شرح نهج البلاغه المجلد 19

تتمة باب الحکم و المواعظ

187 [و من کلامه ع فی الصمت عن الحکم و القول بالجهل]

وَ قَالَ ع لاَ خَیْرَ فِی الصَّمْتِ عَنِ الْحُکْمِ کَمَا أَنَّهُ لاَ خَیْرَ فِی الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ .

قد تکرر ذکر هذا القول و تکرر منا شرحه (1) و شرح نظائره و کان یقال ما الإنسان لو لا اللسان إلا بهیمة مهملة أو صورة ممثلة.

و کان یقال اللسان عضو إن مرنته مرن (2) و إن ترکته خزن (3)

ص :9

188 [و من کلامه ع فی أن الکسب فوق القوة خزن للغیر]

وَ قَالَ ع یَا ابْنَ آدَمَ مَا کَسَبْتَ فَوْقَ قُوتِکَ فَأَنْتَ فِیهِ خَازِنٌ لِغَیْرِکَ .

أخذ هذا المعنی بعضهم فقال ما لی أراک الدهر تجمع دائبا أ لبعل عرسک لا أبا لک تجمع.

و عاد الحسن البصری عبد الله بن الأهتم فی مرضه الذی مات فیه فأقبل عبد الله یصرف بصره إلی صندوق فی جانب البیت ثم قال للحسن یا أبا سعید فیه مائة ألف لم یؤد منها زکاة و لم توصل بها رحم قال الحسن ثکلتک أمک فلم أعددتها قال لروعة الزمان و مکاثرة الإخوان و جفوة السلطان ثم مات فحضر الحسن جنازته فلما دفن صفق (1) بإحدی راحتیه الأخری و قال إن هذا تاه شیطانه فحذره روعة زمانه و جفوة سلطانه و مکاثرة إخوانه فیما استودعه الله إیاه فادخره ثم خرج منه کئیبا حزینا لم یؤد زکاة و لم یصل رحما ثم التفت فقال أیها الوارث کل هنیئا فقد أتاک هذا المال حلالا فلا یکن علیک وبالا أتاک ممن کان له جموعا منوعا یرکب فیه لجج البحار و مفاوز القفار من باطل جمعه و من حق منعه لم ینتفع به فی حیاته و ضره بعد وفاته جمعه فأوعاه و شده فأوکاه (2) إلی یوم القیامة یوم ذی حسرات و إن أعظم الحسرات أن تری مالک فی میزان غیرک بخلت بمال أوتیته من رزق الله أن تنفقه فی طاعة الله فخزنته لغیرک فأنفقه فی مرضاة ربه یا لها حسرة لا تقال و رحمة لا تنال إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ

ص :10

189 [و من کلامه ع فی شهوة القلوب و إقبالها و إدبارها]

وَ قَالَ ع إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَ إِقْبَالاً وَ إِدْبَاراً فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وَ إِقْبَالِهَا فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُکْرِهَ عَمِیَ .

قد تقدم القول فی هذا المعنی.

و العلة فی کون القلب یعمی إذا أکره علی ما لا یحبه أن القلب عضو من الأعضاء یتعب و یستریح کما تتعب الجثة عند استعمالها و أحمالها و تستریح عند ترک العمل کما یتعب اللسان عند الکلام الطویل و یستریح عند الإمساک و إذا تواصل (1) إکراه القلب علی أمر لا یحبه و لا یؤثره تعب لأن فعل غیر المحبوب متعب أ لا تری أن جماع غیر المحبوب یحدث من الضعف أضعاف ما یحدثه جماع المحبوب و الرکوب إلی مکان غیر محبوب متعب و لا یشتهی یتعب البدن أضعاف ما یتعبه الرکوب إلی تلک المسافة إذا کان المکان محبوبا و إذا أتعب القلب و أعیا عجز عن إدراک ما نکلفه إدراکه لأن فعله هو الإدراک و کل عضو یتعب فإنه یعجز (2) عن فعله الخاص به فإذا عجز القلب عن فعله الخاص به و هو العلم و الإدراک فذاک هو عماه

ص :11

190 [و من کلامه ع فی الغضب]

وَ کَانَ ع یَقُولُ:مَتَی أَشْفِی غَیْظِی إِذَا غَضِبْتُ أَ حِینَ أَعْجِزُ عَنِ الاِنْتِقَامِ فَیُقَالُ لِی لَوْ صَبَرْتَ أَمْ حِینَ أَقْدِرُ عَلَیْهِ فَیُقَالُ لِی لَوْ عَفَوْتَ .

قد تقدم القول فی الغضب مرارا.

و هذا الفصل فصیح لطیف المعنی قال لا سبیل لی إلی شفاء غیظی عند غضبی لأنی إما أن أکون قادرا علی الانتقام فیصدنی عن تعجیله قول القائل لو غفرت لکان أولی و إما ألا أکون قادرا علی الانتقام فیصدنی عنه کونی غیر قادر علیه فإذن لا سبیل لی إلی الانتقام عند الغضب.

و کان یقال العقل کالمرآة المجلوة یصدئه الغضب کما تصدأ المرآة بالخل فلا یثبت فیها صورة القبح و الحسن.

و اجتمع سفیان الثوری و فضیل (1) بن عیاض فتذاکرا الزهد فأجمعا علی أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب و الصبر عند الطمع

ص :12

191 [و من کلامه ع فی التنافس علی شهوات الدنیا و لذائذها]

وَ قَالَ ع وَ قَدْ مَرَّ بِقَذَرٍ عَلَی مَزْبَلَةٍ هَذَا مَا بَخِلَ بِهِ الْبَاخِلُونَ وَ رُوِیَ فِی خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مَا کُنْتُمْ تَتَنَافَسُونَ فِیهِ بِالْأَمْسِ .

قد سبق القول فی مثل هذا و أن الحسن البصری مر علی مزبلة فقال انظروا إلی بطهم و دجاجهم و حلوائهم و عسلهم و سمنهم و الحسن إنما أخذه من کلام أمیر المؤمنین ع و قال ابن وکیع فی قول المتنبی لو أفکر العاشق فی منتهی حسن الذی یسبیه لم یسبه (1) إنه أراد لو أفکر فی حاله و هو فی القبر و قد تغیرت محاسنه و سالت عیناه قال و هذا مثل قولهم لو أفکر الإنسان فیما یئول إلیه الطعام لعافته نفسه.

و قد ضرب العلماء مثلا للدنیا و مخالفة آخرها أولها و مضادة مبادیها عواقبها فقالوا إن شهوات الدنیا فی القلب لذیذة کشهوات الأطعمة فی المعدة و سیجد الإنسان عند الموت لشهوات الدنیا فی قلبه من الکراهة و النتن و القبح ما یجده للأطعمة اللذیذة إذا طبختها المعدة و بلغت غایة نضجها و کما أن الطعام کلما کان ألذ طعما و أظهر حلاوة کان رجیعه أقذر و أشد نتنا فکذلک کل شهوة فی القلب أشهی و ألذ و أقوی

ص :13

192 [و من کلامه ع فی أن المال لا یذهب إن وعظ]

وَ قَالَ ع لَمْ یَذْهَبْ مِنْ مَالِکَ مَا وَعَظَکَ .

مثل هذا قولهم إن المصائب أثمان التجارب.

و قیل لعالم فقیر بعد أن کان غنیا أین مالک قال تجرت (1) فیه فابتعت به تجربة الناس و الوقت فاستفدت أشرف العوضین (2)

ص :15

193 [و من کلامه ع فی ابتغاء القلوب طرائف الحکمة]

وَ قَالَ ع إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ کَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِکْمَةِ .

هذا قد تکرر و تکرر منا ذکر ما قیل فی إجمام النفس و التنفیس عنها من کرب الجد و الإحماض (1) و فسرنا معنی قوله ع فابتغوا لها طرائف الحکمة و قلنا المراد ألا یجعل الإنسان وقته کله مصروفا إلی الأنظار العقلیة فی البراهین الکلامیة و الحکمیة بل ینقلها من ذلک أحیانا إلی النظر فی الحکمة الخلقیة فإنها حکمة لا تحتاج إلی إتعاب النفس و الخاطر.

فأما القول فی الدعابة فقد ذکرناه أیضا فیما تقدم و أوضحنا أن کثیرا من أعیان الحکماء و العلماء کانوا ذوی دعابة مقتصدة لا مسرفة فإن الإسراف فیها یخرج صاحبه إلی الخلاعة و لقد أحسن من قال أفد طبعک المکدود بالجد راحة

ص :16

194 [و من کلامه ع فی قول الخوارج لا حکم إلا لله]

وَ قَالَ ع لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْخَوَارِجِ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ کَلِمَةُ حَقٍّ یُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ .

معنی قوله سبحانه إِنِ الْحُکْمُ إِلاّٰ لِلّٰهِ (1) أی إذا أراد شیئا من أفعال نفسه فلا بد من وقوعه بخلاف غیره من القادرین بالقدرة فإنه لا یجب حصول مرادهم إذا أرادوه أ لا تری ما قبل هذه الکلمة یٰا بَنِیَّ لاٰ تَدْخُلُوا مِنْ بٰابٍ وٰاحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوٰابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ مٰا أُغْنِی عَنْکُمْ مِنَ اللّٰهِ مِنْ شَیْءٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلاّٰ لِلّٰهِ خاف علیهم من الإصابة بالعین إذا دخلوا من باب واحد فأمرهم أن یدخلوا من أبواب متفرقة ثم قال لهم وَ مٰا أُغْنِی عَنْکُمْ مِنَ اللّٰهِ مِنْ شَیْءٍ أی إذا أراد الله بکم سوءا لم یدفع عنکم ذلک السوء ما أشرت به علیکم من التفرق ثم قال إِنِ الْحُکْمُ إِلاّٰ لِلّٰهِ أی لیس حی من الأحیاء ینفذ حکمه لا محالة و مراده لما هو من أفعاله إلا الحی القدیم وحده فهذا هو معنی هذه الکلمة و ضلت الخوارج عندها فأنکروا علی أمیر المؤمنین ع موافقته علی التحکیم و قالوا کیف یحکم و قد قال الله سبحانه إِنِ الْحُکْمُ إِلاّٰ لِلّٰهِ فغلطوا لموضع اللفظ المشترک و لیس هذا الحکم هو ذلک الحکم فإذن هی کلمة حق یراد بها باطل لأنها حق علی المفهوم الأول و یرید بها الخوارج نفی کل ما یسمی حکما إذا صدر عن غیر الله تعالی و ذلک باطل لأن الله تعالی قد أمضی حکم المخلوقین فی کثیر من الشرائع

ص :17

195 [و من کلامه ع فی صفة الغوغاء]

وَ قَالَ ع فِی صِفَةِ الْغَوْغَاءِ هُمُ الَّذِینَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا وَ إِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ یُعْرَفُوا وَ قِیلَ بَلْ قَالَ ع هُمُ الَّذِینَ إِذَا اجْتَمَعُوا ضَرُّوا وَ إِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا فَقِیلَ قَدْ عَرَفْنَا [عَلِمْنَا]

مَضَرَّةَ اجْتِمَاعِهِمْ فَمَا مَنْفَعَةُ افْتِرَاقِهِمْ فَقَالَ [ع]

یَرْجِعُ أَصْحَابُ [أَهْلُ]

الْمِهَنِ إِلَی مِهْنَتِهِمْ [مِهَنِهِمْ]

فَیَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِمْ کَرُجُوعِ الْبَنَّاءِ إِلَی بِنَائِهِ وَ النَّسَّاجِ إِلَی مَنْسَجِهِ وَ الْخَبَّازِ إِلَی مَخْبَزِهِ .

کان الحسن إذا ذکر الغوغاء و أهل السوق قال قتلة الأنبیاء و کان یقال العامة کالبحر إذا هاج أهلک راکبه و قال بعضهم لا تسبوا الغوغاء فإنهم یطفئون الحریق و ینقذون الغریق و یسدون البثوق (1) .

و قال شیخنا أبو عثمان الغاغة و الباغة (2) و الحاکة کأنهم أعذار عام واحد أ لا تری أنک لا تجد أبدا فی کل بلدة و فی کل عصر هؤلاء بمقدار واحد و جهة واحدة من السخف و النقص و الخمول و الغباوة و کان المأمون یقول کل شر و ظلم (3) فی العالم

ص :18

196 [و من کلامه ع فی من أتاه بجان فیه غوغاء]

وَ قَالَ ع وَ قَدْ أُتِیَ بِجَانٍ وَ مَعَهُ غَوْغَاءُ فَقَالَ لاَ مَرْحَباً بِوُجُوهٍ لاَ تُرَی إِلاَّ عِنْدَ کُلِّ سَوْأَةٍ .

أخذ هذا اللفظ المستعین بالله و قد أدخل علیه ابن أبی الشوارب القاضی و معه الشهود لیشهدوا علیه أنه قد خلع نفسه من الخلافة و بایع للمعتز بالله فقال لا مرحبا بهذه الوجوه التی لا تری إلا یوم (1) سوء.

و قال من مدح الغوغاء و العامة إن

4684

فی الحدیث المرفوع أن الله ینصر هذا الدین بقوم لاٰ خَلاٰقَ لَهُمْ .

و کان الأحنف یقول أکرموا سفهاءکم فإنهم یکفونکم النار و العار.

و قال الشاعر و إنی لأستبقی امرأ السوء عدة

ص :20

197 [و من کلامه ع فی توکیل ملکین لحفظ الإنسان إلی مجیء القدر]

وَ قَالَ ع إِنَّ مَعَ کُلِّ إِنْسَانٍ مَلَکَیْنِ یَحْفَظَانِهِ فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّیَا بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُ وَ إِنَّ الْأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِینَةٌ .

قد تقدم هذا و قلنا إنه ذهب کثیر من الحکماء هذا المذهب و إن لله تعالی ملائکة موکلة تحفظ البشر من التردی فی بئر و من إصابة سهم معترض فی طریق و من رفس دابة و من نهش حیة أو لسع عقرب و نحو ذلک و الشرائع أیضا قد وردت بمثله [و إن]

(1) الأجل جنة أی درع و لهذا فی علم الکلام مخرج صحیح و ذلک لأن أصحابنا یقولون إن الله تعالی إذا علم أن فی بقاء زید إلی وقت کذا لطفا له أو لغیره من المکلفین صد من یهم بقتله عن قتله بألطاف یفعلها تصده عنه أو تصرفه عنه بصارف أو یمنعه عنه بمانع کی لا یقطع ذلک الإنسان بقتل زید الألطاف التی یعلم الله أنها مقربة من الطاعة و مبعدة من المعصیة (2) لزید أو لغیره فقد بان أن الأجل علی هذا التقدیر جنة حصینة لزید من حیث کان الله تعالی باعتبار ذلک الأجل مانعا من قتله و إبطال حیاته و لا جنة أحصن من ذلک

ص :21

198 [و من کلامه ع فی طلب طلحة و الزبیر المشارکة فی الخلافة]

وَ قَالَ ع وَ قَدْ قَالَ لَهُ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ نُبَایِعُکَ عَلَی أَنَّا شُرَکَاؤُکَ فِی هَذَا الْأَمْرِ [فَقَالَ]

[لاَ]

(1) وَ لَکِنَّکُمَا شَرِیکَانِ فِی الْقُوَّةِ وَ الاِسْتِعَانَةِ وَ عَوْنَانِ عَلَی [اَلْعَجْرِ]

اَلْعَجْزِ وَ الْأَوَدِ .

قد ذکرنا هذا فیما تقدم حیث شرحنا بیعة المسلمین لعلی ع کیف وقعت بعد مقتل عثمان و لقد أحسن فیما قال لهما لما سألاه أن یشرکاه فی الأمر فقال أما المشارکة فی الخلافة فکیف یکون ذلک و هل یصح أن یدبر أمر الرعیة إمامان و هل یجمع السیفان ویحک فی غمد (2) .

و إنما تشرکانی فی القوة و الاستعانة أی إذا قوی أمری و أمر الإسلام بی قویتما أنتما أیضا و إذا عجزت عن أمر أو تأود علی أمر أی اعوج کنتما عونین لی و مساعدین علی إصلاحه.

فإن قلت فما معنی قوله و الاستعانة قلت الاستعانة هاهنا الفوز و الظفر کانوا یقولون للقامر یفوز قدحه قد جری ابنا عنان و هما خطان یخطان فی الأرض یزجر بهما الطیر و استعان الإنسان إذا قال وقت الظفر و الغلبة هذه الکلمة

ص :22

199 [و من کلامه ع فی ذکر الموت]

وَ قَالَ ع أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی إِنْ قُلْتُمْ سَمِعَ وَ إِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ وَ بَادِرُوا الْمَوْتَ الَّذِی إِنْ هَرَبْتُمْ مِنْهُ أَدْرَکَکُمْ وَ إِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَکُمْ وَ إِنْ نَسِیتُمُوهُ ذَکَرَکُمْ .

قد تقدم منا کلام کثیر فی ذکر الموت و رأی الحسن البصری رجلا یجود بنفسه فقال إن أمرا هذا آخره لجدیر أن یزهد فی أوله و إن أمرا هذا أوله لجدیر أن یخاف من آخره.

و من کلامه فضح الموت الدنیا.

و قال خالد بن صفوان لو قال قائل الحسن أفصح الناس لهذه الکلمة لما کان مخطئا و قال لرجل فی جنازة أ تری هذا المیت لو عاد إلی الدنیا لکان یعمل عملا صالحا قال نعم قال فإن لم یکن ذلک فکن أنت ذاک

ص :23

200 [و من کلامه ع فی الشکر]

وَ قَالَ ع لاَ یُزَهِّدَنَّکَ فِی الْمَعْرُوفِ مَنْ لاَ یَشْکُرُهُ لَکَ فَقَدْ یَشْکُرُکَ عَلَیْهِ مَنْ لاَ یَسْتَمْتِعُ بِشَیْءٍ مِنْهُ وَ قَدْ تُدْرِکُ [یُدْرَکُ]

مِنْ شُکْرِ الشَّاکِرِ أَکْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْکَافِرُ وَ اللّٰهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ .

قد أخذت أنا هذا المعنی فقلت من جملة قصیدة لی حکمیة لا تسدین إلی ذی اللؤم مکرمة و قد سبق منا کلام طویل فی الشکر.

و رأی العباس بن المأمون یوما بحضرة المعتصم خاتما فی ید إبراهیم بن المهدی فاستحسنه فقال له ما فص هذا الخاتم و من أین حصلته فقال إبراهیم هذا خاتم رهنته فی دولة أبیک و افتککته فی دولة أمیر المؤمنین فقال العباس فإن لم تشکر أبی علی حقنه دمک فأنت لا تشکر أمیر المؤمنین علی فکه خاتمک.

و قال الشاعر لعمرک ما المعروف فی غیر أهله

ص :24

201 [و من کلامه ع فی اتساع وعاء العلم دون سائر الأوعیة]

وَ قَالَ ع کُلُّ وِعَاءٍ یَضِیقُ بِمَا جُعِلَ فِیهِ إِلاَّ وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ یَتَّسِعُ بِهِ .

هذا الکلام تحته سر عظیم و رمز إلی معنی شریف غامض و منه أخذ مثبتو النفس الناطقة الحجة علی قولهم و محصول ذلک أن القوی الجسمانیة یکلها و یتعبها تکرار أفاعیلها علیها کقوة البصر یتعبها تکرار إدراک المرئیات حتی ربما أذهبها و أبطلها أصلا و کذلک قوة السمع یتعبها تکرار الأصوات علیها و کذلک غیرها من القوی الجسمانیة و لکنا وجدنا القوة العاقلة بالعکس من ذلک (1) فإن الإنسان کلما تکررت علیه المعقولات ازدادت قوته العقلیة سعة و انبساطا و استعدادا لإدراک أمور أخری غیر ما أدرکته من قبل حتی کان تکرار المعقولات علیها یشحذها (2) و یصقلها فهی إذن مخالفة فی هذا الحکم للقوی الجسمانیة فلیست منها لأنها لو کانت منها لکان حکمها حکم واحد من أخواتها و إذا لم تکن جسمانیة فهی مجردة و هی التی نسمیها بالنفس الناطقة

ص :25

202 [و من کلامه ع فی الحلم]

وَ قَالَ ع أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِیمِ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ عَلَی الْجَاهِلِ .

قد تقدم من أقوالنا فی الحلم ما فی بعضه کفایة.

و فی الحکم القدیمة لا تشن حسن الظفر بقبح الانتقام.

و کان یقال اعف عمن أبطأ عن الذنب و أسرع إلی الندم.

و کان یقال شاور الأناة و التثبت و ذاکر الحفیظة (1) عند هیجانها ما فی عواقب العقوبة من الندم و خاصمها بما یؤدی إلیه الحلم من الاغتباط.

و کان یقال ینبغی للحازم أن یقدم علی عذابه و صفحه تعریف المذنب بما جناه و إلا نسب حلمه إلی الغفلة و کلال حد الفطنة

4685

14- وقالت الأنصار للنبی ص یوم فتح مکة إنهم فعلوا بک ثم فعلوا یغرونه بقریش فقال إنما سمیت محمدا لأحمد .

ص :26

203 [و من کلامه ع فی الحلم و التحلم]

وَ قَالَ ع إِنْ لَمْ تَکُنْ حَلِیماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلاَّ أَوْشَکَ أَنْ یَکُونَ مِنْهُمْ .

التحلم تکلف الحلم و الذی قاله ع صحیح فی مناهج الحکمة و ذلک لأن من تشبه بقوم و تکلف التخلق بأخلاقهم و التأدب بآدابهم و استمر علی ذلک و مرن علیه الزمان الطویل اکتسب ریاضة قویة و ملکة تامة و صار ذلک التکلف کالطبع له و انتقل عن الخلق الأول أ لا تری أن الأعرابی الجلف الجافی إذا دخل المدن و القری و خالط أهلها و طال مکثه فیهم انتقل عن خلق الأعراب الذی نشأ علیه و تلطف طبعه و صار شبیها بساکنی المدن و کالأجنبی عن ساکنی الوبر و هذا قد وجدناه فی حیوانات أخری غیر البشر کالبازی و الصقر و الفهد التی تراض حتی تذل و تأنس و تترک طبعها القدیم بل قد شاهدناه فی الأسد و هو أبعد الحیوان من الإنس.

و ذکر ابن الصابی أن عضد الدولة بن بویه کانت له أسود یصطاد بها کالفهود فتمسکه علیه حتی یدرکه فیذکیه و هذا من العجائب الطریفة

ص :27

204 [و من کلامه ع فی محاسبة النفس و الاعتبار]

وَ قَالَ ع مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ وَ مَنْ خَافَ أَمِنَ وَ مَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ وَ مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ وَ مَنْ فَهِمَ عَلِمَ .

4686

قد جاء فی الحدیث المرفوع حاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا .

قوله و من خاف أمن أی من اتقی الله أمن من عذابه یوم القیامة .

ثم قال و من اعتبر أبصر أی من قاس الأمور بعضها ببعض و اتعظ بآیات الله و أیامه أضاءت بصیرته و من أضاءت بصیرته فهم و من فهم علم .

فإن قلت الفهم هو العلم فأی حاجة له إلی أن یقول و من فهم علم قلت الفهم هاهنا هو معرفة المقدمات و لا بد أن یستعقب معرفة المقدمات معرفة النتیجة فمعرفة النتیجة هو العلم فکأنه قال من اعتبر تنور قلبه بنور الله تعالی و من تنور قلبه عقل المقدمات البرهانیة و من عقل المقدمات البرهانیة علم النتیجة الواجبة عنها و تلک هی الثمرة الشریفة التی فی مثلها یتنافس المتنافسون

ص :28

205 [و من کلامه ع فی علامات آخر الزمان و ظهور المهدی ع]

وَ قَالَ ع:لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْیَا عَلَیْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَی وَلَدِهَا وَ تَلاَ عَقِیبَ ذَلِکَ وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِینَ .

الشماس مصدر شمس الفرس إذا منع من ظهره.

و الضروس الناقة السیئة الخلق تعض حالبها و الإمامیة تزعم أن ذلک وعد منه بالإمام الغائب الذی یملک الأرض فی آخر الزمان و أصحابنا یقولون إنه وعد بإمام یملک الأرض و یستولی علی الممالک و لا یلزم من ذلک أنه لا بد أن یکون موجودا و إن کان غائبا إلی أن یظهر بل یکفی فی صحة هذا الکلام أن یخلق فی آخر الوقت.

و بعض أصحابنا یقول إنه إشارة إلی ملک السفاح و المنصور و ابنی المنصور بعده فإنهم الذین أزالوا ملک بنی أمیة و هم بنو هاشم و بطریقهم عطفت الدنیا علی بنی عبد المطلب عطف الضروس.

و تقول الزیدیة إنه لا بد من أن یملک الأرض فاطمی یتلوه جماعة من الفاطمیین علی مذهب زید و إن لم یکن أحد منهم الآن موجودا

ص :29

206 [و من کلامه ع فی الوصیة بالتقوی]

وَ قَالَ ع اتَّقُوا اللَّهَ تَقِیَّةَ [تُقَاةَ]

مَنْ شَمَّرَ تَجْرِیداً وَ جَدَّ تَشْمِیراً وَ کَمَّشَ [أَکْمَشَ]

فِی مَهَلٍ وَ بَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَ نَظَرَ فِی کَرَّةِ الْمَوْئِلِ وَ عَاقِبَةِ الْمَصْدَرِ وَ مَغَبَّةِ الْمَرْجِعِ .

لو قال و جرد تشمیرا لکان قد أتی بنوع مشهور من أنواع البدیع لکنه لم یحفل بذلک و جری علی مقتضی طبعه من البلاغة الخالیة من التکلف و التصنع علی أن ذلک قد روی و المشهور الروایة الأولی.

و أکمش

جد و أسرع و رجل کمیش أی جاد و فی مهل أی فی مهلة العمل قبل أن یضیق علیه وقته بدنو الأجل

ص :30

207 [و من کلامه ع فی مکارم الأخلاق]

وَ قَالَ ع الْجُودُ حَارِسُ الْأَعْرَاضِ وَ الْحِلْمُ فِدَامُ السَّفِیهِ وَ الْعَفْوُ زَکَاةُ الظَّفَرِ وَ السُّلُوُّ عِوَضُکَ مِمَّنْ غَدَرَ وَ الاِسْتِشَارَةُ عَیْنُ الْهِدَایَةِ وَ قَدْ خَاطَرَ مَنِ اسْتَغْنَی بِرَأْیِهِ وَ الصَّبْرُ یُنَاضِلُ الْحَدَثَانَ وَ الْجَزَعُ مِنْ أَعْوَانِ الزَّمَانِ وَ أَشْرَفُ الْغِنَی تَرْکُ الْمُنَی وَ کَمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِیرٍ تَحْتَ [عِنْدَ]

هَوَی أَمِیرٍ وَ مِنَ التَّوْفِیقِ حِفْظُ التَّجْرِبَةِ وَ الْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ وَ لاَ تَأْمَنَنَّ مَلُولاً .

مثل قوله الجود حارس الأعراض قولهم کل عیب فالکرم یغطیه و الفدام خرقة تجعل علی فم الإبریق فشبه الحلم بها فإنه یرد السفیه عن السفه کما یرد الفدام الخمر عن خروج القذی منها إلی الکأس .

فأما و العفو زکاة الظفر فقد تقدم أن لکل شیء زکاة و زکاة الجاه رفد المستعین و زکاة الظفر العفو .

و أما السلو عوضک ممن غدر فمعناه أن من غدر بک من أحبائک و أصدقائک فاسل عنه و تناسه و اذکر ما عاملک به من الغدر فإنک تسلو عنه و یکون ما استفدته من السلو عوضا عن وصاله الأول قال الشاعر

ص :31

208 [و من کلامه ع فی العجب]

وَ قَالَ ع عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ .

قد تقدم القول فی العجب و معنی هذه الکلمة أن الحاسد لا یزال مجتهدا فی إظهار معایب المحسود و إخفاء محاسنه فلما کان عجب الإنسان بنفسه کاشفا عن نقص عقله کان کالحاسد الذی دأبه إظهار عیب المحسود و نقصه.

و کان یقال من رضی عن نفسه کثر الساخط علیه.

و قال مطرف بن الشخیر لأن أبیت نائما و أصبح نادما أحب إلی من أن أبیت قائما و أصبح نادما (1)

ص :33

209 [و من کلامه ع فی مماشاة الدهر و الإغضاء علی القذی و الألم]

وَ قَالَ ع أَغْضِ عَلَی الْقَذَی وَ الْأَلَمِ تَرْضَ أَبَداً .

نظیر هذا قول الشاعر و من لم یغمض عینه عن صدیقه

و قال الشاعر إذا أنت لم تشرب مرارا علی القذی ظمئت و أی الناس تصفو مشاربه (1) .

و کان یقال أغض عن الدهر و إلا صرعک و کان یقال لا تحارب الأیام و إن جنحت دون مطلوبک منها و اصحبها بسلاسة القیاد فإنک إن تصحبها بذلک تعطک بعد المنع و تلن لک بعد القساوة و إن أبیت علیها قادتک إلی مکروه صروفها

ص :34

210 [و من کلامه ع فی اللین و حسن الخلق و المعاشرة]

وَ قَالَ ع مَنْ لاَنَ عُودُهُ کَثُفَتْ أَغْصَانُهُ .

تکاد هذه الکلمة أن تکون إیماء إلی قوله تعالی وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَبٰاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ (1) و معنی هذه الکلمة أن من حسن خلقه و لانت کلمته کثر محبوه و أعوانه و أتباعه.

و نحوه قوله من لانت کلمته وجبت محبته .

و قال تعالی وَ لَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ (2) و أصل هذه الکلمة مطابق للقواعد الحکمیة أعنی الشجرة ذات الأغصان حقیقة و ذلک لأن النبات کالحیوان فی القوی النفسانیة أعنی الغاذیة و المنمیة و ما یخدم الغاذیة من القوی الأربع و هی الجاذبة و الماسکة و الدافعة و الهاضمة فإذا کان الیبس غالبا علی شجرة کانت أغصانها أخف و کان عودها أدق و إذا کانت الرطوبة غالبة کانت أغصانها أکثر و عودها أغلظ و ذلک لاقتضاء الیبس الذبول و اقتضاء الرطوبة الغلظ و العبالة و الضخامة أ لا تری أن الإنسان الذی غلب الیبس علی مزاجه لا یزال مهلوسا (3) نحیفا و الذی غلبت الرطوبة علیه لا یزال ضخما عبلا

ص :35

211 [و من کلامه ع فی الخلاف و آثاره]

وَ قَالَ ع الْخِلاَفُ یَهْدِمُ الرَّأْیَ .

هذا مثل

4687

قوله ع

فی موضع آخر لا رأی لمن لا یطاع.

4688

و یروی لا إمرة لمن لا یطاع.

و فی أخبار قصیر و جذیمة لو کان یطاع لقصیر أمر.

و کان یقال اللجاج یشحذ الزجاج و یثیر العجاج.

و قال درید بن الصمة أمرتهم أمری بمنعرج اللوی

و کان یقال أهدی رأی الرجل ما نفذ حکمه فإذا خولف فسد.

و من کلام أفلاطون اللجاج عسر انطباع المعقولات فی النفس و ذلک إما لفرط حدة تکون فی الإنسان و إما لغلظ طبع فلا ینقاد للرأی (1)

ص :36

212 [و من کلامه ع فی أن النیل من الدنیا یوجب الاستطالة علی الناس]

وَ قَالَ ع مَنْ نَالَ اسْتَطَالَ .

