البرهان في تفسير القرآن المجلد 3

اشارة

سرشناسه :بحراني ، هاشم بن سليمان ، - 1107؟ق

عنوان و نام پديدآور : البرهان في تفسير القرآن / الفه هاشم الحسيني البحراني

مشخصات نشر :قم : دار التفسير، 1417ق . = 1375.

مشخصات ظاهري : 4 ج .نمودار

شابك : 964-7866-20-8 (دوره ) ؛ 964-7866-20-8 (دوره ) ؛ 964-7866-16-x (ج .1) ؛ 964-7866-17-8 (ج .2) ؛ 964-7866-18-6 (ج .3) ؛ 964-7866-19-4 (ج .4)

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت :اين كتاب در سالهاي مختلف توسط ناشرين مختلف منتشر شده است

يادداشت :فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت :عربي .

يادداشت :كتابنامه

موضوع :تفاسير شيعه -- قرن ق 12

موضوع :تفاسير ماثوره -- شيعه اماميه

رده بندي كنگره: BP97/3 /ب 3ب 4 1382

رده بندي ديويي : 297/1726

شماره كتابشناسي ملي : م 75-6617

آدرس ثابت <البرهان = برهان > في تفسير القرآن

آدرس ثابت

الجزء الثالث

سورة يونس ..... ص : 9

سورة يونس فضلها: ..... ص : 9

4827/ [1]- ابن بابويه: بإسناده عن فضيل الرسان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من قرأ سورة يونس في كل شهرين أو ثلاثة لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين، و كان يوم القيامة من المقربين».

العياشي: عن فضيل الرسان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) الحديث بعينه «1».

4828/ [2]- عن أبان بن عثمان، عن محمد، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «اقرأ». قلت: من أي شي ء أقرأ؟ قال:

«اقرأ من السورة السابعة» «2».

قال: فجعلت ألتمسها، فقال: «اقرأ سورة يونس» فقرأت حتى انتهيت إلى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ «3» ثم قال: «حسبك، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): اني لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن!».

4829/ [3]- و من كتاب (خواص القرآن): عن النبي (صلى الله عليه و آله)، أنه قال: «من قرأ هذه السورة اعطي من الأجر و الحسنات بعدد من كذب يونس (عليه السلام) و صدق به، و من كتبها و جعلها في منزله و سمى جميع من في

الدار و كان بهم عيوب ظهرت، و من كتبها في طست و غسلها بماء نظيف و عجن بها دقيقا على أسماء المتهمين و خبزه، و كسر لكل واحد منهم قطعة و أكلها المتهم، فلا يكاد يبلعها، و لا يبلعها أبدا و يقر بالسرقة».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 106.

2- تفسير العياشي 2: 119/ 1.

3- خواص القران: 2 «قطعة منه».

(1) تفسير العياشي 2: 119/ 2.

(2) قوله (السابعة) تصحيف (التاسعة) يؤيّده ما في الكافي 2: 462 حيث روى نفس الحديث و فيه (التاسعة) و ذلك بجعل الأنفال و التوبة سورة واحدة.

(3) يونس 10: 26.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 11

سورة يونس(10): الآيات 1 الي 2 ..... ص : 11

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ- إلى قوله تعالى- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [1- 2]

4830/ [1]- ابن بابويه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني، فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق، قال: حدثنا معاذ بن المثنى العنبري، قال: حدثنا عبد الله بن أسماء، قال: حدثنا جويرية، عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): يا بن رسول الله، ما معنى الر؟ قال (عليه السلام): «معناه أنا الله الرءوف».

4831/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: الر هو حرف من حروف الاسم الأعظم المقطع «1» في القرآن، فإذا ألفه الرسول أو الإمام فدعا به أجيب. ثم قال: أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله): أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

4832/ [3]- العياشي: عن يونس، عمن ذكره، في قول

الله وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخر الاية.

قال: «الولاية».

4833/ [4]- عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قال: «الولاية».

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 22/ 1.

2- تفسير القمّي 1: 308.

3- تفسير العيّاشي 2: 119/ 3.

4- تفسير العيّاشي 2: 119/ 4. [.....]

(1) في المصدر: المنقطع.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 12

4834/ [5]- عن إبراهيم بن عمر، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قال: «هو رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

4835/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قال: «هو رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

4836/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قال: «هو رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

4837/ [8]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن يونس، قال:

أخبرني من رفعه، إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

قال: «ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)».

4838/ [9]- الطبرسي: قيل: إن معنى قَدَمَ صِدْقٍ شفاعة محمد (صلى الله عليه و آله) لهم يوم القيامة. قال: و هو

المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

سورة يونس(10): آية 3 ..... ص : 12

قوله تعالى:

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [3]

4839/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن الله خلق الخير يوم الأحد، و ما كان ليخلق الشر قبل الخير، و في يوم الأحد و الاثنين خلق الأرضين، و خلق أقواتها في يوم الثلاثاء، و خلق السماوات يوم الأربعاء و يوم الخميس، و خلق أقواتها يوم الجمعة، و ذلك قول الله عز و جل: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ «1»».

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 120/ 5.

6- تفسير القمّي 1: 308.

7- الكافي 8: 364/ 554.

8- الكافي 1: 349/ 50.

9- مجمع البيان 5: 134.

1- الكافي 8: 145/ 117.

(1) الفرقان 25، 59، السجدة 32: 4.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 13

4840/ [2]- العياشي: عن أبي جعفر، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أيام، فالسنة تنقص ستة أيام».

4841/ [3]- عن الصباح بن سيابة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن الله خلق الشهور اثني عشر شهرا، و هي ثلاثمائة و ستون يوما، فحجز عنها «1» ستة أيام خلق فيها السماوات و الأرض، فمن ثم تقاصرت الشهور».

4842/ [4]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الله جل ذكره و تقدست أسماؤه خلق الأرض قبل السماء، ثم استوى على العرش لتدبير الأمور». و معنى استوى يأتي- إن شاء الله تعالى- في سورة طه «2».

سورة يونس(10): آية 5 ..... ص : 13

قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ

الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ [5]

4843/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي نعيم البلخي، عن مقاتل بن حيان، عن عبد الرحمن بن أبي ذر، عن أبي ذر الغفاري (رحمه الله)، قال: كنت آخذا بيد النبي (صلى الله عليه و آله) و نحن نتماشى جميعا، فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت، فقلت: يا رسول الله، أين تغيب؟

قال: «في السماء، ثم ترفع من سماء إلى سماء، حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا، حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة، فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يا رب، من أين تأمرني أن أطلع، أ من مشرقي أو من مغربي «3»؟ فذلك قوله عز و جل: وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ «4» يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه، العليم بخلقه- قال- فيأتيها جبرئيل (عليه السلام) بحلة ضوء من نور العرش، على مقدار ساعات النهار، على طوله في أيام الصيف، أو قصره في الشتاء، أو ما بين ذلك في الخريف و الربيع- قال- فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه، ثم ينطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها». قال

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 2: 120/ 6.

3- تفسير العيّاشي 2: 120/ 7.

4- تفسير العيّاشي 2: 120/ 7.

1- التوحيد: 280/ 7.

(1) في المصدر و «ط»: فخرج منها.

(2) يأتي في تفسير الآية (5) من سورة طه. [.....]

(3) في المصدر: أمن مغربي أم من مطلعي.

(4) يس 36: 38.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 14

النبي (صلى الله عليه

و آله): «فكأني بها و قد حبست مقدار ثلاث «1»، ثم لا تكسى ضوءا و تؤمر أن تطلع من مغربها، فذلك قوله عز و جل: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ «2».

و القمر كذلك من مطلعه و مجراه في أفق السماء و مغربه، و ارتفاعه إلى السماء السابعة، و يسجد تحت العرش، ثم يأتيه جبرئيل بالحلة من نور الكرسي، فذلك قوله عز و جل: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً». قال أبو ذر (رحمه الله): ثم اعتزلت مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) و صلينا المغرب.

4844/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ النَّجْمِ إِذا هَوى «3» قال: «اقسم بقبض محمد إذا قبض. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ «4» بتفضيله أهل بيته وَ ما غَوى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى «5» يقول ما يتكلم بفضل أهل بيته بهواه، و هو قول الله عز و جل: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «6».

و قال الله عز و جل لمحمد (صلى الله عليه و آله): قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ «7» قال: لو أني أمرت أن أعلمكم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي، فكان مثلكم كما قال الله عز و جل: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ «8» يقول:

أضاءت الأرض بنور محمد (صلى الله عليه و آله) كما تضي ء الشمس، فضرب الله مثل محمد (صلى الله عليه و آله) الشمس، و مثل الوصي

القمر، و هو قول الله عز و جل: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً، و قوله وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ «9»، و قوله عز و جل: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ «10»، يعني قبض محمد (صلى الله عليه و آله)، و ظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته، و هو قوله عز و جل: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ «11»».

4845/ [3]- و عنه: بإسناده عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن علي بن أبي النوار، عن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك، لأي شي ء صارت الشمس أشد حرارة من القمر؟ فقال: «إن الله خلق الشمس من نور النار، و صفو الماء، طبقا من هذا و طبقا من هذا، حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا

__________________________________________________

2- الكافي 8: 380/ 574.

3- الكافي 8: 241/ 332.

(1) في المصدر زيادة: ليال.

(2) التكوير 81: 1- 2.

(3) النجم 53: 1- 2.

(4) النجم 53: 1- 2.

(5) النجم 53: 1- 2.

(6) النجم 53: 1- 2.

(7) الأنعام 6: 58.

(8) البقرة 2: 17.

(9) يس 36: 37.

(10) البقرة 2: 17. [.....]

(11) الأعراف 7: 198.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 15

من نار، فمن ثم صارت أشد حرارة من القمر».

قلت: جعلت فداك، و القمر؟ قال: «إن الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار و صفو الماء، طبقا من هذا و طبقا من هذا، حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء، فمن ثم صار القمر أبرد من الشمس».

روى ابن بابويه هذا الحديث في (الخصال): عن محمد بن الحسن،

عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن عيسى بن محمد، عن علي بن مهزيار «1»، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام)، و ذكر الحديث «2».

سورة يونس(10): آية 7 ..... ص : 15

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ [7] 4846/ [1]- و قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي لا يؤمنون به وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ قال: الآيات: أمير المؤمنين و الائمة (عليهم السلام)، و الدليل على ذلك

قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما لله آية أكبر مني».

4847/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عمير أو غيره، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الاية: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ «3». قال: «ذلك إلي إن شئت أخبرتهم و إن شئت لم أخبرهم- ثم قال:- لكني أخبرك بتفسيرها».

قلت: عَمَّ يَتَساءَلُونَ؟ قال: فقال: «هي في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول: ما لله عز و جل آية هي أكبر مني، و لا لله من نبأ أعظم مني».

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- تفسير الآيات بالائمة (عليهم السلام) بالرواية في آخر السورة، في قوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الاية «4».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 309.

2- الكافي 1: 161/ 3.

(1) زاد في المصدر: عن عليّ بن حسّان.

(2) الخصال: 356/ 39.

(3) النبأ 78: 1- 2.

(4) يأتي

في الحديث (1) من تفسير الآية (101) من هذه السورة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 16

سورة يونس(10): الآيات 9 الي 11 ..... ص : 16

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- إلى قوله تعالى- لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [9- 11]

4848/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن عبد الله الوراق و محمد بن أحمد السناني، و علي بن أحمد بن محمد (رضي الله عنهم)، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن قول الله عز و جل: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً «1».

فقال: «إن الله تبارك و تعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، و يهدي أهل الايمان و العمل الصالح إلى جنته، كما قال عز و جل: وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ «2» و قال عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ».

4849/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمد بن إسحاق المدني، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سئل عن قول الله عز و جل: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً «3».

فقال: يا علي، إن الوفد لا

يكونون إلا ركبانا، أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله عز ذكره و اختصهم و رضي أعمالهم فسماهم المتقين. ثم قال له: يا علي، أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إنهم ليخرجون من قبورهم، و إن الملائكة تستقبلهم بنوق من نوق الجنة «4». عليها رحال الذهب، مكللة بالدر و الياقوت، و جلائلها الإستبرق و السندس، و خطمها جدل الأرجوان، تطير بهم إلى المحشر، مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه و عن يمينه

__________________________________________________

1- التوحيد: 241/ 1.

2- الكافي 8: 95/ 69.

(1) الكهف 18: 17.

(2) إبراهيم 14: 27.

(3) مريم 19: 85.

(4) في المصدر: العز.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 17

و عن شماله، يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم. و على باب الجنة شجرة، إن الورقة منها ليستظل تحتها ألف «1» رجل من الناس، و عن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية- قال- فيسقون منها شربة شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد، و يسقط عن أبشارهم الشعر و ذلك قوله عز و جل: وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً «2» من تلك العين المطهرة. قال: ثم يصرفون إلى عين اخرى عن يسار الشجرة، فيغتسلون فيها، و هي عين الحياة فلا يموتون أبدا.

قال: ثم يوقف بهم قدام العرش، و قد سلموا من الآفات و الأسقام و الحر و البرد أبدا.

قال: فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم: احشروا أوليائي إلى الجنة، و لا توقفوهم مع الخلائق، فقد سبق رضاي عنهم، و وجبت رحمتي لهم، و كيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات و السيئات! قال:

فتسوقهم الملائكة إلى الجنة».

و ساق الحديث بطوله إلى أن قال في آخره ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «أما الجنان المذكورة،

في الكتاب، فإنهن: جنة عدن، و جنة الفردوس، و جنة النعيم، و جنة المأوى». قال: «فإن لله عز و جل جنانا محفوفة بهذه الجنات، و إن المؤمن ليكون له من الجنان ما أحب و اشتهى، يتنعم فيهن كيف يشاء، و إذا أراد المؤمن شيئا أو اشتهى إنما دعواه فيها إذا أراد، أن يقول: سبحانك اللهم، فإذا قالها تبادرت إليه الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به، و ذلك قوله عز و جل: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ يعني الخدام.

قال: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني بذلك عند ما يقضون من لذاتهم من الجماع و الطعام و الشراب يحمدون الله عز و جل عند فراغهم».

و الحديث طويل، يأتي بطوله- إن شاء الله تعالى- في قوله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً من سورة مريم «3».

4850/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبد الله، عن أبى، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قال: «سأل يهودي رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: أخبرني عن تفسير (سبحان الله، و الحمد لله، و لا اله إلا الله، و الله اكبر)، قال النبي (صلى الله عليه و آله): علم الله عز و جل أن بني آدم يكذبون على الله عز و جل، فقال: (سبحان الله) تنزيها عما يقولون. و أما قوله (الحمد لله) فإنه علم أن العباد

لا يؤدون شكر نعمته، فحمد نفسه قبل أن يحمدوه، و هو أول الكلام، لولا ذلك لما أنعم الله على أحد بنعمته. و قوله (لا إله إلا الله) يعني وحدانيته، لا يقبل الله الأعمال إلا بها،

__________________________________________________

3- الأمالي: 157/ 1. [.....]

(1) في «ط»: مائة ألف.

(2) الإنسان 76: 21.

(3) يأتي في الحديث (11) من تفسير الآيات (73- 98) من سورة مريم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 18

و هي كلمة التقوى، يثقل الله بها الموازين يوم القيامة. و أما قوله تعالى: و الله أكبر فهي كلمة أعلى الكلمات، و أحبها إلى الله عز و جل، يعني أنه ليس شي ء أكبر مني، لا تصح «1» الصلاة إلا بها لكرامتها على الله، و هو الاسم الأكرم.

قال اليهودي: صدقت- يا محمد- فما جزاء قائلها؟

قال: إذا قال العبد: (سبحان الله) سبح معه مادون العرش، فيعطى قائلها عشر أمثالها، و إذا قال: (الحمد لله) أنعم الله عليه بنعيم الدنيا موصولا بنعيم الاخرة، و هي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها، و ينقطع الكلام الذي يقولونه في الدنيا ما خلا (الحمد لله) و ذلك قوله جل و عز: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، و أما قوله: (لا إله إلا الله) فالجنة جزاؤه، و ذلك قوله عز و جل:

هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ «2» يقول: هل جزاء لا إله إلا الله إلا الجنة.

فقال اليهودي: صدقت يا محمد».

و روى هذا الحديث الشيخ المفيد في كتاب (الاختصاص) «3».

4851/ [4]- العياشي: عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن التسبيح؟ فقال: «هو اسم من أسماء الله، و دعوى أهل الجنة».

4852/ [5]- المفيد في

(الاختصاص): بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه و آله)- في حديث طويل مع يهودي، و قد سأله عن مسائل- قال (صلى الله عليه و آله): «إذا قال العبد: (سبحان الله) سبح كل شي ء معه ما دون العرش، فيعطى قائلها عشر أمثالها، و إذا قال: (الحمد لله) أنعم الله عليه بنعيم الدنيا حتى يلقاه بنعيم الاخرة، و هي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها، و الكلام ينقطع في الدنيا ما خلا الحمد لله، و ذلك قوله: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ».

4853/ [6]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ، قال: لو عجل الله لهم الشر كما يستعجلون الخير لقضي إليهم أجلهم، أي فرغ من أجلهم.

سورة يونس(10): آية 12 ..... ص : 18

قوله تعالى:

وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ [12]

__________________________________________________

4- تفسير العياشي 2: 120/ 9.

5- الاختصاص: 34.

6- تفسير القمي 1: 309.

(1) في «ط»: لا تصلح، و في المصدر: لا تفتتح.

(2) الرحمن 55: 60.

(3) الاختصاص: 34.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 19

4854/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: دَعانا لِجَنْبِهِ العليل الذي لا يقدر أن يجلس أَوْ قاعِداً، قال: الذي لا يقدر أن يقوم أَوْ قائِماً، قال: الصحيح. و قوله: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ أي ترك و مر و نسي كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ.

سورة يونس(10): الآيات 13 الي 16 ..... ص : 19

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ- إلى قوله تعالى- فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ [13- 16] 4855/ [2]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، قال: يعني عادا و ثمود و من أهلكه الله، ثم قال: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعني حتى نرى، فوضع النظر مكان الرؤية.

و قال: و قوله: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ، قال: فإن قريشا قالت لرسول الله (صلى الله عليه و آله):

ائتنا بقرآن غير هذا، فإن هذا شي ء تعلمته من اليهود و النصارى، قال الله: قُلْ لهم لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ أي

لقد لبثت فيكم أربعين سنة قبل أن يوحى إلي و لم أتكلم «1» بشي ء منه حتى أوحي إلي.

4856/ [3]- ثم قال علي بن إبراهيم: و أما قوله أَوْ بَدِّلْهُ فإنه حدثني الحسن بن علي، عن أبيه، عن حماد ا بن عيسى، عن أبي السفاتج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ:

«يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يعني في علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 309.

2- تفسير القمّي 1: 309.

3- تفسير القمّي 1: 310.

(1) في المصدر: آتكم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 20

4857/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن الحسين، عن عمر بن يزيد، عن محمد بن جمهور، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ، قال: «قالوا: أو بدل عليا (عليه السلام)».

4858/ [4]- العياشي: عن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله تعالى: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ: «قالوا: لو بدل مكان علي أبو بكر أو عمر اتبعناه».

4859/ [5]- عن أبي السفاتج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ:

«يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)».

4860/ [6]- عن منصور بن حازم،

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لم يزل رسول (صلى الله عليه و آله) يقول: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ حتى نزلت سورة الفتح فلم يعد إلى ذلك الكلام».

سورة يونس(10): الآيات 18 الي 19 ..... ص : 20

قوله تعالى:

وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ- إلى قوله تعالى- وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ [18- 19] 4861/ [1]- قال علي بن إبراهيم: كانت قريش تعبد الأصنام و يقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، فإنا لا نقدر على عبادة الله. فرد الله عليهم، فقال: قل لهم، يا محمد: أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ أي ليس يعلم، فوضع حرفا مكان حرف، أي ليس له شريك يعبد.

و قال: قوله: وَ ما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً أي على مذهب واحد فَاخْتَلَفُوا وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي كان ذلك في علم الله السابق أن يختلفوا، و بعث فيهم الأنبياء و الأئمة بعد الأنبياء، و لولا ذلك لهلكوا عند اختلافهم.

__________________________________________________

3- الكافي 1: 347/ 37. [.....]

4- تفسير العيّاشي 2: 120/ 10.

5- تفسير العيّاشي 2: 120/ 11.

6- تفسير العيّاشي 2: 120/ 12.

1- تفسير القمّي 1: 310.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 21

سورة يونس(10): آية 20 ..... ص : 21

قوله تعالى:

وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [20]

4862/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد الدقاق (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة، عن يحيى بن أبي القاسم، قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ «1».

فقال: «المتقون: شيعة علي (عليه السلام)، و الغيب: هو الحجة القائم، و شاهد ذلك

قول الله عز و جل:

وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ».

4863/ [2]- و عنه: بإسناده عن محمد بن مسعود، قال: حدثني أبو صالح خلف بن حماد الكشي «2»، قال:

حدثنا سهل بن زياد، قال: حدثني محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قال الرضا (عليه السلام): «ما أحسن الصبر و انتظار الفرج! أما سمعت قول الله عز و جل: وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ «3» و فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ، فعليكم بالصبر، فإنه إنما يجي ء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم».

4864/ [3]- و عنه: بإسناده عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن الفرج.

قال: «إن الله عز و جل يقول: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ».

سورة يونس(10): آية 23 ..... ص : 21

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ [23]

4865/ [4]- العياشي: عن منصور بن يونس، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «ثلاث يرجعن على صاحبهن:

__________________________________________________

1- كمال الدين و تمام النعمة: 17.

2- كمال الدين و تمام النعمة: 645/ 5.

3- كمال الدين و تمام النعمة: 645/ 4.

4- تفسير العيّاشي 2: 121/ 13.

(1) البقرة 2: 1- 2.

(2) في «س، ط»: بن حامد الكنجي، تصحيف صوابه ما في المتن، ترجم له الشيخ الطوسي في رجاله: 472 و قال: خلف بن حمّاد يكنّى أبا صالح، من أهل كش.

(3) هود 11: 93.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 22

النكث، و البغي، و المكر، قال الله: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ».

سورة يونس(10): آية 24 ..... ص : 22

قوله تعالى:

إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها- إلى قوله تعالى- يَتَفَكَّرُونَ [24]

4866/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن الفضيل، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، بلغنا أن لآل جعفر راية، و لآل العباس رايتين، فهل انتهى إليك من علم ذلك شي ء؟

قال: «أما آل جعفر فليس بشي ء، و لا إلى شي ء، و أما آل العباس فإن لهم ملكا مبطئا «1»، يقربون فيه البعيد، و يباعدون فيه القريب، و سلطانهم عسر ليس فيه يسر، حتى إذا أمنوا مكر الله و أمنوا عقابه، صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم منال يجمعهم و لا رجال تمنعهم «2»، و هو قول الله: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها» الاية.

قلت: جعلت فداك، متى يكون ذلك؟

قال: «أما إنه لم يوقت لنا فيه وقت، و لكن إذا حدثناكم بشي ء فكان كما نقول، فقولوا:

صدق الله و رسوله و إن كان بخلاف ذلك، فقولوا: صدق الله و رسوله تؤجروا مرتين، و لكن إذا اشتدت الحاجة و الفاقة و أنكر الناس بعضهم بعضا، فعند ذلك توقعوا هذا الأمر صباحا و مساء».

فقلت: جعلت فداك، الحاجة و الفاقة قد عرفناهما، فما إنكار الناس بعضهم بعضا؟

قال: «يأتي الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه فيه، و يكلمه بغير الكلام الذي كان يكلمه».

4867/ [2]- العياشي: عن الفضل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك، إنا نتحدث أن لآل جعفر راية، و لآل فلان راية، فهل في ذلك شي ء؟

فقال: «أما لآل جعفر فلا، و أما راية بني فلان فإن لهم ملكا مبطئا، يقربون فيه البعيد، و يبعدون فيه القريب، و سلطانهم عسر ليس فيه يسر، لا يعرفون في سلطانهم من أعلام الخير شيئا، يصيبهم فيه فزعات ثم فزعات، كل

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 310.

2- تفسير العيّاشي 2: 121/ 14.

(1) في المصدر: مبطنا. [.....]

(2) في «ط»: لأي بقي لهم منال يجمعهم و لا يسعهم. و الظاهر أنّها تصحيف ناد- يجمعهم و لا يسعهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 23

ذلك يتجلى عنهم، حتى إذا أمنوا مكر الله، و أمنوا عذابه، و ظنوا أنهم قد استقروا، صيح فيهم صيحة لم يكن لهم فيها مناد يسمعهم و لا يجمعهم «1»، و ذلك قول الله عز و جل: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها إلى قوله لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ألا إنه ليس أحد من الظلمة إلا و لهم بقيا، إلا آل فلان فإنهم لا بقيا لهم».

قال: جعلت فداك، أ ليس لهم بقيا؟

قال: «بلى، و لكنهم يصيبون منا دما، فبظلمهم نحن و شيعتنا فلا بقيا لهم».

و قد مضى

حديث في معنى الآية بذلك في قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ ءٍ الآية، من سورة الأنعام «2».

4868/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعظ الناس و يزهدهم في الدنيا، و يرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة، في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و حفظ عنه و كتب.

كان يقول: «أيها الناس- و ساق الحديث إلى أن قال فيه- فاتقوا الله عباد الله، و اعلموا أن الله عز و جل لم يحب زهرة الدنيا و عاجلها لأحد من أوليائه، و لم يرغبهم فيها و في عاجل زهرتها، و ظاهر بهجتها، و إنما خلق الدنيا و خلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته.

و ايم الله، لقد ضرب لكم فيها الأمثال، و صرف الأيام لقوم يعقلون، و لا قوة إلا بالله، فازهدوا فيما زهدكم الله عز و جل فيه من عاجل الحياة الدنيا، فإن الله عز و جل يقول و قوله الحق: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون: و لا تركنوا إلى الدنيا، فإن الله عز و جل قال لمحمد (صلى الله

عليه و آله):

وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ «3» و لا تركنوا إلى زهرة الدنيا و ما فيها، ركون من اتخذها دار قرار و منزل استيطان، فانها دار بلغة «4»، و منزل قلعة «5»، و دار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها، و قبل الإذن من الله في خرابها، فكأن قد أخربها الذي عمرها أول مرة و ابتدأها، و هو ولي ميراثها، فأسأل الله العون

__________________________________________________

3- الكافي 8: 75: 29.

(1) في «ط»: منال يسعهم و لا يجمعهم.

(2) تقدّم في الحديث (4) من تفسير الآيتين (44- 45) من سورة الأنعام.

(3) هود 11: 113.

(4) البلغة: ما يتبلّغ به من العيش و لا فضل فيه. «لسان العرب- بلغ- 8: 421».

(5) منزل قلعة: أي تحوّل و ارتحال. «النهاية 4: 102».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 24

لنا و لكم على تزود التقوى و الزهد فيها، جعلنا الله و إياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لأجل ثواب الآخرة، فإنما نحن له و به، و صلى الله على محمد النبي و آله و سلم، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته».

سورة يونس(10): آية 25 ..... ص : 24

قوله تعالى:

وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [25]

4869/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن عبد الله الوراق، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا العباس ا بن سعد «1» الأزرق- و كان من العامة- قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: حدثنا شريك بن عبد الله، عن العلاء ا بن عبد الكريم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قول الله عز و جل: وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ، فقال: «إن السلام، هو

الله عز و جل، و داره التي خلقها لأوليائه الجنة».

4870/ [2]- و عنه، قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ، قال: حدثنا موسى بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان، عن ا بن عباس، أنه قال: دار السلام الجنة، و أهلها لهم السلامة من جميع الآفات و العاهات و الأمراض و الأسقام، و لهم السلامة من الهرم و الموت و تغير الأحوال عليهم، فهم المكرمون الذين لا يهانون أبدا، و هم الأعزاء الذين لا يذلون أبدا، و هم الأغنياء الذين لا يفتقرون أبدا، و هم السعداء الذين لا يسقون أبدا، و هم الفرحون المسرورون «2» الذين لا يغتمون و لا يهتمون أبدا، و هم الأحياء الذين لا يموتون أبدا، فهم في قصور الدر و المرجان، أبوابها مشرعة إلى عرش الرحمن وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ «3».

4871/ [3]- ابن شهر آشوب: عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، و زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، في قوله تعالى: وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ: «يعني به الجنة يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني به

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 176/ 2.

2- معاني الأخبار: 176/ 1.

3- المناقب 3: 74، شواهد التنزيل 1: 263/ 358.

(1) في المصدر: العباس بن سعيد.

(2) في المصدر: المستبشرون.

(3) الرعد 13: 23 و 24.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 25

ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

سورة يونس(10): آية 26 ..... ص : 25

قوله تعالى:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ

فِيها خالِدُونَ [26]

4872/ [1]- الشيخ في (أماليه)، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكتاب، قال: أخبرنا الحسن بن علي الزعفراني، قال: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد الثقفي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سيف، عن فضيل بن خديج «1»، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيما كتب إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر، و أمره أن يقرأه على أهل مصر، و فيما كتب (عليه السلام): «قال الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ فأما الحسنى فهي الجنة، و الزيادة هي الدنيا».

4873/ [2]- علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ: «فأما الحسنى فهي الجنة، و أما الزيادة فالدنيا، ما أعطاهم الله فيها لم يحاسبهم به في الآخرة، و يجمع الله لهم ثواب الدنيا و الآخرة، و يثيبهم بأحسن أعمالهم في الدنيا و الآخرة، يقول الله: وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ».

4874/ [3]- الطبرسي: عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «الزيادة: هي أن ما أعطاهم الله تعالى [من النعم ] في الدنيا لا يحاسبهم به في الآخرة».

4875/ [4]- و عن علي (عليه السلام): «أن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب».

4876/ [5]- و روي في (نهج البيان): عن علي بن إبراهيم، قال: قال: الزيادة هبة الله عز و جل: وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ، قال: القتر: الجوع و الفقر، و الذلة: الخوف.

__________________________________________________

1- الأمالي 1:

25، أمالي المفيد: 262/ 3. [.....]

2- تفسير القمّي 1: 311.

3- مجمع البيان 5: 158.

4- مجمع البيان 5: 158.

5- تفسير القمّي 1: 311 و ليس فيه (الزيادة هبة اللّه عزّ و جلّ) و لم نجد الحديث في نهج البيان المخطوط.

(1) في سند الحديث اختلافات سبقت الإشارة إليها في الحديث (10) من تفسير الآية (32) من سورة الأعراف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 26

4877/ [6]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن محمد بن مروان «1»، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من شي ء إلا و له كيل أو وزن إلا الدموع، فإن القطرة تطفئ بحارا من نار، فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجها قتر و لا ذلة، فإذا فاضت حرمه الله على النار، و لو أن باكيا بكى في أمة لرحمها الله».

4878/ [7]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة و منصور بن يونس، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما من عين إلا و هي باكية يوم القيامة، إلا عينا بكت من خوف الله، و ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله عز و جل إلا حرم الله عز و جل سائر جسدها على النار، و لا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه قتر و لا ذلة، و ما من شي ء إلا و له كيل أو وزن إلا الدمعة، فإن الله عز و جل يطفئ باليسير منها البحار من النار، فلو أن عبدا بكى في أمة لرحم الله عز و جل تلك الامة ببكاء ذلك العبد».

4879/ [8]-

العياشي: عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما من عبد اغرورقت عيناه بمائها إلا حرم الله ذلك الجسد على النار، و ما فاضت عين من خشية الله إلا لم يرهق ذلك الوجه قتر و لا ذلة».

4880/ [9]- عن محمد بن مروان، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «ما من شي ء إلا و له وزن أو ثواب إلا الدموع، فإن القطرة تطفئ البحار من النار، فإذا اغرورقت عيناه بمائها حرم الله عز و جل سائر جسده على النار، و إن سالت الدموع على خديه لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة، و لو أن عبدا بكى في امة لرحمها الله».

سورة يونس(10): آية 27 ..... ص : 26

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ- إلى قوله تعالى- خالِدُونَ [27]

4881/ [1]- علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ.

__________________________________________________

6- الكافي 2: 349/ 1.

7- الكافي 2: 349/ 2.

8- تفسير العيّاشي 1: 121/ 15.

9- تفسير العيّاشي 2: 122/ 16.

1- تفسير القمّي 1: 311.

(1) في «س، ط»: محمد بن مسلم، تصحيف صحيحه ما أثبتناه من المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 27

قال: «هؤلاء أهل البدع و الشبهات و الشهوات يسود الله وجوههم، ثم يلقونه، يقول الله: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً يسود الله وجوههم يوم القيامة، و يلبسهم الذلة و الصغار، يقول الله: أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ».

4882/ [2]- محمد بن يعقوب: بإسناده، عن يحيى

الحلبي، عن المثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً، قال: «أ ما ترى البيت إذا كان الليل كان أشد سوادا من خارج، فلذلك هم يزدادون سوادا».

4883/ [3]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً، قال: «أما ترى البيت إذا كان الليل كان أشد سوادا من خارج، فكذلك وجوههم تزداد سوادا».

سورة يونس(10): الآيات 28 الي 31 ..... ص : 27

قوله تعالى:

وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ- إلى قوله تعالى- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ [28- 31] 4884/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ قال: يبعث الله نارا تزيل بين الكفار و المؤمنين.

قال: قوله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ أي تتبع ما قدمت وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي بطل عنهم ما كانوا يفترون.

و قوله: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إلى قوله: وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» فإنه محكم.

سورة يونس(10): آية 35 ..... ص : 27

قوله تعالى:

قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ

__________________________________________________

2- الكافي 8: 252/ 355.

3- تفسير العيّاشي 2: 122/ 17.

1- تفسير القمّي 1: 312. [.....]

(1) يونس 10: 38.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 28

أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [35]

4885/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لقد قضى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بقضية، ما قضى بها أحد كان قبله، و كانت أول قضية قضى بها بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و ذلك أنه لما قبض رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أفضى الأمر إلى أبي بكر أتي برجل قد شرب الخمر، فقال له أبو بكر: أشربت الخمر؟

فقال الرجل: نعم. فقال: و لم شربتها و هي محرمة؟ فقال: إني لما أسلمت و منزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر و يستحلونها، و لو أعلم أنها حرام اجتنبتها».

قال: «فالتفت أبو بكر إلى عمر، فقال: ما تقول- يا أبا حفص- في أمر هذا الرجل؟ فقال: معضلة و أبو الحسن لها. فقال أبو بكر: يا غلام، ادع لنا عليا. فقال عمر: بل يؤتى الحكم في منزله.

فأتوه و معهم سلمان الفارسي، فأخبروه بقضية «1» الرجل، فاقتص عليه قصته، فقال علي (عليه السلام) لأبي بكر:

ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين و الأنصار، فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، فإن لم يكن تلي عليه آية التحريم فلا شي ء عليه. ففعل أبو بكر بالرجل ما قال علي (عليه السلام)، فلم يشهد عليه أحد، فخلى سبيله. فقال سلمان لعلي (عليه السلام): لقد أرشدتهم؟ فقال علي (عليه السلام): إنما أردت أن أجدد تأكيد هذه الآية في و فيهم أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».

و روى السيد الرضي هذا الحديث في كتاب (الخصائص) عن الإمام الصادق (عليه السلام) «2».

4886/ [2]- و عنه: عن أبي محمد القاسم بن العلاء (رحمه الله)، بإسناده عن عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا (عليه السلام)- في حديث- قال فيه: «إن الأنبياء و الأئمة (صلوات الله عليهم) يوفقهم الله و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله تعالى: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».

و الحديث طويل ذكرناه بطوله في قوله

تعالى: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ من سورة القصص «3».

__________________________________________________

1- الكافي 7: 249/ 4.

2- الكافي 1: 157/ 1، معاني الأخبار: 100.

(1) في المصدر: فأخبره بقصّة.

(2) خصائص الأئمة: 81.

(3) يأتي في الحديث (2) من تفسير الآيتين (68- 69) من سورة القصص.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 29

4887/ [3]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال و الحجال جميعا، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الرحمن بن مسلمة الحريري «1»، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يوبخوننا و يكذبوننا أنا نقول: إن صيحتين تكونان، يقولون: من أين تعرف المحقة من المبطلة إذا كانتا؟

قال: «فما تردون عليهم؟» قلت: ما نرد عليهم شيئا. قال: «قولوا: يصدق بها- إذا كانت- من يؤمن بها من قبل، إن الله عز و جل يقول: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».

4888/ [4]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد، عن ابن فضال و الحجال، عن داود بن فرقد، قال: سمع رجل من العجلية «2» هذا الحديث، قوله: «ينادي مناد: ألا إن فلان بن فلان و شيعته هم الفائزون. أول النهار و ينادي آخر النهار: ألا إن عثمان و شيعته هم الفائزون» «3». فقال الرجل: فما يدرينا أيما الصادق من الكاذب؟

فقال: يصدقه عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادى، إن الله عز و جل يقول: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.

4889/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن

أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن الحارث بن المغيرة، عن ميمون البان، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) «4» في فسطاطه فرفع جانب الفسطاط، فقال: «إن أمرنا قد كان أبين من هذه الشمس- ثم قال- ينادي مناد من السماء: إن فلان بن فلان هو الإمام. و ينادي باسمه، و ينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله (صلى الله عليه و آله) ليلة العقبة».

4890/ [6]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ينادي مناد باسم القائم (عليه السلام)».

قلت: خاص أو عام؟ قال: «عام، يسمع كل قوم بلسانهم».

قلت: فمن يخالف القائم (عليه السلام) و قد نودي باسمه؟ قال: «لا يدعهم إبليس حتى ينادي فيشكك الناس».

4891/ [7]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه (رحمه الله)، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن

__________________________________________________

3- الكافي 8: 208/ 252.

4- الكافي 8: 209/ 253.

5- كمال الدين و تمام النعمة: 650/ 4.

6- كمال الدين و تمام النعمة: 650/ 8.

7- كمال الدين و تمام النعمة: 652/ 13.

(1) كذا في النسخ و رجال البرقي: 24، و في المصدر و غيبة النعماني الآتي تحت الرقم (8) و تنقيح المقال 2: 148: الجريري، بالمعجمة.

(2) العجليّة: طائفة من الغلاة، و هم أتباع عمير بن بيان العجلي- «معجم الفرق الاسلامية: 170».

(3) في المصدر زيادة: قال: و ينادي أول الهار منادي آخر النهار. [.....]

(4) في المصدر: أبي جعفر، و ميمون البان معدود في أصحاب الأئمّة السجّاد و الباقر

و الصادق (عليهم السلام)، انظر معجم رجال الحديث 19: 112.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 30

علي الكوفي، عن أبيه، عن أبي المغرا، عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «صوت جبرئيل من السماء، و صوت إبليس من الأرض، فاتبعوا الصوت الأول، و إياكم و الأخير أن تفتنوا به».

قلت: الأحاديث في المناديين مستفيضة، و ذكر منها ابن بابويه في آخر كتاب (كمال الدين و تمام النعمة) «1»، و محمد بن إبراهيم النعماني في آخر كتاب (الغيبة) «2»، و سيأتي من ذلك- إن شاء الله تعالى- في قوله تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ من سورة الشعراء «3».

4892/ [8]- محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني علي بن الحسن التيملي، عن أبيه، عن محمد بن خالد، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الرحمن بن مسلمة الحريري «4»، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يوبخونا و يقولون: من أين تعرف المحقة من المبطلة إذا كانتا؟

قال: «فما تردون عليهم؟ قلت: ما نرد عليهم شيئا، فقال: «قولوا لهم: يصدق بها- إذا كانت- من يؤمن بها قبل أن تكون، إن الله عز و جل يقول: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».

4893/ [9]- العياشي: عن عمرو بن أبي القاسم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) و ذكر أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله)، ثم قرأ: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ إلى قوله: تَحْكُمُونَ فقلنا: من هو أصلحك الله؟ فقال: «بلغنا أن ذلك علي (عليه السلام)».

4894/ [10]-

علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ فأما مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ فهم محمد (صلى الله عليه و آله) و آل محمد (عليهم السلام) من بعده، و أما من لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فهو من خالف- من قريش و غيرهم- أهل بيته من بعده».

سورة يونس(10): الآيات 39 الي 46 ..... ص : 30

قوله تعالى:

بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ- إلى قوله تعالى-

__________________________________________________

8- كتاب الغيبة: 266/ 32.

9- تفسير العيّاشي 2: 122/ 18.

10- تفسير القمّي 1: 312.

(1) كمال الدين و تمام النعمة: 649 باب (57).

(2) كتاب الغيبة: 247 باب (14).

(3) يأتي في تفسير الآية (4) من سورة الشعراء.

(4) في المصدر: الجريري، بالمعجمة، انظر هامش الحديث الثالث المتقدّم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 31

فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ [39- 46] 4895/ [1]- قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ أي لم يأتهم تأويله. كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، قال: نزلت في الرجعة كذبوا بها، أي أنها لا تكون، ثم قال:

وَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ.

4896/ [2]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ مِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ «فهم أعداء محمد و آل محمد من بعده وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ الفساد: المعصية لله و لرسوله».

4897/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس، عن أبي يعقوب إسحاق بن عبد

الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله خص عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا ما لا يعلمون «1» و لا يردوا ما لا يعلمون «2»». ثم قرأ أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ «3»، و قال:

بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ.

4898/ [4]- سعد بن عبد الله في (بصائر الدرجات): عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الأمور العظام من الرجعة و أشباهها. فقال: «إن هذا الذي تسألون عنه لم يجئ أوانه، و قد قال الله عز و جل:

بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ».

4899/ [5]- العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سئل عن الأمور العظام التي تكون مما لم يكن، فقال: «لم يئن «4» أو ان كشفها بعد، و ذلك قوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ».

4900/ [6]- عن حمران، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الأمور العظام من الرجعة و غيرها، فقال: «إن هذا الذي تسألون عنه لم يأت أوانه، قال الله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 312.

2- تفسير القمّي 1: 312.

3- الكافي 1: 34/ 8.

4- مختصر بصائر الدرجات: 24.

5- تفسير العيّاشي 2: 122/ 19.

6- تفسير العيّاشي 2: 122/ 20. [.....]

(1) في المصدر: حتّى يعلموا.

(2) في المصدر: ما لم يعلموا.

(3) الأعراف 7: 169.

(4) في «ط»: لم يكن.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 32

4901/ [7]- عن أبي السفاتج، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «آيتان في كتاب الله خص «1» الله الناس ألا يقولوا ما لا يعلمون، قول الله: أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ «2» و قوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ».

4902/ [8]- عن إسحاق بن عبد العزيز، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن الله خص هذه الامة بآيتين من كتابه أن لا يقولوا ما لا يعلمون و لا يردوا ما لا يعلمون». ثم قرأ أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ «3» الآية، و قوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ إلى قوله: الظَّالِمِينَ.

4903/ [9]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ إِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ إلى قوله: وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ أنه محكم. ثم قال: وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ يا محمد بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من الرجعة و قيام القائم (عليه السلام) أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ من قبل ذلك فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ.

سورة يونس(10): آية 47 ..... ص : 32

قوله تعالى:

وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ [47]

4904/ [1]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن تفسير هذه الآية: لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ، قال: «تفسيرها بالباطن: أن لكل قرن من هذه الامة رسولا من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، و هم الأولياء، و هم الرسل».

و أما قوله: فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، قال: «معناه أن الرسل يقضون بالقسط وَ هُمْ

لا يُظْلَمُونَ كما قال الله».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 122/ 21.

8- تفسير العيّاشي 2: 123/ 22.

9- تفسير القمّي 1: 312.

1- تفسير العيّاشي 2: 123/ 23.

(1) في «ط»: حظر.

(2) الأعراف 7: 169.

(3) الأعراف 7: 169

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 33

سورة يونس(10): الآيات 49 الي 54 ..... ص : 33

قوله تعالى:

إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ- إلى قوله تعالى- وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ [49- 54]

4905/ [1]- العياشي: عن حمران، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ، قال: «هو الذي سمي لملك الموت (عليه السلام) في ليلة القدر».

و قد تقدمت روايات في ذلك، في قوله تعالى: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ من أول سورة الأنعام «1».

4906/ [2]- علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً: «يعني ليلا أو نهارا ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة و هم يجحدون نزول العذاب عليهم».

4907/ [3]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ أي صدقتم في الرجعة، فيقال لهم: آلْآنَ تؤمنون يعني بأمير المؤمنين (عليه السلام) وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ من قبل تَسْتَعْجِلُونَ، ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمد حقهم ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ. ثم قال:

وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ يا محمد، أهل مكة في علي أَ حَقٌّ هُوَ أي إمام هو قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ إمام.

4908/ [4]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه،

عن القاسم بن محمد الجوهري، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ، قال: «ما تقول في علي؟ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ».

4909/ [5]- العياشي: عن يحيى بن سعيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه، في قول الله: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ، قال: «يستنبئك- يا محمد- أهل مكة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إمام هو؟ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 123/ 24.

2- تفسير القمّي 1: 312.

3- تفسير القمّي 1: 312. [.....]

4- الكافي 1: 356/ 87.

5- تفسير العيّاشي 2: 123/ 25.

(1) تقدّمت في تفسير الآية (2) من سورة الأنعام.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 34

4910/ [6]- ابن شهرآشوب: عن الباقر (عليه السلام)، في قوله: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ، قال: «يسألونك- يا محمد- علي وصيك؟ قل: إي و ربي إنه لوصيي».

4911/ [7]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ آل محمد حقهم ما فِي الْأَرْضِ جميعا لَافْتَدَتْ بِهِ في ذلك الوقت، يعني الرجعة.

4912/ [8]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ، قال: حدثني محمد بن جعفر، قال حدثني محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسين، عن صالح بن أبي حماد «1»، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن رجل، عن حماد بن عيسى، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سئل عن قول الله تبارك و تعالى: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ، قال: قيل له: ما ينفعهم إسرار الندامة و هم في العذاب؟ قال:

«كرهوا شماتة الأعداء».

العياشي: عن حماد بن عيسى، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سئل عن قول الله: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ و ذكر الحديث «2».

سورة يونس(10): الآيات 55 الي 58 ..... ص : 34

قوله تعالى:

أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- إلى قوله تعالى- فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [55- 58] 4913/ [1]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ إنه محكم. قال: ثم قال: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، قال: رسول الله (صلى الله عليه و آله) و القرآن. ثم قال: قُلْ لهم يا محمد بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ [قال: الفضل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و رحمته أمير المؤمنين (عليه السلام)] فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، قال: فليفرح شيعتنا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا أعطوا أعداؤنا من الذهب

__________________________________________________

6- المناقب 3: 61، شواهد التزيل 1: 267/ 363 و 364.

7- تفسير القمّي 1: 313.

8- تفسير القمّي 1: 313.

1- تفسير القمّي 1: 313.

(1) في المصدر: صالح بن أبي عمّار، و هو خطأ حسبما أشار له في معجم رجال الحديث 9: 54.

(2) تفسير العيّاشي 2: 123/ 26.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 35

و الفضة.

4914/ [2]- العياشي: عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «شكا رجل إلى النبي (صلى الله عليه و آله) وجعا في صدره، فقال: استشف بالقرآن، لأن الله يقول: وَ شِفاءٌ

لِما فِي الصُّدُورِ».

4915/ [3]- عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في قول الله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، قال: «فليفرح شيعتنا هو خير مما أعطي عدونا من الذهب و الفضة».

4916/ [4]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ؟ قال: «الإقرار بنبوة محمد (عليه و آله السلام) و الائتمام بأمير المؤمنين (عليه السلام) هو خير مما يجمع هؤلاء في دنياهم».

4917/ [5]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، قال: قلت: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ؟ قال: «بولاية محمد و آل محمد (عليهم السلام) هو خير مما يجمع هؤلاء من دنياهم».

4918/ [6]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، قال: حدثنا سهل بن المرزبان الفارسي، قال: حدثنا محمد بن منصور، عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن الفيض بن المختار، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: «خرج رسول (صلى الله عليه و آله) ذات يوم و هو راكب، و خرج علي (عليه السلام) و هو يمشي، فقال له: يا أبا الحسن، إما أن تركب و إما أن تنصرف، فإن الله عز و جل أمرني أن تركب إذا ركبت، و تمشي إذا مشيت، و تجلس إذا جلست، إلا أن يكون

حد من حدود الله لا بد لك من القيام و القعود فيه. و ما أكرمني الله بكرامة إلا و قد أكرمك بمثلها، و خصني بالنبوة و الرسالة، و جعلك وليي في ذلك، تقوم في حدوده و في صعب أموره.

و الذي بعث محمدا بالحق نبيا، ما آمن بي من أنكرك، و لا أقر بي من جحدك، و لا آمن بي «1» من كفر بك، و إن فضلك لمن فضلي، و إن فضلي «2» لفضل الله، و هو قول الله عز و جل: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ففضل الله نبوة نبيكم، و رحمته ولاية علي بن أبي طالب فَبِذلِكَ قال: بالنبوة و الولاية

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 124/ 27.

3- تفسير العيّاشي 2: 124/ 28.

4- تفسير العيّاشي 2: 124/ 29.

5- الكافي 1: 350/ 55.

6- الأمالي: 399/ 13. [.....]

(1) في المصدر: باللّه.

(2) زاد في المصدر: لك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 36

فَلْيَفْرَحُوا يعني الشيعة هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ يعني مخالفيهم، من الأهل و المال و الولد في دار الدنيا.

و الله- يا علي- ما خلقت إلا لتعبد ربك، و لتعرف بك معالم الدين، و يصلح بك دارس السبيل، و لقد ضل من ضل عنك، و لن يهتدي إلى الله عز و جل من لم يهتد إليك و إلى ولايتك، و هو قول ربي عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى «1» يعني إلى ولايتك.

و لقد أمرني ربي تبارك و تعالى أن أفترض من خلقك ما أفترضه من حقي، و إن حقك لمفروض على من آمن بي، و لولاك لم يعرف حزب الله، و بك يعرف عدو

الله، و من لم يلقه بولايتك لم يلقه بشي ء، و لقد أنزل الله عز و جل إلي: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني في ولايتك يا علي وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ «2» و لو لم ابلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي، و من لقي الله عز و جل بغير ولايتك فقد حبط عمله، و عد ينجز لي، و ما أقول إلا قول ربي تبارك و تعالى، و إن الذي أقول لمن الله عز و جل أنزله فيك».

4919/ [7]- الطبرسي، قال: قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): «فضل الله: رسول الله، و رحمته: علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)».

4920/ [8]- الشيخ في (أماليه): قال: أخبرنا أبو عمر، قال: أخبرنا أحمد، قال: حدثنا يعقوب بن يوسف بن زياد، قال: حدثنا نصر بن مزاحم، قال: حدثنا محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال:

بِفَضْلِ اللَّهِ النبي (صلى الله عليه و آله) وَ بِرَحْمَتِهِ علي (عليه السلام).

4921/ [9]- ابن الفارسي: قال ابن عباس: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ فالفضل من الله النبي (صلى الله عليه و آله)، و برحمته علي (عليه السلام).

سورة يونس(10): آية 59 ..... ص : 36

قوله تعالى:

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [59] 4922/ [1]- علي بن إبراهيم: و هو ما أحلته و حرمته أهل الكتاب لقوله:

__________________________________________________

7- مجمع البيان 5: 178.

8- الأمالي 1: 260.

9- روضة الواعظين: 106، تاريخ بغداد 5: 15، شواهد التنزيل 1: 268/ 365، ترجمة الامام علي (عليه السلام) من تاريخ ابن عساكر 2:

426/ 934، كفاية الطالب: 237.

1- تفسير القمي 1: 313.

(1) طه 20: 82.

(2) المائدة 5: 67.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 37

وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا «1»، و قوله: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً الآية «2»، فاحتج الله عليهم، فقال: قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ.

سورة يونس(10): آية 61 ..... ص : 37

قوله تعالى:

وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ- إلى قوله تعالى- كِتابٍ مُبِينٍ [61] 4923/ [1]- علي بن إبراهيم: مخاطبة لرسول الله (صلى الله عليه و آله): وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا قرأ هذه الآية بكى بكاء شديدا. و معنى قوله: وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ أي في عمل تعمله خيرا أو شرا وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ أي لا يغيب عنه مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

سورة يونس(10): الآيات 62 الي 64 ..... ص : 37

قوله تعالى:

أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [62- 64]

4924/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «يا عقبة، لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الأمر الذي أنتم عليه، و ما بين أحدكم و بين أن يرى ما تقربه عينه إلا أن تبلغ نفسه إلى هذه». ثم أهوى بيده إلى الوريد، ثم اتكأ.

و كان معي المعلى فغمزني أن أسأله، فقلت: يا بن رسول الله، فإذا بلغت نفسه هذه، أي شي ء يرى؟ فقلت له بضع عشرة مرة: أي شي ء؟ فقال في كلها: «يرى»، و لا يزيد عليها، ثم جلس في آخرها، فقال: «يا عقبة». فقلت:

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 313.

2- الكافي 3: 128/ 1.

(1) الأنعام 6:

139.

(2) الأنعام 6: 136.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 38

لبيك و سعديك. فقال: «أبيت إلا أن تعلم؟» فقلت: نعم- يا بن رسول الله- إنما ديني مع دينك، فإذا ذهب ديني كان ذلك «1»، كيف لي بك- يا بن رسول الله- كل ساعة «2»؟ و بكيت، فرق لي، فقال: «يراهما، و الله». فقلت: بأبي و أمي، من هما؟ قال: «ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و علي (عليه السلام)- يا عقبة- لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى تراهما».

قلت: فإذا نظر إليهما المؤمن، أ يرجع إلى الدنيا؟ فقال: «لا، يمضي أمامه، إذا نظر إليهما».

فقلت له: يقولان شيئا؟ قال: «نعم، يدخلان جميعا على المؤمن، فيجلس رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند رأسه، و علي (عليه السلام) عند رجليه، فيكب عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيقول: يا ولي- الله، أبشر، أنا رسول الله، إني خير لك مما تركت من الدنيا. ثم ينهض رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيقوم علي (عليه السلام) حتى يكب عليه، فيقول:

يا ولي الله، أبشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحب «3» أما لأنفعنك». ثم قال: «إن هذا في كتاب الله عز و جل».

فقلت: أين- جعلني الله فداك- هذا من كتاب الله؟ قال: «في يونس، قول الله عز و جل ها هنا: الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».

4925/ [2]- و عنه: بإسناده عن أبان بن عثمان، عن عقبة أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن الرجل إذا وقعت نفسه في صدره يرى». قلت: جعلت فداك، و ما يرى؟

قال: «يرى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيقول له رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا رسول الله: أبشر. ثم يرى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيقول أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحب، أما لأنفعنك «4» اليوم».

قال: قلت له: أ يكون أحد من الناس يرى هذا ثم يرجع إلى الدنيا؟ قال: قال: «لا، إذا رأى هذا أبدا مات، و أعظم ذلك» «5» قال: «و ذلك في القرآن قول الله عز و جل: الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ».

4926/ [3]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رجل لرسول الله (صلى الله عليه و آله): أخبرني عن قول الله عز و جل:هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

، قال: «هي الرؤيا الحسنة، يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه».

__________________________________________________

2- الكافي 3: 133/ 8.

3- الكافي 8: 90/ 60. [.....]

(1) قال المجلسي في (البحار 6: 186): أي إنّ ديني إنّما يستقيم إذا كان موافقا لدينك، فإذا ذهب ديني لعدم علمي بما تعتقده كان ذلك، أي الخسران و الهلاك و العذاب الأبديّ، أشار إليه مبهما لتفخيمه.

(2) أي لا يتيسّر لي السؤال منك كلّ ساعة.

(3) في المصدر: تحبّه.

(4) في المصدر: كنت تحبّه، تحبّ أن أنفع.

(5) قال المجلسي في (البحار 6: 294): قوله: «و أعظم ذلك» يحتمل أن يكون هذا كلامه (عليه السّلام) و المراد أنّ الميّت يعدّ ذلك أمرا عظيما، أو من كلام الراوي، و المراد أنّه (عليه السّلام) أعظم كلامي و استغرب ما قلت له من جواز

الرجوع إلى الدنيا بعد رؤية ذلك، و هو أظهر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 39

4927/ [4]- ابن بابويه مرسلا، قال: أتى رسول الله (صلى الله عليه و آله) رجل من أهل البادية له حشم و جمال، فقال:

يا رسول الله، أخبرني عن قول الله عز و جل: الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ.

فقال: «أما قوله تعالى:هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فهي الرؤيا الحسنة، يراها المؤمن فيبشر بها في دنياه، و أما قول الله عز و جل: فِي الْآخِرَةِ

فإنها بشارة المؤمن عند الموت، يبشر بها عند موته، إن الله قد غفر لك و لمن يحملك إلى قبرك».

4928/ [5]- المفيد في (أماليه): قال: أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: حدثنا محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا ابن أبي خيثمة، قال: حدثنا عبد الله «1» بن داهر، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، عن ابن عباس رحمه الله، قال: سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. فقيل له: من هؤلاء الأولياء؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «هم قوم أخلصوا لله تعالى في عبادته، و نظروا الى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، فعرفوا آجلها حين غر الخلق سواهم بعاجلها، فتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم، و أماتوا منها ما علموا أنه سيميتهم».

ثم قال: «أيها المعلل نفسه بالدنيا، الراكض على حبائلها، المجتهد في عمارة ما سيخرب منها، ألم تر إلى مصارع آبائك في البلى «2»، و مضاجع أبنائك تحت الجنادل و الثرى، كم مرضت بيديك و عللت بكفيك، تستوصف لهم الأطباء و تستعتب لهم

الأحباء، فلم يغن عنهم غناؤك، و لا ينجع فيهم دواؤك».

4929/ [6]- العياشي: عن عبد الرحمن بن سالم الأشل، عن بعض الفقهاء، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ، ثم قال: «تدرون من أولياء الله؟» قالوا: من هم، يا أمير المؤمنين؟ فقال: «هم نحن و أتباعنا فمن تبعنا من بعدنا، طوبى لنا و طوبى لهم، و طوباهم أفضل من طوبانا».

قيل: يا أمير المؤمنين، ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا؟ ألسنا نحن و هم على أمر؟ قال: «لا، لأنهم حملوا ما لم تحملوا، و أطاقوا ما لم تطيقوا».

4930/ [7]- عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «وجدنا في كتاب علي بن الحسين (عليه السلام):

أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ قال: إذا أدوا فرائض الله، و أخذوا بسنن رسول

__________________________________________________

4- من لا يحضره الفقيه 1: 79/ 356، الدر المنثور 4: 375.

5- الأمالي: 86/ 2.

6- تفسير العيّاشي 2: 124/ 30.

7- تفسير العيّاشي 2: 124/ 31.

(1) في «س، ط»: و بعض نسخ المصدر: عبد الملك، و الظاهر صحّة ما في المتن، و هو عبد اللّه بن داهر بن يحيى الرازي الأحمري، روى عنه أحمد ابن أبي خيثمة، و روى هو عن أبيه عن الأعمش، تاريخ بغداد 9: 453.

(2) البلى: الفناء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 40

الله (صلى الله عليه و آله)، و تورعوا عن محارم الله، و زهدوا في عاجل زهرة الدنيا، و رغبوا فيما عند الله، و اكتسبوا الطيب من رزق الله، لا يريدون به التفاخر و التكاثر، ثم أنفقوا فيما يلزمهم من حقوق واجبة، فأولئك الذين بارك الله لهم فيما اكتسبوا، و

يثابون على ما قدموا لآخرتهم».

4931/ [8]- عن عبد الرحيم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إنما أحدكم حين تبلغ نفسه هاهنا، فينزل عليه ملك الموت، فيقول له: أما ما كنت ترجو فقد أعطيته، و أما ما كنت تخافه فقد أمنت منه، و يفتح له باب إلى منزله من الجنة، و يقال له: انظر إلى مسكنك من الجنة، و انظر هذا رسول الله و علي و الحسن و الحسين (عليهم السلام) رفقاؤك، و هو قول الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ».

4932/ [9]- عن عقبة بن خالد، قال: دخلت أنا و المعلى على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: «يا عقبة، لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الدين الذي أنتم عليه، و ما بين أحدكم و بين أن يرى ما تقربه عينه إلا أن تبلغ نفسه إلى هذه» و أومأ بيده إلى الوريد، ثم اتكأ.

و غمزني المعلى أن سله، فقلت: يا بن رسول الله، إذا بلغت نفسه إلى هذه، فأي شي ء يرى. فقال: «يرى».

فقلت له بضع عشرة مرة: أي شي ء يرى؟ فقال [في ] آخرها: «يا عقبة» فقلت: لبيك و سعديك، فقال: «أبيت إلا أن تعلم؟» فقلت: نعم- يا بن رسول الله- إنما ديني مع دينك «1»، فإذا ذهب ديني كان ذلك، فكيف بك، يا بن رسول الله، كل ساعة؟ و بكيت، فرق لي، فقال: «يراهما، و الله» فقلت: بأبي و أمي، من هما؟ فقال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام). يا عقبة، لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى تراهما».

قلت: فإذا نظر إليهما المؤمن، أ يرجع إلى الدنيا؟ قال: «لا، مضى أمامه».

فقلت

له: يقولان له شيئا، جعلت فداك؟ فقال: «نعم، يدخلان جميعا على المؤمن فيجلس رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن رأسه، و علي (عليه السلام) عن رجليه، فيكب عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيقول: يا ولي الله، أبشر فإني رسول الله، إني خير لك مما تترك من الدنيا. ثم ينهض رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيقوم علي (عليه السلام) حتى يكب عليه، فيقول: يا ولي الله، أبشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبني، أما لأنفعنك». ثم قال: «أما إن هذا في كتاب الله».

قال: جعلت فداك، أين في كتاب الله؟ قال: «في يونس الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ إلى قوله:ْعَظِيمُ

».

4933/ [10]- عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما يصنع بأحد عند الموت؟

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 124/ 32.

9- تفسير العيّاشي 2: 125/ 33.

10- تفسير العيّاشي 2: 126/ 34. [.....]

(1) في المصدر: مع دمي. قال المجلسي في (البحار 6: 186): المراد بالدم الحياة، أي لا أترك طلب الدين ما دمت حيّا. و قوله: «فإذا ذهب ديني كان ذلك» فالمعنى أنّ ديني مقرون بحياتي، فمع عدم الدين فكأنّي لست بحيّ، و قوله: «كان ذلك» أي كان الموت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 41

قال: «أما و الله- يا أبا حمزة- ما بين أحدكم و بين أن يرى مكانه من الله و مكانه مما تقربه عينه إلا أن تبلغ نفسه ها هنا- ثم أهوى بيده إلى نحره- ألا أبشرك، يا أبا حمزة؟» فقلت: «بلى، جعلت فداك.

فقال: «إذا كان ذلك أتاه رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام)

معه، فقعد عند رأسه، فقال له- إذا كان ذلك- رسول الله (صلى الله عليه و آله): أما تعرفني؟ أنا رسول الله، هلم إلينا، فما أمامك خير لك مما خلفت، أما ما كنت تخاف فقد أمنته، و أما ما كنت ترجو فقد هجمت عليه، أيتها الروح اخرجي إلى روح الله و رضوانه. و يقول له علي (عليه السلام) مثل قول رسول الله (صلى الله عليه و آله)». ثم قال: «يا أبا حمزة، ألا أخبرك بذلك من كتاب الله؟ قوله:

الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ الآية».

4934/ [11]- سليم بن قيس الهلالي، قال: سألت علي بن أبي طالب (عليه السلام) قلت: أصلحك الله، من لقي الله مؤمنا عارفا بإمامه مطيعا له، من أهل الجنة هو؟ قال: «نعم، إذا لقى الله و هو «1» من الذين قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ «2» الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ «3»».

قلت: فمن لقي الله منهم على الكبائر؟ قال: «هو في مشيئة الله، إن عذبه فبذنبه، و إن تجاوز عنه فبرحمته».

قلت: فيدخله النار و هو مؤمن؟ قال: «نعم، لأنه ليس من المؤمنين الذين عنى الله أنه ولي المؤمنين، لأن الذين عنى الله أنه لهم ولي، و أنه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، هم المؤمنون الذين يتقون الله، و الذين عملوا الصالحات، و الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم».

4935/ [12]- ابن شهر آشوب: عن زريق، عن الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى:هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

، قال: «هو أن يبشراه بالجنة عند الموت». يعني محمدا و عليا (عليهما السلام).

4936/ [13]- الطبرسي: في معنى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ، عن أبي جعفر (عليه

السلام) في معنى البشارة: «أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له، و في الآخرة الجنة، و هي ما يبشرهم به الملائكة عند خروجهم من القبور، و في القيامة إلى أن يدخلوا الجنة يبشرونهم بها حالا بعد حال».

ثم قال: و روي ذلك في حديث مرفوع عن النبي (صلى الله عليه و آله).

4937/ [14]- و في (نهج البيان) في معنى ذلك: روي عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) قالا: «هي الرؤيا الصالحة

__________________________________________________

11- كتاب سليم بن قيس: 56.

12- المناقب 3: 223.

13- مجمع البيان 5: 182.

14- نهج البيان 2: 144 «مخطوط».

(1) في المصدر زيادة: مؤمن.

(2) البقرة 2: 25.

(3) الأنعام 6: 82.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 42

يراها المؤمن، و في الآخرة الجنة مما أعده الله له من النعم عند الموت، و هو قول الله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ «1» أبدا ثم في الجنة».

4938/ [15]- الطبرسي: في معنى أَوْلِياءَ اللَّهِ عن علي بن الحسين (عليه السلام): «أنهم الذين أدوا فرائض الله، و أخذوا بسنن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و تورعوا عن محارم الله، و زهدوا في عاجل هذه الدنيا، و رغبوا فيما عند الله، و اكتسبوا الطيب من رزق الله لمعاشهم، لا يريدون به التكاثر و التفاخر، ثم أنفقوه فيما يلزمهم من الحقوق الواجبة، فأولئك الذين يبارك الله لهم فيما اكتسبوا، و يثابون على ما قدموا منه لآخرتهم».

4939/ [16]- و قال علي بن إبراهيم، في معنى الآية، قال: البشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة «2» يراها المؤمن، و في الآخرة الجنة عند الموت، و هو قول الله: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ

«3».

ثم قال: و قوله: تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ

أي لا تغيير للامامة، و الدليل على أن الكلمات الإمامة، قوله:

وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ «4» يعني الإمامة.

سورة يونس(10): الآيات 65 الي 71 ..... ص : 42

قوله تعالى:

وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً- إلى قوله تعالى- ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَ لا تُنْظِرُونِ [65- 71] 4940/ [1]- علي بن إبراهيم قال في قوله: وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً إلى قوله تعالى بِما كانُوا يَكْفُرُونَ فإنه محكم، و قوله: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ مخاطبة لمحمد (صلى الله عليه و آله) نَبَأَ نُوحٍ أي خبر نوح إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ الذين تعبدون ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً أي لا تغتموا ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ أي ادعوا علي وَ لا تُنْظِرُونِ.

__________________________________________________

15- مجمع البيان 5: 181.

16- تفسير القمّي 1: 314.

1- تفسير القمّي 1: 314.

(1) النحل 16: 32.

(2) في المصدر: الحسنة.

(3) النحل 16: 32. [.....]

(4) الزخرف 43: 28.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 43

سورة يونس(10): آية 74 ..... ص : 43

قوله تعالى:

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا- إلى قوله تعالى- فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ [74]

4941/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي و عقبة جميعا، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن الله عز و جل خلق الخلق، فخلق من أحب، مما أحب، و كان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة. و خلق من أبغض مما أبغض، و كان ما أبغض أن خلقه من طينة النار، ثم بعثهم في الظلال».

فقلت: و أي شي ء الظلال؟ فقال: «ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا و ليس بشي ء؟ ثم بعث منهم النبيين، فدعوهم إلى الإقرار بالله

عز و جل، و هو قوله عز و جل وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «1»، ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيين، فأقر بعض و أنكر بعض، ثم دعوهم إلى ولايتنا، فأقر بها و الله من أحب، و أنكرها من أبغض، و هو قوله: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ». ثم قال: أبو جعفر (عليه السلام): «كان التكذيب ثم» «2».

و روى هذا الحديث ابن بابويه في (العلل): عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع، بباقي السند و المتن «3».

4942/ [2]- العياشي: عن زرارة و حمران، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، قالا: إن الله خلق الخلق و هي أظلة، فأرسل رسوله محمدا (صلى الله عليه و آله) فمنهم من آمن به، و منهم من كذبه، ثم بعثه في الخلق الآخر فآمن به من كان آمن به في الأظلة، و جحده من جحد به يومئذ، فقال: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ».

4943/ [3]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ إلى قوله بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ، قال: «بعث الله الرسل إلى الخلق و هم في أصلاب الرجال و أرحام النساء، فمن صدق حينئذ صدق بعد ذلك، و من كذب حينئذ كذب بعد ذلك».

4944/ [4]- عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله خلق الخلق، فخلق من

__________________________________________________

1- الكافي 2: 8/ 3.

2- تفسير العيّاشي 2: 126/ 35.

3- تفسير العيّاشي 2: 126/ 36.

4- تفسير العيّاشي 2: 126/ 37.

(1) الزخرف 43: 87.

(2) ثمّ هنا:

ظرف لا يتصرّف، بمعنى هنالك.

(3) علل الشرائع: 118/ 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 44

أحب مما أحب، و كان ما أحب أن يخلقه من طينة من الجنة، و خلق من أبغض، مما أبغض، و كان ما أبغض أن خلقه من طينة من «1» النار، ثم بعثهم في الظلال».

فقلت: و أي شي ء الظلال؟ فقال: «أما ترى ظلك في الشمس شيئا و ليس بشي ء؟ ثم بعث فيهم النبيين يدعونهم إلى الإقرار بالله، فأقر بعض و أنكر بعض، ثم دعوهم إلى ولايتنا، فأقربها- و الله- من أحب «2»، و أنكرها من أبغض، و هو قوله: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ». ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «كان التكذيب ثم».

سورة يونس(10): الآيات 84 الي 86 ..... ص : 44

قوله تعالى:

وَ قالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ- إلى قوله تعالى- وَ نَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [84- 86]

4945/ [1]- قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ قالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: «فإن قوم موسى استعبدهم آل فرعون، و قالوا: لو كان لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم. فقال موسى لقومه: يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَ نَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ».

4946/ [2]- العياشي: عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، عن قوله:

رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قال: «لا تسلطهم

علينا فتفتنهم بنا».

سورة يونس(10): آية 87 ..... ص : 44

قوله تعالى:

وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ [87]

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 314.

2- تفسير العيّاشي 2: 127/ 38.

(1) (من) ليس في المصدر.

(2) في المصدر زيادة: اللّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 45

4947/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، قال: يعني بيت المقدس.

4948/ [2]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، عن عباد بن يعقوب، عن محمد بن يعقوب، عن أبي جعفر الأحول، عن منصور، عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، قال: «لما خافت بنو إسرائيل جبابرتها، أوحى الله إلى موسى و هارون (عليهما السلام) أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً- قال- أمروا أن يصلوا في بيوتهم».

4949/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب و جعفر بن محمد بن مسرور (رضي الله عنهما)، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال: حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون «1»، و قد اجتمع في مجلسه جماعة من العلماء و الفقهاء و المتكلمين «2»، فسألته العلماء عن الفرق بين العترة و الامة و شرف العترة، و ذكر اثني عشر موطنا في تفسير الاصطفاء من القرآن- إلى أن قال:- «و أخرج محمد (صلى الله عليه و آله) الناس من مسجده ما خلا العترة حتى تكلم الناس في ذلك، و تكلم العباس، فقال: يا رسول الله، لم تركت عليا و أخرجتنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما أنا تركته و أخرجتكم، و لكن الله عز و جل تركه

و أخرجكم، و في هذا تبيان قوله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى».

قالت العلماء: و أين هذا من القرآن؟ قال الرضا (عليه السلام): «أوجدكم في ذلك قرانا و أقرؤه عليكم؟» قالوا:

هات. قال: «قول الله عز و جل: وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ففي هذه الاية منزلة هارون من موسى، و فيها أيضا منزلة علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و مع هذا دليل ظاهر «3» في قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين قال: ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب إلا لمحمد و آله».

قالت العلماء يا أبا الحسن، هذا الشرح و هذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه و آله). فقال (عليه السلام): «و من ينكر لنا ذلك، و رسول الله يقول: أنا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها؟ و فيما أوضحنا و شرحنا من الفضل و الشرف و التقدمة و الاصطفاء و الطهارة، ما لا ينكره إلا معاند لله عز و جل».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 314.

2- تفسير القمّي 1: 314. [.....]

3- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 232/ 1.

(1) في المصدر زيادة: بمرو.

(2) في المصدر: جماعة من علماء أهل العراق و خراسان.

(3) في المصدر: واضح.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 46

4950/ [4]- العياشي: عن أبي رافع، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) خطب الناس، فقال: «أيها الناس، إن الله أمر موسى و هارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا، و أمرهما أن لا يبيت

في مسجدهما جنب، و لا يقرب فيه النساء إلا هارون و ذريته، و إن عليا مني بمنزلة هارون و ذريته من موسى، فلا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجدي، و لا يبيت فيه جنب إلا علي و ذريته، فمن ساءه ذلك فهاهنا». و أشار بيده نحو الشام.

4951/ [5]- و من طريق المخالفين: ما رواه ابن المغازلي الشافعي في (المناقب): يرفعه إلى حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: لما قدم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) المدينة، لم يكن لهم بيوت يبيتون فيها، فكانوا يبيتون في المسجد فيحتلمون، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لا تبيتوا في المسجد، فتحتلموا». ثم إن القوم بنوا بيوتا حول المسجد، و جعلوا أبوابها إلى المسجد، و إن النبي (صلى الله عليه و آله) بعث إليهم معاذ بن جبل، فنادى أبا بكر، فقال: إن رسول الله «1» يأمرك أن تسد بابك الذي في المسجد، و تخرج من المسجد. فقال: سمعا و طاعة، فسد بابه و خرج من المسجد ثم أرسل إلى عمر، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) يأمرك أن تسد بابك الذي في المسجد و تخرج منه، فقال: سمعا و طاعة لله و لرسوله، غير أني راغب إلى الله في خوخة «2» في المسجد. فأبلغه معاذ ما قال عمر، ثم أرسل إلى عثمان و عنده رقية، فقال: سمعا و طاعة، فسد بابه، و خرج من المسجد، ثم أرسل إلى حمزة فسد بابه، و قال: سمعا و طاعة لله و لرسوله. و علي في ذلك متردد «3»، لا يدري أهو فيمن يقيم أو فيمن يخرج، و كان النبي (صلى الله عليه و آله)

قد بنى له بيتا في المسجد بين أبياته، فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): «اسكن طاهرا مطهرا».

فبلغ حمزة قول النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام)، فقال: يا محمد، تخرجنا و تمسك غلمان بني عبد المطلب! فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «لو كان الأمر إلي ما جعلت دونكم من أحد، و الله ما أعطاه إياه إلا الله، و إنك لعلى خير من الله و رسوله، أبشر» بشره النبي (صلى الله عليه و آله) فقتل يوم احد شهيدا.

و نفس «4» ذلك رجال على علي (عليه السلام)، فوجدوا «5» في أنفسهم، و تبين فضله عليهم و على غيرهم من أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله)، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه و آله)، فقام خطيبا، فقال: «إن رجالا يجدون في أنفسهم في أني أسكنت عليا في المسجد، و الله ما أخرجتهم و لا أسكنته، إن الله عز و جل أوحى إلى موسى و أخيه: أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ و أمر موسى أن لا يسكن مسجده و لا ينكح فيه و لا يدخله جنب إلا هارون و ذريته، و إن عليا مني بمنزلة هارون و موسى، و هو أخي دون أهلي، و لا يحل

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 127/ 39.

5- مناقب عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام): 254/ 303.

(1) في «ط»: إنّ اللّه تبارك و تعالى.

(2) في «ط»: فرجة، و الخوخة: باب صغير كالنافذة الكبيرة، و تكون بين بيتين ينصب عليها باب. «النهاية 2: 86».

(3) في المصدر: و عليّ على ذلك يتردّد.

(4) نفس الشي ء على فلان، حسده عليه و لم يره أهلا له. «المعجم

الوسيط- نفس- 2: 940».

(5) وجدوا: غضبوا أو حزنوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 47

مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا علي و ذريته، فمن ساءه فها هنا» و أومأ بيده نحو الشام.

4952/ [6]- و من (مناقب ابن المغازلي الشافعي) أيضا: يرفعه إلى عدي بن ثابت، قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المسجد، فقال: «إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن لي مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنت و هارون و ابنا هارون، و إن الله أوحى إلي أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا انا و علي و فاطمة «1» و ابنا علي».

سورة يونس(10): الآيات 88 الي 89 ..... ص : 47

قوله تعالى:

وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ- إلى قوله تعالى- سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [88- 89] 4953/ [1]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً أي ملكا وَ أَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ أي يفتنوا الناس بالأموال و العطايا ليعبدوه و لا يعبدوك رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ أي أهلكها وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ فقال الله عز و جل: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي لا تتبعا سبيل فرعون و أصحابه.

4954/ [2]- قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام)- في حديث طويل، يذكر فيه أن لرسول الله (صلى الله عليه و آله) مثل آيات موسى (عليه السلام): و أما الطمس على أموال قوم فرعون فقد كان مثله لمحمد و علي (عليهما السلام)، و ذلك أن شيخا كبيرا جاء بابنه إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الشيخ يبكي

و يقول: يا رسول الله، ابني هذا غذوته صغيرا، و ربيته طفلا غريرا، و أعنته بمالي كثيرا حتى اشتد أزره، و قوي ظهره، و كثر ماله، و فنيت قوتي، و ذهب مالي عليه، و صرت من الضعف إلى ما ترى، قعد بي فلا يواسيني بالقوت الممسك لرمقي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للشاب: ماذا تقول؟ فقال: يا رسول الله، لا فضل معي عن قوتي و قوت عيالي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للشيخ: ما تقول؟ فقال: يا رسول الله، إن له أنابير «2» حنطة و شعير و تمر و زبيب

__________________________________________________

6- مناقب عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام): 252/ 301.

1- تفسير القمّي 1: 314.

2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 421/ 288، 289. [.....]

(1) (فاطمة) ليس في المصدر.

(2) الأنبار: أكداس البرّ واحدها: نبر، و جمعها: أنابير. «المعجم الوسيط- نبر- 2: 897».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 48

و بدر «1» الدراهم و الدنانير و هو غني.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للابن: ما تقول؟ فقال: يا رسول الله، ما لي شي ء مما قال.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): اتق الله- يا فتى- و أحسن إلى والدك المحسن إليك، يحسن الله إليك. قال: لا شي ء لي.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فنحن نعطيه عنك في هذا الشهر، فأعطه أنت فيما بعده. و قال لاسامة: أعط الشيخ مائة درهم نفقة شهره لنفسه و عياله، ففعل.

فلما كان رأس الشهر جاء الشيخ و الغلام، فقال الغلام، لا شي ء لي. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لك مال كثير، و لكنك تمسي اليوم و أنت فقير و قير «2»،

أفقر من أبيك هذا، لا شي ء لك.

فانصرف الشاب، فإذا جيران أنابيره قد اجتمعوا عليه، يقولون: حول هذه الأنابير عنا، فجاء إلى أنابيره فإذا الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب قد نتن جميعه، و ففسد و هلك، و أخذوه بتحويل ذلك عن جوارهم، فاكترى اجراء بأموال كثيرة فحولوها و أخرجوها بعيدا عن المدينة، ثم ذهب ليخرج إليهم الكراء من أكياسه التي فيها دراهمه و دنانيره فإذا هي قد طمست و مسخت حجارة، و أخذه الحمالون بالاجرة، فباع ما كان له من كسوة و فرش و دار و أعطاها في الكبراء و خرج من ذلك كله صفراء، ثم بقي فقيرا و قيرا لا يهتدي إلى قوت يومه، فسقم لذلك جسده و ضني، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أيها العاقون للآباء و الأمهات، اعتبروا و اعلموا أنه كما طمس في الدنيا على أمواله، فكذلك جعل بدل ما كان أعده له في الجنة من الدرجات معدا له في النار من الدركات».

قال الإمام العسكري: «و أما نظيرها لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فإن رجلا من محبيه كتب إليه من الشام: يا أمير المؤمنين، إني بعيالي مثقل، و عليهم إن خرجت خائف، و بأموالي التي اخلفها إن خرجت ضنين، و أحب اللحاق بك، و الكون في جملتك، و الحضور «3» في خدمتك، فجد لي يا أمير المؤمنين.

فبعث إليه علي (عليه السلام): اجمع أهلك و عيالك، و اجعل «4» عندهم مالك، وصل على ذلك كله على محمد و آله الطيبين، ثم قل: اللهم هذه كلها ودائعي عندك، بأمر عبدك و وليك علي بن أبي طالب. ثم قم و انهض إلي ففعل الرجل ذلك، و اخبر معاوية

بهربه إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأمر معاوية أن يسبى عياله و يسترقوا، و أن تنهب أمواله. فذهبوا فألقى الله تعالى عليهم شبه عيال معاوية و حاشيته، و شبه أخص حاشية ليزيد بن معاوية، يقولون: نحن أخذنا هذا المال و هو لنا، و أما عياله فقد استرققناهم و بعثناهم إلى السوق. فكفوا لما رأوا ذلك، و عرف الله عياله أنه قد ألقى عليهم شبه عيال معاوية و عيال خاصة يزيد، فأشفقوا من أموالهم أن يسرقها اللصوص، فمسخ الله المال عقارب و حيات، كلما قصد اللصوص ليأخذوا منه لدغوا و لسعوا، فمات منهم قوم

__________________________________________________

(1) البدر: جمع بدرة، كمية من المال تقدّر بعشرة آلاف درهم. «الصحاح- بدر- 2: 587».

(2) الوفير: الذليل المهان. «لسان العرب- وقر- 5: 292».

(3) في المصدر: و الحفوف.

(4) في المصدر: و حصّل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 49

و ضني آخرون».

4955/ [3]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان بنى قول الله عز و جل: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و بين أخذ فرعون أربعون عاما».

4956/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): دعا موسى (عليه السلام) و أمن هارون (عليه السلام) و أمنت الملائكة (عليهم السلام)، فقال الله تعالى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما و من غزا في سبيل الله استجيب له كما أستجيب لكما يوم القيامة».

4957/ [5]- العياشي: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان بين قوله: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و بين أن أخذ فرعون أربعون

سنة».

4958/ [6]- المفيد في (الاختصاص): قال الصادق (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما، قال: «كان بين أن قال: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و بين أخذ فرعون أربعون سنة».

4959/ [7]- الطبرسي: مكث فرعون بعد هذا الدعاء أربعين سنة، عن أبي عبد الله (عليه السلام).

سورة يونس(10): الآيات 90 الي 92 ..... ص : 49

قوله تعالى:

وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ- إلى قوله تعالى- وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ [90- 92]

4960/ [1]- علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً إلى قوله: وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ: «فإن بني إسرائيل قالوا: يا موسى، ادع الله أن يجعل لنا مما نحن فيه فرجا. فدعا، فأوحى الله إليه: أن أسر بهم. قال: يا رب، البحر أما مهم. قال: امض، فإني آمره أن يطيعك و ينفرج لك.

فخرج موسى ببني إسرائيل، و أتبعهم فرعون حتى إذا كاد أن يلحقهم، و نظروا إليه و قد أظلهم، قال موسى

__________________________________________________

3- الكافي 2: 355/ 5.

4- الكافي 2: 370/ 8.

5- تفسير العيّاشي 2: 127/ 40.

6- الاختصاص: 266.

7- مجمع البيان 5: 196.

1- تفسير القمّي 1: 315.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 50

للبحر: انفرج لي. قال: ما كنت لأفعل. و قال بنو إسرائيل لموسى: غررتنا و أهلكتنا، فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون، و لم نخرج إلى أن نقتل قتلة. قال: كلا، إن معي ربي سيهديني.

و اشتد على موسى ما كان يصنع به عامة قومه، و قالوا: يا موسى، إنا لمدركون، و زعمت أن البحر ينفرج لنا حتى نمضي و نذهب، فقد رهقنا

فرعون و قومه، و هم هؤلاء نراهم قد دنوا منا. فدعا موسى ربه، فأوحى الله إليه:

أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ «1» فضربه فانفلق البحر، فمضى موسى و أصحابه حتى قطعوا البحر، و أدركهم آل فرعون، فلما نظروا إلى البحر، قالوا لفرعون: ما تعجب مما ترى؟ قال: أنا فعلت هذا. فمروا و مضوا فيه، فلما توسط فرعون و من معه أمر الله البحر فأطبق عليهم، فأغرقهم أجمعين، فلما أدرك فرعون الغرق قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يقول الله: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يقول: كنت من العاصين فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ- قال- إن قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر، فلم ير منهم أحد، هووا في البحر إلى النار، و أما فرعون فنبذه الله وحده فألقاه بالساحل لينظروا إليه و ليعرفوه، ليكون لمن خلفه آية، و لئلا يشك أحد في هلاكه، لأنهم كانوا اتخذوه ربا، فأراهم الله إياه جيفة ملقاة بالساحل، ليكون لمن خلفه عبرة و عظة، يقول الله: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ».

4961/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: قال الصادق (عليه السلام): «ما أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا كئيبا حزينا، و لم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون، فلما أمره الله بنزول هذه الآية: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ نزل عليه و هو ضاحك مستبشر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما أتيتني- يا جبرئيل- إلا و تبينت الحزن في وجهك حتى الساعة؟ قال: نعم- يا محمد- لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي

آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين، فأخذت حمأة «2» فوضعتها في فيه، ثم قلت له: آلان و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين؟! و عملت ذلك من غير أمر الله، خفت أن تلحقه الرحمة من الله، و يعذبني على ما فعلت، فلما كان الآن و أمرني الله أن أؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون، أمنت و علمت أن ذلك كان لله رضا».

و قال أيضا، في قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ: «فإن موسى (عليه السلام) أخبر بني إسرائيل أن الله قد أغرق فرعون فلم يصدقوه، فأمر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا».

4962/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا عبد الواحد بن عبدوس «3» النيسابوري العطار (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي ابن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): لأي علة أغرق الله عز و جل فرعون و قد آمن به و أقر بتوحيده؟

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 316.

3- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 77/ 7. [.....]

(1) الشعراء 26: 62.

(2) الحمأة: الطين الأسود المنتن. «القاموس المحيط- حمأ- 1: 14».

(3) نسبة إلى جدّه عبدوس، و و عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، انظر معجم رجال الحديث 11: 36 و ما بعدها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 51

قال: «لأنه آمن عند رؤية البأس، و الإيمان عند رؤية البأس غير مقبول، و ذلك حكم الله تعالى في السلف و الخلف، قال الله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا «1» و قال عز و

جل: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً «2» و هكذا فرعون حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فقيل له آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً و قد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد، و قد لبسه على بدنه، فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة «3» من الأرض ببدنه، ليكون لمن بعده علامة، فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض، و سبيل الثقيل أن يرسب و لا يرتفع، فكان ذلك آية و علامة.

و لعلة أخرى أغرق الله عز و جل فرعون، و هي أنه استغاث بموسى (عليه السلام) لما أدركه الغرق و لم يستغث بالله، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، لم تغث فرعون لأنك لم تخلقه، و لو استغاث بي لأغثته».

4963/ [4]- و عنه، قال: حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري (رضي الله عنه)، عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان، قال: حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري (رضي الله عنه)، عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان، قال: حدثنا الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، قال: قلت لموسى بن جعفر (عليه السلام): أخبرني عن قول الله عز و جل لموسى و هارون (عليهما السلام): اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى «4».

فقال: «أما قوله فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً أي كنياه، و قولا له: يا أبا مصعب،

و كان اسم فرعون أبا مصعب الوليد ابن مصعب و أما قوله: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فإنما قال ليكون أحرص لموسى على الذهاب، و قد علم الله عز و جل أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى إلا عند رؤية البأس، ألا تسمع الله عز و جل يقول: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلم يقبل الله إيمانه، و قال:

آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ».

4964/ [5]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن سفيان بن سعيد، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)- و كان و الله صادقا كما سمي- يقول: «يا سفيان، عليك بالتقية فإنها سنة إبراهيم الخليل (عليه السلام)، و إن الله عز و جل قال لموسى و هارون (عليهما السلام): اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى

__________________________________________________

4- علل الشرائع: 67/ 1.

5- معاني الآخبار: 385/ 20.

(1) غافر 40: 84- 85.

(2) الأنعام 6: 158.

(3) النجوة: المكان المرتفع. «لسان العرب- نجا- 15: 305».

(4) طه 20: 43- 44.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 52

فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى «1» يقول الله عز و جل: كنياه و قولا له: يا أبا مصعب، و إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان إذا أراد سفرا ورى بغيره، و قال: أمرني ربي بمداراة الناس، كما أمرني «2» بأداء الفرائض، و لقد أدبه الله عز و جل بالتقية، فقال: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي

بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ «3».

يا سفيان من استعمل التقية في دين الله فقد تسنم الذروة العليا من العز، إن عز المؤمن في حفظ لسانه، و من لم يملك لسانه ندم».

قال سفيان: فقلت له: يا بن رسول الله، هل يجوز أن يطمع الله تعالى عباده في كون ما لا يكون؟ قال: «لا».

قال: فقلت: فكيف قال الله عز و جل لموسى و هارون (عليه السلام): لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و قد علم أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى؟ فقال: «إن فرعون قد تذكر و خشي، و لكن عند رؤية البأس حيث لم ينفعه الإيمان، ألا تسمع الله عز و جل يقول: «حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلم يقبل الله عز و جل إيمانه، و قال: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يقول: نلقيك على نجوة من الأرض لتكون لمن بعدك علامة و عبرة».

4965/ [6]- العياشي: عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، يرفعه، قال: «لما صار موسى في البحر أتبعه فرعون و جنوده، قال: فتهيب فرس فرعون أن يدخل البحر، فتمثل له جبرئيل (عليه السلام) على رمكة «4»، فلما رأى الفرس الرمكة أتبعها فدخل البحر هو و أصحابه فغرقوا».

4966/ [7]- المفيد في (الاختصاص): عن عبد الله بن جندب، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: «كان على مقدمة فرعون ست مائة ألف و مائتا ألف، و على ساقته «5» ألف ألف- قال- لما صار موسى (عليه

السلام) في البحر أتبعه فرعون و جنوده- قال- فتهيب فرس فرعون أن يدخل البحر، فتمثل له جبرئيل (عليه السلام) على ماديانة «6»، فلما رأى فرس فرعون الماديانة أتبعها، فدخل البحر هو و أصحابه فغرقوا».

و ستأتي- إن شاء الله تعالى- روايات في القصة في سورة الشعراء زيادة على ما هنا «7».

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 127/ 41.

7- الاختصاص: 266.

(1) طه 20: 43- 44.

(2) في «ط»: كان إذا يتذكر أو يخشى قريشا يقول لهم قولا لينا، قال: و إنّما أمره.

(3) فصّلت 41: 34- 35. [.....]

(4) الرّمكة: الأنثى من البراذين. «الصحاح- رمك- 4: 1588».

(5) ساقة الجيش: مؤخّره. «الصحاح- سوق- 4: 1499».

(6) الماديانة: الرّمكة.

(7) تأتي في تفسير الآيات (10- 63) من سورة الشعراء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 53

سورة يونس(10): آية 93 ..... ص : 53

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ [93] 4967/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: ردهم إلى مصر، و غرق فرعون.

سورة يونس(10): آية 94 ..... ص : 53

قوله تعالى:

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ [94]

4968/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن عمرو بن سعيد الراشدي، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى السماء، فأوحى الله إليه في علي (صلوات الله عليه) ما أوحى «1» من شرفه و عظمه عند الله، و رد إلى البيت المعمور، و جمع له النبيين فصلوا خلفه، عرض في نفس رسول الله (صلى الله عليه و آله) من عظم ما أوحى الله إليه في علي (عليه السلام)، فأنزل الله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ يعني الأنبياء، فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ، وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ «2»». فقال الصادق (عليه السلام): «فوالله ما شك و ما سأل».

4969/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن مسعود، عن أبيه، قال: حدثنا علي بن عبد الله، عن بكر بن صالح، عن أبي الخير «3»، عن محمد بن حسان، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل الداري، عن محمد بن سعيد الإذخري- و كان ممن يصحب موسى بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام)- أن موسى أخبره،

أن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل، فيها: و أخبرني عن قول الله عز و جل: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ من المخاطب

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 316.

2- تفسير القمّي 1: 316.

3- علل الشرائع: 129/ 1.

(1) في المصدر زيادة: ما يشاء.

(2) يونس 10: 95.

(3) في «ط»: الحسن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 54

بالاية؟ فإن كان المخاطب بها النبي (صلى الله عليه و آله) أليس قد شك فيما أنزل الله عز و جل إليه؟ و إن كان المخاطب غيره فعلى غيره إذن أنزل القرآن؟

قال موسى: فسألت أخي علي بن محمد (عليهما السلام) عن ذلك، فقال: «أما قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ فإن المخاطب بذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و لم يكن في شك مما أنزل الله عز و جل، و لكن قالت الجهلة: كيف لا يبعث إلينا نبيا من الملائكة؟ إنه لم يفرق بينه و بين غيره في الاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق. فأوحى الله عز و جل إلى نبيه (صلى الله عليه و آله): فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ بمحضر من الجهلة، هل بعث الله رسولا قبلك إلا و هو يأكل الطعام و يمشي في الأسواق؟ و لك بهم أسوة، و إنما قال: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ و لم يكن «1»، و لكن لينصفهم، كما قال له (صلى الله عليه و آله):

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ «2» و لو قال: تعالوا نبتهل فنجعل

لعنة الله عليكم. لم يكونوا يجيبون للمباهلة و قد عرف أن نبيه (صلى الله عليه و آله) مؤد عنه رسالته، و ما هو من الكاذبين، و كذلك عرف النبي (صلى الله عليه و آله) أنه صادق فيما يقول، و لكن أحب أن ينصف من نفسه».

4970/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن (رضي الله عنه)، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر «3»، رفعه إلى أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله): فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ.

قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا أشك و لا أسأل».

4971/ [4]- العياشي: عن محمد بن سعيد الأسدي «4»: أن موسى بن محمد بن الرضا (عليه السلام) أخبره: أن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل: أخبرني عن قول الله تبارك و تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب بها النبي (صلى الله عليه و آله) أليس قد شك فيما أنزل الله؟ و إن كان المخاطب بها غيره فعلى غيره إذن انزل الكتاب؟

قال موسى: فسألت أخي عن ذلك، فقال: «فأما قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ فإن المخاطب بذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و لم يك في شك مما أنزل الله، و لكن

__________________________________________________

3- علل الشرائع: 130/ 2.

4- تفسير العيّاشي 2: 128/ 42.

(1) في المصدر: و لم يقل.

(2) آل عمران 3: 61. [.....]

(3)

في المصدر: عمير، تصحيف صوابه ما في المتن، و هو إبراهيم بن عمر اليماني، روى عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام)، و له أصل رواه عنه حمّاد بن عيسى، رجال النجاشي: 20، فهرست الطوسي: 9.

(4) في المصدر: محمد بن سعيد الأزدي، و تقدّم في الحديث (2) الإذخري، عن علل الشرائع.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 55

قالت الجهلة: كيف لم يبعث إلينا نبيا من الملائكة؟ إنه لم يفرق بينه و بين غيره في الاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق. فأوحى الله إلى نبيه: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ بمحضر الجهلة: هل بعث الله رسولا قبلك إلا و هو يأكل الطعام و يشرب و يمشى في الأسواق؟ و لك بهم أسوة، و إنما قال: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ و لم يكن، و لكن ليتبعهم، كما قال له (عليه السلام): فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ «1» و لو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم. لم يكونوا يجيبون «2» للمباهلة، و قد عرف أن نبيكم مؤد عنه رسالته، و ما هو من الكاذبين، و كذلك عرف النبي (صلى الله عليه و آله) أنه صادق فيما يقول، و لكن أحب أن ينصف من نفسه».

4972/ [5]- و عنه: عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ.

قال: «لما أسري بالنبي (صلى الله عليه و آله) ففرغ من مناجاة ربه، رد إلى البيت المعمور- و هو بيت في السماء الرابعة،

بحذاء الكعبة- فجمع الله النبيين و الرسل و الملائكة، و أمر جبرئيل فأذن و أقام، فتقدم فصلى بهم، فلما فرغ التفت إليه، فقال: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ إلى قوله: مِنَ المُمْتَرِينَ».

4973/ [6]- ابن شهر آشوب: سئل الباقر (عليه السلام) عن قوله تعالى: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ.

فقال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لما أسري بي إلى السماء الرابعة أذن جبرئيل و أقام، و جمع النبيين و الصديقين و الشهداء و الملائكة، ثم تقدمت و صليت بهم، فلما انصرفت «3» قال لي جبرئيل: قل لهم: بم تشهدون؟

قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، و أنك رسول الله، و أن عليا أمير المؤمنين».

4974/ [7]- (تفسير الثعلبي) و (أربعين الخطيب) بإسنادهما عن الحسين بن محمد الدينوري، بإسناده عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «لما عرج بي إلى السماء، انتهيت مع جبرئيل إلى السماء الرابعة، فرأيت بيتا من ياقوت أحمر، فقال جبرئيل: هذا هو البيت المعمور، خلقه الله تعالى قبل السماوات و الأرض بخمسين ألف عام، ثم قال: قم- يا محمد- فصل. و جمع الله النبيين فصليت بهم، فلما سلمت أتاني ملك من عند ربي، و قال يا محمد، ربك يقرئك السلام، و يقول لك: سل الرسل على ماذا أرسلتهم من قبلك؟ فسألهم، فقالوا: على ولايتك و ولاية علي بن أبي طالب».

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 128/ 43.

6- ....، البحار 37: 338/ 79 عن تأول الآيات، و لم نجده في مناقب ابن شهر آشوب.

7- ....، مائة منقبة: 150/ 82 عن ابن عباس، ينابيع المودة: 82 عن ابن مسعود.

(1) آل عمران 3: 61.

(2) في المصدر و «ط»: يجيئون.

(3)

في «س»: انصرف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 56

سورة يونس(10): الآيات 96 الي 97 ..... ص : 56

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَ لَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [96- 97] 4975/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: الذين جحدوا أمير المؤمنين (عليه السلام)، و قوله: حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ قال: عرضت عليهم الولاية، و قد فرض الله عليهم الإيمان بها، فلم يؤمنوا بها.

سورة يونس(10): آية 98 ..... ص : 56

قوله تعالى:

فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [98]

4976/ [2]- محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن لله عز و جل رياح رحمة و رياح عذاب، فإن شاء الله أن يجعل العذاب من الرياح رحمة فعل- قال- و لن يجعل الرحمة من الريح عذابا- قال- و ذلك أنه لم يرحم قوما قط أطاعوه، و كانت طاعتهم إياه وبالا عليهم، إلا من بعد تحولهم عن طاعته «1»».

قال: «و كذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهم الله بعد ما قد كان قدر عليهم العذاب و قضاه، ثم تداركهم برحمته، فجعل العذاب المقدر عليهم رحمة، فصرفه عنهم، و قد أنزله عليهم و غشيهم، و ذلك لما آمنوا به و تضرعوا إليه».

4977/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي علة صرف الله عز و

جل العذاب عن قوم يونس و قد أظلهم، و لم يفعل

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 317.

2- الكافي 8: 92/ 64.

3- علل الشرائع: 77/ 1.

(1) كذا، و الظاهر أنّ المراد «أنّه لم يعذّب قوما- قطّط- أطاعوه، و ما كانت طاعتهم إيّاه وبالا عليهم إلّا من بعد تحوّلهم عن طاعته» و اللّه العالم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 57

ذلك بغيرهم من الأمم؟

فقال: «لأنه كان في علم الله عز و جل أنه سيصرفه عنهم لتوبتهم، و إنما ترك إخبار يونس بذلك، لأنه عز و جل أراد أن يفرغه لعبادته في بطن الحوت، فيستوجب بذلك ثوابه و كرامته».

4978/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي المغرا حميد بن المثنى العجلي، عن سماعة أنه سمعه (عليه السلام) و هو يقول: «ما رد الله العذاب عن قوم قد أظلهم إلا قوم يونس».

فقلت: أ كان قد أظلهم؟ قال: «نعم، قد نالوه بأكفهم».

فقلت: كيف كان ذلك؟ قال: «كان في العلم المثبت عند الله عز و جل الذي لم يطلع عليه أحد أنه سيصرفه عنهم».

4979/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس، و كان يونس يدعوهم إلى الإسلام فيأبون ذلك، فهم أن يدعو عليهم، و كان فيهم رجلان: عابد، و عالم، و كان اسم أحدهما تنوخا «1»، و الآخر اسمه روبيل، فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم، و كان العالم ينهاه، و يقول:

لا تدع عليهم، فإن الله يستجيب لك، و لا يحب هلاك عباده. فقبل قول العابد، و لم يقبل قول العالم، فدعا عليهم، فأوحى الله عز و جل إليه: يأتيهم العذاب في سنة كذا و كذا، في شهر كذا و كذا، في يوم كذا و كذا.

فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد و بقي العالم فيها، فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب، فقال العالم لهم: يا قوم، افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم و يرد العذاب عنكم. فقالوا: كيف نصنع؟ قال: اجتمعوا و اخرجوا إلى المفازة، و فرقوا بين النساء و الأولاد، و بين الإبل و أولادها، و بين البقر و أولادها، و بين الغنم و أولادها، ثم ابكوا و أدعوا. فذهبوا و فعلوا ذلك، و ضجوا و بكوا، فرحمهم الله و صرف عنهم العذاب، و فرق العذاب على الجبال، و قد كان نزل و قرب منهم.

فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم، قال لهم: ما فعل قوم يونس؟ فقالوا له، و لم يعرفوه: إن يونس دعا عليهم فاستجاب الله له، و نزل العذاب عليهم، فاجتمعوا و بكوا و دعوا فرحمهم الله، و صرف ذلك عنهم، و فرق العذاب على الجبال، فهم إذن يطلبون يونس ليؤمنوا به.

فغضب يونس، و مر على وجهه مغاضبا، كما حكى الله تعالى، حتى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا سفينة قد شحنت، و أرادوا أن يدفعوها، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه، فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما، فحبس عليهم السفينة من قدامها، فنظر إليه يونس ففزع منه، و صار إلى مؤخر السفينة فدار إليه الحوت و فتح فاه،

__________________________________________________

3- علل الشرائع: 77/ 2.

4- تفسير القمّي 1:

317. [.....]

(1) في المصدر: مليخا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 58

فخرج أهل السفينة، فقالوا: فينا عاص. فتساهموا «1» فخرج سهم يونس، و هو قول الله عز و جل: فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ

«2» فأخرجوه فألقوه في البحر، فالتقمه الحوت و مر به في الماء.

و قد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه. قال: يا يهودي، أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه، فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه، فدخل في بحر القلزم، ثم خرج إلى بحر مصر، ثم دخل في بحر طبرستان، ثم خرج في دجلة الغور «3»، ثم مرت به تحت الأرض حتى لحقت بقارون، و كان قارون هلك في أيام موسى (عليه السلام)، و وكل [الله ] به ملكا يدخله في الأرض كل يوم قامة رجل، و كان يونس في بطن الحوت يسبح الله و يستغفره، فسمع قارون صوته، فقال للملك الموكل به: أنظرني فإني أسمع كلام آدمي. فأوحى الله إلى الملك الموكل به: أنظره. فأنظره، ثم قال قارون: من أنت؟ قال يونس، أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى.

قال: فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران؟ قال: هيهات! هلك.

قال: فما فعل الرءوف الرحيم على قومه هارون بن عمران؟ قال: هلك.

قال: فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي؟ قال: هيهات! ما بقي من آل عمران أحد.

فقال قارون: وا أسفا على آل عمران. فشكر الله له ذلك، فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا، فرفع عنه.

فلما رأى يونس ذلك نادى في الظلمات: أن لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين. فاستجاب الله له، و أمر الحوت أن يلفظه فلفظه على ساحل

البحر، و قد ذهب جلده و لحمه. و أنبت الله عليه شجرة من يقطين- و هي الدباء «4»- فأظلته عن الشمس فشكر «5»، ثم أمر الله الشجرة فتنحت عنه، و وقعت الشمس عليه فجزع، فأوحى الله إليه: يا يونس، لم لم ترحم مائة ألف أو يزيدون، و أنت تجزع من ألم ساعة؟ فقال: يا رب، عفوك عفوك، فرد الله عليه بدنه و رجع إلى قومه و آمنوا به، و هو قوله: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ». و قالوا: مكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات.

4980/ [5]- ثم قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لبث يونس (عليه السلام) في بطن الحوت ثلاثة أيام، و نادى في الظلمات الثلاث- ظلمة بطن الحوت، و ظلمة الليل، و ظلمة البحر- أن لا إله إلا أنت

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 1: 319.

(1) تساهموا: تقارعوا. «الصحاح- سهم- 5: 1957».

(2) الصافات 37: 141.

(3) في المصدر: دجلة الغوراء، و في معجم البلدان: دجلة العوراء: اسم لدجلة البصرة، علم لها.

(4) الدّبّاء: القرع. «المعجم الوسيط- دب- 1: 268».

(5) في «ط»: فسكن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 59

سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجاب له ربه، فأخرجه الحوت إلى الساحل، ثم قذفه فألقاه بالساحل، و أنبت الله عليه شجرة من يقطين- و هو القرع- فكان يمصه و يستظل به و بورقه، و كان تساقط شعره ورق جلده.

و كان يونس يسبح و يذكر الله الليل و النهار، فلما أن قوي و اشتد بعث الله دودة، فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست، فشق ذلك على يونس،

فظل حزينا، فأوحى الله إليه: مالك حزينا، يا يونس، قال: يا رب، هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة فيبست، فقال: يا يونس، أحزنت لشجرة لم تزرعها و لم تسقها و لم تعي «1» بها أن يبست حين استغنيت عنها و لم تجزع لمائة ألف أو يزيدون «2» أردت أن ينزل عليهم العذاب؟! إن أهل نينوى قد آمنوا و اتقوا فارجع إليهم.

فانطلق يونس إلى قومه، فلما دنا من نينوى استحيا أن يدخل، فقال لراع لقيه: ائت أهل نينوى فقل لهم: إن هذا يونس قد جاء. قال الراعي أ تكذب، أما تستحيي، و يونس قد غرق في البحر و ذهب. قال له يونس: إن نطقت الشاة بأني يونس، قبلت مني؟ فقال الراعي: بلى. قال يونس: اللهم أنطق هذه الشاة حتى تشهد له بأني يونس فانطقت «3» الشاة له بأنه يونس.

فلما أتى الراعي قومه و أخبرهم، أخذوه و هموا بضربه، فقال: إن لي بينة لما أقول. قالوا: من يشهد؟ قال:

هذه الشاة تشهد. فشهدت بأنه صادق و أن يونس قد رده الله إليهم، فخرجوا يطلبونه، فوجدوه فجاءوا به، و آمنوا و حسن إيمانهم، فمتعهم الله إلى حين و هو الموت، و أجارهم من ذلك العذاب».

4981/ [6]- العياشي: عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «وجدنا في بعض كتب أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: حدثني رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن جبرئيل (عليه السلام) حدثه أن يونس بن متى (عليه السلام) بعثه الله إلى قومه و هو ابن ثلاثين سنة، و كان رجلا تعتريه الحدة و كان قليل الصبر على قومه و المداراة لهم، عاجزا عما حمل من ثقل حمل أوقار

النبوة و أعلامها، و أنه تفسخ تحتها كما يتفسخ تحتها كما يتفسخ الجذع تحت حمله «4».

و أنه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله و التصديق به و اتباعه ثلاثا و ثلاثين سنة، فلم يؤمن به و لم يتبعه من قومه إلا رجلان اسم أحدهما روبيل، و اسم الآخر تنوخا، و كان روبيل من أهل بيت العلم و النبوة و الحكمة، و كان قديم الصحبة ليونس بن متى من قبل أن يبعثه الله بالنبوة. و كان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا، منهمكا في العبادة، و ليس له علم و لا حكم، و كان روبيل صاحب غنم يرعاها و يتقوت منها، و كان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه، و يأكل من كسبه. و كان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا، لعلم روبيل و حكمته و قديم صحبته.

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 129/ 44.

(1) في «ط»: و لم تعبأ.

(2) في المصدر: و لم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة ألف.

(3) في المصدر: و ذهب. قال له: اللهمّ إنّ هذه الشاة تشهد لك أنّي يونس. فنطقت.

(4) الجذع: الشاب من الإبل، و الكلام كناية عن عدم التحمّل لما يعرض لها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 60

فلما رأى يونس أن قومه لا يجيبونه و لا يؤمنون ضجر، و عرف من نفسه قله الصبر، فشكا ذلك إلى ربه، و كان فيما شكا أن قال: يا رب، إنك بعثتني إلى قومي و لي ثلاثون سنة، فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك و التصديق برسالاتي، و أخوفهم عذابك و نقمتك ثلاثا و ثلاثين سنة، فكذبوني و لم يؤمنوا بي، و جحدوا نبوتي و استخفوا برسالاتي، و قد تواعدوني و خفت أن يقتلوني، فأنزل

عليهم عذابك، فإنهم قوم لا يؤمنون».

قال: «فأوحى الله إلى يونس: أن فيهم الحمل و الجنين و الطفل، و الشيخ الكبير و المرأة الضعيفة و المستضعف المهين، و أنا الحكم العدل، سبقت رحمتي غضبي، لا اعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، و هم- يا يونس- عبادي و خلقي و بريتي في بلادي و في عيلتي، أحب أن أتأناهم و أرفق بهم و أنتظر توبتهم، و إنما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا عليهم، تعطف عليهم لسخاء الرحم الماسة منهم، و تتأناهم و برأفة النبوة، و تصبر معهم بأحلام الرسالة، و تكون لهم كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الداء، فخرقت بهم «1»، و لم تستعمل قلوبهم بالرفق، و لم تسسهم بسياسة المرسلين، ثم سألتني عن «2» سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك، و عبدي نوح كان أصبر منك على قومه، و أحسن صحبة، و أشد تأنيا في الصبر عندي، و أبلغ في العذر، فغضبت له حين غضب لي، و أجبته حين دعاني.

فقال يونس: يا رب، إنما غضبت عليهم فيك، و إنما دعوت عليهم حين عصوك، فوعزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا، و لا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم و تكذيبهم إياي، و جحدهم نبوتي، فأنزل عليهم عذابك، فإنهم لا يؤمنون أبدا.

فقال الله: يا يونس، إنهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي، يعمرون بلادي، و يلدون عبادي، و محبتي أن أتأناهم للذي سبق من علمي فيهم و فيك، و تقديري و تدبيري غير علمك و تقديرك، و أنت المرسل و أنا الرب الحكيم، و علمي فيهم- يا يونس- باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه، و علمك فيهم ظاهر لا باطن له. يا يونس، قد

أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم، و ما ذلك- يا يونس- بأوفر لحظك عندي، و لا أحمد «3» لشأنك، و سيأتيهم العذاب في شوال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فأعلمهم ذلك».

قال: «فسر ذلك يونس و لم يسؤه، و لم يدر ما عاقبته، فانطلق يونس إلى تنوخا العابد، فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم، و قال له: انطلق حتى أعلمهم بما أوحى الله إلي من نزول العذاب.

فقال تنوخا: فدعهم في غمرتهم و معصيتهم حتى يعذبهم الله تعالى.

فقال له يونس: بل نلقى روبيل فنشاوره، فإنه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة، فانطلقا إلى روبيل، فأخبره يونس بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس. فقال له: ما ترى؟ انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك.

__________________________________________________

(1) أي لم ترفق بهم و تحسن معاملتهم.

(2) في «ط» نسخة بدل: مع. [.....]

(3) في المصدر: و لا أجمل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 61

فقال له روبيل: ارجع إلى ربك رجعة نبي حكيم و رسول كريم، و سله أن يصرف عنهم العذاب فإنه غني عن عذابهم، و هو يحب الرفق بعباده، و ما ذلك بأضر لك عنده و لا أسوأ لمنزلتك لديه، و لعل قومك بعد ما سمعت و رأيت من كفرهم و جحودهم يؤمنون يوما، فصابرهم و تأنهم.

فقال له تنوخا: و يحك يا روبيل! ما أشرف على يونس و أمرته به بعد كفرهم بالله، و جحدهم لنبيه، و تكذيبهم إياه، و إخراجهم إياه من مساكنه، و ما هموا به من رجمه! فقال روبيل لتنوخا: اسكت، فانك رجل عابد، لا علم لك،

ثم أقبل على يونس، فقال: أ رأيت يا يونس إذا أنزل الله العذاب على قومك، أ ينزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا و يبقي بعضا؟ فقال له يونس: بل يهلكهم الله جميعا، و كذلك سألته، ما دخلتني لهم رحمة تعطف فأراجع الله فيها و أسأله أن يصرف عنهم.

فقال له روبيل: أ تدري- يا يونس- لعل الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به أن يتوبوا إليه و يستغفروا فيرحمهم، فإنه أرحم الراحمين، و يكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله أنه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء، فتكون بذلك عندهم كذابا.

فقال له تنوخا: ويحك- يا روبيل- لقد قلت عظيما، يخبرك النبي المرسل أن الله أوحى إليه بأن العذاب ينزل عليهم، فترد قول الله و تشك فيه و في قول رسوله؟! اذهب فقد حبط عملك.

فقال روبيل لتنوخا: لقد فشل رأيك، ثم أقبل على يونس، فقال: إذا نزل الوحي و الأمر من الله فيهم على ما انزل عليك فيهم من إنزال العذاب عليهم و قوله الحق، أ رأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم و خربت قريتهم، أليس يمحوا الله اسمك من النبوة، و تبطل رسالتك، و تكون كبعض ضعفاء الناس، و يهلك على يديك مائة ألف أو يزيدون من الناس؟

فأبى يونس أن يقبل وصيته، فانطلق و معه تنوخا إلى قومه، فأخبرهم أن الله أوحى إليه أنه منزل العذاب عليكم يوم الأربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس. فردوا عليه قوله، فكذبوه و أخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا. فخرج يونس و معه تنوخا من القرية، و تنحيا عنهم غير بعيد، و أقاما ينتظران العذاب.

و أقام روبيل مع قومه في قريتهم، حتى إذا دخل عليهم شوال

صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم: أنا روبيل، شفيق عليكم، رحيم بكم، هذا شوال قد دخل عليكم، و قد أخبركم يونس نبيكم و رسول ربكم أن الله أوحى إليه أن العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط الشهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس، و لن يخلف الله وعده رسول، فانظروا ما أنتم صانعون؟ فأفزعهم كلامه و وقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب، فأجفلوا نحو روبيل، و قالوا له: ماذا أنت مشير به علينا- يا روبيل- فإنك رجل عالم حكيم، لم نزل نعرفك بالرأفة «1» علينا و الرحمة لنا، و قد بلغنا ما أشرت به على يونس فينا، فمرنا بأمرك و أشر علينا برأيك.

فقال لهم روبيل: فإني أرى لكم و أشير عليكم أن تنظروا و تعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشهر

__________________________________________________

(1) في المصدر: بالرقة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 62

أن تعزلوا الأطفال عن الأمهات في أسفل الجبل في طريق الأودية، و توقفوا النساء و كل المواشي جميعا عن أطفالها في سفح الجبل، و يكون هذا كله قبل طلوع الشمس، فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق، فعجوا عجيجا، الكبير منكم و الصغير بالصراخ و البكاء، و التضرع إلى الله، و التوبة إليه و الاستغفار له، و ارفعوا رؤوسكم إلى السماء، و قولوا: ربنا ظلمنا أنفسنا و كذبنا نبيك و تبنا إليك من ذنوبنا، و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين، فاقبل توبتنا و ارحمنا يا أرحم الراحمين. ثم لا تملوا من البكاء و الصراخ و التضرع إلى الله و التوبة إليه حتى تتوارى الشمس بالحجاب، أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك. فأجمع رأي القوم جميعا

على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل.

فلما كان يوم الأربعاء الذي توقعوا فيه العذاب، تنحى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم و يرى العذاب إذا نزل، فلما طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به، فلما بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة، لها صرير و حفيف و هدير، فلما رأوها عجوا جميعا بالصراخ و البكاء و التضرع إلى الله، و تابوا إليه و استغفروه، و صرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمهاتها، و عجت سخال «1» البهائم تطلب الثدي، و عجت الانعام تطلب الرعي، فلم يزالوا بذلك و يونس و تنوخا يسمعان ضجيجهم «2» و صراخهم، و يدعوان الله بتغليظ العذاب عليهم، و روبيل في موضعه يسمع صراخهم و عجيجهم، و يرى ما نزل، و هو يدعو الله بكشف العذاب عنهم.

فلما أن زالت الشمس، و فتحت أبواب السماء، و سكن غضب الرب تعالى، رحمهم الرحمن فاستجاب دعاءهم، و قبل توبتهم، و أقالهم عثرتهم، و أوحى الله إلى إسرافيل (عليه السلام): أن اهبط إلى قوم يونس، فإنهم قد عجوا إلي بالبكاء و التضرع، و تابوا إلي و استغفروني، فرحمتهم و تبت عليهم، و أنا الله التواب الرحيم، أسرع إلى قبول توبة عبدي التائب من الذنوب، و قد كان عبدي يونس و رسولي سألني نزول العذاب على قومه، و قد أنزلته عليهم، و أنا الله أحق من وفى بعهده، و قد أنزلته عليهم، و لم يكن اشترط يونس حين سألني أن انزل عليهم العذاب أن اهلكهم، فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي.

فقال إسرافيل: يا رب، إن عذابك قد بلغ أكتافهم، و كاد أن يهلكهم، و ما أراه إلا و قد

نزل بساحتهم، فإلى أين أصرفه؟

فقال الله: كلا إني قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه، و لا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم و عزيمتي، فاهبط- يا إسرافيل- عليهم، و اصرفه عنهم، و اضرب به إلى الجبال بناحية مفايض العيون و مجاري السيول في الجبال العاتية، المستطيلة على الجبال، فأذلها به و لينها حتى تصير ملتئمة «3» حديدا جامدا. فهبط إسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب، حتى ضرب بها تلك الجبال التي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها- قال أبو

__________________________________________________

(1) السخال: جمع سخلة، ولد الغنم ذكرا كان أو أنثى. «الصحاح- سخل- 5: 18728».

(2) في «ط»: صيحتهم.

(3) في المصدر: مليّنة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 63

جعفر (عليه السلام): و هي الجبال التي بناحية الموصل اليوم- فصارت حديدا إلى يوم القيامة. فلما رأى قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال، و ضموا إليهم نساءهم و أولادهم و أموالهم، و حمدوا الله على ما صرف عنهم.

و أصبح يونس و تنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه، لا يشكان أن العذاب قد نزل بهم و أهلكهم جميعا، لما خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس، ينظران إلى ما صار إليه القوم، فلما دنوا من القوم و استقبلهم الحطابون و الحمارة «1» و الرعاة بأغنامهم، و نظروا إلى أهل القرية مطمئنين، قال يونس لتنوخا: يا تنوخا، كذبني الوحي، و كذبت و عدي لقومي، لا و عزة ربي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي «2» فانطلق يونس هاربا على وجهه، مغاضبا لربه «3»، ناحية بحر أيلة متنكرا، فرارا من أن يراه أحد من قومه، فيقول له: يا

كذاب، فلذلك قال الله: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ «4» الآية.

و رجع تنوخا إلى القرية، فلقي روبيل، فقال له: يا تنوخا، أي الرأيين كان أصوب و أحق أن يتبع: رأيي، أو رأيك؟

فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب، و لقد كنت أشرت برأي الحكماء و العلماء.

و قال له تنوخا: أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي و فضل عبادتي، حتى استبان فضلك لفضل علمك، و ما أعطاك الله ربك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد و العبادة بلا علم. فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما، و مضى يونس على وجهه مغاضبا لربه، فكان من قصته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله: فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ «5»».

قال أبو عبيدة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة و الرسالة فآمنوا به و صدقوه؟

قال: «أربعة أسابيع: سبعا منها: في ذهابه إلى البحر، و سبعا منها في رجوعه إلى قومه».

فقلت له: و ما هذه الأسابيع شهور، أو أيام، أو ساعات؟

فقال: «يا أبا عبيدة، إن العذاب أتاهم يوم الأربعاء، في النصف من شوال، و صرف عنهم من يومهم ذلك، فانطلق يونس مغاضبا فمضى يوم الخميس، سبعة أيام في مسيره إلى البحر، و سبعة أيام في بطن الحوت، و سبعة أيام تحت الشجرة بالعراء، و سبعة أيام في رجوعه إلى قومه، فكان ذهابه و رجوعه مسير ثمانية و عشرين يوما، ثم

__________________________________________________

(1) الحمّارة: أصحاب الحمير في السفر. «الصحاح- حمر- 2: 637».

(2) قال المجلسي (رحمه اللّه): قوله (عليه السّلام): «بعد ما كذبني الوحي» أي باعتقاد القوم، البحار 17: 399.

(3) قال المجلسي (رحمه اللّه): قوله:

«مغاضبا لربّه» أي على قومه لربّه تعالى، أي كان غضبه للّه تعالى لا للهوى، أو خائفا عن تكذيب قومه لما تخلّف عنه من وعد ربّه، البحار 17: 399.

(4) الأنبياء 21: 87.

(5) الصافات 37: 148.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 64

أتاهم فآمنوا به و صدقوه و اتبعوه، فلذلك قال الله: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ».

4982/ [7]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما أضل قوم يونس العذاب دعوا الله فصرفه عنهم». قلت: كيف ذلك؟ قال: «كان في العلم أنه يصرفه عنهم».

4983/ [8]- عن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن يونس لما آذاه قومه دعا الله عليهم، فأصبحوا أول يوم و وجوههم صفر، و أصبحوا اليوم الثاني و وجوههم سود». قال: «و كان الله واعدهم أن يأتيهم العذاب، فأتاهم العذاب حتى نالوه برماحهم، ففرقوا بين النساء و أولادهن و البقر و أولادها، و لبسوا المسوح و الصوف، و وضعوا الحبال في أعناقهم، و الرماد على رؤوسهم، و صاحوا صيحة «1» واحدة إلى ربهم، و قالوا آمنا بإله يونس».

قال: «فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال آمد «2»- قال- و أصبح يونس و هو يظن أنهم هلكوا، فوجدهم في عافية، فغضب و خرج كما قال الله: مُغاضِباً «3» حتى ركب سفينة فيها رجلان، فاضطربت السفينة، فقال الملاح: يا قوم، في سفينتي مطلوب. فقال يونس: أنا هو، و قام ليلقي نفسه، فأبصر السمكة و قد فتحت فاها، فها بها، و تعلق به الرجلان، و قالا له: أنت و حدك و نحن رجلان نتساهم. فتساهموا «4» فوقعت السهام عليه، فجرت السنة بأن السهام إذا

كانت ثلاث مرات فإنها لا تخطئ، فألقى نفسه فالتقمه الحوت، فطاف به البحار السبعة حتى صار إلى البحر المسجور، و به يعذب قارون، فسمع قارون صوتا «5»، فسأل الملك عن ذلك، فأخبره أنه يونس، و أن الله قد حبسه في بطن الحوت. فقال له قارون: أ تأذن لي أن أكلمه؟ فأذن له.

فقال: يا يونس، فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران؟ فأخبره أنه مات فبكى.

قال: فما فعل الرؤوف العطوف على قومه هارون بن عمران؟ فأخبره أنه مات، فبكى و جزع جزعا شديدا، و سأله عن أخته كلثم، و كانت سميت «6» له، فأخبره أنها ماتت، فقال: وا أسفا على آل عمران- قال- فأوحى الله إلى الملك الموكل به: أن ارفع عنه العذاب بقية الدنيا لرقته على قومه» «7».

4984/ [9]- عن معمر، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «إن يونس لما أمره الله بما أمره، فأعلم قومه

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 136/ 45.

8- تفسير العيّاشي 2: 136/ 46.

9- تفسير العيّاشي 2: 137/ 47.

(1) في المصدر: و ضجوا ضجة. [.....]

(2) آمد: بلد قديم حصين من أعظم مدن ديار بكر و أجلّها قدرا و أشهرها ذكرا. «معجم البلدان 1: 56».

(3) الأنبياء 21: 87.

(4) في المصدر: فساهمهم.

(5) في المصدر: دويّا.

(6) في المصدر: مسّماة.

(7) في المصدر: قرابته.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 65

فأظلهم العذاب، ففرقوا بينهم و بين أولادهم و بين البهائم و أولادها، ثم عجوا إلى الله و ضجوا، فكف الله العذاب عنهم، فذهب يونس مغاضبا فالتقمه الحوت، فطاف به سبعة أبحر».

فقلت له: كم بقي في بطن الحوت؟ قال: «ثلاثة أيام، ثم لفظه الحوت و قد ذهب جلده و شعره، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين فأظلته، فلما

قوي أخذت في اليبس، فقال: يا رب، شجرة أظلتني يبست، فأوحى الله إليه: يا يونس، تجزع لشجرة أظلتك و لا تجزع لمائة ألف أو يزيدون من العذاب؟!»

و ستأتي- إن شاء الله تعالى- روايات في ذلك في سورة الأنبياء و سورة الصافات «1».

سورة يونس(10): الآيات 99 الي 100 ..... ص : 65

قوله تعالى:

وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [99- 100] 4985/ [1]- علي بن إبراهيم: ثم قال الله لنبيه (صلى الله عليه و آله): وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ يعني لو شاء الله أن يجبر الناس كلهم على الإيمان لفعل.

4986/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا تميم عن عبد الله بن تميم القرشي، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، في مسائل سألها المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فكان فيما سأله أن قال له المأمون: فما معنى قول الله تعالى: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ؟.

فقال الرضا (عليه السلام): «حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: إن المسلمين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه و آله): لو أكرهت- يا رسول الله- من قدرت عليه من الناس

على الإسلام لكثر عددنا و قوينا على عدونا. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما كنت لألقى الله تعالى ببدعة لم يحدث لي فيها شيئا، و ما أنا من المتكلفين.

فأنزل الله تبارك و تعالى عليه: يا محمد وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً على سبيل الإلجاء و الاضطرار في الدنيا، كما يؤمنون عند المعاينة و رؤية البأس في الآخرة، و لو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 319.

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 134/ 33.

(1) تأتي في تفسير الآية (87) من سورة الأنبياء، و تفسير الآيات (139- 177) من سورة الصافات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 66

و لا مدحا، لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين، ليستحقوا منى الزلفى و الكرامة و دوام الخلود في جنة الخلد أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.

و أما قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها، و لكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، و إذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة، و إلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف و التعبد عنها».

فقال المأمون: فرجت عني- يا أبا الحسن- فرج الله عنك.

4987/ [3]- العياشي: عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «اجعلوا أمركم هذا لله و لا تجعلوه للناس، فإنه ما كان لله فهو لله، و ما كان للناس فلا يصعد إلى الله، و لا تخاصموا الناس بدينكم، فإن الخصومة ممرضة للقلب، إن الله قال لنبيه (صلى الله عليه و آله): يا محمد إِنَّكَ لا

تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «1» و قال: أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ذروا الناس، فإن الناس أخذوا من الناس، و إنكم أخذتم من رسول الله و علي، و لا سواء، إني سمعت أبي (عليه السلام) و هو يقول: إن الله إذا كتب إلى عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره».

4988/ [4]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس و علي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الرجس هو الشك، و الله لا نشك في ربنا أبدا».

و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر و عمران بن علي الحلبي، عن أبي بصير «2»، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثل ذلك «3».

4989/ [5]- محمد بن الحسن الصفار: عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الرجس هو الشك، و لا نشك في ديننا أبدا.»

و ستأتي إن شاء الله تعالى زيادة رواية في ذلك، في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «4».

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 137/ 48.

4- الكافي 1: 226/ 1.

5- بصائر الدرجات: 226/ 13.

(1) القصص 28: 56.

(2) (عن أبي بصير) ليس في المصدر. [.....]

(3) الكافي 1: 228/ 1.

(4) تأتي في الحديث (4) من تفسير

الآية (33) من سورة الأحزاب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 67

سورة يونس(10): آية 101 ..... ص : 67

قوله تعالى:

قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [101]

4990/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن أحمد بن هلال، عن أمية بن علي، عن داود الرقي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى:

وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ. قال: «الآيات هم آل محمد «1»، و النذر هم الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين)».

و روى هذا الحديث علي بن إبراهيم، في تفسيره، بعين السند و المتن «2».

4991/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ.

قال: «لما أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله) أتاه جبرئيل (عليه السلام) بالبراق فركبها، فأتى بيت المقدس، فلقي من لقي من إخوانه من الأنبياء (صلوات الله عليهم)، ثم رجع فحدث أصحابه: إني أتيت بيت المقدس و رجعت من الليلة، و قد جاءني جبرئيل بالبراق فركبتها، و آية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان، و قد أضلوا جملا لهم أحمر، و قد هم القوم في طلبه.

فقال بعضهم لبعض: إنما جاء الشام و هو راكب سريع، و لكنكم قد أتيتم الشام و عرفتموها، فسلوه عن أسواقها و أبوابها و تجارها. فقالوا: يا رسول الله، كيف الشام، و كيف أسواقها؟»

قال: «و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا سئل عن الشي ء لا يعرفه شق ذلك عليه حتى يرى ذلك في وجهه- قال- فبينما هو كذلك إذ أتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا رسول الله، هذه الشام قد رفعت لك. فالتفت رسول الله (صلى الله عليه و آله) فإذا هو بالشام بأبوابها و أسواقها و تجارها، و قال: أين السائل عن الشام؟ فقالوا له: فلان و فلان، فأجابهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) في كل ما سألوه، فلم يؤمن منهم إلا قليل، و هو قول الله تبارك و تعالى: وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ» ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله و برسوله، آمنا بالله و برسوله (صلى الله عليه و آله)».

4992/ [3]- العياشي: عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لما أسري

__________________________________________________

1- الكافي 1: 16/ 1.

2- الكافي 8: 364/ 555.

3- تفسير العيّاشي 2: 137/ 49.

(1) في المصدر: هم الأئمة.

(2) تفسير القمّي 1: 320.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 68

برسول الله (صلى الله عليه و آله) أتاه جبرئيل (عليه السلام) بالبراق فركبها، فأتى بيت المقدس، فلقي من لقي من الأنبياء، ثم رجع فأصبح يحدث أصحابه: إني أتيت بيت المقدس الليلة، و لقيت إخواني من الأنبياء. فقالوا: يا رسول الله، و كيف أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال: جاءني جبرئيل (عليه السلام) بالبراق، فركبته، و آية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان، و قد أضلوا جملا لهم و هم في طلبه».

قال: «فقال القوم بعضهم لبعض: إنما جاء راكبا سريعا، و

لكنكم قد أتيتم الشام و عرفتموها، فسلوه عن أسواقها و أبوابها و تجارها». قال: «فسألوه، فقالوا: يا رسول الله، كيف الشام و كيف أسواقها؟ و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا سئل عن الشي ء لا يعرفه يشق عليه حتى يرى ذلك في وجهه- قال- فبينا هو كذلك إذ أتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا رسول الله، هذه الشام قد رفعت لك، فالتفت رسول الله (صلى الله عليه و آله) فإذا هو بالشام و أبوابها و تجارها، فقال: أين السائل عن الشام؟ فقالوا: أين بيت فلان و مكان فلان «1»؟ فأجابهم عن كل ما سألوه عنه- قال- فلم يؤمن منهم إلا قليل، و هو قول الله: وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ فنعوذ بالله أن لا نؤمن بالله و رسوله، آمنا بالله و برسوله، آمنا بالله و برسوله».

سورة يونس(10): آية 102 ..... ص : 68

قوله تعالى:

قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [102]

4993/ [1]- العياشي: عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن شي ء في الفرج.

فقال: «أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ إن الله يقول: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ».

سورة يونس(10): الآيات 103 الي 109 ..... ص : 68

قوله تعالى:

كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ- إلى قوله تعالى- وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ [103- 109]

4994/ [2]- العياشي: عن مصقلة الطحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما يمنعكم أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمر أنه من أهل الجنة؟! إن الله يقول: كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 138/ 50.

2- تفسير العيّاشي 2: 138/ 51.

(1) في «ط»: فقالوا: أين فلان و أين فلان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 69

4995/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: في قوله: قُلْ يا محمد يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ فإنه محكم.

ثم قال: و قوله: وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ فإنه مخاطبة للنبي (صلى الله عليه و آله) و المعني للناس. ثم قال: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أي لست بوكيل عليكم أحفظ أعمالكم، إنما علي أن أدعوكم. ثم قال: وَ اتَّبِعْ يا محمد ما يُوحى إِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 320.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 70

المستدرك (سورة يونس) ..... ص : 70

سورة يونس(10): آية 6 ..... ص : 70

قوله تعالى:

إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ [6]

[1]- الزمخشري في (ربيع الأبرار): عن علي (عليه السلام): «من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن، ازداد به إيمانا و يقينا». ثم تلا: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ الآية.

سورة يونس(10): آية 95 ..... ص : 70

قوله تعالى:

وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ [95] [2]- ابن شهر آشوب: عن أبي القاسم الكوفي، في قوله تعالى: وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ يعني بالآيات ها هنا الأوصياء المتقدمين و المتأخرين.

__________________________________________________

1- ربيع الأبرار 1: 117.

2- المناقب 2: 253.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 71

سورة هود ..... ص : 71

فضلها ..... ص : 71

4996/ [1]- ابن بابويه: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة هود في كل جمعة بعثه الله تعالى يوم القيامة في زمرة النبيين، و لم تعرف له خطيئة عملها يوم القيامة».

4997/ [2]- العياشي: عن ابن سنان، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة هود في كل جمعة بعثه الله «1» في زمرة المؤمنين و النبيين، و حوسب حسابا يسيرا، و لم يعرف خطيئة عملها يوم القيامة».

4998/ [3]- و من كتاب (خواص القرآن): روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة اعطي من الأجر و الثواب بعدد من صدق هودا و الأنبياء (عليهم السلام) و من كذب بهم، و كان يوم القيامة في درجة الشهداء، و حوسب حسابا يسيرا».

4999/ [4]- و روي عن الصادق (عليه السلام): «من كتب هذه السورة على رق ظبي» و يأخذها معه أعطاه الله قوة و نصرا، و لو حاربه مائة رجل لانتصر عليهم و غلبهم، و إن صاح بهم انهزموا، و كل من رآه يخاف منه».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 106. [.....]

2- تفسير العيّاشي 2: 139/ 1.

3- عنه جامع الأخبار و الآثار 2: 194/ 4.

4- خواص القرآن: 42 «مخطوط».

(1) في المصدر زيادة: يوم القيامة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 73

سورة هود

البرهان في تفسير القرآن، ج 3،

ص: 77

سورة هود(11): الآيات 1 الي 6 ..... ص : 77

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ- إلى قوله تعالى- كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ [1- 6]

5000/ [1]- ابن بابويه: في رواية سفيان بن سعيد الثوري، في معنى الر: قال الصادق (عليه السلام): «معناه:

أنا الله الرؤوف».

5001/ [2]- قال علي بن إبراهيم: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ يعني من عند الله تعالى.

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ و هو محكم.

5002/ [3]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال: «هو القرآن» مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ قال: «من عند حكيم خبير» وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ «يعني المؤمنين» و قوله:

وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ «هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

5003/ [4]- ابن شهر آشوب: روى رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ: «أن المعني علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

5004/ [5]- و من طريق المخالفين: ابن مردويه، بإسناده عن ابن عباس، قال: قوله تعالى: وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ

__________________________________________________

1- معاني الآخبار: 22/ 1.

2- تفسير القمي 1: 321.

3- تفسير القمي 1: 321.

4- المناقب 3: 98، شواهد التنزيل 1: 271/ 367.

5- تأويل الآيات 1: 223/ 1 عن ابن مردويه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 78

أن المعني به علي بن أبي طالب (عليه السلام).

5005/ [6]- و قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ قال:

الدخان و الصيحة.

ثم قال: و قوله: أَلا إِنَّهُمْ

يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ يقول: يكتمون ما في صدورهم من بغض علي (عليه السلام). و

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن آية المنافق بغض علي». فكان قوم يظهرون المودة لعلي (عليه السلام) عند النبي (صلى الله عليه و آله) «1» و يسرون بغضه. فقال: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ فإنه كان إذا حدث بشي ء من فضل علي (عليه السلام)، أو تلا عليهم ما أنزل الله فيه، نفضوا ثيابهم و قاموا. يقول الله تعالى يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ حين قاموا إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

5006/ [7]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أخبرني جابر بن عبد الله: أن المشركين كانوا إذا مروا برسول الله (صلى الله عليه و آله) حول البيت طأطأ أحدهم رأسه و ظهره- هكذا- و غطى رأسه بثوبه حتى لا يراه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأنزل الله عز و جل:

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ».

5007/ [8]- العياشي: عن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أخبرني جابر بن عبد الله: أن المشركين كانوا إذا مروا برسول الله (صلى الله عليه و آله) طأطأ أحدهم رأسه و ظهره- هكذا- و غطى رأسه بثوبه حتى لا يراه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأنزل الله أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ إلى قوله: وَ ما يُعْلِنُونَ».

5008/ [9]- الطبرسي: روي عن علي بن الحسين، و أبي جعفر، و جعفر بن محمد (عليهم السلام): (يثنوني) على مثال (يفعوعل).

5009/ [10]- و قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي

الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها يقول: تكفل بأرزاق الخلق. قال: قوله: وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها يقول: حيث تأوي بالليل وَ مُسْتَوْدَعَها حيث تموت.

5010/ [11]- العياشي: عن محمد بن الفضيل، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أتى رسول الله (صلى الله عليه و آله) رجل من أهل البادية، فقال: يا رسول الله، إن لي بنين و بنات، و إخوة و أخوات، و بني بنين و بني بنات، و بني إخوة و بني أخوات، و المعيشة علينا خفيفة، فإن رأيت- يا رسول الله- أن تدعوا الله أن يوسع علينا؟-

__________________________________________________

6- تفسير القمّي 1: 321.

7- الكافي 8: 144/ 115.

8- تفسير العيّاشي 2: 139/ 2.

9- مجمع البيان 5: 215.

10- تفسير القمّي 1: 321. [.....]

11- تفسير العيّاشي 2: 139/ 3.

(1) (عند النبيّ (صلى اللّه عليه و آله) ليس في «ط».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 79

قال:- و بكى، فرق له المسلمون، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ من كفل بهذه الأفواه المضمونة على الله رزقها صب الله عليه الرزق صبا كالماء المنهمر، إن قليلا فقليلا، و إن كثيرا فكثيرا- قال:- ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمن له المسلمون».

قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «فحدثني من رأى الرجل فى زمن عمر فسأله عن حاله، فقال: من أحسن من خوله حلالا و أكثرهم مالا».

سورة هود(11): آية 7 ..... ص : 79

قوله تعالى:

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [7]

5011/ [1]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله

(عليه السلام) قال: «إن الله خلق الخير يوم الأحد، و ما كان ليخلق الشر قبل الخير، و خلق يوم الأحد و الاثنين الأرضين و خلق يوم الثلاثاء أقواتها، و خلق يوم الأربعاء السماوات، و خلق يوم الخميس أقواتها، و الجمعة «1»، و ذلك في قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فلذلك أمسكت اليهود يوم السبت».

و روى محمد بن يعقوب هذا الحديث، بإسناده، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «2».

و تقدم في أول سورة يونس «3»، و يأتي أيضا في غيرها إن شاء الله تعالى «4».

5012/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبدالرحمن ابن كثير، عن داود الرقي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فقال:

«ما يقولون؟» قلت: يقولون: إن العرش كان على الماء، و الرب فوقه! فقال (عليه السلام): «كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولا، و وصفه بصفة المخلوقين، و لزمه أن الشي ء الذي يحمله أقوى منه».

قلت: بين لي، جعلت فداك، فقال: «إن الله حمل دينه و علمه الماء، قبل أن تكون أرض أو سماء، أو جن أو

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 140/ 4.

2- الكافي 1: 103/ 7.

(1) (و الجمعة) ليس في «ط» و الذي في (الكافي 8: 145/ 118): «و خلق السماوات يوم الأربعاء و يوم الخميس، و خلق أقواتها يوم الجمعة».

(2) الكافي 8: 145/ 117.

(3) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآية (3) من سورة يونس.

(4) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآية (59) من سورة الفرقان، و الحديث (1) من تفسير الآية

(4) من سورة السجدة، و الحديث (1) من تفسير الآية (4) من سورة الحديد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 80

إنس، أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه، فقال لهم: من ربكم؟ فأول من نطق رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام) فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم و الدين. ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة ديني و علمي، و أمنائي في خلقي، و هم المسؤولون. ثم قال لبني آدم: أقروا لله بالربوبية، و لهؤلاء النفر بالولاية و الطاعة، فقالوا: نعم- ربنا- أقررنا. فقال الله للملائكة: اشهدوا فقالت الملائكة: شهدنا على أن لا يقولوا غدا: إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبل، و كنا ذرية من بعدهم أ فتهلكنا بما فعل المبطلون.

يا داود، ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق».

و روى هذا الحديث ابن بابويه، في كتاب (التوحيد) هكذا: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا جدعان بن نصر أبو نصر الكندي، قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن كثير، عن داود الرقي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فقال لي: «ما يقولون؟» و ذكر مثله «1».

5013/ [3]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم و الحجال، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «كان كل شي ء

ماء، و كان عرشه على الماء، فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم نارا، ثم أمر النار فخمدت، فارتفع من خمودها دخان، فخلق الله عز و جل السماوات من ذلك الدخان، و خلق الله الأرض من الرماد «2»، ثم اختصم الماء و النار و الريح، فقال الماء: أنا جند الله الأكبر، و قالت النار: أنا جند الله الأكبر، و قالت الريح: أنا جند الله الأكبر، فأوحى الله عز و جل إلى الريح: أنت جندي الأكبر».

5014/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.

قال: «ليس يعني أكثر عملا، و لكن أصوبكم عملا، و إنما الإصابة خشية الله و النية الصادقة» «3».

ثم قال: «الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل، و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز و جل، و النية أفضل من العمل، ألا إن النية هي العمل- ثم تلا قوله عز و جل- قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ «4» يعني على نيته».

__________________________________________________

3- الكافي 3: 153/ 142 و: 95/ 68.

4- الكافي 2: 13/ 4.

(1) التوحيد: 319/ 1.

(2) في «ط»: الماء.

(3) في المصدر زيادة: و الحسنة.

(4) الإسراء 17: 84. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 81

5015/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ هُوَ الَّذِي

خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.

فقال: «إن الله تبارك و تعالى خلق العرش و الماء و الملائكة قبل خلق السموات و الأرض، و كانت الملائكة تستدل بأنفسها و بالعرش و بالماء على الله عز و جل، ثم جعل عرشه على الماء، ليظهر بذلك قدرته للملائكة، فيعلمون أنه على كل شي ء قدير، ثم رفع العرش بقدرته و نقله فجعله فوق السماوات السبع، و خلق السماوات و الأرض في ستة أيام، و هو مستول على عرشه، و كان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، و لكنه عز و جل خلقها في ستة أيام، ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شي ء، فيستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى مرة بعد اخرى، و لم يخلق الله عز و جل العرش لحاجة به إليه، لأنه غني عن العرش و عن جميع ما خلق، و لا يوصف بالكون على العرش، لأنه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا، و أما قوله عز و جل: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فإنه عز و جل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته و عبادته، لا على سبيل الامتحان و التجربة، لأنه لم يزل عليما بكل شي ء».

فقال المأمون: فرجت عني- يا أبا الحسن- فرج الله عنك.

5016/ [6]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: «إن الله عز و جل خلق العرش أرباعا، لم يخلق قبله

إلا ثلاثة أشياء: الهواء، و القلم، و النور، ثم خلقه من أنوار مختلفة، فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، و نور أصفر اصفرت منه الصفرة، و نور أحمر احمرت منه الحمرة، و نور أبيض و هو نور الأنوار، و منه ضوء النهار. ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه، و يقدسه بأصوات مختلفة، و ألسنة غير مشتبهة، و لو أذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال و المدائن و الحصون، و لخسف البحار، و لأهلك ما دونه. له ثمانية أركان، على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عز و جل، يسبحون في الليل و النهار لا يفترون، و لو أحسن شي ء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين، بينه و بين الإحساس الجبروت و الكبرياء و العظمة و القدس و الرحمة ثم العلم، و ليس وراء هذا مقال» «1».

5017/ [7]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان الله تبارك و تعالى كما وصف

__________________________________________________

5- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 134/ 33.

6- التوحيد: 324/ 1.

7- تفسير العيّاشي 2: 140/ 5.

(1) في «ط»: ممّا فوقه لما زال عن ذلك طرفة عين بينه و بين إحساسه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 82

نفسه، و كان عرشه على الماء، و الماء على الهواء: و الهواء لا يجري».

5018/ [8]- قال محمد بن عمران العجلي: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أي شي ء كان موضع البيت حيث كان الماء في قول الله: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ؟ قال: «كانت مهاة بيضاء» يعني درة.

5019/ [9]-

و روي عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سئل عن مدة ما كان عرشه على الماء قبل أن يخلق الأرض و السماء؟ فقال (عليه السلام): «تحسن أن تحسب؟» فقيل له: نعم.

فقال: «لو أن الأرض من المشرق إلى المغرب و من الأرض إلى السماء حب خردل، ثم كلفت على ضعفك أن تحمله حبة حبة من المشرق إلى المغرب حتى أفنيته، لكان ربع عشر جزء من سبعين ألف جزء من بقاء عرش ربنا على الماء، قبل أن يخلق الأرض و السماء- ثم قال (عليه السلام):- إنما مثلت لك مثالا».

و ستأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ما هنا في سورة طه، في قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «1».

سورة هود(11): الآيات 8 الي 11 ..... ص : 82

قوله تعالى:

وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ- إلى قوله تعالى- إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ [8- 11]

5020/ [10]- محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا حميد بن زياد، قال: حدثنا علي بن الصباح، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محمد الحضرمي قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن إسحاق بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ. قال: «العذاب خروج القائم (عليه السلام)، و الامة المعدودة [عدة] أهل بدر، أصحابه».

5021/ [11]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف، عن حسان، عن هاشم بن عمار، عن أبيه- و كان من أصحاب علي (عليه السلام)- عن علي) (صلوات الله عليه) في قوله تعالى: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ

ما يَحْبِسُهُ.

قال: «الامة المعدودة: أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاثمائة و البضعة عشر».

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 140/ 6.

9- إرشاد القلوب: 377 «نحوه».

10- الغيبة: 241/ 36.

11- تفسير القمّي 1: 323.

(1) يأتي في الأحاديث (1- 12) من تفسير الآية (5) من سورة طه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 83

5022/ [3]- قال علي بن إبراهيم: و الامة في كتاب الله على وجوه كثيرة، فمنها: المذهب، و هو قوله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً «1» أي على مذهب واحد. و منها: الجماعة من الناس، و هو قوله: وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ «2» أي جماعة. و منها: الواحد، قد سماه الله امة، و هو قوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً «3».

و منها: جميع أجناس الحيوان، و هو قوله: وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ «4». و منها: أمة محمد (صلى الله عليه و آله)، و هو قوله: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ «5» و هي أمة محمد (صلى الله عليه و آله). و منها: الوقت، و هو قوله: وَ قالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ «6» أي بعد وقت. و قوله: إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ يعني به الوقت. و منها: الخلق كله، و هو قوله: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ «7» و قوله: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ «8» و مثله كثير.

5023/ [4]- العياشي: عن أبان بن مسافر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ «يعني عدة كعدة بدر» لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ

يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَՙҘљϙșXǙˠعَنْهُمْ قال:

«العذاب».

5024/ [5]- عن عبد الأعلى الحلبي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاثمائة و البضعة عشر رجلا، هم و الله الامة المعدودة التي قال الله في كتابه: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ- قال- يجمعون له في ساعة واحدة قزعا «9» كقزع الخريف».

5025/ [6]- عن الحسين، عن الخزاز «10»، عن أبي عبد الله (عليه السلام): وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ. قال: «هو القائم (عليه السلام) و أصحابه».

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 323.

4- تفسير العيّاشي 2: 140/ 7.

5- تفسير العيّاشي 2: 140/ 8.

6- تفسير العيّاشي 2: 141/ 9.

(1) البقرة 2: 213. [.....]

(2) القصص 28: 28: 23.

(3) النحل 16: 120.

(4) فاطر 35: 24.

(5) الرعد 13: 30.

(6) يوسف 12: 45.

(7) الجاثية 45: 28.

(8) النحل 16: 84.

(9) القزع: قطع من السّحاب رقيقة. «الصحاح- قزع- 3: 1265».

(10) في «ط» الحسين عن الحرّ، و الظاهر أنّه تصحيف الحسين بن الحرّ، انظر رجال البرقي: 26، معجم رجال الحديث 5: 211.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 84

5026/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام) «1»

في قول الله عز و جل:اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

«2».

[قال: «الخيرات: الولاية، و قوله تبارك و تعالى:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً] يعني أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاثمائة و البضعة عشر رجلا- قال- هم و الله الامة المعدودة- قال- يجتمعون و الله في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف».

5027/ [8]- الطبرسي: قيل: إن الامة المعدودة هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في

آخر الزمان ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا، كعدة أهل بدر، يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف. قال: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام).

5028/ [9]- قال شرف الدين النجفي: و يؤيده ما رواه محمد بن جمهور، عن حماد بن عيسى، عن حريز، قال:

روى بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ.

قال: «العذاب هو القائم (عليه السلام)، و هو عذاب على أعدائه، و الامة المعدودة هم الذين يقومون معه، بعدد أهل بدر».

5029/ [10]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ.

قال: إن متعناهم في هذه الدنيا إلى خروج القائم (عليه السلام) فنردهم و نعذبهم لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أي يقولون: ألا لا يقوم القائم، و لا يخرج؟ على حد الاستهزاء، فقال الله: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.

5030/ [11]- و قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي قال: إذا أغنى الله العبد ثم افتقر أصابه اليأس و الجزع و الهلع، و إذا كشف الله عنه ذلك فرح، و قال: ذهب السيئات عني إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ثم قال: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال: صبروا في الشدة، و عملوا الصالحات في الرخاء.

__________________________________________________

7- في المصدر: 8: 313/ 487، ينابيع المودة: 421.

8- مجمع البيان 5: 218، ينابيع المودة: 424.

9- تأويل الآيات 1: 223/ 3.

10- تفسير القمّي 1: 322.

11- تفسير القمّي 1: 323. [.....]

(1) في «س، ط»: أبي

عبد اللّه (عليه السّلام)، راجع معجم رجال الحديث 21: 384.

(2) البقرة 2: 148.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 85

سورة هود(11): الآيات 12 الي 16 ..... ص : 85

قوله تعالى:

فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ [12]

5031/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، و الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن عمار بن سويد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في هذه الآية: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ.

فقال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما نزل قديدا «1»، قال لعلي (عليه السلام): يا علي، إني سألت ربي أن يوالي بيني و بينك ففعل، و سألت ربي أن يؤاخي بيني و بينك ففعل، و سألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل.

فقال رجلان من قريش: و الله لصاع من تمر في شن «2» بال أحب إلينا مما سأل محمد ربه، فهلا سأل ربه ملكا يعضده على عدوه، أو كنزا يستغني به عن فاقته؟! و الله ما دعاه «3» إلى حق و لا باطل إلا أجابه إليه. فأنزل الله تبارك و تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ إلى آخر الآية».

5032/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن عمارة بن سويد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «سبب نزول هذه الآية

أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) خرج ذات يوم، فقال لعلي (عليه السلام): يا علي، إني سألت الله الليلة، أن يجعلك وزيري ففعل، و سألته أن يجعلك وصيي ففعل، و سألته أن يجعلك خليفتي في أمتي ففعل.

فقال رجل من الصحابة: و الله لصاع من تمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه، ألا سأله ملكا يعضده أو مالا يستعين به على فاقته؟! فو الله ما دعا عليا قط إلى حق أو إلى باطل إلا أجابه. فأنزل الله على رسوله:

فَلَعَلَّكَ تارِكٌ الآية».

5033/ [3]- الشيخ في (أماليه): روى هذا الحديث، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد، قال: حدثنا أبو

__________________________________________________

1- الكافي 8: 378/ 572.

2- تفسير القمّي 1: 324.

3- الأمالي 1: 106.

(1) قديد: موضع قرب مكة. «معجم البلدان 4: 313».

(2) الشنّ: القربة الخلق. «الصحاح- شنن- 5: 2146».

(3) في «ط»: ما دعا عليا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 86

حفص عمر بن محمد المعروف بابن الزيات، قال: حدثنا أبو علي بن همام الإسكافي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عيسى، قال: حدثني أبي، عن عبد الله بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن عمار بن يزيد «1»، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: «لما نزل رسول الله (صلى الله عليه و آله) بطن قديد، قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): يا علي، إني سألت الله عز و جل أن يوالي بيني و بينك ففعل، و سألته أن يؤاخي بيني و بينك ففعل، و سألته أن يجعلك وصيي ففعل.

فقال رجل من القوم: و الله لصاع من تمر في شن بال خير مما سأل محمد

ربه، هلا سأله ملكا يعضده على عدوه، أو كنزا يستعين به على فاقته، و الله ما دعاه إلى باطل إلا أجابه إليه. فأنزل الله تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ».

و روى أيضا هذا الحديث المفيد في (أماليه)، قال: حدثنا أبو حفص عمر بن محمد المعروف با بن الزيات (رحمه الله)، و ساق الحديث بباقي السند و المتن، إلا أن في آخر السند: عن ابن مسكان، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) «2»، و ساق الحديث إلى آخره كما في أمالي الشيخ.

5034/ [4]- العياشي: عن عمار بن سويد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام): يقول في هذه الآية: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ إلى قوله: أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ.

قال: «إن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لما نزل قديدا «3»، قال: لعلي (عليه السّلام): إني سألت ربي أن يوالي بيني و بينك ففعل، و سألت ربي أن يؤاخي بيني و بينك ففعل، و سألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل.

فقال رجل «4» من قريش: و الله لصاع من تمر في شن بال أحب إلينا مما سأل محمد ربه، فهلا سأله ملكا يعضده على عدوه، أو كنزا يستعين به على فاقته؟! و الله ما دعاه إلى باطل إلا أجابه إليه. فأنزل الله عليه: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ إلى آخر الآية».

قال: «و دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأمير المؤمنين في آخر صلاته، رافعا بها صوته،

يسمع الناس: اللهم هب لعلي المودة في صدور المؤمنين، و الهيبة و العظمة في صدور المنافقين، فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا

__________________________________________________

4- تفسير العياشي 2: 141/ 11.

(1) كذا، و قد تقدم في الحديث (1) و يأتي في الحديث (4) عمار بن سويد، و في الحديث (2) عمارة بن سويد، و كلاهما ممن روى عن الصادق (عليه السلام)، و روى عنهما ابن مسكان، و يأتي عن أمالي المفيد في ذيل هذا الحديث: عمر بن يزيد، و هو أيضا ممن روى عن الصادق (عليه السلام) و روى عنه ابن مسكان، و لا دليل على التعيين.

(2) الأمالي: 279/ 5.

(3) في المصدر: غديرا.

(4) في المصدر: رجلان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 87

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا «1» بني امية.

قال رجل: و الله لصاع من تمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه، أ فلا سأله ملكا يعضده، أو كنزا يستظهر به على فاقته؟! فأنزل الله فيه عشر آيات من هود، أولها: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ إلى أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ولاية علي قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ إلى فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ في ولاية علي (عليه الصلاة و السلام) فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «2» لعلي ولايته مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها يعني فلانا و فلانا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها «3»، أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ أمير المؤمنين (عليه السلام) وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً «4»- قال-

كانت ولاية علي في كتاب موسى أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ «5» في ولاية علي إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ إلى قوله: وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ «6» هم الأئمة (عليهم السلام) هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ إلى قوله: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَ فَلا تَذَكَّرُونَ» «7».

5035/ [5]- عن جابر بن أرقم، عن أخيه زيد بن أرقم، قال: إن جبرئيل الروح الأمين نزل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) عشية عرفة، فضاق بذلك صدر رسول الله (صلى الله عليه و آله) مخافة تكذيب أهل الإفك و النفاق، فدعا قوما أنا فيهم فاستشارهم في ذلك ليقوم به في الموسم، فلم ندر ما نقول له و بكى (صلى الله عليه و آله)، فقال له جبرئيل يا محمد، أ جزعت من أمر الله؟ فقال: «كلا- يا جبرئيل- و لكن قد علم ربي ما لقيت من قريش، إذ لم يقروا لي بالرسالة حتى أمرني بجهادهم، و أهبط إلي جنودا من السماء فنصروني، فكيف يقرون لعلي من بعدي؟!» فانصرف عنه جبرئيل فنزل: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ.

5036/ [6]- ابن بابويه في (أماليه): قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد الأسدي، عن أبي الحسن العبدي، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن عبد الله بن عباس، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما أسري به إلى السماء، انتهى به جبرئيل إلى نهر، يقال له:

النور، و هو قول الله عز و جل:

وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ «8» فلما انتهى به إلى ذلك النهر، قال له جبرئيل (عليه السلام) يا محمد، اعبر على بركة الله، قد نور الله لك بصرك، و مد لك أمامك، فإن هذا نهر لم يعبره أحد، لا

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 141/ 10، شواهد التنزيل 1: 272/ 368. [.....]

6- الأمالي: 290/ 10.

(1) مريم 19: 96- 97.

(2) هود 11: 13- 14.

(3) هود 11: 15.

(4، 5) هود 11: 17.

(6) هود 11: 17- 18.

(7) هود 11: 18- 24.

(8) الأنعام 6: 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 88

ملك مقرب و لا نبي مرسل، غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه، ثم أخرج منه فأنفض اجنحتي، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك و تعالى منها ملكا مقربا، له عشرون ألف وجه و أربعون ألف لسان، كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر. فعبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى انتهى به إلى الحجب، و الحجب خمسمائة حجاب، من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام، ثم قال: تقدم، يا محمد. فقال له: «يا جبرئيل، و لم لا تكون معي؟» قال: ليس لي أن أجوز هذا المكان.

فتقدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما شاء الله أن يتقدم حتى سمع ما قال الرب تبارك و تعالى: أنا المحمود و أنت محمد، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته، و من قطعك بتكته «1»، انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك، و أني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا، و أنك رسولي، و أن عليا وزيرك. فهبط رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فكره أن يحدث الناس بشي ء، كراهية أن يتهموه، لأنهم

كانوا حديثي عهد بالجاهلية، حتى مضى لذلك ستة أيام، فأنزل الله تبارك و تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ فاحتمل رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذلك حتى كان يوم الثامن، فأنزل الله تبارك و تعالى عليه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «2» فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «تهديد بعد وعيد، لأمضين لأمر «3» الله عز و جل، فإن يتهموني و يكذبوني فهو أهون علي من أن يعاقبني الله العقوبة الموجعة في الدنيا و الآخرة».

قال: و سلم جبرئيل (عليه السلام) على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، فقال علي (عليه السلام) «يا رسول الله، أسمع الكلام و لم أحس الرؤية». فقال: «يا علي، هذا جبرئيل أتاني من قبل ربي بتصديق ما وعدني. ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) رجلا فرجلا من أصحابه حتى سلموا عليه بإمرة المؤمنين».

ثم قال: «يا بلال، ناد في النسا: أن لا يبقى غدا أحد- إلا عليل- إلا خرج إلى غدير خم». فلما كان من الغد خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) بجماعة من «4» أصحابه، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال:

«أيها الناس، إن الله تبارك و تعالى أرسلني إليكم برسالة، و إني ضقت بها ذرعا مخافة أن تتهموني و تكذبوني، حتى أنزل الله علي و عيدا بعد وعيد، فكان تكذيبكم إياي أيسر علي من عقوبة الله تعالى. إن الله تبارك و تعالى أسرى بي و أسمعني، و قال لي: يا محمد، أنا المحمود و أنت محمد، شققت اسمك من اسمي، فمن

وصلك وصلته، و من قطعك بتكته، انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك، و أني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا، و أنك رسولي، و أن عليا وزيرك». ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، و لم ير قبل ذلك، ثم قال:

«أيها الناس، إن الله تبارك و تعالى مولاي، و أنا مولى المؤمنين، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من

__________________________________________________

(1) البتك: القطع. «الصحاح- بتك- 4: 1574».

(2) المائدة 5: 67.

(3) في المصدر: أمر.

(4) (من) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 89

والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله». فقال الشكاك و المنافقون و الذين في قلوبهم مرض و زيغ: نبرأ إلى الله من مقالته، ليس بحتم، و لا نرضى أن يكون علي وزيره، هذه منه عصبية فقال سلمان و المقداد و أبو ذر و عمار بن ياسر: و الله ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «1» فكرر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذلك ثلاثا، ثم قال: «إن كمال الدين و تمام النعمة و رضى الرب بإرسالي إليكم بالولاية بعدي لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)».

قوله تعالى:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- إلى قوله تعالى- أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [13- 14] تقدم في الاية السابقة عن الصادق (عليه السلام) منها إلى عشر آيات، إلى قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَ فَلا تَذَكَّرُونَ «2» فليؤخذ

معناها من الحديث المذكور في الآية السابقة «3».

5037/ [1]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ إلى قوله: صادِقِينَ: يعني قولهم: إن الله لم يأمره بولاية علي، و إنما يقول من عنده فيه.

فقال الله عز و جل فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ أي بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) من عند الله.

قوله تعالى:

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ- إلى قوله تعالى- وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [15- 16] 5038/ [2]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ

__________________________________________________

1- تفسير القمي 1: 324.

2- تفسير القمي 1: 324. [.....]

(1) المائدة 5: 3.

(2) هود 11: 24.

(3) تقدم في الحديث (4) من تفسير الآية (12) من هذه السورة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 90

أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ.

قال: من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا، أعطاه ثوابه في الدنيا، و كان له في الآخرة النار.

5039/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه و علي بن محمد القاساني جميعا، عن القاسم ابن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف، فقال: أ ترى يجيب «1» الله هذا الخلق كله؟

فقال أبي: ما وقف بهذا الموقف أحد إلا غفر الله له، مؤمنا كان أو كافرا، إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل- و ذكر المنازل الثلاث فقال في الثالثة- و كافر وقف هذا الموقف، زينة الحياة الدنيا، غفر

الله له ما تقدم من ذنبه، إن تاب من الشرك فيما بقي من عمره، و إن لم يتب وفاه أجره و لم يحرمه أجر هذا الموقف، و ذلك قوله عز و جل: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ».

و قد تقدم الحديث بتمامه في قوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ «2».

5040/ [3]- العياشي: عن عمار بن سويد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها يعني فلانا و فلانا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها».

سورة هود(11): آية 17 ..... ص : 90

قوله تعالى:

أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ- إلى قوله تعالى- لا يُؤْمِنُونَ [17]

5041/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن أبي بصير و الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: «إنما نزلت: (أ فمن كان على بينة من ربه- يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله)-، و يتلوه شاهد منه إماما و رحمة و من قبله كتاب موسى أولئك يؤمنون به) فقدموا و أخروا في التأليف».

__________________________________________________

2- الكافي 4: 521/ 10.

3- تفسير العيّاشي 2: 142/ 11.

4- تفسير القمّي 1: 324.

(1) في المصدر: يخيب.

(2) تقدّم في الحديث (3) من تفسير الآيات (200- 202) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 91

5042/ [2]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أحمد ابن

عمر الحلال، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ.

فقال: «أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الشاهد من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) على بينة من ربه».

5043/ [3]- محمد بن الحسن الصفار: عن محمد بن الحسين، عن عبد الله بن حماد، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لو كسرت لي الوسادة فقعدت عليها، لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، و أهل الإنجيل بإنجيلهم، و أهل الزبور بزبورهم، و أهل الفرقان بفرقانهم، بقضاء يصعد إلى الله يزهر. و الله ما نزلت آية في كتاب الله، في ليل أو نهار، إلا و قد علمت فيمن أنزلت، و لا أحد ممن مرت على رأسه المواسي من قريش إلا و قد أنزلت فيه آية من كتاب الله، تسوقه إلى الجنة أو النار».

فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما الآية التي نزلت فيك؟ قال: «أما سمعت الله يقول: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فرسول الله (صلى الله عليه و آله) على بينة من ربه، و أنا الشاهد له، و أتلوه منه» «1».

5044/ [4]- الشيخ في (أماليه): بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يوم الجمعة يخطب على المنبر، فقال: «و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا و قد أنزلت فيه آية من كتاب الله عز و جل، أعرفها كما أعرفه».

فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين ما آيتك التي نزلت فيك؟ فقال: «إذا

سألت فافهم، و لا عليك ألا تسأل عنها غيري، أقرأت سورة هود؟» فقال: نعم، يا أمير المؤمنين، قال: «أ فسمعت الله عز و جل يقول: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ؟». قال: نعم قال: «فالذي على بينة من ربه محمد (صلى الله عليه و آله)، و يتلوه شاهد منه- و هو الشاهد، و هو منه «2»- أنا علي بن أبي طالب و أنا الشاهد و الله لنبيه، و أنا منه (صلى الله عليه و آله)».

5045/ [5]- و عنه، في (مجالسه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة، قال: حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري، قال: حدثنا علي بن حسان الواسطي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده

__________________________________________________

2- الكافي 1: 147/ 3.

3- بصائر الدرجات: 152/ 2.

4- الأمالي 1: 381.

5- الأمالي 2: 174، ينابيع المودة: 480.

(1) في المصدر: و أنا شاهد له فيه و أتلوه معه.

(2) الظاهر أنّ قوله: «و هو الشاهد، و هو منه» من كلام الراوي، و «هو» يعود على عليّ (عليه السّلام)، و الهاء في «منه» تعود إلى الرسول (صلى اللّه عليه و آله). [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 92

علي بن الحسين، عن الحسن (عليهم السلام)- في خطبة طويلة خطبها بمحضر معاوية- و قال فيها: «أقول معشر الخلائق- فاسمعوا، و لكم أفئدة و أسماع فعوا، إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام، و اختارنا و اصطفانا و اجتبانا، فأذهب عنا الرجس و طهرنا تطهيرا- و الرجس: هو الشك- فلا نشك في الله الحق و دينه أبدا،

و طهرنا من كل أفن «1» و عيبة، مخلصين إلى آدم نعمة منه. لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما، فأدت الأمور، و أفضت الدهور، إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه و آله) بالنبوة، و اختاره للرسالة، و أنزل عليه كتابه، ثم أمره بالدعاء إلى الله عز و جل، فكان أبي (عليه السلام) أول من استجاب لله تعالى و لرسوله (صلى الله عليه و آله)، و أول من آمن و صدق الله و رسوله. و قد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فرسول الله الذي على بينة من ربه، و أبي الذي يتلوه، و هو شاهد منه». و ساق الخطبة و هي طويلة.

5046/ [6]- الشيخ المفيد (في أماليه)، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن أسد الإصفهاني، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثنا الصباح بن يحيى المزني، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله، قال: قام «2» رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ.

قال: قال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله) الذي كان على بينة من ربه، و أنا الشاهد له و منه، و الذي نفسي بيده ما أحد جرت عليه المواسي من قريش إلا و قد أنزل الله فيه من كتابه طائفة. و الذي نفسي بيده لئن تكونوا تعلمون ما قضى الله لنا أهل البيت على

لسان النبي الامي أحب إلي من أن يكون لي مل ء هذه الرحبة ذهبا، و الله ما مثلنا في هذه الامة إلا كمثل سفينة نوح و كباب حطة في بني إسرائيل».

5047/ [7]- سليم بن قيس الهلالي: و من كتابه نسخت عن قيس بن سعد بن عبادة «3»- في حديث له مع معاوية- قال قيس: لقد قبض رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاجتمعت الأنصار إلى أبي، ثم قالوا: نبايع سعدا. فجاءت قريش فخاصمونا بحجة علي و أهل بيته (عليهم السلام)، و خاصمونا بحقه و قرابته، فلم يعد قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار و آل محمد (عليهم السلام)، و لعمري ما لأحد من الأنصار و لا من قريش و لا من العرب و لا من العجم في الخلافة

__________________________________________________

6- الأمالي: 145/ 5، شواهد التنزيل 1: 276/ 375، منتخب كنز العمال 1: 449.

(7) كتاب سليم بن قيس: 163.

(1) الأفن: النقص، و الأفن: ضعف الرأي. «الصحاح- أفن- 5: 2071».

(2) في المصدر: قدم.

(3) هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري، الخزرجي المدني، وال، صحابي، كان شريف قومه غير مدافع، و كان يحمل راية الأنصار مع النبيّ (صلى اللّه عليه و آله)، و صحب عليا (عليه السّلام) في خلافته و استعمله على مصر، و كان على مقدّمته يوم صفين، ثمّ كان مع الحسن (عليه السّلام)، و رجع بعد الصلح إلى المدينة و توفّي بها سنة (60 ه). و قيل: هرب من معاوية سنة (58 ه) و سكن تفليس فمات فيها. المحبّر: 155، الجرح و التعديل 7: 99، اسد الغابة 4: 215، سير أعلام النبلاء 3: 102، تهذيب التهذيب 8: 395.

رهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 93

حق و لا نصيب

مع علي بن أبي طالب و ولده من بعده (عليهم السلام). فغضب معاوية، و قال: يا بن سعد، عمن أخذت هذا، و عمن ترويه، و ممن سمعته، أبوك حدثك هذا و عنه أخذته؟

فقال قيس بن سعد: أخذته عمن هو خير من أبي، و أعظم علي حقا من أبي. قال: من هو؟ قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام) عالم هذه الامة و ربانيها، و صديقها و فاروقها، الذي أنزل الله فيه: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «1» فلم يدع في علي (عليه السلام) آية نزلت في علي (عليه السلام) «2» إلا ذكرها.

فقال معاوية: إن صديقها أبو بكر، و فاروقها عمر، و الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام «3».

قال قيس: أحق بهذه الأشياء «4» و أولى بها الذي أنزل الله فيه: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ و الذي أنزل الله فيه: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ «5» و الذي نصبه رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم غدير خم، فقال: «من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه» و قال في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».

5048/ [8]- العياشي: عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الذي على بينة من ربه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و الذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم أوصياؤه واحدا بعد واحد».

5049/ [9]- عن جابر بن عبد الله بن يحيى، قال: سمعت عليا (عليه السلام) و هو يقول: «ما من رجل من

قريش إلا و قد أنزلت فيه آية أو آيتان من كتاب الله». فقال له رجل من القوم: فما نزل فيك، يا أمير المؤمنين؟ فقال: «أما تقرأ الآية التي في هود: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ محمد (صلى الله عليه و آله) على بينة من ربه، و أنا الشاهد».

5050/ [10]- (كشف الغمة): قال عباد بن عبد الله الأسدي: سمعت عليا يقول و هو على المنبر: «ما من رجل من قريش إلا و قد نزلت فيه آية أو آيتان». فقال رجل ممن تحته: فما نزلت فيك أنت؟ فغضب ثم قال: «أما إنك لو لم تسألني على رؤوس الأشهاد ما حدثتك. و يحك، هل تقرأ سورة هود.- ثم قرأ علي (عليه السلام) أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ رسول الله (صلى الله عليه و آله) على بينة، و أنا الشاهد منه».

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 142/ 12.

9- تفسير العيّاشي 2: 142/ 13، تفسير الطبري 12: 11، فرائد السمطين 1: 340/ 262، الدر المنثور 4: 409.

10- كشف الغمة 1: 315، النور المشتعل: 106/ 26- 28.

(1) الرعد 13: 43.

(2) في المصدر: فلم يدع آية نزلت في عليّ.

(3) عبد اللّه بن سلام بن الحارث الاسرائيلي، صحابي، أسلم عند قدوم النبيّ (صلى اللّه عليه و آله) المدينة، اتّخذ في صفّين سيفا من خشب و اعتزلها، و أقام بالمدينة إلى أن مات سنة (43 ه). الجرح و التعديل 5: 62، اسد الغابة 3: 176، سير أعلام النبلاء 2: 413، تهذيب التهذيب 5: 249، الاصابة 2: 320.

(4) في المصدر: الأسماء.

(5) الرعد 13: 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 94

5051/ [11]- و عنه: قال ابن

عباس في معنى الآية: هو علي (عليه السلام) شهد للنبي (صلى الله عليه و آله) و هو منه.

5052/ [12]- ابن شهر آشوب: عن الطبري بإسناده، عن جابر بن عبد الله، عن علي (عليه السلام) و روى الأصبغ و زين العابدين و الباقر و الصادق و الرضا (عليهم السلام) أنه قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ أنا».

5053/ [13]- عن الحافظ أبي نعيم بثلاثة طرق، قال: سمعت عليا يقول: «قول الله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ رسول الله (صلى الله عليه و آله) على بينة من ربه، و أنا الشاهد».

5054/ [14]- حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ قال: هو رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كان- و الله- لسان رسول الله (صلى الله عليه و آله).

5055/ [15]- كتاب (فصيح الخطيب): أنه سأله ابن الكواء، فقال: و ما أنزل فيك؟ قال: «قوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ و قد روى زاذان نحوا من ذلك.

5056/ [16]- الثعلبي: عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ الشاهد علي (عليه السلام).

و رواه القاضي أبو عمر، و عثمان بن أحمد، و أبو نصر القشيري، في كتابيهما. و رواه الفلكي المفسر، عن مجاهد، و عن عبد الله بن شداد.

5057/ [17]- و من طريق المخالفين:

ابن المغازلي الشافعي، في تفسير قوله: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: قال علي (عليه السلام): «رسول الله (صلى الله عليه و آله) على بينة من ربه، و أنا الشاهد منه، أتلوه و اتبعه».

5058/ [18]- و روى ابن المغازلي الشافعي: بإسناده عن علي بن عابس، قال: دخلت أنا و أبو مريم على عبد الله بن عطاء، قال أبو مريم: حدث عليا بالحديث الذي حدثتني به عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) جالسا إذ مر علينا ابن عبد الله بن سلام، قلت: جعلت فداك، هذا ابن الذي عنده علم «1» الكتاب؟

__________________________________________________

11- كشف الغمة 1: 3087. [.....]

12- المناقب 3: 85.

13- المناقب 3: 85.

14- المناقب 3: 85، شواهد التنزيل 1: 280/ 383.

15- المناقب 3: 86.

16- المناقب 3: 86، شواهد التنزيل 1: 279/ 381.

17- المناقب للمغازلي: 270/ 318.

18- المناقب للمغازلي: 313/ 358.

(1) في المصدر زيادة: من.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 95

قال: «لا، و لكنه صاحبكم علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله تعالى: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «1»، أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ «2» الآية».

5059/ [19]- موفق بن أحمد، قال: قوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال ابن عباس: هو علي (عليه السلام) أول من يشهد للنبي (صلى الله عليه و آله)، و هو منه.

5060/ [20]- الثعلبي في (تفسيره) يرفعه إلى ابن عباس أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ علي خاصة.

5061/ [21]- و بإسناده عن الشعبي، يرفعه إلى علي (عليه

السلام)- في حديث طويل- قال علي (عليه السلام): «ما من رجل من قريش إلا و قد نزلت فيه الآية أو الآيتان، فقال له رجل: فأي شي ء نزل فيك؟ فقال: أما تقرأ الآية التي في هود: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ».

5062/ [22]- أبو بكر بن مردويه، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى التميمي، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر، حدثنا أبي، حدثنا عمي الحسين بن سعيد بن أبي الجهم، حدثنا أبي، عن أبان بن تغلب، عن مسلم، قال: سمعت أبا ذرّ، و المقداد بن الأسود و سلمان الفارسي، قالوا: كنا قعودا عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما معنا غيرنا، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريين، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «تفترق امتي بعدي ثلاث فرق: فرقة أهل حق لا يشوبه باطل، مثلهم كمثل الذهب، كلما فتنته «3» بالنار ازداد جودة و طيبا، و إمامهم هذا- لأحد الثلاثة- و هو الذي أمر الله به في كتابه إماما و رحمة. و فرقة أهل باطل لا يشوبونه بحق، مثلهم كمثل خبث الحديد، كلما فتنته بالنار ازداد خبثا، و إمامهم هذا- لأحد الثلاثة-. و فرقة أهل ضلالة، مذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء، و إمامهم هذا- لأحد الثلاثة-».

قال: فسألتهم عن أهل الحق و إمامهم. فقالوا: هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام المتقين، و أمسكوا عن الاثنين، فجهدت أن يسموهما فلم يفعلوا.

و روى هذا الحديث أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد، و رواه أيضا أبو الفرج المعافى، و هو شيخ البخاري «4».

__________________________________________________

19- المناقب للخوارزمي: 197.

20- ... مناقب ابن شهر آشوب 3: 86.

21- ... تفسير الطبري

12: 11، فرائد السمطين 1: 340/ 362.

22- ... الطرائف: 241/ 246.

(1) الرعد 13: 43.

(2) المائدة 5: 55. [.....]

(3) الفتنة: الاختبار. و فتنه بالنار: أي أدخلها فيها ليتميّز. «مجمع البحرين- فتن- 6: 291».

(4) ... الطرائف: 241/ 346، اليقين: 181/ 184.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 96

5063/ [23]- ابن المغازلي الشافعي: يرفعه إلى عباد بن عبد الله، قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: «ما نزلت آية من كتاب الله جل و عز إلا و قد علمت متى أنزلت و فيمن أنزلت، و ما من قريش رجل إلا و قد أنزلت فيه آية من كتاب الله عز و جل، تسوقه إلى جنة أو نار». فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، فما نزل فيك؟ قال: «لو لا أنك سألتني على رؤوس الأشهاد لما حدثتك، أما تقرأ: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ رسول الله (صلى الله عليه و آله) على بينة من ربه، و أنا الشاهد منه».

و من (كتاب الحبري) مثله «1»، و من (رموز الكنوز) للرسعني مثله «2».

5064/ [24]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في خطبة له- قال: «و قال في محكم كتابه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً «3» فقرن طاعته بطاعته، و معصيته بمعصيته، فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه، و شاهدا له على من اتبعه و عصاه. و بين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم، فقال تبارك و تعالى، في التحريض على اتباعه، و الترغيب في تصديقه و القبول لدعوته: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ

اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ «4» فاتباعه (صلى الله عليه و آله) محبة الله، و رضاه غفران الذنوب و كمال الفوز و وجوب الجنة، و في التولي عنه و الإعراض محادة الله و غضبه و سخطه. و البعد منه سكن النار، و ذلك قوله تعالى: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يعني الجحود به و العصيان له».

و قد مضى حديث في معنى الآية، عن العياشي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ الآية فليطلب هناك «5».

سورة هود(11): الآيات 18 الي 21 ..... ص : 96

قوله تعالى:

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ [18]

5065/ [1]- العياشي: عن أبي عبيدة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله:

__________________________________________________

23- المناقب: 270/ 318.

24- الكافي 8: 26/ 4.

1- لم نجده في العياشي المطبوع.

(1) تفسير الحبري: 276/ 36 عن زاذان نحوه»، و في مستدرك تفسير الحبري: 340/ 79 بروآية فرات في تفسيره ص 69 عن الحبري بالإسناد عن عباد بن عبد الله الأسدي.

(2) ... عنه تحفة الأبرار: 110 (مخطوط).

(3) النساء 4: 80.

(4) آل عمران 3: 31.

(5) تقديم في الحديث (4) من تفسير الآية (12) من هذه السورة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 97

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ إلى قوله: يَبْغُونَها عِوَجاً «1».

قال: «أي يطلبون لسبيل الله زيغا عن الاستقامة، يحرفونها بالتأويل و يصفونها بالانحراف عن الحق و الصواب».

5066/ [1]- و عن النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر: «أن الله تعالى فرض على الخلق خمسة، فأخذوا أربعة و تركوا واحدا، فسألوا عن الأربعة، قال: الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم». قالوا: فما الواحد الذي تركوا؟

قال: «ولاية علي بن أبي طالب» قالوا: هي واجبة من الله تعالى؟ قال: «نعم، قال الله: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً» الآيات.

قوله تعالى:

وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ- إلى قوله تعالى- أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

[18- 21]

5067/ [2]- العياشي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ.

قال: «هم الأئمة (عليهم السلام): هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ».

5068/ [3]- علي بن إبراهيم، في معنى الآية: يعني بالأشهاد الأئمة (عليهم السلام)، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ لآل محمد (صلى الله عليه و آله) حقهم. ثم قال: و قوله: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً يعني يصدون عن طريق الله، و هي الإمامة وَ يَبْغُونَها عِوَجاً يعني حرفوها إلى غيرها.

ثم قال: و قوله: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ قال: ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين (عليه السلام). ثم قال: و قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَ

أي بطل عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

يعني يوم القيامة، بطل الذي يدعونه «2» غير أمير المؤمنين (عليه السلام).

__________________________________________________

1- مناقب ابن شهر آشوب 3: 199.

2- تفسير العيّاشي 2: 142/ 11.

3- تفسير القمّي 1: 325.

(1) هود 11: 19. [.....]

(2) في المصدر: الذين دعوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 98

سورة هود(11): آية 23 ..... ص : 98

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ [23] 5069/ [1]- علي بن إبراهيم قال: و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أي تواضعوا لله و عبدوه.

5070/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد ابن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن

زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إن عندنا رجلا يقال له: كليب، فلا يجي ء عنكم شي ء إلا قال: أنا اسلم، فسميناه: كليب تسليم؟ قال: فترحم عليه، ثم قال: «أ تدرون ما التسليم؟» فسكتنا، فقال: «هو و الله الإخبات، قول الله عز و جل: الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ».

5071/ [3]- سعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي اسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إن عندنا رجلا يسمى كليبا، فلا يخرج عنكم حديث و لا شي ء إلا قال: أنا اسلم، فسميناه: كليب تسليم؟ قال: فترحم عليه، و قال:

«أ تدرون ما التسليم؟» فسكتنا، فقال: «هو و الله الإخبات، قول الله عز و جل: الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ».

5072/ [4]- العياشي: عن أبي اسامة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عندنا رجلا يسمى كليبا، لا يجي ء عنكم شي ء إلا قال: أنا اسلم، فسميناه: كليب تسليم؟ قال: فترحم عليه، ثم قال: «أ تدرون ما التسليم؟» فسكتنا، فقال: «هو و الله الإخبات، قول الله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ».

الكشي: عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن حسين بن المختار، عن أبي اسامة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عندنا رجلا يسمى كليبا، فلا يجي ء عنكم شي ء إلا قال: أنا اسلم. و ذكر الحديث «1».

سورة هود(11): الآيات 24 الي 31 ..... ص : 98

قوله تعالى:

مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِيرِ وَ السَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 325.

2- الكافي 1: 321/ 3.

3-

مختصر بصائر الدرجات: 75.

4- تفسير العيّاشي 2: 143/ 15.

(1) رجال الكشي: 339/ 627.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 99

- إلى قوله تعالى- اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ [24- 31] 5073/ [1]- علي بن إبراهيم: يعني المؤمنين و الكافرين «1».

و قال في قوله تعالى: وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ: يعني الفقراء و المساكين الذين نراهم بادي الرأي.

ثم قال: و قوله: فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ الأنبياء: أي اشتبهت عليكم حتى لم تعرفوها و لم تفهموها وَ يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ أي الفقراء الذين آمنوا به.

ثم قال: و قوله: وَ يا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إلى قوله: لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ أي تقصر أعينكم عنهم و تستحقرونهم لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ.

و قد تقدم في الآية [24] حديث في قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ الآية «2»

سورة هود(11): آية 34 ..... ص : 99

قوله تعالى:

وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [34]

5074/ [2]- العياشي: عن ابن أبي نصر البزنطي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: «قال الله في «3» نوح (عليه السلام): وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ.- قال:- الأمر إلى الله يهدي و يضل».

5075/ [3]- عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) في قوله: وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ. قال: «نزلت في العباس».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 325.

2- تفسير العيّاشي 2: 143/ 16.

3- تفسير العيّاشي 2:

144/ 17.

(1) في المصدر: و الخاسرين.

(2) تقدّم في الحديث (4) من تفسير الآية (12) من هذه السورة.

(3) في المصدر زيادة: قوم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 100

و سيأتي إن شاء الله تعالى في قوله تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى حديث مسند «1».

5076/ [1]- عن علي بن إبراهيم: بإسناده عن أبي الطفيل، عن علي بن الحسين (عليهما السلام): «أنه نزلت وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي في العباس».

سورة هود(11): آية 35 ..... ص : 100

قوله تعالى:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [35]

5077/ [2]- الشيباني في (نهج البيان): عن مقاتل، قال: إن كفار مكة قالوا: إن محمدا افترى القرآن. قال: و روي مثل ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام).

سورة هود(11): الآيات 36 الي 49 ..... ص : 100

قوله تعالى:

وَ أُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ- إلى قوله تعالى- فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [36- 49]

5078/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «كان اسم نوح (عليه السلام) عبد الغفار، و إنما سمي نوحا لأنه كان ينوح على قومه» «2».

5079/ [4]- و عنه: عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 23.

2- نهج البيان 2: 146 (مخطوط). [.....]

3- علل الشرائع: 28/ 1.

4- علل الشرائع: 28/ 2.

(1) يأتي في الحديث (4) من تفسير الاية (72) من سورة الإسراء.

(2) في المصدر: على نفسه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 101

عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان اسم نوح عبد الملك، و إنما سمي نوحا لأنه بكى خمسمائة سنة».

5080/ [3]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن

أبان، عن محمد بن اورمة، عمن ذكره، عن سعيد بن جناح، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان اسم نوح عبد الأعلى، و إنما سمي نوحا لأنه بكى خمسمائة عام».

ثم قال ابن بابويه: الأخبار في اسم نوح (عليه السلام) كلها متفقة غير مختلفة، تثبت له التسمية بالعبودية، و هو عبد الغفار و الملك و الأعلى.

5081/ [4]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: لأي علة أغرق الله عز و جل الدنيا كلها في زمن نوح (عليه السلام)، و فيهم الأطفال و من لا ذنب له؟

فقال: «ما كان فيهم الأطفال، لأن الله عز و جل أعقم أصلاب قوم نوح و أرحام نسائهم أربعين عاما، فانقطع نسلهم، فاغرقوا و لا طفل فيهم، ما كان الله عز و جل ليهلك بعذابه من لا ذنب له. و أما الباقون من قوم نوح (عليه السلام) فاغرقوا لتكذيبهم نبي الله نوحا (عليه السلام)، و سائرهم اغرقوا برضاهم تكذيب المكذبين، و من غاب عن أمر فرضي به كان كمن شاهده و أتاه».

5082/ [5]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): «إن سفينة نوح كانت مأمورة، طافت بالبيت حيث غرقت الأرض، ثم أتت منى في أيامها، ثم رجعت السفينة و كانت مأمورة، و طافت بالبيت طواف النساء».

5083/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن الحسن بن صالح، عن أبي

عبد الله (عليه السلام) قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث عطاء، قال: «كان طول سفينة نوح ألف ذراع و مائتي ذراع، و عرضها ثمانمائة ذراع، و طولها في السماء مائتي ذراع، و طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة سبعة أشواط، ثم استوت على الجودي».

5084/ [7]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام الخراساني، عن المفضل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة أيام قدم على أبي العباس «1»، فلما انتهينا إلى الكناسة «2»، قال:

__________________________________________________

3- علل الشرائع: 28/ 3.

4- علل الشرائع: 30/ 1.

5- الكافي 4: 212/ 1.

6- الكافي 4: 212/ 2.

7- الكافي 8: 279/ 421.

(1) هو أبو العباس، عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب، أوّل ملوك العبّاسيين، ولد و منشأ بالشّراة سنة 104 ه، و تولى-- الخلافة في 132 ه، و توفّي في 136 ه. المحبّر: 33، تاريخ اليعقوبي 3: 73، تاريخ الطبري 9: 123، تاريخ بغداد 10: 46.

(2) الكناسة: محلّة مشهورة بالكوفة. «المعجم البلدان 4: 481».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 102

«هاهنا صلب عمي زيد (رحمه الله)» ثم مضى حتى انتهى إلى طاق الزياتين، و هو آخر السراجين، فنزل، و قال: «انزل، فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول، الذي خطه آدم (عليه السلام)، و أنا أكره أن أدخله راكبا».

قال: قلت: فمن غيره عن خطته؟ قال: «أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح (عليه السلام)، ثم غيره أصحاب كسرى و النعمان «1»، ثم غيره بعد زياد بن أبي سفيان».

فقلت: و كانت الكوفة و مسجدها في زمن نوح (عليه السلام)؟ فقال لي: «نعم- يا مفضل-

و كان منزل نوح و قومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة- قال- و كان نوح (عليه السلام) رجلا نجارا، فجعله الله عز و جل نبيا و انتجبه، و نوح (عليه السلام) أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء- قال- و لبث نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم إلى الله عز و جل، فيهزءون به و يسخرون منه، فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم، فقال:

رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً «2» فأوحى الله عز و جل إلى نوح: أن اصنع سفينة و أوسعها، و عجل عملها، فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده، فأتى بالخشب من بعد حتى فرغ منها».

قال المفضل: ثم انقطع حديث أبي عبد الله (عليه السلام) عند زوال الشمس، فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فصلى الظهر و العصر، ثم انصرف من المسجد، فالتفت عن يساره، و أشار بيده إلى موضع الداريين «3»، و هو موضع دار ابن حكيم، و ذلك فرات اليوم، فقال لي: «يا مفضل، و هاهنا نصبت أصنام قوم نوح (عليه السلام) يغوث، و يعوق، و نسر». ثم مضى حتى ركب دابته، فقلت: جعلت فداك، في كم عمل نوح سفينته حتى فرغ منها؟ قال: «في دورين».

قلت: و كم الدوران؟ قال: «ثمانون سنة».

قلت: فإن العامة يقولون: عملها في خمسمائة عام؟ فقال: «كلا، كيف و الله يقول: وَ وَحْيِنا»؟

قال: قلت: فأخبرني عن قول الله عز و جل: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ فأين كان موضعه، و كيف كان؟ فقال: «كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في

دبر قبلة ميمنة المسجد».

فقلت له: فأين ذلك؟ قال: «موضع زاوية باب الفيل اليوم».

ثم قلت له: و كان بدء خروج الماء من ذلك التنور؟ فقال: «نعم، إن الله عز و جل أحب أن يري قوم نوح آية، ثم إن الله تبارك و تعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضا، و فاض الفرات فيضا، و العيون كلهن فيضا، فأغرقهم الله عز و جل و أنجى نوحا و من معه في السفينة».

__________________________________________________

(1) هو النعمان بن المنذر اللّخمي، أبو قابوس: من أشهر ملوك الحيرة في الجاهلية. و التي كانت تابعة للفرس، عز له كسرى في نهاية أمره و نفاه إلى خانقين، فسجن فيها حتّى مات سنة 15 ق ه. المحبرّ: 359، تاريخ اليعقوبي 1: 244، تاريخ الطبري 2: 115.

(2) نوح 71: 26- 27.

(3) في «ط»: موضع دار الدارين. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 103

فقلت له: كم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء فنزل «1» منها؟ فقال: «لبث فيها سبعة أيام و لياليها، و طافت بالبيت أسبوعا، ثم استوت على الجودي و هو فرات الكوفة».

فقلت له: مسجد الكوفة قديم؟ فقال: «نعم، و هو مصلى الأنبياء، و لقد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين أسري به إلى السماء، فقال له جبرئيل (عليه السلام): يا محمد، هذا مسجد أبيك آدم (عليه السلام)، و مصلى الأنبياء (عليهم السلام)، فانزل فصل فيه. فنزل رسول الله (صلى الله عليه و آله) فصلى فيه، ثم إن جبرئيل (عليه السلام) عرج به إلى السماء».

5085/ [8]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي رزين الأسدي،

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «إن نوحا (صلى الله عليه) لما فرغ من السفينة، و كان ميعاده فيما بينه و بين ربه في إهلاك قومه أن يفور التنور، ففار التنور في بيت امرأته، فقالت: إن التنور قد فار، فقام إليه فختمه، فقام الماء «2»، و أدخل من أراد أن يدخل، و أخرج من أراد أن يخرج، ثمّ جاء إلى خاتمه فنزعه، يقول الله عز و جل: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ «3»».

قال: «و كان نجرها في وسط مسجدكم، و لقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع».

5086/ [9]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاءت امرأة نوح (عليه السلام) و هو يعمل السفينة، فقالت له: إن التنور قد خرج منه ماء.

فقام إليه مسرعا حتى جعل الطبق عليه و ختمه بخاتمه، فقام الماء، فلما فرغ من السفينة جاء إلى الخاتم ففضه، و كشف الطبق، ففار الماء».

5087/ [10]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كانت شريعة نوح (عليه السلام) أن يعبد الله بالتوحيد و الإخلاص و خلع الأنداد، و هي الفطرة التي فطر الناس عليها، و أخذ الله ميثاقه على نوح (عليه السلام) و على النبيين (عليهم السلام) أن يعبدوا الله (تبارك و تعالى)، و لا يشركوا به شيئا، و أمر بالصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و

الحلال و الحرام، و لم يفرض عليه أحكام حدود و لا فرائض مواريث، فهذه شريعته، فلبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما،

__________________________________________________

8- الكافي 8: 281/ 422.

9- الكافي 8: 282/ 423.

10- الكافي 8: 282/ 424.

(1) في المصدر: و خرجوا، و في «ط»: و خرج.

(2) قام الماء: جمد. «الصحاح- قوم- 5: 2016».

(3) القمر 54: 11- 13.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 104

يدعوهم سرا و علانية، فلا أبو و عتوا، قال: رب إني مغلوب فانتصره «1». فأوحى الله عز و جل اليه: لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ فلذلك قال نوح (عليه السلام): وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً «2» فأوحى الله عز و جل إليه: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ» «3».

5088/ [11]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن الحسن بن علي عن عمر بن أبان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن نوحا (عليه السلام) لما غرس النوى مر عليه قومه، فجعلوا يضحكون و يسخرون، و يقولون: قد قعد غراسا. حتى إذا طال النخل و كان جبارا طوالا، قطعه ثم نحته، فقالوا: قد قعد نجارا. ثم ألفه و جعله سفينة، فمروا عليه فجعلوا يضحكون و يسخرون، و يقولون: قد قعد ملاحا في فلاة من الأرض. حتى فرغ منها (صلى الله عليه و آله)».

5089/ [12]- و عنه: عن محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل الجعفي و عبد الكريم بن عمرو، و عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «حمل نوح (عليه السلام) في

السفينة الأزواج الثمانية التي قال الله عز و جل: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ «4» فكان من الضأن اثنين: زوج داجنة تربيها الناس، و الزوج الآخر الضأن التي تكون في الجبال الوحشية، أحل لهم صيدها و من المعز اثنين: زوج داجنة يربيها الناس، و الزوج الآخر الظباء الوحشية التي تكون في المفاوز و من الإبل اثنين: البخاتي، و العراب «5» و من البقر اثنين: زوج داجنة يربيها الناس «6»، و الزوج الآخر البقر الوحشية و كل طير طيب: وحشي أو إنسي، ثم غرقت الأرض».

5090/ [13]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن داود بن أبي يزيد، عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ارتفع الماء على كل جبل، و على كل سهل خمسة عشر ذراعا».

5091/ [14]- الشيخ: بإسناده عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله (عليهم السلام) قال: «إن الله عز و جل أوحى إلى نوح (عليه السلام)- و ذكر الحديث و قال فيه- ثم ورد إلى باب الكوفة،

__________________________________________________

11- الكافي 8: 283/ 425.

12- الكافي 8: 283/ 427.

13- الكافي 8: 284/ 428.

14- التهذيب 6: 22/ 51.

(1) تضمين من سورة القمر 54: 10.

(2) نوح 71: 27.

(3) المؤمنون 23: 27.

(4) الأنعام 6: 143 و 144. [.....]

(5) البخاتي: الإبل الخراسانيّة، و العرب: خلافها، و واحدها عربيّ. «الصحاح- عرب- 1: 179 و لسان العرب- بخت- 2: 9».

(6) في المصدر:

داجنة للناس.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 105

في وسط مسجدها، ففيها قال الله تعالى للأرض: ابْلَعِي ماءَكِ فبلعت ماءها من مسجد الكوفة، كما بدأ الماء منه «1»، و تفرق الجمع الذي كان مع نوح (عليه السلام) في السفينة».

5092/ [15]- ابن بابويه: عن أبيه (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن موسى بن عمر، عن جعفر بن محمد بن يحيى، عن غالب، عن أبي خالد، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ. قال: «كانوا ثمانية».

5093/ [16]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قال الرضا (عليه السلام): «لما هبط نوح (عليه السلام) إلى الأرض، كان هو و ولده و من تبعه ثمانين نفسا، فبنى حيث نزل قرية، فسماها قرية فسماها قرية الثمانين، لأنهم كانوا ثمانين».

5094/ [17]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي الوشاء، عن الرضا (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «قال أبي (عليه السلام): قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله عز و جل قال لنوح (عليه السلام): يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لأنه كان مخالفا له، و جعل من اتبعه من أهله» «2».

قال: و سألني «كيف يقرءون هذه الآية في ابن نوح؟». فقلت: يقرؤها الناس على وجهين: (إنه عمل غير صالح) و (إنه عمل غير صالح) «3». فقال: كذبوا هو ابنه، و لكن

الله عز و جل نفاه عنه حين خالفه في دينه».

__________________________________________________

15- معاني الأخبار: 151/ 1.

16- علل الشرائع: 30/ 1.

17- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 75/ 3.

(1) في «ط»: منها.

(2) في «س»: من أمته.

(3) قرأ الكسائي و يعقوب و سهل: (إنّه عمل غير صالح) و قرأ الباقون: (عمل غير صالح).

قال أبو عليّ الطبرسي: من قرأ: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فالمراد أنّ سؤالك ما ليس لك به علم عمل غير صالح. و يحتمل أن يكون الضمير في (إنّه) لما دلّ عليه قوله: ارْكَبْ مَعَنا وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ هود: 42، فيكون تقدره: أنّ كونّك مع الكافرين و انحيازك إليهم و تركك الركوب معنا و الدخول في جملتنا، عمل غير صالح. و يجوز أن يكون الضمير لابن نوح، كانّه جعل عملا غير صالح، كما يجعل الشي ء الشي ء لكثرة ذلك منه، كقولهم: الشعر زهير. أو يكون المراد أنّه ذو عمل غير صالح صالح فحذف المضاف.

و من قرأ: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فيكون في المعنى كقراءة من قرأ: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ و هو يجعل الضمير لابن نوح. و تكون القراءتان متّفقتين في المعنى، و إن اختلفتا في اللفظ.

و من ضعّف هذه القراءة بانّ العرب لا تقول: هو يعمل غير حسن، حتّى يقولوا: عمل غير حسن، فالقول فيه: إنّهم يقيمون الصفة مقام الموصوف عند ظهور المعنى، فيقول القائل: قد فعلت صوابا، و قلت حسنا، بمعنى فعلت فعلا صوابا، و قلت قولا حسنا.

قال عمر بن أبي ربيعة:

أيّها القائل غير الصواب أخر النّصح و أقلل عتابي

مجمع البيان 5: 251.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 106

5095/ [18]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي

عبد الله (عليه السلام) قال: «بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلى الله عز و جل فلم يجيبوه، فهم أن يدعو عليهم، فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الدنيا، و هم العظماء من الملائكة، فقال لهم نوح (عليه السلام): من أنتم «1»؟ فقالوا: نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا، و إن مسيرة غلظ سماء الدنيا خمسمائة عام، و من سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام، و خرجنا عند طلوع الشمس، و وافيناك في هذا الوقف، فنسألك أن لا تدعو على قومك. فقال نوح: قد أجلتهم «2» ثلاثمائة سنة.

فلما أتى عليهم ستمائة سنة و لم يؤمنوا، هم أن يدعو عليهم، فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية، فقال نوح: من أنتم؟ فقالوا نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية، و غلظ السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام، و من السماء الثانية إلى سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، و من سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام، خرجنا عند طلوع الشمس، و وافيناك ضحوة نسألك أن لا تدعو على قومك. فقال نوح: قد أجلتهم «3» ثلاثمائة سنة.

فلما أتى عليهم تسعمائة سنة و لم يؤمنوا، هم أن يدعو عليهم، فأنزل الله عز و جل: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ فقال نوح: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً «4».

فأمره الله أن يغرس النخل، فأقبل يغرس، فكان قومه يمرون به فيسخرون منه و يستهزئون به، و يقولون:

شيخ قد أتى له تسعمائة

سنة يغرس النخل! و كانوا يرمونه بالحجارة، فلما أتى لذلك خمسون سنة و بلغ النخل و استحكم أمر بقطعه، فسخروا منه، و قالوا: بلغ النخل مبلغه، و هو قوله: وَ كُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.

فأمره الله أن ينحت السفينة، و أمر جبرئيل أن ينزل عليه و يعلمه كيف يتخذها «5»، فقدر طولها في الأرض ألف و مائتا ذراع، و عرضها ثمانمائة ذراع، و طولها في السماء ثمانون ذراعا. فقال: يا رب من يعينني على اتخاذها؟

فأوحى الله إليه: ناد في قومك: من أعانني عليها و نجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا و فضة، فنادى نوح فيهم بذلك فأعانوه عليها، و كانوا يسخرون منه و يقولون يتخذ «6» سفينة في البر!».

__________________________________________________

18- تفسير القمّي 1: 325.

(1) في «ط»: ما أنتم.

(2) في «ط» نسخة بدل: احتملتهم.

(3) في «ط» نسخة بدل: احتملتهم.

(4) نوح 71: 26- 27.

(5) في «ط»: ينحتها. [.....]

(6) في المصدر: ينحت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 107

5096/ [19]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما أراد الله عز و جل هلاك قوم نوح عقم أرحام النساء أربعين سنة، فلم يولد فيهم مولود، فلما فرغ نوح من اتخاذ السفينة أمره الله أن ينادي بالسريانية فلا تبقى بهيمة و لا حيوان إلا حضر، فأدخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين في السفينة، و كان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا. فقال الله عز و جل: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ

وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ و كان نجر السفينة في مسجد الكوفة، فلما كان في اليوم الذي أراد الله إهلاكهم، كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف ب (فار التنور) في مسجد الكوفة، و قد كان نوح اتخذ لكل ضرب من أجناس الحيوان موضعا في السفينة، و جمع لهم فيها جميع ما يحتاجون من الغذاء، فصاحت امرأته لما فار التنور، فجاء نوح إلى التنور فوضع عليه طينا و ختمه، حتى أدخل جميع الحيوان السفينة.

ثم جاء إلى التنور ففض الخاتم و رفع الطين، و انكسفت الشمس، و جاء من السماء ماء منهمر، صب بلا قطر، و تفجرت الأرض عيونا، و هو قوله عز و جل: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ «1» و قال الله عز و جل: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها يقول: مجراها: أي مسيرها، و مرساها: أي موقفها.

فدارت السفينة، و نظر نوح إلى ابنه يقع و يقوم، فقال له: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ فقال ابنه، كما حكى الله عز و جل: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ فقال نوح: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ثم قال نوح: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ فقال الله: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فقال نوح، كما حكى الله: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ إِلَّا تَغْفِرْ

لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ فكان كما حكى الله: وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ».

فقال: أبو عبد الله (عليه السلام): «فدارت السفينة، فضربها الموج حتى وافت مكة و طافت بالبيت، و غرق جميع الدنيا إلا موضع البيت و إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق، فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا، و من الأرض عيونا، حتى ارتفعت السفينة، فسحت «2» السماء- قال- فرفع نوح (عليه السلام) يده، فقال: يا دهمان، أيقن.

و تفسيرها يا رب احبس «3». فأمر الله الأرض أن تبلغ ماءها، و هو قوله: وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي أي أمسكي وَ غِيضَ الْماءُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فبلعت الأرض ماءها، فأراد ماء السماء أن يدخل في الأرض، فامتنعت الأرض عن قبوله، و قالت: إنما أمرني الله عز و جل أن أبلع مائي، فبقي ماء

__________________________________________________

19- تفسير القمّي 1: 326.

(1) القمر 54: 11- 13.

(2) سحّ الماء: صبّ، و سال من فوق. «الصحاح- سحح- 1: 373».

(3) في المصدر: يا رهمان اخفرس (أ تغرك) تفسيرها ربّ أحسن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 108

السماء على وجه الأرض، و استوت السفينة على جبل الجودي، و هو بالموصل جبل عظيم، فبعث الله جبرئيل فساق الماء إلى البحار حول الدنيا. و أنزل الله على نوح: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ فنزل نوح- بالموصل- من السفينة مع الثمانين، و بنوا مدينة الثمانين، و كان لنوح بنت ركبت معه في السفينة، فتناسل الناس منها، و ذلك قول النبي (صلى الله عليه و آله): نوح أحد

الأبوين. ثم قال الله تعالى لنبيه: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ».

5097/ [20]- علي بن إبراهيم: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن موسى بن أكيل النميري، عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ.

فقال: «ليس بابنه، إنما هو ابنه من زوجته، و هو على لغة طيئ، يقولون لا بن المرأة (أبنه). فقال نوح: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ إِلَّا تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ».

5098/ [21]- محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: بإسناده عن بكر بن محمد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ أي ابنها، و هي لغة طيئ».

5099/ [22]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن كثير النواء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن نوحا (عليه السلام) ركب السفينة أول يوم من رجب، فأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم، و قال: من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النيران «1» مسيرة سنة».

الشيخ في (أماليه) قال: حدثنا والدي، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد (رحمه الله)، قال: حدثني محمد بن الحسن بن مت الجوهري، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن كثير النواء، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، الحديث بعينه إلا أن فيه:

«تباعدت عنه النار» «2».

5100/ [23]- العياشي: عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كانت شريعة نوح (عليه السلام) أن يعبد الله بالتوحيد و الإخلاص و خلع الأنداد، و هي الفطرة التي فطر الناس عليها، و أخذ ميثاقه على نوح و النبيين أن يعبدوا الله و لا يشركوا به شيئا، و أمره بالصلاة و الأمر و النهي و الحلال و الحرام، و لم يفرض عليه أحكام حدود و لا

__________________________________________________

20- تفسير القمّي 1: 328.

21- قرب الاسناد: 20.

22- من لا يحضره الفقيه 2: 55/ 243.

23- تفسير العيّاشي 2: 144/ 18.

(1) في المصدر: النار.

(2) الأمالي 1: 43.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 109

فرض مواريث، فهذه شريعته، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم سرا و علانية، فلما أبوا و عتوا قال:

رب اني مغلوب فانتصر «1». فأوحى الله: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ فلذلك قال نوح: وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً «2» و أوحى الله إليه: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ» «3».

5101/ [24]- عن المفضل بن عمر، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة أيام قدم على أبي العباس، فلما انتهينا إلى الكناسة، نظر عن يساره، ثم قال: «يا مفضل، ها هنا صلب عمي زيد (رحمه الله)». ثم مضى حتى أتى طاق الزياتين و هو آخر السراجين، فنزل، فقال لي: «انزل، فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول، الذي خطه آدم، و أنا أكره أن أدخله راكبا».

فقلت له: فمن غيره عن خطته فقال: «أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح، ثم غيره بعد أصحاب كسرى و النعمان بن المنذر، ثم غيره زياد بن أبي سفيان».

فقلت له: جعلت

فداك، و كانت الكوفة و مسجدها في زمن نوح؟ فقال: «نعم- يا مفضل- و كان منزل نوح و قومه في قرية على متن الفرات، مما يلي غربي الكوفة- قال- و كان نوح رجلا نجارا، فأرسله «4» الله و انتجبه، و نوح أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء و إن نوحا لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم إلى الهدى، فيمرون به و يسخرون منه، فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم، فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إلى قوله: إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً «5».- قال- فأوحى الله إليه: يا نوح، أن اصنع الفلك و أوسعها، و عجل علمها بأعيننا. و وحينا، فعمل نوح سفينته في مسجد الكوفة بيده، يأتي بالخشب من بعد حتى فرغ منها».

قال المفضل: ثم انقطع حديث أبي عبد الله (عليه السلام) عند ذلك، عند زوال الشمس، فقام فصلى الظهر ثم العصر، ثم انصرف من المسجد، فالتفت عن يساره، و أشار بيده إلى موضع دار الداريين، و هي «6» في موضع دار ابن حكيم، و ذلك فرات اليوم، ثم قال لي: «يا مفضل ها هنا نصبت أصنام قوم نوح: يغوث، و يعوق، و نسر». ثم مضى حتى ركب دابته، فقلت له: جعلت فداك، في كم عمل نوح سفينته حتى فرغ منها؟ قال: «في دورين».

فقلت: و كم الدوران؟ قال: «ثمانون سنة».

قلت: فإن العامة تقول: عملها في خمسمائة عام؟ فقال: «كلا، كيف و الله يقول: وَ وَحْيِنا؟!».

__________________________________________________

24- تفسير العيّاشي 2: 144/ 19.

(1) تضمين من سورة القمر 54: 10.

(2) نوح 71: 27. [.....]

(3) المؤمنون 23: 27.

(4) في «ط»: فانتباه.

(5) نوح 71: 26- 27.

(6) في «س»: دار الدارين، و هو.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 110

5102/ [25]- عن عيسى بن عبد الله العلوي، عن أبيه، قال: كانت السفينة طولها أربع و أربعون في أربعين سمكها، و كانت مطبقة «1» بطبق، و كان معه خرزتان، تضي ء إحداهما بالنار ضوء الشمس، و تضي ء إحداهما بالليل ضوء القمر، فكانوا يعرفون وقت الصلاة، و كانت عظام آدم معه في السفينة، فلما خرج من السفينة صير قبره تحت المنارة التي بمسجد منى «2».

5103/ [26]- عن المفضل، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أ رأيت قول الله: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ ما هذا التنور، و أين كان موضعه، و كيف كان؟ فقال: «كان التنور حيث و صفت لك».

فقلت: فكان بدء خروج الماء من ذلك التنور؟ فقال: نعم، إن الله أحب أن يري قوم نوح الآية، ثم إن الله بعده أرسل عليهم مطرا يفيض فيضا، و فاض الفرات فيضا أيضا، و العيون كلهن «3»، فغرقهم الله و أنجى نوحا و من معه في السفينة».

فقلت له: و كم لبث نوح و من معه في السفينة حتى نضب الماء و خرجوا منها؟ فقال: «لبثوا فيها سبعة أيام و لياليها، و طافت بالبيت، ثم استوت على الجودي، و هو فرات الكوفة».

فقلت له: إن مسجد الكوفة لقديم؟ فقال: «نعم، و هو مصلى الأنبياء، و لقد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) حيث انطلق به جبرئيل على البراق، فلما انتهى به إلى دار السلام، و هو ظهر الكوفة، و هو يريد بيت المقدس، قال له: يا محمد، هذا مسجد أبيك آدم، و مصلى الأنبياء، فانزل فصل فيه. فنزل رسول الله (صلى الله عليه و آله) فصلى، ثم انطلق به إلى بيت المقدس

فصلى، ثم إن جبرئيل عرج به إلى السماء».

5104/ [27]- عن الحسن بن علي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاءت امرأة نوح إليه و هو يعمل السفينة، فقالت له: إن التنور قد خرج منه ماء، فقام إليه مسرعا حتى جعل الطبق عليه، فختمه بخاتمه، فقام الماء، فلما فرغ نوح من السفينة جاء إلى خاتمه ففضه، و كشف الطبق، ففار الماء».

5105/ [28]- أبو عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «مسجد الكوفة فيه فار التنور، و نجرت السفينة، و هو سرة بابل، و مجمع الأنبياء».

5106/ [29]- عن سلمان الفارسي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث له في فضل مسجد الكوفة- «فيه

__________________________________________________

25- تفسير العيّاشي 2: 145/ 20.

26- تفسير العيّاشي 2: 146/ 21.

27- تفسير العيّاشي 2: 147/ 22.

28- تفسير العيّاشي 2: 147/ 23.

29- تفسير العيّاشي 2: 147/ 24.

(1) في «ط»: منطبقة.

(2) قال المجلسي (رحمه اللّه): و أكثر أخبارنا تدلّ على كون قبره (عليه السّلام) في الغريّ. البحار 11: 333.

(3) زاد في المصدر و «ط»: عليها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 111

نجرت سفينة نوح، و فيه فار التنور، و به كان بيت نوح و مسجده، و في الزاوية اليمنى فار التنور». يعني بمسجد الكوفة.

5107/ [30]- عن الأعمش، رفعه إلى علي (عليه السلام) في قوله: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ.

فقال: «أما و الله ما هو تنور الخبز» ثم أومأ بيده إلى الشمس، فقال: «طلوعها».

5108/ [31]- عن إسماعيل بن جابر الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «صنعها في مائة سنة، ثم أمره أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين، الأزواج الثمانية الحلال التي خرج بها آدم من الجنة، ليكون معيشة لعقب

نوح في الأرض، كما عاش عقب آدم، فإن الأرض تغرق و ما فيها إلا ما كان معه في السفينة».

قال: «فحمل نوح في السفينة من الأزواج الثمانية التي قال الله: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «1»، مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ «2» فكان زوجين من الضأن: زوج يربيها الناس و يقومون بأمرها، و زوج من الضأن التي تكون في الجبال الوحشية، أحل لهم صيدها و من المعز اثنين: زوج يربيه الناس، و زوج من الظباء، و من البقر اثنين. زوج يربيه الناس، و زوج هو البقر الوحشي، و من الإبل زوجين و هي: البخاتي و العراب، و كل طير وحشي أو إنسي، ثم غرقت الأرض».

5109/ [32]- عن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن نوحا حمل الكلب في السفينة، و لم يحمل ولد الزنا».

5110/ [33]- عن عبيد الله الحلبي، عنه (عليه السلام)، قال: «ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له شهادة، و لا يؤم بالناس، لم يحمله نوح في السفينة و قد حمل فيها الكلب و الخنزير».

5111/ [34]- عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.

قال: «كانوا ثمانية».

5112/ [35]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ.

قال: «إنما في لغة طيئ (أبنه) بنصب الألف يعني ابن امرأته».

5113/ [36]- عن موسى، عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ.

__________________________________________________

30- تفسير العيّاشي 2: 147/ 25.

31- تفسير العيّاشي 2: 147/ 26. [.....]

32- تفسير العيّاشي 2: 148/ 27.

33- تفسير العيّاشي 2: 148/ 28.

34-

تفسير العيّاشي 2: 148/ 29.

35- تفسير العيّاشي 2: 148/ 30.

36- تفسير العيّاشي 2: 148/ 31.

(1) الزمر 39: 6.

(2) الأنعام 6: 143- 144.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 112

قال: «ليس بابنه، إنما هو ابن امرأته، و هي لغة طيئ يقولون لابن المرأة (أبنه) قال نوح: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ إلى الْخاسِرِينَ».

5114/ [37]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول نوح: (يا بنى اركب معنا)، قال: «ليس بابنه».

قال: قلت: إن نوحا قال: يا بني؟ قال: «فإن نوحا قال ذلك و هو لا يعلم».

5115/ [38]- عن إبراهيم بن أبي العلاء، عن غير واحد، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «لما قال الله: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي قالت الأرض: إنما أمرت أن أبلع مائي أنا فقط، و لم أؤمر أن أبلع ماء السماء،- قال- فبلعت الأرض ماءها، و بقي ماء السماء فصير بحرا حول الدنيا» «1».

5116/ [39]- عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ.

قال: «نزلت بلغة الهند: اشربي».

5117/ [40]- و في رواية عباد، عنه (عليه السلام): يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ حبشية».

5118/ [41]- عن الحسن بن صالح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام)، يحدث عطاء، قال: كان [طول ] سفينة نوح ألف ذراع و مائتي ذراع، و عرضها ثمانمائة ذراع، و طولها في السماء ثمانين ذراعا، و طافت بالبيت سبعا، وسعت بين الصفا و المروة سبعة أشواط، ثم استوت على الجودي».

5119/ [42]- عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «استوت على الجودي، هو فرات الكوفة».

5120/ [43]- عن أبي بصير، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال: «يا

أبا محمد، إن الله أوحى إلى الجبال أني واضع «2» سفينة نوح على جبل منكن في الطوفان، فتطاولت و شمخت، و تواضع جبل عندكم بالموصل، يقال له الجودي، فمرت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت إلى الجودي فوقعت عليه، فقال نوح بالسريانية بارات قني بارات قني «3»». قال: قلت له: جعلت فداك، أي شي ء هذا الكلام؟ فقال: «اللهم أصلح، اللهم أصلح».

__________________________________________________

37- تفسير العيّاشي 2: 149/ 32.

38- تفسير العيّاشي 2: 149/ 33.

39- تفسير العيّاشي 2: 149/ 34.

40- تفسير العيّاشي 2: 149 ذيل الحديث 34.

41- تفسير العيّاشي 2: 149/ 35.

42- تفسير العيّاشي 2: 149/ 36.

43- تفسير العيّاشي 2: 15/ 37. [.....]

(1) في المصدر: حول السماء و حول الدنيا.

(2) في المصدر: إنّي مهرق.

(3) في «ط» بالسريانيّة كلاما، و في المصدر: يا راتقي يا راتقي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 113

5121/ [44]- عن أبي بصير، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «كان نوح في السفينة، فلبث فيها ما شاء الله، و كانت مأمورة فخلى سبيلها نوح، فأوحى الله إلى الجبال: أني واضع سفينة عبدي نوح على جبل منكم، فتطاولت الجبال و شمخت غير الجودي، و هو جبل بالموصل، فضرب جؤجؤ السفينة «1» الجبل، فقال نوح عند ذلك: رب أتقن. و هو بالعربية: رب أصلح».

5122/ [45]- و روى كثير النواء عن أبي جعفر (عليه السلام)، يقول: «سمع نوح صرير السفينة على الجودي، فخاف عليها، فأخرج رأسه من كوة كانت فيها، فرفع يده و أشار بإصبعه، و هو يقول: يا رهمان «2» أتقن، تأويلها: رب أحسن».

5123/ [46]- عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما ربك نوح في السفينة قيل: بعدا للقوم

الظالمين».

5124/ [47]- عن الحسن بن علي الوشاء، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله قال لنوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لأنه كان مخالفا له، و جعل من اتبعه من أهله».

قال: و سألني: «كيف يقرءون هذه الآية في نوح؟». قلت: يقرؤها الناس على وجهين: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، و إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فقال: «كذبوا، هو ابنه، و لكن الله نفاه عنه حين خالفه في دينه».

سورة هود(11): الآيات 50 الي 53 ..... ص : 113

قوله تعالى:

وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَ فَلا تَعْقِلُونَ- إلى قوله تعالى- وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [50- 53]

5125/ [1]- ابن شهر آشوب: قيل لزين العابدين (عليه السلام): إن جدك كان يقول: «إخواننا بغوا علينا».

__________________________________________________

44- تفسير العيّاشي 2: 150/ 38.

45- تفسير العيّاشي 2: 151/ 39.

46- تفسير العيّاشي 2: 151/ 40.

47- تفسير العيّاشي 2: 151/ 41.

1- المناقب 3: 218، الاحتجاج: 312.

(1) جؤجؤ السفينة: صدرها. «الصحاح- جأجأ- 1: 39».

(2) في المصدر: و «ط»: ربعمان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 114

فقال (عليه السلام): «أما تقرأ كتاب الله: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً؟ فهو «1» مثلهم، أنجاه الله و الذين معه، و أهلك عادا بالريح العقيم».

5126/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: قال: إن عادا كانت بلادهم في البادية، من المشرق «2» إلى الأفجر «3»، أربعة منازل، و كان لهم زرع و نخيل كثير، و لهم أعمار طويلة و أجسام طويلة، فعبدوا الأصنام فبعث الله إليهم هودا يدعوهم إلى الإسلام و خلع الأنداد، فأبوا و

لم يؤمنوا بهود و آذوه، فكفت عنهم السماء سبع سنين حتى قحطوا، و كان هود زراعا، و كان يسقي الزرع، فجاء قوم إلى بابه يريدونه فخرجت عليهم امرأة شمطاء «4» عوراء، فقالت لهم:

من أنتم؟ فقالوا: نحن من بلاد كذا و كذا، أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو الله لنا حتى نمطر و تخصب بلادنا فقالت: لو استجيب لهود لدعا لنفسه، فقد احترق زرعه لقلة الماء.

فقالوا: و أين هو؟ قالت: هو في موضع كذا و كذا. فجاءوا إليه، فقالوا يا نبي الله، قد أجدبت بلادنا و لم نمطر، فاسئل الله أن تخصب بلادنا و تمطر. فتهيأ للصلاة و صلى و دعا لهم، فقال لهم: «ارجعوا فقد أمطرتم و أخصبت بلادكم».

فقالوا: يا نبي الله، إنا رأينا عجبا. قال: «و ما رأيتم؟» قالوا: رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء، قالت لنا: من أنتم، و ما تريدون؟ قلنا: جئنا إلى نبي الله هود ليدعو الله لنا فنمطر. فقالت: لو كان هود داعيا لدعا لنفسه، فإن زرعه قد احترق.

فقال هود: «تلك أهلي، و أنا أدعو الله لها بطول العمر و البقاء» قالوا. و كيف ذاك! قال: «لأنه ما خلق الله مؤمنا إلا و له عدو يؤذيه، و هي عدوي، فلئن يكون عدوي ممن أملكه خير من أن يكون عدوي ممن يملكني».

فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله، و ينهاهم عن عبادة الأصنام حتى خصبت بلادهم، و أنزل الله عليهم المطر، و هو قوله عز و جل: وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ قالوا، كما حكى الله: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَ ما

نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ الآية، فلما لم يؤمنوا أرسل الله عليهم الريح الصرصر، يعني الباردة، و هو قوله في سورة القمر:

كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ «5» و حكى في سورة الحاقة، فقال: وَ أَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ

__________________________________________________

2- تفسير القمي 1: 329.

(1) في المصدر: فهم.

(2) في المصدر: الشقيق، و في تفسير القمي 2: 298 (سورة الأحقاف) قال: و الأحقاف بلاد عاد من الشقوق إلى الأجفر. و جميعا تطلق على عدة مواضع في البادية. انظر «معجم البلدان 3: 356 و 5: 133».

(3) الأجفر: موضع بين فيد و الخزيمية. «معجم البلدان 1: 102». [.....]

(4) الشمط: بياض شعر الرأس يخالطه سواده. «الصحاح- شمط- 3: 1138».

(5) القمر 54: 18- 19.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 115

سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً «1» قال: كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال و ثمانية أيام.

5127/ [3]- ثم قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الريح العقيم تخرج من تحت الأرضين السبع، و ما يخرج منها شي ء قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم، فأمر الخزان أن يخرجوا منها مثل سعة الخاتم، فعصت على الخزنة، فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد، فضج الخزنة إلى الله من ذلك، و قالوا: يا ربنا، إنها قد عتت علينا، و نحن نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك و عمار بلادك، فبعث الله عز و جل جبرئيل فردها بجناحه، و قال

لها: اخرجي على ما أمرت به. فرجعت و خرجت على ما أمرت به، فأهلكت قوم عاد و من كان بحضرتهم».

5128/ [4]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام)- في حديث- قال: قال: «و أما الريح العقيم فإنها ريح عذاب، لا تذر «2» شيئا من الأرحام، و لا شيئا من النبات، و هي ريح تخرج من تحت الأرضين السبع، و ما خرجت منها ريح قط، إلا على قوم عاد حين غضب الله تعالى عليهم».

و ذكر الحديث كما تقدم بتغيير يسير في بعض الألفاظ.

سورة هود(11): آية 56 ..... ص : 115

قوله تعالى:

إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [56]

5129/ [1]- العياشي: عن أبي معمر السعدي، قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: «يعني أنه على حق، يجزي بالإحسان إحسانا، و بالسي ء سيئا، و يعفو عمن يشاء و يغفر سبحانه و تعالى».

سورة هود(11): آية 61 ..... ص : 115

قوله تعالى:

وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [61]

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 330.

4- الكافي 8: 92/ 64.

1- تفسير العيّاشي 2: 151/ 42.

(1) الحاقّة 69: 6- 7.

(2) في المصدر: لا تلقح.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 116

5130/ [1]- العياشي: عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن علي بن الحسين (صلوات الله عليه) كان في المسجد الحرام جالسا، فقال له رجل من أهل الكوفة. قال علي (عليه السلام): «إن إخواننا بغوا علينا»؟

فقال له علي بن الحسين (صلوات الله عليه): يا عبد الله، أما تقرأ كتاب الله: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً «1»؟ فأهلك الله عادا، و أنجى هودا: وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً فأهلك الله ثمودا و أنجى صالحا».

5131/ [2]- عن يحيى بن المساور الهمداني، عن أبيه، قال: جاء رجل من أهل الشام إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: أنت علي بن الحسين؟ قال: «نعم». قال: أبوك الذي قتل المؤمنين، فبكى علي بن الحسين ثم مسح عينيه، فقال: «ويلك، كيف قطعت على أبي أنه قتل المؤمنين؟» قال: قوله: «إخواننا قد بغوا علينا، فقاتلناهم على بغيهم».

فقال: «ويلك، أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قال: «فقد قال الله: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً «2»،

وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟» قال له الرجل: لا، بل في عشيرتهم.

قال: «فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم و ليسوا إخوانهم في دينهم». قال: فرجت عني، فرج الله عنك.

5132/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سأل جبرئيل (عليه السلام) كيف كان مهلك قوم صالح (عليه السلام)؟ فقال: يا محمد، إن صالحا بعث إلى قومه و هو ابن ست عشرة سنة، فلبث فيهم حتى بلغ عشرين و مائة سنة، لا يجيبونه إلى خير، قال: و كان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله عز ذكره فلما رأى ذلك منهم، قال: يا قوم، بعثت إليكم و أنا ابن ست عشرة سنة، و قد بلغت عشرين و مائة سنة، و أنا أعرض عليكم أمرين: إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة، و إن شئتم سألت آلهتكم، فإن أجابتني بالذي سألت خرجت عنكم، فقد سئمتكم و سئمتموني.

قالوا: لقد أنصفت، يا صالح. فاتعدوا ليوم يخرجون فيه، قال: فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم، ثم قربوا طعامهم و شرابهم فأكلوا و شربوا، فلما أن فرغوا دعوه، فقالوا: يا صالح اسأل، فقال لكبيرهم: ما اسم هذا؟ قالوا:

فلان. فقال له صالح: يا فلان، أجب. فلم يجبه، فقال صالح: ماله لا يجيب؟ قالوا: ادع غيره. فدعاها كلها بأسمائها فلم يجبه منها شي ء، فأقبلوا على أصنامهم، فقالوا لها: مالك لا تجيبين صالحا؟ فلم تجب.

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 151/ 43.

2- تفسير العيّاشي 2: 20/ 53.

3- الكافي 8: 185/ 213.

(1) الأعراف 7: 65، هود 11:

50.

(2) الأعراف 7: 85، هود 11: 84، العنكبوت 29: 36.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 117

فقالوا: تنح عنا، و دعنا و آلهتنا ساعة. ثم نحوا بسطهم و فرشهم، و نحوا ثيابهم، و تمرغوا على التراب، و طرحوا التراب على رؤوسهم، و قالوا لأصنامهم: لئن لم تجبن صالحا اليوم ليفضحنا «1». قال: ثم دعوه فقالوا: يا صالح، ادعها. فدعاها فلم تجبه.

فقال لهم: يا قوم، قد ذهب صدر النهار، و لا أرى آلهتكم تجيبني، فسألوني حتى أدعوا إلي فيجيبكم الساعة. فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم و المنظور إليهم منهم، فقالوا: يا صالح، نحن نسألك، فإن أجابك ربك اتبعناك و أجبناك، و يبايعك جميع أهل قريتنا.

فقال لهم صالح (عليه السلام): سلوني ما شئتم. فقالوا: تقدم بنا إلى هذا الجبل. و كان الجبل قريبا منهم، فانطلق معهم صالح، فلما انتهوا إلى الجبل، قالوا: يا صالح، ادع لنا ربك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء، بين جنبيها ميل «2»، فقال لهم صالح: قد سألتموني شيئا يعظم علي و يهون على ربي جل و عز و تعالى.

قال: فسأل الله تبارك و تعالى صالح ذلك، فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك، ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا، كالمرأة إذا أخذها المخاض، ثم لم يفجأهم إلا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع، فما استتمت رقبتها حتى اجترت، ثم خرج سائر جسدها، ثم استوت قائمة على الأرض، فلما رأوا ذلك، قالوا يا صالح، ما أسرع ما أجابك ربك! ادع لنا ربك يخرج لنا فصيلها، فسأل الله عز و جل، فرمت به، فدب حولها.

فقال لهم: يا قوم، أبقي شي ء قالوا: لا، انطلق بنا

إلى قومنا نخبرهم بما رأينا و يؤمنون بك. قال: فرجعوا، فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم أربعة و ستون رجلا، قالوا: سحر و كذب. قال: فانتهوا إلى الجميع، فقال الستة:

حق، و قال الجميع: كذب و سحر، قال: فانصرفوا على ذلك ثم ارتاب من الستة واحد، فكان فيمن عقرها».

قال ابن محبوب: فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا، يقال له: سعيد بن يزيد، فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام، قال: فرأيت جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه، و جبل آخر بينه و بين هذا ميل.

5133/ [4]- و عنه: عن علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقالُوا أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ «3»؟

قال: «هذا فيما كذبوا به صالحا، و ما أهلك الله عز و جل قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل، فيحتجوا عليهم، فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله، فلم يجيبوه و عتوا عليه، و قالوا: لن نؤمن لك حتى تخرج

__________________________________________________

4- الكافي 8: 187/ 214.

(1) في المصدر: لتفضحن. [.....]

(2) أي المسافة بين جنبيها قدر ميل.

(3) القمر 54: 23- 25.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 118

لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، و كانت الصخرة يعظمونها و يعبدونها، و يذبحون «1» عندها في رأس كل سنة، و يجتمعون عندها، فقالوا له: إن كنت كما تزعم نبيا رسولا، فادع لنا إلهك حتى يخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء «2»، فأخرجها

الله كما طلبوا منه.

ثم أوحى الله تبارك و تعالى إليه: أن- يا صالح- قال لهم: إن الله قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم، و لكم شرب يوم. و كانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم، فيحلبونها فلا يبقى صغير و لا كبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك فإذا كان الليل و أصبحوا، غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم، و لم تشرب الناقة ذلك اليوم، فمكثوا بذلك ما شاء الله.

ثم إنهم عتوا على الله، و مشى بعضهم إلى بعض، و قالوا: اعقروا هذه الناقة و استريحوا منها، لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم و لها شرب يوم. ثم قالوا: من الذي يلي قتلها، و نجعل له جعلا ما أحب؟ فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق، ولد زنا، لا يعرف له أب، يقال له: قدار «3»، شقي من الأشقياء، مشؤوم عليهم، فجعلوا له جعلا، فلما توجهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده، تركها حتى شربت و أقبلت راجعة، فقعد لها في طريقها، فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئا، فضربها ضربة اخرى فقتلها، و خرت إلى الأرض على جنبها، و هرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل، فرغا ثلاث مرات إلى السماء. و أقبل قوم صالح، فلم يبق منهم أحد إلا شركه في ضربته، و اقتسموا لحمها فيما بينهم، فلم يبق منهم صغير و لا كبير إلا أكل منها.

فلما رأى ذلك صالح أقبل إليهم، فقال: يا قوم، ما دعاكم إلى ما صنعتم، أ عصيتم أمر ربكم؟ فأوحى الله تبارك و تعالى إلى صالح (عليه السلام): إن قومك قد طغوا و بغوا، و قتلوا ناقة بعثتها إليهم حجة عليهم، و لم يكن عليهم

فيها ضرر، و كان لهم منها أعظم المنفعة، فقل لهم: إني مرسل عليهم عذابي إلى ثلاثة أيام، فإن هم تابوا و رجعوا قبلت توبتهم، و صددت عنهم، و إن هم لم يتوبوا و لم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث.

فأتاهم صالح (عليه السلام)، فقال لهم: يا قوم، إني رسول ربكم إليكم، و هو يقول لكم: إن أنتم تبتم و رجعتم و استغفرتم غفرت لكم، و تبت عليكم، فلما قال لهم ذلك كانوا أعتى ما كانوا و أخبث، و قالوا: يا صالح، ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.

قال: يا قوم، إنكم تصبحون غدا و وجوهكم مصفرة، و اليوم الثاني وجوهكم محمرة، و اليوم الثالث وجوهكم مسودة. فلما أن كان أول يوم أصبحوا و وجوههم مصفرة، فمشى بعضهم إلى بعض، و قالوا: قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح و لا نقبل قوله، و إن كان عظيما فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة، فمشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: يا قوم، قد جاءكم ما قال لكم صالح. فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح، و لا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها، و لم يتوبوا و لم يرجعوا فلما كان اليوم الثالث

__________________________________________________

(1) في «س»: و يدعون.

(2) في «س»: حمراء.

(3) في «س»: قذار.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 119

أصبحوا و وجوههم مسودة، فمشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: يا قوم، أتاكم ما قال لكم صالح. فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل (عليه السلام)، فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم، و فلقت «1». قلوبهم، و صدعت أكبادهم، و قد

كانوا في تلك الثلاثة أيام قد تحنطوا و تكفنوا، و علموا أن العذاب نازل بهم، فماتوا جميعا في طرفة عين، صغيرهم و كبيرهم، فلم يبق لهم ناعقة و لا راغية و لا شي ء إلا أهلكه الله، فأصبحوا في ديارهم و مضاجعهم موتى أجمعين، ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين، و كانت هذه قصتهم».

قد تقدم حديث أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) من طريق العياشي [في معنى الآية]، في سورة الأعراف «2»

سورة هود(11): الآيات 69 الي 83 ..... ص : 119

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ- إلى قوله تعالى- وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [69- 83]

5134/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن أبي يزيد الحمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله تعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط: جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل، و كروبيل (عليهم السلام)، فمروا بإبراهيم (عليه السلام) و هم معتمون، فسلموا عليه فلم يعرفهم، و رأى هيئة حسنة، فقال: لا يخدم هؤلاء أحد إلا أنا بنفسي، و كان صاحب ضيافة، فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه ثم قربه إليهم، فلما وضعه بين أيديهم رأى أيديهم لا تصل إليه، نكرهم و أوجس منهم خيفة، فلما رأى ذلك جبرئيل (عليه السلام) حسر العمامة عن وجهه و عن رأسه فعرفه إبراهيم (عليه السلام)، فقال: أنت هو؟ قال: نعم:

و مرت امرأته سارة، فبشرها بإسحاق، و من وراء إسحاق يعقوب. فقالت ما قال الله عز و جل،

و أجابوها بما في الكتاب العزيز.

فقال لهم إبراهيم (عليه السلام): لماذا جئتم؟ قالوا: في إهلاك قوم لوط. فقال لهم: إن كان فيها مائة من المؤمنين.

__________________________________________________

1- الكافي 8: 327/ 505.

(1) في «س»: و قلعت.

(2) تقدم في الحديث (2) من تفسير الآيتين (75- 76) من سورة الأعراف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 120

أ تهلكونهم؟ قال جبرئيل لا. قال: و إن كان فيهم خمسون؟ قال: لا. قال: و إن كان فيهم ثلاثون؟ قال: لا. قال: و إن كان كان فيهم عشرون؟ قال: لا. قال: و إن كان فيهم عشرة؟ قال: لا. قال: و إن كان فيهم خمسة؟ قال: لا. قال: فإن فيها لوطا. قالوا: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه و أهله إلا امرأته كانت من الغابرين. ثم مضوا».

قال: و قال الحسن بن علي «1»: لا أعلم هذا القول إلا و هو يستبقيهم «2»، و هو قول الله عز و جل: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ.

«فأتوا لوطا و هو في زراعة له قرب المدينة، فسلموا عليه و هم معتمون، فلما رآهم رأى هيئة حسنة، عليهم عمائم بيض و ثياب بيض، فقال لهم: المنزل؟ فقالوا: نعم فتقدمهم و مشوا خلفه، فندم على عرضه المنزل عليهم، فقال: أي شي ء صنعت، آتي بهم قومي و أنا أعرفهم؟

فالتفت إليهم، فقال: إنكم لتأتون شرارا من خلق الله. قال جبرئيل (عليه السلام) «3»: لا تعجل عليهم حتى يشهد عليهم ثلاث مرات. فقال جبرئيل (عليه السلام): هذه واحدة. ثم مشى ساعة ثم التفت إليهم، فقال: إنكم لتأتون شرارا من خلق الله. فقال جبرئيل (عليه السلام): هذه اثنتان. ثم مضى فلما بلغ باب المدينة التفت إليهم، فقال: إنكم لتأتون شرارا من خلق الله، فقال جبرئيل (عليه السلام): هذه

الثالثة.

ثم دخل و دخلوا معه. حتى دخل منزله، فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة، فصعدت فوق السطح فصفقت «4»، فلم يسمعوا، فدخنت، فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون، حتى جاءوا إلى الباب، فنزلت إليهم، فقالت:

عندنا قوم ما رأيت قوما قط أحسن منهم هيئة. فجاءوا إلى الباب ليدخلوا، فلما رآهم لوط قام إليهم، فقال لهم يا قوم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ثم قال: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فدعاهم كلهم إلى الحلال، فقالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ فقال لهم: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ- قال- فقال جبرئيل (عليه السلام): لو يعلم أي قوة له! فكاثروه «5» حتى دخلوا الباب، فصاح به: جبرئيل، و قال: يا لوط، دعهم يدخلون، فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم، فذهبت أعينهم، و هو قول الله عز و جل: فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ «6».

ثم ناداه جبرئيل، فقال له: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ و قال له جبرئيل:

إنا بعثنا في إهلاكهم. فقال: يا جبرئيل، عجل. فقال: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فأمره فتحمل و من معه إلا امرأته، ثم اقتلعها- يعني المدينة- جبرئيل بجناحه من سبع أرضين، ثم رفعها حتى سمع أهل السماء

__________________________________________________

(1) قال المجلسي (رحمه اللّه): أي ابن فضّال. البحار 12: 19، و في المصدر: الحسن العسكري أبو محمّد.

(2) قال المجلسي (رحمه اللّه): أي أظنّ غرض إبراهيم (عليه السّلام) كان استبقاء و الشفاعة لهم، لا محض إنجاء لوط من بينهم. البحار 12: 169.

(3) كذا، و الظاهر فقال اللّه لجبرئيل.

(4) في المصدر: و صعقت.

(5) كاثره: غلبه

بالكثرة. «الصحاح- كثر- 2: 803».

(6) القمر 54: 37. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 121

الدنيا نباح الكلاب و صراخ الديوك، ثم قلبها و أمطر عليها و على من حول المدينة حجارة من سجيل».

5135/ [2]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن سعيد، قال: أخبرني زكريا بن محمد، عن أبيه، عن عمرو، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان قوم لوط من أفضل قوم خلقهم الله، فطلبهم إبليس الطلب الشديد، و كان من فضلهم و خيرتهم أنهم إذا خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم، و تبقى النساء خلفهم، فلم يزل إبليس يعتادهم «1»، فكانوا إذا رجعوا خرب إبليس ما يعملون، فقال بعضهم لبعض: تعالوا نرصد هذا الذي يخرب متاعنا.

فرصدوه فإذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان، فقالوا له: أنت الذي تخرب متاعنا مرة بعد اخرى، فاجتمع رأيهم على أن يقتلوه، فبيتوه عند رجل، فلما كان الليل صاح، فقال له: ما لك؟ فقال: كان أبي ينومني على بطنه. فقال له: تعال فنم على بطني- قال- فلم يزل يدلك الرجل حتى علمه أن «2» يفعل بنفسه، فأولا علمه إبليس، و الثانية علمه هو «3»، ثم انسل ففر منهم، و أصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام، و يعجبهم منه، و هم لا يعرفونه، فوضعوا أيديهم فيه حتى اكتفى الرجال بعضهم ببعض. ثم جعلوا يرصدون مارة الطريق فيفعلون بهم، حي تنكب «4» مدينتهم الناس، ثم تركوا نساءهم و أقبلوا على الغلمان، فلما رأى أنه قد أحكم أمره في الرجال جاء إلى النساء، فصير نفسه امرأة، فقال: إن رجالكن يفعل بعضهم ببعض: قلن: نعم قد رأينا ذلك، و كل ذلك يعظهم لوط

و يوصيهم، و إبليس يغويهم حتى استغنى النساء بالنساء.

فلما كملت عليهم الحجة، بعث الله جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل (عليهم السلام) في زي غلمان عليهم أقبية، فمروا بلوط و هو يحرث، فقال: أين تريدون، ما رأيت أجمل منكم قط! فقالوا: إنا رسل سيدنا إلى رب هذه المدينة.

قال: أ و لم يبلغ سيدكم ما يفعل أهل هذه المدينة؟ يا بني إنهم و الله يأخذون الرجال فيفعلون بهم حتى يخرج الدم. فقالوا: أمرنا سيدنا أن نمر وسطها.

قال: فلي إليكم حاجة؟ قالوا: و ما هي؟ قال: تصبرون ها هنا إلى اختلاط الظلام- قال- فجلسوا- قال- فبعث ابنته، و قال: جيئي لهم بخبز، و جيئي لهم بماء في القربة «5»، و جيئي لهم عباء يتغطون بها من البرد.

فلما أن ذهبت الابنة أقبل المطر بالوادي، فقال لوط: الساعة يذهب بالصبيان الوادي. فقال: قوموا حتى نمضي. و جعل لوط يمشي في أصل الحائط، و جعل جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل يمشون وسط الطريق. فقال: يا

__________________________________________________

2- الكافي 5: 544/ 5.

(1) أي يعتاد المجي ء إليهم كلّ يوم.

(2) في المصدر: أنّه.

(3) قال المجلسي: لعلّ المعنى أنّه كان- إبليس- أوّلا معلّم هذا الفعل حيث علّمه ذلك الرجل، ثمّ صار ذلك الرجل معلّم الناس. و استظهر كونها تصحيف (عمله). مرآة العقول 20: 391.

(4) تنكّب: عدل. «الصحاح- نكب- 1: 228».

(5) في المصدر: القرعة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 122

بني، امشوا هاهنا. فقالوا: أمرنا سيدنا أن نمر في وسطها. و كان لوط يستغنم الظلام، و مر إبليس، فأخذ من حجر امرأة صبيا فطرحه في البئر، فتصايح أهل المدينة كلهم على باب لوط، فلما أن نظروا إلى الغلمان في منزل لوط، قالوا: يا لوط، قد دخلت في عملنا. فقال:

هؤلاء ضيفي، فلا تفضحوني في ضيفي. قالوا: هم ثلاثة، خذ واحدا و أعطنا اثنين- قال- فأدخلهم الحجرة، و قال لو أن لي أهل بيت يمنعونني منكم».

قال: «و تدافعوا على الباب، و كسروا باب لوط، و طرحوا لوطا، فقال له جبرئيل: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فأخذ كفا من بطحاء، فضرب بها وجوههم، و قال: شاهت الوجوه «1»، فعمي أهل المدينة كلهم، و قال لهم لوط: يا رسل ربي، فما أمركم ربي فيهم؟ قالوا: أمرنا أن نأخذهم بالسحر. قال: فلي إليكم حاجة قالوا: و ما حاجتك؟

قال: تأخذونهم الساعة، فاني أخاف أن يبدو لربي فيهم، فقالوا يا لوط: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ لمن يريد أن يأخذ، فخذ أنت بناتك و امض ودع امرأتك».

فقال أبو جعفر (عليه السلام): رحم الله لوطا، لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنه منصور حيث يقول: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ أي ركن أشد من جبرئيل معه في الحجرة! فقال الله عز و جل لمحمد (صلى الله عليه و آله) وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ من ظالمي أمتك، إن علموا ما عمل قوم لوط». قال: «و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من ألح في وطء الرجال لم يمت حتى يدعو الرجال إلى نفسه».

5136/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول لوط (عليه السلام): هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ.

قال: «عرض عليهم التزويج».

5137/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن سعيد، عن محمد

بن سليمان، عن ميمون البان، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقرئ عنده آيات من هود، فلما بلغ وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ قال: فقال: «من مات مصرا على اللواط لم يمت حتى يرميه الله بحجر من تلك الحجارة، تكون فيه منيته، و لا يراه أحد».

5138/ [5]- الشيخ: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن موسى بن عبد الملك، و الحسين بن علي بن يقطين، و موسى بن عبد الملك، عن رجل، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن إتيان الرجل المرأة من خلفها.

فقال: «أحلتها آية من كتاب الله عز و جل، قول لوط: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ و قد علم أنهم لا يريدون الفرج».

__________________________________________________

3- الكافي 5: 548/ 7.

4- الكافي 5: 548/ 9.

5- التهذيب 7: 414/ 1659.

(1) شاهت الوجوه: قبحت. «الصحاح- شوه- 6: 2238».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 123

5139/ [6]- ابن بابويه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ.

قال: «حاضت».

5140/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في عز من قومه».

5141/ [8]- و عنه، قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن صالح، عن أبي عبد الله

(عليه السلام) قال: في قوله تعالى: قُوَّةً.

قال: «القوة: القائم (عليه السلام)، و الركن الشديد: ثلاثمائة و ثلاثة عشر».

5142/ [9]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن سليمان الديلمي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله:

وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً.

قال: «ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل عمل قوم لوط إلا رماه الله جندلة من تلك الحجارة، تكون منيته فيها، و لكن الخلق لا يرونه».

5143/ [10]- العياشي: عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك و تعالى لما قضى عذاب قوم لوط و قدره، أحب أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم، يسلي به مصابه بهلاك قوم لوط- قال- فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسماعيل- قال- فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم و خاف أن يكونوا سراقا، فلما رأته الرسل فزعا مذعورا فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ «1»» قال أبو جعفر (عليه السلام): «و الغلام العليم هو إسماعيل من «2» هاجر.

