ص :2

لَهُ أَسْمَاءُ النَّحْرَانِیَّةُ یَا أَبَا کَعْبٍ أَ حَقِیناً کَانَ أَمْ حَلِیباً (1) قَالَ إِنَّکِ لَبَطَّالَةٌ کَانَ یُعْصَمُ مِنَ الْجُوعِ وَ یَرْوَی مِنَ الظَّمَإِ أَمَا إِنِّی حَدَّثْتُ بِهَذَا نَفَراً مِنْ قَوْمِی مِنْهُمْ عَلِیُّ بْنُ الْحَارِثِ سَیِّدُ بَنِی قِنَانِ فَلَمْ یُصَدِّقْنِی وَ قَالَ مَا أَظُنُّ الَّذِی تَقُولُ کَمَا قُلْتَ فَقُلْتُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِکَ وَ رَجَعْتُ إِلَی مَنْزِلِی فَبِتُّ لَیْلَتِی تِلْکَ فَإِذَا بِهِ صَلاَةَ الصُّبْحِ عَلَی بَابِی فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ فَقُلْتُ رَحِمَکَ اللَّهُ لِمَ تَعَنَّیْتَ أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَیَّ فَآتِیَکَ فَإِنِّی لَأَحَقُّ بِذَلِکَ مِنْکَ قَالَ مَا نِمْتُ اللَّیْلَةَ إِلاَّ أَتَانِی آتٍ فَقَالَ أَنْتَ الَّذِی تُکَذِّبُ مَنْ یُحَدِّثُ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِ قَالَ أَبُو کَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّی أَتَیْتُ اَلْمَدِینَةَ فَأَتَیْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَ هُوَ الْخَلِیفَةُ یَوْمَئِذٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَیْءٍ مِنْ أَمْرِ دِینِی وَ قُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْیَمَنِ مِنْ بَنِی الْحَارِثِ بْنِ کَعْبٍ وَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَکَ فَأْمُرْ حَاجِبَکَ أَلاَّ یَحْجُبَنِی فَقَالَ یَا وَثَّابُ إِذَا جَاءَکَ هَذَا اَلْحَارِثِیُّ فَأْذَنْ لَهُ قَالَ فَکُنْتُ إِذَا جِئْتُ فَقَرَعْتُ الْبَابَ قَالَ مَنْ ذَا فَقُلْتُ اَلْحَارِثِیُّ فَیَقُولُ ادْخُلْ فَدَخَلْتُ یَوْماً فَإِذَا عُثْمَانُ جَالِسٌ وَ حَوْلَهُ نَفَرٌ سُکُوتٌ لاَ یَتَکَلَّمُونَ کَأَنَّ عَلَی رُءُوسِهِمُ الطَّیْرَ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ فَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ شَیْءٍ لِمَا رَأَیْتُ مِنْ حَالِهِمْ وَ حَالِهِ فَبَیْنَا أَنَا کَذَلِکَ إِذْ جَاءَ نَفَرٌ فَقَالُوا إِنَّهُ أَبَی أَنْ یَجِیءَ قَالَ فَغَضِبَ وَ قَالَ أَبَی أَنْ یَجِیءَ اذْهَبُوا فَجِیئُوا بِهِ فَإِنْ أَبَی فَجُرُّوهُ جَرّاً.

قَالَ فَمَکَثْتُ قَلِیلاً فَجَاءُوا وَ مَعَهُمْ رَجُلٌ آدَمُ طُوَالٌ أَصْلَعُ فِی مُقَدَّمِ رَأْسِهِ شَعَرَاتٌ وَ فِی قَفَاهُ شَعَرَاتٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَنْتَ الَّذِی تَأْتِیکَ رُسُلُنَا فَتَأْبَی أَنْ تَجِیءَ قَالَ فَکَلَّمَهُ بِشَیْءٍ لَمْ أَدْرِ مَا هُوَ ثُمَّ خَرَجَ فَمَا زَالُوا

ص :4

یَنْفَضُّونَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّی مَا بَقِیَ غَیْرِی فَقَامَ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ لاَ أَسْأَلُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ أَحَداً أَقُولُ حَدَّثَنِی فُلاَنٌ حَتَّی أَدْرِیَ مَا یَصْنَعُ فَتَبِعْتُهُ حَتَّی دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَإِذَا عَمَّارٌ جَالِسٌ إِلَی سَارِیَةٍ وَ حَوْلَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص یَبْکُونَ فَقَالَ عُثْمَانُ یَا وَثَّابُ عَلَیَّ بِالشُّرَطِ فَجَاءُوا فَقَالَ فَرِّقُوا بَیْنَ هَؤُلاَءِ فَفَرَّقُوا بَیْنَهُمْ.