یجوز أن یرید به من أثری و نال من الدنیا حظا استطال علی الناس.

و یجوز أن یرید به من جاد استطال بجوده.

یقال نالنی فلان بکذا أی جاد به علی و رجل نال أی جواد ذو نائل و مثله (1) رجل طان أی ذو طین و رجل مال أی ذو مال

ص :37

213 [و من کلامه ع فی أن معرفة أخلاق الإنسان لا تعرف إلا بالتجربة و اختلاف الأحوال علیه]

وَ قَالَ ع فِی تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ .

معناه لا تعلم أخلاق الإنسان إلا بالتجربة و اختلاف الأحوال علیه و قدیما قیل تری الفتیان کالنخل و ما یدریک ما الدخل (1) .

و قال الشاعر لا تحمدن امرأ حتی تجربه و لا تذمنه إلا بتجریب و قالوا التجربة محک و قالوا مثل الإنسان مثل البطیخة ظاهرها مونق و قد یکون فی باطنها العیب و الدود و قد یکون طعمها حامضا و تفها.

و قالوا للرجل المجرب یمدحونه قد آل وائل علیه.

و قال الشاعر یمدح ما زال یحلب هذا الدهر أشطره (2)

ص :38

214 [و من کلامه ع فی حسد الصدیق صدیقه علی النعمة]

وَ قَالَ ع حَسَدُ الصَّدِیقِ مِنْ سُقْمِ الْمَوَدَّةِ .

إذا حسدک صدیقک علی نعمة أعطیتها لم تکن صداقته صحیحة فإن الصدیق حقا من یجری مجری نفسک و الإنسان لم یحسد نفسه.

و قیل لحکیم ما الصدیق فقال إنسان هو أنت إلا أنه غیرک.

و أخذ هذا المعنی أبو الطیب فقال ما الخل إلا من أود بقلبه و أری بطرف لا یری بسوائه (1) و من أدعیة الحکماء اللهم اکفنی بوائق الثقات و احفظنی من کید الأصدقاء و قال الشاعر احذر عدوک مرة و قال آخر (2) احذر مودة ماذق شاب المرارة بالحلاوة (3)

ص :39

215 [و من کلامه ع فی المطامع و کونها مصارع العقول]

وَ قَالَ ع أَکْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ .

قد تقدم منا قول فی هذا المعنی و منه قول الشاعر (1) طمعت بلیلی أن تریع و إنما (2) تقطع أعناق الرجال المطامع (3) و قال آخر إذا حدثتک النفس أنک قادر

ص :41

216 [و من کلامه ع فی الثقة بالظن]

وَ قَالَ ع لَیْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ عَلَی الثِّقَةِ بِالظَّنِّ .

هذا مثل قول أصحاب أصول الفقه لا یجوز نسخ القرآن و السنة المتواترة بخبر الواحد لأن المظنون لا یرفع المعلوم.

و لفظ الثقة هاهنا مرادف للفظ العلم فکأنه قال لا یجوز أن یزال ما علم بطریق قطعیة لأمر ظنی.

فإن قلت أ لیس البراءة الأصلیة معلومة بالعقل و مع ذلک ترفع بالأمارات الظنیة کأخبار الآحاد.

قلت لیست البراءة الأصلیة معلومة بالعقل مطلقا بل مشروطة بعدم ما یرفعها من طریق علمی أو ظنی أ لا تری أن أکل الفاکهة و شرب الماء معلوم بالعقل حسنه و لکن لا مطلقا بل بشرط انتفاء ما یقتضی قبحه فإنا لو أخبرنا إنسان أن هذه الفاکهة أو هذا الماء مسموم لقبح منا الإقدام علی تناولهما و إن کان قول ذلک المخبر الواحد لا یفید العلم القطعی (1)

ص :42

217 [و من کلامه ع فی الظلم و العدوان]

وَ قَالَ ع بِئْسَ الزَّادُ إِلَی الْمَعَادِ الْعُدْوَانُ عَلَی الْعِبَادِ .

قد تقدم من قولنا (1) فی الظلم و العدوان ما فیه کفایة.

و کان یقال عجبا لمن عومل فأنصف إذا عامل کیف یظلم و أعجب منه من عومل فظلم إذا عامل کیف یظلم.

و کان یقال العدو عدوان عدو ظلمته و عدو ظلمک فإن اضطرک الدهر إلی أحدهما فاستعن بالذی ظلمک فإن الآخر موتور

ص :43

218 [و من کلامه ع فی أن تغافل الکریم عما یعلم فضیلة]

وَ قَالَ ع مِنْ أَشْرَفِ [أَفْعَالِ]

أَعْمَالِ الْکَرِیمِ غَفْلَتُهُ عَمَّا یَعْلَمُ .

کان یقال التغافل من السؤدد و قال أبو تمام لیس الغبی بسید فی قومه لکن سید قومه المتغابی (1) و قال طاهر بن الحسین بن مصعب و یکفیک من قوم شواهد أمرهم و کان یقال بعض (2) التغافل فضیلة و تمام الجود الإمساک عن ذکر المواهب و من الکرم أن تصفح عن التوبیخ و أن تلتمس ستر (3) هتک الکریم

ص :44

219 [و من کلامه ع فی الحیاء]

220 [و من کلامه ع فی مکارم الأخلاق]

وَ قَالَ ع بِکَثْرَةِ الصَّمْتِ تَکُونُ الْهَیْبَةُ وَ بِالنَّصَفَةِ یَکْثُرُ الْمُوَاصِلُونَ وَ بِالْإِفْضَالِ تَعْظُمُ الْأَقْدَارُ وَ بِالتَّوَاضُعِ تَتِمُّ النِّعْمَةُ وَ بِاحْتِمَالِ الْمُؤَنِ یَجِبُ اَلسُّودَدُ [اَلسُّؤْدُدُ]

وَ بِالسِّیرَةِ الْعَادِلَةِ یُقْهَرُ الْمُنَاوِئُ وَ بِالْحِلْمِ عَنِ السَّفِیهِ تَکْثُرُ الْأَنْصَارُ عَلَیْهِ .

قال یحیی بن خالد ما رأیت أحدا قط صامتا إلا هبته حتی یتکلم فإما أن تزداد تلک الهیبة أو تنقص و لا ریب أن الإنصاف سبب انعطاف القلوب إلی المنصف و أن الإفضال و الجود یقتضی عظم القدر لأنه إنعام و المنعم مشکور و التواضع طریق إلی تمام النعمة و لا سؤدد إلا باحتمال المؤن کما قال أبو تمام و الحمد شهد لا تری مشتاره

و السیرة العادلة سبب لقهر الملک الذی یسیر بها أعداءه و من حلم عن سفیه و هو قادر علی الانتقام منه نصره الناس کلهم علیه و اتفقوا کلهم علی ذم ذلک السفیه و تقبیح فعله (1) و الاستقراء و اختبار العادات تشهد بجمیع ذلک

ص :48

221 [و من کلامه ع فی الحسد]

وَ قَالَ ع الْعَجَبُ لِغَفْلَةِ الْحُسَّادِ عَنْ سَلاَمَةِ الْأَجْسَادِ .

إنما لم یحسد الحاسد علی صحة الجسد لأنه صحیح الجسد فقد شارک فی الصحة و ما یشارک الإنسان غیره فیه لا یحسده علیه و لهذا أرباب الحسد إذا مرضوا حسدوا الأصحاء علی الصحة.

فإن قلت فلما ذا تعجب أمیر المؤمنین ع قلت لکلامه ع وجه و هو أن الحسد لما تمکن فی أربابه و صار غریزة فیهم تعجب کیف لا یتعدی هذا الخلق الذمیم إلی أن یحسد الإنسان غیره علی ما یشارکه فیه فإن زیدا إذا أبغض عمرا بغضا شدیدا ود أن تزول عنه نعمته إلیه و إن کان ذا نعمة کنعمته (1) بل ربما کان أقوی و أحسن حالا.

و یجوز أن یرید معنی آخر و هو تعجبه من غفلة الحساد علی أن الحسد مؤثر فی سلامة أجسادهم و مقتض سقمهم و هذا أیضا واضح

ص :49

222 [و من کلامه ع فی الطمع]

وَ قَالَ ع الطَّامِعُ فِی وِثَاقِ الذُّلِّ .

من أمثال البحتری قوله و الیأس إحدی الراحتین و لن تری تعبا کظن الخائب المکدود (1) و کان یقال ما طمعت إلا و ذلت یعنون النفس.

و فی البیت المشهور تقطع أعناق الرجال المطامع (2) و قالوا عز من قنع و ذل من طمع.

و قد تقدم القول فی الطمع مرارا

ص :50

223 [و من کلامه ع فی معنی الإیمان]

[ وَ قَالَ ع ]

وَ [قَدْ]

سُئِلَ عَنِ الْإِیمَانِ فَقَالَ الْإِیمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْکَانِ .

قد تقدم قولنا فی هذه المسألة و هذا هو مذهب أصحابنا المعتزلة بعینه لأن العمل بالأرکان عندنا داخل فی مسمی الإیمان أعنی فعل الواجبات فمن لم یعمل لم یسم مؤمنا و إن عرف بقلبه و أقر بلسانه و هذا خلاف قول المرجئة من الأشعریة و الإمامیة و الحشویة .

فإن قلت فما قولک فی النوافل هل هی داخلة فی مسمی الإیمان أم لا قلت فی هذا خلاف بین أصحابنا و هو مستقصی فی کتبی (1) الکلامیة

ص :51

224 [و من کلامه ع فی حب الدنیا]

وَ قَالَ ع مَنْ أَصْبَحَ عَلَی الدُّنْیَا حَزِیناً فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اللَّهِ سَاخِطاً وَ مَنْ أَصْبَحَ یَشْکُو مُصِیبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَقَدْ أَصْبَحَ [فَإِنَّمَا]

یَشْکُو رَبَّهُ وَ مَنْ أَتَی غَنِیّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِینِهِ وَ مَنْ قَرَأَ اَلْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ اَلنَّارَ فَهُوَ مِمَّنْ کَانَ [مِمَّنْ]

یَتَّخِذُ آیٰاتِ اللّٰهِ هُزُواً وَ مَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنْیَا الْتَاطَ قَلْبُهُ مِنْهَا بِثَلاَثٍ هَمٍّ لاَ یُغِبُّهُ وَ حِرْصٍ لاَ یَتْرُکُهُ وَ أَمَلٍ لاَ یُدْرِکُهُ .

إذا کان الرزق بقضاء الله و قدره فمن حزن لفوات شیء منه فقد سخط قضاء الله و ذلک معصیة لأن الرضا بقضاء الله واجب و کذلک من شکا مصیبة حلت به فإنما یشکو فاعلها لا هی لأنها لم تنزل به من تلقاء نفسها و فاعلها هو الله و من اشتکی الله فقد عصاه و التواضع للأغنیاء تعظیما لغناهم أو رجاء شیء مما فی أیدیهم فسق.

و کان یقال لا یحمد التیه إلا من فقیر علی غنی فأما قوله ع و من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن کان یتخذ آیٰاتِ اللّٰهِ هُزُواً .

فلقائل أن یقول قد یکون مؤمنا بالقرآن لیس بمتخذ له هزوا و یقرؤه ثم

ص :52

225 [و من کلامه ع فی القناعة و حسن الخلق]

وَ قَالَ ع کَفَی بِالْقَنَاعَةِ مُلْکاً وَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ نَعِیماً .

قد تقدم القول فی هذین و هما القناعة و حسن الخلق.

و کان یقال یستحق الإنسانیة من حسن خلقه و یکاد السیئ الخلق یعد من السباع.

و قال بعض الحکماء حد القناعة هو الرضا بما دون الکفایة و الزهد الاقتصار علی الزهید أی القلیل و هما متقاربان و فی الأغلب إنما الزهد هو رفض الأمور الدنیویة مع القدرة علیها و أما القناعة فهی إلزام النفس الصبر عن المشتهیات التی لا یقدر علیها و کل زهد حصل عن قناعة فهو تزهد و لیس بزهد و کذلک قال بعض الصوفیة القناعة أول الزهد تنبیها علی أن الإنسان یحتاج أولا إلی قدع نفسه و تخصصه بالقناعة لیسهل علیه تعاطی الزهد و القناعة التی هی الغنی بالحقیقة لأن الناس کلهم فقراء من وجهین أحدهما لافتقارهم إلی الله تعالی کما قال یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَی اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ (1) .

و الثانی لکثرة حاجاتهم فأغناهم لا محالة أقلهم حاجة و من سد مفاقره بالمقتنیات فما فی انسدادها مطمع و هو کمن یرقع الخرق بالخرق و من یسدها بالاستغناء عنها بقدر وسعه و الاقتصار علی تناول ضروریاته فهو الغنی المقرب من الله سبحانه کما أشار إلیه فی قصة طالوت إِنَّ اللّٰهَ مُبْتَلِیکُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَیْسَ مِنِّی وَ مَنْ لَمْ یَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّی إِلاّٰ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِیَدِهِ (2) قال أصحاب المعانی و الباطن هذا إشارة إلی الدنیا

ص :54

226 [و من کلامه ع فی بیان معنی الحیاة الطیبة]

وَ سُئِلَ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی [قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ]

فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیٰاةً طَیِّبَةً (1) فَقَالَ هِیَ الْقَنَاعَةُ .

لا ریب أن الحیاة الطیبة هی حیاة الغنی و قد بینا أن الغنی هو القنوع لأنه إذا کان الغنی عدم الحاجة فأغنی الناس أقلهم حاجة إلی الناس و لذلک کان الله تعالی أغنی الأغنیاء لأنه لا حاجة به إلی شیء و علی هذا

4693

دل النبی بقوله ص لیس الغنی بکثرة العرض إنما الغنی غنی النفس.

و قال الشاعر فمن أشرب الیأس کان الغنی و من أشرب الحرص کان الفقیرا.

و قال الشاعر غنی النفس ما یکفیک من سد خلة فإن زاد شیئا عاد ذاک الغنی فقرا و قال بعض الحکماء المخیر بین أن یستغنی عن الدنیا و بین أن یستغنی بالدنیا کالمخیر بین أن یکون مالکا أو مملوکا.

و لهذا

4694

قال ع

تعس عبد الدینار و الدرهم تعس فلا انتعش و شیک فلا انتقش (2) .

ص :55

227 [و من کلامه ع فی الحظ و البخت]

وَ قَالَ ع شَارِکُوا اَلَّذِی [اَلَّذِینَ]

قَدْ أَقْبَلَ [عَلَیْهِمُ]

عَلَیْهِ الرِّزْقُ فَإِنَّهُ أَخْلَقُ لِلْغِنَی وَ أَجْدَرُ بِإِقْبَالِ الْحَظِّ عَلَیْهِ .

قد تقدم القول فی الحظ و البخت.

و کان یقال الحظ یعدی کما یعدی الجرب و هذا یطابق کلمة أمیر المؤمنین ع لأن مخالطة المجدود لیست کمخالطة غیر المجدود (1) فإن الأولی تقتضی الاشتراک فی الحظ و السعادة و الثانیة تقتضی الاشتراک فی الشقاء و الحرمان.

و القول فی الحظ وسیع جدا.

و قال بعضهم البخت علی صورة رجل أعمی أصم أخرس و بین یدیه جواهر و حجارة و هو یرمی بکلتا یدیه.

و کان مالک بن أنس فقیه المدینة و أخذ الفقه عن اللیث بن سعد و کانوا یزدحمون علیه و اللیث جالس لا یلتفتون إلیه فقیل للیث إن مالکا إنما أخذ عنک فما لک خاملا و هو أنبه الناس ذکرا فقال دانق بخت خیر من جمل بختی حمل علما.

و قال الرضی أسیغ الغیظ من نوب اللیالی

ص :57

228 [و من کلامه ع فی بیان معنی العدل و الإحسان]

وَ قَالَ ع:فِی قَوْلِهِ تَعَالَی [عَزَّ وَ جَلَّ]

إِنَّ اللّٰهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ (1) الْعَدْلُ الْإِنْصَافُ وَ الْإِحْسَانُ التَّفَضُّلُ .

هذا تفسیر صحیح اتفق علیه المفسرون کافة و إنما دخل الندب تحت الأمر لأن له صفة زائدة علی حسنه و لیس کالمباح الذی لا صفة له زائدة علی حسنه.

و قال الزمخشری العدل هو الواجب لأن الله عز و جل عدل فیه علی عباده فجعل ما فرضه علیهم منه واقعا تحت طاقتهم و الإحسان الندب و إنما علق أمره بهما جمیعا لأن الفرض لا بد أن یقع فیه تفریط فیجبره الندب و لذلک

4695

قال رسول الله ص لإنسان علمه الفرائض فقال و الله لا زدت فیها و لا نقصت منها أفلح إن صدق.

فعقد الفلاح بشرط الصدق و السلامة من التفریط

4696

و قال ص استقیموا و لن تحصوا.

فلیس ینبغی أن یترک ما یجبر کسر التفریط من النوافل (2) .

و لقائل أن یقول إن کان إنما سمی الواجب عدلا لأنه داخل تحت طاقة المکلف فلیسم الندب عدلا لأنه داخل تحت طاقة المکلف و أما قوله إنما أمر بالندب لأنه یجبر ما وقع فیه التفریط من الواجب فلا یصح علی مذهبه و هو من أعیان المعتزلة لأنه لو جبرت النافلة بالتفریط فی الواجب لکانت واجبة مثله و کیف یقول الزمخشری هذا و من قول مشایخنا إن تارک صلاة واحدة من الفرائض لو صلی مائة ألف رکعة من النوافل لم یکفر ثوابها عقاب ترک تلک الصلاة

ص :58

229 [و من کلامه ع فی الإعطاء بالید القصیرة]

وَ قَالَ ع:مَنْ یُعْطِ بِالْیَدِ الْقَصِیرَةِ یُعْطَ بِالْیَدِ الطَّوِیلَةِ.

[قال الرضی رحمه الله تعالی و معنی ذلک أن ما ینفقه المرء من ماله فی سبیل الخیر و البر و إن کان یسیرا فإن الله تعالی یجعل الجزاء علیه عظیما کثیرا و الیدان هاهنا عبارة (1) عن النعمتین ففرق ع بین نعمة العبد و نعمة الرب تعالی ذکره بالقصیرة و الطویلة فجعل تلک قصیرة و هذه طویلة لأن نعم الله أبدا تضعف علی نعم المخلوقین أضعافا کثیرة إذ کانت نعم الله أصل النعم کلها فکل نعمة إلیها ترجع و منها تنزع ]

هذا الفصل قد شرحه الرضی رحمه الله فأغنی عن التعرض بشرحه

ص :59

230 [و من کلامه ع فی الدعوة إلی المبارزة]

[قصة غزوة الخندق]

و ینبغی أن نذکر ملخص هذه القصة

4703

14,1- من مغازی الواقدی و ابن إسحاق قالا خرج عمرو بن عبد ود یوم الخندق و قد کان شهد بدرا فارتث (2) جریحا و لم یشهد أحدا فحضر الخندق شاهرا سیفه (3) معلما مدلا بشجاعته و بأسه و خرج معه ضرار بن الخطاب الفهری و عکرمة بن أبی جهل و هبیرة بن أبی وهب و نوفل بن عبد الله بن المغیرة المخزومیون فطافوا بخیولهم علی الخندق إصعادا و انحدارا یطلبون موضعا ضیقا یعبرونه حتی وقفوا علی أضیق موضع فیه فی المکان المعروف بالمزار فأکرهوا خیولهم علی العبور فعبرت و صاروا مع المسلمین علی أرض واحدة و رسول الله ص جالس و أصحابه قیام علی رأسه فتقدم عمرو بن عبد ود فدعا

ص :62

231 [و من کلامه ع فی خیار خصال النساء]

وَ قَالَ ع خِیَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ الزَّهْوُ وَ الْجُبْنُ وَ الْبُخْلُ فَإِذَا کَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَکِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا کَانَتْ بَخِیلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا کَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ یَعْرِضُ لَهَا .

أخذ هذا المعنی الطغرائی شاعر العجم فقال الجود و الإقدام فی فتیانهم و له قد زاد طیب أحادیث الکرام بها ما بالکرائم من جبن و من بخل.

و فی حکمة أفلاطون من أقوی الأسباب فی محبة الرجل لامرأته و اتفاق ما بینهما أن یکون صوتها دون صوته بالطبع و تمیزها دون تمیزه و قلبها أضعف من قلبه فإذا زاد من هذا عندها شیء علی ما عند الرجل تنافرا علی مقداره.

و تقول زهی الرجل علینا فهو مزهو إذا افتخر و کذلک نخی فهو منخو من النخوة و لا یجوز زها (1) إلا فی لغة ضعیفة.

و فرقت خافت و الفرق الخوف

ص :65

232 [و من کلامه ع فی وصف العاقل]

وَ قِیلَ لَهُ ع صِفْ لَنَا الْعَاقِلَ فَقَالَ ع هُوَ الَّذِی یَضَعُ الشَّیْءَ مَوَاضِعَهُ فَقِیلَ فَصِفْ لَنَا الْجَاهِلَ قَالَ قَدْ [قُلْتُ]

فَعَلْتُ .

[قال الرضی رحمه الله تعالی یعنی أن الجاهل هو الذی لا یضع الشیء مواضعه فکان ترک صفته صفة له إذ کان بخلاف وصف العاقل ]

هذا مثل الکلام الذی تنسبه العرب إلی الضب قالوا اختصمت الضبع و الثعلب إلی الضب فقالت الضبع یا أبا الحسل (1) إنی التقطت تمرة قال طیبا جنیت قالت و إن هذا أخذها منی قال حظ نفسه أحرز قالت فإنی لطمته قال کریم حمی حقیقته قالت فلطمنی قال حر انتصر قالت اقض بیننا قال قد فعلت

ص :66

233 [و من کلامه ع فی استحقار الدنیا و ذم الخلافة و الرئاسة]

وَ قَالَ ع وَ اللَّهِ لَدُنْیَاکُمْ هَذِهِ أَهْوَنُ فِی عَیْنِی مِنْ عِرَاقِ [عُرَاقِ]

خِنْزِیرٍ فِی یَدِ مَجْذُومٍ .

العراق جمع عرق و هو العظم علیه شیء من اللحم و هذا من الجموع النادرة نحو رخل و رخال و توأم و تؤام (1) و لا یکون شیء أحقر و لا أبغض إلی الإنسان من عراق خنزیر فی ید مجذوم فإنه لم یرض بأن یجعله فی ید مجذوم و هو غایة ما یکون من التنفیر حتی جعله عراق خنزیر.

و لعمری لقد صدق و ما زال صادقا و من تأمل سیرته فی حالتی خلوه من العمل و ولایته الخلافة عرف صحة هذا القول

ص :67

234 [و من کلامه ع فی بیان أنواع العبادة]

وَ قَالَ ع إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْکَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْکَ عِبَادَةُ الْعَبِیدِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ شُکْراً فَتِلْکَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ .

هذا مقام جلیل تتقاصر عنه قوی أکثر البشر و قد شرحناه فیما تقدم و قلنا إن العبادة لرجاء الثواب تجارة و معاوضة و إن العبادة لخوف العقاب لمنزلة من یستجدی لسلطان قاهر یخاف سطوته.

و هذا معنی قوله عبادة العبید أی خوف السوط و العصا و تلک لیس عبادة نافعة و هی کمن یعتذر إلی إنسان خوف أذاه و نقمته لا لأن ما یعتذر منه قبیح لا ینبغی له فعله فأما العبادة لله تعالی شکرا لأنعمه فهی عبادة نافعة لأن العبادة شکر مخصوص فإذا أوقعها علی هذا الوجه فقد أوقعها الموقع الذی وضعت علیه.

فأما أصحابنا المتکلمون فیقولون ینبغی أن یفعل الإنسان الواجب لوجه وجوبه و یترک القبیح لوجه قبحه و ربما قالوا یفعل الواجب لأنه واجب و یترک القبیح لأنه قبیح و الکلام فی هذا الباب مشروح مبسوط (1) فی الکتب الکلامیة

ص :68

235 [و من کلامه ع فی وصف المرأة]

وَ قَالَ ع الْمَرْأَةُ شَرٌّ کُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِیهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا .

حلف إنسان عند بعض الحکماء أنه ما دخل بابی شر قط فقال الحکیم فمن أین دخلت امرأتک.

و کان یقال أسباب فتنة النساء ثلاثة عین ناظرة و صورة مستحسنة و شهوة قادرة فالحکیم من لا یردد النظرة حتی یعرف حقائق الصورة و لو أن رجلا رأی امرأة فأعجبته ثم طالبها فامتنعت هل کان إلا تارکها فإن تأبی عقله علیه فی مطالبتها کتأبیها علیه فی مساعفتها قدع (1) نفسه عن لذته قدع الغیور إیاه عن حرمة مسلم.

و کان یقال من أتعب نفسه فی الحلال من النساء لم یتق إلی الحرام منهن کالطلیح (2) مناه أن یستریح

ص :69

236 [و من کلامه ع فی التوانی و العجز و الوشایة و السعایة]

وَ قَالَ ع مَنْ أَطَاعَ التَّوَانِیَ ضَیَّعَ الْحُقُوقَ وَ مَنْ أَطَاعَ الْوَاشِیَ ضَیَّعَ الصَّدِیقَ .

قد تقدم الکلام فی التوانی و العجز و تقدم أیضا الکلام فی الوشایة و السعایة.

و رفع إلی کسری أبرویز أن النصاری الذین یحضرون باب الملک یعرفون بالتجسس إلی ملک الروم فقال من لم یظهر له ذنب لم یظهر منا عقوبة له.

و رفع إلیه أن بعض الناس ینکر إصغاء الملک إلی أصحاب الأخبار فوقع هؤلاء بمنزلة مداخل الضیاء إلی البیت المظلم و لیس لقطع مواد النور مع الحاجة إلیه وجه عند العقلاء.

قال أبو حیان أما الأصل فی التدبیر فصحیح لأن الملک محتاج إلی الأخبار لکن الأخبار تنقسم إلی ثلاثة أوجه خبر یتصل بالدین فالواجب علیه أن یبالغ و یحتاط فی حفظه و حراسته و تحقیقه و نفی القذی عن طریقه و ساحته.

و خبر یتصل بالدولة و رسومها فینبغی أن یتیقظ فی ذلک خوفا من کید ینفذ و بغی یسری.

و خبر یدور بین الناس فی منصرفهم و شأنهم و حالهم متی زاحمتهم فیه اضطغنوا

ص :70

237 [و من کلامه ع فی الغصب و إن کان حجرا فی الدار]

وَ قَالَ ع الْحَجَرُ [اَلْغَصْبُ]

اَلْغَصِیُب فِی الدَّارِ رَهْنٌ عَلَی خَرَابِهَا.

[قال الرضی رحمه الله تعالی و قد روی ما یناسب هذا الکلام عن النبی ص و لا عجب أن یشتبه الکلامان فإن مستقاهما من قلیب و مفرغهما من ذنوب ]

الذنوب الدلو الملأی و لا یقال لها و هی فارغة ذنوب و معنی الکلمة أن الدار المبنیة بالحجارة المغصوبة و لو بحجر واحد لا بد أن یتعجل خرابها و کأنما ذلک الحجر رهن علی حصول التخرب أی کما أن الرهن لا بد أن یفتک کذلک لا بد لما جعل ذلک الحجر رهنا علیه أن یحصل.

و قال ابن بسام لأبی علی بن مقلة لما بنی داره بالزاهر ببغداد من الغصب و ظلم الرعیة بجنبک داران مهدومتان

ص :72

238 [و من کلامه ع فی الظلم]

وَ قَالَ ع یَوْمُ الْمَظْلُومِ عَلَی الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ یَوْمِ الظَّالِمِ عَلَی الْمَظْلُومِ .

قد تقدم الکلام فی الظلم مرارا و کان یقال اذکر عند الظلم عدل الله تعالی فیک و عند القدرة قدرة الله تعالی علیک.

و إنما کان یوم المظلوم علی الظالم أشد من یومه علی المظلوم لأن ذلک الیوم یوم الجزاء الکلی و الانتقام الأعظم و قصاری (1) أمر الظالم فی الدنیا أن یقتل غیره فیمیته میتة واحدة ثم لا سبیل له بعد إماتته إلی أن یدخل علیه ألما آخر و أما یوم الجزاء فإنه یوم لا یموت الظالم فیه فیستریح (2) بل عذابه دائم متجدد نعوذ بالله من سخطه و عقابه

ص :74

239 [و من کلامه ع فی لزوم التقوی و إن قلت]

وَ قَالَ ع اتَّقِ اللَّهَ بَعْضَ التُّقَی وَ إِنْ قَلَّ وَ اجْعَلْ بَیْنَکَ وَ بَیْنَ اللَّهِ سِتْراً وَ إِنْ رَقَّ .

یقال فی المثل ما لا یدرک کله لا یترک کله.

فالواجب علی من عسرت علیه التقوی بأجمعها أن یتقی الله فی البعض و أن یجعل بینه و بینه سترا و إن کان رقیقا.

و فی أمثال العامة اجعل بینک و بین الله روزنة (1) و الروزنة لفظة صحیحة معربة أی لا تجعل ما بینک و بینه مسدودا مظلما بالکلیة

ص :75

240 [و من کلامه ع فی تحری الإنصاف أثناء البحث و المناظرة]

وَ قَالَ ع إِذَا ازْدَحَمَ الْجَوَابُ خَفِیَ الصَّوَابُ .

هذا نحو أن یورد الإنسان إشکالا فی بعض المسائل النظریة بحضرة جماعة من أهل النظر فیتغالب القوم و یتسابقون إلی الجواب عنه کل منهم یورد ما خطر له.

فلا ریب أن الصواب یخفی حینئذ و هذه الکلمة فی الحقیقة أمر للناظر البحاث أن یتحری الإنصاف فی بحثه و نظره مع رفیقه و ألا یقصد المراء (1) و المغالبة و القهر

ص :76

241 [و من کلامه ع فی أداء حق النعمة و شکرها]

وَ قَالَ ع إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَی فِی کُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَ مَنْ قَصَّرَ فِیهِ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِ .

قد تقدم الکلام فی هذا المعنی

4704

و جاء فی الخبر من أوتی نعمة فأدی حق الله منها برد اللهفة و إجابة الدعوة و کشف المظلمة کان جدیرا بدوامها [و من قصر قصر به]

(1) .

ص :77

242 [و من کلامه ع فی تأثیر زیادة المقدرة علی الشهوة]

وَ قَالَ ع إِذَا کَثُرَتِ اَلْمَقْدِرَةُ [اَلْمَقْدُرَةُ]

قَلَّتِ الشَّهْوَةُ (1) .

هذا مثل قولهم کل مقدور علیه مملول و مثل قول الشاعر و کل کثیر عدو الطبیعة.