فقال إبراهيم للرسل: أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ «3» قال إبراهيم للرسل: فَما خَطْبُكُمْ بعد البشارة قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ «4» قوم لوط إنهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب رب العالمين». قال أبو جعفر (عليه السلام): «قال إبراهيم:

__________________________________________________

6- معاني الآخبار: 224/ 1.

7- تفسير القمي 1: 335.

8- تفسير القمي 1: 335.

9- تفسير القمي 1: 336. [.....]

10- تفسير العياشي 2: 152/ 44 و 45.

(1) الحجر 15: 52- 53.

(2) في المصدر: بن.

(3) الحجر 15: 54- 55.

(4) الحجر 15: 57- 58.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 124

إِنَّ

فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ «1»، قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ «2».

فلما عذبهم الله أرسل إلى إبراهيم رسلا يبشرونه بإسحاق، و يعزونه بهلاك قوم لوط، و ذلك قوله: وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قوم منكرون «3» فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ يعني زكيا مشويا نضيجا فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ». قال أبو جعفر (عليه السلام): «إنما عنى سارة قائمة فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ فضحكت «4» يعني فعجبت من قولهم- و في رواية أبي عبد الله (عليه السلام): فَضَحِكَتْ قال: حاضت- و قالت: يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْ ءٌ عَجِيبٌ إلى قوله: حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

فلما جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق، فذهب عنه الروح، أقبل يناجي ربه في قوم لوط و يسأله كشف البلاء عنهم، فقال الله تعالى: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ بعد طلوع الشمس من يومك محتوما غَيْرُ مَرْدُودٍ».

5144/ [11]- عن أبي يزيد الحمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله بعث أربعة أملاك بإهلاك قوم لوط:

جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل، و كروبيل، فمروا بإبراهيم و هم معتمون، فسلموا عليه فلم يعرفهم، و رأى هيئة حسنة، فقال: لا يخدم هؤلاء إلا أنا بنفسي، و كان صاحب أضياف، فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه، ثم قربه إليهم، فلما وضعه بين أيديهم رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم و أوجس منهم خيفة. فلما رأى ذلك جبرئيل حسر العمامة

عن وجهه، فعرفه إبراهيم، فقال له: أنت هو؟ قال: نعم، و مرت امرأته سارة فبشرها بإسحاق، و من وراء إسحاق يعقوب، قالت ما قال الله، و أجابوها بما في الكتاب.

فقال إبراهيم: فيما جئتم؟ قالوا، في هلاك قوم لوط. فقال لهم: إن كان فيها مائة من المؤمنين، أ تهلكونهم؟

فقال له جبرئيل: لا. قال: فإن كانوا خمسين؟ قال: لا. قال: فإن كانوا ثلاثين؟ قال: لا. قال: فإن كانوا عشرين؟ قال: لا قال: فإن كانوا عشرة؟ قال: لا. قال: فإن كانوا خمسة؟ قال: لا. قال: فإن كانوا واحدا؟ قال: لا. قال: إن فيها لوطا. قالوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ «5» ثم مضوا».

قال: و قال الحسن بن علي: لا أعلم هذا القول إلا و هو يستبقيهم، و هو قول الله: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ.

عن عبد الله بن هلال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله، و زاد فيه: «فقال: كلوا، فقالوا: إنا لا نأكل حتى تخبرنا ما ثمنه، فقال: إذا أكلتم فقولوا: بسم الله، و إذا فرغتم فقولوا: الحمد لله». قال: «فالتفت جبرئيل إلى أصحابه، و كانوا

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 153/ 46.

(1) العنكبوت 29: 32.

(2) الحجر 15: 60.

(3) هذا اللفظ في سورة الذاريات 51: 25.

(4) قوله: (فضحكت) في الآية مقدّم على قوله (فبشّرناها) و أخّر هنا للتفسير.

(5) العنكبوت 29: 32.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 125

أربعة رئيسهم جبرئيل، فقال: حق الله أن يتخذه خليلا» «1».

5145/ [12]- عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ.

قال: «مشويا نضيجا.»

5146/ [13]- عن الفضل بن أبي قرة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أوحى الله إلى

إبراهيم: أنه سيولد لك. فقال لسارة، فقالت: أ ألد و أنا عجوز؟ فأوحى الله إليه: أنها ستلد و يعذب أولادها أربعمائة سنة بردها الكلام علي». قال: «فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا و بكوا إلى الله أربعين صباحا، فأوحى الله إلى موسى و هارون أن يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين و مائة سنة».

قال: و قال أبو عبد الله (عليه السلام): «هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا، فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه».

5147/ [14]- عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) مر بقوم فسلم عليهم، فقالوا: و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته و مغفرته و رضوانه، فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تجاوزوا بنا ما قالت الأنبياء لأبينا إبراهيم (عليه السلام)، إنما قالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

و روى الحسن بن محمد مثله، غير أنه قال: «ما قالت الملائكة لأبينا (عليه السلام)».

5148/ [15]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «مر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بقوم فسلم عليهم، فقالوا:

عليك السلام و رحمة الله و بركاته و مغفرته و رضوانه. فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم (عليه السلام)، إنما قالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ».

5149/ [16]- العياشي: عن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ. قال: «دعاء».

عن زرارة، و حمران و محمد بن مسلم،

عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، مثله.

5150/ [17]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة،

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 2: 154/ 48.

13- تفسير العيّاشي 2: 154/ 49.

14- تفسير العيّاشي 2: 154/ 50. [.....]

15- الكافي 2: 472/ 13.

16- تفسير العيّاشي 2: 154/ 51.

17- الكافي 2: 338/ 1.

(1) تفسير العيّاشي 2: 153/ 47.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 126

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الأواه هو الدعاء».

5151/ [18]- العياشي: عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إن إبراهيم (عليه السلام) جادل في قوم لوط، و قال: إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها «1» فزاده إبراهيم، فقال جبرئيل: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ».

5152/ [19]- عن أبي يزيد الحمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله تعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط: جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل، و كروبيل، فأتوا لوطا و هو في زراعة قرب القرية، فسلموا عليه و هم معتمون، فلما رآهم رأى هيئة حسنة، عليهم ثياب بيض، و عمائم بيض، فقال لهم: المنزل؟ فقالوا: نعم. فتقدمهم و مشوا خلفه، فندم على عرضه المنزل عليهم، فقال: أي شي ء صنعت، آتي بهم قومي و أنا أعرفهم؟!.

فالتفت إليهم فقال لهم: إنكم لتأتون شرارا من خلق الله. فقال جبرئيل «2»: لا تعجل عليهم حتى يشهد عليهم ثلاث مرات. فقال جبرئيل: هذه واحدة. ثم مضى ساعة، ثم التفت إليهم، فقال: إنكم لتأتون شرارا من خلق الله.

فقال جبرئيل: هذه الثانية، ثم مشى، فلما بلغ باب المدينة التفت إليهم، فقال: إنكم لتأتون شرارا من

خلق الله. فقال جبرئيل: هذه الثالثة.

ثم دخل و دخلوا معه حتى دخل منزله، فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة، فصعدت فوق السطح فصفقت «3»، فلم يسمعوا، فدخنت، فلما رأو الدخان أقبلوا يهرعون حتى جاءوا إلى الباب، فنزلت المرأة إليهم و قالت: عنده قوم ما رأيت قوما قط أحسن هيئة منهم. فجاءوا إلى الباب ليدخلوها، فلما رآهم لوط قام إليهم، فقال لهم: يا قوم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ و قال: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فدعاهم إلى الحلال، فقالوا: ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ قال لهم: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ- قال- فقال جبرئيل: لو يعلم أي قوة له.- فقال- فكاثروه حتى دخلوا المنزل، فصاح به جبرئيل، و قال: يا لوط دعهم يدخلون، فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم، و هو قول الله:

فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ «4».

ثم ناداه جبرئيل: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ و قال له جبرئيل: إنا بعثنا في إهلاكهم فقال: يا جبرئيل، عجل، فقال: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فأمره فتحمل و من معه إلا امرأته، ثم اقتلعها- يعني المدينة- جبرئيل بجناحه من سبع أرضين، ثم رفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 2: 154/ 52.

19- تفسير العيّاشي 2: 155/ 53.

(1) العنكبوت 29: 32.

(2) كذا، و الظاهر فقال اللّه لجبرئيل.

(3) في المصدر: فصعقت.

(4) القمر 54: 37.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 127

الكلاب و صراخ الديوك، ثم قلبها و أمطر عليها و على من حول المدينة حجارة من سجيل».

5153/ [20]- عن أبي بصير، عن أحدهما

(عليهما السلام) قال: «إن جبرئيل لما أتى لوطا في هلاك قومه، و دخلوا عليه، و جاءه قومه يهرعون إليه- قال- فوضع يده على الباب، ثم ناشدهم، فقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي، قالُوا أَ وَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ «1» ثم عرض عليهم بناته بنكاح، فقالوا: ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ. قال: فما منكم رجل رشيد؟- قال- فأبوا، فقال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ- قال- و جبرئيل ينظر إليهم فقال: لو يعلم أي قوة له! ثم دعاه و أتاه، ففتحوا الباب و دخلوا، فأشار جبرئيل بيده، فرجعوا عميان يلتمسون الجدران بأيديهم، يعاهدون الله لئن أصبحنا لا نستبقي أحدا من آل لوط».

فقال: «فلما قال جبرئيل: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ قال له لوط: يا جبرئيل، عجل. قال: نعم. ثم قال: يا جبرئيل، عجل. قال: الصبح موعدهم، أليس الصبح بقريب؟ ثم قال جبرئيل: يا لوط، اخرج منها أنت و ولدك حتى تبلغ موضع كذا و كذا. فقال: جبرئيل، إن حمراتي حمرات ضعاف. قال: ارتحل فاخرج منها. فارتحل حتى إذا كان السحر نزل إليها جبرئيل، فأدخل جناحه تحتها حتى إذا استقلت «2» قلبها عليهم، و رمى جبرئيل المدينة بحجارة من سجيل، و سمعت امرأة لوط الهدة، فهلكت منها».

5154/ [21]- عن صالح بن سعد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.

قال: «قوة: القائم (عليه السلام)، و الركن الشديد: الثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحابه» «3».

5155/ [22]- عن الحسين بن علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن إتيان الرجل المرأة من خلفها.

قال: «أحلتها آية في

كتاب الله، قول لوط: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ و قد علم أنهم ليس الفرج يريدون».

5156/ [23]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سأل جبرئيل (عليه السلام): كيف كان مهلك قوم لوط؟

فقال: يا محمد، إن قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظفون من الغائط، و لا يتطهرون من الجنابة، بخلاء أشحاء

__________________________________________________

20- تفسير العيّاشي 2: 156/ 54.

21- تفسير العيّاشي 2: 156/ 55.

22- تفسير العيّاشي 2: 157/ 56.

23- تفسير العيّاشي 2: 157/ 57. [.....]

(1) الحجر 15 70.

(2) أي ارتفعت.

(3) أي إنّه تمنّى قوّة مثل قوّة القائم (عليه السّلام) و أصحابنا مثل أصحابه، يدلّ عليه الحديث الآتي برقم (27) عن كمال الدين: 673/ 26.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 128

على الطعام، و إن لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة، و إنما كان نازلا عليهم و لم يكن منهم، و لا عشيرة له فيهم و لا قوم، و إنه دعاهم إلى الإيمان بالله و اتباعه، و كان ينهاهم عن الفواحش، و يحثهم على طاعة الله فلم يجيبوه، و لم يتبعوه.

و إن الله لما هم بعذابهم بعث إليهم رسلا منذرين عذرا و نذرا، فلما عتوا عن أمره بعث الله إليهم ملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين، فما وجدوا «1» فيها غير بيت من المسلمين فأخرجوهم منها، و قالوا للوط: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ في هذه الليلة بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ «2».

قال: فلما انتصف الليل سار لوط ببناته، و تولت امرأته مدبرة فانطلقت إلى قومها تسعى بلوط، و تخبرهم أن لوطا قد سار ببناته.

و إني نوديت من تلقاء العرش لما

طلع الفجر: يا جبرئيل، حق القول من الله بحتم عذاب قوم لوط اليوم، فاهبط إلى قرية قوم لوط و ما حوت فاقتلعها من تحت سبع أرضين، ثم اعرج بها إلى السماء، ثم أوقفها حتى يأتيك أمر الجبار في قلبها، ودع منها آية بينة- منزل لوط- عبره للسيارة.

فهبطت على أهل القرية الظالمين، فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقها، و ضربت بجناحي الأيسر على ما حوى غربها، فاقتلعتها- يا محمد- من تحت سبع أرضين إلا منزل لوط آية للسيارة، ثم عرجت بها في خوافي «3» جناحي إلى السماء، و أوقفتها حتى سمع أهل السماء زقاء «4» ديوكها و نباح كلابها فلما أن طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش: يا جبرئيل، اقلب القرية على القوم المجرمين، فقلبتها عليهم حتى صار أسفلها أعلاها، و أمطر الله عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك، و ما هي- يا محمد- من الظالمين من أمتك ببعيد».

قال: «فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا جبرئيل، و أين كانت قريتهم من البلاد؟ قال: كان موضع قريتهم إذ ذلك في موضع «5» بحيرة طبرية «6» اليوم، و هي في نواحي الشام.

فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا جبرئيل، أ رأيت حيث قلبتها عليهم في أي موضع من الأرض وقعت القرية و أهلها؟ فقال: يا محمد، وقعت فيما بين الشام إلى مصر، فصارت تلالا في البحر».

__________________________________________________

(1) في «س»: وجدنا.

(2) الحجر 15: 65.

(3) الخوافي: الريش الصغار التي في جناح الطير عند القوادم. «مجمع البحرين- خفا- 1: 129».

(4) زقا الصّدى يزقو و يزقى زقاء: أي صاح. «الصحاح- زقا- 6: 2368».

(5) في «ط» و المصدر زيادة: الحيرة و.

(6) بحيرة طبريّة:

بركة تحيط بها الجبال، تصب إليها فضلات أنهار كثيرة، و مدينة طبريّة مشرفة عليها، و هي من أعمال الأردن. «معجم البلدان 1:

351 و 4: 17».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 129

5157/ [24]- عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: «إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل مظلما قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و هكذا قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام)».

5158/ [25]- عن ميمون البان، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقرئ عنده آيات من هود، فلما بلغ وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ قال: «من مات مصرا على اللواط لم يمت حتى يرميه الله بحجر من تلك الحجارة، تكون فيه منيته، و لا يراه أحد».

5159/ [26]- عن السكوني، عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): لما عمل قوم لوط ما عملوا، بكت الأرض إلى ربها حتى بلغت دموعها إلى السماء، و بكت السماء حتى بلغت دموعها العرش، فأوحى الله إلى السماء أن احصبيهم، و أوحى إلى الأرض أن اخسفي بهم».

5160/ [27]- ابن بابويه: بإسناده عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ إلا تمنيا لقوة القائم (عليه السلام)، و ما الركن «1» إلا شدة أصحابه، فإن الرجل منهم ليعطى قوة أربعين رجلا، و إن قلبه أشد من زبر الحديد، و لو مروا بجبال الحديد لتدكدكت، و لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز و

جل».

5161/ [28]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله: وَ جاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ أي يسرعون و يعدون. و قال في قوله تعالى مُسَوَّمَةً: أي منقطة «2».

سورة هود(11): الآيات 84 الي 101 ..... ص : 129

قوله تعالى:

وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ- إلى قوله

__________________________________________________

24- تفسير العيّاشي 2: 158/ 58.

25- تفسير العيّاشي 2: 158/ 59.

26- تفسير العيّاشي 2: 159/ 60.

27- كمال الدين و تمام النعمة: 673/ 26.

28- تفسير القمّي 1: 335 و 336. [.....]

(1) في المصدر: و لا ذكر.

(2) في المصدر: منقوطة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 130

تعالى- وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [84- 101] 5162/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: بعث الله شعيبا إلى مدين، و هي قرية على طريق الشام، فلم يؤمنوا به، و حكى الله قولهم، قال: يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا إلى قوله: الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ.

قال: قالوا: إنك لأنت السفيه الجاهل. فكنى الله عز و جل قولهم فقال: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ و إنما أهلكهم الله بنقص المكيال و الميزان، قال: يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ رَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.

ثم قال علي بن إبراهيم: ثم ذكرهم و خوفهم بما نزل بالأمم الماضية، فقال: يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ

ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَ إِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً و كان قد ضعف بصره وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ إلى قوله: إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ. أي انتظروا. فبعث الله عليهم صيحة فماتوا، و هو قوله: وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ.

5163/ [2]- العياشي: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ.

قال: «كان سعرهم رخيصا».

5164/ [3]- عن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن انتظار الفرج.

فقال: «أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟- ثم قال- إن الله تبارك و تعالى يقول: وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ».

5165/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن مسعود، قال: حدثني أبو صالح خلف بن حماد الكشي، قال: حدثنا سهل بن زياد، قال: حدثني محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قال الرضا (عليه السلام): «ما أحسن الصبر و انتظار الفرج، أما سمعت قول الله عز و جل: وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ و فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ «1» فعليكم

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 337.

2- تفسير العيّاشي 2: 159/ 61.

3- تفسير العيّاشي 2: 159/ 62.

4- كمال الدين و تمام النعمة: 645/ 5.

(1) الأعراف 7: 71، يونس 10: 102.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 131

بالصبر فإنه إنما يجي ء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم اصبر منكم».

5166/ [5]- و عنه: عن علي بن عبد الله الوراق، و محمد بن أحمد السناني، و علي بن أحمد بن محمد (رضي الله عنهم)، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: قلت: فقوله عز و جل: وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ و قوله عز و جل: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ «1».

فقال: «إذا فعل العبد ما أمره الله عز و جل به من الطاعة، كان فعله وفقا لأمر الله عز و جل، و سمي العبد به موفقا، و إذا أراد العبد أن يدخل في شي ء من معاصي الله، فحال الله تبارك و تعالى بينه و بين تلك المعصية فتركها، كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره، و متى خلى بينه و بين تلك المعصية فلم يحل بينه و بينها حتى يرتكبها «2»، فقد خذله و لم ينصره و لم يوفقه».

5167/ [6]- و قال علي بن إبراهيم: ثم ذكر عز و جل قصة موسى (عليه السلام): فقال: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ إلى قوله تعالى وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً يعني الهلاك و الغرق وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ أي يرفدهم الله بالعذاب. ثم قال لنبيه (صلى الله عليه و آله): ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى أي

أخبارها نَقُصُّهُ عَلَيْكَ يا محمد مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ إلى قوله: وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ أي غير تخسير.

5168/ [7]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قرأ «فمنها قائما و حصيدا» بالنصب، ثم قال:

«يا أبا محمد، لا يكون حصيدا إلا بالحديد».

و

في رواية اخرى: «فمنها قائم و حصيد. أ يكون الحصيد إلا بالحديد» «3».

سورة هود(11): آية 103 ..... ص : 131

قوله تعالى:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [103] 5169/ [1]- علي بن إبراهيم: أي يشهد عليهم الأنبياء و الرسل.

__________________________________________________

5- التوحيد: 241/ 1.

6- تفسير القمّي 1: 337.

7- تفسير العيّاشي 2: 159/ 63.

1- تفسير القمّي 1: 338.

(1) آل عمران 3: 160.

(2) في «س»، «ط»: يتركها.

(3) تفسير العيّاشي 2: 159/ 64. و في نور الثقلين 2: 394/ 205 هذه الرواية بالنصب أيضا. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 132

5170/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى و محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان بن يحيى، عن إسماعيل بن جابر، عن رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

قال: «المشهود: يوم عرفة، و المجموع له الناس: يوم القيامة».

5171/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن محمد بن هاشم، عمن روى عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأله الأبرش الكلبي عن قول الله عز و جل: وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ «1».

فقال: أبو جعفر (عليه

السلام): «و ما قيل لك؟» فقال: قالوا: الشاهد: يوم الجمعة، و المشهود: يوم عرفة. فقال أبو جعفر (عليه السلام): ليس كما قيل لك، الشاهد: يوم عرفة، و المشهود: يوم القيامة، أما تقرأ القرآن؟ قال الله عز و جل:

ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ».

5172/ [4]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: في قول الله عز و جل: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

قال: «فذلك يوم القيامة، و هو اليوم الموعود».

سورة هود(11): الآيات 105 الي 108 ..... ص : 132

قوله تعالى:

يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ- إلى قوله تعالى- غَيْرَ مَجْذُوذٍ [105- 108]

5173/ [1]- الحسين بن سعيد الأهوازي، في كتاب (الزهد): عن النضر بن سويد، عن درست، عن أبي جعفر الأحول، عن حمران، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنه بلغنا أنه يأتي على جهنم حتى تصفق أبوابها. فقال: «لا

__________________________________________________

2- معاني الأخبار: 298/ 1.

3- معاني الأخبار: 1: 299/ 5.

4- تفسير العيّاشي 2: 159/ 65.

1- كتاب الزهد: 98/ 265.

(1) البروج 85: 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 133

و الله إنه الخلود».

قلت: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ؟ فقال: «هذه في الذين يخرجون من النار».

5174/ [2]- و عنه، قال: حدثنا فضالة، عن القاسم بن بريد، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجهنميين.

فقال: «كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: يخرجون منها فينتهى بهم إلى عين عند باب الجنة. تسمى

عين الحيوان، فينضح عليهم من مائها، فينبتون كما ينبت الزرع، تنبت لحومهم و جلودهم و شعورهم».

5175/ [3]- و عنه: عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان، عن أديم أخي أيوب، عن حمران، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنهم يقولون: لا تعجبون من قوم يزعمون أن الله يخرج قوما من النار فيجعلهم من أصحاب الجنة مع أوليائه.

فقال: «أما يقرءون قول الله تبارك و تعالى: وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ «1» إنها جنة دون جنة، و نار دون نار، إنهم لا يساكنون أولياء الله- و قال- إن بينهما و الله منزلة «2»، و لكن لا أستطيع أن أتكلم، إن أمرهم لأضيق من الحلقة، إن القائم إذ اقام بدأ بهؤلاء».

5176/ [4]- و عنه: عن فضالة، عن عمر بن أبان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن ادخل في النار، ثم اخرج منها: ثم ادخل الجنة.

فقال: «إن شئت حدثتك بما كان يقول فيه أبي، قال: إن أناسا يخرجون من النار بعد ما كانوا حمما «3»، فينطلق بهم إلى نهر عند باب الجنة، يقال له: الحيوان، فينضح عليهم من مائه فتنبت لحومهم و دماؤهم و شعورهم».

5177/ [5]- و عنه: عن فضالة، عن عمر بن أبان، قال: سمعت عبدا صالحا يقول في الجهنميين: «إنهم يدخلون النار بذنوبهم، و يخرجون بعفو الله».

5178/ [6]- و عنه: عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)

__________________________________________________

2- كتاب الزهد: 95/ 256.

3- كتاب الزهد: 95/ 257.

4- كتاب الزهد: 96/ 258.

5- كتاب الزهد: 96/ 259.

6- كتاب الزهد: 96/ 260.

(1) الرحمن 55: 62.

(2) في المصدر نسخة بدل: منزلتين.

(3) في المصدر نسخة بدل: حميما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص:

134

يقول: «إن قوما يحرقون بالنار حتى إذا صاروا حمما «1» أدركتهم الشفاعة- قال- فينطلق بهم إلى نهر يخرج من رشح أهل الجنة فيغتسلون فيه، فتنبت لحومهم و دماؤهم، و يذهب عنهم قشف «2» النار، و يدخلون الجنة، فيسمون الجهنميين فينادون بأجمعهم: اللهم أذهب عنا هذا الاسم- قال- فيذهب عنهم».

ثم قال: «يا أبا بصير، إن أعداء علي هم الخالدون في النار لا تدركهم الشفاعة».

5179/ [7]- و عنه: عن فضالة، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن آخر من يخرج من النار لرجل يقال له: همام «3»، فينادي: يا رباه «4»، يا حنان، يا منان».

5180/ [8]- و عنه: عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن الأحول، عن حمران، قال:

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن الكفار و المشركين يرون «5» أهل التوحيد في النار، فيقولون: ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا، و ما نحن و أنتم إلا سواء- قال- فيأنف لهم الرب عز و جل، فيقول للملائكة: اشفعوا، فيشفعون لمن شاء الله، و يقول للمؤمنين مثل ذلك، حتى إذا لم يبق أحد إلا تبلغه الشفاعة، قال الله تبارك و تعالى: أنا أرحم الراحمين، اخرجوا برحمتي، فيخرجون كما يخرج الفراش» «6».

5181/ [9]- العياشي: عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ إلى آخر الآيتين.

قال: «هاتان الآيتان في غير أهل الخلود من أهل الشقاوة و السعادة، إن شاء الله يجعلهم خارجين. و لا تزعم- يا زرارة- إني أزعم ذلك».

5182/ [10]- عن حمران، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك، قول الله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما

شاءَ رَبُّكَ. [لأهل النار، أ فرأيت قوله لأهل الجنة: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ]؟ قال: «نعم، إن شاء جعل لهم دينا فردهم، و ما شاء».

و سألته عن قول الله: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ. قال: «هذه في الذين يخرجون من النار».

__________________________________________________

7- كتاب الزهد: 96/ 261. [.....]

8- كتاب الزهد: 97/ 264.

9- تفسير العيّاشي 1: 160/ 67.

10- تفسير العيّاشي 2: 160/ 68.

(1) في المصدر نسخة بدل: حميما.

(2) قشف قشفا: إذا لوّحته الشمس فتغيّر. «الصحاح- قشف- 4: 1616».

(3) و في المصدر نسخة بدل: هام.

(4) في المصدر: ينادي فيها عمرا.

(5) في «ط»: يعبّرون.

(6) في المصدر زيادة: قال ثمّ قال أبو جعفر (عليه السّلام)، ثمّ مدّت العمد و أعمدت (و أصمدت) عليهم و كان و اللّه الخلود.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 135

5183/ [11]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ.

قال: «في ذكر أهل النار استثناء، و ليس في ذكر أهل الجنة استثناء «1» وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ».

و في رواية اخرى: عن حماد، عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عطاء غير مجدود» بالدال «2».

5184/ [12]- عن مسعدة بن صدقة، قال: قص أبو عبد الله (عليه السلام) قصص أهل الميثاق، من أهل الجنة و أهل النار، فقال في صفات أهل الجنة: «فمنهم من لقي الله شهيدا لرسله». ثم مر «3» في صفتهم حتى بلغ من قوله: «ثم جاء الاستثناء من الله في الفريقين جميعا، فقال الجاهل بعلم التفسير: إن هذا الاستثناء من الله إنما

هو لمن دخل الجنة و النار، و ذلك أن الفريقين جميعا يخرجان منهما، فيبقيان و ليس فيهما أحد. و كذبوا، لكن عنى بالاستثناء أن ولد آدم كلهم و ولد الجان معهم على الأرض، و السماوات تظلهم، فهو ينقل المؤمنين حتى يخرجهم إلى ولاية الشياطين، و هي النار، فذلك الذي عنى الله في أهل الجنة و أهل النار: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ يقول:

في الدنيا، و الله تبارك و تعالى ليس بمخرج أهل الجنة منها أبدا، و لا كل أهل النار منها أبدا، و كيف يكون ذلك و قد قال الله في كتابه: ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً «4» ليس فيها استثناء؟! و كذلك قال أبو جعفر (عليه السلام): من دخل في ولاية آل محمد (عليهم السلام) دخل الجنة، و من دخل في ولاية عدوهم دخل النار، و هذا الذي عنى الله من الاستثناء في الخروج من الجنة و النار و الدخول».

5185/ [13]- ابن بابويه، قال: حدثنا الحسين بن يحيى، عن ضريس البجلي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمارة السكري السرياني، قال: حدثنا إبراهيم بن عاصم بقزوين، قال: حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن زيد بن سلام بن عبد الله، قال: حدثني أبي عبد الله بن زيد، قال:

حدثني أبي زيد بن سلام، عن أبيه سلام بن عبد الله، عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقلت: أخبرني أ يعذب الله عز و جل خلقا بلا حجة؟ فقال: «معاذ الله عز و جل».

قلت: فأولاد المشركين في الجنة أم في النار؟

فقال: «إن الله تبارك و تعالى أولى بهم، إنه إذا كان يوم القيامة، و جمع الله عز و جل الخلائق لفصل القضاء يأتي بأولاد المشركين، فيقول لهم: عبيدي و إمائي، من ربكم، و ما

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 160/ 69.

12- تفسير العيّاشي 2: 159/ 66.

13- التوحيد: 390/ 1.

(1) قال المجلسي: ظاهر خبر أبي بصير أنّ في مصحف أهل البيت (عليهم السّلام) لم يكن الاستثناء في حال أهل الجنّة بل كان فيه (خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض عطاء غير مجذوذ) و إنّما زيد في الخبر من النسّاخ «بحار الأنوار 8: 349/ 10. و سيأتي عن الصادق (عليه السّلام) تفسير للاستثناء في الحديث (12).

(2) تفسير العيّاشي 2: 161/ 70. [.....]

(3) في المصدر: من.

(4) الكهف 18: 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 136

دينكم، و ما أعمالكم؟- قال- فيقولون: اللهم ربنا أنت خلقتنا «1»، و أنت أمتنا «2»، و لم تجعل لنا ألسنة ننطق بها، و لا أسماعا نسمع بها، و لا كتابا نقرؤه، و لا رسولا فنتبعه، و لا علم لنا إلا ما علمتنا».

قال: «فيقول لهم عز و جل: عبيدي و إمائي، إن أمرتكم بأمر أ تفعلونه؟ فيقولون: السمع و الطاعة لك، يا ربنا.

فيأمر الله عز و جل نارا يقال لها الفلق، أشد شي ء في جهنم عذابا، فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسلاسل و الأغلال، فيأمرها الله عز و جل أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة، فتنفخ، فمن شدة نفختها تنقطع السماء، و تنطمس النجوم، و تجمد البحار، و تزول الجبال، و تظلم الأبصار، و تضع الحوامل حملها، و تشيب الولدان من هولها يوم القيامة، ثم يأمر الله تبارك و تعالى أطفال المشركين أن يلقوا أنفسهم في

تلك النار، فمن سبق له في علم الله عز و جل أن يكون سعيدا، ألقى نفسه فيها، فكانت النار عليه بردا و سلاما، كما كانت على إبراهيم (عليه السلام)، و من سبق له في علم الله عز و جل أن يكون شقيا، امتنع فلم يلق نفسه في النار، فيأمر الله تبارك و تعالى النار فتلتقطه لتركه أمر الله، و امتناعه من الدخول فيها، فيكون تبعا لآبائه في جهنم، و ذلك قوله عز و جل: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ».

5186/ [14]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها: فهذا في نار الدنيا قبل يوم القيامة: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ قال: و قوله: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها يعني في جنان الدنيا التي تنقل إليها أرواح المؤمنين ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة يكون متصلا به، و هو رد على من ينكر عذاب القبر و الثواب و العقاب في الدنيا في البرزخ قبل يوم القيامة.

سورة هود(11): الآيات 111 الي 112 ..... ص : 136

قوله تعالى:

وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ- إلى قوله تعالى- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا [111- 112] 5187/ [1]-

علي بن إبراهيم، قال في قوله تعالى: وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ قال: في القيامة،

__________________________________________________

14- تفسير القمّي 1: 338.

1- تفسير القمّي 1: 338.

(1) في المصدر زيادة: و لم نخلق شيئا.

(2) في المصدر زيادة: و لم نمت شيئا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 137

ثم قال لنبيه (صلى الله عليه و آله): فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا أي في الدنيا لا تطغوا.

سورة هود(11): آية 113 ..... ص : 137

قوله تعالى:

وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [113]

5188/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد رفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.

قال: «هو الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلى أن يدخل يده إلى كيسه فيعطيه».

5189/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: ركون مودة و نصيحة و طاعة.

5190/ [3]- العياشي: عن بعض أصحابنا: قال أحدهم: إنه سئل عن قوله الله: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.

قال: «هو الرجل من شيعتنا يقول بقول هؤلاء الجائرين».

5191/ [4]- عن عثمان بن عيسى، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام): وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.

قال: «أما إنه لم يجعلها خلودا و لكن تمسكم النار، فلا تركنوا إليهم».

سورة هود(11): آية 114 ..... ص : 137

قوله تعالى:

وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ [114]

5192/ [5]- الشيخ: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عما فرض الله من الصلاة. فقال: «خمس صلوات في الليل و النهار».

__________________________________________________

1- الكافي 5: 108/ 12.

2- تفسير القمّي 1: 338.

3- تفسير العيّاشي 2: 161/ 71.

4- تفسير العيّاشي 2: 161/ 72.

5- التهذيب 2: 241/ 954.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 138

فقلت: هل سماهن و بينهن في كتابه؟ فقال: «نعم، قال الله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله): أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ «1» و دلوكها: زوالها، ففي ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات، سماهن و بينهن و وقتهن،

و غسق الليل: انتصافه. ثم قال: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً «2» فهذه الخامسة.

و قال في ذلك: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ و طرفاه: المغرب و الغداة وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ و هي صلاة العشاء الآخرة، و قال: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى «3» و هي صلاة الظهر، و هي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هي وسط النهار، و وسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة، و صلاة العصر».

و في بعض القراءات: «حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى صلاة لعصر و قوموا لله قانتين».

قال: «و نزلت هذه الآية يوم الجمعة، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) في سفر، فقنت فيها و تركها على حالها في السفر و الحضر، و أضاف للمقيم ركعتين، و إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلى الله عليه و آله) يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام».

5193/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الفضل بن عثمان المرادي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعد هن إلا هالك: يهم العبد بالحسنة أن يعملها، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته، و إن هو عملها كتب الله له عشرا و يهم بالسيئة أن يعملها، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شي ء، و إن هو عملها اجل سبع ساعات، و قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات،

و هو صاحب الشمال: لا تعجل، عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها، فإن الله عز و جل يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ. أو استغفار، فإن هو قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب و الشهادة، العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، ذا الجلال و الإكرام و أتوب إليه. لم يكتب عليه شي ء، و إن مضت سبع ساعات و لم يتبعها بحسنة أو استغفار، قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات:

اكتب على الشقي المحروم».

5194/ [3]- و عنه: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.

قال: «صلوات «4» المؤمن بالليل يذهبن «5» بما عمل من ذنب النهار» «6».

__________________________________________________

2- الكافي 2: 313/ 4.

3- الكافي 3: 266/ 10.

(1) الإسراء 17: 78. [.....]

(2) الإسراء 17: 78.

(3) البقرة 2: 238.

(4) في المصدر: صلاة.

(5) في المصدر: تذهب.

(6) في المصدر: بالنهار.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 139

5195/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، قال: «صلوات المؤمن بالليل يذهبن بما عمل من ذنب النهار».

5196/ [5]- و عنه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق التاجر، عن علي بن مهزيار، عمن رواه، عن الحارث بن الأحول صاحب الطاق، عن جميل بن صالح، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يغرنك الناس من نفسك، فإن الأمر يصل إليك

من دونهم، لا تقطع النهار بكذا و كذا، فإن معك من يحفظ عليك. و لم أر شيئا قط أشد طلبا و لا أسرع دركا من الحسنة للذنب العظيم القديم. و لا تستصغر شيئا من الخير فإنك تراه غدا حيث يسرك، و لا تستصغر شيئا من الشر فإنك تراه غدا حيث يسوؤك، إن الله عز و جل يقول:

إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ».

و روى هذا الحديث المفيد في (أماليه): عن الصادق (عليه السلام) «1».

5197/ [6]- و عنه، قال: حدثني محمد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.

قال: «صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار».

5198/ [7]- الحسين بن سعيد، في كتاب (الزهد): عن فضالة بن أيوب، عن عبد الله بن يزيد، عن علي بن يعقوب، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يغرنك الناس من نفسك، فإن الأمر «2» يصل إليك دونهم، و لا تقطع عنك النهار بكذا و كذا، فإن معك من يحفظ عليك. و لا تستقل قليل الخير فإنك تراه غدا بحيث يسرك، و لا تستقل قليل الشر فإنك تراه غدا بحيث يسوؤك، و أحسن فإني لم أر شيئا أشد طلبا و لا أسرع دركا من حسنة لذنب قديم، فإن الله تبارك و تعالى يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ».

5199/ [8]- الشيخ في (أماليه) قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب، قال: أخبرني

الحسن بن علي الزعفراني، قال: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سعيد، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: لما ولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) محمد بن

__________________________________________________

4- علل الشرائع: 363/ 7.

5- ثواب الأعمال: 134، الاختصاص: 231.

6- ثواب الأعمال: 42.

7- كتاب الزهد: 16/ 31.

8- الأمالي 1: 24، الغارات: 147.

(1) الأمالي: 67/ 3.

(2) في المصدر: الأجر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 140

أبي بكر مصر و أعمالها، كتب له كتابا، و أمره أن يقرأه على أهل مصر، و ليعمل بما وصاه به فيه، و كان الكتاب:

«بسم الله الرحمن الرحيم.

من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى أهل مصر، و محمد بن أبي بكر. سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسئولون، و إليه تصيرون، فإن الله تعالى يقول: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «1» و يقول: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ «2» و يقول: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ «3» و اعلموا- عباد الله- أن الله عز و جل سائلكم عن الصغير من عملكم و الكبير، فإن يعذب فنحن أظلم، و إن يعف فهو أرحم الراحمين.

يا عباد الله، إن أقرب ما يكون العبد الى المغفرة و الرحمة حين يعمل لله بطاعته و ينصحه بالتوبة، عليكم بتقوى الله فإنها تجمع الخير و لا خير غيرها، و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا و خير الآخرة، قال الله عز و جل: وَ قِيلَ لِلَّذِينَ

اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ «4».

اعلموا- عباد الله- أن المؤمن من يعمل لثلاث من الثواب إما لخير [الدنيا] «5» فإن الله يثيبه بعمله في دنياه، قال الله سبحانه لإبراهيم (عليه السلام): وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ «6» فمن عمل لله تعالى آتاه أجره في الدنيا و الآخرة، و كفاه المهم فيهما، و قد قال الله تعالى: يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ «7» فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الاخرة، قال الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ «8» و الحسنى هي الجنة، و الزيادة هي الدنيا.

[و إما لخير الآخرة] «9»، فإن الله تعالى يكفر بكل حسنة سيئة، قال الله عز و جل: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم، ثم أعطاهم بكل واحدة عشرة

__________________________________________________

(1) المدثر 74: 38.

(2) آل عمران 3: 28. [.....]

(3) الحجر 15: 92- 93.

(4) النحل 16: 30.

(5) من الغارات.

(6) العنكبوت 29: 27.

(7) الزمر 39: 10.

(8) يونس 10: 26.

(9) من الغارات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 141

أمثالها إلى سبعمائة ضعف، و قال الله عز و جل: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً «1» و قال: فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ «2» فارغبوا في هذا يرحمكم الله، و اعملوا له، و تحاضوا عليه.

و اعلموا- يا عباد الله- أن المتقين حازوا عاجل الخير و آجله، و شاركوا أهل الدنيا في دنياهم،

و لم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم به و أغناهم، قال الله عز و جل: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ «3» سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، و أكلوها بأفضل ما أكلت، و شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات، ما يأكلون، و شربوا من طيبات ما يشربون، و لبسوا من أفضل ما يلبسون، و سكنوا من أفضل ما يسكنون، و تزوجوا من أفضل ما يتزوجون، و ركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا، و هم غدا جيران الله تعالى، يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون، لا ترد لهم دعوة، و لا ينقص لهم نصيب من اللذة، فإلى هذا- يا عباد الله- يشتاق من كان له عقل، و يعمل له بتقوى الله، و لا حول و لا قوة إلا بالله.

يا عباد الله، إن اتقيتم و حفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد، و ذكرتموه بأفضل ما ذكر، و شكرتموه بأفضل ما شكر، و أخذتم بأفضل الصبر و الشكر، و اجتهدتم أفضل الاجتهاد و إن كان غيركم أطول منكم صلاة، و أكثر منكم صياما، فأنتم أتقى لله منه، و أنصح لاولي الأمر.

احذروا- يا عباد الله- الموت و سكرته، فأعدوا له عدته، فإنه يفجأكم بأمر عظيم، بخير لا يكون معه شر أبدا، و بشر لا يكون معه خيرا أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها؟ و من أقرب إلى النار من عاملها؟ إنه ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم

إلى أي المنزلين يصير: إلى الجنة، أم إلى النار، أعدو هو لله أم ولي؟ فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة و شرعت له طرقها، و رأى ما أعد الله له فيها، ففرغ من كل شغل، و وضع عنه كل ثقل، و إن كان عدوا لله فتحت له أبواب النار، و شرعت له طرقها، و نظر إلى ما أعد الله له فيها، و فاستقبل كل مكروه، و ترك كل سرور، كل هذا يكون عند الموت، و عنده يكون بيقين، قال الله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «4»، و يقول: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ «5».

يا عباد الله، إن الموت ليس منه فوت، فاحذروه قبل وقوعه، و أعدوا له عدته، فإنكم طرائد «6» الموت، إن أقمتم له أخذكم، و إن فررتم منه أدرككم، و هو ألزم لكم من ظلكم، الموت معقود بنواصيكم، و الدنيا تطوى خلفكم،

__________________________________________________

(1) النباء 78: 36.

(2) سبأ 34: 37.

(3) الأعراف 7: 32.

(4) النحل 16: 32.

(5) النحل 16: 28- 29.

(6) الطرائد: جمع طريدة، ما طردت من صيد و غيره. «لسان العرب- طرد- 3: 267».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 142

فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات، و كفى بالموت واعظا، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت، فيقول أكثروا ذكر الموت، فإنه هادم اللذات، حائل بينكم و بين الشهوات.

يا عباد الله، ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت، القبر،

فاحذروا ضيقه «1» و ضنكه و ظلمته و غربته، إن القبر يقول كل يوم: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود و الهوام. و القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض: مرحبا و أهلا، قد كنت ممن أحب أن يمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك، فيتسع له مد البصر، و إن الكفار إذا دفن قالت له الأرض: لا مرحبا بك و لا أهلا، لقد كنت ممن أبغض أن يمشي «2» على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك، فتضمه حتى تلتقي أضلاعه. و إن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه: عذاب القبر، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة و تسعين تنينا، فينهشن لحمه و يكسرن عظمه، و يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا أبدا.

يا عباد الله، إن أنفسكم الضعيفة و أجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم و أنفسكم مما لا طاقة لكم به و لا صبر لكم عليه، فاعملوا بما أحب الله، و اتركوا ما كره الله.

يا عباد الله، إن بعد البعث ما هو أشد من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، و يسكر منه الكبير، و يسقط فيه الجنين، و تذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوم عبوس قمطرير، يوم كان شره مستطيرا، إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم، و ترعد «3» منه السبع الشداد، و الجبال الأوتاد، و الأرض المهاد، و تنشق السماء فهي يومئذ واهية، و تتغير فكأنها وردة كالدهان، و

تكون الجبال كثيبا «4» مهيلا بعد ما كانت صما صلابا، و ينفخ في الصور فيفزع من في السماوات و من في الأرض إلا من شاء الله، فكيف من عصى بالسمع و البصر و اللسان و اليد و الرجل و الفرج و البطن، إن لم يغفر الله له و يرحمه «5» من ذلك اليوم! لأنه يقضي و يصير إلى غيره، إلى نار قعرها بعيد، و حرها شديد، و شرابها صديد، و عذابها جديد، و مقامعها حديد، لا يفتر عذابها، و لا يموت ساكنها، دار ليس فيها رحمة، و لا يسمع لأهلها دعوة.

و اعلموا- يا عباد الله- أن مع هذا رحمة الله التي لا تعجز عن العباد، و جنة عرضها كعرض السماوات و الأرض أعدت للمتقين، لا يكون معها شر أبدا، لذاتها لا تمل، و مجتمعها لا يتفرق، سكانها قد جاوروا الرحمن، و قام بين أيديهم الغلمان بصحاف من الذهب، فيها الفاكهة و الريحان. ثم اعلم- يا محمد بن أبي بكر- أني قد وليتك». و ساق الحديث إلى آخره.

و روى هذا الحديث المفيد في (أماليه)، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب، قال:

أخبرني الحسن بن علي الزعفراني، قال: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سعيد، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني، قال:

لما ولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) محمد بن أبي بكر مصر و أعمالها، كتب إليه كتابا، و أمره أن يقرأه

__________________________________________________

(1) في المصدر: ضيهته. [.....]

(2) في المصدر: من أبغض من يمشي.

(3) في «س» و المصدر: و ترغب.

(4) في المصدر: سرابا.

(5) في الغارات

زيادة: و اعلموا- عباد اللّه- أن ما بعد ذلك اليوم أشدّ و أدهى على من لم يغفر اللّه له.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 143

على أهل مصر، و ليعمل بما وصاه فيه. فكان الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم» و ساق الحديث إلى آخره «1».

5200/ [9]- و عنه: بإسناده، قال: قال الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.

قال: «صلاة الليل تذهب بذنوب النهار».

5201/ [10]- العياشي: عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ و طرفاه:

المغرب و الغداة وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ و هي صلاة العشاء الآخرة».

5202/ [11]- عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أحدهما (عليهما السلام) يقول: «إن عليا (عليه السلام) أقبل على الناس، فقال: أي آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «2». قال: حسنة، و ليست إياها. فقال بعضهم: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ «3» قال: حسنة، و ليست إياها. و قال بعضهم: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ «4» قال: حسنة، و ليست إياها».

قال: «ثم أحجم الناس، فقال: ما لكم، يا معشر المسلمين؟ قالوا: لا و الله، ما عندنا شي ء. قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: أرجى آية في كتاب الله: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ و قرأ الآية كلها، و قال: يا علي، و الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا، إن أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط من جوارحه الذنوب، فإذا استقبل الله بوجهه و قلبه لم ينفتل عن صلاته

و عليه من ذنوبه شي ء، كما ولدته أمه، فإذا أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس. ثم قال: يا علي، إنما منزلة الصلوات الخمس لامتي كنهر جار على باب أحدكم، فما ظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات في اليوم، أ كان يبقى في جسده درن؟ فكذلك و الله الصلوات الخمس لامتي».

5203/ [12]- عن إبراهيم الكرخي، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه مولى له. فقال: «يا فلان، متى جئت؟» فسكت. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «جئت من هاهنا و من هاهنا، انظر بما تقطع به يومك، فإن معك ملكا موكلا، يحفظ عليك ما تعمل، فلا تحتقر سيئة، و إن كانت صغيرة، فإنها ستسوؤك يوما، و لا تحتقر حسنة فإنه ليس شي ء- أشد طلبا و لا أسرع دركا من الحسنة، إنها لتدرك الذنب العظيم القديم فتذهب به، و قال الله في كتابه:

إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ- قال: قال- صلاة الليل تذهب بذنوب النهار- قال- تذهب بما جرحتم».

__________________________________________________

9- الأمالي 1: 300.

10- تفسير العيّاشي 2: 161/ 73.

11- تفسير العيّاشي 2: 161/ 74.

12- تفسير العيّاشي 2: 162/ 75.

(1) الأمالي: 260/ 3.

(2) النساء 4: 48 و 116.

(3) الزمر 39: 53.

(4) آل عمران 3: 135.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 144

5204/ [13]- عن إبراهيم بن عمر، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ- إلى- السَّيِّئاتِ، فقال: «صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب النهار».

5205/ [14]- عن سماعة بن مهران، قال: سأل أبا عبد الله (عليه السلام) رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالا من أعمال السلطان،

فهو يتصدق منه، و يصل قرابته، و يحج ليغفر له ما اكتسب، و هو يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الخطيئة لا تكفر الخطيئة، و لكن الحسنة تكفر الخطيئة». ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن كان خلط الحلال حراما فاختلط جميعا فلم يعرف الحلال من الحرام، فلا بأس».

5206/ [15]- و عنه: في رواية المفضل بن سويد، أنه قال: «انظر ما أصبت به فعد به على إخوانك، فإن الله يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ».

قال المفضل: كنت خليفة أخي على الديوان، قال: و قد قلت جعلت فداك، قد ترى مكاني من هؤلاء القوم، فما ترى؟ قال: لو لم يكن كتب» «1».

5207/ [16]- عن المفضل بن مزيد الكاتب، قال: دخل علي أبو عبد الله (عليه السلام) و قد أمرت أن اخرج لبني هاشم جوائز، فلم أعلم إلا و هو على رأسي، و أنا مستخل، فوثبت إليه، فسألني عما أمر لهم، فناولته الكتاب، فقال:

«ما أرى لإسماعيل هاهنا شيئا»؟ فقلت: هذا الذي خرج إلينا.

ثم قلت له: جعلت فداك، قد ترى مكاني من هؤلاء القوم؟ فقال لي: «انظر ما أصبت به فعد به على إخوانك، فإن الله يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ».

5208/ [17]- عن إبراهيم الكرخي، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): «يا فلان، من أين جئت؟» فسكت. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «جئت من هاهنا و هاهنا، لغير معاش تطلبه، و لا لعمل آخرة، انظر بما تقطع به يومك و ليلتك، و اعلم أن معك ملكا كريما موكلا بك، يحفظ عليك ما تفعل، و يطلع على

سرك الذي تخفيه من الناس، فاستحي و لا تحقرن سيئة، فإنها ستسوؤك يوما، و لا تحقرن حسنة و إن صغرت عندك، و قلت في عينك، فإنها ستسرك يوما.

و اعلم أنه ليس شي ء أضر عاقبة و لا أسرع ندامة من الخطيئة، و أنه ليس شي ء أشد طلبا و لا أسرع دركا للخطيئة من الحسنة، أما إنها لتدرك الذنب العظيم القديم [المنسي عند عامله ] فتحذفه و تسقطه و تذهب به بعد إساءته، و ذلك قول الله إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ».

__________________________________________________

13- تفسير العيّاشي 2: 162/ 76.

14- تفسير العيّاشي 2: 162/ 77. [.....]

15- تفسير العيّاشي 2: 163/ 78.

16- تفسير العيّاشي 2: 163/ 79.

17- تفسير العيّاشي 2: 163/ 80.

(1) أي ليت أنّ أخاك ما اشتغل في كتابة الديوان، و لم تكن خليفته. و في نسخة من رجال الكشّي: 374/ 701 (لو لم يكن كيت) و هو ينصرف إلى نفس المعنى. أي ليت الأمر لم يكن كما ذكرت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 145

5209/ [18]- عن ابن خراش، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.

قال: «صلاة الليل تكفر ما كان من ذنوب النهار».

سورة هود(11): الآيات 118 الي 123 ..... ص : 145

اشارة

قوله تعالى:

وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً- إلى قوله تعالى- وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [118- 123] 5210/ [1]- علي بن إبراهيم: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً أي على مذهب واحد وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ.

5211/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان،

عن أبي عبيدة الحذاء، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الاستطاعة و قول الناس، فقال و تلا هذه الآية: وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ «يا أبا عبيدة، الناس مختلفون في إصابة القول، و كلهم هالك».

قال: قلت: قوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ؟ قال: «هم شيعتنا، و لرحمته خلقهم، و هو قوله: وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ يقول: لطاعة الإمام، الرحمة التي يقول: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ «1» يقول: علم الإمام، و وسع علمه الذي هو من علمه كل شي ء، هم شيعتنا.

ثم قال: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ «2» يعني ولاية غير الإمام و طاعته، ثم قال: يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ «3» يعني النبي (صلى الله عليه و آله) و الوصي و القائم، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ «4» إذا قام وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ «5» و المنكر من أنكر فضل الإمام و جحده وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ «6» و هو «7» أخذ العلم من أهله وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ «8» و الخبائث: قول من خالف وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ «9» و هي الذنوب التي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ «10» و الأغلال: ما كانوا يقولون مما لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام، فلما عرفوا فضل الإمام وضع عنهم إصرهم و الإصر الذنب، و هي الآصار.

ثم نسبهم، فقال: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ «11» يعني بالإمام

__________________________________________________

18- تفسير العياشي 2: 164 ذيل الحديث 80.

1- تفسير القمي 1: 338.

2- الكافي 1: 355/ 83.

(1) الأعراف 7: 156.

(2) الأعراف 7: 156.

(3) الأعراف 7: 157.

(4) الأعراف 7: 157.

(5) الأعراف 7: 157.

(6) الأعراف 7: 157.

(7) (و هو) ليس في المصدر. [.....]

(8) الأعراف 7:

157.

(9) الأعراف 7: 157.

(10) الأعراف 7: 157.

(11) الأعراف 7: 157.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 146

وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1» يعني الذين اجتنبوا الجبت و الطاغوت أن يعبدونها، و الجبت و الطاغوت: فلان و فلان و فلان، و العبادة: طاعة الناس لهم.

ثم قال: وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ «2» ثم جزاهم فقال:هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ

«3» و الإمام يبشرهم بقيام القائم و بظهوره، و بقتل أعدائهم، و بالنجاة في الآخرة، و الورود على محمد (صلى الله عليه و آله الصادقين) على الحوض».

5212/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ.

فقال: «كانوا امة واحدة، فبعث الله النبيين ليتخذ عليهم الحجة».

ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، قال:

سئل أبو عبد الله (عليه السلام)، مثله «4».

5213/ [4]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن أحمد الشيباني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ

الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «5» قال: «خلقهم ليأمرهم بالعبادة».

قال: و سألته عن قوله عز و جل: وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ قال: «خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم».

5214/ [5]- علي بن إبراهيم: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لا يزالون مختلفين- في الدين- إلا من رحم ربك، يعني آل محمد و أتباعهم، يقول الله: وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ يعني أهل رحمة لا يختلفون في الدين».

5215/ [6]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قوله الله: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً- إلى- مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ.

__________________________________________________

3- الكافي 8: 379/ 573.

4- علل الشرائع: 13/ 10.

5- تفسير القمّي 1: 338.

6- تفسير العيّاشي 2: 164/ 81.

(1) الأعراف 7: 157.

(2) الزمر 39: 54.

(3) يونس 10: 64.

(4) علل الشرائع: 120/ 2.

(5) الذاريات 51: 56.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 147

قال: «كانوا امة واحدة، فبعث الله النبيين ليتخذ عليهم الحجة».

5216/ [7]- عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن رجل، قال: سألت علي بن الحسين (عليه السلام) عن قول الله:

وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ قال: «عنى بذلك من خالفنا من هذه الامة، و كلهم يخالف بعضهم بعضا في دينهم، و أما قوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ فأولئك أولياؤنا من المؤمنين، و لذلك خلقهم من الطينة الطيبة، أما تسمع لقول إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ «1»- قال- إيانا عنى و أولياءه و شيعته و شيعة وصيه، قال: وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ «2»- قال- عنى بذلك و الله من

جحد وصيه و لم يتبعه من أمته، و كذلك و الله حال هذه الامة».

5217/ [8]- عن يعقوب بن سعيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «3» قال: «خلقهم للعبادة».

قال: قلت: و قوله: وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ؟ فقال: «نزلت هذه بعد تلك».

5218/ [9]- عن سعيد بن المسيب، عن علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله: وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ.

قال: «أولئك هم أولياؤنا من المؤمنين، و لذلك خلقهم من الطينة الطيبة أما تسمع لقول إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ «4»- قال- إيانا عنى بذلك و أولياءه و شيعته و شيعة وصيه وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ «5» عنى بذلك- و الله- من جحد وصيه و لم يتبعه من أمته، و كذلك و الله حال هذه الامة».

5219/ [10]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ هم الذين سبق الشقاء لهم، فحق عليهم القول أنهم للنار خلقوا، و هم الذين حقت عليهم كلمة ربك أنهم لا يؤمنون.

قال علي بن إبراهيم: ثم خاطب الله نبيه، فقال: وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ أي أخبارهم ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ في القرآن، و هذه السورة من أخبار الأنبياء و هلاك الأمم. ثم قال: وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ أي نعاقبكم وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 164/ 82. [.....]

8- تفسير العيّاشي 2: 164/ 83.

9- تفسير العيّاشي 2: 164/ 84.

10- تفسير القمّي 1: 338.

(1) البقرة 2: 126.

(2) البقرة 2: 126.

(3) الذاريات 51: 56.

(4) البقرة 2: 126.

(5) البقرة 2: 126.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 148

باب في معنى التوكل ..... ص : 148

5220/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، في حديث مرفوع إلى النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك و تعالى أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحدا قبلك، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): قلت: و ما هي؟ قال:

الصبر، و أحسن منه. قلت: و ما هو؟ قال: الرضا، و أحسن منه. قلت: و ما هو؟ قال: الزهد، و أحسن منه. قلت: و ما هو؟ قال: الإخلاص، و أحسن منه. قلت: و ما هو؟ قال: اليقين، و أحسن منه، قلت: و ما هو، يا جبرئيل؟ قال: إن مدرجة «1» ذلك التوكل على الله عز و جل فقلت: و ما التوكل على الله عز و جل؟ فقال: العلم بأن المخلوق لا يضر و لا ينفع، و لا يعطي و لا يمنع، و استعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله، و لم يرج و لم يخف سوى الله، و لم يطمع في أحد سوى الله، فهذا هو التوكل.

قال: قلت: يا جبرئيل، فما تفسير الصبر؟ قال: تصبر في الضراء كما تصبر في السراء، و

في الفاقة كما تصبر في الغناء، و في البلاء كما تصبر في العافية، و لا يشكو حاله عند المخلوق بما يصيبه من البلاء.

قلت: و ما تفسير القناعة؟ قال: يقنع بما يصيبه من الدنيا، يقنع بالقليل و يشكر اليسير.

قلت: فما تفسير الرضا؟ فقال: الرضا أن «2» لا يسخط على سيده، أصاب من الدنيا أو لم يصب، و لا يرضى لنفسه باليسير من العمل.

قلت: يا جبرئيل، فما تفسير الزهد؟ قال: الزاهد يحب من يحب خالقه، و يبغض من يبغض خالقه، و يتحرج من حلال الدنيا و لا يلتفت إلى حرامها، فإن حلالها حساب و حرامها عقاب، و يرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، و يتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها، و يتحرج عن حطام الدنيا و زينتها كما يجتنب النار أن يغشاها «3» و أن يقصر أمله و كأن بين عينيه أجله.

قلت: يا جبرئيل، فما تفسير الإخلاص؟ قال: المخلص الذي لا يسأل الناس شيئا حتى يجد، و إذا وجد رضي، و إذا بقي عنده شي ء أعطاه في الله، فإن من لم يسأل المخلوق فقد أقر لله عز و جل بالعبودية، و إذا وجد فرضي، فهو عن الله راض، و الله تبارك و تعالى عنه راض، و إذا أعطى لله عز و جل فهو على حد الثقة بربه عز و جل.

قلت: فما تفسير اليقين؟ قال: الموقن يعمل لله كأنه يراه، فإن لم يكن يرى الله فإن الله يراه، و أن يعلم يقينا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، و إن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، و هذا كله أغصان التوكل، و مدرجة الزهد».

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 260/ 1.

(1) المدرجة: الطريق، و ممرّ الأشياء على

الطريق.

(2) في المصدر: قال الراضي.

(3) في المصدر: تغشاه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 149

المستدرك (سورة هود) ..... ص : 149

سورة هود(11): آية 116 ..... ص : 149

قوله تعالى:

فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ- إلى قوله تعالى- وَ كانُوا مُجْرِمِينَ [116]

[1]- فرات بن إبراهيم الكوفي في (تفسيره) معنعنا عن زيد بن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إلى آخر الآية، قال: تخرج الطائفة منا، و مثلنا كمن كان قبلنا من القرون، فمنهم من يقتل، و تبقى منهم بقية ليحيوا ذلك الأمر يوما ما.

[2]- و عنه، قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن زيد بن علي (عليه السلام)، في قوله: فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: نزلت هذه فينا.

سورة هود(11): آية 117 ..... ص : 149

قوله تعالى:

وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ [117]

[3]- الطبرسي في (مكارم الأخلاق)، في موعظة رسول الله (صلى الله عليه و آله) لابن مسعود قال: قال له: «يا ابن مسعود: أنصف الناس من نفسك، و انصح الأمة و ارحمهم، فإذا كنت كذلك و غضب الله على أهل بلدة أنت فيها، و أراد أن ينزل عليهم العذاب، نظر إليك فرحمهم بك، يقول الله تعالى: وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ».

__________________________________________________

1- تفسير فرات: 63.

2- تفسير فرات: 63. [.....]

3- مكارم الأخلاق: 457.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 151

سورة يوسف ..... ص : 151

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 153

سورة يوسف فضلها ..... ص : 153

5221/ [1]- ابن بابويه: بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة يوسف (عليه السلام) في كل يوم أو في كل ليلة، بعثه الله تعالى يوم القيامة و جماله مثل جمال يوسف (عليه السلام)، و لا يصيبه فزع يوم القيامة، و كان من خيار عباد الله الصالحين». و قال: «إنها كانت في التوراة مكتوبة».

5222/ [2]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «من قرأ سورة يوسف (عليه السلام) في كل يوم أو في كل ليلة، بعثه الله يوم القيامة و جماله على جمال يوسف (عليه السلام)، و لا يصيبه يوم القيامة ما يصيب الناس من الفزع، و كان جيرانه من عباد الله الصالحين». ثم قال: «إن يوسف كان من عباد الله الصالحين و أومن في الدنيا أن يكون زانيا أو فحاشا».

5223/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تنزلوا النساء بالغرف، و لا تعلموهن الكتابة، و لا تعلموهن سورة يوسف «1»، و علموهن المغزل و سورة النور».

5224/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، رفعه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تعلموا نساءكم سورة يوسف، و لا تقرئوهن إياها فإن فيها الفتن،

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 106.

2- تفسير العيّاشي 2: 166/ 1.

3- الكافي 5: 516/ 1.

4- الكافي 5: 516/ 2.

(1) (و لا تعلموهنّ سورة يوسف) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 154

و علموهن سورة النور فإن فيها المواعظ».

5225/ [5]- (مجمع البيان): عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «علموا أرقاءكم سورة يوسف، فإنه أيما مسلم تلاها و علمها أهله و ما ملكت يمينه، هون الله تعالى عليه سكرات الموت، و أعطاه من القوة أن لا يحسده مسلم».

5226/ [6]- و من (خواص القرآن) في سورة يوسف: قال الصادق (عليه السلام): «من كتبها و جعلها في منزله ثلاثة أيام و أخرجها منه إلى جدار من جدران من خارج البيت و دفنها «1» لم يشعر إلا و رسول السلطان يدعوه إلى خدمته، و يصرفه إلى حوائجه بإذن الله تعالى. و أحسن من هذا كله أن يكتبها و يشربها يسهل الله له الرزق، و يجعل له الحظ بإذن الله تعالى».

__________________________________________________

5- مجمع البيان 5: 315.

6- خواص القرآن: 3 «مخطوط».

(1) (و دفنها) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 155

سورة يوسف(12): الآيات 1 الي 3 ..... ص : 155

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ- إلى قوله تعالى- وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ [1- 3] 5227/ [1]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ: أي كي تعقلوا. قال: ثم خاطب الله نبيه، فقال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ.

سورة يوسف(12): الآيات 4 الي 33 ..... ص : 155

قوله تعالى:

إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ- إلى قوله تعالى- أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ [4- 33] 5228/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن أحمد، قال: حدثنا علي بن محمد، عمن حدثه، عن المنقري، عن عمرو بن شمر، عن إسماعيل السدي، عن عبد الرحمن بن سابط القرشي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، في قول الله عز و جل: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ.

__________________________________________________

1- تفسير القمي 1: 339.

2- تفسير القمي 1: 339.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 156

قال في تسمية النجوم: هي الطارق و حوبان «1» و الذيال «2» و ذو الكتفين «3» و وثاب و قابس و عمودان و فليق «4» و مصبح و الصرح و الفروع «5» و الضياء و النور- يعني الشمس و القمر- و كل هذه النجوم محيطة بالسماء.

5229/ [2]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «تأويل هذه الرؤيا أنه سيملك مصر، و يدخل عليه أبواه و إخوته، فأما الشمس فأم يوسف راحيل، و القمر يعقوب، و أما الأحد عشر كوكبا

فإخوته، فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله و حده حين نظروا إليه، و كان ذلك السجود لله».

5230/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن الثمالي، قال: صليت مع علي بن الحسين (عليهما السلام) الفجر بالمدينة يوم جمعة، فلما فرغ من صلاته و سبحته «6»، نهض إلى منزله و أنا معه، فدعا مولاة له تسمى سكينة، فقال لها: «لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه فإن اليوم يوم الجمعة».

قلت له: ليس كل من يسأل مستحقا؟ فقال: «يا ثابت، أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقا فلا نطعمه و نرده، فينزل بنا- أهل البيت- ما نزل بيعقوب و آله، أطعموهم أطعموهم.

إن يعقوب كان يذبح كل يوم كبشا فيتصدق منه، و يأكل هو و عياله منه، و إن سائلا مؤمنا صواما محقا، له عند الله منزلة، و كان مجتازا غريبا اعتر «7» على باب يعقوب عشية جمعة عند أوان إفطاره يهتف على بابه: أطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم. يهتف بذلك على بابه مرارا، و هم يسمعونه و قد جهلوا حقه، و لم يصدقوا قوله، فلما أيس أن يطعموه و غشيه الليل استرجع و استعبر و شكا جوعه إلى الله عز و جل، و بات طاويا، و أصبح صائما جائعا صابرا حامدا لله تعالى و بات يعقوب و آل يعقوب شباعا بطانا، و أصبحوا و عندهم فضل من طعامهم».

قال: «فأوحى الله عز و جل إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد أذللت- يا يعقوب- عبدي ذلة استجررت بها

غضبي، و استوجبت بها أدبي، و نزول عقوبتي و بلواي عليك و على ولدك. يا يعقوب، إن أحب أنبيائي إلي و أكرمهم علي من رحم مساكين عبادي، و قربهم إليه، و أطعمهم، و كان له مأوى و ملجأ. يا يعقوب، أما رحمت

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 339.

3- علل الشرائع: 45/ 1.

(1) في «س»، «ط»: و خربان. [.....]

(2) في المصدر نسخة بدل: الدبال.

(3) في المصدر نسخة بدل: ذو الكنفين.

(4) في المصدر نسخة بدل: فيلق.

(5) في المصدر نسخة بدل: القروع. و يأتي ذكرها في الحديث (13) مع بعض الاختلاف.

(6) السبحة: النافلة. «مجمع البحرين- سبح- 2: 370» و في «ط»: و تسبيحه.

(7) اعتّر: تعرّض للسؤال. «مفردات ألفاظ القرآن- عرّ-: 328».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 157

ذميال عبدي، المجتهد في عبادته، القانع باليسير من ظاهر «1» الدنيا، عشاء أمس، لما اعتر «2» ببابك عند أوان إفطاره، و هتف بكم: أطعموا السائل الغريب المجتاز القانع. فلم تطعموه شيئا، فاسترجع و استعبر و شكا ما به إلي، و بات طاويا، حامدا لي، و أصبح لي صائما، و أنت- يا يعقوب- و ولدك شباع، و أصبحت و عندكم فضل من طعامكم.

أو ما علمت- يا يعقوب- أن العقوبة و البلوى إلى أوليائي أسرع منها إلى أعدائي؟ و ذلك حسن النظر مني لأوليائي، و استدراج مني لأعدائي، أما و عزتي لأنزلن بك بلواي، و لأجعلنك و ولدك غرضا لمصابي، و لأؤدبنك بعقوبتي، فاستعدوا لبلواي، و ارضوا بقضائي، و اصبروا للمصائب».

فقلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): جعلت فداك، متى رأى يوسف الرؤيا؟ فقال: «في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب و آل يعقوب شباعا، و بات فيها ذميال طاويا جائعا، فلما رأى يوسف الرؤيا و أصبح

يقصها على أبيه يعقوب، فاغتم يعقوب لما سمع من يوسف و بقي مغتما، فأوحى الله عز و جل إليه: أن استعد للبلاء. فقال يعقوب ليوسف: لا تقصص رؤياك على إخوتك فإني أخاف أن يكيدوا لك كيدا، فلم يكتم يوسف رؤياه و قصها على إخوته».

قال: علي بن الحسين (عليه السلام): «و كانت أول بلوى نزلت بيعقوب و آل يعقوب الحسد ليوسف لما سمعوا منه الرؤيا- قال- فاشتدت رقة يعقوب على يوسف، و خاف أن يكون ما أوحى الله عز و جل إليه من الاستعداد للبلاء هو في يوسف خاصة، فاشتدت رقته عليه من بين ولده، فلما رأى إخوة يوسف ما يصنع يعقوب بيوسف و تكرمته إياه و إيثاره إياه عليهم، اشتد ذلك عليهم و بدأ البلاء منهم «3» فتآمروا فيما بينهم و قالوا: لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَ تَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ أي تتوبون، فعند ذلك قالوا: يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ الآية. فقال يعقوب: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ فانتزعه حذرا عليه من أن تكون البلوى من الله عز و جل على يعقوب في يوسف خاصة لموقعه من قلبه و حبه له».

قال: «فغلبت قدرة الله و قضاؤه و نافذ أمره في يعقوب و يوسف و إخوته، فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء عن نفسه، و لا عن يوسف و ولده، فدفعه إليهم و هو لذلك كاره متوقع للبلوى من الله في يوسف، فلما خرجوا

من منزلهم لحقهم مسرعا فانتزعه من أيديهم و ضمه إليه و اعتنقه و بكى و دفعه إليهم، فانطلقوا به مسرعين مخافة أن يأخذه منهم و لا يدفعه إليهم، فلما أمعنوا «4» به أتوا به غيضة «5» أشجار، فقالوا: نذبحه و نلقيه تحت هذه الشجرة

__________________________________________________

(1) في «س»: طاهر.

(2) في «ط»: عبر.

(3) في «ط» و المصدر: فيهم.

(4) أمعن: أبعد. «لسان العرب- معن- 13: 409».

(5) الغيضة: مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر. «لسان العرب- غيض- 7: 202».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 158

فيأكله الذئب الليلة. فقال كبيرهم: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ و لكن أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ فانطلقوا به إلى الجب فألقوه فيه، و هم يظنون أنه يغرق فيه، فلما صار في قعر الجب ناداهم: يا ولد رومين، أقرئوا يعقوب مني السلام. فلما سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض: لا تزولوا من هنا حتى تعلموا أنه قد مات.

فلم يزالوا بحضرته حتى أيسوا «1» وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ فلما سمع مقالتهم استرجع و استعبر، و ذكر ما أوحى الله عز و جل إليه من الاستعداد للبلاء، فصبر و أذعن للبلوى، و قال لهم: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً و ما كان الله ليطعم لحم يوسف الذئب من قبل أن أرى تأويل رؤياه الصادقة».

قال أبو حمزة: ثم انقطع حديث علي بن الحسين (عليه السلام) عند هذا.

5231/ [4]- الشيخ عمر بن إبراهيم الأوسي «2»، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لجبرئيل (عليه السلام): «أنت مع قوتك هل أعييت قط؟» يعني أصابك تعب و مشقة، قال: نعم- يا محمد- ثلاث مرات:

يوم ألقي إبراهيم في النار، أوحى الله إلي، أن أدركه، فوعزتي و جلالي لئن سبقك إلى النار لأمحون اسمك من ديوان الملائكة. فنزلت إليه بسرعة و أدركته بين النار و الهواء، فقلت: يا إبراهيم، هل لك حاجة؟ قال: إلى الله فنعم، و أما إليك فلا.

و الثانية: حين امر إبراهيم بذبح ولده إسماعيل، أوحى الله إلي: أن أدركه، فوعزتي و جلالي لئن سبقك السكين إلى حلقه لأمحون اسمك من ديوان الملائكة. فنزلت بسرعة حتى حولت السكين و قلبتها في يده و أتيته بالفداء.

و الثالثة: حين رمي يوسف في الجب، فأوحى الله تعالى إلي: يا جبرئيل، أدركه، فو عزتي و جلالي إن سبقك إلى قعر الجب لأمحون اسمك من ديوان الملائكة. فنزلت إليه بسرعة و أدركته إلى الفضاء، و رفعته إلى الصخرة التي كانت في قعر الجب، و أنزلته عليها سالما فعييت، و كان الجب مأوى الحيات و الأفاعي، فلما حست به، قالت كل واحدة لصاحبتها: إياك أن تتحركي، فإن نبيا كريما نزل بنا و حل بساحتنا، فلم تخرج واحدة من وكرها إلا الأفاعي فإنها خرجت و أرادت لدغه فصحت بهن صيحة صمت آذانهن إلى يوم القيامة.

قال ابن عباس: لما استقر يوسف (عليه السلام) في قعر الجب سالما و اطمأن من المؤذيات، جعل ينادي إخوته:

«إن لكل ميت وصية، و وصيتي إليكم إذا رجعتم فاذكروا وحدتي، و إذا أمنتم فاذكروا وحشتي، و إذا طعمتم فاذكروا جوعتي، و إذا شربتم فاذكروا عطشي، و إذا رأيتم شابا فاذكروا شبابي».

__________________________________________________

4- ......

(1) في المصدر: أمسوا.

(2) و هو عمر بن إبراهيم الأنصاري الأوسي المالكي المتوفّى نحو سنة (751 ه)، له كتاب (زهر الكمال) في قصّة يوسف (عليه الصلاة السّلام)، مرتّب على سبعة عشر

مجلسا و كلّ مجلس يبدأ بخطبة و أشار و حكايات و أخبار، و نقل عنه السيد البحراني (رحمه اللّه). كشف الظنون 2: 961، هدية العارفين 5: 796، رياض العلماء 4: 299، الذريعة 12: 71 و فيه: «زهر الكلام». [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 159

فقال له جبرئيل (عليه السلام): يا يوسف، أمسك عن هذا، و اشتغل بالدعاء، و قل: يا كاشف كل كربة، و يا مجيب كل دعوة، و يا جابر كل كسير، و يا حاضر كل بلوى، و يا مؤنس كل وحيد، و يا صاحب كل غريب، و يا شاهد كل نجوى، أسألك بحق لا إله إلا أنت أن تجعل لي من أمري فرجا و مخرجا، و أن تجعل في قلبي حبك حتى لا يكون لي هم و شغل سواك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

فقالت الملائكة: يا ربنا، نسمع صوتا و دعاء، أما الصوت فصوت نبي، و أما الدعاء فدعاء نبي، فأوحى الله تعالى إليهم: هو نبيي يوسف، و أوحى تعالى إلى جبرئيل: أن اهبط على يوسف، و قل له: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

و سئل ابن عباس عن الموثق الذي أخذه يعقوب على أولاده. فقال: قال لهم: «معشر أولادي، إن جئتموني بولدي و إلا فأنتم براء من النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان، له أمة يهدون بالحق و به يعدلون، أهل كلمة عظيمة، أعظم من السماوات و الأرض، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، صاحب الناقة و القضيب، الذي سماه الله حبيب، ذو الوجه الأقمر، و الجبين الأزهر، و الحوض و الكوثر، و المقام المشهود، له ابن عم يسمى حيدرة، زوج ابنته، و خليفته على قومه، علي

بن أبي طالب، تأتونه و هو معرض عنكم بوجهه يوم القيامة، إن خنتموني في ولدي». قالوا: نعم قال: يعقوب: فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ «1»» قالوا: نعم: فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

و سئل ابن عباس: بم عرفوا يوسف، يعني إخوته؟ قال: كانت له علامة بقرنه، و ليعقوب مثلها و لإسحاق و لسارة، و هي شامة، قد جاء فرفع التاج من رأسه و فيه رائحة المسك فشموها فعرفوه.

5232/ [5]- نرجع إلى رواية أبي حمزة «2» عن علي بن الحسين (عليه السلام): قال أبو حمزة: فلما كان من الغد غدوت عليه، فقلت له: جعلت فداك، إنك حدثتني أمس بحديث يعقوب و ولده ثم قطعته، فما كان من قصة إخوة يوسف و قصة يوسف بعد ذلك؟ فقال: «إنهم لما أصبحوا، قالوا: انطلقوا بنا حتى ننظر ما حال يوسف، أمات أم هو حي؟ فلما انتهوا إلى الجب وجدوا بحضرة الجب سيارة، و قد أرسلوا واردهم فأدلى دلوه، فملأ جذب دلوه فإذا هو غلام متعلق بدلوه، فقال لأصحابه يا بُشْرى هذا غُلامٌ فلما أخرجوه أقبل إليهم إخوة يوسف، فقالوا: هذا عبدنا سقط منا أمس في هذا الجب، و جئنا اليوم لنخرجه فانتزعوه من أيديهم، و تنحوا به ناحية، فقالوا: إما أن تقر لنا أنك عبد لنا فنبيعك على بعض هذه السيارة أن تقتلك؟ فقال لهم يوسف: لا تقتلوني و اصنعوا ما شئتم. فأقبلوا به إلى السيارة، فقالوا: من منك يشتري منا هذا العبد فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما، و كان إخوته فيه من الزاهدين، و سار به الذي اشتراه من البدو حتى أدخله مصر، فباعه الذي اشتراه من البدو من ملك مصر، و ذلك قول الله

عز و جل: وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً».

__________________________________________________

5- علل الشرائع: 48/ 1.

(1) يوسف 12: 64.

(2) المتقدمة في الحديث (3) من تفسير هذه الآيات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 160

قال أبو حمزة: فقلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): ابن كم كان يوسف يوم ألقوه في الجب؟ فقال: كان ابن تسع سنين».

فقلت: كم كان بين منزل يعقوب يومئذ و بين مصر؟ فقال: «مسيرة اثني عشر يوما».

قال: «و كان يوسف من أجمل أهل زمانه، فلما راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه، فقال لها: معاذ الله، إنا من أهل بيت لا يزنون، فغلقت الأبواب عليها و عليه، و قالت: لا تخف. و ألقت نفسها عليه، فأفلت منها هاربا إلى الباب ففتحه فلحقته، فجذبت قميصه من خلفه فأخرجته منه، فأفلت يوسف منها في ثيابه وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ- قال- فهم الملك بيوسف ليعذبه، فقال له يوسف: و اله يعقوب، ما أردت بأهلك سوءا، بل هي راودتني عن نفسي، فسل هذا الصبي: أينا راود صاحبه عن نفسه؟- قال- و كان عندها من أهلها صبي زائر لها. فأنطق الله الصبي لفصل القضاء، فقال: أيها الملك انظر إلى قميص يوسف، فإن كان مقدودا من قدامه فهو الذي راودها، و إن كان مقدودا من خلفه فهي التي راودته.

فلما سمع الملك كلام الصبي و ما اقتصه، أفزعه ذلك فزعا شديدا، فجي ء بالقميص فنظر إليه، فلما رآه مقدودا من خلفه، قال لها: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ و قال ليوسف: أَعْرِضْ عَنْ هذا و لا يسمعه منك أحد، و اكتمه-

قال- فلم يكتمه يوسف، و أذاعه في المدينة حتى قالت نسوة منهن: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ فبلغها ذلك، فأرسلت إليهن، و هيأت لهن طعاما و مجلسا، ثم أتتهن بأترج و أتت كل واحدة منهن سكينا، ثم قالت ليوسف: اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَ قُلْنَ ما قلن، فقالت لهن:

فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ يعني في حبه. و خرجت النسوة من عندها، فأرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبتها تسأله الزيارة فأبى عليهن، و قال: إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فصرف الله عنه كيدهن. فلما شاع أمر يوسف و امرأة العزيز و النسوة في مصر، بدا للملك بعد ما سمع قول الصبي ليسجنن يوسف، فسجنه في السجن، و دخل السجن مع يوسف فتيان، و كان من قصتهما و قصة يوسف ما قصه الله في الكتاب».

قال أبو حمزة: ثم انقطع حديث علي بن الحسين (عليه السلام).

5233/ [6]- و روى ابن بابويه، قال: روي في خبر عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «دخل يوسف السجن و هو ابن اثنتي عشرة سنة، و مكث فيه ثماني عشرة سنة، و مكث بعد خروجه ثمانين سنة فذلك مائة و عشر سنين».

5234/ [7]- العياشي: عن مسعدة بن صدقة، قال: قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): «قال والدي (عليه السلام): و الله إني لأصانع بعض ولدي، و أجلسه على فخذي، و اكثر له المحبة، و اكثر له الشكر، و إن الحق لغيره من ولدي، و لكن

__________________________________________________

6- أمالي الصدوق: 208 ذيل الحديث (7).

7- تفسير العيّاشي 2: 166/ 2.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 161

مخافة «1» عليه من غيره، لئلا يصنعوا به ما فعل

بيوسف و إخوته، و ما أنزل الله سورة يوسف إلا أمثالا لكي لا يحسد بعضنا بعضا كما حسد يوسف إخوته و بغوا عليه، فجعلها رحمة على من تولانا و دان بحبنا و جحد أعداءنا، و حجة على من نصب لنا الحرب و العداوة».

5235/ [8]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الأنبياء على خمسة أنواع: منهم من يسمع الصوت مثل صوت السلسلة فيعلم ما عني به، و منهم من ينبأ في منامه مثل يوسف و إبراهيم، و منهم من يعاين، و منهم من ينكت في قلبه، و يوقر «2» في اذنه».

5236/ [9]- عن أبي خديجة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنما ابتلي يعقوب بيوسف أنه ذبح كبشا سمينا، و رجل من أصحابه يدعى (بقوم) «3» محتاج لم يجد ما يفطر عليه، فأغفله و لم يطعمه، فابتلي بيوسف، و كان بعد ذلك كل صباح مناديه ينادي: من لم يكن صائما فليشهد غداء يعقوب. فإذا كان المساء نادى:

من كان صائما فليشهد عشاء يعقوب».

5237/ [10]- عن أبي حمزة الثمالي، قال: صليت مع علي بن الحسين (صلوات الله عليه) الفجر بالمدينة في يوم جمعة، فدعا مولاة له يقال لها: سكينة، و قال لها: «لا يقفن علي بابي اليوم سائل إلا أعطيتموه، فإن اليوم الجمعة».

فقلت: ليس كل من يسأل محق، جعلت فداك؟ فقال: «يا ثابت، أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقا فلا نطعمه و نرده، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب و آله، أطعموهم، أطعموهم».

ثم قال: «إن يعقوب كان كل يوم يذبح كبشا يتصدق منه و يأكل هو و عياله، و إن سائلا مؤمنا صواما قواما، له عند الله منزلة، مجتازا غريبا اعتر

بباب يعقوب عشية جمعة، عند أوان إفطاره، فهتف ببابه: أطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم. يهتف بذلك على بابه مرارا و هم يسمعونه، جهلوا حقه و لم يصدقوا قوله. فلما أيس منهم أن يطعم و تغشاه الليل استرجع و استعبر و شكا جوعه إلى الله، و بات طاويا، و أصبح صائما جائعا صابرا، حامدا لله، و بات يعقوب و أولاده شباعا بطانا، و أصبحوا و عندهم فضلة من طعامهم».

قال: «فأوحى الله إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد أذللت عبدي ذلة استجررت بها غضبي، و استوجبت بها أدبي و نزول عقوبتي و بلواي عليك و على ولدك. يا يعقوب، أما علمت أن أحب أنبيائي إلي، و أكرمهم علي، من رحم مساكين عبادي، و قربهم إليه، و أطعمهم، و كان لهم مأوى و ملجأ. يا يعقوب، أما رحمت ذميال عبدي، المجتهد في عبادتي، القانع باليسير من ظاهر الدنيا عشاء أمس لما اعتر ببابك عند أوان إفطاره،

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 166/ 3.

9 تفسير العيّاشي 2: 167/ 4.

10- تفسير العيّاشي 2: 167/ 5.

(1) في المصدر: محافظة.

(2) وقر في أذنه: سكن فيها و ثبت و بقي أقره.

(3) في نسخة من «ط»: بيوم. و تقدّم في الحديث (3). و يأتي في الحديث (10) أنّ اسمه (ذميال).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 162

يهتف بكم. أطعموا السائل الغريب المجتاز. فلم تطعموه شيئا، و استرجع و استعبر و شكا ما به إلي، و بات طاويا حامدا صابرا، و أصبح لي صائما، و بت- يا يعقوب- و ولدك ليلكم شباعا و أصبحتم و عندكم فضلة من طعامكم.

أو ما علمت- يا يعقوب- أني بالعقوبة و البلوى إلى أوليائي أسرع مني بها إلى أعدائي،

و ذلك مني حسن نظر إلى أوليائي، و استدراج مني لأعدائي، أما و عزتي لأنزلن بك بلواي، و لأجعلنك و ولدك غرضا لمصائبي، و لأؤدبنك بعقوبتي، فاستعدوا لبلائي و ارضوا بقضائي، و اصبروا للمصائب».

قال: أبو حمزة: فقلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): متى رأى يوسف الرؤيا؟ فقال: «في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب و ولده شباعا، و بات فيها ذميال جائعا، رآها فأصبح فقصها على يعقوب من الغد، فاغتم يعقوب لما سمع من يوسف الرؤيا مع ما أوحي إليه: أن استعد للبلاء، فقال ليوسف: لا تقصص رؤياك هذه على إخوتك، فإني أخاف أن يكيدوا لك، فلم يكتم يوسف رؤياه، و قصها على إخوته».

فقال علي بن الحسين (عليه السلام): «فكانت أول بلوى نزلت بيعقوب و آله الحسد ليوسف لما سمعوا منه الرؤيا التي رآها- قال- و اشتدت رقة يعقوب على يوسف، و خاف أن يكون ما أوحى الله إليه من الاستعداد للبلاء إنما ذلك في يوسف، فاشتدت رقته عليه و خاف أن ينزل به البلاء في يوسف من بين ولده. فلما أن رأى إخوة يوسف ما يصنع يعقوب بيوسف من إكرامه و إيثاره إياه عليهم، اشتد ذلك عليهم، و ابتدأ البلاء فيهم، فتأمروا فيما بينهم، و قالوا: لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَ تَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ أي تتوبون، فعند ذلك قالوا: يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ، أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ قال يعقوب: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ حذرا منه عليه أن تكون البلوى من الله

على يعقوب في يوسف و كان يعقوب مستعدا للبلوى في يوسف خاصة».

قال: «فغلبت قدرة الله و قضاؤه و نافذ أمره في يعقوب و يوسف و إخوته، فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء عن نفسه و لا عن يوسف و إخوته، فدفعه إليهم و هو لذلك كاره، متوقع البلاء من الله في يوسف خاصة، لموقعه من قلبه و حبه له فلما خرجوا به من منزله لحقهم مسرعا، فانتزعه من أيديهم و ضمه إليه، و اعتنقه و بكى، ثم دفعه إليهم و هو كاره، فانطلقوا به مسرعين مخافة أن يأخذه منهم ثم لا يدفعه إليهم، فلما أمعنوا مالوا به إلى غيضة أشجار، فقالوا: نذبحه و نلقيه تحت هذا الشجر فيأكله الذئب الليلة. فقال كبيرهم: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ. فانطلقوا به إلى الجب، فألقوه في غيابت الجب و هم يظنون أنه يغرق فيه، فلما صار في قعر الجب ناداهم، يا ولد رومين «1» أقرئوا يعقوب مني السلام، فلما سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض: لا تفرقوا من هنا حتى تعلموا- أنه قد مات- قال- فلم يزالوا بحضرته حتى أيسوا وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ. فلما

__________________________________________________

(1) في «س»: يا ولد رسول اللّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 163

سمع مقالتهم استرجع و استعبر، و ذكر ما أوحى الله عز و جل إليه من الاستعداد للبلاء، فصبروا و أذعن للبلوى، و قال لهم: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ و ما كان الله ليطعم لحم يوسف الذئب من قبل أن أرى تأويل رؤياه الصادقة».

قال أبو حمزة ثم انقطع

حديث علي بن الحسين (عليه السلام) عند هذا الموضع.

5238/ [11]- عن مسمع أبي سيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما القي يوسف في الجب نزل عليه جبرئيل (عليه السلام)، فقال له: يا غلام، ما تصنع هاهنا؟ من طرحك في هذا الجب؟ فقال: إخوتي، لمنزلتي من أبي حسدوني، و لذلك في هذا الجب طرحوني، فقال له جبرئيل (عليه السلام): أ تحب أن تخرج من هذا الجب؟ فقال: ذلك إلى إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب.

فقال له جبرئيل: فإن إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب يقول لك: قل: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات و الأرض، ذو الجلال و الإكرام، أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تجعل لي من أمري فرجا و مخرجا، و ترزقني من حيث لا أحتسب. فقالها يوسف، فجعل الله له من الجب يومئذ فرجا، و من كيد المرأة مخرجا، و آتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب».

و

من رواية أخرى عنه (عليه السلام): «و ترزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب».

5239/ [12]- عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ. قال: «كان ابن سبع سنين».

5240/ [13]- عن جابر بن عبد الله الأنصاري، في قول الله: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ.

قال في تسمية النجوم: هي الطارق و حوبان و أمان و ذو الكتاف و وابس و وثاب و عروان «1» و فليق و فصيح و الصرح و الفروع «2» و الضياء و النور- يعني الشمس و القمر- و كل هذه النجوم محيطة بالسماء.

5241/

[14]- عن أبي جميلة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما أتي بقميص يوسف إلى يعقوب قال: اللهم لقد كان ذئبا رفيقا حين لم يشق القميص- قال- و كان به نضح من دم».

5242/ [15]- عن أبي حمزة، قال: ثم انقطع ما قال علي بن الحسين (عليه السلام) عند هذا الموضع «3»، فلما كان

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 170/ 6.

12- تفسير العيّاشي 2: 170/ 7. [.....]

13- تفسير العيّاشي 2: 179/ 8.

14- تفسير العيّاشي 2: 171/ 9.

15- تفسير العيّاشي 2: 171/ 10.

(1) في المصدر: و حوبان و الريان و ذو الكنفان و وابس (قابس) و وثاب و عمران.

(2) في المصدر: و البدوع. و قد تقدّم ذكرها في الحديث (1) مع بعض الاختلاف.

(3) تقدّم في الحديث (10) من تفسير هذه الآيات، رواية أبي حمزة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 164

من غد غدوت إليه، فقلت له: جعلت فداك، إنك حدثتني أمس حديث يعقوب و ولده ثم قطعته، فما كان من قصة يوسف بعد ذلك؟

فقال: «إنهم لما أصبحوا قالوا: انطلقوا بنا حتى ننظر ما حال يوسف، مات أم هو حي؟ فلما انتهوا إلى الجب وجدوا بحضرة الجب السيارة قد أرسلوا واردهم فأدلى دلوه، فلما جذب دلوه فإذا هو بغلام متعلق به، فقال لأصحابه: يا بُشْرى هذا غُلامٌ فلما أخرجه أقبل إليه إخوة يوسف، فقالوا: هذا عبدنا سقط منا أمس في هذا الجب، و جئنا اليوم لنخرجه. فانتزعوه من أيديهم و تنحوا به ناحية، ثم قالوا له: إما أن تقر لنا أنك عبد لنا فنبيعك من بعض هذه السيارة، أو نقتلك؟ فقال لهم يوسف: لا تقتلوني و اصنعوا ما شئتم. فأقبلوا به إلى السيارة، فقالوا: هل منكم أحد يشتري

منا هذا العبد؟ فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما، و كان إخوته فيه من الزاهدين، و سار به الذي اشتراه حتى دخل مصر، فباعه الذي اشتراه من البدو من ملك مصر، و ذلك قول الله: وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً».

5243/ [16]- عن الحسن، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ، قال: «كانت عشرين درهما».

5244/ [17]- عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) مثله، و زاد فيه: «البخس: النقص، و هي قيمة كلب الصيد، إذا قتل كانت ديته عشرين درهما».

5245/ [18]- عن عبد الله بن سليمان، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: «قد كان يوسف بين أبويه مكرما، ثم صار عبدا حتى بيع بأبخس و أوكس الثمن، ثم لم يمنع الله أن بلغ به حتى صار ملكا».

5246/ [19]- عن ابن حصين، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ.

قال: «كانت الدراهم ثمانية عشر درهما».

5247/ [20]- و بهذا الإسناد، عن الرضا (عليه السلام) قال: «كانت الدراهم عشرين درهما، و هي قيمة كلب الصيد إذا قتل، و البخس: النقص».

5248/ [21]- قال أبو حمزة: قلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام): ابن كم كان يوسف يوم القي في الجب؟ قال:

«ابن سبع سنين».

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 2: 172/ 11.

17- تفسير العيّاشي 2: 172/ 12.

18- تفسير العيّاشي 2: 172/ 13.

19- تفسير العيّاشي 2: 172/ 14.

20- تفسير العيّاشي 2: 172/ 15.

21- تفسير العيّاشي 2: 172/ 16.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 165

قلت: فكم كان بين منزل يعقوب يومئذ و بين مصر؟ قال: «مسيرة ثمانية عشر يوما».

قال: «و كان يوسف من

أجمل أهل زمانه، فلما راهق راودته امرأة الملك عن نفسه فقال لها: معاذ الله، أنا من أهل بيت لا يزنون، فغلقت الأبواب عليها و عليه، و قالت: لا تخف، و ألقت نفسها عليه، فأفلت منها هاربا إلى الباب ففتحه، و لحقته فجذبت قميصه من خلفه فأخرجته منه، و أفلت يوسف منها في ثيابه».

5249/ [22]- عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما همت به و هم بها، قالت: كما أنت. قال:

و لم؟ قالت: حتى اعطي وجه الصنم لا يرانا. فذكر الله عند ذلك، و قد علم أن الله يراه، ففر منها هاربا».

5250/ [23]- عن محمد بن قيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن يوسف لما حل سراويله رأى مثال يعقوب قائما عاضا على إصبعه، و هو يقول له: يا يوسف! فهرب».

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لكني و الله ما رأيت عورة أبي قط، و لا رأى أبي عورة جدي قط، و لا رأى جدي عورة أبيه قط- قال- و هو عاض على إصبعه، فوثب و خرج الماء من إبهام رجله».

5251/ [24]- عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أي شي ء يقول الناس في قول الله عز و جل:

لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ»؟ قلت: يقولون: رأى يعقوب عاضا على إصبعه، فقال: «لا، ليس كما يقولون».

قلت: فأي شي ء رأى؟ قال: «لما همت به و هم بها، قامت إلى صنم معها في البيت، فألقت عليه ثوبا، فقال لها يوسف: ما صنعت؟ قالت: طرحت عليه ثوبا، أستحي أن يرانا، فقال يوسف: فأنت تستحين من صنمك و هو لا يسمع و لا يبصر، و لا أستحي أنا من

ربي؟!».

5252/ [25]- عمر بن إبراهيم الأوسي، قال: روي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، لأن الله قال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً» «1».

5253/ [26]- نرجع إلى حديث أبي حمزة «2»: «و أفلت يوسف منها في ثيابه وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ- قال- فهم الملك بيوسف ليعذبه، فقال له يوسف:

و إله يعقوب ما أردت بأهلك سواء هي راودتني عن نفسي، فاسأل هذا الصبي، أينا راود صاحبه عن نفسه؟- قال- و كان عندها صبي من أهلها زائرا لها في المهد، فقال: هذا طفل لم ينطق. فقال: كلمه ينطقه الله. فكلمه فأنطق الله الصبي بفصل القضاء، فقال للملك: انظر أيها الملك إلى القميص، فإن كان مقدودا من قدامه فهو راودها، و إن كان

__________________________________________________

22- تفسير العيّاشي 2: 173/ 17.

23- تفسير العيّاشي 2: 173/ 18. [.....]

24- تفسير العيّاشي 2: 174/ 19.

25- ....

26- تفسير العيّاشي 2: 174.

(1) النساء 4: 76.

(2) المتقدّم في الحديث (15) من تفسير هذه الآيات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 166

مقدودا من خلفه فهي التي راودته عن نفسه، و صدق و هي من الكاذبين».

فلما سمع الملك كلام الصبي و ما اقتص به، أفزعه ذلك فزعا شديدا، فدعا بالقميص فنظر إليه، فلما رأى القميص مقدودا من خلفه، قال لها: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ و قال ليوسف: أَعْرِضْ عَنْ هذا فلا يسمعه منك أحد و اكتمه، فلم يكتمه يوسف، و أذاعه في المدينة حتى قال نسوة منهن: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ فبلغها ذلك، فأرسلت إليهن و هيأت لهن طعاما و مجلسا، ثم أتتهن بأترج

و آتت كل واحدة منهن سكينا، و قالت ليوسف: اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَ قُلْنَ ما قلن، فقالت لهن: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ في حبه- قال- فخرج النسوة من عندها، فأرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صواحبها، تسأله الزيارة، فأبى عليهن، و قال: رَبِّ ... إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فلما ذاع أمر يوسف و أمر امرأة العزيز و النسوة في مصر، بدا للملك بعد ما سمع من قول الصبي ما سمع ليسجنن يوسف، فحبسه في السجن، و دخل مع يوسف في السجن فتيان، فكان من قصتهما و قصة يوسف ما قصه الله في كتابه».

قال أبو حمزة: ثم انقطع حديث علي بن الحسين (عليه السلام) عند ذلك.

5254/ [27]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام): «أنه كان من خبر يوسف (عليه السلام)، أنه كان له أحد عشر أخا، و كان له من امه أخ، واحد يسمى بنيامين، و كان يعقوب إسرائيل الله، و معنى إسرائيل الله: أي خالص الله، ابن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله، فرأى يوسف هذه الرؤيا و له تسع سنين، فقصها على أبيه، فقال يعقوب: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً أي يحتالون عليك، و قال يعقوب ليوسف وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

و كان يوسف من أحسن الناس وجها، و كان يعقوب يحبه و يؤثره على أولاده، فحسده إخوته على

ذلك، و قالوا فيما بينهم ما حكى الله عز و جل: إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فعمدوا على قتل يوسف، فقالوا: نقتله حتى يخلو لنا وجه أبينا. فقال لا وي: لا يجوز قتله، و لكن نغيبه عن أبينا و نخلو نحن به. فقالوا كما حكى الله عز و جل: يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ أي يرعى الغنم وَ يَلْعَبْ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ فأجرى الله على لسان يعقوب: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ فقالوا كما حكى الله عز و جل: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ و العصبة: عشرة إلى ثلاثة عشر فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ أي لتخبرنهم بما هموا به».

__________________________________________________

27- تفسير القمّي 1: 339.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 167

5255/ [28]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

يقول: «لا يشعرون أنك أنت يوسف، أتاه جبرئيل و أخبره بذلك».

5256/ [29]- و قال علي بن إبراهيم: فقال لاوي: أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ فأدنوه من رأس الجب، فقالوا له: انزع قميصك، فبكى، و قال: يا إخوتي، لا تجردوني. فسل واحد منهم عليه السكين، و قال: لئن لم تنزعه لأقتلنك. فنزعه، فدلوه في البئر و تنحوا عنه، فقال يوسف في الجب: يا إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب،

ارحم ضعفي و قلة حيلتي و صغري. فنزلت سيارة من أهل مصر، فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب، فلما أدلى الدلو على يوسف تشبث بالدلو، فجروه فنظروا إلى غلام من أحسن الناس وجها، فعدوا إلى صاحبهم فقالوا: يا بشرى هذا غلام، فنخرجه و نبيعه و نجعله بضاعة لنا. فبلغ إخوته فجاءوا و قالوا: هذا عبد لنا. ثم قالوا ليوسف: لئن لم تقر لنا بالعبودية لنقتلنك. فقالت السيارة ليوسف: ما تقول؟ قال: نعم أنا عبدهم.

فقالت السيارة: فتبيعونه منا؟ قالوا: نعم. فباعوه منهم على أن يحملوه إلى مصر وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ قال: الثمن الذي بيع به يوسف ثمانية عشر درهما، و كان عندهم كما قال الله تعالى: وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ.

5257/ [30]- و قال علي بن إبراهيم: أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا (عليه السلام) في قول الله: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ.

قال: «كانت عشرين درهما- و البخس: النقص- و هي قيمة كلب الصيد، إذا قتل كانت قيمته عشرين درهما».

5258/ [31]- و قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ. قال: «إنهم ذبحوا جديا على قميصه».

5259/ [32]- قال علي بن إبراهيم: و رجع إخوته فقالوا: نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم، و نقول لأبينا: إن الذئب أكله. فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوي: يا قوم، ألسنا بني يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله، فتظنون أن الله يكتم هذا الخبر عن أنبيائه؟

فقالوا: و ما الحيلة؟ فقال: نقوم و نغتسل

و نصلي جماعة و نتضرع إلى الله تعالى أن يكتم ذلك عن نبيه فإنه جواد كريم. فقاموا و اغتسلوا، و كان في سنة إبراهيم و إسحاق و يعقوب أنهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا أحد عشر رجلا، فيكون واحد منهم إماما و عشرة يصلون خلفه، فقالوا: كيف نصنع و ليس لنا إمام؟ فقال لاوي: نجعل

__________________________________________________

28- تفسير القمّي 1: 340.

29- تفسير القمّي 1: 340.

30- تفسير القمّي 1: 341.

31- تفسير القمّي 1: 341.

32- تفسير القمّي 1: 341.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 168

الله إمامنا. فصلوا و تضرعوا و بكوا، و قالوا: يا رب اكتم علينا هذا. ثم وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ و معهم القميص قد لطخوه بالدم قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ أي نعدو وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ إلى قوله: عَلى ما تَصِفُونَ ثم قال يعقوب: ما كان أشد غضب ذلك الذئب على يوسف و أشفقه على قميصه، حيث أكل يوسف و لم يمزق قميصه! قال: فحملوا يوسف إلى مصر و باعوه من عزيز مصر، فقال العزيز لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ أي مكانه عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً و لم يكن له ولد، فأكرموه و ربوه، فلما بلغ أشده هوته امرأة العزيز، و كانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلا هوته، و لا رجل إلا أحبه، و كان وجهه مثل القمر ليلة البدر. فراودته امرأة العزيز، و هو قوله:

وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فما زالت تخدعه، حتى كان كما قال الله عز

و جل: وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ فقامت امرأة العزيز و غلقت الأبواب، فلما هما رأى يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت عاضا على إصبعه، يقول: يا يوسف، أنت في السماء مكتوب في النبيين، و تريد أن تكتب في الأرض من الزناة؟! فعلم أنه قد أخطأ.

5260/ [33]- الشيخ في (أماليه): بإسناده، في قوله عز و جل، في قول يعقوب: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ قال: «بلا شكوى».

قلت: هذا الحديث في (الأمالي) مسبوق بحديث عن الصادق (عليه السلام).

5261/ [34]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، و علي بن عبد الله الوراق (رضي الله عنهم)، قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا القاسم بن محمد البرمكي، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) أهل المقالات، من أهل الإسلام و الديانات من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و سائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلا و قد ألزمه حجته، كأنه القم حجرا، قام إليه علي بن محمد بن الجهم، فقال: يا بن رسول الله، أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: «نعم». فقال له: فما تقول في قوله عز و جل في يوسف. وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها؟

فقال (عليه السلام): «أما قوله تعالى في يوسف (عليه السلام): وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها فإنها همت بالمعصية، و هم يوسف بقتلها إن أجبرته، لعظم ما تداخله، فصرف الله عنه قتلها و الفاحشة، و هو قوله عز و جل: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ و السوء: القتل، و الفحشاء:

الزنا».

5262/ [35]- و عنه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبي، عن حمدان بن سليمان النيشابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن

__________________________________________________

33- الأمالي 1: 300.

34- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 191/ 1.

35- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 201/ 1. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 169

موسى (عليهما السلام) فقال له المأمون: يا بن رسول الله، أليس من قولك: «إن الأنبياء معصومون»؟ قال: «بلى». و ذكر الحديث، إلى أن قال فيه: فأخبرني عن قول الله تعالى: وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ.

فقال الرضا (عليه السلام): «لقد همت به، و لو لا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به، لكنه كان معصوما، و المعصوم لا يهم بذنب و لا يأتيه. و لقد حدثني أبي، عن أبيه الصادق (عليه السلام)، أنه قال: همت بأن تفعل، و هم بأن لا يفعل». فقال المأمون: لله درك، يا أبا الحسن.

5263/ [36]- و عنه: عن أبيه (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن خلف بن حماد، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام): كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ «يعني أن يدخل في الزنا».

5264/ [37]- و عنه: بإسناده عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال في قول الله تعالى: لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ.

قال: «قامت امرأة العزيز إلى الصنم فألقت عليه ثوبا، فقال لها يوسف: ما هذا؟ فقال: أستحي من الصنم أن يرانا. فقال لها يوسف: أ

تستحين ممن لا يسمع و لا يبصر و لا يفقه و لا يأكل و لا يشرب، و لا أستحي أنا ممن خلق الإنسان و علمه؟! فذلك قوله عز و جل: لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ».

و روي هذا الحديث في (صحيفة الرضا (عليه السلام)) عن علي بن الحسين (عليهما السلام) ببعض الاختلاف اليسير «1».

5265/ [38]- عن ابن بسطام، في كتاب (طب الأئمة (عليهم السلام) عن محمد بن القاسم بن منجاب، قال: حدثنا خلف بن حماد، عن عبد الله بن مسكان، عن جابر بن يزيد، قال: قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): «قال جل جلاله:

وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ فالسوء ها هنا الزنا».

5266/ [39]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن هلال، عن محمد بن سنان، عن محمد بن عبد الله بن رباط، عن محمد بن النعمان الأحول، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً، قال: «أشده: ثماني عشرة سنة، و استوى: التحى».

5267/ [40]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن بعض رجاله، رفعه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لما

__________________________________________________

36- معاني الأخبار: 172/ 1.

37- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 45/ 162.

38- طب الأئمة (عليهم السلام): 55.

39- معاني الأخبار: 226/ 1.

40- تفسير القمّي 1: 342.

(1) صحيفة الرضا (عليه السّلام): 257/ 186.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 170

همت به و هم بها، قامت إلى صنم في بيتها، فألقت عليه ملاءة «1» لها، فقال لها يوسف: ما

تعملين؟ قالت: القي على هذا الصنم ثوبا لا يرانا، فإني أستحي منه، فقال يوسف: فأنت تستحين من صنم لا يسمع و لا يبصر، و لا أستحي أنا من ربي؟! فوثب وعدا، و عدت من خلفه، و أدركهما العزيز على هذه الحالة، و هو قول الله تعالى: وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ.

فبادرت امرأة العزيز، فقالت للعزيز: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ فقال يوسف للعزيز: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها فألهم الله يوسف أن قال للملك: سل هذا الصبي في المهد، فإنه يشهد أنها راودتني عن نفسي، فقال العزيز للصبي، فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف، حتى قال: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَ إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فلما رأى قميصه قد تخرق من دبر قال لامرأته: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ثم قال ليوسف:

أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ و شاع الخبر بمصر، و جعل النساء يتحدثن بحديثها و يعذلنها «2» و يذكرنها، و هو قوله تعالى: وَ قالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا».

5268/ [41]- علي بن إبراهيم، قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: قَدْ شَغَفَها حُبًّا يقول: «قد حجبها حبه عن الناس، فلا تعقل غيره» و الحجاب: هو الشغاف، و الشغاف: هو حجاب القلب.

5269/ [42]- ثم قال علي بن إبراهيم: فبلغ ذلك امرأة العزيز، فبعثت إلى كل امرأة رئيسة، فجمعتهن في منزلها، و هيأت

لهن مجلسا، و دفعت إلى كل امرأة اترجة و سكينا. فقالت: اقطعن. ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن- و كان في بيت- فخرج يوسف عليهن، فلما نظرن إليه، أقبلن يقطعن أيديهن، و قلن كما حكى الله عز و جل: فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أي أترجة وَ آتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ إلى قوله: إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ.

فقالت امرأة العزيز: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ أي في حبه وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ أي دعوته فَاسْتَعْصَمَ أي امتنع، ثم قالت: وَ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَ لَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ فما أمسى يوسف في ذلك اليوم «3» حتى بعثت إليه كل امرأة رأته تدعوه إلى نفسها، فضجر يوسف، فقال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أي حيلتهن أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أي: أميل إليهن. و أمرت امرأة العزيز بحبسه، فحبس في السجن.

__________________________________________________

41- تفسير القمّي 1: 357.

42- تفسير القمّي 1: 343.

(1) الملاءة: كل ثوب ليّن رقيق «مجمع البحرين 1: 398».

(2) في المصدر: ز يعيّرنها.

(3) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: البيت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 171

سورة يوسف(12): الآيات 35 الي 56 ..... ص : 171

قوله تعالى:

ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ- إلى قوله تعالى- يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ [35- 56]

5270/ [1]- ثم قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ: «فالآيات: شهادة الصبي، و القميص المخرق من دبر، و استباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب، فلما عصاها لم تزل ملحة «1» بزوجها حتى حبسه وَ

دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ يقول: عبدان للملك، أحدهما خباز، و الآخر صاحب الشراب، و الذي كذب و لم ير المنام هو الخباز».

5271/ [2]- رجع إلى حديث علي بن إبراهيم «2»، قال: و وكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه، فلما دخلا السجن، قالا له: ما صناعتك؟ قال: اعبر الرؤيا. فرأى أحد الموكلين في منامه، كما قال الله عز و جل: أَعْصِرُ خَمْراً قال يوسف: تخرج، و تصير على شراب الملك، و ترتفع «3» منزلتك عنده: وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ و لم يكن رأى ذلك، فقال له يوسف: أنت يقتلك الملك و يصلبك، و تأكل الطير من رأسك. فضحك «4» الرجل، و قال: إني لم أر ذلك. فقال يوسف، كما حكى الله تعالى: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ.

و قال أبو عبد الله (عليه السلام)، في قوله: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قال: «كان يقوم على المريض، و يلتمس المحتاج، و يوسع على المحبوس». فلما أراد- من رأى في نومه يعصر خمرا- الخروج من الحبس، قال له يوسف:

اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فكان كما قال الله عز و جل: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ.

5272/ [3]- ثم قال علي بن إبراهيم: أخبرنا الحسن بن علي، عن أبيه، عن إسماعيل بن عمر، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن يوسف أتاه جبرئيل، فقال له: يا يوسف، إن رب العالمين يقرئك

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 344.

2- تفسير القمّي 1: 344.

3- تفسير القمّي 1: 344. [.....]

(1) في «ط»: مولعة.

(2) حديث (42) المتقدّم آنفا.

(3) في «س، ط»: نسخة بدل: ترفع.

(4) في

المصدر: من دماغك، فجحد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 172

السلام، و يقول لك: من جعلك في أحسن خلقه؟ قال: فصاح و وضع خده على الأرض، ثم قال: أنت يا رب ثم قال له: و يقول لك: من حببك إلى أبيك دون إخوتك؟- قال:- فصاح و وضع خده على الأرض، و قال: أنت يا رب قال:

و يقول لك: و من أخرجك من الجب بعد أن طرحت فيها، و أيقنت بالهلكة؟- قال:- فصاح و وضع خده على الأرض، ثم قال: أنت يا رب. قال: فإن ربك قد جعل لك عقوبة في استغاثتك بغيره فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ».

قال: «فلما انقضت المدة، و أذن الله له في دعاء الفرج، فوضع خده على الأرض، ثم قال: اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك، فإني أتوجه إليك بوجه آبائي الصالحين إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب.

ففرج الله عنه».

قلت: جعلت فداك، أ ندعوا نحن بهذا الدعاء؟ فقال: «أدع بمثله: اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك، فإني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه و آله) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة (عليهم السلام)».

5273/ [4]- و قال علي بن إبراهيم: ثم إن الملك رأى رؤيا، فقال لوزرائه: إني رأيت في نومي سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ أي مهازيل، و رأيت سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ و

قرأ «1» أبو عبد الله (عليه السلام): «سبع سنابل «2»».

ثم قال: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ فلم يعرفوا تأويل ذلك، فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها، و ذكر يوسف بعد سبع سنين، و هو قوله: وَ قالَ

الَّذِي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أي بعد حين أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ فجاء إلى يوسف فقال: أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ؟

قال يوسف: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ أي لا يدوسوه فإنه يفسد في طول سبع سنين، و إذا كان في سنبله لا يفسد ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ أي سبع سنين مجاعة شديدة، يأكلن ما قدمتم لهن في السبع سنين الماضية.

قال الصادق (عليه السلام): «إنما نزل: ما قربتم لهن «3»».

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ أي يمطرون.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قرأ رجل على أمير المؤمنين (عليه السلام): ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ «4» على البناء للفاعل، فقال: و يحك، أي شي ء يعصرون، يعصرون الخمر؟! قال الرجل: يا أمير المؤمنين، كيف أقرأها؟ فقال: إنما نزلت وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ أي يمطرون بعد سني المجاعة، و الدليل على ذلك، قوله:

__________________________________________________

4- تفسير القمي 1: 345.

(1) في «س، ط»: قال.

(2) انظر مجمع البيان 5: 361.

(3) انظر مجمع البيان 5: 361.

(4) قرأ الصادق (عليه السلام)، و الأعرج، و عيسى بن عمر (يعصرون) بياء مضمومة و صاد مفتوحة، و قرأ حمزة و الكسائي و خلف (تعصرون) بتاء-

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 173

وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً» «1».

فرجع الرجل إلى الملك فأخبره بما قال يوسف، فقال الملك: ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ يعني إلى الملك فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي

بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ فجمع الملك النسوة، فقال لهن: ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ أي لا أكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل. ثم قالت: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ أي تأمر بالسوء إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي فقال الملك: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فلما نظر إلى يوسف قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ فاسأل حاجتك؟ قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ يعني: على الكناديج «2» و الأنابير «3»، فجعله عليها، و هو قوله: وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ.

5274/ [5]- الطبرسي في كتاب (النبوة): بالإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن علي بن بنت إلياس، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: «و أقبل يوسف (عليه السلام) على جمع الطعام، فجمع في السبع سنين المخصبة، فكبسه في الخزائن، فلما مضت تلك السنون، و أقبلت السنون المجدبة، أقبل يوسف على بيع الطعام، فباعهم في السنة الأولى بالدراهم و الدنانير، حتى لم يبق بمصر و ما حولها دينار و لا درهم إلا صار في ملك يوسف:

و باعهم في السنة الأولى بالدراهم و الدنانير، حتى لم يبق بمصر و ما حولها حلي و لا جواهر إلا صار في ملكه. و باعهم في السنة الثانية بالحلي و الجواهر، حتى لم يبق بمصر و ما حولها حلي و لا جواهر إلى صار في ملكه. و باعهم في السنة الثالثة بالدواب و المواشي، حتى

لم يبق بمصر و ما حولها دابة و ماشية إلا صار في ملكه، و باعهم في السنة الرابعة بالعبيد و الإماء، حتى لم يبق بمصر و ما حولها عبد و لا أمة إلا صار في ملكه و باعهم في السنة الخامسة بالدور و العقار، حتى لم يبق بمصر و ما حولها دار و لا عقار إلا صار في ملكه و باعهم في السنة السادسة بالمزارع و الأنهار، حتى لم يبق بمصر و ما حولها نهر و لا مزرعة إلا صار في ملكه، و باعهم في السنة السابعة برقابهم، حتى لم يبق بمصر و ما حولها عبد و لا حر إلا صار عبدا ليوسف. فملك أحرارهم و عبيدهم و أموالهم، و قال الناس:

ما رأينا و لا سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما أعطي هذا الملك حكما و علما و تدبيرا.

ثم قال يوسف للملك: أيها الملك، ما ترى فيما خولني ربي من ملك مصر و ما حولها»؟ أشر علينا برأيك، فإني لم أصلحهم لافسدهم و لم أنجهم من البلاء لأكون بلاء عليهم، و لكن الله تعالى أنجاهم على يدي. قال الملك:

__________________________________________________

5- مجمع البيان 5: 372.

- مفتوحة و صاد مكسورة، و الباقون بالياء، مجمع البيان 5: 361، النشر في القراءات العشر 2: 295، كتاب التيسير في القراءات السبع: 129.

(1) النبأ 78: 14.

(2) الكندوج: شبه المخزن، معرّب كندو. «القاموس المحيط 1: 212».

(3) الأنابير: جمع أنبار: أكداس الطعام. «تاج العروس- نبر- 3: 553». [.....]

(4) في المصدر: و أهلها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 174

الرأي رأيك.

قال يوسف: إني اشهد الله و أشهدك أيها الملك أني قد أعتقت أهل مصر كلهم، و رردت عليهم أموالهم و عبيدهم، و رددت عليك أيها

الملك خاتمك «1» و سريرك و تاجك، على أن لا تسير إلا بسيرتي، و لا تحكم إلا بحكمي.

قال له الملك: إن ذلك لزيني و فخري أن لا أسير إلا بسيرتك، و لا أحكم إلا بحكمك، و لولاك ما قويت عليه و لا اهتديت له، و لقد جعلت سلطاني عزيزا لا يرام، و أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و أنك رسوله، فأقم على ما وليتك، فإنك لدينا مكين أمين».

5275/ [6]- ابن بابويه، في كتاب (الغيبة): في حديث مسند، قال: رؤي بلاطة مكتوب عليها بالحبشة، قرأها الأسقف، و فسر ما فيها بالحبشية، ثم نقلت إلى العربية، فإذا فيها مكتوب: أنا الريان بن دومغ، فسئل أبو عبد الله المديني عن الريان، من كان؟ فقال: هو والد العزيز الملك الذي كان في زمان يوسف النبي (عليه السلام)، و اسمه الريان ابن دومغ، و قد كان عمر العزيز سبعمائة سنة، و عمر الريان والده ألف و سبعمائة سنة، و عمر دومغ ثلاثة آلاف سنة.

فإذا فيها: أنا الريان بن دومغ، خرجت في طلب النيل الأعظم لأعلم فيضه و منبعه، إذ كنت أرى مفيضه، فخرجت و معي ممن صحبت أربعة آلاف ألف رجل، فسرت ثمانين سنة، إلى أن انتهيت إلى الظلمات و البحر المحيط بالدنيا، فرأيت النيل يقطع البحر المحيط و يعبر فيه، و لم يكن لي منفذ، و تماوت أصحابي، و بقيت في أربعة آلاف رجل، فخشيت على ملكي، فرجعت إلى مصر، و بنيت الأهرام و البراني، و بنيت الهرمين و أودعتهما كنوزي و ذخائري، و قلت في ذلك شعرا- و ذكر الأشعار، و هي كثيرة، و من جملتها-:

أنا صاحب الأهرام في مصر كلها و

باني برانيها بها و المقدم

تركت بها آثار كفي و حكمتي على الدهر لا تبلى و لا تتهدم

و فيها كنوز جمة و عجائب و للدهر إمر «2» مرة و تهجم

سيفتح أقفالي و يبدي عجائبي ولي لربي آخر الدهر ينجم

بأكناف بيت الله تبدو أموره و لا بد أن يعلو و يسمو به السم

قال ابن بابويه: قال أبو الجيش خمارويه «3» بن أحمد بن طولون: هذا شي ء ليس لأحد فيه حيلة إلا القائم من آل محمد (عليه السلام). وردت البلاطة كما كانت مكانها.

__________________________________________________

6- كما الدين و تمام النعمة: 563.

(1) في «ط»: عليك الملك و خاتمك.

(2) الإمر: الأمر العظيم الشنيع. «لسان العرب- أمر 4: 33».

(3) في «ط» أبو الحسن حمدويه، تصحيف صحيحه ما أثبتناه، انظر أنساب السمعاني 5: 160، النجم الزاهرة 3: 49.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 175

5276/ [7]- العياشي: عن محمد بن مروان، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن يوسف خطب امرأة جميلة كانت في زمانه، فردت عليه: إن عبد الملك إياي يطلب!- قال- فطلبها إلى أبيها، فقال له أبوها: إن الأمر أمرها.- قال- فطلبها إلى ربه، و بكى، فأوحى الله إليه إني قد زوجتكها، ثم أرسل إليها: إني أريد أن أزوركم.

فأرسلت إليه: أن تعال. فلما دخل عليها، أضاء البيت لنوره، فقالت: ما هذا إلا ملك كريم. فاستسقى، فقامت إلى الطاس لتسقيه، فجعل يتناول الطاس من يدها، فتناوله فاها، فجعل يقول: انتظري و لا تجعلي- قال- فتزوجها».

5277/ [8]- عن العباس بن هلال، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: «إن يوسف النبي، قال له السجان: إني لأحبك. فقال له يوسف: لا تقل هكذا. فإن عمتي أحبتني فسرقتني، و إن أبي أحبني فحسدني

إخوتي فباعوني، و إن امرأة العزيز أحبتني فحبستني».

5278/ [9]- عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء جبرئيل إلى يوسف في السجن، فقال: قل في دبر كل صلاة فريضة: اللهم اجعل لي فرجا و مخرجا، و ارزقني من حيث أحتسب، و من حيث لا أحتسب».

5279/ [10]- عن طربال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما أمر الملك بحبس يوسف في السجن، ألهمه الله تأويل الرؤيا، فكان يعبر لأهل السجن رؤياهم، و إن فتيين أدخلا معه السجن يوم حبسه، فلما باتا، أصبحا فقالا له:

إنا رأينا رؤيا، فعبرها لنا.

قال: و ما رأيتما؟ قال أحدهما: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه. و قال الآخر: إني رأيت أني أسقي الملك خمرا. فعبر لهما رؤياهما على ما في الكتاب، ثم قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك- قال- و لم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه، فلذلك قال الله: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ».

قال: فأوحى الله إلى يوسف في ساعته تلك: يا يوسف، من أراك الرؤيا التي رأيتها؟ فقال: أنت يا رب. قال:

فمن حببك إلى أبيك؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن وجه السيارة إليك؟ فقال: أنت يا رب. قال: فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعل لك من الجب فرجا؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن جعل لك من كيد المرأة مخرجا؟ قال:

أنت يا رب. قال: فمن ألهمك تأويل الرؤيا؟ قال: أنت يا رب. قال: فكيف استغثت بغيري، و لم تستغث بي و تسألني أن أخرجك من السجن، و استغثت و أمك عبدا من عبادي، ليذكرك إلى مخلوق من خلقي، في قبضتي، و لم

تفزع إلي؟! البث في السجن بذنبك بضع سنين، بإرسالك عبدا إلى عبد».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 175/ 20.

8- تفسير العيّاشي 2: 175/ 21.

9- تفسير العيّاشي 2: 176/ 22.

10- تفسير العيّاشي 2: 176/ 23.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 176

5280/ [11]- قال ابن أبي عمير: قال ابن أبي حمزة: فمكث في السجن عشرين سنة.

5281/ [12]- سماعة، عن قول الله: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ قال: هو العزيز.

5282/ [13]- ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً.

قال: أحمل فوق رأسي جفنة فيها خبز، تأكل الطير منه».

5283/ [14]- يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال الله ليوسف: أ لست الذي حببتك إلى أبيك، و فضلتك على الناس بالحسن؟ أ و لست الذي سقت إليك السيارة، فأنقدتك و أخرجتك من الجب؟ أ و لست الذي صرفت عنك كيد النسوة؟ فما حملك على أن ترفع رغبتك، أو تدعو مخلوقا هو دوني؟! فالبث لما قلت، في السجن بضع سنين».

5284/ [15]- عن عبد الله بن عبد الرحمن، عمن ذكره، عنه (عليه السلام) قال: «لما قال للفتى: اذكرني عند ربك.

أتاه جبرئيل (عليه السلام)، فضرب برجله حتى كشط له عن الأرض السابعة، فقال له: يا يوسف، انظر ماذا ترى؟ قال:

أرى حجرا صغيرا، ففلق الحجر، فقال: ماذا ترى؟ قال: أرى دودة صغيرة. قال: فمن رازقها؟ قال: الله. قال: فإن ربك يقول: لم أنس هذه الدودة، في ذلك الحجر، في قعر الأرض السابعة، أ ظننت أني أنساك، حتى تقول للفتى: اذكرني عند ربك؟! لتلبثن في السجن بمقالتك هذه بضع سنين- قال- فبكى يوسف عند ذلك، حتى بكت لبكائه الحيطان، قال: فتأذى به أهل السجن، فصالحهم على

أن يبكي يوما، و يسكت يوما، فكان في اليوم الذي يسكت أسوء حالا».

5285/ [16]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما بكى أحد بكاء ثلاثة: آدم، و يوسف، و داود».

فقلت: ما بلغ من بكائهم؟ فقال: «أما آدم، فبكى حين اخرج من الجنة، و كان رأسه في باب من أبواب السماء، فبكى حتى تأذى به أهل السماء، فشكوا ذلك إلى الله، فحط من قامته. و أما داود، فإنه بكى حتى هاج العشب من دموعه، و إنه كان ليزفر الزفرة، فتحرق ما نبت من دموعه. و أما يوسف، فإنه كان يبكي على أبيه يعقوب، و هو في السجن، فتأذى به أهل السجن، فصالحهم على أن يبكي يوما، و يسكت يوما».

5286/ [17]- عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إن يوسف أتاه جبرئيل، فقال: يا يوسف إن

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 176 ذيل الحديث 23.

12- تفسير العيّاشي 2: 177/ 24.

13- تفسير العيّاشي 2: 177/ 25.

14- تفسير العيّاشي 2: 177/ 26.

15- تفسير العيّاشي 177: 27. [.....]

16- تفسير العيّاشي 2: 177/ 28.

17- تفسير العيّاشي 2: 178/ 29.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 177

رب العالمين يقرئك السلام، و يقول لك: من جعلك أحسن خلقه؟- قال- فصاح، و وضع خده على الأرض، ثم قال: أنت يا رب، ثم قال له: و يقول لك: من حببك إلى أبيك دون إخوتك؟- قال- فصاح، و وضع خده على الأرض، ثم قال: أنت يا رب. قال: و يقول لك: من أخرجك من الجب، بعد أن طرحت فيها، و أيقنت بالهلكة؟ قال: فصاح، و وضع خده على الأرض، ثم قال: أنت يا رب، ثم قال: فإن ربك قد جعل لك عقوبة

في استغاثتك بغيره، فالبث في السجن بضع سنين».

قال: «فلما انقضت المدة، أذن له في دعاء الفرج، و وضع خده على الأرض، ثم قال: اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك، فإني أتوجه إليك بوجه آبائي الصالحين، إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب، قال:

ففرج الله عنه».

قال: فقلت له: جعلت فداك، أ ندعو نحن بهذا الدعاء؟ فقال: «ادع بمثله، اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك، فإني أتوجه إليك بوجه نبيك نبي الرحمة (صلى الله عليه و آله) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة (عليهم السلام)».

5287/ [18]- عن يعقوب بن يزيد، رفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في قول الله تعالى: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، قال: «سبع «1» سنين».

5288/ [19]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «رأت فاطمة (عليها السلام) في النوم، كأن الحسن و الحسين (عليهما السلام) ذبحا، أو قتلا، فأحزنها ذلك- قال- فأخبرت به رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: يا رؤيا. فتمثلت، بين يديه، فقال: أريت فاطمة هذا البلاء؟ فقالت: لا، يا رسول الله. فقال: يا أضغاث، أنت أريت فاطمة هذا البلاء؟

فقالت: نعم، يا رسول الله. قال: فما أردت بذلك؟ قالت: أردت أن أحزنها، فقال لفاطمة (عليها السلام): اسمعي، ليس هذا بشي ء».

5289/ [20]- عن أبان، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما «2» (عليهما السلام) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

لو كنت بمنزلة يوسف، حين أرسل إليه الملك يسأله عن رؤياه، ما حدثته حتى أشترط عليه أن يخرجني من السجن، و عجبت لصبره عن شأن امرأة الملك، حتى أظهر الله عذره».

5290/ [21]- عن ابن أبي

يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقرأ: «سبع سنابل «3» خضر».

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 2: 178/ 30.

19- تفسير العيّاشي 2: 178/ 31.

20- تفسير العيّاشي 2: 179/ 32.

21- تفسير العيّاشي 2: 179/ 33.

(1) في «ط»: تسع.

(2) في المصدر: عنهما.

(3) في «ط»: سنبلات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 178

5291/ [22]- عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كانت سنين «1» يوسف و الغلاء الذي أصاب الناس، و لم يتمن «2» الغلاء لأحد قط- قال- فأتاه التجار، فقالوا: بعنا. فقال: اشتروا. فقالوا: نأخذ كذا بكذا.

فقال: خذوا. و أمر فكالوهم، فحملوا و مضوا، حتى دخلوا المدينة، فلقيهم قوم تجار. فقالوا لهم: كيف أخذتم؟

قالوا: كذا بكذا. و أضعفوا الثمن- قال- فقدموا أولئك على يوسف، فقالوا: بعنا، فقال: اشتروا، كيف تأخذون؟ قالوا:

بعنا كما بعت كذا بكذا. فقال: ما هو كما تقولون، و لكن خذوا. فأخذوا، ثم مضوا حتى دخلوا المدينة، فلقيهم آخرون، فقالوا: كيف أخذتم؟ فقالوا: كذا بكذا. و أضعفوا الثمن- قال- فعظم الناس ذلك الغلاء، و قالوا: اذهبوا بنا حتى نشتري- قال- فذهبوا إلى يوسف، فقالوا: بعنا. فقال: اشتروا. فقالوا: بعنا كما بعت. فقال: و كيف بعت؟ قالوا:

كذا بكذا. فقال: ما هو كذلك، و لكن خذوا- قال- فأخذوا، و رجعوا إلى المدينة، فأخبروا الناس. و قالوا: فيما بينهم:

تعالوا حتى نكذب في الرخص كما كذبنا في الغلاء- قال- فذهبوا إلى يوسف، فقالوا له: بعنا. فقال: اشتروا. فقالوا:

بعنا كما بعت. قال: و كيف بعت؟ قالوا: كذا بكذا- بالحط من السعر- فقال: ما هو هكذا، و لكن خذوا. قال: فأخذوا، و ذهبوا إلى المدينة، فلقيهم الناس، فسألوهم: بكم اشتريتم؟ فقالوا: كذا بكذا. بنصف الحط الأول. فقال الآخرون:

اذهبوا بنا

حتى نشتري. فذهبوا إلى يوسف فقالوا: بعنا فقال: اشتروا، فقالوا: بعنا كما بعت. فقال: و كيف بعت؟

فقالوا: كذا بكذا.- بالحط من النصف- فقال: ما هو كما تقولون، و لكن خذوا. فلم يزالوا يتكاذبون، حتى رجع السعر إلى الأمر الأول، كما أراد الله تعالى».

5292/ [23]- عن محمد بن علي الصيرفي، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون» بضم الياء: يمطرون، ثم قال: أما سمعت قوله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً» «3».

5293/ [24]- عن علي بن معمر، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله: «عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون» مضمومة، ثم قال: «أما سمعت قول الله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً» «4».

5294/ [25]- عن سماعة، قال: سألته عن قول الله: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ، قال: «يعني العزيز».

5295/ [26]- عن الحسن بن موسى، قال: روى أصحابنا، عن الرضا (عليه السلام) قال له رجل: أصلحك الله، كيف

__________________________________________________

22- تفسير العيّاشي 2: 179/ 34.

23- تفسير العيّاشي 2: 180/ 35 ..

24- تفسير العيّاشي 2: 180/ 36 ..

25- تفسير العيّاشي 2: 180/ 37.

26- تفسير العيّاشي 2: 180/ 38 و 39. [.....]

(1) في المصدر نسخة بدل: كان سبق.

(2) في «ط»: يمرّ.

(3) النبأ 78: 14.

(4) النبأ 78: 14.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 179

صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟ فكأنه أنكر ذلك عليه، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): «يا هذا، أيهما أفضل، النبي أو الوصي؟» فقال: لا بل النبي. قال: «فأيهما أفضل، مسلم أو مشرك؟» قال: لا بل مسلم. قال: «فإن العزيز- عزيز مصر- كان مشركا، و كان يوسف نبيا، و إن المأمون مسلم،

و أنا وصي، و يوسف سأل العزيز أن يوليه، حتى قال:

استعملني على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم. و المأمون أخبرني على ما أنا فيه».

قال: و قال في قوله: حَفِيظٌ عَلِيمٌ قال: «حافظ لما في يدي، عالم بكل لسان».

5296/2]- قال سليمان: قال سفيان: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يجوز أن يزكي الرجل نفسه؟ قال: «نعم، إذا اضطر إليه، أما سمعت قول يوسف: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و قول العبد الصالح:

أَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ» «1».

5297/ [28]- ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن الحسن (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن شريف بن سابق التفليسي، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول يوسف: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، قال: «حفيظ بما تحت يدي، عليم بكل لسان».

5298/ [29]- و عنه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رضي الله عنه)، قال: حدثني جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه، قال: حدثنا محمد بن نصير، عن الحسن بن موسى، قال روى أصحابنا، عن الرضا (عليه السلام) أنه قال له رجل: أصلحك الله، كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟ فكأنه أنكر ذلك عليه، فقال له أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «يا هذا أيهما أفضل، النبي أو الوصي؟» فقال: لا، بل النبي. قال:

«فأيهما أفضل، مسلم أو مشرك؟» قال: لإبل مسلم قال: «فإن عزيز مصر كان مشركا، و كان يوسف (عليه السلام) نبيا، و إن المأمون مسلم، و أنا وصي، و يوسف سأل العزيز أن يوليه، حتى «2» قال: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ

و المأمون أجبرني على ما أنا فيه» «3».

قال: و قال (عليه السلام) في قوله تعالى: حَفِيظٌ عَلِيمٌ قال: «حافظ لما في يدي، عالم بكل لسان».

5299/ [30]- قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال: دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله، إن الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد، مع إظهارك الزهد في الدنيا.

__________________________________________________

27- تفسير العيّاشي 2: 181/ 40.

28- علل الشرائع: 125/ 4.

29- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 138/ 1.

30- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 139/ 2.

(1) الأعراف 7: 68.

(2) في المصدر: حين.

(3) في المصدر: و أنا أجبرت على ذلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 180

قال (عليه السلام): «قد علم الله تعالى كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك، و بين القتل، اخترت القبول على القتل. ويحهم، أما علموا أن يوسف (عليه السلام) كان نبيا و رسولا، و لما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز، قال له: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و دفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه و إجبار، و بعد الإشراف على الهلاك، على أني ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول خارج منه. فإلى الله المشتكى و هو المستعان».

سورة يوسف(12): الآيات 58 الي 82 ..... ص : 180

قوله تعالى:

وَ جاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ- إلى قوله تعالى- وَ إِنَّا لَصادِقُونَ [58- 82] 5300/ [1]- رجعت رواية علي بن إبراهيم «1»، قال: فأمر يوسف أن تبنى كناديج من صخر، و طينها بالكلس، ثم أمر بزروع مصر، فحصدت، و دفع إلى كل إنسان حصة، و ترك الباقي في سنبله، و لم يدسه، و وضعها في

الكناديج، ففعل ذلك سبع سنين.

فلما جاءت سني الجدب، كان يخرج السنبل، فيبيع بما شاء، و كان بينه و بين أبيه ثمانية عشر يوما، و كانوا في بادية، و كان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما، و كان يعقوب و ولده نزولا في بادية فيها مقل «2»، فأخذ إخوة يوسف من ذلك المقل، و حملوه إلى مصر، ليمتاروا طعاما، و كان يوسف يتولى البيع بنفسه، فلما دخل إخوته عليه، عرفهم و لم يعرفوه، كما حكى الله عز و جل: وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ فأعطاهم، و أحسن إليهم في الكيل، قال لهم: «من أنتم؟» قالوا: نحن بنو يعقوب بن ابراهيم، خليل الله الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق، و جعلها الله عليه بردا و سلاما، قال: «فما فعل أبوكم»؟

قالوا: شيخ ضعيف، قال: «فلكم أخ غيركم»؟ قالوا: لنا أخ من أبينا، لا من امنا. قال: «فإذا رجعتم إلي فائتوني به» و هو قوله: ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَ لا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَ أَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَ لا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَ إِنَّا لَفاعِلُونَ.

ثم قال يوسف لقومه: «ردوا هذه البضاعة التي حملوها إلينا، و اجعلوها فيما بين رحالهم، حتى إذا رجعوا إلى منازلهم و رأوها، رجعوا إلينا و هو قوله: وَ قالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني: كي يرجعوا: فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ

__________________________________________________

1- تفسير القمي 1: 346.

(1) المتقدمة في الحديث (4) من تفسير الآيات (35- 56) من هذه السورة.

(2) المقل: ثمر الدوم، و الدوم:

شجر عظام من الفصيلة النخلية، يكثر في صعيد مصر و بلاد العرب. «الصحاح- مقل- 5: 1820، المعجم الوسيط- دوم- 1: 305». [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 181

فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ فقال يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ في رحالهم التي حملوها إلى مصر قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي أي ما نريد هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَ نَمِيرُ أَهْلَنا وَ نَحْفَظُ أَخانا وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ فقال يعقوب: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ يعقوب: اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ فخرجوا، و قال لهم يعقوب: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ إلى قوله لا يَعْلَمُونَ.

5301/ [2]- ابن بابويه في (الفقيه) مرسلا، عن الصادق (عليه السلام): في قول الله عز و جل: وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ، قال: «الزارعون» «1».

5302/ [3]- العياشي: عن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ملك يوسف مصر و براريها، لم يجاوزها إلى غيرها».

5303/ [4]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث، قال: «لما فقد يعقوب يوسف اشتد حزنه عليه و بكاؤه حتى ابيضت عيناه من الحزن، و احتاج حاجة شديدة و تغيرت حاله، و كان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرتين، للشتاء و الصيف، و إنه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة

إلى مصر مع رفقة خرجت، فلما دخلوا على يوسف، و ذلك بعد ما ولاه العزيز مصر، فعرفهم يوسف و لم يعرفه إخوته لهيبة الملك و عزته. فقال لهم:

هلموا بضاعتكم قبل الرفاق. و قال لفتيانه: عجلوا لهؤلاء الكيل و أوفوهم، فإذا فرغتم فاجعلوا بضاعتهم هذه في رحالهم، و لا تعلموهم بذلك. ففعلوا.

ثم قال لهم يوسف: قد بلغني أنه قد كان لكم أخوان لأبيكم، فما فعلا؟ قالوا: أما الكبير منهما فإن الذئب أكله، و أما الصغير فخلفناه عند أبيه و هو به ضنين و عليه شفيق. قال: فإني أحب أن تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَ لا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَ إِنَّا لَفاعِلُونَ فلما رجعوا إلى أبيهم و فتحوا متاعهم، وجدوا بضاعتهم في رحالهم، قالوا: يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا و كيل لنا كيل قد زاد حمل بعير فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ.

فلما احتاجوا إلى الميرة بعد ستة أشهر، بعثهم يعقوب، و بعث معهم بضاعة يسيرة، و بعث معهم بنياميل «2»

__________________________________________________

2- من لا يحضره الفقيه 3: 160/ 703.

3- تفسير العيّاشي 2: 181/ 41.

4- تفسير العيّاشي 2: 81/ 42.

(1) إبراهيم 14: 12.

(2) كذا و في الرواية الآتية في ذيل هذه الرواية (بنيامين) و هو الموافق لأغلب المصادر، انظر تاريخ اليعقوبي 1: 33، الكامل في التاريخ 1: 126.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 182

و أخذ عليهم بذلك موثقا من الله، لتأتنني به إلا أن يحاط بكم أجمعين، فانطلقوا مع الرفاق حتى دخلوا على يوسف، فقال لهم: معكم بنياميل؟ قالوا: نعم هو

في الرحل. قال لهم: فائتوني به.

فأتوا به و هو في دار الملك. قال: أدخلوه وحده. فأدخلوه عليه، فضمه إليه و بكى، و قال له: أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما تراني أعمل، و اكتم ما أخبرتك به و لا تحزن و لا تخف. ثم أخرجه إليهم و أمر فتيته أن يأخذوا بضاعتهم و يعجلوا لهم الكيل، فإذا فرغوا جعلوا المكيال في رحل بنياميل، ففعلوا به ذلك.

و ارتحل القوم مع الرفقة فمضوا، فلحقهم يوسف و فتيته فنادوا فيهم قال: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ قالُوا وَ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَ ما كُنَّا سارِقِينَ قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ قال: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ، قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فقال لهم يوسف: ارتحلوا عن بلادنا: قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً و قد أخذ علينا موثقا من الله لنرد به إليه: فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إن فعلت قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ فقال كبيرهم: إني لست أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي.

و مضى إخوة يوسف حتى دخلوا على يعقوب، فقال لهم: فأين بنياميل؟ قالوا: بنياميل سرق مكيال الملك، فأخذه الملك بسرقته، فحبس عنده، فاسأل أهل القرية و العير حتى يخبروك بذلك، فاسترجع و استعبر و اشتد حزنه، حتى تقوس ظهره».

عن أبي حمزة، عن أبي بصير، عنه (عليه السلام) ذكر

فيه (بنيامين) و لم يذكر فيه (بنياميل) «1».

5304/ [5]- عن أبان الأحمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما دخل إخوة يوسف عليه- و قد جاءوا بأخيهم معهم وضع لهم الموائد، ثم قال: يمتار كل واحد منكم مع أخيه لأمه على الخوان، فجلسوا، و بقي أخوه قائما.

فقال له: مالك لا تجلس مع إخوتك؟ قال: ليس لي منهم أخ من امي. قال: فلك أخ من أمك، زعم هؤلاء أن الذئب أكله؟ قال: نعم. قال: فاقعد و كل معي- قال- فترك إخوته الأكل، و قالوا: إنا نريد أمرا، و يأبى الله إلا أن يرفع ولد يامين علينا».

قال: «ثم حين فرغوا من جهازهم، أمر أن يوضع الصاع «2» فى رحل أخيه، فلما فصلوا نادى مناد: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ- قال- فرجعوا، فقالوا: ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ إلى قوله: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ يعنون السنة التي تجري فيهم، أن يحبسه، فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ فقالوا: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ».

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 183/ 44.

(1) تفسير العيّاشي 2: 183/ 43.

(2) الصاع: الذي يكال به، و هو أربعة أمداد، و الصوع: لغة في الصاع، و يقال: هو إناء يشرب فيه. «الصحاح- صوع- 2: 1247».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 183

قال الحسن بن علي الوشاء: فسمعت الرضا (عليه السلام) يقول: «يعنون المنطقة «1». فلما فرغ من غذائه، قال: ما بلغ من حزنك على أخيك؟ فقال: ولد لي عشرة أولاد، فكلهم شققت لهم اسما من اسمه- قال- فقال له: ما أراك حزنت عليه حيث اتخذت النساء من بعده. قال: أيها العزيز، إن لي أبا شيخا كبيرا

صالحا، فقال: يا بني، تزوج، لعلك تصيب ولدا يثقل الأرض بشهادة أن لا إله إلا الله».

قال أبو محمد عبد الله بن محمد: هذا من رواية الرضا (عليه السلام).

5305/ [6]- عن علي بن مهزيار، عن بعض أصحابنا، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «و قد كان هيأ لهم طعاما. فلما دخلوا عليه، قال: ليجلس كل بني أم على مائدة- قال- فجلسوا، و بقي بنيامين قائما، فقال له يوسف:

مالك لا تجلس؟ قال له: إنك قلت: ليجلس كل بني أم على مائدة، و ليس لي منهم ابن ام. فقال يوسف: أ ما كان لك ابن ام؟ قال له بنيامين: بلى. قال يوسف: فما فعل؟ قال: زعم هؤلاء أن الذئب أكله. قال: فما بلغ من حزنك عليه؟

قال: ولد لي أحد عشر ابنا، كلهم شققت له اسما من أسمه. فقال له يوسف: أراك قد عانقت النساء و شممت الولد من بعده. قال له بنيامين: إن لي أبا صالحا، و إنه قال: تزوج، لعل الله أن يخرج منك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح؟

فقال له: تعال فاجلس معي على مائدتي؟ فقال أخوة يوسف: لقد فضل الله يوسف و أخاه، حتى أن الملك قد أجلسه معه على مائدته».

5306/ [7]- عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك، لم سمي أمير المؤمنين (أمير المؤمنين)؟ قال: «لأنه يميرهم العلم، أما سمعت كلام الله: وَ نَمِيرُ أَهْلَنا».

5307/ [8]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا خير فيمن لا تقية له، و لقد قال يوسف:

أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ و ما سرقوا».

5308/ [9]- و في رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «2» قال:

قيل له، و أنا عنده: إن سالم بن حفصة يروي عنك: أنك تكلم على سبعين وجها لك منها المخرج؟

فقال: «ما يريد سالم مني، أ يريد أن أجي ء بالملائكة، فو الله ما جاء بهم النبيون، و لقد قال إبراهيم: إِنِّي سَقِيمٌ «3». و و الله ما كان سقيما، و ما كذب، و لقد قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ «4». و ما فعله كبيرهم، و ما كذب، و لقد قال يوسف: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارЙ™ϙșƙή و الله ما كانوا سرقوا، و ما كذب».

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 183/ 45.

7- تفسير العيّاشي 2: 184/ 46.

8- تفسير العيّاشي 2: 184/ 47.

9- تفسير العيّاشي 2: 184/ 49.

(1) المنطقة: ما يشدّ به الوسط، و سيأتي بيانها في الأحاديث (13) و (14) و (28) و (29) و (30).

(2) في المصدر: أبي جعفر (عليه السّلام). [.....]

(3) الصافات 37: 89.

(4) الأنبياء 21: 63.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 184

5309/ [10]- عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله في يوسف: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ.

قال: «إنهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا ترى أنه قال لهم، حين قالوا و أقبلوا عليهم: ماذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك. و لم يقولوا: سرقتم صواع الملك. إنما عنى، أنكم سرقتم يوسف من أبيه».

5310/ [11]- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «صُواعَ الْمَلِكِ طاسه الذي يشرب فيه».

5311/ [12]- عن محمد بن أبي حمزة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: صُواعَ الْمَلِكِ.

قال: «كان قدحا من ذهب- و قال- كان صواع يوسف إذا «1» كيل به قال: لعن الله الخوان، و لا تخونوا به، بصوت حسن».

5312/ [13]-

عن إسماعيل بن همام، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ.

قال: «كانت لإسحاق النبي (عليه السلام) منطقة، يتوارثها الأنبياء و الأكابر، فكانت عند عمة يوسف، و كان يوسف عندها، و كان تحبه، فبعث إليها أبوه: أن ابعثيه إلي، و أرده إليك. فبعثت إليه: أن دعه عندي الليلة، لأشمه ثم أرسله إليك غدوة. فلما أصبحت، أخذت المنطقة فربطتها في حقوه»، و ألبسته قميصا، و بعثت به إليه، و قالت:

سرقت المنطقة. فوجدت عليه، و كان إذا سرق أحد في ذلك الزمان، دفع إلى صاحب السرقة، فأخذته، فكان عندها».

5313/ [14]- عن الحسن بن علي الوشاء، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: «كانت الحكومة في بني إسرائيل، إذا سرق أحد شيئا استرق به، و كان يوسف عند عمته و هو صغير، و كانت تحبه، و كانت لإسحاق منطقة ألبسها يعقوب، و كانت عند أخته، و إن يعقوب طلب يوسف أن يأخذه من عمته، فاغتمت لذلك، و قالت له: دعه، حتى أرسله إليك. فأرسلته، و أخذت المنطقة فشدتها في وسطه تحت الثياب، فلما أتى يوسف أباه، جاءت فقالت: سرقت المنطقة. ففتشته، فوجدتها في وسطه. فلذلك قال إخوة يوسف، حيث جعل الصاع في وعاء أخيه فقال لهم يوسف: ما جزاء من وجد في رحله؟

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 2: 185/ 50.

11- تفسير العيّاشي 2: 185/ 51.

12- تفسير العيّاشي 2: 185/ 52.

13- تفسير العيّاشي 2: 185/ 53.

14- تفسير العيّاشي 2: 186/ 54.

(1) في المصدر: إذ.

(2) الحقو: الخصر و مشدّ الإزار. «الصحاح- حقا- 6: 2317».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 185

قالوا [هو] جزاؤه. بإجراء السنة التي تجري

فيهم، فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه، فلذلك قال إخوة يوسف: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يعنون المنطقة فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ».

عن الحسن بن علي الوشاء، عن الرضا (عليه السلام)، و ذكر مثله «1».

5314/ [15]- عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكر بني يعقوب، قال: «كانوا إذا غضبوا، اشتد غضبهم حتى تقطر جلودهم دما أصفر، و هم يقولون: خذ أحدنا مكانه، يعني جزاءه، فأخذ الذي وجد الصاع عنده».

5315/ [16]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما استيأس إخوة يوسف من أخيهم، قال لهم يهودا، و كان أكبرهم: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ- قال- و رجع إلى يوسف يكلمه في أخيه، فكلمه حتى ارتفع الكلام بينهما، حتى غضب يهودا، و كان إذا غضب قامت شعرة في كتفه و خرج منها الدم».

قال: «و كان بين يدي يوسف ابن له صغير، معه رمانة من ذهب، و كان الصبي يلعب بها- قال- فأخذها يوسف من الصبي، فدحرجها نحو يهودا، و حبا الصبي نحو يهودا ليأخذها، فمس يهودا، فسكن يهودا. ثم عاد إلى يوسف، فكلمه في أخيه حتى ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا، و قامت الشعرة، و سال منها الدم، فأخذ يوسف الرمانة من الصبي فد حرجها نحو يهودا، و حبا الصبي نحو يهودا فسكن يهودا. و قال يهودا: إن في البيت معنا لبعض ولد يعقوب».

قال: «فعند ذلك قال لهم يوسف: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ» «2».

5316/ [17]- و في رواية هشام

بن سالم، عنه (عليه السلام) قال: «لما أخذ يوسف أخاه، اجتمع عليه إخوته، و قالوا له: خذ أحدنا مكانه، و جلودهم تقطر دما أصفر. و هم يقولون: خذ أحدنا مكانه- قال- فلما أبى عليهم و خرجوا من عنده قال لهم يهودا: قد علمتم ما فعلتم بيوسف: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ».

قال: «فرجعوا إلى أبيهم، و تخلف يهودا- قال- فدخل على يوسف و كلمه في أخيه، حتى ارتفع الكلام بينه و بينه، فغضب، و كان على كتفه شعرة إذا غضب قامت الشعرة، فلا تزال تقذف بالدم حتى يمسه بعض ولد يعقوب».

__________________________________________________

15- تفسير العيّاشي 2: 186/ 55.

16- تفسير العيّاشي 2: 176/ 56.

17- تفسير العيّاشي 2: 187/ ذيل الحديث (56).

(1) تفسير العيّاشي 2: 186/ ذيل الحديث 54.

(2) يوسف 12: 89. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 186

قال: «فكان بين يدي يوسف ابن له صغير، في يده رمانة من ذهب، يلعب بها، فلما رآه يوسف قد غضب و قامت الشعرة تقذف بالدم، أخذ الرمانة من يد الصبي، ثم دحرجها نحو يهودا، و اتبعها الصبي ليأخذها، فوقعت يده على يهودا- قال- فذهب غضبه- قال- فارتاب يهودا، و رجع الصبي بالرمانة إلى يوسف. ثم ارتفع الكلام بينهما حتى غضب و قامت الشعرة، فجعلت تقذف بالدم، فلما رآه يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا و اتبعها الصبي ليأخذها، فوقعت يده على يهودا، فسكن غضبه- قال- فقال يهودا: إن في البيت لمن ولد يعقوب، حتى صنع ذلك ثلاث مرات».

5317/ [18]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم «1»: فخرجوا و خرج معهم بنيامين، فكان لا يؤاكلهم و لا يجالسهم و لا يكلمهم، فلما وافوا مصر،

و دخلوا على يوسف و سلموا، نظر يوسف إلى أخيه فعرفه، فجلس منهم بالبعد. فقال يوسف: «أنت أخوهم؟». قال: نعم. قال: فلم لا تجلس معهم؟» قال: لأنهم أخرجوا أخي من أبي و أمي، فرجعوا و لم يردوه، و زعموا أن الذئب أكله، فآليت على نفسي ألا أجتمع معهم على أمر ما دمت حيا.

قال: فهل تزوجت؟ قال: بلى، قال: «فولد لك ولد؟» قال: بلى، قال: «كم ولد لك؟» قال: ثلاث بنين. قال: «فما سميتهم؟» قال: سميت واحدا منهم الذئب، و واحدا القميص، و واحدا الدم. قال: «و كيف اخترت هذه الأسماء؟» قال: لئلا أنسى أخي، كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت أخي، قال يوسف لهم: «أخرجوا» و حبس بنيامين عنده.

فلما خرجوا من عنده، قال يوسف لأخيه: «أنا أخوك يوسف فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ». ثم قال له:

«أنا أحب أن تكون عندي». قال: لا يدعني إخوتي، فإن أبي قد أخذ عليهم عهد الله و ميثاقه أن يردوني إليه. قال:

فأنا أحتال بحيلة، فلا تنكر إذا رأيت شيئا، و لا تخبرهم». فقال: لا. فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ و أعطاهم و أحسن إليهم، قال لبعض قوامه: «اجعلوا هذا الصاع في رحل هذا». و كان الصاع الذي يكيلون به من ذهب، فجعلوه في رحله، من حيث لم يقف عليه إخوته. فلما ارتحلوا، بعث إليهم يوسف و حبسهم، ثم أمر مناديا ينادي: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ. فقال إخوة يوسف: ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ أي كفيل.

5318/ [19]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد ابن عثمان، عن الحسن الصيقل قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا قد روينا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول يوسف (عليه السلام): أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ؟ فقال: «و الله ما سرقوا، و ما كذب، و قال إبراهيم (عليه السلام): بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ «2» فقال- و الله ما فعلوا، و ما كذب».

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما عندكم فيها، يا صيقل؟» قال: فقلت: ما عندنا فيها إلا التسليم. قال: فقال:

__________________________________________________

18- تفسير القمّي 1: 348.

19- الكافي 2: 255/ 17.

(1) المتقدّمة في الحديث (1) من تفسير هذه الآيات.

(2) الأنبياء 21: 63.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 187

«إن الله أحب اثنين، و أبغض اثنين: أحب الخطر «1» فيما بين الصفين، و أحب الكذب في الإصلاح، و أبغض الخطر في الطرقات، و أبغض الكذب في غير الإصلاح. إن إبراهيم (عليه السلام) إنما قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا إرادة الإصلاح، و دلالة على أنهم لا يفعلون، و قال يوسف (عليه السلام) إرادة الإصلاح».

5319/ [20]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحجال «2»، عن ثعلبة بن ميمون، عن معمر بن عمر «3»، عن عطاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا كذب على مصلح.

ثم تلا: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ثم قال: و الله ما سرقوا و ما كذب. ثم تلا: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ «4» ثم قال: و الله ما فعلوه و ما كذب».

5320/ [21]- و عنه: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد

الله (عليه السلام): «التقية من دين الله». قلت: من دين الله؟ قال: «إي و الله من دين الله، و لقد قال يوسف (عليه السلام): أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ- ثم قال- و الله ما كانوا سرقوا شيئا، و لقد قال إبراهيم (عليه السلام): إِنِّي سَقِيمٌ «5» و الله ما كان سقيما».

5321/ [22]- ابن بابويه: قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدثنا إبراهيم بن علي، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، عن يونس بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا خير فيمن لا تقية له، و لقد قال يوسف: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ و ما سرقوا».

5322/ [23]- و عنه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه قال: حدثنا محمد بن أبي نصر، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى عن سماعة، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «التقية من دين الله عز و جل». قلت: من دين الله؟ قال فقال: «إي و الله من دين الله، لقد قال يوسف (عليه السلام): أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ و الله ما كانوا سرقوا شيئا».

__________________________________________________

20- الكافي 2: 256/ 22.

21- الكافي 2: 172/ 3.

22- علل الشرائع: 51/ 1.

23- علل الشرائع: 51/ 2.

(1) الخطر: التبختر في المشي «الصحاح- خطر: 2: 648».

(2) في المصدر: الحجّاج.

(3) في المصدر: معمر بن عمرو، و يحتمل كونه معمر بن عمر بن عطاء. انظر رجال البرقي: 11، معجم

رجال الحديث 3: 404 و 18: 267.

(4) الأنبياء 21: 63.

(5) الصافات 37: 89.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 188

5323/ [24]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول يوسف (عليه السلام): أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ قال: «ما سرقوا و ما كذب».

5324/ [25]- و عنه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن مسعود، عن أبيه، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن صالح بن سعيد، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل في يوسف (عليه السلام): أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ.

قال: «إنهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا ترى أنه قال لهم حين قالوا: ما ذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك.

و لم يقولوا: سرقتم صواع الملك. إنما عنى أنكم سرقتم يوسف من أبيه».

5325/ [26]- و عنه، عن أبيه (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن أبي إسحاق إبراهيم بن هاشم، عن صالح بن سعيد، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قلت قوله في يوسف (عليه السلام): أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ قال: «إنهم سرقوا يوسف من أبيه».

5326/ [27]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم «1»: فقال إخوة يوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَ ما كُنَّا سارِقِينَ، قال يوسف (عليه السلام): فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فخذه و احبسه فَهُوَ

جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ فتشبثوا بأخيه و حبسوه، و هو قوله: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ أي احتلنا له: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.

فسئل الصادق (عليه السلام) عن قوله: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ قال: «ما سرقوا و ما كذب يوسف (عليه السلام) فإنما عنى سرقتم يوسف من أبيه».

و قوله: أَيَّتُهَا الْعِيرُ أي يا أهل العير، و مثله قولهم لأبيهم: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها يعني: أهل العير. فلما اخرج ليوسف الصواع من رحل أخيه، قال إخوته: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يعنون يوسف (عليه السلام): فتغافل يوسف عليهم، و هو قوله: فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ.

__________________________________________________

24- علل الشرائع: 52/ 3. [.....]

25- علل الشرائع: 52/ 4.

26- معاني الأخبار: 209/ 1.

27- تفسير القمّي 1: 348.

(1) المتقدّمة في الحديث (18) من تفسير هذه الآيات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 189

5327/ [28]- ابن بابويه قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله العلوي، قال: حدثني علي بن محمد العلوي العمري، قال: حدثني إسماعيل بن همام، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله عز و جل: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ.

قال: «كانت لإسحاق النبي (عليه السلام) منطقة يتوارثها الأنبياء و الأكابر، و كانت

عند عمة يوسف، و كان يوسف عندها، و كانت تحبه، فبعث إليها أبوه و قال: ابعثيه إلي و أرده إليك. فبعثت إليه: دعه عندي الليلة أشمه، ثم أرسله إليك غدوة- قال- فلما أصبحت أخذت المنطقة، فربطتها في حقوه، و لبسته قميصا، و بعثت به إليه، فلما خرج من عندها طلبت المنطقة، و قالت: سرقت المنطقة، فوجدت عليه، و كان إذا سرق أحد في ذلك الزمان، دفع إلى صاحب السرقة، و كان عبده».

5328/ [29]- و عنه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن مسعود، عن أبيه، عن عبد الله بن محمد بن خالد، قال: حدثني الحسن بن علي الوشاء، قال: سمعت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: «كانت الحكومة في بني إسرائيل، إذا سرق أحد شيئا استرق به، و كان يوسف (عليه السلام) عند عمته و هو صغير، و كانت تحبه، و كانت لإسحاق (عليه السلام) منطقة ألبسها يعقوب، و كانت عند ابنته، و أن يعقوب طلب يوسف أن يأخذه من عمته، فاغتمت لذلك، و قالت له: دعه حتى أرسله إليك، فأرسلته و أخذت المنطقة فشدتها في وسطه تحت الثياب، فلما أتى يوسف أباه، جاءت و قالت: سرقت المنطقة، ففتشته، فوجدتها في وسطه. فلذلك قال إخوة يوسف حيث جعل الصاع في وعاء أخيه: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فقال لهم يوسف: فما جزاء من وجدنا في رحله؟ قالوا: هو جزاؤه. كما جرت السنة التي تجري فيهم، فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه، و لذلك قال إخوة يوسف: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يعنون المنطقة: فَأَسَرَّها

يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ».

5329/ [30]- علي بن إبراهيم: قال: أخبرنا الحسن بن علي، عن أبيه، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس و إسماعيل بن همام، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: كانت الحكومة في بني إسرائيل، إذا سرق أحد شيئا استرق به و كان يوسف عند عمته و هو صغير، و كانت تحبه، و كانت لإسحاق منطقة ألبسها يعقوب، و كانت عند أخته، و أن يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته، فاغتمت لذلك، و قالت: دعه حتى أرسله إليك، و أخذت المنطقة، و شدت بها وسطه تحت الثياب، فلما أتى يوسف أباه، جاءت فقالت: قد سرقت المنطقة. ففتشته، فوجدتها معه في وسطه، فلذلك قال إخوة يوسف، لما حبس يوسف أخاه، حيث جعل الصواع في وعاء أخيه، فقال يوسف: ما جزاء من وجد في رحله؟ قالوا: [هو] جزاؤه.- السنة التي تجري فيهم- فلذلك قال إخوة يوسف: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ.

__________________________________________________

28- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 76/ 5.

29- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 76/ 6.

30 تفسير القمّي 1: 355.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 190

5330/ [31]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم «1»: قال: فاجتمعوا إلى يوسف، و جلودهم تقطر دما أصفر، فكانوا يجادلونه في حبسه- و كان ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر و يقطر من رؤوسهم دم أصفر- و هم يقولون: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فأطلق عن هذا. فلما رأى يوسف ذلك، قال: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ و لم

يقل: إلا من سرق متاعنا: إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ و أرادوا الانصراف إلى أبيهم، قال لهم لاوي بن يعقوب: أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ في هذا وَ مِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فارجعوا أنتم إلى أبيكم، فأما أنا، فلا ارجع إليه حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ثم قال لهم: ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَ ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَ ما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها أي أهل القرية و أهل العير وَ إِنَّا لَصادِقُونَ.

قال: فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم و تخلف يهودا، فدخل على يوسف، فكلمه حتى ارتفع الكلام بينه و بين يوسف و غضب، و كانت على كتف يهودا شعرة، فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدم، و كان لا يسكن حتى يمسه بعض أولاد يعقوب- قال- و كان بين يدي يوسف ابن له، في يده رمانة من ذهب يلعب بها، فلما رأى يوسف أن يهودا قد غضب و قامت الشعرة تقذف بالدم، أخذ الرمانة من الصبي، ثم دحرجها نحو يهودا و تبعها الصبي ليأخذها، فوقعت يده علي يهودا، فذهب غضبه. قال: فارتاب يهودا، و رجع الصبي بالرمانة إلى يوسف، ثم ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا، و قامت الشعرة تقذف بالدم، فلما رأى ذلك يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا فتبعها الصبي ليأخذها، فوقعت يده على يهودا، فسكن غضبه، و قال: إن في البيت لمن ولد يعقوب. حتى صنع ذلك ثلاث مرات.

5331/ [32]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي

عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

قال: «كان يوسف يوسع المجلس، و يستقرض للمحتاج، و يعين الضعيف».

سورة يوسف(12): الآيات 83 الي 101 ..... ص : 190

قوله تعالى:

قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ- إلى قوله تعالى- وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [83- 101]

5332/ [1]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم «2»: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم، و أخبروه بخبر أخيهم،

__________________________________________________

31- تفسير القمّي 1: 349.

32- الكافي 2: 465/ 3.

1- تفسير القمّي 1: 350.

(1) المتقدّمة في الحديث (27) من تفسير هذه الآيات.

(2) المتقدّمة في الحديث (31) من تفسير الآيات (58- 82) من هذه السورة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 191

قال يعقوب: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ثم تَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ يعني عميتا من البكاء فَهُوَ كَظِيمٌ أي محزون، و الأسف أشد الحزن.

و سئل أبو عبد الله (عليه السلام): ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال: «حزن سبعين ثكلى بأولادها- و قال- إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع، و من هنا قال: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ فقالوا له: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ أي لا تفتؤ عن ذكر يوسف حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أي ميتا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ».

5333/]- الحسين بن سعيد، في كتاب (التمحيص): عن جابر، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما الصبر الجميل؟

قال: «ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى أحد من الناس، إن إبراهيم بعث يعقوب «1» إلى راهب من الرهبان عابد من العباد في حاجة، فلما رآه الراهب

حسبه إبراهيم، فوثب إليه فاعتنقه ثم قال له: مرحبا بخليل الرحمن.

فقال له يعقوب: إني لست بخليل الرحمن، و لكن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. قال له الراهب: فما الذي بلغ بك ما أرى من الكبر؟ قال: الهم و الحزن و السقم- قال- فما جاز عتبة الباب حتى أوحى الله إليه: يا يعقوب، شكوتني إلى العباد. فخر ساجدا عند عتبة الباب، يقول: رب لا أعود. فأوحى الله إليه: إني قد غفرت لك، فلا تعد إلى مثلها.

فما شكا شيئا مما أصابه من نوائب الدنيا، إلا أنه قال يوما:نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ».

5334/ [3]- ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن الحسن الواسطي، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قدم أعرابي على يوسف (عليه السلام) ليشتري منه طعاما، فباعه، فلما فرغ قال له يوسف (عليه السلام): أين منزلك؟ قال له: بموضع كذا و كذا. فقال له: فإذا مررت بوادي كذا و كذا، فقف و ناد:

يا يعقوب، يا يعقوب، فإنه سيخرج لك رجل عظيم جميل «2» و سيم، فقل له: لقيت رجلا بمصر و هو يقرئك السلام، و يقول لك: إن وديعتك عند الله عز و جل لن تضيع».

قال: «فمضى الأعرابي حتى انتهى إلى الموضع، فقال لغلمانه: احفظوا علي الإبل. ثم نادى: يا يعقوب، يا

__________________________________________________

2- التمحيص: 63/ 143.

3- كمال الدين و تمام النعمة: 141/ 9. [.....]

(1) قال المجلسي: بعث إبراهيم يعقوب (عليهما السلام) بعد كبر يعقوب، غريب، و لعلّه

كان بعد فوت إبراهيم، و كان البعث على سبيل الوصيّه، و في بعض النسخ: «إن اللّه بعث» و هو الصواب. بحار الأنوار 12: 311.

(2) في المصدر زيادة: جسيم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 192

يعقوب. فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتقى الحائط بيده حتى أقبل، فقال له الرجل: أنت يعقوب؟

قال: نعم، فأبلغه ما قال يوسف، فسقط مغشيا عليه، ثم أفاق، و قال للأعرابي: يا أعرابي، أ لك حاجة إلى الله عز و جل؟ فقال له: نعم، إني رجل كثير المال، و لي ابنة عم ليس يولد لي منها، و أحب ان تدعو الله أن يرزقني ولدا.- قال- فتوضأ يعقوب، و صلى ركعتين، ثم دعا الله عز و جل، فرزق أربعة بطون- أو قال: ستة أبطن- في كل بطن اثنان.

فكان يعقوب (عليه السلام) يعلم أن يوسف (عليه السلام) حي لم يمت، و أن الله تعالى ذكره سيظهره له بعد غيبته، و كان يقول لبنيه: إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ و كان بنوه و أهله و أقرباؤه يفندونه على ذكره ليوسف، حتى إنه لما وجد ريح يوسف، قال: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ و هو يهودا ابنه، فألقى قميص يوسف عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ».

5335/ [4]- محمد بن يعقوب: بإسناده، عن الحسن بن محبوب، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن قول يعقوب (عليه السلام) لبنيه: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ أ كان يعلم أنه حي، و قد فارقه منذ عشرين سنة؟

قال: «نعم».

قال: قلت: كيف علم؟ قال: «إنه دعا في السحر، و سأل الله عز و جل أن يهبط عليه ملك الموت، فهبط عليه تربال «1» و هو ملك الموت، فقال له تربال: ما حاجتك، يا يعقوب؟ قال: أخبرني عن الأرواح، تقبضها مجتمعة أو متفرقة؟ قال: بل أقبضها متفرقة روحا روحا. قال له: فأخبرني هل مر بك «2» روح يوسف فيما مر بك؟ قال: لا. فعلم يعقوب أنه حي، فعند ذلك قال لولده: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ».

ابن بابويه: قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدثنا محمد بن نصير، عن أحمد بن محمد، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبيه، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عن يعقوب حين قال لولده: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ و ساق الحديث بنحو ما تقدم «3».

5336/ [5]- علي بن إبراهيم: قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن يعقوب حين قال لولده: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ، أ كان علم أنه حي، و قد فارقه منذ عشرين سنة، و ذهبت عيناه من البكاء عليه؟

__________________________________________________

4- الكافي 8: 199/ 238.

5- تفسير القمّي 1: 350.

(1) في «س» في الموضعين: قربال، و المصدر في الموضعين: بريال.

(2) في «ط»: قال: فمرّ بك روح يوسف.

(3) علل الشرائع: 52/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 193

قال: «نعم، علم أنه حي، إنه دعا ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت، فهبط عليه ملك الموت في

أطيب رائحة و أحسن صورة، فقال له: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، أليس سألت الله أن ينزلني عليك؟ قال: نعم.

قال: ما حاجتك، يا يعقوب؟

قال له: أخبرني عن الأرواح، تقبضها جملة أو تفاريقا؟ قال: يقبضها أعواني متفرقة ثم تعرض علي مجتمعة.

قال يعقوب: فأسألك بإله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف؟ فقال: لا. فعند ذلك علم أنه حي، فقال لولده: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ».

و كتب عزيز مصر إلى يعقوب: أما بعد فهذا ابنك قد اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة- و هو يوسف- و اتخذته عبدا، و هذا ابنك بنيامين أخذته- و قد سرق «1»- و اتخذته عبدا. فما ورد على يعقوب شي ء كان أشد عليه من ذلك الكتاب. فقال للرسول: «مكانك حتى أجيبه» فكتب إليه يعقوب (عليه السلام):

بسم الله الرحمن الرحيم: من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله. أما بعد. فقد فهمت كتابك تذكر فيه: أنك اشتريت ابني و اتخذته عبدا، فإن البلاء موكل ببني آدم، إن جدي إبراهيم ألقاه نمرود ملك الدنيا في النار، فلم يحترق، و جعلها الله عليه بردا و سلاما، و إن أبي إسحاق «2» أمر الله تعالى جدي أن يذبحه بيده، فلما أراد أن يذبحه، فداه الله بكبش عظيم.

و إنه كان لي ولد لم يكن في الدنيا أحد أحب إلي منه. و كان قرة عيني و ثمرة فؤادي، فأخرجه إخوته ثم رجعوا إلي، و زعموا أن الذئب أكله، فاحدودب لذلك ظهري، و ذهب من كثرة البكاء عليه بصري. و كان له أخ من امه كنت

آنس به، فخرج مع إخوته إلى ما قبلك «3» ليمتاروا لنا طعاما، فرجعوا و ذكروا أنه سرق صواع الملك، و أنك حبسته، و إنا أهل بيت لا يليق بنا السرق و لا الفاحشة، و أنا أسألك بإله إبراهيم و إسحاق و يعقوب إلا ما مننت علي به و تقربت إلى الله، و رددته إلي».

فلما ورد الكتاب على يوسف، أخذه و وضعه على وجهه، و قبله و بكى بكاء شديدا، ثم نظر إلى إخوته فقال لهم: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ فقالوا له كما حكى الله عز و جل: لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ أي لا تخليط يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».

5337/ [6]- العياشي: عن جابر، قال، قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رحمك الله، ما الصبر الجميل؟

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 188/ 57.

(1) في المصدر: بنيامين، و قد وجدت متاعي عنده.

(2) الذي عليه أغلب الروايات أنّ الذبيح هو إسماعيل (عليه السّلام)، راجع مجمع البيان 8: 707، تفسير الميزان 17: 155.

(3) في المصدر: إلى ملكك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 194

فقال: «ذاك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس، إن إبراهيم بعث يعقوب إلى راهب من الرهبان، عابد من العباد في حاجة، فلما رآه الراهب حسبه إبراهيم، فوثب إليه فاعتنقه، ثم قال: مرحبا بخليل الرحمن، قال يعقوب:

إني لست بإبراهيم، و لكني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فقال له الراهب: فما بلغ بك ما أرى من الكبر؟ قال: اللهم

و الحزن و السقم. فما جاوز عتبة الباب حتى أوحى الله إليه: أن يا يعقوب شكوتني إلى العباد! فخر ساجدا عند عتبة الباب يقول: رب لا أعود. فأوحى الله إليه: أني قد غفرتها لك، فلا تعودن إلى مثلها، فما شكا شيئا مما أصابه من نوائب الدنيا، إلا أنه قال يومانَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ».

5338/ [7]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال له بعض أصحابنا: ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال: «حزن سبعين ثكلى حرى».

5339/ [8]- و بهذا الإسناد عنه، قال: قيل له: كيف يحزن يعقوب على يوسف و قد أخبره جبرئيل أنه لم يمت و أنه سيرجع إليه؟ فقال: «إنه نسي ذلك».

5340/ [9]- محمد بن سهل البحراني، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «البكاءون خمسة:

آدم، و يعقوب، و يوسف، و فاطمة بنت محمد، و علي بن الحسين (عليهم السلام)، و أما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، و حتى قيل له: تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ».

5341/ [10]- عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن يعقوب أتى ملكا بناحيتهم يسأله الحاجة، فقال له الملك: أنت إبراهيم؟ قال: لا. قال: و أنت إسحاق بن إبراهيم؟ قال: لا. قال: فمن أنت؟ قال: أنا يعقوب بن إسحاق. قال: فما بلغ بك ما أرى مع حداثة السن؟ قال: الحزن على ابني يوسف. قال: لقد بلغ بك الحزن- يا يعقوب- كل مبلغ! فقال: إنا معاشر الأنبياء أسرع شي ء البلاء إلينا، ثم الأمثل فالأمثل من الناس. فقضى حاجته، فلما جاوز

صغير بابه «1» هبط عليه جبرئيل، فقال له: يا يعقوب، ربك يقرئك السلام، و يقول لك: شكوتني إلى الناس! فعفر و وجهه في التراب، و قال: يا رب زلة أقلنيها فلا أعود بعد هذا أبدا. ثم عاد إليه جبرئيل، فقال: يا يعقوب، ارفع رأسك، إن ربك يقرئك السلام، و يقول لك: قد أقلتك، فلا تعد تشكوني إلى خلقي. فما رؤي ناطقا بكلمة مما كان فيه، حتى أتاه بنوه، فصرف وجهه إلى الحائط، و قال نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ

و

في حديث آخر عنه: جاء يعقوب إلى نمرود في حاجة، فلما دخل عليه- و كان أشبه الناس بإبراهيم- قال

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 188/ 58.

8- تفسير العيّاشي 2: 188/ 59.

9- تفسير العيّاشي 2: 188/ 60. [.....]

10- تفسير العيّاشي 2: 189/ 61.

(1) أي بابه الصّغير، بإضافة الصفة إلى الموصوف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 195

له: أنت إبراهيم خليل الرحمن؟ قال لا، الحديث «1».

5342/ [11]- الفضيل بن يسار. قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنما أشكو بثي و حزني إلى الله منصوبة».

5343/ [12]- عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عن يعقوب حين قال:

اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ أ كان علم أنه حي، و قد فارقه منذ عشرين سنة، و ذهبت عيناه من الحزن؟ قال: «نعم، علم أنه حي».

قال: و كيف علم؟ قال: «إنه دعا في السحر أن يهبط عليه ملك الموت، فهبط عليه، تربال «2»، و هو ملك الموت، فقال له تربال: ما حاجتك، يا يعقوب؟ قال: أخبرني عن الأرواح، تقبضها مجتمعة أو متفرقة؟ قال: بل متفرقة، روحا روحا. قال: فمر بك

روح يوسف؟ قال: لا. قال: فعند ذلك علم أنه حي، فقال لولده: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ».

و في خبر أخر: «عزرائيل و هو ملك الموت» و ذكر نحوه عنه.

5344/ [13]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)- عاد إلى الحديث الأول «3»- قال: «و اشتد حزنه- يعني يعقوب- حتى تقوس ظهره، و أدبرت الدنيا عن يعقوب و ولده، حتى احتاجوا حاجة شديدة و فنيت ميرتهم، فعند ذلك، قال يعقوب لولده: اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ فخرج منهم نفر و بعث معهم ببضاعة يسيرة، و كتب معهم كتابا إلى عزيز مصر يتعطفه على نفسه و ولده، و أوصى ولده أن يبدءوا بدفع كتابه قبل البضاعة، فكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم: إلى عزيز مصر، و مظهر العدل و موفي الكيل، من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، صاحب نمرود الذي جمع لإبراهيم الحطب و النار ليحرقه بها، فجعلها الله عليه بردا و سلاما و أنجاه منها: أخبرك- أيها العزيز- إنا أهل بيت قديم، لم يزل البلاء إلينا سريعا من الله، ليبلونا بذلك عند السراء و الضراء، و أن مصائب تتابعت علي منذ عشرين سنة أولها: أنه كان لي ابن سميته يوسف، و كان سروري من بين ولدي، و قرة عيني و ثمرة فؤادي، و أن إخوته من غير امه سألوني أن أبعثه معهم يرتع و يلعب، فبعثته معهم بكرة، و أنهم جاءوني عشاء يبكون، و جاءوني على قميصه بدم كذب، فزعموا أن الذئب أكله فاشتد لفقده حزني، و كثر على

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 189/ 63.

12- تفسير العيّاشي 2: 189/

64.

13- تفسير العيّاشي 2: 190/ 65.

(1) تفسير العيّاشي 2: 189/ 62.

(2) في «س» في موضعين: قربال.

(3) الحديث (4) من تفسير الآيات (58- 82) من هذه السورة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 196

فراقه بكائي، حتى ابيضت عيناي من الحزن. و أنه كان له أخ من خالته «1»، و كنت به معجبا و عليه رفيقا، و كان لي أنيسا، و كنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري، فيسكن بعض ما أجد في صدري، و أن إخوته ذكروا لي أنك- أيها العزيز- سألتهم عنه و أمرتهم أن يأتوك به، و إن لم يأتوك به منعتهم الميرة لنا من القمح من مصر، فبعثته معهم ليمتاروا لنا قمحا، فرجعوا إلي فليس هو معهم، و ذكروا أنه سرق مكيال الملك، و نحن أهل بيت لا نسرق، و قد حبسته و فجعتني به، و قد اشتد لفراقه حزني حتى تقوس لذلك ظهري و عظمت به مصيبتي، مع مصائب متتابعات علي. فمن علي بتخلية سبيله و إطلاقه من حبسك، و طيب لنا القمح، و اسمح لنا في السعر، و عجل بسراح آل يعقوب.

فلما مضى ولد يعقوب من عنده نحو مصر بكتابه، نزل جبرئيل على يعقوب فقال له: يا يعقوب، إن ربك يقول لك: من ابتلاك بمصائبك التي كتبت بها إلى عزيز مصر؟ قال يعقوب: أنت بلوتني بها عقوبة منك و أدبا لي، قال الله: فهل كان يقدر على صرفها عنك أحد غيري؟ قال يعقوب: اللهم لا. قال: أ فما استحييت مني حين شكوت مصائبك إلى غيري، و لم تستغث بي و تشكو ما بك إلي؟ فقال يعقوب: أستغفرك يا إلهي و أتوب إليك. و أشكو بثي و حزني إليك.

فقال الله تبارك و تعالى:

قد بلغت بك- يا يعقوب- و بولدك الخاطئين الغاية في أدبي، و لو كنت- يا يعقوب- شكوت مصائبك إلي عند نزولها بك، و استغفرت و تبت إلي من ذنبك، لصرفتها عنك بعد تقديري إياها عليك، و لكن الشيطان أنساك ذكري، فصرت إلى القنوط من رحمتي و أن الله الجواد الكريم، أحب عبادي المستغفرين التائبين الراغبين إلي فيما عندي. يا يعقوب، أنا راد إليك يوسف و أخاه، و معيد إليك ما ذهب من مالك و لحمك و دمك، و راد إليك بصرك، و مقوم لك ظهرك، و طب نفسا، و قر عينا، و إن الذي فعلته بك كان أدبا مني لك، فاقبل أدبي.

قال: و مضى ولد يعقوب بكتابه نحو مصر، حتى دخلوا على يوسف في دار المملكة، فقالوا: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا بأخينا بنيامين، و هذا كتاب أبينا يعقوب إليك في أمره. يسألك تخلية سبيله، و أن تمن به عليه،- قال- فأخذ يوسف كتاب يعقوب، فقبله، و وضعه على عينيه، و بكى و انتحب حتى بلت دموعه القميص الذي عليه. ثم أقبل عليهم، فقال: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ من قبل وَ أَخِيهِ من بعد؟ قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا، قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا فلا تفضحنا، و لا تعاقبنا اليوم، و اغفر لنا، قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ.

و في رواية أخرى عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) نحوه.

__________________________________________________

(1) هذا الخبر يدلّ على أنّ بنيامين لم يكن من أمّ يوسف بل من خالته، و يأتي في الحديث

(51) ما يؤيّد أنّه من خالته أيضا. و في بعض كتب التاريخ أنّهما من أمّ واحدة و هي راحيل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 197

5345/ [14]- عن عمرو بن عثمان، عن بعض أصحابنا، قال: لما قال إخوة يوسف: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ قال يوسف: لا صبر على ضر آل يعقوب، فقال عند ذلك: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إلى آخر الآية.

5346/ [15]- عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن قوله: وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: «المقل».

و في هذه الرواية: (و جئنا ببضاعة مزجئة) «1» قال: «كانت المقل، و كانت بلادهم بلاد المقل، و هي البضاعة».

5347/ [16]- عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، رفعه، قال: «كتب يعقوب النبي إلى يوسف: من يعقوب ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، إلى عزيز مصر. أما بعد، فإنا أهل بيت لم يزل البلاء سريعا إلينا، ابتلي جدي إبراهيم، فألقي في النار، ثم ابتلي أبي إسحاق بالذبح، فكان لي ابن و كان قرة عيني، و كنت أسر به، فابتليت بأن أكله الذئب، فذهب بصري حزنا عليه من البكاء، و كان له أخ، و كنت أسر به بعده، فأخذته في سرق، و إنا أهل بيت لم نسرق قط، و لا يعرف لنا سرق، فإن رأيت أن تمن علي به فعلت».

قال: «فلما أوتي يوسف بالكتاب، فتحه و قرأه فصاح، ثم قام و دخل منزله فقرأه و بكى، ثم غسل وجهه ثم خرج إلى إخوته، ثم عاد فقرأه فصاح و بكى، ثم قام فدخل منزله، فقرأه و بكى، ثم غسل وجهه و عاد إلى إخوته، فقال لهم: هَلْ عَلِمْتُمْ ما

فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ و أعطاهم قميصه، و هو قميص إبراهيم، و كان يعقوب بالرملة، فلما فصلوا بالقميص من مصر، قال يعقوب: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ».

5348/ [17]- عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس رجل من ولد فاطمة يموت و لا يخرج من الدنيا، حتى يقر للإمام بإمامته، كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا».

5349/ [18]- عن أخي مرازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ.

قال: «وجد يعقوب ريح قميص إبراهيم، حين فصلت العير من مصر و هو بفلسطين».

5350/ [19]- عن مفضل الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «أ تدري ما كان قميص

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 2: 192/ 66.

15- تفسير العيّاشي 2: 192/ 67.

16- تفسير العيّاشي 2: 192/ 68.

17- تفسير العيّاشي 2: 193/ 69.

18- تفسير العيّاشي 2: 193/ 70. [.....]

19- تفسير العيّاشي 2: 193/ 71.

(1) قال المجلسي (رحمه اللّه): و في رواية اخرى لعله (عليه السّلام) قرأ (مزجّاة» بتشديد الجيم، أو «مزجيّة» بكسر الجيم و تشديد الياء، و لم ينقل في القراءة الشاذّة غير القراءة المشهورة. البحار 12: 315.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 198

يوسف؟» قال: قلت: لا. قال: «إن إبراهيم لما أوقدوا النار له، أتاه جبرئيل من ثياب الجنة فألبسه إياه، فلم يضره معه حر و لا برد، فلما حضر إبراهيم الموت، جعله في تميمة، و علقه على إسحاق، و علقه إسحاق على يعقوب، فلما ولد ليعقوب يوسف. علقه عليه، و كان في عضده حتى كان من أمره ما كان، فلما أخرج يوسف

القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه، و هو قوله: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ فهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة».

قلت: جعلت فداك، فإلى من صار ذلك القميص؟ فقال: «إلى أهله- ثم قال- كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد (صلى الله عليه و آله)».

5351/2]- عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، رفعه بإسناد له، قال: «إن يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسيرة عشر ليال، و كان يعقوب ببيت المقدس و يوسف بمصر، و هو القميص الذي نزل على إبراهيم من الجنة، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق، و إسحاق إلى يعقوب، و دفعه يعقوب إلى يوسف (عليهم السلام)».

5352/ [21]- عن نشيط بن صالح العجلي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أ كان إخوة يوسف (صلوات الله عليه) أنبياء؟

قال: «لا، و لا بررة أتقياء، و كيف و هم يقولون لأبيهم: تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ».

5353/ [22]- عن سليمان بن عبد الله الطلحي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما حال بني يعقوب، هل خرجوا من الإيمان؟ فقال: «نعم».

قلت له: فما تقول في آدم؟ قال: «دع آدم».

5354/ [23]- عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن بني يعقوب بعد ما صنعوا بيوسف أذنبوا، فكانوا أنبياء؟! «1»».

5355/ [24]- عن نشيط، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته، أ كان ولد يعقوب أنبياء؟

قال: «لا، و لا بررة أتقياء، كيف يكونون كذلك و هم يقولون ليعقوب: تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ».

5356/ [25]- عن مقرن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كتب عزيز مصر إلى يعقوب: أما بعد فهذا ابنك يوسف اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة و

اتخذته عبدا، و هذا ابنك بنيامين أخذته، قد سرق و اتخذته عبدا-

__________________________________________________

20- تفسير العيّاشي 2: 194/ 73.

21- تفسير العيّاشي 2: 194/ 74.

22- تفسير العيّاشي 2: 194/ 75.

23- تفسير العيّاشي 2: 194/ 76.

24- تفسير العيّاشي 2: 195/ 77.

25- تفسير العيّاشي 2: 195/ 78.

(1) قال المجلسي (رحمه اللّه): استفهام على الإنكار، البحار 12: 316.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 199

قال- فما ورد على يعقوب شي ء أشد عليه من ذلك الكتاب، فقال للرسول: مكانك حتى أجيبه، فكتب إليه يعقوب:

أما بعد، فقد فهمت كتابك بأنك أخذت ابني بثمن بخس و اتخذته عبدا، و أنك اتخذت ابني بنيامين و قد سرق فاتخذته عبدا، فإنا أهل بيت لا نسرق، و لكنا أهل بيت نبتلى، و قد ابتلي أبونا إبراهيم بالنار، فوقاه الله، و ابتلي أبونا إسحاق بالذبح، فوقاه الله، و اني قد ابتليت بذهاب بصري، و ذهاب ابني، و عسى الله أن يأتيني بهم جميعا».

قال: «فلما ولى الرسول عنه، رفع يده إلى السماء، ثم قال: يا حسن الصحبة، يا كريم «1» المعونة، يا خير كلمة «2»، ائتني بروح و فرج من عندك- قال- فهبط عليه جبرئيل، فقال ليعقوب: ألا أعلمك دعوات يرد الله بها بصرك، و يرد عليك ابنيك؟ فقال: بلى. فقال: قل: يا من لا يعلم أحد كيف هو و حيث هو و قدرته إلا هو، يا من سد الهواء بالسماء، و كبس الأرض على الماء، و اختار لنفسه أحسن الأسماء، ائتني بروح منك و فرج من عندك. فما انفجر عمود الصبح، حتى أتي بالقميص، فطرح على وجهه، فرد الله عليه بصره و رد عليه ولده».

5357/ [26]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)- عاد إلى الحديث الأول الذي

قطعناه «3»: «قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا الذي بلته دموع عيني فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً لو قد شم بريحي وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ و ردهم إلى يعقوب في ذلك اليوم، و جهزهم بجميع ما يحتاجون إليه، فلما فصلت عيرهم من مصر، وجد يعقوب ريح يوسف، فقال لمن بحضرته من ولده:

إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ».

قال: «و أقبل ولده يحثون السير بالقميص، فرحا و سرورا بما رأوا من حال يوسف، و الملك الذي أعطاه الله، و العز الذي صاروا إليه في سلطان يوسف، و كان مسيرهم من مصر إلى بلد يعقوب تسعة أيام، فلما أن جاء البشير، ألقى القميص على وجهه فارتد بصيرا، و قال لهم: ما فعل بنيامين؟ قالوا: خلفناه عند أخيه صالحا.- قال- فحمد الله يعقوب عند ذلك، و سجد لربه سجدة الشكر، و رجع إليه بصره، و تقوم له ظهره، و قال لولده: تحملوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم. فساروا إلى يوسف و معهم يعقوب و خالة يوسف (ياميل) فأحثوا السير فرحا و سرورا، فساروا تسعة أيام إلى مصر».

5358/ [27]- الشيخ، في (أماليه): قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني محمد بن جعفر بن رباح الأشجعي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: أخبرنا أرطاة بن حبيب، عن زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: «لما أصابت امرأة العزيز الحاجة، قيل لها: لو أتيت يوسف؟ فشاورت في

__________________________________________________

26- تفسير العيّاشي 2: 196/ 79.

27- الأمالي 2: 71.

(1) في البحار 12: 316/ 138 نسخة بدل: يا كثير.

(2) في المصدر: يا خيرا كلّه.

(3) الحديث (13) من تفسير هذه الآيات. [.....]

البرهان

في تفسير القرآن، ج 3، ص: 200

ذلك، فقيل لها: إنا نخافه عليك، قالت: كلا، إني لا أخاف من يخاف الله. فلما دخلت عليه فرأته في ملكه، قالت:

الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته، و جعل الملوك عبيدا بمعصيته، فتزوجها فوجدها بكرا، فقال لها: أليس هذا أحسن، أليس هذا أجمل؟ فقالت: إني كنت بليت منك بأربع خلال، كنت أجمل أهل زماني، و كنت أجمل أهل زمانك، و كنت بكرا، و كان زوجي عنينا.

فلما كان من أمر إخوة يوسف ما كان، كتب يعقوب إلى يوسف (عليهما السلام) و هو لا يعلم أنه يوسف:

بسم الله الرحمن الرحيم، من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله عز و جل إلى عزيز آل فرعون: سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنا أهل بيت مولعة بنا أسباب البلاء، كان جدي إبراهيم (عليه السلام) القي في النار في طاعة ربه، فجعلها الله عز و جل عليه بردا و سلاما، و أمر الله جدي أن يذبح أبي، ففداه بما فداه به، و كان لي ابن و كان من أعز الناس علي، ففقدته، فأذهب حزني عليه نور بصري، و كان له أخ من امه، فكنت إذا ذكرت المفقود ضممت أخاه هذا إلى صدري، فيذهب عني بعض وجدي، و هو المحبوس عندك في السرقة، فإني أشهدك أني لم أسرق و لم ألد سارقا. فلما قرأ يوسف الكتاب، بكى و صاح، و قال: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ».

5359/ [28]- و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال:

حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع السكوني،

قال: حدثنا مخلد بن الحسين، بالمصيصة «1»، عن موسى بن سعيد «2» الرقاشي، قال: لما قدم يعقوب على يوسف (عليهما السلام)، خرج يوسف (عليه السلام) فاستقبله في موكبه، فمر بامرأة العزيز و هي تعبد في غرفة لها، فلما رأته عرفته، فنادته بصوت حزين: أيها الذاهب «3»، طالما أحزنتني، ما أحسن التقوى، كيف حررت العبيد! و ما أقبح الخطيئة، كيف عبدت الأحرار!

5360/ [29]- ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني- مولى بني هاشم- قال: أخبرنا المنذر بن محمد، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الخزاز، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: قلت لجعفر بن محمد (عليهما السلام): أخبرني عن يعقوب (عليه السلام)، لما قال له بنوه: يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي فأخر الاستغفار لهم، و يوسف (عليه السلام) لما قالوا له: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؟

قال: «لأن قلب الشاب أرق من قلب الشيخ، و كانت جناية ولد يعقوب على يوسف، و جنايتهم على يعقوب

__________________________________________________

28- الأمالي 2: 72.

29- علل الشرائع: 54/ 1.

(1) و هي بلدة كبيرة على ساحل بحر الشام. أنساب السمعاني 5: 315، تهذيب التهذيب 10: 72.

(2) لعلّه تصحيف موسى بن عقبة، انظر تهذيب التهذيب 10: 72.

(3) في المصدر: الراكب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 201

إنما كانت بجنايتهم على يوسف، فبادر يوسف إلى العفو عن حقه، و أخر يعقوب العفو لأن عفوه إنما كان عن حق غيره، فأخرهم إلى السحر ليلة الجمعة».

5361/ [30]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم

«1»: قال: «فلما ولى الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب، رفع يعقوب يديه إلى السماء فقال: يا حسن الصحبة، يا كريم المعونة، يا خير كلمة «2»، ائتني بروح منك و فرج من عندك. فهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا يعقوب، ألا أعلمك دعوات يرد الله عليك بصرك و ابنيك؟ قال: نعم.

قال: قل: يا من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، يا من سد «3» السماء بالهواء، و كبس الأرض على الماء، و اختار لنفسه أحسن الأسماء، ائتني بروح منك و فرج من عندك. قال: فما انفجر عمود الصبح، حتى أتي بالقميص فطرح عليه، و رد الله عليه بصره و ولده».

قال: «و لما أمر الملك بحبس يوسف في السجن، ألهمه الله تأويل الرؤيا. فكان يعبر لأهل السجن، فلما سأله الفتيان الرؤيا: و عبر لهما، و قال للذي ظن أنه ناج منهما: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ «4». و لم يفزع في تلك الحالة إلى الله، فأوحى الله إليه: من أراك الرؤيا التي رأيتها؟ قال يوسف: أنت يا رب. قال: فمن حببك إلى أبيك؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن وجه إليك السيارة التي رأيتها؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن أنطق لسان الصبي بعذرك؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن ألهمك تأويل الرؤيا؟ قال: أنت يا رب. قال: فكيف استعنت بغيري و لم تستعن بي، و أملت عبدا من عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي و في قبضتي، و لم تفزع إلي؟ فالبث في السجن بضع سنين.

فقال يوسف: أسألك بحق آبائي عليك إلا فرجت عني. فأوحى الله إليه: يا يوسف

و أي حق لآبائك علي، إن كان أبوك آدم، خلقته بيدي، و نفخت فيه من روحي، و أسكنته جنتي، و أمرته أن لا يقرب شجرة منها، فعصاني و سألني فتبت عليه و إن كان أبوك نوح، انتجبته من بين خلقي، و جعلته رسولا إليهم، فلما عصوا دعاني فاستجبت له فأغرقتهم و أنجيته و من معه في الفلك، و إن كان أبوك إبراهيم، اتخذته خليلا، و أنجيته من النار، و جعلتها عليه بردا و سلاما، و إن كان أبوك يعقوب، و هبت له اثني عشر ولدا، فغيبت عنه واحدا، فما زال يبكي حتى ذهب بصره، و قعد على الطريق يشكوني إلى خلقي، فأي حق لآبائك علي؟

قال «فقال له: جبرئيل يا يوسف، قل: أسألك بمنك العظيم، و إحسانك «5» القديم، و لطفك العميم، يا رحمن يا رحيم. فقالها، فرأى الملك الرؤيا فكان فرجه فيها».

__________________________________________________

30- تفسير القمّي 1: 352.

(1) الحديث (5) من تفسير هذه الآيات.

(2) في المصدر: يا خيرا كله.

(3) في المصدر: شيّد.

(4) يوسف 12: 42.

(5) في المصدر: و سلطانك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 202

5362/ [31]- قال علي بن إبراهيم: و حدثني أبي عن العباس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «قال السجان ليوسف: إني لأحبك، فقال يوسف: ما أصابني بلاء إلا من الحب، إن كانت عمتي أحبتني، سرقتني.

و إن كان أبي أحبني، حسدني إخوتي، و إن كانت امرأة العزيز أحبتني، حبستني».

ثم قال: «و شكا يوسف في السجن إلى الله تعالى، فقال: رب بماذا استحققت السجن؟ فأوحى الله إليه أنت اخترته حين قلت: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ «1» هلا قلت: العافية أحب إلي مما يدعونني إليه؟».

5363/ [32]- قال علي بن إبراهيم:

و حدثني أبي عن الحسن بن محبوب، عن الحسن بن عمارة، عن أبي سيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما طرح إخوة يوسف يوسف في الجب، دخل عليه جبرئيل و هو في الجب، فقال: يا غلام، من طرحك في هذا الجب؟ فقال له يوسف: إخوتي، لمنزلتي من أبي حسدوني، و لذلك في الجب طرحوني، قال: فتحب أن تخرج منها؟ فقال له يوسف: ذلك إلى إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، قال: فإن إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب يقول لك، قل: اللهم إني اسألك فإن لك الحمد كله، لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السماوات و الأرض، ذو الجلال و الإكرام، صل على محمد و آل محمد، و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا، و ارزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب. فدعا ربه، فجعل الله له من الجب فرجا، و من كيد المرأة مخرجا، و آتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب».

5364/ [33]- محمد بن يعقوب: عن محمد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن بشر بن جعفر، عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «أ تدري ما كان قميص يوسف (عليه السلام)؟» قال: قلت: لا. قال: «إن إبراهيم (عليه السلام) لما أوقدت له النار، أتاه جبرئيل (عليه السلام) بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه، فلم يضره معه حر و لا برد، فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة «2» و علقه على إسحاق، و علقة إسحاق على يعقوب، فلما ولد يوسف (عليه السلام)، علقه عليه فكان في عضده حتى كان من أمره ما كان، فلما

أخرجه يوسف بمصر من التميمة، وجد يعقوب ريحه، و هو قوله: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنة».

قلت: جعلت فداك، فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: «إلى أهله- ثم قال- كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد (صلى الله عليه و آله)» «3».

__________________________________________________

31- تفسير القمّي 1: 354.

32- تفسير القمّي 1: 354.

33- الكافي 1: 181/ 5. [.....]

(1) يوسف 12: 33.

(2) التّميمة: عوذة تعلّق على صغار الإنسان مخافة العين. و مراده هنا الخرقة التي توضع فيها التميمة.

(3) في المصدر: آل محمّد (صلى اللّه عليه و آله).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 203

و روى محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) هذا الحديث، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن بشر بن جعفر، عن مفضل الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله».

و رواه أيضا ابن بابويه: في (العلل) هكذا: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن محمد بن نصير، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن إسماعيل السراج، عن بشر بن جعفر، عن مفضل الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «أ تدري ما كان قميص يوسف؟» و ذكر مثله «2».

5365/ [34]- ابن بابويه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن محمد بن نصير، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار،

عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان القميص الذي أنزل به على إبراهيم من الجنة في قصبة من فضة، و كان إذا لبس كان واسعا كبيرا، فلما فصلوا بالقميص، و يعقوب بالرملة و يوسف بمصر، قال يعقوب: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ عنى ريح الجنة حين فصلوا بالقميص لأنه كان من الجنة».

5366/ [35]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن حفص أخي مرازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ.

قال: «وجد يعقوب ريح قميص إبراهيم حين فصلت العير من مصر و هو بفلسطين».

5367/ [36]- علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن علي بن مهزيار، عن إسماعيل السراج، عن يونس بن يعقوب، عن المفضل الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال: «أخبرني ما كان قميص يوسف؟» قلت: لا أدري.

قال: «إن إبراهيم لما أوقدت له النار، أتاه جبرئيل بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه، فلم يصبه معه حر و لا برد، فلما حضر إبراهيم الموت، جعله في تميمة و علقه على إسحاق، و علقه إسحاق على يعقوب، فلما ولد ليعقوب يوسف، علقه عليه فكان في عنقه، حتى كان من أمره ما كان، فلما أخرج يوسف القميص من التميمة، وجد يعقوب ريحه، و هو قوله: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ و هو ذلك القميص الذي انزل من الجنة».

قلت له: جعلت فداك، فإلى من صار ذلك القميص؟ فقال: «إلى

أهله- ثم قال- كل نبي ورث علما أو غيره

__________________________________________________

34- علل الشرائع: 53/ 1.

35- علل الشرائع: 53/ 3.

36- تفسير القمّي 1: 354.

(1) بصائر الدرجات: 209/ 58.

(2) علل الشرائع: 53/ 2.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 204

فقد انتهى إلى محمد (عليه السلام)- و كان يعقوب بفلسطين و فصلت العير من مصر فوجد يعقوب ريحه، و هو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة- و نحن ورثته (صلى الله عليه و آله)».

5368/ [37]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيوب، عن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن في صاحب هذا الأمر شبها من يوسف (عليه السلام)». قال: قلت له: كأنك تذكر حياته أو غيبته؟

قال: فقال لي: «و ما تنكر من ذلك هذه الأمة أشباه الخنازير؟ إن إخوة يوسف (عليه السلام) كانوا أسباطا أولاد الأنبياء، تاجروا يوسف و بايعوه و خاطبوه و هم إخوته و هو أخوهم، فلم يعرفوه حتى قال: أنا يوسف، و هذا أخي، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله عز و جل بحجته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف (عليه السلام)»؟

إن يوسف (عليه السلام) كان إليه ملك بمصر، و كان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد أن يعلمه لقدر على ذلك، لقد سار يعقوب (عليه السلام) و ولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يفعل الله عز و جل بحجته كما فعل بيوسف؟ أن يمشي في أسواقهم، و يطأ بسطهم، حتى يأذن الله في ذلك له، كما أذن ليوسف، قالوا: أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ

يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ؟».

5369/ [38]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): خير وقت دعوتم الله عز و جل فيه الأسحار، و تلا هذه الآية في قول يعقوب (عليه السلام): سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي قال: أخرهم إلى السحر».

5370/ [39]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول يعقوب لبنيه: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي، قال: «أخرهم إلى السحر من ليلة الجمعة».

و قد مر أيضا حديث إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق (عليه السلام) في معنى ذلك «1».

5371/ [40]- الطبرسي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «وجد يعقوب ريح قميص يوسف حين فصلت العير من مصر و هو بفلسطين، من مسيرة عشر ليال».

5372/ [41]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم «2»: «ثم رحل يعقوب و أهله من البادية، بعد ما رجع إليه بنوه بالقميص، فألقوه على وجهه فارتد بصيرا، فقال له: أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ

__________________________________________________

37- الكافي 1: 271/ 4.

38- الكافي 2: 346/ 6.

39- من لا يحضره الفقيه 1: 272/ 1240.

40- مجمع البيان 5: 402.

41- تفسير القمي 1: 355.

(1) تقدم في الحديث (29) من تفسير هذه الآيات. [.....]

(2) المتقدمة في الحديث (36) من تفسير هذه الآيات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 205

قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قال: أخرهم إلى السحر، لأن الدعاء و الاستغفار فيه مستجاب.

فلما وافى يعقوب و

أهله و ولده مصر، قعد يوسف على سريره، و وضع تاج الملك على رأسه، فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة، فلما دخل أبوه لم يقم له، فخروا له كلهم سجدا، فقال يوسف: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».

5373/ [42]- ثم قال علي بن إبراهيم: و حدثني محمد بن عيسى، أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى مسائل، فعرضها على أبي الحسن (عليه السلام)، و كان أحدها: أخبرني عن قول الله عز و جل: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً أسجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء؟

فأجاب أبو الحسن (عليه السلام): «أما سجود يعقوب و ولده ليوسف، فإنه لم يكن ليوسف، و إنما كان ذلك من يعقوب و ولده طاعة لله، و تحية ليوسف، كما كان السجود من الملائكة لادم و لك يكن لادم، و إنما كان ذلك منهم طاعة لله و تحية لادم، فسجد يعقوب و ولده و سجد يوسف معهم شكرا لله تعالى لاجتماع شملهم، ألم تر أنه يقول في شكره ذلك الوقت: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.

فنزل عليه جبرئيل، فقال له: يا يوسف، أخرج يدك، فأخرجها فخرج من بين أصابعه نور، فقال: ما هذا النور، يا جبرئيل؟ فقال: هذه النبوة، أخرجها الله من صلبك لأنك لم تقم

لأبيك. فحط الله نوره، و محا النبوة من صلبه، و جعلها في ولد لاوي أخي يوسف، و ذلك لأنهم لما أرادوا قتل يوسف قال: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ «1» فشكر الله له ذلك، و لما أرادوا ان يرجعوا إلى أبيهم من مصر و قد حبس يوسف أخاه، قال:

فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ «2» فشكر الله له ذلك، فكان أنبياء بني إسرائيل من ولد لاوي، و كان موسى من ولده، و هو موسى بن عمران بن يصهر بن واهث بن لاوي بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم.

فقال يعقوب لابنه: يا بني أخبرني ما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي؟ قال: يا أبت أعفني من ذلك. قال: فأخبرني ببعضه، فقال: يا أبت، إنهم لما أدنوني من الجب قالوا: انزع قميصك. فقلت لهم: يا إخوتي، اتقوا الله و لا تجردوني. فسلوا علي السكين، و قالوا: لئن لم تنزع لنذبحنك. فنزعت القميص، فألقوني في الجب عريانا- قال- فشهق يعقوب شهقة و اغمي عليه، فلما أفاق، قال: يا بني حدثني فقال: يا أبت، أسألك بإله إبراهيم و إسحاق و يعقوب إلى أعفيتني. فأعفاه».

__________________________________________________

42- تفسير القمّي 1: 356.

(1) يوسف 12: 10.

(2) يوسف 12: 80.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 206

5374/ [43]- ابن بابويه: قال أبي (رحمه الله): حدثنا أحمد بن إدريس، و محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن غير واحد، رفعوه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما تلقى يوسف يعقوب، ترجل له يعقوب و لم يترجل له يوسف، فلم ينفصلا من العناق حتى أتاه جبرئيل

(عليه السلام) فقال له: يا يوسف، ترجل لك الصديق و لم تترجل له، ابسط يدك. فبسطها، فخرج نور من راحته، فقال له يوسف: ما هذا؟

قال: هذا أنه «1» لا يخرج من صلبك «2» نبي عقوبة».

5375/ [44]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما أقبل يعقوب (عليه السلام) إلى مصر، خرج يوسف (عليه السلام) ليستقبله، فلما رآه يوسف، هم بأن يترجل ليعقوب، ثم نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل، فلما سلم على يعقوب، نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: يا يوسف، إن الله تبارك و تعالى يقول لك: ما منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح «3»؟ ما أنت فيه؟ ابسط يدك. فبسطها، فخرج من بين أصابعه نور، فقال: ما هذا، يا جبرئيل؟ فقال: هذا أنه «4» لا يخرج من صلبك نبي أبدا، عقوبة لك بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه».

5376/ [45]- نرجع إلى رواية على بن إبراهيم «5» قال: «و لما مات العزيز- و ذلك في السنين المجدبة- افتقرت امراة العزيز و احتاجت حتى سألت الناس، فقالوا لها: ما يضرك لو قعدت للعزيز- و كان يوسف يسمى العزيز- فقالت: أستحي منه، فلم يزالوا بها حتى قعدت له على الطريق فأقبل يوسف في موكبه، فقامت إليه، و قالت:

سبحان من جعل الملوك بالمعصية عبيدا، و جعل العبيد بالطاعة ملوكا.

فقال لها يوسف: أنت هاتيك؟ فقالت: نعم- و كان اسمها زليخا- فقال لها: هل لك في؟ قالت: أنى! بعد ما كبرت،

أ تهزأ بي؟ قال: لا «6». فأمر بها، فحولت إلى منزله، و كانت هرمة، فقال لها يوسف: أ لست فعلت بي كذا و كذا؟

فقالت: يا نبي الله، لا تلمني، فإني بليت ببلية لم يبل بها أحد.

قال: و ما هي؟ قالت: بليت بحبك، و لم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا، و بليت «7» بأنه لم تكن بمصر امرأة

__________________________________________________

43- علل الشرائع: 55/ 1.

44- علل الشرائع: 55/ 2.

45- تفسير القمّي 1: 357.

(1) في المصدر: آية.

(2) في المصدر: عقبك.

(3) زاد في المصدر: إلّا.

(4) في المصدر: آية.

(5) المتقدّمة في الحديث (42) من تفسير هذه الآيات.

(6) في المصدر: قالت: دعني بعد ما كبرت، أ تهزأ بي؟ قال: لا، قالت: نعم.

(7) في المصدر زيادة: بحسني. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 207

أجمل مني، و لا أكثر مالا مني، نزع عني مالي و ذهب عني جمالي، و بليت بزوج عنين.

فقال لها يوسف: و ما حاجتك؟ قالت: تسأل الله أن يرد علي شبابي. فسأل الله، فرد عليها شبابها، فتزوجها و هي بكر». قالوا: إن العزيز الذي كان زوجها أولا كان عنينا.

5377/ [46]- ابن بابويه: أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد الله بن المغيرة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «استأذنت زليخا على يوسف، فقيل لها: إنا نكره أن نقدم، بك عليه لما كان منك إليه، قالت: إني لا أخاف من يخاف الله. فلما دخلت قال: يا زليخا، ما لي أراك قد تغير لونك؟

قالت: سبحان الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا، و جعل العبيد بطاعتهم ملوكا.

قال لها: ما الذي دعاك- يا زليخا- إلى ما كان منك؟ قال: حسن وجهك، يا يوسف.

فقال لها: كيف

لو رأيت نبيا يقال له محمد (صلى الله عليه و آله)، يكون في آخر الزمان، أحسن مني وجها، و أحسن مني خلقا، و أسمح مني كفا؟ قالت: صدقت.

قال: و كيف علمت أني صدقت؟ قالت: لأنك حين ذكرته وقع حبه في قلبي. فأوحى الله عز و جل إلى يوسف: أنها قد صدقت، و أني قد أحببتها لحبها محمدا، فأمره الله تبارك و تعالى أن يتزوجها».

5378/ [47]- العياشي: عن محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله:

سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي.

فقال: «أخرهم إلى السحر ليلة الجمعة «1»، قال: يا رب، إنما ذنبهم فيما بيني و بينهم، فأوحى الله عز و جل:

أني قد غفرت لهم».

5379/ [48]- عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي.

قال: «أخرهم إلى السحر ليلة الجمعة».

5380/ [49]- عن محمد بن سعيد الأزدي، صاحب موسى بن محمد بن الرضا (عليه السلام) عن موسى: أنه قال لأخيه: إن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل» فقال: أخبرني عن قول الله: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً أسجد يعقوب و ولده ليوسف؟

قال: فسألت أخي عن ذلك، فقال: «أما سجود يعقوب و ولده ليوسف، فشكرا لله تعالى لاجتماع شملهم، ألا ترى أنه يقول في شكر ذلك الوقت: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ الآية».

__________________________________________________

46- علل الشرائع: 55/ 1.

47- تفسير العيّاشي 2: 196/ 80.

48- تفسير العيّاشي 2: 196/ 81.

49- تفسير العيّاشي 2: 197/ 82.

(1) (ليلة الجمعة) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 208

5381/ [50]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)- عاد إلى الحديث الأول»

-

قال: «فساروا تسعة أيام إلى مصر، فلما دخلوا على يوسف في دار الملك، اعتنق أباه فقبله و بكى و رفعه و رفع خالته على سرير الملك، ثم دخل منزله، فادهن و اكتحل و لبس ثياب العز و الملك، ثم رجع «2» إليهم. فما رأوه سجدوا جميعا إعظاما و شكرا لله، فعند ذلك قال: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ إلى قوله: بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي- قال- و لم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن و لا يكتحل و لا يتطيب و لا يضحك و لا يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله، و جمع بينه و بين يعقوب و إخوته».

5382/ [51]- عن الحسن بن أسباط، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) في كم دخل يعقوب من ولده على يوسف؟ قال: «في أحد عشر ابنا له»، فقيل له: أسباط؟ قال: «نعم».

و سألته عن يوسف و أخيه، أ كان أخاه لامه، أم ابن خالته؟ قال: «ابن خالته».

5383/ [52]- عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ قال: «العرش: السرير».

و في قوله: وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً قال: «كان سجودهم ذلك عبادة لله».

5384/ [53]- عن محمد بن بهروز، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: «إن يعقوب قال ليوسف حيث التقيا:

أخبرني- يا بني- كيف صنع بك؟ فقال له يوسف: انطلق بي فأقعدت على رأس الجب، فقيل لي: انزع القميص.

فقلت لهم: إني أسألكم بوجه أبي الصديق يعقوب، لا تبدوا عورتي و لا تسلبوني قميصي، قال: فأخرج علي فلان السكين. فغشي على يعقوب، فلما أفاق، قال له يعقوب: حدثني كيف صنع بك؟ فقال له يوسف: «إني

أطالب- يا أبتاه- لما كففت. فكف».

5385/ [54]- عن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر بعد ما جمع الله ليعقوب شمله، و أراه تأويل رؤيا يوسف الصادقة؟ قال: «عاش حولين».

قلت: فمن كان يومئذ الحجة لله في الأرض، يعقوب أم يوسف؟ قال: «كان يعقوب الحجة، و كان الملك ليوسف، فلما مات يعقوب حمل يوسف عظام يعقوب في تابوت إلى أرض الشام، فدفنه في بيت المقدس، ثم كان يوسف بن يعقوب الحجة».

__________________________________________________

50- تفسير العيّاشي 2: 197/ 83.

51- تفسير العيّاشي 2: 197/ 84.

52- تفسير العيّاشي 2: 197/ 85.

53- تفسير العيّاشي 2: 198/ 86.

54- تفسير العيّاشي 2: 198/ 87.

(1) المتقدّم في الحديث (26) من تفسير هذه الآيات.

(2) في «س، ط»: نسخة بدل: خرج.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 209

5386/ [55]- عن إسحاق بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إن الله بعث إلى يوسف- و هو في السجن- يا بن يعقوب، ما أسكنك مع الخطائين؟ قال: جرمي- قال- فاعترف بجرمه فاخرج «1» و اعترف بمجلسه منها مجلس الرجل من أهله «2»، فقال له: ادع بهذا الدعاء: يا كبير كل كبير، يا من لا شريك له و لا وزير، يا خالق الشمس و القمر المنير، يا عصمة المضطر الضرير، يا قاصم كل جبار مبير «3»، يا مغني البائس الفقير، يا جابر العظم الكسير، يا مطلق المكبل الأسير، أسألك بحق محمد و آل محمد، أن تجعل لي من أمري فرجا و مخرجا، و ترزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب- قال- فلما أصبح، دعابة «4» الملك، فخلى سبيله، و ذلك قوله: وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ

السِّجْنِ».

5387/ [56]- عن عباس بن يزيد، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالس في أهل بيته، إذ قال: أحب يوسف أن يستوثق لنفسه، قال: فقيل: بماذا، يا رسول الله؟ قال: لما عزل له عزيز مصر عن مصر، لبس ثوبين جديدين- أو قال: لطيفين «5»- و خرج إلى فلاة من الأرض، فصلى ركعات، فلما فرغ رفع يده إلى السماء، فقال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ- قال- فهبط إليه جبرئيل، فقال له: يا يوسف، ما حاجتك؟ قال: رب تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «خشي الفتن».

5388/ [57]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن العباس بن هلال الشامي مولى أبي الحسن (عليه السلام) عنه، قال: قلت له: جعلت فداك، ما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يتخشع؟

فقال: «أما علمت أن يوسف (عليه السلام) نبي ابن نبي، كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب، و يجلس في مجالس آل فرعون «6» يحكم، فلم يحتج الناس إلى لباسه، و إنما احتاجوا إلى قسطه، و إنما يحتاج من الإمام في أن إذا قال صدق، و إذا وعد أنجز، و إذا حكم عدل، لأن الله لا يحرم طعاما و لا شرابا من حلال، و إنما حرم الحرام

__________________________________________________

55- تفسير العيّاشي 2: 198/ 88.

56- تفسير العيّاشي 2: 199/ 89. [.....]

57- الكافي 6: 453/ 5.

(1) الظاهر أنّ الصحيح: فاعترف بجرمك فاخرج.

(2) في الحديث غرابة، و هو يخالف عصمة يوسف (عليه السّلام) المؤكّدة في الكتاب الكريم،

كقوله تعالى: وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ يوسف: 32، و كذلك في سائر روايات هذا الباب.

(3) أي مهلك يسرف في إهلاك الناس. «أقرب الموارد- بور- 1: 67».

(4) في المصدر: دعاه.

(5) في المصدر: نظيفين.

(6) المراد ملك مصر، و هو غير فرعون موسى كما يستفاد من السير.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 210

قل أو كثر، و قد قال الله عز و جل: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ «1»».

و قد تقدم هذا الحديث من طريق العياشي في قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ «2» الآية.

5389/ [58]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله (عليه السلام) فرأى عليه ثيابا بيضا كأنها غرقئ «3» البيض، فقال له: إن هذا اللباس ليس من لباسك؟

فقال له: «اسمع مني و ع ما أقول لك، فإنه خير لك عاجلا و آجلا، إن أنت مت على السنة و الحق و لم تمت على بدعة، أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان في زمان مقفر جدب، فأما إذا أقبلت الدنيا، فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها، و مؤمنوها لا منافقوها، و مسلموها لا كفارها، فما أنكرت يا ثوري؟ فو الله إنني لمع ما ترى ما أتى علي مذ عقلت، صباح و لا مساء و لله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعا إلا وضعته».

قال: و أتاه قوم ممن يظهرون الزهد و يدعون الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف.

و أظهروا الاحتجاج بينهم و بينه (عليه السلام) و أبطل حجتهم، و قال (عليه السلام): «أعلموا- أيها

النفر- أني سمعت أبي يروي عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال يوما: ما عجبت من شي ء كعجبي من المؤمن أنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له، و إن ملك ما بين مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له، و كل ما يصنع الله عز و جل به فهو خير له. و أخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود (عليه السلام)، حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه الله جل اسمه ذلك، و كان يقول الحق و يعمل به، ثم لم نجد الله عز و جل عاب عليه ذلك، و لا أحدا من المؤمنين، و داود النبي (عليه السلام) قبله في ملكه و شدة سلطانه، ثم يوسف النبي (عليه السلام) حيث قال لملك مصر: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «4» فكان من أمره الذي كان، أن اختار مملكة الملك و ما حولها إلى اليمن، و كانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم، و كان يقول الحق و يعمل به، فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه ثم ذي القرنين، كان عبدا أحب الله فأحبه الله، و طوى له الأسباب، و ملكه مشارق الأرض و مغاربها، و كان يقول الحق و يعمل به، ثم لم نجد أحدا عاب ذلك عليه».

5390/ [59]- عمر بن إبراهيم الأوسي: عن عبد الله، قال: عاش يعقوب و العيص مائة سنة و سبعة و أربعين سنة، فلما جمع الله ليوسف شمله، و أقر عينيه بمراده، تمنى الموت خلف أبيه، فقال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ما

تمنى أحد من الأنبياء الموت إلا

__________________________________________________

58- الكافي 5: 65 و 69/ 1.

59- ... قصص الأنبياء للثعلبي: 124 «نحوه».

(1) الأعراف 7: 32.

(2) تقدّم في الحديث (14) من تفسير الآية (7) من سورة الأعراف.

(3) الغرقى: القشرة الملتزقة ببياض البيض «لسان العرب- غرق- 10: 286».

(4) يوسف 12: 44.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 211

يوسف».

فلما حضره الموت، أوصى إخوته أن يحملوه إلى الشام، و يدفنوه مع آبائه، ثم استخلف من بعده يهودا، ثم روبيل، ثم ريالون، ثم شمعون، ثم معجز «1» ثم معمائيل، ثم دان، ثم لاوي، ثم شدخ، ثم خبير «2» و كان هارون و موسى (على نبينا و آله و عليهما السلام) من نسل لاوي، و كان بين دخول يوسف مصر و دخول موسى أربعمائة سنة و ثمانون سنة.

سورة يوسف(12): الآيات 102 الي 105 ..... ص : 211

قوله تعالى:

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ- إلى قوله تعالى- وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ [102- 105] 5391/ [1]- قال علي بن إبراهيم: ثم قال الله لنبيه: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ ثم قال: وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ.

قال: و قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ قال:

الكسوف و الزلزلة و الصواعق.

سورة يوسف(12): آية 106 ..... ص : 211

قوله تعالى:

وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ [106]

5392/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله ابن جبلة، عن سماعة، عن أبي بصير، و إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ، قال: «يطيع الشيطان من حيث لا يعلم، فيشرك».

5393/ [3]- و عنه: عن علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن بكير، عن ضريس، عن أبي

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 357. [.....]

2- الكافي 2: 292/ 3.

3- الكافي 2: 292/ 4.

(1) في «س»: سجر.

(2) في «س»: خيبر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 212

عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ، قال: «شرك طاعة، و ليس شرك عبادة».

5394/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول

الله تعالى: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ.

قال: «شرك طاعة و ليس شرك عبادة، و المعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة، أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره، و ليس بإشراك عبادة، أن يعبدوا غير الله».

5395/ [4]- العياشي: عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ.

قال: «من ذلك قول الرجل: لا، و حياتك».

5396/ [5]- عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ، قال: «كانوا يقولون: نمطر بنوء «1» كذا، و بنوء كذا لا نمطر «2». و منهم أنهم كانوا يأتون الكهان فيصدقونهم بما يقولون».

5397/ [6]- عن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، قال: «شرك لا يبلغ به الكفر».

5398/ [7]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «شرك طاعة، قول الرجل: لا و الله و فلان. و لو لا الله فلان «3»، و المعصية منه».

5399/ [8]- أبو بصير، عن أبي إسحاق، قال: هو قول الرجل: لو لا الله و أنت ما فعل بي كذا و كذا، و أشباه ذلك.

5400/ [9]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «شرك طاعة و ليس بشرك عبادة، و المعاصي التي

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 358.

4- تفسير العيّاشي 2: 199/ 90.

5- تفسير العيّاشي 2: 199/ 91.

6- تفسير العيّاشي 2: 199/ 92.

7- تفسير العيّاشي 2: 199/ 93.

8- تفسير العيّاشي 2: 199/ 94.

9- تفسير العيّاشي 2: 199/ 95.

(1) النوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر و طلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كلّ ليلة إلى ثلاثة عشر يوما، و

كانت العرب تضيف الأمطار و الرباح و الحرّ و البرد إلى الساقط منها، و قال الأصمعي: إلى الطالع منها في سلطانه، فتقول: مطرنا بنوء كذا، و الجمع، أنواء و نوءان. «الصحاح- نوأ- 1: 79».

(2) في المصدر: لأعطى.

(3) في «ط» و المصدر: لو لا اللّه لو كلت فلانا. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 213

يرتكبون مما أوجب الله عليها النار، شرك طاعة، أطاعوا الشيطان و أشركوا بالله في طاعته، و لم يكن بشرك عبادة، فيعبدون مع الله غيره».

5401/1]- عن مالك بن عطية، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ.

قال: «هو الرجل يقول: لو لا فلان لهلكت، و لو لا فلان لأصبت كذا و كذا، و لو لا فلان لضاع عيالي، ألا ترى أنه قد جعل لله شريكا في ملكه، يرزقه و يدفع عنه».

قال: قلت: فيقول: لو لا أن الله من علي بفلان لهلكت؟ قال: «نعم، لا بأس بهذا».

5402/ [11]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «شرك طاعة و ليس شرك عبادة في المعاصي التي يرتكبون، فهي شرك طاعة، أطاعوا فيها الشيطان، فأشركوا في الله في طاعة غيره، و ليس بإشراك عبادة أن يعبدوا غيره».

5403/ [12]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العرش و الكرسي، و ذكر الحديث إلى أن قال: «و له الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره، و هي التي

وصفها في الكتاب، فقال: فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ «1» جهلا بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم، يشرك و هو لا يعلم، و يكفر به و هو يظن أنه يحسن، فذلك قال: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم، فيضعونها بغير مواضعها».

و الحديث بتمامه يأتي- إن شاء الله تعالى- في قوله تعالى: هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ «2» من سورة النمل.

سورة يوسف(12): آية 108 ..... ص : 213

قوله تعالى:

قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ اللَّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [108]

5404/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 2: 200/ 96.

11- تفسير العيّاشي 2: 200/ 98.

12- التوحيد: 321/ 1.

1- الكافي 1: 342/ 66.

(1) الأعراف 7: 180.

(2) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآية (26) من سورة النمل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 214

الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي، قال: «ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين و الأوصياء من بعدهما (عليهم السلام)».

5405/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: قال علي بن حسان لأبي جعفر (عليه السلام): يا سيدي، إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك.

فقال: «و ما ينكرون من ذلك «1»؟ لقد قال الله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله): قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي فو الله ما تبعه إلا علي

(عليه السلام) و له تسع سنين، و أنا ابن تسع سنين».

5406/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تبارك و تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي.

قال: «يعني عليا (عليه السلام) أول من اتبعه على الإيمان به و التصديق له بما جاء به من عند الله عز و جل، من الأمة التي بعث فيها و منها و إليها قبل الخلق، ممن لم يشرك بالله قط، و لم يلبس إيمانه بظلم و هو الشرك».

5407/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن علي بن أسباط، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): يا سيدي، إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك.

قال: «و ما ينكرون علي من ذلك؟ فو الله لقد قال الله لنبيه (صلى الله عليه و آله): قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي فما اتبعه غير علي (عليه السلام)، و كان ابن تسع سنين- قال- و أنا ابن تسع سنين».

5408/ [5]- و في رواية أبي الجارود: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي، فقال: «يعني نفسه، و من اتبعه علي بن أبي طالب (عليه السلام) «2»».

5409/ [6]- العياشي: عن إسماعيل الجعفي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي.

قال: فقال: «علي بن أبي طالب (عليه السلام) خاصة» و إلا فلا أصابتني شفاعة محمد (صلى الله عليه و آله).

5410/ [7]- عن

علي بن أسباط، عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) قال: قلت: جعلت فداك، إنهم يقولون في

__________________________________________________

2- الكافي 1: 315/ 8.

3- الكافي 5: 14/ 1.

4- تفسير القمّي 1: 358.

5- تفسير القمّي 1: 358.

6- تفسير العيّاشي 2: 200/ 99.

7- تفسير العيّاشي 2: 200/ 100.

(1) في المصدر زيادة: قوله اللّه عزّ و جلّ.

(2) في المصدر زيادة: و آل محمّد (عليهم السلام). [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 215

حداثة سنك.

قال: «ليس شي ء يقولون «1»، إن الله تعالى يقول: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي فو الله ما كان اتبعه إلا علي (عليه السلام) و هو ابن تسع سنين، و مضى أبي و أنا ابن تسع سنين، فما عسى أن يقولوا؟! إن الله يقول: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ إلى قوله: وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «2»».

5411/ [8]- عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي، قال: «ذاك رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام)، و الأوصياء من بعدهما».

5412/ [9]- ابن شهر آشوب: عن الباقر (عليه السلام) قال: «قُلْ هذِهِ سَبِيلِي يعني نفس رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عليا (عليه السلام) [و] من تبعه: آل محمد».

5413/ [10]- و في رواية: «يعني بالسبيل عليا (عليه السلام) و لا ينال ما عند الله إلا بولايته».

5414/ [11]- ابن الفارسي في (الروضة): قال: قال الباقر (عليه السلام): قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي. قال: «علي اتبعه».

5415/ [12]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد،

عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سُبْحانَ اللَّهِ قال: «أنفة «3» الله».

5416/ [13]- و عنه: عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن أسباط، عن سليمان مولى طربال، عن هشام الجواليقي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: سُبْحانَ اللَّهِ ما يعنى به؟ قال: «تنزيهه».

5417/ [14]- ابن بابويه، عن أبيه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سُبْحانَ اللَّهِ فقال: (عليه السلام):

«أنفة الله عز و جل».

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 201/ 101.

9- المناقب 3: 72.

10- المناقب 3: 72.

11- روضة الواعظين: 105، شواهد التنزيل 1: 286/ 391 و 392.

12- الكافي 1: 92/ 10.

13- الكافي 1: 92/ 11.

14- التوحيد 312/ 2.

(1) في البحار 25: 101/ 2، أي شي ء يقولون.

(2) النساء 4: 65.

(3) الانفة: علزّة و الحميّة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 216

5418/ [15]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط، عن سليمان مولى طربال، عن هشام الجواليقي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: سُبْحانَ اللَّهِ ما يعنى به؟ قال: «تنزيهه».

5419/ [16]- و عنه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الشعراني العماري، من ولد عمار بن ياسر (رحمه الله)، قال:

حدثنا أبو محمد عبيد الله بن يحيى بن عبد الباقي الأذني بأذنه «1»، قال: حدثنا علي بن الحسن المعاني، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، قال: حدثنا محمد بن حجار «2»، عن يزيد بن الأصم، قال: سأل رجل عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، ما تفسير سُبْحانَ اللَّهِ؟

فقال: إن في هذا الحائط رجلا كان إذا سئل أنبأ، و إذا سكت ابتدأ «3». فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: يا أبا الحسن ما تفسير سُبْحانَ اللَّهِ؟ قال: «هو تعظيم جلال الله عز و جل. و تنزيهه عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك».

سورة يوسف(12): آية 109 ..... ص : 216

قوله تعالى:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [109]

5420/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف بأبي الحسن الجرجاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار، عن أبو يهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام)- في حديث- قال فيه مخاطبا: «أو لست تعلم أن الله تعالى لم يخل الدنيا من نبي قط أو إمام من البشر؟ أو ليس الله تعالى يقول: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يعني إلى الخلق: إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ؟ فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض، فيكونوا أئمة و حكاما، و إنما أرسلوا إلى أنبياء الله».

__________________________________________________

15- معاني الأخبار: 9/ 2.

16- التوحيد: 311/ 1.

1- عيون أخبار

الرّضا (عليه السّلام) 1: 270/ 1.

(1) أذنة: بلد من الثّغور قرب المصّيصة- من ثغور الشام- خرج منه جماعة من أهل العلم و سكنه آخرون. «معجم البلدان 1: 133». [.....]

(2) الظاهر أنّه محمّد بن جحادة. انظر تاريخ بغداد 14: 112.

(3) في «ط»: أنبأ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 217

سورة يوسف(12): آية 110 ..... ص : 217

قوله تعالى:

حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا [110]

5421/ [1]- قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «و كلهم إلى أنفسهم، فظنوا أن الشياطين قد تمثلت لهم في صورة الملائكة».

5422/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، فقال له المأمون: يا بن رسول الله، أليس من قولك، إن الأنبياء معصومون؟ قال: «بلى» و ذكر الحديث إلى أن قال فيه: فقال المأمون لأبي الحسن (عليه السلام): فأخبرني عن قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا.

قال الرضا (عليه السلام): «يقول الله تعالى حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، و ظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاء الرسل نصرنا».

5423/]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في قول الله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا. مخففة، قال: «ظنت الرسل أن الشياطين تمثل لهم على صورة الملائكة».

5424/ [4]- عن ابن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «و كلهم الله إلى أنفسهم

أقل من طرفة عين».

5425/ [5]- عن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: أما أهل الدنيا فقد أظهروا الكذب، و ما كانوا إلا من الذين و كلهم الله إلى أنفسهم ليمن عليهم».

5426/ [6]- عن محمد بن هارون، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما علم رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن جبرئيل من عند الله إلا بالتوفيق».

5427/ [7]- عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف لم يخف رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيما يأتيه من

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 358.

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 201/ 1.

3- تفسير العيّاشي 2: 201/ 102.

4- تفسير العيّاشي 2: 201/ 103.

5- تفسير العيّاشي 2: 201/ 104.

6- تفسير العيّاشي 2: 201/ 105.

7- تفسير العيّاشي 2: 201/ 106.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 218

قبل الله أن يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان؟

قال: فقال: «إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة و الوقار، فكان الذي يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه».

5428/ [8]- أبو جعفر بن جرير الطبري: بإسناده إلى أبي علي النهاوندي، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القاساني، قال: حدثنا محمد بن سليمان، قال: حدثنا علي بن يوسف، قال: حدثني أبي، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشكا إليه طول دولة الجور، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): و الله لا يكون ما تأملون حتى يهلك المبطلون، و يضمحل الجاهلون، و يأمن المتقون، و قليل ما يكون حتى لا يكون لأحدكم موضع قدمه، و حتى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا

أنتم كذلك إذ جاء نصر الله و الفتح و هو قول ربي عز و جل في كتابه: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا».

ذكر هذا الحديث الطبري في كتابه في أبواب القائم (عليه السلام).

سورة يوسف(12): آية 111 ..... ص : 218

قوله تعالى:

لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ- إلى قوله تعالى- يُؤْمِنُونَ [111] 5429/ [1]- و قال علي بن إبراهيم: ثم قال الله عز و جل: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ يعني لاولي العقول: ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى يعني القرآن لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني من كتب الأنبياء وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

__________________________________________________

8- دلائل الإمامة: 251.

1- تفسير القمّي 1: 358.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 219

سورة الرعد ..... ص : 219

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 221

سورة الرعد فضلها ..... ص : 221

5430/ [1]- ابن بابويه: بإسناده، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «من أكثر من قراءة سورة الرعد لم يصبه الله بصاعقة أبدا، و لو كان ناصبيا، و إذا كان مؤمنا أدخله الجنة بغير حساب، و يشفع في جميع من يعرفه من أهل بيته و إخوانه».

5431/ [2]- العياشي: عن عثمان بن عيسى، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أكثر قراءة سورة الرعد لم تصبه صاعقة أبدا، و إن كان ناصبيا، فإنه لا يكون أشر من الناصب، و إن كان مؤمنا أدخله الله الجنة بغير حساب، و يشفع في جميع من يعرف من أهل بيته و إخوانه من المؤمنين».

5432/ [3]- و من (خواص القرآن): روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة كان له من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى، و كل سحاب يكون، و يبعث يوم القيامة من الموفين بعهد الله، و من كتبها و علقها في ليلة مظلمة بعد صلاة العشاء الآخرة على ضوء نار، و جعلها من ساعته على باب سلطان جائر و ظالم، هلك و زال ملكه».

5433/ [4]- و عن الصادق (عليه السلام): «من كتبها في ليلة مظلمة بعد صلاة العتمة، و جعلها من ساعته على باب السلطان الجائر الظالم، قام عليه عسكره و رعيته، فلا يسمع كلامه، و يقصر عمره و قوله، و يضيق صدره، و إن جعلت على باب ظالم أو كافر أو زنديق، فهي تهلكه بإذن الله تعالى».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 106.

2- تفسير العيّاشي 2: 202/ 1.

3- خواص القرآن: 3، مجمع البيان 6: 419. [.....]

4- خواص القرآن:

42 «مخطوط».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 223

سورة الرعد(13): آية 1 ..... ص : 223

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المر [1]

5434/ [1]- ابن بابويه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني، فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق، قال: حدثنا معاذ بن المثنى العنبري، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، قال: حدثنا جويرية، عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): يا بن رسول الله، ما معنى قول الله عز و جل: المر؟

قال: «المر معناه: أنا الله المحيي المميت الرزاق».

5435/ [2]- العياشي: عن أبي لبيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يا أبا لبيد، إن في حروف القرآن لعلما جما، إن الله تبارك و تعالى أنزل الم ذلِكَ الْكِتابُ «1» فقام محمد (صلى الله عليه و آله) حتى ظهر نوره، و ثبتت كلمته، و ولد يوم ولد و قد مضى من الألف السابع مائة سنة و ثلاث سنين- ثم قال:- و تبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار، و ليس من حروف مقطعة حرف تنقضي أيامه إلا و قائم من بني هاشم عند انقضائه- ثم قال- الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون، و الصاد تسعون «2»، فذلك مائة و إحدى و ستون «3»، ثم كان بدء خروج الحسين بن علي (عليه السلام): الم اللَّهُ «4» فلما بلغت مدتها «5» قام قائم من ولد العباس عند

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 22/ 1.

2- تفسير العيّاشي 2: 202/ 2.

(1) البقرة 2: 1- 2.

(2) في المصدر: ستّون.

(3) في المصدر: و ثلاثون.

(4) آل عمران 3: 1- 2.

(5) في المصدر: مدّته.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 224

المص «1» و يقوم قائمنا عند انقضائها. المر فافهم ذلك و عه و اكتمه».

سورة الرعد(13): آية 2 ..... ص : 224

قوله تعالى:

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها [2] 5436/ [1]- علي بن إبراهيم: يعني بغير اسطوانة.

5437/ [2]- ثم قال: حدثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: قلت له:

أخبرني عن قول الله عز و جل: وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ «2». فقال: «هي محبوكة إلى الأرض» و شبك بين أصابعه.

فقلت كيف تكون محبوكة إلى الأرض، و الله يقول: رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟ فقال: «سبحان الله! أ ليس الله يقول: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟» فقلت: بلى. فقال (عليه السلام): «ثم عمد، و لكن لا ترونها».

قلت: كيف ذلك، جعلني الله، فداك؟ قال: فبسط كفه اليسرى، ثم وضع اليمنى عليها، فقال: «هذه أرض الدنيا، و السماء الدنيا عليها فوقها قبة، و الأرض الثانية فوق السماء الدنيا، و السماء الثانية فوقها قبة، و الأرض الثالثة فوق السماء الثانية، و السماء الثالثة فوقها قبة، و الأرض الرابعة فوق السماء الثالثة، و السماء الرابعة فوقها قبة، و الأرض الخامسة فوق السماء الرابعة، و السماء الخامسة فوقها قبة، و الأرض السادسة فوق السماء الخامسة، و السماء السادسة فوقها قبة، و الأرض السابعة فوق السماء السادسة، و السماء السابعة فوقها قبة، و عرش الرحمن تبارك و تعالى فوق السماء السابعة، و هو قوله عز و جل: خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طباقا وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ «3» فأما صاحب الأمر فهو رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و الوصي بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) قائم على وجه الأرض، فإنما يتنزل الأمر إليه من فوق السماء من

بين السماوات و الأرضين».

قلت: فما تحتنا إلا أرض واحدة؟ فقال: «ما تحتنا إلا أرض واحدة، و إن الست لهن فوقنا» «4».

5438/ [3]- العياشي: عن الحسين بن خالد، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أخبرني عن قول الله:

وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ «5» قال: «محبوكة إلى الأرض» و شبك بين أصابعه.

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 359.

2- تفسير القمّي 2: 328.

3- تفسير العيّاشي 2: 203/ 3.

(1) الأعراف 7: 1.

(2) الذاريات 51: 7.

(3) الطلاق 65: 12. [.....]

(4) في المصدر: فوقها.

(5) الذاريات 51: 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 225

فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض، و هو يقول: رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟ فقال: «سبحان الله! أ ليس يقول: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟!».

فقلت: بلى. فقال: «ثم عمد و لكن لا ترى».

فقلت: كيف ذاك؟ فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها، فقال: هذه الأرض الدنيا و السماء الدنيا عليها قبة».

قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ سيأتي- إن شاء الله تعالى- معنى ذلك في سورة طه «1».

سورة الرعد(13): الآيات 4 الي 6 ..... ص : 225

قوله تعالى:

وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ- إلى قول تعالى- وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [4- 6]

5439/ [1]- ابن شهر آشوب: عن الخركوشي في (شرف المصطفى) و الثعلبي في (الكشف و البيان) و الفضل ابن شاذان في (الأمالي) و اللفظ له، بإسنادهم عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لعلي (عليه السلام): «الناس من شجر شتى، و أنا و أنت من شجرة واحدة- ثم قرأ- وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ بالنبي و بك».

قال: و رواه النطنزي في (الخصائص) عن

سلمان

، و

في رواية: «أنا و علي من شجرة، و الناس من أشجار شتى».

قلت: و روى حديث جابر بن عبد الله، الطبرسي، و علي بن عيسى في (كشف الغمة) «2».

5440/ [2]- العياشي: عن الخطاب الأعور، رفعه إلى أهل العلم و الفقه من آل محمد (عليه و آله السلام)، قال: «وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ يعني: هذه الأرض الطيبة مجاورة لهذه الأرض المالحة و ليست منها، كما يجاور القوم القوم و ليسوا منهم».

5441/ [3]- و قال علي بن إبراهيم: و قوله: وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ أي متصلة بعضها ببعض

__________________________________________________

1- ...، المناقب لا بن المغازلي: 400/ 454، شواهد التنزيل 1: 288/ 395، ترجمة الإمام علي (عليه السّلام) من تاريخ ابن عساكر 1: 142/ 178، تفسير القرطبي 9: 283، فرائد السمطين 1: 52/ 17، الدرّ المنثور 4: 605، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 136، الصواعق المحرقة: 123.

2- تفسير العيّاشي 2: 203/ 4.

3- تفسير القمّي 1: 359.

(1) يأتي في تفسير الآية (5) من سورة طه.

(2) مجمع البيان 6: 424، كشف الغمة 1: 295.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 226

وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ أي بساتين وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ و الصنوان: التالة «1» التي تنبت من أصل الشجرة وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ فمنه حلو، و منه حامض، و منه مر، يسقى بماء واحد إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

ثم حكى الله عز و جل قول الدهرية من قريش، فقال: وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ثم قال: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ و

كانوا يستعجلون بالعذاب، فقال الله عز و جل: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ أي العذاب.

قوله تعالى:

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ [6]

5442/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي بنيسابور، سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمائة، قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا ابن ذكوان، قال: سمعت إبراهيم بن العباس يقول: كنا في مجلس الرضا (عليه السلام) فتذاكرنا الكبائر، و قول المعتزلة فيها: إنها لا تغفر، فقال الرضا (عليه السلام): «قال أبو عبد الله (عليه السلام): قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة، قال الله جل جلاله: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ».

سورة الرعد(13): آية 7 ..... ص : 226

قوله تعالى:

وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [7]

5443/]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن موسى بن مسلم، عن مسعدة، قال: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئا على عصاه، فسلم فرد عليه أبو عبد الله (عليه السلام) الجواب، ثم قال: يا بن رسول الله، ناولني يدك لاقبلها. فأعطاه يده

__________________________________________________

1- التوحيد: 406/ 4.

2- كفاية الأثر: 260.

(1) التال: صغار النّخل. «المعجم الوسيط- تال- 1: 90».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 227

فقبلها ثم بكى، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): «ما يبكيك يا شيخ؟» فقال: جعلت فداك، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر، و هذه السنة. و قد كبر سني ورق جلدي و دق عظمي و اقترب أجلي، و لا أرى فيكم ما أحب، أراكم مقتولين «1»

مشردين، و أرى أعداءكم يطيرون بالأجنحة، فكيف لا أبكي؟! فدمعت عينا أبي عبد الله (عليه السلام) ثم قال: «يا شيخ، إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى، و إن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد (صلى الله عليه و آله)، و نحن ثقله، فقال (صلى الله عليه و آله): إني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا: كتاب الله، و عترتي أهل بيتي». فقال الشيخ: لا ابالي بعد ما سمعت هذا الخبر.

ثم قال: «يا شيخ، اعلم أن قائمنا يخرج من صلب الحسن، و الحسن يخرج من صلب علي، و علي يخرج من صلب محمد، و محمد يخرج من صلب علي، و علي يخرج من صلب ابني هذا- و أشار إلى ابنه موسى (عليه السلام)- و هذا خرج من صلبي. نحن اثنا عشر، كلنا معصومون مطهرون».

فقال الشيخ: يا سيدي، بعضكم أفضل من بعض؟ فقال: «لا، نحن في الفضل سواء، و لكن بعضنا أعلم من بعض». ثم قال: «يا شيخ، و الله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت، ألا و إن شيعتنا يقعون في فتنة و حيرة في غيبته، هناك يثبت الله على هداه المخلصين، اللهم أعنهم على ذلك».

5444/ [2]- و عنه، قال: حدثنا علي بن الحسن بن محمد، قال: حدثنا عتبة بن عبد الله الحمصي «2» بمكة قراءة عليه سنة ثمانين و ثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن موسى الغطفاني، قال: حدثنا أحمد بن يوسف الحمصي، قال:

حدثني محمد بن عكاشة، قال: حدثنا حسين بن زيد بن علي، قال: حدثنا عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن الحسن (عليه السلام)،

قال: «خطب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوما، فقال بعد ما حمد الله و أثنى عليه:

معاشر الناس، كأني ادعى فأجيب، و إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فتعلموا منهم، و لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا تخلو الأرض منهم، و لو خلت إذن لساخت بأهلها.

ثم قال (عليه السلام): اللهم إني أعلم أن العلم لا يبيد و لا ينقطع، و أنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور كي لا تبطل حجتك، و لا يضل أو لياؤك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلون عددا، الأعظمون قدرا عند الله.

فلما نزل عن منبره قلت له: يا رسول الله، أما أنت الحجة على الخلق كلهم؟ قال: يا حسن، إن الله يقول:

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فأنا المنذر، و علي الهادي.

قلت: يا رسول الله، فقولك: إن الأرض لا تخلو من حجة؟ قال: نعم، علي هو الإمام و الحجة بعدي و أنت الإمام و الحجة بعده و الحسين الإمام و الحجة و الخليفة بعدك و لقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب

__________________________________________________

2- كفاية الأثر: 162.

(1) في المصدر: معتلين. العتل: أن تأخذ بتلبيب الرجل فتجرّه جرّا عنيفا و تذهب به إلى حبس أو بليّة. «لسان العرب- عتل- 11: 424».

(2) في «س»: الجعفي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 228

الحسين ولد يقال له علي سمي جده علي، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده علي ابنه، و هو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج الله من صلب علي ولدا سميي، و أشبه الناس بي علمه علمي، و حكمه حكمي، و هو الإمام و

الحجة بعد أبيه و يخرج الله تعالى من صلب محمد مولودا يقال له جعفر، أصدق الناس قولا و فعلا، و هو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج الله تعالى من صلب جعفر مولودا يقال له موسى، سمي موسى بن عمران (عليه السلام)، أشد الناس تعبدا، فهو الإمام و الحجة بعد أبيه، و يخرج الله تعالى من صلب موسى ولدا يقال له علي، معدن علم الله، و موضع حكمه، و هو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج الله من صلب علي مولدا يقال له محمد، فهو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج الله تعالى من صلب محمد ولدا يقال له علي، فهو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج الله تعالى من صلب علي مولودا يقال له الحسن، فهو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج الله تعالى من صلب الحسن الحجة القائم إمام شيعته، و منقذ أوليائه، يغيب حتى لا يرى، فيرجع عن أمره قوم، و يثبت عليه آخرون وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» و لو لم يكن «2» من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عز و جل ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا، فيملأ الأرض قسطا و عدلا، كما ملئت ظلما و جورا، فلا تخلو الأرض منكم، أعطاكم الله علمي و فهمي، و لقد دعوت الله تبارك و تعالى أن يجعل العلم و الفقه في عقبي و عقب عقبي و زرعي و زرع زرعي».