ثُمَّ أُقِیمَتِ الصَّلاَةُ فَتَقَدَّمَ عُثْمَانُ فَصَلَّی بِهِمْ فَلَمَّا کَبَّرَ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ حُجْرَتِهَا یَا أَیُّهَا النَّاسُ ثُمَّ تَکَلَّمَتْ وَ ذَکَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ ثُمَّ قَالَتْ تَرَکْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ وَ خَالَفْتُمْ عَهْدَهُ...وَ نَحْوَ هَذَا ثُمَّ صَمِتَتْ وَ تَکَلَّمَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَی بِمِثْلِ ذَلِکَ فَإِذَا هُمَا عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ .قَالَ فَسَلَّمَ عُثْمَانُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ وَ قَالَ إِنَّ هَاتَیْنِ لَفَتَّانَتَانِ یَحِلُّ لِی سَبُّهُمَا وَ أَنَا بِأَصْلِهِمَا عَالِمٌ.

فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ أَ تَقُولُ هَذَا لِحَبَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ وَ فِیمَ أَنْتَ وَ مَا هَاهُنَا ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَ سَعْدٍ عَامِداً لِیَضْرِبَهُ فَانْسَلَّ سَعْدٌ .فَخَرَجَ مِنَ اَلْمَسْجِدِ فَاتَّبَعَهُ عُثْمَانُ فَلَقِیَ عَلِیّاً ع بِبَابِ اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ ع أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ أُرِیدُ هَذَا الَّذِی کَذَا وَ کَذَا یَعْنِی سَعْداً یَشْتِمُهُ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع أَیُّهَا الرَّجُلُ دَعْ عَنْکَ هَذَا قَالَ فَلَمْ یَزَلْ بَیْنَهُمَا کَلاَمٌ حَتَّی غَضِبَا فَقَالَ عُثْمَانُ أَ لَسْتَ الَّذِی خَلَّفَکَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَهُ یَوْمَ تَبُوکَ فَقَالَ عَلِیٌّ أَ لَسْتَ الْفَارَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص یَوْمَ أُحُدٍ .قَالَ ثُمَّ حَجَزَ النَّاسُ بَیْنَهُمَا قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنَ اَلْمَدِینَةِ حَتَّی انْتَهَیْتُ إِلَی اَلْکُوفَةِ فَوَجَدْتُ أَهْلَهَا أَیْضاً وَقَعَ بَیْنَهُمْ شَرٌّ وَ نَشِبُوا فِی الْفِتْنَةِ وَ رَدُّوا سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ فَلَمْ یَدَعُوهُ یَدْخُلُ إِلَیْهِمْ فَلَمَّا رَأَیْتُ ذَلِکَ رَجَعْتُ حَتَّی أَتَیْتُ بِلاَدَ قَوْمِی

.

ص :5

1839

1,14- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فِی کِتَابِ اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عِیسَی بْنِ دَاوُدَ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا بَنَی عُثْمَانُ دَارَهُ بِالْمَدِینَةِ أَکْثَرَ النَّاسُ عَلَیْهِ فِی ذَلِکَ فَبَلَغَهُ فَخَطَبَنَا فِی یَوْمِ جُمُعَةٍ ثُمَّ صَلَّی بِنَا ثُمَّ عَادَ إِلَی اَلْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ النِّعْمَةَ إِذَا حَدَثَتْ حَدَثَ لَهَا حُسَّادُ حَسَبِهَا وَ أَعْدَاءُ قَدْرِهَا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یُحْدِثْ لَنَا نِعَماً لِیَحْدُثَ لَهَا حُسَّادٌ عَلَیْهَا وَ مُنَافِسُونَ فِیهَا وَ لَکِنَّهُ قَدْ کَانَ مِنْ بِنَاءِ مَنْزِلِنَا هَذَا مَا کَانَ إِرَادَةَ جَمْعِ الْمَالِ فِیهِ وَ ضَمِّ الْقَاصِیَةِ إِلَیْهِ فَأَتَانَا عَنْ أُنَاسٍ مِنْکُمْ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ أَخَذَ فَیْئَنَا وَ أَنْفَقَ شَیْئَنَا وَ اسْتَأْثَرَ بِأَمْوَالِنَا یَمْشُونَ خَمَراً (1) وَ یَنْطِقُونَ سِرّاً کَأَنَّا غُیَّبٌ عَنْهُمْ وَ کَأَنَّهُمْ یَهَابُونَ مُوَاجَهَتَنَا مَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِدُحُوضِ حُجَّتِهِمْ فَإِذْ غَابُوا عَنَّا یَرُوحُ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ یَذْکُرُنَا وَ قَدْ وَجَدُوا عَلَی ذَلِکَ أَعْوَاناً مِنْ نُظَرَائِهِمْ وَ مُؤَازِرِینَ مِنْ شَبَابِهِمْ فَبُعْداً بُعْداً وَ رَغْماً رَغْماً ثُمَّ أَنْشَدَ بَیْتَیْنِ کَأَنَّهُ یُومِئُ فِیهِمَا إِلَی عَلِیٍّ ع . تَوَقَّدْ بِنَارٍ أَیْنَمَا کُنْتَ وَ اشْتَعِلْ