و مثل قول الآخر و أخ کثرت علیه حتی ملنی

و لهذا الحکم علة فی العلم العقلی و ذلک أن النفس عندهم غنیة بذاتها مکتفیة بنفسها غیر محتاجة إلی شیء خارج عنها و إنما عرضت لها الحاجة و الفقر إلی ما هو خارج عنها لمقارنتها الهیولی و ذلک أن أمر الهیولی بالضد من أمر النفس فی الفقر و الحاجة و لما کان الإنسان مرکبا من النفس و الهیولی عرض له الشوق إلی تحصیل العلوم و القنیات (2) لانتفاعه بهما و التذاذه بحصولهما فأما العلوم فإنه یحصلها فی شبیه بالخزانة له یرجع إلیها متی شاء و یستخرج منها ما أراد أعنی القوی النفسانیة التی هی محل الصور و المعانی علی ما هو مذکور فی موضعه و أما القنیات و المحسوسات

ص :78

243 [و من کلامه ع فی الشکر علی النعمة و ترک المعاصی]

وَ قَالَ ع احْذَرُوا نِفَارَ النِّعَمِ فَمَا کُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ .

هذا أمر بالشکر علی النعمة و ترک المعاصی فإن المعاصی تزیل النعم کما قیل إذا کنت فی نعمة فارعها فإن المعاصی تزیل النعم و قال بعض السلف کفران النعمة بوار و قلما أقلعت نافرة فرجعت فی نصابها فاستدع شاردها بالشکر و استدم راهنها بکرم الجوار و لا تحسب أن سبوغ ستر الله علیک غیر متقلص عما قلیل عنک إذا أنت لم ترج لله وقارا.

و قال أبو عصمة شهدت سفیان و فضیلا (1) فما سمعتهما یتذاکران إلا النعم یقولان أنعم الله سبحانه علینا بکذا و فعل بنا کذا.

و قال الحسن (2) إذا استوی یوماک فأنت ناقص قیل له کیف ذاک قال إن زادک الله الیوم نعما فعلیک أن تزداد غدا له شکرا.

و کان یقال الشکر جنة (3) من الزوال و أمنة من الانتقال.

و کان یقال إذا کانت النعمة وسیمة فاجعل الشکر لها تمیمة (4)

ص :80

244 [و من کلامه ع فی الکرم]

وَ قَالَ ع الْکَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ الرَّحِمِ .

مثل هذا المعنی قول أبی تمام لابن الجهم إلا یکن نسب یؤلف بیننا و من قصیدة لی فی بعض أغراضی و وشائج الآداب عاطفة الفضلاء فوق وشائج النسب (1)

ص :81

245 [و من کلامه ع فی تصدیق الظان بالخیر]

وَ قَالَ ع مَنْ ظَنَّ بِکَ خَیْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ .

هذا قد تقدم فی وصیته ع لولده الحسن .

و من کلام بعضهم إنی لأستحیی أن یأتینی الرجل یحمر وجهه تارة من الخجل أو یصفر أخری من خوف الرد قد ظن بی الخیر و بات علیه و غدا علی أن أرده (1) خائبا

ص :82

246 [و من کلامه ع فی بیان أفضل الأعمال]

وَ قَالَ ع أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مَا أَکْرَهْتَ نَفْسَکَ عَلَیْهِ .

لا ریب أن الثواب علی قدر المشقة لأنه کالعوض عنها (1) کما أن العوض الحقیقی عوض عن الألم و لهذا

4705

قال ص

أفضل العبادة أحمزها (2) .

أی أشقها

ص :83

247 [و من کلامه ع فی کیفیة معرفة الله]

وَ قَالَ ع عَرَفْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ وَ حَلِّ الْعُقُودِ وَ نَقْضِ الْهِمَمِ .

هذا أحد الطرق إلی معرفة البارئ سبحانه و هو أن یعزم الإنسان علی أمر و یصمم رأیه علیه ثم لا یلبث أن یخطر الله تعالی بباله خاطرا صارفا له عن ذلک الفعل و لم یکن فی حسابه أی لو لا أن فی الوجود (1) ذاتا مدبرة لهذا العالم لما خطرت الخواطر التی لم تکن محتسبة و هذا فصل یتضمن کلاما دقیقا یذکره المتکلمون فی الخاطر الذی یخطر من غیر موجب لخطوره فإنه لا یجوز أن یکون الإنسان أخطره بباله و إلا لکان ترجیحا من غیر مرجح لجانب الوجود علی جانب العدم فلا بد أن یکون المخطر له بالبال شیئا خارجا عن ذات الإنسان و ذاک هو الشیء المسمی بصانع العالم.

و لیس هذا الموضع مما یحتمل استقصاء القول فی هذا المبحث.

و یقال إن عضد الدولة وقعت فی یده قصة و هو یتصفح القصص فأمر بصلب صاحبها ثم أتبع الخادم خادما آخر یقول له قل للمطهر و کان وزیره لا یصلبه و لکن أخرجه من الحبس فاقطع یده الیمنی ثم أتبعه خادما ثالثا فقال بل تقول له یقطع أعصاب رجلیه ثم أتبعه خادما آخر فقال له ینقله إلی القلعة بسیراف فی قیوده فیجعله هناک فاختلفت دواعیه فی ساعة واحدة أربع مرات

ص :84

248 [و من کلامه ع فی بیان مرارة الدنیا و حلاوتها مع الآخرة]

وَ قَالَ ع مَرَارَةُ الدُّنْیَا حَلاَوَةُ الآْخِرَةِ وَ حَلاَوَةُ الدُّنْیَا مَرَارَةُ الآْخِرَةِ .

لما کانت الدنیا (1) ضد الآخرة وجب أن یکون أحکام هذه ضد أحکام هذه کالسواد یجمع البصر و البیاض یفرق البصر و الحرارة توجب الخفة و البرودة توجب الثقل فإذا کان فی الدنیا أعمال هی مرة المذاق علی الإنسان قد ورد الشرع بإیجابها فتلک الأفعال تقتضی (2) و توجب لفاعلها ثوابا حلو المذاق فی الآخرة.

و کذاک بالعکس ما کان من المشتهیات الدنیاویة التی قد نهی الشرع عنها توجب و إن کانت حلوة المذاق مرارة العقوبة فی الآخرة

ص :85

249 [و من کلامه ع فی بیان تعلیل العبادات سلبا و إیجابا]

وَ قَالَ ع فَرَضَ اللَّهُ الْإِیمَانَ تَطْهِیراً مِنَ الشِّرْکِ وَ الصَّلاَةَ تَنْزِیهاً عَنِ الْکِبْرِ وَ الزَّکَاةَ تَسْبِیباً لِلرِّزْقِ وَ الصِّیَامَ ابْتِلاَءً لِإِخْلاَصِ الْخَلْقِ وَ الْحَجَّ [تَقْوِیَةً]

تَقْرِبَةً لِلدِّینِ وَ الْجِهَادَ عِزّاً لِلْإِسْلاَمِ وَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ وَ صِلَةَ الرَّحِمِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ وَ الْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ وَ إِقَامَةَ الْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ وَ تَرْکَ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْصِیناً لِلْعَقْلِ وَ مُجَانَبَةَ السَّرِقَةِ إِیجَاباً لِلْعِفَّةِ وَ تَرْکَ اَلزِّنَی [اَلزِّنَا]

تَحْصِیناً لِلنَّسَبِ وَ تَرْکَ اللِّوَاطِ تَکْثِیراً لِلنَّسْلِ وَ الشَّهَادَاتِ اسْتِظْهَاراً عَلَی الْمُجَاحَدَاتِ وَ تَرْکَ الْکَذِبِ تَشْرِیفاً لِلصِّدْقِ وَ السَّلاَمَ أَمَاناً مِنَ الْمَخَاوِفِ وَ الْإِمَامَةَ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ وَ الطَّاعَةَ تَعْظِیماً لِلْإِمَامَةِ .

هذا الفصل یتضمن بیان تعلیل العبادات إیجابا و سلبا.

قال ع فرض الله الإیمان تطهیرا من الشرک و ذلک لأن الشرک نجاسة حکمیة لا عینیة و أی شیء یکون أنجس من الجهل أو أقبح فالإیمان هو تطهیر القلب من نجاسة ذلک الجهل .

و فرضت الصلاة تنزیها من الکبر لأن الإنسان یقوم فیها قائما و القیام مناف للتکبر و طارد له ثم یرفع یدیه بالتکبیر وقت الإحرام بالصلاة فیصیر علی هیئة من یمد عنقه لیوسطه السیاف ثم یستکتف کما یفعله العبید الأذلاء بین یدی

ص :86

250 [و من کلامه ع فی تحلیف الظالم]

251 [و من کلامه ع فی إنفاق المال فی وجهه فی الحیاة قبل الوصیة به للغیر بعد الممات]

وَ قَالَ ع یَا ابْنَ آدَمَ کُنْ وَصِیَّ نَفْسِکَ فِی مَالِکَ وَ اعْمَلْ [فِی مَالِکَ]

فِیهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ یُعْمَلَ [یَعْمَلَ]

فِیهِ مِنْ بَعْدِکَ [مَنْ بَعْدَکَ ]

.

لا ریب أن الإنسان یؤثر أن یخرج ماله بعد موته فی وجوه البر و الصدقات و القربات لیصل ثواب ذلک إلیه لکنه یضن بإخراجه و هو حی فی هذه الوجوه لحبه العاجلة و خوفه من الفقر و الحاجة إلی الناس فی آخر العمر فیقیم وصیا یعمل ذلک فی ماله بعد موته.

و أوصی أمیر المؤمنین ع الإنسان أن یعمل فی ماله و هو حی ما یؤثر أن یجعل فیه وصیة بعد موته و هذه حالة لا یقدر علیها (1) إلا من أخذ التوفیق بیده

ص :95

252 [و من کلامه ع فی الحدة و کونها ضرب من الجنون]

وَ قَالَ ع الْحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا یَنْدَمُ فَإِنْ لَمْ یَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْکِمٌ .

کان یقال الحدة کنیة الجهل.

و کان یقال لا یصح لحدید رأی لأن الحدة تصدئ العقل کما یصدئ الخل المرآة فلا یری صاحبه فیه صورة حسن فیفعله و لا صورة قبیح فیجتنبه.

و کان یقال أول الحدة جنون و آخرها ندم.

و کان یقال لا تحملنک الحدة علی اقتراف الإثم فتشفی غیظک و تسقم دینک

ص :96

253 [و من کلامه ع فی الحسد و آثاره علی الجسد]

وَ قَالَ ع صِحَّةُ الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الْحَسَدِ .

معناه أن القلیل الحسد لا یزال معافی فی بدنه و الکثیر الحسد یمرضه ما یجده فی نفسه من مضاضة المنافسة و ما یتجرعه من الغیظ و مزاج البدن یتبع أحوال النفس.

قال المأمون ما حسدت أحدا قط إلا أبا دلف علی قول الشاعر فیه إنما الدنیا أبو دلف

و روی أبو الفرج الأصبهانی عن عبدوس بن أبی دلف قال حدثنی أبی قال قال لی المأمون یا قاسم أنت الذی یقول فیک علی بن جبله إنما الدنیا أبو دلف البیتین فقلت مسرعا و ما ینفعنی ذلک یا أمیر المؤمنین مع قوله فی أبا دلف یا أکذب الناس کلهم سوای فإنی فی مدیحک أکذب

ص :97

254 [و من کلامه ع فی وصیته لکمیل بن زیاد النخعی]

وَ قَالَ ع لِکُمَیْلِ بْنِ زِیَادٍ النَّخَعِیِّ یَا کُمَیْلُ مُرْ أَهْلَکَ أَنْ یَرُوحُوا فِی کَسْبِ الْمَکَارِمِ وَ یُدْلِجُوا فِی حَاجَةِ مَنْ هُوَ نَائِمٌ فَوَالَّذِی وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلاَّ وَ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِکَ السُّرُورِ لُطْفاً فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ جَرَی إِلَیْهَا کَالْمَاءِ فِی انْحِدَارِهِ حَتَّی یَطْرُدَهَا عَنْهُ کَمَا تُطْرَدُ غَرِیبَةُ الْإِبِلِ .

قال عمرو بن العاص لمعاویة ما بقی من لذتک فقال ما من شیء یصیبه الناس من اللذة إلا و قد أصبته حتی مللته فلیس شیء عندی الیوم ألذ من شربة ماء بارد فی یوم صائف و نظری إلی بنی و بناتی یدرجون حولی فما بقی من لذتک أنت فقال أرض أغرسها و آکل ثمرتها لم یبق لی لذة غیر ذلک فالتفت معاویة إلی وردان غلام عمرو فقال فما بقی من لذتک یا ورید فقال سرور أدخله قلوب الإخوان و صنائع أعتقدها فی أعناق الکرام فقال معاویة لعمرو تبا لمجلسی و مجلسک لقد غلبنی و غلبک هذا العبد ثم قال یا وردان أنا أحق بهذا منک قال قد أمکنتک (1) فافعل.

ص :99

255 [و من کلامه ع فی الصدقة]

وَ قَالَ ع إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اللَّهَ بِالصَّدَقَةِ .

قد تقدم القول فی الصدقة.

و قالت الحکماء أفضل العبادات الصدقة لأن نفعها یتعدی و نفع الصلاة و الصوم لا یتعدی.

4711

1- و جاء فی الأثر أن علیا ع عمل لیهودی فی سقی نخل له فی حیاة رسول الله ص بمد من شعیر فخبزه قرصا فلما هم أن یفطر علیه أتاه سائل یستطعم فدفعه إلیه و بات طاویا و تاجر الله تعالی بتلک الصدقة فعد الناس هذه الفعلة من أعظم السخاء و عدوها أیضا من أعظم العبادة .

و قال بعض شعراء الشیعة یذکر إعادة الشمس علیه و أحسن فیما قال جاد بالقرص و الطوی ملء جنبیه

ص :101

256 [و من کلامه ع فی الوفاء لأهل الغدر و الغدر بهم]

وَ قَالَ ع الْوَفَاءُ لِأَهْلِ الْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ الْغَدْرُ بِأَهْلِ الْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ .

معناه أنه إذا اعتید من العدو أن یغدر و لا یفی بأقواله و أیمانه و عهوده لم یجز الوفاء له و وجب أن ینقض عهوده و لا یوقف مع العهد المعقود بیننا و بینه فإن الوفاء لمن هذه حاله لیس بوفاء عند الله تعالی بل هو کالغدر فی قبحه و الغدر بمن هذه (1) حاله لیس بقبیح بل هو فی الحسن کالوفاء لمن یستحق الوفاء عند الله تعالی

ص :102

257 [و من کلامه ع فی الاستدراج و الإملاء]

وَ قَالَ ع کَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَیْهِ وَ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ [بِالسِّتْرِ]

عَلَیْهِ وَ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِیهِ وَ مَا ابْتَلَی اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلاَءِ لَهُ.

[قال الرضی رحمه الله تعالی و قد مضی هذا الکلام فیما تقدم إلا أن فیه هاهنا زیادة جیدة ]

قد تقدم الکلام فی الاستدراج و الإملاء و قال بعض الحکماء احذر النعم المتواصلة إلیک أن تکون استدراجا کما یحذر المحارب من اتباع عدوه فی الحرب إذا فر من بین یدیه من الکمین و کم من عدو فر مستدرجا ثم إذ هو عاطف و کم من ضارع فی یدیک ثم إذ هو خاطف

ص :103

258 [و من کلامه ع فی الإخبار عن آخر الزمان و ظهور المهدی ع]

و من کلامه ع المتضمن ألفاظا من الغریب تحتاج إلی تفسیر قوله ع فی حدیثه فَإِذَا کَانَ ذَلِکَ ضَرَبَ یَعْسُوبُ الدِّینِ بِذَنَبِهِ فَیَجْتَمِعُونَ إِلَیْهِ کَمَا یَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِیفِ.

[قال الرضی رحمه الله تعالی یعسوب الدین السید العظیم المالک لأمور الناس یومئذ و القزع قطع الغیم التی لا ماء فیها ]

أصاب فی الیعسوب فأما القزع فلا یشترط فیها أن تکون خالیة من الماء بل القزع قطع من السحاب رقیقة سواء کان فیها ماء أو لم یکن الواحدة قزعة بالفتح و إنما غره قول الشاعر یصف جیشا بالقلة و الخفة کأن رعاله قزع الجهام (1) .

و لیس یدل ذلک علی ما ذکره لأن الشاعر أراد المبالغة فإن الجهام الذی لا ماء فیه إذا کان أقطاعا متفرقة خفیفة کان ذکره أبلغ فیما یریده من التشبیه و هذا الخبر من أخبار الملاحم التی کان یخبر بها ع و هو یذکر فیه المهدی الذی یوجد عند أصحابنا فی آخر الزمان و معنی قوله ضرب بذنبه أقام و ثبت بعد

ص :104

259 [و من کلامه ع فی تسمیة الماهر بالخطبة بالشحشح]

وَ فِی حَدِیثِهِ ع:هَذَا الْخَطِیبُ الشَّحْشَحُ.

[قال یرید الماهر بالخطبة الماضی فیها و کل ماض فی کلام أو سیر فهو شحشح و الشحشح فی غیر هذا الموضع البخیل الممسک ]

قد جاء الشحشح بمعنی الغیور و الشحشح بمعنی الشجاع و الشحشح بمعنی المواظب علی الشیء الملازم له و الشحشح الحاوی و مثله الشحشحان.

و هذه الکلمة قالها علی ع لصعصعة بن صوحان العبدی رحمه الله و کفی صعصعة بها فخرا أن یکون مثل علی ع یثنی علیه بالمهارة و فصاحة اللسان و کان صعصعة من أفصح الناس ذکر ذلک شیخنا أبو عثمان الجاحظ (1)

ص :106

260 [و من کلامه ع فی الخصومة]

و منه إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً.

[قال یرید بالقحم المهالک لأنها تقحم أصحابها فی المهالک و المتالف فی الأکثر فمن ذلک قحمة الأعراب و هو أن تصیبهم السنة فتتفرق أموالهم فذلک تقحمها فیهم و قیل فیه وجه آخر و هو أنها تقحمهم بلاد الریف أی تحوجهم إلی دخول الحضر عند محول البدو ]

أصل هذا البناء للدخول فی الأمر علی غیر رویة و لا تثبت قحم الرجل فی الأمر بالفتح قحوما و أقحم فلان فرسه البحر فانقحم و اقتحمت أیضا البحر دخلته مکافحة و قحم الفرس فارسه تقحیما علی وجهه إذا رماه و فحل مقحام أی یقتحم الشول من غیر إرسال فیها.

و هذه الکلمة قالها أمیر المؤمنین حین وکل عبد الله بن جعفر فی الخصومة عنه و هو شاهد.

و أبو حنیفة لا یجیز الوکالة علی هذه الصورة و یقول لا تجوز إلا من غائب أو مریض و أبو یوسف و محمد یجیزانها أخذا بفعل أمیر المؤمنین ع

ص :107

261 [و من کلامه ع فی بیان معنی نص الحقاق و أن العصبة أولی]

و منه إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَی.

قال و یروی نص الحقائق و النص منتهی الأشیاء و مبلغ أقصاها کالنص فی السیر لأنه أقصی ما تقدر علیه الدابة و یقال نصصت الرجل عن الأمر إذا استقصیت مسألته لتستخرج ما عنده فیه و نص الحقاق یرید به الإدراک لأنه منتهی الصغر و الوقت الذی یخرج منه الصغیر إلی حد الکبر و هو من أفصح الکنایات عن هذا الأمر و أغربها یقول فإذا بلغ النساء ذلک فالعصبة أولی بالمرأة من أمها إذا کانوا محرما مثل الإخوة و الأعمام و بتزویجها إن أرادوا ذلک.

و الحقاق محاقة الأم للعصبة فی المرأة و هو الجدال و الخصومة و قول کل واحد منهما للآخر أنا أحق منک بهذا یقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا قال و قد قیل إن نص الحقاق بلوغ العقل و هو الإدراک لأنه ع إنما أراد منتهی الأمر الذی تجب به الحقوق و الأحکام.

قال و من رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقیقة هذا معنی ما ذکره أبو عبید القاسم بن سلام .

قال و الذی عندی أن المراد بنص الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلی الحد الذی یجوز فیه تزویجها و تصرفها فی حقوقها تشبیها بالحقاق من الإبل و هی جمع حقة و حق و هو الذی استکمل ثلاث سنین و دخل فی الرابعة و عند ذلک یبلغ إلی الحد الذی یمکن فیه من رکوب ظهره و نصه فی سیره و الحقائق أیضا جمع حقة

ص :108

262 [و من کلامه ع فی ازدیاد الإیمان فی القلب و نقصانه]

و منه إِنَّ الْإِیمَانَ یَبْدُو لُمْظَةً فِی الْقَلْبِ کُلَّمَا ازْدَادَ الْإِیمَانُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ.

[قال اللمظة مثل النکتة أو نحوها من البیاض و منه قیل فرس ألمظ إذا کان بجحفلته شیء من البیاض ]

قال أبو عبیدة هی لمظة بضم اللام و المحدثون یقولون لمظة بالفتح و المعروف من کلام العرب الضم مثل الدهمة و الشهبة و الحمرة قال و قد رواه بعضهم لمطة بالطاء المهملة و هذا لا نعرفه.

قال و فی هذا الحدیث حجة علی من أنکر أن یکون الإیمان یزید و ینقص (1) أ لا تراه یقول کلما ازداد الإیمان ازدادت اللمظة

ص :111

263 [و من کلامه ع فی تزکیة الدین بعد القبض]

و منه إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا کَانَ لَهُ الدَّیْنُ الظَّنُونُ یَجِبُ عَلَیْهِ أَنْ یُزَکِّیَهُ لِمَا مَضَی إِذَا قَبَضَهُ.

[قال الظنون الذی لا یعلم صاحبه أ یقضیه من الذی هو علیه أم لا فکأنه الذی یظن به ذلک فمرة یرجوه و مرة لا یرجوه و هو من أفصح الکلام و کذلک کل أمر تطلبه و لا تدری علی أی شیء أنت منه فهو ظنون و علی ذلک قول الأعشی من یجعل الجد الظنون الذی و الجد البئر العادیة فی الصحراء و الظنون التی لا یعلم هل فیها ماء أم لا ]

قال أبو عبیدة فی هذا الحدیث من الفقه أن من کان له دین علی الناس فلیس علیه أن یزکیه حتی یقبضه فإذا قبضه زکاه لما مضی و إن کان لا یرجوه قال و هذا یرده قول من قال إنما زکاته علی الذی علیه المال لأنه (1) المنتفع به قال

ص :112

264 [و من کلامه ع فی نصح الجیش من الابتعاد عن النساء و مقاربتهن حین إرادة الغزو]

و منه أَنَّهُ شَیَّعَ جَیْشاً یُغْزِیهِ فَقَالَ اِعْذِبُوا [اُعْزُبُوا]

عَنِ النِّسَاءِ مَا اسْتَطَعْتُمْ.

[و معناه اصدفوا عن ذکر النساء و شغل القلوب بهن و امتنعوا من المقاربة لهن لأن ذلک یفت فی عضد الحمیة و یقدح فی معاقد العزیمة و یکسر عن العدو و یلفت عن الإبعاد فی الغزو فکل من امتنع من شیء فقد أعزب عنه و العازب و العزوب الممتنع من الأکل و الشرب ]

التفسیر صحیح لکن قوله من امتنع من شیء فقد أعزب عنه لیس بجید و الصحیح فقد عزب عنه ثلاثی و الصواب و کل من منعته من شیء فقد أعزبته عنه تعدیه بالهمزة کما تقول أقمته و أقعدته و الفعل ثلاثی قام و قعد و الدلیل علی أن الماضی ثلاثی هاهنا قوله و العازب و العزوب الممتنع من الأکل و الشرب و لو کان رباعیا لکان المعزب و هو واضح و علی هذا تکون الهمزة فی أول الحرف همزة وصل مکسورة کما فی اضربوا لأن المضارع یعزب بالکسر

ص :114

265 [و من کلامه ع فی أن المسلم ما لم یغش دناءة یخشع لها إذا ذکرت و یغری به لئام الناس کالیاسر الفالج]

و منه کَالْیَاسِرِ الْفَالِجِ یَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِهِ.

[قال الیاسرون هم الذین یتضاربون بالقداح علی الجزور و الفالج القاهر الغالب یقال قد فلج علیهم و فلجهم قال الراجز لما رأیت فالجا قد فلجا ]

أول الکلام أن المرء المسلم ما لم یغش دناءة یخشع لها إذا ذکرت و یغری به لئام الناس کالیاسر الفالج ینتظر أول فوزة من قداحه أو داعی الله ف مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَیْرٌ لِلْأَبْرٰارِ یقول هو بین خیرتین إما أن یصیر إلی ما یحب من الدنیا فهو بمنزلة صاحب القدح المعلی و هو أوفرها نصیبا أو یموت فما عند الله خیر له و أبقی (1) و لیس یعنی بقوله الفالج القامر الغالب کما فسره الرضی رحمه الله لأن الیاسر الغالب القامر لا ینتظر أول فوزة من قداحه و کیف ینتظر و قد غلب و أی حاجة له إلی الانتظار و لکنه یعنی بالفالج المیمون النقیبة الذی له عادة مطردة أن یغلب و قل أن یکون مقهورا

ص :115

266 [و من کلامه ع فی بیان شجاعة الرسول ص وقت الحرب عند اشتدادها]

[نبذ من غریب کلام الإمام علی و شرحه لأبی عبید]

و لما کان تفسیر الرضی رحمه الله قد تعرض للغریب من کلامه ع و رأینا أنه لم یذکر من ذلک إلا الیسیر آثرنا أن نذکر جملة من غریب کلامه ع مما نقله أرباب الکتب المصنفة فی غریب الحدیث عنه ع.

فمن ذلک

4713

ما ذکره أبو عبید القاسم بن سلام رحمه الله فی کتابه لأن أطلی بجواء قدر أحب إلی من أن أطلی بزعفران.

قال أبو عبید هکذا الروایة عنه بجواء قدر قال و سمعت الأصمعی یقول إنما هی الجئاوة و هی الوعاء الذی یجعل القدر فیه و جمعها جیاء.

قال و قال أبو عمرو یقال لذلک الوعاء جواء و جیاء قال و یقال للخرقة التی ینزل بها الوعاء عن الأثافی جعال.

4714

1,2- و منها قوله ع حین أقبل یرید العراق فأشار إلیه الحسن بن علی ع أن یرجع و الله لا أکون مثل الضبع تسمع اللدم حتی تخرج فتصاد .

قال أبو عبید قال الأصمعی اللدم صوت الحجر أو الشیء یقع علی الأرض و لیس بالصوت الشدید یقال منه لدم ألدم بالکسر و إنما قیل ذلک للضبع لأنهم إذا أرادوا أن یصیدوها رموا فی جحرها بحجر خفیف أو ضربوا بأیدیهم فتحسبه

ص :117

[نبذ من غریب کلام الإمام علی و شرحه لابن قتیبة]

و قد ذکر ابن قتیبة فی غریب الحدیث له ع کلمات أخری فمنها

4732

1- قوله من أراد البقاء و لا بقاء فلیباکر الغداء و لیخفف الرداء و لیقل غشیان النساء فقیل له یا أمیر المؤمنین و ما خفة الرداء فی البقاء فقال الدین .

ص :124

[خطبة منسوبة للإمام علی خالیة من حرف الألف]

و أنا الآن أذکر من کلامه الغریب ما لم یورده أبو عبید و ابن قتیبة فی کلامهما و أشرحه أیضا و هی خطبة رواها کثیر من الناس له ع خالیة من حرف الألف

4758

قالوا تذاکر (1) قوم من أصحاب رسول الله ص أی حروف الهجاء أدخل فی الکلام فأجمعوا علی الألف فقال علی ع حمدت من عظمت منته و سبغت نعمته و سبقت غضبه رحمته و تمت کلمته و نفذت مشیئته و بلغت قضیته حمدته حمد مقر بربوبیته متخضع لعبودیته متنصل من خطیئته متفرد بتوحیده مؤمل منه مغفرة تنجیه یوم یشغل عن فصیلته و بنیه و نستعینه و نسترشده و نستهدیه و نؤمن به و نتوکل علیه و شهدت له شهود مخلص موقن و فردته تفرید مؤمن متیقن و وحدته توحید عبد مذعن لیس له شریک فی ملکه و لم یکن له ولی فی صنعه جل عن مشیر و وزیر و عن عون معین و نصیر و نظیر علم فستر و بطن فخبر و ملک فقهر و عصی فغفر و حکم فعدل لم یزل و لن یزول لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ (2) و هو بعد کل شیء رب متعزز بعزته متمکن بقوته متقدس بعلوه متکبر بسموه لیس یدرکه بصر و لم یحط به نظر قوی منیع بصیر سمیع رءوف رحیم عجز عن وصفه من یصفه و ضل عن نعته من یعرفه

ص :140

267 [و من کلامه ع فی خبر بلغه من إغارة أصحاب معاویة علی الأنبار]

وَ قَالَ ع لَمَّا بَلَغَهُ إِغَارَةُ أَصْحَابِ مُعَاوِیَةَ عَلَی اَلْأَنْبَارِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ مَاشِیاً حَتَّی أَتَی اَلنُّخَیْلَةَ وَ أَدْرَکَهُ النَّاسُ وَ قَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ نَحْنُ نَکْفِیکَهُمْ فَقَالَ [ع وَ اللَّهِ]

مَا تَکْفُونَنِی أَنْفُسَکُمْ فَکَیْفَ تَکْفُونَنِی غَیْرَکُمْ إِنْ کَانَتِ الرَّعَایَا قَبْلِی لَتَشْکُو حَیْفَ رُعَاتِهَا وَ إِنَّنِی [فَإِنِّی]

الْیَوْمَ لَأَشْکُو حَیْفَ رَعِیَّتِی کَأَنَّنِی الْمَقُودُ وَ هُمُ الْقَادَةُ أَوِ الْمَوْزُوعُ وَ هُمُ الْوَزَعَةُ.

[قال فلما قال هذا القول فی کلام طویل قد ذکرنا مختاره فی جملة الخطب تقدم إلیه رجلان من أصحابه فقال أحدهما إنی لا أملک إلا نفسی و أخی (1) فمرنا بأمرک یا أمیر المؤمنین ننفذ (2) فقال و أین تقعان مما أرید ]

السنن الطریقة یقال تنح عن السنن أی عن وجه الطریق و النخیلة بظاهر الکوفة و روی ما تکفونی بحذف النون و الحیف الظلم و الوزعة جمع وازع و هو الدافع الکاف.

و معنی قوله ما تکفوننی أنفسکم أی أفعالکم ردیئة قبیحة تحتاج إلی جند غیرکم

ص :145

268 [و من کلامه ع فی أصحاب الجمل]

وَ قِیلَ إِنَّ اَلْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَاهُ [ع]

فَقَالَ [لَهُ]

أَ تَرَانِی أَظُنُّ أَنَّ أَصْحَابَ اَلْجَمَلِ کَانُوا عَلَی ضَلاَلَةٍ فَقَالَ ع یَا حَارِثُ [حَارِ]

إِنَّکَ نَظَرْتَ تَحْتَکَ وَ لَمْ تَنْظُرْ فَوْقَکَ فَحِرْتَ إِنَّکَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ [أَهْلَهُ]

وَ لَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ فَقَالَ اَلْحَارِثُ فَإِنِّی أَعْتَزِلُ مَعَ [ سَعْدِ بْنِ مَالِکٍ ]

سَعِیدِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ ع إِنَّ [ سَعْداً ]

سَعِیداً وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ یَنْصُرَا الْحَقَّ وَ لَمْ یَخْذُلاَ الْبَاطِلَ .

