لم يحصل، و الأول أظهر و في كامل الزيارة لم ينقص.

قوله عليه السلام: فنزلت و قد انقطعت مدته، أقول: يظهر من بعض الأخبار أن

ص: 199

وَ قُتِلَ ع فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا رَبِّ أَذِنْتَ لَنَا فِي الِانْحِدَارِ وَ أَذِنْتَ لَنَا فِي نُصْرَتِهِ فَانْحَدَرْنَا وَ قَدْ قَبَضْتَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ أَنِ الْزَمُوا قَبْرَهُ حَتَّى تَرَوْهُ وَ قَدْ خَرَجَ فَانْصُرُوهُ وَ ابْكُوا

الملائكة عرضوا عليه نصرتهم فلم يقبل، و اختار لقاء الله تعالى، فيمكن أن يكون هذا في المرة الثانية من نزولهم.

قال السيد بن طاوس رضي الله عنه في كتاب اللهوف: و روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: سمعت أبي يقول: لما التقى الحسين عليه السلام و عمر بن سعد لعنه الله و قامت الحرب أنزل النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه و بين لقاء الله تعالى، فاختار لقاء الله.

و روي أيضا عن أبي جعفر الطبري عن الواقدي و زرارة بنصالح قالا: لقينا الحسين بن علي عليه السلام قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة و أن قلوبهم معه و سيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله تعالى، فقال عليه السلام: لو لا تقارب الأشياء و حبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء و لكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي و مصرع أصحابي و لا ينجو منهم إلا ولدي على.

و روى الصدوق في مجالسه عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن عليصلوات الله عليه فلم يؤذن لهم في القتال، فرجعوا في الاستئذان و هبطوا و قد قتل الحسين عليه السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له منصور.

و أقول: الظاهر أن عدم الإذن منه عليه السلام، و يحتمل أن يكون من الله لكنه بعيد.

قوله عليه السلام: و قد خرج، أي في الرجعة قبل القيامة بقرينة النصرة.

و اعلم أن الرجعة أي رجوع جماعة من المؤمنين إلى الدنيا قبل القيامة في زمن

ص: 200

عَلَيْهِ وَ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ فَإِنَّكُمْ قَدْ خُصِّصْتُمْ بِنُصْرَتِهِ وَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ فَبَكَتِ الْمَلَائِكَةُ

القائم عليه السلام أو قبله أو بعده ليروا دولة الحق و يفرحوا بذلك و ينتقموا من أعدائهم و جماعة من الكافرين و المنافقين لينتقم منهم مما انفردت به الإمامية و أجمعوا عليه و تواترت به الأخبار و دلت عليه بعض الآيات، و قد وقعت مناظرات كثيرة في ذلك بين علماء الفريقين و كتب علماؤنا في إثباتها كتبا مبسوطة، منهم أحمد بن داود الجرجاني، و الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، و الفضل بن شاذان النيسابوري و الصدوق محمد بن بابويه، و محمد بن مسعود العياشي و الحسن بن سليمان تلميذ الشهيد، و قد ذكرها متكلمو علمائنا كالمفيد و شيخ الطائفة و سيد المرتضى و العلامة و الكراجكي رضي الله عنهم و غيرهم من علماء الإمامية، و جميع كتب الحديث المتداولة الآن مشحونة بذكرها، و قد أوردت في المجلد الثالث عشر من كتاب بحار الأنوار أزيد من مائتي حديث نقلا عن نيف و أربعين أصلا من الأصول المعتبرة و كلهاصريحة في إثبات الرجعة، و أما رجعة الأئمةصلوات الله عليهم فالأخبار متواترة في رجعة أمير المؤمنين و الحسينصلوات الله عليهما، و في رجعة رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم أيضا وردت أخبار كثيرة مستفيضة، و أما سائر الأئمة عليه السلام فقد وردت في رجعتهم أيضا روايات كثيرة لكن ليست في الكثرة بتلك المثابة.

و أما خصوصيات الرجعة فقد اختلفت الأخبار فيها هل هي مقارنة لظهور القائم عليه السلام أو بعده أو قبله مقارنا له و امتدادات أزمنتهم أيضا مختلفة، و لا ضرورة في تحقيق تلك الخصوصيات بل يكفي الإيمان مجملا و اختلاف الأخبار في خصوصيات شي ء لا يوجب إنكار أصله فإن في المعاد و كثير من أصول الدين وردت أخبار مختلفة الظواهر مع أن أصلها قطعي.

ففي بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله بسندصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

أول من تنشق الأرض عنه و يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام، و أن الرجعة ليست بعامة و هي خاصة لا يرجع إلا من محض الإيمان محضا أو محض الشرك محضا.

ص: 201

تَعَزِّياً وَ حُزْناً عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ فَإِذَا خَرَجَ يَكُونُونَ أَنْصَارَهُ

و بأسانيد عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أول من يرجع لجاركم الحسين عليه السلام فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر، و بسند آخر عنه عليه السلام قال: إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما السلام فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلى الجنة و بعث إلى النار.

و في الصحيح أيضا عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الأمور العظام من الرجعة و أشباهها، فقال: إن هذا الذي تسألون عنه لم يجي ء أوانه و قد قال الله عز و جل:" بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ".

و في الموثق عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام ينكر أهل العراق الرجعة؟

قلت: نعم قال: أ ما يقرءون القرآن" وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً".

و عن أبي الصباح قال: قال: أبو جعفر عليه السلام: عن الكرات تسألني؟ فقلت: نعم، فقال: تلك القدرة و لا ينكرها إلا القدرية لا تنكر تلك القدرة لا تنكرها.

و روى العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى:" ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ" قال: خروج الحسين عليه السلام في الكرة في سبعين رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهبة لكل بيضة وجهان يؤدون إلى الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه و أنه ليس بدجال و لا شيطان، و الحجة القائم عليه السلام بين أظهرهم، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه السلام جاء الحجة الموت، فيكون الذي يغسله و يكفنه و يحنطه و يلحده في حفرته الحسين ابن علي عليه السلام و لا يلي الوصي إلا الوصي.

و روى علي بن إبراهيم في الحسن عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله تعالى

ص: 202

" إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ" قال: يرجع إليكم نبيكمصلى الله عليه و آله و روى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه قال: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا و [لم] يستحل متعتنا.

و روى الشيخ في كتاب الغيبة بإسناده عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قام القائم أتى المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا إنه قد ظهرصاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق، و إن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم.

و في المسائل السروية للشيخ المفيد قدس سره أنه سئل عما يروي عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في الرجعة و ما معنى قوله: ليس منا من لم يقل بمتعتنا و يؤمن برجعتنا أ هي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمن أو لغيره من الظلمة الجبارين قبل يوم القيامة؟ فكتب الشيخ نور الله مرقده بعد الجواب عن المتعة، و أما قوله عليه السلام من لم يؤمن برجعتنا فليس منا فإنما أراد بذلك ما يختصه من القول به في أن الله تعالى يحشر قوما من أمة محمدصلى الله عليه و آله و سلم بعد موتهم قبل يوم القيامة، و هذا مذهب يختص به آل محمدصلى الله عليه و آله و سلم و القرآن شاهد به، قال الله عز و جل في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة:" وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً" و قال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة" وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ" فأخبر أن الحشر حشران: عام و خاص، و قال سبحانه مخبرا عمن يحشر من الظالمين أنه يقول يوم الحشر الأكبر:" رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ" و للعامة في هذه الآية تأويل مردود.

ثم بسط (ره) القول في ذلك ثم قال: و الرجعة عندنا يختص بمن محض الإيمان محضا، أو محض الكفر دون من سوى هذين الفريقين، فإذا أراد الله تعالى ذلك على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عز و جل أنهم إنما ردوا إلى الدنيا

ص: 203

بَابُ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ حُجَّةَ الْإِمَامِ ع

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع إِذَا مَاتَ الْإِمَامُ بِمَ يُعْرَفُ الَّذِي بَعْدَهُ فَقَالَ لِلْإِمَامِ عَلَامَاتٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ وُلْدِ أَبِيهِ وَ يَكُونَ فِيهِ الْفَضْلُ وَ الْوَصِيَّةُ وَ يَقْدَمَ الرَّكْبُ فَيَقُولَ إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلَانٌ فَيُقَالَ إِلَى فُلَانٍ وَ السِّلَاحُ فِينَا بِمَنْزِلَةِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ تَكُونُ الْإِمَامَةُ مَعَ السِّلَاحِ حَيْثُمَا كَانَ

لطغيانهم على الله، فيزدادون عتوا فينتقم الله منهم بأوليائه المؤمنين، و يجعل لهم الكرة عليهم، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب و النقمة و العقاب، و تصفو الأرض من الطغاة، و يكون الدين لله، و الرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة و ممحضي النفاق منهم، دون من سلف من الأمم الخالية، انتهى.

و ذكر السيد المرتضى رضي الله عنه في أجوبة مسائل الري فصلا مشبعا في ذلك و كذا الشيخ الطبرسي (ره) في مجمع البيان، و الصدوق قدس سره في كتاب العقائد، و قد أوردت جميع ذلك في الكتاب الكبير، و إنما أوردت هنا قليلا من كثير.

باب الأمور التي توجب حجة الإمام عليه السلام.

الحديث الأول

:صحيح.

" أن يكون أكبر ولد أبيه" أي إذا كانت الإمامة في الولد، و الحاصل أن هذه العلامة بعد الحسين و مع ذلك مقيد بما إذا لم يكن في الكبير عاهة كما سيأتي أو يقال إنما ذكر عليه السلام العلامة لأولاده و أولاد أولاده عليهم السلام، فلا ينافي تخلفه فيمن تقدم و المراد بالفضل الاتصاف بكمال العلم و الكرم و الشجاعة و سائر الصفات الكمالية و المراد بالوصية وصية الوالد إليه أو وصية الله و النبيصلى الله عليه و آله و سلم كما مر في الباب السابق، فيكون قوله" و يقدم" علامة أخرى، و على الأول يكون تفسيرا لها، و في القاموس: الركب ركاب الإبل، اسم جمع أو جمع و هم العشرة فصاعدا و قد يكون للخيل.

ص: 204

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ يَزِيدَ شَعِرٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع الْمُتَوَثِّبُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمُدَّعِي لَهُ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَالَ يُسْأَلُ عَنِ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْحُجَّةِ لَمْ تَجْتَمِعْ فِي أَحَدٍ إِلَّا كَانَصَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَ يَكُونَ عِنْدَهُ السِّلَاحُ وَ يَكُونَصَاحِبَ الْوَصِيَّةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي إِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ سَأَلْتَ عَنْهَا الْعَامَّةَ وَ الصِّبْيَانَ إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلَانٌ فَيَقُولُونَ إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ

3 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قِيلَ لَهُ بِأَيِّ شَيْ ءٍ يُعْرَفُ الْإِمَامُ قَالَ بِالْوَصِيَّةِ الظَّاهِرَةِ وَ بِالْفَضْلِ إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَطْعُنَ عَلَيْهِ فِي فَمٍ وَ لَا بَطْنٍ وَ لَا فَرْجٍ فَيُقَالَ كَذَّابٌ وَ يَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَ مَا أَشْبَهَ هَذَا

الحديث الثاني

: حسن.

" و المتوثب" المستولي ظلما" يسأل عن الحلال و الحرام" أي يسأله من عرف أحكام من تقدم من الأئمة عليهم السلام عن المسائل الغامضة و الأحكام المشكلة، فإن كان كاذبا يفتضح كما وقع في الأفطح و غيره، و الحاصل أن هذه العلامة إنما هي للعلماء و الخواص فأما العلامة العامة فهي ما يذكر بعد ذلك.

و" ثلاثة" مبتدأ، و" من الحجة" خبره أو نعت، و الجملة خبره، و الأولوية إما في القرابة و النسب فإن الولد الأكبر أولى في ذلك أو في الأخلاق و الفضائل و الأعمال، أي يكون أشبه الناس به في تلك الأمور، كما قال تعالى:" إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ" و المراد بالوصية ليس الوصية بالإمامة بل مطلق الوصية.

الحديث الثالث

: حسن.

" و بالفضل" أي الزيادة على من عداه في العلم و التقوى و الورع" فيقال كذاب" إشارة إلى الطعن في الفم، و الكذب يشمل الكذب في الفتوى و غيره، و النشر على ترتيب اللف" و ما أشبه هذا" إشارة إلى الطعن في الفرج، لم يصرح عليه السلام به لاستهجانه.

ص: 205

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع مَا عَلَامَةُ الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَ الْإِمَامِ فَقَالَ طَهَارَةُ الْوِلَادَةِ وَ حُسْنُ الْمَنْشَإِ وَ لَا يَلْهُو وَ لَا يَلْعَبُ

5 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّلَالَةِ عَلَىصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ الْكِبَرُ وَ الْفَضْلُ وَ الْوَصِيَّةُ إِذَا قَدِمَ الرَّكْبُ الْمَدِينَةَ فَقَالُوا إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلَانٌ قِيلَ إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَ دُورُوا مَعَ السِّلَاحِ حَيْثُمَا دَارَ فَأَمَّا الْمَسَائِلُ فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ

6 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ

الحديث الرابع

:صحيح.

و" طهارة الولادة" أن لا يكون مطعونا في نسبه أو يكون عند الولادة مختونا مسرورا طاهرا غير ملوث بدم و غيره، و الأول أظهر، و المنشأ مصدر ميمي من أنشأه إذا خلقه أو رباه، أي يكون مربى بتربية والده في العلم و التقوى، أو يكون من حين الصبا إلى زمان الإدراك موصوفا بالفضل و الكمال، تظهر منه آثار الخير و السعادة، و لا يطعن عليه في حال من الأحوال بمعصية و لا دناءة" لا يلهو" أي لا يغفل عما يصلحه في شي ء من أحواله" و لا يلعب" أي لا يرتكب أمرا لا فائدة فيه، أو لا يغتر بزخارف الدنيا لقوله تعالى:" ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ".

الحديث الخامس

:صحيح.

و المراد بالكبر كونه أكبر سنا لا بحسب الفضائل فإنه داخل في الفضل" فليس فيها حجة" أي للعوام فلا ينافي ما مر و سيأتي فإنه بالنسبة إلى الخواص و العلماء كما عرفت.

الحديث السادس

: مجهول.

ص: 206

سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَبِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ عَاهَةٌ

7- 7 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع جُعِلْتُ فِدَاكَ بِمَ يُعْرَفُ الْإِمَامُ قَالَ فَقَالَ بِخِصَالٍ أَمَّا أَوَّلُهَا فَإِنَّهُ بِشَيْ ءٍ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَبِيهِ فِيهِ بِإِشَارَةٍ إِلَيْهِ لِتَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً وَ يُسْأَلُ فَيُجِيبُ وَ إِنْ سُكِتَ عَنْهُ ابْتَدَأَ

" ما لم يكن به عاهة" أي آفة بدنية، فإن الإمام مبرأ من نقص في الخلقة يوجب شينه أو دينية كعبد الله الأفطح فإنه كان بعد أبي عبد الله عليه السلام أكبر ولده لكن كان فيه عاهتان: الأولى أنه كان أفطح الرجلين أي عريضهما، و الثاني أنه كان جاهلا بل قيل فاسد المذهب.

قال المفيد (ره) في الإرشاد: كان أكبر إخوته بعد إسماعيل و لم يكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام، و كان متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد، و يقال:

أنه كان يخالط الحشوية و يميل إلى مذاهب المرجئة، و ادعى بعد أبيه الإمامة و احتج بأنه أكبر إخوته الباقين فأتبعه جماعة ثم رجع أكثرهم إلى القول بإمامة أخيه موسى عليه السلام لما تبينوا ضعف دعواه و قوة أمر أبي الحسن عليه السلام و دلالة حقيته و براهين إمامته، و أقام نفر يسير منهم على إمامة عبد الله و هم الملقبة بالفطحية لأن عبد الله كان أفطح الرجلين، أو لأن داعيهم إلى إمامه عبد الله رجل يقال له: عبد الله بن أفطح.

الحديث السابع

: ضعيف.

و الخصال جمع خصلة و هي الخلة" أولها" تذكير الأول للتأويل بالفضل و الوصف و قيل: هو مبني على جواز تذكير المؤنث لغير الحقيقي نحو" إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" قاله الجوهري، و ضمير" فإنه" لأولها، و الظاهر أن قوله" بإشارة" بيان لقوله بشي ء فالمراد بشي ء و النص من أبيه عليه، و قيل: المراد بالشي ء العلوم التي علمها أبوه مما يحتاج إليه الأمة، و الباء في قوله: بإشارة للمصاحبة" و إن سكت

ص: 207

وَ يُخْبِرُ بِمَا فِي غَدٍ وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِكُلِّ لِسَانٍ ثُمَّ قَالَ لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أُعْطِيكَ عَلَامَةً قَبْلَ أَنْ تَقُومَ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ فَكَلَّمَهُ الْخُرَاسَانِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ فَأَجَابَهُ أَبُو الْحَسَنِ ع بِالْفَارِسِيَّةِ فَقَالَ لَهُ الْخُرَاسَانِيُّ وَ اللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ بِالْخُرَاسَانِيَّةِ غَيْرُ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُهَا فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا كُنْتُ لَا أُحْسِنُ أُجِيبُكَ فَمَا فَضْلِي عَلَيْكَ ثُمَّ قَالَ لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ كَلَامُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَ لَا طَيْرٍ وَ لَا بَهِيمَةٍ وَ لَا شَيْ ءٍ فِيهِ الرُّوحُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ هَذِهِ الْخِصَالُ فِيهِ فَلَيْسَ هُوَ بِإِمَامٍ

بَابُ ثَبَاتِ الْإِمَامَةِ فِي الْأَعْقَابِ وَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ فِي أَخٍ وَ لَا عَمٍّ وَ لَا غَيْرِهِمَا مِنَ الْقَرَابَاتِ

6- 1 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَا تَعُودُ الْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ أَبَداً إِنَّمَا جَرَتْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- وَ أُولُوا الْأَرْحامِ

عنه" على بناء المجهول" و يخبر بما في غد" إشارة إلى قوله تعالى:" وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً" فإخباره لا بد أن يكون من قبل الله، و يحتمل أن يكون هذا على المثال، و المراد الإخبار بكل أمر مغيب لا سبيل إلى الحس و العقل إليه.

" و يكلم الناس بكل لسان" أي كل قوم بلسانهم" لا تحسنها" أي لا تعلمها حسنا، يقال: حسن الشي ء إذا كان ذا بصيرة فيه.

" أجيبك" بتقدير أن و يجوز نصبه و رفعه، و يدل على لزوم كون الإمام أفضل من الرعية في جميع الخصال.

باب ثبات الإمامة في الأعقاب و أنه لا تعود في أخ و لا عم و لا غيرها من القرابات

الحديث الأول

:صحيح.

" كما قال" يمكن أن يكون الكاف زائدة و" ما قال الله" فاعل جرت بتأويل

ص: 208

بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فَلَا تَكُونُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع إِلَّا فِي الْأَعْقَابِ وَ أَعْقَابِ الْأَعْقَابِ

الآية، و يحتمل أن يكون فاعل" جرت" الضمير العائد إلى الإمامة، أي الإمامة التي لا يكون في أخوين جرت من علي بن الحسين، فيكون" كما قال الله" حالا أوصفة للمصدر المحذوف، و يؤيده أن في غيبة الشيخ: أنها جرت، و هو أظهر.

و اعلم أن آية" أُولُوا الْأَرْحامِ" نزلت في موضعين من القرآن أحدهما في سورة الأنفال هكذا:" وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ" و ثانيهما في سورة الأحزاب هكذا" النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً" فأما الأولى فيحتمل أن يكون المراد بها أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من بعض أو إلى بعض من الأجانب، فعلى الأخير لا تدل على أولوية الأقرب من الأرحام من الأبعد منهم، و أما الثانية فيحتمل أيضا أن جعل قوله: من المؤمنين، بيانا لأولي الأرحام، و أن جعلصلة للأولى، فلا يحتمل إلا الأخير، و الظاهر أن المراد هنا الآية الثانية لأنها أنسب بهذا المعنى لمقارنته فيها لبيان حق الرسولصلى الله عليه و آله و سلم و أزواجه، فكان الأنسب بعد ذلك بيان حق ذوي أرحامه و قرابته.

و يؤيده ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن عبد الرحيم القصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز و جل:" النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ" فيمن نزلت؟ قال: نزلت في الإمرة، إن هذه الآية جرت في الحسين بن علي و في ولد الحسين من بعده، فنحن أولى بالأمر و برسولهصلى الله عليه و آله و سلم من المؤمنين و المهاجرين، فقلت: لولد جعفر فيها نصيب؟ قال: لا، قال: فعددت عليه بطون عبد المطلب، كل ذلك يقول: لا، و نسيت ولد الحسن، فدخلت

ص: 209

عليه بعد ذلك فقلت: هل لولد الحسن فيها نصيب؟ فقال: لا يا با عبد الرحمن ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا.

و ظاهر الخبر أنه عليه السلام جعل قوله:" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"صلة للأولى، فلعل غرضه عليه السلام أولويتهم بالنسبة إلى الأجانب، و لا يكون ذكر أولاد الحسين عليهم السلام للتخصيص بهم، بل لظهور الأمر فيمن تقدم منهم، بتواتر النص عليهم بين الخاص و العام.

و يحتمل أن يكون جعل" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" بيانا و فرع على ذلك أولويتهم على الأجانب بطريق أولى مع أنه على تقدير كونهصلة يحتمل أن يكون المراد بعض الأرحام و هم الأقارب القريبة أولى ببعض من غيرهم، سواء كان الغير من الأقارب البعيدة أو الأجانب، فالأقارب البعيدة أيضا داخلون في المؤمنين و المهاجرين. و لا يتوهم أنه استدلال بالاحتمال البعيد، إذ يمكن أن لا يكون غرضه عليه السلام الاستدلال بذلك. بل يكون بيانا لمعنى الآية و مورد نزولها، بل يحتمل أن يكون هذا من بطون الآية و تأويلاتها المختصة بهم، إذ ورد في الأخبار الاستدلال بها على تقديم الأقارب في الميراث.

و المشهور في نزولها أنه كان قبل نزولها فيصدر الإسلام التوارث بالهجرة و الموالاة في الدين، فنسخته الآية، مع أنه يمكن تخصيص هذا المعنى بالآية الأولى في أكثر الأخبار فلا تنافي، و لا يتوهم أيضا منافاة قوله تعالى:" إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً" لذلك، إذ يحتمل أن يكون المراد على هذا التأويل أن الإمرة مختصة بأرحام الرسولصلى الله عليه و آله و سلم و لكم أن تفعلوا معروفا إلى غيرهم من أوليائكم في الدين، فأما الطاعة المفترضة فهي مختصة بهم، أو تكون الآية شاملة للأمرين، و تكون هذه التتمة باعتبار أحد الجزئين.

و يحتمل أن يكون الخطاب متوجها إلى أولي الأرحام على الالتفات، و المراد بأوليائهم الخواص التابعين لهم في أوامرهم و نواهيهم، و المراد بالمعروف تعيينهم للحكومة

ص: 210

و القضاء في النواحي، يعني ليس للمؤمنين و المهاجرين نصيب في تلك الولاية أصلا في وقت من الأوقات إلا أن تفعلوا إلى خواصكم منهم إحسانا بتعيينهم للحكومة و القضاء.

ثم إن خبر الكتاب يحتمل الاستدلال أو بيان مورد النزول للآية الأولى باعتبار المعنى الأول لظهوره، و لا مانع فيها في اللفظ و لو كان استدلالا يكون وجه الاستدلال أنه يلزم العمل بظاهر الآية إلا فيما أخرجه الدليل، و في الحسين عليه السلام خرج بالنص المتواتر فجرت بعده، و لو كان بيانا لمورد النزول فلا إشكال، و قيل:

المراد بأولى الأرحام أرحام النبيصلى الله عليه و آله و سلم كبنته و عمه و ابني بنته و بعضهم عبارة من على و الحسن و الحسين.

" و أولى" بتقدير أولى بالمؤمنين من أنفسهم، حذف اكتفاء بما سبق، بيان ذلك: أن الباء في ببعض ليس كالباء في بالمؤمنين، فإن هذه دخلت على الوسيلة و تلك دخلت على الرعية فهذه للسببية، و المراد ببعض فاطمة عليها السلام، فالمراد أن تلك الولاية و الإمامة لا تحصل لأحد إلا بشرطين، الأول: كونه من أولي الأرحام، و الثاني كونه متصلا بمن هو أقرب بالنبي من كل أحد، و هذا منحصر في علي و الحسن و الحسين عليهم السلام، و هم ذوو القربى، و هي مؤنث أقرب.

" كتاب الله" عبارة عما فرضه الله على الناس و أخبر عنه في الكتب السالفة" من" في" من المؤمنين" ليست كمن في" من أنفسهم" فإنه لا تصرف للمؤمنين و المهاجرين في أولي أرحام النبيصلى الله عليه و آله و سلم أصلا، فهي للتبعيد أي دون المؤمنين، نحو" فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" و نحو" لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً*" و نحو" أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ" أي ليس للمؤمنين و المهاجرين في تلك الولاية نصيب أصلا.

ص: 211

6- 2 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَبَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لِأَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع

8- 3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع أَنَّهُ سُئِلَ أَ تَكُونُ الْإِمَامَةُ فِي عَمٍّ أَوْ خَالٍ فَقَالَ لَا فَقُلْتُ فَفِي أَخٍ قَالَ لَا قُلْتُ فَفِي مَنْ قَالَ فِي وَلَدِي وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ لَا وَلَدَ لَهُ

6- 4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ لَا تَجْتَمِعُ الْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَعْقَابِ وَ أَعْقَابِ الْأَعْقَابِ

6- 5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنْ كَانَ كَوْنٌ وَ لَا أَرَانِي اللَّهُ فَبِمَنْ أَئْتَمُّ فَأَوْمَأَ إِلَى ابْنِهِ مُوسَى قَالَ قُلْتُ فَإِنْ حَدَثَ بِمُوسَى حَدَثٌ فَبِمَنْ أَئْتَمُّ قَالَ بِوَلَدِهِ قُلْتُ فَإِنْ حَدَثَ بِوَلَدِهِ حَدَثٌ وَ تَرَكَ أَخاً كَبِيراً وَ ابْناًصَغِيراً فَبِمَنْ أَئْتَمُّ قَالَ بِوَلَدِهِ ثُمَّ وَاحِداً فَوَاحِداً-

وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ ثُمَّ هَكَذَا أَبَداً

الحديث الثاني

: ضعيف.

الحديث الثالث

:صحيح، و مخصوص بأولاد الحسين عليه السلام كما مر، أو الغرض بعده عليه السلام و هو أظهر، و في الإخبار بالولد إعجاز.

الحديث الرابع

صحيح.

الحديث الخامس

: مجهول.

" إن كان كون" كان تامة و الكون حدوث أمر أو حادث، و هنا كناية عن الوفاة، لم يصرح به رعاية للأدب، و قوله:" و لا أراني" معترضة دعائية" فبمن ائتم" أي أقتدي و اعتقد فرض طاعته، و الظاهر أنه كان في نسخة الصفواني: ثم هكذا أبدا بدل قوله:" ثم واحدا فواحدا."

ص: 212

بَابُ مَا نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولُهُ عَلَى الْأَئِمَّةِ ع وَاحِداً فَوَاحِداً

1 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَقَالَ نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ فَمَا لَهُ لَمْ يُسَمِّ عَلِيّاً وَ أَهْلَ بَيْتِهِ ع فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ فَقَالَ قُولُوا لَهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص نَزَلَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ لَمْ يُسَمِّ اللَّهُ لَهُمْ ثَلَاثاً وَ لَا أَرْبَعاً حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِص هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذَلِكَ لَهُمْ وَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَ لَمْ يُسَمِّ لَهُمْ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً دِرْهَمٌ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِص هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذَلِكَ لَهُمْ وَ نَزَلَ الْحَجُّ فَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ طُوفُوا أُسْبُوعاً حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِص هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذَلِكَ لَهُمْ وَ نَزَلَتْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِص فِي عَلِيٍّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ

باب ما نص الله عز و جل و رسوله على الأئمة عليهم السلام واحدا فواحدا

الحديث الأول

الحديث الأول

:صحيح بسنديه و قد مر الكلام في أولي الأمر في باب أن الأئمة عليهم السلام ولاة الأمر و في باب فرض طاعة الأئمة عليهم السلام، و لعل التخصيص بالثلاثة لكونهم موجودين عند نزول الآية.

" فما له لم يسم" أي لو كانوا مقصودين بالآية لسماهم بخصوصهم و أسمائهم" قولوا لهم" هذا نقض إجمالي" من كل أربعين درهما" أي بعد الوصول إلى النصاب، و الحاصل أنه لم يبين لهم القدر الذي يجب إخراجه" طوفوا أسبوعا" ذكره على المثال.

ص: 213

قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، أقول: هذا من جملة ما ذكره الرسولصلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام في يوم الغدير، و هو مما تواتر نقله من الخاص و العام، فقد روى ابن الأثير في جامع الأصول أخذته من عين كتابه نقلا منصحيح الترمذي عن زيد ابن أرقم، و أبي سريحة- الشك من شعبة- أن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، و روى البغوي في المصابيح و البيضاوي في المشكاة عن أحمد و الترمذي بإسنادهما عن زيد بن أرقم مثله، و رويا عن أحمد بإسناده عن البراء بن عازب و زيد بن أرقم أن النبيصلى الله عليه و آله و سلم لما نزل بغدير خم أخذ بيد علي عليه السلام فقال: أ لستم تعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: أ لستم تعلمون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت و أمسيت مولى كل مؤمن و مؤمنة.

أقول: قال ابن حجر العسقلاني في المجلد السادس من كتاب فتح الباري في شرح فضائل أمير المؤمنين عليه السلام منصحيح البخاري، و أما حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه فقد أخرجه الترمذي و النسائي و هو كثير الطرق جدا و قد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد و كثير من أسانيدهاصحاح و حسان، انتهى.

و قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله قال: لما بلغ عليا عليه السلام أن الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبيصلى الله عليه و آله و سلم له و تفضيله على الناس، قال: أنشد الله من بقي ممن لقي رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و سمع مقالته في يوم غدير خم إلا قام فشهد بما سمع، فقام ستة ممن عن يمينه من أصحاب رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم أنهم سمعوه يقول ذلك اليوم و هو رافع بيدي علي عليه السلام: من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و أخذل من خذله، و أحب من أحبه، و أبغض من أبغضه.

ص: 214

و قال في موضع آخر روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة، و يجلس إليه فجاء شاب من الكوفة، فجلس إليه و قال: يا أبا هريرة أنشدك الله أ سمعت رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من والاه و عاد من عاداه؟ قال:

اللهم نعم، قال: فأشهد بالله أن قد واليت عدوه و عاديت وليه ثم قام عنه.

و قال في موضع آخر ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة و التابعين و المحدثين كانوا منحرفين عن علي عليه السلام قائلين فيه السوء، و منهم من كتم مناقبه و أعان أعداءه ميلا مع الدنيا و إيثارا للعاجلة، فمنهم أنس بن مالك ناشد على الناس في رحبة القصر، أو قال رحبة الجامع بالكوفة: أيكم سمع رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها و أنس بن مالك لم يقم، فقال له: يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد فلقد حضرتها؟ فقال: يا أمير المؤمنين كبرت و نسيت، فقال: إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة، قال طلحة بن عمير: فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

و روى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال: آليت أن لا أكتم حديثا سألت عنه في علي بعد يوم الرحبة: ذاك رأس المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم ثم ذكر كتمان زيد بن أرقم حديث الولاية، و دعاء علي عليه السلام عليه بذهاب بصره، و أنه عمي بعد ذلك.

و قال في موضع آخر قال عليه السلام يوم الشورى: أ فيكم أحد قال له رسول اللهصلى الله عليه و آله:

من كنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ قالوا: لا، انتهى.

و أقول: روى السيوطي في در المنثور عن ابن مردويه و ابن عساكر بإسنادهما عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم عليا يوم غدير خم فنادى له

ص: 215

بالولاية، هبط عليه جبرئيل بهذه الآية" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" و روي أيضا عن ابن مردويه و الخطيب و ابن عساكر بأسانيدهم عن أبي هريرة قال: لما كان يوم غدير خم و هو الثامن عشر من ذي الحجة قال النبيصلى الله عليه و آله و سلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" و روى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس" وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ" يعني إن كتمت هذه الآية:" يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ" يعني ما نزل على رسول الله يوم غدير خم في علي بن أبي طالب، و روي عن ابن مردويه بإسناده عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليا مولى المؤمنين و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس. أقول: و قد أوردت الأخبار الواردة في ذلك من طريق الخاصة و العامة في قريب من عشرة كراريس فمن أراد الاطلاع عليها فيرجع إليه و جملة القول فيه:

أن الاستدلال بخبر الغدير يتوقف على أمرين:
أحدهما إثبات الخبر

، و الثاني إثبات دلالته على خلافتهصلوات الله عليه.

أما الأول فلا أظن عاقلا يرتاب في ثبوته و تواتره بعد الإحاطة بما أوردته في الكتاب الكبير، قال السيد التستري في إحقاق الحق: ذكر الشيخ ابن كثير الشامي الشافعي عند ذكر أحوال محمد بن جرير الطبري إني رأيت كتابا جمع في أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، و كتابا جمع فيه طرق حديث الطير، و نقل عن أبي المعالي الجويني أنه كان يتعجب و يقول: رأيت مجلدا ببغداد في يدصحاف فيه روايات هذا الخبر، مكتوبا عليه المجلدة الثامنة و العشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه، و يتلوه المجلدة التاسعة و العشرون، و أثبت الشيخ ابن الجزري الشافعي رسالته الموسومة بأسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب، تواتر هذا الحديث من طرق كثيرة، و نسب منكره إلى الجهل و العصبية، انتهى.

ص: 216

و قال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الشافي أما الدلالة علىصحة الخبر فلا يطالب بها إلا متعنت لظهوره و اشتهاره، و حصول العلم لكل من سمع الأخبار به، و ما المطالب بتصحيح خبر الغدير و الدلالة عليه إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبيصلى الله عليه و آله و سلم الظاهرة المشهورة و أحواله المعروفة و حجة الوداع نفسها لأن ظهور الجميع و عموم العلم به بمنزلة واحدة، ثم قال: و مما يدل علىصحته إجماع علماء الأمة على قبوله و لا شبهة فما ادعيناه من الإطباق، لأن الشيعة جعلته الحجة في النص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة و مخالفو الشيعة أولوه على اختلاف تأويلاتهم و ما يعلم أن فرقة من فرق الأمة ردت هذا الخبر أو امتنعت من قبوله، و استدل قوم علىصحة الخبر بما تظاهرت به الروايات من احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به في الشورى، حيث قال: أنشدكم الله هل منكم أحد أخذ رسول اللهصلى الله عليه و آله بيده فقال:

من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه غيري؟ فقال القوم:

اللهم لا، و إذا اعترف من حضر الشورى من الوجوه و اتصل أيضا بغيرهم من الصحابة ممن لم يحضر الموضع و لم يكن من أحد نكير له، مع علمنا بتوفر الدواعي إلى إظهار ذلك لو كان، فقد وجب القطع علىصحته.

على أن الخبر لو لم يكن في الوضوح كالشمس لما جاز أن يدعيه أمير المؤمنين عليه السلام سيما في مثل هذا المقام انتهى ملخص كلامه (ره).

و أما الثاني فلنا في الاستدلال به على إمامتهصلوات الله عليه مقامان:" الأول" أن المولى جاء بمعنى الأولى بالأمر و التصرف المطاع في كل ما يأمر" الثاني" أن المراد به هنا هو هذا المعنى.

أما الأول فقد قال السيد رحمه الله: من كان له أدنى اختلاط باللغة و أهلها يعرف أنهم يضعون هذه اللفظة مكان أولى، كما أنهم يستعملونها في ابن العم، و قد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى- و منزلته في اللغة منزلته في كتابه المعروف بالمجاز في

ص: 217

القرآن- لما انتهى إلى قوله:" مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ" أن معنى موليكم أولى بكم و أنشد بيت لبيد شاهدا له:

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها و أمامها

و ليس أبو عبيدة ممن يغلط في اللغة، و لو غلط فيها أو وهم لما جاز أن يمسك عن النكير عليه و الرد لتأويله غيره من أهل اللغة ممن أصاب، و ما غلط فيه على عادتهم المعروفة في تتبع بعضهم لبعض و رد بعضهم على بعض، فصار قول أبي عبيدة الذي حكيناه مع أنه لم يظهر من أحد من أهل اللغة ردا له كأنه قول الجميع.

و لا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى:" وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ" أن المراد بالموالي من كان أملك بالميراث و أولى بحيازته و أحق به.

و قال الأخطل:

فأصبحت مولاها من الناس بعده و أخرى قريش أن تهاب و تحمدا

و روي في الحديث أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل، و كلما استشهد به لم يرد بلفظ مولى فيه إلا معنى أولى دون غيره.

قال المبرد- بعد أن ذكر تأويل قوله تعالى:" بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا" و الولي و الأولى معناهما سواء، و هو الحقيق بخلقه المتولي لأمورهم.

و قال الفراء في كتاب معاني القرآن: الولي و المولى في كلام العرب واحد، و في قراءة ابن مسعود: إنما موليكم الله و رسوله، مكان" وليكم" و قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه في القرآن المعروف بالمشكل: و المولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام، أولهن المولى المنعم، ثم المنعم عليه المعتق، و المولى الولي، و المولى الأولى بالشي ء، و ذكر شاهدا عليه الآية التي قدمنا ذكرها، و بيت لبيد، و المولى: الجار،

ص: 218

و المولى: ابن العم، و المولى: الصهر، و المولى: الحليف، و استشهد لكل واحد من أقسام المولى بشي ء من الشعر لم نذكره، لأن غرضنا سواه.

و قال أبو عمر غلام تغلب: أقسام المولى، و ذكر في جملة الأقسام أن المولى السيد و إن لم يكن مالكا، و المولى: الولي.

و قد ذكر جماعة ممن يرجع إلى أمثاله في اللغة أن من جملة أقسام مولى السيد:

الذي ليس هو بمالك و لا معتق، و لو ذهبنا إلى ذكر جميع ما يمكن أن يكون شاهدا فيما قصدناه لأكثرنا، و فيما أوردناه كفاية و مقنع، انتهى مختصر كلامه قدس سره.

و قال ابن الأثير في النهاية: قد تكرر اسم المولى في الحديث، و هو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب، و المالك، و السيد، و المنعم، و المعتق، و الناصر، و المحب و التابع، و الجار، و ابن العم، و الحليف، و العقيد، و الصهر، و العبد، و المنعم عليه، و كل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه و وليه، و منه الحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، يحمل على أكثر الأسماء المذكورة، و منه الحديث أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل، و روي وليها أي متولي أمرها.

و قال البيضاوي و الزمخشري و غيرهما من المفسرين، في تفسير قوله تعالى:" هِيَ مَوْلاكُمْ" هي أولى بكم، و قال الزمخشري في قوله تعالى:" أَنْتَ مَوْلانا" سيدنا و نحن عبيدك، أو ناصرنا أو متولي أمورنا.

و أما الثاني [أي إثبات دلالته]
و أما الثاني [أي إثبات دلالته]

ففيه مسالك:

المسلك الأول

أن المولى حقيقة في الأولى، لاستقلالها بنفسها و رجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها، لأن المالك إنما كان مولى لكونه أولى بتدبير رقيقه و بحمل جريرته و المملوك مولى لكونه أولى بطاعة مالكه، و المعتق و المعتق كذلك، و الناصر لكونه أولى

ص: 219

بنصرة من نصر و الحليف لكونه أولى بنصرة حليفه، و الجار لكونه أولى بنصرة جاره و الذب عنه، و الصهر لكونه أولى بمصاهره، و الإمام و الوراء لكونه أولى بمن يليه، و ابن العم لكونه أولى بنصرة ابن عمه. و العقل عنه، و المحب المخلص لكونه أولى بنصرة محبة.

و إذا كانت لفظة مولى حقيقة في الأولى وجب حملها عليها دون سائر معانيها، هذا الوجه ذكره الشيخ يحيى بن بطريق (ره) في العمدة، و الشيخ أبو الصلاح الحلبي قدس سره في تقريب المعارف.

المسلك الثاني

ما ذكره السيد رضي الله عنه في الشافي و غيره في غيره، و هو أن ما يحتمله لفظة مولى ينقسم إلى أقسام، منها ما لم يكنصلى الله عليه و آله عليه، و منها ما كان عليه، و معلوم لكل أحد أنه عليه السلام لم يرده، و منها ما كان عليه، و معلوم بالدليل أنه لم يرده، و منها ما كان حاصلا له، و يجب أن يريده، لبطلان سائر الأقسام و استحالة خلو كلامه من معنى و فائدة، فالقسم الأول هو المعتق و الحليف، لأن الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته و الدفاع عنه، فيكون منتسبا إليها متعززا بها، و لم يكن النبيصلى الله عليه و آله حليفا لأحد على هذا الوجه، و القسم الثاني ينقسم إلى قسمين أحدهما معلوم أنه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق و المالك و الجار و الصهر و الخلف و الإمام، إذا عدا من أقسام المولى، و الآخر أنهصلى الله عليه و آله و سلم لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة، و كان ظاهرا شائعا، و هو ابن العم، و القسم الثالث الذي يعلم بالدليل أنه لم يرده هو ولاية الدين و النصرة فيه، و المحبة و ولاء المعتق.

و الدليل على أنه عليه السلام لم يرد ذلك أن كل أحد يعلم من دينه عليه السلام وجوب تولي المؤمنين و نصرتهم و قد نطق الكتاب به، و ليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي

ص: 220

حكيت في تلك الحال، و يعلمهم ما هم مضطرون إليه من دينه، و كذلك هم يعلمون أن ولاء المعتق لبني العم قبل الشريعة و بعدها، و قول ابن الخطاب في الحال على ما تظاهرت به الرواية لأمير المؤمنين عليه السلام أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن يبطل أن يكون المراد ولاء المعتق، و بمثل ما ذكرناه في إبطال أن يكون المراد بالخبر ولاء المعتق أو إيجاب النصرة في الدين، استبعد أن يكون أراد بهصلى الله عليه و آله قسم ابن العم لاشتراك خلو الكلام عن الفائدة بينهما، فلم يبق إلا القسم الرابع الذي كان حاصلا لهصلى الله عليه و آله، و يجب أن يريده و هو الأولى بتدبير الأمر و أمرهم و نهيهم، انتهى.

أقول: أكثر المخالفين لجأوا في دفع الاستدلال به إلى تجويز كون المراد الناصر و المحب، و لا يخفى على عاقل أنه ما كان يتوقف بيان ذلك على اجتماع الناس لذلك في شدة الحر، بل كان هذا أمر يجب أن يوصي به عليا عليه السلام بأن ينصر من كان الرسول ينصره، و يحب من كانصلى الله عليه و آله يحبه، و لا يتصور في إخبار الناس بذلك فائدة يعتد بها إلا إذا أريد بذلك نوع من النصرة و المحبة يكون للأمراء بالنسبة إلى رعاياهم، أو أريد به جلب محبتهم بالنسبة إليه و وجوب متابعتهم له حيث ينصرهم في جميع المواطن، و يحبهم على الدين، و بهذا أيضا يتم المدعى.

و أيضا نقول على تقدير أن يراد به المحب و الناصر أيضا يدل على إمامته عند ذوي العقول المستقيمة و الفطرة القويمة بقرائن الحال، فإنا لو فرضنا أن أحدا من الملوك جمع عند قرب وفاته جميع عسكره، و أخذ بيد رجل هو أقرب أقاربه و أخص الخلق به، و قال: من كنت محبة و ناصره فهذا محبة و ناصره، ثم دعا لمن نصره و والاه، و لعن من خذله و لم يقل هذا لغيره، و لم يعين لخلافته رجلا سواه، فهل يفهم أحد من رعيته و من حضر ذلك المجلس إلا أنه يريد بذلك استخلافه و تطميع الناس في نصرة و محبته، و حث الناس على إطاعته و قبول أمره و نصرته على عدوه.

و بوجه آخر نقول: ظاهر قوله: من كنت ناصره فعلي ناصره، هو أنه يتمشى منه النصرة لكل أحد، كما كان يتأتى من النبيصلى الله عليه و آله و لا يكون ذلك إلا بالرئاسة

ص: 221

العامة، إذ لا يخفى على منصف أنه لا يحسن من أمير قوي الأركان كثير الأعوان أن يقول في شأن بعض آحاد الرعايا: من كنت ناصره فهذا ناصره، فأما إذا استخلفه و أمره على الناس فهذا في غاية الحسن، لأنه جعله بحيث يمكن أن يكون ناصر من نصره.

المسلك الثالث

أنه قد ورد في كثير من روايات الخاصة و العامة أنهصلى الله عليه و آله و سلم قال أولا: أ لست أولى بكم من أنفسكم؟ أو قال: أ لستم تعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى، قال: أ لستم تعلمون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، فما مهدهصلى الله عليه و آله و سلم أو لا و فرع عليه هذا الكلام قرينة واضحة على أن المراد بالمولى ما ذكره أولا من الأولوية التي أثبتها لنفسه، و لا ينكر هذا إلا جاهل بأساليب الكلام، أو متجاهل للعصبية عما تتنازع إليه الأفهام.

قال في الشافي: فأما الدلالة على أن المراد بلفظة مولى في خبر الغدير الأولى، فهو أن من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرحة و عطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم التصريح به و لغيره، لم يجز أن يريدوا بالمحتمل إلا المعنى الأول، يبينصحة ما ذكرناه أن أحدهم إذا قال مقبلا على جماعة مفهما لهم، و له عدة عبيد:

أ لستم عارفين بعبدي، فلان، ثم قال عاطفا على كلامه: فاشهدوا إن عبدي حر لوجه الله، لم يجز أن يريد بقوله: عبدي بعد أن قدم ما قدمه إلا العبد الذي سماه في أول كلامه دون غيره من سائر عبيده، و متى أراد سواه كان عندهم لغوا خارجا عن طريق البيان انتهى.

و أقول: فإذا ثبت أن المراد بالمولى هنا الأولى الذي تقدم ذكره و الأولى في الكلام المتقدم غير مقيد بشي ء و حال من الأحوال، فلو لم يكن المراد به العموم لزم الألغاز في الكلام، و من قواعدهم المقررة أن حذف المتعلق من غير قرينة دالة على

ص: 222

خصوص أمر من الأمور يدل على العموم، لا سيما و قد انضم إليه قولهصلى الله عليه و آله: من أنفسكم؟ فإن للمرء أن يتصرف في نفسه ما يشاء، و يتولى من أمره ما يريد، فإذا حكم بأنه أولى بهم من أنفسهم يدل على أن له أن يأمرهم بما يشاء، و يدبر فيهم ما يشاء في أمر الدين و الدنيا، و أنه لا اختيار لهم معه، و هل هذا إلا معنى الإمامة و الرئاسة العامة.

و أيضا لا يخفى على عاقل أن ما قررهمصلى الله عليه و آله و سلم عليه إنما أشار به إلى ما أثبت الله له في كتابه العزيز، حيث قال:" النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" و قد أجمع المفسرون على أن المراد به ما ذكرناه.

قال الزمخشري في الكشاف: النبي أولى بالمؤمنين في كل شي ء من أمور الدين و الدنيا من أنفسهم، و لهذا أطلق و لم يقيد فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، و حكمه أنفذ إليهم من حكمها، و حقه آثر عليهم من حقوقها، و شفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، و أن يبذلوها دونه و يجعلوها فداء إذا أعضل خطب و وقاية إذا ألحقت حرب، و أن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم، و لا ما تصرفهم عنه و يتبعوا كل ما دعاهم إليه رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم وصرفهم عنه، إلى آخر كلامه.

و نحوه قال البيضاوي و غيره من المفسرين.

و قال السيد رضي الله عنه فأما الدليل على أن لفظة أولى يفيد معنى الإمامة، فهو أنا نجد أهل اللغة لا يضفون هذا اللفظ إلا فيمن كان يملك ما وصف بأنه أولى به، و ينفذ فيه أمره و نهيه، أ لا تراهم يقولون: السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية و ولد الميت أولى بميراثه من كثير من أقاربه، و مرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه، و لا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى" النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" المراد به بتدبيرهم و القيام بأمرهم، حيث وجبت طاعته عليهم، و نحن نعلم أنه لا يكون أولى

ص: 223

بتدبير الخلق و أمرهم و نهيهم من كل أحد إلا من كان إماما لهم مفترض الطاعة عليهم.

فإن قال: سلمنا أن المراد بالمولى في الخبر ما تقدم من معنى الأولى من أين لكم أنه أراد كونه أولى بهم في تدبيرهم و أمرهم و نهيهم دون أن يكون أراد به أولى بأن يوالوه و يحبوه و يعظموه و يفضلوه؟

قيل له: سؤالك يبطل من وجهين:" أحدهما" أن الظاهر من قول القائل فلان أولى بفلان، أنه أولى بتدبيره و أحق بأمره و نهيه، فإذا انضاف إلى ذلك القول أولى به من نفسه زالت الشبهة في أن المراد ما ذكرناه، أ لا تراهم يستعملون هذه اللفظة مطلقة في كل موضع حصل فيه محقق للتدبير و الاختصاص بالأمر و النهي كاستعمالهم لها في السلطان و رعيته و الوالد و ولده و السيد و عبده، و إن جاز أن يستعملوها مقيدة في غير هذا الموضع، إذا قالوا فلان أولى بمحبة فلان أو بنصرته أو بكذا و كذا منه، إلا أن مع الإطلاق لا يعقل عنهم إلا المعنى الأول.

" و الوجه الآخر" أنه إذا ثبت أن النبيصلى الله عليه و آله و سلم أراد بما قدمه من كونه أولى بالخلق من نفوسهم أنه أولى بتدبيرهم و تصريفهم من حيث وجبت طاعته عليهم بلا خلاف وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين عليه السلام في الكلام الثاني جاريا ذلك المجرى يشهد بصحة ما قلناه أن القائل من أهل اللسان إذا قال فلان و فلان، و ذكر جماعة شركاء في المتاع الذي منصفته كذا و كذا، ثم قال عاطفا على كلامه من كنت شريكه فعبد الله شريكه، اقتضى ظاهر لفظه أن عبد الله شريكه في المتاع الذي قدم ذكره، و أخبر أن الجماعة شركاؤه فيه، و متى أراد أن عبد الله شريكه في غير الأمر الأول كان سفها غاشا ملغزا.

فإن قيل: إذا سلم لكم أنه عليه السلام أولى بهم بمعنى التدبير و وجوب الطاعة من أين لكم عموم وجوب الطاعة في جميع الأمور التي تقوم بها الأئمة، و لعله أراد به أولى بأن يطيعوه في بعض الأشياء دون بعض؟

ص: 224

قيل له: الوجه الثاني الذي ذكرناه في جواب سؤالك المتقدم يسقط هذا السؤال.

و مما يبطله أيضا أنه إذا ثبت أنه عليه السلام مفترض الطاعة على جميع الخلق في بعض الأمور دون بعض وجبت إمامته، و عموم فرض طاعته، و امتثال تدبيره، فلا يكون إلا الإمام لأن الأمة مجمعة على أن من هذهصفته هو الإمام، و لأن كل من أوجب لأمير المؤمنين عليه السلام من خبر الغدير فرض الطاعة على الخلق أوجبها عامة في الأمور كلها على الوجه الذي يجب للأئمة عليهم السلام و لم يخص شيئا دون شي ء.

و بمثل هذا الوجه نجيب من قال: كيف علمتهم عموم القول لجميع الخلق؟ مضافا إلى عموم إيجاب الطاعة لسائر الأمور، و لستم ممن يثبت للعمومصيغة في اللغة فتغلقون بلفظة من و عمومها، و ما الذي يمنع على أصولكم من أن يكون أوجب طاعته على واحد من الناس أو جماعة من الأمة قليلة العدد، لأنه لا خلاف في عموم طاعة النبيصلى الله عليه و آله و عموم قوله من بعده: فمن كنت مولاه، و إلا لم يكن للعمومصورة، و قد بينا أن الذي أوجبه ثانيا يجب مطابقته لما قدمه في وجهه و عمومه في الأمور، و كذا يجب عمومه في المخاطبين بتلك الطريقة، لأن كل من أوجب من الخبر فرض الطاعة و ما يرجع إلى معنى الإمامة ذهب إلى عمومه لجميع المكلفين، كما ذهب إلى عمومه في جميع الأفعال، انتهى.

و أما ما زعم بعضهم من أن قولهصلى الله عليه و آله: اللهم وال من والاه، قرينة على أن المراد بالمولى الموالي و الناصر، فلا يخفى وهنه إذ لم يكن استدلالنا بمحض تقدم ذكر الأولى حتى يعارضونا بذلك، بل إنما استدللنا بسياق الكلام و تمهيد المقدمة و التفريع عليهما، و ما يحكم به عرف أرباب اللسان في ذلك و أما الدعاء بموالاة من والاه فليس بتلك المثابة، و إنما يتم هذا لو ادعى أحد أن اللفظ بعد ما أطلق على أحد معانيه لا يناسب أن يطلق ما يناسبه و يدانيه في الاشتقاق على معنى آخر، و كيف يدعي ذلك عاقل، مع أن ذلك مما يعد من المحسنات البديعة.

ص: 225

بل نقول تعقيبه بهذا يؤيد ما ذكرناه و يقوى ما استثناه بوجوه:

الأول: أنه لما أثبتصلى الله عليه و آله و سلم له الرئاسة العامة و الإمامة الكبرى، و هي مما يحتاج إلى الجنود و الأعوان، و إثبات مثل ذلك لواحد من بين جماعة مما يقتضي إلى هيجان الحسد المورث لترك النصرة و الخذلان، لا سيما أنهصلى الله عليه و آله و سلم كان عالما بما فيصدور المنافقين الحاضرين من عداوته، و ما انطوى عليه جنوبهم من السعي في غصب خلافته أكد ذلك بالدعاء لأعوانه، و اللعن على من قصر في شأنه، و لو كان الغرض محض كونهصلى الله عليه و آله و سلم ناصرا لهم، أو ثبوت الموالاة بينه و بينهم كسائر المؤمنين لم يكن يحتاج إلى مثل تلك المبالغات و الدعاء له بما يدعى للأمراء و أصحاب الولايات.

