ص :2

وَ لِغَیْرِهَا خُلِقْتُمْ أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمْ وَ الْمُصَلَّی عَلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ وَ الْمَدْعُوُّ لَهُ الْخَلِیفَةُ (1) وَ الْأَمِیرُ جَعْفَرُ بْنُ سُلَیْمَانَ .

و ذکر غیره الزیادة التی فی کلام أمیر المؤمنین ع و هی أن المرء إذا هلک إلی آخر الکلام.

و أکثر الناس علی أن هذا الکلام لأمیر المؤمنین ع .

و یجوز أن یکون الأعرابی حفظه فأورده کما یورد الناس کلام غیرهم.

قوله ع دار مجاز أی یجاز فیها إلی الآخرة و منه سمی المجاز فی الکلام مجازا لأن المتکلم قد عبر الحقیقة إلی غیرها کما یعبر الإنسان من موضع إلی موضع.

و دار القرار دار الاستقرار الذی لا آخر له.

فخذوا من ممرکم

أی من الدنیا لمقرکم و هو الآخرة.

قوله ع قال الناس ما ترک یرید أن بنی آدم مشغولون بالعاجلة لا یفکرون فی غیرها و لا یتساءلون إلاّ عنها فإذا هلک أحدکم فإنما قولهم بعضهم لبعض ما الذی ترک فلان من المال ما الذی خلف من الولد و أمّا الملائکة فإنهم یعرفون الآخرة و لا تستهویهم شهوات الدنیا و إنّما هم مشغولون بالذکر و التسبیح فإذا هلک الإنسان قالوا ما قدم أی أی شیء قدم من الأعمال.

ثمّ أمرهم ع بأن یقدموا من أموالهم بعضها صدقة فإنها تبقی لهم و نهاهم أن یخلفوا أموالهم کلها بعد موتهم فتکون وبالا علیهم فی الآخرة

ص :4

و العقبة الکئود الشاقة المصعد و دائبة جادة و المخلب للسبع بمنزلة الظفر للإنسان.

و أفظع الأمر فهو مفظع إذا جاوز المقدار شدة.

و مضلعات المحذور

الخطوب التی تضلع أی تجعل الإنسان ضلیعا أی معوجا و الماضی ضلع بالکسر یضلع ضلعا.

و من رواها بالظاء أراد الخطوب التی تجعل الإنسان ظالعا أی یغمز فی مشیه لثقلها علیه و الماضی ظلع بالفتح یظلع ظلعها فهو ظالع

ص :6

ثُمَّ قَالَ ع رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً رَأَی حَقّاً فَأَعَانَ عَلَیْهِ أَوْ رَأَی جَوْراً فَرَدَّهُ وَ کَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَی صَاحِبِهِ .

نقمت علیه بالفتح أنقم هذه اللغة الفصیحة و جاء نقمت بالکسر أنقم.

و أرجأتما

أخرتما أی نقمتما من أحوالی الیسیر و ترکتما الکثیر الذی لیس لکما و لا لغیرکما فیه مطعن فلم تذکراه فهلا اغتفرتما الیسیر للکثیر.

و لیس هذا اعترافا بأن ما نقماه موضع الطعن و العیب و لکنه علی جهة الجدل و الاحتجاج کما تقول لمن یطعن فی بیت من شعر شاعر مشهور لقد ظلمته إذ تتعلق علیه بهذا البیت و تنسی ما له من المحاسن الکثیرة فی غیره.

ثمّ ذکر وجوه العتاب و الاسترادة (1) و هی أقسام إمّا أن یکون لهما حقّ یدفعهما عنه أو استأثر علیهما فی قسم أو ضعف عن السیاسة أو جهل حکما من أحکام الشریعة أو أخطأ بابه.

فإن قلت أی فرق بین الأول و الثانی قلت أما دفعهما عن حقهما فمنعهما عنه سواء صار إلیه ع أو إلی غیره أو لم یصر إلی أحد بل بقی بحاله فی بیت المال.

ص :8

و أمّا القسم الثانی فهو أن یأخذ حقهما لنفسه و بین القسمین فرق ظاهر و الثانی أفحش من الأول.

فإن قلت فأی فرق بین قوله أم جهلته أو أخطأت بابه .

قلت جهل الحکم أن یکون اللّه تعالی قد حکم بحرمة شیء فأحله الإمام أو المفتی و کونه یخطئ بابه هو أن یصیب فی الحکم و یخطئ فی الاستدلال علیه .

ثمّ أقسم أنّه لم یکن له فی الخلافة رغبة و لا إربة بکسر الهمزة و هی الحاجة و صدق ع فهکذا نقل أصحاب التواریخ و أرباب علم السیر کلهم و

2458

1- رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ وَ رَوَاهُ غَیْرُهُ أَیْضاً إِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ وَ تَکَاثَرُوا عَلَیْهِ یَطْلُبُونَ مُبَایَعَتَهُ وَ هُوَ یَأْبَی ذَلِکَ وَ یَقُولُ دَعُونِی وَ الْتَمِسُوا غَیْرِی فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ لاَ تَثْبُتُ عَلَیْهِ الْعُقُولُ وَ لاَ تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ قَالُوا نَنْشُدُکَ اللَّهَ أَ لاَ تَرَی الْفِتْنَةَ أَ لاَ تَرَی إِلَی مَا حَدَثَ فِی اَلْإِسْلاَمِ أَ لاَ تَخَافُ اللَّهَ فَقَالَ قَدْ أَجَبْتُکُمْ لَمَّا أَرَی مِنْکُمْ وَ اعْلَمُوا أَنِّی إِنْ أَجَبْتُکُمْ رَکِبْتُ بِکُمْ مَا أَعْلَمُ وَ إِنْ تَرَکْتُمُونِی فَإِنَّمَا أَنَا کَأَحَدِکُمْ بَلْ أَنَا أَسْمَعُکُمْ وَ أَطْوَعُکُمْ لِمَنْ وَلَّیْتُمُوهُ أَمْرَکُمْ إِلَیْهِ فَقَالُوا مَا نَحْنُ بِمُفَارِقِیکَ حَتَّی نُبَایِعَکَ قَالَ إِنْ کَانَ لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِکَ فَفِی اَلْمَسْجِدِ فَإِنَّ بَیْعَتِی لاَ تَکُونُ خَفْیاً وَ لاَ تَکُونُ إِلاَّ عَنْ رِضَا اَلْمُسْلِمِینَ وَ فِی مَلَإٍ وَ جَمَاعَةٍ فَقَامَ وَ النَّاسُ حَوْلَهُ فَدَخَلَ اَلْمَسْجِدَ وَ انْثَالَ عَلَیْهِ اَلْمُسْلِمُونَ فَبَایَعُوهُ وَ فِیهِمْ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ (1)

.

قلت قوله إن بیعتی لا تکون خفیا و لا تکون إلاّ فی المسجد بمحضر من جمهور الناس یشابه

2459

1- قَوْلُهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص لِلْعَبَّاسِ لَمَّا سَامَهُ مَدَّ یَدِهِ لِلْبَیْعَةِ إِنِّی أُحِبُّ أَنْ أُصْحِرَ بِهَا (2) وَ أَکْرَهُ أَنْ أُبَایِعَ مِنْ وَرَاءِ رِتَاجٍ .

ص :9

ثم ذکر ع أنّه لما بویع عمل بکتاب اللّه و سنة رسوله و لم یحتج إلی رأیهما و لا رأی غیرهما و لم یقع حکم یجهله فیستشیرهما و لو وقع ذلک لاستشارهما و غیرهما و لم یأنف من ذلک.

ثمّ تکلم فی معنی التنفیل فی العطاء فقال إنی عملت بسنة رسول اللّه ص فی ذلک و صدق ع فإن رسول اللّه ص سوی فی العطاء بین الناس و هو مذهب لأبی بکر .

و العتبی الرضا أی لست أرضیکما بارتکاب ما لا یحل لی فی الشرع ارتکابه و الضمیر فی صاحبه و هو الهاء المجرورة یرجع إلی الجور أی و کان عونا بالعمل علی صاحب الجور

مِنْ قَبْلُ قَالَ وَ إِنْ تُوَلُّوهَا عَلِیّاً تَجِدُوهُ هَادِیاً مَهْدِیّاً.

إلاّ أنّه لیس الخبر کالعیان و لا القول کالفعل و لا الوعد کالإنجاز و حالا عنه و تنکرا له و وقعا فیه و عاباه و غمصاه (1) و تطلبا له العلل و التأویلات و تنقما علیه الاستبداد و ترک المشاورة و انتقلا من ذلک إلی الوقیعة فیه بمساواة الناس فی قسمة المال و أثنیا علی عمر و حمدا سیرته و صوبا رأیه و قالا إنّه کان یفضل أهل السوابق و ضللا علیا ع فیما رآه و قالا إنّه أخطأ و إنّه خالف سیرة عمر و هی السیرة المحمودة التی لم تفضحها النبوّة مع قرب عهدنا منها و اتصالها بها و استنجدا علیه بالرؤساء من المسلمین کان عمر یفضلهم و ینفلهم (2) فی القسم علی غیرهم و الناس أبناء الدنیا و یحبون اَلْمٰالَ حُبًّا جَمًّا فتنکرت علی أمیر المؤمنین ع بتنکرهما قلوب کثیرة و نغلت (3) علیه نیات کانت من قبل سلیمة و لقد کان عمر موفقا حیث منع قریشا و المهاجرین و ذوی السوابق من الخروج من المدینة و نهاهم عن مخالطة الناس و نهی الناس عن مخالطتهم و رأی أن ذلک أس الفساد فی الأرض و أن الفتوح و الغنائم قد أبطرت المسلمین و متی بعد الرءوس و الکبراء منهم عن دار الهجرة و انفردوا بأنفسهم و خالطهم الناس فی البلاد البعیدة لم یأمن أن یحسنوا لهم الوثوب و طلب الإمرة و مفارقة الجماعة و حل نظام الألفة و لکنه رضی اللّه عنه نقض هذا الرأی السدید بما فعله بعد طعن لأبی لؤلؤة له من أمر الشوری فإن ذلک کان سبب کل فتنة وقعت و تقع إلی أن تنقضی الدنیا و قد قدمنا ذکر ذلک و شرحنا ما أدی إلیه أمر الشوری من الفساد بما حصل فی نفس کل من الستة من ترشیحه للخلافة.

ص :11

2462

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ قَالَ کَانَ عُمَرُ قَدْ حَجَرَ عَلَی أَعْلاَمِ قُرَیْشٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ الْخُرُوجَ فِی الْبُلْدَانِ إِلاَّ بِإِذْنٍ وَ أَجَلٍ فَشَکَوْهُ فَبَلَغَهُ فَقَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ أَلاَ إِنِّی قَدْ سَنَنْتُ اَلْإِسْلاَمَ سِنَّ الْبَعِیرِ یَبْدَأُ فَیَکُونُ جَذَعاً ثُمَّ ثَنِیّاً (1) ثُمَّ یَکُونُ رَبَاعِیاً (2) ثُمَّ سَدِیساً ثُمَّ بَازِلاً (3) أَلاَ فَهَلْ یُنْتَظَرُ بِالَبَازِلِ إِلاَّ النُّقْصَانُ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْإِسْلاَمَ قَدْ صَارَ بَازِلاً وَ إِنَّ قُرَیْشاً یُرِیدُونَ أَنْ یَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ مَعُونَاتٍ عَلَی مَا فِی أَنْفُسِهِمْ أَلاَ إِنَّ فِی قُرَیْشٍ مَنْ یُضْمِرُ الْفُرْقَةَ وَ یَرُومُ خَلْعَ الرِّبْقَةِ أَمَّا وَ اِبْنُ الْخَطَّابِ حَیٌّ فَلاَ إِنِّی قَائِمٌ دُونَ شِعْبِ الْحَرَّةِ آخِذٌ بِحَلاقِیمِ قُرَیْشٍ وَ حُجَزِهَا أَنْ یَتَهَافَتُوا فِی اَلنَّارِ .

وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ أَیْضاً فَلَمَّا وُلِّیَ عُثْمَانُ لَمْ یَأْخُذْهُمْ بِالَّذِی کَانَ عُمَرُ یَأْخُذُهُمْ بِهِ فَخَرَجُوا إِلَی الْبِلاَدِ فَلَمَّا نَزَلُوهَا وَ رَأَوُا الدُّنْیَا وَ رَآهُمْ النَّاسُ خَمَلَ مَنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ طَولٌ وَ لاَ قَدَمٌ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ نَبُهَ أَصْحَابُ السَّوَابِقِ وَ الْفَضْلِ فَانْقَطَعَ إِلَیْهِمْ النَّاسُ وَ صَارُوا أَوْزَاعاً مَعَهُمْ وَ أَمَّلُوهُمْ وَ تَقَرَّبُوا إِلَیْهِمْ وَ قَالُوا یَمْلِکُونَ فَیَکُونُ لَنَا فِی مُلْکِهِمْ حُظْوَةٌ فَکَانَ ذَلِکَ أَوَّلَ وَهَنٍ عَلَی اَلْإِسْلاَمِ وَ أَوَّلَ فِتْنَةٍ کَانَتْ فِی الْعَامَّةِ.

وَ رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِیُّ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ لَمْ یَمُتْ عُمَرُ حَتَّی مَلَّتْهُ قُرَیْشٌ وَ قَدْ کَانَ حَصَرَهُمْ بِالْمَدِینَةِ وَ سَأَلُوهُ أَنْ یَأْذَنَ لَهُمْ فِی الْخُرُوجِ إِلَی الْبِلاَدِ فَامْتَنَعَ عَلَیْهِمْ وَ قَالَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَی هَذِهِ الْأُمَّةِ انْتِشَارُکُمْ فِی الْبِلاَدِ حَتَّی إِنَّ الرَّجُلَ کَانَ یَسْتَأْذِنُهُ فِی غَزْوِ اَلرُّومِ أَوِ اَلْفُرْسِ وَ هُوَ مِمَّنْ حَبَسَهُ بِالْمَدِینَةِ مِنْ قُرَیْشٍ وَ لاَ سِیَّمَا مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ فَیَقُولُ لَهُ إِنَّ لَکَ فِی غَزْوِکَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص مَا یَکْفِیکَ وَ یَبْلُغُکَ وَ یُحْسِبُکَ (4) وَ هُوَ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الْغَزْوِ الْیَوْمِ وَ إِنْ خَیْراً لَکَ أَلاَ تَرَی الدُّنْیَا وَ لاَ تَرَاکَ.

ص :12

فلما مات عمر و ولی عثمان خلی عنهم فانتشروا فی البلاد و اضطربوا و انقطع إلیهم الناس و خالطوهم فلذلک کان عثمان أحب إلی قریش من عمر .

فقد بان لک حسن رأی عمر فی منع المهاجرین و أهل السابقة من قریش من مخالطة الناس و الخروج من المدینة و بان لک أن عثمان أرخی لهم فی الطول (1) فخالطهم الناس و أفسدوهم و حببوا إلیهم الملک و الإمرة و الرئاسة لا سیما مع الثروة العظیمة التی حصلت لهم و الثراء مفسدة و أی مفسدة و حصل لطلحة و الزبیر من ذلک ما لم یحصل لغیرهما ثروة و یسارا و قدما فی الإسلام و صار لهما لفیف عظیم من المسلمین یمنونهما الخلافة و یحسنون لهما طلب الإمرة لا سیما و قد رشحهما عمر لها و أقامهما مقام نفسه فی تحملها و أی امرئ منی بها قط نفسه ففارقها حتّی یغیب فی اللحد و لا سیما طلحة قد کان یحدث بها نفسه و أبو بکر حی و یروم أن یجعلها فیه بشبهة أنّه ابن عمه و سخط خلافة عمر و قال لأبی بکر ما تقول لربک و قد ولیت علینا فظا غلیظا و کان له فی أیام عمر قوم یجلسون إلیه و یحادثونه سرا فی معنی الخلافة و یقولون له لو مات عمر لبایعناک بغتة جلب الدهر علینا ما جلب و بلغ ذلک عمر فخطب الناس بالکلام المشهور أن قوما یقولون إن بیعة لأبی بکر کانت فلتة و إنّه لو مات عمر لفعلنا و فعلنا أما إن بیعة لأبی بکر کانت فلتة إلاّ أن اللّه وقی شرها و لیس فیکم من تقطع إلیه الرقاب کأبی بکر فأی امرئ بایع امرأ من غیر مشورة من المسلمین فإنهما بغرة أن یقتلا فلما صارت إلی عثمان سخطها طلحة بعد أن کان رضیها و أظهر ما فی نفسه و ألب علیه حتّی قتل و لم یشک أن الأمر له فلما صارت إلی علی ع حدث منه ما حدث و آخر الدواء الکی.

و أما الزبیر فلم یکن إلاّ علوی الرأی شدید الولاء جاریا من الرجل مجری نفسه.

ص :13

2463

1,15- وَ یُقَالُ إِنَّهُ ع لَمَّا اسْتَنْجَدَ بِالْمُسْلِمِینَ عَقِیبَ یَوْمِ السَّقِیفَةِ وَ مَا جَرَی فِیهِ وَ کَانَ یَحْمِلُ فَاطِمَةَ ع لَیْلاً عَلَی حِمَارٍ وَ ابْنَاهَا بَیْنَ یَدَیِ الْحِمَارِ وَ هُوَ ع یَسُوقُهُ فَیُطْرِقُ بُیُوتَ اَلْأَنْصَارِ وَ غَیْرِهِمْ وَ یَسْأَلُهُمْ النُّصْرَةَ وَ الْمَعُونَةَ أَجَابَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلاً فَبَایَعَهُمْ عَلَی الْمَوْتِ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یُصْبِحُوا بُکْرَةً مُحَلِّقِی رُءُوسِهِمْ وَ مَعَهُمْ سِلاَحُهُمْ فَأَصْبَحَ لَمْ یُوَافِهِ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ اَلزُّبَیْرُ وَ اَلْمِقْدَادُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ سَلْمَانُ ثُمَّ أَتَاهُمْ مِنَ اللَّیْلِ فَنَاشَدَهُمْ فَقَالُوا نُصْبِحُکَ غُدْوَةً فَمَا جَاءَهُ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ وَ کَذَلِکَ فِی اللَّیْلَةِ الثَّالِثَةِ وَ کَانَ اَلزُّبَیْرُ أَشَدَّهُمْ لَهُ نُصْرَةً وَ أَنْفَذَهُمْ فِی طَاعَتِهِ بَصِیرَةً حَلَقَ رَأْسَهُ وَ جَاءَ مِرَاراً وَ فِی عُنُقِهِ سَیْفُهُ وَ کَذَلِکَ الثَّلاَثَةُ الْبَاقُونَ إِلاَّ أَنَّ اَلزُّبَیْرَ هُوَ کَانَ الرَّأْسَ فِیهِمْ

.

و قد نقل الناس خبر الزبیر لما هجم علیه ببیت فاطمة ع و کسر سیفه فی صخرة ضربت به و نقلوا اختصاصه بعلی ع و خلواته به و لم یزل موالیا له متمسکا بحبه و مودته حتّی نشأ ابنه عبد اللّه و شب فنزع به عرق من الأم و مال إلی تلک الجهة و انحرف عن هذه و محبة الوالد للولد معروفة فانحرف الزبیر لانحرافه علی أنّه قد کانت جرت بین علی ع و الزبیر هنات فی أیام عمر کدرت القلوب بعض التکدیر و کان سببها قصة موالی صفیة و منازعة علی للزبیر فی المیراث فقضی عمر للزبیر فأذعن علی ع لقضائه بحکم سلطانه لا رجوعا عما کان یذهب إلیه من حکم الشرع فی هذه المسألة و بقیت فی نفس الزبیر علی أن شیخنا أبا جعفر الإسکافی رحمه اللّه ذکر فی کتاب نقض العثمانیة عن الزبیر کلاما إن صح فإنّه یدلّ علی انحراف شدید و رجوع عن موالاة أمیر المؤمنین ع .

2464

1- قَالَ تَفَاخَرَ عَلِیٌّ ع وَ اَلزُّبَیْرُ فَقَالَ اَلزُّبَیْرُ أَسْلَمْتُ بَالِغاً وَ أَسْلَمْتَ طِفْلاً وَ کُنْتُ أَوَّلَ مَنْ سَلَّ سَیْفاً فِی سَبِیلِ اللَّهِ بِمَکَّةَ وَ أَنْتَ مُسْتَخْفٍ فِی اَلشِّعْبِ (1) یَکْفُلُکَ الرِّجَالُ

ص :14

وَ یَمُونُکَ الْأَقَارِبُ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ وَ کُنْتُ فَارِساً وَ کُنْتَ رَاجِلاً وَ فِی هَیْأَتِی نَزَلَتِ الْمَلاَئِکَةُ وَ أَنَا حَوَارِیُّ رَسُولِ اللَّهِ ص

.

قال شیخنا أبو جعفر و هذا الخبر مفتعل مکذوب و لم یجر بین علی و الزبیر شیء من هذا الکلام و لکنه من وضع العثمانیة و لم یسمع به فی أحادیث الحشویة و لا فی کتب أصحاب السیرة .

و لعلی ع أن یقول طفل مسلم خیر من بالغ کافر و أمّا سل السیف بمکّة فلم یکن فی موضعه و فی ذلک قال اللّه تعالی أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ قِیلَ لَهُمْ کُفُّوا أَیْدِیَکُمْ (1) الآیة و أنا علی منهاج الرسول فی الکف و الإقدام و لیس کفالة الرجال و الأقارب بالشعب عارا علی فقد کان رسول اللّه ص فی الشعب یکفله الرجال و الأقارب و أمّا حربک فارسا و حربی راجلا فهلا أغنت فروسیتک یوم عمرو بن عبد ود فی الخندق و هلا أغنت فروسیتک یوم طلحة بن لأبی طلحة فی أحد و هلا أغنت فروسیتک یوم مرحب بخیبر ما کانت فرسک التی تحارب علیها فی هذه الأیّام إلاّ أذل من العنز الجرباء و من سلمت علیه الملائکة أفضل ممن نزلت فی هیأته و قد نزلت الملائکة فی صورة دحیة الکلبی أ فیجب من ذلک أن یکون دحیة أفضل منی و أمّا کونک حواری رسول اللّه ص فلو عددت خصائصی فی مقابلة هذه اللفظة الواحدة لک لاستغرقت الوقت و أفنیت الزمان و ربّ صمت أبلغ من نطق (2) .

ثمّ نرجع إلی الحدیث الأول فتقول إن طلحة و الزبیر لما أیسا من جهة علی ع

ص :15

و من حصول الدنیا من قبله قلبا له ظهر المجن فکاشفاه و عاتباه قبل المفارقة عتابا لاذعا

2465

1- رَوَی شَیْخُنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ أَرْسَلَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ إِلَی عَلِیٍّ ع قَبْلَ خُرُوجِهِمَا إِلَی مَکَّةَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ وَ قَالاَ لاَ تَقُلْ لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ لَکِنْ قُلْ لَهُ یَا أَبَا الْحَسَنِ لَقَدْ فَالَ فِیکَ رَأْیُنَا وَ خَابَ ظَنُّنَا أَصْلَحْنَا لَکَ الْأَمْرَ وَ وَطَّدْنَا لَکَ الْإِمْرَةَ وَ أَجْلَبْنَا عَلَی عُثْمَانَ حَتَّی قُتِلَ فَلَمَّا طَلَبَکَ النَّاسُ لِأَمْرِهِمْ أَسْرَعْنَا إِلَیْکَ وَ بَایَعْنَاکَ وَ قُدْنَا إِلَیْکَ أَعْنَاقَ اَلْعَرَبِ وَ وَطِئَ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ أَعْقَابَنَا فِی بَیْعَتِکَ حَتَّی إِذَا مَلَکْتَ عِنَانَکَ اسْتَبْدَدْتَ بِرَأْیِکَ عَنَّا وَ رَفَضْتَنَا رَفْضَ التَّرِیکَةِ (1) وَ أَذَلْتَنَا إِذَالَةَ (2) الْإِمَاءِ وَ مَلَّکْتَ أَمْرَکَ اَلْأَشْتَرَ وَ حَکِیمَ بْنَ جَبَلَةَ وَ غَیْرَهُمَا مِنَ اَلْأَعْرَابِ وَ نُزَّاعِ الْأَمْصَارِ فَکُنَّا فِیمَا رَجَوْنَاهُ مِنْکَ وَ أَمَّلْنَاهُ مِنْ نَاحِیَتِکَ کَمَا قَالَ الْأَوَّلُ فَکُنْتَ کَمُهْرِیقِ الَّذِی فِی سِقَائِهِ لِرَقْرَاقِ آلٍ فَوْقَ رَابِیَةٍ صَلْدِ فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ أَبْلَغَهُ ذَاکَ فَقَالَ اِذْهَبْ إِلَیْهِمَا فَقُلْ لَهُمَا فَمَا الَّذِی یُرْضِیکُمَا فَذَهَبَ وَ جَاءَهُ فَقَالَ إِنَّهُمَا یَقُولاَنِ وَلِّ أَحَدَنَا اَلْبَصْرَةَ وَ الْآخَرَ اَلْکُوفَةَ فَقَالَ لاَهَا اللَّهِ إِذَنْ یَحْلُمُ الْأَدِیمُ وَ یَسْتَشْرِی الْفَسَادُ وَ تَنْتَقِضُ عَلَیَّ الْبِلاَدُ مِنْ أَقْطَارِهَا وَ اللَّهِ إِنِّی لاَ آمَنُهُمَا وَ هُمَا عِنْدِی بِالْمَدِینَةِ فَکَیْفَ آمَنُهُمَا وَ قَدْ وَلَّیْتُهُمَا اَلْعِرَاقَیْنِ اذْهَبْ إِلَیْهِمَا فَقُلْ أَیُّهَا الشَّیْخَانِ احْذَرَا مِنْ سَطْوَةِ اللَّهِ وَ نَقِمَتِهِ وَ لاَ تَبْغِیَا لِلْمُسْلِمِینَ غَائِلَةٌ وَ کَیْداً وَ قَدْ سَمِعْتُمَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَی تِلْکَ الدّٰارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِینَ لاٰ یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (3) فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَتَاهُمَا وَ لَمْ یَعُدْ إِلَیْهِ وَ تَأَخَّرَا عَنْهُ أَیَّاماً ثُمَّ جَاءَاهُ فَاسْتَأْذَنَاهُ فِی الْخُرُوجِ إِلَی مَکَّةَ لِلْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لَهُمَا بَعْدَ أَنِ أُحْلِفَهُمَا

ص :16

أَلاَ یَنْقُضَا بَیْعَتَهُ وَ لاَ یَغْدِرَا بِهِ وَ لاَ یَشُقَّا عَصَا اَلْمُسْلِمِینَ وَ لاَ یُوقِعَا الْفُرْقَةَ بَیْنَهُمْ وَ أَنْ یَعُودَا بَعْدَ الْعُمْرَةِ إِلَی بُیُوتِهِمَا بِالْمَدِینَةِ فَحَلَفَا عَلَی ذَلِکَ کُلِّهِ ثُمَّ خَرَجَا فَفَعَلاَ مَا فَعَلاَ

.

2466

1- وَ رَوَی شَیْخُنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ لَمَّا خَرَجَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ إِلَی مَکَّةَ وَ أَوْهَمَا النَّاسَ أَنَّهُمَا خَرَجَا لِلْعُمْرَةِ قَالَ عَلِیٌّ ع لِأَصْحَابِهِ وَ اللَّهِ مَا یُرِیدَانِ الْعُمْرَةَ وَ إِنَّمَا یُرِیدَانِ الْغَدْرَةَ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمٰا یَنْکُثُ عَلیٰ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفیٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَیْهُ اللّٰهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً (1) .

2467

1- وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ قَالَ لَمَّا بَایَعَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ عَلِیّاً ع سَأَلاَهُ أَنْ یُؤَمِّرَهُمَا عَلَی اَلْکُوفَةِ وَ اَلْبَصْرَةِ فَقَالَ بَلْ تَکُونَانِ عِنْدِی أَتَجَمَّلُ بِکُمَا فَإِنَّنِی أَسْتَوْحِشُ لِفِرَاقِکُمَا .

قَالَ اَلطَّبَرِیُّ وَ قَدْ کَانَ قَالَ لَهُمَا قَبْلَ بَیْعَتِهِمَا لَهُ إِنْ أَحْبَبْتُمَا أَنْ تُبَایِعَانِی وَ إِنْ أَحْبَبْتُمَا بَایَعْتُکُمَا فَقَالاَ لاَ بَلْ نُبَایِعُکَ ثُمَّ قَالاَ بَعْدَ ذَلِکَ إِنَّمَا بَایَعْنَاهُ خَشْیَةً عَلَی أَنْفُسِنَا وَ قَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ یَکُنْ لِیُبَایِعَنَا ثُمَّ ظَهَرَا إِلَی مَکَّةَ وَ ذَلِکَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .

2468

1- وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ أَیْضاً فِی اَلتَّارِیخِ قَالَ لَمَّا بَایَعَ النَّاسُ عَلِیّاً وَ تَمَّ لَهُ الْأَمْرُ قَالَ طَلْحَةُ لِلزُّبَیْرِ مَا أَرَی أَنَّ لَنَا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إِلاَّ کَحِسَّةِ (2) أَنْفِ الْکَلْبِ

.

2469

1- وَ رَوَی اَلطَّبَرِیُّ أَیْضاً فِی اَلتَّارِیخِ قَالَ لَمَّا بَایَعَ النَّاسُ عَلِیّاً ع بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ جَاءَ عَلِیٌّ إِلَی اَلزُّبَیْرِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهِ قَالَ أَبُو حَبِیبَةَ مَوْلَی اَلزُّبَیْرِ فَأَعْلَمْتُهُ بِهِ فَسَلَّ السَّیْفَ وَ وَضَعَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ وَ قَالَ ائْذَنْ لَهُ فَأَذِنْتُ لَهُ فَدَخَلَ فَسَلَّمَ عَلَی اَلزُّبَیْرِ وَ هُوَ وَاقِفٌ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ اَلزُّبَیْرُ لَقَدْ دَخَلَ لِأَمْرٍ مَا قَضَاهُ قُمْ مَقَامَهُ وَ انْظُرْ هَلْ تَرَی مِنَ

ص :17

السَّیْفِ شَیْئاً فَقُمْتُ فِی مَقَامِهِ فَرَأَیْتُ ذُبَابَ السَّیْفِ فَأَخْبَرْتُهُ وَ قُلْتُ إِنَّ ذُبَابَ السَّیْفِ لَیَظْهَرُ لِمَنْ قَامَ فِی هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ ذَاکَ أَعْجَلَ الرَّجُلَ

.

2470

1- وَ رَوَی شَیْخُنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ کَتَبَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَیْرِ إِلَی عَبْدِ الْمَلِکِ مِنْ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَیْرِ إِلَی عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ مَرْوَانَ سَلاَمٌ عَلَیْکَ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکَ اللَّهَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ سَتَعْلَمُ یَا فَتَی الزَّرْقَاءِ أَنِّی أَمَا إِنَّ لِلَّهِ عَلَیَّ الْوَفَاءَ بِذَلِکَ إِلاَّ أَنْ تَتَرَاجَعَ أَوْ تَتُوبَ وَ لَعَمْرِی مَا أَنْتَ کَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَیْرِ وَ لاَ مَرْوَانُ کَالزُّبَیْرِ بْنِ الْعَوَّامِ حَوَارِیِّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ ابْنِ عَمَّتِهِ فَسَلِّمِ الْأَمْرَ إِلَی أَهْلِهِ فَإِنَّ نَجَاتَکَ بِنَفْسِکَ أَعْظَمُ الْغَنِیمَتَیْنِ وَ السَّلاَمُ.

فَکَتَبَ إِلَیْهِ عَبْدُ الْمَلِکِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِکِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی الذَّلُولِ الَّذِی أَخْطَأَ مَنْ سَمَّاهُ اَلْمُصْعَبَ سَلاَمٌ عَلَیْکَ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکَ اللَّهَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ أَ تُوعِدُنِی وَ لَمْ أَرَ مِثْلَ یَوْمِی

أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ وَفَائِکَ فَلَعَمْرِی لَقَدْ وَفَی أَبُوکَ لِتَیْمٍ وَ عَدِیٍّ بُعَدَاءِ قُرَیْشٍ وَ زَعَانِفِهَا حَتَّی إِذَا صَارَتِ الْأُمُورُ إِلَی صَاحِبِهَا عُثْمَانَ الشَّرِیفِ النَّسَبِ الْکَرِیمِ الْحَسَبِ بَغَاهُ الْغَوَائِلُ وَ أَعَدَّ لَهُ الْمَخَاتِلَ حَتَّی نَالَ مِنْهُ حَاجَتَهُ ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إِلَی عَلِیٍّ وَ بَایَعَهُ فَلَمَّا

ص :18

دَانَتْ لَهُ أُمُورُ الْأُمَّةِ وَ أَجْمَعَتْ لَهُ الْکَلِمَةُ وَ أَدْرَکَهُ الْحَسَدُ الْقَدِیمُ لِبَنِی عَبْدِ مَنَافٍ فَنَقَضَ عَهْدَهُ وَ نَکَثَ بَیْعَتَهُ بَعْدَ تَوْکِیدِهَا فِ فَکَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ کَیْفَ قَدَّرَ وَ تَمَزَّقَتْ لَحْمَهُ الضِّبَاعُ بِوَادِی السِّبَاعِ وَ لَعَمْرِی إِنَّکَ تَعْلَمُ یَا أَخَا بَنِی عَبْدِ الْعُزَّی بْنِ قُصَیٍّ أَنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ لَمْ نَزَلْ سَادَتَکُمْ وَ قَادَتَکُمْ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لَکِنِ الْحَسَدُ دَعَاکَ إِلَی مَا ذَکَرْتَ وَ لَمْ تَرِثْ ذَلِکَ عَنْ کَلاَلَةٍ بَلْ عَنْ أَبِیکَ وَ لاَ أَظُنُّ حَسَدَکَ وَ حَسَدَ أَخِیکَ یَئُولُ بِکُمَا إِلاَّ إِلَی مَا آلَ إِلَیْهِ حَسَدُ أَبِیکُمَا مِنْ قَبْلُ وَ لاٰ یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلاّٰ بِأَهْلِهِ (1) وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (2)

.

2471

2,1- وَ رَوَی أَبُو عُثْمَانَ أَیْضاً قَالَ دَخَلَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع عَلَی مُعَاوِیَةَ وَ عِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ وَ کَانَ مُعَاوِیَةُ یُحِبُّ أَنْ یُغْرِیَ بَیْنَ قُرَیْشٍ فَقَالَ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَیُّهُمَا کَانَ أَکْبَرَ سِنّاً عَلِیٌّ أَمْ اَلزُّبَیْرُ فَقَالَ اَلْحَسَنُ مَا أَقْرَبَ مَا بَیْنَهُمَا وَ عَلِیٌّ أَسَنُّ مِنَ اَلزُّبَیْرِ رَحِمَ اللَّهُ عَلِیّاً فَقَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ رَحِمَ اللَّهُ اَلزُّبَیْرَ وَ هُنَاکَ أَبُو سَعِیدِ بْنُ عَقِیلِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ یَا عَبْدَ اللَّهِ وَ مَا یُهَیِّجُکَ مِنْ أَنْ یَتَرَحَّمَ الرَّجُلُ عَلَی أَبِیهِ قَالَ وَ أَنَا أَیْضاً تَرَحَّمْتُ عَلَی أَبِی قَالَ أَ تَظُنُّهُ نِدّاً لَهُ وَ کُفْؤاً قَالَ وَ مَا یُعْدَلُ بِهِ عَنْ ذَلِکَ کِلاَهُمَا مِنْ قُرَیْشٍ وَ کِلاَهُمَا دَعَا إِلَی نَفْسِهِ وَ لَمْ یَتِمَّ لَهُ قَالَ دَعْ ذَاکَ عَنْکَ یَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ عَلِیّاً مِنْ قُرَیْشٍ وَ مِنَ اَلرَّسُولِ ص حَیْثُ تَعْلَمُ وَ لَمَّا دَعَا إِلَی نَفْسِهِ أُتْبِعَ فِیهِ وَ کَانَ رَأْساً وَ دَعَا اَلزُّبَیْرُ إِلَی أَمْرٍ وَ کَانَ الرَّأْسُ فِیهِ امْرَأَةً وَ لَمَّا تَرٰاءَتِ الْفِئَتٰانِ نَکَصَ عَلیٰ عَقِبَیْهِ وَ وَلَّی مُدْبِراً قَبْلَ أَنْ یَظْهَرَ الْحَقُّ فَیَأْخُذُهُ أَوْ یُدْحِضُ الْبَاطِلَ فَیَتْرُکُهُ فَأَدْرَکَهُ رَجُلٌ لَوْ قِیسَ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ لَکَانَ أَصْغَرَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَ أَخَذَ سَلَبَهُ وَ جَاءَ بِرَأْسِهِ وَ مَضَی عَلِیٌّ قُدُماً کَعَادَتِهِ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ رَحِمَ اللَّهُ عَلِیّاً

ص :19

فَقَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ أَمَا لَوْ أَنَّ غَیْرَکَ تَکَلَّمَ بِهَذَا یَا أَبَا سَعِیدٍ لَعَلِمَ فَقَالَ إِنَّ الَّذِی تُعَرِّضُ بِهِ یَرْغَبُ عَنْکَ وَ کَفَّهُ مُعَاوِیَةُ فَسَکَتُوا.

وَ أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِمَقَالَتِهِمْ وَ مَرَّ أَبُو سَعِیدٍ بِفِنَائِهَا فَنَادَتْهُ یَا أَبَا سَعِیدٍ أَنْتَ الْقَائِلُ لاِبْنِ أُخْتِی کَذَا فَالْتَفَتَ أَبُو سَعِیدٍ فَلَمْ یَرَ شَیْئاً فَقَالَ إِنَّ اَلشَّیْطَانَ یَرَانَا وَ لاَ نَرَاهُ فَضَحِکَتْ عَائِشَةُ وَ قَالَتْ لِلَّهِ أَبُوکَ مَا أَذْلَقَ لِسَانَکَ

.

ص :20

لعن أحد ممن علیه اسم الإسلام و ینکرون علی من یلعن و منهم من یغالی فی ذلک فیقول لا ألعن الکافر و ألعن إبلیس و إن اللّه تعالی لا یقول لأحد یوم القیامة لم لم تلعن و إنّما یقول لم لعنت.

و اعلم أن هذا خلاف نص الکتاب لأنّه تعالی قال إِنَّ اللّٰهَ لَعَنَ اَلْکٰافِرِینَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِیراً (1) .

و قال أُولٰئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّٰعِنُونَ (2) .

و قال فی إبلیس وَ إِنَّ عَلَیْکَ لَعْنَتِی إِلیٰ یَوْمِ الدِّینِ (3) .

و قال مَلْعُونِینَ أَیْنَمٰا ثُقِفُوا (4) .

و فی الکتاب العزیز من ذلک الکثیر الواسع.

و کیف یجوز للمسلم أن ینکر التبرؤ ممن یجب التبرؤ منه أ لم یسمع هؤلاء قول اللّه تعالی قَدْ کٰانَتْ لَکُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِی إِبْرٰاهِیمَ وَ الَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قٰالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّٰا بُرَآؤُا مِنْکُمْ وَ مِمّٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ کَفَرْنٰا بِکُمْ وَ بَدٰا بَیْنَنٰا وَ بَیْنَکُمُ الْعَدٰاوَةُ وَ الْبَغْضٰاءُ أَبَداً (5) و إنّما یجب النظر فیمن قد اشتبهت حاله فإن کان قد قارف کبیرة من الذنوب یستحق بها اللعن و البراءة فلا ضیر علی من یلعنه و یبرأ منه و إن لم یکن قد قارف کبیرة لم یجز لعنه و لا البراءة منه.

و ممّا یدلّ علی أن من علیه اسم الإسلام إذا ارتکب الکبیرة یجوز لعنه بل یجب فی وقت قول اللّه تعالی فی قصة اللعان فَشَهٰادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهٰادٰاتٍ بِاللّٰهِ إِنَّهُ

ص :22

لَمِنَ الصّٰادِقِینَ وَ الْخٰامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَیْهِ إِنْ کٰانَ مِنَ الْکٰاذِبِینَ (1) .

و قال تعالی فی القاذف إِنَّ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ الْغٰافِلاٰتِ الْمُؤْمِنٰاتِ لُعِنُوا فِی الدُّنْیٰا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِیمٌ (2) .

فهاتان الآیتان فی المکلفین من أهل القبلة و الآیات قبلهما فی الکافرین و المنافقین و لهذا قنت أمیر المؤمنین ع علی معاویة و جماعة من أصحابه و لعنهم فی أدبار الصلوات.

فإن قلت فما صورة السب الذی نهی أمیر المؤمنین ع عنه.

قلت کانوا یشتمونهم بالآباء و الأمهات و منهم من یطعن فی نسب قوم منهم و منهم من یذکرهم باللؤم و منهم من یعیرهم بالجبن و البخل و بأنواع الأهاجی التی یتهاجی بها الشعراء و أسالیبها معلومة فنهاهم ع عن ذلک و قال إنی أکره لکم أن تکونوا سبابین و لکن الأصوب أن تصفوا لهم أعمالهم و تذکروا حالهم أی أن تقولوا إنهم فساق و إنهم أهل ضلال و باطل .

ثمّ قال اجعلوا عوض سبهم أن تقولوا اللّهمّ احقن دماءنا و دماءهم .

حقنت الدم أحقنه بالضم منعت أن یسفک أی ألهمهم الإنابة إلی الحق و العدول عن الباطل فإن ذلک إذا تمّ حقنت دماء الفریقین.

فإن قلت کیف یجوز أن یدعو اللّه تعالی بما لا یفعله أ لیس من أصولکم أن اللّه تعالی لا یضطر المکلف إلی اعتقاد الحق و إنّما یکله إلی نظره.

قلت الأمر و إن کان کذلک إلاّ أن المکلفین قد تعبدوا بأن یدعوا اللّه تعالی

ص :23

بذلک لأن فی دعائهم إیاه بذلک لطفا لهم و مصالح فی أدیانهم کالدعاء بزیادة الرزق و تأخیر الأجل.

قوله و أصلح ذات بیننا و بینهم یعنی أحوالنا و أحوالهم و لما کانت الأحوال ملابسة للبین قیل لها ذات البین کما أنّه لما کانت الضمائر ملابسة للصدور قیل ذات الصدور و کذلک قولهم اسقنی ذا إنائک لما کان ما فیه من الشراب ملابسا له و یقولون للمتبرز قد وضع ذا بطنه و للحبلی تضع ألقت ذا بطنها.

و ارعوی عن الغی رجع و کف.

لهج به

بالکسر یلهج أغری به و ثابر علیه

ص :24

بعن و ذلک أنهم لا یملکونه دون أمیر المؤمنین ع إلا و قد أبعدوه عنه أ لا تری أنک إذا حجرت علی زید دون عمرو فقد باعدت زیدا عن عمرو فلذلک قال املکوا عنی هذا الغلام و استفصح الشارحون قول لأبی الطیب إذا کان شم الروح أدنی إلیکم فلا برحتنی روضة و قبول (1) قالوا و لما کان فی فلا برحتنی معنی فارقتنی عدی اللفظة و إن کانت لازمة نظرا إلی المعنی (2) .

قوله لا یهدنی أی لئلا یهدنی فحذف کما حذف طرفة فی قوله ألا أی هذا الزاجری أحضر الوغی (3) أی لأن أحضر.

و أنفس أبخل نفست علیه بکذا بالکسر.

فإن قلت أ یجوز أن یقال للحسن و الحسین و ولدهما أبناء رسول اللّه و ولد رسول اللّه و ذرّیة رسول اللّه و نسل رسول اللّه .

قلت نعم لأن اللّه تعالی سماهم أبناءه فی قوله تعالی نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَکُمْ (4) و إنّما عنی الحسن و الحسین و لو أوصی لولد فلان بمال دخل فیه أولاد البنات و سمی اللّه تعالی عیسی ذریة إبراهیم فی قوله وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَیْمٰانَ (5) إلی أن قال وَ یَحْییٰ وَ عِیسیٰ و لم یختلف أهل اللغة فی أن ولد البنات من نسل الرجل.

ص :26

فإن قلت فما تصنع بقوله تعالی مٰا کٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِکُمْ قلت أسألک عن أبوته لإبراهیم بن ماریة فکما تجیب به عن ذلک فهو جوابی عن الحسن و الحسین ع .

و الجواب الشامل للجمیع أنّه عنی زید بن حارثة لأن العرب کانت تقول زید بن محمّد علی عادتهم فی تبنی العبید فأبطل اللّه تعالی ذلک و نهی عن سنة الجاهلیة و قال إن محمّدا ع لیس أبا لواحد من الرجال البالغین المعروفین بینکم لیعتزی إلیه بالنبوة و ذلک لا ینفی کونه أبا لأطفال لم تطلق علیهم لفظة الرجال کإبراهیم و حسن و حسین ع .

فإن قلت أ تقول إن ابن البنت ابن علی الحقیقة الأصلیة أم علی سبیل المجاز.

قلت لذاهب أن یذهب إلی أنّه حقیقة أصلیة لأن أصل الإطلاق الحقیقة و قد یکون اللفظ مشترکا بین مفهومین و هو فی أحدهما أشهر و لا یلزم من کونه أشهر فی أحدهما ألا یکون حقیقة فی الآخر.

و لذاهب أن یذهب إلی أنّه حقیقة عرفیة و هی التی کثر استعمالها و هی فی الأکثر مجاز حتّی صارت حقیقة فی العرف کالراویة للمزادة و السماء للمطر.

و لذاهب أن یذهب إلی کونه مجازا قد استعمله الشارع فجاز إطلاقه فی کل حال و استعماله کسائر المجازات المستعملة.

و ممّا یدلّ علی اختصاص ولد فاطمة دون بنی هاشم کافة بالنبی ع أنه ما کان یحل له ع أن ینکح بنات الحسن و الحسین ع و لا بنات ذریتهما و إن بعدن و طال الزمان و یحل له نکاح بنات غیرهم من بنی هاشم من الطالبیین و غیرهم و هذا یدلّ علی مزید الأقربیة و هی کونهم أولاده لأنّه لیس هناک من القربی غیر

ص :27

هذا الوجه لأنّهم لیسوا أولاد أخیه و لا أولاد أخته و لا هناک وجه یقتضی حرمتهم علیه إلاّ کونه والدا لهم و کونهم أولادا له فإن قلت قد قال الشاعر بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد.

و قال حکیم العرب أکثم بن صیفی فی البنات یذمهن إنهن یلدن الأعداء و یورثن البعداء.

قلت إنّما قال الشاعر ما قاله علی المفهوم الأشهر و لیس فی قول أکثم ما یدلّ علی نفی بنوتهم و إنّما ذکر أنهن یلدن الأعداء و قد یکون ولد الرجل لصلبه عدوا قال اللّه تعالی إِنَّ مِنْ أَزْوٰاجِکُمْ وَ أَوْلاٰدِکُمْ عَدُوًّا لَکُمْ (1) و لا ینفی کونه عدوا کونه ابنا.

2472

1,2,3- قِیلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ ع لِمَ یُغَرِّرُ بِکَ أَبُوکَ فِی الْحَرْبِ وَ لِمَ لاَ یُغَرِّرُ بِالْحَسَنِ وَ اَلْحُسَیْنِ فَقَالَ لِأَنَّهُمَا عَیْنَاهُ وَ أَنَا یَمِینُهُ فَهُوَ یَذُبُّ عَنْ عَیْنَیْهِ بِیَمِینِهِ

.

ص :28

حین أحس بالعطب و علو کلمة أهل الحق ألزموا أمیر المؤمنین ع بوضع أوزار الحرب و کف الأیدی عن القتال و کانوا فی ذلک علی أقسام فمنهم من دخلت علیه الشبهة برفع المصاحف و غلب علی ظنه أن أهل الشام لم یفعلوا ذلک خدعة و حیلة بل حقا و دعاء إلی الدین و موجب الکتاب فرأی أن الاستسلام للحجة أولی من الإصرار علی الحرب.

و منهم من کان قد مل الحرب و آثر السلم فلما رأی شبهة ما یسوغ التعلق بها فی رفض المحاربة و حبّ العافیة أخلد إلیهم.

و منهم من کان یبغض علیا ع بباطنه و یطیعه بظاهره کما یطیع کثیر من الناس السلطان فی الظاهر و یبغضه بقلبه فلما وجدوا طریقا إلی خذلانه و ترک نصرته أسرعوا نحوها فاجتمع جمهور عسکره علیه و طالبوه بالکف و ترک القتال فامتنع امتناع عالم بالمکیدة و قال لهم إنها حیلة و خدیعة و إنّی أعرف بالقوم منکم إنهم لیسوا بأصحاب قرآن و لا دین قد صحبتهم و عرفتهم صغیرا و کبیرا فعرفت منهم الإعراض عن الدین و الرکون إلی الدنیا فلا تراعوا برفع المصاحف و صمموا علی الحرب و قد ملکتموهم فلم یبق منهم إلاّ حشاشة ضعیفة و ذماء قلیل فأبوا علیه و ألحوا و أصروا علی القعود و الخذلان و أمروه بالإنفاذ إلی المحاربین من أصحابه و علیهم الأشتر أن یأمرهم بالرجوع و تهددوه إن لم یفعل بإسلامه إلی معاویة فأرسل إلی الأشتر یأمره بالرجوع و ترک الحرب فأبی علیه فقال کیف أرجع و قد لاحت أمارات الظفر فقولوا له لیمهلنی ساعة واحدة و لم یکن علم صورة الحال کیف قد وقعت فلما عاد إلیه الرسول بذلک غضبوا و نفروا و شغبوا و قالوا أنفذت إلی الأشتر سرا و باطنا تأمره بالتصمیم و تنهاه عن الکف و إن لم تعده الساعة و إلاّ قتلناک کما قتلنا عثمان فرجعت الرسل إلی الأشتر فقالوا له أ تحب أن تظفر بمکانک و أمیر المؤمنین قد سل علیه

ص :30

خمسون ألف سیف فقال ما الخبر قال إن الجیش بأسره قد أحدق به و هو قاعد بینهم علی الأرض تحته نطع و هو مطرق و البارقة تلمع علی رأسه یقولون لئن لم تعد الأشتر قتلناک قال ویحکم فما سبب ذلک قالوا رفع المصاحف قال و اللّه لقد ظننت حین رأیتها رفعت أنّها ستوقع فرقة و فتنة.

ثمّ کر راجعا علی عقبیه فوجد أمیر المؤمنین ع تحت الخطر قد ردده أصحابه بین أمرین إمّا أن یسلموه إلی معاویة أو یقتلوه و لا ناصر له منهم إلاّ ,2ولداه و ابن عمه و نفر قلیل لا یبلغون عشرة فلما رآهم الأشتر سبهم و شتمهم و قال ویحکم أ بعد الظفر و النصر صب علیکم الخذلان و الفرقة یا ضعاف الأحلام یا أشباه النساء یا سفهاء العقول فشتموه و سبوه و قهروه و قالوا المصاحف المصاحف و الرجوع إلیها لا نری غیر ذلک فأجاب أمیر المؤمنین ع إلی التحکیم دفعا للمحذور الأعظم بارتکاب المحظور الأضعف فلذلک قال کنت أمیرا فأصبحت مأمورا و کنت ناهیا فصرت منهیا و قد سبق من شرح حال التحکیم و ما جری فیه ما یغنی عن إعادته

ص :31

کنت

هاهنا زائدة مثل قوله تعالی کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کٰانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا (1) .

و قوله و بلی إن شئت بلغت بها الآخرة لفظ فصیح کأنّه استدرک و قال و بلی علی أنک قد تحتاج إلیها فی الدنیا لتجعلها وصلة إلی نیل الآخرة بأن تقری فیها الضیف و الضیف لفظ یقع علی الواحد و الجمع و قد یجمع فیقال ضیوف و أضیاف و الرحم القرابة.

و تطلع منها الحقوق مطالعها

توقعها فی مظان استحقاقها .

و العباء جمع عباءة و هی الکساء و قد تلین کما قالوا عظاءة و عظایة و صلاءة و صلایة.

و تقول علی بفلان أی أحضره و الأصل أعجل به علی فحذف فعل الأمر و دل الباقی علیه .

و یا عدی نفسه تصغیر عدو و قد یمکن أن یراد به التحقیر المحض هاهنا.

و یمکن أن یراد به الاستعظام لعداوته لها و یمکن أن یخرج مخرج التحنن و الشفقة کقولک یا بنی.

و استهام بک الخبیث یعنی الشیطان أی جعلک هائما ضالا و الباء زائدة.

فإن قیل ما معنی قوله ع أنت أهون علی اللّه من ذلک .

قلت لأن فی المشاهد قد یحل الواحد منا لصاحبه فعلا مخصوصا محاباة و مراقبة له

ص :33

و هو یکره أن یفعله و البشر أهون علی اللّه تعالی من أن یحل لهم أمرا مجاملة و استصلاحا للحال معهم و هو یکره منهم فعله .

و قوله هذا أنت أی فما بالنا نراک خشن الملبس و التقدیر فها أنت تفعل کذا فکیف تنهی عنه.

و طعام جشب أی غلیظ و کذلک مجشوب و قیل إنّه الذی لا أدم معه .

قوله ع أن یقدروا أنفسهم بضعفة الناس أی یشبهوا و یمثلوا.

و تبیغ الدم بصاحبه و تبوغ به أی هاج به و

2473

فِی الْحَدِیثِ عَلَیْکُمْ بِالْحِجَامَةِ لاَ یَتَبَیَّغْ بِأَحَدِکُمُ الدَّمُ فَیَقْتُلُهُ.

و قیل أصل یتبیغ یتبغی فقلب جذب و جبذ أی یجب علی الإمام العادل أن یشبه نفسه فی لباسه و طعامه بضعفة الناس جمع ضعیف لکیلا یهلک الفقراء من الناس فإنهم إذا رأوا إمامهم بتلک الهیئة و بذلک المطعم کان أدعی لهم إلی سلوان لذات الدنیا و الصبر عن شهوات النفوس

وَ إِذَا حَکَمَ عَدَلَ وَ إِذَا وَعَدَ أَنْجَزَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یُحَرِّمْ لَبُوساً وَ لاَ مَطْعَماً ثُمَّ قَرَأَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللّٰهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ الطَّیِّبٰاتِ مِنَ الرِّزْقِ (1) الْآیَةَ

.

و هذا القول مخالف للقانون الذی أشار أمیر المؤمنین إلیه و للفلاسفة فی هذا الباب کلام لا بأس به و قد أشار إلیه أبو علیّ بن سینا فی کتاب الإشارات و علیه یتخرج قولا أمیر المؤمنین و علی بن موسی الرضا ع قال أبو علی فی مقامات العارفین العارفون قد یختلفون فی الهمم بحسب ما یختلف فیهم من الخواطر علی حسب ما یختلف عندهم من دواعی العبر فربما استوی عند العارف القشف و الترف بل ربما آثر القشف و کذلک ربما سوی عنده التفل و العطر بل ربما آثر التفل و ذلک عند ما یکون الهاجس بباله استحقار ما عدا الحق و ربما صغا إلی الزینة و أحبّ من کل شیء عقیلته (2) و کره الخداج و السقط و ذلک عند ما یعتبر عادته من صحبته الأحوال الظاهرة فهو یرتاد إلیها فی کل شیء لأنّه مزیة خطوة من العنایة الأولی و أقرب أن یکون من قبیل ما عکف علیه بهواه و قد یختلف هذا فی عارفین و قد یختلف فی عارف بحسب وقتین.

2475

1,14- وَ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِی رَوَیْتُهُ عَنِ الشُّیُوخِ وَ رَأَیْتُهُ بِخَطِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْخَشَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اَلرَّبِیعَ بْنَ زِیَادٍ الْحَارِثِیَّ أَصَابَتْهُ نُشَّابَةٌ فِی جَبِینِهِ فَکَانَتْ تَنْتَقِضُ عَلَیْهِ فِی کُلِّ عَامٍ فَأَتَاهُ عَلِیٌّ ع عَائِداً فَقَالَ کَیْفَ تَجِدُکَ أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ أَجِدُنِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَوْ کَانَ لاَ یَذْهَبُ مَا بِی إِلاَّ بِذَهَابِ بَصَرِی لَتَمَنَّیْتُ ذَهَابَهُ قَالَ وَ مَا قِیمَةُ بَصَرِکَ عِنْدَکَ قَالَ لَوْ کَانَتْ لِیَ الدُّنْیَا لَفَدَیْتُهُ بِهَا قَالَ لاَ جَرَمَ لَیُعْطِیَنَّکَ اللَّهُ عَلَی قَدْرِ ذَلِکَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یُعْطِی عَلَی قَدْرِ الْأَلَمِ وَ الْمُصِیبَةِ وَ عِنْدَهُ تَضْعِیفٌ کَثِیرٌ قَالَ اَلرَّبِیعُ

ص :35

یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لاَ أَشْکُو إِلَیْکَ عَاصِمَ بْنَ زِیَادٍ أَخِی قَالَ مَا لَهُ قَالَ لَبِسَ الْعَبَاءَ وَ تَرَکَ الْمُلاَءَ وَ غَمَّ أَهْلَهُ وَ حَزَنَ وُلْدَهُ فَقَالَ عَلِیٌّ اُدْعُوا لِی عَاصِماً فَلَمَّا أَتَاهُ عَبَسَ فِی وَجْهِهِ وَ قَالَ وَیْحَکَ یَا عَاصِمُ أَ تَرَی اللَّهَ أَبَاحَ لَکَ اللَّذَّاتِ وَ هُوَ یَکْرَهُ مَا أَخَذْتَ مِنْهَا لَأَنْتَ أَهْوَنُ عَلَی اللَّهِ مِنْ ذَلِکَ أَ وَ مَا سَمِعْتَهُ یَقُولُ مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ یَلْتَقِیٰانِ (1) ثُمَّ یَقُولُ یَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجٰانُ (2) وَ قَالَ وَ مِنْ کُلٍّ تَأْکُلُونَ لَحْماً طَرِیًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْیَةً تَلْبَسُونَهٰا (3) أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّ ابْتِذَالَ نِعَمِ اللَّهِ بِالْفَعَالِ أَحَبُّ إِلَیْهِ مِنِ ابْتِذَالِهَا بِالْمَقَالِ وَ قَدْ سَمِعْتُمُ اللَّهَ یَقُولُ وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ (4) وَ قَوْلَهُ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللّٰهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ الطَّیِّبٰاتِ مِنَ الرِّزْقِ إِنَّ اللَّهَ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِینَ بِمَا خَاطَبَ بِهِ الْمُرْسَلِینَ فَقَالَ یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُلُوا مِنْ طَیِّبٰاتِ مٰا رَزَقْنٰاکُمْ (5) وَ قَالَ یٰا أَیُّهَا الرُّسُلُ کُلُوا مِنَ الطَّیِّبٰاتِ وَ اعْمَلُوا صٰالِحاً (6) وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِبَعْضِ نِسَائِهِ مَا لِی أَرَاکِ شَعْثَاءَ مَرْهَاءَ سَلْتَاءَ (7) .

قَالَ عَاصِمٌ فَلِمَ اقْتَصَرْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی لُبْسَ الْخَشِنِ وَ أَکْلِ الْجَشِبِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی افْتَرَضَ عَلَی أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ یُقَدِّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِالْقَوَامِ کَیْلاَ یَتَبَیَّغَ بِالْفَقِیرِ فَقْرُهُ فَمَا قَامَ عَلِیٌّ ع حَتَّی نَزَعَ عَاصِمٌ الْعَبَاءَ وَ لَبِسَ مُلاَءَةً

.

و الربیع بن زیاد هو الذی افتتح بعض خراسان و فیه قال عمر دُلونی علی رجل إذا کان

ص :36

فی القوم أمیرا فکأنّه لیس بأمیر و إذا کان فی القوم لیس بأمیر فکأنّه الأمیر بعینه و کان خیرا متواضعا و هو صاحب الوقعة مع عمر لما أحضر العمّال فتوحش له الربیع و تقشف و أکل معه الجشب من الطعام فأقره علی عمله و صرف الباقین و قد ذکرنا هذه الحکایة فیما تقدم.

2476

وَ کَتَبَ زِیَادُ بْنُ أَبِیهِ إِلَی اَلرَّبِیعِ بْنِ زِیَادٍ وَ هُوَ عَلَی قِطْعَةٍ مِنْ خُرَاسَانَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مُعَاوِیَةَ کَتَبَ إِلَیَّ یَأْمُرُکَ أَنْ تُحْرِزَ الصَّفْرَاءَ وَ الْبَیْضَاءَ وَ تُقَسِّمَ الْخُرْثِیَّ (1) وَ مَا أَشْبَهَهُ عَلَی أَهْلِ الْحَرْبِ فَقَالَ لَهُ اَلرَّبِیعُ إِنِّی وَجَدْتُ کِتَابَ اللَّهِ قَبْلَ کِتَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ثُمَّ نَادَی فِی النَّاسِ أَنِ اغْدُوا عَلَی غَنَائِمِکُمْ فَأَخَذَ الْخُمُسَ وَ قَسَّمَ الْبَاقِیَ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ أَنْ یُمِیتَهُ فَمَا جَمَعَ حَتَّی مَاتَ.

و هو الربیع بن زیاد بن أنس بن دیان بن قطر بن زیاد بن الحارث بن مالک بن ربیعة بن کعب بن مالک بن کعب بن الحارث بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالک بن أدد .

و أما العلاء بن زیاد الذی ذکره الرضی رحمه اللّه فلا أعرفه لعلّ غیری یعرفه

ص :37

کَذِباً فَهُوَ فِی یَدَیْهِ وَ یَرْوِیهِ وَ یَعْمَلُ بِهِ وَ یَقُولُ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَوْ عَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِیهِ لَمْ یَقْبَلُوهُ مِنْهُ وَ لَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ کَذَلِکَ لَرَفَضَهُ وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص شَیْئاً یَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ نَهَی عَنْهُ وَ هُوَ لاَ یَعْلَمُ أَوْ سَمِعَهُ یَنْهَی عَنْ شَیْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَ هُوَ لاَ یَعْلَمُ فَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ وَ لَمْ یَحْفَظِ النَّاسِخَ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ وَ لَوْ عَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ وَ آخَرُ رَابِعٌ لَمْ یَکْذِبْ عَلَی اللَّهِ وَ لاَ عَلَی رَسُولِهِ مُبْغِضٌ لِلْکَذِبِ خَوْفاً مِنَ اللَّهِ وَ تَعْظِیماً لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَمْ یَهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَی وَجْهِهِ فَجَاءَ بِهِ عَلَی مَا سَمِعَهُ [سَمْعِهِ]

لَمْ یَزِدْ فِیهِ وَ لَمْ یَنْقُصْ مِنْهُ فَهُوَ حَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ وَ حَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ وَ عَرَفَ الْخَاصَّ وَ الْعَامَّ وَ الْمُحْکَمَ وَ الْمُتَشَابِهَ فَوَضَعَ کُلَّ شَیْءٍ مَوْضِعَهُ وَ قَدْ کَانَ یَکُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص الْکَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ فَکَلاَمٌ خَاصٌّ وَ کَلاَمٌ عَامٌّ فَیَسْمَعُهُ مَنْ لاَ یَعْرِفُ مَا عَنَی اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَ لاَ مَا عَنَی رَسُولُ اللَّهِ ص فَیَحْمِلُهُ السَّامِعُ وَ یُوَجِّهُهُ عَلَی غَیْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ وَ مَا [قَصَدَ]

قُصِدَ بِهِ وَ مَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ وَ لَیْسَ کُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص مَنْ کَانَ یَسْأَلُهُ وَ یَسْتَفْهِمُهُ حَتَّی إِنْ کَانُوا لَیُحِبُّونَ أَنْ یَجِیءَ الْأَعْرَابِیُّ وَ الطَّارِئُ فَیَسْأَلَهُ ع حَتَّی یَسْمَعُوا وَ کَانَ لاَ یَمُرُّ بِی مِنْ ذَلِکَ شَیْءٌ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ حَفِظْتُهُ فَهَذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَیْهِ النَّاسُ فِی اخْتِلاَفِهِمْ وَ عِلَلِهِمْ فِی رِوَایَاتِهِمْ .

ص :39

الکلام فی تفسیر الألفاظ الأصولیة و هی العام و الخاص و الناسخ و المنسوخ و الصدق و الکذب و المحکم و المتشابه موکول إلی فن أصول الفقه و قد ذکرناه فیما أملیناه من الکتب الأصولیة و الإطالة بشرح ذلک فی هذا الموضع مستهجنة.

قوله ع و حفظا و وهما الهاء مفتوحة و هی مصدر وهمت بالکسر أوهم أی غلطت و سهوت و قد روی وهما بالتسکین و هو مصدر وهمت بالفتح أوهم إذا ذهب وهمک إلی شیء و أنت ترید غیره و المعنی متقارب .

و

2477

قَوْلُ اَلنَّبِیِّ ص فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ اَلنَّارِ .

کلام صیغته الأمر و معناه الخبر کقوله تعالی قُلْ مَنْ کٰانَ فِی الضَّلاٰلَةِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمٰنُ مَدًّا (1) و تبوأت المنزل نزلته و بوأته منزلا أنزلته فیه .

و التأثم الکف عن موجب الإثم و التحرج مثله و أصله الضیق کأنّه یضیق علی نفسه .

و لقف عنه

تناول عنه .

و جنب عنه أخذ عنه جانبا .

و إن فی قوله حتی إن کانوا لیحبون مخففة من الثقیلة و لذلک جاءت اللام فی الخبر.

و الطارئ بالهمز الطالع علیهم طرأ أی طلع و قد روی عللهم بالرفع عطفا علی وجوه و روی بالجر عطفا علی اختلافهم

ص :40

حقا لما وصلنا إلی ما وصلنا إلیه و بالجملة لما ترکوا ترکوا و حیث سکت عنهم سکتوا عن الإسلام و أهله إلاّ فی دسیسة خفیة یعملونها نحو الکذب الذی أشار إلیه أمیر المؤمنین ع فإنه خالط الحدیث کذب کثیر صدر عن قوم غیر صحیحی العقیدة قصدوا به الإضلال و تخبیط القلوب و العقائد و قصد به بعضهم التنویه بذکر قوم کان لهم فی التنویه بذکرهم غرض دنیوی و قد قیل إنّه افتعل فی أیام معاویة خاصّة حدیث کثیر علی هذا الوجه و لم یسکت المحدّثون الراسخون فی علم الحدیث عن هذا بل ذکروا کثیرا من هذه الأحادیث الموضوعة و بینوا وضعها و أن رواتها غیر موثوق بهم إلاّ أن المحدثین إنّما یطعنون فیما دون طبقة الصحابة و لا یتجاسرون فی الطعن علی أحد من الصحابة لأن علیه لفظ الصحبة علی أنهم قد طعنوا فی قوم لهم صحبة کبسر بن أرطاة و غیره.