اللفظة التی وردت قبل أحسن من هذه اللفظة و هی أولئک قوم خذلوا الحق و لم ینصروا الباطل و تلک کانت حالهم فإنهم خذلوا علیا و لم ینصروا معاویة و لا أصحاب الجمل .

فأما هذه اللفظة ففیها إشکال لأن سعدا و عبد الله لعمری إنهما لم ینصرا الحق و هو جانب علی ع لکنهما خذلا الباطل و هو جانب معاویة و أصحاب الجمل فإنهم لم ینصروهم فی حرب قط لا بأنفسهم و لا بأموالهم و لا بأولادهم فینبغی

ص :147

269 [و من کلامه ع فی صاحب السلطان و موقعه منه]

270 [و من کلامه ع فی ما یقع فی هذه الدنیا علی سبیل القرض و المکافأة]

وَ قَالَ ع أَحْسِنُوا فِی عَقِبِ غَیْرِکُمْ تُحْفَظُوا فِی عَقِبِکُمْ .

أکثر ما فی هذه الدنیا یقع علی سبیل القرض و المکافأة فقد رأینا عیانا من ظلم الناس فظلم عقبه و ولده و رأینا من قتل الناس فقتل عقبه و ولده و رأینا من أخرب دورا فأخربت داره و رأینا من أحسن إلی أعقاب أهل النعم فأحسن الله إلی عقبه و ولده.

و قرأت فی تاریخ أحمد بن طاهر (1) أن الرشید أرسل إلی یحیی بن خالد و هو فی محبسه یقرعه بذنوبه و یقول له کیف رأیت أ لم أخرب دارک أ لم أقتل ولدک جعفرا أ لم أنهب مالک فقال یحیی للرسول قل له أما إخرابک داری فستخرب دارک و أما قتلک ولدی جعفر فسیقتل ولدک محمد و أما نهبک مالی فسینهب مالک و خزانتک فلما عاد الرسول إلیه بالجواب وجم طویلا و حزن و قال و الله لیکونن ما قال فإنه لم یقل لی شیئا قط إلا و کان کما قال فأخربت (2) داره و هی الخلد فی حصار بغداد و قتل ولده محمد و نهب ماله و خزانته نهبها طاهر بن الحسین

ص :152

271 [و من کلامه ع فی کلام الحکماء إن کان خطئا أو صوابا]

وَ قَالَ ع إِنَّ کَلاَمَ الْحُکَمَاءِ إِذَا کَانَ صَوَاباً کَانَ دَوَاءً وَ إِذَا کَانَ خَطَأً کَانَ دَاءً .

کل کلام یقلد المتکلم به لحسن عقیدة الناس فیه نحو کلام الحکماء و کلام الفضلاء و العلماء من الناس إذا کان صوابا کان دواء و إذا کان خطأ کان داء لأن الناس یحذون حذو المتکلم به و یقلدونه فیما یتضمنه ذلک الکلام من الآداب و الأوامر و النواهی فإذا کان حقا أفلحوا و حصل لهم الثواب و اتباع الحق و کانوا کالدواء المبرئ للسقم و إذا کان ذلک الکلام خطأ و اتبعوه خسروا (1) و لم یفلحوا فکان بمنزلة الداء و المرض

ص :153

272 [و من کلامه ع فی بیان معنی الإیمان]

وَ [قَالَ ع حِینَ]

سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ یُعَرِّفَهُ مَا الْإِیمَانُ فَقَالَ ع إِذَا کَانَ غَدٌ فَأْتِنِی حَتَّی أُخْبِرَکَ عَلَی أَسْمَاعِ النَّاسِ فَإِنْ نَسِیتَ مَقَالَتِی حَفِظَهَا عَلَیْکَ غَیْرُکَ فَإِنَّ الْکَلاَمَ کَالشَّارِدَةِ یَنْقُفُهَا [یَثْقَفُهَا]

هَذَا وَ یُخْطِئُهَا هَذَا.

[قال و قد ذکرنا ما أجابه به ع فیما تقدم من هذا الباب و هو قوله الإیمان علی أربع شعب ]

یقول إذ کان غد فأتنی فتکون کان هاهنا تامة أی إذا حدث و وجد و تقول إذا کان غدا فأتنی فیکون النصب باعتبار آخر أی إذا کان الزمان غدا أی موصوفا بأنه من الغد و من النحویین من یقدره إذا کان الکون غدا لأن الفعل یدل علی المصدر و الکون هو التجدد و الحدوث.

و قائل هذا القول یرجحه علی القول الآخر لأن الفاعل عندهم لا یحذف إلا إذا کان فی الکلام دلیل علیه.

و یثقفها یجدها ثقفت کذا بالکسر أی وجدته و صادفته و الشاردة الضالة

ص :154

273 [و من کلامه ع فی الرزق]

یَا ابْنَ آدَمَ لاَ تَحْمِلْ هَمَّ یَوْمِکَ الَّذِی لَمْ یَأْتِکَ عَلَی یَوْمِکَ الَّذِی قَدْ أَتَاکَ فَإِنَّهُ إِنْ یَکُ [یَکُنْ]

مِنْ عُمُرِکَ یَأْتِ اللَّهُ فِیهِ بِرِزْقِکَ .

قد تقدم هذا الفصل بتمامه و اعلم أن کل ما ادخرته مما هو فاضل عن قوتک فإنما أنت فیه خازن لغیرک.

و خلاصة هذا الفصل النهی عن الحرص علی الدنیا و الاهتمام لها و إعلام الناس أن الله تعالی قد قسم الرزق لکل حی من خلقه فلو لم یتکلف الإنسان فیه لأتاه رزقه مِنْ حَیْثُ لاٰ یَحْتَسِبُ .

و فی المثل یا رزاق البغاث (1) فی عشه و إذا نظر الإنسان إلی الدودة المکنونة داخل الصخرة کیف ترزق علم أن صانع العالم قد تکفل لکل ذی حیاة بمادة تقیم حیاته إلی انقضاء عمره

ص :155

274 [و من کلامه ع فی الإسراف فی المودة و البغضة]

وَ قَالَ ع أَحْبِبْ حَبِیبَکَ هَوْناً مَا عَسَی أَنْ یَکُونَ بَغِیضَکَ یَوْماً مَا وَ أَبْغِضْ بَغِیضَکَ هَوْناً مَا عَسَی أَنْ یَکُونَ حَبِیبَکَ یَوْماً مَا .

الهون بالفتح التأنی و البغیض المبغض و خلاصة هذه الکلمة النهی عن الإسراف فی المودة و البغضة فربما انقلب من تود فصار عدوا و ربما انقلب من تعادیه فصار صدیقا.

و قد تقدم القول فی ذلک علی أتم ما یکون و قال بعض الحکماء توق الإفراط فی المحبة فإن الإفراط فیها داع إلی التقصیر منها و لأن تکون الحال بینک و بین حبیبک نامیة أولی من أن تکون متناهیة.

و من کلام عمر لا یکن حبک کلفا و لا بغضک تلفا.

و قال الشاعر و أحبب إذا أحببت حبا مقاربا و قال عدی بن زید و لا تأمنن من مبغض قرب داره و لا من محب أن یمل فیبعدا

ص :156

275 [و من کلامه ع فی عامل الدنیا]

وَ قَالَ ع النَّاسُ فِی الدُّنْیَا عَامِلاَنِ عَامِلٌ عَمِلَ فِی الدُّنْیَا لِلدُّنْیَا قَدْ شَغَلَتْهُ دُنْیَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ یَخْشَی عَلَی مَنْ یَخْلُفُ هُ [یُخَلِّفُ]

الْفَقْرَ وَ یَأْمَنُهُ عَلَی نَفْسِهِ فَیُفْنِی عُمُرَهُ فِی مَنْفَعَةِ غَیْرِهِ وَ عَامِلٌ عَمِلَ فِی الدُّنْیَا لِمَا بَعْدَهَا فَجَاءَهُ الَّذِی لَهُ مِنَ الدُّنْیَا بِغَیْرِ عَمَلٍ فَأَحْرَزَ الْحَظَّیْنِ مَعاً وَ مَلَکَ الدَّارَیْنِ جَمِیعاً فَأَصْبَحَ وَجِیهاً عِنْدَ اللَّهِ لاَ یَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً فَیَمْنَعُهُ [فَیَمْنَعَهُ ]

.

معنی قوله و یأمنه علی نفسه أی و لا یبالی أن یکون هو فقیرا لأنه یعیش عیش الفقراء و إن کان ذا مال لکنه یدخر المال لولده فیفنی عمره فی منفعة غیره.

و یجوز أن یکون معناه أنه لکثرة ماله قد أمن الفقر علی نفسه ما دام حیا و لکنه لا یأمن الفقر علی ولده لأنه لا یثق من ولده بحسن الاکتساب کما وثق من نفسه فلا یزال فی الاکتساب و الازدیاد منه لمنفعة ولده الذی یخاف علیه الفقر بعد موته .

فأما العامل فی الدنیا لما بعدها فهم أصحاب العبادة یأتیهم رزقهم بغیر اکتساب و لا کد و قد حصلت لهم الآخرة فقد حصل لهم الحظان جمیعا

ص :157

276 [و من کلامه ع فی حلی الکعبة و کثرته]

وَ رُوِیَ:أَنَّهُ ذُکِرَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِی أَیَّامِهِ حَلْیُ اَلْکَعْبَةِ وَ کَثْرَتُهُ فَقَالَ قَوْمٌ لَوْ أَخَذْتَهُ فَجَهَّزْتَ بِهِ جُیُوشَ الْمُسْلِمِینَ کَانَ أَعْظَمَ لِلْأَجْرِ وَ مَا تَصْنَعُ اَلْکَعْبَةُ بِالْحَلْیِ فَهَمَّ عُمَرُ بِذَلِکَ وَ سَأَلَ عَنْهُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقَالَ ع إِنَّ هَذَا اَلْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَی اَلنَّبِیِّ ص [ مُحَمَّدٍ ص ]

وَ الْأَمْوَالُ أَرْبَعَةٌ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِینَ فَقَسَّمَهَا بَیْنَ الْوَرَثَةِ فِی الْفَرَائِضِ وَ الْفَیْءُ فَقَسَّمَهُ عَلَی مُسْتَحِقِّیهِ وَ اَلْخُمُسُ [اَلْخُمْسُ]

فَوَضَعَهُ اللَّهُ حَیْثُ وَضَعَهُ وَ الصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا اللَّهُ حَیْثُ جَعَلَهَا وَ کَانَ حَلْیُ اَلْکَعْبَةِ فِیهَا یَوْمَئِذٍ فَتَرَکَهُ اللَّهُ عَلَی حَالِهِ وَ لَمْ یَتْرُکْهُ نِسْیَاناً وَ لَمْ یَخْفَ عَلَیْهِ [عَنْهُ]

مَکَاناً فَأَقِرَّهُ حَیْثُ أَقَرَّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَوْلاَکَ لاَفْتَضَحْنَا وَ تَرَکَ الْحَلْیَ بِحَالِهِ .

هذا استدلال صحیح و یمکن أن یورد علی وجهین أحدهما أن یقال أصل الأشیاء الحظر و التحریم کما هو مذهب کثیر من أصحابنا البغدادیین فلا یجوز التصرف فی شیء من الأموال و المنافع إلا بإذن شرعی و لم یوجد إذن شرعی فی حلی الکعبة فبقینا فیه علی حکم الأصل.

و الوجه الثانی أن یقال حلی الکعبة مال مختص بالکعبة هو جار مجری ستور الکعبة و مجری باب الکعبة فکما لا یجوز التصرف فی ستور الکعبة و بابها

ص :158

277 [و من کلامه ع فی بیان حکم السرقة من مال الله و من عرض الناس]

رُوِیَ:أَنَّهُ ع رُفِعَ إِلَیْهِ رَجُلاَنِ سَرَقَا مِنْ مَالِ اللَّهِ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَ الآْخَرُ مِنْ عُرُوضِ [عُرْضِ]

النَّاسِ فَقَالَ ع أَمَّا هَذَا فَهُوَ مِنْ مَالِ اللَّهِ [فَلاَ]

وَ لاَ حَدَّ عَلَیْهِ مَالُ اللَّهِ أَکَلَ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَمَّا الآْخَرُ فَعَلَیْهِ الْحَدُّ الشَّدِیدُ فَقَطَعَ یَدَهُ .

هذا مذهب الشیعة أن عبد المغنم إذا سرق من المغنم لم یقطع فأما العبد الغریب إذا سرق من المغنم فإنه یقطع إذا کان ما سرقه زائدا عما یستحقه من الغنیمة بمقدار النصاب الذی یجب فیه القطع و هو ربع دینار و کذلک الحر إذا سرق من المغنم حکمه هذا الحکم بعینه فوجب أن یحمل کلام أمیر المؤمنین علی أن العبد المقطوع قد کان سرق من المغنم ما هو أزید من حقه من الغنیمة بمقدار النصاب المذکور أو أکثر.

فأما الفقهاء فإنهم لا یوجبون القطع علی من سرق من مال الغنیمة قبل قسمتها سواء کان ما سرقه أکثر من حقه أو لم یکن لأن مخالطة حقه و ممازجته للمسروق شبهة فی الجملة تمنع من وجوب القطع هذا إن کان له حق فی الغنیمة بأن یکون شهد القتال بإذن سیده فإن لم یکن ذلک و کان لسیده فیها حق لم یقطع أیضا لأن حصة سیده المشاعة شبهة تمنع من قطعه فإن لم یشهد القتال (1) و لا شهده سیده و سرق من الغنیمة قبل القسمة ما یجب فی مثله القطع وجب علیه القطع

ص :160

278 [و من کلامه ع فی کیفیة حکمه فی القضایا و الأحکام الشرعیة أنها بالنص أو بالاجتهاد]

وَ قَالَ ع لَوْ قَدِ اسْتَوَتْ قَدَمَایَ مِنْ هَذِهِ الْمَدَاحِضِ لَغَیَّرْتُ أَشْیَاءَ .

لسنا نشک أنه کان یذهب فی الأحکام الشرعیة و القضایا إلی أشیاء یخالف فیها أقوال الصحابة نحو قطعه ید السارق من رءوس الأصابع و بیعه أمهات الأولاد و غیر ذلک و إنما کان یمنعه من تغیر أحکام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة و الخوارج و إلی ذلک یشیر بالمداحض التی کان یؤمل استواء قدمیه منها و لهذا

4759

قال لقضاته اقضوا کما کنتم تقضون حتی یکون للناس جماعة.

فلفظة حتی هاهنا مؤذنة بأنه فسح لهم فی اتباع عادتهم فی القضایا و الأحکام التی یعهدونها إلی أن یصیر للناس جماعة و ما بعد إلی و حتی ینبغی أن یکون مخالفا لما قبلهما.

فأما أصحابنا فیقولون إنه کان فیما یحاول أن یحکم بین الناس مجتهدا و یجوز لغیره من المجتهدین مخالفته.

و الإمامیة تقول ما کان یحکم إلا عن نص و توقیف و لا یجوز لأحد من الناس مخالفته.

و القول فی صحة ذلک و فساده فرع من فروع مسألة الإمامة (1)

ص :161

279 [و من کلامه ع فی الحرص و الجشع و ذمهما و ذم الکادح فی طلب الرزق و مدح القناعة و الاقتصار]

اِعْلَمُوا عِلْماً یَقِیناً أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَجْعَلْ لِلْعَبْدِ وَ إِنْ عَظُمَتْ حِیلَتُهُ وَ اشْتَدَّتْ طَلِبَتُهُ وَ قَوِیَتْ مَکِیدَتُهُ أَکْثَرَ مِمَّا سُمِّیَ لَهُ فِی الذِّکْرِ الْحَکِیمِ وَ لَمْ یَحُلْ بَیْنَ الْعَبْدِ فِی ضَعْفِهِ وَ قِلَّةِ حِیلَتِهِ وَ بَیْنَ أَنْ یَبْلُغَ مَا سُمِّیَ لَهُ فِی الذِّکْرِ الْحَکِیمِ وَ الْعَارِفُ لِهَذَا الْعَامِلُ بِهِ أَعْظَمُ النَّاسِ رَاحَةً [رَحْمَةً]

فِی مَنْفَعَةٍ وَ التَّارِکُ لَهُ الشَّاکُّ فِیهِ أَعْظَمُ النَّاسِ شُغُلاً [شُغْلاً]

فِی مَضَرَّةٍ وَ رُبَّ مُنْعَمٍ عَلَیْهِ مُسْتَدْرَجٌ بِالنُّعْمَی وَ رُبَّ مُبْتَلًی مَصْنُوعٌ لَهُ بِالْبَلْوَی فَزِدْ أَیُّهَا اَلْمُسْتَنْفِعُ [اَلْمُسْتَمِعُ]

فِی شُکْرِکَ وَ قَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِکَ وَ قِفْ عِنْدَ مُنْتَهَی رِزْقِکَ .

قد تقدم القول فی الحرص و الجشع و ذمهما و ذم الکادح فی طلب الرزق و مدح القناعة و الاقتصار و نذکر هنا طرفا آخر من ذلک قال بعض الحکماء وجدت أطول الناس غما الحسود و أهنأهم عیشا القنوع و أصبرهم علی الأذی الحریص و أخفضهم عیشا أرفضهم للدنیا و أعظمهم ندامة العالم المفرط.

و قال عمر الطمع فقر و الیأس غنی و من یئس مما عند الناس استغنی عنهم.

ص :162

280 [و من کلامه ع فی نهی العلماء عن ترک العمل]

وَ قَالَ ع لاَ تَجْعَلُوا عِلْمَکُمْ جَهْلاً وَ یَقِینَکُمْ شَکّاً إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا وَ إِذَا تَیَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا .

هذا (1) نهی للعلماء عن ترک العمل یقول لا تجعلوا علمکم کالجهل فإن الجاهل قد یقول جهلت فلم أعمل و أنتم فلا عذر لکم لأنکم قد علمتم و انکشف لکم سر الأمر فوجب علیکم أن تعملوا و لا تجعلوا علمکم جهلا فإن من (2) علم المنفعة فی أمر و لا حائل بینه و بینه ثم لم یأته کان سفیها

ص :164

281 [و من کلامه ع فی الطمع]

وَ قَالَ ع إِنَّ الطَّمَعَ مُورِدُ غَیْرُ مُصْدِرٍ وَ ضَامِنٌ غَیْرُ وَفِیٍّ وَ رُبَّمَا شَرِقَ شَارِبُ الْمَاءِ قَبْلَ رِیِّهِ وَ کُلَّمَا عَظُمَ قَدْرُ الشَّیْءِ الْمُتَنَافَسِ فِیهِ عَظُمَتِ الرَّزِیَّةُ لِفَقْدِهِ وَ الْأَمَانِیُّ تُعْمِی أَعْیُنَ الْبَصَائِرِ وَ الْحَظُّ یَأْتِی مَنْ لاَ یَأْتِیهِ .

قد تقدم القول فی هذه المعانی کلها و قد ضرب الحکماء مثالا لفرط الطمع فقالوا إن رجلا صاد قبرة فقالت ما ترید أن تصنع بی قال أذبحک و آکلک قالت و الله ما أشفی من قرم و لا أشبع من جوع و لکنی أعلمک ثلاث خصال هن خیر لک من أکلی أما واحدة فأعلمک إیاها و أنا فی یدک و أما الثانیة فإذا صرت علی الشجرة أما الثالثة فإذا صرت علی الجبل فقال هاتی الأولی قالت لا تلهفن علی ما فات فخلاها فلما صارت علی الشجرة قال هاتی الثانیة قالت لا تصدقن بما لا یکون أنه یکون ثم طارت فصارت علی الجبل فقالت یا شقی لو ذبحتنی لأخرجت من حوصلتی درتین وزن کل واحدة ثلاثون مثقالا فعض علی یدیه و تلهف تلهفا شدیدا و قال هاتی الثالثة فقالت أنت قد أنسیت الاثنتین فما تصنع بالثالثة أ لم أقل لک لا تلهفن علی

ص :165

282 [و من کلامه ع فی الریاء]

وَ قَالَ ع اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنْ أَنْ تُحَسِّنَ [تَحْسُنَ]

فِی لاَمِعَةِ الْعُیُونِ عَلاَنِیَتِی وَ تُقَبِّحَ [تَقْبُحَ]

فِیمَا أُبْطِنُ لَکَ سَرِیرَتِی مُحَافِظاً عَلَی رِثَاءِ [رِیَاءِ]

النَّاسِ مِنْ نَفْسِی بِجَمِیعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَیْهِ مِنِّی فَأُبْدِیَ لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِی وَ أُفْضِیَ إِلَیْکَ بِسُوءِ عَمَلِی تَقَرُّباً إِلَی عِبَادِکَ وَ تَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِکَ .

قد تقدم القول فی الریاء و أن یظهر الإنسان من العبادة و الفعل الجمیل ما یبطن غیره و یقصد بذلک السمعة و الصیت لا وجه الله تعالی.

و قد جاء

4761

فی الخبر المرفوع أخوف ما أخاف علی أمتی الریاء و الشهوة الخفیة. قال المفسرون و الریاء من الشهوة الخفیة لأنه شهوة الصیت و الجاه بین الناس بأنه متین الدین مواظب علی نوافل العبادات و هذه هی الشهوة الخفیة أی لیست کشهوة الطعام و النکاح و غیرهما من الملاذ الحسیة.

4762

و فی الخبر المرفوع أیضا أن الیسیر من الریاء شرک (1) و أن الله یحب الأتقیاء الأخفیاء الذین هم فی بیوتهم إذا غابوا لم یفتقدوا و إذا حضروا لم یعرفوا قلوبهم مصابیح الهدی ینجون من کل غبراء مظلمة.

ص :167

283 [و من کلامه ع فی ما قاله من جهة التفاؤل أو إخبار بالغیب]

وَ قَالَ ع:لاَ وَ الَّذِی أَمْسَیْنَا مِنْهُ فِی غُبْرِ [غُبَّرِ]

لَیْلَةٍ دَهْمَاءَ تَکْشِرُ عَنْ یَوْمٍ أَغَرَّ مَا کَانَ کَذَا وَ کَذَا .

قد روی تفتر عن یوم أغر و الغبر البقایا (1) و کذلک الأغبار و کشر أی بسم و أصله الکشف.

و هذا الکلام إما أن یکون قاله علی جهة التفاؤل أو أن یکون إخبارا بغیب و الأول أوجه (2)

ص :168

284 [و من کلامه ع فی أن حفظ القلیل خیر و أرجی من حفظ الکثیر]

وَ قَالَ ع قَلِیلٌ تَدُومُ عَلَیْهِ أَرْجَی مِنْ کَثِیرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ .

لا ریب أن من أراد حفظ کتاب من الکتب العلمیة فحفظ منه قلیلا قلیلا و دام علی ذلک فإن ذلک أنفع له و أرجی لفلاحه من أن یحفظ کثیرا و لا یدوم علیه لملاله إیاه و ضجره منه و التجربة تشهد بذلک.

و القول فی غیر الحفظ کالقول فی الحفظ نحو الزیارة القلیلة للصدیق و نحو العطاء الیسیر الدائم (1) الذی هو خیر من الکثیر المنقطع و نحو ذلک

ص :169

285 [و من کلامه ع فی بیان حکم صلاة النافلة و لم یصل الفریضة]

وَ قَالَ ع إِذَا أَضَرَّتِ النَّوَافِلُ بِالْفَرَائِضِ فَارْفُضُوهَا .

قد تقدم القول فی النافلة هل تصح ممن علیه فریضة لم یؤدها و ذکرنا مذاهب الفقهاء فی ذلک.

و لا ریب أن من استغرق الوقت بالنوافل حتی آن أوقات الفرائض لم یفعل الفرائض فیها و شغلها بالعبادة النفلیة فقد أخطأ و الواجب أن یرفض النافلة حیث یتضیق وقت الفریضة لا خلاف بین المسلمین فی ذلک و یصلح أن یکون هذا مثلا ظاهره ما ذکرنا و باطنه أمر آخر

ص :170

286 [و من کلامه ع فی التزود و الاستعداد لسفر الآخرة]

وَ قَالَ ع مَنْ تَذَکَّرَ بُعْدَ السَّفَرِ اسْتَعَدَّ .

هذا مثل قولهم فی المثل اللیل طویل و أنت مقمر (1) و قال أیضا عش و لا تغتر (2) .

و قال أصحاب المعانی مثل الدنیا کرکب فی فلاة وردوا ماء طیبا فمنهم من شرب من ذلک الماء شربا یسیرا ثم أفکر فی بعد المسافة التی یقصدونها و أنه لیس بعد ذلک الماء ماء آخر فتزود منه ماء أوصله إلی مقصده و منهم من شرب من ذلک الماء شرب عظیما و لها عن التزود و الاستعداد و ظن أن ما شرب کاف له و مغن عن ادخار شیء آخر فقطع به و أخلفه ظنه فعطش فی تلک الفلاة و مات.

4763

14- و قد روی عن النبی ص أنه قال لأصحابه إنما مثلی و مثلکم و مثل الدنیا کقوم سلکوا مفازة غبراء حتی إذا لم یدروا ما سلکوا منها أکثر أم ما بقی أنفدوا الزاد و حسروا الظهر و بقوا بین ظهرانی المفازة لا زاد و لا حمولة فأیقنوا بالهلکة فبینما هم کذلک خرج علیهم رجل فی حلة یقطر رأسه ماء فقالوا هذا قریب عهد بریف و ما جاءکم هذا إلا من قریب فلما انتهی إلیهم و شاهد حالهم قال أ رأیتم إن هدیتکم إلی ماء رواء و ریاض خضر ما تعملون قالوا لا نعصیک شیئا

ص :171

287 [و من کلامه ع فی الیقینیات بأنها المحسوسات أم المعقولات]

وَ قَالَ ع لَیْسَتِ الرُّؤْیَةُ کَالْمُعَایَنَةِ مَعَ الْإِبْصَارِ فَقَدْ تَکْذِبُ الْعُیُونُ أَهْلَهَا وَ لاَ یَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ .

هذا مثل قوله تعالی فَإِنَّهٰا لاٰ تَعْمَی الْأَبْصٰارُ وَ لٰکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ (1) أی لیس العمی عمی العین بل عمی القلب.

کذلک

4764

قول أمیر المؤمنین ع لیست الرؤیة مع العیون و إنما الرؤیة الحقیقیة مع العقول.

و قد ذهب أکابر الحکماء إلی أن الیقینیات هی المعقولات لا المحسوسات قالوا لأن حکم الحس فی مظنة الغلط و طال ما کذب الحس و اعتقدنا بطریقة اعتقادات باطلة کما نری الکبیر صغیرا و الصغیر کبیرا و المتحرک ساکنا و الساکن متحرکا فأما العقل فإذا کان المعقول به بدیهیا أو مستندا إلی مقدمات بدیهیة فإنه لا یقع فیه غلط أصلا

ص :173

288 [و من کلامه ع فی ذکر الدنیا و غرورها]

وَ قَالَ ع بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ الْمَوْعِظَةِ حِجَابٌ مِنَ الْغِرَّةِ .

قد تقدم ذکر الدنیا و غرورها و أنها بشهواتها و لذاتها حجاب بین العبد و بین الموعظة لأن الإنسان یغتر بالعاجلة و یتوهم دوام ما هو فیه و إذا خطر بباله الموت و الفناء وعد نفسه رحمة الله تعالی و عفوه هذا إن کان ممن یعترف بالمعاد فإن کثیرا ممن یظهر القول بالمعاد هو فی الحقیقة غیر مستیقن له و الإخلاد إلی عفو الله تعالی و الاتکال علی المغفرة مع الإقامة علی المعصیة غرور لا محالة و الحازم من عمل لما بعد الموت و لم یمن نفسه الأمانی التی لا حقیقة لها

ص :174

289 [و من کلامه ع فی أن الجاهل من الناس مزداد من جهله و مسوف من توهماته]

وَ قَالَ ع جَاهِلُکُمْ مُزْدَادٌ وَ عَالِمُکُمْ مُسَوِّفٌ .

هذا قریب مما سلف یقول إن الجاهل من الناس مزداد من جهله مصر علی خطیئته مسوف من توهماته و عقیدته الباطلة بالعفو عن ذنبه و لیس الأمر کما توهمه.

لَیْسَ بِأَمٰانِیِّکُمْ وَ لاٰ أَمٰانِیِّ أَهْلِ الْکِتٰابِ مَنْ یَعْمَلْ سُوءاً یُجْزَ بِهِ وَ لاٰ یَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَلِیًّا وَ لاٰ نَصِیراً (1)

ص :175

290 [و من کلامه ع فی قطع العلم عذر أصحاب التعلل و التمنی]

وَ قَالَ ع قَطَعَ الْعِلْمُ عُذْرَ الْمُتَعَلِّلِینَ .

هذا أیضا قریب مما تقدم یقول قطع العلم عذر الذین یعللون أنفسهم بالباطل و یقولون إن الرب کریم رحیم فلا حاجة لنا إلی إتعاب أنفسنا بالعبادة کما قال الشاعر قدمت علی الکریم بغیر زاد و هذا هو التعلیل بالباطل فإن الله تعالی و إن کان کریما رحیما عفوا غفورا إلا أنه صادق القول و قد توعد العصاة و قال وَ إِنَّ الْفُجّٰارَ لَفِی جَحِیمٍ یَصْلَوْنَهٰا یَوْمَ الدِّینِ وَ مٰا هُمْ عَنْهٰا بِغٰائِبِینَ (1) و قال لاٰ تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ مٰا یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَیَّ وَ مٰا أَنَا بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِیدِ (2) و یکفی فی رحمته و عفوه و کرمه أن یغفر للتائب أو لمن ثوابه أکثر مما یستحقه من العقاب فالقول بالوعید معلوم بأدلة السمع المتظاهرة المتناصرة التی قد أطنب أصحابنا فی تعدادها و إیضاحها و إذا کان الشیء معلوما فقد قطع العلم به عذر أصحاب التعلل و التمنی و وجب العمل بالمعلوم و رفض ما یخالفه

ص :176

291 [و من کلامه ع فی سؤال الإنظار لمن عوجل و تعلیل من أجل بالتسویف]

وَ قَالَ ع کُلُّ مُعَاجَلٍ یَسْأَلُ الْإِنْظَارَ وَ کُلُّ مُؤَجَّلٍ یَتَعَلَّلُ بِالتَّسْوِیفِ .

قال الله سبحانه حَتّٰی إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّی أَعْمَلُ صٰالِحاً فِیمٰا تَرَکْتُ کَلاّٰ إِنَّهٰا کَلِمَةٌ هُوَ قٰائِلُهٰا وَ مِنْ وَرٰائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلیٰ یَوْمِ یُبْعَثُونَ (1) فهذا هو سؤال الإنظار لمن عوجل فأما من أجل فإنه یعلل نفسه بالتسویف و یقول سوف أتوب سوف أقلع عما أنا علیه فأکثرهم یخترم (2) من غیر أن یبلغ هذا الأمل و تأتیه المنیة و هو علی أقبح حال و أسوئها و منهم من تشمله السعادة فیتوب قبل الموت و أولئک الذین ختمت أعمالهم بخاتمة الخیر و هم فی العالم کالشعرة البیضاء فی الثور الأسود

ص :177

292 [و من کلامه ع فی تقلبات الدهر و تصرفاته]

293 [و من کلامه ع فی القضاء و القدر]

[وَ قَالَ ع وَ قَدْ]

وَ سُئِلَ عَنِ الْقَدَرِ فَقَالَ طَرِیقٌ مُظْلِمٌ فَلاَ تَسْلُکُوهُ [ثُمَّ سُئِلَ ثَانِیاً فَقَالَ]

وَ بَحْرٌ عَمِیقٌ فَلاَ تَلِجُوهُ [ثُمَّ سُئِلَ ثَالِثاً فَقَالَ]

وَ سِرُّ اللَّهِ فَلاَ تَتَکَلَّفُوهُ .