الثاني: أنه يدل على عصمته اللازمة لإمامته لأنه لو كان يصدر منه المعصية، لكان يجب على من يعلم ذلك منه منعه و زجره و ترك موالاته، و إبداء معاداته لذلك فدعاء الرسولصلى الله عليه و آله لكل من يواليه و ينصره و لعنه على كل من يعاديه و يخذله، يستلزم عدم كونه أبدا على حال يستحق عليها ترك الموالاة و النصرة.

الثالث: أنه إذا كان المراد بالمولى الأولى كما نقوله كان المقصود منه طلب موالاته و متابعته و نصرته من القوم، و إن كان المراد الناصر و المحب كان المقصود بيان كونهصلوات الله عليه ناصرا و محبا لهم، فالدعاء لمن يواليه و ينصره، و اللعن على من يتركهما في الأول أهم و به أنسب من الثاني، إلا أن يأول الثاني بما يرجع إلى الأول في المال كما أومأنا إليه سابقا.

المسلك الرابع:

أن الأخبار المروية من طرق الخاصة و العامة الدالة على أن قوله تعالى" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" نزلت في يوم الغدير تدل على أن المراد بالمولى ما يرجع إلى الإمامة الكبرى، إذ ما يكون سببا لكمال الدين و تمام النعمة على المسلمين، لا يكون إلا ما يكون من أصول الدين بل من أعظمها و هي الإمامة التي بها يتم نظام

ص: 226

الدنيا و الدين، و بالاعتقاد بها تقبل أعمال المسلمين، و قال الشيخ جلال الدين السيوطي و هو من أكابر متأخري المخالفين في كتاب الإتقان: أخرج أبو عبيدة عن محمد بن كعب قال: نزلت سورة المائدة في حجة الوداع فيما بين مكة و المدينة، و منها" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" و في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع، لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم، و أخرج مثله من حديث أبي هريرة، انتهى.

و روى السيوطي أيضا في الدر المنثور بأسانيد أن اليهود قالوا: لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذنا يومها عيدا.

و روى الشيخ الطبرسي (ره) في مجمع البيان عن مهدي بن نزار الحسيني عن عبد الله الحسكاني عن أبي عبد الله الشيرازي عن أبي بكر الجرجاني عن أبي أحمد الأنصاري البصري عن أحمد بن عمار بن خالد عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم لما نزلت هذه الآية قال: الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الرب برسالتي، و ولاية علي بن أبي طالب من بعدي، و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و أخذل من خذله.

قال: و قال الربيع بن أنس نزل في المسير في حجة الوداع، انتهى.

و قد مر سائر الأخبار في ذلك.

المسلك الخامس

. أن الأخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى:" يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" مما يعين بالمولى الأولى و الخليفة و الإمام، لأن التهديد بأنه إن لم يبلغه فكأنه لم يبلغ

ص: 227

شيئا من رسالاته و ضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين و الدنيا لكافة الأنام، و به يتبين للناس الحلال و الحرام إلى يوم القيامة يكون قبولهصعبا على الأقوام، و ليس مما ذكروه من الاحتمالات في لفظ المولى ما يظن فيه أمثال ذلك إلا خلافة عليه السلام و إمامته، إذ بها يبقى ما بلغهصلى الله عليه و آله و سلم من أحكام الدين، و بها ينتظم أمور المسلمين، و لضغائن الناس لأمير المؤمنين عليه السلام كان مظنة إثارة الفتن من المنافقين، فلذا ضمن الله له العصمة من شرهم.

قال الرازي في تفسيره الكبير في بيان محتملات نزول تلك الآية:" العاشر" نزلت هذه الآية في فضل علي عليه السلام، و لما نزلت هذه الآية أخذ بيده و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، فلقيه عمر فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة، و هو قول ابن عباس و البراء بن عازب و محمد بن علي.

و قال الطبرسي (ره): روى العياشي في تفسيره بإسناده عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبيصالح عن ابن عباس و جابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمداصلى الله عليه و آله و سلم أن ينصب عليا عليه السلام للناس فيخبرهم بولايته، فتخوف رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم أن يقولوا حابى ابن عمه و أن يطعنوا في ذلك عليه فأوحى الله إليه الآية فقام عليه السلام بولايته يوم غدير خم، و هذا الخبر بعينه حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التأويل، و فيه أيضا بالإسناد المرفوع إلى حيان بن علي العنزي عن أبيصالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في علي فأخذ رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم بيده عليه السلام فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه.

و قد أورد هذا الخبر أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره بإسناده مرفوعا إلى ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في علي، أمر النبي أن يبلغ فأخذ رسول

ص: 228

اللهصلى الله عليه و آله و سلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه.

و قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام أن الله أوحى إلى نبيهصلى الله عليه و آله و سلم أن يستخلف عليا فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل الله سبحانه هذه الآية تشجيعا له على القيام لما أمره بأدائه.

و المعنى إن تركت تبليغ ما أنزل إليك أو كتمته كنت كأنك لم تبلغ شيئا من رسالات ربك في استحقاق العقوبة.

المسلك السادس:

هو أن الأخبار الخاصية و العامية المشتملة علىصريح النص في تلك الواقعة إن لم تدع تواترها معنى- مع أنها كذلك- فهي تصلح لكونها قرينة لكون المراد بالمولى ما يفيد الإمامة الكبرى و الخلافة العظمى، لا سيما مع انضمام ما جرت به عادة الأنبياء و السلاطين و الأمراء من استخلافهم عند قرب وفاتهم، و هل يريب عاقل في أن نزول النبيصلى الله عليه و آله و سلم في زمان و مكان لم يكن نزول المسافر متعارفا فيهما، حيث كان الهواء على ما روي في غاية الحرارة، حتى كان الرجل يستظل بدابته، و يضع الرداء تحت قدميه من شدة الرمضاء و المكان مملوء من الأشواك، ثمصعودهصلى الله عليه و آله و سلم على الأقتاب و الدعاء لأمير المؤمنينصلوات الله عليه على وجه يناسب شأن الملوك و الخلفاء و ولاة العهد، لم يكن إلا لنزول الوحي الإيجابي الفوري في ذلك الوقت، لاستدراك أمر عظيم الشأن جليل القدر و هو استخلافه و الأمر بوجوب طاعته.

المسلك السابع

نقول يكفي في القرينة على إرادة الإمامة من المولى فهم من حضر ذلك المكان و سمع هذا الكلام، هذا المعنى كحسان حيث نظمه في إشعاره المتواترة و غيره من شعراء الصحابة و التابعين و غيرهم، و كالحارث بن النعمان الفهري كما رويناه

ص: 229

في الكتاب الكبير عن الثعلبي و غيره، أنه هكذا فهم الخطاب حيث سمعه و غيرهم من الصحابة و التابعين على ما أوردناه في الكتاب المذكور في ضمن الأخبار، و لنعم ما قال الغزالي في كتاب سر العالمين في مقالته الرابعة التي وضعها لتحقيق أمر الخلافة، بعد عدة من الأبحاث، و ذكر الاستخلاف: لكن أسفرت الحجة وجهها و أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبتهصلوات الله عليه و آله في يوم غدير خم باتفاق الجميع، و هو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة، فهذا تسليم و رضا و تحكيم، ثم بعد هذا غلب الهواء بحب الرئاسة و حمل عمود الخلافة و عقود النبوء و خفقان الهواء في قعقعة الرايات اشتباك ازدحام الخيول و فتح الأمصار سقاهم كأس الهواء فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوا الحق وراء ظهورهم و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون، انتهى.

أقول: لا يخفى على من شم رائحة الإنصاف أن تلك الوجوه التي نقلناها عن القوم تتميمات ألحقناها بها، و نكأت تفردنا بإيرادها لو كان كل منها مما يمكن لمباهات و معاند أن يناقش فيها فبعد اجتماعها و تعاضد بعضها ببعض لا يبقى لأحد مجال الريب فيها، و العجب من هؤلاء المخالفين مع ادعائهم غلبة الفضل و الكمال، كيف طاوعتهم أنفسهم أن يبدوا في مقابلة تلك الدلائل و البراهين احتمالا يحكم كل عقل باستحالتها، و لو كانت مجرد التمسك بذيل الجهالات، و الالتجاء بمحض الاحتمالات مما يكفي لدفع الاستدلالات، لم يبق شي ء من الدلائل إلا و لمباهات فيه مجال، و لا شي ء من البراهين إلا و لجاهل فيه مقال، فكيف يثبتون الصانع و يقيمون البراهين فيه على الملحدين؟ و كيف يتكلمون في إثبات النبوات و غيره من مقاصد الدين؟

أعاذنا الله و إياهم من العصبية و العناد، و وفقنا جميعا لما يهدي إلى الرشاد.

ص: 230

وَ قَالَص أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ أَهْلِ بَيْتِي فَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ لَا يُفَرِّقَ

قولهصلى الله عليه و آله: أوصيكم بكتاب الله و أهل بيتي، أقول: الأخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير، و أشهرها ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللهصلى الله عليه و آله: إني قد تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي و أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، ألا و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

و بإسناده إلى زيد بن ثابت قال: قال رسول اللهصلى الله عليه و آله: إني تارك فيكم الثقلين خليفتين، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

و روى مسلم فيصحيحه عن زيد بن أرقم قال: قام رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فينا خطيبا بما يدعي خما بين مكة و المدينة، فحمد الله و أثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال:

أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب. و إني تارك فيكم ثقلين أو لهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به، فحث على كتاب الله تعالى و رغب فيه ثم قال: و أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا.

و روى ابن الأثير في جامع الأصول نقلا عنصحيح الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع يوم عرفة و هو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله و عترتي أهل بيتي.

و عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، و هو كتاب الله حبل ممدود من الأرض إلى السماء، و عترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

ص: 231

بَيْنَهُمَا حَتَّى يُورِدَهُمَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأَعْطَانِي ذَلِكَ وَ قَالَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ

و هذا الخبر من المتواترات لم ينكره أحد من المخالفين عند الاحتجاج عليهم، كقاضي القضاة و غيرهم من المتعصبين، بل تكلموا في الدلالة على الإمامة و ذكر ألفاظه اللغويون، قال ابن الأثير في النهاية: في الحديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي، سماهما ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل، و يقال لكل خطير نفيس ثقل، فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما، و تفخيما لشأنهما.

و قال الطيبي في شرح المشكاة: سميا ثقلين إذ يستصلح الدين بهما، و يعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين، أو لأن الأخذ بهما عزيمة، انتهى.

و أما الاستدلال بها على إمامة الأئمة عليهم السلام، فقال الشيخ المفيد قدس الله روحه لا يكون شي ء أبلغ من قول القائل: قد تركت فيكم فلانا، كما يقول الأمير إذا خرج من بلده و استخلف من يقوم مقامه لأهل البلد: قد تركت فيكم فلانا يرعاكم و يقوم فيكم مقامي، و كما يقول من أراد الخروج عن أهله و أراد أن يوكل عليهم وكيلا يقوم بأمرهم: قد تركت فيكم فلانا فاسمعوا له و أطيعوا، فإذا كان ذلك كذلك فهو النص الجلي الذي لا يحتمل غيره، إذ خلف في جميع الخلق أهل بيته و أمرهم بطاعتهم و الانقياد لهم بما أخبر به عنهم من العصمة، و أنهم لا يفارقون الكتاب و لا يتعدون الحكم بالصواب.

و نقل السيد- رضي الله عنه- في الشافي عنصاحب المغني أنه اعترض على الاستدلال بهذا الحديث و حديث السفينة و أمثالهما على الإمامة بأن هذا إنما يدل على أن إجماع العترة لا يكون إلا حقا، لأنه لا يخلو من أن يريدصلى الله عليه و آله و سلم بذلك جملتهم أو كل واحد منهم، و قد علمنا أنه لا يجوز أن يريد بذلك إلا جملتهم، لأن الكلام يقتضي الجمع، و لأن الخلاف قد يقع بينهم على ما علمناه من حالهم، و لا يجوز أن يكون في شي ء و ضده، و قد ثبت اختلافهم فيما هذا حاله، و لا يجوز أن يقال إنهم مع الاختلاف لا يفارقون الكتاب، و ذلك يبين أن المراد به أن ما أجمعوا عليه يكون حقا حتى

ص: 232

يصح قوله: لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، و ذلك يمنع من أن المراد بالخبر الإمامة، لأن الإمامة لا تصح في جميعهم و إنما يختص بها الواحد منهم، ثم قال:

و ليس لهم أن يقولوا إذا دل على ثبوت العصمة فيهم و لم يصح إلا في أمير المؤمنين عليه السلام ثم في واحد واحد من الأئمة فيجب أن يكون هو المراد، و ذلك أن لقائل أن يقول:

أن المراد عصمتهم فيما اتفقوا عليه و ذلك يكون أليق بالظاهر، و بعد فالواجب حمل الكلام على ما يصح أن يوافق العترة فيه الكتاب، و قد علمنا أن كتاب الله دلالة على الأمور، فيجب أن يحمل قولهصلى الله عليه و آله و سلم في العترة على ما يقتضي كونه دلالة و ذلك لا يصح إلا بأن يقال أن إجماعها حق و دليل.

ثم أجاب السيد- رضي الله عنه-: بأن إجماع أهل البيت عليهم السلام حجة يدل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبيصلى الله عليه و آله و سلم بغير فصل، و على غير ذلك مما أجمع أهل البيت عليه، و يمكن أيضا أن يجعلوه حجة و دليلا، على أنه لا بد في كل عصر في جملة هذا البيت من حجة معصوم مأمون يقطع علىصحة قوله.

ثم قال: فإن قيل: ما المراد بالعترة، فإن الحكم متعلق بهذا الاسم؟

قلنا: عترة الرجل في اللغة هم نسله كولده و ولد ولده، و في أهل اللغة من وسع ذلك فقال: إن عترة الرجل هم أدنى قومه إليه في النسب، فعلى القول الأول يتناول ظاهر هذا الخبر و حقيقته الحسن و الحسين عليهما السلام و أولادهما، و على القول الثاني يتناول من ذكرناه و من جرى مجراهم في الاختصاص بالقرب من النسب، على أن الرسولصلى الله عليه و آله و سلم قد قيد القول بما أزال به الشبهة و أوضح القول بقوله عترتي أهل بيتي، فوجه الحكم إلى من استحق هذين الاسمين، و نحن نعلم أن من يوصف من عترة الرجل بأنهم أهل بيته هو ما قدمنا ذكره من أولاده و أولاد أولاده، و من جرى مجراهم في النسب القريب. على أن الرسولصلى الله عليه و آله و سلم قد بين من يتناوله الوصف بأنه من أهل البيت، فتظاهر الخبر بأنهصلى الله عليه و آله و سلم جمع أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام في بيته و جللهم

ص: 233

بكسائه، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، فنزلت الآية، فقالت أم سلمة: يا رسول الله أ لست من أهل بيتك؟ فقالصلى الله عليه و آله و سلم: لا و لكنك على خير.

فخص هذا الاسم بهؤلاء دون غيرهم، فيجب أن يكون الحكم متوجها إليهم و إلى من ألحق بهم بالدليل، و قد أجمع كل من أثبت فيهم هذا الحكم أعني وجوب التمسك و الاقتداء على أن أولادهم في ذلك يجرون مجراهم، فقد ثبت توجه الحكم إلى الجميع.

فإن قيل: على بعض ما أوردتموه يجب أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام ليس من العترة؟ قلنا: من ذهب إلى ذلك من الشيعة يقول: أن أمير المؤمنين عليه السلام و إن لم يتناوله الاسم على الحقيقة كما لا يتناوله اسم الولد فهو عليه السلام أبو العترة و سيدها و خيرها و الحكم في المستحق بالاسم ثابت له بدليل غير تناول الاسم المذكور في الخبر، ثم قال رحمه الله بعد إيراد اعتراضات: فأما ما يمكن أن يستدل بهذا الخبر عليه من ثبوت حجة مأمون في جملة أهل البيت في كل عصر، فهو أنا نعلم أن الرسولصلى الله عليه و آله و سلم إنما خاطبنا بهذا القول على جهة إزاحة العلة لنا، و الاحتجاج في الدين علينا و الإرشاد إلى ما يكون فيه نجاتنا من الشكوك و الريب، و الذي يوضح ذلك أن في رواية زيد بن ثابت هذا الخبر: و هما الخليفتان من بعدي، و إنما أراد أن المرجع إليهما بعدي فيما كان يرجع إلى فيه في حياتي، فلا يخلو من أن يريد أن إجماعهم حجة فقط دون أن يدل القول على أن فيهم في كل حال من يرجع إلى قوله، و يقطع على عصمته، أو يريد ما ذكرناه فلو أراد الأول لم يكن مكملا للحجة علينا و لا مزيحا لعلتنا و لا مستخلفا من يقوم مقامه فينا، لأن العترة أولا قد يجوز أن يجمع على القول الواحد و يجوز أن لا يجمع بل يختلف، فما هو الحجة من إجماعها ليس بواجب ثم

ص: 234

ما اجتمعت عليه هو جزء من ألف جزء من الشريعة فكيف يحتج علينا في الشريعة بمن لا نصيب عنده من حاجتنا إلا القليل من الكثير، و هذا يدل على أنه لا بد في كل عصر من حجة في جملة أهل البيت مأمون مقطوع على قوله، و هذا دليل على وجود الحجة على سبيل الجملة و بالأدلة الخاصة يعلم من الذي هو حجة منهم على سبيل التفصيل، على أن المعترض قد حكم بمثل هذه القضية في قوله: إن الواجب حمل الكلام على ما يصح أن يوافق فيه العترة للكتاب، و أن الكتاب إذا كان دلالة على الأمور وجب في العترة مثل ذلك، و هذاصحيح ليجمع بينهما في اللفظ و الإرشاد إلى التمسك بهما ليقع الأمان من الضلال، و الحكم بأنهما لا يفترقان إلى القيامة، و إذا وجب في الكتاب أن يكون دليلا و حجة وجب مثل ذلك في قولهم أعني العترة، و إذا كانت دلالة الكتاب مستمرة غير منقطعة و موجودة في كل حال و ممكنة إصابتها في كل زمان، وجب مثل ذلك في قول العترة المقرون بها، و المحكوم له بمثل حكمها، و هذا لا يتم إلا بأن يكون فيها في كل حال من قوله حجة، لأن إجماعها على الأمور ليس بواجب على ما بينا، و الرجوع إليهما من الاختلاف و فقد المعصوم لا يصح فلا بد مما ذكرناه، انتهى.

أقول: عدم افتراقهما بحسب ظاهر اللفظ يحتمل وجوها:

أحدها: أن يكون الغرض استمرارها إلى آخر الدهر بحيث لا يكون زمان فيه الكتاب، و ليس فيه العترة و بالعكس.

و ثانيها: استمرارها من حيث الإرشاد و الهداية و الدلالة على ما يوجب العصمة عن الضلال لا مطلقا كما أومأ إليه السيد قدس سره.

و ثالثها: كونهما متفقين غير مختلفين بأن لا يحكموا بما يخالف الكتاب و لا يحكم الكتاب بما يخالف قولهم و كونهم عالمين بجميع ما في الكتاب غير مخالفين له في شي ء، و هذا يتضمن العصمة.

ص: 235

وَ قَالَ إِنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى وَ لَنْ يُدْخِلُوكُمْ فِي بَابِ ضَلَالَةٍ فَلَوْ سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِص فَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ لَادَّعَاهَا آلُ فُلَانٍ وَ آلُ فُلَانٍ وَ لَكِنَّ اللَّهَ

و رابعها: كون جميع الكتاب عندهم على ترتيب النزول لفظا و معنى، و كونهم عالمين بجميع علم القرآن ظهرا و بطنا، بل هم القرآن حقيقة لانتقاش نفوسهم المقدسة بلفظ القرآن و معانيه و إسراره و اتصافهم بصفات القرآن و أخلاقه، و هذا سر ما روي: أن النبيصلى الله عليه و آله و سلم كان خلقه القرآن، و ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام:

أنا كلام الله الناطق، و به يمكن الجمع بين ما ورد من كون القرآن أفضل منهم و كونهم أفضل من القرآن، بأن يكون المعنى حينئذ أن جهة كونهم قرآنا و كونهم عالمين بجميع علومه أرجح من سائر جهاتهم، و قد حققنا ذلك مفصلا في كتاب عين الحياة.

و خامسها: كون المراد عدم افتراقهما في وجوب الإيمان بهما، و أنه لا ينفع الإيمان بأحدهما بدون الآخر، و لا تحصل معرفة أحدهما إلا بمعرفة الآخر.

و سادسها: كون الكتاب شاهدا على حقيتهم دالا على إمامتهم و كونهم مفسرين للكتاب، شاهدين على حقيقة مضامينه، و كونهم محتاجين إلى الكتاب، فكل منهما محتاج إلى الآخر، و الناس محتاجون إليهما معا، فلذا أنزل الله الكتاب مجملا، و جعل أهل البيت عليهم السلام مفسرين له، حاكمين به، إذ ليس الكتاب ناطقا ينطق بما فيه و يحكم بما يتضمنه، فلا بد من ناطق ينطق عن الكتاب و يحكم بما فيه، و يحمل الناس على العمل به و يفسره لهم، و على هذا المعنى دل أكثر الأخبار.

و يدل على بعض المعاني المتقدمة ما رواه الصفار في البصائر عن سعد الإسكاف، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول النبيصلى الله عليه و آله و سلم: إني تارك فيكم الثقلين فتمسكوا بهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: لا يزال كتاب الله و الدليل منا يدل عليه حتى يردا علي الحوض.

قولهصلى الله عليه و آله و سلم: لادعاها آل فلان و آل فلان، أي آل العباس و آل جعفر و أضرابهم من أقاربهصلى الله عليه و آله و سلم، أو آل تيم و آل عدي لشبهة كون بنتيهما في بيته،

ص: 236

عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقاً لِنَبِيِّهِص- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فَكَانَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ فَاطِمَةُ ع فَأَدْخَلَهُمْ

أو لبنتيهما.

قوله: و لكن الله عز و جل أنزل، إلخ.

أقول: لا خلاف بين الأمة في أن المراد بأهل البيت في آية التطهير أهل بيت نبيناصلى الله عليه و آله و سلم، و إن اختلف في تعيينهم فقال كثير من المخالفين: أن المراد بهم زوجات النبيصلى الله عليه و آله و سلم، و ذهبت طائفة منهم إلى أن المراد بهم علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و زوجاتهصلى الله عليه و آله و سلم، و قيل: المراد أقارب الرسولصلى الله عليه و آله و سلم ممن تحرم عليهم الصدقة، و ذهب أصحابنا رضوان الله عليهم و كثير من الجمهور إلى أنها نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسينصلوات الله عليهم لا يشاركهم فيها غيرهم.

فمما يدل على ما ذهبنا إليه من أخبار المخالفين ما رواه مسلم فيصحيحه و ابن الأثير في جامع الأصول عن عائشة: قالت: خرج النبيصلى الله عليه و آله و سلم غداة و عليه مرط مرحل أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال:" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" و رواه في الطرائف عن البخاري عن عائشة و عن الجمع بين الصحيحين للحميدي، في الحديث الرابع و الستين من أفراد مسلم من طريقين، و عنصحيح أبي داود في باب مناقب الحسنين عليهما السلام و موضع آخر مثله. و روى ابن بطريق بإسناده عن البخاري و مسلم مثله.

و منها ما رواه الترمذي فيصحيحة، و رواه في جامع الأصول في الموضع المذكور عن أم سلمة قالت: إن هذه الآية نزلت في بيتها:" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" قالت: و أنا جالسة عند الباب فقلت

ص: 237

يا رسول الله أ لست من أهل البيت؟ فقال: إنك إلى خير، أنت من أزواج رسول الله، قالت: و في البيت رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فجللهم بكساء و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، قالصاحب جامع الأصول: و في رواية أخرى أن النبيصلى الله عليه و آله و سلم جلل على حسن و حسين و على و فاطمة ثم قال: هؤلاء أهل بيتي و حامتي أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة: و أنا منهم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير، قال: أخرجه الترمذي.

و قال ابن عبد البر في الاستيعاب: لما نزلت:" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" دعا رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فاطمة و عليا و حسنا و حسينا في بيت أم سلمة و قال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

و منها ما رواه الترمذي وصاحب جامع الأصول عن عمرو بن أبي سلمة قال:

نزلت هذه الآية على النبيصلى الله عليه و آله و سلم فدعا فاطمة و حسنا و حسينا و جللهم بكساء و علي عليه السلام خلف ظهره، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: و أنا منهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك و أنت على خير.

و منها ما رواه الترمذي وصاحب جامع الأصول عن أنس أن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية قريبا من ستة أشهر يقول: الصلاة أهل البيت، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

و منها ما رواه مسلم فيصحيحه وصاحب المشكاة في الفصل الأول من الباب المذكور

ص: 238

رَسُولُ اللَّهِص تَحْتَ الْكِسَاءِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَهْلًا

عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الآية:" نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ" دعا رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا عليه السلام فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، و قد روي هذه الرواية في جامع الأصول إلا أنه قال:

اللهم هؤلاء أهلي، قال: أخرجه الترمذي.

و روى يحيى بن الحسن بن بطريق في العمدة عن الحافظ أبي نعيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال: نزل على رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم الوحي فدعا عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال: هؤلاء أهل بيتي، قال: و قال أبو نعيم: و رواه أحمد بن حنبل يرفعه إلى قتيبة مثله.

قال: و روى أبو نعيم بإسناده عن أبي سعيد أن أم سلمة حدثته أن هذه الآية نزلت في بيتها:" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" قالت: و أنا جالسة عند باب البيت قالت: قلت: يا رسول الله أ لست من أهل البيت؟ قال:

أنت إلى خير، أنت من أزواج النبي، قالت: و رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم في البيت و على و فاطمة و الحسن و الحسين.

و بإسناده عن أبي هريرة عن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة عليها السلام ببرمة لها إلى رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم قدصنعت لها حشاة حملتها على طبق فوضعتها بين يديه فقال لها: أين ابن عمك و ابناك؟ قالت: في البيت، قال: اذهبي فادعهم، فجاءت إلى علي فقالت: أجب رسول الله، قالت أم سلمة: فجاء علي يمشي آخذا بيد الحسن و الحسين، و فاطمة تمشي معهم، فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة فبسطه فأجلسهم عليه، فأخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله، فضمه فوق رؤوسهم و أهوى بيده اليمنى إلى ربه، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

ص: 239

و بإسناده عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على عائشة فسألتها عن هذه الآية؟

فقالت: ائت أم سلمة ثم أتيت فأخبرتها بقول عائشة، فقالت:صدقت في بيتي نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فقال: من يدعو لي عليا و فاطمة و ابنيهما؟ الحديث.

و روى موفق بن أحمد الخوارزمي رفعه إلى أم سلمة قالت: إن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة: ائتيني بزوجك و ابنيك، فجاءت بهم فألقى عليهم كساء خيبريا فدكيا قالت: ثم وضع يده عليهم و قال: اللهم إن هؤلاء أهل محمد فاجعلصلواتك و بركاتك على محمد و آل محمد إنك حميد مجيد، قالت أم سلمة، فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي و قال: إنك إلى خير.

و روى مسلم فيصحيحة عن يزيد بن حيان و رواه في جامع الأصول عنه قال:

انطلقت أنا و الحصين بن سبرة و عمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و سمعت حديثه و غزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم قال: و الله يا ابن أخي لقد كبرت سني و قدم عهدي و نسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فما حدثتكم فاقبلوا و ما لا أحدثكم فلا تكلفونيه، ثم قال قام رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فينا يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة و المدينة، فحمد الله و أثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال: أما بعد ألا يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، و إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى و نور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به، فحث على كتاب الله فرغب فيه ثم قال: و أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين: و من أهل بيتي يا زيد؟ أ ليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: أهل بيته من حرم عليه الصدقة، قال: و من هم؟ قال: هم آل علي و آل عقيل و آل جعفر و آل عباس، قال: كل هؤلاء حرم عليهم الصدقة؟ قال: نعم.

ص: 240

إِلَى خَيْرٍ وَ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي وَ ثِقْلِي فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِص كَانَ عَلِيٌّ أَوْلَى النَّاسِ

قالصاحب جامع الأصول: و زاد في رواية: كتاب الله فيه الهدى و النور، من استمسك به و أخذ به كان على الهدى، و من أخطأه ضل، و في أخرى نحوه، غير أنه قال:

ألا و إني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله و هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، و من تركه كان على ضلالة، و فيه فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر فيطلقها فيرجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده، قال: أخرجه مسلم.

و قد حكى هذه الرواية يحيى بن الحسن بن بطريق عن الجمع بين الصحيحين للحميدي من الحديث الخامس من إفراد مسلم من مسند ابن أبي أوفى بإسناده، و عن الجمع بين الصحاح الستة لرز بن معاوية العبدري منصحيح أبي داود السجستاني وصحيح الترمذي عن حصين بن سبرة أنه قال لزيد بن أرقم: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، الحديث.

و روى الترمذي فيصحيحة وصاحب جامع الأصول عن بريدة قال: كان أحب النساء إلى رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فاطمة، و من الرجال علي قال إبراهيم: يعني من أهل بيته.

و روى البخاري فيصحيحه في باب مرض النبيصلى الله عليه و آله و سلم و قوله تعالى:" إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" و رواه في المشكاة عن عائشة قالت: كنا أزواج النبيصلى الله عليه و آله و سلم عنده فأقبلت فاطمة ما تخطئ مشيتها من مشية رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فلما رآها قال: مرحبا بابنتي ثم أجلسها، ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى حزنها سارها الثانية، فإذا هي تضحك، فلما قام رسول الله سألتها عما سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم سره فلما توفي قلت: عزمت عليك بما لي من الحق عليك لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني في المرة الأولى فإنه أخبرني أن جبرئيل

ص: 241

بِالنَّاسِ لِكَثْرَةِ مَا بَلَّغَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِص وَ إِقَامَتِهِ لِلنَّاسِ وَ أَخْذِهِ بِيَدِهِ فَلَمَّا مَضَى

كان يعارضني القرآن كل سنة و أنه عارضني به العام مرتين، و لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله و اصبري فإني نعم السلف أنالك، فبكيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال: يا فاطمة أ لا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين؟ و في رواية فسارني فأخبرني أنه يقبض في وجعه، فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت، قال: متفق عليه.

قال ابن حجر فيصواعقه: إن أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام لتذكير ضمير عنكم.

و قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: اختلف الأقوال في أهل البيت، و الأولى أن يقال: هم أولاده و أزواجه، و الحسن و الحسين عليهم السلام منهم، و على منهم، لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بيت النبي و ملازمته للنبيصلى الله عليه و آله.

و قال شيخ الطائفة في التبيان: روى أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و عائشة و أم سلمة و واثلة بن الأسقع أن الآية نزلت في النبيصلى الله عليه و آله و على و فاطمة و الحسن و الحسين، قال: و روي عن أم سلمة أنها قالت: إن النبيصلى الله عليه و آله و سلم كان في بيتي فاستدعى عليا و فاطمة و الحسن و الحسين، و جللهم بعباء خيبرية ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، فأنزل الله قوله:" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" فقالت أم سلمة: قلت: يا رسول الله هل أنا من أهل بيتك؟ فقال: لا و لكنك إلى خير.

فأقول: قد ظهر من تلك الأخبار المتواترة من الجانبين بطلان القول بأن أزواج النبيصلى الله عليه و آله و سلم داخلة في الآية، و كذا القول بعمومها لجميع الأقارب، و لا عبرة بما قاله زيد بن أرقم من نفسه مع معارضته بالأخبار المتواترة و يدل أيضا على بطلان

ص: 242

عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ عَلِيٌّ وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ أَنْ يُدْخِلَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ لَا الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍ

القول بالاختصاص بالأزواج العدول عن خطابهن إلىصيغة الجمع المذكر و سيظهر بطلانه عند تقرير دلالة الآية على عصمة من تناولته، إذ لم يقل أحد من الأمة بعصمتهن بالمعنى المتنازع فيه، و كذا القولان الآخران و هو واضح.

إذا تمهد هذا فنقول: المراد بالإرادة في الآية إما الإرادة المستتبعة للفعل أعني إذهاب الرجس حتى يكون الكلام في قوة أن يقال: إنما أذهب الله عنكم الرجس أهل البيت، أو الإرادة المحضة التي لا يتبعها الفعل حتى يكون المعنى أمركم الله باجتناب المعاصي يا أهل البيت، فعلى الأول ثبت المدعى، و أما الثاني فباطل من وجوه:

الأول: كلمة" إنما" تدل على التخصيص كما قرر في محله، و الإرادة المذكورة تعم سائر المكلفين حتى الكفار، لاشتراك الجميع في التكليف و قد قال سبحانه:

" وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" فلا وجه للتخصيص بأهل البيت عليهم السلام.

الثاني: أن المقام يقتضي المدح و التشريف لمن نزلت الآية فيه حيث جللهم بالكساء و لم يدخل فيه غيرهم، و خصصهم بدعائه فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و حامتي على ما سبق في الأخبار، و كذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد بيان إذهاب الرجس و المصدر بعده منونا بتنوين التعظيم، و قد أنصف الرازي في تفسيره حيث قال:

في قوله تعالى:" لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ" أي يزيل عنكم الذنوب" وَ يُطَهِّرَكُمْ" أي يلبسكم خلع الكرامة، انتهى.

و لا مدح و لا تشريف فيما دخل فيه الفساق و الكفار.

الثالث: أن الآية على ما مر في بعض الروايات إنما نزلت بعد دعوة النبيصلى الله عليه و آله و سلم لهم و أن يعطيه ما وعده فيهم، و قد سأل الله تعالى أن يذهب عنهم الرجس و يطهرهم لا أن يريد ذلك منهم، و يكلفهم بطاعته، فلو كان المراد هذا النوع من الإرادة لكان نزول الآية في الحقيقة ردا لدعوتهصلى الله عليه و آله و سلم لا إجابة لها و بطلانه ظاهر، و أجاب المخالفون

ص: 243

وَ لَا وَاحِداً مِنْ وُلْدِهِ إِذاً لَقَالَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِينَا

عن هذا الدليل بوجوه:

الأول: أنا لا نسلم أن الآية نزلت فيهم، بل المراد بها أزواجهصلى الله عليه و آله و سلم لكون الخطاب في سابقها و لا حقها متوجها إليهن، و يرد عليه أن هذا المنع بمجرده بعد ورود تلك الروايات المتواترة من المخالف و المؤالف غير مسموع و أما السند فمردود بما ستقف عليه في كتاب القرآن مما سننقل من روايات الفريقين أن ترتيب القرآن الذي بيننا ليس من فعل المعصوم حتى لا يتطرق إليه الغلط، مع أنه روى البخاري و الترمذي وصاحب جامع الأصول عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية في سورة الأحزاب حين نسخت الصحف قد كنت أسمع رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌصَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" فألحقناها في سورتها من المصحف، فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية، و قد ظهر من الأخبار عدم ارتباطها بقصتهن، فالاعتماد في هذا الباب على النظم و الترتيب ظاهر البطلان.

و لو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول: سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة فلعله سقط مما قبل الآية و ما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري بينهما، و قد وقع في سورة الأحزاب بعينها ما يشبه هذا، فإن الله سبحانه بعد ما خاطب الزوجات بآيات مصدرة بقوله تعالى:" قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا" الآية عدل إلى مخاطبة المؤمنين بما لا تعلق فيه بالزوجات بآيات كثيرة، ثم عاد إلى الأمر بمخاطبتهن و غيرهن بقوله سبحانه:" يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ".

و قد عرفت اعتراف الخصم فيما رووا أنه كان قد سقط منها آية فألحقت، فلا يستبعد أن يكون الساقط أكثر من آية و لم يلحق غيرها.

ص: 244

كَمَا أَنْزَلَ فِيكَ فَأَمَرَ بِطَاعَتِنَا كَمَا أَمَرَ بِطَاعَتِكَ وَ بَلَّغَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِص كَمَا بَلَّغَ فِيكَ

و روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال و النساء من قريش و غيرهم، يا بن سنان إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب و كانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها و حرفوها.

و لو سلم عدم السقوط أيضا كما ذهب إليه جماعة قلنا: لا يرتاب من راجع التفاسير أن مثل ذلك كثير من الآيات غير عزيز إذ قدصرحوا في مواضع عديدة في سورة مكية أن آية أو آيتين أو أكثر من بينها مدنية و بالعكس، و إذا لم يكن ترتيب الآيات على وفق نزولها لم يتم لهم الاستدلال بنظم القرآن على نزولها في شأن الزوجات، مع أن النظر و السياق لو كانا حجتين فإنما يكونان حجتين لو بقي الكلام على أسلوبه السابق، و التغيير فيها لفظا و معنى ظاهر، أما لفظا فتذكير الضمير، و أما معنى فلان مخاطبة الزوجات مشوبة بالمعاتبة و التأنيب و التهديد و مخاطبة أهل البيت عليهم السلام محلاة بأنواع التلطف و المبالغة في الإكرام، و لا يخفى بعد إمعان النظر المباينة التامة في السياق بينها و بين ما قبلها و ما بعدها على ذوي الأفهام.

الثاني: أن الآية لا تدل على أن الرجس قد ذهب، بل إنما دل على أن الله سبحانه أراد إذهابه عنهم، فلعل ما أراده لم يتحقق، و قد عرفت جوابه في تقرير الدليل، مع أن الإرادة بالمعنى الذي يصح تخلف المراد عنه إذا أطلق عليه تعالى يكون بمعنى رضاه بما يفعله غيره، أو تكليفه إياه به، و هو مجاز لا يصار إليه إلا بالدليل.

الثالث: أن إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته و أنتم قد قلتم بعصمتهم من أول العمر إلى انقضائه، و دفع بأن الإذهاب و الصرف كما يستعمل في إزالة الأمر الموجود، يستعمل في المنع عن طريان أمر على محل قابل له، كقوله تعالى:" كَذلِكَ

ص: 245

وَ أَذْهَبَ عَنَّا الرِّجْسَ كَمَا أَذْهَبَهُ عَنْكَ فَلَمَّا مَضَى عَلِيٌّ ع كَانَ الْحَسَنُ ع أَوْلَى

لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ" و تقول في الدعاء:صرف الله عنك كل سوء و أذهب عنك كل محذور، على أنا نقول: إذا سلم الخصم منا دلالة الآية على العصمة في الجملة كفى في ثبوت مطلوبنا، إذ القول بعصمتهم في بعض الأوقات خرق للإجماع المركب.

الرابع: أن لفظة يريد منصيغ المضارع فلم تدل على أن مدلولها قد وقع، و أجيب بأن استعمال المضارع فيما وقع غير عزيز في الكلام المجيد و غيره، بل غالب ما استعملت الإرادة علىصفة المضارع في أمثاله في القرآن إنما أريد به ذلك كقوله تعالى:

" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ"" يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ"" يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ"" إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ"" وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ" و غير ذلك و ظاهر سياق الآية النازلة على وجه التشريف و الإكرام قرينة عليه، على أن الوقوع في الجملة كان كما عرفت.

الخامس: أن قوله تعالى:" لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ" لا يفيد العموم لكون المعرف بلام الجنس في سياق الإثبات، و أجيب: بأن الكلام في قوة النفي، إذ لا معنى لإذهاب الرجس إلا رفعه، و رفع الجنس يفيد نفي جميع أفراده.

و جملة القول فيه: أن من نظر إلى سياق الأخبار المتقدمة و أنصف من نفسه علم أن الأمر الذي دعا رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم لأهل بيته و خصهم به و منع أم سلمة من الدخول فيهم مع جلالتها و كرامتها، لا بد أن يكون أمرا جليلا لا يتيسر لسائر الخلق، و معلوم من سياق الآية أنه من قبيل إذهاب النقائص و الرذائل إذا الرجس ظاهر أنه

ص: 246

بِهَا لِكِبَرِهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُدْخِلَ وُلْدَهُ وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ- وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فَيَجْعَلَهَا فِي وُلْدِهِ إِذاً لَقَالَ الْحُسَيْنُ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِي كَمَا أَمَرَ بِطَاعَتِكَ وَ طَاعَةِ أَبِيكَ وَ بَلَّغَ فِيَّ رَسُولُ اللَّهِص كَمَا بَلَّغَ فِيكَ وَ فِي أَبِيكَ وَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي الرِّجْسَ كَمَا أَذْهَبَ عَنْكَ وَ عَنْ أَبِيكَ فَلَمَّاصَارَتْ

ليس المراد به النجاسات الظاهرة، و كذا التطهير لا ريب أنه التطهير من الأدناس المعنوية فإذهاب الرجس يكون من الشك و الشبهة في أمور الدين، و التطهير من العيوب و المعاصي، أو كل منهما للأعم و لو أريد بهما إذهاب بعض الذنوب كالكبائر على ما قيل فأي اختصاص له بأهل البيت، لا سيما و هم يدعون أن الصحابة كلهم عدول، فلما ذا منع أم سلمة من الدخول مع كونها عادلة متقية بالاتفاق فلا بد من كون المراد العصمة من جميع الذنوب و المعاصي و الشكوك في أمور الدين، فلا يخلو إما أن يحدث ذلك فيهم هذا الدعاء أو كان قبله أيضا و على التقديرين تثبت المطلوب، إذ ليس في الأمة من يثبت لهم العصمة في حال دون حال، فإما أن يثبتوا فيهم العصمة في جميع الأحوال كالإمامة أو ينفوا عنهم في جميع الأحوال كأهل السنة، و أيضا ليس في الأمة من يثبت لهم العصمة و لا يقول بإمامتهم فثبت إمامتهم أيضا، و تفصيل القول في ذلك موكول إلى كتابنا الكبير.

قوله: و الله عز و جل يقول، الغرض من اعتراض الآية بيان أن الحسن عليه السلام لو جعلها في ولده لكان له وجه بمقتضى هذه الآية، لأن الولد أولى في الرحم من الأخ، لكن كان هناك مانع من العمل بالآية لخصوص النصوص على الحسين عليه السلام، و يحتمل أن يكون المراد بالآية أن الله تعالى جعل بعض أولي الأرحام أولى بالخلافة من بعض، و خصهم بها، فليس ذلك بالميراث حتى يكون له عليه السلام أن يصرفها إلى ولده.

و هذا وجه آخر لتأويل الآية غير ما مر.

أو يكون المراد أن الحسين كان أقرب إلى رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام من ولد الحسن فكان أولى بالإمامة، و فيه إشكال لعدم استقامته فيما بعد هذه المرتبة و الأول

ص: 247

إِلَى الْحُسَيْنِ ع لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ هُوَ يَدَّعِي عَلَى أَخِيهِ وَ عَلَى أَبِيهِ لَوْ أَرَادَا أَنْ يَصْرِفَا الْأَمْرَ عَنْهُ وَ لَمْ يَكُونَا لِيَفْعَلَا ثُمَّصَارَتْ حِينَ أَفْضَتْ إِلَى الْحُسَيْنِ ع فَجَرَى تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ- وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ثُمَّصَارَتْ مِنْ بَعْدِ الْحُسَيْنِ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ثُمَّصَارَتْ مِنْ بَعْدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع وَ قَالَ الرِّجْسُ هُوَ الشَّكُّ وَ اللَّهِ لَا نَشُكُّ فِي رَبِّنَا أَبَداً

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ وَ عِمْرَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مِثْلَ ذَلِكَ

أظهر الوجوه، و يؤيده أن في تفسير العياشي هكذا: فلما حضر الحسن بن علي لم يستطع و لم يكن ليفعل أن يقول: و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض، فيجعلها لولده.

قوله عليه السلام: لم يكن أحد من أهل بيته، أي أخوته و بني أخيه" يستطيع أن يدعى عليه" أي الوصاية و يقول: اجعلني وصيا بعدك" ثمصارت" أي الإمامة" حين أفضت" أي وصلت" إلى الحسين" قال في المغرب: أفضى فلان إلى فلان إذا وصل إليه حقيقة، وصار في فضائه و ساحته، انتهى.

قوله: يجري، خبرصارت بحذف العائد أي تجري فيها تأويل هذه الآية، و في أكثر النسخ فجرى فالخبر مقدر، أوصارت تامة بمعنى تغيرت.

" و قال: الرجس هو الشك" يمكن أن يكون المراد ما يشمل الشك في دينه و أحكامه تعالى و شرائعه، أي ليس لنا شك و تحير في شي ء من أمور الدين، أو يكون الشك في الرب كناية عن المعصية، فإن من كان في درجة اليقين بالله و باليوم الآخر لا يصدر منه معصية، كما سيأتي تحقيقه، قال في القاموس: الرجس بالكسر القذر و يحرك، و يفتح الراء و يكسر الجيم، و المأثم و كل ما استقذر من العمل، و العمل المؤدي إلى العذاب و الشك و العقاب و الغضب.

ص: 248

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ رَوْحٍ الْقَصِيرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فِيمَنْ نَزَلَتْ فَقَالَ نَزَلَتْ فِي الْإِمْرَةِ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَرَتْ فِي وُلْدِ الْحُسَيْنِ ع مِنْ بَعْدِهِ فَنَحْنُ أَوْلَى بِالْأَمْرِ وَ بِرَسُولِ اللَّهِص مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ قُلْتُ فَوُلْدُ جَعْفَرٍ لَهُمْ فِيهَا نَصِيبٌ قَالَ لَا قُلْتُ فَلِوُلْدِ الْعَبَّاسِ فِيهَا نَصِيبٌ فَقَالَ لَا فَعَدَدْتُ عَلَيْهِ بُطُونَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا قَالَ وَ نَسِيتُ وُلْدَ الْحَسَنِ ع فَدَخَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ هَلْ لِوُلْدِ الْحَسَنِ ع فِيهَا نَصِيبٌ فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ مَا لِمُحَمَّدِيٍّ فِيهَا نَصِيبٌ غَيْرَنَا

3 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ إِنَّمَا يَعْنِي أَوْلَى بِكُمْ أَيْ أَحَقُّ بِكُمْ وَ بِأُمُورِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ أَمْوَالِكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي عَلِيّاً وَ أَوْلَادَهُ الْأَئِمَّةَ ع إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِيصَلَاةِ الظُّهْرِ وَ قَدْصَلَّى

الحديث الثاني

: مجهول.

و قال في المصباح المنير: الإمرة و الإمارة بالكسر أمر الولاية و قد مضى القول فيه في الباب السابق.

الحديث الثالث

: ضعيف على المشهور.

و قد مر الكلام في الآية في باب فرض طاعة الأئمة عليهم السلام، و في أكثر روايات الخاصة و العامة أنه عليه السلام تصدق بخاتمه، و في هذه الرواية الحلة و هو بالضم: إزار و رداء ذكره في المغرب، و يمكن الجمع بينهما بوقوع الأمرين معا، إما في حالة واحدة

ص: 249

رَكْعَتَيْنِ وَ هُوَ رَاكِعٌ وَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ وَ كَانَ النَّبِيُّص كَسَاهُ إِيَّاهَا وَ كَانَ النَّجَاشِيُّ أَهْدَاهَا لَهُ فَجَاءَ سَائِلٌ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ تَصَدَّقْ عَلَى مِسْكِينٍ فَطَرَحَ الْحُلَّةَ إِلَيْهِ وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ أَنِ احْمِلْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَصَيَّرَ نِعْمَةَ أَوْلَادِهِ بِنِعْمَتِهِ فَكُلُّ مَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَبْلَغَ الْإِمَامَةِ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِثْلَهُ فَيَتَصَدَّقُونَ وَ هُمْ راكِعُونَ وَ السَّائِلُ الَّذِي سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ الْأَئِمَّةَ مِنْ أَوْلَادِهِ يَكُونُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ

4 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ وَ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ وَ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ أَبِي الْجَارُودِ جَمِيعاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ رَسُولَهُ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ- إِنَّما

أو حالتين، و قال عياض: النجاشي لقب لملك الحبشة كما أن كسرى لملك الفرس، و هرقل و قيصر لملك الروم، و خاقان لملك الترك، و تبع لملك اليمن، و القيل لملك حمير، و النجاشي الذي كان في زمن الرسولصلى الله عليه و آله و سلم اسمه أصحمة و قيل:صحمة و قيل:

أصمحة، و هو الذي هاجر إليه جعفر و أصحابه، و يدل على أن مثل هذا في الصلاة ليس بفعل كثير كما سيأتي تحقيقه في كتاب الصلاة.

" وصير نعمة أولاده بنعمته" أي جعل الله نعمة أولاد أمير المؤمنينصلوات الله عليه موصولة بنعمته، مقرونة بها مذكورة معها، فلذا أتى بصيغة الجمع فالباء في بنعمته للإلصاق، و يحتمل التعليل أيضا و الظرف مفعول ثان، و المراد بالنعمة التصدق في الركوع، و الفاء في قوله" فكل" للبيان أو للتفريع، و يدل على أنه يمكن أن يرى غير النبي و الإمام عليهما السلام الملائكة بحيث لا يعرفه لما ورد في الأخبار الكثيرة أن الناس رأوا السائل حين سأله النبيصلى الله عليه و آله و سلم: من أعطاك الخاتم؟.

الحديث الرابع

: حسن.

" بولاية علي" أي بتبليغ ولايته و إمامته و كونه أولى بهم من أنفسهم فيكون

ص: 250

وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ فَرَضَ وَلَايَةَ أُولِي الْأَمْرِ فَلَمْ يَدْرُوا مَا هِيَ فَأَمَرَ اللَّهُ مُحَمَّداًص أَنْ يُفَسِّرَ لَهُمُ الْوَلَايَةَ كَمَا فَسَّرَ لَهُمُ الصَّلَاةَ وَ الزَّكَاةَ وَ الصَّوْمَ وَ الْحَجَّ فَلَمَّا أَتَاهُ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ ضَاقَ بِذَلِكَصَدْرُ رَسُولِ اللَّهِص وَ تَخَوَّفَ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ دِينِهِمْ وَ أَنْ يُكَذِّبُوهُ فَضَاقَصَدْرُهُ وَ رَاجَعَ رَبَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

إضافة المصدر إلى الفاعل، أو طاعته عليه السلام فيكون إضافته إلى المفعول كما أنه في قوله:

ولاية أولي الأمر كذلك، لكن الأول أنسب بالآية الأولى، و الثاني بالثانية" و أن يكذبوه" أي بأن يقولوا ليس هذا من عند الله و إنما يقوله لحبه له أو لم يقبلوا الولاية و إن اعترفوا أنه من عند الله، فإنه بمنزلة التكذيب و هذا بالفقرة السابقة أنسب.

قوله عليه السلام: و راجع ربه، أقول: روى السيد بن طاوس رضي الله عنه في كتاب إقبال الأعمال في حديث طويل ذكر أنه أخذه من كتب الثقات من الخاصة و العامة عن حذيفة قال: إن الله أنزل على نبيه يعني بالمدينة" النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ" فقالوا: يا رسول الله ما هذه الولاية التي أنتم بها أحق منا بأنفسنا؟ فقال عليه السلام: السمع و الطاعة فيما أحببتم و كرهتم، فقلنا: سمعنا و أطعنا" فأنزل الله:" وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا" فخرجنا إلى مكة مع النبيصلى الله عليه و آله في حجة الوداع فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام و يقول: أنصب عليا علما للناس فبكى النبيصلى الله عليه و آله و سلم حتى اخضلت لحيته و قال:

يا جبرئيل إن قومي حديثو عهد بالجاهلية ضربتهم على الدين طوعا و كرها حتى انقادوا لي، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري؟ قال: فصعد جبرئيل و قد كان النبيصلى الله عليه و آله و سلم بعث عليا عليه السلام إلى اليمن، فوافى مكة و نحن مع الرسول.

ص: 251

ثم توجه علي عليه السلام يوما نحو الكعبة يصلي، فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمه فأنزل الله:" إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ" إلى قوله:" وَ هُمْ راكِعُونَ" فكبر رسول الله و قرأه علينا، ثم قال: قوموا نطلب هذه الصفة التي وصف الله بها، فلما دخل رسول الله المسجد استقبله سائل فقال: من أين جئت؟ فقال: من عند هذا المصلي تصدق علي بهذه الحلقة و هو راكع، فكبر رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و مضى نحو علي عليه السلام فقال: يا علي ما أحدثت اليوم من خير؟ فأخبره بما كان منه إلى السائل فكبر ثالثة، فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض و قالوا: إن أفئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطاعة له فنسأل رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم أن يبد له لنا، فأتوا رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فأخبروه بذلك فأنزل الله:

" قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي" الآية.

فقال جبرئيل: يا رسول الله أتمه فقال: حبيبي جبرئيل قد سمعت ما تؤامروا به فانصرف جبرئيل، فقال: كان من قول رسول اللهصلى الله عليه و آله في حجة الوداع بمنى: يا أيها الناس إني تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و أنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين- و جمع بين سبابتيه- ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا، و من خالفهما فقد هلك، الأهل بلغت أيها الناس؟ قالوا: نعم، قال: اللهم أشهد.

فلما كان في آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله عليه:" إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ" إلى آخرها فقالصلى الله عليه و آله و سلم: نعيت إلى نفسي، فجاء إلى مسجد الخيف فدخله و نادى:

الصلاة جامعة فاجتمع الناس فحمد الله و أثنى عليه و ذكر خطبتهصلى الله عليه و آله و سلم ثم قال فيها: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر كتاب الله عز و جل طرف بأيديكم فتمسكوا به، و الثقل الأصغر عترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين- و جمع بين سبابتيه- و لا أقول كهاتين- و جمع بين سبابته و الوسطى- فتفضل هذه.

ص: 252

فاجتمع قوم و قالوا: يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته، فخرج منهم أربعة و دخلوا إلى مكة و دخلوا الكعبة و كتبوا فيما بينهم إن أمات الله محمدا أو قتل لا يرد هذا الأمر في أهل بيته فأنزل الله تعالى:" أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ".