5445/ [3]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، و فضالة بن أيوب، عن موسى بن بكر، عن الفضيل، قال: سألت أبا

عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ، فقال: «كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم».

5446/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

فقال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله) المنذر، و لكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به النبي (صلى الله عليه و آله)، ثم الهداة من بعده علي (عليه السلام)، ثم الأوصياء واحدا بعد واحد».

5447/ [5]- و عنه: عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن محمد ابن إسماعيل، عن سعدان، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ؟

فقال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله) المنذر، و علي (عليه السلام) الهادي، يا أبا محمد، هل من هاد اليوم؟» قلت: بلى- جعلت فداك- ما زال منكم هاد من نور هاد حتى رفعت «3» إليك، فقال: «رحمك الله- يا أبا محمد- لو كان إذا نزلت

__________________________________________________

3- الكافي 1: 147/ 1، بصائر الدرجات: 50/ 6. [.....]

4- الكافي 1: 148/ 2، بصائر الدرجات: 49/ 1.

5- الكافي 1: 148/ 3، بصائر الدرجات: 51/ 9.

(1) يونس 10: 48، الأنبياء 21: 38، النمل 27: 71، سبأ 34: 29، يس 36: 48، الملك 67: 25.

(2) في المصدر: يبق.

(3) في المصدر: هاد بعد هاد حتّى دفعت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 229

آية على رجل ثم مات ذلك الرجل، ماتت الآية، مات الكتاب، و لكنه حي يجري فيمن بقي كما

جرى فيمن مضى».

5448/ [6]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن منصور، عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك و تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

فقال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله) المنذر، و علي (عليه السلام) الهادي، أما و الله ما ذهبت منا، و ما زالت فينا إلى الساعة».

و روى محمد بن الحسن الصفار، في كتاب (بصائر الدرجات) هذه الأحاديث «1».

5449/ [7]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رحمه الله)، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى البصري، قال: حدثنا المغيرة بن محمد، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي سنة ست عشرة و مائة «2»، قال: حدثنا قيس بن الربيع و منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد ابن عبد الله، قال: قال علي (عليه السلام): «ما نزلت من القرآن آية إلا و قد علمت أين نزلت، و فيمن نزلت، و في أي شي ء نزلت، و في سهل نزلت أو في جبل».

قيل: فما نزل فيك؟ فقال: «لو لا أنكم سألتموني ما أخبرتكم، نزلت في هذه الآية: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فرسول الله (صلى الله عليه و آله) المنذر، و أنا الهادي إلى ما جاء به».

5450/ [8]- و عنه، قال: حدثنا أبي و محمد بن الحسن (رضي الله عنهما)، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و يعقوب بن يزيد جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن محمد بن مسلم،

قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

قال: «كل إمام هاد لكل قوم في زمانهم».

5451/ [9]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

فقال: «المنذر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و علي (عليه السلام) الهادي، و في كل وقت و زمان إمام منا يهديهم إلى ما

__________________________________________________

6- الكافي 1: 148/ 4، ينابيع المودّة: 100.

7- الأمالي: 227/ 13، شواهد التنزيل 1: 300/ 413.

8- كمال الدين و تمام النعمة: 667/ 9، ينابيع المودة: 100.

9- كمال الدين و تمام النعمة: 667/ 10.

(1) بصائر الدرجات: 49- 51/ 1، 6، 7، 9.

(2) في المصدر: و مائتين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 230

جاء به رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

5452/ [10]- محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بطهور فلما فرغ أخذ بيد علي (عليه السلام) فألزمها يده، ثم قال: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ثم ضم يده إلى صدره، و قال: وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ثم قال: يا علي، أنت أصل الدين، و منار الإيمان، و غاية الهدى، و قائد الغر المحجلين، أشهد لك بذلك».

5453/ [11]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن حماد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«المنذر: رسول (صلى الله عليه و آله)، و الهادي: أمير المؤمنين (عليه السلام)، و بعده الأئمة (عليهم السلام)، و هو قوله: وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أي في كل زمان إمام هدى «1» مبين» فهو رد على من أنكر أن في كل عصر و زمان إماما، و أنه لا تخلو الأرض من حجة، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تخلو الأرض من إمام قائم بحجة الله، إمام ظاهر مشهور، و إما خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله و بيناته».

و الهدى في كتاب الله على وجوه، فمنه: الأئمة (عليهم السلام)، و هو قوله: وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أي إمام مبين و منه: البيان و هو قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ «2» أي يبين لهم و قوله تعالى: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ «3» أي بينا لهم، و مثله كثير و منه: الثواب، و هو قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ «4» أي لنثيبنهم و منه: النجاة، و هو قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ «5» أي سينجيني و منه: الدلالة، و هو قوله تعالى: وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ «6» أي أدلك.

5454/ [12]- الشيخ في (مجالسه): بإسناده عن الحسين، عن المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما بعث الله نبيا أكرم من محمد (صلى الله عليه و آله)، و لا خلق قبله أحدا، و لا أنذر الله خلقه بأحد من خلقه قبل محمد (صلى الله عليه و آله)، فذلك قوله تعالى: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى «7». و قال: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فلم يكن قبله مطاع في الخلق، و لا يكون بعده

إلى أن تقوم الساعة، في كل قرن، إلى أن يرث الله الأرض و من عليها».

__________________________________________________

10- بصائر الدرجات: 50/ 8.

11- تفسير القمّي 1: 359.

12- الأمالي 2: 282. [.....]

(1) في المصدر: هاد.

(2) السجدة 32: 26.

(3) فصلت 41: 17.

(4) العنكبوت 29: 69.

(5) الشعراء 26: 62.

(6) النازعات 79: 19.

(7) النجم 43: 56.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 231

5455/ [13]- سليم بن قيس الهلالي: في حديث قيس بن سعد مع معاوية، قال قيس: أنزل الله في أمير المؤمنين (عليه السلام): إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

5456/ [14]- العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فينا نزلت هذه الآية: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا المنذر و أنت الهادي- يا علي- فمنا الهادي و النجاة و السعادة إلى يوم القيامة».

5457/ [15]- عن عبد الرحيم القصير، قال: كنت يوما من الأيام عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: «يا عبد الرحيم» قلت: لبيك: قال: «قول الله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ إذ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا المنذر و علي الهادي، فمن الهادي اليوم؟» قال: فسكت طويلا، ثم رفعت رأسي، فقلت: جعلت فداك، هي فيكم، توارثونها رجل فرجل حتى انتهت إليك، فأنت- جعلت فداك- الهادي، قال: «صدقت- يا عبد الرحيم- إن القرآن حي لا يموت، و الآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في أقوام فماتوا مات القرآن، و لكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين».

و قال عبد الرحيم: قال: أبو عبد الله (عليه السلام): «إن القرآن حي لم يمت،

و إنه يجري كما يجري الليل و النهار، و كما تجري الشمس و القمر، و يجري على آخرنا كما يجري على أولنا».

5458/ [16]- عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول في قول الله تبارك و تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فقال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا المنذر و علي الهادي، و كل إمام هاد للقرن الذي هو فيه».

5459/ [17]- عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

فقال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا المنذر و في كل زمان إمام منا يهديهم إلى ما جاء به نبي الله (صلى الله عليه و آله)، و الهداة من بعده: علي (عليه السلام)، ثم الأوصياء من بعده، واحد بعد واحد، أما و الله ما ذهبت منا، و ما زالت فينا إلى الساعة، رسول الله (صلى الله عليه و آله) المنذر، و بعلي (عليه السلام) يهتدي المهتدون».

5460/1]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): أنا المنذر، و علي الهادي إلى أمري».

__________________________________________________

13- ...، ينابيع المودة: 104. عن كتاب سليم بن قيس.

14- تفسير العيّاشي 2: 203/ 5.

15- تفسير العيّاشي 2: 203/ 6.

16- تفسير العيّاشي 2: 204/ 7.

17- تفسير العيّاشي 2: 204/ 8.

18- تفسير العيّاشي 2: 204/ 9.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 232

5461/ [19]- أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان: بإسناده عن عبد الله بن عمر، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «بي أنذرتم، و بعلي بن أبي طالب

اهتديتم- و قرأ: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ- و بالحسن أعطيتم الإحسان و بالحسين تسعدون و به تشقون، ألا و إن الحسين باب من أبواب الجنة، من عاداه حرم الله عليه ريح الجنة».

5462/ [20]- الحاكم أبو القاسم الحسكاني، بإسناده عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن حكيم بن جبير، عن أبي برزة الأسلمي، قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالطهور، و عنده علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيد علي (عليه السلام) بعد ما تطهر فألصقها بصدره، ثم قال: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ- و يعني نفسه- ثم ردها إلى صدر علي (عليه السلام) ثم قال: وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ثم قال: «إنك منار الأنام، و غاية الهدى، و أمير القراء، أشهد على ذلك أنك كذلك».

5463/ [21]- ابن الفارسي في (الروضة) قال: قال علي (عليه السلام): «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ المنذر: محمد (صلى الله عليه و آله)، و لكل قوم هاد: أنا».

5464/ [22]- ابن شهرآشوب، عن الحسكاني في (شواهد التنزيل)، و المرزباني في (ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين (عليه السلام))، قال أبو برزة: دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالطهور، و عنده علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ بيد علي بعد ما تطهر، فألصقها بصدره، ثم قال: «إنما أنا منذر». ثم ردها إلى صدر علي (عليه السلام)، ثم قال:

وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ، ثم قال: «أنت منار الأنام، و رواية الهدى، و أمين القرآن، و أشهد على ذلك أنك كذلك».

5465/ [23]- الثعلبي في (الكشف) عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،

قال: لما نزلت هذه الآية، وضع رسول الله (صلى الله عليه و آله) يده على صدره، و قال: «أنا المنذر» و أومأ بيده إلى منكب علي (عليه السلام) فقال: «أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي».

5466/ [24]- عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام): «فالنبي المنذر، و بعلي (عليه السلام) يهتدي المهتدون».

5467/ [25]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «النبي المنذر، و علي الهادي».

5468/ [26]- سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن هذه الآية، فقال لي:

__________________________________________________

19- مائة منقبة: 22/ 4، مقتل الحسين (عليه السّلام) للخوارزمي 1: 145. [.....]

20- شواهد التنزيل 1: 301/ 414.

21- روضة الواعظين: 104، 116.

22- المناقب 3: 83.

23- المناقب 23: 84.

24- المناقب 3: 84 «نحوه».

25- لمن نجده في المناقب.

26- المناقب 3: 84.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 233

«هادي هذه الامة علي بن أبي طالب».

5469/ [27]- الثعلبي، عن السدي، عن عبد خير، عن علي (عليه السلام) قال: «المنذر: النبي (صلى الله عليه و آله)، و الهادي: رجل من بني هاشم». يعني نفسه (عليه السلام).

5470/ [28]- ابن عباس و الضحاك و الزجاج: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ علي بن أبي طالب (عليه السلام).

قلت: و الرواية عن ابن عباس في هذه الآية بهذا المعنى مستفيضة من طرق الخاصة و العامة، يطول الكتاب بذكرها.

5471/ [29]- قال ابن شهر آشوب: صنف أحمد بن محمد بن سعيد كتابا في قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام).

سورة الرعد(13): الآيات 8 الي 9 ..... ص : 233

قوله تعالى:

اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ

وَ ما تَزْدادُ وَ كُلُّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ [8- 9]

5472/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد ابن عيسى، عن حريز، عمن ذكره، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز و جل: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ.

قال: «الغيض: كل حمل دون تسعة أشهر: وَ ما تَزْدادُ: كل شي ء يزداد على تسعة أشهر، فكلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها، فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم».

5473/ [2]- العياشي: عن حريز، رفعه إلى أحدهما (عليهما السلام) في قول الله: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ.

قال: «الغيض: كل حمل دون تسعة أشهر وَ ما تَزْدادُ: كل شي ء يزداد على تسعة أشهر، و كلما رأت الدم

__________________________________________________

27- المناقب 3: 84، مسند أحمد بن حنبل 1: 126، شواهد التنزيل 1: 299/ 410 و: 300/ 412، ينابيع المودّة: 99.

28- المناقب 3: 83، تفسير الحبري: 281/ 38.

29- المناقب 3: 83.

1- الكافي 6: 12/ 2.

2- تفسير العيّاشي 2: 204/ 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 234

في حملها من الحيض يزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم».

5474/ [3]- عن زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في قوله: ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى «يعني الذكر و الأنثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ- قال- الغيض: ما كان أقل من الحمل وَ ما تَزْدادُ: ما زاد على الحمل، فهو مكان ما رأت من الدم في حملها».

5475/ [4]- عن محمد بن مسلم، و حمران، و زرارة، عنهما (عليهما

السلام) قالا: «ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى من أنثى أو ذكر وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ- قال- ما لم يكن حملا وَ ما تَزْدادُ من أنثى أو ذكر».

5476/ [5]- عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ.

قال: ما لم يكن حملا وَ ما تَزْدادُ- قال- الذكر و الأنثى جميعا».

5477/ [6]- عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى قال: «الذكر و الأنثى» وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ قال: «ما كان دون التسعة فهو غيض» وَ ما تَزْدادُ قال: «كلما رأت الدم في حال حملها ازداد به على التسعة أشهر، إن كانت رأت الدم خمسة أيام أو أقل أو أكثر، زاد ذلك على التسعة أشهر».

5478/ [7]- ابن بابويه: قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ.

فقال: «الغيب: ما لم يكن، و الشهادة: ما قد كان».

سورة الرعد(13): آية 10 ..... ص : 234

قوله تعالى:

سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ [10]

5479/ [1]- قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى:

__________________________________________________

3- تفسير العياشي 2: 204/ 11.

4- تفسير العياشي 2: 204/ 12. [.....]

5- تفسير العياشي 2: 205/ 13.

6- تفسير العياشي 2: 205/ 14.

7- معاني الآخبار: 146/ 1.

1- تفسير القمي 1: 360.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص:

235

سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ، قال: «فالسر و العلانية عنده سواء».

5480/ [2]- و قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى: وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ مستخف في جوف بيته.

وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ يعني تحت الأرض، فذلك كله عند الله عز و جل واحد يعلمه.

سورة الرعد(13): آية 11 ..... ص : 235

قوله تعالى:

لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [11]

5481/ [3]- علي بن إبراهيم: إنها قرئت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لقارئها: «أ لستم عربا، فكيف تكون المعقبات من بين يديه؟! و إنما المعقب من خلفه».

فقال الرجل: جعلت فداك، كيف هذا؟ فقال: «إنما نزلت (له معقبات من خلفه و رقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله) و من ذا الذي يقدر أن يحفظ الشي ء من أمر الله؟ و هم الملائكة الموكلون بالناس».

5482/ [4]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.

يقول: «بأمر الله، من أن يقع في ركي «1»، أو يقع عليه حائط، أو يصيبه شي ء حتى إذا جاء القدر، خلوا بينه و بينه، يدفعونه إلى المقادير، و هما ملكان يحفظانه بالليل، و ملكان بالنهار يتعاقبانه».

و تقدم حديث جابر عن النبي (صلى الله عليه و آله) في قوله تعالى: يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً من سورة النساء، أن ابن آدم له ملكان يحفظانه «2».

5483/ [5]- العياشي: عن بريد العجلي، قال: سمعني أبو عبد الله (عليه السلام) و أنا أقرأ لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فقال: «مه، و كيف تكون المعقبات من بين يديه؟ إنما

تكون المعقبات من خلفه إنما أنزلها الله (له رقيب من بين يديه و معقبات من خلفه. يحفظونه بأمر الله)».

5484/ [6]- عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.

قال: «بأمر الله- ثم قال- ما من عبد إلا و معه ملكان يحفظانه، فإذا جاء الأمر من عند الله، خليا بينه و بين أمر

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 360.

3- تفسير القمّي 1: 360.

4- تفسير القمّي 1: 360.

5- تفسير العيّاشي 2: 205/ 15.

6- تفسير العيّاشي 2: 205/ 16.

(1) الرّكيّ: جنس للرّكيّة، و هي البئر، و جمعها، ركايا «النهاية- ركا- 2: 261».

(2) تقدم في الحديث (1) من تفسير الآية (120) من سورة النساء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 236

الله».

5485/ [5]- عن فضيل بن عثمان سكرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال في هذه الآية لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ الآية، قال: «هن المقدمات المؤخرات المعقبات الباقيات الصالحات».

قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ [11] 5486/ [1]- قال علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ أي من دافع.

5487/ [2]- عبد الله بن جعفر الحميري: عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سمعته- يعني الرضا (عليه السلام)- يقول، في قول الله تبارك و تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ.

فقال: «إن القدرية يحتجون بأولها، و ليس كما يقولون، ألا ترى

أن الله تعالى يقول: وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ و قال نوح: وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ»

- قال- الأمر إلى الله يهدي من يشاء».

5488/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال:

حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن عبد الله بن الفضل، عن أبيه، قال:

سمعت أبا خالد الكابلي يقول: سمعت زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: «الذنوب التي تغير النعم:

البغي على الناس، و الزوال عن العادة في الخير و اصطناع المعروف، و كفران النعم، و ترك الشكر، قال الله عز و جل:

إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ».

5489/ [4]- العياشي: عن سليمان بن عبد الله، قال: كنت عند أبي الحسن موسى (عليه السلام) قاعدا، فأتي بامرأة

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 205/ 17.

1- تفسير القمّي 1: 360.

2- قرب الإسناد: 158. [.....]

3- معاني الأخبار: 270/ 2.

4- تفسير العيّاشي 2: 205/ 18.

(1) هود 11: 34.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 237

قد صار وجهها قفاها، فوضع يده اليمنى في جبينها، و يده اليسرى من خلف ذلك، ثم عصر وجهها عن اليمين، ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ فرجع وجهها، و قال: «احذري أن تفعلي كما فعلت».

فقالوا: يا بن رسول الله، و ما فعلت؟ فقال: «ذلك مستور إلا أن تتكلم به» فسألوها، فقالت: كانت لي ضرة، فقمت اصلي، فظننت أن زوجي معها، فالتفت إليها فرأيتها قاعدة و ليس هو معها. فرجع وجهها على ما كان.

5490/ [5]- عن أبي

عمرو المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن أبي كان يقول: إن الله قضى قضاء حتما لا ينعم على عبد بنعمة فيسلبها إياه قبل أن يحدث العبد ذنبا يستوجب بذلك الذنب سلب تلك النعمة، و ذلك قول الله: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ».

5491/ [6]- عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قول الله: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ «فصار الأمر إلى الله تعالى».

5492/ [7]- عن الحسين بن سعيد المكفوف، كتب إليه (عليه السلام) في كتاب له: جعلت فداك، يا سيدي، علم مولاك ما لا يقبل لقائله دعوة، و ما لا يؤخر لفاعله دعوة، و ما حد الاستغفار الذي وعد عليه نوح، و الاستغفار الذي لا يعذب قائله، و كيف يلفظ بهما؟ و معنى قوله: وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ «1» وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ «2» و قوله: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ «3»، وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي «4» و إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ؟ و كيف يغير القوم ما بأنفسهم؟

فكتب (صلوات الله عليه): «كافأكم الله عني بتضعيف الثواب، و الجزاء الحسن الجميل، و عليكم جميعا السلام و رحمة الله و بركاته، الاستغفار ألف، و التوكل: من توكل على الله فهو حسبه، و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب، و أما قوله: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ أي من قال بالأئمة و اتبع أمرهم بحسن طاعتهم، و أما التغير فإنه لا يسي ء إليهم حتى يتولوا ذلك بأنفسهم بخطاياهم، و ارتكابهم ما نهى عنه»

و كتب بخطه.

سورة الرعد(13): الآيات 12 الي 13 ..... ص : 237

قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 206/ 19.

6- تفسير العيّاشي 2: 206/ 20.

7- تفسير العيّاشي 2: 206/ 21.

(1) الطلاق 65: 2، 4، 5.

(2) الأنفال 8: 49.

(3) طه 20: 123.

(4) طه 20: 124.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 238

وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ [12- 13]

5493/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، و محمد بن بكران النقاش، و محمد بن إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنهم)، قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً.

قال (عليه السلام): «خوفا للمسافر، و طمعا للمقيم».

5494/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) يقوم في المطر أول ما تمطر حتى يبتل رأسه و لحيته و ثيابه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، الكن «1» الكن، فقال: إن هذا ماء قريب العهد بالعرش، ثم أنشأ يحدث، فقال: إن تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات، فإذا أراد الله (عز ذكره) أن ينبت به ما يشاء لهم رحمة منه لهم، أوحى الله إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء، حتى يصير إلى سماء الدنيا- فيما أظن- فيلقيه إلى السحاب، و السحاب بمنزلة الغربال، ثم يوحي الله إلى الريح أن اطحنيه و أذيبيه ذوبان الماء،

ثم انطلقي به إلى موضع كذا و كذا فامطري عليهم.

فيكون كذا و كذا عبابا و غير ذلك، فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به، فليس من قطرة تقطر إلا و معها ملك حتى يضعها موضعها، و لم تنزل من السماء قطرة من مطر إلا بعدد و وزن معلوم، إلا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوح (عليه السلام)، فإنه نزل ماء منهمر بلا وزن و لا عدد».

5495/ [3]- قال: و حدثني أبو عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال لي أبي (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله عز و جل جعل السحاب غرابيل للمطر، هي تذيب البرد حتى يصير ماء كي لا يضر به شيئا يصيبه، و الذي ترون فيه من البرد و الصواعق نقمة من الله عز و جل يصيب بها من يشاء من عباده. ثم قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تشيروا إلى المطر، و لا إلى الهلال، فإن الله يكره ذلك».

و روى ذلك الحميري في (قرب الإسناد) بإسناده، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «2».

__________________________________________________

1- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 294/ 51.

2- الكافي 8: 239/ 326.

3- الكافي 8: 240 ذيل الحديث (326).

(1) الكنّ: ما يرد الحرّ و البرد من الأبنية و المساكن. «النهاية- كنن- 4: 206». [.....]

(2) قرب الإسناد: 35.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 239

5496/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد ابن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يموت المؤمن بكل ميتة إلا

الصاعقة، لا تأخذه و هو يذكر الله عز و جل».

5497/ [5]- و عنه: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ميتة المؤمن؟

قال: «يموت المؤمن بكل ميتة، يموت غرقا، و يموت بالهدم، و يبتلى بالسبع، و يموت بالصاعقة، و لا تصيب ذاكر الله عز و جل».

5498/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية العجلي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الصواعق لا تصيب ذاكرا» قال: قلت: و ما الذاكر؟ قال: «من قرأ مائة آية».

5499/ [7]- العياشي: عن يونس بن عبد الرحمن، أن داود قال: كنا عنده فأرعدت السماء، فقال هو: «سبحان من يسبح له الرعد بحمده و الملائكة من خيفته» فقال له أبو بصير: جعلت فداك، إن للرعد كلاما؟ فقال: «يا أبا محمد، سل عما يعنيك، و دع ما لا يعنيك».

5500/ [8]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرعد، أي شي ء يقول؟ قال: «إنه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيزجرها، هاي هاي، كهيئة ذلك».

قلت: فما البرق؟ قال لي: «تلك من مخاريق «1» الملائكة، تضرب السحاب فتسوقه إلى الموضع الذي قضى الله فيه المطر».

5501/ [9]- محمد بن إبراهيم النعماني: بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت عليا (عليه السلام)- في حديث، فيه- في قوله تعالى: وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ قال: «يريد المكر».

5502/ [10]- قال علي بن إبراهيم: قوله: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً يعني يخافه قوم، و يطمع فيه قوم، أن يمطروا: وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ

يعني يرفعها من الأرض. وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ و هو الملك الذي يسوق السحاب وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ

__________________________________________________

4- الكافي 2: 363/ 1.

5- الكافي 2: 363/ 3.

6- الكافي 2: 363/ 2.

7- تفسير العياشي 2: 207/ 22.

8- تفسير العياشي 2: 207/ 23.

9- الغيبة: 278/ 62.

10- تفسير القمي 1: 361.

(1) المخراق: منديل أو نحوه يلوى فيضرب به، أو يلف فيفزع به، و أراد هنا أنها آلة تزجر بها الملائكة السحاب و تسوقه، انظر «لسان العرب- خرق- 10: 76».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 240

أي شديد الغضب.

5503/ [11]- الشيخ في (الأمالي)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا نصر بن القاسم بن نصر أبو ليث الفرائضي، و عمرو بن أبي حسان «1» الزيادي، قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا ديلم بن غزوان العبدي، و علي بن أبي سارة الشيباني، قالا: حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعث رجلا إلى فرعون من فراعنة العرب يدعوه إلى الله عز و جل، فقال لرسول النبي (صلى الله عليه و آله): أخبرني عن هذا الذي تدعوني إليه، أمن فضة هو، أم من ذهب، أم من حديد؟ فرجع إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، و أخبره بقوله، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «ارجع إليه فادعه»، قال: يا نبي الله، إنه أعتى من ذلك.

قال: «إرجع إليه» فرجع إليه، فقال كقوله، فبينا هو يكلمه إذ رعدت سحابة رعدة فألقت على رأسه صاعقة ذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله جل ثناؤه: وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ

يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ.

سورة الرعد(13): آية 14 ..... ص : 240

قوله تعالى:

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْ ءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [14]

5504/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْ ءٍ «فهذا مثل ضربه الله للذين يعبدون الأصنام، و الذين يعبدون آلهة من دون الله، فلا يستجيبون لهم بشي ء، و لا ينفعهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ ليبلغ فاه ليتناوله من بعيد و لا يناله».

5505/ [2]- و قال علي بن إبراهيم في قوله: وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أي في بطلان.

5506/ [3]- ثم قال: حدثني أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال: يا رسول الله، رأيت أمرا عظيما، فقال: و ما رأيت؟ قال: كان لي

__________________________________________________

11- الأمالي 2: 99.

1- تفسير القمّي 1: 361.

2- تفسير القمّي 1: 361.

3- تفسير القمّي 1: 361.

(1) في المصدر: عمرو بن أبي هشام. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 241

مريض، و نعت له ماء من بئر بالأحقاف «1» يستشفى به في برهوت «2»، قال: فانتهيت و معي قربة و قدح لآخذ من مائها و أصب في القربة و إذا بشي ء قد هبط من جو السماء كهيئة السلسلة، و هو يقول: يا هذا، اسقني، الساعة أموت. فرفعت رأسي، و رفعت إليه القدح لأسقيه، فإذا رجل في عنقه سلسلة، فلما ذهبت أناوله القدح، اجتذب مني حتى

علق بالشمس، ثم أقبلت على الماء أغترف إذ أقبل الثانية و هو يقول: العطش العطش، يا هذا، اسقني، الساعة أموت. فرفعت القدح لأسقيه، فاجتذب مني حتى علق بالشمس، حتى فعل ذلك الثالثة، فقمت و شددت قربتي و لم أسقه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ذاك قابيل بن آدم الذي قتل أخاه، و هو قوله عز و جل: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْ ءٍ إلى قوله: إِلَّا فِي ضَلالٍ».

سورة الرعد(13): آية 15 ..... ص : 241

قوله تعالى:

وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ [15] 5507/ [1]- قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ قال: بالعشي، قال: ظل المؤمن يسجد طوعا، و ظل الكافر يسجد كرها، و هو نموهم و حركتهم و زيادتهم و نقصانهم.

5508/ [2]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً الآية: «أما من يسجد من أهل السماوات طوعا، فالملائكة يسجدون لله طوعا، أما من يسجد من أهل الأرض طوعا، فمن «3» ولد في الإسلام فهو يسجد له طوعا، و أما من يسجد له كرها، فمن اجبر على الإسلام، و أما من لم يسجد فظله يسجد له بالغداة و العشي».

5509/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن غالب بن عبد الله، عن

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 361.

2- تفسير القمّي 1: 362.

3- الكافي 2: 379/ 1.

(1) في «س»: بين الأحقاف.

(2) برهوت: بفتح الأول و الثاني و ضمّ الهاء و سكون

الواو، باليمن يوضع فيه أرواح الكفار، و قيل: بئر بحضرموت، و قيل: هو اسم للبلد الذي فيه هذا البئر. «معجم البلدان 1: 405».

(3) في «س» و «ط»: الأرض ممن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 242

أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك و تعالى: وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ.

قال: «هو الدعاء قبل طلوع الشمس و قبل غروبها، و هي ساعة إجابة».

5510/]

- العياشي: عن عبد الله بن ميمون القداح، قال: سمعت زيد بن علي يقول: يا معشر من يحبنا، ألا ينصرنا «1» من الناس أحد؟ فإن الناس لو يستطيعون أن يحبونا لأحبونا، و الله لأحبتنا أشد خزانة من الذهب و الفضة، إن الله خلق ما هو خالق ثم جعلهم أظلة، ثم تلا هذه الآية وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً الآية، ثم أخذ ميثاقنا و ميثاق شيعتنا، فلا ينقص منها واحد، و لا يزداد فينا واحد.

سورة الرعد(13): آية 16 ..... ص : 242

قوله تعالى:

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ- إلى قوله تعالى- قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [16] 5511/ [5]- قال علي بن إبراهيم: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ يعني المؤمن و الكافر أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ أما الظلمات فالكفر، و أما النور فهو الإيمان، ثم قال في قوله: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ: الآية محكمة.

سورة الرعد(13): الآيات 17 الي 18 ..... ص : 242

قوله تعالى:

أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ- إلى قوله تعالى- وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ [17- 18] 5512/ [6]- و قال علي بن إبراهيم: قوله: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها يقول: الكبير على قدر كبره، و الصغير على قدر صغره: فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ.

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 207/ 24.

5- تفسير القمّي 1: 362.

6- تفسير القمّي 1: 362.

(1) في المصدر: لا ينصرنا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 243

ثم قال: قول الله: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يقول: أنزل الحق من السماء فاحتملته القلوب بأهوائها، ذو اليقين على قدر يقينه، و ذو الشك على قدر شكه، فاحتمل الهوى باطلا كثيرا و جفاء، فالماء هو الحق، و الأودية هي القلوب، و السيل هو الهوى، و الزبد هو الباطل، و الحلية و المتاع هو الحق، قال الله: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فالزبد و خبث الحديد «1» هو الباطل، و المتاع و الحلية هو الحق، من أصاب

الزبد و خبث الحديد «2» في الدنيا لم ينتفع به، و كذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به، و أما المتاع و الحلية فهو الحق، من أصاب الحلية و المتاع في الدنيا انتفع به، و كذلك صاحب الحق يوم القيامة ينتفع به، كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ.

5513/ [2]- ثم قال أيضا: قوله: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً أي مرتفعا، وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ يعني ما يخرج من الماء من الجواهر و هو مثل، أي يثبت الحق في قلوب المؤمنين، و في قلوب الكفار لا يثبت كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً يعني يبطل وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ و هذا مثل للمؤمنين و المشركين، و قال الله عز و جل: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ فالمؤمن إذا سمع الحديث ثبت في قلبه و أجابه «3» و آمن به، فهو مثل الماء الذي يبقى «4» في الأرض فينبت النبات، و الذي لا ينتفع به يكون مثل الزبد الذي تضربه الرياح فيبطل.

5514/ [3]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في حديث يذكره في «5» أحوال الكفار: «و ضرب مثلهم بقوله: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن، فهو يضمحل و يبطل و يتلاشى عند التحصيل، و الذي ينفع الناس

منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و القلوب تقبله، و الأرض في هذا الموضع هي محل العلم و قراره».

5515/ [4]- و قال الطبرسي في معنى سوء الحساب، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «هو أن «6» لا يقبل منهم

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 1: 363.

3- الاحتجاج: 249.

4- مجمع البيان 6: 442.

(1) في المصدر: الحلية. [.....]

(2) في المصدر: الحلية.

(3) في «س»: و رجا ربه.

(4) في «ط»: يقع.

(5) في «س»: يذكر من.

(6) في «س»: هؤلاء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 244

حسنة، و لا يغفر لهم سيئة».

5516/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله: وَ بِئْسَ الْمِهادُ قال: يمتهدون «1» في النار.

سورة الرعد(13): آية 19 ..... ص : 244

قوله تعالى:

أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [19]

5517/ [2]- ابن شهر آشوب: عن أبي الورد، عن أبي جعفر (عليه السلام) أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ. قال: «علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

5518/ [3]- عن محمد بن مروان، عن السدي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى:

أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ،

قال: علي (عليه السلام) كَمَنْ هُوَ أَعْمى قال: الأول.

5519/ [4]- محمد بن يعقوب: عن أبي عبد الله الأشعري، عن بعض أصحابنا رفعه، عن هشام بن الحكم، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث طويل- قال: «يا هشام، ثم ذكر اولي الألباب بأحسن الذكر، و حلاهم بأحسن التحلية «2»، و قال: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.

5520/ [5]- و قال الحسن بن علي (عليهما السلام): «إذا طلبتم الحوائج

فاطلبوها من أهلها، قيل: يا بن رسول الله، و من أهلها؟ قال: «الذين قص «3» الله في كتابه و ذكرهم، فقال: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ- قال- هم أولو العقول».

5521/ [6]- العياشي: عن عقبة بن خالد، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأذن لي، و ليس هو في مجلسه، فخرج علينا من جانب البيت من عند نسائه و ليس عليه جلباب، فلما نظر إلينا، قال: «أحب لقاءكم» ثم

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 363.

2- المناقب 3: 61.

3- المناقب 3: 60.

4- الكافي 1: 12.

5- الكافي 1: 15/ 12.

6- تفسير العيّاشي 2: 207/ 25.

(1) في «س»: يتمهّدون، و في المصدر: يمهدون. و المهاد: الفراض، و مهد لنفسه: كسب و عمل، و مهد لنفسه خيرا و امتهده: هيّأه و توطأه «لسان العرب- مهد- 3: 410» و التمهّد: التمكّن «الصحاح- مهد- 3: 541».

(2) في المصدر: الحلية.

(3) في «ط»: خصّ. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 245

جلس، ثم قال: «أنتم أولو الألباب في كتاب الله، قال الله: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ».

5522/ [6]- عن أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تفكر ساعة خير من عبادة سنة، قال الله: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ».

سورة الرعد(13): الآيات 20 الي 21 ..... ص : 245

قوله تعالى:

الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ [20- 21]

5523/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن الرحم معلقة بالعرش، تقول: اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني، و هي رحم

آل محمد، و هو قول الله عز و جل: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ و رحم كل ذي رحم».

5524/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال، قال: وقع بين أبي عبد الله (عليه السلام) و بين عبد الله بن الحسن كلام، حتى وقعت الضوضاء بينهم، و اجتمع الناس، فافترقا عشيتهما بذلك، و غدوت في حاجة، فإذا أنا بأبي عبد الله (عليه السلام) على باب عبد الله بن الحسن، و هو يقول: «يا جارية، قولي لأبي محمد يخرج» قال: فخرج فقال: يا أبا عبد الله، ما بكر بك؟ فقال: «إني تلوت آية في كتاب الله عز و جل البارحة، فأقلقتني». قال: و ما هي؟ قال: «قول الله جل و عز ذكره: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» فقال: صدقت، لكأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله جل و عز قط، فاعتنقا و بكيا.

5525/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ فقال:

«قرابتك».

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 208/ 26.

1- الكافي 2: 121/ 7.

2- الكافي 2: 124/ 23.

3- الكافي 2: 125/ 27.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 246

5526/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان و هشام بن الحكم، و درست بن أبي منصور، عن عمر

بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ؟

قال: «نزلت في رحم آل محمد (عليه السلام) و قد تكون في قرابتك» ثم قال: «فلا تكونن ممن يقول للشي ء إنه في شي ء واحد» «1».

5527/ [5]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «و مما فرض الله عز و جل أيضا في المال من غير الزكاة، قوله عز و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ».

5528/ [6]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن حماد بن عثمان قال: دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فشكا إليه رجلا من أصحابه، فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): «ما لفلان يشكوك؟» فقال له: يشكوني أني أستقضيت «2» منه حقي. قال: فجلس أبو عبد الله (عليه السلام) مغضبا، ثم قال: «كأنك إذا استقضيت حقك لم تسئ؟! أ رأيت ما حكى الله عز و جل في كتابه:

يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ؟ أ ترى أنهم خافوا الله أن يجور عليهم؟ لا و الله ما خافوا إلا الاستقضاء، فسماه الله عز و جل: سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء».

5529/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «إن رحم آل محمد (صلى الله عليه و آله) معلقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني، و هي تجري في كل رحم، و نزلت هذه الآية في آل محمد، و ما عاهدهم

عليه، و ما أخذ عليهم من الميثاق في الذر من ولاية أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام) بعده، و هو قوله: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ الآية، ثم ذكر أعداهم، فقال:

وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ «3» يعني في أمير المؤمنين (عليه السلام)، و هو الذي أخذ الله عليهم في الذر، و أخذ عليهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) بغدير خم ثم قال: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ «4»».

__________________________________________________

4- الكافي 2: 125/ 28.

5- الكافي 3: 498/ 8.

6- الكافي 5: 100/ 1، تفسير القمّي 1: 363.

7- تفسير القمّي 1: 363.

(1) قال الفيض الكاشاني (رحمه اللّه): يعني إذا نزلت آية في شي ء خاصّ، فلا تخصّص حكمها بذلك الأمر بل عمّمه في نظائره، الوافي 5:

505/ 442.

(2) في تفسير القمّي: بالصاد المهملة في المواضع كافة، و معنى استقضيت منه: طلبت منه حقّي أن يقضيه. و استقصى المسألة: بلغ النهاية في طلبها.

(3) الرعد 13: 25.

(4) الرعد 13: 25.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 247

5530/ [8]- ابن بابويه، عن أبيه (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لرجل: «يا فلان، ما لك و لأخيك؟» فقال:

جعلت فداك، كان لي عليه شي ء فاستقصيت «1» في حقي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «أخبرني عن قول الله عز و جل: وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ أ تراهم خافوا أن يجور عليهم أو يظلمهم؟ لا، و لكنهم خافوا الاستقصاء و المداقة» «2».

5531/ [9]- الحسين بن سعيد: عن القاسم، عن عبد الصمد بن بشير، عن

معاوية، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «إن صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة» ثم قرأ: يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

5532/ [10]- العياشي: عن العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الرحم معلقة بالعرش، تقول:

اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني، و هي رحم آل محمد و رحم كل مؤمن، و هو قول الله: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ».

5533/ [11]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): بر الوالدين و صلة الرحم يهون الحساب. ثم تلا هذه الآية وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

5534/ [12]- عن محمد بن الفضيل، قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ قال: «هي رحم آل محمد، معلقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني، و اقطع من قطعني، و هي تجري في كل رحم».

5535/ [13]- عن عمر بن مريم، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.

قال: «من ذلك، صلة الرحم، و غاية تأويلها صلتك إيانا».

5536/ [14]- عن صفوان بن مهران الجمال، قال: وقع بين عبد الله بن الحسن و بين أبي عبد الله (صلوات الله عليه)

__________________________________________________

8- معاني الأخبار: 246/ 1.

9- الزهد: 37/ 99. [.....]

10- تفسير العيّاشي 2: 208/ 27.

11- تفسير العيّاشي 2: 208/ 28.

12- تفسير العيّاشي 2: 208/ 29.

13- تفسير العيّاشي 2: 208/ 30.

14- تفسير العيّاشي 2: 208/ 31.

(1) في «ط» زيادة: عليه.

(2) داقّه

في الحساب: أي حاسبه بالدقّة. «المعجم الوسيط 1: 291».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 248

كلام، حتى ارتفعت أصواتهما، و اجتمع الناس، ثم افترقا تلك العشية، فلما أصبحت غدوت في حاجة لي، فإذا أبو عبد الله (عليه السلام) على باب عبد الله بن الحسن، و هو يقول: «قولي- يا جارية- لأبي محمد: هذا أبو عبد الله بالباب» فخرج عبد الله بن الحسن و هو يقول: يا أبا عبد الله، ما بكر بك؟ قال: «إني تلوت البارحة آية من كتاب الله فأقلقتني».

قال: و ما هي؟ قال: «قوله عز و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ». قال: فاعتنقا و بكيا جميعا ثم قال عبد الله بن الحسن: صدقت- و الله- يا أبا عبد الله، كأن لم تمر بي هذه الآية قط.

5537/ [15]- و كتب إلينا الفضل بن شاذان، عن أبي عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الحميد، عن سالمة- مولاة ام ولد كانت لأبي عبد الله- قالت: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، حين حضرته الوفاة، فأغمي عليه، فلما أفاق، قال: «اعطوا الحسن بن علي بن الحسين- و هو الأفطس- سبعين دينارا».

قلت: أ تعطي رجلا حمل عليك بالشفرة «1»؟ قال: «ويحك، أما تقرئين القرآن؟». قالت: بلى، قال: «أما سمعت قول الله تبارك و تعالى: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» قال: «و قال: يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ- قال- هو صلة الإمام».

5538/ [16]- عن الحسن بن موسى قال: روى أصحابنا أنه سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول تعالى:

وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ

بِهِ أَنْ يُوصَلَ.

قال: «هو صلة الامام في كل سنة بما قل أو كثر» ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و ما أريد بذلك إلا تزكيتكم».

5539/ [17]- عن سماعة، قال: سألته عن قول الله: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.

فقال: «هو ما افترض الله في المال غير الزكاة، و من أدى ما فرض الله عليه، فقد قضى ما عليه».

5540/ [18]- عن سماعة، قال: إن الله فرض للفقراء من أموال الأغنياء فريضة، لا يحمدون بأدائها، و هي الزكاة، بها حقنوا دماءهم، و بها سموا مسلمين، و لكن الله فرض في الأموال حقوقا غير الزكاة، و مما فرض الله في المال غير الزكاة، قوله: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ و من أدى ما فرض الله عليه فقد قضى ما عليه، و أدى شكر ما أنعم الله عليه من ماله، إذا هو حمده على ما أنعم عليه، بما فضله به من السعة على غيره، و لما وفقه لأداء ما افترض الله، و أعانه عليه.

5541/ [19]- عن أبي إسحاق، قال: سمعته يقول في سُوءَ الْحِسابِ: «لا تقبل حسناتهم، و يؤخذون

__________________________________________________

15- تفسير العيّاشي 2: 209/ 32 و 33.

16- تفسير العيّاشي 2: 209/ 34.

17- تفسير العيّاشي 2: 209/ 35.

18- تفسير العيّاشي 2: 210/ 36، الكافي 3: 498/ 8.

19- تفسير العيّاشي 2: 210/ 37.

(1) الشّفرة- بالفتح: السكّين العظيم. «الصحاح- شفر- 2: 701».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 249

بسيئاتهم».

5542/ [20]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

قال: «تحسب عليهم السيئات، و لا «1» تحسب لهم الحسنات، و هو الاستقصاء».

5543/ [21]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)

في قوله: وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

قال: «الاستقصاء و المداقة» و قال: «تحسب عليهم السيئات، و لا تحسب لهم الحسنات».

5544/ [22]- عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لرجل: «يا فلان، مالك و لأخيك؟» قال:

جعلت فداك، كان لي عليه حق فاستقصيت منه حقي. قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أخبرني عن قول الله: وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ أ تراهم خافوا أن يجور عليهم أو يظلمهم؟ لا و الله، خافوا الاستقصاء و المداقة».

5545/ [23]- قال محمد بن عيسى: و بهذا الإسناد، أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال لرجل شكاه بعض إخوانه: «ما لأخيك فلان يشكوك؟» قال: أ يشكوني إذا استقصيت حقي؟ قال: فجلس مغضبا ثم قال: «كأنك إذا استقصيت لم تسئ؟! أ رأيت ما حكى الله تبارك و تعالى: وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ أخافوا أن يجور عليهم الله؟ لا و الله ما خافوا إلا الاستقصاء، فسماه الله عز و جل: سُوءَ الْحِسابِ فمن استقصى فقد أساء».

5546/ [24]- عن الحسين بن عثمان، عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن صلة الرحم تزكي الأعمال، و تنمي الأموال، و تيسر الحساب، و تدفع البلوى، و تزيد في العمر» «2».

5547/ [25]- ابن شهر آشوب: عن محمد بن الفضيل «3»، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، قال: «هي رحم آل محمد (عليهم السلام)».

5548/ [26]- الطبرسي: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سوء الحساب أن يحسب عليهم السيئات، و لا يحسب لهم الحسنات، و هو الاستقصاء».

__________________________________________________

20- تفسير العيّاشي 2: 210/ 38. [.....]

21- تفسير العيّاشي 2: 210/ 39.

22- تفسير

العيّاشي 2: 210/ 40.

23- تفسير العيّاشي 2: 210/ 41.

24- تفسير العيّاشي 2: 210/ 41.

25- المناقب 2: 168.

26- مجمع البيان 6: 444.

(1) (لا) ليس في «س».

(2) في المصدر: الأعمار.

(3) في المصدر: محمّد بن المفضّل. و كلاهما روى عن الامام موسى بن جعفر (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 250

سورة الرعد(13): آية 22 ..... ص : 250

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ [22] 5549/ [1]- علي بن إبراهيم: وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ يعني يدفعون.

5550/ [2]- و عنه، قال: و حدثني أبي، عن حماد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (صلوات الله عليه): يا علي، ما من دار فيها فرحة إلا تبعتها ترحة، و ما من هم إلا و له فرج، إلا هم أهل النار، فإذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة تمحها سريعا، و عليك بصنائع الخير، فإنها تدفع مصارع السوء. و إنما قال رسول (صلى الله عليه و آله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) على حد التأديب للناس، لا بأن لأمير المؤمنين (عليه السلام) سيئات عملها».

5551/ [3]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن محمد بن قيس، عن أبي سيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوما، واضعا يده على كتف العباس، فاستقبله أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعانقه رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قبل ما بين عينيه، ثم سلم العباس على علي (عليه السلام) فرد عليه ردا خفيفا «1»، فغضب العباس، فقال: يا رسول الله، لا يدع

علي زهوه. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا عباس، لا تقل ذلك في علي، فإني لقيت جبرئيل آنفا، فقال لي: لقيني الملكان الموكلان بعلي الساعة، فقالا: ما كتبنا عليه ذنبا منذ ولد إلى هذا اليوم».

سورة الرعد(13): الآيات 23 الي 24 ..... ص : 250

قوله تعالى:

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 364.

2- تفسير القمّي 1: 364.

3- تفسير القمّي 1: 364.

(1) في «ص»: خفيا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 251

سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [23- 24] 5552/ [1]- علي بن إبراهيم: قال: نزلت في الأئمة (عليهم السلام) و شيعتهم الذين صبروا.

5553/ [2]- و عنه، قال: و حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «نحن صبر و شيعتنا أصبر منا، لأنا صبرنا بعلم، و صبروا على ما لا يعلمون».

5554/ [3]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنا صبر و شيعتنا أصبر منا»، قلت: جعلت فداك، كيف صارت شيعتكم أصبر منكم؟

قال: «لأنا نصبر على ما نعلم، و شيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون».

5555/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن الأصبغ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، و أحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عز و جل عليك، و الذكر ذكران: ذكر الله عز و جل عند المصيبة، و أفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم عليك فيكون حاجزا».

5556/ [5]-

و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: أخبرني يحيى بن سليم الطائفي، قال: أخبرني عمرو بن شمر اليماني، يرفع الحديث إلى علي (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، و صبر على الطاعة، و صبر المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة، إلى الدرجة، كما بين السماء إلى الأرض و من صبر على الطاعة، كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة، كما بنى تخوم الأرض إلى العرش و من صبر عن المعصية، كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة، كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش».

5557/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه، كان له من الأجر مثل «1» ألف شهيد».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 365. [.....]

2- تفسير القمّي 1: 365.

3- الكافي 2: 76/ 25.

4- الكافي 2: 74/ 11.

5- الكافي 2: 75/ 15.

6- الكافي 2: 75/ 17.

(1) في المصدر: له مثل أجر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 252

5558/ [7]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن مرحوم، عن أبي سيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا دخل المؤمن في قبره، كانت الصلاة عن يمينه، و الزكاة عن يساره، و البر مطل عليه، و يتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة و

الزكاة و البر: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه».

5559/ [8]- العياشي: عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، إن رجلا من أصحابنا ورعا مسلما كثير الصلاة، قد ابتلي بحب اللهو، و هو يسمع الغناء؟ فقال: «أ يمنعه ذلك من الصلاة لوقتها، أو من صوم، أو من عبادة مريض، أو حضور جنازة، أو زيارة أخ؟» قال: قلت: لا، ليس يمنعه ذلك من شي ء من الخير و البر. قال: فقال: «هذا من خطوات الشيطان، مغفور له ذلك إن شاء الله».

ثم قال: «إن طائفة من الملائكة عابوا ولد آدم في اللذات و الشهوات، أعني لكم الحلال ليس الحرام،- قال- فأنف الله للمؤمنين من ولد آدم من تعيير الملائكة لهم- قال- فألقى الله في هم أولئك الملائكة اللذات و الشهوات، كيلا يعيبوا المؤمنين- قال- فلما جرى ذلك في «1» همهم، عجوا إلى الله من ذلك، فقالوا: ربنا عفوك عفوك، ردنا إلى ما خلقتنا له و اخترتنا «2» عليه، فإنا نخاف أن نصير في أمر مريج «3»- قال- فنزع الله ذلك من همهم- قال- فإذا كان يوم القيامة، و صار أهل الجنة في الجنة، استأذن أولئك الملائكة على أهل الجنة، فيؤذن لهم، فيدخلون عليهم فيسلمون عليهم، و يقولون لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ في الدنيا عن اللذات و الشهوات الحلال».

5560/ [9]- عن محمد بن الهيثم، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام): سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ على الفقر في الدنيا فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ- قال- يعني الشهداء».

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- معنى قوله: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ في سورة مريم، في قوله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ

إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً «4».

سورة الرعد(13): آية 25 ..... ص : 252

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [25]

__________________________________________________

7- الكافي 2: 73/ 8.

8- تفسير العيّاشي 2: 211/ 42.

9- تفسير العيّاشي 2: 211/ 43.

(1) في المصدر: فلمّا أحسوا ذلك من.

(2) في المصدر: أجبرتنا.

(3) مرج الأمر و مروجا، مرجا: التبس و اختلط فهو مارج، و مريج. «المعجم الوسيط- مرج- 2: 860».

(4) مريم 19: 85.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 253

تقدم عن قريب حديث في معنى هذه الآية، في قوله تعالى: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ رواية محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) «1».

سورة الرعد(13): الآيات 28 الي 29 ..... ص : 253

قوله تعالى:

الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ- إلى قوله تعالى- طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ [28- 29] 5561/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: الَّذِينَ آمَنُوا: الشيعة، و ذكر الله: أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام)، ثم قال:

أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ أي حسن مرجع.

5562/ [2]- العياشي: عن خالد بن نجيح، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، في قوله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.

فقال: «بمحمد (عليه و آله السلام) تطمئن القلوب، و هو ذكر الله و حجابه».

5563/ [3]- و عن أنس بن مالك، أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ثم قال لي: «أ تدري يا بن ام سليم، من هم؟» قلت: من هم، يا رسول الله؟ قال:

«نحن أهل البيت، و شيعتنا».

5564/ [4]- علي بن إبراهيم: قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن

رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «طوبى: شجرة في الجنة، في دار أمير المؤمنين (عليه السلام)، و ليس أحد من شيعته إلا و في داره غصن من أغصانها، و الورقة من أوراقها تستظل تحتها امة من الأمم».

و قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام)، فأنكرت ذلك عائشة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا عائشة، إني لما أسري بي إلى السماء، دخلت الجنة، فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 365. [.....]

2- تفسير العيّاشي 2: 211/ 44.

3- ... خصائص الوحي المبين: 185/ 138، تأويل الآيات 1: 233/ 11 و فيه: عن ابن عباس، و لا يصحّ، لأنّ أمّ سليم الوارد ذكرها في الخبر هي أمّ أنس و ليست أمّ ابن عباس.

4- تفسير القمّي 1: 365.

(1) تقدم في الحديث (7) من تفسير الآيات (20- 21) من سورة الرعد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 254

و ناولني من ثمارها فأكلته، فحول الله تعالى ذلك ماء، في ظهري، فلما هبطت إلى الأرض، واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها».

5565/ [5]- و عنه: عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)- في حديث الإسراء بالنبي (صلى الله عليه و آله)-، قال فيما رأى ليلة الإسراء، قال: «فإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها، ما دارها سبعمائة «1» سنة، و ليس في الجنة منزل إلا و فيه فنن «2» منها. فقلت: ما هذه يا جبرئيل؟ فقال: هذه شجرة طوبى، قال الله تعالى: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ».

5566/ [6]- ابن بابويه: قال:

حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي، عن جعفر بن أحمد، عن العمركي البوفكي، عن الحسن بن علي ابن فضال، عن مروان بن مسلم، عن أبي بصير، قال: قال الصادق (عليه السلام): «طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا، فلم يزغ قلبه بعد الهداية».

فقلت له: جعلت فداك، و ما طوبى؟ قال: «شجرة في الجنة، أصلها في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و ليس من مؤمن الا و في داره غصن من أغصانها، و ذلك قول الله عز و جل: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ».

5567/ [7]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن لأهل الدين علامات يعرفون بها: صدق الحديث، و أداء الأمانة و وفاء العهد، و صلة الأرحام، و رحمة الضعفاء، و قلة المراقبة للنساء- أو قال: قلة المؤاتاة للنساء- و بذل المعروف، و حسن الخلق، و سعة الخلق، و اتباع العلم و ما يقرب إلى الله عز و جل زلفى طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ و طوبى: شجرة في الجنة أصلها في دار النبي محمد (صلى الله عليه و آله)، و ليس من مؤمن إلا و في داره عصن منها، لا يخطر على قلبه شهوة شي ء إلا أتاه به ذلك، و لو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام، ما خرج منه، و لو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما. ألا ففي

هذا فارغبوا، إن المؤمن من نفسه في شغل، و الناس منه في راحة، إذا جن عليه الليل افترش وجهه و سجد لله عز و جل بمكارم بدنه، يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا كونوا».

و روى هذا الحديث، ابن بابويه، في (أماليه)، قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) مثله، إلا أن فيه: «و قلة المؤاتاة للنساء» و ساق الحديث بتغيير

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 2: 11.

6- معاني الأخبار: 112/ 1، و نحوه في تفسير الحبري: 284/ 40، و خصائص الوحي المبين: 231/ 177، و العمدة: 351/ 675.

7- في المصدر: 2: 187/ 30.

(1) في المصدر: تسعمائة.

(2) في «ط»: غصن، و في المصدر: فيها فرع، و جميعها بمعنى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 255

يسير في بعض الألفاظ.

هذا مما يحضرني من نسخة الكتاب، و هو في المجلس التاسع و الثلاثين «1».

5568/ [8]- العياشي: عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالس ذات يوم، إذ دخلت عليه ام أيمن و في ملحفتها «2» شي ء، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا ام أيمن، أي شي ء في ملحفتك؟ فقالت: يا رسول الله، فلانة بنت فلانة أملكوها فنثروا عليها، فأخذت من نثارها شيئا. ثم إن ام أيمن بكت، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما يبكيك؟ فقالت:

فاطمة زوجتها

فلم تنثر عليها شيئا! فقال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تبكي، فو الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا، لقد شهد إملاك فاطمة جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل في ألوف من الملائكة، و لقد أمر الله طوبى فنثرت عليهم من حللها و سندسها و إستبرقها و درها و زمردها و ياقوتها و عطرها، فأخذوا منه حتى ما دروا ما يصنعون به، و لقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة، فهي في دار علي بن أبي طالب».

5569/ [9]- عن أبان بن تغلب، قال: كان النبي (صلى الله عليه و آله): يكثر تقبيل فاطمة (صلوات الله عليها)، قال: فعاتبته على ذلك عاƘԘɘ̠فقالت: يا رسول الله، إنك لتكثر تقبيل فاطمة؟ فقال لها: «ويلك، لما أن عرج بي إلى السماء، مر بي جبرئيل على شجرة طوبى، فناولني من ثمرها فأكلتها، فحول الله ذلك إلى ظهري، فلما أن هبطت إلى الأرض، واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلت فاطمة إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها».

5570/ [10]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «طوبى: شجرة تخرج من جنة عدن، قد غرسها ربنا بيده».

5571/ [11]- عن أبي قتيبة تميم بن ثابت، عن ابن سيرين، في قوله: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ قال:

طوبى: شجرة في الجنة، أصلها في حجرة علي (عليه السلام)، و ليس في الجنة حجرة إلا فيها غصن من أغصانها.

5572/ [12]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن المؤمن إذا لقي أخاه و تصافحا، لم تزل الذنوب تتحات عنهما ما داما متصافحين، كتحات الورق عن الشجر، فإذا افترقا، قال ملكاهما: جزا كما الله خيرا عن أنفسكما، فإذا التزم كل واحد منهما صاحبه،

ناداهما مناد، طوبى لكما و حسن مآب، و طوبى: شجرة في الجنة،

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 211/ 45.

9- تفسير العيّاشي 2: 212/ 46، و نحوه في ذخائر العقبى: 36، و ينابيع المودة: 197.

10- تفسير العيّاشي 2: 212/ 47.

11- تفسير العيّاشي 2: 212/ 48، مناقب ابن المغازلي: 268/ 315، الدر المنثور 4: 644.

12- تفسير العيّاشي 2: 212/ 49. [.....]

(1) الأمالي: 183/ 7.

(2) الملحفة: اللباس الذي فوق سائر اللباس، من دثار البرد و نحوه «لسان العرب- لحف- 9: 314».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 256

أصلها في دار أمير المؤمنين (عليه السلام)، و فرعها في منازل أهل الجنة، فإذا افترقا ناداهما ملكان كريمان: أبشرا يا وليي الله بكرامة الله، و الجنة من ورائكما».

5573/ [13]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها: صدق الحديث، و أداء الأمانة، و وفاء العهد، و قلة العجز و البخل، و صلة الأرحام، و رحمة الضعفاء، و قلة المؤاتاة للنساء، و بذل المعروف، و حسن الخلق، و سعة الحلم، و اتباع العلم فيما يقرب إلى الله زلفى: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ و طوبى: شجرة في الجنة، أصلها في دار رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فليس من مؤمن إلا و في داره غصن من أغصانها، لا ينوي في قلبه شيئا إلا أتاه به ذلك الغصن، و لو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام، ما خرج منها، و لو أن غرابا طار من أصلها، ما بلغ أعلاها حتى يبياض هرما، ألا ففي هذا فارغبوا. إن للمؤمن في نفسه شغلا، و الناس منه في راحة، إذا جن عليه الليل

فرش وجهه، و سجد لله بمكارم بدنه، يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا فكونوا».

5574/ [14]- الطبرسي: روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني، بالإسناد عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن طوبى، قال: شجرة أصلها في داري، و فروعها على أهل الجنة، ثم سئل عنها مرة اخرى، فقال: في دار علي. فقيل له في ذلك، فقال: إن داري و دار علي في الجنة بمكان واحد».

5575/ [15]- و في كتاب (صفة الجنة و النار) «1» بالإسناد عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) في قول الله تبارك و تعالى: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ «يعني و حسن مرجع، فأما طوبى فإنها شجرة في الجنة، ساقها في دار محمد (صلى الله عليه و آله)، و لو أن طائرا طار من ساقها لم يبلغ فرعها حتى يقتله الهرم، على كل ورقة منها ملك يذكر الله، و ليس في الجنة دار إلا و فيها غصن من أغصانها، و إن أغصانها لترى من وراء سور الجنة، تحمل لهم ما يشاءون من حليها و حللها و ثمارها، لا يؤخذ منها شي ء إلا أعاده الله كما كان، بأنهم كسبوا طيبا، و أنفقوا قصدا، و قدموا فضلا، فقد أفلحوا و أنجحوا».

5576/ [16]- الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان، في (مناقب أمير المؤمنين): بإسناده عن بلال بن حمامة «2»، قال: طلع علينا النبي (صلى الله عليه و آله) ذات يوم و وجهه مشرق كدائرة

__________________________________________________

13- تفسير العيّاشي 2: 213/ 50.

14- مجمع البيان 6: 448، شواهد التنزيل

1: 304/ 417، ينابيع المودة: 96، تفسير القرطبي 9: 317.

15- الاختصاص: 358.

16- مائة منقبة: 166/ 92.

(1) من كتاب (الاختصاص).

(2) هو بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد اللّه، مؤذّن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و خازنه على بيت المال. و حمامة امّه، و هو أحد السابقين للإسلام، شهد المشاهد كلّها مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله). توفّي في دمشق سنة 20 ه. تقريب التهذيب 1: 110، الأعلام للزّركلي 2: 73.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 257

القمر، فقام عبد الرحمن بن عوف، فقال: يا رسول الله، ما هذا النور؟

فقال: «بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي، و ابنتي، و إن الله قد زوج عليا بفاطمة، و أمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى، فحملت رقاعا- يعني صكاكا- بعدد محبي أهل بيتي، و أنشأ من تحتها ملائكة من نور، و دفع إلى كل ملك صكا، فإذا استوت القيامة بأهلها، نادت الملائكة في الخلائق: يا محبي علي بن أبي طالب، هلموا خذوا ودائعكم. فلا تلقى محبا «1» لنا أهل البيت إلا دفعت الملائكة إليه صكا فيه فكاكه من النار، فبأخي و ابن عمي و ابنتي فكاك رجال و نساء من النار «2».

و سيأتي هذا الحديث من طريق الجمهور «3».

5577/ [17]- كتاب (الخرائج): إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: «يا فاطمة، إن بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي، و ابنتي، بأن الله عز و جل زوج عليا بفاطمة، و أمر رضوان- خازن الجنة- فهز شجرة طوبى، فحملت رقاعا بعدد محبي أهل بيتي، و أنشأ ملائكة من تحتها من نور، و دفع إلى كل ملك خطا، فإذا استقرت القيامة

بأهلها، فلا تلقي تلك الملائكة محبا لنا إلا دفعت إليه صكا فيه براءة من النار».

5578/ [18]- ابن بابويه: بإسناده، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أطعم ثلاثة نفر من المؤمنين، أطعمه الله من ثلاث جنان ملكوت السماء: الفردوس، و جنة عدن، و طوبى، و هي شجرة من جنة عدن غرسها ربي بيده».

5579/ [19]- و عنه: بإسناده، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)- و ذكر تفسير حروف (أبجد) إلى آخرها- فقال: و أما الطاء، ف طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ و هي شجرة غرسها الله عز و جل، و نفخ فيها من روحه، و إن أغصانها لترى من وراء سور الجنة، تنبت بالحلي و الحلل، و الثمار متدلية على أفواهم».

5580/ [20]- و عنه: بإسناده، عن الحسين بن أبي العلاء، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): دخلت أم أيمن على النبي (صلى الله عليه و آله) و في ملحفتها شي ء، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما معك يا أم أيمن؟ فقالت: إن فلانة أملكوها فنثروا عليها، فأخذت من نثارها. ثم بكت أم أيمن، فقالت: يا رسول الله، فاطمة زوجتها و لم تنثر عليها شيئا! فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أم أيمن، لم تبكين؟ إن الله تبارك و تعالى لما زوجت فاطمة عليا، أمر أشجار

__________________________________________________

17- الخرائج و الجرائح 2: 536/ 11.

18- ثواب الأعمال: 136.

19- معاني الأخبار: 46، ينابيع المودة: 96 و 132.

20- امالي الصدوق: 236/ 3.

(1) في المصدر: فلا يبقى محبّ.

(2) في المصدر: فكاكه من

الرجال و النساء بعوض حبّ علي بن أبي طالب و فاطمة ابنتي و أولادهما. [.....]

(3) يأتي في الحديث (28) من تفسير هذه الآيات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 258

الجنة أن تنثر عليهم من حليها و حللها و ياقوتها و درها و زمردها و إستبرقها، فأخذوا منها ما لا يعلمون، و لقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة، فجعلها في منزل علي».

5581/ [21]- ابن شهر آشوب: عن ابن بطة، و ابن المؤذن، و السمعاني، في كتبهم، بالإسناد، عن ابن عباس، و أنس بن مالك، قالا: بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالس، إذ جاء علي (عليه السلام) فقال: «يا علي، ما جاء بك؟» قال:

«جئت اسلم عليك»، قال: «هذا جبرئيل يخبرني أن الله تعالى زوجك فاطمة، و أشهد على ذلك أربعين ألف ملك، و أوحى الله إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر و الياقوت. فنثرت عليهم الدر و الياقوت، فابتدرت إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدر و الياقوت، و هن يتهادين بينهن إلى يوم القيامة، و كانوا يتهادون و يقولون: هذه تحفة خير النساء».

و

في رواية ابن بطة عن عبد الله: «فمن أخذ منه يومئذ شيئا أكثر مما أخذه صاحبه أو أحسن، افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة».

5582/ [22]- و عن خباب بن الأرت، في حديث: «أن الله تعالى أوحى إلى جبرئيل: زوج النور من النور، فكان الولي الله، و الخطيب جبرئيل، و المنادي ميكائيل، و الداعي إسرافيل، و الناثر عزرائيل، و الشهود ملائكة السماوات و الأرضين. ثم أوحى إلى شجرة طوبى: أن انثري ما عليك، فنثرت الدر الأبيض، و الياقوت الأحمر، و الزبرجد الأخضر و اللؤلؤ الرطب، فبادرت الحور العين يلتقطن و

يهدين بعضهن إلى بعض».

5583/ [23]- (كشف الغمة): عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أيها الناس، هذا علي بن أبي طالب، و أنتم تزعمون أني زوجته ابنتي فاطمة، و لقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أزوجها «1»، كل ذلك أتوقع الخبر من السماء، حتى جاءني جبرئيل ليلة أربع و عشرين من شهر رمضان، فقال: يا محمد، العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، و قد جمع الروحانيين و الكروبيين في واد يقال له: الأفيح، تحت شجرة طوبى، و زوج فاطمة عليا، و أمرني فكنت الخاطب، و الله تعالى الولي، و أمر شجرة طوبى فحملت الحلي و الدر و الياقوت، ثم نثرته، و أمر الحور العين فاجتمعن و التقطن [فهن ] يتهادينه إلى يوم القيامة، و يقلن: هذا نثار فاطمة».

5584/ [24]- و عن محمد بن سيرين في قوله تعالى: طُوبى لَهُمْ قال: هي شجرة في الجنة، أصلها في حجرة علي (عليه السلام)، و ليس في الجنة حجرة إلا و فيها غصن من أغصانها.

5585/ [25]- ابن الفارسي في (الروضة)، قال: قال ابن عباس: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ طوبى شجرة

__________________________________________________

21- المناقب 3: 346، نزهة المجالس 2: 223.

22- المناقب 3: 346.

23- كشف الغمة 1: 367.

24- كشف الغمة 1: 323، مناقب ابن المغازلي: 268/ 315.

25- روضة الواعظين: 105.

(1) في المصدر: فلم أجب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 259

في الجنة، في دار علي (عليه السلام)، ما في الجنة دار إلا و فيها غصن من أغصانها، ما خلق الله من شي ء إلا و هو تحت طوبى، و تحتها مجمع أهل الجنة، يذكرون نعمة الله عليهم، لما تحت طوبى من كثبان المسك كما تحت «1» شجر الدنيا من الرمل.

5586/

[26]- ابن بابويه في (أماليه): بإسناده، عن عبد الله بن سليمان- و كان قارئا للكتب- في حديث يذكر فيه صفة النبي (صلى الله عليه و آله)، حديث قدسي عن الله عز و جل، قال فيه لعيسى (عليه السلام) في صفة النبي (صلى الله عليه و آله)، قال سبحانه في الصفة: لم ير قبله مثله و لا بعده، طيب الريح، نكاح النساء، ذو النسل القليل، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة، لا صخب فيه و لا نصب، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك، لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، و دينه الإسلام و أنا السلام، طوبى لمن أدرك زمانه، و شهد أيامه، و سمع كلامه.

قال عيسى: يا رب، و ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة، أنا غرستها، تظل الجنان، أصلها من رضوان، ماؤها من تسنيم، برده برد الكافور، و طعمه طعم الزنجبيل، من يشرب من تلك العين شربة لم يظمأ بعدها أبدا.

فقال عيسى: أللهم اسقني منها. قال: حرام- يا عيسى- على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، و حرام على الأمم أن يشربوا حتى تشرب امة ذلك النبي، أرفعك إلي، ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من امة ذلك النبي العجائب، و لتعينهم على اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم، إنهم امة مرحومة.

5587/ [27]- و من طريق المخالفين، ما رواه موفق بن أحمد، في كتاب (المناقب): بإسناده عن أحمد بن عامر بن سليمان، عن الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، قال: «حدثني موسى بن جعفر، حدثني أبي جعفر بن محمد، حدثني أبي محمد بن علي، حدثني أبي علي بن الحسين، حدثني أبي الحسين بن علي، حدثني أبي علي بن

أبي طالب (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أتاني ملك فقال: يا محمد، إن الله عز و جل يقرأ عليك السلام، و يقول: قد زوجت فاطمة من علي، فزوجها منه، و قد أمرت شجرة طوبى أن تحمل الدر و الياقوت و المرجان، و إن أهل السماء قد فرحوا بذلك، و سيولد منهما ولدان سيدا شباب أهل الجنة، و بهما يزين أهل الجنة، فأبشر يا محمد، فإنك خير الأولين و الآخرين».

و روى هذا الحديث من طريق الخاصة ابن بابويه، عن الرضا (عليه السلام) «2».

5588/ [28]- و عن موفق بن أحمد: بإسناده، عن بلال بن حمامة، قال: طلع علينا النبي ذات يوم، و وجهه مشرق كدارة القمر، فقام عبد الرحمن بن عوف، فقال: يا رسول الله، ما هذا النور؟

فقال: «بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي، و ابنتي، أن الله تعالى قد زوج عليا من فاطمة، و أمر رضوان

__________________________________________________

26- الامالي: 224/ 8.

27- المناقب: 246.

28- المناقب: 246.

(1) في المصدر: المسك أكثر ممّا تحت.

(2) عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 27/ 12.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 260

- خازن الجنان- فهز شجرة طوبى، فحملت رقاعا- يعني صكاكا- بعدد محبي أهل بيتي، و أنشأ من تحتها ملائكة من نور، و دفع إلى كل ملك صكا، فإذا كان يوم القيامة، و استوت القيامة بأهلها، نادت الملائكة في الخلائق، فلا تلقى محبا لنا أهل البيت إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من النار، فبأخي و ابن عمي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من امتي من النار».

5589/ [29]- و عنه أيضا: بإسناده عن أم سلمة، و سلمان الفارسي، و علي بن أبي طالب (عليه

السلام) و كل قالوا- و ذكر حديث تزويج علي من فاطمة (عليهما السلام)- و إن الله (عز و جل) لما أشهد على تزويج فاطمة من علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ملائكته، أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها و ما فيها من الحلي و الحلل، فنثرت الشجرة ما فيها، و التقطته الملائكة و الحور العين، و إن الحور و الملائكة ليتهادينه و يفتخرن به إلى يوم القيامة.

5590/ [30]- و عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، ما في الجنة دار و لا قصر و لا حجرة و لا بيت إلا و فيه غصن من تلك الشجرة، و إن أصلها في داري».

ثم أتى عليه ما شاء الله، ثم حدثهم يوما آخر، فقال: «إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، ما في الجنة قصر و لا بيت و لا دار إلا و فيه من تلك الشجرة غصن، و إن أصلها في دار علي» فقام عمر فقال: يا رسول الله، أو ليس حدثنا عن هذه، و قلت: أصلها في داري؟ ثم حدثتنا ثانيا و تقول: أصلها في دار علي؟ فرفع النبي (صلى الله عليه و آله) رأسه و قال: «أو ما علمت بأن داري و دار علي واحدة، و حجرتي و حجرة علي واحدة، و قصري و قصر علي واحد، و درجتي و درجة علي واحدة و ستري و ستر «1» علي واحد».

فقال: إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله، كيف يصنع؟ قال النبي (صلى الله عليه و آله): «إذا أراد أن يأتي أحدنا أهله، ضرب الله بيني و بينه حجابا من نور، فإذا فرغنا من

تلك الحاجة، رفع الله عنا ذلك الحجاب» فعرف عمر حق علي (عليه السلام).

5591/ [31]- و من تفسير الثعلبي: يرفع الإسناد إلى جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن طوبى، فقال: شجرة في الجنة، أصلها في دار علي، و فرعها على أهل الجنة.

فقالوا: يا رسول الله، سألناك فقلت: أصلها في داري، و فرعها على أهل الجنة؟! فقال: داري و دار علي واحدة في الجنة، بمكان واحد».

سورة الرعد(13): الآيات 31 الي 36 ..... ص : 260

قوله تعالى:

وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى [31]

__________________________________________________

29- المناقب: 251.

30- جامع الآخبار: 174. [.....]

31- ... العمدة: 351/ 676، ينابيع المودة: 96.

(1) في «س، ط» نسخة بدل: و سرّي و سرّ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 261

5592/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: لو كان شي ء من القرآن كذلك، لكان هذا.

5593/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر- أو غيره- عن محمد بن حماد، عن أخيه أحمد بن حماد، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، أخبرني عن النبي (صلى الله عليه و آله)، ورث النبيين كلهم؟ قال: «نعم».

قلت: من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه؟ قال: «ما بعث الله نبيا إلا و محمد (صلى الله عليه و آله) أعلم منه».

قال: قلت: إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله؟ قال: «صدقت، و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقدر على هذه المنازل».

قال: و قال: «إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده و شك في أمره، فقال: ما

لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ «1» حين فقده فغضب عليه، فقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ «2» و إنما غضب لأنه كان يدله على الماء، فهذا و هو طائر قد اعطي ما لم يعط سليمان، و قد كانت الريح و النمل و الإنس و الجن و الشياطين و المردة له طائعين، و لم يكن يعرف الماء تحت الهواء، و كان الطير يعرفه. و إن الله يقول في كتابه وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى و قد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال و تقطع به البلدان و تحيا به الموتى، و نحن نعرف الماء تحت الهواء. و إن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به، مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون، و جعله الله لنا في ام الكتاب، إن الله يقول: وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ «3» ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «4» فنحن الذين اصطفانا الله عز و جل و أورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شي ء».

و روى هذا الحديث محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن محمد بن الحسين «5»، عن حماد، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبيه، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) ببعض التغيير اليسير «6».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 365.

2- الكافي 1: 176/ 7.

(1) النمل 27: 20.

(2) النمل 27: 21.

(3) النمل 27: 75.

(4) فاطر 35: 32.

(5) في المصدر: محمد بن الحسن، أنظر معجم رجال الحديث 6: 190.

(6) بصائر الدرجات: 134/

3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 262

قوله تعالى:

أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً- إلى قوله تعالى- وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ [31- 36] 5594/ [1]- قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى: أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً يعني جعلهم كلهم مؤمنين. و قوله: وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أي عذاب.

5595/ [2]- و عنه، قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ: «و هي النقمة أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ فتحل بقوم غيرهم، فيرون ذلك و يسمعون به، و الذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم، و لا يتعظ بعضهم ببعض، و لا يزالون كذلك حتى يأتي وعد الله الذي وعد المؤمنين من النصر، و يخزي الله الكافرين».

5596/ [3]- ثم قال علي بن إبراهيم، في قوله: فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أي طولت لهم الأمل، ثم أهلكتهم.

5597/ [4]- ثم قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ «الظاهر من القول هو الرزق».

5598/ [5]- ثم قال علي بن إبراهيم في قوله: وَ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ

أي من دافع وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ أي عاقبة ثوابهم النار.

5599/ [6]- و عنه: قال: أبو عبد الله (عليه السلام): «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، و قد أطفئت سبعين مرة

بالماء ثم التهبت، و لو لا ذلك ما استطاع آدمي أن يطفئها، و إنها ليؤتى بها يوم القيامة حتى توضع على النار، فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه فزعا من صرختها».

5600/ [7]- ثم قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله:

__________________________________________________

1- تفسير القمي 1: 365.

2- تفسير القمي 1: 365.

3- تفسير القمي 1: 366.

4- تفسير القمي 1: 366. [.....]

5- تفسير القمي 1: 366.

6- تفسير القمي 1: 366.

7- تفسير القمي 1: 366.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 263

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ «فرحوا بكتاب الله إذا تلي عليهم، و إذا تلوه تفيض أعينهم دمعا من الفزع و الحزن، و هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

و هي في قراءة ابن مسعود: (و الذي أنزلنا إليك الكتاب هو الحق، و من يؤمن به) أي علي بن أبي طالب (عليه السلام) يؤمن به وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أنكروا من تأويله ما أنزله في علي و آل محمد (صلوات الله عليهم)، و آمنوا ببعضه، فأما المشركون، فأنكروه كله، أوله و آخره، و أنكروا أن محمدا رسول الله.

سورة الرعد(13): آية 38 ..... ص : 263

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً [38]

5601/ [1]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن سهل، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن الوليد الكندي، قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) في زمن مروان، فقال: «من أنتم؟» فقلنا: من أهل الكوفة، فقال: «ما من بلدة من البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة، و لا سيما هذه العصابة، إن الله جل ذكره هداكم لأمر جهله

الناس، و أحببتمونا و أبغضنا الناس، و اتبعتمونا و خالفنا الناس، و صدقتمونا و كذبنا الناس، فأحياكم الله محيانا، و أماتكم مماتنا، فأشهد على أبي أنه كان يقول: ما بين أحدكم و بين أن يرى ما يقر الله به عينيه و يغتبط إلا أن تبلغ نفسه إلى هذه- و أهوى بيده إلى حلقه- و قد قال الله عز و جل في كتابه: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً فنحن ذرية رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

و روى هذا الحديث الشيخ في (أماليه)، بإسناده عن العباس، عن عبد الله بن الوليد، قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فسلمنا عليه، و جلسنا بين يديه، فسألنا: «من أنتم؟» فقلنا: من أهل الكوفة، و ذكر الحديث «1».

5602/ [2]- العياشي: عن معاوية بن وهب، قال: سمعته يقول: «الحمد لله، نافع عبد آل عمر «2» كان في بيت حفصة و يأتيه الناس وفودا، فلا يعاب ذلك عليهم، و لا يقبح عليهم، و إن أقواما يأتونا صلة لرسول الله (صلى الله عليه و آله)، فيأتونا خائفين مستخفين، يعاب ذلك و يقبح عليهم، و لقد قال الله في كتابه: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً فما كان لرسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا كأحد أولئك، جعل الله له أزواجا، و جعل له ذرية، ثم لم يسلم مع أحد من الأنبياء [مثل ] من أسلم مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) من أهل بيته، أكرم الله بذلك رسوله (صلى الله عليه و آله)».

__________________________________________________

1- الكافي 8: 81/ 38.

2- تفسير العيّاشي 2: 213/ 51.

(1) الأمالي 2: 291.

(2) في

«ط»: و المصدر: الحمد للّه الذي قدح عند آل عمر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 264

5603/ [3]- عن بشير الدهان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما آتى الله أحدا من المرسلين شيئا، إلا و قد آتاه محمدا (صلى الله عليه و آله)، و قد آتى الله محمدا كما آتى المرسلين من قبله» ثم تلا هذه الآية: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً.

5604/ [4]- عن علي بن عمر بن أبان الكلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أشهد على أبي أنه كان يقول: ما بين أحدكم و بين أن يغبط أو يرى ما تقربه عينه، إلا أن تبلغ نفسه هذه- و أهوى إلى حلقه-، قال الله في كتابه:

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً فنحن ذرية رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

5605/ [5]- عن المفضل بن صالح، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): خلق الله الخلق قسمين، فألقى قسما، و أمسك قسما، ثم قسم ذلك القسم على ثلاثة أثلاث، فألقى ثلثين و أمسك ثلثا، ثم اختار من ذلك الثلث قريشا، ثم اختار من قريش بني عبد المطلب، ثم اختار من بني عبد المطلب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فنحن ذريته، فإن قلت للناس: لرسول الله ذرية، جحدوا، و لقد قال الله: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً فنحن ذريته».

قال: فقلت: أنا أشهد أنكم ذريته. ثم قلت له: ادع الله لي- جعلت فداك- أن يجعلني معكم في الدنيا و الآخرة. فدعا لي ذلك، قال: و

قبلت باطن يده.

5606/ [6]- و في رواية شعيب، عنه (عليه السلام) أنه قال: «نحن ذرية رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و الله ما أدري على ما يعادوننا! إلا لقرابتنا من رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

سورة الرعد(13): آية 39 ..... ص : 264

قوله تعالى:

يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [39]

5607/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، و حفص ابن البختري و غيرهما، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في هذه الآية: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ قال: فقال:

«و هل يمحى إلا ما كان ثابتا، و هل يثبت إلا ما لم يكن؟».

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 214/ 52.

4- تفسير العيّاشي 2: 214/ 53.

5- تفسير العيّاشي 2: 214/ 54.

6- تفسير العيّاشي 2: 214/ 55.

1- الكافي 1: 113/ 2.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 265

5608/ [2]- و عنه: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «العلم علمان: فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه، و علم علمه ملائكته و رسله، فما عليه ملائكته و رسله فإنه سيكون، لا يكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله و علم عنده مخزون، يقدم منه ما يشاء، و يؤخر منه ما يشاء، و يثبت ما يشاء».

5609/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن عبد الله بن سنان قال: لما قدم أبو عبد الله (عليه السلام) على أبي العباس، و هو

بين الحيرة «1» و الكوفة «2» و معه ابن شبرمة القاضي، فقال له: إلى أين يا أبا عبد الله؟ فقال: «أردتك» فقال: قد قصر الله خطاك. قال: فمضى معه.

فقال له ابن شبرمة: ما تقول يا أبا عبد الله، في شي ء سألني عنه الأمير، فلم يكن عندي فيه شي ء؟ فقال: «و ما هو؟» قال: سألني عن أول كتاب كتب في الأرض. فقال: «نعم، إن الله عز و جل عرض على آدم (عليه السلام) ذريته عرض العين في صور الذر، نبيا فنبيا، و ملكا فملكا، و مؤمنا فمؤمنا، و كافرا فكافرا، فلما انتهى إلى داود (عليه السلام)، قال: من هذا الذي نبأته و كرمته و فصرت عمره؟- قال- فأوحى الله عز و جل إليه: هذا ابنك داود، عمره أربعون سنة، و إني قد كتبت الآجال و قسمت الأرزاق، و أنا أمحو ما أشاء و اثبت و عندي أم الكتاب، فإن جعلت له شيئا من عمرك، ألحقته له. قال: يا رب، قد جعلت له من عمري ستين سنة تمام المائة،- قال- فقال الله عز و جل لجبرئيل و ميكائيل و ملك الموت: اكتبوا عليه كتابا فإنه سينسى- قال- فكتبوا عليه كتابا و ختموه بأجنحتهم من طينة عليين».

قال: «فلما حضرت آدم الوفاة، أتاه ملك الموت، فقال آدم: يا ملك الموت، ما جاء بك؟ قال: جئت لأقبض روحك. قال: قد بقي من عمري ستون سنة، فقال: إنك جعلتها لا بنك داود- قال- و نزل عليه جبرئيل، و أخرج له الكتاب» فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «فمن أجل ذلك، إذا اخرج الصك على المديون ذل المديون، فقبض روحه».

5610/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رحمه الله)،

قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «إن الله عز و جل، عرض على آدم أسماء الأنبياء و أعمارهم- قال- فمر بآدم اسم داود النبي، فإذا عمره في العالم أربعون سنة، فقال آدم (عليه السلام): يا رب، ما أقل عمر داود و ما أكثر عمري! يا رب، إن أنا زدت داود من عمري ثلاثين سنة، أثبت ذلك له؟ قال: نعم يا آدم. قال: فإني قد زدته من عمري ثلاثين سنة، فأنفذ ذلك له، و أثبتها له عندك و اطرحها من عمري».

__________________________________________________

2- الكافي 1: 114/ 6.

3- الكافي 7: 378/ 1. [.....]

4- علل الشرائع: 553/ 1.

(1) الحيرة: مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة. «معجم البلدان 2: 328».

(2) في المصدر: و هو بالحيرة، خرج يوما يريد عيسى بن موسى فاستقبله بين الحيرة و الكوفة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 266

قال أبو جعفر (عليه السلام): «فأثبت الله عز و جل لداود في عمره ثلاثين سنة، و كانت له عند الله مثبتة، و ذلك قول الله عز و جل: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ- قال- فمحا الله ما كان عنده مثبتا لآدم، و أثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا».

قال: «فمضى عمر آدم، فهبط عليه ملك الموت ليقبض روحه، فقال له آدم: يا ملك الموت، إنه قد بقي من عمري ثلاثون سنة. فقال له ملك الموت: يا آدم، ألم تجعلها لا بنك داود النبي، و طرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذريتك، و عرضت عليك أعمارهم، و

أنت يومئذ بوادي الروحاء؟- قال- فقال له آدم: ما أذكر هذا- قال- فقال له ملك الموت: يا آدم، لا تجحد، ألم تسأل الله عز و جل أن يثبتها لداود، و يمحوها من عمرك، فأثبتها لداود في الزبور و محاها من عمرك في الذكر؟ قال آدم: حتى أعلم ذلك».

قال أبو جعفر (عليه السلام): «و كان آدم صادقا، لم يذكر و لم يجحد، فمن ذلك اليوم أمر الله تبارك و تعالى العباد، أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا و تعاملوا إلى أجل مسمى، لنسيان آدم و جحوده ما جعل على نفسه».

5611/ [5]- علي بن إبراهيم: قال حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كانت ليلة القدر، نزلت الملائكة و الروح و الكتبة إلى سماء الدنيا، فيكتبون ما يكون من قضاء الله تبارك و تعالى في تلك السنة، فإذا أراد الله أن يقدم أو يؤخر أو ينقص شيئا أو يزيده، أمر الملك أن يمحو ما يشاء، ثم أثبت الذي أراد».

قلت: و كل شي ء عنده بمقدار مثبت في كتابه؟ قال: «نعم».

قلت: فأي شي ء يكون بعد؟ قال: «سبحان الله، ثم يحدث الله أيضا ما يشاء، تبارك الله و تعالى».

5612/ [6]- الشيخ في (أماليه): عن شيخه (رحمه الله)، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن ليلة القدر، فقال:

«تنزل فيها الملائكة و الروح و الكتبة إلى سماء

الدنيا، فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة، و ما يصيب العباد فيها، و أمر موقوف لله تعالى فيه «1» المشيئة، يقدم فيه ما يشاء، و يؤخر ما يشاء، و هو قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ».

5613/ [7]- و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي بسر من رأى، قال: حدثني أبي عبد الصمد بن موسى، قال: حدثني عمي عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه محمد بن إبراهيم، قال: بعث أبو جعفر المنصور إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 1: 366.

6- الأمالي 1: 59.

7- الأمالي 2: 94.

(1) في المصدر: منه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 267

الصادق (عليهما السلام)، و أمر بفرش فطرحت إلى جانبه، فأجلسه عليها، ثم قال: علي بمحمد، علي بالمهدي. يقول ذلك مرارا، فقيل له: الساعة يأتي يا أمير المؤمنين، ما يحبسه إلا أنه يتبخر. فما لبث أن وافى، و قد سبقته رائحته، فأقبل المنصور على جعفر (عليه السلام)، فقال: يا أبا عبد الله، حديث حدثنيه في صلة الرحم، اذكره يسمعه المهدي.

قال: «نعم، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الرجل ليصل رحمه و قد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصيرها الله عز و جل ثلاثين سنة، و يقطعها و قد بقي من عمره ثلاثون سنة، فيصيرها الله عز و جل ثلاث سنين، ثم تلا (عليه السلام): يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» الآية.

قال: هذا حسن- يا أبا عبد الله- و ليس إياه أردت، قال أبو

عبد الله: «نعم، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): صلة الرحم تعمر الديار، و تزيد في الأعمار، و إن كان أهلها غير أخيار».

قال: هذا حسن يا أبا عبد الله، و ليس هذا أردت، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «نعم، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): صلة الرحم تهون الحساب، و تقي ميتة السوء» قال المنصور: نعم إياه أردت.

5614/ [8]- العياشي: عن علي بن عبد الله بن مروان، عن أيوب بن نوح، قال: قال لي أبو الحسن العسكري (عليه السلام)- و أنا واقف بين يديه بالمدينة- ابتداء من غير مسألة: «يا أيوب، إنه ما نبأ الله من نبي إلا بعد أن يأخذ عليه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله، و خلع الأنداد من دون الله، و أن لله المشيئة يقدم ما يشاء، و يؤخر ما يشاء، أما إنه إذا جرى الاختلاف بينهم، لم يزل الاختلاف بينهم إلى أن يقوم صاحب الأمر».

5615/ [9]- عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما بعث الله نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خلال: الإقرار لله بالعبودية، و خلع الأنداد، و أن الله يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء».

5616/ [10]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن ليلة القدر. فقال: «ينزل فيها الملائكة و الكتبة، إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون من أمر السنة، و ما يصيب العباد، و أمر عنده موقوف، له فيه المشيئة، فيقدم منه ما يشاء، و يؤخر ما يشاء،

و يمحو و يثبت، و عنده أم الكتاب».

5617/ [11]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: «لو لا آية في كتاب الله، لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة».

فقلت له: أية آية؟ فقال: «قول الله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ».

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 215/ 56.

9- تفسير العيّاشي 2: 215/ 57.

10- تفسير العيّاشي 2: 215/ 58.

11- تفسير العيّاشي 215/ 59.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 268

5618/ [12]- عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال: «هل يثبت إلا ما لم يكن، و هل يمحو إلا ما كان».

5619/ [13]- عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله لم يدع شيئا كان أو يكون إلا كتبه في كتاب، فهو موضوع بين يديه ينظر إليه، فما شاء منه قدم، و ما شاء منه أخر، و ما شاء منه محا، و ما شاء منه كان، و ما لم يشأ لم يكن».

5620/ [14]- عن حمران، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ؟

فقال: «يا حمران، إنه إذا كان ليلة لقدر، و نزلت الملائكة الكتبة إلى السماء الدنيا، فيكتبون ما يقضى في تلك السنة من أمر، فإذا أراد الله أن يقدم شيئا أو يؤخره، أو ينقص منه أو يزيد، أمر الملك فمحا ما يشاء، ثم أثبت الذي أراد».

قال: فقلت له عند ذلك: فكل شي ء يكون فهو عند الله في كتاب؟ قال: «نعم».

قلت: فيكون كذا و كذا، ثم كذا و كذا حتى ينتهي إلى

آخره؟ قال: «نعم».

قلت: فأي شي ء يكون بيده بعد؟ قال: «سبحان الله، ثم يحدث الله أيضا ما شاء، تبارك الله و تعالى».

5621/ [15]- عن الفضيل، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «العلم علمان: علم علمه ملائكته و رسله و أنبياءه، و علم عنده مخزون، لم يطلع عليه أحد، يحدث فيه ما يشاء».

5622/ [16]- عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك و تعالى كتب كتابا فيه ما كان و ما هو كائن، فوضعه بين يديه، فما شاء منه قدم، و ما شاء منه آخر، و ما شاء منه محا، و ما شاء منه أثبت، و ما شاء منه كان، و ما لم يشأ لم يكن».

5623/ [17]- عن الفضيل، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة، و من الأمور امور موقوفة عند الله، يقدم فيها ما يشاء و يمحو ما يشاء و يثبت منها ما يشاء، لم يطلع على ذلك أحدا- يعني الموقوفة- فأما ما جاءت به الرسل، فهي كائنة، لا يكذب نفسه و لا نبيه و لا ملائكته».

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 215/ 60.

13- تفسير العيّاشي 215/ 61.

14- تفسير العيّاشي 216/ 62. [.....]

15- تفسير العيّاشي 216/ 63.

16- تفسير العيّاشي 216/ 64.

17- تفسير العيّاشي 217/ 65.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 269

5624/ [18]- عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال أبو جعفر و أبو عبد الله (عليهما السلام): «يا أبا حمزة، إن حدثناك بأمر أنه يجي ء من ها هنا فجاء من ها هنا، فإن الله يصنع ما يشاء، و إن حدثناك اليوم بحديث، و حدثناك غدا بخلافه، فإن الله يمحو ما يشاء و يثبت».

5625/ [19]- عن

حماد بن عيسي، عن ربعي، عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «العلم علمان: فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه و علم علمه ملائكته و رسله و أنبياءه، فما علم ملائكته [و رسله ] «1» فإنه سيكون، لا يكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله، علم عنده مخزون، يقدم فيه ما يشاء، و يؤخر ما يشاء، و يمحو ما يشاء، و يثبت ما يشاء».

5626/ [20]- عن عمرو بن الحمق، قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) حين ضرب على قرنه، فقال لي:

«يا عمرو، إني مفارقكم»، ثم قال: «سنة إلى السبعين فيها بلاء» قالها ثلاثا.

فقلت فهل بعد البلاء رخاء؟ فلم يجبني، و اغمنى عليه، فبكت ام كلثوم فأفاق فقال: يا ام كلثوم لا تؤذيني، فانك لو قد ترين ما ارى لم تبكى، ان الملائكة فى السماوات السبع بعضهم خلف بعض و النبيين خلفهم و هذا محمد (صلى الله عليه و آله) أخذ بيدي، يقول: انطلق يا على فما امامك خير لك مما أنت فيه فقلت: بأبي أنت و أمي، قلت لي: إلي السبعين بلاء، فهل بعد السبعين رخاء؟ فقال: «نعم يا عمرو، و إن بعد البلاء رخاء و يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ».

5627/ [21]- قال أبو حمزة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن عليا كان يقول: «إلى السبعين بلاء، و بعد السبعين رخاء» و قد مضت السبعون و لم يروا رخاء؟

فقال لي أبو جعفر (عليه السلام): «يا ثابت، إن الله كان قد وقت هذا الأمر في السبعين، فلما قتل الحسين (صلوات الله عليه)، اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين و

مائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث و كشفتم قناع الستر، فأخره الله و لم يجعل لذلك عندنا وقتا» ثم قال: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

5628/ [22]- عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله إذا أراد فناء قوم، أمر الفلك فأسرع الدور بهم، فكان ما يريد من النقصان، فإذا أراد الله بقاء قوم، أمر الفلك فأبطأ الدور بهم، فكان ما يريد من الزيادة، فلا تنكروا، فإن الله يمحو ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب».

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 217/ 66.

19- تفسير العيّاشي 217/ 67.

20- تفسير العيّاشي 217/ 68.

21- تفسير العيّاشي 218/ 69.

22- تفسير العيّاشي 218/ 70.

(1) من الكافي 1: 114/ 6، و قد تقدّمت الرواية في الحديث (2) من تفسير هذه الآيات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 270

5629/ [23]- عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن الله يقدم ما يشاء، و يؤخر ما يشاء، و يمحو ما يشاء، و يثبت ما يشاء، و عنده ام الكتاب،- و قال- لكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه، و ليس شي ء يبدو له إلا و قد كان في علمه، إن الله لا يبدو له من جهل».

5630/ [24]- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك و تعالى أهبط إلى الأرض ظللا من الملائكة على آدم (عليه السلام) و هو بواد يقال له الروحاء، و هو واد بين الطائف و مكة- قال- فمسح على ظهر آدم ثم صرخ بذريته و هم ذر- قال- فخرجوا كما يخرج النحل من كورها، فاجتمعوا على شفير الوادي. فقال الله تعالى لآدم (عليه السلام): انظر

ما ذا ترى؟ فقال آدم (عليه السلام): ذرا كثيرا على شفير الوادي. فقال الله: يا آدم، هؤلاء ذريتك أخرجتهم من ظهرك لأخذ عليهم الميثاق لي بالربوبية، و لمحمد بالنبوة، كما أخذت عليهم في السماء.

قال آدم (عليه السلام): يا رب، و كيف وسعتهم ظهري؟ قال الله تعالى: يا آدم، بلطف صنعي و نافذ قدرتي. قال آدم: يا رب، فما تريد منهم في الميثاق؟ فقال الله: أن لا يشركوا بي شيئا. قال آدم: فمن أطاعك منهم يا رب، فما جزاؤه؟ قال الله: اسكنه جنتي، قال آدم: فمن عصاك فما جزاؤه؟ قال: اسكنه ناري. قال آدم: يا رب، لقد عدلت فيهم، و ليعصينك أكثرهم إن لم تعصمهم».

قال أبو جعفر (عليه السلام): «ثم عرض الله على آدم أسماء الأنبياء، و أعمارهم- قال- فمر آدم باسم داود النبي (عليه السلام)، فإذا عمره أربعون سنة، فقال: يا رب، ما أقل عمر داود و أكثر عمري! يا رب، إن أنا زدت داود من عمري ثلاثين سنة، أ ينفذ ذلك له. قال: نعم يا آدم. قال: فإني قد زدته من عمري ثلاثين سنة فأنفذ ذلك له، و أثبتها له عندك، و اطرحها من عمري».

قال: «فأثبت الله لداود من عمره ثلاثين سنة، و لم تكن له عند الله مثبتة، و محا من عمر آدم ثلاثين سنة، و كانت له عند الله مثبتة». فقال أبو جعفر (عليه السلام): «فذلك قول الله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ- قال- فمحا الله ما كان عنده مثبتا لآدم، و أثبت لداود (عليه السلام) ما لم يكن عنده مثبتا».

قال: «فلما دنا عمر آدم (عليه السلام)، هبط عليه ملك الموت (عليه السلام) ليقبض روحه، فقال له

آدم (عليه السلام): يا ملك الموت، قد بقي من عمري ثلاثون سنة.

فقال له ملك الموت: أ لم تجعلها لابنك داود النبي، و طرحتها من عمرك حيث عرض الله عليك أسماء الأنبياء من ذريتك، و عرض عليك أعمارهم، و أنت يومئذ بوادي الروحاء؟ فقال آدم: يا ملك الموت، ما أذكر هذا.

فقال له ملك الموت: يا آدم، لا تجهل، أ لم تسأل الله أن يثبتها لداود و يمحوها من عمرك، فأثبتها لداود في الزبور، و محاها من عمرك من الذكر؟- قال- فقال آدم: فأحضر الكتاب حتى أعلم ذلك».

قال أبو جعفر (عليه السلام): «و كان آدم صادقا، لم يذكر و لم يجحد». قال أبو جعفر (عليه السلام): «فمن ذلك اليوم،

__________________________________________________

23- تفسير العيّاشي 218/ 71.

24- تفسير العيّاشي 218/ 73.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 271

أمر الله العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا و تعاملوا إلى أجل مسمى، لنسيان آدم و جحوده ما جعل على نفسه».

5631/ [25]- عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) سئل عن قول الله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال: «إن ذلك الكتاب كتاب يمحو الله فيه ما يشاء و يثبت، فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء، و ذلك الدعاء مكتوب عليه: الذي يرد به القضاء، حتى إذا صار إلى أم الكتاب، لم يغن الدعاء فيه شيئا».

5632/ [26]- عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن المرء ليصل رحمه و ما بقي من عمره إلا ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث و ثلاثين سنة، و إن المرء ليقطع رحمه و قد بقي من

عمره ثلاث و ثلاثون سنة، فيقصرها الله ثلاث سنين أو أدنى» قال الحسين: و كان جعفر (عليه السلام) يتلو هذه الآية يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

5633/ [27]- صاحب (الثاقب في المناقب) عن أبي هاشم الجعفري، قال: سأل محمد بن صالح الأرضي أبا محمد، يعني الحسن العسكري (عليه السلام) عن قول الله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

فقال (عليه السلام): «هل يمحو إلا ما كان، و هل يثبت إلا ما لم يكن؟!».

فقلت في نفسي: هذا خلاف قول هشام، إنه لا يعلم بالشي ء حتى يكون. فنظر إلي أبو محمد (عليه السلام)، و قال: «الله تعالى، الجبار، العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق إذ لا مخلوق، و الرب إذ لا مربوب، و القادر قبل المقدور عليه»، فقلت: أشهد أنك حجة الله، و وليه بقسط، و أنك على منهاج أمير المؤمنين (عليه السلام).

سورة الرعد(13): الآيات 41 الي 42 ..... ص : 271

قوله تعالى:

أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها- إلى قوله تعالى- وَ سَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [41- 42]

5634/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عمن ذكره، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان علي بن الحسين (عليهما السلام)، يقول: إنه يسخي نفسي في سرعة الموت أو القتل فينا، قول الله عز و جل: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها و هو فقد «1» العلماء».

__________________________________________________

25- تفسير العيّاشي 220/ 74.

26- تفسير العيّاشي 220/ 75.

27- الثاقب في المناقب: 566/ 507. [.....]

1- الكافي 1: 30/ 6.

(1) في المصدر و هو: ذهاب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 272

5635/ [2]- الطبرسي: عن أبي عبد

الله (عليه السلام): «ننقصها بذهاب علمائها و فقهائها و خيار أهلها».

5636/ [3]- ابن شهر آشوب: عن تفسير وكيع، و سفيان، و السدي، و أبي صالح، أن عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها يوم قتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، و قال: يا أمير المؤمنين، لقد كنت الطرف الأكبر في العلم، اليوم نقص علم الإسلام، و مضى ركن الإيمان.

5637/ [4]- الزعفراني، عن المزني، عن الشافعي، عن مالك، السدي، عن أبي صالح، قال: لما قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال ابن عباس: هذا اليوم نقص «1» العلم من أرض المدينة. ثم قال: إن نقصان الأرض، نقصان علمائها و خيار أهلها، إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، و لكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فيسألوا فيفتوا بغير علم، فضلوا و أضلوا.

5638/ [5]- ابن بابويه في (الفقيه) مرسلا: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله عز و جل: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها فقال: «فقد العلماء».

5639/ [6]- علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: موت علمائها. و قال: قوله: وَ اللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ أي لا مدافع «2». و قوله وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً قال: المكر من الله هو العذاب وَ سَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ أي ثواب القيامة.

سورة الرعد(13): آية 43 ..... ص : 272

قوله تعالى:

وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [43]

5640/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد

بن يحيي، عن محمد بن الحسن، عمن ذكره، جميعا عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

__________________________________________________

2- مجمع البيان 6: 461.

3- المناقب 3: 308.

4- المناقب 3: 308.

5- من لا يحضره الفقيه 1: 118/ 560.

6- تفسير القمي 1: 367.

1- الكافي 1: 179/ 6.

(1) في المصدر: هذا نقص الفقه و.

(2) في المصدر: لا مانع.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 273

قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ، قال: «إيانا عنى، و علي (عليه السلام) أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي (صلى الله عليه و آله)».

5641/ [2]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير قال: كنت أنا و أبو بصير و يحيى البزاز و داود بن كثير في مجلس أبي عبد الله (عليه السلام) إذ خرج إلينا و هو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال: «يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب! ما يعلم الغيب إلا الله عز و جل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني، فما علمت في أي بيوت الدار هي».

قال سدير: فلما أن قام من مجلسه و صار في منزله، دخلت أنا أبو بصير و ميسر، و قلنا له: جعلنا فداك، سمعناك و أنت تقول كذا و كذا في أمر جاريتك، و نحن نعلم أنك تعلم علما كثيرا، و لا ننسبك إلى علم الغيب! قال:

فقال: «يا سدير، أما تقرأ القرآن؟» قلت: بلى. قال: «فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز و جل «قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ

طَرْفُكَ «1»» قال: قلت: جعلت فداك، قد قرأته. قال: «فهل عرفت الرجل، و هل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟» قال: قلت: أخبرني به، قال: «قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر، فما يكون ذلك من علم الكتاب؟» قال: قلت: جعلت فداك، ما أقل هذا! فقال: «يا سدير، ما أكثر هذا أن ينسبه الله عز و جل إلى العلم الذي أخبرك به! يا سدير، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز و جل أيضا:

قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ»؟ قال: قلت: قد قرأته، جعلت فداك، قال: «أ فمن عنده علم الكتاب كله أفهم، أم من عنده علم الكتاب بعضه؟». قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كله، فأومأ بيده إلى صدره، و قال: «علم الكتاب و الله كله عندنا، علم الكتاب و الله كله عندنا».

و روى هذا الحديث الصفار: في (بصائر الدرجات) بتغيير يسير بزيادة و نقصان «2».

5642/ [3]- علي بن إبراهيم: قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين (عليه السلام)».

و سئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم، أم الذي عنده علم الكتاب؟ فقال: «ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب، إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر. و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا إن العلم الذي هبط به آدم (عليه السلام) من السماء إلى الأرض، و جميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين، في عترة خاتم النبيين (صلى الله عليه و آله)».

5643/ [4]- محمد بن الحسن الصفار:

عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الله بن

__________________________________________________

2- الكافي 1: 200/ 3.

3- تفسير القمّي 1: 367.

4- بصائر الدرجات: 232/ 1.

(1) النمل 27: 40. [.....]

(2) بصائر الدرجات: 233/ 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 274

بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت عنده فذكروا سليمان و ما أعطى من العلم، و ما اوتى من الملك، فقال لي:

«و ما اعطي سليمان بن داود؟ إنما كان عنده حرف واحد من الاسم الأعظم، و صاحبكم الذي قال الله: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ كان و الله عند علي (عليه السلام) علم الكتاب».

فقلت: صدقت و الله، جعلت فداك.

5644/ [5]- و عنه: عن أحمد بن موسى، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ «1» قال:

ففرج أبو عبد الله (عليه السلام) بين أصابعه، فوضعها على صدره، ثم قال: «و الله عندنا علم الكتاب كله».

5645/ [6]- و عنه: عن محمد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول في قول الله تبارك و تعالى: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

قال: «الذي عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

5646/ [7]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ

عِلْمُ الْكِتابِ.

قال: «هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

5647/ [8]- و عنه: عن محمد بن الحسين، و يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد ابن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

5648/ [9]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بعض أصحابنا، قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في المسجد أحدثه، إذ مر بعض ولد عبد الله بن سلام، فقلت: جعلت فداك، هذا ابن الذي يقول الناس: عنده علم الكتاب.

فقال: «لا، إنما ذاك علي بن أبي طالب (عليه السلام) نزلت فيه خمس آيات، إحداها: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ».

__________________________________________________

5- بصائر الدرجات: 232/ 2.

6- بصائر الدرجات: 236/ 19.

7- بصائر الدرجات: 233/ 4.

8- بصائر الدرجات: 234/ 12.

9- بصائر الدرجات: 234/ 11.

(1) النمل 27: 40.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 275

5649/ [10]- و عنه: عن عبد الله، بن محمد، عمن رواه، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن محمد بن مروان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

قال: «نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إنه عالم هذه الامة بعد النبي (صلى الله عليه و آله)».

5650/ [11]- و عنه: عن أبي الفضل العلوي، قال: حدثني سعيد بن عيسى الكريزي البصري، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن شريك بن عبد الله، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي تمام، عن سلمان

الفارسي (رحمه الله)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قول الله تبارك و تعالى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

فقال: «أنا هو الذي عنده علم الكتاب». و قد صدقه الله و أعطاه الوسيلة في الوصية، فلا تخلى أمته «1» من وسيلة إليه و إلى الله، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «2».

5651/ [12]- ابن بابويه: قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال:

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عمرو بن مغلس، عن خلف، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن قول الله جل ثناؤه:

قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ «3» قال: «ذاك وصي أخي سليمان بن داود».

فقلت له: يا رسول الله، فقول الله عز و جل: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قال: «ذاك أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

5652/ [13]- العياشي: عن بريد بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

قال: «إيانا عنى، و علي أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي (صلى الله عليه و آله)».

5653/ [14]- عن عبد الله بن عطاء، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) هذا ابن عبد الله بن سلام، يزعم أن أباه الذي يقول الله: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ؟ قال: «كذب، هو علي بن أبي

__________________________________________________

10- بصائر الدرجات: 236/ 18.

11- بصائر الدرجات: 236/ 21.

12-

أمالي الصدوق: 453/ 3.

13- تفسير العيّاشي 2: 220/ 76.

14- تفسير العيّاشي 2: 220/ 77.

(1) في المصدر: امّة.

(2) المائدة 5: 35. [.....]

(3) النمل 27: 40.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 276

طالب (عليه السلام)».

5654/ [15]- عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

فقال: «نزلت في علي (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و في الأئمة بعده، و علي (عليه السلام) عنده علم الكتاب».

5655/ [16]- و عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

قال: «نزلت في علي (عليه السلام)، إنه عالم هذه الامة بعد النبي (صلى الله عليه و آله)».

5656/ [17]- ابن الفارسي في (الروضة)، قال: قال الباقر (عليه السلام): «وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنده علم الكتاب، الأول و الآخر».

5657/ [18]- الطبرسي في كتاب (الاحتجاج): روي عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن الوليد السمان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما تقول الناس في اولي العزم، و عن صاحبكم؟» يعني أمير المؤمنين (عليه السلام). قال:

قلت: ما يقدمون على اولي العزم أحدا.

قال: فقال: «إن الله تبارك و تعالى قال عن موسى: وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً «1» و لم يقل:

كل شي ء. و قال عن عيسى: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ «2» و لم يقل: كل الذي تختلفون، و قال عن صاحبكم- يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)-: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ و قال الله

عز و جل: وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ «3» و علم هذا الكتاب عنده».

5658/ [19]- ابن شهر آشوب: عن محمد بن مسلم، و أبي حمزة الثمالي، و جابر بن يزيد، عن الباقر (عليه السلام)، و علي بن فضال و الفضيل بن يسار، و أبي بصير، عن الصادق (عليه السلام)، و أحمد بن عمر الحلبي، و محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، و قد روي عن موسى بن جعفر، و عن زيد بن علي (عليهم السلام)، و عن محمد بن الحنفية، و عن سلمان الفارسي، و عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنهم) و عن إسماعيل السدي: أنهم قالوا في قوله تعالى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ: «هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

__________________________________________________

15- تفسير العيّاشي 2: 221/ 78.

16- تفسير العيّاشي 2: 221/ 79.

17- روضة الواعظين: 105.

18- الاحتجاج: 375.

19- المناقب 2: 29.

(1) الأعراف 7: 145.

(2) الزخرف 43: 63.

(3) الأنعام 6: 59.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 277

5659/ [20]- و الثعلبي في (تفسيره) بإسناده عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عباس، و روي عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قيل لهما، زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام؟

قال: «لا، ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

5660/ [21]- و روي أنه سئل سعيد بن جبير وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ عبد الله بن سلام؟ قال: لا، و كيف و هذه السورة مكية؟

5661/ [22]- و قد روي عن ابن عباس: لا و الله، ما هو إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لقد كان

عالما بالتفسير و التأويل و الناسخ و المنسوخ و الحلال و الحرام.

5662/ [23]- و روي عن ابن الحنفية: أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنده علم الكتاب، الأول و الآخر، رواه النطنزي في (الخصائص).

5663/ [24]- و من طريق المخالفين: ما رواه الثعلبي بطريقين في معني وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ أنه علي ابن أبي طالب (عليه السلام)».

5664/ [25]- و ما رواه الفقيه ابن المغازلي الشافعي بإسناده، عن علي بن عابس، قال: دخلت أنا و أبو مريم علي عبد الله بن عطاء، قال أبو مريم: حدث عليا بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام، قلت: جعلني الله فداك، هذا ابن الذي عنده علم الكتاب؟ قال: «لا، و لكنه صاحبكم علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز و جل وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ، أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ «1»، إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ «2» الآية.

__________________________________________________

20- المناقب 2: 29، شواهد التنزيل 1: 308/ 425.

21- المناقب 2: 29، شواهد التنزيل 1: 310/ 427، ينابيع المودّة: 104.

22- المناقب 2: 29.

23- المناقب 2: 29.

24- المناقب 2: 29، و نحوه في النور المشتعل: 125، و خصائص الوحي المبين: 210/ 158 و 159، و العمدة: 291/ 477. [.....]

25- المناقب: 314.

(1) هود 11: 17.

(2) المائدة 5: 55.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 279

المستدرك (سورة الرعد) ..... ص : 279

سورة الرعد(13): آية 26 ..... ص : 279

قوله تعالي:

وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ [26]

[1]- الطبرسي في (مكارم الأخلاق) عن عبد الله بن مسعود- في حديث طويل- عن رسول

الله (صلي الله عليه و آله) أنه قال له: «يا ابن مسعود: ما ينفع من يتنعم في الدنيا إذا أخلد في النار يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ «1» يبنون الدور و يشيدون القصور، و يزخرفون المساجد، ليست همتهم إلا الدنيا، عاكفون عليها، معتمدون فيها، آلهتهم بطونهم، قال الله تعالي: وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ «2». و قال الله تعالي: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ إلي قوله: أَ فَلا تَذَكَّرُونَ «3» و ما هو إلا منافق، جعل دينه هواه و إلهه بطنه، كل ما اشتهي من الحلال و الحرام لم يمتنع منه، قال الله تعالي: وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ».

سورة الرعد(13): آية 30 ..... ص : 279

قوله تعالي:

كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ- إلي قوله تعالي- بِالرَّحْمنِ [30]

[2]- الطبرسي في (مجمع البيان): عن قتادة و مقاتل و ابن جريج، في قوله تعالي: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ ...

__________________________________________________

1- مكارم الآخلاق: 449.

2- مجمع البيان 6: 450.

(1) الروم 30: 7.

(2) الشعراء 26: 129- 131.

(3) الجاثية 45: 23.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 280

نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح فقال رسول الله (صلي الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): «اكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم». فقال: سهيل بن عمرو و المشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة- يعنون مسيلمة الكذاب- اكتب: باسمك اللهم. و هكذا كان أهل الجاهلية يكتبون.

ثم قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): «اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله». فقال مشركو قريش: لئن كنت رسول الله ثم

قاتلناك و صددناك لقد ظلمناك، و لكن اكتب: هذا ما صالح محمد بن عبد الله. فقال اصحاب رسول الله (صلي الله عليه و آله): دعنا نقاتلهم. قال: «لا، و لكن اكتبوا كما يريدون» فأنزل الله عز و جل كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ الآية.

و

عن ابن عباس: انها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي (صلي الله عليه و آله): اسجدوا للرحمن قالوا: و ما الرحمن!.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 281

سورة ابراهيم ..... ص : 281

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 283

سورة ابراهيم فضلها ..... ص : 283

5665/ [1]- ابن بابويه: بإسناده عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: «من قرا سورة ابراهيم و الحجر في ركعتين جميعا في كل جمعة، لم يصبه فقر ابدا، و لا جنون و لا بلوى».

5666/ [2]- العياشي: عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرا سورة ابراهيم و الحجر في ركعتين جميعا في كل جمعة، لم يصبه فقر ابدا، و لا جنون، و لا بلوى».

5667/ [3]- و من (خواص القرآن): روي عن النبي (صلي الله عليه و آله) انه قال: «من قرا هذه السورة اعطي من الحسنات بعدد من عبد الأصنام، و عدد من لم يعبدها، و من كتبها في خرقة بيضاء و علقها علي طفل، امن عليه من البكاء و الفزع، و مما يصيب الصبيان».

5668/ [4]- و قال الصادق (عليه السلام): «من كتبها علي خرقة بيضاء و جعلها علي عضد طفل صغير، امن من البكاء و الفزع و التوابع، و سهل الله فطامه عليه بإذن الله تعالي».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 107.

2- تفسير العياشي 2: 222/ 1.

3- ...

4- خواص القرآن: 43 (مخطوط).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 285

سورة ابراهيم(14): الآيات 1 الي 2 ..... ص : 285

قوله تعالي:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ- الي قوله تعالي- وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ [1- 2] 5669/ [1]- قال علي بن ابراهيم: في قوله تعالي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ يا محمد لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ يعني من الكفر الي الإيمان إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ و الصراط: الطريق الواضح، و امامة الأئمة (عليهم السلام).

ثم قال: و قوله: اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي

السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ انه محكم.

سورة ابراهيم(14): آية 4 ..... ص : 285

قوله تعالي:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [4]

5670/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن ابراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا ابو العباس احمد بن إسحاق الماذرائي بالبصرة، قال: حدثنا ابو قلابة عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا غانم بن الحسن السعدي، قال حدثنا مسلم بن خالد المكي، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: «ما انزل الله تبارك و تعالي كتابا و لا وحيا الا بالعربية، و كان يقع في مسامع الأنبياء (عليهم السلام)، بألسنة قومهم، و كان يقع في مسامع نبينا (صلي الله عليه و آله) بالعربية، فإذا كلم به قومه كلمهم بالعربية، فيقع في مسامعهم بلسانهم، و كان احد لا يخاطب رسول

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 367.

2- علل الشرائع: 126/ 8. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 286

الله (صلي الله عليه و آله) بأي لسان خاطبه الا وقع في مسامعه بالعربية، كل ذلك يترجم له جبرئيل (عليه السلام)، تشريفا من الله عز و جل له (صلي الله عليه و آله)».

سورة ابراهيم(14): آية 5 ..... ص : 286

قوله تعالي:

وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ- الي قوله تعالي- صَبَّارٍ شَكُورٍ [5]

5671/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا احمد بن محمد بن يحيي العطار، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال:

حدثني يعقوب بن يزيد، عن محمد بن الحسن الميثمي، عن مثني الحناط، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «ايام الله عز و جل ثلاثة: يوم يقوم القائم، و يوم الكرة، و يوم القيامة».

5672/ [2]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا ابراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن مثني الحناط، عن جعفر بن محمد، عن أبيه

(عليهما السلام)، قال: «ايام الله عز و جل ثلاثة: يوم يقوم القائم، و يوم الكرة، و يوم القيامة».

5673/ [3]- سعد بن عبد الله: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، و يعقوب بن يزيد، عن احمد بن الحسن الميثمي، عن ابان بن عثمان، عن مثني الحناط، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ايام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم، و يوم الكرة، و يوم القيامة».

5674/ [4]- الشيخ في (اماليه) قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا ابو احمد عبيد الله بن الحسين بن ابراهيم العلوي النصيبي (رحمه الله) ببغداد، قال: سمعت جدي ابراهيم بن علي يحدث، عن أبيه علي بن عبيد الله، قال: حدثني شيخان بران من أهلنا سيدان، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه (عليهم السلام)، و حدثنيه الحسين بن زيد بن علي ذو الدمعة، قال: حدثني عمي عمر بن علي، قال: حدثني اخي محمد بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين (صلي الله عليهم). قال ابو جعفر (عليه السلام): «و حدثني عبد الله بن العباس و جابر بن عبد الله الأنصاري، و كان بدريا أحديا شجريا، و ممن محض من اصحاب رسول الله (صلي الله عليه و آله) في مودة امير المؤمنين (عليه السلام)، قالوا: بينا رسول الله (صلي الله عليه و آله) في مسجده في رهط من الصحابة، فيهم: ابو بكر، و ابو عبيدة «1»، و عمر، و عثمان، و عبد الرحمن، و رجلان من قراء الصحابة، هما: من

__________________________________________________

1- الخصال: 108/ 75، ينابيع المودة: 424.

2- معاني الأخبار: 365/ 1، ينابيع المودة: 424.

3- مختصر بصائر الدرجات: 18، ينابيع المودة: 424.

4- الأمالي

2: 105.

(1) (و أبو عبيدة) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 287

المهاجرين عبد الله بن ام عبد، و من الأنصار أبي بن كعب، و كانا بدريين، فقرا عبد الله من السورة التي يذكر فيها لقمان حتي أتي علي هذه الآية: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً الآية «1»، و قرا أبي من السورة التي يذكر فيها ابراهيم (عليه السلام): وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ قالوا: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): ايام الله نعماؤه و بلاؤه، و هي مثلاته «2» سبحانه.

ثم اقبل (صلي الله عليه و آله) علي من شهده من الصحابة، فقال: اني لأتخولكم بالموعظة «3» تخولا مخالفة السآمة عليكم، و قد اوحي الي ربي جل جلاله ان أذكركم بالنعمة، و أنذركم بما اقتص عليكم من كتابه، و تلا: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ الآية. ثم قال لهم: قولوا الآن قولكم، ما أول نعمة رغبكم الله فيها و بلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم و احسن إليهم بها، من المعاش و الرياش و الذرية و الأزواج، الي سائر ما بلاهم الله عز و جل به من أنعمه الظاهرة.

فلما امسك القوم اقبل رسول الله (صلي الله عليه و آله) على علي (عليه السلام)، فقال: يا أبا الحسن، قل، فقد قال أصحابك. فقال: و كيف لي بالقول- فداك أبي و امي- و انما هدانا الله بك؟ قال: و مع ذلك فهات. قل ما أول نعمة بلاك الله عز و جل، و أنعم عليك بها؟ قال: ان خلقني جل ثناؤه و لم أك شيئا مذكورا. قال: صدقت، فما الثانية؟ قال:

الله احسن بي

إذ خلقني فجعلني حيا لا مواتا. قال: صدقت، فما الثالثة؟ قال: ان انشأني- فله الحمد- في احسن صورة و اعدل تركيب. قال: صدقت، فما الرابعة؟ قال: ان جعلني متفكرا واعيا لا ابله ساهيا. قال: صدقت، فما الخامسة؟ قال: ان جعل لي مشاعر أدرك ما ابتغيت بها، و جعل لي سراجا منيرا. قال: صدقت، فما السادسة؟ قال:

ان هداني لدينه، و لم يضلني عن سبيله. قال: صدقت، فما السابعة؟ قال: ان جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها.

قال: صدقت، فما الثامنة؟ قال: ان جعلني ملكا مالكا لا مملوكا. قال: صدقت، فما التاسعة؟ قال: ان سخر لي سماءه و ارضه و ما فيهما و ما بينهما من خلقه، قال صدقت، فما العاشرة؟ قال: ان جعلنا سبحانه ذكرانا قواما علي حلائلنا لا إناثا، قال: صدقت، فما بعد هذا؟ قال: كثرت نعم الله- يا نبي الله- فطابت، و تلا وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «4». فتبسم رسول الله (صلي الله عليه و آله)، و قال: لتهنئك الحكمة، ليهنئك العلم- يا أبا الحسن- و أنت وارث علمي، و المبين لامتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبك لدينك و أخذ بسبيلك فهو ممن هدي الي صراط مستقيم، و من رغب عن هداك، و أبغضك و تخلاك، لقي الله يوم القيامة لا خلاق له».

5675/ [5]- العياشي: عن ابراهيم بن عمر، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ.

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 222/ 2.

(1) لقمان 31: 20.

(2) المثلات: جمع مثلة، بفتح الميم و ضم الفاء: العقوبة. «لسان العرب- مثل- 11: 615».

(3) أتخوّلكم بالموعظة: أي أتعهّدكم. «النهاية 2: 88».

(4) إبراهيم 14: 34، النحل 16:

18.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 288

قال: «بآلاء الله» يعني نعمه.

5676/ [6]- و قال علي بن ابراهيم: ايام الله ثلاثة: يوم القائم (صلوات الله عليه)، و يوم الموت، و يوم القيامة.

5677/ [7]- الطبرسي: المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «ذكرهم بنعم الله سبحانه في سائر أيامه».

سورة ابراهيم(14): آية 7 ..... ص : 288

قوله تعالي:

وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [7]

5678/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيي بن المبارك، عن عبد الله ابن جبلة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من اعطي الشكر اعطي الزيادة، يقول الله عز و جل:

لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ».

5679/ [2]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن هشام، عن ميسر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «شكر النعمة: اجتناب المحارم، و تمام الشكر: قول الرجل: الحمد لله رب العالمين».

5680/ [3]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن رجلين من أصحابنا سمعاه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما أنعم الله علي عبد من نعمة فعرفها بقلبه، و حمد الله ظاهرا بلسانه، فتم كلامه بالحمد «1» حتي امر له بالمزيد».

5681/ [4]- و عنه: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عيينة، عن عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «شكر كل نعمة- و ان عظمت- ان تحمد الله عز و جل عليها».

5682/ [5]- و عنه: عن محمد بن يحيي، عن احمد بن محمد بن عيسي،

عن معمر بن خلاد، قال: سمعت أبا

__________________________________________________

6- تفسير القمّي 1: 367.

7- مجمع البيان 6: 467.

1- الكافي 2: 78/ 8.

2- الكافي 2: 78/ 10. [.....]

3- الكافي 2: 78/ 9.

4- الكافي 2: 78/ 11.

5- الكافي 2: 78/ 13.

(1) (بالحمد) ليس في «س» و المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 289

الحسن (عليه السلام) يقول: «من حمد الله على النعمة فقد شكره، و كان الحمد أفضل من تلك النعمة».

5683/ [6]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: «ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال: الحمد لله. إلا أدى شكرها».

5684/ [7]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، قال: خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المسجد، و قد ضاعت دابته، فقال: «لئن ردها الله علي لأشكرن الله حق شكره» قال: «فما لبث أن أتي بها، فقال: «الحمد لله» فقال قائل له: جعلت فداك، أ لست قلت: لأشكرن الله حق شكره؟! فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ألم تسمعني قلت: الحمد لله؟».

5685/ [8]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف ابن عميرة، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال: «نعم».

قلت: و ما هو؟ قال: «يحمد الله علي كل نعمة عليه في أهل و مال، و ان كان فيما أنعم الله عليه في ماله حق أداه، و منه قوله عز و جل: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا

لَهُ مُقْرِنِينَ «1». و منه قوله تعالى: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ «2». و قوله: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً «3»».

5686/ [9]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز و جل؟ قال: «الكفر في كتاب الله علي خمسة أوجه». و ذكر الحديث، و قد ذكرناه بتمامه في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ من سورة البقرة «4».

و

قال في الحديث: «الوجه الثالث من وجوه الكفر: كفر النعم، و ذلك قول الله تعالى يحكي قول سليمان (عليه السلام): هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ «5»». و قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ و قال:

__________________________________________________

6- الكافي 2: 79/ 14.

7- الكافي 2: 79/ 18.

8- الكافي 2: 78/ 12.

9- الكافي 2: 287/ 1.

(1) الزخرف 43: 13.

(2) المؤمنون 23: 29.

(3) الإسراء 17: 80.

(4) تقدم في الحديث (1) من تفسير الآية (6) من سورة البقرة.

(5) النمل 27: 40.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 290

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ «1»».

5687/ [10]- الشيخ في (أماليه) قال: حدثنا الشيخ أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري (رحمه الله)، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا علي بن الحسين الهمداني، قال:

حدثنا أبو عبد الله محمد بن خالد

البرقي، عن أبي قتادة القمي، عن داود بن سرحان، قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه سدير الصيرفي، فسلم و جلس، فقال له: «يا سدير، ما كثر مال رجل قط الا عظمت الحجة لله تعالى عليه، فإن قدرتم أن تدفعوها عن أنفسكم فافعلوا. فقال له: يا بن رسول الله، بماذا؟ قال: «بقضاء حوائج إخوانكم من أموالكم».

ثم قال: «تلقوا النعم- يا سدير- بحسن مجاورتها، و اشكروا من أنعم عليكم، و أنعموا علي من شكركم، فإنكم إذا كنتم كذلك استوجبتم من الله تعالى الزيادة، و من إخوانكم المناصحة». ثم تلا: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.

5688/ [11]- و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن هشام بن بلاس «2» المعدل البغدادي النميري بدمشق، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن عليه، قال: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر محمد بن علي (صلوات الله عليهما)، قال: «من اعطي الدعاء لم يحرم الإجابة، و من أعطي الشكر لم يمنع الزيادة» و تلا أبو جعفر (عليه السلام): وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.

5689/ [12]- و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا حيان بن بشر أبو بشر «3» الأسدي القاضي بالمصيصة «4»، قال: حدثني خالي أبو عكرمة عامر بن عمران الضبي الكوفي، قال: حدثني محمد بن المفضل بن سلمة الضبي، عن أبيه المفضل بن سلمة، عن مالك بن أعين الجهني، قال: أوصي علي بن الحسين (عليه السلام) بعض ولده، فقال: «يا بني، اشكر الله لما أنعم عليك، و أنعم علي من شكرك، فإنه لا زوال للنعمة إذا شكرت، و لا بقاء لها إذا كفرت،

و الشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليه الشكر بها»- و تلا- يعني علي ابن الحسين (عليه السلام)- قول الله تعالى: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ الي آخر الآية.

5690/ [13]- العياشي: عن أبي عمرو المدائني، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أيما عبد أنعم الله

__________________________________________________

10- الأمالي 1: 309. [.....]

11- الأمالي 2: 67.

12- الأمالي 2: 114.

13- تفسير العيّاشي 2: 222/ 3.

(1) البقرة 2: 152.

(2) في المصدر: ملابس.

(3) في «س، ط»: أبو سرحان بن بشير، و في المصدر: أبو بشر حنان بن بشر. انظر تاريخ بغداد 8: 284.

(4) المصّيصة: مدينة على شاطئ نهر جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية و بلاد الروم. «معجم البلدان 5: 144».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 291

عليه بنعمة فعرفها بقلبه- و في رواية اخرى: فأقربها بقلبه- و حمد الله عليها بلسانه، لم ينفد كلامه حتي يأمر الله له بالزيادة- و في رواية أبي إسحاق المدائني: حتي يأذن الله له بالزيادة- و هو قوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ».

5691/ [14]- و عن أبي ولاد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أ رأيت هذه النعمة الظاهرة علينا من الله، أ ليس ان شكرناه عليها و حمدناه زادنا، كما قال الله في كتابه: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ؟

فقال: «نعم، من حمد الله علي نعمه و شكره، و علم أن ذلك منه لا من غيره، زاد الله نعمه»

سورة ابراهيم(14): آية 9 ..... ص : 291

قوله تعالى:

أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ- الي قوله تعالى- وَ إِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [9] 5692/ [15]- قال علي بن ابراهيم، قوله: أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ الي قوله: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ يعني في

أفواه الأنبياء قالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَ إِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ.

سورة ابراهيم(14): آية 12 ..... ص : 291

قوله تعالى:

وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [12]

5693/ [16]- العياشي: الحسن بن ظريف، عن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ قال: «الزارعون».

5694/ [17]- ابن بابويه في (الفقيه) مرسلا عن الصادق (عليه السلام) في قوله عز و جل: وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. قال: «الزارعون».

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 2: 222/ 5.

15- تفسير القمّي 1: 368.

16- تفسير العيّاشي 2: 222/ 6.

17- من لا يحضره الفقيه 3: 160/ 703.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 292

سورة ابراهيم(14): الآيات 13 الي 14 ..... ص : 292

قوله تعالى:

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا- الي قوله تعالى- وَ لَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ [13- 14]

5695/ [1]- علي بن ابراهيم، قال: حدثني أبي رفعه الي النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره، و هو قوله: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ- الي قوله- فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَ لَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ».

سورة ابراهيم(14): آية 15 ..... ص : 292

قوله تعالى:

وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [15]

5696/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عنه (عليه السلام) قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): ان فيك شبها من عيسي بن مريم، و لو لا أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسي بن مريم، لقلت فيك قولا لا تمر بملإ من الناس الا أخذوا التراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة».

قال: «فغضب الأعرابيان و المغيرة بن شعبة و عدة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا الا عيسي بن مريم، فأنزل الله علي نبيه (صلى الله عليه و آله): وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ- يعني من بني هاشم- مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ «1»».

قال: «فغضب الحارث بن عمرو

الفهري، فقال: «اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك- أن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل- فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فأنزل الله عليه مقالة الحارث، و نزلت هذه الآية: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «2»».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 368.

2- الكافي 8: 57/ 18.

(1) الزخرف 43: 57- 60. [.....]

(2) الأنفال 8: 33.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 293

ثم قال له: يا بن عمرو، اما تبت و اما رحلت. فقال: يا محمد، بل تجعل لسائر قريش شيئا مما في يدك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب و العجم. فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): ليس ذلك الي، ذلك الي الله تبارك و تعالى، فقال: يا محمد، قلبي ما يتابعني علي التوبة، و لكن أرحل عنك. فدعا براحلته فركبها، فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضت «1» هامته، ثم أتي الوحي الي النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية علي لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ «2»».

قال: قلت: جعلت فداك، انا لا نقرؤها هكذا. فقال: «هكذا أنزل الله بها جبرئيل علي محمد (صلى الله عليه و آله)، و هكذا هو و الله مثبت في مصحف فاطمة (عليها السلام)، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لمن حوله من المنافقين: انطلقوا الي صاحبكم، فقد أتاه ما استفتح به، قال الله عز و جل: وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ».

5697/ [2]- علي بن ابراهيم: قوله تعالى: وَ اسْتَفْتَحُوا أي دعوا وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أي خسر.

5698/ [3]- ثم قال: و في

رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «العنيد: المعرض عن الحق».

سورة ابراهيم(14): الآيات 16 الي 17 ..... ص : 293

قوله تعالى:

مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ- الي قوله تعالى- مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ [16- 17] 5699/ [4]- قال علي بن ابراهيم، في قوله تعالى: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال: ماء يخرج من فروج الزواني.

5700/ [5]- الطبرسي: عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أي و يسقي مما يسيل من الدم و القيح من فروج الزواني في النار».

5701/ [6]- قال علي بن ابراهيم: و قوله: يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ قال: يقرب اليه فيكرهه، فإذا دنا منه شوى و جهه، و وقعت فروة رأسه، فإذا شرب تقطعت أمعاؤه

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 368.

3- تفسير القمّي 1: 368.

4- تفسير القمّي 1: 368.

5- مجمع البيان 6: 474.

6- تفسير القمّي 1: 368.

(1) في المصدر: فرضخت.

(2) المعارج 70: 1- 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 294

و مزقت «1» تحت قدميه، و انه ليخرج من أحدهم مثل الوادي صديدا و قيحا. ثم قال: و انهم ليبكون حتي تسيل دموعهم فوق وجوههم جداول، ثم تنقطع الدموع فتسيل الدماء حتي لو أن السفن أجريت فيها لجرت، و هو قوله:

وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ «2».

5702/ [4]- العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ان أهل النار لما غلي الزقوم و الضريع في بطونهم كغلي الحميم سألوا الشراب، فاتوا بشراب غساق «3» و صديد يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ

عَذابٌ غَلِيظٌ و حميم تغلي به جهنم منذ خلقت، كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً «4».

سورة ابراهيم(14): آية 18 ..... ص : 294

قوله تعالى:

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ- الي قوله تعالى- هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [18] 5703/ [1]- قال علي بن ابراهيم: و قوله: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ قال: من لم يقر بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) بطل عمله، مثل الرماد الذي تجي ء الريح فتحمله.

5704/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيي، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه و لا امام له من الله، فسعيه غير مقبول، و هو ضال متحير، و الله شانئ لأعماله، و مثله كمثل شاة ضلت عن راعيها و قطيعها، فهجمت ذاهبة و جائية يومها، فلما جنها الليل بصرت بقطيع من غير راعيها، فحنت إليها و اغترت بها، فباتت معها في مربضها «5»، فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها و قطيعها، فضلت «6» متحيرة تطلب راعيها، و قطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها، و اغترت بها، فصاح بها الراعي: الحقي براعيك و قطيعك، فإنك

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 223/ 7.

1- تفسير القمّي 1: 368.

2- الكافي 1: 306/ 2.

(1) زاد في المصدر: إلى.

(2) محمد 47: 15.

(3) الغسّاق: ما يغسق من صديد أهل النار، أي يسيل. «مجمع البحرين- غسق- 5: 223». [.....]

(4) الكهف 18: 29.

(5) في «س»: مربطها.

(6) في «س»: و المصدر: فهجمت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 295

تائهة متحيرة عن راعيك و قطيعك، فهجمت ذعرة متحيرة نادة «1»، لا راعي لها

يرشدها الي مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها.

و كذلك و الله- يا محمد- من أصبح من هذه الامة لا امام له من الله عز و جل ظاهرا عادلا، أصبح ضالا تائها، و ان مات علي هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق، و اعلم- يا محمد- أن أئمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا و أضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا علي شي ء، ذلك هو الضلال البعيد».

سورة ابراهيم(14): الآيات 21 الي 22 ..... ص : 295

قوله تعالى:

وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً- الي قوله تعالى- إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [21- 22] 5705/ [1]- علي بن ابراهيم: قوله تعالى: وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً معناه مستقبل، أنهم يبرزون، و لفظه ماض.

5706/ [2]- ثم قال: و قوله: لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ فالهدى ها هنا هو الثواب سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ أي مفر. قال: قوله: وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ أي لما فرغ من أمر الدنيا من أوليائه إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ أي بمغيثكم وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ أي بمغيثي إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ يعني في الدنيا.

5707/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام). قال: «قال عز و جل يذكر إبليس و تبريه من أوليائه من الإنس يوم القيامة:

إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ».

5708/ [4]- العياشي:

عن حريز، عمن ذكره، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ، قال: «هو الثاني، و ليس في القرآن وَ قالَ الشَّيْطانُ الا و هو الثاني».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 368.

2- تفسير القمّي 1: 368.

3- الكافي 2: 287 ضمن الحديث 1.

4- تفسير العيّاشي 2: 223/ 8.

(1) ندّ: نفر و ذهب على وجهه شاردا. «الصحا- ندد- 2: 543».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 296

5709/ [5]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه إذا كان يوم القيامة يؤتي بإبليس في سبعين غلا و سبعين كبلا «1»، فينظر الأول الي زفر في عشرين و مائة كبل و عشرين و مائة غل، فينظر إبليس، فيقول: من هذا الذي أضعف الله له العذاب، و أنا أغويت هذا الخلق جميعا؟ فيقال: هذا زفر. فيقول: بما حدد له هذا العذاب؟

فيقال: ببغيه علي علي (عليه السلام). فيقول له إبليس: ويل لك و ثبور لك، أما علمت أن الله أمرني بالسجود لآدم فعصيته، و سألته أن يجعل لي سلطانا علي محمد و أهل بيته و شيعته، فلم يجبني الي ذلك و قال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ «2» و ما عرفتهم حين «3» استثناهم، إذ قلت وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ «4»؟ فمنتك به نفسك غرورا فتوقف بين يدي الخلائق. ثم قال له: ما الذي كان منك الي علي و الي الخلق الذي اتبعوك علي الخلاف؟ فيقول الشيطان- و هو زفر- لإبليس: أنت أمرتني بذلك.

فيقول له إبليس: فلم عصيت ربك و أطعتني؟ فيرد زفر عليه ما قال الله: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي

عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ الي آخر الآية».

سورة ابراهيم(14): الآيات 24 الي 26 ..... ص : 296

قوله تعالى:

أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ- الي قوله تعالى- ما لَها مِنْ قَرارٍ [24- 26]

5710/ [1]- محمد بن يعقوب: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن سيف، عن أبيه، عن عمرو بن حريث، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ.

قال: فقال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله) أصلها، و أمير المؤمنين (عليه السلام) فرعها، و الأئمة من ذريتهما أغصانها،

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 223/ 9.

1- الكافي 1: 355/ 80.

(1) الكبل: القيد الضخم. «الصحاح- كبل- 5: 1808».

(2) الحجر 15: 42.

(3) في «س» و «ط» نسخة بدل: حتى.

(4) الأعراف 7: 17. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 297

و علم الأئمة ثمرتها، و شيعتهم المؤمنون ورقها، هل فيها فضل «1»؟» قال: قلت: لا و الله. قال: «و الله إن المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها، و إن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها».

5711/ [2]- محمد بن الحسن الصفار: عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن عذافر، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله تبارك و تعالى: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.

فقال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا أصلها، و علي فرعها، و الأئمة أغصانها، و علمنا ثمرها، و شيعتنا ورقها. يا أبا حمزة، هل ترى فيها فضلا؟» قال: «قلت: لا

و الله، لا ارى فيها. قال: فقال: «يا أبا حمزة، و الله ان المولود ليولد من شيعتنا فتورق ورقة منها، و يموت فتسقط ورقة منها».

5712/ [3]- و عنه: عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول، عن سلام بن المستنير، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها، فقال: «الشجرة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، نسبة ثابت في بني هاشم، و فرع الشجرة علي (عليه السلام)، و عنصر الشجرة فاطمة (عليها السلام) و أغصانها الأئمة، و ورقها الشيعة، و ان الرجل منهم ليموت فتسقط منها ورقة «2»، و ان المولود منهم ليولد فتورق ورقة «3»».

قال: قلت له: جعلت فداك، قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها؟ قال: «هو ما يخرج من الإمام من الحلال و الحرام في كل سنة الى شيعته».

5713/ [4]- و عنه: عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن المفضل بن صالح، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك و تعالى: كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ.

قال: «النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة هم الأصل الثابت، و الفرع: الولاية لمن دخل فيها».

5714/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن ابراهيم بن إسحاق الطالقاني (رحمه الله)، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الضبي، قال: حدثنا محمد بن هلال، قال: حدثنا نائل بن نجيح، قال: حدثنا

__________________________________________________

2- بصائر الدرجات: 78/ 1.

3- بصائر الدرجات: 79/ 2.

4- بصائر الدرجات: 80/ 1.

5- معاني الأخبار: 400/ 61.

(1)

قال المجلسي قوله: «فضل» أي شي ء آخر غير ما ذكرنا، فلا يدخل في هذه الشجرة، و لا يلحق بالنبيّ (صلى اللّه عليه و آله) غير من ذكّر، فالمخالفون و سائر الخلق داخلون في الشجرة الخبيثة، و ملحقون بها. و قيل: أي هل في هذه الكلمة فضل عن الحقّ، و في بعض النسخ: «شوب» مكان «فضل» أي هل فيها شوب خطأ و بطلان، أو شوب حقّ بالباطل أو خلط شي ء غير ما ذكر. مرآة القول 5: 104.

(2) في «س»: ورقته.

(3) في «س»: ورقته.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 298

عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) عن قول الله عز و جل:

كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها».

قال: «اما الشجرة فرسول الله (صلى الله عليه و آله)، و فرعها علي (عليه السلام)، و غصن الشجرة فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليهما)، و ثمرها أولادها (عليهم السلام)، و ورقها شيعتنا» ثم قال (عليه السلام): «ان المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة، و ان المولود من شيعتنا ليولد فتورق الشجرة ورقة».

5715/ [6]- و عنه، قال: حدثنا جماعة من أصحابنا، قالوا: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدثني جعفر بن إسماعيل الهاشمي، قال: سمعت خالي محمد بن علي، يروي عن عبد الرحمن بن حماد، عن عمر بن سالم بياع السابري، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ قال: «أصلها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و فرعها امير المؤمنين (عليه السلام)، و الحسن و

الحسين ثمرها، و تسعة من ولد الحسين أغصانها، و الشيعة ورقها، و الله ان الرجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة».

قلت: قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها؟ قال: «ما يخرج من علم الإمام إليكم في كل سنة من حج و عمرة».

5716/ [7]- علي بن ابراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً الآية. قال: «الشجرة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أصلها نسبه ثابت في بني هاشم، و فرع الشجرة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و غصن الشجرة فاطمة (عليها السلام)، و ثمرها الأئمة من ولد علي و فاطمة (عليهم السلام)، و شيعتهم ورقها، و ان المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقه، و ان المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة».

قلت: أ رأيت قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها؟ قال: «يعني بذلك ما يفتي به الأئمة شيعتهم في كل حج و عمرة من الحلال و الحرام». ثم ضرب الله لأعداء آل محمد مثلا، فقال: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ.

5717/ [8]- ثم قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام): «كذلك الكافرون لا تصعد اعمالهم الى السماء، و بنو امية لا يذكرون الله في مجلس و لا في مسجد، و لا تصعد اعمالهم الي السماء الا قليل منهم».

5718/ [9]- الطبرسي، قال: روى ابو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام): «ان هذا مثل بني امية».

__________________________________________________

6- كمال الدين و تمام النعمة: 345/ 30.

7- تفسير القمّي 1: 369.

8-

تفسير القمّي 1: 369.

9- مجمع البيان 6: 481.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 299

5719/ [10]- العياشي: عن محمد بن علي الحلبي، عن زرارة و حمران، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في قول الله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ.

قال: «يعني النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة من بعده، و هم الأصل الثابت، و الفرع الولاية لمن دخل فيها».

5720/ [11]- عن محمد بن يزيد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فرعها، و الأئمة من ذريتهما أغصانها، و علم الأئمة ثمرها، و شيعتهم ورقها، فهل ترى فيها فضلا؟» قلت: لا و الله. قال: «و الله ان المؤمن ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة، و انه ليولد فتورق ورقة فيها».

قال: قلت: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها قال: «يعني ما يخرج الى الناس من علم الإمام في كل حين يسأل عنه».

5721/ [12]- عن عبد الرحمن بن سالم الأشل، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ الآيتان، قال: «هذا مثل ضربه الله لأهل بيت نبيه، و لمن عاداهم هو مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ».

5722/ [13]- محمد بن يعقوب: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام): «ان عليا (صلوات الله عليه) قال في رجل نذر ان يصوم زمانا، قال: الزمان خمسة أشهر، و الحين ستة أشهر، ان الله عز و جل يقول: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها».

5723/ [14]- و عنه: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن الحسن

بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه سئل عن رجل قال: لله علي ان أصوم حينا، و ذلك في شكر.

فقال ابو عبد الله (عليه السلام): «قد أتي علي (عليه السلام) في مثل هذا، فقال: صم ستة أشهر، فإن الله عز و جل يقول:

تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها يعني ستة أشهر».

5724/ [15]- العياشي: عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام): ان عليا (عليه السلام) قال في رجل نذر ان يصوم زمانا، قال: الزمان خمسة أشهر، و الحين ستة أشهر، لأن الله يقول: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ».

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 2: 224/ 10.

11- تفسير العيّاشي 2: 224/ 11.

12- تفسير العيّاشي 2: 225/ 15. [.....]

13- الكافي 4: 142/ 5.

14- الكافي 4: 142/ 6.

15- تفسير العيّاشي 2: 224/ 12.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 300

5725/ [16]- عن الحلبي، قال: سئل ابو عبد الله (عليه السلام)، عن رجل جعل لله عليه صوما حينا في شكر.

قال: فقال: «قد سئل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن هذا، فقال: فليصم ستة أشهر، ان الله يقول: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها و الحين ستة أشهر».

5726/ [17]- عن خالد بن جرير، قال: سئل ابو عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال: لله علي ان أصوم حينا، و ذلك في شكر.

فقال ابو عبد الله (عليه السلام): «قد أتي علي (عليه السلام) في مثل هذا، فقال: صم ستة أشهر، فإن الله يقول: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ يعني ستة أشهر».

سورة ابراهيم(14): آية 27 ..... ص : 300

قوله تعالى:

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ

ما يَشاءُ [27]

5727/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا وضع الرجل في قبره أتاه ملكان، ملك عن يمينه و ملك عن يساره، و أقيم الشيطان بين عينيه، عيناه من نحاس، فيقال له: كيف تقول في الرجل الذي كان بين ظهرانيكم؟- قال- فيفزع له فزعة، فيقول إذا كان مؤمنا: أ عن محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) تسألان؟ فيقولان له:

نم نومة لا حلم فيها، و يفسح له في قبره تسعة اذرع، و يرى مقعده من الجنة، و هو قول الله عز و جل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ و إذا كان كافرا، قالا له: من هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول: لا ادري. فيخليان بينه و بين الشيطان».

و روى هذا الحديث الحسين بن سعيد في كتاب (الزهد) قال: حدثنا النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا وضع الرجل في قبره» و ساق الحديث الي آخره «1».

5728/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيي، عن احمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 2: 224/ 13.

17- تفسير العيّاشي 2: 224/ 14.

1- الكافي 3: 28/ 10.

2- الكافي 3: 239/ 12.

(1) الزهد: 86/ 231.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 301

ابن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ان المؤمن إذا اخرج من بيته شيعته الملائكة

الي قبره، يزدحمون عليه، حتى إذا انتهي به الى قبره، قالت له الأرض: مرحبا بك و أهلا، اما و الله لقد كنت أحب ان يمشي علي مثلك، لترين ما اصنع بك. فيوسع له مد بصره، و يدخل عليه في قبره ملكا القبر و هما قعيدا القبر: منكر و نكير، فيلقيان فيه الروح الي حقويه «1»، فيقعدانه و يسألانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول:

الله. فيقولان: ما دينك؟ فيقول: الإسلام. فيقولان: و من نبيك؟ فيقول: محمد (صلى الله عليه و آله). فيقولان: و من امامك؟

فيقول: فلان- قال- فينادي مناد من السماء: صدق عبدي، افرشوا له في قبره من الجنة، و افتحوا له في قبره بابا الي الجنة، و البسوه من ثياب الجنة، حتى يأتينا و ما عندنا خير له، ثم يقال له: نم نومة العروس، لا حلم فيها.

قال: و ان كان كافرا خرجت الملائكة تشيعه الى قبره يلعنونه، حتى إذا انتهى به الى قبره، قالت له الأرض:

لا مرحبا بك و لا أهلا، اما و الله لقد كنت ابغض ان يمشي علي مثلك، لا جرم لترين ما اصنع بك اليوم. فتضيق عليه حتى تلتقي جوانحه- قال- ثم يدخل عليه ملكا القبر، و هما قعيدا القبر: منكر و نكير».

قال ابو بصير: جعلت فداك، يدخلان علي المؤمن و الكافر في صورة واحدة؟ فقال: «لا».

قال: «فيقعدانه فيلقيان فيه الروح الي حقويه، فيقولان له: من ربك؟ فيتلجلج، و يقول: قد سمعت الناس يقولون. فيقولان له: لا دريت. و يقولان له: ما دينك؟ فيتلجلج، فيقولان له: لا دريت. و يقولان له: من نبيك؟ فيقول:

قد سمعت الناس يقولون، فيقولان له: لا دريت. و يسألانه عن امام زمانه- قال-: فينادي مناد من السماء: كذب عبدي،

افرشوا له في قبره من النار، و البسوه من ثياب النار، و افتحوا له بابا الى النار، حتى يأتينا، و ما عندنا شر له، فيضربانه بمرزبة «2» ثلاث ضربات، ليس منها ضربة الا يتطاير قبره نارا، لو ضربت بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما».

و قال ابو عبد الله (عليه السلام): «و يسلط الله عليه في قبره الحيات تنهشه نهشا، و الشيطان يغمه غما- قال- و يسمع عذابه من خلق الله الا الجن و الإنس- قال- و انه ليسمع خفق نعالهم و نفض أيديهم، و هو قول الله عز و جل:

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ».

5729/ [3]- و عنه: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، و عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن احمد بن محمد بن أبي نصر، و الحسن بن علي، جميعا، عن أبي جميلة مفضل بن صالح، عن جابر، عن عبد الأعلى و علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسي، عن يونس، عن ابراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: قال امير المؤمنين (عليه السلام): «ان ابن آدم إذا كان في آخر يوم من ايام الدنيا، و أول يوم من ايام الآخرة، مثل له ماله و ولده و عمله، فيلتفت الي ماله فيقول له: و الله اني كنت عليك حريصا شحيحا، فمالي عندك؟ فيقول: خذ

__________________________________________________

3- الكافي 3: 231/ 1.

(1) الحقو: الخصر و مشدّ الإزار. «الصحاح- حقا- 6: 2317».

(2) المرزبّة: المطرقة الكبيرة تكسر بها الحجارة. «المعجم الوسيط- رزب- 1: 341».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 302

مني كفنك- قال- فيلتفت الي ولده، فيقول:

و الله اني كنت لكم محبا، و اني كنت عليكم محاميا فما ذا لي عندكم؟

فيقولون: نؤديك الي حفرتك، نواريك فيها- قال- فيلتفت الي عمله فيقول: و الله اني كنت فيك الزاهدا، و ان كنت علي لثقيلا، فما لي عندك؟ فيقول: انا قرينك في قبرك و يوم نشرك، حتى اعرض انا و أنت علي ربك».

قال: «فإن كان لله وليا، أتاه أطيب الناس ريحا و أحسنهم منظرا، و أحسنهم رياشا «1»، فيقول: ابشر بروح و ريحان و جنة نعيم و مقدمك خير مقدم، فيقول له: من أنت؟ فيقول: انا عملك الصالح، ارتحل من الدنيا الي الجنة، و انه ليعرف غاسله و يناشد حامله ان يعجله، فإذا ادخل قبره، أتاه ملكا القبر يجران اشعارهما، و يخدان «2» الأرض بأقدامهما، أصواتهما كالرعد القاصف «3»، و أبصارهما كالبرق الخاطف، فيقولان له: من ربك؟ و ما دينك؟

و من نبيك؟ فيقول الله ربي، و ديني الإسلام، و نبيي محمد (صلى الله عليه و آله)، فيقولان له: ثبتك الله فيما تحب و ترضي.

و هو قول الله عز و جل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ ثم يفسحان له في قبره مد بصره، ثم يفتحان له بابا الي الجنة، ثم يقولان له: نم قرير العين، نوم الشاب الناعم، فإن الله عز و جل يقول: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلًا «4»».

قال: «و إذا كان لربه عدوا، فإنه يأتيه أقبح من خلق الله زيا و رؤيا، و أنتنه ريحا، فيقول له: ابشر بنزل من حميم، و تصلية جحيم. و انه ليعرف غاسله، و يناشد حملته ان يحبسوه، فإذا ادخل القبر أتاه ممتحنا القبر فألقيا عنه أكفانه، ثم

يقولان له: من ربك؟ و ما دينك؟ و من نبيك؟ فيقول: لا ادري. فيقولان: لا دريت و لا هديت. فيضربان يأفوخه بمرزبة معهما ضربة ما خلق الله عز و جل من دابة الا و تذعر لها، ما خلا الثقلين، ثم يفتحان له بابا الي النار، ثم يقولان له: نم بشر حال، فيه من الضيق مثل ما فيه القنا «5» من الزج «6»، حتى ان دماغه ليخرج من بين ظفره و لحمه، و يسلط الله عليه حيات الأرض و عقاربها و هوامها، فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره و انه ليتمني قيام الساعة فيما هو فيه من الشر».

و

قال جابر: قال ابو جعفر (عليه السلام): «قال النبي (صلى الله عليه و آله): اني كنت انظر الي الإبل و الغنم و انا أرعاها، و ليس من نبي الا و قد رعي الغنم، و كنت انظر إليها قبل النبوة و هي متمكنة في المكينة «7»، ما حولها شي ء يهيجها، حتى تذعر و تطير، فأقول: ما هذا؟ و اعجب، حتى حدثني جبرئيل (عليه السلام): ان الكافر يضرب ضربة ما خلق الله شيئا الا سمعها و يذعر لها، الا الثقلين، فقلت: ذلك لضربة الكافر، فنعوذ بالله من عذاب القبر».

__________________________________________________

(1) الرّياش: اللّباس الفاخر «المجم الوسيط- راش- 1: 385».

(2) خدّ الأرض: حفرها «المعجم الوسيط- خدّ- 1: 220».

(3) قصف الرّعد: اشتدّ صوته «المعجم الوسيط- قصف- 2: 740». [.....]

(4) الفرقان 25: 24.

(5) القنا: اسم الجنس الجمعي من (القناة) و هي الرمح الأجوف، انظر «المعجم الوسيط- قنا- 2: 764».

(6) الزّج: الحديدة في أسفل الرّمح «المعجم الوسيط- زج- 1: 389».

(7) أي في مكان استقرارها و تمكّنها، و لعلّها تصحيف (المكنة) بمعنى المكان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص:

303

و روى هذا الحديث علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن علي بن مهزيار، عن عمرو بن عثمان، عن المفضل بن صالح، عن جابر، عن ابراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، عن امير المؤمنين (عليه السلام)، الا ان في رواية محمد بن يعقوب زيادة في آخر الحديث ذكرناها «1».

و روى ايضا هذا الحديث الشيخ في (اماليه)، بإسناده عن عباد، عن عمه، عن أبيه، عن جابر، عن ابراهيم ابن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، ذكر ان علي بن أبي طلاب (عليه السلام)، و عبد الله بن عباس، ذكر ان ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدنيا، و أول يوم من الآخرة، و ساق الحديث الي آخره «2».

5730/ [4]- الشيخ في (اماليه): عن الحفار، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا اخي دعبل، قال: حدثنا شعبة بن الحجاج، عن علقمة بن مرشد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب، عن النبي (صلى الله عليه و آله) في قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ.

قال: «في القبر إذا سئل الموتى».

5731/ [5]- العياشي: عن صفوان بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ان الشيطان ليأتي الرجل من أوليائنا فيأتيه عند موته، يأتيه عن يمينه و عن يساره ليصده عما هو عليه، فيأبى الله له ذلك، و كذلك قال الله:

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ».

5732/ [6]- عن زرارة، و حمران، و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: «إذا وضع الرجل في قبره أتاه ملكان: ملك عن يمينه، و ملك عن شماله، و

أقيم الشيطان بين يديه، عيناه من نحاس، فيقال له:

ما تقول في هذا الرجل الذي خرج من بين ظهرانيكم يزعم انه رسول الله؟ فيفزع لذلك فزعة فيقول- ان كان مؤمنا-: محمد رسول الله. فيقال له عند ذلك: نم نومة لا حلم فيها، و يفسح له في قبره تسعة اذرع، و يرى مقعده من الجنة، و هو قول الله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ. و ان كان كافرا، قالوا: من هذا الرجل الذي كان بين ظهرانيكم يقول انه رسول الله؟ فيقول: ما ادري. فيخلي بينه و بين الشيطان».

5733/ [7]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «ان الميت إذا اخرج من بيته شيعته الملائكة الى قبره يترحمون عليه، حتى إذا انتهي به الي قبره، قالت الأرض له: مرحبا بك و أهلا و سهلا، و الله لقد كنت أحب ان يمشي علي مثلك، لا جرم لترى ما اصنع بك، فيوسع له مد بصره، و يدخل عليه في قبره قعيدا القبر منكر و نكير، فيلقيان فيه الروح الي حقويه، فيقعدانه فيسألانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: الله. فيقولان: و ما دينك؟ فيقول:

__________________________________________________

4- الأمالي 1: 386.

5- تفسير العيّاشي 2: 225/ 16.

6- تفسير العيّاشي 2: 225/ 17.

7- تفسير العيّاشي 2: 225/ 18.

(1) تفسير القمّي 1: 369.

(2) الأمالي 1: 357.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 304

الإسلام. فيقولان: و من نبيك؟ فيقول: محمد (صلى الله عليه و آله). فيقولان: و من امامك؟ فيقول: علي. فينادي مناد من السماء: صدق عبدي، افرشوا له في القبر من الجنة، و البسوه من ثياب الجنة، و افتحوا له في قبره بابا الى الجنة، حتى يأتينا و ما عندنا

خير له. ثم يقولان له: نم نومة العروس، نم نومة لا حلم فيها.

و ان كان كافرا، أخرجت له ملائكة يشيعونه الي قبره يلعنونه، حتى إذا انتهي الي الأرض، قالت الأرض: لا مرحبا بك و لا أهلا، اما و الله لقد كنت ابغض ان يمشي علي مثلك، لا جرم لترين ما اصنع بك اليوم، فتضايق عليه حتى تلتقي جوانحه. و يدخل عليه ملكا القبر، و هما قعيدا القبر منكر و نكير- قال: قلت له: جعلت فداك، يدخلان علي المؤمن و الكافر في صورة واحدة؟ فقال: «لا». فيقعدانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: سمعت الناس يقولون، [فيقولان: لا دريت، فما دينك؟ فيقول: سمعت الناس يقولون.] و يتلجلج لسانه. فيقولان: لا دريت، فمن نبيك؟

فيقول: سمعت الناس يقولون، و يتلجلج لسانه. فيقولان: لا دريت. فينادي مناد. من السماء: كذب عبدي، افرشوا له في قبره من النار، و البسوه من ثياب النار، و افتحوا له بابا الي النار، حتى يأتينا و ما له عندنا شر له- قال- ثم يضربانه بمرزبة معهما ثلاث ضربات ليس منها ضربة الا تطاير قبره نارا، و لو ضربت تلك الضربة علي جبال تهامة، لكانت رميما».

قال ابو عبد الله (عليه السلام): «و يسلط الله عليه في قبره الحيات و العقارب تنهشه نهشا، و الشياطين تغمه غما، يسمع عذابه من خلق الله الا الجن و الإنس، و انه ليسمع خفق نعالهم، و نفض أيديهم، و هو قول الله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا- قال- عند موته وَ فِي الْآخِرَةِ- قال- في قبره وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ».

5734/ [8]- عن سويد بن غفلة، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)

قال: «ان ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدنيا و أول يوم من الآخرة، مثل له ماله و ولده و عمله، فيلتفت الى ماله، فيقول: و الله اني كنت عليك لحريصا شحيحا، فما عندك؟ فيقول: خذ مني كفنك. فيلتفت الي ولده، فيقول: و الله اني كنت لكم محبا، و اني كنت عليكم لمحاميا، فما ذا عندكم؟ فيقولون: نؤديك الى حفرتك و نواريك فيها. فيلتفت الي عمله، فيقول: و الله اني كنت لكم محبا، و اني كنت عليكم لمحاميا، فما ذا عندكم؟ فيقولون: نؤديك الي حفرتك و نواريك فيها. فيلتفت الي عمله، فيقول: و الله اني كنت فيك لزاهدا، و ان كنت علي لثقيلا، فما عندك؟ فيقول: انا قرينك في قبرك و يوم نشرك حين اعرض انا و أنت علي ربك.

فإن كان لله وليا، أتاه أطيب الناس ريحا و أحسنهم رياشا، فيقول: ابشر بروح و ريحان و جنة نعيم، قدمت خير مقدم، فيقول: من أنت؟ فيقول: انا عملك الصالح، ارتحل من الدنيا الي الجنه و انه ليعرف غاسله و يناشد حامله ان يعجله، فإذا ادخل قبره أتاه اثنان، هما فتانا القبر، يجران اشعارهما، و يبحثان الأرض بأنيابهما، أصواتهما كالرعد العاصف، و أبصارهما كالبرق الخاطف، ثم يقولان: من ربك، و ما دينك، و من نبيك؟ فيقول: الله ربي، و ديني الإسلام، و نبيي محمد. فيقولان: ثبتك الله فيما يحب و يرضي. و هو قول الله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ. ثم يفسحان له في قبره مد بصره، و يفتحان له بابا الي الجنة، ثم يقولان له:

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 227/ 10 و 21.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص:

305

نم قرير العين، نوم الشاب الناعم، فإنه يقول الله: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلًا «1».

و أما إن كان لربه عدوا، فإنه يأتيه أقبح من خلق الله رياشا، و أنتنهم ريحا فيقول: أبشر ينزل من حميم و تصلية جحيم. و انه ليعرف غاسله و يناشد حامله ان يحبسه، فإذا ادخل في قبره أتاه ممتحنا القبر، فألقيا أكفانه، ثم قالا له:

من ربك، و ما دينك، و من نبيك؟ فيقول: لا ادري. فيقولان: لا دريت و لا هديت. فيضربان يأفوخه بمرزبة ضربة ما خلق الله من دابة الا تذعر لها، ما خلا الثقلين، ثم يفتح له باب الى النار، ثم يقولان له: نم بشر حال، فإنه من الضيق مثل ما فيه القناة من الزج، حتى ان دماغه ليخرج مما بين ظفره و لحمه، و يسلط الله عليه حيات الأرض و عقاربها و هو أمها فتنهشه حتى يبعثه من قبره، و انه ليتمني قيام الساعة مما هو فيه من الشر».

قال جابر «2»: قال ابو جعفر (عليه السلام): «قال النبي (صلى الله عليه و آله): اني كنت لأنظر الى الغنم و الإبل و انا أرعاها، و ليس من نبي الا قد رعي، فكنت انظر إليها قبل النبوة و هي متمكنة فيه المكنية، ما حولها شي ء يهيجها حتى تذعر، فأنظر فأقول: ما هذا؟ و اعجب، حتى حدثني جبرئيل (عليه السلام): ان الكافر يضرب ضربة ما خلق الله شيئا الا سمعها و يذعر لها الا الثقلان، فعلمت ان ذلك انما كان بضربة الكافر، فنعوذ بالله من عذاب القبر».

5735/ [9]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا وضع الرجل في قبره أتاه ملكان: ملك عن يمينه،

و ملك عن شماله، و أقيم الشيطان بين يديه، عيناه من نحاس، فيقال له: كيف تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟- قال- فيفزع لذلك، فيقول- ان كان مؤمنا-: عن محمد تسألاني؟ فيقولان له عند ذلك: نم نومة لا حلم فيها. و يفسح له في قبره تسعة «3» اذرع، و يرى مقعدة من الجنة.

و ان كان كافرا، قيل له: ما تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول: ما أدرى، و يخلي بينه و بين الشيطان، و يضرب بمرزبة من حديد يسمع صوته كل شي ء، و هو قول الله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ».

5736/ [10]- و من طريق المخالفين: ما رواه النطنزي، عن ابن عباس، في قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، قال: بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام).

5737/ [11]- ابن بابويه: قال: حدثنا علي بن عبد الله الوراق، و محمد بن احمد السناني، و علي بن احمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمه الله)، قالوا: حدثنا ابو العباس احمد بن يحيي بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 2: 227/ 19.

10- ... تفسير الحبري: 288/ 42، شواهد التنزيل 1: 314/ 434.

11- التوحيد: 241/ 1. [.....]

(1) الفرقان 25: 24.

(2) وقع جابر في السند المتقدّم في أول هذا الحديث و قد حذف من أسانيد العيّاشي، انظر أسانيد الحديث (3) من تفسير هذه الآيات، عن الكافي و تفسير القمّي و أمالي الشيخ.

(3) في «ط»: سبعة، و في المصدر: خمسة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 306

عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه،

عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن قول الله عز و جل: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً «1».

فقال: «ان الله تبارك و تعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، و يهدي اهل الإيمان و العمل الصالح الى جنته، كما قال عز و جل: وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ و قال عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ «2»».

سورة ابراهيم(14): الآيات 28 الي 29 ..... ص : 306

قوله تعالى:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ [28- 29]

5738/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن بسطام بن مرة، عن إسحاق ابن حسان، عن الهيثم بن واقد، عن علي بن الحسين العبدي، عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال امير المؤمنين (عليه السلام): «ما بال أقوام غيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و عدلوا عن وصيه، لا يتخوفون ان ينزل بهم العذاب؟» ثم تلا هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ ثم قال: «نحن النعمة التي أنعم الله بها علي عباده، و بنا يفوز من فاز يوم القيامة».

5739/ [2]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن محمد بن اورمة، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز

و جل: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً الآية.

قال: «عني بها قريشا قاطبة، الذين عادوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و نصبوا له الحرب، و جحدوا وصية وصيه».

5740/ [3]- و عنه: عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلي بن محمد، عن الوشاء، عن ابان بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة النصري، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً

__________________________________________________

1- الكافي 1: 169/ 1.

2- الكافي 1: 169/ 4.

3- الكافي 8: 103/ 77.

(1) الكهف 18: 17.

(2) يونس 20: 9.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 307

قال: «ما تقولون في ذلك؟». قلت: نقول: هم الأفجران من قريش: بنو امية و بنو المغيرة.

قال: ثم قال: «هي و الله قريش قاطبة، ان الله تبارك و تعالى خاطب نبيه (صلى الله عليه و آله) فقال: اني فضلت قريشا علي العرب، و أتممت عليهم نعمتي، و بعثت إليهم رسولي، فبدلوا نعمتي كفرا و أحلوا قومهم دار البوار».

5741/ [4]- علي بن ابراهيم: قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن عثمان بن عيسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً.

قال: «نزلت في الأفجرين من قريش: بني امية و بني المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر، و اما بنو امية فمتعوا الى حين- ثم قال- و نحن و الله نعمة الله التي أنعم بها علي عباده، و بنا يفوز من فاز، ثم قال لهم:

تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ «1»».

5742/ [5]- ثم قال: حدثني أبي، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن

طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام) قال: «ما بال قوم غيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و عدلوا عن وصيه «2»، لا يخافون ان ينزل بهم العذاب؟» ثم تلا هذه الآية الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ ثم قال: «نحن- و الله- نعمة الله التي أنعم بها علي عباده، و بنا فاز من فاز».

5743/ [6]- العياشي: عن عمرو بن سعيد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: فقال: «ما تقولون في ذلك؟» فقلت: نقول: هما الأفجران من قريش: بنو امية و بنو المغيرة.

فقال: «بلي، هي قريش قاطبة، ان الله خاطب نبيه (صلى الله عليه و آله) فقال: اني قد فضلت قريشا علي العرب، و أتممت عليهم نعمتي، و بعث إليهم رسولا، فبدلوا نعمتي و كذبوا رسولي».

5744/ [7]- و في رواية زيد الشحام، عنه (عليه السلام)، قال: قلت له: بلغني ان امير المؤمنين (عليه السلام) سئل عنها، فقال: «عني بذلك الأفجرين من قريش: امية و محزوم، فأما مخزوم فقتلها الله يوم بدر، و اما امية فمتعوا الى حين»؟

فقال ابو عبد الله (عليه السلام): «عني الله و الله بها قريشا قاطبة، الذين عادوا رسول الله و نصبوا له الحرب».

5745/ [8]- عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال امير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً.

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 1: 371.

5- تفسير القمّي 1: 86.

6- تفسير العيّاشي 2: 229/ 22.

7- تفسير العيّاشي 2: 229/ 23.

8- تفسير العيّاشي 2: 229/ 24.

(1) إبراهيم 14: 30.

[.....]

(2) في المصدر: عن وصيته في حق علي و الأئمة (عليهم السلام) و.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 308

قال: «نحن نعمة الله التي أنعم الله بها علي العباد».

5746/ [9]- عن ذريح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «جاء ابن الكواء الى امير المؤمنين (عليه السلام) فسأله عن قول الله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. قال:

تلك قريش، بدلوا نعمة الله كفرا، و كذبوا نبيه (صلى الله عليه و آله) يوم بدر».

5747/ [10]- عن محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري، قال: كان مما قال هارون لأبي الحسن موسى (عليه السلام) حين ادخل عليه ما هذه الدار، و دار من هي؟ قال: «لشيعتنا فترة، و لغيرهم فتنة». قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟ قال: «أخذت منه عامرة، و لا يأخذها الا معمورة» فقال: اين شيعتكم؟ فقرا ابو الحسن (عليه السلام): لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ «1» قال له: فنحن كفار؟ قال: «لا، و لكن كما قال الله عز و جل: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ» فغضب عند ذلك و غلظ عليه.

5748/ [11]- علي بن حاتم، قال: وجدت في كتاب أبي، عن حمزة الزيات، عن عمر بن مرة، قال: قال ابن عباس لعمر: يا امير المؤمنين، هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: هما الأفجران من قريش، أخوالي و أعمامك، فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر، و اما أعمامك فأملي الله لهم الى حين.

5749/ [12]- عن مسلم المشوف، عن

علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ.

قال: «هما الأفجران من قريش: بنو امية و بنو المغيرة».

5750/ [13]- ابن شهر آشوب: عن مجاهد، في قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً:

كفرت بنو امية بمحمد (صلى الله عليه و آله) و اهل بيته.

5751/ [14]- عن أبي الطفيل: عن امير المؤمنين (عليه السلام)، قال: يقول الله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها، قال: «تلك في الأفجرين من قريش».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 2: 229/ 25.

10- تفسير العيّاشي 2: 229/ 26.

11- تفسير العيّاشي 2: 230/ 27.

12- تفسير العيّاشي 2: 230/ 28.

13- المناقب 3: 99.

14- تفسير العيّاشي 2: 283/ 31، فرائد السمطين 1: 395/ 331 ضمن حديث طويل.

(1) البيّنة 98/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 309

سورة ابراهيم(14): آية 31 ..... ص : 309

قوله تعالى:

قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ [31]

5752/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيي، عن احمد بن محمد، عن عثمان بن عيسي، عن سماعة ابن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ان الله عز و جل فرض للفقراء له في اموال الأغنياء فريضة لا يحمدون الا بأدائها، و هي الزكاة، بها حقنوا دماءهم، و بها سموا مسلمين، و لكن الله عز و جل فرض في اموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة، فقال عز و جل: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ «1» فالحق المعلوم غير الزكاة، و هو شي ء يفرضه الإنسان علي نفسه في ماله، يجب عليه ان يفرضه علي قدر

طاقته و سعة حاله «2»، فيؤدي الذي فرض علي نفسه كل يوم، و ان شاء في كل جمعة، و ان شاء في كل شهر. و قال الله عز و جل ايضا: أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً «3» و هذا غير الزكاة، و قد قال الله عز و جل ايضا يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً و الماعون ايضا، و هو القرض يقرضه، و المتاع يعيره، و المعروف يصنعه. و مما فرض الله عز و جل ايضا في المال من غير الزكاة، قوله عز و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ «4» و من ادى ما فرض الله عليه فقد قضي ما عليه، و ادى شكر ما أنعم الله عليه في ماله، إذا هو حمده علي ما أنعم الله عليه فيه مما فضله به من السعة علي غيره، و لما وفقه لأداء ما فرض الله عز و جل، و أعانه عليه».

5753/ [2]- العياشي: عن زرعة، عن سماعة، قال: ان الله فرض للفقراء في اموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها و هي الزكاة، بها حقنوا دماءهم، و بها سموا مسلمين و لكن الله فرض في الأموال حقوقا غير الزكاة، و قد قال الله تبارك و تعالى: وَ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً.

5754/ [3]- علي بن ابراهيم: قوله: يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ اي لا صداقة.

__________________________________________________

1- الكافي 3: 498/ 8.

2- تفسير العيّاشي 2: 230/ 29.

3- تفسير القمّي 1: 371.

(1) المعارج 70: 24.

(2) في المصدر: ماله.

(3) الحديد 57: 18. [.....]

(4) الرعد 13: 21.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 310

سورة ابراهيم(14): الآيات 32 الي 33 ..... ص : 310

قوله تعالى:

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ

الثَّمَراتِ- الى قوله تعالى- وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ [32- 33] 5755/ [1]- علي بن ابراهيم: و قوله: وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ اي علي الولاء.

و كيفية خلق السماوات و الأرض تقدم في أول سورة هود، في قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ «1». و قوله: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً تقدم الحديث في أول سورة البقرة، في قوله تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً «2». و قوله وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ تقدم حديثها في سورة يونس، في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً «3».

سورة ابراهيم(14): الآيات 34 الي 36 ..... ص : 310

قوله تعالى:

وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها- الى قوله تعالى- وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [34- 36]

5756/ [2]- العياشي: عن حسين بن هارون- شيخ من اصحاب أبي جعفر (عليه السلام)- عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقرا هذه الآية: وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ. قال: ثم قال ابو جعفر (عليه السلام): «الثوب، و الشي ء لم تسأله إياه أعطاك».

5757/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا قرا هذه الآية: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها يقول: «سبحان من لم يجعل في احد

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 371.

2- تفسير العيّاشي 2: 230/ 30.

3- الكافي 8: 394/ 592.

(1) تقدّم في الأحاديث (1، 2، 3، 5، 6) من تفسير الآية (7) من سورة هود.

(2) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآية (22)

من سورة البقرة.

(3) تقدّم في الأحاديث (1- 3) من تفسير الآية (5) من سورة يونس.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 311

من معرفة نعمه الا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في احد من معرفة إدراكه اكثر من العلم انه لا يدركه، فشكر جل و عز معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره، فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا، كما علم علم العالمين انهم لا يدركونه فجعله ايمانا، علما منه انه قد «1» وسع العباد، فلا يتجاوز ذلك، فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته، و كيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له و لا كيف؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا».

و تقدم حديث في معني الآية في قوله تعالى: وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ «2».

5758/ [3]- علي بن ابراهيم: قال: و قوله يحكي قول ابراهيم: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً يعني مكة وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فإن الأصنام لم تضل، و انما ضل الناس بها.

5759/ [4]- العياشي: عن الزهري، قال: أتي رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فسأله عن شي ء فلم يجبه، فقال له الرجل: فإن كنت ابن أبيك، فإنك من أبناء عبدة الأصنام، فقال له: «كذبت، ان الله امر ابراهيم (عليه السلام) ان ينزل إسماعيل (عليه السلام) بمكة ففعل، فقال ابراهيم (عليه السلام): رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فلم يعبد احد من ولد إسماعيل صنما قط، و لكن العرب عبدة الأصنام، و قالت بنو إسماعيل: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فكفرت و لم تعبد الأصنام».

5760/ [5]- عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من

أحبنا فهو منا اهل البيت». فقلت: جعلت فداك، منكم؟ قال: «منا و الله، اما سمعت قول ابراهيم (عليه السلام): فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي؟».

5761/ [6]- عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من اتقي الله منكم و أصلح فهو منا اهل البيت» قال: منكم اهل البيت؟ قال: «منا اهل البيت، قال فيها ابراهيم (عليه السلام): فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي «3»».

قال عمر بن يزيد: قلت له: من آل محمد؟ قال: «اي و الله من آل محمد، اي و الله من أنفسهم، اما تسمع الله يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ «4»؟ و قول ابراهيم (عليه السلام): فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي؟».

5762/ [7]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أحب «5» آل محمد و قدمهم علي

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 371.

4- تفسير العيّاشي 2: 230/ 31.

5- تفسير العيّاشي 2: 231/ 32.

6- تفسير العيّاشي 2: 231/ 33.

7- تفسير العيّاشي 2: 231/ 34.

(1) القدّ: المقدار «المعجم الوسيط- قدّ- 2: 718».

(2) تقدم في الحديث (4) من تفسير الآية (5) من هذه السورة. [.....]

(3) في «س»: فأحبنا.

(4) آل عمران 3: 68.

(5) في المصدر: تولّى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 312

جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فهو من آل محمد (عليه السلام) لتوليه آل محمد (عليهم السلام)، لأنه من القوم بأعيانهم، و انما هو منهم بتوليه و اتباعه إياهم، و كذلك حكم الله في كتابه وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ «1» و قول ابراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

5763/ [8]- ابن شهر آشوب: قال النبي (صلى الله عليه و آله) في قوله

تعالى: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ:

«فانتهت الدعوة الى و الى علي» و في خبر: «انا دعوة ابراهيم» و انما عني بذلك الطاهرين، لقوله (صلى الله عليه و آله):

«نقلت من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات لم يمسني سفاح الجاهلية» «2».

و قد تقدمت رواية عبد الله بن مسعود في معني الآية عن النبي (صلى الله عليه و آله) في قوله تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً- الآية- من سورة البقرة، من طريق أصحابنا و الجمهور «3».

سورة ابراهيم(14): آية 37 ..... ص : 312

قوله تعالى:

رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [37]

5764/ [1]- علي بن ابراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ان ابراهيم (عليه السلام) كان نازلا في بادية الشام، فلما ولد له من هاجر إسماعيل (عليه السلام)، اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد، فكانت تؤذي ابراهيم (عليه السلام) في هاجر و تغمه، فشكا ابراهيم (عليه السلام) ذلك الى الله عز و جل فأوحي الله اليه: انما مثل المراة مثل الضلع العوجاء، ان تركتها استمتعت بها، و ان أقمتها كسرتها، ثم امره ان يخرج إسماعيل و امه. فقال ابراهيم: يا رب، الى اي مكان؟ قال: الى حرمي و امني و أول بقعة خلقتها من الأرض، و هي مكة. فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق، فحمل هاجر و إسماعيل و ابراهيم (عليهما السلام)، و كان ابراهيم (عليه السلام) لا يمر بموضع حسن فيه شجر و نخل و زرع الا قال: يا جبرئيل، الى ها هنا، الى ها هنا.

فيقول جبرئيل: لا، امض امض، حتى وافي مكة، فوضعه في موضع البيت.

و قد كان ابراهيم (عليه الصلاة و السلام) عاهد سارة ان لا ينزل حتى يرجع إليها، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه

__________________________________________________

8- مناقب ابن شهر آشوب 2: 176.

1- تفسير القمّي 1: 60.

(1) المائدة: 5: 51.

(2) يأتي في تفسير الآية التالية (37) من هذه السورة الحديث 6) و هو تابع إلى تفسير الآية (36) فموضعه الصحيح هنا.

(3) تقدّم في الحديثين (13 و 14) من تفسير الآية (124) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 313

شجر، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها، فاستظلوا تحته، فلما سرحهم إبراهيم (عليه السلام) و وضعهم و أراد الانصراف عنهم إلى سارة، قالت له هاجر: يا إبراهيم، لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس و لا ماء و لا زرع؟

فقال إبراهيم (عليه السلام): الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان و هو يكفيكم، ثم انصرف عنهم. فلما بلغ كدى،- و هو جبل بذي طوى- التفت إليهم إبراهيم (عليه السلام)، فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ثم مضى، و بقيت هاجر» و الحديث طويل ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ «1».

5765/ [2]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن حنان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي الآية، قال: «نحن و الله بقية تلك العترة».

5766/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن

أذينة، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة، فقال: «هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية، إنما أمروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم و مودتهم، و يعرضوا علينا نصرتهم» ثم قرأ هذا الآية: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ.

5767/ [4]- ابن بابويه: قال: حدثنا علي بن حاتم، قال: حدثني محمد بن جعفر و علي بن سليمان، قالا:

حدثنا أحمد بن محمد، قال: قال الرضا (عليه السلام): «أ تدري لم سميت (الطائف) الطائف؟» قلت: لا. قال: «لأن الله عز و جل لما دعاه إبراهيم (عليه السلام) أن يرزق أهله من كل الثمرات، أمر قطعة من الأردن فسارت بثمارها حتى طافت بالبيت، ثم أمرها أن تنصرف إلى هذا الموضع الذي سمي الطائف، فلذلك سميت الطائف».

5768/ [5]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بإسناده، قال: قال: أبو الحسن (عليه السلام) في الطائف: «أ تدري لم سمي الطائف؟» قلت: لا. فقال: «إن إبراهيم (عليه السلام) دعا ربه أن يرزق أهله من كل الثمرات، فقطع لهم قطعة من الأردن فأقبلت حتى طافت بالبيت سبعا، ثم أقرها الله عز و جل في موضعها، فإنما سميت الطائف للطواف بالبيت».

5769/ [6]- المفيد: في (الإختصاص)، قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن أحمد الكوفي الخزاز، قال:

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، عن ابن فضال، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي مسروق النهدي، عن

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 371.

3- الكافي 1: 322/ 1.

4- علل الشرائع: 442/ 2.

5- علل الشرائع: 442/ 1.

6- الاختصاص: 85، و هذا الحديث تابع إلى تفسير الآية (36) من هذه السورة،

و قد أشرنا إليه في محلّه.

(1) تقدم فى الحديث (4) من تفسير الآيات (126- 129) من سورة البقرة. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 314

مالك بن عطية، عن أبي حمزة، قال: دخل سعد بن عبد الملك- و كان أبو جعفر (عليه السلام) يسميه سعد الخير، و هو من ولد عبد العزيز بن مروان- على أبي جعفر (عليه السلام)، فنشج «1» كما تنشج النساء- قال- فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «ما يبكيك يا سعد؟» قال: و كيف لا أبكي و أنا من الشجرة الملعونة في القرآن؟

فقال له: «لست منهم، أنت أموي منا أهل البيت، أما سمعت قول الله عز و جل يحكي عن إبراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي «2»».

5770/ [7]- العياشي: عن رجل ذكره، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ إلى قوله: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.

قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): «نحن منهم، و نحن بقية تلك الذرية».

5771/ [8]- و في رواية اخرى، عن حنان بن سدير، عنه (عليه السلام): «نحن بقية تلك العترة».

5772/ [9]- عن الفضل بن موسى الكاتب، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: «إن إبراهيم (عليه السلام) لما أسكن إسماعيل (عليه السلام) و هاجر مكة و ودعهما لينصرف عنهما بكيا، فقال لهما إبراهيم (عليه السلام): ما يبكيكما؟ فقد خلفتكما في أحب الأرض إلى الله، و في حرم الله. فقالت له هاجر: يا إبراهيم، ما كنت أرى أن نبيا مثلك يفعل ما فعلت. قال: و ما فعلت؟ فقالت: إنك خلفت امرأة ضعيفة و غلاما ضعيفا، لا حيلة لهما، بلا أنيس من بشر، و لا ماء يظهر، و لا زرع

قد بلغ، و لا ضرع يحلب! قال: فرق إبراهيم (عليه السلام) و دمعت عيناه عند ما سمع منها، فأقبل حتى انتهى إلى باب بيت الله الحرام، فأخذ بعضادتي الكعبة، ثم قال: اللهم إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ».

قال أبو الحسن (عليه السلام): «فأوحى الله إلى إبراهيم (عليه السلام) أن اصعد أبا قبيس فناد في الناس: يا معشر الخلائق، إن الله يأمركم بحج هذا البيت الذي بمكة محرما من استطاع إليه سبيلا فريضة من الله؟- قال- فصعد إبراهيم (عليه السلام) أبا قبيس، فنادى في الناس بأعلى صوته، يا معشر الخلائق، إن الله يأمركم بحج هذا البيت الذي بمكة محرما من استطاع إليه سبيلا فريضة من الله- قال- فمد الله لإبراهيم في صوته، حتى أسمع به أهل المشرق و المغرب و ما بينهما من جميع ما قدر الله و قضى في أصلاب الرجال من النطف، و جميع ما قدر الله و قضى في أرحام النساء إلى يوم القيامة، فهناك- يا فضل- وجب الحج على جميع الخلائق، فالتلبية من الحاج في أيام الحج هي إجابة لنداء إبراهيم (عليه السلام) يومئذ بالحج عن الله».

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 231/ 35.

8- تفسير العيّاشي 2: 232/ 36.

9- تفسير العيّاشي 2: 232/ 37.

(1) نشج الباكي، نشجا و نشيجا: تردّد البكاء في صدره من غير انتحاب. «المعجم الوسيط- نشج- 2: 921».

(2) إبراهيم 14: 36.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 315

5773/ [10]- عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن إبراهيم خليل الرحمن (صلوات الله عليه)،

سأل ربه حين أسكن ذريته الحرم، فقال: رب ارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون، فأمر الله تبارك و تعالى قطعة من الأردن حتى جاءت فطافت بالبيت سبعا، ثم أمر الله أن تقول: الطائف، فسميت الطائف لطوافها بالبيت».

5774/ [11]- عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ: «أما أنه لم يعن الناس كلهم، أنتم أولئك و نظراؤكم، إنما مثلكم في الناس مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو متل العشرة السوداء في الثور الأبيض، ينبغي للناس أن يحجوا هذا البيت و يعظموه لتعظيم الله إياه، و إن يلقونا حيث كنا، نحن الأدلاء على الله».

5775/ [12]- عن ثعلبة بن ميمون، عن ميسر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن أبانا إبراهيم كان مما اشترط على ربه أن قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ».

5776/ [13]- و في رواية اخرى عنه، قال: كنا في الفسطاط عند أبي جعفر (عليه السلام) نحوا من خمسين رجلا، قال: فجلس بعد سكوت كان منا طويلا فقال: «ما لكم لا تنطقون، لعلكم ترون أني نبي؟ لا و الله ما أنا كذلك، و لكن في قرابة من رسول الله (صلى الله عليه و آله) قريبة، و ولادة، من وصلها وصله الله، و من أحبها أحبه الله، و من أكرمها أكرمه الله، أ تدرون أي البقاع أفضل عند الله منزلة؟». فلم يتكلم أحد، فكان هو الراد على نفسه، فقال: «تلك مكة الحرام، التي رضيها لنفسه حرما، و جعل بيته فيها».

ثم قال: «أ تدرون أي البقاع أفضل من مكة؟» فلم يتكلم أحد، فكان هو الراد على نفسه، فقال: «ما بين الحجر الأسود إلى باب الكعبة، ذلك حطيم إبراهيم (عليه السلام) نفسه

الذي كان يذود فيه غنمه و يصلي فيه، فو الله لو أن عبدا صف قدميه في ذلك المكان، قام النهار مصليا حتى يجنه الليل، و قام الليل مصليا حتى يجنه النهار، ثم لم يعرف لنا حقا أهل البيت و حرمنا حقنا، لم يقبل الله منه شيئا أبدا.

إن أبانا إبراهيم (صلوات الله عليه) كان فيما اشترط على ربه أن قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ أما إنه لم يقل: الناس كلهم، أنتم أولئك رحمكم الله و نظراؤكم، فإنما مثلكم في الناس مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض، و ينبغي للناس أن يحجوا هذا البيت، و أن يعظموه لتعظيم الله إياه، و أن يلقونا أينما كنا، نحن الأدلاء على الله».

و

في خبر آخر: «أ تدرون أي بقعة أعظم حرمة عند الله؟» فلم يتكلم أحد، و كان هو الراد على نفسه، فقال:

«ذلك ما بين الركن الأسود و المقام، إلى باب الكعبة، ذلك حطيم إسماعيل (عليه السلام) الذي كان يذود فيه غنمه». ثم

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 2: 232/ 38.

11- تفسير العيّاشي 2: 232/ 39.

12- تفسير العيّاشي 1: 233/ 40.

13- تفسير العيّاشي 2: 233/ 41.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 316

ذكر الحديث «1».

5777/ [14]- عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة، فقال:

«هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية، إنما أمروا أن يطوفوا ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم، و يعرضون علينا نصرتهم» ثم قرأ هذه الآية: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ فقال: «آل محمد، ثم قال- إلينا إلينا».

و تقدم حديث الباقر (عليه السلام) مع قتادة، في باب مقدمات الكتاب «2»، و يأتي في قوله تعالى: وَ قَدَّرْنا فِيهَا

السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ «3».

و تقدم في قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا من سورة آل عمران، حديث جابر بن عبد الله، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «4».

سورة ابراهيم(14): الآيات 38 الي 46 ..... ص : 316

قوله تعالى:

رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ- إلى قوله تعالى- وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [38- 46]

5778/ [1]- العياشي: عن السري، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقرأ: «رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ وَ ما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ شأن إسماعيل، و ما أخفى أهل البيت».

5779/ [2]- عن حريز بن عبد الله، عمن ذكره، عن أحدهما (عليهما السلام)، أنه كان يقرأ هذه الآية: «رب اغفر لي و لولدي» يعني إسماعيل و إسحاق.

5780/ [3]- و في رواية اخرى: عمن ذكره، عن أحدهما (عليهما السلام)، أنه قرأ: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ قال:

«آدم و حواء».

5781/ [4]- عن جابر، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ.

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 2: 234/ 43.

1- تفسير العيّاشي 2: 234/ 44.

2- تفسير العيّاشي 2: 234/ 45.

3- تفسير العيّاشي 2: 234/ 46.

4- تفسير العيّاشي 2352/ 47. [.....]

(1) تفسير العيّاشي 2: 233/ 42.

(2) تقدّم في الحديث (3) باب (6) في النهي عن تفسير القرآن بالرأي و النهي عن الجدال.

(3) يأتي في الحديث (4) من تفسير الآيات (15- 19) من سورة سبأ.

(4) تقدّم في الحديث (2) من تفسير الآية (103) من سورة آل عمران.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 317

قال: «هذه كلمة صحفها الكتاب، إنما كان استغفار إبراهيم (عليه السلام) لأبيه عن موعدة وعدها إياه، و إنما قال:

رب اغفر لي و

لولدي. يعني إسماعيل و إسحاق. و الحسن و الحسين و الله ابنا رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

5782/ [5]- علي بن إبراهيم: و أما قوله رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ قال: إنما أنزلت: (و لولدي) إسماعيل و إسحاق، و قوله: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ قال:

تبقى أعينهم مفتوحة من هول جهنم، لا يقدرون أن يطرفوها. قال: وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ قال: قلوبهم تتصدع من الخفقان. ثم قال: وَ أَنْذِرِ النَّاسَ يا محمد يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَ وَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ أي حلفتم ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ أي لا تهلكون وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني ممن قد هلكوا من بني امية وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ وَ قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَ عِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ قال: مكر بني فلان.

5783/ [6]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبي الصباح بن عبد الحميد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «و الله للذي صنعه الحسن بن علي (عليهما السلام) كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، فو الله، فيه «1» نزلت هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ «2» إنما هي طاعة الإمام، و طلبوا القتال فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ «3» مع الحسين (عليه السلام) قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ

قَرِيبٍ «4»، نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (عليه السلام)».

5784/ [7]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ «5» «إنما هي طاعة الإمام، و طلبوا القتال فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ «6» مع الحسين (عليه السلام) قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ «7»، نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (عليه السلام)».

5785/ [8]- عن سعد بن عمر، عن غير واحد ممن حضر أبا عبد الله (عليه السلام)، و رجل يقول: قد ثبت دار صالح و دار عيسى بن علي- ذكر دور العباسين- فقال رجل: أراناها الله خرابا، أو خربها بأيدينا. فقال له أبو

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 1: 372.

6- الكافي 8: 330/ 506.

7- تفسير العيّاشي 2: 235/ 48.

8- تفسير العيّاشي 2: 235/ 49.

(1) في المصدر: و اللّه لقد.

(2) النساء 4: 77.

(3) النساء 4: 77.

(4) النساء 4: 77.

(5) النساء 4: 77.

(6) النساء 4: 77. [.....]

(7) النساء 4: 77.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 318

عبد الله (عليه السلام): «لا تقل هكذا، بل تكون مساكن القائم و أصحابه، أما سمعت الله يقول: وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ؟».

5786/ [9]- عن جميل بن دراج، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ و إن كان مكر بني العباس بالقائم لتزول منه قلوب الرجال».

5787/ [10]- عن الحارث، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «إن نمرود أراد أن ينظر إلى ملك السماء، فأخذ نسورا أربعة فرباهن حتى كن نشاطا، و جعل

تابوتا من خشب، و أدخل فيه رجلا، ثم شد قوائم النسور بقوائم التابوت، ثم أطارهن، ثم جعل في وسط التابوت عمودا، و جعل في رأس العمود لحما، فلما رأى النسور اللحم طرن، و طرن بالتابوت و الرجل، فارتفعن إلى السماء، فمكثن ما شاء الله. ثم إن الرجل أخرج من التابوت رأسه فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها، و نظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى الجبال إلا كالذر، ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها، و نظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى إلا الماء، ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها، و نظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى شيئا فلما نزل اللحم «1» إلى سفل العمود، و طلبت النسور اللحم، سمعت الجبال هدة النسور فخافت من أمر السماء، و هو قول الله: وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ».

5788/ [11]- الشيخ في (مجالسه): قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد ابن وهبان، قال: حدثنا أبو القاسم علي بن حبشي، قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن الحسين، قال:

حدثنا أبي، قال: حدثنا صفوان بن يحيى، عن الحسين بن أبي غندر، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «اتقوا الله، و عليكم بالطاعة لأئمتكم، قولوا ما يقولون، و اصمتوا عما صمتوا، فإنكم في سلطان من قال الله تعالى: وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ- يعني بذلك ولد العباس- فاتقوا الله فإنكم في هدنة، صلوا في عشائرهم، و اشهدوا جنائزهم، و أدوا الأمانة إليهم، و عليكم بحج هذا البيت فأدمنوه، فإن في إدمانكم الحج دفع مكاره الدنيا عنكم

و أهوال يوم القيامة».

سورة ابراهيم(14): آية 48 ..... ص : 318

قوله تعالى:

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [48]

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 2: 235/ 50.

10- تفسير العيّاشي 2: 235/ 51.

11- الأمالي 2: 280.

(1) في البحار 12: 44/ 36: لا يرى شيئا، ثمّ وقع في ظلمة لم ير ما فوقه و ما تحته، ففزع فألقى اللحم، فأتبعته النسور منقضّات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 319

5789/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليمان بن جعفر، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سأله الأبرش الكلبي عن قول الله عز و جل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ. قال: «تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب».

فقال الأبرش: فقلت: إن الناس يومئذ لفي شغل عن الأكل! فقال أبو جعفر (عليه السلام): «هم في النار لا يشتغلون عن أكل الضريع و شرب الحميم و هم في العذاب، فكيف يشتغلون عنه في الحساب؟».

5790/ [2]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن القاسم بن عروة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله «1» (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ. قال: «تبدل خبزا نقيا يأكل منه الناس حتى يفرغوا من الحساب».

فقال له قائل: إنهم لفي شغل يومئذ عن الأكل و الشرب! فقال: «إن الله عز و جل خلق ابن آدم أجوف، و لا بد له من الطعام و الشراب، أهم أشد شغلا يومئذ أم من في النار و قد استغاثوا؟ و الله عز و جل يقول: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا

يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ «2»؟».

5791/ [3]- و عنه: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، و أبو منصور، عن أبي الربيع، قال سأل نافع أبا جعفر (عليه السلام) فقال: أخبرني عن قول الله عز و جل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ أي أرض تبدل يومئذ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام):

«أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز و جل من الحساب».

فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): «أهم يومئذ أشغل، أم إذ هم في النار؟» فقال نافع: بل إذ هم في النار. قال: «و الله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، و دعوا بالشراب فسقوا الحميم».

فقال: صدقت، يا بن رسول الله.

5792/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي، قال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد البزاز، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن مرة، عن ثوبان: أن يهوديا جاء إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال له: يا

__________________________________________________

1- الكافي 6: 286/ 1.

2- الكافي 6: 286/ 4.

3- الكافي 8: 120/ 93.

4- علل الشرائع: 96/ 5.

(1) في المصدر: أبا جعفر.

(2) الكهف 18: 29.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 320

محمد، أسألك فتخبرني فيه. فرفسه ثوبان برجله، و قال له: قل يا رسول الله. فقال: لا أدعوه إلا بما سماه أهله. قال:

أ رأيت قول الله عز و جل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ أين الناس

يومئذ؟ قال: «في الظلمة دون المحشر».

قال: فما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها؟ قال: «كبد الحوت». قال: فما شرابهم على أثر ذلك؟ قال:

«السلسبيل» قال: صدقت، يا محمد.

5793/ [5]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن عبد الله بن هلال، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لقد خلق الله عز و جل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض، فأسكنهم فيها واحدا بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله عز و جل آدم أبا هذا البشر، و خلق ذريته منه، و لا و الله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها، و لا خلت النار من أرواح الكفار و العصاة منذ خلقها عز و جل، لعلكم ترون إذا كان يوم القيامة و صير الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة، و صير أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار، أن الله تعالى لا يعبد في بلاده، و لا يخلق خلقا يعبدونه و يوحدونه و يعظمونه! بلى و الله، ليخلقن الله خلقا من غير فحولة و لا إناث، يعبدونه و يوحدونه و يعظمونه، و يخلق لهم أرضا تحملهم، و سماء تظلهم، أليس الله عز و جل يقول: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ، و قال الله عز و جل: أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» «1».

5794/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن

محمد بن النعمان الأحول، عن سلام بن المستنير، عن ثوير بن أبي فاختة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث يصف فيه المحشر، قال: «تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ يعني بأرض لم تكسب عليها الذنوب، بارزة ليس عليها جبال و لا نبات، كما دحاها أول مرة».

5795/ [7]- المفيد في (إرشاده) قال: أخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد، قال: حدثني جدي، قال:

حدثني الزبير بن أبي بكر، قال حدثني عبد الرحمن بن عبيد الله الزهري، قال: حج هشام بن عبد الملك، فدخل المسجد الحرام متكئا على يد سالم مولاه، و محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) جالس في المسجد، فقال له سالم مولاه: يا أمير المؤمنين، هذا محمد بن علي بن الحسين. قال هشام: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم. فقال:

اذهب إليه، فقل له، يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس و يشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): «يحشر الناس على مثل قرص نقي، فيها أنهار متفجرة، يأكلون و يشربون حتى يفرغ من

__________________________________________________

5- الخصال: 358/ 45.

6- تفسير القمّي 2: 252.

7- الإرشاد: 264. [.....]

(1) سورة ق 50: 15.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 321

الحساب».

قال: فرأى هشام أنه قد ظفر به، فقال: الله أكبر، اذهب إليه فقل له: يقول لك ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟! فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «هم في النار أشغل، و لم يشتغلوا عن أن «1» قالوا: أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ «2»». فسكت هشام لا يرجع كلاما.

الطبرسي في (الإحتجاج): عن عبد الرحمن بن عبيد الله الزهري، قال: حج هشام بن عبد الملك، و ذكر الحديث بعينه «3».

5796/ [8]- العياشي:

عن ثوير بن أبي فاختة، عن علي بن الحسين (عليه السلام). قال: «تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال و لا نبات، كما دحاها أول مرة».

5797/ [9]- عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله «4» (عليه السلام) عن قول الله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ.

قال: «تبدل خبزة نقية، يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب، قال الله وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ «5»».

5798/ [10]- عن محمد، عن محمد بن هاشم، عمن أخبره، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال له الأبرش الكلبي: بلغني أنك قلت في قول الله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ أنها تبدل خبزة؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «صدقوا، تبدل الأرض خبزة نقية في الموقف، يأكلون منها». فضحك الأبرش، و قال: أما لهم شغل بما هم فيه عن أكل الخبز؟ فقال: «ويحك، في أي المنزلتين هم أشد شغلا و أسوء حالا، إذ هم في الموقف، أو في النار يعذبون»؟ فقال: لا، في النار. فقال: «ويحك، و إن الله يقول: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ «6»» قال: فسكت.

5799/ [11]- و في خبر آخر عنه (عليه السلام) قال: «و هم في النار لا يشغلون عن أكل الضريع و شرب الحميم و هم في العذاب، فكيف يشتغلون عنه في الحساب؟».

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 236/ 52.

9- تفسير العيّاشي 2: 327/ 53.

10- تفسير العيّاشي 2: 237/ 54.

11- تفسير العيّاشي 2: 237/ 55.

(1) في المصدر: يشغلوا إلى أن.

(2) الأعراف 7: 50.

(3) الإحتجاج 2: 323.

(4) في المصدر: أبا جعفر.

(5) الأنبياء 21: 8.

(6) الواقعة 56: 52- 55.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص:

322

5800/ [12]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قال: «تبدل خبزة نقية، يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب».

فقال له قائل: «إنهم يومئذ في شغل عن الأكل و الشرب؟! فقال له: «ابن آدم خلق أجوف، لا بد له من الطعام و الشراب، أهم أشد شغلا، أم و هم في النار و قد استغاثوا؟ فقال: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ «1»؟».

5801/ [13]- عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لقد خلق الله في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض، فأسكنوها واحدا بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله آدم أبا هذا البشر، و خلق ذريته منه، و لا و الله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها الله، و لا خلت النار من أرواح الكافرين منذ خلقها الله. لعلكم ترون أنه إذا كان يوم القيامة، و صير الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة، و صير أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار، أن الله تبارك و تعالى لا يعبد في بلاده، و لا يخلق خلقا يعبدونه و يوحدونه! بلى و الله، ليخلقن خلقا من غير فحولة و لا إناث، يعبدونه و يوحدونه و يعظمونه، و يخلق لهم أرضا تحملهم و سماء تظلهم، أليس الله يقول: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ و قال الله:

أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ «2»».

5802/ [14]- قال علي بن إبراهيم: قوله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قال: تبدل خبزة بيضاء نقية في الموقف،

يأكل منها المؤمنون.

سورة ابراهيم(14): الآيات 49 الي 52 ..... ص : 322

قوله تعالى:

وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ- إلى قوله تعالى- وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [49- 52] 5803/ [1]- قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ قال: مقيدين بعضهم إلى بعض: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ قال: السرابيل: القمص.

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 2: 238/ 56.

13- تفسير العيّاشي 2: 238/ 57.

14- تفسير القمّي 1: 372. [.....]

1- تفسير القمّي 1: 372.

(1) الكهف 18: 29.

(2) سورة ق 50: 15.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 323

5804/ [2]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ: «و هو الصفر الحار الذائب، انتهى حره، يقول الله عز و جل: وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ سربلوا ذلك الصفر فتغشى وجوههم النار».

5805/ [3]- و قال في قوله: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ: يعني محمدا وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ أي أولو العقول.

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 372.

3- تفسير القمّي 1: 372.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 325

المستدرك (سورة إبراهيم) ..... ص : 325

سورة ابراهيم(14): آية 14 ..... ص : 325

قوله تعالى:

ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَ خافَ وَعِيدِ [14]

[1]- تحف العقول: عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال- في حديث طويل-: «فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى، فإن الله يقول: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَ خافَ وَعِيدِ فاحذروا زهرة الحياة الدنيا و غرورها و شرورها، و تذكروا ضرر عاقبة الميل إليها، فإن زينتها فتنة، و حبها خطيئة».

__________________________________________________

1- تحف العقول: 273.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 327

سورة الحجر ..... ص : 327

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 329

سورة الحجر فضلها ..... ص : 329

5806/ [1]- خواص القرآن: روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة اعطي من الحسنات بعدد المهاجرين و الأنصار، و من كتبها بزعفران و سقاها امرأة قليلة اللبن كثر لبنها، و من كتبها و جعلها في عضده، و هو يبيع و يشتري، كثر بيعه و شراؤه، و يحب الناس معاملته، و كثر رزقه بإذن الله تعالى ما دامت عليه».

5807/ [2]- و قال الصادق (عليه السلام): «من كتبها بزعفران و سقاها امرأة قليلة اللبن كثر لبنها، و من كتبها و جعلها في خزينته أو جيبه، و غدا و خرج و هي في صحبته فإنه يكثر كسبه، و لا يعدل أحد عنه بما يكون عنده مما يبيع و يشتري، و تحب الناس معاملته».

__________________________________________________

1- خواص القرآن: 3 «قطعة منه».

2- خواص القرآن: 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 331

سورة الحجر(15): الآيات 1 الي 3 ..... ص : 331

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- إلى قوله تعالى- يَعْلَمُونَ [1- 3] معنى الر قد تقدم «1».

5808/ [1]- علي بن إبراهيم: قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من عند الله: لا يدخل الجنة إلا مسلم. فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. ثم قال: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ أي يشغلهم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ».

5809/ [2]- سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن عمار ابن مروان، عن المنخل بن جميل، عن جابر بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله «2»

(عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قول الله عز و جل: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال: هو إذا خرجت أنا و شيعتي، و خرج عثمان و شيعته، و نقتل بني امية، فعندها يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين».

5810/ [3]- و عنه، قال: حدثنا الحسن بن علي بن النعمان، عن أبيه، عن عبد الله بن مسكان، عن كامل التمار، قال: و قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ بفتح السين

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 372.

2- مختصر بصائر الدرجات: 18.

3- مختصر بصائر الدرجات: 71.

(1) تقدّم في الحديث (1 و 2) من تفسير الآيات (1- 2) من سورة يونس، و الحديث (1) من تفسير الآيات (1- 6) من سورة هود.

(2) في المصدر: أبو جعفر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 332

مثقلة اللام، هكذا قرأها.

5811/ [4]- الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: «قال الله عز و جل: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً «1» لا تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النزع وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ «2» يشفع لها بتأخير الموت عنها وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ «3» لا يقبل منها فداء مكانه، يمات و يترك هو فداء. «4»

قال الصادق (عليه السلام): و هذا اليوم يوم الموت، فإن الشفاعة و الفداء لا يغني عنه، فأما في القيامة، فإنا و أهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن على الأعراف- بين الجنة و النار- محمد، و علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام)، و الطيبون من آلهم، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات، ممن كان مقصرا، في بعض شدائدها، فنبعث عليهم

خيار شيعتنا، كسلمان، و المقداد، و أبي ذر، و عمار، و نظرائهم في العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر إلى يوم القيامة، فينقضون عليهم كالبزاة و الصقور، و يتناولونهم كما تتناول البزاة و الصقور صيدها، فيزفونهم إلى الجنة زفا. و إنا لنبعث على آخرين من محبينا من خيار شيعتنا كالحمام، فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحب، و ينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا. و سيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله، بعد أن قد حاز الولاية و التقية و حقوق إخوانه، و يوقف بإزائه ما بين مائه و أكثر من ذلك، إلى مائة ألف من النصاب، فيقال له:

هؤلاء- فداؤك من النار فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة، و أولئك النصاب النار، و ذلك ما قال الله عز و جل: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني بالولاية: لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ في الدنيا، منقادين للإمامة، ليجعل مخالفوهم فداءهم من النار».

5812/ [5]- العياشي: عن عبد الله بن عطاء المكي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.

قال: «ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق: أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم. ثم يود سائر الخلق أنهم كانوا مسلمين».

5813/ [6]- و بهذا الإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «فثم يود الخلق أنهم كانوا مسلمين».

سورة الحجر(15): الآيات 4 الي 8 ..... ص : 332

قوله تعالى:

وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ- إلى قوله تعالى- وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ [4- 8]

__________________________________________________

4- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 241. [.....]

5- تفسير العيّاشي 2: 239/ 1.

6- تفسير العيّاشي 2: 239/ 2.

(1) البقرة 2: 48.

(2) البقرة 2: 48.

(3) البقرة 2: 48.

(4) «فداء» ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 333

5814/ [1]- و

قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ أي أجل مكتوب. ثم حكى قول قريش لرسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي هلا تأتينا بالملائكة؟ فرد الله عز و جل عليهم، فقال: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ قال: لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا و هلكوا.

سورة الحجر(15): الآيات 14 الي 18 ..... ص : 333

قوله تعالى:

وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً- إلى قوله تعالى- شِهابٌ مُبِينٌ [14- 18] 5815/ [2]- علي بن إبراهيم قال: وَ لَوْ فَتَحْنا أيضا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً قال: منازل الشمس و القمر.

وَ زَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ بالكواكب.

و رواه الطبرسي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «1».

وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ معنى الرجيم تقدم حديثه في سورة آل عمران، في قوله تعالى:

وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ «2».

5816/ [3]- علي بن إبراهيم: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ قال: لم تزل الشياطين تصعد إلى السماء و تتجسس، حتى ولد النبي (صلى الله عليه و آله).

5817/ [4]- قال علي بن إبراهيم: و روي عن آمنة ام النبي (صلى الله عليه و آله) أنها قالت: لما حملت برسول الله (صلى الله عليه و آله): لم أشعر بالحمل، و لم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، و رأيت في نومي كأن آتيا أتاني، فقال لي: قد حملت بخير الأنام. ثم وضعته يتقي الأرض بيديه و ركبتيه، و رفع رأسه إلى السماء، و خرج مني

نور،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 373.

2- تفسير القمّي 1: 373.

3- تفسير القمّي 1: 373.

4- تفسير القمّي 1: 373.

(1) مجمع البيان 6: 509. و فيه: بالكواكب النيّرة.

(2) آل عمران 3: 36. و لم يرد هناك حديث في معنى الرجيم، و الرجيم: هو المرجوم باللعن، المشؤوم، المطرود من مواضع الخير: إذ لا يذكره مؤمن إلّا لعنه. و قيل: المرمي بالشهب. انظر التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 16، مجمع البيان 2: 509، مجمع البحرين- رجم- 6: 68. و ستأتي أحاديث بهذا المعنى في تفسير الآيات (98- 100) من سورة النحل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 334

أضاء ما بين السماء و الأرض.

و رميت الشياطين بالنجوم، و حجبوا من السماء، و رأت قريش الشهب تتحرك و تزول و تسير في السماء ففزعوا، و قالوا: هذا قيام الساعة. و اجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة، و كان شيخا كبيرا مجربا، فسألوه عن ذلك، فقال:

انظروا إلى هذه النجوم التي تهتدون بها في ظلمات البر و البحر، فإن كانت قد زالت فهي الساعة، و إن كانت ثابتة فهو لأمر قد حدث.

و كان بمكة رجل يهودي يقال له: يوسف، فلما رأى النجوم تتحرك و تسير في السماء، خرج إلى نادي قريش و قال: يا معشر قريش، هل ولد الليلة فيكم مولود؟ فقالوا: لا، فقال: أخطأتم و التوراة، قد ولد في هذه الليلة آخر الأنبياء و أفضلهم، و هو الذي نجده في كتبنا، أنه إذا ولد ذلك النبي رجمت الشياطين، و حجبوا من السماء. فرجع كل واحد إلى منزله يسأل أهله، فقالوا: قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب ابن. فقال اليهودي: اعرضوه علي. فمشوا معه إلى باب آمنة، فقالوا لها: أخرجي ابنك ينظر إليه

هذا اليهودي، فأخرجته في قماطه، فنظر في عينيه، و كشف عن كتفه، فرأى شامة سوداء عليها شعرات، فسقط إلى الأرض مغشيا عليه، فضحكوا منه، فقال: أ تضحكون، يا معشر قريش؟ هذا نبي السيف، ليبيدنكم، و ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الأبد. و تفرق الناس يتحدثون بخير اليهودي.

فلما رميت الشياطين بالنجوم أنكرت ذلك، و اجتمعوا إلى إبليس، فقالوا: قد منعنا من السماء، و قد رمينا بالشهب! فقال: اطلبوا، فإن أمرا قد حدث في الدنيا. فتفرقوا، فرجعوا، و قالوا: لم نر شيئا. فقال إبليس: أنا لها بنفسي. فجال ما بين المشرق و المغرب، حتى انتهى إلى الرحم فرآه محفوفا بالملائكة، و جبرئيل على باب الحرم بيده حربة، فأراد إبليس أن يدخل، فصاح به جبرئيل، فقال: اخسأ يا ملعون. فجاء من قبل حراء، فصار مثل الصر «1»، ثم قال: يا جبرئيل حرف أسألك عنه. قال: و ما هو؟ قال: ما هذا، و ما اجتماعكم في الدنيا؟ فقال: نبي هذه الأمة قد ولد، و هو آخر الأنبياء و أفضلهم. قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا. قال: ففي أمته؟ قال: بلى. قال: قد رضيت.

5818/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «كان إبليس (لعنة الله) يخترق السماوات السبع، فلما ولد عيسى (عليه السلام)، حجب عن ثلاث سماوات، و كان يخترق أربع سماوات، فلما ولد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، حجب عن السبع كلها، و

رميت الشياطين بالنجوم، و قالت قريش: هذا قيام الساعة، كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه. و قال عمرو بن أمية، و كان من أزجر «2» أهل الجاهلية: انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها، و يعرف بها أزمان الشتاء و الصيف، فإن كان رمي بها،

__________________________________________________

4- الأمالي: 235/ 1.

(1) الصّرّ: طائر كالعصفور أصفر. «أقرب الموارد- صرر-: 643» و في الحديث الآتي: ثمّ صار مثل الصّرّ، و هو العصفور. [.....]

(2) الزّجر: العيافة، و هو ضرب من التّكهّن. «لسان العرب- زجر- 4: 319».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 335

فهو هلاك كل شي ء، و إن كانت ثبتت و رمي بغيرها، فهو أمر حدث.

و أصبحت الأصنام كلها صبيحة مولد النبي ليس منها صنم إلا و هو منكب على وجهه، و ارتجس «1» في تلك الليلة إيوان كسرى، و سقطت منه أربعة عشر شرفة، و غاضت بحيرة ساوة، و فاض وادي السماوة، و خمدت نيران فارس، و لم تخمد قبل ذلك بألف عام، و رأى الموبذان «2» في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، و قد قطعت دجلة و انتشرت «3» في بلادهم̠و انقصم طاق الملك كسرى من وسطه، و انخرقت عليه دجلة العوراء «4»، و انتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز، ثم استطار حتى بلغ المشرق، و لم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، و الملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك، و انتزع علم الكهنة، و بطل سحر السحرة، و لم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها، و عظمت قريش في العرب، سموا آل الله عز و جل- قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام)- إنما سموا آل الله عز و جل

لأنهم في بيت الله الحرام.

و قالت آمنة: إن ابني- و الله- سقط فاتقى الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء له كل شي ء، و سمعت في الضوء قائلا يقول: إنك قد ولدت سيد الناس، فسميه محمدا. و أتي به عبد المطلب لينظر إليه، و قد بلغه ما قالت امه، فأخذه و وضعه في حجره، ثم قال:

الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان وفاق شأنه جميع الشان «5»

ثم عوذه بأركان الكعبة، و قال فيه أشعارا».

قال: «و صاح إبليس (لعنه الله) في أبالستة، فاجتمعوا إليه، و قالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟ فقال لهم: ويلكم، لقد أنكرت السماوات و الأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع «6» عيسى بن مريم، فاخرجوا و انظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث. فافترقوا، ثم اجتمعوا إليه، فقالوا: ما وجدنا شيئا. فقال إبليس (لعنه الله)، أنا لهذا الأمر، ثم انغمس في الدنيا، فجالها حتى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفا «7» بالملائكة، فذهب ليدخل، فصاحوا به فرجع، ثم صار مثل الصر- و هو العصفور- فدخل من قبل حراء، فقال له جبرئيل:

وراءك، لعنك الله. فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له: ولد محمد (صلى الله عليه و آله). فقال له: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: نعم. قال: رضيت».

__________________________________________________

(1) الرّجس: الصّوت الشديد، و ارتجس البناء: رجف. انظر «المعجم الوسيط- رجس- 1: 330».

(2) الموبذان للمجوس: كقاضي القضاة عند المسلمين، و الموبذ: القاضي. «لسان العرب- موبذ- 3: 511».

(3) في

المصدر: و انسربت.

(4) دجلة العوراء: اسم لدجلة البصرة، علم لها. «معجم البلدان 2: 442».

(5) (وفاق ... الشأن) ليس في «س، و المصدر».

(6) في المصدر: ولد.

(7) في المصدر: محفوظا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 336

5819/ [1]- العياشي: عن بكر بن محمد الأزدي، عن عمه عبد السلام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يا عبد السلام، احذر الناس و نفسك».

فقلت: بأبي أنت و أمي، أما الناس فقد أقدر على أن أحذرهم، فأما نفسي فكيف؟

قال: «إن الخبيث المسترق السمع يجيئك فيسترق، ثم يخرج في صورة آدمي، فيقول: قال عبد السلام».

فقلت: بأبي أنت و أمي، هذا ما لا حيلة له. قال: «هو ذلك».

سورة الحجر(15): الآيات 19 الي 20 ..... ص : 336

قوله تعالى:

وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ- إلى قوله تعالى- وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ [19- 20] 5820/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: قوله: وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ أي الجبال: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ قال: لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا مقدرا.

5821/ [3]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ: «فإن الله تبارك و تعالى أنبت في الجبال الذهب و الفضة و الجوهر و الصفر و النحاس و الحديد و الرصاص و الكحل و الزرنيخ، و أشباه ذلك لا يباع إلا وزنا».

سورة الحجر(15): آية 21 ..... ص : 336

قوله تعالى:

وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [21] 5822/ [4]- علي بن إبراهيم، في قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال:

الخزانة: الماء الذي ينزل من السماء فينبت لكل ضرب من الحيوان ما قدر الله له من الغذاء.

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 239/ 3.

2- تفسير القمّي 1: 374.

3- تفسير القمّي 1: 374.

4- تفسير القمّي 1: 375.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 337

5823/ [2]- ابن الفارسي في (الروضة): روي عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) أنه قال: «في العرش تمثال جميع ما خلق الله في البر و البحر- قال- و هذا تأويل قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ و إن بين القائمة من قوائم العرش، و القائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسيرة ألف عام، و العرش يكسى كل يوم.

سبعين «1» لونا من النور، لا يستطيع

أن ينظر إليه خلق من خلق الله، و الأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة.

و إن كان لله ملكا يقال له: حزقائيل، له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، فخطر له خاطر بأن قال: هل فوق العرش شي ء؟ فزاده الله مثلها أجنحة اخرى، فكان له ست و ثلاثون ألف جناح، ما بين الجناح، إلى الجناح خمسمائة عام، ثم أوحى الله إليه: أيها الملك، طر، فطار مقدار عشرين ألف عام و لم ينل رأس قائمة من قوائم العرش، ثم ضاعف الله له في الجناح و القوة، و أمره أن يطير، فطار مقدار عشرين ألف عام، و لم ينل أيضا، فأوحى الله إليه: أيها الملك، لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك و قوتك، لم تبلغ إلى ساق العرش. فقال الملك: سبحان ربي الأعلى، فأنزل الله عز و جل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «2» فقال النبي (صلى الله عليه و آله):

اجعلوها في سجودكم».

5824/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) يقوم في المطر أول ما تمطر حتى يبتل رأسه و لحيته و ثيابه. فقيل له: يا أمير المؤمنين، الكن الكن. فقال: إن هذا ماء قريب عهد بالعرش. ثم أنشأ يحدث، فقال: إن تحت العرش بحرا فيه ماء، ينبت أرزاق الحيوانات، فإذا أراد الله عز و جل أن ينبت به لهم ما يشاء، رحمة منه لهم، أوحى إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء، حتى يصير إلى سماء الدنيا- فيما أظن- فيلقيه إلى السحاب، و السحاب بمنزلة الغربال، ثم يوحي الله إلى

الريح أن اطحنيه و أذيبيه ذوبان الماء، ثم انطلقي به إلى موضع كذا و كذا فامطري عليهم. فيكون كذا و كذا عبابا «3» و غير ذلك، فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به، فليس من قطرة تقطرا إلا و معها ملك، حتى يضعها موضعها، و لم تنزل من السماء قطرة من مطر إلا بعدد معدود و وزن معلوم، إلا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوح (عليه السلام)، فإنه نزل ماء منهمر بلا وزن و لا عدد».

5825/ [4]- و عنه، قال: و حدثني أبو عبد الله (عليه السلام) قال: «قال لي أبي (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله عز و جل جعل السحاب غرابيل للمطر، هي تذيب البرد حتى يصير ماء لكيلا يضربه شيئا يصيبه، و الذي ترون فيه من البرد و الصواعق نقمة من الله عز و جل، يصيب بها من يشاء من عباده. ثم

__________________________________________________

2- روضة الواعظين 47.

3- الكافي 8: 239/ 326. [.....]

4- الكافي 8: 240/ 326.

(1) في المصدر زيادة: ألف.

(2) الأعلى 87: 1.

(3) العباب: المطر الكثير. «لسان العرب- عبب- 1: 573».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 338

قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تشيروا إلى المطر، و لا إلى الهلال، فإن الله يكره ذلك».

و روى ذلك الحميري في (قرب الإسناد) بإسناده، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «1».

5826/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور (رحمه الله)، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر «2»، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان، قال: قال

أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «لما صعد موسى (عليه السلام) الطور، فنادى ربه عز و جل، قال: رب أرني خزائنك قال: يا موسى:

إنما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له: لكن: فيكون».

سورة الحجر(15): الآيات 22 الي 23 ..... ص : 338

قوله تعالى:

وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [22] 5827/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: التي تلقح الأشجار.

5828/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، و هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) حين سأله عن الرياح، قال: «و لله عز ذكره رياح رحمة لواقح و غير ذلك، ينشرها بين يدي رحمته، منها ما يهيج السحاب للمطر، و منها رياح تحبس السحاب بين السماء و الأرض، و رياح تعصر السحاب فتمطره بإذن الله».

5829/ [3]- العياشي: عن ابن وكيع، عن رجل، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تسبوا الريح، فإنها بشر «3»، و إنها نذر، و إنها لواقح، فاسألوا الله من خيرها، و تعوذوا به من شرها».

5830/ [4]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لله رياح رحمة لواقح، ينشرها بين يدي رحمته».

__________________________________________________

5- التوحيد: 133/ 17.

1- تفسير القمّي 1: 375.

2- الكافي 8: 91/ 63.

3- تفسير العيّاشي 2: 239/ 4.

4- تفسير العيّاشي 2: 239/ 5.

(1) قرب الاسناد: 35.

(2) (عن عمه عبد اللّه بن عامر) ليس في «ط».

(3) البشور، من الرياح: التي تبشّر بالمطر. جمعها بشر. «المعجم الوسيط- بشر- 1: 58».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 339

قوله تعالى:

فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ [22- 23]

5831/ [1]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ أي لا تقدرون أن تخزنوه: وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ أي نرث الأرض و من عليها.

سورة الحجر(15): آية 24 ..... ص : 339

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ [24]

5832/ [2]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ، قال: «هم المؤمنون من هذه الامة».

5833/ [3]- الشيباني في (نهج البيان) قال: روي عن الصادق (عليه السلام): «أن المستقدمين أصحاب الحسنات، و المستأخرين أصحاب السيئات».

سورة الحجر(15): آية 26 ..... ص : 339

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [26] 5834/ [4]- علي بن إبراهيم: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ قال: الماء المتصلصل بالطين: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قال: حمأ متغير.

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 375.

2- تفسير العيّاشي 2: 240/ 6. [.....]

3- نهج البيان 2: 161. «مخطوط».

4- تفسير القمّي 1: 375.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 340

5835/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن عبد الغفار الجازي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله عز و جل خلق المؤمن من طينة الجنة، و خلق الكافر من طينة النار- و قال- إذا أراد الله عز و جل بعبد خيرا، طيب روحه و جسده، فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه، و لا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره».

قال: و سمعته يقول: «الطينات ثلاث: طينة الأنبياء، و المؤمن من تلك الطينة، إلا أن الأنبياء من صفوتها، هم الأصل و لهم فضلهم، و المؤمنون الفرع من طين لازب، كذلك لا يفرق الله عز و جل بينهم و بين شيعتهم- و قال- طينة الناصب من حمأ مسنون، و أما المستضعفون فمن تراب، لا يتحول مؤمن عن إيمانه، و لا ناصب عن نصبه، و لله المشيئة فيهم».

5836/ [3]- العياشي: عن جابر، عن أبي

جعفر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال الله للملائكة:

إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ «1» قال:

و كان ذلك من الله تقدمة منه إلى الملائكة احتجاجا منه عليهم، و ما كان الله ليغير ما بقوم إلا بعد الحجة عذرا و نذرا، فاغترف الله غرفة بيمينه- و كلتا يديه يمين «2»- من الماء العذب الفرات، فصلصلها في كفه فجمدت، ثم قال: منك أخلق النبيين و المرسلين و عبادي الصالحين، الأئمة المهديين، الدعاة إلى الجنة، و أتباعهم إلى يوم القيامة و لا ابالي، و لا اسأل عما أفعل و هم يسألون.

ثم اغترف الله غرفة بكفه الاخرى من الماء الملح الأجاج، فصلصلها في كفه فجمدت، ثم قال لها: منك أخلق الجبارين، و الفراعنة، و العتاة، و إخوان الشياطين، و أئمة الكفر، و الدعاة إلى النار، و أتباعهم إلى يوم القيامة، و لا ابالي، و لا أسأل عما أفعل و هم يسألون. و اشترط في ذلك البداء فيهم، و لم يشترط في أصحاب اليمين البداء لله فيهم، ثم خلط الماءين في كفه جميعا فصلصلهما، ثم أكفأهما قدام عرشه، و هما بلة من طين».

سورة الحجر(15): الآيات 27 الي 35 ..... ص : 340

قوله تعالى:

وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ

__________________________________________________

2- الكافي 2: 2/ 2.

3- تفسير العيّاشي 2: 240/ 7.

(1) الحجر 15: 28 و 29.

(2) قال المجلسي (رحمه اللّه): لمّا كانت اليد كناية عن القدرة، فيحتمل أن يكون المراد باليمين القدرة على الرحمة و النعمة و الفضل، و بالشمال القدرة على العذاب و القهر و الابتلاء، فالمعنى: أنّ عذابه و قهره

و إمراضه و إماتته و سائر المصائب و العقوبات لطف و رحمة لاشتماله على الحكم الخفيّة و المصالح العامة، و به يمكن أن يفسّر ما ورد في الدعاء: و الخير في يديك. بحار الأنوار 5: 238.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 341

فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ- إلى قوله تعالى- إِلى يَوْمِ الدِّينِ [27- 35]

5837/ [1]- (تحفة الإخوان) قال: ذكر بعض المفسرين، بحذف الإسناد، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، أنه قال: أخبرني عن خلق آدم، كيف خلقه الله تعالى؟

قال: «إن الله تعالى لما خلق نار السموم، و هي نار لا حر لها و لا دخان، فخلق منها الجان، فذلك معنى قوله تعالى: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ و سماه مارجا، و خلق منه زوجه و سماها مارجة، فواقعها فولدت الجان، ثم ولد الجان ولدا و سماه الجن، و منه تفرعت قبائل الجن، و منهم إبليس اللعين، و كان يولد الجان الذكر و الأنثى، و يولد الجن كذلك توأمين، فصاروا تسعين ألفا ذكرا و أنثى، و ازدادوا حتى بلغوا عدة الرمال.

و تزوج إبليس بامرأة من ولد الجان يقال لها: لهبا بنت روحا «1» بن سلساسل «2»، فولدت منه بيلقيس «3» و طونة في بطن واحد، ثم شعلا و شعيلة في بطن واحد، ثم دوهر و دوهرة في بطن واحد، ثم شوظا و شيظة في بطن واحد، ثم فقطس و فقطسة في بطن واحد، فكثر أولاد إبليس (لعنة الله) حتى صاروا لا يحصون، و كانوا يهيمون على وجوههم كالذر، و النمل، و البعوض، و الجراد، و الطير، و الذباب. و كانوا يسكنون المفاوز «4» و

القفار، و الحياض، و الآجام، و الطرق، و المزابل، و الكنف «5»، و الأنهار، و الآبار، و النواويس «6»، و كل موضع وحش، حتى امتلأت الأرض منهم. ثم تمثلوا بولد آدم بعد ذلك، و هم على صور الخيل، و الحمير، و البغال، و الإبل، و المعز، و البقر، و الغنم، و الكلاب، و السباع، و السلاحف.

فلما امتلأت الأرض من ذرية إبليس (لعنه الله) أسكن الله الجان الهواء دون السماء، و أسكن ولد الجن في سماء الدنيا، و أمرهم بالعبادة و الطاعة و هو قوله تعالى: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «7».

و كانت السماء تفتخر على الأرض، و تقول: إن ربي رفعني فوقك، و أنا مسكن الملائكة، و في العرش و الكرسي و الشمس و القمر و النجوم، و خزائن الرحمة، و مني ينزل الوحي. فقالت الأرض: إن ربي بسطني و استودعني عروق الأشجار و النبات و العيون، و خلق في الثمرات و الأنهار و الأشجار. فقالت لها السماء: ليس

__________________________________________________

1- تحفة الإخوان: 62 «مخطوط».

(1) في المصدر: دوحا.

(2) في المصدر: سلبائيل.

(3) في المصدر: بلقيس.

(4) المفاوز: جمع مفازة، البرّيّة القفر. «لسان العرب- فوز- 5: 393».

(5) الكنف: واحدها الكنيف، و هو الحضيرة المتّخذة للإبل و الغنم، و المرحاض. «المعجم الوسيط- كنف- 2: 801».

(6) النواويس: جمع ناووس أو ناءوس، مقبرة النصارى. و يطلق على حجر منقور تجعل فيه جثّة الميّت. «أقرب الموارد- نوس- 2: 1358».

(7) الذاريات 51: 56. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 342

عليك أحد يذكر الله تعالى؟

فقالت الأرض: يا رب، إن السماء تفتخر علي، إذ ليس علي أحد يذكرك. فنوديت الأرض: أن اسكني، فإني أخلق من أديمك صورة لا مثل لها من الجن «1»، و

أرزقه العقل و العلم و الكتاب و اللسان، و انزل عليه من كلامي، ثم أملأ بطنك و ظهرك و شرقك و غربك على مزاج تربك في اللون، و الحرية، و السرية، و افتخري يا أرض على السماء بذلك.

ثم استقرت الأرض و سألت ربها أن يهبط إليها خلقا، فأذن لها بذلك، على أن يعبدوه و لا يعصوه- قال- و هبط الجن و إبليس اللعين و سكنا الأرض، فأعطوا على ذلك العهد، و نزلوا و هم سبعون ألف قبيلة يعبدون الله حق عبادته دهرا طويلا.

ثم رفع الله إبليس إلى سماء الدنيا لكثرة عبادته، فعبد الله تعالى فيها ألف سنة، ثم رفع إلى السماء الثانية، فعبد الله تعالى فيها ألف سنة، و لم يزل يعبد الله في كل سماء ألف سنة حتى رفعه الله إلى السماء السابعة، و كان أول يوم في السماء الأولى السبت، و الأحد في الثانية، حتى كان يوم الجمعة صير في السماء السابعة، و كان يعبد الله حق عبادته، و يوحده حق توحيده، و كان بمنزلة عظيمة حتى إذا مر به جبرئيل و ميكائيل، يقول بعضهم لبعض:

لقد أعطي هذا العبد من القوة على طاعة الله و عبادته ما لم يعط أحد من الملائكة.

فلما كان بعد ذلك بدهر طويل، أمر الله تعالى جبرئيل أن يهبط إلى الأرض، و يقبض من شرقها و غربها و قعرها و بسطها قبضة، ليخلق منها خلقا جديدا، ليجعله أفضل الخلائق».

5838/ [2]- و عنه: قال ابن عباس: فنزل إبليس (لعنه الله) فوقف وسط الأرض، و قال: يا أيتها الأرض، إني جئتك ناصحا لك، إن الله تعالى يريد أن يخلق منك خلقا يفضله على جميع الخلق، و أخاف أن يعصيه، و قد

أرسل الله إليك جبرئيل، فإذا جاءك فاقسمي عليه أن لا يقبض منك شيئا. فلما هبط جبرئيل بإذن ربه، نادته الأرض، و قالت:

يا جبرئيل، بحق من أرسلك إلي، لا تقبض مني شيئا، فإني أخاف أن يعصيه ذلك الخلق، فيعذبه في النار. قال:

فارتعد جبرئيل من هذا القسم، و رجع إلى السماء و لم يقبض منها شيئا، فأخبر الله تعالى بذلك، فبعث الله تعالى ميكائيل ثانية، فجرى له مثل ما جرى لجبرئيل، فبعث الله عزرائيل ملك الموت، فلما هم بها أن يقبض منها، قالت له مثل ما قالت لهما، فقال: و عزة ربي لا أعصي له أمرا. ثم قبض منها قبضة من شرقها و غربها و حلوها و مرها و طيبها و مالحها و خسيسها «2» و قعرها و بسطها، فقدم ملك الموت بالقبضة، و وقف أربعين عاما لا ينطق، فأتاه النداء أن يا ملك الموت، ما صنعت؟ فأخبره بجميع القضية. قال الله تعالى: و عزتي و جلالي لاسلطنك على قبض أرواح هذا الخلق الذي أخلقه لقلة رحمتك. فجعل الله نصف تلك القبضة في الجنة، و النصف الآخر في النار. قال:

و خلق الله آدم من سبع أرضين: فرأسه من الأرض و الاولى، و عنقه من الثانية، و صدره من الثالثة، و يداه من الرابعة،

__________________________________________________

2- تحفة الإخوان: 63 «مخطوط».

(1) في «س»: الحسن.

(2) في المصدر: و حسنها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 343

و بطنه و ظهره من الخامسة، و فخذاه و عجزه من السادسة، و ساقاه و قدماه من السابعة.

5839/ [3]- و عنه: قال ابن عباس: خلق الله آدم (عليه السلام) على الأقاليم: فرأسه من تربة الكعبة، و صدره من تربة الدهناء «1»، و بطنه و ظهره من تربة الهند،

و يداه من تربة المشرق، و رجلاه من تربة المغرب. و فيه تسعة أبواب: سبعة في رأسه، و هي: عيناه و أذناه و منخراه و فمه، و اثنان في بدنه، و هما: قبله و دبره. و خلق فيه الحواس: ففي العينين حاسة البصر، و في الأذنين حاسة السمع، و في منخرية الشم، و في فمه الذوق، و في يديه اللمس، و في رجليه المشي، و خلق الله له لسانا ينطق، و خلق له أسنانا: أربع ثنيات، و أربع رباعيات، و أربعة أنياب، و ستة عشر ضرسا.

ثم ركب في رقبته ثمان فقرات، و في ظهره أربع عشرة فقرة، و في جنبه الأيمن ثمانية أضلاع، و في الأيسر سبعة، و واحد أعوج للعلم السابق، لأنه خلق منه حواء (عليها السلام).

ثم خلق القلب فجعله في الجانب الأيسر من الصدر، و خلق المعدة أمام القلب، و خلق الرية، و هي كالمروحة للقلب، و خلق الكبد و جعله في الجانب الأيمن، و ركب فيها المرارة، و خلق الطحال في الجانب الأيسر محاذي الكبد، و خلق الكليتين إحداهما فوق الكبد و الاخرى فوق الطحال، و خلق ما بين ذلك حجبا و أمعاء، و ركب سن «2» الصدر و دخله في الأضلاع، و خلق العظام، ففي الكتف عظم، و في الساعدين عظمين، و في الكف خمسة أعظم و في كل إصبع ثلاثة أعظم، إلا الإبهام ففيه عظمان، و جعل في الوركين عظمين.

ثم ركب فيها العروق و جعل أصلها الوتين، و هو بيت الدم الذي ينفجر منه إلى البدن، و هي عروق مختلفة، أربعة تسقي الدماغ، و أربعة تسقي العينين، و أربعة تسقي الأذنين، و أربعة تسقي المنخرين، و أربعة تسقي الشفتين، و

اثنان يسقيان الصدغين، و عرقان في اللسان، و عرقان في الفم يسقيان الأسنان إلى الدماغ، و سبعة تسقي العنق، و سبعة تسقي الصدر، و عشرة تسقي الظهر، و عشرة تسقي البطن، و سائر العروق تسقي سائر البدن متفرقة، لا يعلم عددها إلا الله تعالى خالقها.

و اللسان ترجمان، و العينان سراجان، و الأذنان سماعان، و المنخران نقيبان، و اليدان جناحان، و الرجلان سياران، و الكبد فيه الرحمة، و الطحال فيه الضحك، و الكليتان فيهما المكر، و الرئة فيها الخفة، و هي مروحة القلب، و المعدة خزانة، و القلب عماد الجسد، فإذا صلح صلح الجسد.

قال: فلما خلق الله تعالى آدم على هذه الصورة، أمر الملائكة فحملوه، و وضعوه على باب الجنة عدة من الملائكة، و كان جسدا لا روح فيه، و كانت الملائكة تتعجب منه و من صفته و صورته، لأنهم لم يكونوا رأوا مثله، فذلك قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً «3» يعني لم يكن إنسانا موصوفا. و كان إبليس ممن يطيل النظر إليه، و يقول: ما خلق الله تعالى هذا إلا لأمر، فربما أدخل في فيه و أخرج،

__________________________________________________

3- تحفة الإخوان: 63 «مخطوط».

(1) الدّهناء: الفلاة و الدّهناء: موضع كلّه رمل. «لسان العرب- دهن- 13: 163».

(2) السّنّ: حرف الفقار، و في «ط»: سيف.

(3) الإنسان 76: 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 344

فإنه خلق ضعيف خلق من طين، و هو أجوف، و الأجوف لا بد له من مطعم. و قيل: إنه قال يوما للملائكة: أما تعلمون أنتم لم فضل هذا الخلق عليكم؟ قالوا: نطيع ربنا و لا نعصيه، و هو يقول في ذلك: لئن فضل هذا الخلق علي لأعصينه، و إن

فضلت عليه لاهلكنه.

قال: فلما أراد الله أن ينفخ فيه الروح، خلق روح آدم (عليه السلام) ليست كالأرواح، و هي روح فضلها الله تعالى على جميع أرواح الخلق من الملائكة و غيرها، فذلك قوله تعالى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ، و قال الله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي «1». قال: فلما خلق الله تعالى روح آدم (عليه السلام) أمر بغمسها في جميع الأنوار، ثم أمرها أن تدخل في جسد آدم (عليه السلام) بالتأني دون الاستعجال، فرأت الروح مدخلا ضيقا و منافذ ضيقة، فقالت: يا رب، كيف أدخل من الفضاء إلى الضيق؟ فنوديت: أن ادخلي كرها. فدخلت الروح من يافوخه إلى عينيه ففتحهما آدم (عليه السلام)، فجعل ينظر إلى بدنه و لا يقدر على الكلام، و نظر إلى سرادق العرش مكتوبا عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فصارت الروح إلى أذنيه، فجعل يسمع تسبيح الملائكة. ثم جعلت الروح تدور في رأسه و دماغه، و الملائكة قبل خلقه بذلك، قوله تعالى:

إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ «2». ثم صارت الروح إلى الخياشيم، ففتحت العطسة المجاري المسدودة و سارت إلى اللسان، فقال آدم (عليه السلام):

«الحمد لله الذي لم يزل». فهي أول كلمة قالها، فناداه الرب: يرحمك ربك- يا آدم- لهذا خلقتك، و هذا لك و لذريتك، و لمن قال مثل مقالتك.

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «ليس على إبليس أشد من تسميت العاطس».

قال:

فصارت الروح في جسد آدم (عليه السلام) حتى بلغت الساقين و القدمين، فاستوى آدم قائما على

قدميه في يوم الجمعة، عند زوال الشمس.

قال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «كانت الروح في رأس آدم (عليه السلام) مائة عام، و في صدره مائة عام، و في ظهرة مائة عام، و في بطنه مائة عام، و في عجزه و في وركيه مائة عام، و في ساقيه و قدميه مائة عام».

فلما استوى آدم قائما، نظرت إليه الملائكة كأنه الفضة البيضاء، فأمرهم الله بالسجود له، فأول من بارد إلى السجود جبرئيل، ثم ميكائيل، ثم عزرائيل، ثم إسرافيل، ثم الملائكة المقربون. و كان السجود لآدم يوم الجمعة عند الزوال، فبقيت الملائكة في سجودها إلى العصر، فجعل الله تعالى هذا اليوم عيدا لآدم (عليه السلام) و لأولاده، و أعطاه الله تعالى فيه الإجابة في الدعاء، و في يوم الجمعة و ليلتها أربع و عشرون ساعة، في كل ساعة يعتق سبعون ألف عتيق من النار.

5840/ [4]- و عنه: قال جعفر الصادق (عليه السلام): «و أبى إبليس (لعنه الله) من أن يسجد لآدم (عليه السلام) استكبارا

__________________________________________________

4- تحفة الإخوان: 65 «مخطوط».

(1) الإسراء 17: 85.

(2) سورة ص 38: 71 و 72.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 345

و حسدا، فقال الله تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ «1» و النار تأكل الطين، و أنا الذي عبدتك دهرا طويلا قبل أن تخلقه، و أنا الذي كسوتني الريش و النور، و أنا الذي عبدتك في أكناف السماوات مع الكروبيين و الصافين و المسبحين «2» و الروحانيين و المقربين. قال الله تعالى: لقد علمت في سابق علمي من ملائكتي الطاعة و منك المعصية، فلم ينفعك طول العبادة

لسابق العلم فيك، و قد أبلستك «3» من الخير كله إلى آخر الأبد، و جعلتك مذموما مدحورا شيطانا رجيما لعينا. فعند ذلك تغيرت خلقته الحسنة إلى خلقة كريهة مشوهة، فوثب عليه الملائكة بحرابها و هم يلعنونه، و يقولون له: رجيم ملعون، رجيم ملعون. فأول من طعنه جبرئيل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم عزرائيل، ثم جميع الملائكة، من كل ناحية و هو هارب من بين أيديهم، حتى ألقوه في البحر المسجور، فبادرت إليه الملائكة بحراب من نار، فلم يزالوا يطعنونه حتى بلغوه القرار، و غاب عن عيون الملائكة، و الملائكة في اضطراب و السماوات في رجفان من جرأة إبليس اللعين و عصيانه أمر الله. قال الله تعالى: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها «4» حتى عرف اللغات كلها، حتى لغات الحيات و الضفادع، و جميع ما في البر و البحر».

قال ابن عباس: لقد تكلم آدم (عليه السلام) بسبعمائة «5» ألف ألف لغة، أفضلها العربية ثم أمر الله تعالى الملائكة أن يحملوا آدم (عليه السلام) على أكتافهم ليكون عاليا عليهم، و هم يقولون: سبوح قدوس لا خروج عن طاعتك.

و سارت به في طرق السماوات و قد اصطفت حوله الملائكة، فلا يمر آدم (عليه السلام) على صف إلا و يقول: «السلام عليكم و رحمة الله، يا ملائكة ربي». فيجيبونه: و عليك السلام و رحمة الله و بركاته، يا صفوة الله و روحه و فطرته.

و ضرب له في الصفيح الأعلى قبابا من الياقوت الأحمر، و من الزبرجد الأخضر، فما مر آدم (عليه السلام) بموقف من الملائكة و مقام النبيين إلا و سماه باسمه و اسم أصحابه، و على آدم (عليه السلام) يومئذ ثياب السندس الأخضر في رقة الهواء، و له

ظفيرتان مرصعتان بالدر و الجواهر، محشوتان بالمسك الأذفر «6» و العنبر على قامة آدم (عليه السلام) من رأسه إلى قدميه، و على رأسه تاج من ذهب مرصع بالجوهر و العنبر و الفيروزج الأخضر، له أربعة أركان، و في كل ركن منها درة عظيمة يغلب ضوؤها على ضوء الشمس و القمر، و في أصابعه خواتيم الكرامة، و في وسطه منطقة الرضوان، و لها نور يسطع في كل غرفة، فوقف آدم على المنبر في هذه الزينة، و قد علمه الأسماء كلها، و أعطاه قضيبا من نور، فتحير الملائكة فيه، فقالوا: إلهنا، خلقت خلقا أكرم من هذا؟ فقال الله تعالى: «ليس من خلقته بيدي كمن قلت له: كن فيكون».

__________________________________________________

(1) سورة ص 38: 75 و 76.

(2) في المصدر: و الحافّين.

(3) الإبلاس: الانكسار و الحزن. و إبليس من رحمة اللّه: أي يئس. «الصحاح- بلس- 3: 909».

(4) البقرة 2: 31. [.....]

(5) في المصدر: بتسعمائة.

(6) الذّفر: كلّ ريح ذكيّة من طيب أو نتن. يقال: مسك أذفر. «الصحاح- ذفر- 2: 663».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 346

فانتصب آدم على منبره قائما، و سلم على الملائكة، و قال: «السلام عليكم، يا ملائكة ربي و رحمة الله و بركاته» فأجابه الملائكة: و عليك السلام و رحمة الله و بركاته. فإذا النداء: يا آدم، لهذا خلقتك، و هذا السلام تحية لك و لذريتك إلى يوم القيامة».

قال النبي (صلى الله عليه و آله) «ما فشا السلام في قوم إلا أمنوا من العذاب، فإن فعلتموه دخلتم الجنة».

و قال النبي (صلى الله عليه و آله) «ألا أدلكم على شي ء إن فعلتموه دخلتم الجنة» قالوا: بلى يا رسول الله، قال:

«أطعموا الطعام، و أفشوا السلام، و صلوا في الليل و الناس

نيام، تدخلوا الجنة بسلام».

و قال النبي (صلى الله عليه و آله): «إذا سلم المؤمن على أخيه، يبكي إبليس لعنه الله، و يقول: يا ويلتاه. و لم يفترقا حتى يغفر الله لهما».