قد جاء

4765

فی الخبر المرفوع القدر سر الله فی الأرض.

4766

و روی سر الله فی عباده.

و المراد نهی المستضعفین عن الخوض فی إرادة الکائنات و فی خلق أعمال العباد فإنه ربما أفضی بهم القول بالجبر لما فی ذلک من الغموض و ذلک أن العامی إذا سمع قول القائل کیف یجوز أن یقع فی عالمه ما یکرهه و کیف یجوز أن تغلب إرادة المخلوق إرادة الخالق.

و یقول أیضا إذا علم فی القدم أن زیدا یکفر فکیف لزید أن لا یکفر و هل یمکن أن یقع خلاف ما علمه الله تعالی فی القدم اشتبه علیه الأمر و صار شبهة فی نفسه و قوی فی ظنه مذهب المجبرة فنهی ع هؤلاء عن الخوض فی هذا النحو من البحث و لم ینه غیرهم من ذوی العقول الکاملة و الریاضة القویة و الملکة التامة و من له قدرة علی حل الشبه و التفصی عن المشکلات.

فإن قلت فإنکم تقولون إن العامی و المستضعف یجب علیهما النظر قلت نعم إلا أنه لا بد لهما من موقف بعد أعمالها ما ینتهی إلیه جهدهما من النظر بحیث یرشدهما إلی الصواب و النهی إنما هو لمن یستبد من ضعفاء العامة بنفسه فی النظر و لا یبحث مع غیره لیرشده

ص :181

294 [و من کلامه ع فی علامة بغض الله تعالی للعبد أن یبغض إلیه العلم]

إِذَا أَرْذَلَ اللَّهُ عَبْداً حَظَرَ عَلَیْهِ الْعِلْمَ .

أرذله جعله رذلا و کان یقال من علامة بغض الله تعالی للعبد أن یبغض إلیه العلم.

و قال الشاعر شکوت إلی وکیع سوء حفظی

و قال رجل لحکیم ما خیر الأشیاء لی قال أن تکون عالما قال فإن لم أکن قال أن تکون مثریا قال فإن لم أکن قال أن تکون شاریا قال فإن لم أکن قال فأن تکون میتا.

أخذ هذا المعنی بعض المحدثین فقال إذا فاتک العلم جد بالقری

و قال أیضا فی المعنی بعینه و لو لا الحجا و القری و القراع

ص :182

295 [و من کلامه ع فی بیان الأخ فی الله و مدح القناعة و قلة الأکل]

[نبذ من الأقوال الحکمیة فی حمد القناعة و قلة الأکل]

[و من کلامه ع فی ]

و قد مضی القول فی صغر الدنیا فی عین أهل التحقیق فأما سلطان البطن و مدح الإنسان بأنه لا یکثر من الأکل إذا وجد أکلا و لا یشتهی من الأکل ما لا یجده فقد قال الناس فیه فأکثروا.

قال أعشی باهلة یرثی المنتشر بن وهب طاوی المصیر علی العزاء منصلت

ص :184

296 [و من کلامه ع فی توعد الله تعالی علی معصیته و آثاره]

وَ قَالَ ع لَوْ لَمْ یَتَوَعَّدِ اللَّهُ [سُبْحَانَهُ]

عَلَی مَعْصِیَتِهِ لَکَانَ یَجِبُ أَلاَّ یُعْصَی شُکْراً لِنِعَمِهِ .

قالت المعتزلة إنا لو قدرنا أن الوعید السمعی لم یرد لما أخل ذلک بکون الواجب واجبا فی العقل نحو العدل و الصدق و العلم و رد الودیعة هذا فی جانب الإثبات و أما فی جانب السلب فیجب فی العقل ألا یظلم و ألا یکذب و ألا یجهل و ألا یخون الأمانة ثم اختلفوا فیما بینهم فقالت معتزلة بغداد لیس الثواب واجبا علی الله تعالی بالعقل لأن الواجبات إنما تجب علی المکلف لأن أداءها کالشکر لله تعالی و شکر المنعم واجب لأنه شکر منعم فلم یبق وجه یقتضی وجوب الثواب علی الله سبحانه و هذا قریب من قول أمیر المؤمنین ع .

و قال البصریون بل الثواب واجب علی الله تعالی عقلا کما یجب علیه العوض عن إیلام الحی لأن التکلیف إلزام بما فیه مضرة کما أن الإیلام إنزال مضرة و الإلزام کالإنزال

ص :191

297 [و من کلامه ع فی تعزیته الأشعث بابنه]

وَ قَالَ ع [ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَیْسٍ وَ قَدْ عَزَّاهُ عَنِ ابْنٍ لَهُ]

وَ قَدْ عَزَّی اَلْأَشْعَثَ بْنَ قَیْسٍ عَنِ ابْنٍ لَهُ یَا أَشْعَثُ إِنْ تَحْزَنْ عَلَی ابْنِکَ فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ [ذَلِکَ مِنْکَ]

مِنْکَ ذَلِکَ الرَّحِمُ وَ إِنْ تَصْبِرْ فَفِی اللَّهِ مِنْ کُلِّ مُصِیبَةٍ خَلَفٌ یَا أَشْعَثُ إِنْ صَبَرْتَ جَرَی عَلَیْکَ الْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْجُورٌ وَ إِنْ جَزِعْتَ جَرَی عَلَیْکَ الْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْزُورٌ یَا أَشْعَثُ ابْنُکَ سَرَّکَ وَ هُوَ بَلاَءٌ وَ فِتْنَةٌ وَ حَزَنَکَ وَ هُوَ ثَوَابٌ وَ رَحْمَةٌ .

قد روی هذا الکلام عنه ع علی وجوه مختلفة و روایات متنوعة هذا الوجه أحدها و أخذ أبو العتاهیة ألفاظه ع فقال لمن یعزیه عن ولد و لا بد من جریان القضاء إما مثابا و إما أثیما.

و من کلامهم فی التعازی إذا استأثر الله بشیء فاله عنه و تنسب هذه الکلمة إلی عمر بن عبد العزیز .

و ذکر أبو العباس فی الکامل أن عقبة بن عیاض بن تمیم أحد بنی عامر بن لؤی استشهد فعزی أباه معز فقال احتسبه و لا تجزع علیه فقد مات شهیدا فقال عیاض أ ترانی کنت أسر به و هو من زینة الحیاة الدنیا و أساء به و هو من الباقیات الصالحات.

ص :192

298 [و من کلامه ع فی وقوفه علی قبر رسول الله ص ساعة دفنه]

وَ قَالَ ع [عِنْدَ وقُوُفِهِ]

عَلَی قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص سَاعَةَ دَفْنِهِ [دُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ ص ]

إِنَّ الصَّبْرَ لَجَمِیلٌ إِلاَّ عَنْکَ وَ إِنَّ الْجَزَعَ لَقَبِیحٌ إِلاَّ عَلَیْکَ وَ إِنَّ الْمُصَابَ بِکَ لَجَلِیلٌ وَ إِنَّهُ قَبْلَکَ وَ بَعْدَکَ لَجَلَلٌ [لَقَلِیلٌ ]

.

قد أخذت هذا المعنی الشعراء فقال بعضهم أمست بجفنی للدموع کلوم و قال أبو تمام و قد کان یدعی لابس الصبر حازما فقد صار یدعی حازما حین یجزع (1) و قال أبو الطیب أجد الجفاء علی سواک مروءة و الصبر إلا فی نواک جمیلا (2) و قال أبو تمام أیضا الصبر أجمل غیر أن تلذذا فی الحب أولی أن یکون جمیلا (3) .

ص :195

299 [و من کلامه ع فی النهی عن مصاحبة المائق الأحمق]

وَ قَالَ ع لاَ تَصْحَبِ الْمَائِقَ فَإِنَّهُ یُزَیِّنُ لَکَ فِعْلَهُ وَ یَوَدُّ أَنْ تَکُونَ مِثْلَهُ .

المائق الشدید الحمق و الموق شدة الحمق و إنما یزین لک فعله لأنه یعتقد فعله صوابا بحمقه فیزینه لک کما یزین العاقل لصاحبه فعله لاعتقاد کونه صوابا و لکن هذا صواب فی نفس الأمر و ذلک صواب فی اعتقاد المائق لا فی نفس الأمر و أما کونه یود أن تکون مثله فلیس معناه أنه یود أن تکون أحمق مثله و کیف و هو لا یعلم من نفسه أنه أحمق و لو علم أنه أحمق لما کان أحمق و إنما معناه أنه لحبه لک و صحبته إیاک یود أن تکون مثله لأن کل أحد یود أن یکون صدیقه مثل نفسه فی أخلاقه و أفعاله إذ کل أحد یعتقد صواب أفعاله و طهارة أخلاقه و لا یشعر بعیب نفسه لأنه یهوی نفسه فعیب نفسه مطوی مستور عن نفسه کما تخفی عن العاشق عیوب المعشوق

ص :198

300 [و من کلامه ع فی بیان المسافة ما بین المشرق و المغرب]

[وَ قَالَ ع]

وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ مَسَافَةِ مَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ ع مَسِیرَةُ یَوْمٍ لِلشَّمْسِ .

هکذا تقول العرب بینهما مسیرة یوم بالهاء و لا یقولون مسیر یوم لأن المسیر المصدر و المسیرة الاسم.

و هذا الجواب تسمیه الحکماء جوابا إقناعیا لأن السائل أراد أن یذکر له کمیة المسافة مفصلة نحو أن یقول بینهما ألف فرسخ أو أکثر أو أقل فعدل ع عن ذلک و أجابه بغیره و هو جواب صحیح لا ریب فیه لکنه غیر شاف لغلیل السائل و تحته غرض صحیح و ذلک لأنه سأله بحضور العامة تحت المنبر فلو قال له بینهما ألف فرسخ مثلا لکان للسائل أن یطالبه بالدلالة علی ذلک و الدلالة علی ذلک یشق حصولها علی البدیهة و لو حصلت لشق علیه أن یوصلها إلی فهم السائل و لو فهمها السائل لما فهمتها العامة الحاضرون و لصار فیها قول و خلاف و کانت تکون فتنة أو شبیها بالفتنة فعدل إلی جواب صحیح إجمالی أسکت السائل به و قنع به السامعون أیضا و استحسنوه و هذا من نتائج حکمته ع

ص :199

301 [و من کلامه ع فی ذکر أنواع الأصدقاء و الأعداء]

وَ قَالَ ع أَصْدِقَاؤُکَ ثَلاَثَةٌ وَ أَعْدَاؤُکَ ثَلاَثَةٌ فَأَصْدِقَاؤُکَ صَدِیقُکَ وَ صَدِیقُ صَدِیقِکَ وَ عَدُوُّ عَدُوِّکَ وَ أَعْدَاؤُکَ عَدُوُّکَ وَ عَدُوُّ صَدِیقِکَ وَ صَدِیقُ عَدُوِّکَ .

قد تقدم القول فی هذا المعنی و الأصل فی هذا أن صدیقک جار مجری نفسک فاحکم علیه بما تحکم به علی نفسک و عدوک ضدک فاحکم علیه بما تحکم به علی الضد فکما أن من عاداک عدو لک و کذلک من عادی صدیقک عدو لک و کذلک من صادق صدیقک فکأنما صادق نفسک فکان صدیقا لک أیضا و أما عدو عدوک فضد ضدک و ضد ضدک ملائم لک لأنک أنت ضد لذلک الضد فقد اشترکتما فی ضدیه ذلک الشخص فکنتما متناسبین و أما من صادق عدوک فقد ماثل ضدک فکان ضدا لک أیضا و مثل ذلک بیاض مخصوص یعادی سوادا مخصوصا و یضاده.

و هناک بیاض ثان هو مثل البیاض الأول و صدیقه و هناک بیاض ثالث مثل البیاض الثانی فیکون أیضا مثل البیاض الأول و صدیقه و هناک بیاض

ص :200

302 [و من کلامه ع فی الساعی خلف عدو له]

وَ قَالَ ع لِرَجُلٍ رَآهُ یَسْعَی عَلَی عَدُوٍّ لَهُ بِمَا فِیهِ إِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ إِنَّمَا أَنْتَ کَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِیَقْتُلَ رِدْفَهُ .

هذا یختلف باختلاف حال الساعی فإنه إن کان یضر نفسه أولا ثم یضر عدوه تبعا لإضراره بنفسه کان کما قال أمیر المؤمنین ع کالطاعن نفسه لیقتل ردفه و الردف الرجل الذی ترتدفه خلفک علی فرس أو ناقة أو غیرهما و فاعل ذلک یکون أسفه الخلق و أقلهم عقلا لأنه یبدأ بقتل نفسه و إن کان یضر عدوه أولا یحصل فی ضمن إضراره بعدوه إضراره بنفسه فلیس یکون مثال أمیر المؤمنین ع منطبقا علی ذلک و لکن یکون کقولی فی غزل من قصیدة لی إن ترم قلبی تصم نفسک إنه لک موطن تأوی إلیه و منزل (1)

ص :202

303 [و من کلامه ع فی العبر و الاعتبار]

وَ قَالَ ع مَا أَکْثَرَ الْعِبَرَ وَ أَقَلَّ الاِعْتِبَارَ .

ما أوجز هذه الکلمة و ما أعظم فائدتها و لا ریب أن العبر کثیرة جدا بل کل شیء فی الوجود ففیه عبرة و لا ریب أن المعتبرین بها قلیلون و أن الناس قد غلب علیهم الجهل و الهوی و أرداهم حب الدنیا و أسکرهم خمرها و إن الیقین فی الأصل ضعیف عندهم و لو لا ضعفه لکانت أحوالهم غیر هذه الأحوال

ص :203

304 [و من کلامه ع فی النهی عن الجدل و الخصومة]

وَ قَالَ ع مَنْ بَالَغَ فِی الْخُصُومَةِ أَثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ فِیهَا ظَلَمَ وَ لاَ یَسْتَطِیعُ أَنْ یَتَّقِیَ اللَّهَ مَنْ خَاصَمَ .

هذا مثل

4786

قوله ع

فی موضع آخر الغالب بالشر مغلوب.

و کان یقال ما تساب اثنان إلا غلب ألأمهما.

و قد نهی العلماء عن الجدل و الخصومة فی الکلام و الفقه و قالوا إنهما مظنة المباهاة و طلب الرئاسة و الغلبة و المجادل یکره أن یقهره خصمه فلا یستطیع أن یتقی الله و هذا هو کلام أمیر المؤمنین ع بعینه.

و أما الخصومة فی غیر العلم کمنازعة الناس بعضهم بعضا فی أمورهم الدنیاویة فقد جاء فی ذمها و النهی عنها شیء کثیر و قد ذکرنا منه فیما تقدم قولا کافیا علی أن منهم من مدح الجهل و الشر فی موضعهما.

و قال الأحنف ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا.

و قال بعض الحکماء لا یخرجن أحد من بیته إلا و قد أخذ فی حجزته قیراطین من جهل فإن الجاهل لا یدفعه إلا الجهل و قالوا الجاهل من لا جاهل له.

و قال الشاعر إذا کنت بین الجهل و الحلم قاعدا

ص :204

305 [و من کلامه ع فی فتح باب التوبة و التطریق إلی طریقها و التعلیم للنهضة بها]

وَ قَالَ ع مَا أَهَمَّنِی [أَمْرٌ]

ذَنْبٌ أُمْهِلْتُ بَعْدَهُ حَتَّی أُصَلِّیَ رَکْعَتَیْنِ وَ أَسْأَلَ اللَّهَ الْعَافِیَةَ .

هذا فتح لباب التوبة و تطریق إلی طریقها و تعلیم للنهضة إلیها و الاهتمام بها و معنی الکلام أن الذنب الذی لا یعاجل الإنسان عقیبه بالموت ینبغی للإنسان ألا یهتم به أی لا ینقطع رجاؤه عن العفو و تأمیله الغفران و ذلک بأن یقوم إلی الصلاة عاجلا و یستغفر الله و یندم و یعزم علی ترک المعاودة و یسأل الله العافیة من الذنوب و العصمة من المعاصی و العون علی الطاعة فإنه إذا فعل ذلک بنیة صحیحة و استوفی شرائط التوبة سقط عنه عقاب ذلک الذنب.

و فی هذا الکلام تحذیر عظیم من مواقعة الذنوب لأنه إذا کان هذا هو محصول الکلام فکأنه قد قال الحذر الحذر من الموت المفاجئ قبل التوبة و لا ریب أن الإنسان لیس علی ثقة من الموت المفاجئ قبل التوبة إنه لا یفاجئه و لا یأخذه بغتة فالإنسان إذا کان عاقلا بصیرا یتوقی الذنوب و المعاصی التوقی

ص :205

306 [و من کلامه ع فی کیفیة حساب الله الخلائق یوم القیامة علی کثرتهم]

وَ سُئِلَ ع کَیْفَ یُحَاسِبُ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَی کَثْرَتِهِمْ فَقَالَ ع کَمَا یَرْزُقُهُمْ عَلَی کَثْرَتِهِمْ فَقِیلَ کَیْفَ یُحَاسِبُهُمْ وَ لاَ یَرَوْنَهُ فَقَالَ ع کَمَا یَرْزُقُهُمْ وَ لاَ یَرَوْنَهُ .

هذا جواب صحیح لأنه تعالی لا یرزقهم علی الترتیب أعنی واحدا بعد واحد و إنما یرزقهم جمیعهم دفعة واحدة و کذلک تکون محاسبتهم یوم القیامة .

و الجواب الثانی صحیح أیضا لأنه إذا صح أن یرزقنا و لا نری الرازق صح أن یحاسبنا و لا نری المحاسب.

فإن قلت فقد ورد أنهم یمکثون فی الحساب ألف سنة و قیل أکثر من ذلک فکیف یجمع بین ما ورد فی الخبر و بین قولکم إن حسابهم یکون ضربة واحدة و لا ریب أن الأخبار تدل علی أن الحساب یکون لواحد بعد واحد.

قلت إن أخبار الآحاد لا یعمل علیها لا سیما الأخبار الواردة فی حدیث الحساب و النار و الجنة فإن المحدثین طعنوا فی أکثرها و قالوا إنها موضوعة و جملة الأمر أنه لیس هناک تکلیف فیقال إن ترتیب المحاسبة فی زمان طویل جدا یتضمن لطفا فی التکلیف فیفعله الباری تعالی لذلک و إنما الغرض من المحاسبة صدق الوعد و ما سبق من القول و الکتاب العزیز لم ینطق إلا بالمحاسبة مجملة فوجب القول بالمتیقن المعلوم فیها و رفض ما لم یثبت

ص :206

307 [و من کلامه ع فی أن الرسول ترجمان العقل]

وَ قَالَ ع رَسُولُکَ تَرْجُمَانُ عَقْلِکَ وَ کِتَابُکَ أَبْلَغُ مَا یَنْطِقُ عَنْکَ .

قالوا فی المثل الرسول علی قدر المرسل و قیل أیضا رسولک أنت إلا أنه إنسان آخر و قال الشاعر تخیر إذا ما کنت فی الأمر مرسلا

ص :207

308 [و من کلامه ع فی الترغیب بالدعاء]

وَ قَالَ ع مَا الْمُبْتَلَی الَّذِی قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَلاَءُ بِأَحْوَجَ إِلَی الدُّعَاءِ [مِنَ الْمُعَافَی]

الَّذِی لاَ یَأْمَنُ الْبَلاَءَ .

هذا ترغیب فی الدعاء و الذی قاله ع حق لأن المعافی فی الصورة مبتلی فی المعنی و ما دام الإنسان فی قید هذه الحیاة الدنیا فهو من أهل البلاء علی الحقیقة ثم لا یأمن البلاء الحسی فوجب أن یتضرع إلی الله تعالی أنه ینقذه من بلاء الدنیا المعنوی و من بلائها الحسی فی کل حال و لا ریب أن الأدعیة مؤثرة و أن لها أوقات إجابة و لم یختلف الملیون (1) و الحکماء فی ذلک

ص :208

309 [و من کلامه ع فی شباهة الناس بزمانهم]

وَ قَالَ ع النَّاسُ أَبْنَاءُ الدُّنْیَا وَ لاَ یُلاَمُ الرَّجُلُ عَلَی حُبِّ أُمِّهِ .

قد

4787

قال ع

فی موضع آخر الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم.

و قال الشاعر و نحن بنی الدنیا غذینا بدرها و ما کنت منه فهو شیء محبب (1)

ص :209

310 [و من کلامه ع فی الحض علی الصدقة]

وَ قَالَ ع إِنَّ الْمِسْکِینَ رَسُولُ اللَّهِ فَمَنْ مَنَعَهُ فَقَدْ مَنَعَ اللَّهَ وَ مَنْ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَعْطَی اللَّهَ .

هذا حض علی الصدقة و قد تقدم لنا قول مقنع فیها.

4788

و فی الحدیث المرفوع اتقوا النار و لو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبکلمة طیبة.

4789

و قال ص لو صدق السائل لما أفلح من رده.

4790

و قال أیضا من رد سائلا خائبا لم تغش الملائکة ذلک البیت سبعة أیام.

و کان ص لا یکل خصلتین إلی غیره کان یصنع طهوره (1) باللیل و یخمره و کان یناول المسکین بیده.

و قال بعض الصالحین من لم تکن نفسه إلی ثواب الصدقة أحوج من الفقیر إلی صدقته فقد أبطل صدقته و ضرب بها وجهه.

و قال بعضهم الصلاة تبلغک نصف الطریق و الصوم یبلغک باب الملک و الصدقة تدخلک علیه

ص :210

311 [و من کلامه ع فی أن الزانی لا غیرة له]

وَ قَالَ ع مَا زَنَی غَیُورٌ قَطُّ .

4791

قد جاء فی الأثر من زنی زنی به و لو فی عقب عقبه.

و هذا قد جرب فوجد حقا و قل من تری مقداما علی الزنا إلا و القول فی حرمه و أهله و ذوی محارمه کثیر فاش.

و الکلمة التی قالها ع حق لأن من اعتاد الزنا حتی صار دربته و عادته و ألفته نفسه لا بد أن یهون علیه حتی یظنه مباحا أو کالمباح لأن من تدرب بشیء و مرن علیه زال قبحه من نفسه و إذا زال قبح الزنا من نفسه لم یعظم علیه ما یقال فی أهله و إذا لم یعظم علیه ما یقال فی أهله فقد سقطت غیرته

ص :211

312 [و من کلامه ع فی الأجل و کونه حارسا]

وَ قَالَ ع کَفَی بِالْأَجَلِ حَارِساً .

قد تقدم القول فی هذا المعنی

4792

و کان ع یقول إن علی من الله جنة (1) حصینة فإذا جاء یومی أسلمتنی فحینئذ لا یطیش السهم و لا یبرأ الکلم.

و القول فی الأجل و کونه حارسا شعبة من شعب القول فی القضاء و القدر و له موضع هو أملک به (2)

ص :212

313 [و من کلامه ع فی المال وأنه عدل النفس]

وَ قَالَ ع یَنَامُ الرَّجُلُ عَلَی الثُّکْلِ وَ لاَ یَنَامُ عَلَی الْحَرَبِ.

[قال السید و معنی ذلک أنه یصبر علی قتل الأولاد و لا یصبر علی سلب الأموال ]

کان یقال المال عدل النفس.

4793

و فی الأثر أن من قتل من دون ماله فهو شهید.

و قال الشاعر لنا إبل غر یضیق فضاؤها

ص :213

314 [و من کلامه ع فی أن القربی محتاجة إلی المودة و المودة مستغنیة عن القربی]

وَ قَالَ ع مَوَدَّةُ الآْبَاءِ قَرَابَةٌ بَیْنَ الْأَبْنَاءِ وَ الْقَرَابَةُ إِلَی الْمَوَدَّةِ أَحْوَجُ [إِلَی الْمَوَدَّةِ]

مِنَ الْمَوَدَّةِ إِلَی الْقَرَابَةِ .

کان یقال الحب یتوارث و البغض یتوارث و قال الشاعر أبقی الضغائن آباء لنا سلفوا فلن تبید و للآباء أبناء و لا خیر فی القرابة من دون مودة و قد قال القائل لما قیل له أیما أحب إلیک أخوک أم صدیقک فقال إنما أحب أخی إذا کان صدیقا فالقربی محتاجة إلی المودة و المودة مستغنیة عن القربی (1)

ص :214

315 [و من کلامه ع فی اتقاء ظنون المؤمنین]

وَ قَالَ ع اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی جَعَلَ الْحَقَّ عَلَی أَلْسِنَتِهِمْ .

کان یقال ظن المؤمن کهانة و هو أثر جاء عن بعض السلف قال أوس بن حجر (1) الألمعی الذی یظن (2) بک الظن کأن قد رأی و قد سمعا (3) و قال أبو الطیب (4) ذکی تظنیه طلیعة عینه یری قلبه فی یومه ما یری غدا (5)

ص :215

316 [و من کلامه ع فی التوکل]

وَ قَالَ ع لاَ یَصْدُقُ إِیمَانُ عَبْدٍ حَتَّی یَکُونَ بِمَا فِی یَدِ اللَّهِ [سُبْحَانَهُ]

أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِی یَدِهِ .

هذا کلام فی التوکل و قد سبق القول فیه و قال بعض العلماء لا یشغلک المضمون لک من الرزق عن المفروض علیک من العمل فتضیع أمر آخرتک و لا تنال من الدنیا إلا ما کتب الله لک.

و قال یحیی بن معاذ فی جود (1) العبد الرزق عن غیر طلب دلالة علی أن الرزق مأمور بطلب العبد.

و قال بعضهم متی رضیت بالله وکیلا وجدت إلی کل خیر سبیلا (2)

ص :216

317 [و من کلامه ع فی التذکیر بحدیث الغدیر]

وَ قَالَ ع لِأَنَسِ بْنِ مَالِکٍ وَ قَدْ کَانَ بَعَثَهُ إِلَی طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ لَمَّا جَاءَ إِلَی اَلْبَصْرَةِ یُذَکِّرُهُمَا شَیْئاً مِمَّا [قَدْ]

سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی مَعْنَاهُمَا فَلَوَی عَنْ ذَلِکَ فَرَجَعَ إِلَیْهِ فَقَالَ إِنِّی أُنْسِیتُ ذَلِکَ الْأَمْرَ فَقَالَ ع إِنْ کُنْتَ کَاذِباً فَضَرَبَکَ اللَّهُ بِهَا بَیْضَاءَ لاَمِعَةً لاَ تُوَارِیهَا الْعِمَامَةُ.

[قال یعنی البرص فأصاب أنسا هذا الداء فیما بعد فی وجهه فکان لا یری إلا متبرقعا ]

المشهور

4794

1,14- أن علیا ع ناشد الناس الله فی الرحبة بالکوفة فقال أنشدکم الله رجلا سمع رسول الله ص یقول لی و هو منصرف من حجة الوداع من کنت مولاه فعلی مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فقام رجال فشهدوا بذلک فقال ع لأنس بن مالک لقد حضرتها فما بالک فقال یا أمیر المؤمنین کبرت سنی و صار ما أنساه أکثر مما أذکره فقال له إن کنت کاذبا فضربک الله بها بیضاء لا تواریها العمامة فما مات حتی أصابه البرص

.

فأما ما ذکره الرضی من أنه بعث أنسا إلی طلحة و الزبیر فغیر معروف و لو کان قد بعثه لیذکرهما بکلام یختص بهما من رسول الله ص لما أمکنه أن

ص :217

318 [و من کلامه ع فی إقبال القلوب و إدبارها]

وَ قَالَ ع إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالاً وَ إِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَی النَّوَافِلِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَی الْفَرَائِضِ .

لا ریب أن القلوب تمل کما تمل الأبدان و تقبل تارة علی العلم و علی العمل و تدبر تارة عنهما.

قال علی ع فإذا رأیتموها مقبلة أی قد نشطت و ارتاحت للعمل فاحملوها علی النوافل لیس یعنی اقتصروا بها علی النافلة بل أدوا الفریضة و تنفلوا بعد ذلک و إذا رأیتموها قد ملت العمل و سئمت فاقتصروا بها علی الفرائض فإنه لا انتفاع بعمل لا یحضر القلب فیه (1)

ص :219

319 [و من کلامه ع فی القرآن و ما فیه من أخبار الأزمنة کلها]

وَ قَالَ ع فِی اَلْقُرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَکُمْ وَ خَبَرُ مَا بَعْدَکُمْ وَ حُکْمُ مَا بَیْنَکُمْ .

هذا حق لأن فیه أخبار القرون الماضیة و فیه أخبار کثیرة عن أمور مستقبلة و فیه أخبار کثیرة شرعیة فالأقسام الثلاثة کلها موجودة فیه

ص :220

320 [و من کلامه ع فی دفع الشر بالشر]

وَ قَالَ ع رُدُّوا الْحَجَرَ مِنْ حَیْثُ جَاءَ فَإِنَّ الشَّرَّ لاَ یَدْفَعُهُ إِلاَّ الشَّرُّ .

هذا مثل قولهم فی المثل إن الحدید بالحدید یفلح و قال عمرو بن کلثوم ألا لا یجهلن أحد علینا فنجهل فوق جهل الجاهلینا (1) و قال الفند الزمانی فلما صرح الشر و قال الأحنف و ذی ضعن أمت القول عنه

ص :221

321 [و من کلامه ع فی کیفیة الکتابة و الخط]

وَ قَالَ ع لِکَاتِبِهِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَافِعٍ أَلِقْ دَوَاتَکَ وَ أَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِکَ وَ فَرِّجْ بَیْنَ السُّطُورِ وَ قَرْمِطْ بَیْنَ الْحُرُوفِ فَإِنَّ ذَلِکَ أَجْدَرُ بِصَبَاحَةِ الْخَطِّ .

لاق الحبر بالکاغد یلیق أی التصق و لقته أنا یتعدی و لا یتعدی و هذه دواة ملیقة أی قد أصلح مدادها و جاء ألق الدواة إلاقة فهی ملیقة و هی لغة قلیلة و علیها وردت کلمة أمیر المؤمنین ع .

و یقال للمرأة إذا لم تحظ عند زوجها ما عاقت عند زوجها و لا لاقت أی ما التصقت بقلبه.

و تقول هی جلفة القلم بالکسر و أصل الجلف القشر جلفت الطین من رأس الدن و الجلفة هیئة فتحة القلم التی یستمد بها المداد کما تقول هو حسن الرکبة و الجلسة و نحو ذلک من الهیئات.

و تقول قد قرمط فلان خطوه إذا مشی مشیا فیه ضیق و تقارب و کذلک القول فی تضییق الحروف.

فأما التفریج بین السطور فیکسب الخط بهاء و وضوحا

ص :223

322 [و من کلامه ع فی بیان معنی یعسوب الدین]

وَ قَالَ ع أَنَا یَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمَالُ یَعْسُوبُ الْفُجَّارِ.