و أذن النبيصلى الله عليه و آله و سلم بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا، فنزل جبرئيل بضجنان بإعلان علي عليه السلام فخرج رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم حتى نزل الجحفة فلما نزل القوم و أخذوا منازلهم أتاه جبرئيل فأمره أن يقوم بعلي عليه السلام فقال: يا رب إن قومي حديثو عهد بالجاهلية فمتى أفعل هذا يقولوا فعل بابن عمه.

فلما سار من الجحفة هبط جبرئيل فقال: اقرء" يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ" الآية، و قد بلغنا غدير خم في وقت لو طرح اللحم فيه على الأرض لانشوى و انتهى إلينا رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فنادى: الصلاة جامعة و لقد كان أمر على أعظم عند الله مما يقدر، فدعا المقداد و سلمان و أبا ذر و عمارا فأمرهم أن يعمدوا إلى أصل شجرتين فيقموا ما تحتهما فكسحوه و أمرهم أن يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم، و أمرهم بثوب فطرح عليه ثمصعد النبيصلى الله عليه و آله و سلم المنبر ينظر يمنة و يسرة ينتظر اجتماع الناس إليه.

فلما اجتمعوا قال: الحمد لله الذي علا في توحده و دنا في تفرده، إلى أن قال:

أقر له على نفسي بالعبودية، و أشهد له بالربوبية، و أؤدي ما أوحى إلى حذار إن لم أفعل أن تحل بي قارعة أوحى إلى:" يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ

ص: 253

رَبِّكَ" الآية.

معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزله الله تعالى و أنا أبين لكم سبب هذه الآية، إن جبرئيل هبط إلى مرارا، أمرني عن السلام أن أقول في المشهد و أعلم الأبيض و الأسود أن علي بن أبي طالب أخي و خليفتي و الإمام بعدي، أيها الناس علمي بالمنافقين- الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم و يحسبونه هينا و هو عند الله عظيم، و كثرة أذاهم لي مرة سموني أذنا لكثرة ملازمته إياي و إقبالي عليه، حتى أنزل الله:

" وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ"- محيط و لو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لسميت و اعلموا أن الله قد نصبه لكم وليا و إماما مفترضا طاعته على المهاجرين و الأنصار، و على التابعين، و على البادي و الحاضر، و على العجمي و العربي و على الحر و المملوك، و على الكبير و الصغير، و على الأبيض و الأسود، و على كل مؤمن موحد، فهو ماض حكمه. جائز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم منصدقه.

معاشر الناس تدبروا في القرآن و افهموا آياته و محكماته و لا تتبعوا متشابهه، فو الله لا يوضح تفسيره إلا الذي أنا أخذ بيده و رافعها بيدي، و معلمكم أن من كنت مولاه فهو مولاه و هو علي.

معاشر الناس إن عليا و الطيبين من ولدي منصلبه هم الثقل الأصغر، و القرآن هو الثقل الأكبر لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، و لا تحل إمرة المؤمنين لأحد بعدي غيره، ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه على درجة دون مقامه متيامنا عن وجه رسول الله فرفعه بيده و قال:

أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله و رسوله فقال: ألا من كنت مولاه فهذا على مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و أخذل من خذله، إنما أكمل الله لكم دينكم بولايته و إمامته، و ما نزلت آية خاطب الله بها المؤمنين إلا بدأ به، و لا شهد الله بالجنة في" هل أتى" إلا له، و لا أنزلها في غيره، ذرية كل نبي

ص: 254

منصلبه، و ذريتي منصلب علي، لا يبغض عليا إلا شقي و لا يوالي عليا إلا تقي و في علي نزلت:" و العصر" و تفسيرها، و رب عصر القيامة" إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ" أعداء آل محمد،" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا" بولايتهم" وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ" بموالاة إخوانهم" وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ" في غيبة قائمهم.

معاشر الناس" آمنوا بالله و رسوله و النور الذي أنزل" أنزل الله النور في ثم في علي ثم في النسل منه إلى المهدي الذي يأخذ بحق الله.

معاشر الناس إني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل، ألا إن عليا الموصوف بالصبر و الشكر، ثم من بعده من ولده منصلبه.

معاشر الناس قد ضل من قبلكم أكثر الأولين، أناصراط الله المستقيم الذي أمركم أن تسلكوا الهدى إليه، ثم علي من بعدي ثم ولدي منصلبه، أئمة يهدون بالحق إني قد بينت لكم و فهمتكم و هذا على يفهمكم بعدي، ألا و إني عند انقطاع خطبتي أدعوكم إلى مصافحتي على بيعته، و الإقرار له، ألا إني بايعت لله و على بائع لي و أنا آخذكم بالبيعة له عن الله" فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً".

معاشر الناس أنتم أكثر من أن تصافحوني بكف واحدة قد أمرني الله أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدتم الإمرة لعلي بن أبي طالب و من جاء من بعده من الأئمة مني و منه على ما أعلمتكم أن ذريتي منصلبه فليبلغ الحاضر الغائب، فقولوا إنا سامعون مطيعون راضون لما بلغت عن ربك، نبايعك على ذلك قلوبنا و ألسنتنا و أيدينا على ذلك نحيا و نموت و نبعث لا نغير و لا نبدل و لا نشك و لا نرتاب، أعطينا بذلك الله و إياك و عليا و الحسن و الحسين و الأئمة الذين ذكرت كل عهد و ميثاق من قلوبنا و ألسنتنا، لا نبتغي بذلك بدلا و نحن نؤدي ذلك إلى كل من رأينا.

ص: 255

وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَصَدَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَقَامَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ ع يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَنَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةً وَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ قَالَ عُمَرُ بْنُ أُذَيْنَةَ قَالُوا جَمِيعاً غَيْرَ أَبِي الْجَارُودِ وَ قَالَ أَبُو

فبادر الناس بنعم نعم، سمعنا و أطعنا أمر الله و أمر رسوله، آمنا به بقلوبنا و تداكوا على رسول الله و علي بأيديهم إلى أنصليت الظهر و العصر في وقت واحد، و باقي ذلك اليوم إلى أنصليت العشاءان في وقت واحد، و رسول الله يقول كلما أتى فوج: الحمد لله الذي فضلنا على العالمين.

أقول: قال السيد- روح الله روحه- اعلم أن موسى نبي الله راجع الله تعالى في إبلاغ رسالته و قال في مراجعته:" إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ" و إنما كان قتل نفسا واحدة و أما علي بن أبي طالب فإنه كان قد قتل من قريش و غيرهم من القبائل قتلي كثيرة، كل واحد منهم يحتمل مراجعة النبيصلى الله عليه و آله و سلم شفيقا على أمته كما وصفه الله جل جلاله، فأشفق عليهم من الامتحان بإظهار ولاية علي عليه السلام في أوان، و يحتمل أن يكون الله جل جلاله أذن للنبيصلى الله عليه و آله و سلم في مراجعته لتظهر لأمته أنه ما آثر عليا و إنما الله جل جلاله آثره كما قال:" ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى" انتهى.

و في القاموس:صدع بالحق تكلم به جهارا، انتهى.

و الصلاة منصوبة على الإغراء و" جامعة" حال أو هما مرفوعان بالابتدائية و الخبرية، فيكون خبرا في معنى الأمر.

" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" قال الطبرسي: قيل فيه أقوال

ص: 256

جَعْفَرٍ ع وَ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ تَنْزِلُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْأُخْرَى وَ كَانَتِ الْوَلَايَةُ آخِرَ الْفَرَائِضِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَا أُنْزِلُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ هَذِهِ فَرِيضَةً قَدْ أَكْمَلْتُ لَكُمُ الْفَرَائِضَ

أحدها: أن معناه أكملت لكم فرائضي و حدودي و حلالي و حرامي بتنزيلي ما أنزلت، و بياني ما بينت لكم، فلا زيادة في ذلك و لا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم، و كان ذلك يوم عرفة عام حجة الوداع عن ابن عباس و السدي و اختاره الجبائي و البلخي، قالوا: و لم ينزل بعد هذا على النبيصلى الله عليه و آله و سلم شي ء من الفرائض في تحليل و لا تحريم فإنهصلى الله عليه و آله و سلم مضى بعد ذلك بإحدى و ثمانين ليلة.

و ثانيها: أن معناه اليوم أكملت لكم حجكم و أفردتكم بالبلد الحرام تحجونه دون المشركين عن ابن جبير و قتادة، و اختاره الطبري قال: لأن الله أنزل بعده:

" يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ" قال الفراء: هي آخر آية نزلت، و هذا لوصح لكان لهذا القول ترجيح لكن فيه خلاف.

و ثالثها: أن معناه اليوم كفيتكم خوف الأعداء و أظهرتكم عليهم، كما تقول:

الآن كمل لنا الملك، و المروي عن الإمامين أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام أنه إنما نزل بعد نصب النبيصلى الله عليه و آله و سلم عليا علما للأنام يوم غدير خم، عند منصرفه عن حجة الوداع، قالا: و هي آخر فريضة أنزلها الله تعالى ثم لم تنزل بعدها فريضة.

ثم روي عن الحسكاني بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم لما نزلت هذه الآية قال: الله أكبر الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الرب برسالتي و ولاية علي بن أبي طالب من بعدي، و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و أخذل من خذله، انتهى.

أقول: قد دل على الأول الأخبار المتواترة من طرق الخاصة و العامة و روى السيد في الطرائف عن ابن المغازلي و تاريخ بغداد للخطيب و روى الصدوق أيضا في مجالسه بأسانيدهم عن أبي هريرة قال: منصام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله لهصيام ستين شهرا و هو يوم غدير خم لما أخذ رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم بيد علي بن أبي طالب

ص: 257

عليه السلام و قال: أ لست أولى بالمؤمنين؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال له عمر: بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كل مسلم، فأنزل الله:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ".

و روى ابن بطريق في المستدرك عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم دعا الناس إلى علي في غدير خم و أمر بما تحت الشجر من شوك فقم، و ذلك في يوم الخميس، فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض أبطئ رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" الآية. فقال رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم: الله أكبر الله أكبر على كمال الدين و تمام النعمة و رضا الرب برسالتي، و بالولاية لعلي من بعدي، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و أخذل من خذله.

و رواه في الطرائف عن ابن مردويه بإسناده عن الخدري.

و روى السيوطي في در المنثور عن ابن مردويه و ابن عساكر بإسنادهما عن الخدري قال: لما نصب رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" و روي عن أبي هريرة أيضا مثله، و الأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير.

و مع قطع النظر عن الرواية يمكن أن يكون المراد بإكمال الدين بالولاية أن دين النبيصلى الله عليه و آله و سلم إنما يحفظ و يبقى و يوضح بالوصي، فمع عدم تعيين الوصي يكون الدين ناقصا في معرض الزوال و الضياع، و أيضا لما كان قبول الأعمال مشروطا بالولاية فمع عدم تعيين الإمام يكون ناقصا، و به يكمل جميع أمور الدين و به يتم النعمة على الخلق بتلك الوجوه، و الأخبار في كون نعمة الله الولاية كثيرة، و به يتم دين

ص: 258

5 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْصَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ كُنْتُ عِنْدَهُ جَالِساً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ حَدِّثْنِي عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِص أَخْوَفَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ اللَّهُ بَلِ افْتَرَضَهُ كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَ الزَّكَاةَ وَ الصَّوْمَ وَ الْحَجَ

6 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ جَمِيعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى الْعِبَادِ خَمْساً أَخَذُوا أَرْبَعاً وَ تَرَكُوا وَاحِداً قُلْتُ أَ تُسَمِّيهِنَّ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ الصَّلَاةُ وَ كَانَ النَّاسُ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يُصَلُّونَ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْهُمْ بِمَوَاقِيتِصَلَاتِهِمْ ثُمَّ نَزَلَتِ الزَّكَاةُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْهُمْ مِنْ زَكَاتِهِمْ مَا أَخْبَرْتَهُمْ مِنْصَلَاتِهِمْ ثُمَّ نَزَلَ الصَّوْمُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِص إِذَا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ بَعَثَ إِلَى مَا حَوْلَهُ مِنَ الْقُرَى فَصَامُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَنَزَلَ شَهْرُ

الإسلام إذ الاعتقاد بالإمام ركن عظيم من أركانه، فظهر أن تتمة الآية إنما يناسب المعنى الأول.

الحديث الخامس

: مجهول.

الحديث السادس

: ضعيف بسنديه.

" أخذوا أربعا" أي المخالفون" ثم نزل الصوم" أي في غير القرآن أو بالآيات المجملة نحو:" وَ الصَّائِمِينَ وَ الصَّائِماتِ" و أنه نزل أو لا" كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ثم في تتمة الآيات عين كونه في شهر رمضان، و على التقادير يدل على أنه كان قبل نزولصوم شهر رمضانصوم عاشوراء ثم نسخ به.

قال الطبرسي: في قوله:" أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ*" اختلف في هذه الأيام على

ص: 259

رَمَضَانَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَ شَوَّالٍ ثُمَّ نَزَلَ الْحَجُّ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ أَخْبِرْهُمْ مِنْ حَجِّهِمْ مَا أَخْبَرْتَهُمْ مِنْصَلَاتِهِمْ وَ زَكَاتِهِمْ وَصَوْمِهِمْ ثُمَّ نَزَلَتِ الْوَلَايَةُ وَ إِنَّمَا أَتَاهُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ

وجهين:

أحدهما: أنها غير شهر رمضان و كانت ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ عن معاذ و عطاء عن ابن عباس، و روي ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم عاشوراء عن قتادة، ثم قيل: إنه كان تطوعا، و قيل: بل كان واجبا، و اتفق هؤلاء على أن ذلك منسوخ بصوم شهر رمضان.

و الآخر: أن المعنى بالمعدودات شهر رمضان، انتهى.

" بين شعبان و شوال" الظاهر أنه لم يكن اشتهار الشهر بهذا الاسم في أول الأمر كاشتهاره اليوم، فرفع بذلك توهم كونه غيره، أو لأنه لما كان المشهور أن رمضان من الرمض و هو شدة وقع الشمس على الرمل و غيره، و إنما سموه رمضان لأنهم كانوا يسمون الشهور بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق رمضان أيام رمض الحر فربما يتوهم أنه إنما يسمى بهذا الاسم إذا وقع في ذلك الفصل، فرفع بهذا القول ذلك التوهم.

و قال المحدث الأسترآبادي: يعني الشهر الذي بين شعبان و شوال لم يكن اسمه شهر رمضان لأن رمضان اسم الله، انتهى.

و قيل: إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها و قيل: الغرض رفع توهم كون المراد الشهر العددي أي ثلاثين يوما كما زعمه بعض.

قوله عليه السلام:" و إنما أتاه ذلك" أي الأمر بالولاية بقوله:" يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ" و قوله: أنزل الله، أي بعد التبليغ في غدير خم، و قوله: فقال عند ذلك" رجوع إلى أول الكلام و تفصيل لذلك الإجمال، مع أنه يحتمل أن يكون نزل بعد تبليغ يوم عرفة و بعد تبليغ يوم الغدير أيضا، و بالجملة في الخبر تشويش،

ص: 260

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ كَانَ كَمَالُ الدِّينِ بِوَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِص أُمَّتِي حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَ مَتَى أَخْبَرْتُهُمْ بِهَذَا فِي ابْنِ عَمِّي يَقُولُ قَائِلٌ وَ يَقُولُ قَائِلٌ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ لِسَانِي فَأَتَتْنِي عَزِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بَتْلَةً أَوْعَدَنِي إِنْ لَمْ أُبَلِّغْ أَنْ يُعَذِّبَنِي فَنَزَلَتْ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِص بِيَدِ عَلِيٍّ ع فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّنْ كَانَ

و مخالفة ظاهر لما ورد في الأخبار الكثيرة أن الآية نزلت يوم الغدير أو بعده و هو أوفق بظاهر الآية، و لما رواه الصدوق في الخصال بسندصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يوم غدير أفضل الأعياد، و هو يوم الثامن عشر من ذي الحجة و كان يوم الجمعة، الخبر.

و هذا الخبر معصحتهصريح في كون الغدير يوم الجمعة، و يؤيده ما رواه ابن شهرآشوب في المناقب عن ابن عباس أنه قال: اجتمعت في ذلك اليوم خمسة أعياد:

الجمعة، و الغدير، و عيد اليهود و النصارى و المجوس، و لم يجتمع هذا فيما سمع قبله و كان كمال الدين بولاية علي لما عرفت أنه لما نصب للناس وليا و أقيم لهم إماماصار معولهم على أقواله و أفعاله في جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم، ثم على خليفته من بعده، و هكذا إلى يوم القيامة فلم يبق لهم من أمر دينهم ما لا يمكنهم الوصول إلى علمه، فكمل الدين بهم و تمت النعمة بوجودهم واحدا بعد واحد.

" حديثو عهد" قريبوا عهد" بالجاهلية" و الكفر" يقول قائل" إنهصادق" و يقول قائل" إنه كاذب، و المعنى يقول قائل: إنه نصبه للقرابة، و يقول قائل نصبه لحمايته له في جميع أحواله و أشباه هذا الكلام،" فقلت في نفسي" أي كان هذا الكلام السابق كلاما نفيسا لم أنطق به" فاتتني عزيمة من الله" أي آية حتم لا رخصة فيها" بتلة" أي جازمة مقطوع بها، يقال: بتلة كنصره و ضربه إذا قطعه:

ص: 261

قَبْلِي إِلَّا وَ قَدْ عَمَّرَهُ اللَّهُ ثُمَّ دَعَاهُ فَأَجَابَهُ فَأَوْشَكَ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ وَ أَنَا مَسْئُولٌ وَ أَنْتُمْ مَسْئُولُونَ- فَمَا ذَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ نَصَحْتَ وَ أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ فَجَزَاكَ اللَّهُ أَفْضَلَ جَزَاءِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع كَانَ وَ اللَّهِ عَلِيٌّ ع أَمِينَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَ غَيْبِهِ وَ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَ فَدَعَا عَلِيّاً فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَئْتَمِنَكَ عَلَى مَا ائْتَمَنَنِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْبِهِ وَ عِلْمِهِ وَ مِنْ خَلْقِهِ وَ مِنْ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يُشْرِكْ وَ اللَّهِ فِيهَا يَا زِيَادُ أَحَداً مِنَ الْخَلْقِ ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً ع حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ فَدَعَا وُلْدَهُ وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ذَكَراً فَقَالَ لَهُمْ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ

" إلا و قد عمره الله" من باب نصر أو باب التفعيل، أي أبقاه مدة" فأوشك" على المعلوم أي قرب و" ما ذا" مفعول" قائلون" قدم عليه.

" كان و الله" أي رسول الله أو عليصلى الله عليهما، و الأول أظهر" حضره الذي حضره" أي الموت.

" فلم يشرك و الله" أي رسول الله" فيها" أي في الإمامة أو في الخلافة أو في الوصية أو في الأشياء المذكورة و هي غيبة و خلقه و دينه و" زياد" اسم أبي الجارود و هو المنذر.

قوله: و كانوا اثنا عشر، قال المفيد قدس الله روحه: أولاد أمير المؤمنين عليه السلام سبعة و عشرون ولدا ذكرا و أنثى: الحسن، و الحسين، و زينب الكبرى، و زينب الصغرى- المكناة بأم كلثوم- أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين.

و محمد المكنى أبو القاسم، أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية.

و عمر و رقية كانا توأمين أمهما أم حبيب بنت ربيعة.

و العباس و جعفر و عثمان و عبد الله الشهداء مع أخيهم الحسين عليهم السلام بطف كربلاء أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم.

و محمد الأصغر المكنى بأبي بكر، و عبيد الله، الشهيدان بالطف أمهما ليلى بنت

ص: 262

عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَبَى إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ فِيَّ سُنَّةً مِنْ يَعْقُوبَ وَ إِنَّ يَعْقُوبَ دَعَا وُلْدَهُ وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ذَكَراً فَأَخْبَرَهُمْ بِصَاحِبِهِمْ أَلَا وَ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِصَاحِبِكُمْ أَلَا إِنَّ هَذَيْنِ ابْنَا رَسُولِ اللَّهِص- الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ع فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَ أَطِيعُوا وَ وَازِرُوهُمَا فَإِنِّي قَدِ ائْتَمَنْتُهُمَا عَلَى مَا ائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِص مِمَّا ائْتَمَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ وَ مِنْ غَيْبِهِ وَ مِنْ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا مِنْ عَلِيٍّ ع مَا أَوْجَبَ لِعَلِيٍّ ع مِنْ رَسُولِ اللَّهِص فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فَضْلٌ عَلَىصَاحِبِهِ إِلَّا بِكِبَرِهِ وَ إِنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ إِذَا حَضَرَ الْحَسَنُ لَمْ يَنْطِقْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حَتَّى يَقُومَ ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ ع حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ فَسَلَّمَ ذَلِكَ إِلَى الْحُسَيْنِ ع ثُمَّ إِنَّ حُسَيْناً حَضَرَهُ الَّذِي

مسعود الدارمية. و يحيى و عون أمهما أسماء بنت عميس.

و أم الحسن، و رملة، أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.

و نفيسة و زينب الصغرى و أم هاني و أم الكرام و جمانة المكناة أم جعفر و إمامة و أم سلمة و ميمونة و خديجة و فاطمة رحمة الله عليهن لأمهات شتى.

و في الشيعة من يذكر أن فاطمةصلوات الله عليها أسقطت بعد النبي ذكرا كان سماه رسول اللهصلى الله عليه و آله و هو حمل: محسنا، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين ثمانية و عشرون ولدا، انتهى.

" و إن يعقوب دعا ولده" إشارة إلى قوله تعالى:" أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ".

" فأخبرهم بصاحبهم" أي يوسف عليه السلام" و وازروهما" أي عاونوهما" إنما وجب الله" هو كلام أبي جعفر عليه السلام" من على" أي بسببه أو من جهته" لم ينطق" أي من الأحكام الشرعية أو لم يقض بين الناس.

ص: 263

حَضَرَهُ فَدَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ ع فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً وَ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع مَبْطُوناً لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لِمَا بِهِ فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ثُمَّصَارَ وَ اللَّهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ إِلَيْنَا

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع مِثْلَهُ

7 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْصَبَّاحٍ الْأَزْرَقِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُخْتَارِيَّةِ لَقِيَنِي فَزَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ إِمَامٌ فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ ع ثُمَّ قَالَ

" فدعا ابنته" قال المفيد رحمه الله: كان للحسين عليه السلام ستة أولاد: علي بن الحسين الأكبر أبو محمد و أمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد، و علي بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه في الطف، و أمه ليلى بنت أبي مرة، و جعفر بن الحسين لا بقية له و أمة قضاعية، و كان وفاته في حياة الحسين عليه السلام، و عبد الله بن الحسين قتل مع أبيهصغيرا في حجره، و سكينة و أمها الرباب بنت امرئ القيس، و هي أم عبد الله بن الحسين، و فاطمة و أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله، انتهى.

" و وصية ظاهرة" عطف تفسير، أو الكتاب الملفوف كان فيه الإسرار الذي لا ينبغي أن يطلع عليها المخالفون بل غير أهل البيت عليهم السلام، و الوصية الظاهرة كتب فيها أنه وصيه و هو أولى بأموره من غيره و سائر ما لا ينبغي إخفاؤه، و هو حجة إمامته كما مر، و الأول أظهر، و على الثاني المراد بالكتاب الجنس أو الكتاب الملفوف لأنه أهم، و على التقديرين هذا غير ما دفعه إلى أم سلمة قبل ذهابه إلى العراق من ودائع الإمامة كما سيأتي.

" لا يرون" أي لا يعلمون" إلا أنه" متوجه و مهيئ" لما ينزل به" أي الموت، و هو كناية عن الإشراف على الموت، و قيل: اللام لام العاقبة نحو:" لدوا للموت.".

الحديث السابع

: ضعيف على المشهور.

" من المختارية" أي أتباع مختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي خرج يدعي طلب

ص: 264

أَ فَلَا قُلْتَ لَهُ قَالَ قُلْتُ لَا وَ اللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ قَالَ أَ فَلَا قُلْتَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ فَلَمَّا مَضَى عَلِيٌّ ع أَوْصَى إِلَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ لَوْ ذَهَبَ يَزْوِيهَا عَنْهُمَا لَقَالا لَهُ نَحْنُ وَصِيَّانِ مِثْلُكَ وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَ أَوْصَى الْحَسَنُ إِلَى الْحُسَيْنِ وَ لَوْ ذَهَبَ يَزْوِيهَا عَنْهُ لَقَالَ أَنَا وَصِيٌّ مِثْلُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِص وَ مِنْ أَبِي وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ هِيَ فِينَا وَ فِي أَبْنَائِنَا

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْجَهْمِ الْهِلَالِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَمَّا نَزَلَتْ وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع وَ كَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِص سَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَانَ مِمَّا أَكَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَا زَيْدُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِص لَهُمَا قُومَا فَسَلِّمَا عَلَيْهِ

دم الحسين، و أظهر أنه بأمر محمد بن الحنفية، فزعم أصحابه أنه الإمام بعد الحسين عليه السلام" أ فلا قلت له" المفعول مقدر أي ما يكون حجة عليه، و في المصباح: دريت الشي ء: علمته" قال الله عز و جل" استئناف لبيان كون علي بن الحسين الإمام دون ابن الحنفية كما مر.

الحديث الثامن

: مجهول، و في رجال الشيخ زيد بن جهيم الهلالي.

" و كان" عطف على نزلت" و الإمرة" بالكسر الولاية فكان جواب لما، و ذكر الفاء لطول الفصل، و ضمير عليهما لأبي بكر و عمر، لم يصرح بهما تقية، و التأكيد باعتبار تخصيصهما بالأمر بعد دخولهما في التعميم، و سؤالهما يدل على عدم إيمانهما

ص: 265

بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالا أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ- فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِص مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ يَعْنِي بِهِ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِص لَهُمَا وَ قَوْلَهُمَا أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ- وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها

بالرسولصلى الله عليه و آله و سلم و اتهامهما لهصلى الله عليه و آله و سلم أن ما يقوله في وصيه إنما يقوله من قبل نفسه، و لم يؤمنا بقوله تعالى:" وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى".

" فأنزل الله" إشارة إلى آيات سورة النحل و هي هكذا:" وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ" قال البيضاوي: يعني البيعة لرسول اللهصلى الله عليه و آله على الإسلام، لقوله تعالى:

" إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ" و قيل: كل أمر يجب الوفاء به، و لا يلائمه قوله: إذا عاهدتم، و قيل: النذر، و قيل: الإيمان بالله" وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ" أيمان البيعة أو مطلق الأيمان" بَعْدَ تَوْكِيدِها" توثيقها بذكر الله و منه أكد بقلب الواو همزة" وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا" شاهدا بتلك البيعة، فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه" إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ" في نقض الأيمان و العهود" وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها" أي ما غزلته مصدر بمعنى المفعول" مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ" متعلق بنقضت أي نقضت غزلها بعد إبرام و إحكام" أَنْكاثاً" طاقات نكثت فتلها جمع نكث، و انتصابه على الحال من غزلها، و المفعول الثاني لنقضت، فإنه بمعنىصيرت، و المراد به تشبيه الناقض بما هذا شأنه و قيل: بريطة بنت سعد بن تيم القرشية فإنها كانت خرقاء تفعل ذلك" تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ" حال من الضمير في لا تكونوا أو في الجار الواقع موقع الخبر، أي و لا تكونوا متشبهين بامرأة هذا شأنها متخذي أيمانكم مفسدة و دخلا، و أصل الدخل ما يدخل الشي ء و لم يكن منه" أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى

ص: 266

مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أَئِمَّةٌ هِيَ أَزْكَى مِنْ أَئِمَّتِكُمْ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَئِمَّةٌ قَالَ إِي وَ اللَّهِ أَئِمَّةٌ قُلْتُ فَإِنَّا نَقْرَأُ أَرْبى فَقَالَ مَا أَرْبَى وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ فَطَرَحَهَا- إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ يَعْنِي بِعَلِيٍّ ع وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً

مِنْ أُمَّةٍ" بأن تكون جماعة أزيد عددا و أوفر مالا من جماعة، و المعنى لا تغدروا بقوم لكثرتكم و قلتهم أو لكثرة منابذتهم و قوتهم كقريش، فإنهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم و حالفوا أعداءهم.

" إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ" الضمير لأن تكون أمة، لأنه بمعنى المصدر أي يختبركم بكونكم أربى لينظر أ تتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله و بيعة رسول الله أم تغترون بكثرة قريش و شوكتهم و قلة المؤمنين و ضعفهم، و قيل: الضمير للربا، و قيل للأمر بالوفاء" و ليبينن لكم ما كنتم فيه تختلفون" إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب و العقاب" وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً" متفقة على الإسلام" وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ" بالخذلان" وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ" بالتوفيق" وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" سؤال تبكيت و مجازاة" وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ" تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا و مبالغة في قبح المنهي" فَتَزِلَّ قَدَمٌ" أي عن محجة الإسلام" بَعْدَ ثُبُوتِها" عليها و المراد أقدامهم، و إنما وحد و نكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بإقدام كثيرة" وَ تَذُوقُوا السُّوءَ" العذاب في الدنيا" بِماصَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" بصدودكم عن الوفاء أيصدودكم غيركم عنه، فإن من نقض البيعة و ارتد جعل ذلك سنة لغيره" وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ" في الآخرة.

و قال الطبرسي قدس سره في قوله تعالى:" كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها" هي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، و لا تزال ذلك دأبها، و اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة و كانت تسمى خرقاء مكة، انتهى.

ص: 267

وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها يَعْنِي بَعْدَ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِص

و في تفسير العياشي عن زيد بن الجهم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:

لما سلموا على علي بإمرة المؤمنين قال رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم للأول: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين، فقال: أ من الله أو من رسوله؟ فقال: نعم من الله و من رسوله، ثم قال لصاحبه: قم و سلم على علي بإمرة المؤمنين، فقال: أ من الله و من رسوله؟ فقال: نعم من الله و من رسوله، ثم قال: يا مقداد قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين، قال: فلم يقل ما قالصاحباه، ثم قال: يا أبا ذر فسلم على علي بإمرة المؤمنين فقام و سلم، ثم قال: قم يا سلمان و سلم على علي بإمرة المؤمنين فقام و سلم، قال: حتى إذا خرجا و هما يقولان: لا و الله لا نسلم له ما قال أبدا، فأنزل الله تبارك و تعالى على نبيه:" وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا" بقولكم أ من الله و من رسوله" إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ" إلى آخر الخبر.

قوله عليه السلام: يعني به، أي بقوله:" وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا" أو" ما تَفْعَلُونَ" و الأول أظهر لما مر في رواية العياشي.

قوله: أن تكون أئمة، لعله على هذا التأويل مفعول له لقوله" تتخذون" أي تضمرون نقض العهد لأن تكون أئمة من أئمة الضلال أزكى من أئمتكم أئمة الهدى، و المعنى تفعلون ذلك كراهة أن تكون أئمة الحق أزكى من أئمتكم الضالة و الظاهر أن في قرآنهم عليهم السلام كانت الآية هكذا، و قد يأول بأن المراد أن أربى هنا معناه أزكى، و المراد بالأمة في الموضعين الأئمة و هو بعيد، و الإيماء باليد و طرحها لتقوية الإنكار" يعني بعلي" رجوعه إليه عليه السلام بقرينة نزول الآية فيه و في خلافته، أو هو بيان لحاصل المعنى و الضمير راجع إلى أن يكون أئمة لأنه بمعنى المصدر، أو عوده إليه باعتبار أنه مفهوم من أئمة أنه واحد منهم، أو إلى أئمة باعتبار أن المراد بها علي عليه السلام و الجمع للتعظيم كما قيل، و الأول أظهر" يعني بعد مقالة رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم" لعله عليه السلام فسر الثبوت بما يوجب الثبوت و يقتضيه من النص الصريح عليه عليه السلام

ص: 268

فِي عَلِيٍّ ع- وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِماصَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يَعْنِي بِهِ عَلِيّاً ع وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَمَّا أَنْ قَضَى مُحَمَّدٌ نُبُوَّتَهُ وَ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ يَا مُحَمَّدُ قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَ الْإِيْمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ

" يعني به" أي سبيل الله" عليا عليه السلام" لأن بسلوك سبيل متابعته يوصل إلى الله و ثوابه و قربه.

الحديث التاسع

: مجهول.

" قضى" على بناء المعلوم، و المجهول بعيد، و كذا استكمل و" أن" في قوله:

" أن قضى" زائدة لتأكيد اتصال لما بمدخولها، و في قوله" أن يا محمد" مفسرة و في النهاية قضاء الشي ء إحكامه و إمضاؤه و الفراغ منه" فاجعل العلم" إشارة إلى قوله تعالى:" وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ" و إلى قوله سبحانه:" ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ" فالمراد بالعلم العلوم التي أوحى الله إليهصلى الله عليه و آله و سلم و بالإيمان التصديق بها مع الانقياد المقرون بالإيقان أو العلوم المتعلقة بأصول الدين فيكون تعميما بعد التخصيص، و ربما يقرأ بفتح الهمزة إلى العهود و المواثيق و هو بعيد، و المراد بالاسم الأكبر إما الاسم الأعظم أو القرآن التام الذي عندهم، أو هو مع سائر كتب الأنبياء كما سيأتي في الخبر الآتي، فالمراد بالاسمصاحب الاسم، أو هو بمعنى العلامة و المراد بميراث العلم ما في الجفر الأبيض من كتب الأنبياء السابقين، فيكون على بعض الوجوه المتقدمة تأكيدا أو كتب العلماء السابقين سوى الكتب المنزلة.

و قيل: الإضافة لامية و المراد به الخلافة الكبرى و قيل: المراد به التخلق بأخلاق

ص: 269

وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ ذُرِّيَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ

3 مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ غَيْرُهُ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ جَمِيعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ وَ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ أَوْصَى مُوسَى ع إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ وَ أَوْصَى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى وَلَدِ هَارُونَ وَ لَمْ يُوصِ إِلَى وَلَدِهِ وَ لَا إِلَى وَلَدِ مُوسَى إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ الْخِيَرَةُ يَخْتَارُ مَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ يَشَاءُ وَ بَشَّرَ مُوسَى وَ يُوشَعُ بِالْمَسِيحِ ع فَلَمَّا أَنْ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْمَسِيحَ ع قَالَ الْمَسِيحُ لَهُمْ إِنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي نَبِيٌّ اسْمُهُ أَحْمَدُ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ ع يَجِي ءُ بِتَصْدِيقِي وَ تَصْدِيقِكُمْ

الله أي ما أورثه العلم و المراد بآثار علم النبوة جميع علم النبيصلى الله عليه و آله و سلم تأكيدا أو كتب الأنبياء تأكيدا أو تأسيسا أو آثار الأنبياء- سوى العلم- من السلاح و العصا و غيرهما، و قيل: هي علم الشرائع و الأحكام.

أقول: يحتمل أن يكون إشارة إلى ما تتجدد لهم من العلوم في ليلة القدر و غيرها، فإنها من آثار علم النبوة المترتبة عليه، فالمراد بجعلها عنده جعله قابلا و مهيئا لذلك، و ربما يقرأ العقب بضم العين و شد القاف المفتوحة جمع عاقب و هو الخليفة في الخير.

الحديث العاشر

: ضعيف على المشهور.

و الخيرة بالكسر و كعنبة مصدر باب ضرب: التفضيل، أو اسم مصدر باب الافتعال كما قيل.

قوله: لهم، أي للمبعوث إليهم" بتصديقي" أي في الرسالة وصحة الولادة كما نطقت به سورة مريم و غيرها" و تصديقكم" في الإيمان و المتابعة كما في سورة المائدة:

" وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا" الآية، و غير

ص: 270

وَ عُذْرِي وَ عُذْرِكُمْ- وَ جَرَتْ مِنْ بَعْدِهِ فِي الْحَوَارِيِّينَ فِي الْمُسْتَحْفَظِينَ وَ إِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَحْفَظِينَ لِأَنَّهُمُ اسْتُحْفِظُوا الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ عِلْمُ كُلِ

ذلك من الآيات و الأخبار" و عذري و عذركم" أي حجتي و حجتكم من قولهم أعذر إذا احتج لنفسه، أو براءتي مما رميت به من ادعاء الألوهية و الولدية و براءتكم من القول في ذلك، أو براءتي مما رماني به اليهود و براءتكم من متابعة من كان كذلك.

و الحواريون هم خواص عيسى على نبينا و آله و عليه السلام و أنصاره، من التحوير بمعنى التبييض، قيل: إنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب و ينقونها من الأوساخ، و قيل: بل كانوا ينقون نفوس الخلائق من الكدورات و أوساخصفات الذميمة، و قال الأزهري: هم خلصان الأنبياء و تأويله: الذين خلصوا و نقوا من كل عيب، و تسمية الله إياهم بالمستحفظين كأنها إشارة إلى قوله عز و جل في شأن التوراة:" فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ".

" و جرت" أي الوصية أو الخيرة أو السنة، و قيل: المراد بالميزان الشرع، و قيل: هو عطف تفسير للكتاب.

قال المحدث الأسترآبادي: مقصوده عليه السلام أن المشهور بين الناس في هذا الزمان مما يسمى بالكتاب الكتب الثلاثة و من جملة الكتب كتاب نوح عليه السلام و كتابصالح و كتاب شعيب و إبراهيم عليهم السلام، و قد أخبر الله أن ما جاء به محمدصلى الله عليه و آله و سلم مذكور فيصحف إبراهيم و موسى و كانتا عنده، فإذا كانتا محفوظتين إلى زمانهصلى الله عليه و آله و سلم فكيف لا يحفظهما هوصلى الله عليه و آله و سلم و لا يدفعهما إلى أحد، فالذي دفعهما إليه هوصاحب الشريعة، انتهى.

و أقول: فيه أيضا رد على من زعم أن المستحفظين علماء اليهود و النصارى، لعدم وجدان هذه الكتب عندهم، فالمراد بالعقب من المستحفظين الأوصياء أي أولادهم بل ظاهره أن العقب لم يكونوا من بني إسرائيل، فالمراد بهم أبو طالب و أمير المؤمنين عليهما السلام، و كلمة" من" يحتمل التبعيض و الابتداء و البيان أيضا على بعد.

ص: 271

شَيْ ءٍ الَّذِي كَانَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِص يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ* ... وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ الْكِتَابُ الِاسْمُ الْأَكْبَرُ وَ إِنَّمَا عُرِفَ مِمَّا يُدْعَى الْكِتَابَ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِيلُ وَ الْفُرْقَانُ فِيهَا كِتَابُ نُوحٍ وَ فِيهَا كِتَابُصَالِحٍ وَ شُعَيْبٍ وَ إِبْرَاهِيمَ ع فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى فَأَيْنَصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ إِنَّمَاصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ الِاسْمُ الْأَكْبَرُ وَصُحُفُ مُوسَى الِاسْمُ الْأَكْبَرُ فَلَمْ تَزَلِ الْوَصِيَّةُ فِي عَالِمٍ بَعْدَ عَالِمٍ حَتَّى دَفَعُوهَا إِلَى مُحَمَّدٍص

قال بعض المحققين: استحفاظهم الاسم الأكبر الذي هو الكتاب الجامع للعلوم الغير المنفك عن الأنبياء، لعله كناية عن انتقاش قلوبهم الصافية المصيقلة بنور الله، بما في اللوح المحفوظ، وصيرورتهم العقل بالفعل، و بلوغهم رتبة الشهود التام و إلى قابلية الإنسان لهذه الرتبة أشار أمير المؤمنينصلوات الله عليه بقوله:

دواؤك فيك و ما تشعر و داؤك منك و ما تبصر

و تزعم أنك جرمصغير و فيك انطوى العالم الأكبر

و أنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر

و العالم الأكبر هو الاسم الأكبر، إذا العالم ما يعلم به الشي ء كالاسم ما يعلم به المسمى، و من الأنبياء و الأوصياء من أوتي علم الكتاب كله، و منهم من أوتي بعضه، و إلى الأول أشير بقوله عز و جل:" قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ" يعني به أمير المؤمنين عليه السلام و إلى الثاني بقوله:" قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ" حيث أتى بمن التبعيضية، يعني به آصف بن برخيا.

و المراد بقوله: إنما عرف مما يدعى الكتاب، أن المعروف مما يسمى بالكتاب ليس سوى هذه الثلاثة مع أن كثيرا من الأنبياء كان معهم كتب غير هذه، منها كذا و منها كذا، و قد أخبر الله عن بعضها و ليس ذلك بمعروف بين الناس، فإذا انحصرت

ص: 272

فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُحَمَّداًص أَسْلَمَ لَهُ الْعَقِبُ مِنَ الْمُسْتَحْفِظِينَ وَ كَذَّبَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَ دَعَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَيْهِ أَنْ أَعْلِنْ فَضْلَ وَصِيِّكَ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ الْعَرَبَ قَوْمٌ جُفَاةٌ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كِتَابٌ- وَ لَمْ يُبْعَثْ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ وَ لَا يَعْرِفُونَ فَضْلَ نُبُوَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ ع وَ لَا شَرَفَهُمْ وَ لَا يُؤْمِنُونَ بِي إِنْ أَنَا أَخْبَرْتُهُمْ بِفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِي فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ- وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ

الكتب فيما عرف فأينصحف إبراهيم الذي أخبر الله عنها، و الغرض من هذا الكلام الرد على من زعم أن المراد بالمستحفظين لكتاب الله، علماء اليهود الحافظين للتوراة و من يحذو حذوهم في حفظ الألفاظ و القصص.

فبين عليه السلام أن المراد بكتاب الله الاسم الأكبر المشتمل على كل ما في العالم من شي ء الذي كتبه الرحمن بيده كما قال سبحانه:" أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ" و عن أمير المؤمنين عليه السلام أنصحف إبراهيم كانت عشرينصحيفة وصحف إدريس ثلاثين، وصحف شيث خمسين، يعني ما كان يتلى من الاسم الأكبر على الناس.

و عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال لرسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم: ما كانصحف إبراهيم؟

قال: اقرأ يا أبا ذر" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى" إلى قوله:"صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى" يعني فيها أمثال هذه الكلمات.

" إن العرب قوم جفاة" أي بعداء عن الآداب و الأخلاق الحسنة، قال في المغرب:

الجفاء هو الغلظ في العشرة و الخرق في المعاملة و ترك الرفق، انتهى.

" و لا تخزن عليهم" أقول: هذه الآية بهذا الوجه ليست في المصاحف المشهورة، إذ في سورة الحجر" لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" و في سورة النحل:" وَ اصْبِرْ وَ ماصَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ" و في سورة الزخرف" فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ

ص: 273

يَعْلَمُونَ فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِ وَصِيِّهِ ذِكْراً فَوَقَعَ النِّفَاقُ فِي قُلُوبِهِمْ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِص ذَلِكَ وَ مَا يَقُولُونَ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ يَا مُحَمَّدُ وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُصَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَ لَكِنَّهُمْ يَجْحَدُونَ

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" فيحتمل أن يكون عليه السلام ذكر الآيتين إحدى السوابق مع الأخيرة فسقط من الرواة أو النساخ، أو أشار عليه السلام إلى الآيتين بذكرصدر إحداهما و عجز الأخرى، أو يكون نقلا لهما بالمعنى، أو يكون في مصحفهم عليهم السلام كذلك، و الحزن عليهم التأسف على كونهم هالكين.

" سلام" أي ما أدعوكم إليه سلامة لكم من النار، أو تسلم منكم، و متاركة.

" ذكرا" أي قليلا من الذكر بدون إعلان ذلك أي وقوع النفاق في قلوب المنافقين من العرب.

" وَ لَقَدْ نَعْلَمُ" أقول: في المصاحف المشهورة في سورة الحجر" وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُصَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ" و في سورة الأنعام" قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ" الآية و الكلام فيه كالكلام فيما مر.

" فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ" قيل: معناه أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك جئت من عنده بالمعجزات و الآيات، فهم لا يكذبونك في الحقيقة و إنما يكذبون الله بجحود آياته، أو المراد أنهم لا يكذبونك بقلوبهم و لكنهم يجحدون بألسنتهم، أو أنهم لا يكذبونك و لا يجحدونك و لكنهم يجحدون بآيات الله، و ذلك أنهصلى الله عليه و آله و سلم كان يسمى عندهم بالأمين، يعرفون أنه لا يكذب في شي ء، و كان أبو جهل يقول ما تكذب و إنك عندنا لصدوق و إنما نكذب ما جئتنا به.

و روي أن الأخنس بن شريق قال لأبي جهل: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد

ص: 274

بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَهُمْ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِص يَتَأَلَّفُهُمْ وَ يَسْتَعِينُ بِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَ لَا يَزَالُ يُخْرِجُ لَهُمْ شَيْئاً فِي فَضْلِ وَصِيِّهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ حِينَ أُعْلِمَ بِمَوْتِهِ وَ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ- فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ

أصادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال له: و الله إن محمدا لصادق و ما كذب قط و لكن إذا ذهب بنو قصي باللواء و السقاية و الحجابة و النبوة فما ذا يكون لسائر قريش؟

و سيأتي في الروضة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ رجل على أمير المؤمنينصلوات الله عليه هذه الآية فقال: بلى و الله لقد كذبوه أشد التكذيب و لكنها مخففة" فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ" لا يأتون بباطل يكذبون به حقك، و هذا التفسير موافق لما فسرها عليه السلام به هيهنا بقوله: و لكنهم يجحدون بغير حجة لهم، و المخففة من أكذبه إذا ألفاه كاذبا، و المشددة أيضا لا يبعد عن هذا المعنى على ما في كتب اللغة، قال الفيروزآبادي: أكذبه ألفاه كاذبا و حمله على الكذب و بين كذبه، و كذب بالأمر تكذيبا و كذابا أنكره، و فلانا جعله كاذبا، انتهى.

و إنما وضع الظالمين موضع الضمير للتنصيص بظلمهم في إنكار آياته و تمرنهم على جحدها، و يقال: تألفه إذا داراه و آلفة بالتكليف.

" هذه السورة" أي سورة أ لم نشرح كما يظهر مما بعده، و جملة" فاحتج عليهم" معترضة و كأنه أشير بها إلى ما فعل بغدير خم أو إلى أعم منه و من غيره من المواطن، و في بعض النسخ" هذه الآية" أي آية:" فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ".

" و نعيت" على بناء المجهول و النعي خبر الموت" فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ" في القرآن المشهورة بفتح الصاد من النصب بمعنى التعب و الاجتهاد، يعني إذا فرغت من عبادة عقبها بأخرى و واصل بعضها ببعض، و قيل: إذا فرغت من الغزو فانصب في العبادة،

ص: 275

يَقُولُ إِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ عَلَمَكَ وَ أَعْلِنْ وَصِيَّكَ فَأَعْلِمْهُمْ فَضْلَهُ عَلَانِيَةً فَقَالَص

أو فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء كما ورد في الخبر أيضا، و المستفاد من هذا الحديث أنه بكسر الصاد من النصب بالتسكين بمعنى الرفع و الوضع، أي إذا فرغت من أمر تبليغ الرسالة فانصب علمك بفتح اللام، أي ارفع علم هدايتك للناس، وضع من يقوم به خلافتك موضعك حتى يكون قائما مقامك من بعدك بتبليغ الأحكام و هداية الأنام، لئلا تنقطع خيط الهداية و الرسالة بين الله و بين عباده، و يكون ذلك مستمرا بقيام إمام مقام إمام إلى يوم القيامة فلعل في مصحفهم عليهم السلام كان بالكسر، أو يقال: لعله ورد بالفتح أيضا بمعنى النصب و إن لم يذكر في الكتب المتداولة في اللغة، و يحتمل أن يكون تفسيره عليه السلام بيانا لحاصل المعنى، و يكون المقصود أتعب نفسك في نصب وصيك بما تسمع من المنافقين في ذلك.

و العجب من المتعصب الناصب الزمخشري أنه قال في الكشاف: و من البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد أي فانصب عليا للإمامة، قال:

و لوصح هذا للرافضي لصح للناصبي أن يقرأ هكذا و يجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض على و عداوته، فانظر إلى هذا المتعصب المتعنت كيف عمى الله بصيرته بغشاوة العصبية حتى أتى بمثل هذا الكلام الذي يليق باللئام في هذا المقام.

و لا يخفى فساده على ذوي الأفهام من وجوه:

الأول: أن المناسبة بين الفراغ من تبليغ الرسالة و نصب الإمام لحفظ الشريعة بين ظاهر، لئلا يكون الناس بعده في حيرة و ضلالة، و لتجري سنة الله تعالى في الأولين و لا مناسبة بين الفراغ و ما ذكره بوجه.

و الثاني: أن إبداء احتمال مخالف لما ذهب إليه جميع فرق المسلمين لا يكون مساويا لاحتمال ذهب إليه أكثر المتورعين من المؤمنين.

و الثالث: أن ما ذكره الإمامية ليس بمحض التشهي و الاختراع بل نقلوه عن أئمتهم الذين لا خلاف بين المسلمين في فضلهم و علو شأنهم، و هذا الناصب أيضا

ص: 276

مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ لَأَبْعَثَنَ

كثيرا ما ينقل القراءات و التفاسير عنهم، و جميع المفسرين يعتمدون على ما نقل عنهم، فلا يكون ما نقل عنهم بأدون مما رووا عن قتادة و كعب و ابن مسعود و غيرهم.

و الفاء في قوله:" فقال الله" للبيان و قوله: ثلاث مرات متعلق بقوله:" اللهم.

" إلى آخر الكلام، أو الجميع" ثم قال": أي في يوم غزوة خيبر بعد ما مضى أبو بكر مع أصحابه، فلما رأوا مرحبا اليهودي خرج للمبارزة فروا ثم في اليوم الثاني مضى عمر و أصحابه و فروا و كلمة" ثم" للتراخي بحسب الرتبة لا الزمان إن حملنا الكلام السابق على ما ذكر في يوم الغدير، و إلا فيمكن حمله على الزماني أيضا.

و هذا الخبر مذكور في كتب العامة بطرق كثيرة، منها: ما رواه مسلم فيصحيحه بإسناده عن سلمة بن الأكوع قال: كان علي عليه السلام قد تخلف عن النبيصلى الله عليه و آله و سلم في خيبر و كان رمدا فقال: أنا أتخلف عن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فخرج فلحق بالنبيصلى الله عليه و آله فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله فيصبيحتها قال رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله و رسوله، أو قال: يحب الله و رسوله يفتح الله عليه، فإذا نحن بعلي و ما نرجوه فقالوا: هذا علي فأعطاه رسول الله الراية ففتح الله عليه.

و روي أيضا بإسناده عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله قال يوم خيبر:

لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم كلهم يرجو أن يعطاها، قالصلى الله عليه و آله و سلم: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول اللهصلى الله عليه و آله في عينيه و دعا له، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام و أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيهم، فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير

ص: 277

رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ لَيْسَ بِفَرَّارٍ يُعَرِّضُ بِمَنْ رَجَعَ يُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ يُجَبِّنُونَهُ وَ قَالَص عَلِيٌّ سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ وَ قَالَ عَلِيٌّ عَمُودُ الدِّينِ وَ قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَلَى الْحَقِّ بَعْدِي وَ قَالَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ أَيْنَمَا مَالَ

لك من أن يكون لك حمر النعم و روي عن أبي هريرة أيضا مثله.

" معرضا" حال عن فاعل قال، و التعريض نفي عيب عن أحد لإثباته لآخر، و المراد أن أبا بكر و عمر لا يحبان الله و رسوله و لا يحبهما الله و لا رسوله و هما فراران، و إنما ذكر عليه السلام الجبن فقط ليعلم عدم المحبة أيضا مع نوع تقية إذ العلة مشتركة، و لا خفاء في أن سياق هذا الكلام يدل على اختصاص جميع تلك الأوصاف بالمبعوث أخيرا و إلا فلا فائدة في ذكرها.

" يجبن" حال عن فاعل رجع أي يخوف أصحابه و يدعوهم إلى الجبن عند الحرب، أو ينسبهم إلى الجبن عند الرجوع و يلومهم به، يقال جبنه تجبينا أي نسبه إلى الجبن" على سيد المؤمنين" أي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أن السيد أولى بعبده منه، أو أشرفهم و أفضلهم لأنه فاق جميعهم في جميع الكمالات" عمود الدين" أي لا يقوم الدين إلا به كما لا تقوم الخيمة إلا بالعمود.

" هو الذي" التركيب يدل على الحصر أي كل من يضرب الناس بالسيف بعدي فهو على الباطل غيره و غير أوصيائه، و ضمير مال لعلي أو للحق أي سواء قام أو قعد و في جميع أقواله و أفعاله، و هذا الحديث رواه ابن مردويه في مناقبه بعدة طرق عن عائشة أن رسول اللهصلى الله عليه و آله قال: الحق مع على و على مع الحق لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، و ادعى ابن أبي الحديدصحة هذا الحديث بل تواتره.

ص: 278

وَ قَالَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا- كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَهْلَ بَيْتِي عِتْرَتِي أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَ قَدْ بَلَّغْتُ إِنَّكُمْ سَتَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأَسْأَلُكُمْ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي الثَّقَلَيْنِ وَ الثَّقَلَانِ كِتَابُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ أَهْلُ بَيْتِي فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَهْلِكُوا وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ فَوَقَعَتِ الْحُجَّةُ بِقَوْلِ النَّبِيِّص وَ بِالْكِتَابِ الَّذِي يَقْرَأُهُ النَّاسُ فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي فَضْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ بِالْكَلَامِ وَ يُبَيِّنُ لَهُمْ بِالْقُرْآنِ- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَ قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى ثُمَّ قَالَ وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فَكَانَ عَلِيٌّ ع

" و قال إني تارك فيكم أمرين" هذا الخبر متواتر اتفقت الأمة على قبوله و نقله، و قد مر الكلام فيه" كتاب الله" مرفوع بتقديرهما كتاب الله أو منصوب بدل تفصيل لأمرين و العترة العشيرة: الأدنون" و قد بلغت" علىصيغة المعلوم أي بلغت ما يلزمني تبليغه في أهل بيتي، أو على المجهول أي بلغني جبرئيل عن الله بالوحي" لا تسبقوهم" أي في الإمامة أو في شي ء من الأمور" فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" المشهور في القراءة فتح الهمزة على حذف المبتدأ، أي فحكمه أن لله خمسه و قيل: على حذف الخبر أي فثابت أن لله خمسه، و قرئ بكسرها أيضا و المعنى أن الذي أخذتموه من مال الكفار قهرا مما يطلق عليه اسم الشي ء قليلا كان أو كثيرا فحكمه أن لله خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل، و سيأتي أحكامه في محله إنشاء الله.