مَا لِی وَ لِفَیْئِکُمْ وَ أَخْذِ مَالِکُمْ أَ لَسْتُ مِنْ أَکْثَرِ قُرَیْشٍ مَالاً وَ أَظْهَرِهِمْ مِنَ اللَّهِ نِعْمَةً أَ لَمْ أَکُنْ عَلَی ذَلِکَ قَبْلَ اَلْإِسْلاَمِ وَ بَعْدَهُ وَ هَبُونِی بَنَیْتُ مَنْزِلاً مِنْ بَیْتِ الْمَالِ أَ لَیْسَ هُوَ لِی وَ لَکُمْ أَ لَمْ أُقِمْ أُمُورَکُمْ وَ إِنِّی مِنْ وَرَاءِ حَاجَاتِکُمْ فَمَا تَفْقِدُونَ مِنْ حُقُوقِکُمْ شَیْئاً فَلِمَ لاَ أَصْنَعُ فِی الْفَضْلِ مَا أَحْبَبْتُ فَلِمَ کُنْتُ إِمَاماً إِذاً.

أَلاَ وَ إِنَّ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ أَنَّهُ بَلَغَنِی عَنْکُمْ أَنَّکُمْ تَقُولُونَ لَنَفْعَلَنَّ بِهِ وَ لَنَفْعَلَنَّ فَبِمَنْ تَفْعَلُونَ لِلَّهِ آبَاؤُکُمْ أَ بِنَقْدِ الْبِقَاعِ أَمْ بِفَقْعِ الْقَاعِ أَ لَسْتُ أَحْرَاکُمْ إِنْ دَعَا أَنْ یُجَابَ وَ أَقْمَنَکُمْ إِنْ أَمَرَ أَنْ یُطَاعَ

ص :6

لَهْفِی عَلَی بَقَائِی فِیکُمْ بَعْدَ أَصْحَابِی وَ حَیَاتِی فِیکُمْ بَعْدَ أَتْرَابِی یَا لَیْتَنِی تَقَدَّمْتُ قَبْلَ هَذَا لَکِنِّی لاَ أُحِبُّ خِلاَفَ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ لِی عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا شِئْتُمْ فَإِنَّ الصَّادِقَ الْمُصَدَّقَ مُحَمَّداً ص قَدْ حَدَّثَنِی بِمَا هُوَ کَائِنٌ مِنْ أَمْرِی وَ أَمْرِکُمْ وَ هَذَا بَدْءُ ذَلِکَ وَ أَوَّلُهُ فَکَیْفَ الْهَرَبُ مِمَّا حُتِمَ وَ قُدِّرَ أَمَا إِنَّهُ ع قَدْ بَشَّرَنِی فِی آخِرِ حَدِیثِهِ بِالْجَنَّةِ دُونَکُمْ إِذَا شِئْتُمْ فَلاَ أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ.

قَالَ ثُمَّ هَمَّ بِالنُّزُولِ فَبَصُرَ بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع وَ مَعَهُ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ وَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ هَوَاهُ یَتَنَاجَوْنَ فَقَالَ إِیهاً إِیهاً أَ سِرَاراً لاَ جِهَاراً أَمَا وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ مَا أَحْنِقُ عَلَی جِرَّةٍ وَ لاَ أُوتَی مِنْ ضَعْفِ مِرَّةٍ وَ لَوْ لاَ النَّظَرُ لِی وَ لَکُمْ وَ الرِّفْقُ بِی وَ بِکُمْ لَعَاجَلْتُکُمْ فَقَدْ اغْتَرَرْتُمْ وَ أَفْلَتُّمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ.