فإن قلت من هم أئمة الضلالة الذین یتقرب إلیهم المنافقون الذین رأوا رسول اللّه ص و صحبوه للزور و البهتان و هل هذا إلاّ تصریح بما تذکره الإمامیّة و تعتقده.

قلت لیس الأمر کما ظننت و ظنوا و إنّما یعنی معاویة و عمرو بن العاص و من شایعهما علی الضلال

2478

کَالْخَبَرِ الَّذِی رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ فِی حَقِّ مُعَاوِیَةَ اللَّهُمَّ قِهِ الْعَذَابَ وَ الْحِسَابَ وَ عَلِّمْهُ اَلْکِتَابَ .

2479

وَ کَرِوَایَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ تَقَرُّباً إِلَی قَلْبِ مُعَاوِیَةَ إِنَّ آلَ أَبِی طَالِبٍ لَیْسُوا لِی بِأَوْلِیَاءَ إِنَّمَا وَلِیِّیَ اللّٰهُ .. وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِینَ .

و کروایة قوم فی أیام معاویة أخبارا کثیرة من فضائل عثمان تقربا إلی معاویة بها و لسنا نجحد فضل عثمان و سابقته و لکنا نعلم أن بعض الأخبار الواردة فیه موضوع کخبر عمرو بن مرة فیه و هو مشهور و عمرو بن مرة ممن له صحبة و هو شامی

ص :42

إِلَی زَمَانِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ قَاتِلِ اَلْحُسَیْنِ ع ثُمَّ جَاءَ اَلْحَجَّاجُ فَقَتَلَهُمْ کُلَّ قَتْلَةٍ وَ أَخَذَهُمْ بِکُلِّ ظِنَّةٍ وَ تُهْمَةٍ حَتَّی إِنَّ الرَّجُلَ لَیُقَالُ لَهُ زِنْدِیقٌ أَوْ کَافِرٌ أَحَبُّ إِلَیْهِ مِنْ أَنْ یُقَالَ شِیعَةُ عَلِیٍّ وَ حَتَّی صَارَ الرَّجُلُ الَّذِی یُذْکَرُ بِالْخَیْرِ وَ لَعَلَّهُ یَکُونُ وَرِعاً صَدُوقاً یُحَدِّثُ بِأَحَادِیثَ عَظِیمَةٍ عَجِیبَةٍ مِنْ تَفْضِیلِ بَعْضِ مَنْ قَدْ سَلَفَ مِنَ الْوُلاَةِ وَ لَمْ یَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَی شَیْئاً مِنْهَا وَ لاَ کَانَتْ وَ لاَ وَقَعَتْ وَ هُوَ یَحْسَبُ أَنَّهَا حَقٌّ لِکَثْرَةِ مَنْ قَدْ رَوَاهَا مِمَّنْ لَمْ یُعْرَفْ بِکَذِبٍ وَ لاَ بِقِلَّةِ وَرَعٍ

.

2481

1,2,3- وَ رَوَی أَبُو الْحَسَنِ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی سَیْفٍ الْمَدَائِنِیُّ فِی کِتَابِ اَلْأَحْدَاثِ قَالَ کَتَبَ مُعَاوِیَةُ نُسْخَةً وَاحِدَةً إِلَی عُمَّالِهِ بَعْدَ عَامِ الْجَمَاعَةِ أَنْ بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِمَّنْ رَوَی شَیْئاً مِنْ فَضْلِ أَبِی تُرَابٍ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ فَقَامَتِ الْخُطَبَاءُ فِی کُلِّ کُورَةٍ وَ عَلَی کُلِّ مِنْبَرٍ یَلْعَنُونَ عَلِیّاً وَ یَبْرَءُونَ مِنْهُ وَ یَقَعُونَ فِیهِ وَ فِی أَهْلِ بَیْتِهِ وَ کَانَ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً حِینَئِذٍ أَهْلَ اَلْکُوفَةِ لِکَثْرَةِ مَنْ بِهَا مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع فَاسْتَعْمَلَ عَلَیْهِمْ زِیَادَ بْنَ سُمَیَّةَ وَ ضَمَّ إِلَیْهِ اَلْبَصْرَةَ فَکَانَ یَتَتَبَّعُ اَلشِّیعَةَ وَ هُوَ بِهِمْ عَارِفٌ لِأَنَّهُ کَانَ مِنْهُمْ أَیَّامَ عَلِیٍّ ع فَقَتَلَهُمْ تَحْتَ کُلِّ حَجَرٍ وَ مَدَرٍ وَ أَخَافَهُمْ وَ قَطَعَ الْأَیْدِیَ وَ الْأَرْجُلَ وَ سَمَلَ الْعُیُونَ وَ صَلَبَهُمْ عَلَی جُذُوعِ النَّخْلِ وَ طَرَدَهُمْ وَ شَرَّدَهُمْ عَنِ اَلْعِرَاقِ فَلَمْ یَبْقَ بِهَا مَعْرُوفٌ مِنْهُمْ وَ کَتَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عُمَّالِهِ فِی جَمِیعِ الْآفَاقِ أَلاَّ یُجِیزُوا لِأَحَدٍ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ شَهَادَةً وَ کَتَبَ إِلَیْهِمْ أَنِ انْظُرُوا مَنْ قِبَلَکُمْ مِنْ شِیعَةِ عُثْمَانَ وَ مُحِبِّیهِ وَ أَهْلِ وَلاَیَتِهِ وَ الَّذِینَ یَرْوُونَ فَضَائِلَهُ وَ مَنَاقِبَهُ فَادْنُوا مَجَالِسَهُمْ وَ قَرِّبُوهُمْ وَ أَکْرِمُوهُمْ وَ اکْتُبُوا لِی بِکُلِّ مَا یَرْوِی کُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَ اسْمِهِ وَ اسْمِ أَبِیهِ وَ عَشِیرَتِهِ.

فَفَعَلُوا ذَلِکَ حَتَّی أَکْثَرُوا فِی فَضَائِلِ عُثْمَانَ وَ مَنَاقِبِهِ لِمَا کَانَ یَبْعَثُهُ إِلَیْهِمْ مُعَاوِیَةُ مِنَ الصِّلاَتِ وَ الْکِسَاءِ وَ الْحِبَاءِ وَ الْقَطَائِعِ وَ یُفِیضُهُ فِی اَلْعَرَبِ مِنْهُمْ وَ اَلْمَوَالِی فَکَثُرَ ذَلِکَ فِی کُلِّ مِصْرٍ وَ تَنَافَسُوا فِی الْمَنَازِلِ وَ الدُّنْیَا فَلَیْسَ یَجِیءُ أَحَدٌ مَرْدُودٌ مِنَ النَّاسِ عَامِلاً مِنْ

ص :44

عُمَّالِ مُعَاوِیَةَ فَیَرْوِی فِی عُثْمَانَ فَضِیلَةً أَوْ مَنْقَبَةً إِلاَّ کَتَبَ اسْمَهُ وَ قَرَّبَهُ وَ شَفَّعَهُ فَلَبِثُوا بِذَلِکَ حِیناً.

ثُمَّ کَتَبَ إِلَی عُمَّالِهِ أَنَّ الْحَدِیثَ فِی عُثْمَانَ قَدْ کَثُرَ وَ فَشَا فِی کُلِّ مِصْرٍ وَ فِی کُلِّ وَجْهٍ وَ نَاحِیَةٍ فَإِذَا جَاءَکُمْ کِتَابِی هَذَا فَادْعُوا النَّاسَ إِلَی الرِّوَایَةِ فِی فَضَائِلِ اَلصَّحَابَةِ وَ الْخُلَفَاءِ الْأَوَّلِینَ وَ لاَ تَتْرُکُوا خَبَراً یَرْوِیهِ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ فِی أَبِی تُرَابٍ إِلاَّ وَ تَأْتُونِّی بِمُنَاقِضٍ لَهُ فِی اَلصَّحَابَةِ فَإِنَّ هَذَا أَحَبُّ إِلَیَّ وَ أَقَرُّ لِعَیْنِی وَ أَدْحَضُ لِحُجَّةِ أَبِی تُرَابٍ وَ شِیعَتِهِ وَ أَشَدُّ عَلَیْهِمْ مِنْ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ وَ فَضْلِهِ.

فَقُرِئَتْ کُتُبُهُ عَلَی النَّاسِ فَرُوِیَتْ أَخْبَارٌ کَثِیرَةٌ فِی مَنَاقِبِ اَلصَّحَابَةِ مُفْتَعَلَةٌ لاَ حَقِیقَةَ لَهَا وَ جَدَّ النَّاسُ فِی رِوَایَةِ مَا یَجْرِی هَذَا الْمَجْرَی حَتَّی أَشَادُوا بِذِکْرِ ذَلِکَ عَلَی الْمَنَابِرِ وَ أُلْقِیَ إِلَی مُعَلِّمِی الْکَتَاتِیبِ فَعَلَّمُوا صِبْیَانَهُمْ وَ غِلْمَانَهُمْ مِنْ ذَلِکَ الْکَثِیرِ الْوَاسِعِ حَتَّی رَوَوْهُ وَ تَعَلَّمُوهُ کَمَا یَتَعَلَّمُونَ اَلْقُرْآنَ وَ حَتَّی عَلَّمُوهُ بَنَاتِهِمْ وَ نِسَاءَهُمْ وَ خَدَمَهُمْ وَ حَشَمَهُمْ فَلَبِثُوا بِذَلِکَ مَا شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ کَتَبَ إِلَی عُمَّالِهِ نُسْخَةً وَاحِدَةً إِلَی جَمِیعِ الْبُلْدَانِ انْظُرُوا مَنْ قَامَتْ عَلَیْهِ الْبَیِّنَةُ أَنَّهُ یُحِبُّ عَلِیّاً وَ أَهْلَ بَیْتِهِ فَامْحُوهُ مِنَ الدِّیوَانِ وَ أَسْقِطُوا عَطَاءَهُ وَ رِزْقَهُ وَ شَفَعَ ذَلِکَ بِنُسْخَةٍ أُخْرَی مَنِ اتَّهَمْتُمُوهُ بِمُوَالاَةِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَنَکِّلُوا بِهِ وَ اهْدِمُوا دَارَهُ فَلَمْ یَکُنِ الْبَلاَءُ أَشَدَّ وَ لاَ أَکْثَرَ مِنْهُ بِالْعِرَاقِ وَ لاَ سِیَّمَا بِالْکُوفَةِ حَتَّی إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع لَیَأْتِیهِ مَنْ یَثِقُ بِهِ فَیَدْخُلُ بَیْتَهُ فَیُلْقِی إِلَیْهِ سِرَّهُ وَ یَخَافُ مِنْ خَادِمِهِ وَ مَمْلُوکِهِ وَ لاَ یُحَدِّثُهُ حَتَّی یَأْخُذَ عَلَیْهِ الْأَیْمَانَ الْغَلِیظَةَ لَیَکْتُمَنَّ عَلَیْهِ فَظَهَرَ حَدِیثٌ کَثِیرٌ مَوْضُوعٌ وَ بُهْتَانٌ مُنْتَشِرٌ وَ مَضَی عَلَی ذَلِکَ الْفُقَهَاءُ وَ الْقُضَاةُ وَ الْوُلاَةُ وَ کَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ فِی ذَلِکَ بَلِیَّةً الْقُرَّاءُ الْمُرَاءُونَ وَ الْمُسْتَضْعَفُونَ الَّذِینَ یُظْهِرُونَ الْخُشُوعَ وَ النُّسُکَ فَیَفْتَعِلُونَ الْأَحَادِیثَ لِیَحْظَوْا بِذَلِکَ عِنْدَ وُلاَتِهِمْ وَ یَقْرَبُوا مَجَالِسَهُمْ وَ یُصِیبُوا بِهِ الْأَمْوَالَ وَ الضِّیَاعَ

ص :45

وَ الْمَنَازِلَ حَتَّی انْتَقَلَتْ تِلْکَ الْأَخْبَارُ وَ الْأَحَادِیثُ إِلَی أَیْدِی الدَّیَّانِینَ الَّذِینَ لاَ یَسْتَحِلُّونَ الْکَذِبَ وَ الْبُهْتَانَ فَقَبِلُوهَا وَ رَوَوْهَا وَ هُمْ یَظُنُّونَ أَنَّهَا حَقٌّ وَ لَوْ عَلِمُوا أَنَّهَا بَاطِلَةٌ لَمَّا رَوَوْهَا وَ لاَ تَدَیَّنُوا بِهَا.

فَلَمْ یَزَلِ الْأَمْرُ کَذَلِکَ حَتَّی مَاتَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع فَازْدَادَ الْبَلاَءُ وَ الْفِتْنَةُ فَلَمْ یَبْقَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْقَبِیلِ إِلاَّ وَ هُوَ خَائِفٌ عَلَی دَمِهِ أَوْ طَرِیدٌ فِی الْأَرْضِ.

ثُمَّ تَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَعْدَ قَتْلِ اَلْحُسَیْنِ ع وَ وُلِّیَ عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ مَرْوَانَ فَاشْتَدَّ عَلَی اَلشِّیعَةِ وَ وُلِّیَ عَلَیْهِمُ اَلْحَجَّاجُ بْنُ یُوسُفَ فَتَقَرَّبَ إِلَیْهِ أَهْلُ النُّسُکِ وَ الصَّلاَحِ وَ الدِّینِ بِبُغْضِ عَلِیٍّ وَ مُوَالاَةِ أَعْدَائِهِ وَ مُوَالاَةِ مَنْ یَدَّعِی مِنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ أَیْضاً أَعْدَاؤُهُ فَأَکْثَرُوا فِی الرِّوَایَةِ فِی فَضْلِهِمْ وَ سَوَابِقِهِمْ وَ مَنَاقِبِهِمْ وَ أَکْثَرُوا مِنَ الْغَضِّ مِنْ عَلِیٍّ ع وَ عَیْبِهِ وَ الطَّعْنِ فِیهِ وَ الشَّنَئَانِ لَهُ حَتَّی أَنَّ إِنْسَاناً وَقَفَ لِلْحَجَّاجِ وَ یُقَالُ إِنَّهُ جَدُّ اَلْأَصْمَعِیِّ عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ قَرِیبٍ فَصَاحَ بِهِ أَیُّهَا الْأَمِیرُ إِنَّ أَهْلِی عَقُّونِی فَسَمَّوْنِی عَلِیّاً وَ إِنِّی فَقِیرٌ بَائِسٌ وَ أَنَا إِلَی صِلَةِ الْأَمِیرِ مُحْتَاجٌ فَتَضَاحَکَ لَهُ اَلْحَجَّاجُ وَ قَالَ لِلُطْفِ مَا تَوَسَّلْتَ بِهِ قَدْ وَلَّیْتُکَ مَوْضِعَ کَذَا

.

2482

وَ قَدْ رَوَی اِبْنُ عَرَفَةَ الْمَعْرُوفُ بِنَفْطَوَیْهِ وَ هُوَ مِنْ أَکَابِرِ الْمُحَدِّثِینَ وَ أَعْلاَمِهِمْ فِی تَارِیخِهِ مَا یُنَاسِبُ هَذَا الْخَبَرَ وَ قَالَ إِنَّ أَکْثَرَ الْأَحَادِیثِ الْمَوْضُوعَةِ فِی فَضَائِلِ اَلصَّحَابَةِ افْتُعِلَتْ فِی أَیَّامِ بَنِی أُمَیَّةَ تَقَرُّباً إِلَیْهِمْ بِمَا یَظُنُّونَ أَنَّهُمْ یُرْغِمُونَ بِهِ أُنُوفَ بَنِی هَاشِمٍ .

قلت و لا یلزم من هذا أن یکون علی ع یسوءه أن یذکر الصحابة و المتقدمون علیه بالخیر و الفضل إلاّ أن معاویة و بنی أمیّة کانوا یبنون الأمر من هذا علی ما یظنونه فی علی ع من أنّه عدو من تقدم علیه و لم یکن الأمر فی الحقیقة کما

ص :46

یظنونه و لکنه کان یری أنّه أفضل منهم و أنهم استأثروا علیه بالخلافة من غیر تفسیق منه لهم و لا براءة منهم .

فأما قوله ع و رجل سمع من رسول اللّه شیئا و لم یحفظه علی وجهه فوهم فیه فقد وقع ذلک

2483

14- وَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِی الْخَبَرِ الَّذِی رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ الْمَیِّتَ لَیُعَذَّبُ بِبُکَاءِ أَهْلِهِ عَلَیْهِ إِنَّ اِبْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا رُوِیَ لَهُ هَذَا الْخَبَرُ قَالَ ذَهَلَ اِبْنُ عُمَرَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَی قَبْرِ یَهُودِیٍّ فَقَالَ إِنَّ أَهْلَهُ لَیَبْکُونَ عَلَیْهِ وَ إِنَّهُ لَیُعَذَّبُ.

وَ قَالُوا أَیْضاً إِنَّ عَائِشَةَ أَنْکَرَتْ ذَلِکَ وَ قَالَتْ ذَهَلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ کَمَا ذَهَلَ فِی خَبَرِ قَلِیبِ بَدْرٍ إِنَّمَا قَالَ ع إِنَّهُمْ لَیَبْکُونَ عَلَیْهِ وَ إِنَّهُ لَیُعَذَّبُ بِجُرْمِهِ.

قَالُوا وَ مَوْضِعُ غَلَطِهِ فِی خَبَرِ الْقَلِیبِ أَنَّهُ رَوَی أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص وَقَفَ عَلَی قَلِیبِ بَدْرٍ فَقَالَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَکُمْ رَبُّکُمْ حَقّاً ثُمَّ قَالَ إِنَّهُمْ یَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ لَهُمْ فَأَنْکَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِکَ وَ قَالَتْ إِنَّمَا قَالَ إِنَّهُمْ یَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِی کُنْتُ أَقُولُهُ لَهُمْ هُوَ الْحَقُّ وَ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَی إِنَّکَ لاٰ تُسْمِعُ الْمَوْتیٰ (1)

.

فأما الرجل الثالث و هو الذی یسمع المنسوخ و لم یسمع الناسخ فقد وقع کثیرا و کتب الحدیث و الفقه مشحونة بذلک کالذین أباحوا لحوم الحمر الأهلیة لخبر رووه فی ذلک و لم یرووا الخبر الناسخ.

و أمّا الرجل الرابع فهم العلماء الراسخون فی العلم .

و أمّا قوله ع و قد کان یکون من رسول اللّه ص الکلام له

ص :47

وجهان

فهذا داخل فی القسم الثانی و غیر خارج عنه و لکنه کالنوع من الجنس لأن الوهم و الغلط جنس تحته أنواع.

و اعلم أن أمیر المؤمنین ع کان مخصوصا من دون الصحابة رضوان اللّه علیهم بخلوات کان یخلو بها مع رسول اللّه ص لا یطلع أحد من الناس علی ما یدور بینهما و کان کثیر السؤال للنبی ص عن معانی القرآن و عن معانی کلامه ص و إذا لم یسأل ابتدأه النبیّ ص بالتعلیم و التثقیف و لم یکن أحد من أصحاب النبیّ ص کذلک بل کانوا أقساما فمنهم من یهابه أن یسأله و هم الذین یحبون أن یجیء الأعرابی أو الطارئ فیسأله و هم یسمعون و منهم من کان بلیدا بعید الفهم قلیل الهمة فی النظر و البحث و منهم من کان مشغولا عن طلب العلم و فهم المعانی إمّا بعبادة أو دنیا و منهم المقلد یری أن فرضه السکوت و ترک السؤال و منهم المبغض الشانئ الذی لیس للدین عنده من الموقع ما یضیع وقته و زمانه بالسؤال عن دقائقه و غوامضه و انضاف إلی الأمر الخاص بعلی ع ذکاؤه و فطنته و طهارة طینته و إشراق نفسه و ضوءها و إذا کان المحل قابلا متهیئا کان الفاعل المؤثر موجودا و الموانع مرتفعة حصل الأثر علی أتم ما یمکن فلذلک کان علی ع کما قال الحسن البصری ربانی هذه الأمة و ذا فضلها و لذا تسمیه الفلاسفة إمام الأئمة و حکیم العرب

فی مبدأ الأمر أحادیث مختلفة فی صاحبهم حملهم علی وضعها عداوة خصومهم نحو حدیث السطل و حدیث الرمانة و حدیث غزوة البئر التی کان فیها الشیاطین و تعرف کما زعموا بذات العلم و حدیث غسل سلمان الفارسیّ و طی الأرض و حدیث الجمجمة و نحو ذلک فلما رأت البکریة ما صنعت الشیعة وضعت لصاحبها أحادیث فی مقابلة هذه الأحادیث نحو لو کنت متخذا خلیلا فإنهم وضعوه فی مقابلة حدیث الإخاء و نحو سد الأبواب فإنّه کان لعلی ع فقلبته البکریة إلی أبی بکر و نحو ایتونی بدواة و بیاض أکتب فیه لأبی بکر کتابا لا یختلف علیه اثنان ثمّ قال یأبی اللّه تعالی و المسلمون إلا أبا بکر فإنهم وضعوه فی مقابلة

2484

14- الْحَدِیثِ الْمَرْوِیِّ عَنْهُ فِی مَرَضِهِ ایتُونِی بِدَوَاةٍ وَ بَیَاضٍ أَکْتُبْ لَکُمْ مَا لاَ تَضِلُّونَ بَعْدَهُ أَبَداً فَاخْتَلَفُوا عِنْدَهُ وَ قَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ لَقَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ حَسْبُنَا کِتَابُ اللَّهِ .

و نحو حدیث أنا راض عنک فهل أنت عنی راض و نحو ذلک فلما رأت الشیعة ما قد وضعت البکریة أوسعوا فی وضع الأحادیث فوضعوا حدیث الطوق الحدید الذی زعموا أنّه فتله فی عنق خالد و حدیث اللوح الذی زعموا أنّه کان فی غدائر الحنفیة أم محمد و حدیث لا یفعلن خالد ما آمر به و حدیث الصحیفة التی علقت عام الفتح بالکعبة و حدیث الشیخ الذی صعد المنبر یوم بویع أبو بکر فسبق الناس إلی بیعته و أحادیث مکذوبة کثیرة تقتضی نفاق قوم من أکابر الصحابة و التابعین الأولین و کفرهم و علی أدون الطبقات فیهم فقابلتهم البکریة بمطاعن کثیرة فی علی و فی ,3ولدیه و نسبوه تارة إلی ضعف العقل و تارة إلی ضعف السیاسة و تارة إلی حبّ الدنیا و الحرص علیها و لقد کان الفریقان فی غنیة عما اکتسباه و اجترحاه و لقد کان فی فضائل علی ع الثابتة الصحیحة و فضائل أبی بکر المحققة

ص :49

المعلومة ما یغنی عن تکلف العصبیّة لهما فإن العصبیّة لهما أخرجت الفریقین من ذکر الفضائل إلی ذکر الرذائل و من تعدید المحاسن إلی تعدید المساوئ و المقابح و نسأل اللّه تعالی أن یعصمنا من المیل إلی الهوی و حبّ العصبیّة و أن یجرینا علی ما عودنا من حبّ الحق أین وجد و حیث کان سخط ذلک من سخط و رضی به من رضی بمنه و لطفه

ص :50

أراد أن یقول و کان من اقتداره فقال و کان من اقتدار جبروته تعظیما و تفخیما کما یقال للملک أمرت الحضرة الشریفة بکذا و البحر الزاخر الذی قد امتد جدا و ارتفع و المتراکم المجتمع بعضه علی بعض و المتقاصف الشدید الصوت قصف الرعد و غیره قصیفا.

و الیبس بالتحریک المکان یکون رطبا ثمّ ییبس و منه قوله تعالی فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِیقاً فِی الْبَحْرِ یَبَساً (1) و الیبس بالسکون الیابس خلقة حطب یبس هکذا یقوله أهل اللغة و فیه کلام لأن الحطب لیس یابسا خلقة بل کان رطبا من قبل فالأصوب أن یقال لا تکون هذه اللفظة محرکة إلاّ فی المکان خاصّة و فطر خلق و المضارع یفطر بالضم فطرا.

و الأطباق جمع طبق و هو أجزاء مجتمعة من جراد أو غیم أو ناس أو غیر ذلک من حیوان أو جماد یقول خلق منه أجساما مجتمعة مرتتقة ثمّ فتقها سبع سموات و روی ثم فطر منه طباقا أی أجساما منفصلة فی الحقیقة متصلة فی الصورة بعضها فوق بعض و هی من ألفاظ القرآن (2) المجید و الضمیر فی منه یرجع إلی ماء البحر فی أظهر النظر و قد یمکن أن یرجع إلی الیبس.

و اعلم أنّه قد تکرر فی کلام أمیر المؤمنین ما یماثل هذا القول و یناسبه و هو مذهب

ص :52

کثیر من الحکماء الذین قالوا بحدوث السماء منهم ثالیس الملطی قالوا أصل الأجسام الماء و خلقت الأرض من زبده و السماء من بخاره و قد جاء القرآن العزیز بنحو هذا قال سبحانه اَلَّذِی خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیّٰامٍ وَ کٰانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمٰاءِ (1) .

قال شیخنا أبو علی و أبو القاسم رحمهما اللّه فی تفسیریهما هذه الآیة دالة علی أن الماء و العرش کانا قبل خلق السماوات و الأرض قالا و کان الماء علی الهواء قالا و هذا یدلّ أیضا علی أن الملائکة کانوا موجودین قبل خلق السماوات و الأرض لأن الحکیم سبحانه لا یجوز أن یقدم خلق الجماد علی خلق المکلفین لأنّه یکون عبثا.

و قال علی بن عیسی الرمانی من مشایخنا أنّه غیر ممتنع أن یخلق الجماد قبل الحیوان إذا علم أن فی إخبار المکلفین بذلک لطفا لهم و لا یصحّ أن یخبرهم إلاّ و هو صادق فیما أخبر به و إنّما یکون صادقا إذا کان المخبر خبره علی ما أخبر عنه و فی ذلک حسن تقدیم خلق الجماد علی خلق الحیوان و کلام أمیر المؤمنین ع یدل علی أنّه کان یذهب إلی أن الأرض موضوعة علی ماء البحر و أن البحر حامل لها بقدرة اللّه تعالی و هو معنی قوله یحملها الأخضر المثعنجر و القمقام المسخر و أن البحر الحامل لها قد کان جاریا فوقف تحتها و أنّه تعالی خلق الجبال فی الأرض فجعل أصولها راسخة فی ماء البحر الحامل للأرض و أعالیها شامخة فی الهواء و أنّه سبحانه جعل هذه الجبال عمادا للأرض و أوتادا تمنعها من الحرکة و الاضطراب و لولاها لماجت و اضطربت و أن هذا البحر الحامل للأرض تصعد فیه الریاح الشدیدة فتحرکه حرکة عنیفة و تموج السحب التی تغترف الماء منه لتمطر الأرض به و هذا کله مطابق لما فی الکتاب العزیز و السنة النبویّة و النظر الحکمی أ لا تری إلی قوله تعالی أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ

ص :53

کٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا (1) و هذا هو صریح قوله ع ففتقها سبع سموات بعد ارتتاقها و إلی قوله تعالی وَ جَعَلْنٰا فِی الْأَرْضِ رَوٰاسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِهِمْ (2) و إلی

2485

مَا وَرَدَ فِی الْخَبَرِ مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ مَدْحُوَّةٌ عَلَی الْمَاءِ وَ أَنَّ الرِّیَاحَ تَسُوقُ السُّحُبَ إِلَی الْمَاءِ نَازِلَةً ثُمَّ تَسُوقُهَا عَنْهُ صَاعِدَةً بَعْدَ امْتِلاَئِهَا ثُمَّ تَمْطُرُ.

و أمّا النظر الحکمی فمطابق لکلامه إذا تأمله المتأمل و حمله علی المحمل العقلی و ذلک لأن الأرض هی آخر طبقات العناصر و قبلها عنصر الماء و هو محیط بالأرض کلها إلاّ ما برز منها و هو مقدار الربع من کرة الأرض علی ما ذکره علماء هذا الفن و برهنوا علیه فهذا تفسیر قوله ع یحملها الأخضر المثعنجر .

و أمّا قوله و وقف الجاری منه لخشیته فلا یدلّ دلالة قاطعة علی أنّه کان جاریا و وقف و لکن ذلک کلام خرج مخرج التعظیم و التبجیل و معناه أن الماء طبعه الجریان و السیلان فهو جار بالقوة و إن لم یکن جاریا بالفعل و إنّما وقف و لم یجر بالفعل بقدرة اللّه تعالی المانعة له من السیلان و لیس قوله و رست أصولها فی الماء مما ینافی النظر العقلی لأنّه لم یقل و رست أصولها فی ماء البحر و لکنه قال فی الماء و لا شبهة فی أن أصول الجبال راسیة فی الماء المتخلخل بین أجزاء الأرض فإن الأرض کلها یتخلخل الماء بین أجزائها علی طریق استحالة البخار من الصورة الهوائیة إلی الصورة المائیة.

و لیس ذکره للجبال و کونها مانعة للأرض من الحرکة بمناف أیضا للنظر الحکمی لأن الجبال فی الحقیقة قد تمنع من الزلزلة إذا وجدت أسبابها الفاعلة فیکون ثقلها مانعا من الهدة و الرجفة.

ص :54

لیس قوله تکرکره الریاح منافیا للنظر الحکمی أیضا لأن کرة الهواء محیطة بکرة و قد تعصف الریاح فی کرة الهواء للأسباب المذکورة فی موضعها من هذا العلم فیتموج کثیر من الکرة المائیة لعصف الریاح.

و لیس قوله ع و تمخضه الغمام الذوارف صریحا فی أن السحب تنزل فی البحر فتغترف منه کما قد یعتقد فی المشهور العامی نحو قول الشاعر کالبحر تمطره السحاب و ما لها فضل علیه لأنّها من مائه.

بل یجوز أن تکون الغمام الذراف تمخضه و تحرکه بما ترسل علیه من الأمطار السائلة منها فقد ثبت أن کلام أمیر المؤمنین ع موجه إن شئت فسرته بما یقوله أهل الظاهر و إن شئت فسرته بما یعتقده الحکماء.

فإن قلت فکیف قال اللّه تعالی أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ کٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا و هل کان الذین کفروا راءین لذلک حتّی یقول لهم أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا .

قلت هذا فی قوله اعلموا أن السماوات و الأرض کانتا رتقا ففتقناهما کما یقول الإنسان لصاحبه أ لم تعلم أن الأمیر صرف حاجبه اللیلة عن بابه أی اعلم ذلک إن کنت غیر عالم و الرؤیة هنا بمعنی العلم.

و اعلم أنّه قد ذهب قوم من قدماء الحکماء و یقال أنّه مذهب سقراط إلی تفسیر القیامة و جهنم بما یبتنی علی وضع الأرض علی الماء فقالوا الأرض موضوعة علی الماء و الماء علی الهواء و الهواء علی النار و النار فی حشو الأفلاک و لما کان العنصران الخفیفان و هما الهواء و النار یقتضیان صعود ما یحیطان به و العنصران الثقیلان اللذان فی وسطهما و هما

ص :55

الماء و الأرض یقتضیان النزول و الهبوط وقعت الممانعة و المدافعة فلزم من ذلک وقوف الماء و الأرض فی الوسط.

قالوا ثمّ إن النار لا تزال یتزاید تأثیرها فی إسخان الماء و ینضاف إلی ذلک حر الشمس و الکواکب إلی أن تبلغ البحار و العنصر المائی غایتهما فی الغلیان و الفوران فیتصاعد بخار عظیم إلی الأفلاک شدید السخونة و ینضاف إلی ذلک حر فلک الأثیر الملاصق للأفلاک فتذوب الأفلاک کما یذوب الرصاص و تتهافت و تتساقط و تصیر کالمهل الشدید الحرارة و نفوس البشر علی قسمین أحدهما ما تجوهر و صار مجردا بطریق العلوم و المعارف و قطع العلائق الجسمانیة حیث کان مدبرا للبدن و الآخر ما بقی علی جسمانیته بطریق خلوه من العلوم و المعارف و انغماسه فی اللذات و الشهوات الجسمانیة فأما الأول فإنّه یلتحق بالنفس الکلیة المجردة و یخلص من دائرة هذا العالم بالکلیة و أمّا الثانی فإنّه تنصب علیه تلک الأجسام الفلکیة الذائبة فیحترق بالکلیة و یتعذب و یلقی آلاما شدیدة.

قالوا هذا هو باطن ما وردت به الروایة من العذاب علیها و خراب العالم و الأفلاک و انهدامها.

ثمّ نعود إلی شرح الألفاظ قوله ع فاستمسکت أی وقفت و ثبتت.

و الهاء فی حده تعود إلی أمره أی قامت علی حدّ ما أمرت به أی لم تتجاوزه و لا تعدته.

و الأخضر البحر و یسمی أیضا خضارة معرفة غیر مصروف و العرب تسمیه بذلک إمّا لأنّه یصف لون السماء فیری أخضر أو لأنّه یری أسود لصفائه فیطلقون علیه لفظ

ص :56

الأخضر کما سموا الأخضر أسود نحو قوله مُدْهٰامَّتٰانِ (1) و نحو تسمیتهم قری العراق سوادا لخضرتها و کثرة شجرها و نحو قولهم للدیزج (2) من الدوابّ أخضر.

المثعنجر

السائل ثعجرت الدم و غیره فاثعنجر أی صببته فانصب و تصغیر المثعنجر مثیعج و مثیعیج.

و القمقام بالفتح من أسماء البحر و یقال لمن وقع فی أمر عظیم وقع فی قمقام من الأمر تشبیها بالبحر .

قوله ع و جبل جلامیدها أی و خلق صخورها جمع جلمود.

و النشوز جمع نشز و هو المرتفع من الأرض و یجوز فتح الشین.

و متونها جوانبها و أطوادها جبالها و یروی و أطوادها بالجر عطفا علی متونها.

فأرساها فی مراسیها

أثبتها فی مواضعها رسا الشیء یرسو ثبت و رست أقدامهم فی الحرب ثبتت و رست السفینة ترسو رسوا و رسوا أی وقفت فی البحر و قوله تعالی بِسْمِ اللّٰهِ مَجْرٰاهٰا وَ مُرْسٰاهٰا (3) بالضم من أجریت و أرسیت و من قرأ بالفتح فهو من رست هی و جرت هی.

و ألزمها قرارتها

أمسکها حیث استقرت .

قوله فأنهد جبالها أی أعلاها نهد ثدی الجاریة ینهد بالضم إذا أشرف و کعب فهی ناهد و ناهدة.

و سهولها ما تطامن منها عن الجبال.

و أساخ قواعدها

أی غیب قواعد الجبال فی جوانب أقطار الأرض ساخت قوائم

ص :57

الفرس فی الأرض تسوخ و تسیخ أی دخلت فیها و غابت مثل ثاخت و أسختها أنا مثل أثختها و الأنصاب الأجسام المنصوبة الواحد نصب بضم النون و الصاد و منه سمیت الأصنام نصبا فی قوله تعالی وَ مٰا ذُبِحَ عَلَی النُّصُبِ (1) لأنّها نصبت فعبدت من دون اللّه قال الأعشی و ذا المنصوب لا تنسکنه لعاقبة و اللّه ربک فاعبدا (2) .

أی و أساخ قواعد الجبال فی متون أقطار الأرض و فی المواضع الصالحة لأن تکون فیها الأنصاب المماثلة و هی الجبال أنفسها.

قوله فأشهق قلالها جمع قلة و هی ما علا من رأس الجبل أشهقها جعلها شاهقة أی عالیة.

و أرزها

أثبتها فیها رزت الجرادة ترز رزا و هو أن تدخل ذنبها فی الأرض فتلقی بیضها و أرزها اللّه أثبت ذلک منها فی الأرض و یجوز أرزت لازما غیر متعد مثل رزت و ارتز السهم فی القرطاس ثبت فیه و روی و آرزها بالمد من قولهم شجرة آرزة أی ثابتة فی الأرض أرزت بالفتح تأرز بالکسر أی ثبتت و آرزها بالمد غیرها أی أثبتها.

و تمید تتحرک و تسیخ تنزل و تهوی.

فإن قلت ما الفرق بین الثلاثة تمید بأهلها أو تسیخ بحملها أو تزول عن مواضعها .

قلت لأنّها لو تحرکت لکانت إمّا أن تتحرک علی مرکزها أو لا علی مرکزها

ص :58

و الأول هو المراد بقوله تمید بأهلها و الثانی تنقسم إلی أن تنزل إلی تحت أو لا تنزل إلی تحت فالنزول إلی تحت هو المراد بقوله أو تسیخ بحملها و القسم الثانی هو المراد بقوله أو تزول عن مواضعها .

فإن قلت ما المراد ب علی فی قوله فسکنت علی حرکتها .

قلت هی لهیئة الحال کما تقول عفوت عنه علی سوء أدبه و دخلت إلیه علی شربه أی سکنت علی أن من شأنها الحرکة لأنّها محمولة علی سائل متموج .

قوله موجان میاهها بناء فعلان لما فیه اضطراب و حرکة کالغلیان و النزوان و الخفقان و نحو ذلک.

و أجمدها

أی أجعلها جامدة و أکنافها جوانبها و المهاد الفراش.

فوق بحر لجی

کثیر الماء منسوب إلی اللجة و هی معظم البحر.

قوله یکرکره الریاح الکرکرة تصریف الریح السحاب إذا جمعته بعد تفریق و أصله یکرر من التکریر فأعادوا الکاف کرکرت الفارس عنی أی دفعته و رددته.

و الریاح العواصف الشدیدة الهبوب و تمخضه یجوز فتح الخاء و ضمها و کسرها و الفتح أفصح لمکان حرف الحلق من مخضت اللبن إذا حرکته لتأخذ زبده.

و الغمام جمع و الواحدة غمامة و لذلک قال الذوارف لأن فواعل أکثر ما یکون لجمع المؤنث ذرفت عینه أی دمعت أی السحب المواطر و المضارع من ذرفت عینه تذرف بالکسر ذرفا و ذرفا و المذارف المدامع

ص :59

بأنه أکبر الشاهدین شهادة لقوله تعالی قُلْ أَیُّ شَیْءٍ أَکْبَرُ شَهٰادَةً قُلِ اللّٰهُ (1) یقول اللّهمّ إنا نستشهدک علی خذلان من استنصرناه و استنفرناه إلی نصرتک و الجهاد عن دینک فأبی النهوض و نکث عن القیام بواجب الجهاد و نستشهد عبادک من البشر فی أرضک و عبادک من الملائکة فی سمواتک علیه أیضا ثمّ أنت بعد ذلک المغنی لنا عن نصرته و نهضته بما تتیحه لنا من النصر و تؤیدنا به من الإعزاز و القوّة و الأخذ له بذنبه فی القعود و التخلف.

و هذا قریب من قوله تعالی وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ثُمَّ لاٰ یَکُونُوا أَمْثٰالَکُمْ (2)

ص :61

ثم قال و لا علم مستفاد أی لیس یعلم الأشیاء بعلم محدث مجدد کما یذهب إلیه جهم و أتباعه و هشام بن الحکم و من قال بقوله.

ثمّ ذکر أنه تعالی قدر الأمور کلها بغیر رویة أی بغیر فکر و لا ضمیر و هو ما یطویه الإنسان من الرأی و الاعتقاد و العزم فی قلبه .

ثمّ وصفه تعالی بأنّه لا یغشاه ظلام لأنّه لیس بجسم و لا یستضیء بالأنوار کالأجسام ذوات البصر و لا یرهقه لیل أی لا یغشاه و لا یجری علیه نهار لأنّه لیس بزمانی و لا قابل للحرکة لیس إدراکه بالأبصار لأن ذلک یستدعی المقابلة و لا علمه بالإخبار مصدر أخبر أی لیس علمه مقصورا علی أن تخبره الملائکة بأحوال المکلفین بل هو یعلم کل شیء لأن ذاته ذات واجب لها أن تعلم کل شیء لمجرد ذاتها المخصوصة من غیر زیادة أمر علی ذاتها وَ مِنْهَا فِی ذِکْرِ اَلنَّبِیِّ ص أَرْسَلَهُ بِالضِّیَاءِ وَ قَدَّمَهُ فِی الاِصْطِفَاءِ فَرَتَقَ بِهِ الْمَفَاتِقَ وَ سَاوَرَ بِهِ الْمُغَالِبَ وَ ذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ وَ سَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ حَتَّی سَرَّحَ الضَّلاَلَ عَنْ یَمِینٍ وَ شِمَالٍ .

أرسله بالضیاء

أی بالحق و سمی الحق ضیاء لأنّه یهتدی به أو أرسله بالضیاء أی بالقرآن .

ص :63

و قدمه فی الاصطفاء

أی قدمه فی الاصطفاء علی غیره من العرب و العجم قالت قریش لَوْ لاٰ نُزِّلَ هٰذَا اَلْقُرْآنُ عَلیٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْیَتَیْنِ (1) أی علی رجل من رجلین من القریتین عَظِیمٍ أی إمّا علی الولید بن المغیرة من مکّة أو علی عروة بن مسعود الثقفی من الطائف .ثم قال تعالی أَ هُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ (2) أی هو سبحانه العالم بالمصلحة فی إرسال الرسل و تقدیم من یری فی الاصطفاء علی غیره.

فرتق به المفاتق

أی أصلح به المفاسد و الرتق ضد الفتق و المفاتق جمع مفتق و هو مصدر کالمضرب و المقتل.

و ساور به المغالب

ساورت زیدا أی واثبته و رجل سوار أی وثاب و سورة الخمر وثوبها فی الرأس.

و الحزونة ضد السهولة و الحزن ما غلظ من الأرض و السهل ما لان منها و استعیر لغیر الأرض کالأخلاق و نحوها.

قوله حتی سرح الضلال أی طرده و أسرع به ذهابا.

عن یمین و شمال

من قولهم ناقة سرح و منسرحة أی سریعة و منه تسریح المرأة أی تطلیقها

ص :64

وَ تُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَ اسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ وَ أَمَاطَ الْحَوْبَةَ فَقَدْ أُقِیمَ عَلَی الطَّرِیقِ وَ هُدِیَ نَهْجَ السَّبِیلِ .

الضمیر فی أنه یرجع إلی القضاء و القدر المذکور فی صدر هذه الخطبة و لم یذکره الرضی رحمه اللّه یقول أشهد أن قضاءه تعالی عدل عدل و حکم بالحق فإنّه حکم فصل بین العباد بالإنصاف و نسب العدل و الفصل إلی القضاء علی طریق المجاز و هو بالحقیقة منسوب إلی ذی القضاء و القاضی به هو اللّه تعالی .

قوله و سید عباده هذا کالمجمع علیه بین المسلمین و إن کان قد خالف فیه شذوذ منهم و احتج الجمهور

2486

بِقَوْلِهِ أَنَا سَیِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَ لاَ فَخْرَ.

و

2487

14,1- بِقَوْلِهِ ادْعُوا لِی سَیِّدَ اَلْعَرَبِ عَلِیّاً فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَ لَسْتَ سَیِّدَ اَلْعَرَبِ فَقَالَ أَنَا سَیِّدُ الْبَشَرِ وَ عَلِیٌّ سَیِّدُ اَلْعَرَبِ .

و

2488

بِقَوْلِهِ

آدَمُ وَ مَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِی.

و احتج المخالف

2489

بِقَوْلِهِ ع لاَ تُفَضِّلُونِی عَلَی أَخِی یُونُسَ بْنِ مَتَّی .

و أجاب الأولون تارة بالطعن فی إسناد الخبر و تارة بأنّه حکایة کلام حکاه ص عن عیسی بن مریم و تارة بأن النهی إنّما کان عن الغلوّ فیه کما غلت الأمم فی أنبیائها فهو کما ینهی الطبیب المریض فیقول لا تأکل من الخبز و لا درهما و لیس مراده تحریم أکل الدرهم و الدرهمین بل تحریم ما یستضر بأکله منه.

قوله ع کلما نسخ اللّه الخلق فرقتین جعله فی خیرهما النسخ النقل و منه نسخ الکتاب و منه نسخت الریح آثار القوم و نسخت الشمس الظل یقول

ص :66

کلما قسم اللّه تعالی الأب الواحد إلی ابنین جعل خیرهما و أفضلهما لولادة محمد ع و سمی ذلک نسخا لأن البطن الأول یزول و یخلفه البطن الثانی و منه مسائل المناسخات فی الفرائض.

و هذا المعنی قد ورد مرفوعا فی عدة أحادیث نحو

2490

قَوْلِهِ ص مَا افْتَرَقَتْ فِرْقَتَانِ مُنْذُ نَسَلَ آدَمُ وُلْدَهُ إِلاَّ کُنْتُ فِی خَیْرِهِمَا.

و نحو

2491

قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَی مِنْ وُلْدِ إِبْرَاهِیمَ إِسْمَاعِیلَ وَ اصْطَفَی مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِیلَ مُضَرَ وَ اصْطَفَی مِنْ مُضَرَ کِنَانَةَ وَ اصْطَفَی مِنْ کِنَانَةَ قُرَیْشاً وَ اصْطَفَی مِنْ قُرَیْشٍ هَاشِماً وَ اصْطَفَانِی مِنْ بَنِی هَاشِمٍ .

قوله لم یسهم فیه عاهر و لا ضرب فیه فاجر لم یسهم لم یضرب فیه عاهر بسهم أی بنصیب و جمعه سهمان و العاهر ذو العهر بالتحریک و هو الفجور و الزناء و یجوز تسکین الهاء مثل نهر و نهر و هذا هو المصدر و الماضی عهر بالفتح و الاسم العهر بکسر العین و سکون الهاء و المرأة عاهرة و معاهرة و عیهرة و تعیهر الرجل إذا زنی و الفاجر کالعاهر هاهنا و أصل الفجور المیل قال لبید فإن تتقدم تغش منها مقدما غلیظا و إن أخرت فالکفل فاجر (1) یقول مقعد الردیف مائل

و کما قالوا إن آل الزبیر بن العوام من أرض مصر من القبط و لیسوا من بنی أسد بن عبد العزی قال الهیثم بن عدی فی کتاب مثالب العرب إن خویلد بن أسد بن عبد العزی کان أتی مصر ثم انصرف منها بالعوام فتبناه فقال حسان بن ثابت یهجو آل العوام بن خویلد بنی أسد ما بال آل خویلد و کما یقال فی قوم آخرین نرفع هذا الکتاب عن ذکر ما یطعن به فی أنسابهم کی لا یظن بنا أنا نحب المقالة فی الناس.

قال شیخنا أبو عثمان فی کتاب مفاخرات قریش لا خیر فی ذکر العیوب إلاّ من ضرورة و لا نجد کتاب مثالب قط إلاّ لدعی أو شعوبی و لست واجده لصحیح النسب و لا لقلیل الحسد و ربما کانت حکایة الفحش أفحش من الفحش و نقل الکذب أقبح من الکذب و

2492

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص اعْفُ عَنْ ذِی قَبْرٍ.

و

2493

قَالَ لاَ تُؤْذُوا الْأَحْیَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ.

و قیل فی المثل یکفیک من شر سماعه و قالوا أسمعک من أبلغک و قالوا من طلب عیبا وجده و قال النابغة و لست بمستبق أخا لا تلمه علی شعث أی الرجال المهذب (1) .

ص :68

2494

قَالَ أَبُو عُثْمَانَ وَ بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ أُنَاساً مِنْ رُوَاةِ الْأَشْعَارِ وَ حَمَلَةِ الْآثَارِ یَعِیبُونَ النَّاسَ وَ یَثْلِبُونَهُمْ فِی أَسْلاَفِهِمْ فَقَامَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ وَ قَالَ إِیَّاکُمْ وَ ذِکْرَ الْعُیُوبِ وَ الْبَحْثَ عَنِ الْأُصُولِ فَلَوْ قُلْتُ لاَ یَخْرُجِ الْیَوْمَ مِنْ هَذَا الْأَبْوَابِ إِلاَّ مَنْ لاَ وَصْمَةَ فِیهِ لَمْ یَخْرُجْ مِنْکُمْ أَحَدٌ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَیْشٍ نَکْرَهُ أَنْ نَذْکُرَهُ فَقَالَ إِذاً کُنْتُ أَنَا وَ أَنْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ نَخْرُجُ فَقَالَ کَذَبْتَ بَلْ کَانَ یُقَالُ لَکَ یَا قَیْنُ ابْنَ قَیْنٍ اقْعُدْ.

قلت الرجل الذی قام هو المهاجر بن خالد بن الولید بن المغیرة المخزومی کان عمر یبغضه لبغضه أباه خالدا و لأن المهاجر کان علوی الرأی جدا و کان أخوه عبد الرحمن بخلافه شهد المهاجر صفین مع علی ع و شهدها عبد الرحمن مع معاویة و کان المهاجر مع علی ع فی یوم الجمل و فقئت ذلک الیوم عینه و لأن الکلام الذی بلغ عمر بلغه عن المهاجر و کان الولید بن المغیرة مع جلالته فی قریش و کونه یسمی ریحانة قریش و یسمی العدل و یسمی الوحید حدادا یصنع الدروع و غیرها بیده ذکر ذلک عنه عبد اللّه بن قتیبة فی کتاب المعارف (1) .

2495

6- وَ رَوَی أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِیُّ هَذَا الْخَبَرَ فِی کِتَابِ أُمَّهَاتِ الْخُلَفَاءِ وَ قَالَ إِنَّهُ رَوَی عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع بِالْمَدِینَةِ فَقَالَ لاَ تَلُمْهُ یَا ابْنَ أَخِی إِنَّهُ أَشْفَقَ أَنْ یُحْدَجَ (2) بِقَضِیَّةِ نُفَیْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّی وَ صُهَاکَ أَمَةِ اَلزُّبَیْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ یَعْدُ السُّنَّةَ وَ تَلاَ إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفٰاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِیمٌ (3) .

أما قول ابن جریر الآملی الطبرستانی فی کتاب المسترشد إن عثمان والد

ص :69

أبی بکر الصدیق کان ناکحا أم الخیر ابنة أخته فلیس بصحیح و لکنها ابنة عمه لأنّها ابنة صخر بن عامر و عثمان هو ابن عمرو بن عامر و العجب لمن اتبعه من فضلاء الإمامیّة علی هذه المقالة من غیر تحقیق لها من کتب الأنساب و کیف تتصور هذه الواقعة فی قریش و لم یکن أحد منهم مجوسیا و لا یهودیا و لا کان من مذهبهم حل نکاح بنات الأخ و لا بنات الأخت.

ثمّ نعود لإتمام حکایة کلام شیخنا أبی عثمان قال و متی یقدر الناس حفظک اللّه علی رجل مسلم من کل ابنة و مبرأ من کل آفة فی جمیع آبائه و أمهاته و أسلافه و أصهاره حتّی تسلم له أخواله و أعمامه و خالاته و عماته و أخواته و بناته و أمّهات نسائه و جمیع من یناسبه من قبل جداته و أجداده و أصهاره و أختانه و لو کان ذلک موجودا لما کان لنسب رسول اللّه ص فضیلة فی النقاء و التهذیب و فی التصفیة و التنقیح

2496

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا مَسَّنِی عِرْقُ سِفَاحٍ قَطُّ وَ مَا زِلْتُ أُنْقَلُ مِنْ الْأَصْلاَبِ السَّلِیمَةِ مِنَ الْوُصُومِ (1) وَ الْأَرْحَامِ الْبَرِیئَةِ مِنَ الْعُیُوبِ.

فلسنا نقضی لأحد بالنقاء من جمیع الوجوه إلاّ لنسب من صدقه القرآن و اختاره اللّه علی جمیع الأنام و إلاّ فلا بدّ من شیء یکون فی نفس الرجل أو فی طرفیه أو فی بعض أسلافه أو فی بعض أصهاره و لکنه یکون مغطی بالصلاح و محجوبا بالفضائل و مغمورا بالمناقب.

و لو تأملت أحوال الناس لوجدت أکثرهم عیوبا أشدهم تعییبا قال الزبرقان بن بدر ما استب رجلان إلاّ غلب ألأمهما و قال خصلتان کثیرتان فی امرئ السوء

ص :70

کثرة اللطام و شدة السباب و لو کان ما یقوله أصحاب المثالب حقا لما کان علی ظهرها عربی کما قال عبد الملک بن صالح الهاشمی إن کان ما یقول بعض فی بعض حقا فما فیهم صحیح و إن کان ما یقول بعض المتکلّمین فی بعض حقا فما فیهم مسلم .

قوله ع ألا و إن اللّه قد جعل للخیر أهلا و للحق دعائم و للطاعة عصما الدعائم ما یدعم بها البیت لئلا یسقط و العصم جمع عصمة و هو ما یحفظ به الشیء و یمنع فأهل الخیر هم المتقون و دعائم الحق الأدلة الموصلة إلیه المثبتة له فی القلوب و عصم الطاعة هی الإدمان علی فعلها و التمرن علی الإتیان بها لأن المرون علی الفعل یکسب الفاعل ملکة تقتضی سهولته علیه و العون هاهنا هو اللطف المقرب من الطاعة المبعد من القبیح.

ثمّ قال ع إنّه یقول علی الألسنة و یثبت الأفئدة و هذا من باب التوسع و المجاز لأنّه لما کان مستهلا للقول أطلق علیه إنّه یقول علی الألسنة و لما کان اللّه تعالی هو الذی یثبت الأفئدة کما قال یُثَبِّتُ اللّٰهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّٰابِتِ (1) نسب التثبیت إلی اللطف لأنّه من فعل اللّه تعالی کما ینسب الإنبات إلی المطر و إنّما المنبت للزرع هو اللّه تعالی و المطر فعله.

ثمّ قال ع فیه کفاء لمکتف و شفاء لمشتف و الوجه فیه کفایة فإن الهمز لا وجه له هاهنا لأنّه من باب آخر و لکنه أتی بالهمزة للازدواج بین کفاء

ص :71

و شفاء کما قالوا الغدایا و العشایا و کما

2497

قَالَ ع

مَأْزُورَاتٍ غَیْرَ مَأْجُورَاتٍ.

فأتی بالهمز و الوجه الواو للازدواج

غیبة العبد عن نفسه لاستیلاء ذکر الحق علیه فلا یشهد غیر اللّه و لا یرجع إلاّ إلیه و کما إن العاقل یرجع إلی قلبه و تفکره و تذکره فیما یسنح له من أمر أو یستقبله من حال فالعارف رجوعه إلی ربّه لا إلی قلبه و کیف یدخل المعنی قلب من لا قلب له.

2501

وَ سُئِلَ أَبُو یَزِیدَ الْبَسْطَامِیُّ عَنِ الْعِرْفَانِ فَقَالَ إِنَّ الْمُلُوکَ إِذٰا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوهٰا وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهٰا أَذِلَّةً (1) . و هذا معنی ما أشار إلیه أبو حفص الحداد .

2502

وَ قَالَ أَبُو یَزِیدَ أَیْضاً لِلْخَلْقِ أَحْوَالٌ وَ لاَ حَالَ لِلْعَارِفِ لِأَنَّهُ مُحِیَتْ رُسُومُهُ وَ فَنِیَ هُوَ وَ صَارَتْ هُوِیَّتُهُ هُوِیَّةَ غَیْرِهِ وَ غُیِّبَتْ آثَارُهُ فِی آثَارِ غَیْرِهِ.

قلت و هذا هو القول بالاتحاد الذی یبحث فیه أهل النظر.

2503

وَ قَالَ اَلْوَاسِطِیُّ لاَ تَصِحُّ الْمَعْرِفَةُ وَ فِی الْعَبْدِ اسْتِغْنَاءٌ بِاللَّهِ أَوِ افْتِقَارٌ إِلَیْهِ. و فسر بعضهم هذا الکلام فقال إن الافتقار و الاستغناء من أمارات صحو العبد و بقاء رسومه علی ما کانت علیه و العارف لا یصحّ ذلک علیه لأنّه لاستهلاکه فی وجوده أو لاستغراقه فی شهوده إن لم یبلغ درجة الاستهلاک فی الوجود مختطف عن إحساسه بالغنی و الفقر و غیرهما من الصفات و لهذا

2504

قَالَ اَلْوَاسِطِیُّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ انْقَطَعَ وَ خَرِسَ وَ انْقَمَعَ.

2505

قَالَ ص لاَ أُحْصِی ثَنَاءً عَلَیْکَ أَنْتَ کَمَا أَثْنَیْتَ عَلَی نَفْسِکَ.

2506

وَ قَالَ اَلْحُسَیْنُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَلاَّجُ عَلاَمَةُ الْعَارِفِ أَنْ یَکُونَ فَارِغاً مِنَ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ.

2507

وَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِیُّ غَایَةُ الْعِرْفَانِ شَیْئَانِ الدَّهَشُ وَ الْحَیْرَةُ.

2508

وَ قَالَ ذُو النُّونِ أَعْرَفُ النَّاسِ بِاللَّهِ أَشَدُّهُمْ تَحَیُّراً فِیهِ.

2509

وَ قِیلَ لِأَبِی یَزِیدَ بِمَا ذَا وَصَلْتَ إِلَی الْمَعْرِفَةِ قَالَ بِبَدَنٍ عَارٍ وَ بَطْنٍ جَائِعٍ.

ص :73

2510

وَ قِیلَ لِأَبِی یَعْقُوبَ السُّوسِیِّ هَلْ یَتَأَسَّفُ الْعَارِفُ عَلَی شَیْءٍ غَیْرَ اللَّهِ فَقَالَ وَ هَلْ یَرَی شَیْئاً غَیْرَهُ لِیَتَأَسَّفَ عَلَیْهِ.

2511

وَ قَالَ أَبُو یَزِیدَ الْعَارِفُ طَیَّارٌ وَ الزَّاهِدُ سَیَّارٌ.

2512

وَ قَالَ اَلْجُنَیْدُ لاَ یَکُونُ الْعَارِفُ عَارِفاً حَتَّی یَکُونَ کَالْأَرْضِ یَطَؤُهَا الْبَرُّ وَ الْفَاجِرُ وَ کَالسَّحَابِ یُظِلُّ کُلَّ شَیْءٍ وَ کَالْمَطَرِ یَسْقِی مَا یُنْبِتُ وَ مَا لاَ یَنْبُتُ.

2513

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذِ یَخْرُجُ الْعَارِفُ مِنَ الدُّنْیَا وَ لاَ یَقْضِی وَطَرَهُ مِنْ شَیْئَیْنِ بُکَائِهِ عَلَی نَفْسِهِ وَ حُبِّهِ لِرَبِّهِ.

2514

وَ کَانَ اِبْنُ عَطَاءٍ یَقُولُ أَرْکَانُ الْمَعْرِفَةِ ثَلاَثَةٌ الْهَیْبَةُ وَ الْحَیَاءُ وَ الْأُنْسُ.

2515

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْعَارِفُ أَنِسَ بِاللَّهِ فَأَوْحَشَهُ مِنْ خَلْقِهِ وَ افْتَقِرْ إِلَی اللَّهِ فَأَغْنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ وَ ذَلَّ لِلَّهِ فَأَعَزَّهُ فِی خَلْقِهِ.

2516

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْعَارِفُ فَوْقَ مَا یَقُولُ وَ الْعَالِمُ دُونَ مَا یَقُولُ.

2517

وَ قَالَ أَبُو سُلَیْمَانَ الدَّارَانِیُّ إِنَّ اللَّهَ یَفْتَحُ لِلْعَارِفِ عَلَی فِرَاشِهِ مَا لاَ یَفْتَحُ لِلْعَابِدِ وَ هُوَ قَائِمٌ یُصَلِّی.

2518

وَ کَانَ رُوَیْمٌ یَقُولُ رِیَاءُ الْعَارِفِینَ أَفْضَلُ مِنْ إِخْلاَصِ الْعَابِدِینَ.

2519

وَ سُئِلَ أَبُو تُرَابٍ النَّخْشَبِیُّ عَنِ الْعَارِفِ فَقَالَ هُوَ الَّذِی لاَ یُکَدِّرُهُ شَیْءٌ وَ یَصْفُو بِهِ کُلُّ شَیْءٍ.

2520

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمَعْرِفَةُ أَمْوَاجٌ تَرْفَعُ وَ تَحُطُّ.

2521

وَ سُئِلَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ عَنِ الْعَارِفِ فَقَالَ الْکَائِنُ الْبَائِنُ.

2522

وَ قِیلَ لَیْسَ بِعَارِفٍ مَنْ وَصَفَ الْمَعْرِفَةَ عِنْدَ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ فَکَیْفَ عِنْدَ أَبْنَاءِ الدُّنْیَا.

2523

وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَعْرِفَةُ حَیَاةُ الْقَلْبِ مَعَ اللَّهِ.

2524

وَ سُئِلَ أَبُو سَعِیدٍ الْخَرَّازُ هَلْ یَصِیرُ الْعَارِفُ إِلَی حَالٍ یَجْفُو عَلَیْهِ الْبُکَاءُ قَالَ

ص :74

نَعَمْ إِنَّمَا الْبُکَاءُ فِی أَوْقَاتِ سَیْرِهِمْ إِلَی اللَّهِ فَإِذَا صَارُوا إِلَی حَقَائِقِ الْقُرْبِ وَ ذَاقُوا طَعْمَ الْوُصُولِ زَالَ عَنْهُمْ ذَلِکَ.

و اعلم أن إطلاق أمیر المؤمنین ع علیهم لفظة الولایة فی قوله یتواصلون بالولایة و یتلاقون بالمحبة یستدعی الخوض فی مقامین جلیلین من مقامات العارفین المقام الأول الولایة و هو مقام جلیل قال اللّه تعالی أَلاٰ إِنَّ أَوْلِیٰاءَ اللّٰهِ لاٰ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لاٰ هُمْ یَحْزَنُونَ (1) و

2525

جَاءَ فِی الْخَبَرِ الصَّحِیحِ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص یَقُولُ اللَّهُ تَعَالَی مَنْ آذَی لِی وَلِیّاً فَقَدِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمِی وَ مَا تَقَرَّبَ إِلَیَّ الْعَبْدُ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا فَرَضْتُ عَلَیْهِ وَ لاَ یَزَالُ الْعَبْدُ یَتَقَرَّبُ إِلَیَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّی أُحِبَّهُ وَ لاَ تَرَدَّدْتُ فِی شَیْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ کَتَرَدُّدِی فِی قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنِ یَکْرَهُ الْمَوْتَ وَ أَکْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ.

و اعلم أن الولی له معنیان أحدهما فعیل بمعنی مفعول کقتیل و جریح و هو من یتولی اللّه أمره کما قال اللّه تعالی إِنَّ وَلِیِّیَ اللّٰهُ الَّذِی نَزَّلَ الْکِتٰابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصّٰالِحِینَ (2) فلا یکله إلی نفسه لحظة عین بل یتولی رعایته.

و ثانیهما فعیل بمعنی فاعل کنذیر و علیم و هو الذی یتولی طاعة اللّه و عبادته فلا یعصیه.

و من شرط کون الولی ولیا ألا یعصی مولاه و سیده کما أن من شرط کون النبیّ

ص :75

نبیا العصمة فمن ظنّ فیه أنّه من الأولیاء و یصدر عنه ما للشرع فیه اعتراض فلیس بولی عند أصحاب هذا العلم بل هو مغرور مخادع.

2526

وَ یُقَالُ إِنَّ أَبَا یَزِیدَ الْبَسْطَامِیَّ قَصَدَ بَعْضَ مَنْ یُوصَفُ بِالْوَلاَیَةِ فَلَمَّا وَافَی مَسْجِدَهُ قَعَدَ یَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَ تَنَخَّمَ فِی الْمَسْجِدِ فَانْصَرَفَ أَبُو یَزِیدُ وَ لَمْ یُسَلِّمْ عَلَیْهِ وَ قَالَ هَذَا رَجُلٌ غَیْرُ مَأْمُونٍ عَلَی أَدَبٍ مِنَ آدَابِ الشَّرِیعَةِ کَیْفَ یَکُونَ أَمِیناً عَلَی أَسْرَارِ الْحَقِّ.

2527

وَ قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ أَدْهَمَ لِرَجُلٍ أَ تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ لِلَّهِ وَلِیّاً قَالَ نَعَمْ قَالَ لاَ تَرْغَبْ فِی شَیْءٍ مِنَ الدُّنْیَا وَ لاَ مِنَ الْآخِرَةِ وَ فَرِّغْ نَفْسَکَ لِلَّهِ وَ أَقْبِلْ بِوَجْهِکَ عَلَیْهِ لِیُقْبِلَ عَلَیْکَ وَ یُوَالِیَکَ.

2528

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ فِی صِفَةِ الْأَوْلِیَاءِ هُمْ عِبَادٌ تَسَرْبَلُوا بِالْأُنْسِ بَعْدَ الْمُکَابَدَةِ وَ ادَّرَعُوا بِالرَّوْحِ بَعْدَ الْمُجَاهَدَةِ بِوُصُولِهِمْ إِلَی مَقَامِ الْوَلاَیَةِ.

2529

وَ کَانَ أَبُو یَزِیدَ یَقُولُ أَوْلِیَاءُ اللَّهِ عَرَائِسُ اللَّهِ وَ لاَ یَرَی الْعَرَائِسَ إِلاَّ الْمَحَارِمُ فَهُمْ مُخَدَّرُونَ عِنْدَهُ فِی حِجَابِ الْأُنْسِ لاَ یَرَاهُمْ أَحَدٌ فِی الدُّنْیَا وَ لاَ فِی الْآخِرَةِ.

2530

وَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ الصَّیْدَلاَنِیُّ کُنْتُ أُصْلِحُ لِقَبْرِ أَبِی بَکْرٍ الطمستانیِّ لَوْحاً أَنْقُرُ فِیهِ اسْمَهُ فَیُسْرَقُ ذَلِکَ اللَّوْحُ فَأَنْقُرُ لَهُ لَوْحاً آخَرَ وَ أَنْصِبُهُ عَلَی قَبْرِهِ فَیُسْرَقُ وَ تَکَرَّرَ ذَلِکَ کَثِیراً دُونَ غَیْرِهِ مِنْ أَلْوَاحِ الْقُبُورِ فَکُنْتُ أَتَعَجَّبُ مِنْهُ فَسَأَلْتُ أَبَا عَلِیٍّ الدَّقَّاقَ عَنْ ذَلِکَ فَقَالَ إِنَّ ذَلِکَ الشَّیْخَ آثَرَ الْخَفَاءَ فِی الدُّنْیَا وَ أَنْتَ تُرِیدُ أَنْ تَشْهَرَهُ بِاللَّوْحِ الَّذِی تَنْصِبُهُ عَلَی قَبْرِهِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ یَأْبَی إِلاَّ إِخْفَاءَ قَبْرِهِ کَمَا هُوَ سَتَرَ نَفْسَهُ.