و لا يخفى ما في تخصيص ذي القربى بالذكر و إعادة اللام و تشريكه مع الرسول في التساهم من التعظيم و الاهتمام بشأنه.

" فكان على" أي ذا القربى على حذف الخبر أو كان تامة، و هذا أحد تأويلات الآية، و قد ورد في أخبار كثيرة من طريق الخاصة و العامة أنها نزلت في فدك، فرووا عن أبي سعيد الخدري و غيره أنه لما نزلت الآية أعطى رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فاطمة فدك،

ص: 279

وَ كَانَ حَقُّهُ الْوَصِيَّةَ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فَقَالَ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ثُمَّ قَالَ وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ

و لا تنافي بينهما فإن حق فاطمة عليها السلام من ذوي القربى كان فدك، و حق أمير المؤمنين الوصية، و قال البيضاوي: و آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، منصلة الرحم و حسن المعاشرة و البر عليهم، و قيل: المراد بذي القربى أقارب الرسولصلى الله عليه و آله و سلم.

" إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى" قال الطبرسي رحمه الله: اختلف في معناه على أقوال:

أحدهما: لا أسألكم في تبليغ الرسالة أجرا إلا التواد و التحاب فيما يقرب إلى الله تعالى.

و ثانيها: أن معناه إلا أن تودوني في قرابتي منكم و تحفظوني لها فهو لقريش خاصة.

و ثالثها: أن معناه إلا أن تؤدوا قرابتي و عترتي و تحفظوني فيهم، عن علي بن الحسين و ابن جبير و عمرو بن شعيب و جماعة، و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام.

ثم أورد أخبارا كثيرة في ذلك ثم قال: و على التقادير ففي المودة قولان:

أحدهما: أنه استثناء منقطع لأن هذا إنما يجب بالإسلام فلا يكون أجرا للنبوة.

و الآخر أنه استثناء متصل و المعنى لا أسألكم إلا هذا فقد رضيت به أجرا كما أنك تسأل غيرك حاجة فيعرض المسؤول عليك برا فتقول: اجعل بري قضاء حاجتي، و على هذا يجوز أن يكون المعنى: لا أسألكم أجرا إلا هذا فقد رضيت به أجرا، و نفعه أيضا عائد إليكم فكأني لم أسألكم أجرا، انتهى.

و قال إمامهم الرازي في تفسيره: روى الكلبي عن ابن عباس قال: إن النبيصلى الله عليه و آله لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب و حقوق و ليس في يده سعة فقال الأنصار: إن

ص: 280

بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ يَقُولُ أَسْأَلُكُمْ عَنِ الْمَوَدَّةِ الَّتِي أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ فَضْلَهَا مَوَدَّةِ الْقُرْبَى

هذا الرجل قد هداكم الله على يده و هو ابن أختكم و جاركم في بلدكم فاجمعوا له طائفة من أموالكم ففعلوا ثم أتوه به فرده عليهم و نزل قوله تعالى:" قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً" أي على الإيمان إلا أن تؤدوا أقاربي، فحثهم على مودة أقاربه، ثم قال بعد نقل خبر طويل عنصاحب الكشاف في مودة آل الرسولصلوات الله عليهم و ذم بغضهم: و أنا أقول آل محمد هم الذين يؤول أمرهم إليه، و كل من كان أول أمرهم أشد و أكمل كانوا هم الآل، و لا شك أن فاطمة و عليا و الحسن و الحسين عليهم السلام كان التعلق بينهم و بين الرسولصلى الله عليه و آله و سلم أشد التعلقات، و هذا كالمعلوم المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل.

و أيضا اختلف الناس في الآل فقيل: هم الأقارب. و قيل: هم أمته فإن حملناه على القرابة فهم الآل، و إن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل، فثبت أن على جميع التقديرات هم آل، و أما غيرهم هل يدخلون تحت لفظ الآل فمختلف فيه، فثبت على جميع التقديرات أنهم آل محمد عليهم السلام.

و روىصاحب الكشاف أنه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقيل: على و فاطمة و ابناهما، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبيصلى الله عليه و آله، فإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم، ثم ذكر الرازي دلائل كثيرة على وجوب محبة الآل.

و أقول: هذه الرواية التي رواها الزمخشري رواها الثعلبي و البيضاوي و غيرهما من المفسرين.

قوله:" " وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ" أقول: القراءة المشهورة: الموءودة بالهمزة، قال الطبرسي: الموءودة هي الجارية المدفونة حيا و كانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة و قعدت على رأسها، فإن ولدت بنتا رمتها في الحفرة و إن ولدت غلاما حبسته،

ص: 281

بِأَيِّ ذَنْبٍ قَتَلْتُمُوهُمْ وَ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ قَالَ الْكِتَابُ هُوَ الذِّكْرُ وَ أَهْلُهُ آلُ مُحَمَّدٍ ع أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِسُؤَالِهِمْ وَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِسُؤَالِ الْجُهَّالِ وَ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْقُرْآنَ ذِكْراً فَقَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ

أي تسأل فيقال لها: بأي ذنب قتلت؟ و معنى سؤالها توبيخ قاتلها، و قيل: المعنى يسأل قاتلها بأي ذنب قتلت؟ و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام: و إذا المودة سئلت بفتح الميم و الواو، و روي عن ابن عباس أنه قال: هو من قتل في مودتنا أهل البيت، و عن أبي جعفر عليه السلام قال: يعني قرابة رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و من قتل في جهاد، و في رواية أخرى قال: هو من قتل في مودتنا و ولايتنا، انتهى.

و أقول: الظاهر أن أكثر تلك الأخبار مبنية على تلك القراءة الثانية إما بحذف المضاف أي أهل المودة يسألون بأي ذنب قتلوا أو بإسناد القتل إلى المودة مجازا، و المراد قتل أهلها أو بالتجوز في القتل و المراد تضييع مودة أهل البيت عليهم السلام و إبطالها و عدم القيام بها و بحقوقها، و بعضها على القراءة الأولى المشهورة بأن يكون المراد بالموؤودة النفس المدفونة في التراب مطلقا أو حيا، إشارة إلى أنهم لكونهم مقتولين في سبيل الله تعالى ليسوا بأموات بل أحياء عند ربهم يرزقون، فكأنهم دفنوا حيا، و فيه من اللطف ما لا يخفى، و هذا الخبر يؤيد الوجه الأول لقوله قتلتموهم.

" قال الكتاب الذكر" شبيه بالقلب أي الذكر هو الكتاب [و عكس لكون الكتاب] ذاتا، و الذكرصفة أو أن وصف كونه كتابا أشهر من كونه ذكرا و قد مر الكلام في هذه الآيات في باب أن أهل الذكر هم الأئمة عليهم السلام، و قد مر وجه آخر و هو أن الذكر رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و هم عليهم السلام أهله، و سمى الله هذا بيان لصحة إطلاق الذكر على الكتاب و وقوعه.

" وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" أي ما فيه من المواعظ و العبر و الزواجر و الثواب و العقاب،

ص: 282

لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ- أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فَرَدَّ الْأَمْرَ أَمْرَ النَّاسِ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ وَ بِالرَّدِّ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِص مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ نَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ

فتحصل لهم الدواعي على فعل الحسنات و ترك السيئات" وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ" الخطاب إلى الرسول و قومه أي يسألكم الناس عما فيه فتجيبون أو يسألكم عن مراقبته و محافظته و تبليغه، و سبق الكلام في آية أولي الأمر عن قريب" وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ" كذا في المصاحف و في أكثر النسخ و لو ردوه إلى الله و إلى الرسول فيكون نقلا بالمعنى، للإشعار بأن الرد إلى الرسول رد إلى الله، و الذين يستنبطونه عبارة عن بعض الرادين إلى أولي الأمر و هم المستمعون المنصتون للجواب حق الإنصات و الاستماع، و" من" في منهم للابتداء، و الضمير لأولي الأمر، أو للتبعيض و الضمير للرادين إلى أولي الأمر، أو الذين يستبطونه عبارة عن أولي الأمر و الضمير راجع إلى أولي الأمر، و الغرض التنصيص بأنهم هم أهل العلم و الاستخراج و الاستنباط" أمر الناس" بدل من الأمر، أي دلت الآيتان على أن الله تعالى فوض أمر الناس إلى أهل بيته و أمرهم بطاعتهم و الرد إليهم فيما اختلفوا فيه.

" بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ" أي الوصية و الولاية كما مر" إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ" دل على أن كل من أنكر ولاية علي عليه السلام فهو كافر، و السمرات جمع سمرة و هي بفتح السين و ضم الميم شجرة شائكة يقال لها أم غيلان" فقم شوكهن" على بناء المجهول أي كنس" و أولى بكم" عطف تفسير للإشعار بأن الولي في" إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ" و الأولى في قوله:" النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" بمعنى واحد.

ص: 283

يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ فَنَادَى النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا وَ أَمَرَ بِسَمُرَاتٍ فَقُمَّ شَوْكُهُنَّ ثُمَّ قَالَص يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ وَلِيُّكُمْ وَ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَقَالُوا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ فَقَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَوَقَعَتْ حَسَكَةُ النِّفَاقِ فِي قُلُوبِ الْقَوْمِ- وَ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ هَذَا عَلَى مُحَمَّدٍ قَطُّ وَ مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَ بِضَبْعِ ابْنِ عَمِّهِ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَتَتْهُ الْأَنْصَارُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا وَ شَرَّفَنَا بِكَ وَ بِنُزُولِكَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَقَدْ فَرَّحَ اللَّهُصَدِيقَنَا وَ كَبَتَ عَدُوَّنَا وَ قَدْ يَأْتِيكَ وُفُودٌ فَلَا تَجِدُ مَا تُعْطِيهِمْ فَيَشْمَتُ بِكَ الْعَدُوُّ فَنُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ أَمْوَالِنَا حَتَّى إِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ وَفْدُ مَكَّةَ وَجَدْتَ مَا تُعْطِيهِمْ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِص عَلَيْهِمْ شَيْئاً وَ كَانَ يَنْتَظِرُ مَا يَأْتِيهِ مِنْ رَبِّهِ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع وَ قَالَ- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ لَمْ يَقْبَلْ أَمْوَالَهُمْ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا عَلَى مُحَمَّدٍ وَ مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَ بِضَبْعِ ابْنِ عَمِّهِ وَ يَحْمِلَ عَلَيْنَا أَهْلَ بَيْتِهِ يَقُولُ أَمْسِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌ

و الحسكة بفتح المهملتين شوكصلب شبه به النفاق، قال الجوهري: قولهم فيصدره حسكة و حساكة أي ضغن و عداوة، و القوم: المنافقون المتقلبون، و الضبع بفتح المعجمة و سكون الموحدة العضد كلها أو وسطها بلحمها، أو الإبط أو ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه، ذكره الفيروزآبادي، و رفعها كناية عن إعلاء قدره و إشادة ذكره و جعله مسلطا عليهم" بين ظهرانينا" أي بيننا على سبيل الاستظهار و الاستناد إلينا كان ظهرا منا قدامك و ظهرا وراءك فأنت مكنوف من جانبيك، و في القاموس: كبته يكبته:

صرعه و أخزاه وصرفه و كسره و رد العدو بغيظ و أذله، انتهى.

و الوفود جمع الوفد بالفتح و هم الطوائف الواردون على الملوك لحاجة، و الشماتة الفرح ببلية العدو.

" يقول أمس" أي يوم الغدير و الفي ء: الغنيمة" و تعرف به ولايتي" أي محبتي

ص: 284

مَوْلَاهُ وَ الْيَوْمَ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الْخُمُسِ فَقَالُوا يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَمْوَالَنَا وَ فَيْئَنَا ثُمَّ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ فَاجْعَلِ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ عِنْدَ عَلِيٍّ ع فَإِنِّي لَمْ أَتْرُكِ الْأَرْضَ إِلَّا وَ لِيَ فِيهَا عَالِمٌ تُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي وَ تُعْرَفُ بِهِ وَلَايَتِي وَ يَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ يُولَدُ بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ إِلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ الْآخَرِ قَالَ فَأَوْصَى إِلَيْهِ بِالاسْمِ الْأَكْبَرِ وَ مِيرَاثِ الْعِلْمِ وَ آثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ بِأَلْفِ كَلِمَةٍ وَ أَلْفِ بَابٍ يَفْتَحُ كُلُّ كَلِمَةٍ وَ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَ أَلْفَ بَابٍ

4 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَصَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُعَمَّرٍ الْعَطَّارِ عَنْ بَشِيرٍ الدَّهَّانِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِص فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ ادْعُوا لِي خَلِيلِي- فَأَرْسَلَتَا إِلَى أَبَوَيْهِمَا فَلَمَّا نَظَرَ

أو إمارتي و خلافتي المدلول عليها بقوله:" إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ" في هذه الآية.

و قوله: ألف باب، تفسير لألف كلمة أو أحدهما متعلق بالأحكام و الآخر بغيرها، و يحتمل أن يكون المراد بألف كلمة و ألف باب بقواعد كلية أصولية و قوانين مضبوطة جملة أمكنه أن يستنبط منها أحكاما جزئية و مسائل فرعية تفصيلية لكن لا كاستنباطنا بالظن و التخمين بل استخراجا بالعلم و اليقين، و يؤيده ما رواه الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن موسى بن بكر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يغمى عليه اليوم و اليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك كم يقضي منصلاته؟ فقال: أ لا أخبرك بما ينتظم به هذا و أشباهه؟ فقال: كلما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده، و زاد فيه غيره قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: و هذا من الأبواب التي يفتح كل باب منها ألف باب.

الحديث الحادي عشر

: مجهول.

" ادعوا لي خليلي" قيل: أصل الخلة الانقطاع، و قيل الاختصاص، و قيل:

الاصطفاء، و قيلصفاء المودة و خلوصها و إطلاقه على أمير المؤمنين عليه السلام بكل الوجوه مناسب، و قيل: الخلة من تخلل الشي ء في القلب، و اختلف في أن الخلة أشد و أرفع

ص: 285

إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِص أَعْرَضَ عَنْهُمَا ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي خَلِيلِي فَأُرْسِلَ إِلَى عَلِيٍّ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَكَبَّ عَلَيْهِ يُحَدِّثُهُ فَلَمَّا خَرَجَ لَقِيَاهُ فَقَالا لَهُ مَا حَدَّثَكَ خَلِيلُكَ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَلْفَ بَابٍ يَفْتَحُ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ

أم المحبة و لكل وجوه" فأرسلتا" أي عائشة و حفصة" فأرسل إلى علي" على بناء المجهول و الظرف نائب الفاعل، و ضمير أكب لرسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و ضمير عليه لعلي عليه السلام و في القاموس أكب عليه أقبل و لزم كانكب، و ضمير لقياه لأبويهما.

و قال الشيخ المفيد قدس سره: قد تعلق قوم من ضعفة العامة بهذا الخبر علىصحة الاجتهاد و القياس، ثم أجاب عن ذلك بوجوه، ثم ذكر في تأويل الخبر وجوها:

منها: أن المعلم له الأبواب هو رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فتح له بكل باب منها ألف باب و وقفه على ذلك، و منها أن علمه بكل باب أوجب فكره فيه فبعثه الفكر على المسألة عن شعبه و متعلقاته، فاستفاد بالفكر فيه علم ألف باب بالبحث عن كل باب، و مثل هذا قول النبيصلى الله عليه و آله و سلم من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم، و منها: أنهصلى الله عليه و آله و سلم نص له على علامات تكون عندها حوادث، كل حادثة تدل على حادث إلى أن تنتهي إلى ألف حادثة، فلما عرف الألف علامة عرفه بكل علامة منها ألف علامة، و الذي يقرب هذا من الصواب أنه عليه السلام أخبرنا بأمور تكون قبل كونها ثم قال عقيب أخباره بذلك:

علمني رسول الله ألف باب، فتح لي من كل باب ألف باب.

و قال بعض الشيعة: إن معنى هذا القول أن النبيصلى الله عليه و آله و سلم نص علىصفة ما فيه الحكم على الجملة دون التفصيل، كقوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فكان هذا بابا استفيد منه تحريم الأخت من الرضاعة، و الأم من الرضاعة، و الخالة و العمة و بنت الأخ و بنت الأخت، و كقول الصادق عليه السلام: الربا في المكيل و الموزون، فاستفيد بذلك الحكم في أصناف المكيلات و الموزونات و الأجوبة الأولة لي و أنا أعتمدها، انتهى كلامه رفع مقامه.

و أقول: ينافي الثالث ماصرح به في بعض الروايات حيث قال: و علمني ألف باب من الحلال و الحرام، و مما كان و مما هو كائن إلى يوم القيامة، و يؤيد الأخير رواية

ص: 286

5 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِص عَلِيّاًص أَلْفَ حَرْفٍ كُلُّ حَرْفٍ يَفْتَحُ أَلْفَ حَرْفٍ

6 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِصصَحِيفَةٌصَغِيرَةٌ فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَيُّ شَيْ ءٍ كَانَ فِي تِلْكَ الصَّحِيفَةِ قَالَ هِيَ الْأَحْرُفُ الَّتِي يَفْتَحُ كُلُّ حَرْفٍ أَلْفَ حَرْفٍ قَالَ أَبُو بَصِيرٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَمَا خَرَجَ مِنْهَا حَرْفَانِ حَتَّى السَّاعَةِ

7 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ سُكَّرَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع جُعِلْتُ فِدَاكَ هَلْ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغَسَّلُ بِهِ الْمَيِّتُ

موسى بكر المتقدمة، و الظاهر أن المراد أنهصلى الله عليه و آله و سلم علمه ألف نوع من أنواع استنباط العلوم، يستنبط من كل منها ألف مسألة أو ألف نوع، و الاجتهاد إنما يمنع منه لابتنائه على الظن و هو لا يغني من الحق شيئا فإذا علم الرسولصلى الله عليه و آله و سلم كيفية الاستخراج على وجه يحصل به العلم و اليقين بحكمه تعالى فليس من الاجتهاد في شي ء.

الحديث الثاني عشر

: حسن موثق، و الحرف عبارة عن الكلمة و الكلام.

الحديث الثالث عشر

: موثق.

و ذؤابة كل شي ء أعلاه، و أصله الهمزة قلبت واوا و المراد هنا قبضته أو ما يعلق من قبضته و يجعل فيه بعض الضروريات، تشبيها بذؤابة المرأة" فما خرج منها" أي لم يظهر للناس" منها حرفان" أي جزءان من ألف جزء أو من ألف ألف جزء.

الحديث الرابع عشر

: مجهول.

و في القاموس: بئر غرس، في المدينة، و منه الحديث في غرس عين من عيون الجنة، و غسل رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم منها، انتهى.

ص: 287

حَدٌّ مَحْدُودٌ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص قَالَ لِعَلِيٍّ ع إِذَا مِتُّ فَاسْتَقِ سِتَّ قِرَبٍ مِنْ مَاءِ بِئْرِ غَرْسٍ فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي وَ حَنِّطْنِي فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ غُسْلِي وَ كَفْنِي فَخُذْ بِجَوَامِعِ كَفَنِي وَ أَجْلِسْنِي ثُمَّ سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ فَوَ اللَّهِ لَا تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْ ءٍ إِلَّا أَجَبْتُكَ فِيهِ

و الجوامع جمع الجامعة و هي المواضع التي جمعت طرفي الثوب الملفوف على شي ء. و في بعض الروايات بمجامع كفني بهذا المعنى" ثم سلني" هذا السؤال و الجواب إما على الحقيقة بإعادة الروح إلى جسده المقدس أو على المجاز باتصال روحاني بين روحيهما المقدسين و انتقاش أحدهما من الآخر كالمرءاتين المتقابلتين، أو على نحو آخر لا تصل إليه عقولنا القاصرة.

قال الغزالي في رسالة العلم اللدني: قال أمير المؤمنين عليه السلام إن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم أدخل لسانه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم، و فتح لي كل باب ألف و قال أيضا: لو ثنيت لي الوسادة و جلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم و أهل الإنجيل بإنجيلهم و لأهل الفرقان بفرقانهم، و هذه المرتبة لا تنال بمجرد التعلم بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوة العلم اللدني، و كذا قال عليه السلام لما حكى عن عهد موسى عليه السلام: إن شرح كتابه كان أربعين و قرأ، قال الغزالي: و هذه الكثرة و السعة و الانفتاح في العلم لا يكون إلا من لدن إلهي سماوي، انتهى.

لا يقال: قد مر في الأخبار أنه لم يخرج النبيصلى الله عليه و آله و سلم من الدنيا إلا و علي عليه السلام علم جميع علمه، فهذا أي علم؟

لأنا نقول: يحتمل أن يكون المراد بجميع علمه ما تحتاج الأمة إليه من أمور الدين و الدنيا و يكون هذا غيره، أو يكون المراد بالموت ما يشمل ما يقرب منه من الأزمان، أو يراد به الموت بعد هذه الحياة، مع أنه يمكن أن تكون هذه العلوم لم تكن لهصلى الله عليه و آله و سلم في حال حياته بل مما أفيض عليه بعد قطع تعلقه عن العلائق الجسمانية و اتصاله بعالم القدس بالكلية كما مر أنه يفاض عليهصلى الله عليه و آله علم ما يحدث بالليل و النهار للأئمة عليهم السلام، و الله يعلم غرائب أسرارهم و أحوالهم.

ص: 288

8 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِص الْمَوْتُ دَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ ع فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ يَا عَلِيُّ إِذَا أَنَا مِتُّ فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي ثُمَّ أَقْعِدْنِي وَ سَلْنِي وَ اكْتُبْ

9 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ رِبَاطٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَ كَامِلٌ التَّمَّارُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ لَهُ كَامِلٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ حَدِيثٌ رَوَاهُ فُلَانٌ فَقَالَ اذْكُرْهُ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَنَّ النَّبِيَّص حَدَّثَ عَلِيّاً ع بِأَلْفِ بَابٍ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِص كُلُّ بَابٍ يَفْتَحُ أَلْفَ بَابٍ فَذَلِكَ أَلْفُ أَلْفِ بَابٍ فَقَالَ لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَظَهَرَ ذَلِكَ لِشِيعَتِكُمْ وَ مَوَالِيكُمْ فَقَالَ يَا كَامِلُ بَابٌ أَوْ بَابَانِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا يُرْوَى مِنْ فَضْلِكُمْ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ

الحديث الخامس عشر

: ضعيف.

" فأدخل رأسه" الضميران في أدخل و في رأسه للنبيصلى الله عليه و آله و سلم أي أدخل رأسه تحت الإزار لئلا يواجهه بإخبار موته التي كان يعلم أنه أصعب الأمور عليه، أو ضمير أدخل للرسول و ضمير رأسه لعلي عليه السلام أي أدخل رأس على تحت لحافه ليودعه الأسرار كما يدل عليه غيره من الأخبار، أو الضميران لعلي عليه السلام و الأوسط أظهر كما روى الصدوق في الخصال بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جلل رسول اللهصلى الله عليه و آله عليا عليه السلام ثوبا ثم علمه، و ذلك ما يقال أنه علمه ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة.

الحديث السادس عشر

: ضعيف.

" باب أو بابان": قال المحدث الأسترآبادي (ره): ليس من باب شك الراوي فالمقصود ثم باب و وقع الشروع في الآخر، انتهى، و الحاصل أنه إذا كان بابا و كسرا فيجوز إسقاط الكسر فيكون بابا أو إتمامه فيكون بابين كما هو الشائع عند المنجمين و المحاسبين في الكسور.

" من فضلكم" قيل: أي من علمكم، و الظاهر أن الراوي توهم أن ما حدث

ص: 289

بَابٍ إِلَّا بَابٌ أَوْ بَابَانِ قَالَ فَقَالَ وَ مَا عَسَيْتُمْ أَنْ تَرْوُوا مِنْ فَضْلِنَا مَا تَرْوُونَ مِنْ فَضْلِنَا إِلَّا أَلْفاً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ

به النبيصلى الله عليه و آله و سلم في ذلك اليوم عليا عليه السلام كان فضل أهل البيت عليهم السلام، أو أن انتشار الفضل بنسبة انتشار سائر العلوم، فبين عليه السلام أن انتشار الفضل أقل من انتشار سائر العلوم لقصور عقل أكثر الخلق عن فهمها، بل لم ينتشر من فضائلهم بين الناس إلا أقل من جزء من ألف ألف جزء.

قوله عليه السلام: إلا ألفا غير معطوفة، يعني إلا حرفا واحدا ناقصا أي أقل من حرف واحد، و إنما اختار الألف لأنها أول الحروف من حروف التهجي و أبسطها و أخفها مؤنة في الكتاب و التكلم و عدم عطفها كناية عن نقصانها فإنها تكتب في رسم الخط الكوفي القديم هكذا فإذا كان طرفها غير مائل كانت ناقصة، هذا هو المعنى الحق المسموع عن المشايخ الكبار قدس الله أرواحهم.

و قال المحدث الأسترآبادي (ره) احتراز عن الهمزة كناية عن الوحدة، و يمكن أن يكون إشارة إلى ألف منقوشة ليس قبلهاصفرا و غيره، انتهى.

و من حمل الفضل فيما مر على العلم توهم المنافاة بين باب أو بابين، و بين الحرف الناقص الدال على عدم إتمام باب واحد، فتصدى لدفع ذلك بحمل البابين على أبواب الفروع، و هذا على باب من أبواب الأصول و قد عرفت ضعف مبنى الاعتراض، و ربما يقرأ لذلك ألفا بسكون اللام أي بابا واحدا ينحل إلى ألف، فالمراد بقوله:

غير معطوفة أنه لم يعطف عليه شي ء آخر.

و أقول: على هذا يمكن أن يكون بناء الأول على الظهور في الجملة، و الثاني على الظهور التام، أو الأول على الخواص، و الثاني على سائر الشيعة.

ص: 290

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ع

1 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ وَ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ شَهِدْتُ وَصِيَّةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع حِينَ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ ع وَ أَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ الْحُسَيْنَ ع وَ مُحَمَّداً وَ جَمِيعَ وُلْدِهِ وَ رُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَ السِّلَاحَ وَ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ ع يَا بُنَيَّ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِص أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ وَ أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَ سِلَاحِي كَمَا أَوْصَى إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِص وَ دَفَعَ إِلَيَّ كُتُبَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ إِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى أَخِيكَ الْحُسَيْنِ ع ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَ وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِص أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِكَ هَذَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ- وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِص أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ أَقْرِئْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِص وَ مِنِّي السَّلَامَ

2 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ

باب الإشارة و النص على الحسن بن علي عليهما السلام

الحديث الأول

حسن على الظاهر، بلصحيح.

إذ كتاب سليم مقبول عند القدماء، اعتمد عليه الكليني و الصدوق و غيرهما، و هم أعرف بأحوال الرجال ممن تأخر عنهم، و الكتاب معروض على الباقر عليه السلام و هو عندنا موجود.

و المراد بالكتاب الجنس، أي جميع ما في الجفر الأبيض من الكتب، و كذا المراد بالسلاح جميع ما في الجفر الأحمر من الأسلحة" أن تدفعها" أي الكتب و السلاح و" اقرأ" من باب منع أو الأفعال.

الحديث الثاني

: ضعيف

ص: 291

أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَص لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُسِرَّ إِلَيْكَ مَا أَسَرَّ رَسُولُ اللَّهِص إِلَيَّ وَ أَئْتَمِنَكَ عَلَى مَا ائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ فَفَعَلَ

3 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَجْلَحُ وَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ وَ زَيْدٌ الْيَمَامِيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَنَّ عَلِيّاً ع حِينَ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ كُتُبَهُ وَ الْوَصِيَّةَ فَلَمَّا رَجَعَ الْحَسَنُ ع دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ

4 وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّ عَلِيّاًصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ كُتُبَهُ وَ الْوَصِيَّةَ فَلَمَّا رَجَعَ الْحَسَنُ دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ

5 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ أَوْصَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع إِلَى الْحَسَنِ وَ أَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ الْحُسَيْنَ ع وَ مُحَمَّداً وَ جَمِيعَ وُلْدِهِ وَ رُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَ السِّلَاحَ ثُمَّ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ يَا بُنَيَّ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ وَ أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَ سِلَاحِي كَمَا أَوْصَى إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ وَ دَفَعَ إِلَيَ

و الأسرار إبداع السر.

الحديث الثالث

: مجهول.

" كتبه" لعل المراد بعض الكتب، و المراد بالوصية الصحيفة المختومة التي نزلت من السماء و قد مر ذكرها،" و في نسخة الصفواني" أي الخبر الآتي كان في نسخة الصفواني و لم يكن في نسخة النعماني و غيرها.

الحديث الرابع

حسن.

الحديث الخامس

: ضعيف

ص: 292

كُتُبَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ إِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَى أَخِيكَ الْحُسَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحُسَيْنِ وَ قَالَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِص أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَى ابْنِكَ هَذَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ ابْنِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ يَا بُنَيَّ وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِص أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَى ابْنِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ أَقْرِئْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِص وَ مِنِّي السَّلَامَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ أَنْتَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وَ وَلِيُّ الدَّمِ فَإِنْ عَفَوْتَ فَلَكَ وَ إِنْ قَتَلْتَ فَضَرْبَةٌ مَكَانَ ضَرْبَةٍ وَ لَا تَأْثَمْ

6 الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَسَنِيُّ رَفَعَهُ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ

" أنت ولي الأمر" أي أمر الخلافة و الإمامة" و ولي الدم" أي إليك اختيار القصاص.

" فلك" أي فهو جائز لك" فضربة" مبتدأ خبره الظرف، أو خبر مبتدإ محذوف، أي فالواجب ضربة و الظرف نعته" و لا تأثم" إما نهي أو نفي، فعلى الأول أي لا تفعل ما يوجب الإثم- بالمثلثة- بالقاتل أو الزيادة على الضربة الواحدة، أو قتل غير القاتل كما كان شائعا بين العرب، لا سيما في الأمراء فإنهم قد كانوا يقتلون بواحد قبيلة، و يؤيده ما رواه السيد رضي الله عنه في نهج البلاغة حيث قال في كلام له يوصي به الحسنين عليهما السلام: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين! ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، و لا يمثل الرجل، فإني سمعت رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم يقول: إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور، و النهي لتعليم الأمة فإن الحسنين عليهما السلام كانا مستغنيين عن ذلك، و على الثاني المعنى لا تأثم بالضربة لأنه قصاص، أو بالزيادة فإنه مستحق لها و هما بعيدان، و يمكن أن يقرأ على الأول لا تأثم نهيا من باب التفعل أي لا تزد فتكون عند الناس منسوبا إلى الإثم.

الحديث السادس

مرسل، و روى الرضي رضي الله عنه في نهج البلاغة بعضه.

ص: 293

الْأَحْمَرِيِّ رَفَعَهُ قَالَ لَمَّا ضُرِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع حَفَّ بِهِ الْعُوَّادُ وَ قِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصِ فَقَالَ اثْنُوا لِي وِسَادَةً ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ قَدْرِهِ مُتَّبِعِينَ أَمْرَهُ وَ أَحْمَدُهُ كَمَا أَحَبَّ وَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ كَمَا انْتَسَبَ أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ فِي فِرَارِهِ مَا مِنْهُ يَفِرُّ وَ الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ إِلَيْهِ وَ الْهَرَبَ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ كَمْ

" حف به" أي أحاط، و العواد جمع عائد و هم الزائرون للمريض" أثنوا لي وسادة" يقال ثنى الشي ء كسمع أي رد بعضه على بعض، و الوسادة بالكسر ما يتكأ عليه في المجلس، و تثنيها إما للجلوس عليها ليرتفع و يظهر للسامعين أو للاتكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس مستقلا" الحمد لله قدره" أي حمدا يكون حسب قدره و كما هو أهله، قائم مقام المفعول المطلق أو منصوب بنزع الخافض أي على قدره، و قيل:

يحتمل كونه مفعولا عند من لم يشترط كونه شريكا لعامله في الفاعل كما اختاره الرضي (ره)، و القدر مصدر باب ضرب: التعظيم، و منه ما قدروا الله حق قدره، انتهى.

" متبعين أمره" حال عن فاعل الحمد لأنه في قوة أحمده" كما أحب" أي حمدا يكون محبوبة و موافقا لرضاه" كما انتسب" أي كما نسب نفسه إليه في سورة التوحيد، و لذا تسمى نسبة الرب" في قراره" متعلق بلاق" ما منه يفر" أي من الأمور المقدرة الحتمية كالموت كما قال تعالى:" قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ" و اللقاء في مدة الفرار و هي الحياة الدنيا، فإن الإنسان يفر من الموت ما دام حيا و إن كان تعبدا.

و الأجل منتهى العمر، و هو مبتدأ و" مساق النفس" مبتدأ ثان" و إليه" خبره و الجملة خبر المبتدأ الأول، و ليس في النهج كلمة إليه، فيحتمل أن يكون المراد بالأجل منتهى العمر، و المساق بمعنى ما يساق إليه، و أن يكون المراد به المدة المضروبة لبقاء الإنسان، و بالمساق زمان السوق و الهرب منه موافاته، لأن الهرب إنما يكون بعلاج و حركة يفنى بهما بعض المدة، و إفناء المدة هو الموافاة، أو

ص: 294

أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الْأَمْرِ فَأَبَى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ هَيْهَاتَ

المعنى أنه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل تدبير يدبره الإنسان يصير سببا لحصول ما يهرب منه كما أن كل دواء و معالجة إذاصادف قرب مجي ء الأجل كان مضرا بالبدن و إن كان بحيث إذا لم يصادفه كان نافعا مجربا عند الأطباء، مع أن المرض و المزاج في كلتا الصورتين واحد، بناء على إبطال أفعال الطبيعة، و إن نفع الأدوية إنما هو فعل الله عند الدواء، و مع قطع النظر عن ذلك إذاصادف الدواء الأجل يصير أحذق الأطباء جاهلا غافلا عما ينفع المريض، فيعطيه ما يضره، و إذا لم يصادف يلهم أجهل الأطباء بما ينفعه كما هو المجرب.

" كم أطردت الأيام" الطرد الإبعاد، تقول: طردته أي نفيته عني و الطريدة ما طردته منصيد و غيره، و أطردت الرجل علىصيغة الأفعال إذا أمرت بإخراجه، و بحث عن الأمر كمنع أي فتش، و قيل: الإطراد أدل على العز و القهر من الطرد.

و أقول في تأويله وجوه:

الأول: ما ذكره شراح النهج حيث قالوا: كأنه عليه السلام جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم و إبعادهم عنه، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي و أي وقت يكون بعينه، و في أي أرض يكون يوما يوما، فإذا لم أجده في يوم طردته و استقبلت يوما آخر فأبحث فيه أيضا فلا أعلم فأبعده و أطرده و استأنف يوما آخر و هكذا، حتى وقع المقدر، قالوا: و هكذا الكلام يدل على أنه عليه السلام لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه، و أن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم أعلمه بذلك مجملا، لأنه قد ثبت أنهصلى الله عليه و آله و سلم قال له: ستضرب على هذه و أشار إلى هامته فتخضب منها هذه و أشار إلى لحيته، و ثبت أنهصلى الله عليه و آله و سلم قال له: أ تعلم من أشقى الأولين؟ قال: نعم عاقر الناقة، فقال له:

أ تعلم من أشقى الآخرين؟ قال: لا، فقال: من يضرب هيهنا فتخضب هذه، و كلام أمير المؤمنين يدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنه يموت من ضربته أ لا تراه يقول: إن ثبتت الوطأة فذاك" إلخ" و قال بعضهم: ذلك البحث إما بالسؤال

ص: 295

عِلْمٌ مَكْنُونٌ أَمَّا وَصِيَّتِي فَأَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَيْئاً وَ مُحَمَّداًص فَلَا تُضَيِّعُوا

عن الرسولصلى الله عليه و آله و سلم مدة حياته أو بالفحص و التفرس من قرائن أحواله في سائر أوقاته مع الناس، و" مكنون هذا الأمر" أي المستور من خصوصيات هذا الأمر، و المستور الذي هو هذا الأمر، فالمشار إليه شي ء مستور متعلق بوفاته عليه السلام، و" هيهات" أي بعد الاطلاع عليه، فإنه علم مخزون، و من خواص المخزون ستره و المنع من أن يناله أحد.

الثاني: أن يكون المراد بهذا الأمر إخفاء الحق و مظلومية أهله و ظهور الباطل و غلبة أصحابه و كثرة أعوانه، لأنه عليه السلام سعى في أول الأمر في أخذ حقه غاية السعي فلم يتيسر و جرت أمور لم يكن يخطر ببال أحد وقوع مثله، و في آخر الأمر لما انتهى إليه و حصل له الأنصار و الأعوان، و جاهد في الله حق الجهاد، و غلب على المنافقين سنحت فتنة التحكيم التي كانت من غرائب الأمور، ثم بعد ذلك لما جمع العساكر و أعاد الخروج إليهم وقعت الطامة الكبرى، فالمراد بالمكنون سر ذلك و سببه، فظهر لي و أبى الله إلا إخفائه عنكم لضعف عقولكم عن فهمه، إذ هي من غوامض مسائل القضاء و القدر.

الثالث: ما ذكره بعض أفاضل المعاصرين حيث قرأ أطردت علىصيغة المعلوم من باب الأفعال يقال: أطرد الشي ء إذا تبع بعضه بعضا و جرى، و الأنهار أطردت أي جرت، و قال: و هذا الأمر إشارة إلى الأجل و مكنونه لمه و سره من المصالح التي جعل الله الآجال كلا في وقته بسببها، و هو مخالف لما هو المضبوط في نسخ نهج البلاغة فإن أطردت فيها على نسخة المتكلم من باب الأفعال، و الأوسط أحسن الوجوه.

و في النهج" علم مخزون" و محمدا منصوب بالإغراء بتقدير ألزموا و الفاء للتفريع و في النهج أما وصيتي فالله لا تشركوا به شيئا، و محمدصلى الله عليه و آله و سلم فلا تضيعوا سنته يقال: ضيع الشي ء تضييعا أي أهمله، و عمود الفسطاط و البيت: الخشبة التي يقوم بها،

ص: 296

سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وَ خَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا حُمِّلَ كُلُّ امْرِئٍ مَجْهُودَهُ وَ خُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ رَبٌّ رَحِيمٌ وَ إِمَامٌ عَلِيمٌ وَ دِينٌ قَوِيمٌ

و العمودان التوحيد و النبوة، و إقامتهما الاعتقاد بهما و العمل بمقتضيات الإيمان بهما، و قيل: المراد بهما الحسنان عليهما السلام، و قيل: هما المراد بالمصباحين.

" و خلاكم ذم" أي سقط عنكم و أعذرتم فلا ذم عليكم" ما لم تشردوا" كتضربوا يقال: شرد البعير أي نفر و ذهب في الأرض، و الغرض النهي عن التفرق و اختلاف الكلمة أي لا ذم يلحقكم ما دمتم متفقين في أمر الدين متمسكين بحبل الأئمة الطاهرين أو المراد النهي عن الرجوع عن الدين و إقامة سننه، و قرأ بعضهم ذم بالكسر أي مضى لكم ذمة و أمان ما لم تشردوا، و لا يخفى بعده.

" حمل كل امرئ منكم مجهوده" في بعض نسخ النهج" حمل" علىصيغة الماضي المجهول من باب التفعيل، و رفع كلمة" كل" و في بعضها على المعلوم و نصب كل فالفاعل هو الله سبحانه، و في بعضها حمل كضرب على المعلوم و رفع كل و الأول أظهر، و المجهود مبلغ الوسع و الطاقة" و خفف عن الجهلة" على بناء المجهول و لعله استدراك لما يتوهم من ظاهر الكلام من أنه سبحانه كلف كل أحد بما هو مبلغ طاقته و نهاية وسعه، فبين عليه السلام أن التكليف على حسب العلم، و الجهال ليسوا بمكلفين بما كلف به العلماء و قد قال الله سبحانه:" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ" و يدل ظاهره على أن الجاهل معذور في أكثر الأحكام" رب رحيم" خبر مبتدإ محذوف، أي ربكم رب رحيم، أو مبتدأ محذوف الخبر، أي لكم رب رحيم، و في أكثر نسخ النهج خفف على بناء المعلوم، فقوله: رب فاعله، و لا يضر عطف الدين و الإمام عليه لشيوع التجوز في الإسناد، قال ابن أبي الحديد: و من الناس من يجعل رب رحيم فاعل خفف على رواية من رواها فعلا معلوما، و ليس بمستحسن

ص: 297

أَنَا بِالْأَمْسِصَاحِبُكُمْ وَ أَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هَذِهِ الْمَزَلَّةِ فَذَاكَ الْمُرَادُ وَ إِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَ ذَرَى رِيَاحٍ

لأن عطف الدين عليه يقتضي أن يكون الدين أيضا مخففا و هذا لا يصح، انتهى.

و المراد بالإمام الإمام في كل زمان، و يحتمل شموله للرسولصلى الله عليه و آله و سلم.

أيضا تغليبا، و ربما يخص بالرسول.

" أنا بالأمسصاحبكم" أي كنتصحيحا مثلكم نافذ الحكم فيكم، أوصاحبكم الذي كنتم تعرفونني بقوتي و شجاعتي" و اليوم عبرة لكم" العبرة بالكسر ما يتعظ به الإنسان و يعتبره ليستدل به على غيره، و المعنى اليوم تعتبرون بإشرافي على الموت و ضعفي عن الحراك بعد ما كنت أميرا لكم، أتصرف في الأمور على حسب إرادتي أو بأن تروننيصريعا بينكم بعد قتل الأقران وصرع الإبطال" إن ثبت الوطأة" في بعض النسخ بصيغة الماضي، و الوطأة بالفتح موضع القدم، و المرة من الوطء و هو الدوس بالرجل، و المراد ثبات القدم بالبقاء في الدنيا بأن كان يؤدي الجرح إلى الهلاك، و دحضت القدم كمنعت أي زلقت و زلت، و هذا كناية عن الموت" فذاك المراد" أي مرادكم فإنه عليه السلام كان آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، أو مرادي لأنهصلوات الله عليه كان راضيا بقضاء الله تعالى، فمع قضاء الله حياته لا يريد غير ما أراده سبحانه.

ثم الظاهر من سائر الأخبار أنه عليه السلام كان عالما بشهادته و وقتها و كان ينتظرها و يخبر بوقوعها و يستنبطها في الليلة التي وعدها، و يقول: ما منع قاتلي؟ فهذا الكلام من قبيل تصوير العالم نفسه بصورة الشاك لبعض المصالح نحو قوله تعالى" أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ".

و الأفياء جمع في ء بالفتح و هو الظل الحادث منه بعد الزوال، لأن أصله الرجوع" و ذرى رياح" أي ما ذرته و جمعته، شبه ما فيه الإنسان في الدنيا من الأمتعة و الأموال بما ذرته الرياح في عدم ثباتها و قلة الانتفاع، فإنها تجمعها ساعة و تفرقها أخرى،

ص: 298

وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامَةٍ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفِّقُهَا وَ عَفَا فِي الْأَرْضِ مَحَطُّهَا وَ إِنَّمَا كُنْتُ

أو المراد محال ذروها، كما أن في النهج و مهب رياح، قال الفيروزآبادي: ذرت الريح الشي ء ذروا و أذرته و ذرته أطارته و أذهبته، و ذرى هو بنفسه و ذراوة النبت بالضم ما أرفت من يابسه فطارت به الريح، و ما سقط من الطعام عند التذري، و ما ذرأ من الشي ء كالذري بالضم، انتهى.

و اضمحل السحاب: تقشع، و الشي ء ذهب و فنى، و الجو: ما بين السماء و الأرض و" متلفقها" بكسر الفاء أي ما انضم و اجتمع، يقال: تلفق أي انضم و التأم، و لفق الثوب كضرب أي ضم شقه إلى أخرى فخاطهما، أو بفتح الفاء مصدرا ميميا، و عفا أي درس و انمحى و لم يبق له أثر" و مخطها" في أكثر نسخ الكتاب و في النهج بالخاء المعجمة و هو ما يحدث في الأرض من الخط الفاضل بين الظل و النور، و انمحاؤها يستلزم انمحاء الظل، و المخط الأثر و العلامة يقال: خط في الأرض كمد خطأ أي أعلم علامة، و في بعض النسخ بالحاء المهملة أي محط ظلها، و الضميران في متلفقها و مخطها راجعان إلى الغمامة، و قيل: الضمير في متلفقها راجع إلى الغمامة و في مخطها إلى ذرى الرياح، لأن العلامة إنما تحصل من هبوب الرياح و لا يخفى بعده.

و الحاصل أني إن مت فلا عجب فإنا كنا في أمور فانية شبيهة بتلك الأمور، أو لا أبالي فإني كنت في الدنيا غير متعلق بها كمن كان في تلك الأمور، و فيه حث أيضا للقوم على الزهد في الدنيا و ترك الرغبة في زخارفها، و قيل: أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر الأربعة، و بالأفياء تركيبها المعرض للزوال، و بالرياح الأرواح، و بذراها الأبدان الفائضة هي عليها بالجود الإلهي، و بالغمامة الأسباب القوية من الحركات السماوية و الاتصالات الكوكبية، و الأرزاق المفاضة على الإنسان في هذا العالم التي هي سبب بقائه، و كنى باضمحلال متلفقها في الجو عن تفرق تلك الأسباب و زوالها، و بعفاء مخطها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان.

ص: 299

جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً وَ سَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَكَةٍ وَ كَاظِمَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظَكُمْ هُدُوِّي وَ خُفُوتُ إِطْرَاقِي وَ سُكُونُ أَطْرَافِي فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لَكُمْ مِنَ النَّاطِقِ

قوله: كنت جارا، أي مجاورا جاوركم بدني، إنما خص المجاورة بالبدن لأنها من خواص الأجسام، أو لأن روحهصلوات الله عليه كانت معلقة بالملأ الأعلى و هو بعد في هذه الدنيا كما قال عليه السلام في وصف إخوانه الذين تأوه شوقا إلى لقائهم: كانوا في الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى" و ستعقبون" على بناء المفعول من الأعقاب و هو إعطاء شي ء بعد شي ء، و يقال: أكل أكلة أعقبه سقما أي أورثه، و الحاصل:

يبقى فيكم بعد رحلتي، و جثة الإنسان بالضم شخصه و جسده" خلاء" أي خالية من الروح و الحواس" بعد حركة" في النهج: بعد حراك، كسحاب بمعناها" و كاظمة بعد نطق" قال الفيروزآبادي كظم غيظه رده و الباب أغلقه و كظم كعني كظوما سكت، و قوم كظم كركع ساكنون، و في النهج: وصامتة بعد نطوق.

" ليعظكم" بكسر اللام و النصب كما ضبط في أكثر نسخ النهج، و يحتمل الجزم لكونه أمرا، و فتح اللام و الرفع أيضا، و هدأ كمنع هداء و هدوءا بالضم، أي سكن، و هدؤى، في بعض نسخ النهج بالهمزة على الأصل، و في بعضها بتشديد الواو بقلب الهمزة واوا، و في الصحاح خفت الصوت خفوتا سكن و لهذا قيل للميت خفت إذا انقطع كلامه و سكت، و" إطراقي" إما بكسر الهمزة كما هو المضبوط في النهج من أطرق إطراقا أي أرخى عينيه إلى الأرض، كناية عن عدم تحريك الأجفان، أو بفتحها جمع طرق بالكسر بمعنى القوة كما ذكره الفيروزآبادي، أو بالفتح و هو الضرب بالمطرقة، و قيل: جمع طرقة بالفتح أيصنائع الكلام، يقال: هذه طرقته أيصنعته و الأول أظهر و أضبط.

و الأطراف جمع طرف بالتحريك كجمل و إجمال و المراد بها الأعضاء و الجوارح كاليدين و الرجلين أو جمع الطرف بالتسكين و هو تحريك العين و الجفن، إلا أن جمعه لم يثبت إلا عند القتيبي، و قال الزمخشري: الطرف لا يثني و لا يجمع لأنه مصدر، و كذا ذكره الجوهري.

ص: 300

الْبَلِيغِ وَدَّعْتُكُمْ وَدَاعَ مُرْصِدٍ لِلتَّلَاقِي غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي وَ يَكْشِفُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ

" ودعتكم" علىصيغة المتكلم من باب التفعيل،" وداع" بالفتح اسم من قولهم ودعته توديعا، و أما الوداع بالكسر فهو الاسم من قولك وادعته موادعة أيصالحته، و هو منصوب بالمصدرية، و في أكثر نسخ النهج: وداعيكم وداع، بإضافة وداعي إلى ضمير المفعول، أي وداعي إياكم و تجوز في مثله الفصل و الوصل، و" وداع" مرفوع بالخبرية، و رصدته: إذا قعدت له على طريقه تترقبه و أرصدت له العقوبة إذا أعددتها له و حقيقتها جعلتها على طريقه كالمترقبة له، و" مرصد" في بعض نسخ النهج علىصيغة اسم المفعول فالفاعل هو الله تعالى أو نفسه عليه السلام كأنه أعد نفسه بالتوطين للتلافي، و في بعضها علىصيغة اسم الفاعل، فالمفعول نفسهصلى الله عليه و آله أو ما ينبغي إعداده و تهيئة، و يوم التلاقي يوم القيامة و يحتمل شموله للرجعة أيضا.

" غدا" أي زمان مفارقتي إياكم و هو ظرف للأفعال الآتية أي بعد أن أفارقكم و يتولى بنو أمية و غيرهم أمركم" ترون" و تعرفون فضل أيام خلافتي و إني كنت على الحق و يكشف الله لكم أني ما أردت في حروبي و سائر ما أمرتكم به إلا وجه الله عز و جل، و تعرفون عدلي و قدري بعد قيام غيري مقامي بالأمارة.

قيل: و السر فيه أن الكمل إنما يعرف قدرهم بعد فقدهم إذ مع شهودهم لا يخلو من يعرفهم عن حسد منه لهم، فكمال قدرهم مخبوء عن عين بصيرته لغشاوة حسده التي عليها" و يكشف الله عن سرائري" لأن بالموت ينكشف بعض ما يستره الإنسان عن الناس من حسناته المتعدية إليهم.

أقول: و يحتمل أن يكون المراد بقوله: غدا أيام الرجعة و يوم القيامة فإن فيهما تظهر شوكتهم و رفعتهم و نفاذ حكمهم في عالم الملك و الملكوت، فهو عليه السلام في الرجعة ولي انتقام العصاة و الكفار، و تمكين المتقين و الأخيار في الأصقاع و الأقطار و في القيامة ولي الحساب و قسيم الجنة و النار و غير ذلك مما يظهر من درجاتهم و مراتبهم السنية فيهما، فالمراد بخلو مكانه خلو قبره عن جسده في الرجعة، أو نزوله عن منبر

ص: 301

سَرَائِرِي وَ تَعْرِفُونِّي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَ قِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي

الوسيلة و قيامه على شفير جهنم يقول للنار: خذي هذا و اتركي هذا في القيامة.

و في أكثر نسخ الكتاب: و قيامي غير مقامي، و هو أنسب بالأخير، و على الأول يحتاج إلى تكلف شديد، كان يكون المراد قيامه عند الله تعالى في السماوات و تحت العرش و في الجنان في الغرفات و في دار السلام كما دلت عليه الروايات، و في نسخ النهج و في بعض نسخ الكتاب: و قيامي غير مقامي، فهو بالأول أنسب، و يحتاج في الأخير إلى تكلف تام بأن يكون المراد بالغير القائم عليه السلام، فإنه إمام الزمان في الرجعة و قيام الرسول مقامه للمخاصمة في القيامة.

و يخطر بالبال أيضا أنه يمكن الجمع بين المعنيين فيكون أسد و أفيد بأن يكون:

ترون أيامي، و يكشف الله عن سرائري، في الرجعة و القيامة لاتصاله بقوله" وداع مرصد للتلاقي" و قوله عليه السلام: و تعرفوني، كلاما آخر إشارة إلى ظهور قدره في الدنيا كما مر في المعنى الأول، هذا أظهر الوجوه لا سيما على النسخة الأخيرة.

" إن أبق فأنا ولي دمي"صدق الشرطية لا يستلزم وقوع المقدم و قد مر الكلام فيه فلا ينافي ما مر من قوله: و غدا مفارقكم" فالفناء ميعادي" كما قال جل شأنه:

" كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ" و قال:" كُلُّ شَيْ ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" و في بعض النسخ: العفو لي قربة و لكم حسنة، فيحتمل أن يكون استحلالا من القوم كما هو الشائع عند الموادعة، أي عفوكم عني سبب مزيد قربي و حسناتكم، أو عفوي لكم قربة و عفوكم عني حسنة لكم، فيكون طلب العفو على سبيل التواضع من غير أن يكون منه إليهم جناية، و في أكثر النسخ و إن أعف فالعفو لي قربة، أي إن أعف عن قاتلي، فقوله: و لكم حسنة أي عفوي لكم حسنة لصعوبة ذلك عليكم حيث تريدون التشفي منه و تصبرون على عفوي بعد القدرة على الانتقام، أو عفوكم عمن فعل مثل ذلك لكم حسنة لا عفوكم من قاتلي، فإنه لا يجوز و إن احتمل أن يكون قال ذلك على

ص: 302

وَ إِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وَ إِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا ... أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً أَوْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى شِقْوَةٍ جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ لَا يَقْصُرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ رَغْبَةٌ أَوْ تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَقِمَةٌ فَإِنَّمَا نَحْنُ لَهُ وَ بِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْحَسَنِ ع فَقَالَ يَا بُنَيَّ ضَرْبَةً مَكَانَ ضَرْبَةٍ وَ لَا تَأْثَمْ

وجه المصلحة.

" فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا" أي عني على الوجه الأول أو عن غير قاتلي ممن له شركة في ذلك كما مر في رواية النهج: لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين، أو عن جرائم إخوانكم و زلاتهم و ظلمهم عليكم، أو إذا جني عليكم بمثل هذه الجناية، لئلا يناقض قوله عليه السلام: ضربة مكان ضربة، مع أنه يحتمل أن يكون معناه إن لم تعفو فضربة، لكن الأمر بالعفو عن مثل هذا الملعون بعيد.