ثُمَّ رَفَعَ یَدَیْهِ یَدْعُو وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ قَدْ تَعْلَمُ حُبِّی لِلْعَافِیَةِ فَأَلْبِسْنِیهَا وَ إِیْثَارِی لِلسَّلاَمَةِ فَآتِنِیهَا.

قَالَ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَنْ عَلِیٍّ ع وَ قَامَ عَدِیُّ بْنُ الْخِیَارِ فَقَالَ أَتَمَّ اللَّهُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ النِّعْمَةَ وَ زَادَکَ فِی الْکَرَامَةِ وَ اللَّهِ لَأَنْ تُحْسَدَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ تَحْسُدَ وَ لَأَنْ تُنَافَسَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُنَافِسَ أَنْتَ وَ اللَّهِ فِی حَسَبِنَا الصَّمِیمِ وَ مَنْصَبِنَا الْکَرِیمِ إِنْ دَعَوْتَ أُجِبْتَ وَ إِنْ أَمَرْتَ أَطَعْتَ فَقُلْ نَفْعَلْ وَ ادْعُ تُجَبْ جُعِلَتِ الْخِیَرَةُ وَ الشُّورَی إِلَی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص لِیَخْتَارُوا لَهُمْ وَ لِغَیْرِهِمْ وَ إِنَّهُمْ لَیَرَوْنَ مَکَانَکَ وَ یَعْرِفُونَ مَکَانَ غَیْرِکَ فَاخْتَارُوکَ مُنِیبِینَ طَائِعِینَ غَیْرَ مُکْرَهِینَ وَ لاَ مُجْبَرِینَ مَا غَیَّرْتَ وَ لاَ فَارَقْتَ وَ لاَ بَدَّلْتَ وَ لاَ خَالَفْتَ فَعَلاَمَ یُقَدِّمُونَ عَلَیْکَ وَ هَذَا رَأْیُهُمْ فِیکَ أَنْتَ وَ اللَّهِ کَمَا قَالَ الْأَوَّلُ اِذْهَبْ إِلَیْکَ فَمَا لِلْحَسُودِ إِلاَّ طِلاَبُکَ تَحْتَ الْعِثَارِ

ص :7

حَکَمْتَ فَمَا جَرَتْ فِی خَلَّةٍ

(1).