[قال معنی ذلک أن المؤمنین یتبعوننی و الفجار یتبعون المال کما تتبع النحل یعسوبها و هو رئیسها ]

هذه کلمة قالها رسول الله ص بلفظین مختلفین تارة أنت یعسوب الدین و تارة أنت یعسوب المؤمنین و الکل راجع إلی معنی واحد کأنه جعله رئیس المؤمنین و سیدهم أو جعل الدین یتبعه و یقفو أثره حیث سلک کما یتبع النحل الیعسوب و هذا نحو

4795

قوله و أدر الحق معه کیف دار.

ص :224

323 [و من کلامه ع فی اختلاف المسلمین بعد وفاة الرسول ص فی الإمامة و المیراث و الزکاة دون التوحید و النبوة کما فعل الیهود]

وَ قَالَ لَهُ بَعْضُ اَلْیَهُودِ [لِبَعْضِ اَلْیَهُودِ حِینَ قَالَ لَهُ]

مَا دَفَنْتُمْ نَبِیَّکُمْ حَتَّی اخْتَلَفْتُمْ فِیهِ فَقَالَ ع لَهُ إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لاَ فِیهِ وَ لَکِنَّکُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُکُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّی قُلْتُمْ لِنَبِیِّکُمْ اِجْعَلْ لَنٰا إِلٰهاً کَمٰا لَهُمْ آلِهَةٌ قٰالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (1) .

ما أحسن قوله اختلفنا عنه لا فیه و ذلک لأن الاختلاف لم یکن فی التوحید و النبوة بل فی فروع خارجة عن ذلک نحو الإمامة و المیراث و الخلاف فی الزکاة هل هی واجبة أم لا و الیهود لم یختلفوا کذلک بل فی التوحید الذی هو الأصل.

قال المفسرون مروا علی قوم یعبدون أصناما لهم علی هیئة البقر فسألوا موسی أن یجعل لهم إلها کواحد منها بعد مشاهدتهم الآیات و الأعلام و خلاصهم من رق العبودیة و عبورهم البحر و مشاهدة غرق فرعون و هذه غایة الجهل و قد روی حدیث الیهودی علی وجه آخر

4796

1- قیل قال یهودی لعلی ع اختلفتم بعد نبیکم و لم یجف ماؤه یعنی غسله ص فقال ع و أنتم قلتم اِجْعَلْ لَنٰا إِلٰهاً کَمٰا لَهُمْ آلِهَةٌ و لما یجف ماؤکم .

ص :225

324 [و من کلامه ع فی بیان شجاعته]

وَ قِیلَ لَهُ ع بِأَیِّ شَیْءٍ غَلَبْتَ الْأَقْرَانَ فَقَالَ ع [قَالَ]

مَا لَقِیتُ رَجُلاً [أَحَداً]

إِلاَّ أَعَانَنِی عَلَی نَفْسِهِ.

[قال الرضی رحمه الله تعالی یومئ بذلک إلی تمکن هیبته فی القلوب ]

قالت الحکماء الوهم مؤثر و هذا حق لأن المریض إذا تقرر فی وهمه أن مرضه قاتل له ربما هلک بالوهم و کذلک من تلسبه الحیة (1) و یقع فی خیاله أنها قاتلته فإنه لا یکاد یسلم منها و قد ضربوا لذلک مثالا الماشی علی جذع معترض علی مهواة فإن وهمه و تخیله السقوط یقتضی سقوطه و إلا فمشیه علیه و هو منصوب علی المهواة کمشیه علیه و هو ملقی علی الأرض لا فرق بینهما إلا الوهم و الخوف و الإشفاق و الحذر فکذلک الذین بارزوا علیا ع من الأقران لما کان قد طار صیته و اجتمعت الکلمة أنه ما بارزه أحد إلا کان المقتول غلب الوهم علیهم فقصرت أنفسهم عن مقاومته و انخذلت أیدیهم و جوارحهم عن مناهضته و کان هو فی الغایة القصوی من الشجاعة و الإقدام فیقتحم علیهم و یقتلهم

ص :226

325 [و من کلامه ع فی الفقر و الغنی]

326 [و من کلامه ع فی النهی عن کثرة السؤال علی طریق التعنت]

وَ قَالَ ع لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ مُعْضِلَةٍ [مَسْأَلَةٍ]

سَلْ تَفَقُّهاً وَ لاَ تَسْأَلْ تَعَنُّتاً فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِیهٌ بِالْعَالِمِ وَ إِنَّ الْعَالِمَ اَلْمُتَعَسِّفَ [اَلْمُتَعَنِّتَ]

شَبِیهٌ بِالْجَاهِلِ اَلْمُتَعَنِّتِ .

قد ورد نهی کثیر عن السؤال علی طریق الإعنات.

4801

و قال أمیر المؤمنین ع فی کلام له من حق العالم ألا تکثر علیه بالسؤال و لا تعنته فی الجواب و لا تضع له غامضات المسائل و لا تلح علیه إذا کسل و لا تأخذ بثوبه إذا نهض و لا تفش له سرا و لا تغتابن عنده أحدا و لا تنقلن إلیه حدیثا و لا تطلبن عثرته و إن زل قبلت معذرته و علیک أن توقره و تعظمه لله ما دام حافظا أمر الله و لا تجلس أمامه و إذا کانت له حاجة فاسبق أصحابک إلی خدمته.

و قال ابن سیرین لسائل سأله سل أخاک إبلیس إنک لن تسأل و أنت طالب رشد.

و قالوا اللهم إنا نعوذ بک أن تعنت کما نعوذ بک أن نعنت و نستکفیک أن تفضح کما نستکفیک أن نفضح .

و قالوا إذا آنس المعلم من التلمیذ سؤال التعنت حرم علیه تعلیمه

ص :232

327 [و من کلامه ع فی أن الإمام أفضل من الرعیة رأیا و تدبیرا و أعرف بالمصلحة]

وَ قَالَ ع لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ [ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ ]

وَ قَدْ أَشَارَ إِلَیْهِ فِی شَیْءٍ لَمْ یُوَافِقْ رَأْیَهُ لَکَ أَنْ تُشِیرَ عَلَیَّ وَ أَرَی فَإِنْ [فَإِذَا]

عَصَیْتُکَ فَأَطِعْنِی .

الإمام أفضل من الرعیة رأیا و تدبیرا فالواجب علی من یشیر علیه بأمر فلا یقبل أن یطیع و یسلم و یعلم أن الإمام قد عرف من المصلحة ما لم یعرف.

و لقد أحسن الصابی فی قوله فی بعض رسائله و لو لا فضل الرعاة علی الرعایا فی بعد مطرح النظرة و استشفاف عیب العاقبة لتساوت الأقدام و تقاربت الأفهام و استغنی المأموم عن الإمام

ص :233

328 [و من کلامه ع فی مروره بالشبامیین و قد سمع بکاء نسائهم علی قتلی صفین]

وَ رُوِیَ:أَنَّهُ ع لَمَّا وَرَدَ اَلْکُوفَةَ قَادِماً مِنْ صِفِّینَ مَرَّ بِالشِّبَامِیِّینَ فَسَمِعَ بُکَاءَ النِّسَاءِ عَلَی قَتْلَی صِفِّینَ وَ خَرَجَ إِلَیْهِ حَرْبُ بْنُ شُرَحْبِیلَ الشِّبَامِیِّ وَ کَانَ مِنْ وُجُوهِ قَوْمِهِ فَقَالَ ع لَهُ أَ تَغْلِبُکُمْ [یَغْلِبُکُمْ]

نِسَاؤُکُمْ عَلَی مَا أَسْمَعُ أَ لاَ تَنْهَوْنَهُنَّ عَنْ هَذَا الرَّنِینِ وَ أَقْبَلَ حَرْبٌ یَمْشِی مَعَهُ وَ هُوَ ع رَاکِبٌ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَإِنَّ مَشْیَ مِثْلِکَ مَعَ مِثْلِی فِتْنَةٌ لِلْوَالِی وَ مَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ .

قد ذکرنا نسب الشبامیین فیما اقتصصناه من أخبار صفین فی أول الکتاب.

و الرنین الصوت و إنما جعله فتنة للوالی لما یتداخله من العجب بنفسه و الزهو و لا ریب أیضا فی أنه مذلة للمؤمن فإن الرجل الماشی إلی رکاب الفارس أذل الناس

ص :234

329 [و من کلامه ع فی مروره بقتلی النهروان]

وَ قَالَ ع وَ قَدْ مَرَّ بِقَتْلَی اَلْخَوَارِجِ یَوْمَ النَّهْرَوَانِ بُؤْساً لَکُمْ لَقَدْ ضَرَّکُمْ مَنْ غَرَّکُمْ فَقِیلَ لَهُ مَنْ غَرَّهُمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ اَلشَّیْطَانُ الْمُضِلُّ وَ اَلْأَنْفُسُ [اَلنَّفْسُ]

الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِیِّ وَ فَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِی [فِی الْمَعَاصِی]

وَ وَعَدَتْهُمُ الْإِظْهَارَ فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ .

یقال بؤسی لزید و بؤسا بالتنوین لزید فبؤسی نظیره نعمی و بؤسا نظیره نعمة ینتصب علی المصدر.

و هذا الکلام رد علی المجبرة و تصریح بأن النفس الأمارة بالسوء هی الفاعلة .

و الإظهار مصدر أظهرته علی زید أی جعلته ظاهرا علیه غالبا له أی وعدتهم الانتصار و الظفر

ص :235

330 [و من کلامه ع فی اتقاء الله عن فعل المعاصی فی الخلوات]

وَ قَالَ ع اتَّقُوا مَعَاصِیَ اللَّهِ فِی الْخَلَوَاتِ فَإِنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْحَاکِمُ .

إذا کان الشاهد هو الحاکم استغنی عمن یشهد عنده فالإنسان إذن جدیر أن یتقی الله حق تقاته لأنه تعالی الحاکم فیه و هو الشاهد علیه (1)

ص :236

331 [و من کلامه ع فی ما بلغه من خبر مقتل محمد بن أبی بکر]

وَ قَالَ ع لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ [ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ ]

إِنَّ حُزْنَنَا عَلَیْهِ عَلَی قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِهِ إِلاَّ أَنَّهُمْ نَقَصُوا [نُقِصُوا]

بَغِیضاً وَ نَقَصْنَا [نُقِصْنَا]

حَبِیباً .

قد تقدم ذکر مقتل محمد بن أبی بکر رضی الله عنه و قال ع إن حزننا به فی العظم علی قدر فرحهم به و لکن وقع التفاوت بیننا و بینهم من وجه آخر و هو أنا نقصنا حبیبا إلینا و أما هم فنقصوا بغیضا إلیهم.

فإن قلت کیف نقصوا و معلوم أن أهل الشام ما نقصوا بقتل محمد شیئا لأنه لیس فی عددهم.

قلت لما کان أهل الشام یعدون فی کل وقت أعداءهم و بغضاءهم من أهل العراق و صار ذلک العدد معلوما عندهم محصور الکمیة نقصوا بقتل محمد من ذلک العدد واحدا فإن النقص لیس من عدد أصحابهم بل من عدد أعدائهم الذین کانوا یتربصون بهم الدوائر و یتمنون لهم الخطوب و الأحداث کأنه یقول استراحوا من واحد من جملة جماعة کانوا ینتظرون موتهم

ص :237

332 [و من کلامه ع فی ما أعذر الله تعالی فیه من العمر]

وَ قَالَ ع:اَلْعُمُرُ الَّذِی أَعْذَرَ اللَّهُ فِیهِ إِلَی ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً .

أعذر الله فیه أی سوغ لابن آدم أن یعتذر یعنی أن ما قبل الستین هی أیام الصبا و الشبیبة و الکهولة و قد یمکن أن یعذر الإنسان فیه علی اتباع هوی النفس لغلبة الشهوة و شرة الحداثة فإذا تجاوز الستین دخل فی سن الشیخوخة و ذهبت عنه غلواء شرته فلا عذر له فی الجهل.

و قد قالت الشعراء نحو هذا المعنی فی دون هذه السن التی عینها ع.

و قال بعضهم إذا ما المرء قصر ثم مرت

ص :238

333 [و من کلامه ع فی خسارة من غالب بالشر و لحق به الإثم]

وَ قَالَ ع مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الْإِثْمُ بِهِ وَ الْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ .

قد قال ع نحو هذا و ذکرناه فی هذا الکتاب

4802

من قصر فی الخصومة ظلم و من بالغ فیها أثم.

ص :239

334 [و من کلامه ع فی الصدقة و فضلها و ما جاء فیها]

وَ قَالَ ع إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِی أَمْوَالِ الْأَغْنِیَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِیرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِیٌّ وَ اللَّهُ تَعَالَی جَدُّهُ سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِکَ .

قد تقدم القول فی الصدقة و فضلها و ما جاء فیها و قد ورد

4803

14- فی الأخبار الصحیحة أن أبا ذر قال انتهیت إلی رسول الله ص و هو جالس فی ظل الکعبة فلما رآنی قال هم الأخسرون و رب الکعبة فقلت من هم قال هم الأکثرون أموالا إلا من قال هکذا و هکذا من بین یدیه و من خلفه و عن یمینه و عن شماله و قلیل ما هم ما من صاحب إبل و لا بقر و لا غنم لا یؤدی زکاتها إلا جاءت یوم القیامة أعظم ما کانت و أسمنه تنطحه بقرونها و تطأه بأظلافها کلما نفدت أخراها عادت علیه أولاها حتی یقضی الله بین الناس..

.

ص :240

335 [و من کلامه ع فی عدم القیام بفعل یوجب بعده الاعتذار و إن کان صادقا]

وَ قَالَ ع الاِسْتِغْنَاءُ عَنِ الْعُذْرِ أَعَزُّ مِنَ الصِّدْقِ بِهِ .

روی خیر من الصدق و المعنی لا تفعل شیئا تعتذر عنه و إن کنت صادقا فی العذر فألا تفعل خیر لک و أعز لک من أن تفعل ثم تعتذر و إن کنت صادقا.

و من حکم ابن المعتز لا یقوم عز الغضب بذل الاعتذار.

و کان یقال إیاک أن تقوم فی مقام معذرة فرب عذر أسجل بذنب صاحبه.

اعتذر رجل إلی یحیی بن خالد فقال له ذنبک یستغیث من عذرک.

و من کلامهم ما رأیت عذرا أشبه بذنب من هذا.

و من کلامهم أضربه علی ذنبه مائة و أضربه علی عذره مائتین.

قال شاعرهم إذا کان وجه العذر لیس بواضح فإن اطراح العذر خیر من العذر.

کان النخعی یکره أن یعتذر إلیه و یقول اسکت معذورا فإن المعاذیر یحضرها الکذب

ص :241

336 [و من کلامه ع فی عدم استعمال نعم الله تعالی فی معصیته]

وَ قَالَ ع أَقَلُّ مَا یَلْزَمُکُمْ لِلَّهِ [سُبْحَانَهُ]

أَلاَّ تَسْتَعِینُوا بِنِعَمِهِ عَلَی مَعَاصِیهِ .

لا شبهة أن من القبیح الفاحش أن ینعم الملک علی بعض رعیته بمال و عبید و سلاح فیجعل ذلک المال مادة لعصیانه و الخروج علیه ثم یحاربه بأولئک العبید و بذلک السلاح بعینه.

و ما أحسن ما قال الصابی فی رسالته إلی سبکتکین من عز الدولة بختیار و لیت شعری بأی قدم تواقفنا و رایاتنا خافقة علی رأسک و ممالیکنا عن یمینک و شمالک و خیلنا موسومة بأسمائنا تحتک و ثیابنا محوکة فی طرازنا علی جسدک و سلاحنا المشحوذ لأعدائنا فی یدک

ص :242

337 [و من کلامه ع فی جعل طاعته غنیمة الأکیاس إن فرط فیها العجزة المخذلون من الناس]

وَ قَالَ ع إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الطَّاعَةَ غَنِیمَةَ الْأَکْیَاسِ عِنْدَ تَفْرِیطِ الْعَجَزَةِ .

الأکیاس العقلاء أولو الألباب قال ع جعل الله طاعته غنیمة هؤلاء إذا فرط فیها العجزة المخذلون من الناس کصید استذف (1) لرجلین أحدهما جلد و الآخر عاجز فقعد عنه العاجز لعجزه و حرمانه و اقتنصه الجلد لشهامته و قوة جده (2)

ص :243

338 [و من کلامه ع فی أن السلطان وزعة للناس]

وَ قَالَ ع السُّلْطَانُ وَزَعَةُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ .

الوازع عن الشیء الکاف عنه و المانع منه و الجمع وزعة مثل قاتل و قتلة و قد قیل هذا المعنی کثیرا قالوا لا بد للناس من وزعة.

و قیل ما یزع الله عن الدین بالسلطان أکثر مما یزع عنه بالقرآن و تنسب هذه اللفظة إلی عثمان بن عفان .

قال الشاعر لا یصلح الناس فوضی لا سراة لهم و لا سراة إذا جهالهم سادوا (1) .

و کان یقال السلطان القاهر و إن کان ظالما خیر للرعیة و للملک من السلطان الضعیف و إن کان عادلا.

و قال الله سبحانه وَ لَوْ لاٰ دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ (2) قالوا فی تفسیره أراد السلطان

ص :244

339 [و من کلامه ع فی بیان صفة المؤمن]

وَ قَالَ ع فِی صِفَةِ الْمُؤْمِنِ اَلْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِی وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِی قَلْبِهِ أَوْسَعُ شَیْءٍ صَدْراً وَ أَذَلُّ شَیْءٍ نَفْساً یَکْرَهُ الرِّفْعَةَ وَ یَشْنَأُ السُّمْعَةَ طَوِیلٌ غَمُّهُ بَعِیدٌ هَمُّهُ کَثِیرٌ صَمْتُهُ مَشْغُولٌ وَقْتُهُ شَکُورٌ صَبُورٌ مَغْمُورٌ بِفِکْرَتِهِ ضَنِینٌ بِخَلَّتِهِ سَهْلُ الْخَلِیقَةِ لَیِّنُ الْعَرِیکَةِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَ هُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ .

هذه صفات العارفین و قد تقدم کثیر من القول فی ذلک و کان یقال البشر عنوان النجاح و الأمر الذی یختص به العارف أن یکون بشره فی وجهه و هو حزین و حزنه فی قلبه و إلا فالبشر قد یوجد فی کثیر من الناس.

ثم ذکر أنه أوسع الناس صدرا و أذلهم نفسا و أنه یکره الرفعة و الصیت و جاء فی الخبر فی وصفهم کل خامل نومة .

و طول الغم و بعد الهم من صفاتهم و کذلک کثرة الصمت و شغل الوقت بالذکر و العبادة و کذلک الشکر و الصبر و الاستغراق فی الفکر و تدبر آیات الله تعالی فی خلقه و الضن بالخلة و قلة المخالطة و التوفر علی العزلة و حسن الخلق و لین الجانب و أن یکون قوی النفس جدا مع ذل للناس و تواضع بینهم و هذه الأمور کلها قد أتی علیها الشرح فیما تقدم

ص :245

340 [و من کلامه ع فی الطمع و ذمه و الیأس عما فی أیدی الناس و مدحه]

وَ قَالَ ع الْغِنَی الْأَکْبَرُ الْیَأْسُ عَمَّا فِی أَیْدِی النَّاسِ .

هذه الکلمة قد رویت مرفوعة و قد تقدم القول فی الطمع و ذمه و الیأس و مدحه.

4804

و فی الحدیث المرفوع ازهد فی الناس یحبک الله و ازهد فیما أیدی الناس یحبک الناس.

و من کلام بعضهم ما أکلت طعام واحد إلا هنت علیه.

و کان یقال نعوذ بالله من طمع یدنی إلی طبع (1) .

و قال الشاعر أرحت روحی من عذاب الملاح للیأس روح مثل روح النجاح و قال بعض الأدباء هذا المعنی الذی قد أطنب فیه الناس لیس کما یزعمونه لعمری إن للیأس راحة و لکن لا کراحة النجاح و ما هو إلا کقول من قال لا أدری نصف العلم فقیل له و لکنه النصف الذی لا ینفع.

و قال ابن الفضل لا أمدح الیأس و لکنه أروح للقلب من المطمع

ص :246

341 [و من کلامه ع فی الوعد و المطل]

342 [و من کلامه ع فی الأمل]

وَ قَالَ ع لَوْ رَأَی الْعَبْدُ الْأَجَلَ وَ مَصِیرَهُ لَأَبْغَضَ الْأَمَلَ وَ غُرُورَهُ .

قد تقدم من الکلام فی الأمل ما فیه کفایة و کان یقال وا عجبا لصاحب الأمل الطویل و ربما یکون کفنه فی ید النساج و هو لا یعلم

ص :250

343 [و من کلامه ع فی أن الحوادث و الوارث شریکان فی مال کل امر ئ]

وَ قَالَ ع لِکُلِّ امْرِئٍ فِی مَالِهِ شَرِیکَانِ الْوَارِثُ وَ الْحَوَادِثُ .

أخذه الرضی فقال خذ من تراثک ما استطعت فإنما

4809

وقد قال ع فی موضع آخر بشر مال البخیل بحادث أو وارث.

و رأیت بخط ابن الخشاب رحمه الله علی ظهر کتاب لعبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد ثم لحادث أو وارث کأنه یعنی ضنه به أی لا أخرجه عن یدی اختیارا

ص :251

344 [و من کلامه ع فی أن الله تعالی لا یقبل دعاء الفاسق المخل بالواجبات]

وَ قَالَ ع الدَّاعِی بِلاَ عَمَلٍ کَالرَّامِی بِلاَ وَتَرٍ .

من خلا من العمل فقد أخل بالواجبات و من أخل بالواجبات فقد فسق و الله تعالی لا یقبل دعاء الفاسق و شبهه ع بالرامی بلا وتر فإن سهمه لا ینفذ (1)

ص :252

345 [و من کلامه ع فی بیان أنواع العلم]

وَ قَالَ ع الْعِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ وَ مَسْمُوعٌ وَ لاَ یَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ یَکُنِ الْمَطْبُوعُ .

هذه قاعدة کلیة مذکورة فی الکتب الحکمیة إن العلوم منها ما هو غریزی و منها ما هو تکلیفی ثم کل واحد من القسمین یختلف بالأشد و الأضعف أما الأول فقد یکون فی الناس من لا یحتاج فی النظر إلی ترتیب المقدمات بل تنساق النتیجة النظریة إلیه سوقا من غیر احتیاج منه إلی التأمل و التدبر و قد یکون فیهم من هو دون ذلک و قد یکون من هو دون الدون و أما الثانی فقد یکون فی الناس من لا یجدی فیه التعلیم بل یکون کالصخرة الجامدة بلادة و غباوة و منهم من یکون أقل تبلدا و جنوح ذهن من ذلک و منهم من یکون الوقفة عنده أقل فیکون ذا حال متوسطة و بالجملة فاستقراء أحوال الناس یشهد بصحة ذلک.

و قال ع لیس ینفع المسموع إذا لم یکن المطبوع یقول إذا لم یکن هناک أحوال استعداد لم ینفع الدرس و التکرار و قد شاهدنا مثل هذا فی حق أشخاص کثیرة اشتغلوا بالعلم الدهر الأطول فلم ینجع معهم العلاج و فارقوا الدنیا و هم علی الغریزة الأولی فی الساذجیة و عدم الفهم

ص :253

346 [و من کلامه ع فی إقبال صواب الرأی بالدول و إدباره]

وَ قَالَ ع صَوَابُ الرَّأْیِ بِالدُّوَلِ یُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا وَ یَذْهَبُ بِذَهَابِهَا [یُدْبِرُ بِإِدْبَارِهَا ]

.

قال الصولی اجتمع بنو برمک عند یحیی بن خالد فی آخر دولتهم و هم یومئذ عشرة فأداروا بینهم الرأی فی أمر فلم یصلح لهم فقال یحیی أنا لله ذهبت و الله دولتنا کنا فی إقبالنا یبرم الواحد منا عشرة آراء مشکلة فی وقت واحد و الیوم نحن عشرة فی أمر غیر مشکل و لا یصح لنا فیه رأی الله نسأل حسن الخاتمة.

أرسل المنصور لما (1) هاضه أمر إبراهیم إلی عمه عبد الله بن علی و هو فی السجن یستشیره ما یصنع و کان إبراهیم قد ظهر بالبصرة فقال عبد الله أنا محبوس و المحبوس محبوس الرأی قال له فعلی ذاک قال یفرق الأموال کلها علی الرجال و یلقاه فإن ظفر فذاک و إلا یتوجه إلی أبیه محمد بجرجان و یترکه یقدم علی بیوت أموال فارغة فهو خیر له من أن تکون الدبرة علیه و یقدم عدوه علی بیوت أموال مملوءة.

قال سلیمان بن عبد الملک لیزید بن أبی مسلم صاحب شرطة الحجاج یوما لعن الله رجلا أجرک رسنه و خرب لک آخرته قال یا أمیر المؤمنین رأیتنی و الأمر عنی مدبر و لو رأیتنی و الأمر علی مقبل لاستکبرت منی ما استصغرت و لاستعظمت منی ما استحقرت

ص :254

347 [و من کلامه ع فی العفاف و الشکر]

وَ قَالَ ع الْعَفَافُ زِینَةُ الْفَقْرِ وَ الشُّکْرُ زِینَةُ الْغِنَی .

قد سبق القول فی أن الأجمل بالفقیر أن یکون عفیفا و ألا یکون جشعا حریصا و لا جادا فی الطلب متهالکا و أنه ینبغی أنه إذا افتقر أن یتیه علی الوقت و أبناء الوقت فإن التیه فی مثل ذلک المقام لا بأس به لیبعد جدا عن مظنة الحرص و الطمع.

و قد سبق أیضا القول فی الشکر عند النعمة و وجوبه و أنه سبب لاستدامتها و أن الإخلال به داعیة إلی زوالها و انتقالها و ذکرنا فی هذا الباب أمورا مستحسنة فلتراجع و قال عبد الصمد بن المعذل فی العفاف سأقنی العفاف و أرضی الکفاف

ص :255

348 [و من کلامه ع فی مقایسة یوم العدل و الجور علی الظالم و المظلوم]

وَ قَالَ ع یَوْمُ الْعَدْلِ عَلَی الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ یَوْمِ الْجَوْرِ عَلَی الْمَظْلُومِ .

شیئان مؤلمان أحدهما ینقضی سریعا و الآخر یدوم أبدا فلا جرم کان الیوم المذکور علی الظالم أشد من یوم الجور علی المظلوم

ص :256

349 [و من کلامه ع فی عموم النقص الناس إلا المعصومین و ذم السؤال تعنتا]

وَ قَالَ ع الْأَقَاوِیلُ مَحْفُوظَةٌ وَ السَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ وَ کُلُّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ رَهِینَةٌ وَ النَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ وَ مُجِیبُهُمْ مُتَکَلِّفٌ یَکَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْیاً یَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْیِهِ [اَلرِّضَا]

اَلرِّضَی وَ السُّخْطُ وَ یَکَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً تَنْکَؤُهُ اللَّحْظَةُ وَ تَسْتَحِیلُهُ الْکَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ .

السرائر هاهنا ما أسر فی القلوب من النیات و العقائد و غیرها و ما یخفی من أعمال الجوارح أیضا و بلاؤها تعرفها و تصفحها و التمییز بین ما طاب منها و ما خبث.

و قال عمر بن عبد العزیز للأحوص لما قال ستبلی لها فی مضمر القلب و الحشا سریرة حب یَوْمَ تُبْلَی السَّرٰائِرُ إنک یومئذ عنها لمشغول .

ذکر ع الناس فقال قد عمهم النقص إلا المعصومین ثم قال سائلهم یسأل تعنتا و السؤال علی هذا الوجه مذموم و مجیبهم متکلف للجواب و أفضلهم رأیا یکاد رضاه تارة و سخطه أخری یرده عن فضل رأیه أی یتبعون الهوی

ص :257

350 [و من کلامه ع فی أن الآمال التی لا تبلغ لا تحصی و لا نهایة لها]

وَ قَالَ ع :مَعَاشِرَ النَّاسِ اتَّقُوا اللَّهَ وَ قَالَ ع فَکَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ مَا لاَ یَبْلُغُهُ وَ بَانٍ مَا لاَ یَسْکُنُهُ وَ جَامِعٍ مَا سَوْفَ یَتْرُکُهُ وَ لَعَلَّهُ مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ وَ مِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ أَصَابَهُ حَرَاماً وَ احْتَمَلَ بِهِ آثَاماً فَبَاءَ بِوِزْرِهِ وَ قَدِمَ عَلَی رَبِّهِ آسِفاً لاَهِفاً قَدْ خَسِرَ الدُّنْیٰا وَ الْآخِرَةَ ذٰلِکَ هُوَ الْخُسْرٰانُ الْمُبِینُ .

قد تقدم شرح هذه المعانی و الکلام علیها أما الآمال التی لا تبلغ فأکثر من أن تحصی بل لا نهایة لها.

و ما أحسن قول القائل وا حسرتی مات حظی من وصالکم و أما بناء ما لا یسکن فنحو ذلک و قال الشاعر أ لم تر حوشبا بالأمس یبنی و أما جامع ما سوف یترکه فأکثر الناس قال الشاعر و ذی إبل یسعی و یحسبها له

ص :259

351 [و من کلامه ع فی بیان معنی العصمة التی تعذر المعاصی]

وَ قَالَ ع مِنَ الْعِصْمَةِ تَعَذُّرُ الْمَعَاصِی .

قد وردت هذه الکلمة علی صیغ مختلفة من العصمة ألا تقدر و أیضا من العصمة ألا تجد و قد رویت مرفوعة أیضا.

و لیس المراد بالعصمة هاهنا العصمة التی ذکرها المتکلمون لأن العصمة عند المتکلمین من شرطها القدرة و حقیقتها راجعة إلی لطف یمنع القادر علی المعصیة من المعصیة و إنما المراد أن غیر القادر فی اندفاع العقوبة عنه کالقادر الذی لا یفعل

ص :260

352 [و من کلامه ع فی تقطیر ماء الوجه بالسؤال]

وَ قَالَ ع مَاءُ وَجْهِکَ جَامِدٌ یُقْطِرُهُ السُّؤَالُ فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ .

هذا حسن و قد أخذه شاعر فقال إذا أظمأتک أکف اللئام و قال آخر رددت لی ماء وجهی فی صفیحته

و قال مصعب بن الزبیر إنی لأستحیی من رجل وجه إلی رغبته فبات لیلته یتململ و یتقلقل علی فراشه ینتظر الصبح قد جعلنی أهلا لأن یقطر ماء وجهه لدی إن أرده خائبا.

و قال آخر ما ماء کفیک إن أرسلت مزنته من ماء وجهی إذا استقطرته عوض

ص :261

353 [و من کلامه ع فی الثناء المفرط فی وجه الإنسان]

وَ قَالَ ع الثَّنَاءُ بِأَکْثَرَ مِنَ الاِسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ وَ التَّقْصِیرُ عَنِ الاِسْتِحْقَاقِ عِیٌّ أَوْ حَسَدٌ .

کانوا یکرهون أن یثنی الشاعر فی شعره علی الممدوح الثناء المفرط و یقولون خیر المدح ما قارب فیه الشاعر و اقتصد و هذا هو المذهب الصحیح و إن کان قوم یقولون إن خیر الشعر المنظوم فی المدح ما کان أشد مغالاة و أکثر تبجیلا و تعظیما و وصفا و نعتا.