" فيا لها حسرة" النداء للتعجب و المنادي محذوف و ضمير لها مبهم، و حسرة تميز للضمير المبهم، نحو ربه رجلا، و أن يكون خبر مبتدإ محذوف و التقدير لأن يكون، أي يا قوم أدعوكم لأمر تتعجبون منه و هي الحسرة على ذي غفلة، و هي كون العمر عليه حجة لتضييعه فيما لا يعنيه، و الشقوة بالكسر سوء العاقبة.

" ممن لا يقصر به" الباء للتعدية و" رغبة" فاعل لم يقصر، و ضمير" به" راجع إلى الموصول أي لا تجعله رغبة من رغبات النفس و شهوة من شهواتها قاصرا عن طاعة الله، هذا هو الظاهر، و قيل: رغبة تميز عن النسبة و ضمير به راجع إلى الله أي ممن لا يقصر بتوفيق الله عن طاعة الله لأجل الرغبة عنها و هو بعيد، و قد يتوهم تعلق عن طاعة الله بالرعية و هو أبعد" أو تحل" عطف على" يقصر" فينسحب عليه النفي، و النقمة العقوبة و العذاب.

" فإنما نحن له و به" أي لله و مملوكه، و لا نفعل شيئا إلا بعونه أو الضمير للموت أي خلقنا للموت و نحن متلبسون به.

ص: 303

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَقِيلِيِّ يَرْفَعُهُ قَالَ قَالَ لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ مُلْجَمٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ لِلْحَسَنِ يَا بُنَيَّ إِذَا أَنَا مِتُّ فَاقْتُلِ ابْنَ مُلْجَمٍ وَ احْفِرْ لَهُ فِي الْكُنَاسَةِ وَ وَصَفَ الْعَقِيلِيُّ الْمَوْضِعَ عَلَى بَابِ طَاقِ الْمَحَامِلِ مَوْضِعُ الشُّوَّاءِ وَ الرُّؤَّاسِ ثُمَّ ارْمِ بِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع

1 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرِ بْنِصَالِحٍ قَالَ الْكُلَيْنِيُّ وَ عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ لَمَّا حَضَرَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ع الْوَفَاةُ قَالَ لِلْحُسَيْنِ ع يَا أَخِي إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا إِذَا أَنَا مِتُّ فَهَيِّئْنِي ثُمَ

الحديث السابع

مرفوع، و الكناسة بالضم موضع بالكوفة و كذا طاق المحامل سوق أو محلة بها، و" وصف" كلام علي بن الحسين و الشواء بضم الشين و تشديد الواو جمع الشاوي و هم الذين يشوون اللحم، و كذا الرؤاس بضم الراء و تشديد الهمزة جمع الرأس و هم الذين يطبخون الرؤوس أو يبيعونها، و يحتمل فتح الشين و الراء فيهما أي بياع الشواء و الرؤوس و قد يقرأ الرواس بالواو، و رده الجوهري حيث قال: يقال لبائع الرؤوس رءاس، و العامة تقول: رواس" فإنه واد" لعله إنماصار من أودية جهنم لكونه مدفنا لذلك الخبيث عليه لعنة الله أبد الآبدين.

باب الإشارة و النص على الحسين بن علي صلوات الله عليهما

الحديث الأول

: ضعيف.

" و قال الكليني" كلام تلامذته و هو في هذا الموضع غريب، و لعل بكرا أيضا روي عن ابن الجهم أو عن ابن سليمان و احتمال إرسال الأول كما قيل بعيد، و ابن زياد هو سهل.

ص: 304

وَجِّهْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِص لِأُحْدِثَ بِهِ عَهْداً ثُمَّ اصْرِفْنِي إِلَى أُمِّي ع ثُمَّ رُدَّنِي فَادْفِنِّي بِالْبَقِيعِ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِنْ عَائِشَةَ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ وَ النَّاسُصَنِيعُهَا وَ عَدَاوَتُهَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ عَدَاوَتُهَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلَمَّا قُبِضَ الْحَسَنُ ع وَ وُضِعَ عَلَى السَّرِيرِ ثُمَّ انْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِص الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَصَلَّى عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ ع وَ حُمِلَ وَ أُدْخِلَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَمَّا أُوقِفَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِص ذَهَبَ ذُو الْعُوَيْنَيْنِ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا إِنَّهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا بِالْحَسَنِ لِيَدْفِنُوا مَعَ النَّبِيِّص فَخَرَجَتْ مُبَادِرَةً عَلَى بَغْلٍ بِسَرْجٍ فَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ رَكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ سَرْجاً فَقَالَتْ نَحُّوا ابْنَكُمْ عَنْ بَيْتِي فَإِنَّهُ لَا يُدْفَنُ فِي بَيْتِي وَ يُهْتَكُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ حِجَابُهُ فَقَالَ لَهَا

" ثم ردني" يدل على أن فاطمة عليها السلام ليست مدفونة بالبقيع، و يمكن أن يستدل به على شرعية ما هو الشائع في هذه الأعصار في الروضات المقدسات من تزوير الأموات" ما يعلم الله و الناسصنيعها" أي به، أو ما يعلمه الله، فصنيعها خبر مبتدإ محذوف، و المراد بالصنيع الفعل القبيح، في القاموس:صنع بهصنيعا قبيحا فعله، انتهى.

و في بعض النسخصنعها بهذا المعنى و في بعضها" بغضها".

" ثم انطلقوا" قرأ بعض الأفاضل ثم إشارة للمكان، أي في بيته فقوله: انطلقوا جزاء" لما" و يحتمل أن يكون بالضم و يكون قوله فصلى جواب لما أدخل الفاء عليه للفاصلة، و ظاهره كون مصلى الرسولصلى الله عليه و آله و سلم خارجا من المسجد، و يمكن حمله على المسجد الذي كان في زمن الرسولصلى الله عليه و آله أو ما هو الآن مسقف و يصلي الناس فيه، و هما متقاربان و ذو العوينتين الجاسوس، قال الجوهري: ذو العينتين الجاسوس، و لا تقل ذو العوينتين، و في القاموس: و ذو العينين الجاسوس، انتهى.

و هذا الخبر يدل على أنه سيجي ء بالواو أيضا و يمكن أن يكون عليه السلام تكلم باللغة الشائعة بينهم، و يظهر من بعض الأخبار أنه كان مروان بن الحكم لعنه الله.

ص: 305

الْحُسَيْنُ ع قَدِيماً هَتَكْتِ أَنْتِ وَ أَبُوكِ حِجَابَ رَسُولِ اللَّهِص وَ أَدْخَلْتِ عَلَيْهِ بَيْتَهُ مَنْ لَا يُحِبُّ قُرْبَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ سَائِلُكِ عَنْ ذَلِكِ يَا عَائِشَةُ

2 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا حَضَرَتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ع الْوَفَاةُ قَالَ يَا قَنْبَرُ انْظُرْ هَلْ تَرَى مِنْ وَرَاءِ بَابِكَ مُؤْمِناً مِنْ غَيْرِ آلِ مُحَمَّدٍ ع فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ رَسُولُهُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي قَالَ ادْعُ لِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَأَتَيْتُهُ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ هَلْ حَدَثَ إِلَّا خَيْرٌ قُلْتُ أَجِبْ أَبَا مُحَمَّدٍ فَعَجَّلَ عَلَى شِسْعِ نَعْلِهِ فَلَمْ يُسَوِّهِ وَ خَرَجَ مَعِي يَعْدُو فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ

قوله: قديما، ظرف" هتكت" و هتكت الحجاب لإدخال أبي بكر و أبه بيتهصلى الله عليه و آله و سلم بغير إذنه.

ثم اعلم أن ذكر الخبر في باب النص من جهتين" الأولى" اشتماله على الوصية و قد مر في الأخبار أنها من علامات الإمام" و الثانية" أنه عليه السلامصلى على أخيه و هي أيضا من علامات الإمامة كما سيأتي، و لذا ذكره المصنف في هذا الباب، ثم أن الخبر يدل على مرجوحية ركوب الفروج على السروج.

الحديث الثاني

: ضعيف.

قوله: الله و رسوله و ابن رسوله أعلم به مني، أي لا تحتاج إلى أن أذهب و أرى أنت تعلم ذلك بعلومك الربانية، و يحتمل أن يكون المراد بالنظر النظر الباطني لأنه كان من أصحاب الأسرار، و لذا قال: أنت أعلم، أي أنت أحرى بهذا النحو من العلم و منكم أخذت ما عندي، و يحتمل أن يكون أراد بقوله: مؤمنا، ملك الموت، فإنه كان يقف و يستأذن، و يمكن أن يكون أتاه الملك بصورة بشر فسأل قنبرا ليعلم أنه يراه أم لا، أو ليعلم أنه ملك الموت أم لا، فجوابه أراد به أني لا أرى أحدا و أنت أعلم بما تقول، و ترى ما لا أرى، و هذا مع بعده أشد انطباقا على ما بعده، و على الأول السؤال كان ليبعثه لطلب محمد بن علي أي أخيه ابن الحنفية، فلما لم يكن غيره بعثه" فعجل على شسع نعله" و في بعض النسخ عن شسع أيصار تعجيله مانعا عن عقد شسع نعله،

ص: 306

فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع اجْلِسْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِثْلُكَ يَغِيبُ عَنْ سَمَاعِ كَلَامٍ يَحْيَا بِهِ الْأَمْوَاتُ وَ يَمُوتُ بِهِ الْأَحْيَاءُ كُونُوا أَوْعِيَةَ الْعِلْمِ وَ مَصَابِيحَ الْهُدَى فَإِنَّ ضَوْءَ النَّهَارِ بَعْضُهُ أَضْوَأُ مِنْ بَعْضٍ

بل لم يعقده، و عدا معي.

قوله عليه السلام" كلام" أي الوصية و النص على الخليفة" يحيي به الأموات" أي سبب لحياة الأموات بالجهل و الضلالة بحياة العلم و الإيمان إن قبلوا" و يموت به الأحياء" بالحياة الظاهرة أو بالحياة المعنوية أيضا إن لم يقبلوه، و موتهم بكفرهم و جهلهم و ضلالتهم، فإن من لا ينتفع به غيره بل يضل غيره فهو في قوة الأموات بل أخس منهم، أو المعنى أنه كلام يصير الإقرار به سببا للحياة الأبدي، فالأموات أيضا أحياء به كما قال تعالى:" وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ" و روى: المؤمن حي في الدارين" و يموت به الأحياء" أي بإنكاره يصير الأحياء بمنزلة الأموات، و قيل: يحيي به الأموات أي أموات الجهل و يموت به الأحياء أي بالموت الإرادي عن لذات هذه النشأة الذي هو حياة أخروية في دار الدنيا.

" كونوا أوعية العلم" بالإقرار و التعلم منه" و مصابيح الهدى" بهداية غيركم فالأمر لغير الإمام، و يحتمل شموله له بضبط العلم و منعه عن غير أهله، و هداية من يستحقه أو هو تحريص على استماع الوصية و قبولها و نشرها.

" فإن ضوء النهار. اه" هذا رفع و دفع لما استقر في نفوس الجهلة من أن المتشعبين عن أصل واحد في الفضل سواء، و لذا يستنكف بعض الأخوة عن متابعة بعضهم و كان الكفار يقولون للأنبياء إنما أنتم بشر مثلنا، فأزال تلك الشبهة بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة، فإن كله من الشمس لكن بعضه أضوء من بعض، كأول الفجر و وقت طلوع الشمس و وقت الزوال و هكذا، فباختلاف الاستعدادات و القابليات تختلف إفاضة الأنوار على المواد، و لا مدخلية للانشعاب من أصل واحد،

ص: 307

أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ وُلْدَ إِبْرَاهِيمَ ع أَئِمَّةً وَ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ آتَى داوُدَ زَبُوراً وَ قَدْ عَلِمْتَ بِمَا اسْتَأْثَرَ بِهِ مُحَمَّداًص- يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْحَسَدَ وَ إِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْكَافِرِينَ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- كُفَّاراً حَسَداً

كذا خطر بالبال و قيل: أي لا تستنكفوا من التعلم و إن كنتم علماء، فإن فوق كل ذي علم عليم.

و قيل: هذا بيان لما سبق بتشبيه المصدق للإمام بالظل في النهار، و الإمام بالضحى فإن كليهما ضوء و الأول مستضي ء بالثاني، و خارج من الظلمات إلى النور، و الثاني أضوء من الأول.

" أ ما علمت" تمثيل لما ذكر سابقا و تقرير له، و تنبيه على أنه كما كان بين أولاد الخليل عليه السلام تفاوت في العلم و الفضل حتىصار الأفضل مستحقا للخلافة، و كان بين المستحقين لها أيضا تفاوت في الفضل، فكذا بين أولاد سيد الأوصياء أيضا تفاوت فيه حتىصار بعضهم مستحقا للإمامة دون بعض.

و قوله: جعل ولد إبراهيم أئمة، إشارة إلى قوله تعالى:" وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْناصالِحِينَ، وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا" و قوله:

و فضل" إلخ" إشارة إلى قوله سبحانه:" وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً".

" و قد علمت بما استأثر الله به" الباء لتقوية التعدية و ليس" به" في إعلام الورى و هو أظهر، و الاستئثار التفضيل يعني قد علمت أن الله فضل محمداصلى الله عليه و آله و سلم على جميع خلقه بوفور علمه و عمله و مكارم أخلاقه، لا بنسبة و حسبه و أنت تعلم أن الحسين عليه السلام أفضل منك بهذه الجهات" إني أخاف" في إعلام الورى إني لا أخاف و هو أظهر و أنسب بحال المخاطب بل المخاطب أيضا" كُفَّاراً حَسَداً" فالآية هكذا:" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ

ص: 308

مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْكَ سُلْطَاناً يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَ لَا أُخْبِرُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ فِيكَ قَالَ بَلَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَاكَ ع يَقُولُ يَوْمَ الْبَصْرَةِ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبَرَّنِي فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ فَلْيَبَرَّ مُحَمَّداً وَلَدِي يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَكَ وَ أَنْتَ نُطْفَةٌ فِي ظَهْرِ أَبِيكَ لَأَخْبَرْتُكَ يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع بَعْدَ وَفَاةِ نَفْسِي وَ مُفَارَقَةِ رُوحِي جِسْمِي إِمَامٌ مِنْ بَعْدِي وَ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ فِي الْكِتَابِ وِرَاثَةً مِنَ النَّبِيِّص

لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً"- لو يردونكم- مفعول ود، و لو بمعنى أن المصدرية أي أن يردوكم" كُفَّاراً" حال عن ضمير المخاطبين" حَسَداً" مفعول له لود" مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ"صفة لقوله: حسدا، أي حسدا منبعثا من عند أنفسهم، أو متعلق بود" مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ" بالمعجزات و النعوت المذكورة في كتبهم.

" و لم يجعل الله" جملة دعائية إنشائية أو خبرية، و الغرض قطع عذره أي ليس للشيطان عليك سلطان و استيلاء يجبرك على إنكار الحق، فإن أنكرت فمن نفسك، و لا ينافي ذلك قوله سبحانه:" إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ" لأن ذلك بجعل أنفسهم لا بجعل الله، أو السلطان في الآية بمعنى لا يتحقق معه الجبر، أو المعنى أنك من عباد الله الصالحين، و قد قال الله تعالى:" إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ".

" فليبر محمدا" أي يحسن إليه و يكرمه و لا يدل على الطاعة حتى يتكلف بأن المراد الطاعة في هذا اليوم حيث أعطاه الراية و بعث معه جماعة من عسكره فكان عليهم أن يطيعوه.

" و عند الله جل اسمه" لعله عطف على قوله: من بعدي، أي و إمام عند الله في الكتاب أي في اللوح أو في القرآن أو في الوصية المنزلة من السماء كما مر، و العطف في قوله: و مفارقة روحي، للتفسير و قوله: من بعدي تأكيد و تصريح باتصال الإمامة

ص: 309

أَضَافَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ فِي وِرَاثَةِ أَبِيهِ وَ أُمِّهِ فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ خِيَرَةُ خَلْقِهِ فَاصْطَفَى مِنْكُمْ مُحَمَّداًص وَ اخْتَارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً ع وَ اخْتَارَنِي عَلِيٌّ ع بِالْإِمَامَةِ وَ اخْتَرْتُ أَنَا الْحُسَيْنَ ع فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنْتَ إِمَامٌ وَ أَنْتَ وَسِيلَتِي إِلَى مُحَمَّدٍص وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ نَفْسِي ذَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَ مِنْكَ هَذَا الْكَلَامَ أَلَا وَ إِنَّ فِي رَأْسِي كَلَاماً لَا تَنْزِفُهُ

بالوفاة، و فيه تذكير لما سمعه من أبيه عليه السلام حين أحضره و سائر إخوته عند الوصية إلى الحسنين عليهما السلام، و أشهدهم على ذلك و قد روي أنه نظر بعد الوصية إلى محمد بن الحنفية و قال له: هل حفظت ما أوصيت به إخوتك؟ قال: نعم، قال: فإني أوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك.

و ضمير" أضافها" للوراثة و" في" بمعنى إلى، و الحاصل أنه إمام مثبت إمامته في الكتاب، و قد ذكر الله تعالى وراثته مع وراثة أبيه و أمه كما سبق في وصية النبيصلى الله عليه و آله و يحتمل أن تكون" في" للسببية أي أضاف الله تعالى الوراثة له بسبب وراثة أمه و أبيه و بتوسطهما أو بمعنى" مع" أي وراثة النبيصلى الله عليه و آله و سلم أضيفت إلى وراثة أبيه و أمه، إشارة إلى حضوره عند وصية النبيصلى الله عليه و آله و سلم و الوصية إليه على الخصوص، و في إعلام الورى و عند الله في الكتاب الماضي وراثة النبيصلى الله عليه و آله و سلم أصابها في وراثة أبيه و أمه.

" علم الله أنكم خيرة خلقه. اه" و الخيرة بالكسر و كعنبة المختار و الاختيار للإمامة بأمر الله سبحانه.

" هذا الكلام" أي الكلام الدال على وفاتك أو المشعر بحسدي" ألا" بفتح الهمزة حرف استفتاح" و إن في رأسي كلاما" النسبة إلى الرأس إما إشارة إلى أنه حصل بالسماع أو إلى أن القوة الحافظة في الدماغ أو لأن الإبداء باللسان و تنوين" كلاما" للتعظيم و هو عبارة عما يدل على فضل الحسنين عليهما السلام و مناقبهما، و شبهه بالماء لكثرته و غزارته، و كونه سببا لحياة الأرواح كما أن الماء سبب لحياة الأبدان، و نسبة النزف تخييلية، و النزف: النزح، تقول: نزفت ماء البئر نزفا إذا نزحت كله، فهو كناية عن كثرته.

ص: 310

الدِّلَاءُ وَ لَا تُغَيِّرُهُ نَغْمَةُ الرِّيَاحِ كَالْكِتَابِ الْمُعْجَمِ فِي الرَّقِّ الْمُنَمْنَمِ أَهُمُّ بِإِبْدَائِهِ فَأَجِدُنِي سُبِقْتُ إِلَيْهِ سَبْقَ الْكِتَابِ الْمُنْزَلِ أَوْ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَ إِنَّهُ لَكَلَامٌ يَكِلُّ بِهِ لِسَانُ

" و لا تغيره نغمة الرياح" كناية عن ثباته أو عذوبته ترشيحا للتشبيه السابق، و النغمة: الصوت الخفي، عبر بالرياح عن الشبهات التي تخرج من أفواه المخالفين الطاعنين في الحق، كما قال تعالى:" يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ" و المقصود أنه على كلام يقيني لا يتطرق إليه الشبه و الشكوك" كالكتاب المعجم" اسم مفعول من باب الأفعال أي المختوم، كناية عن أنه من الأسرار، في القاموس: باب معجم كمكرم مقفل، أو من قولهم: أعجمت الكتاب فهو معجم أي أزلت عجمته و هي عدم الإفصاح، و التعجيم أيضا بهذا المعنى، أي كالكتاب الذي أزيلت عجمته و عدم إفصاحه بالنقط و الإعراب، بحيث يكون المقصود منه واضحا عكس المعنى الأول، أو من قولهم أعجمه إذا لم يفصحه لا لقصور فيه بل للطف معانيه و قصور أكثر العقول عن إدراكه فيرجع إلى الأول، و الرق بالفتح و يكسر: جلد رقيق يكتب فيه و الصحيفة البيضاء، و يقال: نمنمه أي زخرفه و رقشة، و النبت المنمنم: الملتف المجتمع، أي الرق المزين بولاء الأئمة و سائر المعارف، أو المشتمل على العلوم الجمة، و في بعض النسخ المنهم بالهاء إما بفتح النون و تشديد الهاء المفتوحة من النهمة أي بلوغ الهمة في الشي ء كناية عن كونه ممتلئا بحيث لم يبق شي ء غير مكتوب، أو سكون النون و فتح الهاء و تشديد الميم من قولهم إنهم البرد و الشحم أي ذابا كناية عن إغلاقه و بعده عن الأفهام كأنه قد ذاب و محي، فلا يمكن قراءته إلا بعسر.

" أهم بأدائه" الضمير للكلام" بأدائه" بالفتح و التخفيف، أي بأداء حقوق هذا الكلام، قال الجوهري: أدى دينه تأدية أي قضاه، و الاسم الأداء، و في بعض النسخ بإبدائه أي إظهاره" فأجدني" من أفعال القلوب، و من خواصها جواز كون فاعلها و مفعولها واحدا" سبقت" على بناء المجهول" سبق" علىصيغة الماضي و الجملة استئنافية و" الكتاب المنزل" القرآن.

ص: 311

النَّاطِقِ وَ يَدُ الْكَاتِبِ حَتَّى لَا يَجِدَ قَلَماً وَ يُؤْتَوْا بِالْقِرْطَاسِ حُمَماً فَلَا يَبْلُغُ إِلَى فَضْلِكَ وَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُحْسِنِينَ وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ- الْحُسَيْنُ أَعْلَمُنَا عِلْماً وَ أَثْقَلُنَا حِلْماً وَ أَقْرَبُنَا

و" ما خلت" أي مضت به الرسل سائر الكتب أو المراد بالكتاب الجنس ليشملها و ما خلت به الرسل ما ذكره الأنبياء عليهم السلام و يمكن أن يقرأ" سبق" بصيغة المصدر مضافا إلى الكتاب ليكون مفعولا مطلقا للتشبيه، و الحاصل أني كلما أقصد أن أذكر شيئا مما في رأسي من فضائلك أو فضائلك و مناقب أخيك أجده مذكورا في كتاب الله و كتب الأنبياء و قيل: أي سبقني إليه أنت و أخوك لذكره في كتاب الله و كتب الأنبياء عليهم السلام و" أنه" أي ما في رأسي" حتى لا يجد" أي الكاتب" قلما"" و يؤتى" على بناء المجهول و الضمير للكاتب أيضا أو للذي يكتب له الكتاب ليقرأه و هو معطوف على لا يجد، و الحمم بضم الحاء و فتح الميم: جمع الحمة أي الفحمة يشبه بها الشي ء الكثير السواد، و ضمير" يبلغ" للكاتب" و يحتمل القرطاس و الأول أظهر.

و الحاصل أنه كلام من كثرته يكل به يد الكاتب لكثرة الحركة حتى تفنى الأقلام فلا توجد لصرف كلها في الكتابة، و حتى يؤتي أي الكاتب أو من يؤتي من جانب الكتاب بالقراطيس كلها مسودة مملوءة بفضائلك، فلا يبلغ الكاتب الدرجة التي تستحقها من الفضائل و المناقب، بل المكتوب قليل من كثير كما قال تعالى:" قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي" الآية و قد ورد أنهم كلمات الله.

" أعلمنا علما" قوله علما تميز للنسبة على المبالغة و التأكيد، و الحلم العقل أو الرزانة و عدم السرعة أي الطيش" قبل أن يخلق" أي بدنه الشريف كما روي أن أرواحهم المقدسة قبل تعلقها بأبدانهم المطهرة كانت عالمة بالعلوم اللدنية معلمة للملائكة، و قيل: المعنى أنه كان في علم الله أنه يكون فقيها و لا يخفى بعده.

ص: 312

مِنْ رَسُولِ اللَّهِص رَحِماً كَانَ فَقِيهاً قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ وَ قَرَأَ الْوَحْيَ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِي أَحَدٍ خَيْراً مَا اصْطَفَى مُحَمَّداًص فَلَمَّا اخْتَارَ اللَّهُ مُحَمَّداً وَ اخْتَارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً وَ اخْتَارَكَ عَلِيٌّ إِمَاماً وَ اخْتَرْتَ الْحُسَيْنَ سَلَّمْنَا وَ رَضِينَا مَنْ هُوَ بِغَيْرِهِ يَرْضَى وَ مَنْ غَيْرُهُ كُنَّا نَسْلَمُ بِهِ مِنْ مُشْكِلَاتِ أَمْرِنَا

3 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ لَمَّا احْتُضِرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع قَالَ لِلْحُسَيْنِ يَا أَخِي إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَهَيِّئْنِي ثُمَّ وَجِّهْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِص لِأُحْدِثَ بِهِ عَهْداً ثُمَّ اصْرِفْنِي إِلَى أُمِّي فَاطِمَةَ ع ثُمَّ رُدَّنِي فَادْفِنِّي بِالْبَقِيعِ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِنَ الْحُمَيْرَاءِ مَا يَعْلَمُ النَّاسُ مِنْصَنِيعِهَا وَ عَدَاوَتِهَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِص وَ عَدَاوَتِهَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلَمَّا قُبِضَ الْحَسَنُ ع وَ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِص الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَصَلَّى

" قبل أن ينطق" أي بين الناس كما ورد أنه أبطأ عن الكلام أو مطلقا إشارة إلى علمه في عالم الأرواح و في الرحم، كالفقرة السابقة" من بغيره يرضى" الاستفهام للإنكار و الظرف متعلق بما بعده، و ضمير يرضى راجع إلى من، و في بعض النسخ بالنون و هو لا يستقيم إلا بتقدير الباء في أول الكلام، أي بمن بغيره ترضى، و في بعض النسخ من بعزة ترضى أي هو من بعزة و غلبته ترضى، أو الموصول مفعول رضينا" و من كنا نسلم به" هذا أيضا إما استفهام إنكار بتقدير غيره، و نسلم إما بالتشديد فكلمة من تعليلية أو بالتخفيف أي نصير به سالما من الابتلاء بالمشكلات، و على الاحتمال الأخير في الفقرة السابقة معطوف على الخبر أو على مفعول رضينا و يؤيد الأخير فيهما أن في إعلام الورى هكذا: رضينا بمن هو الرضا و بمن نسلم به من المشكلات.

الحديث الثالث

: ضعيف.

" لما احتضر" على بناء المجهول أي أحضره الموت و الحميراء تصغير الحمراء لقب عائشة" فصلي" على بناء المجهول و يحتمل المعلوم فالمرفوع راجع إلى الحسين

ص: 313

عَلَى الْحَسَنِ ع فَلَمَّا أَنْصَلَّى عَلَيْهِ حُمِلَ فَأُدْخِلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا أُوقِفَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِص بَلَغَ عَائِشَةَ الْخَبَرُ وَ قِيلَ لَهَا إِنَّهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لِيُدْفَنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَخَرَجَتْ مُبَادِرَةً عَلَى بَغْلٍ بِسَرْجٍ فَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ رَكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ سَرْجاً فَوَقَفَتْ وَ قَالَتْ نَحُّوا ابْنَكُمْ عَنْ بَيْتِي فَإِنَّهُ لَا يُدْفَنُ فِيهِ شَيْ ءٌ وَ لَا يُهْتَكُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ حِجَابُهُ فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا قَدِيماً هَتَكْتِ أَنْتِ وَ أَبُوكِ حِجَابَ رَسُولِ اللَّهِ وَ أَدْخَلْتِ بَيْتَهُ مَنْ لَا يُحِبُّ رَسُولُ اللَّهِ قُرْبَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ سَائِلُكِ عَنْ ذَلِكِ يَا عَائِشَةُ إِنَّ أَخِي أَمَرَنِي أَنْ أُقَرِّبَهُ مِنْ أَبِيهِ رَسُولِ اللَّهِص لِيُحْدِثَ بِهِ عَهْداً وَ اعْلَمِي أَنَّ أَخِي أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ مِنْ أَنْ يَهْتِكَ عَلَى رَسُولِ

عليه السلام، و كذا قوله: فلما أنصلى، يحتمل الوجهين و أن زائدة لتأكيد الاتصال.

" و أعلم بتأويل كتابه" قيل: أفعل ليس هنا للتفضيل بل للتبعيد، و قيل:

المراد أعلم الناس بتأويل كتابه مكرها أن يهتك، و الحاصل أن وفور علمه مانع من ذلك، و ظاهره أنه لم يكن ذلك جائزا بالنسبة إلى الحسن عليه السلام أيضا، و لعله على سبيل المصلحة إلزاما عليها لبيان سوءصنيعها في دفن الملعونين غير المأذونين، و إشكال إثبات الفرق بين الفعلين، و إلا فهو عليه السلام كان مأذونا في ذلك في حياته و بعد وفاته.

و يؤيده ما رواه الشيخ في مجالسه بأسانيد جمة عن ابن عباس قال: دخل الحسين بن علي عليهما السلام على أخيه الحسن بن علي عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه فقال له: كيف تجدك يا أخي؟ قال: أجدني في أول يوم من أيام الآخرة و آخر يوم من أيام الدنيا، و اعلم أنه لا أسبق أجلي و إني وارد على أبي و جدي عليهما السلام على كره مني لفراقك و فراق إخوتك و فراق الأحبة و أستغفر الله من مقالتي هذه و أتوب إليه، بل على محبة مني للقاء رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و أمي فاطمة عليها السلام، و حمزة و جعفر عليهما السلام، و في الله عز و جل خلف من كل هالك، و عزاء من كل مصيبة، و درك من كل ما فات، رأيت يا أخي كبدي في الطشت، و لقد عرفت من دهاني و من أين أتيت فما أنتصانع به يا أخي؟ فقال الحسين عليه السلام أقتله و الله، قال: فلا

ص: 314

أخبرك به أبدا حتى تلقى رسول اللهصلى الله عليه و آله و لكن أكتب يا أخي: هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أنه يعبده حق عبادته لا شريك له في الملك، و لا ولي له من الذل و أنه خلق كل شي ء فقدرة تقديرا، و أنه أولى من عبد و أحق من حمد، من أطاعه رشد، و من عصاه غوى، و من تاب إليه اهتدى، فإني أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي و ولدي و أهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم و تقبل من محسنهم، و تكون لهم خلفا و والدا و أن تدفنني مع رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم فإني أحق به و ببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه و لا كتاب جاءهم من بعده، قال الله فيما أنزله على نبيهصلى الله عليه و آله و سلم في كتابه:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ" فو الله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، و لا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، و نحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده فإن أبت عليك الامرأة فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز و جل منك و الرحم الماسة من رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم أن تهريق في محجمة من دم حتى نلقى رسول الله فنختصم إليه و نخبره بما كان من الناس إلينا بعده ثم قبض عليه السلام.

قال ابن عباس: فدعاني الحسين بن علي عليهما السلام و عبد الله بن جعفر و علي بن عبد الله بن العباس فقال: اغسلوا ابن عمكم فغسلناه و حنطناه و ألبسناه أكفانه ثم خرجنا به حتىصلينا عليه في المسجد، و إن الحسين عليه السلام أمر أن يفتح البيت فحال دون ذلك مروان بن الحكم و آل أبي سفيان و من حضر هناك من ولد عثمان بن عفان، و قالوا:

يدفن أمير المؤمنين الشهيد ظلما بالبقيع بشر مكان، و يدفن الحسن مع رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم لا يكون ذلك أبدا حتى تكسر السيوف بيننا و تنقصف الرماح و ينفذ النبل، فقال الحسين عليه السلام أم و الله الذي حرم مكة، للحسن بن علي بن فاطمة أحق برسول الله و ببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه، و هو و الله أحق به من حمال الخطايا،

ص: 315

اللَّهِ سِتْرَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ

مسير أبي ذر (ره) الفاعل بعمار ما فعل، و بعبد الله ماصنع، الحامي الحمى المؤوي لطريد رسول الله، لكنكمصرتم بعده الأمراء و تابعكم على ذلك الأعداء و أبناء الأعداء، قال: فحملناه فأتينا به قبر أمه فاطمة عليها السلام فدفناه إلى جنبها رضي الله عنه و أرضاه.

قال ابن عباس: و كنت أول من انصرف فسمعت اللفظ و خفت أن يعجل الحسين على من قد أقبل، و رأيت شخصا علمت الشر فيه فأقبلت مبادرا فإذا أنا بعائشة في أربعين راكبا على بغل مرحل تقدمهم و تأمرهم بالقتال، فلما رأتني قالت: إلى إلى يا ابن عباس لقد اجترأتم علي في الدنيا، تؤذونني مرة بعد أخرى، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى و لا أحب، فقلت: وا سوءتا! يوم على بغل و يوم على جمل، تريدين أن تطفئ نور الله و تقاتلي أولياء الله و تحولي بين رسول الله و بين حبيبه أن يدفن معه؟ ارجعي فقد كفى الله عز و جل المؤنة و دفن الحسن عليه السلام إلى جنب أمه، فلم يزدد من الله تعالى إلا قربا و ما ازددتم منه و الله إلا بعدا، يا سوءتاه انصرفي فقد رأيت ما سرك! قال: فقطبت في وجهي و نادت بأعلىصوتها: أ ما نسيتم الجمل يا ابن عباس إنكم لذوو أحقاد، فقلت: أم و الله ما نسيت أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض؟ فانصرفت و هي تقول:

فألقت عصاها و استقر بها النوى كما قر عينا بالأياب المسافر

أقول: و قد أوردت أمثاله في كتاب بحار الأنوار فهذه الأخبار تدل على أن في هذه الكلمات مصلحة و تورية بأن يكون المراد بهتك الستر المحاربة التي كانت

ص: 316

إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَ قَدْ أَدْخَلْتِ أَنْتِ بَيْتَ رَسُولِ اللَّهِص الرِّجَالَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَصَوْتِ النَّبِيِّ وَ لَعَمْرِي

تتوقع في ذلك عند ضريحه المقدس و عدم الإذن و عدم الجواز للاشتمال على المفسدة، و مخالفة التقية التي أمر الرسول بها و أمثال ذلك من التورية و التأويل، و يدل على عدم جواز دخول بيت النبيصلى الله عليه و آله و سلم الذي دفن فيه لمن لا يعلم الإذن بل غيره من الأئمة المدفونين في بيوتهم إلا أن يقال: إذنهم في الزيارة من قرب بالهيئات المنقولة إذن في الدخول، مع أنهم عليهم السلام رخصوا لشيعتهم في التصرف في أموالهم في حال غيبتهم، و يدل على أن الآية شاملة لما بعد الوفاة أيضا أو يثبت ذلك بقول النبيصلى الله عليه و آله و سلم: حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا كما يومئ عليه السلام إليه آخرا.

و المراد بالرجال أبو بكر و عمر و الحفارون و الذين حملوهما و دفنوهما فيه، و تسمية عمر فاروقا على التهكم و نسبته إلى أبي بكر للاتحاد الذي كان بينهما في الشقاوة و المعاونة في غصب حقوق أهل بيت العصمة، و أنه كان وزيره و مشيرة أو لتسمية أبي بكر إياه فاروقا و نسبة الفعل إليهما، لأن دفنهما كان بوصيتهما و رضاهما و الاستدلال لقبح ضرب المعاول بالنهي عن رفع الصوت بالقياس بالطريق الأولى، أو منصوص العلة، إذ يظهر من الآية أن العلة في ذلك رعاية الأدب و الإكرام و الاحترام الذي يجب رعايته له، فيدل على قبح رفع الصوت عند ضريحه المقدس بغير ضرورة بل رفع الصوت في الزيارة عنده و عند ضرائح الأئمة من أهل بيته بحيث يخرج عن الآداب، لما ورد من أن حرمتهم واحدة و حقهم واحد.

ص: 317

لَقَدْ ضَرَبْتِ أَنْتِ لِأَبِيكِ وَ فَارُوقِهِ عِنْدَ أُذُنِ رَسُولِ اللَّهِص الْمَعَاوِلَ وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى وَ لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْخَلَ أَبُوكِ وَ فَارُوقُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِص بِقُرْبِهِمَا مِنْهُ الْأَذَى وَ مَا رَعَيَا مِنْ حَقِّهِ مَا أَمَرَهُمَا اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِص إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْوَاتاً مَا حَرَّمَ مِنْهُمْ أَحْيَاءً وَ تَاللَّهِ يَا عَائِشَةُ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي كَرِهْتِيهِ مِنْ دَفْنِ الْحَسَنِ عِنْدَ أَبِيهِ رَسُولِ اللَّهِص جَائِزاً فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَ اللَّهِ لَعَلِمْتِ أَنَّهُ سَيُدْفَنُ وَ إِنْ رَغِمَ مَعْطِسُكِ

قوله: عند إذن رسول الله، أي ظاهرا و بحسب ما يراه الناس و رفعهم إلى السماء بعد ثلاثة أيام لا ينافي وجوب احترام مراقدهم، مع أنه ذهب جماعة إلى أنهم بعد الرفع يرجعون أيضا إلى ضرائحهم المطهرة، و سيأتي القول فيه مفصلا إنشاء الله تعالى" يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ" أي يحفظونها و لا يرفعونها بالصياح" امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى" أي جربها لها أو جربها بأنواع التكاليف لأجل التقوى، فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه و ميز جيده من رديئه، و سيأتي معاني التقوى و مراتبها في كتاب الإيمان و الكفر إن شاء الله.

" إن الله حرم. اه" دفع بذلك ما ربما يتوهم من أن حرمة الدخول في بيته بغير إذنه أو رفع الصوت عنده لعلهما كانا في حال حياته و لا يشمل ما بعد موتهصلى الله عليه و آله و سلم.

" كرهتيه" الياء لإشباع الكسرة" و إن رغم معطسك" المعطس: الأنف، و ربما جاء بفتح الطاء و الرغام بالفتح التراب، يقال: رغم أنفه من باب علم أي ذل رغما بحركات الراء و رغم الله أنفه و أرغمه أي ألصقه بالرغام، هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل و العجز عن الانتصاف من الخصم و الانقياد على كره" يوما على بغل" نصب يوما بالجار و المجرور و الظرف خبر مبتدإ محذوف بتقدير أنت، أو نصبه بفعل محذوف بتقدير تركبين.

و روي أنه أنشد يومئذ ابن الحنفية أو ابن عباس هذا البيت

ص: 318

قَالَ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَ قَالَ يَا عَائِشَةُ يَوْماً عَلَى بَغْلٍ وَ يَوْماً عَلَى جَمَلٍ فَمَا تَمْلِكِينَ نَفْسَكِ وَ لَا تَمْلِكِينَ الْأَرْضَ عَدَاوَةً لِبَنِي هَاشِمٍ قَالَ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ يَا ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ هَؤُلَاءِ الْفَوَاطِمُ يَتَكَلَّمُونَ فَمَا كَلَامُكَ فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ ع وَ أَنَّى تُبْعِدِينَ مُحَمَّداً مِنَ الْفَوَاطِمِ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ وَلَدَتْهُ ثَلَاثُ فَوَاطِمَ- فَاطِمَةُ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ ابْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حُجْرِ بْنِ عَبْدِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلْحُسَيْنِ ع نَحُّوا ابْنَكُمْ وَ اذْهَبُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ

تجملت تبغلت و إن عشت تفيلت

لك التسع من الثمن و للكل تملكت

أو: و في الكل تصرفت.

" فما تمليكن نفسك" إشارة إلى قوله تعالى:" إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي"" و ملك الأرض" عبارة عن الاستقرار في البيت المأمورة به في قوله تعالى:" وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ".

" عداوة" مفعول له" هؤلاء الفواطم" أي المنسوبون إلى فاطمة فالجمعية باعتبار المنسوب لا باعتبار المنسوب إليه، فإنه يقال: للقرشي قريش فالفاطم بمنزلة الفاطمي جمع على الفواطم، و المراد الفاطميون، كذا خطر بالبال.

و قيل: المراد المنسوبون إلى الفواطم: فاطمة البتول و الفواطم الآتية و هو أظهر لفظا، لكنه بعيد عن السياق" يتكلمون" أي لهم أن يتكلموا لانتسابهم إليها" فما كلامك" أي أي شي ء كلامك و لا وقع له" و أنى تبعدين" من الإبعاد أو التبعيد، و الاستفهام للإنكار، و فاطمة الأولى زوجة عبد المطلب أم عبد الله و أبي طالب و الزبير، و الثانية زوجة أبي طالب، و الثالثة زوجة هاشم أم عبد المطلب.

و في القاموس: معيص كأمير: بطن من قريش" قَوْمٌ خَصِمُونَ" أي شديد

ص: 319

قَالَ فَمَضَى الْحُسَيْنُ ع إِلَى قَبْرِ أُمِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَدَفَنَهُ بِالْبَقِيعِ

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ دَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ ع فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً وَ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع مَبْطُوناً مَعَهُمْ لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لِمَا بِهِ فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع ثُمَّصَارَ وَ اللَّهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ إِلَيْنَا يَا زِيَادُ قَالَ قُلْتُ مَا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ فِيهِ وَ اللَّهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى أَنْ تَفْنَى الدُّنْيَا وَ اللَّهِ إِنَّ فِيهِ الْحُدُودَ حَتَّى إِنَّ فِيهِ أَرْشَ الْخَدْشِ

2 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَمَّا حَضَرَ الْحُسَيْنَ ع مَا حَضَرَهُ دَفَعَ وَصِيَّتَهُ إِلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ ظَاهِرَةً فِي كِتَابٍ مُدْرَجٍ فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ ع

الخصومة و اللجاج" إلى قبر أمه" أي للزيارة و تجديد العهد كما مر.

باب الإشارة و النص على علي بن الحسين صلوات الله عليهما

الحديث الأول

: ضعيف، و هو جزء من خبر طويل مضى في باب ما نص الله و رسوله على الأئمة عليهم السلام، يقال: خدش الجلد أي قشره بعود و نحوه، و الأرش: الدية.

الحديث الثاني

: ضعيف.

" ما حضره" أي الشهادة" وصيته" إضافة إلى الفاعل، أي ما أوصى إلى علي بن الحسين عليه السلام" ظاهرة" أي أعطاها بمحضر الناس ليشهدوا بكون السجاد وصيا و إماما

ص: 320

مَا كَانَ دَفَعَتْ ذَلِكَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع قُلْتُ لَهُ فَمَا فِيهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَقَالَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَفْنَى

3 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ الْحُسَيْنَصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّاصَارَ إِلَى الْعِرَاقِ اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْكُتُبَ وَ الْوَصِيَّةَ فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ

4 وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ وَ اللَّهِ إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ عِنْدَهُ وُلْدُهُ إِذْ جَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي جَعْفَرٍ ع فَخَلَا بِهِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِص أَخْبَرَنِي أَنِّي سَأُدْرِكُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يُكَنَّى أَبَا جَعْفَرٍ فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ قَالَ وَ مَضَى جَابِرٌ وَ رَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَجَلَسَ مَعَ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ إِخْوَتِهِ فَلَمَّاصَلَّى الْمَغْرِبَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَيَّ شَيْ ءٍ قَالَ لَكَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ قَالَ إِنَ

لكن كان الكتاب مدرجا مطويا، و ما في الكتاب مستورا عنهم، قال الجوهري:

أدرجت الكتاب و الثوب طويته.

الحديث الثالث

: حسن، و هذه الوصية غير الوصية التي دفعها إلى فاطمة و لعلها كانت الوصية المختومة النازلة من السماء.

قوله: و في نسخة الصفواني أي كان حديث فليح في نسخة الصفواني في هذا الباب، مع أنه مناسب للباب الآتي.

الحديث الرابع

: مجهول، و فليح بضم الفاء و فتح اللام مجهول، روي عن السجاد و الباقر و الصادق عليهم السلام.

" فخلا به" أي ذهب به إلى خلوة لم يكن فيه أحد غيرهما

ص: 321

رَسُولَ اللَّهِص قَالَ إِنَّكَ سَتُدْرِكُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِيَ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يُكَنَّى أَبَا جَعْفَرٍ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ هَنِيئاً لَكَ يَا بُنَيَّ مَا خَصَّكَ اللَّهُ بِهِ مِنْ رَسُولِهِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ بَيْتِكَ لَا تُطْلِعْ إِخْوَتَكَ عَلَى هَذَا فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً كَمَا كَادُوا إِخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ ع

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع

1 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْكُوفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ

" هنيئا لك" نصبه بتقدير ليكن هنيئا و الهني ء ما ليس فيه مشقة من طعام و غيرها، و" ما" موصولة محلها الرفع، لأنها اسم ليكن" من أهل بيتك" متعلق بخصك" لا تطلع" على بناء الأفعال.

و كان ولد علي بن الحسين عليهما السلام أحد عشر ذكرا: محمد المكنى أبا جعفر الملقب بالباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، و زيد و عمر أمهما أم ولد، و عبد الله و الحسن و الحسين أمهم أم ولد، و الحسين الأصغر، و عبد الرحمن، و سليمان لأم ولد، و على و كان أصغر ولده لأم ولد، و محمد الأصغر أمه أم ولد.

باب الإشارة و النص على أبي جعفر عليه السلام

الحديث الأول

: مجهول، و في النسخ الذي عندنا عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله و الظاهر عن عبد الله إذ رواية الخلف الثالث لعلي بن الحسين عن أبي جعفر عليه السلام بعيد و توهم أنه الجواد عليه السلام أبعد إذ إبراهيم لم يلقه فكيف من يروي عنه.

و في بصائر الدرجات عن إبراهيم بن أبي البلاد عن عيسى بن عبد الله بن عمر عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: لما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الموت أخرج السفط أو الصندوق عنده. إلى آخر الخبر و هو الأظهر، لا سيما بالنظر إلى آخر الخبر كما ستعرف.

ص: 322

الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَمَّا حَضَرَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع الْوَفَاةُ قَبْلَ ذَلِكَ أَخْرَجَ سَفَطاً أَوْصُنْدُوقاً عِنْدَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ احْمِلْ هَذَا الصُّنْدُوقَ قَالَ فَحَمَلَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ إِخْوَتُهُ يَدَّعُونَ مَا فِي الصُّنْدُوقِ فَقَالُوا أَعْطِنَا نَصِيبَنَا فِي الصُّنْدُوقِ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا لَكُمْ فِيهِ شَيْ ءٌ وَ لَوْ كَانَ لَكُمْ فِيهِ شَيْ ءٌ مَا دَفَعَهُ إِلَيَّ وَ كَانَ فِي الصُّنْدُوقِ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِص وَ كُتُبُهُ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ الْتَفَتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع إِلَى وُلْدِهِ وَ هُوَ فِي الْمَوْتِ وَ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الصُّنْدُوقُ اذْهَبْ بِهِ إِلَى بَيْتِكَ قَالَ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دِينَارٌ وَ لَا دِرْهَمٌ وَ لَكِنْ كَانَ مَمْلُوءاً عِلْماً

3 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ

و السفط بالتحريك وعاء كالجوالق و كالقفة المعمولة من الخوص و الشك من الراوي" بين أربعة" حال عن المفعول أي كان بين أربعة رجال أخذ كل رجل بقائمة من قوائمه الأربع و الغرض بيان ثقله و كونه مملوء من الكتب و الأسلحة" فلما توفي" إما كلام الباقر عليه السلام على سبيل الالتفات، أو كلام الراوي، و ما في البصائر لا يحتاج إلى تكلف في هذا المقام و لا في قوله: و كان في الصندوق، إذ الظاهر أنه كلام الإمام عليه السلام.

الحديث الثاني

: مجهول، و عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام و جده محمد هو الراوي، قوله: كان مملوء علما، أي كان أكثره العلم فلا ينافي ما مر.

الحديث الثالث

: ضعيف على المشهور.

و عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم من خلفاء بني أمية و كان أقلهم شقاوة

ص: 323

كَتَبَ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ بِصَدَقَةِ عَلِيٍّ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ إِنَّ ابْنَ حَزْمٍ بَعَثَ إِلَى زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ كَانَ أَكْبَرَهُمْ فَسَأَلَهُ الصَّدَقَةَ فَقَالَ زَيْدٌ إِنَّ الْوَالِيَ كَانَ بَعْدَ عَلِيٍّ الْحَسَنَ وَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْحُسَيْنَ وَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَابْعَثْ إِلَيْهِ فَبَعَثَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى أَبِي فَأَرْسَلَنِي أَبِي بِالْكِتَابِ إِلَيْهِ حَتَّى دَفَعْتُهُ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا يَعْرِفُ هَذَا وُلْدُ الْحَسَنِ قَالَ نَعَمْ كَمَا يَعْرِفُونَ أَنَّ هَذَا لَيْلٌ- وَ لَكِنَّهُمْ يَحْمِلُهُمُ الْحَسَدُ وَ لَوْ طَلَبُوا الْحَقَّ بِالْحَقِّ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَ لَكِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا

4 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ

و ضررا على أهل البيت عليهم السلام، و ابن حزم هو محمد بن عمر بن حزم الأنصاري ولد في عهد النبيصلى الله عليه و آله و سلم سنة عشر بنجران و كان أبوه عامل النبي على نجران ذكره ابن الأثير في جامع الأصول، قال: و كان محمد فقيها روى عن أبيه و عن عمرو بن العاص، روى عنه جماعة من أهل المدينة، انتهى.

و كأنه كان حينئذ والي المدينة، و الباء في قوله:" بصدقة" لتقوية التعدية أو للملابسة، على أن يكون المراد أن يرسل شخصا بالصدقة، و المراد بالصدقة دفتر الصدقات و الأوقاف" و كان أكبرهم" أي أكبر بني علي سنا" فسأله الصدقة" أي دفترصدقات أمير المؤمنين عليه السلام فقط، و سأل دفتر أوقاف الملعونين من أولادهما.

قوله: إن الوالي، و في بعض النسخ الولي أي متولي تلك الصدقات، أو المتولي لجميع الأمور المتعلقة بهم من الخلافة و تولية الأوقاف و غيرها، فيكون ذكره للإضرار به عليه السلام سعاية إلى الخليفة، كما روي عنه أمثاله و هذا أنسب بقوله:

يعرف هذا ولد الحسن، و على الأول يكون السؤال لما كان مشهورا بينهم من التلازم بين الأمرين، و أن التولية مفوضة إلى إمام العصر، أو كان لهم في التولية أيضا نزاع معهم عليهم السلام، فعلى هذا لا يناسب الخبر هذا الباب.

ص: 324

بْنِ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعَثَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي ع

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ مِثْلَهُ بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا

1 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ قَالَ نَظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يَمْشِي فَقَالَ تَرَى هَذَا هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ

قوله: أن هذا ليل، يدل على أن الكلام كان في الليل" و لو طلبوا الحق" أي ما يدعونه من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و رفع الظلم و البدع" بالحق" أي بالتوسل بالإمام و الرجوع إليه و طاعته فيما يأمر في ذلك، لا بادعاء الإمامة بغير حق و إنكار حق أهلها" لكان خيرا لهم" على سبيل المماشاة و التنزيل فإنه لم يكن خير فيما كانوا يفعلونه أصلا.

الحديث الرابع

: ضعيف بالسند الأول، موثق بالأخير.

باب الإشارة و النص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليهما

الحديث الأول

: ضعيف.

" ترى هذا" بتقدير الاستفهام" عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ" بالظلم عليهم و غصب حقوقهم" وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً" في الدين يقتدى بهم" وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ" للأرض بعد الجبابرة في زمن القائم عليه السلام و في الرجعة، أو لعلوم الأنبياء و المرسلين، و كان في جعل الأرض ظرفا للاستضعاف تنبيها على أن ضعفهم إنما هو ظاهرا في الأرض و هم

ص: 325

اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي ع الْوَفَاةُ قَالَ يَا جَعْفَرُ أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْراً قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ اللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ وَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي الْمِصْرِ فَلَا يَسْأَلُ أَحَداً

3 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوَلَدُ يَعْرِفُ فِيهِ شِبْهَ خَلْقِهِ وَ خُلُقِهِ وَ شَمَائِلِهِ وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِنِ ابْنِي هَذَا شِبْهَ خَلْقِي وَ خُلُقِي وَ شَمَائِلِي يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع

عظماء عند الله و في السماء، ذوو اقتدار في الباطن في جميع العوالم.

الحديث الثاني

:صحيح.

" لأدعنهم" أي لا تركنهم و الواو في" و الرجل" للحال" فلا يسأل أحدا" أي المخالفين أو الأعم شيئا من العلم، و قيل: من المال و هو بعيد، و الحاصل أني لا أرفع يدي عن تربيتهم حتى يصيروا علماء أغنياء لا يحتاجون إلى السؤال أو أخرج من بينهم، و قدصاروا كذلك.

الحديث الثالث

: حسن على الظاهر، إذ الأظهر أنه هاشم بن المثنى الثقة، و هشام مذكور في الرجال مجهول، و لا يبعد أن يكون اشتبه على الشيخ في الرجال فذكره مرة هشاما و مرة هاشما، فإنه كثيرا ما يذكر رجلا واحدا في رجاله مكررا كما لا يخفى على المتتبع، و الشبه بالكسر و بفتحتين المثل" خلقه" بالفتح أي في الطنية و الاستعداد و قابلية الكمالات و" خلقه" بضم الخاء و سكون اللام و ضمها أي الفضائل الباطنة كالعلم و التقوى و الحلم، و الشمائل جمع شمال كسحاب أي الطبائع الظاهرة كالهيئة و الصورة و القامة، و لا ريب أن من كان في استعداداته و أخلاقه و فضائله و كمالاته مثل الإمام لا بد أن يكون إماما، و لذا أورده في هذا الباب.