2531

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا سُمِّیَ الْوَلِیُّ وَلِیّاً لِأَنَّهُ تَوَالَتْ أَفْعَالُهُ عَلَی الْمُوَافَقَةِ.

ص :76

2532

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ الْوَلِیُّ لاَ یُرَائِی وَ لاَ یُنَافِقُ وَ مَا أَقَلَّ صَدِیقَ مَنْ یَکُونُ هَذَا خُلُقَهُ.

المقام الثانی المحبة قال اللّه سبحانه مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللّٰهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ (1) و المحبة عند أرباب هذا الشأن حالة شریفة.

2533

قَالَ أَبُو یَزِیدَ الْبَسْطَامِیُّ الْمَحَبَّةُ اسْتِقْلاَلُ الْکَثِیرِ مِنْ نَفْسِکَ وَ اسْتِکْثَارُ الْقَلِیلِ مِنْ حَبِیبِکَ.

2534

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِیُّ الْمَحَبَّةُ أَنْ تَهَبَ کُلَّکَ لِمَنْ أَحْبَبْتَ فَلاَ یَبْقَی لَکَ مِنْکَ شَیْءٌ وَ أَکْثَرُهُمْ عَلَی نَفْیِ صِفَةِ الْعِشْقِ لِأَنَّ الْعِشْقَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِی الْمَحَبَّةِ وَ الْبَارِئُ سُبْحَانَهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ یُوصَفَ بِأَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ أَحَدٌ الْحَدَّ فِی مَحَبَّتِهِ.

2535

سُئِلَ اَلشِّبْلِیُّ عَنِ الْمَحَبَّةِ فَقَالَ هِیَ أَنْ تَغَارَ عَلَی الْمَحْبُوبِ أَنْ یُحِبَّهُ أَحَدٌ غَیْرُکَ.

2536

وَ قَالَ سَمْنُونٌ ذَهَبَ الْمُحِبُّونَ بِشَرَفِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ لِأَنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَالَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ فَهُمْ مَعَ اللَّهِ تَعَالَی.

2537

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ حَقِیقَةُ الْمَحَبَّةِ مَا لاَ یَنْقُصُ بِالْجَفَاءِ وَ لاَ یَزِیدُ بِالْبِرِّ.

وَ قَالَ لَیْسَ بِصَادِقٍ مَنِ ادَّعَی مَحَبَّتَهُ وَ لَمْ یَحْفَظْ حُدُودَهُ.

2538

وَ قَالَ اَلْجُنَیْدُ إِذَا صَحَّتِ الْمَحَبَّةُ سَقَطَتْ شُرُوطُ الْأَدَبِ.

وَ أَنْشَدَ فِی مَعْنَاهُ إِذَا صَفَتِ الْمَوَدَّةُ بَیْنَ قَوْمٍ وَ دَامَ وَدَادُهُمْ سَمُجَ الثَّنَاءُ.

2539

وَ کَانَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ یَقُولُ أَ لَسْتَ تَرَی الْأَبَ الشَّفِیقَ لاَ یُبَجِّلُ وُلْدَهُ فِی الْخِطَابِ وَ النَّاسُ یَتَکَلَّفُونَ فِی مُخَاطَبَتِهِ وَ الْأَبُ یَقُولُ لَهُ یَا فُلاَنُ بِاسْمِهِ.

ص :77

2540

وَ قَالَ أَبُو یَعْقُوبَ السُّوسِیُّ حَقِیقَةُ الْمَحَبَّةِ أَنْ یَنْسَی الْعَبْدُ حَظَّهُ مِنَ اللَّهِ وَ یَنْسَی حَوَائِجَهُ إِلَیْهِ.

2541

قِیلَ لِلنَّصْرَآبَاذِیِّ یَقُولُونَ إِنَّهُ لَیْسَ لَکَ مِنَ الْمَحَبَّةِ شَیْءٌ قَالَ صَدَقُوا وَ لَکِنْ لِی حَسَرَاتُهُمْ فَهُوَ ذُو احْتِرَاقِ فِیهِ.

2542

وَ قَالَ اَلنَّصْرَآبَاذِیُّ أَیْضاً الْمَحَبَّةُ مُجَانَبَةُ السُّلُوِّ عَلَی کُلِّ حَالٍ ثُمَّ أَنْشَدَ وَ مَنْ کَانَ فِی طَوْلِ الْهَوَی ذَاقَ سَلْوَةً

2543

وَ کَانَ یُقَالُ الْحُبُّ أَوَّلُهُ خَبْلٌ وَ آخِرُهُ قَتْلٌ.

2544

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ فِی مَعْنَی قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص حُبُّکَ الشَّیْءَ یُعْمِی وَ یُصِمُّ قَالَ یُعْمِی وَ یُصِمُّ عَنِ الْغَیْرِ إِعْرَاضاً وَ عَنِ الْمَحْبُوبِ هَیْبَةً ثُمَّ أَنْشَدَ إِذَا مَا بَدَا لِی تَعَاظَمْتُهُ فَأَصْدُرُ فِی حَالِ مَنْ لَمْ یَرَهُ.

2545

وَ قَالَ اَلْجُنَیْدُ سَمِعْتُ اَلْحَارِثَ الْمُحَاسِبِیَّ یَقُولُ الْمَحَبَّةُ إِقْبَالُکَ عَلَی الْمَحْبُوبِ بِکُلِّیَّتِکَ ثُمَّ إِیثَارُکَ لَهُ عَلَی نَفْسِکَ وَ مَالِکَ وَ وُلْدِکَ ثُمَّ مُوَافَقَتُکَ لَهُ فِی جَمِیعِ الْأُمُورِ سِرّاً وَ جَهْراً ثُمَّ اعْتِقَادُکَ بَعْدَ ذَلِکَ أَنَّکَ مُقَصِّرٌ فِی مَحَبَّتِهِ.

2546

وَ قَالَ اَلْجُنَیْدُ سَمِعْتُ اَلسَّرِیَّ یَقُولُ لاَ تَصْلُحُ الْمَحَبَّةُ بَیْنَ اثْنَیْنِ حَتَّی یَقُولَ الْوَاحِدُ لِلْآخَرِ یَا أَنَا.

2547

وَ قَالَ اَلشِّبْلِیُّ الْمُحِبُّ إِذَا سَکَتَ هَلَکَ وَ الْعَارِفُ إِذَا لَمْ یَسْکُتْ هَلَکَ.

2548

وَ قِیلَ الْمَحَبَّةُ نَارٌ فِی الْقَلْبِ تُحْرِقُ مَا سِوَی وُدِّ الْمَحْبُوبِ.

2549

وَ قِیلَ الْمَحَبَّةُ بَذْلُ الْجُهْدِ وَ الْحَبِیبُ یَفْعَلُ مَا یَشَاءُ.

2550

وَ قَالَ اَلثَّوْرِیُّ الْمَحَبَّةُ هَتْکُ الْأَسْتَارِ وَ کَشْفُ الْأَسْرَارِ.

ص :78

2551

حَبَسَ اَلشِّبْلِیُّ فِی الْمَارِسْتَانِ بَیْنَ الْمَجَانِینِ فَدَخَلَ عَلَیْهِ جَمَاعَةٌ فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ قَالُوا مُحِبُّوکَ أَیُّهَا الشَّیْخُ فَأَقْبَلَ یَرْمِیهِمْ بِالْحِجَارَةِ فَفَرُّوا فَقَالَ إِذَا ادَّعَیْتُمْ مَحَبَّتِی فَاصْبِرُوا عَلَی بَلاَئِی.

2552

کَتَبَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ إِلَی أَبِی یَزِیدَ الْبَسْطَامِیِّ قَدْ سَکِرْتُ مِنْ کَثْرَةِ مَا شَرِبْتُ مِنْ کَأْسِ مَحَبَّتِهِ فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَبُو یَزِیدَ غَیْرُکَ شَرِبَ بُحُورَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا رَوِیَ بَعْدُ وَ لِسَانُهُ خَارِجٌ وَ یَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِیدٍ.

2553

وَ مِنْ شِعْرِهِمْ فِی هَذَا الْمَعْنَی

عَجِبْتُ لِمَنْ یَقُولُ ذَکَرْتُ رَبِّی

و

2554

یُقَالُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَوْحَی إِلَی بَعْضِ الْأَنْبِیَاءِ إِذَا اطَّلَعْتُ عَلَی قَلْبِ عَبْدٍ فَلَمْ أَجِدْ فِیهِ حُبَّ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ مَلَأْتُهُ مِنْ حُبِّی.

2555

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ إِنَّ فِی بَعْضِ الْکُتُبِ الْمُنْزَلَةِ عَبْدِی أَنَا وَ حَقِّکَ لَکَ مُحِبٌّ فَبِحَقِّی عَلَیْکَ کُنْ لِی مُحِبّاً.

2556

وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَکِ مَنْ أُعْطِیَ قِسْطاً مِنَ الْمَحَبَّةِ وَ لَمْ یُعْطَ مِثْلَهُ مِنَ الْخَشْیَةِ فَهُوَ مَخْدُوعٌ.

2557

وَ قِیلَ الْمَحَبَّةُ مَا تَمْحُو أَثَرَکَ وَ تَسْلُبُکَ عَنْ وُجُودِکَ.

2558

وَ قِیلَ الْمَحَبَّةُ سُکْرٌ لاَ یَصْحُو صَاحِبُهُ إِلاَّ بِمُشَاهَدَةِ مَحْبُوبِهِ ثُمَّ إِنَّ السُّکْرَ الَّذِی یَحْصُلُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ لاَ یُوصَفُ وَ أَنْشَدَ فَأَسْکَرَ الْقَوْمَ دَوْرُ کَأْسٍ وَ کَانَ سُکْرِی مِنَ الْمُدِیرِ.

2559

وَ کَانَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ یُنْشِدُ کَثِیراً

ص :79

لِی سَکْرَتَانِ وَ لِلنَّدْمَانِ وَاحِدَةٌ

شَیْءٌ خُصِّصْتُ بِهِ مِنْ بَیْنِهِمْ وَحْدِی.

2560

وَ کَانَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ یَقُولُ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنَ الْحُبِّ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ عِبَادَةِ سَبْعِینَ سَنَةً بِلاَ حُبٍّ.

2561

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ أَرَادَ أَنْ یَکُونَ مُحِبّاً فَلْیَکُنْ کَمَا حُکِیَ عَنْ بَعْضِ اَلْهِنْدِ أَنَّهُ أَحَبَّ جَارِیَةً فَرَحَلَتْ عَنْ ذَلِکَ الْبَلَدِ فَخَرَجَ الْفَتَی فِی وَدَاعِهَا فَدَمَعَتْ إِحْدَی عَیْنَیْهِ دُونَ الْأُخْرَی فَغَمَّضَ الَّتِی لَمْ تَدْمَعْ أَرْبَعاً وَ ثَمَانِینَ سَنَةً وَ لَمْ یَفْتَحْهَا عُقُوبَةً لِأَنَّهَا لَمْ تَبْکِ عَلَی فِرَاقِ حَبِیبَتِهِ.

وَ أَنْشَدُوا فِی هَذَا الْمَعْنَی بَکَتْ عَیْنِی غَدَاةَ الْبَیْنِ دَمْعاً

2562

وَ قِیلَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَوْحَی إِلَی دَاوُدَ ع إِنِّی حَرَّمْتُ عَلَی الْقُلُوبِ أَنْ یَدْخُلَهَا حُبِّی وَ حُبُّ غَیْرِی.

2563

وَ قِیلَ الْمَحَبَّةُ إِیْثَارُ الْمَحْبُوبِ عَلَی النَّفْسِ کَامْرَأَةِ اَلْعَزِیزِ لَمَّا أَفْرَطَ بِهَا الْحُبُّ قَالَتْ أَنَا رٰاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصّٰادِقِینَ (1) وَ فِی الاِبْتِدَاءِ قَالَتْ مٰا جَزٰاءُ مَنْ أَرٰادَ بِأَهْلِکَ سُوءاً إِلاّٰ أَنْ یُسْجَنَ (2) فَوَرَّکَتِ (3) الذَّنْبَ فِی الاِبْتِدَاءِ عَلَیْهِ وَ نَادَتْ فِی الاِنْتِهَاءِ عَلَی نَفْسِهَا بِالْخِیَانَةِ.

2564

وَ قَالَ أَبُو سَعِیدٍ الْخَرَّازُ رَأَیْتُ اَلنَّبِیَّ ص فِی الْمَنَامِ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ اعْذِرْنِی فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ شَغَلَتْنِی عَنْ حُبِّکَ فَقَالَ یَا مُبَارَکُ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ فَقَدْ أَحَبَّنِی.

ص :80

ثم نعود إلی تفسیر ألفاظ الفصل قوله ع یصونون مصونه أی یکتمون من العلم الذی استحفظوه ما یجب أن یکتم و یفجرون عیونه یظهرون منه ما ینبغی إظهاره و ذلک أنّه لیس ینبغی إظهار کل ما استودع العارف من الأسرار و أهل هذا الفن یزعمون أن قوما منهم عجزوا عن أن یحملوا بما حملوه فباحوا به فهلکوا منهم الحسین بن منصور الحلاج و لأبی الفتوح الجارودی المتأخر أتباع یعتقدون فیه مثل ذلک.و الولایة بفتح الواو المحبة و النصرة و معنی یتواصلون بالولایة یتواصلون و هم أولیاء و مثله و یتلاقون بالمحبة کما تقول خرجت بسلاحی أی خرجت و أنا متسلح فیکون موضع الجار و المجرور نصبا بالحال أو یکون المعنی أدق و ألطف من هذا و هو أن یتواصلوا بالولایة أی بالقلوب لا بالأجسام کما تقول أنا أراک بقلبی و أزورک بخاطری و أواصلک بضمیری.قوله و یتساقون بکأس رویة أی بکأس المعرفة و الأنس بالله یأخذ بعضهم عن بعض العلوم و الأسرار فکأنهم شرب یتساقون بکأس من الخمر (1) .قال و یصدرون بریة یقال من أین ریتکم مفتوحة الراء أی (2) من أین ترتوون الماء.قال لا تشوبهم الریبة أی لا تخالطهم الظنة و التهمة و لا تسرع فیهم الغیبة لأن أسرارهم مشغولة بالحق عن الخلق.قال علی ذلک عقد خلقهم و أخلاقهم الضمیر فی عقد یرجع إلی اللّه تعالی أی علی هذه الصفات و الطبائع عقد الخالق تعالی خلقتهم و خلقهم أی هم متهیئون لما صاروا إلیه

2565

کَمَا قَالَ ع

إِذَا أَرَادَکَ لِأَمْرٍ هَیَّأَکَ لَهُ .

ص :81

و

2566

قَالَ ع

کُلٌّ مُیَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ . قال فعلیه یتحابون و به یتواصلون أی لیس حبهم بعضهم بعضا إلاّ فی اللّه و لیست مواصلتهم بعضهم بعضا إلاّ لله لا للهوی و لا لغرض من أغراض الدنیا

2567

أَنْشَدَ مُنْشِدٌ عِنْدَ عُمَرَ قَوْلَ طَرْفَةَ فَلَوْ لاَ ثَلاَثٌ هُنَّ مِنْ عِیشَةِ الْفَتَی فَقَالَ عُمَرُ وَ أَنَا لَوْ لاَ ثَلاَثٌ هُنَّ مِنْ عِیشَةِ الْفَتَی لَمْ أَحْفِلْ مَتَی قَامَ عُوَّدِی حُبِّی فِی اللَّهِ وَ بُغْضِی فِی اللَّهِ وَ جِهَادِی فِی سَبِیلِ اللَّهِ. قوله ع فکانوا کتفاضل البذر أی مثلهم مثل الحب الذی ینتفی للبذر یستصلح بعضه و یسقط بعضه. قد میزه التخلیص قد فرق الانتقاء بین جیدة و ردیئة و هذبه التمحیص

2568

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص إِنَّ الْمَرَضَ لَیُمَحِّصُ الْخَطَایَا کَمَا تُمَحِّصُ النَّارُ الذَّهَبَ. أی کما تخلص النار الذهب ممّا یشوبه .ثم أمر ع المکلفین بقبول کرامة اللّه و نصحه و وعظه و تذکیره و بالحذر

ص :82

من نزول القارعة بهم و هی هاهنا الموت و سمیت الداهیة قارعة لأنّها تقرع أی تصیب بشدة.قوله فلیصنع لمتحوله أی فلیعد ما یجب إعداده للموضع الذی یتحول إلیه تقول اصنع لنفسک أی اعمل لها.قوله و معارف منتقله معارف الدار ما یعرفها المتوسم بها واحدها معرف مثل معاهد الدار و معالم الدار و منه معارف المرأة و هو ما یظهر منها کالوجه و الیدین و المنتقل بالفتح موضع الانتقال .قوله فطوبی هی فعلی من الطیب قلبوا الیاء واوا للضمة قبلها و یقال طوبی لک و طوباک بالإضافة.و قول العامّة طوبیک بالیاء غیر جائز.قوله لذی قلب سلیم هو من ألفاظ الکتاب العزیز (1) أی سلیم من الغل و الشک.قوله أطاع من یهدیه أی قبل مشورة الناصح الآمر له بالمعروف و الناهی له عن المنکر. و تجنب من یردیه أی یهلکه بإغوائه و تحسین القبیح له.و الباء فی قوله ببصر من بصره متعلقة بأصاب .قوله قبل أن تغلق أبوابه أی قبل أن یحضره الموت فلا تقبل توبته.و الحوبة الإثم و إماطته إزالته و یجوز أمطت الأذی عنه و مطت الأذی عنه أی نحیته و منع الأصمعی منه إلاّ بالهمزة

ص :83

قوله کثیرا منصوب بأنّه صفة مصدر محذوف أی دعاء کثیرا و میتا منصوب علی الحال أی لم یفلق الصباح علی میتا و لا یجوز أن تکون یصبح ناقصة و یکون میتا خبرها کما قال الراوندیّ لأن خبر کان و أخواتها یجب أن یکون هو الاسم أ لا تری أنهما مبتدأ و خبر فی الأصل و اسم یصبح ضمیر اللّه تعالی و میتا لیس هو اللّه سبحانه.قوله و لا مضروبا علی عروقی بسوء أی و لا أبرص و العرب تکنی عن البرص بالسوء و من أمثالهم ما أنکرک من سوء أی لیس إنکاری لک عن برص حدث بک فغیر صورتک.و أراد بعروقه أعضاءه و یجوز أن یرید و لا مطعونا فی نسبی و التفسیر الأول أظهر. و لا مأخوذا بأسوإ عملی أی و لا معاقبا بأفحش ذنوبی. و لا مقطوعا دابری أی عقبی و نسلی و الدابر فی الأصل التابع لأنّه یأتی دبرا و یقال للهالک قد قطع اللّه دابره کأنّه یراد أنّه عفا أثره و محا اسمه قال سبحانه أَنَّ دٰابِرَ هٰؤُلاٰءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِینَ (1) . و لا مستوحشا أی و لا شاکا فی الإیمان لأن من شک فی عقیدة استوحش منها. و لا ملتبسا عقلی أی و لا مختلطا عقلی لبست علیهم الأمر بالفتح أی خلطته و عذاب الأمم من قبل المسخ و الزلزلة و الظلمة و نحو ذلک.

ص :85

قوله لک الحجة علی و لا حجة لی لأن اللّه سبحانه قد کلفه بعد تمکینه و إقداره و إعلامه قبح القبیح و وجوب الواجب و تردید دواعیه إلی الفعل و ترکه و هذه حجة اللّه تعالی علی عباده و لا حجة للعباد علیه لأنّه ما کلفهم إلاّ بما یطیقونه و لا کان لهم لطف فی أمر إلاّ و فعله.قوله لا أستطیع أن آخذ إلاّ ما أعطیتنی و لا أتقی إلاّ ما وقیتنی أی لا أستطیع أن أرزق نفسی أمرا و لکنک الرزاق و لا أدفع عن نفسی محذورا من المرض و الموت إلاّ ما دفعته أنت عنی.و قال الشاعر لعمرک ما یدری الفتی کیف یتقی و قال عبد اللّه بن سلیمان بن وهب کفایة اللّه أجدی من توقینا قوله ع أن أفتقر فی غناک موضع الجار و المجرور نصب علی الحال و فی متعلقة بمحذوف و المعنی أن أفتقر و أنت الموصوف بالغنی الفائض علی الخلق.و کذلک قوله أو أضل فی هداک معناه أو أضل و أنت ذو الهدایة العامّة للبشر کافة و کذلک أو أضام فی سلطانک کما یقول المستغیث إلی السلطان کیف أظلم فی عدلک.

ص :86

و کذلک قوله أو أضطهد و الأمر لک أی و أنت الحاکم صاحب الأمر و الطاء فی أضطهد هی تاء الافتعال و أصل الفعل ضهدت فلانا فهو مضهود أی قهرته و فلان ضهده لکل أحد أی کل من شاء أن یقهره فعل .قوله اللّهمّ اجعل نفسی هذه الدعوة مثل دعوة رسول اللّه ص و هی

2569

قَوْلُهُ

اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَ أَبْصَارِنَا وَ اجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا . أی لا تجعل موتنا متأخرا عن ذهاب حواسنا و

2570

کَانَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ یَقُولُ فِی دُعَائِهِ

اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَیَّ سَمْعِی وَ بَصَرِی إِلَی انْتِهَاءِ أَجَلِی . و فسروا قوله ع و اجعله الوارث منا فقالوا الضمیر فی و اجعله یرجع إلی الإمتاع.فإن قلت کیف یتقی الإمتاع بالسمع و البصر بعد خروج الروح.قلت هذا توسع فی الکلام و المراد لا تبلنا بالعمی و لا الصمم فنکون أحیاء فی الصورة و لسنا بأحیاء فی المعنی لأن من فقدهما لا خیر له فی الحیاة فحملته المبالغة علی أن طلب بقاءهما بعد ذهاب النفس إیذانا و إشعارا بحبه ألا یبلی بفقدهما .و نفتتن علی ما لم یسم فاعله نصاب بفتنة تضلنا عن الدین و روی نفتتن بفتح حرف المضارعة علی نفتعل افتتن الرجل أی فتن و لا یجوز أن یکون الافتتان متعدیا کما ذکره الراوندیّ و لکنه قرأ فی الصحاح للجوهری و الفتون الافتتان یتعدی و لا یتعدی فظن أن ذلک للافتتان و لیس کما ظنّ و إنّما ذلک راجع إلی الفتون.و التتابع التهافت فی اللجاج و الشر و لا یکون إلاّ فی مثل ذلک و روی أو تتابع بطرح إحدی التاءات

ص :87

ثم عاد إلی تقریر الکلام الأول و هو وجوب الحق له و علیه فقال إنّه لا یجری لأحد إلاّ و جری علیه و کذلک لا یجری علیه إلاّ و جری له أی لیس و لا واحد من الموجودین بمرتفع عن أن یجری الحق علیه و لو کان أحد من الموجودین کذلک لکان أحقهم بذلک البارئ سبحانه لأنّه غایة الشرف بل هو فوق الشرف و فوق الکمال و التمام و هو مالک الکل و سید الکل فلو کان لجواز هذه القضیة وجه و لصحتها مساغ لکان البارئ تعالی أولی بها و هی ألا یستحق علیه شیء و تقدیر الکلام لکنه یستحق علیه أمور فهو فی هذا الباب کالواحد منا یستحق و یستحق علیه و لکنه ع حذف هذا الکلام المقدر أدبا و إجلالا لله تعالی أن یقول إنّه یستحق علیه شیء.

فإن قلت فما بال المتکلّمین لا یتأدبون بأدبه ع و کیف یطلقون علیه تعالی الوجوب و الاستحقاق.

قلت لیست وظیفة المتکلّمین وظیفة أمیر المؤمنین ع فی عباراتهم هؤلاء أرباب صناعة و علم یحتاج إلی ألفاظ و اصطلاح لا بدّ لهم من استعماله للإفهام و الجدل بینهم و أمیر المؤمنین إمام یخطب علی منبره یخاطب عربا و رعیة لیسوا من أهل النظر و لا مخاطبته لهم لتعلیم هذا العلم بل لاستنفارهم إلی حرب عدوه فوجب علیه بمقتضی الأدب أن یتوقی کل لفظة توهم ما یستهجنه السامع فی الأمور الإلهیة و فی غیرها.

فإن قلت فما هذه الأمور التی زعمت أنّها تستحق علی البارئ سبحانه و أن أمیر المؤمنین ع حذفها من اللفظ و اللفظ یقتضیها.

قلت الثواب و العوض و قبول التوبة و اللطف و الوفاء بالوعد و الوعید و غیر ذلک ممّا یذکره أهل العدل .

ص :89

فإن قلت فما معنی قوله لکان ذلک خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته علی عباده و لعدله فی کل ما جرت علیه صروف قضائه و هب أن تعلیل عدم استحقاق شیء علی اللّه تعالی بقدرته علی عباده صحیح کیف یصحّ تعلیل ذلک بعدله فی کل ما جرت علیه صروف قضائه أ لا تری أنّه لیس بمستقیم أن تقول لا یستحق علی البارئ شیء لأنّه عادل و إنّما المستقیم أن تقول لا یستحق علیه شیء لأنّه مالک و لذلک عللت الأشعریة هذا الحکم بأنّه مالک الکل و الاستحقاق إنّما یکون علی من دونه.

قلت التعلیل صحیح و هو أیضا ممّا عللت به الأشعریة مذهبها و ذلک لأنّه إنّما یتصور الاستحقاق علی الفاعل المختار إذا کان ممن یتوقع منه أو یصحّ منه أن یظلم فیمکن حینئذ أن یقال قد وجب علیه کذا و استحق علیه کذا فأما من لا یمکن أن یظلم و لا یتصور وقوع الظلم منه و لا الکذب و لا خلف الوعد و الوعید فلا معنی لإطلاق الوجوب و الاستحقاق علیه کما لا یقال کذا الداعی الخالص یستحق علیه أن یفعل ما دعاه إلیه الداعی و یجب علیه أن یفعل ما دعاه إلیه الداعی مثل الهارب من الأسد و الشدید العطش إذا وجد الماء و نحو ذلک .

فإن قلت أ لیس یشعر قوله ع و جعل جزاءهم علیه مضاعفة الثواب تفضلا منه بمذهب البغدادیین من أصحابکم و هو قولهم إن الثواب تفضل من اللّه سبحانه و لیس بواجب.

قلت لا و ذلک لأنّه جعل المتفضل به هو مضاعفة الثواب لا أصل الثواب و لیس ذلک بمستنکر عندنا.

فإن قلت أ یجوز عندکم أن یستحق المکلف عشرة أجزاء من الثواب فیعطی عشرین جزءا منه أ لیس من مذهبکم أن التعظیم و التبجیل لا یجوز من البارئ سبحانه أن یفعلهما

ص :90

فی الجنة إلا علی قدر الاستحقاق و الثواب عندکم هو النفع المقارن للتعظیم و التبجیل فیکف قلت إن مضاعفة الثواب عندنا جائزة.

قلت مراده ع بمضاعفة الثواب هنا زیادة غیر مستحقة من النعیم و اللذة الجسمانیة خاصّة فی الجنة فسمی تلک اللذة الجسمانیة ثوابا لأنّها جزء من الثواب فأما اللذة العقلیّة فلا یجوز مضاعفتها.

قوله ع بما هو من المزید أهله أی بما هو أهله من المزید فقدم الجار و المجرور و موضعه نصب علی الحال و فیه دلالة علی أن حال المجرور تتقدم علیه کما قال الشاعر لئن کان برد الماء حران صادیا إلی حبیبا إنها لحبیب ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَی بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَکَافَأُ فِی وُجُوهِهَا وَ یُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ لاَ یُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ.

وَ أَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْکَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِی عَلَی الرَّعِیَّةِ وَ حَقُّ الرَّعِیَّةِ عَلَی الْوَالِی فَرِیضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِکُلٍّ عَلَی کُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَ عِزّاً لِدِینِهِمْ فَلَیْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِیَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ وَ لاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِیَّةِ فَإِذَا أَدَّتِ الرَّعِیَّةُ إِلَی الْوَالِی حَقَّهُ وَ أَدَّی الْوَالِی إِلَیْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَیْنَهُمْ وَ قَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّینِ وَ اعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَ جَرَتْ عَلَی أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِکَ الزَّمَانُ وَ طُمِعَ فِی بَقَاءِ الدَّوْلَةِ وَ یَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ.

ص :91

وَ إِذَا غَلَبَتِ الرَّعِیَّةُ وَالِیَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِی بِرَعِیَّتِهِ اخْتَلَفَتْ هُنَالِکَ الْکَلِمَةُ وَ ظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وَ کَثُرَ الْإِدْغَالُ فِی الدِّینِ وَ تَرَکَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَی وَ عُطِّلَتِ الْأَحْکَامُ وَ کَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ فَلاَ یُسْتَوْحَشُ لِعَظِیمِ حَقٍّ عُطِّلَ وَ لاَ لِعَظِیمِ بَاطِلٍ فُعِلَ فَهُنَالِکَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وَ تَعِزُّ الْأَشْرَارُ وَ تَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ.

فَعَلَیْکُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِی ذَلِکَ وَ حُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَیْهِ فَلَیْسَ أَحَدٌ وَ إِنِ اشْتَدَّ عَلَی رِضَا اللَّهِ حِرْصُهُ وَ طَالَ فِی الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ بِبَالِغٍ حَقِیقَةَ مَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ وَ لَکِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَی عِبَادِهِ النَّصِیحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ وَ التَّعَاوُنُ عَلَی إِقَامَةِ الْحَقِّ بَیْنَهُمْ وَ لَیْسَ امْرُؤٌ وَ إِنْ عَظُمَتْ فِی الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ وَ تَقَدَّمَتْ فِی الدِّینِ فَضِیلَتُهُ بِفَوْقِ أَنْ یُعَانَ عَلَی مَا حَمَّلَهُ اَللَّهُ مِنْ حَقِّهِ وَ لاَ امْرُؤٌ وَ إِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ وَ اقْتَحَمَتْهُ الْعُیُونُ بِدُونِ أَنْ یُعِینَ عَلَی ذَلِکَ أَوْ یُعَانَ عَلَیْهِ .

تتکافأ فی وجوهها

تتساوی و هی حقّ الوالی علی الرعیة و حقّ الرعیة علی الوالی .

و فریضة قد روی بالنصب و بالرفع فمن رفع فخبر مبتدإ محذوف و من نصب فبإضمار فعل أو علی الحال .

و جرت علی أذلالها السنن

بفتح الهمزة أی علی مجاریها و طرقها .

و أجحف الوالی برعیته

ظلمهم.

و الإدغال فی الدین الفساد.

ص :92

و محاج السنن جمع محجة و هی جادة الطریق.

قوله و کثرت علل النفوس أی تعللها بالباطل

2571

وَ مِنْ کَلاَمِ اَلْحَجَّاجِ إِیَّاکُمْ وَ عِلَلَ النُّفُوسِ فَإِنَّهَا أَدْوَی لَکُمْ مِنْ عِلَلِ الْأَجْسَادِ .

و اقتحمته العیون احتقرته و ازدرته قال ابن درید و منه ما تقتحم العین فإن ذقت جناه ساغ عذبا فی اللها (1) .

و مثل قوله ع و لیس امرؤ و إن عظمت فی الحق منزلته

2572

قَوْلُ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ ع لِهِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ إِنَّهُ لَیْسَ أَحَدٌ وَ إِنْ عَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ بِفَوْقٍ أَنْ یُذَکَّرَ بِاللَّهِ وَ یُحَذَّرَ مِنْ سَطْوَتِهِ وَ لَیْسَ أَحَدٌ وَ إِنْ صَغُرَ بِدُونٍ أَنْ یُذَکَّرَ بِاللَّهِ وَ یُخَوَّفَ مِنْ نَقِمَتِهِ.

و مثل قوله ع و إذا غلبت الرعیة والیها

2573

قَوْلُ الْحُکَمَاءِ إِذَا عَلاَ صَوْتُ بَعْضِ الرَّعِیَّةِ عَلَی الْمَلِکِ فَالْمَلِکُ مَخْلُوعٌ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِیَّةِ لاَ فَالْمَلِکُ مَقْتُولٌ.

اَلْمُسْلِمِ فِیمَا أَحَبَّ وَ کَرِهَ مَا لَمْ یُؤْمَرْ بِمَعْصِیَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِهَا فَلاَ سَمْعَ وَ لاَ طَاعَةَ.

و

2575

عَنْهُ ص

إِنْ أُمِّرَ عَلَیْکُمْ عَبْدٌ أَسْوَدُ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِیعُوا. و

2576

مِنْ کَلاَمِ عَلِیٍّ ع

إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الطَّاعَةَ غَنِیمَةَ الْأَکْیَاسِ عِنْدَ تَفْرِیطِ الْفَجَرَةِ .

2577

بَعَثَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ جَرِیرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِیَّ مِنَ اَلْعِرَاقِ إِلَی عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَدِینَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ کَیْفَ تَرَکْتَ النَّاسَ قَالَ تَرَکْتُهُمْ کَقِدَاحِ الْجَعْبَةِ مِنْهَا الْأَعْصَلُ (1) الطَّائِشُ وَ مِنْهَا الْقَائِمُ الرَّائِشُ قَالَ فَکَیْفَ سَعْدٌ لَهُمْ قَالَ هُوَ ثِقَافُهَا الَّذِی یُقِیمُ أَوَدَهَا وَ یَغْمِزُ عَصَلَهَا (2) قَالَ فَکَیْفَ طَاعَتُهُمْ قَالَ یُصَلُّونَ الصَّلاَةَ لِأَوْقَاتِهَا وَ یُؤَدُّونَ الطَّاعَةَ إِلَی وُلاَتِهَا قَالَ اللَّهُ أَکْبَرُ إِذَا أُقِیمَتِ الصَّلاَةُ أُدِّیَتِ الزَّکَاةُ وَ إِذَا کَانَتِ الطَّاعَةُ کَانَتِ الْجَمَاعَةُ.

2578

وَ مِنْ کَلاَمِ أَبَرْوِیزَ الْمَلِکِ أَطِعْ مَنْ فَوْقَکَ یُطِعْکَ مَنْ دُونَکَ.

2579

وَ مِنْ کَلاَمِ الْحُکَمَاءِ قُلُوبُ الرَّعِیَّةِ خَزَائِنُ وَالِیهَا فَمَا أَوْدَعَهُ فِیهَا وَجَدَهُ.

2580

وَ کَانَ یُقَالُ صِنْفَانِ مُتَبَاغِضَانِ مُتَنَافِیَانِ السُّلْطَانُ وَ الرَّعِیَّةُ وَ هُمَا مَعَ ذَلِکَ مُتَلاَزِمَانِ إِنْ صَلَحَ أَحَدُهُمَا صَلَحَ الْآخَرُ وَ إِنْ فَسَدَ فَسَدَ الْآخَرُ.

2581

وَ کَانَ یُقَالُ مَحَلُّ الْمَلِکِ مِنْ رَعِیَّتِهِ مَحَلُّ الرُّوحِ مِنَ الْجَسَدِ وَ مَحَلُّ الرَّعِیَّةِ مِنْهُ مَحَلُّ الْجَسَدِ مِنَ الرُّوحِ فَالرُّوحُ تَأْلَمُ بِأَلَمِ کُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ وَ لَیْسَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ یَأْلَمُ بِأَلَمِ غَیْرِهِ وَ فَسَادُ الرُّوحِ فَسَادُ جَمِیعِ الْبَدَنِ وَ قَدْ یَفْسُدُ بَعْضُ الْبَدَنِ وَ غَیْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ صَحِیحٌ.

ص :94

2582

وَ کَانَ یُقَالُ ظُلْمُ الرَّعِیَّةِ اسْتِجْلاَبُ الْبَلِیَّةِ.

2583

وَ کَانَ یُقَالُ الْعَجَبُ مِمَّنِ اسْتَفْسَدَ رَعِیَّتَهُ وَ هُوَ یَعْلَمُ أَنَّ عِزَّهُ بِطَاعَتِهِمْ.

2584

وَ کَانَ یُقَالُ مَوْتُ الْمَلِکِ الْجَائِرِ خِصْبٌ شَامِلٌ.

2585

وَ کَانَ یُقَالُ لاَ قَحْطَ أَشَدُّ مِنْ جَوْرِ السُّلْطَانِ.

2586

وَ کَانَ یُقَالُ قَدْ تُعَامَلُ الرَّعِیَّةُ الْمُشْمَئِزَّةُ بِالرِّفْقِ فَتَزُولُ أَحْقَادُهَا وَ یَذِلُّ قِیَادُهَا وَ قَدْ تُعَامَلُ بِالْخُرْقِ فَتَکَاشَفُ بِمَا غَیَّبَتْ وَ تُقْدِمُ عَلَی مَا عَیَّبَتْ حَتَّی یَعُودَ نِفَاقُهَا شِقَاقاً وَ رَذَاذُهَا سَیْلاً بُعَاقاً (1) ثُمَّ إِنَّ غَلَبَتْ وَ قَهَرَتْ فَهُوَ الدَّمَارُ وَ إِنْ غُلِبَتْ وَ قُهِرَتْ لَمْ یَکُنْ بِغَلَبِهَا افْتِخَارٌ وَ لَمْ یُدْرَکْ بِقَهْرِهَا ثَأْرٌ.

2587

وَ کَانَ یُقَالُ الرَّعِیَّةُ وَ إِنْ کَانَتْ ثِمَاراً مُجْتَنَاةً وَ ذَخَائِرَ مُقْتَنَاةً وَ سُیُوفاً مُنْتَضَاةً وَ أَحْرَاساً مُرْتَضَاةً فَإِنَّ لَهَا نِفَاراً کَنِفَارِ الْوُحُوشِ وَ طُغْیَاناً کَطُغْیَانِ السُّیُولِ وَ مَتَی قَدَرَتْ أَنْ تَقُولَ قَدَرَتْ عَلَی أَنْ تَصُولَ.

2588

وَ کَانَ یُقَالُ أَیْدِی الرَّعِیَّةِ تَبَعُ أَلْسِنَتِهَا فَلَنْ یَمْلِکَ الْمَلِکُ أَلْسِنَتَهَا حَتَّی یَمْلِکَ جُسُومَهَا وَ لَنْ یَمْلِکَ جُسُومَهَا حَتَّی یَمْلِکَ قُلُوبَهَا فَتُحِبَّهُ وَ لَنْ تُحِبَّهُ حَتَّی یَعْدِلَ عَلَیْهَا فِی أَحْکَامِهِ عَدْلاً یَتَسَاوَی فِیهِ الْخَاصَّةُ وَ الْعَامَّةُ وَ حَتَّی یُخَفِّفَ عَنْهَا الْمُؤَنَ وَ الْکُلَفَ وَ حَتَّی یُعْفِیَهَا مِنْ رَفْعِ أَوْضَاعِهَا وَ أَرَاذِلِهَا عَلَیْهَا وَ هَذِهِ الثَّالِثَةُ تُحْقِدُ عَلَی الْمَلِکِ الْعِلْیَةَ مِنَ الرَّعِیَّةِ وَ تُطْمِعُ السِّفْلَةَ فِی الرُّتَبِ السَّنِیَّةِ.

2589

وَ کَانَ یُقَالُ الرَّعِیَّةُ ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ فُضَلاَءُ مُرْتَاضُونَ بِحُکْمِ الرِّئَاسَةِ وَ السِّیَاسَةِ یَعْلَمُونَ فَضِیلَةَ الْمَلِکِ وَ عَظِیمَ غَنَائِهِ وَ یَرِثُونَ لَهُ مِنْ ثِقْلِ أَعْبَائِهِ فَهَؤُلاَءِ یُحَصِّلُ الْمَلِکُ مَوَدَّاتِهِمْ بِالْبِشْرِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ یَلْقَی أَحَادِیثَهُمْ بِحُسْنِ الْإِصْغَاءِ وَ صِنْفٌ فِیهِمْ خَیْرٌ وَ شَرٌّ ظَاهِرَانِ فَصَلاَحُهُمْ یُکْتَسَبُ مِنْ مُعَامَلَتِهِمْ بِالتَّرْغِیبِ وَ التَّرْهِیبِ وَ صِنْفٌ مِنَ السَّفِلَةِ الرُّعَاعِ أَتْبَاعٌ

ص :95

لِکُلِّ دَاعٍ لاَ یُمْتَحَنُونَ فِی أَقْوَالِهِمْ وَ أَعْمَالِهِمْ بِنَقْدٍ وَ لاَ یَرْجِعُونَ فِی الْمُوَالاَةِ إِلَی عَقْدٍ.

2590

وَ کَانَ یُقَالُ تَرْکُ الْمُعَاقَبَةِ لِلسِّفْلَةِ عَلَی صِغَارِ الْجَرَائِمِ تَدْعُوهُمْ إِلَی ارْتِکَابِ الْکَبَائِرِ الْعَظَائِمِ أَ لاَ تَرَی أَوَّلُ نُشُوزِ الْمَرْأَةِ کَلِمَةٌ سُومِحَتْ بِهَا وَ أَوَّلُ حِرَانِ الدَّابَّةِ حَیْدَةٌ سُوعِدَتْ عَلَیْهَا.

2591

وَ یُقَالُ إِنَّ عُثْمَانَ قَالَ یَوْماً لِجُلَسَائِهِ وَ هُوَ مَحْصُورٌ فِی الْفِتْنَةِ وَدِدْتُ أَنَّ رَجُلاً صَدُوقاً أَخْبَرَنِی عَنْ نَفْسِی وَ عَنْ هَؤُلاَءِ فَقَامَ إِلَیْهِ فَتًی فَقَالَ إِنِّی أُخْبِرُکَ تَطَأْطَأْتَ لَهُمْ فَرَکِبُوکَ وَ مَا جَرَّأَهُمْ عَلَی ظُلْمِکَ إِلاَّ إِفْرَاطُ حِلْمِکَ قَالَ صَدَقْتَ فَهَلْ تَعْلَمُ مَا یَشُبُّ نِیرَانَ الْفِتَنِ قَالَ نَعَمْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِکَ شَیْخاً مِنْ تَنُوخَ کَانَ بَاقِعَةً قَدْ نَقَبَ فِی الْأَرْضِ وَ عَلِمَ عِلْماً جَمّاً فَقَالَ الْفِتْنَةُ یُثِیرُهَا أَمْرَانِ أَثَرَةٌ تُضْغِنُ عَلَی الْمَلِکِ الْخَاصَّةَ وَ حِلْمٌ یُجَزِّئُ [یُجَرِّئُ]

عَلَیْهِ الْعَامَّةَ قَالَ فَهَلْ سَأَلْتُهُ عَمَّا یُخْمِدُهَا قَالَ نَعَمْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِی یُخْمِدُهَا فِی ابْتِدَائِهَا اسْتِقَالَةُ الْعَثْرَةِ وَ تَعْمِیمُ الْخَاصَّةِ بِالْأَثَرَةِ فَإِذَا اسْتَحْکَمَتِ الْفِتْنَةُ أَخْمَدَهَا الصَّبْرُ قَالَ عُثْمَانُ صَدَقْتَ وَ إِنِّی لَصَابِرٌ حَتّٰی یَحْکُمَ اللّٰهُ بَیْنَنٰا وَ هُوَ خَیْرُ الْحٰاکِمِینَ .

2592

وَ یُقَالُ إِنَّ یَزْدَجَرْدَ بْنَ بَهْرَامَ سَأَلَ حَکِیماً مَا صَلاَحُ الْمُلْکِ قَالَ الرِّفْقُ بِالرَّعِیَّةِ وَ أَخْذُ الْحَقِّ مِنْهَا بِغَیْرِ عُنْفٍ وَ التَّوَدُّدُ إِلَیْهَا بِالْعَدْلِ وَ أَمْنُ السُّبُلِ وَ إِنْصَافُ الْمَظْلُومِ قَالَ فَمَا صَلاَحُ الْمَلِکِ قَالَ وُزَرَاؤُهُ إِذَا صَلَحُوا صَلَحَ قَالَ فَمَا الَّذِی یُثِیرُ الْفِتَنَ قَالَ ضَغَائِنُ یُظْهِرُهَا جُرْأَةُ عَامَّةٍ وَ اسْتِخْفَافُ خَاصَّةٍ وَ انْبِسَاطُ الْأَلْسُنِ بِضَمَائِرِ الْقُلُوبِ وَ إِشْفَاقُ مُوسِرٍ وَ أَمْنُ مُعْسِرٍ وَ غَفْلَةُ مَرْزُوقٍ وَ یَقَظَةُ مَحْرُومٍ قَالَ وَ مَا یُسْکِنُهَا قَالَ أَخْذُ الْعُدَّةِ لِمَا یُخَافُ وَ إِیثَارُ الْجِدِّ حِینَ یَلْتَذُّ الْهَزْلُ وَ الْعَمَلُ بِالْحَزْمِ وَ ادِّرَاعُ الصَّبْرِ وَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ.

2593

وَ کَانَ یُقَالُ خَیْرُ الْمُلُوکِ مَنْ أَشْرَبَ قُلُوبَ رَعِیَّتِهِ مَحَبَّتَهُ کَمَا أَشْعَرَهَا هَیْبَتَهُ وَ لَنْ یُنَالَ ذَلِکَ مِنْهَا حَتَّی تَظْفَرَ مِنْهُ بِخَمْسَةِ أَشْیَاءَ إِکْرَامِ شَرِیفُهَا وَ رَحْمَةِ ضَعِیفَهَا وَ إِغَاثَةِ لَهِیفِهَا

ص :96

وَ کَفِّ عُدْوَانِ عَدُوِّهَا وَ تَأْمِینِ سُبُلِ رَوَاحِهَا وَ غُدُوِّهَا فَمَتَی أَعْدَمَهَا شَیْئاً مِنْ ذَلِکَ فَقَدْ أَحْقَدَهَا (1) بِقَدْرِ مَا أَفْقَدَهَا.

2594

وَ کَانَ یُقَالُ الْأَسْبَابُ الَّتِی تَجُرُّ الْهُلْکَ إِلَی الْمُلْکِ ثَلاَثَةٌ أَحَدُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَلِکِ وَ هُوَ أَنْ تَتَأَمَّرَ شَهَوَاتُهُ عَلَی عَقْلِهِ فَتَسْتَهْوِیهِ نَشَوَاتُ الشَّهَوَاتِ فَلاَ تَسْنَحُ لَهُ لَذَّةٌ إِلاَّ اقْتَنَصَهَا وَ لاَ رَاحَةٌ إِلاَّ افْتَرَصَهَا.

وَ الثَّانِی مِنْ جِهَةِ الْوُزَرَاءِ وَ هُوَ تَحَاسُدُهُمُ الْمُقْتَضِی تَعَارُضَ الْآرَاءِ فَلاَ یَسْبِقُ أَحَدُهُمْ إِلَی حَقٍّ إِلاَّ کُویِدَ وَ عُورِضَ وَ عُونِدَ.

وَ الثَّالِثُ مِنْ جِهَةِ الْجُنْدِ الْمُؤَهَّلِینَ لِحِرَاسَةِ الْمُلْکِ وَ الدِّینِ وَ تَوْهِینِ الْمُعَانِدِینَ وَ هُوَ نُکُولُهُمْ عَنِ الْجِلاَدِ وَ تَضْجِیعِهِمْ فِی الْمُنَاصَحَةِ وَ الْجِهَادِ وَ هُمْ صِنْفَانِ صِنْفٌ وَسَّعَ الْمَلِکُ عَلَیْهِمْ فَأَبْطَرَهُمُ الْإِتْرَافُ وَ ضَنُّوا بِنُفُوسِهِمْ عَنِ التَّعْرِیضِ لِلْإِتْلاَفِ وَ صِنْفٌ قَدَّرَ عَلَیْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَاضْطَغَنُوا الْأَحْقَادَ (2) وَ اسْتَشْعَرُوا النِّفَاقَ.

2598

وَقَّعَ جَعْفَرُ بْنُ یَحْیَی إِلَی عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ کَثُرَ شَاکُوکَ وَ قَلَّ حَامِدُوکَ فَإِمَّا عَدَلْتَ وَ إِمَّا اعْتَزَلْتَ.

2599

وُجِدَ فِی خِزَانَةِ بَعْضِ اَلْأَکَاسِرَةِ سَفَطٌ فَفُتِحَ فَوُجِدَ فِیهِ حَبُّ الرُّمَّانِ کُلُّ حَبَّةٍ کَالنَّوَاةِ الْکَبِیرَةِ مِنْ نَوَی الْمِشْمِشِ وَ فِی السَّفَطِ رُقْعَةٌ فِیهَا هَذَا حَبُّ رُمَّانٍ عَمِلْنَا فِی خَرَاجِهِ بِالْعَدْلِ.

2600

جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مِصْرَ إِلَی عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مُتَظَلِّماً فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذَا مَکَانُ الْعَائِذِ بِکَ قَالَ لَهُ عُذْتَ بِمَعَاذٍ مَا شَأْنُکَ قَالَ سَابَقْتُ وَلَدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِمِصْرَ فَسَبَقْتُهُ فَجَعَلَ یُعَنِّفُنِی بِسَوْطِهِ وَ یَقُولُ أَنَا ابْنُ الْأَکْرَمِینَ وَ بَلَغَ أَبَاهُ ذَلِکَ فَحَبَسَنِی خَشْیَةَ أَنْ أَقْدَمَ عَلَیْکَ فَکَتَبَ إِلَی عَمْرٍو إِذَا أَتَاکَ کِتَابِی هَذَا فَاشْهَدِ اَلْمَوْسِمَ أَنْتَ وَ ابْنُکَ فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرٌو وَ ابْنُهُ دَفَعَ الدِّرَّةَ إِلَی اَلْمِصْرِیِّ وَ قَالَ اضْرِبْهُ کَمَا ضَرَبَکَ فَجَعَلَ یَضْرِبُهُ وَ عُمَرُ یَقُولُ اضْرِبِ ابْنَ الْأَمِیرِ اضْرِبِ ابْنَ الْأَمِیرِ یُرَدِّدُهَا حَتَّی قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدِ اسْتَقَدْتُ مِنْهُ فَقَالَ وَ أَشَارَ إِلَی عَمْرٍو ضَعْهَا عَلَی صَلْعَتِهِ فَقَالَ اَلْمِصْرِیُّ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّمَا أَضْرِبُ مَنْ ضَرَبَنِی فَقَالَ إِنَّمَا ضَرَبَکَ بِقُوَّةِ أَبِیهِ وَ سُلْطَانِهِ فَاضْرِبْهُ إِنْ شِئْتَ فَوَ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ لَمَا مَنَعَکَ أَحَدٌ مِنْهُ حَتَّی تَکُونَ أَنْتَ الَّذِی تَتَبَرَّعُ بِالْکَفِّ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ یَا اِبْنَ الْعَاصِ مَتَی تَعَبَّدْتُمُ النَّاسَ وَ قَدْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ أَحْرَاراً.

2601

خَطَبَ اَلْإِسْکَنْدَرُ جُنْدَهُ فَقَالَ لَهُمْ بِالرُّومِیَّةِ کَلاَماً تَفْسِیرُهُ یَا عِبَادَ اللَّهِ إِنَّمَا إِلَهُکُمْ اللَّهُ الَّذِی فِی السَّمَاءِ الَّذِی نَصَرَنَا بَعْدَ حِینٍ الَّذِی یَسْقِیکُمُ الْغَیْثَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَ إِلَیْهِ مَفْزَعُکُمْ عِنْدَ الْکَرْبِ وَ اللَّهِ لاَ یَبْلُغُنِی أَنَّ اللَّهَ أَحَبَّ شَیْئاً إِلاَّ أَحْبَبْتُهُ وَ عَمِلْتُ بِهِ إِلَی یَوْمِ أَجَلِی وَ لاَ یَبْلُغُنِی أَنَّهُ أَبْغَضَ شَیْئاً إِلاَّ أَبْغَضْتُهُ وَ هَجَرْتُهُ إِلَی یَوْمِ أَجَلِی وَ قَدْ أُنْبِئْتُ أَنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْعَدْلَ فِی عِبَادِهِ وَ یُبْغِضُ الْجَوْرَ فَوَیْلٌ لِلظَّالِمِ مِنْ سَوْطِی وَ سَیْفِی وَ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ

ص :98

الْعَدْلُ مِنْ عُمَّالِی فَلْیَتَّکِئْ فِی مَجْلِسِی کَیْفَ شَاءَ وَ لْیَتَمَنَّ عَلَیَّ مَا شَاءَ فَلَنْ تُخْطِئَهُ أُمْنِیَّتُهُ وَ اللَّهُ الْمُجَازِی کُلاًّ بِعَمَلِهِ.

2602

قَالَ رَجُلٌ لِسُلَیْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ وَ هُوَ جَالِسٌ لِلْمَظَالِمِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَی فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَیْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَی الظّٰالِمِینَ (1) قَالَ مَا خَطْبُکَ قَالَ وَکِیلُکَ اغْتَصَبَنِی ضَیْعَتِی وَ ضَمَّهَا إِلَی ضَیْعَتِکَ الْفُلاَنِیَةِ قَالَ فَإِنَّ ضَیْعَتِی لَکَ وَ ضَیْعَتَکَ مَرْدُودَةٌ إِلَیْکَ ثُمَّ کَتَبَ إِلَی الْوَکِیلِ بِذَلِکَ وَ بِصَرْفِهِ عَنْ عَمَلِهِ.

2603

وَ رَقِیَ إِلَی کِسْرَی قُبَاذَ أَنَّ فِی بِطَانَةِ الْمَلِکِ قَوْماً قَدْ فَسَدَتْ نِیَّاتُهُمْ وَ خَبُثَتْ ضَمَائِرُهُمْ لِأَنَّ أَحْکَامَ الْمَلِکِ جَرَتْ عَلَی بَعْضِهِمْ لِبَعْضِهِمْ فَوَقَّعَ فِی الْجَوَابِ أَنَا أَمْلِکُ الْأَجْسَادَ لاَ النِّیَّاتِ وَ أَحْکُمُ بِالْعَدْلِ لاَ بِالْهَوَی وَ أَفْحَصُ عَنِ الْأَعْمَالِ لاَ عَنِ السَّرَائِرِ.

2604

وَ تَظَلَّمَ أَهْلُ اَلْکُوفَةِ إِلَی اَلْمَأْمُونِ مِنْ وَالِیهِمْ فَقَالَ مَا عَلِمْتُ فِی عُمَّالِی أَعْدَلَ وَ لاَ أَقْوَمَ بِأَمْرِ الرَّعِیَّةِ وَ لاَ أَعْوَدَ بِالرِّفْقِ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَلاَ أَحَدَ أَوْلَی مِنْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِالْعَدْلِ وَ الْإِنْصَافِ وَ إِذَا کَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَمِنْ عَدْلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ أَنْ یُوَلِّیَهُ بَلَداً بَلَداً حَتَّی یَلْحَقَ أَهْلَ کُلِّ بَلَدٍ مِنَ عَدْلِهِ مِثْلُ مَا لَحِقَنَا مِنْهُ وَ یَأْخُذُوا بِقِسْطِهِمْ مِنْهُ کَمَا أَخَذَ مِنْهُ سِوَاهُمْ وَ إِذَا فَعَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ذَلِکَ لَمْ یُصِبِ اَلْکُوفَةَ مِنْهُ أَکْثَرُ مِنْ ثَلاَثِ سِنِینَ فَضَحِکَ وَ عَزَلَهُ.

2605

کَتَبَ عَدِیُّ بْنُ أَرْطَاةَ إِلَی عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ قِبَلَنَا قَوْماً لاَ یُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ إِلاَّ أَنْ یَمَسَّهُمْ نَصَبٌ مِنَ الْعَذَابِ فَاکْتُبْ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ بِرَأْیِکَ فَکَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَالْعَجَبُ لَکَ کُلُّ الْعَجَبِ تَکْتُبُ إِلَیَّ تَسْتَأْذِنُنِی فِی عَذَابِ الْبَشَرِ کَأَنَّ إِذْنِی لَکَ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ کَأَنَّ رِضَایَ یُنْجِیکَ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ فَمَنْ أَعْطَاکَ مَا عَلَیْهِ عَفْواً

ص :99

فَخُذْ مِنْهُ وَ مَنْ أَبَی فَاسْتَحْلِفْهُ وَ کِلْهُ إِلَی اللَّهِ فَلَأَنْ یَلْقَوُا اللَّهَ بِجَرَائِمِهِمْ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَلْقَاهُ بِعَذَابِهِمْ.

2606

فُضَیْلُ بْنُ عِیَاضٍ

مَا یَنْبَغِی أَنْ تَتَکَلَّمَ بِفِیکَ کُلِّهِ أَ تَدْرِی مَنْ کَانَ یَتَکَلَّمُ بِفِیهِ کُلِّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ کَانَ یَعْدِلُ فِی رَعِیَّتِهِ وَ یَجُورُ عَلَی نَفْسِهِ وَ یُطْعِمُهُمُ الطَّیِّبَ وَ یَأْکُلُ الْغَلِیظَ وَ یَکْسُوهُمُ اللَّیِّنَ وَ یَلْبَسُ الْخَشِنَ وَ یُعْطِیهِمُ الْحَقَّ وَ یَزِیدُهُمْ وَ یَمْنَعُ وُلْدَهُ وَ أَهْلَهُ أَعْطَی رَجُلاً عَطَاءَهُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ زَادَهُ أَلْفاً فَقِیلَ لَهُ أَ لاَ تَزِیدُ ابْنَکَ عَبْدَ اللَّهِ کَمَا تَزِیدُ هَذَا فَقَالَ إِنَّ هَذَا ثَبَتَ أَبُوهُ یَوْمَ أُحُدٍ وَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ فَرَّ أَبُوهُ وَ لَمْ یَثْبُتْ.

2607

وَ کَانَ یُقَالُ لاَ یَکُونُ الْعُمْرَانُ إِلاَّ حَیْثُ یَعْدِلُ السُّلْطَانُ.

2608

وَ کَانَ یُقَالُ الْعَدْلُ حِصْنٌ وَثِیقٌ فِی رَأْسِ نِیقٍ (1) لاَ یَحْطِمُهُ سَیْلٌ وَ لاَ یَهْدِمُهُ مَنْجَنِیقٌ.

2609

وَقَّعَ اَلْمَأْمُونُ إِلَی عَامِلٍ کَثُرَ التَّظَلُّمُ مِنْهُ أَنْصِفْ مَنْ وُلِّیتَ أَمْرَهُمْ وَ إِلاَّ أَنْصَفَهُمْ مِنْکَ مَنْ وَلِیَ أَمْرَکَ.

2610

بَعْضُ السَّلَفِ الْعَدْلُ مِیزَانُ اللَّهِ وَ الْجَوْرُ مِکْیَالُ اَلشَّیْطَانِ .

ص :100

فَلاَ تَکُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّی لَسْتُ فِی نَفْسِی بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَ لاَ آمَنُ ذَلِکَ مِنْ فِعْلِی إِلاَّ أَنْ یَکْفِیَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِی مَا هُوَ أَمْلَکُ بِهِ مِنِّی فَإِنَّمَا أَنَا وَ أَنْتُمْ عَبِیدٌ مَمْلُوکُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَیْرُهُ یَمْلِکُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِکُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَ أَخْرَجَنَا مِمَّا کُنَّا فِیهِ إِلَی مَا صَلَحْنَا عَلَیْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَی وَ أَعْطَانَا الْبَصِیرَةَ بَعْدَ الْعَمَی .

هذا الفصل و إن لم یکن فیه ألفاظ غریبة سبیلها أن تشرح ففیه معان مختلفة سبیلها أن تذکر و توضح و تذکر نظائرها و ما یناسبها.

فمنها قوله ع إن من حقّ من عظمت نعمة اللّه علیه أن تعظم علیه حقوق اللّه تعالی و أن یعظم جلال اللّه تعالی فی نفسه و من حقّ من کان کذلک أن یصغر عنده کل ما سوی اللّه .

و هذا مقام جلیل من مقامات العارفین و هو استحقار کل ما سوی اللّه تعالی و ذلک أن من عرف اللّه تعالی فقد عرف ما هو أعظم من کل عظیم بل لا نسبة لشیء من الأشیاء أصلا إلیه سبحانه فلا یظهر عند العارف عظمة غیره البتة کما أن من شاهد الشمس المنیرة یستحقر ضوء القمر و السراج الموضوع فی ضوء الشمس حال مشاهدته جرم الشمس بل لا تظهر له فی تلک الحال صنوبرة السراج و لا تنطبع صورتها فی بصره .

و منها قوله ع من أسخف حالات الولاة أن یظن بهم حبّ الفخر و یوضع

ص :102

أمرهم علی الکبر

2611

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص لاَ یَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ مَنْ کَانَ فِی قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ کِبْرٍ.

و

2612

قَالَ ص لَوْ لاَ ثَلاَثٌ مُهْلِکَاتٌ لَصَلَحَ النَّاسُ شُحٌّ مُطَاعٌ وَ هَوًی مُتَّبَعٌ وَ إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ.

2613

وَ کَانَ یُقَالُ لَیْسَ لِمُعْجَبٍ رَأْیٌ وَ لاَ لِمُتَکَبِّرٍ صَدِیقٌ.

2614

وَ کَانَ أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّوْلَةِ یَقُولُ مَا تَاهَ إِلاَّ وَضِیعٌ وَ لاَ فَاخَرَ إِلاَّ لَقِیطٌ وَ لاَ تَعَصَّبَ إِلاَّ دَخِیلٌ.

2615

وَ قَالَ عُمَرُ لِبَعْضِ وُلْدِهِ الْتَمِسِ الرِّفْعَةَ بِالتَّوَاضُعِ وَ الشَّرَفَ بِالدِّینِ وَ الْعَفْوَ مِنَ اللَّهِ بِالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ وَ إِیَّاکَ وَ الْخُیَلاَءَ فَتَضَعَ مِنْ نَفْسِکَ وَ لاَ تُحَقِّرَنَّ أَحَداً لِأَنَّکَ لاَ تَدْرِی لَعَلَّ مَنْ تَزْدَرِیهِ عَیْنَاکَ أَقْرَبُ إِلَی اللَّهِ وَسِیلَةً مِنْکَ .

و منها قوله ع قد کرهت أن تظنوا بی حبّ الإطراء و استماع الثناء قد

2616

رُوِیَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ احْثُوا فِی وُجُوهِ الْمَدَّاحِینَ التُّرَابَ.

2617

وَ قَالَ عُمَرُ الْمَدْحُ هُوَ الذَّبْحُ.

2618

وَ کَانَ یُقَالُ إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ یَقُولُ فِیکَ مِنَ الْخَیْرِ مَا لَیْسَ فِیکَ فَلاَ تَأْمَنْ أَنْ یَقُولَ فِیکَ مِنَ الشَّرِّ مَا لَیْسَ فِیکَ.

2619

وَ یُقَالُ إِنَّ فِی بَعْضِ الْکُتُبِ الْمُنْزَلَةِ الْقَدِیمَةِ عَجَباً لِمَنْ قِیلَ فِیهِ الْخَیْرُ وَ لَیْسَ فِیهِ کَیْفَ یَفْرَحُ وَ لِمَنْ قِیلَ فِیهِ الشَّرُّ وَ لَیْسَ فِیهِ کَیْفَ یَغْضَبُ وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِکَ مَنْ أَحَبَّ نَفْسَهُ عَلَی الْیَقِینِ وَ أَبْغَضَ النَّاسَ عَلَی الظَّنِّ.

2620

وَ کَانَ یُقَالُ لاَ یَغْلِبَنَّ جَهْلُ غَیْرِکَ بِکَ عِلْمَکَ بِنَفْسِکَ.

2621

وَ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ الْمَلِکِ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُسِرَّ إِلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ شَیْئاً فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ

ص :103

إِذَا شِئْتُمْ فَانْهَضُوا فَتَقَدَّمَ الرَّجُلُ یُرِیدُ الْکَلاَمَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِکِ قِفْ لاَ تَمْدَحْنِی فَإِنِّی أَعْلَمُ بِنَفْسِی مِنْکَ وَ لاَ تَکْذِبْنِی فَإِنَّهُ لاَ رَأْیَ لِمَکْذُوبٍ وَ لاَ تَغْتَبْ عِنْدِی أَحَداً فَإِنِّی أَکْرَهُ الْغِیبَةَ قَالَ أَ فَیَأْذَنُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فِی الاِنْصِرَافِ قَالَ إِذَا شِئْتَ.

2622

وَ نَاظَرَ اَلْمَأْمُونُ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ النُّوشْجَانِیَّ فِی مَسْأَلَةٍ کَلاَمِیَّةٍ فَجَعَلَ اَلنُّوشْجَانِیُّ یَخْضَعُ فِی الْکَلاَمِ وَ یَسْتَخْذِی لَهُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ أَرَاکَ تَنْقَادُ إِلَی مَا أَقُولُهُ قَبْلَ وُجُوبِ الْحُجَّةِ لِی عَلَیْکَ وَ قَدْ سَاءَنِی مِنْکَ ذَلِکَ وَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُفَسِّرَ الْأُمُورَ بِعِزَّةِ الْخِلاَفَةِ وَ هَیْبَةِ الرِّئَاسَةِ لَصُدِّقْتُ وَ إِنْ کُنْتُ کَاذِباً وَ عُدِّلْتُ وَ إِنْ کُنْتُ جَائِراً وَ صُوِّبْتُ وَ إِنْ کُنْتُ مُخْطِئاً وَ لَکِنِّی لاَ أَقْنَعُ إِلاَّ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَ إِزَالَةِ الشُّبْهَةِ وَ إِنَّ أَنْقَصَ الْمُلُوکِ عَقْلاً وَ أَسْخَفَهُمْ رَأْیاً مَنْ رَضِیَ بِقَوْلِهِمْ صَدَقَ الْأَمِیرُ.