قَالَ وَ نَزَلَ عُثْمَانُ فَأَتَی مَنْزِلَهُ وَ أَتَاهُ النَّاسُ وَ فِیهِمُ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا أَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ أَقْبَلَ عَلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ مَا لِی وَ لَکُمْ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا أَغْرَاکُمْ بِی وَ أَوْلَعَکُمْ بِتَعَقُّبِ أَمْرِی أَ تَنْقِمُونَ عَلَیَّ أَمْرَ الْعَامَّةِ أَتَیْتُ مِنْ وَرَاءِ حُقُوقِهِمْ أَمْ أَمْرِکِمْ فَقَدْ جَعَلْتُهُمْ یَتَمَنَّوْنَ مَنْزِلَتَکُمْ لاَ وَ اللَّهِ لَکِنَّ الْحَسَدَ وَ الْبَغْیَ وَ تَثْوِیرَ الشَّرِّ وَ إِحْیَاءَ الْفِتَنِ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَلْقَی اَلنَّبِیُّ ص إِلَیَّ ذَلِکَ وَ أَخْبَرَنِی بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَاحِداً وَاحِداً وَ اللَّهِ مَا کَذَبْتُ وَ لاَ أَنَا بِمَکْذُوبٍ.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَلَی رِسْلِکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَوَ اللَّهِ مَا عَهِدْتُکَ جَهِراً بِسِرِّکَ وَ لاَ مُظْهِراً مَا فِی نَفْسِکَ فَمَا الَّذِی هَیَّجَکَ وَ ثَوَّرَکَ إِنَّا لَمْ یُولِعْنَا بِکَ أَمْرٌ وَ لَمْ نَتَعَقَّبْ أَمْرَکَ بِشَیْءٍ أُتِیْتَ بِالْکَذِبِ وَ تُسُوِّفَ عَلَیْکَ بِالْبَاطِلِ وَ اللَّهِ مَا نَقَمْنَا عَلَیْکَ لَنَا وَ لاَ لِلْعَامَّةِ قَدْ أُوتِیتَ مِنْ وَرَاءِ حُقُوقِنَا وَ حُقُوقِهِمْ وَ قَضَیْتَ مَا یَلْزَمُکَ لَنَا وَ لَهُمْ فَأَمَّا الْحَسَدُ وَ الْبَغْیُ وَ تَثْوِیرُ الْفِتَنِ وَ إِحْیَاءُ الشَّرِّ فَمَتَی رَضِیَتْ بِهِ عِتْرَةُ اَلنَّبِیِّ وَ أَهْلُ بَیْتِهِ وَ کَیْفَ وُهِمَ مِنْهُ وَ إِلَیْهِ عَلَی دِینِ اللَّهِ یُثَوِّرُونَ الشَّرَّ أَمْ عَلَی اللَّهِ یُحْیُونَ الْفِتَنَ کَلاَّ لَیْسَ الْبَغْیُ وَ لاَ الْحَسَدُ مِنْ طِبَاعِهِم فَاتَّئِدْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَبْصِرْ أَمْرَکَ وَ أَمْسِکْ عَلَیْکَ فَإِنَّ حَالَتَکَ الْأُولَی خَیْرٌ مِنْ حَالَتِکِ الْأُخْرَی لَعَمْرِی إِنْ کُنْتَ لَأَثِیراً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَ إِنْ کَانَ یُفْضِی إِلَیْکَ بِسِرِّهِ مَا یَطْوِیهِ عَنْ غَیْرِکَ وَ لاَ کَذَبْتَ وَ لاَ أَنْتَ بِمَکْذُوبٍ اخْسَأِ(2) اَلشَّیْطَانَ عَنْکَ وَ لاَ یَرْکَبْکَ وَ اغْلِبْ غَضَبَکَ وَ لاَ یَغْلِبْکَ فَمَا دَعَاکَ إِلَی هَذَا الْأَمْرِ الَّذِی کَانَ مِنْکَ.