و ینبغی أن یکون قوله ع محمولا علی الثناء فی وجه الإنسان لأنه هو الموصوف بالملق إذا أفرط فأما من یثنی بظهر الغیب فلا یوصف ثناؤه بالملق سواء کان مقتصدا أو مسرفا.

و قوله ع و التقصیر عن الاستحقاق عی أو حسد لا مزید علیه فی الحسن لأنه إذا قصر به عن استحقاقه کان المانع إما من جانب المثنی فقط من غیر تعلق له بالمثنی علیه أو مع تعلق به فالأول هو العی و الحصر و الثانی هو الحسد و المنافسة

ص :262

354 [و من کلامه ع فی بیان أشد الذنوب]

وَ قَالَ ع أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ [صَاحِبُهَا]

صَاحِبُهُ .

قد ذکرنا هذا فیما تقدم و ذکرنا العلة فیه و هی أن فاعل ذلک الذنب قد جمع بین فعل الذنب و فعل ذنب آخر و هو الاستهانة بما لا یستهان به لأن المعاصی لا هین فیها و الصغیر منها کبیر و الحقیر منها عظیم و ذلک لجلالة شأن المعصی سبحانه.

فأما من یذنب و یستعظم ما أتاه فحاله أخف من حال الأول لأنه یکاد یکون نادما (1)

ص :263

355 [و من کلامه ع فی مکارم الأخلاق]

وَ قَالَ ع مَنْ نَظَرَ فِی عَیْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَیْبِ غَیْرِهِ وَ مَنْ رَضِیَ بِرِزْقِ اللَّهِ لَمْ یَحْزَنْ عَلَی مَا فَاتَهُ وَ مَنْ سَلَّ سَیْفَ الْبَغْیِ قُتِلَ بِهِ وَ مَنْ کَابَدَ الْأُمُورَ عَطِبَ وَ مَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ وَ مَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ وَ مَنْ کَثُرَ کَلاَمُهُ کَثُرَ خَطَؤُهُ وَ مَنْ کَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَیَاؤُهُ وَ مَنْ قَلَّ حَیَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ اَلنَّارَ وَ مَنْ نَظَرَ فِی عُیُوبِ غَیْرِهِ فَأَنْکَرَهَا ثُمَّ رَضِیَهَا لِنَفْسِهِ فَذَلِکَ الْأَحْمَقُ بِعَیْنِهِ وَ الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَ یَنْفَدُ وَ مَنْ أَکْثَرَ مِنْ ذِکْرِ الْمَوْتِ رَضِیَ مِنَ الدُّنْیَا بِالْیَسِیرِ وَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ کَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ کَلاَمُهُ إِلاَّ فِیمَا یَعْنِیهِ .

کل هذه الفصول قد تقدم الکلام فیها و هی عشرة أولها من نظر فی عیب نفسه اشتغل عن عیب غیره کان یقال أصلح نفسک أولا ثم أصلح غیرک .

و ثانیها من رضی برزق الله لم یحزن علی ما فاته کان یقال الحزن علی المنافع الدنیویة سم تریاقه الرضا بالقضاء

ص :264

356 [و من کلامه ع فی بیان علامات الظالم]

وَ قَالَ ع لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجَالِ ثَلاَثُ عَلاَمَاتٍ یَظْلِمُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِیَةِ وَ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ وَ یُظَاهِرُ الْقَوْمَ الظَّلَمَةَ .

یمکن أن یفسر هذا الکلام علی وجهین أحدهما أن کل من وجدت فیه إحدی هذه الثلاث فهو ظالم إما أن یکون قد وجبت علیه طاعة من فوقه فعصاه فهو بعصیانه ظالم له لأنه قد وضعه فی غیر موضعه و الظلم فی أصل اللغة هو هذا المعنی و لذلک سموا اللبن یشرب قبل أن یبلغ الروب مظلوما لأن الشرب منه کان فی غیر موضعه إذا لم یرب و لم یخرج زبده فکذلک من عصی من فوقه فقد زحزحه عن مقامه إذ لم یطعه و إما أن یکون قد قهر من دونه و غلبه و إما أن یکون قد ظاهر الظلمة.

و الوجه الثانی أن کل ظالم فلا بد من اجتماع هذه العلامات الثلاث فیه و هذا هو الأظهر

ص :266

357 [و من کلامه ع فی الفرج بعد الشدة و الیسر بعد العسر]

وَ قَالَ ع عِنْدَ تَنَاهِی الشِّدَّةِ تَکُونُ الْفَرْجَةُ وَ عِنْدَ تَضَایُقِ حَلَقِ الْبَلاَءِ یَکُونُ الرَّخَاءُ .

کان یقال إذا اشتد المضیق اتسعت الطریق و کان یقال توقعوا الفرج عند ارتتاج المخرج و قال الشاعر إذا بلغ الحوادث منتهاها

و فی الأثر تضایقی تنفرجی سَیَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْراً .

و الفرجة بفتح الفاء التفصی من الهم قال الشاعر ربما تجزع النفوس من الأمر له فرجة کحل العقال (1) فأما الفرجة بالضم ففرجة الحائط و ما أشبهه

ص :267

358 [و من کلامه ع فی الأمر بالتفویض و التوکل علی الله فیمن یخلفه الإنسان من ولده و أهله]

وَ قَالَ ع لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ لاَ تَجْعَلَنَّ أَکْثَرَ شُغُلِکَ بِأَهْلِکَ وَ وَلَدِکَ فَإِنْ یَکُنْ أَهْلُکَ وَ وَلَدُکَ أَوْلِیَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ یُضِیعُ أَوْلِیَاءَهُ وَ إِنْ یَکُونُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فَمَا هَمُّکَ وَ شُغُلُکَ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ .

قد تقدم القول نحو هذا المعنی و هو أمر بالتفویض و التوکل علی الله تعالی فیمن یخلفه الإنسان من ولده و أهله فإن الله تعالی أعلم بالمصلحة و أرأف بالإنسان من أبیه و أمه ثم إن کان الولد فی علم الله تعالی ولیا من أولیاء الله سبحانه فإن الله تعالی لا یضیعه قال سبحانه وَ مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (1) و کل ولی لله فهو متوکل علیه لا محالة و إن کان عدوا لله لم یجز الاهتمام له و الاعتناء بأمره لأن أعداء الله تجب مقاطعتهم و یحرم تولیهم فعلی کل حال لا ینبغی للإنسان أن یحفل بأهله و ولده بعد موته.

و اعلم أن هذا کلام العارفین الصدیقین لا کلام أهل هذه الطبقات التی نعرفها فإن هذه الطبقات تقصر أقدامهم عن الوصول إلی هذا المقام.

و یعجبنی قول الشاعر أیا جامع المال وفرته

ص :268

359 [و من کلامه ع فی العیب علی الغیر و فیه مثله]

وَ قَالَ ع أَکْبَرُ الْعَیْبِ أَنْ تَعِیبَ مَا فِیکَ مِثْلُهُ .

قد تقدم هذا المعنی مرارا و قال الشاعر إذا أنت عبت الأمر ثم أتیته فأنت و من تزری علیه سواء

ص :269

360 [و من کلامه ع فی تحیة الجاهلیة]

وَ هَنَّأَ بِحَضْرَتِهِ رَجُلٌ رَجُلاً آخَرَ بِغُلاَمٍ وُلِدَ لَهُ فَقَالَ لَهُ لِیَهْنِئْکَ الْفَارِسُ فَقَالَ ع لاَ تَقُلْ ذَلِکَ وَ لَکِنْ قُلْ شَکَرْتَ الْوَاهِبَ وَ بُورِکَ لَکَ فِی الْمَوْهُوبِ وَ بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ رُزِقْتَ بِرَّهُ .

هذه کلمة کانت من شعار الجاهلیة فنهی عنها کما نهی عن تحیة الجاهلیة أبیت اللعن و جعل عوضها سلام علیکم.

و قال رجل للحسن البصری و قد بشره بغلام لیهنئک الفارس فقال بل الراجل ثم قال لا مرحبا بمن إن عاش کدنی و إن مات هدنی و إن کنت مقلا أنصبنی و إن کنت غنیا أذهلنی ثم لا أرضی بسعیی له سعیا و لا بکدی علیه فی الحیاة کدا حتی أشفق علیه بعد موتی من الفاقة و أنا فی حال لا یصل إلی من فرحه سرور و لا من همه حزن

ص :270

361 [و من کلامه ع فی رجل من عماله بنی بناء فخما]

وَ بَنَی رَجُلٌ مِنْ عُمَّالِهِ بِنَاءً فَخْماً فَقَالَ ع أَطْلَعَتِ الْوَرِقُ رُءُوسَهَا إِنَّ الْبِنَاءَ یَصِفُ لَکَ الْغِنَی .

قد رویت هذه الکلمة عن عمر رضی الله عنه ذکر ذلک ابن قتیبة فی عیون الأخبار .

و روی عنه أیضا لی علی کل خائن أمینان الماء و الطین.

قال یحیی بن خالد لابنه جعفر حین اختط داره ببغداد لیبنیها هی قمیصک فإن شئت فوسعه و إن شئت فضیقه.

و رآه و هو یجصص حیطان داره المبنیة بالآجر فقال له إنک تغطی الذهب بالفضة فقال جعفر لیس فی کل مکان یکون الذهب خیرا من الفضة و لکن هل تری عیبا قال نعم مخالطتها دور السوقة.

و قیل لیزید بن المهلب أ لا یبنی الأمیر دارا فقال منزلی دار الإمارة أو الحبس.

و کان یقال فی الدار لتکن أول ما یبتاع و آخر ما تباع.

و مر رجل من الخوارج بآخر من أصحابهم و هو یبنی دارا فقال من ذا الذی یقیم کفیلا و قالوا کل ما یخرج بخروجک و یرجع برجوعک کالدار و النخل و نحوهما فهو کفیل

ص :271

362 [و من کلامه ع فی إتیان الرزق من حیث إتیان الأجل]

وَ قِیلَ لَهُ ع لَوْ سُدَّ عَلَی رَجُلٍ بَابُ بَیْتٍ وَ تُرِکَ فِیهِ مِنْ أَیْنَ کَانَ یَأْتِیهِ رِزْقُهُ فَقَالَ ع مِنْ حَیْثُ یَأْتِیهِ أَجَلُهُ .

لیس یعنی ع أن کل من یسد علیه باب بیت فإنه لا بد أن یرزقه الله تعالی لأن العیان و المشاهدة تقتضی خلاف ذلک و ما رأینا من سد علیه باب بیت مدة طویلة فعاش و لا ریب أن من شق أسطوانة و جعل فیها حیا ثم بنیت الأسطوانة علیه فإنه یموت مختنقا و لا یأتیه رزقه و لا حیاته و لأن للحکماء أن یقولوا فی الفرق بین الموضعین إن أجله إنما یأتیه لأن الأجل عدم الحیاة و الحیاة تعدم لعدم ما یوجبها و الذی یوجب استمرارها الغذاء فلما انقطع الغذاء حضر الأجل فهذا هو الوجه الذی یأتیه منه أجله و لا سبیل إلی ذکر مثله فی حضور الرزق لمن یسد علیه الباب.

فإذا معنی کلامه ع أن الله تعالی إذا علم فیمن یجعل فی دار و یسد علیه بابها أن فی بقاء حیاته لطفا لبعض المکلفین فإنه یجب علی الله تعالی أن یدیم حیاته کما یشاء سبحانه إما بغذاء یقیم به مادة حیاته أو

ص :272

363 [و من کلامه ع فی تعزیته قوما مات لهم میت]

وَ عَزَّی قَوْماً عَنْ مَیِّتٍ مَاتَ لَهُمْ فَقَالَ ع إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَیْسَ [بِکُمْ]

لَکُمْ بَدَأَ وَ لاَ إِلَیْکُمُ انْتَهَی وَ قَدْ کَانَ صَاحِبُکُمْ هَذَا یُسَافِرُ [فَقَالُوا نَعَمْ- قَالَ]

فَعُدُّوهُ فِی بَعْضِ [سَفَرَاتِهِ]

أَسْفَارِهِ فَإِنْ قَدِمَ عَلَیْکُمْ وَ إِلاَّ قَدِمْتُمْ عَلَیْهِ .

قد ألم إبراهیم بن المهدی ببعض هذا فی شعره الذی رثی به ولده فقال یئوب إلی أوطانه کل غائب

ص :274

364 [و من کلامه ع فی استدراج المترف الغنی و اختبار الفقیر الشقی]

وَ قَالَ ع أَیُّهَا النَّاسُ [لِیَرَاکُمُ]

لِیَرَکُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِینَ کَمَا یَرَاکُمْ مِنَ النِّقْمَةِ فَرِقِینَ إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَیْهِ فِی ذَاتِ یَدِهِ فَلَمْ یَرَ ذَلِکَ اسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً وَ مَنْ ضُیِّقَ عَلَیْهِ فِی ذَاتِ یَدِهِ فَلَمْ یَرَ ذَلِکَ اخْتِبَاراً فَقَدْ ضَیَّعَ مَأْمُولاً .

قد تقدم القول فی استدراج المترف الغنی و اختبار الفقیر الشقی و أنه یجب علی الإنسان و إن کان مشمولا بالنعمة أن یکون وجلا (1) کما یجب علیه إذا کان فقیرا أن یکون شکورا صبورا

ص :275

365 [و من کلامه ع فی الدنیا و الرغبة فیها]

وَ قَالَ ع یَا أَسْرَی الرَّغْبَةِ [اُقْصُرُوا]

أَقْصِرُوا فَإِنَّ الْمُعَرِّجَ عَلَی الدُّنْیَا لاَ یَرُوعُهُ مِنْهَا إِلاَّ صَرِیفُ أَنْیَابِ الْحِدْثَانِ أَیُّهَا النَّاسُ تَوَلَّوْا عَنْ أَنْفُسِکُمْ تَأْدِیبَهَا وَ اعْدِلُوا بِهَا عَنْ [ضِرَایَةِ]

ضَرَاوَةِ عَادَاتِهَا .

ضری یضری ضرایة مثل رمی یرمی رمایة أی جری و سال ذکره ابن الأعرابی و علیه ینبغی أن یحمل کلام أمیر المؤمنین ع أی اعدلوا بها عن عاداتها الجاریة من باب إضافة الصفة إلی الموصوف و هذا خیر من تفسیر الراوندی و قوله إنه من ضری الکلب بالصید لأن المصدر من ذلک الضراوة بالواو و فتح الضاد و لم یأت فیه ضرایة .

و قوله یا أسری الرغبة کلمة فصیحة و کذلک قوله لا یروعه منها إلا صریف أنیاب الحدثان و ذلک لأن الفهد إذا وثب و الذئب إذا حمل یصرف نابه و یقولون لکل خطب و داهیة جاءت تصرف نابها و الصریف صوت الأسنان إما عند رعدة أو عند شدة الغضب و الحنق و الحرص علی الانتقام أو نحو ذلک.

و قد تقدم الکلام فی الدنیا و الرغبة فیها و غدرها و حوادثها و وجوب العدول عنها و کسر عادیة عادات السوء المکتسبة فیها

ص :276

366 [و من کلامه ع فی حمل کلمة السوء علی أحسن المحامل]

وَ قَالَ ع لاَ تَظُنَّنَّ بِکَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً وَ أَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِی الْخَیْرِ مُحْتَمَلاً (1) .

هذه الکلمة یرویها کثیر من الناس لعمر بن الخطاب و یرویها بعضهم لأمیر المؤمنین ع و کان ثمامة یحدث بسؤدد یحیی بن خالد و ابنه جعفر و یقول إن الرشید نکب علی بن عیسی بن ماهان (2) و ألزمه مائة ألف دینار أدی منها خمسین ألفا و یلح بالباقی فأقسم الرشید إن لم یؤد المال فی بقیة هذا الیوم و إلا قتله و کان علی بن عیسی عدوا للبرامکة مکاشفا فلما علم أنه مقتول سأل أن یمکن من السعی إلی الناس یستنجدهم ففسح له فی ذلک فمضی و معه وکیل الرشید و أعوانه إلی باب یحیی و جعفر فأشبلا علیه (3) و صححا من صلب أموالهما خمسین ألف دینار فی باقی نهار ذلک الیوم بدیوان الرشید باسم علی بن عیسی و استخلصاه فنقل بعض المتنصحین لهما إلیهما أن علی بن عیسی قال فی آخر نهار ذلک الیوم متمثلا فما بقیا علی ترکتمانی و لکن خفتما صرد النبال (4)

ص :277

367 [و من کلامه ع فی طلب الصلاة علی النبی ص و آله قبل سؤال الحاجة من الله تعالی]

وَ قَالَ ع إِذَا کَانَتْ لَکَ إِلَی اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلاَةِ عَلَی رَسُولِهِ ص ثُمَّ سَلْ حَاجَتَکَ فَإِنَّ اللَّهَ أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یُسْأَلَ حَاجَتَیْنِ فَیَقْضِیَ إِحْدَاهُمَا وَ یَمْنَعَ الْأُخْرَی .

هذا الکلام علی حسب الظاهر الذی یتعارفه الناس بینهم و هو ع یسلک هذا المسلک کثیرا و یخاطب الناس علی قدر عقولهم و أما باطن الأمر فإن الله تعالی لا یصلی علی النبی ص لأجل دعائنا إیاه أن یصلی علیه لأن معنی قولنا اللهم صل علی محمد أی أکرمه و ارفع درجته و الله سبحانه قد قضی له بالإکرام التام و رفعة الدرجة من دون دعائنا و إنما تعبدنا نحن بأن نصلی علیه لأن لنا ثوابا فی ذلک لا لأن إکرام الله تعالی له أمر یستعقبه و یستتبعه دعاؤنا.

و أیضا فأی غضاضة علی الکریم إذا سئل حاجتین فقضی إحداهما دون الأخری إن کان علیه فی ذلک غضاضة فعلیه فی رد الحاجة الواحدة غضاضة أیضا

ص :279

368 [و من کلامه ع فی المراء]

وَ قَالَ ع مَنْ ضَنَّ بِعِرْضِهِ فَلْیَدَعِ الْمِرَاءَ .

قد تقدم من القول فی المراء ما فیه کفایة و حد المراء الجدال المتصل لا یقصد به الحق.

و قیل لمیمون بن مهران ما لک لا تفارق أخا لک عن قلی قال لأنی لا أشاریه و لا أماریه.

و کان یقال ما ضل قوم بعد إذ هداهم الله [تعالی]

(1) إلا بالمراء و الإصرار فی الجدال علی نصرة الباطل.

و قال سفیان الثوری إذا رأیتم الرجل لجوجا مماریا معجبا بنفسه فقد تمت خسارته

ص :280

369 [و من کلامه ع فی أن العجلة قبل التمکن و إهمال الفرصة حتی تفوت دلیل علی الحمق و النقص]

وَ قَالَ ع مِنَ الْخُرْقِ الْمُعَاجَلَةُ قَبْلَ الْإِمْکَانِ وَ الْأَنَاةُ بَعْدَ الْفُرْصَةِ .

قد تقدم القول فی هذین المعنیین.

و من کلام ابن المعتز إهمال الفرصة حتی تفوت عجز و العجلة قبل التمکن خرق.

و قد جعل أمیر المؤمنین ع کلتا الحالتین خرقا و هو صحیح لأن الخرق الحمق و قلة العقل و کلتا الحالتین دلیل علی الحمق و النقص

ص :281

370 [و من کلامه ع فی ترک السؤال عما کان]

وَ قَالَ ع لاَ تَسْأَلْ عَمَّا [لَمْ یَکُنْ]

لاَ یَکُونُ فَفِی الَّذِی قَدْ کَانَ لَکَ شُغُلٌ .

من هذا الباب قول أبی الطیب فی سیف الدولة (1) لیس المدائح تستوفی مناقبه

ص :282

371 [و من کلامه ع فی لزوم التعاظ بالموت و الاعتبار و وجوب تجنب الإنسان ما یکرهه من غیره]

وَ قَالَ ع الْفِکْرُ مِرْآةٌ صَافِیَةٌ وَ الاِعْتِبَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ وَ کَفَی أَدَباً لِنَفْسِکَ تَجَنُّبُکَ مَا کَرِهْتَهُ لِغَیْرِکَ .

قد تقدم القول فی نحو هذا و فی المثل کفی بالاعتبار منذرا و کفی بالشیب زاجرا و کفی بالموت واعظا و قد سبق القول فی وجوب تجنب الإنسان ما یکرهه من غیره.

و قال بعض الحکماء إذا أحببت أخلاق امرئ فکنه و إن أبغضتها فلا تکنه أخذه شاعرهم فقال إذا أعجبتک خصال امرئ

ص :283

372 [و من کلامه ع فی اقتران العلم بالعمل]

وَ قَالَ ع الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَ الْعِلْمُ یَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ [أَجَابَ]

أَجَابَهُ وَ إِلاَّ ارْتَحَلَ عَنْهُ .

لا خیر فی علم بلا عمل و العلم بغیر العمل حجة علی صاحبه و کلام أمیر المؤمنین ع یشعر بأنه لا عالم إلا و هو عامل و مراده بالعلم هاهنا العرفان و لا ریب أن العارف لا بد أن یکون عاملا.

ثم استأنف فقال العلم یهتف بالعمل أی ینادیه و هذه اللفظة استعارة.

قال فإن أجابه و إلا ارتحل أی إن کان الإنسان عالما بالأمور الدینیة ثم لم یعمل بها سلبه الله تعالی علمه و لم یمت إلا و هو معدود فی زمرة الجاهلین و یمکن أن یفسر علی أنه أراد بقوله ارتحل ارتحلت ثمرته و نتیجته و هی الثواب فإن الله تعالی لا یثیب المکلف علی علمه بالشرائع إذا لم یعمل بها لأن إخلاله بالعمل یحبط ما یستحقه من ثواب العلم لو قدرنا أنه استحق علی العلم ثوابا و أتی به علی الشرائط التی معها یستحق الثواب

ص :284

373 [و من کلامه ع فی وصف الدنیا و صروفها]

[نبذ من الأقوال الحکیمة فی وصف حال الدنیا و صروفها]

و قد ذکرنا من حال الدنیا و صروفها و غدرها بأهلها فیما تقدم أبوابا کثیرة نافعة.

و نحن نذکر هاهنا زیادة علی ذلک.

فمن کلام بعض الحکماء ویل لصاحب الدنیا کیف یموت و یترکها و تغره و یأمنها و تخذله و یثق بها ویل للمغترین کیف أرتهم ما یکرهون و فاتهم ما یحبون و جاءهم ما یوعدون ویل لمن الدنیا همه و الخطایا عمله کیف یفتضح غدا بذنبه.

4810

و روی أنس قال کانت ناقة رسول الله ص العضباء لا تسبق فجاء أعرابی بناقة له فسبقها فشق ذلک علی المسلمین فقال رسول الله ص حق علی الله ألا یرفع فی الدنیا شیئا إلا وضعه.

و قال بعض الحکماء من ذا الذی یبنی علی موج البحر دارا تلکم الدنیا فلا تتخذوها قرارا.

ص :287

374 [و من کلامه ع فی تکلیف العباد و منح الثواب علی الطاعة و العقاب علی المعصیة منه تعالی]

وَ قَالَ ع إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ الثَّوَابَ عَلَی طَاعَتِهِ وَ الْعِقَابَ عَلَی مَعْصِیَتِهِ ذِیَادَةً لِعِبَادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ وَ حِیَاشَةً لَهُمْ إِلَی جَنَّتِهِ .

ذِیادة أی دفعا ذدته عن کذا أی دفعته و رددته و حیاشة مصدر حشت الصید بضم الحاء أحوشه إذا جئته من حوالیه لتصرفه إلی الحبالة و کذلک أحشت الصید و أحوشته و قد احتوش القوم الصید إذا نفره بعضهم إلی بعض.

و هذا هو مذهب أصحابنا إن الله تعالی لما کلف العباد التکالیف الشاقة و قد کان یمکنه أن یجعلها غیر شاقة علیهم بأن یزید فی قدرهم وجب أن یکون فی مقابلة تلک التکالیف ثواب لأن إلزام المشاق کإنزال المشاق فکما یتضمن ذلک عوضا وجب أن یتضمن هذا ثوابا و لا بد أن یکون فی مقابلة فعل القبیح عقاب و إلا کان سبحانه ممکنا الإنسان من القبیح مغریا له (1) بفعله إذ الطبع البشری یهوی العاجل و لا یحفل بالذم و لا یکون القبیح قبیحا حینئذ فی العقل فلا بد من العقاب لیقع الانزجار

ص :298

375 [و من کلامه ع فی بیان صفة حال أهل الظلال و الفسق و الریاء فی الأمة]

وَ قَالَ ع یَأْتِی عَلَی النَّاسِ زَمَانٌ لاَ یَبْقَی فِیهِمْ مِنَ اَلْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ وَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ اسْمُهُ مَسَاجِدُهُمْ یَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَی سُکَّانُهَا وَ عُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ وَ إِلَیْهِمْ تَأْوِی الْخَطِیئَةُ یَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِیهَا وَ یَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَیْهَا یَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَبِی حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَی أُولَئِکَ فِتْنَةً [أَتْرُکُ]

تَتْرُکُ الْحَلِیمَ فِیهَا حَیْرَانَ وَ قَدْ فَعَلَ وَ نَحْنُ نَسْتَقِیلُ اللَّهَ عَثْرَةَ الْغَفْلَةِ .

هذه صفة حال أهل الضلال و الفسق و الریاء من هذه الأمة أ لا تراه یقول سکانها و عمارها یعنی سکان المساجد و عمار المساجد شر أهل الأرض لأنهم أهل ضلالة کمن یسکن المساجد الآن ممن یعتقد التجسم و التشبیه و الصورة و النزول و الصعود و الأعضاء و الجوارح و من یقول بالقدر یضیف فعل الکفر و الجهل و القبیح إلی الله تعالی فکل هؤلاء أهل فتنة یردون من خرج منها إلیها و یسوقون من لم یدخل فیها إلیها أیضا.

ثم قال حاکیا عن الله تعالی إنه حلف بنفسه لیبعثن علی أولئک فتنة یعنی استئصالا و سیفا حاصدا یترک الحلیم أی العاقل اللبیب فیها حیران لا یعلم کیف وجه خلاصه.

ثم قال ع و قد فعل و ینبغی أن یکون قد قال هذا الکلام فی أیام خلافته لأنها کانت أیام السیف المسلط علی أهل الضلال من المسلمین و کذلک ما بعثه الله تعالی علی بنی أمیة و أتباعهم من سیوف بنی هاشم بعد انتقاله ع

ص :299

376 [و من کلامه ع فی أن خلق العباد لیس عبثا و ظلال الإنسان باختیاره و سوء نظره]

وَ قَالَ ع وَ رُوِیَ أَنَّهُ ع قَلَّمَا اعْتَدَلَ بِهِ الْمِنْبَرُ إِلاَّ قَالَ أَمَامَ خُطْبَتِهِ أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ فَمَا خُلِقَ امْرُؤٌ عَبَثاً فَیَلْهُوَ وَ لاَ تُرِکَ سُدًی فَیَلْغُوَ وَ مَا دُنْیَاهُ الَّتِی تَحَسَّنَتْ لَهُ بِخَلَفٍ مِنَ الآْخِرَةِ الَّتِی قَبَّحَهَا سُوءُ النَّظَرِ عِنْدَهُ وَ مَا الْمَغْرُورُ الَّذِی ظَفِرَ مِنَ الدُّنْیَا بِأَعْلَی هِمَّتِهِ کَالآْخَرِ الَّذِی ظَفِرَ مِنَ الآْخِرَةِ بِأَدْنَی سُهْمَتِهِ .

قال تعالی أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاکُمْ عَبَثاً وَ أَنَّکُمْ إِلَیْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ (1) .

4815

و من الکلمات النبویة أن المرء لم یترک سدی و لم یخلق عبثا.

و قال أمیر المؤمنین ع إن من ظفر من الدنیا بأعلی و أعظم أمنیة لیس کآخر ظفر من الآخرة بأدون درجات أهل الثواب لا مناسبة و لا قیاس بین نعیم الدنیا و الآخرة.

و فی قوله ع التی قبحها سوء المنظر عنده تصریح بمذهب أصحابنا أهل العدل رحمهم الله و هو أن الإنسان هو الذی أضل نفسه لسوء نظره و لو کان الله تعالی هو الذی أضله لما قال قبحها سوء النظر عنده

ص :300

377 [و من کلامه ع فی مکارم الأخلاق]

وَ قَالَ ع لاَ شَرَفَ أَعْلَی مِنَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ عِزَّ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَی وَ لاَ مَعْقِلَ أَحْسَنُ مِنَ الْوَرَعِ وَ لاَ شَفِیعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ وَ لاَ کَنْزَ أَغْنَی مِنَ الْقَنَاعَةِ وَ لاَ مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ [اَلرِّضَا]

اَلرِّضَی بِالْقُوتِ وَ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَی بُلْغَةِ الْکَفَافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ وَ تَبَوَّأَ خَفْضَ الدَّعَةِ وَ [اَلدَّعَةُ]

اَلرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ النَّصَبِ وَ مَطِیَّةُ التَّعَبِ وَ الْحِرْصُ وَ الْکِبْرُ وَ الْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَی التَّقَحُّمِ فِی الذُّنُوبِ وَ الشَّرُّ [جَامِعٌ لِمَسَاوِئِ]

جَامِعُ مَسَاوِئِ الْعُیُوبِ .

کل هذه المعانی قد سبق القول فیها مرارا شتی نأتی کل مرة بما لم نأت به فیما تقدم و إنما یکررها أمیر المؤمنین ع لإقامة الحجة علی المکلفین کما یکرر الله سبحانه فی القرآن المواعظ و الزواجر لذلک کان أبو ذر رضی الله عنه جالسا بین الناس فأتته امرأته فقالت أنت جالس بین هؤلاء و لا و الله ما عندنا فی البیت هفة و لا سفة (1) فقال یا هذه إن بین أیدینا عقبة کئودا لا ینجو منها إلا کل مخف فرجعت و هی راضیة.

ص :301

378 [و من کلامه ع فی بیان قوام الدین و الدنیا]

وَ قَالَ ع لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ یَا جَابِرُ قِوَامُ الدِّینِ وَ الدُّنْیَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٍ [یَسْتَعْمِلُ]

مُسْتَعْمِلٍ عِلْمَهُ وَ جَاهِلٍ لاَ یَسْتَنْکِفُ أَنْ یَتَعَلَّمَ وَ جَوَادٍ لاَ یَبْخَلُ بِمَعْرُوفِهِ وَ فَقِیرٍ لاَ یَبِیعُ آخِرَتَهُ بِدُنْیَاهُ فَإِذَا ضَیَّعَ الْعَالِمُ عِلْمَهُ اسْتَنْکَفَ الْجَاهِلُ أَنْ یَتَعَلَّمَ وَ إِذَا بَخِلَ الْغَنِیُّ بِمَعْرُوفِهِ بَاعَ الْفَقِیرُ آخِرَتَهُ بِدُنْیَاهُ یَا جَابِرُ مَنْ کَثُرَتْ [نِعْمَةُ]

نِعَمُ اللَّهِ عَلَیْهِ کَثُرَتْ حَوَائِجُ النَّاسِ إِلَیْهِ فَمَنْ قَامَ [بِمَا یَجِبُ لِلَّهِ فِیهَا عَرَّضَ نِعْمَةَ اللَّهِ لِدَوَامِهَا وَ مَنْ ضَیَّعَ مَا یَجِبُ لِلَّهِ فِیهَا عَرَّضَ نِعْمَتَهُ لِزَوَالِهَا]

لِلَّهِ فِیهَا بِمَا یَجِبُ فِیهَا عَرَّضَهَا لِلدَّوَامِ وَ الْبَقَاءِ وَ مَنْ لَمْ یَقُمْ فِیهَا بِمَا یَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ وَ الْفَنَاءِ .