2623

وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِی اَلْیَتِیمَةِ إِیَّاکَ إِذَا کُنْتَ وَالِیاً أَنْ یَکُونَ مِنْ شَأْنِکَ حُبُّ الْمَدْحِ وَ التَّزْکِیةِ وَ أَنْ یَعْرِفَ النَّاسُ ذَلِکَ مِنْکَ فَتَکُونَ ثُلْمَةً مِنَ الثُّلَمِ یَقْتَحِمُونَ عَلَیْکَ مِنْهَا وَ بَاباً یَفْتَتِحُونَکَ مِنْهُ وَ غِیبَةً یَغْتَابُونَکَ بِهَا وَ یَسْخَرُونَ مِنْکَ لَهَا وَ اعْلَمْ أَنَّ قَابِلَ الْمَدْحِ کَمَادِحِ نَفْسِهِ وَ أَنَّ الْمَرْءَ جَدِیرٌ أَنْ یَکُونَ حُبُّهُ الْمَدْحَ هُوَ الَّذِی یَحْمِلُهُ عَلَی رَدِّهِ فَإِنَّ الرَّادَّ لَهُ مَمْدُوحٌ وَ الْقَابِلَ لَهُ مَعِیبٌ.

2624

وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِرَجُلٍ مَنْ سَیِّدُ قَوْمِکَ قَالَ أَنَا قَالَ لَوْ کُنْتَ کَذَلِکَ لَمْ تَقُلْهُ.

2625

وَ قَالَ اَلْحَسَنُ ذَمُّ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِی الْعَلاَنِیَةِ مَدْحٌ لَهَا فِی السِّرِّ.

2626

کَانَ یُقَالُ مَنْ أَظْهَرَ عَیْبَ نَفْسِهِ فَقَدْ زَکَّاهَا.

و منها قوله ع لو کنت کذلک لترکته انحطاطا لله تعالی عن تناول ما هو أحق به من الکبریاء

2627

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ وَ مَنْ تَکَبَّرَ خَفَضَهُ اللَّهُ.

ص :104

2628

وَ فِیهِ أَیْضاً الْعَظَمَةُ إِزَارِی وَ الْکِبْرِیَاءُ رِدَائِی فَمَنْ نَازَعَنِی فِیهِمَا قَصَمْتُهُ .

و منها قوله ع فلا تکلمونی بما تکلم به الجبابرة و لا تتحفظوا منی بما یتحفظ به عند أهل البادرة .

أحسن ما سمعته فی سلطان لا تخاف الرعیة بادرته و لا یتلجلج المتحاکمون عنده مع سطوته و قوته لإیثاره العدل قول أبی تمام فی محمّد بن عبد الملک وزیر حقّ و والی شرطة و رحی

ص :105

لا المنطق اللغو یزکو فی مقاومه

و من هذا المعنی قول أبی الجهم العدوی فی معاویة نقلبه لنخبر حالتیه

و منها قوله ع لا تظنوا بی استثقال رفع الحق إلی فإنه من استثقل الحق أن یقال له کان العمل به علیه أثقل .

هذا معنی لطیف و لم أسمع منه شیئا منثورا و لا منظوما .

و منها قوله ع و لا تکفوا عن قول بحق أو مشورة بعدل .

قد ورد فی المشورة شیء کثیر قال اللّه تعالی وَ شٰاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ (1) .

2629

وَ کَانَ یُقَالُ إِذَا اسْتَشَرْتَ إِنْسَاناً صَارَ عَقْلُهُ لَکَ.

2630

وَ قَالَ أَعْرَابِیٌّ مَا غُبِنْتُ قَطُّ حَتَّی یُغْبَنَ قَوْمِی قِیلَ وَ کَیْفَ ذَاکَ قَالَ لاَ أَفْعَلُ شَیْئاً حَتَّی أُشَاوِرَهُمْ.

2631

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ أُعْطِیَ الاِسْتِشَارَةَ لَمْ یُمْنَعِ الصَّوَابَ وَ مَنْ أُعْطِیَ الاِسْتِخَارَةَ لَمْ یُمْنَعِ الْخِیَرَةَ وَ مَنْ أُعْطِیَ التَّوْبَةَ لَمْ یُمْنَعِ الْقَبُولَ وَ مَنْ أُعْطِیَ الشُّکْرَ لَمْ یُمْنَعِ الْمَزِیدَ.

2632

وَ فِی آدَابِ اِبْنِ الْمُقَفَّعِ لاَ یُقْذَفَنَّ فِی رُوعِکَ أَنَّکَ إِذَا اسْتَشَرْتَ الرِّجَالَ ظَهَرَ مِنْکَ لِلنَّاسِ حَاجَتُکَ إِلَی رَأْیِ غَیْرِکَ فَیَقْطَعَکَ ذَلِکَ عَنِ الْمُشَاوَرَةِ فَإِنَّکَ لاَ تُرِیدُ الرَّأْیَ لِلْفَخْرِ

ص :106

وَ لَکِنْ لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ وَ لَوْ أَنَّکَ أَرَدْتَهُ لِلذِّکْرِ لَکَانَ أَحْسَنَ الذِّکْرِ عِنْدَ الْعُقَلاَءِ أَنْ یُقَالَ إِنَّهُ لاَ یَنْفَرِدُ بِرَأْیِهِ دُونَ ذَوِی الرَّأْیِ مِنْ إِخْوَانِهِ .

و منها أن یقال ما معنی قوله ع و ربما استحلی الناس الثناء بعد البلاء إلی قوله لا بدّ من إمضائها فنقول إن معناه أن بعض من یکره الإطراء و الثناء قد یحب ذلک بعد البلاء و الاختبار کما قال مرداس بن أدیة لزیاد إنّما الثناء بعد البلاء و إنّما نثنی بعد أن نبتلی فقال لو فرضنا أن ذلک سائغ و جائز و غیر قبیح لم یجز لکم أن تثنوا علی فی وجهی و لا جاز لی أن أسمعه منکم لأنّه قد بقیت علی بقیة لم أفرغ من أدائها و فرائض لم أمضها بعد و لا بدّ لی من إمضائها و إذا لم یتم البلاء الذی قد فرضنا أن الثناء یحسن بعده لم یحسن الثناء.

و معنی قوله لإخراجی نفسی إلی اللّه و إلیکم أی لاعترافی بین یدی اللّه و بمحضر منکم أن علی حقوقا فی إیالتکم و رئاستی علیکم لم أقم بها بعد و أرجو من اللّه القیام بها.

و منها أن یقال ما معنی قوله فلا تخالطونی بالمصانعة فنقول إن معناه لا تصانعونی بالمدح و الإطراء عن عمل الحق کما یصانع به کثیر من الولاة الذین یستفزهم المدح و یستخفهم الإطراء و الثناء فیغمضون عن اعتماد کثیر من الحق مکافأة لما صونعوا به من التقریظ و التزکیة و النفاق.

و منها قوله ع فإنی لست بفوق أن أخطئ هذا اعتراف منه ع بعدم العصمة فإما أن یکون الکلام علی ظاهره أو یکون قاله علی سبیل هضم

ص :107

النفس

2633

کَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ لاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ یَتَدَارَکَنِیَ اللَّهِ بِرَحْمَتِهِ .

و منها قوله ع أخرجنا ممّا کنا فیه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدی و أعطانا البصیرة بعد العمی لیس هذا إشارة إلی خاصّ نفسه ع لأنّه لم یکن کافرا فأسلم و لکنه کلام یقوله و یشیر به إلی القوم الذین یخاطبهم من أفناء الناس فیأتی بصیغة الجمع الداخلة فیها نفسه توسعا و یجوز أن یکون معناه لو لا ألطاف اللّه تعالی ببعثة محمد ص لکنت أنا و غیری علی أصل مذهب الأسلاف من عبادة الأصنام کما قال تعالی لنبیه وَ وَجَدَکَ ضَالاًّ فَهَدیٰ (1) لیس معناه أنّه کان کافرا بل معناه لو لا اصطفاه اللّه تعالی لک لکنت کواحد من قومک و معنی وَ وَجَدَکَ ضَالاًّ (2) أی و وجدک بعرضة للضلال فکأنّه ضال بالقوة لا بالفعل

ص :108

منهم لا ینصرونه و لا یقومون بأمره.

و أکفئوا إنائی

قلبوه و کبوه و حذف الهمزة من أول الکلمة أفصح و أکثر و قد روی کذلک و یقال لمن قد أضیعت حقوقه قد أکفأ إناءه تشبیها بإضاعة اللبن من الإناء .

و قد اختلفت الروایة فی قوله إلا أن فی الحق أن تأخذه فرواها قوم بالنون و قوم بالتاء و قال الراوندیّ إنها فی خط الرضی بالتاء و معنی ذلک أنک إن ولیت أنت کانت ولایتک حقا و إن ولی غیرک کانت ولایته حقا علی مذهب أهل الاجتهاد و من رواها بالنون فالمعنی ظاهر .

و الرافد المعین و الذاب الناصر .

و ضننت بهم بخلت بهم و أغضیت علی کذا صبرت.

و جرعت

بالکسر و الشجا ما یعترض فی الحلق.

و الوخز الطعن الخفیف و روی من خز الشفار و الخز القطع و الشفار جمع شفرة و هی حدّ السیف و السکین و اعلم أن هذا الکلام قد نقل عن أمیر المؤمنین ع ما یناسبه و یجری مجراه و لم یؤرخ الوقت الذی قاله فیه و لا الحال التی عناها به و أصحابنا یحملون ذلک علی أنّه ع قاله عقیب الشوری و بیعة عثمان فإنه لیس یرتاب أحد من أصحابنا علی أنّه تظلم و تألم حینئذ.

و یکره أکثر أصحابنا حمل أمثال هذا الکلام علی التألم من یوم السقیفة .

و لقائل أن یقول لهم أ تقولون إن بیعة عثمان لم تکن صحیحة فیقولون لا فیقال

ص :110

لهم فعلی ما ذا تحملون کلامه ع مع تعظیمکم له و تصدیقکم لأقواله فیقولون نحمل ذلک علی تألمه و تظلمه منهم إذا ترکوا الأولی و الأفضل فیقال لهم فلا تکرهوا قول من یقول من الشیعة و غیرهم إن هذا الکلام و أمثاله صدر عنه عقیب السقیفة و حملوه علی أنّه تألم و تظلم من کونهم ترکوا الأولی و الأفضل فإنکم لستم تنکرون أنّه کان الأفضل و الأحق بالأمر بل تعترفون بذلک و تقولون ساغت إمامة غیره و صحت لمانع کان فیه ع و هو ما غلب علی ظنون العاقدین للأمر من أن العرب لا تطیعه فإنّه یخاف من فتنة عظیمة تحدث إن ولی الخلافة لأسباب یذکرونها و یعدونها و قد روی کثیر من المحدثین أنه عقیب یوم السقیفة تألم و تظلم و استنجد و استصرخ حیث ساموه الحضور و البیعة و أنّه قال و هو یشیر إلی القبر یا اِبْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ کٰادُوا یَقْتُلُونَنِی (1)

2634

وَ أَنَّهُ قَالَ

وَا جَعْفَرَاهْ وَ لاَ جَعْفَرَ لِیَ الْیَوْمَ وَا حَمْزَتَاهْ وَ لاَ حَمْزَةَ لِیَ الْیَوْمَ .

و قد ذکرنا من هذا المعنی جملة صالحة فیما تقدم و کل ذلک محمول عندنا علی أنّه طلب الأمر من جهة الفضل و القرابة و لیس بدال عندنا علی وجود النصّ لأنّه لو کان هناک نص لکان أقل کلفة و أسهل طریقا و أیسر لما یرید تناولا أن یقول یا هؤلاء إن العهد لم یطل و إن رسول اللّه ص أمرکم بطاعتی و استخلفنی علیکم بعده و لم یقع منه ع بعد ما علمتموه و نص ینسخ ذلک و لا یرفعه فما الموجب لترکی و العدول عنی.

فإن قالت الإمامیّة کان یخاف القتل لو ذکر ذلک فقیل لهم فهلا یخاف القتل و هو یعتل و یدفع لیبایع و هو یمتنع و یستصرخ تارة بقبر رسول اللّه ص

ص :111

و تارة بعمه حمزة و أخیه جعفر و هما میتان و تارة بالأنصار و تارة ببنی عبد مناف و یجمع الجموع فی داره و یبث الرسل و الدعاة لیلا و نهارا إلی الناس یذکرهم فضله و قرابته و یقول للمهاجرین خصمتم (1) الأنصار بکونکم أقرب إلی رسول اللّه ص و أنا أخصمکم بما خصمتم به الأنصار لأن القرابة إن کانت هی المعتبرة فأنا أقرب منکم.

و هلا خاف من هذا الامتناع و من هذا الاحتجاج و من الخلوة فی داره بأصحابه و من تنفیر الناس عن البیعة التی عقدت حینئذ لمن عقدت له.

و کل هذا إذا تأمله المنصف علم أن الشیعة أصابت فی أمر و أخطأت فی أمر أما الأمر الذی أصابت فیه فقولها إنّه امتنع و تلکأ و أراد الأمر لنفسه و أمّا الأمر الذی أخطأت فیه فقولها إنّه کان منصوصا علیه نصا جلیا بالخلافة تعلمه الصحابة کلها أو أکثرها و أن ذلک النصّ خولف طلبا للرئاسة الدنیویة و إیثارا للعاجلة و أن حال المخالفین للنص لا تعدو أحد أمرین إمّا الکفر أو الفسق فإن قرائن الأحوال و أماراتها لا تدلّ علی ذلک و إنّما تدلّ و تشهد بخلافه و هذا یقتضی أن أمیر المؤمنین ع کان فی مبدإ الأمر یظن أن العقد لغیره کان عن غیر نظر فی المصلحة و أنّه لم یقصد به إلاّ صرف الأمر عنه و الاستئثار علیه فظهر منه ما ظهر من الامتناع و القعود فی بیته إلی أن صح عنده و ثبت فی نفسه أنهم أصابوا فیما فعلوه و أنهم لم یمیلوا إلی هوی و لا أرادوا الدنیا و إنّما فعلوا الأصلح فی ظنونهم لأنّه رأی من بغض الناس له و انحرافهم عنه و میلهم علیه و ثوران الأحقاد التی کانت فی أنفسهم و احتدام النیران التی کانت فی قلوبهم و تذکروا التراث التی وتراهم فیما قبل بها و الدماء التی سفکها منهم و أراقها.

ص :112

و تعلل طائفة أخری منهم للعدول عنه بصغر سنه و استهجانهم تقدیم الشباب علی الکهول و الشیوخ.

و تعلل طائفة أخری منهم بکراهیة الجمع بین النبوّة و الخلافة فی بیت واحد فیجفخون (1) علی الناس کما قاله من قاله و استصعاب قوم منهم شکیمته و خوفهم تعدیه و شدته و علمهم بأنّه لا یداجی و لا یحابی و لا یراقب و لا یجامل فی الدین و أن الخلافة تحتاج إلی من یجتهد برأیه و یعمل بموجب استصلاحه و انحراف قوم آخرین عنه للحسد الذی کان عندهم له فی حیاة رسول اللّه ص لشدة اختصاصه له و تعظیمه إیاه و ما قال فیه فأکثر من النصوص الدالة علی رفعة شأنه و علو مکانه و ما اختص به من مصاهرته و أخوته و نحو ذلک من أحواله معه و تنکر قوم آخرین له لنسبتهم إلیه العجب و التیه کما زعموا و احتقاره العرب و استصغاره الناس کما عددوه علیه و إن کانوا عندنا کاذبین و لکنه قول قیل و أمر ذکر و حال نسبت إلیه و أعانهم علیها ما کان یصدر عنه من أقوال توهم مثل هذا نحو

2635

قَوْلِهِ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا.

و ما صح به عنده (2) أن الأمر لم یکن لیستقیم له یوما واحدا و لا ینتظم و لا یستمر و أنّه لو ولی الأمر لفتقت العرب علیه فتقا یکون فیه استئصال شأفة الإسلام و هدم أرکانه فأذعن بالبیعة و جنح إلی الطاعة و أمسک عن طلب الإمرة و إن کان علی مضض و رمض.

2636

1,15- وَ قَدْ رُوِیَ عَنْهُ ع أَنَّ فَاطِمَةَ ع حَرَّضَتْهُ یَوْماً عَلَی النُّهُوضِ وَ الْوُثُوبِ فَسَمِعَ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ لَهَا أَ یَسُرُّکِ زَوَالُ هَذَا النِّدَاءِ مِنَ الْأَرْضِ قَالَتْ لاَ قَالَ فَإِنَّهُ مَا أَقُولُ لَکِ .

ص :113

و هذا المذهب هو أقصد المذاهب و أصحها و إلیه یذهب أصحابنا المتأخرون من البغدادیین و به یقول.

و اعلم أن حال علی ع فی هذا المعنی أشهر من أن یحتاج فی الدلالة علیها إلی الإسهاب و الإطناب فقد رأیت انتقاض العرب علیه من أقطارها حین بویع بالخلافة بعد وفاة رسول اللّه ص بخمس و عشرین سنة و فی دون هذه المدة تنسی الأحقاد و تموت التراث و تبرد الأکباد الحامیة و تسلو القلوب الواجدة و یعدم قرن من الناس و یوجد قرن و لا یبقی من أرباب تلک الشحناء و البغضاء إلاّ الأقل فکانت حاله بعد هذه المدة الطویلة مع قریش کأنها حاله لو أفضت الخلافة إلیه یوم وفاة ابن عمه ص من إظهار ما فی النفوس و هیجان ما فی القلوب حتّی أن الأخلاف من قریش و الأحداث و الفتیان الذین لم یشهدوا وقائعه و فتکاته فی أسلافهم و آبائهم فعلوا به ما لو کانت الأسلاف أحیاء لقصرت عن فعله و تقاعست عن بلوغ شأوه فکیف کانت تکون حاله لو جلس علی منبر الخلافة و سیفه بعد یقطر دما من مهج العرب لا سیما قریش الذین بهم کان ینبغی لو دهمه خطب أن یعتضد و علیهم کان یجب أن یعتمد إذن کانت تدرس أعلام الملّة و تنعفی رسوم الشریعة و تعود الجاهلیة الجهلاء علی حالها و یفسد ما أصلحه رسول اللّه ص فی ثلاث و عشرین سنة فی شهر واحد فکان من عنایة اللّه تعالی بهذا الدین أن ألهم الصحابة ما فعلوه وَ اللّٰهُ مُتِمُّ نُورِهِ ... وَ لَوْ کَرِهَ اَلْمُشْرِکُونَ

ص :114

علی و عبد اللّه بن علی و صالح بن علی و سلیمان بن علی و عیسی بن علی و إسماعیل بن علی و عبد الصمد بن علی خدموا ابن أخیهم و هو عبد اللّه السفاح بن محمّد بن علی و بایعوه و تابعوه و کانوا أمراء جیوشه و أنصاره و أعوانه أ لست تری حمزة و العبّاس اتبعا ابن أخیهما صلوات اللّه علیه و أطاعاه و رضیا بریاسته و صدقا دعوته أ لست تعلم أن أبا طالب کان رئیس بنی هاشم و شیخهم و المطاع فیهم و کان محمد رسول اللّه ص یتیمه و مکفوله و جاریا مجری أحد أولاده عنده ثمّ خضع له و اعترف بصدقه و دان لأمره حتّی مدحه بالشعر کما یمدح الأدنی الأعلی فقال فیه و أبیض یستسقی الغمام بوجهه و إن سرا اختص به محمد ص حتی أقام أبا طالب و حاله معه حاله مقام المادح له لسر عظیم و خاصیة شریفة و إن فی هذا لمعتبر عبرة أن یکون هذا الإنسان الفقیر الذی لا أنصار له و لا أعوان معه و لا یستطیع الدفاع عن نفسه فضلا عن أن یقهر غیره تعمل دعوته و أقواله فی الأنفس ما تعمله الخمر فی الأبدان المعتدلة المزاج حتّی تطیعه أعمامه و یعظمه مربیه و کافله و من هو إلی آخر عمره القیم بنفقته و غذاء بدنه و کسوة جسده حتّی یمدحه بالشعر کما یمدح الشعراء الملوک و الرؤساء و هذا فی باب المعجزات عند المنصف أعظم من انشقاق القمر و انقلاب العصا و من إنباء القوم بما یأکلون و ما یدخرون فی بیوتهم.

ثمّ قال رحمه اللّه کیف قلت أظن أن جعفرا کان یبایعه و یتابعه و لا أظن فی حمزة ذلک إن کنت قلت ذلک لأنّه أخوه فإنّه أعلی منه سنا هو أکبر من علی بعشر

ص :116

سنین و قد کانت له خصائص و مناقب کثیرة

2637

14,1- وَ قَالَ فِیهِ اَلنَّبِیُّ ص قَوْلاً شَرِیفاً اتَّفَقَ عَلَیْهِ الْمُحَدِّثُونَ قَالَ لَهُ لَمَّا افْتَخَرَ هُوَ وَ عَلِیٌّ وَ زَیْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَ تَحَاکَمُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص أَشْبَهْتَ خَلْقِی وَ خُلُقِی فَخَجِلَ فَرَحاً ثُمَّ قَالَ لِزَیْدٍ أَنْتَ مَوْلاَنَا وَ صَاحِبُنَا فَخَجِلَ أَیْضاً ثُمَّ قَالَ لِعَلِیٍّ أَنْتَ أَخِی وَ خَالِصَتِی قَالُوا فَلَمْ یَخْجَلْ .

قالوا کان ترادف التعظیم له و تکرره علیه لم یجعل عنده للقول ذلک الموضع و کان غیره إذا عظم عظم نادرا فیحسن موقعه عنده و اختلف الناس فی أی المدحتین أعظم.

فقلت له قد وقفت لأبی حیان التوحیدی فی کتاب البصائر علی فصل عجیب یمازج ما نحن فیه قال فی الجزء الخامس من هذا الکتاب سمعت قاضی القضاة أبا سعد بشر بن الحسین و ما رأیت رجلا أقوی منه فی الجدل فی مناظرة جرت بینه و بین أبی عبد اللّه الطبریّ و قد جری حدیث جعفر بن أبی طالب و حدیث إسلامه و التفاضل بینه و بین أخیه علی فقال القاضی أبو سعد إذا أنعم النظر علم أن إسلام جعفر کان بعد بلوغ و إسلام البالغ لا یکون إلاّ بعد استبصار و تبین و معرفة بقبح ما یخرج منه و حسن ما یدخل فیه و أن إسلام علی مختلف فی حاله و ذلک أنّه قد ظنّ أنّه کان عن تلقین لا تبیین إلی حین بلوغه و أوان تعقبه و نظره و قد علم أیضا أنهما قتلا و أن قتلة جعفر شهادة بالإجمال[بالإجماع]

و قتلة علی فیها أشدّ الاختلاف ثمّ خص اللّه جعفرا بأن قبضه إلی الجنة قبل ظهور التباین و اضطراب الحبل و کثرة الهرج و علی أنّه لو انعقد الإجماع و تظاهر جمیع الناس علی أن القتلتین شهادة لکانت الحال فی الذی رفع إلیها جعفر أغلظ و أعظم و ذلک أنّه قتل مقبلا غیر مدبر و أما علی فإنه اغتیل اغتیالا و قصد من حیث لا یعلم و شتان ما بین من فوجئ بالموت و بین من عاین مخایل الموت

ص :117

و تلقاه بالنحر و الصدر و عجل إلی اللّه بالإیمان و الصدق أ لا تعلم أن جعفرا قطعت یمناه فأمسک اللواء بیسراه و قطعت یسراه فضم اللواء إلی حشاه ثمّ قاتله ظاهر الشرک بالله و قاتل علی ممن صلی إلی القبلة و شهد الشهادة و أقدم علیه بتأویل و قاتل جعفر کافر بالنص الذی لا خلاف فیه أ ما تعلم أن جعفرا ذو الجناحین و ذو الهجرتین إلی الحبشة و المدینة .

قال النقیب رحمه اللّه اعلم فداک شیخک أن أبا حیان رجل ملحد زندیق یحب التلاعب بالدین و یخرج ما فی نفسه فیعزوه إلی قوم لم یقولوه و أقسم بالله إن القاضی أبا سعد لم یقل من هذا الکلام لفظة واحدة و لکنها من موضوعات أبی حیان و أکاذیبه و ترهاته کما یسند إلی القاضی أبی حامد المروروذی کل منکر و یروی عنه کل فاقرة.

ثمّ قال یا أبا حیان مقصودک أن تجعلها مسألة خلاف تثیر بها فتنة بین الطالبیین لتجعل بأسهم بینهم و کیف تقلبت الأحوال فالفخر لهم لم یخرج عنهم.

ثمّ ضحک رحمه اللّه حتّی استلقی و مد رجلیه و قال هذا کلام یستغنی عن الإطالة فی إبطاله بإجماع المسلمین فإنه لا خلاف بین المسلمین فی أن علیا أفضل من جعفر و إنّما سرق أبو حیان هذا المعنی الذی أشار إلیه من رسالة المنصور أبی جعفر إلی محمّد بن عبد اللّه النفس الزکیة قال له و کانت بنو أمیّة یلعنون أباک فی أدبار الصلوات المکتوبات کما تلعن الکفرة فعنفناهم و کفرناهم و بینا فضله و أشدنا بذکره فاتخذت ذلک علینا حجة و ظننت أنّه لما ذکرناه من فضله أنا قدمناه علی حمزة و العبّاس و جعفر أولئک مضوا سالمین مسلمین منهم و ابتلی أبوک بالدماء.

فقلت له رحمه اللّه و إذا لا إجماع فی المسألة لأن المنصور لم یقل بتفضیله علیهم

ص :118

و أنت ادعیت الإجماع فقال إن الإجماع قد سبق هذا القائل و کل قول قد سبقه الإجماع لا یعتد به.

فلما خرجت من عند النقیب أبی جعفر بحثت فی ذلک الیوم فی هذا الموضوع مع أحمد بن جعفر الواسطی رحمه اللّه و کان ذا فضل و عقل و کان إمامی المذهب فقال لی صدق النقیب فیما قال أ لست تعلم أن أصحابکم المعتزلة علی قولین أحدهما أن أکثر المسلمین ثوابا أبو بکر و الآخر أن أکثرهم ثوابا علی و أصحابنا یقولون إن أکثر المسلمین ثوابا علی و کذلک الزیدیة و أما الأشعریة و الکرامیة و أهل الحدیث فیقولون أکثر المسلمین ثوابا أبو بکر فقد خلص من مجموع هذه الأقوال أن ثواب حمزة و جعفر دون ثواب علی ع أما علی قول الإمامیّة و الزیدیة و البغدادیین کافة و کثیر من البصریین من المعتزلة فالأمر ظاهر و أمّا الباقون فعندهم أن أکثر المسلمین ثوابا أبو بکر ثم عمر ثم عثمان ثم علی و لم یذهب ذاهب إلی أن ثواب حمزة و جعفر أکثر من ثواب علی من جمیع الفرق فقد ثبت الإجماع الذی ذکره النقیب إذا فسرنا الأفضلیة بالأکثریة ثوابا و هو التفسیر الذی یقع الحجاج و الجدال فی إثباته لأحد الرجلین و أمّا إذا فسرنا الأفضلیة بزیادة المناقب و الخصائص و کثرة النصوص الدالة علی التعظیم فمعلوم أن أحدا من الناس لا یقارب علیا ع فی ذلک لا جعفر و لا حمزة و لا غیرهما.

ثمّ وقع بیدی بعد ذلک کتاب لشیخنا أبی جعفر الإسکافی ذکر فیه أن مذهب بشر بن المعتمر و أبی موسی و جعفر بن مبشر و سائر قدماء البغدادیین أن أفضل المسلمین علیّ بن أبی طالب ثم ابنه الحسن ثم ابنه الحسین ثم حمزة بن عبد المطلب ثم جعفر بن أبی طالب ثم أبو بکر بن أبی قحافة ثم عمر بن الخطّاب ثم عثمان بن عفان

ص :119

قال و المراد بالأفضل أکرمهم عند اللّه أکثرهم ثوابا و أرفعهم فی دار الجزاء منزلة.

ثمّ وقفت بعد ذلک علی کتاب لشیخنا أبی عبد اللّه البصری یذکر فیه هذه المقالة و ینسبها إلی البغدادیین و قال إن الشیخ أبا القاسم البلخیّ کان یقول بها و قبله الشیخ أبو الحسین الخیاط و هو شیخ المتأخرین من البغدادیین قالوا کلهم بها فأجبنی هذا المذهب و سررت بأن ذهب الکثیر من شیوخنا إلیه و نظمته فی الأرجوزة التی شرحت فیها عقیدة المعتزلة فقلت و خیر خلق اللّه بعد المصطفی

ص :120

وَ أَزْدُ عُمَانَ سَلَتَ اللَّهُ أَقْدَامَهَا (1) وَ إِنَّ قَیْساً لَنْ تَنْفَکَّ تَبْغِی دِینَ اللَّهِ شَرّاً حَتَّی یَرْکَبَهَا اللَّهُ بِالْمَلاَئِکَةِ فَلاَ یَمْنَعُوا ذَنَبَ تَلْعَةٍ (2) .

قلت هذا الحدیث من أعلام نبوة سیدنا محمد ص لأنّه إخبار عن غیب تلقاه حذیفة عن النبیّ ص و حذیفة أجمع أهل السیرة علی أنّه مات فی الأیّام التی قتل عثمان فیها أتاه نعیه و هو مریض فمات و علی ع لم یتکامل بیعة الناس و لم یدرک الجمل .

و هذا الحدیث یؤکد مذهب أصحابنا فی فسق أصحاب الجمل إلا من ثبتت توبته منهم و هم الثلاثة

ص :122

الْفَتَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مُنْذُ الْیَوْمِ قَالَ إِنَّهُ قَامَ عَنِّی وَ عَنْهُ نِسْوَةٌ لَمْ یَقُمْنَ عَنْکَ

.

و عبد الرحمن هذا هو الذی احتملت العُقاب کفه یوم الجمل و فیها خاتمه فألقتها بالیمامة فعرفت بخاتمه و علم أهل الیمامة بالوقعة .

و رأیت فی شرح نهج البلاغة للقطب الراوندیّ فی هذا الفصل عجائب و طرائف فأحببت أن أوردها هاهنا منها أنّه قال فی تفسیر قوله ع أدرکت وتری (1) من بنی عبد مناف قال یعنی طلحة و الزبیر کانا من بنی عبد مناف و هذا غلط قبیح لأن طلحة من تیم بن مرة و الزبیر من أسد بن عبد العزی بن قصی و لیس أحد منهما من بنی عبد مناف و ولد عبد مناف أربعة هاشم و عبد شمس و نوفل و عبد المطلب فکل من لم یکن من ولد هؤلاء الأربعة فلیس من ولد عبد مناف .

و منها أنّه قال إن مروان بن الحکم من بنی جمح و لقد کان هذا الفقیه رحمه اللّه بعیدا عن معرفة الأنساب مروان من بنی أمیّة بن عبد شمس و بنو جمح من بنی هصیص بن کعب بن لؤی بن غالب و اسم جمح تیم بن عمرو بن هصیص و أخوه سهم بن عمرو بن هصیص رهط عمرو بن العاص فأین هؤلاء و أین مروان بن الحکم .

و منها أنّه قال و أفلتتنی أغیار بنی جمح بالغین المعجمة قال هو جمع غیر الذی بمعنی سوی و هذا لم یرو و لا مثله ممّا یتکلم به أمیر المؤمنین لرکته و بعده عن طریقته فإنّه یکون قد عدل عن أن یقول و لم یفلتنی إلاّ بنو جمح إلی مثل هذه العبارة الرکیکة المتعسفة

ص :124

یوم تبدی لنا قتیله عن جید

تلیع تزینه الأطواق (1)

و وقص الرجل إذا اندقت عنقه فهو موقوص و وقصت عنق الرجل أقصها وقصا أی کسرتها و لا یجوز وقصت العنق نفسها.

و الضمیر فی قوله ع لقد أتلعوا یرجع إلی قریش أی راموا الخلافة فقتلوا دونها.

فإن قلت أ تقول إن طلحة و الزبیر لم یکونا من أهل الخلافة إن قلت ذلک ترکت مذهب أصحابک و إن لم تقله خالفت قول أمیر المؤمنین لم یکونوا أهله.

قلت هما أهل للخلافة ما لم یطلبها أمیر المؤمنین فإذا طلبها لم یکونا أهلا لها لا هما و لا غیرهما و لو لا طاعته لمن تقدم و ما ظهر من رضاه به لم نحکم بصحة خلافته

ص :126

2641

وَ قَالَ عُثْمَانُ الْمَغْرِبِیُّ الصُّوفِیُّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ یُفْتَحُ عَلَیْهِ شَیْءٌ مِنْ هَذِهِ الطَّرِیقَةِ أَوْ یُکْشَفُ لَهُ عَنْ سِرٍّ مِنْ أَسْرَارِهَا مِنْ غَیْرِ لُزُومِ الْمُجَاهَدَةِ فَهُوَ غَالِطٌ.

2642

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ مَنْ لَمْ یَکُنْ فِی بِدَایَتِهِ قُوَمَةً لَمْ یَکُنْ فِی نِهَایَتِهِ جُلَسَةً.

2643

وَ مِنْ کَلاَمِهِمْ الْحَرَکَةُ بَرَکَةٌ حَرَکَاتُ الظَّوَاهِرِ تُوجِبُ بَرَکَاتِ السَّرَائِرِ.

2644

وَ مِنْ کَلاَمِهِمْ مَنْ زَیَّنَ ظَاهِرَهُ بِالْمُجَاهَدَةِ حَسَّنَ اللَّهُ سَرَائِرَهُ بِالْمُشَاهَدَةِ.

2645

وَ قَالَ اَلْحَسَنُ الْفَرَازِینِیُّ هَذَا الْأَمْرُ عَلَی ثَلاَثَةِ أَشْیَاءَ أَلاَّ تَأْکُلَ إِلاَّ عِنْدَ الْفَاقَةِ وَ لاَ تَنَامَ إِلاَّ عِنْدَ الْغَلَبَةِ وَ لاَ تَتَکَلَّمَ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.

2646

وَ قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ أَدْهَمَ لَنْ یَنَالَ الرَّجُلُ دَرَجَةَ الصَّالِحِینَ حَتَّی یُغْلِقَ عَنْ نَفْسِهِ بَابَ النِّعْمَةِ وَ یَفْتَحَ عَلَیْهَا بَابَ الشِّدَّةِ.

2647

وَ مِنْ کَلاَمِهِمْ مَنْ کَرُمَتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ هَانَ عَلَیْهِ دِینُهُ.

2648

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الرُّوذْبَارِیُّ إِذَا قَالَ الصُّوفِیُّ بَعْدَ خَمْسَةِ أَیَّامٍ أَنَا جَائِعٌ فَأَلْزِمُوهُ السُّوقَ وَ مُرُوهُ بِالْکَسْبِ.

2649

وَ قَالَ حَبِیبُ بْنُ أَوْسٍ أَبُو تَمَامٍ وَ هُوَ یَقْصِدُ غَیْرَ مَا نَحْنُ فِیهِ وَ لَکِنَّهُ یَصْلُحُ أَنْ یُسْتَعْمَلَ فِیمَا نَحْنُ فِیهِ

خُذِی عَبَرَاتِ عَیْنِکَ عَنْ زَمَاعِی

ص :128

فَلَیْسَتْ فَرْحَةُ الْأَوْبَاتِ إِلاَّ

وَ قَالَ أَیْضاً فَاطْلُبْ هُدُوءاً بِالتَّقَلْقُلِ وَ اسْتَثِرْ و

2650

14,15- جَاءَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّ فَاطِمَةَ جَاءَتْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص بِکِسْرَةِ خُبْزٍ فَقَالَ مَا هَذِهِ قَالَتْ قُرْصٌ خَبَزْتُهُ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِی حَتَّی أَتَیْتُکَ مِنْهُ بِهَذِهِ الْکِسْرَةِ فَأَکَلَهَا وَ قَالَ أَمَا إِنَّهَا لَأَوَّلُ طَعَامٍ دَخَلَ فَمَ أَبِیکَ مُنْذُ ثَلاَثٍ .

2651

وَ کَانَ یُقَالُ یَنَابِیعُ الْحِکْمَةِ مِنَ الْجُوعِ وَ کَسْرُ عَادِیَةِ النَّفْسِ بِالْمُجَاهَدَةِ.

ص :129

2652

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ لَوْ أَنَّ الْجُوعَ یُبَاعُ فِی السُّوقِ لَمَّا کَانَ یَنْبَغِی لِطُلاَّبِ الْآخِرَةِ إِذَا دَخَلُوا السُّوقَ أَنْ یَشْتَرُوا غَیْرَهُ.

2653

وَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الدُّنْیَا جَعَلَ فِی الشِّبَعِ الْمَعْصِیَةَ وَ الْجَهْلَ وَ جَعَلَ فِی الْجُوعِ الطَّاعَةَ وَ الْحِکْمَةَ.

2654

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ الْجُوعُ لِلْمُرِیدِینَ رِیَاضَةٌ وَ لِلتَائِبِینَ تَجْرِبَةٌ وَ لِلزُّهَّادِ سِیَاسَةٌ وَ لِلْعَارِفِینَ تَکْرِمَةٌ.

2655

وَ قَالَ أَبُو سَلْمَانَ الدَّارَانِیُّ مِفْتَاحُ الدُّنْیَا الشِّبَعُ وَ مِفْتَاحُ الْآخِرَةِ الْجُوعُ.

2656

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ أَدَبُ الْجُوعِ أَلاَّ یَنْقُصَ مِنْ عَادَتِکَ إِلاَّ مِثْلُ أُذُنِ السِّنَّوْرِ هَکَذَا عَلَی التَّدْرِیجِ حَتَّی تَصِلَ إِلَی مَا تُرِیدُ.

2657

وَ یُقَالُ إِنَّ أَبَا تُرَابٍ النَّخْشَبِیَّ خَرَجَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ إِلَی مَکَّةَ فَوَصَلَ إِلَیْهَا عَلَی أَکْلَتَیْنِ أَکْلَةٍ بِالنِّبَاجِ وَ أَکْلَةٍ بِذَاتِ عِرْقٍ .

2658

قَالُوا وَ کَانَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِیُّ إِذَا جَاعَ قَوِیَ وَ إِذَا أَکَلَ ضَعُفَ.

وَ کَانَ مِنْهُمْ مَنْ یَأْکُلُ کُلَّ أَرْبَعِینَ یَوْماً أَکْلَةً وَاحِدَةً وَ مِنْهُمْ مَنْ یَأْکُلُ کُلَّ ثَمَانِینَ یَوْماً أَکْلَةً وَاحِدَةً.

2659

قَالُوا وَ اشْتَهَی أَبُو الْخَیْرِ الْعَسْقَلاَنِیُّ السَّمَکَ سِنِینَ کَثِیرَةً ثُمَّ تَهَیَّأَ لَهُ أَکْلُهُ مِنْ وَجْهٍ حَلاَلٍ فَلَمَّا مَدَّ یَدَهُ لِیَأْکُلَ أَصَابَتْ إِصْبَعَهُ شَوْکَةٌ مِنْ شَوْکِ السَّمَکِ فَقَامَ وَ تَرَکَ الْأَکْلَ وَ قَالَ یَا رَبِّ هَذَا لِمَنْ مَدَّ یَدَهُ بِشَهْوَةٍ إِلَی الْحَلاَلِ فَکَیْفَ بِمَنْ مَدَّ یَدَهُ بِشَهْوَةٍ إِلَی الْحَرَامِ.

و فی الکتاب العزیز وَ أَمّٰا مَنْ خٰافَ مَقٰامَ رَبِّهِ وَ نَهَی النَّفْسَ عَنِ الْهَویٰ فَإِنَّ اَلْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْویٰ (1) فالجملة الأولی هی التقوی و الثانیة هی المجاهدة.

ص :130

و

2660

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَی أُمَّتِی اتِّبَاعُ الْهَوَی وَ طُولُ الْأَمَلِ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَی فَیَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَ أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَیُنْسِی الْآخِرَةَ.

2661

وَ سُئِلَ بَعْضُ اَلصُّوفِیَّةِ عَنِ الْمُجَاهَدَةِ فَقَالَ ذَبْحُ النَّفْسِ بِسُیُوفِ الْمُخَالَفَةِ.

وَ قَالَ مَنْ نَجَمَتْ طَوَارِقُ نَفْسِهِ أَفَلَتْ شَوَارِقُ أُنْسِهِ.

2662

وَ قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ شَیْبَانَ مَا بِتُّ تَحْتَ سَقْفٍ وَ لاَ فِی مَوْضِعٍ عَلَیْهِ غَلَقٌ (1) أَرْبَعِینَ سَنَةً وَ کُنْتُ أَشْتَهِی فِی أَوْقَاتٍ أَنْ أَتَنَاوَلَ شُبْعَةَ (2) عَدَسٍ فَلَمْ یَتَّفِقْ ثُمَّ حُمِلَتْ إِلَیَّ وَ أَنَا بِالشَّامِ غَضَارَةٌ (3) فِیهَا عَدَسِیَّةٌ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا وَ خَرَجْتُ فَرَأَیْتُ قَوَارِیرَ مُعَلَّقَةً فِیهَا شِبْهُ أُنْمُوذَجَاتٍ فَظَنَنْتُهَا خَلاًّ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَ تَنْظُرُ إِلَی هَذِهِ وَ تَظُنُّهَا خَلاًّ وَ إِنَّمَا هِیَ خَمْرٌ وَ هِیَ أُنْمُوذَجَاتُ هَذِهِ الدِّنَانُ لِدِنَانٍ هُنَاکَ فَقُلْتُ قَدْ لَزِمَنِی فَرْضُ الْإِنْکَارِ فَدَخَلْتُ حَانُوتَ ذَلِکَ الْخَمَّارِ لِأَکْسِرَ الدِّنَانَ وَ الْجِرَارَ فَحُمِلْتُ إِلَی اِبْنِ طُولُونَ فَأَمَرَ بِضَرْبِی مِائَتَیْ خَشَبَةٍ وَ طَرْحِی (4) فِی السِّجْنِ فَبَقِیتُ مُدَّةً حَتَّی دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوبَانِیُّ الْمَغْرِبِیُّ أُسْتَاذُ ذَلِکَ الْبَلَدِ فَعَلِمَ أَنِّی مَحْبُوسٌ فَشَفَعَ فِیَّ فَأُخْرِجْتُ إِلَیْهِ فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَیَّ قَالَ أَیَّ شَیْءٍ فَعَلْتَ فَقُلْتُ شُبْعَةَ عَدَسٍ وَ مِائَتَیْ خَشَبَةٍ فَقَالَ لَقَدْ نَجَوْتَ مَجَّاناً.

2663

وَ قَالَ إِبْرَاهِیمُ الْخَوَّاصُّ کُنْتُ فِی جَبَلٍ فَرَأَیْتُ رُمَّاناً فَاشْتَهَیْتُهُ فَدَنَوْتُ فَأَخَذْتُ مِنْهُ وَاحِدَةً فَشَقَقْتُهَا فَوَجَدْتُهَا حَامِضَةً فَمَضَیْتُ وَ تَرَکْتُ الرُّمَّانَ فَرَأَیْتُ رَجُلاً مَطْرُوحاً قَدِ اجْتَمَعَ عَلَیْهِ الزَّنَابِیرُ فَسَلَّمْتُ عَلَیْهِ فَرَدَّ عَلَیَّ بِاسْمِی فَقُلْتُ کَیْفَ عَرَفْتَنِی قَالَ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ لَمْ یَخْفَ عَلَیْهِ شَیْءٌ فَقُلْتُ لَهُ أَرَی لَکَ حَالاً مَعَ اللَّهِ فَلَوْ سَأَلْتَهُ أَنْ یَحْمِیَکَ وَ یَقِیَکَ مِنْ أَذَی هَذِهِ الزَّنَابِیرِ فَقَالَ وَ أَرَی لَکَ حَالاً مَعَ اللَّهِ فَلَوْ سَأَلْتَهُ أَنْ یَقِیَکَ مِنْ شَهْوَةِ الرُّمَّانِ فَإِنَّ لَذْعَ الرُّمَّانِ یَجِدُ الْإِنْسَانُ أَلَمَهُ فِی الْآخِرَةِ وَ لَذْعَ الزَّنَابِیرِ

ص :131

یَجِدُ الْإِنْسَانُ أَلَمَهُ فِی الدُّنْیَا فَتَرَکْتُهُ وَ مَضَیْتُ عَلَی وَجْهِی.

2664

وَ قَالَ یُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ لاَ یَمْحُو الشَّهَوَاتِ مِنَ الْقَلْبِ إِلاَّ خَوْفٌ مُزْعِجٌ أَوْ شَوْقٌ مُقْلِقٌ.

2665

وَ قَالَ اَلْخَوَّاصُّ مَنْ تَرَکَ شَهْوَةً فَلَمْ یَجِدْ عِوَضَهَا فِی قَلْبِهِ فَهُوَ کَاذِبٌ فِی تَرْکِهَا.

2666

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الرِّبَاطِیُّ صَحِبْتُ عَبْدَ اللَّهِ الْمَرْوَزِیَّ وَ کَانَ یَدْخُلُ الْبَادِیَةَ قَبْلَ أَنْ أَصْحَبَهُ بِلاَ زَادٍ فَلَمَّا صَحِبْتُهُ قَالَ لِی أَیُّمَا أَحَبُّ إِلَیْکَ تَکُونُ أَنْتَ الْأَمِیرَ أَمْ أَنَا قُلْتُ بَلْ أَنْتَ فَقَالَ وَ عَلَیْکَ الطَّاعَةُ قُلْتُ نَعَمْ فَأَخَذَ مِخْلاَةً وَ وَضَعَ فِیهَا زَاداً وَ حَمَلَهَا عَلَی ظَهْرِهِ فَکُنْتُ إِذَا قُلْتُ لَهُ أَعْطِنِی حَتَّی أَحْمِلَهَا قَالَ الْأَمِیرُ أَنَا وَ عَلَیْکَ الطَّاعَةُ قَالَ فَأَخَذَنَا الْمَطَرُ لَیْلَةً فَوَقَفَ إِلَی الصَّبَاحِ عَلَی رَأْسِی وَ عَلَیْهِ کِسَاءٌ یَمْنَعُ عَنِّی الْمَطَرَ فَکُنْتُ أَقُولُ فِی نَفْسِی یَا لَیْتَنِی مِتُّ وَ لَمْ أَقُلْ لَهُ أَنْتَ الْأَمِیرُ ثُمَّ قَالَ لِی إِذَا صَحِبْتَ إِنْسَاناً فَاصْحَبْهُ کَمَا رَأَیْتَنِی صَحِبْتُکَ.

2667

أَبُو الطَّیِّبِ الْمُتَنَبِّی

ذَرِینِی أَنَلْ مَا لاَ یُنَالُ مِنَ الْعُلاَ

وَ لَهُ أَیْضاً وَ إِذَا کَانَتِ النُّفُوسُ کِبَاراً تَعِبَتْ فِی مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ (1) .

2668

وَ مِنْ أَمْثَالِ الْعَامَّةِ مَنْ لَمْ یَغْلِ دِمَاغُهُ فِی الصَّیْفِ لَمْ تَغْلِ قِدْرُهُ فِی الشِّتَاءِ.

مَنْ لَمْ یَرْکَبِ الْأَخْطَارَ لَمْ یَنَلِ الْأَوْطَارَ.

ص :132

إِدْرَاکُ السُّؤْلِ وَ بُلُوغُ الْمَأْمُولِ بِالصَّبْرِ عَلَی الْجُوعِ وَ فَقْدِ الْهُجُوعِ وَ سَیَلاَنِ الدُّمُوعِ. و اعلم أن تقلیل المأکول لا ریب فی أنّه نافع للنفس و الأخلاق و التجربة قد دلت علیه لأنا نری المکثر من الأکل یغلبه النوم و الکسل و بلادة الحواس و تتبخر المأکولات الکثیرة أبخرة کثیرة فتتصاعد إلی الدماغ فتفسد القوی النفسانیة و أیضا فإن کثرة المأکل تزیل الرقة و تورث القساوة و السبعیة و القیاس أیضا یقتضی ذلک و لأن کثرة المزاولات سبب لحصول الملکات فالنفس إذا توفرت علی تدبیر الغذاء و تصریفه کان ذلک شغلا شاغلا لها و عائقا عظیما عن انصبابها إلی الجهة الروحانیة العالیة و لکن ینبغی أن یکون تقلیل الغذاء إلی حدّ یوجب جوعا قلیلا فإن الجوع المفرط یورث ضعف الأعضاء الرئیسة و اضطرابها و اختلال قواها و ذلک یقتضی تشویش النفس و اضطراب الفکر و اختلال العقل و لذلک تعرض الأخلاط السوداویة لمن أفرط علیه الجوع فإذن لا بدّ من إصلاح أمر الغذاء بأن یکون قلیل الکمیة کثیر الکیفیة فتؤثر قلة کمیته فی أنّه لا یشغل النفس بتدبیر الهضم عن التوجه إلی الجهة العالیة الروحانیة و تؤثر کثرة کیفیته فی تدارک الخلل الحاصل له من قلة الکمیة و یجب أن یکون الغذاء شدید الإمداد للأعضاء الرئیسة لأنّها هی المهمة من أعضاء البدن و ما دامت باقیة علی کمال حالها لا یظهر کثیر خلل من ضعف غیرها من الأعضاء

ص :133

و نحتاج قبل الخوض فی ذلک إلی تقدیم أمرین أحدهما أن النفحات الإلهیة دائمة مستمرة و أنّه کل من توصل إلیها وصل قال سبحانه و تعالی وَ الَّذِینَ جٰاهَدُوا فِینٰا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنٰا (1) و

2669

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص إِنَّ لِرَبِّکُمْ فِی أَیَّامِ عَصْرِکُمْ نَفَحَاتٍ أَلاَ فَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِهِ.

و ثانیهما أن النفوس البشریة فی الأکثر مختلفة بالنوع فقد تکون بعض النفوس مستعدة غایة الاستعداد لهذا المطلب و ربما لم تکن البتة مستعدة له و بین هذین الطرفین أوساط مختلفة بالضعف و القوّة.

و إذا تقرر ذلک فاعلم أن القسمین الأولین لما اختلفا فیما ذکرناه لا جرم اختلفا فی الکسب و المکتسب.

أما الکسب فإن صاحب العلم الأولی به فی الأکثر العزلة و الانقطاع عن الخلق لأنّه قد حصلت له الهدایة و الرشاد فلا حاجة له إلی مخالطة أحد یستعین به علی حصول ما هو حاصل و أمّا صاحب الفطرة الأصلیة من غیر علم فإنّه لا یلیق به العزلة لأنّه یحتاج إلی المعلم و المرشد فإنّه لیس یکفی الفطرة الأصلیة فی الوصول إلی المعالم الإلهیة و الحقائق الربانیة و لا بدّ من موقف و مرشد فی مبدإ الحال هذا هو القول فی الکسب بالنظر إلیها.

و أمّا المکتسب فإن صاحب العلم إذا اشتغل بالریاضة کانت مشاهداته و مکاشفاته أکثر کمیة و أقل کیفیة ممّا لصاحب الفطرة المجردة أما کثرة الکمیة فلأن قوته النظریة تعینه علی ذلک و أمّا قلة الکیفیة فلأن القوّة النفسانیة تتوزع علی تلک الکثرة و کلما کانت الکثرة أکثر کان توزع القوّة إلی أقسام أکثر و کان کل واحد منها

ص :135

أضعف ممّا لو کانت الأقسام أقل عددا و إذا عرفت ذلک عرفت أن الأمر فی جانب صاحب الفطرة الأصلیة بالعکس من ذلک و هو أن مشاهداته و مکاشفاته تکون أقل کمیة و أکثر کیفیة.

و أمّا الاستعداد الثالث و هو النفس التی قد جمعت الفطرة الأصلیة و العلوم الإلهیة النظریة بالنظر فهی النفس الشریفة الجلیلة الکاملة.

و هذه الأقسام الثلاثة مشترکة فی أن ریاضتها القلبیة یجب أن تکون زائدة فی الکم و الکیف علی ریاضتها البدنیة لأن الغرض الأصلی هو ریاضة القلب و طهارة النفس و إنّما شرعت الریاضات البدنیة و العبادات الجسمانیة لتکون طریقا إلی تلک الریاضة الباطنة فإذا حصلت کان الاشتغال بالریاضة البدنیة عبثا لأن الوسیلة بعد حصول المتوسل إلیه فضلة مستغنی عنها بل ربما کانت عائقة عن المقصود نعم لا بدّ من المحافظة علی الفرائض خاصّة لئلا تعتاد النفس الکسل و ربما أفضی ذلک إلی خلل فی الریاضة النفسانیة و لهذا حکی عن کثیر من کبراء القوم قلة الاشتغال بنوافل العبادات.

و أمّا القسم الرابع و هو النفس التی خلت عن الوصفین معا فهذه النفس یجب ألا تکون ریاضتها فی مبدإ الحال إلاّ بتهذیب الأخلاق بما هو مذکور فی کتب الحکمة الخلقیة فإذا لانت و مرنت و استعدت للنفحات الإلهیة حصل لها ذوق ما فأوجب ذلک الذوق شوقا فأقبلت بکلیتها علی مطلوبها

ص :136

إذا بلغت به الإرادة و الریاضة حدا ما عنت له خلسات من اطلاع نور الحق إلیه لذیذة کأنها بروق تومض إلیه ثمّ تخمد عنه و هی التی تسمی عندهم أوقاتا و کل وقت یکتنفه وجد إلیه و وجد علیه ثمّ إنّه لتکثر علیه هذه الغواشی إذا أمعن فی الارتیاض ثمّ إنّه لیتوغل فی ذلک حتّی یغشاه فی غیر الارتیاض فکلما لمح شیئا عاج منه إلی جانب القدس فتذکر من أمره أمرا فغشیه غاش فیکاد یری الحق فی کل شیء و لعله إلی هذا الحدّ تستولی علیه غواشیه و یزول هو عن سکینته و یتنبه جلیسه لاستنفاره عن قراره فإذا طالت علیه الریاضة لم تستنفره غاشیة و هدی للتأنس بما هو فیه ثمّ إنّه لتبلغ به الریاضة مبلغا ینقلب له وقته سکینة فیصیر المخطوب مألوفا و الومیض شهابا بینا و یحصل له معارف مستقرة کأنها صحبة مستمرة و یستمتع فیها ببهجته فإذا انقلب عنها انقلب حیران آسفا.

فهذه ألفاظ الحکیم أبی علیّ بن سینا فی الإشارات و هی کما نراها مصرح فیها بذکر البروق اللامعة للعارف.

و قال القشیری فی الرسالة لما ذکر الحال و الأمور الواردة علی العارفین قال هی بروق تلمع ثمّ تخمد و أنوار تبدو ثمّ تخفی ما أحلاها لو بقیت مع صاحبها ثمّ تمثل بقول البحتری (1) خطرت فی النوم منها خطرة

فهو کما تراه یذکر البروق اللامعة حسبما ذکره الحکیم و کلاهما یتبع ألفاظ أمیر المؤمنین ع لأنّه حکیم الحکماء و عارف العارفین و معلم الصوفیة و لو لا أخلاقه

ص :138

و کلامه و تعلیمه للناس هذا الفن تارة بقوله و تارة بفعله لما اهتدی أحد من هذه الطائفة و لا علم کیف یورد و لا کیف یصدر.

و قال القشیری أیضا فی الرسالة المحاضرة قبل المکاشفة فإذا حصلت المکاشفة فبعدها المشاهدة.

و قال و هی أرفع الدرجات قال فالمحاضرة حضور القلب و قد تکون بتواتر البرهان و الإنسان بعد وراء الستر و إن کان حاضرا باستیلاء سلطان الذکر.

و أمّا المکاشفة فهی حضور البین غیر مفتقر إلی تأمل الدلیل و تطلب السبیل ثمّ المشاهدة و هی وجود الحق من غیر بقاء تهمة.

و أحسن ما ذکر فی المشاهد قول الجنید هی وجود الحق مع فقدانک.

و قال عمرو بن عثمان المکی المشاهدة أن تتوالی أنوار التجلی علی القلب من غیر أن یتخللها ستر و لا انقطاع کما لو قدر اتصال البروق فی اللیلة المظلمة فکما أنّها تصیر من ذلک بضوء النهار فکذلک القلب إذا دام له التجلی مع النهار فلا لیل.

و أنشدوا شعرا لیلی بوجهک مشرق

و قال الثوری لا تصح للعبد المشاهدة و قد بقی له عرق قائم.

و قالوا إذا طلع الصباح استغنی عن المصباح.

و أنشدوا أیضا فلما استنار الصبح طوح ضوءه بأنواره أنوار ضوء الکواکب

ص :139

فجرعهم کأسا لو ابتلیت لظی

بتجریعه طارت کأسرع ذاهب.

کأس و أی کأس تصطلمهم عنهم و تفنیهم و تخطفهم منهم و لا تبقیهم کأس لاٰ تُبْقِی وَ لاٰ تَذَرُ تمحو بالکلیة و لا تبقی شظیة من آثار البشریة کما قال قائلهم ساروا فلم یبق لا عین و لا أثر (1) .

و قال القشیری أیضا هی ثلاث مراتب اللوائح ثمّ اللوامع ثمّ الطوالع فاللوائح کالبروق ما ظهرت حتّی استترت کما قال القائل فافترقنا حولا فلما التقینا کان تسلیمه علی وداعا.

و أنشدوا یا ذا الذی زار و ما زارا

ثمّ اللوامع و هی أظهر من اللوائح و لیس زوالها بتلک السرعة فقد تبقی وقتین و ثلاثة و لکن کما قیل العین باکیة لم تشبع النظرا أو کما قالوا و بلائی من مشهد و مغیب

فأصحاب هذا المقام بین روح و فوح لأنّهم بین کشف و ستر یلمع ثمّ یقطع لا یستقر لهم نور النهار حتّی تکر علیه عساکر اللیل فهم کما قیل و اللیل یشملنا بفاضل برده و الصبح یلحفنا رداء مذهبا.

ثمّ الطوالع و هی أبقی وقتا و أقوی سلطانا و أدوم مکثا و أذهب للظلمة و أنفی للمهمة (2) .

ص :140

أ فلا تری کلام القوم کله مشحون بالبروق و اللمعان.

و کان ممّا نقم حامد بن العبّاس وزیر المقتدر و علی بن عیسی الجراح وزیره أیضا علی الحلاج أنهما وجدا فی کتبه لفظ النور الشعشعانی و ذلک لجهالتهما مراد القوم و اصطلاحهم و من جهل أمرا عاداه .

ثمّ قال ع و تدافعته الأبواب إلی باب السلامة و دار الإقامة أی لم یزل ینتقل من مقام من مقامات القوم إلی مقام فوقه حتّی وصل و تلک المقامات معروفة عند أهلها و من له أنس بها و سنذکرها فیما بعد.

ثمّ قال و ثبتت رجلاه بطمأنینة بدنه فی قرار الأمن و الراحة بما استعمل قلبه و أرضی ربّه أی کانت الراحة الکلیة و السعادة الأبدیة مستثمره من ذلک التعب الذی تحمله لما استعمل قلبه و راض جوارحه و نفسه حتّی وصل کما قیل عند الصباح یحمد القوم السری و تنجلی عنا غیابات الکری (1) .

و قال الشاعر تقول سلیمی لو أقمت بأرضنا و لم تدر أنی للمقام أطوف.

و قال آخر ما ابیض وجه المرء فی طلب العلا حتی یسود وجهه فی البید.

و قال فاطلب هدوءا بالتقلقل و استثر

ص :141

کلوا فی بعض بطنکم و عفوا

فإن زمانکم زمن خمیص.

و قال أعشی باهلة طاوی المصیر علی العزاء منصلت بالقوم لیلة لا ماء و لا شجر (1) .

و قال الشنفری و أطوی علی الخمص الحوایا کما انطوت خیوطة ماری تغار و تفتل (2) ثمّ أتی ع بثلاثة أمثال مخترعة له لم یسبق بها و إن کان قد سبق بمعناها و هی قوله لا تجتمع عزیمة و ولیمة و قوله ما أنقض النوم لعزائم الیوم و قوله و أمحی الظلم لتذاکیر الهمم .

فمما جاء للمحدثین من ذلک ما کتبه بعض الکتاب إلی ولده خدمة السلطان والکاسات

و مثله قول آخر لولده ما للمطیع هواه

و قال آخر و لیس فتی الفتیان من راح و اغتدی

ص :143

و هذا کثیر جدا یناسب قوله لا تجتمع عزیمة و ولیمة و مثل قوله ما أنقض النوم لعزائم الیوم قول الشاعر فتی لا ینام علی عزمه و من صمم العزم لم یرقد و قوله و أمحی الظلم لتذاکیر الهمم أی الظلم التی ینام فیها لا کل الظلم أ لا تری أنّه إذا لم ینم فی الظلمة بل کان عنده من شدة العزم و قوة التصمیم ما لا ینام معه فإن الظلمة لا تمحو تذاکیر هممه و التذاکیر جمع تذکار.

و المثلان الأولان أحسن من الثالث و کان الثالث من تتمة الثانی و قد قالت العرب فی الجاهلیة هذا المعنی و جاء فی القرآن العزیز أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ وَ لَمّٰا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسٰاءُ وَ الضَّرّٰاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّٰی یَقُولَ اَلرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتیٰ نَصْرُ اللّٰهِ أَلاٰ إِنَّ نَصْرَ اللّٰهِ قَرِیبٌ (1) .

و هذا مثل قوله لا تجتمع عزیمة و ولیمة أی لا یجتمع لکم دخول الجنة و الدعة و القعود عن مشقة الحرب

ص :144

و زورا ما أغفله

إشارة إلی القوم الذین افتخروا جعلهم بتذکر الأموات السالفین کالزائرین لقبورهم و الزور اسم للواحد و الجمع کالخصم و الضیف قال ما أغفلهم عما یراد منهم لأنّهم ترکوا العبادة و الطاعة و صرموا الأوقات بالمفاخرة بالموتی.

ثمّ قال و خطرا ما أفظعه إشارة إلی الموت أی ما أشده فظع الشیء بالضم فهو فظیع أی شدید شنیع مجاوز للمقدار.

قوله لقد استخلوا منهم أی مدکر قال الراوندیّ أی وجدوا موضع التذکر خالیا من الفائدة و هذا غیر صحیح و کیف یقول ذلک و قد قال و خطرا ما أفظعه و هل یکون أمر أعظم تذکیرا من الاعتبار بالموتی و الصحیح أنّه أراد باستخلوا ذکر من خلا من آبائهم أی من مضی یقال هذا الأمر من الأمور الخالیة و هذا القرن من القرون الخالیة أی الماضیة.

و استخلی فلان فی حدیثه أی حدث عن أمور خالیة و المعنی أنّه استعظم ما یوجبه حدیثهم عما خلا و عمن خلا من أسلافهم و آثار أسلافهم من التذکیر فقال أی مدکر (1) و واعظ فی ذلک و روی أی مذکر بمعنی المصدر کالمعتقد بمعنی الاعتقاد و المعتبر بمعنی الاعتبار.

و تناوشوهم مِنْ مَکٰانٍ بَعِیدٍ

أی تناولوهم و المراد ذکروهم و تحدثوا عنهم فکأنهم تناولوهم و هذه اللفظة من ألفاظ القرآن العزیز وَ قٰالُوا آمَنّٰا بِهِ وَ أَنّٰی لَهُمُ التَّنٰاوُشُ مِنْ مَکٰانٍ بَعِیدٍ (2) و أنی لهم تناول الإیمان حینئذ بعد فوات الأمر

ص :146

یَرْتَجِعُونَ (1) مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وَ حَرَکَاتٍ سَکَنَتْ وَ لَأَنْ یَکُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ یَکُونُوا مُفْتَخَراً وَ لَأَنْ یَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَی مِنْ أَنْ یَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَیْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ فِی غَمْرَةِ جَهَالَةٍ وَ لَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْکَ الدِّیَارِ الْخَاوِیَةِ وَ الرُّبُوعِ الْخَالِیَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِی الْأَرْضِ ضُلاَّلاً وَ ذَهَبْتُمْ فِی أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً تَطَئُونَ فِی هَامِهِمْ وَ تَسْتَنْبِتُونَ فِی أَجْسَادِهِمْ وَ تَرْتَعُونَ فِیمَا لَفَظُوا وَ تَسْکُنُونَ فِیمَا خَرَّبُوا وَ إِنَّمَا الْأَیَّامُ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ بَوَاکٍ وَ نَوَائِحُ عَلَیْکُمْ أُولَئِکُمْ سَلَفُ غَایَتِکُمْ وَ فُرَّاطُ مَنَاهِلِکُمْ الَّذِینَ کَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وَ حَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوکاً وَ سُوَقاً .

یرتجعون منهم أجسادا

أی یذکرون آباءهم فکأنهم ردوهم إلی الدنیا و ارتجعوهم من القبور و خوت خلت .

قال و هؤلاء الموتی أحق بأن یکونوا عبرة و عظة من أن یکونوا فخرا و شرفا و المفتخرون بهم أولی بالهبوط إلی جانب الذلة منهم بالقیام مقام العز.

و تقول هذا أحجی من فلان أی أولی و أجدر و الجناب الفناء.

ص :147

ثم قال لقد نظروا إلیهم بأبصار العشوة أی لم ینظروا النظر المفضی إلی الرؤیة لأن أبصارهم ذات عشوة و هو مرض فی العین ینقص به الأبصار و فی عین فلان عشاء و عشوة بمعنی و منه قیل لکل أمر ملتبس یرکبه الراکب علی غیر بیان أمر عشوة و منه أوطأتنی عشوة و یجوز بالضم و الفتح.

قال و ضربوا بهم فی غمرة جهالة أی و ضربوا من ذکر هؤلاء الموتی فی بحر جهل و الضرب هاهنا استعارة أو یکون من الضرب بمعنی السیر کقوله تعالی وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ (1) أی خاضوا و سبحوا من ذکرهم فی غمرة جهالة و کل هذا یرجع إلی معنی واحد و هو تسفیه رأی المفتخرین بالموتی و القاطعین الوقت بالتکاثر بهم إعراضا عما یجب إنفاقه من العمر فی الطاعة و العبادة .

ثمّ قال لو سألوا عنهم دیارهم التی خلت منهم و یمکن أن یرید بالدیار و الربوع القبور لقالت ذهبوا فی الأرض ضلالا أی هالکین و منه قوله تعالی وَ قٰالُوا أَ إِذٰا ضَلَلْنٰا فِی الْأَرْضِ أَ إِنّٰا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ (2) .

و ذهبتم فی أعقابهم

أی بعدهم جهالا لغفلتکم و غرورکم .

قوله ع تطئون فی هامهم أخذ هذا المعنی أبو العلاء المعری فقال خفف الوطء ما أظن أدیم

ص :148

و دفین علی بقایا دفین

قوله و تستنبتون فی أجسادهم أی تزرعون النبات فی أجسادهم و ذلک لأن أدیم الأرض الظاهر إذا کان من أبدان الموتی فالزرع لا محالة یکون نابتا فی الأجزاء الترابیة التی هی أبدان الحیوانات و روی و تستثبتون بالثاء أی و تنصبون الأشیاء الثابتة کالعمد و الأساطین للأوطان فی أجساد الموتی.