قال: فأخذ آدم في خطبته فبدأ يقول: «الحمد لله» فصار ذلك سنة لأولاده، و أثنى على الله تعالى بما هو أهله، ثم ذكر علم السماوات و الأرضين و ما فيها من خلق رب العالمين، فعند ذلك قال الله تعالى للملائكة:

أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» فشهدت الملائكة على أنفسها و أقرت، و قالت: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ «2» قال الله تعالى: يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ «3» فجعل آدم يخبرهم بأسماء كل شي ء، خفيها و ظاهرها، برها و بحرها، حتى الذرة و البعوضة، فتعجبت الملائكة من ذلك، قال الله تعالى: أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ «4» يعني ما كتم إبليس من إضمار المعصية.

قال: و نزل آدم (عليه السلام) من منبره، و زاد الله في حسنه أضعافا زيادة على ما كان عليه من الحسن و الجمال، فلما نزل قرب إليه قطف «5» من عنب أبيض فأكله، و هو أول شي ء أكله من طعام الجنة، فلما استوفاه، قال: «الحمد لله رب العالمين»، فقال الله تعالى: يا آدم، لهذا خلقتك، و هو سنتك و سنة ذريتك إلى آخر الدهر. ثم أخذته السنة، أي النعاس، مبادئ النوم، لأنه لا راحة لبدن يأكل إلا النوم، ففزعت الملائكة، و قالت: النوم هو الموت. فلما سمع إبليس بأكل آدم (عليه السلام) فرح و تسلى ببعض ما فيه، و قال: سوف أغويه.

قال النبي

(صلى الله عليه و آله): «من علامة الموت النوم، و من علامة القيامة اليقظة».

و قال: «سألت بنو إسرائيل موسى (عليه السلام): هل ينام ربنا؟ فأوحى الله إليه: لو نمت لسقطت السماوات على الأرض».

و سألت اليهود نبينا محمدا (صلى الله عليه و آله): هل ينام ربك؟ فأنزل الله تعالى جبرئيل بهذه الآية:

__________________________________________________

(1) البقرة 2: 31.

(2) البقرة 2: 32.

(3، 4) البقرة 2: 33.

(5) القطف: العنقود ساعة يقطف. «أقرب الموارد- قطف- 2: 1016».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 347

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ «1». فقالوا: أ ينام أهل الجنة؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «لا ينامون، لأن النوم أخو الموت، و أهل الجنة لا يموتون، و كذلك أهل النار لا يموتون لأنهم معذبون دائما».

5841/ [5]- و عنه: قال جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): «فلما نام آدم (عليه السلام)، خلق الله من ضلع جنبه الأيسر ما يلي الشراسيف «2» و هو ضلع أعوج، فخلق منه حواء، و إنما سميت بذلك لأنها خلقت من حي، و ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها «3» فكانت حواء على خلق آدم (عليه السلام)، و على حسنه و جماله، و لها سبعمائة ظفيرة مرصعات بالياقوت و اللؤلؤ و الجواهر و الدر، محشوة بالمسك، شكلاء «4»، دعجاء «5»، غنجاء «6»، غضة «7»، بيضاء، مخضوبة الكفين، تسمع لذوائبها خشخشة، و هي نفيسة «8» متوجة، و هي على صورة آدم (عليه السلام) غير أنها أرق منه جلدا، و أصفى منه لونا، و أحسن منه صوتا، و أدعج منه عينا، و أقنى منه أنفا، و أصفى

منه سنا، و أصغر منه سنا، و ألطف منه نباتا «9»، و ألين منه كفا، فلما خلقها الله تعالى، أجلسها عند رأس آدم و قد رآها في نومه، و قد تمكن حبها في قلبه- قال- فانتبه آدم (عليه السلام) من نومته فقال: يا رب، من هذه؟ فقال الله تعالى: هذه أمتي حواء. قال: يا رب، لمن خلقتها؟ قال: لمن أخذ بها الأمانة، و أصدقها الشكر. قال: يا رب، أقبلها على هذا. فتزوجها- قال- فزوجه إياها قبل دخول الجنة».

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «رأى هذا في المنام و هي تكلمه، و هي تقول له: أنا أمة الله و أنت عبد الله، فاخطبني من ربك».

و

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «طيبوا النكاح، فإن النساء عند الرجال لا يملكن لأنفسهن ضرا و لا نفعا، و إنهن أمانة الله عندكم فلا تضاروهن و لا تعضلوهن».

5842/ [6]- و عنه: قال جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): «إن آدم (عليه السلام) رأى حواء في المنام، فلما انتبه، قال: يا رب، من هذه التي أنست بقربها؟ قال الله تعالى: هذه أمتي، و أنت عبدي، يا آدم، ما خلقت خلقا هو أكرم علي منكما، إذا أنتما عبدتماني و أطعتماني، و قد خلقت لكما دارا، و سميتها جنتي، فمن دخلها كان وليي حقا،

__________________________________________________

5- تحفة الإخوان: 66 «مخطوط».

6- تحفة الإخوان: 67 «مخطوط».

(1) البقرة 2: 255.

(2) الشّرسوف: الطرف اللّيّن من الضّلع ممّا يلي البطن، جمعها شراسيف. «المعجم الوسيط- شرس- 1: 478».

(3) النساء 4: 1.

(4) الشكلاء: مؤنث الأشكل، و هو ما فيه حمرة و بياض مختلطان. «أقرب الموارد- شكل- 1: 606- 607».

(5) دعجت العين: اشتدّ سوادها و بياضها و اتّسعت، فهي دعجاء. «المعجم

الوسيط»- دعج- 1: 284».

(6) غنجت المرأة: تدلّلت على زوجها بملاحة، كأنها تخالفه و ليس بها خلاف. «المعجم الوسيط- غنج- 2: 664». [.....]

(7) الغضّ: الطريّ الحديث من كلّ شي ء. «المعجم الوسيط- غضّ- 2: 654».

(8) في المصدر: نسقة.

(9) في المصدر: بيانا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 348

و من لم يدخلها كان عدوي حقا. فقال آدم (عليه السلام): و لك يا رب، عدو و أنت رب السماوات؟ قال الله تعالى: يا آدم، لو شئت أجعل الخلق كلهم أوليائي لفعلت و لكني أفعل ما أشاء، و أحكم ما أريد. قال آدم (عليه السلام): يا رب، فهذه أمتك حواء قد رق لها قلبي، فلمن خلقتها؟ قال الله تعالى: خلقتها لك لتسكن الدنيا فلا تكن وحيدا في جنتي قال:

فأنكحنيها يا رب. قال: أنكحتكها بشرط أن تعلمها مصالح ديني، و تشكرني عليها، فرضي آدم بذلك، فاجتمعت الملائكة، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل أن اخطب. فكان الولي رب العالمين، و الخطيب جبرئيل الأمين، و الشهود الملائكة المقربين، و الزوج آدم (عليه السلام) أبا النبيين، فتزوج آدم (عليه السلام) بحواء على الطاعة و التقى و العمل الصالح، فنثرت الملائكة عليهما من نثار الجنة».

قال ابن عباس: أعلموا بالنكاح فإنه سنة أبيكم آدم (عليه السلام) و قال: ليس شي ء مباح أحب إلى الله من النكاح، فإذا اغتسل المؤمن من حلاله بكى إبليس، و قال: يا ويلتاه، هذا العبد أطاع ربه و غفر له ذنبه، و لا شي ء مباح أبغض إلى الله تعالى من الطلاق. قال الصادق (عليه السلام): «لعن الله الذواق و الذواقة».

5843/ [7]- و عنه: قال أبو بصير: أخبرني كيف كان خروج آدم (عليه السلام) من الجنة؟

فقال الصادق (عليه السلام): «لما تزوج آدم (عليه السلام)

بحواء أوحى الله تعالى إليه: يا آدم، أن اذكر نعمتي عليك، فإني جعلتك بديع فطرتي، و سويتك بشرا على مشيئتي، و نفخت فيك من روحي، و أسجدت لك ملائكتي، و حملتك على أكتافهم، و جعلتك خطيبهم، و أطلقت لسانك بجميع اللغات، و جعلت ذلك كله شرفا لك و فخرا، و هذا إبليس اللعين قد أبلسته و لعنته حين أبى أن يسجد لك و قد خلقتك كرامة لأمتي، و خلقت أمتي نعمة لك، و ما نعمة أكرم من زوجة صالحة، تسرك إذا نظرت إليها، و قد بنيت لكما دار الحيوان من قبل أن أخلقكما بألف «1» عام، على أن تدخلاها بعهدي و أمانتي.

و كان الله تعالى عرض هذه الأمانة على السماوات و الأرضين، و على الملائكة جميعا، و هي أن تكافئوا على الإحسان، و تعدلوا عن الإساءة. فأبوا عن قبولها، فعرضها على آدم (عليه السلام)، فتقبلها، فتعجبت الملائكة من جرأة آدم (عليه السلام) في قبول الأمانة، يقول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا «2» و ما كان بين أن قبل الأمانة آدم و بين أن عصى ربه إلا كما بين الظهر و العصر، ثم مثل الله تعالى لآدم (عليه السلام) و لحواء، اللعين إبليس، حتى نظر إلى سماجته «3»، فقيل له: هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى «4» ثم ناداه الرب: إن من عهدي إليكما أن تدخلا الجنة، و تأكلا منها رغدا حيث شئتما، و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فقبلا هذا العهد كله، فقال:

__________________________________________________

7- تحفة الإخوان: 67 «مخطوط».

(1) في المصدر: بألفي.

(2)

الأحزاب 33: 72.

(3) سمج الشي ء: قبح، يسمج سماجة، إذا لم يكن فيه ملاحة. «لسان العرب- سمج- 2: 300».

(4) طه 20: 117.

رهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 349

يا آدم، أنت عندي أكرم من ملائكتي إذا أطعتني و رعيت عهدي، و لم تكن جبارا كفورا. و في كل ذلك يقبل الأمانة و العهد، و لا يسأل ربه التوفيق و العصمة، و شهد الملائكة عليه.

ثم مكث آدم (عليه السلام) و حواء مكللين متوجين مكرمين لما دخلا الجنة حتى كانا في وسط جنات عدن، نظر آدم و إذا هو بسرير من جوهر، له سبعمائة قائمة من أنواع الجواهر، و له سرادقات «1» كثيرة، و على ذلك السرير فرش من السندس و الإستبرق، و بين الفراشين كثبان من المسك و الكافور و العنبر، و على السرير أربع قباب: فيه الرضوان و الغفران و الخلد و الكرم، فناداه السرير: إلي يا آدم، فلك خلقت، و لك زينت. فنزل آدم عن فرسه، و حواء عن ناقتها، و جلسا على السرير بعد أن طافا على جميع نواحي الجنة، ثم قدم لهما من عنب الجنة و فواكهها فأكلا منها، ثم تحولا إلى قبة الكرم، و هي أزين القباب، و عن يمين السرير يومئذ جبل من مسك، و عن يساره جبل من عنبر، و شجرة طوبى قد أظلت على السرير، فأحب أدم (عليه السلام) أن يدنو من حواء، فأسبلت القباب ستورها، و انظمت الأبواب، و تغشاها و كان معها كأهل الجنة في الجنة خمسمائة عام من أعوام الدنيا في أتم السرور و أنعم الأحوال. و كان آدم (عليه السلام) ينزل عن السرير، و يمشي في منابر الجنة، و حواء خلفه تسحب سندسها، و كلما تقدما

من قصر نثرت عليهما من ثمار الجنة حتى يرجعا إلى السرير، و إبليس (لعنه الله) خائف لما جرى عليه من طعنهم له بالحراب و رجمهم إياه، و صار مختفيا عن آدم (عليه السلام) و حواء، فبينما هو كذلك و إذا هو بصوت عال: يا أهل السماوات، قد سكن آدم و حواء الجنة بالعهد و الميثاق، و أبحت لهما جميع ما في الجنة إلا شجرة الخلد، فإن قرباها و أكلا منها كانا من الظالمين».

قال: «فلما سمع إبليس اللعين ذلك فرح فرحا شديدا، و قال: لأخرجنهما من الجنة. ثم أتى مستخفيا في طرق السماوات. حتى وقع على باب الجنة، و إذا بالطاوس و قد خرج من الجنة، و له جناحان، إذا نشر أحدهما غطى به سدرة المنتهى، و له ذنب من زمردة صفراء، و هو من الجواهر، و على كل جوهر منه ريشة بيضاء، و هو أطيب طيور الجنة صوتا و تغريدا، و أحسنها ألحانا بالتسبيح و الثناء لله رب العالمين، و كان يخرج في وقت و يمر صفح «2» السماوات السبع، يخطر في مشيه، و يرجع في تسبيحه، فيعجب جميع الملائكة من حسن صورته و تسبيحه، فيرجع إلى الجنة. فلما رآه إبليس دعا به بكلام لين، و قال: أيها الطائر العجيب الخلقة، حسن الألوان، طيب الصوت، أي طائر أنت من طيور الجنة؟ قال: أنا طاوس الجنة، و لكن مالك- أيها الشخص- مذعور، كأنك تخاف طالبا يطلبك؟ فقال إبليس: أنا ملك من ملائكة الصفيح «3» الأعلى، مع الملائكة الكروبين الذين لا يفترون عن التسبيح ساعة و لا طرفة عين، جئت أنظر إلى الجنة و إلى ما أعد الله لأهلها فيها، فهل لك أن تدخلني الجنة و أعلمك

ثلاث كلمات، من قالهن لا يهرم و لا يسقم و لا يموت؟ فقال الطاوس: و يحك- أيها الشخص- أهل الجنة يموتون؟ قال إبليس: نعم، يموتون و يهرمون و يسقمون إلا من كانت عنده هذه الكلمات. و حلف على ذلك، فوثق

__________________________________________________

(1) السرادقات: جمع سرادق، ما أحاط بالبناء. «لسان العرب- سردق- 10: 157».

(2) صفح كلّ شي ء: وجهه و ناحيته. «لسان العرب- صفح- 2: 516».

(3) الصّفيح: من أسماء السّماء. «النهاية- صفح- 3: 35».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 350

به الطاوس و لم يظن أن أحدا يحلف بالله كاذبا، فقال: أيها الشخص، ما أحوجني إلى هذه الكلمات، غير أني أخاف أن رضوان خازن الجنان يستخبرني عنك، لكن أبعث إليك بالحية، فإنها سيدة دواب الجنة».

قال: «و دخل الطاوس الجنة، و ذكر للحية جميع ذلك فقالت: و ما أحوجني و إياك إلى هذه الكلمات. قال الطاوس: قد ضمنت له أن أبعث بك إليه، فانطلقي إليه سريعا قبل أن يسبقك سواك، فكانت الحية يومئذ على صورة الجمل، و لها قوائم، و لها زغب مثل العبقري «1» ما بين أسود و أبيض و أحمر و أخضر و أصفر، و لها رائحة كرائحة المسك المشاب بالعنبر، و كان مسكنها في جنة المأوى، و مبركها على ساحل نهر الكوثر، و كلامها التسبيح و الثناء لله رب العالمين، و قد خلقها الله تعالى قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بمائة عام، و كانت تأنس بحواء و آدم (عليه السلام) و تخبرهما بكل شجرة في الجنة.

فخرجت الحية مسرعة من باب الجنة فرأت إبليس لعنه الله على ما وصفه الطاوس، فتقدم إليها إبليس بالكلام الطيب، و قال لها مثل ما قال للطاوس، فقالت الحية: و كيف أدخلك و

لا يحل لك ركوبي؟ فقال لها إبليس:

إني أرى بين نابيك فرجة واسعة، و اعلمي أنها تسعني، و اجعليني فيها و أدخليني الجنة حتى أعلمك هذه الكلمات الثلاث. فقالت الحية: إذا حملتك في فمي، فكيف أتكلم إذا كلمني رضوان؟ فقال لها اللعين: لا عليك، فإن معي أسماء ربي، إذا قلتها لا ينطق بي و لا بك أحد من الملائكة. فدخلت و الملائكة ساهون عن محاورتهما، غير أن حواء كانت قد افتقدت الحية فلم تجدها، و كانت مؤتلفة بها لحسن حديثها، و الحية مع إبليس يحلف لها و يخادعها- قال- و لم يزل إبليس يحلف لها و يخدعها، حتى وثقت به و فتحت فاها، فوثب إبليس و قعد بين أنيابها، و خرج منه ريح فصار نابها سما إلى آخر الأبد- قال- فضمته الحية و دخلت الجنة، و لم يكلمها رضوان للقدر و القضاء السابق بعلم الرحمن، حتى إذا توسطت الحية الجنة، قالت له: اخرج فمي و عجل قبل أن يفطن بك رضوان. قال إبليس: لا تعجلي، فإنما حاجتي في الجنة آدم و حواء، فإني أريد أن أكلمهما من فيك، فإن فعلت ذلك علمتك الكلمات الثلاث. فقالت الحية: هاتيك قبة حواء فاخرج إليها و كلمها. قال: لا أكلمها إلا من فيك، فحملته الحية إلى قبة حواء، فقال إبليس من فم الحية: يا حواء، يا زينة الجنة، أ لست تعلمين أني معك في الجنة، و أني أحدثك و أخبرك بكل ما في الجنة، و أني صادقة في كل ما أحدثك به؟ فقالت حواء: نعم، و ما عرفتك إلا بصدق الحديث. قال إبليس: يا حواء، أخبريني ما الذي أحل لكما في الجنة، و حرم عليكما؟ فأخبرته بما نهاهما عنه.

فقال إبليس:

و لماذا نهاكما ربكما عن شجرة الخلد؟ قالت: لا علم لي بذلك. قال إبليس: أنا أعلم، إنما نهاكما ربكما لأنه أراد أن يفعل بكما مثل ما فعل بذلك العبد الذي مأواه تحت الشجرة، الذي أدخله قبل دخولكما بألف «2» عام».

قال: «فوثبت حواء من سريرها لتنظر ذلك العبد، فخرج إبليس من فم الحية كالبرق الخاطف، حتى قعد

__________________________________________________

(1) العبقريّ: ضرب من البسط. «تاج العروس- عبقر- 3: 379».

(2) في المصدر: بألفي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 351

تحت الشجرة، فأقبلت حواء فرأته، فلما قربت منه، نادته: أيها الشخص، من أنت؟ قال: أنا خلق من خلق الله تعالى، و أنا في هذه الجنة منذ ألف عام، خلقني كما خلقكما بيده، و نفخ في روحه، و أسجد لي ملائكته و أسكنني جنته، و نهاني عن أكل هذه الشجرة، فكنت لا آكل منها حتى نصحني بعض الملائكة، و قال لي: كل منها، فإن من أكل منها كان مخلدا في الجنة أبدا و حلف لي أنه لمن الناصحين، فوثقت بيمينه و أكلت منها، فأنا في الجنة إلى يومي هذا كما ترين، و قد أمنت من الهرم و السقم و الموت و الخروج من الجنة. فقال لها إبليس بعد ما حكى لها:

و الله ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. فناداها: يا حواء، كلي منها، فإنها أطيب ما أكلت من ثمار الجنة، فأسرعي إليها و اسبقي زوجك، فإن من سبق كان له الفضل على صاحبه، أما تنظرين إلي كيف آكل منها؟ هذا و الحية واقفة تسمع ما يقول إبليس (لعنه الله) لحواء، فالتفتت حواء للحية، و قالت: أنت معي منذ أدخلني الله الجنة، و لم تخبريني بهذا

الكلام؟! و سكتت الحية، و لم تدر ما يقول إبليس اللعين في جواب حواء «1»، و رغبت عن الكلام، و ما كان من أمرها الذي قد ضمن لها إبليس أن يعلمها الثلاث كلمات.

فأقبلت حواء إلى آدم (عليه السلام)، و كانت مسرورة بقول الحية لها، و مقالة إبليس تحت الشجرة، و أخبرته بخبر الحية و الشخص و قد حلف لهما نصحا، و ذلك قوله تعالى: وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «2» و قرب القدر المقدور و القضاء المبرم، و خروجهم من الجنة، و هو الأمر المحتوم، فركنا جميعا إلى قول إبليس اللعين و قسمه فتقدمت حواء إلى تلك الشجرة، و لها أغصان لا تحصى، و على الأغصان سنابل، كل حبة منها مثل القلة، و لها رائحة كالمسك الأذفر، أشد بياضا من اللبن، و أحلى من العسل، فأخذت سبع سنابل من سبعة أغصان، فقال اللعين: كلي منها يا حواء، يا زينة الجنة. فأكلت واحدة، و ادخرت لها واحدة، و جاءت بخمس منها إلى آدم (عليه السلام)، و لم يكن لآدم (عليه السلام) في ذلك أمر و لا نهي، بل كان ذلك في سابق علم الله تعالى حين افتخرت السماء على الأرض، و شكت الأرض إلى ربها، و قال: يا أرض اسكني. و قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «3». فتناول آدم (عليه السلام) من السنابل سنبلة واحدة من يدها، و قد نسي العهد المأخوذ عليه، فذلك قوله تعالى: فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً «4»، أي جزما- قال- فذاق آدم (عليه السلام) من الشجرة كما ذاقت حواء، فذلك قوله تعالى: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما «5».

5844/ [8]- و عنه: قال ابن عباس (رضي الله

عنه) سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «و الذي نفسي بيده، ما ساغ آدم (عليه السلام) من تلك السنابل إلا سنبلة واحدة حتى طار التاج عن رأسه، و تعارى من لباسه، و انتزعت

__________________________________________________

8- تحفة الإخوان: 70 «مخطوط». [.....]

(1) في المصدر: ما تقول و خافت من رضوان.

(2) الأعراف 7: 21.

(3) البقرة 2: 30.

(4) طه 20: 115.

(5) الأعراف 7: 22.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 352

خواتيمه، و سقط كل ما كان على حواء من لباسها، و حليها، و زينتها، و كل شي ء طار عنها، و ناداه لباسه و تاجه: يا آدم، طال حزنك، و كثرت حسرتك، و عظمت مصيبتك، فعليك السلام، و هذه الساعة الفراق إلى يوم التلاق، فإن رب العزة عهد إلينا أن لا نكون إلا على عبد مطيع خاشع. و انتفض السرير من فراشه و طار في الهواء، و هو ينادي:

آدم المصطفى قد عصى الرحمن و أطاع الشيطان، و حواء قد انتفضت ذوائبها عنها، و ما كان فيها من الدهر و الجواهر و اللؤلؤ، و انحلت المنطقة من وسطها، و هي تقول: لقد عظمت مصيبتكما و طال حزنكما، و لم يبق عليهما من لباسهما شي ء وَ طَفِقا أي أقبلا: يَخْصِفانِ عَلَيْهِما أي يرقعان عليهما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي ورق التين وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ «1».

قال ابن عباس: إن الله تعالى حذر أولاد آدم كما حذر آدم (عليه السلام) في قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما «2». قال: و جعل كل واحد منهما ينظر إلى عورة صاحبه، و هرب إبليس

مبادرا، و صار مختفيا في بعض طرق السماوات، و لم يبق شي ء إلا نادى آدم: يا عاصي.

و غض أهل الجنة أبصارهم عنهما، و قالوا: أخرجتما من جنتكما! و ناداه فرسه الميمون- و قد خلقه الله من مسك الجنة و جميع طيبها من الكافور و الزعفران و العنبر و غير ذلك، و عجن بماء الحيوان، و عرفه من المرجان، و ناصيته من الياقوت، و حافره من الزبرجد الأخضر، و سرجه من الزمرد، و لجامه من الياقوت، و له أجنحة من أنواع الجواهر، و ليس في الجنة دابة أحسن من فرس آدم (عليه السلام) إلا البراق،

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «فضل البراق على سائر دواب الجنة، كفضلي على سائر النبيين»

، و قال ابن عباس: قد خلق الله الميمون فرس آدم (عليه السلام) قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بخمسمائة عام-: يا آدم، هكذا العهد بينك و بين الله تعالى؟! و انقبضت أشجار الجنة عنهما حتى لم يتمكنا أن يستترا بشي ء منها، فكلما قرب من شجرة، نادته: إليك عنى يا عاصي. فلما كثرت عليه الملامة و التوبيخ، مر هاربا، و إذا هو بشجرة الطلح قد التفت على ساقيه فمسكته بأغصانها، و نادته إلى أين تهرب، يا عاصي؟ فوقف آدم فزعا مرعوبا مبهوتا، و ظن أن العذاب قد أتاه، و جعل ينادي: الأمان، الأمان، و حواء مجتهدة أن تستر نفسها بشعرها، و هو ينكشف عنها، فلما أكثرت عليه، ناداها: يا بادية السوء، هل تقدرين على أن تستري بي، و قد عصيت ربك؟ فقعدت حواء عند ذلك، و وضعت ذقنها على ركبتها كيلا يراها أحد، و هي تحت الشجرة و آدم واقف قد قبضت عليه شجرة الطلح.

قال ابن

عباس: فنودي جبرئيل: «ألا ترى إلى بديع فطرتي آدم، كيف عصاني؟ يا جبرئيل، ألا ترى إلى حواء أمتي، كيف عصتني، و طاوعت عدوي إبليس؟» فاضطرب جبرئيل الأمين لما سمع نداء رب العالمين، و داخله الخوف و خر ساجدا، و حملة العرش قد سكنت حركاتهم، و هم يقولون: سبحانك، قدوس قدوس، سبوح سبوح، الأمان الأمان. فأخذ جبرئيل (عليه السلام) يعد على آدم (عليه السلام) ما أنعم الله تعالى به عليه، و يعاتبه على المعصية،

__________________________________________________

(1) الأعراف 7: 22.

(2) الأعراف 7: 27.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 353

فاضطرب آدم (عليه السلام) فزعا، و ارتعد خوفا، حتى ذهب كلامه، و جعل يشير إلى جبرئيل (عليه السلام): «دعني أهرب من الجنة خوفا من ربي، و حياء منه». قال جبرئيل (عليه السلام): إلى أين تهرب- يا آدم- و ربك أقرب الأقربين، و مدرك الهاربين؟ فقال آدم (عليه السلام) «يا جبرئيل، ردني أنظر إلى الجنة نظرة الوداع». فجعل آدم (عليه السلام) ينظر عن يمينه و عن شماله، و جبرئيل لا يفارقه، حتى صار قريبا من باب الجنة، و قد أخرج رجله اليمنى و بقيت رجله اليسرى، فنودي:

«يا جبرئيل، قف به على باب الجنة حتى يخرج معه أعداؤه الذين حملوه على أكل الشجرة، يراهم و يرى ما يفعل بهم». فأوقفه جبرئيل، و ناداه الرب: «يا آدم، و خلقتك لتكون عبدا شكورا، لا لتكون عبدا كفورا».

فقال آدم (عليه السلام): «يا رب، أسألك أن تعيدني إلى تربتي التي خلقت منها ترابا كما كنت أولا». فأجابه الرب: «يا آدم، قد سبق في علمي، و كتبت في اللوح أن أملأ من ظهرك الجنة و النار». فسكت آدم.

قال ابن عباس: لما أمرت حواء بالخروج، و ثبت إلى ورقة

من ورق تين الجنة، طولها و عرضها لا يعلمه إلا الله تعالى لتستتر بها، فلما أخذتها، سقطت من يدها، و نطقت: يا حواء، إنك لفي غرور، إنه لا يسترك شي ء في الجنة بعد أن عصيت الله تعالى. فعندها بكت حواء بكاء شديدا، و أمر الله الورقة أن تجيبها، فاستترت بها، فقبض جبرئيل (عليه السلام) بناصيتها حتى أتى بها إلى آدم (عليه السلام) و هو على باب الجنة، فلما رأت آدم (عليه السلام)، صاحت صيحة عظيمة، و قالت: يا لها من حسرة، يا جبرئيل، ردني أنظر إلى الجنة نظر الوداع. فجعلت تومئ بنظرها إلى الجنة يمينا و شمالا، و تنظر إليها بحسرة، فاخرجا من الجنة، و الملائكة صفوف لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، ينظرون إليهما. ثم أتي بالطاوس، و قد طعنته الملائكة حتى سقطت أرياشه، و جبرئيل يجره، و يقول له: اخرج من الجنة خروج آيس، فإنك مشؤوم أبدا ما بقيت، و سلبه تاجه، و اجتث أجنحته.

قال ابن عباس: أحب الطيور إلى إبليس الطاوس، و أبغضها إليه الديك.

و

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «أكثروا في بيوتكم الديوك، فإن إبليس لا يدخل بيتا فيه ديك أفرق» «1».

و

قال (صلى الله عليه و آله): «ما أحب من الدنيا إلا أربعة: فرسا أجاهد بها في سبيل الله، و شاة أفطر على لبنها، و سيفا أدفع به عن عيالي، و ديكا يوقظني عند الصلاة».

و

قال (صلى الله عليه و آله): «إذا صاح الديك في السحر، نادى مناد من الجنان: أين الخاشعون، الذاكرون، الراكعون، الساجدون، السائحون، المستغفرون؟ فأول من يسمع ذلك ملك من الملائكة في السماوات، و هو على صورة الديك، له زغب و ريش أبيض، و رأسه تحت العرش، و

رجلاه تحت الأرض السفلى، و جناحاه منشوران، فإذا سمع ذلك النداء من الجنة، ضرب جناحيه ضربة، و قال: يا غافلين، اذكروا الله تعالى الذي وسعت رحمته كل شي ء».

و

روي أن النبي سليمان بن داود (عليه السلام) لما حشر الطير، و أحب أن يستنطق الطير، و كان حاشرها جبرئيل و ميكائيل، فأما جبرئيل فكان يحشر طيور المشرق و المغرب من البراري، و أما ميكائيل فكان يحشر طيور الهواء و الجبال، فنظر سليمان (عليه السلام) إلى عجائب خلقتها، و اختلاف صورها، و جعل يسأل كل صنف منهم، و هم

__________________________________________________

(1) يقال: ديك أفرق، للذي عرفه مفروق. «الصحاح- فرق- 4: 1542».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 354

يجيبونه بمساكنهم، و معايشهم، و أوكارهم، و أعشاشهم، و كيف تبيض، و كيف تحيض، و كان آخر من تقدم بين يديه الديك، فوقف بين يديه في حسنه و جماله و بهائه، و مد عنقه، و ضرب بجناحه، و صاح صيحة أسمع الملائكة و الطيور و جميع من حضر: يا غافلين، اذكروا الله. ثم قال: يا نبي الله، إني كنت مع أبيك آدم (عليه السلام) أوقظه لوقت الصلاة، و كنت مع نوح (عليه السلام) في الفلك، و كنت مع إبراهيم الخليل (عليه السلام)، حين أظفره الله بعدوه نمرود، و نصره عليه بالبعوض «1»، و كنت أكثر ما أسمع أباك إبراهيم (عليه السلام) «2» يقرأ آية الملك: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ «3» إلى آخر الآية، و أعلم يا نبي الله، أني لا أصيح صيحة في ليل أو نهار إلا أفزعت بها الجن و الشياطين، و أما إبليس فإنه يذوب كما يذوب الرصاص في النار.

قال: ثم أتي بالحية،

و قد جذبتها الملائكة جذبة هائلة، و قد قطعوا يديها و رجليها، و إذا هي مسحوبة على وجهها، مبطوحة على بطنها، لا قوائم لها، و صارت ممدودة، و منعت النطق فصارت خرساء مشقوقة اللسان، فقالت لها الملائكة: لا رحمك الله تعالى و لا رحم الله من يرحمك، و نظر إليها آدم و حواء، و الملائكة يرجمونها من كل ناحية.

و

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله): أنه قال: «من قتل الحية فله سبع حسنات، و من تركها و لم يقتلها مخافة شرها لم يكن في ذلك له أجر، و من قتل وزغا «4» فله حسنة، و من قتل حية فله حسنات مضاعفة».

و قال ابن عباس (رضي الله عنه): قتل حية أحب إلي من قتل كافر.

قال: ثم اخرج آدم (عليه السلام) من الجنة، و أبرزه جبرئيل إلى السماوات، و حجبت عنه حواء فلم يرها و نظرت الملائكة إلى آدم (عليه السلام) و هو عريان، ففزعت منه، و جعلت تقول: إلهنا، و هذا آدم بديع فطرتك، أقله و لا تخذله.

و آدم (عليه السلام) قد وضع يده اليمنى على باب الجنة «5»، و اليسرى على سوأته، و دموعه تجري على خديه، فوقف آدم (عليه السلام)، و ناداه الرب جل و علا: «يا آدم». قال: «لبيك يا ربي و سيدي و مولاي و خالقي، تراني و لا أراك، و أنت علام الغيوب». قال الله تعالى: «يا آدم، قد سبق في علمي، إذا تاب العاصي تبت عليه، و أتفضل عليه برحمتي. يا آدم، ما أهون الخلق علي إذا عصوني، و ما أكرمهم علي إذا أطاعوني».

فقال آدم (عليه السلام): «بحق من هو الشرف الأكبر، إلا ما أقلت عثرتي، و عفوت عني»

فأتاه النداء، «يا آدم، من الذي سألتني بحقه؟».

فقال آدم (عليه السلام): «إلهي و سيدي و مولاي و ربي، هذا صفيك و حبيبك و خاصتك و خالصتك و رسولك محمد بن عبد الله، فلقد رأيت اسمه مكتوبا على العرش، و في اللوح المحفوظ، و على صفح السماوات، و على

__________________________________________________

(1) (بالبعوض): ليس في المصدر.

(2) في المصدر: آدم.

(3) آل عمران 3: 26.

(4) الوزغ: حيوان صغير يقال له: سام أبرص. «مجمع البحرين- وزغ- 5: 18».

(5) في المصدر: على رأسه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 355

أبواب الجنان، و قد علمت- يا رب- أنك لا تفعل به ذلك إلا و هو أكرم الخليقة عندك».

قال ابن عباس: فنوديت حواء: «يا حواء»، قالت: «لبيك لبيك، يا سيدي و مولاي و ربي، لا إله إلا أنت، قد ذهبت زينتي، و عظمت مصيبتي، و حلت شقوتي، و بقيت عريانة لا يسترني شي ء من جنتك، يا رب». فنوديت: «يا حواء، من الذي صرف عنك هذه الخيرات التي كنت فيها، و الزينة التي كنت عليها؟».

قالت: إلهي و سيدي، ذلك خطيئتي، و قد خدعني إبليس بغروره و أغواني، و أقسم لي بحقك و عزتك إنه لمن الناصحين لي، و ما ظننت أن عبدا يحلف بك كاذبا.

قال: «الآن اخرجي أبدا، فقد جعلتك ناقصة العقل و الدين و الميراث و الشهادة و الذكر، معوجة الخلقة «1»، شاخصة البصر، و جعلتك أسيرة أيام حياتك، و أحرمتك أفضل الأشياء: الجمعة، و الجماعة، و السلام، و التحية، و قضيت عليك بالطمث- و هو الدم- و جهد الحبل، و الطلق، و الولادة، فلا تلدين حتى تذوقي طعم الموت، فأنت أكثر حزنا، و أكسر قلبا، و أكثر دمعة، و جعلتك دائمة الأحزان، و لم أجعل

منكن حاكما، و لا أبعث منكن نبيا».

فقال آدم: «يا رب، إنك أخرجتني من الجنة، و تريد أن تجمع بيني و بين عدوي إبليس اللعين، فقوني عليه، يا رب».

فقال له: «يا آدم، تقوا عليه بتقواي و توحيدي و ذكري، و هو أن تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله و أكثر من ذلك، فإنها لعدوي و عدوك مثل الشهاب القاتل. يا آدم، قد جعلت مسكنك المساجد، و طعامك الحلال الذي ذكر عليه اسمي، و شرابك ما أجريته من ماء معين، و ليكن شعارك ذكري، و دثارك ما أنسجته بيدك».

فقال آدم: «زدني، يا رب». قال: «أحفظك بملائكتي» فقال: «يا رب، زدني». فقال: «لا يولد لك ولد إلا وكلت به ملائكة يحرسونه». قال: «يا رب، زدني» قال: «لا أنزع التوبة منك و لا من ذريتك ما تابوا إلي». قال: «زدني، يا رب».

قال: «أغفر لك و لولدك و لا أبالي، و أنا الرب العلي المتعالي».

قال: فعندها تكلمت حواء، و قالت: إلهي، خلقتني من ضلع أعوج، و جعلتني ناقصة العقل و الدين و الشهادة و الميراث و الذكر، و حرمتني أفضل الأشياء، و ألزمتني الحبل و الطلق، و صيرتني بالنجاسة، و كيف أخرج من الجنة و قد حرمتني جميع الخيرات؟ فنوديت: «أن اخرجي، فإني ارفق قلوب عبادي عليكن».

قال ابن عباس: لقد جعل بين الرجال و النساء الالفة و الانس، فاحبسوهن في البيوت، و أحسنوا إليهن ما استطعتم.

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «المرأة ضلع مكسور فاجبروه».

و

قال (عليه السلام): «المرأة ريحانة، و ليست بقهرمانة».

و

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «كل امرأة صالحة عبدت ربها، و أدت فرضها، و أطاعت زوجها، دخلت الجنة».

فنوديت: «اخرجي، فإني مخرج منكما ما يملأ

الجنة و النار، فأما الذين يملؤون الجنة فمن نبي و صديق

__________________________________________________

(1) في «س»: الخلق. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 356

و شهيد و مستغفر، و من يصلي عليكما، و يستغفر لكما». قال (عليه السلام): «ما من مؤمن و لا مؤمنة يستغفر لآدم و حواء إلا عرض الاستغفار عليهما، فيفرحان، و يقولان: يا رب، هذا ولدنا فلان قد استغفر لنا، و صلى علينا، فتفضل عليه، و زد من كرمك و إحسانك إليه». و روي: أن من لم يصل عليهما عند ذكرهما، فقد عقهما.

فقالت حواء: أسألك- يا رب- أن تعطيني كما أعطيت آدم. فقال الرب عز و جل: «إني قد وهبتك الحياء و الرحمة و الأنس، و كتبت لك من ثواب الاغتسال و الولادة ما لو رأيته من الثواب الدائم، و النعيم المقيم، و الملك الكبير، لقرت به عينك. يا حواء، أيما امرأة ماتت في ولادتها حشرتها مع الشهداء، يا حواء، أيما امرأة أخذها الطلق إلا كتبت لها أجر شهيد، فإن تحملت «1» و ولدت، غفرت لها ذنوبها و لو كانت مثل زبد البحر و رمل البر و ورق الشجر، و إن ماتت فهي شهيدة، و حضرتها الملائكة عند قبض روحها، و بشروها بالجنة، و تزف إلى بعلها في الآخرة، و تفضل على سائر الحور العين بسبعين درجة» فقالت حواء: حسبي ما أعطيت.

قال: و تكلم إبليس اللعين، و قال: يا رب إنك أغويتني و أبلستني، و كان ذلك في سابق علمك، فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ «2» و هي النفخة الاولى. قال: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ

عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ «3» قال: اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ «4».

قال: إنك أنظرتني، فأين مسكني إذا هبطت إلى الأرض؟ قال: «المزابل». قال: فما قراءتي؟ قال: «الشعر» قال:

فما مؤذني؟ قال: «المزمار». قال: فما طعامي؟ قال: «ما لم يذكر عليه اسمي». قال: فما شرابي؟ قال: «الخمور جميعها». قال: فما بيتي؟ قال: «الحمام». قال: فما مجلسي؟ قال: «الأسواق، و محافل النساء النائحات». قال: فما شعاري؟ قال: «الغناء» قال: فما دثاري؟ قال: «سخطي» قال: فما مصائدي؟ قال: «النساء».

قال إبليس: لا خرجت محبة النساء من قلبي، و لا من قلوب بني آدم، فنودي. «يا ملعون، إني لا أنزع التوبة من بني آدم حتى ينزعوا بالموت، فاخرج منها فإنك رجيم، و إن عليك لعنتي إلى يوم الدين».

فقال آدم: يا رب، هذا عدوي و عدوك أعطيته النظرة، و قد أقسم بعزتك أنه يغوي أولادي، فبم أحترز عن مصائده و مكائده؟» فنودي: «يا آدم، قد مننت عليك بثلاث خصال: واحدة لي، و واحدة لك، و واحدة بيني و بينك أما التي لي، فهي أن تعبدني و لا تشرك بي شيئا، و أما التي لك، فهو ما عملت من صغيرة و كبيرة من الحسنات، فلك الحسنة بعشر أمثالها، و العشر بمائة، و المائة بألف، و أضعفها لك كالجبال الرواسي، و إن عملت سيئة، فواحدة بواحدة، و إن أنت استغفرتني، غفرتها لك، و أنا الغفور الرحيم و أما التي بيني و بينك فلك الدعاء

__________________________________________________

(1) في المصدر: سلمت.

(2) الحجر 15: 37 و 38.

(3) الأعراف 7: 16 و 17.

(4) الأعراف 7: 18.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 357

و المسألة، و مني الإجابة، فابسط يديك فادعني، فإني قريب

مجيب».

قال: فلما سمع بذلك اللعين، صاح بأعلى صوته، حسدا لآدم (عليه السلام)، قال: كيف أكيد بولد آدم الآن؟

فنودي: «يا ملعون أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً «1»» قال إبليس: يا رب، زدني. قال: «لا يولد لآدم ولد إلا و يولد لك سبعة». قال: يا رب، زدني. قال:

«زدتك أن تجري بهم مجرى الدم في عروقهم و توسوس و تسكن في صدورهم، و تخنس «2» في قلوبهم» قال إبليس: يا رب، فبم أهبط إلى الأرض؟ قال: «على اليأس من رحمتي».

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «أخلفوا ظن إبليس اللعين فيما سأل ربه، فإن شركه في الأموال المكتسبة من غير حلها، و شركه في الأولاد الحرام، فطيبوا النكاح، و ازدجروا عن الزنا».

و

قال (عليه السلام): «إذا جامعتم أزواجكم فاذكروا الله تعالى على كل حال، و إلا يدخل إبليس اللعين ذكره كما يدخل الرجل ذكره في فرج امرأته، و يفعل بها كما يفعل زوجها».

و

قال (عليه السلام): «إذا سمع إبليس ذكر الله أو تسبيحه، ذاب كما يذوب الملح في الماء».

و

قال (عليه السلام): «لقد أعطى الله هذه الامة سورتين، من قرأهما قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و لي عنه إبليس، و انصرف و له نبيح كنبيح الكلاب، و هما المعوذتان».

و قال ابن عباس: لما نزلت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «3» قال جبرئيل: يا محمد، لا تخف على أمتك منذ نزلت هذه السورة الشريفة. يا محمد، ما من أحد من أمتك يقرأها موقنا بثوابها، إلا دخل الجنة. يا محمد، من قرأها كان بينه و بين الشياطين حجاب. يا محمد، من قرأها أمن من الخسف و المسخ و الغرق

و الرجف.

قال: فلما اعطي كل واحد منهم ما سأل، نظر آدم (عليه السلام) إلى الحية، فقال: «يا رب، هذه اللعينة التي أعانت عدوي، فبماذا أتقوى عليها إذا أهبطتها إلى الأرض؟». فنودي: «يا آدم، إني جعلت مسكنها الظلمات، و طعامها التراب، فلا أمانة لها، فإذا رأيتها فاشدخ رأسها».

قال ابن عباس: لو لا قعود إبليس ما بين نابيها ما كان لها سم، فاقتلوها حيث وجدتموها، و قال: رحم الله من قتل حية، و قيل للطاوس: «مسكنك أطراف الدنيا، و رزقك ما أنبتت الأرض، و القي عليك المحبة في قلوب بني آدم».

5845/ [9]- و عنه: قال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «فلما اعطي هؤلاء ما اعطوا، أمروا أن يهبطوا إلى الأرض، فقال تعالى: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ «4» فالمستقر:

__________________________________________________

9- تحفة الإخوان: 74 «مخطوط».

(1) الاسراء 17: 64.

(2) أي تتوارى، و في «ط»: تجلس.

(3) الإخلاص 112: 1.

(4) الأعراف 7: 24.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 358

القبر، و الحين: القيامة، فهبط آدم (عليه السلام) من الجنة من باب التوبة، و حواء من باب الرحمة، و إبليس من باب اللعنة، و الطاوس من باب الغضب، و الحية من باب السخط، و كان نزولهم وقت العصر فمن هذه الأبواب، تنزل التوبة و الرحمة و اللعنة و الغضب و السخط».

و

قال (عليه السلام): «خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) يوم الجمعة، و فيها جمع بين روحه و جسده، و فيها زوجه حواء، و فيها دخل الجنة و أقام فيها نصف يوم مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا، و هبط ما بين الظهر و العصر من باب يقال له: المبرم، و هو حذاء البيت المعمور، و

قيل من باب المعارج «1»، فهبط آدم (عليه السلام) إلى بلاد الهند على جبل من جبالها، يقال له: بود، و هو جبل معلوم محيط بأرض الهند، و هبطت حواء بجدة برستمسام «2»، و الحية بأصفهان، و الطاوس بأطراف البحر، فلم ير بعضهم بعضا حين اهبطوا، و لم يكن على آدم (عليه السلام) حين اهبط إلا ورقة من أوراق الجنة ملتصقة إلى جلده، فرمتها الريح في بلاد الهند فصارت معدن الطيب جميعه.

و أخذ آدم في البكاء مائة عام شوقا إلى الجنة، و هو واقف منكس رأسه خوفا من الله تعالى، و خرج من عينه اليمنى ماء يملأ دجلة، و من عينه اليسرى ماء يملأ الفرات، و صار لدموعه مجار في الأرض، و رسخت عروق رجليه في الأرض، و عاش تسعمائة سنة و ثلاثين سنة، و ما فرغ من حزنه على الجنة، و مات حزينا عليها.

و قد أنبت الله من دموعه العود الرطب و الصندل «3» و الكافور، و جميع أنواع الطيب، و امتلأت الأودية بالأشجار الطيبة، و بكت حواء كذلك حتى أنبت من دموعها الزنجبيل و القرنفل و الهيل، و جميع أنواع ذلك. و كانت الريح تحمل كلام آدم إلى حواء و حواء إلى آدم (عليهما السلام)، فيصير كل واحد منهما قريبا من صاحبه و بينهما البلاد البعيدة. و كانا يبكيان حتى رحمهما الملائكة، و بقيت حواء شاخصة بصرها إلى الله تعالى أعواما، و قد وضعت يدها على رأسها، فأورثت ذلك بناتها».

5846/ [10]- و عنه: قال ابن عباس: أول من علم هبوط آدم (عليه السلام) النسر، فأتاه و بكى معه، و كان النسر وحشيا، فسقط على ساحل البحر، فنظر إلى حوت يضطرب في الماء، فأنس إليه

لأنه لم يكن له انس، فلما علم النسر بنزول آدم (عليه السلام) أخبر الحوت به، و قال له: إني رأيت اليوم خلقا عظيما، يقبض و يبسط، و يقوم و يقعد، و يأكل و يشرب، و ينام و يستيقظ، و يبول و يتغوط، و يجي ء و يذهب، معتدل القامة، بادي البشرة، حسن الصورة! فقال الحوت: إن كان كما تقول فقد كاد أن لا يكون لي معه مستقر في البحر، و لا لك معه مستقر في البر، و هذا الوداع بيني و بينك. و في بعضها: أن الحوت قال: إنك لتخبرني عن خلق عظيم يأكل و يشرب، فإن كنت صادقا فإنه سيجرني من بحري، و يأخذك من برك.

و في بعضها: إن آدم (عليه السلام) لما هبط من الجنة نادى ملك: أيتها الأرض و من عليها و فيها من الخلق، قد

__________________________________________________

10- تحفة الإخوان: 75 «مخطوط».

(1) في المصدر (المعراج).

(2) في المصدر: برستمام.

(3) الصّندل: شجر خشبه طيّب الرائحة، و له ألوان مختلفة: حمر و بيض و صفر. «لسان العرب 11: 386».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 359

هبط إليكم إنسان نسي عهد ربه، فسماه إنسانا، فأول ما سمع النسر بذلك انفض إلى الحوت و أخبره بذلك ففزع، و قال كل واحد منهما لصاحبه: هذا وقت الوداع بيني و بينك، فويل لأهل البحر و البر من هذا الإنسان.

قال: و بقي آدم (عليه السلام) باكيا ساجدا لله تعالى حتى شربت الطير من دموعه، و نبتت الأشجار و رسخت عروق رجليه في الأرض كما ترسخ الأشجار، و بكت معه السباع، فلما لقيته ولت عنه هاربة، و قالت: نحن سكان الأرض قبلك يا آدم، و قد أفزعتنا و أبكيتنا لبكائك، و أورثتنا حزنا طويلا. فمن

ذلك «1» صارت لا تأنس ببني آدم، و يقال: تفرقت عنه جميع الطيور أيضا إلا النسر، فإنه كان يساعده.

ثم أنبت الله له الشعر و اللحية، فكان آدم (عليه السلام) قبل ذلك اليوم أمرد كأنه الفضة البيضاء، فلما نظر آدم (عليه السلام) إلى اللحية، قال: «يا رب، ما هذا الذي لم أعهده منك في الجنة؟». قال: «هذه لحيتك، غير أنها زينتك، ليعرف الذكر من الأنثى».

و

روي أنه أقام على البكاء ثلاثمائة عام لا يرفع رأسه نحو السماء، و هو يقول: «بأي وجه أنظر إلى السماء، و هبطت منها عريانا عاصيا؟» فبكت الأنعام و الطيور و السباع، و لقد أبكى الكروبيين و الروحانيين، و قالوا: إلهنا، أقل عثرته فإنه في حرقة من الذنب.

و

قال (عليه السلام): «لو وضع بكاء يعقوب على يوسف، و بكاء جميع الخلق إلى آخر الأبد لرجح بكاء آدم على بكائهم، و ذلك لأنه بقي من دموعه في الأرض بعد أن كف عن البكاء مائة عام، تشرب منه الوحوش و السباع و الطيور، و لدموعه رائحة كرائحة المسك الأذفر، و لذلك كثر الطيب في بلاد الهند».

فعند ذلك أمر الله تعالى جبرئيل: «أن آدم بديع فطرتي، قد أبكى السماوات السبع و الأرضين السبع، و لم يذكر أحدا غيري و لا يخاف سواي، و لقد أحرقت قلبه خطيئته، و هو أول من عبدني، و أول من دعاني بأسمائي الحسنى، و أنا الرحمن «2» الذي سبقت رحمتي غضبي، و لقد قضيت في سابق علمي أن من دعاني نادما على ذنبه متضرعا، أن تدركه رحمتي، و ها أنا قد خصصته بكلمات تكون له توبة، تخرجه من الظلمات إلى النور». فنزل بها جبرئيل و له نور، و هو ضاحك مستبشر على

آدم (عليه السلام)، فقال: السلام عليك يا طويل الحزن و البكاء، فلم يسمع آدم (عليه السلام) ذلك لغليان صدره، حتى ناداه بصوت رفيع: السلام عليك يا آدم، قد قبل الله توبتك و غفر لك خطيئتك، ثم أمر بجناحه على صدره و وجهه حتى هذأ من بكائه، و سكن غليان صدره، و سمع الصوت. فقال آدم (عليه السلام): «و عليك السلام يا خليلي، ابتداء سخط أم ابتداء إحسان و غفران؟» قال جبرئيل: بل ابتداء رحمة و غفران- يا آدم- لقد أبكيت أهل السماوات و الأرضين، فدونك هذه الكلمات، فإنها كلمات التوبة و الرحمة و الغفران.

قيل: هذه الكلمات التي قالها يونس (عليه السلام) في ظلمات ثلاث:

__________________________________________________

(1) في المصدر: يومئذ. [.....]

(2) في المصدر: أنا الله الرحمن الرحيم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 360

لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «1». و قال عبد الله بن عمرو بن العاص «2»: كان قوله: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ «3» و قيل: كان قوله: سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا و ظلمت نفسي، فتب علي يا خير التوابين، قال: فهذه الكلمات التي قالها الله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ «4» قال: فلما قالها آدم (عليه السلام) في سجوده نشر صوته «5» في الآفاق، فجعلت الأرض و الجبال و البحار و الأشجار و الأطيار، يقولون له: يا آدم، قرت عيناك، و هناك في توبتك.

ثم أمر الله تعالى أن يبعث هذه الكلمات إلى حواء، فذكرها آدم (عليه السلام) فحملتها الريح إلى حواء فلما سمعتها استبشرت، و قالت: هذه كلمات و لغات لم أسمعهن قط و قد جعلهن توبة و

رحمة، و هو أرحم الراحمين.

قال: فتكلمت بها و سجدت، و كانت توبتها، فلما فرغت من الكلمات، قال لها جبرئيل: ارفعي رأسك، فرفعته، فإذا لها حجاب من نور، و فتحت لها أبواب السماوات، و نودي لها بالتوبة و الغفران.

و قيل له: يا آدم، إن الله قبل توبتك. ثم ذهب ليقوم يمشي فلم يقدر، لأن رجليه رسخت في الأرض كعروق الشجر، حتى اقتلعه جبرئيل (عليه السلام) كاقتلاع العرق، فصاح آدم (عليه السلام) من الألم الذي داخله، و قال: «ما ذا تفعل الخطيئة!». فنظرت إليه الملائكة، و قد تغير لونه، و نحل جسمه، و ذهب نوره و بهاؤه، و قد حفرت الدموع في وجنتيه نهرين، فقالت الملائكة: يا آدم، ما الذي نزل بك من تغير الحال بعد الزينة و الحسن و الجمال، أين نور الجنان؟ أين لباس الرضوان؟ قال آدم: «هذا الذي وعدني فيه ربي، حين قال: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى «6»». فقال جبرئيل (عليه السلام) للملائكة، كفوا عن آدم، و لا تعيروه بخطيئته، و لا توبخوه بذنبه، فقد محيت خطيئته، و غفر ذنبه. فعند ذلك استغفرت له الملائكة، فضرب جبرئيل بجناح الرحمة، فانفجرت عين ماء أشد رائحة من المسك، فاغتسل آدم (عليه السلام) بذلك الماء، و هو يقول: «اللهم طهرتني من خطيئتي، و أخرجتني من كربي». فكساه حلتين من سندس الجنة.

و بعث الله ميكائيل إلى حواء، فبشرها و كساها، فلما عرفت قبول توبتها، انطلقت إلى الساحل و اغتسلت، و هي تبكي شوقا إلى آدم (عليه السلام)، فكل قطرة سقطت من دموعها في البحر انقلبت لؤلؤة و مرجانة و دررا و يواقيت، فانصرفت إلى موضعها تنتظر

قدوم آدم (عليه السلام)، فجعل آدم (عليه السلام) يسأل جبرئيل (عليه السلام) عن

__________________________________________________

(1) الأنبياء 21: 87.

(2) هو عبد اللّه بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، صحابي، كان يكنّى أبا محمّد، و قيل: أبو عبد الرحمن، أسلم قبل أبيه، و شهد صفين مع معاوية، و ولاه معاوية الكوفة لفترة قصيرة، و مات سنة خمس و ستّين عن اثنتين و سبعين سنة. «طبقات ابن سعد 4: 261، الإصابة 2: 351، حيلة الأولياء 1: 283».

(3) الأعراف 7: 23.

(4) البقرة 2: 37.

(5) في «ط» و المصدر: دعوته.

(6) طه 20: 118 و 119.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 361

حواء، فأخبره أن الله تعالى قد قبل توبتها، و بشره بأن الله تعالى يجمع بينهما في أشرف «1» البقاع و أكرم الأعياد، و أعلمه أن الله تعالى أمره أن يبني له بيتا فيطوف به و يسعى، و يؤدي صلاته فيه، كما رأى الملائكة يفعلون حول البيت المعمور، و أنه سيعرض عليه إبليس هناك فيرجمه كما رجمته الملائكة حين امتنع من السجود، فعند ذلك ضحك آدم (عليه السلام)، و وثب قائما، و كان رأسه في الهواء، فأمر الله تعالى الملائكة و الحيوانات حتى النمل و الجراد و البعوض أن يهنئوه بالتوبة، ففعلوا ذلك، و أمر الله تعالى جبرئيل (عليه السلام) أن يضع قدمه على رأس آدم من طوله، فاغتم آدم (عليه السلام) من ذلك، لما فاته من تسبيح الملائكة. فقال له الأمين جبرئيل: لا يغمك ذلك، فإن الله تعالى يفعل ما يريد. فأمره ببناء بيت يشبه البيت المعمور بحذائه، ليطوف به هو و أولاده كما تطوف الملائكة حول البيت المعمور، و هو في السماء الرابعة بحذاء الكعبة

و بقدرها.

ثم سار جبرئيل مع آدم (عليه السلام) إلى موضع البيت، و كان كلما وضع قدمه في موضع، صار ذلك المكان عمارة، و بين الخطوتين مفازة، إلى أن وصل مكة فبناها، و هي أول قرية بنيت، و أول بيت بني، فأوحى الله إليه: «يا آدم، ابن لي الآن بيتا الذي وضعته في الأرض قبل أن تخلق بألف عام، و قد أمرت الملائكة أن تعينك على بنائه، فإذا بنيته فطف حوله و سبحني، و اذكرني، و قد سني، و لا تجزع على زوجتك حواء، فإني سأجمع بينكما في مشاعر بيتي، و أجعل هذا البيت القبلة الكبرى، قبلة للنبي محمد، فحسبك- يا آدم- بمحمد شرفا، و قد علمت- يا آدم- ما بقلبك من حواء، و ما بقلبها منك من المحبة و الوداد، فإذا رأيتها فكن بها لطيفا، فإني جعلتها أم النبيين».

قال: فخر آدم ساجدا لربه، و هو يقول: حسبي ربي ما أوحيت إلي من فضائل هذا البيت و مناسكه. فبناه آدم و ساعدته الملائكة، فلما تم بناؤه، علمه جبرئيل (عليه السلام) جميع المناسك، و جمع الله تعالى بين آدم (عليه السلام) و حواء على جبل عرفات، فتعارفا فيه، و ذلك يوم الجمعة، و الحمد لله رب العالمين.

5847/ [11]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن القاسم- المفسر المعروف بأبي الحسن الجرجاني (رضي الله عنه)- قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه علي ابن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام)، و ذكر الحديث، قالا: فقلنا له:

فعلى هذا لم يكن إبليس لعنه الله أيضا ملكا؟

فقال: لا، بل كان من الجن، أما تسمعان الله تعالى يقول: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ «2» فأخبر عز و جل أنه كان من الجن، و هو الذي قال الله تعالى: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ».

5848/ [12]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ.

__________________________________________________

11- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 266/ 1.

12- تفسير القمّي 1: 375.

(1) في المصدر: أبرك.

(2) الكهف 18: 50.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 362

قال: هو أبو إبليس، و قال: الجن من ولد الجان، منهم مؤمنون و منهم كافرون و يهود و نصارى، و تختلف أديانهم، و الشياطين من ولد إبليس، و ليس فيهم مؤمن إلا واحد اسمه هام بن هيم بن لا قيس بن إبليس، جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فرآه جسيما عظيما و امرءا مهولا، فقال له: «من أنت؟» قال: أنا هام بن هيم بن لا قيس بن إبليس، قد كنت يوم قتل قابيل هابيل غلاما ابن أعوام أنهى عن الاعتصام، و آمر بإفساد الطعام. فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): «بئس- لعمري- الشاب المؤمل، و الكهل المؤمر» «1». فقال: دع عنك هذا- يا محمد- فقد جرت توبتي على يد نوح، و لقد كنت معه في السفينة، فعاتبته على دعائه على قومه، و لقد كنت مع إبراهيم حيث ألقي في النار، فجعلها الله عليه بردا و سلاما، و لقد كنت مع موسى حين أغرق الله فرعون، و نجى بني إسرائيل، و لقد كنت مع هود حين

دعا على قومه فعاتبته، و لقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه، و لقد قرأت الكتب كلها، فكلها تبشرني بك، و الأنبياء يقرءونك السلام، و يقولون: أنت أفضل الأنبياء و أكرمهم، فعلمني مما أنزل الله عليك شيئا. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «علمه». فقال هام: يا محمد، إنا لا نطيع إلا نبيا أو وصي نبي، فمن هذا؟ قال: «هذا أخي و وصيي و وزيري و وارثي علي بن أبي طالب». قال نعم، نجدا اسمه في الكتب: إليا، فعلمه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما كانت ليلة الهرير بصفين، جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).

قلت: حديث الهام بن الهيم بن لا قيس بن إبليس متكرر في الكتب رواه الصفار في (البصائر) «2»: عن الصادق (عليه السلام)، و رواه غيره أيضا، ليس هذا موضع ذكره.

5849/ [13]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الأحول، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الروح التي في آدم (عليه السلام) في قوله: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي. قال: «هذه روح مخلوقة، و الروح التي في عيسى (عليه السلام) مخلوقة».

5850/ [14]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة، عن حمران، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ رُوحٌ مِنْهُ «3». قال: «هي روح الله مخلوقة، خلقها الله في آدم و عيسى (عليهما السلام)».

5851/ [15]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن

القاسم بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي

__________________________________________________

13- الكافي 1: 103/ 1.

14- الكافي 1: 103/ 2.

15- الكافي 1: 103/ 3. [.....]

(1) قال المجلسي (رحمه الله): المؤمل، على بناء المفعول، أي بئس حالك عند شبابك حيث كانوا يأملون منك الخير، و في حال كونك كهلا حيث أمروك عليهم. «بحار الأنوار 27: 14».

(2) بصائر الدرجات: 118/ 8.

(3) النساء 4: 171.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 363

كيف هذا النفخ؟

فقال: «إن الروح متحرك كالريح، و إنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح، و إنما أخرجه على لفظ «1» الريح لأن الأرواح مجانسة للريح، و إنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح، كما قال لبيت من البيوت:

بيتي و لرسول من الرسل: رسولي «2» و أشباه ذلك، و كل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر».

5852/ [16]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن بحر، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يروون: أن الله تعالى خلق آدم (عليه السلام) على صورته! فقال: «هي صورة محدثة مخلوقة، اصطفاها الله و اختارها على سائر الصور المختلفة، و فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه، و الروح إلى نفسه، فقال: بيتي، و نفخت فيه من روحي».

5853/ [17]- ابن بابويه، قال: حدثنا حمزة بن محمد العلوي (رحمه الله)، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم، قال: سألت

أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.

قال: «روح اختاره الله و اصطفاه و خلقه، و أضافه إلى نفسه، و فضله على جميع الأرواح، فأمر فنفخ منه في آدم (عليه السلام)».

5854/ [18]- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن الحلبي و زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك و تعالى أحد صمد، ليس له جوف، و إنما الروح خلق من خلقه، نصر و تأييد و قوة، يجعله الله في قلوب الرسل و المؤمنين».

5855/ [19]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي جعفر الأصم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الروح التي في آدم (عليه السلام) و التي في عيسى (عليه السلام)، ما هما؟

قال: «روحان مخلوقان، اختارهما الله و اصطفاهما، روح آدم و روح عيسى (صلوات الله عليهما)».

5856/ [20]- و عنه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن

__________________________________________________

16- الكافي 1: 104/ 4.

17- التوحيد: 170/ 1.

18- التوحيد: 171/ 2.

19- التوحيد: 171/ 4.

20- التوحيد 172/ 5.

(1) في المصدر: عن لفظة.

(2) في المصدر: خليلي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 364

أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.

قال: «من قدرتي».

5857/ [21]- و

عنه، قال: حدثنا محمد بن أحمد السناني، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، و علي بن أحمد بن محمد بن عمران (رضي الله عنه)، قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.

قال: «إن الله عز و جل خلق خلقا و خلق روحا، ثم أمر ملكا فنفخ فيه، و ليست بالتي نقصت «1» من قدرة الله شيئا، هي من قدرته».

5858/ [22]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ، قال: «روح خلقها الله فنفخ في آدم منها».

5859/ [23]- عن محمد بن اورمة، عن أبي جعفر الأحول، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الروح التي في آدم (عليه السلام) في قوله: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.

قال: «هذه روح مخلوقة لله، و الروح التي في عيسى بن مريم (عليهما السلام) مخلوقة لله».

5860/ [24]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.

قال: «خلق خلقا و خلق روحا، ثم أمر الملك فنفخ فيه، و ليست بالتي نقصت من الله شيئا، هي من قدرته تبارك و تعالى».

5861/ [25]- و في رواية سماعة، عنه (عليه السلام): «خلق آدم فنفخ فيه». و سألته عن الروح، قال: «هي من قدرته من الملكوت».

سورة الحجر(15): الآيات 36 الي 38 ..... ص : 364

قوله تعالى:

قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ

الْمُنْظَرِينَ

__________________________________________________

21- التوحيد: 172/ 6.

22- تفسير العيّاشي 2: 241/ 8.

23- تفسير العيّاشي 2: 241/ 9.

24- تفسير العيّاشي 2: 241/ 10. [.....]

25- تفسير العيّاشي 2: 241/ 11.

(1) في «ط»: انقضت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 365

إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [36- 38]

5862/ [1]- ابن بابويه، قال: أخبرنا علي بن حبشي بن قوني (رحمه الله) فيما كتب إلي، قال: حدثنا حميد بن زياد، قال: حدثنا القاسم بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن يحيى بن أبي العلاء الرازي: أن رجلا دخل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: جعلت فداك، أخبرني عن قول الله عز و جل لإبليس: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.

قال: «إلى يوم الوقت المعلوم، يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة، فيموت إبليس ما بين النفخة الاولى و الثانية».

5863/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن محمد بن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك و تعالى: فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.

قال: «يوم الوقت المعلوم، يوم يذبحه رسول الله (صلى الله عليه و آله) على الصخرة التي في بيت المقدس».

5864/ [3]- سعد بن عبد الله: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إبليس قال:

أنظرني إلى يوم يبعثون، فأبى الله ذلك عليه، فقال: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم (عليه السلام) إلى يوم

الوقت المعلوم، و هي آخر كرة يكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)».

قلت: و إنها لكرات؟ قال: «نعم، إنها لكرات و كرات، ما من إمام في قرن إلا و يكر في قرنه، و يكر معه البر و الفاجر في دهره، حتى يديل الله عز و جل المؤمن من الكافر، فإذا كان يوم الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين (عليه السلام) في أصحابه، و جاء إبليس في أصحابه، و يكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها (الروحاء) قريبا من كوفتكم، فيقتتلون قتالا لم يقتتل مثله منذ خلق الله عز و جل العالمين، فكأني أنظر إلى أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم، و كأني أنظر إليهم و قد وقعت بعض أرجلهم في الفرات، فعند ذلك يهبط الجبار «1» عز و جل فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ «2» و رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمامه، بيده حربة من نور، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى ناكصا على عقبيه، فيقولون له

__________________________________________________

1- علل الشرائع: 402/ 2.

2- تفسير القمّي 2: 245.

3- مختصر بصائر الدرجات: 26.

(1) تقدّم تأويلها في الحديث (1) من تفسير الآية (210) من سورة البقرة.

(2) البقرة 2: 210.

الȘљǘǙƠفي تفسير القرآن، ج 3، ص: 366

أصحابه: أين تريد و قد ظفرت؟ فيقول: إني أرى مالا ترون، إني أخاف الله رب العالمين، فيلحقه النبي (صلى الله عليه و آله)، فيطعنه طعنة بين كتفيه، فيكون هلاكه و هلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله عز و جل و لا يشرك به شي ء، و يملك أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعا و أربعين ألف سنة، حتى يلد الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ألف ولد

من صلبه ذكر، في كل سنة ذكر، و عند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان، عند مسجد الكوفة و ما حوله بما شاء الله».

5865/ [4]- العياشي: عن أبان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن علي بن الحسين (عليه السلام) إذا أتى الملتزم «1»، قال: اللهم إن عندي أفواجا من ذنوب و أفواجا من خطايا، و عندك أفواجا من رحمة و أفواجا من مغفرة، يا من استجاب لأبغض خلقه إليه إذ قال: فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ استجب لي، و افعل بي كذا و كذا».

5866/ [5]- عن الحسن بن عطية، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن إبليس عبد الله في السماء الرابعة في ركعتين ستة آلاف سنة، و كان من إنظار الله إياه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة».

5867/ [6]- عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول إبليس:

رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قال له وهب: جعلت فداك، أي يوم هو؟

قال: «يا وهب، أ تحسب أنه يوم يبعث الله فيه الناس؟ إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة، و جاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه، فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم».

5868/ [7]- شرف الدين النجفي: بحذف الإسناد، مرفوعا إلى وهب بن جميع، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن إبليس و قوله: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ أي يوم هو؟

قال: «يا وهب، أ تحسب

أنه يوم يبعث الله الناس؟ لا، و لكن الله عز و جل أنظره إلى يوم يبعث قائمنا، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم».

5869/ [8]- (تحفة الإخوان): بحذف الإسناد، عن محمد بن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله جعفر بن

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 241/ 12.

5- تفسير العيّاشي 2: 241/ 13.

6- تفسير العيّاشي 2: 242/ 14.

7- تأويل الآيات 2: 509/ 12.

8- تحفة الإخوان: 77. «مخطوط».

(1) الملتزم: هو ما بين الحجر الأسود و الساب، من الكعبة المعظمة بمكة، و يقال له: المدعى و المتعوذ. «مراصد الاطلاع 3: 1305».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 367

محمد (عليهما السلام) قال: «يوم الوقت المعلوم، يوم يذبحه رسول الله (صلى الله عليه و آله) «1» على الصخرة التي في بيت المقدس».

5870/ [9]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في حديث طويل- قال فيه: «و من سلم الأمور لمالكها، لم يستكبره عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم (عليه السلام)، و استكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل، فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام، لم يرد بها غير زخرف الدنيا، و التمكين من النظرة. فلذلك لا تنفع الصلاة و الصيام «2» إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة و طريق الحق، و قد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته و إرسال رسله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، و لم يخل أرضه من عالم تحتاج الخليقة إليه، و متعلم على سبيل نجاة، أولئك هم الأقلون عددا».

سورة الحجر(15): الآيات 41 الي 42 ..... ص : 367

قوله تعالى:

قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [41- 42]

5871/ [1]-

محمد بن يعقوب: عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «هذا صراط علي مستقيم».

5872/ [2]- سعد بن عبد الله، قال: حدثنا موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، عن علي بن أسباط، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل: قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، قال: «هو- و الله- علي (عليه السلام)، هو- و الله- الميزان و الصراط المستقيم».

5873/ [3]- أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان، في (مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) المائة) قال: الخامس و الثمانون: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام)، قال: «قام عمر بن الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال: إنك لا تزال تقول لعلي بن أبي طالب: أنت مني بمنزلة هارون من موسى و قد ذكر الله هارون في القرآن و لم يذكر عليا؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله): يا غليظ، يا أعرابي، إنك

__________________________________________________

9- الاحتجاج: 247. [.....]

1- الكافي 1: 351/ 63.

2- مختصر بصائر الدرجات: 68.

3- مائة منقبة: 160/ 85.

(1) زاد في المصدر: بيده الشريفة.

(2) في «ط» و المصدر: و الصدقة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 368

ما تسمع الله يقول: هذا صراط علي مستقيم».

5874/ [4]- العياشي: عن أبي جميلة، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أخيه جعفر الصادق (عليه السلام)، عن قوله:

هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، قال: «هو أمير المؤمنين (عليه السلام)».

5875/ [5]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: أ رأيت قول الله: إِنَّ عِبادِي

لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ما تفسير هذا؟ قال: «قال الله: إنك لا تملك أن تدخلهم جنة و لا نارا».

5876/ [6]- عن علي بن النعمان، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، قال: «ليس على هذه العصابة خاصة سلطان».

قال: قلت و كيف- جعلت فداك- و فيهم ما فيهم؟ قال: «ليس حيث تذهب، إنما قوله: لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أن يجيب إليهم الكفر و يبغض إليهم الإيمان».

5877/ [7]- عن أبي بصير، قال: سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) و هو يقول: «نحن أهل بيت الرحمة و بيت النعمة و بيت البركة، و نحن في الأرض بنيان، و شيعتنا عرى الإسلام، و ما كانت دعوة إبراهيم (عليه السلام) إلا لنا و لشيعتنا، و لقد استثنى الله إلى يوم القيامة على إبليس، فقال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ».

5878/ [8]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، إذ دخل عليه أبو بصير و قد حفزه «1» النفس، فلما أخذ مجلسه، قال له أبو عبد الله (عليه السلام): «يا أبا محمد، ما هذا النفس العالي؟» و ذكر الحديث إلى أن قال: قال: «يا أبا محمد، لقد ذكركم الله عز و جل في كتابه، فقال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ و الله، ما أراد بهذا إلا الائمة (عليهم السلام) و شيعتهم».

و روى هذا الحديث ابن بابويه في (فضائل الشيعة» «2».

5879/ [9]- ابن بابويه: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن علي بن

النعمان، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قال: «ليس له على هذه العصابة خاصة سلطان».

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 242/ 15.

5- تفسير العيّاشي 2: 242/ 16.

6- تفسير العيّاشي 2: 242/ 17.

7- تفسير العيّاشي 2: 243/ 18.

8- الكافي 8: 33/ 6.

9- معاني الأخبار: 158.

(1) الحفز: الحث و الإعجال. «لسان العرب- حفز- 5: 337».

(2) فضائل الشيعة: 62/ 18.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 369

قال: قلت: و كيف- جعلت فداك- و فيهم ما فيهم؟ قال: «ليس حيث تذهب، إنما قوله: لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أن يحبب لهم الكفر، و يبغض لهم الإيمان».

سورة الحجر(15): الآيات 43 الي 44 ..... ص : 369

قوله تعالى:

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [43- 44]

5880/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثني محمد بن عبد الله، قال: حدثني علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن الفضيل الزرقي، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: «للنار سبعة أبواب: باب يدخل منه فرعون و هامان و قارون، و باب يدخل منه المشركون و الكفار ممن لم يؤمن بالله طرفة عين، و باب يدخل منه بنو امية، هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد، و هو باب لظى، و هو باب سقر، و هو باب الهاوية، تهوي بهم سبعين خريفا، فكلما فارت بهم فورة، قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا «1»، فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلدين، و باب يدخل منه مبغضونا و محاربونا و خاذلونا، و

إنه لأعظم الأبواب و أشدها حرا».

قال محمد بن الفضيل الزرقي: فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الباب الذي ذكرته- عن أبيك عن جدك (عليهما السلام)- أنه يدخل منه بنو امية، يدخل منه من مات منهم على الشرك، أو من أدرك منهم الإسلام؟ فقال:

«لا ام لك، ألم تسمعه يقول: و باب يدخل منه المشركون و الكفار، فهذا الباب يدخل منه كل مشرك و كل كافر لا يؤمن بيوم الحساب، و هذا الباب الآخر يدخل منه بنو امية لأنه هو لأبي سفيان و معاوية و آل مروان خاصة، يدخلون من ذلك الباب، فتحطبهم النار حطبا «2»، لا تسمع لهم فيها واعية، و لا يحيون فيها و لا يموتون».

5881/ [2]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال:

حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن الفضيل الزرقي، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام)، قال: «إن للجنة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النبيون و الصديقون، و باب يدخل منه الشهداء و الصالحون، و خمسة أبواب يدخل منها شيعتنا و محبونا، فلا أزال واقفا على الصراط أدعو و أقول: رب سلم شيعتي و محبي و أنصاري، و من تولاني في دار

__________________________________________________

1- الخصال: 361/ 51. [.....]

2- الخصال: 407/ 6.

(1) في المصدر زيادة: ثمّ تهوي بهم كذلك سبعين خريفا.

(2) في المصدر: فتحطمهم النار حطما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 370

الدنيا فإذا النداء من بطنان العرش: قد أجبت دعوتك، و شفعتك في شيعتك و يشفع كل رجل من شيعتي، و من

تولاني و نصرني، و حارب من حاربني بفعل أو قول، في سبعين ألفا من جيرانه و أقربائه. و باب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله، و لم يكن في قلبه مثقال «1» ذرة من بغضنا أهل البيت».

5882/ [3]- العياشي: عن أبي بصير، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: «يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب: بابها الأول للظالم و هو زريق، و بابها الثاني لحبتر، و الباب الثالث للثالث، و الرابع لمعاوية، و الباب الخامس لعبد الملك، و الباب السادس لعسكر بن هوسر، و الباب السابع لأبي سلامة، فهم أبواب لمن تبعهم».

5883/ [4]- عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سأله رجل، عن الجزء و جزء الشي ء.

فقال: «من سبعة»، إن الله يقول: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ».

5884/ [5]- عن إسماعيل بن همام الكوفي، قال: قال الرضا (عليه السلام) في رجل أوصى بجزء من ماله. فقال:

«جزء من سبعة، إن الله يقول في كتابه: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ».

5885/ [6]- علي بن إبراهيم، في معنى الآية قال: يدخل في كل باب أهل مذهب «2»، و للجنة ثمانية أبواب.

5886/ [7]- ثم قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ «فوقوفهم على الصراط».

و أما: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ فبلغني- و الله أعلم- أن الله جعلها سبع درجات، أعلاها الجحيم، يقوم أهلها على الصفا منها، تغلي أدمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها.

و الثانية: لظى: نَزَّاعَةً لِلشَّوى تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى «3».

و الثالثة: سقر لا تُبْقِي

وَ لا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ «4».

و الرابعة: الحطمة تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ «5» تذر كل من صار إليها مثل الكحل، فلا تموت الروح، كلما صاروا مثل الكحل عادوا.

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 243/ 19.

4- تفسير العيّاشي 2: 243/ 20.

5- تفسير العيّاشي 2: 244/ 21.

6- تفسير القمّي 1: 376.

7- تفسير القمّي 1: 376.

(1) في المصدر: مقدار.

(2) في المصدر: ملّة.

(3) المعارج 70: 16- 18.

(4) المدثر 74: 28- 30.

(5) المرسلات 77: 32 و 33.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 371

و الخامسة: الهاوية، فيها مالك، و يدعون: يا مالك، أغثنا فإذا أغاثهم جعل لهم آنية «1» من صفر من نار، فيها صديد: ماء يسيل من جلودهم- كأنه مهل «2»، فإذا رفعوه ليشربوا منه، تساقط لحم وجوههم فيها من شدة حرها، و هو قول الله: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً «3» و من هوى فيها هوى سبعين عاما في النار، كلما احترق جلده، بدل جلدا غيره.

و السادسة: السعير، فيها ثلاثمائة سرادق من نار، في كل سرادق ثلاثمائة قصر، ثلاثمائة بيت من نار، في كل بيت ثلاثمائة لون من عذاب النار، فيها حيات من نار، و جوامع من نار، و عقارب من نار، و سلاسل من نار، و أغلال من نار، و هو الذي يقول الله تعالى: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَ أَغْلالًا وَ سَعِيراً «4».

و السابعة: جهنم، و فيها الفلق، و هو جب في جهنم، إذا فتح أسعر النار سعرا، و هو أشد النار عذابا و أما صعود، فجبل من صفر من نار وسط جهنم و أما أثام، فهو واد من صفر مذاب، يجري حول الجبل، فهو أشد

النار عذابا.

5887/ [8]- ابن طاوس في (الدروع الواقية)، قال: في كتاب (زهد النبي (صلى الله عليه و آله)) لأبي محمد جعفر بن أحمد القمي، قال: إنه لما نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه و آله) وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ بكى النبي (صلى الله عليه و آله) بكاء شديدا، و بكى أصحابه لبكائه، فلم يدروا ما نزل به جبرئيل (عليه السلام)، و لم يستطع أحد من أصحابه أن يكلمه. و كان النبي (صلى الله عليه و آله) إذا رأى فاطمة (عليها السلام) فرح بها، فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها، فوجد بين يديها شعيرا و هي تطحن فيه، و تقول: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى «5» فسلم عليها، و أخبرها بخبر النبي (صلى الله عليه و آله) و بكائه، فنهضت و التفت بشملة «6» لها خلق «7»، قد خيطت في اثني عشر مكانا بسعف النخل. فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة و بكى، و قال: وا حزناه، إن قيصر و كسرى في الحرير و السندس، و ابنة محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليها شملة صوف خلق قد خيطت في اثني عشر مكانا! فلما دخلت فاطمة (عليها السلام) على النبي (صلى الله عليه و آله)، قالت: «يا رسول الله، إن سلمان تعجب من لباسي، فو الذي بعثك بالحق نبيا، ما لي و لعلي منذ خمس سنين إلا مسك «8» كبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل

__________________________________________________

8- الدروع الواقية: 58 «مخطوط». [.....]

(1) في «س» و «ط»: نسخة بدل: أكنّة.

(2) المهل: ما ذاب من صفر أو حديد، و ضرب من القطران.

«لسان العرب- مهل- 11: 633».

(3) الكهف 18: 29.

(4) الإنسان 76: 4.

(5) القصص 28: 60.

(6) الشّملة: كساء من صوف أو شعر. «المعجم الوسيط- شمل- 1: 495».

(7) الخلق: البالي من الثياب و الجلد و غيرهما. «المعجم الوسيط- خلق- 1: 252».

(8) المسك: الجلد. «المعجم الوسيط- مسك- 2: 869».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 372

افترشناه، و إن مرفقتنا «1» لمن أدم حشوها ليف». فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «يا سلمان، إن ابنتي لفي الخيل السبق».

ثم قالت: «يا أبت- فدتك نفسي- ما الذي أبكاك؟». فذكر لها ما نزل به جبرئيل (عليه السلام) من الآيتين المتقدمتين. قال: فسقطت فاطمة (عليها السلام) على وجهها، و هي تقول: «الويل ثم الويل لمن دخل النار». فسمع سلمان، فقال: يا ليتني كنت كبشا لأهلي، فأكلوا لحمي و مزقوا جلدي، و لم أسمع بذكر النار.

و قال أبو ذر: يا ليت امي كانت عاقرا و لم تلدني، و لم أسمع بذكر النار، و قال عمار: يا ليتني كنت طائرا أطير في القفار، و لم يكن علي حساب و لا عقاب، و لم أسمع بذكر النار.

و قال علي (عليه السلام): «يا ليت السباع مزقت «2» لحمي، و ليت امي لم تلدني، و لم أسمع بذكر النار» ثم وضع علي (عليه السلام) يده على رأسه و جعل يبكي، و يقول: وا بعد سفراه، وا قلة زاداه، في سفر القيامة يذهبون، و في النار يترددون، و بكلاليب النار يتخطفون، مرضى لا يعاد سقيمهم، و جرحى لا يداوى جريحهم، و أسرى لا يفك أسيرهم. من النار يأكلون، و منها يشربون، و بين أطباقها يتقلبون، و بعد لبس القطن و الكتان مقطعات النيران يلبسون، و بعد معانقة الأزواج مع الشياطين

مقرنون».

سورة الحجر(15): آية 47 ..... ص : 372

قوله تعالى:

وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [47] 5888/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: العداوة.

5889/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه أبو بصير- و ذكر حديثا- قال له: «يا أبا محمد، لقد ذكركم الله في كتابه، فقال: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ و الله، ما أراد بهذا غيركم».

و رواه ابن بابويه في كتاب (فضائل الشيعة) «3».

5890/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «خرجت أنا و أبي، حتى إذا كنا بين القبر و المنبر، إذا هو بأناس من الشيعة، فسلم عليهم،

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 377.

2- الكافي 8: 35.

3- الكافي 8: 212/ 259.

(1) المرفقة: المتّكأ و المخدّة. «أقرب الموارد- رفق- 1: 420».

(2) في «ط» و المصدر: فرّقت.

(3) فضائل الشيعة: 61/ 18. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 373

ثم قال: إني- و الله- لأحب أرياحكم و أرواحكم، فأعينوني على ذلك بورع و اجتهاد، و اعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع و الاجتهاد. و من ائتم منكم بعبد فليعمل بعمله، أنتم شيعة الله، و أنتم أنصار الله، و أنتم السابقون الأولون، و السابقون الآخرون، و السابقون في الدنيا، و السابقون في الآخرة إلى الجنة، قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله عز و جل، و ضمان رسول الله (صلى الله عليه و آله).

و الله، ما على درجة الجنة أكثر أرواحا منكم، فتنافسوا في فضائل الدرجات، أنتم الطيبون، و نساؤكم الطيبات، كل

مؤمنة حوراء عيناء، و كل مؤمن صديق، و لقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لقنبر: يا قنبر، أبشر و بشر و استبشر، فو الله لقد مات رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هو على أمته ساخط إلا الشيعة.

ألا و إن لكل شي ء عزا، و عز الإسلام الشيعة، ألا و إن لكل شي ء دعامة، و دعامة الإسلام الشيعة، ألا و إن لكل شي ء ذروة، و ذروة الإسلام الشيعة،. لا و إن لكل شي ء شرفا، و شرف الإسلام الشيعة، ألا و إن لكل شي ء سيدا، و سيد المجالس مجلس الشيعة، ألا و إن لكل شي ء إماما، و إمام الأرض أرض تسكنها الشيعة. و الله، لولا ما في الأرض منكم، ما رأيت بعين عشبا أبدا. و الله، لو لا ما في الأرض منكم، ما أنعم الله على أهل خلافكم، و لا أصابوا الطيبات، ما لهم في الدنيا و لا لهم في الآخرة من نصيب، كل ناصب و إن تعبد و اجتهد منسوب إلى هذه الآية عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً «1» فكل ناصب مجتهد فعمله هباء، شيعتنا ينطقون بنور «2» الله عز و جل، و من يخالفهم ينطقون بتفلت «3».

و الله، ما عن عبد من شيعتنا ينام إلا أصعد الله عز و جل روحه إلى السماء، فيبارك عليها، فإن كان قد أتى عليها أجلها، جعلها في كنوز من رحمته، و في رياض جنته، و في ظل عرشه، و إن كان أجلها متأخرا بعث بها مع أمنته من الملائكة، ليردوها إلى الجسد الذي خرجت منه، لتسكن فيه- و الله- إن حاجكم و عماركم لخاصة الله عز و جل، و إن فقراءكم لأهل الغنى، و إن أغنياءكم لأهل

القناعة، و إنكم كلكم لأهل دعوته، و أهل إجابته».

5891/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله، و زاد فيه: «ألا و أن لكل شي ء جواهرا، و جوهر ولد آدم محمد (صلى الله عليه و آله)، و نحن، و شيعتنا بعدنا. حبذا شيعتنا ما أقربهم من عرش الله عز و جل و أحسن صنع الله إليهم يوم القيامة.

و الله- لولا أن يتعاظم الناس ذلك أو يدخلهم زهو، لسلمت عليهم الملائكة قبلا. و الله ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائما إلا و له بكل حرف مائة حسنة، و لا قرأ في صلاته جالسا إلا و له بكل حرف خمسون حسنة، و لا في غير صلاة إلا و له بكل حرف عشر حسنات، و إن للصامت من شيعتنا لأجر من قرأ القرآن ممن

__________________________________________________

4- الكافي 8: 214/ 260.

(1) الغاشية 88: 3 و 4.

(2) في «ط»: بأمر.

(3) في «ط»: بتغلّب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 374

خالفه. أنتم- و الله- على فرشكم نيام، لكم أجر المجاهدين، و أنتم- و الله- في صلاتكم لكم أجر الصافين في سبيله، و أنتم- و الله- الذين قال الله عز و جل: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ إنما شيعتنا أصحاب الأربعة أعين عينين في الرأس، و عينين في القلب، ألا و الخلائق كلهم كذلك، ألا إن الله عز و جل فتح أبصاركم، و أعمى أبصارهم».

5892/ [5]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد

الله (عليه السلام) في قوله: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ.

قال: «و الله ما عنى غيركم».

5893/ [6]- عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «أنتم- و الله- الذين قال الله: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ إنما شيعتنا أصحاب الأربعة أعين: عينين في الرأس، و عينين في القلب، ألا و الخلائق كلهم كذلك، إلا أن الله فتح أبصاركم و أعمى أبصارهم».

5894/ [7]- عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس منكم رجل و لا امرأة إلا و ملائكة الله يأتونه بالسلام، و أنتم الذين قال الله: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ».

5895/ [8]- و من طريق المخالفين، ما نقله أبو نعيم الحافظ، عن رجاله، عن أبي هريرة، قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): «يا رسول الله، أيما أحب إليك، أنا أم فاطمة؟ قال: فاطمة أحب إلي منك، و أنت أعز علي منها.

و قال: و كأني بك و أنت على حوضي تذود عنه الناس، و إن عليه أباريق عدد نجوم السماء، و إني و أنت و الحسن و الحسين و حمزة و جعفر في الجنة: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ و أنت معي و شيعتك، ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه و آله): وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ لا ينظر أحدكم في قفا صاحبه».

5896/ [9]- أحمد بن حنبل في (مسنده): يرفعه إلى زيد بن أبي أوفى، قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مسجده، فذكر قصة مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه و آله) بين

أصحابه، فقال علي (عليه السلام) له- يعني لرسول الله (صلى الله عليه و آله):: «لقد ذهبت روحي و انقطع ظهري حين رأيتك فعلت، بأصحابك ما فعلت، غيري، فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبى و الكرامة». فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «و الذي بعثني بالحق نبيا، ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، و أنت أخي و وارثي».

قال: «و ما أرث منك يا رسول الله؟» قال: «ما أورث الأنبياء قبلي». قال: «ما أورث الأنبياء قبلك؟» قال: «كتاب الله و سنة نبيهم و أنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، و أنت أخي و رفيقي» ثم تلا رسول

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 244/ 22.

6- تفسير العيّاشي 2: 244/ 23.

7- تفسير العيّاشي 2: 244/ 24.

8- ... مجمع الزوائد 9: 173.

9- ... فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2: 638/ 1085، فرائد السمطين 1: 115/ 80 و 1: 121/ 83، ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر 1: 123/ 138.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 375

الله (صلى الله عليه و آله): إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ، «المتحابون في الله ينظر بعضهم إلى بعض».

5897/ [10]- ابن المغازلي الشافعي في (المناقب) يرفعه إلى زيد بن أرقم، قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: «إني مؤاخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة». ثم قال لعلي: «أنت أخي و رفيقي». ثم تلا هذه الآية إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ «الأخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض».

سورة الحجر(15): الآيات 48 الي 72 ..... ص : 375

قوله تعالى:

لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ- إلى قوله تعالى- لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [48-

72] 5898/ [1]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى: لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ أي تعب و عناء قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أي أخبرهم أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ فقد كتبنا خبرهم في سورة هود (عليه السلام) «1» و نزيد هنا من طريق العياشي «2».

5899/ [2]- علي بن إبراهيم: و قوله تعالى: وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أي أعلمناه أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ يعني قوم لوط مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ و قوله: لَعَمْرُكَ أي و حياتك يا محمد إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فهذه فضيلة لرسول الله (صلى الله عليه و آله) على الأنبياء.

5900/ [3]- العياشي: عن محمد بن القاسم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن سارة قالت لإبراهيم (عليه السلام):

قد كبرت، فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا فتقر أعيننا، فإن الله قد اتخذك خليلا، و هو مجيب دعوتك إن شاء الله، فسأل إبراهيم (عليه السلام) ربه أن يرزقه غلاما عليما «3». فأوحى الله إليه: أني واهب لك غلاما حليما، ثم أبلوك فيه بالطاعة لي- قال أبو عبد الله (عليه السلام):- فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين، ثم جاءته البشارة من الله بإسماعيل مرة اخرى بعد ثلاث سنين».

__________________________________________________

10- ... العمدة لابن بطريق: 170/ 263، تحفة الأبرار: 87.

1- تفسير القمّي 1: 377.

2- تفسير القمّي 1: 377.

3- تفسير العيّاشي 2: 244/ 25.

(1) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآيات (69- 83) من سورة هود. [.....]

(2) الحديث (3، 4) من تفسير هذه الآيات.

(3) في المصدر: حليما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 376

5901/ [4]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أصلحك الله، أ كان رسول الله (صلى الله

عليه و آله) يتعوذ من البخل؟ قال: «نعم- يا أبا محمد- في كل صباح و مساء، و نحن نعوذ بالله من البخل، إن الله يقول في كتابه:

وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1» و سأنبئك عن عاقبة البخل، إن قوم لوط كانوا أهل قرية بخلاء أشحاء على الطعام، فأعقبهم الله داء لا دواء له في فروجهم».

قلت: و ما أعقبهم؟ قال: «إن قرية قوم لوط كانت على طريق السيارة إلى الشام و مصر، فكانت المارة تنزل بهم فيضيفونهم، فلما أن كثر ذلك عليهم، ضاقوا بهم ذرعا و بخلا و لؤما، فدعاهم البخل إلى أن كان إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك، و إنما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتى تنكل النازعة عنهم، فشاع أمرهم في القرى، و حذرتهم المارة، فأورثهم البخل بلاء لا يدفعونه عن أنفسهم، من غير شهوة لهم إلى ذلك «2»، حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد، و يعطونهم عليه الجعل، فأي داء أعدى من البخل، و لا أضر عاقبة، و لا أفحش عند الله».

قال أبو بصير، فقلت له: أصلحك الله، هل كان أهل قرية لوط كلهم هكذا مبتلين؟ قال: «نعم، إلا أهل بيت من المسلمين، أما تسمع لقوله: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ «3»».

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «إن لوطا لبث مع قومه ثلاثين سنة، يدعوهم إلى الله و يحذرهم عقابه- قال- و كانوا قوما لا يتنظفون من الغائط، و لا يتطهرون من الجنابة، و كان لوط و آله يتنظفون من الغائط، و يتطهرون من الجنابة، و كان لوط ابن خالة إبراهيم، و إبراهيم ابن خالة لوط

(عليهما السلام)، و كانت امرأة إبراهيم (عليه السلام) سارة اخت لوط (عليه السلام)، و كان إبراهيم و لوط (عليهما السلام) نبيين مرسلين منذرين، و كان لوط (عليه السلام) رجلا سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به و يحذره قومه- قال- فلما رأى قوم لوط ذلك، قالوا: إنا ننهاك عن العالمين، لا تقر ضيفا نزل بك، فإنك إن فعلت فضحنا ضيفك، و أخزيناك فيه. و كان لوط (عليه السلام) إذا نزل به الضيف كتم أمره، مخافة أن يفضحه قومه، و ذلك أن لوطا (عليه السلام) كان فيهم لا عشيرة له- قال- و إن لوطا و إبراهيم (عليهما السلام) يتوقعان نزول العذاب على قوم لوط، و كانت لإبراهيم و لوط (عليهما السلام) منزلة من الله شريفة، و إن الله تبارك و تعالى كان إذا هم بعذاب قوم لوط، أدركته فيهم مودة إبراهيم (عليه السلام) و خلته، و محبة لوط (عليه السلام)، فيراقبهم فيه فيؤخر عذابهم».

قال أبو جعفر (عليه السلام): «فلما اشتد أسف الله تعالى «4» على قوم لوط و قدر عذابهم و قضاه، أحب أن يعوض إبراهيم (عليه السلام) من عذاب قوم لوط بغلام حليم، فيسلي به مصابه بهلاك قوم لوط، فبعث الله رسلا إلى

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 244/ 26.

(1) الحشر 59: 9، التغابن 64: 16.

(2) في «ط، س» و المصدر: في شهوة بهم إليه. و ما أثبتناه من بحار الأنوار 12: 147/ 1، علل الشرايع: 549/ 4.

(3) الذاريات 51: 35 و 36.

(4) أي غضبه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 377

إبراهيم (عليه السلام) يبشرونه بإسماعيل، فدخلوا عليه ليلا، ففزع منهم، و خاف أن يكونوا سراقا، فلما أن رأته الرسل فزعا وجلا قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ «1»، قالَ

إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» قال أبو جعفر (عليه السلام): «و الغلام العليم هو إسماعيل من هاجر، فقال إبراهيم للرسل: أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ فقال إبراهيم (عليه السلام) للرسل: فَما خَطْبُكُمْ؟ بعد البشارة قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ قوم لوط، إنهم كانوا قوما فاسقين، لننذرهم عذاب رب العالمين، قال أبو جعفر (عليه السلام): «فقال إبراهيم (عليه السلام) للرسل: إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ «2» قال: فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ يقول: من عذاب الله، لتنذر قومك العذاب فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ- يا لوط- إذا مضى من يومك هذا سبعة أيام بلياليها بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ [إذا مضى نصف الليل ] «3» وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ «4».

قال أبو جعفر (عليه السلام): «فقضوا إلى لوط ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ- قال أبو جعفر (عليه السلام)- فلما كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر، قدم الله رسلا إلى إبراهيم (عليه السلام) يبشرونه بإسحاق، و يعزونه بهلاك قوم لوط، و ذلك قول الله في سورة هود: وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ «5» يعني ذكيا مشويا نضيجا فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ «6»- قال أبو جعفر (عليه السلام)- إنما عنى امرأة إبراهيم (عليه السلام) سارة قائمة فبشروها بِإِسْحاقَ وَ

مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إلى قوله: إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «7»».

قال أبو جعفر (عليه السلام): «فلما أن جاءت البشارة بإسحاق ذهب عنه الروع، و أقبل يناجي ربه في قوم لوط، و يسأله كشف العذاب عنهم، قال الله: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ «8» بعد طلوع الشمس من يومك هذا، محتوم غير مردود».

قلت: سيأتي هذا الحديث- إنشاء الله تعالى- مسندا من طريق ابن بابويه، في سورة الذاريات «9».

__________________________________________________

(1) هود 11: 69.

(2) العنكبوت 29: 32.

(3) أثبتناه من علل الشرايع: 549/ 4، و بحار الأنوار 12: 149/ 1.

(4) هود 11: 81.

(5) هود 11: 69.

(6) هود 11: 70 و 71.

(7) هود 11: 71- 73. [.....]

(8) هود 11: 76.

(9) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآيات (24- 47) من سورة الذاريات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 378

5902/ [5]- عن صفوان الجمال، قال: صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) فأطرق، ثم قال: «اللهم لا تقنطني من رحمتك، ثم جهر، فقال: وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ».

سورة الحجر(15): الآيات 75 الي 76 ..... ص : 378

قوله تعالى:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [75- 76]

5903/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن ابن أبي عمير، عن أسباط بياع الزطي، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله رجل عن قول الله عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، قال: فقال: «نحن المتوسمون، و السبيل فينا مقيم».

5904/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن

يحيى بن إبراهيم، قال: حدثني أسباط بن سالم، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل هيت، فقال له: أصلحك الله، ما تقول في قول الله عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، قال: «نحن المتوسمون، و السبيل فينا مقيم».

5905/ [3]- و عنه: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ.

قال: «هم الأئمة (عليهم السلام)، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله عز و جل في قول الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ».

و روى محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات): عن العباس بن معروف، عن حماد بن عيسى، عن ربعي، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله «1».

و رواه أيضا المفيد في (الاختصاص) «2» بالسند و المتن.

5906/ [4]- و عنه: عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الإمام، فوض الله إليه كما فوض إلى

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 247/ 27.

1- في المصدر: 1: 169/ 1.

2- الكافي 1: 170/ 2.

3- الكافي 1: 170/ 3.

4- الكافي 1: 364/ 3.

(1) بصائر الدرجات: 375/ 4.

(2) الاختصاص: 307.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 379

سليمان بن داود؟ فقال: «نعم، و ذلك أن رجلا سأله عن مسألة، فأجابه فيها، و سأله آخر عن تلك المسألة، فأجابه بغير

جواب الأول، ثم سأله آخر عنها، فأجابه بغير جواب الأولين، ثم قال: (هذا عطاؤنا فامنن أو أعط بغير حساب) «1» و هكذا [هي ] في قراءة علي (عليه السلام)».

قال: قلت: أصلحك الله، فحين أجابهم بهذا الجواب، يعرفهم الإمام؟ قال: «سبحان الله، ألم تسمع الله يقول:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ؟ و هم الأئمة، و إنها لبسبيل مقيم لا يخرج منها أبدا- ثم قال- نعم، إن الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه و عرف لونه، و إن سمع كلامه من خلف حائط عرفه و عرف ما هو، إن الله تعالى يقول:

وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ «2» و هم العلماء، فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلا عرفه، ناج أو هالك، فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم».

و روى الصفار هذا الحديث في (بصائر الدرجات): بالإسناد عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في عدة مواضع من الكتاب «3».

5907/ [5]- محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثني سندي بن الربيع، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي ابن رئاب، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ليس مخلوق إلا و بين عينيه مكتوب: مؤمن أو كافر و ذلك محجوب عنكم، و ليس بمحجوب عن الأئمة من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، ثم ليس يدخل عليهم أحد إلا عرفوه مؤمن هو أو كافر» ثم تلا هذه الآية: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ «فهم المتوسمون».

5908/ [6]- عن أحمد بن الحسين، عن أحمد بن إبراهيم، و الحسن بن البراء، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، قال: حججت مع أبي عبد الله

(عليه السلام) فلما صرنا في بعض الطريق صعد على جبل، فأشرف ينظر إلى الناس، فقال: «ما أكثر الضجيج و أقل الحجيج!». فقال له داود الرقي: يا بن رسول الله، هل يستجيب الله دعاء هذا الجمع الذي أرى؟ قال: «ويحك- يا أبا سليمان- إن الله لا يغفر أن يشرك به، إن الجاحد لولاية علي (عليه السلام) كعابد وثن».

قلت: جعلت فداك، هل تعرفون محبيكم و مبغضيكم؟ قال: «ويحك- يا أبا سليمان- إنه ليس من عبد يولد إلا كتب بين عينيه: مؤمن أو كافر [و إن الرجل ليدخل إلينا بولايتنا و بالبراءة من أعدائنا، فنرى مكتوبا بين عينيه:

مؤمن أو كافر قال الله ] عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ نعرف عدونا من ولينا».

5909/ [7]- ابن بابويه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني

__________________________________________________

5- بصائر الدرجات: 374/ 1.

6- بصائر الدرجات: 378/ 15.

7- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 200/ 1.

(1) سورة ص 38: 39 و هي في المصحف الشريف: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

(2) الروم 30: 22. [.....]

(3) بصائر الدرجات: 381/ 1 و 407/ 13.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 380

أحمد بن علي الأنصاري، عن الحسن بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما و عنده علي بن موسى الرضا (عليه السلام) و قد اجتمع الفقهاء، و أهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم، فقال له: يا ابن رسول الله، بأي شي ء تصح الإمامة لمدعيها؟ قال: «بالنص و الدليل».

قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال: «في العلم، و استجابة الدعوة».

قال: فما وجه إخباركم بما يكون؟ قال: «ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله (صلى الله عليه و

آله)».

قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟ قال (عليه السلام) له: «أما بلغك قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله؟». قال: بلى. قال: «فما من مؤمن إلا و له فراسة، ينظر بنور الله على قدر إيمانه، و مبلغ استبصاره و علمه، و قد جمع الله للأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، و قال الله تعالى في كتابه العزيز: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ فأول المتوسمين رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ثم أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده، ثم الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين (عليهم السلام) إلى يوم القيامة».

5910/ [8]- و عنه، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن يحيى المكتب، قال: حدثنا أحمد بن محمد الوراق، قال:

حدثنا بشر بن سعيد بن قيلويه «1» المعدل بالرافقة «2»، قال: حدثنا عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني، قال: سمعت محمد بن حرب الهلالي- أمير المدينة- يقول: سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) فقلت: له: يا بن رسول الله، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها. فقال: «إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني، و إن شئت فسل».

قال: قلت له: يا بن رسول الله، و بأي شي ء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟ فقال: «بالتوسم و التفرس، أما سمعت قول الله عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، و قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله؟!».

قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فأخبرني بمسألتي. قال: «أردت أن تسألني عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم لم يطق حمله علي بن أبي طالب (عليه السلام)

عند حط الأصنام عن سطح الكعبة؟» و ساق الحديث إلى أن قال: هذا و الله ما أردت أن أسألك يا بن رسول الله. و الحديث طويل.

5911/ [9]- ابن الفارسي في (روضة الواعظين): قال الصادق (عليه السلام): «إذا قام قائم آل محمد (عليهم السلام) حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام)، لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، و يخبر كل قوم بما استبطنوه، و يعرف وليه من عدوه بالتوسم، قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ».

__________________________________________________

8- علل الشرائع: 173/ 1.

9- روضة الواعظين: 266.

(1) في المصدر (قلبويه).

(2) الرافقة: بلد متّصل البناء بالرّقّة، و هما على ضفة الفرات، و الرافقة أيضا: من قرى البحرين. «معجم البلدان 3: 15».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 381

5912/ [10]- الشيخ، في (أماليه): عن أبي محمد الفحام، بإسناده، قال: قال الباقر (عليه السلام): «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ثم تلا هذه الآية: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ.

5913/ [11]- الشيخ المفيد في كتاب (الاختصاص): عن السندي بن الربيع البغدادي، عن الحسن بن علي ابن فضال، عن علي بن غراب، عن أبي بكر بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «ما من مخلوق إلا و بين عينيه مكتوب: مؤمن أو كافر، و ذلك محجوب عنكم و ليس بمحجوب عن الأئمة من آل محمد (صلوات الله عليهم)، ثم ليس يدخل عليهم أحد إلا عرفوه، مؤمنا أو كافرا» ثم تلا هذه الآية: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ «فهم المتوسمون».

5914/ [12]- و عنه: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان الخزاز، عن إبراهيم بن أيوب، عن

عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة إذ جاءت امرأة مستعدية على زوجها فقضى لزوجها عليها فغضبت، و قالت:

لا و الله ما الحق فيما قضيت، و ما تقضي بالسوية، و لا تعدل في الرعية، و لا قضيتك عند الله بالمرضية- قال- «فنظر إليها مليا، ثم قال: كذبت يا جرية، يا بذية، يا سلفع «1»، يا سلقلقية «2»، يا التي لا تحمل من حيث تحمل النساء».

قال: «فولت المرأة هاربة مولولة و تقول: ويلي ويلي ويلي، لقد هتكت- يا بن أبي طالب- سترا كان مستورا- قال- فلحقها عمرو بن حريث، فقال: يا أمة الله، لقد استقبلت عليا بكلام سررتني به، ثم إنه نزع لك بكلام فوليت عنه هاربة تولولين؟ فقالت: إن عليا- و الله- أخبرني بالحق و بما أكتمه من زوجي منذ و لي عصمتي و من أبوي. فعاد عمرو إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأخبره بما قالت له المرأة، و قال له فيما يقول: ما أعرفك بالكهانة! فقال له علي (عليه السلام): ويلك، إنها ليست بالكهانة مني، و لكن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، فلما ركب الأرواح في أبدانها كتب بين أعينهم: كافر و مؤمن و ما هو مبتلين به، و ما هم عليه من سي ء عملهم و حسنه في قدر اذن الفأرة، ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه (صلى الله عليه و آله) فقال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) المتوسم، ثم أنا من بعده، و الأئمة من ذريتي هم المتوسمون، فلما تأملتها عرفت ما فيها و ما هي عليه بسيماها».

و روى

هذا الحديث، الصفار في (بصائر الدرجات) «3».

__________________________________________________

10- الأمالي 1: 300.

11- الاختصال: 302.

12- الاختصاص: 302، شواهد التنزيل 1: 323/ 447.

(1) السّلفع: الجريئة السّليطة. «الصحاح- سلفع- 3: 1231».

(2) السّلقلقيّة: المرأة التي تحيض من دبرها. «لسان العرب- سلق- 10: 163».

(3) بصائر الدرجات: 374/ 2.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 382

5915/ [13]- الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن حسان و أحمد بن الحسين، عن أحمد بن إبراهيم، و الحسن بن البراء، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، قال: حججت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فأنا معه في بعض الطريق إذ صعد على جبل فنظر إلى الناس، فقال: «ما أكثر الضجيج، و أقل الحجيج!» فقال له داود بن كثير الرقي: يا بن رسول الله، هل يستجيب الله دعاء الجمع الذي أرى؟ فقال: «ويحك- يا أبا سليمان- إن الله لا يغفر أن يشرك به، إن الجاحد لولاية علي (عليه السلام) كعابد وثن».

فقلت له: جعلت فداك هل تعرفون محبيكم من مبغضيكم؟ فقال: «ويحك- يا أبا سليمان- إنه ليس من عبد يولد إلا كتب بين عينيه: مؤمن أو كافر و إن الرجل ليدخل إلينا يتولانا و يتبرأ من عدونا فنرى مكتوبا بين عينيه:

مؤمن، قال الله عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ فنحن نعرف عدونا من ولينا».

5916/ [14]- يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن أسباط بن سالم بياع الزطي، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله رجل من أهل هيت «1» عن قول الله عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ.

فقال: «نحن المتوسمون، و السبيل فينا مقيم».

5917/ [15]- الحسن بن علي بن المغيرة، عن عبيس بن هشام،

عن عبد الصمد بن بشير، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الإمام، أفوض الله إليه كما فوض إلى سليمان؟ فقال: «نعم، و ذلك أن رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها و سأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأول، ثم سأله آخر عنها فأجابه بغير جواب الأولين، ثم قال: «هذا عطاؤنا فأمسك أو أعط بغير حساب» «2»، و هكذا هي في قراءة علي (عليه السلام)».

قلت: أصلحك الله، حين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام؟ فقال: «سبحان الله، أما تسمع الله يقول في كتابه: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ و هم الأئمة وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ لا تخرج منهم أبدا- ثم قال لي- نعم، إن الإمام إذا نظر إلى الرجل عرفه و عرف ما هو عليه و عرف لونه، و إن سمع كلامه من وراء حائط عرفه و عرف ما هو، إن الله يقول: وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ «3» فهم العلماء، و ليس يسمع شيئا من الألسن تنطق إلا عرفه ناج أو هالك، فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم به».

__________________________________________________

13- الاختصاص: 303.

14- الاختصاص: 303.

15- الاختصاص: 306. [.....]

(1) هيت: بلدة على الفرات فوق الأنبار، و هيت أيضا: من قرى حوران من أعمال دمشق. «معجم البلدان 5: 421».

(2) سورة ص 38: 39 و هي في المصحف الشريف: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

(3) الروم 30: 22.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 383

5918/ [16]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، قال: «هم الأئمة. قال رسول الله (صلى

الله عليه و آله): اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، لقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ».

5919/ [17]- عن أسباط بن سالم قال: سأل رجل من أهل هيت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، قال: «نحن المتوسمون و السبيل فينا مقيم».

5920/ [18]- عن عبد الرحمن بن سالم الأشل، رفعه في قوله: لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، قال: «هم آل محمد الأوصياء (عليهم السلام)».

5921/ [19]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إن في الإمام آية للمتوسمين، و هو السبيل المقيم، ينظر بنور الله و ينطق عن الله، لا يعزب عنه شي ء مما أراد».

5922/ [20]- عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) جالس في مسجد الكوفة قد احتبى «1» بسيفه، و القى برنسه «2» وراء ظهره إذ أتته امرأة مستعدية على زوجها، فقضى للزوج على المرأة، فغضبت، فقالت: لا و الله ما هو كما قضيت، لا و الله ما تقضي بالسوية، و لا تعدل في الرعية، و لا قضيتك عند الله بالمرضية- قال- فنظر إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) فتأملها، ثم قال لها: كذبت يا جرية، يا بذية، يا سلسع، يا سلفع يا التي تحيض من حيث لا تحيض النساء».

قال: «فولت هاربة، و هي تولول و تقول: يا ويلي يا ويلي يا ويلي ثلاثا- قال- فلحقها عمرو بن حريث، فقال لها: يا أمة الله، أسألك؟ فقالت: ما للرجال و النساء في الطرقات؟ فقال: إنك استقبلت أمير المؤمنين عليا بكلام سررتني به، ثم قرعك «3» أمير المؤمنين بكلمة فوليت مولولة؟ فقالت: إن ابن أبي طالب- و الله- استقبلني

فأخبرني بما هو في، و بما كتمته من بعلي منذ و لي عصمتي، لا و الله ما رأيت طمثا قط من حيث تراه النساء- قال- فرجع عمرو بن حريث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: و الله يا أمير المؤمنين، ما نعرفك بالكهانة؟ فقال له: و ما ذلك يا بن حريث؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، إن هذه المرأة ذكرت أنك أخبرتها بما هو فيها، و أنها لم تر طمثا قط من حيث تراه النساء. فقال له: ويلك- يا بن حريث- إن الله تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، و ركب

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 2: 247/ 28.

17- تفسير العيّاشي 2: 247/ 29.

18- تفسير العيّاشي 2: 247/ 30.

19- تفسير العيّاشي 2: 248/ 31.

20- تفسير العيّاشي 2: 248/ 32.

(1) الاحيباء: ضمّ الساقين إلى البطن بالثوب أو اليدين. «مجمع البحرين- حبا- 1: 94».

(2) البرنس: قلنسوة طويلة، و كان النسّاك يلبسونها في صدر الإسلام. «الصحاح- برنس- 3: 908».

(3) في «ط»: فزعك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 384

الأرواح في الأبدان، فكتب بين أعينها: كافر و مؤمن. و ما هي مبتلاه به إلى يوم القيامة، ثم أنزل بذلك قرآنا على محمد (صلى الله عليه و آله)، فقال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) المتوسم، ثم أنا من بعده، ثم الأوصياء من ذريتي من بعدي، إني لما رأيتها تأملتها، فأخبرتها بما هو فيها، و لم أكذب».

5923/ [21]- شرف الدين النجفي، قال: روى الفضل بن شاذان (رحمه الله) بإسناده عن رجاله، عن عمار بن أبي مطروف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «ما من أحد إلا و مكتوب بين

عينيه: مؤمن أو كافر.

محجوبة «1» عن الخلائق إلا الأئمة و الأوصياء، فليس بمحجوب عنهم» ثم تلا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ثم قال: «نحن المتوسمون، و ليس- و الله- أحد يدخل علينا إلا عرفناه بتلك السمة».

5924/ [22]- علي بن إبراهيم، في معنى الآية قال: قال: «نحن المتوسمون، و السبيل فينا مقيم، و السبيل:

طريق الجنة».

سورة الحجر(15): آية 78 ..... ص : 384

قوله تعالى:

وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ [78] 5925/ [1]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ يعني: أصحاب الغيضة «2»، و هم قوم شعيب لَظالِمِينَ.

سورة الحجر(15): آية 80 ..... ص : 384

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ [80] 5926/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: كان لقريتهم ماء، و هي الحجر التي ذكرها الله في كتابه في قوله تعالى:

وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ.

__________________________________________________

21- تأويل الآيات 1: 251/ 10.

22- تفسير القمّي 1: 377.

1- تفسير القمّي 1: 377. [.....]

2- تفسير القمّي 1: 331.

(1) في المصدر: محجوب.

(2) الغيضة: الأجمة، و هي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر. «الصحاح- غيض- 3: 1097».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 385

و قد تقدمت قصة قوم صالح في سورة هود «1».

سورة الحجر(15): آية 85 ..... ص : 385

قوله تعالى:

فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [85]

5927/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله عز و جل فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ، قال: «العفو من غير عتاب».

سورة الحجر(15): آية 87 ..... ص : 385

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [87]

5928/ [2]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن العباس، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السبع المثاني و القرآن العظيم، هي فاتحة الكتاب؟ قال: «نعم».

قلت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من السبع؟ قال: «نعم، هي أفضلهن».

5929/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف بأبي الحسن الجرجاني (رضي الله عنه)، قال حدثني يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبيهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه، محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنه قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب، و هي سبع آيات تمامها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: إن الله تعالى قال لي: يا محمد وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب، و جعلها بإزاء القرآن العظيم».

5930/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثني أحمد بن محمد، عن محمد بن

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 373/ 1.

2- التهذيب 2: 289/ 1157.

3-

عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 301/ 60.

4- تفسير القمّي 1: 377.

(1) تقدّمت في الحديثين (3 و 4) من تفسير الآية (61) من سورة هود.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 386

سنان، عن سورة بن كليب، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نحن المثاني التي أعطاها الله تعالى نبينا، و نحن وجه الله تعالى، نتقلب في الأرض بين أظهركم، من عرفنا فأمامه اليقين، و من جهلنا فأمامه السعير».

5931/ [4]- العياشي: عن سورة بن كليب، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «نحن المثاني التي اعطي نبينا (صلى الله عليه و آله)».

5932/ [5]- عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته، عن قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي.

قال: «فاتحة الكتاب يثنى فيها القول».

5933/ [6]- عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: «إذا كانت لك حاجة فاقرأ المثاني و سورة اخرى، و صل ركعتين و ادع الله».

قلت: أصلحك الله، و ما المثاني؟ قال: «فاتحة الكتاب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «1»».

5934/ [7]- عن سورة بن كليب، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «نحن المثاني التي اعطي نبينا، و نحن وجه الله تعالى في الأرض نتقلب بين أظهركم، من عرفنا فأمامه اليقين، و من أنكرنا فأمامه السعير».

5935/ [8]- عن يونس بن عبد الرحمن، عمن ذكره، رفعه، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله:

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، قال: «إن ظاهرها الحمد، و باطنها ولد الولد، و السابع منها القائم (عليه السلام)».

5936/ [9]- قال حسان العامري: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ

الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، قال: «ليس هكذا تنزيلها «2»، إنما هي وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي نحن هم وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ولد الولد».

5937/ [10]- عن القاسم بن عروة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، قال: «سبعة أئمة و القائم».

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 249/ 33.

5- تفسير العيّاشي 2: 249/ 34.

6-- تفسير العيّاشي 2: 249/ 25.

7- تفسير العيّاشي 2: 249/ 36.

8- تفسير العيّاشي 2: 250/ 37.

9- تفسير العيّاشي 2: 250/ 38. [.....]

10- تفسير العيّاشي 2: 250/ 39.

(1) الفاتحة 1: 1 و 2.

(2) أي ليس معناها ظننت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 387

5938/ [11]- عن السدي، عمن سمع عليا (عليه السلام) يقول: «سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي فاتحة الكتاب».

5939/ [12]- عن سماعة، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، قال: «لم يعط الأنبياء إلا محمد، و هم السبعة الأئمة الذين يدور عليهم الفلك، و القرآن العظيم:

محمد (صلى الله عليه و آله)».

سورة الحجر(15): آية 88 ..... ص : 387

قوله تعالى:

لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [88]

5940/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما نزلت هذه الآية لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، و من رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه، و

لم يشف غيظه، و من لم يعلم أن لله عليه نعمة، لا في مطعم و لا في مشرب و لا في ملبس «1»، فقد قصر عمله و دنا عذابه، و من أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا، و من شكا مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه، و من دخل النار من هذه الامة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا، و من أتى ذا ميسرة فتخشع له طلبا لما في يديه ذهب ثلثا دينه. ثم قال: و لا تعجل، و ليس يكون الرجل ينال «2» من الرجل الرفق فيبجله و يوقره، فقد يجب ذلك له عليه، و لكن تراه أنه يريد بتخشعه ما عند الله، و يريد أن يحيله «3» عما في يديه».

5941/ [2]- العياشي: عن حماد، عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ.

قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) نزل به ضيقة، [فاستسلف من يهودي ] فقال اليهودي: و الله ما لمحمد ثاغية

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 251/ 40.

12- تفسير العيّاشي 2: 251/ 41.

1- تفسير القمّي 1: 381.

2- تفسير العيّاشي 2: 251/ 42.

(1) في البحار 73: 89. إلّا في مطعم أو ملبس.

(2) في المصدر: و «ط»: يسأل.

(3) في «ط» نسخة بدل: يخليه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 388

و لا راغية «1»، فعلام أسلفه؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إني لأمين الله في سمائه و أرضه، و لو ائتمنني على شي ء لأديته إليه- قال- فبعث بدرقة «2» له، فرهنها عنده، فنزلت عليه وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا «3»».

5942/

[3]- الحسين بن سعيد في كتاب (الزهد): عن النضر، عن درست، عن إسحاق بن عمار، عن ميسر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما نزلت هذه الآية: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا «4» استوى رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالسا، ثم قال: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على الدنيا، و من أتبع بصره ما في أيدي الناس طال همه و لم يشف غيظه، و من لم يعرف لله عليه نعمة، إلا في مطعم أو مشرب، فقد قصر عمله و دنا عذابه».

سورة الحجر(15): الآيات 91 الي 93 ..... ص : 388

قوله تعالى:

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ- إلى قوله تعالى- عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [91- 93] 5943/ [4]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ قال: قسموا القرآن و لم يؤلفوه على ما أنزل الله، فقال: لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ.

5944/ [5]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أحدهما، قال في الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ قال: هم قريش».

5945/ [6]- عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، عن قوله الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ. قال: «هم قريش».

__________________________________________________

3- كتاب الزهد: 46/ 125.

4- تفسير القمّي 1: 377.

5- تفسير العيّاشي 2: 251/ 43.

6- تفسير العيّاشي 2: 252/ 44. [.....]

(1) الثاغية: الشاة. «الصحاح- ثغا- 6: 2293»، و الراغية: الناقة. «الصحاح- رغا- 4: 2360».

(2) الدرقة: ترس من المجلد. «لسان العرب- درق- 10: 95».

(3) طه 20: 131.

(4) طه 20: 131.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 389

سورة الحجر(15): الآيات 94 الي 95 ..... ص : 389

قوله تعالى:

فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [94- 95]

5946/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، و محمد بن الحسن الصفار جميعا، قالا: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و محمد بن عيسى بن عبيد، قالا: حدثنا صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «اكتتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) بمكة مختفيا خائفا خمس سنين، ليس يظهر أمره، و علي (عليه السلام) معه و خديجة، ثم أمره الله عز و جل أن يصدع بما امر به، فظهر رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أظهر أمره».

5947/ [2]- و عنه،

قال: حدثنا أبي، و محمد بن الحسن (رضي الله عنه)، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحميري و محمد بن يحيى العطار و أحمد بن إدريس جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و إبراهيم بن هاشم جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن عبيد الله بن علي الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «مكث رسول الله (صلى الله عليه و آله) بمكة بعد ما جاءه الوحي عن الله تبارك و تعالى ثلاث عشرة سنة، منها ثلاث سنين مختفيا خائفا لا يظهر حتى أمره الله عز و جل أن يصدع بما أمره به، فأظهر حينئذ الدعوة».

5948/ [3]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان الأحمر، رفعه، قال: «المستهزئون برسول الله (صلى الله عليه و آله) خمسة: الوليد بن المغيرة المخزومي، و العاص بن وائل السهمي، و الأسود بن عبد يغوث الزهري، و الأسود بن المطلب، و الحارث بن الطلاطلة الثقفي».

5949/ [4]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الحسيني، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن علي الخراساني، قال: حدثنا أبو سعيد سهل بن صالح العباسي، عن أبيه و إبراهيم بن عبد الرحمن الآملي «1»، قال: حدثنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي

علي بن الحسين، قال:

__________________________________________________

1- كمال الدين و تمام النعمة: 344/ 28.

2- كمال الدين و تمام النعمة: 344/ 29.

3- الخصال: 278/ 24.

4- الخصال: 279/ 25.

(1) في «س» و المصدر: الأيلي، في «ط»: الأبلي، تصحيف صحيحه ما أثبتناه، انظر الجامع في الرجال 1: 48، الخصال: 532/ 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 390

حدثني أبي الحسين بن علي (عليهم السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال ليهودي من يهود الشام و أحبارهم، و قد أخبره فيما أجاب عنه من جواب مسائله: فأما المستهزئون، فقال الله عز و جل: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فقتل الله خمستهم، قد قتل كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد أما الوليد بن المغيرة، فإنه مر بنبل لرجل من بني خزاعة قد راشه «1» في الطريق، فأصابته شظية منه فانقطع أكحله «2» حتى أدماه، فمات و هو يقول: قتلني رب محمد و أما العاص بن وائل السهمي، فإنه خرج في حاجة له إلى كداء «3»، فتدهده «4» تحته حجر، فسقط فتقطع قطعة قطعة، فمات و هو يقول: قتلني رب محمد و أما الأسود بن عبد يغوث، فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة «5»، و معه غلام له، فاستظل بشجرة تحت كداء، فأتاه جبرئيل (عليه السلام)، فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه:

امنع عني هذا فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلا نفسك. فقتله و هو يقول: قتلني رب محمد».

قال مصنف هذا الكتاب: و في خبر آخر في الأسود، يقال: «إن النبي (صلى الله عليه و آله) كان قد دعا عليه أن يعمي الله بصره، و أن يثكله بولده. فلما كان في ذلك اليوم، جاء حتى صار إلى كداء، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) بورقة

خضراء، فضرب بها وجهه فعمي، و بقي حتى أثكله الله عز و جل بولده يوم بدر، ثم مات».

«و أما الحارث بن الطلاطلة، فإنه خرج من بيته في السموم، فتحول حبشيا، فرجع إلى أهله، فقال: أنا الحارث. فغضبوا عليه و قتلوه، و هو يقول: قتلني رب محمد و أما الأسود بن المطلب، فإنه أكل حوتا مالحا، فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات، و هو يقول: قتلني رب محمد. و كل ذلك في ساعة واحدة، و ذلك انهم كانوا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا له: يا محمد، ننتظر بك إلى الظهر، فإن رجعت عن قولك و إلا قتلناك. فدخل النبي (صلى الله عليه و آله) منزله، فأغلق عليه بابه مغتما بقولهم، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) ساعته، فقال له: يا محمد، السلام يقرئك السلام، و هو يقول: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ يعني أظهر أمرك لأهل مكة و ادع، وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. قال: يا جبرئيل، كيف أصنع بالمستهزئين و ما أو عدوني؟

قال: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. قال: يا جبرئيل، كانوا عندي الساعة بين يدي. فقال: قد كفيتهم. فأظهر أمره عند ذلك».

5950/ [5]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها «6»، قال: «نسختها فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ».

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 252/ 45.

(1) راش السهم: ركّب عليه الرّيش. «المعجم الوسيط- ريش- 1: 385».

(2) الأكحل: وريد في وسط الذراع. «المعجم الوسيط- كحل- 2: 778».

(3) كداء: ثنية بأعلى مكّة عند المحصّب. «معجم البلدان- كداء- 4: 439».

(4) تدهده: تدحرج. «المعجم الوسيط- دهده- 1: 299». [.....]

(5) في «س»: ابن ربيعة.

(6) الاسراء 17: 110.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 391

5951/ [6]- عن أبان بن عثمان الأحمر، رفعه، قال: كان المستهزئون خمسة من قريش: الوليد بن المغيرة المخزومي، و العاص بن وائل السهمي، و الحارث بن حنظلة، و الأسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري، و الأسود ابن المطلب بن أسد، فلما قال الله: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ علم رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه قد أخزاهم، فأماتهم الله بشر ميتات».

5952/ [7]- عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «اكتتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) بمكة سنين، ليس يظهر، و علي (عليه السلام) معه و خديجة، ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر، فظهر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب، فإذا أتاهم، قالوا: كذاب، امض عنا».

5953/ [8]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن الحسين (عليه السلام) قال: «إن يهوديا من يهود الشام و أحبارهم كان قد قرأ التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف الأنبياء (عليهم السلام)، و عرف دلائلهم، أتى إلى المسجد فجلس، و فيه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و فيهم علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، و ابن عباس «1»، و أبو معبد الجهني، فقال: يا امة محمد، ما تركتم لنبي درجة، و لا لمرسل فضيلة إلا نحلتموها نبيكم، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه؟ فكاع القوم «2» عنه، فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام):

نعم، ما أعطى الله عز و جل نبيا درجة، و لا مرسلا فضيلة إلا و قد جمعها لمحمد (صلى الله عليه و آله)، و زاد محمدا (صلى الله عليه

و آله) على الأنبياء أضعافا مضاعفة.

فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبي؟ قال: نعم، سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما يقر الله به أعين المؤمنين، و يكون فيه إزالة لشك الشاكين في فضائله (صلى الله عليه و آله)، إنه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة، قال: و لا فخر و أنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء، و لا منتقص لهم، و لكن شكرا لله على ما أعطى محمدا (صلى الله عليه و آله) مثل ما أعطاهم، و ما زاده الله، و ما فضله عليهم.

فقال اليهودي: اني أسألك فأعد له جوابا. قال له علي (عليه السلام): هات. فذكر له اليهودي ما أعطى الله عز و جل الأنبياء، فذكر له أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أعطى الله عز و جل محمدا (صلى الله عليه و آله) في مقابلة ما أعطى الله تعالى الأنبياء و زاد محمدا (صلى الله عليه و آله) عليهم.

و كان فيما قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران (عليه السلام) قد أرسله الله إلى فرعون، و أراه الآية الكبرى.

قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، و محمد (صلى الله عليه و آله) أرسله إلى فراعنة شتى مثل: أبي جهل بن هشام، و عتبة ابن ربيعة، و شيبة، و أبي البختري، و النضر بن الحارث، و أبي بن خلف، و منبه و نبيه ابني الحجاج، و إلى الخمسة

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 252/ 46.

7- تفسير العيّاشي 2: 252/ 47.

8- الاحتجاج: 210.

(1) في المصدر زيادة: و ابن مسعود.

(2) كعت عن الشي ء أكيع لغة كععت عنه أكعّ إذا هبته و جبنت عنه. «لسان العرب- كوع- 8: 317».

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 392

المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، و العاص بن وائل السهمي، و الأسود بن عبد يغوث الزهري، و الأسود ابن المطلب، و الحارث بن الطلاطلة. فأراهم الآيات في الآفاق و في أنفسهم، حتى تبين لهم أنه الحق.

قال له اليهودي، لقد انتقم الله عز و جل لموسى (عليه السلام) من فرعون. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، و لقد انتقم الله جل اسمه لمحمد (صلى الله عليه و آله) من الفراعنة، فأما المستهزئون، فقال الله عز و جل: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فقتل الله خمستهم، كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد فأما الوليد بن المغيرة فمر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه و وضعه في الطريق، فأصابته شظية منه، فانقطع أكحله حتى أدماه، فمات و هو يقول: قتلني رب محمد و أما العاص بن وائل السهمي، فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر، فسقط فتقطع قطعة قطعة، فمات و هو يقول: قتلني رب محمد و أما الأسود بن عبد يغوث، فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة، فاستظل بشجرة، فأتاه جبرئيل، فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا عني فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلا نفسك، فقتله و هو يقول: قتلني رب محمد و أما الأسود بن المطلب، فإن النبي (صلى الله عليه و آله) دعا عليه أن يعمي الله بصره، و أن يثكله بولده، فلما كان في ذلك اليوم، خرج حتى صار إلى موضع، أتاه جبرئيل بورقة خضراء، فضرب بها وجهه فعمي، و بقي حتى أثكله الله عز و جل بولده و أما الحارث بن الطلاطلة، فإنه خرج من بيته في السموم، فتحول حبشيا، فرجع

إلى أهله، فقال: أنا الحارث، فغضبوا عليه و قتلوه، و هو يقول: قتلني رب محمد».

و

روي أن الأسود بن الحارث أكل حوتا مالحا، فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات و هو يقول: قتلني رب محمد.

«كل ذلك في ساعة واحدة، و ذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا له: يا محمد، ننتظر بك إلى الظهر، فإن رجعت عن قولك و إلا قتلناك. فدخل النبي (صلى الله عليه و آله)، فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) عن الله من ساعته، فقال: «يا محمد، السلام يقرأ عليك السلام، و هو يقول لك: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ يعني أظهر أمرك لأهل مكة، و ادعهم إلى الإيمان. قال: يا جبرئيل، كيف أصنع بالمستهزئين و ما أو عدوني؟ فقال له: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. قال: يا جبرئيل، كانوا الساعة بين يدي؟ قال:

كفيتهم. فأظهر أمره عند ذلك، و أما بقيتهم من الفراعنة، فقتلوا يوم بدر بالسيف، و هزم الله الجمع و ولوا الدبر».

5954/ [9]- علي بن إبراهيم، في معنى الآية: في معنى الآية: فإنها نزلت بمكة، بعد أن نبئ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بثلاث سنين، و ذلك أن النبوة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم الاثنين، و أسلم علي (عليه السلام) يوم الثلاثاء، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوج النبي (صلى الله عليه و آله). ثم دخل أبو طالب إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و هو يصلي، و علي (عليه السلام) بجنبه، و كان مع أبي طالب جعفر، فقال له أبو طالب: صل جناح ابن عمك فوقف جعفر

عن يسار رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فبدر رسول الله (صلى الله عليه و آله) من بينهما، فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصلي،

__________________________________________________

9- تفسير القمّي 1: 378.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 393

و علي (عليه السلام) و جعفر و زيد بن حارثة و خديجة يأتمون به فلما أتى لذلك ثلاث سنين «1» أنزل الله عليه: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.

و كان المستهزئون برسول الله (صلى الله عليه و آله) خمسة: الوليد بن المغيرة، و العاص بن وائل، و الأسود بن المطلب، و الأسود بن عبد يغوث، و الحارث بن الطلاطلة الخزاعي. أما الوليد فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) دعا عليه لما كان يبلغه من إيذائه و استهزائه،

فقال: «اللهم أعم بصره، و أثكله بولده»

فعمي بصره، و قتل ولده ببدر، و كذلك دعا على الأسود بن عبد يغوث و الحارث بن طلاطلة الخزاعي، فمر الوليد بن المغيرة برسول الله (صلى الله عليه و آله) و معه جبرئيل (عليه السلام)، فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمد، هذا الوليد بن المغيرة، و هو من المستهزئين بك. قال: نعم. و قد كان مر برجل من خزاعة على باب المسجد و هو يريش نبلا، فوطئ على بعضها، فأصاب عقبه قطعة من ذلك فدميت، فلما مر بجبرئيل (عليه السلام) أشار إلى ذلك الموضع، فرجع الوليد إلى منزله، و نام على سريره، و كانت ابنته نائمة أسفل منه، فانفجر الموضع الذي أشار إليه جبرئيل (عليه السلام) أسفل عقبه، فسال منه الدم حتى صار إلى فراش ابنته، فانتبهت ابنته، فقالت: يا جارية، انحل وكاء «2» القربة. قال الوليد: ما هذا وكاء

القربة، و لكنه دم أبيك، فاجمعي لي ولدي و ولد أخي فإني ميت. فجمعتهم، فقال لعبد الله بن أبي ربيعة: إن عمارة بن الوليد بأرض الحبشة بدار مضيقة «3»، فخذ كتابا من محمد إلى النجاشي أن يرده. ثم قال لابنه هاشم، و هو أصغر ولده: يا بني، أوصيك بخمس خصال فاحفظها: أوصيك بقتل أبي درهم الدوسي، فإنه غلبني على امرأتي و هي بنته، و لو تركها و بعلها كانت تلد لي ابنا مثلك، و دمي في خزاعة، و ما تعمدوا قتلي، و أخاف أن تنسوا بعدي، و دمي في بني خزيمة بن عامر، و دياتي في ثقيف فخذها، و لأسقف نجران علي مائتا دينار فاقضها، ثم فاضت نفسه.

و مر الأسود بن المطلب برسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأشار جبرئيل (عليه السلام) إلى بصره فعمي و مات. و مر به الأسود بن عبد يغوث، فأشار جبرئيل (عليه السلام) إلى بطنه، فلم يزل يستسقي حتى انشق بطنه. و مر العاص بن وائل، فأشار جبرئيل (عليه السلام) إلى رجليه، فدخل عود في أخمص قدمه، و خرج من ظاهره و مات. و مر الحارث بن الطلاطلة، فأشار جبرئيل (عليه السلام) إلى وجهه، فخرج إلى جبال تهامة، فأصابتها من السماء ديم، فاستسقى حتى انشق بطنه، و هو قول الله: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.

فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقام على الحجر، فقال: «يا معشر قريش، يا معشر العرب، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أني رسول الله، و آمركم بخلع الأنداد و الأصنام، فأجيبوني تملكوا بها العرب، و تدين لكم العجم، و تكونوا ملوكا في الجنة»

فاستهزءوا منه، و قالوا: جن محمد بن عبد الله،

و لم يجسروا عليه لموضع أبي طالب. فاجتمعت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا، و سب آلهتنا، و أفسد

__________________________________________________

(1) في «ط»: سنتين.

(2) الوكاء: خيط يشدّ به السّرّة و الكيس و القربة و نحوها. «مجمع البحرين- وكأ- 1: 453».

(3) في المصدر: مضيعة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 394

شباننا، و فرق جماعتنا فإن كان يحمله على ذلك العدم، جمعنا له مالا، فيكون أكثر قريش مالا، و نزوجه أي امرأة شاء من قريش.

فقال له أبو طالب: ما هذا، يا بن أخي؟

فقال: «يا عم، هذا دين الله، الذي ارتضاه لأنبيائه و رسله، بعثني الله رسولا إلى الناس».

فقال: يا بن أخي، إن قومك قد أتوني يسألوني أن أسألك أن تكف عنهم. فقال: «يا عم، لا أستطيع أن أخالف أمر ربي»

فكف عنه أبو طالب.

ثم اجتمعوا إلى أبي طالب، فقالوا: أنت سيد من ساداتنا، فادفع إلينا محمدا لنقتله، و تملك علينا. فقال أبو طالب قصيدته الطويلة، منها:

و لما رأيت القوم لا ود عندهم و قد قطعوا أكل العرى و الوسائل

كذبتم و بيت الله يبزى «1» محمد و لما نطاعن دونه و نناضل

و نسلمه حتى نصرع حوله و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

فلما اجتمعت قريش على قتل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كتبوا الصحيفة القاطعة، جمع أبو طالب بني هاشم «2»، و حلف لهم بالبيت و الركن و المقام و المشاعر في الكعبة، لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم. فأدخله الشعب، و كان يحرسه بالليل و النهار، قائما على رأسه بالسيف أربع سنين.

فلما خرجوا من الشعب حضرت أبا طالب الوفاة، فدخل عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله)

و هو يجود بنفسه،

فقال: «يا عم، ربيت صغيرا و كفلت يتيما، فجزاك الله عني خيرا، أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربي» فروي أنه لم يخرج من الدنيا حتى أعطى رسول الله (صلى الله عليه و آله) الرضا، و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لو قمت المقام المحمود لشفعت في أبي و أمي و عمي، و أخ كان لي مؤاخيا في الجاهلية».

5955/ [10]- ثم قال علي بن إبراهيم: و حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة و عبد الله بن سنان و أبي حمزة الثمالي، قالوا: سمعنا أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، يقول: «لما حج رسول الله (صلى الله عليه و آله) حجة الوداع نزل بالأبطح، و وضعت له وسادة فجلس عليها، ثم رفع يده إلى السماء، و بكى بكاء شديدا، ثم قال: يا رب، إنك وعدتني في أبي و امي و عمي ألا تعذبهم بالنار- قال- فأوحى الله إليه: أني آليت على نفسي ألا يدخل جنتي إلا من شهد أن لا إله إلا الله و أنك عبدي و رسولي، و لكن ائت الشعب فنادهم، فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي. فقام النبي (صلى الله عليه و آله) إلى الشعب، فناداهم، و قال: يا أبتاه، و يا أماه، و يا عماه، فخرجوا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): ألا ترون إلى هذه الكرامة التي أكرمني الله بها؟

فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله حقا حقا، و أن جميع ما أتيت به من عند الله فهو الحق. فقال: ارجعوا

__________________________________________________

10- تفسير القمّي 1: 380.

(1) يبزى: أي يقهر

و يغلب، أراد لا يبزى فحذف (لا) من جواب القسم، و هي مراده، أي لا يقهر و لم نقاتل عنه و ندافع. «النهاية 1: 125».

(2) في المصدر: لأبثنّ عليكم بني هاشم. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 395

إلى مضاجعكم.

و دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) مكة و قدم عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) من اليمن، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ألا أبشرك، يا علي؟ فقال: بأبي أنت و أمي، لم تزل مبشرا. فقال: ألا ترى إلى ما رزقنا الله تبارك و تعالى في سفرنا هذا؟ و أخبره الخبر. فقال علي (عليه السلام): الحمد لله- قال- فأشرك رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بدنته أباه و أمه و عمه».

سورة الحجر(15): الآيات 97 الي 98 ..... ص : 395

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [97- 98]

5956/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و علي بن محمد القاساني جميعا، عن القاسم ابن محمد الأصفهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا حفص إن من صبر صبر قليلا، و من جزع جزع قليلا، ثم قال: عليك بالصبر في جميع أمورك، فإن الله عز و جل بعث محمدا (صلى الله عليه و آله)، فأمره بالصبر و الرفق، فقال: وَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ «1»، و قال تبارك و تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ

«2» فصبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى نالوه بالعظائم و رموه بها، فضاق صدره، فأنزل الله عز و جل عليه: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ».

5957/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: ثم قال الله: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ أي بما يكذبونك، و يذكرون الله فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ

__________________________________________________

1- الكافي 2: 71/ 3.

2- تفسير القمّي 1: 381.

(1) المزمل 73: 10 و 11.

(2) فصلت 41: 34 و 35.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 397

المستدرك (سورة الحجر) ..... ص : 397

سورة الحجر(15): آية 9 ..... ص : 397

قوله تعالى:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [9] [1]- ابن شهر آشوب، في قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ «1» و قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.

قال: في تفسير يوسف القطان، و وكيع بن الجراح، و إسماعيل السدي، و سفيان الثوري، أنه: قال الحارث: سألت أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه الآية؟ فقال: «و الله إنا نحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، نحن معدن التأويل و التنزيل».

سورة الحجر(15): آية 10 ..... ص : 397

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ [10] [2]- الطبرسي: في (مجمع البيان) عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله تعالى فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ: في أمم الأولين.

__________________________________________________

1- مناقب ابن شهر آشوب 4: 179.

2- مجمع البيان 6: 508.

(1) النحل 16: 43، الأنبياء 21: 7.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 398

سورة الحجر(15): آية 39 ..... ص : 398

قوله تعالى:

رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ [39]

[1]- (نهج البلاغة): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة القاصعة: «فاحذروا عباد الله عدو الله أن يعديكم بدائه، و أن يستفزكم بندائه، و أن يجلب عليكم بخيله و رجله، فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد، و أغرق إليكم بالنزع الشديد، و رماكم من مكان قريب، فقال: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.

سورة الحجر(15): آية 46 ..... ص : 398

قوله تعالى:

ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ [46]

[2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب و يعقوب السراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب الناس فقال فيها: ألا و إن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها، و اعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة، و فتحت لهم أبوابها، و وجدوا ريحها و طيبها، و قيل لهم: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ.

سورة الحجر(15): آية 99 ..... ص : 398

قوله تعالى:

وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [99]

[3]- في كتاب (مصباح الشريعة): قال الصادق (عليه السلام): «هلك العاملون إلا العابدون، و هلك العابدون إلا العالمون، و هلك العالمون إلا الصادقون، و هلك الصادقون إلا المخلصون، و هلك المخلصون إلا المتقون، و هلك المتقون إلا الموقنون، و إن الموقنين لعلى خلق عظيم، قال الله تعالى: وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ.

__________________________________________________

1- نهج البلاغة: 287 الخطبة 192.

2- الكافي 8: 67/ 23.

3- مصباح الشريعة: 37.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 399

سورة النحل ..... ص : 399

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 401

سورة النحل فضلها ..... ص : 401

5958/ [1]- ابن بابويه: بإسناده، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة النحل في كل شهر، كفي المغرم في الدنيا. و سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون و الجذام و البرص، و كان مسكنه في جنة عدن، و هي وسط الجنان».

5959/ [2]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة النحل في كل شهر دفع الله عنه المغرم «1» في الدنيا و سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون و الجذام و البرص، و كان مسكنه في جنة عدن». و قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و جنة عدن هي وسط الجنان».

5960/ [3]- و من (خواص القرآن): روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة لم يحاسبه الله تعالى بما أنعم عليه، و إن مات يومه أو ليلته و تلاها كان له من الأجر كالذي مات و أحسن الوصية، و من كتبها و دفنها في بستان احترق جميعه، و إن تركت في منزل قوم هلكوا قبل السنة جميعهم».

5961/ [4]- و عن الصادق (عليه السلام) قال: «من كتبها و جعلها في حائط البستان لم تبق شجرة تحمل إلا و سقط حملها و تنثر، و إن جعلها في منزل قوم بادوا و انقرضوا «2» من أولهم إلى آخرهم في تلك السنة، فاتق الله- يا فاعله- و لا تعمله إلا لظالم».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 107.

2- تفسير العيّاشي 2: 254/ 1.

3- ... مجمع البيان 6: 535 مثله.

4- خواص القرآن: 43 (مخطوط). [.....]

(1) في المصدر: المعرّة.

(2) في «ط»: و انصرفوا.

البرهان

في تفسير القرآن، ج 3، ص: 403

سورة النحل(16): الآيات 1 الي 2 ..... ص : 403

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [1- 2]

5962/ [1]- محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا علي بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى العلوي، قال:

حدثنا علي بن الحسين، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل:

أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ.

قال: «هو أمرنا، أمر الله عز و جل أن لا يستعجل «1» به حتى يؤيده الله بثلاثة أجناد: الملائكة، و المؤمنين، و الرعب، و خروجه كخروج رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و ذلك قوله عز و جل: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ «2»».

و رواه المفيد في كتاب (الغيبة): بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «3».

5963/ [2]- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (مسند فاطمة): قال: أخبرني أبو المفضل محمد بن

__________________________________________________

1- الغيبة: 243/ 43.

2- دلائل الإمامة: 252.

(1) في المصدر: ألّا تستعجل.

(2) الأنفال 8: 5.

(3) أخرجه في تأويل الآيات عن المفيد في (الغيبة) 1: 252/ 1 و لعلّ مراد صاحب تأويل الآيات من المفيد: النعماني.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 404

عبد الله، قال: أخبرنا محمد بن همام، قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا علي بن يونس الخزاز، عن إسماعيل بن عمر بن أبان، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا أراد الله قيام القائم (عليه السلام)، بعث جبرئيل (عليه السلام) في صورة طائر أبيض، فيضع إحدى رجليه

على الكعبة و الاخرى على بيت المقدس، ثم ينادي بأعلى صوته أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ- قال- فيحضر القائم فيصلي عند مقام إبراهيم ركعتين، ثم ينصرف و حواليه أصحابه، و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، إن فيهم لمن يسري من فراشه ليلا فيخرج و معه الحجر، فيلقيه فتعشب الأرض».

5964/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن أول من يبايع القائم (عليه السلام) جبرئيل (عليه السلام) ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلا على بيت الله الحرام و رجلا على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت طلق يسمعه الخلائق: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ».

5965/ [4]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن الحسين بن أبي العلاء، عن سعد الإسكاف، قال: أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن الروح، أليس هو جبرئيل؟

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «جبرئيل (عليه السلام) من الملائكة، و الروح غير جبرئيل» فكرر ذلك على الرجل، فقال له: لقد قلت عظيما من القول، ما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنك ضال تروي عن أهل الضلال، يقول الله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله):

أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ و الروح غير الملائكة».

5966/ [5]- سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد و محمد

بن الحسين، و موسى بن عمر بن يزيد الصيقل، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ.

فقال: «جبرئيل الذي انزل على الأنبياء، و الروح يكون معهم و مع الأوصياء، لا يفارقهم، يفقههم «1» و يسددهم من عند الله، و أنه لا إله إلا هو، محمد رسول الله، و بهما عبد الله و استعبد الخلق «2» على هذا، الجن

__________________________________________________

3- كمال الدين و تمام النعمة: 671/ 18.

4- الكافي 1: 215/ 6.

5- مختصر بصائر الدرجات: 3.

(1) (يفقّههم) ليس في المصدر.

(2) في «ط» و بهما قد استعبد. الخلق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 405

و الإنس و الملائكة، و لم يعبد الله ملك «1» و لا إنس و لا جان إلا بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، و ما خلق الله عز و جل خلقا إلا لعبادته».

5967/ [6]- العياشي: عن هشام بن سالم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ.

قال: «إذا أخبر الله النبي (صلى الله عليه و آله) بشي ء إلى الوقت فهو قوله أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ حتى يأتي ذلك الوقت». و قال: «إن الله إذا أخبر أن شيئا كائن فكأنه قد كان».

5968/ [7]- عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن أول من يبايع القائم جبرئيل (عليه السلام)، ينزل عليه في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلا على البيت الحرام و رجلا على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت رفيع

يسمع الخلائق: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ».

و في رواية اخرى عن أبان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، نحوه «2».

5969/ [8]- و قال علي بن إبراهيم: نزلت لما سألت قريش رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن ينزل عليهم العذاب، فأنزل الله تبارك و تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ و قوله: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم.

5970/ [9]- ثم قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ يقول: «بالكتاب و النبوة».

سورة النحل(16): الآيات 4 الي 6 ..... ص : 405

قوله تعالى:

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ- إلى قوله تعالى- حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ [4- 6] 5971/ [1]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ قال: خلقه من

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 254/ 2.

7- تفسير العيّاشي 2: 254/ 3. [.....]

8- تفسير القمّي 1: 382.

9- تفسير القمّي 1: 382.

1- تفسير القمّي 1: 382.

(1) زاد في المصدر: و لا نبيّ.

(2) تفسير العيّاشي 2: 254/ 4.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 406

قطرة من ماء مهين «1»، فيكون خصيما متكلما بليغا.

5972/ [2]- ثم قال: و قال أبو الجارود في قوله: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ وَ مَنافِعُ و الدف ء:

حواشي الإبل، و يقال: بل هي الأدفاء من البيوت و الثياب.

5973/ [3]- ثم قال علي بن إبراهيم في قوله: دِفْ ءٌ أي ما يستدفئون به، مما يتخذ من صوفها و وبرها.

5974/ [4]- ثم قال: و قوله: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ قال: حين ترجع من المرعى، وَ حِينَ تَسْرَحُونَ حين تخرج إلى

المرعى.

سورة النحل(16): آية 7..... ص : 406

قوله تعالى:

وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [7]

5975/ [5]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول- و ذكر الحج- فقال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هو أحد الجهادين، و هو جهاد الضعفاء و نحن الضعفاء، أما إنه ليس شي ء أفضل من الحج إلا الصلاة، و في الحج ها هنا صلاة، و ليس في الصلاة قبلكم حج، لا تدع الحج و أنت تقدر عليه، أما ترى أنه يشعث فيه رأسك، و يقشف «2» فيه جلدك، و تمنع فيه من النظر إلى النساء.

و إنا نحن لها هنا، و نحن قريب، و لنا مياه متصلة، ما نبلغ الحج حتى يشق علينا، فكيف أنتم في بعد البلاد؟

و ما من ملك و لا سوقة يصل إلى الحج إلا بمشقة، من تغيير مطعم أو مشرب أو ريح أو شمس لا يستطيع ردها، و ذلك قوله عز و جل: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ».

5976/ [6]- العياشي: عن الكاهلي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يذكر الحج، فقال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: هو أحد الجهادين، هو جهاد الضعفاء، و نحن الضعفاء، إنه ليس شي ء أفضل من الحج إلا

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 382.

3- تفسير القمّي 1: 382.

4- تفسير القمّي 1: 382.

5- الكافي 4: 253/ 7.

6- تفسير العيّاشي 2: 254/ 5.

(1) في المصدر: قطرة ماء منتن.

(2) القشف: قدّر الجلد. قشف يقشف: لم يتعهّد

الغسل و النظافة. «لسان العرب- قشف- 9: 282».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 407

الصلاة، و في الحج ها هنا صلاة، و ليس في الصلاة قبلكم حج، لا تدع الحج و أنت تقدر عليه، ألا ترى أنه يشعث فيه رأسك، و يقشف فيه جلدك، و تمنع فيه من النظر إلى النساء، إنا ها هنا و نحن قريب، و لنا مياه متصلة، فما نبلغ الحج حتى يشق علينا، فكيف أنتم في بعد البلاد؟ و ما من ملك و لا سوقة يصل إلى الحج إلا بمشقة، من تغيير مطعم أو مشرب أو ريح أو شمس لا يستطيع ردها، و ذلك قول الله: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ».

5977/ [3]- علي بن إبراهيم في معنى الآية، قال: إلى مكة و المدينة و جميع البلدان.

سورة النحل(16): الآيات 8 الي 15 ..... ص : 407

قوله تعالى:

وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً- إلى قوله تعالى- وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [8- 15]

5978/ [1]- العياشي: عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: سألته عن أبوال الخيل و البغال و الحمير. قال:

فكرهها. قلت: أليس لحمها حلالا؟ قال: فقال: «أليس قد بين الله لكم: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ «1» و قال في الخيل و البغال و الحمير: لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً فجعل للأكل الأنعام التي قص الله في الكتاب، و جعل للركوب الخيل و البغال و الحمير، و ليس لحومها بحرام و لكن الناس عافوها».

5979/ [2]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن ابن بكير، عن

زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) في أبوال الدواب تصيب الثوب، فكرهه، فقلت: أليس لحومها حلالا؟ قال: «بلى، و لكن ليس مما جعله الله للأكل».

5980/ [4]- علي بن إبراهيم: قال: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها و لم يقل عز و جل لتركبوها و تأكلوها، كما قال في الأنعام. وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ قال: العجائب التي خلقها الله في البر و البحر وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ يعني الطريق «2» و قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 1: 382.

1- تفسير العيّاشي 2: 255/ 6. [.....]

2- التهذيب 1: 264/ 772.

4- تفسير القمّي 1: 382.

(1) النحل 16: 5.

(2) في المصدر زيادة: وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ يعني الطريق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 408

فِيهِ تُسِيمُونَ أي تزرعون و قوله: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ يعني بالمطر: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

ثم قال: قوله تعالى: وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي خلق فأخرج مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ قوله: وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها يعني ما يخرج من البحر من أنواع الجواهر وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ يعني السفن. قال: و قوله: وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ يعني الجبال وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا يعني طرقا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ يعني كي تهتدوا.

سورة النحل(16): آية 16 ..... ص : 408

قوله تعالى:

وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [16]

5981/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أبي داود المسترق، قال: حدثنا داود الجصاص،

قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، قال: «النجم: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و العلامات: الأئمة (عليهم السلام)».

5982/ [2]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أسباط بن سالم، قال: سأل الهيثم أبا عبد الله (عليه السلام)- و أنا عنده- عن قوله عز و جل: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.

فقال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله): النجم، و العلامات: الأئمة (عليهم السلام)».

5983/ [3]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، قال: «نحن العلامات، و النجم: رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

5984/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «النجم: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و العلامات: الأئمة (عليهم السلام)».

5985/ [5]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، قال: «العلامات: الأوصياء، و النجم: رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

__________________________________________________

1- الكافي 1: 160/ 1.

2- الكافي 1: 161/ 2.

3- الكافي 1: 161/ 3.

4- تفسير القمّي 1: 383.

5- تفسير القمّي 2: 343.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 409

5986/ [6]- الشيخ في (أماليه)، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (رحمه الله)، قال: حدثني أبي، عن سعد بن عبد الله، قال: حدثني أحمد بن محمد

بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن منصور بن بزرج، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، قال: «النجم: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و العلامات: الأئمة من بعده (عليه و عليهم السلام)».

5987/ [7]- العياشي: عن المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قوله:

وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال: «هو أمير المؤمنين (عليه السلام)».

5988/ [8]- عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.

قال: «النجم: رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و العلامات: الأوصياء، بهم يهتدون».

5989/ [9]- عن أبي مخلد الخياط، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.

قال: «النجم: محمد (صلى الله عليه و آله)، و العلامات: الأوصياء (صلوات الله عليهم)».

5990/ [10]- عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، قال: «نحن العلامات، و النجم: رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

5991/ [11]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.

قال: «هم الأئمة».

5992/ [12]- عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال: هو الجدي، لأنه نجم لا يزول «1»، و عليه بناء القبلة، و به يهتدي أهل البر و البحر».

5993/ [13]- عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في

قوله: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.

قال: «ظاهر و باطن، الجدي، عليه تبنى القبلة، و به يهتدي أهل البر و البحر لأنه لا يزول».

__________________________________________________

6- الأمالي 1: 164.

7- تفسير العيّاشي 2: 255/ 7، شواهد التنزيل 1: 327/ 453.

8- تفسير العيّاشي 2: 255/ 8.

9- تفسير العيّاشي 2: 256/ 9، شواهد التنزيل 1: 327/ 454.

10- تفسير العيّاشي 2: 256/ 10. [.....]

11- تفسير العيّاشي 2: 256/ 11.

12- تفسير العيّاشي 2: 256/ 12.

13- تفسير العيّاشي 2: 256/ 13.

(1) في «ط»: لا يدور.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 410

5994/ [14]- الطبرسي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «نحن العلامات، و النجم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و لقد قال: إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء، و جعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض».

سورة النحل(16): آية 18 ..... ص : 410

قوله تعالى:

وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [18]

5995/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا قرأ هذه الآية: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها يقول: «سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه، فشكر جل و عز معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره، فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا. كما علم علم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله إيمانا، علما منه أنه قد «1» وسع العباد فلا يتجاوز ذلك، فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته، و كيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له و لا كيف؟ تعالى الله قدرا عن ذلك علوا كبيرا».

و قد تقدم في

هذه الآية هذا الحديث و غيره في قوله تعالى: وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها من سورة إبراهيم «2».

سورة النحل(16): الآيات 20 الي 25 ..... ص : 410

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ- إلى قوله تعالى- أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [20- 25] 5996/ [2]- علي بن إبراهيم: إنه رد على عبدة الأصنام، قال: و قوله: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ في علي قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني أكاذيب الأولين.

__________________________________________________

14- مجمع البيان 5: 545.

1- الكافي 8: 394/ 592.

2- تفسير القمّي 1: 383.

(1) القد: قدر الشي ء و تقطيعه. «لسان العرب- قدد- 3: 345».

(2) تقدّم في الحديث (2) من تفسير الآيات (34- 36) من سورة إبراهيم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 411

5997/ [2]- علي، بن إبراهيم، قال: حدثني جعفر بن أحمد، قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله:

فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ: «يعني أنهم لا يؤمنون بالرجعة أنها حق قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ يعني أنها كافرة وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ يعني أنهم عن ولاية علي (عليه السلام) مستكبرون لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عن ولاية علي (عليه السلام)».

و قال: «نزلت هذه الآية هكذا: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ في علي قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ».

5998/ [3]- العياشي: عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن هذه الآية وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ

ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

قال: «الذين يدعون من دون الله: الأول و الثاني و الثالث، كذبوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بقوله: والوا عليا و اتبعوه. فعادوا عليا (عليه السلام) و لم يوالوه، و دعوا الناس إلى ولاية أنفسهم، فذلك قول الله: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ».

قال: «و أما قوله: لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً فإنه يعني لا يعبدون شيئا وَ هُمْ يُخْلَقُونَ فإنه يعني و هم يعبدون، و أما قوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ يعني كفارا غير مؤمنين، و أما قوله: وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ فإنه يعني أنهم لا يؤمنون، أنهم يشركون إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فإنه كما قال الله. و أما قوله: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فإنه يعني عن ولاية علي (عليه السلام) مستكبرون، قال الله لمن فعل ذلك وعيدا منه: لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عن ولاية علي (عليه السلام)».

عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، مثله سواء «1».

5999/ [4]- عن مسعدة بن صدقة، قال: مر الحسين بن علي (عليه السلام) بمساكين قد بسطوا كساء لهم، فألقوا عليه كسرا، فقالوا: هلم يا بن رسول الله، فثنى وركه فأكل معهم، ثم تلا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ثم قال: «قد أجبتكم فأجيبوني» قالوا: نعم- يا ابن رسول الله- و تعمى عين، فقاموا معه حتى أتوا منزله، فقال للرباب: «أخرجي ما كنت تدخرين».

6000/ [5]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل هذه الآية هكذا: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ في علي قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعنون بني إسرائيل».

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 1: 383.

3- تفسير العيّاشي 2: 256/ 14.

4- تفسير العيّاشي 2:

257/ 15.

5- تفسير العيّاشي 2: 257/ 17، شواهد التنزيل 1: 331/ 456.

(1) تفسير العيّاشي 2: 257/ ذيل حديث (14). [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 412

6001/ [6]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ في علي قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ: «سجع أهل الجاهلية في جاهليتهم، فذلك قوله: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، و أما قوله: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ فإنه يعني ليستكملوا «1» الكفر يوم القيامة، و أما قوله: وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني يتحملون كفر الذين يتولونهم، قال الله: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ».

6002/ [7]- علي بن إبراهيم: قال الله عز و جل: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ قال: يحملون آثامهم، يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين (عليه السلام)، و آثام كل من اقتدى بهم، و هو

قول الصادق (عليه السلام): «و الله ما أهريقت محجمة من دم، و لا قرع عصا بعصا، و لا غصب فرج حرام، و لا أخذ مال من غير حله، إلا و وزر ذلك في أعناقهما، من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيئا».

6003/ [8]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان، عن عقبة بن بشير الأسدي، عن الكميت بن زيد الأسدي، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: «و الله- يا كميت- لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، و لكن لك ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لحسان بن ثابت: لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنا».

قال: قلت: خبرني عن الرجلين؟ قال: فأخذ الوسادة فكسرها في صدره، ثم قال: «و

الله- يا كميت- ما أهريقت محجمة من دم، و لا أخذ مال من غير حله، و لا قلب حجر عن حجر، إلا ذاك في أعناقهما».

6004/ [9]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ما بويع له بخمسة أيام خطبة، فقال فيها: و اعلموا أن لكل حق طالبا، و لكل دم ثائرا، و الطالب لحقنا كقيام الثائر بدمائنا، و الحاكم في حق نفسه هو العادل الذي لا يحيف، و الحاكم الذي لا يجوز، و هو الله الواحد القهار.

و اعلموا أن على كل شارع بدعة وزره و وزر كل مقتد «2» به من بعده، من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيئا، و سينتقم الله من الظلمة مأكلا بمأكل و مشربا بمشرب، من لقم العلقم و مشارب الصبر الأدهم «3»، فليشربوا بالصب «4» من الراح «5» السم المداف، و ليلبسوا دثار «6» الخوف دهرا طويلا، و لهم بكل ما أتوا و عملوا من

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 257/ 18.

7- تفسير القمّي 1: 383.

8- الكافي 8: 102/ 75.

9- تفسير القمّي 1: 384.

(1) في المصدر: ليتكلّموا.

(2) في «ط»: معتقد.

(3) الأدهم: الأسود. «لسان العرب- دهم- 12: 209».

(4) في «ط»: معتقد.

(5) الراح: الخمر. «الصحاح- روح- 1: 368».

(6) الدثار: كلّ ما كان من الثياب فوق الشعار. «الصحاح- دثر- 2: 655».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 413

أفاويق «1» الصبر الأدهم فوق ما أتوا و عملوا، أما إنه لم يبق إلا الزمهرير من شتائهم، و ما لهم من الصيف إلا رقدة، ويحهم ما تزودوا و جمعوا على ظهورهم من الآثام و الخطايا.

فيا مطايا الخطايا، و يا زور

الزور، و أوزار الآثام مع الذين ظلموا، اسمعوا و اعقلوا و توبوا، و ابكوا على أنفسكم، فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فاقسم ثم اقسم، لتحملنها بنو امية من بعدي، و ليعرفنها في دار غيرهم عما قليل، فلا يبعد الله إلا من ظلم، و على البادي- يعني الأول- ما سهل لهم من سبيل الخطايا مثل أوزارهم و أوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة، و من أوزار الذين يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون».

6005/ [10]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن محمد السياري، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مهران الكوفي، قال: حدثني حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي إسحاق الليثي، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): يا بن رسول الله، أخبرني عن المؤمن المستبصر إذا بلغ في المعرفة و كمل، هل يزني؟ قال: «اللهم لا». قلت: فيلوط؟ قال: «اللهم لا». قلت: فيسرق؟ قال:

«لا». قلت: فيشرب الخمر؟ قال: «لا». قلت: فيأتي بكبيرة من هذه الكبائر أو فاحشة من هذه الفواحش؟ قال: «لا».

قلت: فيذنب ذنبا؟ قال: «نعم، هو مؤمن مذنب ملم». قلت: ما معنى ملم؟ قال: «الملم بالذنب لا يلزمه و لا يصير عليه».

قال: فقلت: سبحان الله! ما أعجب هذا، لا يزني، و لا يلوط، و لا يسرق، و لا يشرب الخمر، و لا يأتي بكبيرة من الكبائر و لا فاحشة! فقال: «لا تعجب من أمر الله، إن الله عز و جل يفعل ما يشاء، و لا يسأل عما يفعل و هم يسألون، فمم عجبت يا إبراهيم؟ سل و لا تستنكف و لا تستح، فإن

هذا العلم لا يتعلمه مستكبر و لا مستحيي».

قلت: يا بن رسول الله، إني أجد من شيعتكم من يشرب الخمر، و يقطع الطريق، و يخيف السبيل، و يزني، و يلوط، و يأكل الربا، و يرتكب الفواحش، و يتهاون بالصلاة و الصيام و الزكاة، و يقطع الرحم، و يأتي الكبائر، فكيف هذا، و لم ذاك؟ فقال: «يا إبراهيم، هل يختلج في صدرك شي ء غير هذا؟» قلت: نعم- يا بن رسول الله- اخرى أعظم من ذلك. فقال: «و ما هو، يا أبا إسحاق؟» قال: فقلت: يا بن رسول الله، و أجد من أعدائكم، و من مناصبيكم من يكثر من الصلاة و من الصيام، و يخرج الزكاة، و يتابع بين الحج و العمرة، و يحرص على الجهاد، و يأثر «2» على البر و على صلة الأرحام، و يقضي حقوق إخوانه، و يواسيهم من ماله، و يتجنب شرب الخمر و الزنا و اللواط، و سائر الفواحش، فمم ذاك؟ و لم ذلك؟ فسره لي با بن رسول الله و برهنه و بينه، فقد- و الله- كثر فكري، و أسهر ليلي و ضاق ذرعي.

قال: فتبسم الباقر (صلوات الله عليه)، ثم قال: «يا إبراهيم، خذ إليك بيانا شافيا فيما سألت، و علما مكنونا من

__________________________________________________

10- علل الشرائع: 606/ 81.

(1) الأفاويق: ما اجتمع من الماء في السحاب، فهو يمطر ساعة بعد ساعة. و الأفاويق أيضا جميع (الفيقة) اسم اللبن الذي يجتمع في الضّرع بين الحلبتين. و كنىّ به هنا عن استمرار العذاب.

(2) أثر أن يفعل ذلك الأمر: أي فرغ له و عزّم عليه. «لسان العرب- أثر- 4: 8».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 414

خزائن علم الله و سره، أخبرني- يا إبراهيم- كيف تجد اعتقادهما؟».

قلت: يا

بن رسول الله، أجد محبيكم و شيعتكم على ما هم فيه مما و صفته من أفعالهم، لو أعطي أحدهم ما بين المشرق و المغرب ذهبا و فضة أن يزول عن ولايتكم و محبتكم إلى موالاة غيركم و محبتهم، ما زال، و لو ضربت خياشيمه بالسيوف فيكم، و لو قتل فيكم ما ارتدع و لا رجع عن محبتكم و ولايتكم. و أرى الناصب على ما هو عليه مما وصفته من أفعالهم، لو اعطي أحدهم ما بين المشرق و المغرب ذهبا و فضة أن يزول عن محبة الطواغيت و موالاتهم إلى موالاتكم، ما فعل و لا زال، و لو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم، و لو قتل فيهم، ما ارتدع و لا رجع، و إذا سمع أحدهم منقبة لكم و فضلا اشمأز من ذلك و تغير لونه، و رؤي كراهية ذلك في وجهه، بغضا لكم و محبة لهم.

قال: فتبسم الباقر (عليه السلام)، ثم قال: «يا إبراهيم، ها هنا هلكت العاملة الناصبة، تصلى نارا حامية، تسقى من عين آنية، و من أجل ذلك قال الله عز و جل: وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً «1» ويحك- يا إبراهيم- أ تدري ما السبب و القصة في ذلك، و ما الذي قد خفي على الناس منه»؟

قلت: يا بن رسول الله، فبينه لي و اشرحه و برهنه.

قال: «يا إبراهيم، إن الله تبارك و تعالى لم يزل عالما قديما، خلق الأشياء لا من شي ء، و من زعم أن الله عز و جل خلق الأشياء من شي ء فقد كفر، لأنه لو كان ذلك الشي ء الذي خلق منه الأشياء قديما معه في أزليته و هويته، كان ذلك الشي ء أزليا، بل خلق

الله عز و جل الأشياء كلها لا من شي ء، فكان مما خلق الله عز و جل أرضا طيبة، ثم فجر منها ماء عذبا زلالا، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام فطبقها «2» و عمها، ثم نضب ذلك الماء عنها، فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا، فجعله طين الأئمة (عليهم السلام)، ثم أخذ ثفل «3» ذلك الطين، فخلق منه شيعتنا، و لو ترك طينتكم- يا إبراهيم- على حالها كما ترك طينتنا، لكنتم و نحن شيئا واحدا».

قلت: يا بن رسول الله، فما فعل بطينتنا؟

قال: «أخبرك- يا إبراهيم- خلق الله عز و جل بعد ذلك أرضا سبخة خبيثة منتنة، ثم فجر منها ماء أجاجا آسنا «4» مالحا، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت، فلم تقبلها، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها و عمها، ثم نضب ذلك الماء عنها، ثم أخذ من ذلك الطين، فخلق منه الطغاة و أئمتهم، ثم مزجه بثفل طينتكم، و لو ترك طينتهم على حالها و لم يمزج بطينتكم لم يشهدوا الشهادتين، و لا صلوا و لا صاموا و لا زكوا و لا حجوا و لا أدوا

__________________________________________________

(1) الفرقان 25: 23. [.....]

(2) طبقها: غشاها و عمّها. «المعجم الوسيط- طبق- 2: 550».

(3) الثّفل: ما استقرّ تحت الماء و نحوه من كدر. «المعجم الوسيط- ثفل- 1: 97».

(4) في «س»: منتنا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 415

أمانة، و لا أشبهوكم في الصور، و ليس شي ء أشد «1» على المؤمن من أن يرى صورة عدوه مثل صورته».

قلت: يا بن رسول الله، فما صنع بالطينتين؟

قال: «مزج بينهما بالماء الأول و الماء الثاني، ثم عركها عرك الأديم، ثم أخذ من ذلك قبضة، فقال: هذه إلى

الجنة و لا ابالي و أخذ قبضة اخرى، و قال: هذه إلى النار و لا ابالي ثم خلط بينهما، فوقع من سنخ المؤمن و طينته على سنخ الكافر و طينته، و وقع من سنخ الكافر و طينته على سنخ المؤمن و طينته. فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلاة أو صيام أو حج أو جهاد، أو جناية «2»، أو كبيرة من هذه الكبائر، فهو من طينة الناصب و عنصره الذي قد مزج فيه، لأن من سنخ الناصب و عنصره و طينته اكتساب المآثم و الفواحش و الكبائر، و ما رأيت من الناصب، و مواظبته على الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الجهاد و أبواب البر، فهو من طينة المؤمن و سنخه الذي قد مزج فيه، لأن من سنخ المؤمن و عنصره و طينته اكتساب الحسنات و استعمال الخير و اجتناب المآثم.

فإذا عرضت هذه الأعمال كلها على الله عز و جل، قال: أنا عدل لا أجور، و منصف لا أظلم، و حكم لا أحيف و لا أميل و لا أشطط، ألحقوا الأعمال السيئة التي اجترحها المؤمن بسنخ الناصب و طينته، و ألحقوا الأعمال الحسنة التي اكتسبها الناصب بسنخ المؤمن و طينته، ردوها كلها إلى أصلها، فإني أنا الله لا إله إلا أنا عالم السر و أخفى، و أنا المطلع على قلوب عبادي، لا أحيف و لا أظلم، و لا الزم أحدا إلا بما عرفته منه قبل أن أخلقه».

ثم قال الباقر (عليه السلام): «يا إبراهيم، اقرأ هذه الآية» قلت: يا بن رسول الله، أية آية؟ قال: «قوله تعالى: قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ

«3» هو في الظاهر ما تفهمونه، و هو- و الله- في الباطن هذا بعينه. يا إبراهيم، إن للقرآن ظاهرا و باطنا، و محكما و متشابها، و ناسخا و منسوخا».

ثم قال: «أخبرني- يا إبراهيم- عن الشمس إذا طلعت، و بدأ شعاعها في البلدان، أهو بائن من القرص؟» قلت: في حال طلوعه بائن. قال: «أليس إذا غابت الشمس اتصل ذلك الشعاع بالقرص حتى يعود إليه؟» قلت: نعم.

قال: «كذلك يعود كل شي ء إلى سنخه و جوهره و أصله، فإذا كان يوم القيامة، نزع الله عز و جل سنخ الناصب و طينته مع أثقاله و أوزاره من المؤمن، فيلحقها كلها بالناصب، و ينزع سنخ المؤمن و طينته مع حسناته و أبواب بره و اجتهاده من الناصب، فيلحقها كلها بالمؤمن، أفترى ها هنا ظلما أو عدوانا؟» قلت: لا، يا بن رسول الله.

قال: «هذا- و الله- القضاء الفاصل، و الحكم القاطع، و العدل البين، لا يسأل عما يفعل و هم يسألون، هذا- يا إبراهيم- الحق من ربك، فلا تكن من الممترين، و هذا من حكم الملكوت».

قلت: يا بن رسول الله، و ما حكم الملكوت؟

قال: «حكم الله و حكم أنبيائه، و قصة الخضر و موسى (عليهما السلام) حين استصحبه، فقال: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً

__________________________________________________

(1) في المصدر: أكبر.

(2) في المصدر: أو خيانة.

(3) يوسف 12: 79.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 416

وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً «1» افهم- يا إبراهيم- و اعقل، أنكر موسى على الخضر، و استفظع أفعاله حتى قال له الخضر: يا موسى، ما فعلته عن أمري، إنما فعلته عن أمر الله عز و جل. من هذا- ويحك يا إبراهيم- قرآن يتلى، و أخبار تؤثر عن الله

عز و جل، من رد منها حرفا فقد كفر و أشرك، و رد على الله عز و جل».

قال الليثي: فكأني لم أعقل الآيات و أنا أقرأها أربعين سنة إلا ذلك اليوم، فقلت: يا بن رسول الله، ما أعجب هذا، تؤخذ حسنات أعدائكم فترد على شيعتكم، و تؤخذ سيئات محبيكم فترد على مبغضيكم؟

قال: «إي و الله الذي لا إله إلا هو، فالق الحبة و بارئ النسمة و فاطر الأرض و السماء، ما أخبرتك إلا بالحق، و ما أنبأتك إلا الصدق، و ما ظلمهم الله، و ما الله بظلام للعبيد، و إن ما أخبرتك لموجود في القرآن كله».

قلت: هذا بعينه يوجد في القرآن؟

قال: «نعم، يوجد في أكثر من ثلاثين موضعا في القرآن، أ تحب أن أقرأ ذلك عليك؟» قلت: بلى، يا بن رسول الله. فقال: «قال الله عز و جل: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْ ءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ «2» الآية. أزيدك، يا إبراهيم؟» قلت: بلى، يا بن رسول الله. قال: «لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ أ تحب أن أيدك؟» قلت: بلى، يا بن رسول الله. قال: «فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «3» يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات، و يبدل الله حسنات أعدائنا سيئات، و جلال الله و وجه الله «4» إن هذا لمن عدله و إنصافه، لا راد لقضائه، و لا معقب لحكمه، و هو السميع العليم، ألم أبين لك أمر المزاج و الطينتين من القرآن؟» قلت: بلى، يا بن رسول

الله. قال: «اقرأ- إبراهيم- الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ «5» يعني من الأرض الطيبة، و الأرض المنتنة فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى «6» يقول: لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته و صيامه و زكاته و نسكه، لأن الله عز و جل أعلم بمن اتقى منكم، فإن ذلك من قبل اللمم، و هو المزاج، أزيدك يا إبراهيم؟» قلت: بلى، يا بن رسول الله قال: «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «7» يعني أئمة الجور، دون أئمة الحق، و يحسبون أنهم مهتدون، خذها إليك- يا أبا إسحاق- فو الله إنه لمن غرر أحاديثنا، و بواطن سرائرنا، و مكنون خزائننا، انصرف و لا تطلع على سرنا أحدا إلا مؤمنا مستبصرا، فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك و مالك و أهلك و ولدك».

__________________________________________________

(1) الكهف 18: 67- 68.

(2) العنكبوت 29: 12- 13.

(3) الفرقان 25: 70.

(4) (و وجه اللّه) ليس في المصدر.

(5، 6) النجم 53: 32.

(7) الأعراف 7: 29- 30.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 417

سورة النحل(16): آية 26 ..... ص : 417

قوله تعالى:

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [26]

6006/ [1]- ابن بابويه: بإسناده عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: «يوم الأربعاء خر عليهم السقف من فوقهم».

6007/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى

اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ.

قال: «بيت مكرهم، أي ماتوا فألقاهم «1» الله في النار، و هو مثل لأعداء آل محمد (عليه و عليهم السلام)».

6008/ [3]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ، قال: «كان بيت غدر يجتمعون فيه».

6009/ [4]- عن أبي السفاتج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قرأ «فأتى الله بيتهم من القواعد يعني بيت مكرهم».

6010/ [5]- عن كليب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ.

قال: «لا، فأتى الله بيتهم من القواعد و إنما كان بيتا».

6011/ [6]- عن الحسن بن زياد الصيقل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ و لم يعلم الذين آمنوا فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ» قال محمد بن كليب، عن أبيه، قال: قال: «إنما كان بيتا» «2».

__________________________________________________

1- الخصال: 388/ 78.

2- تفسير القمّي 1: 384. [.....]

3- تفسير العيّاشي 2: 258/ 19.

4- تفسير العيّاشي 2: 258/ 20.

5- تفسير العيّاشي 2: 258/ 21.

6- تفسير العيّاشي 2: 258/ 22.

(1) في «ط»: و أبقاهم.

قال المجلسي (رضوان اللّه عليه): قوله: بيت مكرهم، أي المراد بالبنيان بيت مكرهم الذي بنوه مجازا. قال في مجمع البيان: قيل: مثل ضربه اللّه لاستيصالهم، و المعنى: فأتى اللّه مكرهم من أصله، أي عاد ضرر المكر إليهم. «بحار الأنوار 8 (الطبعة الحجرية): 365».

(2) في المصدر: قال: أتى بيتا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 418

6012/ [7]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ.

قال:

«كان بيت غدر يجتمعون فيه إذا أرادوا الشر».

سورة النحل(16): الآيات 27 الي 29 ..... ص : 418

قوله تعالى:

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ- إلى قوله تعالى- فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [27- 29] 6013/ [1]- قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَ يَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ قال: الذين أوتوا العلم:

الأئمة (عليهم السلام) يقولون لأعدائهم: أين شركاؤكم، و من أطعتموهم في الدنيا؟ ثم قال فيهم أيضا: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ سلموا لما أصابهم من البلاء، ثم يقولون: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ فرد الله عليهم، فقال: بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ.

سورة النحل(16): الآيات 30 الي 37 ..... ص : 418

قوله تعالى:

وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ- إلى قوله تعالى- إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [30- 37]

6014/ [2]- الشيخ في (أماليه) قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن علي الزعفراني، قال: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سعيد، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما كتب لمحمد بن أبي بكر، و لأهل

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 258/ 23.

1- تفسير القمّي 1: 384.

2- الأمالي 1: 24.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 419

مصر حين ولاه مصر- في حديث طويل- قال (عليه السلام): «يا عباد الله، إن أقرب ما يكون العبد من المغفرة

و الرحمة حين يعمل [لله ] بطاعته و ينصحه في توبته، عليكم بتقوى الله فإنها تجمع الخير، و لا خير غيرها، و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا و خير الآخرة، قال الله عز و جل: وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ».

6015/ [2]- العياشي: عن ابن مسكان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ.

قال: «الدنيا».

6016/ [3]- و قال علي بن إبراهيم: ثم ذكر المؤمنين فقال: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ قوله:

طَيِّبِينَ قال: هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا. ثم قال: قوله:لْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ

[من العذاب و الموت، و خروج القائم (عليه السلام)ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

، و قوله: فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ] من العذاب في الرجعة.

ثم قال: قوله: وَ قالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ ءٍ نَحْنُ وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ ءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [فإنه محكم ] ثم قال: قوله:

وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ يعني الأصنام فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ أي انظروا في أخبار من هلك من قبل.

6017/ [4]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد ابن

عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كل راية ترفع قبل قيام القائم، فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز و جل».

6018/ [5]- العياشي: عن خطاب بن مسلمة، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «ما بعث الله نبيا قط إلا بولايتنا و البراءة من أعدائنا، و ذلك قول الله عز و جل في كتابه: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ بتكذيبهم آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، ثم قال:

فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ».

6019/ [6]- و قال علي بن إبراهيم: و قوله: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ مخاطبة للنبي (صلى الله عليه و آله)

__________________________________________________

2- تفسير العياشي 2: 258/ 24.

3- تفسير القمي 1: 385.

4- الكافي 8: 295/ 452.

5- تفسير العياشي 2: 258/ 25.

6- تفسير القمي 1: 385. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 420

فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي أي لا يثيب، مَنْ يُضِلُّ أي من يعذب.

سورة النحل(16): الآيات 38 الي 39 ..... ص : 420

قوله تعالى:

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ- إلى قوله تعالى- وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ [38- 39]

6020/ [1]- محمد بن يعقوب: بإسناده عن سهل، عن محمد، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله تبارك و تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ؟

قال: فقال لي: «يا أبا بصير، ما تقول في هذه الآية؟» قال: قلت: إن المشركين يزعمون و يحلفون

لرسول الله (صلى الله عليه و آله) أن الله لا يبعث الموتى. قال: فقال: «تبا لمن قال هذا «1»، هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات و العزى؟».

قال: قلت: جعلت فداك، فأوجدنيه؟ قال: فقال لي: «يا أبا بصير، لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا، قبائع «2» سيوفهم على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا، فيقولون: بعث فلان و فلان و فلان من قبورهم، و هم مع القائم. فيبلغ ذلك قوما من عدونا، فيقولون: يا معشر الشيعة، ما أكذبكم! هذه دولتكم و أنتم تقولون فيها الكذب! لا و الله ما عاش هؤلاء و لا يعيشون إلى يوم القيامة- قال- فحكى الله قولهم فقال: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ».

6021/ [2]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ

قال: حدثني أبي، عن بعض رجاله، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما تقول الناس فيها؟». قال: يقولون: نزلت في الكفار.

فقال: «إن الكفار كانوا لا يحلفون بالله، و إنما نزلت في قوم من امة محمد (صلى الله عليه و آله)، قيل لهم: ترجعون بعد الموت قبل القيامة، فحلفوا أنهم لا يرجعون، فرد الله عليهم فقال: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ

__________________________________________________

1- الكافي 8: 50/ 14.

2- تفسير القمي 1: 385.

(1) في المصدر زيادة: سلهم.

(2) قبائع: جمع قبيعة، و هي ما على طرف مقبض السيف من فضة أو ذهب. «الصحاح- قبع- 3: 1260».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 421

يعني في الرجعة، يردهم فيقتلهم و يشفي

صدور المؤمنين منهم».

6022/ [3]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ.

قال: «ما يقولون فيها؟». قلت: يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله (صلى الله عليه و آله): أن الله لا يبعث الموتى. قال: «تبا لمن قال هذا، ويلهم، هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات و العزى؟».

قلت: جعلت فداك، فأوجدنيه أعرفه. قال: «لو قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا، قبائع سيوفهم على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا، فيقولون: بعث فلان و فلان من قبورهم مع القائم. يبلغ ذلك قوما من أعدائنا، فيقولون: يا معشر الشيعة، ما أكذبكم! هذه دولتكم و أنتم تكذبون فيها! لا و الله ما عاشوا و لا يعيشون إلى يوم القيامة. فحكى الله قولهم فقال: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ».

6023/ [4]- عن أبي عبد الله صالح بن ميثم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً «1».

قال: «ذلك حين يقول علي (عليه السلام): أنا أولى الناس بهذه الآية وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ».

6024/ [5]- عن سيرين، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ قال: «ما يقول الناس في هذه الآية وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ؟» قال: يقولون: لا قيامة و لا بعث و لا نشور.

فقال: «كذبوا و الله، إنما ذلك إذا قام القائم، و كر

معه المكرون، فقال أهل خلافكم: قد ظهرت دولتكم، يا معشر الشيعة، و هذا من كذبكم، تقولون: رجع فلان و فلان و فلان. لا و الله لا يبعث الله من يموت، ألا ترى أنه قال:

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ كان المشركون أشد تعظيما للات و العزى من أن يقسموا بغيرها، فقال الله: بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا، لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «2»».

6025/ [6]- عن الفضيل، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): [إن خرج السفياني ما تأمرني؟ قال: «إذا كان ذلك

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 259/ 26.

4- تفسير العيّاشي 2: 259/ 27.

5- تفسير العيّاشي 2: 259/ 28.

6- تفسير العيّاشي 2: 260/ 29.

(1) آل عمران 3: 83.

(2) النحل 16: 39 و 40.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 422

كتبت إليك». قلت:] «1» أعلمني آية كتابك؟ قال: «أكتب إليك بعلامة كذا و كذا» و قرأ «2» آية من القرآن.

قلت لفضيل: و ما تلك الآية؟ قال: ما حدثت بها أحدا غير بريد العجلي. قال زرارة: أنا أحدثك بها:

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إلى آخر الآية، قال: فسكت الفضيل، و لم يقل لا، و لا نعم.

6026/ [7]- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (مسند فاطمة (عليها السلام) قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، قال: حدثنا أبي عن سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن فضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن

خرج السفياني ما تأمرني؟ قال: «إذا كان ذلك كتبت إليك». قلت: أعلمني آية كتابك «3»؟ قال: «أكتب إليك بعلامة كذا و كذا» و قرأ آية من القرآن.

قال: فقلت لفضيل: ما تلك الآية؟ قال: ما حدثت بها أحدا غير بريد العجلي. قال زرارة: أنا أحدثك بها، هي:

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا قال: فسكت الفضيل و لم يقل لا، و لا نعم.

سورة النحل(16): الآيات 40 الي 41 ..... ص : 422

قوله تعالى:

إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ- إلى قوله تعالى- وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [40- 41]

6027/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال:

قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن الإرادة، من الله و من الخلق؟

قال: فقال: «الإرادة من الخلق الضمير، و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل و أما من الله تعالى فإرادته إحداثه، لا غير ذلك، لأنه لا يروي و لا يهم، و لا يتفكر، و هذه الصفات منفية عنه، و هي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل، لا غير ذلك، يقول له: كن فيكون، بلا لفظ و لا نطق بلسان، و لا همة، و لا تفكر، و لا كيف لذلك، كما أنه لا كيف له».

6028/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: قوله تعالى: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ أي هاجروا و تركوا الكفار في الله

__________________________________________________

7- دلائل الإمامة: 248.

1- الكافي 1: 85/ 3.

2- تفسير القمّي 1: 385.

(1) أثبتناه من الحديث الآتي عن محمّد بن جرير الطبري. [.....]

(2) في «س»: و هو.

(3) في المصدر: قلت: فكيف أعلم أنّه كتابك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 423

لَنُبَوِّئَنَّهُمْ أي لنؤتينهم فِي الدُّنْيا

حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

سورة النحل(16): الآيات 43 الي 44 ..... ص : 423

قوله تعالى:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [43- 44]

6029/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الذكر أنا، و الأئمة (عليهم السلام)، أهل الذكر».

و قوله عز و جل: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ «1» قال أبو جعفر (عليه السلام): «نحن قومه، و نحن المسؤولون».

6030/ [2]- و عنه: عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد، عن محمد بن اورمة، عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ؟ قال:

«الذكر: محمد (صلى الله عليه و آله)، و نحن أهله المسؤولون».

قال: قلت: قوله: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ «2»؟ قال: «إيانا عنى، و نحن أهل الذكر، و نحن المسؤولون».

6031/ [3]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ؟ فقال: «نحن أهل الذكر، و نحن المسؤولون».

قلت: فأنتم المسؤولون، و نحن السائلون؟ قال: «نعم». قلت: حقا علينا أن نسألكم؟ قال: «نعم». قلت: حقا عليكم أن تجيبونا؟ قال: «لا، ذاك إلينا، إن شئنا فعلنا، و

إن شئنا لم نفعل، أما تسمع قول الله تبارك و تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ «3»».

__________________________________________________

1- الكافي 1: 163/ 1.

2- الكافي 1: 164/ 2.

3- الكافي 1: 164/ 3.

(1) الزخرف 43: 44.

(2) الزخرف 43: 44.

(3) سورة ص 38: 39.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 424

6032/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) و دخل عليه الورد أخو الكميت، فقال: جعلني الله فداك، اخترت لك سبعين مسألة، ما يحضرني منها مسألة واحدة. قال: «و لا واحدة يا ورد؟» قال: بلى، قد حضرني منها واحدة. قال: «و ما هي؟».

قال: قول الله تبارك و تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ من هم؟ قال: «نحن أهل الذكر، و نحن مسئولون».

قلت: فأنتم المسؤولون، و نحن السائلون «1»؟ قال: «نعم». قلت: علينا «2» أن نسألكم؟ قال: «نعم». قلت:

عليكم أن تجيبونا؟ قال: «ذاك إلينا».

و روى هذا الحديث محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات): عن محمد بن الحسين، و ساق السند و المتن بعينه بتغيير يسير في المتن «3».

6033/ [5]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز و جل: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أنهم اليهود و النصارى، قال: «إذن يدعونكم إلى دينهم» ثم قال بيده إلى صدره: «نحن أهل الذكر، و نحن المسؤولون».

و روى هذا الحديث محمد بن العباس، قال: حدثنا علي بن

سليمان الرازي، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن العلاء بن رزين القلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) و ذكر الحديث بعينه «4».

6034/ [6]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «قال علي بن الحسين (عليه السلام): على الأئمة من الفرض ما ليس على شيعتهم، و على شيعتنا ما ليس علينا، أمرهم الله عز و جل أن يسألونا، قال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- قال- فأمرهم أن يسألونا، و ليس علينا الجواب، إن شئنا أجبنا، و إن شئنا أمسكنا».

6035/ [7]- أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) مسائل «5»،

__________________________________________________

4- الكافي 1: 164/ 6.

5- الكافي 1: 165/ 7.

6- الكافي 1: 165/ 8.

7- الكافي 1: 165/ 9.

(1) (نحن أهل الذكر ... و نحن السائلون) لم يرد في المصدر.

(2) في المصدر: من هم؟ قال: نحن. قلت: علينا. [.....]

(3) بصائر الدرجات: 58/ 1.

(4) تأويل الآيات 1: 324/ 3.

(5) في المصدر: كتابا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 425

فكان في بعض ما كتب: «قال الله عز و جل: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ و قال الله عز و جل: وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «1» فقد فرضت عليكم المسألة، و لم يفرض علينا الجواب، قال الله عز و جل: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ «2»».

و روى هذين الحديثين

الصفار أيضا، عن أحمد بن محمد بباقي السند و المتن «3».

6036/ [8]- و عنه: عن محمد بن الحسين و غيره، عن سهل، عن محمد بن عيسى و محمد بن يحيى و محمد ابن الحسين، جميعا عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، و عبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال جل ذكره: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

قال: «الكتاب: الذكر، و أهله: آل محمد (عليهم السلام)، أمر الله عز و جل بسؤالهم و لم يأمر بسؤال الجهال، و سمى الله عز و جل القرآن ذكرا، فقال تبارك و تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ و قال عز و جل: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ «4»».

6037/ [9]- و عنه: عن محمد، عن أحمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن حمزة بن الطيار، أنه عرض على أبي عبد الله (عليه السلام) بعض خطب أبيه، حتى إذا بلغ موضعا منها، قال له: «كف و اسكت». ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه و التثبت، و الرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد، و يجلوا عنكم العمى، و يعرفوكم فيه الحق، قال الله تبارك و تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».

6038/ [10]- سعد بن عبد الله: عن إبراهيم بن هاشم، عن عثمان بن عيسى، عن حماد الطنافسي، عن الكلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً

رَسُولًا «5»؟ قال: «الذكر: اسم من أسماء محمد (صلى الله عليه و آله)، و نحن أهل الذكر، فاسأل- يا كلبي- عما بدا لك». فقال: نسيت- و الله- القرآن كله، فما حفظت حرفا أسأله عنه.

6039/ [11]- محمد بن الحسن الصفار: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب،

__________________________________________________

8- الكافي 1: 234/ 3. قطعة منه.

9- الكافي 1: 40/ 10.

10- مختصر بصائر الدرجات: 68.

11- بصائر الدرجات: 62/ 23.

(1) التوبة 9: 122.

(2) القصص 28: 50.

(3) بصائر الدرجات: 58/ 2 و 3.

(4) الزخرف 43: 44.

(5) الطلاق 65: 10- 11.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 426

عن أبان بن عثمان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

قال: «الذكر: القرآن، و آل رسول الله (صلى الله عليه و آله) أهل الذكر، و هم المسؤولون».

6040/ [12]- و عنه: عن محمد بن الحسين، عن أبي داود سليمان بن سفيان، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله تبارك و تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ من المعنون بذلك؟ قال: «نحن».

قال: قلت: فأنتم المسؤولون؟ قال: «نعم» قلت: و نحن السائلون؟ قال: «نعم» قلت: فعلينا ان نسألكم؟ قال:

«نعم» قلت: و عليكم أن تجيبونا؟ قال: «لا، ذلك إلينا، إن شئنا فعلنا، و إن شئنا لم نفعل، ثم قال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ «1»».

و روى هذا الحديث، علي بن إبراهيم، قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، عن أبي داود سليمان بن سفيان، عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ

إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ من المعنون بذلك؟ فقال: «نحن و الله». فقلت: و أنتم المسؤولون؟ قال: «نعم» و ساق الحديث إلى آخره، إلا أن فيه: «و إن شئنا تركنا» الحديث «2».

6041/ [13]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب و جعفر بن محمد بن مسرور (رضي الله عنهما)، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال: حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون بمرو و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء العراق و خراسان، و ذكر الحديث إلى أن قال فيه الرضا (عليه السلام): «نحن أهل الذكر الذين قال الله في كتابه: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فنحن أهل الذكر، فاسألونا إن كنتم لا تعلمون».

فقالت العلماء: إنما عنى الله بذلك اليهود و النصارى. فقال أبو الحسن (عليه السلام): «سبحان الله، و هل يجوز ذلك؟ إذن يدعونا إلى دينهم، و يقولون: هو أفضل من دين الإسلام».

فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا، يا أبا الحسن؟ فقال (عليه السلام): «نعم، الذكر: رسول الله (صلى الله عليه و آله) و نحن أهله، و ذلك بين في كتاب الله تعالى حيث يقول في سورة الطلاق: فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ «3» فالذكر: رسول الله، و نحن أهله».

__________________________________________________

12- بصائر الدرجات: 62: 25.

13- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 228/ 1. [.....]

(1) سورة ص 38: 39.

(2) تفسير القمّي 2: 68.

(3) الطلاق 65: 10- 11.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 427

6042/ [14]- الشيخ في (أماليه): بإسناده عن هشام، قال: سألت أبا عبد الله

(عليه السلام) عن قوله تعالى:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ من هم؟ قال: «نحن».

قلت: علينا أن نسألكم؟ قال: «نعم». قال: قلت: فعليكم أن تجيبونا؟ قال: «ذاك إلينا».

6043/ [15]- المفيد في (إرشاده)، قال: أخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد، قال: حدثني جدي، قال: حدثني شيخ من أشياخ الري «1»، قال: حدثني يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن معاوية بن عمار الدهني، عن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، في قوله جل اسمه: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

قال: «نحن أهل الذكر».

قال الشيخ المفيد: قال الشيخ الرازي «2»: و قد سألت محمد بن مقاتل «3» عن هذا، فتكلم فيه برأيه، و قال:

أهل الذكر: العلماء كافة، فذكرت ذلك لأبي زرعة «4»، فبقي متعجبا من قوله، و أوردت عليه ما حدثني به يحيى بن عبد الحميد. قال: صدق محمد بن علي (عليهما السلام)، إنهم أهل الذكر، و لعمري إن أبا جعفر (عليه السلام) لمن أكبر العلماء، و قد روى أبو جعفر (عليه السلام) أخبار المبتدأ، و أخبار الأنبياء، و كتب عنه الناس المغازي، و أثروا عنه السنن، و اعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كتبوا عنه تفسير القرآن، و روت عنه الخاصة و العامة الأخبار، و ناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء، و حفظ عنه الناس كثيرا من علم الكلام.

6044/ [16]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن الحصين بن المخارق، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله عز و جل: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ

إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، قال: «نحن أهل الذكر».

6045/ [17]- العياشي: عن حمزة بن محمد الطيار، قال: عرضت على أبي عبد الله (عليه السلام) كلاما لأبي، فقال:

«اكتب، فإنه لا يسعكم فيما نزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف [عنه ] و التثبت فيه و رده إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد، و يجلوا عنكم فيه العمى، قال الله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».

__________________________________________________

14- الأمالي 2: 278.

15- الإرشاد: 264، شواهد التنزيل 1: 335/ 460، العمدة لابن بطريق: 288/ 468.

16- تأويل الآيات 1: 324/ 2.

17- تفسير العيّاشي 2: 260/ 30، شواهد التنزيل 1: 336/ 463، ينابيع المودة: 119.

(1) في المصدر: من أهل الرأي قد علت سنّه.

(2) الشيخ الرازي: هو محمّد بن إدريس الحنظليّ، أبو حاتم الرازي، أحد الحفّاظ من الحادية عشرة. و كان رفيقه أبو زرعة الرازي، توفّي في شعبان 277 ه. تهذيب التهذيب 9: 31/ 40، معجم رجال الحديث 15: 62/ 10186.

(3) محمّد بن مقاتل الرازي: هو إمام أصحاب الرأي بالرّي، و وفاته سنة 248 ه، و قيل: 249 ه. تهذيب التهذيب 9: 469/ 760، لسان الميزان 5: 388/ 1261.

(4) أبو زرعة: هو عبيد اللّه بن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ، أبو زرعة الرازي، من حفّاظ الحديث، من أهل الريّ، كان رفيقه أبو حاتم الرازي، وفاته 264 ه. سير أعلام النبلاء 13: 65/ 48.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 428

6046/ [18]- عن حمزة بن الطيار، قال: عرضت على أبي عبد الله (عليه السلام) بعض خطب أبيه حتى انتهى إلى موضع، فقال: «كف». فأمسكت، ثم قال لي: «اكتب» و أملى علي «أنه لا يسعكم» الحديث الأول.

6047/ [19]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر

(عليه السلام) قال: قلت له: إن من عندنا يزعمون أن قول الله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أنهم اليهود و النصارى. فقال: «إذن يدعونكم إلى دينهم» قال: ثم قال بيده إلى صدره: «نحن أهل الذكر و نحن المسؤولون». قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «الذكر: القرآن».

6048/ [20]- عن أحمد بن محمد، قال: كتب إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «عافانا الله و إياك أحسن عافية، إنما شيعتنا من تابعنا و لم يخالفنا و إذا خفنا خاف، و إذا أمنا أمن، قال الله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ قال: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ «1» الآية، فقد فرضت عليكم المسألة و الرد إلينا، و لم يفرض علينا الجواب، أو لم تنهوا عن كثرة المسائل، فأبيتم أن تنتهوا؟ إياكم و ذاك، فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم لأنبيائهم، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ «2»».

6049/ [21]- ابن شهر آشوب، قال: ذكر في (تفسير يوسف القطان)، عن وكيع، عن الثوري، عن السدي، قال: كنت عند عمر بن الخطاب إذ أقبل عليه كعب بن الأشرف و مالك بن الصيف و حيي بن أخطب، فقالوا: إن في كتابكم: وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ «3» إذا كان سعة جنة واحدة كسبع سماوات و سبع أرضين، فالجنان كلها يوم القيامة أين تكون؟ فقال عمر: لا أعلم. فبيناهم في ذلك إذ دخل علي (عليه السلام)، فقال: «في أي شي ء أنتم؟» فألقى اليهود المسألة عليه، فقال (عليه السلام) لهم: «خبروني أن النهار إذا أقبل الليل أين يكون [و

الليل إذا أقبل النهار أين يكون ]؟» قالوا له: في علم الله تعالى يكون. فقال علي (عليه السلام): «كذلك الجنان تكون في علم الله».

فجاء علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و أخبره بذلك، فنزل فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

6050/ [22]- شرف الدين النجفي: روى جابر بن يزيد و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «نحن أهل الذكر».

6051/ [23]- و من طريق المخالفين، ما رواه الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في (المستخرج من التفاسير

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 2: 260/ 31.

19- تفسير العيّاشي 2: 260/ 32.

20- تفسير العيّاشي 2: 261/ 33. [.....]

21- المناقب 2: 352.

22- تأويل الآيات 1: 255/ 7.

23- ... عنه الطرائف: 93/ 131 و إحقاق الحقّ 3: 482.

(1) التوبة 9: 122.

(2) المائدة 5: 101.

(3) آل عمران 3: 133.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 429

الاثني عشر) في تفسير قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، و الله ما سمي المؤمن مؤمنا إلا كرامة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

سورة النحل(16): الآيات 45 الي 47 ..... ص : 429

قوله تعالى:

أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ- إلى قوله تعالى- فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [45- 47]

6052/ [1]- العياشي: عن إبراهيم بن عمر، عمن سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين (عليه السلام)، ثم صار عند محمد بن علي (عليه السلام)، ثم يفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة رجل، و معه راية رسول الله (صلى الله عليه و آله)، عامدا إلى المدينة حتى يمر بالبيداء فيقول: هذا

مكان القوم الذين خسف بهم، و هي الآية التي قال الله: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ».

6053/ [2]- عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) سئل عن قول الله تعالى: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، قال: «هم أعداء الله، و هم يمسخون و يقذفون و يسيحون في الأرض».

6054/ [3]- عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)- في حديث طويل- قال له: «و إياكم و شذاذا من آل محمد، فإن لآل محمد و علي (عليهم السلام) راية، و لغيرهم رايات [فالزم الأرض، و لا تتبع منهم رجلا أبدا حتى ترى رجلا من ولد الحسين، معه عهد نبي الله و رايته و سلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي، و يفعل الله ما يشاء]، فالزم هؤلاء أبدا، و إياك و من ذكرت لك.

فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة و بضعة عشر رجلا، و معه راية رسول الله (صلى الله عليه و آله) عامدا إلى المدينة حتى يمر بالبيداء، حتى يقول: هذا مكان القوم الذين خسف بهم، و هي الآية التي قال الله تعالى: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 261/ 34.

2- تفسير العيّاشي 2: 261/ 35.

3- تفسير العيّاشي 1: 65/ 117.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 430

6055/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: قوله: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ يا محمد،

و هو استفهام أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ قال: إذا جاءوا و ذهبوا في التجارات و في أعمالهم، فيأخذهم في تلك الحالة: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ قال:

على تيقظ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

سورة النحل(16): الآيات 48 الي 51 ..... ص : 430

قوله تعالى:

أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ- إلى قوله تعالى- إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [48- 51] 6056/ [1]- علي بن إبراهيم، قال قوله: أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَ الشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَ هُمْ داخِرُونَ قال: تحويل كل ظل خلقه الله هو سجوده لله، لأنه ليس شي ء إلا له ظل يتحرك، فتحريكه و تحويله سجوده.

قال: و قوله: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَ الْمَلائِكَةُ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ. قال: الملائكة ما قدر الله لهم، يأمرون «1» فيه. ثم احتج الله عز و جل على الثنوية، فقال: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ.

6057/ [2]- الطبرسي في (الاحتجاج): قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) قيل له: و لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يخلو قولك أنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويا و الآخر ضعيفا، فإن كانا قويين، فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه و يتفرد بالربوبية؟ و إن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما تقول للعجز الظاهر في الثاني، و إن قلت:

إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة، فلما رأينا الخلق منتظما، و الفلك جاريا، و اختلاف الليل و النهار و الشمس و القمر، دل ذلك على صحة الأمر و التدبير و ائتلاف الأمور، و أن المدبر واحد».

6058/ [3]- العياشي: عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ

__________________________________________________

4- تفسير القمي 1: 385.

1- تفسير القمي 1: 386.

2- الاحتجاج: 333.

3- تفسير العياشي 2: 261/ 36.

(1) في المصدر: يمرون. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 431

يعني بذلك و لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد».

سورة النحل(16): الآيات 52 الي 62 ..... ص : 431

قوله تعالى:

وَ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَهُ الدِّينُ واصِباً- إلى قوله تعالى- وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ [52- 62]

6059/ [1]- العياشي: عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: وَ لَهُ الدِّينُ واصِباً.

قال: «واجبا».

6060/ [2]- علي بن إبراهيم، قوله: وَ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَهُ الدِّينُ واصِباً أي واجبا. ثم ذكر تفضله «1» فقال: وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ أي تفزعون و ترجعون. و النعمة:

في الصحة و السعة و العافية ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.

قال: و قوله: وَ يَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ و هم الذي وصفنا، مما كان العرب يجعلون للأصنام نصيبا في زرعهم، و إبلهم و غنمهم، فرد الله عليهم فقال: تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ

تَفْتَرُونَ وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ.

6061/ [3]- و عنه، قال: قالت قريش، إن الملائكة بنات الله، فنسبوا مالا يشتهون إلى الله، فقال الله عز و جل:

وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ يعني من البنين. ثم قال وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أي: يستهين به أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ. ثم رد الله عليهم فقال: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

6062/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبي،

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 262/ 37.

2- تفسير القمّي 1: 386.

3- تفسير القمّي 1: 386.

4- التوحيد: 321/ 1.

(1) في «س، ط»: تفصيله.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 432

عن حنان بن سدير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العرش و الكرسي- و ذكر الحديث- إلى أن قال: وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى الذي لا يشبهه شي ء، و لا يوصف، و لا يتوهم، فذلك المثل الأعلى.

و الحديث طويل يأتي بطوله- إن شاء الله تعالى- في قوله تعالى: هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ من سورة النمل «1».

6063/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا حميد بن زياد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام)، في حديث تفسير قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ

نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ «2» الآية، و في آخر الحديث: قلت لجعفر بن محمد: جعلت فداك- يا سيدي- إنهم يقولون: مثل نور الرب؟ قال: «سبحان الله! ليس لله مثل، قال الله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ» «3».

6064/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: قوله: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ أي عند معصيتهم و ظلمهم ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ.

6065/ [7]- العياشي: عن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «الأجل الذي سمي في ليلة القدر، هو الأجل الذي قال الله: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ».

و قد مضى حديث لحمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في معنى الأجل، في قوله تعالى: قَضى أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ من سورة الأنعام «4».

6066/ [8]- و قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ يقول:

ألسنتهم الكاذبة أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ أي: معذبون.

سورة النحل(16): آية 64 ..... ص : 432

قوله تعالى:

وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ [64]

6067/ [1]- العياشي: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لي: «يا أنس، اسكب لي وضوءا»

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 2: 103.

6- تفسير القمّي 1: 386.

7- تفسير العيّاشي 2: 262/ 38.

8- تفسير القمّي 1: 386.

1- تفسير العيّاشي 2: 262/ 39.

(1) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآية 26) من سورة النمل.

(2) يأتي في الحديث (9) من تفسير الآية (35) من سورة النور.

(3) النحل 16: 74.

(4) تقدّم في الحديث (6) من تفسير الآية (2) من سورة الأنعام. [.....]

البرهان في

تفسير القرآن، ج 3، ص: 433

قال: فعمدت فسكبت للنبي (صلى الله عليه و آله) الوضوء في البيت، فأعلمته فخرج و توضأ ثم عاد إلى البيت إلى مجلسه، ثم رفع رأسه إلي، فقال: «يا أنس، أول من يدخل علينا أمير المؤمنين، و سيد المرسلين، و قائد الغر المحجلين».

قال أنس: فقلت- بيني و بين نفسي-: اللهم اجعله رجلا من قومي، قال: فإذا أنا بباب الدار يقرع، فخرجت ففتحت فإذا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فدخل فتمشى فرأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين رآه و ثب على قدميه مستبشرا، فلم يزل قائما و علي (عليه السلام) يمشي حتى دخل عليه البيت فاعتنقه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يمسح بكفه وجهه فيمسح به وجه علي (عليه السلام)، بكفه فيمسح به وجهه، يعني: وجه نفسه. فقال له علي (عليه السلام): «يا رسول الله، لقد صنعت بي اليوم شيئا ما صنعت بي قط». فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «و ما يمنعني و أنت وصيي، و الذي يبين لهم ما يختلفون فيه بعدي، و تؤدي عني، و تسمعهم نبوتي».

6068/ [2]- و من طريق العامة: روى الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بسنده في (حليته):

عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا أنس، أسكب لي وضوءا». ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال: «يا أنس، أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، و سيد المسلمين، و قائد الغر المحجلين، و خاتم الوصيين».

قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، و كتمته، إذ جاء علي (عليه السلام)، فقال: «من

هذا، يا أنس؟» فقلت: علي، فقام مستبشرا فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، و يمسح عرق علي (عليه السلام) بوجهه.

فقال علي (عليه السلام): «يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل». قال: «و ما يمنعني و أنت تؤدي عني، و تسمعهم صوتي «1»، و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي».

و روى هذا الحديث من علماء العامة أيضا، موفق بن أحمد، في كتاب (فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أنس بصورة ما في كتاب (الحلية) بغير تغيير «2».

سورة النحل(16): الآيات 65 الي 67 ..... ص : 433

قوله تعالى:

وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها- إلى قوله تعالى- وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً [65- 67]

__________________________________________________

2- حلية الأولياء 1: 63، ترجمة الامام عليّ (عليه السّلام) من تاريخ ابن عساكر 2: 486/ 1014.

(1) في «ط»: نبوّتي.

(2) المناقب للخوارزمي: 42.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 434

6069/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً: الآية محكمة، ثم قال: قوله:

وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ قال: الفرث:

ما في الكرش.

6070/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) «1»: «ليس أحد يغص بشرب اللبن، لأن الله عز و جل: يقول: لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ».

6071/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: قوله: وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً قال: الخل وَ رِزْقاً حَسَناً قال: الزبيب.

6072/ [4]- العياشي: عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله أمر نوحا

(عليه السلام) أن يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين. فحمل الفحل «2» و العجوة «3»، فكانا زوجا، فلما نضب الماء أمر الله نوحا أن يغرس الحبلة و هي الكرم، فأتاه إبليس فمنعه من غرسها، و أبي نوح (عليه السلام) إلا أن يغرسها، و أبي إبليس أن يدعه يغرسها، و قال: ليست لك و لا لأصحابك، إنما هي لي و لأصحابي فتنازعا ما شاء الله. ثم إنهما اصطلحا على أن جعل نوح (عليه السلام) لإبليس ثلثيها و لنوح (عليه السلام) ثلثها، و قد أنزل الله لنبيه (صلى الله عليه و آله) في كتابه ما قد قرأتموه:

وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً فكان المسلمون [يشربون ] «4» بذلك، ثم أنزل الله آية التحريم، هذه الآية: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ- إلى- مُنْتَهُونَ «5» يا سعيد، فهذه آية التحريم، و هي نسخت الآية الاخرى».

سورة النحل(16): الآيات 68 الي 69 ..... ص : 434

قوله تعالى:

وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 387.

2- الكافي 6: 336/ 5.

3- تفسير القمّي 1: 387.

4- تفسير العيّاشي 2: 262/ 40.

(1) في المصدر: ع أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله).

(2) في المصدر: النخل.

(3) العجوة: ضرب من أجود التمر بالمدينة. «لسان العرب- عجا- 15: 31».

(4) من بحار الأنوار 66: 489/ 4.

(5) المائدة 5: 90- 91.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 435

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ- إلى قوله تعالى- يَتَفَكَّرُونَ [68- 69]

6073/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن علي الوشاء، عن رجل، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه

السلام) في قوله: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.

قال: «نحن النحل الذي أوحى الله إليها: أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة وَ مِنَ الشَّجَرِ يقول: من العجم وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ من الموالي، و الذي يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ العلم الذي يخرج منا إليكم».

6074/ [2]- العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ إلى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ: «فالنحل:

الأئمة، و الجبال: العرب، و الشجر: الموالي عتاقة، و مما يعرشون: يعني الأولاد و العبيد ممن لم يعتق و هو يتولى الله و رسوله و الأئمة. و الثمرات المختلف ألوانها: فنون العلم الذي قد يعلم الأئمة شيعتهم: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ يقول: في العلم شفاء للناس، و الشيعة هم الناس، و غيرهم الله أعلم بهم ما هم».

قال: «و لو كان كما يزعم أنه العسل الذي يأكله الناس، إذن ما أكل منه و لا شرب ذو عاهة إلا برئ، لقول الله:

فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ و لا خلف لقول الله، و إنما الشفاء في علم القرآن، لقوله: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «1» فهو شفاء و رحمة لأهله لا شك فيه و لا مرية، و أهله: أئمة الهدى الذين قال الله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» «2».

6075/ [3]- و في رواية أبي الربيع الشامي، عنه (عليه السلام) في قول الله: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ فقال:

«رسول الله (صلى الله عليه و آله)» أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً قال: «تزوج من قريش» وَ مِنَ الشَّجَرِ قال: «في

العرب» وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ، قال: «في الموالي» يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ قال: «أنواع العلم فيه شفاء للناس».

6076/ [4]- ابن شهر آشوب: عن الرضا (عليه السلام) في هذه الآية: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): علي أمير بني

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 387.

2- تفسير العيّاشي 2: 263/ 43. [.....]

3- تفسير العيّاشي 2: 264/ 44.

4- المناقب 2: 315.

(1) الإسراء 17: 82.

(2) فاطر 35: 32.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 436

هاشم «1»، فسمي أمير النحل».

6077/ [5]- (أغاني أبي الفرج): في حديث، أن المعلى بن طريف قال: ما عندكم في قوله تعالى: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ؟

فقال بشار بن برد: النحل المعهود. قال: هيهات، يا أبا معاذ، النحل: بنو هاشم يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ يعني العلم.

6078/ [6]- الحسن بن أبي الحسن الديلمي، بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ.

قال: «ما بلغ بالنحل أن يوحى إليها، بل فينا نزلت، و نحن النحل، و نحن المقيمون لله في أرضه بأمره، و الجبال: شيعتنا، و الشجر: النساء المؤمنات».

6079/ [7]- العياشي: عن محمد بن يوسف، عن أبيه، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ قال: «إلهام».

6080/ [8]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لعقة العسل فيها شفاء، قال: مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ».

6081/ [9]- عن سيف بن عميرة، عن شيخ من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنا عنده، فسأله شيخ، فقال: بي وجع و أنا أشرب له النبيذ،

و وصفه لي الشيخ؟ فقال له: «ما يمنعك من الماء الذي جعل الله منه كل شي ء حي؟» قال: لا يوافقني. قال له أبو عبد الله (عليه السلام): «فما يمنعك من العسل؟ قال الله: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ قال: لا أجده. قال: «فما يمنعك من اللبن الذي نبت منه لحمك، و اشتد عظمك». قال: لا يوافقني. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): «أ تريد أن آمرك بشرب الخمر؟! لا و الله، لا آمرك».

6082/ [10]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لعقة «2» العسل شفاء من كل داء، قال الله عز و جل: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ و هو مع قراءة

__________________________________________________

5- الأغاني 3: 30، مناقب ابن شهر آشوب 2: 315.

6- تأويل الآيات 1: 256/ 12 عن الديلمي في تفسيره.

7- تفسير العيّاشي 2: 263/ 41.

8- تفسير العيّاشي 2: 263/ 42.

9- تفسير العيّاشي 2: 264/ 45.

10- الكافي 6: 332/ 2.

(1) في المصدر: علي أميرها.

(2) في المصدر: لعق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 437

القرآن و مضغ اللبان «1»، يذيب البلغم».

سورة النحل(16): الآيات 70 الي 72 ..... ص : 437

قوله تعالى:

وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [70]

6083/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن العباس، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن القاسم، عن علي بن المغيرة، عن أبي عبد الله «2» (عليه السلام) قال: «إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر».

6084/ [2]- الطبرسي: روي عن علي (عليه السلام):

«إن أرذل العمر خمس و سبعون سنة». و روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) مثل ذلك.

قوله تعالى:

لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً- إلى قوله تعالى- وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً [70- 72] 6085/ [3]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً قال: إذا كبر لا يعلم ما «3» علمه قبل ذلك. ثم قال: قوله: وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ قال: لا يجوز للرجل أن يختص نفسه بشي ء من المأكول دون عياله.

قال: قوله: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعني حواء خلقت من آدم (عليه السلام) وَ حَفَدَةً قال:

الأختان.

6086/ [4]- الطبرسي: في معنى الحفدة: هم أختان الرجل على بناته. قال: و هو المروي عن أبي

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 78.

2- مجمع البيان 5: 574. [.....]

3- تفسير القمّي 1: 387.

4- مجمع البيان 5: 5786.

(1) اللّبان: ضرب من العلك، يؤخذ من نبات يفرز مادّة صمغية، و يسمّى الكندر أيضا.

(2) في المصدر زيادة: عن أبيه (عليهما السلام).

(3) في «س، ط»: ممّا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 438

عبد الله (عليه السلام).

6087/ [1]- العياشي: عن عبد الرحمن الأشل، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً.

قال: «الحفدة: بنو البنت، و نحن حفدة رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

6088/ [2]- عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً، قال: «هم الحفدة و هم العون منهم» يعني البنين.

سورة النحل(16): الآيات 75 الي 76 ..... ص : 438

قوله تعالى:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً

لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ- إلى قوله تعالى- هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [75- 76]

6089/ [3]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ينكح أمته من رجل، أ يفرق بينهما إذا شاء؟

فقال: «إن كان مملوكه، فليفرق بينهما إذا شاء، إن الله تعالى يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا ʙΙ™ҘϙИљϠعَلى شَيْ ءٍ فليس للعبد شي ء من الأمر، و إن كان زوجها حرا فإن طلاقها عتقها» «1».

6090/ [4]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل- و أنا عنده أسمع- عن طلاق العبد. قال: «ليس له طلاق و لا نكاح، أما تسمع الله تعالى يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ» قال: «لا يقدر على طلاق و لا على نكاح إلا بإذن مولاه».

6091/ [5]- و عنه: بإسناده عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن المفضل بن صالح، عن ليث المرادي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العبد، هل يجوز طلاقه؟

فقال: «إن كانت أمتك فلا، إن الله تعالى يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ و إن كانت أمة قوم

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 264/ 46.

2- تفسير العيّاشي 2: 264/ 47.

3- التهذيب 7: 340/ 1392.

4- التهذيب 7: 347/ 1421.

5- التهذيب 7: 348/ 1423.

(1) في المصدر: صفقتها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 439

آخرين أو حرة جاز طلاقها».

6092/ [4]- و عنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن

علي بن فضال، عن ابن بكير، عن الحسن العطار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، أ عليه أن يذبح عنه؟

قال: «لا، إن الله يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ».

6093/ [5]- العياشي: عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينكح أمته من رجل.

قال: «إن كان مملوكا فليفرق بينهما إذا شاء، لأن الله يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ فليس للعبد من الأمر شي ء، و إن كان زوجها حرا فإن طلاقها عتقها «1»».

6094/ [6]- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مر عليه غلام له، فدعاه إليه، ثم قال: «يا فتى، أرد عليك فلانة و تطعمنا بدرهم خربز «2»». قال: فقلت: جعلت فداك، إنا نروي عندنا: أن عليا (عليه السلام) أهديت له أو اشتريت [له جارية]. فقال لها: أ فارغة أنت أم مشغولة؟ قالت: مشغولة. قال: فأرسل، فاشترى بضعها من زوجها بخمسمائة درهم. فقال: «كذبوا على علي (عليه السلام)، و لم يحفظوا. أما تسمع إلى قول الله و هو يقول: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ».

6095/ [7]- عن زرارة، عن أبي جعفر و عن أبي عبد الله (عليهما السلام) قال: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده».

قلت: فإن كان السيد زوجه، بيد من الطلاق؟ قال: «بيد السيد ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ ما شي ء الطلاق؟!».

6096/ [8]- عن أبي بصير، في الرجل ينكح أمته لرجل، أله أن يفرق بينهما إذا شاء؟

قال: «إن كان مملوكا فليفرق بينهما إذا شاء، لأن الله يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ

فليس للعبد من الأمر شي ء، و إن كان زوجها حرا فرق بينهما إذا شاء المولى».

6097/ [9]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إذا زوج الرجل غلامه جاريته فرق بينهما إذا «3» شاء».

__________________________________________________

4- التهذيب 5: 200/ 665.

5- تفسير العيّاشي 2: 264/ 48.

6- تفسير العيّاشي 2: 265/ 49. [.....]

7- تفسير العيّاشي 2: 265/ 50.

8- تفسير العيّاشي 2: 265/ 51.

9- تفسير العيّاشي 2: 265/ 52.

(1) في «س»: صفقتها.

(2) الخربز: البطّيخ بالفارسيّة. «لسان العرب- خربز- 5: 345».

(3) في المصدر: متى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 440

6098/ [10]- عن الحلبي، عنه (عليه السلام)، عن الرجل ينكح عبده أمته، قال: «يفرق بينهما «1» إذا شاء بغير طلاق، فإن الله يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ».

6099/ [11]- عن أحمد بن عبد الله العلوي، عن الحسن بن الحسين، عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: «كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ و يقول: للعبد لا طلاق و لا نكاح، ذلك إلى سيده، و الناس يرون «2» خلاف ذلك، إذا أذن السيد لعبده لا يرون له أن يفرق بينهما».

6100/ [12]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده».

قلت: فإن السيد كان زوجه، بيد من الطلاق؟ فقال: «بيد السيد ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ الشي ء: الطلاق».

6101/ [13]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: ضَرَبَ

اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ قال: لا يتزوج و لا يطلق. قال: ثم ضرب الله مثلا في الكفار، قوله: وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: كيف يستوي هذا، و هذا الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام)،؟!

6102/ [14]- ابن شهر آشوب: عن حمزة بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ.

قال: «هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يأمر بالعدل، و هو على صراط مستقيم».

سورة النحل(16): الآيات 78 الي 81 ..... ص : 440

قوله تعالى:

وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ- إلى قوله تعالى-

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 2: 265/ 53.

11- تفسير العيّاشي 2: 266/ 54.

12- التهذيب 7: 347/ 1419.

13- تفسير القمّي 1: 387.

14- المناقب 2: 107.

(1) في المصدر: قال: ينزعها.

(2) في «ط»: يروون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 441

وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ [78- 81] 6103/ [1]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ إلى قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ: إنه محكم.

ثم قال: قوله: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً يعني المساكن وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً يعني الخيم و المضارب: تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ أي يوم سفركم: وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ يعني في مقامكم وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ.

6104/ [2]- قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، في قوله: أَثاثاً قال: «المال»، وَ مَتاعاً قال: «المنافع»، إِلى حِينٍ: «أي إلى حين

بلاغها».

6105/ [3]- قال علي بن إبراهيم في قوله: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا قال: ما يستظل به وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ يعني القمص، و إنما جعل ما يجعل منه. وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ يعني الدروع.

6106/ [4]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحر و البرد، مما يكونان؟

فقال: «يا أبا أيوب، إن المريخ كوكب حار، و زحل كوكب بارد، فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زحل و ذلك في الربيع، فلا يزالان كذلك، كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر، حتى ينتهي المريخ في الارتفاع و ينتهي زحل في الهبوط فيجلوا المريخ، فلذلك يشتد الحر، فإذا كان آخر الصيف و أول «1» الخريف بدأ زحل في الارتفاع و بدأ المريخ في الهبوط، فلا يزالان كذلك، كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة، حتى ينتهي المريخ في الهبوط و ينتهي زحل في الارتفاع فيجلو زحل، و ذلك في أول الشتاء و آخر الخريف و لذلك يشتد البرد، و كلما ارتفع هذا هبط هذا، و كلما هبط هذا ارتفع هذا، فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل فى ذلك للقمر، و إذا كان في الشتاء يوم حار فالفعل في ذلك للشمس، و هذا هبط هذا، و كلما هبط هذا بتقدير العزيز العليم، و أنا عبد رب العالمين».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 387. [.....]

2- تفسير القمّي 1: 388.

3- تفسير القمّي 1: 388.

4- الكافي 8: 306/ 474.

(1) في «ط»: و أوان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 442

سورة النحل(16): آية 83 ..... ص : 442

قوله تعالى:

يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ [83]

6107/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محمد الهاشمي، قال: حدثني أبي، عن أحمد بن عيسى، قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) في قوله عز و جل: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها.

قال: «لما نزلت: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ «1» اجتمع نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مسجد المدينة، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، و إن آمنا فهذا ذل حين يتسلط «2» علينا ابن أبي طالب فقالوا: قد علمنا أن محمدا (صلى الله عليه و آله) صادق فيما يقول، و لكن نتولاه و لا نطيع عليا فيما أمرنا، فنزلت هذه الآية: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها «3» يعني ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ بالولاية».

6108/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن ظريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام) قال: «ما بال قوم غيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عدلوا عن وصيه «4»، لا يخافون أن ينزل بهم العذاب، ثم تلا هذه الآية الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ «5»». ثم قال: «نحن- و الله- نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده، و بنا فاز من فاز».

6109/ [3]- ابن شهر آشوب: عن الباقر

(عليه السلام) في قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ الآية.

قال: «عرفهم ولاية علي (عليه السلام) و أمرهم بولايته، ثم أنكروا بعد وفاته».

6110/ [4]- العياشي: عن جعفر بن أحمد، عن العمركي النيسابوري، عن علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنه سئل عن هذه الآية يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ الآية، فقال: «عرفوه ثم أنكروه».

__________________________________________________

1- الكافي 1: 354/ 77.

2- تفسير القمّي 1: 86.

3- المناقب 3: 99.

4- تفسير العيّاشي 2: 266/ 55.

(1) المائدة 5: 55.

(2) في المصدر: يسلّط.

(3) في المصدر زيادة: يعرفون.

(4) في «س»: وصيّته.

(5) إبراهيم 14: 28- 29.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 443

سورة النحل(16): الآيات 84 الي 89 ..... ص : 443

قوله تعالى:

وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً- إلى قوله تعالى- وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ [84- 89] 6111/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً قال: لكل زمان [و أمة] إمام، تبعث كل أمة مع إمامها. و قوله: الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ قال: كفروا بعد النبي، و صدوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ. ثم قال: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني من الأئمة. ثم قال لنبيه (صلى الله عليه و آله): وَ جِئْنا بِكَ يا محمد شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ يعني على الأئمة، فرسول الله شهيد على الأئمة، و الأئمة شهداء على الناس.

6112/ [2]- الطبرسي: عن الصادق (عليه السلام) قال: «لكل زمان و أمة إمام «1»، تبعث كل امة مع إمامها».

قوله تعالى:

وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ [89]

6113/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن

يحيى، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن حماد بن عثمان، عن عبد الأعلى بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أنا أعلم كتاب الله، و فيه بدء الخلق و ما هو كائن إلى يوم القيامة، و فيه خبر السماء و خبر الأرض، و خبر الجنة و خبر النار، و خبر ما كان و خبر ما هو كائن، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي، إن الله عز و جل يقول: فيه تبيان كل شي ء».

6114/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة، و عدة من أصحابنا منهم عبد الأعلى، و أبو عبيدة، و عبد الله بن بشر الخثعمي، سمعوا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إني لأعلم ما في السماوات و ما في الأرض، و أعلم ما في الجنة و أعلم ما في النار، و أعلم

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 388. [.....]

2- مجمع البيان 6: 584.

3- الكافي 1: 50/ 8.

4- الكافي 1: 204/ 2.

(1) في «ط»: شهيد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 444

ما كان و ما يكون».

قال: ثم مكث هنيئة، فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه، فقال: «علمت ذلك من كتاب الله عز و جل، إن الله عز و جل يقول: فيه تبيان كل شي ء».

6115/ [3]- محمد بن الحسن الصفار: عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن عمر، عن عبد الله بن الوليد السمان، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «يا عبد الله، ما تقول الشيعة في علي و موسى و

عيسى (عليهم السلام)»؟

قال: قلت: جعلت فداك، و عن أي حالات تسألني؟ قال: «أسألك عن العلم». قلت: يقولون: إن موسى و عيسى (عليهما السلام) أفضل من أمير المؤمنين (عليه السلام).

قال: «هو- و الله- «1» أعلم منهما، أليس يقولون: إن لعلي (عليه السلام) ما لرسول الله (صلى الله عليه و آله) من العلم؟» قال: قلت: بلى. قال: «فخاصمهم فيه، إن الله تبارك و تعالى قال لموسى (عليه السلام): وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ «2» فأعلمنا أنه لم يبين له الأمر كله، و قال الله تبارك و تعالى لمحمد (صلى الله عليه و آله): وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ».

6116/ [4]- و عنه: عن علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمرو الزيات، عن عبد الله بن الوليد، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «أي شي ء تقول الشيعة في عيسى و موسى و أمير المؤمنين (عليه السلام)»؟ قلت: يقولون: إن موسى و عيسى (عليهما السلام) أفضل من أمير المؤمنين (عليه السلام).

فقال: «أ يزعمون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد علم ما علم رسول الله (صلى الله عليه و آله)»؟ قلت: نعم، و لكن لا يقدمون على اولي العزم من الرسل أحدا. قال أبو عبد الله (عليه السلام): «فخاصمهم بكتاب الله». قلت: و في أي موضع منه أخاصمهم؟ قال: «قال الله تبارك و تعالى لموسى (عليه السلام): وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ «3» فعلمنا أنه لم يكتب لموسى (عليه السلام) كل شي ء، و قال الله تبارك و تعالى [لعيسى (عليه السلام) وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ «4» و قال الله تعالى ] لمحمد (صلى

الله عليه و آله): وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ».

6117/ [5]- و عنه: عن علي بن محمد بن سعد، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن مسلم بن الحجاج، عن يونس، عن الحسين بن علوان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله خلق

__________________________________________________

3- بصائر الدرجات: 248/ 3.

4- بصائر الدرجات: 247/ 1.

5- بصائر الدرجات: 247/ 2.

(1) في المصدر: عن العلم، فأمّا الفضل فهم سواء. قال: قلت: جعلت فداك، فما عسى أن أقول فيهم؟ فقال: هو و اللّه.

(2) الأعراف: 7: 145.

(3) الأعراف 7: 145.

(4) الزخرف 43: 63.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 445

اولي العزم من الرسل، و فضلهم بالعلم، و أورثنا علمهم و فضلهم، و فضلنا عليهم في علمهم، و علم رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما لم يعلموا، و علمنا علم الرسول و علمهم».

6118/ [6]- و عنه: عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن أبي بشر، عن كثير بن أبي حمران، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «لقد سأل موسى (عليه السلام) العالم مسألة، لم يكن عنده جوابها. و لقد سأل العالم موسى (عليه السلام) مسألة، لم يكن عنده جوابها، و لو كنت بينهما لأخبرت كل واحد منهما بجواب مسألته، و لسألتهما عن مسألة لم يكن عندهما جوابها».

6119/ [7]- و عنه: عن محمد بن الحسين، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما لقي موسى (عليه السلام) العالم، و كلمه و سأله، نظر إلى خطاف يصفر و يرتفع في السماء، و يسفل في البحر، فقال العالم لموسى (عليه السلام): أ تدري ما

يقول هذا الخطاف؟ قال: و ما يقول؟ قال: يقول: و رب السماء و الأرض، ما علمكما من علم ربكما إلا مثل ما أخذت بمنقاري من هذا البحر».

قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): «أما إني لو كنت عندهما لسألتهما عن مسألة، لا يكون عندهما فيها علم».

6120/ [8]- و عنه: عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن سيف التمار، قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) و نحن جماعة في الحجر، فقال: «و رب هذه البنية، و رب هذه الكعبة- ثلاث مرات- لو كنت بين موسى و الخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما».

6121/ [9]- و عنه: عن أحمد بن الحسين، عن الحسن بن راشد، عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، قال: و حدثوني جميعا، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله بن حماد، عن سيف التمار، قال: كنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) في الحجر، فقال: «أعلينا عين؟» فالتفتنا يمنة و يسرة و قلنا: لا، ليس علينا عين. فقال: «و رب هذه الكعبة- ثلاث مرات- لو كنت بين موسى و الخضر (عليهما السلام) لأخبرتهما أني أعلم منهما، و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما».

6122/ [10]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن محمد، و محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الله بن حماد، عن سيف التمار، قال: كنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من الشيعة في الحجر، فقال: «علينا عين؟» فالتفتنا يمنة و يسرة فلم نر أحدا، فقلنا: ليس علينا عين. فقال: «و رب الكعبة، و رب البنية- ثلاث مرات- لو كنت بين موسى و الخضر (عليهما السلام)

لأخبرتهما أني أعلم منهما، و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى و الخضر (عليهما السلام) أعطيا علم ما كان، و لم يعطيا علم ما يكون و ما هو كائن حتى

__________________________________________________

6- بصائر الدرجات: 249/ 1.

7- بصائر الدرجات: 250/ 2.

8- بصائر الدرجات: 250/ 3. [.....]

9- بصائر الدرجات: 250/ 4.

10- الكافي 1: 203/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 446

تقوم الساعة، و قد ورثناه من رسول الله (صلى الله عليه و آله) وراثة».

6123/ [11]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن عبد الله بن سليمان، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن جبرئيل (عليه السلام) أتى رسول الله (صلى الله عليه و آله) برمانتين، فأكل رسول الله (صلى الله عليه و آله) إحداهما و كسر الأخرى بنصفين، فأكل نصفا و أطعم عليا (عليه السلام) نصفا. ثم قال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أخي، هل تدري ما هاتان الرمانتان؟ قال: لا. قال: أما الأولى فالنبوة ليس لك فيها نصيب، و أما الاخرى فالعلم و أنت شريكي فيه».

فقلت: أصلحك الله، كيف كان شريكه فيه؟ قال: «لم يعلم الله محمدا (صلى الله عليه و آله) علما إلا و أمره أن يعلمه عليا (عليه السلام)».

6124/ [12]- و عنه: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه و آله) برمانتين من الجنة فأعطاه إياهما، فأكل واحدة و كسر الاخرى بنصفين، فأعطى عليا (عليه السلام) نصفها فأكلها. فقال: يا علي، أما الرمانة الأولى التي

أكلتها فالنبوة، ليس لك فيها شي ء، و أما الأخرى فهو العلم و أنت شريكي فيه».

6125/ [13]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «نزل جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه و آله) برمانتين من الجنة فلقيه علي (عليه السلام)، فقال: ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك؟ فقال: أما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب، و أما هذه فالعلم. ثم فلقها رسول الله (صلى الله عليه و آله) بنصفين، فأعطاه نصفها و أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) نصفها، ثم قال: أنت شريكي فيه و أنا شريكك فيه» قال: «فلم يعلم- و الله- رسول الله (صلى الله عليه و آله) حرفا مما علمه الله عز و جل إلا قد علمه عليا (عليه السلام)، ثم انتهى العلم إلينا». ثم وضع يده على صدره.

6126/ [14]- العياشي: عن يونس، عن عدة من أصحابنا، قالوا: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إني لأعلم خبر السماء و خبر الأرض، و خبر ما كان و خبر ما هو كائن كأنه في كفي». ثم قال: «من كتاب الله أعلمه، إن الله يقول: فيه تبيان كل شي ء».

6127/ [15]- عن منصور، عن حماد اللحام، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «نحن- و الله- نعلم ما في السماوات و ما في الأرض، و ما في الجنة و ما في النار، و ما بين ذلك». قال: فبهت أنظر إليه، فقال: «يا حماد، إن ذلك

__________________________________________________

11- الكافي 1: 205/ 1.

12- الكافي 1: 206/ 2.

13- الكافي 1: 206/ 3.

14-

تفسير العيّاشي 2: 266/ 56.

15- تفسير العيّاشي 2: 266/ 57.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 447

في كتاب الله- ثلاث مرات- ثم تلا هذه الآية وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ إنه من كتاب فيه تبيان كل شي ء».

6128/ [16]- عن عبد الله بن الوليد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قال الله لموسى (عليه السلام): وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ «1» فعلمنا أنه لم يكتب لموسى (عليه السلام) الشي ء كله، و قال الله لعيسى (عليه السلام): وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ «2»، و قال الله لمحمد (صلى الله عليه و آله): وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ».

6129/ [17]- عن عبد الملك بن سليمان: أنه وجد في دفين الزمازي رق مكتوب فيه تأريخه ألف و مائتا سنة بخط السريانية، و تفسيره بالعربية، قال: لما وقعت المشاجرة بين موسى بن عمران و الخضر (عليهما السلام) في قوله عز و جل في سورة الكهف في قصة السفينة و الغلام و الجدار، و رجع إلى قومه فسأله أخوه هارون عما استعمله من الخضر، فقال له: علم ما لم يضر جهله، و لكن كان ما هو أعجب من ذلك. قال: و ما هو؟ قال: بينما نحن على شاطئ البحر وقوف إذ أقبل طائر على هيئة الخطاف فنزل على البحر، فأخذ في منقاره ماء فرمى به إلى المشرق، ثم أخذ ثانية و رمى به إلى المغرب، ثم أخذ ثالثة فرمى به [إلى الجنوب، ثم أخذ

رابعة فرمى به إلى الشمال، ثم أخذ فرمى به ] إلى السماء، ثم أخذ فرمى به إلى الأرض، ثم أخذ مرة أخرى فرمى به إلى البحر، ثم جعل يرفرف و طار، فبقينا مبهوتين لا نعلم ما أراد الطائر بفعله.

فبينما نحن كذلك إذ بعث الله علينا ملكا في صورة آدمي، فقال: ما لي أراكما مبهوتين؟ قلنا: فيما أراد الطائر بفعله، قال: أو ما تعلمان ما أراد؟ قلنا له: الله أعلم. قال: إنه يقول: و حق من شرق المشرق و غرب المغرب، و رفع السماء و دحا الأرض، ليبعثن الله في آخر الزمان نبيا اسمه محمد (صلى الله عليه و آله)، له وصي اسمه علي (عليه السلام)، و علمكما جميعا في علمهما مثل هذه القطرة في هذا البحر.

سورة النحل(16): آية 90 ..... ص : 447

قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [90] 6130/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: العدل: شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله).

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 2: 266/ 58.

17- الروضة لابن شاذان: 26، عنه البحار 40: 177/ 60.

1- تفسير القمّي 1: 388.

(1) الأعراف 7: 145.

(2) الزخرف 43: 63.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 448

و الإحسان: أمير المؤمنين (عليه السلام). و الفحشاء و المنكر و البغي: فلان و فلان و فلان.

6131/ [2]- و عنه، قال: حدثنا، محمد بن أبي عبد الله، قال: حدثنا موسى بن عمران، قال: حدثني، الحسين بن يزيد، عن إسماعيل بن مسلم، قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد (صلوات الله عليهما) و أنا عنده، فقال: يا بن رسول الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ

بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ و قوله: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ «1»؟

فقال: «نعم، ليس لله في عباده أمر إلا العدل و الإحسان، فالدعاء من الله عام، و الهدى خاص، مثل قوله:

وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» «2».

6132/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، قال: حدثنا عبد الرحمن بن العباس بن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن صباح بن خاقان، عن عمرو بن عثمان التيمي القاضي، قال: خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) على أصحابه، و هم يتذاكرون المروءة. فقال: «أين أنتم من كتاب الله؟» قالوا: يا أمير المؤمنين، في أي موضع؟ فقال: «في قوله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ فالعدل: الإنصاف، و الإحسان:

التفضل».

6133/ [4]- العياشي: عن سعد، عن أبي جعفر (عليه السلام): إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ قال: «يا سعد، إن الله يأمر بالعدل و هو محمد (صلى الله عليه و آله)، و الإحسان و هو علي (عليه السلام) و إيتاء ذي القربى و هو قرابتنا، أمر الله العباد بمودتنا و إيتائنا، و نهاهم عن الفحشاء و المنكر، من بغى على أهل البيت و دعا إلى غيرنا».

6134/ [5]- عن إسماعيل الحريري، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ؟ قال: «اقرأ كما أقول لك- يا إسماعيل- إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و

إيتاء ذي القربى حقه».

فقلت: جعلت فداك، إنا لا نقرأ هكذا في قراءة زيد. قال: «و لكنا نقرؤها هكذا في قراءة علي (عليه السلام)».

قلت: فما يعني بالعدل؟ قال: «شهادة أن لا إله إلا الله». قلت: و الإحسان؟ قال: «شهادة أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)». قلت: فما يعني بإيتاء ذي القربى حقه؟ قال: «أداء إمام «3» إلى إمام بعد إمام» وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ

__________________________________________________

2- تفسير القمي 1: 388.

3- معاني الآخبار: 257/ 1. [.....]

4- تفسير العياشي 2: 267/ 59.

5- تفسير العياشي 2: 2687/ 60.

(1) يوسف 12: 40.

(2) يونس 10: 25.

(3) في المصدر: أداء إمامة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 449

قال: «ولاية فلان و فلان».

6135/ [6]- عن عمرو بن عثمان، قال: خرج علي (عليه السلام) على أصحابه، و هم يتذاكرون المروءة. فقال: «أين أنتم، أنسيتم من كتاب الله قرآنا ذكر ذلك؟» قالوا: يا أمير المؤمنين، في أي موضع؟ قال: «في قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ فالعدل: الإنصاف، و الإحسان: التفضل».

6136/ [7]- عن عامر بن كثير، و كان داعية الحسين بن علي «1»، عن موسى بن أبي الغدير، عن عطاء الهمداني، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى .

قال: «العدل: شهادة أن لا إله إلا الله، و الإحسان: ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، و ينهى عن الفحشاء: الأول، و المنكر: الثاني، و البغي: الثالث».

6137/ [8]- و في رواية سعد الإسكاف، عنه، قال: «يا سعد إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ و هو محمد (صلى الله عليه و آله) فمن أطاعه فقد عدل وَ الْإِحْسانِ

علي (عليه السلام)، فمن تولاه فقد أحسن، و المحسن في الجنة، وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى فمن «2» قرابتنا، أمر الله العباد بمودتنا و إيتائنا، و نهاهم عن الفحشاء و المنكر، من بغى علينا أهل البيت و دعا إلى غيرنا».

6138/ [9]- الحسن بن أبي الحسن الديلمي: بإسناده إلى عطية بن الحارث، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ.

قال: «العدل: شهادة الإخلاص، و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و الإحسان: ولاية أمير المؤمنين (عليهم السلام)، و الإتيان بطاعتهما (صلوات الله عليهما). و إيتاء ذي القربى: الحسن و الحسين و الأئمة من ولده (عليهم السلام)، وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ و هو من ظلمهم و قتلهم و منع حقوقهم و موالاة أعدائهم، فهو المنكر الشنيع و الأمر الفظيع».

سورة النحل(16): الآيات 91 الي 96 ..... ص : 449

قوله تعال:

وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 267/ 61.

7- تفسير العيّاشي 2: 267/ 62.

8- تفسير العيّاشي 2: 268/ 63.

9- ... تأويل الآيات 1: 261/ 20، عنه البحار 24: 188/ 7.

(1) هو الحسين بن عليّ بن الحسن (المثلّث) بن الحسن (المثنّى) بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) المعروف بصاحب فخّ. مقاتل الطالبيين: 285، الأعلام للزركل 2: 244.

(2) (فمن) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 450

جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً- إلى قوله تعالى- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [91- 96]

6139/ [1]- محمد بن

يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس عن زيد بن الجهم الهلالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لما نزلت ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و كان من قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): سلموا على علي بإمرة المؤمنين. فكان مما أكده الله عليهما في ذلك اليوم- يا زيد- قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) لهما: قوما فسلما عليه بإمرة المؤمنين. فقالا: أمن الله أو من رسوله، يا رسول الله؟ فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه و آله): من الله و من رسوله فأنزل الله عز و جل وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ يعني قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) لهما، و قولهما: أمن الله أو من رسوله وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم.

قال: قلت: جعلت فداك، أئمة؟ قال: «إي و الله أئمة». قلت: فإنا نقرأ أربى؟ فقال: «ويحك، ما أربى؟!- و أومأ بيده فطرحها- إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ يعني بعلي (عليه السلام) وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ يوم القيامة عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها يعني بعد مقالة رسول الله (صلى الله عليه و آله) في علي (عليه السلام) وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ

اللَّهِ يعني به عليا (عليه السلام) وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ».

6140/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، رفعه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لما نزلت الولاية، و كان من قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) بغدير خم: سلموا على علي بإمرة المؤمنين. فقالوا: أمن الله أو من رسوله؟ فقال:

اللهم نعم، حقا من الله و من رسوله. فقال: إنه أمير المؤمنين و إمام المتقين، و قائد الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنة، و يدخل أعداءه النار. و أنزل الله عز و جل وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ يعني: قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): من الله و رسوله. ثم ضرب لهم مثلا، فقال: وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ».

6141/ [3]- ثم قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «التي نقضت

__________________________________________________

1- الكافي 1: 231/ 1.

2- تفسير القمّي 1: 389.

3- تفسير القمّي 1: 389. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 451

غزلها: امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لؤي بن غالب، كانت حمقاء تغزل الشعر، فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته، فقال الله: كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ- قال- إن الله تبارك و تعالى أمر بالوفاء و نهى عن نقض العهد، فضرب لهم مثلا».

6142/ [4]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم «1»، قال: في قوله (عليه السلام): «أن تكون أئمة هي أزكى

من أئمتكم». فقيل: يا بن رسول الله، نحن نقرأها: هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ. قال: «ويحك، و ما أربى؟!- و أومأ بيده فطرحها- إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ يعني بعلى بن أبي طالب (عليه السلام) يختبركم وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَ لَوْ شاءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً- قال- على مذهب واحد و أمر واحد وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ- قال- يعذب بنقض العهد وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ- قال- يثيب وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ- قال- هو مثل لأمير المؤمنين (عليه السلام): فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها يعني بعد مقالة النبي (صلى الله عليه و آله) فيه وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن علي (عليه السلام) وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ».

وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا معطوف على قوله: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ. ثم قال: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ أي ما عندكم من الأموال و النعمة يزول، و ما عند الله مما تقدمونه من خير أو شر فهو باق.

6143/ [5]- العياشي: عن زيد بن الجهم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لما سلموا على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للأول: قم فسلم عن علي بإمرة المؤمنين. فقال: أمن الله و من رسوله، يا رسول الله؟ فقال: نعم، من الله و من رسوله ثم قال لصاحبه: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين.

فقال: أمن الله و من رسوله؟ قال: نعم، من الله و من رسوله ثم قال لصاحبه: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين.

فقال: أمن الله و من رسوله؟

قال: نعم، من الله و من رسوله ثم قال: يا مقداد، قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين- قال- فقام و سلم، و لم يقل ما قال صاحباه ثم قال: قم- يا أبا ذرّ- فسلم على علي بإمرة المؤمنين. فقام و سلم ثم قال:

قم- يا سلمان- و سلم على علي بإمرة المؤمنين. فقام و سلم».