قد تقدم القول فی هذه المعانی و الحاصل أنه ربط اثنتین من أربعة إحداهما بالأخری و کذلک جعل فی الاثنتین الأخریین فقال إن قوام الدین و الدنیا بأربعة عالم یستعمل علمه یعنی یعمل و لا یقتصر علی أن یعلم فقط و لا یعمل و جاهل لا یستنکف أن یتعلم و أضر ما علی الجهلاء الاستنکاف من التعلم فإنهم یستمرون علی الجهالة إلی الموت و الثالث جواد لا یبخل بالمعروف و الرابع فقیر لا یبیع آخرته بدنیاه أی لا یسرق و لا یقطع الطریق أو یکتسب الرزق من حیث لا یحبه الله کالقمار و المواخیر و المزاجر و المآصر و نحوها .

ص :303

379 [و من کلامه ع فی النهی عن المنکر و کیفیة ترتیبه]

وَ رَوَی اِبْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ :عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی لَیْلَی الْفَقِیهِ وَ کَانَ مِمَّنْ خَرَجَ لِقِتَالِ اَلْحَجَّاجِ مَعَ اِبْنِ الْأَشْعَثِ أَنَّهُ قَالَ فِیمَا کَانَ یَحُضُّ بِهِ النَّاسَ عَلَی الْجِهَادِ إِنِّی سَمِعْتُ عَلِیّاً رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَتَهُ فِی الصَّالِحِینَ وَ أَثَابَهُ ثَوَابَ الشُّهَدَاءِ وَ الصِّدِّیقِینَ یَقُولُ یَوْمَ لَقِینَا أَهْلَ اَلشَّامِ أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنَّهُ مَنْ رَأَی عُدْوَاناً یُعْمَلُ بِهِ وَ مُنْکَراً یُدْعَی إِلَیْهِ فَأَنْکَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَ بَرِئَ وَ مَنْ أَنْکَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ وَ مَنْ أَنْکَرَهُ بِالسَّیْفِ لِتَکُونَ کَلِمَةُ اللَّهِ الْعُلْیَا وَ کَلِمَةُ الظَّالِمِینَ هِیَ السُّفْلَی فَذَلِکَ الَّذِی أَصَابَ سَبِیلَ الْهُدَی وَ قَامَ عَلَی الطَّرِیقِ وَ [نُوِّرَ]

نَوَّرَ فِی قَلْبِهِ الْیَقِینُ .

قد تقدم الکلام فی النهی عن المنکر و کیفیة ترتیبه و کلام أمیر المؤمنین فی هذا الفصل مطابق (1) لما یقوله المتکلمون رحمهم الله.

و قد ذکرنا فیما تقدم و سنذکر فیما بعد من هذا المعنی ما یجب و کان النهی عن المنکر معروفا فی العرب فی جاهلیتها کان فی قریش حلف الفضول تحالفت قبائل منها علی أن یردعوا الظالم و ینصروا المظلوم و یردوا علیه حقه ما بل بحر صوفة و قد ذکرنا فیما تقدم

ص :305

380 [و من کلامه ع فی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر]

[فصل فی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر]

و نحن نذکر خلاصة ما یقوله أصحابنا فی النهی عن المنکر و نترک الاستقصاء فیه للکتب الکلامیة التی هی أولی ببسط القول فیها من هذا الکتاب.

قال أصحابنا الکلام فی ذلک یقع من وجوه منها وجوبه و منها طریق وجوبه و منها کیفیة وجوبه و منها شروط حسنه و منها شروط وجوبه و منها کیفیة إیقاعه و منها الکلام فی الناهی عن المنکر و منها الکلام فی النهی عن المنکر.

أما وجوبه فلا ریب فیه لأن المنکر قبیح کله و القبیح یجب ترکه فیجب النهی عنه.

و أما طریق وجوبه فقد قال الشیخ أبو هاشم رحمه الله إنه لا طریق إلی وجوبه إلا السمع و قد أجمع المسلمون علی ذلک و ورد به نص القرآن فی غیر موضع.

ص :307

381 [و من کلامه ع فی بیان مراتب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و أن الإنکار بالقلب و هو آخر المراتب لا بد منه علی کل حال]

وَ [رَوَی أَبُو جُحَیْفَةَ ]

عَنْ أَبِی جُحَیْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع یَقُولُ: [إِنَّ أَوَّلَ]

أَوَّلُ مَا تُغْلَبُونَ عَلَیْهِ مِنَ الْجِهَادِ الْجِهَادُ بِأَیْدِیکُمْ ثُمَّ بِأَلْسِنَتِکُمْ ثُمَّ بِقُلُوبِکُمْ فَمَنْ لَمْ یَعْرِفْ بِقَلْبِهِ مَعْرُوفاً وَ لَمْ یُنْکِرْ مُنْکَراً قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ وَ أَسْفَلُهُ أَعْلاَهُ .

إنما قال ذلک لأن الإنکار بالقلب آخر المراتب و هو الذی لا بد منه علی کل حال فأما الإنکار باللسان و بالید فقد یکون منهما بد و عنهما عذر فمن ترک النهی عن المنکر بقلبه و الأمر بالمعروف بقلبه فقد سخط الله علیه لعصیانه فصار کالممسوخ الذی یجعل الله تعالی أعلاه أسفله و أسفله أعلاه تشویها لخلقته و من یقول بالأنفس الجسمانیة و إنها بعد المفارقة یصعد بعضها إلی العالم العلوی و هی نفوس الأبرار و بعضها ینزل إلی المرکز و هی نفوس الأشرار یتأول هذا الکلام علی مذهبه فیقول إن من لا یعرف بقلبه معروفا أی لا یعرف من نفسه باعثا علیه و لا متقاضیا بفعله و لا ینکر بقلبه منکرا أی لا یأنف منه و لا یستقبحه و یمتعض من فعله یقلب نفسه التی قد کان سبیلها أن تصعد إلی عالمها فتجعل هاویة فی حضیض الأرض و ذلک عندهم هو العذاب و العقاب

ص :312

382 [و من کلامه ع فی ثقل الحق و حسن عاقبته و خفة الباطل و سوء عاقبته]

وَ قَالَ ع إِنَّ الْحَقَّ ثَقِیلٌ مَرِیءٌ وَ إِنَّ الْبَاطِلَ خَفِیفٌ وَبِیءٌ .

تقول مرؤ الطعام بالضم یمرؤ مراءة فهو مریء علی فعیل مثل خفیف و ثقیل و قد جاء مرئ الطعام بالکسر کما قالوا فقه الرجل و فقه و وبیء البلد بالکسر یوبأ وباءة فهو وبیء علی فعیل أیضا و یجوز فهو وبئ علی فعل مثل حذر و أشر.

یقول ع الحق و إن کان ثقیلا إلا أن عاقبته محمودة و مغبته صالحة و الباطل و إن کان خفیفا إلا أن عاقبته مذمومة و مغبته غیر صالحة فلا یحملن أحدکم حلاوة عاجل الباطل علی فعله فلا خیر فی لذة قلیلة عاجلة یتعقبها مضار عظیمة آجلة و لا یصرفن أحدکم عن الحق ثقله فإنه سیحمد عقبی ذلک کما یحمد شارب الدواء المر شربه فیما بعد إذا وجد لذة العافیة

ص :313

383 [و من کلامه ع فی النهی عن القطع علی مغیب أحد من الناس بأنه من أهل الجنة أو النار]

وَ قَالَ ع لاَ تَأْمَنَنَّ عَلَی خَیْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَذَابَ اللَّهِ لِقَوْلِهِ [سُبْحَانَهُ وَ]

تَعَالَی فَلاٰ یَأْمَنُ مَکْرَ اللّٰهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخٰاسِرُونَ (1) وَ لاَ تَیْأَسَنَّ لِشَرِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [لِقَوْلِهِ]

تَعَالَی إِنَّهُ لاٰ یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکٰافِرُونَ (2) .

هذا کلام ینبغی أن یحمل علی أنه أراد ع النهی عن القطع علی مغیب أحد من الناس و أنه لا یجوز لأحد أن یقول فلان قد نجا و وجبت له الجنة و لا فلان قد هلک و وجبت له النار و هذا القول حق لأن الأعمال الصالحة لا یحکم لصاحبها بالجنة إلا بسلامة العاقبة و کذلک الأعمال السیئة لا یحکم لصاحبها بالنار إلا أن مات علیها فأما الاحتجاج بالآیة الأولی فلقائل أن یقول إنها لا تدل علی ما أفتی ع به و ذلک لأن معناها أنه لا یجوز للعاصی أن یأمن مکر الله علی نفسه و هو مقیم علی عصیانه أ لا تری أن أولها أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُریٰ أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنٰا بَیٰاتاً وَ هُمْ نٰائِمُونَ أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُریٰ أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنٰا ضُحًی وَ هُمْ یَلْعَبُونَ أَ فَأَمِنُوا مَکْرَ اللّٰهِ فَلاٰ یَأْمَنُ مَکْرَ اللّٰهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخٰاسِرُونَ (3) و لیست دالة علی ما نحن

ص :314

384 [و من کلامه ع فی البخل و الشح]

385 [و من کلامه ع فی بیان أنواع الرزق]

وَ قَالَ ع یَا ابْنَ آدَمَ الرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ یَطْلُبُکَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاکَ فَلاَ تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِکَ عَلَی هَمِّ یَوْمِکَ کَفَاکَ [کُلَّ یَوْمٍ]

کُلُّ یَوْمٍ عَلَی مَا فِیهِ فَإِنْ تَکُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِکَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی سَیُؤْتِیکَ فِی کُلِّ غَدٍ جَدِیدٍ مَا قَسَمَ لَکَ وَ إِنْ لَمْ تَکُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِکَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِیمَا لَیْسَ لَکَ وَ [لَمْ یَسْبِقْکَ]

لَنْ یَسْبِقَکَ إِلَی رِزْقِکَ طَالِبٌ وَ لَنْ یَغْلِبَکَ عَلَیْهِ غَالِبٌ وَ لَنْ یُبْطِئَ عَنْکَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَکَ.

[قال و قد مضی هذا الکلام فیما تقدم من هذا الباب إلا أنه هاهنا أوضح و أشرح فلذلک کررناه علی القاعدة المقررة فی أول هذا الکتاب ]

قد تقدم القول فی معانی هذا الفصل و روی أن جماعة دخلوا علی الجنید فاستأذنوه فی طلب الرزق فقال إن علمتم فی أی موضع هو فاطلبوه قالوا فنسأل الله تعالی ذلک قال إن علمتم أنه ینساکم فذکروه قالوا فندخل البیت و نتوکل و ننتظر ما یکون فقال التوکل علی التجربة شک قالوا فما الحیلة قال ترک الحیلة.

و روی أن رجلا لازم باب عمر فضجر منه فقال له یا هذا هاجرت إلی الله تعالی أم إلی باب عمر اذهب فتعلم القرآن فإنه سیغنیک عن باب عمر فذهب الرجل

ص :319

386 [و من کلامه ع فی بیان سرعة الأجل و عدم الاغترار بالدنیا]

وَ قَالَ ع رُبَّ مُسْتَقْبِلٍ یَوْماً لَیْسَ بِمُسْتَدْبِرِهِ وَ مَغْبُوطٍ فِی أَوَّلِ لَیْلِهِ قَامَتْ بَوَاکِیهِ فِی آخِرِهِ (1) .

مثل هذا قول الشاعر یا راقد اللیل مسرورا بأوله إن الحوادث قد یطرقن أسحارا.

و مثله لا یغرنک عشاء ساکن قد یوافی بالمنیات السحر

ص :321

387 [و من کلامه ع فی مدح الصمت و ذم الکلام الکثیر]

وَ قَالَ ع الْکَلاَمُ فِی وَثَاقِکَ مَا لَمْ تَتَکَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَکَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِی وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَکَ کَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَکَ وَ وَرِقَکَ فَرُبَّ کَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَ جَلَبَتْ نِقْمَةً .

قد تقدم القول فی مدح الصمت و ذم الکلام الکثیر.

و کان یقال لا خیر فی الحیاة إلا لصموت واع أو ناطق محسن.

و قیل لحذیفة قد أطلت سجن لسانک فقال لأنه غیر مأمون [إذا أطلق]

(1) .

و من أمثال العرب رب کلمة تقول دعنی.

و قالوا أصلها أن بعض ملوک الحیرة کان قد استراب ببعض خوله فنزل یوما و هو یتصید علی تلعة و نزل أصحابه حوله فأفاضوا فی حدیث کثیر فقال ذلک الإنسان أ تری لو أن رجلا ذبح علی رأس هذه التلعة هل کان یسیل دمه إلی أول الغائط فقال الملک هلموا فاذبحوه لننظر فذبحوه فقال الملک رب کلمة تقول دعنی.

و قال أکثم بن صیفی من إکرام الرجل نفسه ألا یتکلم بکل ما یعلم.

و تذاکر قوم من العرب و فیهم رجل باهلی ساکت فقیل له بحق ما سمیتم خرس العرب (2) فقال أ ما علمتم أن لسان المرء لغیره و سمعه لنفسه

ص :322

388 [و من کلامه ع فی النهی عن الکذب أو القول ما لا یأمن من کونه کذبا]

وَ قَالَ ع لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ بَلْ لاَ تَقُلْ کُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ [سُبْحَانَهُ قَدْ]

فَرَضَ عَلَی جَوَارِحِکَ کُلِّهَا فَرَائِضَ یَحْتَجُّ بِهَا عَلَیْکَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ .

هذا نهی عن الکذب و أن تقول ما لا تأمن من کونه کذبا فإن الأمرین کلیهما قبیحان عقلا عند أصحابنا.

فإن قلت کیف یقول أصحابکم أن الخبر الذی لا یأمن کونه کذبا قبیح و الناس یستحسنون الأخبار عن المظنون (1) قلت إذا قال الإنسان زید فی الدار و هو یظنه فی الدار و لا یقطع علیه فإن الحسن منه أن یخبر عن ظنه کأن یقول أخبر عن أنی أظن أن زیدا فی الدار و إذا کان هذا هو تقدیره فالخبر إذن خبر عن معلوم لا عن مظنون لأنه قاطع علی أنه ظان أن زیدا فی الدار.

فأما إذا فرض الخبر لا علی هذا الوجه بل علی القطع بأن زیدا فی الدار و هو لا یقطع علی أن زیدا فی الدار فقد أخبر بخبر لیس علی ما أخبر به عنه لأنه أخبر عن أنه قاطع و لیس بقاطع فکان قبیحا

ص :323

389 [و من کلامه ع فی الابتعاد عن أماکن المعصیة و الحضور فی أماکن الطاعة و عدم التجرأ علی فعل المعصیة طمعا فی المغفرة و العفو العام]

وَ قَالَ ع احْذَرْ أَنْ یَرَاکَ اللَّهُ عِنْدَ مَعْصِیَتِهِ وَ یَفْقِدَکَ عِنْدَ طَاعَتِهِ فَتَکُونَ مِنَ الْخَاسِرِینَ وَ إِذَا قَوِیتَ فَاقْوَ عَلَی طَاعَةِ اللَّهِ وَ إِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِیَةِ اللَّهِ .

من علم یقینا أن الله تعالی یراه عند معصیته کان أجد الناس أن یجتنبها کما إذا علمنا یقینا أن الملک یری الواحد منا و هو یراود جاریته عن نفسها أو یحادث ولده لیفجر به و لکن الیقین فی البشر ضعیف جدا أو أنهم أحمق الحیوان و أجهله و بحق أقول إنهم إن اعتقدوا ذلک اعتقادا لا یخالطه الشک ثم واقعوا المعصیة و عندهم عقیدة أخری ثابتة أن العقاب لاحق بمن عصی فإن الإبل و البقر أقرب إلی الرشاد منهم.

و أقول إن الذی جرأ الناس علی المعصیة الطمع فی المغفرة و العفو العام و قولهم الحلم و الکرم و الصفح من أخلاق ذوی النباهة و الفضل من الناس فکیف لا یکون من الباری سبحانه عفو عن الذنوب.

و ما أحسن قول شیخنا أبی علی رحمه الله لو لا القول بالإرجاء لما عصی الله فی الأرض

ص :324

390 [و من کلامه ع فی الدنیا و حمق من یرکن إلیها مع معاینة غدرها]

وَ قَالَ ع الرُّکُونُ إِلَی الدُّنْیَا مَعَ مَا تُعَایِنُ مِنْهَا جَهْلٌ وَ التَّقْصِیرُ فِی حُسْنِ الْعَمَلِ إِذَا وَثِقْتَ بِالثَّوَابِ عَلَیْهِ غَبْنٌ وَ الطُّمَأْنِینَةُ إِلَی کُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ الاِخْتِبَارِ لَهُ عَجْزٌ .

قد تقدم الکلام فی الدنیا و حمق من یرکن إلیها مع معاینة غدرها و قلة وفائها و نقضها عهودها و قتلها عشاقها.

و لا ریب أن الغبن و أعظم الغبن هو التقصیر فی الطاعة مع یقین الثواب علیها و أما الطمأنینة إلی من لم یعرف و لم یختبر فإنها عجز کما قال ع یعنی عجزا فی العقل و الرأی فإن الوثوق مع التجربة فیه ما فیه فکیف قبل التجربة.

و قال الشاعر و کنت أری أن التجارب عدة فخانت ثقات الناس حین التجارب

ص :325

391 [و من کلامه ع فی بیان حال الدنیا و هوانها و اغترار الناس بها]

392 [و من کلامه ع فی التفاخر بالأنساب و قد أبطأ العمل]

وَ قَالَ ع مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ یُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ:وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی:مَنْ فَاتَهُ حَسَبُ نَفْسِهِ لَمْ یَنْفَعْهُ حَسَبُ آبَائِهِ .

قد تقدم مثل هذا و قد ذکرنا ما عندنا فیه و قال الشاعر لئن فخرت بآباء ذوی حسب لقد صدقت و لکن بئس ما ولدوا.

و کان یقال أجهل الناس من افتخر بالعظام البالیة و تبجح بالقرون الماضیة و اتکل علی الأیام الخالیة.

و کان یقال من طریف الأمور حی یتکل علی میت.

و کان یقال ضعة الدنیء فی نفسه و الرفیع فی أصله أقبح من ضعة الوضیع فی نفسه و أصله لأن هذا تشبه بآبائه و سلفه و ذاک قصر عن أصله و سلفه فهو إلی الملامة أقرب و عن العذر أبعد.

افتخر شریف بأبیه فقال خصمه لو وفقت لما ذکرت أباک لأنه حجة علیک تنادی بنقصک و تقر بتخلفک.

کان جعفر بن یحیی یقول لیس من الکرام من افتخر بالعظام.

و قال الفضل بن الربیع کفی بالمرء عارا أن یفتخر بغیره.

ص :331

393 [و من کلامه ع فی الوصول إلی الحاجة بعد الجد و المثابرة]

وَ قَالَ ع مَنْ طَلَبَ شَیْئاً نَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ .

هذا مثل قولهم من طلب و جد وجد.

و قال بعض الحکماء ما لازم أحد باب الملک فاحتمل الذل و کظم الغیظ و رفق بالبواب و خالط الحاشیة إلا وصل إلی حاجته من الملک

ص :334

394 [و من کلامه ع فی أن الخیر لا تعقبه النار و أن الشر لا تعقبه الجنة]

وَ قَالَ ع مَا خَیْرٌ بِخَیْرٍ بَعْدَهُ اَلنَّارُ وَ مَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ اَلْجَنَّةُ وَ کُلُّ نَعِیمٍ دُونَ اَلْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ وَ کُلُّ بَلاَءٍ دُونَ اَلنَّارِ عَافِیَةٌ .

موضع بعده النار رفع لأنه صفة خیر الذی بعد ما و خیر یرفع لأنه اسم ما و موضع الجار و المجرور نصب لأنه خبر ما و الباء زائدة مثلها فی قولک ما أنت بزید کما تزاد فی خبر لیس و التقدیر ما خیر تتعقبه النار بخیر کما تقول ما لذة تتلوها نغصة بلذة و لا ینقدح فی ما الوجهان اللذان ذکرهما أرباب الصناعة النحویة فی لا فی قولهم لا خیر بخیر بعده النار أحدهما ما ذکرناه فی ما و الآخر أن یکون موضع بعده النار جرا لأنه صفة خیر المجرور و یکون معنی الباء معنی فی کقولک زید بالدار و فی الدار و یصیر تقدیر الکلام لا خیر فی خیر تعقبه النار و ذلک أن ما تستدعی خبرا موجودا فی الکلام بخلاف لا فإن خبرها محذوف فی مثل قولک لا إله إلا الله و نحوه أی فی الوجود أو لنا أو ما أشبه ذلک و إذا جعلت بعده صفة خیر المجرور لم یبق معک ما تجعله خبر ما.

و أیضا فإن معنی الکلام یفسد فی ما بخلاف لا لأن لا لنفی الجنس فکأنه

ص :335

395 [و من کلامه ع فی الفاقة و الغنی و المرض و العافیة]

وَ قَالَ ع أَلاَ وَ إِنَّ مِنَ الْبَلاَءِ الْفَاقَةَ وَ أَشَدُّ مِنَ الْفَاقَةِ مَرَضُ الْبَدَنِ وَ أَشَدُّ مِنْ مَرَضِ الْبَدَنِ مَرَضُ الْقَلْبِ أَلاَ وَ إِنَّ [مِنَ النِّعَمِ سَعَةَ الْمَالِ وَ أَفْضَلُ مِنْ سَعَةِ الْمَالِ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَ أَفْضَلُ]

مِنْ صِحَّةِ الْبَدَنِ تَقْوَی الْقَلْبِ .

قد تقدم الکلام فی الفاقة و الغنی فأما المرض و العافیة

4834

ففی الحدیث المرفوع إلیک انتهت الأمانی یا صاحب العافیة.

فأما مرض القلب و صحته فالمراد به التقوی و ضدها و قد سبق القول فی ذلک.

و قال أحمد بن یوسف الکاتب المال للمرء فی معیشته

ص :337

396 [و من کلامه ع فی تقسیم المؤمن العاقل الوقت إلی ثلاث أقسام]

وَ قَالَ ع لِلْمُؤْمِنِ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ فَسَاعَةٌ یُنَاجِی فِیهَا رَبَّهُ وَ سَاعَةٌ یَرُمُّ [فِیهَا مَعَایِشَهُ]

مَعَاشَهُ وَ سَاعَةٌ یُخَلِّی [فِیهَا]

بَیْنَ نَفْسِهِ وَ بَیْنَ لَذَّتِهَا فِیمَا یَحِلُّ وَ یَجْمُلُ وَ لَیْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ یَکُونَ شَاخِصاً إِلاَّ فِی ثَلاَثٍ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ خُطْوَةٍ فِی مَعَادٍ أَوْ لَذَّةٍ فِی غَیْرِ مُحَرَّمٍ .

تقدیر الکلام ینبغی أن یکون زمان العاقل مقسوما ثلاثة أقسام.

و یرم معاشه یصلحه و شاخصا راحلا و خطوة فی معاد یعنی فی عمل المعاد و هو العبادة و الطاعة.

و کان شیخنا أبو علی رحمه الله یقسم زمانه علی ما أصف لک کان یصلی الصبح و الکواکب طالعة و یجلس فی محرابه للذکر و التسبیح إلی بعد طلوع الشمس بقلیل ثم یتکلم مع التلامذة و طلبة العلم إلی ارتفاع النهار ثم یقوم فیصلی الضحی ثم یجلس فیتمم البحث مع التلامذة إلی أن یؤذن للظهر فیصلیها بنوافلها ثم یدخل إلی أهله فیصلح شأنه و یقضی حوائجه ثم یخرج للعصر فیصلیها بنوافلها و یجلس مع التلامذة إلی المغرب فیصلیها و یصلی العشاء ثم یشتغل بالقرآن إلی ثلث اللیل ثم ینام الثلث الأوسط ثم یقعد فیصلی الثلث الأخیر کله إلی الصبح

ص :338

397 [و من کلامه ع فی الزهد فی الدنیا و جعل جزاء الشرط تبصیر الله تعالی عورات الدنیا]

وَ قَالَ ع ازْهَدْ فِی الدُّنْیَا یُبَصِّرْکَ اللَّهُ عَوْرَاتِهَا وَ لاَ تَغْفُلْ فَلَسْتَ بِمَغْفُولٍ عَنْکَ .

أمره بالزهد فی الدنیا و جعل جزاء الشرط تبصیر الله تعالی له عورات الدنیا و هذا حق لأن الراغب فی الدنیا عاشق لها و العاشق لا یری عیب معشوقه کما قال القائل و عین الرضا عن کل عیب کلیلة و لکن عین السخط تبدی المساویا (1) فإذا زهد فیها فقد سخطها و إذا سخطها أبصر عیوبها مشاهدة لا روایة .

ثم نهاه عن الغفلة و قال له إنک غیر مغفول عنک فلا تغفل أنت عن نفسک فإن أحق الناس و أولاهم ألا یغفل عن نفسه من لیس بمغفول عنه و من علیه رقیب شهید یناقشه علی الفتیل و النقیر (2)

ص :339

398 [و من کلامه ع فی معرفة قیمة الإنسان فی کلامه]

وَ قَالَ ع تَکَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ .

هذه إحدی کلماته ع التی لا قیمة لها و لا یقدر قدرها و المعنی قد تداوله الناس قال و کائن تری من صامت لک معجب

و کان یحیی بن خالد یقول ما جلس إلی أحد قط إلا هبته حتی یتکلم فإذا تکلم إما أن تزداد الهیبة أو تنقص

ص :340

399 [و من کلامه ع فی الطیب]

400 [و من کلامه ع فی العجب و الکبر و الفخر]

401 [و من کلامه ع فی القناعة بالرزق و الإجمال فی الطلب]

وَ قَالَ ع خُذْ مِنَ الدُّنْیَا مَا أَتَاکَ وَ تَوَلَّ عَمَّا تَوَلَّی عَنْکَ فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَأَجْمِلْ فِی الطَّلَبِ .

کان یقال اجعل الدنیا کغریم السوء حصل منه ما یرضخ لک به و لا تأس علی ما دفعک عنه ثم قال ع فإن لم تفعل فأجمل فی الطلب و هی

4852

من الألفاظ النبویة لن تموت نفس حتی تستکمل رزقها فأجملوا فی الطلب.

قیل لبعض الحکماء ما الغنی فقال قلة تمنیک و رضاک بما یکفیک

ص :358

402 [و من کلامه ع فی أن بعض القول کالسهم فی نفاذه و قوته]

وَ قَالَ ع رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ .

قد قیل هذا المعنی کثیرا فمنه قولهم و القول ینفذ ما لا تنفذ الإبر.

و من ذلک القول لا تملکه إذا نما کالسهم لا تملکه إذا رمی و قال الشاعر و قافیة مثل حد السنان

و قال محمود الوراق أتانی منک ما لیس

ص :359

403 [و من کلامه ع فی القناعة]

وَ قَالَ ع کُلُّ مُقْتَصَرٍ عَلَیْهِ کَافٍ .

هذا من باب القناعة و إن من اقتصر علی شیء و قنعت به نفسه فقد کفاه و قام مقام الفضول التی یرغب فیها المترفون و قد تقدم القول فی ذلک

ص :361

404 [و من کلامه ع فی الرضا بالمنیة دون الدنیة و الرضا بالتقلل دون التوسل]

وَ قَالَ ع الْمَنِیَّةُ وَ لاَ الدَّنِیَّةُ وَ التَّقَلُّلُ وَ لاَ التَّوَسُّلُ .

قد تقدم من کلامنا فی هذا الباب شیء کثیر و قال الشاعر أقسم بالله لمص النوی

و قال أیضا لمص الثماد و خرط القتاد

قلت لحاه الله هلا قال بأیدی الرجال

ص :362

405 [و من کلامه ع فی قسمة الله تعالی الأرزاق]

وَ قَالَ ع مَنْ لَمْ یُعْطَ قَاعِداً لَمْ یُعْطَ قَائِماً .

مراده أن الرزق قد قسمه الله تعالی فمن لم یرزقه قاعدا لم یجب علیه القیام و الحرکة.

و قد جاء

4853

14- فی الحدیث أنه ص ناول أعرابیا تمرة و قال له خذها فلو لم تأتها لأتتک .

و قال الشاعر جری قلم القضاء بما یکون

ص :363

406 [و من کلامه ع فی أنواع الدهر و الزمان]

وَ قَالَ ع الدَّهْرُ یَوْمَانِ یَوْمٌ لَکَ وَ یَوْمٌ عَلَیْکَ فَإِذَا کَانَ لَکَ فَلاَ تَبْطَرْ وَ إِذَا کَانَ عَلَیْکَ فَاصْبِرْ .

قدیما قیل هذا المعنی الدهر یومان یوم بلاء و یوم رخاء و الدهر ضربان حبرة و عبرة و الدهر وقتان وقت سرور و وقت ثبور (1) .

و قال أبو سفیان یوم أحد یوم بیوم بدر و الدنیا دول.

قال ع فإذا کان لک فلا تبطر و إذا کان علیک فاصبر .

قد تقدم القول فی ذم البطر و مدح الصبر و یحمل ذم البطر هاهنا علی محملین أحدهما البطر بمعنی الأشر و شدة المرح بطر الرجل بالکسر یبطر و قد أبطره المال و قالوا بطر فلان معیشته کما قالوا رشد فلان أمره و الثانی البطر بمعنی الحیرة و الدهش أی إذا کان الوقت لک فلا تقطعن زمانک بالحیرة و الدهش عن شکر الله و مکافأة النعمة بالطاعة و العبادة و المحمل الأول أوضح

ص :364

407 [و من کلامه ع فی رسالة الحقوق بین الأولاد و الآباء]

408 [و من کلامه ع فی العین و السحر و الفأل و العدوی و الطیرة]

[نکت فی مذاهب العرب و تخیلاتها]

و سنذکر هاهنا نکتا ممتعة من مذاهب العرب و تخیلاتها لأن الموضع قد ساقنا إلیه أنشد هشام بن الکلبی لأمیة بن أبی الصلت سنة أزمة تبرح بالناس

یروی أن عیسی بن عمر قال ما أدری معنی هذا البیت و یقال إن الأصمعی صحف فیه فقال و غالت البیقورا بالغین المعجمة و فسره غیره فقال عالت بمعنی أثقلت البقر بما حملتها من السلع و العشر و البیقور البقر و عائل غالب أو مثقل و کانت العرب إذا أجدبت و أمسکت السماء عنهم و أرادوا أن یستمطروا عمدوا إلی السلع و العشر فحزموهما و عقدوهما فی أذناب البقر و أضرموا فیها النیران و أصعدوها فی جبل وعر و اتبعوها یدعون الله و یستسقونه و إنما یضرمون النیران فی أذناب البقر تفاؤلا للبرق بالنار و کانوا یسوقونها نحو المغرب من دون الجهات و قال أعرابی شفعنا ببیقور إلی هاطل الحیا

ص :382