ثمّ قال و ترتعون فیما لفظوا لفظت الشیء بالفتح رمیته من فمی ألفظه بالکسر و یجوز أن یرید بذلک أنکم تأکلون ما خلفوه و ترکوه و یجوز أن یرید أنکم تأکلون الفواکه التی تنبت فی أجزاء ترابیة خالطها الصدید الجاری من أفواههم ثمّ قال و تسکنون فیما خربوا أی تسکنون فی المساکن التی لم یعمروها بالذکر و العبادة فکأنهم أخربوها فی المعنی ثمّ سکنتم أنتم فیها بعدهم و یجوز أن یرید أن کل دار عامرة قد کانت من قبل خربة و إنّما أخربها قوم بادوا و ماتوا فإذن لا ساکن منا فی عمارة إلاّ و یصدق علیه أنّه ساکن فیما قد کان خرابا من قبل و الذین أخربوه الآن موتی و یجوز أن یرید بقوله و تسکنون فیما خربوا و تسکنون فی دور فارقوها و أخلوها فأطلق علی الخلو و الفراغ لفظ الخراب مجازا.

قوله و إنّما الأیّام بینکم و بینهم بواک و نوائح علیکم یرید أن الأیّام و اللیالی تشیع رائحا إلی المقابر و تبکی و تنوح علی الباقین الذین سیلتحقون به عن قریب.

ص :149

قوله أولئکم سلف غایتکم السلف المتقدمون و الغایة الحدّ الذی ینتهی إلیه إمّا حسیا أو معنویا و المراد هاهنا الموت.

و الفرط القوم یسبقون الحیّ إلی المنهل.

و مقاوم العز دعائمه جمع مقوم و أصلها الخشبة التی یمسکها الحراث و حلبات الفخر جمع حلبة و هی الخیل تجمع للسباق.

و السوق بفتح الواو جمع سوقة و هو من دون الملک سَلَکُوا فِی بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِیلاً سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَیْهِمْ فِیهِ فَأَکَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَ شَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِی فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ یَنْمُونَ وَ ضِمَاراً لاَ یُوجَدُونَ لاَ یُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الْأَهْوَالِ وَ لاَ یَحْزُنُهُمْ تَنَکُّرُ الْأَحْوَالِ وَ لاَ یَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَ لاَ یَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُیَّباً لاَ یُنْتَظَرُونَ وَ شُهُوداً لاَ یَحْضُرُونَ وَ إِنَّمَا کَانُوا جَمِیعاً فَتَشَتَّتُوا وَ [أُلاَّفاً]

آلاَفاً فَافْتَرَقُوا وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَ لاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِیَتْ أَخْبَارُهُمْ وَ صَمَّتْ دِیَارُهُمْ وَ لَکِنَّهُمْ سُقُوا کَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وَ بِالسَّمْعِ صَمَماً وَ بِالْحَرَکَاتِ سُکُوناً فَکَأَنَّهُمْ فِی ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَی سُبَاتٍ جِیرَانٌ لاَ یَتَأَنَّسُونَ وَ أَحِبَّاءُ لاَ یَتَزَاوَرُونَ بَلِیَتْ (1) بَیْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ فَکُلُّهُمْ وَحِیدٌ وَ هُمْ جَمِیعٌ وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلاَّءُ لاَ یَتَعَارَفُونَ لِلَیْلٍ صَبَاحاً وَ لاَ لِنَهَارٍ مَسَاءً أَیُّ الْجَدِیدَیْنِ ظَعَنُوا فِیهِ کَانَ

ص :150

عَلَیْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا وَ رَأَوْا مِنْ آیَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا [فَکِلاَ]

فَکِلْتَا الْغَایَتَیْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَی مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ فَلَوْ کَانُوا یَنْطِقُونَ بِهَا لَعَیُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَایَنُوا وَ لَئِنْ عَمِیَتْ آثَارُهُمْ وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِیهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ وَ تَکَلَّمُوا مِنْ غَیْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ فَقَالُوا کَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ وَ خَوَتِ الْأَجْسَامُ النَّوَاعِمُ وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَی وَ تَکَاءَدَنَا ضِیقُ الْمَضْجَعِ وَ تَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ وَ [تَهَدَّمَتْ]

تَهَکَّمَتْ عَلَیْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وَ تَنَکَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا وَ طَالَتْ فِی مَسَاکِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ کَرْبٍ فَرَجاً وَ لاَ مِنْ ضِیقٍ مُتَّسَعاً فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِکَ أَوْ کُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَکَ وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَکَّتْ وَ اکْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَابِ فَخَسَفَتْ وَ تَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَةُ فِی أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلاَقَتِهَا وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِی صُدُورِهِمْ بَعْدَ یَقَظَتِهَا وَ عَاثَ فِی کُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِیدُ بِلًی سَمَّجَهَا وَ سَهَّلَ طُرُقَ الآْفَةِ إِلَیْهَا مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلاَ أَیْدٍ تَدْفَعُ وَ لاَ قُلُوبٌ تَجْزَعُ لَرَأَیْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وَ أَقْذَاءَ عُیُونٍ لَهُمْ فِی کُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لاَ تَنْتَقِلُ وَ غَمْرَةٌ لاَ تَنْجَلِی فَکَمْ أَکَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِیزِ جَسَدٍ وَ أَنِیقِ لَوْنٍ کَانَ فِی الدُّنْیَا غَذِیَّ تَرَفٍ وَ رَبِیبَ شَرَفٍ یَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِی سَاعَةِ حُزْنِهِ وَ یَفْزَعُ إِلَی السَّلْوَةِ إِنْ مُصِیبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَیْشِهِ وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ فَبَیْنَا هُوَ یَضْحَکُ إِلَی الدُّنْیَا وَ تَضْحَکُ إِلَیْهِ فِی ظِلِّ عَیْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَکَهُ وَ نَقَضَتِ الْأَیَّامُ قُوَاهُ وَ نَظَرَتْ إِلَیْهِ الْحُتُوفُ مِنْ کَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌّ لاَ یَعْرِفُهُ وَ نَجِیُّ هَمٍّ

ص :151

مَا کَانَ یَجِدُهُ وَ تَوَلَّدَتْ فِیهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا کَانَ بِصِحَّتِهِ فَفَزِعَ إِلَی مَا کَانَ عَوَّدَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْکِینِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ وَ تَحْرِیکِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ فَلَمْ یُطْفِئُ بِبَارِدٍ إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَةً وَ لاَ حَرَّکَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَیَّجَ بُرُودَةً وَ لاَ اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْکَ الطَّبَائِعِ إِلاَّ أَمَدَّ مِنْهَا کُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّی فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَ تَعَایَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلِینَ عَنْهُ وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِیَّ خَبَرٍ یَکْتُمُونَهُ فَقَائِلٌ یَقُولُ هُوَ لِمَا بِهِ وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِیَابَ عَافِیَتِهِ وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَی فَقْدِهِ یُذَکِّرُهُمْ أُسَی الْمَاضِینَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَیْنَا هُوَ کَذَلِکَ عَلَی جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا وَ تَرْکِ الْأَحِبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَیَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَ یَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ فَکَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَیَّ عَنْ رَدِّهِ وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ مِنْ کَبِیرٍ کَانَ یُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِیرٍ کَانَ یَرْحَمُهُ وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِیَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَی عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْیَا.

هذا موضع المثل ملعا (1) یا ظلیم و إلاّ فالتخویة من أراد أن یعظ و یخوف و یقرع صفاة القلب و یعرف الناس قدر الدنیا و تصرفها بأهلها فلیأت بمثل هذه الموعظة فی مثل هذا الکلام الفصیح و إلاّ فلیمسک فإن السکوت أستر و العی خیر من منطق یفضح صاحبه و من تأمل هذا الفصل علم صدق معاویة فی قوله فیه و اللّه ما سن

ص :152

الفصاحة لقریش غیره و ینبغی لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة فی مجلس و تلی علیهم أن یسجدوا له کما سجد الشعراء لقول عدی بن الرقاع قلم أصاب من الدواة مدادها (1) .

فلما قیل لهم فی ذلک قالوا إنا نعرف مواضع السجود فی الشعر کما تعرفون مواضع السجود فی القرآن .

و إنّی لأطیل التعجب من رجل یخطب فی الحرب بکلام یدلّ علی أن طبعه مناسب لطباع الأسود و النمور و أمثالهما من السباع الضاریة ثمّ یخطب فی ذلک الموقف بعینه إذا أراد الموعظة بکلام یدلّ علی أن طبعه مشاکل لطباع الرهبان لابسی المسوح الذین لم یأکلوا لحما و لم یریقوا دما فتارة یکون فی صورة بسطام بن قیس الشیبانی و عتیبة بن الحارث الیربوعی و عامر بن الطفیل العامری و تارة یکون فی صورة سقراط الحبر الیونانی و یوحنا المعمدان الإسرائیلی و المسیح بن مریم الإلهی.

و أقسم بمن تقسم الأمم کلها به لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسین سنة و إلی الآن أکثر من ألف مرة ما قرأتها قط إلاّ و أحدثت عندی روعة و خوفا و عظة و أثرت فی قلبی وجیبا و فی أعضائی رعدة و لا تأملتها إلاّ و ذکرت الموتی من أهلی و أقاربی و أرباب ودی و خیلت فی نفسی أنی أنا ذلک الشخص الذی وصف ع حاله و کم قد قال الواعظون و الخطباء و الفصحاء فی هذا المعنی و کم وقفت علی ما قالوه و تکرر وقوفی علیه فلم أجد لشیء منه مثل تأثیر هذا الکلام فی نفسی فإما أن یکون ذلک لعقیدتی فی قائله أو کانت نیة القائل صالحة و یقینه کان ثابتا و إخلاصه کان محضا

ص :153

خالصا فکان تأثیر قوله فی النفوس أعظم و سریان موعظته فی القلوب أبلغ ثمّ نعود إلی تفسیر الفصل فالبرزخ الحاجز بین الشیئین و البرزخ ما بین الدنیا و الآخرة من وقت الموت إلی البعث فیجوز أن یکون البرزخ فی هذا الموضع القبر لأنّه حاجز بین المیت و بین أهل الدنیا کالحائط المبنی بین اثنین فإنّه برزخ بینهما و یجوز أن یرید به الوقت الذی بین حال الموت إلی حال النشور و الأول أقرب إلی مراده ع لأنّه قال فی بطون البرزخ و لفظة البطون تدلّ علی التفسیر الأول و لفظتا أکلت الأرض من لحومهم و شربت من دمائهم مستعارتان .

و الفجوات جمع فجوة و هی الفرجة المتسعة بین الشیئین قال سبحانه وَ هُمْ فِی فَجْوَةٍ مِنْهُ (1) و قد تفاجی الشیء إذا صارت له فجوة.

و جمادا لا ینمون أی خرجوا عن صورة الحیوانیة إلی صورة الجماد الذی لا ینمی و لا یزید و یروی لا ینمون بتشدید المیم من النمیمة و هی الهمس و الحرکة و منه قولهم أسکت اللّه نامته فی قول من شدد و لم یهمز.

و ضمارا

یقال لکل ما لا یرجی من الدین و الوعد و کل ما لا تکون منه علی ثقة ضمار .

ثمّ ذکر أن الأهوال الحادثة فی الدنیا لا تفزعهم و أن تنکر الأحوال بهم و بأهل الدنیا لا یحزنهم و یروی تحزنهم علی أن الماضی رباعی.

و مثله قوله لا یحفلون بالرواجف أی لا یکترثون بالزلازل.

ص :154

قوله و لا یأذنون للقواصف أی لا یسمعون الأصوات الشدیدة أذنت لکذا أی سمعته.

و جمع الغائب غیب و غیب و کلاهما مرویّ هاهنا و أراد أنهم شهود فی الصورة و غیر حاضرین فی المعنی.

و ألاف علی فعال جمع آلف کالطراق جمع طارق و السمار جمع سامر و الکفّار جمع کافر .

ثمّ ذکر أنّه لم تعم أخبارهم أی لم تستبهم أخبارهم و تنقطع عن بعد عهد بهم و لا عن بعد منزل لهم و إنّما سقوا کأس المنون التی أخرستهم بعد النطق و أصمتهم بعد السمع و أسکنتهم بعد الحرکة.

و قوله و بالسمع صمما أی لم یسمعوا فیها نداء المنادی و لا نوح النائح أو لم یسمع فی قبورهم صوت منهم.

قوله فکأنهم فی ارتجال الصفة أی إذا وصفهم الواصف مرتجلا غیر مترو فی الصفة و لا متهیئ للقول.

قال کأنهم صرعی سبات و هو نوم لأنّه لا فرق فی الصورة بین المیت حال موته و النائم المسبوت .

ثمّ وصفهم بأنهم جیران إلا أنهم لا مؤانسة بینهم کجیران الدنیا و أنهم أحباء إلاّ أنهم لا یتزاورون کالأحباب من أهل الدنیا.

و قوله أحباء جمع حبیب کخلیل و أخلاء و صدیق و أصدقاء.

ثمّ ذکر أن عرا التعارف قد بلیت منهم و انقطعت بینهم أسباب الإخاء و هذه کلها استعارات لطیفة مستحسنة .

ص :155

ثم وصفهم بصفة أخری فقال کل واحد منهم موصوف بالوحدة و هم مع ذلک مجتمعون بخلاف الأحیاء الذین إذا انضم بعضهم إلی بعض انتفی عنه وصف الوحدة.

ثمّ قال و بجانب الهجر و هم أخلاء أی و کل منهم فی جانب الهجر و هم مع ذلک أهل خلة و مودة أی کانوا کذلک و هذا کله من باب الصناعة المعنویة و المجاز الرشیق.

ثمّ قال إنهم لا یعرفون للنهار لیلا و لا للیل نهارا و ذلک لأن الواحد من البشر إذا مات نهارا لم یعرف لذلک النهار لیلا أبدا و إن مات لیلا لم یعرف لذلک اللیل صباحا أبدا و قال الشاعر لا بدّ من یوم بلا لیلة أو لیلة تأتی بلا یوم.

و لیس المراد بقوله أی الجدیدین ظعنوا فیه کان علیهم سرمدا أنهم و هم موتی یشعرون بالوقت الذی ماتوا فیه و لا یشعرون بما یتعقبه من الأوقات بل المراد أن صورة ذلک الوقت لو بقیت عندهم لبقیت أبدا من غیر أن یزیلها وقت آخر یطرأ علیها و یجوز أن یفسر علی مذهب من قال ببقاء الأنفس فیقال إن النفس التی تفارق لیلا تبقی الصورة اللیلیة و الظلمة حاصلة عندها أبدا لا تزول بطرآن نهار علیها لأنّها قد فارقت الحواس فلا سبیل لها إلی أن یرتسم فیها شیء من المحسوسات بعد المفارقة و إنّما حصل ما حصل من غیر زیادة علیه و کذلک الأنفس التی تفارق نهارا

أعزز علی بأن نزلت بمنزل

قوله بادون فی صور الجمیع مأخوذ من قول أمیر المؤمنین ع فکلهم وحید و هم جمیع .

و قال أیضا و لقد حفظت له فأین حفاظه

ص :157

مغف و لیس للذة إغفاؤه

و قال أبو العلاء أستغفر اللّه ما عندی لکم خبر

و قال أبو عارم الکلابی أ جازعة ردینة أن أتاها

2670

مَرَّ اَلْإِسْکَنْدَرُ بِمَدِینَةٍ قَدْ مَلَکَهَا سَبْعَةُ أَمْلاَکٍ مِنْ بَیْتٍ وَاحِدٍ وَ بَادُوا فَسَأَلَ هَلْ بَقِیَ مِنْ نَسْلِهِمْ أَحَدٌ قَالُوا بَقِیَ وَاحِدٌ وَ هُوَ یَلْزَمُ الْمَقَابِرَ فَدَعَا بِهِ فَسَأَلَهُ لِمَ تَلْزَمُ الْمَقَابِرَ قَالَ أَرَدْتُ أَنْ أُمَیِّزَ عِظَامَ الْمُلُوکِ مِنْ عِظَامِ عَبِیدِهِمْ فَوَجَدْتُهَا سَوَاءً قَالَ هَلْ لَکَ أَنْ تَلْزَمَنِی حَتَّی أُنِیلَکَ بُغْیَتَکَ قَالَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّکَ تَقْدِرُ عَلَی ذَلِکَ لَلَزِمْتُکَ قَالَ وَ مَا بُغْیَتُکَ

ص :158

قَالَ حَیَاةٌ لاَ مَوْتَ مَعَهَا قَالَ لَنْ أَقْدِرَ عَلَی ذَلِکَ قَالَ فَدَعْنِی أَطْلُبْهُ مِمَّنْ یَقْدِرُ عَلَیْهِ.

2671

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص مَا رَأَیْتُ مَنْظَراً إِلاَّ وَ الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ.

و

2672

قَالَ ص الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَمَنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَیْسَرُ وَ مَنْ لَمْ یَنْجُ فَمَا بَعْدَهُ شَرٌّ لَهُ.

2673

مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَقْبَرَةٍ فَصَلَّی فِیهَا رَکْعَتَیْنِ وَ قَالَ ذَکَرْتُ أَهْلَ الْقُبُورِ وَ أَنَّهُ حِیلَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ هَذَا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَقَرَّبَ بِهِمَا إِلَی اللَّهِ. فإن قلت ما معنی قوله ع و بجانب الهجر و أی فائدة فی لفظة جانب فی هذا الموضع.

قلت لأنّهم یقولون فلان فی جانب الهجر و فی جانب القطیعة و لا یقولون فی جانب الوصل و فی جانب المصافاة و ذلک أن لفظة جنب فی الأصل موضوعة للمباعدة و منه قولهم الجار الجنب و هو جارک من قوم غرباء یقال جنبت الرجل و أجنبته و تجنبته و تجانبته کله بمعنی و رجل أجنبی و أجنب و جنب و جانب کله بمعنی .

قوله ع شاهدوا من أخطار دارهم المعنی أنّه شاهد المتقون من آثار الرحمة و أماراتها و شاهد المجرمون من آثار النقمة و أماراتها عند الموت و الحصول فی القبر أعظم ممّا کانوا یسمعون و یظنون أیّام کونهم فی الدنیا.

ثمّ قال فکلا الغایتین مدت لهم المعنی مدت الغایتان غایة الشقی منهم و غایة السعید.

ص :159

إلی مباءة

أی إلی منزل یعظم حاله عن أن یبلغه خوف خائف أو رجاء راج و تلک المباءة هی النار أو الجنة و تقول قد استباء الرجل أی اتخذ مباءة و أبأت الإبل رددتها إلی مباءتها و هی معاطنها.

ثمّ قال فلو کانوا ینطقون بها لعیوا بتشدید الیاء قال الشاعر عیوا بأمرهم کما

و روی لعیوا بالتخفیف کما تقول حیوا قالوا ذهبت الیاء الثانیة لالتقاء الساکنین لأن الواو ساکنة و ضمت الیاء الأولی لأجل الواو قال الشاعر و کنا حسبناهم فوارس کهمس حیوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا .

قوله لقد رجعت فیهم یقال رجع البصر نفسه و رجع زید بصره یتعدی و لا یتعدی یقول تکلموا معنی لا صورة فأدرکت حالهم بالأبصار و الأسماع العقلیّة لا الحسیة و کلحت الوجوه کلوحا و کلاحا و هو تکشر فی عبوس.

و النواضر النواعم و النضرة الحسن و الرونق.

و خوت الأجساد النواعم

خلت من دمها و رطوبتها و حشوتها و یجوز أن یکون خوت أی سقطت قال تعالی فَهِیَ خٰاوِیَةٌ عَلیٰ عُرُوشِهٰا (1) و الأهدام جمع هدم و هو الثوب البالی قال أوس و ذات هدم عار نواشرها تصمت بالماء تولبا جذعا (2) .

ص :160

و تکاءدنا

شق علینا و منه عقبة کئود و یجوز تکأدنا جاءت هذه الکلمة فی أخوات لها تفعل و تفاعل بمعنی و مثله تعهد الضیعة و تعاهدها.

و یقال قوله و توارثنا الوحشة کأنّه لما مات الأب فاستوحش أهله منه ثمّ مات الابن فاستوحش منه أهله أیضا صار کان الابن ورث تلک الوحشة من أبیه کما تورث الأموال و هذا من باب الاستعارة .

قوله و تهدمت علینا الربوع یقال تهدم فلان علی فلان غضبا إذا اشتد غضبه و یجوز أن یکون تهدمت أی تساقطت و روی و تهکمت بالکاف و هو کقولک تهدمت بالتفسیرین جمیعا و یعنی بالربوع الصموت القبور و جعلها صموتا لأنّه لا نطق فیها کما تقول لیل قائم و نهار صائم أی یقام و یصام فیهما و هذا کله علی طریق الهز و التحریک و إخراج الکلام فی معرض غیر المعرض المعهود جعلهم لو کانوا ناطقین مخبرین عن أنفسهم لأتوا بما وصفه من أحوالهم

2674

وَ وَرَدَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّ عُمَرَ حَضَرَ جِنَازَةَ رَجُلٍ فَلَمَّا دُفِنَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قِفُوا ثُمَّ ضَرَبَ فَأَمْعَنَ فِی الْقُبُورِ وَ اسْتَبْطَأَهُ النَّاسُ جِدّاً ثُمَّ رَجَعَ وَ قَدِ احْمَرَّتْ عَیْنَاهُ وَ انْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فَقِیلَ أَبْطَأْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَمَا الَّذِی حَبَسَکَ قَالَ أَتَیْتُ قُبُورَ الْأَحِبَّةِ فَسَلَّمْتُ فَلَمْ یَرُدُّوا عَلَیَّ السَّلاَمَ فَلَمَّا ذَهَبْتُ أُقَفِّی نَادَانِی التُّرَابُ فَقَالَ أَ لاَ تَسْأَلُنِی یَا عُمَرُ مَا فَعَلْتُ بِالْیَدَیْنِ قُلْتُ مَا فَعَلْتَ بِهِمَا قَالَ قَطَعْتُ الْکَفَّیْنِ مِنَ الرُّسْغَیْنِ وَ قَطَعْتُ الرُّسْغَیْنِ مِنَ الذِّرَاعَیْنِ وَ قَطَعْتُ الذِّرَاعَیْنِ مِنَ الْمِرْفَقَیْنِ وَ قَطَعْتُ الْمِرْفَقَیْنِ مِنَ الْعَضُدَیْنِ وَ قَطَعْتُ الْعَضُدَیْنِ مِنَ الْمَنْکِبَیْنِ وَ قَطَعْتُ الْمَنْکِبَیْنِ مِنَ الْکَتِفَیْنِ فَلَمَّا ذَهَبْتُ أُقَفِّی نَادَانِی التُّرَابُ فَقَالَ أَ لاَ تَسْأَلُنِی یَا عُمَرُ مَا فَعَلْتُ بِالْأَبْدَانِ وَ الرِّجْلَیْنِ قُلْتُ مَا فَعَلْتَ قَالَ قَطَعْتُ الْکَتِفَیْنِ مِنَ الْجَنْبَیْنِ وَ قَطَعْتُ الْجَنْبَیْنِ مِنَ الصُّلْبِ وَ قَطَعْتُ الصُّلْبَ مِنَ الْوَرِکَیْنِ وَ قَطَعْتُ الْوَرِکَیْنِ مِنَ الْفَخِذَیْنِ وَ قَطَعْتُ الْفَخِذَیْنِ مِنَ الرُّکْبَتَیْنِ

ص :161

وَ قَطَعْتُ الرُّکْبَتَیْنِ مِنَ السَّاقِینَ وَ قَطَعْتُ السَّاقَیْنِ مِنَ الْقَدَمَیْنِ فَلَمَّا ذَهَبْتُ أُقَفِّی نَادَانِی التُّرَابُ فَقَالَ یَا عُمَرُ عَلَیْکَ بِأَکْفَانٍ لاَ تَبْلَی فَقُلْتُ وَ مَا أَکْفَانٌ لاَ تَبْلَی قَالَ تَقْوَی اللَّهِ وَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ. و هذا من الباب الذی نحن بصدده نسب الأقوال المذکورة إلی التراب و هو جماد و لم یکن ذلک و لکنه اعتبر فانقدحت فی نفسه هذه المواعظ الحکمیة فأفرغها فی قالب الحکایة و رتبها علی قانون المسألة و الإجابة و أضافها إلی جماد موات لأنّه أهز لسامعها إلی تدبرها و لو قال نظرت فاعتبرت فی حال الموتی فوجدت التراب قد قطع کذا من کذا لم تبلغ عظته المبلغ الذی بلغته حیث أودعها فی الصورة التی اخترعها .

قوله ع فلو مثلتهم بعقلک أو کشف عنهم محجوب الغطاء لک إلی آخر جواب لو هذا الکلام أخذه ابن نباتة بعینه فقال فلو کشفتم عنهم أغطیة الأجداث بعد لیلتین أو ثلاث لوجدتم الأحداق علی الخدود سائلة و الألوان من ضیق اللحود حائلة و هوام الأرض فی نواعم الأبدان جائلة و الرءوس الموسدة علی الأیمان زائلة ینکرها من کان لها عارفا و یفر عنها من لم یزل لها آنفا.

قوله ع ارتسخت أسماعهم لیس معناه ثبتت کما زعمه الراوندیّ لأنّها لم تثبت و إنّما ثبتت الهوام فیها بل الصحیح أنّه من رسخ الغدیر إذا نش ماؤه و نضب و یقال قد ارتسخت الأرض بالمطر إذا ابتلعته حتّی یلتقی الثریان.

و استکت أی ضاقت و انسدت قال النابغة و نبئت خیر الناس أنک لمتنی و تلک التی تستک منها المسامع (1) .

ص :162

قوله و اکتحلت أبصارهم بالتراب فخسفت أی غارت و ذهبت فی الرأس و أخذ المتنبی قوله و اکتحلت أبصارهم بالتراب فقال یدفن بعضنا بعضا و یمشی

و ذلاقة الألسن حدتها ذلق اللسان و السنان یذلق ذلقا أی ذرب فهو ذلق و أذلق.

و همدت

بالفتح سکنت و خمدت و عاث أفسد و قوله جدید بلی من فن البدیع لأن الجدة ضد البلی و قد أخذ الشاعر هذه اللفظة فقال یا دار غادرنی جدید بلاک رث الجدید فهل رثیث لذاک و سمجها قبح صورتها و قد سمج الشیء بالضم فهو سمج بالسکون ثمّ ضخم فهو ضخم و یجوز فهو سمج بالکسر مثل خشن فهو خشن.

قوله و سهل طرق الآفة إلیها و ذلک أنّه إذا استولی العنصر الترابی علی الأعضاء قوی استعدادها للاستحالة من صورتها الأولی إلی غیرها.

و مستسلمات أی منقادة طائعة غیر عاصیة فلیس لها أید تدفع عنها و لا لها قلوب تجزع و تحزن لما نزل بها .

و الأشجان جمع شجن و هو الحزن.

و الأقذاء جمع قذی و هو ما یسقط فی العین فیؤذیها.

ص :163

قوله صفة حال لا تنتقل أی لا تنتقل إلی حسن و صلاح و لیس یرید لا تنتقل مطلقا لأنّها تنتقل إلی فساد و اضمحلال .

و رجل عزیز أی حدث و عزیز الجسد أی طری و أنیق اللون معجب اللون و غذی ترف قذ غذی بالترف و هو التنعم المطغی.

و ربیب شرف

أی قد ربی فی الشرف و العز و یقال ربّ فلان ولده یربه ربا و رباه یربیه تربیة.

و یتعلل بالسرور یتلهی به عن غیره و یفزع إلی السلوة یلتجئ إلیها و ضنا أی بخلا و غضارة العیش نعیمه و لینه.

و شحاحة

أی بخلا شححت بالکسر أشح و شححت أیضا بالفتح أشح و أشح بالضم و الکسر شحا و شحاحة و رجل شحیح و شحاح بالفتح و قوم شحاح و أشحة .

و یضحک إلی الدنیا و تضحک إلیه کنایة عن الفرح بالعمر و العیشة و کذا کل واحد منهما یضحک إلی صاحبه لشدة الصفاء کأنّ الدنیا تحبه و هو یحبها.

و عیش غفول قد غفل عن صاحبه فهو مستغرق فی العیش لم ینتبه له الدهر فیکدر علیه وقته قال الشاعر و کان المرء فی غفلات عیش کأن الدهر عنها فی وثاق و قال الآخر ألا إن أحلی العیش ما سمحت به صروف اللیالی و الحوادث نوم.

قوله إذ وطئ الدهر به حسکه أی إذ أوطأه الدهر حسکة و الهاء فی حسکه ترجع إلی الدهر عدی الفعل بحرف الجر کما تقول قام زید بعمرو أی أقامه.

ص :164

و قواه جمع قوة و هی المرة من مرائر الحبل و هذا الکلام استعارة .

و من کثب من قرب و البث الحزن و البث أیضا الأمر الباطن الدخیل.

و نجی الهم

ما یناجیک و یسارک و الفترات أوائل المرض.

و آنس ما کان بصحته منصوب علی الحال و قال الراوندیّ فی الشرح هذا من باب أخطب ما یکون الأمیر قائما ثمّ ذکر أن العامل فی الحال فترات قال تقدیره فترات آنس ما کان و ما ذکره الراوندیّ فاسد فإنّه لیس هذا من باب أخطب ما یکون الأمیر قائما لأن ذلک حال سد مسد خبر المبتدإ و لیس هاهنا مبتدأ و أیضا فلیس العامل فی الحال فترات و لا فتر بل العامل تولدت و القار البارد.

فإن قلت لم قال تسکین الحار بالقار و تحریک البارد بالحار و لأی معنی جعل الأول التسکین و الثانی التحریک قلت لأن من شأن الحرارة التهییج و التثویر فاستعمل فی قهرها بالبارد لفظة التسکین و من شأن البرودة التخدیر و التجمید فاستعمل فی قهرها بالحار لفظة التحریک.

قوله و لا اعتدل بممازج لتلک الطبائع إلاّ أمد منها کل ذات داء أی و لا استعمل دواء مفردا معتدل المزاج أو مرکبا کذلک إلاّ و أمد کل طبیعة منها ذات مرض بمرض زائد علی الأول.

و ینبغی أن یکون قوله و لا اعتدل بممازج أی و لا رام الاعتدال لممتزج لأنّه لو حصل له الاعتدال لکان قد برئ من مرضه فسمی محاولة الاعتدال اعتدالا لأنّه بالاستدلال المعتدلات قد تهیأ للاعتدال فکان قد اعتدل بالقوة.

و ینبغی أیضا أن یکون قد حذف مفعول أمد و تقدیره بمرض کما قدرناه نحن و حذف المفعولات کثیر واسع .

ص :165

قوله حتی فتر معلله لأن معللی المرض فی أوائل المرض یکون عندهم نشاط لأنّهم یرجون البرء فإذا رأوا أمارات الهلاک فترت همتهم.

قوله و ذهل ممرضه ذهل بالفتح و هذا کالأول لأن الممرض إذا أعیا علیه المرض و انسدت علیه أبواب التدبیر یذهل.

قوله و تعایا أهله بصفة دائه أی تعاطوا العی و تساکتوا إذا سئلوا عنه و هذه عادة أهل المریض المثقل یجمجمون إذا سئلوا عن حاله.

قوله و تنازعوا دونه شجی خبر یکتمونه أی تخاصموا فی خبر ذی شجی أی خبر ذی غصة یتنازعونه و هم حول المریض سترا دونه و هو لا یعلم بنجواهم و بما یفیضون فیه من أمره .

فقائل منهم هو لمآبه أی قد أشفی علی الموت و آخر یمنیهم إیاب عافیته أی عودها آب فلان إلی أهله أی عاد.

و آخر یقول قد رأینا مثل هذا و من بلغ إلی أعظم من هذا ثمّ عوفی فیمنی أهله عود عافیته.

و آخر یصبر أهله علی فقده و یذکر فضیلة الصبر و ینهاهم عن الجزع و یروی لهم أخبار الماضین.

و أسی أهلیهم و الأسی جمع أسوة و هو ما یتأسی به الإنسان قالت الخنساء و ما یبکون مثل أخی و لکن أسلی النفس عنه بالتأسی (1) .

قوله علی جناح من فراق الدنیا أی سرعان ما یفارقها لأن من کان علی جناح طائر فأوشک به أن یسقط.

ص :166

قوله إذ عرض له عارض یعنی الموت و من غصصه جمع غصة و هو ما یعترض مجری الأنفاس و یقال إن کل میت من الحیوان لا یموت إلاّ خنقا و ذلک لأنّه من النفس یدخل فلا یخرج عوضه أو یخرج فلا یدخل عوضه و یلزم من ذلک الاختناق لأن الرئة لا تبقی حینئذ مروحة للقلب و إذا لم تروحه اختنق.

قوله فتحیرت نوافذ فطنته أی تلک الفطنة النافذة الثاقبة تحیرت عند الموت و تبلدت.

قوله و یبست رطوبة لسانه لأن الرطوبة اللعابیة التی بها یکون الذوق تنشف حینئذ و یبطل الإحساس باللسان تبعا لسقوط القوّة .

قوله فکم من مهم من جوابه عرفه فعی عن رده نحو أن یکون له مال مدفون یسأل عنه حال ما یکون محتضرا فیحاول أن یعرف أهله به فلا یستطیع و یعجز عن ردّ جوابهم و قد رأینا من عجز عن الکلام فأشار إشارة فهموا معناها و هی الدواة و الکاغذ فلما حضر ذلک أخذ القلم و کتب فی الکاغذ ما لم یفهم و یده ترعد ثمّ مات قوله و دعاء مؤلم لقلبه سمعه فتصام عنه أظهر الصمم لأنّه لا حیلة له.

ثمّ وصف ذلک الدعاء فقال من کبیر کان یعظمه نحو صراخ الوالد علی الولد و الولد یسمع و لا یستطیع الکلام و صغیر کان یرحمه نحو صراخ الولد علی الوالد و هو یسمع و لا قدرة له علی جوابه .

ثمّ ذکر غمرات الدنیا فقال إنها أفظع من أن تحیط الصفات بها و تستغرقها أی تأتی علی کنهها و تعبر عن حقائقها.

قوله أو تعتدل علی عقول أهل الدنیا هذا کلام لطیف فصیح غامض و معناه

ص :167

أن غمرات الموت و أهواله عظیمة جدا لا تستقیم علی العقول و لا تقبلها إذا شرحت لها و وصفت کما هی علی الحقیقة بل تنبو عنها و لا نصدق بما یقال فیها فعبر عن عدم استقامتها علی العقول بقوله أو یعتدل کأنّه جعلها کالشیء المعوج عند العقل فهو غیر مصدق به

و لا بدّ من یوم یجیء و لیلة

یسوقان حتفا راح نحوک أو غدا.

و

2675

14- جَاءَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص مَرَّ بِمَقْبَرَةٍ فَنَادَی یَا أَهْلَ الْقُبُورِ الْمُوحِشَةِ وَ الرُّبُوعِ الْمُعَطَّلَةِ أَ لاَ أُخْبِرُکُمْ بِمَا حَدَثَ بَعْدَکُمْ تَزَوَّجَ نِسَاؤُکُمْ وَ تُبُوِّئَتْ مَسَاکِنُکُمْ وَ قُسِمَتْ أَمْوَالُکُمْ هَلْ أَنْتُمْ مُخْبِرُونَ بِمَا عَایَنْتُمْ ثُمَّ قَالَ أَلاَ إِنَّهُمْ لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِی الْجَوَابِ لَقَالُوا وَجَدْنَا خَیْرَ الزّٰادِ التَّقْویٰ .

2676

وَ نَظَرَ اَلْحَسَنُ إِلَی رَجُلٍ یَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ إِنَّ أَمْراً هَذَا آخِرُهُ لَجَدِیرٌ أَنْ یُزْهَدَ فِی أَوَّلِهِ وَ إِنَّ أَمْراً هَذَا أَوَّلُهُ لَجَدِیرٌ أَنْ یُخَافَ آخِرُهُ.

و قال عبدة بن الطبیب و یعجبنی قوله علی الحال التی کان علیها فإنّه کان أسود لصا من لصوص بنی سعد بن زید مناة بن تمیم .

و لقد علمت بأن قصری حفرة

و نظیر هذه الأبیات فی رویها و عروضها قول متمم بن نویرة الیربوعی و لقد علمت و لا محالة أننی

ص :169

و لهن کان الحارثان کلاهما

2677

لَمَّا فَتَحَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ عَیْنَ التَّمْرِ سَالَ عَنِ اَلْحُرَقَةِ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَدُلَّ عَلَیْهَا فَأَتَاهَا وَ کَانَتْ عَمْیَاءَ فَسَأَلَهَا عَنْ حَالِهَا فَقَالَتْ لَقَدْ طَلَعَتْ عَلَیْنَا الشَّمْسُ مَا شَیْءٌ یَدِبُّ تَحْتَ اَلْخَوَرْنَقِ إِلاَّ تَحْتَ أَیْدِینَا ثُمَّ غَرَبَتْ وَ قَدْ رَحِمَنَا کُلُّ مَنْ یَدُورُ بِهِ وَ مَا بَیْتٌ دَخَلَتْهُ حَبْرَةٌ إِلاَّ دَخَلَتْهُ عَبْرَةٌ ثُمَّ قَالَتْ وَ بَیْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَ الْأَمْرُ أَمْرُنَا فَقَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ کَانَ حَوْلَ خَالِدٍ قَاتَلَ اللَّهَ عَدِیَّ بْنَ زَیْدٍ لَکَأَنَّهُ یَنْظُرُ إِلَیْهَا حِینَ یَقُولُ إِنَّ لِلدَّهْرِ صَرْعَةً فَاحْذَرَنْهَا

2678

دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ عَلَی عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ مَرْوَانَ یَوْمَ قَرٍّ وَ هُوَ عَلَی فُرُشٍ

ص :170

یَکَادُ یَغِیبُ فِیهَا فَقَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنِّی لَأَحْسَبُ الْیَوْمَ بَارِداً قَالَ أَجَلْ وَ إِنَّ اِبْنَ هِنْدٍ عَاشَ فِی مِثْلِ مَا تَرَی عِشْرِینَ أَمِیراً وَ عِشْرِینَ خَلِیفَةً ثُمَّ هُوَ ذَاکَ عَلَی قَبْرِهِ ثُمَامَةٌ تَهْتَزُّ.

فَیُقَالُ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِکِ أَرْسَلَ إِلَی قَبْرِ مُعَاوِیَةَ فَوَجَدَ عَلَیْهِ ثُمَامَةً نَابِتَةً.

2679

کَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فِی قَصْرِهِ بِبَغْدَادَ عَلَی دِجْلَةَ فَإِذَا بِحَشِیشٍ عَلَی وَجْهِ الْمَاءِ فِی وَسَطِهِ قَصَبَةٌ عَلَی رَأْسِهَا رُقْعَةٌ فَأَمَرَ بِهَا فَوَجَدَ هَذَا تَاهَ الْأُعَیْرِجُ وَ اسْتَوْلَی بِهِ الْبَطَرُ فَلَمْ یَنْتَفِعْ بِنَفْسِهِ أَیَّاماً.

عدی بن زید

أیها الشامت المعیر بالدهر

ص :171

و أخو الحضر إذ بناه و إذ دجلة

قد اتفق الناس علی أن هذه الأبیات أحسن ما قیل من القریض فی هذا المعنی و أن الشعراء کلهم أخذوا منها و احتذوا فی هذا المعنی حذوها.

و قال الرضی أبو الحسن رضی اللّه عنه انظر إلی هذا الأنام بعبرة

ص :172

لا تعجبن فما العجیب فناؤه

ص :173

من ناظر مطروفه ألحاظه

و قال أیضا و تفرق البعداء بعد تجمع

ص :174

متوسدین علی الخدود کأنّما

ص :175

اطَّلَعُوا غُیُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِی طُولِ الْإِقَامَةِ فِیهِ وَ حَقَّقَتِ اَلْقِیَامَةُ عَلَیْهِمْ عِدَاتِهَا فَکَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِکَ لِأَهْلِ الدُّنْیَا حَتَّی کَأَنَّهُمْ یَرَوْنَ مَا لاَ یَرَی النَّاسُ وَ یَسْمَعُونَ مَا لاَ یَسْمَعُونَ فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِکَ فِی مَقَاوِمِهِمُ الْمَحْمُودَةِ وَ مَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِینَ أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَی کُلِّ صَغِیرَةٍ وَ کَبِیرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فیهَا وَ حَمَّلُوا ثقَلَ أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ فَضَعُفُوا عَنِ الاِسْتِقْلاَلِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِیجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِیباً یَعِجُّونَ إِلَی رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اعْتِرَافٍ لَرَأَیْتَ أَعْلاَمَ هُدًی وَ مَصَابِیحَ دُجًی قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِکَةُ وَ تَنَزَّلَتْ عَلَیْهِمُ السَّکِینَةُ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْکَرَامَاتِ فِی مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ فِیهِ فَرَضِیَ سَعْیَهُمْ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ یَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَی فَضْلِهِ وَ أُسَارَی ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ جَرَحَ طُولُ الْأَسَی قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ الْبُکَاءِ عُیُونَهُمْ لِکُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَی اللَّهِ مِنْهُمْ یَدٌ قَارِعَةٌ یَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِیقُ لَدَیْهِ الْمَنَادِحُ وَ لاَ یَخِیبُ عَلَیْهِ الرَّاغِبُونَ فَحَاسِبْ نَفْسَکَ لِنَفْسِکَ فَإِنَّ غَیْرَهَا مِنَ الْأَنْفُسِ لَهَا حَسِیبٌ غَیْرُکَ.

من قرأ یسبح له فیها بفتح الباء (1) ارتفع رِجٰالٌ عنده بوجهین

ص :177

أحدهما أن یضمر له فعل یکون هو فاعله تقدیره یسبحه رجال و دل علی یسبحه یسبح کما قال الشاعر لیبک یزید ضارع لخصومة و مختبط ممّا تطیح الطوائح (1) أی یبکیه ضارع و دل علی یبکیه لیبک.

و الثانی أن یکون خبر مبتدإ محذوف تقدیره المسبحون رجال و من قرأ یُسَبِّحُ لَهُ فِیهٰا بکسر الباء ف رِجٰالٌ فاعل و أوقع لفظ التجارة فی مقابلة لفظ البیع إمّا لأنّه أراد بالتجارة هاهنا الشراء خاصّة أو لأنّه عمم بالتجارة المشتملة علی البیع و الشراء ثمّ خص البیع لأنّه أدخل فی باب الإلهاء لأن البیع یحصل ربحه بیقین و لیس کذلک الشراء و الذکر یکون تارة باللسان و تارة بالقلب فالذی باللسان نحو التسبیح و التکبیر و التهلیل و التحمید و الدعاء و الذی بالقلب فهو التعظیم و التبجیل و الاعتراف و الطاعة.

و جلوت السیف و القلب جلاء بالکسر و جلوت الیهود عن المدینة جلاء بالفتح.

و الوقرة الثقل فی الأذن و العشوة بالفتح فعله من العشا فی العین و آلاؤه نعمه.

فإن قلت أی معنی تحت قوله عزت آلاؤه و عزت بمعنی قلت و هل یجوز مثل ذلک فی تعظیم اللّه.

قلت عزت هاهنا لیس بمعنی قلت و لکن بمعنی کرمت و عظمت تقول منه عززت علی فلان بالفتح أی کرمت علیه و عظمت عنده و فلان عزیز علینا أی کریم معظم.

ص :178

و البرهة من الدهر المدة الطویلة و یجوز فتح الباء.

و أزمان الفترات ما یکون منها بین النوبتین.

و ناجاهم فی فکرهم ألهمهم بخلاف مناجاة الرسل ببعث الملائکة إلیهم و کذلک و کلمهم فی ذات عقولهم فاستصبحوا بنور یقظة صار ذلک النور مصباحا لهم یستضیئون به .

قوله من أخذ القصد حمدوا إلیهم طریقه إلی هاهنا هی التی فی قولهم أحمد اللّه إلیک أی منهیا ذلک إلیک أو مفضیا به إلیک و نحو ذلک و طریقة العرب فی الحذف فی مثل هذا معلومة قال سبحانه وَ لَوْ نَشٰاءُ لَجَعَلْنٰا مِنْکُمْ مَلاٰئِکَةً (1) أی لجعلنا بدلا منکم ملائکة و قال الشاعر فلیس لنا من ماء زمزم شربة مبردة بانت علی طهیان أی عوضا من ماء زمزم .

قوله و من أخذ یمینا و شمالا أی ضل عن الجادة.

و إلی فی قوله ذموا إلیه الطریق مثل إلی الأولی .

و یهتفون بالزواجر

یصوتون بها هتفت الحمامة تهتف هتفا و هتف زید بالغنم هتافا بالکسر و قوس هتافة و هتفی أی ذات صوت.

و القسط العدل و یأتمرون به یمتثلون الأمر .

و قوله فکأنّما قطعوا الدنیا إلی الآخرة إلی قوله و یسمعون ما لا یسمعون هو شرح

2680

قَوْلِهِ عَنْ نَفْسِهِ ع

لَوْ کُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ یَقِیناً .

و الأوزار الذنوب و النشیج صوت البکاء و المقعد موضع القعود.

ص :179

و ید قارعة تطرق باب الرحمة و هذا الکلام مجاز.

و المنادح المواضع الواسعة.

و علی فی قوله و لا یخیب علیه الراغبون متعلقة بمحذوف مثل إلی المتقدم ذکرها و التقدیر نادمین علیه .

و الحسیب المحاسب.

و اعلم أن هذا الکلام فی الظاهر صفة حال القصاص و المتصدین لإنکار المنکرات أ لا تراه یقول یذکرون بأیام اللّه أی بالأیّام التی کانت فیها النقمة بالعصاة و یخوفون مقامه من قوله تعالی وَ لِمَنْ خٰافَ مَقٰامَ رَبِّهِ جَنَّتٰانِ (1) ثم قال فمن سلک القصد حمدوه و من عدل عن الطریق ذموا طریقه و خوفوه الهلاک ثمّ قال یهتفون بالزواجر عن المحارم فی أسماع الغافلین و یأمرون بالقسط و ینهون عن المنکر .

و هذا کله إیضاح لما قلناه أولا إن ظاهر الکلام شرح حال القصاص و أرباب المواعظ فی المجامع و الطرقات و المتصدین لإنکار القبائح و باطن الکلام شرح حال العارفین الذین هم صفوة اللّه تعالی من خلقه و هو ع دائما یکنی عنهم و یرمز إلیهم علی أنّه فی هذا الموضع قد صرّح بهم فی قوله حتی کأنهم یرون ما لا یری الناس و یسمعون ما لا یسمعون .

و قد ذکر من مقامات العارفین فی هذا الفصل الذکر و محاسبة النفس و البکاء و النحیب و الندم و التوبة و الدعاء و الفاقة و الذلة و الحزن و هو الأسی الذی ذکر أنّه جرح قلوبهم بطوله

ص :180

و إذا فکر العبد بقلبه فی سوء صنیعه و أبصر ما هو علیه من ذمیم الأفعال سنحت فی قلبه إرادة التوبة و الإقلاع عن قبیح المعاملة فیمده الحق سبحانه بتصحیح العزیمة و الأخذ فی طرق الرجوع و التأهب لأسباب التوبة.

و أول ذلک هجران إخوان السوء فإنهم الذین یحملونه علی ردّ هذا القصد و عکس هذا العزم و یشوشون علیه صحة هذه الإرادة و لا یتم ذلک له إلاّ بالمواظبة علی المشاهد و المجالس التی تزیده رغبة فی التوبة و توفر دواعیه إلی إتمام ما عزم علیه ممّا یقوی خوفه و رجاءه فعند ذلک تنحل عن قلبه عقدة الإصرار علی ما هو علیه من قبیح الفعال فیقف عن تعاطی المحظورات و یکبح نفسه بلجام الخوف عن متابعة الشهوات فیفارق الزلة فی الحال و یلزم العزیمة علی ألا یعود إلی مثلها فی الاستقبال فإن مضی علی موجب قصده و نفذ علی مقتضی عزمه فهو الموفق حقا و إن نقض التوبة مرة أو مرّات ثمّ حملته إرادته علی تجدیدها فقد یکون مثل هذا کثیرا فلا ینبغی قطع الرجاء عن توبة أمثال هؤلاء فإن لکل أجل کتابا

2687

وَ قَدْ حُکِیَ عَنْ أَبِی سُلَیْمَانَ الدَّارَانِیِّ أَنَّهُ (1) قَالَ اخْتَلَفْتُ إِلَی مَجْلِسِ قَاصٍّ فَأَثَّرَ کَلاَمُهُ فِی قَلْبِی فَلَمَّا قُمْتُ لَمْ یَبْقَ فِی قَلْبِی شَیْءٌ فَعُدْتُ ثَانِیاً فَسَمِعْتُ کَلاَمَهُ فَبَقِیَ مِنْ کَلاَمِهِ فِی قَلْبِی أَثَرٌ فِی الطَّرِیقِ ثُمَّ زَالَ ثُمَّ عُدْتُ ثَالِثاً فَوَقَرَ کَلاَمُهُ فِی قَلْبِی وَ ثَبَتُّ حَتَّی رَجَعْتُ إِلَی مَنْزِلِی وَ کَسَرْتُ آلاَتِ الْمُخَالَفَةِ وَ لَزِمْتُ الطَّرِیقَ.

وَ حَکَیْتُ هَذِهِ الْحِکَایَةَ لِیُحْیِیَ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ عُصْفُورٌ اصْطَادَ کُرْکِیّاً یَعْنِی بِالْعُصْفُورِ الْقَاصَّ وَ بِالْکُرْکِیِّ أَبَا سُلَیْمَانَ .

2688

وَ یُحْکَی أَنَّ أَبَا حَفْصٍ الْحَدَّادَ ذَکَرَ بِدَایَتَهُ فَقَالَ تَرَکْتُ ذَلِکَ الْعَمَلَ یَعْنِی الْمَعْصِیَةَ کَذَا وَ کَذَا مَرَّةً ثُمَّ عُدْتُ إِلَیْهَا ثُمَّ تَرَکَنِی الْعَمَلُ فَلَمْ أَعُدْ إِلَیْهِ.

ص :182

2689

وَ قِیلَ إِنَّ بَعْضَ الْمُرِیدِینَ تَابَ ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ فَتْرَةٌ وَ کَانَ یُفَکِّرُ وَ یَقُولُ أَ تَرَی لَوْ عُدْتُ إِلَی التَّوْبَةِ کَیْفَ کَانَ یَکُونُ حُکْمِی فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ یَا فُلاَنُ أَطَعْتَنَا فَشَکَرْنَاکَ ثُمَّ تَرَکْتَنَا فَأَمْهَلْنَاکَ وَ إِنْ عُدْتَ إِلَیْنَا قَبِلْنَاکَ فَعَادَ الْفَتَی إِلَی الْإِرَادَةِ.

2690

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ التَّوْبَةُ عَلَی ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ فَأَوَّلُهَا التَّوْبَةُ وَ أَوْسَطُهَا الْإِنَابَةُ وَ آخِرُهَا الْأَوْبَةُ. فجعل التوبة بدایة و الأوبة نهایة و الإنابة واسطة بینهما و المعنی أن من تاب خوفا من العقاب فهو صاحب التوبة و من تاب طمعا فی الثواب فهو صاحب الإنابة و من تاب مراعاة للأمر فقط فهو صاحب الأوبة.

2691

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ أَیْضاً التَّوْبَةُ صِفَةُ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تُوبُوا إِلَی اللّٰهِ جَمِیعاً أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (1) وَ الْإِنَابَةُ صِفَةُ الْأَوْلِیَاءِ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ جٰاءَ بِقَلْبٍ مُنِیبٍ (2) وَ الْأَوْبَةُ صِفَةُ الْأَنْبِیَاءِ قَالَ سُبْحَانَهُ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ (3) .

2692

وَ قَالَ اَلْجُنَیْدُ دَخَلْتُ عَلَی اَلسَّرِیِّ یَوْماً فَوَجَدْتُهُ مُتَغَیِّراً فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ دَخَلَ عَلَیَّ شَابٌّ فَسَأَلَنِی عَنِ التَّوْبَةِ فَقُلْتُ أَلاَّ تَنْسَی ذَنْبَکَ فَقَالَ بَلِ التَّوْبَةُ أَلاَّ تَذْکُرَ ذَنْبَکَ قَالَ اَلْجُنَیْدُ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ الْأَمْرَ عِنْدِی مَا قَالَهُ الشَّابُّ قَالَ کَیْفَ قُلْتُ لِأَنِّی إِذَا کُنْتُ فِی حَالِ الْجَفَاءِ فَنَقَلَنِی إِلَی حَالِ الصَّفَاءِ فَذِکْرُ الْجَفَاءِ فِی حَالِ الصَّفَاءِ جَفَاءٌ فَسَکَتَ اَلسَّرِیُّ .

2693

وَ قَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِیُّ الاِسْتِغْفَارُ مِنْ غَیْرِ إِقْلاَعٍ تَوْبَةُ الْکَذَّابِینَ.

2694

وَ سُئِلَ اَلْبُوشَنْجِیُّ عَنِ التَّوْبَةِ فَقَالَ إِذَا ذَکَرْتَ الذَّنْبَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ حَلاَوَتَهُ عِنْدَ ذِکْرِهِ فَذَاکَ حَقِیقَةُ التَّوْبَةِ.

ص :183

2695

وَ قَالَ ذُو النُّونِ حَقِیقَةُ التَّوْبَةِ أَنْ تَضِیقَ عَلَیْکَ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ حَتَّی لاَ یَکُونَ لَکَ قَرَارٌ ثُمَّ تَضِیقَ عَلَیْکَ نَفْسُکَ کَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَی فِی کِتَابِهِ بِقَوْلِهِ حَتّٰی إِذٰا ضٰاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِمٰا رَحُبَتْ وَ ضٰاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لاٰ مَلْجَأَ مِنَ اللّٰهِ إِلاّٰ إِلَیْهِ ثُمَّ تٰابَ عَلَیْهِمْ (1) .

2696

وَ قِیلَ لِأَبِی حَفْصٍ الْحَدَّادِ لِمَ تُبْغِضُ الدُّنْیَا فَقَالَ لِأَنِّی بَاشَرْتُ فِیهَا الذُّنُوبَ قِیلَ فَهَلاَّ أَحْبَبْتَهَا لِأَنَّکَ وُفِّقْتَ فِیهَا لِلتَّوْبَةِ فَقَالَ أَنَا مِنَ الذَّنْبِ عَلَی یَقِینٍ وَ مِنْ هَذِهِ التَّوْبَةِ عَلَی ظَنٍّ.

2697

وَ قَالَ رَجُلٌ لِرَابِعَةَ الْعَدَوِیَّةِ إِنِّی قَدْ أَکْثَرْتُ مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْمَعَاصِی فَهَلْ یَتُوبُ عَلَیَّ إِنْ تُبْتُ قَالَتْ لاَ بَلْ لَوْ تَابَ عَلَیْکَ لَتُبْتَ.

قالوا و لما کان اللّه تعالی یقول فی کتابه العزیز إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ التَّوّٰابِینَ دلنا ذلک علی محبته لمن صحت له حقیقة التوبة و لا شبهة أن من قارف الزلة فهو من خطئه علی یقین فإذا تاب فإنّه من القبول علی شک لا سیما إذا کان من شرط القبول محبة الحق سبحانه له و إلی أن یبلغ العاصی محلا یجد فی أوصافه أمارة محبة اللّه تعالی إیاه مسافة بعیدة فالواجب إذا علی العبد إذا علم أنّه ارتکب ما یجب عنه التوبة دوام الانکسار و ملازمة التنصل و الاستغفار کما قیل استشعار الوجل إلی الأجل.

2698

14- وَ کَانَ مِنْ سُنَّتِهِ ع دَوَامُ الاِسْتِغْفَارِ وَ قَالَ إِنَّهُ لَیُغَانُ عَلَی قَلْبِی فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِی الْیَوْمِ سَبْعِینَ مَرَّةً (2) .

ص :184

2699

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ زَلَّةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَقْبَحُ مِنْ سَبْعِینَ قَبْلَهَا.

2700

وَ یُحْکَی أَنَّ عَلِیَّ بْنَ عِیسَی الْوَزِیرَ رَکِبَ فِی مَوْکِبٍ عَظِیمٍ فَجَعَلَ الْغُرَبَاءُ یَقُولُونَ مَنْ هَذَا مَنْ هَذَا فَقَالَتِ امْرَأَةٌ قَائِمَةٌ عَلَی السَّطْحِ إِلَی مَتَی تَقُولُونَ مَنْ هَذَا مَنْ هَذَا هَذَا عَبْدٌ سَقَطَ مِنْ عَیْنِ اللَّهِ فَابْتَلاَهُ بِمَا تَرَوْنَ فَسَمِعَ عَلِیُّ بْنُ عِیسَی کَلاَمَهَا فَرَجَعَ إِلَی مَنْزِلِهِ وَ لَمْ یَزَلْ یَتَوَصَّلُ فِی الاِسْتِعْفَاءِ مِنَ الْوِزَارَةِ حَتَّی أُعْفِیَ وَ ذَهَبَ إِلَی مَکَّةَ فَجَاوَرَ بِهَا.

و منها المجاهدة و قد قلنا فیها ما یکفی فیما تقدم.

و منها العزلة و الخلوة و قد ذکرنا فی جزء قبل هذا الجزء ممّا جاء فی ذلک طرفا صالحا و منها التقوی و هی الخوف من معصیة اللّه و من مظالم العباد قال سبحانه إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاکُمْ (1) و

2701

14- قِیلَ إِنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِی فَقَالَ عَلَیْکَ بِتَقْوَی اللَّهِ فَإِنَّهُ جِمَاعُ کُلِّ خَیْرٍ وَ عَلَیْکَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِیَّةُ اَلْمُسْلِمِ وَ عَلَیْکَ بِذِکْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ نُورٌ لَکَ .

و قیل فی تفسیر قوله تعالی اِتَّقُوا اللّٰهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ (2) أن یطاع فلا یعصی و یذکر فلا ینسی و یشکر فلا یکفر.

ص :185

2702

وَ قَالَ اَلنَّصْرَآبَاذِیُّ مَنْ لَزِمَ التَّقْوَی بَادَرَ إِلَی مُفَارَقَةِ الدُّنْیَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ وَ لَلدّٰارُ الْآخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ (1) .

2703

وَ قِیلَ یُسْتَدَلُّ عَلَی تَقْوَی الرَّجُلِ بِثَلاَثٍ التَّوَکُّلُ فِیمَا لَمْ یَنَلْ وَ الرِّضَا (2) بِمَا قَدْ نَالَ وَ حُسْنُ الصَّبْرِ عَلَی مَا فَاتَ.

2704

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ کَانَ رَأْسُ مَالِهِ التَّقْوَی کَلَّتِ الْأَلْسُنُ عَنْ وَصْفِ رِبْحِهِ.

و قد حکوا من حکایات المتقین شیئا کثیرا مثل ما

2705

یُحْکَی عَنِ اِبْنِ سِیرِینَ أَنَّهُ اشْتَرَی أَرْبَعِینَ حُبّاً (3) سَمْناً فَأَخْرَجَ غُلاَمُهُ فَأْرَةً مِنْ حُبٍّ فَسَأَلَهُ مِنْ أَیِّ حُبٍّ أَخْرَجَهَا قَالَ لاَ أَدْرِی فَصَبَّهَا کُلَّهَا.

2706

وَ حُکِیَ أَنَّ أَبَا یَزِیدَ الْبَسْطَامِیَّ غَسَلَ ثَوْبَهُ فِی الصَّحْرَاءِ وَ مَعَهُ مُصَاحِبٌ لَهُ فَقَالَ صَاحِبُهُ نَضْرِبُ هَذَا الْوَتِدَ فِی جِدَارِ هَذَا الْبُسْتَانِ وَ نَبْسُطُ الثَّوْبَ عَلَیْهِ فَقَالَ لاَ یَجُوزُ ضَرْبُ الْوَتِدِ فِی جِدَارِ النَّاسِ قَالَ فَنُعَلِّقُهُ عَلَی شَجَرَةٍ حَتَّی یَجِفَّ قَالَ یُکْسَرُ الْأَغْصَانُ فَقَالَ نَبْسُطُهُ عَلَی الْإِذْخِرِ (4) قَالَ إِنَّهُ عَلَفُ الدَّوَابِّ لاَ یَجُوزُ أَنْ نَسْتُرَهُ مِنْهَا فَوَلَّی ظَهْرَهُ قِبَلَ الشَّمْسِ وَ جَعَلَ الْقَمِیصَ عَلَی ظَهْرِهِ حَتَّی جَفَّ أَحَدُ جَانِبَیْهِ ثُمَّ قَلَّبَهُ حَتَّی جَفَّ الْجَانِبُ الْآخَرُ.

و منها الورع و هو اجتناب الشبهات و

2707

قَالَ ص لِأَبِی هُرَیْرَةَ کُنْ وَرِعاً تَکُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ.

2708

وَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ کُنَّا نَدَعُ سَبْعِینَ بَاباً مِنَ الْحَلاَلِ مَخَافَةَ أَنْ نَقَعَ فِی بَابٍ وَاحِدٍ مِنَ الْحَرَامِ.

ص :186

2709

وَ کَانَ یُقَالُ الْوَرَعُ فِی الْمَنْطِقِ أَشَدُّ مِنْهُ فِی الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الزُّهْدُ فِی الرِّئَاسَةِ أَشَدُّ مِنْهُ فِی الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ لِأَنَّکَ تَبْذُلُهُمَا فِی طَلَبِ الرِّئَاسَةِ.

2710

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَلاَّءُ أَعْرِفُ مَنْ أَقَامَ بِمَکَّةَ ثَلاَثِینَ سَنَةً لَمْ یَشْرَبْ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ إِلاَّ مَا اسْتَقَاهُ بِرَکْوَتِهِ وَ رِشَائِهِ.

2711

وَ قَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ أَشَدُّ الْأَعْمَالِ ثَلاَثَةٌ الْجُودُ فِی الْقِلَّةِ وَ الْوَرَعُ فِی الْخَلْوَةِ وَ کَلِمَةُ الْحَقِّ عِنْدَ مَنْ یُخَافُ وَ یُرْجَی.

2712

وَ یُقَالُ إِنَّ أُخْتَ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ (1) جَاءَتْ إِلَی أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَقَالَتْ إِنَّا نَغْزِلُ عَلَی سُطُوحِنَا فَتَمُرُّ بِنَا مَشَاعِلُ اَلطَّاهِرِیَّةِ فَیَقَعُ شُعَاعُهَا عَلَیْنَا أَ فَیَجُوزُ لَنَا الْغَزْلُ فِی ضَوْئِهَا فَقَالَ أَحْمَدُ مَنْ أَنْتِ یَا أَمَةَ اللَّهِ قَالَتْ أُخْتُ بِشْرٍ الْحَافِی فَبَکَی أَحْمَدُ وَ قَالَ مِنْ بَیْتِکُمْ خَرَجَ الْوَرَعُ لاَ تَغْزِلِی فِی ضَوْءِ مَشَاعِلِهِمْ.

2713

وَ حَکَی بَعْضُهُمْ قَالَ مَرَرْتُ بِالْبَصْرَةِ فِی بَعْضِ الشَّوَارِعِ فَإِذَا بِمَشَایِخَ قُعُودٍ وَ صِبْیَانٌ یَلْعَبُونَ فَقُلْتُ أَ مَا تَسْتَحْیُونَ مِنْ هَؤُلاَءِ الْمَشَایِخِ فَقَالَ غُلاَمٌ مِنْ بَیْنِهِمْ هَؤُلاَءِ الْمَشَایِخُ قَلَّ وَرَعُهُمْ فَقُلْتُ هَیْبَتُهُمْ.

2714

وَ یُقَالُ إِنَّ مَالِکَ بْنَ دِینَارٍ مَکَثَ بِالْبَصْرَةِ أَرْبَعِینَ سَنَةً مَا صَحَّ لَهُ أَنْ یَأْکُلَ مِنْ تَمْرِ اَلْبَصْرَةِ وَ لاَ مِنْ رُطَبِهَا حَتَّی مَاتَ وَ لَمْ یَذُقْهُ وَ کَانَ إِذَا انْقَضَی أَوَانُ الرُّطَبِ یَقُولُ یَا أَهْلَ اَلْبَصْرَةِ هَذَا بَطْنِی مَا نَقَصَ مِنْهُ شَیْءٌ سَوَاءٌ عَلَیَّ أَکَلْتُ مِنْ رُطَبِکُمْ أَوْ لَمْ آکُلْ.

2715

وَ قَالَ اَلْحَسَنُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْوَرَعُ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ مِثْقَالٍ مِنَ الصَّوْمِ وَ الصَّلاَةِ.

2716

وَ دَخَلَ اَلْحَسَنُ مَکَّةَ فَرَأَی غُلاَماً مِنْ وُلْدِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ قَدْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَی

ص :187

اَلْکَعْبَةِ وَ هُوَ یَعِظُ النَّاسَ فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ مَا مِلاَکُ الدِّینِ قَالَ الْوَرَعُ قَالَ فَمَا آفَتُهُ قَالَ الطَّمَعُ فَجَعَلَ اَلْحَسَنُ یَتَعَجَّبُ مِنْهُ.

2717

وَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَنْ لَمْ یَصْحَبْهُ الْوَرَعُ أَکَلَ رَأْسَ الْفِیلِ وَ لَمْ یَشْبَعْ.

2718

وَ حُمِلَ إِلَی عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ مِسْکٌ مِنَ الْغَنَائِمِ فَقَبَضَ عَلَی مَشَمِّهِ وَ قَالَ إِنَّمَا یُنْتَفَعُ مِنَ هَذَا بِرِیحِهِ وَ أَنَا أَکْرَهُ أَنْ أَجِدَ رِیحَهُ دُونَ اَلْمُسْلِمِینَ .

2719

وَ سُئِلَ أَبُو عُثْمَانَ الْحَرِیرِیُّ عَنِ الْوَرِعِ فَقَالَ کَانَ أَبُو صَالِحِ بْنُ حُمْدُونٍ عِنْدَ صَدِیقٍ لَهُ وَ هُوَ فِی النَّزْعِ فَمَاتَ الرَّجُلُ فَنَفَثَ أَبُو صَالِحٍ فِی السِّرَاجِ فَأَطْفَأَهُ فَقِیلَ لَهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ إِلَی الْآنِ کَانَ الدُّهْنُ الَّذِی فِی الْمِسْرَجَةِ لَهُ فَلَمَّا مَاتَ صَارَ إِلَی الْوَرَثَةِ.