قال: «حتى إذا خرجا، و هما يقولان: لا و الله، لا نسلم له ما قال أبدا، فأنزل الله تبارك و تعالى على نبيه: وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا بقولكم: أمن الله و من رسوله؟ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم».

قال: قلت: جعلت فداك، إنما نقرؤها أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ فقال: «ويحك- يا زيد- و ما أربى؟! أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ يعني عليا (عليه السلام) وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

__________________________________________________

4- تفسير القمي 1: 389.

5- تفسير العياشي 2: 268/ 64.

(1) المتقدمة في الحديث (2) من تفسير هذه الآيات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 452

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها بعد ما سلمتم على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عليا (عليه السلام) وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ».

ثم قال لي: «لما أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيد علي (عليه

السلام) فأظهر ولايته، قالا جميعا: و الله، ليس هذا من تلقاء الله، و ما هو إلا شي ء أراد أن يشرف به ابن عمه. فأنزل الله عليه وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ يعني فلانا و فلانا وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ يعني عليا (عليه السلام) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» «1».

6144/ [6]- عن عبد الرحمن بن سالم الأشل، عنه (عليه السلام)، قال: «التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا عائشة هي نكثت أيمانها».

سورة النحل(16): آية 97 ..... ص : 452

قوله تعالى:

مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [97] 6145/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: القنوع بما رزقه الله.

6146/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قيل له: إن أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت له: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت.

فقال: «لعن الله أبا الخطاب- و الله- ما قلت له هكذا، و لكني قلت: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك، إن الله عز و جل يقول: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ «2» و يقول تبارك و تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً».

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 269/ 65.

1- تفسير القمّي 1: 390.

2-

معاني الأخبار: 388/ 26.

(1) الحاقة 69: 44- 52.

(2) غافر 40: 40.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 453

6147/ [3]- الشيخ، في (أماليه): قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام بسر من رأى، قال:

حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن المنصور، قال: حدثني الإمام علي بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر (عليهم السلام)، قال: قال سيدنا الصادق (عليه السلام) في قوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً قال: «القنوع».

سورة النحل(16): الآيات 98 الي 100 ..... ص : 453

قوله تعالى:

فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- إلى قوله تعالى- مُشْرِكُونَ [98- 100] 6148/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: الرجيم: أخبث الشياطين، فقلت له: و لم سمي رجيما؟ قال: لأنه يرجم.

و قد تقدم حديث مسند في معنى الرجيم، في قوله تعالى: وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ من سورة آل عمران «1».

6149/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو أحمد هانئ بن محمد بن محمود العبدي، قال: حدثنا أبي محمد بن محمود، بإسناده، رفعه إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث سؤال الرشيد له. فقال (عليه السلام) في جواب سؤاله: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ثم قرأ آية، و الحديث طويل تقدم في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ من آخر سورة الأنفال «2».

6150/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: قوله: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ قال: ليس له أن يزيلهم عن الولاية، فأما الذنوب فإنهم ينالون منه

كما ينالون من غيره.

6151/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن علي بن الحسن، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ

__________________________________________________

3- الأمالي 1: 281.

4- تفسير القمي 1: 390.

5- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 81/ 9.

6- تفسير القمي 1: 390.

7- الكافي 8: 288/ 433.

(1) آل عمران 3: 36، و لم يرد هناك حديث في هذا المعنى، و قد سبقت الإشارة إلى ذلك فى تفسير الآيات (14- 18) من سورة الحجر. [.....]

(2) تقدم في الحديث (1) من تفسير الآية (72) من سورة الأنفال.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 454

إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ؟ فقال: «يا أبا محمد، يسلط- و الله- من المؤمن على بدنه و لا يسلط على دينه، قد سلط على أيوب (عليه السلام) فشوه خلقه و لم يسلط على دينه، و قد يسلط من المؤمنين على أبدانهم و لا يسلط على دينهم».

قلت له: عز و جل: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ؟ قال: «الذين هم بالله مشركون، يسلط على أبدانهم و على أديانهم».

6152/ [5]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ. قال: فقال: «يا أبا محمد، يسلط من المؤمنين على أبدانهم و لا يسلط على أديانهم، قد سلط على أيوب فشوه خلقه و لم يسلط على دينه». و قوله: إِنَّما

سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قال: «الذين هم بالله مشركون، يسلط على أبدانهم و على أبدانهم و على أديانهم».

6153/ [6]- عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ قلت: كيف أقول؟ قال: «تقول: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم». و قال: «إن الرجيم أخبث الشياطين».

قال: قلت له: لم سمي الرجيم؟ قال: «لأنه يرجم». قلت: فانفلت منها بشي ء؟ قال: «لا». قلت: فكيف سمي الرجيم و لم يرجم بعد؟ قال: «يكون في العلم أنه رجيم».

6154/ [7]- عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن التعوذ من الشيطان عند كل سورة نفتحها؟

قال: «نعم، فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم».

و ذكر أن الرجيم أخبث الشياطين، فقلت: لم سمي الرجيم؟ قال: «لأنه يرجم». فقلت: هل ينقلب شيئا إذا رجم؟ قال: «لا، و لكن يكون في العلم أنه رجيم».

6155/ [8]- عن حماد بن عيسى، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.

قال: «ليس له أن يزيلهم عن الولاية، فأما الذنوب و أشباه ذلك فإنه ينال منهم كما ينال من غيرهم».

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 269/ 66.

6- تفسير العيّاشي 2: 270/ 67.

7- تفسير العيّاشي 2: 270/ 68.

8- تفسير العيّاشي 2: 270/ 69.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 455

سورة النحل(16): الآيات 101 الي 102 ..... ص : 455

قوله تعالى:

وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ- إلى قوله تعالى- وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ [101- 102] 6156/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى:

وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ إلى قوله تعالى: وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ قال: إذا نسخت آية قالوا لرسول الله (صلى الله عليه و آله): أنت مفتر. فرد الله عليهم، فقال: قل لهم- يا محمد- نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ يعني جبرئيل (عليه السلام) لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ.

6157/ [2]- و عنه، قال: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: رُوحُ الْقُدُسِ. قال: «هو جبرئيل (عليه السلام)، و القدس: الطاهر لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا هم آل محمد (عليهم السلام) وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ».

6158/ [3]- العياشي: عن محمد بن عذافر الصيرفي، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك و تعالى خلق روح القدس، فلم يخلق خلقا أقرب إلى الله منها، و ليست بأكرم خلقه عليه، فإذا أراد أمرا ألقاه إليها، فألقاه إلى النجوم فجرت به».

سورة النحل(16): آية 103 ..... ص : 455

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [103] 6159/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: و هو لسان أبي فكيهة «1» مولى بني الحضرمي، كان أعجمي اللسان، و كان

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 390.

2- تفسير القمّي 1: 390.

3- تفسير العيّاشي 2: 270/ 70.

4- تفسير القمّي 1: 390.

(1) و اسمه أفلح و قيل: يسار، مولى بني عبد الدار، و قيل: كان مولى لصفوان بن اميّة بن خلف أسلم قديما بمكة، و كان من المستضعفين ممّن عذّب في اللّه. عذّبه المشركون ليرجع عن دينه فلم يرجع عن دينه، و هاجر و مات قبل بدر. «الكامل لابن الأثير 2: 68، أسد الغابة

5: 273، البداية و النهاية 3: 102».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 456

قد اتبع نبي الله و آمن به، و كان من أهل الكتاب، فقالت قريش: هذا- و الله- يعلم محمدا، علمه «1» بلسانه، يقول الله:

وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ.

سورة النحل(16): آية 105 ..... ص : 456

قوله تعالى:

إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ [105]

6160/ [1]- العياشي: عن العباس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): أنه ذكر رجلا كذابا ثم قال: «قال الله: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ».

سورة النحل(16): الآيات 106 الي 110 ..... ص : 456

قوله تعالى:

مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- إلى قوله تعالى- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [106- 110]

6161/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، قال:

حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)- في حديث طويل- «فأما ما فرض على القلب من الإيمان:

فالإقرار، و المعرفة، و العقد، و الرضا، و التسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، و أن محمدا عبده و رسوله (صلوات الله عليه و على آله)، و الإقرار بما جاء به من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار و المعرفة و هو عمله، و هو قول الله عز و جل: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً».

6162/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: قيل لأبي

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 271/ 71.

2- الكافي 2: 28/ 1.

3- الكافي 2: 173/ 10.

(1) (علمه) ليس في المصدر. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 457

عبد الله (عليه السلام): إن الناس

يروون: أن عليا (عليه السلام) قال على منبر الكوفة: أيها الناس، إنكم ستدعون إلى سبي، فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرءوا مني.

قال: «ما أكثر ما يكذب الناس على علي (عليه السلام)!!» ثم قال: «إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة مني و إني لعلى دين محمد (صلى الله عليه و آله)، و لم يقل: و لا تبرءوا مني».

فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة.

فقال: «و الله، ما ذاك عليه، و ما له «1» إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالإيمان، فأنزل الله عز و جل [فيه ]: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ، فقال له النبي (صلى الله عليه و آله) عندها:

يا عمار، إن عادوا فعد، فقد أنزل الله عز و جل عذرك، و أمرك أن تعود إن عادوا».

6163/ [3]- و عنه: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمد بن مروان، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «ما منع ميثم التمار (رحمه الله) من التقية؟ فو الله، لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار و أصحابه:

إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ».

6164/ [4]- الحميري عبد الله بن جعفر: بإسناده عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن التقية ترس المؤمن، و لا إيمان لمن لا تقية له».

فقلت له: جعلت فداك، أ رأيت قول الله تبارك و تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ قال: «و هل التقية إلا هذا».

6165/ [5]- العياشي: عن محمد بن مروان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما منع ميثم

(رحمه الله) من التقية؟

فو الله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار و أصحابه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ».

6166/ [6]- العياشي: عن معمر بن يحيى بن سام «2»، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن أهل الكوفة يروون عن علي (عليه السلام) أنه قال: ستدعون إلى سبي و البراءة مني، فإن دعيتم إلى سبي فسبوني، و إن دعيتم إلى البراءة مني فلا تتبرءوا مني فإني على دين محمد (صلى الله عليه و آله).

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «ما أكثر ما يكذبون على علي (عليه السلام) إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبي و البراءة مني، فإذا دعيتم إلى سبي فسبوني، و إذا دعيتم إلى البراءة مني فإني على دين محمد (صلى الله عليه و آله)، و لم يقل: فلا تتبرءوا مني».

__________________________________________________

3- الكافي 2: 174/ 15.

4- قرب الاسناد: 17.

5- تفسير العيّاشي 2: 271/ 72.

6- تفسير العيّاشي 2: 271/ 73.

(1) في «ط»: عليه.

(2) في «ط» و المصدر: سالم، انظر الكاشف للذهبي 3: 165، تهذيب التهذيب 10: 249، تقريب التهذيب 2: 266، جامع الرواة 2: 254.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 458

قال: قلت: جعلت فداك، فإن أراد رجل «1» أن يمضي على القتل و لا يتبرأ؟

فقال: «لا و الله، إلا على الذي مضى عليه عمار، إن الله يقول: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ».

قال: ثم كسع «2» هذا الحديث بواحد: «و التقية في كل ضرورة».

6167/ [7]- عن أبي بكر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): و ما الحرورية، إنا قد كنا و هم منا بعيد «3» فهم اليوم في دورنا، أ رأيت إن أخذونا بالأيمان؟ قال: فرخص لي في الحلف لهم بالعتاق و الطلاق،

فقال بعضنا: مد الرقاب أحب إليك أم البراءة من علي؟

فقال: «الرخصة أحب إلي، أما سمعت قول الله في عمار: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ؟».

6168/ [8]- عن عمرو بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): رفعت عن أمتي أربع خصال: ما أخطأوا، و ما نسوا، و ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا، و ذلك في كتاب الله «4»: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ مختصر».

6169/ [9]- عن عبد الله بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته فقلت له: إن الضحاك قد ظهر بالكوفة، و يوشك أن ندعي إلى البراءة من علي، فكيف نصنع؟ قال: «فابرأ منه».

قال: قلت له: أي شي ء أحب إليك؟ قال: «أن يمضوا في علي (عليه السلام) على ما مضى عليه عمار بن ياسر (رحمه الله)، أخذ بمكة فقالوا له: ابرأ من رسول الله، فبرى ء منه، فأنزل الله عذره: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ».

6170/ [10]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ، قال: هو عمار بن ياسر، أخذته قريش بمكة، فعذبوه بالنار حتى أعطاهم بلسانه ما أرادوا، و قلبه مقر «5» بالإيمان.

قال: و أما قوله: وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث «6» من بني

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 272/ 74.

8- تفسير العيّاشي 2: 272/ 75.

9- تفسير العيّاشي 2: 272/ 76.

10- تفسير القمّي 1: 390.

(1) في المصدر: الرجل.

(2) كسعه بكذا: إذا جعله تابعا له. «أقرب الموارد- كسع- 2: 1084».

(3) في المصدر: متتابعين، و في

«ط»: متابعين، و الظاهر صحّة ما أثبتناه.

(4) في المصدر زيادة: قوله: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ البقرة: 286، و قوله اللّه. [.....]

(5) في المصدر: مطمئنّ.

(6) هو عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح بن الحارث العامري، أخو عثمان من الرّضاعة، أسلم قبل الفتح، ثمّ ارتدّ مشركا فصار إلى قريش، فلمّا كان يوم- الفتح أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بقتله، ثمّ عفا عنه بعد ما استأمن له عثمان. ثمّ ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة 25 ه، و بعد مقتل عثمان صار إلى معاوية، و مات بعسقلان سنة 37 ه. «تهذيب ابن عساكر 7: 435، أسد الغابة 3: 173، الكامل لابن الأثير 3: 88، البداية و النهاية 7: 157».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 459

لؤي.

يقول الله: فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ذلك بأن الله ختم على سمعهم و أبصارهم و قلوبهم و أولئك هم الغافلون لا جرم أنهم فى الآخرة هم الأخسرون هكذا في قراءة ابن مسعود، و قوله أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ الآية، هكذا في القراءة المشهورة.

هذا كله في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان عاملا لعثمان بن عفان على مصر، و نزل فيه أيضا: وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ «1».

6171/ [11]- العياشي: عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه

السلام) يقول: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يدعو أصحابه، فمن أراد به خيرا سمع و عرف ما يدعوه إليه، و من أراد به شرا طبع عليه قلبه فلا يسمع و لا يعقل، و هو قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ».

6172/ [12]- علي بن إبراهيم: ثم قال أيضا في عمار: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

سورة النحل(16): آية 112 ..... ص : 459

قوله تعالى:

وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ [112] 6173/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له (الثرثار) و كانت بلادهم خصبة كثيرة الخير، و كانوا يستنجون بالعجين، و يقولون: هو ألين لنا، فكفروا بأنعم الله و استخفوا، فحبس الله عنهم الثرثار، فجدبوا حتى أحوجهم الله إلى أكل ما كانوا يستنجون به، حتى كانوا يتقاسمون عليه.

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 273/ 77.

12- تفسير القمّي 1: 391.

1- تفسير القمّي 1: 391.

(1) الأنعام 6: 93.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 460

6174/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو بن شمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: «إني لألحس أصابعي من الأدم حتى أخاف أن يراني جاري «1» فيرى أن ذلك من التجشع، و ليس ذلك كذلك، و إن قوما أفرغت عليهم النعمة- و هم أهل الثرثار- فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبزا هجاء «2»، و جعلوا ينجون به صبيانهم حتى

اجتمع من ذلك جبل عظيم».

قال: «فمر بهم رجل صالح، و إذا امرأة تفعل ذلك بصبي لها، فقال لهم: ويحكم، اتقوا الله عز و جل، و لا تغيروا ما بكم من نعمة. فقالت له: كأنك تخوفنا بالجوع، أما ما دام ثرثارنا يجري فإنا لا نخاف الجوع.

قال: فأسف الله عز و جل، فأضعف لهم الثرثار، و حبس عنهم قطر السماء و نبات الأرض- قال- فاحتاجوا إلى ذلك الجبل، و إنه كان يقسم بينهم بالميزان».

6175/ [3]- العياشي: عن حفص بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن قوما كانوا من «3» بني إسرائيل، يؤتى لهم من طعامهم حتى جعلوا منه تماثيل بمدن كانت في بلادهم يستنجون بها، فلم يزل الله بهم حتى اضطروا إلى التماثيل ينقونها «4» و يأكلون منها، و هو قول الله: وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ».

6176/ [4]- عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان أبي بكره أن يمسح يده بالمنديل و فيه شي ء من الطعام تعظيما له، إلا أن يمصها أو يكون إلى جانبه صبي فيمصها له». قال: «و إني أجد اليسير يقع من «5» الخوان فأتفقده فيضحك الخادم».

ثم قال: «إن أهل قرية- ممن كان قبلكم- كان الله قد أوسع عليهم حتى طغوا، فقال بعضهم لبعض: لو عمدنا إلى شي ء من هذا النقي فجعلنا نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة- قال- فلما فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دوابا أصغر من الجراد فلم يدع لهم شيئا خلقه الله يقدر عليه إلا أكله من شجر أو غيره، فبلغ

بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به فأكلوه، و هي القرية التي قال الله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً إلى قوله: بِما كانُوا يَصْنَعُونَ».

__________________________________________________

2- الكافي 6: 301/ 1.

3- تفسير العيّاشي 2: 273/ 78.

4- تفسير العيّاشي 2: 273/ 79.

(1) في المصدر: خادمي.

(2) هجا جوعه: سكن و ذهب، و هجا الطعام: أكله «القاموس المحيط 1- هجا- 34»، و قد يكون المراد من قوله: فجعلوه خبزا هجاء، أي: صالحا للأكل أو صالحا لرفع الجوع، و قد تكون (هجاء) مصحّفة من (هجانا) أي خيارا صالحا، أو من (منجا) أي خيارا صالحا، أو من (منجا) و هي الآلة التي يستنجى بها، كما ذكر ذلك الطريحي (رحمه اللّه) في مادة (نجا).

(3) في المصدر: في.

(4) في «ط» و المصدر: يتبعونها.

(5) في «ط»: في. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 461

سورة النحل(16): آية 115 ..... ص : 461

قوله تعالى:

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [115]

6177/ [1]- العياشي: عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): محرم مضطر إلى الصيد و إلى ميتة، من أيهما يأكل؟ قال: «يأكل من الصيد».

قلت: أليس قد أحل الله الميتة لمن اضطر إليها؟ قال: «بلى، و لكن ألا ترى أنه يأكل من ماله؟ يأكل الصيد و عليه الفداء».

6178/ [2]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن موسى بن القاسم، عن محمد، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، قال: سألته عن محرم اضطر إلى أكل الصيد و الميتة، قال: «أيهما أحب إليك أن تأكل «1»؟» قلت:

الميتة، لأن الصيد محرم على المحرم.

فقال: «أيهما أحب إليك، أن تأكل من مالك أو من الميتة؟» قلت: آكل من مالي. قال: «فكل الصيد وافده».

و تفسير الآية قد تقدم

«2».

سورة النحل(16): الآيات 116 الي 124 ..... ص : 461

قوله تعالى:

وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ- إلى قوله تعالى- فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [116- 124] 6179/ [3]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ قال: هو ما كانت اليهود تقول: ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا «3».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 274/ 80.

2- التهذيب 5: 368/ 1272.

3- تفسير القمّي 1: 391.

(1) في المصدر زيادة: من الصيد أو الميتة.

(2) تقدّم في تفسير قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ الآية (173) من سورة البقرة.

(3) الأنعام 6: 139.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 462

قال: و قوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً أي طاهرا اجْتَباهُ: أي اختاره وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: إلى الطريق الواضح. ثم قال لنبيه (صلى الله عليه و آله): ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً و هي الحنيفية العشر التي جاء بها إبراهيم (عليه السلام): خمسة في البدن، و خمسة في الرأس، فأما التي في البدن:

فالغسل من الجنابة، و الطهور بالماء، و تقليم الأظفار، و حلق الشعر من البدن، و الختان و أما التي في الرأس: فطم الشعر «1»، و أخذ الشارب، و إعفاء اللحى، و السواك، و الخلال، فهذه لم تنسخ إلى يوم القيامة.

6180/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران، قال: قال لي عبد صالح (صلوات الله عليه): «يا سماعة، أمنوا على

فرشهم و أخافوني، أما و الله لقد كانت الدنيا، و ما فيها إلا واحد يعبد الله، و لو كان معه غيره لأضافه الله عز و جل إليه حيث يقول: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فصبر «2» بذلك ما شاء الله، ثم إن الله آنسه بإسماعيل و إسحاق فصاروا ثلاثة، أما و الله إن المؤمن لقليل، و إن أهل الكفر لكثير، أ تدري لم ذلك؟» فقلت: لا أدري، جعلت فداك. فقال: «صيروا أنسا للمؤمنين، يبثون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك و يسكنون إليه».

6181/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الامة واحد فصاعدا، كما قال الله عز و جل: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ يقول: مطيعا لله عز و جل».

6182/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً.

قال: «و ذلك أنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره، فكان امة واحدة، و أما قانِتاً: فالمطيع، و أما حَنِيفاً: فالمسلم».

6183/ [5]- العياشي: عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) عن قوله:

إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً، قال: «شي ء فضله «3» الله به».

__________________________________________________

2- الكافي 2: 190/ 5.

3- الكافي 5: 60/ 16.

4- تفسير القمّي 1: 392.

5- تفسير العيّاشي 2: 274/ 81.

(1) طمّ الشعر: جزّه أو قصّة. «مجمع البحرين- طمم- 6: 107».

(2) في المصدر: فغبر.

(3) في «ط» و المصدر: فضّل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 463

6184/ [6]-

و عن أبي بصير، قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً:

«سماه الله امة».

6185/ [7]- و عن يونس بن ظبيان، عنه (عليه السلام): إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً: «أمة واحدة».

6186/ [8]- و عن سماعة بن مهران، قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) «1» يقول: «لقد كانت الدنيا، و ما كان فيها إلا واحد يعبد الله، و لو كان معه غيره إذن لأضافه إليه حيث يقول: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فصبر بذلك ما شاء الله، ثم إن الله تبارك و تعالى آنسه بإسماعيل و إسحاق فصاروا ثلاثة».

6187/ [9]- و قال علي بن إبراهيم: قوله: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ و ذلك أن موسى أمر قومه أن يتفرغوا إلى الله في كل سبعة أيام يوما يجعله الله عليهم، و هو الذي «2» اختلفوا فيه.

سورة النحل(16): آية 125 ..... ص : 463

قوله تعالى:

ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [125] 6188/ [1]- علي بن إبراهيم، قال في قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قال: بالقرآن.

6189/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

قال: «بالقرآن».

6190/ [3]- الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام) قال: «قال الصادق (عليه السلام) و قد ذكر عنده الجدال في

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 274/ 81. [.....]

7- تفسير العيّاشي 2: 274/

83.

8- تفسير العيّاشي 2: 274/ 84.

9- تفسير القمّي 1: 392.

1- تفسير القمّي 1: 392.

2- الكافي 5: 13/ 1.

3- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 527/ 322.

(1) في «ط»: أبا عبد اللّه (عليه السّلام).

(2) في المصدر: و هم الذين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 464

الدين، و أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) قد نهوا عنه، فقال الصادق (عليه السلام): لم ينه عنه مطلقا و لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون الله عز و جل يقول: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «1» و قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ؟

فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، و الجدال بغير التي هي أحسن محرم، حرمه الله تعالى على شيعتنا، و كيف يحرم الله الجدال جملة و هو يقول: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى و قال الله: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «2»؟ فجعل الله علم الصدق و الإيمان بالبرهان، و هل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟

قيل: يا بن رسول الله، فما الجدال بالتي هي أحسن و التي ليست بأحسن؟

قال: أما الجدال بغير التي هي أحسن، بأن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله، و لكن تجحد قوله، أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة، لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم و على المبطلين، أما المبطلون

فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته و ضعف [ما] في يده حجة له على باطله، و أما الضعفاء فتغم قلوبهم لما يرون من ضعف المحق فى يد المبطل.

و أما الجدال بالتي هي أحسن، فهو ما أمر الله تعالى به نبيه (صلى الله عليه و آله) أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت و إحياءه له، فقال الله تعالى حاكيا عنه: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ «3» فقال الله في الرد عليه: قُلْ يا محمد يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ «4» إلى آخر السورة، فأراد الله من نبيه (صلى الله عليه و آله) أن يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز أن يبعث الله هذه العظام و هي رميم؟ فقال الله تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ أ فيعجز من ابتدأه لا من شي ء أن يعيده بعد أن يبلى؟! بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته، ثم قال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً أي: إذا كان قد أكمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب يستخرجها، فعرفكم أنه على إعادة ما يبلى أقدر، ثم قال: أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ «5» أي إذا كان خلق السماوات و الأرض أعظم و أبعد في أوهامكم و قدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي، فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم، و الأصعب لديكم، و لم تجوزوا ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟

__________________________________________________

(1) العنكبوت 29: 46.

(2) البقرة

2: 111.

(3) يس 36: 78.

(4) يس 36: 79- 80.

(5) يس 36: 81.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 465

قال الصادق (عليه السلام): فهذا الجدال بالتي هي أحسن، لأن فيها انقطاع عرى «1» الكافرين، و إزالة شبهتهم و أما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه و بين باطل من تجادله، و إنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق، فهذا هو المحرم لأنك مثله، جحد هو حقا، و جحدت أنت حقا آخر».

قال: «فقام إليه رجل فقال: يا بن رسول الله، أ فجادل رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فقال الصادق (عليه السلام): مهما ظننت برسول الله (صلى الله عليه و آله) من شي ء فلا تظن به مخالفة الله، أ و ليس الله تعالى قال: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، و قال: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ «2» لمن ضرب الله مثلا، أ فتظن أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) خالف ما أمره الله، فلم يجادل بما أمره الله به، و لم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به؟!».

سورة النحل(16): آية 126 ..... ص : 465

قوله تعالى:

وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [126] 6191/ [1]- علي بن إبراهيم: ذلك أن المشركين يوم احد مثلوا بأصحاب النبي (صلى الله عليه و آله) الذين استشهدوا، منهم حمزة، فقال المسلمون: أما و الله لئن أدالنا «3» الله عليهم لنمثلن بأخيارهم، فذلك قول الله: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ يقول: بالأموات وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.

6192/ [2]- العياشي: عن الحسين بن حمزة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لما رأى رسول الله (صلى

الله عليه و آله) ما صنع بحمزة بن عبد المطلب، قال: اللهم لك الحمد، و إليك المشتكى، و أنت المستعان على ما أرى. ثم قال: لئن ظفرت لأمثلن و لأمثلن. قال: فأنزل الله: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أصبر، أصبر».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 392. [.....]

2- تفسير العيّاشي 2: 274/ 85.

(1) في المصدر: قطع عذر.

(2) يس 36: 79.

(3) في المصدر: أولانا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 467

المستدرك (سورة النحل) ..... ص : 467

سورة النحل(16): آية 127 ..... ص : 467

قوله تعالى:

وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [127]

[1]- في (الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام)): «أن رجلا سأل العالم (عليه السلام): أكلف الله العباد ما لا يطيقون؟ فقال: كلف الله جميع الخلق ما لا يطيقونه، إن لم يعنهم عليه، فإن أعانهم عليه أطاقوه، قال الله جل و عز لنبيه (صلى الله عليه و آله): وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ».

__________________________________________________

1- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السّلام): 349.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 469

سورة الإسراء ..... ص : 469

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 471

سورة الإسراء فضلها ..... ص : 471

6193/ [1]- ابن بابويه: بإسناده عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من عبد قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة، لم يمت حتى يدرك القائم (عليه السلام)، و يكون من أصحابه».

6194/ [2]- العياشي: عن الحسن بن علي بن أبي حمزة الثمالي، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة، لم يمت حتى يدرك القائم (عليه السلام)، و يكون من أصحابه».

6195/ [3]- و من (خواص القرآن): روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة ورق قلبه عند ذكر الوالدين، كان له قنطار في الجنة، و القنطار ألف و مائتا اوقية، و الاوقية خير من الدنيا و ما فيها، و من كتبها و جعلها في خرقة حرير خضراء و حرز عليها و رمى بالنبال، أصاب و لم يخطئ، و إن كتبها في إناء و شرب ماءها لم يتعذر عليه كلام، و انطلق لسانه بالصواب، و ازداد فهما».

6196/ [4]- و عن الصادق (عليه السلام): «من كتبها في خرقة حرير خضراء، و تحرز عليها و علقها عليه و رمى بالنشاب أصاب، و لم يخطئ أبدا، و إن كتبها لصغير تعذر عليه الكلام، يكتبها بزعفران و يسقى ماءها، أنطق الله لسانه بإذنه و تكلم».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 107.

2- تفسير العيّاشي 2: 276/ 1.

3- خواص القرآن: 3 «قطعة منه» و مجمع البيان 6: 607 «قطعة منه».

4- خواص القرآن: 43 (مخطوط).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 473

سورة الإسراء(17): آية 1 ..... ص : 473

اشارة

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ

لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [1]

6197/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حكى أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل بالبراق إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأخذ واحد باللجام و واحد بالركاب، و سوى الآخر عليه ثيابه، فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل (عليه السلام)، ثم قال لها: اسكني يا براق، فما ركبك نبي قبله، و لا يركبك بعده مثله- قال- فرقت به و رفعته ارتفاعا ليس بالكثير، و معه جبرئيل (عليه السلام) يريه الآيات من السماء و الأرض.

قال (صلى الله عليه و آله): فبينا أنا في مسيري، إذ نادى مناد عن يميني: يا محمد. فلم أجبه، و لم ألتفت إليه، ثم نادى مناد عن يساري: يا محمد. فلم أجبه، و لم ألتفت إليه، ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها، و عليها من كل زينة الدنيا، فقالت: يا محمد، انظرني حتى أكلمك. فلم ألتفت إليها، ثم سرت فسمعت صوتا أفزعني، فجاوزت، فنزل بي جبرئيل، فقال: صل. فنزلت و صليت. فقال لي: أ تدري أين صليت؟ فقلت: لا. فقال: صليت بطيبة، و إليها مهاجرتك. ثم ركبت فمضينا ما شاء الله، ثم قال لي: انزل و صل. فنزلت و صليت، فقال لي: أ تدري أين صليت؟

فقلت: لا. فقال: صليت بطور سيناء، حيث كلم الله موسى تكليما. ثم ركبت فمضينا ما شاء الله، ثم قال: انزل فصل.

فنزلت و صليت. فقال لي: أ تدري أين صليت؟ فقلت: لا. فقال: صليت في بيت لحم. و بيت لحم بناحية بيت

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 474

المقدس، حيث ولد عيسى

بن مريم (عليه السلام).

ثم ركبت فمضينا حتى أتينا إلى بيت المقدس، فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها، فدخلت المسجد، و معي جبرئيل (عليه السلام) إلى جنبي، فوجدنا إبراهيم و موسى و عيسى (عليهم السلام)، فيمن شاء الله من أنبياء الله، قد جمعوا إلي، و أقيمت الصلاة، و لا أشك إلا و جبرئيل يستقدمنا، فلما استووا أخذ جبرئيل بعضدي، فقدمني فأممتهم و لا فخر.

ثم أتاني الخازن بثلاثة أوان: إناء فيه لبن، و إناء فيه ماء، و إناء فيه خمر، فسمعت قائلا يقول: إن أخذ الماء غرق و غرقت أمته، و إن أخذ الخمر غوى و غوت أمته، و إن أخذ اللبن هدي و هديت أمته. فأخذت اللبن فشربت منه، فقال جبرئيل: هديت و هديت أمتك. ثم قال لي: ماذا رأيت في مسيرك؟ قلت: ناداني مناد عن يميني. فقال لي: أ و أجبته؟ فقلت: لا، و لم ألتفت إليه. فقال: ذلك داعي اليهود، لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك. ثم قال: ماذا رأيت؟ قلت: ناداني مناد عن يساري. فقال: أو أجبته؟ فقلت: لا، و لم ألتفت إليه. فقال: ذلك داعي النصارى، لو أجبته لتنصرت أمتك من بعدك. ثم قال: ماذا استقبلك؟ فقلت: لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها، عليها من كل زينة الدنيا، فقالت: يا محمد، انظرني حتى أكلمك. فقال لي: أ فكلمتها؟ فقلت: لم أكلمها، و لم ألتفت إليها. فقال: تلك الدنيا، و لو كلمتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة. ثم سمعت صوتا أفزعني، فقال لي جبرئيل: أ تسمع، يا محمد؟ قلت: نعم. قال: هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين سنة، فهذا حين استقرت.

قالوا: فما ضحك رسول الله (صلى الله عليه و آله)

حتى قبض.

قال (صلى الله عليه و آله): فصعد جبرئيل و صعدت معه إلى السماء الدنيا، و عليها ملك يقال له: إسماعيل، و هو صاحب الخطفة التي قال الله عز و جل: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ «1» و تحته سبعون ألف ملك، تحت كل ملك سبعون ألف ملك، فقال: يا جبرئيل، من هذا الذي معك؟ فقال: محمد رسول الله. قال: و قد بعث؟ قال: نعم. ففتح الباب، فسلمت عليه و سلم علي، و استغفرت له و استغفر لي، و قال: مرحبا بالأخ [الناصح و النبي ] الصالح. و تلقتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا، فما لقيني ملك إلا ضاحكا مستبشرا حتى لقيني ملك من الملائكة، لم أر خلقا أعظم منه، كريه المنظر، ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء، إلا أنه لم يضحك، و لم أر فيه من الاستبشار ما رأيت ممن ضحك من الملائكة، فقلت: من هذا- يا جبرئيل- فإني قد فزعت منه؟ فقال: يجوز أن تفزع منه، و كلنا نفزع منه، إن هذا مالك خازن النار، لم يضحك قط، و لم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا و غيظا على أعداء الله، و أهل معصيته، فينتقم الله به منهم، و لو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك، و لكنه لا يضحك. فسلمت عليه، فرد علي السلام و بشرني بالجنة، فقلت لجبرئيل، و جبرئيل بالمكان الذي وصفه الله: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ «2»: ألا تأمره أن يريني النار؟ فقال له

__________________________________________________

(1) الصافات 37: 10.

(2) التكوير 81: 21.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 475

جبرئيل: يا مالك، أر محمدا النار. فكشف عنها غطاءها، و فتح

بابا منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء، و فارت فارتفعت «1» حتى ظننت ليتناولني مما رأيت، فقلت: يا جبرئيل، قل له فليرد عليها غطاءها. فأمرها فقال لها: ارجعي. فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.

ثم مضيت فرأيت رجلا آدما «2» جسيما، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟ فقال: هذا أبوك آدم. فإذا هو تعرض عليه ذريته، فيقول: روح طيب و ريح طيبة، من جسد طيب، ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه و آله) سورة المطففين على رأس سبع عشرة آية: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ «3» إلى آخرها.

قال: فسلمت على أبي آدم و سلم علي، و استغفرت له و استغفر لي، و قال: مرحبا بالابن الصالح، و النبي الصالح، و المبعوث في الزمن الصالح.

ثم مررت بملك من الملائكة و هو جالس على مجلس، و إذا جميع الدنيا بين ركبتيه، و إذا بيده لوح من نور، مكتوب فيه كتاب ينظر فيه، و لا يلتفت يمينا و لا شمالا، مقبلا عليه كهيئة الحزين، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟

فقال: هذا ملك الموت، دائب في قبض الأرواح. فقلت: يا جبرئيل، أدنني منه حتى أكلمه. فأدناني منه، فسلمت عليه، و قال له جبرئيل: هذا محمد نبي الرحمة الذي أرسله الله إلى العباد، فرحب بي و حياني بالسلام، و قال: أبشر- يا محمد- فإني أرى الخير كله في أمتك. فقلت: الحمد لله المنان ذي النعم و الإحسان على عباده، ذلك من فضل ربي و رحمته علي. فقال جبرئيل: هو أشد الملائكة عملا. فقلت: أكل من مات، أو هو ميت فيما بعد هذا، تقبض روحه؟ قال: نعم. قلت: تراهم حيث كانوا و تشهدهم بنفسك؟

فقال: نعم. و قال ملك الموت: ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي و مكنني منها، إلا كالدرهم في كف الرجل، يقلبه كيف يشاء، و ما من دار إلا و أنا أتصفحها في كل يوم خمس مرات، و أقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم: لا تبكوا عليه، فإن لي فيكم عودة و عودة حتى لا يبقى منكم أحد. قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كفى بالموت طامة، يا جبرئيل. فقال جبرئيل: إن ما بعد الموت أطم و أطم من الموت.

قال: ثم مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب و لحم خبيث، يأكلون اللحم الخبيث و يدعون الطيب، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون الحرام و يدعون الحلال، و هم من أمتك، يا محمد.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ثم رأيت ملكا من الملائكة، جعل الله أمره عجبا، نصف جسده من النار و النصف الآخر ثلج، فلا النار تذيب الثلج و لا الثلج يطفئ النار، و هو ينادي بصوت رفيع: سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج، و كف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار، اللهم يا مؤلف بين الثلج و النار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين. فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا ملك و كله الله بأكناف السماوات و أطراف الأرضين،

__________________________________________________

(1) في المصدر: فارتعدت.

(2) الادم من الناس: الأسمر. «لسان العرب- أدم- 12: 11». [.....]

(3) المطففين 83: 18- 20.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 476

و هو أنصح ملائكة الله تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين، يدعو لهم بما تسمع منه منذ خلق، و ملكان يناديان في السماء، أحدهما

يقول: اللهم أعط كل منفق خلفا، و الآخر يقول: اللهم أعط كل ممسك تلفا.

ثم مضيت فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر «1» الإبل، يقرض اللحم من جنوبهم و يلقى في أفواههم، فقلت:

من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الهمازون اللمازون.

ثم مضيت، فإذا أنا بأقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء.

ثم مضيت، فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم، و تخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟

فقال: هؤلاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «2».

ثم مضيت، فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم، و تخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟

فقال: هؤلاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.

ثم مضيت، فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟ قال:

هؤلاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ «3» و إذا هم بسبيل «4» آل فرعون، يعرضون على النار غدوا و عشيا، يقولون: ربنا متى تقوم الساعة؟

قال: ثم مضيت، فإذا أنا بنسوان معلقات بأثدائهن، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الزواني «5»، يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم، فاطلع على عوراتهم و أكل خزائنهم.

قال: ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عز و جل، خلقهم الله كيف شاء، و وضع وجوههم كيف شاء، ليس شي ء من أطباق أجسادهم «6» إلا و يسبح الله و يحمده من كل ناحية، بأصوات

مختلفة، أصواتهم مرتفعة بالتحميد و البكاء من خشية الله، فسألت جبرئيل عنهم، فقال: كما ترى خلقوا، إن الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط، و لا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها، و لا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من الله و خشوعا. فسلمت عليهم، فردوا علي إيماء برؤوسهم، لا ينظرون إلي من الخشوع، فقال لهم جبرئيل: هذا محمد نبي الرحمة أرسله الله إلى العباد رسولا و نبيا، و هو خاتم النبيين و سيدهم، أ فلا تكلمونه؟ قال: فلما سمعوا ذلك من جبرئيل، أقبلوا علي بالسلام و أكرموني و بشروني بالخير لي و لأمتي.

قال (صلى الله عليه و آله): ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا فيها رجلان متشابهان، فقلت: من هذان، يا جبرئيل؟

__________________________________________________

(1) المشافر: جمع مشفر، و المشفر كالشّفة للإنسان. «لسان العرب- شفر- 4: 419».

(2) النساء 4: 10.

(3) البقرة 2: 275.

(4) في المصدر: مثل.

(5) في المصدر: اللواتي.

(6) قال المجلسي (رضوان اللّه عليه): قوله: أطباق أجسادهم، أي أعضاؤهم مجازا، أو أغشية أجسادهم من أجنحتهم و ريشهم. قال الفيروزآبادي:

الطبق محركة: غطاء كلّ شي ء، و عظم رقيق يفصل بين كلى فقارين. بحار الأنوار 18: 322.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 477

فقال لي: ابنا الخالة يحيى و عيسى. فسلمت عليهما و سلما علي، فاستغفرت لهما و استغفرا لي، و قالا: مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح، و إذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الأولى، و عليهم الخشوع، قد وضع الله وجوههم كيف شاء، ليس منهم ملك إلا يسبح الله و يحمده بأصوات مختلفة.

ثم صعدنا إلى السماء الثالثة، فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟

فقال: هذا أخوك يوسف. فسلمت عليه و سلم علي، و استغفرت له و استغفر لي، فقال: مرحبا بالنبي الصالح و الأخ الصالح و المبعوث في الزمن الصالح. و إذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى و الثانية، و قال لهم جبرئيل في أمري مثل ما قال للآخرين، و صنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.

ثم صعدنا إلى السماء الرابعة، و إذا فيها رجل، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟ قال: هذا إدريس، رفعه الله مكانا عليا، فسلمت عليه و سلم علي و استغفرت له و استغفر لي، و إذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي و لامتي. ثم رأيت ملكا جالسا على سرير، تحت يديه سبعون ألف ملك، تحت كل ملك سبعون ألف ملك. فوقع في نفس رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه هو، فصاح به جبرئيل، فقال: قم. فهو قائم إلى يوم القيامة.

ثم صعدنا إلى السماء الخامسة، فإذا فيها رجل كهل، عظيم العين، لم أر كهلا أعظم منه، حوله ثلة «1» من أمته فأعجبتني كثرتهم، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟ فقال: هذا المحبب في قومه هارون بن عمران. فسلمت عليه و سلم علي، و استغفرت له و استغفر لي، و إذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

ثم صعدنا إلى السماء السادسة، و إذا فيها رجل آدم، طويل، كأنه من شبوة «2»، و لو أن «3» عليه قميصين لنفذ شعره فيهما، فسمعته يقول: تزعم بنو إسرائيل أني أكرم ولد آدم على الله، و هذا رجل أكرم على الله مني.

فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟ فقال: هذا أخوك موسى بن عمران. فسلمت عليه و

سلم علي، و استغفرت له و استغفر لي، و إذا فيها من ملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

قال (صلى الله عليه و آله): ثم صعدنا إلى السماء السابعة، فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا: يا محمد، احتجم و أمر أمتك بالحجامة. و إذا فيها رجل أشمط الرأس «4» و اللحية جالس على كرسي، فقلت: يا جبرئيل، من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟ فقال: هذا- يا محمد- أبوك إبراهيم، و هذا محلك

__________________________________________________

(1) في «ط»: ثلاثة.

(2) قال المجلسي (رحمه اللّه): قوله (صلى اللّه عليه و آله): كأنّه من شبوة، أقوال: شبوة: أبو قبيلة، موضع بالبادية، و حصن باليمن، و ذكر الثعلبي في وصفه (صلى اللّه عليه و آله): كأنّه من رجال أزد شنوءة، و قال الفيروزآبادي: أزد شنوءة، و قد تشدّد الواو: قبيلة، سميت لشنئان بينهم، انتهى. و على التقادير شبّهه (صلى اللّه عليه و آله) بإحدى تلك الطوائف في الأدمة و طول القامة. الحار 18: 332.

(3) في المصدر: و لو لا أنّ.

(4) الشّمط في الرأس: اختلاف بلونين من سواد و بياض. «لسان العرب- شمط- 7: 335».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 478

و محل من اتقى من أمتك. ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه و آله): إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ «1»، فسلمت عليه و سلم علي، و قال: مرحبا بالنبي الصالح، و الابن الصالح، و المبعوث في الزمن الصالح. و إذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي و لامتي.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): و رأيت في السماء السابعة

بحارا من نور يتلألأ، يكاد تلألؤه يخطف بالأبصار، و فيها بحار مظلمة و بحار ثلج ترعد، فكلما فزعت «2» و رأيت هؤلاء سألت جبرئيل، فقال: أبشر يا محمد، و اشكر كرامة ربك، و اشكر الله بما صنع إليك. قال: فثبتني الله بقوته و عونه حتى كثر قولي لجبرئيل و تعجبي، فقال جبرئيل:

يا محمد، تعظم ما ترى؟ إنما هذا خلق من خلق ربك، فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى، و ما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربك؟ إن بين الله و بين خلقه تسعين «3» ألف حجاب، و أقرب الخلق إلى الله أنا و إسرافيل، و بيننا و بينه أربعة حجب: حجاب من نور، و حجاب من ظلمة، و حجاب من غمام، و حجاب من الماء.

قال (صلى الله عليه و آله): و رأيت من العجائب التي خلق الله و سخره على ما أراده، ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة، و رأسه عند العرش، و ملكا من ملائكة الله، خلقه الله كما أراد، رجلاه في تخوم الأرضين السابعة، ثم أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة، و انتهى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى قرب العرش، و هو يقول: سبحان ربي حيثما كنت، لا تدري أين ربك من عظم شأنه، و له جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق و المغرب، فإذا كان في السحر، نشر ذلك الديك جناحيه و خفق بهما و صرخ بالتسبيح، يقول: سبحان الله الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله الحي القيوم. و إذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها، و خفقت بأجنحتها، و أخذت في الصراخ، فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك

الأرض كلها، و لذلك الديك زغب أخضر و ريش أبيض كأشد بياض، ما رأيته قط، و له زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة، ما رأيتها قط.

قال (صلى الله عليه و آله): ثم مضيت مع جبرئيل (عليه السلام)، فدخلت البيت المعمور، فصليت فيه ركعتين، و معي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد، و آخرون عليهم ثياب خلقان «4»، فدخل أصحاب الجدد و جلس «5» أصحاب الخلقان، ثم خرجت، فانقاد لي نهران: نهر يسمي الكوثر، و نهر يسمي الرحمة، فشربت من الكوثر و اغتسلت من الرحمة، ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة فإذا على حافتيها بيوتي و بيوت أزواجي، و إذا ترابها كالمسك، فإذا جارية تنغمس في أنهار الجنة، فقلت: لمن أنت، يا جارية؟ قالت: لزيد بن حارثة. فبشرته بها حين

__________________________________________________

(1) آل عمران 3: 68.

(2) في المصدر و «ط»: فرغت.

(3) في المصدر: سبعين. [.....]

(4) الخلقان: جمع خلق، أي بال. «لسان العرب- خلق- 10: 88».

(5) في المصدر: و حبس.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 479

أصبحت، و إذا بطيرها كالبخت «1»، و إذا رمانها مثل الدلاء «2» العظام، و إذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة «3» سنة، و ليس في الجنة منزل إلا و فيه فنن «4» منها، فقلت: ما هذه، يا جبرئيل؟ فقال: هذه شجرة طوبى، قال الله: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ «5».

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فلما دخلت الجنة، رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار و هولها و أعاجيبها، قال: هي سرادقات الحجب التي احتجب الله بها، و لو لا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شي ء فيه.

و انتهيت إلى سدرة المنتهى، فإذا الورقة

منها تظل أمة من الأمم، فكنت منها كما قال الله تبارك و تعالى: قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «6» فناداني آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ «7»- و قد كتبنا ذلك في سورة البقرة «8»- فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا رب أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني، فقال الله: قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي: لا حول و لا قوة إلا بالله، لا منجى منك إلا إليك.

قال (صلى الله عليه و آله): و علمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت و أمسيت: اللهم إن ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك، و ذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك، و ذلي أصبح مستجيرا بعزك، و فقري أصبح مستجيرا بغناك، و وجهي الفاني البالي أصبح مستجيرا بوجهك الدائم الباقي الذي لا يفنى.

ثم سمعت الأذان، فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة، فقال: الله أكبر، الله أكبر. فقال الله: صدق عبدي، أنا أكبر. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. فقال الله تعالى: صدق عبدي، أنا الله لا إله غيري.

فقال: أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. فقال الله: صدق عبدي، إن محمدا عبدي و رسولي، أنا بعثته و انتجبته. ثم قال: حي على الصلاة، حي على الصلاة. فقال الله: صدق عبدي و دعا إلى فريضتي، فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا، كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه. فقال: حي على الفلاح، حي على الفلاح. فقال الله: هي الصلاح و النجاح و الفلاح. ثم أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس، قال: ثم غشيتني ضبابة فخررت ساجدا، فناداني ربي: أني قد فرضت على كل

نبي كان قبلك خمسين صلاة، و فرضتها عليك و على أمتك، فقم بها أنت في أمتك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فانحدرت حتى مررت بإبراهيم فلم يسألني عن شي ء، حتى انتهيت إلى

__________________________________________________

(1) البخت: الإبل الراسانيّة. «لسان العرب- بخت- 2: 9».

(2) الدلاء: جمع دلو.

(3) في المصدر: تسعمائة.

(4) الفنن: الغصن. «لسان العرب- فنن- 13: 327».

(5) الرعد 13: 29.

(6) النجم 53: 9.

(7) البقرة 2: 285.

(8) تقدّم في الحديث (2) من تفسير الآيات (284- 286) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 480

موسى، فقال: ما صنعت، يا محمد؟ فقلت: قال ربي: فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة، و فرضتها عليك و على أمتك. فقال موسى: يا محمد، إن أمتك آخر الأمم و أضعفها، و إن ربك لا يرد عليك شيئا، و إن أمتك لا تستطيع أن تقوم بها، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لامتك. فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى، فخررت ساجدا، ثم قلت: فرضت علي و على امتي خمسين صلاة، و لا أطيق ذلك و لا امتي، فخفف عني. فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: إرجع، لا تطيق. فرجعت إلى ربي فسألته، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: إرجع، و في كل رجعة أرجع إليه أخر ساجدا، حتى رجع إلى عشر صلوات.

فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: لا تطيق. فرجعت إلى ربي فوضع عني خمسا، فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: لا تطيق. فقلت: قد استحييت من ربي، و لكن أصبر عليها. فناداني مناد: كما صبرت عليها، فهذه الخمس بخمسين، كل صلاة بعشر، من هم من أمتك بحسنة يعملها فعملها كتبت له عشرا، و إن لم يعملها كتبت له

عشرا، و إن لم يعملها كتبت له واحدة، و من هم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة، و إن لم يعملها لم أكتب عليه شيئا».

فقال الصادق (عليه السلام): «جزى الله موسى عن هذه الامة خيرا». فهذا تفسير قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا إلى آخر الآية.

6198/ [2]- ثم قال علي بن إبراهيم: و روى الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أنه قال: «بينا أنا راقد في الأبطح و علي عن يميني، و جعفر عن يساري، و حمزة بين يدي، إذا أنا بحفيف «1» أجنحة الملائكة، و قائل يقول: إلى أيهم بعثت يا جبرئيل؟ فقال: إلى هذا- و أشار إلي- ثم قال: هو سيد ولد آدم، و هذا وصيه و وزيره و ختنه و خليفته في أمته، و هذا عمه سيد الشهداء حمزة، و هذا ابن عمه جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة، دعه فلتنم عيناه، و لتسمع أذناه، و ليع قلبه، و اضربوا له مثلا: ملك بنى دارا و اتخذ مأدبة و بعث داعيا.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): فالملك الله، و الدار الدنيا، و المأدبة الجنة، و الداعي أنا».

قال: «ثم أدركه جبرئيل بالبراق و أسرى به إلى بيت المقدس، و عرض عليه محاريب الأنبياء و آيات الأنبياء، فصلى فيها و رده من ليلته إلى مكة، فمر في رجوعه بعير لقريش، و إذا لهم ماء في آنية، فشرب منه و صب باقي الماء، و قد كانوا أضلوا بعيرا لهم، و كانوا يطلبونه فلما أصبح، قال لقريش: إن الله قد أسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس، فعرض علي محاريب الأنبياء و آيات

الأنبياء، و إني مررت بعير لكم في موضع كذا و كذا، و إذا لهم ماء في آنية فشربت منه و أهرقت باقي ذلك الماء، و قد كانوا أضلوا بعيرا لهم.

فقال أبو جهل: قد أمكنتكم الفرصة من محمد، سلوه كم الأساطين فيها و القناديل؟ فقالوا: يا محمد، إن ها هنا من قد دخل بيت المقدس، فصف لنا كم أساطينه و قناديله و محاريبه؟ فجاء جبرئيل فعلق صورة بيت المقدس تجاه وجهه، فجعل يخبرهم بما يسألونه، فلما أخبرهم، قالوا: حتى تجي ء العير، و نسألهم عما قلت.

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 2: 13.

(1) في المصدر: بخفق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 481

فقال لهم: و تصديق ذلك أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أحمر. فلما أصبحوا أقبلوا ينظرون إلى العقبة و يقولون: هذه الشمس تطلع الساعة فبيناهم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل أحمر، فسألوهم عما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: لقد كان هذا، ضل جمل لنا في موضع كذا و كذا، و وضعنا ماء و أصبحنا و قد أهرق الماء. فلم يزدهم ذلك إلا عتوا».

6199/ [3]- محمد بن الحسن الصفار: عن علي بن محمد بن سعيد، عن حمدان بن سليمان، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن منيع، عن يونس، عن صباح المزني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «عرج بالنبي (صلى الله عليه و آله) مائة و عشرين مرة، ما من مرة إلا و قد أوصى الله النبي (صلى الله عليه و آله) بولاية علي (عليه السلام) و الأئمة من بعده، أكثر مما أوصاه بالفرائض».

6200/ [4]- العياشي: عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

عن قول الله: سُبْحانَ، فقال:

«أنفة الله».

و في رواية اخرى عن هشام، عنه (عليه السلام)، مثله.

6201/ [5]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: «ما تروي هذه الناصبة»؟ فقلت: جعلت فداك، في ماذا؟ فقال: «في أذانهم و ركوعهم و سجودهم». فقلت: إنهم يقولون: إن أبي بن كعب، رآه في النوم. «فقال: كذبوا، إن دين الله عز و جل أعز من أن يرى في النوم».

قال: فقال له سدير الصيرفي: جعلت فداك، فأحدث لنا من ذلك ذكرا؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الله عز و جل لما عرج بنبيه (صلى الله عليه و آله) إلى سماواته السبع، أما أولهن فبارك عليه، و الثانية علمه فرضه، فأنزل الله محملا من نور، فيه أربعون نوعا من أنواع النور، كانت محدقة بعرش الله، تغشي أبصار الناظرين، أما واحد منها فأصفر، فمن أجل ذلك اصفرت الصفرة، و واحد منها أحرم، فمن أجل ذلك احمرت الحمرة، و واحد منها أبيض، فمن أجل ذلك أبيض البياض، و الباقي على سائر عدد الخلق من النور، و الألوان في ذلك المحمل حلق و سلاسل من فضة.

ثم عرج به إلى السماء، فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء، و خرت سجدا، و قالت: سبوح قدوس ما أشبه هذا النور بنور ربنا! فقال جبرئيل (عليه السلام): الله أكبر، الله أكبر، ثم فتحت أبواب السماء و اجتمعت الملائكة فسلمت على النبي (صلى الله عليه و آله) أفواجا، و قالت: يا محمد، كيف أخوك؟ إذا نزلت فأقرئه السلام. قال النبي (صلى الله عليه و آله):

أ فتعرفونه؟ قالوا: و كيف لا نعرفه و قد

أخذ ميثاقك و ميثاقه منا و ميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا، و إنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم و ليلة خمسا- يعنون في وقت كل صلاة- و إنا لنصلي عليك و عليه؟

__________________________________________________

3- بصائر الدرجات: 99/ 10.

4- تفسير العيّاشي 2: 276/ 2. [.....]

5- الكافي 2: 482/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 482

قال: ثم زادني ربي أربعين نوعا من أنواع النور، لا تشبه النور الأول، و زادني حلقا و سلاسل، و عرج بي إلى السماء الثانية، فلما قربت من باب السماء الثانية نفرت الملائكة إلى «1» أطراف السماء و خرت سجدا، و قالت:

سبوح قدوس رب الملائكة و الروح، ما أشبه هذا النور بنور ربنا! فقال جبرئيل (عليه السلام): أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. فاجتمعت الملائكة و قالت: يا جبرئيل، من هذا معك؟ قال: هذا محمد (صلى الله عليه و آله). قالوا:

و قد بعث؟ قال: نعم. قال النبي (صلى الله عليه و آله): فخرجوا إلي شبه المعانيق «2» فسلموا علي، و قالوا: أقرئ أخاك السلام، قلت: أ تعرفونه؟ قالوا: و كيف لا نعرفه، و قد أخذ ميثاقك و ميثاقه و ميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا، و إنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم و ليلة خمسا؟ يعنون: في وقت كل صلاة.

قال: ثم زادني ربي أربعين نوعا من أنواع النور، لا تشبه الأنوار الأولى، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة، فنفرت الملائكة و خرت سجدا، و قالت: سبوح قدوس رب الملائكة و الروح ما هذا النور الذي يشبه نور ربنا! فقال جبرئيل (عليه السلام): أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. فاجتمعت الملائكة و قالت:

مرحبا بالأول و مرحبا بالآخر، و مرحبا بالحاشر، و مرحبا بالناشر، محمد خير النبيين، و علي خير الوصيين. قال النبي (صلى الله عليه و آله): ثم سلموا علي و سألوني عن أخي، قلت: هو في الأرض، أ فتعرفونه؟ قالوا: و كيف لا نعرفه و قد نحج البيت المعمور كل سنة؟ و عليه رق أبيض فيه اسم محمد و اسم علي و الحسن و الحسين و الأئمة (عليهم السلام) و شيعتهم إلى يوم القيامة، و إنا لنبارك عليهم كل يوم و ليلة خمسا- يعنون في وقت كل صلاة- و يمسحون رؤوسهم بأيديهم.

قال: ثم زادني ربي أربعين نوعا من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الاولى، ثم عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة فلم تقل الملائكة شيئا، و سمعت دويا كأنه في الصدور، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء و خرجت إلي شبه المعانيق، فقال جبرئيل (عليه السلام): حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح. فقالت الملائكة: صوتان مقرونان معروفان. فقال جبرئيل (عليه السلام): قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. فقالت الملائكة: هي لشيعته إلى يوم القيامة. ثم اجتمعت الملائكة و قالوا: كيف تركت أخاك؟ فقلت لهم:

و تعرفونه؟ قالوا: نعرفه و شيعته، و هم نور حول عرش الله، و إن في البيت المعمور لرقا من نور، فيه كتاب من نور، فيه اسم محمد و علي و الحسن و الحسين و الأئمة و شيعتهم إلى يوم القيامة، لا يزيد فيهم رجل، و لا ينقص منهم رجل، و إنه لميثاقنا، و إنه ليقرأ علينا كل يوم جمعة.

ثم قيل لي: ارفع رأسك يا محمد. فرفعت رأسي، فإذا أطباق السماء قد خرقت، و الحجب قد رفعت،

ثم قال لي: طأطئ رأسك، انظر ما ترى؟ فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا، و حرم مثل حرم هذا البيت، لو ألقيت شيئا من يدي لم يقع إلا عليه، فقيل لي: يا محمد، إن هذا الحرم و أنت الحرام، و لكل مثل مثال.

__________________________________________________

(1) في «ط»: في.

(2) المعانيق: جمع المعناق، و المعناق: الفرس الجيد العنق، و في الخبر: «فانطلقنا إلى الناس معانيق» أي مسرعين. «مجمع البحرين- عنق- 5:

219».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 483

ثم أوحى الله إلي: يا محمد، ادن من صاد فاغسل مساجدك و طهرها و صل لربك. فدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) من صاد: و هو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن، فتلقى رسول الله (صلى الله عليه و آله) الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمنى، ثم أوحى الله عز و جل إليه: أن أغسل وجهك فإنك تنظر إلى عظمتي، ثم اغسل ذراعيك اليمنى و اليسرى، فإنك تلقى بيدك كلامي، ثم أمسح رأسك بفضل ما بقي في يدك «1»، و رجليك إلى كعبيك، فإني أبارك عليك و أوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك. فهذه علة الأذان و الوضوء.

ثم أوحى الله عز و جل إليه: يا محمد، استقبل الحجر الأسود و كبرني على عدد حجبي. فمن أجل ذلك صار التكبير سبعا لأن الحجب سبع، فافتتح عند انقطاع الحجب، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنة، و الحجب متطابقة، بينهن بحار النور و ذلك النور الذي أنزله الله على محمد (صلى الله عليه و آله)، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرات لا فتتاح الحجب ثلاث مرات، فصار التكبير سبعا و الافتتاح ثلاثا، فلما فرغ من التكبير و الافتتاح

أوحى الله إليه: سم باسمي. فمن أجل ذلك جعل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أول السورة.

ثم أوحى الله إليه: أن احمدني، فلما قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال النبي (صلى الله عليه و آله)- في نفسه-:

شكرا، فأوحى الله عز و جل إليه: قطعت حمدي فسم باسمي. فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مرتين، فلما بلغ وَ لَا الضَّالِّينَ قال النبي (صلى الله عليه و آله): الحمد لله رب العالمين شكرا، فأوحى الله إليه: قطعت ذكري فسم باسمي، فمن أجل ذلك جعل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أول السورة.

ثم أوحى الله عز و جل إليه: اقرأ يا محمد، نسبة ربك تبارك و تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ «2»، ثم أمسك عنه الوحي. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الواحد الأحد الصمد، فأوحى الله إليه: لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، ثم أمسك عنه الوحي. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كذلك الله ربنا، كذلك الله ربنا. فلما قال ذلك أوحى الله إليه: اركع لربك يا محمد. فركع، فأوحى الله إليه و هو راكع، قل: سبحان ربي العظيم. ففعل ذلك ثلاثا، ثم أوحى الله إليه: أن ارفع رأسك يا محمد. ففعل رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقام منتصبا، فأوحى الله عز و جل إليه: أن اسجد لربك يا محمد. فخر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ساجدا، فأوحى الله عز و جل إليه: قل سبحان ربي الأعلى. ففعل (صلى الله عليه و آله) ذلك ثلاثا، ثم أوحى الله إليه: أن

استو جالسا يا محمد. ففعل، فلما رفع رأسه من سجوده و استوى جالسا نظر إلى عظمته تجلت له فخر ساجدا من تلقاء نفسه، لا لأمر امر به، فسبح أيضا ثلاثا، فأوحى الله إليه: أن انتصب قائما. ففعل فلم ير ما كان يرى من العظمة، فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة و سجدتين.

ثم أوحى الله عز و جل إليه: أن اقرأ بالحمد لله. فقرأها مثل ما قرأ أولا، ثم أوحى الله عز و جل إليه: اقرأ إِنَّا أَنْزَلْناهُ «3» فإنها نسبتك و نسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة. و فعل في الركوع مثل ما فعل في المرة الاولى، ثم سجد

__________________________________________________

(1) في المصدر: يديك.

(2) الإخلاص 112: 1- 4.

(3) القدر 97: 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 484

سجدة واحدة، فلما رفع رأسه تجلت له العظمة فخر ساجدا من تلقاء نفسه، لا لأمير امر به، فسبح أيضا. ثم أوحى الله إليه: ارفع رأسك يا محمد، ثبتك ربك. فلما ذهب ليقوم، قيل: يا محمد، اجلس. فجلس، فأوحى الله إليه: يا محمد، إذا ما أنعمت عليك فسبح» باسمي. فالهم أن قال: بسم الله و بالله، و لا إله إلا الله، و الأسماء الحسنى كلها لله. ثم أوحى الله إليه: يا محمد، صل على نفسك و على أهل بيتك. فقال: صلى الله علي و على أهل بيتي، و قد فعل.

ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة و المرسلين و النبيين، فقيل: يا محمد، سلم عليهم. فقال: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. فأوحى الله إليه: أن السلام و التحية و الرحمة و البركات أنت و ذريتك. ثم أوحى الله إليه: أن لا تلتفت يسارا. و أول آية سمعها بعد قُلْ هُوَ اللَّهُ

أَحَدٌ و إِنَّا أَنْزَلْناهُ آية أَصْحابُ الْيَمِينِ «2» و أَصْحابُ الشِّمالِ «3» فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة، و من أجل ذلك كان التكبير في السجود شكرا.

و قوله: سمع الله لمن حمده. لأن النبي (صلى الله عليه و آله) سمع ضجة الملائكة بالتسبيح و التحميد و التهليل، فمن أجل ذلك قال: سمع الله لمن حمده. و من أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلما أحدث فيهما حدث كان على صاحبهما إعادتهما، فهذا الفرض الأول في صلاة الزوال، يعني صلاة الظهر».

و روى هذا الحديث ابن بابويه في (العلل) قال: حدثنا أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا:

حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن أبي عمير و محمد بن سنان، عن الصباح المزني، و سدير الصيرفي، و محمد بن النعمان مؤمن الطاق، و عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام).

و حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار و سعد بن عبد الله، قالا: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و يعقوب بن يزيد و محمد بن عيسى، عن عبد الله بن جبلة، عن الصباح المزني و سدير الصيرفي و محمد بن النعمان الأحول و عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «4»: أنهم حضروه، و ساق الحديث، إلا أن في رواية ابن بابويه: «فقال: يا محمد سلم، فقلت: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. فقال: يا محمد، إني أنا السلام، و التحية و الرحمة و البركات أنت و ذريتك» «5».

6202/ [6]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)،

قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، قال: «لما أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق، فأتيا بيت المقدس، و عرض عليه محاريب الأنبياء

__________________________________________________

6- أمالي الصدوق: 363/ 1.

(1) في «س»: فسم.

(2، 3) الواقعة 56: 27 و 41.

(4) في «س، ط»: أبي جعفر (عليه السّلام).

(5) علل الشرائع: 312/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 485

فصلى بها و رده، فمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) في رجوعه بعير لقريش و إذا لهم ماء في آنية، و قد أضلوا بعيرا لهم و كانوا يطلبونه، فشرب رسول الله (صلى الله عليه و آله) من ذلك الماء و أهرق باقيه.

فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال لقريش: إن الله جل جلاله قد أسرى بي إلى بيت المقدس و أراني آثار الأنبياء و منازلهم، و إني مررت بعير لقريش في موضع كذا و كذا، و قد أضلوا بعيرا لهم، فشربت من مائهم و أهرقت باقي ذلك. فقال أبو جهل: قد أمكنتكم الفرصة منه، فاسألوه كم الأساطين فيها و القناديل؟

فقالوا: يا محمد، إن هاهنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه و قناديله و محاريبه؟ فجاء جبرئيل (عليه السلام) فعلق صورة بيت المقدس تجاه وجهه، فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه، فلما أخبرهم قالوا: حتى تجي ء العير و نسألهم عما قلت.

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): تصديق ذلك أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق «1». فلما كان من الغد أقبلوا

ينظرون إلى العقبة و يقولون: هذه الشمس تطلع الساعة، فبينا هم كذلك إذ طلعت عليهم العير حين طلع القرص، يقدمها جمل أورق، فسألوهم عما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: لقد كان هذا، ضل جمل لنا في موضع كذا و كذا و وضعنا ماء فأصبحنا و قد أهرق الماء. فلم يزدهم ذلك إلا عتوا».

6203/ [7]- و عنه: بإسناده عن عبد الرحمن بن غنم، قال: جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بدابة دون البغل و فوق الحمار، رجلاها أطول من يديها، خطوها مد البصر، فلما أراد النبي (صلى الله عليه و آله) أن يركب امتنعت. فقال جبرئيل (عليه السلام): إنه محمد، فتواضعت حتى لصقت بالأرض. قال: فركب، فكلما هبطت ارتفعت يداها و قصرت رجلاها، و إذا صعدت ارتفعت رجلاها و قصرت يداها، فمرت به في ظلمة الليل على عير محملة، فنفرت العير من دفيف البراق، فنادى رجل في آخر العير غلاما له في أول العير أن يا فلان، إن العير قد نفرت، و إن فلانة ألقت حملها و انكسرت يدها. و كانت العير لأبي سفيان.

قال: ثم مضى حتى إذا كان ببطن البلقاء «2»، قال (صلى الله عليه و آله): «يا جبرئيل، قد عطشت» فتناول جبرئيل (عليه السلام) قصعة فيها ماء فناوله و شرب، ثم مضى فمر على قوم معلقين بعراقيبهم بكلاليب من نار، فقال:

«ما هؤلاء يا جبرئيل؟» قال: هؤلاء الذين أغناهم الله بالحلال فيبتغون الحرام. قال: ثم مر على قوم تخاط جلودهم بمخائط من نار، فقال: «ما هؤلاء، يا جبرئيل؟». فقال: هؤلاء الذين يأخذون عذرة النساء بغير حل. ثم مضى و مر برجل يرفع حزمة من حطب،

كلما لم يستطع أن يرفعها زاد فيها، فقال: «يا جبرئيل، من هذا؟». قال: هذا صاحب الدين يريد أن يقضي، فإذا لم يستطع زاد عليه.

ثم مضى حتى إذا كان بالجبل الشرقي من بيت المقدس وجد ريحا حارة و سمع صوتا، قال: «ما هذه الريح- يا جبرئيل- التي أجدها، و هذا الصوت الذي أسمع؟» قال: هذه جهنم. فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «أعوذ بالله من

__________________________________________________

7- أمالي الصدوق: 364/ 2.

(1) الأورق من الإبل: الذي في لونه بياض إلى سواد. «لسان العرب- ورق- 10: 376».

(2) البلقاء: كورة من أعمال دمشق، بين الشام و وادي القرى. «معجم البلدان 1: 489». [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 486

جهنم». ثم وجد ريحا عن يمينه طيبة و سمع صوتا، فقال: «ما هذه الريح التي أجدها، و هذا الصوت الذي أسمع؟» قال: هذه الجنة. فقال (صلى الله عليه و آله): «أسأل الله الجنة».

قال: ثم مضى حتى انتهى إلى باب مدينة بيت المقدس و فيها هرقل، و كانت أبواب المدينة تغلق كل ليلة و يؤتى بالمفاتيح و توضع عند رأسه، فلما كانت تلك الليلة امتنع الباب أن ينغلق فأخبروه، فقال: ضاعفوا عليها من الحرس. قال: فجاء رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فدخل بيت المقدس، فجاء جبرئيل إلى الصخرة فرفعها، فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح: قدحا من لبن، و قدحا من عسل، و قدحا من خمر، فناوله قدح اللبن فشربه، ثم ناوله قدح العسل فشربه، ثم ناوله قدح الخمر، فقال: «قد رويت، يا جبرئيل» قال: أما أنك لو شربته، ضلت أمتك و تفرقت عنك. قال: ثم أم رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بيت المقدس بسبعين نبيا.

قال: و هبط مع

جبرئيل (عليه السلام) ملك لم يطأ الأرض قط، معه مفاتيح خزائن الأرض، قال: [يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، و يقول: هذه مفاتيح خزائن الأرض ] فإن شئت فكن نبيا عبدا، و إن شئت نبيا ملكا. فأشار إليه جبرئيل (عليه السلام): أن تواضع يا محمد، فقال: «بل أكون نبيا عبدا.»

ثم صعد إلى السماء فلما انتهى إلى باب السماء استفتح جبرئيل (عليه السلام) فقالوا: من هذا؟ قال: محمد.

قالوا: نعم المجي ء جاء، فدخل، فما مر على ملأ من الملائكة إلا سلموا عليه، و دعوا له و شيعه مقربوها، فمر على شيخ قاعد تحت شجرة، و حوله أطفال، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من هذا الشيخ، يا جبرئيل؟» قال: هذا أبوك إبراهيم (عليه السلام). قال: «فما هؤلاء الأطفال حوله؟». قال: هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذوهم.

ثم مضى فمر على شيخ قاعد على كرسي، إذا نظر عن يمينه ضحك و فرح، و إذا نظر عن يساره حزن و بكى، فقال: «من هذا يا جبرئيل؟» قال: هذا أبوك آدم، إذا رأى من يدخل الجنة من ذريته ضحك و فرح، و إذا رأى من يدخل النار من ذريته حزن و بكى.

قال: ثم مضى، فمر على ملك قاعد على كرسي فسلم عليه، فلم ير [منه ] من البشر ما رأى من الملائكة، فقال: «يا جبرئيل، ما مررت بأحد من الملائكة إلا رأيت منه ما أحب إلا هذا، فمن هذا الملك؟» قال: هذا مالك خازن النار، أما إنه قد كان أحسن الملائكة بشرا، و أطلقهم وجها، فلما جعل خازن النار أطلع فيها اطلاعة فرأى ما أعد الله فيها لأهلها فلم يضحك بعد ذلك.

ثم مضى حتى إذا انتهى حيث انتهى، فرضت عليه خمسون صلاة،

قال: فأقبل، فمر على موسى (عليه السلام)، فقال: «يا محمد، كم فرض على أمتك؟» قال: «خمسون صلاة». قال: «ارجع إلى ربك فسله أن يخفف عن أمتك»، قال: ثم مر على موسى (عليه السلام)، فقال: «كم فرض على أمتك؟» قال: كذا و كذا. فقال: «إن أمتك أضعف الأمم، إرجع إلى ربك فسله أن يخفف عن أمتك، فإني كنت في بني إسرائيل فلم يكونوا يطيقون إلا دون هذا» فلم يزل يرجع إلى ربه عز و جل حتى جعلها خمس صلوات. قال: ثم مر على موسى (عليه السلام)، فقال: «كم فرض على أمتك؟» قال: «خمس صلوات» قال: «إرجع إلى ربك فسله أن يخفف عن أمتك». قال: «قد استحييت من ربي مما أرجع إليه». البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 487

ثم مضى فمر على إبراهيم خليل الرحمن، فناداه من خلفه فقال: «يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، و أخبرهم أن الجنة ماؤها عذب، و تربتها طيبة، [فيها] قيعان بيض، غرسها سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم فمر أمتك فليكثروا من غرسها».

ثم مضى حتى مر بعير يقدمها جمل أورق، ثم أتى إلى أهل مكة فأخبرهم بمسيره، و قد كان بمكة قوم من قريش قد أتوا بيت المقدس فأخبرهم. ثم قال: «آية ذلك أنها تطلع عليكم الساعة عير مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق». قال: فنظروا فإذا هي قد طلعت، و أخبرهم [أنه ] قد مر بأبي سفيان، و أن إبله قد نفرت في بعض الليل، و أنه نادى غلاما له في أول العير: يا فلان، إن الإبل قد نفرت، و إن فلانة قد ألقت

حملها و انكسرت يدها، فسألوه عن الخبر فوجدوه كما قال النبي (صلى الله عليه و آله).

قال مصنف الكتاب: رجوع الخمسين صلاة إلى خمس صلوات بشفاعة موسى (عليه السلام) في خبر الإسراء متكرر في أحاديث خبر الإسراء «1»، اقتصرنا على ما أوردنا مخافة إلا طالة، و أما العلة في ذلك:

6204/ [8]- فقد روى محمد بن علي بن بابويه في (من لا يحضره الفقيه): عن زيد بن علي بن الحسين، أنه قال: سألت أبي سيد العابدين (عليه السلام)، فقلت له: يا أبت، أخبرني عن جدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما عرج به إلى السماء، و أمره ربه عز و جل بخمسين صلاة، كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران (عليه السلام): «ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك»؟ فقال: «يا بني، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا يقترح على ربه عز و جل، و لا يراجعه في شي ء يأمره به، فلما سأله موسى (عليه السلام) ذلك، و صار شفيعا لامته إليه لم يجز له أن يرد شفاعة أخيه موسى (عليه السلام)، فرجع إلى ربه عز و جل فسأله التخفيف، إلى أن ردها إلى خمس صلوات».

قال: فقلت له: يا أبت، فلم لم يرجع إلى ربه عز و جل، و لم يسأله التخفيف من خمس صلوات، و قد سأله موسى (عليه السلام) أن يرجع إلى ربه عز و جل و يسأله التخفيف؟ فقال: «يا بني، أراد (عليه السلام) أن يحصل لامته التخفيف مع أجر خمسين صلاة، لقول الله عز و جل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «2» ألا ترى أنه (صلى الله عليه و

آله) لما هبط إلى الأرض نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام و يقول: إنها خمس بخمسين ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «3»».

قال: فقلت له: يا أبت، أليس الله جل ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال: «بلى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا».

قلت: فما معنى قول موسى (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه و آله): «ارجع إلى ربك»؟ فقال: «معناه معنى قول

__________________________________________________

8- من لا يحضره الفقيه 1: 126/ 603.

(1) انظر: علل الشرائع: 132/ 1، أمالي الصدوق: 371/ 6، التوحيد: 176/ 8.

(2) الأنعام 6: 160.

(3) سورة ق 50: 29.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 488

إبراهيم (عليه السلام): إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ «1» و معنى قول موسى (عليه السلام): وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى «2» و معنى قوله عز و جل: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ «3» يعني: حجوا إلى بيت الله. يا بني، إن الكعبة بيت الله فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله، و المساجد بيوت الله، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله و قصد إليه، و المصلي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله عز و جل، فإن لله تبارك و تعالى بقاعا في سماواته فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إلى الله، ألا تسمع الله عز و جل يقول: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ «4» و يقول عز و جل في قصة عيسى بن مريم (عليه السلام): بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ «5» و يقول الله عز و جل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «6»».

6205/ [9]- و عنه: بإسناده عن ثابت بن دينار، قال: سألت زين

العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) عن الله عز و جل هل يوصف بمكان؟ فقال: «لا، تعالى الله عن ذلك».

قلت: فلم أسرى بنبيه (صلى الله عليه و آله) إلى السماء؟ قال: «ليريه ملكوت السماوات و ما فيها من عجائب صنعه و بدائع خلقه».

قلت: فقول الله عز و جل: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «7»؟ قال: «ذاك رسول الله (صلى الله عليه و آله) دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى (صلى الله عليه و آله) فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى».

6206/ [10]- و عنه: بإسناده عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لما عرج بي إلى السماء السابعة، و منها إلى سدرة المنتهى، و من السدرة إلى حجب النور، ناداني ربي جل جلاله: يا محمد، أنت عبدي و أنا ربك فلي فاخضع «8» و إياي فاعبد و علي فتوكل و بي فثق، فإني قد رضيت بك عبدا و حبيبا و رسولا و نبيا، و بأخيك علي خليفة و بابا، فهو حجتي على عبادي و إمام خلقي، و به يعرف أوليائي من أعدائي، و به يميز حزب الشيطان من حزبي، و به يقام ديني و تحفظ حدودي و تنفذ أحكامي، و بك و به و بالأئمة من ولده أرحم عبادي و إمائي،

__________________________________________________

9- علل الشرائع: 131/ 1.

10- الأمالي: 504/ 4.

(1) الصافات 37: 99.

(2) طه 20: 84.

(3) الذاريات 51: 50.

(4) المعارج 70: 4.

(5) النساء 4: 158.

(6) فاطر 35: 10.

(7) النجم 53: 8- 9.

(8) في «ط»: فاخشع. [.....]

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 489

و بالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي و تهليلي و تقديسي و تكبيري و تحميدي «1»، و به أطهر الأرض من أعدائي و أورثها أوليائي، و به اجعل كلمة الذين كفروا السفلى و كلمتي العليا، و به احيي عبادي و بلادي بعلمي به، و له اظهر الكنوز و الذخائر بمشيئتي، و إياه اظهر على الأسرار و الضمائر بإرادتي، و أمده بملائكتي، لتؤيده على إنفاذ أمري، و إعلاء «2» ديني، ذلك وليي حقا، و مهدي عبادي صدقا».

6207/ [11]- و عنه، قال: حدثنا حمزة بن محمد العلوي (رحمه الله)، قال حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن محمد بن حمزة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي علة يجهر في صلاة الفجر و صلاة المغرب و صلاة العشاء الآخرة، و سائر الصلوات مثل: الظهر و العصر لا يجهر فيها؟

و لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟

قال (عليه السلام): «لأن النبي (صلى الله عليه و آله) لما أسري به إلى السماء، كان أول صلاة فرضها الله عليه صلاة الظهر يوم الجمعة، فأضاف الله عز و جل إليه الملائكة تصلي خلفه، و أمر الله عز و جل نبيه (صلى الله عليه و آله) أن يجهر بالقراءة، ليبين لهم فضله، ثم افترض عليه العصر، و لم يضف إليه أحدا من الملائكة، و أمره أن يخفي القراءة، لأنه لم يكن وراءه أحد، ثم افترض عليه المغرب، ثم أضاف إليه الملائكة، فأمره بالإجهار و كذلك العشاء الآخرة، فلما قرب الفجر افترض الله تعالى عليه الفجر فأمره بالإجهار ليبين للناس فضله كما بين للملائكة، فلهذه العلة يجهر فيها».

فقلت:

لأي شي ء صار التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة؟

قال: «لأنه لما كان في الأخيرتين ذكر ما يظهر له من عظمة الله عز و جل، فدهش و قال: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فلتلك العلة صار التسبيح أفضل من القراءة».

6208/ [12]- و عنه، قال: أخبرني علي بن حاتم، قال: حدثني القاسم بن محمد، قال: حدثنا حمدان بن الحسين، عن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن إبراهيم، عن محمد بن زياد، عن هشام بن الحكم، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: قلت له: لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل؟ و لأي علة يقال في الركوع:

سبحان ربي العظيم و بحمده، و يقال في السجود: سبحان ربي الأعلى و بحمده؟

قال: «يا هشام، إن الله تبارك و تعالى خلق السماوات سبعا و الأرضين، سبعا و الحجب سبعا، فلما أسري بالنبي (صلى الله عليه و آله) و كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه، فكبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) و جعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح، فلما رفع له الثاني كبر، فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب و كبر سبع تكبيرات، فلتلك العلة يكبر في الافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات، فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه و أخذ يقول: سبحان ربي العظيم و بحمده. فلما اعتدل من ركوعه قائما، نظر إليه في

__________________________________________________

11- علل الشرائع: 322/ 1.

12- علل الشرائع: 332/ 4.

(1) في المصدر: و تمجيدي.

(2) في المصدر: و إعلان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 490

موضع أعلى من ذلك الموضع، خر على وجهه و هو

يقول: سبحان ربي الأعلى و بحمده. فلما قالها سبع مرات سكن ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة».

6209/ [13]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن صباح الحذاء، عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) كيف صارت الصلاة ركعة و سجدتين، و كيف إذا صارت سجدتين لم تكن ركعتين؟

فقال: «إذا سألت عن شي ء ففرغ قلبك لتفهم، إن أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه و آله) إنما صلاها في السماء بين يدي الله تبارك و تعالى قدام عرشه جل جلاله، و ذلك أنه لما أسري به و صار عند عرشه تبارك و تعالى، قال: يا محمد، ادن من صاد فاغسل مساجدك و طهرها و صل لربك، فدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى حيث أمره تبارك و تعالى، فتوضأ و أسبغ وضوءه، ثم استقبل الجبار تبارك و تعالى قائما، فأمره بافتتاح الصلاة ففعل. فقال:

يا محمد، اقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إلى آخرها ففعل ذلك، ثم أمره أن يقرأ نسبة ربه تبارك و تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ثم أمسك عنه القول، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ فقال: قل: لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. فأمسك عنه القول فقال رسول الله: كذلك الله ربي، كذلك الله ربي. فلما قال ذلك، قال: اركع- يا محمد- لربك. فركع رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال له و هو راكع: قل سبحان

ربي العظيم و بحمده. ففعل ذلك ثلاثا. ثم قال:

ارفع رأسك يا محمد. ففعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقام منتصبا بين يدي الله عز و جل. فقال: اسجد لربك يا محمد. فخر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ساجدا، فقال: قل سبحان ربي الأعلى و بحمده. ففعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال له: استو جالسا، يا محمد. ففعل، فلما استوى جالسا ذكر جلال ربه جل جلاله، فخر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر أمره ربه عز و جل، فسبح أيضا ثلاثا، فقال: انتصب قائما، ففعل، فلم ير ما كان رأى من عظمة ربه جل جلاله، فقال له: اقرأ- يا محمد- و افعل كما فعلت في الركعة الأولى. ففعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ثم سجد سجدة واحدة، فلما رفع رأسه ذكر جلالة ربه تبارك و تعالى الثانية، فخر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر أمره ربه عز و جل فسبح أيضا، ثم قال له: ارفع رأسك ثبتك الله و اشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله، و أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور، اللهم صل على محمد و آل محمد و أرحم محمدا و آل محمد، كما صليت و باركت و ترحمت و مننت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم تقبل شفاعته في أمته و ارفع درجته. ففعل، فقال: سلم يا محمد. و استقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) ربه تبارك و تعالى و

تقدس وجهه، مطرقا، فقال: السلام عليك. فأجابه الجبار جل جلاله فقال:

و عليك السلام- يا محمد- بنعمتي قويت على طاعتي، و برحمتي «1» إياك اتخذتك نبيا و حبيبا».

__________________________________________________

13- علل الشرائع: 334/ 1.

(1) في المصدر: و بعصمتي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 491

ثم قال أبو الحسن (عليه السلام): «و إنما كانت الصلاة التي امر بها ركعتين و سجدتين، و هو (صلى الله عليه و آله) إنما سجد سجدتين في كل ركعة عما أخبرتك من تذكرة لعظمة ربه تبارك و تعالى، فجعله الله عز و جل فرضا».

قلت:- جعلت فداك- و ما صاد الذي أمره أن يغتسل منه؟

فقال: «عين تنفجر من ركن من أركان العرش، يقال له: ماء الحياة، و هو ما قال الله عز و جل: ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ «1» إنما أمره أن يتوضأ و يقرأ و يصلي».

6210/ [14]- و عنه، قال: حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب، و علي بن عبد الله الوراق و أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران و صالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): لأي علة عرج الله بنبيه (صلى الله عليه و آله) إلى السماء، و منها إلى سدرة المنتهى، و منها إلى حجب النور و خاطبه و ناجاه هناك، و الله لا يوصف بمكان؟

فقال (عليه السلام): «إن الله لا يوصف بمكان، و لا يجري عليه زمان، و لكنه عز و جل أراد أن يشرف به ملائكته و سكان سماواته، و يكرمهم بمشاهدته، و يريه من عجائب عظمته ما يخبر

به بعد هبوطه، و ليس ذلك على ما يقوله المشبهون، سبحانه و تعالى عما يصفون».

6211/ [15]- العياشي: عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن جبرئيل (عليه السلام) أتى بالبراق إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و كان أصغر من البغل و أكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عيناه في حوافره، خطوته مد البصر».

6212/ [16]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما أسري بالنبي (صلى الله عليه و آله) أتي بالبراق و معها جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل، قال: فأمسك له واحد بالركاب، و أمسك الآخر باللجام، و سوى عليه الآخر ثيابه، فلما ركبها تضعضعت، فلطمها جبرئيل (عليه السلام) و قال لها: قري يا براق، فما ركبك أحد قبله مثله، و لا يركبك أحد بعده مثله، إلا أنه تضعضعت عليه».

6213/ [17]- و في رواية اخرى: عن هشام، عنه (عليه السلام) قال: «لما أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله) حضرت الصلاة، فأذن جبرئيل و أقام للصلاة، فقال: يا محمد، تقدم. فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): تقدم يا جبرئيل.

فقال له: إنا لا نتقدم الآدميين منذ أمرنا بالسجود لآدم».

__________________________________________________

14- علل الشرائع: 132/ 2.

15- تفسير العيّاشي 2: 276/ 3.

16- تفسير العيّاشي 2: 276/ 4.

17- تفسير العيّاشي 2: 277/ 5.

(1) سورة ص 38: 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 492

6214/1]- عن هارون بن خارجة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا هارون، كم بين منزلك و بين المسجد الأعظم؟». قلت: قريب. قال: «يكون ميلا؟». فقلت: لكنه أقرب فقال: «فما تشهد الصلاة كلها فيه؟». فقلت: لا و الله- جعلت فداك- ربما شغلت «1» فقال لي:

«أما إني لو كنت بحضرته ما فاتني فيه صلاة». قال: ثم قال هكذا بيده: «ما من ملك مقرب و لا نبي مرسل، و لا عبد صالح إلا و قد صلى في مسجد كوفان، حتى محمد (صلى الله عليه و آله) ليلة أسري به أمره به جبرئيل، فقال: يا محمد، هذا مسجد كوفان، فقال: استأذن لي حتى اصلي فيه ركعتين، فاستأذن له فهبط به و صلى فيه ركعتين.

ثم قال: أما علمت أن عن يمينه روضة من رياض الجنة، و عن يساره روضة من رياض الجنة، أما علمت أن الصلاة المكتوبة فيه تعدل ألف صلاة في غيره، و النافلة خمسمائة صلاة، و الجلوس «2» فيه من غير قراءة القرآن عبادة». قال: ثم قال هكذا بإصبعه فحركها: «ما بعد المسجدين أفضل من مسجد كوفان» «3».

6215/ [19]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن جبرئيل احتمل رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى انتهى به إلى مكان من السماء، ثم تركه و قال له: ما وطئ شي ء قط مكانك».

6216/ [20]- عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) لما أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى السماء الدنيا لم يمر بأحد من الملائكة إلا استبشر به، إلا مالك خازن جهنم، فقال لجبرئيل: يا جبرئيل، ما مررت بملك من الملائكة إلا استبشر بي إلا هذا الملك، فمن هذا؟ قال: هذا مالك خازن جهنم، و هكذا جعله الله.»

قال: «فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): يا جبرئيل، سله أن يرينيها! فقال جبرئيل: يا مالك، هذا محمد رسول الله، و قد شكا إلي و قال: ما مررت بأحد من الملائكة إلا

استبشر بي و سلم علي إلا هذا. فأخبرته أن الله تعالى هكذا جعله، و قد سألني أن أسألك أن تريه جهنم». قال: «فكشف له عن طبق من أطباقها، فما رؤي رسول الله (صلى الله عليه و آله) ضاحكا حتى قبض (صلى الله عليه و آله)».

6217/ [21]- عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله) حضرت الصلاة فأذن جبرئيل (عليه السلام)، فلما قال: الله أكبر، الله أكبر. قالت الملائكة: الله أكبر، الله أكبر. فلما قال:

أشهد أن لا إله إلا الله قالت الملائكة: خلع الأنداد. فلما قال: أشهد أن محمدا رسول الله قالت: نبي بعث. فلما قال: حي على الصلاة قالت: حث على عبادة ربه. فلما قال: حي على الفلاح قالت: أفلح من تبعه».

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 2: 277/ 6.

19- تفسير العيّاشي 2: 277/ 7.

20-- تفسير العيّاشي 2: 277/ 8. [.....]

21- تفسير العيّاشي 2: 278/ 9.

(1) في «ط»: ربما ثقلت.

(2) في «س»: و الحاضر.

(3) في «ط»: من الكوفة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 493

6218/ [22]- عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما أخبرهم أنه أسري به، قال بعضهم لبعض: قد ظفرتم به فاسألوه عن أيلة «1»- قال- فسألوه عنها- قال- فأطرق و مكث «2»، فأتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال:

يا رسول الله، ارفع رأسك فإن الله قد رفع إليك أيلة، و قد أمر الله كل منخفض من الأرض فارتفع، و كل مرتفع فانخفض. فرفع رأسه فإذا أيلة قد رفعت له، فجعلوا يسألونه، و يخبرهم و هو ينظر إليها، ثم قال: إن علامة ذلك عير لأبي سفيان تحمل برا يقدمها جمل أحمر مجمع

«3»، تدخل غدا مع الشمس، فأرسلوا الرسل، و قالوا لهم: حيث ما لقيتم العير فاحبسوها، ليكذبوا بذلك قوله- قال- فضرب الله وجوه الإبل فأقرت «4» على الساحل، و أصبح الناس فأشرفوا». فقال أبو عبد الله: «فما رؤيت مكة أكثر مشرفا و لا مشرفة منها يومئذ، لينظروا ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأقبلت الإبل [من ] ناحية الساحل، فكان يقول القائل: الإبل الشمس، الشمس الإبل- قال- فطلعتا جميعا».

6219/ [23]- عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلى العشاء الآخرة و صلى الفجر في الليلة التي أسري به فيها بمكة».

6220/ [24]- عن زرارة و حمران بن أعين و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «حدث أبو سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: إن جبرئيل أتاني ليلة أسري بي و حين رجعت، فقلت: يا جبرئيل، هل لك من حاجة؟ فقال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله و مني السلام. و حدثنا عند «5» ذلك أنها قالت حين لقيها نبي الله (صلى الله عليه و آله) فقال لها بالذي قال جبرئيل، قالت: إن الله هو السلام، و منه السلام، و إليه السلام، و على جبرئيل السلام».

6221/ [25]- عن سالم «6» الحناط، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن المساجد التي لها الفضل، فقال: «المسجد الحرام، و مسجد الرسول».

قلت: و المسجد الأقصى، جعلت فداك؟ فقال: «ذاك في السماء، إليه أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله)».

فقلت: إن الناس يقولون: إنه بيت المقدس؟ فقال: «مسجد الكوفة أفضل منه».

__________________________________________________

22- تفسير العيّاشي 2: 378/

10.

23- تفسير العيّاشي 2: 279/ 11.

24- تفسير العيّاشي 2: 279/ 12.

25- تفسير العيّاشي 2: 279/ 13.

(1) أيلة: بالفتح، مدينة على ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام. «معجم البلدان 1: 292».

(2) في «ط»: و سكت.

(3) رجل مجمع: بلغ أشدّه. «أقرب الموارد- جمع- 1: 138».

(4) في المصدر: فأقربت.

(5) في «ط»: عن.

(6) في المصدر: سلّام. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 494

6222/ [26]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لما أسري بالنبي (صلى الله عليه و آله) فانتهى إلى موضع، قال له جبرئيل: قف، إن ربك يصلي».

قال: قلت: جعلت فداك، و ما كان صلاته؟ فقال: «كان يقول: سبوح قدوس رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتي غضبي».

6223/ [27]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما أسري به رفعه جبرئيل بإصبعيه، و وضعهما في ظهره حتى وجد بردهما «1» في صدره، فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) دخله شي ء، فقال: يا جبرئيل، أفي هذا الموضع؟ قال: نعم، إن هذا الموضع لم يطأه أحد قبلك و لا يطأه أحد بعدك».

قال: «و فتح الله له من العظمة مثل مسام الإبرة، فرأى من العظمة ما شاء الله، فقال له جبرئيل: قف يا محمد» و ذكر مثل الحديث الأول سواء.

6224/ [28]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد ابن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما عرج برسول الله (صلى الله عليه و آله) انتهى به جبرئيل إلى مكان فخلى عنه. فقال له: يا جبرئيل، أ تخليني

على هذه الحال؟! فقال: أمضه، فو الله، لقد وطئت مكانا ما وطئه بشر و ما مشى فيه بشر قبلك».

6225/ [29]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن علي بن أبي حمزة، قال سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا حاضر، فقال: جعلت فداك، كم عرج برسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فقال: «مرتين، فأوقفه جبرئيل (عليه السلام) موقفا فقال له: مكانك- يا محمد- فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قط و لا نبي، إن ربك يصلي. فقال: يا جبرئيل، و كيف يصلي؟ قال: يقول: سبوح قدوس أنا رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتي غضبي. فقال: اللهم عفوك عفوك- قال- و كان كما قال الله: قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «2»».

فقال له أبو بصير: جعلت فداك، و ما قاب قوسين أو أدنى؟ قال: «ما بين سيتها «3» إلى رأسها، فقال: كان بينهما حجاب يتلألأ- و لا أعلمه إلا و قد قال: زبرجد- فنظر في مثل سم الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة، فقال الله تبارك و تعالى: يا محمد، قال: لبيك ربي. قال: من لامتك من بعدك؟ قال: الله أعلم. قال: علي بن أبي طالب أمير

__________________________________________________

26- تفسير العيّاشي 2: 280/ 14.

27- تفسير العيّاشي 2: 280/ 15.

28- الكافي 1: 367/ 12.

29-- الكافي 1: 367/ 13.

(1) في «ط» و المصدر: بإصبعه وضعها في ظهره حتّى وجد بردها.

(2) النجم 53: 9.

(3) سية القوس: ما عطف من طرفيها. «انظر لسان العرب- سوا- 14: 417».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 495

المؤمنين، و سيد المسلمين، و قائد العز المحجلين».

قال: ثم قال أبو عبد الله

(عليه السلام) لأبي بصير: «يا أبا محمد، و الله ما جاءت ولاية علي (عليه السلام) من الأرض، و لكن جاءت من السماء».

6226/ [30]- الخصيبي في (هدايته): بإسناده عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لما أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله)، رأى في طريق الشام عيرا لقريش بمكان، فقال لقريش حين أصبح: يا معشر قريش، إن الله تبارك و تعالى قد أسرى بي في هذه الليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى- يعني بيت المقدس- حتى ركبت على البراق، و قد أتاني به جبرئيل (عليه السلام)، و هو دابة أكبر من الحمار و أصغر من البغل و خطوتها مد البصر، فلما صرت عليه صعدت إلى السماء و صليت بالنبيين أجمعين، و الملائكة كلهم و رأيت الجنة و ما فيها، و النار و ما فيها، و اطلعت على الملك كله.

فقالوا: يا محمد، كذب بعد كذب يأتينا منك مرة بعد مرة، لئن لم تنته عما تقول و تدعي لنقتلنك شر قتلة، تريد أن تأفكنا عن آلهتنا، و تصدنا عما كان يعبد آباؤنا الشم «1» الغطاريف «2»؟

فقال: يا قوم، إنما أتيتكم بالخير، إن قبلتموه، فإن لم تقبلوه فارجعوا، و تربصوا بي، إني متربص بكم، و إني لأرجوا أن أرى فيكم ما آمله من الله، فسوف تعلمون.

فقال له أبو سفيان: يا محمد، إن كنت صادقا فيما تقول، فإنا قد دخلنا الشام و مررنا على طريق الشام، فخبرنا عن طريق الشام و ما رأيت فيه، و نحن نعلم أنك لم تدخل الشام، فإن أنت أعطيتنا علامته علمنا أنك نبي و رسول.

فقال: و الله لأخبرنكم بما رأت عيناي الساعة، رأيت عيرا لك يا أبا سفيان، و هي ثلاثة و عشرون

جملا يقدمها جمل أرمك «3»، عليه عباءتان قطوانيتان «4»، و فيهما غلامان لك: أحدهما صبيح، و الآخر رياح، في موضع كذا و كذا، و رأيت لك يا هشام بن المغيرة عيرا في موضع كذا و كذا، و هي ثلاثون بعيرا يقدمها جمل أحمر، فيها ثلاثة مما ليك: أحدهم ميسرة، و الآخر سالم و الثالث يزيد، و قد وقع لهم بعير، و يأتونكم يوم كذا و كذا في ساعة كذا و كذا، و وصف لهم جميع ما رأوه في بيت المقدس.

قال أبو سفيان: أما في بيت المقدس فقد وصفت لنا إياه، و أما العير فقد ادعيت أمرا، فإن لم يوافق قولك، علمنا أنك كذاب، و أن ما تدعيه الباطل.

فلما كان ذلك اليوم الذي أخبرهم أن العير تأتيهم فيه، خرج أبو سفيان و هشام بن المغيرة حتى لقيا العير و قد أقبلت في الوقت الذي وعده النبي (صلى الله عليه و آله)، فسألا غلمانهم عن جميع ما كانوا فيه، فأخبروهم مثل ما

__________________________________________________

30- الهداية الكبرى: 57/ 12.

(1) الشّمّ: جمع أشم، و هو السيّد ذو الأنفة الشريف النفس. «تاج العروس- شمم- 8: 360».

(2) الغطريف: السيد الشريف السخيّ و الكثير الخير. «لسان العرب- غطرف- 9: 269».

(3) الجمل الارمك: هو الذي فى لونه كدورة. «لسان العرب- رمك- 10: 434»

(4) القطوانيّة: عباءة بيضاء قصيرة الخمل. «النهاية 4: 85».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 496

أخبرهم به النبي (صلى الله عليه و آله).

فلما أقبلا قال لهما: ما صنعتما؟ فقالا جميعا: لقد رأينا جميع ما قلت، و ما يعلم أحد السحر إلا إياك، و إن لك شيطانا عالما يخبرك بجميع ذلك، و الله لو رأينا ملائكة من السماء تنزل عليك ما صدقناك و لا قلنا

إنك رسول الله و لا آمنا بما تقول، فهو علينا سواء، أو عظت أم لم تكن من الواعظين».

6227/ [31]- العياشي: عن عبد الصمد بن بشير، قال: ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) بدء الأذان، فقيل: إن رجلا من الأنصار رأى في منامه الأذان فقصه على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أمره رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يعلمه بلالا. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «كذبوا، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان نائما في ظل الكعبة فأتاه جبرئيل (عليه السلام) و معه طاس فيه ماء من الجنة، فأيقظه و أمره أن يغتسل به، ثم وضع في محمل له ألف ألف لون من نور، ثم صعد به حتى انتهى إلى أبواب السماء» الحديث.

6228/ [32]- عن عبد الصمد بن بشير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: «جاء جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو بالأبطح بالبراق، أصغر من البغل و أكبر من الحمار، عليه ألف ألف محفة»

من نور، فشمس «2» البراق حين أدناه منه ليركبه، فلطمه جبرئيل (عليه السلام) لطمة عرق البراق منها، ثم قال: اسكن، فإنه محمد، ثم زف «3» به من بيت المقدس إلى السماء» الحديث.

و هذا الحديث و سابقه قد تقدما بطولهما عند قوله تعالى: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ من آخر سورة البقرة «4».

6229/ [33]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) [في احتجاجه على ] يهودي يخبره

عما اوتي الأنبياء من الفضائل، و يأتيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بما أوتي رسول الله (صلى الله عليه و آله) بما هو أفضل مما اوتي الأنبياء من الفضائل، فكان فيما ذكر له اليهودي أن قال له: فإن هذا سليمان بن داود قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده غدوها شهر و رواحها شهر.

فقال له علي (عليه السلام): «لقد كان كذلك، و محمد (صلى الله عليه و آله) اعطي ما هو أفضل من هذا، إنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، و عرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في

__________________________________________________

31- تفسير العيّاشي 1: 157/ 530.

32- تفسير العيّاشي 1: 159/ 531. [.....]

33- الاحتجاج: 220.

(1) المحفة: مركب من مراكب النساء كالهودج. «مجمع البحرين- حفف- 5: 39».

(2) الشّموس من الدوابّ: إذا شردت و جمحت و منعت ظهرها. «لسان العرب- شمس- 6: 113».

(3) زفّ: أسرع. «لسان العرب- زفف- 9: 136».

(4) تقدّما في الحديثين (8 و 9) من تفسير الآيات (284- 286) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 497

أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش» الحديث

، و قد تقدم بطوله في قوله تعالى: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ الآية «1».

6230/ [34]- علي بن إبراهيم: بإسناده عن أبي برزة الأسلمي، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): «يا علي، إن الله تعالى أشهدك معي في سبعة مواطن.

أما أول ذلك: فليلة أسري بي إلى السماء، قال لي جبرئيل: أين أخوك؟ فقلت: خلفته ورائي قال: ادع الله فليأتك به، فدعوت الله فإذا مثالك معي، و إذا الملائكة وقوف صفوف، فقلت: يا

جبرئيل، من هؤلاء؟ قال: هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة، فدنوت فنطقت بما كان و بما يكون إلى يوم القيامة.

و الثاني: حين أسري بي في المرة الثانية فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟ قلت: خلفته ورائي، قال: ادع الله فليأتك به فدعوت الله فإذا مثالك معي، فكشط «2» لي عن سبع سماوات حتى رأيت سكانها و عمارها و موضع كل ملك منها.

و الثالث: حين بعثت إلى الجن، فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟ قلت: خلفته ورائي، فقال: ادع الله فليأتك به فدعوت الله فإذا أنت معي، فما قلت لهم شيئا و لا ردوا علي شيئا إلا سمعته.

و الرابع: خصصنا بليلة القدر، و أنت معي فيها، و ليست لأحد غيرنا.

و الخامس: دعوت الله فيك فأعطاني فيك كل شي ء إلا النبوة، فإنه قال: خصصتك- يا محمد- بها و ختمتها بك.

و أما السادس: لما أسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيين، و صليت بهم و مثالك خلفي.

و السابع: هلاك الأحزاب بأيدينا».

و رواه محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن أبي داود السبيعي «3»، عن بريدة الأسلمي «4».

6231/ [35]- الشيخ في (مجالسه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن عبد الله الموسوي في داره بمكة بعشرين «5» و ثلاثمائة، قال: حدثني مؤدبي عبيد الله بن أحمد بن نهيك الكوفي، قال: حدثنا محمد بن زياد بن أبي عمير، قال: حدثني علي بن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله

__________________________________________________

34- تفسير القمّي 2: 335.

35- الأمالي 2: 255.

(1) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآيات (284- 286) من سورة البقرة.

(2) الكشط: القلع و الكشف. «لسان العرب- كشط- 7: 387».

(3) في المصدر: السبعي، تصحيف

صحيحه ما أثبتناه، و هو نفيع بن الحارث، أبو داود الأعمى الهمداني السّبيعي الكوفي، روى عن بريدة الأسلمي و أبي برزة الأسلمي. تهذيب الكمال 30: 10/ 6466.

(4) بصائر الدرجات: 127/ 3.

(5) في المصدر: بثمان و عشرين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 498

جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه و آله): «يا علي، إنه لما أسري بي إلى السماء تلقاني الملائكة بالبشارات في كل سماء حتى لقيني جبرئيل (عليه السلام) في محفل من الملائكة، قال: يا محمد، لو اجتمعت أمتك على حب علي، ما خلق الله عز و جل النار.

يا علي، إن الله تعالى أشهدك معي في سبعة مواطن حتى أنست بك.

أما أول ذلك: فليلة أسري بي إلى السماء، قال لي جبرئيل (عليه السلام): أين أخوك يا محمد؟ فقلت: خلفته ورائي، فقال: ادع الله عز و جل فليأتك به فدعوت الله عز و جل فإذا مثالك معي، و إذا الملائكة وقوف صفوف، فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يباهيهم الله عز و جل بك يوم القيامة، فدنوت فنطقت بما كان و بما يكون إلى يوم القيامة.

و الثاني: حين أسري بي إلى ذي العرش عز و جل، قال جبرئيل: أين أخوك يا محمد؟ فقلت: خلفته ورائي.

فقال: ادع الله عز و جل فليأتك به فدعوت الله عز و جل فإذا مثالك معي، و كشط لي عن سبع سماوات حتى رأيت سكانها و عمارها و موضع كل ملك منها.

و الثالثة: حين بعثت إلى الجن، فقال لي جبرئيل (عليه السلام): أين أخوك؟ فقلت: خلفته ورائي. فقال: ادع الله عز و جل فليأتك به فدعوت الله عز و جل

فإذا أنت معي، فما قلت لهم شيئا و لا ردوا علي شيئا إلا سمعته و وعيته.

و الرابعة: خصصنا بليلة القدر، و أنت معي فيها، و ليست لأحد غيرنا.

و الخامسة: ناجيت الله عز و جل و مثالك معي، فسألت فيك خصالا أجابني إليها إلا النبوة، فإنه قال:

خصصتها بك، و ختمتها بك.

و السادسة: لما طفت بالبيت المعمور كان مثالك معي.

و السابعة: هلاك الأحزاب على يدي و أنت معي.

يا علي، إن الله أشرف إلى الدنيا فاختارني على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثم اطلع الثالثة فاختار فاطمة على نساء العالمين، ثم اطلع الرابعة فاختار الحسن و الحسين و الأئمة من ولده على رجال العالمين.

يا علي، إني رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن فأنست بالنظر إليه: إني لما بلغت بيت المقدس في معارجي إلى السماء وجدت على صخرتها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله أيدته بوزيره و نصرته به. فقلت: يا جبرئيل: و من وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب (عليه السلام). فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها: لا إله إلا الله، أنا وحدي، و محمد صفوتي من خلقي، أيدته بوزيره و نصرته به. فقلت يا جبرئيل و من وزيري؟ فقال:

علي بن أبي طالب. فلما جاوزت السدرة و انتهيت إلى عرش رب العالمين وجدت مكتوبا على قائمة من قوائم العرش: أنا الله، لا إله إلا أنا وحدي، محمد حبيبي و صفوتي من خلقي، أيدته بوزيره و أخيه و نصرته به.

يا علي، إن الله عز و جل أعطاني فيك سبع خصال: أنا أول من يشق القبر و أنت معي، و أنت أول من يقف البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 499

معي على

الصراط، فتقول للنار: خذي هذا فهو لك، و ذري هذا فليس هولك و أنت أول من يكسى إذا كسيت، و يحيا إذا حييت، و أنت أول من يقف معي عن يمين العرش، و أول من يقرع معي باب الجنة، و أول من يسكن معي في عليين، و أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك، و في ذلك فليتنافس المتنافسون».

6232/ [36]- الشيخ في (أماليه): بإسناده عن الحفار، قال: حدثني ابن الجعابي، قال: حدثنا أبو عثمان سعيد ابن عبد الله بن عجب الأنباري، قال: حدثنا خلف بن درست، قال: حدثنا القاسم بن هارون، قال: حدثنا سهل بن سفيان، عن همام، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لما عرج بي إلى السماء دنوت من ربي عز و جل حتى كان بيني و بينه قاب قوسين أو أدنى، فقال: يا محمد، من تحب من الخلق؟ قلت: يا رب، عليا.

قال: التفت يا محمد، فالتفت عن يساري فإذا علي بن أبي طالب».

6233/ [37]- البرسي: عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه و آله) ليلة المعراج رأى عليا و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) في السماء فسلم عليهم، و قد فارقهم في الأرض.

6234/ [38]- المفيد في (الاختصاص): عن أحمد بن عبد الله، عن عبيد الله بن محمد العيشي، قال: أخبرني حماد بن سلمة، عن الأعمش، عن زياد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، قال: أتيت (فاطمة (صلوات الله عليها))، فقلت لها: أين بعلك؟ فقالت: «عرج به جبرئيل (عليه السلام) إلى السماء». فقلت: في ماذا؟ فقالت: «إن نفرا من الملائكة تشاجروا في شي ء فسألوا حكما من الآدميين، فأوحى الله

إليهم أن تخيروا، فاختاروا علي بن أبي طالب».

صفة البراق ..... ص : 499

6235/ [1]- في (صحيفة الرضا (عليه السلام)): قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن الله تعالى سخر لي البراق، و هي:

دابة من دواب الجنة، ليست بالطويل و لا بالقصير، فلو أن الله عز و جل أذن لها لجالت الدنيا و الآخرة في جرية واحدة، و هي أحسن الدواب لونا».

6236/ [2]- ابن الفارسي في (روضته): في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، في صفة البراق: «وجهها كوجه الإنسان، و خدها كخد الفرس، عرفها من لؤلؤ مسموط «1»، و أذناها «2» زبرجدتان خضراوان، و عيناها مثل

__________________________________________________

36- الأمالي 1: 362.

37- ....... [.....]

38- الاختصاص: 213.

1- صحيفة الإمام الرضا (عليه السّلام): 154/ 95.

2- روضة الواعظين: 108.

(1) السمط: الخيط الواحد المنظوم. «تاج العروس- سمط- 5: 160».

(2) في المصدر زيادة: من.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 500

كوكب الزهرة يتوقدان مثل النجمين المضيئين، لها شعاع مثل شعاع الشمس، منحدر عن نحرها الجمان «1»، منظومة الخلق، طويلة اليدين و الرجلين، لها نفس كنفس الآدميين، تسمع الكلام و تفهمه، و هي فوق الحمار و دون البغل».

6237/ [3]- البرسي: عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه و آله) لما جاء جبرئيل (عليه السلام) ليلة الإسراء بالبراق و أمره عن أمر الله بالركوب قال: «ما هذه»؟ فقال: دابة خلقت لأجلك و لها في جنة عدن ألف سنة. فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): «و ما سير هذه الدابة؟» فقال: إن شئت أن تجوز بها السماوات السبع و الأرضين السبع فتقطع سبعين ألف عام ألف مرة «2» كلمح البصر قدرت.

سورة الإسراء(17): آية 2 ..... ص : 500

قوله تعالى:

وَ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا [2] 6238/ [1]- علي بن

إبراهيم: إنه محكم.

سورة الإسراء(17): آية 3 ..... ص : 500

قوله تعالى:

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [3]

6239/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن نوحا (عليه السلام) إنما سمي عبدا شكورا لأنه كان يقول إذا أمسى و أصبح: اللهم إني أشهدك أنه ما أمسى و أصبح بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك، وحدك لا شريك لك، لك الحمد و لك الشكر بها

__________________________________________________

3- مشارق أنوار اليقين: 218.

1- تفسير القمّي 244 «حجري»، و لم نعثر عليه في المطبوع.

2- علل الشرائع: 29/ 1.

(1) الجمان: اللؤلؤ الصّغار. «لسان العرب- جمن- 13: 92».

(2) في «ط»: ألف عام و سبعين ألف مدّة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 501

علي حتى ترضى و بعد الرضا» «1».

6240/ [2]- علي بن إبراهيم: قال: حدثني أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان نوح (عليه السلام) إذا أصبح و أمسى يقول: أشهد أنه ما أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فإنها من الله، وحده لا شريك له، له الحمد علي بها و الشكر كثيرا، فأنزل الله: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً فهذا كان شكره».

6241/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن رئاب، عن إسماعيل بن الفضل، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا أصبحت و أمسيت فقل عشر مرات: اللهم ما أصبحت بي من نعمة أو عافية

في دين أو دينا فمنك، وحدك لا شريك لك، لك الحمد و لك الشكر بها علي يا رب حتى ترضى و بعد الرضا. فإنك إذا قلت ذلك كنت قد أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم و في تلك الليلة».

6242/ [4]- و عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان نوح (عليه السلام) يقول ذلك «2» إذا أصبح، فسمي بذلك عبدا شكورا». و قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من صدق الله نجا».

6243/ [5]- و عنه: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: فما عنى بقوله في نوح (عليه السلام): إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً؟ قال:

«كلمات بالغ فيهن».

قلت: و ما هن؟ قال: «كان إذا أصبح قال: أصبحت أشهدك ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فإنها منك، وحدك لا شريك لك، فلك الحمد على ذلك، و لك الشكر كثيرا. كان يقولها إذا أصبح ثلاثا، و إذا أمسى ثلاثا».

6244/ [6]- العياشي: عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان نوح (عليه السلام) إذا أصبح قال: اللهم إنه ما كان من نعمة و عافية في دين أو دينا فإنها منك، وحدك لا شريك لك، لك الملك و لك الشكر بها علي يا رب حتى ترضى و بعد الرضا».

6245/ [7]- عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنما سمي نوح (عليه السلام) عبدا شكورا

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 2: 14.

3- الكافي 2: 81/ 28.

4- الكافي 2:

81/ 29.

5- الكافي 2: 388/ 38. [.....]

6- تفسير العيّاشي 2: 280/ 16.

7- تفسير العيّاشي 2: 280/ 17.

(1) في المصدر زيادة: إلهنا.

(2) أي الدعاء المذكور في الحديث السابق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 502

لأنه كان يقول إذا أصبح و أمسى: اللهم إنه ما أصبح و أمسى بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك، وحدك لا شريك لك، لك الحمد و لك الشكر به علي يا رب حتى ترضى و بعد الرضا. يقولها إذا أصبح عشرا و إذا أمسى عشرا».

6246/ [8]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: كانَ عَبْداً شَكُوراً.

قال: «كان إذا أمسى و أصبح يقول: أمسيت أشهدك أنه ما أمست بي من نعمة في دين أو دنيا فإنها من الله، وحده لا شريك له، له الحمد بها و الشكر كثيرا».

6247/]- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما عنى الله بقوله لنوح (عليه السلام):

إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً؟

فقال: «كلمات بالغ فيهن- و قال- كان إذا أصبح و أمسى قال: اللهم إني أصبحت أشهدك أنه ما أصبح بي من نعمة في دين أو دنيا فإنه منك وحدك لا شريك لك، و لك الشكر بها علي يا رب حتى ترضى و بعد الرضا. فسمي بذلك عبدا شكورا».

سورة الإسراء(17): الآيات 4 الي 6 ..... ص : 502

قوله تعالى:

وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً- إلى قوله تعالى- وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً [4- 6]

6248/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله (عليه

السلام) في قوله تعالى:

وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ.

قال: «قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) و طعن الحسن (عليه السلام) وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً- قال- قتل الحسين (عليه السلام) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما فإذا جاء نصر دم الحسين (عليه السلام) بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم (عليه السلام)، فلا يدعون وترا «1» لآل محمد إلا قتلوه وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا خروج القائم (عليه السلام) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ عليهم خروج الحسين (عليه السلام) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب، لكل بيضة و جهان، المؤدون إلى الناس: أن هذا

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 280/ 18.

9- تفسير العيّاشي 2: 280/ 19.

1- الكافي 8: 206/ 250.

(1) من معاني الوتر: الجناية و الظلم، قال المجلسي: «قوله: لا يدعون وترا، أي ذا وتر و جناية، ففي الكلام تقدير مضاف». بحار الأنوار 51: 57.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 503

الحسين قد خرج. [حتى ] لا يشك المؤمنون فيه، و أنه ليس بدجال و لا شيطان، و الحجة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين (عليه السلام) جاء الحجة الموت، فيكون الذي يغسله و يكفنه و يحنطه و يلحده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام)، و لا يلي الوصي إلا الوصي».

6249/ [2]- أبو جعفر محمد بن جرير في (مسند فاطمة (عليها السلام))، قال: حدثنا أبو المفضل، قال: حدثني علي بن الحسن المنقري الكوفي، قال: حدثني أحمد بن زيد الدهان، عن مخول بن إبراهيم، عن رستم بن عبد الله ابن خالد المخزومي، عن سليمان الأعمش، عن محمد بن خلف الطاطري، عن زاذان،

عن سلمان، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن الله تبارك و تعالى لم يبعث نبيا و لا رسولا إلا جعل له اثني عشر نقيبا». فقلت: يا رسول الله، لقد عرفت هذا من أهل الكتابين.

فقال: «يا سلمان، هل علمت من نقبائي، و من الاثني عشر الذين اختارهم الله للامة من بعدي»؟ فقلت: الله و رسوله أعلم.

فقال: «يا سلمان، خلقني الله من صفوة نوره و دعاني فأطعته، و خلق من نوري عليا و دعاه فأطاعه، و خلق مني و من علي «1» فاطمة و دعاها فأطاعته، و خلق مني و من علي و فاطمة الحسن و دعاه فأطاعه، و خلق مني و من علي و فاطمة الحسين و دعاه فأطاعه، ثم سمانا بخمسة أسماء من أسمائه: فالله المحمود و أنا محمد، و الله العلي و هذا علي، و الله الفاطر و هذه فاطمة، و لله الإحسان «2» و هذا الحسن، و الله المحسن و هذا الحسين، ثم خلق منا و من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماء مبنية و لا أرضا مدحية و لا ملكا و لا بشرا، و كنا نورا «3» نسبح الله و نسمع له و نطيع».

قال سلمان: فقلت: يا رسول الله- بأبي أنت و أمي- فما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: «يا سلمان، من عرفهم حق معرفتهم و اقتدى بهم و والى وليهم و تبرأ من عدوهم «4»، فهو و الله منا، يرد حيث نرد، و يسكن حيث نسكن».

فقلت: يا رسول الله، فهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم و أنسابهم؟ فقال: «لا، يا سلمان».

فقلت: يا رسول الله، فأنى لي بهم و قد عرفت إلى

الحسين؟ قال: «ثم سيد العابدين علي بن الحسين، ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الأولين و الآخرين من النبيين و المرسلين، ثم جعفر بن محمد لسان الصادق، ثم موسى ابن جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله عز و جل، ثم علي بن موسى الرضا لأمر الله، ثم محمد بن علي المختار من خلق الله، ثم علي بن محمد الهادي إلى الله، ثم الحسن بن علي الصامت الأمين لسر الله، ثم محمد بن الحسن

__________________________________________________

2- دلائل الإمامة: 237.

(1) في المصدر: و خلق من نور عليّ.

(2) في المصدر: و اللّه ذو الإحسان.

(3) في «س» و «ط»: دوننا نور.

(4) في المصدر: و عادى عدوّهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 504

الهادي المهدي الناطق القائم بأمر «1» الله» ثم قال: «يا سلمان، إنك مدركه، و من كان مثلك و من توالاه بحقيقة المعرفة».

قال سلمان: فشكرت الله كثيرا، ثم قلت: يا رسول الله، و إني مؤجل إلى عهده؟ فقال: يا سلمان، اقرأ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً.

قال سلمان: فاشتد بكائي و شوقي، ثم قلت: يا رسول الله، بعهد منك؟ فقال: «إي و الله الذي أرسلني «2» بالحق، مني و من علي و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة، و كل من هو منا و معنا و مضام فينا إي و الله- يا سلمان- و ليحضرن إبليس و جنوده، و كل من محض الإيمان محضا و محض الكفر محضا، حتى يؤخذ له بالقصاص و الأوتار و لا يظلم ربك أحدا، و ذلك «3» تأويل

هذه الآية: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ «4»».

قال: سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ما يبالي سلمان متى لقي الموت أو الموت لقيه.

6250/ [3]- أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز، قال: حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان الحناط، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن صالح ابن سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ.

قال: «قتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، و طعن الحسن بن علي (عليه السلام) وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً- قال- قتل الحسين (عليه السلام) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما- قال- إذا جاء نصر الحسين (عليه السلام): بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ قوما يبعثهم الله قبل قيام القائم (عليه السلام) لا يدعون لآل محمد وترا إلا أخذوه وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا».

6251/ [4]- و عنه، قال: حدثني محمد بن جعفر الكوفي الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك و تعالى: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ.

__________________________________________________

3- كامل الزيارات: 62/ 1. [.....]

4- كامل الزيارات: 64/ 7.

(1) في المصدر: بحقّ.

(2) في «س» و «ط»: أرسل محمّدا.

(3) في «ط»: و تحقّق.

(4) القصص

28: 5- 6.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 505

قال: «قتل علي (عليه السلام)، و طعن الحسن (عليه السلام): وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً- قال- قتل الحسين (عليه السلام)».

6252/ [5]- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (مسند فاطمة (عليها السلام))، قال: روى أبو عبد الله محمد بن سهل الجلودي، قال: حدثنا أبو الخير أحمد بن محمد بن جعفر الطائي الكوفي، في مسجد أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: حدثنا محمد بن الحسن بن يحيى الحارثي، قال: [حدثنا] علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي- و ذكر حديثه مع القائم (عليه السلام)- قال القائم (عليه السلام): «ألا أنبئك بالخبر: أنه إذا قعد «1» الصبي، و تحرك المغربي، و سار العماني، و بويع السفياني، يأذن الله لي فأخرج بين الصفا و المروة في الثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا سواء، فأجي ء إلى الكوفة و أهدم مسجدها و أبنيه على بنائه الأول، و أهدم ما حوله من بناء الجبابرة، و أحج بالناس حجة الإسلام، و أجي ء إلى يثرب و أهدم الحجرة و اخرج من بها و هما طريان، فأمر بهما تجاه البقيع، و آمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورق من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى، فينادي مناد من السماء: يا سماء أبيدي، و يا أرض خذي فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان».

قلت: يا سيدي، ما يكون بعد ذلك؟ قال: «الكرة الكرة، الرجعة الرجعة» ثم تلا هذه الآية: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً.

6253/ [6]- العياشي: عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي

الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ «قتل علي، و طعن الحسن وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً قتل الحسين فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما فإذا جاء نصر دم الحسين (عليه السلام) بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم لا يدعون وترا لآل محمد إلا أخذوه وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا قيام القائم (عليه السلام) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً: خروج الحسين (عليه السلام) في الكرة في سبعين رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه، عليهم البيض المذهبة، لكل بيضة وجهان، المؤدى إلى الناس: أن الحسين قد خرج في أصحابه. حتى لا يشك فيه المؤمنون، و أنه ليس بدجال و لا شيطان، و الحجة القائم بين أظهر الناس يومئذ، فإذا استقر عند المؤمن أنه الحسين (عليه السلام) و لا يشكون فيه، و صدقه المؤمنون بذلك، جاء الحجة الموت، فيكون الذي يغسله و يكفنه و يحنطه و يلحده في حفرته الحسين (عليه السلام)، و لا يلي الوصي إلا الوصي».

و زاد إبراهيم: ثم يملكهم الحسين (عليه السلام) حتى يقع حاجباه على عينيه.

6254/ [7]- عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان يقرأ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ثم قال: «هو القائم و أصحابه اولي بأس شديد».

__________________________________________________

5- دلائل الإمامة: 296.

6- تفسير العيّاشي 2: 281/ 20.

7- تفسير العيّاشي 2: 281/ 21.

(1) في المصدر: فقد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 506

6255/ [8]- عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته: يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين جوانحي علما جما،

فاسألوني قبل أن تشغر «1» برجلها فتنة شرقية، تطأ في خطامها، ملعون ناعقها، و مولاها، و قائدها، و سائقها، و المتحرز فيها، فكم عندها من رافعة ذيلها، تدعو بويلها، بدجلة أو حولها، لا مأوى يكنها، و لا أحد يرحمها، فإذا استدار الفلك قلتم:

مات أو هلك و أي واد سلك فعندها توقعوا الفرج، و هو تأويل هذه الآية: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، ليعيش إذ ذاك ملوك ناعمين، و لا يخرج الرجل منهم من الدنيا حتى يولد لصلبه ألف ذكر، آمنين من كل بدعة و آفة، عاملين بكتاب الله و سنة رسوله، قد اضمحلت عنهم الآفات و الشبهات».

6256/ [9]- عن رفاعة بن موسى، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن علي (عليه السلام) و أصحابه، و يزيد بن معاوية و أصحابه، فيقتلهم حذوا القذة بالقذة» «2». ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام):

ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً.

6257/ [10]- سعد بن عبد الله: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عمر بن عبد العزيز، عن رجل، عن جميل بن دراج، عن المعلى بن خنيس و زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قالا: سمعناه يقول: «إن أول من يكر في الرجعة الحسين بن علي (عليهما السلام)، و يمكث في الأرض أربعين «3» سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه من كبره».

6258/ [11]- و عنه: عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن عبد الجبار و أحمد بن الحسن بن علي بن فضال،

عنهم عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي المغرا حميد بن المثنى، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) لنا: «و لسوف يرجع جاركم الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) ألفا، فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر».

6259/ [12]- و عنه: عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين و أبا الخطاب

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 282/ 22.

9- تفسير العيّاشي 2: 282/ 23.

10- مختصر بصائر الدرجات: 18.

11- مختصر بصائر الدرجات: 22.

12- مختصر بصائر الدرجات: 24. [.....]

(1) شغر الكلب: إذا رفع إحدى رجليه ليبول. «النهاية 2: 482».

(2) أي مثلا بمثل، يضرب في السويّة بين الشيئين. «مجمع الآمال 1: 195/ 1030».

(3) زاد في «ط»: ألف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 507

يحدثان جميعا- قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث- أنهما سمعا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أول من تنشق الأرض عنه و يرجع إلى الدنيا، الحسين بن علي (عليهما السلام)، و إن الرجعة ليست بعامة و هي خاصة، لا يرجع إلا من محض الإيمان محضا أو محض الشرك محضا».

6260/ [13]- و عنه: عن أيوب بن نوح و الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة، عن العباس بن عامر القصباني، عن سعد، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن أول من يرجع لجاركم الحسين بن علي (عليهما السلام)، فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه [من الكبر]».

6261/ [14]- و عنه: عن أحمد بن محمد بن عيسى،

عن الحسين بن سعيد و محمد بن خالد البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن المعلى بن عثمان، عن المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أول من يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي (عليهما السلام)، فيملك حتى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر».

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ «1» قال: «نبيكم (صلى الله عليه و آله) راجع إليكم».

6262/ [15]- و عنه: عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن الحسين بن سفيان البزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن لعلي (عليه السلام) في الأرض كرة مع الحسين ابنه (صلوات الله عليهما)، يقبل برايته حتى ينتقم له من بني امية و معاوية و آل ثقيف و من شهد حربه، ثم يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفا، و من سائر الناس سبعين ألفا، فيلقاهم بصفين مثل المرة الاولى حتى يقتلهم و لا يبقي منهم مخبرا، ثم يبعثهم الله عز و جل فيدخلهم أشد عذابه مع فرعون و آل فرعون. ثم كرة اخرى مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى يكون خليفة في الأرض، و يكون الأئمة (عليهم السلام) عماله، حتى يبعثه الله «2» علانية، و تكون عبادته علانية في الأرض» «3».

ثم قال: «إي و الله، و أضعاف ذلك- ثم عقد بيده- أضعافا، يعطي الله نبيه (صلى الله عليه و آله) ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم يفنيها، و حتى ينجز له موعده في كتابه

كما قال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»»

.__________________________________________________

13- مختصر بصائر الدرجات: 27.

14- مختصر بصائر الدرجات: 28.

15- مختصر بصائر الدرجات: 29.

(1) القصص 28: 85.

(2) في المصدر: حتّى يعبد اللّه.

(3) في المصدر زيادة: كما عبد اللّه سرا في الأرض.

(4) التوبة 9: 33، الصف 61: 9.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 508

6263/ [16]- و عنه: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن الحسين بن أحمد المعروف بالمنقري، عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي (عليه السلام)، فأما يوم القيامة، فإنما هو بعث إلى الجنة و بعث إلى النار».

سورة الإسراء(17): الآيات 7 الي 8 ..... ص : 508

قوله تعالى:

إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [7]

6264/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، و محمد بن بكران النقاش، و محمد بن إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنهم)، قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: قال الرضا (عليه السلام): «من تذكر مصابنا فبكى أو أبكى «1» لم تبك عينه يوم تبكي العيون، و من جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب».

قال: و قال الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها قال (عليه السلام): «إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها رب يغفر لها».

قوله تعالى:

فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ- إلى قوله تعالى- وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً [7- 8] 6265/ [2]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعني القائم

(عليه السلام) و أصحابه لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ يعني: ليسودوا وجوهكم وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني: رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أصحابه و أمير المؤمنين (عليه السلام) و أصحابه وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً: أي يعلوا عليكم و يقتلوكم، ثم عطف على آل محمد (عليه و عليهم السلام)، فقال: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ: أي ينصركم على

__________________________________________________

16- مختصر بصائر الدرجات: 27.

1- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 294/ 48 و 49.

2- تفسير القمّي 2: 14.

(1) في المصدر: و أبكى. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 509

عدوكم. ثم خاطب بني امية فقال: وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا يعني: عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد (عليهم السلام) وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً: أي حبسا يحصرون فيه.

سورة الإسراء(17): الآيات 9الي 11 ..... ص : 509

قوله تعالى:

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [9]

6266/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.

قال: «أي يدعو».

6267/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن موسى ابن أكيل النميري، عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.

قال: «يهدي إلى الإمام».

6268/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقرئ، قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقرئ «1» الجرجاني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن «2» الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد «3» بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا عباس «4»

بن يزيد بن الحسن الكحال مولى زيد بن علي، قال: حدثني أبي، قال:

حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: «الإمام منا لا يكون إلا معصوما، و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، فلذلك لا يكون إلا منصوصا».

فقيل له: يا بن رسول الله، فما معنى المعصوم؟ فقال: «هو المعتصم بحبل الله، و حبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، فالإمام يهدي إلى القرآن، و القرآن يهدي إلى الإمام، و ذلك قول الله عز و جل: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ».

__________________________________________________

1- الكافي 5: 13/ 1.

2- الكافي 1: 169/ 2.

3- معاني الأخبار: 132/ 1.

(1) في «ط»: المنقري.

(2) في «ط» و «س»: ابو بØѠمحمد ابن ابى الحسن.

(3) في «ط» و «س»: أحمد.

(4) في «ط»: عيّاش.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 510

6269/ [4]- سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن موسى بن أكيل النميري، عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل:

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، قال: «يهدي إلى الإمام».

6270/ [5]- العياشي: عن أبي إسحاق إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، قال: يهدي إلى الإمام.

6271/ [6]- عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام): إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، قال:

«يهدي إلى الولاية».

قوله تعالى:

وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً- إلى قوله تعالى- وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [9- 11] 6272/ [1]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ

يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً يعني آل محمد (عليهم السلام). ثم عطف علي بني امية، فقال: وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

ثم قال: قوله: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا قال: يدعو على أعدائه بالشر كما يدعو لنفسه بالخير، و يستعجل الله بالعذاب، و هو قوله وَ كانَ «1» الْإِنْسانُ عَجُولًا.

6273/ [2]- العياشي: عن سلمان الفارسي، قال: إن الله لما خلق آدم، كان أول ما خلق عيناه، فجعل ينظر إلى جسده كيف يخلق، فلما حان أن يبلغ الخلق في رجليه أراد القيام فلم يقدر، و هو قول الله: وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا و إن الله لما خلق آدم و نفخ فيه، لم يلبث أن تناول عنقود العنب فأكله.

6274/ [3]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما خلق الله آدم و نفخ فيه من روحه، وثب ليقوم قبل أن يتم خلقه فسقط، فقال الله عز و جل: وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا».

__________________________________________________

4- مختصر بصائر الدرجات: 5.

5- تفسير العيّاشي 2: 282/ 24.

6- بصائر الدرجات: 2: 283/ 25.

1- تفسير القمّي 2: 14.

2- تفسير العيّاشي 2: 283/ 26.

3- تفسير العيّاشي 2: 283/ 27.

(1) في «ط، س» و المصدر: و خلق. و كذا في الحديثين الآتين (3) و (4). [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 511

6275/ [4]- الشيخ في (أماليه): بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله لما خلق آدم و نفخ فيه من روحه، وثب ليقوم قبل أن تستتم فيه الروح فسقط، فقال الله عز و جل: وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا».

سورة الإسراء(17): آية 12 ..... ص : 511

قوله تعالى:

وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا

آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً- إلى قوله تعالى- تَفْصِيلًا [12]

6276/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا الحسين «1» بن يحيى بن ضريس البجلي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو جعفر [محمد بن ] «2» عمارة السكري السرياني، قال: حدثنا إبراهيم بن عاصم بقزوين، قال: حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام بن عبيد الله مولى رسول الله، قال:

حدثني أبي عبد الله بن يزيد، قال: حدثني يزيد بن سلام «3»

، أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال له: لم سمي الفرقان فرقانا؟ قال: «لأنه متفرق الآيات و السور، أنزلت في غير الألواح [و غيره من الصحف و التوراة و الإنجيل و الزبور نزلت كلها جملة في الألواح ] و الورق».

قال: فما بال الشمس و القمر لا يستويان في الضوء و النور؟ قال: «لما خلقهما الله عز و جل أطاعا و لم يعصيا شيئا، فأمر الله عز و جل جبرئيل (عليه السلام) أن يمحو [ضوء] القمر فمحاه، فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء، و لو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح، لما عرف الليل من النهار، و لا النهار من الليل، و لا علم الصائم كم يصوم، و لا عرف الناس عدد السنين و الحساب، و ذلك قول الله عز و جل: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ».

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني، لم سمي الليل ليلا؟ قال: «لأنه يلايل «4» الرجال من النساء، و جعله

__________________________________________________

4- الأمالي 2: 273.

1- علل الشرائع: 470/ 33.

(1) في

«ط»: الحسن انظر نوابغ الرواة: 122.

(2) أثبتناه من التوحيد: 390/ 1، و نوابغ الرواة: 122.

(3) زاد في سند التوحيد: عن أبيه سلّام بن عبيد اللّه، عن عبد اللّه بن سلّام مولى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و الظاهر صحّته.

(4) قال المجلسي (رحمه اللّه):

قوله: «لأنّه يلايل الرجال»

يظهر منه أنّ ملايلة كانت في الأصل بمعنى الملابسة أو نحوها، و ليس هذا المعنى فيما عندنا من كتب اللغة، قال الفيروزآبادي: لايلته: استأجرته لليلة، و عاملته ملايلة، كمياومة. «بحار الأنوار 9: 306».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 512

الله عز و جل الفة و لباسا، و ذلك قول الله عز و جل: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً «1»». قال:

صدقت.

6277/ [2]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قال: المحو في القمر.

6278/ [3]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن الحكم بن المستنير، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: «إن [من ] الأوقات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون إليه، البحر الذي خلقه الله بين السماء و الأرض، فإن الله قدر فيه مجاري الشمس و القمر و النجوم و الكواكب، ثم قدر ذلك كله على الفلك، ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون ألف ملك يديرون الفلك، فإذا دارت الشمس و القمر و النجوم و الكواكب معه نزلت في منازلها التي قدرها الله فيها ليومها و ليلتها.

و إذا كثرت ذنوب العباد، و أراد الله أن يستعتبهم بآية من آياته، أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس و القمر و النجوم و الكواكب، فيأمر الملك أولئك السبعين ألف ملك أن

يزيلوا الفلك عن مجاريه- قال- فيزيلونه، فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري فيه الفلك، فيطمس حرها و يتغير لونها.

و إذا أراد الله أن يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله أن يخوف خلقه بالآية، فذلك عند شدة انكساف الشمس، و كذلك يفعل بالقمر، فإذا أراد الله أن يخرجهما و يردهما إلى مجراهما، أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الشمس إلى مجراها، فيرد الملك الفلك إلى مجراه، فتخرج من الماء و هي كدرة، و القمر مثل ذلك».

ثم قال علي بن الحسين (عليهما السلام): «إنه لا يفزع لهما و لا يرهب إلا من كان من شيعتنا، فإذا كان ذلك فافزعوا إلى الله و ارجعوا».

قال: «و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الأرض مسيرة خمسمائة عام، الخراب منها مسيرة أربعمائة عام، و العمران منها مسيرة مائة عام، و الشمس ستون فرسخا في ستين فرسخا، و القمر أربعون فرسخا في أربعين فرسخا، بطونهما يضيئان لأهل السماء، و ظهورهما يضيئان لأهل الأرض، و الكواكب كأعظم جبل على الأرض، و خلق الشمس قبل القمر».

6279/ [4]- و قال سلام بن المستنير: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): لم صارت الشمس أحر من القمر؟ قال: «إن الله خلق الشمس من نور النار و صفو الماء، طبقا من هذا، و طبقا من هذا، حتى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار، فمن هنالك صارت الشمس أحر من القمر».

قلت: فالقمر؟ قال: «إن الله خلق القمر من ضوء «2» النار و صفو الماء، طبقا من هذا، و طبقا من هذا، حتى إذا

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 2: 14.

3- تفسير القمّي 2: 14.

4- تفسير القمّي 2: 17.

(1) النبأ 78: 10- 11.

(2) في «ط»: نور.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 513

صارت سبعة أطباق ألبسها الله لباسا من ماء، فمن هنالك صار القمر أبرد من الشمس».

6280/ [5]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ، قال: «هو السواد الذي في جوف القمر».

6281/ [6]- عن نصر بن قابوس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «السواد الذي في القمر: محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

6282/ [7]- عن أبي الطفيل، قال: كنت في مسجد الكوفة، فسمعت عليا (عليه السلام) و هو على المنبر، و ناداه ابن الكواء و هو في مؤخر المسجد، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن هذا السواد في القمر؟ فقال: «هو قول الله:

فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ».

6283/ [8]- عن أبي الطفيل، قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): «سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا و قد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أو في جبل». فقال له ابن الكواء: فما هذا السواد في القمر؟ فقال:

«أعمى سأل عن عمياء، أما سمعت الله يقول: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً فذلك محوها».

قال: يقول الله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها «1»؟

قال (عليه السلام): «تلك في الأفجرين من قريش».

سورة الإسراء(17): آية 13 ..... ص : 513

قوله تعالى:

وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [13] 6284/ [1]- علي بن إبراهيم قال: قدره الذي قدر عليه.

6285/ [2]- العياشي: عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) عن قوله:

وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، قال: «قدره الذي قدر عليه».

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 283/ 28.

6- تفسير العيّاشي

2: 283/ 29.

7- تفسير العيّاشي 2: 283/ 30. [.....]

8- تفسير العيّاشي 2: 283/ 31.

1- تفسير القمّي 2: 17.

2- تفسير العيّاشي 2: 284/ 32.

(1) إبراهيم 14: 28- 29.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 514

6286/ [1]- و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، يقول: «خيره و شره معه حيث كان، لا يستطيع فراقه، حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل».

6287/ [2]- ابن بابويه: بإسناده عن سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا و المفضل بن عمر و أبو بصير و أبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)- و ذكر الحديث- و قال فيه: «قال الله تقدس ذكره: وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ يعني الولاية».

قوله تعالى:

وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [13- 14]

6288/ [3]- الحسين بن سعيد في كتاب (الزهد): عن القاسم، عن علي، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن المؤمن يعطى يوم القيامة كتابا منشورا مكتوبا فيه: كتاب الله العزيز الحكيم، أدخلوا فلانا الجنة».

6289/ [4]- العياشي: عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً، قال: «يذكر العبد جميع ما عمل و ما كتب عليه، حتى كأنه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا:

يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها» «1».

6290/ [5]- (بستان الواعظين): روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)، أنه قال: «الكتب كلها تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك و تعالى ريحا تطيرها بالأيمان

و الشمائل، أول حرفه: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 17.

2- كمال الدين و تمام النعمة: 354/ 50، ينابيع المودة: 45.

3- كتاب الزهد: 92/ 247.

4- تفسير العيّاشي 2: 284/ 33.

5- ...

(1) الكهف 18: 49.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 515

سورة الإسراء(17): آية 15 ..... ص : 515

قوله تعالى:

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [15] تقدم ما فيها من الأحاديث في آخر سورة الأنعام «1».

قوله تعالى:

ج

سورة الإسراء(17): الآيات 16الي 22 ..... ص : 515

وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها- إلى قوله تعالى- لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا [16- 22]

6291/ [1]- العياشي: عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: «و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها» مشددة منصوبة: «تفسيرها: كثرنا- و قال- لا قرأتها مخففة».

6292/ [2]- عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها

، قال: «تفسيرها أمرنا أكابرها».

6293/ [3]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها

أي كثرنا جبابرتها، ثم قال: قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ- يعني أموال الدنيا- عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ- في الدنيا- ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ- في الآخرة- يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً يعني: يلقى في النار، ثم ذكر من عمل للآخرة فقال: وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ثم قال قوله تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ يعني: من أراد الدنيا و أراد الآخرة، و معنى نمد: أي نعطي وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً: أي ممنوعا.

ثم قال: قوله تعالى: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا أي في النار، و هو مخاطبة للنبي و المعنى للناس، قال: و هو

قول الصادق (عليه السلام): «إن الله بعث نبيه بإياك أعني و اسمعي يا جارة».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 284/ 34.

2- تفسير العيّاشي 2: 284/ 35.

3- تفسير القمّي 2: 17.

(1) تقدّم في الأحاديث (8- 10) من تفسير

الآيات (161- 165) من سورة الأنعام. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 516

سورة الإسراء(17): الآيات 23الي 24 ..... ص : 516

قوله تعالى:

وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً- إلى قوله تعالى- وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً [23- 24]

6294/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال:

حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا العباس بن بكار الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في حديث- قال الشيخ: يا أمير المؤمنين، فما القضاء و القدر اللذان ساقانا، و ما هبطنا واديا و لا علونا تلعة إلا بهما؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الأمر من الله و الحكم- ثم تلا هذه الآية-: وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أي أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا».

6295/ [2]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن يزيد بن عمير بن معاوية الشامي، قال: دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو، فقلت له: يا بن رسول الله، روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، أنه قال:

«لا جبر و لا تفويض، بل أمر بين أمرين» ما معناه؟ فقال: «من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر، و من زعم أن الله فوض أمر الخلق و الرزق إلى حججه (عليهم السلام) فقد قال بالتفويض، و القائل بالجبر كافر، و القائل بالتفويض مشرك».

فقلت: يا بن رسول الله، فما أمر بين أمرين؟ فقال: «وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به، و ترك ما نهوا عنه».

قلت له: و هل لله مشيئة و إرادة في ذلك؟ فقال: «أما الطاعات فإرادة الله تعالى

و مشيئته فيها الأمر بها، و الرضا لها، و المعاونة عليها، و إرادته و مشيئته في المعاصي النهي عنها، و السخط لها، و الخذلان عليها».

قلت: فلله عز و جل [فيها] القضاء؟ قال: «نعم، ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا و لله فيه قضاء».

قلت: فما معنى هذا القضاء؟ قال: «الحكم عليهم بما يستحقونه من الثواب و العقاب في الدنيا و الآخرة».

6296/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ما هذا الإحسان؟

فقال: «الإحسان: أن تحسن صحبتهما، و لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه، و إن كانا مستغنيين،

__________________________________________________

1- التوحيد: 382 ذيل حديث 28.

2- الاحتجاج: 414.

3- الكافي 2: 126/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 517

أليس الله عز و جل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ «1»؟».

قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و أما قول الله عز و جل: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما- قال- إن أضجراك فلا تقل لهما أف، و لا تنهرهما إن ضرباك- قال- وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً- قال- إن ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما فذلك منك قول كريم- قال- وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ- قال- لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة و رقة، و لا ترفع صوتك فوق أصواتهما، و لا يدك فوق أيديهما، و لا تتقدم قدامهما».

و روى هذا الحديث ابن بابويه

في (الفقيه): بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، قال:

سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، عن قول الله تعالى: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً و ذكر الحديث بعينه «2».

6297/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن حديد بن حكيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أدنى العقوق أف، و لو علم الله عز و جل شيئا أهون منه لنهى عنه».

6298/ [5]- و عنه بإسناده عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن جده، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لو علم الله شيئا أدنى من أف لنهى عنه و هو من أدنى العقوق، و من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما».

6299/ [6]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن أحمد بن محمد، عن محسن بن أحمد، عن أبان بن عثمان، عن حديد بن حكيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أدنى العقوق أف، و لو علم الله أيسر منه لنهى عنه».

6300/ [7]- الحسين بن سعيد في (كتاب الزهد): عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لو علم الله شيئا أدنى من أف لنهى عنه، و هو أدنى العقوق، و من العقوق: أن ينظر الرجل إلى أبويه فيحد إليهما النظر».

6301/ [8]- العياشي: عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام): أنه ذكر الوالدين، فقال: «هما اللذان قال الله:

وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً».

__________________________________________________

4- الكافي 2: 260/ 1.

5- الكافي 2: 261/ 7.

6- الكافي 2: 261/ 9.

7- كتاب الزهد: 38: 103.

8- تفسير العيّاشي 2: 284/

36.

(1) آل عمران 3: 92.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 291/ 880.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 518

6302/ [9]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما، قال: «هو أدنى الأدنى، حرمه الله فما فوقه».

6303/ [10]- عن حريز، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أدنى العقوق أف، و لو علم الله أن شيئا أهون منه لنهى عنه».

6304/ [11]- عن أبي ولاد الحناط، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

فقال: «الإحسان: أن تحسن صحبتهما، و لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه، و إن كانا مستغنيين، أليس الله يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ «1»؟».

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و أما قوله: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ- قال- إن أضجراك فلا تقل لهما أف، و لا تنهرهما إن ضرباك- و قال- وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً- قال- يقول لهما:

غفر الله لكما، فذلك منه قول كريم- و قال- وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ- قال- لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة، و لا ترفع صوتك فوق أصواتهما، و لا يديك فوق أيديهما، و لا تتقدم قدامهما».

6305/ [12]- الطبرسي: روي عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه، عن جده أبي عبد الله (عليهما السلام) قال: «لو علم الله كلمة «2» أوجز في ترك عقوق الوالدين من (أف) لأتى بها».

6306/ [13]- قال: و في رواية اخرى عنه (عليه السلام)، قال: «أدنى العقوق (أف) و لو علم الله شيئا

أيسر و أهون منه لنهى عنه».

سورة الإسراء(17): آية 25 ..... ص : 518

قوله تعالى:

فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً [25]

6307/ [1]- الطبرسي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الأواب: التواب المتعبد، الراجع عن ذنبه».

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 2: 285/ 37.

10- تفسير العيّاشي 2: 285/ 38.

11- تفسير العيّاشي 2: 285/ 39.

12- مجمع البيان 6: 631. [.....]

13- مجمع البيان 6: 631.

1- مجمع البيان 6: 632.

(1) آل عمران 3: 92.

(2) في المصدر: لفظة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 519

6308/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل القمي، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، رفعه، قال: «مر أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل يصلي الضحى في مسجد الكوفة، فغمز جنبه بالدرة، و قال: نحرت صلاة الأوابين نحرك الله. قال: فأتركها؟- قال- فقال: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى «1»».

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «و كفى بإنكار علي (عليه السلام) نهيا».

6309/ [3]- العياشي: عن الأصبغ، قال: خرجنا مع علي (عليه السلام) فتوسط المسجد، فإذا ناس يتنفلون «2» حين طلعت الشمس، فسمعته يقول: «نحروا صلاة الأوابين نحرهم الله» قال: قلت: فما نحروها؟ قال: «عجلوها».

قال: قلت: يا أمير المؤمنين، ما صلاة الأوابين؟ قال: «ركعتان».

6310/ [4]- عن عبد الله بن عطاء المكي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «أنطلق بنا إلى حائط لنا» فدعا بحمار و بغل، فقال: «أيهما أحب إليك؟» فقلت: الحمار، فقال: «إني أحب أن تؤثرني بالحمار» فقلت: البغل أحب إلي، فركب الحمار و ركبت البغل. فلما مضينا اختال الحمار في مشيته حتى هز منكبي أبي جعفر (عليه السلام) فلزم قربوس «3» السرج، فقلت: جعلت فداك، كأني أراك تشتكي بطنك، قال: «و فطنت إلى هذا مني؟ إن رسول الله (صلى الله عليه

و آله) كان له حمار يقال له: عفير، إذا ركبه اختال في مشيته سرورا برسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى يهز منكبيه فيلزم قربوس السرج، فيقول: اللهم ليس مني و لكن ذا من عفير و إن حماري من سروري اختال في مشيه فلزمت قربوس السرج، و قلت: اللهم هذا ليس مني و لكن هذا من حماري».

قال: فقال: «يا بن عطاء، ترى زاغت الشمس؟» فقلت: جعلت فداك، و ما علمي بذلك و أنا معك؟ فقال: «لا، لم تفعل و أوشكت» قال: فسرنا، قال: فقال: «قد فعلت». قلت: هذا المكان الأحمر؟ قال: «ليس يصلى ها هنا، هذه أودية و ليس يصلى». قال: فمضينا إلى أرض بيضاء، قال: «هذه سبخة، و ليس يصلى بالسباخ» قال: فمضينا إلى أرض حصباء، قال: «ها هنا» فنزل و نزلت.

فقال: «يا ابن عطاء، أتيت العراق فرأيت القوم يصلون بين تلك السواري في مسجد الكوفة؟» قال: قلت:

نعم، فقال: «أولئك شيعة أبي علي، هذه صلاة الأوابين، إن الله يقول: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً».

6311/ [5]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً.

__________________________________________________

2- الكافي 3: 452/ 8.

3- تفسير العيّاشي 2: 285/ 40.

4- تفسير العيّاشي 2: 285/ 41.

5- تفسير العيّاشي 2: 286/ 42.

(1) العلق 96: 9- 10.

(2) في المصدر: يصلون.

(3) القربوس: حنو السرج، و للسرج قربوسان: مقدّم السرج، و مؤخّره. «لسان العرب- قربس- 6: 172».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 520

قال: «هم التوابون المتعبدون».

6312/ [6]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يا أبا محمد، عليكم بالورع و الاجتهاد، و أداء الأمانة، و صدق الحديث، و حسن الصحبة لمن صحبكم، و طول السجود،

كان ذلك من سنن الأوابين».

قال أبو بصير: الأوابون: التوابون.

6313/ [7]- و عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من صلى أربع ركعات، فقرأ في كل ركعة خمسين مرة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كانت صلاة فاطمة (عليها السلام)، و هي صلاة الأوابين».

6314/ [8]- عن محمد بن حفص بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كانت صلاة الأوابين خمسين صلاة كلها ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ».

6315/ [9]- ابن بابويه في (الفقيه) قال: محمد بن مسعود العياشي (رحمه الله) روى في كتابه عن عبد الله بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن سماك، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من صلى أربع ركعات، فقرأ في كل ركعة خمسين مرة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كانت صلاة فاطمة (عليها السلام)، و هي صلاة الأوابين».

سورة الإسراء(17): الآيات 26الي 28 ..... ص : 520

قوله تعالى:

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً- إلى قوله تعالى- فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً [26- 28]

6316/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد بن عبد الله، عن بعض أصحابنا- أظنه السياري-، عن علي ابن أسباط، قال: لما ورد أبو الحسن (عليه السلام) على المهدي، رآه يرد المظالم، فقال: «يا أمير المؤمنين، ما بال مظلمتنا لا ترد»؟

فقال له: و ما ذاك، يا أبا الحسن؟ قال: «إن الله تبارك و تعالى لما فتح على نبيه (صلى الله عليه و آله) فدك و ما والاها، لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه و آله): وَ آتِ ذَا الْقُرْبى

حَقَّهُ فلم يدر رسول

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 286/ 43.

7- تفسير العيّاشي 2: 286/ 44.

8- تفسير العيّاشي 2: 287/ 45. [.....]

9- من لا يحضره الفقيه 1: 356/ 1560.

1- الكافي 1: 456/ 5.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 521

الله (صلى الله عليه و آله) من هم، فراجع في ذلك جبرئيل (عليه السلام)، و راجع جبرئيل (عليه السلام) ربه، فأوحى الله إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة. فدعاها رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال لها: يا فاطمة، إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك. فقالت: قد قبلت- يا رسول الله- من الله و منك. فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها و كلاءها، فأتته فسألته أن يردها عليها، فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك. فجاءت بأمير المؤمنين (عليه السلام)، و ام أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرض، فخرجت و الكتاب معها، فلقيها عمر، فقال: ما هذا معك يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة، قال: أرينيه. فأبت، فانتزعه من يدها و نظر فيه، ثم تفل فيه و محاه و خرقه، فقال لها: هذا لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، فضعي الحبال «1» في رقابنا».

فقال له المهدي: يا أبا الحسن، حدها لي. فقال: «حد منها جبل احد، و حد منها عريش مصر «2»، و حد منها سيف البحر «3»، و حد منها دومة الجندل «4»». فقال له: كل هذا؟ قال: «نعم- يا أمير المؤمنين- هذا كله، إن هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول الله (صلى الله عليه و آله) بخيل و لا ركاب». فقال: كثير، و

أنظر فيه.

6317/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب و جعفر بن محمد بن مسرور (رضي الله عنهما)، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن الرضا (عليه السلام) قال: «قوله تعالى: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها، و اصطفاهم على الامة- قال- فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: ادعوا لي فاطمة فدعيت له، فقال: يا فاطمة. قالت: لبيك يا رسول الله. فقال (صلى الله عليه و آله): هذه فدك و هي مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و هي لي خاصة دون المسلمين، و قد جعلتها لك لما أمرني الله تعالى به، فخذيها لك و لولدك».

6318/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رحمه الله)، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى البصري، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد، قال: حدثني أبو نعيم، قال: حدثني حاجب عبيد الله بن زياد، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال لرجل من أهل الشام: «أما قرأت وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ؟» قال: بلى. قال: «فنحن أولئك» «5».

__________________________________________________

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 233/ 1.

3- الأمالي: 141/ 3.

(1) في البحار 48: 157/ 29: الجبال. قال المجلسي (رحمه اللّه): قوله: فضعي الجبال، في بعض النسخ المهملة، و يحتمل أن يكون حينئذ كناية عن الترافع إلى الحكّام بأن يكون قال ذلك تعجيزا لها و تحقيرا لشأنها، أو المعنى أنّك إذا أعطيت ذلك وضعت الحبال على رقابنا بالعبوديّة، أو أنّك إذا حكمت على ما لم يوجف

عليها بخيل بأنّها ملكك فاحكمي على رقابنا أيضا بالملكية، و في بعض النسخ بالجيم، أي إن قدرت على وضع الجبال على رقابنا جزاء بما صنعنا فافعلي.

(2) عريش مصر: مدينة كانت أوّل عمل مصر من ناحية الشام على ساحل بحر الروم. «مراصد الاطلاع 2: 935».

(3) سيف البحر، ساحله. «الصحاح- سيف- 4: 1379».

(4) دومة الجندل: قيل: هي من أعمال المدينة، حصن على سبعة مراحل من دمشق، بينها و بين المدينة. «مراصد الاطلاع 2: 542».

(5) في المصدر: فنحن هم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 522

6319/ [4]- و من طريق المخالفين: ما رواه الثعلبي، عن السدي، عن ابن الديلمي، قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام) لرجل من أهل الشام: «أقرأت القرآن؟» قال: نعم، قال: «فما قرأت في بني إسرائيل وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ؟» قال: و إنكم القرابة التي أمر الله تعالى أن يؤتى حقه؟ قال: «نعم».

6320/ [5]- العياشي: عن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما أنزل الله تعالى وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا جبرئيل، قد عرفت المسكين، فمن ذو القربى؟ قال: هم أقاربك، فدعا حسنا و حسينا و فاطمة، فقال: إن ربي أمرني أن أعطيكم مما أفاء علي- قال- أعطيتكم فداك».

6321/ [6]- عن أبان بن تغلب، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) أعطى فاطمة فدك؟ قال: «كان وقفها، فأنزل الله وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فأعطاها رسول الله (صلى الله عليه و آله) حقها».

قلت: رسول الله (صلى الله عليه و آله) أعطاها؟ قال: «بل الله أعطاها».

6322/ [7]- عن أبان بن تغلب، قال: قلت

لأبي عبد الله (عليه السلام): أ كان رسول الله أعطى فاطمة فدك؟

قال: «كان لها من الله».

6323/ [8]- عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أتت فاطمة أبا بكر تريد فدك، فقال: هاتي أسود أو أحمر يشهد بذلك- قال- فأتت بأم أيمن، فقال لها: بم تشهدين؟ قالت: أشهد أن جبرئيل (عليه السلام) أتى محمدا (صلى الله عليه و آله)، فقال: إن الله يقول: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فلم يدر محمد (صلى الله عليه و آله) من هم، فقال: يا جبرئيل، سل ربك من هم، فقال: فاطمة ذو القربى، فأعطاها فدك، فزعموا أن عمر محا الصحيفة و قد كان كتبها أبو بكر».

6324/ [9]- عن عطية العوفي، قال: لما فتح رسول الله (صلى الله عليه و آله) خيبر، و أفاء الله عليه فدك، و أنزل عليه وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قال: «يا فاطمة، لك فدك».

6325/ [10]- عن عبد الرحمن بن صالح: كتب المأمون إلى عبيد الله بن موسى العبسي يسأله عن قصة فدك، فكتب إليه عبيد الله بن موسى بهذا الحديث «1»، رواه عن الفضل بن مرزوق، عن عطية، فرد المأمون فدك على ولد

__________________________________________________

4- تفسير الطبري 15: 53. الدر المنثور 5: 271.

5- تفسير العيّاشي 2: 287/ 46.

6- تفسير العيّاشي 2: 287/ 47.

7- تفسير العيّاشي 2: 287/ 48.

8- تفسير العيّاشي 2: 287/ 49. [.....]

9- تفسير العيّاشي 2: 287/ 50.

10- تفسير العيّاشي 2: 287/ 51.

(1) الظاهر أنّ المراد الحديث المتقدّم آنفا، إلّا أنّ المروي في مجمع البيان 6: 634 بالإسناد عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزل قوله تعالى:

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أعطى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فاطمة فدك، قال

عبد الرحمن بن صالح: كتب المأمون إلى عبيد اللّه بن موسى يسأله عن قصّة فدك، فكتب إليه عبيد اللّه بهذا الحديث. رواه الفضيل بن مرزوق، عن عطية، فردّ المأمون فدك إلى ولد فاطمة (عليها السلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 523

فاطمة (صلوات الله عليها).

6326/ [11]- عن أبي الطفيل، عن علي (عليه السلام)، قال: قال يوم الشورى: «أ فيكم أحد تم نوره من السماء حين قال: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ؟» قالوا: لا.

6327/ [12]- عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.

قال: «من أنفق شيئا في غير طاعة الله فهو مبذر، و من أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد».

6328/ [13]- عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قوله وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً، قال: «بذل الرجل ماله، و يقعد ليس له مال».

قال: فيكون تبذير في حلال؟ قال: «نعم».

6329/ [14]- عن عامر بن جذاعة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «اتق الله و لا تسرف و لا تقتر، و كن بين ذلك قواما، إن التبذير من الإسراف، و قال الله: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إن الله لا يعذب على القصد».

6330/ [15]- عن جميل، عن إسحاق بن عمار، عن عامر بن جذاعة، قال: دخل على أبي عبد الله (عليه السلام) رجل، فقال: يا أبا عبد الله، قرضا إلى ميسرة. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «إلى غلة تدرك؟» فقال: لا و الله. فقال: «إلى تجارة تؤدى؟» فقال: لا و الله. قال: «فإلى عقدة «1» تباع؟» فقال: لا و الله. فقال: «أنت إذن ممن جعل الله له في أموالنا حقا». فدعا أبو

عبد الله (عليه السلام) بكيس فيه دراهم، فأدخل يده فناوله قبضة، ثم قال: «اتق الله، و لا تسرف و لا تقتر، و كن بين ذلك قواما، إن التبذير من الإسراف، قال الله: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً» و قال: «إن الله لا يعذب على القصد».

6331/ [16]- عن جميل، عن إسحاق بن عمار، في قوله: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.

قال: لا تبذر في ولاية علي (عليه السلام).

6332/ [17]- عن بشر بن مروان، قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا برطب، فأقبل بعضهم يرمي بالنوى، قال: فأمسك أبو عبد الله (عليه السلام) يده، فقال: «لا تفعل، إن هذا من التبذير، و إن الله لا يحب الفساد».

6333/ [18]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي. عن أبيه، عن علي بن حديد، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 288/ 52.

12- تفسير العيّاشي 2: 288/ 53.

13- تفسير العيّاشي 2: 288/ 54.

14- تفسير العيّاشي 2: 288/ 55.

15- تفسير العيّاشي 2: 288/ 56.

16- تفسير العيّاشي 2: 288/ 57.

17- تفسير العيّاشي 2: 288/ 58.

18- المحاسن: 257/ 298.

(1) العقدة: الضيعة، و العقار الذي اعتقده صاحبه ملكا. «أقرب الموارد- عقد- 2: 808».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 524

قال: «لا تبذروا ولاية علي (عليه السلام)».

6334/ [19]- قال علي بن إبراهيم: قوله تعالى: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ يعني قرابة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أنزلت في فاطمة (عليها السلام) فجعل لها فدك، و المسكين من ولد فاطمة (عليها السلام)، و ابن السبيل من آل محمد (صلى الله عليه و آله)، و

ولد فاطمة (عليها السلام).

قال: و قوله: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً أي لا تنفق المال في غير طاعة الله إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ و المخاطبة للنبي (صلى الله عليه و آله) و المعني الناس، ثم عطف بالمخاطبة على الوالدين، فقال: وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ يعني: عن الوالدين إذا كان لك عيال، أو كنت عليلا أو فقيرا، فقل لهما قولا ميسورا: أي حسنا، إذا لم تقدر على برهم و خدمتهم، فارج لهم من الله الرحمة.

سورة الإسراء(17): آية 29 ..... ص : 524

قوله تعالى:

وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [29]

6335/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: فإنه كان سبب نزولها أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان لا يرد أحدا يسأله شيئا عنده، فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شي ء، فقال: «يكون إن شاء الله». فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك و كان (عليه السلام) لا يرد أحدا عما عنده «1»، فأعطاه قميصه، فأنزل الله وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الآية، فنهاه أن يبخل أو يسرف و يقعد محسورا من الثياب.

قال: فقال الصادق (عليه السلام): «المحسور: العريان».

6336/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن موسى بن بكر، عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فجاء سائل فقام إلى مكتل «2» فيه تمر، فملأ يده فناوله، ثم جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، ثم جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، ثم جاء آخر [فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، ثم جاء آخر] فقال: «الله رازقنا و إياك». ثم قال: «إن

رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان لا يسأله أحد

__________________________________________________

19- تفسير القمّي 2: 18.

1- تفسير القمّي 2: 18. [.....]

2- الكافي 4: 55/ 7.

(1) في «ط»: كان سبب نزولها أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كان لا يردّ أحدا عمّا عنده، فأرسلت إليه امرأة ابنا لها، فقالت: انطلق إليه فاسأله فإن قال: ليس عندنا شي ء، فقل: اعطني قميصك.

(2) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعا. «الصحاح- كتل- 5: 1809».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 525

من الدنيا شيئا إلا أعطاه، فأرسلت إليه امرأة ابنا لها، فقالت: انطلق إليه فاسأله، فإن قال لك: ليس عندنا شي ء، فقل:

أعطني قميصك- قال- فأخذ قميصه فرمى به إليه، فأدبه الله تبارك و تعالى على القصد فقال: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً».

6337/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً، قال: «الإحسار: الفاقة».

6338/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ثم علم الله عز و جل نبيه (صلى الله عليه و آله) كيف ينفق، و ذلك أنه كانت عنده اوقية من الذهب، فكره أن تبيت عنده فتصدق بها، فأصبح و ليس عنده شي ء، و جاءه من يسأله، فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل، و اغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه، و كان رحيما رقيقا، فأدب الله

عز و جل نبيه (صلى الله عليه و آله) بأمره فقال: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً يقول: إن الناس قد يسألونك و لا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت «1» من المال».

6339/ [5]- العياشي: عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فجاءه سائل، فقام إلى مكتل فيه تمر فملأ يده ثم ناوله، ثم جاء آخر فسأله فقام و أخذ بيده فناوله، ثم جاء آخر فسأله، فقال: «رزقنا الله و إياك» ثم قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئا إلا أعطاه- قال- فأرسلت إليه امرأة ابنا لها فقالت: انطلق إليه فاسأله، فإن قال: ليس عندنا شي ء فقل: أعطني قميصك. فأتاه الغلام فسأله، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): ليس عندنا شي ء. قال: فأعطني قميصك. فأخذ قميصه فرمى به إليه، فأدبه الله على القصد فقال: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً».

6340/ [6]- عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ، قال:

فضم يده و قال: «هكذا» فقال: وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فبسط راحته و قال: «هكذا».

6341/ [7]- عن محمد بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً، قال: الإحسار: الإقتار».

__________________________________________________

3- الكافي 4: 55/ 6.

4- الكافي 5/ 67/ 1.

5- تفسير العيّاشي 2: 289/ 59.

6- تفسير العيّاشي 2:

289/ 60.

7- تفسير العيّاشي 2: 289/ 61.

(1) يقال: حسر القوم فلانا: سألوه فأعطاهم حتىّ لم يبق عنده شي ء. «المعجم الوسيط- حسر- 1: 172».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 526

6342/ [8]- ابن شهر آشوب: روي أنه (عليه السلام) بذل جميع ماله حتى قميصه، و بقي في داره عريانا على حصيرة، إذ أتاه بلال و قال: يا رسول الله، الصلاة فنزل وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً و أتاه بحلة فردوسية.

سورة الإسراء(17): الآيات 31 الي 32 ..... ص : 526

قوله تعالى:

وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ- إلى قوله تعالى- وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلًا [31- 32] 6343/ [1]- علي بن إبراهيم، قال في قوله تعالى: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ يعني مخافة الفقر و الجوع، فإن العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك، فقال الله عز و جل: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً.

6344/ [2]- العياشي: عن إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، قال: «لا يملق حاج أبدا»، قال: قلت:

و ما الإملاق؟ قال: «الإفلاس» ثم قال: «قول الله: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ».

6345/ [3]- و عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الحاج لا يملق أبدا»، قال: قلت: و ما الإملاق؟ قال: «الإفلاس»، ثم قال: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ.

6346/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: قوله: وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلًا إنه محكم.

6347/ [5]- ثم قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً.

يقول: «معصية و مقتا، فإن الله يمقته و

يبغضه، و قوله: وَ ساءَ سَبِيلًا و هو أشد الناس «1» عذابا، و الزنا من أكبر الكبائر».

__________________________________________________

8- حلية الأبرار 1: 156.

1- تفسير القمّي 2: 19.

2- تفسير العيّاشي 2: 289/ 62.

3- تفسير العيّاشي 2: 289/ 63.

4- تفسير القمّي 2: 19. [.....]

5- تفسير القمّي 2: 19.

(1) في المصدر: النار.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 527

سورة الإسراء(17): آية 33 ..... ص : 527

قوله تعالى:

وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً [33] 6348/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله: وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً أي سلطانا على القاتل، فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً أي ينصر ولد المقتول على القاتل.

6349/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس و غيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا اجتمعت العدة على قتل رجل واحد، حكم الوالي أن يقتل أيهم شاءوا، و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إن الله عز و جل يقول: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ».

6350/ [3]- و عنه: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سليمان، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن الله عز و جل يقول في كتابه: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً فما هذا الإسراف الذي نهى الله عز و جل عنه؟ قال: «نهى أن يقتل غير

قاتله، أو يمثل بالقاتل».

قلت: فما معنى قوله: إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً؟ قال: «و أي نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلى أولياء المقتول فيقتله، و لا تبعة تلزمه من قتله في دين و لا دنيا؟».

6351/ [4]- و عنه: عن علي بن محمد، عن صالح، عن الحجال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ؟

قال: «نزلت في الحسن (عليه السلام)، لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا».

6352/ [5]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس و غيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد، حكم الوالي أن يقتل أيهم شاءوا، و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إن الله عز و جل يقول: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ

__________________________________________________

1- تفسير القمي 2: 19.

2- الكافي 7: 284/ 9.

3- الكافي 7: 370/ 7.

4- الكافي 8: 255/ 364.

5- التهذيب 10: 218/ 858.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 528

و إذا قتل الثلاثة واحدا، خير الوالي أي الثلاثة شاء «1» أن يقتل، و يضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول».

6353/ [6]- أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: حدثني محمد بن الحسن بن أحمد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سنان، عن رجل، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً.

قال:

«ذلك قائم آل محمد (عليه و عليهم السلام)، يخرج فيقتل بدم الحسين (عليه السلام)، فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفا. و قوله: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ أي لم يكن ليصنع شيئا يكون سرفا «2»» ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام):

«يقتل- و الله- ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها».

6354/ [7]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا قام «3» القائم (عليه السلام) قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم؟» فقال (عليه السلام): «هو كذلك».

قلت: و قول الله عز و جل: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «4» ما معناه؟ فقال: «صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بأفعال آبائهم و يفتخرون بها، و من رضي شيئا، كان كمن أتاه، و لو أن رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب، لكان الراضي عند الله عز و جل شريك القاتل، و إنما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج، لرضاهم بفعل آبائهم».

قال: فقلت له: بأي شي ء يبدأ القائم (عليه السلام) منكم إذا قام؟ قال: «يبدأ ببني شيبة و يقطع أيديهم، لأنهم سراق بيت الله عز و جل».

6355/ [8]- علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن عثمان بن سعيد، عن المفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا

يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً، قال: «نزلت في قتل الحسين (عليه السلام)».

__________________________________________________

6- كامل الزيارات: 63/ 5.

7- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 273/ 5، ينابيع المودة: 424.

8- لم نجده في تفسير القمّي، و رواه عنه في تأويل الآيات 1: 279/ 9.

(1) في «ط»: شاءوا.

(2) في «ط»: فيكون مسرفا.

(3) في «ط»: خرج.

(4) الإسراء 17: 15، فاطر 35: 18، الزمر 39: 7. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 529

6356/ [9]- العياشي: عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «من قتل النفس التي حرم الله فقد قتل الحسين في أهل بيته (عليهم السلام)».

6357/ [10]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نزلت هذه الآية في الحسين (عليه السلام): وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ قاتل الحسين إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً- قال-:

الحسين (عليه السلام)».

6358/ [11]- عن أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا اجتمع العدة على قتل رجل، حكم الوالي بقتل أيهم شاء، و ليس له أن يقتل أكثر من واحد، إن الله يقول: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً و إذا قتل واحدا ثلاثة، خير الوالي أي الثلاثة شاء أن يقتل، و يضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول».

6359/ [12]- عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً.

قال: «هو الحسين بن علي (عليه السلام) قتل مظلوما و نحن أولياؤه، و القائم منا إذا قام طلب بثار الحسين، فيقتل حتى يقال: قد أسرف في القتل- و قال-

«1» المقتول: الحسين (عليه السلام) و وليه: القائم، و الإسراف في القتل: أن يقتل غير قاتله إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل الرسول (صلى الله عليهم) يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جوار».

6360/ [13]- عن أبي العباس، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين قتلا رجلا، فقال: «يخير وليه أن يقتل أيهما شاء، و يغرم الباقي نصف الدية- أعني دية المقتول- فترد على ورثته «2»، و كذلك إن قتل رجل امرأة، إن قبلوا دية المرأة فذاك، و إن أبى أولياؤها إلا قتل قاتلها غرموا نصف دية الرجل و قتلوه، و هو قول الله: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ».

6361/ [14]- عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: يا بن رسول الله، زعم ولد الحسن (عليه السلام) أن القائم منهم، و أنهم أصحاب الأمر، و يزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك، فقال: «رحم الله عمي الحسن (عليه السلام)، لقد

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 2: 290/ 64.

10- تفسير العيّاشي 2: 290/ 65.

11- تفسير العيّاشي 2: 290/ 66.

12- تفسير العيّاشي 2: 290/ 67، ينابيع المودة: 425.

13- تفسير العيّاشي 2: 290/ 68.

14- تفسير العيّاشي 2: 291/ 69.

(1) زاد في «ط»: الشي ء.

(2) في المصدر: ذرّيته.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 530

أغمد «1» أربعين ألف سيف حين أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) و أسلمها إلى معاوية، و محمد بن علي سبعين ألف سيف قاتله، لو خطر عليهم خطر ما خرجوا منها حتى يموتوا جميعا، و خرج الحسين (عليه السلام) فعرض نفسه على الله في سبعين رجلا، من أحق بدمه منا؟ نحن- و الله- أصحاب الأمر، و

فينا القائم، و من السفاح و المنصور، و قد قال الله: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً نحن أولياء الحسين بن علي (عليهما السلام)، و على دينه».

6362/ [15]- شرف الدين النجفي، قال: روى بعض الثقات، بإسناده عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً.

قال: «نزلت في الحسين (عليه السلام)، لو قتل وليه أهل الأرض [به ] ما كان مسرفا، و وليه القائم (عليه السلام)».

سورة الإسراء(17): الآيات 34 الي 35 ..... ص : 530

قوله تعالى:

وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ- إلى قوله تعالى- وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ [34- 35]

6363/ [1]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن نجدة الحروري كتب إلى ابن عباس يسأله عن أشياء: عن اليتيم، متى «2» ينقطع يتمه؟ فكتب إليه ابن عباس: أما اليتيم، فانقطاع يتمه إذا بلغ أشده، و هو الاحتلام».

6364/ [2]- و في رواية اخرى عن عبد الله بن سنان، عنه قال: «سئل أبي و أنا حاضر عن اليتيم، متى يجوز أمره؟ فقال: حين يبلغ أشده.

قلت: و ما أشده؟ قال: الاحتلام.

قلت: قد يكون الغلام ابن ثماني عشرة سنة لا يحتلم، أو أقل أو أكثر؟ قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة كتب له الحسن و كتب عليه السي ء، و جاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا».

__________________________________________________

15- تأويل الآيات 1: 280/ 10.

1- تفسير العيّاشي 2: 291/ 70.

2- تفسير العيّاشي 2: 291/ 71.

(1) في «س» و «ط»: عمل.

(2) في «س» و «ط»: حتّى.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 531

6365/ [3]- عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا بلغ العبد ثلاثا و ثلاثين سنة فقد بلغ أشده، و إذا بلغ أربعين فقد انتهى منتهاه، فإذا بلغ إحدى و أربعين فهو في النقصان، و ينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن هو في النزع».

6366/ [4]- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا بلغ أشده: الاحتلام، ثلاث عشرة سنة».

6367/ [5]- قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يعني: بالمعروف، و لا يسرف. قال: و قوله: وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ يعني: إذا عاهدت إنسانا، فأوف له. قال: و قوله: إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا يعني: يوم القيامة. قال: و قوله: وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ أي بالاستواء «1».

6368/ [6]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «القسطاس المستقيم فهو الميزان الذي له لسان».

سورة الإسراء(17): آية 36 ..... ص : 531

قوله تعالى:

وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا [36] 6369/ [1]- قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ قال: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم،

قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من بهت مؤمنا أو مؤمنة أقيم في طينة خبال، أو يخرج مما قال».

6370/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس

فيه بعثه الله في طينة خبال حتى يخرج مما قال».

قلت: و ما طينة خبال؟ قال: «صديد يخرج من فروج المومسات».

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 292/ 72. [.....]

4- تفسير العيّاشي 2: 292/ 73.

5- تفسير القمّي 2: 19.

6- تفسير القمّي 2: 19.

1- تفسير القمّي 2: 19.

2- الكافي 2: 266/ 5.

(1) في المصدر: بالسواء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 532

6371/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: بأبي أنت و امي، إني أدخل كنيفا «1» لي، و لي جيران عندهم جوار يتغنين و يضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن، فقال: «لا تفعل».

فقال الرجل: و الله، ما أتيتهن، إنما هو سماع أسمعه باذني. فقال: «لله أنت! أما سمعت الله عز و جل يقول:

إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا؟!» فقال: بلى و الله، لكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من أعجمي و لا عربي، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله، و إني لأستغفر الله.

فقال له: «قم فاغتسل وصل ما بدا لك، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك! احمد الله و اسأله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا كل قبيح، و القبيح دعه لأهله فإن لك أهلا».

6372/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد، قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)- في حديث طويل- قال: «و فرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله،

و أن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عز و جل عنه، و الإصغاء إلى ما أسخط الله عز و جل، فقال في ذلك:

وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ «2»، ثم استثنى الله عز و جل موضع النسيان، فقال: وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ «3»، و قال: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ «4»، و قال عز و جل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ «5»، و قال: وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ «6»، و قال: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً «7» فهذا ما فرض الله على السمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحل له و هو عمله، و هو من الإيمان.

و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم الله عليه، و أن يعرض عما نهى الله عنه مما لا يحل له، و هو عمله، و هو من الإيمان، فقال تبارك و تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «8» فنهاهم أن

__________________________________________________

3- الكافي 6: 432/ 10.

4- الكافي 2: 28/ 1.

(1) الكنيف: الظلّة تشرع فوق باب الدار، و المرحاض. «المعجم الوسيط- كنف- 2: 801».

(2) النساء 4: 140.

(3) الأنعام 6: 68.

(4) الزمر 39: 17- 18.

(5) المؤمنون 23: 1- 4.

(6) القصص 28: 55. [.....]

(7) الفرقان 25: 72.

(8) النور 24: 30.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 533

ينظروا إلى عوراتهم، و أن ينظر المرء إلى فرج أخيه، و يحفظ فرجه أن ينظر إليه، و قال: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ «1» من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها، و تحفظ فرجها من أن ينظر إليها- و قال- كل شي ء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر.

ثم نظم ما فرض على القلب و اللسان و السمع و البصر في آية اخرى، فقال: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ «2» يعني بالجلود الفروج و الأفخاذ، و قال: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا فهذا ما فرض الله على العينين عن غض البصر عما حرم الله عز و جل، و هو علمهما، و هو من الإيمان». و الحديث طويل، ذكرناه بتمامه في قوله: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً من آخر سورة براءة «3».

6373/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رضي الله عنه)، قال:

حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال:

حدثني سيدي علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن «4» بن علي (عليهم السلام)، قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، و إن عمر مني بمنزلة البصر، و إن عثمان مني بمنزلة الفؤاد- قال- فلما كان من الغد دخلت

عليه و عنده أمير المؤمنين (عليه السلام)، و أبو بكر، و عمر، و عثمان فقلت له: يا أبت، سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا، فما هو؟ فقال (صلى الله عليه و آله): نعم ثم أشار بيده إليهم، فقال: هم السمع و البصر و الفؤاد، و سيسألون عن ولاية وصيي هذا و أشار إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام). ثم قال: إن الله عز و جل يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا ثم قال (صلى الله عليه و آله): و عزة ربي إن جميع امتي لموقوفون يوم القيامة، و مسئولون عن ولايته، و ذلك قول الله عز و جل: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ «5»».

6374/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله عز و جل، حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، و جسدك فيما أبليته، و مالك من أين اكتسبته و أين وضعته؟ و عن حبنا

__________________________________________________

5- في «ط»: الحسين.

6- تفسير القمّي 2: 19، مناقب ابن المغازلي: 119/ 157، كفاية الطالب: 324، المناقب للخوارزمي: 35، مقتل الحسين (عليه السّلام) للخوارزمي 1: 42، مجمع الزوائد 10: 346، ينابيع المودة: 106 و 113 و 271.

(1) النور 24: 31.

(2) فصلت 41: 22.

(3) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآيتين (124- 125) من سورة التوبة.

(4) في «ط»: الحسين.

(5) الصافات 37: 24.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 534

أهل البيت».

6375/ [7]- العياشي: عن الحسن، قال: كنت أطيل القعود في المخرج «1» لأسمع غناء

بعض الجيران، قال: فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي: «يا حسن، إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا السمع و ما وعى، و البصر و ما رأى، و الفؤاد و ما عقد عليه».

6376/ [8]- عن الحسين بن هارون، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.

قال: «يسأل السمع عما يسمع و البصر عما يطرف، و الفؤاد عما يعقد عليه».

6377/ [9]- عن أبي جعفر، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: بأبي أنت و أمي، إني أدخل كنيفا لي، و لي جيران و عندهم جوار يغنين و يضربن بالعود، فربما أطيل الجلوس استماعا مني لهن؟ فقال: «لا تفعل».

فقال الرجل: و الله، ما أتيتهن، إنما هو سماع أسمعه باذني. فقال له: «أما سمعت الله يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا؟!». قال: بلى و الله، فكأني لم أسمع هذه الآية قط من كتاب الله من عجمي و لا عربي، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله، و إني أستغفر الله. فقال: «قم و اغتسل و صل ما بدا لك، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك. أحمد الله و اسأله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا كل قبيح، و القبيح دعه لأهله، فإن لك أهلا».

6378/ [10]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك و تعالى فرض الإيمان على جوارح بني آدم و قسمه عليها، فليس من جوارحه جارحة إلا و قد

وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، فمنها عيناه اللتان ينظر بهما، و رجلاه اللتان يمشي بهما ففرض على العين أن لا تنظر إلى ما حرم الله عليه، و أن تغض عما نهاه الله عنه مما لا يحل له و هو عمله، و هو من الإيمان، قال الله تبارك و تعالى: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا فهذا ما فرض الله من غض البصر عما حرم الله و هو عمله «2»، و هو من الإيمان.

و فرض الله على الرجلين ألا يمشى بهما إلى شي ء من معاصي الله، و فرض عليهما المشي فيما فرض الله

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 292/ 74.

8- تفسير العيّاشي 2: 292/ 75.

9- تفسير العيّاشي 2: 292/ 76.

10- تفسير العيّاشي 2: 293/ 77.

(1) المخرج: مكان خروج الفضلات- أعني الكنيف- «مجمع البحرين- خرج- 2: 294». [.....]

(2) في المصدر: عملها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 535

فقال: وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا «1»، و قال: وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ «2»».

6379/ [11]- الشيخ، في (التهذيب): عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلا جاء إليه فقال له: إن لي جيرانا و لهم جوار يتغنين و يضربن بالعود، فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن؟ فقال له (عليه السلام): «لا تفعل».

فقال: و الله، ما هو شي ء أتيته برجلي، إنما هو سماع أسمعه بأذني. فقال الصادق (عليه السلام): «لله أنت! أما سمعت الله عز و جل يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ

عَنْهُ مَسْؤُلًا»؟! فقال الرجل: كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عز و جل من عربي و لا عجمي، لا جرم إني قد تركتها، و إني أستغفر الله تعالى. فقال له الصادق (عليه السلام): «قم فاغتسل و صل ما بدا لك، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك! استغفر الله و اسأله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا القبيح، و القبيح دعه لأهله، فإن لكل أهلا».

سورة الإسراء(17): الآيات 37 الي 40 ..... ص : 535

قوله تعالى:

وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا- إلى قوله تعالى- أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً [37- 40] 6380/ [1]- علي بن إبراهيم، قال في قوله تعالى: وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً: أي بطرا و فرحا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ أي لم تبلغها كلها: وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا أي لا تقدر أن تبلغ قلل الجبال.

6381/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، قال:

حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «فرض الله على الرجلين أن لا يمشى بهما إلى شي ء من معاصي الله، و فرض عليهما المشي ء إلى ما يرضي الله عز و جل فقال: وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا، و قال:

__________________________________________________

11- التهذيب 1: 116/ 304.

1- تفسير القمي 2: 20.

2- الكافي 2: 28/ 1.

(1) الإسراء 17: 37.

(2) لقمان 31: 19.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 536

وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ «1»».

6382/ [3]-

و قال علي بن إبراهيم: قوله: ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ يعني القرآن و ما فيه من الأنباء «2»، ثم قال: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً فالمخاطبة للنبي و المعنى للناس.

قال: و قوله: أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً و هو رد على قريش فيما قالوا: إن الملائكة هن بنات الله.

سورة الإسراء(17): الآيات 41 الي 43 ..... ص : 536

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَ ما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً- إلى قوله تعالى- سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً [41- 43]

6383/ [4]- العياشي: عن علي بن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام): وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا: «يعني و لقد ذكرنا عليا (عليه السلام) في القرآن و هو الذكر فما زادهم إلا نفورا».

6384/ [5]- قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ ما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً قال: إذا سمعوا القرآن، ينفرون عنه و يكذبونه، ثم احتج عز و جل على الكفار الذين يعبدون الأوثان، فقال: قُلْ لهم يا محمد لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا قال: لو كانت الأصنام آلهة كما يزعمون لصعدوا إلى العرش، ثم قال الله لذلك: سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً.

سورة الإسراء(17): آية 44 ..... ص : 536

قوله تعالى:

تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً [44]

6385/ [6]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن داود الرقي،

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 2: 20.

4- تفسير العيّاشي 2: 293/ 78.

5- تفسير القمّي 2: 20.

6- الكافي 6: 531/ 4.

(1) لقمان 31: 19.

(2) في «ط»: الأخبار.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 537

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. قال: «تنقض «1» الجدر تسبيحها».

6386/ [2]- العياشي: عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: قول الله: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ؟ قال: «كل شي ء يسبح بحمده- و قال- إنا لنرى أن تنقض الجدار هو تسبيحه».

6387/ [3]- و في رواية الحسين بن سعيد، عنه: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.

قال: «كل شي ء يسبح بحمده- و قال- إنا لنرى أن تنقض الجدار هو تسبيحها».

6388/ [4]- عن الحسن، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن أن توسم البهائم في وجوهها، و أن تضرب وجوهها، فإنها تسبح بحمد ربها».

6389/ [5]- عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من طير يصاد في بر و لا بحر، و لا شي ء يصاد من الوحش إلا بتضييعه التسبيح».

6390/ [6]- عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أنه دخل عليه رجل فقال له:

فداك أبي و امي، إني أجد الله يقول في كتابه: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ؟

فقال له: «هو كما قال الله تعالى».

قال: أ تسبح الشجرة اليابسة؟ فقال: «نعم، أما سمعت خشب البيت كيف ينقصف «2»، و ذلك تسبيحه، فسبحان الله على كل حال!».

6391/ [7]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «للدابة على صاحبها ستة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، و لا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها، و يبدأ بعلفها إذا نزل، و لا يسمها في وجهها، و لا يضربها فإنها تسبح، و يعرض عليها الماء إذا مر به».

6392/ [8]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد

بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 2: 293/ 79.

3- تفسير العيّاشي 2: 293/ 80. [.....]

4- تفسير العيّاشي 2: 294/ 82.

5- تفسير العيّاشي 2: 294/ 83.

6- تفسير العيّاشي 2: 294/ 84.

7- الكافي 6: 537/ 1.

8- الكافي 6: 538/ 4.

(1) تنقض البيت: تشقق و سمع له صوت. «أقرب الموارد- نقض- 2: 1337».

(2) انقصف الشي ء: انكسر، و في المصدر: ينقض.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 538

راشد، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تضربوا الدواب على وجوهها فإنها تسبح بحمد الله».

قال: و في حديث آخر: «لا تسموها في وجوهها».

سورة الإسراء(17): الآيات 45 الي 46 ..... ص : 538

قوله تعالى:

وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً- إلى قوله تعالى- وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً [45- 46] 6393/ [1]- علي بن إبراهيم، قال في قوله تعالى: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً يعني يحجب الله عنك الشياطين وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي غشاوة أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً يعني صمما.

قال: قوله: وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا تهجد بالقرآن تستمع له قريش لحسن صوته «1»، و كان إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فروا عنه.

6394/ [2]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن موسى بن جعفر (عليهما السلام): «قال يهودي لأمير المؤمنين (عليه السلام): إن إبراهيم حجب عن نمرود بحجب ثلاث، قال علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، و محمد (صلى الله عليه و

آله) حجب عمن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة و اثنان فضل، قال الله عز و جل و هو يصف أمر محمد (صلى الله عليه و آله): وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا فهذا الحجاب الأول وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فهذا الحجاب الثاني فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ «2» فهذا الحجاب الثالث ثم قال: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً فهذا الحجاب الرابع، ثم قال: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ «3» فهذه حجب خمس».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 20.

2- الاحتجاج 1: 213.

(1) في «ط»: قراءته.

(2) يس 36: 9.

(3) يس 36. 8.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 539

6395/ [3]- العياشي: عن زيد بن علي، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فذكر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال: «تدري ما نزل في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟» فقلت: لا، فقال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان يصلي بفناء الكعبة فرفع صوته، و كان عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو جهل بن هشام و جماعة منهم يسمعون قراءته- قال و كان يكثر قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيرفع بها صوته- قال- فيقولون: إن محمدا ليردد اسم ربه ترددا، إنه ليحجه، فيأمرون من يقوم فيستمع إليه، و يقولون: إذا جاز بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فأعلمنا حتى نقوم فنستمع قراءته، فأنزل الله في ذلك وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ- بسم الله الرحمن الرحيم- وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً».

6396/ [4]- عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال: «هو أحق ما جهر به، فأجهر به «1»، و هي

الآية التي قال الله: وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ- بسم الله الرحمن الرحيم- وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً كان المشركون يستمعون إلى قراءة النبي (صلى الله عليه و آله)، فإذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نفروا و ذهبوا، فإذا فرغ منه عادوا و تسمعوا».

6397/ [5]- عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا صلى بالناس جهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فتخلف من خلفه من المنافقين عن الصفوف، فإذا جازها في السورة عادوا إلى مواضعهم و قال بعضهم لبعض: إنه ليردد اسم ربه تردادا، إنه ليحب ربه، فأنزل الله وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً».

6398/ [6]- عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «يا ثمالي، إن الشيطان ليأتي قرين الإمام فيسأله، هل ذكر ربه؟ فإن قال: نعم اكتسع «2» فذهب، و إن قال: لا ركب على كتفيه، و كان إمام القوم حتى ينصرفوا».

قال: قلت: جعلت فداك، و ما معنى قوله: ذكر ربه؟ قال: «الجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

سورة الإسراء(17): الآيات 47 الي 51 ..... ص : 539

قوله تعالى:

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى - إلى

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 295/ 85.

4- تفسير العيّاشي 2: 295/ 86. [.....]

5- تفسير العيّاشي 2: 295/ 87.

6- تفسير العيّاشي 2: 296/ 88.

(1) في «ط»: هو الحقّ فاجهر به.

(2) اكتسع الفحل: خطر فضرب فخذّيه بذنبه. «القاموس المحيط- كسع- 3: 81».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 540

قوله تعالى- قَرِيباً [47- 51] 6399/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى يعني إذ

هم في السر يقولون: هو ساحر و هو قوله: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً».

ثم حكى لرسول الله (صلى الله عليه و آله) قول الدهرية، فقال: وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. ثم قال لهم: قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ و النغض: تحريك الرأس وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً.

6400/ [2]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الخلق الذي يكبر في صدوركم:

الموت».

6401/ [3]- العياشي: عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء أبي بن خلف، فأخذ عظما باليا من حائط، ففته ثم قال: يا محمد، إذا كنا عظاما و رفاتا أ ءنا لمبعوثون؟! فأنزل الله مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ «1»».

سورة الإسراء(17): الآيات 53 الي 55 ..... ص : 540

قوله تعالى:

وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ- إلى قوله تعالى- وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً [53- 55] 6402/ [4]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ أي يدخل بينهم و يحملهم «2» على المعاصي.

قال: و قوله: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ إلى قوله زَبُوراً فهو محكم.

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 20.

2- تفسير القمّي 2: 21.

3- تفسير العيّاشي 2: 296/ 89.

4- تفسير القمّي 2: 21.

(1) يس 36: 78- 79.

(2) في «س»: بحملهم، و في المصدر: و يحثّهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 541

6403/ [2]- ابن شهر آشوب: عن أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن

أبي صالح، في قوله تعالى: وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ قال: فضل الله محمدا (صلى الله عليه و آله) بالعلم و العقل على جميع الرسل، و فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) على جميع الصديقين بالعلم و العقل.

سورة الإسراء(17): آية 58 ..... ص : 541

قوله تعالى:

وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً [58] 6404/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: قوله: وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها أي أهلها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً يعني بالخسف و الموت و الهلاك كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً أي مكتوبا.

6405/ [4]- ابن بابويه: مرسلا، عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً قال: «هو الفناء بالموت».

6406/ [5]- العياشي: عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً، قال: «إنما أمة محمد من الأمم، فمن مات فقد هلك».

6407/ [6]- عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ، قال: «هو الفناء بالموت أو غيره».

6408/ [7]- و في رواية اخرى، عنه (عليه السلام): وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ.

قال: «بالقتل و الموت أو غيره».

سورة الإسراء(17): آية 59 ..... ص : 541

قوله تعالى:

وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ- إلى قوله تعالى-

__________________________________________________

2- المناقب 3: 99.

3- تفسير القمّي 2: 21.

4- من لا يحضره الفقيه 1: 118/ 562.

5- تفسير العيّاشي 2: 297/ 90. [.....]

6- تفسير العيّاشي 2: 297/ 91.

7- تفسير العيّاشي 2: 297/ 92.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 542

إِلَّا تَخْوِيفاً [59] 6409/ [1]- و قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ نزلت في قريش، و قوله: وَ آتَيْنا ثَمُودَ

النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً فعطف على قوله: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ.

6410/ [2]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ.

قال: «و ذلك أن محمدا (صلى الله عليه و آله) سأله قومه أن يأتيهم بآية، فنزل جبرئيل (عليه السلام)، فقال: إن الله عز و جل يقول: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إلى قومك إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ و كنا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم، فلذلك أخرنا عن قومك الآيات».

سورة الإسراء(17): آية 60 ..... ص : 542

قوله تعالى:

وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً [60]

6411/ [3]- العياشي: عن حريز، عمن سمع، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لهم ليعمهوا فيها وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ يعني بني امية».

6412/ [4]- علي بن سعيد، قال: كنت بمكة فقدم علينا معروف بن خربوذ، فقال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «إن عليا (عليه السلام) قال لعمر: يا أبا حفص، ألا أخبرك بما نزل في بني أمية؟ قال: بلى. قال: فإنه نزل فيهم وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ فغضب عمر و قال: كذبت، بنو أمية خير منك، و أوصل للرحم».

6413/ [5]- عن الحلبي، عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، قالوا: سألناه عن قوله: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ.

قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) رأى أن رجالا على المنابر، يردون الناس ضلالا: زريق، و زفر».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 21.

2- تفسير القمّي 2: 21.

3- تفسير

العيّاشي 2: 297/ 93.

4- تفسير العيّاشي 2: 297/ 94.

5- تفسير العيّاشي 2: 297/ 95.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 543

و قوله: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، قال: «هم بنو امية».

6414/ [4]- و في رواية اخرى، عنه (عليه السلام): «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد رأى رجالا من نار على منابر من نار، يردون الناس على أعقابهم القهقرى، و لسنا نسمي أحدا».

6415/ [5]- و في رواية سلام الجعفي، عنه (عليه السلام)، أنه قال: «إنا لا نسمي الرجال بأسمائهم، و لكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) رأى قوما على منبره يضلون الناس بعده عن الصراط القهقرى».

6416/ [6]- عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أصبح رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوما حاسرا حزينا، فقيل له: مالك، يا رسول الله؟ فقال: إني رأيت الليلة صبيان بني أمية يرقون على منبري هذا، فقلت:

يا رب معي؟ فقال: لا، و لكن بعدك».

6417/ [7]- عن أبي الطفيل، قال: كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليا (عليه السلام) يقول، و هو على المنبر و ناداه ابن الكواء، و هو في مؤخر المسجد، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، فقال: «الأفجران من قريش، و من بني امية».

6418/ [8]- عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، قال: «أري رجالا من بني تيم و عدي على المنابر يردون الناس عن الصراط القهقرى».

قلت: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ؟ قال: «هم بنو أمية، يقول الله: وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً».

6419/ [9]- عن يونس، عن عبد الرحمن

الأشل، قال: سألته عن قول الله: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ الآية.

فقال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) نام فرأى أن بني امية يصعدون المنابر، فكلما صعد منهم رجل رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) الذلة و المسكنة، فاستيقظ جزوعا من ذلك، و كان الذين رآهم اثني عشر رجلا من بني امية، فأتاه جبرئيل بهذه الآية، ثم قال جبرئيل: إن بني امية لا يملكون شيئا إلا ملك أهل البيت ضعفيه».

6420/ [10]- الطبرسي: إن ذلك رؤيا رآها النبي في منامه، أن قرودا تصعد منبره و تنزل، فساءه ذلك و اغتم به. رواه سهل بن سعيد، عن أبيه، ثم قال: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام).

و قالوا على هذا

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 298/ 96.

5- تفسير العيّاشي 2: 298/ 97.

6- تفسير العيّاشي 2: 298/ 98.

7- تفسير العيّاشي 2: 298/ 99.

8- تفسير العيّاشي 2: 298/ 100.

9- تفسير العيّاشي 2: 298/ 101.

10- مجمع البيان 6: 654. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 544

التأويل: إن الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ هم «1» بنو امية.

6421/ [11]- و في (نهج البيان): جاء في أخبارنا، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «أن النبي (صلى الله عليه و آله) رأى ذات ليلة- و هو بالمدينة- كأن قرودا أربعة عشر قد علوا منبره واحدا بعد واحد، فلما أصبح قص رؤياه على أصحابه، فسألوه عن ذلك. فقال: يصعد منبري هذا بعدي جماعة من قريش ليسوا لذلك أهلا». قال الصادق (عليه السلام): «هم بنو أمية».

6422/ [12]- علي بن إبراهيم، قال: نزلت لما رأى النبي (صلى الله عليه و آله) في نومه كأن قرودا تصعد

منبره، فساءه ذلك و غمه غما شديدا، فأنزل الله: «و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس «2» ليعمهوا فيها، و الشجرة الملعونة في القرآن». كذا نزلت، و هم بنو امية.

6423/ [13]- و من طريق المخالفين، روى الثعلبي في (تفسيره): يرفعه إلى الرشيد، عن سعيد بن المسيب، في قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ الآية، قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بني امية على المنابر فساءه ذلك، فقيل له: إنها الدنيا [يعطونها] فسري «3» بها عنه إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ بلاء للناس.

6424/ [14]- و من (تفسير الثعلبي) أيضا يرفعه إلى سهل بن سعد، قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بني امية ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات، فنزلت هذه الآية.

6425/ [15]- و في كتاب (فضيلة الحسين و حكاية مصيبته و قتله): يرفعه إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «رأيت في النوم بني الحكم أو بني العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة» فأصبح كالمتغيظ، فما رؤي رسول الله (صلى الله عليه و آله) مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتى مات.

سورة الإسراء(17): الآيات 61 الي 64 ..... ص : 544

قوله تعالى:

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ- إلى قوله تعالى-

__________________________________________________

11- نهج البيان 2: 170 «مخطوط».

12- تفسير القمّي 2: 21.

13- ... عنه ابن البطريق في العمدة: 452/ 942، الدر المنثور 5: 310، تحفة الأبرار: 188.

14- ... عنه ابن البطريق في العمدة: 453/ 943، و الدر المنثور 5: 309، تحفة الأبرار: 188.

15- ... عنه تحفة الأبرار: 188.

(1) في المصدر: هي.

(2) في المصدر: لهم.

(3) سرّي عنه: تجلّى همّه و انكشف. «لسان العرب- سرا-

14: 380».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 545

وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ [61- 64] 6426/ [1]- و قال علي بن إبراهيم: ثم حكى الله عز و جل خبر إبليس، فقال: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ إلى قوله لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا أي لأفسدنهم إلا قليلا، فقال الله عز و جل:

اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً و هو محكم وَ اسْتَفْزِزْ أي اخدع مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ قال: ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان، فإذا اشترى به الإماء و نكحهن و ولد له، فهو شرك «1» الشيطان، كما «2» تلد «3» منه، و يكون مع الرجل إذا جامع، فيكون الولد من نطفته و نطفة الرجل إذا كان حراما.

و

في حديث آخر: إذا جامع الرجل أهله و لم يسم، شاركه الشيطان.

6427/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «4»

في معنى: و لا تجعله شرك الشيطان، قال: قلت: و كيف يكون من شرك الشيطان؟

قال: «إذا ذكر اسم الله تنحى الشيطان، و إن فعل و لم يسم أدخل ذكره، و كان العمل منهما جميعا و النطفة واحدة».

6428/ [3]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد Ƞعدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله جميعا، عن الوشاء، عن موسى بن بكر، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه

السلام): «يا أبا محمد، أي شي ء يقول الرجل منكم إذا دخلت عليه امرأته؟». قلت: جعلت فداك، أ يستطيع الرجل أن يقول شيئا؟ فقال: «ألا أعلمك ما تقول؟» قلت: بلى. قال: «تقول: بكلمات الله استحللت فرجها، و في أمانة الله أخذتها، اللهم إن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله بارا تقيا، و اجعله مسلما سويا، و لا تجعل فيه شركا للشيطان».

قلت: و بأي شي ء يعرف ذلك؟ قال له: «أما تقرأ كتاب الله عز و جل، ثم ابتدأ هو: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ فإن الشيطان يجي ء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها، و يحدث كما يحدث، و ينكح كما ينكح».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 21.

2- الكافي 5: 501/ 3.

3- الكافي 5: 502/ 2.

(1) في «س»: شريك.

(2) في «س»: كلّما.

(3) زاد في المصدر: يلزمه. [.....]

(4) في المصدر: عن أبي جعفر (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 546

قلت: بأي شي ء يعرف ذلك، قال: «بحبنا و بغضنا، فمن أحبنا كان من نطفة العبد، و من أبغضنا كان من نطفة الشيطان».

6429/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن حمزة بن عبد الله، عن جميل بن دراج، عن أبي الوليد، عن أبي بصير، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «يا أبا محمد، إذا أتيت أهلك، فأي شي ء تقول؟» قال: قلت: جعلت فداك، و أطيق أن أقول شيئا؟ قال: «بلى، قل: اللهم إني بكلماتك استحللت فرجها، و بأمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله تقيا زكيا، و لا تجعل للشيطان فيه شركا».

قال: قلت: جعلت فداك، و يكون فيه شرك للشيطان؟ قال: «نعم، أما تسمع قول الله عز

و جل: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ فإن الشيطان يجي ء فيقعد كما يقعد الرجل، و ينزل كما ينزل الرجل».

قال: قلت: بأي شي ء يعرف ذلك؟ قال: «بحبنا و بغضنا».

6430/ [5]- الحسين بن سعيد في كتاب (الزهد): عن عثمان بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن سليمان بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذي ء قليل الحياء، لا يبالي ما قال و ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية «1» أو شرك الشيطان.

فقال رجل: يا رسول الله، و في الناس شرك شيطان؟ فقال: أما تقرأ قول الله عز و جل: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ.

فقيل: و في الناس من لا يبالي ما قال و ما قيل له؟ فقال: نعم، من تعرض للناس فقال فيهم و هو يعلم أنهم «2» لا يتركونه، فذلك الذي لا يبالي ما قال و ما قيل له».

6431/ [6]- العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن شرك الشيطان: قوله:

وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ.

قال: «ما كان من مال حرام فهو شرك «3» الشيطان- قال- و يكون مع الرجل حتى يجامع، فيكون من نطفته و نطفة الرجل إذا كان حراما».

6432/ [7]- عن زرارة، قال: كان يوسف أبو الحجاج صديقا لعلي بن الحسين (عليه السلام) و أنه دخل على امرأته

__________________________________________________

4- الكافي 5: 503/ 5.

5- كتاب الزهد: 7/ 12.

6- تفسير العيّاشي 2: 299/ 102.

7- تفسير العيّاشي 2: 299/ 3.

(1) يقال: هو لغيّة و لغيّة: أي لزنية، و هو نقيض قولك: لرشدة. «لسان العرب- غوي- 15: 142».

(2) في «س» و

«ط»: أنّه.

(3) في المصدر: شريك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 547

فأراد أن يضمها- أعني ام الحجاج- قال: فقالت له «1»: إنما عهدك بذاك الساعة، قال: فأتى علي بن الحسين (عليه السلام) فأخبره، فأمره أن يمسك عنها، فأمسك عنها، فولدت بالحجاج، و هو ابن شيطان ذي الردهة «2».

6433/ [8]- عن عبد الملك بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إذا زنى الرجل أدخل الشيطان ذكره، ثم عملا جميعا ثم تختلط النطفتان، فيخلق الله منهما، فيكون شركة الشيطان».

6434/ [9]- عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي ء قليل الحياء، لا يبالي بما قال و لا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك الشيطان.

قيل: يا رسول الله، و في الناس شرك الشيطان؟ فقال: أو ما تقرأ قول الله: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ».

6435/ [10]- عن يونس، عن أبي الربيع الشامي، قال: كنت عنده ليلة، فذكر شرك الشيطان فعظمه حتى أفزعني، فقلت: جعلت فداك، فما المخرج منها، و ما نصنع؟

قال: «إذا أردت المجامعة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، الذي لا إله إلا هو، بديع السماوات و الأرض، اللهم إن قضيت شيئا خلقته في هذه الليلة «3»، فلا تجعل للشيطان فيه نصيبا، و لا شركا، و لا حظا، و اجعله عبدا صالحا خالصا مخلصا مصيبا «4» و ذريته، جل ثناؤك».

6436/ [11]- عن سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما قول الله: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ؟ قال: فقال: «قل في ذلك قولا: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان

الرجيم».

6437/ [12]- عن العلاء بن رزين، عن محمد، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: «شرك الشيطان، ما كان من مال حرام فهو من شركه «5»، و يكون مع الرجل حين يجامع، فتكون نطفته من نطفته إذا كان حراما- قال- فإن كلتيهما جميعا تختلطان- و قال- ربما خلق من واحدة، و ربما خلق منهما جميعا».

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 299/ 104.

9- تفسير العيّاشي 2: 299/ 105.

10- تفسير العيّاشي 2: 300/ 106.

11- تفسير العيّاشي 2: 300/ 107.

12- تفسير العيّاشي 2: 300/ 108.

(1) في «ط»: فقالت لي. و زاد في المصدر: أليس. [.....]

(2) الرّدهة: النّقرة في الجبل يستنقع فيها الماء و قيل: قلّة الرابية. «النهاية 2: 216» و قيل: إنّ شيطان الرّدهة أحد الأبالسة المردة من أعوان عدو اللّه إبليس، و قيل: هو عفريت مارد يتصوّر في صورة حيّة و يكون على الرّدهة. «شرح ابن أبي الحديد 13: 184».

(3) في المصدر: اللّهم إن قصدت تصب منّي في هذه الليلة خليفة.

(4) في المصدر: مصفيّا، و في نور الثقلين 3: 185/ 300: مصغيا.

(5) في «ط»: شركة الشيطان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 548

6438/ [13]- صفوان الجمال، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذن عيسى بن منصور عليه، فقال له:

«ما لك و لفلان، يا عيسى، أما إنه ما يحبك «1»!» فقال: بأبي و امي، يقول قولنا، و هو يتولى من نتولى. فقال: «إن فيه نخوة إبليس».

فقال: بأبي و امي، أليس يقول إبليس: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ «2»؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

«أليس الله يقول: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ فالشيطان يباضع ابن آدم هكذا» و قرن بين إصبعيه.

6439/ [14]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)

قال: سمعته يقول: «كان الحجاج ابن شيطان يباضع ذي الردهة» «3». ثم قال: «إن يوسف دخل على ام الحجاج، فأراد أن يصيبها، فقالت: أليس إنما عهدك «4» بذلك الساعة؟

فأمسك عنها، فولدت الحجاج».

سورة الإسراء(17): آية 65 ..... ص : 548

قوله تعالى:

إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [65]

6440/ [1]- العياشي: عن جعفر بن محمد الخزاعي، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يذكر في حديث غدير خم: «أنه لما قال النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) ما قال، و أقامه للناس، صرخ إبليس صرخة، فاجتمعت له العفاريت، فقالوا: يا سيدنا، ما هذه الصرخة؟ فقال: ويلكم، يومكم كيوم عيسى- و الله- لأضلن فيه الخلق».

قال: «فنزل القرآن: وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «5»- قال- فصرخ إبليس صرخة فرجعت إليه العفاريت، فقالوا: يا سيدنا، ما هذه الصرخة الاخرى؟ فقال: ويحكم، حكى الله- و الله- كلامي قرآنا، و أنزل عليه: وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم قال: و عزتك و جلالك لألحقن الفريق بالجميع».

قال: «فقال النبي (صلى الله عليه و آله): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ- قال-

__________________________________________________

13- تفسير العيّاشي 2: 300/ 109.

14- تفسير العيّاشي 2: 301/ 110.

1- تفسير العيّاشي 2: 301/ 111.

(1) في «ط»: ما يحبّ.

(2) الأعراف 7: 12، سورة ص 38: 76.

(3) يباضع: يجامع، و ذو الرّدهة نعت أو عطف بيان للشيطان، إن لم يكن في الكلام تصحيف. «بحار الأنوار 63: 256».

(4) في «ط»: عهدتك.

(5) سبأ 34: 20.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 549

فصرخ إبليس صرخة، فرجعت إليه العفاريت، فقالوا: يا سيدنا، ما هذه الصرخة

الثالثة؟ قال: و الله، من أصحاب علي، و لكن و عزتك و جلالك- يا رب- لأزينن لهم المعاصي حتى ابغضهم إليك».

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «و الذي بعث بالحق محمدا، للعفاريت و الأبالسة على المؤمن أكثر من الزنابير على اللحم، و المؤمن أشد من الجبل، و الجبل تدنو إليه «1» بالفأس فتنحت منه، و المؤمن لا يستقل عن دينه».

6441/ [2]- عن عبد الرحمن بن سالم، في قول الله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا، قال: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و نحن نرجو أن تجري لمن أحب الله من عباده المسلمين.

سورة الإسراء(17): الآيات 66 الي 69 ..... ص : 549

قوله تعالى:

رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ- إلى قوله تعالى- ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً [66- 69] 6442/ [3]- علي بن إبراهيم: ثم قال: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ إي السفن في البحر لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ أي بطل من تدعون غير الله فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ثم أرهبهم، فقال: أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً أي عذابا و هلاكا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى أي مرة اخرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ أي تجي ء من كل جانب فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً.

6443/ [4]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ قال: «هي العاصف» و قوله: تَبِيعاً يقول: وكيلا، و يقال: كفيلا، و يقال: ثائرا.

سورة الإسراء(17): آية 70 ..... ص : 549

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 2: 301/ 112.

3- تفسير القمّي 2: 22. [.....]

4- تفسير القمّي 2: 22.

(1) في «ط»: تواليه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 550

الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [70]

6444/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم، قال: حدثنا محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله لا يكرم روح كافر، و لكن يكرم أرواح المؤمنين، و إنما كرامة النفس و الدم بالروح، و

الرزق الطيب هو العلم».

6445/ [2]- الشيخ في (أماليه) قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا علي بن محمد بن الحسن ابن كاس القاضي النخعي بالرملة «1»، قال: حدثني جدي سليم بن إبراهيم بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا نصر بن مزاحم المنقري، قال: حدثنا إبراهيم بن الزبرقان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ.

يقول: «فضلنا بني آدم على سائر الخلق». وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ يقول: «على الرطب و اليابس».

وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يقول: «من طيبات الثمار كلها» وَ فَضَّلْناهُمْ يقول: «ليس من دابة و لا طائر إلا هي تأكل و تشرب بفيها، لا ترفع بيدها إلى فيها طعاما و لا شرابا غير ابن آدم، فإنه يرفع إلى فيه بيده طعامه، فهذا من التفضيل».

6446/ [3]- و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن العبد العزيز البغوي، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا حجاج بن تميم، قال: حدثنا ميمون بن مهران، عن ابن عباس (رحمه الله)، في قوله عز و جل: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا.

قال: ليس من دابة إلا و هي تأكل بفيها إلا ابن آدم فإنه يأكل بيده.

6447/ [4]- و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن هارون بن سليمان الصباحي، قال: حدثنا يحيى بن السري الضرير، قال: حدثنا محمد بن خازم «2» أبو معاوية الضرير، قال: دخلت على هارون الرشيد- و كانت بين يديه المائدة- فسألني عن

تفسير هذه الآية: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ الآية.

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 22.

2- الأمالي 2: 103.

3- الأمالي 2: 103.

4- الأمالي 2: 104.

(1) الرّملة: مدينة بفلسطين. «معجم البلدان 3: 69».

(2) في المصدر: محمّد بن مزاحم، و في «س، ط»: محمّد بن حازم، تصحيف، صوابه ما في المتن، راجع تقريب التهذيب 2: 157.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 551

فقلت: يا أمير المؤمنين، قد تأولها جدك عبد الله بن العباس، أخبرني الحجاج بن إبراهيم الخوزي «1»، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، في هذه الآية: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ قال: كل دابة تأكل بفيها إلا ابن آدم فإنه يأكل بالأصابع.

قال أبو معاوية: فبلغني أنه رمى بملعقة كانت بيده من فضة و تناول من الطعام بإصبعه.

6448/ [5]- العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا، قال: «خلق كل شي ء منكبا غير الإنسان، خلق منتصبا».

سورة الإسراء(17): آية 71 ..... ص : 551

قوله تعالى:

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ- إلى قوله تعالى- كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [71]

6449/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

قال: «يجي ء رسول الله (صلى الله عليه و آله) في قومه «2»، و علي (عليه السلام) في قومه، و الحسن في قومه، و الحسين في قومه، و كل من مات بين ظهراني قوم

جاءوا معه».

6450/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: «لما نزلت هذه الآية يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال المسلمون: يا رسول الله، أ لست إمام الناس كلهم أجمعين؟- قال- فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، و لكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي، يقومون في الناس فيكذبون، و يظلمهم أئمة الكفر و الضلال و أشياعهم، فمن والاهم و اتبعهم و صدقهم فهو مني و معي و سيلقاني، ألا و من ظلمهم و كذبهم فليس مني و لا معي، و أنا منه بري ء».

محمد بن الحسن الصفار: عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن جابر،

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 302/ 113.

1- تفسير القمّي 2: 22.

2- الكافي 1: 168/ 1.

(1) الجزري.

(2) في المصدر في جميع المواضع: فرقة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 552

عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله «1».

و رواه أيضا أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) «2».

6451/ [3]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن ابن مسكان، عن يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ؟ فقال: «يدعو كل قرن من هذه الأمة بإمامهم».

قلت: فيجي ء رسول الله (صلى الله عليه و آله) في قرنه، و علي (عليه السلام) في قرنه، و

الحسن (عليه السلام) في قرنه، و الحسين (عليه السلام) في قرنه، و كل إمام في قرنه الذي هلك بين أظهرهم؟ قال: «نعم».

6452/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن علي بن الشاه الفقيه المروروذي بمروالروذ «3». في داره، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر بن سليمان الطائي بالبصرة، قال: حدثني أبي في سنة ستين و مائتين، قال: حدثني علي بن موسى الرضا (عليه السلام) سنة أربع و تسعين و مائة بنيسابور.

و حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوزي بنيسابور، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوزي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن زياد الفقيه الخوزي بنيسابور، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الهروي الشيباني، عن الرضا علي بن موسى الرضا (عليه السلام).

و حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ، قال: حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)، في قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ. قال:

«يدعى كل قوم بإمام زمانهم، و كتاب ربهم، و سنة نبيهم».

6453/ [5]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور «4»، عن صفوان بن يحيى، عن محمد بن مروان، عن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

__________________________________________________

3- المحاسن: 144/ 44. [.....]

4- عيون

أخبار الرّضا (عليه السّلام) 2: 32/ 61.

5- الكافي 1: 303/ 2.

(1) بصائر الدرجات: 53/ 1، و فيه: عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام).

(2) المحاسن: 155/ 84.

(3) مرو الرّوذ: مدينة قريبة من مرور الشاهجان، و مرو الشاهجان هي أشهر مدن خراسان. «مراصد الاطلاع 3: 1262».

(4) في «ط»: محمّد بن محمود، و الصواب ما في المتن. انظر معجم رجال الحديث 9: 133.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 553

فقال: «يا فضيل، اعرف إمامك، فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر، و من عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر، كان بمنزلة من كان قاعدا في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه».

قال: و قال بعض أصحابه: بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه و آله).

6454/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حماد، عن عبد الأعلى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «السمع و الطاعة أبواب الخير، السامع المطيع لا حجة عليه، و السامع العاصي لا حجة له، و إمام المسلمين تمت حجته و احتجاجه يوم يلقى الله عز و جل- ثم قال- يقول الله تبارك و تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ».

6455/ [7]- و عنه: عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، قال: «إمامهم الذي بين أظهرهم، و هو قائم أهل زمانه».

6456/ [8]- العياشي: عن الفضيل، قال: سألت أبا

جعفر (عليه السلام) عن قول الله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، فقال: «يجي ء رسول الله (صلى الله عليه و آله) في قومه، و علي (عليه السلام) في قومه، و علي (عليه السلام) في قومه، و الحسن (عليه السلام) في قومه، و الحسين (عليه السلام) في قومه، و كل من مات بين ظهراني إمام جاء معه».

6457/ [9]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه إذا كان يوم القيامة يدعى كل بإمامه الذي مات في عصره، فإن أثبته أعطي كتابه بيمينه لقوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ و اليمين: إثبات الإمام لأنه كتاب يقرؤه، إن الله يقول: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ «1» الآية، و الكتاب: الإمام، فمن نبذه وراء ظهره كان كما قال: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ «2» و من أنكره كان من أصحاب الشمال الذين قال الله: ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ «3» إلى آخر الآية».

6458/ [10]- عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: سألته عن قوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، قال: «من كان يأتمون به في الدنيا، و يؤتى بالشمس و القمر فيقذفان في جهنم «4»، و من يعبدهما».

__________________________________________________

6- الكافي 1: 146/ 17.

7- الكافي 1: 451/ 3.

8- تفسير العيّاشي 2: 302/ 114.

9- تفسير العيّاشي 2: 302/ 115.

10- تفسير العيّاشي 2: 302/ 116. و يأتي في الحديث (17) من تفسير هذه الآية.

(1) الحاقة 69: 19- 20.

(2) آل عمران 3: 187.

(3) الواقعة 56: 41- 43. [.....]

(4) في «ط» نسخة بدل: حميم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 554

و عن جعفر

بن أحمد، عن الفضل بن شاذان، أنه وجد مكتوبا بخط أبيه، مثله «1».

6459/ [11]- عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «الإسلام بدأ غريبا، و سيعود غريبا كما كان، فطوبى للغرباء».

فقال: «يا أبا محمد، يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه و آله)». فأخذت بفخذه، فقلت: أشهد أنك إمامي. فقال: «أما أنه سيدعى كل أناس بإمامهم: أصحاب الشمس بالشمس، و أصحاب القمر بالقمر، و أصحاب النار بالنار، و أصحاب الحجارة بالحجارة».

6460/ [12]- عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا تترك الأرض بغير إمام يحل حلال الله و يحرم حرامه، و هو قول الله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ». ثم قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية» فمدوا أعناقهم و فتحوا أعينهم، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ليست الجاهلية الجهلاء».

فلما خرجنا من عنده، قال لنا سليمان: هو- و الله- الجاهلية الجهلاء، و لكن لما رآكم مددتم أعناقكم و فتحتم أعينكم، قال لكم كذلك.

6461/ [13]- عن بشير الدهان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أنتم- و الله- على دين الله» ثم تلا يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ثم قال: «علي إمامنا، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) إمامنا، كم من إمام يجي ء يوم القيامة يلعن أصحابه و يلعنونه، و نحن ذرية محمد (صلى الله عليه و آله) و امنا فاطمة (عليها السلام)».

6462/ [14]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام): «لما نزلت هذه الآية: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال المسلمون: يا رسول الله، أ

و لست إمام المسلمين أجمعين؟» قال: «فقال: أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، و لكن سيكون بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي، يقومون في الناس فيكذبون و يظلمون، ألا فمن تولاهم فهو مني و معي و سيلقاني، ألا و من ظلمهم أو أعان على ظلمهم و كذبهم فليس مني و لا معي، و أنا منه بري ء».

و زاد في رواية اخرى مثله: «و يظلمهم «2» أئمة الكفر و الضلال و أشياعهم».

6463/ [15]- عن عبد الأعلى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «السمع و الطاعة أبواب الجنة، السامع المطيع لا حجة عليه، و إمام المسلمين تمت حجته و احتجاجه يوم يلقى الله، لقول الله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ».

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 303/ 118.

12- تفسير العيّاشي 2: 303/ 119.

13- تفسير العيّاشي 2: 303/ 120.

14- تفسير العيّاشي 2: 204/ 121.

15- تفسير العيّاشي 2: 304/ 122.

(1) تفسير العيّاشي 2: 303/ 117.

(2) في «ط»: يوم يظلمهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 555

6464/ [16]- عن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنه كان يقول: «ما بين أحدكم و بين أن يغتبط إلا «1» أن تبلغ نفسه هاهنا». و أشار بإصبعه إلى حنجرته، قال: ثم تأول بآيات من الكتاب، فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «2» و مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «3» و إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «4» قال: ثم قال: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فرسول الله (صلى الله عليه و آله) إمامكم، و كم من إمام يوم القيامة يجي ء يلعن أصحابه و يلعنونه».

6465/ [17]- عن محمد، عن أحدهما (عليهما السلام)، أنه سئل عن قوله:

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

فقال: «ما كانوا يأتمون به في الدنيا، و يؤتى بالشمس و القمر فيقذفان في جهنم، و من كان يعبدهما».

6466/ [18]- عن إسماعيل بن همام، قال: قال الرضا (عليه السلام)، في قول الله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، قال: «إذا كان يوم القيامة قال الله: أليس عدل من ربكم أن نولي كل قوم من تولوا؟ قالوا: بلى- قال:- فيقول: تميزوا فيتميزون».

6467/ [19]- عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن كنتم تريدون أن تكونوا معنا يوم القيامة، لا يلعن بعضكم بعضا، فاتقوا الله و أطيعوا، فإن الله يقول: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ».

6468/ [20]- ابن شهر آشوب: روى الخاص و العام عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «يدعى كل أناس بإمام زمانهم، و كتاب ربهم، و سنة نبيهم».

6469/ [21]- و عن الصادق (عليه السلام): «ألا تحمدون الله أنه إذا كان يوم القيامة يدعى كل قوم إلى من يتولونه، و فزعنا إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و فزعتم أنتم إلينا» «5».

6470/ [22]- عن يوسف القطان في (تفسيره): عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 2: 304/ 123.

17- تفسير العيّاشي 2: 304/ 124. و تقدّم في الحديث (10) من تفسير هذه الآية بطريقين.

18- تفسير العيّاشي 2: 304/ 125.

19- تفسير العيّاشي 2: 305/ 126.

20- المناقب 3: 65.

21- المناقب 3: 65. [.....]

22- المناقب 3: 65.

(1) في «ط»: إلى.

(2) النساء 4: 59.

(3) النساء 4: 80.

(4) آل عمران 3: 31.

(5) في المصدر زيادة: «فإلى أين ترّون أن نذهب بكم؟

إلى الجنة و ربّ الكعبة» قالها ثلاثا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 556

قال: إذا كان يوم القيامة دعا الله عز و جل أئمة الهدى و مصابيح الدجى و أعلام التقى: أمير المؤمنين، و الحسن، و الحسين، ثم يقال لهم: جوزوا على الصراط أنتم و شيعتكم، و ادخلوا الجنة بغير حساب ثم يدعوا أئمة الفسق، و إن- و الله- يزيدا منهم، فيقال له: خذ بيد شيعتك، و انطلقوا إلى النار بغير حساب.

6471/ [23]- الراوندي في (الخرائج): عن أبي هاشم، عن أبي محمد العسكري (عليه السلام)، و قد سأله عن قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ «1».

قال (عليه السلام): «كلهم من آل محمد (صلى الله عليه و آله)، و الظالم لنفسه: الذي لا يقر بالإمام، و المقتصد: العارف بالإمام، و السابق بالخيرات «2»: الإمام». فجعلت أفكر في نفسي [عظم ] ما أعطى الله آل محمد و بكيت، فنظر إلي فقال: «الأمر أعظم مما حدثت به نفسك من عظم شأن آل محمد (صلى الله عليه و آله)، فاحمد الله أن جعلك مستمسكا بحبلهم، تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم، إنك لعلى خير».

6472/ [24]- الطبرسي، بعد ما جمع عدة أقوال في ذلك، قال: هذه الأقوال ما رواه الخاص و العام،

عن علي ابن موسى الرضا (عليه السلام)، بالأسانيد الصحيحة: أنه روى عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال فيه: «يدعى كل أناس بإمام زمانهم، و كتاب ربهم، و سنة نبيهم».

6473/ [25]- المفيد في (الاختصاص): عن المعلى بن محمد البصري، عن بسطام بن مرة، عن إسحاق بن حسان، عن الهيثم

بن واقد، عن علي بن الحسن العبدي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: أمرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمسير إلى المدائن من الكوفة، فسرنا يوم الأحد، و تخلف عمرو بن حريث في سبعة نفر، فخرجوا إلى مكان بالحيرة، يسمى الخورنق «3»، فقالوا: نتنزه، فإذا كان يوم الأربعاء خرجنا و لحقنا عليا قبل أن يجمع، فبينما هم يتغدون إذ خرج عليهم ضب فضربوه «4»، فأخذه عمرو بن حريث فنصب كفه، فقال: بايعوا، هذا أمير المؤمنين فبايعه السبعة و عمرو ثامنهم، و ارتحلوا ليلة الأربعاء، و نزلوا المدائن يوم الجمعة، و أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب، و لم يفارق بعضهم بعضا، كانوا جميعا حتى نزلوا على باب المسجد، فلما دخلوا، نظر إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: «يا أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أسر إلي ألف حديث، في كل حديث ألف باب، في كل باب ألف مفتاح، و إني سمعت الله يقول: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ و إني أقسم

__________________________________________________

23- الخرائج و الجرائح 2: 687/ 9.

24- مجمع البيان 6: 663.

25- الاختصاص: 283.

(1) فاطر 35: 32.

(2) زاد في المصدر: بإذن اللّه.

(3) الخورنق: موضع بالكوفة، و المعروف أنّه القصر الكائن بظهر الحيرة «مراصد الاطلاع 1: 489».

(4) في المصدر: فصادوه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 557

لكم بالله ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر بإمامهم و هو ضب، و لو شئت أن أسميهم لفعلت». قال: فلو رأيت عمرو بن حريث يتنفط «1» مثل السعفة رعبا «2».

6474/ [26]- علي بن إبراهيم، في قوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال: ذلك يوم القيامة ينادي مناد:

ليقم أبو بكر و شيعته، و عمر و شيعته، و عثمان و

شيعته، و علي و شيعته. قال: و قوله: وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا قال:

الجلدة التي في ظهر النواة.

سورة الإسراء(17): آية 72 ..... ص : 557

قوله تعالى:

وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا [72]

6475/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا، قال: «ذلك الذي يسوف نفسه الحج- يعني حجة الإسلام- حتى يأتيه الموت».

6476/ [2]- ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا «3».

قال: «من لم يدله خلق السماوات و الأرض، و اختلاف الليل و النهار، و دوران الفلك [و الشمس و القمر]، و الآيات العجيبات على أن وراء ذلك أمرا أعظم منه فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا».

6477/ [3]- و عنه، قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي الإيلاقي (رضي الله عنه)، قال:

__________________________________________________

26- تفسير القمّي 2: 23. [.....]

1- الكافي 4: 268/ 2.

2- التوحيد: 455/ 6.

3- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 175/ 1، التوحيد: 438/ 1.

(1) نفط الرجل: غضب، و إنّه لينفط غضبا: أي يتحرّك، مثل ينفت. «لسان العرب- نفط- 7: 416».

(2) في المصدر: سقط كما تسقط السعفة وجيبا.

(3) زاد في المصدر: قال: فهو عمّا

لم يعاين أعمى و أضلّ سبيلا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 558

أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن «1» علي بن صدقة القمي، قال: حدثني أبو عمرو محمد بن عمرو «2» بن عبد العزيز الأنصاري، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي، عن الرضا (عليه السلام) أنه قال لعمران الصابي: «إياك و قول الجهال من أهل العمى و الضلال الذين يزعمون أن الله تعالى موجود في الآخرة للحساب و الثواب و العقاب، و ليس بموجود في الدنيا للطاعة و الرجاء، و لو كان في الوجود لله عز و جل نقص و اهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا، و لكن القوم تاهوا و عموا و صموا عن الحق من حيث لا يعلمون، و ذلك قوله عز و جل: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، و قد علم ذوو الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما ها هنا، و من أخذ علم ذلك برأيه، و طلب وجوده و إدراكه عن نفسه دون غيرها، لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا، لأن الله تعالى جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون و يعلمون و يفقهون» «3».

6478/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى أبي علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال: إن ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن، في أي يوم نزلت، و فيمن نزلت، فقال أبي (عليه السلام): سلمه فيمن نزلت: وَ مَنْ كانَ فِي

هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا، و فيمن نزلت: وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ «4»، و فيمن نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا «5»؟

فأتاه الرجل فسأله، فقال: وددت أن الذي أمرك بهذا، واجهني به فأسأله عن العرش، مم خلقه الله، و متى خلق، و كم هو، و كيف هو؟ فانصرف الرجل إلى أبي، فقال أبي: فهل أجابك بالآيات؟ قال: لا. قال أبي: لكن أجيبك فيها بعلم و نو غير المدعى و لا المنتحل، أما قوله: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا ففيه نزلت و في أبيه، و أما قوله: وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ ففي أبيه نزلت، و أما الاخرى ففي ابنه «6» نزلت و فينا، و لم يكن الرباط «7» الذي أمرنا به، و سيكون ذلك من نسلنا المرابط، و من نسله المرابط.

و أما ما سأل عنه، من العرش مم خلقه الله، فإن الله خلقه أرباعا، لم يخلق قبله إلا ثلاثة: الهواء، و القلم،

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 2: 23.

(1) (محمّد بن) ليس في «ط».

(2) في التوحيد و العيون: عمر.

(3) في التوحيد و العيون: و يفهمون.

(4) هود 11: 34.

(5) آل عمران 3: 200.

(6) في المصدر: أبيه.

(7) في «ط»: المرابط. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 559

و النور، ثم خلقه من ألوان أنوار مختلفة: و من ذلك النور نور أخضر و منه اخضرت الخضرة، و نور أصفر و منه اصفرت الصفرة، و نور أحمر و منه احمرت الحمرة، و نور أبيض و هو نور الأنوار، و منه ضوء النهار.

ثم

جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، و ليس من ذلك طبق إلا و يسبح بحمد ربه، و يقدسه بأصوات مختلفة و ألسنة غير مشتبهة، لو اذن للسان واحد فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال و المدائن و الحصون، و كشف «1» البحار، و لهلك «2» ما دونه.

له ثمانية أركان، يحمل كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله، يسبحون الليل و النهار لا يفترون، و لو أحس شي ء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين، و بينه و بين الإحساس الجبروت و الكبرياء و العظمة و القدس و الرحمة و العلم، و ليس وراء هذا مقال، فقد طمع الحائر في غير مطمع، أما إن في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم، فيخرجون أقواما من دين الله، و ستصبغ الأرض بدماء فراخ من فراخ آل محمد (صلى الله عليه و آله)، تنهض تلك الفراخ في غير وقت و تطلب غير مدرك، و يرابط الذين آمنوا، و يصبرون و يصابرون حتى يحكم الله بيننا و هو خير الحاكمين».

و روى المفيد هذا الحديث في (الاختصاص): إلى «و هو خير الحاكمين» عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «أتى رجل إلى أبي» الحديث بعينه «3».

6479/ [5]- قال علي بن إبراهيم: قال أبو عبد الله (عليه السلام) أيضا: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا، قال: «نزلت فيمن يسوف الحج حتى مات و لم يحج «4»، فعمي عن فريضة من

فرائض الله».

6480/ [6]- سعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن علي بن الحكم، عن المثنى بن الوليد الحناط، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا، قال: «في الرجعة».

6481/ [7]- العياشي: عن أبي بصير، قال: سألته عن قول الله: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا. فقال: «ذاك الذي يسوف الحج- يعني حجة الإسلام- يقول: العام أحج، العام أحج حتى يجيئه الموت».

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 2: 24.

6- مختصر بصائر الدرجات: 20.

7- تفسير العيّاشي 2: 305/ 127.

(1) في «س» و «ط»: و كسف.

(2) في «ط»: و لهدم.

(3) الاختصاص: 71.

(4) في المصدر زيادة: فهو أعمى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 560

عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، مثله «1».

6482/ [8]- عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «جاء رجل إلى أبي، فقال: ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت، و فيمن نزلت، فقال أبي (عليه السلام): فسله: فيمن نزلت: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا، و فيمن نزلت: وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ «2» و فيمن نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا «3»؟

فأتاه الرجل، فغضب و قال: وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به فأسأله، و لكن سله: مع العرش، و فيم خلق، و كم هو، و كيف هو؟

فانصرف الرجل إلى أبي، فقال ما قيل له، فقال أبي: و هل أجابك في الآيات؟ قال: لا.

قال: لكني أجيبك فيها بنور و علم غير المدعى و لا المنتحل، أما الأوليان فنزلتا فيه و في أبيه، و أما الاخرى فنزلت في أبيه «4» و فينا، و لم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد، و سيكون من نسلنا المرابط، و من نسله المرابط».

6483/ [9]- عن كليب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سأله أبو بصير و أنا أسمع، فقال له: رجل له مائة ألف، فقال: العام أحج، العام أحج فأدركه الموت و لم يحج حجة الإسلام؟

فقال: «يا أبا بصير، أو ما سمعت قول الله: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا عمي عن فريضة من فرائض الله».

6484/ [10]- عن علي بن الحلبي، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا، فقال: «في الرجعة».

سورة الإسراء(17): الآيات 73 الي 76 ..... ص : 560

قوله تعالى:

وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا- إلى قوله تعالى- إِلَّا قَلِيلًا [73- 76] 6485/ [1]- محمد بن العباس بن علي بن مروان بن الماهيار، بالياء بعد الهاء و الراء أخيرا، أبو عبد الله البزاز،

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 305/ 129.

9- تفسير العيّاشي 2: 306/ 130.

10- تفسير العيّاشي 2: 306/ 131.

1- تأويل الآيات 1: 284/ 20.

(1) تفسير العيّاشي 2: 305/ 128.

(2) هود 11: 34.

(3) آل عمران 3: 200. [.....]

(4) في «ط» نسخة بدل: أبي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 561

بالزاي بعد الألف و قبلها، المعروف با بن الجحام، بالجيم المضمومة و الحاء المهملة بعدها،

ثقة ثقة «1» في أصحابنا، عين سديد، كثير الحديث، له كتاب (ما نزل من القرآن في أهل البيت (عليهم السلام) قال جماعة من أصحابنا «2»: إنه كتاب لم يصنف مثله في معناه، و قيل: إنه ألف ورقة «3»، [

روى المشار إليه (رحمه الله)] عن أحمد بن القاسم (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن محمد السياري، عن محمد بن خالد البرقي، عن ابن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ في علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

6486/ [2]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه (صلوات الله عليهما)، قال: «كان القوم قد أرادوا النبي (صلى الله عليه و آله) [ليريبوا] رأيه في علي (عليه السلام) و ليمسك عنه بعض الإمساك حتى أن بعض نسائه ألححن عليه في ذلك، فكاد يركن إليهم بعض الركون، فأنزل الله عز و جل: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ في علي لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا».

قال محمد بن العباس «4»: رسول الله (صلى الله عليه و آله) معصوم، و لكن هذا تخويف لامته لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين.

6487/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: قوله: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ قال: يعني أمير المؤمنين (عليه السلام): وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي صديقا لو أقمت غيره. ثم قال: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا

إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ من يوم الموت إلى أن تقوم الساعة. ثم قال: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ يعني أهل مكة وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا حتى قتلوا ببدر.

6488/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، مما سأله المأمون، فقال له: أخبرني عن قول الله عز و جل: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «5».

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 284/ 21.

3- تفسير القمّي 2: 24.

4- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 202/ 1.

(1) في «ط»: ثقة، عين.

(2) في «س»: قال أحمد بن المسيّب.

(3) في المصدر زيادة: و قال الحسن بن داود (رحمه اللّه)، في كتابه، [الرجال: 175/ 1415] عن اسمه و نسبه مثل ما ذكر أولا، ثمّ قال: إنّه ثقة ثقة عين كثير الحديث سديده. هذا كتابه المذكور لم أقف عليه كلّه بل نصفه، من هذه الآية إلى آخر القرآن.

(4) في المصدر: قال ابن عباس (رضي اللّه عنه).

(5) التوبة 9: 43.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 562

قال الرضا (عليه السلام): «هذا مما نزل بإياك أعني و اسمعي يا جارة خاطب الله عز و جل بذلك نبيه (صلى الله عليه و آله) و أراد به أمته، و كذلك قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ «1» و قوله تعالى: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا». قال: صدقت، يا بن رسول الله.

6489/ [5]- العياشي: عن أبي يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن

قول الله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.

قال: «لما كان يوم الفتح أخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) أصناما من المسجد، و كان منها صنم على المروة، فطلبت إليه قريش أن يتركه، و كان مستحيا فهم بتركه ثم أمر بكسره، فنزلت هذه الآية».

6490/ [6]- عن عبد الله بن عثمان البجلي، عن رجل: أن النبي (صلى الله عليه و آله) اجتمع عنده رؤساؤهم «2» فتكلموا في علي (عليه السلام)، و كان من النبي (صلى الله عليه و آله) أن يلين لهم «3» في بعض القول، فأنزل الله لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ثم لا تجد بعدك مثل علي (عليه السلام) وليا.

سورة الإسراء(17): آية 77 ..... ص : 562

قوله تعالى:

سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا [77]

6491/ [1]- العياشي: عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: «إن الله قضى الاختلاف على خلقه، و كان أمرا قد قضاه في علمه كما قضى على الأمم من قبلكم، و هي السنن و الأمثال تجري على الناس، فجرت علينا كما جرت على الأمم من قبلنا، و قول الله حق، قال الله تبارك و تعالى لمحمد (صلى الله عليه و آله): سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا «4»، و قال: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا، و قال: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ «5» و قال: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ «6».

__________________________________________________

5- تفسير العيّاشي 2: 306/

132.

6- تفسير العيّاشي 2: 306/ 133.

1- تفسير العيّاشي 2: 306/ 134.

(1) الزمر 39: 65.

(2) في «ط» نسخة بدل: اجتمعا عنده و ابنتيهما. [.....]

(3) في «س» و المصدر: لهما.

(4) فاطر 35: 43.

(5) يونس 10: 102.

(6) الروم 30: 30.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 563

و قد قضى الله على موسى (عليه السلام) و هو مع قومه يريهم الآيات و العبر «1»، ثم مروا على قوم يعبدون أصناما قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ «2» و استخلف موسى هارون (عليهما السلام) فنصبوا عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى «3» و تركوا هارون، فقال: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى «4» فضرب لكم أمثالهم، و بين لكم كيف صنع بهم».

و قال: «إن نبي الله (صلى الله عليه و آله) لم يقبض حتى أعلم الناس أمر علي (عليه السلام)، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. و قال: إنه مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي. و كان صاحب راية رسول الله (صلى الله عليه و آله) في المواطن كلها، و كان معه في المسجد يدخله على كل حال، و كان أول الناس إيمانا به، فلما قبض نبي الله (صلى الله عليه و آله) كان الذي كان، لما قد قضي من الاختلاف، و عمد عمر فبايع أبا بكر و لم يدفن رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعد، فلما رأى ذلك علي (عليه السلام)، و رأى الناس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتتن الناس ففرغ إلى كتاب الله و

أخذ بجمعه في مصحف، فأرسل أبو بكر إليه أن تعال فبايع، فقال علي (عليه السلام): لا أخرج حتى أجمع القرآن فأرسل إليه مرة اخرى، فقال: لا أخرج حتى أفرغ، فأرسل إليه الثالثة عمر رجلا يقال له «5»: قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليهما) تحول بينه و بين علي (عليه السلام) فضربها، فانطلق قنفذ و ليس معه علي (عليه السلام)، فخشي أن يجمع علي (عليه السلام) الناس، فأمر بحطب فجعل الحطب حوالي «6» بيته، ثم انطلق عمر بنار، فأراد أن يحرق على علي (عليه السلام) بيته و على فاطمة و الحسن و الحسين (صلوات الله عليهم)، فلما رأى علي (عليه السلام) ذلك خرج فبايع كارها غير طائع».

6492/ [2]- عن أبي العباس: عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا.

قال: «هي سنة محمد (صلى الله عليه و آله) و من كان قبله من الرسل، و هو الإسلام».

سورة الإسراء(17): آية 78 ..... ص : 563

قوله تعالى:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [78]

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 2: 308/ 135.

(1) في «ط»: و المثل، و في المصدر: و النذر.

(2) الأعراف 7: 138.

(3) طه 20: 88.

(4) طه 20: 90- 91.

(5) في المصدر: ابن عمّ له يقال.

(6) في المصدر: الحطب على باب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 564

6493/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما فرض الله عز

و جل من الصلاة. فقال: «خمس صلوات في الليل و النهار».

فقلت: فهل سماهن الله و بينهن في كتابه؟ قال: «نعم، قال الله تبارك و تعالى لنبيه (صلى الله عليه و آله) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ و دلوكها: زوالها، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات، سماهن الله و بينهن و وقتهن، و غسق الليل هو انتصافه، ثم قال تبارك و تعالى: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً».

و روى هذا الحديث ابن بابويه في (العلل) قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد و عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة بن أعين، قال: سئل أبو جعفر، (عليه السلام) و ذكر الحديث «1».

و رواه أيضا في (الفقيه): بإسناده عن زرارة، قال: قيل لأبي جعفر (عليه السلام)، و ذكر الحديث «2».

6494/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذن لا يكذب علينا».

قلت: ذكر أنك قلت: «إن أول صلاة افترضها الله على نبيه (صلى الله عليه و آله) الظهر، و هو قول الله عز و جل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ فإذا زالت الشمس لا يمنعك إلا سبحتك، ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة، و هو آخر الوقت، فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين، و

ذلك المساء».

فقال: «صدق».

6495/ [3]- و عنه: بإسناده عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيب، قال: سألت علي بن الحسين (عليه السلام): ابن كم كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم أسلم؟

فقال: «أو كان كافرا قط، إنما كان لعلي (عليه السلام) يوم بعث الله عز و جل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عشر سنين،

__________________________________________________

1- الكافي 3: 271/ 1.

2- الكافي 3: 275/ 1.

3- الكافي 8: 338/ 536. [.....]

(1) علل الشرائع: 354/ 1.

(2) من لا يحضره الفقيه 1: 124/ 600.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 565

و لم يكن يومئذ كافرا، و لقد آمن بالله تبارك و تعالى و برسوله (صلى الله عليه و آله)، و سبق الناس كلهم إلى الإيمان بالله و برسوله (صلى الله عليه و آله)، و إلى الصلاة بثلاث سنين.

و كانت أول صلاة صلاها مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) الظهر ركعتين، و كذلك فرضها الله تبارك و تعالى على من أسلم بمكة ركعتين ركعتين و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصليها بمكة ركعتين، و يصليها علي (عليه السلام) معه بمكة ركعتين، مدة عشر سنين، حتى هاجر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المدينة، و خلف عليا (عليه السلام) في امور لم يكن يقوم بها «1» أحد غيره.

و كان خروج رسول الله (صلى الله عليه و آله) من مكة «2» في أول يوم من ربيع الأول، و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث، و قدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس، فنزل بقبا «3» فصلى الظهر ركعتين و العصر

ركعتين، ثم لم يزل مقيما ينتظر عليا (عليه السلام) يصلي الخمس صلوات ركعتين ركعتين، و كان نازلا على بني عمرو بن عوف، فأقام عندهم بضعة عشر يوما، يقولون له: أ تقيم عندنا فنتخذ لك منزلا و مسجدا؟ فيقول: لا، إني أنتظر قدوم علي بن أبي طالب، و قد أمرته أن يلحقني، و ما أنا بمقيم حتى يلحقني، و لست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي، و ما أسرعه! إن شاء الله، فقدم علي (عليه السلام)، و النبي (صلى الله عليه و آله) في بيت عمرو بن عوف، فنزل معه، ثم إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما قدم عليه علي (عليه السلام) تحول من قبال إلى بني سالم بن عوف، و علي (عليه السلام) معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس، فخط لهم مسجدا، و نصب قبلته، فصلى بهم فيه الجمعة ركعتين، و خطب خطبتين.