ص :8

قَالَ دَعَانِی إِلَیْهِ ابْنُ عَمِّکَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ عَسَی أَنْ یُکَذِّبَ مُبَلِّغَکَ قَالَ عُثْمَانُ إِنَّهُ ثِقَةٌ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ إِنَّهُ لَیْسَ بِثِقَةٍ مَنْ بَلَّغَ وَ أَغْرَی قَالَ عُثْمَانُ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ آللَّهَ إِنَّکَ مَا تَعْلَمُ مِنْ عَلِیٍّ مَا شَکَوْتُ مِنْهُ قَالَ اللَّهُمَّ لاَ إِلاَّ أَنْ یَقُولَ کَمَا یَقُولُ النَّاسُ وَ یَنْقِمَ کَمَا یَنْقِمُونَ فَمَنْ أَغْرَاکَ بِهِ وَ أَوْلَعَکَ بِذِکْرِهِ دُونَهُمْ فَقَالَ عُثْمَانُ إِنَّمَا آفَتِی مِنْ أَعْظَمِ الدَّاءِ الَّذِی یَنْصِبُ نَفْسَهُ لِرَأْسِ الْأَمْرِ وَ هُوَ عَلِیٌّ ابْنُ عَمِّکَ وَ هَذَا وَ اللَّهِ کُلُّهُ مِنْ نَکَدِهِ وَ شُؤْمِهِ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ مَهْلاً اسْتَثْنِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ إِنِّی أَنْشُدُکَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ اَلْإِسْلاَمَ وَ الرَّحِمَ فَقَدْ وَ اللَّهِ غُلِبْتُ وَ ابْتُلِیتُ بِکُمْ وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ کَانَ صَارَ إِلَیْکُمْ دُونِی فَحَمَلْتُمُوهُ عَنِّی وَ کُنْتُ أَحَدَ أَعْوَانِکُمْ عَلَیْهِ إِذاً وَ اللَّهِ لَوَجَدْتُمُونِی لَکُمْ خَیْراً مِمَّا وَجَدْتُکُمْ لِی وَ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْأَمْرَ لَکُمْ وَ لَکِنَّ قَوْمَکُمْ دَفَعُوکُمْ عَنْهُ وَ اخْتَزَلُوهُ دُونَکُمْ فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِی أَ دَفَعُوهُ عَنْکُمْ أَمْ دَفَعُوکُمْ عَنْهُ.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ مَهْلاً یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنَّا نَنْشُدُکَ اللَّهَ وَ اَلْإِسْلاَمَ وَ الرَّحِمَ مِثْلَ مَا نَشَدْتَنَا أَنْ تَطْمَعَ فِینَا وَ فِیکَ عَدُوّاً وَ تُشْمِتَ بِنَا وَ بِکَ حَسُوداً إِنَّ أَمْرَکَ إِلَیْکَ مَا کَانَ قَوْلاً فَإِذَا صَارَ فِعْلاً فَلَیْسَ إِلَیْکَ وَ لاَ فِی یَدَیْکَ وَ إِنَّا وَ اللَّهِ لَنُخَالِفَنَّ إِنْ خُولِفْنَا وَ لَنُنَازِعَنَّ إِنْ نُوزِعْنَا وَ مَا تَمَنِّیکَ أَنْ یَکُونَ الْأَمْرُ صَارَ إِلَیْنَا دُونَکَ إِلاَّ أَنْ یَقُولَ قَائِلٌ مِنَّا مَا یَقُولُهُ النَّاسُ وَ یَعِیبَ کَمَا عَابُوا فَأَمَّا صَرْفُ قَوْمِنَا عَنَّا الْأَمْرَ فَعَنْ حَسَدٍ قَدْ وَ اللَّهِ عَرَفْتَهُ وَ بَغْیٍ قَدْ وَ اللَّهِ عَلِمْتَهُ فَاللَّهُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ قَوْمِنَا وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّکَ لاَ تَدْرِی أَ دَفَعُوهُ عَنَّا أَمْ دَفَعُونَا عَنْهُ فَلَعَمْرِی إِنَّکَ لَتَعْرِفُ أَنَّهُ لَوْ صَارَ إِلَیْنَا هَذَا الْأَمْرُ مَا زِدْنَا بِهِ فَضْلاً إِلَی فَضْلِنَا وَ لاَ قَدْراً إِلَی قَدْرِنَا وَ إِنَّا لَأَهْلُ الْفَضْلِ وَ أَهْلُ الْقَدَرِ وَ مَا فَضَلَ فَاضِلٌ إِلاَّ بِفَضْلِنَا وَ لاَ سَبَقَ سَابِقٌ إِلاَّ بِسَبْقِنَا وَ لَوْ لاَ هُدِینَا مَا اهْتَدَی أَحَدٌ وَ لاَ أَبْصَرُوا مِنْ عَمًی وَ لاَ قَصَدُوا مِنْ جَوْرٍ.

فَقَالَ عُثْمَانُ حَتَّی مَتَی یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ یَأْتِینِی عَنْکُمْ مَا یَأْتِینِی هَبُونِی کُنْتُ بَعِیداً أَ مَا کَانَ لِی مِنَ الْحَقِّ عَلَیْکُمْ أَنْ أُرَاقِبَ وَ أَنْ أُنَاظِرَ بَلَی وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ وَ لَکِنَّ الْفُرْقَةَ

ص :9

سَهَّلَتْ لَکُمُ الْقَوْلَ فِیَّ وَ تَقَدَّمَتْ بِکُمْ إِلَی الْإِسْرَاعِ إِلَیَّ وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ .

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ مَهْلاً حَتَّی أَلْقَی عَلِیّاً ثُمَّ أَحْمِلَ إِلَیْکَ عَلَی قَدْرِ مَا رَأَی قَالَ عُثْمَانُ افْعَلْ فَقَدْ فَعَلْتَ وَ طَالَمَا طَلَبْتَ فَلاَ أُطْلَبُ (1) وَ لاَ أُجَابُ وَ لاَ أُعْتَبُ.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَخَرَجْتُ فَلَقِیتُ عَلِیّاً وَ إِذَا بِهِ مِنَ الْغَضَبِ وَ التَّلَظِّی أَضْعَافَ مَا بِعُثْمَانَ فَأَرَدْتُ تَسْکِینَهُ فَامْتَنَعَ فَأَتَیْتُ مَنْزِلِی وَ أَغْلَقْتُ بَابِی وَ اعْتَزَلْتُهُمَا فَبَلَغَ ذَلِکَ عُثْمَانَ فَأَرْسَلَ إِلَیَّ فَأَتَیْتُهُ وَ قَدْ هَدَأَ غَضَبُهُ فَنَظَرَ إِلَیَّ ثُمَّ ضَحِکَ وَ قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا أَبْطَأَ بِکَ عَنَّا إِنَّ تَرْکَکَ الْعَوْدَ إِلَیْنَا لَدَلِیلٌ عَلَی مَا رَأَیْتَ عِنْدَ صَاحِبِکَ وَ عَرَفْتَ مِنْ حَالِهِ فَاللَّهُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ خُذْ بِنَا فِی غَیْرِ ذَلِکَ.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَکَانَ عُثْمَانُ بَعْدَ ذَلِکَ إِذَا أَتَاهُ عَنْ عَلِیٍّ شَیْءٌ فَأَرَدْتُ التَّکْذِیبَ عَنْهُ یَقُولُ وَ لاَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ حِینَ أَبْطَأْتَ عَنَّا وَ تَرَکْتَ الْعَوْدَ إِلَیْنَا فَلاَ أَدْرِی کَیْفَ أَرُدُّ عَلَیْهِ

.

1840

14,1- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ أَیْضاً فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِی سَحَراً أُسَابِقُ إِلَی اَلْمَسْجِدِ وَ أَطْلُبُ الْفَضِیلَةَ فَسَمِعْتُ خَلْفِی حِسّاً وَ کَلاَماً فتَسَمَّعْتُهُ فَإِذَا حِسُّ عُثْمَانَ وَ هُوَ یَدْعُو وَ لاَ یَرَی أَنَّ أَحَداً یَسْمَعُهُ وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ قَدْ تَعْلَمُ نِیَّتِی فَأَعِنِّی عَلَیْهِمْ وَ تَعْلَمُ الَّذِینَ ابْتُلِیتُ بِهِمْ مِنْ ذَوِی رَحِمِی وَ قَرَابَتِی فَأَصْلِحْنِی لَهُمْ وَ أَصْلِحْهُمْ لِی.

قَالَ فَقَصَرْتُ مِنْ خُطْوَتِی وَ أَسْرَعَ فِی مِشْیَتِهِ فَالْتَقَیْنَا فَسَلَّمَ فَرَدَدْتُ عَلَیْهِ فَقَالَ إِنِّی خَرَجْتُ لَیْلَتَنَا هَذِهِ أَطْلُبُ الْفَضْلَ وَ الْمُسَابَقَةَ إِلَی اَلْمَسْجِدِ فَقُلْتُ إِنَّهُ أَخْرَجَنِی مَا أَخْرَجَکَ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَئِنْ سَابَقْتَ إِلَی الْخَیْرِ إِنَّکَ لَمِنْ سَابِقِینَ مُبَارَکِینَ وَ إِنِّی لَأُحِبُّکُمْ وَ أَتَقَرَّبُ إِلَی اللَّهِ بِحُبِّکُمْ فَقُلْتُ یَرْحَمُکَ اللَّهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّا لَنُحِبُّکَ وَ نَعْرِفُ سَابِقَتَکَ وَ سِنَّکَ وَ قَرَابَتَکَ وَ صِهْرَکَ قَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ فَمَا لِی وَ لاِبْنِ عَمِّکَ وَ ابْنِ خَالِی قُلْتُ أَیُّ بَنِی عُمُومَتِی وَ بَنِی أَخْوَالِکَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ أَ تَسْأَلُ مَسْأَلَةَ الْجَاهِلِ.

ص :10

قُلْتُ إِنَّ بَنِی عُمُومَتِی مِنْ بَنِی خُئُولَتِکَ کَثِیرٌ فَأَیَّهُمْ تَعْنِی قَالَ أَعْنِی عَلِیّاً لاَ غَیْرَهُ فَقُلْتُ لاَ وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَیْراً وَ لاَ أَعْرِفُ لَهُ إِلاَّ حُسْناً قَالَ وَ اللَّهِ بِالْحَرِیِّ أَنْ یَسْتُرَ دُونَکَ مَا یُظْهِرُهُ لِغَیْرِکَ وَ یَقْبِضَ عَنْکَ مَا یَنْبَسِطُ بِهِ إِلَی سِوَاکَ.