و منها الزهد و قد تکلموا فی حقیقته

2720

فَقَالَ سُفْیَانُ الثَّوْرِیُّ الزُّهْدُ فِی الدُّنْیَا قَصْرُ الْأَمَلِ.

2721

وَ قَالَ اَلْخَوَّاصُّ الزُّهْدُ أَنْ تَتْرُکَ الدُّنْیَا فَلاَ تُبَالِیَ مَنْ أَخَذَهَا.

2722

وَ قَالَ أَبُو سُلَیْمَانَ الدَّارَانِیُّ الزُّهْدُ تَرْکُ کُلِّ مَا یَشْغَلُ عَنِ اللَّهِ.

2723

وَ قِیلَ الزُّهْدُ تَحْتَ کَلِمَتَیْنِ مِنَ اَلْقُرْآنِ الْعَزِیزِ لِکَیْلاٰ تَأْسَوْا عَلیٰ مٰا فٰاتَکُمْ وَ لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاکُمْ (1) .

2724

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ صَدَقَ فِی زُهْدِهِ أَتَتْهُ الدُّنْیَا وَ هِیَ رَاغِمَةٌ وَ لِهَذَا قِیلَ لَوْ سَقَطَتْ قَلَنْسُوَةٌ مِنَ السَّمَاءِ لَمَا وَقَعَتْ إِلاَّ عَلَی رَأْسِ مَنْ لاَ یُرِیدُهَا.

2725

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ الزُّهْدُ یُسْعِطُکَ (2) الْخَلَّ وَ الْخَرْدَلَ وَ الْعِرْفَانُ یُشِمُّکَ الْمِسْکَ وَ الْعَنْبَرَ.

ص :188

2726

وَ قِیلَ لِبَعْضِهِمْ مَا الزُّهْدُ فِی الدُّنْیَا قَالَ تَرْکُ مَا فِیهَا عَلَی مَنْ فِیهَا.

2727

وَ قَالَ رَجُلٌ لِذِی النُّونِ الْمِصْرِیِّ مَتَی تَرَانِی أَزْهَدُ فِی الدُّنْیَا قَالَ إِذَا زَهِدْتَ فِی نَفْسِکَ.

2728

وَ قَالَ رَجُلٌ لِیَحْیَی بْنِ مُعَاذٍ مَتَی تَرَانِی أَدْخُلُ حَانُوتَ التَّوَکُّلِ وَ أَلْبَسُ رِدَاءَ الزُّهْدِ وَ أَقْعُدُ بَیْنَ الزَّاهِدِینَ فَقَالَ إِذَا صِرْتَ مِنْ رِیَاضَتِکَ لِنَفْسِکَ فِی السِّرِّ إِلَی حَدٍّ لَوْ قَطَعَ اللَّهُ عَنْکَ الْقُوتَ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ لَمْ تَضْعُفْ فِی نَفْسِکَ وَ لاَ فِی یَقِینِکَ فَأَمَّا مَا لَمْ تَبْلُغْ إِلَی هَذِهِ الدَّرَجَةِ فَقُعُودُکَ عَلَی بِسَاطِ الزَّاهِدِینَ جَهْلٌ ثُمَّ لاَ آمَنُ أَنْ تَفْتَضِحَ.

2729

وَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الزُّهْدُ عَلَی ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ تَرْکُ الْحَرَامِ وَ هُوَ زُهْدُ الْعَوَامِّ وَ تَرْکُ الْفُضُولِ مِنَ الْحَلاَلِ وَ هُوَ زُهْدُ الْخَوَاصِّ وَ تَرْکُ کُلِّ مَا یَشْغَلُکَ عَنِ اللَّهِ وَ هُوَ زُهْدُ الْعَارِفِینَ.

2730

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ الدُّنْیَا کَالْعَرُوسِ فَطَالِبُهَا کَمَاشِطَتِهَا تُحَسِّنُ وَجْهَهَا وَ تُعَطِّرُ ثَوْبَهَا وَ الزَّاهِدُ فِیهَا کَضَرَّتِهَا تُسَخِّمُ وَجْهَهَا وَ تَنْتِفُ شَعْرَهَا وَ تُحْرِقُ ثَوْبَهَا وَ الْعَارِفُ مُشْتَغِلٌ بِاللَّهِ لاَ یَلْتَفِتُ إِلَیْهَا وَ لاَ یُشْعِرُ بِهَا.

2731

وَ کَانَ اَلنَّصْرَآبَاذِیُّ یَقُولُ فِی مُنَاجَاتِهِ یَا مَنْ حَقَنَ دِمَاءَ الزَّاهِدِینَ وَ سَفَکَ دِمَاءَ الْعَارِفِینَ.

2732

وَ کَانَ یُقَالُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی جَعَلَ الْخَیْرَ کُلَّهُ فِی بَیْتٍ وَ جَعَلَ مِفْتَاحَهُ الزُّهْدَ وَ جَعَلَ الشَّرَّ کُلَّهُ فِی بَیْتٍ وَ جَعَلَ مِفْتَاحَهُ حُبَّ الدُّنْیَا.

و منها الصمت و قدمنا فیما سبق من الأجزاء نکتا نافعة فی هذا المعنی و نذکر الآن شیئا آخر

2733

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص

مَنْ کٰانَ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَلاَ یُؤْذِیَنَّ جَارَهُ وَ مَنْ کٰانَ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَلْیُکْرِمْ ضَیْفَهُ وَ مَنْ کٰانَ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَلْیَقُلْ خَیْراً أَوْ فَلْیَصْمُتْ.

ص :189

و قال أصحاب هذا العلم الصمت من آداب الحضرة قال اللّه تعالی وَ إِذٰا قُرِئَ اَلْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا (1) .

و قال مخبرا عن الجن فَلَمّٰا حَضَرُوهُ قٰالُوا أَنْصِتُوا (2) .

و قال اللّه تعالی مخبرا عن یوم القیامة وَ خَشَعَتِ الْأَصْوٰاتُ لِلرَّحْمٰنِ فَلاٰ تَسْمَعُ إِلاّٰ هَمْساً (3) .

و قالوا کم بین عبد سکت تصونا عن الکذب و الغیبة و عبد سکت لاستیلاء سلطان الهیبة.

و أنشدوا أرتب ما أقول إذا افترقنا

و أنشدوا فیا لیل کم من حاجة لی مهمة إذا جئتکم لم أدر باللیل ماهیا.

قالوا و ربما کان سبب الصمت و السکوت حیرة البدیهة فإنّه إذا ورد کشف بغتة خرست العبارات عند ذلک فلا بیان و لا نطق و طمست الشواهد فلا علم و لا حس قال اللّه تعالی یَوْمَ یَجْمَعُ اللّٰهُ الرُّسُلَ فَیَقُولُ مٰا ذٰا أُجِبْتُمْ قٰالُوا لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِنَّکَ أَنْتَ عَلاّٰمُ الْغُیُوبِ (4) فأما إیثار أرباب المجاهدة الصمت فلما علموا فی الکلام من الآفات ثمّ ما فیه من حط النفس و إظهار صفات المدح و المیل إلی أن یتمیز من بین أشکاله بحسن النطق و غیر ذلک من ضروب آفات الکلام و هذا نعت أرباب

ص :190

الریاضة و هو أحد أرکانهم فی حکم مجاهدة النفس و منازلتها و تهذیب الأخلاق.

2734

وَ یُقَالُ إِنَّ دَاوُدَ الطَّائِیَّ لَمَّا أَرَادَ أَنْ یَقْعُدَ فِی بَیْتِهِ اعْتَقَدَ أَنْ یَحْضُرَ مَجْلِسَ أَبِی حَنِیفَةَ لِأَنَّهُ کَانَ تِلْمِیذاً لَهُ وَ یَقْعُدَ بَیْنَ أَضْرَابِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَ لاَ یَتَکَلَّمَ فِی مَسْأَلَةٍ عَلَی سَبِیلِ رِیَاضَتِهِ نَفْسَهُ فَلَمَّا قَوِیَتْ نَفْسُهُ عَلَی مُمَارَسَةِ هَذِهِ الْخَصْلَةِ سَنَةً کَامِلَةً قَعَدَ فِی بَیْتِهِ عِنْدَ ذَلِکَ وَ آثَرَ الْعُزْلَةَ.

2735

وَ یُقَالُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ کَانَ إِذَا کَتَبَ کِتَاباً فَاسْتَحْسَنَ لَفْظَهُ مَزَّقَ الْکِتَابَ وَ غَیَّرَهُ.

2736

وَ قَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ إِذَا أَعْجَبَکَ الْکَلاَمُ فَاصْمُتْ فَإِذَا أَعْجَبَکَ الصَّمْتُ فَتَکَلَّمْ.

2737

وَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ یَصِحُّ لِأَحَدٍ الصَّمْتُ حَتَّی یُلْزِمَ نَفْسَهُ الْخَلْوَةَ وَ لاَ یَصِحُّ لِأَحَدٍ التَّوْبَةُ حَتَّی یُلْزِمَ نَفْسَهُ الصَّمْتَ.

و منها الخوف قال اللّه تعالی یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً (1) .

و قال تعالی وَ إِیّٰایَ فَارْهَبُونِ (2) .

و قال یَخٰافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ (3) .

2738

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ الْخَوْفُ عَلَی مَرَاتِبَ خَوْفٌ وَ خَشْیَةٌ وَ هَیْبَةٌ.

فالخوف من شروط الإیمان و قضایاه قال اللّه تعالی فَلاٰ تَخٰافُوهُمْ وَ خٰافُونِ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (4) .

و الخشیة من شروط العلم قال اللّه تعالی إِنَّمٰا یَخْشَی اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ (5) .

ص :191

و الهیبة من شروط المعرفة قال سبحانه وَ یُحَذِّرُکُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ (1) .

2739

وَ قَالَ أَبُو عُمَرَ الدِّمَشْقِیُّ الْخَائِفُ مَنْ یَخَافُ مِنْ نَفْسِهِ أَکْثَرَ مِمَّا یَخَافُ مِنَ اَلشَّیْطَانِ .

2740

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ خَافَ مِنْ شَیْءٍ هَرَبَ مِنْهُ وَ مَنْ خَافَ اللَّهَ هَرَبَ إِلَیْهِ.

2741

وَ قَالَ أَبُو سُلَیْمَانَ الدَّارَانِیُّ مَا فَارَقَ الْخَوْفُ قَلْباً إِلاَّ خَرِبَ. و منها الرجاء و قد قدمنا فیما قبل من ذکر الخوف و الرجاء طرفا صالحا قال سبحانه مَنْ کٰانَ یَرْجُوا لِقٰاءَ اللّٰهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّٰهِ لَآتٍ (2) .

و الفرق بین الرجاء و التمنی و کون أحدهما محمودا و الآخر مذموما أن التمنی ألا یسلک طریق الاجتهاد و الجد و الرجاء بخلاف ذلک فلهذا کان التمنی یورث صاحبه الکسل.

2742

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الرُّوذبَارِیُّ الرَّجَاءُ وَ الْخَوْفُ کَجَنَاحَیِ الطَّائِرِ إِذَا اسْتَوَیَا اسْتَوَی الطَّائِرُ وَ تَمَّ طَیَرَانُهُ وَ إِذَا نَقَصَ أَحَدُهُمَا وَقَعَ فِیهِ النَّقْصُ وَ إِذَا ذَهَبَا صَارَ الطَّائِرُ فِی حَدِّ الْمَوْتِ.

2743

وَ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْمَغْرِبِیُّ مَنْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَی الرَّجَاءِ تُعَطَّلُ وَ مَنْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَی الْخَوْفِ قَنَطَ وَ لَکِنْ مِنْ هَذَا مَرَّةً وَ مِنْ هَذَا مَرَّةً.

و

2744

مِنْ کَلاَمِ یَحْیَی بْنِ مُعَاذٍ وَ یُرْوَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ ع یَکَادُ رَجَائِی لَکَ مَعَ الذُّنُوبِ یَغْلِبُ رَجَائِی لَکَ مَعَ الْأَعْمَالِ لِأَنِّی أَجِدُنِی أَعْتَمِدُ فِی الْأَعْمَالِ عَلَی

ص :192

الْإِخْلاَصِ وَ کَیْفَ أُحْرِزُهَا وَ أَنَا بِالْآفَةِ مَعْرُوفٌ وَ أَجِدُنِی فِی الذُّنُوبِ أَعْتَمِدُ عَلَی عَفْوِکَ وَ کَیْفَ لاَ تَغْفِرُهَا وَ أَنْتَ بِالْجُودِ مَوْصُوفٌ.

و منها الحزن و هو من أوصاف أهل السلوک.

2745

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ صَاحِبُ الْحُزْنِ یَقْطَعُ مِنْ طَرِیقِ اللَّهِ فِی شَهْرٍ مَا لاَ یَقْطَعُهُ مَنْ فَقَدَ الْحُزْنَ فِی سَنَتَیْنِ.

2746

فِی الْخَبَرِ النَّبَوِیِّ ص إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ کُلَّ قَلْبٍ حَزِینٍ.

2747

وَ فِی بَعْضِ کُتُبِ النُّبُوَّاتِ الْقَدِیمَةِ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً نَصَبَ فِی قَلْبِهِ نَائِحَةً وَ إِذَا أَبْغَضَ عَبْداً جَعَلَ فِی قَلْبِهِ مِزْمَاراً.

2748

1- وَ رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِکْرِ .

2749

وَ قِیلَ إِنَّ الْقَلْبَ إِذَا لَمْ یَکُنْ فِیهِ حُزْنٌ خَرِبَ کَمَا أَنَّ الدَّارَ إِذَا لَمْ یَکُنْ فِیهَا سَاکِنٌ خَرِبَتْ.

2750

وَ سَمِعَتْ رَابِعَةُ رَجُلاً یَقُولُ وَا حُزْنَاهْ فَقَالَتْ قُلْ وَا قِلَّةَ حُزْنَاهْ لَوْ کُنْتَ مَحْزُوناً مَا تَهَیَّأَ لَکَ أَنْ تَتَنَفَّسَ.

2751

وَ قَالَ سُفْیَانُ بْنُ عُیَیْنَةَ لَوْ أَنَّ مَحْزُوناً بَکَی فِی أُمَّةٍ لَرَحِمَ اللَّهُ تِلْکَ الْأُمَّةَ بِبُکَائِهِ.

2752

وَ کَانَ بَعْضُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ إِذَا سَافَرَ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ یَقُولُ إِذَا رَأَیْتَ مَحْزُوناً فَأَقْرِئْهُ عَنِّی السَّلاَمَ.

2753

وَ کَانَ اَلْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ لاَ یَرَاهُ أَحَدٌ إِلاَّ ظَنَّ أَنَّهُ حَدِیثُ عَهْدٍ بِمُصِیبَةٍ.

2754

وَ قَالَ وَکِیعٌ یَوْمَ مَاتَ اَلْفُضَیْلُ ذَهَبَ الْحُزْنُ الْیَوْمَ مِنَ الْأَرْضِ.

2755

وَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ أَکْثَرُ مَا یَجِدُهُ (1) الْمُؤْمِنُ فِی صَحِیفَتِهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ الْحُزْنُ وَ الْهَمُّ.

ص :193

2756

وَ قَالَ اَلْفُضَیْلُ أَدْرَکْتُ السَّلَفَ یَقُولُونَ إِنَّ لِلَّهِ فِی کُلِّ شَیْءٍ زَکَاةً وَ زَکَاةُ الْعَقْلِ طُولُ الْحُزْنِ.

و منها الجوع و ترک الشهوات و قد تقدم ذکر ذلک.

و منها الخشوع و التواضع قال سبحانه اَلَّذِینَ هُمْ فِی صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ (1) و

2757

14- فِی الْخَبَرِ النَّبَوِیِّ عَنْهُ ص لاَ یَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ مَنْ فِی قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ کِبْرٍ وَ لاَ یَدْخُلُ اَلنَّارَ مَنْ فِی قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِیمَانٍ فَقَالَ رَجُلٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمَرْءَ لَیُحِبُّ أَنْ یَکُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِیلٌ یُحِبُّ الْجَمَالَ إِنَّمَا الْمُتَکَبِّرُ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَ غَمَصَ النَّاسَ .

و

2758

14- رَوَی أَنَسُ بْنُ مَالِکٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یَعُودُ الْمَرِیضَ وَ یُشَیِّعُ الْجَنَائِزَ وَ یَرْکَبُ الْحِمَارَ وَ یُجِیبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ.

وَ کَانَ یَوْمَ قُرَیْظَةَ وَ اَلنَّضِیرِ عَلَی حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ مِنْ لِیفٍ عَلَیْهِ إِکَافٌ مِنْ لِیفٍ.

وَ دَخَلَ مَکَّةَ یَوْمَ فَتَحَهَا رَاکِبَ بَعِیرٍ بِرَحْلٍ خَلَقٍ وَ إِنَّ ذَقَنَهُ لَتَمَسُّ وَسَطَ الرَّحْلِ خُضُوعاً لِلَّهِ تَعَالَی وَ خُشُوعاً وَ جَیْشُهُ یَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلاَفٍ .

قالوا فی حدّ الخشوع هو الانقیاد للحق و فی التواضع هو الاستسلام و ترک الاعتراض علی الحکم.

2759

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْخُشُوعُ قِیَامُ الْقَلْبِ بَیْنَ یَدَیِ الْحَقِّ بِهَمٍّ مَجْمُوعٍ.

2760

وَ قَالَ حُذَیْفَةُ بْنُ الْیَمَانِ أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِینِکُمُ الْخُشُوعُ.

ص :194

2761

وَ کَانَ یُقَالُ مِنْ عَلاَمَاتِ الْخُشُوعِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُغْضِبَ أَوْ خُولِفَ أَوْ رُدَّ عَلَیْهِ اسْتَقْبَلَ ذَلِکَ بِالْقَبُولِ.

2762

وَ قَالَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ التِّرْمِذِیِّ الْخَاشِعُ مَنْ خَمَدَتْ نِیرَانُ شَهْوَتِهِ وَ سَکَنَ دُخَانُ صَدْرِهِ وَ أَشْرَقَ نُورُ التَّعْظِیمِ فِی قَلْبِهِ فَمَاتَتْ حَوَاسُّهُ وَ حَیِیَ قَلْبُهُ وَ تَطَامَنَتْ جَوَارِحُهُ.

2763

وَ قَالَ اَلْحَسَنُ الْخُشُوعُ هُوَ الْخَوْفُ الدَّائِمُ اللاَّزِمُ لِلْقَلْبِ.

2764

وَ قَالَ اَلْجُنَیْدُ الْخُشُوعُ تَذَلُّلُ الْقُلُوبِ لِعَلاَّمِ الْغُیُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً أَیْ خَاشِعُونَ مُتَواضِعُونَ.

2765

وَ رَأَی بَعْضُهُمْ رَجُلاً مُنْقَبِضَ الظَّاهِرِ مُنْکَسِرَ الشَّاهِدِ قَدْ زَوَی مَنْکِبَیْهِ فَقَالَ یَا فُلاَنُ الْخُشُوعُ هَاهُنَا وَ أَشَارَ إِلَی صَدْرِهِ لاَ هَاهُنَا وَ أَشَارَ إِلَی مَنْکِبَیْهِ.

و

2766

14- رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص رَأَی رَجُلاً یَعْبَثُ بِلِحْیَتِهِ فِی صَلاَتِهِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ .

2767

وَ قِیلَ شَرْطُ الْخُشُوعِ فِی الصَّلاَةِ أَلاَّ یَعْرِفَ مَنْ عَلَی یَمِینِهِ وَ لاَ مَنْ عَلَی شِمَالِهِ.

2768

وَ قَالَ بَعْضُ اَلصُّوفِیَّةِ الْخُشُوعُ قَشْعَرِیرَةٌ تَرِدُ عَلَی الْقَلْبِ بَغْتَةً عِنْدَ مُفَاجَأَةِ کَشْفِ الْحَقِیقَةِ.

2769

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ لَمْ یَتَّضِعْ عِنْدَ نَفْسِهِ لَمْ یَرْتَفِعْ عِنْدَ غَیْرِهِ.

2770

وَ قِیلَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ لَمْ یَکُنْ یَسْجُدُ إِلاَّ عَلَی التُّرَابِ.

2771

وَ کَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ یُسْرِعُ فِی الْمَشْیِ وَ یَقُولُ هُوَ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ وَ أَبْعَدُ مِنَ الزَّهْوِ.

2772

کَانَ رَجَاءُ بْنُ حَیْوَةَ لَیْلَةً عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ هُوَ خَلِیفَةٌ فَضَعُفَ الْمِصْبَاحُ فَقَامَ رَجُلٌ لِیُصْلِحَهُ فَقَالَ اجْلِسْ فَلَیْسَ مِنَ الْکَرَمِ أَنْ یَسْتَخْدِمَ الْمَرْءُ ضَیْفَهُ فَقَالَ

ص :195

أَنْبِهِ (1) الْغُلاَمَ قَالَ إِنَّهَا أَوَّلُ نَوْمَةٍ نَامَهَا ثُمَّ قَامَ بِنَفْسِهِ فَأَصْلَحَ السِّرَاجَ فَقَالَ رَجَاءٌ أَ تَقُومُ إِلَی السِّرَاجِ وَ أَنْتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ قُمْتُ وَ أَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ رَجَعْتُ وَ أَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ .

و

2773

14- فِی حَدِیثِ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ یَعْلِفُ الْبَعِیرَ وَ یَقُمُّ الْبَیْتَ وَ یَخْصِفُ النَّعْلَ وَ یَرْقَعُ الثَّوْبَ وَ یَحْلُبُ الشَّاةَ وَ یَأْکُلُ مَعَ الْخَادِمِ وَ یَطْحَنُ مَعَهَا إِذَا أَعْیَتْ وَ کَانَ لاَ یَمْنَعُهُ الْحَیَاءُ أَنْ یَحْمِلَ بِضَاعَتَهُ مِنَ السُّوقِ إِلَی مَنْزِلِ أَهْلِهِ وَ کَانَ یُصَافِحُ الْغَنِیَّ وَ الْفَقِیرَ وَ یُسَلِّمُ مُبْتَدِئاً وَ لاَ یُحَقِّرُ مَا دُعِیَ إِلَیْهِ وَ لَوْ إِلَی حَشَفِ التَّمْرِ وَ کَانَ هَیِّنَ الْمَئُونَةِ لَیِّنَ الْخُلُقِ کَرِیمَ السَّجِیَّةِ جَمِیلَ الْمُعَاشَرَةِ طَلْقَ الْوَجْهِ بَسَّاماً مِنْ غَیْرِ ضَحِکٍ مَحْزُوناً مِنْ غَیْرِ عُبُوسٍ مُتَوَاضِعاً مِنْ غَیْرِ ذِلَّةٍ جَوَاداً مِنْ غَیْرِ سَرَفٍ رَقِیقَ الْقَلْبِ رَحِیماً لِکُلِّ مُسْلِمٍ مَا تَجَشَّأَ قَطُّ مِنْ شَبَعٍ وَ لاَ مَدَّ یَدَهُ إِلَی طَبَعٍ .

2774

وَ قَالَ اَلْفُضَیْلُ أَوْحَی اللَّهُ إِلَی الْجِبَالِ أَنِّی مُکَلِّمٌ عَلَی وَاحِدٍ مِنْکُمْ نَبِیّاً فَتَطَاوَلَتِ الْجِبَالُ وَ تَوَاضَعَ طُورُ سَیْنَاءَ فَکَلَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِ مُوسَی لِتَوَاضُعِهِ.

2775

سُئِلَ اَلْجُنَیْدُ عَنِ التَّوَاضُعِ فَقَالَ خَفْضُ الْجَنَاحِ وَ لِینُ الْجَانِبِ.

2776

اِبْنُ الْمُبَارَکِ

التَّکَبُّرُ عَلَی الْأَغْنِیَاءِ وَ التَّوَاضُعُ لِلْفُقَرَاءِ مِنَ التَّوَاضُعِ.

2777

وَ قِیلَ لِأَبِی یَزِیدَ مَتَی یَکُونُ الرَّجُلُ مُتَوَاضِعاً قَالَ إِذَا لَمْ یَرَ لِنَفْسِهِ مَقَاماً وَ لاَ حَالاً وَ لاَ یَرَی أَنَّ فِی الْخَلْقِ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ.

2778

وَ کَانَ یُقَالُ التَّوَاضُعُ نِعْمَةٌ لاَ یُحْسَدُ عَلَیْهَا وَ التَّکَبُّرُ مِحْنَةٌ لاَ یُرْحَمُ مِنْهَا وَ الْعِزُّ فِی التَّوَاضُعِ فَمَنْ طَلَبَهُ فِی الْکِبْرِ لَمْ یَجِدْهُ.

2779

وَ کَانَ یُقَالُ الشَّرَفُ فِی التَّوَاضُعِ وَ الْعِزُّ فِی التَّقْوَی وَ الْحُرِّیَّةُ فِی الْقَنَاعَةِ.

2780

یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ

التَّوَاضُعُ حَسَنٌ فِی کُلِّ أَحَدٍ لَکِنَّهُ فِی الْأَغْنِیَاءِ أَحْسَنُ وَ التَّکَبُّرُ سَمِجٌ فِی کُلِّ أَحَدٍ وَ لَکِنَّهُ فِی الْفُقَرَاءِ أَسْمَجُ.

ص :196

2781

وَ رَکِبَ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَدَنَا اِبْنُ عَبَّاسٍ لِیَأْخُذَ بِرِکَابِهِ فَقَالَ مَهْ یَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّا کَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا فَقَالَ زَیْدٌ أَرِنِی یَدَکَ فَأَخْرَجَهَا فَقَبَّلَهَا فَقَالَ هَکَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّنَا .

2782

وَ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَیْرِ رَأَیْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَیْهِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَی وَ عَلَی عَاتِقِهِ قِرْبَةُ مَاءٍ فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّهُ لاَ یَنْبَغِی لِمِثْلِکَ هَذَا فَقَالَ إِنَّهُ لَمَّا أَتَتْنِی الْوُفُودُ سَامِعَةً مُهَادِنَةً دَخَلَتْ نَفْسِی نَخْوَةٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَکْسِرَهَا وَ مَضَی بِالْقِرْبَةِ إِلَی حُجْرَةِ امْرَأَةٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَأَفْرَغَهَا فِی إِنَائِهَا.

2783

أَبُو سُلَیْمَانَ الدَّارَانِیُّ

مَنْ رَأَی لِنَفْسِهِ قِیمَةً لَمْ یَذُقْ حَلاَوَةَ الْخِدْمَةِ.

2784

یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ

التَّکَبُّرُ عَلَی مَنْ تَکَبَّرَ عَلَیْکَ تَوَاضُعٌ.

2785

بِشْرٌ الْحَافِی

سَلِّمُوا عَلَی أَبْنَاءِ الدُّنْیَا بِتَرْکِ السَّلاَمِ عَلَیْهِمْ.

2786

بَلَغَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ أَنَّ ابْناً لَهُ اشْتَرَی خَاتَماً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَکَتَبَ إِلَیْهِ بَلَغَنِی أَنَّکَ اشْتَرَیْتَ خَاتَماً وَ فَصُّهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِذَا أَتَاکَ کِتَابِی فَبِعِ الْخَاتَمَ وَ أَشْبِعْ بِهِ أَلْفَ بَطْنٍ وَ اتَّخِذْ خَاتَماً مِنْ دِرْهَمَیْنِ وَ اجْعَلْ فَصَّهُ حَدِیداً صِینِیّاً وَ اکْتُبْ عَلَیْهِ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَرَفَ قَدْرَهُ.

2787

قُوِّمَتْ ثِیَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ هُوَ یَخْطُبُ أَیَّامَ خِلاَفَتِهِ بِاثْنَیْ عَشَرَ دِرْهَماً وَ هِیَ قَبَاءٌ وَ عِمَامَةٌ وَ قَمِیصٌ وَ سَرَاوِیلُ وَ رِدَاءٌ وَ خُفَّانِ وَ قَلَنْسُوَةٌ.

2788

وَ قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ أَدْهَمَ مَا سُرِرْتُ قَطُّ سُرُورِی فِی أَیَّامٍ ثَلاَثَةٍ کُنْتُ فِی سَفِینَةٍ وَ فِیهَا رَجُلٌ مُضْحِکٌ کَانَ یَلْعَبُ لِأَهْلِ (1) السَّفِینَةِ فَیَقُولُ کُنَّا نَأْخُذُ الْعِلْجَ مِنْ بِلاَدِ اَلتُّرْکِ هَکَذَا وَ یَأْخُذُ بِشَعْرِ رَأْسِی فَیَهُزُّنِی فَسَرَّنِی ذَلِکَ لِأَنَّهُ لَمْ یَکُنْ فِی تِلْکَ السَّفِینَةِ أَحْقَرُ مِنِّی فِی عَیْنِهِ وَ کُنْتُ عَلِیلاً فِی مَسْجِدٍ فَدَخَلَ الْمُؤَذِّنُ وَ قَالَ اخْرُجْ فَلَمْ أُطِقْ فَأَخَذَ

ص :197

بِرِجْلِی وَ جَرَّنِی إِلَی خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَ کُنْتُ بِالشَّامِ وَ عَلَیَّ فَرْوٌ فَنَظَرْتُ إِلَیْهِ فَلَمْ أُمَیِّزْ بَیْنَ الشَّعْرِ وَ بَیْنَ الْقَمْلِ لِکَثْرَتِهِ.

2789

عُرِضَ عَلَی بَعْضِ الْأُمَرَاءِ مَمْلُوکٌ بِأُلُوفٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ فَاسْتَکْثَرَ الثَّمَنَ فَقَالَ الْعَبْدُ اشْتَرِنِی یَا مَوْلاَیَ فَفِیَّ خَصْلَةٌ تُسَاوِی أَکْثَرَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ قَالَ مَا هِیَ قَالَ لَوْ قَدَّمْتَنِی عَلَی جَمِیعِ مَمَالِیکِکَ وَ خَوَّلْتَنِی بِکُلِّ مَالِکَ لَمْ أَغْلُظْ فِی نَفْسِی بَلْ أَعْلَمُ أَنِّی عَبْدُکَ فَاشْتَرَاهُ.

2790

14- تَشَاجَرَ أَبُو ذَرٍّ وَ بِلاَلٌ فَعَیَّرَ أَبُو ذَرٍّ بِلاَلاً بِالسَّوَادِ فَشَکَاهُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ یَا أَبَا ذَرٍّ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ بَقِیَ فِی قَلْبِکَ شَیْءٌ مِنْ کِبْرِ اَلْجَاهِلِیَّةِ فَأَلْقَی أَبُو ذَرٍّ نَفْسَهُ وَ حَلَفَ أَلاَّ یَحْمِلَ رَأْسَهُ حَتَّی یَطَأَ بِلاَلٌ خَدَّهُ بِقَدَمِهِ فَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّی فَعَلَ بِلاَلٌ ذَلِکَ .

2791

2- مَرَّ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع بِصِبْیَانٍ یَلْعَبُونَ وَ بَیْنَ أَیْدِیهِمْ کِسَرُ خُبْزٍ یَأْکُلُونَهَا فَدَعَوْهُ فَنَزَلَ وَ أَکَلَ مَعَهُمُ ثُمَّ حَمَلَهُمْ إِلَی مَنْزِلِهِ فَأَطْعَمَهُمْ وَ کَسَاهُمْ وَ قَالَ الْفَضْلُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ یَجِدُوا غَیْرَ مَا أَطْعَمُونِی وَ نَحْنُ نَجِدُ أَکْثَرَ مِمَّا أَطْعَمْنَاهُمْ .

و منها مخالفة النفس و ذکر عیوبها و قد تقدم ذکر ذلک.

و منها القناعة قال اللّه تعالی مَنْ عَمِلَ صٰالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثیٰ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیٰاةً طَیِّبَةً (1) قال کثیر من المفسرین هی القناعة.

و

2792

فِی الْحَدِیثِ النَّبَوِیِّ وَ یُقَالُ إِنَّهُ مِنْ کَلاَمِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع

اَلْقَنَاعَةُ کَنْزٌ لاَ یَنْفَدُ .

ص :198

و

2793

فِی الْحَدِیثِ النَّبَوِیِّ أَیْضاً کُنْ وَرِعاً تَکُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَ کُنْ قَنُوعاً تَکُنْ أَشْکَرَ النَّاسِ وَ أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِکَ تَکُنْ مُؤْمِناً وَ أَحْسِنْ مُجَاوَرَةَ مَنْ جَاوَرَکَ تَکُنْ مُسْلِماً وَ أَقِلَّ الضَّحِکَ فَإِنَّ کَثْرَةَ الضَّحِکِ تُمِیتُ الْقَلْبَ.

2794

وَ کَانَ یُقَالُ الْفُقَرَاءُ أَمْوَاتٌ إِلاَّ مَنْ أَحْیَاهُ اللَّهُ تَعَالَی بِعِزِّ الْقَنَاعَةِ.

2795

وَ قَالَ أَبُو سُلَیْمَانَ الدَّارَانِیُّ الْقَنَاعَةُ مِنَ الرِّضَا بِمَنْزِلَةِ الْوَرَعِ مِنَ الزُّهْدِ هَذَا أَوَّلُ الرِّضَا وَ هَذَا أَوَّلُ الزُّهْدِ.

2796

وَ قِیلَ الْقَنَاعَةُ سُکُونُ النَّفْسِ وَ عَدَمُ انْزِعَاجِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَأْلُوفَاتِ.

2797

وَ قِیلَ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی لَیَرْزُقَنَّهُمُ اللّٰهُ رِزْقاً حَسَناً (1) أَنَّهُ الْقَنَاعَةُ.

2798

وَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ الْمَرَاغِیُّ الْعَاقِلُ مَنْ دَبَّرَ أَمْرَ الدُّنْیَا بِالْقَنَاعَةِ وَ التَّسْوِیفِ وَ أَنْکَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خَفِیفٍ فَقَالَ الْقَنَاعَةُ تَرْکُ التَّسْوِیفِ بِالْمَفْقُودِ وَ الاِسْتِغْنَاءُ بِالْمَوْجُودِ.

2799

وَ کَانَ یُقَالُ خَرَجَ الْعِزُّ وَ الْغِنَی یَجُولاَنِ فَلَقِیَا الْقَنَاعَةَ فَاسْتَقَرَّا-

2800

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ کَانَتْ قَنَاعَتُهُ سَمِینَةً طَابَتْ لَهُ کُلُّ مَرَقَةٍ.

2801

مَرَّ أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ بِقَصَّابٍ فَقَالَ لَهُ خُذْ یَا أَبَا حَازِمٍ فَقَالَ لَیْسَ مَعِی دِرْهَمٌ قَالَ أَنَا أُنْظِرُکَ قَالَ نَفْسِی أَحْسَنُ نَظْرَةً لِی مِنْکَ.

2802

وَ قِیلَ وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَی خَمْسَةَ أَشْیَاءَ فِی خَمْسَةِ مَوَاضِعَ الْعِزَّ فِی الطَّاعَةِ وَ الذُّلَّ فِی الْمَعْصِیَةِ وَ الْهَیْبَةَ فِی قِیَامِ اللَّیْلِ وَ الْحِکْمَةَ فِی الْبَطْنِ الْخَالِی وَ الْغِنَی فِی الْقَنَاعَةِ.

2803

وَ کَانَ یُقَالُ انْتَقِمْ مِنْ فُلاَنٍ بِالْقَنَاعَةِ کَمَا تَنْتَقِمُ مِنْ قَاتِلِکَ بِالْقِصَاصِ.

2804

ذُو النُّونِ الْمِصْرِیُّ

مَنْ قَنِعَ اسْتَرَاحَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَ اسْتَطَالَ عَلَی أَقْرَانِهِ.

و أنشدوا و أحسن بالفتی من یوم عار ینال به الغنی کرم و جوع

ص :199

2805

وَ رَأَی رَجُلٌ حَکِیماً یَأْکُلُ مَا تَسَاقَطَ مِنَ الْبَقْلِ عَلَی رَأْسِ الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ لَوْ خَدَمْتَ السُّلْطَانَ لَمْ تَحْتَجْ إِلَی أَکْلِ هَذَا فَقَالَ وَ أَنْتَ لَوْ قَنِعْتَ بِهَذَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَی خِدْمَةِ السُّلْطَانِ.

2806

وَ قِیلَ الْعُقَابُ عَزِیزٌ فِی مَطَارِهِ لاَ تَسْمُو إِلَیْهِ مَطَامِعَ الصَّیَّادِینَ فَإِذَا طَمِعَ فِی جِیفَةٍ عَلِقَتْ عَلَی حِبَالَةٍ نَزَلَ مِنْ مَطَارِهِ فَنَشِبَ فِی الْأُحْبُولَةِ.

2807

وَ قِیلَ لَمَّا نَطَقَ مُوسَی بِذِکْرِ الطَّمَعِ فَقَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراً (1) قَالَ لَهُ اَلْخَضِرُ هٰذٰا فِرٰاقُ بَیْنِی وَ بَیْنِکَ (2) . و فسر بعضهم قوله هَبْ لِی مُلْکاً لاٰ یَنْبَغِی لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِی (3) فقال مقاما فی القناعة لا یبلغه أحد.

و منها التوکل قال اللّه تعالی وَ مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (4)

2808

وَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَوَّلُ مَقَامٍ فِی التَّوَکُّلِ أَنْ یَکُونَ الْعَبْدُ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ تَعَالَی کَالْمَیِّتِ بَیْنَ یَدَیِ الْغَاسِلِ یُقَلِّبُهُ کَیْفَ یَشَاءُ لاَ یَکُونُ لَهُ حَرَکَةٌ وَ لاَ تَدْبِیرٌ.

2809

وَ قَالَ رَجُلٌ لِحَاتِمٍ الْأَصَمِّ مِنْ أَیْنَ تَأْکُلُ فَقَالَ وَ لِلّٰهِ خَزٰائِنُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لٰکِنَّ الْمُنٰافِقِینَ لاٰ یَفْقَهُونَ (5) .

و قال أصحاب هذا الشأن التوکل بالقلب و لیس ینافیه الحرکة بالجسد بعد أن یتحقّق العبد أن التقدیر من اللّه فإن تعسر شیء فبتقدیره و إن تسهل فبتیسیره.

ص :200

و

2810

14- فِی الْخَبَرِ النَّبَوِیِّ أَنَّهُ ع قَالَ لِلْأَعْرَابِیِّ الَّذِی تَرَکَ نَاقَتَهُ مُهْمَلَةً فَنَدَّتْ فَلَمَّا قِیلَ لَهُ قَالَ تَوَکَّلْتُ فَتَرَکْتُهَا فَقَالَ ع اعْقِلْ وَ تَوَکَّلْ .

2811

وَ قَالَ ذُو النُّونِ التَّوَکُّلُ الاِنْخِلاَعُ مِنَ الْحَوْلِ وَ الْقُوَّةِ وَ تَرْکُ تَدْبِیرِ الْأَسْبَابِ.

2812

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ التَّوَکُّلُ رَدُّ الْعَیْشِ إِلَی یَوْمٍ وَاحِدٍ بِإِسْقَاطِ هَمِّ غَدٍ.

2813

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ التَّوَکُّلُ ثَلاَثُ دَرَجَاتٍ التَّوَکُّلُ وَ هُوَ أَدْنَاهَا ثُمَّ التَّسْلِیمُ ثُمَّ التَّفْوِیضُ فَالْأُولَی لِلْعَوَامِّ وَ الثَّانِیَةُ لِلْخَوَاصِّ وَ الثَّالِثَةُ لِخَوَاصِّ الْخَوَاصِّ.

2814

جَاءَ رَجُلٌ إِلَی اَلشِّبْلِیِّ یَشْکُو إِلَیْهِ کَثْرَةَ الْعِیَالِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَی بَیْتِکَ فَمَنْ وَجَدْتَ مِنْهُمْ لَیْسَ رِزْقُهُ عَلَی اللَّهِ فَأَخْرِجْهُ مِنَ الْبَیْتِ.

2815

وَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَنْ طَعَنَ فِی التَّوَکُّلِ فَقَطْ طَعَنَ فِی الْإِیمَانِ وَ مَنْ طَعَنَ فِی الْحَرَکَةِ فَقَدْ طَعَنَ فِی السُّنَّةِ.

2816

وَ کَانَ یُقَالُ الْمُتَوَکِّلُ کَالطِّفْلِ لاَ یَعْرِفُ شَیْئاً یَأْوِی إِلَیْهِ إِلاَّ ثَدْیَ أُمِّهِ کَذَلِکَ الْمُتَوَکِّلُ لاَ یَهْتَدِی إِلاَّ إِلَی رَبِّهِ.

2817

وَ رَأَی أَبُو سُلَیْمَانَ الدَّارَانِیُّ رَجُلاً بِمَکَّةَ لاَ یَتَنَاوَلُ شَیْئاً إِلاَّ شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَمَضَتْ عَلَیْهِ أَیَّامٌ فَقَالَ لَهُ یَوْماً أَرَأَیْتَ لَوْ غَارَتْ-أَیْ زَمْزَمُ -أَیَّ شَیْءٍ کُنْتَ تَشْرَبُ فَقَامَ وَ قَبَّلَ رَأْسَهُ وَ قَالَ جَزَاکَ اللَّهُ خَیْراً حَیْثُ أَرْشَدْتَنِی فَإِنِّی کُنْتُ أَعْبُدُ زَمْزَمَ مُنْذُ أَیَّامٍ ثُمَّ تَرَکَهُ وَ مَضَی.

2818

وَ قِیلَ التَّوَکُّلُ نَفْیُ الشُّکُوکِ وَ التَّفْوِیضُ إِلَی مَالِکِ الْمُلُوکِ.

2819

وَ دَخَلَ جَمَاعَةٌ عَلَی اَلْجُنَیْدِ فَقَالُوا نَطْلُبُ الرِّزْقَ قَالَ إِنْ عَلِمْتُمْ فِی أَیِّ مَوْضِعٍ هُوَ فَاطْلُبُوهُ قَالُوا فَنَسْأَلُ اللَّهَ ذَلِکَ قَالَ إِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ یَنْسَاکُمْ فَذَکِّرُوهُ قَالُوا لَنَدْخُلُ الْبَیْتَ فَنَتَوَکَّلُ قَالَ التَّجْرِبَةُ شَکٌّ قَالُوا فَمَا الْحِیلَةُ قَالَ تَرْکُ الْحِیلَةِ.

ص :201

2820

وَ قِیلَ التَّوَکُّلُ الثِّقَةُ بِاللَّهِ وَ الْیَأْسُ عَمَّا فِی أَیْدِی النَّاسِ.

و منها الشکر و قد تقدم منا ذکر کثیر ممّا قیل فیه.

و منها الیقین و هو مقام جلیل قال اللّه تعالی وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ (1) و

2821

قَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع

لَوْ کُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ یَقِیناً .

2822

وَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَرَامٌ عَلَی قَلْبٍ أَنْ یَشَمَّ رَائِحَةَ الْیَقِینِ وَ فِیهِ شَکْوَی إِلَی غَیْرِ اللَّهِ.

و

2823

14- ذُکِرَ لِلنَّبِیِّ ص مَا یُقَالُ عَنْ عِیسَی بْنِ مَرْیَمَ ع أَنَّهُ مَشَی عَلَی الْمَاءِ فَقَالَ لَوِ ازْدَادَ یَقِیناً لَمَشَی عَلَی الْهَوَاءِ .

و

2824

فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ عَنْهُ ص أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لاَ تُرْضِیَنَّ أَحَداً بِسَخَطِ اللَّهِ وَ لاَ تَحْمَدَنَّ أَحَداً عَلَی فَضْلِ اللَّهِ وَ لاَ تَذُمَّنَّ أَحَداً عَلَی مَا لَمْ یُؤْتِکَ اللَّهُ وَ اعْلَمْ أَنَّ الرِّزْقَ لاَ یَسُوقُهُ حِرْصُ حَرِیصٍ وَ لاَ یَرُدُّهُ کَرَاهَةُ کَارِهٍ وَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّوْحَ وَ الْفَرَجَ فِی الرِّضَا وَ الْیَقِینِ وَ جَعَلَ الْهَمَّ وَ الْحُزْنَ فِی الشَّکِّ وَ السَّخَطِ.

و منها الصبر قال اللّه تعالی وَ اصْبِرْ وَ مٰا صَبْرُکَ إِلاّٰ بِاللّٰهِ (2) و

2825

قَالَ عَلِیٌّ ع

اَلصَّبْرُ مِنَ الْإِیمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ .

2826

وَ سُئِلَ اَلْفُضَیْلُ عَنِ الصَّبْرِ قَالَ تَجَرُّعُ الْمَرَارَةِ مِنْ غَیْرِ تَعْبِیسٍ.

2827

وَ قَالَ رُوَیْمٌ الصَّبْرُ تَرْکُ الشَّکْوَی.

ص :202

و

2828

قَالَ عَلِیٌّ ع

اَلصَّبْرُ مَطِیَّةٌ لاَ تَکْبُو .

2829

وَقَفَ رَجُلٌ عَلَی اَلشِّبْلِیِّ فَقَالَ أَیُّ صَبْرٍ أَشَدُّ عَلَی الصَّابِرِینَ قَالَ اَلشِّبْلِیُّ الصَّبْرُ فِی اللَّهِ تَعَالَی فَقَالَ لاَ قَالَ فَالصَّبْرُ لِلَّهِ فَقَالَ لاَ قَالَ فَالصَّبْرُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَی فَقَالَ لاَ قَالَ فَأَیُّ شَیْءٍ قَالَ الصَّبْرُ عَنِ اللَّهِ فَصَرَخَ اَلشِّبْلِیُّ صَرْخَةً عَظِیمَةً وَ وَقَعَ.

2830

وَ یُقَالُ إِنَّ اَلشِّبْلِیَّ حُبِسَ فِی الْمَارِسْتَانِ فَدَخَلَ عَلَیْهِ قَوْمٌ فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ قَالُوا مُحِبُّوکَ جِئْنَاکَ زَائِرِینَ فَرَمَاهُمْ بِالْحِجَارَةِ فَهَرَبُوا فَقَالَ لَوْ کُنْتُمْ أَحِبَّایَ لَصَبَرْتُمْ عَلَی بَلاَئِی. و

2831

جَاءَ فِی بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَنِ اَللَّهِ تَعَالَی بِعَیْنِی مَا یَتَحَمَّلَ الْمُتَحَمِّلُونَ مِنْ أَجْلِی.

2832

وَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَوْ کَانَ الصَّبْرُ وَ الشُّکْرُ بَعِیرَیْنِ لَمْ أُبَالِ أَیَّهُمَا رَکِبْتُ.

و

2833

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ الْإِیمَانُ الصَّبْرُ وَ السَّخَاءُ.

و

2834

فِی الْخَبَرِ الْعِلْمُ خَلِیلُ الْمُؤْمِنِ وَ الْحِلْمُ وَزِیرُهُ وَ الْعَقْلُ دَلِیلُهُ وَ الْعَمَلُ قَائِدُهُ وَ الرِّفْقُ وَالِدُهُ وَ الْبِرُّ أَخُوهُ وَ الصَّبْرُ أَمِیرُ جُنُودِهِ قَالُوا فَنَاهِیکَ بِشَرَفِ خَصْلَةٍ تَتَأَمَّرُ عَلَی هَذِهِ الْخِصَالِ وَ الْمَعْنَی أَنَّ الثَّبَاتَ عَلَی هَذِهِ الْخِصَالِ وَ اسْتِدَامَةَ التَّخَلُّقِ بِهَا إِنَّمَا یَکُونُ بِالصَّبْرِ فَلِذَلِکَ کَانَ أَمِیرَ الْجُنُودِ.

و منها المراقبة

2835

14- جَاءَ فِی الْخَبَرِ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّ سَائِلاً سَأَلَهُ عَنِ الْإِحْسَانِ فَقَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ کَأَنَّکَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَکُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ یَرَاکَ .

و هذه إشارة إلی حال المراقبة لأن المراقبة علم العبد باطلاع الرب علیه فاستدامة العبد لهذا العلم مراقبة للحق و هو أصل کل خیر و لا یکاد یصل (1) إلی هذه الرتبة إلاّ بعد فراغه عن المحاسبة فإذا حاسب نفسه علی ما سلف و أصلح حاله فی الوقت

ص :203

و لازم طریق الحق و أحسن بینه و بین اللّه تعالی بمراعاة القلب و حفظ مع اللّه سبحانه الأنفاس راقبه تعالی فی عموم أحواله فیعلم أنّه تعالی رقیب علیه یعلم أحواله و یری أفعاله و یسمع أقواله و من تغافل عن هذه الجملة فهو بمعزل عن بدایة الوصلة فکیف عن حقائق القربة.

2836

وَ یُحْکَی أَنَّ مَلِکاً کَانَ یَتَحَظَّی جَارِیَةً لَهُ وَ کَانَ لِوَزِیرِهِ مَیْلٌ بَاطِنٌ إِلَیْهَا فَکَانَ یَسْعَی فِی مَصَالِحِهَا وَ یُرَجِّحُ جَانِبَهَا عَلَی جَانِبِ غَیْرِهَا مِنَ حَظَایَا الْمَلِکِ وَ نِسَائِهِ فَاتَّفَقَ أَنْ عَرَضَ عَلَیْهَا الْمَلِکُ حَجَرَیْنِ مِنَ الْیَاقُوتِ الْأَحْمَرِ أَحَدُهُمَا أَنْفَسُ مِنَ الْآخَرِ بِمَحْضَرٍ مِنَ وَزِیرِهِ فَتَحَیَّرَتْ أَیَّهُمَا تَأْخُذُ فَأَوْمَأَ الْوَزِیرُ بِعَیْنِهِ إِلَی الْحَجَرِ الْأَنْفَسِ وَ حَانَتْ مِنَ الْمَلِکِ الْتِفَاتَهٌ فَشَاهَدَ عَیْنَ الْوَزِیرِ وَ هِیَ مَائِلَةٌ إِلَی ذَلِکَ الْجَانِبِ فَبَقِیَ الْوَزِیرُ بَعْدَهَا أَرْبَعِینَ سَنَةً لاَ یَرَاهُ الْمَلِکُ قَطُّ إِلاَّ کَاسِراً عَیْنَهُ نَحْوَ الْجَانِبِ الَّذِی کَانَ طَرْفُهُ مَائِلاً إِلَیْهِ ذَلِکَ الْیَوْمِ أَیْ کَأَنَّ (1) ذَلِکَ خِلْقَةٌ. و هذا عزم قوی فی المراقبة و مثله فلیکن حال من یرید الوصول.

2837

وَ یُحْکَی أَیْضاً أَنَّ أَمِیراً کَانَ لَهُ غُلاَمٌ یُقْبِلُ عَلَیْهِ أَکْثَرَ مِنْ إِقْبَالِهِ عَلَی غَیْرِهِ مِنَ مَمَالِیکِهِ وَ لَمْ یَکُنْ أَکْثَرَهُمْ قِیمَةً وَ لاَ أَحْسَنَهُمْ صُورَةً فَقِیلَ لَهُ فِی ذَلِکَ فَأَحَبَّ أَنْ یُبَیِّنَ لَهُمْ فَضْلَ الْغُلاَمِ فِی الْخِدْمَةِ عَلَی غَیْرِهِ فَکَانَ یَوْماً رَاکِباً وَ مَعَهُ حَشَمُهُ وَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ جَبَلٌ عَلَیْهِ ثَلْجٌ فَنَظَرَ الْأَمِیرُ إِلَی الثَّلْجِ وَ أَطْرَقَ فَرَکَضَ الْغُلاَمُ فَرَسَهُ وَ لَمْ یَعْلَمِ الْغِلْمَانُ لِمَا ذَا رَکَضَ فَلَمْ یَلْبَثْ إِلاَّ قَلِیلاً حَتَّی جَاءَ وَ مَعَهُ شَیْءٌ مِنَ الثَّلْجِ فَقَالَ الْأَمِیرُ مَا أَدْرَاکَ أَنِّی أَرَدْتُ الثَّلْجَ فَقَالَ إِنَّکَ نَظَرْتَ إِلَیْهِ وَ نَظَرُ السُّلْطَانِ إِلَی شَیْءٍ لاَ یَکُونُ إِلاَّ عَنْ قَصْدٍ فَقَالَ الْأَمِیرُ لِغِلْمَانِهِ إِنَّمَا أَخْتَصُّهُ بِإِکْرَامِی وَ إِقْبَالِی لِأَنَّ لِکُلِّ وَاحِدٍ مِنْکُمْ شُغُلاً وَ شُغُلُهُ مُرَاعَاةُ لَحَظَاتِی وَ مُرَاقَبَةُ أَحْوَالِی.

ص :204

2838

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ فِی خوَاَطرِهِ عَصَمَهُ اللَّهُ فِی جَوَارِحِهِ.

و منها الرضا و هو أن یرضی العبد بالشدائد و المصائب التی یقضیها اللّه تعالی علیه و لیس المراد بالرضا رضا العبد بالمعاصی و الفواحش أو نسبتها إلی الرب تعالی عنها فإنّه سبحانه لا یرضاها کما قال جلّ جلاله وَ لاٰ یَرْضیٰ لِعِبٰادِهِ الْکُفْرَ (1) .

و قال کُلُّ ذٰلِکَ کٰانَ سَیِّئُهُ عِنْدَ رَبِّکَ مَکْرُوهاً (2) .

2839

قَالَ رُوَیْمٌ الرِّضَا أَنْ لَوْ أَدْخَلَکَ جَهَنَّمَ لَمَا سَخِطْتَ عَلَیْهِ.

2840

وَ قِیلَ لِبَعْضِهِمْ مَتَی یَکُونُ الْعَبْدُ رَاضِیاً قَالَ إِذَا سَرَّتْهُ الْمُصِیبَةُ کَمَا سَرَّتْهُ النِّعْمَةُ.

2841

قَالَ اَلشِّبْلِیُّ مَرَّةً وَ اَلْجُنَیْدُ حَاضِرٌ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَ اَلْجُنَیْدُ أَرَی أَنَّ قَوْلَکَ هَذَا ضِیقُ صَدْرٍ وَ ضِیقُ الصَّدْرِ یَجِیءُ مِنْ تَرْکِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ.

2842

وَ قَالَ أَبُو سُلَیْمَانَ الدَّارَنِیُّ الرِّضَا أَلاَّ تَسْأَلَ اللَّهَ اَلْجَنَّةَ وَ لاَ تَسْتَعِیذَ بِهِ مِنَ اَلنَّارِ .

و قال تعالی فیمن سخط قسمته وَ مِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقٰاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ یَسْخَطُونَ (3) .

ثمّ نبه علی ما حرموه من فضیلة الرضا فقال وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اللّٰهُ سَیُؤْتِینَا اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنّٰا إِلَی اللّٰهِ رٰاغِبُونَ (4) و جواب لو هاهنا محذوف لفهم المخاطب و علمه به.

ص :205

و فی حذفه فائدة لطیفة و هو أن تقدیره لرضی اللّه عنهم و لما کان رضاه عن عباده مقاما جلیلا جدا حذف ذکره لان الذکر له لا ینبئ عن کنهه و حقیقة فضله فکان الإضراب عن ذکره أبلغ فی تعظیم مقامه.

و

2843

مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَرْفُوعَةِ أَنَّهُ ص قَالَ

اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ .

قالوا إنّما قال بعد القضاء لأن الرضا قبل القضاء لا یتصور و إنّما یتصور توطین النفس علیه و إنّما یتحقّق الرضا بالشیء بعد وقوع ذلک الشیء.

و

2844

فِی الْحَدِیثِ أَنَّهُ قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ یُوصِیهِ اعْمَلْ لِلَّهِ بِالْیَقِینِ وَ الرِّضَا فَإِنْ لَمْ یَکُنْ فَاصْبِرْ فَإِنَّ فِی الصَّبْرِ عَلَی مَا تَکْرَهُ خَیْراً کَثِیراً.

و

2845

14- فِی الْحَدِیثِ أَنَّهُ ص رَأَی رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَدْ أَجْهَدَهُ الْمَرَضُ وَ الْحَاجَةُ فَقَالَ مَا الَّذِی بَلَغَ بِکَ مَا أَرَی قَالَ الْمَرَضُ وَ الْحَاجَةُ قَالَ أَ وَ لاَ أُعَلِّمُکَ کَلاَماً إِنْ أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْکَ مَا بِکَ قَالَ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ مَا یَسُرُّنِی بِحَظِّی مِنْهُمَا أَنْ شَهِدْتُ مَعَکَ بَدْراً وَ اَلْحُدَیْبِیَةَ فَقَالَ ص وَ هَلْ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَ اَلْحُدَیْبِیَةِ مَا لِلرَّاضِی وَ الْقَانِعِ

.

2846

وَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ ذِرْوَةُ الْإِیمَانِ الصَّبْرُ وَ الرِّضَا.

2847

قَدِمَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ مَکَّةَ بَعْدَ مَا کُفَّ بَصَرُهُ فَانْثَالَ النَّاسُ عَلَیْهِ یَسْأَلُونَهُ الدُّعَاءَ لَهُمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ یَا عَمِّ إِنَّکَ تَدْعُو لِلنَّاسِ فَیُسْتَجَابُ لَکَ هَلاَّ دَعَوْتَ أَنْ یُرَدَّ عَلَیْکَ بَصَرُکَ فَقَالَ یَا ابْنَ أَخِی قَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَی أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ بَصَرِی.

2848

عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ

أَصْبَحْتُ وَ مَا لِی سُرُورٌ إِلاَّ فِی مَوَاقِعِ الْقَدَرِ.

2849

وَ کَانَ یُقَالُ الرِّضَا اطِّرَاحُ الاِقْتِرَاحِ عَلَی الْعَالِمِ بِالصَّلاَحِ.

2850

وَ کَانَ یُقَالُ إِذَا کَانَ الْقَدَرُ حَقّاً کَانَ سَخَطُهُ حُمْقاً.

ص :206

2851

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ رَضِیَ حَظِیَ وَ مَنِ اطَّرَحَ الاِقْتِرَاحَ أَفْلَحَ وَ اسْتَرَاحَ.

2852

وَ کَانَ یُقَالُ کُنْ بِالرِّضَا عَامِلاً قَبْلَ أَنْ تَکُونَ لَهُ مَعْمُولاً وَ سِرْ إِلَیْهِ عَادِلاً وَ إِلاَّ سِرْتَ نَحْوَهُ مَعْدُولاً.

2853

وَ قِیلَ لِلْحَسَنِ مَنْ أَیْنَ أُتِیَ الْخَلْقُ قَالَ مِنْ قِلَّةِ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ فَقِیلَ وَ مِنْ أَیْنَ دَخَلَتْ عَلَیْهِمْ قِلَّةُ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ قَالَ مِنْ قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ.

2854

وَ قَالَ صَاحِبُ (1) سُلْوَانِ الْمُطَاعِ فِی الرِّضَا (2)

یَا مَفْزَعِی فِیمَا یَجِیءُ

وَ قَالَ أَیْضاً (3) کُنْ مِنْ مُدَبِّرِکَ الْحَکِیمِ وَ قَالَ أَیْضاً (4) یَا مَنْ یَرَی حَالِی وَ أَنْ لَیْسَ لِی

ص :207

عِنْدِی لِأَحْکَامِکَ یَا مَالِکِی

و منها العبودیة و هی أمر وراء العبادة معناها التعبد و التذلل قالوا العبادة للعوام من المؤمنین و العبودیة للخواص من السالکین.

2855

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ الْعِبَادَةُ لِمَنْ لَهُ عِلْمُ الْیَقِینِ وَ الْعُبُودِیَّةُ لِمَنْ لَهُ عَیْنُ الْیَقِینِ.

2856

وَ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ خَفِیفٍ مَتَی تَصِحُّ الْعُبُودِیَّةُ فَقَالَ إِذَا طَرَحَ کَلَّهُ عَلَی مَوْلاَهُ وَ صَبَرَ مَعَهُ عَلَی بَلْوَاهُ.

2857

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْعُبُودِیَّةُ مُعَانَقَةُ مَا أُمِرْتَ بِهِ وَ مُفَارَقَةُ مَا زُجِرْتَ عَنْهُ.

2858

وَ قِیلَ الْعُبُودِیَّةُ أَنْ تُسَلِّمَ إِلَیْهِ کُلَّکَ وَ تَحْمِلَ عَلَیْهِ کَلَّکَ.

و

2859

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّینَارِ وَ تَعِسَ عَبْدُ الْخَبِیصَةِ.

2860

رَأَی أَبُو یَزِیدَ الْبَسْطَامِیُّ رَجُلاً فَقَالَ لَهُ مَا حِرْفَتُکَ قَالَ خَرْبَنْده قَالَ أَمَاتَ اللَّهُ حِمَارَکَ لِتَکُونَ عَبْداً لِلَّهِ لاَ عَبْداً لِلْحِمَارِ.

2861

وَ کَانَ بِبَغْدَادَ فِی رِبَاطِ شَیْخِ الشُّیُوخِ صُوفِیٌّ کَبِیرُ اللِّحْیَةِ جِدّاً وَ کَانَ مُغْرًی وَ مَعْنًی بِهَا أَکْثَرَ زَمَانِهِ یُدَهِّنُهَا وَ یَسْرَحُهَا وَ یَجْعَلُهَا لَیْلاً عِنْدَ نَوْمِهِ فِی کِیسٍ فَقَامَ بَعْضُ الْمُرِیدِینَ إِلَیْهِ فِی اللَّیْلِ وَ هُوَ نَائِمٌ فَقَصَّهَا مِنَ الْأُذُنِ إِلَی الْأُذُنِ فَأَصْبَحَتْ کَالصَّرِیمِ وَ أَصْبَحَ الصُّوفِیُّ شَاکِیاً إِلَی شَیْخِ الرِّبَاطِ فَجَمَعَ اَلصُّوفِیَّةَ وَ سَأَلَهُمْ فَقَالَ الْمُرِیدُ أَنَا قَصَصْتُهَا قَالَ وَ کَیْفَ فَعَلْتَ وَیْلَکَ ذَلِکَ قَالَ أَیُّهَا الشَّیْخُ إِنَّهَا کَانَتْ صَنَمَهُ وَ کَانَ یَعْبُدُهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَأَنْکَرْتُ ذَلِکَ بِقَلْبِی وَ أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ عَبْداً لِلَّهِ لاَ عَبْداً لِلِّحْیَةِ.

ص :208

قالوا و لیس شیء أشرف من العبودیة و لا اسم أتم للمؤمن من اسمه بالعبودیة و لذلک قال سبحانه فی ذکر النبیّ ص لیلة المعراج و کان ذلک الوقت أشرف أوقاته فی الدنیا سُبْحٰانَ الَّذِی أَسْریٰ بِعَبْدِهِ لَیْلاً (1) و قال تعالی فَأَوْحیٰ إِلیٰ عَبْدِهِ مٰا أَوْحیٰ (2) فلو کان اسم أجل من العبودیة لسماه به.

و أنشدوا لا تدعنی إلاّ بیا عبدها فإنه أشرف أسمائی و منها الإرادة قال تعالی وَ لاٰ تَطْرُدِ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدٰاةِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ (3) .

قالوا الإرادة هی بدء طریق السالکین و هی اسم لأول منازل القاصدین إلی اللّه و إنّما سمیت هذه الصفة إرادة لأن الإرادة مقدّمة کل أمر فما لم یرد العبد شیئا لم یفعله فلما کان هذا الشأن أول الأمر لمن یسلک طریق اللّه سمی إرادة تشبیها له بالقصد إلی الأمور التی هو مقدمتها.

قالوا و المرید علی موجب الاشتقاق من له إرادة و لکن المرید فی هذا الاصطلاح من لا إرادة له فما لم یتجرد عن إرادته لا یکون مریدا کما أن من لا إرادة له علی موجب الاشتقاق لا یکون مریدا.

و قد اختلفوا فی العبارات الدالة علی ماهیة الإرادة فی اصطلاحهم فقال بعضهم الإرادة ترک ما علیه العادة و عادة الناس فی الغالب التعریج علی أوطان الغفلة

ص :209

و الرکون إلی اتباع الشهوة و الإخلاد إلی ما دعت إلیه المنیة و المرید هو المنسلخ عن هذه الجملة.

و قال بعضهم الإرادة نهوض القلب فی طلب الرب و لهذا

2862

قِیلَ إِنَّهَا لَوْعَةٌ تُهَوِّنُ کُلَّ رَوْعَةٍ.

2863

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ الْإِرَادَةُ لَوْعَةٌ فِی الْفُؤَادِ وَ لَذْعَةٌ فِی الْقَلْبِ وَ غَرَامٌ فِی الضَّمِیرِ وَ انْزِعَاجٌ فِی الْبَاطِنِ وَ نِیرَانٌ تُأَجَّجُ فِی الْقُلُوبِ.

2864

وَ قَالَ مِمْشَاذُ الدِّینَوَرِیُّ مُذْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحْوَالَ الْفُقَرَاءِ جِدٌّ کُلَّهَا لَمْ أُمَازِحْ فَقِیراً وَ ذَلِکَ أَنَّ فَقِیراً قَدِمَ عَلَیَّ فَقَالَ أَیُّهَا الشَّیْخُ أُرِیدُ أَنْ تَتَّخِذَ لِی عَصِیدَةً فَجَرَی عَلَی لِسَانِی إِرَادَةٌ وَ عَصِیدَةٌ فَتَأَخَّرَ الْفَقِیرُ وَ لَمْ أَشْعُرْ فَأَمَرْتُ بِاتِّخَاذِ عَصِیدَةٍ وَ طَلَبْتُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فَتَعَرَّفْتُ خَبَرَهُ فَقِیلَ إِنَّهُ انْصَرَفَ مِنْ فَوْرِهِ وَ هُوَ یَقُولُ إِرَادَةٌ وَ عَصِیدَةٌ إِرَادَةٌ وَ عَصِیدَةٌ وَ هَامَ عَلَی وَجْهِهِ حَتَّی خَرَجَ إِلَی الْبَادِیَةِ وَ هُوَ یُکَرِّرُ هَذِهِ الْکَلِمَةَ فَمَا زَالَ یَقُولُ وَ یُرَدِّدُهَا حَتَّی مَاتَ.

2865

وَ حَکَی بَعْضُهُمْ قَالَ کُنْتُ بِالْبَادِیَةِ وَحْدِی فَضَاقَ صَدْرِی فَصِحْتُ یَا إِنْسُ کَلِّمُونِی یَا جِنُّ کَلِّمُونِی فَهَتَفَ هَاتِفٌ أَیَّ شَیْءٍ نَادَیْتَ فَقُلْتُ اللَّهَ فَقَالَ الْهَاتِفُ کَذَبْتَ لَوْ أَرَدْتَهُ لَمَا نَادَیْتَ الْإِنْسَ وَ لاَ الْجِنَّ.