ثم راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها، و علي (عليه السلام) معه لا يفارقه، يمشي بمشيه، و ليس يمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم، فيقول لهم: خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة فانطلقت به و رسول الله (صلى الله عليه و آله) واضع لها زمامها حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى- و أشار بيده إلى باب مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) الذي يصلى عنده بالجنائز- فوقفت عنده و بركت، و وضعت جرانها «4» على الأرض، فنزل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أقبل أبو أيوب مبادرا حتى احتمل رحله فأدخله منزله، و دخل «5» رسول الله (صلى الله عليه

و آله) و علي (عليه السلام) معه حتى بني له مسجده، و بنيت له مساكنه و منزل علي (عليه السلام)، فتحولا إلى منازلهما». فقال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين (عليه السلام): جعلت فداك، كان أبو بكر مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين أقبل إلى المدينة، فأين فارقه؟

__________________________________________________

(1) في «ط»: يقدر لها.

(2) في «ط»: يوم خرج مهاجرا.

(3) قبا، بالضم: قرية قرب المدينة، و أصله اسم بئر عرفت القرية بها، و هي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، تقع على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكّة، و فيها مسجد التقوى. «مراصد الاطلاع 3: 1061».

(4) جران البعير: مقدّم عنقه من مذبحه إلى منحره. «الصحاح- جرن- 5: 2091».

(5) في المصدر: و نزل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 566

فقال: «إن أبا بكر لما قدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى قبا فنزل بهم ينتظر قدوم علي (عليه السلام)، فقال له أبو بكر: انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك، و هم ينتظرون إقبالك إليهم، فانطلق بنا و لا تقم هاهنا تنتظر قدوم علي، فما أظنه يقدم عليك إلى شهر. فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): كلا، ما أسرعه! و لست أريم حتى يقدم ابن عمي و أخي في الله عز و جل، و أحب أهل بيتي إلي، فقد وقاني بنفسه من المشركين».

قال: «فغضب عند ذلك أبو بكر و اشمأز، و داخله من ذلك حسد لعلي (عليه السلام)، و كان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله (صلى الله عليه و آله) في علي (عليه السلام) «1»، و أول خلاف على رسول الله (صلى الله عليه و

آله)، فانطلق حتى دخل المدينة، و تخلف رسول الله (صلى الله عليه و آله) بقبا ينتظر قدوم علي (عليه السلام)».

قال: فقلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): متى زوج رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاطمة من علي (عليه السلام)؟

فقال: «في المدينة بعد الهجرة بسنة، و كان لها يومئذ تسع سنين».

قال علي بن الحسين (عليه السلام): «و لم يولد لرسول الله (صلى الله عليه و آله) من خديجة على فطرة الإسلام إلا فاطمة (عليها السلام)، و قد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة، و مات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة، فلما فقدهما رسول الله (صلى الله عليه و آله) سئم المقام بمكة، و دخله حزن شديد، و أشفق على نفسه من كفار قريش، فشكا إلى جبرئيل (عليه السلام) ذلك، فأوحى الله عز و جل إليه: اخرج من القرية الظالم أهلها، و هاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكة ناصر، و انصب للمشركين حربا، فعند ذلك توجه رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المدينة».

فقلت له فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هو «2» عليه اليوم؟

فقال: «بالمدينة حين ظهرت الدعوة و قوي الإسلام، و كتب الله عز و جل على المسلمين الجهاد، زاد رسول الله (صلى الله عليه و آله) سبع ركعات: في الظهر ركعتين، و في العصر ركعتين، و في المغرب ركعة، و في العشاء الآخرة ركعتين، و أقر الفجر على ما فرضت لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء، و لتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء، و كان ملائكة الليل و ملائكة النهار يشهدون مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلاة الفجر، فلذلك قال الله عز و جل: وَ قُرْآنَ

الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يشهده المسلمون، و تشهده ملائكة النهار و ملائكة الليل».

ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، قال: حدثنا هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيب، قال: سألت علي بن الحسين (عليه السلام)، فقلت له: متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هو اليوم عليه؟

قال: فقال: «بالمدينة، حين ظهرت الدعوة و قوى الإسلام» الحديث إلى آخر ما تقدم في آخر الحديث السابق «3».

__________________________________________________

(1) في «ط»: و عليّ.

(2) في المصدر: هم.

(3) علل الشرائع: 324/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 567

6496/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الضحاك بن يزيد، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ.

قال: «إن الله تعالى افترض أربع صلوات: أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان، أول وقتهما عند «1» زوال الشمس إلى غروب الشمس».

6497/ [5]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن سالم، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر؟

قال: «مع طلوع الفجر، إن الله تعالى يقول: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يعني صلاة «2» الفجر، تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار، فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين تثبته ملائكة الليل، و ملائكة النهار».

و رواه ابن بابويه في (العلل): قال: حدثنا أبي،

قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، و ساق الحديث إلى آخره بالسند و المتن «3».

و رواه الكليني: عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، و ساق الحديث بعينه «4».

6498/ [6]- الشيخ في (مجالسه): بإسناده عن رزيق، قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) يصلي الغداة بغلس «5» عند طلوع الفجر الصادق، أول ما يبدوا قبل أن يستعرض، و كان يقول: «وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً إن ملائكة الليل تصعد و ملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر، فأنا أحب أن تشهد ملائكة الليل و ملائكة النهار صلاتي».

قال: و كان يصلي المغرب عند سقوط القرص قبل أن تظهر النجوم.

6499/ [7]- العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) «6» قال: سألته عما فرض الله من الصلوات؟ قال:

__________________________________________________

4- التهذيب 2: 25/ 72.

5- التهذيب 2: 37/ 116.

6- الأمالي 2: 306.

7- تفسير العيّاشي 2: 308/ 136. [.....]

(1) في المصدر: من عند.

(2) في «ط»: يعني قرآن.

(3) علل الشرائع: 336/ 1.

(4) الكافي 3: 282/ 2.

(5) الغلس: ظلمة آخر الليل. «الصحاح- غلس- 3: 956».

(6) في «ط»: عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 568

«خمس صلوات في الليل و النهار».

قلت: سماهن الله، و بينهن في كتابه لنبيه (صلى الله عليه و آله)؟ قال: «نعم، قال الله لنبيه (صلى الله عليه و آله): أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ و دلوكها: زوالها، فيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات، سماهن و بينهن و وقتهن، و غسق الليل: انتصافه، و قال: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ

قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً هذه الخامسة».

6500/ [8]- عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ.

قال: «دلوك الشمس: زوالها عند كبد السماء، إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ إلى انتصاف الليل، فرض الله فيما بينهما أربع صلوات: الظهر، و العصر، و المغرب، و العشاء وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ يعني القراءة إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً- قال- يجتمع في صلاة الغداة حرس الليل و النهار من الملائكة- قال- و إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، ليس نفل «1» إلا السبحة «2» التي جرت بها السنة أمامها». وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ قال: «ركعتا الفجر، وضعهن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و وقتهن للناس».

6501/ [9]- عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ قال: «زوالها إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ إلى نصف الليل، و ذلك أربع صلوات، وضعهن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و وقتهن للناس وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ صلاة الغداة».

6502/ [10]- عن محمد الحلبي، عن أحدهما (عليهما السلام): «و غسق الليل نصفها بل زوالها، و أفرد الغداة، و قال: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً فركعتا الفجر يحضرهما ملائكة الليل و ملائكة النهار».

6503/ [11]- عن سعيد الأعرج، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) و هو مغضب و عنده نفر من أصحابنا، و هو يقول: «تصلون قبل أن تزول الشمس؟» قال: و هم سكوت، قال: فقلت: أصلحك الله، ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة، قال: «فلا بأس، أما أنه إذا أذن فقد زالت الشمس». ثم قال: «إن الله يقول: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ فقد دخلت أربع صلوات

فيما بين هذين الوقتين، و أفرد صلاة الفجر، قال: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً فمن صلى قبل أن تزول الشمس فلا صلاة له».

__________________________________________________

8- تفسير العيّاشي 2: 308/ 137.

9- تفسير العيّاشي 2: 309/ 138.

10- تفسير العيّاشي 2: 309/ 139.

11- تفسير العيّاشي 2: 309/ 140.

(1) في المصدر: يعمل.

(2) السبحة: النافلة. «مجمع البحرين- سبح- 2: 370».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 569

6504/ [12]- عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) عن قول الله:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ.

قال: «جمعت الصلوات كلهن، و دلوك الشمس: زوالها، و غسق الليل: انتصافه». و قال: «إنه ينادي مناد من السماء كل ليلة إذا انتصف الليل: من رقد عن صلاة العشاء إلى هذه الساعة فلا نامت عيناه وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ قال:

«صلاة الصبح». و أما قوله: كانَ مَشْهُوداً قال: «تحضره ملائكة الليل و ملائكة النهار».

6505/ [13]- عن سعيد بن المسيب، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: قلت له: متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم اليوم عليه؟

قال: «بالمدينة، حين ظهرت الدعوة و قوي الإسلام، و كتب الله على المسلمين الجهاد، زاد في الصلوات رسول الله (صلى الله عليه و آله) سبع ركعات: في الظهر ركعتين، و في العصر ركعتين، و في المغرب ركعة، و في العشاء ركعتين، و أقر الفجر على ما فرضت عليه بمكة لتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الأرض، و تعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء، فكان ملائكة الليل و ملائكة النهار يشهدون مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) الفجر، فلذلك قال الله:

وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يشهده المسلمون و يشهده

ملائكة الليل و ملائكة النهار».

6506/ [14]- عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ.

قال: «إن الله افترض أربع صلوات، أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها، إلا أن هذه قبل هذه، و منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل، إلا أن هذه قبل هذه».

6507/ [15]- عن أبي هاشم الخادم، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: «ما بين غروب الشمس إلى سقوط القرص غسق».

سورة الإسراء(17): آية 79 ..... ص : 569

قوله تعالى:

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [79]

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 2: 309/ 141.

13- تفسير العيّاشي 2: 309/ 142. [.....]

14- تفسير العيّاشي 2: 310/ 143.

15- تفسير العيّاشي 2: 310/ 144.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 570

6508/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: صلاة الليل، و قال: سبب النور في القيامة الصلاة في جوف الليل.

6509/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عثمان بن عبد الملك، عن أبي بكر، قال:

قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «أ تدري لأي شي ء وضع التطوع؟» قلت: لا أدري، جعلت فداك. قال: «إنه تطوع لكم، و نافلة للأنبياء، أو تدري لم وضع التطوع؟». [قلت: لا أدري جعلت فداك. قال:] «لأنه إن كان في الفريضة نقص صبت «1» النافلة على الفريضة حتى تتم، إن الله عز و جل يقول لنبيه (صلى الله عليه و آله): وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ».

6510/

[3]- الشيخ في (أماليه): قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل، قال: حدثنا يحيى بن علي بن عبد الجبار السدوسي بالسيرجان «2»، قال: حدثني عمي محمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن عبد الرحمن بن أذينة العبدي، عن أبيه و أبان مولاهم، عن أنس بن مالك، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوما مقبلا على علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو يتلو هذه الآية وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً فقال: «يا علي، إن ربي عز و جل ملكني الشفاعة في أهل التوحيد من امتي، و حظر ذلك على من ناصبك أو ناصب ولدك من بعدك».

6511/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن علي بن عبد الله، عن ابن فضال، عن مروان، عن عمار الساباطي، قال: كنا جلوسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمنى، فقال له رجل:

ما تقول في النوافل؟ فقال: «فريضة» قال: ففزعنا و فزع الرجل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنما أعني صلاة الليل على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إن الله يقول: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ».

6512/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن شفاعة النبي (صلى الله عليه و آله) يوم القيامة.

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 25.

2- علل الشرائع 2: 327/ 1.

3- الأمالي 2: 70.

4- التهذيب 2: 242/ 959.

5- تفسير القمّي 2: 25.

(1) في المصدر: نقصان قضيت، و في «ط»: فصبّ.

(2) في «ط»: جرجان،

و سيرجان: مدينة بين كرمان و فارس. «معجم البلدان 3: 295».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 571

فقال: «يلجم الناس يوم القيامة العرق «1»، فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم ليشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم (عليه السلام)، فيقولون: يا آدم اشفع لنا عند ربك فيقول: إن لي ذنبا و خطيئة فعليكم بنوح، فعليكم بنوح، فيأتون نوحا (عليه السلام) فيردهم إلى من يليه، فيردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهوا إلى عيسى (عليه السلام)، فيقول: عليكم بمحمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيعرضون أنفسهم عليه و يسألونه، فيقول: انطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنة، و يستقبل باب الرحمة «2»، و يخر ساجدا، فيمكث ما شاء الله، فيقول الله: أرفع رأسك، و اشفع تشفع، و اسأل تعط و ذلك قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً».

6513/ [6]- و عنه، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن معاوية و هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في أبي، و امي «3»، و أخ كان لي في الجاهلية».

6514/ [7]- الشيخ في (أماليه): عن الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، قال: حدثني الإمام علي بن محمد، بإسناده عن الباقر، عن جابر، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «سمعت النبي (صلى الله عليه و آله) يقول: إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني مناد: يا رسول الله، إن الله جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك و محبي أهل بيتك، الموالين لهم فيك و المعادين لهم فيك، فكافهم بما شئت فأقول: يا رب، الجنة فأنادي: بوئهم منها حيث شئت

فذلك المقام المحمود الذي وعدت به».

6515/ [8]- ابن بابويه، بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): «يا علي، شيعتك «4» هم الفائزون يوم القيامة، فمن أهان واحدا منهم فقد أهانك، و من أهانك فقد أهانني، و من أهانني أدخله الله تعالى نار جهنم خالدا فيها و بئس المصير.

يا علي، أنت مني، و أنا منك، روحك من روحي، و طينتك من طينتي، و شيعتك خلقوا من فضل طينتنا، فمن أحبهم فقد أحبنا، و من أبغضهم فقد أبغضنا، و من عاداهم فقد عادانا، و من ودهم فقد ودنا.

يا علي، إن شيعتك مغفور لهم على ما كان فيهم من ذنوب و عيوب. يا علي، أنا الشفيع لشيعتك غدا إذا قمت المقام المحمود فبشرهم بذلك.

يا علي، شيعتك شيعة الله، و أنصارك أنصار الله، و أولياؤك أولياء الله، و حزبك حزب الله. يا علي، سعد من

__________________________________________________

6- تفسير القمّي 2: 25.

7- الأمالي 1: 304.

8- أمالي الصدوق: 23/ 8.

(1) أي يصل إلى أفواهم، فيصير لهم بمنزلة اللّجام، يمنعهم عن الكلام. «النهاية 4: 234».

(2) في «ط» باب الرحمن. [.....]

(3) في المصدر زيادة: و عميّ.

(4) في «س» و «ط»: شيعتنا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 572

تولاك و شقي من عاداك. يا علي، لك كنز في الجنة و أنت ذو قرنيها».

6516/ [9]- العياشي: عن خيثمة الجعفي، قال: كنت عند جعفر بن محمد (عليهما السلام)، أنا و مفضل بن عمر ليلا ليس عنده أحد غيرنا، فقال له مفضل الجعفي: جعلت فداك، حدثنا حديثا نسر به. قال: «نعم، إذا كان يوم القيامة حشر الله الخلائق في صعيد واحد حفاة عراة غرلا «1»».

قال: فقلت: جعلت فداك، ما الغرل؟ قال:

فقال: «كما خلقوا أول مرة، فيقفون حتى يلجمهم العرق، فيقولون:

ليت الله يحكم بيننا و لو إلى النار، يرون أن في النار راحة فيما هم فيه، ثم يأتون آدم (عليه السلام)، فيقولون: أنت أبونا و أنت نبي، فسل ربك يحكم بيننا و لو إلى النار، فيقول آدم: لست بصاحبكم، خلقني ربي بيده، و حملني على عرشه، و أسجد لي ملائكته، ثم أمرني فعصيت، و لكني أدلكم على ابني الصديق الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم، كلما كذبوا اشتد تصديقه، نوح- قال- فيأتون نوحا (عليه السلام) فيقولون: سل ربك يحكم بيننا و لو إلى النار. قال: فيقول: لست بصاحبكم، إني قلت: إن ابني من أهلي و لكني أدلكم إلى من اتخذه الله خليلا في دار الدنيا، ائتوا إبراهيم- قال- فيأتون إبراهيم (عليه السلام) فيقول: لست بصاحبكم، إني قلت: إني سقيم و لكني أدلكم على من كلمه الله تكليما، موسى- قال- فيأتون موسى (عليه السلام) فيقولون له، فيقول لست: بصاحبكم، إني قتلت نفسا، و لكني أدلكم على من كان يخلق بإذن الله، و يبرئ الأكمه و الأبرص بإذن الله، عيسى فيأتونه، فيقول:

لست بصاحبكم، و لكني أدلكم على من بشرتكم به في دار الدنيا، أحمد».

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما من نبي ولد من آدم إلى محمد (صلوات الله عليهم) إلا و هم تحت لواء محمد (صلى الله عليه و آله). قال: فيأتونه، ثم قال: فيقولون: يا محمد، سل ربك يحكم بيننا و لو إلى النار- قال- فيقول:

نعم، أنا صاحبكم فيأتي دار الرحمن و هي عدن، و إن بابها سعته «2» ما بين المشرق و المغرب، فيحرك حلقة من الحلق، فيقال: من هذا؟

و هو أعلم به، فيقول: أنا محمد فيقال: افتحوا له قال: فيفتح لي «3» قال: فإذا نظرت إلى ربي مجدته تمجيدا لم يمجده أحد كان قبلي، و لا يمجده أحد كان بعدي، ثم أخر ساجدا، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، و قل يسمع قولك، و اشفع تشفع، و سل تعط قال: فإذا رفعت رأسي و نظرت إلى ربي مجدته تمجيدا أفضل من الأول، ثم أخر ساجدا، فيقول: ارفع رأسك، و قل يسمع قولك، و اشفع تشفع، و سل تعط فإذا رفعت رأسي و نظرت إلى ربي «4» مجدته تمجيدا أفضل من الأول و الثاني، ثم أخر ساجدا، فيقول: ارفع رأسك، و قل يسمع قولك، و اشفع تشفع، و سل تعط فإذا رفعت رأسي أقول: رب احكم بين عبادك و لو إلى النار فيقول: نعم، يا محمد.

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 2: 310/ 145.

(1) الغرل: جمع الأغرل، و هو الأقلف. «النهاية 3: 362».

(2) في المصدر زيادة: بعد.

(3) في «ط»: له.

(4) قال المجلسي في بحار الأنوار 8: 47: قوله (صلى اللّه عليه و آله): نظرت إلى ربّي، أي إلى عرشه، أو إلى كرامته، أو إلى نور من أنوار عظمته.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 573

قال: ثم يؤتى بناقة من ياقوت أحمر، و زمامها زبرجد أخضر، حتى أركبها، ثم آتي المقام المحمود حتى أقف «1» عليه، و هو تل من مسك أذفر بحيال العرش ثم يدعى إبراهيم (عليه السلام) فيحمل على مثلها، فيجي ء حتى يقف عن يمين رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ثم يرفع رسول الله (صلى الله عليه و آله) يده فيضرب على كتف علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم قال: ثم تؤتى- و الله- بمثلها

فتحمل عليها، ثم تجي ء حتى تقف بيني و بين أبيك إبراهيم.

ثم يخرج مناد من عند الرحمن فيقول: يا معشر الخلائق، أليس العدل من ربكم أن يولي كل قوم ما كانوا يتولون في دار الدنيا؟ فيقولون: بلى، و أي شي ء عدل غيره؟ قال: فيقوم الشيطان الذي أضل فرقة من الناس حتى زعموا أن عيسى (عليه السلام) هو الله و ابن الله فيتبعونه إلى النار، و يقوم الشيطان الذي أضل فرقة من الناس حتى زعموا أن عزيرا ابن الله حتى يتبعونه إلى النار، فيقوم كل شيطان أضل فرقة فيتبعونه إلى النار حتى تبقى هذه الامة.

ثم يخرج مناد من عند الله فيقول: يا معشر الخلائق، أليس العدل من ربكم أن يولي كل فريق من كانوا يتولون في دار الدنيا؟ فيقولون: بلى، و أي شي ء عدل غيره؟ فيقوم شيطان فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم شيطان فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم شيطان ثالث فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم معاوية فيتبعه من كان يتولاه، و يقوم علي فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم يزيد بن معاوية فيتبعه من كان يتولاه، و يقوم الحسن فيتبعه من كان يتولاه، و يقوم الحسين فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم مروان بن الحكم و عبد الملك فيتبعهما من كان يتولاهما، ثم يقوم علي بن الحسين فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم الوليد بن عبد الملك، و يقوم محمد بن علي فيتبعهما من كان يتولاهما، ثم أقوم أنا فيتبعني من كان يتولاني، و كأني بكما معي، ثم يؤتى بنا فنجلس على عرش ربنا «2»، و يؤتى بالكتب فتوضع، فتشهد على عدونا، و نشفع لمن كان من شيعتنا مرهقا».

قال: قلت: جعلت فداك، فما المرهق؟

قال: «المذنب، فأما الذين اتقوا من شيعتنا فقد نجاهم الله بمفازتهم، لا يمسهم السوء و لا هم يحزنون».

قال: ثم جاءته جارية له، فقالت: إن فلان القرشي بالباب، فقال: «ائذنوا له» ثم قال لنا: «اسكتوا».

6517/ [10]- عن محمد بن حكيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لو قد قمت المقام المحمود، شفعت لأبي و امي و عمي و أخ كان لي موافيا «3» في الجاهلية».

6518/ [11]- عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعلته للعاملين

__________________________________________________

10- تفسير العيّاشي 2: 313/ 146.

11- تفسير العيّاشي 2: 313/ 147.

(1) في المصدر: أقضي.

(2) في بحار الأنوار 8: 47: فيجلس على العرش ربّنا. و علّق عليها بقوله: الجلوس على العرش كناية عن ظهور الحكم و الأمر من عند العرش و خلق الكلام هناك.

(3) في «ط»: مواليا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 574

عليها، فنحن أولى به، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا بني عبد المطلب، إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم، و لكني وعدت بالشفاعة- ثم قال: و الله، أشهد أنه قد وعدها- فما ظنكم- يا بني عبد المطلب- إذا أخذت بحلقة الباب، أ تروني مؤثرا عليكم غيركم؟

ثم قال: إن الجن و الإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة، فيقولون: إلى من؟ فيأتون نوحا (عليه السلام) فيسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي «1» فيقولون إلى من؟

فيقال: إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم (عليه السلام) فيسألونه

الشفاعة، فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي. فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا موسى فيأتونه فيسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي. فيقولون: إلى من؟ فيقال:

ائتوا عيسى فيأتونه و يسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي. فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا محمدا فيأتونه فيسألونه الشفاعة، فيقوم مدلا حتى يأتي باب الجنة، فيأخذ بحلقة الباب، ثم يقرعه، فيقال: من هذا؟

فيقول: أحمد. فيرحبون «2» و يفتحون الباب، فإذا نظر إلى الجنة خر ساجدا يمجد ربه و يعظمه، فيأتيه ملك، فيقول:

ارفع رأسك، و سل تعط، و اشفع تشفع فيقوم فيرفع رأسه، و يدخل من باب الجنة، فيخر ساجدا يمجد ربه و يعظمه، فيأتيه ملك، فيقول: ارفع رأسك، و سل تعط، و اشفع تشفع فيقوم، فيمشي في الجنة ساعة، ثم يخر ساجدا يمجد ربه و يعظمه، فيأتيه ملك، فيقول: ارفع رأسك، و سل تعط، و اشفع تشفع فيقوم، فما يسأل شيئا إلا أعطاه إياه».

6519/ [12]- عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قال: «هي الشفاعة».

6520/ [13]- عن صفوان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إني استوهبت من ربي أربعة: آمنة بنت وهب، و عبد الله بن عبد المطلب، و أبا طالب، و رجلا جرت بيني و بينه أخوة، فطلب إلي أن أطلب إلى ربي أن يهبه لي».

6521/ [14]- عن عبيد بن زرارة، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن المؤمن، هل له شفاعة؟ قال: «نعم».

فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه و آله) يومئذ؟ قال: «نعم، للمؤمنين خطايا و ذنوب، و ما من أحد إلا

و يحتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه و آله) يومئذ».

قال: و سأله رجل عن قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أنا سيد ولد آدم و لا فخر». قال: «نعم، يأخذ حلقة باب

__________________________________________________

12- تفسير العيّاشي 2: 314/ 148.

13- تفسير العيّاشي 2: 314/ 149. [.....]

14- تفسير العيّاشي 2: 314/ 150.

(1) قال المجلسي في البحار 8: 48:

قوله (عليه السّلام) قد رفعت حاجتي،

أي إلى غيري، و الحاصل أنّي أيضا استشفع من غيري، فلا أستطيع شفاعتكم، و يمكن أن يقرأ على بناء المفعول، كناية عن رفع الرجاء، أي رفع عنّي طلب الحاجة لما صدر منّي من ترك الأولى.

(2) في «ط»: فيجيئون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 575

الجنة فيفتحها، فيخر ساجدا، فيقول الله: ارفع رأسك، اشفع تشفع، اطلب تعط، فيرفع رأسه، ثم يخر ساجدا، فيقول الله: ارفع رأسك، اشفع تشفع، و اطلب تعط ثم يرفع رأسه، فيشفع فيشفع، و يطلب فيعطى».

6522/ [15]- عن سماعة بن مهران، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في قول الله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.

قال: «يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين يوما «1»، و تؤمر الشمس فتركب على رؤوس العباد، و يلجمهم العرق، و تؤمر الأرض فلا تقبل من عرقهم شيئا، فيأتون آدم (عليه السلام) فيتشفعون منه، فيدلهم على نوح (عليه السلام)، و يدلهم نوح على إبراهيم، و يدلهم إبراهيم (عليه السلام) على موسى، و يدلهم موسى (عليه السلام) على عيسى (عليه السلام)، و يدلهم عيسى على محمد (صلى الله عليه و آله) فيقول: عليكم بمحمد خاتم النبيين فيقول محمد (صلى الله عليه و آله): أنا لها فينطلق حتى يأتي باب الجنة فيدق، فيقال له: من هذا؟- و الله أعلم- فيقول: محمد. فيقال:

افتحوا له، فإذا فتح الباب استقبل ربه فخر ساجدا، فلا يرفع رأسه حتى يقال له: تكلم، و سل تعط، و اشفع تشفع فيرفع رأسه فيستقبل ربه فيخر ساجدا، فيقال له مثلها، فيرفع رأسه حتى أنه ليشفع لمن قد احرق بالنار، فما أحد من الناس يوم القيامة في جميع الأمم أوجه من محمد (صلى الله عليه و آله)، و هو قول الله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.

سورة الإسراء(17): آية 80 ..... ص : 575

قوله تعالى:

وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [80] 6523/ [1]- علي بن إبراهيم: فإنها نزلت يوم فتح مكة لما أراد رسول الله (صلى الله عليه و آله) دخولها: أنزل الله:

وَ قُلْ يا محمد رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الآية. قال: قوله: سُلْطاناً نَصِيراً أي: معينا.

6524/ [2]- العياشي: عن أبي الجارود، عن زيد بن علي (عليه السلام)، في قول الله وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال: السيف.

6525/ [3]- ابن شهر آشوب: من كتاب أبي بكر الشيرازي، قال ابن عباس: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ

__________________________________________________

15- تفسير العياشي 2: 315/ 151.

1- تفسير القمي 2: 26.

2- تفسير العياشي 2: 315/ 152.

3- المناقب 2: 67، شواهد التنزيل 1: 348/ 479.

(1) في المصدر: عاما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 576

يعني مكة. وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال: لقد استجاب الله لنبيه (صلى الله عليه و آله) دعاءه، فأعطاه علي بن أبي طالب (عليه السلام) سلطانا ينصره على أعدائه.

سورة الإسراء(17): آية 81 ..... ص : 576

قوله تعالى:

وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [81]

6526/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله عز و جل: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، قال: «إذا قام القائم أذهب «1» دولة الباطل».

6527/ [2]- شرف الدين النجفي، قال: ذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) «2» حديثا، بإسناده عن رجاله، عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم الثقفي، عن

أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «انطلق بي رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى أتى بي إلى الكعبة، فقال لي: اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) على منكبي، ثم قال لي:

انهض فنهضت، فلما رأى مني ضعفا قال: اجلس فنزل «3»، ثم قال لي: يا علي اصعد على منكبي فصعدت على منكبه، ثم نهض بي رسول الله (صلى الله عليه و آله) و خيل لي أن لو شئت لنلت أفق السماء، فصعدت فوق الكعبة و تنحى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قال لي: ألق صنمهم الأكبر «4»، و كان من نحاس موتدا بأوتاد حديد إلى الأرض. فقال لي رسول الله (صلى الله عليه و آله): عالجه فعالجته و رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه، فقال لي: اقذفه فقذفته فتكسر، فنزلت من فوق الكعبة، و انطلقت أنا و رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و خشينا أن يرانا أحد من قريش و غيرهم».

6528/ [3]- ابن بابويه: حدثنا أبو علي أحمد بن يحيى المكتب، قال حدثنا أحمد بن محمد الوراق، قال:

حدثنا بشر بن سعيد بن قيلويه المعدل بالرافقة، قال: حدثنا عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني، قال: سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد (عليه السلام)، فقلت له: يا بن رسول الله، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها؟ فقال: إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني، و إن شئت قل؟»

__________________________________________________

1- الكافي 8: 287/ 432.

2- تأويل الآيات 1: 286/ 26.

3- علل الشرائع: 173/ 1.

(1)

في المصدر: ذهبت.

(2) في المصدر زيادة: في معنى تأويله.

(3) في المصدر زيادة: و جلس. [.....]

(4) في المصدر زيادة: صنم قريش.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 577

قال: قلت له: يا بن رسول الله، و بأي شي ء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟ فقال: «بالتوسم و التفرس، أما سمعت قول الله عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ «1» و قول رسول الله (صلى الله عليه و آله): اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله؟».

قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فأخبرني بمسألتي؟ قال: «أردت أن تسألني عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): لم لم يطق حمله علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند حط الأصنام عن سطح الكعبة مع قوته و شدته، و ما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر، و الرمي به إلى ورائه أربعين ذراعا، و كان لا يطيق حمله أربعون رجلا، و قد كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يركب الناقة و الفرس و الحمار، و ركب البراق ليلة المعراج، و كل ذلك دون علي (عليه السلام) في القوة و الشدة».

قال: فقلت له: عن هذا و الله أردت أن أسألك- يا بن رسول الله- فأخبرني. قال: «نعم، إن عليا (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه و آله) تشرف، و به ارتفع، و به وصل إلى أن أطفأ نار الشرك، و أبطل كل معبود من دون الله عز و جل، و لو علاه النبي (صلى الله عليه و آله) لحط الأصنام لكان (عليه السلام) بعلي مرتفعا و متشرفا و واصلا إلى حط الأصنام، و لو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه، ألا ترى أن عليا (عليه السلام)

قال: لما علوت ظهر رسول الله (صلى الله عليه و آله) شرفت و ارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها؟ أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة، و انبعاث فرعه من أصله؟ و قد قال علي (عليه السلام): أنا من أحمد (صلى الله عليه و آله) كالضوء من الضوء، أما علمت أن محمدا و عليا (صلوات الله عليهما) كانا نورا بين يدي الله عز و جل قبل خلق الخلق بألفي عام؟ و أن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلا قد تشعب منه شعاع لامع، فقالوا: إلهنا و سيدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله تبارك و تعالى إليهم: هذا نور من نوري، أصله نبوة و فرعه إمامة، أما النبوة فلمحمد عبدي و رسولي، و أما الإمامة فلعلي حجتي و وليي، و لولاهما ما خلقت خلقي، أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) رفع يد علي (عليه السلام) بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، فجعله مولى المسلمين و إمامهم، و قد أحتمل الحسن و الحسين (عليهما السلام) بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، فجعله مولى المسلمين و إمامهم، و قد أحتمل الحسن و الحسين (عليهما السلام) يوم حظيرة بني النجار، فلما قال له بعض أصحابه: ناولني أحدهما، يا رسول الله (صلى الله عليه و آله). قال: نعم الراكبان، و أبوهما خير منهما، و أنه (صلى الله عليه و آله) كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته، فلما سلم قيل له: يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة؟ فقال: إن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعاجله حتى ينزل و إنما أراد بذلك (صلى الله عليه و

آله) رفعهم و تشريفهم، فالنبي (صلى الله عليه و آله) إمام و نبي، و علي (عليه السلام) إمام ليس بنبي و لا رسول، فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة.

قال: محمد بن حرب الهلالي: فقلت له زدني، يا بن رسول الله. فقال: «انك لأهل للزيادة، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) حمل عليا (عليه السلام) على ظهره، يريد بذلك أنه أبو ولده، و إمام الأئمة من صلبه، كما حول رداءه في صلاة الاستسقاء، و أراد أن يعلم أن يعلم أصحابه بذلك أنه قد تحول الجدب خصبا».

__________________________________________________

(1) الحجر 15: 75.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 578

قال: قلت له: زدني، يا بن رسول الله. فقال: «حمل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام) يريد بذلك أن يعلم قومه أنه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما عليه من الدين و العدات، و الأداء عنه من بعده».

قال: فقلت له: يا بن رسول الله، زدني. فقال: «احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله، و ما حمل إلا لأنه «1» معصوم لا يحمل وزرا فتكون أفعاله عند الناس حكمة و صوابا، و قد قال النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): يا علي إن الله تبارك و تعالى حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي، و ذلك قوله عز و جل: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ «2»، و لما أنزل الله عز و جل عليه: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ «3» قال النبي (صلى الله عليه و آله): أيها الناس عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم «4»، و علي نفسي و أخي، أطيعوا عليا فإنه مطهر

معصوم لا يضل و لا يشقى ثم تلا هذه الآية قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ «5»».

قال محمد بن حرب الهلالي: ثم قال جعفر بن محمد (عليه السلام): «أيها الأمير، لو أخبرتك بما في حمل النبي (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام) عند حط الأصنام عن سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به لقلت: إن جعفر بن محمد لمجنون، فحسبك من ذلك ما قد سمعت». فقمت إليه، و قبلت رأسه، و قلت له: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

6529/ [4]- ابن شهر آشوب: ذكر أبو بكر الشيرازي في (نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين (عليه السلام)): عن قتادة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال لي جابر بن عبد الله: دخلنا مع النبي (صلى الله عليه و آله) مكة، و في البيت و حوله ثلاثمائة و ستون صنما، فأمر بها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فألقيت كلها على وجوهها، و كان على البيت صنم طويل يقال له هبل فنظر النبي (صلى الله عليه و آله) إلى علي (صلى الله عليه و آله)، و قال له: «يا علي، تركب علي أو أركب عليك لا لقي هبل عن ظهر الكعبة؟ قال (عليه السلام): «يا رسول الله، بل تركبني».

قال (عليه السلام): «فلما جلس على ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة، فقلت: يا رسول الله بل أركبك، فضحك و نزل و طأطأ ظهره و استويت عليه، فو الذي فلق الحب و برأ النسمة لو أردت أن أمسك السماء لمسكتها بيدي، فألقيت هبل عن ظهر

الكعبة، فأنزل الله: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ». الآية.

6530/ [5]- و قال ابن شهر آشوب: و قد استنابه يوم الفتح في أمر عظيم، فإنه وقف حتى صعد على كتفيه

__________________________________________________

4- المناقب 2: 135، شواهد التنزيل 1: 350/ 480.

5- المناقب 2: 135.

(1) في «ط»: إلّا إنه.

(2) الفتح 48: 2.

(3) المائدة 5: 105.

(4) تضمين من سورة المائدة 5: 105.

(5) النور 24: 54.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 579

و تعلق بسطح الكعبة «1»، و صعد، و كان يقلع الأصنام بحيث تهتز حيطان البيت، ثم يرمي بها فتنكسر.

رواه أحمد بن حنبل و أبو يعلى الموصلي في (مسنديهما) «2» و أبو بكر الخطيب في (تاريخه) «3»، و الخطيب الخوارزمي في (أربعينه) «4»، و محمد بن الصباح «5» الزعفراني في (الفضائل) «6»

، و أبو عبد الله النطنزي في (الخصائص) «7»

.6531/ [6]- السيد الرضي في كتاب (المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة): بإسناده عن مجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مر داخلا إلى الكعبة و إذا هو بإداوات «8»

لابن مسعود معلقة، فقال لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا علي، ائتني بإداوة من تلك الإداوات» فأتاه بواحدة فشرب منها و توضأ، ثم نظر إلى ابن مسعود، قال له: «ما هذه الأخلاق «9»

التي أجدها في إداوتك؟». فقال ابن مسعود: فداك أبي و امي- يا رسول الله- ثقل علي الماء بمكة فأخذت تميرات، فمرستهن في إداواتي ليعذب الماء. فقال (صلى الله عليه و آله): «حلال و ماء طهور».

ثم قام و أخذ المفتاح من شيبة و فتح الباب، فقال العباس بن عبد المطلب: يا رسول الله، أليس أنا عمك و صنوا أبيك؟ فقال: «بلى، فما حاجتك، يا عم؟». فقال: تعطيني مفتاح

الكعبة. فقال: «هو لك، يا عم». فهبط جبرئيل (عليه السلام)، و قال: إن الله يقرئك السلام، و يقول لك أن تؤدي الأمانات إلى أهلها، فاستعاد المفتاح من العباس و أعاده إلى شيبة، و دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى الكعبة فإذا هو بصورة إبراهيم (عليه السلام)، فقال:

«لا تعبدوا الصور و التماثيل، فإن الله عز و جل يبغضها و يبغض صانعها، و جعل يحلها «10» بطرف ردائه، فلما خرج قال لشيبة: «أغلق الباب».

ثم رفع رأسه فإذا هو بصنم على ظهر الكعبة، فقال لعلي (عليه السلام): «يا علي، كيف لي بهذا الصنم؟». فقال:

«يا رسول الله، أنكب لك فارق على ظهري و تناوله». فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «يا علي، لو جهدت امتي من أولها إلى

__________________________________________________

6- .....

(1) في المصدر: البيت.

(2) مسند أحمد بن حنبل 1: 84، مسند أبي يعلى الموصلي 1: 251/ 292.

(3) تاريخ بغداد 13: 302.

(4) ... مناقب الخوارزمي: 71. [.....]

(5) في «ط»: الصبّاغ.

(6) الصراط المستقيم 1: 178 عن الزعفراني.

(7) الصراط المستقيم 1: 178 عن النطنزي، بحار الأنوار 38: 76 عن مناقب ابن شهر آشوب.

(8) الإداوة: إناء صغير من جلد يتّخد للماء. «لسان العرب- أدا- 14: 25».

(9) الأخلاق: جمع خلق، و هو البالي من الثياب و الجلد و غيرها. «المعجم الوسيط- خلق- 1: 252». و لعلّها تصحيف. الإخلاف أو الخلوقة، يقال:

خلف اللبن و الطعام خلوفا و خلوفة، و أخلف إخلافا: إذا تغيّر طعمه أو رائحته.

(10) في «ط»: يحيلها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 580

آخرها أن يحملوا عضوا من أعضائي ما قدروا على ذلك، و لكن ادن مني يا علي- قال- فدنوت منه فضرب بيده إلى ساقي. فأقلعني من الأرض، و انتصب بي

فإذا أنا على كتفيه، فقال لي: يا علي، سم و خذه، فأخذت الصنم فضربت به الأرض، فتفتت ثلاثا.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): يا علي، ما ترى و أنت على كتفي؟ قلت: خيرا- فداك أبي و امي، يا رسول الله- لو أردت أن أمس السماء بيدي لقدرت، فقال لي: يا علي، زادك الله شرفا إلى شرفك.

ثم انحسر من تحتي فوقعت على الأرض و ضحكت، فقال: ما يضحكك يا علي؟ فقلت: فداك أبي امي- يا رسول الله- وقعت من أعلى الكعبة إلى الأرض فلم أتألم من الوقع. فقال: يا علي، كيف تتألم و قد حملك محمد، و أنزلك جبرئيل (عليه السلام)».

و مضى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال العباس يفتخر: أنا سيد قريش و أكرمها حسبا، و أفخرها مركبا، و بيدي سقاية الحاج لا يليها غيري. فقال شيبة: لا، بل أنا سيد قريش، و بيدي سدانة الكعبة لا يليها غيري. فقال علي (عليه السلام): أبغضتماني بمقالتكما، أنا سيدكما، و سيد أهل الأرض بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أنا الذي ضربت وجوهكما حتى آمنتما و أقررتما أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)». فغضبا من قوله، و أتيا النبي (صلى الله عليه و آله) فأخبراه بما قال علي (عليه السلام) لهما، فهبط جبرئيل (عليه السلام) و قال: يا محمد، الحق يقرئك السلام، و يقول لك: قل لشيبة و العباس: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ «1»

الآية- يا محمد- علي خير منهما».

6532/ [7]- العياشي: عن حمدويه، عن يعقوب بن يزيد، عن بعض أصحابنا،

قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اللعب بالشطرنج؟ فقال: «الشطرنج من الباطل».

سورة الإسراء(17): آية 82 ..... ص : 580

قوله تعالى:

وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [82]

6533/ [1]- عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنما الشفاء في علم القرآن، لقوله: ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لأهله، لا شك فيه و لا مرية، فأهله أئمة الهدى الذين قال الله

__________________________________________________

7- تفسير العياشي 2: 315/ 153.

1- تفسير العياشي 2: 315/ 154.

(1) التوبة 9: 19.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 581

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «1»

.6534/ [2]- عن محمد بن أبي حمزة، رفعه الى أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نزل جبرئيل على محمد (صلى الله عليه و آله) بهذه الآية وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ آل محمد حقهم إِلَّا خَساراً».

6535/ [3]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن علي الصيرفي، عن ابن الفضيل، عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ آل محمد حقهم إِلَّا خَساراً».

6536/ [4]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن دواد، عن أبي الحسن موسى، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «نزلت هذه الآية وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ لآل محمد إِلَّا خَساراً».

سورة الإسراء(17): آية 84 ..... ص : 581

قوله تعالى:

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا [84]

6537/ [5]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: «النية أفضل من العمل، ألا و إن

النية هي العمل، ثم قرأ قوله عز و جل قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ يعني على نيته».

6538/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن أحمد بن يونس، عن أبي هاشم، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا، و إنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا، فبالنيات خلد هؤلاء و هؤلاء». ثم تلا قوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قال: «على نيته».

6539/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة أوقف المؤمن بين يديه، فيكون هو الذي يتولى حسابه، فيعرض عليه عمله في صحيفته، فأول

__________________________________________________

2- تفسير العيّاشي 2: 315/ 155.

3- تأويل الآيات 1: 290/ 28.

4- تأويل الآيات 1: 290/ 29.

5- الكافي 2: 13/ 4.

6- الكافي 2: 69/ 5. [.....]

7- تفسير القمّي 2: 26.

(1) فاطر 35: 32.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 582

ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه، و ترتعش فرائصه، و تفزع نفسه، ثم يرى حسناته فتقر عينه، و تسر نفسه، و تفرح روحه، ثم ينظر إلى ما أعطاه الله من الثواب فيشتد فرحه، ثم يقول الله للملائكة: هلموا الصحف التي فيها الأعمال التي لم يعملوها- قال- فيقرءونها ثم يقولون: و عزتك، إنك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئا، فيقول: صدقتم، نويتموها فكتبناها لكم، ثم يثابون عليها».

6540/ [4]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حماد الناب،

عن الحكم ابن الحكم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول، و قد سئل عن الصلاة في البيع و الكنائس؟ فقال: «صل فيها، قد رأيتها و ما أنظفها!».

قلت: اصلي «1» فيها و إن كانوا يصلون فيها؟ فقال: «نعم، أما تقرأ القرآن: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا صل على القبلة و دعهم» «2»

.6541/ [5]- العياشي: عن حماد، عن صالح بن الحكم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول، و قد سئل عن الصلاة في البيع و الكنائس؟ فقال: «صل فيها فقد رأيتها و ما أنظفها!».

قال: فقلت: اصلي فيها و إن كانوا يصلون فيها؟ فقال: «صل فيها و إن كانوا يصلون فيها، أما تقرأ القرآن: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا صل إلى القبلة و دعهم».

6542/ [6]- عن أبي هاشم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخلود في الجنة و النار؟

فقال: «إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كان في الدنيا أن لو خلدوا فيها، أن يعصو الله أبدا، و إنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا أن يطيعوا الله أبدا، فبالنيات خلد هؤلاء و هؤلاء».

ثم تلا قوله: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قال: «على نيته».

سورة الإسراء(17): آية 85 ..... ص : 582

قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [85]

6543/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن

__________________________________________________

4- التهذيب 2: 222/ 876.

5- تفسير العيّاشي 2: 316/ 157.

6- تفسير العيّاشي 2: 316/ 158.

1- الكافي 1: 215/ 3.

(1) في المصدر: أ يصلّي.

(2)

في «س» و المصدر: و غربهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 583

أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، قال: «خلق أعظم من جبرئيل (عليه السلام) و ميكائيل، كان مع رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هو مع الأئمة، و هو من الملكوت».

6544/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، قال: «خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل، لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد (صلى الله عليه و آله)، و هو مع الأئمة (عليهم السلام) يسددهم، و ليس كلما طلب وجد».

6545/ [3]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن الحسين بن أبي العلاء، عن سعد الإسكاف، قال: أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن الروح، أليس هو جبرئيل؟

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «جبرئيل (عليه السلام) من الملائكة، و الروح غير جبرئيل». فكرر ذلك على الرجل، فقال له: لقد قلت عظيما من القول، ما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام):

«إنك ضال تروي عن أهل الضلال، يقول الله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله): أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ «1»

و الروح غير الملائكة».

6546/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه

السلام) قال: «هو ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل، كان مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو مع الأئمة (عليهم السلام)».

6547/ [5]- سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي.

قال: «خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل، لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد (صلى الله عليه و آله)، و هو مع الأئمة (عليهم السلام) يوفقهم و يسددهم، و ليس كلما «2» طلبه وجده «3»

».

6548/ [6]- العياشي: عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، قال: «خلق من خلق الله، و الله يزيد في الخلق ما يشاء».

__________________________________________________

2- الكافي 1: 215/ 4.

3- الكافي 1: 215/ 6.

4- تفسير القمّي 2: 26.

5- مختصر بصائر الدرجات: 3.

6- تفسير العيّاشي 2: 316/ 159.

(1) النحل 16: 1- 2. [.....]

(2) في «س»: و كلّما.

(3) في المصدر: طلب وجد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 584

6549/ [7]- عن زرارة و حمران، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، عن قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ.

قالا: «إن الله تبارك و تعالى أحد صمد، و الصمد: الشي ء الذي ليس له جوف، فإنما الروح خلق من خلقه، له بصر و قوة و تأييد، يجعله في قلوب الرسل و المؤمنين».

6550/ [8]- عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، قال: «خلق عظيم أعظم من جبرئيل و ميكائيل، لم يكن مع أحد ممن مضى

غير محمد (عليه و آله السلام)، و مع الأئمة يسددهم، و ليس كلما طلب وجد».

6551/ [9]- و في رواية أبي أيوب الخزاز، قال: «أعظم من جبرئيل، و ليس، كما ظننت».

6552/ [10]- عن أبي بصير، عن أحدهما، (عليهما السلام)، قال سألته عن قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، ما الروح؟ قال: «التي في الدواب و الناس».

قلت: و ما هي؟ قال: «هي من الملكوت، من القدرة».

6553/ [11]- عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، قال: «تفسيرها في الباطن أنه لم يؤت العلم إلا أناس يسير فقال: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا منكم».

6554/ [12]- عن أسباط بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل مع الأئمة يفقههم، و هو من الملكوت».

سورة الإسراء(17): آية 88 ..... ص : 584

قوله تعالى:

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [88] 6555/ [1]- علي بن إبراهيم: أي معينا.

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 316/ 160.

8- تفسير العيّاشي 2: 317/ 161.

9- تفسير العيّاشي 2: 317/ 162.

10- تفسير العيّاشي 2: 317/ 163.

11- تفسير العيّاشي 2: 317/ 164.

12- تفسير العيّاشي 2: 317/ 165.

1- تفسير القمّي 2: 25.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 585

سورة الإسراء(17): آية 89 ..... ص : 585

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً [89]

6556/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أحمد، عن عبد العظيم، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا: فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ بولاية علي إِلَّا كُفُوراً».

6557/ [2]- محمد بن العباس (رحمه الله)، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن أسد، عن إبراهيم الثقفي، عن علي بن هلال الأحمسي، عن الحسن بن وهب بن علي بن بحيرة، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله تعالى:

فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً، قال: «نزلت في ولاية علي (عليه السلام)».

6558/ [3]- و عنه: عن أحمد بن هوذة، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ بولاية علي (عليه السلام) إِلَّا كُفُوراً».

6559/ [4]- العياشي: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا: فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ بولاية علي إِلَّا كُفُوراً».

سورة الإسراء(17): الآيات 90 الي 95 ..... ص : 585

قوله تعالى:

وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً- إلى قوله تعالى- مَلَكاً رَسُولًا [90- 95]

6560/ [5]- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) قال: «قلت لأبي علي بن محمد (عليهما السلام): فهل كان

__________________________________________________

1- الكافي 1: 351/ 64.

2- تأويل الآيات 1: 290/ 30، شواهد التنزيل 1: 353/ 482.

3- تأويل الآيات 1: 291/ 31.

4- تفسير العيّاشي 2: 317/ 166.

5- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السّلام): 500/ 314. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 586

رسول

الله (صلى الله عليه و آله) يناظرهم إذا عانتوه و يحاجهم؟

قال: بلى، مرارا كثيرة: منها ما حكى الله من قولهم: وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ إلى قوله: مَسْحُوراً «1» وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «2» وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى قوله كِتاباً نَقْرَؤُهُ.

ثم قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبيا كموسى لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إياك، لأن مسألتنا أشد من مسائل «3» قوم موسى لموسى (عليه السلام)، قال: و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذا اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم: الوليد بن المغيرة المخزومي، و أبو البختري بن هشام، و أبو جهل ابن هشام، و العاص بن وائل السهمي، و عبد الله بن أبي امية المخزومي، و جمع ممن يليهم كثير، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله، و يؤدي إليهم «4» عن الله أمره و نهيه. فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمد و عظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه و تبكيته و توبيخه، و الاحتجاج عليه، و إبطال ما جاء به، ليهون خطبه على أصحابه، و يصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه و باطله و تمرده و طغيانه، فإن انتهى و إلا عاملناه بالسيف الباتر.

فقال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه و مجادلته «5»؟ قال عبد الله بن أبي امية المخزومي: أنا لذلك أما ترضاني له قرنا «6» حسيبا، و

مجادلا «7» كفيا؟ قال أبو جهل: بلى، فأتوه بأجمعهم، فابتدأ عبد الله بن أبي امية المخزومي، فقال: يا محمد، لقد ادعيت دعوى عظيمة، و قلت مقالا هائلا، زعمت أنك رسول الله رب العالمين، و ما ينبغي لرب العالمين و خالق الخلق [أجمعين ] أن يكون مثلك رسولا له، بشر مثلنا تأكل كما نأكل و تشرب كما نشرب، و تمشي في الأسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم و هذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال، عظيم حال، له قصور و دور «8» و فساطيط و خيام و عبيد و خدم، و رب العالمين فوق هؤلاء كلهم أجمعين فهم عبيده، و لو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك و نشاهده، بل و لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا، ما أنت- يا محمد- إلا مسحورا و لست بنبي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هل بقي من كلامك شي ء؟ قال: بلى، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث

__________________________________________________

(1) الفرقان 25: 7- 8.

(2) الزخرف 43: 31.

(3) في المصدر: مسألة.

(4) في «ط»: و يذكّرهم.

(5) في «ط»: و محاورته.

(6) القرن للإنسان: مثله في الشجاعة و الشدّة و العلم و القتال و غير ذلك. و في «ط»: قويّا.

(7) في نسخة من «ط»: و محاورا.

(8) في المصدر زيادة: و بساتين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 587

أجل من فيما بيننا مالا، و أحسن حالا، فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك و بعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم؟ إما الوليد بن المغيرة بمكة و إما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

فهل بقي من كلامك شي ء، يا عبد الله؟ قال: بلى، لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة هذه، فإنها ذات أحجار و عرة و جبال، تكسح أرضها و تحفرها و تجري فيها العيون فإنا إلى ذلك محتاجون، أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فنأكل منها و نطعمها «1»، و تفجر الأنهار خلالها- خلال ذلك النخيل و الأعناب- تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فإنك قلت لنا: وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ «2» فلعلنا نقول ذلك. ثم قال: و لن نؤمن لك، أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا، تأتي «3» بهم و هم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه و تغنينا به فلعلنا نطغى، فإنك قلت لنا: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى «4» ثم قال: أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ أي تصعد في السماء وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ، من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي امية المخزومي و من معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي، و صدقوه في مقاله، فإنه من عندي، ثم لا أدري- يا محمد- إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أولا أؤمن بك، بل لو رفعتنا إلى السماء و فتحت أبوابها و دخلناها «5»، لقلنا: إنما سكرت أبصارنا، و سحرتنا.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا عبد الله، أبقي شي ء من كلامك؟ قال: يا محمد، أو ليس فيما أوردت عليك كفاية و بلاغ؟ ما بقي شي ء، فقل ما بدا لك، و أفصح عن نفسك، إن كانت لك حجة، أو ائتنا بما

سألناك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): اللهم أنت السامع لكل صوت، و العالم بكل شي ء، تعلم ما قاله عبادك، فأنزل الله عليه: يا محمد وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ إلى قوله: رَجُلًا مَسْحُوراً، ثم قال الله تعالى:

انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا «6»، ثم قال الله: يا محمد تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً «7»، و أنزل عليه: يا محمد فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ الآية «8»، و أنزل عليه يا محمد: وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ إلى قوله: وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ «9».

__________________________________________________

(1) في «ط»: فتأكل منها و تطعمها، و في المصدر: و تطعمنا.

(2) الطور 52: 44.

(3) في المصدر زيادة: به و.

(4) العلق 96: 6- 7.

(5) في «س» و المصدر: و أخلتناها.

(6) الإسراء 17: 48، الفرقان 25: 9. [.....]

(7) الفرقان 25: 10.

(8) هود 11: 12.

(9) الانعام 6: 8- 9.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 588

فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا عبد الله، أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون، و زعمت أنه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا، فإن الأمر لله يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد، و هو محمود، و ليس لك و لا لأحد الاعتراض عليه، بلم و كيف، ألم تر أن الله تعالى كيف أفقر بعضا و أغنى بعضا، و أعز بعضا و أذل بعضا، و أصح بعضا و أسقم بعضا، و شرف بعضا و وضع بعضا و كلهم

ممن يأكل الطعام؟ ثم ليس للفقراء أن يقولوا: لم أفقرتنا و أغنيتهم؟

و لا للوضعاء أن يقولوا: لم وضعتنا و شرفتهم؟ و لا للزمنى «1»، و الضعفاء أن يقولوا: لم أزمنتنا و أضعفتنا و صححتهم؟ و لا للأذلاء أن يقولوا: لم أذللتنا و أعززتهم؟ و لا للقباح الصور أن يقولوا: لم أقبحتنا و جملتهم؟ بل إن أبوا و قالوا ذلك، كانوا على ربهم رادين، و له في أحكامه منازعين، و به كافرين، و لكان جوابه لهم: إني أنا الملك الرافع الخافض المغني المفقر المعز المذل المصح المسقم، و أنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي و الانقياد لحكمي، فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين، و إن أبيتم كنتم بي كافرين، و بعقوباتي من الهالكين.

ثم أنزل الله تعالى: يا محمد: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ «2»، يعني آكل الطعام يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ «3» يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم و لكن ربي خصني بالنبوة دونكم، كما يخص بعض البشر بالغناء، و الصحة و الجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أما قولك: إن هذا ملك الروم و ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال، عظيم الحال، له قصور و دور و فساطيط و خيام و عبيد و خدام، و رب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده فإن الله تعالى له التدبير و الحكم، لا يفعل على ظنك و حسبانك و اقتراحك، بل يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد و هو محمود.

يا عبد الله، إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم، و يدعوهم إلى ربهم، و يكد نفسه في ذلك

آناء الليل و أطراف النهار، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها، و عبيد و خدم يسترونه عن الناس، أليس كانت الرسالة تضيع و الأمور تتباطأ؟ أو ما رأيت الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد و القبائح من حيث لا يعلمون و لا يشعرون؟

يا عبد الله، إنما بعثني الله و لا مال لي ليعرفكم قوته و قدرته، و أنه هو الناصر «4» لرسوله، لا تقدرون على قتله و لا منعه من رسالته، فهذا أبين في قدرته و في عجزكم، و سوف يظفرني الله بكم فأوسعكم قتلا و أسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم، و يستولي عليها المؤمنون من دونكم، و دون من يوافقكم على دينكم.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أما قولك لي: و لو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك و نشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا، فالملك لا تشاهده حواسكم، لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه، و لو شاهدتموه- بأن يزاد في قوى أبصاركم- لقلتم: ليس هذا ملكا، بل هذا بشر، لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقاله، و لتعرفوا خطابه و مراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك و أن ما يقوله حق؟ بل إنما بعث الله بشرا رسولا، و ظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر

__________________________________________________

(1) الزّمنى: جمع زمن، و هو المصاب بعاهة أو مرض مزمن.

(2، 3) الكهف 18: 110، فصلت 41: 6.

(4) في «س» و «ط»: الناظر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 589

الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم، فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة، و أن ذلك شهادة من

الله تعالى بالصدق له، و لو ظهر لكم ملك و ظهر على يده ما يعجز عنه البشر، لم «1» يكن فيه فائدة لكم، إن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا، ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز، لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها، و لو أن إنسانا طار كطيرانها لكان ذلك معجزا، فالله عز و جل سهل عليكم الأمر، و جعله بحيث تقوم عليكم الحجة، و أنتم تقترحون العمل الصعب الذي لا حجة فيه.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): و أما قولك: ما أنت إلا رجلا مسحورا، فكيف أكون كذلك، و أنتم تعلمون أني في «2» التمييز و العقل فوقكم؟ فهل جربتم علي مذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة «3» أو كذبة أو خنا «4» أو خطأ من القول، أو سفها من الرأي؟ أ تظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه و قوتها أو بحول الله و قوته؟ و ذلك ما قال الله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا «5» إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجه أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): و أما قولك: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «6»، الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بن مسعود بالطائف فإن الله تعالى ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، و لا خطر له عنده كما له عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة منها «7»، و ليس قسمة

رحمة الله إليك، بل الله القاسم للرحمات، و الفاعل لما يشاء في عبيده و إمائه، و ليس هو عز و جل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله أو حاله، و لا ممن يطمع في أحد في ماله أو حاله فيخصه بالنبوة لذلك، و لا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب، فتقدم من لا يستحق التقديم، و إنما معاملته بالعدل، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين و خلاله «8»، إلا الأفضل في طاعته و الأجد في خدمته، و كذلك لا يؤخر في مراتب الدين و خلاله إلا أشدهم تباطؤا عن طاعته، و إذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال و لا إلى حال، بل هذا المال و الحال من فضله، و ليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب «9»، فلا يقال له: إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا، لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده، و لا إلزامه تفضلا، لأنه تفضل قبله بنعمه، ألا ترى- يا عبد الله- كيف أغنى واحدا و قبح صورته؟ و كيف حسن صورة واحد و أفقره؟ و كيف شرف واحدا أفقره؟ و كيف

__________________________________________________

(1) في المصدر: لم يكن في ذلك ما يدلّكم.

(2) في المصدر زيادة: صحة.

(3) في المصدر زيادة: أو زلّة.

(4) الخنا: الفحش في القول. «لسان العرب- خنا- 14: 244».

(5) الإسراء 17: 48، الفرقان 25: 9.

(6) الزخرف 43: 31.

(7) في المصدر: شربة ماء.

(8) في «ط»، في الموضعين: رجلا له. و في المصدر: و جلاله. [.....]

(9) هذا الأمر ضربة لازب، أي لازم شديد. «لسان العرب- لزب- 1: 738». و في «ط»: ضريبة لازب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 590

أغنى واحدا و وضعه، ثم ليس لهذا

الغني أن يقول: هلا أضيف إلى يساري جمال فلان، و لا للجميل أن يقول: هلا أضيف إلى جمالي مال فلان، و لا للشريف أن يقول: هلا أضيف إلى شرفي مال فلان، و لا للوضيع أن يقول: هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان، و لكن الحكم لله يقسم كيف «1» يشاء و يفعل كيف يشاء، و هو حكيم في أفعاله، محمود في أعماله، و ذلك قوله تعالى: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال الله تعالى: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يا محمد نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا «2»، فأحوجنا بعضا إلى بعض و أحوجنا هذا إلى مال ذاك، و أحوجنا ذاك إلى سلعة هذا أو إلى خدمته، فترى أجل الملوك و أغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، و إما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك إلا أن يستعين به، و إما باب من المعلوم و الحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير، و هذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني، و ذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته، ثم ليس للملك أن يقول: هلا اجتمع إلى ملكي، و مالي علمه و رأيه؟ و لا لذلك الفقير أن يقول: هلا أجتمع إلى رأيي و علمي و ما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني؟ ثم قال: وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا «3» ثم قال: يا محمد، قل لهم: وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «4» يجمع هؤلاء من أموال الدنيا.

ثم قال رسول الله (صلى

الله عليه و آله): و أما قولك: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، إلى آخر ما قلته، فإنك اقترحت على محمد رسول الله أشياء: منها مالو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته، و رسول الله يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين، و يحتج عليهم بما لا حجة فيه و منها ما لو جاءك به لكان معه هلاكك، و إنما يؤتى بالحجج و البراهين ليلزم عباد الله الإيمان لا ليهلكوا بها، فإنما اقترحت هلاكك، و رب العالمين أرحم بعباده و أعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون، و منها المحال الذي لا يصح و لا يجوز كونه، و رسول رب العالمين يعرفك ذلك، و يقطع معاذيرك، و يضيق عليك سبيل مخالفتك، و يلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد و لا محيص و منها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة و لا تصغي إلى برهان، و من كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه.

و أما قولك، يا عبد الله: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة، فإنها ذات حجارة و صخور و جبال، تكسح أرضها و تحفرها تجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون، فإنك سألت هذا و أنت جاهل بدلائل الله تعالى- يا عبد الله- أ رأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا؟ أ رأيت الطائف التي لك فيها بساتين، أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها و ذللتها و كسحتها و أجريت فيها عيونا استنبطتها؟ قال: بلى، قال: فهل لك في

__________________________________________________

(1) في «س» و المصدر: كما.

(2) الزخرف 43: 32.

(3)

الزخرف 43: 32.

(4) الزخرف 43: 32.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 591

هذا نظراء؟ قال: بلى، قال: أ فصرت بذلك أنت و هم أنبياء؟ قال: لا قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله، على نبوته، فما هو إلا كقولك: لن نؤمن لك حتى تقوم و تمشي على الأرض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس.

و أما قولك يا عبد الله: أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتأكل منها و تطعمنا و تفجر الأنهار خلالها تفجيرا؟

أ و ليس لك و لأصحابك جنان من نخيل و عنب بالطائف تأكلون و تطعمون منها و تفجرون الأنهار خلالها تفجيرا؟

أ فصرتم أنبياء بهذا؟ قال: لا، قال: فما بال اقتراحكم على رسول الله أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه، بل لو تعاطاها لدل تعاطيه إياها على كذبه، لأنه حينئذ يحتج بما لا حجة فيه، و يخدع الضعفاء عن عقولهم و أديانهم. و رسول رب العالمين يجل و يرتفع عن هذا.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا عبد الله، و أما قولك: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فإنك قلت:

وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فإن في سقوط السماء عليكم موتكم و هلاككم، فإنما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك، و رسول «1» رب العالمين أرحم بك من ذلك، و لا يهلك، لكنه يقيم عليك حجج الله، و ليس حجج الله لنبيه وحده على حسب الاقتراح من عباده، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح، و بما لا يجوز من الفساد، و قد يختلف اقتراحهم و يتضاد حتى يستحيل وقوعه، إذ لو كانت اقتراحاتهم واقعة لجاز أن

تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم، و يقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء بل أن ترفع الأرض إلى السماء و تقع السماء عليها، فكان ذلك يتضاد و يتنافى و يستحيل وقوعه، و الله تعالى لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): و هل رأيت- يا عبد الله- طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم؟

و إنما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه، أحبه العليل أو كرهه، فأنتم المرضى و الله طبيبكم، فان انقدتم لدوائه شفاكم، و إن تمردتم عليه أسقمكم و بعد، فمتى رأيت- يا عبد الله- مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم- فيما مضى- بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه؟ إذن ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى و لا حق، و لا كان بين ظالم و مظلوم و لا بين صادق و كاذب فرق.

ثم قال: يا عبد الله، و أما قولك: أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا يقابلوننا و نعاينهم فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به، إن ربنا عز و جل ليس كالمخلوقين يجي ء و يذهب و يتحرك و يقابل شيئا حتى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال، و إنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع و لا تبصر و لا تعلم، و لا تغني عنكم شيئا و لا عن أحد. يا عبد الله، أو ليس لك ضياع و جنان بالطائف و عقار بمكة و قوام عليها؟ قال: بلى، قال:

أ فتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك و بين معامليك؟ قال: بسفراء، قال: أ رأيت لو قال معاملوك و أكرتك و

خدمك لسفرائك: لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي امية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها، كنت تسوغهم هذا، أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال: لا، قال: فما الذي يجب على سفرائك؟ أ ليس أن

__________________________________________________

(1) (رسول) ليس في «س».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 592

يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم فيجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال: بلى، قال: يا عبد الله، أ رأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك و قال قم معي فإنهم قد اقترحوا علي مجيئك، أليس يكون لك مخالفا، و تقول له: إنما أنت رسول، لا مشير و لا آمر «1»؟ قال: بلى، قال: كيف صرت تقترح على رسول رب العالمين مالا تسوغ لأكرتك و معامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم، و كيف أردت من رسول رب العالمين مالا تسوغ لأكرتك «2» و قوامك؟ هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته، يا عبد الله.

و أما قولك، يا عبد الله: أو يكون لك بيت من زخرف- و هو الذهب- أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف؟ قال: بلى، قال: أ فصار بذلك نبيا؟ قال: لا، قال: فكذلك لا يوجب ذلك لمحمد- لو كان له- نبوة، و محمد لا يغتنم جهلك بحجج الله.

و أما قولك يا عبد الله: أو ترقى في السماء، ثم قلت: و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه، يا عبد الله، الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها، و إذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت، فكذلك حكم النزول، ثم قلت: حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه، و من بعد ذلك، لا أدري أؤمن

بك أو لا أؤمن بك فأنت- يا عبد الله- مقر بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك إلا تأديبه [لك ] على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية، و قد أنزل الله تعالى علي كلمة «3» جامعة لبطلان كل ما اقترحته، فقال تعالى قُلْ يا محمد سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا؟ ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء على قدر ما يقترحه الجهال بما يجوز و بما لا يجوز! هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني، و ليس لي أن آمر على ربي و أنهى و لا أشير، فأكون كالرسول الذي بعثه «4» ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.

فقال أبو جهل: يا محمد ها هنا واحدة: أ لست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة؟ قال: بلى قال: و لو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا، فقد سألنا أشد مما قال «5» قوم موسى، لأنهم قالوا: أرنا الله جهرة و نحن قلنا: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله و الملائكة قبيلا نعاينهم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) يا أبا جهل، أو ما علمت قصة ابراهيم الخليل (عليه السلام) لما رفع في الملكوت، و ذلك قول الله تبارك و تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ «6» قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى نظر إلى الأرض و من عليها ظاهرين و مستترين، فرأى رجلا و امرأة على فاحشة، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين، فهم بالدعاء

__________________________________________________

(1) في

«ط» رسول مبشر مأمور.

(2) في المصدر: رسول ربّ العالمين أن يستذم إلى ربّه بأن يأمر عليه و ينهى، و أن لا تسوّغ مثل هذا لرسولك إلى أكرتك.

(3) في المصدر: حكمة.

(4) في «س»: يبعثه.

(5) في المصدر: سأل.

(6) الأنعام 6: 75.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 593

عليهما، فأوحى الله إليه. يا إبراهيم، اكفف دعوتك عن عبادي و إمائي، أنا الغفور الرحيم، الجبار «1» الحليم، لا تضرني ذنوب عبادي، كما لا تنفعني طاعتهم، و لست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي و إمائي فإنما أنت عبد نذير، لا شريك لي في المملكة، و لا مهيمن علي، و لا على عبادي، و عبادي معي بين خلال ثلاث: اما أن تابوا إلي فتبت عليهم و غفرت ذنوبهم و سترت عيوبهم، و إما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم، ذريات مؤمنون «2»، فأرفق بالآباء الكافرين، و أتأنى بالأمهات الكافرات، فأرفع عذابي عنهم ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم، فإذا تزايلوا حل بهم عذابي، و حاق بهم بلائي، فإن لم يكن هذا و لا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي و كبريائي. يا إبراهيم، خل بيني و بين عبادي فإني أرحم بهم منك، و خل بيني و بين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم، ادبرهم بعلمي و انفذ فيهم قضائي و قدري.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله تعالى- يا أبا جهل- إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة، عكرمة «3» ابنك، و سيلي من امور المسلمين ما إن، أطاع الله فيه، كان عند الله جليلا، و إلا فالعذاب

نازل عليك، و كذلك سائر قريش السائلين، لما سألوا من هذا، إنما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد، و ينال به السعادة، فهو تعالى لا يقتطعه عن تلك السعادة و لا يبخل بها عليه، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلى السعادة، و لو لا ذلك لنزل العذاب بكفاتكم، فانظر نحو السماء، فنظر فإذا أبوابها مفتحة، و إذا النيران نازلة منها مسامتة «4» لرءوس القوم تدنو منهم، حتى وجدوا حرها بين أكتافهم، فارتعدت فرائص أبي جهل و الجماعة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تروعنكم، فإن الله لا يهلككم بها، و إنما أظهرها عبرة ثم نظروا فإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها و رفعتها و دفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم الله أنه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد، بعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن و هم يؤمنون».

6561/ [2]- علي بن إبراهيم: إنها نزلت في عبد الله بن أبي امية أخي ام سلمة (رحمة الله عليها)، و ذلك أنه قال هذا لرسول الله (صلى الله عليه و آله) بمكة قبل الهجرة، فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى فتح مكة استقبله عبد الله بن أبي امية فسلم على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلم يرد عليه السلام، فأعرض عنه فلم يجبه بشي ء، و كانت أخته أم سلمة

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 2: 26.

(1) في المصدر: الحنّان. [.....]

(2) في «س»: يؤمنون.

(3) عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القريشي، من

صناديد قريش في الجاهلية و الإسلام. كان هو و أبوه من أشدّ الناس عداوة للنبيّ (صلى اللّه عليه و آله)، و أسلم عكرمة بعد فتح مكّة، فشهد الوقائع، و ولي الأعمال، و ولي الأعمال، و قتل في اليرموك أو يوم برج الصفر، سنة 13: ه. الطبقات الكبرى 7: 404، صفة الصفوة 1: 730/ 111، سير أعلام النبلاء 1: 323/ 66، الإصابة 2: 496.

(4) سامته مسامتة: قابله و وازاه. «تاج العروس- سمت- 1: 555».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 594

مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) فدخل عليها فقال: يا أختي، إن رسول الله قد قبل إسلام الناس كلهم، ورد علي إسلامي فليس يقبلني كما قبل غيري.

فلما دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى ام سلمة قالت: بأبي أنت و امي يا رسول الله، سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين قريش و العرب رددت إسلامه، و قبلت إسلام الناس كلهم؟

فقال: «يا ام سلمة، إن أخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني أحد من الناس، هو الذي قال لي: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل و عنب، فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا، أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء، و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه».

قالت ام سلمة: بأبي أنت و أمي- يا رسول الله- ألم تقل أن الإسلام يجب ما كان قبله؟ قال: «نعم»، فقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) إسلامه.

6562/ [3]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله:

حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً يعني عينا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ يعني بستانا مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً من تلك العيون أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: إنه ستسقط السماء كسفا لقوله: وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ «1».

قوله تعالى: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا و القبيل: الكثير أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أي مزخرف بالذهب أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ يقول: من الله إلى عبد الله بن أبي أمية أن محمدا صادق، و أني أنا بعثته، و يجي ء معه أربعة من الملائكة يشهدون أن الله هو كتبه. فأنزل الله عز و جل: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا».

6563/ [4]- العياشي: عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا قالوا: إن الجن كانوا في الأرض قبلنا فبعث الله إليهم ملكا، فلو أراد الله أن يبعث إلينا لبعث ملكا من الملائكة، و هو قول الله تبارك و تعالى: وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا».

6564/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالس و عنده جبرئيل (عليه السلام) إذ حانت من جبرئيل نظرة نحو

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 2: 27.

4- تفسير العيّاشي 2: 317/ 167.

5- تفسير القمّي 2: 27.

(1) الطور 52: 44.

البرهان

في تفسير القرآن، ج 3، ص: 595

السماء فامتقع لونه «1» حتى صار كأنه الكركمة «2»، ثم لاذ برسول الله (صلى الله عليه و آله)، فنظر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى حيث نظر جبرئيل فإذا شي ء قد ملأ ما بين الخافقين مقبلا حتى كان كقاب «3» من الأرض، ثم قال: يا محمد، إني رسول الله إليك أخيرك أن تكون ملكا رسولا أحب إليك، أو تكون عبدا رسولا فالتفت رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى جبرئيل (عليه السلام) و قد رجع إليه لونه. فقال جبرئيل: بل كن عبدا رسولا فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا، ثم رفع الاخرى فوضعها في الثانية، ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة، ثم هو هكذا حتى انتهى إلى السماء السابعة، كل سماء خطوة، و كلما ارتفع صغر، حتى صار آخر ذلك مثل الصر «4»، فالتفت رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى جبرئيل (عليه السلام) فقال: لقد رأيتك ذعرا و ما رأيت شيئا كان أذعر لي من تغير لونك؟

فقال: يا نبي الله، لا تلمني، أ تدري من هذا؟ قال: لا، قال: هذا إسرافيل حاجب الرب، فلم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات و الأرض، فلما رأيته منحطا ظننت أنه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من تغير لوني لذلك، فلما رأيت ما اصطفاك الله به رجع إلي لوني و نفسي، أما رأيته كلما ارتفع صغر، إنه ليس شي ء يدنو من الرب إلا يصغر لعظمته، إن هذا حاجب الرب و أقرب خلق الله منه، و اللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلم الرب تبارك و تعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه، ثم

يلقيه إلينا فنسعى به في السماوات و الأرض، إنه لأدنى خلق الرحمن منه، و بينه و بينه سبعون حجابا من نور تقطع من دونها الأبصار ما لا يعد و لا يوصف، و إني لأقرب الخلق منه، و بيني و بينه مسيرة ألف عام».

6565/ [6]- قال علي بن إبراهيم: و قوله: وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا.

قال: قال الكفار: لم لم يبعث الله إلينا الملائكة؟ فقال الله عز و جل: و لو بعثنا إليهم ملكا لما آمنوا و لهلكوا، و لو كانت الملائكة في الأرض يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا».

سورة الإسراء(17): آية 97 ..... ص : 595

قوله تعالى:

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [97]

__________________________________________________

6- تفسير القمّي 2: 27.

(1) امتقع لونه: إذا تغيّر من حزن أو فزع. «لسان العرب- مقع- 8: 341».

(2) الكركمة: واحدة الكركم، و هو الزّعفران، و قيل: العصفر، و قيل: شي ء كالورس، هو فارسي معرّب. «النهاية 4: 166».

(3) القاب: المقدار، و من القوس: ما بين المقبض و طرف القوس. «المعجم الوسيط- قاب 2: 765».

(4) في المصدر: الذّر، و الصّرّ: عصفور أو طائر في قدّه، أصفر اللون: «مجمع البحرين- صرر- 3: 365».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 596

6566/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: و قوله تعالى: وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا قال: على جباههم مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً: أي كلما انطفت.

6567/ [2]- ثم قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، يرفعه إلى علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «إن في جهنم

واديا يقال له سعير، إذا خبث جهنم فتح سعيرها، و هو قوله: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً أي كلما انطفت».

6568/ [3]- العياشي: عن إبراهيم بن عمر، رفعه إلى أحدهما (عليهما السلام)، في قوله تعالى: وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ، قال: «على جباههم».

6569/ [4]- عن بكر بن بكر «1»، رفع الحديث إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: «إن في جهنم لواديا يقال له: سعيرا إذا خبت جهنم فتح سعيرها، و هو قول الله: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً».

سورة الإسراء(17): آية 100 ..... ص : 596

قوله تعالى:

قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً [100] 6570/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: لو كانت الأموال بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة الفقر «2». وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً أي بخيلا.

سورة الإسراء(17): الآيات 101 الي 102 ..... ص : 596

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ- إلى قوله تعالى- وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [101- 102]

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 29.

2- تفسير القمّي 2: 29. [.....]

3- تفسير العيّاشي 2: 318/ 168.

4- تفسير العيّاشي 2: 318/ 169.

5- تفسير القمّي 2: 29.

(1) لعلّه بكر بن أبي بكر. انظر معجم رجال الحديث 3: 340.

(2) في المصدر و «ط» نسخة بدل: النفاد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 597

6571/ [1]- عبد الله بن جعفر الحميري، عن الحسن بن ظريف، عن معمر، عن الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر (عليهم السلام)، قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ذات يوم و أنا طفل خماسي، إذ دخل عليه نفر من اليهود- و ذكر الحديث إلى أن قال- قالوا: أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران.

قلت: العصا، و إخراجه يده من جيبه بيضاء، و الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم، و رفع الطور، و المن و السلوى آية واحدة، و فلق البحر. قالوا: صدقت».

6572/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ، قال: «الطوفان، و الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم،

و الحجر، و البحر، و العصا، و يده».

6573/ [3]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثنا أبو إسحاق يزيد بن إسحاق- و لقبه شعر- قال: حدثني هارون بن حمزة الغنوي الصيرفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن التسع آيات التي اوتي موسى (عليه السلام). فقال: «الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم، و الطوفان، و البحر، و الحجر، و العصا، و يده».

6574/ [4]- على بن إبراهيم، قال: الطوفان، و الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم و الحجر و العصا، و يده، و البحر.

6575/ [5]- العياشي: عن سلام، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ، قال: «الطوفان، و الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم، و الحجر، و البحر، و العصا، و يده».

6576/ [6]- علي بن إبراهيم: قال يحكي قول موسى: وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً أي هالكا يدعو بالثبور.

6577/ [7]- العياشي: عن العباس بن معروف، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ذكر قول الله عز و جل:

__________________________________________________

1- قرب الاسناد: 133.

2- الخصال: 423/ 25.

3- الخصال: 423/ 24.

4- تفسير القمّي 2: 29.

5- تفسير العيّاشي 2: 318/ 170.

6- تفسير القمّي 2: 29.

7- تفسير العيّاشي 2: 318/ 171.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 598

يا فِرْعَوْنُ: «يا عاصي».

سورة الإسراء(17): الآيات 103 الي 109 ..... ص : 598

قوله تعالى:

فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ- إلى قوله تعالى- وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [103- 109]

6578/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ: «أي أراد أن يخرجهم

من الأرض، و قد علم فرعون و قومه أن ما أنزل تلك الآيات إلا الله، و أما قوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً يقول: جميعا».

6579/ [2]- في رواية علي بن إبراهيم: فَأَرادَ يعني فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي يخرجهم من مصر فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً: أي من كل ناحية.

قال: قوله تعالى وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ: أي على مهل وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا ثم قال: يا محمد، قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ يعني من أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله (صلى الله عليه و آله): إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً قال: الوجه وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً و هم قوم من أهل الكتاب آمنوا بالله.

6580/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، بإسناده، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها.

قال: «يضع ذقنه على الأرض، إن الله عز و جل يقول: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً».

6581/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الصباح، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له رجل بين عينية قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها؟ قال: يسجد ما بين طرف شعره، فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، فإن لم يقدر فعلى ذقنه».

قلت: على ذقنه؟ قال: «نعم، أما تقرأ كتاب الله عز و جل: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 29.

2-

تفسير القمّي 2: 29. [.....]

3- الكافي 3: 334/ 6.

4- تفسير القمّي 2: 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 599

سورة الإسراء(17): آية 110 ..... ص : 599

قوله تعالى:

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا [110]

6582/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها قال: «المخافتة: ما دون سمعك، و الجهر: أن ترفع صوتك شديدا».

و رواه الشيخ في (التهذيب) بإسناده عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن قول الله عز و جل، و ساق الحديث إلى آخره «1».

6583/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): على الإمام أن يسمع من خلفه و إن كثروا؟

فقال: «ليقرأ قراءة وسطا، يقول الله تبارك و تعالى: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها».

6584/ [3]- علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن الصباح، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله:

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها، قال: «الجهر بها: رفع الصوت، و التخافت: ما لم تسمع بأذنك، و اقرأ ما بين ذلك».

6585/ [4]- و عنه قال: حدثني أبي، عن الصباح، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله:

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها، قال: «رفع الصوت عاليا، و المخافتة: ما لم تسمع نفسك».

6586/ [5]- قال علي بن إبراهيم: و روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في

قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها، قال: «الإجهار أن ترفع صوتك يسمعه من بعد عنك، و المخافتة. أن لا تسمع من معك إلا يسيرا».

6587/ [6]- العياشي: عن المفضل قال: سمعته (عليه السلام) يقول، و سئل عن الإمام هل عليه أن يسمع من خلفه و إن كثروا؟ قال: يقرأ قراءة وسطا، يقول الله تبارك و تعالى: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها».

__________________________________________________

1- الكافي 3: 315/ 21.

2- الكافي 3: 317/ 27.

3- تفسير القمّي 2: 30.

4- تفسير القمّي 2: 30.

5- تفسير القمّي 2: 30.

6- تفسير العيّاشي 2: 318/ 172.

(1) التهذيب 2: 290/ 1164

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 600

6588/ [7]- عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها، قال: «المخافتة: ما دون سمعك، و الجهر: أن ترفع صوتك شديدا».

6589/ [8]- عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام، هل عليه أن يسمع من خلفه و إن كثروا؟ قال: «ليقرأ قراءة وسطا، إن الله يقول: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها».

6590/ [9]- عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام): في قوله تعالى:

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا، قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا كان بمكة جهر بصوته، فيعلم بمكانه المشركون، فكانوا يؤذونه، فأنزلت هذه الآية عند ذلك».

6591/ [10]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) «1»

في قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها.

قال: «نسختها فَاصْدَعْ بِما

تُؤْمَرُ «2»».

6592/ [11]- عن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها.

فقال: «الجهر بها: رفع الصوت، و المخافتة: ما لم تسمع اذناك، و ما بين ذلك قدر ما يسمع اذنك».

6593/ [12]- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا، قال: تفسيرها: و لا تجهر بولاية علي (عليه السلام) و لا بما أكرمته به حتى آمرك بذلك وَ لا تُخافِتْ بِها يعني و لا تكتمها عليا (عليه السلام) و أعلمه بما أكرمته به».

6594/ [13]- عن الحلبي، عن بعض أصحابنا، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) لأبي عبد الله (عليه السلام): «يا بني عليك بالحسنة بين السيئتين تمحوها». قال: «و كيف ذاك، يا أبت؟» قال: «مثل قول الله عز و جل: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ سيئة، وَ لا تُخافِتْ بِها سيئة وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا حسنة، و مثل قوله: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ «3»، و مثل قوله: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا إذا أسرفوا سيئة، و إذا أقتروا

__________________________________________________

7- تفسير العيّاشي 2: 318/ 173.

8- تفسير العيّاشي 2: 318/ 174.

9- تفسير العيّاشي 2: 318/ 175.

10- تفسير العيّاشي 2: 319/ 176.

11- تفسير العيّاشي 2: 319/ 177. [.....]

12- تفسير العيّاشي 2: 319/ 178.

13- تفسير العيّاشي 2: 319/ 179.

(1) في المصدر: عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام).

(2) الحجر 15: 94.

(3) الإسراء 17: 29.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 601

سيئة وَ كانَ بَيْنَ

ذلِكَ قَواماً «1» حسنة، فعليك بالحسنة بين السيئتين».

6595/ [14]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن تفسير هذه الآية في قول الله وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا.

قال: «لا تجهر بولاية علي (عليه السلام) فهو الصلاة، و لا بما أكرمته به حتى انزل به «2»، و ذلك قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا.

قال: «لا تجهر بولاية علي (عليه السلام) فهو الصلاة، و لا بما أكرمته به حتى انزل به، و ذلك قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ و أما قوله: وَ لا تُخافِتْ بِها فإنه يقول: و لا تكتم ذلك عليا (عليه السلام)، يقول: أعلمه بما أكرمته به فأما قوله: وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا، يقول: تسألني أن آذن لك أن تجهر بأمر علي (عليه السلام)، بولايته. فأذن له بإظهار ذلك يوم غدير خم، فهو قوله يومئذ: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه».

سورة الإسراء(17): آية 111 ..... ص : 601

قوله تعالى:

وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً [111] 6596/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: لم يذل فيحتاج إلى ولي ينصره.

6597/ [2]- العياشي: عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله) و قد فقد رجلا، فقال: ما أبطأ بك عنا؟ فقال: السقم و العيال. فقال: ألا أعلمك بكلمات تدعو بهن، و يذهب الله عنك السقم و ينفي عنك الفقر؟ تقول: لا حول و لا قوة إلا بالله

العلي العظيم، توكلت على الحي الذي لا يموت، و الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك، و لم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا».

6598/ [3]- عن عبد الله بن سنان، قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: «ألا أعلمك شيئا إذا قلته قضى الله دينك و أنعشك و أنعش حالك؟» فقلت: ما أحوجني إلى ذلك. فعلمه هذا الدعاء: «قل في دبر صلاة الفجر:

توكلت على الحي الذي لا يموت، و الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك، و لم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا، اللهم إني أعوذ بك من البؤس و الفقر، و من غلبة الدين و السقم، و أسألك أن تعينني على أداء حقك إليك و إلى الناس».

__________________________________________________

14- تفسير العيّاشي 2: 319/ 180.

1- تفسير القمّي 2: 30.

2- تفسير العيّاشي 2: 320/ 181.

3- تفسير العيّاشي 2: 320/ 182.

(1) الفرقان 25: 67.

(2) في المصدر: آمرك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 603

المستدرك (سورة الإسراء) ..... ص : 603

سورة الإسراء(17): آية 28 ..... ص : 603

قوله تعالى:

وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً [28]

[1]- ابن شهر آشوب: نقلا عن كتاب الشيرازي: أن فاطمة (عليها السلام) لما ذكرت حالها و سألت جارية، بكى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: «يا فاطمة، و الذي بعثني بالحق، إن في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام و لا ثياب، و لولا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت: يا فاطمة، إني لا أريد أن ينفك عنك أجرك إلى الجارية، و إني أخاف أن يخصمك علي بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي الله عز و جل إذا طلب حقه منك».

ثم علمها صلاة التسبيح، فقال أمير المؤمنين: «مضيت تريدين من رسول الله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة».

قال أبو هريرة فلما خرج رسول الله من عند فاطمة أنزل الله على رسوله: وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها يعني عن قرابتك و ابنتك فاطمة ابْتِغاءَ يعني طلب رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ يعني رزقا من ربك تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً يعني قولا حسنا. فلما نزلت هذه الآية أنفذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) جارية إليها للخدمة و سماها فضة.

سورة الإسراء(17): آية 56 ..... ص : 603

قوله تعالى:

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلًا [56]

__________________________________________________

1- المناقب 3: 341.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 604

[1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران و ابن فضال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان يقول عند العلة «اللهم إنك عيرت أقواما فقلت:

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلًا فيا من لا يملك كشف ضري و لا تحويله عني أحد غيره، صل على محمد و آل محمد، و اكشف ضري، و حوله إلى من يدعو معك إلها آخر لا إله غيرك».

[2]- الطبرسي: عن ابن عباس، و الحسن، في قوله تعالى: ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ المراد بالذين من دونه هم الملائكة و المسيح و عزير.

سورة الإسراء(17): آية 86 ..... ص : 604

قوله تعالى:

وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا [86]

[3]- السيوطي في (الدر المنثور) يرفعه إلى ابن عباس، أنه قال: قدم وفد اليمن على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: أبيت اللعن. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «سبحان الله! إنما يقال هذا للملك و لست ملكا، أنا محمد بن عبد الله». فقالوا: إنا لا ندعوك باسمك. قال (صلى الله عليه و آله): «فأنا أبو القاسم».

فقالوا: يا أبا القاسم، إنا قد خبأنا لك خبيئا. فقال: «سبحان الله! إنما يفعل هذا بالكاهن، و الكاهن و المتكهن و الكهانة في النار».

فقال له أحدهم: فمن يشهد لك أنك رسول الله؟ فضرب بيده إلى حفنة حصا فأخذها فقال: «هذا يشهد أني رسول الله» فسبحن

في يده فقلن: نشهد أنك رسول الله. فقالوا له: أسمعنا بعض ما انزل عليك. فقرأ: وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا حتى انتهى إلى قوله فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ «1» فإنه لساكن ما ينبض منه عرق و إن دموعه لتسبقه إلى لحيته، فقالوا له: إنا نراك تبكي! أمن خوف الذي بعثك تبكي؟! قال: «بل من خوف الذي بعثني أبكي، إنه بعثني على طريق مثل حد السيف، إن زغت عنه هلكت». ثم قرأ وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا.

__________________________________________________

1- الكافي 2: 410/ 1.

2- مجمع البيان 6: 651. [.....]

3- الدر المنثور 5: 334.

(1) الصافات 37: 1- 10.

رهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 605

[2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه (رضي الله عنه)، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي، قال: حدثني أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي يقول في حديث طويل: أن سليمان المروزي متكلم خراسان قال للإمام الرضا (عليه السلام) في الإرادة: قد وصف نفسه بأنه مريد. قال الرضا (عليه السلام): «ليس صفته نفسه أنه مريد إخبارا عن أنه إرادة، و لا إخبارا عن أن الإرادة اسم من أسمائه». قال سليمان: لأن إرادته علمه.

قال الرضا (عليه السلام): «فإذا علم الشي ء فقد أراده؟». قال سليمان: أجل.

قال (عليه السلام): «فإذا لم يرده لم يعلمه» قال سليمان: أجل.

قال (عليه السلام): «من أين قلت ذلك، و ما الدليل على أن إرادته علمه؟ و قد يعلم ما لا يريده أبدا، و ذلك قوله عز و جل: وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فهو

يعلم كيف يذهب به و هو لا يذهب به أبدا».

سورة الإسراء(17): آية 87 ..... ص : 605

قوله تعالى:

إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً [87] [1]- الطبرسي في (مجمع البيان): عن ابن عباس في قوله تعالى: إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً.

قال: يريد حيث جعلك سيد ولد آدم و ختم بك النبيين و أعطاك المقام المحمود.

__________________________________________________

2- التوحيد 451.

1- مجمع البيان 6: 676.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 607

سورة الكهف ..... ص : 607

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 609

سورة الكهف فضلها ..... ص : 609

6599/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن محمد بن أحمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن محمد بن الوليد، عن أبان، عن عامر بن عبد الله بن جذاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من عبد يقرأ آخر الكهف إلا تيقظ في الساعة التي يريد».

6600/ [2]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن علي بن مهزيار، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة كانت كفارة لما بين الجمعة إلى الجمعة».

6601/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثني أحمد بن محمد قال: حدثني أبي، عن محمد بن هلال، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «ما من عبد يقرأ: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما «1» إلى آخر السورة إلا كان له نورا من مضجعه إلى بيت الله الحرام، فإن من كان له نور في بيت الله الحرام كان له نور إلى بيت المقدس».

6602/ [4]- و عنه، في (الفقيه): و قال النبي (صلى الله عليه و آله): «من قرأ هذه الآية عند منامه: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ «2» إلى آخرها، سطع له نور إلى المسجد الحرام، حشو ذلك النور

__________________________________________________

1- الكافي 2: 462/ 21.

2- التهذيب 3: 8/ 26.

3- ثواب الأعمال: 107.

4- من لا يحضره الفقيه 2: 297/ 1358.

(1) الكهف 18: 110.

(2) الكهف 18: 110.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 610

ملائكة يستغفرون له حتى يصبح».

6603/ [5]- ثم قال: روى عامر بن عبد الله بن جذاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما

من عبد يقرأ آخر الكهف حين ينام إلا استيقظ من منامه في الساعة التي يريد».

6604/ [6]- و عنه، قال: حدثني محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني محمد بن أحمد، عن محمد بن حسان، عن إسماعيل بن مهران، قال: حدثني الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة الكهف كل ليلة جمعة، لم يمت إلا شهيدا، و يبعثه «1» الله من الشهداء، و وقف يوم القيامة مع الشهداء».

6605/ [7]- العياشي: عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة، لم يمت إلا شهيدا، و يبعثه الله مع الشهداء، و أوقف يوم القيامة مع الشهداء».

6606/ [8]- و من (خواص القرآن): روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة يوم الجمعة، غفر الله له من الجمعة إلى الجمعة، و زيادة ثلاثة أيام، و اعطي نورا يبلغ إلى السماء، و من كتبها و جعلها في إناء زجاج ضيق الرأس و جعله في منزله، أمن من الفقر و الدين هو و أهله، و أمن من أذى الناس».

6607/ [9]- و عن الصادق (عليه السلام) قال: من كتبها و جعلها في إناء زجاج ضيق الرأس و جعله في منزله، أمن من الفقر و الدين هو و أهله، و أمن «2» من أذى الناس، و لا يحتاج إلى أحد أبدا، و إن كتبت و جعلت في مخازن الحبوب من القمح و الشعير و الأرز و الحمص و غير ذلك، دفع الله عنه بإذن الله تعالى كل مؤذ مما يطرق

الحبوب».

__________________________________________________

5- من لا يحضره الفقيه 1: 298/ 1359.

6- ثواب الأعمال: 107.

7- تفسير العيّاشي 2: 321/ 1.

8- خواص القرآن: 4 «مخطوط» مجمع البيان 6: 690. [.....]

9- خواص القرآن: 4 «مخطوط».

(1) في المصدر: أو يبعثه.

(2) في «س»: و يأمن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 611

سورة الكهف(18): الآيات 1 الي 8 ..... ص : 611

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً- إلى قوله تعالى- وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً [1- 8] 6608/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً قال: هذا مقدم و مؤخر، لأن معناه: الذي أنزل على عبده الكتاب قيما، و لم يجعل له عوجا، فقد قدم حرف على حرف، لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ يعني: يخوفهم و يحذرهم عذاب الله عز و جل: وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً يعني في الجنة: وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ قال: ما قالت قريش حين زعموا أن الملائكة بنات الله و ما قالت اليهود و النصارى في قولهم: عزير ابن الله، و المسيح ابن الله فرد الله تعالى عليهم، فقال: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً.

6609/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن محمد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «البأس الشديد: هو علي بن أبي طالب

(عليه السلام)، و هو من لدن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قاتل عدوه، فذلك قوله تعالى: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ، و معنى قوله تعالى:

لِيُنْذِرَ، يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله): بَأْساً شَدِيداً».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 30.

2- تأويل الآيات 1: 291/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 612

6610/ [3]- العياشي: عن البرقي، عمن رواه، رفعه، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ، قال: «البأس الشديد: علي (عليه السلام) و هو من لدن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قاتل معه عدوه، فذلك قوله: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ».

6611/ [4]- عن الحسن بن صالح، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «لا تقرأ يُبَشِّرَ إنما البشر بشر الأديم «1»». قال: فصليت بعد ذلك خلف الحسن فقرأ يُبَشِّرَ «2».

6612/ [5]- ابن شهر آشوب: عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ، «البأس الشديد: علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو لدن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، يقاتل معه عدوه».

6613/ [6]- و قال علي بن إبراهيم: قوله: فَلَعَلَّكَ يا محمد باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً. ثم قال: و

في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ يقول: «قاتل نفسك على آثارهم و أما أَسَفاً يقول: حزنا».

6614/ [7]- و قال علي بن إبراهيم: في قوله: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها، يعني الشجر و النبات و كل ما خلقه الله في الأرض، لِنَبْلُوَهُمْ أي لنختبرهم أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً يعني خرابا.

6615/

[8]- قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: صَعِيداً جُرُزاً.

قال (عليه السلام): «أي لا نبات فيها».

سورة الكهف(18): الآيات 9 الي 22 ..... ص : 612

قوله تعالى:

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً- إلى قوله تعالى- وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً [9- 22]

6616/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، رفعه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لرجل عنده:

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 321/ 2.

4- تفسير العيّاشي 2: 321/ 3.

5- المناقب 2: 81.

6- تفسير القمّي 2: 31.

7- تفسير القمّي 2: 31.

8- تفسير القمّي 2: 31.

1- الكافي 8: 395/ 595.

(1) بشرت الأديم أبشره بشرا: إذا أخذت بشرته. «الصحاح- بشر- 2: 590».

(2) قرأ حمزة و الكسائي بالتخفيف و الباقون بالتشديد. انظر: تفسير النيسابوري- هامش تفسير الطبري- 15: 107- و روح المعاني للآلوسي 15: 203. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 613

«ما الفتى عندكم»؟ فقال له: الشاب، فقال: «لا، الفتى: المؤمن، إن أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسماهم الله عز و جل فتية بإيمانهم».

6617/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف، أسروا الإيمان و أظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين».

6618/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن خالد بن عمارة، عن سدير الصيرفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)- في حديث- قال له: «أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة؟!».

6619/ [4]- العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان و أظهروا الكفر، فآجرهم

الله مرتين».

6620/ [5]- عن محمد: عن أحمد بن علي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً.

قال: «هم قوم فروا، و كتب ملك ذلك الزمان «1» أسماءهم و أسماء آبائهم و عشائرهم في صحف من رصاص، فهو قوله: أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ».

6621/ [6]- عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «خرج أصحاب الكهف على غير معرفة و لا ميعاد، فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود و المواثيق، فأخذ هذا على هذا، و هذا على هذا، ثم قالوا أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد».

6622/ [7]- عن درست، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه ذكر أصحاب الكهف، فقال: «كانوا صيارفة كلام «2» و لم يكونوا صيارفة دراهم».

6623/ [8]- عن عبيد الله بن يحيى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه ذكر أصحاب الكهف، فقال: «لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم!».

__________________________________________________

2- الكافي 1: 373/ 28.

3- الكافي 5: 113/ 2.

4- تفسير العيّاشي 2: 321/ 4.

5- تفسير العيّاشي 2: 321/ 5.

6- تفسير العيّاشي 2: 322/ 6.

7- تفسير العيّاشي 2: 322/ 7.

8- تفسير العيّاشي 2: 323/ 9.

(1) في «ج» و «س» و «ط»: الديار.

(2) أي يميّزون كلام الحقّ عن الباطل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 614

فقيل له: و ما كلفهم قومهم؟ فقال: «كلفوهم الشرك بالله العظيم، فأظهروا لهم الشرك و أسروا الأيمان حتى جاءهم الفرج».

6624/ [9]- عن درست، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما بلغت تقية أحد ما بلغت تقية أصحاب الكهف، كانوا ليشدون الزنانير «1»، و يشهدون الأعياد، و أعطاهم الله أجرهم مرتين».

6625/ [10]- عن الكاهلي، عن

أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن أصحاب الكهف كانوا أسروا الإيمان و أظهروا الكفر، و كانوا على إجهار الكفر أعظم أجرا منهم على إسرار الإيمان».

6626/ [11]- عن سليمان بن جعفر الهمداني «2»، قال: قال لي جعفر بن محمد (عليه السلام): «يا سليمان، من الفتى؟ قال: فقلت: له: جعلت فداك، الفتى عندنا الشاب، قال لي: «أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا كهولا فسماهم الله فتية بإيمانهم. يا سليمان، من آمن بالله و اتقى فهو الفتى».

6627/ [12]- عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: قد فهمت نقصان الإيمان و تمامه، فمن أين جاءت زيادته، و ما الحجة فيها؟

قال: «قول الله عز و جل وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً إلى قوله:

رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ «3»، و قال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً و لو كان كله واحدا لا زيادة فيه و لا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على أحد، و لا تستوي النعمة فيه و لا يستوي الناس، و بطل التفضيل، و لكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، و بالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله و بالنقصان منه دخل المفرطون النار».

و روى هذا الحديث محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و الحديث طويل تقدم بطوله في قوله تعالى: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً من آخر سورة براءة «4».

6628/ [13]- عن محمد بن سنان عن البطيخي، عن

أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً.

__________________________________________________

9- تفسير العيّاشي 2: 323/ 9.

10- تفسير العيّاشي 2: 323/ 10.

11- تفسير العيّاشي 2: 32/ 11.

12- تفسير العيّاشي 2: 323/ 12.

13- تفسير العيّاشي 2: 324/ 13. [.....]

(1) الزنانير: جمع زنّار، و هو شي ء يشدّه الذمّي على وسطه. «لسان العرب- زنر- 4: 330».

(2) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: النهدي.

(3) التوبة 9: 124- 125.

(4) الكافي 2: 28/ 1، و تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآية (124- 125) من سورة التوبة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 615

قال: «إن ذلك لم يعن به النبي (صلى الله عليه و آله) إنما عني به المؤمنون بعضهم لبعض، لكنه حالهم التي هم عليها».

6629/ [14]- ابن شهر آشوب: عن جابر و أنس: أن جماعة تنقصوا عليا (عليه السلام) عند عمر، فقال سلمان: أما تذكر- يا عمر- اليوم الذي كنت فيه و أبو بكر و أنا و أبو ذر عند رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و بسط لنا شملة «1» و أجلس كل واحد منا على طرف، و أخذ بيد علي و أجلسه وسطها، ثم قال: «قم- يا أبا بكر- و سلم على علي بالإمامة و خلافة المسلمين». و هكذا كل واحد منا، ثم قال: «قم يا علي، و سلم على هذا النور». يعني الشمس، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيتها الآية المشرقة، السلام عليك» فأجابت القرصة و ارتعدت و قالت: و عليك السلام، يا ولي الله و وصي رسوله.

ثم رفع رسول الله (صلى الله عليه و آله) يده إلى السماء، فقال: «اللهم إنك أعطيت لأخي سليمان صفيك منك ملكا و ريحا غدوها شهر و

رواحها شهر، اللهم أرسل تلك لتحملهم إلى أصحاب الكهف و أمرنا أن نسلم على أصحاب الكهف. فقال علي: «يا ريح، احملينا» فإذا نحن في الهواء فسرنا ما شاء الله، ثم قال: «يا ريح، ضعينا» فوضعتنا عند الكهف، فقام كل واحد منا و سلم فلم يرد «2» الجواب، فقام علي (عليه السلام) فقال: «السلام عليكم يا أصحاب الكهف» فسمعنا: و عليك السلام يا وصي محمد، إنا قوم محبوسون هاهنا من زمن دقيانوس. فقال لهم: «لم لم تردوا سلام القوم». فقالوا: نحن فتية لا نرد إلا على نبي، أو وصي نبي، و أنت وصي خاتم النبيين و خليفة رسول رب العالمين. ثم قال: «خذوا مجالسكم». فأخذنا مجالسنا.

ثم قال: «يا ريح، احملينا». فإذا نحن في الهواء، فسرنا ما شاء الله، ثم قال: «يا ريح ضعينا» فوضعتنا، ثم ركض «3» برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضأ و توضأنا، ثم قال: «ستدركون الصلاة مع النبي أو بعضها، ثم قال: «يا ريح، احملينا»، ثم قال: «ضعينا» فوضعتنا فإذا نحن في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد صلى من الغداة ركعة.

قال أنس: فاستشهدني علي و هو على منبر الكوفة فداهنت، فقال: «إن كنت كتمتها مداهنة بعد وصية رسول الله (صلى الله عليه و آله) إياك، فرماك الله ببياض في جسمك، و لظى في جوفك، و عمى في عينيك» فما برحت حتى برصت و عميت و كان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان و لا غيره.

و البساط أهداه أهل هربوق و الكهف في بلاد الروم في موضع يقال له: اركدى، و كان في ملك باهندق، و هو اليوم اسم الضيعة.

و في خبر: أن الكساء أتى به خطي بن

الأشرف أخو كعب، فلما رأى شرف معجزات علي (عليه السلام) أسلم و سماه النبي (صلى الله عليه و آله) محمدا.

__________________________________________________

14- المناقب 2: 337.

(1) الشّملة: كساء من صوف أو شعر يتغطّى به يتلفّف. «المعجم الوسيط 1: 495».

(2) في «س، ط»:: يرد.

(3) ركض الأرض: ضربها برجله. «لسان العرب- ركض- 7: 159».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 616

6630/ [15]- و في رواية اخرى عن شاذان في (الفضائل): بالإسناد يرفعه إلى سالم بن أبي الجعد، أنه قال: حضرت مجلس أنس بن مالك بالبصرة و هو يحدث، فقام إليه رجل من القوم، و قال: يا صاحب رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما هذه النمشة «1» التي أرى بك؟ فإنه حدثني أبي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «البرص و الجذام لا يبلو الله تعالى به مؤمنا». قال: فعند ذلك أطرق أنس بن مالك إلى الأرض و عيناه تذرفان بالدموع، ثم رفع رأسه، و قال: دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب (عليه السلام) نفذت في.

قال: فعند ذلك قام الناس من حوله، و قصدوه و قالوا: يا أنس، حدثنا ما كان السبب؟ فقال لهم: الهوا عن هذا قالوا له: لا بد أن تخبرنا بذلك. فقال: اجلسوا مواضعكم و اسمعوا مني حديثا كان هو السبب لدعوة علي (عليه السلام).

اعلموا أن النبي (صلى الله عليه و آله) قد اهدي له بساط شعر من قرية كذا و كذا من قرى المشرق، يقال لها: هندق «2»، فأرسلني رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى أبي بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعد و سعيد و عبد الرحمن بن عوف الزهري، فأتيته بهم و عنده

ابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال لي: «يا أنس ابسط البساط و اجلس حتى تخبرني بما يكون منهم». ثم قال: «يا علي، قل: يا ريح احملينا». قال: فقال الإمام علي (عليه السلام): «يا ريح، احملينا» فإذا نحن في الهواء فقال: «سيروا على بركة الله» قال: فسرنا ما شاء الله، ثم قال: «يا ريح، ضعينا» فوضعتنا، فقال:

«أ تدرون أين أنتم»؟ قلنا: الله و رسوله و علي أعلم، فقال: «هؤلاء أصحاب الكهف و الرقيم الذين كانوا من آيات الله عجبا، قوموا بنا- يا أصحاب رسول الله- حتى نسلم عليهم»، فعند ذلك قام أبو بكر و عمر فقالا: السلام عليكم يا أصحاب الكهف و الرقيم. قال: فلم يجبهما أحد، قال: فقام طلحة و الزبير فقالا: السلام عليكم يا أصحاب الكهف و الرقيم. فلم يجبهما أحد، قال أنس: فقمت أنا و عبد الرحمن بن عوف فقلت: أنا أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، السلام عليكم يا أصحاب الكهف و الرقيم، فلم يجبنا أحد.

قال: فعند ذلك قام الإمام علي (عليه السلام) و قال: «السلام عليكم يا أصحاب الكهف و الرقيم الذين كانوا من آيات الله عجبا». فقالوا: و عليك السلام و رحمة الله و بركاته يا وصي رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: «يا أصحاب الكهف لم لا رددتم على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) السلام»؟ فقالوا: يا خليفة رسول الله، إنا فتية آمنوا بربهم و زادهم الله هدى، و ليس معنا إذن أن نرد السلام إلا على نبي أو وصي نبي، و أنت وصي خاتم النبيين، و أنت سيد الوصيين. ثم قال: «أسمعتم، يا أصحاب رسول الله»؟ قلنا:

نعم يا أمير المؤمنين. قال: «فخذوا مواضعكم و اقعدوا في مجالسكم». قال: فقعدنا في مجالسنا.

ثم قال: «يا ريح، احملينا» فحملتنا و سرنا ما شاء الله، إلى أن غربت الشمس، ثم قال: «يا ريح، ضعينا»، فإذا نحن في أرض «3» كالزعفران ليس بها حسيس و لا أنيس، نباتها القيصوم و الشيح «4» و ليس فيها ماء، فقلنا يا أمير

__________________________________________________

15- الفضائل: 164.

(1) النمش: نقط بيض و سود، تقع على الجلد في الوجه تخالف لونه. «لسان العرب- نمش- 6: 359».

(2) في المصدر: هندف.

(3) في المصدر: روضة.

(4) القيصوم: من نبات السهل، و هو من الإمرار، طيّب الرائحة، من رياحين البرّ. و الشّيح: نبات سهليّ يتّخذ من بعضه المكانس، و هو من الإمرار، له رائحة طيبة و طعم مرّ، و هو مرعى للخيل و النّعم، و منابته القيعان و الرياض. «لسان العرب- شيح- 2: 502 و- قصم- 12: 486».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 617

المؤمنين دنت الصلاة و ليس عندنا ماء نتوضأ به؟ ثم قام و جاء إلى موضع من تلك الأرض، فركض «1» برجله فنبعت عين ماء عذب فقال: «دونكم و ما طلبتم، و لولا طلبتكم لجاءنا جبرئيل (عليه السلام) بماء من الجنة». قال:

فتوضأنا به و صلينا، و وقف (عليه السلام) يصلي إلى أن انتصف الليل، ثم قال: «فخذوا مواضعكم، ستدركون الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) أو بعضها».

ثم قال: «يا ريح، احملينا». فإذا نحن في الهواء، ثم سرنا ما شاء الله، فإذا نحن بمسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد صلى من صلاة الغداة ركعة واحدة، فقضينا ما كان قد سبقنا بها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ثم التفت إلينا

فقال لي:

«يا أنس، تحدثني أم أحدثك «2»»؟ قلت: بل من فيك أحلى، يا رسول الله. قال: فابتدأ بالحديث من أوله إلى آخره كأنه كان معنا.

قال (صلى الله عليه و آله): «يا أنس، أ تشهد لابن عمي بها إذا استشهدك»؟ فقلت: نعم يا رسول الله. قال: فلما ولي أبو بكر الخلافة أتى علي (عليه السلام) إلي و كنت حاضرا عند أبي بكر و الناس حوله، فقال لي: «يا أنس، أ لست تشهد بفضيلة البساط، و يوم عين الماء «3» و يوم الجب»؟ فقلت له: يا علي، قد نسيت لكبري، فعندها قال لي: «يا أنس، إن كنت كتمتها مداهنة بعد وصية رسول الله (صلى الله عليه و آله) لك، رماك الله ببياض في وجهك، و لظى في جوفك، و عمى في عينيك». فما قمت من مقامي حتى برصت و عميت، و أنا الآن لا أقدر على الصيام في شهر رمضان و لا غيره، لأن الزاد لا يبقى في جوفي. و لم يزل على ذلك حتى مات بالبصرة.

6631/ [16]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تبارك و تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً يقول: قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه، و هم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم (عليه السلام) و محمد (صلى الله عليه و آله) و أما الرقيم: فهما ęȘ͘ǙƠمن نحاس مرقوم، أي مكتوب فيهما أمر الفتية و أمر إسلامهم، و ما أراد منهم دقيانوس الملك، و كيف كان أمرهم و حالهم.

6632/ [17]- ثم قال علي بن إبراهيم، حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان

سبب نزول سورة الكهف، أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران: النضر بن الحارث بن كلدة، و عقبة بن أبي معيط، و العاص بن وائل السهمي، ليتعلموا من اليهود و النصارى مسائل يسألونها رسول الله (صلى الله عليه و آله) فخرجوا إلى نجران، إلى علماء اليهود فسألوهم، فقالوا: سلوه عن ثلاث مسائل، فإن أجابكم فيها

__________________________________________________

16- تفسير القمّي 2: 31-. [.....]

17- تفسير القمّي 2: 31.

(1) في «س» و المصدر: فرفس.

(2) في المصدر زيادة: بما وقع من المشاهدة التي شاهدتها أنت.

(3) (و يوم عين الماء) ليس في المصدر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 618

على ما عندنا فهو صادق ثم سلوه عن مسألة واحدة فإن ادعى علمها فهو كاذب.

قالوا: و ما هذه المسائل؟ قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأول، فخرجوا و غابوا و ناموا، كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا، و كم كان عددهم، و أي شي ء كان معهم من غيرهم، و ما كان قصتهم؟ و سلوه عن موسى حين أمره الله أن يتبع العالم و يتعلم منه، من هو، و كيف تبعه و ما كان قصته معه؟ و سلوه عن طائف طاف من مغرب الشمس و مطلعها حتى بلغ سد يأجوج و مأجوج، من هو، و كيف كان قصته؟ ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل و قالوا: لهم إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق و إن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه.

قالوا: فما المسألة الرابعة؟ قالوا: سلوه متى تقوم الساعة؟ فإن ادعى علمها فهو كاذب، فإن قيام الساعة لا يعلمها إلا الله تبارك و تعالى.

فرجعوا إلى مكة و اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء

يأتيه، و نحن نسأله عن مسائل، فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق، و إن لم يجبنا علمنا أنه كاذب، فقال أبو طالب: سلوه عما بدا لكم فسألوه عن الثلاث مسائل فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): غدا أخبركم- و لم يستثن «1»- فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى أغتم النبي (صلى الله عليه و آله) و شك أصحابه الذين كانوا آمنوا به، و فرحت قريش و استهزءوا و آذوا، و حزن أبو طالب.

فلما كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) بسورة الكهف. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا جبرئيل لقد أبطأت؟ فقال: إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله. فأنزل الله تبارك و تعالى: أَمْ حَسِبْتَ يا محمد أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ثم قص قصتهم فقال: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً».

قال: فقال الصادق (عليه السلام): «إن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات و كان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام، فمن لم يجبه قتله، و كان هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عز و جل، و وكل الملك بباب المدينة وكلاء، و لم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام، و خرج هؤلاء بعلة «2» الصيد، و ذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم، و كان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب و خرج معهم- قال الصادق (عليه السلام):

لا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاث: حمارة «3» بلعم بن باعوراء، و ذئب يوسف، و كلب أصحاب الكهف «4»- فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة «5»

الصيد هربا من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف و الكلب

__________________________________________________

(1) إن لم يقل: ان شاء اللّه.

(2) في المصدر: بحيلة.

(3) في المصدر: حمار.

(4) كذا، و في

الحديث عن الرضا (عليه السّلام): لا يدخل الجنّة من البهائم إلّا ثلاثة: حمارة بلعم، و كلب أصحاب الكهف، و الذئب، و كان سبب الذئب أنّه بعث ملك ظالم شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين و يعذّبهم، و كان للشرطي ابن يحبّه، فجاء ذئب فأكل ابنه، فحزن الشرطي عليه، فأدخل اللّه ذلك الجنّة لمّا أحزن الشرطي.

تفسير القمّي 1: 248.

(5) في المصدر: بحيلة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 619

معهم، فألقى الله عليهم النعاس كما قال الله تبارك و تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك و أهل مملكته، و ذهب ذلك الزمان و جاء زمان آخر و قوم آخرون.

ثم انتبهوا فقال: بعضهم لبعض: كم نمنا هاهنا؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت، فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم. ثم قالوا لواحد منهم: خذ هذا الورق «1» و ادخل المدينة متنكرا ألا يعرفوك فاشتر لنا طعاما، فإنهم إن علموا بنا و عرفونا قتلونا أو ردونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف التي عهدها، و رأى قوما بخلاف أولئك، لم يعرفهم و لم يعرفوا لغته و لم يعرف لغتهم، فقالوا له: من أنت، و من أين جئت؟ فأخبرهم، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه و الرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف، و أقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة و رابعهم كلبهم، و قال بعضهم: خمسة و سادسهم كلبهم و قال بعضهم: سبعة و ثامنهم كلبهم و حجبهم الله بحجاب من الرعب فلم يكن

أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم، فإنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروا بهم، فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل، و أنهم آية للناس، فبكوا و سألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا، ثم قال الملك: ينبغي أن نبني هاهنا مسجدا نزوره، فإن هؤلاء قوم مؤمنون.

و لهم في كل سنة تقلبان «2»: ينامون ستة أشهر على جنوبهم اليمنى «3» و ستة أشهر على جنوبهم اليسرى «4» و الكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف، و ذلك قوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ أي خبرهم إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً إلى قوله تبارك و تعالى وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ: أي بالفناء لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أي أنبهناهم لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ إلى قوله وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ و هم الذين ذهبوا إلى باب الكهف لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ إلى قوله: سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ فقال الله لنبيه: قل لهم رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ.

ثم انقطع خبرهم، فقال: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ لا تَقُولَنَّ

لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أخبره أنه إنما أحتبس الوحي عنه أربعين صباحا لأنه قال لقريش: غدا أخبركم بجواب مسائلكم و لم يستثن، فقال الله: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إلى

__________________________________________________

(1) في «س، ط»: هذه الورقة.

(2) في المصدر: نقلتان.

(3) في «س، ط»: الأيمن.

(4) في «س، ط»: الأيسر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 620

قوله: رَشَداً «1».

ثم عطف على الخبر الأول الذي حكى عنهم أنهم يقولون: ثلاثة رابعهم كلبهم، فقال: وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً «2» و هو حكاية عنهم و لفظه خبر، و الدليل على أنه حكاية عنهم قوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» «3».

6633/ [18]- علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً: «يعني جورا على الله إن قلنا إن له شريكا».

6634/ [19]- علي بن إبراهيم، قال في قوله تبارك و تعالى: لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ يعني بحجة بينة أن معه شريكا، و قوله: وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ يقول: ترى أعينهم مفتوحة وَ هُمْ رُقُودٌ أي نيام وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الأرض.

و قوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً يقول: أيها أطيب طعاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ إلى قوله:

وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ يعني أطلعنا على الفتية لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ في البعث وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها يعني لا شك فيها بأنها كائنة، و قوله: رَجْماً بِالْغَيْبِ يعني: ظنا بالغيب ما يستفتونهم، و قوله:

فَلا تُمارِ

فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً يقول: حسبك ما قصصنا عليك من أمرهم، وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً يقول: لا تسأل عن أصحاب الكهف أحدا من أهل الكتاب.

6635/ [20]- ابن الفارسي: قال الصادق (عليه السلام): «يخرج القائم (عليه السلام) من ظهر الكعبة مع سبعة و عشرين رجلا: خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق و به يعدلون، و سبعة من أهل الكهف، و يوشع بن نون، و سلمان، و أبو دجانة الأنصاري، و المقداد بن الأسود، و مالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارا و حكاما» «4».

6636/ [21]- الحسن بن أبي الحسن الديلمي: بحذف الإسناد، مرفوعا إلى ابن عباس (رضي الله عنه)، قال: لما ولي عمر بن الخطاب الخلافة أتاه قوم من أحبار اليهود، فقالوا: يا عمر، أنت ولي الأمر من بعد محمد؟ قال: نعم، قالوا: إنا نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها دخلنا في الإسلام، و علمنا أن دين الإسلام حق، و أن محمدا كان

__________________________________________________

18- تفسير القمّي 2: 24. [.....]

19- تفسير القمّي 2: 34.

20- روضة الواعظين 2: 266.

21- إرشاد القلوب: 358.

(1) الكهف 8: 23- 24.

(2) الكهف 8: 25.

(3) الكهف 8: 26.

(4) في المصدر: أو حكّاما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 621

نبيا، و إن لم تخبرنا بها علمنا أن دين الإسلام باطل و أن محمدا- لم يكن نبيا. فقال عمر: سلونا عما بدا لكم، فسألوه عن مسائل- مذكورة في الحديث حذفناها للاختصار- قال: فنكس عمر رأسه في الأرض، ثم رفع رأسه إلى علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: يا أبا الحسن، ما أرى جوابهم إلا عندك، فإن كان لها جواب فأجب.

فقال لهم علي (عليه السلام): «سلوا عما بدا لكم، ولي

عليكم شريطة». قالوا فما شريطتك؟ قال (عليه السلام): «إذا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا». قالوا: نعم. قال: «سلوني عن خصلة خصلة». فأجابهم عما سألوه، و هو مذكور في الحديث.

قال: و كانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان فقالا: نشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا عبده و رسوله. قال: و وقف الحبر الآخر، فقال: يا علي لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي، و لكن بقيت خصلة: أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فماتوا ثلاث مائة سنة و تسع سنين ثم أحياهم الله، ما كانت قصتهم؟ فابتدأ علي (عليه السلام) فقال:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ «1» و لما أراد أن يقرأ سورة الكهف قال اليهودي: ما أكثر ما سمعنا قرآنكم! إن كنت فاعلا «2» فأخبرنا عن قصة هؤلاء و بأسمائهم و عددهم، و اسم كلبهم، و اسم كهفهم، و اسم ملكهم، و اسم مدينتهم.

قال علي (عليه السلام): «لا حول و لا قوة إلا بالله، يا أخا اليهود، حدثني حبيبي محمد (صلى الله عليه و آله) أنه كان في أرض الروم مدينة يقال لها: أفسوس، و كان لها ملك صالح، فمات ملكهم و تشتت أمرهم و اختلفت كلمتهم، فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له: دقيوس «3»، فأقبل في مائة ألف رجل حتى دخل مدينة أفسوس فاتخذها دار مملكته، و اتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ، و اتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض ذلك من الزجاج الممرد، و اتخذ في المجلس أربعة آلاف اسطوانة من ذهب، و اتخذ ألف قنديل من ذهب له سلاسل من لجين «4»، تسرج

بأطيب الأدهان، و اتخذ في شرق المجلس ثمانين كوة «5»، و في غربيه ثمانين كوة، و كانت الشمس إذا طلعت تدور في المجلس كيف ما دارت، و اتخذ له سريرا من ذهب «6»، له قوائم من فضة مرصعة بالجواهر، و علاه بالنمارق، و اتخذ عن يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر، فأجلس عليها بطارقته «7»، و اتخذ عن يسار السرير ثمانين كرسيا من الفضة مرصعة بالياقوت الأحمر، فأجلس عليها هراقلته، ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه».

__________________________________________________

(1) الكهف 18: 1.

(2) في المصدر: عالما.

(3) في المصدر في جميع المواضع: دقيانوس.

(4) اللّجين: الفضّة. «لسان العرب- لجن- 13: 379».

(5) الكوّة: الخرق في الحائط و الثّقب في البيت و نحوه. «لسان العرب- كوى- 15: 236».

(6) في المصدر زيادة: طوله ثمانون ذراعا في أربعين ذراعا.

(7) البطريق: القائد. «لسان العرب- بطرق- 10: 21». [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 622

قال: فوثب اليهودي، فقال: يا أمير المؤمنين، مم كان تاجه؟ فقال: (عليه السلام): «لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، كان تاجه من الذهب المشبك، له سبعة أركان على كل ركن لؤلؤة بيضاء تضي ء كضوء المصباح في الليلة الظلماء، و اتخذ خمسين غلاما من أولاد الهراقلة، فقرطهم بقراط «1» الديباج الأحمر، و سرولهم بسراويلات من الفرند «2» الأخضر، و توجهم و دملجهم «3» و خلخلهم، و أعطاهم أعمدة من الذهب، و أوقفهم على رأسه، و اتخذ ستة أغلمة من أولاد العلماء، فاتخذهم وزراء: فأقام ثلاثة عن يمينه، و ثلاثة عن يساره».

قال اليهودي: ما كان أسماء الثلاثة الذين عن يمينه، و الثلاثة الذين عن يساره؟ فقال علي (عليه السلام): «أما الثلاثة الذين كانوا عن يمينه فكانت أسماؤهم تمليخا،

و مكسلينا، و محسمينا «4»، و أما الثلاثة الذين كانوا عن يساره فكانت أسماؤهم: مرطوس «5»، و كينظوس «6»، و ساربيوس «7»، و كان يستشيرهم في جميع أموره».

قال: «و كان يجلس في كل يوم في صحن داره، البطارقة عن يمينه، و الهراقلة عن يساره- قال- و يدخل ثلاثة أغلمة فى يد أحدهم جام «8» من ذهب مملوء من المسك المسحوق «9»، و في يد الآخر جام من فضة مملوء من ماء الورد، و في يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر، فإذا نظر إلى ذلك الطائر صفر به، فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه، فيحمل ما في الجام بريشه و جناحيه، ثم يصفر به الثانية فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه، فيحمل ما في الجام بريشه و جناحيه، ثم يصفر الثالثة فيطير الطائر حتى يقع في جام المسك فيتمرغ فيه، فيحمل ما في الجام بريشه و جناحيه، ثم يصفر الثالثة فيطير الطائر على رأس الملك، فلما نظر الملك إلى ذلك عتا و تجبر و ادعى الربوبية من دون الله عز و جل».

قال: «فدعا إلى ذلك وجوه قومه، فكل من أطاعه على ذلك أعطاه و حباه و كساه، و كل من لم يتابعه قتله، فاستجاب له أناس، فاتخذ لهم عيدا في كل سنة مرة، فبينما هو ذات يوم في عيده «10»، و البطارقة عن يمينه و الهراقلة عن يساره، و إذا ببطريق من بطارقته قد أقبل و أخبره أن، عساكر الفرس قد غشيته، فاغتم لذلك غما شديدا حتى سقط التاج عن ناصبيته، فنظر إليه أحد الفتية الثلاثة الذين كانوا عن يمينه، يقال له: تمليخا، فقال في نفسه: لو

كان دقيوس إلها كما يزعم ما كان يغتم، و لا كان يفرح «11»، و لا كان يبول و لا كان يتغوط، و لا كان ينام و لا

__________________________________________________

(1) في «ط، ج»: فبرطقهم براطق.

(2) الفرند: ثوب من حرير. «تاج العروس 2: 451».

(3) دملج الشي ء: إذا سوّاه و أحسن صنعته، و الدّملوج: المعضد من الحليّ. «لسان العرب- دملج- 2: 276».

(4) في المصدر: مكسلمينا و مجلسينا.

(5) في المصدر: مرنوس.

(6) في «ج»: كينطوس، و في «س»: كيظوس، و في المصدر: ديرنوس.

(7) في المصدر: شاذرنوس.

(8) الجام: إناء من فضّة. «لسان العرب- جوم- 12: 112».

(9) في «س»: المشرق. و المشرق: الملقى فى الشمس ليجفّ.

(10) في المصدر: عيدهم.

(11) في المصدر: يفزع.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 623

يستيقظ، و ليس هذا من فعل الإله».

قال: «و كان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم يأكلون و يشربون، و كانوا في ذلك اليوم عند تمليخا فاتخذ لهم من أطيب الطعام و أعذب الشراب فطعموا و شربوا، ثم قال: يا إخوتاه، قد وقع في نفسي شي ء قد منعني الطعام و الشراب و المنام قالوا: و ما ذلك يا تمليخا، فقال تمليخا: لقد أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا علاقة من فوقها و لا دعامة من تحتها، و من أجرى فيها شمسا و قمرا نيرين مضيئين»، و من زينها بالنجوم؟ ثم أطلت فكري في هذه الأرض، فقلت: من سطحها على صميم الماء الزاخر، و من حبسها بالجبال أن تميد على كل شي ء؟ و أطلت فكري في نفسي، فقلت: من أخرجني جنينا من بطن امي، و من غذاني، و من رباني في بطنها؟ إن لهذا صانعا و مدبرا غير دقيوس الملك، و ما هذا إلا

ملك الملوك و جبار السماوات».

قال: «فانكب الفتية على رجليه فقبلوها، و يقولون: قد هدانا الله من الضلالة بك إلى الهدى فأشر علينا- قال- فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له ثلاثة دراهم «2»، و صرها في كمه، و ركبوا على خيولهم و خرجوا من المدينة، فلما ساروا ثلاثة أميال، قال تمليخا: يا إخوتاه جاء ملك الآخرة و ذهب ملك الدنيا و زال أمرها، انزلوا عن خيولكم و امشوا على أرجلكم لعل الله يجعل لكم من أمركم فرجا و مخرجا فنزلوا عن خيولهم فمشوا سبع فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما».

قال: «فاستقبلهم راع، فقالوا، أيها الراعي، هل من شربة لبن؟ هل من شربة ماء؟ فقال الراعي عندي ما تحبون، و لكن أرى وجوهكم وجوه الملوك، و ما أظنكم إلا هرابا من دقيوس الملك؟ قالوا: أيها الراعي، لا يحل لنا الكذب، فينجينا منك الصدق؟ قال: نعم، فأخبروه بقصتهم، فانكب على أقدامهم يقبلها، و قال: يا قوم، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم، و لكن أمهلوني حتى أرد الأغنام إلى أربابها و ألحق بكم، فوقفوا له فرد الأغنام و أقبل يسعى فتبعه كلبه.»

فقال اليهودي: يا علي، ما كان لون الكلب، و ما اسمه؟ قال علي (عليه السلام): «يا أخا اليهود «3»، أما لون الكلب فكان أبلق بسواد، و أما اسمه فكان قطمير «4». فلما نظر الفتية إلى الكلب، قال بعضهم لبعض: إنا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنباحه فألحوا عليه بالحجارة، فلما نظر الكلب إليهم قد ألحوا عليه بالطرد أقعى على ذنبه و تمطى و نطق بلسان ذلق «5»، و هو ينادي: يا قوم، لم تردوني و أنا أشهد أن لا إله إلا الله،

وحده لا شريك له، ذروني أحرسكم من عدوكم،- قال- فجعلوا يبتدرونه، فحملوه على أعناقهم- قال- فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علابهم جبلا فانحط بهم على كهف يقال له: الوصيد، فإذا بإزاء الكهف عين، و أشجار مثمرة، فأكلوا من الثمرة و شربوا من الماء، و جهنم

__________________________________________________

(1) في المصدر: آيتين مبصرتين.

(2) في المصدر: ثلاثة آلاف درهم.

(3) في المصدر: قال عليّ (عليه السّلام): لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم. [.....]

(4) في المصدر: قمطير.

(5) في المصدر: طلق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 624

الليل فأووا إلى الكهف، فأوحى الله جل جلاله إلى ملك الموت: أن يقبض أرواحهم، و وكل الله عز و جل بكل رجل منهم ملكين يقلبانه ذات اليمين إلى ذات الشمال، و ذات الشمال إلى ذات اليمين، و أوحى الله إلى خازن «1» الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، و تقرضهم ذات الشمال.

فلما رجع دقيوس من عيده سأل عن الفتية، فأخبر أنهم ذهبوا هربا، فركب في ثمانين ألف حصان، فلم يزل يقفوا أثرهم حتى علا الجبل، و انحط إلى الكهف، فلما نظر إليهم إذا هم نيام فقال الملك: لو أردت أن أعاقبهم بشي ء لما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم، و لكن ائتوني بالبنائين، و سد باب الكهف بالكلس و الحجارة، ثم قال لأصحابه: قولوا لهم يقولون لإلههم الذي في السماء لينجيهم مما بهم إن كانوا صادقين، و أن يخرجهم من هذا الموضع».

ثم قال علي (عليه السلام): «يا أخا اليهود، فمكثوا ثلاثمائة و تسع سنين، فلما أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح- قال- فنفخ فقاموا من رقدتهم، فلما بزغت الشمس قال بعضهم لبعض: قد غفلنا في هذه الليلة

عن عبادة إله السماوات فقاموا فإذا العين قد غارت و الأشجار قد جفت، فقال بعضهم لبعض: إن في أمرنا لعجبا، مثل تلك العين الغزيرة قد غارت في ليلة واحدة، و مثل تلك الأشجار قد جفت في ليلة واحدة!».

قال: «و مسهم الجوع فقالوا: ابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه و ليتلطف و لا يشعرن بكم أحدا: فقال تمليخا: لا يذهب في حوائجكم غيري، و لكن ادفع إلي- أيها الراعي- ثيابك قال: فدفع الراعي إليه ثيابه و مضى إلى المدينة، فجعل يرى مواضع لا يعرفها و طرقا ينكرها، حتى أتى باب المدينة، فإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه بالصفرة: لا إله إلا الله، عيسى رسول الله و روحه- قال (عليه السلام)- فجعل ينظر إلى العلم و يمسح عينيه و يقول: كأني نائم ثم دخل المدينة حتى أتى السوق فإذا رجل خباز، فقال: أيها الخباز ما اسم مدينتكم هذه؟ قال: أفسوس. قال: و ما اسم ملككم؟ قال: عبد الرحمن، قال: يا هذا حركني كأني نائم فقال الخباز: أ تهزأ بي، تكلمني و أنت نائم؟! فقال تمليخا للخباز: فادفع إلي بهذا الورق طعاما. قال: فتعجب الخباز من نقش «2» الدرهم و من كبره».

قال: فوثب اليهودي و قال: يا علي و ما كان وزن كل درهم؟ قال علي (عليه السلام): «يا أخا اليهود، كان وزن كل درهم منها عشرة دراهم و ثلثي درهم».

قال: «فقال له الخباز: يا هذا، إنك أصبت كنزا؟ فقال تمليخا: ما هذا إلا ثمن تمرة بعتها منذ ثلاثة أيام و خرجت من هذه المدينة و تركت، الناس يعبدون دقيوس الملك فغضب الخباز و قال: ألا تعطيني بعضها و تنجو، أتذكر

رجلا خمارا كان يدعي الربوبية قد مات منذ أكثر من ثلاثمائة سنة؟».

قال: فثبت تمليخا حتى أدخله الخباز على الملك، فقال: ما شأن هذا الفتى؟ فقال: الخباز: هذا رجل أصاب

__________________________________________________

(1) في المصدر: خزّان.

(2) في المصدر: ثقل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 625

كنزا. فقال له الملك: لا تخف- يا فتى- فإن نبينا عيسى بن مريم (عليه السلام) أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلا خمسها، فأعطني خمسها و امض سالما. فقال تمليخا: انظر- أيها الملك- في أمري، ما أصبت كنزا، أنا من أهل هذه المدينة.

قال: له الملك: أنت من أهلها؟ قال: نعم. قال: فهل تعرف منها أحدا؟ قال: نعم، قال: فسم، فسمى تمليخا نحوا من ألف رجل لا يعرف منهم رجل واحد. قال: ما أسمك؟ قال: اسمي تمليخا. قال: ما هذه الأسماء؟ قال: أسماء أهل زماننا.

قال: فهل لك في هذه المدينة دار؟ قال: نعم، اركب أيها الملك معي- قال-: فركب الناس معه، فأتى بهم إلى أرفع باب دار في المدينة، فقال تمليخا: هذه الدار داري، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ قد وقع حاجباه على عينيه من الكبر، فقال: ما شأنكم؟ قال: له الملك: أتينا بالعجب، هذا الغلام يزعم أن هذه الدار داره. فقال له الشيخ: من أنت؟ قال: أنا تمليخا بن قسطنطين «1». قال: فانكب الشيخ على رجليه يقبلها و يقول: هو جدي و رب الكعبة. فقال:

أيها الملك، هؤلاء الستة الذين خرجوا هرابا من دقيوس الملك».

قال: «فنزل الملك عن فرسه، و حمله على عاتقه، و جعل الناس يقبلون يديه و رجليه، فقال: يا تمليخا، ما فعل أصحابك؟ فأخبرهم أنهم في الكهف، فكان يومئذ بالمدينة ملكان: ملك مسم، و مل نصراني، فركبا و أصحابهما، فلما صاروا قريبا من

الكهف قال لهم تمليخا: يا قوم، إني أخاف أن يسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول فيظنون أن دقيوس الملك قد جاء في طلبهم، و لكن أمهلوني حتى أتقدم فأخبرهم- قال- فوقف الناس و أقبل تمليخا حتى دخل الكهف، فلما نظروا إليه أعتقوه و قالوا: الحمد لله الذي نجاك من دقيوس.

فقال تمليخا: دعوني عنكم و عن دقيوس، كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم. قال تمليخا: بل لبثتم ثلاثمائة و تسع سنين، و قد مات دقيوس و ذهب قرن بعد قرن، بعث الله عز و جل نبيا يقال له: المسيح عيسى بن مريم و رفعه الله عز و جل إليه، و قد أقبل إلينا الملك و الناس معه قالوا: يا تمليخا، أ تريد أن تجعلنا فتنة للعالمين؟

قال تمليخا: فما تريدون؟ قالوا: تدعو الله و ندعوه معك أن يقبض أرواحنا، و يجعل عشاءنا معه في الجنة- قال- فرفعوا أيديهم و قالوا: إلهنا، بحق ما آتيتنا من الدين فمر بقبض أرواحنا فأمر الله عز و جل بقبض أرواحهم، و طمس الله عز و جل على باب الكهف عن الناس، فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيام لا يجدان للكهف بابا فقال الملك المسلم: ماتوا على ديننا، أبني على باب الكهف مسجدا. و قال النصراني لا، بل ماتوا على ديننا أبني على باب الكهف ديرا. فاقتتلا، فغلب المسلم النصراني، و بنى على باب الكهف مسجدا».

ثم قال علي (عليه السلام) «سألتك بالله- يا يهودي- أ يوافق ما في توراتكم»؟ فقال اليهودي: و الله ما زدت حرفا و لا نقصت حرفا، و أنا أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله، و أنك- يا أمير المؤمنين وصي

رسول الله حقا».

6637/ [22]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن عبد الله الوراق و محمد بن أحمد السناني و علي بن أحمد بن

__________________________________________________

22- التوحيد: 241/ 1.

(1) في «ج» و «ق»: قسطيطين، و في المصدر: قسطين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 626

محمد بن عمران الدقاق (رضي الله عنه)، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً.

فقال: «إن الله تبارك و تعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، و يهدي أهل الإيمان و العمل الصالح إلى جنته، كما قال عز و جل وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ «1»، و قال عز و جل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ «2»».

6638/ [23]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إبراهيم بن عقبة، عن ميسر، عن محمد بن عبد العزيز، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ، قال: «أزكى طعاما: التمر».

سورة الكهف(18): الآيات 23 الي 24 ..... ص : 626

قوله تعالى:

وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً [23- 24]

6639/ [1]- و عنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد

بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي جميلة المفضل ابن صالح، عن محمد الحلبي و زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في قول الله عز و جل: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، قال: «إذا حلف الرجل فنسي أن يستثني، فليستثن إذا ذكر».

6640/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد و علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً «3».

__________________________________________________

23- الكافي 6: 345/ 1.

1- الكافي 7: 447/ 1.

2- الكافي 7: 447/ 2.

(1) إبراهيم: 14: 27.

(2) يونس 10: 9.

(3) طه: 20: 115.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 627

قال: فقال: «إن الله عز و جل لما قال لآدم (عليه السلام): ادخل الجنة، قال له: يا آدم لا تقرب هذه الشجرة- قال- و أراه إياها. فقال آدم (عليه السلام) لربه: كيف أقربها و قد نهيتني عنها أنا و زوجي- قال- فقال لهما: لا تقرباها، يعني: لا تأكلا منها. فقال آدم (عليه السلام) و زوجته: نعم يا ربنا، لا نقربها و لا نأكل منها، و لم يستثنيا في قولهما: نعم فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما و إلى ذكرهما».

قال: «و قد قال الله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله) في الكتاب: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن لا أفعله، فتسبق مشيئة الله في أن لا أفعله، فلا أقدر على أن أفعله- قال- و لذلك

قال الله عز و جل:

وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أي استثن مشيئة الله في فعلك».

6641/ [3]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن حمزة بن حمران، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ.

قال: «ذلك في اليمين، إذا قلت: و الله لا أفعل كذا و كذا، فإذا ذكرت أنك لم تستثن فقل: إن شاء الله».

6642/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الاستثناء في اليمين متى ما ذكر، و إن كان بعد أربعين صباحا، ثم تلا هذه الآية: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ».

6643/ [5]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن، عن علي بن أسباط، عن الحسين بن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ».

فقال: «إذا حلفت على يمين و نسيت أن تستثني، فاستثن إذا ذكرت».

6644/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، قال: أمر أبو عبد الله (عليه السلام) بكتاب في حاجة فكتب، ثم عرض عليه و لم يكن فيه استثناء، فقال: «كيف رجوتم أن يتم هذا و ليس فيه استثناء؟ [انظروا كل موضع لا يكون فيه استثناء] فاستثنوا فيه».

6645/ [7]- الشيخ في (التهذيب) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن علي بن حديد، عن مرازم، قال: دخل

أبو عبد الله (عليه السلام) يوما إلى منزل معتب، و هو يريد العمرة، فتناول لوحا فيه كتاب فيه تسمية أرزاق العيال و ما يخرج لهم فإذا فيه: لفلان و فلان و فلان و ليس فيه استثناء، فقال (عليه السلام): «من كتب هذا الكتاب و لم يستثن فيه، كيف ظن أنه يتم»: ثم دعا بالدواة فقال: «ألحق فيه إن شاء الله» فألحق فيه في كل اسم: إن شاء الله.

__________________________________________________

3- الكافي 7: 448/ 3.

4- الكافي 7: 448/ 6. [.....]

5- الكافي 7: 449/ 8.

6- الكافي 2: 494/ 7.

7- التهذيب 8: 281/ 1030.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 628

6646/ [8]- العياشي: عن عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «إذا حلف الرجل بالله فله ثنياها «1» إلى أربعين يوما، و ذلك أن قوما من اليهود سألوا النبي (صلى الله عليه و آله)، عن شي ء فقال: القوني «2» غدا- و لم يستثن- حتى أخبركم فاحتبس عنه جبرئيل (عليه السلام) أربعين يوما، ثم أتاه، و قال: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ».

6647/ [9]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام): «ذكر أن آدم (عليه السلام) لما أسكنه الله الجنة فقال له: يا آدم لا تقرب هذه الشجرة فقال: نعم، يا رب و لم يستثن، فأمر الله نبيه (صلى الله عليه و آله) فقال: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ و لو بعد سنة».

6648/ [10]- و في رواية عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله

(عليه السلام) في قوله: «وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أن تقول إلا من بعد الأربعين، فللعبد الاستثناء في اليمين ما بينه و بين أربعين يوما إذا نسي».

6649/ [11]- عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال الله: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن لا أفعله، فتسبق مشيئة الله في أن لا أفعله، فلا أقدر على أن أفعله- قال- فلذلك قال الله: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أي استثن مشيئة الله في فعلك».

6650/ [12]- عن زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في قول الله عز و جل:

وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، قال: «إذا حلف الرجل فنسي أن يستثني، فليستثن إذا ذكر».

6651/ [13]- عن حمزة بن حمران، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، فقال: «أن تستثني، ثم ذكرت بعد، فاستثن حين تذكر».

6652/ [14]- عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، قال: «هو الرجل يحلف فينسى أن يقول: إن شاء الله فليقلها إذا ذكر».

6653/ [15]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل:

__________________________________________________

8- تفسير العياشي 2: 324/ 14.

9- تفسير العياشي 2: 324/ 15.

10- تفسير العياشي 2: 324/ 16.

11- تفسير العياشي 2: 325/ 17.

12- تفسير العياشي 2: 325/ 18.

13- تفسير العياشي 2: 325/ 19.

14- تفسير العياشي 2: 325/ 20.

15- تفسير العياشي 2: 325/

21.

(1) الثنيا: الاستثناء. «مجمع البحرين- ثنا- 1: 76».

(2) في «ط»: ائتوني.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 629

وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، قال: «هو الرجل يحلف على الشي ء و ينسى أن يستثني، فيقول: لأفعلن كذا و كذا غدا أو بعد غد عن قوله: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ».

6654/ [16]- عن حمزة بن حمران، قال: سألته عن قول الله: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، قال: «إذا حلفت ناسيا ثم ذكرت بعد، فاستثن حين تذكر».

6655/ [17]- عن القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) قال: «الاستثناء في اليمين متى ما ذكر، و إن كان بعد أربعين صباحا». ثم تلا هذه الآية: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ.

سورة الكهف(18): آية 25 ..... ص : 629

قوله تعالى:

وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً [25]

6656/]- العياشي: عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «و الله، ليملكن رجل منا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا». قال: قلت: و متى ذلك؟ قال: «بعد موت القائم».

قال: قلت: و كم يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟ قال: «تسع عشرة سنة، من يوم قيامة إلى يوم موته».

قال: قلت: فيكون بعد موته هرج؟ قال: «نعم، خمسين سنة- قال- ثم يخرج المنتصر «1» إلى الدنيا فيطلب بدمه و دم أصحابه، فيقتل و يسبي حتى يقال: لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل فيجتمع الناس عليه أبيضهم و أسودهم فيكثرون عليه حتى يلجئوه إلى حرم الله، فإذا اشتد البلاء عليه مات المنتصر «2» و خرج السفاح إلى الدنيا غضبا للمنتصر، فيقتل كل عدونا جائر و يملك الأرض كلها، فيصلح الله له

أمره، و يعيش ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا».

ثم قال: أبو جعفر (عليه السلام): «يا جابر، و هل تدري من المنتصر و السفاح؟ يا جابر، المنتصر الحسين، و السفاح أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)».

6657/ [2]- محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري، و سعدان بن إسحاق بن سعيد، و أحمد بن الحسين بن

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 2: 325/ 22. [.....]

17- تفسير العيّاشي 2: 325/ 23.

1- تفسير العيّاشي 2: 326/ 24.

2- الغيبة: 331/ 3.

(1) في «ط» و المصدر: المنصور.

(2) في «ق»: المنصور.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 630

عبد الملك الزيات، و محمد بن أحمد بن الحسن القطواني، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ثابت، عن جابر ابن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: «و الله، ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا». قال فقلت له: و متى يكون ذلك؟ فقال: «بعد موت القائم (عليه السلام)».

قلت له و كم يقوم القائم (عليه السلام) في عالمه حتى يموت؟ فقال: «تسع عشرة سنة من يوم قيامة إلى يوم موته».

سورة الكهف(18): آية 28 ..... ص : 630

قوله تعالى:

وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا- إلى قوله تعالى- عَنْ ذِكْرِنا [28]

6658/ [1]- العياشي: عن زرارة و حمران، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في قوله: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ، قال: «إنما عنى بها الصلاة».

6659/ [2]- علي بن إبراهيم: فهذه الآية: نزلت في سلمان الفارسي، كان عليه كساء فيه

يكون طعامه و هو دثاره و رداؤه، و كان كساء من صوف، فدخل عيينة بن حصن «1» على النبي (صلى الله عليه و آله) و سلمان عنده، فتأذى عيينة بريح كساء سلمان، و قد كان عرق فيه و كان يومئذ شديد الحر، فعرق في الكساء، فقال: يا رسول الله، إذا نحن دخلنا عليك فأخرج هذا و حزبه «2» من عندك، فإذا نحن خرجنا فأدخل من شئت فأنزل الله: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا و هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري.

سورة الكهف(18): الآيات 29 الي 31 ..... ص : 630

قوله تعالى:

وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ- إلى قوله

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 2: 326/ 25.

2- تفسير القمّي 2: 34.

(1) عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، يكنى أبا مالك، أسلم بعد الفتح، و كان من المؤلّفة قلوبهم و من الأعراب الجفاة، انظر اسد الغابة 4:

166.

(2) في المصدر: و اصرفه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 631

تعالى- نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً [29- 31]

6660/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أحمد، عن عبد العظيم، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية هكذا: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ في ولاية علي فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ آل محمد حقهم ناراً».

6661/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد السياري، عن محمد بن خالد البرقي، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قوله تعالى:

وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ في ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)

فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ آل محمد حقهم ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها».

6662/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه (صلوات الله عليهم أجمعين)، في قوله تعالى وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ: «في ولاية علي (عليه السلام) فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ». و قرأ إلى قوله: أَحْسَنَ عَمَلًا.

ثم قال: «قيل للنبي (صلى الله عليه و آله) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ «1» في أمر علي، أنه الحق من ربك، فمن شاء فليؤمن، و من شاء فليكفر، فجعل الله تركه معصية و كفرا». قال: ثم قرأ: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ لآل محمد ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها- الآية، ثم قرأ:- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، يعني بهم آل محمد (صلوات الله عليهم)».

6663/ [4]- العياشي: عن عاصم الكوزي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: في قول الله: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ، قال: «وعيد».

6664/ [5]- عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ظلم لا يغفره الله، و ظلم لا يدعه فأما الظلم الذي لا يغفره الله، الشرك، و أما الظلم الذي يغفره الله تعالى فظلم الرجل نفسه، و أما الظلم الذي لا يدعه فالذنب «2» بين العباد».

و رواه محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن

__________________________________________________

1- الكافي 1: 351/ 64.

2- تأويل الآيات 1: 292/ 2.

3- تأويل الآيات 1: 292/ 3.

4- تفسير العيّاشي 2: 326/ 26.

5- تفسير العيّاشي 2: 326/ 27. [.....]

(1) الحجر

15: 94.

(2) في الكافي: فالمداينة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 632

الجهم، عن المفضل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الظلم ثلاثة» الحديث «1».

6665/ [6]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا على محمد (صلى الله عليه و آله) فقال: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ آل محمد حقهم ناراً».

6666/ [7]- علي بن إبراهيم: في قوله: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ.

قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «نزلت هذه الآية هكذا: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ يعني ولاية علي (عليه السلام) فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ آل محمد حقهم ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ.- قال- المهل: الذي يبقى في أصل الزيت المغلي يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً». ثم ذكر ما أعد الله للمؤمنين، فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا إلى قوله: وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً.

6667/ [8]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ابن آدم خلق أجوف لا بد له من الطعام و الشراب، فقال: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ».

6668/ [9]- و عنه (عليه السلام) في قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ «2» قال: «تبدل خبزة بيضاء نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب».

قال له قائل: إنهم يومئذ لفي شغل عن الأكل و الشرب؟! فقال له: «إن ابن آدم خلق أجوف لا بد له من الطعام و الشراب، أهم أشد شغلا أمن في النار قد

استغاثوا؟ قال الله: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ».

سورة الكهف(18): الآيات 32 الي 43 ..... ص : 632

قوله تعالى:

وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً- إلى قوله تعالى- وَ ما كانَ مُنْتَصِراً [32- 43]

6669/ [1]- محمد بن العباس (رحمه الله)، قال: حدثنا الحسين بن عامر، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن

__________________________________________________

6- تفسير العيّاشي 2: 326/ 28.

7- تفسير القمّي 2: 35.

8- تفسير العيّاشي 2: 327/ 29.

9- تفسير العيّاشي 2: 327/ 30.

1- تأويل الآيات 1: 293/ 5.

(1) الكافي 2: 248/ 1.

(2) إبراهيم 14: 48.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 633

محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن القاسم بن عروة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل:

وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً، قال: «هما علي (عليه السلام) و رجل آخر».

6670/ [2]- المفيد في (الاختصاص): عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الربيع بن محمد المسلي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما اخرج علي ملببا «1» وقف عند قبر النبي (صلى الله عليه و آله) قال: يا بن عم «2»، إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني- قال- فخرجت يد من قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) يعرفون أنها يده، و صوت يعرفون أنه صوته، نحو أبي بكر: يا هذا: أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا».

6671/ [3]- و من هذا الكتاب أيضا: أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم،

عن خالد بن ماد القلانسي و محمد بن حماد، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما استخلف أبو بكر أقبل عمر على علي (عليه السلام) فقال: أما علمت أن أبا بكر قد استخلف؟ فقال له علي (عليه السلام): فمن جعله كذلك «3»؟ قال: المسلمون رضوا بذلك.

فقال علي: (عليه السلام): و الله، ما أسرع ما خالفوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و نقضوا عهده! و لقد سموه بغير اسمه، و الله ما استخلفه رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال له عمر: كذبت، فعل الله بك و فعل.

فقال: له: إن تشأ أن أريك برهان ذلك فعلت. فقال عمر: ما تزال تكذب على رسول الله في حياته و بعد موته فقال له: انطلق بنا- يا عمر- لتعلم أينا الكذاب على رسول الله (صلى الله عليه و آله) في حياته و بعد موته فانطلق معه حتى أتى القبر، فإذا كف فيها مكتوب: أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا؟! فقال له علي (عليه السلام): أرضيت؟ لقد فضحك رسول الله (صلى الله عليه و آله) «4» في حياته و بعد موته».

6672/ [4]- و من الكتاب أيضا: أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن حماد، عن أبي علي، عن أحمد بن موسى، عن زياد بن المنذر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لقي علي (عليه السلام) أبا بكر في بعض سكك المدينة، فقال له: ظلمت و فعلت؟ فقال: و من يعلم ذلك؟ فقال: يعلمه رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: و كيف لي برسول الله حتى يعلمني ذلك؟ لو أتاني في

المنام فأخبرني لقبلت ذلك.

__________________________________________________

2- الاختصاص: 274.

3- الاختصاص: 274.

4- الاختصاص: 274.

(1) لببت الرجل تلبيبا: إذا جمعت ثيابه عند صدره و نحوه عند الخصومة ثمّ جررته. «مجمع البحرين- لبب- 2: 165».

(2) في المصدر: يا ابن امّ. [.....]

(3) في المصدر: لذلك.

(4) في المصدر: فضحك اللّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 634

قال: فأنا أدخلك على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأدخله مسجد قبا، فإذا هو برسول الله (صلى الله عليه و آله) في مسجد قبا، فقال له (صلى الله عليه و آله): اعتزل عن ظلم أمير المؤمنين- قال- فخرج من عنده فلقيه عمر، فأخبره بذلك، فقال: اسكت، أما عرفت قديما سحر بني عبد المطلب؟!».

6673/ [5]- و من الكتاب أيضا: سعد، قال: حدثنا عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان، عن أبيه سليمان، عن عيثم بن أسلم، عن معاوية بن عمار الدهني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «دخل أبو بكر على علي (عليه السلام) فقال له: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يحدث إلينا في أمرك حدثا بعد يوم الولاية، و أنا أشهد أنك مولاي، مقر لك بذلك، و قد سلمت عليك على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) بإمرة «1» المؤمنين، و أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنك وصيه و وارثه و خليفته في أهله و نسائه و لم يحل بينك و بين ذلك، و صار ميراث رسول الله (صلى الله عليه و آله) إليك و أمر نسائه، و لم يخبرنا بأنك خليفته من بعده، و لا جرم لنا في ذلك، فيما بيننا و بينك، و لا ذنب بيننا و بين الله عز و جل.

فقال: له علي

(عليه السلام): أ رأيتك «2» إن رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى يخبرك بأني أولى بالمجلس الذي أنت فيه، و أنك إن لم تنح عنه كفرت، فما تقول؟ فقال: إن رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى يخبرني ببعض هذا اكتفيت به. قال: فوافني إذا صليت المغرب».

قال: فرجع بعد المغرب فأخذ بيده، و أخرجه إلى مسجد قبا، فإذا رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالس في القبلة، فقال: يا عتيق، وثبت على علي، و جلست مجلس النبوة، و قد تقدمت إليك في ذلك؟! فانزع هذا السربال «3» الذي تسربلته و خله لعلي (عليه السلام) و إلا فموعدك النار».

قال: «ثم أخذ بيده فأخرجه، فقام النبي (صلى الله عليه و آله) عنهما، و انطلق أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى سلمان، فقال له: يا سلمان، أما علمت أنه كان من الأمر كذا و كذا؟ فقال سلمان: ليشهرن بك و ليبدينه إلى صاحبه و ليخبرنه بالخبر، فضحك أمير المؤمنين (عليه السلام)، و قال: أما أن يخبر صاحبه فيفعل، ثم لا و الله لا يذكر انه أبدا إلى يوم القيامة، هما أنظر لأنفسهما «4» من ذلك.

فلقي أبو بكر عمر، فقال: إن عليا أتى كذا و كذا، و صنع كذا و كذا، و قال رسول الله: كذا و كذا. فقال له عمر:

ويلك، ما أقل عقلك! فو الله، ما أنت فيه الساعة إلا من بعض سحر ابن أبي كبشة، قد نسيت سحر بني هاشم؟! و من أين يرجع محمد؟ و لا يرجع من مات، إن ما أنت فيه أعظم من سحر بني هاشم، فتقلد هذا السربال و مر «5» فيه».

__________________________________________________

5- الاختصاص: 272.

(1) في «ج» زيادة: أمير.

(2)

في المصدر: إن أريتك.

(3) السّربال: القميص، و كنى به عن الخلافة. «لسان العرب- سربل- 11: 335».

(4) في «ق»: ممّا نظر لأنفسهما، و في «ط»: ممّا نظر إلى أنفسهما.

(5) في «ق» و «ط»: و من فيه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 635

6674/ [6]- و من الكتاب المذكور أيضا: محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لقي أبا بكر، فقال له: أما أمرك رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن تطيع لي؟ فقال: لا، و لو أمرني لفعلت.

قال: فامض بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فانطلق به إلى مسجد قبا، فإذا رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصلي، فلما انصرف، قال له علي (عليه السلام): يا رسول الله، إني قلت لأبي بكر: أما أمرك رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن تطيعني؟

فقال: لا، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): قد أمرتك، فأطعه».

قال: «فخرج و لقي عمر و هو ذعر فقام عمر و قال له: مالك؟، فقال له: قال رسول الله كذا و كذا. فقال عمر: تبا لامة ولوك أمرهم، أما تعرف سحر بني هاشم؟!».

6675/ [7]- محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات): عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير و علي ابن الحكم، عن الحكم بن مسكين، عن أبي عمارة، عن أبي عبد الله و عثمان بن عيسى، عن ابن أبي عمير و علي ابن الحكم، عن الحكم بن مسكين، عن أبي عمارة، عن أبي عبد الله و عثمان بن عيسى، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله

(عليه السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى «1» أبا بكر فاحتج عليه، ثم قال له: أ ترضى برسول الله (صلى الله عليه و آله) بيني و بينك؟ فقال: فكيف لي به؟ فأخذ بيده، و أتى به مسجد قبا، فإذا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيه، فقضى على أبي بكر، فرجع أبو بكر مذعورا، فلقي عمر فأخبره، فقال: مالك! أما علمت سحر بني هاشم؟!».

6676/ [8]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن أبي عبد الله و محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، جميعا، عن الحسن بن العباس بن الحريش، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: يوما لأبي بكر وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ «2» و أشهد أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مات شهيدا، و الله ليأتينك، فأيقن إذا جاءك فإن الشيطان غير متخيل به، فأخذ علي (عليه السلام) بيد أبي بكر فأراه النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال له: يا أبا بكر، آمن بعلي و بأحد عشر من ولده، إنهم مثلي إلا النبوة، و تب إلى الله مما في يدك، فإنه لا حق لك فيه- قال- ثم ذهب فلم يره».

6677/ [9]- صاحب (درر المناقب): عن ابن عباس، أنه قال: بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) يدور في سكك المدينة إذ استقبله أبو بكر، فأخذ علي (عليه السلام) بيده، ثم قال: «يا أبا بكر، اتق الله الذي خلقك من تراب، ثم من نطفة، ثم سواك رجلا، و اذكر معادك يا ابن أبي قحافة، و اذكر ما

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد علمتم ما تقدم به إليكم في غدير خم فإن رددت إلي الأمر دعوت الله أن يغفر لك ما فعلته، و إن لم تفعل فما يكون جوابك لرسول

__________________________________________________

6- الاختصاص: 273.

7- بصائر الدرجات: 294/ 2.

8- الكافي 1: 448/ 13.

9- .... مدينة المعاجز: 168.

(1) في المصدر: لقي.

(2) آل عمران 3: 169. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 636

الله (صلى الله عليه و آله)». فقال له: أرني رسول الله في المنام، يردني عما أنا فيه، فإني أطيعه. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«كيف ذلك و أنا أريكه في اليقظة؟».

ثم أخذ علي (عليه السلام) بيده حتى أتى به مسجد قبا، فرأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالسا في محرابه و عليه أكفانه و هو يقول: «يا أبا بكر، ألم أقل لك ذلك مرة بعد مرة و تارة بعد تارة إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفتي و وصيي، و طاعته طاعتي، و معصيته معصيتي، و طاعته طاعة الله، و معصيته معصية الله؟!».

قال: فخرج أبو بكر و هو فزع مرعوب، و قد عزم أن يرد الأمر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ استقبله رجل من أصحابه فأخبره بما رأى، فقال: هذا سحر من سحر بني هاشم، دم «1» على ما أنت عليه، و احفظ مكانك. و لم يزل به حتى صده عن المراد.

6678/ [10]- و ذكر بعض العلماء، في كتاب له، قال: روت الشيعة بأسرهم: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما قعد أبو بكر مقعده و دعا إلى نفسه بالإمامة، احتج عليه بما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مواطن كثيرة من أن عليا (عليه السلام)

خليفته و وصيه و وزيره و قاضي دينه و منجز وعده، و أنه (صلى الله عليه و آله) أمرهم باتباعه في حياته و بعد وفاته، و كان من جواب أبي بكر أنه قال: وليتكم و لست بخيركم، أقيلوني.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «من يقيلك؟ الزم بيتك و سلم الأمر إلى الذي جعله الله و رسوله له، و لا يغرنك من قريش أوغادها، فإنهم عبيد الدنيا، يزيلون الحق عن مقره طمعا منهم في الولاية بعدك، و لينالوا في حياتك من دنياك». فتلجلج في الجواب، و جعل يعده بتسليم الأمر إليه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما إن أريتك رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمرك باتباعي و تسليم الأمر إلي أما تقبل قوله؟» فتبسم ضاحكا متعجبا من قوله (عليه السلام) و قال: نعم، فأخذ «2» بيده و أدخله المسجد- و هو مسجد قبا بالمدينة- فأراه رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول له: «يا أبا بكر، أنسيت ما أقوله في علي؟! فسلم إليه هذا الأمر، و اتبعه و لا تخالفه» فلما سمع ذلك ابو بكر و غاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن بصره بهت و تحير، و أخذه الأفكل «3» و عزم على تسليم الأمر إليه فدخل في رأيه الثاني.

أقول: ما رواه أصحاب الحديث و الروايات في هذا المعنى كثيرة، اقتصرنا على ذلك مخافة الإطالة.

6679/ [11]- ابن شهر آشوب: من مناقب إسحاق العدل، أنه كان في خلافة هشام خطيب يلعن عليا (عليه السلام) على المنبر، قال: فخرجت كف من قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، يرى الكف و لا يرى الذراع، عاقدة

__________________________________________________

10- عيون المعجزات: 42.

11- المناقب 2:

344.

(1) في «ط»: ثبت.

(2) في «ج»: فأخذه.

(3) الأفكل: الرّعدة من برد أو خوف. «لسان العرب- فكل- 11: 529».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 637

على ثلاث و ستين، و إذا كلام من قبر النبي (صلى الله عليه و آله): «ويلك من أمري «1» أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا؟» و ألقت ما فيها فإذا دخان أزرق، قال: فما نزل عن المنبر إلا و هو أعمى يقاد، قال: فما مضت له ثلاثة أيام حتى مات.

6680/ [12]- قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً قال: نزلت في رجل كان له بستانان كبيران عظيمان كثيرا الثمار، كما حكى الله عز و جل، و فيهما نخل و زرع و ماء، و كان له جار فقير، فافتخر الغني على ذلك الفقير، و قال له: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً ثم دخل بستانه و قال: ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً.

فقال له الفقير: أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ثم قال الفقير للغني: وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً.

ثم قال الفقير: فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أي محترقا أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً. فوقع فيها ما قال الفقير في تلك

الليلة فَأَصْبَحَ الغني، يقلب كفيه على ما أنفق فيها و هي خاوية على عروشها و يقول: يا ليتني لم أشرك بربي أحدا وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً فهذه عقوبة البغي.

6681/ [13]- ابن بابويه، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور (رضي الله عنه) قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، قال: حدثني جماعة من مشايخنا، منهم: أبان بن عثمان و هشام بن سالم و محمد بن حمران، عن الصادق (عليه السلام) قال: عجبت لمن فزع من أربع، كيف لا يفزع إلى أربع؟

عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله عز و جل: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ «2»؟ فإني سمعت الله عز و جل يقول بعقبها: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ «3». و عجبت لمن اغتم، كيف لا يفزع إلى قوله عز و جل لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «4» فإني سمعت الله عز و جل يقول بعقبها:

فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ «5». و عجبت لمن مكر به، كيف لا يفزع إلى قوله تعالى:

__________________________________________________

12- تفسير القمّي 2: 35.

13- الخصال: 218/ 43.

(1) في المصدر: اموي.

(2) آل عمران 3: 173.

(3) آل عمران 3: 174.

(4) الأنبياء 21: 87.

(5) الأنبياء 21: 88.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 638

وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ «1»؟ فإني سمعت الله عز و جل يقول بعقبها: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا «2». و عجبت لمن أراد الدنيا و زينتها، كيف لا يفزع إلى قوله تعالى: ما شاءَ اللَّهُ

لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؟ و فإني سمعت الله عز و جل يقول بعقبها: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَ وَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ، و عسى موجبة».

سورة الكهف(18): آية 44 ..... ص : 638

قوله تعالى:

هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً [44]

6682/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن اورمة و محمد بن عبد الله، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام). عن قوله تعالى: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ، قال: «ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)».

6683/ [2]- محمد بن العباس (رحمه الله): عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عبد الحميد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: قوله تعالى: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً؟ قال: «هي ولاية علي (عليه السلام)، هي «3» خير ثوابا و خير عقبا».

سورة الكهف(18): الآيات 45 الي 46 ..... ص : 638

قوله تعالى:

وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ- إلى قوله تعالى- وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا [45- 46]

6684/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

__________________________________________________

1- الكافي 1: 346/ 34، شواهد التنزيل 1: 356/ 487.

2- تأويل الآيات 1: 296/ 6. [.....]

3- تفسير القمّي 2: 36.

(1) غافر 40: 44.

(2) غافر 40: 45.

(3) في «ط»: هو.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 639

سمعته يقول: «أيها الناس، آمروا بالمعروف، و انهوا عن المنكر، فإن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لم يقربا أجلا، و لم يباعدا رزقا، فإن الأمر، ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر في كل يوم إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو نقصان، في أهل أو مال أو نفس، و

إذا أصاب أحدكم مصيبة في مال أو نفس و رأى عند أخيه عفوة «1» فلا يكونن له فتنة، فإن المرء المسلم ما لم يفش «2» دناءة تظهر و يخشع لها إذا ذكرت «3» و يغري بها لئام «4» الناس، كان كالياسر الفالج الذي ينتظر أول «5» فوز من قداحه، يوجب له بها المغنم، و يدفع عنه المغرم، كذلك المرء المسلم البري ء من الكذب و الخيانة، ينتظر إحدى الحسنيين: إما داعيا من الله، فما عند الله خير له، و إما رزقا من الله، فهو ذو أهل و مال و معه دينه و حسبه، و المال و البنون حرث الدنيا، و العمل الصالح حرث الآخرة، و قد يجمعهما الله لأقوام».

6685/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «مر رسول الله (صلى الله عليه و آله) برجل يغرس غرسا في حائط له فوقف عليه، و قال: ألا أدلك على غرس أثبت أصلا و أسرع إيناعا و أطيب ثمرا و أبقى؟ قال: بلى، فدلني يا رسول الله.

قال: إذا أصبحت و أمسيت فقل: سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر، فإن لك- إن قلته- بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة، و هن «6» من الباقيات الصالحات».

قال: «فقال الرجل: إني أشهدك- يا رسول الله- أن حائطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين من أهل الصدقة، فأنزل الله عز و جل الآيات من القرآن: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى «7»».

و روى هذا الحديث ابن بابويه،

في (أماليه): حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السلام): مثله، إلا أن فيه: «على فقراء المسلمين من أهل الصفة» «8».

__________________________________________________

2- الكافي 2: 367/ 4.

(1) عفو المال: ما يفضل عن النفقة: «لسان العرب- عفا- 15: 76». و في «ج» و «ط» و «ق»: عثرة.

(2) في «ق» و «ط» و المصدر: يغش.

(3) في «ط»: تظهر فتخشع إذا ذكر.

(4) في «ج» و «ق»: آثام.

(5) في «ج» و «ق»: إحدى.

(6) في «ج»: و هو.

(7) الليل 92: 5- 7.

(8) الأمالي: 169/ 16.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 640

6686/ [3]- الشيخ في (التهذيب) بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن عمر بن علي بن عمر، عن عمه محمد بن عمر، عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إن كان الله عز و جل قال: الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا فإن الثمانية ركعات يصليها العبد آخر الليل زينة الآخرة».

6687/ [4]- العياشي: عن إدريس القمي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الباقيات الصالحات، فقال:

«هي الصلاة، فحافظوا عليها- قال- لا تصل الظهر أبدا حتى تزول الشمس».

6688/ [5]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): خذوا جننكم. فقالوا:

يا رسول الله، عدو حضر؟ قال: لا و لكن خذوا جننكم من النار. فقالوا: بم نأخذ جنننا يا رسول الله من النار؟ قال:

سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة و لهن

مقدمات و مؤخرات و منجيات و معقبات، و هن الباقيات الصالحات».

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ «1» قال: ذكر الله عند ما أحل أو حرم، و شبه هذا و مؤخرات».

6689/ [6]- عن محمد بن عمرو، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «قال الله عز و جل: الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا كما أن ثماني ركعات يصليها العبد آخر الليل «2» زينة الآخرة».

6690/ [7]- الشيخ: بإسناده عن ابن فضال، عن العباس، عن فضيل بن عثمان، عن بشير الدهان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) في ملأ من أصحابه، فقال: خذوا جننكم. قالوا: يا رسول الله، حضر عدو؟ قال: لا، خذوا جننكم من النار قال: قولوا: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم. فإنهن يوم القيامة مقدمات و منجيات و معقبات، و هن عند الله الباقيات الصالحات».

6691/ [8]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن محمد بن فضيل، عن أبيه، عن النعمان بن عمرو الجعفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي، قال: دخلت أنا و عمي الحصين بن عبد الرحمن علي أبي عبد الله (عليه السلام). فسلم عليه فرد عليه السلام و أدناه، فقال: «ابن من هذا معك»؟

قال: ابن أخي إسماعيل. قال: «رحم الله إسماعيل و تجاوز عن سيئ عمله، كيف مخلفوه»؟ «3» قال: نحن جميعا

__________________________________________________

3- التهذيب 2: 120/ 223. [.....]

4- تفسير العيّاشي 2: 327/ 31.

5- تفسير العيّاشي 2: 327/ 32.

6- تفسير العيّاشي 2: 327/

33.

7- الأمالي 2: 290.

8- تأويل الآيات 1: 297/ 8.

(1) العنكبوت 29: 45.

(2) في «ط» و «ق» و المصدر: الليلة.

(3) في «ق» و «ط» و المصدر: تخلّفوه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 641

بخير ما أبقى الله لنا مودتكم قال: «يا حصين، لا تستصغرن مودتنا، فإنها من الباقيات الصالحات».

فقال: يا بن رسول الله، ما أستصغرها، و لكن أحمد الله عليها، لقولهم (صلوات الله عليهم أجمعين): «من حمد الله فليقل: الحمد لله على اولي «1» النعم».

قيل و ما اولي النعم؟ قال: «ولايتنا أهل البيت».

سورة الكهف(18): الآيات 47 الي 49 ..... ص : 641

قوله تعالى:

وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً- إلى قوله تعالى- وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [47- 49]

6692/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما يقول الناس في هذه الآية وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً «2»؟». قلت: يقولون: إنها في القيامة.

قال: أبو عبد الله (عليه السلام): «ليس كما يقولون، إنما ذلك في الرجعة، يحشر الله في القيامة من كل امة فوجا و يدع الباقين؟! إنما آية القيامة قوله: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً».

6693/ [2]- العياشي: عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة دفع إلى الإنسان كتابه، ثم قيل له: اقرأ».

قلت: فيعرف ما فيه؟ فقال: «إنه يذكره، فما من لحظة و لا كلمة و لا نقل قدم و لا شي ء فعله إلا ذكره، كأنه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا: يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا

أَحْصاها».

6694/ [3]- عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ «3»، قال: «يذكر العبد جميع ما عمل و ما كتب عليه كأنه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا: يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 1: 24.

2- تفسير العيّاشي 2: 328/ 34.

3- تفسير العيّاشي 2: 328/ 35.

(1) في «ق» و «ط»: أوّل، في الموضعين.

(2) النمل 27: 83.

(3) الاسراء 17: 14. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 642

6695/ [4]- قال علي بن إبراهيم: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا

إلى قوله:وْعِداً

فهو محكم.

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- حديث المحشر، في قوله تعالى: وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتابُ من آخر سورة الزمر «1».

6696/ [5]- و قال في قوله تعالى: وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ- إلى قوله تعالى:- وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً قال: يجدون كل ما عملوا مكتوبا.

سورة الكهف(18): آية 50 ..... ص : 642

قوله تعالى:

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ [50]

6697/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف بأبي الحسن الجرجاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه، علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام)- في حديث- قالا: قلنا له: فعلى هذا لم يكن إبليس (لعنه الله) أيضا ملكا.

فقال: «لا، بل كان من الجن، أما تسمعان الله تعالى يقول: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ

كانَ مِنَ الْجِنِّ فأخبر عز و جل أنه كان من الجن، و هو الذي قال الله تعالى: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ «2»».

و الحديث طويل ذكرناه في قوله تعالى: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ «3».

6698/ [2]- العياشي: عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن إبليس، أ كان من الملائكة؟ و هل كان يلي من أمر السماء شيئا؟

قال: «إنه لم يكن من الملائكة، و لم يكن يلي من أمر السماء شيئا، كان من الجن، و كان مع الملائكة، و كانت

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 2: 36.

5- تفسير القمّي 2: 37.

1- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 270/ 1.

2- تفسير العيّاشي 2: 328/ 36.

(1) يأتي في الحديث (2) من تفسير الآية (9) من سورة الزمر.

(2) الحجر 15: 27.

(3) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآية (102) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 643

الملائكة تراه أنه منها، و كان الله يعلم أنه ليس منها، فلما امر بالسجود كان منه الذي كان».

6699/ [3]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أمر الله إبليس بالسجود لآدم مشافهة. فقال:

و عزتك لئن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنك عبادة ما عبدها خلق من خلقك».

6700/ [4]- و في رواية اخرى، عن هشام، عنه (عليه السلام): «و لما خلق الله آدم (عليه السلام) قبل أن ينفخ فيه الروح كان إبليس يمر به فيضربه برجله فيدب، فيقول إبليس: لأمر ما خلقت».

و قد تقدمت الروايات في سورة البقرة بما فيه مزيد على ما هاهنا «1».

سورة الكهف(18): آية 51 ..... ص : 643

قوله تعالى:

ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ

عَضُداً [51] 6701/ [5]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً: أي ناصرا.

6702/ [6]- العياشي: عن محمد بن مروان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً.

قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام فأنزل الله:

وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً يعنيهما».

6703/ [7]- عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب»؟ فقال: «يا محمد، قد- و الله- قال ذلك، و كان علي أشد من ضرب العنق».

ثم أقبل علي فقال: «هل تدري ما أنزل الله يا محمد»؟ قلت: أنت أعلم، جعلت فداك، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان في دار الأرقم، فقال: اللهم أعز الإسلام، بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب، فأنزل الله:

ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً يعنيهما».

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 328/ 37.

4- تفسير العيّاشي 2: 328/ 38.

5- تفسير القمّي 2: 37.

6- تفسير العيّاشي 2: 328/ 39.

7- تفسير العيّاشي 2: 329/ 40.

(1) تقدّمت الروايات في تفسير الآية (34) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 644

سورة الكهف(18): الآيات 52 الي 53 ..... ص : 644

قوله تعالى:

وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً- إلى قوله تعالى- وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [52- 53] 6704/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً: أي سترا.

قال: قوله:

وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي علموا، فهذا ظن يقين.

6705/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر ابن عبد الله بن حبيب، قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر، قال: حدثني محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجنديسابوري، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبد الله «1» بن عبيد، عن أبي معمر السعداني، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «قوله: وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي أيقنوا أنهم داخلوها».

سورة الكهف(18): آية 54 ..... ص : 644

قوله تعالى:

وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلًا [54]

6706/ [3]- ابن شهر آشوب: عن أبي بكر الشيرازي في (كتابه) عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، و أبي يوسف يعقوب بن سفيان في (تفسيره) و أحمد بن حنبل و أبي يعلى الموصلي في (مسنديهما) قال ابن شهاب:

أخبرني علي بن الحسين (عليه السلام) أن أباه الحسين بن علي (عليه السلام) ذكر أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخبره: أن النبي (صلى الله عليه و آله) طرقه و فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: «ألا تصلون؟ فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا- أي يكثر اللطف بنا- فانصرف حين قلت ذلك و لم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته و هو مول يضرب فخذيه و يقول: وَ كانَ الْإِنْسانُ يعني: علي بن أبي طالب أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلًا أي متكلما بالحق و الصدق».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 37. [.....]

2- التويد: 267/ 5.

3- المناقب 2: 45، مسند أحمد بن حنبل 1: 112.

(1) في المصدر: عبيد اللّه.

البرهان في

تفسير القرآن، ج 3، ص: 645

سورة الكهف(18): الآيات 56 الي 82 ..... ص : 645

قوله تعالى:

وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ- إلى قوله تعالى- ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [56- 82] 6707/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ. أي يدفعوه وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً إلى قوله: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ فهو محكم.

قال: و قوله تعالى: لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا أي ملجأ: وَ تِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً أي يوم القيامة يدخلون النار، فلما أخبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) قريشا خبر أصحاب الكهف، قالوا: أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه، و ما قصته؟ فأنزل الله عز و جل: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً.

6708/ [2]- ابن بابويه، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال:

حدثني محمد بن زكريا الجوهري البصري، قال: حدثنا جعفر بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: «إن الخضر كان نبيا مرسلا، بعثه الله تبارك و تعالى إلى قومه، فدعاهم إلى توحيده، و الإقرار بأنبيائه و رسله و كتبه، و كانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء، و إنما سمي خضرا لذلك، و كان اسمه تاليا «1» بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح (عليه السلام)، و إن موسى لما كلمه الله تكليما، و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شي ء موعظة و تفصيلا لكل شي ء، و جعل آيته في يده و

في عصاه، و في الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم، و فلق البحر، و أغرق الله عز و جل فرعون و جنوده، و عملت البشرية فيه حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عز و جل خلق خلقا أعلم مني. فأوحى الله عز و جل إلى جبرئيل (عليه السلام): يا جبرئيل، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، و قل: له: إن عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتبعه و تعلم منه، فهبط جبرئيل (عليه السلام) على موسى (عليه السلام) بما أمره به ربه عز و جل، فعلم موسى (عليه السلام) أن ذلك لما حدثته به نفسه.

فمضى هو و فتاه يوشع بن نون (عليه السلام) حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجدا هناك الخضر (عليه السلام) يعبد الله عز و جل، كما قال الله عز و جل في كتابه فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً؟ قال له الخضر (عليه السلام): إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لأني وكلت بعلم لا تطيقه، و وكلت أنت بعلم لا أطيقه. قال موسى: بل أستطيع معك صبرا. فقال

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 37.

2- علل الشرائع: 59/ 1.

(1) في المصدر: باليا، و في «ق»: إليا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 646

الخضر: إن القياس لا مجال له في علم الله و أمره وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً؟ قال له موسى:

سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فلما استثنى المشيئة قبله. قال: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً فقال موسى (عليه السلام): لك

ذلك علي. فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها الخضر (عليه السلام)، فقال له موسى (عليه السلام): أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قال: أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً؟! قال موسى (عليه السلام): لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ أي بما تركت من أمرك وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ الخضر (عليه السلام)، فغضب موسى (عليه السلام) و أخذ بتلابيبه و قال له:

أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً؟! قال له الخضر: إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره، بل أمر الله يحكم عليها، فسلم لما ترى مني و اصبر عليه، فقد كنت علمت أنك لن تستطيع معي صبرا. قال موسى (عليه السلام): إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً.

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ و هي الناصرة، و إليها تنسب النصارى اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فوضع الخضر (عليه السلام) يده عليه فأقامه فقال له موسى (عليه السلام):

لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً؟ قال له الخضر (عليه السلام): هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً فقال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً فأردت بما فعلت أن تبقى لهم، و لا يغصبهم الملك عليها، فنسب إلا بانة «1» في هذا الفعل إلى نفسه لعلة ذكر التعييب، لأنه أراد أن يعيبها عند الملك حتى إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها، و أراد الله عز و جل صلاحهم بما أمره به من ذلك.

ثم قال: وَ أَمَّا

الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فطبع «2» كافرا، و علم الله تعالى ذكره أنه إن بقي كفر أبواه و افتتنا به و ضلا بإضلاله إياهما، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله، و أراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة، فاشترك «3» في الإبانة بقوله: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً و إنما اشترك في الإبانة لأنه خشي، و الله لا يخشى لأنه لا يفوته شي ء، و لا يمتنع عليه أحد أراده، و إنما خشي الخضر من أن يحال بينه و بين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه، و وقع في نفسه أن الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوي الغلام، فعمل فيه وسط الأمر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى (عليه السلام)، لأنه صار في الوقت مخبرا، و كليم الله موسى (عليه السلام) مخبرا، و لم يكن ذلك باستحقاق الخضر (عليه السلام) للرتبة على موسى (عليه السلام) و هو أفضل من الخضر، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين.

ثم قال: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً و لم

__________________________________________________

(1) في المصدر في جميع المواضع: الأنانيّة، و الظاهر أنّ المراد الإرادة.

(2) في «ق» و «ج»: فطلع.

(3) في «ق» و «ط»: فأشرك، في الموضعين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 647

يكن ذلك الكنز بذهب و لا فضة، و لكن كان لوحا من ذهب مكتوب فيه: عجب «1» لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم، عجب لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف

يطمئن إليها، و كان أبوهما صالحا، و كان بينهما و بين هذا الأب الصالح سبعون أبا، فحفظهما الله بصلاحه، ثم قال: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما فتبرأ من الإبانة في آخر القصص، و نسب الإرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك لأنه لم يكن بقي شي ء مما فعله فيخبر به بعد و يصير موسى (عليه السلام) به مخبرا و مصغيا إلى كلامه تابعا له، فتجرد من الإبانة و الإرادة تجرد العبد المخلص، ثم صار متنصلا مما أتاه من نسبة الإبانة في أول القصة، و من ادعائه الاشتراك في ثاني القصة، فقال: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.

ثم قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): «إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس، و من حمل أمر الله على المقاييس هلك و أهلك، إن أول معصية ظهرت، الإبانة من إبليس اللعين، حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا، و أبي إبليس اللعين أن يسجد، فقال عز و جل: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ «2» فكان أول كفره قوله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ثم قياسه بقوله: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فطرده الله عز و جل عن جواره و لعنه و سماه رجيما، و أقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار».

6709/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: و كان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى (عليه السلام) تكليما، و أنزل عليه الألواح، و فيها كما قال الله تعالى: وَ

كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ ءٍ «3» رجع موسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل، فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة و كلمه، قال في نفسه: ما خلق الله خلقا أعلم مني، فأوحى الله عز و جل إلى جبرئيل (عليه السلام) أن أدرك موسى فقد هلك، و أعلمه أن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلا أعلم منك فصر إليه، و تعلم من علمه فنزل جبرئيل (عليه السلام) على موسى (عليه السلام) و أخبره فذل موسى (عليه السلام) في نفسه، و علم أنه أخطأ و دخله الرعب، و قال لوصيه يوشع بن نون: إن الله قد أمرني أن أتبع رجلا عند ملتقى البحرين و أتعلم منه. فتزود يوشع بن نون حوتا مملوحا و خرجا، فلما خرجا و بلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه فلم يعرفاه، فأخرج وصي موسى الحوت و غسله بالماء و وضعه على الصخرة، و مضيا و نسيا الحوت، و كان ذلك الماء ماء الحيوان، فحيي الحوت و دخل الماء، فمضى موسى (عليه السلام) و يوشع بن نون معه حتى عييا «4»: فقال لوصيه: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً أي عناء «5» فذكر

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 2: 37.

(1) في «ط» في جميع المواضع: عجبت.

(2) الأعراف 7: 12.

(3) الأعراف 7: 145.

(4) في المصدر: عشيا، و في «ق»: جيعا. [.....]

(5) في «ج» و «ق»: عيّا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 648

وصيه السمكة، فقال لموسى (عليه السلام): إني نسيت الحوت على الصخرة. فقال موسى: ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده، فرجعا على آثارهما قصصا، إلى الرجل و هو في الصلاة، فقعد موسى

(عليه السلام) حتى فرغ من صلاته فسلم عليهما.

6710/ [4]- و قال علي بن إبراهيم: حدثني محمد بن علي بن بلال، عن يونس، قال: اختلف يونس و هشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى (عليه السلام) أيهما كان أعلم؟ و هل يجوز أن يكون على موسى (عليه السلام) حجة في وقته و هو حجة الله على خلقه؟ قال قاسم الصيقل: فكتبوا ذلك إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسألونه عن ذلك، فكتب في الجواب: «أتى موسى (عليه السلام) العالم فأصابه و هو في جزيرة من جزائر البحر إما جالسا و إما متكئا، فسلم عليه موسى (عليه السلام) فأنكر السلام، إذ كان بأرض ليس فيها سلام، قال: من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران. قال:

أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما؟ قال: نعم. قال: فما حاجتك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا.

قال: إني وكلت بأمر لا تطيقه، و وكلت أنت بأمر لا أطيقه.

ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد (عليهم السلام) من البلاء و كيد الأعداء حتى اشتد بكاؤهما، ثم حدثه عن فضل آل محمد (عليهم السلام) حتى جعل موسى (عليه السلام) يقول: يا ليتني كنت من آل محمد، و حتى ذكر فلانا و فلانا، و فلانا، و مبعث رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى قومه، و ما يلقى منهم و من تكذيبهم إياه، و ذكر له تأويل هذه الآية:

وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ «1» حين أخذ عليهم الميثاق (عليه السلام) فقال موسى:

هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً فقال الخضر (عليه السلام): إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ

خُبْراً؟ فقال موسى (عليه السلام): سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً قال الخضر (عليه السلام): فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً يقول: لا تسألني عن شي ء أفعله، و لا تنكره علي حتى أخبرك أنا بخبره، قال: نعم.

فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر، و قد شحنت سفينة و هي تريد أن تعبر، فقال أرباب السفينة:

نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون فحملوهم، فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر (عليه السلام) إلى جوانب السفينة فكسرها و حشاها بالخرق و الطين، فغضب موسى (عليه السلام) غضبا شديدا، و قال للخضر (عليه السلام):

أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً فقال له الخضر: أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. قال موسى (عليه السلام) لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.

فخرجوا من السفينة و مروا فنظر الخضر (عليه السلام) إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر، و في أذنيه درتان، فتأمله الخضر (عليه السلام)، ثم أخذه فقتله فوثب موسى (عليه السلام) على الخضر (عليه السلام) و جلد به

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 2: 38.

(1) الأنعام 6: 110.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 649

الأرض «1»، فقال: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً؟!.

فقال الخضر (عليه السلام) أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً؟! قال موسى (عليه السلام): إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً.

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها [بالعشي ] تسمى الناصرة، و إليها تنسب النصارى، و لم يضيفوا أحدا قط، و لم يطعموا غريبا، فاستطعموهم فلم يطعموهم و لم يضيفوهم، فنظر

الخضر (عليه السلام) إلى حائط قد زال لينهدم فوضع الخضر يده عليه، و قال: قم بإذن الله تعالى، فقام. فقال موسى (عليه السلام): لم ينبغ لك أن تقيم الجدار حتى يطعمونا و يؤوونا و هو قوله: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً؟

فقال له الخضر (عليه السلام): هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ التي فعلت بها ما فعلت فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً- كذا نزلت- و إذا كانت السفينة معيوبة، لم يأخذ منها شيئا، وَ أَمَّا الْغϙĘǙřϠفَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ و طبع كافرا- كذا نزلت- فنظرت إلى جبينه و عليه مكتوب: طبع كافرا: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً فأبدل الله والديه بنتا ولدت سبعين نبيا وَ أَمَّا الْجِدارُ الذي أقمته فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما إلى قوله: ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً».

6711/ [5]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عدة من أصحابه، عن الحسن بن علي بن يوسف، عن الحسن بن سعيد اللخمي، قال: ولد لرجل من أصحابنا جارية، فدخل على أبي عبد الله (عليهم السلام) فرآه متسخطا، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): «أ رأيت لو أن الله تبارك و تعالى أوحى إليك أن أختار لك أو تختار لنفسك، ما كنت تقول؟». قال: كنت أقول: يا رب، تختار لي. قال: «فإن الله قد اختار لك!».

قال: ثم قال: «إن

الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى (عليه السلام) و هو قول الله عز و جل: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً أبدلهما الله به بنتا، ولدت سبعين نبيا».

6712/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله [و الأئمة حجج الله ]، عجب لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح، عجب لمن يؤمن بالقدر كيف يفرق «2»، عجب لمن يذكر النار كيف يضحك، عجب لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها!».

__________________________________________________

5- الكافي 6: 6/ 11.

6- تفسير القمّي 2: 40.

(1) جلدت به الأرض: أي صرعته. «لسان العرب- جلد- 3: 125».

(2) في «ط»: يحزن، و فرق: فزع و أشفق. «لسان العرب- فرق- 10: 304».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 650

6713/ [7]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما.

فقال: «أما إنه ما كان ذهبا و لا فضة، و إنما كان أربع كلمات: لا إله إلا أنا، من أيقن بالموت لم يضحك، و من أيقن بالحساب لم يفرح قلبه، و من أيقن بالقدر لم يخش إلا الله».

6714/ [8]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن

محمد ابن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن علي، رفعه إلى عمرو بن جميع، رفعه إلى علي (عليه السلام)، في قول الله عز و جل:

وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما و ذكر مثل ما في رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) السابقة «1».

6715/ [9]- علي بن إبراهيم، و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ قال: «هو يوشع بن نون و قوله: لا أَبْرَحُ يقول: لا أزال حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً- قال- الحقب ثمانون سنة و قوله: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً هو المنكر، و كان موسى (عليه السلام) ينكر الظلم، فأعظم ما رأى».

6716/ [10]- العياشي: عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)، قال: «لما كان من أمر موسى (عليه السلام) الذي كان، اعطي مكتلا «2» فيه حوت مملح، و قيل له: هذا يدلك على صاحبك عند عين مجمع البحرين، لا يصيب منها شي ء ميتا إلا حيي، يقال لها: الحياة، فانطلقا حتى بلغا «3» الصخرة، فانطلق الفتى يغسل الحوت في العين، فاضطرب الحوت في يده حتى خدشه، فانفلت منه، و نسيه الفتى، فلما جاوز الوقت الذي وقت فيه أعيا موسى (عليه السلام): قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً قال:

أَ رَأَيْتَ إلى قوله تعالى: عَلى آثارِهِما قَصَصاً فلما أتاها وجد الحوت قد خر في البحر، فاقتصا الأثر حتى أتيا صاحبهما في جزيرة من جزائر البحر، إما متكئا و إما جالسا في كساء له، فسلم عليه موسى (عليه السلام)، و عجب من السلام، و هو في أرض ليس فيها سلام،

فقال: من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما؟ قال: نعم. قال: فما حاجتك؟ قال: أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.

__________________________________________________

7- الكافي 2: 48/ 6.

8- معاني الأخبار: 200/ 1.

9- تفسير القمّي 2: 40.

10- تفسير العيّاشي 2: 329/ 41.

(1) في «ط» زيادة: إلّا أنّ فيها: «أنّه كان بينهما و بين الأب الصالح سبعة آباء» و قال (عليه السّلام): «إنّ اللّه يصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده و ولد ولده، و أهل دويرته و دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ اللّه».

(2) المكتل: الزّبيل الكبير. «لسان العرب- كتل- 11: 583».

(3) في «ج» و «ط»: فانظر إلى حين تلقى. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 651

قال: إني وكلت بأمر لا تطيقه، و وكلت بأمر لا أطيقه و قال له: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فحدثه عن آل محمد (عليهم السلام)، و عما يصيبهم حتى اشتد بكاؤهما، ثم حدثه عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، و عن ولد فاطمة (عليهم السلام)، و ذكر له من فضلهم و ما اعطوا، حتى جعل، يقول: يا ليتني من آل محمد و عن رجوع رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى قومه، و ما يلقى منهم، و من تكذيبهم إياه، و تلا هذه الآية:

وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ «1» فإنه أخذ عليهم الميثاق».

6717/ [11]- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان وصي موسى بن عمران (عليه السلام) يوشع بن نون،

و هو فتاه الذي ذكره الله في كتابه».

6718/ [12]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان موسى (عليه السلام) أعلم من الخضر (عليه السلام)».

6719/ [13]- عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول موسى (عليه السلام) لفتاه آتِنا غَداءَنا و قوله: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ «2»، فقال: «إنما عنى الطعام». و قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن موسى لذو جوعات» «3».

6720/ [14]- عن بريد، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: قلت له: ما منزلتكم في الماضين، و من تشبهون منهم؟

قال: «الخضر و ذو القرنين كانا عالمين و لم يكونا نبيين».

6721/ [15]- عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنما مثل علي (عليه السلام) و مثلنا من بعده من هذه الامة كمثل موسى (عليه السلام) و العالم، حين لقيه و استنطقه و سأله الصحبة، فكان من أمرهما ما اقتصه الله لنبيه (صلى الله عليه و آله) في كتابه، و ذلك أن الله قال لموسى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ «4»، ثم قال: وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ ءٍ «5».

و قد كان عند العالم علم لم يكتب لموسى في الألواح، و كان موسى يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 330/ 42.

12- تفسير العيّاشي 2: 330/ 43.

13- تفسير العيّاشي 2: 330/ 44.

14- تفسير العيّاشي 2: 330/ 45.

15- تفسير العيّاشي 2: 330/ 46.

(1) الأنعام 6: 110.

(2) القصص 28: 24.

(3) في «ط»: إنّ موسى جوعان.

(4) الأعراف 7: 144.

(5) الأعراف 7: 145.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 652

في تابوته، و جميع العلم قد كتب له في الألواح، كما يظن هؤلاء الذين يدعون أنهم فقهاء و علماء، و أنهم قد أثبتوا جميع العلم و الفقه في الدين مما تحتاج هذه الامة إليه، و صح لهم عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علموه و حفظوه، و ليس كل علم رسول الله (صلى الله عليه و آله) علموه، و لا صار إليهم عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و لا عرفوه، و ذلك أن الشي ء من الحلال و الحرام و الأحكام يرد عليهم فيسألون عنه، و لا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و يستحيون أن ينسبهم الناس إلى الجهل، و يكرهون أن يسألوا فلا يجيبوا فيطلب الناس العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرأي و القياس في دين الله، و تركوا الآثار، و دانوا الله بالبدع، و قد قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل بدعة ضلالة.

فلو أنهم إذا سئلوا عن شي ء من دين الله، فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول الله، ردوه إلى الله و إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم- من آل محمد (عليهم السلام)- و الذي منعهم من طلب العلم منا العداوة و الحسد لنا، لا و الله ما حسد موسى (عليه السلام) العالم- و موسى نبي الله يوحي الله إليه- حيث لقيه و استنطقه و عرفه بالعلم، و لم يحسده كما حسدتنا هذه الامة بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) على ما علمنا و ما ورثنا عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و لم يرغبوا

إلينا في علمنا كما رغب موسى (عليه السلام) إلى العالم و سأله الصحبة، ليتعلم منه، و يرشده، فلما أن سأل العالم ذلك، علم العالم أن موسى (عليه السلام) لا يستطيع صحبته، و لا يحتمل علمه، و لا يصير معه، فعند ذلك قال العالم: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً فقال موسى (عليه السلام) له، و هو خاضع له يستعطفه على نفسه كي يقبله: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً و قد كان العالم يعلم أن موسى (عليه السلام) لا يصبر على علمه.

فكذلك- و الله، يا إسحاق بن عمار- حال قضاة هؤلاء و فقهائهم و جماعتهم اليوم، لا يحتملون- و الله- علمنا و لا يقبلونه و لا يطيقونه، و لا يأخذون به، و لا يصبرون عليه، كما لم يصبر موسى (عليه السلام) على علم العالم حين صحبه و رأى ما رأى من علمه، و كان ذلك عند موسى (عليه السلام) مكروها، و كان عند الله رضا و هو الحق، و كذلك علمنا عند الجهلة مكروه لا يؤخذ، و هو عند الله الحق».

6722/ [16]- عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن موسى (عليه السلام) صعد المنبر، و كان منبره ثلاث مراق «1»، فحدث نفسه أن الله لم يخلق خلقا أعلم منه، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: إنك قد ابتليت، فانزل فإن في الأرض من هو أعلم منك فاطلبه فأرسل إلى يوشع: إني قد ابتليت، فاصنع لنا زادا و انطلق بنا فاشترى حوتا من الحيتان الحية، فخرج بأذربيجان، ثم شواه، ثم حمله في مكتل، ثم انطلقا يمشيان في ساحل البحر، و النبي إذا مر

في مكان لم يعي أبدا حتى يجوز ذلك الوقت».

قال: فبينما هما يمشيان إذ انتهيا إلى شيخ مستلق، معه عصاه موضوعة إلى جانبه، و عليه كساء إذا قنع رأسه

__________________________________________________

16- تفسير العيّاشي 2: 332/ 47.

(1) المرقاة: الدرجة، واحدة من مراقي الدّرج. «لسان العرب- رقا- 14: 332».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 653

خرجت رجلاه، و إذا غطى رجليه خرج رأسه- قال- فقام موسى (عليه السلام) يصلي، و قال ليوشع: احفظ علي- قال- فقطرت قطرة من السماء في المكتل، فاضطرب الحوت، ثم جعل يجر «1» المكتل إلى البحر،- قال:- و هو قوله:

فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً- قال- ثم إنه جاء طير فوقع على ساحل البحر، ثم أدخل منقاره، فقال: يا موسى، ما أخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر- قال- ثم قام يمشي فتبعه يوشع، فقال موسى (عليه السلام) لما أعيا حيث جاز الوقت فيه: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً إلى قوله: فِي الْبَحْرِ عَجَباً».

قال: فرجع موسى (عليه السلام) يقص «2» أثره حتى انتهى إليه، و هو على حاله مستلق، فقال له موسى (عليه السلام):

السلام عليك. فقال: و عليك السلام يا عالم بني إسرائيل- قال- ثم وثب فأخذ عصاه بيده- قال- فقال له موسى (عليه السلام): إني قد أمرت أن أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا. فقال كما قص عليكم: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً».

قال: «فانطلقا حتى انتهيا إلى معبر، فلما نظر إليهم أهل المعبر قالوا: و الله، لا نأخذ من هؤلاء أجرا، اليوم نحملهم، فلما ذهبت السفينة وسط الماء خرقها، فقال له موسى (عليه السلام) كما أخبرتهم، ثم قال: أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ لا تُؤاخِذْنِي

بِما نَسِيتُ وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً».

قال: و خرجا على ساحل البحر، فإذا غلام يلعب مع غلمان عليه قميص حرير أخضر، في أذنيه درتان، فتوركه «3» العالم فذبحه، فقال له موسى (عليه السلام): أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً».

قال: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً خبزا نأكله فقد جعنا- قال- و هي قرية على ساحل البحر، و يقال لها: ناصرة، و بها تسمى النصارى نصارى: فلم يضيفوهما و لا يضيفون بعدهما أحدا حتى تقوم الساعة، و كان مثل السفينة فيكم وفينا، ترك الحسين (عليه السلام) البيعة لمعاوية، و كان مثل الغلام فيكم قول الحسن بن علي (عليه السلام) لعبد الله بن علي: لعنك الله من كافر فقال له: قد قتلته، يا أبا محمد و كان مثل الجدار فيكم علي و الحسن و الحسين (عليهم السلام)» «4».

6723/ [17]- عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام)، قال: «بينما موسى (عليه السلام) قاعد في ملأ من بني إسرائيل، إذ قال له رجل: ما أرى أحدا أعلم بالله منك، قال موسى (عليه السلام):

__________________________________________________

17- تفسير العيّاشي 2: 334/ 48.

(1) في المصدر: يثب من. [.....]

(2) في «ط»: يقتفي، و في المصدر: يقفي.

(3) تورّك الصبيّ: جعله في وركه معتمدا عليها. «لسان العرب- ورك- 10: 511».

(4) ذكر المجلسي (رحمه اللّه) بيانا لمفردات الحديث في (بحار الأنوار 13: 308).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 654

ما أرى فأوحى الله إليه: بلى «1» عبدي الخضر فاسأل السبيل إليه، و كان له آية الحوت، إن

افتقده فكان من شأنه ما قص الله».

6724/ [18]- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «كان سليمان (عليه السلام) أعلم من آصف، و كان موسى (عليه السلام) أعلم من الذي اتبعه».

6725/ [19]- عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر (عليه السلام): «شكا موسى (عليه السلام) إلى ربه الجوع في ثلاثة مواضع: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً و لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ «2»».

6726/ [20]- عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني «3»، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: ما وجدت للناس «4» و لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) شبها إلا موسى (عليه السلام) و صاحب السفينة، تكلم موسى (عليه السلام) بجهل، و تكلم صاحب السفينة بعلم، و تكلم الناس بجهل، و تكلم علي (عليه السلام) بعلم.

6727/ [21]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن علوان، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، قال: كان عبد الله بن عباس جالسا على شفير زمزم يحدث الناس، فلما فرغ من حديثه جاء رجل فسلم عليه، ثم قال: يا عبد الله، إني رجل من أهل الشام فقال: أعوان كل ظالم إلا من عصم الله منكم، سل عما بدا لك.

فقال: يا عبد الله بن عباس، إني جئتك أسألك عمن قتله علي بن أبي طالب من أهل لا إله إلا الله، لم يكفروا بصلاة، و لا بحج، و لا بصوم شهر رمضان، و لا بزكاة؟.

فقال له عبد الله:

ثكلتك أمك، سل عما يعنيك، و دع ما لا يعنيك. فقال: ما جئتك أضرب إليك من حمص للحج و لا للعمرة، و لكن آتيتك لتشرح لي أمر علي بن أبي طالب و فعاله.

فقال له: ويلك، إن علم العالم صعب لا تحتمله و لا تقر به القلوب الصدئة أخبرك أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان مثله في هذه الامة كمثل موسى و العالم (عليهما السلام) و ذلك أن الله تبارك و تعالى قال في كتابه:

__________________________________________________

18- تفسير العيّاشي 2: 334/ 49.

19- تفسير العيّاشي 2: 335/ 50.

20- تفسير العيّاشي 2: 335/ 51.

21- علل الشرائع: 64/ 3.

(1) في «ط» و «ق»: إئت.

(2) القصص 28: 24.

(3) في المصدر: الكوفي.

(4) في «ج»: لنا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 655

يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ ءٍ «1» فكان موسى (عليه السلام) يرى أن جميع الأشياء قد أثبتت له، كما ترون أنتم أن علماءكم قد أثبتوا جميع الأشياء، فلما انتهى موسى (عليه السلام) إلى ساحل البحر، و لقي العالم، استنطق موسى ليصل علمه و لا يحسده، كما حسدتم أنتم علي بن أبي طالب (عليه السلام) و أنكرتم فضله، فقال له موسى (عليه السلام): هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً؟ فعلم العالم أن موسى (عليه السلام) لا يطيق صحبته، و لا يصبر على علمه، فقال له: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً؟

فقال له موسى (عليه السلام): سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فعلم العالم، أن موسى

(عليه السلام) لا يصبر على علمه، فقال: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً.

قال: فركبا في السفينة فخرقها العالم، و كان خرقها لله عز و جل رضا، و سخط ذلك موسى، و لقي الغلام فقتله، و كان قتله لله عز و جل رضا، و سخط ذلك موسى، و أقام الجدار و كانت إقامته لله عز و جل رضا، و سخط ذلك موسى، كذلك كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يقتل إلا من كان لله في قتله رضا و لأهل الجهالة من الناس سخطا.

و الحديث بتمامه يأتي- إن شاء الله- في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ من سورة الأحزاب «2».

6728/ [22]- العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن نجدة الحروري «3» كتب إلى ابن عباس، يسأله عن سبي الذراري، فكتب إليه: أما الذراري فلم يكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقتلهم، و كان الخضر (عليه السلام) يقتل كافرهم و يترك مؤمنهم، فإن كنت تعلم ما يعلم الخضر (عليه السلام) فاقتلهم».

6729/ [23]- عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «بينما العالم يمشي مع موسى (عليه السلام) إذا هم بغلام يلعب- قال- فوكزه العالم فقتله، فقال له موسى: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً- قال- فأدخل العالم يده فاقتلع كتفه، فإذا عليه مكتوب: كافر مطبوع».

6730/ [24]- عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يقرأ: «و كان وراءهم ملك- يعني أمامهم- يأخذ كل

__________________________________________________

22- تفسير العيّاشي 2: 335/ 53.

23-

تفسير العيّاشي 2: 335/ 53.

24- تفسير العيّاشي 2: 335/ 54. [.....]

(1) الأعراف 7: 144/ 145.

(2) يأتي في الحديث (2) من تفسير الآية (53) من سورة الأحزاب.

(3) هو نجدة بن عامر الحروري: من رؤوس الخوارج، زائغ عن الحقّ، خرج باليمامة عقب موت يزيد بن معاوية، و قدم مكّة، و له مقالات معروفة و أتباع انقرضوا، كاتب ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى و عن قتل الأطفال الذين يخالفونه و غير ذلك. «الكامل في التاريخ 4: 201، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 136، لسان الميزان 6: 148».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 656

سفينة صالحة غصبا».

6731/ [25]- عن حريز، عمن ذكره عن أحدهما (عليهما السلام) «1»

، أنه قرأ: « (و كان أبواه مؤمنين و طبع كافرا)».

6732/ [26]- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: فَخَشِينا خشي إن أدرك الغلام أن يدعوا أبويه إلى الكفر، فيجيبانه من فرط حبهما له».

6733/ [27]- عن عبد الله بن خالد، رفعه، قال: «كان في كتف الغلام الذي قتله العالم مكتوب: كافر».

6734/ [28]- عن محمد بن عمر، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة، و إن الغلامين كان بينهما و بين أبويهما سبعمائة سنة».

6735/ [29]- عن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً، قال: «إنه ولدت لهما جارية، فولدت غلاما، و كان نبيا».

6736/ [30]- عن الحسن بن سعيد اللخمي، قال: ولدت لرجل من أصحابنا جارية، فدخل على أبي عبد الله (عليه السلام)، فرآه متسخطا لها، فقال له أبو عبد

الله (عليه السلام): «أ رأيت لو أن الله أوحى إليك: إني أختار لك أو تختار لنفسك، ما كنت تقول؟».

قال: كنت أقول: يا رب، تختار لي. قال: «فإن الله قد أختار لك».

ثم قال: «إن الغلام الذي قتله العالم حين كان مع موسى (عليه السلام) في قول الله: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً، قال: فأبدلهما جارية ولدت سبعين نبيا».

6737/ [31]- عن أبي يحيى الواسطي، رفعه إلى أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز و جل وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ إلى قوله: وَ أَقْرَبَ رُحْماً قال: «أبدلهما مكان الابن بنتا، فولدت سبعين نبيا».

6738/ [32]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) «2»: «كم من إنسان له حق لا يعلم به!» قال: قلت: و ما ذاك، أصلحك الله؟ قال: «إن صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته، أما إنه لم يكن ذهبا و لا فضة».

قال: قلت: فأيهما كان أحق به؟ فقال: «الأكبر، كذلك نقول».

__________________________________________________

25- تفسير العيّاشي 2: 336/ 55.

26- تفسير العيّاشي 2: 336/ 56.

27- تفسير العيّاشي 2: 336/ 57.

28- تفسير العيّاشي 2: 336/ 58.

29- تفسير العيّاشي 2: 336/ 59.

30- تفسير العيّاشي 2: 337/ 60.

31- تفسير العيّاشي 2: 337/ 61.

32- تفسير العيّاشي 2: 337/ 62.

(1) في «ط»- عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام).

(2) في المصدر: عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 657

6739/ [33]- عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده و ولد ولده، و يحفظه في دويرته و دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله».

ثم ذكر الغلامين فقال: «وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً ألم

تر أن الله شكر صلاح أبويهما لهما».

6740/ [34]- عن يزيد بن رومان «1»، قال: دخل نافع بن الأزرق «2» المسجد الحرام و الحسين بن علي (عليهما السلام) مع عبد الله بن عباس جالسان في الحجر، فجلس إليهما، ثم قال: يا بن عباس، صف لي إلهك الذي تعبده، فأطرق ابن عباس طويلا متبطئا «3» بقوله، فقال له الحسين (عليه السلام): «إلي يا بن الأزرق، المتورط في الضلالة، المرتكس «4» في الجهالة، أجيبك عما سألت عنه». فقال: ما إياك سألت فتجيبني.

فقال له ابن عباس: مه عن ابن رسول الله، فإنه من أهل بيت النبوة و معدن الحكمة. فقال له: صف لي.

فقال له: «أصفه بما وصف به نفسه، و أعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس، و لا يقاس بالناس، قريب غير ملتزق «5» و بعيد غير مقصى، يوحد و لا يبعض «6»، لا إله إلا هو الكبير المتعال» قال: فبكى ابن الأزرق بكاء شديدا. فقال له الحسين (عليه السلام): «ما يبكيك»؟ فقال: بكيت من حسن وصفك.

قال: «يا بن الأزرق، إني أخبرت أنك تكفر أبي و أخي و تكفرني» قال له نافع: لئن قلت ذاك لقد كنتم الحكماء «7» و معالم الإسلام، فلما بدلتم استبدلنا بكم.

فقال: له الحسين (عليه السلام): «يا بن الأزرق، أسألك عن مسألة، فأجبني عن قول الله لا إله إلا هو: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ إلى قوله: كَنْزٌ لَهُما من حفظ فيهما»؟ قال: «فأيهما أفضل أبوهما أم رسول الله (صلى الله عليه و آله) و فاطمة (عليها السلام)؟». قال: لا، بل رسول الله و فاطمة بنت رسول الله قال: «فما حفظنا حتى حيل بيننا «8» و بين الكفر؟». فنهض، ثم

نفض ثوبه، ثم قال: قد نبأنا الله عنكم- معشر قريش- أنتم قوم خصمون.

__________________________________________________

33- تفسير العيّاشي 2: 337/ 63. [.....]

34- تفسير العيّاشي 2: 337/ 64.

(1) في «ق»: زوبان، و في المصدر و «ج، ط»: رويان، و ما أثبتناه هو الصحيح راجع تقريب التهذيب 2: 364/ 249.

(2) هو نافع بن الأزرق الحروري، من رؤوس الخوارج و إليه تنسب طائفة الأزارقة، و كان قد خرج في أواخر دولة يزيد بن معاوية. «لسان الميزان 6: 144/ 506».

(3) في المصدر: مستبطئا.

(4) في المصدر: المرتكن

(5) في «ط»: غير بعيد ملتزق، و في «ج»: غير بعيد غير ملتزق.

(6) في المصدر: و لا يتبعّض.

(7) في المصدر: الحكّام.

(8) في «ط»: فما حفظهما حتّى حيل بينهما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 658

6741/ [35]- عن زرارة و حمران، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام): قال: «يحفظ الأطفال بأعمال آبائهم، كما حفظ الله الغلامين بصلاح أبيهما».

6742/ [36]- عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز و جل وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما، فقال: «أما إنه ما كان ذهبا و لا فضة، و إنما كان أربع كلمات: إني أنا الله لا إله إلا أنا، من أيقن بالموت لم تضحك سنة، و من أقر بالحساب لم يفرح قلبه، و من آمن بالقدر «1» لم يخش إلا ربه».

6743/ [37]- عن ابن أسباط، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «كان في الكنز الذي قال الله عز و جل:

وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما لوح من ذهب، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، محمد رسول الله، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، و عجبت لمن

أيقن بالقدر كيف يحزن، و عجبت لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها كيف يركن إليها! و ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يتهم الله في قضائه، و لا يستبطئه في رزقه».

6744/ [38]- عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد. عن آبائه (عليهم السلام): «أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: إن الله ليخلف العبد الصالح من بعد موته في أهله و ماله، و إن كان أهله أهل سوء، ثم قرأ هذه الآية إلى قوله: وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً».

6745/ [39]- عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، أنه سمع هذا الكلام من الرضا (عليه السلام): «عجبا لمن عقل «2» عن الله، كيف يستبطئ الله في رزقه؟! و كيف اصطبر على قضائه!».

6746/ [40]- عن محمد بن عمرو الكوفي، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يحفظ ولد المؤمن لأبيه إلى ألف سنة، و إن الغلامين كان بينهما و بين أبيهما سبعمائة سنة».

6747/ [41]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده، عن محمد بن عبيد الله الحلبي و العباس بن عامر، عن عبد الله ابن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كم من إنسان له حق لا يعلم به!» قلت:

و ما ذاك أصلحك الله؟ قال: «إن صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به، أما إنه لم يكن بذهب و لا فضة».

قلت: فما كان؟ قال: «كان علما». قلت: فأيهما أحق به؟ قال: «الكبير، كذلك نقول نحن».

__________________________________________________

35- تفسير العيّاشي 2: 338/ 65.

36- تفسير العيّاشي 2: 338/ 66.

37- تفسير العيّاشي 2: 338/ 67.

38- تفسير العيّاشي 2: 338/ 68.

39- تفسير العيّاشي 2: 339/ 69. [.....]

40- تفسير العيّاشي 2: 339/ 70.

41-

التهذيب 9: 276/ 1000.

(1) في «ط»: و من أقرّ بالقبر.

(2) في المصدر: غفل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 659

6748/ [42]- و عنه: بإسناده عن علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعناه- و ذكر كنز اليتيمين- فقال: «كان لوحا من ذهب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، و عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، و عجبت لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها كيف يركن إليها:

و ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئ الله في رزقه، و لا يتهمه في قضائه».

فقال له الحسين بن أسباط: فإلى من صار، إلى أكبرهما؟ قال: «نعم».

سورة الكهف(18): الآيات 83 الي 98 ..... ص : 659

اشارة

قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً- إلى قوله تعالى- وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [83- 98]

6749/ [1]- ابن بابويه: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار «1»، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد ابن اورمة، قال: حدثني القاسم بن عروة، عن بريد العجلي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قام ابن الكواء إلى علي (عليه السلام) و هو على المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن ذي القرنين، أنبياء كان أم ملكا؟

و أخبرني عن قرنيه، أمن ذهب أم من فضة؟

فقال له (عليه السلام): «لم يكن نبيا و لا ملكا و لم يكن قرناه من ذهب و لا فضة، و لكنه كان عبدا أحب الله فأحبه الله، و نصح لله فنصحه الله، و إنما سمي ذا القرنين لأنه دعا قومه إلى الله عز و جل فضربوه على قرنه، فغاب عنهم حينا، ثم عاد إليهم، فضرب على قرنه الآخر، و

فيكم مثله». يعني نفسه.

6750/ [2]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن عبيد الله الدهقان، عن درست بن أبي منصور الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: «ملك ذو القرنين و هو ابن اثنتي عشرة سنة، و مكث في ملكه ثلاثين سنة».

6751/ [3]- قال علي بن إبراهيم: فلما أخبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بخبر موسى و فتاه و الخضر، قالوا له:

فأخبرنا عن طائف طاف المشرق و المغرب، من هو، و ما قصته؟ فأنزل الله وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً.

__________________________________________________

42- التهذيب 9: 276/ 1001.

1- كمال الدين و تمام النعمة: 393/ 3.

2- المحاسن: 193/ 9.

3- تفسير القمّي 2: 40.

(1) في المصدر: حدّثنا أحمد بن محمّد بن العطّار، قال: حدّثنا أبي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 660

6752/ [4]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن الصادق (عليه السلام) و قد سأله زنديق، فقال: أخبرني أين تغيب الشمس؟ قال (عليه السلام): «إن بعض العلماء قال: إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها، يعني أنها تغيب في عين حمئة «1» ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها، فتخر تحت العرش حتى يؤذن لها بالطلوع، و يسلب نورها كل يوم و تجلل نورا آخر».

6753/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة «2»، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول

الله وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً.

قال: «إن ذا القرنين بعثه الله إلى قومه، فضربوه على قرنه الأيمن، فأماته الله خمسمائة عام، ثم بعثه إليهم بعد ذلك فضربوه على قرنه الأيسر، فأماته الله خمسمائة عام، ثم بعثه إليهم، بعد ذلك، فملكه مشارق الأرض و مغاربها، من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب، فهو قوله: حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إلى قوله عَذاباً نُكْراً- قال- في النار، فجعل ذو القرنين بينهم بابا من نحاس و حديد، و زفت و قطران، فحال بينهم و بين الخروج».

ثم قال: أبو عبد الله (عليه السلام): «ليس منهم رجل يموت حتى يولد له من صلبه ألف ولد ذكر- ثم قال- هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة».

6754/ [6]- و سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذي القرنين، أنبياء كان أم ملكا؟

فقال: «لا نبي و لا ملك، بل إنما هو عبد أحب الله فأحبه، و نصح لله فبعثه الله إلى قومه، فضربوه على قرنه الأيمن، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الثانية، فضرب على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الثالثة، فمكن الله له في الأرض، و فيكم مثله- يعني نفسه- فبلغ مغرب الشمس فوجدها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً.

قال: ذو القرنين: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً إلى قوله ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي دليلا حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً- قال- لم يعلموا صنعة

الثياب ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي دليلا حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا فقال ذو القرنين ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً

__________________________________________________

4- الاحتجاج: 351.

5- تفسير القمي 2: 40.

6- تفسير القمي 2: 41.

(1) في «ق» و المصدر: حامية.

(2) في نسخة من المصدر: عن أبي حمزة. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 661

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ فأتوا به، فوضعه ما بين الصدفين- يعني بين الجبلين- حتى سوى بينهما، ثم أمرهم أن يأتوا بالنار فأتوا بها، فأشعلوا فيه و نفخوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار، ثم صب عليه القطر- و هو الصفر- حتى سده، و هو قوله: حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً إلى قوله نَقْباً قال ذو القرنين: هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا- قال- إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السد، و خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا و أكلوا الناس، و هو قوله: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ «1»».

قال: «فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب، فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغضب، فتنبعث في القرية ظلمات و رعد و برق و صواعق، تهلك من ناوأه و خالفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق و المغرب» قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «و ذلك قوله عز و جل: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ

فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً: أي دليلا، فقيل له: إن لله في أرضه عينا يقال لها: عين الحياة، لا يشرب منها ذو روح إلا لم يمت حتى الصيحة فدعا ذو القرنين الخضر (عليه السلام)، و كان أفضل أصحابه عنده، و دعا بثلاث مائة و ستين رجلا، و دفع إلى كل واحد منهم سمكة، و قال لهم: اذهبوا إلى موضع كذا و كذا، فإن هناك ثلاثمائة و ستين عينا، فليغسل كل واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه، فذهبوا يغسلون، و قعد الخضر (عليه السلام) يغسل، فانسابت السمكة منه في العين، و بقي الخضر (عليه السلام) متعجبا مما رأى، و قال في نفسه: ما أقول لذي القرنين؟ ثم نزع ثيابه يطلب السمكة، فشرب من مائها، و لم يقدر على السمكة، فرجعوا إلى ذي القرنين، فأمر ذو القرنين بقبض السمك من أصحابه، فلما انتهوا إلى الخضر (عليه السلام) لم يجدوا معه شيئا، فدعاه و قال له: ما حال السمكة؟ فأخبره الخبر. فقال له:

فصنعت ماذا؟ فقال: اغتمست فيها، فجعلت أغوص و أطلبها فلم أجدها قال: فشربت من مائها؟ قال: نعم- قال- فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها، فقال للخضر (عليه السلام): أنت صاحبها».

6755/ [7]- ابن بابويه: عن المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن الحسن بن علي بن فضال، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: «إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، و إنه ليأتينا فيسلم علينا، فنسمع صوته و لا نرى شخصه،

و إنه ليحضر حيثما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، و أنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك، و يقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، و سيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، و يصل به وحدته».

6756/ [8]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن ذا القرنين لم يكن نبيا،

__________________________________________________

7- كمال الدين و تمام النعمة: 390/ 4.

8- كمال الدين و تمام النعمة: 393/ 1.

(1) الأنبياء 21: 96.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 662

و لكنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه، و ناصح لله فناصحه، أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه، فغاب عنهم زمانا، ثم رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر، و فيكم من هو على سنته».

6757/ [9]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز، قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني، عن عمرو بن ثابت، عن سماك بن حرب، عن رجل من بني أسد، قال: سأل رجل عليا (عليه السلام): أ رأيت ذا القرنين، كيف استطاع أن يبلغ المشرق و المغرب؟

قال: «سخر الله له السحاب، و مد له في الأسباب، و بسط له النور، فكان الليل و النهار عليه سواء».

6758/ [10]- و عنه، قال: حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي، قال: حدثنا جعفر ابن محمد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدثني محمد بن نصير، قال: حدثني محمد

بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: «إن ذا القرنين كان عبدا صالحا، جعله الله حجة على عباده فدعا قومه إلى الله عز و جل، و أمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتى قيل: مات أو هلك، بأي واد سلك؟ ثم ظهر و رجع إلى قومه، فضربوه على قرنه الآخر، و فيكم من هو على سنته، و إن الله عز و جل مكن له في الأرض، و آتاه من كل شي ء سببا، و بلغ المشرق و المغرب، و إن الله تبارك و تعالى سيجري سنته في القائم من ولدي، و يبلغه شرق الأرض و غربها حتى لا يبقى سهل و لا موضع من سهل و لا جبل وطئه ذو القرنين إلا يطؤه و يظهر الله له كنوز الأرض و معادنها، و ينصره بالرعب، فيملأ الأرض به عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما.»

6759/ [11]- و في كتاب (الاختصاص) للشيخ المفيد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عمن حدثه، عن عبد الرحيم «1» القصير، قال: ابتدأني أبو جعفر (عليه السلام) فقال: «أما إن ذا القرنين قد خير السحابتين فاختار الذلول، و ذخر لصاحبكم الصعب».

فقلت: و ما الصعب؟ فقال: «و ما كان من سحاب فيه رعد و صاعقة و برق، فصاحبكم يركبه، أما إنه سيركب السحاب و يرقي في الأسباب، أسباب السماوات السبع و الأرضين السبع، خمس عوامر، و اثنتان خراب».

و روى هذا الحديث الصفار في (بصائر الدرجات): بإسناده عن عبد الرحيم، قال: ابتدأني أبو جعفر

(عليه السلام) فقال: «أما إن ذا القرنين» الحديث «2».

__________________________________________________

9- كمال الدين و تمام النعمة: 393/ 2.

10- كمال الدين و تمام النعمة: 394/ 4.

11- الإختصاص: 199.

(1) في «ط»: عبد الرحمن.

(2) بصائر الدرجات: 428/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 663

6760/ [12]- و في كتاب (الاختصاص) أيضا: أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان ابن عيسى، عن سماعة بن مهران و غيره «1»، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن عليا (عليه السلام) ملك ما فوق الأرض و ما تحتها، فعرضت له سحابتان: إحداهما الصعب «2»، و الاخرى الذلول، و كان في الصعب ملك ما تحت الأرض، و في الذلول ما فوق الأرض، فاختار الصعب على الذلول، فدارت به سبع أرضين، فوجده ثلاثا خرابا و أربعا عوامر».

روى الصفار في كتاب (بصائر الدرجات) هذا الحديث: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران و غيره «3»، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن عليا (صلوات الله عليه) ملك ما فوق الأرض و ما تحتها- الحديث بعينه إلى قوله- و اختار الصعب على الذلول» «4».

6761/ [13]- و فى كتاب (الاختصاص) أيضا: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن أبي خالد القماط و أبي سلام الحناط «5» عن سورة بن كليب، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «أما ذا القرنين قد خير في السحابتين، فاختار الذلول، و ذخر لصاحبكم الصعب».

قلت: و ما الصعب؟ فقال: «ما كان من سحاب فيه رعد و صاعقة و برق فصاحبكم يركبه، أما إنه سيركب السحاب و يرقى في الأسباب، أسباب السماوات السبع و

الأرضين السبع، خمس عوامر، و اثنتان خراب».

6762/ [14]- و في (الاختصاص) أيضا: عن محمد بن هارون، عن أبي يحيى سهيل بن زياد الواسطي، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك و تعالى خير ذا القرنين في السحابتين: الذلول، و الصعب، فاختار الذلول، و هو ما ليس فيه برق و لا رعد- و لو اختار الصعب لم يكن له ذلك لأن الله ادخره للقائم (عليه السلام)».

6763/ [15]- و في (الاختصاص) أيضا: عن إبراهيم بن هاشم، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزار، عن أبي بصير و غيره «6» عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن عليا (عليه السلام) حين خير الملك ما فوق الأرض، و ما تحتها، عرضت له «7» سحابتان: إحداهما صعبة، و الاخرى ذلول، و كان في الصعبة ملك ما تحت الأرض و في الذلول ملك

__________________________________________________

12- الاختصاص: 199.

13- بصائر الدرجات: 429/ 2.

14- الاختصاص: 326.

15- الاختصاص: 327.

(1) في المصدر: أو غيره.

(2) في «ج» و المصدر في جميع المواضع: الصعبة. [.....]

(3) في «ج»: أو غيره.

(4) بصائر الدرجات: 429/ 2.

(5) في «ج»: الخيّاط.

(6) في «ج» و المصدر: أو غيره.

(7) في «ط»: سخّر اللّه له.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 664

ما فوق الأرض، فاختار الصعبة على الذلول، فركبها فدارت به سبع أرضين، فوجد فيها ثلاثا خرابا و أربعا عوامر».

6764/ [16]- و في (الاختصاص) أيضا: عن المعلى بن محمد البصري، عن سليمان بن سماعة. عن عبد الله ابن القاسم، عن سماعة بن مهران، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأرعدت السماء و أبرقت، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «أما أنه ما كان من هذا الرعد و من هذا البرق فإنه

من أمر صاحبكم». قلت: من صاحبنا؟ قال: «أمير المؤمنين (عليه السلام)».

6765/ [17]- العياشي: عن الأصبغ بن نباتة، قال: قام ابن الكواء إلى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن ذي القرنين، أ ملكا كان أم نبيا؟ و أخبرني عن قرنيه ذهب أم فضة؟

قال: «إنه لم يكن نبيا و لا ملكا، و لم يكن قرناه ذهبا و لا فضة، و لكنه كان عبدا أحب الله فأحبه، و نصح لله فنصح له، و إنما سمي ذا القرنين، لأنه دعا قومه فضربوه على قرنه، فغاب عنهم، ثم عاد إليهم فدعاهم، فضربوه بالسيف على قرنه الآخر، و فيكم مثله».

6766/ [18]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن ذا القرنين لم يكن نبيا، و لكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه، و ناصح الله فناصحه، أمر قومه بتقوى الله، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا، ثم رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر، و فيكم من هو على سنته، و إنه خير بين السحاب الصعب و السحاب الذلول، فاختار الذلول فركب الذلول، فكان إذا انتهى إلى قوم «1» كان رسول نفسه إليهم، لكيلا يكذب الرسل».

6767/ [19]- عن أبي الطفيل، قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: «إن ذا القرنين لم يكن نبيا و لا رسولا، و لكن كان عبدا أحب الله فأحبه و ناصح الله فنصح، دعا قومه فضربوه على أحد قرنيه فقتلوه، ثم بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر فقتلوه».

6768/ [20]- عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) جميعا، قال لهما: ما منزلتكم، و من تشبهون ممن مضى؟ قالا: «صاحب موسى (عليه السلام) و ذا القرنين، كانا عالمين،

و لم يكونا نبيين».

6769/ [21]- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة بعد نوح (عليه السلام) أولهم ذو القرنين و اسمه عياش، و داود، و سليمان، و يوسف. فأما عياش فملك ما بين المشرق و المغرب، و أما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر، و كذلك كان ملك سليمان، و أما يوسف

__________________________________________________

16- الاختصاص: 327.

17- تفسير العيّاشي 2: 339/ 71.

18- تفسير العيّاشي 2: 339/ 72.

19- تفسير العيّاشي 2: 340/ 74.

20- تفسير العيّاشي 2: 340/ 74.

21- تفسير العيّاشي 2: 340/ 75.

(1) في «ج»: قومه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 665

فملك مصر و براريها لم يتجاوزها إلى غيرها» «1».

6770/ [22]- عن ابن الورقاء، قال: سألت أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذي القرنين، ما كان قرناه؟

فقال: «لعلك تحسب كان قرنه ذهبا أو فضة، أو كان نبيا؟ بل كان عبدا صالحا بعثه الله إلى أناس فدعاهم إلى الله و إلى الخير، فقام رجل منهم، فضرب قرنه الأيسر فمات، ثم بعثه فأحياه و بعثه إلى أناس، فقام رجل فضرب قرنه الأيمن فمات، فسماه الله ذا القرنين».

6771/ [23]- عن ابن هشام، عن أبيه، عمن حدثه، عن بعض آل محمد (عليهم السلام) قال: «إن ذا القرنين كان رجلا صالحا، طويت له الأسباب، و مكن له في البلاد، و كان قد وصف له عين الحياة، و قيل له: من يشرب منها شربة لم يمت حتى يسمع الصوت، و إنه قد خرج في طلبها حتى أتى موضعها، و كان في ذلك الموضع ثلاث مائة و ستون عينا، و كان الخضر (عليه السلام) على مقدمته، و كان من أفضل «2» أصحابه

عنده، فدعاه و أعطاه، و أعطى قوما من أصحابه كل رجل منهم حوتا مملحا، فقال: انطلقوا إلى هذه المواضع، فليغسل كل رجل منكم حوته عند عين، و لا يغسل معه أحد، فانطلقوا فلزم كل رجل منهم عينا، فغسل فيها حوته، و إن الخضر (عليه السلام) انتهى إلى عين من تلك العيون، فلما غمس الحوت و وجد الحوت ريح الماء حيي فانساب في الماء، فلما رأى ذلك الخضر (عليه السلام) رمى بثيابه و سقط، و جعل يرتمس في الماء و يشرب و يجتهد أن يصيبه فلا يصيبه، فلما رأى ذلك رجع، فرجع أصحابه.

و أمر ذو القرنين بقبض السمك، فقال: انظروا، فقد تخلفت سمكة، فقالوا: الخضر صاحبها- قال- فدعاه، فقال: ما خلف سمكتك؟- قال- فأخبره الخبر، فقال: له فصنعت ماذا؟ قال: سقطت عليها، فجعلت أغوص فأطلبها فلم أجدها. قال: فشربت من الماء؟ قال: نعم- قال- فطلب ذو القرنين العين و لم يجدها، فقال للخضر (عليه السلام):

أنت صاحبها».

6772/ [24]- عن حارث بن حبيب، قال: أتى رجل عليا (عليه السلام)، فقال له: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن ذي القرنين، فقال له: «سخر له السحاب، و قربت له الأسباب، و بسط له في النور».

فقال له الرجل: كيف بسط له في النور؟ فقال علي (عليه السلام): «كان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار». ثم قال علي (عليه السلام): للرجل «أزيدك فيه»؟ فسكت.

6773/ [25]- عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: سئل عن ذي القرنين؟ قال: «كان عبدا

__________________________________________________

22- تفسير العيّاشي 2: 340/ د 7.

23- تفسير العيّاشي 2: 340/ 77. [.....]

24- تفسير العيّاشي 2: 341/ 78.

25- تفسير العيّاشي 2: 341/ 79.

(1) في «ج» و «ق»: ثمّ تجاوزها إلى غيرها.

(2) في «ج»:

أسرّ، و في المصدر: أشدّ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 666

صالحا و اسمه عياش، و اختاره الله و ابتعثه إلى قرن من القرون الاولى في ناحية المغرب، و ذلك بعد طوفان نوح (عليه السلام)، فضربوه على قرن رأسه الأيمن، فمات منها، ثم أحياه الله بعد مائة عام، ثم بعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المشرق (عليه السلام)، فكذبوه فضربوه ضربة على قرنه الأيسر فمات منها، ثم أحياه الله بعد مائة عام، و عوضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين أجوفين، و جعل عز ملكه آية نبوته في قرنيه.

ثم رفعه الله إلى السماء الدنيا، فكشط له عن الأرض كلها، جبالها و سهولها و فجاجها حتى أبصر ما بين المشرق و المغرب، و آتاه الله من كل شي ء علما يعرف به الحق و الباطل، و أيده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات و رعد و برق، ثم اهبط إلى الأرض، و أوحى الله إليه: أن سر في ناحية غرب الأرض و شرقها، و قد طويت لك البلاد، و ذللت لك العباد، و أرهبتهم منك.

فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب، فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغضب، فينبعث من قرنيه ظلمات و رعد و برق، و صواعق تهلك من ناوأه و خالفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق و المغرب- قال- و ذلك قول الله: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً فسار حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إلى قوله أَمَّا مَنْ ظَلَمَ و لم يؤمن بربه فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ في الدنيا بعذاب الدنيا ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ

في مرجعه فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً إلى قوله: وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً ثُمَّ أَتْبَعَ ذو القرنين من الشمس سَبَباً».

ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن ذا القرنين لما انتهى مع الشمس إلى العين الحمئة «1»، وجد الشمس تغرب فيها، و معها سبعون ألف ملك يجرونها بسلاسل الحديد و الكلاليب، يجرونها من قعر البحر في قطر الأرض الأيمن كما تجري السفينة على ظهر الماء، فلما انتهى معها إلى مطلع الشمس سببا وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ إلى قوله بِما لَدَيْهِ خُبْراً».

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن ذا القرنين ورد على قوم، قد أحرقتهم الشمس، و غيرت أجسادهم و ألوانهم حتى صيرتهم كالظلمة، ثم أتبع ذو القرنين سببا في ناحية الظلمة: حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ خلف هذين الجبلين، و هم يفسدون في الأرض، إذا كان إبان زروعنا و ثمارنا خرجوا علينا من هذين السدين فرعوا في ثمارنا و زروعنا، حتى لا يبقوا منها شيئا فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً نؤديه إليك في كل عام عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا إلى قوله: زُبَرَ الْحَدِيدِ».

قال: «فاحتفر له جبل حديد، فقلعوا له أمثال اللبن، فطرح بعضه على بعض فيما بين الصدفين، و كان ذو القرنين هو أول من بنى بناء «2» على الأرض، ثم جمع عليه الحطب و ألهب فيه النار، و وضع عليه المنافيخ، فنفخوا

__________________________________________________

(1) في «» و المصدر: الحامية.

(2) في المصدر: ردما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 667

عليه، فلما ذاب قال: آتوني بقطر- و هو المس الأحمر، قال- فاحتفروا له جبلا من مس فطرحوه على الحديد، فذاب معه و اختلط

به- قال- فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً يعني يأجوج و مأجوج قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا». إلى ها هنا رواية علي بن الحسين و رواية محمد بن نصر.

و زاد جبرئيل بن أحمد، في حديثه بأسانيد عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام): «وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ «1» يعني يوم القيامة، و كان ذو القرنين عبدا صالحا، و كان من الله بمكان، نصح لله فنصح له و أحب الله فأحبه، و كان قد سبب له في البلاد، و مكن له فيها حتى ملك ما بين المشرق و المغرب، و كان له خليلا من الملائكة يقال له: رقائيل «2»، ينزل إليه فيحدثه و يناجيه، فبينا هو ذات يوم عنده إذ قال له ذو القرنين: يا رقائيل، كيف عبادة أهل السماء، و أين هي من عبادة أهل الأرض؟ قال رقائيل: يا ذا القرنين، و ما عبادة أهل الأرض؟ فقال: أما عبادة أهل السماء، ما في السماوات موضع قدم إلا و عليه ملك قائم لا يقعد أبدا، أو راكع لا يسجد أبدا أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا فبكى ذو القرنين بكاء شديدا، و قال: يا رقائيل، إني أحب أن أعيش حتى أبلغ من عبادة ربي و حق طاعته بما هو أهله.

قال رقائيل: يا ذا القرنين، إن لله في الأرض عينا تدعى عين الحياة، فيها عزيمة من الله «3» أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت، فإن ظفرت بها تعيش ما شئت. قال: و أين تلك العين، و هل تعرفها؟

قال: لا،

غير أنا نتحدث في السماء أن لله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس و لا جان. فقال ذو القرنين: و أين تلك الظلمة؟ قال رقائيل: ما أدري.

ثم صعد رقائيل فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رقائيل، و مما أخبره عن العين و الظلمة، و لم يخبره بعلم ينتفع به منها فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته و علماءهم و أهل دراسة الكتب و آثار النبوة، فلما اجتمعوا عنده، قال ذو القرنين: يا معشر الفقهاء، و أهل الكتب و آثار النبوة، هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله أو في كتب من كان قبلكم من الملوك أن لله عينا تدعى عين الحياة، فيها من الله عزيمة أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت؟ قالوا: لا، يا أيها الملك. قال: فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب أن الله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس و لا جان؟ قالوا: لا، يا أيها الملك. فحزن ذو القرنين حزنا شديدا و بكى إذ لم يخبر عن العين و الظلمة بما يحب.

و كان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الأوصياء، أوصياء الأنبياء و كان ساكتا لا يتكلم حتى إذا أيس ذو القرنين منهم. قال له الغلام: أيها الملك، إنك تسأل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم، و علم ما تريد عندي، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا، حتى نزل عن فراشه، و قال له: ادن مني. فدنا منه، فقال: أخبرني. قال: نعم أيها الملك، إني

__________________________________________________

(1) الكهف 18: 99.

(2) في المصدر في جميع المواضع: رفائيل.

(3) في «ط»: من أسمائه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 668

وجدت في كتاب آدم (عليه السلام) الذي كتب يوم سمي

له ما في الأرض من عين أو شجر، فوجدت فيه أن الله عينا تدعى عين الحياة، فيها من الله عزيمة أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت، بظلمة لم يطأها إنس و لا جان. ففرح ذو القرنين، و قال: ادن مني أيها الغلام، تدري أين موضعها؟ قال: نعم، وجدت في كتاب آدم (عليه السلام) أنها على قرن الشمس،- يعني مطلعها- ففرح ذو القرنين و بعث إلى أهل مملكته، فجمع أشرافهم و فقهاءهم و علماءهم و أهل الحكم منهم، و اجتمع إليه ألف حكيم و عالم و فقيه، فلما اجتمعوا إليه تهيأ للمسير و تأهب له بأعد العدة و أقوى القوة، فسار بهم يريد مطلع الشمس، يخوض البحار و يقطع الجبال و الفيافي و الأرضين و المفاوز، فسار اثنتي عشرة سنة، حتى انتهى إلى طرف الظلمة، فإذا هي ليست بظلمة ليل و لا دخان، و لكنها هواء يفور مد ما بين الأفقين، فنزل بطرفها و عسكر عليها، و جمع علماء أهل عسكره و فقهاءهم و أهل الفضل منهم، و قال يا معشر الفقهاء، و العلماء، إني أريد أن أسلك هذه الظلمة. فخروا له سجدا، و قالوا: أيها الملك، إنك لتطلب أمرا ما طلبه و لا سلكه أحد ممن كان قبلك من النبيين و المرسلين و لا من الملوك. قال: إنه لا بد لي من طلبها.

قالوا: يا أيها الملك، إنا لنعلم أنك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك بغير منة «1» عليك لأمرنا، و لكنا نخاف أن يعلق بك منها أمر يكون فيه هلاك ملكك و زوال سلطانك، و فساد من في الأرض؟ فقال: لا بد من أن أسلكها. فخروا سجدا لله، و

قالوا: إنا نتبرأ إليك مما يريد ذو القرنين.

فقال: ذو القرنين: يا معشر العلماء، أخبروني بأبصر الدواب؟ قالوا: الخيل الإناث الأبكار أبصر الدواب، فانتخب من عسكره، فأصاب ستة آلاف فرس إناثا أبكارا، و انتخب من أهل العلم و الفضل و الحكمة ستة آلاف رجل، فدفع إلى كل رجل فرسا، و عقد لافسحر- و هو الخضر- على ألف فرس، فجعلهم على مقدمته، و أمرهم أن يدخلوا الظلمة، و سار ذو القرنين في أربعة آلاف، و أمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثنتي عشرة سنة، فإن رجع هو إليهم إلى ذلك الوقت، و إلا تفرقوا في البلاد، و لحقوا ببلادهم، أو حيث شاءوا، فقال الخضر (عليه السلام): أيها الملك، إنا نسلك في الظلمة، لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضلال إذا أصابنا؟ فأعطاه ذو القرنين خرزة حمراء كأنها مشعلة لها ضوء، و قال: خذ هذه الخرزة فإذا أصابكم الضلال فارم بها إلى الأرض فإنها تصيح، فإذا صاحت رجع أهل الضلال إلى صوتها. فأخذها الخضر (عليه السلام) و مضى في الظلمة، و كان الخضر (عليه السلام): يرتحل، و ينزل ذو القرنين، فبينما الخضر يسير ذات يوم، إذا عرض له واد في الظلمة، فقال لأصحابه: قفوا في هذا الموضع، لا يتحركن أحد منكم من موضعه. و نزل عن فرسه، فتناول الخرزة، فرمى بها في الوادي، فابطأت عنه بالإجابة حتى ساء ظنه أو خاف أن لا تجيبه، ثم أجابته، فخرج إلى صوتها فإذا هي على جانب العين التي يقفوها، و إذا ماؤها أشد بياضا من اللبن، و أصفى من الياقوت، و أحلى من العسل، فشرب منه، ثم خلع ثيابه و اغتسل منها، ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه، فأجابته

فخرج إلى أصحابه، و ركب و أمرهم بالمسير فساروا.

__________________________________________________

(1) في المصدر: منها بغير عنت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 669

و مر ذو القرنين بعده، فأخطؤوا الوادي، و سلكوا تلك الظلمة أربعين يوما و أربعين ليلة، ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار و لا شمس و لا قمر، و لكنه نور، فخرجوا إلى أرض حمراء و رملة خشخاشة «1» فركة «2» كأن حصاها اللؤلؤ، فإذا هو بقصر مبني على طول فرسخ، فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه، ثم توجه بوجهه وحده إلى القصر، فإذا طائر و إذا حديدة طويلة قد وضع طرفاها على جانبي القصر، و الطير الأسود معلق «3» في تلك الحديدة بين السماء و الأرض مزموم «4»، كأنه الخطاف «5» أو صورة الخطاف أو شبيه بالخطاف، أو هو خطاف، فلما سمع خشخشة ذي القرنين، قال: من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين، فقال الطائر: يا ذا القرنين، أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلى حد بابي هذا؟ ففرق ذو القرنين فرقا شديدا، فقال: يا ذا القرنين، لا تخف و أخبرني. قال سل قال: هل كثر بنيان الآجر و الجص في الأرض؟ قال: نعم، قال: فانتفض الطير، و امتلأ حتى ملأ من الحديدة ثلثها، ففرق ذو القرنين، فقال: لا تخف، و أخبرني. قال: سل. قال: هل كثرت المعازف؟ قال: نعم. قال: فانتفض الطير و امتلأ حتى امتلأ من الحديدة ثلثيها، ففرق ذو القرنين، فقال: لا تخف، و أخبرني. قال: سل. قال: هل ارتكب الناس شهادة الزور في الأرض؟ قال: نعم. فانتفض انتفاضة و انتفخ، فسد ما بين جداري القصر، قال: فامتلأ ذو القرنين عند ذلك فرقا منه، فقال له: لا تخف و أخبرني. قال: سل:

قال: هل ترك الناس شهادة ان لا إله إلا الله؟ قال: لا. فانضم ثلثه، ثم قال: يا ذا القرنين، لا تخف و أخبرني. قال: سل. قال: هل ترك الناس الغسل من الجنابة؟ قال: لا.

قال: فانضم حتى عاد إلى الحالة الاولى، فإذا هو بدرجة مدرجة إلى أعلى القصر، فقال الطير: يا ذا القرنين، اسلك هذه الدرجة فسلكها و هو خائف لا يدري ما يهجم عليه، حتى استوى على ظهرها، فإذا هو بسطح ممدود مد البصر، و إذا رجل شاب أبيض مضي ء الوجه، عليه ثياب بيض، كأنه رجل، أو في صورة رجل، أو شبيه بالرجل، أو هو رجل، و إذا هو رافع رأسه إلى السماء ينظر إليها، واضع يده على فيه، فلما سمع خشخشة ذي القرنين، قال:

من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين. قال: يا ذا القرنين، ما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلي؟ قال ذو القرنين: ما لي أراك واضعا يدك على فيك؟ قال: يا ذا القرنين، أنا صاحب الصور، و إن الساعة قد اقتربت، و أنا أنتظر أن أؤمر بالنفخ فأنفخ ثم ضرب بيده، فتناول حجرا فرمى به إلى ذي القرنين، كأنه حجر، أو شبه حجر، أو هو حجر، فقال:

يا ذا القرنين، خذها، فإن جاع جعت، و إن شبع شبعت، فارجع.

فرجع ذو القرنين بذلك الحجر، حتى خرج به إلى أصحابه، فأخبرهم بالطير و ما سأله عنه، و ما قال له،

__________________________________________________

(1) الخشخاش: كلّ شي ء يابس إذا حكّ بعضه ببعض صوت. «المعجم الوسيط 1: 235».