ص: 326

4 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ طَاهِرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ع فَأَقْبَلَ جَعْفَرٌ ع فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هَذَا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أَوْ أَخْيَرُ

5 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ طَاهِرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ع فَأَقْبَلَ جَعْفَرٌ ع فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هَذَا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ

6 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ طَاهِرٍ قَالَ كُنْتُ قَاعِداً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ع فَأَقْبَلَ جَعْفَرٌ ع فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هَذَا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ

الحديث الرابع

: مجهول.

" و طاهر" ذكره الشيخ مرتين فذكره مرة أنه مولى أبي عبد الله و مرة أنه مولى أبي جعفر عليهما السلام، و الظاهر أنه أحدهما، و يحتمل اتحادهما، و لعله مشكور لهذا الانتساب و الاختصاص، فيمكن أن يعد حديثه حسنا و الترديد من الراوي، و المراد بالبرية برية زمانه أو الأعم فيخص بالمعصومين بالعقل و النقل، و فيه النص على الإمامة لأنه قد مر أن الزمان لا يخلو من إمام و لا يكون غير الإمام أفضل منه بالعقل و النقل و الخير ضد الشر، و الأخير و الأشر أصلان مرفوضان، قال الجوهري: رجل خير و خير مشدد و مخفف و كذلك امرأة خيرة و خيرة، و قال تعالى:" أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ" جمع خيرة و هي الفاضلة من كل شي ء، و قال:" فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ" قال الأخفش:

أنه لما وصف به، و قيل: فلان خير، أشبه الصفات فأدخلوا فيه الهاء للمؤنث و لم يريدوا به أفعل، فإن أردت معنى التفضيل قلت: فلانة خير الناس و لم تقل خيرة، و فلان خير الناس و لم تقل أخير، لا يثني و لا يجمع لأنه في معنى أفعل.

الحديث الخامس

: مجهول.

الحديث السادس

: ضعيف على المشهور.

ص: 327

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سُئِلَ عَنِ الْقَائِمِ ع فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ هَذَا وَ اللَّهِ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍص قَالَ عَنْبَسَةُ فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو جَعْفَرٍ ع دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَصَدَقَ جَابِرٌ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنْ لَيْسَ كُلُّ إِمَامٍ هُوَ الْقَائِمَ بَعْدَ الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ

8 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ أَبِي ع اسْتَوْدَعَنِي مَا هُنَاكَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ ادْعُ لِي شُهُوداً فَدَعَوْتُ لَهُ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ اكْتُبْ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ يَعْقُوبُ بَنِيهِ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَ أَوْصَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ أَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي بُرْدِهِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ وَ أَنْ يُعَمِّمَهُ بِعِمَامَتِهِ وَ أَنْ يُرَبِّعَ قَبْرَهُ وَ يَرْفَعَهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ وَ أَنْ يَحُلَّ عَنْهُ أَطْمَارَهُ عِنْدَ دَفْنِهِ ثُمَّ قَالَ لِلشُّهُودِ انْصَرِفُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ

الحديث السابع

:صحيح.

و قوله: قال عنبسة، الظاهر أنه كلام هشام و يحتمل ابن محبوب لكنه بعيد" ترون" على المجهول أو المعلوم أي تظنون، و القائم يطلق في الأخبار على المهدي القائم بالجهاد، الخارج بالسيف، و على كل إمام فإنه قائم بأمر الإمامة كما سيأتي في باب:

أن الأئمة كلهم قائمون بأمر الله، و غرضه عليه السلام بيان أن أبي سماني قائما بالمعنى الثاني لا الأول، و في الإبهام نوع مصلحة لعدم يأس الشيعة عن الفرج.

الحديث الثامن

: مجهول.

" ما هناك" أي ما كان محفوظا عنده من الكتب و السلاح و آثار الأنبياء و ودائعهم" فيهم نافع" أي منهم بتعميم قريش بحيث يشمل مواليهم أو معهم" كان يصلي فيه الجمعة" أي مع العامة تقية أو في الدار خفية" أربع أصابع" أي مفرجة" و أن يحل عنه" على بناء المجرد من باب نصر، و الإطمار جمع طمر بالكسر و هو الثوب الخلق، و الكساء البالي من غيرصوف، ذكره الفيروزآبادي، و ضمائر" عنه" و

ص: 328

فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَتِ بَعْدَ مَا انْصَرَفُوا مَا كَانَ فِي هَذَا بِأَنْ تُشْهِدَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ كَرِهْتُ أَنْ تُغْلَبَ وَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَمْ يُوصَ إِلَيْهِ فَأَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لَكَ الْحُجَّةُ

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع

1 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَّاءِ عَنِ الْفَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع خُذْ بِيَدِي مِنَ النَّارِ مَنْ لَنَا بَعْدَكَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو إِبْرَاهِيمَ ع وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَقَالَ هَذَاصَاحِبُكُمْ فَتَمَسَّكْ بِهِ

" أطماره" و" دفنه" إما راجعة إلى جعفر عليه السلام أي يحل أزرار أثوابه عند إدخال أبيه القبر، فإضافة الدفن إلى الضمير إضافة إلى الفاعل أو ضمير" دفنه" راجع إلى أبي جعفر عليه السلام إضافة إلى المفعول، أو الضمائر راجعة إلى أبي جعفر عليه السلام، فالمراد حل عقد الأكفان، و قيل: أمره بأن لا يدفنه مع ثيابه المخيطة.

" ما كان في هذا"" ما" نافية أي لم تكن لك حاجة في ذلك" بأن تشهد" أي إلى أن تشهد، أو استفهامية أي أي فائدة في هذا أي الموصى به بأن يشهد عليه، الباء للسببية و الظرف متعلق بكان" تشهد" بصيغة الخطاب المعلوم أو بصيغة الغائب المجهول، و في إعلام الورى: ما كان لك في هذا و أن تشهد عليه" أن تغلب" على بناء المجهول أي في الإمامة فينكروا إمامتك، فإن الوصية من علامات الإمامة كما مر، أو فيما أوصي إليه مما يخالف العامة كتربيع القبر فيكون له في ذلك عذر، و يقول كذا أوصى إلى أبي، و يحتمل التعميم ليشملهما.

باب الإشارة و النص على أبي الحسن موسى عليه السلام

الحديث الأول

: ضعيف.

" من النار" لعله ضمن" خذ بيدي" معنى الإنقاذ فعدي بمن" هذاصاحبكم" أي إمامكم الذي يلزمكم أن تصحبوه أو هو أولى بكم من أنفسكم.

ص: 329

2 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ عَنْ ثُبَيْتٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ أَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي رَزَقَ أَبَاكَ مِنْكَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ قَبْلَ الْمَمَاتِ مِثْلَهَا فَقَالَ قَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ مَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَشَارَ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَ هُوَ رَاقِدٌ فَقَالَ هَذَا الرَّاقِدُ وَ هُوَ غُلَامٌ

3 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْأَرَّجَانِيُّ الْفَارِسِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فِي السَّنَةِ الَّتِي أُخِذَ فِيهَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَاضِي ع فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْصَارَ فِي يَدِ هَذَا وَ مَا نَدْرِي إِلَى مَا يَصِيرُ فَهَلْ بَلَغَكَ عَنْهُ فِي أَحَدٍ مِنْ وُلْدِهِ شَيْ ءٌ فَقَالَ لِي مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يَسْأَلُنِي عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ كَذَا فِي دَارِهِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ وَ هُوَ يَدْعُو وَ عَلَى يَمِينِهِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ع يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ فَقُلْتُ لَهُ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ قَدْ عَرَفْتَ انْقِطَاعِي إِلَيْكَ وَ خِدْمَتِي لَكَ فَمَنْ وَلِيُّ النَّاسِ بَعْدَكَ

الحديث الثاني

: حسن، و ثبيت هو ابن محمد ممدوح" الذي رزق أباك منك" من للسببية" هذه المنزلة" و هي سعادة أن يكون له ولد يشبه خلقه و خلقه و شمائله و يكون قابلا للإمامة و ضمير" مثلها" للإمامة.

الحديث الثالث

: مجهول.

و الأرجاني بفتح الهمزة و تشديد الراء المكسورة نسبة إلى بلد بفارس، الفارسي بكسر الراء لالتقاء الساكنين.

" إن هذا الرجل" أي الكاظم عليه السلام" في يد هذا" أي الرشيد لعنه الله" إلى ما يصير" ما استفهامية و إثبات ألفها مع حرف الجر شاذ و" في بيت" بالتنوين" كذا" كناية عما ذكره مفصلا منصفة البيت" يؤمن" على التفعيل أي يقول آمين" فمن ولي الناس" أي أولى بهم من أنفسهم.

ثم اعلم أن في الخبر إشكالا من جهة أن السؤال كان عن إمامة الإمام بعد

ص: 330

فَقَالَ إِنَّ مُوسَى قَدْ لَبِسَ الدِّرْعَ وَ سَاوَى عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ لَا أَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إِلَى شَيْ ءٍ

الكاظم عليه السلام، و الجواب تضمن النص عليه لا على من بعده؟

و الجواب عنه من وجوه:

الأول: ما خطر ببالي و هو الأظهر عندي، و هو أن غرض عبد الرحمن أن الكاظم هو القائم الذي هو آخر الأئمة و يغيب، ثم يخرج بالسيف كما هو مذهب الواقفية، و استدل عليه بقوله: قد لبس الدرع و ساوى عليه، فما قد بلغهم من الرواية المتقدمة أن قائمنا من إذا لبس الدرع ملاءها فلا يحتاج إلى السؤال عن الإمام بعده، و قد أخطأ عبد الرحمن في الاستدلال، إذ يمكن أن يكون للرسولصلى الله عليه و آله و سلم درعان أحدهما علامة الإمامة و الأخرى علامة القائم، أو يكون هذا من الأخبار البدائية، و يحتمل أن يكون هذا من مخترعات الواقفية.

الثاني: ما ذكره المحدث الأسترآبادي حيث قال: كان في آخر هذا الحديث الشريف قصة إمامة الرضا عليه السلام فتركه المصنف لأن الباب معقود لغيرها.

الثالث: ما ذكره بعض الأفاضل أن فيه طريق استعلام حال الرضا عليه السلام، و كناية الإشارة و حينئذ يصير الجواب مربوطا بالسؤال.

الرابع: ما ذكره بعض المعاصرين و هو أن مقصود عبد الرحمن أنك سمعت بعد سؤالك من أبي الحسن في الرضا عليه السلام مثل ما سمعته بعد سؤالي من أبي عبد الله عليه السلام في أبي الحسن، فلا وجه لسؤالك، و قال: المراد بالدرع لباس العلم و التقوى و نحوهما مما يدفع به ضرر إبليس و جنوده، و في الدعاء: اللهم ألبسني درعك الحصينة، و المقصود في هذا الحديث استكمال شروط الإمامة، أي ساوى أبو الحسن الدرع على نفسه فتطابقها و على هذا التقرير لا منافاة بينه و بين ما مر، و لا يخفى بعده.

ثم اعلم أنه" فقلت" على بعض الوجوه المتقدمة كلام الأرجاني، و على بعضها كلام عبد الرحمن فلا تغفل.

ص: 331

4 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُوسَى الصَّيْقَلِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَدَخَلَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ ع وَ هُوَ غُلَامٌ فَقَالَ اسْتَوْصِ بِهِ وَ ضَعْ أَمْرَهُ عِنْدَ مِنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِكَ

5 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي يَوْماً فَسَأَلَهُ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِلَى مَنْ نَفْزَعُ وَ يَفْزَعُ النَّاسُ بَعْدَكَ فَقَالَ إِلَىصَاحِبِ الثَّوْبَيْنِ الْأَصْفَرَيْنِ وَ الْغَدِيرَتَيْنِ يَعْنِي الذُّؤَابَتَيْنِ وَ هُوَ الطَّالِعُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَفْتَحُ الْبَابَيْنِ بِيَدِهِ جَمِيعاً فَمَا لَبِثْنَا أَنْ طَلَعَتْ عَلَيْنَا كَفَّانِ آخِذَةً بِالْبَابَيْنِ فَفَتَحَهُمَا ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ

الحديث الرابع

: ضعيف.

" استوص به" أي أقبل وصيتي فيه فإني أوصيك برعايته و القول بإمامته، قال في المغرب: في حديث الظهار استوص بابن عمك خيرا أي أقبل وصيتي فيه، و انتصاب خيرا على المصدر، أي استيصاء خير، انتهى.

" وضع أمره" أي الإخبار بإمامته و النص عليه و هو أمر بالتقية.

الحديث الخامس

: ضعيف، و علي بن عمر هو ابن علي بن الحسين عليه السلام.

" إلى من تفزع" أي تلجأ و تستغيث لحل المشكلات و استعلام مسائل الدين، و الغديرة بالفتح الذؤابة بالضم مهموزا و هي ما نبت في الصدغ من الشعر المسترسل، و" يعني" كلام إسحاق أو غيره من الرواة" آخذة" بصيغة الفاعل حالا عن كل من الكفين أو يعدهما واحدا، أو بصيغة المصدر مفعولا لأجله.

و في إرشاد المفيد: آخذتان، و هو أصوب" بالبابين" أي بمصراعي الباب، و الضمير في" فتحهما" للطالع، و الخبر مشتمل على الإعجاز أيضا، و في الإرشاد و أعلام الورى: حتى انفتحتا و دخل علينا أبو إبراهيم موسى بن جعفر و هوصبي و عليه ثوبان أصفران

ص: 332

6 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْصَفْوَانَ الْجَمَّالِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ لَهُ مَنْصُورُ بْنُ حَازِمٍ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ الْأَنْفُسَ يُغْدَى عَلَيْهَا وَ يُرَاحُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمَنْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَصَاحِبُكُمْ وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِ أَبِي الْحَسَنِ ع الْأَيْمَنِ فِي مَا أَعْلَمُ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ خُمَاسِيٌّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ جَالِسٌ مَعَنَا

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنْ كَانَ كَوْنٌ وَ لَا أَرَانِي اللَّهُ ذَلِكَ فَبِمَنْ أَئْتَمُّ قَالَ فَأَوْمَأَ إِلَى ابْنِهِ مُوسَى ع قُلْتُ فَإِنْ حَدَثَ بِمُوسَى حَدَثٌ فَبِمَنْ أَئْتَمُّ قَالَ بِوَلَدِهِ قُلْتُ فَإِنْ حَدَثَ بِوَلَدِهِ حَدَثٌ وَ تَرَكَ أَخاً كَبِيراً وَ ابْناًصَغِيراً فَبِمَنْ أَئْتَمُّ قَالَ بِوَلَدِهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أَبَداً

الحديث السادس

: حسن." يغدى عليها و يراح" أي يأتيها الموت أو ملكه أو الأعم منه و من سائر البلايا" غدوا و رواحا" و ذكر الوقتين على المثال و المقصود كل وقت" فإذا كان ذلك" أي مجي ء الموت إليك" فمن" أي فمنصاحبنا" فيما أعلم" أي فيما أظن و المقصود تجويز كون المضروب عليه غير منكبه الأيمن، و يحتمل على بعد تعلق الشك بكونه عليه السلام خماسيا، و يؤيده أن في إرشاد المفيد هكذا: و هو فيما أعلم يومئذ خماسي و هو أظهر.

و الخماسي من قدس سره خمسة أشبار أو من سنة خمس سنين، و الأول أشهر قال في القاموس: غلام خماسي: طوله خمسة أشبار، و لا يقال: سداسي و لا سباعي لأنه إذا بلغ خمسة أشبار فهو رجل، انتهى.

و عبد الله هو الأفطح الذي ادعى الإمامة لنفسه بعد أبيه و تبعه الفطحية و ذكره لبيان أنه مع سماعه هذا من أبيه اجترأ على هذا الدعوى الباطل.

الحديث السابع

: مجهول، و قد مضى في باب إثبات الإمامة في الأعقاب إلى قوله أبدا و كنى بالكون عن الفقد و الموت محافظة للأدب" و لا أراني الله" معترضة دعائية

ص: 333

قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَعْرِفْهُ وَ لَا أَعْرِفْ مَوْضِعَهُ قَالَ تَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَلَّى مَنْ بَقِيَ مِنْ حُجَجِكَ مِنْ وُلْدِ الْإِمَامِ الْمَاضِي فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

8 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَّاءِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَبَا الْحَسَنِ ع وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَقَالَ هَذَا الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ فِينَا مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلَى شِيعَتِنَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ لِي لَا تَجْفُوا إِسْمَاعِيلَ

6- 9 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَ أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ

قوله: فإن لم أعرفه، جوابه محذوف أي فما أصنع أو بمن ائتم" إني أتولى" أي اعتقد ولايته و إمامته، و يدل على أنه مع تعذر العلم التفصيلي في أصل الدين يكفي العلم الإجمالي و لا بد من الإذعان مجملا، و يخرج بذلك عمن لم يعلم إمام زمانه.

الحديث الثامن

: ضعيف.

" لم يولد فينا" أي من بين أولادنا، و يحتمل شموله لأولاد سائر الأئمة عليهم السلام سوى أمير المؤمنين و الحسنين عليهم السلام، فإن سائر هم متساوون في الفضل، إن كان المراد حقيقة الكلام و إن كان المراد أنه أعظم بركة منهم كما هو الشائع في مثل هذه العبارة فالتفضيل على غير الأئمة عليهم السلام، مع أنه يمكن أن يكون نوع من البركات و المنافع مختصا به عليه السلام، كما أنه اختار الحبس و وقى بذلك شيعته" لا تجفوا إسماعيل" بالتخفيف من الجفاء نقيض الصلة أي إنه و إن لم يكن إماما لكنه ابن إمامكم، و لا بد من إكرامه و احترامه و رعايته، أو لا تخبروه بهذا فتجفوه إذ يعلم بذلك موته قبلي لما قد علم من أن الإمامة في الأكبر و هو أكبر من الكاظم عليه السلام و لم تكن به آفة، أو لا تجفوا به بأن تبعثوه على دعوى الإمامة بغير حق، و على بعض الوجوه يمكن أن يقرأ من باب الأفعال من أجفاه إذا أتعبه.

الحديث التاسع

: موثق.

ص: 334

الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ عَنْ فَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي أَمْرِ أَبِي الْحَسَنِ ع حَتَّى قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع هُوَصَاحِبُكَ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ فَقُمْ إِلَيْهِ فَأَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ فَقُمْتُ حَتَّى قَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَ يَدَهُ وَ دَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَمَا إِنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا فِي أَوَّلَ مِنْكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأُخْبِرُ بِهِ أَحَداً فَقَالَ نَعَمْ أَهْلَكَ وَ وُلْدَكَ وَ كَانَ مَعِي أَهْلِي وَ وُلْدِي وَ رُفَقَائِي وَ كَانَ يُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ مِنْ رُفَقَائِي فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُمْ حَمِدُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَالَ يُونُسُ لَا وَ اللَّهِ حَتَّى أَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَ كَانَتْ بِهِ عَجَلَةٌ فَخَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْبَابِ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَهُ وَ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ يَا يُونُسُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لَكَ فَيْضٌ قَالَ فَقَالَ سَمِعْتُ وَ أَطَعْتُ فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع خُذْهُ إِلَيْكَ يَا فَيْضُ

" في أمر أبي الحسن" أي في شأنه أو في إمامته" في أول منك" هو أفعل التفضيل أي في أسبق منك، و حاصله أني ما أخبرت بإمامته أحدا قبلك، و ما قيل: أن الخطاب لأبي الحسن عليه السلام و المعنى أنه لم يأذن الله لنا في إمامة من هو أسبق مولدا و أكبر سنا منك يعني إسماعيل، فلا يخفى بعده.

و في البصائر أما إنه لم يؤذن له في ذلك، أي في أن تقبل رأسه و يده فيصير سببا لظهور الأمر و ضرر المخالفين.

و في البصائر، بعد قوله: و ولدك، و رفقاءك، و هو أظهر و إلا لم يكن يجوز له أن يخبر يونس و ذكر الرفقاء بعد ذلك مكررا يؤيده" لا و الله" أي لا أقبل ذلك أو لا اكتفى به" و كانت به" أي في يونس" عجلة" بالتحريك أي تعجيل في استكشاف الأمور و لم يكن له وقار و تثبيت" و قد سبقني" أي يونس" خذه إليك" أي لا تدع يونس يفشي هذا الأمر و أخبره أن في إفشائه مفاسد، و في البصائر كما قال لك فيض زرقه زرقه قال:

فقلت قد فعلت، و الزرقة بالنبطية أي خذه إليك.

أقول: و فيه ذم ليونس كما هو المذموم عند أصحابنا، و أقول: هذا خبر طويل اختصره الكليني (ره) أوردته بتمامه في الكتاب الكبير.

ص: 335

10 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ طَاهِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَلُومُ عَبْدَ اللَّهِ وَ يُعَاتِبُهُ وَ يَعِظُهُ وَ يَقُولُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ أَخِيكَ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ النُّورَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِمَ أَ لَيْسَ أَبِي وَ أَبُوهُ وَاحِداً وَ أُمِّي وَ أُمُّهُ وَاحِدَةً فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِنَّهُ مِنْ نَفْسِي وَ أَنْتَ ابْنِي

11 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ هُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى وَ هُوَ فِي الْمَهْدِ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ طَوِيلًا فَجَلَسْتُ حَتَّى فَرَغَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي ادْنُ مِنْ مَوْلَاكَ فَسَلِّمْ فَدَنَوْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ثُمَ

الحديث العاشر

: مجهول أو حسن كما مر.

قوله: و أمي و أمه واحدة، فيه: أنه لم تكن أمهما واحدة فيحتمل أن يكون المراد بها الأم العليا فاطمة عليه السلام، فإن الانتساب إليها سبب الإمامة و في ربيع الشيعة و أعلام الورى و إرشاد المفيد: و أصلي و أصله واحدا و هو أظهر" أنه من نفسي" أي من طينتي و فيه خلقي و خلقي شمائلي، و هذه العبارة تطلق لبيان كمال الاتحاد في الكمالات و الفضائل و الدرجات، و نهاية الاختصاص كما قال النبيصلى الله عليه و آله علي مني و أنا من علي.

و الحاصل أن انتسابك إلى بالنسب الجسداني و انتسابه إلى بالروابط الجسمانية و الروحانية و العقلانية معا، و إذا كان هو بهذه المنزلة منه عليهما السلام فكان أولى بالإمامة من سائر الأولاد فهو نص على إمامته.

الحديث الحادي عشر

: ضعيف على المشهور.

" فجعل" أي فشرع" و يساره" أي يناجيه و يتكلم معه سرا" طويلا" أي في زمان طويل و هو نائب المفعول المطلق أي أسرارا طويلا" مولاك" أي من هو أولى بك من

ص: 336

قَالَ لِيَ اذْهَبْ فَغَيِّرِ اسْمَ ابْنَتِكَ الَّتِي سَمَّيْتَهَا أَمْسِ فَإِنَّهُ اسْمٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَ كَانَ وُلِدَتْ لِيَ ابْنَةٌ سَمَّيْتُهَا بِالْحُمَيْرَاءِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع انْتَهِ إِلَى أَمْرِهِ تُرْشَدْ فَغَيَّرْتُ اسْمَهَا

12 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْصَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ دَعَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَبَا الْحَسَنِ ع يَوْماً وَ نَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَ لَنَا عَلَيْكُمْ بِهَذَا فَهُوَ وَ اللَّهِصَاحِبُكُمْ بَعْدِي

13 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يُونُسَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ النَّحْوِيِّ قَالَ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ هُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ وَ فِي يَدِهِ كِتَابٌ قَالَ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ رَمَى بِالْكِتَابِ إِلَيَّ وَ هُوَ يَبْكِي فَقَالَ لِي هَذَا كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُخْبِرُنَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَدْ مَاتَ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ثَلَاثاً وَ أَيْنَ مِثْلُ جَعْفَرٍ ثُمَّ قَالَ لِيَ اكْتُبْ قَالَ فَكَتَبْتُصَدْرَ الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ اكْتُبْ إِنْ كَانَ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَقَدِّمْهُ وَ اضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ أَوْصَى إِلَى خَمْسَةٍ وَاحِدُهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ وَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَ عَبْدُ اللَّهِ وَ مُوسَى وَ حَمِيدَةُ

نفسك من بعدي، و الحميراء لقب عائشة و لذا أبغض الله الاسم" انته إلى أمره" أي هذا الأمر أو مطلقا" ترشد" على بناء المفعول جواب الأمر أي تهتد.

الحديث الثاني عشر

:صحيح.

" و عليكم" اسم فعل بمعنى ألزموا و الباء" في بهذا" زائدة للتقوية.

الحديث الثالث عشر

: ضعيف.

و في غيبة الطوسي (ره) أبو أيوب الخوزي، و قيل: النحوي نسبة إلى بطن من الأزد، و المعنى المتبادر أظهر، و محمد بن سليمان و إلى المدينة من قبل المنصور، و قوله: ثلاثا، كلام الراوي أي استرجع ثلاثا" واحدهم" الواو للعطف أو هو على وزن فاعل و عبد الله هو الأفطح، و حميدة على التصغير أو التكبير على فعلية اسم أم

ص: 337

14 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ وَ عَبْدِ اللَّهِ وَ مُوسَى وَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَ مَوْلًى لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَيْسَ إِلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ سَبِيلٌ

15 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْصَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ إِنَ

موسى عليه السلام، و وجه التقية في تشريك هؤلاء ظاهر و مع ذلك أوضح الأمر إذ معلوم أن ذكر منصور بن سليمان للتقية، و معلوم أيضا أن حميدة لم تكن قابلة للإمامة فبقي الأمر مترددا بين الوالدين، و لو كان الأكبر قابلا للإمامة لم يضم إليه الأصغر فبين عليه السلام بذلك أنه غير قابل لذلك، فتعين موسى عليه السلام.

و يؤيد ما ذكرنا ما رواه ابن شهرآشوب عن داود بن كثير الرقي قال: أتى أعرابي إلى أبي حمزة الثمالي فسأله خبرا فقال: توفي جعفر الصادق عليه السلام فشهق شهقة و أغمي عليه، فلما أفاق قال: هل أوصى إلى أحد؟ قال: نعم أوصى إلى ابنيه عبد الله و موسى و أبي جعفر المنصور، فضحك أبو حمزة و قال: الحمد لله الذي هدانا إلى الهدي و بين لنا عن الكبير، و دلنا على الصغير و أخفى عن أمر عظيم فسئل عن قوله؟ فقال:

بين عيوب الكبير و دل على الصغير لإضافته إياه، و كتم الوصية للمنصور لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل: أنت.

الحديث الرابع عشر

: إما مرسل بناء على أن النضر أرسل الحديث، أو مجهول إن اتصل بالسند السابق إما بيونس أو بداود، و يحتمل أن يكون الاختلاف من الرواة أو يكون عليه السلام أوصى مختلفا ليعلم أن الأمر مبني على التقية، مع أن فيه زيادة تبهيم للأمر لشدة التقية، و ذكر الخبرين في هذا الباب مبني على ما أومأنا إليه في الخبر السابق.

الحديث الخامس عشر

: ضعيف على المشهور، و العناق كسحاب: الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم لها سنة، و الحاصل أن الإمام" لا يلهو" أي لا يغفل عن ذكر الله

ص: 338

صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ لَا يَلْهُو وَ لَا يَلْعَبُ- وَ أَقْبَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى وَ هُوَصَغِيرٌ وَ مَعَهُ عَنَاقٌ مَكِّيَّةٌ وَ هُوَ يَقُولُ لَهَا اسْجُدِي لِرَبِّكِ فَأَخَذَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ ضَمَّهُ إِلَيْهِ وَ قَالَ بِأَبِي وَ أُمِّي مَنْ لَا يَلْهُو وَ لَا يَلْعَبُ

16 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ عُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ الرُّمَّانِيُّ عَنْ فَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ قَالَ إِنِّي لَعِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِذْ أَقْبَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى ع وَ هُوَ غُلَامٌ فَالْتَزَمْتُهُ وَ قَبَّلْتُهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَنْتُمُ السَّفِينَةُ

" و لا يلعب" أي لا يفعل ما لا فائدة فيه لا فيصغره و لا في كبره، و إنصدر منه شي ء يشبه ظاهرا فعل الصبيان ففي الواقع مبني على أغراضصحيحة، و لا يغفل عند ذلك عن ذكره سبحانه كما أنه عليه السلام في حالة اللعب الظاهري كان يأمر العناق بالسجود لربه تعالى.

الحديث السادس عشر

: مرسل" أنتم السفينة" شبه عليه السلام الدنيا ببحر عميق فيها مهالك كثيرة و النفس في سيرها إلى الله تعالى بالسفينة، و ما معها من الكمالات بالأمتعة التي فيها و القرب إلى الحق سبحانه و الوصول إلى الدرجات العالية و المثوبات الأخروية بالساحل و الإمام الهادي إلى ما يوجب النجاة من مهالك الدنيا بالملاح، فكما أن السفينة لا تصل إلى الساحل سالمة من الآفات إلا بالملاح، فكذلك الأنفس لا تصل إلى الدرجات العالية و المثوبات الأخروية و لا تنجو من مهالك هذه الدار إلا بالإمام عليه السلام، و يحتمل أن يكون المراد بقوله عليه السلام" أنتم" رواة الأخبار لا مطلق الشيعة فإنهم الحاملون لأمتعة الروايات و العلوم و المعارف إلى ضعفاء الشيعة في بحر الدنيا الزخار، مع وفور أمواج فتن المخالفين و الأشرار، و في بحر العلوم و الأسرار الذي يرقب سفنها الأئمة الذين يدعون إلى النار.

كما روي عن عبد الله بن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ مني إلى والدك السلام و قل له: إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس يسارعون إلى كل من قربناه

ص: 339

وَ ثَقَلًا وَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَ ثَقَلِي فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَ لَسْتُ مِنْ أَهْلِكَ فَقَالَ إِنَّكِ وَ هَذَا مَلَّاحُهَا قَالَ فَحَجَجْتُ مِنْ قَابِلٍ وَ مَعِي أَلْفَا دِينَارٍ فَبَعَثْتُ بِأَلْفٍ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ أَلْفٍ إِلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ يَا فَيْضُ عَدَلْتَهُ بِي قُلْتُ إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِكَ فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَنَا فَعَلْتُ ذَلِكَ بَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَعَلَهُ بِهِ

و حمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبه و نقربه و يذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوة، و يرون إدخال الأذى عليه و قتله، و يحمدون كل من عيبناه نحن و إن نحمد أمره فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا و بميلك إلينا، و أنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودتك لنا و لميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك و نقصك، و تكون بذلك منا دافع شرهم [منك] يقول الله عز و جل:" أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً" هذا التنزيل من عند اللهصالحة، لا و الله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك و لا تعطب على يديه، و لقد كانتصالحة ليس للعيب فيها مساغ و الحمد لله، فافهم المثل يرحمك الله فإنك و الله أحب الناس إلى و أحب أصحاب أبي عليه السلام إلى حيا و ميتا فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، و إن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينةصالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا فيغصبها و أهلها فرحمة الله عليك حيا و رحمته و رضوانه عليك ميتا، إلى آخر الخبر.

و ما أشبه التمثيل في الخبرين و ما أقربهما فتدبر.

" عدلته بي" استفهام على المدح و التقرير، أي جعلته معادلي حيث سويت بيني و بينه في الهدية.

ص: 340

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ بِبَغْدَادَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ كُنْتُ عِنْدَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ جَالِساً فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ عَلِيٌّ فَقَالَ لِي يَا عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ هَذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي أَمَا إِنِّي قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي فَضَرَبَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بِرَاحَتِهِ جَبْهَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ كَيْفَ قُلْتَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ سَمِعْتُ وَ اللَّهِ مِنْهُ كَمَا قُلْتُ فَقَالَ هِشَامٌ أَخْبَرَكَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ

أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ- وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ قَالَ كُنْتُ أَنَا ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ

باب الإشارة و النص على أبي الحسن الرضا عليه السلام

الحديث الأول

:صحيح بهذا السند، ضعيف بالسند الآتي.

" فقال لي" في بعض النسخ" له" فالقائل" الصحاف، و الضمير راجع إلى ابن يقطين، و قيل: الضمير لابنه على و اللام بمعنى في و هو بعيد" نحلته" أي أعطيته و الراحة الكف و الضرب للتعجب و لعله كان ظن أنه القائم كما توهم غيره، أو للتأسف لإشعار الكلام بقرب وفاته عليه السلام، لا سيما مع نحلة الكنية" ويحك" قيل: منصوب بتقدير حرف النداء للتعجب، و قال الجوهري: ويح كلمة رحمة، و ويل كلمة عذاب، و قال الزبيدي: هما بمعنى واحد، تقول: ويح لزيد و ويل لزيد ترفعهما على الابتداء و لك أن تقول: ويحا لزيد و ويلا لزيد فتنصبهما بإضمار فعل.

ص: 341

2 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْقَابُوسِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع أَنَّهُ قَالَ إِنَّ ابْنِي عَلِيّاً أَكْبَرُ وُلْدِي وَ أَبَرُّهُمْ عِنْدِي وَ أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ وَ هُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي الْجَفْرِ وَ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍ

3 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ الْقَصْرِيِّ جَمِيعاً عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ ع جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي قَدْ كَبِرَ سِنِّي فَخُذْ بِيَدِي مِنَ النَّارِ قَالَ فَأَشَارَ إِلَى ابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ ع فَقَالَ هَذَاصَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي

الحديث الثاني

: موثق.

" إن ابني على" خبر إن و كان حقه" إن عليا ابني" فقدم لإفادة الحصر مبالغة أي لشدة اختصاصه بي و محبتي له كأنه ابني دون غيره، أو المراد بالابن الابن الذي يعرف فيه أبوه خلقه و خلقه و شمائله" و أكبر" خبر مبتدإ محذوف، و الجملة استيناف بيان للسابق، و في إرشاد المفيد ابني علي بدون" إن" فعلي عطف بيان لابني و أكبر خبره و هو أظهر" و أبرهم بي" أي أوصلهم بي و أشدهم إحسانا.

الحديث الثالث

: ضعيف، و القصري نسبة إلى موضع و في القاموس: القصر علم لسبعة و خمسين موضعا، و الرقي بفتح الراء و شد القاف نسبة إلى رقة و هي بلد على الفرات." قد كبر سني" أي طال عمري و أخاف أن أموت قبل أن أعرف الإمام بعدك، أو أخاف أن لا أتمكن من المجي ء إلى بلدك بعد سماع خبر وفاتك، و في الصحاح و القاموس و النهاية: السن الضرس و مقدار العمر، مؤنثة، في الناس و غيرهم، انتهى.

و لكن تأنيثها لما لم يكن حقيقيا يجوز في النسبة إليه التذكير و التأنيث، فلذا ورد في هذا الخبر على التذكير، و في الخبر الآتي على التأنيث، و في الإرشاد هنا أيضا كبرت.

ص: 342

4 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ ع أَ لَا تَدُلُّنِي إِلَى مَنْ آخُذُ عَنْهُ دِينِي فَقَالَ هَذَا ابْنِي عَلِيٌّ إِنَّ أَبِي أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِص فَقَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ- إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا قَالَ قَوْلًا وَفَى بِهِ

5 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ اللُّؤْلُؤِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرٍو عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَ دَقَّ عَظْمِي وَ إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ ع فَأَخْبَرَنِي بِكَ فَأَخْبِرْنِي مَنْ بَعْدَكَ فَقَالَ هَذَا أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا

6 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ الْقَنْدِيِّ وَ كَانَ مِنَ الْوَاقِفَةِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَ عِنْدَهُ ابْنُهُ أَبُو الْحَسَنِ ع فَقَالَ لِي يَا زِيَادُ هَذَا ابْنِي فُلَانٌ كِتَابُهُ كِتَابِي وَ كَلَامُهُ كَلَامِي وَ رَسُولُهُ رَسُولِي وَ مَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ

الحديث الرابع

: ضعيف.

" ألا" للعرض" إلى من آخذ" أي بعد وفاتك" فقال هذا" خبر مبتدإ محذوف أي هو هذا، أو مبتدأ خبره ابني أي ابني حقيقة القابل للإمامة كما مر" إلى قبر رسول الله" أي إلى ما يجاور قبره و يدل على أن قوله تعالى:" إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" معناه أني أجعل ذلك أبدا و لا أخلي الأرض من خليفة إلى يوم القيامة.

الحديث الخامس

: مجهول" و دق عظمي" أي ذبل من كبر سني و النحولة.

الحديث السادس

: ضعيف.

" و كان من الواقفة" أي مع أنه كان واقفيا و روى هذا الحديث الذي ينقض قوله، فيكون أتم في الحجة، أو مع أنه روى هذا الحديث كان واقفيا على التعجب" فلان" كناية من الرضا إذ لم يقل أحد بإمامة غيره من أولاده، و لم يدعها منهم

ص: 343

7 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ حَدَّثَنِي الْمَخْزُومِيُّ وَ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى ع فَجَمَعَنَا ثُمَّ قَالَ لَنَا أَ تَدْرُونَ لِمَ دَعَوْتُكُمْ فَقُلْنَا لَا فَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّ ابْنِي هَذَا وَصِيِّي وَ الْقَيِّمُ بِأَمْرِي وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي دَيْنٌ فَلْيَأْخُذْهُ مِنِ ابْنِي هَذَا وَ مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيُنْجِزْهَا مِنْهُ وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ لِقَائِي فَلَا يَلْقَنِي إِلَّا بِكِتَابِهِ

غيره عليه السلام، و روى الكشي عن يونس بن عبد الرحمن قال: مات أبو الحسن عليه السلام و ليس عنده من قوامه إلا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحدهم موته، و كان عند زياد القندي سبعون ألف دينار.

الحديث السابع

: ضعيف، و المخزومي المذكور في اختيار الكشي هو المغيرة بن نوبة، و روى فيه عن حماد بن عثمان عن المغيرة بن نوبة المخزومي، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: قد حملت هذا الفتى في أمورك؟ فقال: إني حملته ما حملنيه أبي عليه السلام.

لكن روى الصدوق في العيون هذا الخبر عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن الفضيل عن عبد الله بن الحارث و أمه من ولد جعفر بن أبي طالب، و ذكر الخبر.

فيدل على أن المخزومي اسمه عبد الله بن حارث، و على التقديرين مجهول" أن ابني هذا" المراد الرضا عليه السلام، و في العيون: إن عليا ابني هذا، و على تقدير عدم معلومية المشار إليه يعلم منه إمامة الرضا عليه السلام إذ يدل على وفاة موسى عليه السلام و أن أحد أولاده إمام بعده، و لم يقل أحد بإمامة غيره بعده كما مر و التنجز طلب الوفاء بالوعد، و اللقاء بالفتح مصدر لقي من باب علم.

" إلا بكتابه" الضمير راجع إلى الرضا عليه السلام، أي إلا مع كتابه الدال على الإذن لشدة التقية و الخوف، و لأنه أعلم بمن ينبغي دخوله على و من لا ينبغي،

ص: 344

8 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ جَمِيعاً عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ قَالَ خَرَجَتْ إِلَيْنَا أَلْوَاحٌ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ ع وَ هُوَ فِي الْحَبْسِ عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَ فُلَانٌ لَا تُنِلْهُ شَيْئاً حَتَّى أَلْقَاكَ أَوْ يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ الْمَوْتَ

9 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ ع بِالْبَصْرَةِ أَلْوَاحٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا بِالْعَرْضِ عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي يُعْطَى فُلَانٌ كَذَا وَ فُلَانٌ كَذَا وَ فُلَانٌ كَذَا وَ فُلَانٌ لَا يُعْطَى حَتَّى أَجِي ءَ أَوْ يَقْضِيَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيَّ الْمَوْتَ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ

و يحتمل رجوع الضمير إلى الموصول أي يبعث إلى كتابه و لا يدخل علي فيكون إطلاق اللقاء عليه مجازا و لكن لا يخلو من بعد.

الحديث الثامن

: ضعيف على المشهور.

و اللوح ما يكتب فيه من خشب أو كتف أو قرطاس، و العهد: الوصية و التقدم إلى المرء في الشي ء و الظرف لغو متعلق بعهدي أو مستقر خبر المبتدأ، و على الأول إن مصدرية، و المصدر خبر المبتدأ، و على الثاني إن مفسرة لتضمن العهد معنى القول، و جملة" فلان" عطف على عهدي أو على مدخول إن المفسرة، و لعل المراد بفلان بعض أولاده، و يحتمل غيرهم" لا تنله" أي لا تعطه و هذا أيضا يدل على النص كناية و بتقريب ما مر للإخبار بالموت.

الحديث التاسع

: موثق.

و هذا مبني على ما روي أن الرشيد لعنه الله قبض عليه عليه السلام من المدينة و بعثه إلى أمير البصرة عيسى بن أبي جعفر و كان في حبسه زمانا ثم حمل سرا إلى بغداد، فحبس حتى سمه السندي بن شاهك كما سيأتي إنشاء الله" بالعرض" أي كتب في عرض اللوح لا في طوله، و يحتمل على بعد أن يكون بالتحريك، أي كتب الكتاب ظاهرا لأمر آخر و كتب فيه هذا بالعرض تقية.

ص: 345

10 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ مِنَ الْحَبْسِ أَنَّ فُلَاناً ابْنِي سَيِّدُ وُلْدِي وَ قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي

11 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْخَزَّازِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ ع إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَ لَا أَلْقَاكَ فَأَخْبِرْنِي مَنِ الْإِمَامُ بَعْدَكَ فَقَالَ ابْنِي فُلَانٌ يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ ع

12 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ عَنِ النَّصْرِ بْنِ قَابُوسَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ ع إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ ع مَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَنْتَ هُوَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع ذَهَبَ النَّاسُ يَمِيناً وَ شِمَالًا وَ قُلْتُ فِيكَ أَنَا وَ أَصْحَابِي فَأَخْبِرْنِي مَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ مِنْ وُلْدِكَ فَقَالَ ابْنِي فُلَانٌ

13 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ قَالَ جِئْتُ إِلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع بِمَالٍ فَأَخَذَ بَعْضَهُ وَ تَرَكَ بَعْضَهُ فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ لِأَيِّ شَيْ ءٍ تَرَكْتَهُ عِنْدِي قَالَ إِنَّصَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ يَطْلُبُهُ مِنْكَ فَلَمَّا جَاءَنَا نَعْيُهُ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ ع ابْنُهُ فَسَأَلَنِي ذَلِكَ الْمَالَ فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ

الحديث العاشر

: ضعيف على المشهور، و دلالته على النص على التعيين للتصريح بالكنية زائدا على ما مر.

الحديث الحادي عشر

: ضعيف.

" إن يحدث حدث" بالتحريك أي حادثة كالحبس و القتل و الموت، و" يعني" كلام الراوي أو راوي الراوي، و الأخير أظهر إذ الظاهر أن الكناية من الراوي.

الحديث الثاني عشر

: ضعيف على المشهور و في العيون و رجال الكشي قال:

ابني علي" يمينا و شمالا"، أي إلى جهات مختلفة غير الصراط المستقيم.

الحديث الثالث عشر

: كالسابق، و زربي بضم الزاء، و النعي: الإخبار بالموت.

ص: 346

14 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ الْأَرْمَنِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ الزَّيْدِيِّ قَالَ أَبُو الْحَكَمِ وَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ الْجَرْمِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ ع وَ نَحْنُ نُرِيدُ الْعُمْرَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَلْ تُثْبِتُ هَذَا الْمَوْضِعَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ قَالَ نَعَمْ فَهَلْ تُثْبِتُهُ أَنْتَ قُلْتُ نَعَمْ إِنِّي أَنَا وَ أَبِي لَقِينَاكَ هَاهُنَا وَ أَنْتَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ مَعَهُ إِخْوَتُكَ فَقَالَ لَهُ أَبِي بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَئِمَّةٌ مُطَهَّرُونَ وَ الْمَوْتُ لَا يَعْرَى مِنْهُ أَحَدٌ فَأَحْدِثْ إِلَيَّ شَيْئاً أُحَدِّثُ بِهِ مَنْ يَخْلُفُنِي مِنْ بَعْدِي فَلَا يَضِلَّ قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَؤُلَاءِ وُلْدِي وَ هَذَا سَيِّدُهُمْ وَ أَشَارَ إِلَيْكَ وَ قَدْ عُلِّمَ الْحُكْمَ وَ الْفَهْمَ وَ السَّخَاءَ وَ الْمَعْرِفَةَ

الحديث الرابع عشر

: كالسابق أيضا، و في القاموس إرمينية بالكسر و قد يشد الياء الأخيرة: كورة بالروم، أو أربعة أقاليم أو أربع كور متصل بعضها ببعض، يقال لكل كورة منها: إرمينية و النسبة إليها أرمني بالفتح، انتهى.

و سليط بفتح السين و كسر اللام، و الزيدي نسبة إلى زيد من جهة النسب لا من جهة المذهب، و عمارة بضم العين و تخفيف الميم، و الجرمي بالفتح نسبة إلى بطن من طيئ أو إلى بطن من قضاعة، و في القاموس أثبته عرفه حق المعرفة و أنت تأكيد للضمير المستتر المرفوع، و أنا تأكيد للضمير المنصوب" لا يعرى" أي لا يخلو تشبيها للموت بلباس لا بد من أن يلبسه كل أحد" فأحدث إلى" على بناء الأفعال أي ألق أو حدث" أحدث" بالجزم جوابا للأمر أو بالرفعصفة لقوله شيئا" من يخلفني" من باب نصر أي يبقى بعدي، و فيه نوع من الأدب بإظهار أني لا أتوقع بقائي بعدك لكن أسأل ذلك لأولادي و غيرهم ممن يكون بعدي، و أبو عبد الله كنية سليط، و في إعلام الورى يا أبا عمارة و ما هنا أصوب.

" و قد علم" على بناء المعلوم المجرد أو بناء المجهول من التفعيل، و الحكم بالضم القضاء أو الحكمة، و الفهم: سرعة انتقال الذهن إلى مقصود المتكلم عند

ص: 347

بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَ دُنْيَاهُمْ وَ فِيهِ حُسْنُ الْخُلُقِ وَ حُسْنُ الْجَوَابِ وَ هُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ فِيهِ أُخْرَى خَيْرٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَقَالَ لَهُ أَبِي وَ مَا هِيَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي قَالَ ع يُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُ غَوْثَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ غِيَاثَهَا وَ عَلَمَهَا وَ نُورَهَا وَ فَضْلَهَا وَ حِكْمَتَهَا خَيْرُ مَوْلُودٍ وَ خَيْرُ نَاشِئٍ يَحْقُنُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ الدِّمَاءَ وَ يُصْلِحُ بِهِ ذَاتَ الْبَيْنِ وَ يَلُمُّ بِهِ الشَّعْثَ وَ يَشْعَبُ

التحاكم و غيره" و هو باب" أي لا بد لمن أراد دين الله و طاعته، و الدخول في دار قربه و رضاه من أن يأتي إليه.

" و فيه أخرى" أي خصلة أخرى" خير من هذا" أي مما ذكرته كله، و الغوث العون للمضطر و الغياث أبلغ منه و هو اسم من الإغاثة، و المراد بالأمة الشيعة الإمامية أو الأعم" و العلم" بالتحريك سيد القوم و الراية و ما يهتدى به في الأسفار و الطرق، أو بالكسر على المبالغة أي ذا علمها، و النور ما يصير سببا لظهور الأشياء عند الحس أو العقل، و الفضل ضد النقص، و الحكمة بالكسر العقل و الفهم، و الإسناد في الكل على المبالغة.

" خير" منصوب أو مرفوع على المدح" مولود" أي في تلك الأزمان أو من غير المعصومين من هذه الأمة" و الناشئ" الحدث الذي جاز حد الصغر، أي هو خير في الحالتين" به الدماء" أي دماء الشيعة أو الأعم فإن بمسالمته حقنت دماء الكل، و لعل إصلاح ذات البين عبارة من إصلاح ما كان بين ولد علي عليه السلام و ولد العباس من العداوة جهرة" و يلم" بشد الميم و ضم اللام أي يجمع" به الشعث" بالتحريك أي المتفرق من أمور الدين و الدنيا، قال الجوهري: لم الله شعثه أي أصلح و جمع ما تفرق من أموره، و قال: الشعب الصدع في الشي ء و إصلاحه أيضا، و قال: الصدع الشق.

و كسوة العاري و إشباع الجائع، و إيمان الخائف مستمرا إلى الآن في جوار

ص: 348

بِهِ الصَّدْعَ وَ يَكْسُو بِهِ الْعَارِيَ وَ يُشْبِعُ بِهِ الْجَائِعَ وَ يُؤْمِنُ بِهِ الْخَائِفَ وَ يُنْزِلُ اللَّهُ بِهِ الْقَطْرَ وَ يَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ خَيْرُ كَهْلٍ وَ خَيْرُ نَاشِئٍ قَوْلُهُ حُكْمٌ وَصَمْتُهُ عِلْمٌ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ يَسُودُ عَشِيرَتَهُ مِنْ قَبْلِ أَوَانِ حُلُمِهِ فَقَالَ لَهُ أَبِي بِأَبِي أَنْتَ

روضته المقدسةصلوات الله عليه.

و القطر بالفتح: المطر، و يستعار أيضا للبركة و السخاء، و قال الجوهري: الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين و وخطه الشيب، و قال الفيروزآبادي: من وخطه الشيب أو من جاوز الثلاثين أو أربعا و ثلاثين إلى إحدى و خمسين، و في النهاية من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين، و قيل: من ثلاث و ثلاثين إلى تمام الخمسين انتهى.

و لعل تكرار" خيرنا شي ء" تأكيد لغرابة الخبرية في هذا السن دون سن الكهولة و عدم ذكر سن الشيب لعدم وصوله عليه السلام إلى سن الشيب، و هو الذي غلب البياض على الشعر لأنه عليه السلام كان له عند شهادته أقل من خمسين سنة كما سيأتي، و قيل: تكرار خير ناشئ باعتبار أن المقصود هنا وصف أبيه بأنه خير كهل، و وصفه بأنه يدرك كهولة أبيه حين شبابه، و لذا قدم كهل على ناشئ، قالوا: و هنا كالواو في كل رجل و ضيعته في احتمال كون مدخولها منصوبا لكونها بمعنى مع، و تقدير خبر المبتدأ قبلها و هو مقرون، و كونها مرفوعا و كونها عاطفة، و تقدير خبر المبتدأ بعد مدخولها أي مقرونان و لا يخفى بعده.

قوله: حكم، أي حكمة وصواب أو حكم و قضاء بين الناس، و الأول أظهر" وصمته علم" أي مسبب عن العلم، لأنه يصمت للتقية و المصلحة لا للجهل بالكلام و قيل: سبب للعلم لأنه يتفكر و الأول أظهر" يسود" كيقول أي يصير سيدهم و مولاهم و أشرفهم، و العشيرة الأقارب القريبة" قبل أوان حلمه" بالضم أي احتلامه و هو الجماع في النوم، و هو كناية عن بلوغ السن الذي يكون للناس فيها ذلك، فإن الإمام لا يحتلم أو بالكسر و هو العقل، و هو أيضا كناية عن البلوغ لأن الناس عنده يكمل عقلهم

ص: 349

وَ أُمِّي وَ هَلْ وُلِدَ قَالَ نَعَمْ وَ مَرَّتْ بِهِ سِنُونَ قَالَ يَزِيدُ فَجَاءَنَا مَنْ لَمْ نَسْتَطِعْ مَعَهُ كَلَاماً قَالَ يَزِيدُ فَقُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ ع فَأَخْبِرْنِي أَنْتَ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُوكَ ع فَقَالَ لِي نَعَمْ إِنَّ أَبِي ع كَانَ فِي زَمَانٍ لَيْسَ هَذَا زَمَانَهُ فَقُلْتُ لَهُ فَمَنْ يَرْضَى مِنْكَ بِهَذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ قَالَ فَضَحِكَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ ضَحِكاً شَدِيداً ثُمَّ قَالَ أُخْبِرُكَ يَا أَبَا عُمَارَةَ إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي فَأَوْصَيْتُ إِلَى ابْنِي فُلَانٍ وَ أَشْرَكْتُ مَعَهُ

و إلا فهم كاملون عند الولادة بل قبلها" فقال" أي يزيد على الالتفات أو هو كلام راوي يزيد و المسؤول موسى عليه السلام و لا يحتمل أن يكون المراد سليطا و يكون المسؤول الصادق عليه السلام، إذ ولادة الرضا عليه السلام إما في سنة وفاة الصادق عليه السلام أو بعدها بخمس سنين كما ستعرف، و هذا على ما في بعض النسخ حيث لم يكن فيه أبي، و في أكثر النسخ" فقال له أبي: بأبي أنت" فلا يجري فيه ما ذكرنا إلا يقال أن سليطا سأل أبا إبراهيم عليه السلام بعد ذلك بسنين.

و في العيون هكذا قال: فقال أبي: بأبي أنت و أمي، فيكون له ولد بعده؟ قال:

نعم، ثم قطع الكلام و هو لا يحتاج إلى تكلف.

" قال يزيد فقلت" أي لأبي إبراهيم عليه السلام.

" في زمان" أي في زمان حسن لا تلزم التقية فيه كثيرا" ليس هذا زمانه" استئناف أي زمان الإخبار أوصفة لزمان و إضافة الزمان إلى ضمير الزمان على المجاز أي ليس هذا مثله، و قيل: أي زمانا مثله، و في العيون كان أبي عليه السلام في زمن ليس هذا مثله و هو أظهر، و أبو عمارة كنية يزيد.

" ابني فلان" أي الرضا عليه السلام، و التكنية من الراوي، و في العيون: يا با عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني و أشركتهم مع علي ابني و أفردته

ص: 350

بَنِيَّ فِي الظَّاهِرِ وَ أَوْصَيْتُهُ فِي الْبَاطِنِ فَأَفْرَدْتُهُ وَحْدَهُ وَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُهُ فِي الْقَاسِمِ ابْنِي لِحُبِّي إِيَّاهُ وَ رَأْفَتِي عَلَيْهِ وَ لَكِنْ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَجْعَلُهُ حَيْثُ يَشَاءُ وَ لَقَدْ جَاءَنِي بِخَبَرِهِ رَسُولُ اللَّهِص ثُمَّ أَرَانِيهِ وَ أَرَانِي مَنْ يَكُونُ مَعَهُ وَ كَذَلِكَ لَا يُوصَى إِلَى أَحَدٍ مِنَّا حَتَّى يَأْتِيَ بِخَبَرِهِ رَسُولُ اللَّهِص وَ جَدِّي عَلِيٌّصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ رَأَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِص خَاتَماً وَ سَيْفاً وَ عَصًا وَ كِتَاباً وَ عِمَامَةً فَقُلْتُ مَا هَذَا

بوصيتي في الباطن.