فالمرید هو الذی لا یشغله عن اللّه شیء و لا یفتر آناء اللیل و أطراف النهار فهو فی الظاهر بنعت المجاهدات و فی الباطن بوصف المکابدات فارق الفراش و لازم الانکماش و تحمل المصاعب و رکب المتاعب و عالج الأخلاق و مارس المشاق و عانق الأهوال و فارق الأشکال فهو کما قیل ثم قطعت اللیل فی مهمه لا أسدا أخشی و لا ذیبا

ص :210

یغلبنی شوقی فأطوی السری

و لم یزل ذو الشوق مغلوبا

و قیل من صفات المریدین التحبب إلیه بالتوکل و الإخلاص فی نصیحة الأمة و الأنس بالخلوة و الصبر علی مقاساة الأحکام و الإیثار لأمره و الحیاء من نظره و بذل المجهود فی محبته و التعرض لکل سبب یوصل إلیه و القناعة بالخمول و عدم الفرار من القلب إلی أن یصل إلی الرب.

و قال بعضهم آفة المرید ثلاثة أشیاء التزویج و کتبه الحدیث و الأسفار.

و قیل من حکم المرید أن یکون فیه ثلاثة أشیاء نومه غلبة و أکله فاقة و کلامه ضرورة.

و قال بعضهم نهایة الإرادة أن یشیر إلی اللّه فیجده مع الإشارة فقیل له و أی شیء یستوعب الإرادة فقال أن یجد اللّه بلا إشارة.

2866

وَ سُئِلَ اَلْجُنَیْدُ مَا لِلْمُرِیدِینَ وَ سَمَاعَ الْقِصَصِ وَ الْحِکَایَاتِ فَقَالَ الْحِکَایَاتُ جُنْدٌ مِنْ جُنْدِ اللَّهِ تَعَالَی یُقَوِّی بِهَا قُلُوبَ الْمُرِیدِینَ فَقِیلَ لَهُ هَلْ فِی ذَلِکَ شَاهِدٌ فَتَلاَ قَوْلَهُ تَعَالَی وَ کُلاًّ نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْبٰاءِ الرُّسُلِ مٰا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤٰادَکَ (1) .

و قال أصحاب الطریقة بین المرید و المراد فرق فالمرید من سلک الریاضة طلبا للوصول و المراد من فاضت علیه العنایة الإلهیة ابتداء فکان مخطوبا لا خاطبا و بین الخاطب و المخطوب فرق عظیم.

قالوا کان موسی ع مریدا قال رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی (2) و کان محمد ص مرادا قال له أَ لَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ (3) و

2867

سُئِلَ اَلْجُنَیْدُ عَنْ

ص :211

الْمُرِیدِ وَ الْمُرَادِ فَقَالَ الْمُرِیدُ سَائِرٌ وَ الْمُرَادُ طَائِرٌ وَ مَتَی یَلْحَقُ السَّائِرُ الطَّائِرَ.

2868

أَرْسَلَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِیُّ رَجُلاً إِلَی أَبِی یَزِیدَ وَ قَالَ لَهُ إِلَی مَتَی النَّوْمُ وَ الرَّاحَةُ قَدْ سَارَتِ الْقَافِلَةُ فَقَالَ لَهُ أَبُو یَزِیدَ قُلْ لِأَخِی الرَّجُلُ مَنْ یَنَامُ اللَّیْلَ کُلَّهُ ثُمَّ یُصْبِحُ فِی الْمَنْزِلِ قَبْلَ الْقَافِلَةِ فَقَالَ ذُو النُّونِ هَنِیئاً لَهُ هَذَا الْکَلاَمُ لاَ تَبْلُغُهُ أَحْوَالُنَا.

و قد تکلم الحکماء فی هذا المقام فقال أبو علیّ بن سینا فی کتاب الإشارات أول درجات حرکات العارفین ما یسمونه هم الإرادة و هو ما یعتری المستبصر بالیقین البرهانی أو الساکن النفس إلی العقد الإیمانی من الرغبة فی اعتلاق العروة الوثقی فیتحرک سره إلی القدس لینال من روح الاتصال فما دامت درجته هذه فهو مرید.

ثمّ إنّه لیحتاج إلی الریاضة و الریاضة موجهة إلی ثلاثة أغراض الأول تنحیه ما دون الحق عن سنن الإیثار.

و الثانی تطویع النفس الأمارة للنفس المطمئنة لتنجذب قوی التخیل و الوهم إلی التوهمات المناسبة للأمر القدسی منصرفة من التوهمات المناسبة للأمر السفلی.

و الثالث تلطیف السر لنفسه.

فالأول یعین علیه الزهد الحقیقی و الثانی یعین علیه عدة أشیاء العبادة المشفوعة بالفکرة ثمّ الألحان المستخدمة لقوی النفس الموقعة لما لحن بها من الکلام موقع القبول من الأوهام ثمّ نفس الکلام الواعظ من قائل ذکی بعبارة بلیغة و نغمة رخیمة و سمت رشید و الثالث یعین علیه الفکر اللطیف و العشق العفیف الذی تتأمر فیه شمائل المعشوق دون سلطان الشهوة.

ص :212

و منها الاستقامة و حقیقتها الدوام و الاستمرار علی الحال قال تعالی إِنَّ الَّذِینَ قٰالُوا رَبُّنَا اللّٰهُ ثُمَّ اسْتَقٰامُوا (1) .

و سئل بعضهم عن تارک الاستقامة فقال قد ذکر اللّه ذلک فی کتابه فقال وَ لاٰ تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَهٰا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکٰاثاً (2) و

2869

14- فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ شَیَّبَتْنِی هُودُ فَقِیلَ لَهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ قَوْلُهُ فَاسْتَقِمْ کَمٰا أُمِرْتَ (3) .

و قال تعالی وَ أَنْ لَوِ اسْتَقٰامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لَأَسْقَیْنٰاهُمْ مٰاءً غَدَقاً (4) فلم یقل سقیناهم بل أسقیناهم أی جعلنا لهم سقیا دائمة و ذلک لأن من دام علی الخدمة دامت علیه النعمة.

و منها الإخلاص و هو إفراد الحق خاصّة فی الطاعة بالقصد و التقرب إلیه بذلک خاصّة من غیر ریاء و من غیر أن یمازحه شیء آخر من تصنع لمخلوق أو اکتساب محمدة بین الناس أو محبة مدح أو معنی من المعانی و لذلک قال أرباب هذا الفن الإخلاص تصفیة العمل عن ملاحظة المخلوقین.

2870

وَ قَالَ اَلْخَوَاصُّ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ نُقْصَانُ کُلِّ مُخْلِصٍ فِی إِخْلاَصِهِ رُؤْیَةُ إِخْلاَصِهِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یُخَلِّصَ إِخْلاَصَ عَبْدٍ أَسْقَطَ عَنْ إِخْلاَصِهِ رُؤْیَتَهُ لِإِخْلاَصِهِ فَیَکُونُ مُخْلَصاً لاَ مُخْلِصاً.

و

2871

جَاءَ فِی الْأَثَرِ عَنْ مَکْحُولٍ مَا أَخْلَصَ عَبْدٌ لِلَّهِ أَرْبَعِینَ صَبَاحاً إِلاَّ ظَهَرَتْ یَنَابِیعُ الْحِکْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَی لِسَانِهِ.

ص :213

و منها الصدق و یطلق علی معنیین تجنب الکذب و تجنب الریاء و قد تقدم القول فیهما.

و منها الحیاء و

2872

فِی الْحَدِیثِ الصَّحِیحِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْیِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ.

و

2873

فِی الْحَدِیثِ أَیْضاً الْحَیَاءُ مِنَ الْإِیمَانِ.

و قال تعالی أَ لَمْ یَعْلَمْ بِأَنَّ اللّٰهَ یَریٰ (1) قالوا معناه أ لم یستحی.

و

2874

14- فِی الْحَدِیثِ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ اسْتَحْیُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَیَاءِ قَالُوا إِنَّا لَنَسْتَحْیِی وَ نَحْمَدُ اللَّهَ قَالَ لَیْسَ کَذَلِکَ مَنِ اسْتَحْیَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَیَاءِ فَلْیَحْفَظِ الرَّأْسَ وَ مَا وَعَی وَ الْبَطْنَ وَ مَا حَوَی وَ لْیَذْکُرِ الْمَوْتَ وَ طُولَ الْبِلَی وَ لْیَتْرُکْ زِینَةَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا فَمَنْ یَعْمَلْ ذَلِکَ فَقَدِ اسْتَحْیَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَیَاءِ .

2875

وَ قَالَ اِبْنُ عَطَاءٍ الْعِلْمُ الْأَکْبَرُ الْهَیْبَةُ وَ الْحَیَاءُ فَإِذَا ذَهَبَا لَمْ یَبْقَ خَیْرٌ.

2876

وَ قَالَ ذُو النُّونِ الْحُبُّ یُنْطِقُ وَ الْحَیَاءُ یُسْکِتُ وَ الْخَوْفُ یُقْلِقُ.

2877

وَ قَالَ اَلسَّرِیُّ الْحَیَاءُ وَ الْأُنْسُ یَطْرُقَانِ الْقَلْبَ فَإِنْ وَجَدَا فِیهِ الزُّهْدَ وَ الْوَرَعَ حَطَّا وَ إِلاَّ رَحَلاَ.

2878

وَ کَانَ یُقَالُ تَعَامَلَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ مِنَ النَّاسِ فِیمَا بَیْنَهُمْ بِالدِّینِ حَتَّی رَقَّ الدِّینُ ثُمَّ تَعَامَلَ الْقَرْنُ الثَّانِی بِالْوَفَاءِ حَتَّی ذَهَبَ الْوَفَاءُ ثُمَّ تَعَامَلَ الْقَرْنُ الثَّالِثُ بِالْمُرُوءَةِ حَتَّی فَنِیَتِ الْمُرُوءَةُ ثُمَّ تَعَامَلَ الْقَرْنُ الرَّابِعُ بِالْحَیَاءِ حَتَّی قَلَّ الْحَیَاءُ ثُمَّ صَارَ النَّاسُ یَتَعَامَلُونَ بِالرَّغْبَةِ وَ الرَّهْبَةِ.

ص :214

2879

وَ قَالَ اَلْفُضَیْلُ خَمْسٌ مِنْ عَلاَمَاتِ الشَّقَاءِ الْقَسْوَةُ فِی الْقَلْبِ وَ جُمُودُ الْعَیْنِ وَ قِلَّةُ الْحَیَاءِ وَ الرَّغْبَةُ فِی الدُّنْیَا وَ طُولُ الْأَمَلِ.

2880

وَ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ تَعَالَی وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا لَوْ لاٰ أَنْ رَأیٰ بُرْهٰانَ رَبِّهِ (1) أَنَّهَا کَانَ لَهَا صَنَمٌ فِی زَاوِیَةِ الْبَیْتِ فَمَضَتْ فَأَلْقَتْ عَلَی وَجْهِهِ ثَوْباً فَقَالَ یُوسُفُ مَا هَذَا قَالَتْ أَسْتَحْیِی مِنْهُ قَالَ فَأَنَا أَوْلَی أَنْ أَسْتَحْیِیَ مِنَ اللَّهِ.

و

2881

فِی بَعْضِ الْکُتُبِ الْقَدِیمَةِ مَا أَنْصَفَنِی عَبْدِی یَدْعُونِی فَأَسْتَحْیِی أَنْ أَرُدَّهُ وَ یَعْصِینِی وَ أَنَا أَرَاهُ فَلاَ یَسْتَحْیِی مِنِّی.

و منها الحریة و هو ألا یکون الإنسان بقلبه رق شیء من المخلوقات لا من أغراض الدنیا و لا من أغراض الآخرة فیکون فردا لفرد لا یسترقه عاجل دنیا و لا آجل منی و لا حاصل هوی و لا سؤال و لا قصد و لا أرب.

2882

14- قَالَ لَهُ ص بَعْضُ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ قَدْ عَزَفْتُ نَفْسِی یَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِ الدُّنْیَا فَاسْتَوَی عِنْدِی ذَهَبُهَا وَ حَجَرُهَا قَالَ صِرْتَ حُرّاً .

2883

وَ کَانَ بَعْضُهُمْ یَقُولُ لَوْ صَحَّتْ صَلاَةٌ بِغَیْرِ قُرْآنٍ لَصَحَّتْ بِهَذَا الْبَیْتِ أَتَمَنَّی (2) عَلَی الزَّمَانِ مُحَالاً أَنْ تَرَی مُقْلَتَایَ طَلْعَةَ حُرٍّ.

2884

وَ سُئِلَ اَلْجُنَیْدُ عَمَّنْ لَمْ یَبْقَ لَهُ مِنَ الدُّنْیَا إِلاَّ مِقْدَارُ مَصِّ نَوَاةٍ فَقَالَ الْمُکَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِیَ عَلَیْهِ دِرْهَمٌ.

و منها الذکر قال اللّه تعالی یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا اللّٰهَ ذِکْراً کَثِیراً (3)

ص :215

و

2885

14- رَوَی أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ أَ لاَ أُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرِ أَعْمَالِکُمْ وَ أَزْکَاهَا عِنْدَ خَالِقِکُمْ وَ أَرْفَعِهَا فِی دَرَجَاتِکُمْ وَ خَیْرٍ مِنْ إِعْطَائِکُمُ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّکُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَ یَضْرِبُوا أَعْنَاقَکُمْ قَالُوا مَا ذَلِکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذِکْرُ اللَّهِ .

و

2886

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَی أَحَدٍ یَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ.

2887

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ الذِّکْرُ مَنْشُورُ الْوَلاَیَةِ فَمَنْ وُفِّقَ لِلذِّکْرِ فَقَدْ أُعْطِیَ الْمَنْشُورَ وَ مَنْ سُلِبَ الذِّکْرَ فَقَدْ عُزِلَ.

2888

وَ قِیلَ ذِکْرُ اللَّهِ تَعَالَی بِالْقَلْبِ سَیْفُ الْمُرِیدِینَ بِهِ یُقَاتِلُونَ أَعْدَاءَهُمْ وَ بِهِ یَدْفَعُونَ الْآفَاتِ الَّتِی تَقْصِدُهُمْ وَ إِنَّ الْبَلاَءَ إِذَا أَظَلَّ الْعَبْدَ فَفَزِعَ بِقَلْبِهِ إِلَی اللَّهِ حَادَ عَنْهُ کُلُّ مَا یَکْرَهُهُ.

و

2889

14- فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِیَاضِ اَلْجَنَّةِ فَارْتَعُوا فِیهَا قِیلَ وَ مَا رِیَاضُ اَلْجَنَّةِ قَالَ مَجَالِسُ الذِّکْرِ .

و

2890

فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ أَنَا جَلِیسُ مَنْ ذَکَرَنِی.

2891

وَ سُمِعَ اَلشِّبْلِیُّ وَ هُوَ یُنْشِدُ ذَکَرْتُکَ لاَ أَنِّی نَسِیتُکَ لَمْحَةً

ص :216

و منها الفتوة قال سبحانه مخبرا عن أصحاب الأصنام قٰالُوا سَمِعْنٰا فَتًی یَذْکُرُهُمْ یُقٰالُ لَهُ إِبْرٰاهِیمُ (1) .

و قال تعالی فی أصحاب الکهف إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْنٰاهُمْ هُدیً (2) .

و قد اختلفوا فی التعبیر عن الفتوة ما هی

2892

فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْفُتُوَّةَ أَلاَّ تَرَی لِنَفْسِکَ فَضْلاً عَلَی غَیْرِکَ.

2893

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْفُتُوَّةُ الصَّفْحُ عَنْ عَثَرَاتِ الْإِخْوَانِ.

2894

1- وَ قَالُوا إِنَّمَا هَتَفَ الْمَلَکُ یَوْمَ أُحُدٍ بِقَوْلِهِ لاَ سَیْفَ إِلاَّ ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَی إِلاَّ عَلِیٌّ .

لِأَنَّهُ کَسَرَ الْأَصْنَامَ فَسُمِّیَ بِمَا سُمِّیَ بِهِ أَبُوهُ إِبْرَاهِیمُ الْخَلِیلُ حِینَ کَسَرَهَا وَ جَعَلَهَا جُذَاذاً

.

2895

قَالُوا وَ صَنَمُ کُلِّ إِنْسَانٍ نَفْسُهُ فَمَنْ خَالَفَ هَوَاهُ فَقَدْ کَسَرَ صَنَمَهُ فَاسْتَحَقَّ أَنْ یُطْلَقَ عَلَیْهَا لَفْظُ الْفُتُوَّةِ.

2896

وَ قَالَ اَلْحَارِثُ الْمُحَاسِبِیُّ الْفُتُوَّةُ أَنْ تُنْصِفَ وَ لاَ تُنْتَصَفَ.

2897

وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ سُئِلَ أَبِی عَنِ الْفُتُوَّةِ فَقَالَ تَرْکُ مَا تَهْوَی لِمَا تَخْشَی.

2898

وَ قِیلَ الْفُتُوَّةُ أَلاَّ تَدَّخِرَ وَ لاَ تَعْتَذِرَ.

2899

6- سَأَلَ شَقِیقٌ الْبَلْخِیُّ جَعْفَرَ بَنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ ع عَنِ الْفُتُوَّةِ فَقَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ قَالَ إِنَّ أُعْطِینَا شَکَرْنَا وَ إِنْ مُنِعْنَا صَبَرْنَا قَالَ إِنَّ الْکِلاَبَ عِنْدَنَا بِالْمَدِینَةِ هَذَا شَأْنُهَا وَ لَکِنْ قُلْ إِنْ أُعْطِینَا آثَرْنَا وَ إِنْ مُنِعْنَا شَکَرْنَا .

ص :217

و منها الفراسة قیل فی تفسیر قوله تعالی إِنَّ فِی ذٰلِکَ لَآیٰاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ (1) أی للمتفرسین و

2900

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهَا لاَ تُخْطِئُ.

2901

قِیلَ الْفِرَاسَةُ سَوَاطِعُ أَنْوَارٍ لَمَعَتْ فِی الْقُلُوبِ حَتَّی شَهِدَتِ الْأَشْیَاءَ مِنْ حَیْثُ أَشْهَدَهَا الْحَقُّ إِیَّاهَا وَ کُلُّ مَنْ کَانَ أَقْوَی إِیمَاناً کَانَ أَشَدَّ فِرَاسَةً.

2902

وَ کَانَ یُقَالُ إِذَا صَحَّتِ الْفِرَاسَةُ ارْتَقَی مِنْهَا صَاحِبُهَا إِلَی الْمُشَاهَدَةِ.

و منها حسن الخلق و هو من صفات العارفین فقد أثنی اللّه تعالی به علی نبیه فقال وَ إِنَّکَ لَعَلیٰ خُلُقٍ عَظِیمٍ (2) و

2903

14- قِیلَ لَهُ ص أَیُّ الْمُؤْمِنِینَ أَفْضَلُ إِیمَاناً فَقَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً وَ بِالْخُلُقِ تَظْهَرُ جَوَاهِرُ الرِّجَالِ وَ الْإِنْسَانُ مَسْتُورٌ بِخُلُقِهِ مَشْهُورٌ بِخَلْقِهِ .

2904

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ حُسْنُ الْخُلُقِ اسْتِصْغَارُ مَا مِنْکَ وَ اسْتِعْظَامُ مَا إِلَیْکَ.

و

2905

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص إِنَّکُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِکُمْ فَسَعُوهُمْ بِأَخْلاَقِکُمْ.

2906

قِیلَ لِذِی النُّونِ مَنْ أَکْبَرُ النَّاسِ هَمّاً قَالَ أَسْوَؤُهُمْ خُلُقاً.

2907

وَ کَانَ یُقَالُ مَا تَخَلَّقَ أَحَدٌ أَرْبَعِینَ صَبَاحاً بِخُلُقٍ إِلاَّ صَارَ ذَلِکَ طَبِیعَةً فِیهِ.

2908

قَالَ اَلْحَسَنُ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ ثِیٰابَکَ فَطَهِّرْ (3) أَیْ وَ خُلُقَکَ فَحَسِّنْ.

2909

شَتَمَ رَجُلٌ اَلْأَحْنَفَ بْنَ قَیْسٍ وَ جَعَلَ یَتَّبِعُهُ وَ یَشْتِمُهُ فَلَمَّا قَرُبَ الْحَیَّ وَقَفَ وَ قَالَ یَا فَتَی إِنَّ کَانَ قَدْ بَقِیَ فِی قَلْبِکَ شَیْءٌ فَقُلْهُ کَیْلاَ یَسْمَعَکَ سُفَهَاءُ الْحَیِّ فَیُجِیبُوکَ.

ص :218

2910

وَ یُقَالُ إِنَّ مَعْرُوفاً الْکَرْخِیَّ نَزَلَ دِجْلَةَ لِیَسْبَحَ وَ وَضَعَ ثِیَابَهُ وَ مُصْحَفَهُ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَاحْتَمَلَتْهُمَا فَتَبِعَهَا وَ قَالَ أَنَا مَعْرُوفٌ الْکَرْخِیُّ فَلاَ بَأْسَ عَلَیْکِ أَ لَکِ ابْنٌ یَقْرَأُ قَالَتْ لاَ قَالَ أَ فَلَکِ بَعْلٌ قَالَتْ لاَ قَالَ فَهَاتِی اَلْمُصْحَفَ وَ خُذِی الثِّیَابَ.

2911

قِیلَ لِبَعْضِهِمْ مَا أَدَبُ الْخُلُقِ قَالَ مَا أَدَّبَ اللَّهُ بِهِ نَبِیَّهُ فِی قَوْلِهِ خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِینَ (1) .

2912

یُقَالُ إِنَّ فِی بَعْضِ کُتُبِ النُّبُوَّاتِ الْقَدِیمَةِ یَا عَبْدِی اذْکُرْنِی حِینَ تَغْضَبُ أَذْکُرْکَ حِینَ أَغْضَبُ.

2913

قَالَتِ امْرَأَةٌ لِمَالِکِ بْنِ دِینَارٍ یَا مُرَائِی فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْتِ اسْمِیَ الَّذِی أَضَلَّهُ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ .

2914

قَالَ بَعْضُهُمْ وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ غُلاَمٍ سُوءٍ لَهُ لِمَ یُمْسِکُهُ قَالَ أَتَعَلَّمُ عَلَیْهِ الْحِلْمَ.

2915

وَ کَانَ یُقَالُ ثَلاَثَةٌ لاَ یُعْرَفُونَ إِلاَّ عِنْدَ ثَلاَثَةٍ الْحَلِیمُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَ الشُّجَاعُ عِنْدَ الْحَرْبِ وَ الصَّدِیقُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَیْهِ.

2916

وَ قِیلَ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی وَ أَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً (2) الظَّاهِرَةُ تَسْوِیَةُ الْخَلْقِ وَ الْبَاطِنَةُ تَصْفِیَةُ الْخُلُقِ.

2917

اَلْفُضَیْلُ

لَأَنْ یَصْحَبَنِی فَاجِرٌ حَسَنُ الْخُلُقِ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ یَصْحَبَنِی عَابِدٌ سَیِّئُ الْخُلُقِ.

2918

خَرَجَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ أَدْهَمَ إِلَی بَعْضِ الْبَرَارِیِّ فَاسْتَقْبَلَهُ جُنْدِیٌّ فَسَأَلَهُ أَیْنَ الْعُمْرَانُ فَأَشَارَ إِلَی الْمَقْبَرَةِ فَضَرَبَ رَأْسَهُ فَشَجَّهُ وَ أَدْمَاهُ فَلَمَّا جَاوَزَهُ قِیلَ لَهُ إِنَّ ذَلِکَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ أَدْهَمَ

ص :219

زَاهِدُ خُرَاسَانَ فَرَدَّ إِلَیْهِ یَعْتَذِرُ فَقَالَ إِبْرَاهِیمُ إِنَّکَ لَمَّا ضَرَبْتَنِی سَأَلْتُ اللَّهَ لَکَ اَلْجَنَّةَ .

قَالَ لِمَ سَأَلْتَ ذَلِکَ قَالَ عَلِمْتُ أَنِّی أُوجَرُ عَلَی ضَرْبِکَ لِی فَلَمْ أُرِدْ أَنْ یَکُونَ نَصِیبِی مِنْکَ الْخَیْرَ وَ نَصِیبُکَ مِنِّی الشَّرَّ.

2919

وَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ اَلْجُنَیْدِ قَدِمْتُ مِنْ مَکَّةَ فَبَدَأْتُ بِالشَّیْخِ کَیْ لاَ یَتَعَنَّی إِلَیَّ فَسَلَّمْتُ عَلَیْهِ ثُمَّ مَضَیْتُ إِلَی مَنْزِلِی فَلَمَّا صَلَّیْتُ الصُّبْحَ فِی الْمَسْجِدِ إِذَا أَنَا بِهِ خَلْفِی فِی الصَّفِّ فَقُلْتُ إِنَّمَا جِئْتُکَ أَمْسِ لِئَلاَّ تَتَعَنَّی فَقَالَ ذَلِکَ فَضْلُکَ وَ هَذَا حَقُّکَ.

2920

14- کَانَ أَبُو ذَرٍّ عَلَی حَوْضٍ یَسْقِی إِبِلَهُ فَزَاحَمَهُ إِنْسَانٌ فَکَسَرَ الْحَوْضَ فَجَلَسَ أَبُو ذَرٍّ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَقِیلَ لَهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا غَضِبَ الرَّجُلُ وَ هُوَ قَائِمٌ فَلْیَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ وَ إِلاَّ فَلْیَضْطَجِعْ .

2921

دَعَا إِنْسَانٌ بَعْضَ مَشَاهِیرِ اَلصُّوفِیَّةِ إِلَی ضِیَافَةٍ فَلَمَّا حَضَرَ بَابَ دَارِهِ رَدَّهُ وَ اعْتَذَرَ إِلَیْهِ ثُمَّ فَعَلَ بِهِ مِثْلَ ذَلِکَ وَ ثَانِیَةً وَ ثَالِثَةً وَ الصُّوفِیُّ لاَ یَغْضَبُ وَ لاَ یَضْجَرُ فَمَدَحَهُ ذَلِکَ الْإِنْسَانُ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ بِحُسْنِ الْخُلُقِ فَقَالَ إِنَّمَا تَمْدَحُنِی عَلَی خُلُقٍ تَجِدُ مِثْلَهُ فِی الْکَلْبِ إِنْ دَعَوْتَهُ حَضَرَ وَ إِنْ زَجَرْتَهُ انْزَجَرَ.

2922

مَرَّ بَعْضُهُمْ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ بِسِکَّةٍ فَأُلْقِیَ عَلَیْهِ مِنْ سَطْحٍ طَسْتُ رَمَادٍ فَغَضِبَ مَنْ کَانَ فِی صُحْبَتِهِ فَقَالَ لاَ تَغْضَبُوا مَنِ اسْتَحَقَّ أَنْ یُصَبَّ عَلَیْهِ النَّارُ فَصُولِحَ عَلَی الرَّمَادِ لَمْ تَجُزْ لَهُ أَنْ یَغْضَبَ.

2923

کَانَ لِبَعْضِ الْخَیَّاطِینَ جَارٌ یَدْفَعُ إِلَیْهِ ثِیَاباً فَیَخِیطُهَا وَ یَدْفَعُ إِلَیْهِ أُجْرَتَهَا دَرَاهِمَ زُیُوفاً فَیَأْخُذُهَا فَقَامَ یَوْماً مِنْ حَانُوتِهِ وَ اسْتَخْلَفَ وَلَدَهُ فَجَاءَ الْجَارُ بِالدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ فَدَفَعَهَا إِلَی الْوَلَدِ فَلَمْ یَقْبَلْهَا فَأَبْدَلَهَا بِدَرَاهِمَ جَیِّدَةٍ فَلَمَّا جَاءَ أَبُوهُ دَفَعَ إِلَیْهِ الدَّرَاهِمَ فَقَالَ وَیْحَکَ هَلْ جَرَی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ أَمْرٌ قَالَ نَعَمْ إِنَّهُ أَحْضَرَ الدَّرَاهِمَ زُیُوفاً فَرَدَدْتُهَا فَأَحْضَرَ هَذِهِ

ص :220

فَقَالَ بِئْسَ مَا صَنَعْتَ إِنَّهُ مُنْذُ کَذَا وَ کَذَا سَنَةً یُعَامِلُنِی بِالزَّائِفِ وَ أَصْبِرُ عَلَیْهِ وَ أُلْقِیهَا فِی بِئْرٍ کَیْ لاَ یَغُرَّ غَیْرِی بِهَا.

2924

وَ قِیلَ الْخُلُقُ السَّیِّئُ هُوَ أَنْ یَضِیقَ قَلْبُ الْإِنْسَانِ عَنْ أَنْ یَتَّسِعَ لِغَیْرِ مَا تُحِبُّهُ النَّفْسُ وَ تُؤْثِرُهُ کَالْمَکَانِ الضَّیِّقِ لاَ یَسَعُ غَیْرَ صَاحِبِهِ.

2925

وَ کَانَ یُقَالُ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ أَنْ تَقِفَ عَلَی سُوءِ خُلُقِ غَیْرِکَ وَ تَعِیبَهُ بِهِ.

2926

14- قِیلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَلَی اَلْمُشْرِکِینَ فَقَالَ إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً وَ لَمْ أُبْعَثْ عَذَاباً .

2927

1- دَعَا عَلِیٌّ ع غُلاَماً لَهُ مِرَاراً وَ هُوَ لاَ یُجِیبُهُ فَقَامَ إِلَیْهِ فَقَالَ أَ لاَ تَسْمَعُ یَا غُلاَمُ قَالَ بَلَی قَالَ فَمَا حَمَلَکَ عَلَی تَرْکِ الْجَوَابِ قَالَ أَمْنِی لِعُقُوبَتِکَ قَالَ اِذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ

.

و منها الکتمان

2928

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص اسْتَعِینُوا عَلَی أُمُورِکُمْ بِالْکِتْمَانِ.

2929

وَ قَالَ اَلسَّرِیُّ عَلاَمَةُ الْحُبِّ الصَّبْرُ وَ الْکِتْمَانُ وَ مَنْ بَاحَ بِسِرِّنَا فَلَیْسَ مِنَّا.

و قال الشاعر کتمت حبک حتّی منک تکرمة و هذا ضد ما یذهب إلیه القوم من الکتمان و هو عذر لأصحاب السر و الإعلان

2930

وَ کَانَ یُقَالُ الْمَحَبَّةُ فَاضِحَةٌ وَ الدَّمْعُ نَمَّامٌ.

و قال الشاعر لا جزی اللّه دمع عینی خیرا و جزی اللّه کل خیر لسانی

ص :221

فاض دمعی فلیس یکتم شیئا

و وجدت اللسان ذا کتمان

2931

یُقَالُ إِنَّ بَعْضَ الْعَارِفِینَ أَوْصَی تِلْمِیذَهُ بِکِتْمَانِ مَا یَطَّلِعُ عَلَیْهِ مِنَ الْحَالِ فَلَمَّا شَاهَدَ الْأَمْرَ غَلَبَ فَکَانَ یَطْلُعُ فِی بِئْرٍ فِی مَوْضِعٍ خَالٍ فَیُحَدِّثُهَا بِمَا یُشَاهِدُ فَنَبَتَتْ فِی تِلْکَ الْبِئْرِ شَجَرَةٌ سُمِعَ مِنْهَا صَوْتٌ یَحْکِی کَلاَمَ ذَلِکَ التِّلْمِیذِ کَمَا یَحْکِی الصَّدَا کَلاَمَ الْمُتَکَلِّمِ فَأُسْقِطَ بِذَلِکَ مِنْ دِیوَانِ الْأَوْلِیَاءِ.

و أنشدوا أبدا تحن إلیکم الأرواح

و قال الحسین بن منصور الحلاج إنی لأکتم من علمی جواهره

و منها الجود و السخاء و الإیثار قال اللّه تعالی وَ یُؤْثِرُونَ عَلیٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ (1) و

2932

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص السَّخِیُّ قَرِیبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِیبٌ مِنَ النَّاسِ

ص :222

وَ الْبَخِیلُ بَعِیدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِیدٌ مِنَ النَّاسِ وَ إِنَّ الْجَاهِلَ السَّخِیَّ أَحَبُّ إِلَی اللَّهِ مِنَ الْعَابِدِ الْبَخِیلِ.

قالوا لا فرق بین الجود و السخاء فی اصطلاح أهل العربیة إلا أن الباری سبحانه لا یوصف بالسخاء لأنّه یشعر بسماح النفس عقیب التردد فی ذلک و أمّا فی اصطلاح أرباب هذه الطریقة فالسخاء هو الرتبة الأولی و الجود بعده ثمّ الإیثار فمن أعطی البعض و أبقی البعض فهو صاحب السخاء و من أعطی الأکثر و أبقی لنفسه شیئا فهو صاحب الجود و الذی قاسی الضراء و آثر غیره بالبلغة فهو صاحب الإیثار.

2933

قَالَ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ الْفَزَارِیُّ مَا أُحِبُّ أَنْ أَرُدَّ أَحَداً عَنْ حَاجَةٍ طَلَبَهَا إِنْ کَانَ کَرِیماً صُنْتُ عِرْضَهُ عَنِ النَّاسِ وَ إِنْ کَانَ لَئِیماً صُنْتُ عَنْهُ عِرْضِی.

2934

کَانَ مُؤَرَّقٌ الْعِجْلِیُّ یَتَلَطَّفُ فِی بِرِّ إِخْوَانِهِ یَضَعُ عِنْدَهُمْ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَ یَقُولُ أَمْسِکُوهَا حَتَّی أَعُودَ إِلَیْکُمْ ثُمَّ یُرْسِلُ إِلَیْهِمْ أَنْتُمْ مِنْهَا فِی حِلٍّ.

2935

وَ کَانَ یُقَالُ الْجُودُ إِجَابَةُ الْخَاطِرِ الْأَوَّلِ.

2936

وَ کَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْبُوشَنْجِیُّ فِی الْخَلاَءِ فَدَعَا تِلْمِیذاً لَهُ فَقَالَ انْزِعْ عَنِّی هَذَا الْقَمِیصَ وَ ادْفَعْهُ إِلَی فُلاَنٍ فَقِیلَ لَهُ هَلاَّ صَبَرْتَ فَقَالَ لَمْ آمَنْ عَلَی نَفْسِی أَنْ تُغِیرَ عَلَی مَا وَقَعَ لِی مِنَ التَّخَلُّقِ مَعَهُ بِالْقَمِیصِ.

2937

1- رُئِیَ عَلِیٌّ ع یَوْماً بَاکِیاً فَقِیلَ لَهُ لِمَ تَبْکِی فَقَالَ لَمْ یَأْتِنِی ضَیْفٌ مُنْذُ سَبْعَةِ أَیَّامٍ أَخَافُ أَنْ یَکُونَ اللَّهُ قَدْ أَهَانَنِی

.

2938

أَضَافَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ رَجُلاً فَأَحْسَنَ قِرَاهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یَرْتَحِلَ لَمْ یُعِنْهُ غِلْمَانُهُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِکَ فَقَالَ إِنَّهُمْ إِنَّمَا یُعِینُونَ مَنْ نَزَلَ عَلَیْنَا لاَ مَنِ ارْتَحَلَ عَنَّا. و منها الغیرة

2939

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لاَ أَحَدَ أَغْیَرُ مِنَ اللَّهِ إِنَّمَا حَرَّمَ اَلْفَوٰاحِشَ مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ مٰا بَطَنَ لِغَیْرَتِهِ.

ص :223

و

2940

فِی حَدِیثِ أَبِی هُرَیْرَةَ إِنَّ اللَّهَ لَیَغَارُ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَیَغَارُ.

قال و الغیرة هی کراهیة المشارکة فیما هو حقک.

و قیل الغیرة الأنفة و الحمیة.

2941

وَ حُکِیَ عَنِ اَلسَّرِیِّ أَنَّهُ قُرِئَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ إِذٰا قَرَأْتَ اَلْقُرْآنَ جَعَلْنٰا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لاٰ یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجٰاباً مَسْتُوراً (1) فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَ تَدْرُونَ مَا هَذَا الْحِجَابُ هَذَا حِجَابُ الْغَیْرَةِ وَ لاَ أَحَدَ أَغْیَرُ مِنَ اللَّهِ.

قَالُوا وَ مَعْنَی حِجَابِ الْغَیْرَةِ أَنَّهُ لَمَّا أَصَرَّ اَلْکَافِرُونَ عَلَی الْجُحُودِ عَاقَبَهُمْ بِأَنْ لَمْ یَجْعَلْهُمْ أَهْلاً لِمَعْرِفَةِ أَسْرَارِ اَلْقُرْآنِ .

2942

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ إِنَّ أَصْحَابَ الْکَسَلِ عَنْ عِبَادَتِهِ هُمُ الَّذِینَ رَبَطَ الْحَقُّ بِأَقْدَامِهِمْ مُثْقِلَةَ الْخِذْلاَنِ فَاخْتَارَ لَهُمُ الْبُعْدَ وَ أَخَّرَهُمْ عَنْ مَحَلِّ الْقُرْبِ وَ لِذَلِکَ تَأَخَّرُوا.

و فی معناه أنشدوا فقالوا أنا صب بمن هویت و لکن ما احتیالی فی سوء رأی الموالی.

و فی معناه قالوا سقیم لا یعاد و مرید لا یراد.

2943

وَ کَانَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ إِذَا وَقَعَ شَیْءٌ فِی خِلاَلِ الْمَجْلِسِ یُشَوِّشُ قُلُوبَ الْحَاضِرِینَ یَقُولُ هَذَا مِنْ غَیْرَةِ الْحَقِّ یُرِیدُ بِهِ أَلاَّ یَتِمَّ مَا أَمَّلْنَاهُ مِنْ صَفَاءِ هَذَا الْوَقْتِ.

و أنشدوا فی معناه همت بإتیاننا حتّی إذا نظرت إلی المرأة نهانا وجهها الحسن.

2944

وَ قِیلَ لِبَعْضِهِمْ أَ تُرِیدُ أَنْ تَرَاهُ قَالَ لاَ قِیلَ لِمَ قَالَ أُنَزِّهُ ذَلِکَ الْجَمَالَ عَنْ نَظَرِ مِثْلِی. و فی معناه أنشدوا إنی لأحسد ناظری علیک حتی أغض إذا نظرت إلیک

ص :224

و أراک تخطر فی شمائلک التی

هی فتنتی فأغار منک علیکا

2945

وَ سُئِلَ اَلشِّبْلِیُّ مَتَی تَسْتَرِیحُ قَالَ إِذَا لَمْ أَرَ لَهُ ذَاکِراً.

2946

14,17- وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ فِی قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص عِنْدَ مُبَایَعَتِهِ فَرَساً مِنْ أَعْرَابِیٍّ وَ أَنَّهُ اسْتَقَالَهُ فَأَقَالَهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِیُّ عَمَّرَکَ اللَّهُ فَمَنْ أَنْتَ قَالَ ص أَنَا امْرُؤٌ مِنْ قُرَیْشٍ فَقَالَ بَعْضُ اَلصَّحَابَةِ مِنَ الْحَاضِرِینَ لِلْأَعْرَابِیِّ کَفَاکَ جَفَاءً أَلاَّ تَعْرِفَ نَبِیَّکَ فَکَانَ أَبُو عَلِیٍّ یَقُولُ إِنَّمَا قَالَ امْرُؤٌ مِنْ قُرَیْشٍ غَیْرَةً وَ نَوْعاً مِنَ الْأَنَفَةِ وَ إِلاَّ فَقَدْ کَانَ الْوَاجِبَ عَلَیْهِ أَنْ یَتَعَرَّفَ لِکُلِّ أَحَدٍ أَنَّهُ مَنْ هُوَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَجْرَی عَلَی لِسَانِ ذَلِکَ الصَّحَابِیِّ التَّعْرِیفَ لِلْأَعْرَابِیِّ بِقَوْلِهِ کَفَاکَ جَفَاءً أَلاَّ تَعْرِفَ نَبِیَّکَ

.

2947

وَ قَالَ أَصْحَابُ الطَّرِیقَةِ مُسَاکَنَةُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ لِلْحَقِّ فِی قَلْبِکَ تُوجِبُ الْغَیْرَةَ مِنْهُ تَعَالَی.

2948

أَذَّنَ اَلشِّبْلِیُّ مَرَّةً فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی الشَّهَادَتَیْنِ قَالَ وَ حَقِّکَ لَوْ لاَ أَنَّکَ أَمَرْتَنِی مَا ذَکَرْتُ مَعَکَ غَیْرَکَ.

2949

وَ سَمِعَ رَجُلٌ رَجُلاً یَقُولُ جَلَّ اللَّهُ فَقَالَ أُحِبُّ أَنْ تُجِلَّهُ عَنْ هَذَا.

2950

وَ کَانَ بَعْضُ الْعَارِفِینَ یَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِنْ دَاخِلِ الْقَلْبِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ قُرْطِ الْأُذُنِ.

2951

وَ قِیلَ لِأَبِی الْفُتُوحِ السُّهْرَوَرْدِیِّ وَ قَدْ أُخِذَ بِحَلَبَ لِیُصْلَبَ عَلَی خَشَبَةٍ مَا الَّذِی أَبَاحَهُمْ هَذَا مِنْکَ قَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ دَعَوْنِی إِلَی أَنْ أَجْعَلَ مُحَمَّداً شَرِیکاً لِلَّهِ فِی الرُّبُوبِیَّةِ فَلَمْ أَفْعَلْ فَقَتَلُونِی.

ص :225

و منها التفویض قال اللّه تعالی وَ عَسیٰ أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَ عَسیٰ أَنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَ اللّٰهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ (1) فاستوقف من عقل أمره عن الاقتراح علیه و أفهمه ما یرضاه به من التفویض إلیه فالعاقل تارک للاقتراح علی العالم بالصلاح.

و قال تعالی فَعَسیٰ أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَ یَجْعَلَ اللّٰهُ فِیهِ خَیْراً کَثِیراً (2) فبعث علی تأکید الرجاء بقوله خَیْراً کَثِیراً .

و لما فوض مؤمن آل فرعون أمره إلی اللّه فَوَقٰاهُ اللّٰهُ سَیِّئٰاتِ مٰا مَکَرُوا وَ حٰاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذٰابِ (3) کما ورد فی الکتاب العزیز .

و حقیقة التفویض هی التسلیم لأحکام الحق سبحانه و إلی ذلک وقعت الإشارة بقوله تعالی قُلْ لَنْ یُصِیبَنٰا إِلاّٰ مٰا کَتَبَ اللّٰهُ لَنٰا هُوَ مَوْلاٰنٰا وَ عَلَی اللّٰهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (4) فأس التفویض و الباعث علیه هو اعتقاد العجز عن مغالبة القدر و أنّه لا یکون فی الخیر و الشر أعنی الرخص و الصحة و سعة الرزق و البلایا و الأمراض و العلل و ضیق الرزق إلاّ ما أراد اللّه تعالی کونه و لا یصحّ التفویض ممن لم یعتقد ذلک و لم یعلمه علم الیقین.

و قد بالغ النبیّ ص فی التصریح به و النصّ علیه

2952

بِقَوْلِهِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِیَقِلَّ هَمُّکَ مَا قُدِّرَ أَتَاکَ وَ مَا لَمْ یُقَدَّرْ لَمْ یَأْتِکَ وَ لَوْ جَهَدَ الْخَلْقُ أَنْ یَنْفَعُوکَ بِشَیْءٍ لَمْ یَکْتُبْهُ اللَّهُ لَکَ لَمْ یَقْدِرُوا عَلَیْهِ وَ لَوْ جَهَدُوا أَنْ یَضُرُّوکَ بِشَیْءٍ لَمْ یَکْتُبْهُ اللَّهُ عَلَیْکَ لَمْ یَقْدِرُوا عَلَی ذَلِکَ.

ص :226

و

2953

فِی صَحِیحِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِی هُرَیْرَةَ فِی کَلاَمٍ لَهُ فَإِنْ أَصَابَکَ شَیْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ فَعَلْتُ کَذَا لَکَانَ کَذَا فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ اَلشَّیْطَانِ وَ لَکِنْ قُلْ مَا قَدَّرَ اللَّهُ وَ مَا شَاءَ فَعَلَ.

و

2954

فِی صَحِیحِ مُسْلِمٍ أَیْضاً عَنِ اَلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَکَ فَقُلْ کَذَا إِلَی أَنْ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِی إِلَیْکَ وَ أَلْجَأْتُ ظَهْرِی إِلَیْکَ رَغْبَةً وَ رَهْبَةً إِلَیْکَ لاَ مَنْجَی وَ لاَ مَلْجَأَ مِنْکَ إِلاَّ إِلَیْکَ.

2955

وَ کَانَ یُقَالُ مُعَارَضَةُ الْمَرِیضِ طَبِیبَهُ تُوجِبُ تَعْذِیبَهُ.

2956

وَ کَانَ یُقَالُ إِنَّمَا الْکَیِّسُ الْمَاهِرُ مَنْ أَمْسَی (1) فِی قَبْضَةِ الْقَاهِرِ.

2957

وَ کَانَ یُقَالُ إِذَا کَانَتْ مُغَالَبَةُ الْقَدَرِ مُسْتَحِیلَةً فَمَا مِنْ أَعْوَانٍ تَقُودُهُ إِلَی الْحِیلَةِ.

2958

وَ کَانَ یُقَالُ إِذَا الْتَبَسَتِ الْمَصَادِرُ فَفَوِّضْ إِلَی الْقَادِرِ.

2959

وَ کَانَ یُقَالُ مِنَ الدَّلاَلَةِ عَلَی أَنَّ الْإِنْسَانَ مُصَرَّفٌ مَغْلُوبٌ وَ مُدَبَّرٌ مَرْبُوبٌ أَنْ یَتَبَلَّدَ رَأْیُهُ فِی بَعْضِ الْخُطُوبِ وَ یَعْمَی عَلَیْهِ الصَّوَابُ الْمَطْلُوبُ.

وَ إِذَا کَانَ کَذَلِکَ فَرُبَّمَا کَانَ تَدْمِیرُهُ فِی تَدْبِیرِهِ وَ اغْتِیَالُهُ مِنِ احْتِیَالِهِ وَ هَلَکَتُهُ مِنْ حَرَکَتِهِ.

و فی ذلک أنشدوا أیا من یعول فی المشکلات

ص :227

و أنشدوا فی هذا المعنی یا ربّ مغتبط و مغبوط

و منها الولایة و المعرفة و قد تقدم القول فیهما.

و منها الدعاء و المناجاة قال اللّه تعالی اُدْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ (1) و

2960

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ.

و قد اختلف أرباب هذا الشأن فی الدعاء فقال قوم الدعاء مفتاح الحاجة و مستروح أصحاب الفاقات و ملجأ المضطرین و متنفس ذوی المآرب.

و قد ذمّ اللّه تعالی قوما فقال وَ یَقْبِضُونَ أَیْدِیَهُمْ (2) فسروه و قالوا لا یمدونها إلیه فی السؤال.

2961

وَ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِیُّ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ وَ قَالَ تَاجِرُوا فِیَّ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاسْمَعُوا مِنِّی فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَکُونُوا بِبَابِی فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأَنْزِلُوا حَاجَاتِکُمْ بِی.

قالوا و قد أثنی اللّه علی نفسه فقال أَمَّنْ یُجِیبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ (3) قالوا الدعاء إظهار فاقة العبودیة.

ص :228

2962

وَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْأَعْرَجُ لَأَنْ أُحْرَمَ الدُّعَاءَ أَشَدُّ عَلَیَّ مِنْ أَنْ أُحْرَمَ الْإِجَابَةَ.

و قال قوم بل السکوت و الخمود تحت جریان الحکم و الرضا بما سبق من اختیار الحکیم العالم بالمصالح أولی و لهذا

2963

قَالَ اَلْوَاسِطِیُّ اخْتِیَارُ مَا جَرَی لَکَ فِی الْأَزَلِ خَیْرٌ لَکَ مِنْ مُعَارَضَةِ الْوَقْتِ.

و

2964

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص إِخْبَاراً عَنِ اَللَّهِ تَعَالَی مَنْ شَغَلَهُ ذِکْرِی عَنْ مَسْأَلَتِی أَعْطَیْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِی السَّائِلِینَ.

2965

وَ قَالَ قَوْمٌ یَجِبُ أَنْ یَکُونَ الْعَبْدُ صَاحِبَ دُعَاءٍ بِلِسَانِهِ وَ صَاحِبَ رِضًا بِقَلْبِهِ لِیَأْتِیَ بِالْأَمْرَیْنِ جَمِیعاً.

2966

وَ قَالَ قَوْمٌ إِنَّ الْأَوْقَاتِ تَخْتَلِفُ فَفِی بَعْضِ الْأَحْوَالِ یَکُونُ الدُّعَاءُ أَفْضَلَ مِنَ السُّکُوتِ وَ فِی بَعْضِ الْأَحْوَالِ یَکُونُ بِالْعَکْسِ وَ إِنَّمَا یُعْرَفُ هَذَا فِی الْوَقْتِ لِأَنَّ عِلْمَ الْوَقْتِ یَحْصُلُ فِی الْوَقْتِ فَإِذَا وَجَدَ فِی قَلْبِهِ الْإِشَارَةَ إِلَی الدُّعَاءِ فَالدُّعَاءُ أَوْلَی وَ إِنْ وَجَدَ بِقَلْبِهِ الْإِشَارَةَ إِلَی السُّکُوتِ فَالسُّکُوتُ لَهُ أَتَمُّ وَ أَوْلَی.

و

2967

جَاءَ فِی الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ یُبْغِضُ الْعَبْدَ فَیُسْرِعُ إِجَابَتَهُ بُغْضاً لِسَمَاعِ صَوْتِهِ وَ أَنَّهُ یُحِبُّ الْعَبْدَ فَیُؤَخِّرُ إِجَابَتَهُ حُبّاً لِسَمَاعِ صَوْتِهِ.

و من أدب الدعاء حضور القلب

2968

فَقَدْ رُوِیَ عَنْهُ ص أَنَّ اللَّهَ لاَ یَسْتَجِیبُ دُعَاءَ قَلْبٍ لاَهٍ.

و من شروط الإجابة طیب الطعمة و حل المکسب

2969

قَالَ ص لِسَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ أَطِبْ کَسْبَکَ تُسْتَجَبْ دَعْوَتُکَ.

ص :229

و ینبغی أن یکون الدعاء بعد المعرفة

2970

6- قِیلَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ ع مَا بَالُنَا نَدْعُو فَلاَ یُسْتَجَابُ لَنَا قَالَ لِأَنَّکُمْ تَدْعُونَ مَنْ لاَ تَعْرِفُونَهُ .

2971

کَانَ صَالِحٌ الْمُرِّیُّ یَقُولُ کَثِیراً ادْعُوا فَمَنْ أَدْمَنَ قَرْعَ الْبَابِ یُوشِکُ أَنْ یُفْتَحَ لَهُ فَقَالَتْ لَهُ رَابِعَةُ الْعَدَوِیَّةُ مَا ذَا تَقُولُ أَ غُلِقَ هَذَا الْبَابُ حَتَّی یُسْتَفْتَحَ فَقَالَ صَالِحٌ شَیْخٌ جَهِلَ وَ امْرَأَةٌ عَلِمَتْ.

2972

وَ قِیلَ فَائِدَةُ الدُّعَاءِ إِظْهَارُ الْفَاقَةِ مِنَ الْخَلْقِ وَ إِلاَّ فَالرَّبُّ یَفْعَلُ مَا یَشَاءُ.

2973

وَ قِیلَ دُعَاءُ الْعَامَّةِ بِالْأَقْوَالِ وَ دُعَاءُ الْعَابِدِ بِالْأَفْعَالِ وَ دُعَاءُ الْعَارِفِ بِالْأَحْوَالِ.

2974

وَ قِیلَ خَیْرُ الدُّعَاءِ مَا هَیَّجَهُ الْأَحْزَانُ وَ الْوَجْدُ.

2975

وَ قِیلَ أَقْرَبُ الدُّعَاءِ إِلَی الْإِجَابَةِ دُعَاءُ الاِضْطِرَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَی أَمَّنْ یُجِیبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ .

2976

قَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِیقَةِ أَلْسِنَةُ الْمُبْتَدِئِینَ أَرْبَابَ الْإِرَادَةِ مُنْطَلِقَةٌ بِالدُّعَاءِ وَ أَلْسِنَةُ الْمُحَقِّقِینَ الْوَاصِلِینَ قَدْ خَرِسَتْ عَنْ ذَلِکَ.

2977

وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَکِ یَقُولُ مَا دَعَوْتُهُ مُنْذُ خَمْسِینَ سَنَةً وَ لاَ أُرِیدُ أَنْ یَدْعُوَ لِی أَحَدٌ.

2978

وَ قِیلَ الدُّعَاءُ سُلَّمُ الْمُذْنِبِینَ.

2979

وَ قَالَ مَنْ قَالَ بِنَقِیضِ هَذَا الدُّعَاءُ مُرَاسَلَةٌ وَ مَا دَامَتِ الْمُرَاسَلَةُ بَاقِیَةً فَالْأَمْرُ جَمِیلٌ بَعْدُ.

2980

وَ قَالُوا أَلْسِنَةُ الْمُذْنِبِینَ دُمُوعُهُمْ.

2981

وَ کَانَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ یَقُولُ إِذَا بَکَی الْمُذْنِبُ فَقَدْ رَاسَلَ اللَّهَ.

و فی معناه أنشدوا دموع الفتی عما یجن تترجم و أنفاسه تبدین ما القلب یکتم.

ص :230

2982

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ الْعَارِفِینَ ادْعُ لِی فَقَالَ کَفَاکَ مِنَ الْإِجَابَةِ أَلاَّ تَجْعَلَ بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ وَاسِطَةً.

و منها التأسی قال سبحانه لَقَدْ کٰانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (1) أی فی مصابه و ما نیل منه فی نفسه و فی أهله یوم أحد فلا تجزعوا أن أصیب بعضکم.

و

2983

جَاءَ فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ لاَ تَنْظُرُوا إِلَی مَنْ فَوْقَکُمْ وَ انْظُرُوا إِلَی مَنْ دُونَکُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلاَّ تَزْدَرُوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ.

و قالت الخنساء ترثی أخاها و لو لا کثرة الباکین حولی

و حقیقة التأسی تهوین المصائب و النوائب علی النفس بالنظر إلی ما أصاب أمثالک و من هو أرفع محلا منک.

و قد فسر العلماء قوله تعالی وَ لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْیَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّکُمْ فِی الْعَذٰابِ مُشْتَرِکُونَ (2) قال إنّه لا یهون علی أحد من أهل النار عذابه و إن تأسی بغیره من المعذبین لأن اللّه تعالی جعل لهم التأسی نافعا فی الدنیا و لم یجعله نافعا لأهل النار مبالغة فی تعذیبهم و نفیا لراحة تصل إلیهم.

ص :231

و منها الفقر و هو شعار الصالحین

2984

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص

اللَّهُمَّ أَحْیِنِی مِسْکِیناً وَ أَمِتْنِی مِسْکِیناً وَ احْشُرْنِی مَعَ الْمَسَاکِینِ .

2985

قَالَ لِعَلِیٍّ ع إِنَّ اللَّهَ قَدْ زَیَّنَکَ بِزِینَةٍ لَمْ یُزَیِّنِ الْعِبَادَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَهَبَ لَکَ حُبَّ الْمَسَاکِینِ فَجَعَلَکَ تَرْضَی بِهِمْ أَتْبَاعاً وَ یَرْضَوْنَ بِکَ إِمَاماً.

و

2986

جَاءَ فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ الْفُقَرَاءُ الصُّبُرُ جُلَسَاءُ اللَّهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ .

2987

وَ سُئِلَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ عَنِ الْفَقْرِ فَقَالَ أَلاَّ تَسْتَغْنِیَ إِلاَّ بِاللَّهِ.

و

2988

14- قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَأَنْ أَقَعَ مِنْ فَوْقِ قَصْرٍ فَأَتَحَطَّمَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ مُجَالَسَةِ الْغَنِیِّ لِأَنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِیَّاکُمْ وَ مُجَالَسَةَ الْمَوْتَی فَقِیلَ لَهُ وَ مَا الْمَوْتَی قَالَ الْأَغْنِیَاءُ .

2989

قِیلَ لِلرَّبِیعِ بْنِ خُثَیْمٍ قَدْ غَلاَ السِّعْرُ قَالَ نَحْنُ أَهْوَنُ عَلَی اللَّهِ مِنْ أَنْ یُجِیعَنَا إِنَّمَا یُجِیعُ أَوْلِیَاءَهُ.

2990

وَ قِیلَ لِیَحْیَی بْنِ مُعَاذٍ مَا الْفَقْرُ قَالَ خَوْفُ الْفَقْرِ.

2991

وَ قَالَ اَلشِّبْلِیُّ أَدْنَی عَلاَمَاتِ الْفَقِیرِ أَنْ لَوْ کَانَتِ الدُّنْیَا بِأَسْرِهَا لِوَاحِدٍ فَأَنْفَقَهَا فِی یَوْمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ خَطَرَ بِبَالِهِ لَوْ أَمْسَکْتُ مِنْهَا قُوتَ یَوْمٍ آخَرَ لَمْ یَصْدُقْ فِی فَقْرِهِ.

2992

سُئِلَ اِبْنُ الْجِلاَءِ عَنِ الْفَقْرِ فَسَکَتَ ثُمَّ ذَهَبَ قَلِیلاً وَ عَادَ فَقَالَ کَانَتْ عِنْدِی أَرْبَعَةُ دَوَانِیقَ فِضَّةً فَاسْتَحْیَیْتُ مِنَ اللَّهِ أَنْ أَتَکَلَّمَ فِی الْفَقْرِ وَ هِیَ عِنْدِی فَذَهَبْتُ فَأَخْرَجْتُهَا ثُمَّ قَعَدَ فَتَکَلَّمَ فِی الْفَقْرِ.

2993

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ ص مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِیٍّ ذَهَبَ ثُلُثَا دِینِهِ إِنَّ الْمَرْءَ بِقَلْبِهِ وَ لِسَانِهِ وَ جَوَارِحِهِ فَمَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِیٍّ بِلِسَانِهِ وَ جَوَارِحِهِ ذَهَبَ ثُلُثَا دِینِهِ فَإِنْ تَوَاضَعَ لَهُ مَعَ ذَلِکَ بِقَلْبِهِ ذَهَبَ دَیْنُهُ کُلُّهُ.

ص :232

و منها الأدب قالوا فی تفسیر قوله تعالی مٰا زٰاغَ الْبَصَرُ وَ مٰا طَغیٰ (1) حفظ أدب الحضرة.

2994

14- قِیلَ إِنَّهُ ع لَمْ یَمُدَّ نَظَرَهُ فَوْقَ الْمَقَامِ الَّذِی أُوْصِلَ إِلَیْهِ لَیْلَةً شَاهَدَ السِّدْرَةَ وَ هِیَ أَقْصَی مَا یُمْکِنُ أَنْ یَنْتَهِیَ إِلَیْهِ الْبَشَرِیُّونَ .

و

2995

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ أَدَّبَنِی رَبِّی فَأَحْسَنَ تَأْدِیبِی.

2996

وَ قِیلَ إِنَّ اَلْجُنَیْدَ لَمْ یَمُدَّ رِجْلَهُ فِی الْخَلْوَةِ عِشْرِینَ سَنَةً وَ کَانَ یَقُولُ الْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ أَوْلَی مِنَ الْأَدَبِ مَعَ الْخَلْقِ.

2997

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ مَنْ صَاحَبَ الْمُلُوکَ بِغَیْرِ أَدَبٍ أَسْلَمَهُ الْجَهْلُ إِلَی الْقَتْلِ.

و

2998

مِنْ کَلاَمِهِ ع تَرْکُ الْأَدَبِ یُوجِبُ الطَّرْدَ فَمَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَی الْبِسَاطِ رُدَّ إِلَی الْبَابِ وَ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَی الْبَابِ رُدَّ إِلَی سَاحَةِ الدَّوَابِّ.

2999

وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَکِ قَدْ أَکْثَرَ النَّاسُ فِی الْأَدَبِ وَ عِنْدِی أَنَّ الْأَدَبَ مَعْرِفَةُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ.

3000

وَ قَالَ اَلثَّوْرِیُّ مَنْ لَمْ یَتَأَدَّبْ لِلْوَقْتِ فَوَقْتُهُ مَقْتٌ.

3001

وَ قَالَ أَبُو عَلِیٍّ الدَّقَّاقُ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی حِکَایَةً عَنْ أَیُّوبَ إِذْ نٰادیٰ رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِینَ (2) قَالَ لَمْ یَقُلْ فَارْحَمْنِی لِأَنَّهُ حَفِظَ آدَابَ الْخَطَّابِ وَ کَذَلِکَ قَالَ فِی قَوْلِ عِیسَی إِنْ کُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَه (3) قَالَ لَمْ یَقُلْ لَمْ أَقُلْ رِعَایَةً لِأَدَبِ الْحَضْرَةِ.

ص :233

و منها المحبة و هی مقام جلیل

3002

قَالُوا الْمَحَبَّةُ أَنْ تَهَبَ کُلَّکَ لِمَنْ أَحْبَبْتَ فَلاَ یَبْقَی لَکَ مِنْکَ شَیْءٌ.

3003

قِیلَ لِبَعْضِ اَلْعَرَبِ مَا وَجَدْتَ مِنْ حُبِّ فُلاَنَةَ قَالَ أَرَی الْقَمَرَ عَلَی جِدَارِهَا أَحْسَنَ مِنْهُ عَلَی جُدْرَانِ النَّاسِ.

3004

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِیُّ الْمَحَبَّةُ أَنْ تَغَارَ عَلَی مَحْبُوبِکَ أَنْ یُحِبَّهُ غَیْرُکَ.

3005

وَ قَالَ اَلنَّصْرَآبَاذِیُّ الْمَحَبَّةُ نَوْعَانِ نَوْعٌ یُوجِبُ حَقْنَ الدِّمَاءِ وَ نَوْعٌ یُوجِبُ سَفْکَ الدِّمَاءِ.

3006

وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذِ الْمَحَبَّةُ الْخَالِصَةُ أَلاَّ تَنْقُصَ بِالْجَفَاءِ وَ لاَ تَزِیدَ بِالْبِرِّ.

3007

وَ قِیلَ لِلنَّصْرَآبَاذِیِّ کَیْفَ حَالُکَ فِی الْمَحَبَّةِ قَالَ عَدِمْتُ وِصَالَ الْمُحِبِّینَ وَ رُزِقْتُ حَسَرَاتِهِمْ فَهُوَ ذَا أَنَا أَحْتَرِقُ فِیهَا ثُمَّ قَالَ الْمَحَبَّةُ مُجَانَبَةُ السُّلُوِّ عَلَی کُلِّ حَالٍ.

و أنشدوا و من کان فی طول الهوی ذاق سلوة و

3008

جَاءَ فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَ لَمَّا سَمِعَ سَمْنُونُ هَذَا الْخَبَرَ قَالَ فَازَ الْمُحِبُّونَ بِشَرَفِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ مَعَ اللَّهِ تَعَالَی.

و

3009

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلاً یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ .

و هذا یتجاوز حدّ الجلالة و الشرف.

3010

وَ کَانَ یُقَالُ الْحُبُّ أَوَّلُهُ خَتْلٌ وَ آخِرُهُ قَتْلٌ.

3011

قِیلَ کَتَبَ یَحْیَی بْنُ مُعَاذٍ إِلَی أَبِی یَزِیدَ سَکِرْتُ مِنْ کَثْرَةِ مَا شَرِبْتُ مِنْ مَحَبَّتِهِ فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَبُو زَیْدٍ غَیْرُکَ شَرِبَ بُحُورَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا رَوِیَ بَعْدُ وَ لِسَانُهُ خَارِجٌ وَ هُوَ یَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِیدٍ.

ص :234

و أنشد عجبت لمن یقول ذکرت حبی

3012

وَ قِیلَ الْمَحَبَّةُ سُکْرٌ لاَ یَصْحُو صَاحِبُهُ إِلاَّ بِمُشَاهَدَةِ مَحْبُوبِهِ ثُمَّ السُّکْرُ الَّذِی یَحْصُلُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ لاَ یُوصَفُ.

و أنشدوا فأسکر القوم دور کأس و کان سکری من المدیر.

و منها الشوق

3013

جَاءَ فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ اَلْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إِلَی ثَلاَثَةٍ- عَلِیٍّ وَ سَلْمَانَ وَ عَمَّارٍ .

الشوق مرتبة من مراتب القوم و مقام من مقاماتهم

3014

سُئِلَ اِبْنُ عَطَاءٍ الشَّوْقُ أَعْلَی أَمِ الْمَحَبَّةُ فَقَالَ الْمَحَبَّةُ لِأَنَّ الشَّوْقَ مِنْهَا یَتَوَلَّدُ.

و

3015

14- مِنَ الْأَدْعِیَةِ النَّبَوِیَّةِ الْمَأْثُورَةِ الدُّعَاءُ الَّذِی کَانَ یَدْعُو بِهِ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّهُمَّ بِعِلْمِکَ بِالْغَیْبِ وَ قُدْرَتِکَ عَلَی الْخَلْقِ أَحْیِنِی مَا عَلِمْتَ الْحَیَاةَ خَیْراً لِی وَ تَوَفَّنِی مَا کَانَتِ الْوَفَاةُ خَیْراً لِی اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ خَشْیَتَکَ فِی الْغَیْبِ وَ الشَّهَادَةِ وَ أَسْأَلُکَ کَلِمَةَ الْحَقِّ فِی الرِّضَا وَ الْغَضَبِ وَ أَسْأَلُکَ الْقَصْدَ فِی الْغِنَی وَ الْفَقْرِ وَ أَسْأَلُکَ نَعِیماً لاَ یَبِیدُ وَ قُرَّةَ عَیْنٍ لاَ تَنْقَطِعُ وَ أَسْأَلُکَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَ بَرْدَ الْعَیْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَ أَسْأَلُکَ النَّظَرَ إِلَی وَجْهِکَ وَ الشَّوْقَ إِلَی لِقَائِکَ مِنْ غَیْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ اللَّهُمَّ زَیِّنَّا بِزِینَةِ الْإِیمَانِ وَ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِینَ .

3016

قَالُوا الشَّوْقُ احْتِیَاجُ الْقَلْبِ إِلَی لِقَاءِ الْمَحْبُوبِ وَ عَلَی قَدْرِ الْمَحَبَّةِ یَکُونُ الشَّوْقُ وَ عَلاَمَةُ الشَّوْقِ حُبُّ الْمَوْتِ.

ص :235

و هذا هو السر فی قوله تعالی فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ کُنْتُمْ صٰادِقِینَ (1) أی أن من کان صاحب محبة یتمنی لقاء محبوبه فمن لا یتمنی ذلک لا یکون صادق المحبة.

قیل لبعض الصوفیة هل تشتاق إلیه فقال إنّما الشوق إلی غائب و هو حاضر لا یغیب.

و قالوا فی قوله تعالی مَنْ کٰانَ یَرْجُوا لِقٰاءَ اللّٰهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّٰهِ لَآتٍ (2) إنّه تطیب لقلوب المشتاقین.

و

3017

یُقَالُ إِنَّهُ مَکْتُوبٌ فِی بَعْضِ کُتُبِ النُّبُوَّاتِ الْقَدِیمَةِ شَوَّقْنَاکُمْ فَلَمْ تَشْتَاقُوا وَ زَمَرْنَا لَکُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا وَ خَوَّفْنَاکُمْ فَلَمْ تَرْهَبُوا وَ نُحْنَا لَکُمْ فَلَمْ تَحْزَنُوا.

و

3018

قِیلَ إِنَّ شُعَیْباً بَکَی حَتَّی عَمِیَ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَیْهِ بَصَرَهُ ثُمَّ بَکَی حَتَّی عَمِیَ فَرَدَّ عَلَیْهِ بَصَرَهُ ثُمَّ کَذَلِکَ ثَلاَثاً فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَی إِنْ کَانَ هَذَا الْبُکَاءُ شَوْقاً إِلَی اَلْجَنَّةِ فَقَدْ أَبَحْتُهَا لَکَ وَ إِنْ کَانَ خَوْفاً مِنَ اَلنَّارِ فَقَدْ أَجَرْتُکَ مِنْهَا فَقَالَ وَ حَقِّکَ لاَ هَذَا وَ لاَ هَذَا وَ لَکِنْ شَوْقاً إِلَیْکَ فَقَالَ لَهُ لِأَجْلِ ذَلِکَ أَخْدَمْتُکَ نَبِیِّی وَ کَلِیمِی عَشْرَ سِنِینَ.

و منها الزهد و رفض الدنیا قال سبحانه وَ لاٰ تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلیٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا (3) و

3019

جَاءَ فِی الْخَبَرِ أَنَّ یُوسُفَ ع کَانَ یَجُوعُ فِی سِنِی الْجَدْبِ فَقِیلَ لَهُ أَ تَجُوعُ وَ أَنْتَ عَلَی خَزَائِنِ مِصْرَ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ أَشْبَعَ فَأَنْسَی الْجِیَاعَ.

و کذلک

3020

1- قَالَ عَلِیٌّ ع وَ قَدْ قِیلَ لَهُ أَ هَذَا لِبَاسُکَ وَ هَذَا مَأْکُولُکَ وَ أَنْتَ أَمِیرُ

ص :236

الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ نَعَمْ إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَی أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ یُقَدِّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ کَضَعَفَةِ النَّاسِ کَیْلاَ یَتَبَیَّغَ (1) بِالْفَقِیرِ فَقْرُهُ .

3021

وَ مَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَفْسَهُ عَامَ الرَّمَادَةِ الدَّسَمَ وَ قَالَ لاَ آکُلُهُ حَتَّی یُصِیبَهُ اَلْمُسْلِمُونَ جَمِیعاً.

3022

وَ کَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ مِنْ أَکْثَرِ النَّاسِ تَنَعُّماً قَبْلَ أَنْ یَلِیَ الْخِلاَفَةَ قُوِّمَتْ ثِیَابُهُ حِینَئِذٍ بِأَلْفِ دِینَارٍ وَ قُوِّمَتْ وَ هُوَ یَخْطُبُ النَّاسَ أَیَّامَ خِلاَفَتِهِ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ.

و اعلم أن بعض هذه المراتب و المقامات التی ذکرناها للقوم قد یکون متداخلا فی الظاهر و له فی الباطن عندهم فرق یعرفه من یأنس بکتبهم و قد أتینا فی تقسیم مراتبهم و تفصیل مقاماتهم فی هذا الفصل بما فیه کفایة

ص :237

فَتَعَالَی مِنْ قَوِیٍّ مَا أَکْرَمَهُ وَ تَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِیفٍ مَا أَجْرَأَکَ عَلَی مَعْصِیَتِهِ وَ أَنْتَ فِی کَنَفِ سِتْرِهِ مُقِیمٌ وَ فِی سَعَةِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ فَلَمْ یَمْنَعْکَ فَضْلَهُ وَ لَمْ یَهْتِکْ عَنْکَ سِتْرَهُ بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرَفَ عَیْنٍ فِی نِعْمَةٍ یُحْدِثُهَا لَکَ أَوْ سَیِّئَةٍ یَسْتُرُهَا عَلَیْکَ أَوْ بَلِیَّةٍ یَصْرِفُهَا عَنْکَ فَمَا ظَنُّکَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ کَانَتْ فِی مُتَّفِقَیْنِ فِی الْقُوَّةِ مُتَوَازِیَیْنِ فِی الْقُدْرَةِ لَکُنْتَ أَوَّلَ حَاکِمٍ عَلَی نَفْسِکَ بِذَمِیمِ الْأَخْلاَقِ وَ مَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ وَ حَقّاً أَقُولُ مَا الدُّنْیَا غَرَّتْکَ وَ لَکِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ وَ لَقَدْ کَاشَفَتْکَ الْعِظَاتِ وَ آذَنَتْکَ عَلیٰ سَوٰاءٍ وَ لَهِیَ بِمَا تَعِدُکَ مِنْ نُزُولِ الْبَلاَءِ بِجِسْمِکَ وَ [اَلنَّقْضِ]

اَلنَّقْصِ فِی قُوَّتِکَ أَصْدَقُ وَ أَوْفَی مِنْ أَنْ تَکْذِبَکَ أَوْ تَغُرَّکَ وَ لَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَکَ مُتَّهَمٌ وَ صَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُکَذَّبٌ وَ لَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِی الدِّیَارِ الْخَاوِیَةِ وَ الرُّبُوعِ الْخَالِیَةِ لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْکِیرِکَ وَ بَلاَغِ مَوْعِظَتِکَ بِمَحَلَّةِ الشَّفِیقِ عَلَیْکَ وَ الشَّحِیحِ بِکَ وَ لَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ یَرْضَ بِهَا دَاراً وَ مَحَلُّ مَنْ لَمْ یُوَطِّنْهَا مَحَلاًّ وَ إِنَّ السُّعَدَاءَ بِالدُّنْیَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْیَوْمَ إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ وَ حَقَّتْ بِجَلاَئِلِهَا الْقِیَامَةُ وَ لَحِقَ بِکُلِّ مَنْسَکٍ أَهْلُهُ وَ بِکُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ وَ بِکُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ فَلَمْ [یَجْرِ]

یُجْزَ فِی عَدْلِهِ وَ قِسْطِهِ یَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِی الْهَوَاءِ وَ لاَ هَمْسُ قَدَمٍ فِی الْأَرْضِ إِلاَّ بِحَقِّهِ فَکَمْ حُجَّةٍ یَوْمَ ذَاکَ دَاحِضَةٌ وَ عَلاَئِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ فَتَحَرَّ مِنْ أَمْرِکَ مَا یَقُومُ بِهِ عُذْرُکَ وَ تَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُکَ وَ خُذْ مَا یَبْقَی لَکَ مِمَّا لاَ تَبْقَی لَهُ وَ تَیَسَّرْ لِسَفَرِکَ وَ شِمْ بَرْقَ النَّجَاةِ وَ ارْحَلْ مَطَایَا التَّشْمِیرِ .

ص :239

لقائل أن یقول لو قال ما غرک بربک العزیز أو المنتقم أو نحو ذلک لکان أولی لأن للإنسان المعاتب أن یقول غرنی کرمک الذی وصفت به نفسک.

و جواب هذا أن یقال إن مجموع الصفات صار کشیء واحد و هو الکریم اَلَّذِی خَلَقَکَ فَسَوّٰاکَ فَعَدَلَکَ فِی أَیِّ صُورَةٍ مٰا شٰاءَ رَکَّبَکَ و المعنی ما غرک برب هذه صفته و هذا شأنه و هو قادر علی أن یجعلک فی أی صورة شاء فما الذی یؤمنک من أن یمسخک فی صورة القردة و الخنازیر و نحوها من الحیوانات العجم و معنی الکریم هاهنا الفیاض علی المواد بالصور و من هذه صفته ینبغی أن یخاف منه تبدیل الصورة .

قال ع أدحض مسئول حجة المبتدأ محذوف و الحجة الداحضة الباطلة.

و المعذرة بکسر الذال العذر.

و یقال لقد أبرح فلان جهالة و أبرح لؤما و أبرح شجاعة و أتی بالبرح من ذلک أی بالشدید العظیم و یقال هذا الأمر أبرح من هذا أی أشدّ و قتلوه أبرح قتل و جهالة منصوب علی التمییز.

و قال القطب الراوندیّ مفعول به قال معناه جلب جهالة إلی نفسه و لیس بصحیح و أبرح لا یتعدی هاهنا و إنّما یتعدی أبرح فی موضعین أحدهما أبرحه الأمر أی أعجبه و الآخر أبرح زید عمرا أی أکرمه و عظمه .

قوله ما جرأک بالهمزة و فلان جریء القوم أی مقدمهم.

و ما أنسک

بالتشدید و روی ما آنسک بالمد و کلاهما من أصل واحد و تأنست

ص :240

بفلان و استأنست بمعنی و فلان أنیسی و مؤانسی و قد أنسنی کله بمعنی أی کیف لم تستوحش من الأمور التی تؤدی إلی هلکة نفسک .

و البلول مصدر بل الرجل من مرضه إذا برئ و یجوز أبل قال الشاعر إذا بل من داء به ظنّ أنه نجا و به الداء الذی هو قاتله (1) .

و الضاحی لحر الشمس البارز و هذا داء ممض أی مؤلم أمضنی الجرح إمضاضا و یجوز مضنی.

و روی و جلدک علی مصائبک بصیغة الجمع .

و بیات نقمة بفتح الباء طروقها لیلا و هی من ألفاظ القرآن العزیز (2) .

و تورط وقع فی الورطة بتسکین الراء و هی الهلاک و أصل الورطة أرض مطمئنة لا طریق فیها و قد أورطه و ورطه توریطا أی أوقعه فیها.

و المدارج الطرق و المسالک و یجوز انتصاب مدارج هاهنا لأنّها مفعول به صریح و یجوز أن ینتصب علی تقدیر حرف الخفض و حذفه أی فی مدارج سطواته .

قوله و تمثل أی و تصور.

و یتغمدک بفضله

أی یسترک بعفوه و سمی العفو و الصفح فضلا تسمیة للنوع بالجنس .

قوله مطرف عین بفتح الراء أی زمان طرف العین و طرفها إطباق أحد

ص :241

جفنیها علی الآخر و انتصاب مطرف هاهنا علی الظرفیة کقولک وردت مقدم الحاجّ أی وقت قدومهم .

قوله متوازیین فی القدرة أی متساویین و روی متوازنین بالنون .

و العظات جمع عظة و هو منصوب علی نزع الخافض أی کاشفتک بالعظات و روی العظات بالرفع علی أنّه فاعل و روی کاشفتک الغطاء .

و آذنتک

أی أعلمتک.

و عَلیٰ سَوٰاءٍ أی علی عدل و إنصاف و هذا من الألفاظ القرآنیة (1) .

و الراجفة الصیحة الأولی و حقت بجلائلها القیامة أی بأمورها العظام و المنسک الموضع الذی تذبح فیه النسائک و هی ذبائح القربان و یجوز فتح السین و قد قرئ بهما فی قوله تعالی لِکُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنٰا مَنْسَکاً (2) .

فإن قلت إذا کان یلحق بکل معبود عبدته فالنصاری إذن تلحق بعیسی و الغلاة من المسلمین بعلی و کذلک الملائکة فما القول فی ذلک.

قلت لا ضرر فی التحاق هؤلاء بمعبودیهم و معنی الالتحاق أن یؤمر الأتباع فی الموقف بالتحیز إلی الجهة التی فیها الرؤساء ثمّ یقال للرؤساء أ هؤلاء أتباعکم و عبدتکم فحینئذ یتبرءون منهم فینجو الرؤساء و تهلک الأتباع کما قال سبحانه أَ هٰؤُلاٰءِ إِیّٰاکُمْ کٰانُوا یَعْبُدُونَ قٰالُوا سُبْحٰانَکَ أَنْتَ وَلِیُّنٰا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ کٰانُوا یَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَکْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (3) أی إنّما کانوا یطیعون الشیاطین المضلة لهم فعبادتهم فی

ص :242

الحقیقة للشیاطین لا لنا و إنهم ما أطاعونا و لو أطاعونا لکانوا مهتدین و إنّما أطاعوا شیاطینهم.

و لا حاجة فی هذا الجواب إلی أن یقال ما قیل فی قوله تعالی إِنَّکُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ (1) من تخصیص العموم بالآیة الأخری و هی قوله تعالی إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنیٰ أُولٰئِکَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ (2) .

فإن قلت فما قولک فی اعتراض ابن الزبعری علی الآیة هل هو وارد.

قلت لا لأنّه قال تعالی إِنَّکُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ و ما لما لا یعقل فلا یرد علیه الاعتراض بالمسیح و الملائکة و الذی قاله المفسرون من تخصیص العموم بالآیة الثانیة تکلف غیر محتاج إلیه.

فإن قلت فما الفائدة فی أن قرن القوم بأصنامهم فی النار و أی معنی لذلک فی زیادة التعذیب و السخط.

قلت لأن النظر إلی وجه العدو باب من أبواب العذاب و إنّما أصاب هؤلاء ما أصابهم بسبب الأصنام التی ضلوا بها فکلما رأوها معهم زاد غمهم و حسرتهم.

و أیضا فإنهم قدروا أن یستشفعوا بها فی الآخرة فإذا صادفوا الأمر علی عکس ذلک لم یکن شیء أبغض إلیهم منها .

قوله فلم یجر قد اختلف الرواة فی هذه اللفظة فرواها قوم فلم یجر و هو مضارع جری یجری تقول ما الذی جری للقوم فیقول من سألته قدم الأمیر من السفر فیکون المعنی علی هذا فلم یکن و لم یتجدد فی دیوان حسابه ذلک الیوم صغیر و لا حقیر إلاّ بالحق و الإنصاف و هذا مثل قوله تعالی لاٰ ظُلْمَ الْیَوْمَ إِنَّ اللّٰهَ سَرِیعُ

ص :243

الْحِسٰابِ (1) و رواها قوم فلم یجز مضارع جاز یجوز أی لم یسغ و لم یرخص ذلک الیوم لأحد من المکلفین فی حرکة من الحرکات المحقرات المستصغرات إلاّ إذا کانت قد فعلها بحق و علی هذا یجوز فعل مثلها و رواها قوم فلم یجر من جار أی عدل عن الطریق أی لم یذهب عنه سبحانه و لم یضل و لم یشذ عن حسابه شیء من أمر محقرات الأمور إلا بحقه أی إلاّ ما لا فائدة فی إثباته و المحاسبة علیه نحو الحرکات المباحة و العبثیة التی لا تدخل تحت التکلیف.

و قال الراوندیّ خرق بصر مرفوع لأنّه اسم ما لم یسم فاعله و لا أعرف لهذا الکلام معنی.

و الهمس الصوت الخفی .

قوله فتحر من أمرک تحریت کذا أی توخیته و قصدته و اعتمدته.

قوله و تیسر لسفرک أی هیئ أسباب السفر و لا تترک لذاک عائقا.

و الشیم النظر إلی البرق.

و رحلت مطیتی إذا شددت علی ظهرها الرحل قال الأعشی رحلت سمیة غدوة أجمالها غضبی علیک فما تقول بدا لها (2) .

و التشمیر الجد و الانکماش فی الأمر.

و معانی الفصل ظاهرة و ألفاظه الفصیحة تعطیها و تدلّ علیها بما لو أراد المفسر أن یعبر عنه بعبارة غیر عبارته ع لکان لفظه ع أولی أن یکون تفسیرا لکلام ذلک المفسر

ص :244

مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنَّ دُنْیَاکُمْ عِنْدِی لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِی فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِیٍّ وَ لِنَعِیمٍ یَفْنَی وَ لَذَّةٍ لاَ تَبْقَی نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَ قُبْحِ الزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِینُ .

السعدان نبت ذو شوک یقال له حسک السعدان و حسکة السعدان و تشبه به حلمة الثدی فیقال سعدانة الثندوة و هذا النبت من أفضل مراعی الإبل و فی المثل مرعی و لا کالسعدان و نونه زائدة لأنّه لیس فی الکلام فعلال غیر مضاعف إلاّ خزعال و هو ظلع یلحق الناقة و قهقار و هو الحجر الصلب و قسطال و هو الغبار.

و المسهد الممنوع النوم و هو السهاد.

و الأغلال القیود و المصفد المقید و الحطام عروض الدنیا و متاعها شبه لزواله و سرعة فنائه بما یتحطم من العیدان و یتکسر .

ثمّ قال کیف أظلم الناس لأجل نفس تموت سریعا یعنی نفسه ع.

فإن قلت أ لیس قوله عن نفس یسرع إلی البلی قفولها یشعر بمذهب من قال بقدم الأنفس لأن القفول الرجوع و لا یقال فی مذهبه للمسافرة قافلة إلاّ إذا کانت راجعة.

قلت لا حاجة إلی القول بقدم الأنفس محافظة علی هذه اللفظة و ذلک لأن النفس إذا کانت حادثة فقد کان أصلها العدم فإذا مات الإنسان عدمت نفسه فرجعت إلی العدم الأصلی و هو المعبر عنه بالبلی .

ص :246

و أملق افتقر قال تعالی وَ لاٰ تَقْتُلُوا أَوْلاٰدَکُمْ مِنْ إِمْلاٰقٍ (1) .

و استماحنی طلب منی أن أعطیه صاعا من الحنطة و الصاع أربعة أمداد و المد رطل و ثلث فمجموع ذلک خمسة أرطال و ثلث رطل و جمع الصاع أصوع و إن شئت همزت و الصواع لغة فی الصاع و یقال هو إناء یشرب فیه.

و العظلم بالکسرة فی الحرفین نبت یصبغ به ما یراد اسوداده و یقال هو الوسمة و شعث الألوان أی غبر .

و أصغیت إلیه أملت سمعی نحوه.

و أتبع قیاده

أطیعه و انقاد له .

و أحمیت الحدیدة فی النار فهی محماة و لا یقال حمیت الحدیدة.

و ذی دنف أی ذی سقم مؤلم.

و من میسمها من أثرها فی یده .

و ثکلتک الثواکل دعاء علیه و هو جمع ثاکلة و فواعل لا یجیء إلاّ جمع المؤنث إلاّ فیما شذ نحو فوارس أی ثکلتک نساؤک.

قوله أحماها إنسانها أی صاحبها و لم یقل إنسان لأنّه یرید أن یقابل هذه اللفظة بقوله جبارها .

و سجرها بالتخفیف أوقدها و أحماها و السجور ما یسجر به التنّور .

قوله بملفوفة فی وعائها کان أهدی له الأشعث بن قیس نوعا من الحلواء تأنق فیه و کان ع یبغض الأشعث لأن الأشعث کان یبغضه و ظنّ الأشعث أنه یستمیله بالمهاداة لغرض دنیوی کان فی نفس الأشعث و کان أمیر المؤمنین

ص :247

ع یفطن لذلک و یعلمه و لذلک ردّ هدیة الأشعث و لو لا ذلک لقبلها لأن النبیّ ص قبل الهدیة

3023

1- وَ قَدْ قَبِلَ عَلِیٌّ ع هَدَایَا جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ دَعَاهُ بَعْضُ مَنْ کَانَ یَأْنَسُ إِلَیْهِ إِلَی حَلْوَاءَ عَمِلَهَا یَوْمَ نَوْرُوزَ فَأَکَلَ وَ قَالَ لِمَ عَمِلْتَ هَذَا فَقَالَ لِأَنَّهُ یَوْمُ نَوْرُوزَ فَضَحِکَ وَ قَالَ نَوْرِزُوا لَنَا فِی کُلِّ یَوْمٍ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ

.

و کان ع من لطافة الأخلاق و سجاحة الشیم علی قاعدة عجیبة جمیلة و لکنه کان ینفر عن قوم کان یعلم من حالهم الشنآن له و عمن یحاول أن یصانعه بذلک عن مال المسلمین و هیهات حتّی یلین لضرس الماضغ الحجر.

و قال بملفوفة فی وعائها لأنّه کان طبق مغطی.

ثمّ قال و معجونة شنئتها أی أبغضتها و نفرت عنها کأنّما عجنت بریق الحیة أو بقیئها و ذلک أعظم الأسباب للنفرة من المأکول.

و قال الراوندیّ وصفها باللطافة فقال کأنها عجنت بریق الحیة و هذا تفسیر أبعد من الصحیح .

قوله أ صلة أم زکاة أم صدقة فذلک محرم علینا أهل البیت الصلة العطیة لا یراد بها الأجر بل یراد وصلة التقرب إلی الموصول و أکثر ما تفعل للذکر و الصیت و الزکاة هی ما تجب فی النصاب من المال.

و الصدقة هاهنا هی صدقة التطوع و قد تسمی الزکاة الواجبة صدقة إلاّ أنّها هنا هی النافلة.

فإن قلت کیف قال فذلک محرم علینا أهل البیت و إنّما یحرم علیهم الزکاة الواجبة خاصّة و لا یحرم علیهم صدقة التطوع و لا قبول الصلات قلت أراد بقوله أهل البیت الأشخاص الخمسة محمّدا و علیا و فاطمة و حسنا و حسینا

ص :248

ع فهؤلاء خاصّة دون غیرهم من بنی هاشم محرم علیهم الصلة و قبول الصدقة و أمّا غیرهم من بنی هاشم فلا یحرم علیهم إلاّ الزکاة الواجبة خاصّة.

فإن قلت کیف قلت إن هؤلاء الخمسة یحرم علیهم قبول الصلات

3024

2,3- وَ قَدْ کَانَ حَسَنٌ وَ حُسَیْنٌ ع یَقْبَلاَنِ صِلَةَ مُعَاوِیَةَ .

قلت کلا لم یقبلا صلته و معاذ اللّه أن یقبلاها و إنّما قبلا منه ما کان یدفعه إلیهما من جملة حقهما من بیت المال فإن سهم ذوی القربی منصوص علیه فی الکتاب العزیز و لهما غیر سهم ذوی القربی سهم آخر للإسلام من الغنائم.

قوله هبلتک الهبول أی ثکلتک أمک و الهبول التی لها عادة بثکل الولد.

فإن قلت ما الفرق بین مختبط و ذی جنة و یهجر .

قلت المختبط المصروع من غلبه الأخلاط السوداویة أو غیرها علیه و ذو الجنة من به مس من الشیطان و الذی یهجر هو الذی یهذی فی مرض لیس بصرع کالمحموم و المبرسم و نحوهما .

و جلب الشعیرة بضم الجیم قشرها و الجلب و الجلبة أیضا جلیدة تعلو الجرح عند البرء یقال منه جلب الجرح یجلب و یجلب و أجلب الجرح أیضا و یقال للجلیدة التی تجعل علی القتب جلبة أیضا.

و تقضمها بفتح الضاد و الماضی قضم بالکسر

ص :249

وَ کَانَتْ لَهُ طِنْفِسَةٌ تَطْرَحُ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَیُصَلِّی عَلَیْهَا وَ یَجْتَمِعُ إِلَیْهِ النَّاسُ فِی عِلْمِ اَلنَّسَبِ وَ أَیَّامِ اَلْعَرَبِ وَ کَانَ حِینَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ وَ کَانَ أَسْرَعَ النَّاسِ جَوَاباً وَ أَشَدَّهُمْ عَارِضَةً.

کَانَ یُقَالُ إِنَّ فِی قُرَیْشٍ أَرْبَعَةً یُتَحَاکَمُ إِلَیْهِمْ فِی عِلْمِ اَلنَّسَبِ وَ أَیَّامِ قُرَیْشٍ وَ یُرْجَعُ إِلَی قَوْلِهِمْ عَقِیلُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الزُّهْرِیُّ وَ أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَیْفَةَ الْعَدَوِیُّ وَ حُوَیْطُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّی الْعَامِرِیُّ

.

و اختلف الناس فی عقیل هل التحق بمعاویة و أمیر المؤمنین حی فقال قوم نعم

3028

1- وَ رَوَوْا أَنَّ مُعَاوِیَةَ قَالَ یَوْماً وَ عَقِیلٌ عِنْدَهُ هَذَا أَبُو زَیْدٍ لَوْ لاَ عِلْمُهُ أَنِّی خَیْرٌ لَهُ مِنْ أَخِیهِ لَمَّا أَقَامَ عِنْدَنَا وَ تَرَکَهُ فَقَالَ عَقِیلٌ أَخِی خَیْرٌ لِی فِی دِینِی وَ أَنْتَ خَیْرٌ لِی فِی دُنْیَایَ وَ قَدْ آثَرْتُ دُنْیَایَ أَسْأَلُ اللَّهَ خَاتِمَةَ خَیْرٍ

.

و قال قوم إنّه لم یعد إلی معاویة إلا بعد وفاة أمیر المؤمنین ع و استدلوا علی ذلک بالکتاب الذی کتبه إلیه فی آخر خلافته و الجواب الذی أجابه ع و قد ذکرناه فیما تقدم و سیأتی ذکره أیضا فی باب کتبه ع و هذا القول هو الأظهر عندی

3029

3- وَ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ قَالَ قَالَ مُعَاوِیَةُ یَوْماً لِعَقِیلِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ هَلْ مِنْ حَاجَةٍ فَأَقْضِیهَا لَکَ قَالَ نَعَمْ جَارِیَةً عُرِضَتْ عَلَیَّ وَ أَبَی أَصْحَابِهَا أَنْ یَبِیعُوهَا إِلاَّ بِأَرْبَعِینَ أَلْفاً فَأَحَبَّ مُعَاوِیَةَ أَنْ یُمَازِحُهُ فَقَالَ وَ مَا تَصْنَعُ بِجَارِیَةٍ قِیمَتُهَا أَرْبَعُونَ أَلْفاً وَ أَنْتَ أَعْمَی تَجْتَزِئُ بِجَارِیَةٍ قِیمَتُهَا خَمْسُونَ دِرْهَماً قَالَ أَرْجُو أَنْ أَطَأَهَا فَتَلِدُ لِی غُلاَماً إِذَا أَغْضَبْتَهُ یَضْرِبَ عُنُقَکَ بِالسَّیْفِ فَضَحِکَ مُعَاوِیَةُ وَ قَالَ مازحناک یَا أَبَا یَزِیدَ وَ أَمَرَ فابتیعت لَهُ الْجَارِیَةُ

ص :251

الَّتِی أَوْلَدَ مِنْهَا مُسْلِماً فَلَمَّا أَتَتْ عَلَی مُسْلِمٍ ثَمَانِیَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ قَدْ مَاتَ عَقِیلٍ أَبُوهُ قَالَ لِمُعَاوِیَةَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ لِیَ أَرْضاً بِمَکَانٍ کَذَا مِنَ اَلْمَدِینَةِ وَ إِنِّی أَعْطَیْتُ بِهَا مِائَةَ أَلْفٍ وَ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَبِیعُکَ إِیَّاهَا فَادْفَعْ إِلَیَّ ثَمَنَهَا فَأَمَرَ مُعَاوِیَةَ بِقَبْضِ الْأَرْضِ وَ دَفَعَ الثَّمَنَ إِلَیْهِ.

فَبَلَغَ ذَلِکَ اَلْحُسَیْنُ ع فَکَتَبَ إِلَی مُعَاوِیَةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکَ غَرَّرْتُ غُلاَماً مِنْ بَنِی هَاشِمٍ فَابْتَعْتُ مِنْهُ أَرْضاً لاَ یَمْلِکُهَا فَاقْبِضْ مِنْ الْغُلاَمِ مَا دَفَعْتُهُ إِلَیْهِ وَ ارْدُدْ إِلَیْنَا أَرْضِنَا.

فَبَعَثَ مُعَاوِیَةُ إِلَی مُسْلِمٍ فَأَخْبَرَهُ ذَلِکَ وَ أَقْرَأَهُ کِتَابُ اَلْحُسَیْنِ ع وَ قَالَ ارْدُدْ عَلَیْنَا مَالِنَا وَ خُذْ أَرْضِکَ فَإِنَّکَ بِعْتُ مَا لاَ تَمْلِکُ فَقَالَ مُسْلِمٍ أَمَّا دُونَ أَنْ أَضْرِبَ رَأْسَکَ بِالسَّیْفِ فَلاَ فَاسْتَلْقَی مُعَاوِیَةَ ضَاحِکاً یَضْرِبُ بِرِجْلَیْهِ فَقَالَ یَا بُنَیَّ هَذَا وَ اللَّهِ کَلاَمٌ قَالَهُ لِی أَبُوکَ حِینَ ابْتَعْتُ لَهُ أُمِّکَ.

ثُمَّ کَتَبَ إِلَی اَلْحُسَیْنِ إِنِّی قَدْ رَدَدْتُ عَلَیْکُمْ الْأَرْضِ وَ سَوَّغْتَ مُسْلِماً مَا أَخَذَ فَقَالَ اَلْحُسَیْنُ ع أَبَیْتُمْ یَا آلِ أَبِی سُفْیَانَ إِلاَّ کَرَماً

.

3030

وَ قَالَ مُعَاوِیَةُ لِعَقِیلٍ یَا أَبَا یَزِیدَ أَیْنَ یَکُونُ عَمِّکَ أَبُو لَهَبٍ الْیَوْمِ قَالَ إِذَا دَخَلْتَ جَهَنَّمَ فَاطْلُبْهُ تَجِدْهُ مضاجعا لِعَمَّتِکَ أُمُّ جَمِیلٍ بِنْتُ حَرْبٍ بْنِ أُمَیَّةَ .

3031

وَ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ ابْنَةُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِیعَةَ یَا بَنِی هَاشِمٍ لاَ یُحِبُّکُمْ قَلْبِی أَبَداً أَیْنَ عَمِّی أَیْنَ أَخِی کَأَنَّ أَعْنَاقَهُمْ أَبَارِیقُ الْفِضَّةِ تَرَی آنَافِهِمْ الْمَاءَ قَبْلَ شِفَاهِهِمْ قَالَ إِذَا دَخَلْتَ جَهَنَّمَ فَخِذِی عَلَی شِمَالِکَ.

ص :252

3032

14,1,3- سَأَلَ مُعَاوِیَةَ عَقِیلاً عَنْ قِصَّةِ الْحَدِیدَةُ الْمُحْمَاةِ الْمَذْکُورَةِ فَبَکَی وَ قَالَ أَنَا أُحَدِّثُکَ یَا مُعَاوِیَةَ عَنْهُ ثُمَّ أُحَدِّثُکَ عَمَّا سَأَلْتُ نَزَلَ بِالْحُسَیْنِ ابْنُهُ ضَیْفٌ فَاسْتَسْلَفَ دِرْهَماً اشْتَرَی بِهِ خُبْزاً وَ احْتَاجَ إِلَی الْإِدَامُ فَطَلَبَ مِنَ قَنْبَرٍ خَادِمُهُمْ أَنْ یَفْتَحَ لَهُ زَقّاً مِنْ زُقَاقٍ عَسَلٍ جَاءَتْهُمُ مِنْ اَلْیَمَنِ فَأَخَذَ مِنْهُ رِطْلاً فَلَمَّا طَلَبَهَا ع لِیَقْسِمَهَا قَالَ یَا قَنْبَرُ أَظُنُّ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهَذَا الزِّقِّ حَدَثٌ فَأَخْبَرَهُ فَغَضِبَ ع وَ قَالَ عَلِیٌّ بِحُسَیْنٍ فَرَفَعَ عَلَیْهِ الدُّرَّةُ فَقَالَ بِحَقِّ عَمِّی جَعْفَرٍ وَ کَانَ إِذَا سُئِلَ بِحَقِّ جَعْفَرِ سَکَنَ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَکَ أَنْ أَخَذْتَ مِنْهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ قَالَ إِنَّ لَنَا فِیهِ حَقّاً فَإِذَا أَعْطَیْنَاهُ رَدَدْنَاهُ قَالَ فِدَاکَ أَبُوکِ وَ إِنْ کَانَ لَکَ فِیهِ حَقٌّ فَلَیْسَ لَکَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِحَقِّکَ قَبْلَ أَنْ یَنْتَفِعَ اَلْمُسْلِمُونَ بِحُقُوقِهِمْ أَمَا لَوْ لاَ أَنِّی رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یُقَبِّلُ ثَنِیَّتَکَ لَأَوْجَعْتُکَ ضَرْباً ثُمَّ دَفَعَ إِلَی قَنْبَرٍ دِرْهَماً کَانَ مَصْرُوراً فِی رِدَائِهِ وَ قَالَ اشْتَرِ بِهِ خَیْرَ عَسَلٍ تَقْدِرُ عَلَیْهِ قَالَ عَقِیلٌ وَ اللَّهِ لَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی یَدَیْ عَلِیٍّ وَ هِیَ عَلَی فَمِ الزِّقِّ وَ قَنْبَرٌ یَقْلِبُ الْعَسَلَ فِیهِ ثُمَّ شَدَّهُ وَ جَعَلَ یَبْکِی وَ یَقُولُ اَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحُسَیْنِ فَإِنَّهُ لَمْ یَعْلَمْ .

فَقَالَ مُعَاوِیَةَ ذَکَرْتَ مَنْ لاَ یُنْکَرُ فَضْلِهِ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَسَنٍ فَلَقَدْ سَبَقَ مَنْ کَانَ قَبْلَهُ وَ أَعْجَزُ مَنْ یَأْتِی بَعْدَهُ هَلُمَّ حَدِیثٍ الْحَدِیدَةُ.

قَالَ نَعَمْ أقویت وَ أَصَابَتْنِی مَخْمَصَةٍ شَدِیدَةٌ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ تند صِفَاتِهِ فَجَمَعْتُ صِبْیَانِی وَ جِئْتَهُ بِهِمْ وَ الْبُؤْسِ وَ الضُّرِّ ظَاهِرَانِ عَلَیْهِمْ فَقَالَ ائْتِنِی عَشِیَّةَ لَأَدْفَعُ إِلَیْکَ شَیْئاً فَجِئْتُهُ یَقُودُنِی أَحَدٌ وُلْدِی فَأَمَرَهُ بِالتَّنَحِّی ثُمَّ قَالَ أَ لاَ فَدُونَکَ فَأَهْوَیْتُ حَرِیصاً قَدْ غَلَبَنِی الْجَشِعُ أَظُنُّهَا صُرَّةً فَوَضَعْتُ یَدِی عَلَی حَدِیدَةً تَلْتَهِبُ نَاراً فَلَمَّا قَبَضْتُهَا نبذتها وَ خَرَّتْ کَمَا یَخُورُ الثَّوْرُ تَحْتَ یَدِ جَازِرِهِ فَقَالَ لِی ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ هَذَا مِنْ حَدِیدَةٍ

ص :253

أُوقِدَتْ لَهَا نَارُ الدُّنْیَا فَکَیْفَ بِکَ وَ بِی غَداً إِنْ سلکنا فِی سَلاَسِلُ جَهَنَّمَ ثُمَّ قَرَأَ إِذِ الْأَغْلاٰلُ فِی أَعْنٰاقِهِمْ وَ السَّلاٰسِلُ یُسْحَبُونَ (1) .

ثُمَّ قَالَ لَیْسَ لَکَ عِنْدِی فَوْقَ حَقُّکَ الَّذِی فَرَضَهُ اللَّهِ لَکَ إِلاَّ مَا تَرَی فَانْصَرَفَ إِلَی أَهْلِکَ.

فَجَعَلَ مُعَاوِیَةَ یَتَعَجَّبُ وَ یَقُولُ هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ عَقِمَتِ النِّسَاءُ أَنْ یلدن مِثْلَهُ

.

ص :254

قوله فأسترزق منصوب لأنّه جواب الدعاء کقولهم ارزقنی بعیرا فأحج علیه بین ع کیفیة تبذل جاهه بالإقتار و فسره فقال بأن أطلب الرزق ممن یطلب منک الرزق.

و أستعطف الأشرار من الناس أی أطلب عاطفتهم و إفضالهم و یلزم من ذلک أمران محذوران أحدهما أن أبتلی بحمد المعطی.

و الآخر أن أفتتن بذم المانع .

قوله ع و أنت من وراء ذلک کله مثل یقال للمحیط بالأمر القاهر له القادر علیه کما نقول للملک العظیم هو من وراء وزرائه و کتابه أی مستعد متهیئ لتتبعهم و تعقبهم و اعتبار حرکاتهم لإحاطته بها و إشرافه علیها.

و ولی مرفوع بأنّه خبر المبتدإ و یکون خبرا بعد خبر و یجوز أن یکون ولی هو الخبر و یکون من وراء ذلک جملة مرکبة من جار و مجرور منصوبة الموضع لأنّه حال

ص :256

نَفْسٍ مٰا أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَی اللّٰهِ مَوْلاٰهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مٰا کٰانُوا یَفْتَرُونَ (1) .

بالبلاء محفوفة

قد أحاط بها من کل جانب.

و تارات جمع تارة و هی المرة الواحدة و متصرفة منتقلة متحولة .

و مستهدفة بکسر الدال منتصبة مهیأة للرمی و روی مستهدفة بفتح الدال علی المفعولیة کأنها قد استهدفها غیرها أی جعلها أهدافا .

و و ریاحهم راکدة ساکنة و آثارهم عافیة مندرسة .

و القصور المشیدة العالیة و من روی المشیدة بالتخفیف و کسر الشین فمعناه المعمولة بالشید و هو الجص.

و النمارق الوسائد.

و القبور الملحدة

ذوات اللحود.

و روی و الأحجار المسندة بالتشدید.

قوله ع قد بنی علی الخراب فناؤها أی بنیت لا لتسکن الأحیاء فیها کما تبنی منازل أهل الدنیا .

و الکلکل الصدر و هو هاهنا استعارة.

و الجنادل الحجارة و بعثرت القبور أثیرت.

و تَبْلُوا کُلُّ نَفْسٍ مٰا أَسْلَفَتْ تخبر و تعلم جزاء أعمالها و فیه حذف مضاف و من

ص :258

قرأ تتلو بالتاء بنقطتین أی تقرأ کل نفس کتابها وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مٰا کٰانُوا یَفْتَرُونَ بطل عنهم ما کانوا یدعونه و یکذبون فیه من القول بالشرکاء و أنهم شفعاء

3036

کَانَ عُمَرُ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ إِذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ قَرَأَ أَ فَرَأَیْتَ إِنْ مَتَّعْنٰاهُمْ سِنِینَ ثُمَّ جٰاءَهُمْ مٰا کٰانُوا یُوعَدُونَ مٰا أَغْنیٰ عَنْهُمْ مٰا کٰانُوا یُمَتَّعُونَ (1) .

3037

قَالَ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ لِأَهْلِ مَجْلِسِهِ مَا أَرَی إِسَاءَةً تَکَبَّرَ عَلَی عَفْوٍ اللَّهِ فَلاَ تَیْأَسْ وَ رُبَّمَا آخِذٌ اللَّهِ عَلَی الصَّغِیرِ فَلاَ تَأْمَنْ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّکَ بِطُولِ عَفْوِ اللَّهِ عَنْکَ عُمِّرْتَ مَجَالِسُ الاِغْتِرَارَ بِهِ وَ رَضِیتُ لِنَفْسِکَ الْمُقَامَ عَلَی سَخَطَهُ وَ لَوْ کُنْتُ تُعَاقِبْ نَفْسِکَ بِقَدْرِ تَجَاوُزِهِ عَنْ سَیِّئَاتِکَ مَا اسْتَمَرَّ بِکَ لجاج فِیمَا نَهَیْتَ عَنْهُ وَ لاَ قَصُرَتْ دُونَ الْمُبَالَغَةِ فِیهِ وَ لَکِنَّکَ رَهِینُ غَفْلَتِکَ وَ أَسِیرَ حَیْرَتَکَ.

3038

قَالَ إِسْمَاعِیلُ بْنِ زِیَادٍ أَبُو یَعْقُوبَ قَدِمَ عَلَیْنَا بعبادان رَاهِبٍ مِنَ اَلشَّامِ وَ نَزَلَ دَیْرٍ اِبْنَ أَبِی کَبْشَةَ فَذَکَرُوا حِکْمَةِ کَلاَمِهِ فَحَمَلَنِی ذَلِکَ عَلَی لِقَائِهِ فَأَتَیْتُهُ وَ هُوَ یَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً سَمَّتِ بِهِمْ هِمَمِهِمْ فهووا عَظِیمٌ الذَّخَائِرِ فالتمسوا مِنْ فَضْلِ سَیِّدُهُمْ تَوْفِیقاً یُبَلِّغَهُمْ سُمُوِّ الْهِمَمِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَیُّهَا المرتحلون عَنْ قَرِیبٍ أَنْ تَأْخُذُوا بِبَعْضِ أَمْرُهُمْ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ قَدْ مَلَکَتْ الْآخِرَةِ قُلُوبِهِمْ فَلَمْ تَجِدْ الدُّنْیَا فِیهَا مُلْبِساً فَالْحُزْنُ بَثَّهُمْ وَ الدَّمْعِ رَاحَتُهُمْ وَ الدُّءُوبِ وسیلتهم وَ حُسْنُ الظَّنِّ قُرْبَانِهِمْ یَحْزَنُونَ بِطُولِ الْمَکْثَ فِی الدُّنْیَا إِذَا فَرِحَ أَهْلِهَا فَهُمْ فِیهَا مسجونون وَ إِلَی الْآخِرَةِ مُنْطَلِقُونَ.

فَمَا سَمِعْتُ مَوْعِظَةً کَانَتْ أَنْفَعُ لِی مِنْهَا.

و من جید شعر أبی نواس فی الزهد (2) یا بنی النقص و الغیر

ص :260

و الشکول التی تباین

و من جید شعر الرضی أبی الحسن رحمه اللّه فی ذکر الدنیا و تقلبها بأهلها (1) و هل نحن إلاّ مرامی السهام

ص :261

طرائد تطردها النائبات

و قال أیضا و هی من محاسن شعره ما أقل اعتبارنا بالزمان

ص :262

کم محیدا عن الطریق وقد ضرح

و أیضا من هذه القصیدة قد مررنا علی الدیار خشوعا

ص :263

فی ریاض من السماح حوال

و هذا شعر فصیح نادر معرق فی العربیة.

ص :264

و من شعره الجید أیضا فی ذکر الدنیا و مصائبها (1) أ و ما رأیت وقائع الدهر

ص :265

إن التوقی فرط معجزة

و هذا من حر الکلام و فصیحه و نادره و لا عجب فهذه الورقة من تلک الشجرة و هذا القبس من تلک النار

ص :266

تشاهدهم فی سرائرهم

أی تطلع علی غیبهم و البصائر العزائم نفذت بصیرته فی کذا أی حقّ عزمه.

و قلوبهم إلیک ملهوفة

أی صارخة مستغیثه .

و فههت عن مسألتی بالکسر عییت و الفهة و الفهاهة العی رجل أفه و رجل فه أیضا و امرأة فههة قال الشاعر فلم تلفنی فها و لم تلف حاجتی ملجلجة أبغی لها من یقیمها (1) .

و قد فههت یا رجل فهها أی عییت و یقال سفیه فهیه و فههه اللّه و خرجت لحاجة فأفهنی عنها فلان أی أنسانیها.

و یروی أو عمهت بالهاء و المیم المکسورة و العمه التحیر و التردد عمه الرجل فهو عمه و عامه و الجمع عمه و أرض عمهاء لا أعلام بها.

و النکر العجب و البدع المبتدع و منه قوله تعالی قُلْ مٰا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ (2) أی لم آت بما لم أسبق إلیه .

و مثل قوله ع اللّهمّ احملنی علی عفوک و لا تحملنی علی عدلک قول المروانیة للهاشمیة لما قتل مروان فی خبر قد اقتصصناه قدیما لیسعنا عدلکم قالت الهاشمیة إذن لا نبقی منکم أحدا لأنکم حاربتم علیا ع و سممتم الحسن ع و قتلتم الحسین و زیدا و ابنه و ضربتم علی بن عبد اللّه و خنقتم إبراهیم الإمام فی جراب النورة.

قالت قد یسعنا عفوکم قالت أما هذا فنعم

ص :268

فأتبختر فی ملکوتک بفضفاض الرداء بالدعاء إلیک و أبلغ الغایة القصوی بین خلقک بالثناء علیک .

و منها اللّهمّ إلیک أرفع عجری و بجری و بک أستعین فی عسری و یسری و إیاک أدعو رَغَباً وَ رَهَباً فإنک العالم بتسویل النفس و فتنة الشیطان و زینة الهوی و صرف الدهر و تلون الصدیق و بائقة الثقة و قنوط القلب و ضعف المنة و سوء الجزع.

فقنی اللّهمّ ذلک کله و اجمع من أمری شمله و انظم من شأنی شتیته و احرسنی عند الغنی من البطر و عند الفقر من الضجر و عند الکفایة من الغفلة و عند الحاجة من الحسرة و عند الراحة من الفسولة و عند الطلب من الخیبة و عند المنازلة من الطغیان و عند البحث من الاعتراض علیک و عند التسلیم من التهمة لک.

و أسألک أن تجعل صدری خزانة توحیدک و لسانی مفتاح تمجیدک و جوارحی خدم طاعتک فإنّه لا عزّ إلاّ فی الذل لک و لا غنی إلاّ فی الفقر إلیک و لا أمن إلاّ فی الخوف منک و لا قرار إلی فی القلق نحوک و لا روح إلاّ فی الکرب لوجهک و لا ثقة إلاّ فی تهمة خلقک و لا راحة إلاّ فی الرضا بقسمک و لا عیش إلاّ فی جوار المقربین عندک .

و منها اللّهمّ ببرهانک الصادع و بنور وجهک الساطع صل علی محمد نبیک نبی الرحمة و قائد الأمة و إمام الأئمة و احرس علی إیمانی بک بالتسلیم لک و خفف عنی مئونة الصبر علی امتحانک و واصل لی أسباب المزید عند الشکر علی نعمتک و اجعل بقیة عمری فی غنی عن خلقک و رضا بالمقدم من رزقک.

ص :270

اللّهمّ إنک إن آخذتنا بذنوبنا خسفت الأرض بنا و إن جازیتنا علی ظلمنا قطعت دوابرنا فإنک قلت فَقُطِعَ دٰابِرُ الْقَوْمِ الَّذِینَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ (1) اللّهمّ إلیک نشکو قسوة قلوبنا و غل صدورنا و فتنة أنفسنا و طموح أبصارنا و رفث ألسنتنا و سخف أحلامنا و سوء أعمالنا و فحش لجاجنا و قبح دعوانا و نتن أشرارنا و خبث أخیارنا و تلزق ظاهرنا و تمزق باطننا.

اللّهمّ فارحمنا و ارأف بنا و اعطف علینا و أحسن إلینا و تجاوز عنا و اقبل المیسور منا فإننا أهل عقوبة و أنت أهل مغفرة و أنت بما وصفت به نفسک أحق منا بما وسمنا به أنفسنا فإن فی ذلک ما اقترن بکرمک و أدی إلی عفوک و من قبل ذلک و بعده فألب عیشنا بنعمتک و أرح أرواحنا من کد الأمل فی خلقک و خذ بأزمتنا إلی بابک و أله قلوبنا عن هذه الدار الفانیة و ازرع فیها محبة الدار الباقیة و قلبنا علی بساط لطفک و حثنا بالإحسان إلی کنفک و رفهنا عن التماس ما عند غیرک و اغضض عیوننا من ملاحظة ما حجب من غیرک و صل بیننا و بین الرضا عنک و ارفع عنا مئونة العرض علیک و خفف علینا کل ما أوصلنا إلیک و أذقنا حلاوة قربک و اکشف عن سرائرنا سواتر حجبک و وکل بنا الحفظة و ارزقنا الیقظة حتّی لا نقترف سیئة و لا نفارق حسنة إنک قٰائِمٌ عَلیٰ کُلِّ نَفْسٍ بِمٰا کَسَبَتْ و أنت بما نخفی و ما نعلن خبیر بصیر .

و منها اللّهمّ أنت الحیّ القیوم و الأول الدائم و الإله القدیم و البارئ المصور و الخالق المقدس و الجبار الرفیع و القهار المنیع و الملک الصفوح و الوهاب المنوح

ص :271

و الرحمن الرءوف و الحنان العطوف و المنان اللطیف مالک الذوائب و النواصی و حافظ الأدانی و الأقاصی و مصرف المطیع و العاصی.

اللّهمّ أنت الظاهر الذی لا یجحدک جاحد إلاّ زایلته الطمأنینة و أسلمه الیأس و أوحشه القنوط و رحلت عنه العصمة و تردد بین رجاء قد نأی عنه التوفیق و أمل قد حفت به الخیبة و طمع یحوم علی أرجاء التکذیب و سر قد أطاف به الشقاء و علانیة قد أناف علیها البلاء موهون المنة منسوخ العقدة مسلوب العدة تشنؤه العین و تقلیه النفس عقله عقل طائر و لبه لب حائر و حکمه حکم جائر لا یروم قرارا إلاّ أزعج عنه و لا یستفتح بابا إلاّ أرتج دونه و لا یقتبس ضرما إلاّ أجج علیه عثرته موصولة بالعثرة و حسرته مقرونة إلی حسرة إن سمع زیف و إن قال حرف و إن قضی خرف و إن احتج زخرف و لو فاء إلی الحق لوجد ظله ظلیلا و أصاب تحته مثوی و مقیلا و أنت الباطن الذی لا یرومک رائم و لا یحوم علی حقیقتک حائم إلاّ غشیه من نور إلهیتک و عزّ سلطانک و عجیب قدرتک و باهر برهانک و غرائب غیوبک و خفی شأنک و مخوف سطوتک و مرجو إحسانک ما یرده خاسئا من مزحزحه عن الغایة خجلا مبهورا و یرده إلی عجزه ملتحفا بالندم مرتدیا بالاستکانة راجعا إلی الصغار موقوفا مع الذلة فظاهرک یدعو إلیک بلسان الاضطرار و باطنک یحیر فیک لسعة قضاء الاعتبار و فعلک یدلّ علیک الأسماع و الأبصار و حکمتک تعجب منک الألباب و الأسرار لک السلطان و الملکة و بیدک النجاة و الهلکة فإلیک المفر و معک المقر و منک صنوف الإحسان و البر أسألک بأصح سر و أکرم لفظ و أفصح لغة و أتم إخلاص و أشرف همة و أفضل نیة و أطهر عقیدة و أثبت یقین أن تصد عنی

ص :272

کل ما یصد عنک و تصلنی بکل ما یصل بک و تحبب إلی کل ما یحبب إلیک فإنک الأول و الثانی و المشار إلیه فی جمیع المعانی لا إله إلاّ أنت .

و منها اللّهمّ إنّی أسألک جدا مقرونا بالتوفیق و علما بریئا من الجهل و عملا عریا من الریاء و قولا موشحا بالصواب و حالا دائرة مع الحق و فطنة عقل مضروبة فی سلامة صدور و راحة جسم راجعة إلی روح بال و سکون نفس موصولا بثبات یقین و صحة حجة بعیدة من مرض شبهة حتّی تکون غایتی فی هذه الدنیا موصولة بالأمثل فالأمثل و عاقبتی عندک محمودة بالأفضل فالأفضل من حیاة طیبة أنت الواعد بها و نعیم دائم أنت المبلغ إلیه.

اللّهمّ لا تخیب رجاء هو منوط بک و لا تصفر کفا هی ممدودة إلیک و لا تعذب عینا فتحتها بنعمتک و لا تذل نفسا هی عزیزه بمعرفتک و لا تسلب عقلا هو مستضیء بنور هدایتک و لا تخرس لسانا عودته الثناء علیک فکما کنت أولا بالتفضل فکن آخرا بالإحسان.

الناصیة بیدک و الوجه عان لک و الخیر متوقع منک و المصیر علی کل حال إلیک.

ألبسنی فی هذه الحیاة البائدة ثوب العصمة و حلنی فی تلک الدار الباقیة بزینة الأمن و أفطم نفسی عن طلب العاجلة الزائدة و أجرنی علی العادة الفاضلة و لا تجعلنی ممن سها عن باطن ما لک علیه بظاهر ما لک عنده فالشقی من لم تأخذ بیده و لم تؤمنه من غده و السعید من آویته إلی کنف نعمتک و نقلته حمیدا إلی منازل رحمتک غیر مناقش فی الحساب و لا سائق له إلی العذاب فإنک علی ذلک قدیر .

و منها اللّهمّ اجعل غدونا إلیک مقرونا بالتوکل علیک و رواحنا عنک موصولا

ص :273

بالنجاح منک و إجابتنا لک راجعة إلی التهالک فیک و ذکرنا إیاک منوطا بالسکون معک و ثقتنا بک هادئة إلی التفویض إلیک و لا تخلنا من ید تستوعب الشکر و من شکر یمتری خلف المزید و من مزید یسبق اقتراح المقترحین و صنع یفوق ذرع الطالبین حتّی نلقاک مبشرین بالرضا محکمین فی المنی غیر مناقشین و لا مطرودین.

اللّهمّ أعذنا من جشع الفقیر و ریبة المنافق و تجلیح (1) المعاند و طیشة العجول و فترة الکسلان و حیلة المستبد و فتور العقل (2) و حیرة المخرج و حسرة المحوج و فلتة الذهول و حرقة النکول (3) و رقة الخائف و طمأنینة المغرور و غفلة الغرور.

و اکفنا مئونة أخ یرصد مسکونا إلیه و یمکر موثوقا به و یخیس (4) معتمدا علیه.

و صل الکفایة بالسلوة عن هذه الدنیا و اجعل التهافنا علیها حنینا إلی دار السلام و محل القرار و غلب إیماننا بالغیب علی یقیننا بالعیان و احرسنا من أنفسنا فإنها ینابیر الشهوة و مفاتیح البلوی.

و أرنا من قدرتک ما یحفظ علینا هیبتک و أوضح لنا من حکمتک ما یقلبنا فی ملکوتک و أسبغ علینا من نعمتک ما یکون لنا عونا علی طاعتک و أشع فی صدورنا من نورک ما تتجلی به حقائق توحیدک و اجعل دیدننا ذکرک و عادتنا الشوق إلیک و علمنا النصح لخلقک و اجعل غایتنا الاتصال بک و احجبنا عن قول یبرئ من رضاک و عمل یعمی صاحبه عن هداک و ألف بیننا و بین الحق و قربنا من معادن الصدق و اعصمنا من بوائق الخلق و انقلنا من مضایق الرق و اهدنا إلی فوائد العتق.

اللّهمّ إنک بدأت بالصنع و أنت أهله فعد بالتوفیق فإنک أهله.

ص :274

اللّهمّ إنا نتضاءل لک عند مشاهدة عظمتک و ندل علیک عند تواتر برک و نذل لک عند ظهور آیاتک و نلح علیک عند علمنا بجودک.

و نسألک من فضلک ما لا یرزؤک و لا ینکؤک و نتوسل إلیک بتوحید لا ینتمی إلیه خلق و لا یفارقه حق .

و منها اللّهمّ علیک أتوکل و بک أستعین و فیک أوالی و بک أنتسب و منک أفرق و معک أستأنس و لک أمجد و إیاک أسأل لسانا سمحا بالصدق و صدرا قد ملئ من الحق و أملا منقطعا عن الخلق و حالا مکنونها یبوئ الجنة و ظاهرها یحقق المنة و عاقبة تنسی ما سلف و تتصل بما یتمنی و یتوکف.

و أسألک اللّهمّ کبدا رجوفا خئوفا و دمعا نطوفا شوقا إلیک و نفسا عزوفا إذعانا لک و سرا ناقعا ببرد الإیمان بک و نهارا مشتملا علی ما کسب من مرضاتک و لیلا مالئا بما أزلف لدیک.

أشکو إلیک اللّهمّ تلهفی علی ما یفوتنی من الدنیا و إننی فی طاعة الهوی جاهلا بحقک ساهیا عن واجبک ناسیا ما تکرره من وعظک و إرشادک و بیانک و تنبیهک حتّی کان حلاوة وعدک لم تلج أذنی و لم تباشر فؤادی و حتّی کأنّی مرارة عتابک و لائمتک لم تهتک حجابی و لم تعرض علی أوصابی.

اللّهمّ إلیک المفر من دار منهومها لا یشبع و حائمها لا ینقع (1) و طالبها لا یربع و واجدها لا یقنع و العیش عنک رقیق و للأمل فیک تحقیق.

اللّهمّ کما ابتلیت بحکمتک الخفیة التی أشکلت علی العقول و حارت معها البصائر فعاف برحمتک اللطیفة التی تطاولت إلیها الأعناق و تشوفت نحوها السرائر و خذ معنا بالفضل الذی إلیک هو منسوب و عنک هو مطلوب و أفطم نفوسنا من رضاع الدنیا

ص :275

و الطف بما أنت له أهل إِنَّکَ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ .

اللّهمّ قدنا بأزمة التوحید إلی محاضر طاعتک و اخلطنا فی زمرة المخلصین لذکرک و اجعل إجابتک من قبیل ما یتصل بکرم عفوک و لا تجعل خیبتنا من قبل جهلنا بقدرک و إضرابنا عن أمرک فلا سائل أحوج منا و لا مسئول أجود منک.

اللّهمّ احجر بیننا و بین کل ما دل علی غیرک ببیانک و دعا إلی سواک ببرهانک و انقلنا عن مواطن العجز مرتقیا بنا إلی شرفات العز فقد استحوذ الشیطان و خبثت النفس و ساءت العادة و کثر الصادون عنک و قل الداعون إلیک و ذهب المراعون لأمرک و فقد الواقفون عند حدودک و خلت دیار الحق من سکانها و بیع دینک بیع الخلق و استهزئ بناشر مجدک و أقصی المتوسل بک.

اللّهمّ فأعد نضارة دینک و أفض بین خلقک برکات إحسانک و امدد علیهم ظل توفیقک و اقمع ذوی الاعتراض علیک و اخسف بالمقتحمین فی دقائق غیبک و اهتک أستار الهاتکین لستر دینک و القارعین أبواب سرک القائسین بینک و بین خلقک اللّهمّ إنّی أسألک أن تخصنی بإلهام اقتبس الحق منه و توفیق یصحبنی و أصحبه و لطف لا یغیب عنی و لا أغیب عنه حتّی أقول إذا قلت لوجهک و أسکت إذا سکت بإذنک و أسأل إذا سألت بأمرک و أبین إذا أبنت بحجتک و أبعد إذا بعدت بإجلالک و أقرب إذا قربت برحمتک و أعبد إذا عبدت مخلصا لک و أموت إذا مت منتقلا إلیک اللّهمّ فلا تکلنی إلی غیرک و لا تؤیسنی من خیرک .

و منها اللّهمّ إنا بک نعز کما إنا بغیرک نذل و إیاک نرجو کما إنا من غیرک نیأس و إلیک نفوض کما إنا من غیرک نعرض أذنت لنا فی دعائک و أدنیتنا إلی فنائک و هیأتنا لعطائک و خصصتنا بحبائک و وسمتنا بولائک و عممتنا بآلائک و غمستنا فی نعمائک و ناغیتنا بألسن ملکوتک عن دفائن ما فی عالمک و لاطفتنا بظاهر قولک

ص :276

و تولیتنا بباطن فعلک فسمت نحوک أبصارنا و شامت بروق جودک بصائرنا فلما استقر ما بیننا و بینک أرسلت علینا سماء فضلک مدرارا و فتحت لنا منا أسماعا و أبصارا فرأینا ما طاح معه تحصیلنا و سمعنا ما فارقنا عنده تفضیلنا فلما سرنا إلی خلقک من ذلک ذروا (1) اتخذونا من أجله لعبا و هزوا فبقدرتک علی بلوانا بهم أرنا بک الغنی عنهم اللّهمّ قیض لنا فرجا من عندک و أنح لنا مخلصا إلیک فإنا قد تعبنا بخلقک و عجزنا عن تقویمهم لک و نحن إلی مقاربتهم فی مخالفتک أقرب منا إلی منابذتهم فی موافقتک لأنّه لا طاقة لنا بدهمائهم و لا صبر لنا علی بلوائهم و لا حیلة لنا فی شفائهم فنسألک بالضراعة التامة و بالإخلاص المرفود إلاّ أخذت بأیدینا و أرسلت رحمتک علینا فما أقدرک علی الإجابة و ما أجودک بکل مصون یا ذا الجلال و الإکرام .

و منها اللّهمّ إنا قربنا بک فلا تنئنا عنک و ظهرنا لک فلا تبطنا دونک و وجدناک بما ألقیت إلینا من غیب ملکوتک و عزفنا عن کل ما لوانا عن بابک و وثقنا بکل ما وعدتنا فی کتابک و توکلنا بالسر و العلن علی لطیف صنعک.

اللّهمّ إلیک نظرت العیون فعادت خاسئة عبری و فیک تقسمت الظنون فانقلبت یائسة حسری و فی قدرتک حارت الأبصار و فی حکمتک طاحت البصائر و فی آلائک غرقت الأرواح و علی ما کان منک تقطعت الأنفاس و من أجل إعراضک التهبت الصدور و لذکر ما مضی منک هملت الدموع اللّهمّ تولنا فیما ولیتنا حتّی لا نتولی عنک و أمنا ممّا خوفتنا حتّی نقر معک و أوسعنا رحمتک حتّی نطمئن إلی ما وعدتنا فی کتابک و فرق بیننا و بین الغل حتّی لا نعامل به خلقک و أغننا بک حتّی لا نفتقر إلی عبادک فإنک إذا یسرت أمرا تیسر و مهما بلوتنا فلا تبلنا بهجرک و لا تجرعنا مرارة سخطک لا قد اعترفنا بربوبیتک

ص :277

عبودیة لک فعرفنا حقیقتها بالعفو عنا و الإقبال علینا و الرفق بنا یا رحیم .

و منها اللّهمّ إن الرغبات بک منوطة و الوسائل إلیک متدارکة و الحاجات ببابک مرفوعة و الثقة بک مستحصفة أی مستحکمة و الأخبار بجودک شائعة و الآمال نحوک نازعة و الأمانی وراءک منقطعة و الثناء علیک متصل و وصفک بالکرم معروف و الخلائق إلی لطفک محتاجة و الرجاء فیک قوی و الظنون بک جمیلة و الأعناق لعزک خاضعة و النفوس إلی مواصلتک مشتاقة و الأرواح لعظمتک مبهوته لأنک لإله العظیم و الرب الرحیم و الجواد الکریم و السمیع العلیم تملک العالم کله و ما بعده و ما قبله و لک فیه تصاریف القدرة و خفیات الحکمة و نوافذ الإرادة و لک فیه ما لا ندریه ممّا تخفیه و لا تبدیه جللت عن الإجلال و عظمت عن التعظیم و قد أزف ورودنا علیک و وقوفنا بین یدیک و ظننا ما قد علمت و رجاؤنا ما قد عرفت فکن عند ظننا بک و حقق رجاءنا فیک فما خالفناک جرأة علیک و لا عصیناک تقحما فی سخطک و لا اتبعنا هوانا استهزاء بأمرک و نهیک و لکن غلبت علینا جواذب الطینة التی عجنتنا بها و بذور الفطرة التی أنبتنا منها فاسترخت قیودنا عن ضبط أنفسنا و عزبت ألبابنا عن تحصیل حظوظنا و لسنا ندعی حجة و لکن نسألک رأفة فبسترک السابغ الذیال و فضلک الذی یستوعب کل مقال إلاّ تممت ما سلف منک إلینا و عطفت بجودک الفیاض علینا و جذبت بأضباعنا و أقررت عیوننا و حققت آمالنا إنک أهل ذلک و أنت علی کل شیء قدیر ***

تم الجزء الحادی عشر من شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید و یلیه الجزء الثانی عشر

ص :278

205 و من خطبة له علیه السلام فیمن أعرض عن النصح،و نکص عن نصرة اللّه 60

206 و من خطبة له علیه السلام فی تمجید اللّه و تعظیمه 62-63

207 و من خطبة له علیه السلام فی ذکر النبیّ علیه السلام،و أنه خیر خلقه 65-66

208 و من کلام له علیه السلام کان یدعو به کثیرا 84

209 و من خطبة له علیه السلام خطبها بصفین 88-92

210 من کلام له علیه السلام ردّ فیه علی رجل من أصحابه أکثر الثناء علیه 101-102

211 و من کلام له علیه السلام یشکو فیه أمر قریش معه 109

212 و من کلام له علیه السلام فی ذکر السائرین إلی البصرة لحربه علیه السلام 121-122

213 و من کلام له علیه السلام لما مر بطلحة بن عبید اللّه و عبد الرحمن بن عتاب بن أسید و هما قتیلان یوم الجمل 123

214 و من کلام له علیه السلام،یصف فیه أحوال تقیّ عارف باللّه 127

215 و من کلام له علیه السلام یحث فیه أصحابه علی الجهاد 142

216 و من کلام له علیه السلام قاله بعد تلاوته:(ألهاکم التکاثر)145-152

217 و من کلام له علیه السلام قاله عند تلاوته:(یسبّح له فیها بالغدوّ و الآصال رجال لا تلهیهم تجارة و لا بیع عن ذکر اللّه)176-177

218 و من کلام له علیه السلام قاله عند تلاوته:(یا أیها الإنسان ما غرّک بربّک الکریم)238-239

ص :280

219 و من کلام له علیه السلام فی تهویل الظلم و تبرئه منه و بیان صغر الدنیا فی نظره 245-245

220 و من دعاء له علیه السلام 255-266

221 و من خطبة له علیه السلام فی ذمّ الدنیا و وصف سکان القبور 256-258

222 و من دعائه علیه السلام أیضا 267

ص :281

بعض الأشعار و الحکایات فی وصف القبور و الموتی 156-159

إیراد أشعار و حکایات فی وصف الموت و أحوال الموتی 168-175

بیان أحوال العارفین 181-237

نبذ من أخبار عقیل بن أبی طالب 250-254

ذکر الآثار و الأشعار الواردة فی ذمّ الدنیا 259

أدعیة فصیحة لأبی حیان التوحیدیّ 271-278

ص :283