(2) قال المجلسي رحمة اللّه: فركة: أي لينّة. بحيث يمكن فركها باليد، البحار 12: 206.

(3) في «ط»: معلق بأنفه.

(4) زمّ الشي ء: شدّه «لسان العرب- زمم- 12: 272». [.....]

(5) الخطّاف: السّنونو، و هو ضرب من

الطيور القواطع. «المعجم الوسيط- خلف- 1: 245».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 670

و ما كان من أمره، و أخبرهم بصاحب الصور «1»، و ما قال له، و ما أعطاه، ثم قال لهم: إنه أعطاني هذا الحجر، و قال لي إن جاع جعت، و إن شبع شبعت. قال: أخبروني بأمر هذا الحجر فوضع الحجر في إحدى الكفتين، و وضع حجرا مثله في الكفة الاخرى، ثم رفع الميزان، فإذا الحجر الذي جاء به أرجح بمثل الآخر، فوضعوا آخر، فمال به، حتى وضعوا ألف حجر كلها مثله، ثم رفعوا الميزان فمال بها و لم يمل به «2» الألف حجر، فقالوا: يا أيها الملك، لا علم لنا بهذا، فقال: له الخضر (عليه السلام): يا أيها الملك، إنك تسأل هؤلاء عما لا علم لهم به،. قد أتيت على هذا الحجر. فقال ذو القرنين: فأخبرنا به، و بينه لنا فتناول الخضر (عليه السلام) الميزان، فوضع الحجر الذي جاء به ذو القرنين في كفة الميزان، ثم وضع حجرا آخر في كفة اخرى، ثم وضع كفا من تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا، ثم رفع الميزان فاعتدل، و عجبوا و خروا سجدا لله، و قالوا: يا أيها الملك، هذا أمر لم يبلغه علمنا، و إنا لنعلم أن الخضر ليس بساحر، فكيف هذا و قد وضعنا معه ألف حجر كله مثله فمال بها، و هذا قد اعتدل به و زاده ترابا؟! قال ذو القرنين: بين- يا خضر- لنا أمر هذا الحجر، قال الخضر: أيها الملك، إن أمر الله نافذ في عباده، و سلطانه قاهر و حكمه فاصل، و إن الله ابتلى عباده بعضهم ببعض، و ابتلى العالم بالعالم، و الجاهل بالجاهل، و العالم

بالجاهل، و الجاهل بالعالم، و إنه ابتلاني بك، و ابتلاك بي.

فقال ذو القرنين: يرحمك الله يا خضر، إنما تقول: ابتلاني بك حين جعلت أعلم مني، و جعلت تحت يدي، أخبرني- يرحمك الله- عن أمر هذا الحجر. فقال الخضر (عليه السلام): أيها الملك، إن هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور، يقول: إن مثل بني آدم مثل هذا الحجر الذي وضع و وضع معه ألف حجر فمال بها، ثم إذا وضع عليه التراب، شبع و عاد حجرا مثله، فيقول: كذلك مثلك، أعطاك الله من الملك ما أعطاك، فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه أحد كان قبلك، و دخلت مدخلا لم يدخله إنس و لا جان، يقول: كذلك ابن آدم، لا يشبع حتى يحثى عليه التراب. قال: فبكى ذو القرنين بكاء شديدا، و قال: صدقت يا خضر، يضرب لي هذا المثل، لا جرم أني لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسلكي هذا.

ثم انصرف راجعا في الظلمة، فبينما هم يسيرون، إذ سمعوا خشخشة تحت سنابك خيلهم، فقالوا أيها الملك، ما هذا؟ فقال: خذوا منه، فمن أخذ منه ندم، و من تركه ندم فأخذ بعض، و ترك بعض، فلما خرجوا من الظلمة إذا هم بالزبرجد، فندم الآخذ و التارك، و رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل، و كان بها منزله، فلم يزل بها حتى قبضه الله إليه».

قال: «و كان (صلى الله عليه و آله) إذا حدث بهذا الحديث، قال: رحم الله أخي ذا القرنين، ما كان مخطئا إذ سلك ما سلك، و طلب ما طلب، و لو ظفر بوادي الزبرجد في مذهبه، لما ترك فيه شيئا إلا أخرجه للناس لأنه كان راغبا، و لكنه ظفر به بعد

ما رجع، و قد زهد عن الدنيا بعد».

__________________________________________________

(1) في «ج» و «ق» و المصدر: صاحب السطح.

(2) في المصدر: يستمل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 671

6774/ [26]- جبرئيل بن أحمد، عن موسى بن جعفر، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن ذا القرنين عمل صندوقا من قوارير، ثم حمل في مسيره ما شاء الله، ثم ركب البحر، فلما انتهى إلى موضع منه، قال لأصحابه.

دلوني، فإذا حركت الحبل فأخرجوني، و إن لم أحرك الحبل فأرسلوني إلى آخره. فأرسلوه في البحر، و أرسلوا الحبل مسيرة أربعين يوما، فإذا ضارب يضرب جنب الصندوق، و يقول: يا ذا القرنين، أين تريد؟ قال: أريد أن أنظر إلى ملك ربي في البحر، كما رأيته في البر. فقال: يا ذا القرنين، إن هذا الموضع الذي أنت فيه مر فيه نوح زمان الطوفان، فسقط منه قدوم، فهو يهوي في قعر البحر إلى الساعة لم يبلغ قعره. فلما سمع ذو القرنين ذلك، حرك الحبل و خرج».

6775/ [27]- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان اسم ذي القرنين عياش، و كان أول الملوك من الأنبياء، و كان بعد نوح (عليه السلام)، و كان ذو القرنين قد ملك ما بين المشرق و المغرب».

6776/ [28]- عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الزلزلة، فقال: «أخبرني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن ذا القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل الظلمة، فإذا هو بملك قائم، طوله خمسمائة ذراع، فقال له الملك: يا ذا القرنين، أما كان خلفك منفذ لك «1»؟

فقال له ذو القرنين: و من أنت؟

قال: أنا ملك من ملائكة الرحمن، موكل بهذا الجبل، و ليس من جبل خلقه الله إلا وله عرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة، أوحى إلي ربي فزلزلتها».

6777/ [29]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): تغرب الشمس في عين حمئة «2» في بحر دون المدينة التي تلي مما يلي المغرب» يعني جابلق «3».

6778/ [30]- عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً كَذلِكَ قال: «لم يعلموا صنعة البيوت».

6779/ [31]- عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) «4» قال: أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً قال: «التقية» فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً قال: «هو التقية».

__________________________________________________

26- تفسير العيّاشي 2: 349/ 80.

27- تفسير العيّاشي 2: 350/ 81.

28- تفسير العيّاشي 2: 350/ 82.

29- تفسير العيّاشي 2: 350/ 83.

30- تفسير العيّاشي 2: 350/ 84.

31- تفسير العيّاشي 2: 351/ 85.

(1) في المصدر: مسلك.

(2) في «ج، ق»: حامية.

(3) جابلق: مدينتان، إحداهما بأقصى المغرب، و الاخرى رستاق بأصفهان. «معجم البلدان 2: 91».

(4) في نسخة من «ط»: عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 672

6780/ [32]- عن المفضل قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قوله أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً قال:

«التقية» فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً، قال: «ما استطاعوا له نقبا، إذا عمل بالتقية لم يقدروا في ذلك على حيلة، و هو الحصن الحصين، و صار بينك و بين أعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا».

قال: و سألته عن قوله فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ، قال: «رفع التقية عند الكشف فينتقم من أعداء الله».

6781/

[33]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن يوسف بن أبي حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما أسري برسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى السماء وجد ريحا مثل المسك الأذفر، فسأل جبرئيل (عليه السلام) عنها، فأخبره أنها تخرج من بيت عذب فيه قوم في الله حتى ماتوا. ثم قال له: إن الخضر (عليه السلام) كان من أبناء الملوك، فآمن بالله، و تخلى في بيت في دار أبيه يعبد الله، و لم يكن لأبيه ولد غيره، فأشاروا على أبيه أن يزوجه، فلعل الله أن يرزقه ولدا، فيكون الملك فيه و في عقبه، فخطب له امرأة بكرا، و أدخلها عليه، فلم يلتفت الخضر (عليه السلام) إليها، فلما كان في اليوم الثاني، قال لها: تكتمين علي أمري؟ فقالت: نعم. قال لها: إن سألت أبي: هل كان مني إليك ما يكون من الرجال إلى النساء، فقولي: نعم. فقالت: أفعل. فسألها الملك عن ذلك، فقالت: نعم. و أشار عليه الناس أن يأمر النساء أن يفتشنها فأمر بذلك فكانت على حالها.

فقالوا: أيها الملك زوجت الغر من الغرة «1» زوجه امرأة ثيبا فزوجه، فلما أدخلت عليه، سألها الخضر (عليه السلام) أن تكتم عليه أمره، فقالت: نعم. فلما سألها الملك، قالت: أيها الملك، إن ابنك امرأة، فهل تلد المرأة من المرأة؟ فغضب عليه، و أمر بردم الباب عليه، فردم، فلما كان اليوم الثالث، حركته رقة الآباء، فأمر بفتح الباب، ففتح فلم يجدوه، و أعطاه الله من القوة أن يتصور كيف يشاء، ثم كان على مقدمة ذي القرنين، و شرب من الماء الذي من شرب منه بقي إلى الصيحة».

قال: «فخرج من مدينة أبيه رجلان في تجارة في البحر، حتى

وقعا إلى جزيرة من جزائر البحر، فوجدا فيها الخضر (عليه السلام). قائما يصلي، فلما انفتل، دعاهما فسألهما عن خبرهما، فأخبراه، فقال لهما: هل تكتمان علي أمري إن أنا رددتكما في يومكما هذا إلى منازلكما؟ فقالا: نعم. فنوى أحدهما أن يكتم أمره، و نوى الآخر إن رده إلى منزله أخبر أباه بخبره فدعا الخضر (عليه السلام) سحابة، و قال لها. احملي هذين إلى منازلهما فحملتهما السحابة حتى وضعتهما في بلدهما من يومهما فكتم أحدهما أمره، و ذهب الآخر إلى الملك فأخبره بخبره، فقال له الملك:

من يشهد لك بذلك؟ قال: فلان التاجر فدل على صاحبه، فبعث الملك إليه، فلما حضر، أنكره و أنكر معرفة صاحبه، فقال له الأول: أيها الملك، ابعث معي خيلا إلى هذه الجزيرة، و احبس هذا حتى آتيك بابنك فبعث معه خيلا، فلم يجدوه، فأطلق عن الرجل الذي كتم عليه.

__________________________________________________

32- تفسير العيّاشي 2: 351/ 86. [.....]

33- تفسير القمّي 2: 42.

(1) رجل غرّ، بالكسر، و غرير، أي غير مجرّب. و جارية غرّة و غريرة. «الصحاح 2: 768».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 673

ثم إن القوم عملوا بالمعاصي، فأهلكهم الله و جعل مدينتهم عاليها سافلها، و ابتدرت الجارية التي كتمت عليه أمره، و الرجل الذي كتم عليه، كل واحد منهما ناحية من المدينة، فلما أصبحا التقيا، فأخبر كل واحد منهما صاحبه بخبره، فقالا: ما نجونا إلا بذلك فآمنا برب الخضر، و حسن إيمانهما، و تزوج بها الرجل، و وقعا إلى مملكة ملك آخر، و توصلت المرأة إلى بيت الملك، و كانت تزين بنت الملك، فبينما هي تمشطها يوما، إذا سقط من يدها المشط، فقالت: لا حول و لا قوة إلا بالله، فقالت لها بنت الملك: ما

هذه الكلمة؟ فقالت: إن لي إلها تجري الأمور كلها بحوله و قوته.

فقالت لها بنت الملك: أ لك إله غير أبي؟ فقالت: نعم، و هو إلهك و إله أبيك. فدخلت بنت الملك على أبيها، فأخبرت أباها بما سمعت من هذه المرأة، فدعاها الملك، و سألها عن خبرها، فأخبرته، فقال لها: من على دينك؟

قالت: زوجي و ولدي، فدعاهما الملك و أمرهم بالرجوع عن التوحيد، فأبوا عليه، فدعا بمرجل من ماء، فأسخنه و ألقاهم فيه، فأدخلهم بيتا و هدم عليهم البيت، فقال جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه و آله): فهذه الرائحة التي تشمها من ذلك البيت».

6782/ [34]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: «أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) و معه ابنه الحسن بن علي (عليهما السلام) و هو متكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة و اللباس، فسلم على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فرد عليه السلام فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم، و أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم و آخرتهم، و إن تكن الاخرى، علمت أنك و هم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سلني عما بدا لك، قال: أخبرني عن الرجل إذا نام، أين تذهب روحه؟

و عن الرجل، كيف يذكر و ينسى؟ و عن الرجل، كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسن، فقال: يا أبا محمد، أجبه. فأجابه الحسن (عليه السلام)، فقال الرجل: أشهد أن

لا إله إلا الله، و لم أزل أشهد بها، و أشهد أن محمدا رسول الله، و لم أزل أشهد بذلك و أشهد أنك وصي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و القائم بحجته- و أشار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)- و لم أزل أشهد بها، و أشهد أنك وصيه و القائم بحجته- و أشار إلى الحسن (عليه السلام)- و أشهد أن الحسين بن علي وصي أخيه و القائم بحجته بعده، و أشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده، و أشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن الحسين، و أشهد على جعفر بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي، و أشهد على موسى بن جعفر أنه القائم بأمر جعفر بن محمد، و أشهد على علي بن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر، و أشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر

__________________________________________________

34- الكافي 1: 441/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 674

علي بن موسى، و أشهد على علي بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي، و أشهد على الحسن بن علي أنه القائم بأمر علي بن محمد، و أشهد على رجل من ولد الحسن، لا يكنى و لا يسمى حتى يظهر أمره فيملؤها عدلا كما ملئت جورا، و السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته، ثم قام فمضى.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا محمد، اتبعه فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسن بن علي (عليهما السلام)، فقال:

ما كان إلا أن وضع رجله خارجا من المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين، فأعلمته، فقال: يا أبا محمد، أتعرفه؟ قلت: الله و

رسوله و أمير المؤمنين أعلم. قال: هو الخضر (عليه السلام)».

6783/ [35]- و عنه: عن أحمد بن محمد و محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري، عن عبد الله بن حماد، عن سيف التمار، قال: كنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من الشيعة في الحجر، فقال: «علينا عين؟»، فالتفتنا يمنة و يسرة، فلم نر أحدا، فقلنا: ليس علينا عين. فقال: «و رب الكعبة و رب البنية «1»- ثلاث مرات- لو كنت بين موسى و الخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، و لأنبأتهما عما ليس في أيديهما، لأن موسى و الخضر (عليهما السلام) أعطيا علم ما كان، و لم يعطيا علم ما يكون، و ما هو كائن، حتى تقوم الساعة، و قد ورثناه من رسول الله (صلى الله عليه و آله) وراثة».

6784/ [36]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد بإسناده، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ملك الأرض كلها أربعة: مؤمنان و كافران، فأما المؤمنان: فسليمان بن داود (عليهما السلام)، و ذو القرنين، و الكافران: نمرود، و بخت نصر، و اسم ذي القرنين عبد الله بن ضحاك بن سعد «2»».

6785/ [37]- محمد بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن علي بن عاصم، عن الهيثم بن عبد الله، قال: حدثني مولاي علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أتاني جبرئيل (عليه السلام) عن ربه عز و جل، و هو يقول: ربي

يقرئك السلام، و يقول لك: يا محمد بشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات و يؤمنون بك و بأهل بيتك بالجنة، فلهم عندي جزاء الحسنى، يدخلون الجنة». و جزاء الحسنى و هي ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، دخول الجنة، و الخلود فيها في جوارهم (صلوات الله عليهم).

__________________________________________________

35- الكافي 1: 203/ 1.

36- الخصال: 255/ 130.

37- تأويل الآيات 1: 297/ 9.

(1) البنيّة: الكعبة. «أقرب الموارد- بنى- 1: 63».

(2) في «ج» و المصدر: معد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 675

باب في يأجوج و مأجوج ..... ص : 675

6786/ [1]- الشيخ في أماليه، قال: أخبرنا ابن الصلت، قال أخبرنا ابن عقدة، قال أخبرنا أبو الحسن القاسم بن جعفر بن أحمد بن عمران «1» المعروف بابن الشامي قراءة، قال: حدثنا عباد بن أحمد العرزمي «2»، قال: حدثني عمي عن أبيه، عن جابر، عن الشعبي، عن أبي رافع، عن حذيفة بن اليمان، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، عن أهل يأجوج و مأجوج، قال: «إن القوم لينقرون السد بمعاولهم دائبين، فإذا كان الليل، قالوا: غدا نفرغ فيصبحون و هو أقوى منه بالأمس، حتى يسلم منهم رجل حين يريد الله أن يبلغ أمره، فيقول المؤمن: غدا نفتحه إن شاء الله، فيصبحون ثم يغدون عليه فيفتحه الله، فو الذي نفسي بيده ليمرن الرجل منهم على شاطئ الوادي الذي بكوفان، و قد شربوه حتى نزحوه، فيقول و الله لقد رأيت هذا الوادي مرة، و إن الماء ليجري في عرضه».

قيل: يا رسول الله، و متى هذا؟ قال: «حين لا يبقى من الدنيا إلا مثل صبابة «3» الإناء».

6787/ [2]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد ابن عبد الله، عن العباس بن العلاء، عن مجاهد،

عن ابن عباس، قال سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الخلق. فقال:

«خلق الله ألفا و مائتين في البر، و ألفا و مائتين في البحر، و أجناس بني آدم سبعون جنسا، و الناس ولد آدم، ما خلا يأجوج و مأجوج».

6788/ [3]- و روى بعض علمائنا الإمامية في كتاب له سماه: (منهج التحقيق إلى سواء الطريق): عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: كنا جلوسا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بمنزله لما بويع عمر بن الخطاب، قال: كنت أنا، و الحسن و الحسين (عليهما السلام)، و محمد بن الحنفية، و محمد بن أبي بكر، و عمار بن ياسر، و المقداد بن الأسود الكندي (رضي الله عنهم)، فقال: قال له ابنه الحسن (عليه السلام): «يا أمير المؤمنين، إن سليمان (عليه السلام) سأل ربه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه ذلك، فهل ملكت مما ملك سليمان بن داود (عليه السلام)»؟

فقال (عليه السلام): «و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، إن سليمان بن داود (عليه السلام) سأل الله عز و جل الملك فأعطاه، و إن أباك ملك ما لم يملكه بعد جدك رسول الله (صلى الله عليه و آله) أحد قبله، و لا يملكه أحد بعده».

فقال الحسن (عليه السلام): «نريد أن ترينا مما فضلك الله تعالى به من الكرامة»؟

__________________________________________________

1- الأمالي 1: 355.

2- الكافي 8: 22/ 274.

3- .... المحتضر: 71، مدينة المعاجز: 91.

(1) في «ط»: ابن زياد، و في «ق»: ابن حمران.

(2) في «ط»: و «ق» و المصدر: القزويني. انظر أنساب السمعاني 4: 179.

(3) الصبابة: البقية من الماء في الإناء. «الصحاح- صبب- 1: 161». [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 676

فقال: «أفعل، إن شاء الله تعالى»، فقام أمير المؤمنين (عليه

السلام) فتوضأ و صلى ركعتين، و دعا الله عز و جل بدعوات لم يفهمها أحد، ثم أومأ الى جهة المغرب، فما كان بأسرع من أن جاءت سحابة، فوقعت على الدار، و إذا بجانبها سحابة أخرى، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيتها السحابة، اهبطي بإذن الله تعالى»، فهبطت، و هي تقول أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله، و أنك خليفته و وصيه، من شك فيك فقد ضل سبيل النجاة».

قال: ثم انبسطت السحابة على وجه الأرض حتى كأنها بساط موضوع، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«اجلسوا على الغمامة» فجلسنا، و أخذنا مواضعنا، فأشار إلى السحابة الاخرى فهبطت، و هي تقول كمقالة الأولى، و جلس أمير المؤمنين عليها ثم تكلم بكلام، و أشار إليهما بالمسير نحو المغرب، و إذا بالريح قد دخلت تحت السحابتين، فرفعتهما رفعا رفيقا، فتمايلت نحو أمير المؤمنين (عليه السلام)، و إذا به على كرسي، و النور يسطع من وجهه، و وجهه أنور من القمر.

فقال الحسن (عليه السلام) «: يا أمير المؤمنين، إن سليمان بن داود (عليه السلام) كان مطاعا بخاتمه، و أمير المؤمنين بماذا يطاع؟».

فقال (عليه السلام): «أنا عين الله في أرضه، و لسانه الناطق في خلقه، أنا نور الله الذي لا يطفأ، أنا باب الله الذي يؤتى منه، و حجته على عباده».

ثم قال: «أ تحبون أن أريكم خاتم سليمان بن داود (عليه السلام)؟» قلنا: نعم، فأدخل يده إلى جيبه، فأخرج خاتما من ذهب فصه من ياقوتة حمراء، عليه مكتوب: محمد و علي، قال سلمان: فتعجبنا من ذلك، فقال: «من أي شي ء تعجبون؟ و ما العجب من مثلي؟ أنا أريكم اليوم ما لم تروه أبدا».

فقال الحسن (عليه السلام): «أريد أن

تريني يأجوج و مأجوج و السد الذي بيننا و بينهم»، فسارت الريح تحت السحاب، فسمعنا لها دويا كدوي الرعد، و علت في الهواء، و أمير المؤمنين (عليه السلام) يقدمنا، حتى انتهينا إلى جبل شامخ في العلو، و إذا شجرة جافة قد تساقطت أوراقها، و جفت أغصانها، فقال الحسن (عليه السلام): «ما بال هذه الشجرة قد يبست؟» فقال له: «سلها، فإنها تجيبك»، فقال الحسن (عليه السلام): «أيتها الشجرة، مالك قد حدث بك ما نراه من الجفاف؟» فلم تجبه؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إلا ما أجبته»، قال الراوي: و الله لقد سمعتها تقول لبيك لبيك يا وصي رسول الله و خليفته، ثم قالت: يا أبا محمد، إن أباك أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يجيئني في كل ليلة وقت السحر، و يصلي عندي ركعتين، و يكثر من التسبيح، فإذا فرغ من دعائه جاءته غمامة بيضاء، ينفح منها رائحة المسك، و عليها كرسي، فيجلس عليه فتسير به، فكنت أعيش بمجلسه و بركته، فانقطع عني منذ أربعين يوما، فهذا سبب ما تراه مني. فقام أمير المؤمنين (عليه السلام)، و صلى ركعتين، و مسح بكفه عليها، فاخضرت و عادت إلى حالها.

و أمر الريح فسارت بنا، و إذا نحن بملك يده في المغرب، و الاخرى بالمشرق، فلما نظر الملك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده، و رسوله، أرسله بالهدى و دين الحق، ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون، و أشهد أنك وصيه و خليفته حقا و صدقا. فقلت: يا أمير البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 677

المؤمنين، من هذا الذي يده في المغرب، و

يده الاخرى في المشرق؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «هذا الملك الذي وكله الله تعالى بظلمة الليل وضوء النهار، و لا يزول إلى يوم القيامة، و إن الله تعالى جعل أمر الدنيا إلي، و إن أعمال العباد تعرض علي في كل يوم، ثم ترفع إلى الله تعالى».

ثم سرنا حتى وقفنا على سد يأجوج و مأجوج فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للريح «اهبطي بنا مما يلي هذا الجبل» و أشار بيده إلى جبل شامخ في العلو، و هو جبل الخضر (عليه السلام)، فنظرنا إلى السد، و إذا ارتفاعه ما يحد البصر، و هو أسود كقطعة الليل الدامس «1» يخرج من أرجائه الدخان، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا أبا محمد، أنا صاحب هذا الأمر على هؤلاء العبيد»، قال سلمان: فرأيت أصنافا ثلاثة طول أحدهم مائة و عشرون ذراعا، و الثاني طول كل واحد منهم ستون ذراعا، و الثالث يفرش أحد أذنيه تحته، و الاخرى يلتحف بها.

ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف «2»، فانتهينا إليه و إذا هو من زمردة خضراء، و عليها ملك على صورة النسر، ثم نظر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال الملك: السلام عليك، يا وصي رسول رب العالمين و خليفته، أ تأذن لي في الرد؟ فرد (عليه السلام)، و قال له: «إن شئت تكلم، و إن شئت أخبرتك عما تسألني عنه». فقال الملك: بل تقول يا أمير المؤمنين. قال: «تريد أن آذن لك أن تزور الخضر (عليه السلام)». فقال: نعم. قال: «قد أذنت لك» فأسرع الملك بعد أن قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم تمشينا على الجبل هنيئة، فإذا بالملك قد عاد إلى مكانه بعد زيارة

الخضر (عليه السلام)، فقال سلمان: يا أمير المؤمنين، رأيت الملك ما زار الخضر إلا حين أخذ إذنك؟ فقال (عليه السلام): «و الذي رفع السماء بغير عمد، لو أن أحدهم رام أن يزول من مكانه بقدر نفس واحد لما زال حتى آذن له، و كذلك يصير حال ولدي «3» الحسن، و بعده الحسين، و تسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائمهم».

فقلنا: ما اسم الملك الموكل بقاف؟ فقال (عليه السلام): «ترجائيل «4»».

فقلنا: يا أمير المؤمنين، كيف تأتي كل ليلة إلى هذا الموضع و تعود؟ فقال: «كما أتيت بكم، و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، إني لأملك ملكوت السماوات و الأرض، ما لو علمتم ببعضه لما أحتمله جنانكم، إن اسم الله الأعظم ثلاث و سبعون حرفا، و كان عند آصف بن برخيا حرف واحد، فتكلم به فخسف الله تعالى ما بينه و بين عرش بلقيس، حتى تناول السرير، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرف النظر، و عندنا نحن- و الله- اثنان و سبعون حرفا، و حرف واحد عند الله تعالى أستأثر به في علم الغيب، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، عرفنا من عرفنا، و أنكرنا من أنكرنا».

ثم قام (عليه السلام): و قمنا، و إذا نحن بشاب في الجبل يصلي بين قبرين، فقلنا: يا أمير المؤمنين، من هذا الشاب؟ فقال (عليه السلام): «صالح النبي (عليه السلام)، و هذان القبران لامه و أبيه، و إنه يعبد الله بينهما، فلما نظر إليه

__________________________________________________

(1) دمس الظلام: أي اشتدّ، و ليل دامس، أي مظلم. «مجمع البحرين- دمس- 4: 71».

(2) قاف: قيل: هو الجبل المحيط بالأرض. «معجم البلدان 4: 298».

(3) في «ق»: وارثي.

(4) في «ق»: ترجابيل. و في

المدينة: ترحائيل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 678

صالح، لم يتمالك نفسه حتى بكى، و أومأ بيده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم عاد إلى صلاته و هو يبكي، فوقف أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده حتى فرغ من صلاته، فقلنا له: مم بكاؤك؟ فقال صالح: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يمر بي عند كل غداة، فيجلس، فتزداد عبادتي بنظري إليه، فقطع ذلك منذ عشرة أيام، فأقلقني ذلك» فتعجبنا من ذلك.

فقال (عليه السلام): «تريدون أن أريكم سليمان بن داود (عليه السلام)»؟ فقلنا: نعم فقام و نحن معه، فدخل بنا بستانا ما رأينا أحسن منه، و فيه من جميع الفواكه و الأعناب، و أنهاره تجري، و الأطيار يتجاوبن على الأشجار، فحين رأته الأطيار، أتت ترفرف حوله حتى توسطنا البستان، و إذا سرير عليه شاب ملقى على ظهره، واضع يده على صدره، فأخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) الخاتم من جيبه و جعله في إصبع سليمان (عليه السلام)، فنهض قائما، و قال: «السلام عليك يا أمير المؤمنين، و وصي رسول رب العالمين، أنت و الله الصديق الأكبر، و الفاروق الأعظم، قد أفلح من تمسك بك، و قد خاب و خسر من تخلف عنك، و إني سألت الله تعالى بكم أهل البيت، فأعطيت ذلك الملك».

قال سلمان: فلما سمعنا كلام سليمان بن داود (عليه السلام)، لم أتمالك نفسي حتى وقعت على أقدام أمير المؤمنين (عليه السلام) أقبلها، و حمدت الله تعالى على جزيل عطائه، بهدايته إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و فعل أصحابي كما فعلت، ثم سألت أمير المؤمنين (عليه السلام): و ما وراء قال؟ قال (عليه السلام): «وراءه مالا يصل إليكم

علمه».

فقلنا: تعلم ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): «علمي بما وراءه كعلمي بحال هذه الدنيا و ما فيها» و إني الحفيظ الشهيد عليها بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كذلك الأوصياء من ولدي بعدي».

ثم قال (عليه السلام): «إني لأعرف بطرق السماوات من طرق الأرض، نحن الاسم المخزون المكنون، نحن الأسماء الحسنى التي إذا سئل الله تعالى به أجاب، نحن الأسماء المكتوبة على العرش و الكرسي و الجنة و النار، و منا تعلمت الملائكة التسبيح و التقديس، و التوحيد و التهليل و التكبير، و نحن الكلمات التي تلقاها آدم (عليه السلام) من ربه، فتاب عليه».

قال: «أ تريدون أن أريكم عجبا؟» قلنا: نعم. قال: «غضوا أعينكم» ففعلنا، ثم قال: «افتحوها»، ففتحناها، فإذا نحن بمدينة ما رأينا أكبر منها، الأسواق فيها قائمة، و فيها أناس ما رأينا أعظم من خلقهم، على طول النخل، قلنا:

يا أمير المؤمنين، من هؤلاء؟ قال: «بقية قوم عاد، كفار لا يؤمنون بالله تعالى، أحببت أن أريكم إياهم، و هذه المدينة و أهلها أريد أن اهلكهم و هم لا يشعرون»، قلنا: يا أمير المؤمنين، تهلكهم بغير حجة؟ قال: «لا، بل بحجة عليهم»، فدنا منهم، و تراءى لهم، فهموا أن يقتلوه، و نحن نراهم و هم يروننا، ثم تباعد عنهم، و دنا منا، ثم مسح بيده على صدورنا، و صعق فيهم صعقة، قال سلمان: لقد ظننا أن الأرض قد انقلبت، و السماء قد سقطت و أن الصواعق من فيه قد خرجت، فلم يبق منهم في تلك الساعة أحد، قلنا: يا أمير المؤمنين، ما صنع الله بهم؟ قال: «هلكوا، و صاروا كلهم في النار» قلنا: هذا معجز ما رأينا و لا سمعنا بمثله.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 679

فقال (عليه السلام): «أ تريدون أن أريكم أعجب من ذلك؟» قلنا: لا نطيق بأسرنا على احتمال شي ء آخر، فعلى من لا يتولاك و يؤمن بفضلك و عظيم قدرك عند الله تعالى لعنة الله، و لعنة اللاعنين، و الناس و الملائكة أجمعين إلى يوم الدين.

ثم سألناه الرجوع إلى أوطاننا، فقال: «أفعل ذلك، إن شاء الله تعالى»، و أشار إلى السحابتين فدنتا منا، فقال:

«خذوا مواضعكم» فجلسنا على سحابة، و جلس (عليه السلام) على اخرى، و أمر الريح فحملتنا حتى صرنا في الجو، حتى رأينا الأرض كالدرهم، ثم حطتنا في دار أمير المؤمنين (عليه السلام)، في أقل من طرف النظر، و كان وصولنا إلى المدينة وقت الظهر و المؤذن يؤذن، و كان خروجنا منها وقت علت الشمس، فقلت: أيا لله العجب، كنا في جبل قاف، مسيرة خمس سنين «1»، وعدنا في خمس ساعات من النهار؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لو أنني أردت أن أخرق الدنيا بأسرها و السماوات السبع و أرجع في أقل من الطرف لفعلت، بما عندي من اسم الله الأعظم»، فقلنا: يا أمير المؤمنين، أنت و الله الآية العظمى، و المعجزة الباهرة، بعد أخيك و ابن عمك رسول الله (صلى الله عليه و آله).

6789/ [4]- و روي بالإسناد، عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، قال: كنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقلت له:

يا أمير المؤمنين، أحب أن أرى من معجزاتك شيئا؟ قال: «يا سلمان، ما تريد؟ قلت: أريد أن تريني ناقة ثمود، و شيئا من معجزاتك؟ فقال: «أفعل، إن شاء الله تعالى».

ثم قام و دخل منزله، و خرج و تحته حصان أدهم «2»، و عليه قباء «3» أبيض، و قلنسوة

«4» بيضاء، ثم نادى:

«يا قنبر، أخرج إلي ذلك الفرس»، فأخرج إليه حصانا أدهم أنمر «5»، فقال: «اركب، يا أبا عبد الله». قال سلمان: فركبته، فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه، قال: فصاح به الإمام (عليه السلام): فتعلق في الهواء، و كنت أسمع و الله خفق «6» أجنحة الملائكة و تسبيحها تحت العرش، ثم حضرنا على ساحل البحر، و إذا هو بحر عجاج «7»، متغطغط بالأمواج، فنظر إليه الإمام (عليه السلام) شزرا، فسكن البحر من غليانه، فقلت له: يا مولاي، سكن البحر من نظرك إليه؟ فقال:

«خشي أن ™ŘѠفيه بأمر».

__________________________________________________

4- ... بحار الأنوار 42: 50/ 1، مدينة المعاجز: 88.

(1) في «ج»: خمسين سنة.

(2) الأدهم: الأسود. «لسان العرب- دهم- 12: 209».

(3) القباء: الثوب يلبس فوق الثياب، أو القميص يمنطق عليه. «المعجم الوسيط- قباه- 2: 713».

(4) القلنسوة: لباس للرأس. «المعجم الوسيط- قلس- 2: 754».

(5) الأنمر: ما فيه نمرة بيضاء و اخرى على أيّ لون كان. «المعجم الوسيط- نمر- 2: 954».

(6) في «ج»: حفيف.

(7) نهر عجّاج: كثير الماء. «لسان العرب- عج- 2: 318».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 680

ثم قبض على يدي و سار على وجه الماء، و الخيل تتبعنا، لا يقودها أحد، فو الله ما ابتلت أقدامنا و لا حوافر الخيل، قال سلمان: فعبرنا ذلك البحر، فدفعنا إلى جزيرة كثيرة الأشجار و الأثمار و الأطيار و الأنهار، و إذا بشجرة عظيمة بلا جذع و لا زهر، فهزها صلوات الله عليه بقضيب كان في يده، فانشقت، و خرجت منها ناقة طولها ثمانون ذراعا، و عرضها أربعون ذراعا، و خلفها قلوص، فقال لي: «ادن منها، و اشرب من لبنها حتى تروى» فدنوت منها، و شربت حتى رويت، و كان لبنها أعذب

من الشهد، و ألين من الزبد، فقال لي «يا سلمان، هذا حسن»؟ فقلت يا مولاي، و ما أحسن منها! فقال: «تريد أن أريك ما هو أحسن منها؟» فقلت: نعم يا أمير المؤمنين فنادى (عليه السلام):

«اخرجي يا حسناء «1»» فخرجت إلينا ناقة طولها مائة ذراع و عشرون ذراعا، و عرضها ستون ذراعا، و رأسها من الياقوت الأحمر، و صدرها من العنبر الأشهب، و قوائمها من الزبرجد الأخضر، و زمامها من الياقوت الأخضر، و جنبها الأيمن من الذهب، و جنبها الأيسر من الفضة، و عرضها من اللؤلؤ الرطب، فقال لي: «يا سلمان، اشرب من لبنها»، قال سلمان: فالتقمت «2» الضرع، فإذا هي تحلب عسلا صافيا محضا، فقلت: يا سيدي هذه لمن؟ قال: «هذه لك يا سلمان، و لسائر المؤمنين من اوليائي». ثم قال (عليه السلام): «ارجعي إلى الشجرة» فرجعت من الوقت.

و ساقني إلى تلك الجزيرة و حتى ورد بي إلى شجرة، و في أصلها مائدة عظيمة فيها طعام، تفوح منها رائحة المسك، و إذا بطائر في صورة النسر العظيم، قال سلمان: فوثب ذلك الطير، فسلم عليه و رجع إلى موضعه، فقلت:

يا أمير المؤمنين ما هذه المائدة؟ فقال: «هذه منصوبة في هذا الموضع لشيعتنا» فقلت: ما هذا الطائر؟ قال: «ملك موكل بها إلى يوم القيامة» فقلت: وحده يا سيدي؟ فقال: «يجتاز به الخضر (عليه السلام) كل يوم مرة».

ثم قبض بيدي ثم سار إلى بحر آخر فعبرنا إذا بجزيرة عظيمة فيها قصر، لبنة من ذهب، و لبنة من فضة، و شرافها من عقيق أصفر، و على كل ركن من القصر سبعون صفا «3» من الملائكة، فسلموا عليه» ثم أذن لهم، فرجعوا إلى أماكنهم، قال سلمان (رضي الله عنه): ثم

دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى القصر، و إذا فيه أشجار، و أثمار، و أنهار، و أطيار، و ألوان النبات، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يمشي فيه، حتى وصل إلى آخره، فوقف (عليه السلام) على بركة في البستان، ثم صعد على سطحه، و إذا بكرسي من الذهب الأحمر، فجلس عليه، و أشرفنا على القصر، و إذا ببحر أسود يتغطغط بأمواجه كالجبال الراسيات، فنظر إليه شزرا، فسكن من غليانه، حتى كأنه المذنب، فقلت: سكن البحر من غليانه لما نظرت إليه! فقال: «خشي أن آمر فيه بأمر، أ تدري- يا سلمان- أي بحر هذا»؟ فقلت: لا، يا سيدي. فقال: «هذا البحر الذي غرق «4» فيه فرعون و ملؤه، إن المدينة حملت على جناح جبرئيل (عليه السلام)، ثم زخ «5» بها في الهواء، فهوت إلى قراره إلى يوم القيامة».

__________________________________________________

(1) في «ج»: يا حسن.

(2) في «ق»: فالتمست. [.....]

(3) في «ج»: ألفا.

(4) في «ط»: عذّب.

(5) زخّه: دفعه. و في «ج»: زجّ، و زجّ بالشي ء من يده يزج زجّا: رمى به. «لسان العرب- زجج- 2: 286».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 681

فقلت: يا أمير المؤمنين، هل سرنا فرسخين؟ فقال: «يا سلمان، لقد سرت خمسين ألف فرسخ، و درت حول الدنيا عشرين ألف مرة».

فقلت: يا سيدي، و كيف هذا؟ قال: «يا سلمان، إذا كان ذو القرنين طاف شرقها و غربها، و بلغ إلى سد يأجوج و مأجوج، فأنا يتعذر علي و أنا أمير المؤمنين، و خليفة رسول رب العالمين؟! يا سلمان، ما قرأت قوله تعالى عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ «1»؟» فقلت: بلى، يا أمير المؤمنين. فقال:

«يا سلمان، أنا المرتضى من الرسول الذي أظهره الله

عز و جل على غيبه، أنا العالم الرباني، أنا الذي هون الله علي الشدائد و طوى لي البعيد». قال سلمان (رضي الله عنه): فسمعت صائحا يصيح في السماء، أسمع الصوت و لا أرى الشخص، و هو يقول: صدقت صدقت، أنت الصادق الصديق صلوات الله عليك.

ثم وثب قائما و ركب فرسه و ركبت معه، و صاح بهما، فطارا في الهواء، و إذا نحن على باب الكوفة، هذا كله و قد مضى من الليل ثلاث ساعات، فقال لي: «يا سلمان، الويل ثم الويل لمن لا يعرفنا حق معرفتنا، و أنكر ولايتنا- يا سلمان- أيهما أفضل، محمد (صلى الله عليه و آله) أم سليمان بن داود (عليه السلام)»؟ فقلت: بل محمد أفضل.

قال: «يا سلمان، آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس إلى سليمان في طرفة عين، و عنده علم من الكتاب، فكيف لا أفعل أنا ذلك و عندي ألف كتاب، و أربعة و عشرون ألف كتاب، أنزل الله تعالى على شيث بن آدم خمسين صحيفة، و على إدريس (عليه السلام) ثلاثين، و على إبراهيم الخليل (عليه السلام) عشرين، و التوراة، و الإنجيل، و الزبور، و الفرقان العظيم»؟ فقلت: صدقت يا أمير المؤمنين، هكذا يكون الإمام.

فقال: «اعلم يا سلمان، الشاك في أمورنا و علومنا كالممتري في معرفتنا و حقوقنا، و قد فرض الله عز و جل في كتابه في غير موضع، و بين فيه ما وجب العلم به، و هو غير مكنون» «2».

باب فيما اعطي الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم من السير في البلاد، و أشبهوا ذا القرنين، و الخضر، و صاحب سليمان، و ما لهم من الزيادة. ..... ص : 681

6790/ [1]- محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات): عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن أبي خالد، عن حمران، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما موضع العلماء منكم؟ قال: «مثل ذي

القرنين، و صاحب سليمان، و صاحب موسى (عليه السلام)».

__________________________________________________

1- بصائر الدرجات: 385/ 1.

(1) الجن 72: 26 و 27.

(2) في «ج، ق»: مكشوف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 682

6791/ [2]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن عليا (عليه السلام) كان محدثا» قلت:

فيكون نبيا؟ قال: فحرك يده هكذا، ثم قال: «أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسى، أو كذي القرنين، أو ما بلغكم أنه قال: و فيكم مثله؟».

6792/ [3]- و عنه: عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن الحارث، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أ لست حدثتني أن عليا (عليه السلام) كان محدثا؟ قال: «بلى». قلت: من يحدثه؟ قال: «ملك يحدثه» قلت: فأقول: إنه نبي، أو رسول؟ قال: «لا، بل مثله مثل صاحب سليمان، و مثل صاحب موسى (عليهما السلام)، و مثل ذي القرنين، أو ما بلغكم أن عليا (عليه السلام) سئل عن ذي القرنين، فقيل: كان نبيا؟ قال: لا، بل كان عبدا أحب الله فأحبه، و نصح لله فنصحه، و هذا فيكم مثله».

6793/ [4]- و عنه، قال: حدثني أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن رجلا منا صلى العتمة بالمدينة، و أتى قوم موسى في شي ء شجر بينهم، و عاد من ليلته، و صلى الغداة بالمدينة».

6794/ [5]- و عنه: عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبان بن تغلب، قال: كنت عند أبي

عبد الله (عليه السلام) حيث دخل عليه رجل من علماء أهل اليمن، فقال: أبو عبد الله (عليه السلام): «يا يماني، أ فيكم علماء؟» قال: نعم قال: «فأي شي ء يبلغ من علم علمائكم؟» قال: إنه ليسير في ليلة واحدة مسير شهرين، يزجر الطير، و يقفو الآثار.

فقال له: «فعالم المدينة أعلم من عالمكم»، قال: فأي شي ء يبلغ من علم عالم المدينة؟ قال: «إنه يسير في صباح واحد مسيرة سنة، كالشمس إذا أمرت، إنها اليوم غير مأمورة، و لكن إذا أمرت أن تقطع اثنتي عشرة شمسا، و اثني عشر قمرا، و اثني عشر مشرقا، و اثني عشر مغربا، و اثني عشر برا، و اثني عشر بحرا، و اثني عشر عالما» قال:

فما درى اليماني ما يقول.

6795/ [6]- و عنه: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن أبان ابن تغلب، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال له: «يا أخا اليمن، عندكم علماء؟» قال: نعم. قال: «فما بلغ من علم عالمكم؟» قال: يسير في ليلة واحدة مسيرة شهرين، يزجر الطير، و يقفو الأثر.

__________________________________________________

2- بصائر الدرجات: 386/ 2.

3- بصائر الدرجات: 387/ 7.

4- بصائر الدرجات: 417/ 1.

5- بصائر الدرجات: 421/ 14.

6- بصائر الدرجات: 421/ 15.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 683

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «عالم المدينة أعلم من عالمكم» قال: فما بلغ من علم عالم المدينة؟ قال: «يسير في ساعة من النهار مسيرة الشمس سنة، حتى يقطع ألف عالم «1» مثل عالمكم هذا، ما يعلمون أن الله خلق آدم و لا إبليس» قال: يعرفونكم؟ قال: «نعم، ما افترض الله عليهم إلا ولايتنا، و

البراءة من أعدائنا».

6796/ [7]- و عنه: عن أحمد بن الحسين، قال: حدثني الحسن بن برة، و الحسين بن براء، عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن، فسلم عليه، فرد عليه السلام، ثم قال له: «هل عندكم علماء؟» قال: نعم، قال: «فما بلغ من علم عالمكم؟» قال: يزجر الطير، و يقفو الأثر، و يسير في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب.

فقال له: [أبو عبد الله (عليه السلام): «إن عالم المدينة أعلم من عالمكم». قال: و ما بلغ من علم عالم المدينة؟

قال ]: «إن عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر، و لا يزجر الطير، يسير في اللحظة الواحدة مسيرة سنة، كالشمس تقطع اثني عشر برجا، و اثني عشر برا، و اثني عشر بحرا، و اثني عشر عالما». فقال له اليماني: جعلت فداك، ما ظننت أن يعلم هذا أحد و يقدر عليه.

6797/ [8]- و عنه: عن محمد بن حسان، عن علي بن خالد- و كان زيديا- قال: كنت في العسكر، فبلغني أن هناك رجلا محبوسا، أتي به من ناحية الشام مكبولا، و قالوا: إنه تنبأ قال علي: فداريت البوابين و الحجة، حتى وصلت إليه، فإذا هو رجل له فهم، فقلت له: يا هذا ما قصتك، و ما أمرك؟

فقال: كنت بالشام، أعبد الله عند قبر رأس الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) فبينا أنا في عبادتي، إذ أتاني شخص، فقال لي: قم بنا فقمت معه، فبينا أنا معه في مسجد الكوفة، فقال لي: تعرف هذا المسجد؟ قلت: نعم، هذا مسجد الكوفة. قال: فصلى و صليت معه، فبينا أنا معه إذ أنا

في مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) بالمدينة، فسلم على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و سلمت و صلى و صليت، فصلى على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و دعا له، فبينا أنا معه إذ أنا بمكة فلم أزل معه حتى قضى مناسكه، و قضيت مناسكي معه، قال: فبينا أنا معه إذ أنا بموضعي الذي كنت أعبد الله فيه بالشام، و مضى، فلما كان عام قابل في أيام الموسم، إذا أنا به، ففعل بي مثل فعله، الأول، فلما فرغنا من مناسكنا، و ردني إلى الشام، و هم بمفارقتي، قلت له: سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت، إلا أخبرتني من أنت؟ فأطرق مليا، فقال: أنا محمد بن علي بن موسى، فتراقى «2» الخبر إلى محمد بن عبد الملك الزيات، فبعث إلي، و أخذني و كبلني، بالحديد، و حملني إلى العراق، و حبسني كما ترى، قال: قلت له: أرفع قصتكم إلى محمد بن عبد الملك؟ فقال: و من لي يأتيه بالقصة؟ قال: فأتيته بقرطاس و دوات، فكتب قصته إلى محمد بن عبد الملك، فذكر في قصته ما كان، قال: فوقع في القصة: قل للذي أخرجك في ليلة من الشام إلى الكوفة، و من الكوفة إلى

__________________________________________________

7- .... الاختصاص: 319، و لم نجده في البصائر.

8- بصائر الدرجات: 422/ 1.

(1) في المصدر: اثني عشر ألف. [.....]

(2) تراقى: ارتقى و تسامى. «المعجم الوسيط- رقا- 1: 367».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 684

المدينة، و من المدينة إلى مكة، و ردك من مكة إلى المكان الذي أخرجك منه أن يخرجك من حبسك.

قال علي: فغمني أمره، و رققت له، فأمرته بالعزاء و الصبر، قال: ثم بكرت عليه يوما،

فإذا الجند، و صاحب الحرس، و صاحب السجن، و خلق عظيم يتفحصون حاله، فقلت: ما هذا الأمر؟ قالوا: المحمول من الشام الذي تنبأ، افتقد البارحة، لا ندري خسفت به الأرض، أو اختطفه الطير في الهواء.

و قال علي بن خالد: هذا زيدي فقال بالإمامة بعد ذلك، و حسن اعتقاده.

و روى هذا الحديث محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن حسان، عن علي بن خالد، قال محمد- و كان زيديا- قال: كنت بالعسكر، فبلغني أن هناك رجلا محبوسا، أتي به من ناحية الشام، و ذكر الحديث بعينه «1».

6798/ [9]- الشيخ المفيد في (الاختصاص): عن محمد بن عبد الله الرازي الجاموراني، عن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن عبد الصمد بن علي: قال: دخل رجل على علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): «من أنت؟» قال: أنا رجل منجم قائف عراف. قال: فنظر إليه، ثم قال: «هل أدلك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة عشر عالما، كل عالم أكبر من الدنيا ثلاث مرات، لم يتحرك من مكانه؟».

قال: من هو؟ قال: «أنا و إن شئت أنبأتك عما أكلت، و ما ادخرت في بيتك».

و قد تقدم حديث جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) «2»، و الحديث طويل، و أنه دخل معه في الظلمة التي فيها عين الحياة التي سلكها ذو القرنين، و قد وردا خمسة عوالم، تقدم في قوله تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ و الروايات في ذلك كثيرة، اقتصرنا على ذلك مخافة الإطالة.

6799/ [10]- علي بن إبراهيم، قال: فلما أخبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) قريشا

بخبر أصحاب الكهف، و خبر الخضر و موسى و خبر ذي القرنين، قالوا: قد بقيت مسألة واحدة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ما هي؟» قالوا:

متى تقوم الساعة؟ فأنزل الله تبارك و تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي «3» الآية، فهذا كان سبب نزول سورة الكهف، و هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها

في سورة الأعراف، و كان الواجب أن تكون في هذه السورة.

__________________________________________________

9- الاختصاص: 319.

10- تفسير القمّي 2: 45.

(1) الكافي 1: 411/ 1.

(2) تقدّم في الحديث (8) من تفسير الآية (74- 81) من سورة الأنعام.

(3) الأعراف 7: 187.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 685

سورة الكهف(18): آية 99 ..... ص : 685

قوله تعالى:

وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً [99] 6800/ [1]- قال علي بن إبراهيم: قوله: وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ أي يختلطون وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً.

6801/ [2]- العياشي: عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ «يعني يوم القيامة».

سورة الكهف(18): الآيات 101 الي 102 ..... ص : 685

قوله تعالى:

الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً- إلى قوله تعالى- إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا [101- 102]

6802/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، بفرغانة «1»، قال: حدثنا أبي، عن أحمد ابن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سأل المأمون الرضا علي بن موسى (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً.

فقال (عليه السلام): «إن غطاء العين لا يمنع من الذكر، و الذكر لا يرى بالعيون، و لكن الله عز و جل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالعميان، لأنهم كانوا يستقلون قول النبي (صلى الله عليه و آله) فيه، فلا يستطيعون له سمعا». فقال المأمون: فرجت عني، فرج الله عنك.

6803/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسين بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، و الحسين بن أبي العلاء، و عبد الله بن وضاح و شعيب العقرقوفي جميعهم: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت: قوله: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي؟ قال: «يعني بالذكر ولاية علي

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 45.

2-

تفسير العيّاشي 2: 351/ 87.

3- عيون أخبار الرّضا 1: 136/ 33.

4- تفسير القمّي 2: 47.

(1) فرغانة: مدينة واسعة بما وراء النهر، متآخمة لبلاد تركستان. «معجم البلدان 4: 253».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 686

أمير المؤمنين (عليه السلام)، و هو قوله: ذِكْرِي» قلت: قوله لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً؟ قال: «كانوا لا يستطيعون إذا ذكر علي (عليه السلام) عندهم أن يسمعوا ذكره لشدة بغض له، و عداوة منهم له و لأهل بيته».

قلت قوله: أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا؟

قال (عليه السلام): «يعنيهما و أشياعهما «1» الذين اتخذوهما من دون الله أولياء، و كانوا يرون أنهم بحبهم إياهما، أنهما ينجيانهم من عذاب الله، و كانوا بحبهما كافرين».

قلت: قوله إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا؟ قال: «أي منزلا، فهي لهما و لأشياعهما «2» عتيدة «3» عند الله».

قلت: قوله نُزُلًا قال: «مأوى و منزلا».

6804/ [3]- العياشي: عن محمد بن حكيم، قال: كتبت رقعة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فيها: أ تستطيع النفس المعرفة؟ قال: فقال: «لا».

فقلت: يقول الله عز و جل: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً؟

قال: «هو كقوله: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ «4»».

قلت: فعابهم «5»؟ قال: «لم يعبهم «6» بما صنع في قلوبهم، و لكن عابهم «7» بما صنعوا، و لو لم يتكلفوا لم يكن عليهم شي ء».

6805/ [4]- علي بن إبراهيم، في قوله أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا: أي منزلا.

سورة الكهف(18): الآيات 103 الي 104 ..... ص : 686

قوله تعالى:

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا

__________________________________________________

3- تفسير العيّاشي 2: 351/ 88.

4- تفسير القمّي 2: 46.

(1) في «ط»: و أشباههما. [.....]

(2) في

«ط»: و لأشباههما.

(3) العتيد: الشي ء الحاضر المهيّأ. «الصحاح- عتد- 2: 505» و في نسخة من «ط» معدة.

(4) هود 11: 20.

(5) في «ط»: يعاتبهم.

(6) في «ط»: لا يعتبهم.

(7) في «ط»: يعاتبهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 687

الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [103- 104]

6806/ [1]- علي بن إبراهيم: و في رواية أبى الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «هم النصارى، و القسيسون، و الرهبان، و أهل الشبهات و الأهواء من أهل القبلة، و الحرورية، و أهل البدع».

6807/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: نزلت في اليهود، و جرت في الخوارج.

6808/ [3]- العياشي: عن إمام بن ربعي، قال: قام ابن الكواء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: أخبرني عن قول الله: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.

قال: «أولئك أهل الكتاب، كفروا بربهم، و ابتدعوا في دينهم، فحبطت أعمالهم، و ما أهل النهر- أي النهروان- منهم ببعيد».

6809/ [4]- عن أبي الطفيل، قال: «منهم أهل النهر».

6810/ [5]- و في رواية أبي الطفيل: «أولئك هم أهل حروراء».

6811/ [6]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و قد سأله سائل، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله عز و جل: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الآية. قال: «كفرة أهل الكتاب، اليهود و النصارى، و قد كانوا على الحق، فابتدعوا في أديانهم، و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».

سورة الكهف(18): الآيات 105 الي 108 ..... ص : 687

قوله تعالى:

أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- إلى قوله تعالى- خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا [105- 108] 6812/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: أُولئِكَ

الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً:

__________________________________________________

1- تفسير القمي 2: 46.

2- تفسير القمي 2: 46.

3- تفسير العياشي 2: 352/ 89.

4- تفسير العياشي 2: 352/ 90.

5- تفسير العياشي 2: 352/ 90.

6- الاحتجاج 1: 260.

7- تفسير القمي 2: 46.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 688

أي حسنة: ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً يعنى بالآيات الأوصياء اتخذوها هزوا. ثم ذكر المؤمنين بهذه الآيات: فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا، أي لا يحولون، و لا يسألون التحويل عنها.

6813/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام بن سهيل، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، قال: حدثنا مولاي موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألت أبي عن قول الله عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا.

قال: «نزلت في آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)».

6814/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسين الخثعمي، عن محمد بن يحيى الحجري، عن عمر بن صخر الهذلي، عن الصباح بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي (عليه السلام) أنه قال: «لكل شي ء ذروة، و ذروة الجنة الفردوس، و هي لمحمد و آل محمد (صلوات الله عليه و عليهم أجمعين)».

6815/ [4]- العياشي: عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ما في القرآن آية: الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إلا و علي (عليه السلام) أميرها و شريفها، و ما من أصحاب محمد (صلى الله عليه و آله) رجل إلا و قد عاتبه الله،

و ما ذكر عليا (عليه السلام) إلا بخير.

قال عكرمة: إني لأعلم لعلي (عليه السلام) منقبة، لو حدثت بها لبعدت أقطار السماوات و الأرض.

6816/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبى عبد الله (عليه السلام)، في قوله: خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا، قال:

«خالدين فيها لا يخرجون منها» و لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا، قال: «لا يريدون بها بدلا».

قلت: قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا، قال: «نزلت في أبي ذر، و سلمان الفارسي، و المقداد، و عمار بن ياسر، جعل الله لهم جنات الفردوس نزلا، أي مأوى و منزلا».

سورة الكهف(18): الآيات 109 الي 110 ..... ص : 688

قوله تعالى:

قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً- إلى قوله تعالى- وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [109- 110]

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 298/ 10. [.....]

3- تأويل الآيات 1: 298/ 11.

4- تفسير العيّاشي 2: 352/ 91.

5- تفسير القمّي 2: 46.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 689

6817/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت: قوله: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً؟

قال: «قد أخبرك أن كلام الله ليس له آخر، و لا غاية، و لا ينقطع أبدا».

قال: «ثم قال: قل يا محمد: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ

كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً، فهذا الشرك شرك رياء.

6818/ [2]- الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام)، عن أبيه، علي بن محمد (عليهما السلام) في حديث طويل، في مناظرة جماعة من قريش، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ثم أنزل الله تعالى: يا محمد، قل: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعني آكل الطعام يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم، و لكن خصني ربي بالنبوة دونكم، كما يخص بعض البشر بالغنى و الصحة و الجمال، دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة».

تقدم الحديث بطوله، في قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «1».

6819/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدايني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل:

فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

قال: «الرجل يعمل شيئا من الثواب، لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه». ثم قال: «ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيام أبدا، حتى يظهر الله له خيرا، و ما من عبد أسر شرا فذهبت الأيام أبدا، حتى يظهر الله له شرا».

6820/ [4]- و عنه: عن علي بن محمد بن عبد الله، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) و بين يديه إبريق، يريد أن

يتهيأ للصلاة، فدنوت منه لأصب عليه، فأبى ذلك، و قال: «مه، يا حسن»، فقلت: لم تنهاني ان أصب على يدك، تكره أن أوجر؟ قال: «تؤجر أنت، و أوزر أنا».

فقلت له: كيف ذلك؟ فقال: «أما سمعت الله عز و جل يقول: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً

__________________________________________________

1- تفسير القمي 2: 46.

2- التفسير المنسوب إلى الامام العسكري (عليه السلام): 504.

3- الكافي 2: 222/ 4.

4- الكافي 3: 69/ 1.

(1) تقدم في الحديث (1) من تفسير الآية (90- 95) من سورة الإسراء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 690

. و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة، و هي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد».

6821/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن تفسير قول الله عز و جل: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

فقال: من صلى مراءاة الناس فهو مشرك، و من زكى مراءاة الناس فهو مشرك، و من صام مراءاة الناس فهو مشرك، و من حج مراءاة الناس فهو مشرك، و من عمل عملا مما أمر الله به مراءاة الناس فهو مشرك، و لا يقبل الله عمل مراء».

6822/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، و الحسين بن أبي العلاء، و عبد الله بن وضاح، و شعيب العقرقوفي، جميعهم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قال: «يعني في الخلق، أنه مثلهم

مخلوق».

يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

قال: «لا يتخذ مع ولاية آل محمد ولاية غيرهم، و ولايتهم العمل الصالح، فمن أشرك بعبادة ربه أحدا، فقد أشرك بولايتنا، و كفر بها، و جحد أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه و ولايته».

6823/ [7]- العياشي: عن جراح، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه ليس من رجل يعمل شيئا من البر و لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب به تزكية الناس، يشتهي أن يسمع به الناس، فذاك الذي أشرك بعبادة ربه».

6824/ [8]- عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن تفسير هذه الآية فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

قال: «من صلى، أو صام، أو أعتق، أو حج يريد محمدة الناس، فقد أشرك في عمله، و هو شرك مغفور».

6825/ [9]- عن علي بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال الله تبارك و تعالى: أنا خير شريك، من أشرك بي في عمله لن أقبله، إلا ما كان لي خالصا».

6826/ [10]- و في رواية اخرى عنه (عليه السلام) قال: «إن الله يقول: أنا خير شريك، من عمل لي و لغيري، فهو لمن عمل له دوني».

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 2: 47.

6- تفسير القمّي 2: 47.

7- تفسير العيّاشي 2: 352/ 93.

8- تفسير العيّاشي 2: 352/ 92.

9- تفسير العيّاشي 2: 353/ 94.

10- تفسير العيّاشي 2: 353/ 95. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 691

6827/ [11]- عن زرارة، و حمران، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: «لو أن عبدا عمل عملا يطلب به

وجه الله، و الدار الآخرة، ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس، كان مشركا».

6828/ [12]- عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

قال: «العمل الصالح: المعرفة بالأئمة، وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً: التسليم لعلي (عليه السلام)، لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له، و لا هو من أهله».

__________________________________________________

11- تفسير العيّاشي 2: 353/ 96.

12- تفسير العيّاشي 2: 353/ 97.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 693

سورة مريم ..... ص : 693

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 695

سورة مريم فضلها ..... ص : 695

6829/ [1]- ابن بابويه: بإسناده المتقدم في فضل سورة الكهف، عن الحسن، عن عمر، عن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من أدمن قراءة سورة مريم لم يمت حتى يصيب ما يغنيه في نفسه و ماله و ولده، و كان في الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم (عليه السلام)، و اعطي في الآخرة «1» مثل ملك سليمان بن داود (عليهما السلام) في الدنيا».

6830/ [2]- و من (خواص القرآن): روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة اعطي من الحسنات بعدد من ادعى لله ولدا سبحانه لا إله إلا هو، و بعدد من صدق زكريا و يحيى و عيسى و موسى و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب (عليهم السلام) عشر حسنات، و عدد من كذب بهم، و يبنى له في الجنة قصر أوسع من السماء و الأرض في أعلى جنة الفردوس، و يحشر مع المتقين في أول زمرة السابقين، و لا يموت حتى يستغني هو و ولده، و يعطى في الجنة مثل ملك سليمان (عليه السلام): و من كتبها و علقها عليه لم ير في منامه إلا خيرا، و إن كتبها في حائط البيت منعت طوارقه، و حرست ما فيه، و إن شربها الخائف أمن».

6831/ [3]- و عن الصادق (عليه السلام): «من كتبها و جعلها في إناء زجاج ضيق الرأس نظيف، و جعلها في منزله كثر خيره، و يرى الخيرات في منامه، كما يرى أهله في منزله، و إذا كتبت على حائط البيت منعت طوارقه و حرست ما فيه، و إذا شربها الخائف أمن بإذن الله تعالى».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال:

108.

2- ....

3- خواص القرآن: 44 (مخطوط).

(1) في «ط»: من الأجر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 697

سورة مريم(19): آية 1 ..... ص : 697

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كهيعص [1]

6832/ [1]- ابن بابويه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني- فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق- قال: حدثنا معاذ بن المثنى العنبري، قال: حدثنا عبد الله بن أسماء، قال: حدثنا جويرية، عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): يا بن رسول الله، ما معنى قول الله عز و جل كهيعص؟ قال: «معناه: أنا الكافي، الهادي، الولي، العالم، الصادق الوعد».

6833/ [2]- و عنه: عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: أخبرنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، قال: حضرت عند جعفر ابن محمد (عليهما السلام)، فدخل عليه رجل فسأله عن كهيعص، فقال (عليه السلام): «كاف: كاف لشيعتنا، هاء: هاد لهم، ياء: ولي لهم، عين: عالم بأهل طاعتنا، صاد: صادق لهم وعده، حتى يبلغ بهم المنزلة التي وعدها إياهم في بطن القرآن».

6834/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن علي بن محمد، بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن طاهر «1» القمي، قال: حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني، قال: حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله القمي، في حديث له مع أبي محمد الحسن بن

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 22.

2- معاني الأخبار: 28/ 6.

3- كمال الدين و تمام النعمة: 454/ 21.

(1) في «ج»: أحمد بن

ظاهر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 698

علي العسكري (عليهما السلام): قال له: «ما جاء بك، يا سعد؟» فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.

قال: «و المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟». قلت: على حالها، يا مولاي. قال: «فسل قرة عيني عنها». و أومأ بيده إلى الغلام- يعني ابنه القائم (عليه السلام)- فقال لي الغلام: «سل عما بدا لك». و ذكر المسائل إلى أن قال: قلت:

فأخبرني- يا بن رسول الله- عن تأويل كهيعص؟

قال: «هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريا، ثم قصها على محمد (صلى الله عليه و آله)، و ذلك أن زكريا (عليه السلام) سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط الله عليه جبرئيل (عليه السلام) فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن (عليهم السلام)، سرى عنه همه و انجلى كربه، و إذا ذكر الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة، و وقعت عليه البهرة.

فقال ذات يوم: إلهي، مالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني و تثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك و تعالى عن قصته، فقال: كهيعص فالكاف: اسم كربلاء، و الهاء: هلاك العترة، و الياء: يزيد (لعنه الله)، و هو ظالم الحسين (عليه السلام)، و العين: عطشه، و الصاد: صبره. فلما سمع بذلك زكريا (عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، و منع فيها الناس من الدخول عليه، و أقبل على البكاء و النحيب، و كانت ندبته: إلهي، أ تفجع خير خلقك بولده. إلهي أ تنزل بلوى هذه الرزية بفنائه، إلهي، أ تلبس عليا و فاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أ تحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما.

ثم كان يقول:

إلهي، ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر، و اجعله وارثا وصيا، و اجعل محله مني محل الحسين، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده، فرزقه الله يحيى (عليه السلام) و فجعه به، و كان حمل يحيى (عليه السلام) ستة أشهر، و حمل الحسين (عليه السلام) كذلك».

6835/ [4]- علي بن إبراهيم: عن جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كهيعص هذه أسماء مقطعة». و أما قوله كهيعص، قال: «الله هو الكافي، الهادي، العالم، الصادق، ذو الأيادي العظام «1»، و هو قوله كما وصف نفسه تبارك و تعالى».

سورة مريم(19): الآيات 2 الي 10 ..... ص : 698

قوله تعالى:

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا- إلى قوله تعالى- أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا [2- 10]

6836/ [1]- علي بن إبراهيم: روى أبو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قوله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا

__________________________________________________

4- تفسير القمي 2: 48.

1- تفسير القمي 2: 48.

(1) في «ط» زيادة: الصابر على الأعادي، و في المصدر نسخة بدل: ذو الأيادي الصابر على الأعادي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 699

يقول: «ذكر ربك عبده فرحمه»، إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي يقول:

«ضعف» وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا يقول: «لم يكن دعائي خائبا عندك».

وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي يقول: «خفت الورثة من بعدي» وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً يقول: «لم يكن لزكريا يومئذ ولد يقوم مقامه، و يرثه، و كانت هدايا بني إسرائيل و نذورهم للأحبار، و كان زكريا رئيس الأحبار، و كانت امرأة زكريا اخت مريم بنت عمران بن ماثان «1»، و

بنو ماثان، إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل و بنو ملوكهم، و هم من ولد سليمان بن داود، فقال زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا يقول: لم يسم باسم يحيى أحد قبله قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا فهو اليؤوس «2» قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا صحيحا من غير مرض».

6837/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام بن سهيل، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، قال حدثني أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: «كنت عند أبي يوما قاعدا، حتى أتى رجل فوقف به، و قال: أ فيكم باقر العلم و رئيسه محمد بن علي؟ قيل له: نعم. فجلس طويلا، ثم قام إليه، فقال:

يا بن رسول الله، أخبرني عن قول الله عز و جل في قصة زكريا: وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً الآية؟

قال: «نعم. الموالي بنو العم، و أحب الله أن يهب له وليا من صلبه، و ذلك أنه فيما كان علم من فضل محمد (صلى الله عليه و آله)، قال: يا رب، أما شرفت محمدا و كرمته و رفعت ذكره حتى قرنته بذكرك، فما يمنعك- يا سيدي- أن تهب له ذرية من صلبه «3» فتكون فيها النبوة؟

قال: يا زكريا، قد فعلت ذلك بمحمد و لا نبوة

بعده، و هو خاتم الأنبياء، و لكن الإمامة لابن عمه و أخيه علي ابن أبي طالب من بعده، و أخرجت الذرية من صلب علي إلى بطن فاطمة بنت محمد، و صيرت بعضها من بعض، فخرجت منه الأئمة حججي على خلقي، و إني مخرج من صلبك ولدا يرثك و يرث من آل يعقوب، فوهب الله له يحيى (عليه السلام)».

6838/ [3]- محمد بن العباس، قال: حدثنا حميد بن زياد، عن أحمد بن الحسين بن بكر، قال: حدثنا الحسن ابن علي بن فضال، بإسناده إلى عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول في قول الله عز و جل:

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 301/ 2. [.....]

3- تأويل الآيات 1: 302/ 3.

(1) في «ج» زيادة: و يعقوب بن ماثان.

(2) في «ي»: اليبوس.

(3) في «ي، ط» نسخة بدل: صلبي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 700

لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قال: «ذلك يحيى بن زكريا، لم يكن له من قبل سميا، و كذلك الحسين (عليه السلام) لم يكن له من قبل سميا، و لم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا».

قلت: فما كان بكاؤها؟ قال: «تطلع الشمس حمراء- قال- و كان قاتل الحسين (عليه السلام) ولد زنا، و قاتل يحيى ابن زكريا ولد زنا».

6839/ [4]- محمد بن العباس: عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن عبد الخالق، قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله تعالى: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا.

فقال: «الحسين (عليه السلام) لم يكن له من قبل سميا و يحيى بن زكريا لم يكن له من قبل سميا، و لم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا».

قلت: فما كان بكاؤها؟ قال: «كانت

تطلع الشمس حمراء و تغيب حمراء، و كان قاتل الحسين (عليه السلام) ولد زنا، و قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا».

6840/ [5]- و عنه: ما رواه محمد بن العباس، مسندا عن الصادق (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قال: «ذلك يحيى بن زكريا (عليه السلام) لم يكن له من قبل سميا، و كذلك الحسين (عليه السلام) لم يكن له من قبل سميا، و لم تبك السماء إلا عليهما».

قلت: فما بكاؤها؟ قال: «تطلع الشمس حمراء و تغيب حمراء- قال- و كان قاتل الحسين ولد زنا، و قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا».

و عنه: ما رواه علي بن إبراهيم، عن الصادق (عليه السلام) بأدنى تفاوت «1».

6841/ [6]- و من ذلك، ما رواه من المخالفين ابن شيرويه الديلمي في كتاب (الفردوس) في الجزء الثاني، في باب القاف: عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)، في قول الله عز و جل: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا، قال: «ذلك يحيى، و قرة عيني الحسين».

6842/ [7]- أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: حدثني أبي رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن عبد الخالق بن عبد ربه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا، الحسين بن علي و يحيى بن زكريا، لم يكن لهما من قبل سميا، و لم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا».

قال: قلت: و ما بكاؤها؟ قال: «كانت تطلع حمراء و تغرب حمراء».

__________________________________________________

4- تأويل الآيات 1: 302/ 4.

5-

تأويل الآيات 1: 303/ 5.

6- ....

7- كامل الزيارات: 90/ 8.

(1) تأويل الآيات 1: 303/ 5.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 701

6843/ [8]- و عنه، قال: حدثني محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص النحاس، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الحسين (عليه السلام) بكت لقتله السماء و الأرض و احمرتا، و لم تبكيا على أحد قط، إلا على يحيى بن زكريا، و الحسين بن علي (عليهم السلام)».

و عنه، قال: حدثني أبي، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بإسناده مثله.

6844/ [9]- و عنه قال: حدثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه و غيره، عن سعد بن عبد الله، عن محمد ابن عبد الجبار، عن الحسن بن علي بن فضال، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن هلال، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: «إن السماء بكت على الحسين بن علي، و يحيى بن زكريا (عليهما السلام)، و لم تبك على أحد غيرهما»، قلت:

و ما بكاؤها؟، قال: «مكثت أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة و تغرب بحمرة» قلت: جعلت فداك، هذا بكاؤها؟

قال: «نعم».

6845/ [10]- و عنه، قال: حدثني علي بن الحسين بن موسى، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ «1».

قال: «لم تبك السماء على أحد منذ قتل يحيى بن زكريا، حتى قتل الحسين (عليه السلام)، فبكت عليه».

6846/ [11]- و عنه، قال: حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز، قال: حدثني محمد بن الحسين

بن أبي الخطاب، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «احمرت السماء حين قتل الحسين (عليه السلام) سنة- قال- ثم بكت السماء و الأرض على الحسين بن علي (عليهما السلام)، و على يحيى بن زكريا، و حمرتها بكاؤها».

6847/ [12]- و عنه، قال: حدثني علي بن الحسين بن موسى، عن علي بن إبراهيم و سعد بن عبد الله، جميعا، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا، إلا على الحسين بن علي (عليهما السلام)، فإنها بكت عليه أربعين يوما».

6848/ [13]- و عنه، قال: حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن كليب بن معاوية الأسدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لم تبك السماء إلا على الحسين

__________________________________________________

8- كامل الزيارات: 89/ 3.

9- كامل الزيارات: 89/ 4.

10- كامل الزيارات: 90/ 6.

11- كامل الزيارات: 90/ 7.

12- كامل الزيارات: 90/ 9. [.....]

13- كامل الزيارات: 90/ 10.

(1) الدخان 44: 29.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 702

ابن علي و يحيى بن زكريا (عليهم السلام)».

6849/ [14]- و عنه، قال: حدثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سلمة بن الخطاب، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسن بن عيسى «1»، عن أسلم بن القاسم، قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: «إن السماء لم تبك منذ رفعت، إلا على يحيى بن زكريا، و الحسين بن علي (عليهم السلام)».

قلت: أي شي ء كان بكاؤها؟ قال: «كانت إذا استقبلت بثوب وقع عليه

شبه أثر البراغيث من الدم».

6850/ [15]- و عنه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، و علي بن الحسين، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، قال: حدثنا موسى بن الفضل، عن حنان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في زيارة قبر أبي عبد الله (عليه السلام)، إنه بلغنا عن بعضهم أنها تعدل حجة و عمرة؟

قال: «لا تعجب، ما أصاب بالقول هذا كله «2»، و لكن زره و لا تجفه، فإنه سيد الشهداء، و سيد شباب أهل الجنة، و شبيه يحيى بن زكريا، و عليهما بكت السماء و الأرض».

و عنه، قال: حدثني أبي و محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن عبد الصمد بن محمد، عن حنان بن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله.

و عنه، قال: حدثني أبي (رحمه الله) و جماعة من مشايخي، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان بن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله.

6851/ [16]- و عنه، بهذا الإسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن غير واحد، عن جعفر بن بشير، عن حماد، عن عامر بن معقل، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا، و قاتل الحسين بن علي (عليهما السلام) ولد زنا، و لم تبك السماء على أحد، إلا عليهما».

قال: قلت: و كيف تبكي؟ قال: «تطلع الشمس في حمرة و تغيب في حمرة».

6852/ [17]- و عنه، قال: و حدثني أبي، و علي بن الحسين، جميعا، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن

محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن هلال، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سمعته يقول: إن السماء بكت على الحسين بن علي (عليهما السلام) و يحيى بن زكريا، و لم تبك على أحد غيرهما».

__________________________________________________

14- كامل الزيارات: 90/ 12.

15- كامل الزيارات: 91/ 13، البحار 101: 35/ 44.

16- كامل الزيارات: 91/ 14.

17- كامل الزيارات: 91/ 15.

(1) في «ط، ي»: الحسين بن عيسى، راجع تهذيب التهذيب 2: 213 و 8: 9.

(2) في المصدر: لا تعجب بالقول هذا كله. قال المجلسي رحمه اللّه: لعلّ المراد أنّها لا تعدل الواجبين من الحج و العمرة، و الأظهر أنّه محمول على التقيّة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 703

قلت: و ما بكاؤها؟ قال: «مكثت أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة و تغرب بحمرة». قلت: جعلت فداك، هذا بكاؤها؟ قال: «نعم».

6853/ [18]- و عنه، قال: و حدثني أبي (رحمه الله)، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن البرقي محمد ابن خالد، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن الحسن، عن أبي سلمة، قال: قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): «ما بكت السماء «1»، إلا على يحيى بن زكريا و الحسين (عليهما السلام)».

6854/ [19]- و عنه، عن أبيه، عن محمد بن الحسن بن مهزيار، عن أبيه، عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن داود بن فرقد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «كان الذي قتل الحسين (عليه السلام) ولد زنا، و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنا».

و قال: احمرت السماء حين قتل الحسين سنة، ثم قال: «بكت السماء و الأرض على الحسين

بن علي و على يحيى بن زكريا (عليهم السلام)، و حمرتها بكاؤها».

سورة مريم(19): الآيات 12 الي 15 ..... ص : 703

قوله تعالى:

يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ- إلى قوله تعالى- وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

[12- 15]

6855/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا علي بن سليمان الرازي، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف ابن عميرة، عن حكم بن أيمن، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام): يقول: «و الله، لقد اوتي علي (عليه السلام) الحكم صبيا، كما اوتي يحيى بن زكريا الحكم صبيا».

6856/ [2]- العياشي: عن علي بن أسباط، قال: قدمت المدينة و أنا أريد مصر، فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام)، و هو إذ ذاك خماسي، فجعلت أتأمله لأصفه لأصحابنا بمصر، فنظر إلي، و قال:

«يا علي، إن الله قد أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة، فقال سبحانه عن يوسف (عليه السلام):

__________________________________________________

18- كامل الزيارات: 92/ 17.

19- كامل الزيارات: 93/ 21.

1- تأويل الآيات 1: 303/ 6.

2- ... مجمع البيان 6: 781، تأويل الآيات 1: 303/ 7.

(1) في المصدر زيادة: و الأرض.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 704

وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً «1»، و قال عن يحيى (عليه السلام): وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا».

6857/ [3]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): أ كان عيسى بن مريم (عليه السلام) حين تكلم في المهد حجة الله على أهل زمانه؟ فقال: «كان يومئذ نبيا حجة لله غير

مرسل، أما تسمع لقوله حين قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا «2»».

قلت: فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال و هو في المهد؟ فقال: «كان عيسى في تلك الحال آية للناس، و رحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها، و كان نبيا حجة على من سمع كلامه في تلك الحال، ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان، و كان زكريا الحجة لله عز و جل على الناس بعد ما صمت عيسى سنتين، ثم مات زكريا (عليه السلام)، فورثه ابنه يحيى الكتاب و الحكمة، و هو صبي صغير، أما تسمع لقوله عز و جل يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، فلما بلغ عيسى (عليه السلام) سبع سنين تكلم بالنبوة و الرسالة حين أوحى الله تعالى إليه، فكان عيسى الحجة على يحيى و على الناس أجمعين».

و الحديث يأتي بتمامه- ان شاء الله تعالى- في قوله تعالى: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا «3»».

6858/ [4]- و عنه: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي حمزة، عن أبى جعفر (عليه السلام)، قال: قلت: فما عنى الله بقوله في يحيى: وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا؟ قال: «تحنن الله».

قال: قلت: فما بلغ من تحنن الله عليه؟ قال: «كان إذا قال: يا رب، قال الله عز و جل: لبيك يا يحيى».

6859/ [5]- أحمد بن محمد بن خالد،

قال: و في رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله تبارك و تعالى في كتابه: وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا؟

قال: «كان يحيى إذا دعا و قال في دعائه: يا رب، يا الله ناداه الله من السماء: لبيك يا يحيى، سل حاجتك».

6860/ [6]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن حمزة الأشعري، قال: حدثني ياسر الخادم، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: «إن أوحش ما

__________________________________________________

3- الكافي 1: 313/ 1. [.....]

4- الكافي 2: 388/ 38.

5- المحاسن: 35/ 30.

6- الخصال: 107/ 71.

(1) يوسف 12: 22.

(2) مريم 19: 30 و 31.

(3) يأتي في الحديث (13) من تفسير الآيات (16- 34) من هذه السورة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 705

يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم ولد و يخرج من بطن امه فيرى الدنيا، و يوم يموت فيعاين الآخرة و أهلها، و يوم يبعث حيا فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا، و قد سلم الله عز و جل على يحيى (عليه السلام) في هذه الثلاثة مواطن و آمن روعته، فقال: وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا و قد سلم عيسى بن مريم (عليه السلام) على نفسه في هذه الثلاثة مواطن، فقال: وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا «1»».

6861/ [7]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، قال: خرج إلي محمد بن علي الرضا (عليهما السلام)، فنظرت إلى رأسه و رجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينما أنا كذلك حتى قعد، و

قال: «يا علي، إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا و قال: فلما بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً «2» فقد يجوز أن يعطى الحكم صبيا، و يجوز أن يعطاها و هو ابن أربعين سنة».

سورة مريم(19): الآيات 16 الي 34 ..... ص : 705

قوله تعالى:

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا

- إلى قوله تعالى- ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [16- 34] 6862/ [1]- قال علي بن إبراهيم: ثم قص الله عز و جل خبر، مريم بنت عمران (عليها السلام)، فقال: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا

قال: خرجت إلى النخلة اليابسة فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً

قال: في محرابها فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا

يعني جبرئيل (عليه السلام) فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا

يعني إن كنت ممن يتقي الله.

قال لها جبرئيل (عليه السلام): إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا

فأنكرت ذلك، لأنها لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل، فقالت: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا و لم يعلم جبرئيل (عليه السلام) أيضا كيفية القدرة، فقال لها: كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَ رَحْمَةً مِنَّا وَ كانَ أَمْراً مَقْضِيًّا.

قال: فنفخ في جيبها، فحملت بعيسى (عليه السلام) بالليل و وضعته بالغداة، و كان حملها تسع ساعات من

__________________________________________________

7- الكافي 1: 315/ 7.

1- تفسير القمّي 2: 48.

(1) مريم 19: 33.

(2) الأحقاف 46: 15.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 706

النهار، جعل الله لها الشهور ساعات، ثم ناداها جبرئيل (عليه السلام): وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أي هزي النخلة اليابسة، فهزت،

و كان ذلك اليوم سوقا، فاستقبلها الحاكة، و كانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان، فأقبلوا على بغال شهب، فقالت لهم مريم: أين النخلة اليابسة؟ فاستهزءوا بها و زجروها، فقالت لهم: جعل الله كسبكم نزرا «1»، و جعلكم في الناس عارا، ثم استقبلها قوم من التجار، فدلوها على النخلة اليابسة، فقالت لهم: جعل الله البركة في كسبكم، و أحوج الناس إليكم، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض، فوضعت عيسى (عليه السلام)، فلما نظرت إليه:

قالت: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا ماذا أقول لخالي، و ماذا أقول لبني إسرائيل؟

فَناداها عيسى مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا أي نهرا وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أي حركي النخلة تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا أي طيبا، و كانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل، فمدت يدها إلى النخلة، فأورقت و أثمرت، و سقط عليها الرطب الطري، فطابت نفسها.

فقال لها عيسى؟ قمطيني و سويني، ثم افعلي كذا و كذا، فقمطته و سوته، و قال لها عيسى: فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً و صمتا- كذا نزلت- فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا.

ففقدوها في المحراب، فخرجوا في طلبها، و خرج خالها زكريا، فأقبلت و هو في صدرها، و أقبلت مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها، فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها، فجاء إليها بنو إسرائيل و زكريا فقالوا لها:

يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا أي عظيما من المناهي يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا.

و معنى قولهم يا أُخْتَ هارُونَ أن هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به. من أين هذا البلاء الذي

جئت به، و العار الذي ألزمته لبني إسرائيل؟ فأشارت إلى عيسى (عليه السلام) في المهد، فقالوا لها: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا!؟ فأنطق الله عيسى بن مريم (عليه السلام)، فقال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ أي يخاصمون.

6863/ [2]- قال علي بن إبراهيم: قال الصادق (عليه السلام)، في قوله وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ.

قال: «زكاة الرؤوس، لأن كل الناس ليس لهم أموال، و إنما الفطرة على الفقير و الغني و الصغير و الكبير».

6864/ [3]- الشيخ في (التهذيب): عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن همام، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا سعد بن عمرو الزهري، قال: حدثنا بكر بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثمالي،

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 2: 50.

3- التهذيب 6: 73/ 139.

(1) في «ط» نسخة بدل و المصدر: بورا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 707

عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، في قوله: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا.

قال: «خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء، فوضعته في موضع قبر الحسين (عليه السلام)، ثم رجعت من ليلتها».

6865/ [4]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه و علي بن محمد جميعا، عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يتخلل بساتين الكوفة، فانتهى إلى نخلة، فتوضأ عندها، ثم ركع و سجد،

فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة، ثم استند إلى النخلة، فدعا بدعوات، ثم قال: «يا حفص، إنها- و الله- النخلة التي قال الله عز و جل لمريم: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا».

6866/ [5]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عدة من أصحابنا، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ليكن أول ما تأكل النفساء الرطب، فإن الله عز و جل قال لمريم (عليها السلام) وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا.

قيل: يا رسول الله، فإن لم يكن أوان «1» الرطب؟ قال: سبع تمرات من تمر المدينة، فإن لم يكن فسبع تمرات من تمور أمصاركم، فإن الله عز و جل يقول: و عزتي و جلالي و عظمتي و ارتفاع مكاني، لا تأكل النفساء يوم تلد الرطب، فيكون غلاما إلا كان حليما، فإن كانت جارية كانت حليمة».

6867/ [6]- و عنه: بإسناده، عن أبان، عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن مريم (عليها السلام) حملت بعيسى (عليه السلام) تسع ساعات، كل ساعة شهر».

6868/ [7]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمرو الزيات، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لم يولد لستة أشهر إلا عيسى بن مريم و الحسين بن علي (عليهم السلام)».

6869/ [8]- و عنه: عن أحمد بن مهران، و علي بن إبراهيم جميعا، عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، قال: كنت عند أبى الحسن موسى

(عليه السلام)، إذ أتاه رجل نصراني و نحن معه بالعريض «2»- و ذكر الحديث بطوله- إلى أن قال أبو الحسن (عليه السلام) للنصراني: «أعجلك أيضا خبرا لا يعرفه إلا

__________________________________________________

4- الكافي 8: 143/ 111. [.....]

5- الكافي 6: 22/ 4.

6- الكافي 8: 332/ 516.

7- الكافي 1: 386 ذيل الحديث 4.

8- الكافي 1: 398/ 4.

(1) في «ط» نسخة بدل: إبّان.

(2) العريض: واد بالمدينة. «معجم البلدان 4: 114».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 708

قليل ممن قرأ الكتب أخبرني ما اسم ام مريم، و أي يوم نفخت فيه مريم، و لكم ساعة من النهار، و أي يوم وضعت فيه مريم عيسى (عليه السلام)، و لكم ساعة من النهار؟». فقال النصراني: لا أدري.

فقال أبو إبراهيم (عليه السلام): «أما ام مريم، فاسمها مرثى، و هي وهيبة بالعربية، و أما اليوم الذي حملت فيه مريم، فهو يوم الجمعة عند الزوال، و هو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين، و ليس للمسلمين عيد كان أولى منه عند الله، عظمه الله تبارك و تعالى، و عظمه محمد (صلى الله عليه و آله)، فأمره أن يجعله عيدا، فهو يوم الجمعة، و أما اليوم الذي ولدت فيه مريم، فهو يوم الثلاثاء لأربع- ساعات و نصف من النهار.

و النهر الذي ولدت عليه مريم عيسى (عليه السلام) هل تعرفه»؟ قال: لا. قال: «هو الفرات، و عليه شجر النخل و الكرم، و ليس يساوى بالفرات شي ء للكروم و النخيل، فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها «1»، و نادى قيدوس «2» ولده و أشياعه، فأعانوه و أخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم، فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه، و علينا في كتابه؟» الحديث،

و يأتي بتمامه في سورة الدخان قوله

تعالى حم وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ «3».

6870/ [9]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده- ثم قال- قالت مريم: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أي صمتا».

6871/ [10]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)- في حديث- قال: فأخبرني عن صلاة مفروضة تصلى بغير وضوء، و عن صوم لا يحجز عن أكل و لا شرب؟

قال: «أما الصلاة بغير وضوء، فالصلاة على النبي و آله، و أما الصوم، فقول الله عز و جل إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا».

6872/ [11]- ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن همدان بن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة عن علقمة، عن الصادق (عليه السلام)- في حديث- قال فيه: «ألم ينسبوا مريم بنت عمران (عليها السلام) إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف؟!».

__________________________________________________

9- الكافي 4: 87/ 3.

10- الاحتجاج: 329.

11- أمالي الصدوق: 92/ 3.

(1) في «ي»: لنسائها.

(2) في «ي»: أقيدوس.

(3) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآيات (1- 4) من سورة الدخان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 709

6873/ [12]- السيد المرتضى في كتاب (الغرر و الدرر)، قال: و على قول من قال: أنه

كان أخاها- يعني هارون- يكون معنى قولهم: إنك من أهل بيت الصلاح و السداد، لأن أباك لم يكن امرأ سوء، و لا كانت أمك بغيا، و أنت مع ذلك اخت هارون المعروف بالصلاح و العفة، فكيف أتيت بما لا يشبه نسبك، و لا يعرف من مثلك؟! ثم قال: و يقوي هذا القول

ما رواه المغيرة بن شعبة، قال: لما أرسلني رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى أهل نجران، قال لي أهلها: أليس نبيكم يزعم أن هارون أخو موسى، و قد علم الله تعالى ما كان بين موسى و عيسى من السنين «1»؟

فلم أدر ما أرد عليهم، حتى رجعت إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فذكرت له ذلك، فقال لي: «فهلا قلت: إنهم كانوا يدعون بأنبيائهم و الصالحين قبلهم».

و منها أن يكون معنى قوله يا أُخْتَ هارُونَ: يا من هي من نسل «2» هارون أخي موسى (عليه السلام)، كما يقال للرجل: يا أخا بني تميم، و يا أخا بني فلان.

ثم قال: و ذكر مقاتل بن سليمان في قوله تعالى يا أُخْتَ هارُونَ قال:

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «هارون هذا الذي ذكروه هو هارون أخو موسى (عليه السلام)».

ثم قال مقاتل: و تأويل يا أُخْتَ هارُونَ يا من هي من نسل «3» هارون، كما قال تعالى: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً «4»، وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً «5» يعني بأخيهم أنه من نسلهم و جنسهم.

قلت: قد تقدمت عن قريب رواية علي بن إبراهيم في هارون هذا «6».

قوله تعالى: فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ

ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا.

6874/ [13]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): أ كان عيسى بن مريم (عليه السلام) حين تكلم في المهد حجة لله على أهل زمانه؟ فقال: «كان يومئذ نبيا حجة لله غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا»؟

قلت: فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال و هو في المهد؟ فقال: «كان عيسى (عليه السلام) في تلك الحال آية للناس، و رحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها، و كان نبيا حجة على من سمع كلامه في تلك الحال،

__________________________________________________

12- أمالي المرتضى 2: 197.

13- الكافي 1: 313/ 1. [.....]

(1) في «ط»: النبيين.

(2) في «ج»: نساء.

(3) في «ج»: نساء.

(4) الأعراف 7: 65.

(5) الأعراف 7: 73.

(6) تقدّم عن تفسير القمّي في الحديث (1) من تفسير هذه الآيات.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 710

ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان، و كان زكريا الحجة لله عز و جل على الناس بعد ما صمت عيسى (عليه السلام) سنتين، ثم مات زكريا (عليه السلام) فورثه ابنه يحيى الكتاب و الحكمة و هو صبي صغير، أما تسمع لقوله عز و جل يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا «1»، فلما بلغ عيسى (عليه السلام) سبع سنين تكلم بالنبوة و الرسالة، حين أوحى الله تعالى إليه، فكان عيسى (عليه السلام) الحجة على يحيى و على

الناس أجمعين، و ليس تبقى الأرض- يا أبا خالد- يوما واحدا بغير حجة لله على الناس منذ يوم خلق الله آدم (عليه السلام)، و أسكنه الأرض».

فقلت: جعلت فداك، أ كان علي (عليه السلام) حجة من الله و رسوله على هذه الامة في حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فقال: «نعم، يوم أقامه للناس، و نصبه علما، و دعاهم إلى ولايته، و أمرهم بطاعته».

قلت: و كانت طاعة علي (عليه السلام) واجبة على الناس في حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و بعد وفاته؟ فقال: «نعم»، و لكنه صمت فلم يتكلم مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) و كانت الطاعة لرسول الله (صلى الله عليه و آله) على أمته و على علي (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كانت الطاعة من الله و من رسوله على الناس كلهم لعلي (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كان علي (عليه السلام) حكيما عالما».

6875/ [14]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، قال: قلت للرضا (عليه السلام): قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام)، فكنت تقول: يهب الله لي غلاما، فقد وهب الله لك، فقر عيوننا، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) و هو قائم بين يديه.

فقلت: جعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟ قال: «و ما يضر من ذلك، قد قام عيسى (عليه السلام)، بالحجة و هو ابن ثلاث سنين».

6876/ [15]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن

سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ. قال: «نفاعا».

6877/ [16]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم، و أحب ذلك إلى الله عز و جل، ما هو؟

فقال: «ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أن العبد الصالح عيسى بن مريم (عليه السلام)، قال: وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا».

__________________________________________________

14- الكافي 1: 314/ 2.

15- الكافي 2: 132/ 11.

16- الكافي 3: 264/ 1.

(1) مريم (عليها السلام) 19: 12.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 711

6878/ [17]- و عنه: عن عدة عن أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن شريف بن سابق، عن الفضل ابن أبي قرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): مر عيسى بن مريم (عليه السلام) بقبر يعذب صاحبه، ثم مر به من قابل، فإذا هو لا يعذب، فقال: يا رب، مررت بهذا القبر عام أول و كان يعذب، و مررت به العام فإذا هو ليس يعذب فأوحى الله إليه: أنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا و آوى يتيما، فلهذا غفرت له بما فعل ابنه، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ميراث الله عز و جل من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده». ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) آية زكريا (عليه

السلام): رب فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا «1»».

6879/ [18]- علي بن إبراهيم: عن محمد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ. قال: «نفاعا».

6880/ [19]- ابن بابويه: قال: حدثنا أبي عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ، قال: «نفاعا».

6881/ [20]- و عنه: بإسناده، عن وهب بن منبه اليماني، قال: إن يهوديا سأل النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال:

يا محمد، أ كنت في ام الكتاب نبيا قبل أن تخلق؟ قال: «نعم». قال: و هؤلاء أصحابك المؤمنون مثبتون معك قبل أن يخلقوا؟ قال: «نعم».

قال: فما شأنك لم تتكلم بالحكمة حين خرجت من بطن أمك، كما تكلم عيسى بن مريم على زعمك، و قد كنت قبل ذلك نبيا؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «إنه ليس أمري كأمر عيسى بن مريم، إن عيسى بن مريم خلقه الله عز و جل من ام ليس له أب، كما خلق الله آدم من غير أب و لا أم، و لو أن عيسى حين خرج من بطن امه لم ينطق بالحكمة، لم يكن لامه عذر عند الناس، و قد أتت به من غير أب و كانوا يأخذونها كما يؤخذ به مثلها من المحصنات، فجعل الله عز و جل منطقه عذرا لامه».

6882/

[21]- و عنه: عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني مولى بني هاشم، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال:

__________________________________________________

17- الكافي 6: 3/ 12.

18- تفسير القمّي 2: 50.

19- معاني الأخبار: 212/ 1.

20- علل الشرائع: 79/ 1. [.....]

21- التوحيد: 236/ 1.

(1) مريم (عليها السلام) 19: 5 و 6.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 712

حدثنا كثير بن عياش القطان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، قال: «لما ولد عيسى بن مريم (عليه السلام) كان ابن يوم كأنه ابن شهرين، فلما كان ابن سبعة أشهر، أخذت والدته بيده و جاءت به إلى الكتاب، فأقعدته بين يدي المؤدب، فقال له المؤدب: قل بسم الله الرحمن الرحيم. فقال عيسى (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم. فقال له المؤدب: قل أبجد فرفع عيسى (عليه السلام) رأسه، فقال: و هل تدري ما أبجد؟ فعلاه بالدرة ليضربه، فقال: يا مؤدب، لا تضربني إن كنت تدري، و إلا فسلني حتى أفسر لك. قال:

فسره لي.

فقال: عيسى (عليه السلام): الألف: آلاء الله، و الباء: بهجة الله، و الجيم: جمال الله، و الدال: دين الله، هوز، الهاء:

هول جهنم، و الواو: ويل لأهل النار، و الزاي: زفير جهنم، حطي: حطت الخطايا عن المستغفرين، كلمن: كلام الله لا مبدل لكلماته، سعفص: صاع و الجزاء بالجزاء، قرشت: قرشهم فحشرهم.

فقال المؤدب: أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم و لا حاجة له في المؤدب».

سورة مريم(19): آية 37 ..... ص : 712

قوله تعالى:

فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [37]

6883/ [1]- العياشي: عن جابر

الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، يقول: «الزم الأرض لا تحرك يدك و لا رجلك أبدا حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة، و ترى مناديا ينادي بدمشق، و خسفا بقرية من قراها، و تسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جازوها، فأقبلت الترك حتى نزلت الجزيرة، و أقبل الروم حتى نزلت الرملة، و هي سنة اختلاف في كل أرض من أرض العرب «1»، و أن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات:

الأصهب «2»، و الأبقع، و السفياني، مع بني ذنب الحمار مضر، و مع السفياني أخواله من كلب، فيظهر السفياني، و من معه على بني ذنب الحمار، حتى يقتلوا قتلا لم يقتله شي ء قط و يحضر رجل بدمشق، فيقتل هو و من معه قتلا لم يقتله شي ء قط، و هو من بني ذنب الحمار، و هي الآية التي يقول الله تبارك و تعالى: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ إلى آخره «3».

__________________________________________________

1- تفسير العيّاشي 1: 64/ 117.

(1) في «ي، ط»: المغرب.

(2) في «ي»: الأشهب.

(3) تقدّم في الحديث (10) من تفسير الآية (148) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 713

سورة مريم(19): آية 39 ..... ص : 713

قوله تعالى:

وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَ هُمْ لا يُؤْمِنُونَ [39]

6884/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سئل عن قوله تعالى: وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ.

قال: «ينادي مناد من عند الله، و ذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار: يا أهل الجنة، و يا أهل النار، هل تعرفون الموت في صورة من الصور؟ فيقولون: لا فيؤتى بالموت

في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة و النار، ثم ينادون جميعا: أشرفوا و انظروا إلى الموت، فيشرفون، ثم يأمر الله به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت أبدا، و يا أهل النار خلود فلا موت أبدا، و هو قوله تعالى وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ أي قضي على أهل الجنة بالخلود فيها، و على أهل النار بالخلود فيها».

6885/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)- في حديث- إن الموت فخر في نفسه، فقال تعالى:

لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحييك أبدا فترجى أو تخاف».

6886/ [3]- ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الأصبهاني، عن سليمان ابن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «يوم التلاق: يوم يلتقي أهل السماء و أهل الأرض، و يوم التناد: يوم ينادي أهل النار أهل الجنة: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ «1»، و يوم التغابن:

يوم يغبن أهل الجنة أهل النار، و يوم الحسرة: يوم يؤتى بالموت فيذبح».

سورة مريم(19): الآيات 40 الي 41 ..... ص : 713

قوله تعالى:

إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْها وَ إِلَيْنا يُرْجَعُونَ- إلى قوله تعالى- صِدِّيقاً نَبِيًّا [40- 41] 6887/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: كل شي ء خلقه الله يرثه الله يوم القيامة.

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 50.

2- الكافي 8: 149/ 129.

3- معاني الأخبار: 156/ 1.

4- تفسير القمّي 2: 51.

(1) الأعراف 7: 50.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 714

سورة مريم(19): الآيات 42 الي 50 ..... ص : 714

قوله تعالى:

إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً

- إلى قوله تعالى- وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [42- 50]

6888/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثني علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق، قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات، قال: حدثنا محمد بن زياد الأزدي، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)- و ذكر الحديث فيما ابتلى إبراهيم ربه بكلمات- فقال (عليه السلام) فيما ذكر: «ثم العزلة عن أهل البيت و العشيرة مضمن معناه في قوله: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية.

و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بيان ذلك في قوله تعالى: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا.

و دفع السيئة بالحسنة، و ذلك لما قال له أبوه: أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا فقال في جواب أبيه سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا.

ثم الحكم و الانتماء إلى الصالحين في قوله: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ «1» يعني بالصالحين الذين لا يحكمون إلا بحكم الله عز و جل، و لا يحكمون بالآراء و المقاييس حتى يشهد له من

يكون بعده من الحجج بالصدق، بيان ذلك في قوله: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ «2» أراد في هذه الامة الفاضلة، فأجابه الله، و جعل له و لغيره من أنبيائه لسان صدق في الآخرين، و هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و ذلك قوله عز و جل وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا».

6889/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي و محمد بن الحسن (رضي الله عنهما) قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان أبو إبراهيم منجما لنمرود بن كنعان، و كان نمرود لا يصدر إلا عن رأيه، فنظر في النجوم ليلة من الليالي، فأصبح، فقال: لقد رأيت في ليلتي هذه عجبا، فقال له نمرود: و ما هو؟

__________________________________________________

1- معاني الأخبار: 126/ 1.

2- كمال الدين و تمام النعمة: 138/ 7.

(1) الشعراء 26: 83. [.....]

(2) الشعراء 26: 84.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 715

فقال: رأيت مولودا يولد في أرضنا هذه، فيكون هلاكنا على يديه، و لا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به. فعجب من ذلك نمرود، و قال: هل حملت به النساء؟ فقال: لا، و كان فيما اوتي به من العلم أنه سيحرق بالنار، و لم يكن اوتي أن الله تعالى سينجيه- قال- فحجب النساء عن الرجال، فلم يترك امرأة إلا جعلت «1» بالمدينة، حتى لا يخلص إليهن الرجال».

قال: «و باشر أبو إبراهيم امرأته «2» فحملت به، فظن أنه صاحبه، فأرسل إلى النساء من القوابل لا يكون في البطن شي ء إلا علمن به، فنظرن إلى ام إبراهيم، فألزم الله تبارك و تعالى ذكره

ما في الرحم الظهر، فقلن: ما نرى شيئا في بطنها.

فلما وضعت ام إبراهيم به، أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود، فقالت له امرأته: لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلى بعض الغيران «3»، أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله، و لا تكون أنت تقتل ابنك، فقال لها:

فاذهبي به فذهبت به إلى غار، ثم أرضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة، ثم انصرفت عنه، فجعل الله عز و جل رزقه في إبهامه، فجعل يمصها فيشرب لبنا، و جعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، و يشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر، و يشب في الشهر كما يشب غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أن يمكث.

ثم إن امه قالت لأبيه: لو أذنت لي أن أذهب إلى ذلك الصبي فأراه، فعلت، قال: فافعلي. فأتت الغار، فإذا هي بإبراهيم (عليه السلام)، و إذا عيناه تزهران كأنهما سراجان، فأخذته و ضمته إلى صدرها، و أرضعته، ثم انصرفت عنه، فسألها أبوه عن الصبي، فقالت له: قد واريته في التراب، فمكثت تعتل و تخرج في الحاجة و تذهب إلى إبراهيم (عليه السلام)، فتضمه إليها، و ترضعه ثم تنصرف.

فلما تحرك أتته امه كما كانت تأتيه، و صنعت كما كانت تصنع، فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها، فقالت له:

مالك؟ فقال لها: اذهبي بي معك، فقالت له: حتى استأمر أباك، فلم يزل إبراهيم (عليه السلام) في الغيبة مخفيا لشخصه، كاتما لأمره حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره، و أظهر الله تعالى قدرته فيه، ثم غاب (عليه السلام) الغيبة الثانية، و ذلك حين نفاه الطاغوت عن المصر، فقال: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ

أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا قال الله جل ذكره فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا يعني به علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لأن إبراهيم (عليه السلام) كان قد دعا الله عز و جل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين، فجعل الله تبارك و تعالى له و لإسحاق و يعقوب لسان صدق عليا، فأخبر علي (عليه السلام) بأن القائم (عليه السلام) هو الحادي عشر من ولده، و أنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، و أنه تكون له غيبة و حيرة يضل فيها أقوام،

__________________________________________________

(1) (إلّا جعلت) ليس في «ي».

(2) في المصدر و «ط» نسخة بدل: و وقع أبو إبراهيم على امرأته.

(3) الغّار: كالكهف في الجبل، و الجمع غير ان. «الصحاح- غور- 2: 773».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 716

و يهتدي فيها آخرون، و أن هذا كائن كما هو «1» مخلوق».

6890/ [3]- عنه، قال: حدثنا أبي و محمد بن الحسن (رضي الله عنهما)، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله بن جعفر الحميري، جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: خرج إبراهيم (عليه السلام) ذات يوم يسير في البلاد ليعتبر، فمر بفلاة من الأرض، فإذا هو برجل قائم يصلي، قد قطع إلى السماء صوته، و لباسه شعر، فوقف عليه إبراهيم (عليه السلام)، و عجب منه، و جلس ينتظر فراغه، فلما طال ذلك عليه حركه بيده، و قال

له: إن لي إليك حاجة قال: فخفف الرجل، و جلس عند إبراهيم (عليه السلام)، فقال له إبراهيم (عليه السلام): لمن تصلي؟ فقال: لإله إبراهيم. فقال له: و من إله إبراهيم؟ فقال:

الذي خلقك و خلقني. فقال له إبراهيم: لقد أعجبني نحوك، و أنا أحب أن اؤاخيك في الله عز و جل، فأين منزلك إذا أردت زيارتك و لقاءك؟ فقال له الرجل: منزلي خلف هذه النطفة «2» و أشار بيده إلى البحر، و أما مصلاي فهذا الموضع، تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله تعالى.

ثم قال الرجل لإبراهيم (عليه السلام): لك حاجة؟ فقال إبراهيم (عليه السلام): نعم. قال: و ما هي؟ قال له: تدعو الله و أؤمن على دعائك، أو أدعو الله أنا و تؤمن على دعائي. فقال له الرجل: و فيم تدعو الله؟ فقال إبراهيم (عليه السلام):

للمذنبين المؤمنين. فقال الرجل: لا. فقال إبراهيم (عليه السلام): و لم؟ فقال: لأني دعوت الله منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها إلى الساعة، و أنا أستحي من الله عز و جل أن أدعوه بدعوة حتى أعلم أنه قد أجابني. فقال إبراهيم (عليه السلام): و فيما دعوته؟

فقال له الرجل: إني لفي مصلاي هذا ذات يوم، إذ مربي غلام أروع «3»، النور يطلع من جبينه، له ذؤابة من خلفه، و معه بقر يسوقها، كأنما دهنت دهنا، و غنم يسوقها كأنما دخست «4» دخسا- قال- فأعجبني ما رأيت منه، فقلت: يا غلام، لمن هذا البقر و الغنم؟ فقال: لي، فقلت: و من أنت؟ فقال: أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عز و جل، فدعوت الله عز و جل عند ذلك، و سألته أن يريني خليله، فقال له إبراهيم (عليه السلام): فأنا إبراهيم

خليل الرحمن، و ذلك الغلام ابني.

فقال الرجل عند ذلك: الحمد لله رب العالمين الذي أجاب دعوتي. قال: ثم قبل الرجل صفحتي وجه إبراهيم (عليه السلام) و عانقه، ثم قال: الآن فنعم، فادع الله حتى أؤمن على دعائك، فدعا إبراهيم (عليه السلام) للمؤمنين و المؤمنات «5» من يومه ذلك إلى يوم القيامة بالمغفرة و الرضا عنهم- قال- و أمن الرجل على دعائه».

__________________________________________________

3- كمال الدين و تمام النعمة: 140/ 8.

(1) في المصدر: كما أنّه.

(2) في «ج» المطبقة، و النّطفة: الماء الصافي. «المعجم الوسيط- نطف- 2: 931».

(3) الأروع من الرجال: الذي يعجبك حسنه. «الصحاح- روع- 3: 1223».

(4) دخس دخسا: اكتنز. «المعجم الوسيط- دخس- 1: 274».

(5) في المصدر زيادة: المذنبين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 717

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «فدعوة إبراهيم (عليه السلام) بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة».

6891/ [4]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): رحم الله عبدا طلب من الله عز و جل حاجة فألح في الدعاء، استجيب له أو لم يستجب» و تلا هذه الآية: وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا.

6892/ [5]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ يعني إبراهيم (عليه السلام) وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا يعني لإبراهيم و إسحاق و يعقوب، من رحمتنا: رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا يعني أمير المؤمنين (عليه السلام).

قال علي بن إبراهيم:

حدثني بذلك أبي، عن الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام).

6893/ [6]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن محمد السياري، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إن قوما طالبوني باسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب الله عز و جل، فقلت لهم: من قوله تعالى وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا. فقال: «صدقت، هو هكذا».

6894/ [7]- ابن شهر آشوب: عن أبي بصير، عن الصادق (عليه السلام)، في خبر: «أن إبراهيم (عليه السلام) كان قد دعا الله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين، فقال الله تعالى: وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

سورة مريم(19): آية 52 ..... ص : 717

قوله تعالى:

وَ نادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا [52]

6895/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «جاء إبليس (لعنه الله) إلى موسى (عليه السلام)، و هو يناجي ربه، فقال له ملك من الملائكة: ويلك، ما ترجو منه، و هو على هذه الحالة، يناجي ربه؟ فقال: أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم و هو في الجنة.

__________________________________________________

4- الكافي 2: 345/ 6.

5- تفسير القمّي 2: 51.

6- تأويل الآيات 1: 304/ 10.

7- مناقب ابن شهر آشوب: 3: 107. [.....]

1- تفسير القمّي 1: 242.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 718

و كان مما ناجى الله موسى (عليه السلام): يا موسى، إني لا أقبل الصلاة إلا ممن تواضع لعظمتي، و ألزم قلبه خوفي، و

قطع نهاره بذكري، و لم يبت مصرا على الخطيئة، و عرف حق أوليائي و أحبائي.

فقال موسى (عليه السلام): يا رب، تعني بأوليائك و أحبائك، إبراهيم و إسحاق و يعقوب؟ قال: هو كذلك، إلا أني أردت بذلك من من أجله خلقت آدم و حواء، و من أجله خلقت الجنة و النار.

فقال: و من هو يا رب؟ قال: محمد، أحمد، شققت أسمه من اسمي، لأني أنا المحمود، و هو محمد.

فقال موسى (عليه السلام): يا رب، اجعلني من أمته. فقال له: يا موسى، أنت من أمته إذا عرفته، و عرفت منزلته، و منزلة أهل بيته، إن مثله و مثل أهل بيته فيمن خلقت كمثل الفردوس في الجنان، لا ينتثر ورقها، و لا يتغير طعمها، فمن عرفهم، و عرف حقهم جعلت له عند الجهل علما «1»، و عند الظلمة نورا، أجيبه قبل أن يدعوني، و أعطيه قبل أن يسألني. يا موسى، إذا رأيت الفقر مقبلا، فقل: مرحبا بشعار الصالحين، و إذا رأيت الغنɠمقبلا، فقل: ذنب تعجلت عقوبته. يا موسى، إن الدنيا دار عقوبة، عاقبت فيها آدم، عند خطيئته، و جعلتها ملعونة بمن فيها، إلا ما كان فيها لي، يا موسى، إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم بها، و سائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، و ما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه فيها، و لم يحقرها أحد إلا تمتع بها».

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا، و ما عليك إن لم يثن عليك الناس، و ما عليك أن تكون مذموما عند الناس، و كنت عند الله محمودا، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين:

رجل يزداد كل يوم إحسانا، و رجل يتدارك منيته بالتوبة، و أنى له بالتوبة؟ و الله لو سجد حتى ينقطع عنقه، ما قبل الله منه إلا بولايتنا أهل البيت، ألا و من عرف حقنا و رجا الثواب فينا، رضي بقوته نصف مد «2» كل يوم، و ما يستر عورته و ما أكن رأسه، و هم في ذلك خائفون وجلون».

سورة مريم(19): آية 54 ..... ص : 718

قوله تعالى:

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا [54]

6896/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن علي بن أحمد بن أشيم، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: أ تدري لم سمي إسماعيل صادق الوعد؟» قال: قلت: لا أدري قال: «وعد رجلا، فجلس له حولا ينتظره».

__________________________________________________

1- علل الشرائع: 77/ 1.

(1) في «ج، ي»: حلما.

(2) المدّ: مكيال قديم، يعادل نحو 687 غراما.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 719

6897/ [2]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، و محمد بن سنان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن إسماعيل الذي قال الله عز و جل في كتابه: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا لم يكن إسماعيل بن إبراهيم، بل كان نبيا من الأنبياء، بعثه الله عز و جل إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه و وجهه، فأتاه ملك، فقال: إن الله جل جلاله بعثني إليك، فمرني بما شئت. فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين

(عليه السلام)».

6898/ [3]- و عنه، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد ابن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إن إسماعيل كان رسولا نبيا، سلط عليه قومه، فقشروا جلدة وجهه و فروة رأسه، و أتاه رسول من رب العالمين، فقال له: ربك يقرئك السلام، و يقول: قد رأيت ما صنع بك، و قد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين بن علي (عليه السلام) أسوة».

6899/ [4]- المفيد في (أماليه) قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، قال: حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، قال: حدثنا عثمان بن عيسى، عن أحمد بن سليمان، و عمران بن مروان، عن سماعة بن مهران، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن الذي قال الله في كتابه: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا سلط عليه قومه، فكشطوا وجهه و فروة رأسه، فبعث الله إليه ملكا، فقال له: إن رب العالمين يقرئك السلام: و يقول: قد رأيت ما صنع بك قومك، فسلني ما شئت، فقال:

يا رب العالمين، لي بالحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) أسوة».

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «و ليس هو إسماعيل بن إبراهيم، (على نبينا و عليهما السلام)».

6900/ [5]- أبو القاسم بن قولويه، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، و يعقوب بن يزيد، جميعا، عن محمد بن

سنان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، بل كان نبيا من الأنبياء، بعثه الله إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه و وجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك و تعالى، فقال: إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين (عليه السلام)».

و عنه، قال: و حدثني أبي (رحمه الله)، عن سعد بن عبد الله، عنهما، جميعا، عن محمد بن سنان، عن عمار بن

__________________________________________________

2- علل الشرائع: 77/ 2.

3- علل الشرائع: 78/ 3.

4- الأمالي 39/ 7.

5- كامل الزيارات: 64/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 720

مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنه كان رسولا نبيا». و ذكر الحديث مثله «1».

6901/ [6]- و عنه، قال: حدثني محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، و أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن مروان بن مسلم، عن بريد بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يا ابن رسول الله، أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه، حيث يقول: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا أ كان إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)؟

فقال (عليه السلام): «إسماعيل مات قبل إبراهيم، و إن إبراهيم كان حجة لله قائما، صاحب شريعة، فإلى من أرسل إسماعيل إذن».

فقلت: جعلت فداك، فمن كان؟

فقال (عليه السلام): «ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه

الله إلى قومه، فكذبوه و قتلوه و سلخوا وجهه، فغضب الله عليهم، فوجه إليه سطاطائيل «2» ملك العذاب، فقال له: يا إسماعيل: أنا سطاطائيل ملك العذاب، وجهني إليك رب العزة لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت. فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل فأوحى الله إليه: فما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال إسماعيل: يا رب، إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية، و لمحمد بالنبوة، و لوصيه «3» بالولاية، و أخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي (عليهما السلام) بعد نبيها، و إنك وعدت الحسين (عليه السلام) أن تكره إلى الدنيا، حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك- يا رب- أن تكرني إلى الدنيا، حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي كما تكر الحسين (عليه السلام). فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكر مع الحسين بن علي (صلوات الله عليهما)».

6902/ [7]- و عنه، قال: حدثني محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن جده علي بن مهزيار، عن محمد بن سنان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا أخذ فسلخت فروة وجهه و رأسه، فأتاه ملك، فقال: إن الله بعثني إليك، فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بالحسين بن علي (عليهما السلام)».

6903/ [8]- صاحب (الأربعين) عن (الأربعين)، بإسناده عن أنس بن مالك، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)- في حديث- قال (صلى الله عليه و آله) فيه: «يا أنس، من أراد أن ينظر إلى إسماعيل في صدقه- هو إسماعيل بن حزقيل، و هو

__________________________________________________

6- كامل

الزيارات: 65/ 3.

7- كامل الزيارات: 65/ 4.

8- الأربعين عن الأربعين للخزاعي: 27/ 27.

(1)- كامل الزيارات: 64/ 2.

(2) في المصدر: اسطاطائيل، في جميع المواضع.

(3) في المصدر: و لأوصيائه. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 721

الذي ذكره الله في القرآن: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ- فلينظر إلى علي بن أبي طالب».

6904/ [9]- المفيد في (الاختصاص): أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا علمنا الرسول من النبي؟ فقال: «النبي: هو الذي يرى في منامه، و يسمع الصوت، و لا يعاين الملك، و الرسول: يعاين الملك و يكلمه».

قلت: فالإمام، ما منزلته؟ قال: «يسمع الصوت، و لا يرى، و لا يعاين الملك»، ثم تلا هذه الآية: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث» «1».

سورة مريم(19): الآيات 56 الي 57 ..... ص : 721

قوله تعالى:

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [56- 57]

6905/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن مفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أخبرني جبرئيل (عليه السلام)، أن ملكا من ملائكة الله كانت له منزلة عند الله عز و جل منزلة عظيمة، فغضب «2» عليه، فاهبط من السماء إلى الأرض، فأتى إدريس (عليه السلام)، فقال: إن لك من الله منزلة، فاشفع لي عند ربك، فصلى ثلاث ليال لا يفتر، و صام أيامها لا يفطر، ثم طلب إلى الله عز و جل في السحر، في الملك.

فقال الملك:

إنك قد أعطيت سؤلك، و قد اطلق لي جناحي، و أنا أحب أن اكافئك، فاطلب إلي حاجة، فقال: تريني ملك الموت لعلي آنس به، فإنه ليس يهنئني مع ذكره شي ء فبسط جناحه، ثم قال: اركب فصعد به يطلب ملك الموت في السماء الدنيا، فقيل له: اصعد فاستقبله بين السماء الرابعة و الخامسة، فقال الملك: يا ملك الموت، مالي أراك قاطبا؟ قال: العجب إني تحت ظل العرش حيث أمرت أن اقبض روح آدمي بين السماء الرابعة و الخامسة فسمع إدريس (عليه السلام) فامتعض، فخر من جناح الملك، فقبض روحه مكانه، و قال الله عز و جل وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا».

__________________________________________________

9- الاختصاص: 328.

1- الكافي 3: 257/ 26.

(1) الحج 22: 52، و لكن لفظة «و لا محدّث» ليست في الآية، إنّما هو في قراءة أهل البيت (عليهم السلام)، و في تفسير القرطبي 12: 79 و الدر المنثور 6: 65 عن ابن عباس أيضا، و المحدّث، بفتح الدال المشدّدة: الذي يحدّثه الملك، انظر «الوافي 2: 74».

(2) في «ط» و المصدر: فتعتّب، أي وجد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 722

6906/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله تبارك و تعالى غضب على ملك من الملائكة، فقطع جناحه، و ألقاه في جزيرة من جزائر البحر، فبقي ما شاء الله في ذلك البحر، فلما بعث الله إدريس (عليه السلام)، جاء ذلك الملك إليه، فقال: يا نبي الله، ادع الله لي أن يرضى عني، و يرد علي جناحي. قال: نعم فدعا له إدريس (عليه السلام)، فرد عليه جناحه، و رضي عنه.

فقال الملك لإدريس: أ لك إلي حاجة؟

قال: نعم، أحب أن ترفعني إلى السماء، حتى أنظر إلى ملك الموت، فإنه لا عيش لي مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه، حتى انتهى به إلى السماء الرابعة، فإذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبا، فسلم إدريس على ملك الموت، و قال له: مالك تحرك رأسك؟ قال: إن رب العزة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة و الخامسة فقلت: يا رب، و كيف هذا، و غلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام، و من السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام، و غلظ السماء الثالثة خمسمائة عام، و من السماء الثالثة إلى السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام، و كل سماء و ما بينهما كذلك، فكيف يكون هذا؟ ثم قبض روحه بين السماء الرابعة و الخامسة، و هو قوله: وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا». قال: «و سمي إدريس لكثرة دراسته للكتب» «1».

6907/ [3]- و عنه: عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في حديث الإسراء، قال (صلى الله عليه و آله): «ثم صعدت إلى السماء الرابعة، و إذا فيها رجل، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟ قال: هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا، فسلمت عليه و سلم علي، و استغفرت له و استغفر لي».

سورة مريم(19): الآيات 58 الي 63 ..... ص : 722

قوله تعالى:

أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ- إلى قوله تعالى- مَنْ كانَ تَقِيًّا [58- 63] 6908/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: قوله تعالى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ و هو الردي ء «2»، و الدليل على ذلك قوله تعالى أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. ثم استثنى عز و جل، فقال: إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ

عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً.

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 2: 51.

3- تفسير القمّي 2: 8.

1- تفسير القمّي 2: 52.

(1) في «ج، ي»: للحديث.

(2) في المصدر: الدني ء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 723

6909/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا جعفر بن محمد الرازي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يسجد في سورة مريم، حين يقول: وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا و يقول: نحن عنينا، و نحن أهل الهدى «1» و الصفوة».

6910/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام بن سهيل، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا.

قال: «نحن ذرية إبراهيم، و نحن المحمولون مع نوح، و نحن صفوة الله، و أما قوله: وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا فهم- و الله- شيعتنا الذين هداهم الله لمودتنا و اجتباهم لديننا، فحيوا عليه، و ماتوا عليه، و وصفهم الله بالعبادة، و الخشوع، و رقة القلب، فقال: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا، ثم قال عز و جل: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. و هو جبل من

صفر يدور في جهنم، ثم قال عز و جل: إِلَّا مَنْ تابَ من غش آل محمد وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً إلى قوله: كانَ تَقِيًّا».

6911/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: و قوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لا يَسْمَعُونَ فِيها- يعني في الجنة- لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا قال: ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة، و الدليل على ذلك قوله: بُكْرَةً وَ عَشِيًّا فالبكرة و العشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد، و إنما يكون الغدو و العشي في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين، و تطلع فيها الشمس و القمر.

6912/ [5]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد و علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، إن الناس يذكرون أن فراتنا يخرج من الجنة، فكيف و هو يقبل من المغرب، و تصب فيه العيون و الأودية؟! قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام) و أنا أسمع: «إن لله جنة خلقها في المغرب، و ماء فراتكم يخرج منها، و إليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كل مساء، فتسقط على ثمارها، و تأكل منها، و تتنعم فيها، و تتلاقى

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 305/ 11.

3- تأويل الآيات 1: 305/ 12.

4- تفسير القمّي 2: 52.

5- الكافي 3: 246/ 1.

(1) في «ج»: الحبوة. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 724

و تتعارف «1»، فإذا طلع الفجر هاجت من الجنة، فكانت في الهواء، فيما بين السماء و الأرض،

تطير ذاهبة و جائية، و تعهد حفرها إذا طلعت الشمس، و تتلاقى في الهواء، و تتعارف- قال- و إن لله نارا في المشرق، خلقها ليسكنها أرواح الكفار، و يأكلون من زقومها، و يشربون من حميمها ليلهم، فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن، يقال له برهوت، أشد حرا من نيران الدنيا، كانوا فيها يتلاقون، و يتعارفون، فإذا كان المساء عادوا إلى النار، فهم كذلك إلى يوم القيامة».

قال: قلت: أصلحك الله، فما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد (صلى الله عليه و آله) من المسلمين المذنبين، الذين يموتون و ليس لهم إمام، و لا يعرفون ولايتكم؟

فقال: «أما هؤلاء فإنهم في حفرهم، لا يخرجون منها، فمن كان له عمل صالح، و لم تظهر منه عداوة، فإنه يخد له خد إلى الجنة التي خلقها الله في المغرب، فيدخل عليه منها الروح في حفرته إلى يوم القيامة، فيلقى الله، فيحاسبه بحسناته و سيئاته، فإما إلى الجنة، و إما إلى النار، فهؤلاء موقوفون لأمر الله، و كذلك يفعل الله بالمستضعفين، و البله، و الأطفال، و أولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم.

فأما النصاب من أهل القبلة، فإنهم يخد لهم خد إلى النار التي خلقها الله بالمشرق، فيدخل عليهم منها اللهب و الشرر و الدخان و فورة الحميم، إلى يوم القيامة، ثم مصيرهم إلى الجحيم، ثم في النار يسجرون، ثم قيل لهم: أين ما كنتم تدعون من دون الله، أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما؟».

6913/ [6]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن أرواح المؤمنين

لفي شجرة من الجنة، يأكلون من طعامها، و يشربون من شرابها، و يقولون: ربنا أقم الساعة لنا، و أنجز لنا ما وعدتنا، و ألحق آخرنا بأولنا».

6914/ [7]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الأرواح في صفة الأجساد، في شجرة في الجنة، تتعارف و تتساءل، فإذا قدمت الروح على الأرواح، تقول: دعوها فإنها قد أقبلت «2» من هول عظيم ثم يسألونها، ما فعل فلان، و ما فعل فلان؟ فإن قالت لهم: تركته حيا ارتجوه، و إن قالت: قد هلك قالوا: قد هوى هوى».

6915/ [8]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن عثمان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أرواح المؤمنين.

__________________________________________________

6- الكافي 3: 244/ 2.

7- الكافي 3: 244/ 3.

8- الكافي 3: 244/ 4.

(1) في «ي، ط»: و تتفارق.

(2) في المصدر: أفلتت.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 725

فقال: «في حجرات في الجنة، يأكلون من طعامها، و يشربون من شرابها، و يقولون: ربنا أقم لنا الساعة، و أنجز لنا ما وعدتنا، و ألحق آخرنا بأولنا».

6916/ [9]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن علي بن الصلت، عن ابن أخي شهاب بن عبد ربه، قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ما ألقى من الأوجاع و التخم، فقال لي: «تغد و تعش، و لا تأكل بينهما شيئا، فإن فيه فساد البدن، أما سمعت الله عز و جل

يقول: وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا».

6917/ [10]- الحسين بن بسطام في كتاب (طب الأئمة (عليهم السلام)): عن محمد بن عبد الله العسقلاني، قال:

حدثنا النضر بن سويد، عن علي بن الصلت، عن ابن أخي شهاب، قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) الأوجاع و التخم؟

فقال: «تغد و تعش، و لا تأكل بينهما شيئا، فإن فيه فساد البدن، أما سمعت الله تعالى يقول: وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا؟».

سورة مريم(19): آية 64 ..... ص : 725

قوله تعالى:

وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [64]

6918/ [1]- ابن بابويه: بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- في حديثه في جواب الشاك- قال: «و أما قوله:

وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، فإن ربنا تبارك و تعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى، و لا يغفل، بل هو الحفيظ العليم، و قد يقول العرب في باب النسيان: قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي إنه لا يأمر لنا «1» بخير، و لا يذكرنا به».

و سيأتي الحديث بطوله مسندا في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى «2»».

سورة مريم(19): الآيات 66 الي 67 ..... ص : 725

قوله تعالى:

وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ- إلى قوله تعالى- وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً [66- 67] 6919/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: قوله عز و جل يحكي قول الدهرية الذين أنكروا البعث، فقال:

__________________________________________________

9- الكافي 6: 288/ 2.

10- طب الأئمة: 59.

1- التوحيد: 260.

2- تفسير القمي 2: 52.

(1) في «ي، ط»: يأمرنا.

(2) يأتي في الباب الأول من خاتمة الكتاب (باب في رد متشابه القرآن إلى تأويله).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 726

وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً أي لم يكن ثم ذكره.

6920/ [2]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن أسباط، عن خلف بن حماد، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى:

أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً. فقال: «لا مقدرا، و لا مكونا».

قال: و سألته عن قوله: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً «1» قال: «كان

مقدرا غير مذكور».

6921/ [3]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن أبيه: عن إسماعيل بن إبراهيم، و محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن حمران، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): عن قول الله عز و جل: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً «2» فقال: «كان شيئا، و لم يكن مذكورا».

قلت: فقوله: أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً؟ قال: «لم يكن شيئا في كتاب، و لا علم».

سورة مريم(19): الآيات 68 الي 72 ..... ص : 726

قوله تعالى:

فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ- إلى قوله تعالى- وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [68- 72] 6922/ [1]- علي بن إبراهيم: ثم أقسم عز و جل بنفسه، فقال: فَوَ رَبِّكَ يا محمد لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا قال: على ركبهم.

قال: قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا يعني في البحار إذا تحولت نيرانا يوم القيامة. و في حديث آخر بأنها منسوخة بقوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ «3».

__________________________________________________

2- الكافي 1: 114/ 5.

3- المحاسن: 243/ 234.

1- تفسير القمّي: 266 الطبعة الحجرية. [.....]

(1) الدهر 76: 1.

(2) الدهر: 76: 1.

(3) الأنبياء 21: 101.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 727

6923/ [2]- ثم قال علي بن إبراهيم: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.

قال: «أما تسمع الرجل يقول: وردنا ماء بني فلان، فهو الورود «1»، و لم يدخله».

سورة مريم(19): الآيات 73 الي 98 ..... ص : 727

قوله تعالى:

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا- إلى قوله تعالى- أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً [73- 98]

6924/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا.

قال: «كان رسول الله

(صلى الله عليه و آله) دعا قريشا إلى ولايتنا، فنفروا و أنكروا، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من قريش لِلَّذِينَ آمَنُوا، الذين أقروا لأمير المؤمنين (عليه السلام) و لنا أهل البيت أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا، تعييرا منهم، فقال الله ردا عليهم: وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ من الأمم السالفة هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً».

قلت: قوله: قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا؟ قال: «كلهم كانوا في الضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، و لا بولايتنا، فكانوا ضالين مضلين، فيمد لهم في ضلالتهم و طغيانهم حتى يموتوا، فيصيرهم شرا مكانا و أضعف جندا».

قلت: قوله: حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً؟ قال: «أما قوله حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فهو خروج القائم (عليه السلام)، و الساعة، فسيعلمون ذلك اليوم، و ما نزل بهم من الله على يدي وليه «2»، فذلك قوله: مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً يعني عند القائم (عليه السلام) وَ أَضْعَفُ جُنْداً».

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 2: 52.

1- الكافي 1: 357/ 90.

(1) في المصدر: الورد.

(2) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: قائمه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 728

قلت: قوله: وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً؟ قال: «يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى، باتباعهم القائم (عليه السلام) حيث لا يجحدونه، و لا ينكرونه».

قلت: قوله تعالى لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً؟ قال: «إلا من دان الله بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، و الأئمة من بعده، فهو العهد عند الله».

قلت: قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا؟ قال: «ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) هي الود

الذي قال الله تعالى».

قلت: قوله: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا؟ قال: «إنما يسره الله على لسانه حين أقام أمير المؤمنين (عليه السلام) علما، فبشر به المؤمنين، و أنذر به الكافرين، و هم الذين ذكرهم الله في كتابه لدا، أي كفارا».

6925/ [2]- علي بن إبراهيم، في قوله: وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً. قال: عنى به الثياب، و الأكل، و الشرب.

6926/ [3]- قال: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «الأثاث: المتاع، و أما الرئيا: فالجمال و المنظر الحسن».

قال: و قوله: وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً، رد على من زعم أن الإيمان لا يزيد و لا ينقص، و قوله:

وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا قال: الباقيات الصالحات، و هو قول المؤمن: سبحان الله، و الحمد لله و لا إله إلا الله، و الله أكبر.

6927/ [4]- ثم قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة، فرأيتها قيعانا يققا «1»، و رأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب و لبنة من فضة، و ربما أمسكوا، فقلت لهم: ما لكم: ربما بنيتم و ربما أمسكتم؟ فقالوا: حتى تجيئنا النفقة، قلت لهم: و ما نفقتكم؟ فقالوا: قول المؤمن في الدنيا: سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر، فإذا قال بنينا، و إذا أمسك أمسكنا».

و عنه، قال: حدثني أبي، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«قال النبي (صلى الله عليه و آله): لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة، فرأيت فيها قيعانا يققا، و رأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب، و لبنة من فضة»، و ساق الحديث «2».

__________________________________________________

2- تفسير القمّي 2: 52.

3- تفسير القمّي 2: 52.

4- تفسير القمّي 2: 53.

(1) اليقق: الشديد البياض. «لسان العرب- يقق- 10: 387».

(2) تفسير القمّي 1: 21.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 729

الشيخ في (أماليه): بإسناده عن حماد بن عثمان، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (صلوات الله عليهم)، عن علي (عليه السلام): «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة، فرأيت فيها قيعانا يققا من مسك، و رأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب، و لبنة من فضة»، الحديث إلى آخره «1».

6928/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة، فرأيت قصرا من ياقوتة حمراء، يرى داخلها من خارجها، و خارجها من داخلها من ضيائها، و فيها بنيان من در و زبرجد، فقلت: يا جبرئيل، لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لمن أطاب الكلام، و أدام الصيام، و أطعم الطعام، و تهجد بالليل و الناس نيام.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رسول الله، و في أمتك من يطيق هذا؟ فقال: ادن مني يا علي فدنا منه، فقال:

أ تدري ما إطابة الكلام؟ قال: الله و رسوله أعلم. قال: من قال: سبحان الله، و الحمد لله و لا إله إلا الله، و الله أكبر. ثم قال:

أ تدري ما إدامة الصيام؟ قال: الله و رسوله أعلم.

قال: من صام شهر رمضان، و لم يفطر منه يوما. أو تدري ما إطعام الطعام؟ قال: الله و رسوله أعلم. قال: من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس. أو تدري ما التهجد بالليل و الناس نيام؟ قال: الله و رسوله أعلم. قال: من لم ينم حتى يصلي العشاء الآخرة، و يعني بالناس نيام: اليهود و النصارى، فإنهم ينامون فيما بينهما».

6929/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى:

أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَ قالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَ وَلَداً.

قال: «و ذلك أن العاص بن وائل القرشي ثم السهمي، و هو أحد المستهزئين، و كان لخباب بن الأرت على العاص بن وائل حق، فأتاه يتقاضاه، فقال له العاص: ألستم تزعمون أن في الجنة الذهب و الفضة و الحرير؟ قال:

بلى، قال: فموعد ما بيني و بينك الجنة، فو الله لأوتين فيها خيرا مما أوتيت في الدنيا: يقول الله أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَ نَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا وَ نَرِثُهُ ما يَقُولُ وَ يَأْتِينا فَرْداً وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا، و الضد: القرين الذي يقرن «2» به».

6930/ [7]- قال علي بن إبراهيم: حدثنا جعفر بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن موسى، قال: حدثنا الحسن ابن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا. قال: «يوم القيامة، أي يكون هؤلاء الذين

__________________________________________________

5- تفسير القمّي

1: 21.

6- تفسير القمّي 2: 54. [.....]

7- تفسير القمّي 2: 55.

(1) الأمالي 2: 88.

(2) في المصدر: يقترن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 730

اتخذوهم آلهة من دون الله عليهم ضدا يوم القيامة، و يتبرءون منهم، و من عبادتهم إلى يوم القيامة».

ثم قال: «ليست العبادة هي الركوع و السجود، و إنما هي طاعة الرجال، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده».

6931/ [8]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا.

قال: لما طغوا فيها و في فتنتها «1»، و في طاعتهم، مد لهم في طغيانهم و ضلالهم، و أرسل عليهم شياطين الإنس و الجن: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا أي تحثهم حثا «2»، و تحضهم على طاعتهم و عبادتهم، فقال الله: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا أي في طغيانهم، و فتنتهم، و كفرهم.

6932/ [9]- علي بن إبراهيم أيضا، قال: نزلت في ما نعي الخمس و الزكاة و المعروف، يبعث الله عليهم سلطانا أو شيطانا، فينفق ما يجب عليه من الزكاة و الخمس في غير طاعة الله، و يعذبه الله على ذلك.

و قوله تعالى: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا فقال لي: «ما هو عندك؟» قلت: عد الأيام، قال: «لا، إن الآباء و الأمهات ليحصون ذلك، و لكن عدد الأنفاس» «3».

6933/ [10]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عز و جل: إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا؟ قال: «ما هو عندك؟» قلت: عد الأيام. قال: «إن الآباء و الأمهات يحصون ذلك- قال- لا، و لكنه عدد الأنفاس».

6934/

[11]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمد بن إسحاق المدني، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سئل عن قول الله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً، فقال: يا علي إن الوفد لا يكون إلا ركبانا، أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله عز ذكره، و اختصهم، و رضي أعمالهم فسماهم المتقين.

ثم قال له: يا علي، أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، إنهم ليخرجون من قبورهم و إن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز، عليها رحائل الذهب، مكللة بالدر و الياقوت، و جلالها الإستبرق و السندس، و خطمها «4»

__________________________________________________

8- تفسير القمّي 2: 55.

9- تفسير القمّي 2: 53.

10- الكافي 3: 259/ 33.

11- الكافي 8: 95/ 69.

(1) في «ج، ي»: فتنهم.

(2) في المصدر: تنخسهم نخسا.

(3) الحديث عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) و الظاهر من المصدر أنّه معطوف من حيث السند على الحديث (4) المتقدّم، و انظر الحديث الآتي.

(4) الخطام: الزمام. «المعجم الوسيط- خطم- 1: 245».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 731

جدل «1» الأرجوان، تطير بهم إلى المحشر، مع كل رجل منهم ألف ملك، من قدامه، و عن يمينه، و عن شماله، يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم.

و على باب الجنة شجرة، إن الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس، و عن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية- قال- فيسقون منها شربة، فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد، و يسقط من أبشارهم الشعر، و ذلك قول الله عز و جل: وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً «2» من تلك العين المطهرة، قال: ثم يصرفون إلى عين اخرى عن

يسار الشجرة، فيغتسلون فيها، و هي عين الحياة، فلا يموتون أبدا.

قال: ثم يوقف بهم قدام العرش، و قد سلموا من الآفات و الأسقام و الحر و البرد أبدا، قال: فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم: احشروا أوليائي إلى الجنة، و لا توقفوهم مع الخلائق، فقد سبق رضاي عنهم، و وجبت رحمتي لهم، و كيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات و السيئات؟

قال: فتسوقهم الملائكة إلى الجنة، فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم، ضرب الملائكة الحلقة ضربة، فتصر صريرا، فيبلغ صوت صريرها كل حوراء أعدها الله عز و جل لأوليائه في الجنان، فيتباشرن بهم، إذا سمعن صرير «3» الحلقة، فيقول بعضهن لبعض: قد جاءنا أولياء الله. فيفتح لهم الباب، فيدخلون الجنة، و تشرف عليهم أزواجهم من الحور العين و الآدميين، فيقلن: مرحبا بكم، فما كان أشد شوقنا إليكم. و يقول لهن أولياء الله مثل ذلك.

فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله، أخبرنا عن قول الله عز و جل: غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ «4» بماذا بنيت يا رسول الله،؟

فقال: يا علي، تلك غرف بناها الله تعالى لأوليائه بالدر و الياقوت و الزبرجد، سقوفها الذهب، محبوكة بالفضة، لكل غرفة منها ألف باب من ذهب، على كل باب منها ملك موكل به، فيها فرش مرفوعة، بعضها فوق بعض، من الحرير و الديباج، بألوان مختلفة، و حشوها المسك و الكافور و العنبر، و ذلك قوله عز و جل وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ «5».

إذا ادخل المؤمن إلى منزله في الجنة، و وضع على رأسه تاج الملك و الكرامة، ألبس حلل الذهب و الفضة و الياقوت و الدر المنظوم في الإكليل تحت التاج. قال: و ألبس سبعين حلة حرير بألوان

مختلفة، و ضروب مختلفة، منسوجة بالذهب و الفضة و اللؤلؤ و الياقوت الأحمر، فذلك قوله عز و جل: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ «6».

__________________________________________________

(1) الجدل: جمع جديل: الزمام المجدول من أدم. «الصحاح- جدل- 4: 1653».

(2) الإنسان 76: 21.

(3) في «ي، ط»: صوت. [.....]

(4) الزمر 39: 20.

(5) الواقعة 56: 34.

(6) الحجّ 22: 23.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 732

فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا.

فإذا استقر لولي الله منازله في الجنان، استأذن عليه الملك الموكل بجنانه، ليهنئه بكرامة الله عز و جل إياه، فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء و الوصائف: مكانك، فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته و زوجته الحوراء تهيأ له، فاصبر لولي الله. قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشي مقبلة، و حولها و صائفها، و عليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت و اللؤلؤ و الزبرجد، و هي من مسك و عنبر، و على رأسها تاج الكرامة، و عليها نعلان من ذهب، مكللتان بالياقوت و اللؤلؤ، شراكهما ياقوت أحمر، فإذا دنت من ولي الله فهم أن يقوم إليها شوقا، فتقول له: يا ولي الله ليس هذا يوم تعب و لا نصب، فلا تقم، أنا لك و أنت لي، قال: فيعتنقان مقدار خمس مائة عام من أعوام الدنيا، لا يملها و لا تمله، قال: فإذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر إلى عنقها فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر، وسطها لوح، صفحته درة مكتوب فيها، أنت- يا ولي الله- حبيبي، و أنا الحوراء حبيبتك، إليك تاقت نفسي، و إلي تاقت نفسك.

ثم يبعث الله إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة، و يزوجونه بالحوراء،

قال: فينتهون إلى أول باب من جنانه، فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه: استأذن لنا على ولي الله، فإن الله بعثنا إليه نهنئه. فيقول لهم الملك: حتى أقول للحاجب، فيعلمه بمكانكم. قال: فيدخل الملك إلى الحاجب، و بينه و بين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب، فيقول للحاجب: إن على باب العرصة ألف ملك، أرسلهم رب العالمين ليهنئوا ولي الله، و قد سألوني أن آذن لهم عليه. فيقول الحاجب: إنه ليعظم علي أن أستأذن لأحد على ولي الله و هو مع زوجته الحوراء، قال:

و بين الحاجب و بين ولي الله جنتان، قال: فيدخل الحاجب إلى القيم، فيقول له: إن على باب العرصة، ألف ملك، أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله فاستأذن لهم، فيتقدم القيم إلى الخدام، فيقول لهم: إن رسل الجبار على باب العرصة و هم ألف ملك، أرسلهم الله يهنئون ولي الله، فأعلموه بمكانهم. قال: فيعلمونه، فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي الله و هو في الغرفة، و لها ألف باب، و على كل باب من أبوابها ملك موكل به، فإذا اذن للملائكة بالدخول على ولي الله. فتح كل ملك بابه الموكل به.

قال: فيدخل القيم كل ملك من باب من أبواب الغرفة، قال: فيبلغونه رسالة الجبار جل و عز، و ذلك قول الله عز و جل: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ- من أبواب الغرفة- سَلامٌ عَلَيْكُمْ «1». إلى آخر الآية، و ذلك قوله عز و جل: وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً «2» يعني بذلك ولي الله، و ما هو فيه من الكرامة و النعيم، و الملك العظيم الكبير، و إن الملائكة من رسل الله عز ذكره يستأذنون عليه،

فلا يدخلون عليه إلا بإذنه، فذلك الملك العظيم الكبير.

قال: و الأنهار تجري من تحت مساكنهم، و ذلك قول الله عز و جل: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ «3»،

__________________________________________________

(1) الرعد 13: 23 و 24.

(2) الإنسان 76: 20.

(3) الأعراف 7: 43، يونس 10: 9، الكهف 18: 31.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 733

و الثمار دانية منهم، و هو قوله عز و جل: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا «1» من قربها منهم، يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه و هو متكئ، و إن الأنواع من الفاكهة ليقلن لولي الله: يا ولي الله، كلني قبل أن تأكل هذا قبلي.

قال: و ليس من مؤمن في الجنة إلا و له جنان كثيرة، معروشات و غير معروشات، و أنهار من خمر، و أنهار من ماء، و أنهار من لبن، و أنهار من عسل مصفى، فإذا دعا ولي الله بغذائه أتي بما تشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غير أن يسمي شهوته.

قال: ثم يتخلى مع إخوانه، و يزور بعضهم بعضا، و يتنعمون في جناتهم في ظل ممدود، في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، و أطيب من ذلك، لكل مؤمن سبعون زوجة حوراء، و أربع نسوة من الآدميين، و المؤمن ساعة مع الحوراء، و ساعة مع الآدمية، و ساعة يخلو بنفسه على الأرائك متكئا، ينظر بعضهم إلى بعض.

و إن المؤمن ليغشاه شعاع نور، و هو على أريكته، و يقول لخدامه: ما هذا الشعاع اللامع، لعل الجبار لحظني؟

فيقول له خدامه: قدوس قدوس، جل جلال الله، بل هذه حوراء من نسائك ممن لم تدخل بها بعد. قد أشرفت عليك من خيمتها شوقا إليك. و قد تعرضت لك و

أحبت لقاءك، فلما أن رأتك متكئا على سريرك تبسمت نحوك شوقا إليك، فالشعاع الذي رأيت، و النور الذي غشيك هو من بياض ثغرها و صفائه، و نقائه و رقته. فيقول ولي الله:

ائذنوا لها فتنزل إلي، فيبتدر إليها ألف وصيف، و ألف وصيفة، يبشرونها بذلك فتنزل إليه من خيمتها، و عليها سبعون حلة منسوجة بالذهب و الفضة، مكللة بالدر و الياقوت و الزبرجد، صبغهن المسك و العنبر بألوان مختلفة، كاعب مقطومة «2» خميصة، يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة، طولها سبعون ذراعا، و عرض ما بين منكبيها عشرة أذرع. فإذا دنت من ولي الله أقبل الخدام بصحائف الذهب و الفضة. فيها الدر و الياقوت و الزبرجد فينثرونها عليها، ثم يعانقها و تعانقه، لا يمل و لا تمل».

قال: ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): «أما الجنان المذكورة في الكتاب، فإنهن: جنة عدن، و جنة الفردوس، و جنة نعيم، و جنة المأوى- قال- و إن لله جنانا محفوفة بهذه الجنان، و إن المؤمن ليكون له من الجنان ما أحب، و اشتهى، يتنعم فيهن كيف شاء، و إذا أراد المؤمن شيئا «3» إنما دعواه فيها- إذا أراد- أن يقول: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ «4»، فإذا قالها تبادرت إليه الخدم بما اشتهى، من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به، و ذلك قول الله عز و جل: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ «5» يعني الخدام، قال: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «6» يعني بذلك: عند ما يقضون من لذاتهم، من الجماع و الطعام و الشراب يحمدون الله عز و جل عند

__________________________________________________

(1) الإنسان 76: 14.

(2) القطم: شهوة اللحم و الضراب و النكاح. «لسان العرب- قطم-

12: 488».

(3) في المصدر زيادة أو أشتهى.

(4) يونس 10: 10.

(5) يونس 10: 10.

(6) يونس 10: 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 734

فراغهم». و أما قوله: أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ «1» قال: «يعلمه الخدام، فيأتون به إلى أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه». و أما قوله تعالى: فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ «2»، قال: «فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به».

6935/ [12]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن شريك العامري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سأل علي (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن تفسير قوله: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً قال: يا علي إن الوفد لا يكون إلا ركبانا، أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم، و اختصهم و رضي أعمالهم، فسماهم الله المتقين، ثم قال: يا علي، أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، إنهم ليخرجون من قبورهم و بياض وجوههم كبياض الثلج، عليهم ثياب، بياضها كبياض اللبن، عليهم نعال الذهب، شراكها من لؤلؤ يتلألأ».

6936/ [13]- ثم قال علي بن إبراهيم: و في حديث آخر، قال (صلى الله عليه و آله): «إن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنة، عليها رحائل الذهب مكللة بالدر و الياقوت، و جلالها الإستبرق و السندس، و خطامها جدل الأرجوان، و أزمتها من زبرجد، فتطير بهم إلى المحشر، مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه، و عن يمينه، و عن شماله، يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم.

و على باب الجنة شجرة، الورقة منها يستظل تحتها ألف «3» من الناس، و عن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية، فيسقون منها شربة، فيطهر الله

قلوبهم من الحسد، و يسقط عن أبشارهم الشعر، و ذلك قوله تعالى:

وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً «4» من تلك العين المطهرة، ثم يرجعون إلى عين اخرى عن يسار الشجرة، فيغتسلون منها، و هي عين الحياة، فلا يموتون أبدا.

ثم يوقف بهم قدام العرش، و قد سلموا من الآفات و الأسقام، و الحر و البرد أبدا. قال: فيقول الجبار للملائكة الذين معهم: احشروا أوليائي إلى الجنة، و لا توقفوهم مع الخلائق، فقد سبق رضاي عنهم، و وجبت رحمتي لهم، فكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات و السيئات؟! فتسوقهم الملائكة إلى الجنة، فإذا انتهوا إلى باب الجنة الأعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربة، فتصر صريرا، فيبلغ صوت صريرها كل حوراء خلقها الله و أعدها لأوليائه، فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة، و يقول بعضهن لبعض: قد جاءنا أولياء الله، فيفتح لهم الباب، فيدخلون الجنة.

و يشرف عليهم أزواجهم من الحور العين و الآدميات، فيقلن: مرحبا بكم، فما كان أشد شوقنا إليكم! و يقول لهن أولياء الله مثل ذلك.

فقال علي (عليه السلام): من هؤلاء، يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه و آله): يا علي، هؤلاء شيعتك و المخلصون في

__________________________________________________

12- تفسير القمّي 2: 53.

13- تفسير القمّي 2: 53. [.....]

(1) الصافات 37: 41.

(2) الصافات 37: 42.

(3) في المصدر: مائة ألف.

(4) الإنسان 76: 21.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 735

ولايتك «1»، و أنت إمامهم، و هو قول الله عز و جل يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً على الرحائل وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً».

6937/ [14]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن علي بن إسحاق، عن الحسن بن حازم الكلبي، ابن اخت هشام بن سالم، عن سليمان بن جعفر، عن أبي

عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروءته و عقله.

قيل: يا رسول الله، و كيف يوصي الميت؟

قال: إذا حضرته وفاته و اجتمع الناس إليه، قال: اللهم فاطر السماوات و الأرض، عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، اللهم إني أعهد إليك في دار الدنيا، أني أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، و أن محمدا عبدك و رسولك، و أن الجنة حق، و أن النار حق، و أن البعث حق، و أن الحساب حق، و القدر و الميزان حق، و أن الدين كما وصفت، و أن الإسلام كما شرعت، و أن القول كما حدثت، و أن القرآن كما أنزلت، و أنك أنت الله «2» الحق المبين، جزى الله محمدا (صلى الله عليه و آله) خير الجزاء، و حيى محمدا و آل محمد بالسلام.

اللهم يا عدتي عند كربتي، و يا صاحبي عند شدتي و يا ولي نعمتي، إلهي و إله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، طرفة عين أقرب من الشر و أبعد من الخير، فآنس في القبر وحشتي، و اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا. ثم يوصي بحاجته، و تصديق هذه الوصية في القرآن في السورة التي يذكر فيها مريم في قول الله عز و جل:

لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً فهذا عهد الميت، و الوصية حق على، كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية، و يعلمها. و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) علمنيها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): علمنيها جبرئيل (عليه السلام)».

6938/

[15]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن سليمان بن جعفر، عن أبيه، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروءته.

قلت: يا رسول الله، و كيف يوصي الميت عند الموت؟

قال: إذا حضرته الوفاة و اجتمع الناس إليه، قال: اللهم فاطر السماوات و الأرض، عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في دار الدنيا، أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، و أن محمدا عبدك و رسولك، و أن الجنة حق، و النار حق، و أن البعث حق، و الحساب حق، و القدر و الميزان حق، و أن الدين كما

__________________________________________________

14- الكافي 7: 2/ 1.

15- تفسير القمّي 2: 55.

(1) (و المخلصون في ولايتك) ليس في «ج، ي».

(2) في «ط» زيادة: الملك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 736

وصفت، و أن الإسلام كما شرعت، و أن القول كما حدثت، و أن القرآن كما أنزلت، و أنك أنت الله «1» الحق المبين، جزى الله محمدا خير الجزاء، و حيا الله محمدا و آله بالسلام.

اللهم يا عدتي عند كربتي، و يا صاحبي عند شدتي، و يا وليي في نعمتي، إلهي و إله الناس «2»، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، فإنك إن تكلني الى نفسي كنت أقرب من الشر، و أبعد من الخير فآنس في القبر وحدتي «3»، و اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا، ثم يوصي بحاجته، و تصديق هذه الوصية في سورة مريم، في قوله:

لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً، فهذا عهد الميت، و الوصية

حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية، و يتعلمها «4». و قال علي (عليه السلام): علمنيها رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) علمنيها جبرئيل (عليه السلام)».

ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن إسحاق، عن الحسن بن حازم الكلبي ابن اخت هشام بن سالم، عن سليمان بن جعفر- و ليس الجعفري- عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروءته و عقله». و ساق الحديث مثل رواية محمد بن يعقوب «5».

و رواه الشيخ في التهذيب «6» مثل رواية محمد بن يعقوب سندا و متنا.

6939/ [16]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً.

قال: «لا يشفع و لا يشفع لهم، و لا يشفعون إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً إلا من أذن له بولاية علي أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام) من بعده، فهو العهد عند الله».

6940/ [17]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله: وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً.

قال: «هذا حيث قالت قريش: إن لله ولدا، و إن الملائكة إناث، فقال الله تبارك و تعالى ردا عليهم:

__________________________________________________

16- تفسير القمي 2: 56.

17- تفسير

القمي 2: 57.

(1) في «ط» زيادة: الملك.

(2) في المصدر: يا إلهي و إله آبائي.

(3) في المصدر: وحشتي.

(4) في «ج، ي»: و خطها. [.....]

(5) من لا يحضره الفقيه 4: 138/ 482، و حديث الكافي (14) المتقدم.

(6) التهذيب 9: 174/ 711.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 737

لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا أي ظلما «1». تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ، يعني مما قالوا و مما رموه «2». وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مما قالوا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً فقال الله تبارك و تعالى: وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً واحدا واحدا».

6941/ [18]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا، قال: «ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) هي الود الذي قال الله تعالى».

6942/ [19]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن، عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا؟ قال: «ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) هي الود الذي ذكره الله».

6943/ [20]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن عون بن سلام، عن بشر بن عمارة الخثعمي، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية في

علي (عليه السلام): إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا، قال: محبة في قلوب المؤمنين.

6944/ [21]- و عنه، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمد بن زكريا، عن يعقوب بن جعفر بن سليمان، عن علي بن عبد الله بن العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا، قال: «نزلت في علي (عليه السلام)، فما من مؤمن إلا و في قلبه حب لعلي (عليه السلام)».

6945/ [22]- علي بن إبراهيم، قال: قال الصادق (عليه السلام): «كان سبب نزول هذه الآية، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان جالسا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال له: قل- يا علي- اللهم اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا، فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا».

6946/ [23]- الطبرسي، قال: و في تفسير أبي حمزة الثمالي، حدثني أبو جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: «قال

__________________________________________________

18- الكافي 1: 357/ 90.

19- تفسير القمّي 2: 57.

20- تأويل الآيات 1: 308/ 17، النور المشتعل: 129/ 34، شواهد التنزيل 1: 364/ 500 و 501، مجمع الزوائد 9: 125، الدر المنثور 5: 544.

21- تأويل الآيات 1: 309/ 18، النور المشتعل 132/ 26.

22- تفسير القمّي 2: 56، و نحوه في شواهد التنزيل 1: 360/ 490 و الكشاف 3: 47 و العمدة: 289/ 472 و تذكرة الخواص: 17، و تفسير القرطبي 11: 161، و فرائد السمطين 1: 80/ 51، و تفسير النيشابوري بهامش تفسير الطبري 16: 74، و الدر المنثور 5: 544.

23- مجمع البيان 6: 822.

(1) في نسخة من «ط»: عظيما.

(2) في المصدر: موهوا به.

البرهان

في تفسير القرآن، ج 3، ص: 738

رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): قال: اللهم اجعل لي عندك عهدا، و اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا [فقالها علي (عليه السلام)]، فنزلت هذه الآية».

و روى نحوه جابر بن عبد الله «1».

6947/ [24]- شرف الدين النجفي: قال علي بن إبراهيم: روى فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال: «آمنوا بأمير المؤمنين (عليه السلام)، و عملوا الصالحات بعد المعرفة».

6948/ [25]- السيد الرضي في (الخصائص): بإسناده مرفوعا إلى عبد الله بن العباس (رحمه الله)، قال: نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قال: محبة في قلوب المؤمنين.

6949/ [26]- ابن شهر آشوب قال: قال أبو روق: عن الضحاك و شعبة، عن الحكم، عن عكرمة و الأعمش، عن سعيد بن جبير، و العزيزي السجستاني في (غريب القرآن) عن ابن عمر «2»، كلهم، عن ابن عباس، أنه سئل عن قوله تعالى: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا فقال: نزلت في علي (عليه السلام)، لأنه ما من مسلم إلا و لعلي (عليه السلام) في قلبه محبة.

6950/ [27]- أبو نعيم الأصفهاني و أبو المفضل الشيباني و ابن بطة العكبري، بالإسناد عن محمد بن الحنفية، و عن الباقر (عليه السلام)- في خبر- قال: «لا تلقى مؤمنا إلا و في قلبه ود لعلي بن أبي طالب و لأهل بيته (عليهم السلام)».

6951/ [28]- زيد بن علي: إن عليا (عليه السلام) أخبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه قال له رجل: إني أحبك

في الله تعالى. فقال: «لعلك- يا علي- اصطنعت له معروفا؟» قال: «لا- و الله- ما اصطنعت له معروفا». فقال: «الحمد لله الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودة» فنزلت هذه الآيات.

و روي هذا الحديث من طريق المخالفين عن زيد بن علي أيضا «3».

6952/ [29]- ابن الفارسي في (الروضة): قال الباقر (عليه السلام): مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها،

__________________________________________________

24- تأويل الآيات 1: 308/ 16.

25- خصائص الأئمة: 71.

26- المناقب 3: 93، فرائد السمطين 1: 80/ 50.

27- المناقب 3: 93، النور المشتعل: 132/ 36، شواهد التنزيل 1: 366/ 505 و 508، ذخائر العقبى: 89، الرياض النضرة 3: 179، الصواعق المحرقة: 172. [.....]

28- المناقب 3: 93.

29- روضة الواعظين: 106.

(1) في المصدر زيادة: الأنصاري.

(2) في المصدر: عن أبي عمرو.

(3) المناقب للخوارزمي: 197.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 739

وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ «1»: «الحسنة: «ولاية علي (عليه السلام) و حبه، و السيئة: عداوته و بغضه، و لا يرفع معهما عمل.

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا هو علي فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ قال: هو علي وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا، قال: بني امية قوما ظلمة».

6953/ [30]- و من طريق المخالفين ما رواه موفق بن أحمد في كتاب (فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): قال: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).

6954/ [31]- ثم قال: و روى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «لقيني رجل، فقال لي: يا أبا الحسن، أما- و الله-

إني أحبك في الله، فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأخبرته بقول الرجل».

و ذكر الحديث إلى آخره و قد تقدم «2».

و روى غيره من المخالفين هذين الحديثين «3».

6955/ [32]- ابن المغازلي في (مناقبه): يرفعه إلى البراء بن عازب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): «يا علي، قال: اللهم اجعل لي عندك عهدا، و اجعل لي عندك ودا، و اجعل لي في صدور المؤمنين مودة» فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا. نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام).

و عن الحبري، عن ابن عباس، أنها نزلت في علي (عليه السلام) خاصة «4».

6956/ [33]- ابن المغازلي في (المناقب): يرفعه إلى ابن عباس، قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيدي، و أخذ بيد علي، فصلى أربع ركعات، ثم رفع يده إلى السماء، فقال: «اللهم سألك موسى بن عمران، و أنا محمد أسألك أن تشرح لي صدري، و تيسر لي أمري، و تحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، و اجعل لي وزيرا من أهلي عليا، اشدد به أزري، و أشركه في أمري».

__________________________________________________

30- المناقب: 197.

31- المناقب: 197.

32- المناقب: 327/ 374.

33- المناقب: 328/ 375.

(1) النمل 27: 90.

(2) تقدّم في الحديث (28) من تفسير هذه الآيات.

(3) انظر تفسير الحبري: 289 نحوه، شواهد التنزيل 1: 364/ 501، فرائد السمطين 1: 80/ 50.

(4) تفسير الحبري 289/ 43.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 740

قال ابن عباس: فسمعت مناديا ينادي: يا أحمد، قد أعطيت ما سألت، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «يا أبا الحسن، ارفع يديك إلى السماء و ادع ربك، و اسأله يعطك» فرفع علي (عليه

السلام) يده إلى السماء، و هو يقول: «اللهم اجعل لي عندك عهدا، و اجعل لي عندك ودا» فأنزل الله تعالى على نبيه إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا، فتلاها النبي (صلى الله عليه و آله) على أصحابه، فعجبوا من ذلك عجبا شديدا، فقال النبي (صلى الله عليه و آله) مم تعجبون؟! إن القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة، و ربع حلال، و ربع حرام، و ربع فضائل «1» و أحكام، و الله أنزل فينا «2» كرائم القرآن».

6957/ [34]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا؟

قال: «إنما يسره الله على لسانه (صلى الله عليه و آله) حين أقام أمير المؤمنين (عليه السلام) علما، فبشر به المؤمنين، و أنذر به الكافرين، و هم الذين ذكرهم الله في كتابه لُدًّا، أي كفارا».

6958/ [35]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: قوله: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا؟

قال: «إنما يسره الله على لسان نبيه (صلى الله عليه و آله) حين «3» أقام أمير المؤمنين (عليه السلام) علما، فبشر به المؤمنين، و أنذر به الكافرين، و هم القوم الذين ذكرهم الله: قَوْماً لُدًّا أي كفارا».

قلت قوله: وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ

تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً؟

قال: «أهلك الله من الأمم مالا يحصون، فقال: يا محمد هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً أي ذكرا».

__________________________________________________

34- الكافي 1: 358/ 90. [.....]

35- تفسير القمّي 2: 57.

(1) في المصدر: خاصّة، و ربع في أعدائنا، و ربع حلال و حرام، و ربع فرائض.

(2) في المصدر: في علي.

(3) في المصدر: حتّى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 741

المستدرك (سورة مريم) ..... ص : 741

سورة مريم(19): آية 11 ..... ص : 741

قوله تعالى:

فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا [11]

[1]- (تفسير النعماني) بإسناده: عن الصادق (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سألوه عن معنى الوحي، فقال: منه وحي النبوة، و منه وحي الإلهام، و منه وحي الإشارة- و ساقه إلى أن قال- و أما وحي الإشارة فقوله عز و جل فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا أي أشار إليهم، لقوله تعالى: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً «1»».

سورة مريم(19): آية 55 ..... ص : 741

قوله تعالى:

وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ وَ كانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [55]

[2]- (دعائم الإسلام): عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لما نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً «2»، قال الناس: يا رسول الله، كيف نقى أنفسنا و أهلينا؟ قال: اعملوا الخير، و ذكروا به

__________________________________________________

1- المحكم و المتشابه: 16.

2- دعائم الإسلام 1: 82.

(1) آل عمران 3 و 41.

(2) التحريم 66: 6.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 742

أهليكم فأدبوهم على طاعة الله».

ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ألا ترى أن الله يقول لنبيه (صلى الله عليه و آله): وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها «1» و قال: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ وَ كانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا».

__________________________________________________

(1) طه 20: 132.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 743

سورة طه ..... ص : 743

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 745

سورة طه فضلها ..... ص : 745

6959/ [1]- ابن بابويه: بإسناده المتقدم في سورة الكهف، عن الحسن، عن صباح الحذاء، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا تدعوا قراءة سورة طه، فإن الله يحبها و يحب من يقرأها، و من أدمن قراءتها أعطاه الله يوم القيامة كتابه بيمينه، و لم يحاسبه بما عمل في الإسلام، و اعطي في الآخرة من الأجر حتى يرضى»

6960/ [2]- و من (خواص القرآن): عن النبي (صلى الله عليه و آله)، أنه قال: «من قرأ هذه السورة اعطي يوم القيامة مثل ثواب المهاجرين و الأنصار، و من كتبها و جعلها في خرقة حرير خضراء، و قصد إلى قوم يريد التزويج، لم يرد و قضيت حاجته، و إن مشى بين عسكرين يقتتلان افترقوا و لم يقاتل أحد منهم الآخر، و إن دخل على سلطان كفاه الله شره، و قضى له جميع حوائجه، و كان عنده جليل القدر» «1».

6961/ [3]- و عن الصادق (عليه السلام)، قال: «من كتبها و جعلها في خرقة حرير خضراء، و راح إلى قوم يريد التزويج منهم، تم له ذلك و وقع، و إن قصد في إصلاح قوم تم له ذلك، و لم يخالفه أحد منهم، و إن مشى بين عسكرين افترقا و لم يقاتل بعضهم بعضا، و إذا شرب ماءها المظلوم من السلطان، و دخل على من ظلمه من أي السلاطين، زال عنه ظلمه بقدرة الله تعالى، و خرج من عنده مسرورا، و إذا اغتسلت بمائها من لا طالب لعرسها خطبت، و سهل عرسها بإذن الله تعالى».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 108.

2- خواصّ القرآن: 4 «قطعة منه».

3- خواصّ القرآن: 4: «قطعة منه».

(1) في نسخة

من «ط»: و إذا اغتسلت بمائها أنثى طالت عزوبتها، تزوّجت سريعا، و سهل اللّه تعالى عليها ذلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 747

سورة طه(20): الآيات 1 الي 3 ..... ص : 747

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى [1- 3]

6962/ [1]- سعد بن عبد الله: عن إبراهيم بن هاشم، عن عثمان بن عيسى، عن حماد الطنافسي، عن الكلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال لي: «يا كلبي، كم لمحمد (صلى الله عليه و آله) من اسم في القرآن؟» فقلت: اسمان أو ثلاثة.

فقال: «يا كلبي، له عشرة «1» أسماء وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ «2» و قوله: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ «3»، و لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً «4»، و طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ، و يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «5»، و ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ «6»، و يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ «7»، و يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «8»، و قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً «9»، قال: «الذكر: اسم

__________________________________________________

1- مختصر بصائر الدرجات: 67. [.....]

(1) و المذكور في هذه الرواية تسعة أسماء.

(2) آل عمران 3: 144.

(3) الصفّ 61: 6.

(4) الجنّ 72: 19.

(5) يس 36: 1- 4.

(6) القلم 68: 1 و 2.

(7) المدّثّر 74: 1.

(8) المزمّل 73: 1.

(9) الطلاق 65: 10.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 748

من أسماء محمد (صلى الله عليه و آله)، و نحن أهل الذكر، فاسأل- يا كلبي- عما بدا لك». قال: نسيت- و الله- القرآن كله، فما حفظت منه

حرفا أسأله عنه.

6963/ [2]- ابن بابويه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني، فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق، قال: حدثنا معاذ بن المثنى العنبري، قال: حدثنا عبد الله بن أسماء، قال: حدثنا جويرية، عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما معنى قول الله عز و جل: طه؟

قال: «طه: اسم من أسماء النبي (صلى الله عليه و آله)، و معناه: يا طالب الحق الهادي إليه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى بل لتسعد به».

6964/ [3]- و من طريق المخالفين، (تفسير الثعلبي) في قوله تعالى: طه.

قال:

قال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «طهارة أهل بيت محمد (صلى الله عليه و آله)- ثم قرأ-: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» «1».

6965/ [4]- محمد بن يعقوب: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند عائشة ليلتها، فقالت: يا رسول الله، لم تتعب نفسك، و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ فقال: يا عائشة، أ فلا أكون عبدا شكورا؟» قال: «و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقوم على أطراف أصابع رجليه، فأنزل الله سبحانه تعالى: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ».

6966/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله و أبي جعفر (عليهما السلام)،

قالا: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورمت، فأنزل الله تبارك و تعالى: طه بلغة طيئ، يا محمد ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ».

6967/ [6]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، و قد سأله بعض اليهود، قال له اليهودي:

فإن هذا داود (عليه السلام)، بكى على خطيئته حتى سارت الجبال معه لخوفه.

قال له علي (عليه السلام): «لقد كان كذلك، و محمد (صلى الله عليه و آله) اعطي ما هو أفضل من هذا، إنه كان إذا قام إلى

__________________________________________________

2- معاني الأخبار: 22/ 1.

3- تفسير الثعلبي: 75 «مخطوط»، العمدة: 38/ 19، خصائص الوحي المبين: 76/ 46.

4- الكافي 2: 77/ 6.

5- تفسير القمّي 2: 57.

6- الاحتجاج: 219. [.....]

(1) الأحزاب 33: 33.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 749

الصلاة، سمع لصدره «1» أزير كأزير المرجل على الأثافي «2» من شدة البكاء، و قد آمنه الله عز و جل من عقابه، فأراد أن يتخشع لربه ببكائه، و يكون إماما لمن اقتدى به، و لقد قام (صلى الله عليه و آله) عشر سنين على أطراف أصابعه، حتى تورمت قدماه، و اصفر وجهه، يقوم الليل أجمع، حتى عوتب في ذلك، فقال الله عز و جل: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى بل لتسعد به، و لقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله، أليس الله عز و جل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ قال: بلى، أ فلا أكون عبدا شكورا؟».

6968/ [7]- الطبرسي: روي أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه، فأنزل الله تعالى: طه ما

أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فوضعها، قال: و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام).

6969/ [8]- الشيخ في (أماليه): عن الحفار، قال: حدثنا علي بن أحمد الحلواني، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم المقري، قال: حدثنا الفضل بن حباب الجمحي، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن أبان، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، قال: كنا جلوسا مع النبي (صلى الله عليه و آله)، إذ هبط عليه الأمين جبرئيل (عليه السلام)، و معه جام «3» من البلور الأحمر مملوءة مسكا و عنبرا، و كان إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه و آله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) و ولداه الحسن و الحسين (عليهما السلام)، فقال له، السلام عليك، الله يقرأ عليك السلام، و يحييك بهذه التحية، و يأمرك أن تحيي بها عليا و ولديه، قال ابن عباس: فلما صارت في كف رسول الله (صلى الله عليه و آله) هلل ثلاثا و كبر ثلاثا، ثم قالت بلسان ذرب طلق- يعني الجام-: بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فاشتمها النبي (صلى الله عليه و آله)، و حيى بها عليا (عليه السلام)، فلما صارت في كف علي (عليه السلام)، قالت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ «4» فاشتمها علي (صلوات الله عليه)، و حيى بها الحسن (عليه السلام)، فلما صارت في كف الحسن (عليه السلام)، قالت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ «5» فاشتمها الحسن (عليه السلام) و حيى بها الحسين (عليه السلام)، فلما صارت في كف

الحسين (عليه السلام)، قالت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ «6» ثم ردت إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، فقالت:

__________________________________________________

7- مجمع البيان 7: 4.

8- الأمالي 1: 366.

(1) في «ط» نسخة بدل: لصوته. و زاد في «ط»: و جوفه.

(2) الأثافي: واحدتها اثفية، و هي الحجر يوضع عليه القدر. «أقرب الموارد- ألف- 1: 4».

(3) الجام: إناء للشراب و الطعام من فضة أو نحوها، و هي مؤنثة. «المعجم الوسيط- 1: 149».

(4) المائدة 5: 55.

(5) النبأ 78: 1- 3.

(6) الشورى 42: 23.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 750

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «1».

قال ابن عباس: فلا أدري، إلى السماء صعدت، أم في الأرض توارت بقدرة الله عز و جل.

سورة طه(20): آية 5 ..... ص : 750

قوله تعالى:

الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [5]

6970/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، و محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل عن قول الله عز و جل: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى . فقال: «استوى على كل شي ء، فليس شي ء أقرب إليه من شي ء».

و رواه ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن بعض رجاله، رفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله «2».

6971/ [2]- و عنه، بهذا الإسناد: عن سهل، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد: أن أبا عبد الله (عليه السلام) سئل عن قول الله عز و جل:

الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال: «استوى على «3» كل شي ء، فليس أقرب إليه من شي ء».

و رواه علي بن إبراهيم: عن محمد بن أبي عبد الله، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام)، و ذكر مثله «4».

و رواه ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد: أن أبا عبد الله (عليه السلام)، و ذكر مثله «5».

6972/ [3]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال:

«استوى في كل شي ء، فليس شي ء أقرب إليه من شي ء، لم يبعد منه بعيد و لم يقرب منه قريب، استوى في كل

__________________________________________________

1- الكافي 1: 99/ 6.

2- الكافي 1: 99/ 7.

3- الكافي 1: 99/ 8.

(1) النور 24: 35.

(2) التوحيد: 316/ 4. [.....]

(3) في «ط، ج»: من.

(4) تفسير القمّي 2: 59.

(5) التوحيد: 315/ 1.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 751

شي ء».

و رواه ابن بابويه عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) مثله «1».

6973/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من زعم

أن الله من شي ء، أو في شي ء، أو على شي ء، فقد كفر».

قلت فسر لي. قال: «أعني بالحواية من الشي ء له، أو بإمساك له، أو من شي ء سبقه».

و

في رواية أخرى: «من زعم أن الله من شي ء فقد جعله محدثا، و من زعم أنه في شي ء فقد جعله محصورا، و من زعم أنه على شي ء فقد جعله محمولا».

و رواه أيضا ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله «2».

6974/ [5]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، رفعه، قال: سأل الجاثليق أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: أخبرني عن الله عز و جل، يحمل العرش أم العرش يحمله؟

فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام): «الله تعالى حامل العرش و السماوات و الأرض، و ما فيهما و ما بينهما، و ذلك قول الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً «3».

قال: فأخبرني عن قوله: وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ «4» فكيف قال ذلك، و قلت: إنه يحمل العرش و السماوات و الأرض؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر منه احمرت الحمرة، و نور أخضر منه اخضرت الخضرة، و نور أصفر منه اصفرت الصفرة، و نور أبيض منه ابيض البياض، و هو العلم الذي حمله الله الحملة، و ذلك نور من عظمته، فبعظمته و نوره أبصر

قلوب المؤمنين، و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون، و بعظمته و نوره ابتغى من في السماوات و الأرض، من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة، و الأديان،

__________________________________________________

4- الكافي 1: 99/ 9.

5- الكافي 1: 100/ 1.

(1) التوحيد: 315/ 2.

(2) التوحيد: 317/ 5، 6.

(3) فاطر 35: 41.

(4) الحاقة 69: 17.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 752

المشتبهة، و كل محمول يحمله الله بنوره و عظمته و قدرته، لا يستطيع لنفسه ضرا و لا نفعا، و لا موتا و لا حياة و لا نشورا فكل شي ء محمول، و الله تبارك و تعالى الممسك لهما أن تزولا، و المحيط بهما «1»، و هو حياة كل شي ء، و نور كل شي ء، سبحانه و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا».

قال له: فأخبرني عن الله عز و جل أين هو؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «هو هاهنا و هاهنا، و فوق و تحت، و محيط بنا و معنا، و هو قوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا «2» فالكرسي محيط بالسماوات و الأرض، و ما بينهما و ما تحت الثرى، و إن تجهر بالقول فإنه يعلم السر و أخفى، و ذلك قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ «3».

فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه، و ليس يخرج عن هذه الأربعة شي ء خلق في ملكوته، و هو الملكوت الذي أراه الله أصفياءه، و أراه خليله (عليه السلام)، فقال: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ «4» و

كيف يحمل حملة العرش الله، و بحياته حييت قلوبهم، و بنوره اهتدوا إلى معرفته؟!».

6975/ [6]- و عنه: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: سألني أبو قرة المحدث، أن ادخله على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فاستأذنته فأذن لي، فدخل فسأله عن الحلال و الحرام، ثم قال له: أفتقر أن الله محمول؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «كل محمول مفعول به، مضاف إلى غيره، محتاج، و المحمول: اسم نقص في اللفظ، و الحامل فاعل، و هو في اللفظ مدحة، و كذلك قول القائل: فوق و تحت، و أعلى و أسفل، و قد قال الله: (و له الأسماء الحسنى فادعوه بها) «5» و لم يقل في كتبه أنه المحمول، بل قال: هو الحامل في البر و البحر، و الممسك للسماوات و الأرض أن تزولا، و المحمول ما سوى الله، و لم يسمع أحد آمن بالله و عظمته قط قال في دعائه:

يا محمول».

قال أبو قرة فإنه قال: وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ «6»، و قال:

__________________________________________________

6- الكافي 1: 101/ 2.

(1) في «ج، ط» و المصدر زيادة: من شي ء.

(2) المجادلة 58: 7.

(3) البقرة 2: 255.

(4) الأنعام 6: 75. [.....]

(5) في الأعراف (7: 180): وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الآية.

(6) الحاقة 69: 17.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 753

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ «1»؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «العرش ليس هو الله، و العرش اسم علم «2»، و قدرة، و عرش فيه كل شي ء، ثم أضاف الحمل إلى غيره، خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه و هم حملة علمه، و خلق يسبحون حول عرشه، و هم يعملون «3» بعلمه، و ملائكة يكتبون أعمال

عباده، و استعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، و الله على العرش استوى كما قال، و العرش و من يحمله و من حول العرش، و الله الحامل لهم، الحافظ لهم، الممسك، القائم على كل نفس، و فوق كل شي ء، و على كل شي ء، و لا يقال: محمول، و لا أسفل، قولا مفردا لا يوصل بشي ء، فيفسد اللفظ و المعنى».

قال أبو قرة: فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه، أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم، فيخرون سجدا، و إذا ذهب الغضب خف، و رجعوا إلى مواقعهم «4»؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «أخبرني عن الله تبارك و تعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه، فمتى رضي، و هو في صفتك لم يزل غضبان عليه، و على أوليائه، و على أتباعه؟ كيف تجتري أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال، و أنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين؟! سبحانه و تعالى، لم يزل مع الزائلين، و لم يتغير مع المتغيرين، و لم يتبدل مع المتبدلين، و من دونه في يده و تدبيره، و كلهم إليه محتاج، و هو غني عمن سواه».

6976/ [7]- و عنه: عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، قال: كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام): جعلني الله فداك يا سيدي، قد روي لنا أن الله في موضع دون موضع على العرش استوى، و أنه ينزل كل ليلة في النصف الآخر من الليل إلى السماء الدنيا، و روي أنه ينزل عشية عرفة، ثم يرجع إلى موضعه فقال بعض مواليك في ذلك: إذا كان في موضع دون موضع،

فقد يلاقيه الهواء و يتكيف «5» عليه، و الهواء جسم رقيق يتكيف على كل شي ء بقدره، فكيف يتكيف عليه جل ثناؤه على هذا المثال؟

فوقع (عليه السلام): «علم ذلك عنده، هو المقدر له بما هو أحسن تقديرا، و اعلم أنه إذا كان في سماء الدنيا فهو كما على العرش، و الأشياء كلها معه «6» سواء، علما و قدرة و ملكا و إحاطة».

__________________________________________________

7- الكافي 1: 98/ 4.

(1) غافر 40: 7.

(2) في «ي»: و عرشه اسم علمه.

(3) في «ط»: يعلمون.

(4) في «ج»: مواقفهم.

(5) في المصدر، و كذا في الموضع الآتي: و يتكنّف. و كنّف الشي ء: أحاط به. «المعجم الوسيط- كنف- 2: 801».

(6) في المصدر: له.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 754

6977/ [8]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه)، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، قال: حدثني مقاتل بن سليمان، قال: سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن قول الله عز و جل: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال: «استوى من كل شي ء، فليس شي ء أقرب إليه من شي ء».

6978/ [9]- و عنه: بهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن حماد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كذب من زعم أن الله عز و جل من شي ء، أو في شي ء، أو على شي ء».

6979/ [10]- و عنه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العرش و الكرسي.

فقال: «إن

للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة، فقوله: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ يقول: رب الملك العظيم، و قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى يقول: على الملك احتوى».

و سيأتي الحديث بطوله- إن شاء الله تعالى- في سورة النمل، عند قوله تعالى: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ «1».

6980/ [11]- الطبرسي في (الاحتجاج): روى هشام بن الحكم، أنه كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد الله (عليه السلام)، قال: ما الدليل على صانع العالم؟

فقال: أبو عبد الله (عليه السلام): «وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعها صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا، و إن كنت لا ترى الباني، و لم تشاهد؟».

قال: فما هو؟

قال: «هو شي ء بخلاف الأشياء، ارجع بقولي شي ء إلى إثباته، و إنه شي ء بحقيقته الشيئية، غير أنه لا جسم و لا صورة، و لا يجس «2»، و لا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، و لا تنقصه الدهور، و لا يغيره الزمان».

قال: السائل: فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا؟

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لو كان ذلك كما تقول، لكان التوحيد منا مرتفعا، بأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم، لكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك بها، تحده الحواس ممثلا فهو مخلوق و لا بد من إثبات كون صانع

__________________________________________________

8- التوحيد: 317/ 7.

9- التوحيد: 317/ 8.

10- التوحيد: 321/ 1.

11- الاحتجاج: 332.

(1) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآية (26) من سورة النّمل. [.....]

(2) في «ط» نسخة بدل: يمسّ.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 755

الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين: إحداهما النفي، إذ كان النفي هو الإبطال و العدم. و الجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب

و التأليف، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين، و الاضطرار منهم إليه أنهم مصنوعون، و أن صانعهم غيرهم و ليس مثلهم، إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب و التأليف، و فيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا، و تنقلهم «1» من صغر إلى كبر، و سواد إلى بياض، و قوة إلى ضعف، و أحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها و وجودها».

قال السائل: فأنت قد حددته إذ أثبت وجوده؟

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لم أحدده، و لكن أثبته إذا لم يكن بين النفي و الإثبات منزلة».

قال السائل: فقوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ؟

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «بذلك وصف نفسه، و كذلك هو مستول على العرش، بائن من خلقه، من غير أن يكون العرش حاملا له، و لا أن العرش حاوله، و لا أن العرش محل له، لكنا نقول: هو حامل العرش، و ممسك للعرش و نقول في ذلك ما قال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ «2»، فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته، و نفينا أن يكون العرش و الكرسي حاويا له، و أن يكون عز و جل محتاجا إلى مكان، أو إلى شي ء مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه».

قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء، و بين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ذلك في علمه و إحاطته و قدرته سواء، لكنه عز و جل أمر أولياءه و عباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن و الأخبار عن الرسول (صلى الله عليه و آله) حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عز

و جل، و هذا تجمع عليه فرق الأمة كلها».

6981/ [12]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن الصادق (عليه السلام)، و قد سأله (عليه السلام) زنديق، فقال: فأخبرني عن الشمس، أين تغيب؟

قال (عليه السلام): «إن بعض العلماء قال: إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا، إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها، يعني أنها تغيب في عين حامية، ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها، فتخر تحت العرش حتى يؤذن لها بالطلوع، و يسلب نورها كل يوم، و تجلل نورا آخر».

قال: فالكرسي أكبر أم العرش؟

قال (عليه السلام): «كل شي ء خلقه الله في جوف الكرسي ما خلا عرشه، فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي» قال: فخلق النهار قبل الليل؟

قال (عليه السلام): «نعم، خلق النهار قبل الليل، و الشمس قبل القمر، و الأرض قبل السماء، و وضع الأرض على

__________________________________________________

12- الاحتجاج: 351.

(1) في «ط» نسخة بدل: و تقلّبهم.

(2) البقرة 2: 255.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 756

الحوت، و الحوت في الماء، و الماء في صخرة مجوفة، و الصخرة على عاتق ملك، و الملك على الثرى، و الثرى على الريح العقيم، و الريح على الهواء، و الهواء تمسكه القدرة، و ليس تحت الريح العقيم، إلا الهواء و الظلمات، و لا وراء ذلك سعة، و لا ضيق، و لا شي ء يتوهم، ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات و الأرض، و الكرسي أكبر من كل شي ء خلق، ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي».

سورة طه(20): آية 6 ..... ص : 756

قوله تعالى:

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى [6]

6982/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن أحمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب،

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الأرض، على أي شي ء و هي؟ قال: «على الحوت». قلت: فالحوت على أي شي ء هو؟ قال: «على الماء». قلت: فالماء، على أي شي ء هو؟ قال: «على الصخرة». قلت: فعلى أي شي ء الصخرة؟ قال: «على قرن ثور أملس». قلت: فعلى أي شي ء الثور؟ قال: «على الثرى». قلت: فعلى أي شي ء الثرى؟

قال: «هيهات، عند ذلك ضل علم العلماء».

و رواه علي بن إبراهيم، عن محمد بن أبي عبد الله، عن سهل، عن الحسن بن محبوب، عن، جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) مثله «1».

6983/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن علي بن مهزيار، عن العلاء المكفوف، عن بعض أصحابه، عن أبا عبد الله (عليه السلام)، قال: سئل عن الأرض، على أي شي ء هي؟ قال: «على الحوت» فقيل له:

فالحوت، على أي شي ء هو؟ قال: «على الماء». فقيل له: فالماء، على أي شي ء ǙȘߠقال: «على الثرى» قيل له:

فالثرى، على أي شي ء هو؟ قال: «عند ذلك انقضى علم العلماء».

سورة طه(20): آية 7 ..... ص : 756

قوله تعالى:

وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى [7]

6984/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه (رحمه الله)، قال: حدثني عمي محمد بن أبي

__________________________________________________

1- الكافي 8: 89/ 55.

2- تفسير القمّي 2: 58.

3- معاني الأخبار: 143/ 1.

(1) تفسير القمّي 2: 59.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 757

القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، قال: حدثني موسى بن سعدان الحناط، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى .

قال:

«السر: ما أكننته «1» في نفسك، و أخفى: ما خطر ببالك ثم أنسيته».

6985/ [1]- الطبرسي: روي عن السيدين الباقر و الصادق (عليهما السلام): «السر: ما أخفيته في نفسك، و أخفى:

ما خطر ببالك ثم أنسيته».

6986/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: السر: ما أخفيته، و أخفى: ما خطر ببالك ثم أنسيته. ثم قص عز و جل قصة موسى، و نكتب خبرها في سورة القصص إن شاء الله تعالى «2».

سورة طه(20): الآيات 10 الي 18 ..... ص : 757

قوله تعالى:

آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ- إلى قوله تعالى- وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى [10- 18]

6987/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ يقول: «آتيكم بقبس من النار تصطلون من البرد». و قوله: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً كان قد أخطأ الطريق، يقول: أو أجد على النار طريقا و قوله: أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي يقول: أخبط بها الشجر لغنمي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى فمن الفرق «3» لم يستطع الكلام، فجمع كلامه فقال: وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى يقول:

حوائج أخرى.

6988/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال الله عز و جل لموسى (عليه السلام): فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ لأنها كانت من جلد حمار ميت».

__________________________________________________

1- مجمع البيان 7: 6.

2- تفسير القمّي 2: 59.

3- تفسير القمّي 2: 60.

4- علل الشرائع: 66/ 1.

(1) في المصدر: كتمته.

(2) يأتي في تفسير الآيات (4- 35) من سورة القصص. [.....]

(3) الفرق: الخوف. «الصحاح- فرق- 4: 1541».

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 758

6989/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن علي بن نصر البخاري المقرئ، قال: حدثنا أبو عبد الله الكوفي الفقيه بفرغانة «1»، بإسناد متصل إلى الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، أنه قال في قوله عز و جل لموسى (عليه السلام):

فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ: «يعني ارفع خوفيك، يعني خوفه من ضياع أهله، و قد خلفها تمخض، و خوفه من فرعون».

6990/ [4]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني، قال: حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله القمي، عن القائم الحجة (عليه السلام)- في حديث طويل يتضمن مسائل كثيرة- قال: قلت: فأخبرني، يا بن رسول الله، عن أمر الله تعالى لنبيه موسى (عليه السلام):

فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة.

فقال (عليه السلام): «من قال ذلك فقد افترى على موسى (عليه السلام)، و استجهله في نبوته، لأنه ما خلا الأمر فيها من خصلتين «2»: إما أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزة، جاز له لبسها في تلك البقعة إذ لم تكن مقدسة، و إن كانت مقدسة مطهرة، فليست بأقدس و أطهر من الصلاة، و إن كانت صلاته غير جائزة فيها، فقد أوجب على موسى (عليه السلام) أنه لم يعرف الحلال من الحرام، و ما علم ما تجوز فيه الصلاة و ما لم تجز، و هذا كفر».

قلت: فأخبرني- يا مولاي- عن التأويل فيها؟

قال: «إن موسى (عليه السلام) ناجى ربه بالوادي المقدس، فقال:

يا رب، إني قد أخلصت لك المحبة مني، و غسلت قلبي عمن سواك- و كان شديد الحب لأهله- فقال الله تبارك و تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي انزع حب أهلك من قبلك إن كانت محبتك لي خالصة، و قلبك من الميل إلى من سواي مغسولا».

6991/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: و قوله: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ قال: كانتا من جلد حمار ميت وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي قال: إذا نسيتها ثم ذكرتها فصلها.

6992/ [6]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، و محمد ابن خالد، جميعا، عن القاسم بن عروة، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى، فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك، كنت من الأخرى في وقت، فابدأ بالتي

__________________________________________________

3- علل الشرائع: 66/ 2.

4- كمال الدين و تمام النعمة: 460.

5- تفسير القمّي 2: 60.

6- الكافي 3: 293/ 4.

(1) فرغانة: مدينة، و كورة واسعة بما وراء النهر، متآخمة لبلاد تركستان، و بينها و بين سمرقند خمسون فرسخا، و يقال: فرغانة قرية من قرى فارس. «معجم البلدان 4: 253».

(2) في «ج» و المصدر: خطيئتين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 759

فاتتك، فإن الله عز و جل يقول: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي. و إن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك، فاتتك التي بعدها، فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلها، ثم أقم الاخرى».

و رواه الشيخ في (التهذيب) بإسناده: عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة، بباقي السند و المتن، إلا أن في آخر الرواية: «و أقم

للأخرى» «1».

6993/ [7]- الطبرسي، قيل: معناه أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة، كنت في وقتها أم لم تكن، عن أكثر المفسرين قال: و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام).

6994/ [8]- قال علي بن إبراهيم، في قوله: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها قال: قال: «من نفسي هكذا نزلت».

قيل: كيف يخفيها من نفسه؟ قال: «جعلها من غير وقت».

6995/ [9]- الطبرسي: عن ابن عباس: أكاد أخفيها من نفسي، فهو كذلك في قراءة أبي، قال: و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام).

6996/ [10]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عبد الله بن محمد، عن منيع بن الحجاج البصري، عن مجاشع، عن معلى، عن محمد بن الفيض، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كانت عصا موسى لآدم، فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسى بن عمران، و إنها لعندنا، و إن عهدي بها آنفا، و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، و إنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا (عليه السلام)، يصنع بها ما كان يصنع بها موسى (عليه السلام)، و إنها لتروع و تلقف ما يأفكون، و تصنع ما تؤمر به، إنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون، يفتح لها شعبتان: إحداهما في الأرض، و الأخرى في السقف، و بينهما أربعون ذراعا، تلقف ما يأفكون بلسانها».

و رواه ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، و ساق السند و المتن «2».

و رواه محمد بن الحسن الصفار في (بصائره) عن سلمة بن الخطاب، و ساق الحديث سندا و متنا «3».

6997/ [11]- محمد بن إبراهيم النعماني، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال:

حدثنا محمد

__________________________________________________

7- مجمع البيان 7: 10.

8- تفسير القمّي 2: 60.

9- مجمع البيان 7: 11.

10- الكافي 1: 180/ 1.

11- الغيبة: 238/ 27.

(1) التهذيب 2: 268/ 1070.

(2) كمال الدين و تمام النعمة: 673/ 27. [.....]

(3) بصائر الدرجات: 203/ 36.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 760

ابن المفضل بن إبراهيم، و سعدان بن إسحاق بن سعيد، و أحمد بن الحسين بن عبد الملك، و محمد بن أحمد بن الحسن القطواني، قالوا جميعا: حدثنا الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «كانت عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة، أتاه به جبرئيل (عليه السلام) لما توجه تلقاء مدين، و هي و تابوت آدم (عليه السلام) في بحيرة طبرية، و لن يبليا و لن يتغيرا حتى يخرجهما القائم (عليه السلام) إذا قام».

6998/ [12]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن علي بن أسباط، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

سمعته يقول: «ألواح موسى (عليه السلام) عندنا، و عصا موسى عندنا، و نحن ورثة النبيين».

6999/ [13]- و عنه: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن أبي الحسين الأسدي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات ليلة بعد عتمة، و هو يقول: همهمة و ليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم، و في يده خاتم سليمان و عصا موسى».

7000/ [14]- محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن أبي الحسين الأسدي، عن أبي بصير، عن

أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «خرج علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات ليلة على أصحابه بعد عتمة و هم فى الرحبة، و هو يقول: همهمة في ليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام و عليه قميص آدم، و في يده خاتم سليمان، و عصا موسى».

7001/ [15]- و عنه: عن محمد بن الحسين، عن ابن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، قال:

قال أبو جعفر (عليه السلام): «ألم تسمع قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) «1»: و الله لتؤتين خاتم سليمان، و الله لتؤتين عصا موسى».

و الروايات في ذلك كثيرة.

7002/ [16]- عمر بن إبراهيم الأوسي، قال: روي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أنه قال: «لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء، وقف جبرئيل في مقامه، و غبت عن تحية كل ملك و كلامه، و صرت بمقام انقطع عني فيه الأصوات، و تساوى عندي الأحياء و الأموات، اضطرب قلبي و تضاعف كربي، فسمعت مناديا ينادي بلغة علي ابن أبي طالب: قف- يا محمد- فإن ربك يصلي. قلت: كيف يصلي، و هو غني عن الصلاة لأحد؟ و كيف بلغ علي هذا المقام؟

__________________________________________________

12- الكافي 1: 180/ 2.

13- الكافي 1: 181/ 4.

14- بصائر الدرجات: 208/ 52.

15- بصائر الدرجات: 207/ 51.

16- ...

(1) في المصدر زيادة: في عليّ (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 761

فقال الله تعالى: اقرأ يا محمد: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ «1» و صلاتي رحمة لك و لامتك، فأما سماعك صوت علي، فإن أخاك موسى بن عمران لما جاء جبل الطور و عاين ما عاين من عظم الأمور، أذهله ما رآه عما

يلقى إليه، فشغلته عن الهيبة بذكر الله أحب الأشياء إليه و هي العصا، إذ قلت له: وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى - و لما كان علي أحب الناس إليك، ناديناك بلغته و كلامه، ليسكن ما بقلبك من الرعب، و لتفهم ما يلقى إليك- قال: وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى بها ألف معجزة»

ليس هذا موضع ذكرها.

7003/ [17]- علي بن إبراهيم: و في رواية أبى الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام): «قوله أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي يقول: أخبط بها الشجر لغنمي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى فمن الفرق لم يستطع الكلام، فجمع كلامه، فقال: وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى يقول: حوائج اخرى».

7004/ [18]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «جاء إبليس (لعنه الله) إلى موسى (عليه السلام) و هو يناجي ربه، فقال له ملك من الملائكة: ويلك، ما ترجو منه و هو على هذه الحالة يناجي ربه؟ فقال له: أرجو منه ما أرجو من أبيه آدم و هو في الجنة».

و الحديث بطوله، تقدم في قوله تعالى: وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا من سورة مريم «2».

سورة طه(20): آية 22 ..... ص : 761

قوله تعالى:

وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى [22]

7005/ [1]- ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن خلف بن حماد، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال الله تبارك و تعالى لموسى (عليه السلام):

أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ «3» قال: «من غير برص».

7006/ [2]- علي بن إبراهيم،

قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن

__________________________________________________

17- تفسير القمّي 2: 60.

18- تفسير القمّي 1: 242.

1- معاني الأخبار: 172/ 1.

2- تفسير القمّي 2: 140.

(1) الأحزاب 33: 43.

(2) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآية (52) من سورة مريم.

(3) النمل 27: 12. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 762

مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كان موسى شديد السمرة، فأخرج يده من جيبه، فأضاءت له الدنيا».

سورة طه(20): الآيات 25 الي 35 ..... ص : 762

قوله تعالى:

قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي- إلى قوله تعالى- إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً [25- 35]

7007/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن الحسن الخثعمي، عن عباد بن يعقوب، عن علي بن هاشم، عن عمر «1» بن حارث، عن عمران بن سليمان، عن حصين «2» التغلبي «3»، عن أسماء بنت عميس، قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) بإزاء ثبير «4»، و هو يقول: «أشرق ثبير أشرق ثبير، اللهم إني أسألك ما سألك أخي موسى، أن تشرح لي صدري، و أن تيسر لي أمري، و أن تحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، و أن تجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي، اشدد به أزري، و أشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، و نذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا».

7008/ [2]- و من طريق المخالفين: ما رواه أبو نعيم الحافظ، بإسناده عن رجاله، عن ابن عباس، قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) و بيدي و نحن بمكة و صلى أربع ركعات، ثم رفع يديه إلى السماء، و قال: «اللهم، إن نبيك موسى بن عمران سألك،

فقال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي الآية، و أنا محمد نبيك أسألك، رب اشرح لي صدري، و يسر لي أمري، و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، و اجعل لي وزيرا من أهلي، عليا أخي، اشدد به أزري، و أشركه في أمري».

قال ابن عباس: فسمعت مناديا ينادي: يا أحمد، قد أوتيت ما سألت.

سورة طه(20): آية 39 ..... ص : 762

قوله تعالى:

وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [39]

7009/ [3]- العياشي: عن المفضل، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله: فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى «5».

__________________________________________________

1- تأويل الآيات 1: 310/ 2، شواهد التنزيل 1: 369/ 511- 513، ترجمة الإمام عليّ (عليه السّلام) من تاريخ ابن عساكر 1: 120/ 147.

2- النور المشتعل: 138/ 37.

3- تفسير العيّاشي 1: 37/ 65.

(1) في المصدر: عمرو.

(2) في «ط» نسخة بدل: حفص.

(3) في «ج، ط»: الثعلبي.

(4) ثبير: جبل بمكّة. «الصحاح- ثبر- 2: 604».

(5) الأنعام 6: 95.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 763

قال: «الحب: المؤمن، و ذلك قوله تعالى وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي و النوى هو الكافر الذي نأى عن الحق، فلم يقبله».

سورة طه(20): الآيات 40 الي 42 ..... ص : 763

قوله تعالى:

وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً- إلى قوله تعالى- وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي [40- 42] 7010/ [1]- علي بن إبراهيم: وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً أي اختبرناك اختبارا، قوله تعالى: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ يعني عند شعيب، و قوله تعالى: وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أي اخترتك، و قوله: اذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي أي لا تضعفا.

سورة طه(20): الآيات 43 الي 44 ..... ص : 763

قوله تعالى:

اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [43 و 44]

7011/ [2]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة ابن صدقة، قال: حدثني شيخ من ولد عدي بن حاتم، عن أبيه، عن جده عدي بن حاتم، و كان مع علي (عليه السلام) في حروبه، أن عليا (عليه السلام) قال يوم التقى هو و معاوية بصفين، و رفع بها صوته يسمع أصحابه: «و الله، لأقتلن معاوية و أصحابه»، ثم قال في آخر قوله: «إن شاء الله تعالى» خفض بها صوته، و كنت قريبا منه. فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك حلفت على ما قلت ثم استثنيت، فما أردت بذلك؟

فقال: «إن الحرب خدعة، و أنا عند المؤمنين غير كذوب، فأردت أن أحرض أصحابي عليهم، لئلا يفشلوا و لكي يطمعوا فيهم، فافهم فإنك تنتفع بها بعد اليوم إن شاء الله، و اعلم أن الله عز و جل قال لموسى (عليه السلام)، حين أرسله إلى فرعون: فأتياه فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و قد علم أنه لا يتذكر و لا يخشى، و لكن ليكون ذلك أحرص لموسى (عليه السلام) على الذهاب».

و رواه الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، و ساق الحديث

إلى آخره، و فيه بعض التغيير

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 60.

2- التهذيب 6: 163/ 299.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 764

اليسير «1».

و رواه أيضا علي بن إبراهيم: عن هارون بن مسلم بباقي السند و المتن «2».

7012/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري (رضي الله عنه)، عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان، قال: حدثنا الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، قال: قلت لموسى بن جعفر (عليه السلام): أخبرني عن قول الله عز و جل لموسى و هارون (عليهما السلام): اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى .

فقال: «أما قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً أي كنياه، و قولا له: يا أبا مصعب، و كان اسم فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب. و أما قوله تعالى: يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فإنما قال، ليكون أحرص لموسى على الذهاب، و قد علم الله عز و جل أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى إلا عند رؤية البأس، ألا تسمع الله عز و جل يقول: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ «3» فلم يقبل الله إيمانه، و قال: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ «4»».

7013/ [3]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن سفيان بن سعيد، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)- و كان و الله صادقا كما سمي- يقول: «يا

سفيان، عليك بالتقية، فإنها سنة إبراهيم الخليل (عليه السلام)، و إن الله عز و جل قال لموسى و هارون (عليهما السلام): اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى يقول الله عز و جل: كنياه، و قولا له: يا أبا مصعب».

إلى أن قال: قال: سفيان: فقلت له: يا بن رسول الله، هل يجوز أن يطمع الله عز و جل عباده في كون ما لا يكون؟ قال: «لا».

فقلت: فكيف قال الله عز و جل لموسى و هارون (عليهما السلام): لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و قد علم أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى.

فقال: «إن فرعون قد تذكر و خشي، و لكن عند رؤية البأس، حيث لم ينفعه الإيمان، ألا تسمع الله عز و جل يقول: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ «5»، فلم

__________________________________________________

2- علل الشرائع: 67/ 1.

3- معاني الأخبار: 385/ 20.

(1) الكافي 7: 460/ 1.

(2) تفسير القمّي 2: 60. [.....]

(3) يونس 10: 90.

(4) يونس 10: 91.

(5) يونس 10: 90.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 765

يقبل الله عز و جل إيمانه، و قال: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً «1»، يقول: نلقيك على نجوة «2» من الأرض، لتكون لمن بعدك علامة و عبرة».

سورة طه(20): آية 50 ..... ص : 765

قوله تعالى:

قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [50]

7014/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن إبراهيم بن ميمون، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

عن قول الله عز و جل:

أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى قال: «ليس [شي ء] من خلق الله إلا و هو يعرف من شكله الذكر من الأنثى».

قلت: ما معنى ثُمَّ هَدى ؟ قال: هداه للنكاح، و السفاح من شكله».

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- خبر قصة فرعون و موسى و هارون، في حديثين عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)، في سورة الشعراء «3» و سورة القصص «4».

سورة طه(20): آية 54 ..... ص : 765

قوله تعالى:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى [54]

7015/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى قال: «نحن- و الله- اولوا النهى».

فقلت: جعلت فداك، و ما معنى اولي النهى؟ قال: «ما أخبر الله به رسوله (صلى الله عليه و آله) مما يكون من بعده، من ادعاء أبي فلان الخلافة و القيام بها، و الآخر من بعده، و الثالث من بعدهما، و بني امية، فأخبر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فكان ذلك كما أخبر الله به نبيه (صلى الله عليه و آله)، و كما أخبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام)،

__________________________________________________

1- الكافي 5: 567/ 49.

2- تفسير القمّي 2: 61.

(1) يونس 10: 91 و 92.

(2) النّجوة: المرتفع من الأرض. «المعجم الوسيط 2: 905».

(3) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآيات (10- 63) من سورة الشعراء.

(4) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآيات (7- 13) من سورة القصص.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 766

و كما انتهى إلينا من علي (عليه السلام)، فيما يكون من بعده من الملك، في

بني امية و غيرهم، فهذه الآية التي ذكرها الله تعالى في الكتاب إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى الذي انتهى إلينا علم ذلك كله، فصبرنا لأمر الله، فنحن قوام الله على خلقه، و خزانه على دينه، نخزنه و نستره، و نكتم به من عدونا، كما كتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى أذن الله له في الهجرة، و جاهد المشركين، فنحن على منهاج رسول الله (صلى الله عليه و آله)، حتى يأذن الله لنا في إظهار دينه بالسيف، و ندعو الناس إليه، فنضربهم «1» عليه عودا، كما ضربهم «2» رسول الله (صلى الله عليه و آله) بدءا».

و رواه محمد بن العباس: عن أحمد بن إدريس، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن عمار بن مروان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى و ساق الحديث إلى آخره «3».

و رواه سعد بن عبد الله القمي: عن علي بن إسماعيل بن عيسى، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن عمار بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى قال: «نحن- و الله اولي النهى» و ساق الحديث إلى آخره «4».

7016/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى . قال:

«هم الأئمة من آل محمد (عليهم

السلام)، و ما كان في القرآن مثلها».

7017/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير و فضالة، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى ، قال: «نحن اولوا النهى».

سورة طه(20): آية 55 ..... ص : 766

قوله تعالى:

مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [55]

7018/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد بن عبد الله، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «دخل عبد الله بن قيس الماصر على أبي جعفر (عليه السلام)-

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 320/ 19.

3- تفسير القمّي 2: 66.

1- الكافي 3: 161/ 1.

(1) في «ط، ج، ي»: فنصيّرهم.

(2) في «ط، ج، ي»: صيّرهم. [.....]

(3) تأويل الآيات 1: 314/ 7.

(4) مختصر بصائر الدرجات: 66.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 767

الحديث، و فيه- إن الله تعالى خلق خلاقين «1»، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال الله في كتابه: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى ، فعجنوا النطفة بتلك التربة التي يخلق منها، بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة، فإذا تمت لها أربعة أشهر، قالوا: يا رب، نخلق ماذا؟ فيأمرهم بما يريد، من ذكر أو أنثى، أبيض أو أسود، فإذا خرجت الروح من البدن، خرجت هذه النطفة بعينها منه، كائنا ما كان، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة».

7019/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثني الحسين بن أحمد (رحمه الله)، عن أبيه، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن حماد، قال: سألت

أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الميت، لم يغسل غسل الجنابة؟

قال: «إن الله تبارك و تعالى أعلى و أخلص من أن يبعث الأشياء بيده، إن لله تبارك و تعالى ملكين خلاقين، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر أولئك الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله عز و جل في كتابه: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى ، فعجنوها بالنطفة المسكنة في الرحم، فإذا عجنت النطفة بالتربة، قالا: يا رب، ما نخلق؟- قال-: فيوحي الله تبارك و تعالى إليهما ما يريد، ذكرا أو أنثى، مؤمنا أو كافرا، أسود أو أبيض، شقيا أو سعيدا، فإذا مات سالت عنه تلك النطفة بعينها، لا غيرها، فمن ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة».

سورة طه(20): آية 61 ..... ص : 767

قوله تعالى:

فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ [61] 7020/ [2]- علي بن إبراهيم: أي يصيبكم «2».

سورة طه(20): الآيات 67 الي 68 ..... ص : 767

قوله تعالى:

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى [67 و 68]

7021/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن جعفر

__________________________________________________

1- علل الشرائع: 300/ 5.

2- تفسير القمّي (الطبعة الحجرية): 268.

3- الأمالي 521/ 2.

(1) خلّاقين: أي ملائكة خلاقين، و الخلق بمعنى التقدير. «مرآة العقول 13: 345».

(2) في «ط» نسخة بدل: يفنيكم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 768

الأسدي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد الشامي، قال: حدثنا إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن موسى، بن عمران (عليه السلام)، لما رأى حبالهم و عصيهم، كيف أوجس في نفسه خيفة، و لم يوجسها إبراهيم (عليه السلام) حين وضع في المنجنيق و قذف به على النار؟

فقال (عليه السلام): «إن إبراهيم (عليه السلام) حين وضع في المنجنيق، كان مستندا إلى ما في صلبه من أنوار حجج الله عز و جل، و لم يكن موسى (عليه السلام) كذلك، فلذلك أوجس في نفسه خيفة، و لم يوجسها إبراهيم (عليه السلام)».

7022/ [2]- و عنه: عن محمد بن علي ما جيلويه، قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن هلال، عن الفضل بن دكين، عن معمر بن راشد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أتى يهودي إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، فقام بين يديه يحد النظر إليه. فقال النبي (صلى الله عليه و آله): يا يهودي، ما حاجتك؟ قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله، و أنزل عليه التوراة

و العصا، و فلق له البحر، و أظله بالغمام؟

فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه، و لكني أقول: إن آدم (عليه السلام) لما أصاب الخطيئة، كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما غفرتها لي فغفرها له، و إن نوحا (عليه السلام) لما ركب السفينة، و خاف الغرق، و قال: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما أنجيتني من الغرق، فأنجاه الله منه، و إن إبراهيم (عليه السلام) لما ألقي في النار، قال: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما أنجيتني منها فجعلها الله عليه بردا و سلاما، و إن موسى (عليه السلام) لما ألقى عصاه، و أوجس في نفسه خيفة، قال: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما آمنتني فقال الله جل جلاله: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى .

يا يهودي، إن موسى (عليه السلام) لو أدركني، ثم لم يؤمن بي و بنبوتي، ما نفعه إيمانه «1» شيئا و لا نفعته النبوة، يا يهودي، و من ذريتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته، فقدمه و صلى خلفه».

سورة طه(20): آية 81 ..... ص : 768

قوله تعالى:

وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى [81]

7023/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن محمد بن عيسى، عن المشرقي حمزة بن المرتفع، عن بعض أصحابنا، قال: كنت في مجلس أبي جعفر (عليه السلام)، إذ دخل عليه عمرو بن عبيد، فقال له: جعلت فداك، قول الله تبارك و تعالى: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ما ذلك الغضب؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «هو العقاب يا عمرو، إنه من زعم أن

الله قد زال من شي ء إلى شي ء، فقد وصفه

__________________________________________________

2- الأمالي: 181/ 4.

1- الكافي 1: 86/ 5.

(1) في «ي، ط»: ما قبل اللّه منه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 769

بصفة مخلوق، و إن الله عز و جل لا يستفزه شي ء فيغيره».

ابن بابويه، رواه في كتاب (التوحيد) قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن المشرقي، عن حمزة بن الربيع، عمن ذكره، قال: كنت في مجلس أبي جعفر (عليه السلام)، و ذكر مثله بتغيير لا يضر بالمعنى «1».

و رواه أيضا في (معاني الأخبار) بهذا الإسناد، إلا أن فيه: عن المشرقي حمزة بن الربيع، و في آخر الحديث:

و لا يغيره «2»- بالواو- كما هو في كتاب (التوحيد) «3».

7024/ [2]- المفيد في (إرشاده) قال: روى العلماء أن عمرو بن عبيد وفد على محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ليمتحنه بالسؤال، فقال له: جعلت فداك، ما معنى قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما «4»، ما هذا الرتق و الفتق؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «كانت السماء رتقا لا تنزل المطر «5»، و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات». فانقطع عمرو و لم يجد اعتراضا، و مضى ثم عاد إليه، فقال له: أخبرني- جعلت فداك- عن قوله عز و جل: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ما غضب الله؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «غضب الله عقابه- يا عمرو- و من ظن أن الله يغيره شي ء فقد كفر».

سورة طه(20): آية 82 ..... ص : 769

قوله تعالى:

وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى [82]

7025/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي

بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، جميعا، عن أبي جميلة، عن خالد بن عمار، عن سدير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) و هو داخل و أنا خارج، و أخذ بيدي، ثم استقبل البيت، فقال: «يا سدير، إنما امر الناس أن يأتوا هذه الأحجار، فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا، و هو قول الله تعالى: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى - ثم أومأ بيده إلى صدره- إلى ولايتنا».

__________________________________________________

2- الإرشاد: 265.

1- الكافي 1: 323/ 3.

(1) التوحيد: 168/ 1.

(2) في المصدر: و لا يعزّه شي ء. [.....]

(3) معاني الأخبار: 18/ 1.

(4) الأنبياء 21: 30.

(5) في المصدر: القطر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 770

ثم قال: «يا سدير، فأريك الصادين عن دين الله» ثم نظر إلى أبي حنيفة و سفيان الثوري في ذلك الزمان، و هم حلق في المسجد، فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله، و لا كتاب منير، إن هؤلاء الأخابيث لو جلسوا في بيوتهم، فجال الناس، فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك و تعالى، و عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، حتى يأتونا، فنخبرهم عن الله تبارك و تعالى، و عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

7026/ [2]- محمد بن الحسن الصفار: عن محمد بن عيسى، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى .

قال: «من تاب من ظلم، و آمن من كفر، و

عمل صالحا، ثم اهتدى إلى ولايتنا» و أومأ بيده إلى صدره.

7027/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، قال: حدثنا سهل بن المرزبان «1» الفارسي، قال:

حدثنا محمد بن منصور، عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن الفيض بن المختار، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد ابن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: «خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذات يوم و هو راكب، و خرج علي (عليه السلام) و هو يمشي، فقال له: يا أبا الحسن، إما أن تركب، و إما أن تنصرف- و ذكر الحديث إلى أن قال فيه- و الله يا علي، ما خلقت إلا لتعبد «2» ربك، و لتعرف «3» بك معالم الدين، و يصلح بك دارس السبيل، و لقد ضل من ضل عنك، و لن يهتدي إلى الله عز و جل من لم يهتد إليك و إلى ولايتك، و هو قول ربي عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى يعني إلى ولايتك».

و قد ذكر الحديث بتمامه في سورة المائدة، في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ «4».

7028/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن علي، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله، عن السندي بن محمد، عن أبان، عن الحارث بن يحيى، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى .

قال: «ألا ترى كيف

اشترط، و لم تنفعه التوبة و لا الإيمان و العمل الصالح حتى اهتدى. و الله، لو جهد أن يعمل بعمل، ما قبل منه حتى يهتدي».

__________________________________________________

2- بصائر الدرجات: 98/ 6.

3- الأمالي: 399/ 13، شواهد التنزيل 1: 376/ 521 (نحوه)، ينابيع المودة: 110.

4- تفسير القمّي 2: 61.

(1) في «ج، ي» سهل بن زياد، و الظاهر أنّه: سهل بن الهرمزان، و هو قميّ ثقة، راجع رجال النجاشي: 185/ 491.

(2) في نسخة من المصدر: ليعبد.

(3) في «ج، ي»: و لتشرف.

(4) تقدّم في الحديث (2) من تفسير الآية (67) من سورة المائدة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 771

قال: قلت: إلى من، جعلني الله فداك؟ قال: «إلينا».

7029/ [5]- محمد بن العباس، قال: حدثنا علي بن العباس البجلي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، عن علي بن هاشم، عن جابر بن الحر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ، قال: «إلى ولايتنا».

7030/ [6]- و عنه، قال: حدثنا الحسين بن عامر، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ، قال: «إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)».

7031/ [7]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، في قوله عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ، قال: «إلى ولايتنا».

7032/ [8]- الشيخ في (أماليه) قال:

أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي، قال: أخبرنا أحمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي بن بزيع، قال: حدثنا القاسم بن الضحاك، قال: أخبرنا شهر بن حوشب أخو العوام، عن أبي سعيد الهمداني، عن أبي جعفر (عليه السلام): إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً «1».

قال: «و الله، لو أنه تاب و آمن و عمل صالحا، و لم يهتد إلى ولايتنا و مودتنا و معرفة فضلنا، ما أغنى ذلك عنه شيئا».

7033/ [9]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى- فيما أعلم- عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى .

قال: «إلى ولايتنا و الله، أما ترى كيف اشترط الله عز و جل».

7034/ [10]- أبو علي الطبرسي: قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): «ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت. فو الله، لو أن رجلا عبد الله عمره ما بين الركن و المقام، ثم مات و لم يجي ء بولايتنا، لأكبه الله في النار على وجهه».

__________________________________________________

5- تأويل الآيات 1: 316/ 11، شواهد التنزيل 1: 375/ 518 و 519، الصواعق المحرقة: 153.

6- تأويل الآيات 1: 316/ 12.

7- تأول الآيات 1: 323/ 26.

8- الأمالي 1: 265. [.....]

9- المحاسن: 142/ 35.

10- مجمع البيان 7: 39.

(1) مريم 19: 60.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 772

و رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده «1»، و أورده العياشي في (تفسيره) من عدة طرق «2».

7035/ [11]- ابن بابويه: بالإسناد عن سليمان، عن داود بن كثير الرقي، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه

السلام)، فقلت له: جعلت فداك، قوله تعالى: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فما هذا الاهتداء بعد التوبة و الإيمان و العمل الصالح؟

قال: فقال: «معرفة الأئمة- و الله- إمام بعد إمام».

7036/ [12]- و روى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن الفضيل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: ثُمَّ اهْتَدى ، قال: «اهتدى إلينا».

سورة طه(20): الآيات 85 الي 98 ..... ص : 772

قوله تعالى:

قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ- إلى قوله تعالى- وَسِعَ كُلَّ شَيْ ءٍ عِلْماً [85- 98] 7037/ [1]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ قال:

اختبرناهم و أضلهم السامري، قال: بالعجل الذي عبدوه، و كان سبب ذلك أن موسى لما وعده الله أن ينزل عليه التوراة و الألواح إلى ثلاثين يوما أخبر بني إسرائيل بذلك، و ذهب إلى الميقات، و خلف هارون في قومه، فلما جاءت الثلاثون يوما و لم يرجع موسى (عليه السلام) إليهم غضبوا و أرادوا أن يقتلوا هارون، و قالوا: إن موسى كذبنا و هرب منا. فجاءهم إبليس في صورة رجل، فقال لهم: إن موسى قد هرب منكم و لا يرجع إليكم أبدا، فاجمعوا لي حليكم حتى أتخذ لكم إلها تعبدونه.

و كان السامري على مقدمة موسى يوم أغرق الله فرعون و أصحابه، فنظر إلى جبرئيل و كان على حيوان في صورة رمكة «3»، فكانت كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرك ذلك الموضع، فنظر إليه السامري و كان من خيار أصحاب موسى (عليه السلام)، فأخذ التراب من تحت حافر رمكة جبرئيل و كان يتحرك فصره في صرة و كان عنده

يفتخر به على بني إسرائيل فلما جاءهم إبليس و اتخذوا العجل، قال للسامري: هات التراب الذي

__________________________________________________

11- فضائل الشيعة: 65/ 22.

12- ...، تأويل الآيات 1: 316/ 10.

1- تفسير القمّي 2: 61.

(1) شواهد التنزيل 1: 375/ 518 و: 375/ 519. إلى قوله: أهل البيت.

(2) عنه: مجمع البيان 7: 39.

(3) الرمكة: الفرس. «لسان العرب- ربم- 1: 434».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 773

معك. فجاء به السامري فألقاه إبليس في جوف العجل، فلما وقع التراب في جوفه تحرك، و خار، و نبت عليه الوبر و الشعر، فسجد له بنو إسرائيل، و كان عدد الذين سجدوا سبعين ألفا من بني إسرائيل، فقال لهم هارون كما حكى الله: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى ، فهموا بهارون فهرب من بينهم، و بقوا في ذلك حتى تم ميقات موسى أربعين ليلة، فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله عليه الألواح فيها التوراة و ما يحتاجون إليه من أحكام السير و القصص، ثم أوحى الله إلى موسى: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ و عبدوا العجل و له خوار. فقال موسى (عليه السلام):

يا رب، العجل من السامري، فالخوار ممن؟ فقال: «مني- يا موسى- إني لما رأيتهم قد فاءوا «1» عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة».

فَرَجَعَ مُوسى كما حكى الله عز و جل إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، ثم رمى بالألواح و أخذ بلحية أخيه هارون و رأسه يجره إليه قالَ

يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي فقال هارون كما حكى الله:ا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي

.7038/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد، و محمد بن أحمد الشيباني، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام (رضي الله عنه)، قالوا حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي الأسدي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

أخبرني عن هارون لم قال لموسى (عليه السلام): يا بن ام لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي. و لم يقل يا بن أبي؟

فقال: «إن العداوة بين الإخوة أكثر ما تكون إذا كانوا بني علات «2»، و متى كانوا بني ام قلت العداوة إلا أن ينزغ الشيطان بينهم فيطيعوه، فقال هارون لأخيه: يا أخي الذي ولدته امي، و لم تلدني غير امه، لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي، و لم يقل يا بن أبي لأن بني الأب إذا كانت أمهاتهم شتى لم تستبعد العداوة بينهم إلا من عصمه الله منهم، و إنما تستبعد العداوة بين بني ام واحدة».

قال: «قلت: فلم أخذ برأس أخيه يجره إليه و بلحيته، و لم يكن له في اتخاذهم العجل و عبادتهم له ذنب.

فقال: «إنما فعل ذلك به لأنه لم يفارقهم لما فعلوا ذلك، و لم يلحق بموسى، و كان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب، ألا ترى أنه قال له موسى: يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي؟! قال هارون: لو

فعلت ذلك لتفرقوا، و إني خشيت أن تقول: فرقت بين بني إسرائيل و لم ترقب قولي».

__________________________________________________

2- علل الشرائع: 68/ 1.

(1) في المصدر: ولّوا.

(2) أولاد العلّات: الذين أمّهاتهم مختلفة و أبوهم واحد. «النهاية 3: 291».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 774

7039/ [3]- سليم بن قيس الهلالي: قال الأشعث بن قيس: يا بن أبي طالب، ما منعك حين بويع أخو بني تيم بن مرة، و أخو بني عدي، و أخو بني امية بعدهم أن تقاتل و تضرب بسيفك، فإنك لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلا قلت فيها قبل أن تنزل من المنبر: «و الله إني لأولى الناس بالناس، و ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه و آله)». فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟

قال: «يا بن قيس قد قلت فاستمع الجواب، لم يمنعني من ذلك الجبن، و لا كراهية للقاء ربي و أن لا أكون أعلم بأن ما عند الله خير لي من الدنيا بما فيها «1»، و لكن منعني من ذلك أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عهده إلي أخبرني رسول الله (صلى الله عليه و آله) بما الأمة صانعة بعده، فلم أكن بما صنعوا حين عاينته بأعلم و لا أشد استيقانا مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله (صلى الله عليه و آله) أشد يقينا مني بما عاينت و شاهدت.

فقلت لرسول الله (صلى الله عليه و آله): فما تعهد إلي إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم و جاهدهم، و إن لم تجد أعوانا فكف يدك و احقن دمك، حتى تجد على إقامة الدين و كتاب الله و سنتي أعوانا».

و أخبرني (صلى الله

عليه و آله) أن الامة ستخذلني و تتبع غيري، و أخبرني (صلى الله عليه و آله) أني منه بمنزلة هارون من موسى، و أن الأمة سيصيرون بعده بمنزلة هارون و من تبعه، و العجل و من تبعه، إذ قال له موسى: يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي. و إنما يعني أن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلوا ثم وجد أعوانا أن يجاهدهم، و إن لم يجد أعوانا أن يكف يده و يحقن دمه، و لا يفرق بينهم، و إني خشيت أن يقول أخي رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم فرقت بين الامة و لم ترقب قولي و قد عهدت إليك أنك إن لم تجد أعوانا فكف يدك و احقن دمك و دم أهل بيتك و شيعتك».

فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه و آله) قام الناس إلى أبي بكر فبايعوه و أنا مشغول برسول الله (صلى الله عليه و آله) بغسله، و دفنه، ثم شغلت بالقرآن فآليت يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمعه في كتاب ففعلت، ثم حملت فاطمة و أخذت بيدي الحسن و الحسين فلم أدع أحدا من أهل بدر و أهل السابقة من المهاجرين و الأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي، و دعوتهم إلى نصرتي، فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط: الزبير، و سلمان، و أبو ذر، و المقداد، و لم يكن معي من أهل بيتي أحد أصول به و أقوى، أما حمزة فقتل يوم

أحد، و جعفر قتل يوم مؤتة، و بقيت بين خلفين خائفين ذليلين: العباس و عقيل «2»، فأكرهوني و قهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه: يا بن ام إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني، فلي بهارون أسوة حسنة، ولي بعهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) حجة قوية».

و تقدم في ذلك حديث في قوله تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من سورة

__________________________________________________

3- كتاب سليم بن قيس: 90.

(1) في «ط» نسخة بدل، المصدر: الدنيا و البقاء. [.....]

(2) في «ط» زيادة: و هما حديثا عهد بإسلام.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 775

الأنفال «1»، فليؤخذ من هناك.

7040/ [4]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم: قال له بنو إسرائيل: ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا قال:

ما خالفناك وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ يعني من حليهم فَقَذَفْناها قال: يعني التراب الذي جاء به السامري طرحناه في جوفه ثم أخرج السامري العجل و له خوار. فقال له موسى: فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ؟ قال السامري: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل في البحر فَنَبَذْتُها أي أمسكتها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي زينت.

فأخرج موسى العجل و أحرقه بالنار و ألقاه في البحر، ثم قال موسى (عليه السلام) للسامري: فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ، أي ما دمت حيا و عقبك، هذه العلامة فيكم قائمة أن تقولوا: لا مساس، حتى تعرفوا أنكم سامرية لا يقربكم «2» الناس. فهم إلى الساعة بمصر و الشام معروفون ب (لا مساس).

ثم هم موسى (عليه السلام) بقتل السامري فأوحى الله إليه: «لا تقتله- يا موسى- فإنه سخي». فقال له موسى (عليه السلام) انْظُرْ

إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْ ءٍ عِلْماً.

7041/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي ابن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: قلت له: عن كم تجزئ البدنة؟ قال: «عن نفس واحدة» قلت: فالبقرة؟ قال: «تجزئ عن خمسة إذا كانوا يأكلون على مائدة واحدة».

قلت: كيف صارت البدنة لا تجزئ إلا عن واحدة، و البقرة تجزئ عن خمسة؟

قال: «لأن البدنة لم يكن فيها من العلة ما في البقرة، إن الذين أمروا قوم موسى (عليه السلام) بعبادة العجل كانوا خمسة أنفس، و كانوا أهل بيت يأكلون على خوان واحد و هم: أديبويه «3»، و أخوه مذويه، و ابن أخيه، و ابنته، و امرأته، هم الذين أمروا بعبادة العجل و هم الذين ذبحوا البقرة التي أمر الله تبارك و تعالى بذبحها».

7042/ [6]- نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم: قيل: و إن من عبد العجل أنكر عند موسى (عليه السلام): أنه لم يسجد له، فأمر موسى (عليه السلام) أن يبرد العجل بالمبارد، و ألقى برادته في الماء، ثم أمر بني إسرائيل أن يشرب كل واحد منهم من ذلك الماء، فالذين كانوا سجدوا يظهر له من البرادة شي ء فعند ذلك استبان من خالف ممن ثبت على إيمانه.

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 2: 63.

5- علل الشرائع: 440/ 1.

6- تفسير القمّي 2: 63.

(1) تقدم في الحديث (3) من تفسير الآيتين (65 و 66) من سورة الأنفال.

(2) في المصدر: يغتر بكم.

(3) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: أذيبويه.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 776

7043/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما بعث الله رسولا إلا و في وقته شيطانان يؤذيانه و يفتنانه و يضلان الناس بعده، فأما الخمسة أولو العزم من الرسل: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد (صلى الله عليه و آله و عليهم)، فأما صاحبا نوح فطنطينوس و خرام «1»، و أما صاحبا إبراهيم فمكيل و رذام، و أما صاحبا موسى فالسامري و مر عقيبا، و أما صاحبا عيسى فينواس «2» و مريسون، و أما صاحبا محمد (صلى الله عليه و آله) فحبتر و زريق».

و قد تقدم هذا الحديث في تفسير: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ من سورة الأنعام «3».

سورة طه(20): الآيات 102 الي 108 ..... ص : 776

قوله تعالى:

وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً- إلى قوله تعالى- يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ [102- 108] 7044/ [1]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً فقال: تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون أن يطرفوها، و قوله تعالى: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ قال: يوم القيامة يسر «4» بعضهم إلى بعض أنهم لم يلبثوا إلا عشرا قال الله: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً قال: أعلمهم و أصلحهم، يقولون: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً.

ثم خاطب الله نبيه (صلى الله عليه و آله)، فقال: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً قال: الأمت: الارتفاع، و العوج: الحزون «5» و الذكوات.

7045/ [2]- و عنه، قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: قاعاً صَفْصَفاً.

قال:

«و القاع: الذي لا تراب فيه، و الصفصف: الذي لا نبات له».

__________________________________________________

7- تفسير القمّي 269 «الطبعة الحجرية».

1- تفسير القمّي 2: 64.

2- تفسير القمّي 2: 67.

(1) في «ط» نسخة بدل: فقنطيفوس و خوام.

(2) في «ط» نسخة بدل: فبولس.

(3) تقدّم في الحديث (2) من تفسير الآيات (112- 114) من سورة الأنعام.

(4) في المصدر: بشير. [.....]

(5) الحزن من الأرض: ما غلظ. «الصحاح 5: 2098».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 777

7046/ [3]- و عنه، في قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ قال: مناديا من عند الله.

7047/ [4]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام بن سهيل، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهم السلام)، قال: «سألت أبي عن قول الله عز و جل:

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ قال: الداعي أمير المؤمنين (عليه السلام)».

قوله تعالى:

وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [108]

7048/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي محمد الوابشي، عن أبي الورد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد و هم حفاة عراة، فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا و تشتد أنفاسهم، فيمكثون في ذلك خمسين عاما، و هو قول الله وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً.

قال: ثم ينادي مناد من تلقاء العرش: أين النبي الامي؟ فيقول الناس: قد أسمعت، فسم باسمه. فينادي أين نبي الرحمة، أين محمد بن عبد الله الامي؟ فيتقدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة إلى صنعاء، فيقف

عليه فينادي بصاحبكم فيتقدم «1» أمام الناس فيقف معه، ثم يؤذن للناس فيمرون، فبين وارد الحوض يومئذ و بين مصروف عنه، فإذا رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) من يصرف عنه محبينا يبكي، و يقول: يا رب، شيعة علي، قال: فيبعث الله إليه ملكا فيقول له: ما يبكيك يا محمد؟ فيقول: أبكي لأناس من شيعة علي، أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار و منعوا ورود حوضي.

فيقول الملك: إن الله يقول قد وهبتهم لك- يا محمد- و صفحت لهم عن ذنوبهم بحبهم لك و لعترتك، و ألحقتهم بك و بمن كانوا يتولون به، و جعلناهم في زمرتك فأوردهم حوضك».

قال: أبو جعفر (عليه السلام): «فكم باك يومئذ و باكية ينادون: يا محمد إذا رأوا ذلك، و لا يبقى أحد يومئذ يتولانا و يحبنا و يتبرأ من عدونا و يبغضهم إلا كانوا في حزبنا و معنا و يردون حوضنا».

و رواه الشيخ في (أماليه) قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (رحمه الله)، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلى بن محمد البصري، عن محمد بن جمهور العمي،

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 2: 64.

4- تأويل الآيات 1: 316/ 13.

1- تفسير القمّي 2: 64.

(1) في المصدر: فيقدّم عليّ (عليه السّلام).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 778

قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محبوب، قال: سمعت أبا محمد الوابشي، رواه عن أبي الورد، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين عراة حفاة فيوقفون على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا، و تشتد أنفاسهم». و ساق

الحديث إلى آخره «1».

و رواه الشيخ المفيد في (أماليه) قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (رحمه الله) قال: حدثني الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد البصري، عن محمد بن جمهور العمي، قال حدثنا أبو علي الحسن بن محبوب، قال: سمعت أبا محمد الوابشي، رواه عن أبي الورد، قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين و الآخرين عراة حفاة فيوقفون على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا، و تشتد أنفاسهم» و ساق الحديث إلى آخره «2».

سورة طه(20): الآيات 109 الي 112 ..... ص : 778

قوله تعالى:

يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا- إلى قوله تعالى- فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً [109- 112] 7049/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً قال:

ما بين أيديهم: ما مضى من أخبار الأنبياء، و ما خلفهم، من أخبار القائم (عليه السلام).

7050/ [2]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال سألني أبو قرة المحدث أن ادخله على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه، فسأله عن الحلال و الحرام و الأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية و الكلام بين نبيين: فقسم الكلام لموسى، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) الرؤية؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن و الإنس: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ «3» و وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً

و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ «4» أليس محمد (صلى الله عليه و آله)؟» قال: بلى.

قال (عليه السلام): «كيف يجي ء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله و أنه يدعوهم إلى الله بأمر

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 65.

2- الكافي 2: 74/ 2.

(1) أمالي الطوسي 1: 64.

(2) أمالي المفيد: 290/ 8.

(3) الأنعام 6: 103.

(4) الشورى 42: 11.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 779

الله فيقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، ثم يقول: أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر، أما يستحيون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا، أن يكون يأتي من عند الله بشي ء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر».

قال أبو قرة. فإنه يقول: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى «1»؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيث قال: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى «2» يقول: ما كذب فؤاد محمد (صلى الله عليه و آله) ما رأته عيناه، ثم أخبر بما رأى، فقال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «3»، فآيات الله غير الله، و قد قال الله: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم و وقعت المعرفة».

فقال أبو قرة: فتكذب بالروايات؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها، و ما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما، و لا تدركه الأبصار، و ليس كمثله شي ء».

7051/ [3]- علي بن إبراهيم: و قوله: وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ أي ذلت.

7052/ [4]- محمد بن العباس (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود،

عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، عن أبيه (عليه السلام)، قال: «سمعت أبي يقول و رجل يسأله عن قول الله عز و جل: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا، قال: لا ينال شفاعة محمد (صلى الله عليه و آله) يوم القيامة إلا من أذن له الرحمن بطاعة آل محمد، و رضي له قولا و عملا، فحيي على مودتهم و مات عليها، فرضي الله قوله و عمله فيهم، ثم قال: (و عنت الوجوه للحي القيوم و قد خاب من حمل ظلما لآل محمد)، كذا نزلت، ثم قال: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً قال: مؤمن بمحبة آل محمد و مبغض لعدوهم».

7053/ [5]- علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً يقول: «لا ينقص من عمله شي ء، و أما ظلما يقول: لن يذهب به».

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 2: 65.

4- تأويل الآيات 1: 318/ 15.

5- تفسير القمّي 2: 67. [.....]

(1) النجم 53: 13.

(2) النجم 53: 11.

(3) النجم 53: 18.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 780

سورة طه(20): آية 113 ..... ص : 780

قوله تعالى:

أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [113] 7054/ [1]- علي بن إبراهيم: يعني ما يحدث من أمر القائم (عليه السلام) و السفياني.

سورة طه(20): آية 114 ..... ص : 780

قوله تعالى:

وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [114] 7055/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل نزول تمام الآية و المعنى، فأنزل الله: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي يفرغ من قراءته وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.

سورة طه(20): آية 115 ..... ص : 780

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [115]

7056/ [3]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم عن مفضل ابن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً.

قال: «عهدنا إليه في محمد (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) من بعده فترك و لم يكن له عزم أنهم هكذا، و إنما سمي اولوا العزم لأنه عهد إليهم في محمد (صلى الله عليه و آله) و الأوصياء من بعده و المهدي و سيرته و اجتمع عزمهم على أن ذلك كذلك، و الإقرار به».

و رواه علي بن إبراهيم: عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن المفضل بن

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 65.

2- تفسير القمّي 2: 65.

3- الكافي 1: 344/ 22.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 781

صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله «1».

و رواه ابن بابويه: عن أبيه (رحمه الله)، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن المفضل بن صالح، عن جابر

بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ و ذكر الحديث إلى آخره «2».

7057/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهم السلام)، قال: «إن الله تبارك و تعالى عهد إلى آدم (عليه السلام) أن لا يقرب الشجرة، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله تبارك و تعالى أن يأكل منها، نسي فأكل منها، و هو قول الله تبارك و تعالى: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً».

7058/ [3]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله، عن محمد بن عيسى القمي، عن محمد بن سليمان، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: «و لقد عهدنا إلى آدم من قبل، كلمات في محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم (عليهم السلام) فنسي و لم نجد له عزما. هكذا و الله نزلت على محمد (صلى الله عليه و آله)».

7059/ [4]- المفيد: بإسناده عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أخذ الله الميثاق على النبيين، و قال أ لست بربكم، و أن هذا محمد رسولي و أن عليا أمير المؤمنين «3»؟ قالوا: بلى فثبتت لهم النبوة.

ثم أخذ الميثاق على اولي العزم أني ربكم و محمد رسولي و علي أمير

المؤمنين و الأوصياء من بعده ولاة أمري و خزان علمي، و أن المهدي أنتصر به لديني، و أظهر به دولتي، و أنتقم به من أعدائي، و اعبد به طوعا أو كرها «4». قالوا: أقررنا- يا ربنا- و شهدنا. لم يجحد آدم (عليه السلام)، و لم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي (عليه السلام)، و لم يكن لآدم عزيمة على الإقرار، و هو قول الله تبارك و تعالى: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً».

7060/ [5]- ابن شهر آشوب: عن الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ. قال:

__________________________________________________

2- كمال الدين و تمام النعمة: 213/ 2.

3- الكافي 1: 334/ 23.

4- بصائر الدرجات: 90/ 2، تأويل الآيات 1: 319/ 18. و لم نجده في كتب الشيخ المفيد (رحمه اللّه).

5- المناقب 3: 32.

(1) تفسير القمّي 2: 66.

(2) علل الشرائع: 122/ 1.

(3) (و أن هذا ... أمير المؤمنين) ليس في «ج، ي».

(4) في «ج»، «ط» نسخة بدل: و كرها. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 782

«كلمات في محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم. كذا نزلت على محمد (صلى الله عليه و آله)».

سورة طه(20): آية 116 ..... ص : 782

قوله تعالى:

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى [116]

7061/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عمن أخبره، عن علي بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «لما رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) تيما و عديا و بني امية يركبون منبره أفظعه، فأنزل الله تعالى قرآنا يتأسى به: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا

إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى ثم أوحى إليه:

يا محمد، إني أمرت فلم أطع، فلا تجزع أنت إذا أمرت فلم تطع في وصيك».

و قصة آدم (عليه السلام)، قد تقدمت الروايات فيها في سورة البقرة و الأعراف «1».

سورة طه(20): الآيات 121 الي 122 ..... ص : 782

قوله تعالى:

وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى [121- 122]

7062/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، و علي بن عبد الله الوراق (رضي الله عنه)، قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا القاسم بن محمد البرمكي، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليهما السلام) أهل المقالات من أهل الإسلام و من الديانات: من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و سائر أهل المقالات، فلم يقم أحد الا و قد ألزمه حجته كأنه القم حجرا، قام إليه علي بن محمد بن الجهم، فقال: يا بن رسول الله، أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: «نعم».

قال: فما تقول في قول الله تعالى: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ؟

فقال الرضا (عليه السلام): «ويحك- يا علي- اتق الله، و لا تنسب إلى أنبياء «2» الله الفواحش، و لا تتأول كتاب الله

__________________________________________________

1- الكافي 1: 353/ 73.

2- عيون أخبار الرّضا 1: 191/ 1.

(1) تقدّمت في تفسير الآيات (30- 36) من سورة البقرة، و الآيات (19- 21) من سورة الأعراف.

(2) في «ج، ي»: أولياء.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 783

برأيك، فإن الله عز و جل قد قال: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «1»». و قال (عليه السلام): «أما قوله عز و جل في آدم: وَ

عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى فإن الله عز و جل خلق آدم (عليه السلام) حجة في أرضه و خليفة في بلاده، لم يخلقه للجنة، و كانت المعصية من آدم (عليه السلام) في الجنة لا في الأرض [و عصمته يجب أن تكون في الأرض ] لتتم مقادير أمر الله عز و جل «2»، فلما اهبط إلى الأرض و جعله حجة و خليفة، عصمه بقوله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ «3»». الحديث بطوله.

7063/ [2]- و عنه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، فقال له المأمون: يا بن رسول الله، أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال: «بلى».

قال: فما تقول في قول الله عز و جل: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ؟

قال (عليه السلام): «إن الله تعالى قال لآدم (عليه السلام): اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ «4» و أشار لهما إلى شجرة الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ «5»، و لم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة و لا مما كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجرة، و لم يأكلا منها، و إنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما، و قال: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ «6»، و إنما نهاكما عن ان تقربا غيرها، و لم ينهكما عن الأكل منها إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ

«7»، و لم يكن آدم و حواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ «8»، فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، و كان ذلك من آدم (عليه السلام) قبل النبوة، و لم يكن ذلك بذنب كبير يستحق به دخول النار، و إنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالى و جعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة و لا كبيرة، قال الله عز و جل: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى و قال عز و جل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ «9»».

__________________________________________________

2- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 195/ 1.

(1) آل عمران 3: 7.

(2) (لا في الأرض ... اللّه عزّ و جلّ) ليس في «ج، ي».

(3) آل عمران 3: 33.

(4) البقرة 2: 35.

(5) البقرة 2: 35.

(6) الأعراف 7: 20.

(7) الأعراف 7: 20 و 21.

(8) الأعراف 7: 22.

(9) آل عمران 3: 33. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 784

سورة طه(20): الآيات 123 الي 127 ..... ص : 784

قوله تعالى:

فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى - إلى قوله تعالى- وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى [123- 127]

7064/ [1]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن السياري، عن علي بن عبد الله، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى .

قال:

«من قال بالأئمة و اتبع أمرهم و لم يجز «1» طاعتهم».

7065/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً، قال: «يعني ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)».

قلت: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ؟ قال: «يعني أعمى البصر في القيامة، أعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)- قال- و هو متحير في القيامة، يقول: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا، قال: الآيات الأئمة (عليهم السلام)، فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى يعني تركتها، و كذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمة (عليهم السلام)، فلم تطع أمرهم، و لم تسمع قولهم».

قلت: وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى ؟ قال: «يعني من أشرك بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) غيره، و لم يؤمن بآيات ربه، و ترك الأئمة معاندة فلم يتبع آثارهم و لم يتولهم».

7066/ [3]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار «2»، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: أنه سأل أباه عن قول الله عز و جل: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى .

__________________________________________________

1- الكافي 1: 342/ 10.

2- الكافي 1: 361/ 92.

3- تأويل الآيات 1: 320/ 19.

(1) في «ج»: يخن.

(2) في جميع النسخ: عن داود النجار، و ما أثبتناه هو الصحيح، أنظر رجال النجاشي: 294/ 797.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 785

قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا أيها الناس، اتبعوا هدى الله تهتدوا و ترشدوا، و هو هداي، و هداي هدى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن أتبع هداه في حياتي و بعد موتي فقد اتبع هداي، و من اتبع هداي فقد اتبع هدى الله، و من اتبع هدى الله فلا يضل و لا يشقى، قال عز و جل: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ في عداوة محمد (صلى الله عليه و آله)، وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى ».

7067/ [4]- العياشي: عن الحسين بن سعيد المكفوف، كتب إليه (عليه السلام) في كتاب له: جعلت فداك يا سيدي، قوله: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي؟

قال: «أما قوله: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ، أي من قال بالأئمة و اتبع أمرهم بحسن طاعتهم».

7068/ [5]- سعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن رجل، عن إبراهيم ابن المستنير، عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يقول الله عز و جل: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً؟

فقال: «هي و الله للنصاب».

قلت: قد رأيناهم دهرهم الأطول في الكفاية حتى ماتوا: فقال: «ذلك- و الله- في الرجعة، يأكلون العذرة».

7069/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن إبراهيم بن المستنير، عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي

عبد الله (عليه السلام): قوله: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً؟

قال: «هي- و الله- للنصاب».

قال: جعلت فداك، قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية، حتى ماتوا، قال: «ذلك- و الله- في الرجعة، يأكلون العذرة».

و رواه السيد المعاصر في كتاب (الرجعة): عن أحمد بن محمد بن عيسى، بالإسناد عن إبراهيم بن المستنير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، الحديث «1».

7070/ [7]- ابن شهر آشوب: عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً أي من ترك ولاية علي (عليه السلام) أعماه الله و أصمه عن الهدى.

__________________________________________________

4- تفسير العيّاشي 2: 206/ 21.

5- مختصر بصائر الدرجات: 18.

6- تفسير القمّي 2: 65.

7- المناقب 3: 97، شواهد التنزيل 1: 380/ 525.

(1) الرجعة للميرزا محمد مؤمن الأسترآبادي: 6 «مخطوط».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 786

7071/ [8]- ابن شهر آشوب أيضا: قال أبو بصير: عن أبي عبد الله (عليه السلام): «يعني ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)» قلت: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ؟

قال: «يعني أعمى البصيرة في الآخرة، أعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)- قال- و هو متحير في الآخرة، يقول: رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا قال: الآيات الأئمة (عليهم السلام) فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى يعني تركتها و كذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمة (عليهم السلام) و لم تطع أمرهم، و لم تسمع قولهم».

7072/ [9]- الشيخ في (أماليه) قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن علي الزعفراني، قال أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي،

قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سعيد، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما كتبه إلى محمد بن أبي بكر يقرأه على أهل مصر، و فيما كتب (عليه السلام):

«يا عبد الله، ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت، القبر فاحذروا ضيقه «1»، و ضنكه و ظلمته، و غربته، إن القبر يقول كل يوم: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود و الهوام.

و القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض: مرحبا و أهلا، قد كنت ممن أحب أن يمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك فيتسع له مد البصر، و إن الكافر إذا دفن قالت له الأرض: لا مرحبا، و لا أهلا، لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك فتضمه حتى تلتقي أضلاعه، و إن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر، إذ يسلط على الكافر في قبره تسعة و تسعين تنينا «2» فينهشن لحمه، و يكسرن عظمه، و يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا أبدا، اعلموا- يا عباد الله- أن أنفسكم الضعيفة و أجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير، تضعف عن هذا، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم و أنفسكم مما لا طاقة لكم به و لا صبر لكم عليه، فاعملوا بما أحب الله، و اتركوا ما كره الله».

7073/ [10]- و في رواية ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)

في هذا الحديث: «و اعلموا أن المعيشة الضنك التي قالها تعالى: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً هي عذاب القبر».

__________________________________________________

8- المناقب 3: 97.

9- الأمالي 1: 24.

10- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 69.

(1) في المصدر: ضيعته. [.....]

(2) التّنّين: الحيّة العظيمة. «أقرب الموارد- تنن- 1: 11».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 787

7074/ [11]- محمد بن يعقوب: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من مات و هو صحيح موسر، و لم يحج، فهو ممن قال الله عز و جل: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ».

قال: «قلت: سبحان الله، أعمى! قال: «نعم، إن الله عز و جل أعماه عن طريق الحق».

و رواه الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن محمد بن يعقوب «1»، و ساق الحديث بالسند و المتن إلا أن في آخر الحديث: «أعماه الله عن طريق الجنة «2»».

7075/ [12]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن موسى بن القاسم، عن معاوية بن عمار، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل له مال و لم يحج قط. قال: «هو ممن قال الله عز و جل: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ».

قال: قلت: سبحان الله، أعمى! قال: «أعماه الله عن طريق الحق «3»».

7076/ [13]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، و فضالة، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل لم يحج قط و له مال. قال: «هو- و الله- ممن قال الله عز و جل: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ».

قلت: سبحان الله، أعمى! قال: «أعماه الله عن طريق

الجنة».

سورة طه(20): الآيات 128 الي 131 ..... ص : 787

قوله تعالى:

أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى- إلى قوله تعالى- وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى [128- 131] 7077/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ: أي يبين لهم.

__________________________________________________

11- الكافي 4: 269/ 6.

12- التهذيب 5: 18/ 53.

13- تفسير القمّي 2: 66.

1- تفسير القمّي 2: 67.

(1) التهذيب 5: 18/ 51.

(2) الذي في آخر حديث التهذيب هو عين ما في رواية الكافي، و لعلّ الاختلاف كان في نسخته رحمه اللّه.

(3) في المصدر: الجنّة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 788

7078/ [2]- محمد بن العباس (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) «1»: «قال الله عز و جل: أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى و هم الأئمة من آل محمد (عليهم السلام)، و ما كان في القرآن مثلها، و يقول الله عز و جل: وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى فَاصْبِرْ، يا محمد، نفسك و ذريتك عَلى ما يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها».

و معنى قوله: «و ما كان في القرآن مثلها» أي مثل إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى ، و كل ما يجي ء في القرآن من ذكر اولي النهى فهم الأئمة (عليهم السلام).

7079/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير و فضالة، عن معاوية

بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى قال: «نحن أولو النهى».

و قوله تعالى: وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً قال: «كان ينزل بهم العذاب، و لكن قد أخرهم إلى أجل مسمى». و قوله: وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ قال: «الغداة و العشي».

و قوله تعالى وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى ، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لما نزلت هذه الآية، استوى رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالسا، ثم قال: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، و من أتبع بصره ما في أيدي الناس طال همه و لم يشف غيظه، و من لم يعرف أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب قصر أجله و دنا عذابه».

7080/ [4]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت: آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ «2»، قال: «يعني صلاة الليل».

قال: قلت: وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى ؟ قال: «يعني تطوع بالنهار».

قال: قلت: وَ إِدْبارَ النُّجُومِ؟ «3» قال: «ركعتان قبل الصبح».

قلت: وَ أَدْبارَ السُّجُودِ؟ «4» قال: «ركعتان بعد المغرب».

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 320/ 19.

3- تفسير القمّي 2: 66.

4- الكافي 3: 444/ 11.

(1) في المصدر زيادة: قال: إنّه سأل أباه عن قول اللّه عزّ و جلّ.

(2) الزمر 39: 9.

(3) الطور 52: 49. [.....]

(4) سورة ق 50: 40.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 789

7081/

[5]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، قال: حدثنا إسماعيل بن الفضل، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها.

فقال: «فريضة على كل مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرات و قبل غروبها عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و هو حي لا يموت، و هو على كل شي ء قدير».

قال: فقلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و يميت و يحيي،؟ فقال:

«يا هذا لا شك في أن الله يحيي و يميت، و يميت و يحيي، و لكن قل كما أقول».

7082/ [6]- علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ، يقول: «يبين لهم». و قوله: لَكانَ لِزاماً، قال: «اللزام الهلاك».

سورة طه(20): الآيات 132 الي 135 ..... ص : 789

قوله تعالى:

وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها- إلى قوله تعالى- وَ مَنِ اهْتَدى [132- 135]

7083/ [1]- ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب، و جعفر بن محمد بن مسرور (رضي الله عنهما)، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال: حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون بمرو، و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان- و ساق الحديث إلى أن قال- فقال المأمون: هل فضل الله العترة على

سائر الناس؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله تعالى فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه».

فقال له المأمون: و أين ذلك من كتاب الله؟ فقال الرضا (عليه السلام): «في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1»، و قال عز و جل في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً «2» ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين، فقال:

__________________________________________________

5- الخصال: 452/ 58.

6- تفسير القمي 2: 67.

1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 228/ 1.

(1) آل عمران 3: 33 و 34.

(2) النساء 4: 54.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 790

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» يعني الذين يرثهم الكتاب «2» و الحكمة و حسدوا عليها، فقوله تعالى:

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، فالملك هاهنا هو الطاعة لهم».

قالت العلماء: فأخبرنا: هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا (عليه السلام): «فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا و موضعا- و ساق الحديث بذكر المواضع إلى أن قال- و أما الثانية عشر، فقوله عز و جل: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها فخصصنا الله تعالى بهذه الخصوصية، إذ أمرنا مع الامة بإقامة الصلاة ثم خصصنا من دون الأمة، فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يجي ء إلى باب علي و فاطمة

(صلوات الله عليهما)، بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر، كل يوم عند حضور كل صلاة، خمس مرات، فيقول: الصلاة رحمكم الله، و ما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياء (عليهم السلام) بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها و خصصنا من دون جميع أهل بيتهم».

فقال المأمون و العلماء: جزاكم الله- أهل بيت نبيكم- عن هذه الامة خيرا، فما نجد الشرح و البيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم.

7084/ [2]- محمد بن العباس (رحمه الله)، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن بن سلام، عن أحمد بن عبد الله بن عيسى «3» بن مصقلة القمي، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر الباقر، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) في قول الله عز و جل: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها.

قال: «نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام)، كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يأتي باب فاطمة (عليها السلام) كل سحرة «4»، فيقول: السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته، الصلاة يرحمكم الله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «5»».

7085/ [3]- الشيخ ورام، قال: يروى عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه كان إذا أصاب أهله خصاصة «6» قال:

«قوموا إلى الصلاة»، و يقول: «بهذا أمرني ربي، قال الله تعالى وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى ».

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 322/ 22، شواهد التنزل 1: 381/ 526.

3- تنبيه الخواطر 1: 222.

(1) النساء 4: 59.

(2) في المصدر: قرنهم بالكتاب.

(3) في النسخ: عبد اللّه بن عيسى، صحيحه ما أثبتناه من رجال النجاشي:

101/ 252.

(4) السّحرة: السّحر، و هو آخر الليل قبيل الصبح. «لسان العرب- سحر- 4: 350».

(5) الأحزاب 33: 333.

(6) الخصاصة: الفقر و سوء الحال. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 791

7086/ [4]- علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قوله: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها.

قال: «فإن الله أمره أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهل محمد (صلى الله عليه و آله) عند الله منزلة خاصة ليست للناس، إذ أمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة، فلما نزلت هذه الآية كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يجي ء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي و فاطمة (عليهما السلام)، فيقول: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. فيقول علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام): و عليك السلام- يا رسول الله- و رحمة الله و بركاته. ثم يأخذ بعضادتي الباب و يقول: الصلاة يرحمكم الله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1» فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد «2» المدينة حتى فارق الدنيا. و قال أبو الحمراء خادم النبي (صلى الله عليه و آله): أنا أشهد به يفعل ذلك».

7087/ [5]- علي بن إبراهيم أيضا: قوله تعالى: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ أي أمتك وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى قال: المتقين، فوضع الفعل مكان المفعول.

قال: و أما قوله: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا أي انتظروا أمرا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى .

7088/ [6]- ثم قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، قال: قال أبو

عبد الله (عليه السلام): «نحن- و الله- سبيل الله الذي أمر الله باتباعه، و نحن- و الله- الصراط المستقيم، و نحن- و الله- الذين أمر الله العباد بطاعتهم، فمن شاء فليأخذ من هنا، و من شاء فليأخذ من هناك، و لا تجدون و الله عنا محيصا».

7089/ [7]- علي بن إبراهيم: عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ إلى قوله تعالى: وَ مَنِ اهْتَدى . قال: «إلى ولايتنا».

7090/ [8]- محمد بن العباس، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن راشد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إبراهيم بن محمد بن ميمون، عن عبد الكريم بن يعقوب، عن جابر، قال: سئل محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) عن قول الله عز و جل: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ ِ السَّوِي وَ مَنِ اهْتَدى ، قال: «اهتدى إلى ولايتنا».

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 2: 67.

5- تفسير القمّي 2: 66.

6- تفسير القمّي 2: 66.

7- تأويل الآيات 1: 322/ 23 عن عليّ بن إبراهيم، و لم نجده في تفسيره.

8- تأويل الآيات 1: 323/ 24.

(1) الأحزاب 33: 33.

(2) في «ج، ي، ط»: شاهد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 792

7091/ [9]- و عنه: عن علي بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمد، عن إسماعيل بن بشار، عن علي بن جعفر الحضرمي، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى .

قال: «علي (عليه السلام) صاحب الصراط السوي وَ مَنِ اهْتَدى أي إلى ولايتنا أهل البيت».

7092/ [10]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود

النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: «سألت أبي عن قول الله عز و جل: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى قال: الصِّراطِ السَّوِيِّ: هو القائم (عليه السلام)، و المهدي: من اهتدى إلى طاعته، و مثلها في كتاب الله عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى «1»- قال- إلى ولايتنا».

7093/ [11]- سعد بن عبد الله: عن المعلى بن محمد البصري، قال: حدثنا أبو الفضل المدني، عن أبي مريم الأنصاري عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، قال: سمعته يقول: «إذا دخل الرجل حفرته أتاه ملكان، اسمهما: منكر و نكير، فأول ما يسألانه عن ربه، ثم عن نبيه، ثم عن وليه، فإن أجاب نجا، و ان تحير عذباه».

فقال رجل: فما حال من عرف ربه و نبيه، و لم يعرف وليه؟ قال «مذبذب لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا «2»، فذلك لا سبيل له.

و قد قيل للنبي (صلى الله عليه و آله): من ولينا «3» يا نبي الله؟ فقال: وليكم في هذا الزمان علي (عليه السلام) و من بعده وصيه و لكل زمان عالم يحتج الله به، لئلا يكون كما قال الضلال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم: رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى ، بما كان من ضلالتهم و هي جهالتهم بالآيات و هم الأوصياء، فأجابهم الله عز و جل: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى .

و إنما كان تربصهم أن قالوا: نحن في سعة من معرفة

الأوصياء حتى نعرف إماما، فعيرهم الله بذلك، فالأوصياء هم أصحاب الصراط، وقوفا عليه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه، لأنهم عرفاء الله عز و جل: عرفهم عليهم عند أخذه المواثيق عليهم، و وصفهم في كتابه، فقال عز و جل:

__________________________________________________

9- تأويل الآيات 1: 323/ 25.

10- تأويل الآيات 1: 323/ 26.

11- مختصر بصائر الدرجات: 53.

(1) طه 20: 82.

(2) النساء 4: 88 و 143.

(3) في المصدر: من وليّ اللّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 793

وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ «1»، و هم الشهداء على أوليائهم و النبي (صلى الله عليه و آله) الشهيد عليهم، أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة، و أخذ النبي عليهم الميثاق بالطاعة، فجرت نبوته عليهم، و ذلك قول الله عز و جل: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً «2»».

7094/ [12]- ابن شهر آشوب: عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ هو- و الله- محمد و أهل بيته (عليهم السلام) وَ مَنِ اهْتَدى فهم أصحاب محمد (صلى الله عليه و آله).

__________________________________________________

12- المناقب 3: 73، شواهد التنزيل 1: 383/ 527. [.....]

(1) الأعراف 7: 46.

(2) النساء 4: 41 و 42.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 795

المستدرك (سورة طه) ..... ص : 795

سورة طه(20): آية 84 ..... ص : 795

قوله تعالى:

وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [84]

[1]- في (مصباح الشريعة): قال الصادق (عليه السلام): المشتاق لا يشتهي طعاما، و لا يلتذ شرابا، و لا يستطيب رقادا، و لا يأنس حميما، و لا يأوي دارا، و لا يسكن

عمرانا، و لا يلبس ثيابا، و لا يقر قرارا، و يعبد الله ليلا و نهارا، راجيا بأن يصل إلى ما يشتاق إليه، و يناجيه بلسان الشوق، معبرا عما في سريرته، كما أخبر الله تعالى عن موسى (عليه السلام) في ميعاد ربه: وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى .

__________________________________________________

1- مصباح الشريعة: 196.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 797

سورة الأنبياء ..... ص : 797

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 799

سورة الأنبياء فضلها ..... ص : 799

7095/ [1]- ابن بابويه: بإسناده المتقدم في سورة الكهف، عن الحسن، عن يحيى بن مساور، عن فضيل الرسان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة الأنبياء حبا لها كان كمن «1» رافق النبيين أجمعين في جنات النعيم، و كان مهيبا في أعين الناس حياة الدنيا».

7096/ [2]- و من خواص القرآن: روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)، أنه قال: «من قرأ هذه السورة حاسبه الله حسابا يسيرا، و صافحه و سلم عليه كل نبي ذكر فيها، و من كتبها في رق ظبي و جعلها في وسطه و نام، لم يستيقظ من رقاده إلا و قد رأى عجائب مما يسر بها قلبه بإذن الله تعالى».

7097/ [3]- و عن الصادق (عليه السلام): «من كتبها في رق ظبي و جعلها في وسطه و نام، لم يستيقظ حتى يرفع الكتاب عن وسطه، و هذا يصلح للمرضى، و من طال سهره من فكر، أو خوف، أو مرض، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 018.

2- ... مجمع البيان 7: 61 «قطعة منه».

3- خواصّ القرآن: 45 «مخطوط».

(1) في «ط»: ممّن.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 801

سورة الأنبياء(21): الآيات 1 الي 2 ..... ص : 801

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ- إلى قوله تعالى- وَ هُمْ يَلْعَبُونَ [1- 2] 7098/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ، قال:

قربت القيامة و الساعة و الحساب، ثم كنى عن قريش، فقال: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ قال: من التلهي.

سورة الأنبياء(21): الآيات 3 الي 6 ..... ص : 801

قوله تعالى:

وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى- إلى قوله تعالى- مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ [3- 6]

7099/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد السياري، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن علي، عن علي بن حماد الأزدي، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز و جل: وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، قال: «الذين ظلموا آل محمد (عليهم السلام) حقهم».

7100/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمرو بن

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 67.

2- تأويل الآيات 1: 324/ 1.

3- الكافي 8: 379/ 574.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 802

شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: يقول: «ما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك و الظلم بعدك، و هو قول الله عز و جل: وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ».

7101/ [1]- علي بن إبراهيم: قوله تعالى: أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ: أي تأتون محمدا (صلى الله عليه و آله) و هو ساحر، ثم قال: قل لهم، يا محمد رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أي ما يقال في السماء و الأرض،

ثم حكى الله قول قريش، فقال بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ أي هذا الذي يخبرنا به محمد يراه في النوم، و قال بعضهم: بل افتراه. أي يكذب، و قال بعضهم: بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ، فرد الله عليهم، فقال: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ قال: كيف يؤمنون و لم يؤمن من كان قبلهم بالآيات حتى هلكوا!

سورة الأنبياء(21): آية 7 ..... ص : 802

قوله تعالى:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [7] 7102/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: آل محمد (عليهم السلام) هم أهل الذكر.

7103/ [3]- ثم قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، عن أبي داود سليمان بن سفيان، عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ من المعنون بذلك؟ فقال: «نحن و الله». فقلت: فأنتم المسؤولون؟ قال: «نعم». قلت: و نحن السائلون؟ قال: «نعم». قلت: فعلينا أن نسألكم؟ قال: «نعم» قلت: و عليكم أن تجيبونا؟ قال: «لا، ذاك إلينا، إن شئنا فعلنا، و إن شئنا تركنا- ثم قال- هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ «1»».

7104/ [4]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن الحصين بن مخارق، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في قوله عز و جل:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. قال: «نحن أهل الذكر».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 67.

2- تفسير القمّي 2: 68.

3- تفسير القمّي 2: 68.

4- تأويل الآيات 1: 324/ 2، شواهد التنزيل 1: 336/ 463 «نحوه»، ينابيع المودة: 119. [.....]

(1) سورة ص 38: 39.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 803

7105/ [4]- و عنه: عن سليمان الزراري، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن العلاء بن رزين القلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز و جل: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، أنهم اليهود و النصارى؟

قال: «إذن يدعونكم إلى دينهم». ثم قال: ثم أومأ بيده إلى صدره، و قال: «نحن أهل الذكر، و نحن المسؤولون».

و للذكر معنيان: النبي (صلى الله عليه و آله) فقد سمي ذكرا، لقوله تعالى: ذِكْراً رَسُولًا «1». و القرآن، لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «2» و هم (صلوات الله عليهم) أهل القرآن و أهل النبي (صلى الله عليه و آله).

و قد تقدمت الروايات بكثرة في هذه الآية في سورة النحل «3»، فليؤخذ من هناك.

سورة الأنبياء(21): آية 10 ..... ص : 803

قوله تعالى:

لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ [10]

7106/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ، قال: «الطاعة للإمام بعد النبي (صلى الله عليه و آله)».

قال بعض العلماء: معنى ذلك أن الذي ذكركم و شرفكم و عزكم هو طاعة الإمام الحق بعد النبي (صلى الله عليه و آله).

سورة الأنبياء(21): الآيات 11 الي 15 ..... ص : 803

قوله تعالى:

وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ

__________________________________________________

4- تأويل الآيات 1: 324/ 3.

1- تأويل الآيات 1: 325/ 5.

(1) الطلاق 65: 10 و 11.

(2) الحجر 15: 9.

(3) تقدّمت في تفسير الآيات (43- 44) من سورة النّحل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 804

لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ- إلى قوله تعالى- خامِدِينَ [11- 15]

7107/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن بدر بن خليل الأسدي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قول الله عز و جل: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ.

قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) و بعث إلى بني امية بالشام، هربوا إلى الروم، فيقول لهم الروم: لا ندخلنكم حتى تنتصروا، فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم، فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم (عليه السلام)، طلبوا الأمان و الصلح، فيقول أصحاب القائم (عليه السلام): لا نفعل حتى تدفعوا إلينا

من قبلكم منا- قال- فيدفعونهم إليهم، فذلك قوله: لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ، قال: يسألونهم الكنوز، و لهم علم «1» بها- قال- فيقولون: يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ بالسيف» «2».

7108/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن أسد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إسماعيل بن بشار، عن علي بن جعفر الحضرمي، عن جابر، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ، قال: «ذلك عند قيام القائم (عجل الله فرجه)».

7109/ [3]- و عنه، قال: حدثنا الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن منصور، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا، قال: «و ذلك عند قيام القائم (عليه السلام)، إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ. قال: «الكنوز التي كانوا يكنزون قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً. بالسيف خامِدِينَ لا تبقى منهم عين تطرف».

7110/ [4]- العياشي: عن عبد الأعلى الحلبي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث يذكر فيه خروج القائم (عليه السلام): «لكأني أنظر إليهم- يعني القائم (عليه السلام) و أصحابه- مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا كأن قلوبهم زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهرا و خلفه شهرا،

__________________________________________________

1- الكافي 8: 51/ 15.

2- تأويل الآيات 1: 326/ 6.

3- تأويل الآيات 1: 326/ 7.

4- تفسير العيّاشي 2: 56/ 49.

(1) في المصدر: يسألهم الكنوز و هو أمام.

(2) زاد في

النسخ: و هو سعيد بن عبد الملك الأموي، صاحب سعيد بالرحبة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 805

أمده الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، حتى إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبدوا ليلتكم هذه، فيبيتون بين راكع و ساجد يتضرعون إلى الله، حتى إذا أصبح قال: خذوا بنا طريق النخيلة، و على الكوفة جند مجندة» قلت:

و جند مجندة؟ قال: «إي و الله، حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم (عليه السلام) بالنخيلة، فيصلي فيه ركعتين، فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئيها و غيرهم من جيش السفياني، فيقول لأصحابه: استطردوا لهم. ثم يقول: كروا عليهم،- قال أبو جعفر (عليه السلام)- و لا يجوز- و الله- الخندق منهم مخبر.

ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها، أوحن إليها، و هو قول أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم يقول لأصحابه: سيروا إلى هذا الطاغية، فيدعوه إلى كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه و آله) فيعطيه السفياني من البيعة مسلما، فيقول له كلب، و هم أخواله: ما هذا الذي صنعت؟ و الله ما نبايعك على هذا أبدا. فيقول ما أصنع؟ فيقولون:

استقبله فيستقبله، ثم يقول له القائم (عليه السلام): خذ حذرك فإنني أديت إليك، و أنا مقاتلك. فيصبح فيقاتلهم فيمنحه الله أكتافهم، و يأخذ السفياني أسيرا، فينطلق به و يذبحه بيده.

ثم يرسل جريدة خيل «1» إلى الروم فيستحذرون بقية بني امية، فإذا انتهوا إلى الروم قالوا: أخرجوا إلينا أهل ملتنا عندكم- فيأبون، و يقولون: و الله لا نفعل: فيقول الجريدة: و الله لو أمرنا لقاتلناكم، ثم ينطلقون إلى صاحبهم فيعرضون ذلك عليه، فيقول انطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم، فإن هؤلاء قد أتوا بسلطان. و هو قول الله عز و جل:

فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا

إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قال: يعني الكنوز التي كنتم تكنزون، قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ لا يبقى منهم مخبر».

و الحديث طويل تقدم بطوله في قوله تعالى: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ من سورة الأنفال «2».

و قد مضى حديث في معنى الآية في قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ ءٍ في سورة الأنعام بهذا المعنى «3».

7111/ [5]- محمد بن يعقوب، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعظ الناس، و يزهدهم في الدنيا، و يرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و حفظ عنه و كتب- و ذكر الحديث إلى أن قال (عليه السلام): «و لقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم، حيث قال: وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً،

__________________________________________________

5- الكافي 8: 72/ 29.

(1) يقال: ندب القائد جريدة من الخيل: إذا لم ينهض معهم راجلا، و الجريدة من الخيل: الجماعة جرّدت من سائرها لوجه. «لسان العرب- جرد- 3: 118». [.....]

(2) تقدّم في الحديث (3) من تفسير الآية (39) من سورة الأنفال.

(3) تقدّم في الحديث (4) من تفسير الآية (44- 45) من سورة الأنعام.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 806

و إنما عنى بالقرية أهلها، حيث يقول وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها

قَوْماً آخَرِينَ فقال الله عز و جل: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ يعني يهربون، قال: لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ، فلما أتاهم العذاب قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ و ايم الله إن هذه موعظة لكم و تخويف إن اتعظتم و خفتم.

ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي و الذنوب، فقال الله عز و جل: وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ «1». فإن قلتم- أيها الناس- إن الله عز و جل إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذلك و هو يقول: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ «2»؟

اعلموا- عباد الله- أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، و لا تنشر لهم الدواوين، و إنما يحشرون إلى جهنم زمرا، و إنما نصب الموازين و نشر الدواوين لأهل الإسلام، فاتقوا الله، عباد الله».

سورة الأنبياء(21): الآيات 16 الي 18 ..... ص : 806

قوله تعالى:

وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ- إلى قوله تعالى- وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [16- 18]

7112/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الأعلى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغناء، و قلت: إنهم يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) رخص في أن يقال: جيناكم جيناكم، حيونا حيونا نحييكم؟

فقال: «كذبوا، إن الله عز و جل يقول: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ

لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ»، ثم قال: «ويل لفلان مما يصف»- رجل لم يحضر المجلس-.

7113/ [2]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، رفعه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ليس من باطل يقوم بإزاء الحق إلا غلب الحق الباطل، و ذلك قوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ».

__________________________________________________

1- الكافي 6: 433/ 12.

2- المحاسن: 226/ 152.

(1) الأنبياء 21: 46.

(2) الأنبياء 21: 47.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 807

7114/ [1]- و عنه: عن يعقوب بن يزيد، عن رجل، عن الحكم بن مسكين، عن أيوب بن الحر بياع الهروي «1» قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «يا أيوب، ما من أحد إلا و قد يرد «2» عليه الحق حتى يصدع قلبه، قبله أم تركه، و ذلك قول الله عز و جل في كتابه: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ».

سورة الأنبياء(21): الآيات 19 الي 20 ..... ص : 807

قوله تعالى:

وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ- إلى قوله تعالى- يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ [19- 20] 7115/ [2]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ، قال: يعني الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ أي لا يضعفون.

7116/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى، عن العباس بن موسى الوراق، عن يونس بن عبد الرحمن، عن داود بن فرقد العطار،

قال: قال لي بعض أصحابنا: أخبرني عن الملائكة، أ ينامون؟ فقلت: لا أدري. فقال: يقول الله عز و جل: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ. ثم قال: ألا أطرفك عن أبي عبد الله (عليه السلام) فيه بشي ء؟ قال: قلت: بلى.

فقال: سئل عن ذلك، فقال: «ما من حي إلا و ينام ما خلا الله وحده عز و جل، و الملائكة ينامون».

فقلت: يقول الله عز و جل: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ؟ قال: «أنفاسهم تسبيح».

7117/ [4]- ابن بابويه: بإسناده، عن الحسن بن علي، عن أبيه، علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، قال: «قال الله عز و جل: وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ، يعني الملائكة: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ، و قال الله تعالى في الملائكة: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ

__________________________________________________

1- المحاسن: 276/ 391.

2- تفسير القمي 2: 68.

3- كمال الدين و تمام النعمة: 666/ 8.

4- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 266/ 1.

(1) الهروي: نوع من الثياب منسوب إلى هراة، بلد من خراسان سابقا، و هي الآن من مدن أفغانستان. «أقرب الموارد 2: 1387».

(2) في المصدر: برز.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 808

لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ إلى قوله تعالى: مُشْفِقُونَ «1»».

سورة الأنبياء(21): الآيات 22 الي 23 ..... ص : 808

قوله تعالى:

لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا إلى قوله تعالى- وَ هُمْ يُسْئَلُونَ [22 و 23]

7118/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم، في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد

الله (عليه السلام)، و كان من قول أبي عبد الله (عليه السلام): «لا يخلو، قولك:

إنهما اثنان من أن يكونا قد يمين قويين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويا و الآخر ضعيفا، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه و يتفرد بالتدبير؟ و إن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف، ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني. فإن قلت: إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة، أو متفرقين من كل جهة، فلما رأينا الخلق منتظما، و الفلك جاريا، و التدبير واحدا، و الليل و النهار و الشمس و القمر، دل صحة الأمر و التدبير و ائتلاف الأمر على أن المدبر واحد.

ثم يلزمك إن ادعيت اثنين، فرجة ما بينهما، حتى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثا بينهما، قديما معهما فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتى تكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة».

قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «وجود الأفاعيل دلت على أن صانعا صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني، علمت أن له بانيا، و إن كنت لم تر الباني و لم تشاهده؟» قال: فما هو؟ قال: شي ء بخلاف الأشياء، ارجع بقولي إلى إثبات معنى، و أنه شي ء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم و لا صورة و لا يحس و لا يجس و لا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، و لا تنقصه الدهور، و لا تغيره الأزمان».

7119/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن

الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما الدليل عن أن الله واحد؟ قال: «اتصال التدبير، و تمام الصنع، كما قال الله عز و جل:

__________________________________________________

1- الكافي 1: 63/ 5.

2- التوحيد: 250/ 2. [.....]

(1) الأنبياء 21: 26- 28.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 809

لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا».

7120/ [3]- علي بن إبراهيم: رد على الثنوية، ثم قطع عز و جل حجة الخلق، فقال: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ.

7121/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب «1»، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن حمزة الشعراني العماري من ولد عمار بن ياسر، قال: حدثنا أبو محمد عبيد الله بن يحيى بن عبد الباقي الأذني، بأذنة، قال: حدثنا علي بن الحسن المعاني، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، قال: حدثنا محمد بن حجار، عن يزيد بن الأصم، قال: سأل رجل عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، ما تفسير (سبحان الله)؟

قال: إن في هذا الحائط رجلا إذا سئل أنبأ، و إذا سكت ابتدأ. فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: يا أبا الحسن، ما تفسير (سبحان الله)؟ قال: «هو تعظيم الله عز و جل و تنزيهه عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك».

و قد تقدمت الأحاديث في معنى (سبحان الله) في قوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ «2» إلى آخر الآية.

7122/ [5]- و

عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: «إن الله عز و جل خلق العرش أرباعا لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء و القلم و النور، ثم خلقه من أنوار «3» مختلفة فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، و نور اصفر اصفرت منه الصفرة، و نور أحمر احمرت منه الحمرة، و نور أبيض منه ابيض البياض و هو نور الأنوار و منه ضوء النهار.

ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه و يقدسه بأصوات مختلفة، و ألسنة غير مشتبهة، و لو أذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال و المدائن و الحصون، و لخسف البحار و لأهلك ما دونه.

له ثمانية أركان، يحمل «4» كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عز و جل، يسبحون بالليل و النهار

__________________________________________________

3- تفسير القمّي 2: 69.

4- معاني الأخبار: 9/ 3.

5- التوحيد: 324/ 1.

(1) الظاهر أنّه القرشي الرازي نزيل نيسابور، راجع سير أعلام النبلاء 16: 427.

(2) تقدّمت الأحاديث في تفسير الآية (108) من سورة يوسف.

(3) في «ج، ي»: أنواع.

(4) في «ج، ي» و المصدر: على.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 810

لا يفترون، و لو حس شي ء مما فوق ما قام لذلك طرفة عين، بينه و بين الإحساس الجبروت و الكبرياء و العظمة و القدس و الرحمة و العلم، و ليس وراء هذا مقال».

7123/ [6]- و

عنه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن عمران الدقاق (رحمه الله)، «قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العرش و الكرسي- و ذكر الحديث إلى أن قال (عليه السلام)-: «فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك و تعالى: رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، و هو وصف عرش الوحدانية، لأن قوما أشركوا كما قلت لك، قال تبارك و تعالى: رَبِّ الْعَرْشِ، رب الوحدانية عَمَّا يَصِفُونَ و قوما وصفوه بيدين، فقالوا: يد الله مغلولة. و قوما و صفوه بالرجلين، فقالوا: وضع رجله على صخرة بيت المقدس، فمنها ارتقى إلى السماء. و قوما و صفوه بالأنامل، فقالوا: إن محمدا (صلى الله عليه و آله) قال: إني وجدت برد أنامله على قلبي.

فلمثل هذه الصفات قال: رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ يقول: رب المثل الأعلى عما به مثلوه، و لله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شي ء، و لا يوصف و لا يتوهم، فذلك المثل الأعلى. و وصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم، فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال، و شبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به، فلذلك قال: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «1».

فليس له شبه و لا مثل و لا عدل، و له الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره، و هي التي وصفها الله في الكتاب، فقال: فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ «2» جهلا بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك، و هو لا يعلم، و يكفر به و هو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وَ ما

يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ «3»، فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان، إن الله تبارك و تعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء فهم الذين أعطاهم الفضل و خصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمدا (صلى الله عليه و آله) فكان الدليل على الله بإذن الله عز و جل حتى مضى دليلا هاديا، فقام من بعده وصيه (عليه السلام) دليلا هاديا على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الأئمة الراشدون (عليهم السلام)».

و الحديث طويل يأتي بتمامه في قوله تعالى: هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ من سورة النمل «4» إن شاء الله تعالى.

__________________________________________________

6- التوحيد: 323/ 1.

(1) الإسراء 17: 85.

(2) الأعراف 7: 180.

(3) يوسف 12: 106.

(4) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآية (26) من سورة النخل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 811

سورة الأنبياء(21): آية 24 ..... ص : 811

قوله تعالى:

هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي [24] 7124/ [1]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: هاتُوا بُرْهانَكُمْ، قال: أي حجتكم هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ أي خبر وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي أي خبرهم.

7125/ [2]- الطبرسي: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «بذكر من معي: من معه و ما هو كائن، و بذكر من قبلي: ما قد كان».

7126/ [3]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، عن مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في قوله عز و جل: هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي، قال: «ذكر من معي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و ذكر من قبلي: الأنبياء و الأوصياء (عليهم السلام)».

سورة الأنبياء(21): الآيات 26 الي 28 ..... ص : 811

قوله تعالى:

وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [26- 28] 7127/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: هو ما قالت النصارى: إن المسيح ابن الله: و ما قالت اليهود: عزيز ابن الله و قالوا في الأئمة (عليهم السلام) ما قالوا، فقال الله عز و جل أنفة «1» له: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ يعني هؤلاء الذين زعموا أنهم ولد الله، و جواب هؤلاء الذين زعموا ذلك في سورة الزمر، في قوله: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ «2».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 69. [.....]

2- مجمع البيان 7: 71.

3- تأويل الآيات 1: 327/ 9.

4- تفسير القمّي 2: 69.

(1) في المصدر: إبطالا.

(2) الزمر 39: 4.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 812

7128/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي بن حديد، عن منصور بن يونس، عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ، و أومأ بيده إلى صدره، و قال: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ».

7129/ [3]- ابن بابويه: بإسناده عن الحسن بن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام)، قال: قال الله تعالى في الملائكة: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ- إلى قوله-: مُشْفِقُونَ في حديث طويل تقدم بإسناده في قوله تعالى: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، من سورة البقرة «1».

7130/ [4]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، و من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي- ثم قال (صلى الله عليه و آله)- إنما شفاعتي لأهل الكبائر من امتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل».

قال: الحسين بن خالد: فقلت للرضا (عليه السلام): يا بن

رسول الله، فما معنى قول الله عز و جل: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ؟ قال: «لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه».

7131/ [5]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال: سمعت موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: «لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر و الجحود و أهل الضلال و أهل الشرك، و من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال الله تبارك و تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «2»».

قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فالشفاعة لمن تجب من المؤمنين «3»؟

فقال: «حدثني أبي، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: إنما شفاعتي

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 327/ 10.

3- عيون أخبار الرّضا 1: 266/ 1.

4- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 136/ 35.

5- التوحيد: 407/ 6.

(1) تقدم في الحديث (1) من تفسير الآية (102) من سورة البقرة، عن التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السّلام).

(2) النساء 4: 31.

(3) في المصدر: المذنبين.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 813

لأهل الكبائر من امتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل».

قال ابن أبي عمير: فقلت له: يا بن رسول الله، فيكف تكون الشفاعة لأهل الكبائر، و الله تعالى ذكره يقول:

وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى و من يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى به؟

فقال: «يا أبا أحمد، ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا ساءه ذلك، و ندم عليه، و قد قال النبي (صلى الله عليه و آله): كفى بالندم

توبة. و قال (عليه السلام): من سرته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن. فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن، و لم تجب له الشفاعة، و كان ظالما، و الله- تعالى ذكره- يقول: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ «1»».

فقلت له: يا بن رسول الله، و كيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه؟

فقال: «يا أبا أحمد، ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي، و هو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب، و متى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة، و متى لم يندم عليها كان مصرا، و المصر لا يغفر له لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب، و لو كان مؤمنا بالعقوبة لندم، و قد قال النبي (صلى الله عليه و آله): لا كبيرة مع الاستغفار، و لا صغيرة مع الإصرار.

و أما قول الله عز و جل: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ، فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه، و الدين: الإقرار بالجزاء على الحسنات و السيئات، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بمعاقبته «2» في القيامة».

سورة الأنبياء(21): آية 29 ..... ص : 813

قوله تعالى:

وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [29] 7132/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: قال: من زعم أنه إمام و ليس هو بإمام.

سورة الأنبياء(21): آية 30 ..... ص : 813

قوله تعالى:

أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 69.

(1) غافر 40: 18. [.....]

(2) في المصدر: بعاقبته.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 814

وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ [30]

7133/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن محمد ابن داود، عن محمد بن عطية، قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) من أهل الشام من علمائهم، فقال: يا أبا جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت علي أن أجد أحدا يفسرها، و قد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس، فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «ما ذاك؟».

قال: إني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه، فإن بعض من سألته قال: القدر و قال: بعضهم: القلم و قال بعضهم الروح.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «ما قالوا شيئا، أخبرك أن الله تبارك و تعالى كان و لا شي ء غيره، و كان عزيزا و لا أحد كان قبل عزه. و ذلك قوله: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ «1» و كان الخالق قبل المخلوق، و لو كان أول ما خلق من خلقه الشي ء من الشي ء إذن لم يكن له انقطاع أبدا، و لم يزل الله إذن و معه شي ء ليس هو يتقدمه، و لكنه كان إذ لا شي ء غيره، و خلق الشي ء الذي جميع

الأشياء منه. و هو (الماء) الذي خلق الأشياء منه، فجعل نسب كل شي ء إلى الماء، و لم يجعل للماء نسبا يضاف إليه.

و خلق الريح من الماء، ثم سلط الريح على الماء، فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء الله أن يثور، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع و لا نقب و لا صعود و لا هبوط، و لا شجرة، ثم طواها فوضعها فوق الماء، ثم خلق الله النار من الماء، فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور، فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع و لا نقب، و ذلك قوله: السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها «2». قال: و لا شمس، و لا قمر، و لا نجوم، و لا سحاب، ثم طواها فوضعها فوق الأرض، ثم نسب «3» الخلقتين فرفع السماء قبل الأرض، فذلك قوله عز ذكره: وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها «4» يقول: بسطها».

فقال له الشامي: يا أبا جعفر، قول الله عز و جل: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما؟

فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقا متلازقتين متلاصقتين ففتقت إحداهما من الاخرى؟». فقال: نعم.

__________________________________________________

1- الكافي 8: 94/ 67.

(1) الصافّات 37: 180.

(2) النازعات 79: 28- 29.

(3) في نسخة من «ط» زيادة: إلى.

(4) النازعات 79: 30.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 815

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «استغفر ربك، فإن قول الله عز و جل: كانَتا رَتْقاً يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر، و كانت الأرض رتقا لا

تنبت الحب، فلما خلق الله تبارك و تعالى الخلق، و بث فيها من كل دابة، فتق السماء بالمطر، و الأرض بنبات الحب».

فقال الشامي: أشهد أنك من ولد الأنبياء، و أن علمك علمهم».

7134/ [2]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، و أبي منصور، عن أبي الربيع، قال: حججنا مع أبي جعفر (عليه السلام) في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك، و كان معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفر (عليه السلام) في ركن البيت، و قد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين، من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي. فقال: أشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي، أو ابن نبي، أو وصي نبي.

قال: فاذهب إليه و سله لعلك تخجله. فجاء نافع حتى اتكأ على الناس، ثم أشرف على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال: يا محمد بن علي، إني قرأت التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان، و قد عرفت حلالها و حرامها، و قد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي. قال فرفع أبو جعفر (عليه السلام) رأسه. فقال: «سل عما بدا لك». و ذكر المسائل، و أجابه (عليه السلام) عنها، فكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن قول الله عز و جل:

أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما؟

فقال (عليه السلام): «إن الله تبارك و تعالى أهبط آدم إلى الأرض و كانت السماوات رتقا

لا تمطر شيئا، و كانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا، فلما تاب الله عز و جل على آدم (عليه السلام): أمر السماء فتقطرت بالغمام، ثم أمرها فأرخت عزاليها «1»، ثم أمر الأرض فانبتت الأشجار، و أثمرت الثمار، و تفهقت «2» بالأنهار، فكان ذلك رتقها و هذا فتقها». فقال نافع: صدقت، يا بن رسول الله.

و قد ذكرت الحديث بتمامه في سورة الأعراف، في قوله تعالى: وَ نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ «3».

7135/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: خرج هشام بن عبد الملك حاجا و معه الأبرش الكلبي، فلقيا أبا عبد الله (عليه السلام) في المسجد الحرام، فقال هشام للأبرش: تعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا الذي تزعم الشيعة أنه نبي

__________________________________________________

2- الكافي 8: 120/ 93.

3- تفسير القمّي 2: 69.

(1) العزالي: جمع العزلاء، و هو مصبّ الماء من القربة و نحوها. و أرخت السماء عزاليها، انهمرت بالمطر. «المعجم الوسيط- عزل- 3: 599».

(2) الفهق: الامتلاء «الصحاح- فهق- 4: 1545».

(3) تقدّم في الحديث (31) من تفسير الآية (46- 50) من سورة الأعراف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 816

من كثرة علمه، فقال الأبرش: لأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي. فقال هشام: وددت أنك فعلت ذلك.

فلقي الأبرش أبا عبد الله (عليه السلام)، فقال: يا أبا عبد الله، أخبرني عن قول الله عز و جل: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فبما كان رتقهما، و بما كان فتقهما؟

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا أبرش،

هو كما وصف نفسه، و كان عرشه على الماء، و الماء على الهواء، و الهواء لا يحد، و لم يكن يومئذ خلق غيرهما، و الماء يومئذ عذب فرات، فلما أراد الله أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا، ثم أزبد فصار زبدا واحدا، فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد، ثم دحا الأرض من تحته، فقال الله تبارك و تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً «1» ثم مكث الرب تبارك و تعالى ما شاء، فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور، حتى أزبدتها، فخرج من ذلك الموج و الزبد، من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السماء، و جعل فيها البروج و النجوم و منازل الشمس و القمر، و أجراها في الفلك، و كانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر، و كانت الأرض غبراء على لون الماء العذب، و كانتا مرتقتين ليس لهما أبواب، و لم يكن للأرض أبواب، و هي النبت، و لم تمطر السماء عليها فتنبت، ففتق السماء بالمطر، و فتق الأرض بالنبات، و ذلك قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما.

فقال الأبرش: و الله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط، أعد علي، فأعاد عليه، و كان الأبرش ملحدا فقال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أنك ابن نبي. قالها ثلاث مرات.

7136/ [4]- المفيد في (الاختصاص) قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: حدثنا الحسين بن مهران، قال: حدثني الحسين بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن

أبي طالب (صلوات الله عليهم)، قال: «جاء يهودي إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: يا محمد، أنت الذي تزعم أنك رسول الله، و أنه أوحى إليك كما أوحى إلى موسى بن عمران؟ قال: نعم، أنا سيد ولد آدم و لا فخر، أنا خاتم النبيين، و إمام المتقين، و رسول رب العالمين.

فقال: يا محمد، إلى العرب أرسلت، أم إلى العجم، أم إلينا؟ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إني رسول الله إلى الناس كافة. و سأله اليهودي عن مسائل، و أجابه (صلى الله عليه و آله) عنها، و في كل جواب مسألة يقول اليهودي له:

صدقت. فكان فيما سأله أن قال: أخبرني عن فضلك على النبيين، و فضل عشيرتك على الناس.

__________________________________________________

4- الاختصاص: 33.

(1) آل عمران 3: 96.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 817

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): أما فضلي على النبيين فما من نبي إلا دعا على قومه، و أنا أخرت «1» دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة، و أما فضل عشيرتي و أهل بيتي و ذريتي كفضل الماء على كل شي ء، و بالماء يبقى كل شي ء، و يحيا، كما قال ربي تبارك و تعالى: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ، و بمحبة أهل بيتي و عشيرتي و ذريتي يستكمل الدين. قال: صدقت يا محمد».

7137/ [5]- عبد الله بن جعفر الحميري: بإسناده عن الحسين بن علوان، عن جعفر (عليه السلام)، قال: كنت عنده جالسا إذ جاء رجل فسأله عن طعم الماء، و كانوا يظنون أنه زنديق، فأقبل أبو عبد الله (عليه السلام) يصوب «2» فيه و يصعد، ثم قال له: «ويلك، طعم الماء طعم الحياة، إن الله عز

و جل يقول: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ».

7138/ [6]- الطبرسي: روى العياشي بإسناده عن الحسين بن علوان، قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن طعم الماء، فقال: «سل تفقها و لا تسأل تعنتا «3»، طعم الماء طعم الحياة، قال الله سبحانه: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ».

7139/ [7]- المفيد في (الإرشاد): روى العلماء أن عمرو بن عبيد وفد على محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ليمتحنه بالسؤال، فقال له: جعلت فداك، ما معنى قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما، ما هذا الرتق و الفتق؟

فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «كانت السماء رتقا لا تنزل القطر، و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات». فانقطع عمرو و لم يجد اعتراضا، و مضى ثم عاد إليه، فقال له: أخبرني- جعلت فداك- عن قوله عز و جل: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى «4»، ما غضب الله عز و جل؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «غضب الله: عقابه- يا عمرو- و من ظن أن الله يغيره شي ء فقد كفر».

و رواه الطبرسي في (الاحتجاج) قال: روي أن عمرو بن عبيد وفد على محمد بن علي الباقر (عليه السلام) لامتحانه بالسؤال «5»، و ذكر الحديث بعينه.

__________________________________________________

5- قرب الإسناد: 55. [.....]

6- مجمع البيان 7: 72.

7- الإرشاد: 265.

(1) في المصدر: اخترت.

(2) صوب رأسه: خفضه. «أقرب الموارد- صوب- 1: 667».

(3) في «ج، ي»: تعسّفا.

(4) طه 20: 81.

(5) الاحتجاج: 326.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 818

سورة الأنبياء(21): الآيات 32 الي 35 ..... ص : 818

قوله تعالى:

وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً- إلى قوله تعالى- وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ [32- 35] 7140/ [1]- علي بن إبراهيم:

في قوله تعالى: وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً، يعني من الشياطين، أي لا يسترقون السمع. قال: و أما قوله: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ، فانه لما أخبر الله نبيه (صلى الله عليه و آله) بما يصيب أهل بيته من بعده، و ادعاء من ادعى الخلافة دونهم، اغتم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأنزل الله عز و جل: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً أي نختبركم وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ فأعلم ذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أنه لا بد أن تموت كل نفس.

و

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما، و قد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك، فقال: «كأن الموت فيها على غيرنا كتب، و كأن الحق فيها على غيرنا وجب، و كأن الذين نشيع من الأموات سفر «1» عما قليل إلينا راجعون. ننزلهم أجداثهم، و نأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة، و رمينا بكل جائحة «2».

أيها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، و تواضع من غير منقصة، و جالس أهل الفقه «3» و الرحمة، و خالط أهل الذل و المسكنة، و أنفق مالا جمعه في غير معصية.

أيها الناس، طوبى لمن ذلت نفسه، و طاب كسبه، و صلحت سريرته، و حسنت خليقته، و أنفق الفضل من ما له، و أمسك الفضل من كلامه، و عدل عن الناس شره، و وسعته السنة، و لم يتعد إلى البدعة.

أيها الناس، طوبى لمن لزم بيته، و أكل كسرته، و بكى على خطيئته، و كان من نفسه في تعب «4»، و

الناس منه في راحة».

7141/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حفص بن قرط، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من زعم أن الله تبارك و تعالى يأمر بالسوء و الفحشاء فقد كذب على الله، و من زعم أن الخير و الشر بغير مشيئة الله فقد أخرج

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 70.

2- التوحيد: 359/ 2.

(1) السفر: المسافر، للواحد و الجمع. «المعجم الوسيط- سفر- 1: 433».

(2) الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار و الأموال و تستأصلها. «النهاية 1: 311».

(3) في «ج»: الثقة.

(4) في المصدر، و «ط» نسخة بدل: في شغل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 819

الله من سلطانه، و من زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله، و من كذب على الله أدخله الله النار».

يعني بالخير و الشر: الصحة و المرض، و ذلك قوله عز و جل: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً.

7142/ [3]- الطبرسي: روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرض، فعاده إخوانه، فقالوا كيف تجدك، يا أمير المؤمنين؟ فقال: بشر. فقالوا: ما هذا كلام مثلك. فقال: إن الله تعالى يقول: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً فالخير: الصحة و الغنى، و الشر: المرض و الفقر».

سورة الأنبياء(21): آية 37 ..... ص : 819

قوله تعالى:

خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ [37] 7143/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: لما أجرى الله عز و جل في آدم روحه من قدميه فبلغت ركبتيه، أراد أن يقوم فلم يقدر، فقال عز و جل: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ.

7144/ [2]- الطبرسي: هو آدم، هم

بالوثوب، قال: ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام).

و تقدم حديث هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذا المعنى في قوله تعالى: وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا. «1»

سورة الأنبياء(21): آية 44 ..... ص : 819

قوله تعالى:

أَ فَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [44] تقدمت الروايات في معنى الآية في سورة الرعد «2».

سورة الأنبياء(21): الآيات 46 الي 47 ..... ص : 818

قوله تعالى:

وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ

__________________________________________________

3- مجمع البيان 7: 74. [.....]

1- تفسير القمّي 2: 71.

2- مجمع البيان 7: 76.

(1) تقدّم في الحديثين (3 و 4) من تفسير الآيات (9- 11) من سورة الاسراء.

(2) تقدمت في الأحاديث (1- 5) من تفسير الآيات (41- 42) من سورة الرعد.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 820

وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ- إلى قوله تعالى- وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ [46- 47]

7145/ [1]- محمد بن يعقوب، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن الحسين (عليه السلام)، في حديث يعظ فيه الناس، قال فيه (عليه السلام): «ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي و الذنوب، فقال الله عز و جل: وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ، فإن قلتم- أيها الناس- إن الله عز و جل إنما عني بهذا أهل الشرك، فكيف ذلك، و هو يقول: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ؟

اعلموا- عباد الله- أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، و لا تنشر لهم الدواوين، و إنما يحشرون إلى جهنم زمرا، و إنما نصب الموازين و نشر الدواوين لأهل الإسلام، فاتقوا الله، عباد الله».

و الحديث تقدم بتمامه

في قوله تعالى: وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ «1».

7146/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن إبراهيم الهمداني، يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، قال:

«الأنبياء، و الأوصياء (عليهم السلام)».

7147/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم البلخي «2»، عن محمد بن أحمد بن عبد الله بن زياد العزرمي، قال: حدثنا علي بن حاتم المنقري، عن هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ. قال: «هم الأنبياء و الأوصياء (عليهم السلام)».

7148/ [4]- ابن شهر آشوب: عن ابن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ. قال: «الرسل، و الأئمة من آل بيت محمد (عليهم السلام)».

__________________________________________________

1- الكافي 8: 72/ 29 (قطعة منه).

2- الكافي 1: 347/ 36.

3- معاني الأخبار: 31/ 1.

4- المناقب 2: 151.

(1) تقدّم في الحديث (5) من تفسير الآيات (11- 15) من هذه السورة.

(2) في المصدر: العجلي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 821

7149/ [5]- البرسي، قال: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ قال ابن عباس الموازين: الأنبياء، و الأولياء.

7150/ [6]- الطبرسي، في (الاحتجاج): عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في حديث له مع زنديق، في جواب مسائله، قال (عليه السلام): «و أما قوله عز و جل: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فهو ميزان العدل، تؤخذ

به الخلائق يوم القيامة، يدين الله تعالى بعضهم من بعض، و يجزيهم بأعمالهم، و يقتص للمظلوم من الظالم.

و معنى قوله تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ «1» و مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ «2» فهو قلة الحساب، و كثرته، و الناس يومئذ على طبقات و منازل: فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا، و ينقلب إلى أهله مسرورا، و منهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لأنهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا بشي ء، و إنما الحساب هناك على من تلبس بها ها هنا، و منهم من يحاسب على النقير «3»، و القطمير «4»، و يصير إلى عذاب السعير، و منهم أئمة الكفر، و قادة الضلال، فأولئك لا يقيم لهم وزنا، و لا يعبأ بهم لأنهم لم يعبأوا بأمره و نهيه يوم القيامة، فهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار، و هم فيها كالحون».

7151/ [7]- و في (الاحتجاج) أيضا: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في حديث له مع سائل يسأله، قال: أ و ليس توزن الأعمال؟

قال (عليه السلام): «لا، إن الأعمال ليست بأجسام، و إنما هي صفة ما عملوا، و إنما يحتاج إلى وزن الشي ء من جهل عدد الأشياء، و لا يعرف ثقلها أو خفتها، و إن الله لا يخفى عليه شي ء».

قال: فما معنى الميزان؟ قال (عليه السلام): «العدل».

قال: فما معناه في كتابه: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ «5»؟ قال (عليه السلام): «فمن رجح عمله».

7152/ [8]- الأوسي عمر بن إبراهيم: قال ابن عباس: يجمع الله الخلائق في صعيد واحد، و تمد الأرض، و يزداد في سعتها بمقدارها، فبينما الخلائق وقوف إذ سمعوا فوق رؤوسهم وجبة «6» عظيمة، فيرفعون رؤوسهم

__________________________________________________

5- مشارق أنوار اليقين: 63.

6- الاحتجاج: 244.

7- الاحتجاج: 351.

8- .... [.....]

(1) الأعراف 7: 8.

(2) الأعراف 7:

9.

(3) النّقير: نقرة في ظهر النواة. «لسان العرب- نقر- 5: 228».

(4) القطمير: شقّ النواة، أو القشرة الدقيقة التي على النواة. «لسان العرب 5: 108».

(5) الأعراف 7: 8.

(6) الوجبة: صوت السّقوط. «النهاية 5: 154».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 822

و إذا بالسماء انشقت، و نزلت الملائكة، فيقولون: أ فيكم ربنا؟ و هم أكثر عددا من أهل الأرض، فيقولون: هو آت. ثم تنشق السماء الثانية، فتنزل الملائكة أكثر مما ذكرنا، فيأتيهم الخلائق، و يقولون: أ فيكم ربنا؟ فيقولون: هو آت، جل و علا.

و ساق الحديث، إلى أن قال: فيه: فعندها يكشف عن ساق و تطير القلوب، و تشخص الأبصار، و ينادي منادي الملك الخلاق: يا معشر الخلائق، ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، أين الحامدون لله على كل حال؟

فيقوم أناس قليلون إلى الجنة بغير حساب. ثم ينادي مناد ثان: أين الذين لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله؟ فيقوم أناس قليلون، فينطلقون إلى الجنة بغير حساب. ثم ينادي مناد ثالث: أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون؟ فيقوم أناس قليلون، فينطلقون إلى الجنة بغير حساب.

ثم يخرج من النار عنق أسود، له عينان ينظر بهما، و لسان يتكلم به، يعلو الخلائق، فينادي بصوت يسمعه القريب و البعيد: يا معشر الخلائق، إني وكلت اليوم على من زعم أن مع الله إلها آخر، فيلتقطهم من الصفوف كما يلتقط الطير الحب المنثور فيلقيهم في النار، ثم يخرج، فينادي: إني وكلت بالمصورين. فيلتقطهم، و يرميهم إلى النار، ثم يخرج، فيقول: إني وكلت علي من قال: إن لله صاحبة و ولدا. فيرميهم إلى النار، فإذا حصل هؤلاء إلى الجنة، و هؤلاء إلى النار، علقت

«1» الموازين و نصبت، و نشرت الدواوين، و تجلى رب العالمين للفصل بين العالمين.

7153/ [9]- قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن النعمان المفيد في شرحه لاعتقادات الشيخ أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن بابويه القمي، قال: و الموازين: هي التعديل بين الأعمال، و الجزاء عليها، و وضع كل جزاء في موضعه، و إيصال كل ذي حق إلى حقه فليس الأمر في معنى ذلك على ما ذهب إليه أهل الحشو من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا، لكل ميزان كفتان توضع الأعمال فيها، إذ الأعمال أعراض، و الأعراض لا يصح وزنها، و إنما توصف بالثقل و الخفة على وجه المجاز، و المراد بذلك: أن ما ثقل منها: هو ما كثر، و استحق عليه عظيم الثواب، و ما خف منها: ما قل قدره، و لم يستحق عليه جزيل الثواب.

و الخبر الوارد أن أمير المؤمنين، و الأئمة من ذريته (عليهم السلام) هم الموازين، فالمراد: أنهم المعدلون بين الأعمال فيما يستحق عليها، و الحاكمون فيها بالواجب و العدل. و ما قاله- (رحمه الله)- هو الصواب.

7154/ [10]- و قال علي بن إبراهيم: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، قال: المجازاة: وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، أي جازينا بها، و هي ممدودة آتينا بها.

و ستأتي- إن شاء الله تعالى- أحاديث في صفة المحشر، في آخر سورة الزمر «2»، و غيرها.

__________________________________________________

9- تصحيح الاعتقاد: 93.

10- تفسير القمّي 2: 71.

(1) في «ط»: غلقت.

(2) يأتي في تفسير الآية (69) من سورة الزمر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 823

سورة الأنبياء(21): الآيات 51 الي 71 ..... ص : 823

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ- إلى قوله تعالى- فِيها لِلْعالَمِينَ [51- 71] 7155/ [1]- و قال علي

بن إبراهيم: ثم حكى الله عز و جل قول إبراهيم لقومه و أبيه فقال: وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ إلى قوله تعالى بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ.

قال: فلما نهاهم إبراهيم (عليه السلام)، و احتج عليهم في عبادتهم الأصنام فلم ينتهوا، فحضر عيد لهم، فخرج نمرود، و جميع أهل مملكته إلى عيدهم، و كره أن يخرج معه إبراهيم، فوكله ببيت الأصنام فلما ذهبوا، عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت الأصنام، فكان يدنو من صنم صنم، و يقول له: كل، و تكلم فإذا لم يجبه أخذ القدوم «1» فكسر يده و رجله، حتى فعل ذلك بجميع الأصنام، ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم، الذي كان في الصدر.

فلما رجع الملك و من معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسرة، فقالوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ، و هو ابن آزر، فجاءوا به إلى نمرود، فقال نمرود لآزر خنتني، و كتمت هذا الولد عني؟ فقال: أيها الملك، هذا عمل امه، و ذكرت أنها تقوم بحجته.

فدعا نمرود ام إبراهيم، فقال لها: ما حملك على أن كتمتني أمر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل؟ فقالت:

أيها الملك، نظرا مني لرعيتك. قال: و كيف ذلك؟ قالت: رأيتك تقتل أولاد رعيتك، فكان يذهب النسل، فقلت: إن كان هذا الذي يطلبه دفعته إليه ليقتله، و يكف عن قتل أولاد الناس، و إن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا، و قد ظفرت به، فشأنك، و كف عن أولاد الناس، فصوب رأيها، ثم قال لإبراهيم (عليه السلام): مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا يا إبراهيم؟

قال (عليه السلام): فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ.

قال الصادق (عليه السلام): «و

الله ما فعله كبيرهم، و ما كذب إبراهيم (عليه السلام) فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: «إنما قال: فعله كبيرهم هذا إن نطق، و إن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا».

فاستشار نمرود قومه في إبراهيم (عليه السلام)، فقالوا له حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ

فقال الصادق (عليه السلام): «كان فرعون إبراهيم و أصحابه لغير رشدة، فإنهم قالوا لنمرود: حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ و كان فرعون موسى و أصحابه لرشدة، فإنه لما استشار أصحابه في موسى قالوا: أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ «2»».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 71.

(1) القدوم: آلة للنّجر. «المعجم الوسيط- قدم- 2: 72».

(2) الشعراء 26: 36 و 37.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 824

فحبس إبراهيم (عليه السلام)، و جمع له الحطب، حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم (عليه السلام) في النار. برز نمرود و جنوده- و قد كان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم (عليه السلام) كيف تأخذه النار- فجاء إبليس و اتخذ لهم المنجنيق، لأنه لم يقدر أحد أن يقرب من تلك النار، و كان الطائر إذا مر في الهواء يحترق، فوضع إبراهيم (عليه السلام) في المنجنيق، و جاء أبوه فلطمه لطمة، و قال له: ارجع عما أنت عليه.

و أنزل الرب ملائكة إلى السماء الدنيا، و لم يبق شي ء إلا طلب إلى ربه، و قالت الأرض: يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره، فيحرق؟ و قالت الملائكة: يا رب خليلك إبراهيم يحرق؟ فقال الله عز و جل: أما إنه إن دعاني كفيته. و قال جبرئيل (عليه السلام): يا رب، خليلك إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره،

فسلطت عليه عدوه يحرقه بالنار؟ فقال: اسكت، إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت، و هو عبدي آخذه إن شئت، فإذا دعاني أجبته.

فدعا إبراهيم (عليه السلام) ربه بسورة الإخلاص: «يا الله، يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، نجني من النار برحمتك». قال: فالتقى جبرئيل معه في الهواء و قد وضع في المنجنيق، فقال: يا إبراهيم، هل لك إلي من حاجة؟ فقال إبراهيم (عليه السلام) أما إليك فلا، و أما إلى رب العالمين فنعم. فدفع إليه خاتما مكتوبا عليه: «لا إله إلا الله محمد رسول الله، ألجأت ظهري إلى الله، و أسندت أمري إلى الله، و فوضت أمري إلى الله». فأوحى الله إلى النار: كُونِي بَرْداً فاضطربت أسنان إبراهيم (عليه السلام) من البرد حتى قال: وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ.

و انحط جبرئيل، و جلس معه يحدثه في النار «1»، فنظر إليه نمرود، فقال: من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم. فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود: إني عزمت على النار أن لا تحرقه. فخرج عمود من النار و نحو الرجل فأحرقه، فآمن له لوط و خرج معه مهاجرا إلى الشام، و نظر نمرود إلى إبراهيم (عليه السلام) في روضة خضراء في النار، و معه شيخ يحدثه، فقال لآزر: ما أكرم ابنك على ربه! قال: و كان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم، و كان الضفدع يذهب بالماء ليطفئ به النار. قال: و لما قال الله للنار:

كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً لم تعمل النار في الدنيا ثلاثة أيام، ثم قال الله عز و جل: وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ، و قال الله عز و جل: وَ

نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ يعني الشام، و سواد الكوفة، و كوثى ربا «2».

7156/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حجر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خالف إبراهيم (عليه السلام) قومه، و عاب آلهتهم حتى ادخل على

__________________________________________________

2- الكافي 8: 368/ 559. [.....]

(1) في نسخة من «ط» زيادة: و هم في روضة خضراء.

(2) كوثى- بالعراق- في موضعين: كوثى الطريق: و كوثى ربا، و بها مشهد إبراهيم الخليل (عليه السّلام)، و هما قريتان، و بينهما تلول من رماد يقال إنّها رماد النار التي أوقدها نمرود لإحراقه. مراصد الإطلاق 3: 1185.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 825

نمرود، فخاصمه، فقال إبراهيم (عليه السلام). رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ «1». قال: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ «2» قال:

إبراهيم: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «3».

قال أبو جعفر (عليه السلام): عاب آلهتهم: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ «4»، قال أبو جعفر (عليه السلام): و الله ما كان سقيما، و ما كذب.

فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم، دخل إبراهيم (صلى الله عليه و آله) إلى آلهتهم بقدوم، فكسرها إلا كبيرا لهم، و وضع القدوم في عنقه، فرجعوا إلى آلهتهم، فنظروا إلى ما صنع بها، فقالوا: لا و الله، ما اجترأ عليها، و لا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها و يبرأ منها. فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار، فجمع له الحطب و استجادوه، حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه، برز له نمرود و

جنوده، و قد بني له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار، و وضع إبراهيم (صلى الله عليه) في منجنيق، و قالت الأرض: يا رب، ليس على ظهري أحد يعبدك غيره، يحرق بالنار؟ فقال الرب: إذا دعاني كفيته».

7157/ [3]- عن أبان، عن محمد بن مروان، عمن رواه عن أبي جعفر (عليه السلام): «أن دعاء إبراهيم (عليه السلام) يومئذ كان: يا أحد، يا أحد، يا صمد، يا صمد، يا من لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد. ثم توكلت على الله. فقال الرب تبارك و تعالى: كفيت، فقال للنار: كُونِي بَرْداً فاضطربت أسنان إبراهيم (صلى الله عليه) من البرد، حتى قال الله عز و جل: وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ.

و انحط جبرئيل (عليه السلام) فإذا هو جالس مع إبراهيم (صلى الله عليه) يحدثه في النار، قال نمرود: من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم- قال- فقال عظيم من عظمائهم: إني عزمت على النار أن لا تحرقه. فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه- قال- فآمن له لوط، و خرج مهاجرا إلى الشام هو و سارة و لوط».

7158/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن جعفر الأسدي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد الشامي، قال: حدثنا إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن موسى بن عمران (عليه السلام) لما رأى حبالهم و عصيهم، كيف أوجس في نفسه خيفة و لم يوجسها إبراهيم (عليه السلام) حين وضع في المنجنيق و قذف به على النار؟

فقال (عليه السلام): «إن إبراهيم (عليه السلام) حين وضع في المنجنيق،

و قذف به في النار كان مستندا على ما في صلبه من أنوار حجج الله عز و جل، و لم يكن موسى (عليه السلام) كذلك، فلذلك أوجس في نفسه خيفة، و لم يوجسها

__________________________________________________

3- الكافي 8: 369/ 559.

4- أمالي الصدوق: 521/ 2.

(1) البقرة 2: 258.

(2) البقرة 2: 258.

(3) البقرة 2: 258.

(4) الصافات 37: 88 و 89.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 826

إبراهيم (عليه السلام)».

7159/ [5]- و عنه: عن محمد بن علي ماجيلويه، قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن هلال، عن الفضل بن دكين، عن معمر بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)- في حديث- قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن إبراهيم (عليه السلام) لما ألقي في النار، قال: اللهم إني أسألك بحق محمد و آل محمد لما نجيتني منها، فجعلها الله عليه بردا و سلاما».

7160/ [6]- و عنه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رضي الله عنه)، قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات، قال: حدثنا محمد بن زياد الأزدي، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)- في حديث يذكر فيه ما ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن- قال: «و منها الشجاعة، و قد كشفت الأيام عنه، بدلالة قوله عز و جل: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَ أَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَ تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ و مقاومة الرجل الواحد الوفا من أعداء الله عز و جل تمام الشجاعة».

7161/ [7]- الشيخ في (أماليه) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن وهبان الهنائي البصري، قال: حدثني أحمد بن إبراهيم بن أحمد، قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، قال: حدثني أحمد بن محمد بن خالد البرقي أبو جعفر، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان لنمرود مجلس يشرف منه على النار، فلما كان بعد ثلاثة، أشرف على النار هو و آزر، فإذا إبراهيم (عليه السلام) مع شيخ يحدثه في روضة خضراء- قال- فالتفت نمرود إلى آزر، فقال: يا آزر، ما أكرم ابنك على ربه!- قال- ثم قال نمرود لإبراهيم (عليه السلام): اخرج عني، و لا تساكني».

7162/ [8]- عمر بن إبراهيم الأوسي: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لجبرئيل (عليه السلام): «أنت مع قوتك هل عييت قط- يعني أصابك تعب و مشقة-؟» قال: نعم- يا محمد- ثلاث مرات: يوم القي إبراهيم (عليه السلام) في النار، أوحى الله تعالى إلي: أن أدركه، فوعزتي و جلالي لئن سبقك إلى النار لأمحون اسمك من ديوان الملائكة: فنزلت إليه بسرعة، و أدركته بين النار و الهواء، فقلت: يا إبراهيم، هل لك حاجة؟ قال: إلى الله فنعم، و أما إليك فلا.

و الثانية: حين أمر إبراهيم بذبح ولده إسماعيل أوحى الله تعالى إلي: أن أدركه، فوعزتي و جلالي

لئن سبقتك

__________________________________________________

5- أمالي الصدوق: 181/ 4.

6- معاني الأخبار: 126/ 1.

7- الأمالي 2: 273.

8- ...

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 827

السكين إلى حلقه لأمحون اسمك من ديوان الملائكة. فنزلت بسرعة حتى حولت السكين و أقبلتها في يده و أتيته بالفداء.

و الثالثة: حين رمي يوسف (عليه السلام) في الجب، أوحى الله تعالى إلي: يا جبرئيل أدركه فو عزتي و جلالي لئن سبقك إلى قعر الجب لأمحون اسمك من ديوان الملائكة. فنزلت إليه بسرعة، و أدركته إلى الفضاء، و رفعته إلى الصخرة التي كانت في قعر الجب، و أنزلته عليها سالما، فعييت.

و كان الجب مأوى الحيات و الأفاعي فلما حست به، قالت كل واحدة لصاحبتها: إياك أن تتحركي، فإن نبيا كريما انزل بنا، و حل بساحتنا. فلم تخرج واحدة من وكرها إلا الأفاعي، فإنها خرجت و أرادت لدغه، فصحت بهن صيحة صمت آذانهن إلى يوم القيامة».

7163/ [9]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن الحسن بن عمارة، عن نعيم القضاعي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: أصبح إبراهيم (عليه السلام) فرأى في لحيته شعرة بيضاء، فقال: الحمد لله رب العالمين الذي أبلغني هذا المبلغ، لم أعص الله طرفة عين».

7164/ [10]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن الحسن الصيقل، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا قد روينا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول يوسف (عليه السلام): أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ «1»، فقال: «و الله ما سرقوا، و

ما كذب». و قال إبراهيم (عليه السلام):

بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ، فقال: «و الله ما فعلوا، و ما كذب».

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما عندكم فيها، يا صيقل؟» قلت: ما عندنا فيها إلا التسليم.

قال: فقال: «إن الله أحب اثنين، و أبغض اثنين: أحب الخطر «2» فيما بين الصفين، و أحب الكذب في الإصلاح، و أبغض الخطر في الطرقات، و أبغض الكذب في غير الإصلاح. إن إبراهيم (عليه السلام) إنما قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا إرادة الإصلاح، و دلالة على أنهم لا يفعلون «3»، و قال يوسف (عليه السلام) إرادة الإصلاح».

7165/ [11]- و عنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحجال، عن ثعلبة، عن معمر بن عمرو، عن عطاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا كذب على مصلح، ثم تلا:

__________________________________________________

9- الكافي 8: 391/ 588.

10- الكافي 2: 255/ 17. [.....]

11- الكافي 2: 256/ 22.

(1) يوسف 12: 70.

(2) خطر في مشيه خطرا: اهتزّ و تبختر. «المعجم الوسيط- خطر- 1: 243». في «ط»: الخطوة، في الموضعين.

(3) في «ط»: يعقلون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 828

أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ «1»، ثم قال: و الله ما سرقوا، و ما كذب. ثم تلا: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ. ثم قال: و الله ما فعلوه، و ما كذب».

7166/ [12]- ابن بابويه: عن أبيه (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن أبي إسحاق إبراهيم بن هاشم، عن صالح بن سعيد، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز

و جل في قصة إبراهيم (عليه السلام): قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ. قال: «ما فعله كبيرهم، و ما كذب إبراهيم (عليه السلام)».

قلت: و كيف ذاك؟ قال: «إنما قال إبراهيم (عليه السلام): فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ، إن نطقوا فكبيرهم فعله، و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا، و ما كذب إبراهيم (عليه السلام)».

سورة الأنبياء(21): آية 72 ..... ص : 828

قوله تعالى:

وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ [72] 7167/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: ولد الولد، و هو يعقوب.

7168/ [2]- ابن بابويه: عن أبيه (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن عيسى بن محمد «2»، عن علي بن مهزيار، عن أحمد بن محمد البزنطي، عن يحيى بن عمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً، قال: «ولد الولد نافلة».

سورة الأنبياء(21): آية 73 ..... ص : 828

قوله تعالى:

وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ- إلى قوله تعالى- وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ [73]

7169/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو المفضل (رحمه الله)، قال: حدثني محمد بن علي بن شاذان بن خباب «3»

__________________________________________________

12- معاني الأخبار: 209/ 1.

1- تفسير القمّي 2: 73.

2- معاني الأخبار: 224.

3- كفاية الأثر: 297.

(1) يوسف 12: 70.

(2) في المصدر: محمّد بن أحمد بن عيسى بن محمّد.

(3) في المصدر: ابن حباب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 829

الأزدي الخلال بالكوفة، قال: حدثني الحسن بن محمد بن عبد الواحد، قال: حدثني الحسن بن الحسين العرني، قال: حدثني يحيى بن يعلى الأسلمي، عن عمر بن موسى الوجيهي، عن زيد بن علي (عليه السلام)، قال: كنت عند أبي علي بن الحسين (عليهما السلام)، إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر، فأشخص جابر ببصره نحوه، ثم قال له: يا غلام، أقبل. فأقبل، ثم قال: أدبر. فأدبر، فقال: شمائل كشمائل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ما اسمك، يا غلام؟ قال: «محمد». قال: ابن من؟ قال: «ابن علي بن الحسين بن

علي بن أبي طالب (عليهم السلام)». قال: إذن أنت الباقر، فانكب عليه، و قبل رأسه و يديه، ثم قال: يا محمد، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقرئك السلام. قال: «و على رسول الله أفضل السلام، و عليك يا جابر بما فعلت السلام».

ثم عاد إلى مصلاه، فأقبل يحدث أبي، و يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال لي يوما: «يا جابر، إذا أدركت ولدي محمدا فأقرئه مني السلام، أما أنه سميي، و أشبه الناس بي، علمه علمي، و حكمه حكمي، سبعة من ولده أمناء معصومون، أئمة أبرار، و السابع منهم: مهديهم الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما». ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه و آله): وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ.

7170/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، و محمد بن الحسين، عن محمد ابن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الأئمة في كتاب الله عز و جل إمامان: قال الله تعالى: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا، لا بأمر الناس، يقدمون أمر الله قبل أمرهم، و حكم الله قبل حكمهم.

و قال: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ «1» يقدمون أمرهم قبل أمر الله، و حكمهم قبل حكم الله، و يأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عز و جل».

و رواه المفيد في (أماليه) عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن جعفر،

عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «الأئمة في كتاب الله إمامان» و ذكر الحديث إلى آخره، ببعض التغيير اليسير في بعض الألفاظ بما لا يغير المعنى «2».

7171/ [3]- محمد بن العباس، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله عز و جل: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا.

قال أبو جعفر (عليه السلام): «يعني الأئمة من ولد فاطمة (عليهم السلام) يوحى إليهم بالروح في صدورهم، ثم ذكر ما

__________________________________________________

2- الكافي 1: 168/ 2.

3- تأويل الآيات 1: 328/ 12.

(1) القصص 28: 41. [.....]

(2) الاختصاص: 21.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 830

أكرمهم الله به فقال: فِعْلَ الْخَيْراتِ».

سورة الأنبياء(21): آية 74 ..... ص : 830

قوله تعالى:

وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ [74] 7172/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: كانوا ينكحون الرجال.

تقدمت أخبار قوم لوط في سورة هود، و الحجر «1»، و ستأتي- إن شاء الله تعالى- أخبار في ذلك في سورة الصافات، و غير ذلك «2».

سورة الأنبياء(21): الآيات 78 الي 79 ..... ص : 830

قوله تعالى:

وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً [78- 79]

7173/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن بعض أصحابنا، عن المعلى أبي عثمان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ.

فقال: «لا يكون النفش إلا بالليل، إن على صاحب الحرث أن يحفظه بالنهار، و ليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار، و إنما رعيها بالنهار و أرزاقها، فما أفسدت فليس عليها، و على صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا، و هو النفش، و إن داود (عليه السلام) حكم للذي أصاب «3» زرعه

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 73.

2- الكافي 5: 301/ 2.

(1) تقدم في تفسير الآيات (69- 83) من سورة هود، و في تفسير الآيات (48- 72) من سورة الحجر.

(2) يأتي في الحديث (1) من تفسير الآيتين (137، 138) من سورة الصافات، و في تفسير الآيات (27- 35) من سورة العنكبوت، و في تفسير الآيات (24- 47) من سورة الذاريات.

(3) كذا، و الظاهر: أصيب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 831

رقاب الغنم، و

حكم سليمان (عليه السلام) الرسل و الثلة، و هو اللبن و الصوف في ذلك العام».

و رواه الشيخ في (التهذيب) بإسناده عن الحسين بن سعيد بباقي السند و المتن، إلا أن فيه المعلى بن عثمان «1»، عن أبي بصير، و فيه أيضا: «إنما رعيها و أرزاقها بالنهار، فما أفسدت فليس عليها و لا على صاحبها شي ء» «2».

7174/ [2]- و عنه بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ قلت: حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة؟

فقال: «إنه كان أوحى الله عز و جل إلى النبيين قبل داود (عليه السلام) إلى أن بعث الله داود (عليه السلام): أي غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم، و لا يكون النفش إلا بالليل، فإن على صاحب الزرع أن يحفظه بالنهار، و على صاحب الغنم حفظ الغنم بالليل، فحكم داود (عليه السلام) بما حكمت به الأنبياء (عليهم السلام) من قبله.

و أوحى الله عز و جل إلى سليمان (عليه السلام): أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها، و كذلك جرت السنة بعد سليمان (عليه السلام)، و هو قول الله عز و جل: وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً فحكم كل واحد منهما بحكم الله عز و جل».

7175/ [3]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن بعض أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: وَ داوُدَ

وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ، قال: «لم يحكما، إنما كانا يتناظران: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ».

7176/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن عبد الله بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان في بني إسرائيل رجل له كرم، و نفشت فيه غنم لرجل آخر بالليل، و قضمته و أفسدته، فجاء صاحب الكرم إلى داود (عليه السلام) فاستعدى على صاحب الغنم، فقال داود (عليه السلام): اذهبا إلى سليمان ليحكم بينكما. فذهبا إليه، فقال سليمان (عليه السلام): إن كانت الغنم أكلت الأصل و الفرع فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم و ما في بطنها، و إن كانت ذهبت بالفرع و لم تذهب بالأصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم.

و قد كان هذا حكم داود (عليه السلام)، و إنما أراد أن يعرف بني إسرائيل أن سليمان (عليه السلام) وصيه بعده، و لم يختلفا في الحكم، و لو اختلف حكمهما لقال: كنا لحكمهما شاهدين».

__________________________________________________

2- الكافي 5: 302/ 3.

3- المحاسن: 277/ 397.

4- تفسير القمّي 2: 73.

(1) في التهذيب: عن المعلّى أبي عثمان، و الاختلاف في نسخة المصنّف (رحمه اللّه).

(2) التهذيب 7: 224/ 982.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 832

7177/ [5]- الطبرسي، قيل: كان كرما و قد بدت عناقيده، فحكم داود (عليه السلام) بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان (عليه السلام): «غير هذا، يا نبي الله» قال: «و ما ذاك»، قال: «يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، و تدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان» ثم دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ماله. قال: روي ذلك عن أبي جعفر، و

أبي عبد الله (عليهما السلام).

سورة الأنبياء(21): آية 80 ..... ص : 832

قوله تعالى:

وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ [80] 7178/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ قال: يعني الدرع لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ.

7179/ [2]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن أحمد بن أبي عبد الله، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أوحى الله عز و جل إلى داود (عليه السلام): إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا- قال- فبكى داود (عليه السلام) أربعين صباحا، فأوحى الله عز و جل إلى الحديد أن: لن لعبدي داود. فألان الله تعالى له الحديد، فكان يعمل كل يوم درعا، فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة و ستين درعا، فباعها بثلاثمائة و ستين ألفا، و استغنى عن بيت المال».

سورة الأنبياء(21): آية 81 ..... ص : 832

قوله تعالى:

وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها [81] 7180/ [3]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً قال: تجري من كل جانب إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها قال: إلى بيت المقدس، و الشام.

__________________________________________________

5- مجمع البيان 7: 91.

1- تفسير القمّي 2: 74.

2- التهذيب 6: 326/ 896. [.....]

3- تفسير القمّي 2: 74.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 833

سورة الأنبياء(21): آية 84 ..... ص : 833

قوله تعالى:

وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ [84]

7181/ [1]- محمد بن يعقوب، بإسناده عن يحيى بن عمران، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قلت: ولده كيف اوتي مثلهم معهم؟

قال: «أحيا له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل البلية، و أحيا له أهله الذين ماتوا قبل ذلك بآجالهم، مثل الذين هلكوا يومئذ».

7182/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن عيسى بن زياد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الله بن بكير، و غيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ.

قال: «أحيا الله له أهله الذين كانوا قبل البلية، و أحيا أهله الذين ماتوا و هو في البلية».

و ستأتي- أن شاء الله تعالى- الروايات في قصة أيوب في سورة ص «1».

سورة الأنبياء(21): آية 87 ..... ص : 833

قوله تعالى:

وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [87] 7183/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: هو يونس، وَ ذَا النُّونِ أي ذا الحوت.

7184/ [4]- ابن بابويه، قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي șƠمحمد بن الجهم، عن الرضا (عليه السلام)، فيما سأله المأمون عن عصمة

__________________________________________________

1- الكافي 8: 252/ 354.

2- تفسير القمّي 2: 74.

3- تفسير القمّي 2: 74.

4- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 201/ 1.

(1) يأتي في تفسير الآيات (41- 44) من سورة ص.

البرهان في تفسير

القرآن، ج 3، ص: 834

قال الرضا (عليه السلام): «ذلك يونس بن متى (عليه السلام)، ذهب مغاضبا لقومه فَظَنَّ بمعنى استيقن أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي لن نضيق عليه رزقه، و منه قول الله تعالى: وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ «1» أي ضيق و قتر، فَنادى فِي الظُّلُماتِ أي: ظلمة الليل، و ظلمة البحر، و ظلمة بطن الحوت: أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت، فاستجاب الله له، و قال تعالى: فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ «2»».

فقال المأمون: لله درك، يا أبا الحسن.

7185/ [3]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام، و علي بن عبد الله الوراق (رضي الله عنه)، قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا القاسم بن محمد البرمكي، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، عن الرضا (عليه السلام)، فيما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمة الأنبياء، فقال له: يا بن رسول الله، أتقول بعصمة الأنبياء؟ فقال: «نعم، فقل ما تعلم» فذكر الآي، إلى أن قال:

و قوله عز و جل: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ.

فقال (عليه السلام): «و أما قوله عز و جل: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ إنما ظن- بمعنى استيقن- أن الله لن يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عز و جل: وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ «3» أي ضيق عليه، و لو ظن أن

الله لن يقدر عليه لكان قد كفر».

7186/ [4]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بيت ام سلمة في ليلتها» فقدته من الفراش، فدخلها من ذلك ما يدخل النساء، فقامت تطلبه في جوانب البيت، حتى انتهت إليه و هو في جانب من البيت قائم رافع يديه يبكي، و هو يقول: اللهم لا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا، و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، اللهم لا تشمت بي عدوا، و لا حاسدا أبدا، اللهم و لا تردني في سوء استنقذتني منه أبدا.

فانصرفت ام سلمة تبكي حتى انصرف رسول الله (صلى الله عليه و آله) لبكائها، فقال لها: ما يبكيك، يا ام سلمة؟

فقالت: بأبي أنت و امي- يا رسول الله- و لم لا أبكي و أنت بالمكان الذي أنت به من الله، و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر، تسأله أن لا يشمت بك عدوا أبدا و أن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين أبدا، و أن لا يردك في سوء استنقذك منه أبدا، و أن لا ينزع عنك صالح ما أعطاك أبدا؟

فقال: يا ام سلمة، و ما يؤمنني؟ و إنما و كل الله يونس بن متى إلى نفسه طرفة عين فكان منه ما كان».

__________________________________________________

3- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 191/ 1.

4- تفسير القمّي 2: 74.

(1) الفجر 89: 16.

(2) الصافات 37: 143 و 144.

(3) الفجر 89: 16.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 835

7187/ [5]- قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن

أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً يعني من أعمال قومه: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يقول: ظن أن لن يعاقب بما «1» صنع».

7188/ [6]- محمد بن يعقوب: عن أحمد بن محمد العاصمي، عن علي بن الحسن التيملي، عن عمرو بن عثمان، عن أبي جميلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال له رجل من أهل خراسان بالربذة: جعلت فداك، لم أرزق ولدا.

فقال له: «إذا رجعت إلى بلادك و أردت أن تأتي أهلك فاقرأ إذا أردت ذلك: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ إلى ثلاث آيات، فإنك ترزق ولدا إن شاء الله تعالى».

سورة الأنبياء(21): الآيات 89 الي 90 ..... ص : 835

قوله تعالى:

وَ زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ- إلى قوله تعالى- وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً [89- 90] 7189/ [1]- و في رواية علي بن إبراهيم في قوله تعالى: وَ زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ قال: كانت لا تحيض فحاضت.

7190/ [2]- ابن بابويه في (أماليه) قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن أبي شحمة، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن هاشم «2» القناني البغدادي «3»، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا حسان بن عبد الله الواسطي، قال: حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من زهد يحيى بن زكريا (عليهما السلام) أنه أتى بيت المقدس، فنظر إلى المجتهدين من الأحبار و

الرهبان عليهم مدارع الشعر، و برانس «4» الصوف، و إذا هم قد خرقوا تراقيهم، و سلكوا فيها السلاسل، و شدوها إلى سواري المسجد، فلما نظر إلى ذلك أتى امه، فقال: يا أماه، انسجي لي مدرعة من شعر، و برنسا من صوف،

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 2: 75.

6- الكافي 6: 10/ 10.

1- تفسير القمّي 2: 75. [.....]

2- الأمالي: 33/ 2.

(1) في «ط»: فيما.

(2) في «ج» و المصدر: أبو محمّد عبد اللّه بن سعيد بن هاشم.

(3) في المصدر زيادة: سنة خمس و ثمانين و مائتين.

(4) البرنس: كلّ ثوب رأسه منه ملزوق به. «مجمع البحرين- برس- 4: 52».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 836

حتى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الأحبار و الرهبان. فقالت له امه: حتى يأتي نبي الله و استأمره «1» في ذلك.

فلما دخل زكريا (عليه السلام) أخبرته بمقالة يحيى، فقال له زكريا: يا بني، ما يدعوك إلى هذا، و إنما أنت صبي صغير؟ فقال له: يا أبت، أما رأيت من هو أصغر سنا مني و قد أدركه «2» الموت؟ قال: بلى، ثم قال لأمه: انسجي له مدرعة من شعر، و برنسا من صوف. ففعلت، فتدرع المدرعة على بدنه، و وضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس، فأقبل يعبد الله عز و جل مع الأحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه.

فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه، فبكى، فأوحى الله عز و جل إليه، يا يحيى، أ تبكي مما قد نحل من جسمك! و عزتي و جلالي لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج «3». فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، و بدت للناظرين أضراسه، فبلغ ذلك امه، فدخلت عليه، و أقبل

زكريا (عليه السلام)، و اجتمع الأحبار و الرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال: ما شعرت بذلك.

فقال زكريا (عليه السلام): يا بني، ما يدعوك إلى هذا؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني. قال: أنت أمرتني بذلك، يا أبت. قال: و متى ذلك، يا بني. قال: أ لست القائل: إن بين الجنة و النار لعقبة لا يجوزها إلا البكاءون من خشية الله؟ قال: بلى؟ فجد و اجتهد، و شأنك غير شأني.

فقام يحيى فنفض مدرعته، فأخذته امه، فقالت: أ تأذن لي- يا بني- أن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان أضراسك، و تنشفان دموعك؟ قال لها: شأنك، فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه، و تنشفان دموعه، فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه. فحسر عن ذراعيه، ثم أخذهما فعصرهما، فتحدرت الدموع من بين أصابعه، فنظر زكريا إلى ابنه، و إلى دموع عينيه، فرفع رأسه إلى السماء، فقال: اللهم إن هذا ابني، و هذه دموع عينيه، و أنت أرحم الراحمين.

و كان زكريا (عليه السلام) إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا و شمالا، فإن رأى يحيى (عليه السلام) لم يذكر جنة و لا نارا، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل، و أقبل يحيى و قد لف رأسه بعباءة، فجلس في غمار الناس، و التفت زكريا يمينا و شمالا فلم ير يحيى (عليه السلام)، فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل عن الله تبارك و تعالى: أن في جهنم جبلا يقال له السكران، و في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان، لغضب الرحمن تبارك و تعالى، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام، في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، و ثياب من نار،

و سلاسل من نار، و أغلال من نار.

فرفع يحيى (عليه السلام) رأسه، فقال: وا غفلتاه عن (السكران). ثم أقبل هائما على وجهه، فقام زكريا (عليه السلام) من مجلسه، فدخل على ام يحيى، فقال لها: يا ام يحيى، قومي فاطلبي يحيى، فإني قد تخوفت أن لا نراه إلا و قد ذاق الموت. فقامت، فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل، فقالوا لها: يا ام يحيى، أين تريدين؟

__________________________________________________

(1) أي أستشيره.

(2) في «ط» نسخة بدل و المصدر: و قد ذاق.

(3) في «ج»: المسوح. و هي الألبسة المتّخذة من الشعر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 837

قالت: أريد أن أطلب ولدي يحيى، ذكرت النار بين يديه، فهام على وجهه.

فمضت ام يحيى و الفتية معها، حتى مرت براعي غنم، فقالت له: يا راعي، هل رأيت شابا من صفته كذا و كذا؟ فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا؟ قالت: نعم، ذاك ولدي، ذكرت النار بين يديه، فهام على وجهه، فقال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا و كذا، ناقعا قدميه في الماء، رافعا نظره إلى السماء، يقول: و عزتك- يا مولاي- لا ذقت بارد الشراب حتى أنظر إلى منزلتي منك.

فأقبلت امه، فلما رأته ام يحيى دنت منه، فأخذت برأسه، فوضعته بين يديها، و هي تناشده بالله ينطلق معها إلى المنزل، فانطلق معها حتى أتى المنزل، فقالت له امه: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر، و تلبس مدرعة الصوف، فإنه ألين؟ ففعل، و طبخ له عدس، فأكل و استوفى، فنام، فذهب به النوم فلم يقم لصلاته، فنودي في منامه: يا يحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري، و جوارا خيرا من جواري؟ فاستيقظ فقام، فقال: يا رب، أقلني

عثرتي، إلهي فو عزتك لا أستظل [بظل ] سوى بيت المقدس.

و قال لامه: ناوليني مدرعة الشعر، فقد علمت أنكما ستورداني المهالك. فتقدمت امه فدفعت إليه المدرعة، و تعلقت به، فقال لها زكريا (عليه السلام): يا ام يحيى، دعيه، فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه، و لن ينتفع بالعيش. فقام يحيى (عليه السلام)، فلبس مدرعته، و وضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس، فجعل يعبد الله عز و جل مع الأحبار حتى كان من أمره ما كان».

7191/ [3]- سليم بن قيس الهلالي في (كتابه): في حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع معاوية، قال له: «يا معاوية، إنا أهل بيت «1» اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، و لم يرض لنا الدنيا ثوابا، و قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنت و وزيرك و صويحبك، يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا كتاب الله دخلا، و عباد الله خولا، و مال الله دولا، يا معاوية، إن نبي الله زكريا قد نشر بالمناشير، و يحيى بن زكريا قتله قومه و هو يدعوهم إلى الله عز و جل، و ذلك لهوان الدنيا على الله. إن أولياء الشيطان قد حاربوا أولياء الرحمن، و قد قال الله عز و جل في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «2».

يا معاوية، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد أخبرني أن أمته ستخضب لحيتي من دم رأسي، و أني مستشهد، و ستلي الامة من بعدي «3»، و أنك ستقتل ابني حسنا عدوانا بالسم، و ابنك سيقتل ابني حسينا، يلي ذلك

منه ابن زانية».

__________________________________________________

3- كتاب سليم بن قيس: 158.

(1) في «ط»: البيت.

(2) آل عمران 3: 21.

(3) في «ج، ي، ط»: و انّك ستبلى بي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 838

7192/ [4]- ابن بابويه: بإسناده عن عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه اليماني، قال: انطلق إبليس يستقرئ مجالس بني إسرائيل أجمع ما يكونون، و يقول في مريم، و يقذفها بزكريا (عليه السلام)، حتى التحم الشر، و شاعت الفاحشة على زكريا (عليه السلام).

فلما رأى زكريا (عليه السلام) ذاك هرب، و اتبعه سفهاؤهم و شرارهم، و سلك في واد كثير النبت، حتى إذا توسطه انفرج له جذع شجرة، فدخل فيه (عليه السلام)، و انطبقت عليه الشجرة، و أقبل إبليس يطلبه معهم حتى انتهى إلى الشجرة التي دخل فيها زكريا (عليه السلام)، فقاس لهم إبليس الشجرة من أسفلها إلى أعلاها، حتى إذا وضع يده على موضع القلب من زكريا، أمرهم فنشروا بمناشيرهم، و قطعوا الشجرة، و قطعوه في وسطها، ثم تفرقوا عنه و تركوه، و غاب عنهم إبليس حين فرغ مما أراد، فكان آخر العهد منهم به، و لم يصب زكريا (عليه السلام) من ألم المنشار شي ء، ثم بعث الله عز و جل الملائكة، فغسلوا زكريا و صلوا عليه ثلاثة أيام من قبل أن يدفن و كذلك الأنبياء (عليهم السلام) لا يتغيرون، و لا يأكلهم التراب، و يصلى عليهم ثلاثة أيام، ثم يدفنون.

7193/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في حديث بخت نصر، و قتله بني إسرائيل، قال: «فلما وافى- يعني بخت نصر- بيت المقدس نظر إلى جبل

من تراب وسط المدينة، و إذا دم يغلي وسطه، كلما ألقي عليه التراب خرج و هو يغلي، فقال بخت نصر: ما هذا؟ فقالوا: هذا دم نبي كان لله قتله ملوك بني إسرائيل، و دمه يغلي، و كلما ألقينا عليه التراب خرج و هو يغلي. فقال بخت نصر: لأقتلن بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم.

و كان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا (عليه السلام)، و كان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل، و كان يمر بيحيى بن زكريا (عليه السلام)، فقال له يحيى (عليه السلام): اتق الله- أيها الملك- لا يحل لك هذا. فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر: أيها الملك، اقتل هذا، فأمر أن يؤتى برأسه، فأتي برأس يحيى (عليه السلام) في طست، و كان الرأس يكلمه، و يقول له: يا هذا، اتق الله، لا يحل لك هذا، ثم علا الدم في الطست حتى فاض إلى الأرض، فخرج يغلي و لا يسكن.

و كان بين قتل يحيى و خروج بخت نصر، مائة سنة، و لم يزل بخت نصر يقتلهم، و كان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال، و النساء، و الصبيان، و كل حيوان، و الدم يغلي و لا يسكن، حتى أفناهم، فقال: أبقي أحد في هذه البلاد؟

فقالوا: عجوز في موضع كذا و كذا، فبعث إليها، فضرب عنقها على الدم، فسكن، و كانت آخر من بقي».

و الحديث طويل، ذكرناه بطوله في قوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، من سورة البقرة «1».

__________________________________________________

4- علل الشرائع: 80/ 1.

5- تفسير القمّي 1: 88. [.....]

(1) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآية (259) من سورة البقرة.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 839

و الحديث طويل، ذكرناه بطوله في قوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، من سورة البقرة «1».

7194/ [6]- ابن شهر آشوب: عن الحسن بن علي (عليهما السلام)- في خبر وفاة أبيه-: «و لقد صعد بروحه- يعني بروح أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)- في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريا (عليه السلام)».

7195/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: قوله تعالى: يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً قال: راغبين راهبين.

7196/ [8]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن موسى النوفلي، بإسناده عن علي بن داود، قال: حدثني رجل من ولد ربيعة بن عبد مناف: أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما بارز علي (عليه السلام) عمرا رفع يديه، ثم قال: «اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر، و أخذت مني حمزة يوم احد، و هذا علي فلا تذرني فردا و أنت خير الوارثين».

سورة الأنبياء(21): الآيات 91 الي 94 ..... ص : 839

قوله تعالى:

وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها- إلى قوله تعالى- فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ [91- 94] 7197/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها قال: مريم، لم ينظر إليها بشر، قال:

قوله تعالى: فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا قال «2»: ريح مخلوقة، قال: يعني من أمرنا. قال: قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ أي لا يبطل سعيه.

سورة الأنبياء(21): آية 95 ..... ص : 839

قوله تعالى:

وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [95] 7198/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي بصير، و محمد بن

__________________________________________________

6- المناقب 3: 313.

7- تفسير القمّي 2: 75.

8- تأويل الآيات 1: 329/ 13.

1- تفسير القمّي 2: 75.

2- تفسير القمّي 2: 75.

(1) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآية (259) من سورة البقرة.

(2) في المصدر: روح مخلوقة بأمر اللّه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 840

7199/ [1]- بعض المعاصرين في كتاب له في الرجعة: بالإسناد، في قوله تعالى: وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ.

قال الصادق (عليه السلام): «كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في «1» الرجعة، و أما في القيامة فيرجعون، و من محض الإيمان محضا، و غيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب و محضوا الكفر محضا يرجعون».

سورة الأنبياء(21): آية 96 ..... ص : 840

قوله تعالى:

حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [96]

7200/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، عن الحسين بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير- في حديث خبر ذي القرنين، و قد تقدم في سورة الكهف «2»- قال فيه: «إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السد، و خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا، و أكلوا الناس، و هو قوله تعالى:

حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ».

7201/ [3]- علي بن إبراهيم، قال: إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا، و يأكلون الناس.

و قد تقدم حديث يأجوج و مأجوج في سورة الكهف «3».

سورة الأنبياء(21): الآيات 98 الي 103 ..... ص : 840

قوله تعالى:

إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ- إلى قوله تعالى- هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [98- 103] 7202/ [4]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ إلى قوله

__________________________________________________

1- الرجعة للميرزا محمّد مؤمن الأسترآبادي: 20 «مخطوط».

2- تفسير القمّي 2: 40.

3- تفسير القمّي 2: 76.

4- تفسير القمّي 2: 76.

(1) في «ط»: إلى.

(2) تقدّم في الحديث (5) من تفسير الآيات (83- 98) من سورة الكهف. [.....]

(3) تقدّم في تفسير سورة الكهف (باب في يأجوج و مأجوج).

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 841

تعالى: وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ.

قال:

في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لما نزلت هذه الآية وجد «1» منها أهل مكة وجدا شديدا، فدخل عليهم عبد الله بن الزبعرى «2»، و كفار قريش يخوضون في هذه الآية، فقال ابن الزبعرى: أ محمد تكلم بهذه

الآية؟ قالوا: «نعم». قال: لئن اعترف بهذه لأخصمنه. فجمع بينهما فقال: يا محمد، أ رأيت الآية التي قرأت آنفا، أ فينا و في آلهتنا خاصة، أم في امم من الأمم الماضية و آلهتهم؟

قال (صلى الله عليه و آله): بل فيكم و في آلهتكم، و في الأمم الماضية و في آلهتهم. إلا من استثنى الله.

فقال ابن الزبعرى: لأخصمنك- و الله- أ لست تثني على عيسى خيرا، و قد عرفت أن النصارى يعبدون عيسى و امه، و أن طائفة من الناس يعبدون الملائكة، أ فليس هؤلاء مع الآلهة في النار؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا. فضجت قريش و ضحكوا، و قالوا: خصمك ابن الزبعرى. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): قلتم الباطل، أما قلت إلا من استثنى الله و هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ».

قال: «قوله تعالى: حَصَبُ جَهَنَّمَ يقول: يقذفون فيها قذفا». قال: «قوله تعالى: أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ يعني الملائكة و عيسى بن مريم (عليهما السلام)».

7203/ [2]- و قال علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ناسخة لقوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها «3».

7204/ [3]- عبد الله بن جعفر الحميري، بإسناده عن مسعدة بن زياد، قال: حدثني جعفر، عن أبيه، أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: «إن الله تبارك و تعالى يأتي يوم القيامة بكل شي ء يعبد من دونه، من شمس أو قمر أو غير ذلك، ثم يسأل كل إنسان عما كان يعبد، فيقول كل من عبد غيره: ربنا إنا كنا نعبدها لتقربنا إليك

زلفى. فيقول الله تبارك و تعالى للملائكة: اذهبوا بهم، و بما كانوا يعبدون إلى النار ما خلا من استثنيت، فأولئك عنها مبعدون».

7205/ [4]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أبو جعفر الحسن بن علي بن الوليد الفسوي، بإسناده عن النعمان ابن بشير، قال: كنا ذات ليلة عند علي بن أبي طالب (عليه السلام) سمارا إذ قرأ هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ،

__________________________________________________

2- تفسير القمي 2: 77.

3- قرب الاسناد: 41.

4- تأويل الآيات 1: 329/ 14، تفسير البيضاوي 2: 79، الدر المنثور 5: 681، روح المعاني 17: 97.

(1) وجد: حزن. «الصحاح- وجد- 2: 547».

(2) عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي، أبو سعد، شاعر قريش في الجاهلية. كان شديدا على المسلمين إلى أن كفتحت مكة، فهرب إلى نجران، فقال فيه حسان أبياتا، فلما بلغته عاد إلى مكة، فأسلم و اعتذر، و مدح النبي (صلى الله عليه و آله) فأمر له بحلة. الأغاني 14: 11، شرح شواهد المغني 2: 551، أعلام الزركلي 4: 87.

(3) مريم 19: 71.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 842

فقال: «أنا منهم» و أقيمت الصلاة فوثب و دخل المسجد و هو يقول:

لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ ثم كبر للصلاة.

و رواه أيضا صاحب (كشف الغمة): عن النعمان بن بشير، و ذكر الحديث بعينه «1».

7206/ [5]- و عنه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سهل النيسابوري، حديثا يرفعه بإسناده إلى ربيع بن بزيع «2»، قال: كنا عند عبد الله بن عمر، فقال له رجل من بني تيم الله، يقال له حسان بن راضية «3»: يا أبا عبد الرحمن لقد رأيت رجلين ذكرا عليا و عثمان فنالا منهما.

فقال

ابن عمر: إن كانا لعناهما فلعنهما الله تعالى، ثم قال: ويلكم- يا أهل العراق- كيف تسبون رجلا هذا منزله من منزل رسول الله (صلى الله عليه و آله). و أشار بيده إلى بيت علي (عليه السلام) في المسجد فقال: فورب هذه الحرمة إنه من الذين سبقت لهم منا الحسنى «4». يعني بذلك عليا (عليه السلام).

7207/ [6]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، بإسناده عن جميل بن دراج، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يبعث الله شيعتنا يوم القيامة على ما فيهم من ذنوب و عيوب مبيضة مسفرة وجوههم، مستورة عوراتهم، آمنة روعاتهم، قد سهلت لهم الموارد، و ذهبت عنهم الشدائد، يركبون نوقا من ياقوت فلا يزالون يدورون خلال الجنة، عليهم شراك من نور يتلألأ، توضع لهم الموائد، فلا يزالون يطعمون و الناس في الحساب، و هو قول الله عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ».

7208/ [7]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم)، قال: «قال لي رسول الله (صلى الله عليه و آله) على منبره: يا علي، إن الله عز و جل وهب لك حب المساكين و المستضعفين في الأرض، فرضيت بهم إخوانا، و رضوا بك إماما، فطوبى لمن أحبك و صدق عليك، و الويل لمن أبغضك و كذب عليك.

يا علي، أنت العلم «5»

لهذه الامة، من أحبك فاز، و من أبغضك هلك.

__________________________________________________

5- تأويل الآيات 1: 329/ 15.

6- تأويل الآيات 1: 33/ 16.

7- الأمالي: 45/ 2.

(1) كشف الغمة 1: 320.

(2) في المصدر: ربيع بن قريع.

(3) في «ج، ي» و المصدر: حسان بن رابضة.

(4) في المصدر زيادة: مالها مردود. [.....]

(5) في «ط»: العالم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 843

عليك، و الويل لمن أبغضك و كذب عليك.

يا علي، أنت العلم «1» لهذه الامة، من أحبك فاز، و من أبغضك هلك.

يا علي، أنا مدينة العلم و أنت بابها، و هل تؤتى المدينة إلا من بابها.

يا علي، أهل مودتك كل أواب حفيظ، و كل ذي طمرين «2»، لو أقسم على الله لأبر قسمه.

يا علي، إخوانك كل طاهر زاك مجتهد، يحب فيك و يبغض فيك، محقر عند الخلق، عظيم المنزلة عند الله عز و جل.

يا علي، محبوك جيران الله عز و جل في دار الفردوس، لا يأسفون على ما خلفوا «3».

يا علي، أنا ولي لمن واليت، و عدو لمن عاديت.

يا علي، من. حبك فقد أحبني، و من أبغضك فقد أبغضني.

يا علي، إخوانك ذبل الشفاه، تعرف الرهبانية في وجوههم.

يا علي، إخوانك يفرحون في ثلاثة مواطن: عن خروج أنفسهم، و أنا شاهدهم و أنت، و عند المساءلة في قبورهم، و عند العرض الأكبر، و عند الصراط إذا سئل الخلق عن إيمانهم فلم يجيبوا.

يا علي، حربك حربي، و سلمك سلمي، و حربي حرب الله، و سلمي سلم الله، فمن سالمك فقد سالمني، و من سالمتني فقد سالم الله عز و جل.

يا علي، بشر إخوانك، فإن الله عز و جل قد رضى عنهم إذ رضيك لهم قائدا و رضوا بك وليا.

يا علي، أنت أمير المؤمنين، و قائد الغر

المحجلين.

يا علي، شيعتك المنتجبون، و لو لا أنت و شيعتك ما قام لله عز و جل دين، و لو لا من «4» في الأرض منكم لما أنزلت السماء قطرها.

يا علي، لك كنز في الجنة و أنت ذو قرنيها، و شيعتك تعرف بحزب الله عز و جل.

يا علي، أنت و شيعتك القائمون «5» بالقسط، و خيرة الله من خلقه.

يا علي، أنا أول من ينفض التراب عن رأسه و أنت معي، ثم سائر الخلق.

يا علي، أنت و شيعتك على الحوض تسقون من أحببتم و تمنعون من كرهتم، و أنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر في ظل العرش، يفزع الناس و لا تفزعون، و يحزن الناس و لا تحزنون، و فيكم نزلت هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ، و فيكم نزلت: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ

__________________________________________________

(1) في «ط»: العالم.

(2) الطّمر: الثوب الخلق. «الصحاح- طمر- 2: 726»، و في المصدر: كلّ طمر، و المراد به: الذي لا يملك شيئا، و في «ط» نسخة بدل: كلّ طمر.

(3) في «ط»: نسخة بدل: ما فاتهم.

(4) في «ج، ي»: ما.

(5) في «ط» نسخة بدل: الفائزون.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 844

و يسألون الله لمحبيكم، و يفرحون بمن قدم عليهم منكم، كما يفرح الأهل بالغائب القادم بعد طول الغيبة.

يا علي، شيعتك الذين يخافون الله في السر، و ينصحونه في العلانية.

يا علي، شيعتك الذين يتنافسون في الدرجات، لأنهم يلقون الله عز و جل و ما عليهم من ذنب.

يا علي، أعمال شيعتك تعرض علي في كل يوم جمعة فأفرح بصالح ما يبلغني من أعمالهم، و أستغفر لسيئاتهم.

يا علي، ذكرك في التوراة، و ذكر شيعتك قبل أن يخلقوا بكل

خير، و كذلك في الإنجيل، فاسأل أهل الإنجيل و أهل الكتاب عن أليا يخبروك مع علمك بالتوراة و الإنجيل، و ما أعطاك الله عز و جل من علم الكتاب، و إن أهل الإنجيل ليتعاظمون أليا و ما يعرفونه و ما يعرفون شيعته، و إنما يعرفونهم بما يجدونه في كتبهم.

يا علي، إن أصحابك ذكرهم في السماء أكبر و أعظم من ذكر أهل الأرض لهم بالخير، فليفرحوا بذلك و ليزدادوا اجتهادا.

يا علي إن أرواح شيعتك تصعد إلى السماء في رقادهم و وفاتهم، فتنظر الملائكة إليها كما ينظر الناس إلى الهلال شوقا إليهم، و لما يرون من منزلتهم عند الله عز و جل.

يا علي، قل لأصحابك العارفين بك يتنزهون «1» عن الأعمال التي يقارفها عدوهم، فما من يوم و ليلة إلا و رحمة من الله تبارك و تعالى تغشاهم فليجتنبوا الدنس.

يا علي، اشتد غضب الله عز و جل على من قلاهم و برى ء منك و منهم، و استبدل بك و بهم، و مال إلى عدوك، و تركك و شيعتك و اختار الضلال، و نصب الحرب لك و لشيعتك، و أبغضنا أهل البيت، و أبغض من والاك و نصرك و اختارك و بذل مهجته و ماله فينا.

يا علي، اقرأهم مني السلام، من لم أر منهم و لم يرني و أعلمهم أنهم إخواني الذين أشتاق إليهم، فليلقوا علمي إلى من يبلغ القرون من بعدي، و ليتمسكوا بحبل الله و ليعتصموا به، و ليجتهدوا في العمل، فإنا لم نخرجهم من هدى إلى ضلالة، و أخبرهم أن الله عز و جل راض عنهم، و أنه يباهي بهم ملائكته، و ينظر إليهم في كل جمعة برحمته «2»، و يأمر الملائكة أن تستغفر لهم.

يا

علي، لا ترغب عن نصرة قوم يبلغهم أو يسمعون أني أحبك فأحبوك لحبي إياك، و دانوا الله عز و جل بذلك، و أعطوك صفو المودة في قلوبهم، و اختاروك على الآباء و الإخوة و الأولاد و سلكوا طريقك، و قد حملوا على المكاره فينا، فأبوا إلا نصرنا و بذلك المهج فينا مع الأذى و سوء القول، و ما يقاسونه من مضاضة ذلك، فكن بهم رحيما و اقنع بهم، فإن الله تبارك و تعالى اختارهم بعلمه لنا من بين الخلق، و خلقهم من طينتنا، و استودعهم سرنا، و ألزم قلوبهم معرفة حقنا، و شرح صدورهم، و جعلهم مستمسكين بحبلنا، لا يؤثرون علينا من خالفنا مع ما يزول

__________________________________________________

(1) في «ج، ي»: يتنزعون.

(2) في «ي»: برحمة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 845

من الدنيا عنهم، أيدهم الله، و سلك بهم طريق الهدى، فاعتصموا به و الناس في غمة الضلالة، متحيرون في الأهواء، عموا عن الحجة و ما جاء من عند الله عز و جل، فهم يصبحون و يمسون في سخط الله، و شيعتك على منهاج الحق و الاستقامة، لا يستأنسون إلى من خالفهم، و ليست الدنيا منهم، و ليسوا منها، أولئك مصابيح الدجى أولئك مصابيح الدجى».

7209/ [8]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمرو بن أبي شيبة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول ابتداء منه: «إن الله إذا بدا له أن يبين خلقه و يجمعهم لما لا بد منه، أمر مناديا ينادي فيجتمع الإنس و الجن في أسرع من طرفة عين، ثم أذن لسماء الدنيا فتنزل و كانت من وراء الناس، و أذن للسماء الثانية فتنزل و

هي ضعف التي تليها، فإذا رآها أهل السماء الدنيا قالوا: جاء ربنا. قالوا: و هو «1» آت- يعني أمره- حتى تنزل كل سماء، تكون كل واحدة منها من وراء الاخرى، و هي ضعف التي تليها.

ثم ينزل أمر الله في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر و إلى الله ترجع الأمور، ثم يأمر الله مناديا ينادي:

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ «2»».

قال: و بكى (عليه السلام) حتى إذا سكت، قال: قلت: جعلني الله فداك يا أبا جعفر، و أين رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام). و شيعته؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «رسول الله و علي (عليهما السلام) و شيعته على كثبان من المسك الأذفر «3»، على منابر من نور، يحزن الناس و لا يحزنون، و يفزع الناس و لا يفزعون». ثم تلا هذه الآية: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ «4» فالحسنة- و الله- ولاية علي (عليه السلام). ثم قال: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

7210/ [9]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيفا، كان حقا على الله أن يكسوه من ثياب الجنة، و أن يهون عليه سكرات الموت و أن يوسع عليه في قبره و أن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى، و هو قول الله عز و جل في كتابه: وَ

تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ».

__________________________________________________

8- تفسير القمّي 2: 77.

9- الكافي 2: 163/ 1.

(1) في «ط»: لا، هو.

(2) الرحمن 55: 33.

(3) الذفر: شدّة ذكاء الريح، و المسك الأذفر: أي جيّد بيّن الذفّر «مجمع البحرين- ذفر- 3: 309».

(4) النمل 27: 89. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 846

7211/ [10]- محمد بن العباس، قال: حدثنا حميد بن زياد، بإسناد يرفعه إلى أبي جميلة، عن عمرو بن رشيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال- في حديث-: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: إن عليا و شيعته يوم القيامة على كثبان المسك الأذفر، يفزع الناس و لا يفزعون، و يحزن الناس، و لا يحزنون، و هو قول الله عز و جل:

لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ».

7212/ [11]- ابن بابويه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثني سعد بن عبد الله، يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، في حديث طويل مثل ما تقدم من رواية الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «1» ببعض التغيير اليسير، و في الحديث-: «يا علي، أنت و شيعتك القائمون بالقسط، و خيرة الله من خلقه.

يا علي، أنا أول من ينفض التراب عن رأسه و أنت معي، ثم سائر الخلق.

يا علي، أنت و شيعتك على الحوض، تسقون من أحببتم، و تمنعون من كرهتم، و أنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر في ظل العرش، يفزع الناس و لا تفزعون، و يحزن الناس و لا تحزنون، فيكم نزلت هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا

اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

يا علي، أنت و شيعتك تطلبون في الموقف، و أنتم في الجنان تتنعمون» و ساق الحديث بطوله.

و ابن بابويه: أورد حديث الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) السابق في كتاب (الأمالي) «2».

و حديث أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) هذا أورده في كتاب (فضائل الشيعة) «3».

سورة الأنبياء(21): آية 104 ..... ص : 846

قوله تعالى:

يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [104]

7213/ [1]- الحسين بن سعيد في كتاب (الزهد) قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ما من أحد إلا و معه ملكان يكتبان ما يلفظه، ثم يرفعان ذلك إلى

__________________________________________________

10- تأويل الآيات 1: 33/ 17.

11- فضائل الشيعة: 55/ 17.

1- الزهد: 53/ 141.

(1) تقدّم في الحديث (7) من تفسير هذه الآيات.

(2) الأمالي: 450/ 2.

(3) فضائل الشيعة: 55/ 17.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 847

ملكين فوقهما، فيثبتان ما كان من خير و شر، و يلقيان ما سوى ذلك».

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- في سورة (ق) من الروايات في ذلك «1».

7214/ [1]- و عنه: عن النضر بن سويد، عن الحسين بن موسى، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن في الهواء ملكا يقال له: إسماعيل، على ثلاث مائة ألف ملك، كل واحد منهم على مائة ألف، يحصون أعمال العباد، فإذا كان رأس السنة بعث الله إليهم ملكا، يقال له: السجل، فانتسخ ذلك منهم، و هو قول الله تبارك و تعالى:

يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ.

7215/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: السجل: اسم الملك الذي يطوي الكتب، و معنى نطويها: أي

نفنيها، فتتحول دخانا و الأرض نيرانا.

سورة الأنبياء(21): الآيات 105 الي 106 ..... ص : 847

قوله تعالى:

وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ [105- 106]

7216/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سأله عن قول الله عز و جل: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ما الزبور، و ما الذكر؟

قال: «الذكر عند الله، و الزبور الذي انزل على داود، و كل كتاب نزل فهو عند أهل العلم، و نحن هم».

7217/ [4]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن أحمد بن الحسين، عن أبيه، عن الحسين بن مخارق، عن أبي الورد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قوله عز و جل: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ هو آل محمد (صلى الله عليه و آله)».

7218/ [5]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي بن الحكم، عن سفيان بن إبراهيم الجريري، عن أبي صادق، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

__________________________________________________

1- الزهد: 54/ 145.

2- تفسير القمي 2: 77.

3- الكافي 1: 176/ 6.

4- تأويل الآيات 1: 332/ 19.

5- تأويل الآيات 1: 332/ 20.

(1) يأتي في تفسير الآيتين (17، 18) من سورة ق.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 848

وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ قال: «هم نحن».

قال: قلت: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ؟ قال: «هم شيعتنا».

7219/ [4]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى

بن داود، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ.

قال: آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، و من تابعهم على منهاجهم، و الأرض أرض الجنة».

7220/ [5]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن «1» أحمد بن الحسن، عن أبيه «2»، عن الحسين بن محمد ابن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قوله عز و جل: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان» «3».

7221/ [6]- علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: الكتب كلها ذكر، و أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ قال: القائم (عليه السلام) و أصحابه.

7222/ [7]- الطبرسي قال أبو جعفر (عليه السلام): «هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان».

7223/ [8]- علي بن إبراهيم، قال: الزبور فيه ملاحم و تحميد و تمجيد و دعاء.

سورة الأنبياء(21): آية 112 ..... ص : 848

قوله تعالى:

قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [112] 7224/ [9]- علي بن إبراهيم، قال: معناه لا تدع للكفار، و الحق: الانتقام من الظالمين. و مثله في سورة آل عمران لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «4».

__________________________________________________

4- تأويل الآيات 1: 332/ 21.

5- تأويل الآيات 1: 332/ 22. [.....]

6- تفسير القمّي 2: 77، ينابيع المودة: 425.

7- مجمع البيان 7: 106.

8- تفسير القمّي 2: 77.

9- تفسير القمّي 2: 78.

(1) في «ط، ي»: بن.

(2) (أبيه) ليس في «ج، ط» نسخة بدل: عن أبيه الحسين.

(3) في «ط» زيادة: هذا الذي يحضرني من سند الحديث، و فيه ما فيه، و اللّه أعلم.

(4) آل عمران 3: 128.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3،

ص: 849

سورة الحج ..... ص : 849

اشارة

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 851

سورة الحج فضلها ..... ص : 851

7225/ [1]- ابن بابويه: بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة الحج في كل ثلاثة أيام لم تخرج سنته «1» حتى يخرج إلى بيت الله الحرام، و إن مات في سفره دخل الجنة».

قلت: فإن كان مخالفا؟ قال: يخفف عنه بعض ما هو فيه».

7226/ [2]- و من (خواص القرآن): روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من قرأ هذه السورة اعطي من الحسنات بعدد من حج و اعتمر، فيما مضى و فيما بقي، و من كتبها في رق ظبي و جعلها في مركب، جاءت له الريح من كل جانب و ناحية، و أصيب ذلك المركب من كل جانب، و احيط به و بمن فيه، و كان هلاكهم و بوارهم، و لم ينج منهم أحد، و لا يحل أن يكتب إلا في الظالمين قاطعين السبيل محاربين».

7227/ [3]- و عن الصادق (عليه السلام)، قال: «من كتبها في رق غزال و جعلها في صحن مركب، جاءت إليه الريح من كل مكان، و اجتثت «2» المركب، و لم يسلم، و إذا كتبت ثم محيت و رشت في موضع سلطان جائر، زال ملكه بإذن الله تعالى».

__________________________________________________

1- ثواب الأعمال: 108.

2- .... مجمع البيان 7: 109 «قطعة منه».

3- خواصّ القرآن: 4.

(1) في «ج، ط»: سنة.

(2) في المصدر: و أصيب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 853

سورة الحج(22): الآيات 1 الي 9 ..... ص : 853

قوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ- إلى قوله تعالى- وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ [1- 5]

7228/ [1]- الشيخ في (أماليه) قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب، قال:

أخبرني الحسن بن علي الزعفراني، قال: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سعيد، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيما كتب إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر، و أمره أن يقرأه على أهلها، و في الحديث: «يا عباد الله، إن بعد البعث ما هو أشد من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، و يسكر منه «1» الكبير، و يسقط فيه الجنين، و تذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوم عبوس قمطرير، يوم كان شره مستطيرا.

إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم، و ترعد «2» منه السبع الشداد، و الجبال الأوتاد «3»، و الأرض المهاد، و تنشق السماء فهي يومئذ واهية، و تتغير فكأنها وردة كالدهان، و تكون الجبال كثيبا «4» مهيلا بعد ما كانت صما صلابا، و ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات، و من في الأرض إلا من شاء الله، فكيف من

__________________________________________________

1- الأمالي 1: 24. [.....]

(1) في «ط»: فيه.

(2) في المصدر: و ترعب.

(3) في «ي»: و الأوتاد.

(4) في «ط» نسخة بدل و المصدر: سرابا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 854

عصى بالسمع و البصر و اللسان و اليد و الرجل و الفرج و البطن، إن لم يغفر الله له و يرحمه من ذلك اليوم، لأنه «1» يصير إلى غيره، إلى نار قعرها بعيد، و حرها شديد، و شرابها صديد، و عذابها جديد، و مقامعها حديد، لا يفتر عذابها، و لا يموت ساكنها، دار ليس فيها رحمة، و لا يسمع لأهلها دعوة.

و اعلموا- يا عباد الله- أن مع هذا

رحمة الله التي لا تعجز العباد، جنة عرضها كعرض السماوات و الأرض أعدت للمتقين، لا يكون معها شر أبدا، لذاتها لا تمل، و مجتمعها لا يتفرق، و سكانها قد جاوروا الرحمن، و قام بين أيديهم الغلمان بصحاف من الذهب، فيها الفاكهة و الريحان».

و قد تقدم لهذا الحديث زيادة في قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ من سورة هود «2».

7229/ [2]- و عنه، قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن علي بن محمد العلوي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن صالح الصوفي الخزاز، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الحسيني، عن علي، عن أبيه «3» محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام)، عن أبيه علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر (عليهم السلام)، قال: «قيل للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): صف لنا الموت؟ قال: للمؤمن كأطيب طيب يشمه فينعش «4» لطيبه، و ينقطع التعب و الألم عنه و للكافر كلسع الأفاعي و لدغ العقارب و أشد».

7230/ [3]- و عنه، قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن علي بن محمد العلوي، قال: حدثني محمد بن موسى الرقي، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبيه، عن أبان مولى زيد بن علي «5»، عن عاصم بن بهدله، عن شريح القاضي، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصحابه يوما و هو يعظهم: «ترصدوا مواعيد الآجال، و باشروها بمحاسن الأعمال، و لا تركنوا إلى ذخائر الأموال فتحليكم «6» خدائع الآمال، إن الدنيا خداعة صراعة، مكارة غرارة «7» سحارة، أنهارها لامعة، و ثمراتها يانعة، ظاهرها سرور، و باطنها غرور، تأكلكم بأضراس المنايا، و

تبيركم بإتلاف الرزايا، لهم بها أولاد الموت، آثروا زينتها، و طلبوا رتبتها، جهل الرجل، و من ذلك الرجل؟ المولع بلذاتها، و الساكن إلى فرحتها «8»، و الآمن لغدرتها، دارت عليكم بصروفها، و رمتكم بسهام حتوفها، فهي تنزع أرواحكم نزعا، و أنتم تجمعون لها

__________________________________________________

2- الأمالي 2: 265.

3- الأمالي 2: 265.

(1) في المصدر زيادة: يقضي و.

(2) تقدّم في الحديث (8) من تفسير الآية (114) من سورة هود.

(3) في المصدر: عن الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن.

(4) في المصدر: فينعس.

(5) في «ي»: زيد بن أرقم.

(6) في المصدر: فتخليكم.

(7) في «ج، ي» غدّارة.

(8) في «ج»: فرجتها. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 855

جمعا، للموت تولدون، و إلى القبور تنقلون، و على التراب تتوسدون «1»، و إلى الدود تسلمون، و إلى الدود تسلمون، و إلى الحساب تبعثون.

يا ذوي الحيل و الآراء، و الفقه و الأنباء، اذكروا مصارع الآباء، فكأنكم بالنفوس قد سلبت، و بالأبدان قد عريت، و بالمواريث قد قسمت، فتصير- يا ذا الدلال، و الهيبة و الجمال- إلى منزلة شعثاء، و محلة غبراء، فتنوم على خدك في لحدك، في منزل قل زواره، و مل عماله، حتى يشق عن القبور، و تبعث إلى النشور، فإن ختم لك بالسعادة صرت إلى حبور، و أنت ملك مطاع، و آمن لا يراع، يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان، بكأس من معين، بيضاء لذة للشاربين.

أهل الجنة فيها يتنعمون، و أهل النار فيها يعذبون، هؤلاء في السندس و الحرير يتبخترون «2»، و هؤلاء في الجحيم و السعير يتقلبون، هؤلاء تحشى جماجمهم بمسك الجنان و هؤلاء يضربون بمقامع النيران، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال، و هؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالأغلال، فله «3»، فزع قد أعيى الأطباء،

و به داء لا يقبل الدواء.

يا من يسلم إلى الدود، و يهدى إليه، اعتبر بما تسمع و ترى، و قل لعينك تجفو لذة الكرى، و تفيض من الدموع بعد الدموع تترى، بيتك القبر بيت الأهوال و البلى، و غايتك الموت يا قليل الحياء.

اسمع- يا ذا الغفلة و التصريف- من ذوي «4» الوعظ و التعريف، جعل يوم الحشر يوم العرض و السؤال، و الحباء «5» و النكال، يوم تقلب إليه «6» أعمال الأنام، و تحصى فيه جميع الآثام، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها، و تضع الحوامل ما في بطونها، و يفرق بين كل نفس و حبيبها، و يحار في تلك الأهوال عقل لبيبها، إذ تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها، و تبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها، أخرجت من معادن الغيب أثقالها، و نفضت إلى الله أحمالها.

يوم لا ينفع الجد، إذا «7» عاينوا الهول الشديد فاستكانوا، و عرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا، فانشقت القبور بعد طول انطباقها، و استسلمت النفوس إلى الله بأسبابها، كشف عن الآخرة غطاؤها، و ظهر للخلق أبناؤها، فدكت الأرض دكا دكا، و مدت لأمر يراد بها مدا مدا، و اشتد المثارون إلى الله شدا شدا، و تزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا، و رد المجرمون على الأعقاب ردا ردا، وجد الأمر- ويحك، يا إنسان!- جدا جدا، و قربوا للحساب فردا فردا، و جاء ربك و الملك صفا صفا، يسألهم عما عملوا حرفا حرفا، فجي ء بهم عراة الأبدان، خشعا

__________________________________________________

(1) في المصدر: تنوّمون.

(2) في «ج»: يتحبرون، وفي «ط»: يتجبرون.

(3) في المصدر: في قلبه.

(4) في المصدر: ذي.

(5) حبوت الرّجل حباء: أعطيته الشي ء بغير عوض. «مجمع البحرين- حبا- 1: 94».

(6) في «ط»: فيه.

(7) في المصدر: الحذر إذ.

البرهان في

تفسير القرآن، ج 3، ص: 856

أبصارهم، أمامهم الحساب، و من ورائهم جهنم، يسمعون زفيرها، و يرون سعيرها، فلم يجدوا ناصرا و لا وليا يجيرهم من الذل، فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر، يساقون سوقا.

فالسماوات مطويات بيمينه كطي السجل للكتب، و العباد على الصراط و جلت قلوبهم، يظنون أنهم لا يسلمون، و لا يؤذن لهم فيتكلمون، و لا يقبل منهم فيعتذرون، قد ختم على أفواههم و استنطقت أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون.

يا لها من ساعة، ما أشجى مواقعها من القلوب، حين ميز بين الفريقين: فريق في الجنة، و فريق في السعير! من مثل هذا فليهرب الهاربون، إذا كانت الدار الآخرة لها يعمل العاملون».

7231/ [4]- علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: مخاطبة للناس عامة يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ

أي تبقى و تتحير و تتغافل وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها

قال: كل امرأة تموت حاملة عند زلزلة الساعة تضع حملها يوم القيامة.

و قوله تعالى: وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى

قال: يعنى ذاهلة «1» عقولهم من الخوف و الفزع، متحيرين وَ ما هُمْ بِسُكارى وَ لكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ

. قال قوله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي يخاصم وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ قال: المريد: الخبيث.

ثم خاطب الله عز و جل الدهرية، و احتج عليهم فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ أي في شك: فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ قال المخلقة: إذا صارت دما، و غير مخلقة، قال: السقط.

7232/ [5]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، و علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا

عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان، عن سلام بن المستنير، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ.

فقال: «المخلقة: الذر الذين خلقهم الله في صلب آدم (عليه السلام)، أخذ عليهم الميثاق، ثم أجراهم من أصلاب الرجال و أرحام النساء، و هم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق. و أما قوله: وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ فهم كل نسمة لم يخلقهم الله في صلب آدم (عليه السلام) حين خلق الذر، و أخذ عليهم الميثاق، و هم النطف من العزل و السقط قبل أن تنفخ فيه الروح و الحياة و البقاء».

7233/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام): «لِنُبَيِّنَ لَكُمْ كذلك

__________________________________________________

4- تفسير القمّي 2: 78.

5- الكافي 6: 12/ 1.

6- تفسير القمّي 2: 78.

(1) في «ط، ي»: ذاهبة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 857

كنتم في الأرحام وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ فلا يخرج «1» سقطا».

قوله تعالى:

وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ- إلى قوله تعالى- ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [5- 9]

7234/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن العباس، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن القاسم، عن علي بن المغيرة، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر».

7235/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: ثم ضرب الله للبعث و النشور مثلا، فقال: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً أي يابسة ميتة فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أي حسن ذلِكَ

بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.

و قوله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ قال: نزلت في أبي جهل ثانِيَ عِطْفِهِ قال: تولى عن الحق لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال: عن طريق الله و الإيمان.

7236/ [3]- شرف الدين النجفي: تأويله جاء في باطن تفسير أهل البيت (صلوات الله عليهم)، عن حماد بن عيسى، قال: حدثني بعض أصحابنا حديثا يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال: هو الأول، ثاني عطفه إلى «2» الثاني، و ذلك لما أقام رسول الله (صلى الله عليه و آله) الإمام عليا علما للناس، و قالا: و الله لا نفي له بهذا أبدا.

سورة الحج(22): الآيات 11 الي 12 ..... ص : 858

قوله تعالى:

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ- إلى قوله تعالى- ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [11- 12]

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 78.

2- تفسير القمّي 2: 79.

3- تأويل الآيات 1: 333/ 1. [.....]

(1) في «ط»: نخرج.

4(2) في المصدر: أي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 858

7237/ [1]- علي بن إبراهيم: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قال: على شك.

7238/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن بكير، عن ضريس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، قال: «إن الآية تنزل في الرجل،

ثم تكون في أتباعه».

ثم قلت: كل من نصب دونكم شيئا فهو ممن يعبد الله على حرف؟ فقال: «نعم، و قد يكون محضا».

7239/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل و زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ.

قال زرارة: سألت عنها أبا جعفر (عليه السلام)، فقال: «هؤلاء قوم عبدوا الله، و خلعوا «1» عبادة من يعبد من دون الله، و شكوا في محمد (صلى الله عليه و آله) و ما جاء به، فتكلموا في الإسلام، و شهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أقروا بالقرآن، و هم في ذلك شاكون في محمد (صلى الله عليه و آله) و ما جاء به، و ليسوا شكاكا في الله عز و جل، قال الله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ يعني على شك في محمد (صلى الله عليه و آله) و ما جاء به فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ يعني عافية في بدنه «2» و ماله و ولده اطْمَأَنَّ بِهِ و رضي به وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ يعني بلاء في جسده و ماله، تطير و كره المقام على الإقرار بالنبي (صلى الله عليه و آله)، فرجع إلى الوقوف و الشك، و نصب العداوة لله و لرسوله، و الجحود بالنبي (صلى الله عليه و آله) و ما جاء به».

7240/ [4]- و عنه: عن محمد بن يحيى،

عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ.

قال: «هم قوم وحدوا الله، و خلعوا «3» عبادة من يعبد من دون الله، فخرجوا من الشرك، و لم يعرفوا أن محمدا (صلى الله عليه و آله) رسول الله، فهم يعبدون الله على شك في محمد (صلى الله عليه و آله) و ما جاء به، فأتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قالوا: ننظر، فإن كثرت أموالنا و عوفينا في أنفسنا و أولادنا علمنا أنه صادق، و أنه رسول الله، و إن

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 79.

2- الكافي 2: 292/ 4.

3- الكافي 2: 303/ 1.

4- الكافي 2: 303/ 2.

(1) في «ج»: و خلفوا.

(2) في المصدر: نفسه.

(3) في «ج»: و خلفوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 859

كان غير ذلك نظرنا قال الله عز و جل: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ يعني عافية في الدنيا وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ يعني بلاء في نفسه و ماله انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ انقلب على شكه إلى الشرك خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ- قال- ينقلب مشركا، يدعو غير الله و يعبد غيره، فمنهم من يعرف و يدخل الإيمان قلبه فيؤمن و يصدق، و يزول عن منزلته من الشك إلى الإيمان، و منهم من يثبت على شكه، و منهم من ينقلب إلى الشرك».

و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة، مثله.

7241/ [5]- علي بن إبراهيم، قال:

حدثني أبي، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن حماد، عن ابن الطيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «نزلت هذه الآية في قوم وحدوا الله، و خلعوا «1» عبادة من دون الله، و خرجوا من الشرك، و لم يعرفوا أن محمدا (صلى الله عليه و آله) رسول الله، فهم يعبدون الله على شك في محمد (صلى الله عليه و آله) و ما جاء به، فأتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: ننظر إن كثرت أموالنا و عوفينا في أنفسنا و أولادنا علمنا أنه صادق، و أنه لرسول الله، و إن كان غير ذلك نظرنا فأنزل الله: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ انقلب مشركا، يدعو غير الله و يعبد غيره، فمنهم من يعرف و يدخل الإيمان قلبه، فهو مؤمن و يصدق، و يزول عن منزلته من الشك إلى الإيمان، و منهم من يلبث على شكه، و منهم من ينقلب إلى الشرك».

سورة الحج(22): الآيات 15 الي 18 ..... ص : 859

قوله تعالى:

مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ- إلى قوله تعالى- إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ [15- 18]

7242/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، قال: قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «حدثني أبي، عن أبيه- أبي جعفر- (صلوات الله عليهم أجمعين): «أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال ذات يوم: إن ربي و عدني نصرته، و أن يمدني بملائكته، و أنه ناصري بهم و بعلي

أخي خاصة من بين أهلي فاشتد ذلك على القوم أن خص عليا بالنصرة، و أغاظهم ذلك، فأنزل الله عز و جل: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ- قال- ليضع حبلا فى عنقه إلى سماء بيته يمده حتى يختنق فيموت فينظر هل يذهبن كيده غيظه»؟

__________________________________________________

5- تفسير القمّي 2: 79.

1- تأويل الآيات 1: 333/ 2.

(1) في «ج»: و خلفوا.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 860

7243/ [2]- علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: إن الظن في كتاب الله على وجهين. ظن يقين، و ظن شك، فهذا ظن شك. قال: من شك أن الله لن يثيبه في الدنيا و الآخرة: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ أي يجعل بينه و بين الله دليلا، و الدليل على أن السبب هو الدليل، قول الله في سورة الكهف: وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً «1» أي دليلا، و قال: ثُمَّ لْيَقْطَعْ أي يميز، و الدليل على أن القطع هو التمييز قوله: وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً «2» أي ميزناهم، فقوله: ثُمَّ لْيَقْطَعْ أي يميز فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ أي حيلته، و الدليل على أن الكيد هو الحيلة قوله: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ «3» أي احتلنا له حتى حبس أخاه، و قوله يحكي قول فرعون: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ «4» أي حيلتكم. قال: فإذا وضع لنفسه سببا، و ميز، دله على الحق، فأما العامة فإنهم رووا في ذلك أنه من لم يصدق بما قال الله، فليلق حبلا إلى سقف البيت، ثم ليختنق.

ثم ذكر عز و جل عظيم كبريائه و آلائه فقال: أَ لَمْ تَرَ أي

ألم تعلم يا محمد أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ و لفظ الشجر واحد و معناه جمع وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَ مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ.

7244/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، و عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الصباح الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن للشمس ثلاث مائة و ستين برجا، كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، و تنزل كل يوم على برج منها، فإذا غابت انتهت إلى حد «5» بطنان العرش، فلم تزل ساجدة إلى الغد، ثم ترد إلى موضع مطلعها و معها ملكان يهتفان معها، و إن وجهها لأهل السماء، و قفاها لأهل الأرض، و لو كان وجهها لأهل الأرض لأحرقت الأرض و من عليها من شدة حرها، و معنى سجودها ما قال الله سبحانه و تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ».

7245/ [4]- المفيد في (الاختصاص): عن محمد بن أحمد العلوي، قال: حدثنا أحمد بن زياد، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ

وَ الشَّمْسُ

__________________________________________________

2- تفسير القمي 2: 79.

3- الكافي 8: 157/ 148. [.....]

4- الاختصاص: 213.

(1) الكهف 18: 84 و 85.

(2) الأعراف 7: 160.

(3) يوسف 12: 76.

(4) طه 20: 64.

(5) في «ط، ي»: أحد.

رهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 861

وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ الآية.

فقال: «إن للشمس أربع سجدات كل يوم و ليلة: فأول سجدة إذا صارت في طرف الأفق حين يخرج الفلك من الأرض إذا رأيت البياض المضي ء في طول السماء قبل أن يطلع الفجر» قلت: بلى، جعلت فداك. قال: «ذاك الفجر الكاذب، لأن الشمس تخرج ساجدة و هي في طرف الأرض، فإذا ارتفعت من سجودها طلع الفجر، و دخل وقت الصلاة.

و أما السجدة الثانية، فإنها إذا صارت في وسط القبة و ارتفع النهار، ركدت الشمس قبل الزوال، فإذا صارت بحذاء العرش ركدت و سجدت، فإذا ارتفعت من سجودها زالت عن وسط القبة فيدخل وقت صلاة الزوال.

و أما السجدة الثالثة: إنها إذ غابت من الأفق خرت ساجدة، فإذا ارتفعت من سجودها زال الليل، كما أنها حين زالت وسط القبة دخل وقت الزوال، زوال النهار».

قلت: هذه صورة ما وقفت عليه من هذا الحديث، و الله سبحانه أعلم، و قد تقدم في حديث أبي ذر، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «سجود الشمس مع الملائكة الموكلين بها و القمر» في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً من سورة يونس «1».

سورة الحج(22): الآيات 19 الي 22 ..... ص : 861

قوله تعالى:

هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ- إلى قوله تعالى- وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ [19- 22]

7246/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن

محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا بولاية علي قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ.

7247/ [2]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو محمد عمار بن الحسين الأسروشني «2»، قال: حدثني علي بن محمد ابن عصمة، قال: حدثنا أحمد بن محمد الطبري بمكة، قال: حدثنا أبو الحسن بن أبي شجاع البجلي، عن جعفر بن

__________________________________________________

1- الكافي 1: 349/ 51.

2- الخصال: 42/ 35.

(1) تقدّم في الحديث (1) من تفسير الآية (5) من سورة يونس.

(2) منسوب إلى أسروشنة: بلدة وراء سمرقند دون سيحون كما في أنساب السمعاني 1: 141، معجم البلدان 1: 177، و في معجم رجال الحديث 12: 251 الأشروسي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 862

عبيد الله بن محمد «1» الحنفي، عن يحيى بن هاشم، عن محمد بن جابر، عن صدقة بن سعيد، عن النضر بن مالك، قال: قلت للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): يا أبا عبد الله، حدثني عن قول الله عز و جل: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.

قال: «نحن و بنو أمية، اختصمنا في الله عز و جل، قلنا: صدق الله و قالوا: كذب الله فنحن و إياهم الخصمان يوم القيامة».

7248/ [3]- محمد بن العباس: عن إبراهيم بن عبد الله بن مسلم، عن حجاج بن المنهال، بإسناده عن قيس بن سعد بن عبادة، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أنه قال: «أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن»، و قال قيس: و فيهم نزلت: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ و هم الذين تبارزوا يوم بدر، علي (عليه السلام) و حمزة و عبيدة، و شيبة و عتبة و الوليد.

7249/ [4]-

الشيخ في (أماليه): قال أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد، قال:

حدثنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل بن هامان «2»، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا مسلم، قال: حدثنا عروة بن خالد، قال: حدثنا سليمان التميمي، عن أبي مجلز، عن قيس بن سعد بن عبادة، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: «أنا أول من يجثو بين يدي الله عز و جل للخصومة يوم القيامة».

7250/ [5]- (كشف الغمة): عن مسلم و البخاري- في حديث- في قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نزلت في علي، و حمزة، و عبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر: عتبة و شيبة ابنا ربيعة، و الوليد بن عتبة.

7251/ [6]- علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: نحن و بنو امية، نحن قلنا: صدق الله و رسوله و قال بنو امية:

كذب الله و رسوله فَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني بني امية قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ إلى قوله: حَدِيدٍ قال تغشاه «3» النار، فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته، و تتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ قال: الأعمدة التي يضربون بها.

7252/ [7]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي

__________________________________________________

3- تأويل الآيات 1: 334/ 3.

4- الأمالي 1: 83، صحيح البخاري 6: 181، تفسير الرازي 23: 21، مستدرك الحاكم 2: 386، النور المشتعل: 144، جامع الأصول 2: 322، تفسير القرطبي 12: 25، تلخيص المستدرك 2: 386.

5- كشف الغمّة 1: 313، صحيح مسلم 4: 2323/ 3033، صحيح البخاري 6: 181/ 264.

6- تفسير القمّي 2: 80. [.....]

7- تفسير القمّي 2: 81.

(1) في «ج، ي»: عن

جعفر بن محمد.

(2) في «ج»: ماهان.

(3) في «ط» نسخة بدل و المصدر: تشويه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 863

عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: يا بن رسول الله، خوفني فإن قلبي قد قسا.

فقال: «يا أبا محمد، استعد للحياة الطويلة، فإن جبرئيل (عليه السلام) جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو قاطب، و قد كان قبل ذلك يجي ء و هو مبتسم، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا جبرئيل، جئتني اليوم قاطبا! فقال: يا محمد، قد وضعت منافخ النار، فقال: و ما منافخ النار، يا جبرئيل؟ فقال: يا محمد، إن الله عز و جل أمر بالنار، فنفخ عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم نفخ عليها ألف عام حتى احمرت، ثم نفخ عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لو أن قطرة من الضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها، و لو أن حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت من حرها، و لو أن سربالا من سرابيل أهل النار علق بين السماء و الأرض لمات أهل الأرض من ريحه و وهجه».

قال: «فبكى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و بكى جبرئيل، فبعث الله إليهما ملكا، فقال لهما: إن ربكما يقرئكما السلام، و يقول: قد أمنتكما أن تذنبا ذنبا أعذبكما «1» عليه».

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «فما رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) جبرئيل مبتسما بعد ذلك» ثم قال: «إن أهل النار يعظمون النار، و إن أهل الجنة يعظمون الجنة و النعيم، و إن أهل جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا

بمقامع الحديد، و أعيدوا فى دركها «2»، هذه حالهم، و هو قول الله عز و جل: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ثم تبدل جلودهم جلودا غير الجلود التي كانت عليهم».

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «حسبك، يا أبا محمد؟» قلت: حسبي، حسبي.

7253/ [8]- الشيخ المفيد في (أماليه) قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد (رحمه الله)، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة «3»، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «مر سلمان (رضي الله عنه) على الحدادين بالكوفة فرأى شابا قد صعق، و الناس قد اجتمعوا حوله، فقالوا: يا أبا عبد الله، هذا الشاب قد صرع، فإن قرأت في آذانه «4»- قال- فدنا منه سلمان، فلما رآه الشاب أفاق، و قال: يا أبا عبد الله، ليس بي ما يقول هؤلاء القوم، و لكني مررت بهؤلاء الحدادين، و هم يضربون بالمرزبات «5»، فذكرت قوله تعالى: وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ فذهب عقلي خوفا من عقاب الله تعالى، فاتخذه سلمان أخا، و دخل قلبه حلاوة محبته في الله تعالى، فلم يزل معه حتى مرض الشاب، فجاءه سلمان فجلس عند

__________________________________________________

8- الأمالي: 136.

(1) في «ج»: يعذبكما.

(2) في «ج، ي، ط»: ذلك.

(3) في المصدر: عمر بن يزيد.

(4) في «ط» و المصدر: اذنه.

(5) المرزبات، جمع مرزبة: المطرقة الكبيرة التي تكون للحدّاد. «النهاية 2: 219».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 864

رأسه و هو يجود بنفسه، فقال: يا ملك الموت، أرفق بأخي فقال ملك الموت: يا أبا عبد الله، إني بكل مؤمن رفيق».

7254/ [9]- ابن طاوس في

(الدروع الواقية): قال: ذكر أبو جعفر أحمد القمي في كتاب (زهد النبي (صلى الله عليه و آله): أن جبرئيل (عليه السلام) جاء إلى النبي (صلى الله عليه و آله) عند الزوال، في ساعة لم يأته فيها، و هو متغير اللون، و كان النبي (صلى الله عليه و آله) يسمع حسه و جرسه «1»، فلم يسمعه يومئذ، فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): «يا جبرئيل، مالك جئتني في ساعة لم تجئني فيها، و أرى لونك متغيرا، و كنت أسمع حسك و جرسك فلم أسمعه!».

فقال: إني جئت حين أمر الله بمنافخ النار، فوضعت على النار.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «فأخبرني عن النار- يا أخي جبرئيل- حين خلقها الله تعالى؟».

فقال: إنه سبحانه أوقد عليها ألف عام فاحمرت، ثم أوقد عليها ألف عام فابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام فاسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضي ء جمرها، و لا ينطفئ لهبها، و الذي بعثك بالحق نبيا، لو أن مثل خرق إبرة خرج منها على أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم، و لو أن رجلا ادخل جهنم ثم اخرج منها، لهلك أهل الأرض جميعا حين ينظرون إليه لما يرون به، و لو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن آخرها، و لو أن بعض خزان جهنم التسعة عشر نظر إليه أهل الأرض لماتوا حين نظروا إليه، و لو أن ثوبا من ثياب أهل جهنم اخرج «2» إلى الأرض لمات أهل الأرض من نتم ريحه. فانكب النبي (صلى الله عليه و آله) و أطرق يبكي، و كذلك جبرئيل، فلم يزالا يبكيان حتى ناداهما ملك من السماء: يا جبرئيل، و يا

محمد، إن الله قد آمنكما من أن تعصيا فيعذبكما.

7255/ [10]- ثم قال ابن طاوس في الكتاب المذكور أيضا: عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «و الذي نفس محمد بيده، لو أن قطرة من الزقوم قطرت على جبال الأرض لساخت إلى أسفل سبع أرضين، و لما أطاقته، فكيف بمن هو طعامه! و الذي نفسي بيده، لو أن قطرة من الغسلين قطرت على جبال الأرض لساخت إلى أسفل سبع أرضين، و لما أطاقته، فكيف بمن هو شرابه! و الذي نفسي بيده لو أن مقماعا واحدا مما ذكره الله في كتابه وضع على جبال الأرض لساخت إلى أسفل سبع أرضين، و لما أطاقته، فكيف بمن يقمع به يوم القيامة في النار».

سورة الحج(22): آية 23 ..... ص : 864

قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ- إلى قوله تعالى-

__________________________________________________

9- الدروع الواقية: 58.

10- الدروع الواقية: 58.

(1) الجرس و الجرس: الصوت الخفيّ. «الصحاح- جرس- 3: 911».

(2) في «ج، ي»: خرج. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 865

وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ [23]

7256/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك- يا بن رسول الله- شوقني.

فقال: «يا أبا محمد، إن من أدنى نسيم «1» الجنة أن يوجد ريحها على قلوب أهلها يوم الأخذ بالكظم و الخناق من مسيرة ألف عام من مسافة أهل الدنيا، و إن أدنى أهل الجنة منزلا لو نزل به أهل الثقلين الجن و الإنس لوسعهم طعاما و شرابا، و لا ينقص مما عنده شي ء، و إن أيسر أهل الجنة منزلا يدخل «2» الجنة فيرفع له ثلاث حدائق، فإذا دخل أدناهن رأى فيها من الأزواج و الخدم

و الأنهار و الثمار ما شاء الله مما يملأ عينيه قرة، و قلبه مسرة.

فإذا شكر الله و حمده «3» قيل له: أرفع رأسك إلى الحديقة الثانية، ففيها ما ليس في الأخرى فيقول: يا رب أعطني هذه فيقول الله تعالى: إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول: رب، هذه هذه فإذا دخلها شكر الله و حمده» قال: «فيقال: افتحوا له بابا إلى الجنة و يقال له: ارفع رأسك فإذا قد فتح له باب من الخلد، و يرى أضعاف ما كان هو فيه فيما قبل، فيقول عند مضاعفة «4» مسراته: رب لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت علي بالجنان، و أنجيتني من النيران».

قال أبو بصير: فبكيت، و قلت له: جعلت فداك، زدني، قال: «يا أبا محمد إن في الجنة نهرا في حافتيه جوار نابتات، إذا مر المؤمن بجارية أعجبته قلعها، و أنبت الله مكانها أخرى».

قلت: جعلت فداك، زدني. قال: المؤمن يزوج ثمان مائة عذراء، و أربعة آلاف ثيب، و زوجتين من الحور العين».

قلت: جعلت فداك، ثمان مائة عذراء! قال: «نعم، ما يفترش منهن شيئا إلا وجدها كذلك».

قلت: جعلت فداك، من أي شي ء خلقت الحور العين؟ قال: «من تربة الجنة النورانية، و يرى مخ ساقيها من وراء سبعين حلة، كبدها مرآته، و كبده مرآتها».

قلت: جعلت فداك، أ لهن كلام يكلمن به أهل الجنة؟ قال: «نعم، كلام يتكلمن به، لم يسمع الخلائق بمثله و أعذب منه».

قلت: ما هو؟ قال: «يقلن بأصوات رخيمة: نحن الخالدات فلا نموت، و نحن الناعمات فلا نيبس، و نحن المقيمات فلا نظعن، و نحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن خلق لنا، و طوبى لمن خلقنا له، و نحن اللواتي لو أن

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 81.

(1) في

«ي، ط» و المصدر: نعيم.

(2) في المصدر: منزلة من يدخل.

(3) في «ج، ي»: سعيه.

(4) في «ط» و المصدر: تضاعف.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 866

قرن إحدانا علق في جو السماء لأغشى «1» نوره الأبصار».

فهاتان الآيتان تفسيرهما «2» رد على من أنكر خلق الجنة و النار، و سيأتي- إن شاء الله تعالى- في صفة الجنة و الحور العين في قوله تعالى: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ «3» و غيرها من الآيات «4»، و تقدم من ذلك في قوله تعالى:

يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً من سورة مريم «5».

سورة الحج(22): آية 24 ..... ص : 866

قوله تعالى:

وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ [24]

7257/ [1]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن أبيه، عمن ذكره عن أبي علي، عن ضريس الكناسي، قال: سألت أبا جعفر «6» (عليه السلام) عن قول الله: وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ.

فقال: «هو- و الله- هذا الأمر الذي أنتم عليه».

7258/ [2]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن اورمة، عن علي ابن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ.

قال: «ذلك جعفر و حمزة و عبيدة و سلمان و أبو ذر و المقداد بن الأسود و عمار، هدوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)».

ابن شهر آشوب، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام)، و ذكر الحديث بعينه «7».

7259/ [3]- علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: التوحيد و الإخلاص وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ قال:

إلى الولاية.

__________________________________________________

1- المحاسن: 169/ 133.

2- الكافي 1: 352/ 71، شواهد التنزيل 1: 394/

546.

3- تفسير القمّي 2: 83.

(1) في «ج»: لأعشى.

(2) في المصدر: و تفسيرهما.

(3) يأتي في تفسير الآيات (19- 23) من سورة الحاقة.

(4) يأتي في تفسير الآية (20) من سورة الزمر و تفسير الآيات (46- 62) و (66- 72) من سورة الرحمن.

(5) تقدم في تفسير الآيات (73- 98) من سورة مريم.

(6) في المصدر: أبا عبد اللّه. [.....]

(7) المناقب 3: 96.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 867

سورة الحج(22): آية 25 ..... ص : 867

قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ [25] 7260/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: نزلت في قريش، حين صدوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن مكة.

7261/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين ابن أبي العلاء، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن معاوية أول من علق على بابه مصراعين بمكة، فمنع حاج بيت الله ما قال الله عز و جل: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ و كان الناس إذا قدموا مكة نزل البادي على الحاضر حتى يقضي حجة، و كان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله تعالى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ «1» و كان فرعون هذه الامة».

7262/ [3]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «لم يكن لدور مكة أبواب، و كان أهل البلدان «2» يأتون بقطرانهم «3» فيدخلون فيضربون بها، و كان أول من بوبها معاوية».

7263/ [4]- الشيخ: بإسناده عن موسى

بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، عن حسين بن أبي العلاء، قال: ذكر أبو عبد الله (عليه السلام) هذه الآية: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ، فقال: «كانت مكة ليس على شي ء منها باب، و كان أول من علق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، و ليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاج شيئا من الدور و منازلها».

7264/ [5]- و عنه: بإسناده عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ليس ينبغي لأهل مكة أن يجعلوا على دورهم أبوابا، و ذلك أن الحاج ينزلون معهم في ساحة الدار حتى يقضوا حجهم».

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 83.

2- الكافي 4: 243/ 1.

3- الكافي 4: 244/ 2.

4- التهذيب 5: 420/ 1458.

5- التهذيب 5: 463/ 1615.

(1) الحاقة 69: 32 و 33.

(2) في «ي»: البوادي.

(3) قال المجلسي (رحمه اللّه): قوله (عليه السّلام): «بقطرانهم» كأنه جمع القطار على غير القياس، أو هو تصحيف قطرات. قال في مصباح اللغة: القطار من الإبل عدد على نسق واحد، و الجمع قطر مثل: كتاب و كتب، و القطرات جمع الجمع. «مرآة العقول 17: 109».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 868

7265/ [6]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد، و عبد الله ابني محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان الناب، عن عبيد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال سألته عن قول الله عز و جل: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ.

فقال: «لم يكن ينبغي أن توضع «1» على دور مكة أبواب، لأن للحاج أن ينزلوا معهم «2» في ساحة الدار حتى

يقضوا مناسكهم، و إن أول من جعل لدور مكة أبوابا معاوية».

7266/ [7]- الحميري عبد الله بن جعفر: بإسناده عن جعفر، عن أبيه، و عن علي (عليهم السلام)، أنه كره إجارة بيوت مكة، و قرأ: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ.

7267/ [8]- و عنه: بإسناده عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى أهل مكة عن إجارة بيوتهم، و أن يغلقوا عليها أبوابا، و قال: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ. قال: و فعل ذلك أبو بكر و عمر و عثمان [و علي (عليه السلام)] حتى كان في زمن معاوية.

7268/ [9]- علي بن جعفر في (مسائله): عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: «ليس ينبغي لأحد من أهل مكة أن يمنع الحاج شيئا من الدور ينزلونها».

قوله تعالى:

وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [25]

7269/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال: أتى أبو عبد الله (عليه السلام) في المسجد، فقيل له: إن سبعا من سباع الطير على الكعبة، ليس يمر به شي ء من حمام الحرم إلا ضربه. فقال: «انصبوا له و اقتلوه، فإنه قد ألحد».

7270/ [2]- و عنه: ابن أبي عمير عن، معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ.

__________________________________________________

6- علل الشرائع: 396/ 1.

7- قرب الاسناد: 65.

8- قرب الاسناد: 52.

9- مسائل علي بن جعفر: 143/ 168.

1- الكافي 4: 227/ 1. [.....]

2- الكافي 4: 227/ 2.

(1) في المصدر: يصنع.

(2) في المصدر زيادة:

في دورهم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 869

قال: «كل ظلم إلحاد، و ضرب الخادم في غير ذنب، من ذلك الإلحاد».

7271/ [3]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.

فقال: كل ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد، أو شي ء من الظلم، فإني أراه إلحادا» و لذلك كان يتقي أن يسكن الحرم.

7272/ [4]- و عنه: باسناده عن ابن محبوب، عن أبي ولاد و غيره من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز ذكره: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ.

فقال: «من عبد فيه غير الله عز و جل، أو تولى فيه غير أولياء الله، فهو ملحد بظلم، و على الله تبارك و تعالى أن يذيقه من عذاب أليم».

7273/ [5]- و عنه: عن الحسين بن محمد، بإسناده إلى عبد الرحمن بن كثير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.

قال: «نزلت فيهم حيث دخلوا الكعبة، فتعاهدوا و تعاقدوا على كفرهم و جحودهم بما نزل في أمير المؤمنين (عليه السلام)، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول (صلى الله عليه و آله) و وليه (عليه السلام)، فبعدا للقوم الظالمين».

7274/ [6]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا

عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.

فقال: «كل ظلم يظلم به الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد، أو شي ء من الظلم، فإني أراه إلحادا».

و لذلك كان ينهى أن يسكن الحرم.

7275/ [7]- الشيخ: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.

فقال: «كل ظلم فيه إلحاد، حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت أن يكون إلحادا». فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة.

__________________________________________________

3- الكافي 4: 227/ 3.

4- الكافي 8: 337/ 533.

5- الكافي 1: 348/ 44.

6- علل الشرائع: 445/ 1.

7- التهذيب 5: 420/ 1457.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 870

7276/ [8]- علي بن إبراهيم: في معنى الآية، قال: قال نزلت فيمن يلحد في أمير المؤمنين (عليه السلام) و يظلمه.

سورة الحج(22): آية 26 ..... ص : 870

قوله تعالى:

وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ [26]

7277/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود، قال: قال الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام): «قوله تعالى: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ يعني بهم آل محمد (صلوات الله عليهم)».

و قد تقدمت الروايات في ذلك في سورة البقرة «1».

سورة الحج(22): آية 27 ..... ص : 870

قوله تعالى:

وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [27] 7278/ [2]- علي بن إبراهيم، يقول: الإبل المهزولة. و قرء: «يأتون من كل فج عميق».

قال: و لما فرغ إبراهيم (عليه السلام) من بناء البيت، أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج، فقال: يا رب، و ما يبلغ صوتي؟ فقال الله تعالى: عليك الأذان و علي البلاغ. و ارتفع على المقام و هو يومئذ يلاصق البيت، فارتفع به المقام حتى كأنه «2» أطول من الجبال، فنادى، و أدخل إصبعيه في أذنيه «3»، و أقبل بوجهه شرقا و غربا، يقول: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم» فأجابوه من تحت البحور السبعة، و من بين المشرق و المغرب إلى منقطع التراب من أطراف الأرض كلها، و من أصلاب الرجال و أرحام النساء بالتلبية: لبيك اللهم لبيك. أولا ترونهم يأتون يلبون؟ فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب لله، و ذلك: قوله:

__________________________________________________

8- تفسير القمي 2: 83.

1- تأويل الآيات 1: 335/ 7.

2- تفسير القمي 2: 83.

(1) تقدمت في تفسير الآية (125) من سورة البقرة.

(2) في «ج» و المصدر: كان.

(3) في «ج، ي، ط»: إصبعه في أذنه. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3،

ص: 871

فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ «1» يعني نداء إبراهيم (عليه السلام) على المقام بالحج.

قال: و كان إساف و نائلة رجلا و امرأة، زنيا في البيت فمسخا حجرين، و اتخذتهما قريش صنمين يعبدونهما، فلم يزالا يعبدان حتى فتحت مكة، فخرجت منها امرأة عجوز شمطاء، تخمش وجهها و تدعو بالويل،

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «تلك نائلة، يئست أن تعبد ببلادكم هذه».

7279/ [2]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم أنزل الله عز و جل عليه: وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم، بأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) يحج في عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة و أهل العوالي و الأعراب، فاجتمعوا لحج رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و إنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون به و يتبعونه، أو يصنع شيئا فيصنعونه.

فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة «2» زالت الشمس، فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة، فصلى فيه الظهر، و عزم بالحج مفردا، و خرج حتى انتهى إلى البيداء «3» عند الميل الأول، فصف له سماطان، فلبى بالحج مفردا، و ساق الهدي ستا و ستين أو أربعا و ستين، حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع

من ذي الحجة «4»، فطاف بالبيت سبعة أشواط، ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام).

ثم عاد إلى الحجر فاستلمه، و قد كان استلمه في أول طوافه، ثم قال: إن الصفا و المروة من شعائر الله، فابدأ بما بدأ الله عز و جل «5» و إن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا و المروة شي ء صنعه المشركون، فأنزل الله عز و جل: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما «6».

ثم أتى الصفا فصعد عليه، و استقبل الركن اليماني، فحمد الله و أثنى عليه، و دعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلا، ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها، كما توقف على الصفا، ثم انحدر و عاد إلى الصفا فوقف عليها، ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه.

فلما فرغ من سعيه و هو على المروة، أقبل على الناس بوجهه، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: إن هذا

__________________________________________________

2- الكافي 4: 245/ 4.

(1) آل عمران 3: 97.

(2) و هي قرية بينها و بين المدينة ستّة أميال أو سبعة، منها ميقات أهل المدينة. «معجم البلدان 2: 295».

(3) و هي أرض ملساء بين مكّة و المدينة. «معجم البلدان 1: 423».

(4) في سلخ أربع من ذي الحجّة: أي بعد مضي أربع منه. «مجمع البحرين- سلخ- 2: 434».

(5) في المصدر زيادة: به.

(6) البقرة 2: 158.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 872

جبرئيل- و أومأ بيده إلى خلفه- يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل، و لو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، و لكني سقت الهدي، و لا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ

الهدي محله».

قال: «فقال له رجل من القوم: لنخرجن حجاجا و رؤوسنا و شعورنا تقطر. فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): أما إنك لن تؤمن بهذا أبدا.

فقال: سراقة بن مالك بن جعشم الكناني «1»: يا رسول الله، علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا، أم لما يستقبل؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): بل هو للأبد إلى يوم القيامة. ثم شبك أصابعه، و قال:

دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».

قال: «و قدم علي (عليه السلام) من اليمن على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو بمكة، فدخل على فاطمة (عليها السلام) و قد أحلت، فوجد ريحا طيبا، و وجد عليها ثيابا مصبوغة، فقال: ما هذا، يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول الله (صلى الله عليه و آله). فخرج علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) مسʙXʙʘǘ̠فقال: يا رسول الله، إني رأيت فاطمة قد أحلت، و عليها ثياب مصبوغة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنا أمرت الناس بذلك، فأنت- يا علي- بما أهللت؟ قال: يا رسول الله، إهلالا كإهلال النبي (صلى الله عليه و آله). فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): قر على إحرامك مثلي، و أنت شريكي في هديي».

قال: «و نزل رسول الله (صلى الله عليه و آله) بمكة بالبطحاء هو و أصحابه، و لم ينزل الدور، فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا و يهلوا بالحج، و هو قول الله عز و جل الذي انزل على نبيه (صلى الله عليه و آله):

فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ أبيكم إِبْراهِيمَ «2» فخرج النبي (صلى

الله عليه و آله) و أصحابه مهلين بالحج حتى أتى منى، فصلى الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، ثم غدا و الناس معه، و كانت قريش تفيض من المزدلفة، و هي جمع، و يمنعون الناس أن يفيضوا منها، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون، فأنزل الله عز و جل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ «3» يعني إبراهيم و إسماعيل و إسحاق (عليهم السلام) في إفاضتهم منها، و من كان بعدهم، فلما رأت قريش أن قبة رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد مضت، كأنه دخل في أنفسهم شي ء للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم، حتى انتهى إلى نمرة، و هي بطن عرفة «4» بحيال الأراك، فضربت قبته، و ضرب الناس أخبيتهم عندها.

فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) و معه قريش، و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف

__________________________________________________

(1) سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي الكناني: أبو سفيان، صحابي، له شعر، كان ينزل قديدا، و كان في الجاهلية قائفا- أي يقتصّ الأثر، و يصيب الفراسة، و قد اشتهر بهذا من العرب آل كنانة، و من كنانة آل مدلج- أخرجه أبو سفيان ليقتاف أثر رسول (صلى اللّه عليه و آله) حين خرج إلى الغار، و أسلم بعد غزوة الطاف سنة (8) ه، و توفّي سنة (24) ه، طبقات ابن سعد 1: 232، الإصابة 3: 19.

(2) آل عمران 3: 95.

(3) البقرة 2: 199.

(4) في «ي» و نسخة من «ط» و المصدر: عرنة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 873

بالمسجد، فوعظ الناس و

أمرهم و نهاهم، ثم صلى الظهر و العصر بأذان و إقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته، يقفون إلى جانبها، فنحاها، ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيها الناس، ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف، و لكن هذا كله. و أومأ بيديه «1» إلى الموقف، فتفرق الناس، و فعل مثل ذلك بالمزدلفة، فوقف الناس «2» حتى وقع «3» قرص الشمس، ثم أفاض، و أمر «4» الناس بالدعة حتى انتهى إلى المزدلفة، و هو المشعر الحرام، فصلى المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين، ثم أقام حتى صلى فيها الفجر، و عجل ضعفاء بني هاشم بليل، و أمرهم أن لا يرموا «5» جمرة العقبة حتى تطلع الشمس، فلما أضاء له النهار أفاض، حتى انتهى إلى منى، فرمى جمرة العقبة.

و كان الهدي الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه و آله) أربعة و ستين، أو ستة و ستين، و جاء علي (عليه السلام) بأربعة و ثلاثين، أو ستة و ثلاثين، فنحر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ستة و ستين، فنحر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ستة و ستين، و نحر علي (عليه السلام) أربعة و ثلاثين بدنة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة «6» من لحم، ثم تطرح في برمة «7»، ثم تطبخ فأكل رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) و حسيا من مرقها، و لم يعطيا الجزارين جلودها و لا جلالها و لا قلائدها، و تصدق به، و حلق و زار البيت، و رجع إلى منى، و أقام بها حتى كان اليوم الثالث من

آخر أيام التشريق، ثم رمى الجمار، و نفر حتى انتهى إلى الأبطح، فقالت له عائشة: يا رسول الله، ترجع نساؤك بحجة و عمرة معا، و أرجع بحجة؟ فأقام بالأبطح، و بعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فأهلت بعمرة، ثم جاءت و طافت بالبيت و صلت ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام)، و سعت بين الصفا و المروة، ثم أتت النبي (صلى الله عليه و آله) فارتحل من يومه، و لم يدخل المسجد الحرام، و لم يطف بالبيت، و دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين، و خرج من أسفل مكة من ذي طوى».

7280/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله ابن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته: لم جعلت التلبية؟ فقال: «إن الله عز و جل أوحى إلى إبراهيم (عليه السلام): وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا فنادى فأجيب من كل فج عميق يلبون».

__________________________________________________

3- علل الشرائع: 416/ 1.

(1) في المصدر: بيده.

(2) في «ط» زيادة: بالدعاء. [.....]

(3) في «ط» و المصدر زيادة: القرص.

(4) في «ج، ي»: و أفاض.

(5) في «ط» و المصدر زيادة: الجمرة.

(6) أي قطعة.

(7) البرمة: القدر مطلقا، و هي في الأصل المتّخذة من الحجّر. «النهاية 1: 121».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 874

سورة الحج(22): آية 28 ..... ص : 874

قوله تعالى:

لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ [28]

7281/ [1]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد

الجبار، عن صفوان، عن أبي المغرا، عن سلمة بن محرز، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ جاءه رجل، يقال له: أبو الورد، فقال لأبي عبد الله (عليه السلام): رحمك الله، إنك لو كنت أرحت بدنك من المحمل.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا أبا الورد، إني أحب أن أشهد المنافع التي قال الله تبارك و تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ إنه لا يشهدها أحد إلا نفعه الله، أما أنتم فترجعون مغفورا لكم، و أما غيركم فيحفظون في أهاليهم و أموالهم».

7282/ [2]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ، قال: «هو الزمن الذي لا يستطيع أن يخرج من زمانته» «1».

7283/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، قول الله عز و جل: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ «2».

قال: «الفقير: الذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم، فكل ما فرض الله عز و جل عليك فإعلانه أفضل من إسراره، و كل ما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه، و لو أن رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فيقسمها «3»، كان ذلك حسنا جميلا».

7284/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «البائس هو الفقير».

__________________________________________________

1- الكافي 4: 263/ 46.

2- الكافي 4: 46/ 4.

3-

الكافي 3: 501/ 16.

4- الكافي 4: 500/ 6.

(1) في المصدر: لزمانته. و الزّمانة: المرض الذي يدوم.

(2) التوبة 9: 60.

(3) في المصدر: فقسمها علانية.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 875

7285/ [5]- الشيخ في (التهذيب): بإسناده عن موسى بن القاسم، عن النخعي، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «البائس: الفقير».

7286/ [6]- و عنه: بإسناده عن العباس بن معروف و علي بن السندي جميعا، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول «1» في قول الله عز و جل: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ قال: «أيام العشر».

و قوله: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «2» قال: «أيام التشريق».

7287/ [7]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «قال علي (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ قال: أيام العشر».

7288/ [8]- و عنه: بهذا الإسناد، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ. قال: «هي أيام التشريق».

7289/ [9]- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن عبد الله بن الصلت، عن يونس بن عبد الرحمن، عن المفضل بن صالح، عن زبد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي

أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «3»، قال: «المعلومات و المعدودات واحدة، و هن «4» أيام التشريق».

سورة الحج(22): آية 29 ..... ص : 875

قوله تعالى:

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [29]

7290/ [1]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، و محمد بن إسماعيل، عن

__________________________________________________

5- التهذيب 5: 223/ 751.

6- التهذيب 5: 487/ 1736. [.....]

7- معاني الأخبار: 296/ 1.

8- معاني الأخبار: 297/ 2.

9- معاني الأخبار: 297/ 3.

1- الكافي 4: 337/ 3.

(1) في المصدر زيادة: قال علي (عليه السّلام).

(2) البقرة 2: 203.

(3) البقرة 2: 203.

(4) في المصدر: و هي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 876

الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، و ابن أبي عمير جميعا، عن معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام)، في حديث من تمام الحج و العمرة: «اتق المفاخرة، و عليك بورع يحجزك عن معاصي الله، فإن الله عز و جل يقول: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ».

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح، فإذا دخلت مكة و طفت بالبيت و تكلمت بكلام طيب، فكان ذلك كفارة».

7291/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال في قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ.

قال: «هو الحلق، و ما في جلد الإنسان».

7292/ [3]- و عنه: بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ، قال: «التفث: تقليم الأظفار، و طرح الوسخ، و

طرح الإحرام».

7293/ [4]- و عنه: عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن غير واحد، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله جل ثناؤه: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ، قال: «هو ما يكون من الرجل في إحرامه، فإذا دخل مكة فتكلم بكلام طيب، كان ذلك كفارة لذلك الذي كان منه».

7294/ [5]- و عنه: عن الحسين، بن محمد، عن معلى بن محمد، عن بعض أصحابه، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، قال: «طواف النساء».

7295/ [6]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن أبان بن عثمان، عمن أخبره، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: لم سمي البيت العتيق؟ قال: «هو بيت حر، عتيق من الناس، لم يملكه أحد».

7296/ [7]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن الحسين بن علي بن مروان، عن عدة من أصحابنا، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في المسجد الحرام: لأي شي ء سماه الله العتيق؟

فقال: «إنه ليس من بيت وضعه الله على وجه الأرض إلا له رب، و سكان يسكنونه، غير هذا البيت، فإنه لا رب له إلا الله عز و جل، و هو الحر «1»» ثم قال: «إن الله عز و جل خلقه قبل الأرض، ثم خلق الأرض من بعده،

__________________________________________________

2- الكافي 4: 503/ 8.

3- الكافي 4: 503/ 12.

4- الكافي 4: 543/ 15.

5- الكافي 4: 513/ 2.

6- الكافي 4: 189/ 6.

7- الكافي 4: 189/ 5. [.....]

(1) في «ط»: الحرم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 877

فدحاها من

تحته».

7297/ [8]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، قال: «طواف الفريضة طواف النساء».

7298/ [9]- و عنه: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن داود بن النعمان، عن أبي عبيدة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)، و رأى الناس بمكة و ما يعملون، قال: فقال: «فعال كفعال الجاهلية، أما و الله ما أمروا بهذا، و ما أمروا إلا أن يقضوا تفثهم، و ليوفوا نذورهم، فيمروا بنا فيمروا بنا فيخبرونا بولايتهم، و يعرضوا علينا نصرتهم».

7299/ [10]- الشيخ: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن ربعي، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: «حفوف «1» الرجل من الطيب».

7300/ [11]- ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل:

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ، قال: «ما يكون من الرجل في حال إحرامه، فإذا دخل مكة و طاف و تكلم بكلام طيب، كان ذلك كفارة لذلك الذي كان منه».

7301/ [12]- و عنه: بإسناده عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ. قال: «التفث: لقاء الإمام».

7302/ [13]- و عنه: بإسناده عن عبد الله بن سنان، قال أتيت أبا عبد الله (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك، ما معنى قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ؟ قال: «أخذ الشارب، و قص الأظفار، و ما أشبه ذلك».

قال قلت: جعلت فداك، فإن ذريحا المحاربي حدثني عنك

بحديث، أنك قلت: «لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ لقاء الإمام وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ تلك المناسك»؟ قال: «صدق ذريح و صدقت، إن القرآن له ظاهر و باطن، و من يحتمل ما يحتمل ذريح؟».

7303/ [14]- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد الآدمي، عن علي بن سليمان، عن زياد القندي، عن عبد الله بن سنان، عن ذريح المحاربي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الله

__________________________________________________

8- الكافي 4: 512/ 1.

9- الكافي 2: 323/ 2.

10- التهذيب 5: 298/ 1010.

11- من لا يحضره الفقيه 2: 290/ 1431.

12- من لا يحضره الفقيه 2: 290/ 1432.

13- من لا يحضره الفقيه 2: 290/ 1437.

14- معاني الأخبار: 340/ 10.

(1) حفّ رأس الإنسان و غيره حفوفا: شعث و بعد عهده بالدّهن. «لسان العرب- حفف- 9: 50».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 878

أمرني في كتابه بأمر، فأحب أن أعلمه، قال: و ما ذاك «1»؟». قلت: قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. قال: لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ لقاء الإمام وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ تلك المناسك».

قال عبد الله بن سنان: فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك، قول الله عز و جل ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ؟ قال: «أخذ الشارب، و قص الأظفار، و ما أشبه ذلك».

قال: قلت: جعلت فداك، فإن ذريحا المحاربي حدثني عنك، أنك قلت له: «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ لقاء الإمام: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ تلك المناسك»؟ فقال: «صدق ذريح، و صدقت، إن للقرآن ظاهرا و باطنا، و من يحتمل ما يحتمل ذريح؟».

7304/ [15]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا الحسين بن الحسن ابن أبان، عن الحسين

بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ. قال: «قص الشارب و الأظفار».

7305/ [16]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن الحسين، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ. قال: «هو الحلق، و ما في جلد الإنسان».

7306/ [17]- و عنه، بإسناده في (الفقيه): عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام): «أن التفث حفوف الرجل عن الطيب، فإذا قضى نسكه حل له الطيب».

7307/ [18]- و عنه: عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ، قال: «التفث، حفوف الرجل من الطيب، فإذا قضى نسكه حل له الطيب».

7308/ [19]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام) في قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ، قال: «التفث: تقليم الأظفار، و طرح الوسخ، و طرح الإحرام عنه».

7309/ [20]- و عنه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود،

__________________________________________________

15- معاني الأخبار: 338/ 1، من لا يحضره الفقيه 2: 290/ 1433.

16-

معاني الأخبار: 338/ 2، من لا يحضره الفقيه 2: 290/ 1434.

17- من لا يحضره الفقيه 2: 290/ 1435.

18- معاني الأخبار: 338/ 3، من لا يحضره الفقيه 2: 290/ 1051.

19- معاني الأخبار: 339/ 4، من لا يحضره الفقيه 2: 290/ 1436. [.....]

20- معاني الأخبار: 339/ 8، من لا يحضره الفقيه 2: 214/ 974 «نحوه».

(1) في «ج»: ذلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 879

عن أبيه، قال: حدثنا إبراهيم بن علي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ.

قال: «الحفوف و الشعث- قال- و من التفث أن يتكلم «1» بكلام قبيح، فإذا دخلت مكة و طفت بالبيت و تكلمت بكلام طيب، كان ذلك كفارته».

7310/ [21]- و عنه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رحمه الله)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن حمدويه، قال: حدثنا محمد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن التفث، قال: «هو حفوف الرأس».

7311/ [22]- و عنه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (رحمه الله)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدثنا محمد بن نصير، قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن التفث؟ فقال: «هو الحلق، و ما في جلد الإنسان».

7312/ [23]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن

علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: لم سمي البيت العتيق؟

قال: «إن الله عز و جل أنزل الحجر الأسود لآدم (عليه السلام) من الجنة، و كان البيت درة بيضاء، فرفعه الله إلى السماء و بقي أسه «2»، فهو بحيال هذا البيت، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يرجعون إليه أبدا، فأمر الله إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام) يبنيان البيت على القواعد، و إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق».

7313/ [24]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، و أحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران، عن الحسن بن علي، عن مروان بن مسلم، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في المسجد الحرام: لأي شي ء سماه الله العتيق؟

قال: «ليس من بيت وضعه الله على وجه الأرض إلا له رب، و سكان يسكنونه، غير هذا البيت، فإنه لا يسكنه أحد، و لا رب له إلا الله، و هو الحرم «3»». و قال: «إن الله خلقه قبل الخلق، ثم خلق الله الأرض من بعده، فدحاها من تحته».

__________________________________________________

21- معاني الأخبار: 339/ 6.

22- معاني الأخبار: 339/ 7.

23- علل الشرائع: 398/ 1.

24- علل الشرائع: 399/ 2.

(1) في المصدر: تتكلّم في إحرامك.

(2) الاسّ: الأصل، انظر «المعجم الوسيط- أسس- 1: 17».

(3) في المصدر: الحرام.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 880

7314/ [25]- و عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه، عن حماد، عن أبان بن عثمان، عمن أخبره، عن أبي جعفر

(عليه السلام)، قال: قلت له: لم سمي البيت العتيق؟

قال: «لأنه بيت حر عتيق من الناس، و لم يملكه أحد».

7315/ [26]- و عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن الطويل، عن عبد الله بن المغيرة، عن ذريح بن يزيد المحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن الله عز و جل أغرق الأرض كلها يوم نوح إلا البيت، فيومئذ سمي العتيق، لأنه أعتق يومئذ من الغرق».

فقلت له: أصعد إلى السماء؟ فقال: «لا، لم يصل إليه الماء، و رفع عنه».

7316/ [27]- و عنه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق، و أعتق الحرم من «1» معه، كف عنه الماء».

7317/ [28]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن هوذة، بإسناده يرفعه إلى عبد الله بن سنان، عن ذريح المحاربي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ، قال: «هو لقاء الإمام (عليه السلام)».

7318/ [29]- و روى عنه (عليه السلام)، و قد نظر إلى الناس يطوفون بالبيت، فقال: «طواف كطواف الجاهلية، أما و الله ما بهذا أمروا، و لكنهم أمروا أن يطوفوا بهذه الأحجار، ثم ينصرفوا إلينا و يعرفونا مودتهم، و يعرضوا علينا نصرتهم». و تلا هذه الآية: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ و قال: «التفث: الشعث، و النذر: لقاء الإمام (عليه السلام)».

سورة الحج(22): الآيات 30 الي 31 ..... ص : 880

قوله تعالى:

ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [30]

7319/ [1]-

محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن

__________________________________________________

25- علل الشرائع: 399/ 3.

26- علل الشرائع: 399/ 5.

27- علل الشرائع: 399/ 4.

28- تأويل الآيات 1: 336/ 8.

29- تأويل الآيات 1: 336/ 9. [.....]

1- تأويل الآيات 1: 336/ 10.

(1) (من) ليس في المصدر، و في «ج»: و من.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 881

داود النجار، عن الإمام موسى، عن أبيه جعفر (عليهما السلام)، في قول الله تعالى: وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ.

قال: «هي ثلاث حرمات واجبة، فمن قطع منها حرمة فقد أشرك بالله: الأولى: انتهاك حرمة الله في بيته الحرام، و الثانية: تعطيل الكتاب و العمل بغيره، و الثالثة: قطيعة ما أوجب الله من فرض طاعتنا و مودتنا».

قوله تعالى:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ- إلى قوله تعالى- فِي مَكانٍ سَحِيقٍ [30- 31]

7320/ [1]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله ابن جبلة، عن سماعة بن مهران، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك و تعالى:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، قال: «الغناء».

7321/ [2]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، و الحسين بن سعيد جميعا، عن النضر بن سويد، عن درست، عن زيد الشحام، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، فقال: «الرجس من الأوثان: الشطرنج، و قول الزور:

الغناء».

7322/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه،

عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.

قال: «الرجس من الأوثان: الشطرنج، و قول الزور: الغناء».

7323/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ.

قال: «الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله- قال- فطرهم على معرفته «1»».

7324/ [5]- ابن بابويه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن

__________________________________________________

1- الكافي 6: 431/ 1.

2- الكافي 6: 435/ 2.

3- الكافي 6: 436/ 7.

4- الكافي 2: 10/ 4.

5- معاني الأخبار: 349/ 1.

(1) في المصدر: على المعرفة به.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 882

مسعود، عن أبيه، قال: حدثنا الحسين بن أشكيب، قال: حدثنا محمد بن السري، عن الحسين بن سعيد، عن أبي أحمد محمد بن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن عبد الأعلى، قال: سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: «الرجس من الأوثان: الشطرنج، و قول الزور: الغناء».

قلت: قوله عز و جل: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ «1»؟ قال: «منه الغناء».

7325/ [6]- و عنه، قال: حدثنا أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سألته عن قول الزور.

قال: «منه: قول الرجل

للذي يغني: أحسنت».

7326/ [7]- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ. قلت: ما الحنيفية؟ قال: «هي الفطرة».

7327/ [8]- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و يعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل: حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ و عن الحنيفية.

قال: «هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله- و قال- فطرهم الله على التوحيد» «2».

7328/ [9]- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الرجس من الأوثان: الشطرنج، و قول الزور: الغناء. و قوله: حُنَفاءَ أي طاهرين، و قوله: فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أي بعيد».

7329/ [10]- الشيخ في (أماليه) بإسناده، في قوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.

قال: «الرجس: الشطرنج، و قول الزور: الغناء».

قلت: هذا الحديث مسبوق بحديث عن الباقر (عليه السلام) في (الأمالي).

__________________________________________________

6- معاني الأخبار: 349/ 2.

7- معاني الأخبار: 349/ 1.

8- التوحيد: 440/ 9.

9- تفسير القمّي 2: 84.

10- الأمالي 1: 330.

(1) لقمان 31: 6. [.....]

(2) في المصدر: المعرفة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 883

سورة الحج(22): آية 32 ..... ص : 883

قوله تعالى:

ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [32] 7330/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: تعظيم البدن و جودتها.

7331/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من

أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة «1»، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف لأنه أعظم ما يكون، قال الله عز و جل: وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ».

سورة الحج(22): آية 33 ..... ص : 883

قوله تعالى:

لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [33]

7332/ [3]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى. قال: «إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها، و إن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها».

7333/ [4]- ابن بابويه، في (الفقيه): بإسناده عن أبي بصير، عنه (عليه السلام) في قول الله عز و جل: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى. قال: «إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها، و إن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها».

7334/ [5]- علي بن إبراهيم، قال: البدن يركبها المحرم من موضعه «2» الذي يحرم فيه غير مضر بها، و لا معنف عليها، و إن كان لها لبن يشرب من لبنها إلى يوم النحر، و هو قوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ.

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 84.

2- الكافي 4: 395/ 5.

3- الكافي 4: 492/ 1.

4- من لا يحضره الفقيه 2: 300/ 1493.

5- تفسير القمّي 2: 84.

(1) في المصدر زيادة: حتّى يبلغ البدنة.

(2) في «ط»: موضعها.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 884

سورة الحج(22): الآيات 34 الي 35 ..... ص : 884

قوله تعالى:

وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ الصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [34- 35]

7335/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود، قال: قال موسى بن جعفر (عليه السلام): «سألت أبي عن قول الله عز و جل:

وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الآية، قال:

نزلت فينا خاصة».

7336/ [2]- علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ قال: العابدين.

سورة الحج(22): آية 36 ..... ص : 884

قوله تعالى:

وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [36]

7337/ [3]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ.

قال: «ذلك حين تصف للنحر، تربط يديها ما بين الخف و «1» الركبة، و وجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض».

7338/ [4]- و عنه: عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها قال: «إذا وقعت على

__________________________________________________

1- تأويل الآيات 1: 337/ 11.

2- تفسير القمّي 2: 84.

3- الكافي 4: 497/ 1.

4- الكافي 4: 499/ 2.

(1) في المصدر: إلى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 885

الأرض». فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ قال: «القانع: الذي يرضى بما أعطيته، و لا يسخط، و لا يكلح «1»، و لا يلوي شدقه غضبا، و المعتر: المار بك لتعطيه» «2».

7339/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه و محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله جل ثناؤه: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ، قال: «القانع:

الذي يقنع بما أعطيته، و المعتر: الذي يعتريك، و السائل: الذي يسألك في يديه، و البائس: هو الفقير».

7340/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن مولى لأبي عبد الله (عليه السلام)، قال: رأيت أبا الحسن الأول (عليه السلام) دعا ببدنة فنحرها، فلما ضرب الجزارون عراقيبها، فوقعت على الأرض، و كشفوا شيئا من سنامها، قال: «اقطعوا و كلوا منها، فإن الله عز و جل يقول: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا».

7341/ [5]- الشيخ: بإسناده عن موسى بن القاسم، عن النخعي، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم، كما قال الله تعالى: فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» و قال: «القانع: الذي يقنع بما أعطيته، و المعتر: الذي يعتريك، و السائل: الذي يسألك في يديه، و البائس: الفقير».

7342/ [6]- و عنه بإسناده: عن موسى بن القاسم، عن ابن أبي عمير، عن سيف التمار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن سعد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي، فقال: إني سقت هديا، فكيف أصنع؟ فقال له أبي:

أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعتر ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا.

فقلت: المساكين هم السؤال؟ فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بم أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر ينبغي له أكثر من ذلك، و هو أغنى من القانع الذي يعتريك فلا يسألك».

7343/ [7]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن

مهزيار، عن فضالة، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها قال: «إذا وقعت على

__________________________________________________

3- الكافي 4: 500/ 6. [.....]

4- الكافي 4: 501/ 9.

5- التهذيب 5: 223/ 751.

6- التهذيب 5: 223/ 753.

7- معاني الأخبار: 208/ 1.

(1) الكلوح: تكشر في عبوس. «الصحاح- كلح- 1: 399».

(2) في المصدر: لتطعمه.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 886

الأرض» فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ قال: «القانع: الذي يرضى بما أعطيته، و لا يسخط، و لا يكلح، و لا يزبد «1» شدقه غضبا، و المعتر: المار بك لتطعمه».

7344/ [8]- و عنه: بهذا الإسناد عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن سيف التمار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن سعد بن عبد الملك قدم حاجا، فلقي أبي (عليه السلام)، فقال: إني سقت هديا، فكيف أصنع؟ فقال: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع ثلثا، و أطعم المسكين ثلثا.

قلت: المسكين هو السائل؟ قال: نعم، و القانع: الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر:

الذي يعتريك لا يسألك».

7345/ [9]- علي بن إبراهيم، قال: القانع: الذي يسأل فتعطيه، و المعتر: الذي يعتريك فلا يسأل.

سورة الحج(22): آية 37 ..... ص : 886

قوله تعالى:

لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ [37] 7346/ [1]- علي بن إبراهيم، أي لا يبلغ ما يتقرب به إلى الله، و إن نحرها، إذا لم يتق الله، و إنما يتقبل الله من المتقين.

قوله تعالى:

لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [37] 7347/ [2]- علي بن إبراهيم، قال: التكبير أيام التشريق: في الصلاة بمنى في عقيب خمس

عشرة صلاة، و في الأمصار عقيب عشر صلوات.

7348/ [3]- محمد بن يعقوب: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن

__________________________________________________

8- معاني الأخبار: 208/ 2.

9- تفسير القمّي 2: 84.

1- تفسير القمّي 2: 84.

2- تفسير القمّي 2: 84.

3- الكافي 4: 516/ 3.

(1) زبّد شدقه: خرج زبده. «أقرب الموارد- زبد- 1: 453».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 887

منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «1».

قال: «هي أيام التشريق- و ساق الحديث إلى أن قال (عليه السلام)- و التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله و الله أكبر، الله أكبر و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام».

7349/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «2».

قال: «التكبير في أيام التشريق: من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، و في الأمصار «3» عشر صلوات، فإذا نفر بعد الاولى أمسك أهل الأمصار، و من أقام بمنى فصلى بها الظهر و العصر فليكبر».

سورة الحج(22): آية 38 ..... ص : 887

قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [38]

7350/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ

آمَنُوا.

قال: «نحن الذين آمنوا، و الله يدافع عنا ما أذاعت عنا شيعتنا».

سورة الحج(22): الآيات 39 الي 40 ..... ص : 887

قوله تعالى:

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [39 و 40]

7351/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن

__________________________________________________

3- الكافي 4: 516/ 1.

1- تأويل الآيات 1: 337/ 12. [.....]

2- الكافي 8: 337/ 534.

(1) البقرة 2: 203.

(2) البقرة 2: 203.

(3) في «ط» زيادة: عقيب.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 888

أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، قال: «نزلت في رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و علي، و جعفر، و حمزة، و جرت في الحسين (عليهم السلام) أجمعين».

7352/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود، قال: حدثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: «نزلت هذه الآية في آل محمد (عليهم السلام) خاصة أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ- ثم تلا إلى قوله تعالى- وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» «1».

7353/ [3]- و عنه، قال: حدثنا الحسين بن عامر، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان بن يحيى، عن حكيم الحناط، عن ضريس، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، قال: «الحسن و الحسين (عليهما

السلام)».

7354/ [4]- و عنه، قال: حدثنا الحسين بن أحمد المالكي، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مثنى الحناط، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، قال: «هي في القائم (عليه السلام) و أصحابه».

7355/ [5]- و عنه، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن، عن المفضل «2»، عن جعفر ابن الحسين الكوفي، عن محمد بن زيد مولى أبي جعفر (عليه السلام)، عن أبيه، قال: سألت مولاي أبا جعفر (عليه السلام)، قلت: قوله عز و جل: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ؟ قال: «نزلت في علي، و حمزة، و جعفر (عليهم السلام)، ثم جرت في الحسين (عليه السلام)».

7356/ [6]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود النجار، قال:

حدثنا مولانا موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، في قول الله تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ.

قال: «نزلت فينا خاصة، في أمير المؤمنين و ذريته (عليهم السلام)، و ما ارتكب من أمر فاطمة (عليها السلام)».

7357/ [7]- أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 338/ 14.

3- تأويل الآيات 1: 338/ 15.

4- تأويل الآيات 1: 338/ 16.

5- تأويل الآيات 1: 339/ 17، شواهد التنزيل 1: 399/ 552.

6- تأويل الآيات 1: 339/ 18.

7- كامل الزيارات: 63/ 4.

(1) الحج 22: 41.

(2) في المصدر: محمّد بن عبد الرحمن بن الفضل.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 889

ابن محمد بن عيسى، عن

العباس بن معروف، عن صفوان بن يحيى، عن حكيم الحناط، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ قال: «علي، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام)».

7358/ [8]- و عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «أنها نزلت في المهاجرين، و جرت في آل محمد (عليهم السلام) الذين اخرجوا من ديارهم، و أخيفوا».

7359/ [9]- علي بن إبراهيم، قال: نزلت في علي (عليه السلام) و جعفر، و حمزة (رضي الله عنهما) ثم جرت. و قوله:

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ قال: الحسين (عليه السلام)، حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة، و قتل بالطف.

7360/ [10]- ثم قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ.

قال: «إن العامة يقولون: نزلت في رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما أخرجته قريش من مكة، و إنما هو القائم (عليه السلام) إذا خرج يطلب بدم الحسين (عليه السلام)، و هو قوله: نحن أولياء الدم، و طلاب الدية. ثم ذكر عبادة الأئمة (عليهم السلام)، و سيرتهم، فقال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» «1».

و تقدم حديث في ذلك في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ «2» الآية، من سورة براءة.

قوله تعالى:

وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ

اللَّهِ كَثِيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [40]

7361/ [1]- الطبرسي، قال: قرأ الصادق (عليه السلام) «و صلوات» بضم الصاد و اللام، و فسرها بالحصون،

__________________________________________________

8- مجمع البيان 7: 138.

9- تفسير القمّي 2: 84. [.....]

10- تفسير القمّي 2: 84.

1- جوامع الجامع: 301.

(1) الحج 22: 41.

(2) التوبة 9: 111، تقدّم في الحديث (2) من تفسير الآيتين (111 و 112) من سورة التوبة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 890

و الآطام «1».

7362/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن حجر بن زائدة، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عز و جل:

وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً.

فقال: «كان قوم صالحون، و هم مهاجرون قوم سوء خوفا أن يفسدوهم، فيدفع الله أيديهم عن الصالحين، و لم يأجر أولئك بما يقع «2» بهم، و فينا مثلهم».

7363/ [3]- و عنه: عن محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن موسى ابن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، في قوله عز و جل: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً، قال: «هم الأئمة الأعلام، و لو لا صبرهم، و انتظارهم الأمر أن يأتيهم من الله لقتلوا جميعا. قال الله عز و جل: وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ».

قال شرف الدين النجفي: بيان معنى هذا التأويل الأول:

قوله: «كان قوم صالحون، و هم مهاجرون

قوم سوء خوفا أن يفسدوهم»

أي يفسدوا عليهم دينهم، فهاجروهم لأجل ذلك، فالله تعالى يدفع أيدي القوم السوء عن الصالحين.

و قوله: «و فينا مثلهم» قوم صالحون و هم الأئمة الراشدون، و قوم سوء و هم المخالفون، و الله تعالى يدفع أيدي المخالفين عن الأئمة الراشدين، و الحمد لله رب العالمين «3».

ثم قال: و أما معنى التأويل الثاني: قوله: «هم الأئمة». بيانه: أن الله سبحانه يدفع بعض الناس عن بعض، فالمدفوع عنهم: [هم ] الأئمة (عليهم السلام)، و المدفوعون: هم الظالمون.

و

قوله: «و لو لا صبرهم و انتظارهم الأمر أن يأتيهم من الله لقتلوا جميعا»

معناه: و لولا صبرهم على الأذى و التكذيب، و انتظارهم أمر الله أن يأتيهم بفرج آل محمد، و قيام القائم (عليه السلام)، لقاموا كما قام غيرهم [بالسيف ]، و لو قاموا لقتلوا جميعا، [و لو قتلوا جميعا] لهدمت صوامع، و بيع، و صلوات، و مساجد.

__________________________________________________

2- تأويل الآيات 1: 340/ 19.

3- تأويل الآيات 1: 340/ 20، و قطعة منه في شواهد التنزيل 1: 280/ 384 و تذكرة الخواص: 16 و فرائد السمطين 1: 339/ 261 و ينابيع المودة:

70 و 72 و 74 و 120.

(1) الآطام: جمع أطم، بسكون الطاء و ضمّها: الحصن و البيت المرتفع.

(2) في المصدر: بما يدفع.

(3) قال المجلسي (رحمه اللّه) في تفسير ذلك: أي كان قوم صالحون هجروا قوم سوء خوفا أن يفسدوا عليهم دينهم، فاللّه تعالى يدفع بهذا القوم السوء عن الصالحين شرّ الكفّار، كما كان الخلفاء الثلاثة و بنو اميّة و أضرابهم يقاتلون المشركين و يدفعونهم عن المؤمنين الّذين لا يخالطونهم و لا يعاونونهم خوفا من أن يفسدوا عليهم دينهم لنفاقهم و فجورهم، و لم يأجر اللّه هؤلاء المنافقين بهذا الدفع، لأنّه

لم يكن غرضهم إلّا الملك و السلطنة و الاستيلاء على المؤمنين و أئمّتهم، كما

قال النبيّ (صلى اللّه عليه و آله): «إنّ اللّه يؤيّد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم»

و أمّا

قوله (عليه السّلام): «و فينا مثلهم»

يعني نحن أيضا نهجر المخالفين لسوء فعالهم، فيدفع اللّه ضرر الكافرين و شرّهم عنّا بهم. «البحار 24: 361».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 891

و الصوامع: عبارة [عن مواضع عبادة] النصارى في الجبال، و البيع في القرى، و الصلوات: أي مواضعها، و يشترك فيها المسلمون و اليهود، فاليهود لهم الكنائس، و المسلمون المساجد، فيكون قتلهم جميعا سببا لهدم هذه المواضع، و هدمها سببا لتعطيل الشرائع الثلاث: شريعة موسى، و عيسى، و محمد (صلى الله عليه و عليهم أجمعين) لأن الشرائع لا تقوم إلا بالكتاب، و الكتاب يحتاج إلى التأويل، و التأويل لا يعلمه إلا الله و الراسخون في العلم، و هم الأئمة (صلوات الله عليهم)، لأنهم يعلمون تأويل كتاب موسى، و عيسى، و محمد (صلى الله عليه و عليهم أجمعين)،

لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى تنطق الكتب، و تقول: صدق».

و قوله: «هم الأعلام». الأعلام: الأدلة الهادية إلى دار السلام، فعليهم من الله أفضل التحية و الإكرام و لما علم الله سبحانه و تعالى منهم الصبر و عدهم النصر، فقال: وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [أي ينصر دينه ] إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ في سلطانه عَزِيزٌ في جبروت شأنه.

قلت: قد تقدمت

رواية محمد بن العباس بإسناده إلى عيسى بن داود، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام): «نزلت آية: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا

وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ إلى قوله تعالى وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ في آل محمد (عليهم السلام) خاصة» «1».

سورة الحج(22): الآيات 41 الي 44 ..... ص : 891

قوله تعالى:

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ- إلى قوله تعالى- نَكِيرِ [41- 44]

7364/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن حصين بن مخارق، عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قوله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ قال: «نحن هم».

7365/ [2]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن حصين بن مخارق، عن

__________________________________________________

1- تأويل الآيات 1: 342/ 22.

2- تأويل الآيات 1: 342/ 23، شواهد التنزيل 1: 400/ 554.

(1) تقدّمت في الحديث (2) من تفسير الآيتين (39- 40) من هذه السورة.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 892

عمرو «1» بن ثابت، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن «2»، عن امه، عن أبيها (عليه السلام)، في قول الله عز و جل:

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.

قال: «هذه نزلت فينا أهل البيت».

7366/ [3]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود، عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: «كنت عند أبي يوما في المسجد إذ أتاه رجل، فوقف أمامه، و قال: يا بن رسول الله،

أعيت علي آية في كتاب الله عز و جل، سألت عنها جابر بن يزيد فأرشدني إليك. فقال: و ما هي؟ قال: قوله عز و جل: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.

فقال أبي: نعم، فينا نزلت، و ذلك أن فلانا، و فلانا، و طائفة معهما- و سماهم- اجتمعوا إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: يا رسول الله، إلى من يصير هذا الأمر بعدك، فو الله لئن صار إلى رجل من أهل بيتك، إنا لنخافهم على أنفسنا و لو صار إلى غيرهم فلعل غيرهم أقرب و أرحم بنا منهم. فغضب رسول الله (صلى الله عليه و آله) من ذلك غضبا شديدا، ثم قال: أما و الله لو آمنتم بالله و برسوله ما أبغضتموهم، لأن بغضهم بغضي، و بغضي هو الكفر بالله، ثم نعيتم إلي نفسي، فو الله لئن مكنهم الله في الأرض ليقيموا الصلاة، و ليؤتوا الزكاة، و ليأمروا بالمعروف، و لينهوا عن المنكر، إنما يرغم الله انوف رجال يبغضوني، و يبغضون أهل بيتي و ذريتي فأنزل الله عز و جل:

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ فلم يقبل القوم ذلك، فأنزل الله سبحانه: وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ إِبْراهِيمَ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ مَدْيَنَ وَ كُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ».

7367/ [4]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن حميد، عن جعفر بن عبد الله، عن كثير بن عياش، عن أبي

الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.

قال: «هذه الآية لآل محمد المهدي (عليه السلام) و أصحابه، يملكهم الله مشارق الأرض و مغاربها، و يظهر الدين، و يميت الله عز و جل به و بأصحابه البدع و الباطل كما أمات السفهة الحق، حتى لا يرى أثر من الظلم، و يأمرون بالمعروف، و ينهون عن المنكر، و لله عاقبة الأمور».

7368/ [5]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود، قال:

__________________________________________________

3- تأويل الآيات 1: 342/ 24.

4- تأويل الآيات 1: 343/ 25. [.....]

5- تأويل الآيات 1: 338/ 14.

(1) في «ي، ط»: عمر.

(2) في «ج، ي، ط»: عبد اللّه بن الحسن بن الحسين، راجع معجم رجال الحديث 10: 159.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 893

حدثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: «نزلت هذه الآية في آل محمد (عليهم السلام) خاصة:

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ «1»- ثم تلا إلى قوله تعالى- وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ».

7369/ [6]- علي بن إبراهيم، قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام): «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فهذه لآل محمد (عليهم السلام) إلى آخر الآية، و المهدي و أصحابه (عليه السلام) يملكهم الله مشارق الأرض و مغاربها، و يظهر الدين، و يميت الله به و بأصحابه البدع و الباطل كما أمات السفهة الحق، حتى

لا يرى أثر للظلم، و يأمرون بالمعروف، و ينهون عن المنكر».

سورة الحج(22): آية 45 ..... ص : 893

قوله تعالى:

فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها- إلى قوله تعالى- وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ [45] 7370/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: و أما قوله: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها العروش: سقف البيت و حولها و جوانبها.

قال: و أما قوله: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ قال: هو مثل جرى لآل محمد (عليهم السلام) قوله: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ: هي التي لا يستقى منها، و هو الإمام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم إلى وقت ظهوره «2»، و القصر المشيد: هو المرتفع، و هو مثل لأمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام)، و فضائلهم «3» المنتشرة في العالمين، المشرفة على الدنيا، و تستطار ثم تشرق على الدنيا «4»، و هو قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ «5» و قال الشاعر في ذلك:

بئر معطلة و قصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى و البئر علمهم الذي لا ينزف «6»

__________________________________________________

6- تفسير القمّي 2: 87.

1- تفسير القمّي 2: 85 و 87.

(1) سورة الحج 22: 39 و 40.

(2) (إلى وقت ظهوره) ليس في المصدر.

(3) في «ج، ي، ط»: و قضاياهم.

(4) في المصدر: و فضائلهم المشرفة على الدنيا.

(5) التوبة 9: 33، الفتح 48: 28، الصف 61: 9.

(6) أي لا يفنى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 894

7371/ [2]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن الحسن، و علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، في قوله تعالى: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ، قال: «البئر المعطلة: الإمام الصامت، و القصر المشيد: الإمام

الناطق».

7372/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن سعيد الكوفي، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن إبراهيم بن زياد، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ، قال: «البئر المعطلة: الإمام الصامت، و القصر المشيد: الإمام الناطق».

7373/ [4]- و عنه، قال: حدثني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن علي بن السندي، عن محمد بن عمرو، عن بعض أصحابنا، عن نصر بن قابوس، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ، قال: «البئر المعطلة: الإمام الصامت، و القصر المشيد: الإمام الناطق».

7374/ [5]- و عنه، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رحمه الله)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، إسحاق بن محمد، قال: أخبرني محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن صالح بن سهل، أنه قال: أمير المؤمنين (عليه السلام) هو القصر المشيد، و البئر المعطلة: فاطمة و ولدها (عليهم السلام)، معطلين من الملك.

و قال محمد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري، معطلين بشنبولة.

بئر معطلة و قصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف

فالناطق القصر المشيد منهم و الصامت البئر التي لا تنزف

7375/ [6]- سعد بن عبد الله: عن علي بن إسماعيل بن عيسى، عن محمد بن عمرو بن سعيد الزيات، عن بعض أصحابه، عن نصر بن قابوس، قال: سألت أبا عبد الله (عليه

السلام) عن قول الله عز و جل: وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ «1» قال: «يا نصر، إنه- و الله- ليس حيث يذهب الناس، إنما هو العالم «2» و ما يخرج منه».

__________________________________________________

2- الكافي 1: 353/ 75.

3- معاني الأخبار: 111/ 1.

4- معاني الأخبار: 111/ 2. [.....]

5- معاني الأخبار: 111/ 3.

6- مختصر بصائر الدرجات: 57.

(1) الواقعة 56: 30- 33.

(2) في «ج، ي، ط»: العلم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 895

و سألته عن قول الله عز و جل: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ قال: «البئر المعطلة: الإمام الصامت، و القصر المشيد: الإمام الناطق».

7376/ [7]- محمد بن العباس، قال: حدثنا الحسين بن عامر، عن محمد بن الحسين، عن الربيع بن محمد، عن صالح بن سهل، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قول الله عز و جل: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ أمير المؤمنين (عليه السلام): القصر المشيد، و البئر المعطلة: فاطمة (عليها السلام) و ولدها، معطلون من الملك».

7377/ [8]- ابن شهر آشوب: عن جعفر الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ أنه قال: «رسول الله (صلى الله عليه و آله) القصر المشيد، و البئر المعطلة علي (عليه السلام)».

7378/ [9]- علي بن جعفر: عن أخيه موسى (عليه السلام)، قال: «البئر المعطلة: الإمام الصامت، و القصر المشيد:

الإمام الناطق».

سورة الحج(22): آية 47 ..... ص : 895

قوله تعالى:

وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [47] 7379/ [1]- علي بن إبراهيم: و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أخبرهم أن العذاب قد أتاهم، فقالوا: فأين العذاب؟ استعجلوه، فقال الله: وَ

إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.

7380/ [2]- الشيخ في (أماليه) قال: أخبرنا محمد بن محمد بن النعمان، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن محمد القاساني «1»، عن سليمان بن داود «2» المنقري، عن حفص بن غياث، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام): «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم، و لا يكون له رجاء إلا من

__________________________________________________

7- تأويل الآيات 1: 344/ 26.

8- المناقب 3: 88.

9- المناقب 3: 88.

1- تفسير القمّي 2: 88.

2- الأمالي 1: 34.

(1) الظاهر أنّه سقط من سند الحديث القاسم بن محمّد، بدليل السند الآتي في ذيل هذا الحديث، و انظر: فهرست الطوسي: 77، معجم رجال الحديث 12: 173.

(2) في «ج، ي»: داود بن سليمان.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 896

عند الله عز و جل، فإذا علم الله ذلك من قبله لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإن في القيامة خمسين موقفا، كل موقف [مثل ] ألف سنة مما تعدون- ثم تلا هذه الآية- فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ «1»».

و رواه محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و علي بن محمد جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه» و ساق الحديث إلى آخره، إلا أن فيه: «مقداره ألف سنة» ثم تلا، إلى آخره «2».

و سيأتي- إن شاء الله تعالى- في

قوله تعالى: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ من سورة المعارج «3».

7381/ [3]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عنهم (عليهم السلام)، في حديث ما وعظ الله عز و جل به عيسى (عليه السلام)، و فيه: «يا عيسى، تب إلي، فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره، و أنا أرحم الراحمين: اعمل لنفسك في مهلة من أجلك، قبل أن لا تعمل لها «4»، و اعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون، فيه أجزي بالحسنة أضعافها، و إن السيئة توبق صاحبها».

سورة الحج(22): الآيات 50 الي 51 ..... ص : 896

قوله تعالى:

فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ [50- 51]

7382/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود، عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، في قوله عز و جل: فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ.

قال: «أولئك آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، و الذين سعوا في قطع مودة آل محمد (عليهم السلام) معاجزين

__________________________________________________

3- الكافي 8: 131/ 103.

1- تأويل الآيات 1: 345/ 29.

(1) المعارج 70: 4. [.....]

(2) الكافي 2: 119/ 2.

(3) يأتي في الحديث (13) من تفسير الآية (4) من سورة المعارج.

(4) في المصدر: لا يعمل لها غيرك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 897

أولئك أصحاب الجحيم- قال- هم الأربعة نفر: التيمي، و العدوي، و الأمويان».

سورة الحج(22): الآيات 52 الي 55 ..... ص : 897

اشارة

قوله تعالى:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ- إلى قوله تعالى- عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [52- 55]

7383/ [1]- علي بن إبراهيم: إن العامة رووا أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان في الصلاة، فقرأ سورة النجم في المسجد الحرام، و قريش يستمعون لقراءته، فلما انتهى إلى هذه الآية: أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «1» أجرى إبليس على لسانه: فإنها للغرانيق الأولى، و إن شفاعتهن لترجى. ففرحت قريش، و سجدوا، و كان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي و هو شيخ كبير، فأخذ كفا من حصى، فسجد عليه و هو قاعد، و قالت قريش: قد أقر محمد بشفاعة اللات و العزى، قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام)، فقال له: قد قرأت ما لم أنزل به عليك،

و أنزل عليه: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ.

و

أما الخاصة فإنهم رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أصابته خصاصة، فجاء إلى رجل من الأنصار، فقال له: هل عندك من طعام؟ فقال: نعم، يا رسول الله. و ذبح له عناقا «2»، و شواه، فلما أدناه منه تمنى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يكون معه علي و فاطمة و الحسن، و الحسين (عليهم السلام).

فجاء أبو بكر و عمر، ثم جاء علي (عليه السلام) بعدهما، فأنزل الله في ذلك: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ و لا محدث إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ يعني فلانا و فلانا فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ يعني لما جاء علي (عليه السلام) بعدهما ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ يعني بنصرة أمير المؤمنين (عليه السلام)».

ثم قال: لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً يعني فلانا و فلانا لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: الشك وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ إلى قوله: إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني إلى الإمام المستقيم. ثم قال: وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ أي في شك من أمير المؤمنين (عليه السلام) حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال: العقيم: الذي لا مثل له في الأيام.

7384/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن علي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن حماد

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 85.

2- تأويل الآيات 1: 347/ 33.

(1) الآية: 19 و 20.

(2) العناق: بالفتح، الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول. «مجمع البحرين-

عنق- 5: 219».

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 898

ابن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله عز و جل: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ الآية.

قال أبو جعفر (عليه السلام): «خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قد أصابه جوع شديد، فأتى رجلا من الأنصار، فذبح له عناقا، و قطع له عذق بسر و رطب، فتمنى رسول الله عليا (عليه السلام)، و قال: يدخل عليكم رجل من أهل الجنة» قال: «فجاء أبو بكر، ثم جاء عمر، ثم جاء عثمان، ثم جاء علي (عليه السلام)، فنزلت هذه الآية: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».

7385/ [3]- و عنه، قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسني، عن إدريس بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة، قال: قال لي علي بن الحسين (عليهما السلام): «يا حكم، هل تدري ما كانت الآية التي كان يعرف بها علي (عليه السلام)، صاحب قتله، و يعرف بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس؟» قال: قلت: لا و الله. فأخبرني بها، يا بن رسول الله. قال: «هي قول الله عز و جل: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ و لا محدث».

قلت: فكان علي (عليه السلام) محدثا؟ قال: «نعم، و كل إمام منا أهل البيت محدث».

7386/ [4]- و عنه، قال: حدثنا الحسين بن

عامر، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن فرقد، عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: قال لي الحكم بن عتيبة: إن مولاي علي بن الحسين (عليه السلام) قال لي: «إنما علم علي (عليه السلام) كله في آية واحدة». قال: فخرج عمران بن أعين ليسأله، فوجد عليا (عليه السلام) قد قبض، فقال لأبي جعفر (عليه السلام): إن الحكم حدثنا عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: «إن علم علي (عليه السلام) كله في آية واحدة»؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «و ما تدري ما هي؟» قلت: لا. قال: «هي قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ و لا محدث، ثم أبان شأن الرسول، و النبي، و المحدث (صلوات الله عليهم أجمعين)».

7387/ [5]- و عنه، قال: حدثنا الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن القاسم بن عروة، عن بريد العجلي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، عن الرسول، و النبي، و المحدث.

فقال: «الرسول: الذي تأتيه الملائكة، و يعاينهم، و تبلغه الرسالة من الله. و النبي: الذي يرى في المنام، فما رأى فهو كما رأى، و المحدث: الذي يسمع صوت الملائكة و حديثهم، و لا يرى شيئا، بل ينقر في أذنيه، و ينكت في قلبه».

__________________________________________________

3- تأويل الآيات 1: 345/ 30.

4- تأويل الآيات 1: 346/ 31.

5- تأويل الآيات 1: 346/ 32.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 899

7388/ [6]- محمد بن الحسن الصفار، عن الحسن بن علي، قال: حدثني عبيس بن هشام، قال: حدثنا كرام ابن عمرو الخثعمي، عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أ كان علي (عليه السلام) ينكت

في قلبه، أو يوقر «1» في صدره و اذنه؟ قال: «إن عليا (عليه السلام) كان محدثا».

قال: فلما أكثرت عليه، قال: «إن عليا (عليه السلام) يوم بني قريظة و بني النضير كان جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، يحدثانه».

7389/ [7]- و عنه: عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران، قال:

حدثنا الحكم بن عتيبة، عن علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: «إن علم علي (عليه السلام) في آية من القرآن» قال:

و كتمنا الآية.

قال: فكنا نجتمع فنتدارس القرآن فلا نعرف الآية- قال- فدخلت علي أبي جعفر (عليه السلام)، فقلت له: إن الحكم بن عتيبة حدثنا عن علي بن الحسين (عليه السلام): «أن علم علي (عليه السلام) في آية من القرآن» و كتمنا الآية.

قال: «اقرأ يا حمران» فقرأت: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ فقال أبو جعفر (عليه السلام): «و ما أرسلنا من رسول و لا نبي و لا محدث» قلت: و كان علي (عليه السلام) محدثا؟ قال: «نعم».

فجئت إلى أصحابنا، فقلت: قد أصبت الذي كان الحكم يكتمنا. قال: قلت: قال أبو جعفر (عليه السلام): «كان يقول: علي (عليه السلام) محدث». فقالوا لي: ما صنعت شيئا، ألا كنت تسأله من يحدثه؟

[قال: فبعد ذلك إني أتيت أبا جعفر (عليه السلام) فقلت: أ ليس حدثتني أن عليا (عليه السلام) كان محدثا؟ قال:

«بلى»] قلت: من يحدثه؟ قال: «ملك يحدثه».

قال: قلت: أقول إنه نبي، أو رسول؟ قال: «لا، و لكن قل: مثله مثل صاحب سليمان، و صاحب موسى، و مثله مثل ذي القرنين».

7390/ [8]- و عنه: عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سمعت أبا الحسن

(عليه السلام) يقول: الأئمة علماء صادقون، مفهمون، محدثون».

7391/ [9]- و عنه: عن أبي طالب، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: كنت أنا، و أبو بصير، و محمد بن عمران ننزل بمكة، فقال محمد بن عمران: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول «نحن اثنا عشر محدثا» فقال له أبو بصير: و الله لقد سمعت من أبي عبد الله (عليه السلام)؟ قال: فحلفه مرة أو مرتين أنه سمعه. فقال أبو بصير: كذا سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول.

__________________________________________________

6- بصائر الدرجات: 341/ 2.

7- بصائر الدرجات: 343/ 10 و 11.

8- بصائر الدرجات: 339/ 1.

9- بصائر الدرجات: 339/ 2. [.....]

(1) وقر في قلبي كذا: وقع و بقي أثره. «أقرب الموارد- وقر- 2: 1474». و في المصدر: ينقر.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 900

7392/ [10]- و عنه: عن عبد الله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن أحمد بن محمد الثقفي، عن أحمد بن يونس الحجال، عن أيوب بن حسن، عن قتادة، أنه كان يقرأ: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث» «1».

7393/ [11]- و عنه: عن علي بن إسماعيل، عن صفوان، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أ لست أخبرتني أن عليا (عليه السلام) كان محدثا؟ قال: «بلى» قلت: من يحدثه؟ قال: «ملك يحدثه».

قلت: فأقول إنه نبي، أو رسول؟ قال: «لا، بل مثله مثل صاحب سليمان، و مثل صاحب موسى، و مثل ذي القرنين، أما بلغك أن عليا (عليه السلام) سئل عن ذي القرنين، فقيل: كان نبيا؟ فقال: لا، بل كان عبدا أحب الله فأحبه، و نصح لله فنصحه. فهذا مثله».

7394/ [12]- و عنه: عن

أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إن عليا (عليه السلام) كان محدثا».

قلت: فيكون نبيا؟ قال: فحرك يده هكذا، ثم قال: «أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسى، أو كذي القرنين، أو ما بلغكم أنه (عليه السلام) قال: و فيكم مثله؟».

7395/ [13]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا «2» ما الرسول، و ما النبي؟ قال: «النبي: الذي يرى في منامه، و يسمع الصوت، و لا يعاين الملك، و الرسول: الذي يسمع الصوت، و يرى في المنام، و يعاين الملك».

قلت: الإمام، ما منزلته؟ قال: «يسمع الصوت، و لا يرى، و لا يعاين الملك» ثم تلا هذه الآية: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث».

7396/ [14]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، قال: كتب الحسن بن العباس المعروفي إلى الرضا (عليه السلام): جعلت فداك، أخبرني: ما الفرق بين الرسول، و النبي، و الإمام؟

فكتب- أو قال-: «الفرق بين الرسول و النبي و الإمام، أن الرسول: الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه، و يسمع

__________________________________________________

10- بصائر الدرجات: 341/ 8.

11- بصائر الدرجات: 386/ 6.

12- بصائر الدرجات: 386/ 2.

13- الكافي 1: 134/ 1.

14- الكافي 1: 134/ 2.

(1) و رويت هذه القراءة عن عبد اللّه بن عباس و سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، كما في الدر المنثور 6: 65.

(2) مريم

19: 51 و 54.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 901

كلامه، و ينزل عليه الوحي، و ربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (عليه السلام)، و النبي: ربما سمع الكلام، و ربما رأى الشخص و لم يسمع. و الإمام: هو الذي يسمع الكلام، و لا يرى الشخص».

7397/ [15]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرسول، و النبي، و المحدث؟

فقال: «الرسول: الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه، و يكلمه، فهذا الرسول، و أما النبي: فهو الذي يرى في منامه، نحو رؤيا إبراهيم (عليه السلام)، و نحو ما كان رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) من أسباب النبوة قبل الوحي، حتى أتاه جبرئيل (عليه السلام) من عند الله بالرسالة، و كان محمد (صلى الله عليه و آله) حين جمع له النبوة، و يرى في منامه، و يأتيه الروح، و يكلمه، و يحدثه، من غير أن يكون يراه في اليقظة. و أما المحدث: فهو الذي يحدث، فيسمع، و لا يعاين، و لا يرى في منامه».

7398/ [16]- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن القاسم بن محمد، عن عبيد بن زرارة، قال: أرسل أبو جعفر (عليه السلام) إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة، أن أوصياء محمد (عليه و عليهم السلام) محدثون.

7399/ [17]- و عن محمد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة، قال: دخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام) يوما، فقال: «يا حكم، هل تدري الآية التي كان علي بن أبي طالب

(عليه السلام) يعرف قالته بها، و يعلم بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس؟».

قال الحكم: فقلت في نفسي: قد وقعت على علم من علم علي بن الحسين (عليهما السلام)، أعلم بذلك تلك الأمور العظام. قال: فقلت: لا و الله، لا أعلم. قال: ثم قلت: الآية، تخبرني بها، يا بن رسول الله؟ قال: «هو- و الله- قول الله عز ذكره: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ و لا محدث، و كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) محدثا».

فقال له رجل يقال له: عبد الله بن زيد، كان أخا علي لامه: سبحان الله، محدثا؟! كأنه ينكر ذلك. فأقبل عليه أبو جعفر (عليه السلام)، فقال: «أما و الله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك». قال: فلما قال ذلك سكت الرجل، فقال:

«هي التي هلك فيها أبو الخطاب، فلم يدر ما تأويل المحدث و النبي».

7400/ [18]- و عنه: عن أحمد بن محمد، و محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن إسماعيل، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «الأئمة علماء، صادقون، مفهمون، محدثون».

__________________________________________________

15- الكافي 1: 135/ 3.

16- الكافي 1: 212/ 1.

17- الكافي 1: 212/ 2.

18- الكافي 1: 213/ 3.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 902

7401/ [19]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن محمد بن مسلم، قال: ذكر المحدث عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: «إنه يسمع الصوت و لا يرى الشخص».

فقلت له: جعلت فداك، كيف يعلم أنه كلام الملك؟ قال: «إنه يعطى السكينة و الوقار حتى يعلم أنه كلام الملك».

7402/ [20]- و عنه: عن محمد بن

يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران بن أعين، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إن عليا (عليه السلام) كان محدثا».

فخرجت إلى أصحابي، فقلت: جئتكم بعجيبة. فقالوا: و ما هي؟ قلت: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:

«كان علي (عليه السلام) محدثا» فقالوا: ما صنعت شيئا، ألا سألته من كان يحدثه؟

فرجعت إليه، فقلت: إني حدثت أصحابي بما حدثتني، فقالوا: ما صنعت شيئا، ألا سألته من كان يحدثه؟

فقال لي: «يحدثه ملك» قلت: تقول: «إنه نبي؟» قال: فحرك يده هكذا: «أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسى، أو كذي القرنين، أو ما بلغكم أنه (عليه السلام) قال: و فيكم مثله؟».

7403/ [21]- و عنه: عن أحمد بن محمد، و محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن حسان، عن ابن فضال، عن علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم، عن بريد، عن أبي جعفر، و أبي عبد الله (عليهما السلام)، في قوله عز و جل: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث».

قلت: جعلت فداك، ليس هذه قرائتنا، فما الرسول، و النبي، و المحدث؟ قال: «الرسول: الذي يظهر له الملك، و يكلمه. و النبي: هو الذي يرى في منامه، و ربما اجتمعت النبوة و الرسالة لواحد. و المحدث: الذي يسمع الصوت و لا يرى الصورة».

قال: قلت: أصلحك الله، كيف يعلم أن الذي رأى في النوم حق، و أنه من الملك؟ قال: «يوفق لذلك «1» حتى يعرفه، و لقد ختم الله بكتابكم الكتب، و ختم بنبيكم الأنبياء».

أحاديث الشيخ المفيد في (الاختصاص) ..... ص : 902

7404/ [22]- أحمد بن محمد بن عيسى: عن أبيه، و

محمد بن خالد البرقي، و العباس بن معروف، عن

__________________________________________________

19- الكافي 1: 213/ 4.

20- الكافي 1: 213/ 5. [.....]

21- الكافي 1: 135/ 4.

22- الاختصال: 328.

(1) في «ط» نسخة بدل: يوقع علم ذلك.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 903

القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية العجلي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرسول، و النبي، و المحدث.

فقال: «الرسول: الذي تأتيه الملائكة، و يعاينهم، و تبلغه عن الله تعالى، و النبي: الذي يرى في منامه، فما رأى فهو كما رأى، و المحدث: الذي يسمع الكلام- كلام الملائكة- ينقر «1» في اذنه، و ينكت في قلبه».

7405/ [23]- أحمد بن محمد بن عيسى: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: كانَ رَسُولًا نَبِيًّا «2»، قلت: ما هو الرسول من النبي؟ فقال:

«النبي: هو الذي يرى في منامه، و يسمع الصوت، و لا يرى، و لا يعاين الملك» ثم تلا هذه الآية: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث».

7406/ [24]- الهيثم بن أبي مسروق النهدي، و إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مهران، قال: كتب الحسن ابن العباس المعروفي إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام): جعلت فداك، أخبرني، ما الفرق بين الرسول، و النبي، و الإمام؟

قال: فكتب إليه- أو قال له-: الفرق بين الرسول و النبي و الإمام، أن الرسول: هو الذي ينزل عليه جبرئيل، فيراه، و يكلمه و يسمع كلامه، و ينزل عليه الوحي، و ربما أتي في منامه، نحو رؤيا إبراهيم (عليه السلام). و النبي: ربما سمع الكلام، و ربما رأى الشخص و لم يسمع

الكلام. و الإمام: هو الذي يسمع الكلام، و لا يرى الشخص».

7407/ [25]- إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثني إسماعيل بن بشار «3»، عن علي بن جعفر الحضرمي، عن زرارة بن أعين، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث».

فقال: «الرسول: الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيكلمه، فيراه كما يرى الرجل صاحبه. و أما النبي: فهو الذي يؤتى في منامه، نحو رؤيا إبراهيم (عليه السلام)، و نحو ما كان يرى محمد (عليه السلام)، و منهم من يجتمع له الرسالة و النبوة، و كان محمد (صلى الله عليه و آله) ممن جمعت له الرسالة و النبوة. و أما المحدث: فهو الذي يسمع كلام الملك و لا يراه، و لا يأتيه في المنام».

7408/ [26]- و عنه، قال: حدثني إسماعيل بن بشار، قال: حدثني علي بن جعفر الحضرمي، عن سليم بن

__________________________________________________

23- الاختصاص: 328.

24- الاختصاص: 328.

25- الاختصاص: 329.

26- الاختصاص: 329.

(1) في «ح، ي» يوقر.

(2) مريم 19: 51 و 54.

(3) في المصدر: يسار، و كذلك في الحديث الآتي.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 904

قيس الشامي، أنه سمع عليا (عليه السلام) يقول: «إني و أوصيائي من ولدي أئمة مهتدون «1»، كلنا محدثون».

قلت: يا أمير المؤمنين، من هم؟ قال: «الحسن، و الحسين، ثم ابني علي بن الحسين- قال: و علي يومئذ رضيع- ثم ثمانية من بعده، واحدا بعد واحد، و هم الذين أقسم الله بهم، فقال: وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ «2» أما الوالد فرسول الله (صلى الله عليه و آله)، و ما ولد يعني هؤلاء الأوصياء».

فقلت: يا أمير المؤمنين، أ يجتمع إمامان؟ فقال: «لا، إلا و أحدهما صامت،

لا ينطق حتى يمضي الأول».

قال سليم الشامي: سألت محمد بن أبي بكر، فقلت: أ كان علي (عليه السلام) محدثا؟ فقال: نعم. قلت: و هل يحدث الملائكة الأئمة؟ فقال أو ما تقرأ: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث؟

قلت: فأمير المؤمنين (عليه السلام) محدث؟ فقال: نعم، و فاطمة (عليها السلام) كانت محدثة، و لم تكن نبية.

7409/ [27]- ابن شهر آشوب: قرأ ابن عباس: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث».

7410/ [28]- و عن سليم، قال: سمعت محمد بن أبي بكر قرأ: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث».

قلت: و هل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: نعم، مريم، و لم تكن نبية و كانت محدثة و ام موسى كانت محدثة و لم تكن نبية و سارة قد عاينت الملائكة، فبشروها بإسحاق، و من وراء إسحاق يعقوب، و لم تكن نبية و فاطمة (عليها السلام) كانت محدثة، و لم تكن نبية.

7411/ [29]- الطبرسي في (الاحتجاج) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «فذكر عز ذكره لنبيه (صلى الله عليه و آله) ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده، بقوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ يعني أنه ما من نبي يتمنى مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه و عقوقهم، و الانتقال عنهم إلى دار الإقامة، إلا ألقى الشيطان المعرض بعداوته- عند فقده- في الكتاب الذي انزل إليه ذمه، و القدح فيه، و الطعن عليه، فينسخ الله ذلك من قلوب

المؤمنين فلا تقبله، و لا تصغي إليه غير قلوب المنافقين و الجاهلين، و يحكم الله آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال و العدوان، و متابعة أهل الكفر و الطغيان، الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام، حتى قال: بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا «3»».

__________________________________________________

27- المناقب 3: 336.

28- المناقب 3: 336.

29- الاحتجاج: 257.

(1) في «ط» نسخة بدل: مهدتون. [.....]

(2) البلد 90: 3.

(3) الفرقان 25: 44.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 905

سورة الحج(22): الآيات 57 الي 59 ..... ص : 905

قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا- إلى قوله تعالى- إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ [57- 59] 7412/ [1]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا قال: و لم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام) فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. ثم ذكر النبي «1» و المهاجرين من أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً- إلى قوله- لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ.

7413/ [2]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ.

قال: «نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) خاصة».

سورة الحج(22): آية 60 ..... ص : 905

قوله تعالى:

ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [60] 7414/ [3]- علي بن إبراهيم: فهو رسول الله (صلى الله عليه و آله)، لما أخرجته قريش من مكة، و هرب منهم إلى الغار، و طلبوه ليقتلوه، فعاقبهم الله يوم بدر، فقتل عتبة، و شيبة، و الوليد، و أبو جهل، و حنظلة بن أبي سفيان و غيرهم، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه و آله) طلب بدمائهم، فقتل الحسين (عليه السلام)، و آل محمد (عليهم السلام) بغيا و عدوانا، و هو قول يزيد، حين تمثل بهذا الشعر:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل «2»

__________________________________________________

1- تفسير القمّي 2: 86.

2- تأويل الآيات 1: 348/ 35.

3- تفسير القمّي 2: 86.

(1) في المصدر: أمير المؤمنين.

(2) الأسل:

الرماح.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 906

لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا: يا يزيد، لا تشل

لست من خندف «1» إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

قد قتلنا القرم «2» من ساداتهم و عدلناه ببدر فاعتدل

و قال الشاعر في مثل ذلك:

و كذلك الشيخ أوصاني به فاتبعت الشيخ فيما قد سأل

و قال أيضا شعرا:

يقول و الرأس مطروح يقلبه يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر

حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به أيام بدر لكان الوزن بالقدر

فقال الله تبارك و تعالى: وَ مَنْ عاقَبَ يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله) بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ حين أرادوا أن يقتلوه ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ يعني بالقائم (عليه السلام) من ولده.

7415/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «سمعت أبي محمد بن علي (عليه السلام) كثيرا ما يردد هذه الآية:

وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ قلت: يا أبت- جعلت فداك- أحسب هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) خاصة؟ [قال: «نعم».]

سورة الحج(22): الآيات 67 الي 70 ..... ص : 906

قوله تعالى:

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ- إلى قوله تعالى- عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [67- 70] 7416/ [2]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ أي مذهبا يذهبون فيه فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ إلى قوله تعالى: عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

7417/ [3]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، قال: حدثنا الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «لما نزلت

هذه الآية: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ

__________________________________________________

1- تأويل الآيات 1: 349/ 36.

2- تفسير القمي 2: 87.

3- تأويل الآيات 1: 349/ 37.

(1) خندف: لقب ليلى بنت عمران بن قضاعة زوجة إلياس بن مضر بن نزار، و يفتخرون بها لأن نسب قريش ينتهي إليها. «محيط المحيط: 257».

(2) في «ط»: القوم: و القرم: السيد العظيم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 907

جمعهم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ثم قال: يا معاشر المهاجرين و الأنصار، إن الله تعالى يقول: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ و المنسك هو الإمام لكل امة بعد نبيها، حتى يدركه نبي، ألا و إن لزوم الإمام و طاعته هو الدين، و هو المنسك، و هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمامكم بعدي، فإني أدعوكم إلى هداه فإنه على هدى مستقيم. فقام القوم يتعجبون من ذلك، و يقولون: و الله إذن لننازعن الأمر، و لا نرضى طاعته أبدا، و إن كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) المفتون به. فأنزل الله عز و جل: وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ».

سورة الحج(22): آية 72 ..... ص : 907

قوله تعالى:

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ [72]

7418/ [1]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن

داود، قال: حدثنا الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا الآية.

قال: «كان القوم إذا نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) آية في كتاب الله، فيها فرض طاعته، أو فضيلة فيه، أو في أهله سخطوا ذلك، و كرهوا، حتى هموا به، و أرادوا به العظيم «1»، و أرادوا برسول الله (صلى الله عليه و آله) أيضا ليلة العقبة، غيظا، و حنقا، و غضبا، و حسدا، حتى نزلت هذه الآية».

سورة الحج(22): آية 73 ..... ص : 907

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ- إلى قوله تعالى- ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ [73] 7419/ [2]- و قال علي بن إبراهيم: ثم احتج الله عز و جل على قريش، و الملحدين الذين يعبدون غير الله،

__________________________________________________

1- تأويل الآيات 1: 350/ 38.

2- تفسير القمّي 2: 87. [.....]

(1) في «ط»: العزم.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 908

فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الأصنام لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ يعني الذباب.

7420/ [1]- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن العباس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني، عن عبد الرحمن بن الأشل بياع الأنماط، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كانت قريش تلطخ الأصنام التي كانت حول الكعبة بالمسك و العنبر، و كان يغوث قبال الباب، و كان يعوق عن يمين الكعبة، و كان نسر عن يسارها، و كانوا إذا دخلوا، خروا سجدا ليغوث، و لا ينحنون، ثم

يستديرون بحيالهم إلى يعوق، ثم يستديرون بحيالهم إلى نسر، ثم يلبون، فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه و ما ملك».

قال: «فبعث الله ذبابا أخضر، له أربعة أجنحة، فلم يبق من ذلك المسك و العنبر شيئا إلا أكله، فأنزل الله عز و جل: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ».

سورة الحج(22): آية 75 ..... ص : 908

قوله تعالى:

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ [75] 7421/ [2]- علي بن إبراهيم: أي يختار، و هو: جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل، و ملك الموت، و من الناس:

الأنبياء، و الأوصياء فمن الأنبياء: نوح، و إبراهيم، و موسى، و عيسى، و محمد (صلى الله عليهم أجمعين)، و من هؤلاء الخمسة: رسول الله (صلى الله عليه و آله) و من الأوصياء أمير المؤمنين، و الأئمة (عليهم السلام). و فيه تأويل غير هذا.

7422/ [3]- الطبرسي في (الاحتجاج): عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في جواب سؤال زنديق، قال (عليه السلام):

«أما قول الله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها «1» و قوله: يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ «2» و تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا «3» و تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ «4» و الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ «5» فهو تبارك و تعالى، أجل و أعظم من أن يتولى ذلك بنفسه، و فعل رسله و ملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون، فاصطفى جل ذكره من

__________________________________________________

1- الكافي 4: 542/ 11.

2- تفسير القمّي 2: 87.

3- الاحتجاج: 247.

(1) الزمر 39: 42.

(2) السجدة 32: 11.

(3) الأنعام 6: 61.

(4) النحل 16: 32.

(5) النحل 16: 28.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 909

الملائكة

رسلا و سفرة بينه و بين خلقه، و هم الذين قال الله فيهم: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ فمن كان من أهل الطاعة تولى قبض روحه ملائكة الرحمة، و من كان من أهل المعصية تولى قبض روحه ملائكة النقمة.

و لملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة و النقمة يصدرون عن أمره، و فعلهم فعله، و كل ما يأتون به منسوب إليه، و إذن كان فعلهم فعل ملك الموت، و فعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء، و يعطي و يمنع، و يثيب و يعاقب على يد من يشاء، و إن فعل امنائه فعله، كما قال: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1»».

7423/ [3]- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري، قال: حدثنا أبو يوسف أحمد بن محمد بن قيس الشجري «2» المذكر، قال: حدثنا أبو عمرو و عمرو «3» بن حفص، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله «4» بن محمد بن أسد ببغداد، قال: حدثنا الحسين بن إبراهيم أبو علي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد البصيري، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير الليثي، عن أبي ذر (رحمة الله عليه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في حديث طويل: «النبيون مائة ألف و أربعة و عشرون ألف نبي».

قلت: كم المرسلون منهم؟ قال: «ثلاثمائة و ثلاثة عشر، جما غفيرا».

و الحديث- إن شاء الله تعالى- يأتي بتمامه في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى في سورة الأعلى «5».

سورة الحج(22): الآيات 77 الي 78 ..... ص : 909

قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- إلى قوله تعالى- فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ [77

و 78] 7424/ [1]- و قال علي بن إبراهيم: ثم خاطب الله الأئمة (عليهم السلام) فقال:

__________________________________________________

3- الخصال: 523/ 13.

1- تفسير القمي 2: 87.

(1) الإنسان 76: 30 و التكوير 81: 29.

(2) في المصدر: السجزي.

(3) في «ج، ي»: أبو عمر و عمرو، و في المصدر: أبو الحسن عمر. [.....]

(4) في المصدر: عبيد الله.

(5) يأتي في الحديث (4) من تفسير الآيات (16- 19) من سورة الأعلى.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 910

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إلى قوله: وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ يا معشر الأئمة وَ تَكُونُوا أنتم شُهَداءَ عَلَى المؤمنين و النَّاسِ.

7425/ [2]- الشيخ، بإسناده: عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن الحسن، عن الحسين، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن الركوع و السجود: هل نزل في القرآن؟ فقال: «نعم، قول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا».

فقلت: فكيف حد الركوع و السجود؟ فقال: «أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات، تقول: سبحان الله، سبحان الله ثلاثا، و من كان يقوى على أن يطول الركوع و السجود فليطول ما استطاع، يكون ذلك في تسبيح الله، و تحميده، و تمجيده، و الدعاء، و التضرع، فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه و هو ساجد، و أما الإمام فإنه إذا أقام بالناس فلا ينبغي أن يطول بهم، فإن في الناس الضعيف، و من له الحاجة، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان إذا صلى بالناس خفف بهم».

7426/ [3]- محمد بن يعقوب: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن

أحمد بن عائذ، عن عمر بن أذينة، عن بريد العجلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: قول الله عز و جل: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ.

قال: «إيانا عنى خاصة: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ في الكتب التي مضت وَ فِي هذا القرآن لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فرسول الله (صلى الله عليه و آله) الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز و جل، و نحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة، و من كذب كذبناه يوم القيامة».

7427/ [4]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قلت: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ؟

قال: «إيانا عنى، و نحن المجتبون، و لم يجعل الله تبارك و تعالى في الدين من حرج، فالحرج أشد من الضيق، مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ إيانا عنى خاصة هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ [الله سمانا المسلمين ] مِنْ قَبْلُ في الكتب التي مضت وَ فِي هذا القرآن لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فرسول الله (صلى الله عليه و آله) الشهيد علينا بما بلغنا عن الله تبارك و تعالى، و نحن الشهداء على الناس يوم القيامة، فمن صدق يوم القيامة صدقناه، و من كذب كذبناه».

7428/ [5]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن

__________________________________________________

2- التهذيب 2: 77/ 287.

3- الكافي 1: 146/ 2.

4- الكافي 1: 147/ 4.

5- الكافي 1: 147/ 5.

البرهان في تفسير القرآن،

ج 3، ص: 911

سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «إن الله تبارك و تعالى طهرنا، و عصمنا، و جعلنا شهداء على خلقه، و حجته في أرضه، و جعلنا مع القرآن، و جعل القرآن معنا، لا نفارقه و لا يفارقنا».

7429/ [6]- محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود، قال: حدثنا الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، في قول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا الآية: «أمركم بالركوع و السجود، و عبادة الله، و قد افترضها عليكم، و أما فعل الخير، فهو طاعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ يا شيعة آل محمد وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ قال: من ضيق مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ يا آل محمد، يا من قد استودعكم المسلمين، و افترض طاعتكم عليهم وَ تَكُونُوا أنتم شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بما قطعوا من رحمكم، و ضيعوا من حقكم، و مزقوا من كتاب الله، و عدلوا حكم غيركم بكم، فالزموا الأرض فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ يا آل محمد، و أهل بيته هُوَ مَوْلاكُمْ أنتم و شيعتكم فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ».

7430/ [7]- عبد الله بن جعفر الحميري، عن مسعدة بن زياد، قال: حدثني جعفر، عن أبيه (عليهما السلام)، عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: «مما أعطى الله امتي و فضلهم به على سائر الأمم، أعطاهم ثلاث

خصال لم يعطها إلا نبي، و ذلك أن الله تبارك و تعالى كان إذا بعث نبيا، قال له: اجتهد في دينك، و لا حرج عليك، و أن الله تبارك و تعالى أعطى ذلك امتي، حيث يقول: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ يقول: من ضيق. و كان إذا بعث نبيا قال له:

إذا أحزنك أمر تكرهه فادعني، أستجب لك و أنه أعطى امتي ذلك، حيث يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «1».

و كان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه، و أن الله تبارك و تعالى جعل امتي شهداء على الخلق، حيث يقول:

لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ».

7431/ [8]- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «في الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الخير، إذا تولوا الله و رسوله (صلى الله عليه و آله) و اولي الأمر منا أهل البيت قبل الله أعمالهم».

7432/ [9]- سليم بن قيس الهلالي، في (كتابه): عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في حديث يناشد فيه جمعا من الصحابة، قال (عليه السلام): «و أنشدتكم الله، ألستم تعلمون أن الله عز و جل أنزل في سورة الحج:

__________________________________________________

6- تأويل الآيات 1: 351/ 41.

7- قرب الاسناد: 41.

8- المحاسن: 166/ 124.

9- كتاب سليم بن قيس: 151.

(1) غافر 40: 60.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 912

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا

رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فقام سلمان، فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد، و هم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله، و ما جعل عليهم في الدين من حرج، ملة أبيهم إبراهيم؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا: أنا، و أخي علي، و أحد عشر من ولد علي؟» فقالوا: نعم- اللهم- سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه و آله).

7433/ [10]- علي بن إبراهيم: قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ فهذه خاصة لآل محمد (عليهم السلام).

قال: و قوله: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ يعني يكون على آل محمد وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أي آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النبي (صلى الله عليه و آله)، و قال عيسى بن مريم: وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ «1» يعني الشهيد وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ «2» و أن الله جعل على هذه الامة بعد النبي (صلى الله عليه و آله) شهداء من أهل بيته و عترته ما كان في الدنيا منهم أحد، فإذا فنوا هلك أهل الأرض.

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

«جعل الله النجوم أمانا لأهل السماء، و جعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض».

__________________________________________________

10- تفسير القمّي 2: 88.

(1) المائدة 5: 117.

(2) المائدة 5: 117. [.....]

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 913

المستدرك (سورة الحج) ..... ص : 913

سورة الحج(22): آية 10 ..... ص : 913

قوله تعالى:

ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [10]

[1]- الطبرسي في (الاحتجاج)، يرفعه إلى الإمام الهادي (عليه السلام) في حديث: قال (عليه السلام): فأما الجبر: فهو قول من زعم أن الله عز و جل جبر العباد على المعاصي و عاقبهم عليها و من قال بهذا القول فقد ظلم الله و كذبه، و رد عليه قوله: وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً «1» و قوله جل ذكره: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله و ظلمه في عظمته له، و من ظلم ربه فقد كذب كتابه، و من كذب كتابه لزمه الكفر بإجماع الأمة.

سورة الحج(22): آية 13 ..... ص : 913

قوله تعالى:

لَبِئْسَ الْمَوْلى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ [13]

[2]- في كتاب (مصباح الشريعة): قال الصادق (عليه السلام): أحسن الموعظة ما لا يجاوز القول حد الصدق، و الفعل حد الإخلاص، فان مثل الواعظ و المتعظ كاليقظان و الراقد، فمن استيقظ عن رقدته و غفلته و مخالفته و معاصيه، صلي أن يوقظ غيره من ذلك الرقاد، و أما السائر في مفاوز الاعتداء، و الخائض في مراتع الغي و ترك الحياء، باستحباب السمعة و الرياء، و الشهرة و التصنع في الخلق، المتزيي بزي الصالحين، المظهر بكلامه عمارة

__________________________________________________

1- الاحتجاج: 451.

2- مصباح الشريعة: 160، بحار الأنوار 100: 84/ 53.

(1) الكهف 18: 49.

البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص: 914

باطنه، و هو في الحقيقة خال عنها، قد غمرتها وحشة حب المحمدة، و غشيتها ظلمة الطمع، فما أفتنه بهواه، و أضل الناس بمقاله! قال الله عز و جل: لَبِئْسَ الْمَوْلى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ.

و أما من عصمه الله بنور التأييد، و حسن التوفيق و طهر قلبه من

الدنس، فلا يفارق المعرفة و التقى، فيستمع الكلام من الأصل و يترك قائله كيفما كان، قالت الحكماء: خذ الحكمة و لو من أفواه المجانين قال عيسى (عليه السلام):

جالسوا من تذكركم الله رؤيته و لقاؤه، فضلا عن الكلام، و لا تجالسوا من يوافقه ظاهركم، و يخالفه باطنكم، فإن ذلك المدعي بما ليس له إن كنتم صادقين في استفادتكم، فإذا لقيت من فيه ثلاث خصال فاغتنم رؤيته و لقاءه و مجالسته و لو ساعة، فإن ذلك يؤثر في دينك و قلبك و عبادتك بركاته، و من كان قوله لا يجاوز فعله، و فعله لا يجاوز صدقه، و صدقه لا ينازع ربه، فجالسه بالحرمة، و انتظر الرحمة و البركة، و احذر لزوم الحجة عليك، و راع وقته كيلا تلومه فتخسر، و انظر إليه بعين فضل الله عليه، و تخصيصه له، و كرامته إياه.

سورة الحج(22): آية 46 ..... ص : 914

قوله تعالى:

أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [46] [1]- الطبرسي في (مجمع البيان): في قوله تعالى: أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي أو لم يسر قومك يا محمد في أرض اليمن و الشام عن ابن عباس.

قوله تعالى:

فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [46]

[2]- السيوطي في (الدر المنثور): يرفعه إلى عبد الله بن جراد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ليس الأعمى من يعمى بصره، و لكن الأعمى من تعمى بصيرته.

تم بحمد الله و منه الجزء الثالث من تفسير البرهان، و يتلوه الجزء الرابع، أوله تفسير سورة المؤمنون

__________________________________________________

1- مجمع البيان 7: 142.

2- الدر المنثور 6: 62

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.