" في الظاهر" أي فيما يتعلق بظاهر الأمر من الأموال و نفقة العيال و نحوهما" في الباطن" أي فيما يتعلق بالإمامة من الوصية بالخلافة و إيداع الكتب و الأسلحة و سائر الأمانات المتعلقة بها، أو في الظاهر أي عند عامة الخلق، و في الباطن أي عند الخواص أو بغير حضور أحد، أو المراد بالظاهر بادي الفهم، و بالباطن ما يظهر علمه للخواص بعد التأمل فإنه عليه السلام في الوصية الآتية و إن أشرك بعض الأولاد معه لكن قرن ذلك بشرائط يظهر منها أن اختيار الكل إليه عليه السلام، أو المراد بالظاهر الوصية الفوقانية، و بالباطن الوصية التحتانية فإنك ستعرف أن في الأخيرة كان يظهر عزل الجميع و اختصاصه عليه السلام بالوصية.

" و لقد جاءني بخبره رسول اللهصلى الله عليه و آله" المجي ء و الإرادة إما في المنام أو في اليقظة بأجسادهم المثالية أو بأجسادهم الأصلية على قول بعض، و قيل: للأرواح الكاملة أن يتمثلوا فيصور أجسادهم أحيانا لمن شاءوا في هذه النشأة الدنيوية كما تمثل رسول اللهصلى الله عليه و آله لأبي بكر حين أنكر حق علي عليه السلام.

و أقول: في العيون تصريح بالأول إذ فيه هكذا: و لقد رأيت رسول اللهصلى الله عليه و آله في المنام و أمير المؤمنين عليه السلام معه.

قوله: و أراني من يكون معه، أي من يكون في زمانه من خلفاء الجور أو من شيعته و مواليه أو الأعم، و لما كان في المنام و ما يشبهه من العوالم ترى الأشياء بصورها المناسبة لها، أعطاه العمامة فإنها بمنزلة تاج الملك و السلطنة، و سيأتي أن العمائم

ص: 351

يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لِي أَمَّا الْعِمَامَةُ فَسُلْطَانُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَمَّا السَّيْفُ فَعِزُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ أَمَّا الْكِتَابُ فَنُورُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ أَمَّا الْعَصَا فَقُوَّةُ اللَّهِ وَ أَمَّا الْخَاتَمُ فَجَامِعُ هَذِهِ الْأُمُورِ ثُمَّ قَالَ لِي وَ الْأَمْرُ قَدْ خَرَجَ مِنْكَ إِلَى غَيْرِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِيهِ أَيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِص مَا رَأَيْتُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَحَداً أَجْزَعَ عَلَى فِرَاقِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ وَ لَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ بِالْمَحَبَّةِ لَكَانَ إِسْمَاعِيلُ أَحَبَّ إِلَى أَبِيكَ مِنْكَ وَ لَكِنْ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَ رَأَيْتُ وُلْدِي جَمِيعاً الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَ الْأَمْوَاتَ فَقَالَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع هَذَا سَيِّدُهُمْ وَ أَشَارَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ فَهُوَ مِنِّي وَ أَنَا مِنْهُ وَ اللَّهُ مَعَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ يَزِيدُ

تيجان العرب، و كذا السيف سبب للعز و الغلبة، وصورة لها، و الكتاب نور الله و سبب لظهور الأشياء على العقل، و المراد به جميع ما أنزل الله على الأنبياء عليهم السلام، و العصا سبب للقوة وصورة لها إذ به يدفع شر العدي، و يحتمل أن يكون كناية عن اجتماع الأمة عليه من المؤالف و المخالف، و لذا يكنى عن افتراق الكلمة بشق العصا.

و الخاتم جامع هذه الأمور لأنه علامة الملك و الخلافة الكبرى في الدين و الدنيا.

و قيل: المراد بالخاتم المهدي عليه السلام فإنه خاتم الأوصياء إشارة أن المهدي منصلبه دون إخوته.

" قد خرج منك" أي قرب انتقال الإمامة منك" إلى غيرك" أو خرج اختيار تعيين الإمام من يدك، و قيل: منك أي ممن تحبه إلى غيرك، أي غير من تحبه، و الأول أظهر، و في العيون: و الأمر يخرج إلى علي ابنك.

و لعل جزعه عليه السلام لعلمه بمنازعة إخوته و اختلاف شيعته فيه، و قيل: لأنه كان يحب أن يجعله في القاسم، و الفراق بكسر الفاء و فتحها المفارقة، و لعل حبه عليه السلام للقاسم كناية عن اجتماع أسباب الحب فيه لكون أمه محبوبة له و غير ذلك، أو كان الحب واقعا بحسب الدواعي البشرية، أو من قبل الله تعالى ليعلم الناس أن الإمامة ليست تابعة لمحبة الوالد، أو يظهر ذلك لهذه المصلحة.

ص: 352

ثُمَّ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ ع يَا يَزِيدُ إِنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ فَلَا تُخْبِرْ بِهَا إِلَّا عَاقِلًا أَوْ عَبْداً تَعْرِفُهُصَادِقاً- وَ إِنْ سُئِلْتَ عَنِ الشَّهَادَةِ فَاشْهَدْ بِهَا وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ قَالَ لَنَا أَيْضاً وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ ع فَأَقْبَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِص

" فهو مني" كلام أبي إبراهيم أو كلام أمير المؤمنينصلوات الله عليه، و قد عرفت أن هذه العبارة تستعمل في إظهار غاية المحبة و الاتحاد و التشارك في الكمالات." إنها وديعة" أي الشهادة أو الكلمات المذكورة" أو عبدا تعرفهصادقا" أي في دعواه التصديق بإمامتي بأن يكون فعله موافقا لقوله، و المراد بالعاقل من يكون ضابطا حصينا و إن لم يكن كامل الأيمان، فإن المانع من إفشاء السر إما كمال العقل و النظر في العواقب أو الديانة و الخوف من الله، و كون الترديد من الراوي بعيد.

و في العيون: إلا عاقلا أو عبدا امتحن الله قلبه للإيمان أوصادقا و لا تكفر نعم الله تعالى.

و قوله: و إن سئلت كأنه استثناء عن عدم الإخبار، أي لا بد من الإخبار عند الضرورة و إن لم يكن المستشهد عاقلا وصادقا، و يحتمل أن يكون المراد أداء الشهادة لهما لقوله تعالى:" إلى أهلها".

" فأشهد بها" أي بالإمامة أو المراد بالشهادة شهادة الإمام و الضمير راجع إليها و هو قول الله، أي أداء هذه الشهادة داخل في المأمور به في الآية.

" و قال لنا" أي لأجلنا و إثبات إمامتنا" من الله"صفة شهادة، و يدل على أن

ص: 353

فَقُلْتُ قَدْ جَمَعْتَهُمْ لِي بِأَبِي وَ أُمِّي فَأَيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يَسْمَعُ بِفَهْمِهِ وَ يَنْطِقُ بِحِكْمَتِهِ يُصِيبُ فَلَا يُخْطِئُ وَ يَعْلَمُ فَلَا يَجْهَلُ مُعَلَّماً حُكْماً وَ عِلْماً هُوَ هَذَا وَ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ ابْنِي ثُمَّ قَالَ مَا أَقَلَّ مُقَامَكَ مَعَهُ فَإِذَا رَجَعْتَ مِنْ سَفَرِكَ فَأَوْصِ وَ أَصْلِحْ أَمْرَكَ وَ افْرُغْ مِمَّا أَرَدْتَ فَإِنَّكَ مُنْتَقِلٌ عَنْهُمْ وَ مُجَاوِرٌ غَيْرَهُمْ فَإِذَا أَرَدْتَ فَادْعُ عَلِيّاً فَلْيُغَسِّلْكَ وَ لْيُكَفِّنْكَ فَإِنَّهُ طُهْرٌ لَكَ وَ لَا يَسْتَقِيمُ

هذه الشهادة منه عليه السلام من قبل الله و بأمره" فأيهم هو" لعل هذا السؤال لزيادة الاطمئنان كما قال إبراهيم عليه السلام:" وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" أو أراد عليه السلام أن يعين النبيصلى الله عليه و آله له كما عين أمير المؤمنين عليه السلام ليخبر الناس بتعيينهما إياه، و يحتمل أن يكون هذا تفصيلا لما أجمل سابقا.

" ينظر بنور الله" أي ينظر بعينه و بقلبه بالنور الذي جعله الله فيهما، و الباء للآلة كما قال النبيصلى الله عليه و آله: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، و هذا إشارة إلى ما يظهر له من الأسرار و المعارف بتوسط روح القدس و بالإلهام و غيرهما" و يسمع بفهمه" إلى ما سمعه من آبائه" فلا يجهل" أي شيئا مما يحتاج إليه الأمة" معلما" اسم مفعول من باب التفعيل إيماء إلى قوله تعالى:" وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً".

" فإذا رجعت" أي إلى المدينة" من سفرك" أي الذي تريده أو أنت فيه، و هو السفر إلى مكة" فإذا أردت" يعني الوصية و قيل: أي مفارقتهم في السفر الأخير متوجها من المدينة إلى بغداد، و الأول أظهر لأن السفر لم يكن باختياره عليه السلام و بعد أخذهم له حبسوه و لم يكن له مجال هذه الأمور، و يمكن أن يقرأ أردت على بناء المجهول أي أرادك الرشيد لأن يأخذك.

" فإنه طهر لك" أي تغسيله لك في حياتك طهر لك، و قائم مقام غسلك من غير حاجة إلى تغسيل آخر بعد موتك" و لا يستقيم إلا ذلك" أي لا يستقيم تطهيرك

ص: 354

إِلَّا ذَلِكَ وَ ذَلِكَ سُنَّةٌ قَدْ مَضَتْ فَاضْطَجِعْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَصُفَّ إِخْوَتَهُ خَلْفَهُ وَ عُمُومَتَهُ وَ مُرْهُ فَلْيُكَبِّرْ عَلَيْكَ تِسْعاً فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَقَامَتْ وَصِيَّتُهُ وَ وَلِيَكَ وَ أَنْتَ حَيٌّ ثُمَّ اجْمَعْ لَهُ وُلْدَكَ مِنْ بَعْدِهِمْ فَأَشْهِدْ عَلَيْهِمْ وَ أَشْهِدِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً قَالَ

إلا بهذا النحو، و ذلك لأن المعصوم لا يجوز أن يغسله إلا معصوم مثله، و لم يكن غير الرضا عليه السلام، و هو غير شاهد إذ حضره الموت، و يرد عليه أنه ينافي ما سيأتي من أن الرضا عليه السلام حضر غسل والدهصلوات الله عليهما في بغداد، و يمكن أن يكون هذا لرفع شبهة من لم يطلع علي حضوره عليه السلام، أو يكون يلزم الأمران جميعا في الإمام الذي يعلم أنه يموت في بلد آخر غير بلد ولده، كما أنه يؤمر المصلوب بالغسل، و قيل: المقصود أنه سيولي طهرك بعد وفاتك سرا و لا يخفى بعده.

" وصف إخوته" أي أقمهم خلفهصفا، قال الفيروزآبادي:صفت القوم:

أقمتهم في الحرب و غيرهاصفا، و ربما يقرأ"صف" جملة اسمية حالية.

و الظاهر أن التسع تكبيرات من خصائصهم عليهم السلام كما يظهر من غيره من الأخبار أيضا و قيل: أنه عليه السلام أمره بأن يكبر عليه أربعا ظاهرا للتقية و خمسا سرا و لا يخفى ما فيه، إذ إظهار مثل هذه الصلاة في حال الحياة كيف يمكن إظهارها عند المخالفين.

" فإنه قد استقامت وصيته" تعليل لجميع ما تقدم" و وليك" معلوم باب رضي أي قام بأمورك من التغسيل و التكفين و الصلاة و الواو للحال" من تعدهم" بدل: من ولدك، بدل كل أي جميعهم أو بدل بعض أي من تعتني بشأنهم كان غيرهم لا تعدهم من الأولاد و قيل: أي من تحصيهم من المميزين و هو احتراز عن الأطفال، و في بعض النسخ بالباء الموحدة بصيغة الاسم فكأنه بالضم أي أحضرهم و إن كانوا بعداء عنك، و منهم من قرأ بفتح الباء و قال: أي من بعد جمع العمومة.

" فأشهد عليهم" أي اجعل غيرهم من الأقارب شاهدين عليهم بأنهم أقروا

ص: 355

يَزِيدُ ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ ع إِنِّي أُوخَذُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَ الْأَمْرُ هُوَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ سَمِيِّ عَلِيٍّ وَ عَلِيٍّ فَأَمَّا عَلِيٌّ الْأَوَّلُ فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ أَمَّا الْآخِرُ فَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع أُعْطِيَ فَهْمَ الْأَوَّلِ وَ حِلْمَهُ وَ نَصْرَهُ وَ وُدَّهُ وَ دِينَهُ

بإمامة أخيهم و خلافته، و قيل: أي فأشهده عليهم أي اجعله إماما و شاهدا على ولدك، و في العيون: فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك و أفرغ مما أردت فإنك منتقل عنه و مجاور غيره، فاجمع ولدك و اشهد الله عليهم و كفى بالله شهيدا.

" إني أوخذ" على بناء المجهول بقلب الهمزة واوا، و يقال: هو سمي فلان إذا وافق اسمه اسمه، و قيل: في قوله تعالى:" هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" أي نظيرا يستحق مثل اسمه.

" أعطي فهم الأول" أي أمير المؤمنين عليه السلام" و وده" أي الحب الذي جعل الله له في قلوب المؤمنين كما روي أن قوله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا" أنزل في أمير المؤمنين عليه السلام.

قال الطبرسي رحمه الله: فيه أقوال:

أحدها: أنها خاصة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فما من مؤمن إلا و في قلبه محبة لعلي عليه السلام عن ابن عباس، و في تفسير أبي حمزة الثمالي حدثني أبو جعفر الباقر عليه السلام قال: قال رسول اللهصلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام: قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا و اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا، فقالهما علي عليه السلام، فنزلت هذه، و روي نحوه عن جابر بن عبد الله.

و الثاني: أنها عامة في جميع المؤمنين يجعل الله لهم المحبة و الألفة و المقة في قلوب الصالحين.

ص: 356

وَ مِحْنَتَهُ وَ مِحْنَةَ الْآخِرِ وَصَبْرَهُ عَلَى مَا يَكْرَهُ وَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ هَارُونَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ قَالَ لِي يَا يَزِيدُ وَ إِذَا مَرَرْتَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَ لَقِيتَهُ وَ سَتَلْقَاهُ فَبَشِّرْهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ غُلَامٌ أَمِينٌ مَأْمُونٌ مُبَارَكٌ وَ سَيُعْلِمُكَ أَنَّكَ قَدْ لَقِيتَنِي فَأَخْبِرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا هَذَا الْغُلَامُ جَارِيَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ جَارِيَةِ رَسُولِ اللَّهِص أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُبَلِّغَهَا مِنِّي السَّلَامَ فَافْعَلْ قَالَ يَزِيدُ فَلَقِيتُ

و الثالث: أن معناه يجعل الله لهم محبة في قلوب أعدائهم و مخالفيهم.

و الرابع: يجعل بعضهم يحب بعضا.

و الخامس: يحب بعضهم بعضا في الآخرة.

و يؤيد الأول ماصح عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، و لوصببت الدنيا بجملتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، و ذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبيصلى الله عليه و آله أنه قال: لا يبغضك مؤمن و لا يحبك منافق، انتهى.

" و محنته" أي امتحانه و ابتلاؤه بأذى المخالفين و مخالفتهم و خذلان أصحابه له.

ثم اعلم أنه قد ثبت مساواة جميع الأئمة في جميع الكمالات كما مر فتخصيص بعضهم ببعضها لظهور هذا البعض منه أكثر من غيره بسبب المصالح المختصة بزمانه، كظهور الغزوات و الشجاعة و الفصاحة من أمير المؤمنين عليه السلام، و الدعوات عن علي بن الحسين عليه السلام، لفراغه و انتشار العلوم من الباقر و الصادق عليهما السلام لقلة التقية في زمانهما، و هكذا.

" و ليس له أن يتكلم" أي بالحجج و دعوى الإمامة جهارا، و في العيون بعد ذلك: فإذا مضت أربع سنين فسله عما شئت يجبك إن شاء الله تعالى، و ستلقاه فيه إعجاز و تصريح بما علم من" إذا" الدالة على وقوع الشرط بحسب الوضع.

" فلقيت" أي في المدينة و المضي بضم الميم و كسر الضاد و تشديد الياء، أي وفاته

ص: 357

بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع عَلِيّاً ع فَبَدَأَنِي فَقَالَ لِي يَا يَزِيدُ مَا تَقُولُ فِي الْعُمْرَةِ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ذَلِكَ إِلَيْكَ وَ مَا عِنْدِي نَفَقَةٌ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كُنَّا نُكَلِّفُكَ وَ لَا نَكْفِيكَ فَخَرَجْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَابْتَدَأَنِي فَقَالَ يَا يَزِيدُ إِنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ كَثِيراً مَا لَقِيتَ فِيهِ جِيرَتَكَ وَ عُمُومَتَكَ قُلْتُ نَعَمْ ثُمَّ قَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ فَقَالَ لِي أَمَّا الْجَارِيَةُ فَلَمْ تَجِئْ بَعْدُ فَإِذَا جَاءَتْ بَلَّغْتُهَا مِنْهُ السَّلَامَ فَانْطَلَقْنَا إِلَى مَكَّةَ فَاشْتَرَاهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَمْ تَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى حَمَلَتْ فَوَلَدَتْ ذَلِكَ الْغُلَامَ قَالَ يَزِيدُ وَ كَانَ إِخْوَةُ عَلِيٍّ يَرْجُونَ أَنْ يَرِثُوهُ فَعَادُونِي إِخْوَتُهُ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَ إِنَّهُ لَيَقْعُدُ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ بِالْمَجْلِسِ الَّذِي لَا أَجْلِسُ فِيهِ أَنَا

15 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

عليه السلام" ما تقول" ما استفهامية و المقصود تكليفه بالعمرة" إليك" أي مفوض إليك" و لا تكفيك" الواو عاطفة أو حالية" جيرتك" أي مجاوريك في المعاشرة أو في الدار" و عمومتك" أراد بهم أبا عبد الله و أبا الحسن عليهما السلام و أولادهما، و سماهم عمومته لأن يزيد كان من أولاد زيد بن علي و ولد العم في حكم العم" بلغتها" بصيغة المتكلم و يحتمل الخطاب أيضا.

" فعادوني إخوته" بدل من الضمير المرفوع، و المعاداة إما لزعمهم أن التبشير كان سببا لشراء الجارية و ما كان لي ذنب لأني كنت مأمورا بذلك، أو لزعمهم أني توسطت في شراء الجارية و لم يكن كذلك" فقال لهم إسحاق" أي عم الرضا عليه السلام" و أنه" الواو للحال و الحاصل أن موسى عليه السلام كان يكرمه و يجلسه قريبا منه في مجلس ما كنت أجلس منه بذلك القرب، مع أني كنت أخاه، و إنما قال ذلك إصلاحا بينه و بينهم و حثا لهم على بره و رعايته.

الحديث الخامس عشر

: ضعيف على المشهور و يزيد بن سليط الأنصاري كأنه

ص: 358

إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيُّ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ قَالَ لَمَّا أَوْصَى أَبُو إِبْرَاهِيمَ ع أَشْهَدَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيَّ وَ إِسْحَاقَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيَّ وَ إِسْحَاقَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ جَعْفَرَ بْنَصَالِحٍ وَ مُعَاوِيَةَ الْجَعْفَرِيَّ وَ يَحْيَى بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ سَعْدَ بْنَ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيَّ وَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيَّ وَ يَزِيدَ بْنَ سَلِيطٍ الْأَنْصَارِيَّ وَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيَّ وَ هُوَ كَاتِبُ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَ أَنَّ الْبَعْثَ بَعْدَ

غير الزيدي الراوي.

" و هو كاتب الوصية الأولى" أي وصية أخرى غير هذه الوصية لقوله بعد ذلك: هذه وصيتي بخطي.

و قيل: الوصية الأولى هي الشهادات و العقائد، و الوصية الثانية هي قوله: و إني قد أوصيت، إلى آخر الوصية. و قوله: إن هذه وصيتي بخطي، يعني أن هذه الشهادات هي وصيتي التي كتبتها بخطي قبل ذلك، و هي محفوظة عندي، قال: و أراد بقوله:" و قد نسخت وصية جدي" إلى قوله:" مثل ذلك" أن هذه الشهادات هي بعينها وصية آبائي و قد نسختها قبل ذلك، و أراد بمحمد بن علي أبا جعفر عليه السلام" على مثل ذلك" يعني كانت على مثل هذه الوصية من الشهادات.

و أقول: يمكن: أن يكون عليه السلام كتب وصاياهم عليهم السلام فيصدر الكتاب قبل هذه الوصية أو في المختوم تحت الكتاب أو في كتاب آخر.

و يؤيده ما رواه الصدوق (ره) في العيون عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلى أبو الحسن عليه السلام بوصية أمير المؤمنين عليه السلام و بعث إلى بصدقة أبيه مع أبي إسماعيل مصادف و ذكرصدقة جعفر بن محمد عليه السلام وصدقة نفسه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به موسى بن جعفر إلى آخر الخبر، و المصنف أيضا أورد نحوه في كتاب الوصايا.

و قيل ضمير هو لأبي إبراهيم عليه السلام، و الوصية الأولى عبارة عن المتعلقة بالإيمان

ص: 359

الْمَوْتِ حَقٌّ وَ أَنَّ الْوَعْدَ حَقٌّ وَ أَنَّ الْحِسَابَ حَقٌّ وَ الْقَضَاءَ حَقٌّ وَ أَنَّ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌص حَقٌّ وَ أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ حَقٌّ عَلَى ذَلِكَ أَحْيَا وَ عَلَيْهِ أَمُوتُ وَ عَلَيْهِ أُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ أَشْهَدَهُمْ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّتِي بِخَطِّي وَ قَدْ نَسَخْتُ وَصِيَّةَ جَدِّي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع وَ وَصِيَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَبْلَ ذَلِكَ نَسَخْتُهَا حَرْفاً بِحَرْفٍ وَ وَصِيَّةَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَ إِنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ إِلَى عَلِيٍّ وَ بَنِيَّ بَعْدُ مَعَهُ إِنْ شَاءَ وَ آنَسَ مِنْهُمْ رُشْداً وَ أَحَبَّ أَنْ يُقِرَّهُمْ فَذَاكَ لَهُ وَ إِنْ كَرِهَهُمْ وَ أَحَبَّ أَنْ يُخْرِجَهُمْ فَذَاكَ لَهُ وَ لَا أَمْرَ لَهُمْ مَعَهُ وَ أَوْصَيْتُ إِلَيْهِ بِصَدَقَاتِي وَ أَمْوَالِي وَ مَوَالِيَّ وَصِبْيَانِيَ الَّذِينَ خَلَّفْتُ

من الشهادتين و نحوهما إلى قوله: و عليه ابعث إنشاء الله، فكاتب الوصية الثانية غيره عليه السلام، و قوله: و أشهدهم، إلى قوله: مثل ذلك، ليس داخلا في الوصية الأولى و لا في الثانية بل كلام بين الوصيتين، و الأوسط الذي خطر بالبال أظهر.

و الوعد: الإخبار بالثواب للمطيع و كونه حقا أنه يجب الوفاء به، أو أنه لا يجوز تركه، و القضاء: الحكم بمقتضى الحساب من ثواب المطيع و عقاب العاصي بشروطهما، و يحتمل أن يكون المراد القضاء و القدر المتعلق بجميع الأمور.

" و بني" عطف على" علي" بعد" أي بعد علي في المنزلة" معه" أي مشاركين معه في الوصية" و أحب أن يقرهم" أي في الوصية" و أحب أن يخرجهم" أي من الوصية و قيل" بني" مبتدأ و" معه" خبر، أي هم ساكنون معه إلى الآن في داري إن شاء يبقيهم في الدار و إن شاء يخرجهم منها، و في العيون: و بنى بعده إن شاء، إلخ.

" و لا أمر لهم معه" أي ليس لهم أن يخالفوه" و أموالي" أي ضبط حصص الصغار و الغيب منها، أو بقدر الثلث أو بناء على أن الإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم" و موالي" أي عبيدي و إمائي أو عتقائي لحفظهم و رعايتهم أو أخذ ميراثهم" و ولدي" أي أوصيت إليه مع ولدي أو و إلى ولدي فيكون" إلى إبراهيم" بدلا من ولدي بتقدير إلى، و قيل:

الأظهر تقدم" إلى" على" ولدي" و أنه اشتبه على النساخ، و قيل: و ولدي أي و سائر ولدي، و إلى بمعنى حتى و" أم أحمد" عطف علىصدقاتي، انتهى، و في العيون: و ولدي و إلى إبراهيم و هو أصوب.

ص: 360

وَ وُلْدِي إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَ الْعَبَّاسِ وَ قَاسِمٍ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ أَحْمَدَ وَ أُمِّ أَحْمَدَ وَ إِلَى عَلِيٍّ أَمْرُ نِسَائِي دُونَهُمْ وَ ثُلُثُصَدَقَةِ أَبِي وَ ثُلُثِي- يَضَعُهُ حَيْثُ يَرَى وَ يَجْعَلُ فِيهِ مَا يَجْعَلُ ذُو الْمَالِ فِي مَالِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَهَبَ أَوْ يَنْحَلَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَنْ سَمَّيْتُ لَهُ وَ عَلَى غَيْرِ مَنْ سَمَّيْتُ فَذَاكَ لَهُ- وَ هُوَ أَنَا فِي وَصِيَّتِي فِي مَالِي وَ فِي أَهْلِي وَ وُلْدِي وَ إِنْ يَرَى أَنْ يُقِرَّ إِخْوَتَهُ الَّذِينَ سَمَّيْتُهُمْ فِي كِتَابِي هَذَا أَقَرَّهُمْ وَ إِنْ كَرِهَ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ غَيْرَ مُثَرَّبٍ عَلَيْهِ وَ لَا مَرْدُودٍ فَإِنْ آنَسَ

" و إلى علي" أي و مفوض إلى علي و هو خبر مقدم" أمر نسائي" أي اختيارهن و هو مبتدأ" دونهم" أي دون سائر ولدي" و ثلثصدقة أبي" مبتدأ و ضمير" يضعه" راجع إلى كل من الثلاثين، و المراد التصرف في حاصلهما بالبيع و الهبة و النحلة بناء على أنهما حق التولية، و يحتمل أن يكون المراد بيع أصلهما بناء علي أنهما كانا من الأموال التي للإمام التصرف فيها كيف شاء و لم يمكنهما إظهار ذلك تقية فسمياهاصدقة، أو بناء على جواز بيع الوقف في بعض الصور، و يحتمل أن يكون" ثلثصدقة أبي" عطفا على قوله" أمر نسائي" و يكون" ثلثي" مبتدأ و" يضعه" خبره و يكون المراد ثلث غير الأوقاف.

" يجعل" أي يضع، في القاموس جعله كمنعهصنعه، و الشي ء وضعه، و بعضه على بعض ألقاه، و في المصباح المنير: نحلته أنحله بالفتح نحلا أعطيته شيئا من غير عوض بطيب نفس، و نحلت المرأة مهرها أعطيتها نحلة، و ضمير" بها" راجع إلى الصدقة أو إلى الثلث بتأويل الأموال أو الصدقة.

" و هو أنا" أي هو بعد وفاتي مثلي في حياتي.

و قوله عليه السلام: و إن رأى أن يقر تأكيد لما مر، بحمل الأول على الإقرار في الدار، و هذا على الإقرار في الصدقة، و" غير" منصوب بالحالية عن فاعل يخرجهم، و التثريب التعيير و اللوم، و في العيون: غير مردود عليه:" فإن آنس منهم" الضمير للمخرجين و فيه إيماء إلى أنهم في تلك الحال التي

ص: 361

مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي فَارَقْتُهُمْ عَلَيْهِ فَأَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُمْ فِي وَلَايَةٍ فَذَاكَ لَهُ وَ إِنْ أَرَادَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يُزَوِّجَ أُخْتَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ أَعْرَفُ بِمَنَاكِحِ قَوْمِهِ وَ أَيُّ سُلْطَانٍ أَوْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ كَفَّهُ عَنْ شَيْ ءٍ أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ شَيْ ءٍ مِمَّا ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي هَذَا أَوْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْتُ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ بَرِي ءٌ وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْهُ بُرَآءُ وَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ غَضَبُهُ وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ وَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ السَّلَاطِينِ أَنْ يَكُفَّهُ عَنْ شَيْ ءٍ وَ لَيْسَ لِي عِنْدَهُ تَبِعَةٌ وَ لَا تِبَاعَةٌ

فارقهم عليها مستحقون للإخراج في ولاية أو تولية و تصرف في الأوقاف و غيرها، و ربما يقرأ فارقتهم بصيغة الغائبة بأن يكون الضمير المستتر راجعا إلى المعيشة من الصدقة و على في" عليه" تعليلية و الضمير للذي، و في قوله" في ولاية" بمعنى مع تابعية من كل وجه، و لا يخفى شدة تكلفه.

" أخته" أي من أمه، و المراد بالمناكح محال النكاح و ما يناسب و يليق من ذلك و في القاموس: المناكح: النساء.

" كفه عن شي ء" كأنه ناظر إلى السلطان أيصرفه و منعه قهرا، و قوله: أو حال ناظر إلى قوله: أحد من الناس، و يحتمل إرجاع كل إلى كل واحد عطف على" شي ء مما ذكرت" من النساء و الأولاد و الموالي، و يحتمل عطفه على أحد من الناس فالمراد بالناس الأجانب و بمن ذكرت الأخوة و الأول أظهر، و في العيون: و أي سلطان كشفه عن شي ء أو حال بينه و بين شي ء مما ذكرت في كتابي فقد برأ من الله و من رسوله و الله و رسوله منه بريئان، و في نسخ الكتاب في الثاني برآء بفتح الباء و الراء و المد، قال في القاموس: أنا براء منه لا يثني و لا يجمع و لا يؤنث.

" و ليس لأحد" تكرار للتأكيد و في القاموس: التبعة كفرحة و كتابة: الشي ء الذي لك فيه تبعة شبه ظلامة و نحوها، انتهى، و قيل: التبعة ما تطلبه من غيرك من حق تريد أن تستوفيه منه، و التباعة: الحق الذي لك على غيرك و لا تريد أن تستوفيه منه، و لم أجد هذا الفرق في اللغة، و التباعة بالفتح مصدر تبعه إذا مشى خلفه و هو مناسب.

ص: 362

وَ لَا لِأَحَدٍ مِنْ وُلْدِي لَهُ قِبَلِي مَالٌ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا ذَكَرَ فَإِنْ أَقَلَّ فَهُوَ أَعْلَمُ وَ إِنْ أَكْثَرَ فَهُوَ الصَّادِقُ كَذَلِكَ وَ إِنَّمَا أَرَدْتُ بِإِدْخَالِ الَّذِينَ أَدْخَلْتُهُمْ مَعَهُ مِنْ وُلْدِي التَّنْوِيهَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ التَّشْرِيفَ لَهُمْ وَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي مَنْ أَقَامَتْ مِنْهُنَّ فِي مَنْزِلِهَا وَ حِجَابِهَا فَلَهَا مَا كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا فِي حَيَاتِي إِنْ رَأَى ذَلِكَ وَ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُنَّ إِلَى زَوْجٍ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى مَحْوَايَ إِلَّا أَنْ يَرَى عَلِيٌّ غَيْرَ ذَلِكَ وَ بَنَاتِي بِمِثْلِ ذَلِكَ وَ لَا يُزَوِّجُ بَنَاتِي أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِهِنَّ مِنْ أُمَّهَاتِهِنَّ وَ لَا سُلْطَانٌ وَ لَا عَمٌّ إِلَّا بِرَأْيِهِ وَ مَشُورَتِهِ فَإِنْ فَعَلُوا غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ جَاهَدُوهُ فِي مُلْكِهِ وَ هُوَ أَعْرَفُ بِمَنَاكِحِ قَوْمِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ زَوَّجَ وَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ وَ قَدْ أَوْصَيْتُهُنَّ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي هَذَا وَ جَعَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِنَّ شَهِيداً وَ هُوَ وَ أُمُّ أَحْمَدَ شَاهِدَانِ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْشِفَ وَصِيَّتِي وَ لَا يَنْشُرَهَا وَ هُوَ

" فإن أقل" أي أظهر المال قليلا أو أعطى حقهم قليلا و كذا" أكثر" بالمعنيين في القاموس: أقله جعله قليلا كقلله، وصادفه قليلا و أتى بقليل، و قال" أكثر" أتى بكثير" كذلك" أي كما كانصادقا عند الإقلال أو أمره و شأنه كذلك، و في العيون:

و ليس لأحد من السلاطين أن يكشفه عن شي ء عنده من بضاعة، و لا لأحد من ولدي ولي عنده مال، و هو مصدق فيما ذكر من مبلغه إن أقل و أكثر فهو الصادق.

و قال الجوهري: نوهته تنويها إذا رفعته و نوهت باسمه إذا رفعت ذكره.

و في القاموس الحواء ككتاب و المحوي كالمعكى جماعة البيوت المتدانية.

" و لا يزوج بناتي" لعل ظاهر هذا الكلام على التقية لئلا يزوج أحد من الأخوة أخواتها بغير رضاها بالولاية المشهورة بين المخالفين، و أما هو عليه السلام فلم يكن يزوجهن إلا برضاهن أو هو مبني على أن الإمام أولى بالأمر من كل أحد، و حمله على تزويج الصغار بالولاية بعيد.

" و هو و أم أحمد" أي شهيدان أيضا أو شريكان في الولاية، أو الواو فيه كالواو في كل رجل و ضيعته، فالمقصود وصيته بمراعاة أم أحمد و ليست هذه الفقرة في العيون" أن يكشف وصيتي" أي يظهرها" و هو منها" الواو للحال و من النسبية مثل أنت

ص: 363

مِنْهَا عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْتُ وَ سَمَّيْتُ فَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهِ وَ مَنْ أَحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِهِ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ سُلْطَانٍ وَ لَا غَيْرِهِ أَنْ يَفُضَّ كِتَابِي هَذَا الَّذِي خَتَمْتُ عَلَيْهِ الْأَسْفَلَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ غَضَبُهُ وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ وَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ جَمَاعَةِ الْمُرْسَلِينَ وَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ عَلِيٌّ مَنْ فَضَّ كِتَابِي هَذَا وَ كَتَبَ وَ خَتَمَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَ الشُّهُودُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِهِ قَالَ أَبُو الْحَكَمِ فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ آدَمَ الْجَعْفَرِيُّ- عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ قَالَ كَانَ أَبُو عِمْرَانَ الطَّلْحِيُّ قَاضِيَ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا مَضَى مُوسَى قَدَّمَهُ إِخْوَتُهُ إِلَى الطَّلْحِيِّ الْقَاضِي فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُوسَى أَصْلَحَكَ اللَّهُ

مني بمنزلة هارون، و الضمير للوصية" ما ذكرت" أنه وصي و إليه الاختيار و سميته باسمه أو أعليت ذكره" وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" لأن من أعطي الجزاء خيرا و شرا غير من يستحقه فهو ظلام في غاية الظلم.

" الأسفل"صفة كتابي و إنهما كانتا وصيتين طوى السفلى و ختمها، ثم طوى فوقها العليا كما مر في الوصية النازلة من السماء.

قوله:" و على من فض كتابي هذا" ليست هذه الفقرة في العيون، و على تقديره يمكن أن يقرأ علي بالتشديد اسما أي هو الذي يجوز أن يفض كتابي هذا أو يكون حرفا و يكون المعنى: و على كل من فض كتابي هذا لعنة الله، و يكون هذا إشارة إلى الوصية الفوقانية و قد يقرأ الأول يفض على بناء الأفعال للتعويض أي يمكن من الفض فاللعنة الأولى على الممكن و الثانية على الفاعل، و الفض كسر الخاتم.

" و كتب و ختم" هذا كلامه على سبيل الالتفات، أو كلام يزيد، و المراد أنه عليه السلام كتب شهادته على هامش الوصية الثانية و هذا الختم غير الختم المذكور سابقا و كذا الشهود كتبوا شهادتهم على الهامش و ختموا، و يحتمل أن يكون الختم على رأس الوصية الثانية كالأولى، و الطلحي نسبة إلى طلحة و كان من أولاده، و قيل: إلى موضع بين المدينة و بدر" قدمه" على بناء التفعيل أي كلفه القدوم" و أمتع بك" أي جعل الناس

ص: 364

وَ أَمْتَعَ بِكَ إِنَّ فِي أَسْفَلِ هَذَا الْكِتَابِ كَنْزاً وَ جَوْهَراً وَ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجِبَهُ- وَ يَأْخُذَهُ دُونَنَا وَ لَمْ يَدَعْ أَبُونَا رَحِمَهُ اللَّهُ شَيْئاً إِلَّا أَلْجَأَهُ إِلَيْهِ وَ تَرَكَنَا عَالَةً وَ لَوْ لَا أَنِّي أَكُفُّ نَفْسِي لَأَخْبَرْتُكَ بِشَيْ ءٍ عَلَى رُءُوسِ الْمَلَإِ فَوَثَبَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إِذاً وَ اللَّهِ تُخْبِرُ بِمَا لَا نَقْبَلُهُ مِنْكَ وَ لَا نُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَكُونُ عِنْدَنَا مَلُوماً مَدْحُوراً نَعْرِفُكَ بِالْكَذِبِصَغِيراً وَ كَبِيراً وَ كَانَ أَبُوكَ أَعْرَفَ بِكَ لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْراً وَ إِنْ كَانَ أَبُوكَ لَعَارِفاً بِكَ فِي الظَّاهِرِ وَ الْبَاطِنِ وَ مَا كَانَ لِيَأْمَنَكَ عَلَى تَمْرَتَيْنِ ثُمَّ وَثَبَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ عَمُّهُ فَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّكَ لَسَفِيهٌ ضَعِيفٌ أَحْمَقُ اجْمَعْ هَذَا مَعَ مَا كَانَ بِالْأَمْسِ مِنْكَ وَ أَعَانَهُ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ

متمتعين منتفعين بك" في أسفل هذا الكتاب" أي الوصية الأولى المختوم عليها" كنزا و جوهرا" أي ذكر كنز و جوهر لأنفسهما" إلا الجاه" أي فوضه إليه و" عالة" جمع عائل و هو الفقير أو الكثير العيال" لأخبرتك بشي ء" أي ادعاء الإمامة و الخلافة و غرضه تخويفه عليه السلام و إغراء أعدائه به، و الملأ بالتحريك الجماعة من الأشراف" إذا" بالتنوين أي حين تخبر بشي ء و هي من نواصب المضارع، و يجوز الفصل بينها و بين منصوبها بالقسم" و تخبر" منصوب بها، و المدحور المطرود.

" نعرفك" استئناف لبيان السابق،" و لو" للتمني أو الجزاء مقدر" و إن" مخففة من المثقلة" ليأمنك" اللام المكسورة زائدة لتأكيد النفي و في النهاية يقال لببت الرجل و لببته إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره و جررته به، و أخذت بتلبيب فلان إذا جمعت ثوبه الذي هو لابسه و قبضت عليه تجره، و التلبيب: مجمع ما في موضع اللب من ثياب الرجل، انتهى.

" اجمع" بصيغة الأمر" هذا" أي ما وقع منك في هذا اليوم من سوء الأدب و الخصومة" مع ما كان بالأمس منك" يدل على أنه كان قدصدر منه بالأمس أمر شنيع آخر، و يمكن أن يقرأ أجمع علىصيغة المتكلم و قيل: أجمع على أفعل تأكيد و قيل: الهمزة للاستفهام التوبيخي و جمع بالفتح أي مجموع و هو مبتدأ و مضاف إلى

ص: 365

فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْقَاضِي لِعَلِيٍّ قُمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ حَسْبِي مَا لَعَنَنِي أَبُوكَ الْيَوْمَ وَ قَدْ وَسَّعَ لَكَ أَبُوكَ وَ لَا وَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ أَعْرَفَ بِالْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِ وَ لَا وَ اللَّهِ مَا كَانَ أَبُوكَ عِنْدَنَا بِمُسْتَخَفٍّ فِي عَقْلِهِ وَ لَا ضَعِيفٍ فِي رَأْيِهِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلْقَاضِي أَصْلَحَكَ اللَّهُ فُضَّ الْخَاتَمَ وَ اقْرَأْ مَا تَحْتَهُ فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ لَا أَفُضُّهُ حَسْبِي مَا لَعَنَنِي أَبُوكَ الْيَوْمَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ فَأَنَا أَفُضُّهُ فَقَالَ ذَاكَ إِلَيْكَ فَفَضَّ الْعَبَّاسُ الْخَاتَمَ فَإِذَا فِيهِ إِخْرَاجُهُمْ وَ إِقْرَارُ عَلِيٍّ لَهَا وَحْدَهُ وَ إِدْخَالُهُ إِيَّاهُمْ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ إِنْ أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا وَ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ حَدِّ الصَّدَقَةِ وَ غَيْرِهَا وَ كَانَ فَتْحُهُ عَلَيْهِمْ بَلَاءً وَ فَضِيحَةً وَ ذِلَّةً وَ لِعَلِيٍّ ع خِيَرَةً وَ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ الَّتِي فَضَّ الْعَبَّاسُ تَحْتَ الْخَاتَمِ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ جَعْفَرُ بْنُ

هذا، و مع ما كان خبر، و الأظهر ما ذكرنا أولا.

" حسبي" أي كاف لي، خبر" ما لعنني" ما مصدرية و المصدر مبتدأ" اليوم" ظرف حسبي" لا" تمهيد للنفي بما المشبهة بليس، و المستخف على بناء المفعول من يعد خفيفا" منذ اليوم" إشارة إلى أنه يلزم القاضي اللعن أبدا و لحوق اللعن باعتبار إحضاره و التفتيش عن حاله، مع أنه لم يكن له ذلك، أو بناء على أنه عليه السلام لعن من فض الكتاب الأول أيضا على ما مر احتماله، و قيل: لما رأى القاضي مكتوبا في أعلى الكتاب لعن من فضه خاف على نفسه أن يلجئه إلى الفض فقال: قم يا أبا الحسن فإني أخاف أن أفض الكتاب فينالني لعن أبيك و كفاني ذلك شقاء و بعدا، و هو بعيد لكنه موافق لما في العيون، إذ فيه فقال: لا أفضه لا يلعنني أبوك.

قوله:" فإذا فيه" الضمير لما تحته، و ضمير لها للوصية باستقلاله في جميع الأمور" في ولاية علي" أي في كونه وليا و واليا عليهم، أو في كونهم تابعين له" عن حد الصدقة" أي حكمها و ولايتها أو عن طرفها فضلا عن داخلها، و في العيون: فإذا فيه إخراجهم من الوصية و إقرار علي وحده و إدخاله إياهم في ولاية علي إن أحبوا أو كرهوا، وصاروا كالأيتام في حجره و أخرجهم من حد الصدقة و ذكرها.

ص: 366

صَالِحٍ وَ سَعِيدُ بْنُ عِمْرَانَ وَ أَبْرَزُوا وَجْهَ أُمِّ أَحْمَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَ ادَّعَوْا أَنَّهَا لَيْسَتْ إِيَّاهَا حَتَّى كَشَفُوا عَنْهَا وَ عَرَفُوهَا فَقَالَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قَدْ وَ اللَّهِ قَالَ سَيِّدِي هَذَا إِنَّكِ سَتُؤْخَذِينَ جَبْراً وَ تُخْرَجِينَ إِلَى الْمَجَالِسِ فَزَجَرَهَا إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ قَالَ اسْكُتِي فَإِنَّ النِّسَاءَ إِلَى الضَّعْفِ مَا أَظُنُّهُ قَالَ مِنْ هَذَا شَيْئاً ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً ع الْتَفَتَ إِلَى الْعَبَّاسِ فَقَالَ يَا أَخِي إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا حَمَلَكُمْ عَلَى هَذِهِ الْغَرَائِمُ وَ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْكُمْ فَانْطَلِقْ يَا سَعِيدُ فَتَعَيَّنْ لِي مَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ اقْضِ عَنْهُمْ وَ لَا وَ اللَّهِ لَا أَدَعُ مُوَاسَاتَكُمْ

و في أكثر النسخ هنا سعيد بالياء، و فيصدر الخبر سعد بدونه، و أحدهما تصحيف، و في كتب الرجال و في العيون سعد بدون الياء، و أم أحمد من أمهات أولاده و كانت أعقلهن و أورعهن و أحظاهن عنده، و كان يسر إليها الأسرار، و يودعها الأمانات كما ستعرف و كان إبراز وجه أم أحمد، لا دعاء الأخوة عندها شيئا ثم إنكارهم أنها هي، أو ادعائهم أنه عليه السلام ظلم أم أحمد، و أحضروها، فلما أنكرت قالوا: إنها ليست هي" قال سيدي" أي موسى عليه السلام" هذا" إشارة إلى الكلام الذي بعده، و ما قيل: أن المراد به الرضا و هذا إشارة إليه فهو بعيد، و إنما زجرها لأن في هذا الإخبار إشعارا بأنهم يدعون شيئا من علم الغيب، و هذا ينافي التقية.

" فإن النساء إلى الضعف" أي مائلات إلى الضعف، و ضمير" أظنه" لموسى عليه السلام و الغرائم جمع غرامة و هي ما يلزم أداؤه، و سعيد كأنه ابن عمران المتقدم، و في العيون سعد.

" فتعين لي ما عليهم" أي حول ما عليهم على ذمتي لأعطيه بعد زمان، و سيأتي تحقيق العينة و هي من حيل الربا مثل أن يكون لزيد عليهم ألف دينار فيشتري سعيد بوكالته

ص: 367

وَ بِرَّكُمْ مَا مَشَيْتُ عَلَى الْأَرْضِ فَقُولُوا مَا شِئْتُمْ فَقَالَ الْعَبَّاسُ مَا تُعْطِينَا إِلَّا مِنْ فُضُولِ

من زيد متاعا يسوي ألف دينار على أن يؤديها بعد سنة، ثم يبيعه هذا المتاع بألف دينار و يحسبه من الدين الذي له عليهم فيبرؤون من ديونهم و يبقى لزيد في ذمته عليه السلام مائتان و ألف دينار يعطيه بعد سنة، و قد وردت الأخبار بجواز ذلك و هذا منها، و قد تطلق العينة على مطلق النسيئة و السلف فيمكن إرادة القرض أيضا بأن يحيلوا ديونهم عليه عليه السلام أو يستقرض سعيد من الغرماء أو غيرهم و يؤدى ديون الأخوة.

و في بعض النسخ بعد قوله ثم اقض عنهم: و اقبض زكاة حقوقهم، و خذلهم البراءة فالمراد بزكاة حقوقهم الصكوك التي تنمو يوما فيوما بسبب الأرباح المكتوبة فيها، و يحتمل أن يكون بالهمز قال الفيروزآبادي: زكاة ألفا كمنعه نقده، أو عجل نقده و إليه لجأ و استند، و رجل زكا كصرد و همز، و زكاء النقد موسر عاجل النقد، و ازدكا منه حقه أخذه، و في العيون ذكر حقوقهم، أي الصك الذي ذكر فيه حقوقهم، و البراءة القبض الذي يدل على براءتهم من حقوق الغرماء، و المواساة بالهمز: المعاونة بالمال مطلقا، أو بمقدار يساوي المعطي المعطي في المال، قال في النهاية: الأسوة بكسر الهمزة و ضمها القدرة، و المواساة المشاركة و المساهمة في المعاش و الرزق، و أصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا و في المغرب آسيته بما لي أي جعلته أسوة أقتدي به و يقتدي هو بي و واسيته لغة ضعيفة، انتهى.

و البر: الاتساع في الإحسان و الصلة" ما مشيت" قيل: ما مصدرية، و المصدر نائب ظرف الزمان.

" فقولوا ما شئتم" أي فلا أبالي قبيح قولكم" فالعرض عرضكم" بالكسر فيهما

ص: 368

أَمْوَالِنَا و مَا لَنَا عِنْدَكَ أَكْثَرُ فَقَالَ قُولُوا مَا شِئْتُمْ فَالْعِرْضُ عِرْضُكُمْ فَإِنْ تُحْسِنُوا فَذَاكَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ِ وَ إِنْ تُسِيئُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ اللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنَّهُ مَا لِي يَوْمِي هَذَا وَلَدٌ وَ لَا وَارِثٌ غَيْرُكُمْ وَ لَئِنْ حَبَسْتُ شَيْئاً مِمَّا تَظُنُّونَ أَوِ ادَّخَرْتُهُ فَإِنَّمَا هُوَ لَكُمْ وَ مَرْجِعُهُ إِلَيْكُمْ وَ اللَّهِ مَا مَلَكْتُ مُنْذُ مَضَى أَبُوكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئاً إِلَّا وَ قَدْ سَيَّبْتُهُ حَيْثُ رَأَيْتُمْ- فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا هُوَ كَذَلِكَ وَ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ مِنْ رَأْيٍ عَلَيْنَا وَ لَكِنْ حَسَدُ أَبِينَا لَنَا وَ إِرَادَتُهُ مَا أَرَادَ مِمَّا لَا يُسَوِّغُهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَ لَا إِيَّاكَ وَ إِنَّكَ لَتَعْرِفُ أَنِّي أَعْرِفُ

أي هتك عرضي يوجب هتك عرضكم، و في بعض النسخ بالغين المعجمة المفتوحة فيهما و فتح الراء أيضا أي غرضي ما هو غرضكم، و هو رضاكم عني، و الفضول جمع فاضل و هي الزيادات المتفرعة على الأصول، أي من أرباح أموالنا و ما لنا بفتح اللام أو ضمها و العرض بالكسر جانب الرجل الذي يصونه من نفسه و حسبه من أن ينتقض" يومي" أي في يومي" غيركم" مرفوع و لعل الحبس فيما يتعلق بنصيبهم بزعمهم، و الادخار فيما يتعلق بنصيبه باعترافهم.

" فإنما هو لكم" أي إذا بقيت بلا ولد مما تزعمون، و هذا كلام على سبيل التورية للمصلحة" و مرجعه" مصدر ميمي" فقد سيبته" أي ما حبسته بل أطلقته وصرفته" حيث رأيتم" أي على الأقارب و المستحقين أستعير من قولهم سيبت الدابة أي تركتها لترعى، و السائبة الذي ليس لأحد عليه ولاء و في بعض النسخ شتته، أي فرقته و في بعض النسخ شيته بقلب الثاني من المضاعف ياء.

" ما هو" الضمير راجع إلى الأمر أو المال أو الشي ء و الأول أظهر، أي ليس الأمر و الحال كما قلت و ظهر من كلامك أن الأموال لك و أنت تعطيها لنا و لغيرنا على العفو و الفضل" من رأى علينا" أي اختيار و ولاية" و لكن حسد أبينا" حسد خبر مبتدإ محذوف أي الواقع حسد والدنا، و من في" مما" للبيان، و يحتمل كونه مبتدأ

ص: 369

صَفْوَانَ بْنَ يَحْيَى بَيَّاعَ السَّابِرِيِّ- بِالْكُوفَةِ وَ لَئِنْ سَلِمْتُ لَأُغْصِصَنَّهُ بِرِيقِهِ وَ أَنْتَ مَعَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ ع لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَمَّا إِنِّي يَا إِخْوَتِي فَحَرِيصٌ عَلَى مَسَرَّتِكُمْ اللَّهُ يَعْلَمُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّصَلَاحَهُمْ وَ أَنِّي بَارٌّ بِهِمْ وَاصِلٌ لَهُمْ رَفِيقٌ عَلَيْهِمْ أُعْنَى بِأُمُورِهِمْ لَيْلًا وَ نَهَاراً فَاجْزِنِي بِهِ خَيْراً وَ إِنْ كُنْتُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ* فَاجْزِنِي بِهِ مَا أَنَا أَهْلُهُ إِنْ كَانَ شَرّاً فَشَرّاً وَ إِنْ كَانَ خَيْراً فَخَيْراً اللَّهُمَّ أَصْلِحْهُمْ وَ أَصْلِحْ لَهُمْ وَ اخْسَأْ عَنَّا وَ عَنْهُمُ الشَّيْطَانَ وَ أَعِنْهُمْ عَلَى طَاعَتِكَ وَ وَفِّقْهُمْ لِرُشْدِكَ أَمَّا أَنَا يَا أَخِي فَحَرِيصٌ عَلَى مَسَرَّتِكُمْ جَاهِدٌ عَلَىصَلَاحِكُمْ وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ فَقَالَ الْعَبَّاسُ مَا أَعْرَفَنِي بِلِسَانِكَ وَ لَيْسَ لِمِسْحَاتِكَ عِنْدِي طِينٌ فَافْتَرَقَ

و مما لا يسوغه خبره، فمن للتبعيض، و التسويغ التجويز.

" إياه و لا إياك" أي له و لا لك، وصفوان كان وكيلا للرضا و للجواد عليهما السلام و يومئ الخبر إلى أنه كان وكيلا للكاظم عليه السلام أيضا و السابري بضم الباء ثوب رقيق يعمل بسابور موضع بفارس" و لئن سلمت" بكسر اللام، و الإغصاص بريقه جعله بحيث لا يتمكن من إساقة ريقه أي ماء فمه كناية عن تشديد الأمر عليه و أخذ أموال أبيه و أمواله عليهما السلام منه.

" لا حول و لا قوة إلا بالله" تفويض للأمر إلى الله و تعجب من حال المخاطب" على مسرتكم" أي ما فيه سروركم" الله يعلم" بمنزلة القسم" رفيق" أي لين أو رحيم و تعديته بعلى لتضمين معنى الإشفاق و المحافظة" أعني" على بناء المجهول أو المعلوم أي اعتنى و اهتم بأمورهم.

" و أصلح" أي أمورهم" لهم" و يقال خسأت الكلب من باب منع: طردته و أبعدته" أما أنا" بالتشديد" جاهد" أي جاد" وكيل" أي شاهد" ما أعرفني"صيغة التعجب" بلسانك" أي إنك قادر على حسن الكلام و تزويقه لكن ليس موافقا لقلبك.

" و ليس لمسحاتك عندي طين" هذا مثل سائر بين العرب يضرب لمن لا تؤثر حيلته

ص: 370

الْقَوْمُ عَلَى هَذَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ

16 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدَمَ الْعِرَاقَ بِسَنَةٍ وَ عَلِيٌّ ابْنُهُ جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ حَرَكَةٌ فَلَا تَجْزَعْ لِذَلِكَ قَالَ قُلْتُ وَ مَا يَكُونُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَدْ أَقْلَقَنِي مَا ذَكَرْتَ فَقَالَ أَصِيرُ إِلَى الطَّاغِيَةِ أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُنِي مِنْهُ سُوءٌ وَ مِنَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ قَالَ قُلْتُ وَ مَا يَكُونُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ قَالَ قُلْتُ وَ مَا ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ مَنْ ظَلَمَ ابْنِي هَذَا حَقَّهُ وَ جَحَدَ إِمَامَتَهُ مِنْ بَعْدِي كَانَ كَمَنْ ظَلَمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حَقَّهُ وَ جَحَدَهُ إِمَامَتَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِص قَالَ قُلْتُ

في غيره، و قال الميداني: لم يجد لمسحاته طينا مثل يضرب لمن حيل بينه و بين مراده

الحديث السادس عشر

: ضعيف على المشهور.

" أقلقني" أي أزعجني و أدهشني، و التاء في الطاغية للمبالغة، و في القاموس:

الطاغية الجبار و الأحمق المتكبر، انتهى. و المراد به المهدي العباسي و بالذي يكون بعده الهادي.

قوله: و ما يكون، لعله لما أشعر كلامه (ره) بأنه يصدر من غيرهما شي ء سأل السائل عما يحدث بعد التخلص منهما فأجمل عليه السلام الجواب بأن الله يسلب التوفيق عن شقي بعدهما و هو هارون و يقتلني سرا و يصير سببا لضلالة كثير من الواقفية و يحتمل أن يكون إشارة إلى الأخير فقط، و قيل: ضمير" منه" راجع إلى الهادي، و المراد بقوله: من الذي يكون بعده أنه يصل إلى منه سوء و هو بعيد، و في الإرشاد و إعلام الورى: و لا من الذي، فلا يحتمل ذلك.

ثم إنه في أكثر النسخ يبدأني بالنون أي لا يصل إلى منه ابتداء سوء، و في بعض النسخ بالباء فيقرأ يبدأ على بناء المجهول و الظرف نائب مناب الفاعل، يقال بدأه و أبداه إذا فعله ابتداء، و قيل: هو من البدو بمعنى الظهور و هو بعيد.

ص: 371

وَ اللَّهِ لَئِنْ مَدَّ اللَّهُ لِي فِي الْعُمُرِ لَأُسَلِّمَنَّ لَهُ حَقَّهُ وَ لَأُقِرَّنَّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ قَالَصَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ يَمُدُّ اللَّهُ فِي عُمُرِكَ وَ تُسَلِّمُ لَهُ حَقَّهُ وَ تُقِرُّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ وَ إِمَامَةِ مَنْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ قُلْتُ وَ مَنْ ذَاكَ قَالَ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ قَالَ قُلْتُ لَهُ الرِّضَا وَ التَّسْلِيمُ

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي ع

1 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع جَالِساً فَلَمَّا نَهَضُوا قَالَ لَهُمُ الْقَوْا أَبَا جَعْفَرٍ فَسَلِّمُوا عَلَيْهِ وَ أَحْدِثُوا بِهِ عَهْداً فَلَمَّا نَهَضَ الْقَوْمُ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُفَضَّلَ إِنَّهُ كَانَ لَيَقْنَعُ بِدُونِ هَذَا

و في العيون: و روي عن محمد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسنة و علي ابنه بين يديه، فقال لي: يا محمد! قلت: لبيك، قال:

إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع منها، ثم أطرق و نكت بيده في الأرض و رفع رأسه إلى و هو يقول: و يضل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء، قلت: و ما ذاك جعلت فداك؟ قال: من ظلم ابني هذا، الخبر.

باب الإشارة و النص على أبي جعفر الثاني (ع)

الحديث الأول

ضعيف.

" إنه كان ليقنع بدون هذا" أشار به إلى أمرهم به من إحداث العهد به، و التسليم عليه، أي أنه كان يقنع بأقل من ذلك في فهم أن المراد به النص على إمامته فنبههم بذلك على أن غرضه عليه السلام ذلك أو لام بعضهم على عدم فهم مقصوده الذي لم يمكنه التصريح به تقية و اتقاء عليه.

و العجب من بعض الناظرين في هذا الخبر أنه بعد هذا التنبيه أيضا لم يفهم

ص: 372

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا ع وَ ذَكَرَ شَيْئاً فَقَالَ مَا حَاجَتُكُمْ إِلَى ذَلِكَ هَذَا أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي وَصَيَّرْتُهُ مَكَانِي وَ قَالَ إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُ أَصَاغِرُنَا عَنْ أَكَابِرِنَا الْقُذَّةَ بِالْقُذَّةِ

المراد لأنا لم ننبه عليه بعد في حواشي كتابنا التي أخذها و أدخلها في شرحه، فقال:

أي بدون الأمر بالتسليم و إحداث العهد بل كان يكفيه في إحداثه الإشارة، أو كان يحدث بدونها أيضا فإن الناس يسلمون على ولد العزيز الشريف و يحدثون به عهدا بدون أمر أبيه بذلك، قال: و يحتمل أن يكون سبب لومهم أنهم تركوا التسليم و إحداث العهد بعد الأمر، و ليس في الحديث دلالة علي أنهم فعلوا ذلك بعده و يحتمل أن يكون اللوم متعلقا بالمخبر و هو من كان جالسا عنده عليه السلام، فإن الظاهر أنه لم ينهض و لم يسلم، انتهى.

و على التقادير الظاهر أنه المفضل بن عمر، و يدل على مدحه و علو فهمه و درجته، و إن احتمل غيره أيضا.

الحديث الثاني

صحيح.

" و ذكر شيئا" أي من علامات الإمام أو من كون الإمامة في الأولاد بعد الحسنين عليهما السلام دون الأخوة و أمثال ذلك مما يتعلق بالإمامة، و ربما يقرأ" ذكر" علي بناء المجهول من التفعيل، أي ذكر عنده أمر إمامة الأخوين، و على التقديرين الواو للحال و حاصل الجواب أني عينت لكم الإمام، فلا حاجة لكم إلى استعلام العلامات و الصفات، و الأصاغر جمع الأصغر أو الصغير كالأباعر جمع البعير، و كذا الأكابر.

و قال في النهاية: القذذ ريش السهم واحدتها قذة و منه الحديث: لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة أي كما تقدر كل واحدة منهما على قدرصاحبتها و تقطع، يضرب مثلا للشيئين يستويان و لا يتفاوتان، انتهى.

ص: 373

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي ع فَنَاظَرَنِي فِي أَشْيَاءَ ثُمَّ قَالَ لِي يَا أَبَا عَلِيٍّ ارْتَفَعَ الشَّكُّ مَا لِأَبِي غَيْرِي

4 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكِ بْنِ أَشْيَمَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَشَّارٍ قَالَ كَتَبَ ابْنُ قِيَامَا إِلَى أَبِي الْحَسَنِ ع كِتَاباً يَقُولُ فِيهِ كَيْفَ تَكُونُ إِمَاماً وَ لَيْسَ لَكَ وَلَدٌ فَأَجَابَهُ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا ع شِبْهَ الْمُغْضَبِ وَ مَا عَلَّمَكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ اللَّهِ لَا تَمْضِي الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى يَرْزُقَنِيَ اللَّهُ وَلَداً ذَكَراً يَفْرُقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ

5 بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ قَالَ لِيَ ابْنُ النَّجَاشِيِّ مَنِ الْإِمَامُ بَعْدَصَاحِبِكَ فَأَشْتَهِي أَنْ تَسْأَلَهُ حَتَّى أَعْلَمَ فَدَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا ع فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ فَقَالَ لِي الْإِمَامُ ابْنِي ثُمَّ قَالَ هَلْ يَتَجَرَّأُ

و هي هنا إما بالنصب نائبا عن المفعول المطلق لفعل محذوف أي متساويان تساوي القذة بالقذة أو منصوب بنزع الخافض أي كالقذة، بالقذة، أو مرفوع على أنه مبتدأ و الظرف خبره، أي القذة يقاس و يعرف مقداره بالقذة فإن من رأى أحد القذتين عرف بها مقدار القذة الأخرى لأنهما متطابقتان، و قيل: القذة مفعول" يتوارث" بحذف المضاف و إقامتها مقامه.

الحديث الثالث

:صحيح.

" في أشياء" أي في الإمامة" ما لأبي غيري" أي ابن غيري ليتوهم كونه إماما.

الحديث الرابع

: مجهول، و ابن قياما بالكسر هو الحسين و كان واقفيا.

" يفرق" على بناء المعلوم أو المجهول من باب نصر.

الحديث الخامس

: ضعيف" بعدصاحبك" أي إمامك يعني الرضا عليه السلام و كان ذلك قبل ولادة الجواد عليه السلام و زاد في إرشاد المفيد في آخر الخبر: و لم يكن ولد أبو جعفر عليه السلام، فلم تمض الأيام

ص: 374

أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ ابْنِي وَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ

6 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ ع شَيْئاً بَعْدَ مَا وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَقَالَ مَا حَاجَتُكُمْ إِلَى ذَلِكَ هَذَا أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي وَصَيَّرْتُهُ فِي مَكَانِي

7 أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ قِيَامَا الْوَاسِطِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى ع فَقُلْتُ لَهُ أَ يَكُونُ إِمَامَانِ قَالَ لَا إِلَّا وَ أَحَدُهُمَاصَامِتٌ فَقُلْتُ لَهُ هُوَ ذَا أَنْتَ لَيْسَ لَكَصَامِتٌ وَ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع بَعْدُ فَقَالَ لِي وَ اللَّهِ لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِهِ الْحَقَّ وَ أَهْلَهُ وَ يَمْحَقُ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَهْلَهُ فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ كَانَ ابْنُ قِيَامَا وَاقِفِيّاً

8 أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ ع جَالِساً فَدَعَا بِابْنِهِ وَ هُوَصَغِيرٌ فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِي فَقَالَ لِي جَرِّدْهُ وَ انْزِعْ قَمِيصَهُ فَنَزَعْتُهُ فَقَالَ لِيَ انْظُرْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِي أَحَدِ كَتِفَيْهِ شَبِيهٌ بِالْخَاتَمِ

حتى ولد عليه السلام.

الحديث السادس

: ضعيف و قد مر باختلاف في أول السند.

الحديث السابع

: ضعيف.

و اعتراض هذا الملعون في هذا الخبر و الخبر السابق يرجع إلى أنه لو لم يكن موسى عليه السلام القائم و آخر الأئمة و كان كما تقولون إن المهدي هو الإمام الثاني عشر فلا بد أن يكون بعدك إمام من ولدك و ليس لك ولد، و الجواب ظاهر.

الحديث الثامن

ضعيف" بابنه" الباء زائدة أو للمصاحبة، أي دعاء من يأتيه بابنه" بين كتفيه" لعله أمر بذلك ليقع نظره على الخاتم و لا يعلم أنه كان الغرض ذلك أو كان الخاتم بين الكتفين مائلا إلى أحدهما أو المراد ببينهما أحدهما أو مجموعهما مجازا و ربما يقرأ بين بتشديد الياء المكسورة و هو البرهان المتضح أو أحد بتشديد الدال من الحد بمعنى المنع أو الدفع، و يكون عبارة عن الموضع الذي بعده من الكتفين

ص: 375

دَاخِلٌ فِي اللَّحْمِ ثُمَّ قَالَ أَ تَرَى هَذَا كَانَ مِثْلُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَبِي ع

9 عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي يَحْيَى الصَّنْعَانِيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع فَجِي ءَ بِابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ هُوَصَغِيرٌ فَقَالَ هَذَا الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلَى شِيعَتِنَا مِنْهُ

10 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ قُلْتُ لِلرِّضَا ع قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ ع فَكُنْتَ تَقُولُ يَهَبُ اللَّهُ لِي غُلَاماً فَقَدْ وَهَبَهُ اللَّهُ لَكَ فَأَقَرَّ عُيُونَنَا فَلَا أَرَانَا اللَّهُ يَوْمَكَ فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا ابْنُ

سواء من جملة ما بينهما، و لا يخفى ما فيهما، و لا يبعد أن يكون البين زيد في البين من النساخ.

ثم اعلم أن الخبر يومئ إلى أن للأئمة عليهم السلام أيضا أو بعضهم علامة للإمامة كخاتم النبوة.

الحديث التاسع

ضعيف، و تخصيصه عليه السلام بعظم البركة لرفاهية الشيعة في زمانه أو لكثرة جوده و سخائه، أو يكون الحصر إضافيا بالنسبة إلى غير الأئمة عليهم السلام.

الحديث العاشر

:صحيح.

" فأقر عيوننا" يقال: قرت عينه إذا سر و فرح، و أقر الله عينه أي جعله مسرورا و حقيقته أبرد الله دمعة عينه، لأن دمعة الفرح و السرور باردة، و قيل: معنى أقر الله عينه بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه و تسكن عينه فلا تستشرف إلى غيره.

" يومك" أي يوم موتك" فإن كان كون" أي حادثة الموت" فإلى من" وصيتك؟

أو نفزع من أمور ديننا و قوله: هذا ابن ثلاث سنين، هذا الاستبعاد منصفوان بعيد من وجوه، و لعله كان سمع منه عليه السلام قرب وفاته أو أنه لما قال عليه السلام في كل وقت يتحقق الموت تتعلق به الإمامة، و كان يمكن تحققه قريبا فأراد استعلام ذلك، و ما استفهام إنكار و الضمير المستتر في يضره لما، و البارز لأبي جعفر عليه السلام، و من للتعليل أو

ص: 376

ثَلَاثِ سِنِينَ فَقَالَ وَ مَا يَضُرُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَامَ عِيسَى ع بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ

11 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ لِلرِّضَا ع إِنَّ ابْنِي فِي لِسَانِهِ ثِقْلٌ فَأَنَا أَبْعَثُ بِهِ إِلَيْكَ غَداً تَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهِ وَ تَدْعُو لَهُ فَإِنَّهُ مَوْلَاكَ فَقَالَ هُوَ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَابْعَثْ بِهِ غَداً إِلَيْهِ

12 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ الصَّيْقَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ جَالِساً بِالْمَدِينَةِ وَ كُنْتُ أَقَمْتُ عِنْدَهُ سَنَتَيْنِ أَكْتُبُ عَنْهُ مَا يَسْمَعُ مِنْ أَخِيهِ يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ ع إِذْ دَخَلَ

للتبعيض، و ذلك إشارة إلى كونه ابن ثلاث سنين، و الباء في قوله:" بالحجة" للتعدية أو للملابسة.

و اعلم أن عيسى عليه السلام كانت نبوته في المهد قرب الولادة و رسالته بعد ثلاث سنين من عمره كما هو ظاهر هذا الخبر، أو بعد سبع سنين كما يدل عليه خبر آخر سيأتي، و يمكن أن يكون المعنى في هذا الخبر أنه كان في ثلاث سنين قائما بالحجة أي بحجة النبوة، و لا ينافي ذلك كونه قبل ذلك أيضا كذلك، و يؤيده أن في إعلام الورى نقلا عن الكليني و هو ابن أقل من ثلاث سنين.

الحديث الحادي عشر

: ضعيف" هو مولى أبي جعفر عليه السلام" أي لا أبقى أنا إلى زمان بلوغه و ولايته للإمام فهو مولى لوصيي.

الحديث الثاني عشر

مجهول، و قيل: ضعيف" يسمع" على بناء المجرد أي كان يسمع أو على بناء الأفعال أو التفعيل أي يروي، و ربما يقرأ تسمع بالتاء على بناء التفعيل.

ص: 377

عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا ع الْمَسْجِدَ- مَسْجِدَ الرَّسُولِص فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ بِلَا حِذَاءٍ وَ لَا رِدَاءٍ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَ عَظَّمَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَا عَمِّ اجْلِسْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ يَا سَيِّدِي كَيْفَ أَجْلِسُ وَ أَنْتَ قَائِمٌ فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى مَجْلِسِهِ جَعَلَ أَصْحَابُهُ يُوَبِّخُونَهُ وَ يَقُولُونَ أَنْتَ عَمُّ أَبِيهِ وَ أَنْتَ تَفْعَلُ بِهِ هَذَا الْفِعْلَ فَقَالَ اسْكُتُوا إِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ لَمْ يُؤَهِّلْ هَذِهِ الشَّيْبَةَ وَ أَهَّلَ هَذَا الْفَتَى وَ وَضَعَهُ حَيْثُ وَضَعَهُ أُنْكِرُ فَضْلَهُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّا تَقُولُونَ بَلْ أَنَا لَهُ عَبْدٌ

13 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْخَيْرَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ أَبِي الْحَسَنِ ع- بِخُرَاسَانَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ يَا سَيِّدِي إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ قَالَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ابْنِي فَكَأَنَّ الْقَائِلَ اسْتَصْغَرَ سِنَّ أَبِي جَعْفَرٍ ع فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بَعَثَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولًا نَبِيّاًصَاحِبَ شَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فِي أَصْغَرَ مِنَ السِّنِّ الَّذِي فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ ع

14 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ جَمِيعاً عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ

" و قبض" جملة معترضة من كلام الراوي" لم يؤهل" على بناء التفعيل خبر كان" هذه الشيبة" أيصاحبها" أنكر" بتقدير الاستفهام الإنكاري" عبد" أي مطيع بكل وجه، و يدل على جلالة قدر علي كما تدل عليه أخبار كثيرة أخرى مذكورة في كتب الرجال.

الحديث الثالث عشر

: مجهول.

" استصغر" أي عدصغيرا" في أصغر" أي في سبع سنين كما سيأتي باب حالات الأئمة عليهم السلام في السن، و هذا الكلام كان في قرب وفاته عليه السلام كما سيظهر من سن أبي جعفر عليه السلام.

الحديث الرابع عشر

: مجهول

ص: 378

يَحْيَى بْنِ النُّعْمَانِ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ الْحَسَنَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ نَصَرَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ إِي وَ اللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَقَدْ بَغَى عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ إِي وَ اللَّهِ وَ نَحْنُ عُمُومَتُهُ بَغَيْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَصَنَعْتُمْ فَإِنِّي لَمْ أَحْضُرْكُمْ قَالَ قَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ وَ نَحْنُ أَيْضاً مَا كَانَ فِينَا إِمَامٌ قَطُّ حَائِلَ اللَّوْنِ فَقَالَ لَهُمُ الرِّضَا ع هُوَ ابْنِي قَالُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِص قَدْ قَضَى بِالْقَافَةِ فَبَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ

" و نحن عمومته" لعله رضي الله عنه أدخل نفسه لأنه كان بينهم لا أنه كان شريكا في هذا القول" فإني لم أحضركم" لأن البغي الذي كان الحسن يقوله هو بغي إخوته عليه في دعوى الميراث كما مر و هذا شي ء آخر، و الحائل: المتغير إشارة إلى سمرته عليه السلام، و القافة جمع القائف و هو الذي يتبع الآثار و يعرفها و يعرف شبه الرجل بأخيه و أبيه و يحكم بالنسب.

و القيافة غير معتبرة في الشريعة و جوز أكثر الأصحاب العمل بها لرد الباطل مستدلين بهذه القصة و قصة أسامة بن زيد و هي ما رواه مسلم فيصحيحه بإسناده عن عائشة قالت: إن رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال:

أ لم تر أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة و أسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض و في رواية أخرى قال: يا عائشة أ لم تر أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة و زيدا و عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما و بدت إقدامهما، فقال:

إن هذه الأقدام بعضها من بعض قال عياض: المجزز بفتح الجيم و كسر الزاي الأولى، سمي بذلك لأنه إذا أخذ أسيرا جز ناصيته، و قيل: [حلق] لحيته، و كان من بني مدلج و كانت القافة فيهم و في بني أسد، و قال الآبي: كانت علوم العرب ثلاثة: الشيافة، و العيافة و القيافة، فالشيافة شم تراب الأرض ليعلم بها الاستقامة على الطريق و الخروج عنها، و العيافة زجر الطير و الطيرة و التفؤل و نحوه، و القيافة اعتبار الشبه

ص: 379

الْقَافَةُ قَالَ ابْعَثُوا أَنْتُمْ إِلَيْهِمْ فَأَمَّا أَنَا فَلَا وَ لَا تُعْلِمُوهُمْ لِمَا دَعَوْتُمُوهُمْ وَ لْتَكُونُوا فِي بُيُوتِكُمْ

بالخلق للولد، و قال محيي الدين: قيل: إن أسامة كان شديد السواد و كان أبوه زيد أبيض من القطن، فكانت الجاهلية تطعن في نسبه لذلك فلما قال القائف ذلك و كانت العرب تصغي لقول القائف سر رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم لأنه كاف لهم عن الطعن.

" قال ابعثوا أنتم إليه فأما أنا فلا" أي فلا أبعث، إنما قال ذلك لعدم اعتقاده بقول القافة لابتناء قولهم على الظن و الاستنباط بالعلامات و المشابهات التي يتطرق إليها الغلط، و لكن الخصوم لما اعتقدوا به ألزمهم بما اعتقدوه.

و قد أنكر التمسك بقول القافة أبو حنيفة و أثبته الشافعي، و المشهور عن مالك إثباته في الإماء دون الحرائر، و نقل عنه إثباته، و اعترض عليه ابن الباقلاني بأنه إنما لم ينكره لأنه وافق الحق الذي هو كان معلوما عندهصلى الله عليه و آله و سلم، و إنما استسر لأن المنافقين كانوا يطعنون في نسب أسامة لسواده و بياض زيد، و كانصلى الله عليه و آله و سلم يتأذى من قولهم، فلما قال القائف ذلك و هم كانوا يعتقدون حكمه استسر لإلزامهم أنه ابنه و تبين كذبهم على ما يعتقدون منصحة العمل بالقافة، انتهى.

و سيأتي الكلام في حكمه في كتاب النكاح إنشاء الله و كان كلامهم في النسب للطمع في الميراث أو الإمامة أو الأعم.

" لما دعوتموهم" ما للاستفهام و يحتمل فتح اللام و تشديد الميم، و النهي عن الإعلام و الأمر بكونهم في بيوتهم لعدم معرفة القافة خصوص الواقعة فيكون أبعد من التهمة كما أن أكثر الأمور المذكورة بعد ذلك [لذلك].

و يحتمل أن يكون المراد بكونهم في بيوتهم أن القافة إذا دخلوا المدينة لم يخرجوا من بيوت هؤلاء إلى أن يحضروا للإلحاق لئلا يسألوا أحدا عن الواقعة

ص: 380

فَلَمَّا جَاءُوا أَقْعَدُونَا فِي الْبُسْتَانِ وَ اصْطَفَّ عُمُومَتُهُ وَ إِخْوَتُهُ وَ أَخَوَاتُهُ وَ أَخَذُوا الرِّضَا ع وَ أَلْبَسُوهُ جُبَّةَصُوفٍ وَ قَلَنْسُوَةً مِنْهَا وَ وَضَعُوا عَلَى عُنُقِهِ مِسْحَاةً وَ قَالُوا لَهُ ادْخُلِ الْبُسْتَانَ كَأَنَّكَ تَعْمَلُ فِيهِ ثُمَّ جَاءُوا بِأَبِي جَعْفَرٍ ع فَقَالُوا أَلْحِقُوا هَذَا الْغُلَامَ بِأَبِيهِ فَقَالُوا لَيْسَ لَهُ هَاهُنَا أَبٌ وَ لَكِنَّ هَذَا عَمُّ أَبِيهِ وَ هَذَا عَمُّ أَبِيهِ وَ هَذَا عَمُّهُ وَ هَذِهِ عَمَّتُهُ وَ إِنْ يَكُنْ لَهُ هَاهُنَا أَبٌ فَهُوَصَاحِبُ الْبُسْتَانِ فَإِنَّ قَدَمَيْهِ وَ قَدَمَيْهِ وَاحِدَةٌ فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ ع قَالُوا هَذَا أَبُوهُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فَقُمْتُ فَمَصَصْتُ رِيقَ أَبِي جَعْفَرٍ ع ثُمَّ قُلْتُ لَهُ أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامِي عِنْدَ اللَّهِ فَبَكَى الرِّضَا ع ثُمَّ قَالَ يَا عَمِّ أَ لَمْ تَسْمَعْ أَبِي وَ هُوَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِص بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ ابْنُ النُّوبِيَّةِ الطَّيِّبَةِ الْفَمِ الْمُنْتَجَبَةِ الرَّحِمِ

" فلما جاءوا" كلام علي بن جعفر أي جاءوا معنا من بيوتنا، إلى موضع الحكم و هو البستان" أقعدونا" القافة أو العمومة و الأخوال كما أن ضمير" أخذوا" راجع إليهم. قولهم" فإن قدميه" لعلهم رأوا نقش قدمي الرضا عليه السلام في الطين حين دخل البستان، فلما رجع أيقنوا أنه هو" فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام" أي قبلت فاه شفقة و شوقا بحيث دخل بعض ريقه فمي، و أعجب ممن قال: أي أشربت و نشفت بثوبي الريق بالفتح و المراد به هنا العرق من الحياء و البكاء لبغيهم حزنا، أو لظهور الحق سرورا" و هو يقول" الواو للحال" بأبي" أي فدى بأبي و هو خبر و ابن مبتدأ، و في بعض النسخ: يأتي.

و المراد بابن خيرة الإمام المهدي عليه السلام و المراد بخيرة الإماء أم الجواد عليه السلام فإنها أمه بواسطة لأن أمه بلا واسطة كانت بنت قيصر و لم تكن نوبية، فضمير يقتلهم راجع إلى الابن، و قيل: المراد به الجواد عليه السلام و ضمير يقتلهم راجع إلى الله تعالى أو مبهم يفسره قوله: و هو الطريد، و القتل في الرجعة، لتشفي قلوب الأئمة و المؤمنين يعذبهم سنين و شهورا و أياما بقدر زمان استيلائهم و جورهم على أئمة الحق، و قيل: الضمير المرفوع في يقتلهم راجع إلى الأعيبس و ذريته بتأويل ما ذكر،

ص: 381

وَيْلَهُمْ لَعَنَ اللَّهُ الْأُعَيْبِسَ وَ ذُرِّيَّتَهُصَاحِبَ الْفِتْنَةِ وَ يَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وَ شُهُوراً وَ أَيَّاماً يَسُومُهُمْ خَسْفاً وَ يَسْقِيهِمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً وَ هُوَ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ الْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ وَ جَدِّهِصَاحِبُ الْغَيْبَةِ يُقَالُ مَاتَ أَوْ هَلَكَ أَيَّ وَادٍ سَلَكَ أَ فَيَكُونُ هَذَا يَا عَمِّ إِلَّا مِنِّي فَقُلْتُصَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ

أو يقرأ تقتلهم بالتاء فيرجع الضمير إلى الذرية و ضمير الجمع إلى الأئمة عليهم السلام، و ضمير" هو" راجع إلى الابن و لا يخفى بعده، و في القاموس النوبة بالضم بلاد واسعة للسودان بجنب السعيد منها بلال الحبشي، انتهى.

و طيب الفم المراد به الطيب الظاهري و حسن الرائحة، أو المعنوي بكثرة الذكر و التلاوة وصدق القول، و في الصحاح: امرأة منجبة و منجاب: تلد النجباء، و ضمير" ويلهم" راجع إلى بني العباس كما يدل عليه ما بعده.

و الأعيبس مصغر الأعبس كما هو في بعض النسخ و هو كناية عن العباس لاشتراكهما في معنى كثرة العبوس، و قيل: المراد بعض ذرية العباس" يسومهم خسفا" جملة حالية يقال: سامه الخسف إذا أذله، و في بعض النسخ: ليسومهم، و المصبرة بفتح الميم و سكون الصاد اسم مكان للكثرة من الصبر بكسر الباء و هو المر المعروف أو بضم الميم و كسر الباء أي ذاتصبر، أو بفتح الباء من الأفعال أو التفعيل أي أدخل فيه الصبر و لا يبعد أن يكون في الأصل مكان"صاحب الفتنة""صاحب الغيبة" فيكون مبتدأ و يقتلهم خبره، و على الأصل المراد بصاحب الفتنة الأعيبس لأنه أصلهم أو ذريته بإرادة الجنس، أو يكون بدلا عن ذريته بتخصيص بعضهم لكونهم أفسد، و على التقادير لا يخلو من شي ء.

و في إرشاد المفيد و كشف الغمة و غيرهما يكون من ولده الطريد، فالمراد بابن خيرة الإماء الجواد عليه السلام، و الطريد: المطرود المبعد خوفا من الظالمين، و الشريد: الفأر من بين الناس، و الموتور: من قتل حميمه و أفرد، يقال: وترته إذا قتلت حميمه و أفردته فهو وتر موتور.

ص: 382

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ ع

1 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ لَمَّا خَرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي الدَّفْعَةِ الْأُولَى مِنْ خَرْجَتَيْهِ قُلْتُ لَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَإِلَى مَنِ الْأَمْرُ بَعْدَكَ فَكَرَّ بِوَجْهِهِ إِلَيَّ ضَاحِكاً وَ قَالَ لَيْسَ الْغَيْبَةُ حَيْثُ ظَنَنْتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَلَمَّا أُخْرِجَ بِهِ الثَّانِيَةَ إِلَى الْمُعْتَصِمِصِرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتَ خَارِجٌ فَإِلَى مَنْ هَذَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ فَبَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ عِنْدَ هَذِهِ يُخَافُ عَلَيَّ الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِي إِلَى ابْنِي عَلِيٍ

2 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْخَيْرَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ يَلْزَمُ بَابَ أَبِي جَعْفَرٍ

باب الإشارة و النص على أبي الحسن الثالث (ع)

اشارة

أقول: المراد بالإشارة النص الخفي، و بالنص النص الجلي.

الحديث الأول

حسن، و الخرجة المرة من الخروج" في هذا الوجه" يعني في هذا الجانب و هو جانب بغداد، و إنه عليه السلام أخرج مرتين إلى بغداد ففي المرة الأولى طلبه المأمون و زوجة أم الفضل فحملها إلى المدينة و كان فيها إلى أن توفي المأمون و قام أخوه محمد بن هارون الملقب بالمعتصم مقامه، فطلبه عليه السلام من المدينة و قتله بالسم بتوسط أم الفضل، كما يدل عليه بعض الأخبار التي أوردتها في البحار" فكر بوجهه" أي التفت" حتى اخضلت" بتشديد اللام أي ابتلت و لعل البكاء للشفقة على الدين و أهله، و استيلاء أهل الباطل عليهم" يخاف" على بناء المجهول.

الحديث الثاني

مجهول، و الخيراني لعله ابن خيران الخادم بواسطة أو بلا

ص: 383

ع لِلْخِدْمَةِ الَّتِي كَانَ وُكِّلَ بِهَا وَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى يَجِي ءُ فِي السَّحَرِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِيَعْرِفَ خَبَرَ عِلَّةِ أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ كَانَ الرَّسُولُ الَّذِي يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ بَيْنَ أَبِي إِذَا حَضَرَ قَامَ أَحْمَدُ وَ خَلَا بِهِ أَبِي فَخَرَجْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَ قَامَ أَحْمَدُ عَنِ الْمَجْلِسِ وَ خَلَا أَبِي بِالرَّسُولِ وَ اسْتَدَارَ أَحْمَدُ فَوَقَفَ حَيْثُ يَسْمَعُ الْكَلَامَ فَقَالَ الرَّسُولُ لِأَبِي إِنَّ مَوْلَاكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَ يَقُولُ لَكَ إِنِّي مَاضٍ وَ الْأَمْرُصَائِرٌ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ وَ لَهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَبِي ثُمَّ مَضَى الرَّسُولُ وَ رَجَعَ أَحْمَدُ إِلَى مَوْضِعِهِ وَ قَالَ لِأَبِي مَا الَّذِي قَدْ قَالَ لَكَ قَالَ خَيْراً قَالَ قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَ فَلِمَ تَكْتُمُهُ وَ أَعَادَ مَا سَمِعَ فَقَالَ لَهُ أَبِي قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا فَعَلْتَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَ لا تَجَسَّسُوا فَاحْفَظِ الشَّهَادَةَ لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ إِلَيْهَا يَوْماً مَا وَ إِيَّاكَ أَنْ تُظْهِرَهَا إِلَى وَقْتِهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبِي كَتَبَ نُسْخَةَ الرِّسَالَةِ فِي عَشْرِ رِقَاعٍ وَ خَتَمَهَا وَ دَفَعَهَا إِلَى عَشَرَةٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِصَابَةِ وَ قَالَ إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ أُطَالِبَكُمْ بِهَا فَافْتَحُوهَا وَ أَعْلِمُوا بِمَا فِيهَا فَلَمَّا مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ ع ذَكَرَ أَبِي أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى قَطَعَ عَلَى يَدَيْهِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ إِنْسَانٍ وَ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْعِصَابَةِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ يَتَفَاوَضُونَ

واسطة و الأخير أظهر و ضمائر" إنه" و" قال" و" كان" و" يلزم" لأبيه أو الأولان للخيراني و على الأول وضع: كان يلزم، موضع: كنت ألزم، من قبيل تغليب حال الحكاية على حال المحكي، و أيضا وضع: بين أبي، موضع بينه، من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر.

" إنه لم يخرج" أي خيراني و يمكن أن يقرأ على بناء المجهول من باب الأفعال فالضمير لأبي جعفر عليه السلام" حتى قطع علي يديه" أي أقر و جزم بإمامة الهادي عليه السلام بسببه، أو مسح يده على أيديهم بالبيعة له عليه السلام على الجزم و القطع، و محمد بن الفرج من ثقات أصحاب الرضا و الجواد و الهادي عليهم السلام.

و المفاوضة: المكالمة و المحاورة و المشاورة، و في المصباح المنير: تفاوض القوم الحديث أخذوا فيه.

ص: 384

هَذَا الْأَمْرَ فَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ إِلَى أَبِي يُعْلِمُهُ بِاجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَهُ وَ أَنَّهُ لَوْ لَا مَخَافَةُ الشُّهْرَةِ لَصَارَ مَعَهُمْ إِلَيْهِ وَ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَرَكِبَ أَبِي وَصَارَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ الْقَوْمَ مُجْتَمِعِينَ عِنْدَهُ فَقَالُوا لِأَبِي مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ أَبِي لِمَنْ عِنْدَهُ الرِّقَاعُ أَحْضِرُوا الرِّقَاعَ فَأَحْضَرُوهَا فَقَالَ لَهُمْ هَذَا مَا أُمِرْتُ بِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ شَاهِدٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُمْ قَدْ أَتَاكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ هَذَا أَبُو جَعْفَرٍ الْأَشْعَرِيُّ يَشْهَدُ لِي بِسَمَاعِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ وَ سَأَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عِنْدَهُ فَأَنْكَرَ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ هَذَا شَيْئاً فَدَعَاهُ أَبِي إِلَى الْمُبَاهَلَةِ فَقَالَ لَمَّا حَقَّقَ عَلَيْهِ قَالَ قَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ وَ هَذَا مَكْرُمَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبُ لَا لِرَجُلٍ مِنَ الْعَجَمِ فَلَمْ يَبْرَحِ الْقَوْمُ حَتَّى قَالُوا بِالْحَقِّ جَمِيعاً

3 وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَاسِطِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ يَحْكِي أَنَّهُ أَشْهَدَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْمَنْسُوخَةِ- شَهِدَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع أَشْهَدَهُ أَنَّهُ

" لما حقق عليه" أي ألزم الدعاء إلى المباهلة عليه و رأى أنه لا مفر له منه و المكرمة بضم الراء: الشرف، و هذا ذم عظيم لأحمد لكن لجهالة الخيراني و اشتهار فضله و علو شأنه لم يعتن الأصحاب به.

الحديث الثالث

مجهول" و في نسخة الصفواني" أي هذا الخبر لم يكن في رواية غير الصفواني كما مر، و الصفواني هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بنصفوان بن مهران الجمال.

و قوله: أبي بعد ذلك لعله زيد من النساخ و أول الحديث محمد بن جعفر

ص: 385

أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ ابْنِهِ بِنَفْسِهِ وَ أَخَوَاتِهِ وَ جَعَلَ أَمْرَ مُوسَى إِذَا بَلَغَ إِلَيْهِ وَ جَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُسَاوِرِ قَائِماً عَلَى تَرِكَتِهِ مِنَ الضِّيَاعِ وَ الْأَمْوَالِ وَ النَّفَقَاتِ وَ الرَّقِيقِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍصَيَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَاوِرِ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَيْهِ يَقُومُ بِأَمْرِ نَفْسِهِ وَ أَخَوَاتِهِ وَ يُصَيِّرُ أَمْرَ مُوسَى إِلَيْهِ يَقُومُ لِنَفْسِهِ بَعْدَهُمَا عَلَى شَرْطِ أَبِيهِمَا فِيصَدَقَاتِهِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا وَ ذَلِكَ يَوْمُ الْأَحَدِ لِثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ وَ كَتَبَ

و جملة" سمع" استئناف بياني و ضمير أنه لأبي جعفر عليه السلام" بنفسه" أي بأمور نفسه، و الضمير لعلي عليه السلام، و المراد بإخوانه موسى و ثلاث بنات أبي جعفر عليه السلام بتغليب المذكر على المؤنث، و لا يبعد أن يكون أخواته فصحف.

" و جعل أمر موسى إذا بلغ" أي موسى" إليه" أي إلى موسى و هو موسى المبرقع المدفون بقم، أو ضمير بلغ راجع إلى علي عليه السلام و كذا ضمير إليه فيكون التقييد، بالبلوغ للتقية، و المراد به واقعا البلوغ إلى حد الإمامة، أو ضمير بلغ راجع إلى موسى عليه السلام و" إليه" إلى أبي جعفر عليه السلام أي أمره بعد البلوغ إليه فكيف قبله، و لعل الأوسط أظهر كما يدل عليه ما بعده فيكون القيد لتوهم أنه متعلق بجميع ما تقدم تقية.

" و جعل" أي أبو جعفر عليه السلام" عبد الله بن المساور قائما على تركته من الضياع و الأموال و النفقات" أي على الضياع و غيرها" و الرقيق" أي حفظهم و الإنفاق عليهم و بعثهم إلى الضياع و غيرها"صير عبد الله" أي بعد بلوغ الإمام عليه السلامصيره عبد الله مستقلا في أمور نفسه و وكل أمور إخوانه إليه" و يصير" على التفعيل أي عبد الله أو الإمام عليه السلام" أمر موسى إليه" أي إلى موسى" بعدهما" أي بعد فوت عبد الله و الإمام، و يمكن أن يقرأ يصير بالتخفيف و قوله: على شرط أبيهما، متعلق بيقوم في الموضعين.

و قيل: ضمير بلغ لموسى و ضمير إليه لعلي كما مر، وصير فاعله ضمير مستتر راجع إلى أبي جعفر، و عبد الله منصوب بالمفعولية.

و" ذلك" بدل اشتمال لعبد الله و إشارة إلى القيام على تركته" إليه" أي مفوضا إلى

ص: 386

أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ وَ شَهِدَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع وَ هُوَ الْجَوَّانِيُّ عَلَى مِثْلِ شَهَادَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فِيصَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَ كَتَبَ شَهَادَتَهُ بِيَدِهِ وَ شَهِدَ نَصْرٌ الْخَادِمُ وَ كَتَبَ شَهَادَتَهُ بِيَدِهِ

بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ ع

1 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَسَارٍ الْقَنْبَرِيِّ قَالَ أَوْصَى أَبُو الْحَسَنِ ع إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَ أَشْهَدَنِي عَلَى ذَلِكَ وَ جَمَاعَةً مِنَ الْمَوَالِي

2 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ بَشَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَصْرِيِّ عَنْ

علي و هذه الجملة استئناف لبيان الجملة السابقة، و هي قوله: جعل عبد الله بن المساور إلى آخره، و المراد أن عبد الله في القيام على تركته مأمور بأمر علي عليه السلام لا استقلال له أصلا، و القرينة كونصير ماضيا بدون واو العطف و جملة يقوم استئناف لبيان الاستئناف السابق، و يصير من باب ضرب عطف على يقوم و ضمير إليه لعلي و ضمير يقوم لعلي و ضمير لنفسه لموسى. و" بعد" مبني على الضم أي بعد بلوغ موسى أيضا و هذه الجملة استيناف لبيان قوله يصير أمر موسى إليه و هذا مبني على أن الإمام كالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و هما مبتدأ و الضمير راجع إلى علي و موسى، و الظرف خبر المبتدأ.

و أقول: ارتكاب التقية في الكلام أحسن من ارتكاب هذه التكلفات البعيدة.

باب الإشارة و النص على أبي محمد (ع)

الحديث الأول

مجهول، و قيل: ضعيف" قبل مضيه" أي وفاته أو خروجه إلى سر من رأى، و الأول أظهر و الموالي العجم الملحقون بالعرب أو الشيعة المخلصون.

الحديث الثاني

مجهول، و بشار: بفتح الباء و تشديد الشين، و النوفلي بفتح النون

ص: 387

عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ النَّوْفَلِيِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ ع فِيصَحْنِ دَارِهِ فَمَرَّ بِنَا مُحَمَّدٌ ابْنُهُ- فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَاصَاحِبُنَا بَعْدَكَ فَقَالَ لَاصَاحِبُكُمْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ

3 عَنْهُ عَنْ بَشَّارِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عصَاحِبُكُمْ بَعْدِيَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيَّ قَالَ وَ لَمْ نَعْرِفْ أَبَا مُحَمَّدٍ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ

4 وَ عَنْهُ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ كُنْتُ حَاضِراً أَبَا الْحَسَنِ ع لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لِلْحَسَنِ يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً

5 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ الْأَنْبَارِيِّ قَالَ كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَجَاءَ أَبُو الْحَسَنِ ع فَوُضِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَ حَوْلَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ وَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَائِمٌ فِي نَاحِيَةٍ فَلَمَّا

و الفاء." فمر بنا محمد ابنه" كان له عليه السلام ثلاثة بنين: محمد و الحسنصلوات الله عليهما و جعفر، و مات محمد قبله و كان أكبر ولده، و كانت الشيعة يزعمون أنه الإمام لكونه أكبر فإخباره عليه السلام بعدم إمامته معجز لعلمه بموته قبله، و كان يكنى أبا جعفر عليه السلام.

الحديث الثالث

مجهول، و ضمير" عنه" راجع إلى جعفر بن محمد" يصلي على" أي يؤم الناس في الصلاة على بعد موتي.

الحديث الرابع

مجهول، و ضمير" عنه" راجع إلى جعفر أيضا، و علي بن جعفر الظاهر أنه اليماني الثقة الذي كان وكيلا للهادي عليه السلام" فقد أحدث فيك أمرا" أي جعلك الله إماما بموت أخيك الأكبر قبلك و بد الله فيك.

الحديث الخامس

ضعيف على المشهور.

" عند أبي جعفر" أي عند تجهيزه أو عند موته، و في إعلام الورى و إرشاد المفيد و كشف الغمة و غيرها" عند مضي أبي جعفر" و أبو جعفر هو محمد" من أمر أبي جعفر"

ص: 388

فَرَغَ مِنْ أَمْرِ أَبِي جَعْفَرٍ- الْتَفَتَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ ع فَقَالَ يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى شُكْراً فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً

6 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع إِنْ كَانَ كَوْنٌ وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ فَإِلَى مَنْ قَالَ عَهْدِي إِلَى الْأَكْبَرِ مِنْ وَلَدَيَ

7 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْإِسْبَارِقِينِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الْعَطَّارِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ ع وَ أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُهُ فِي الْأَحْيَاءِ وَ أَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَنْ أَخُصُّ مِنْ وُلْدِكَ فَقَالَ لَا تَخُصُّوا أَحَداً حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْكُمْ أَمْرِي قَالَ فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بَعْدُ فِيمَنْ يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ وَلَدَيَّ قَالَ وَ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ

8 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَ غَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَفْطَسُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا يَوْمَ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بَابَ أَبِي الْحَسَنِ يُعَزُّونَهُ وَ قَدْ بُسِطَ لَهُ فِيصَحْنِ دَارِهِ وَ النَّاسُ جُلُوسٌ حَوْلَهُ فَقَالُوا قَدَّرْنَا أَنْ يَكُونَ

أي تجهيزه.

الحديث السادس

مجهول و قيل: ضعيف.

" من ولدي" بصيغة التثنية و كان ذلك بعد وفاة أبي جعفر، و في إرشاد المفيد و إعلام الورى و غيرهما بعد ذلك يعني الحسن عليه السلام.

الحديث السابع

مجهول، و في إعلام الورى عن أبي محمد الأسترآبادي و ضمير" أنه" للإمام بعد أبي الحسن، و ضمير هو لأبي جعفر أو بالعكس" أخص" أي أعين للإمامة" بعدك" بعد بالبناء على الضم، أي بعد فوت أبي جعفر" أكبر من جعفر" أي الكذاب المشهور.

الحديث الثامن

مجهول كالصحيح.

ص: 389

حَوْلَهُ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ وَ بَنِي هَاشِمٍ وَ قُرَيْشٍ مِائَةٌ وَ خَمْسُونَ رَجُلًا سِوَى مَوَالِيهِ وَ سَائِرِ النَّاسِ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَدْ جَاءَ مَشْقُوقَ الْجَيْبِ حَتَّى قَامَ عَنْ يَمِينِهِ وَ نَحْنُ لَا نَعْرِفُهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ ع بَعْدَ سَاعَةٍ فَقَالَ يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ شُكْراً فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً فَبَكَى الْفَتَى وَ حَمِدَ اللَّهَ وَ اسْتَرْجَعَ وَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ تَمَامَ نِعَمِهِ لَنَا فِيكَ وَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا الْحَسَنُ ابْنُهُ وَ قَدَّرْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَرْجَحَ فَيَوْمَئِذٍ عَرَفْنَاهُ وَ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ وَ أَقَامَهُ مَقَامَهُ

9 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ دَرْيَابَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ ع بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ فَعَزَّيْتُهُ عَنْهُ وَ أَبُو مُحَمَّدٍ ع جَالِسٌ فَبَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ ع فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ ع فَقَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ فِيكَ خَلَفاً مِنْهُ فَاحْمَدِ اللَّهَ

" و قال الحمد لله" عطف تفسير لما تقدم" فيك" أي في بقائك، و في الإرشاد:

و إياه أسأل تمامه نعمه علينا، و هو أظهر، و يدل على جواز شق الجيب على الأخ كما ذكره الأصحاب، و على جواز البكاء عند المصيبة، و أنه ليس بالجزع المذموم و إنما هو قول يسخط الرب، و فعل ما نهى عنه، و البكاء لا ينافي الرضا بالقلب" إِنَّا لِلَّهِ" إظهار للرضا و إقرار بأنا جميعا عبيده مملوكون له جار فينا حكمه و قضاؤه، و ليس لنا الاعتراض عليه فيما يفعله" وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ" إقرار بالهلاك و الفناء و تسلية للنفس بأنا أيضا نموت و لا نبقي في الدنيا فنجزع لموت غيرنا، و نصل قريبا إلى من فارقناه، و هذه أفضل كلمة تقال عند المصيبة كما دلت عليه الآية الكريمة" أو أرجح" في الإرشاد" و نحوها" و ليس في إعلام الورى شي ء منهما.

الحديث التاسع

: مجهول" قد جعل فيك خلفا منه" الخلف بالتحريك ما يبقى بعد الشي ء أي إنه و إن ذهب عنك لكن انتقل منه إليك الإمامة، أو يكون على سبيل التجريد أي جعلك خلفا و قيل: المراد أنه جعل فيصلبك عوضا منه و هو القائم عليه السلام و هو بعيد.

ص: 390

10 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ ع بَعْدَ مَا مَضَى ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَ إِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ كَأَنَّهُمَا أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ- كَأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى وَ إِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع وَ إِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا إِذْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرْجَى بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ع فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ فَقَالَ نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ بَدَا لِلَّهِ فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ع مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ كَمَا بَدَا لَهُ فِي مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ وَ هُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَ إِنْ كَرِهَ الْمُبْطِلُونَ وَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَ مَعَهُ آلَةُ الْإِمَامَةِ

11 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ دَرْيَابَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَهْفَكِيِّ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ ع- أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي أَنْصَحُ آلِ مُحَمَّدٍ غَرِيزَةً

الحديث العاشر

: مجهول.

" كأبي الحسن" النشر على غير ترتيب اللف" إذ كان أبو محمد المرجئ" أي كان رجاء الإمامة في أبي محمد عليه السلام إنما حدث بعد فوت أبي جعفر، كما أن رجاء الإمامة في أبي الحسن عليه السلام إنما حدث بعد وفاة إسماعيل، و ربما يقرأ بالهمز أي المؤخر أجله و قد سبق معنى البداء في بابه، و قد يقال: البداء الظهور، و اللام في لله للسببية" و ما لم يكن" فاعل بدا" و يعرف" على بناء المجهول و ضمير له لله أو لأبي محمد، و" ما" في كما مصدرية، و" كشف" على المعلوم أو المجهول، و الحاصل أنه ظهر للناس ما لم يكونوا يعرفونه فيهما، و فيهما آلة الإمامة و شروطها و لوازمها من العلوم و العصمة و الكمالات و كتب الأنبياء و آثارهم و أمثال تلك الأمور.

الحديث الحادي عشر

: مجهول.

" أنصح آل محمد" أي أخلص و أصفى" غريزة" أي طبيعة أي في زمانه، أو مخصص بغير الأئمة عليهم السلام، و كذا" أوثقهم حجة" و يحتمل أن تكون الأوثقية باعتبار ظهور بطلان معارضة، و هو جعفر المشهور بالفسق و الكذب و الفجور،

ص: 391

وَ أَوْثَقُهُمْ حُجَّةً وَ هُوَ الْأَكْبَرُ مِنْ وَلَدَيَّ وَ هُوَ الْخَلَفُ وَ إِلَيْهِ يَنْتَهِي عُرَى الْإِمَامَةِ وَ أَحْكَامُهَا فَمَا كُنْتَ سَائِلِي فَسَلْهُ عَنْهُ فَعِنْدَهُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ

12 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شَاهَوَيْهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّابِ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابٍ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عَنِ الْخَلَفِ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ وَ قَلِقْتَ لِذَلِكَ فَلَا تَغْتَمَّ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يُضِلُّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ وَصَاحِبُكَ بَعْدِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي وَ عِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ اللَّهُ وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ اللَّهُ- ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها قَدْ كَتَبْتُ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ وَ قِنَاعٌ لِذِي عَقْلٍ يَقْظَانَ

و العروة ما يتمسك به" و عرى الإمامة" دلائلها التي يتمسك بهاصاحبها من العلم و النصوص و المعجزات و كتب الأنبياء و آثارهم" ما يحتاج إليه" على المخاطب المعلوم أو الغائب المجهول.

الحديث الثاني عشر

: مجهول أيضا.

" قلقت" كنصرت أي اضطربت" لذلك" أي لموت أبي جعفر لتوهمك أنه الخلف، أو لعدم علمك بالخلف بعده" لا يضل قوما" أي لا يجدهم ضالين خارجين عن طريق الحق، أو لا يسميهم ضالين، أو لا يؤاخذهم مؤاخذتهم" بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ" للإيمان" حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ" أي ما يجب اتقاؤه و هو مخالفة الإمام، و لا يعلم ذلك إلا بهدايتهم أي خصوص الإمام أو جميع الأوامر و النواهي، و لا يعلم إلا من جهة الإمام، فلا بد من تعيينه لهم، و تدل على معذورية الجاهل و قد مر الكلام في تفسير الآية في باب البيان و التعريف" يقدم الله ما يشاء" إشارة إلى البداء في أبي جعفر فإنه قدم أبا محمد عليه السلام و أخر أبا جعفر" ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ" كلمة" ما" شرطية و إنساؤها إذهابها عن القلوب، أي أي شي ء ننسخ من آية أو نذهبها عن القلوب" نَأْتِ" بما هو خير لهم" مِنْها أَوْ مِثْلِها" في النفع فقد أنسي و أزيل عن قلوبهم ما ظنوه من

ص: 392

13 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَلَوِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع يَقُولُ الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ فَقُلْتُ وَ لِمَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ فَقُلْتُ فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ فَقَالَ قُولُوا الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ

خلافة أبي جعفر بموته و أتى بمن هو خير لهم و هو أبو محمد عليه السلام، أو المراد أنه إذا ذهب الله بي لا بد من أن يأتي بخير مني أو مثلي، و أبو جعفر لم يكن كذلك، و من هو كذلك هو أبو محمد عليه السلام و على التقديرين هو مبني على ما مر من تأويل الآيات بالأئمة عليهم السلام، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما لله آية أكبر مني، و القناع اسم مصدر باب الأفعال كالبلاغ.

الحديث الثالث عشر

: مجهول أيضا" فكيف لكم" أي يحصل العلم لكم بشخصه أو بمكانه أو يتمشى الأمر لكم" بالخلف" أي القائم عليه السلام" من بعد الخلف" أي أبي محمد عليه السلام" لا ترون شخصه" أي عموما أو في عموم الأوقات" و لا يحل لكم ذكره" و يدل على حرمة تسميته عليه السلام و سيأتي القول فيه.

ص: 393

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.