قَالَ وَ رُمِینَا بِعَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ فَسَلَّمَ فَرَدَدْتُ عَلَیْهِ سَلاَمَهُ ثُمَّ قَالَ مَنْ مَعَکَ قُلْتُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عُثْمَانُ قَالَ نَعَمْ وَ سَلَّمَ بِکُنْیَتِهِ وَ لَمْ یُسَلِّمْ عَلَیْهِ بِالْخِلاَفَةِ فَرَدَّ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ عَمَّارٌ مَا الَّذِی کُنْتُمْ فَقَدْ سَمِعْتُ ذَرْواً (1) مِنْهُ قُلْتُ هُوَ مَا سَمِعْتَ فَقَالَ عَمَّارٌ رُبَّ مَظْلُومٍ غَافِلٌ وَ ظَالِمٍ مُتَجَاهِلٌ قَالَ عُثْمَانُ أَمَا إِنَّکَ مِنْ شُنَّائِنَا وَ أَتْبَاعِهِمْ وَ أَیْمُ اللَّهِ إِنَّ الْیَدَ عَلَیْکَ لَمُنْبَسِطَةٌ وَ إِنَّ السَّبِیلَ إِلَیْکَ لَسَهْلَةٌ وَ لَوْ لاَ إِیثَارُ الْعَافِیَةِ وَ لَمُّ الشَّعَثِ لَزَجَرْتُکَ زَجْرَةً تَکْفِی مَا مَضَی وَ تَمْنَعُ مَا بَقِیَ.

فَقَالَ عَمَّارٌ وَ اللَّهِ مَا أَعْتَذِرُ مِنْ حُبِّی عَلِیّاً وَ مَا الْیَدُ بِمُنْبَسِطَةٍ وَ لاَ السَّبِیلُ بِسَهْلَةٍ إِنِّی لاَزِمٌ حُجَّةً وَ مُقِیمٌ عَلَی سُنَّةٍ وَ أَمَّا إِیثَارُکَ الْعَافِیَةَ وَ لَمُّ الشَّعَثِ فَلاَزِمٌ ذَلِکَ وَ أَمَّا زَجْرِی فَأَمْسِکْ عَنْهُ فَقَدْ کَفَاکَ مُعَلِّمِی تَعْلِیمِی فَقَالَ عُثْمَانُ أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّکَ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَعْوَانِ الشَّرِّ الحَاضِّینَ عَلَیْهِ الْخَذَلَةِ عِنْدَ الْخَیْرِ وَ الْمُثَبِّطِینَ عَنْهُ فَقَالَ عَمَّارٌ مَهْلاً یَا عُثْمَانُ فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَصِفُنِی بِغَیْرِ ذَلِکَ قَالَ عُثْمَانُ وَ مَتَی قَالَ یَوْمَ دَخَلْتُ عَلَیْهِ مُنْصَرَفَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَ لَیْسَ عِنْدَهُ غَیْرُکَ وَ قَدْ أَلْقَی ثِیَابَهُ وَ قَعَدَ فِی فَضْلِهِ (2) فَقَبَّلْتُ صَدْرَهُ وَ نَحْرَهُ وَ جَبْهَتَهُ فَقَالَ یَا عَمَّارُ إِنَّکَ لَتُحِبُّنَا وَ إِنَّا لَنُحِبُّکَ وَ إِنَّکَ لَمِنَ الْأَعْوَانِ عَلَی الْخَیْرِ الْمُثَبِّطِینَ عَنِ الشَّرِّ فَقَالَ عُثْمَانُ أَجَلْ وَ لَکِنَّکَ غُیِّرْتَ وَ بُدِّلْتَ قَالَ فَرَفَعَ عَمَّارٌ یَدَهُ یَدْعُو وَ قَالَ أَمِّنْ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ اللَّهُمَّ مَنْ غُیِّرَ فَغَیِّرْ بِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

قَالَ وَ دَخَلْنَا اَلْمَسْجِدَ فَأَهْوَی عَمَّارٌ إِلَی مُصَلاَّهُ وَ مَضَیْتُ مَعَ عُثْمَانَ إِلَی الْقِبْلَةِ

ص :11

فَدَخَلَ الْمِحْرَابَ وَ قَالَ تَلْبَثُ عَلَیَّ إِذَا انْصَرَفْنَا فَلَمَّا رَآنِی عَمَّارٌ وَحْدِی أَتَانِی فَقَالَ أَ مَا رَأَیْتَ مَا بَلَغَ بِی آنِفاً قُلْتُ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ أَصْعَبْتَ بِهِ وَ أَصْعَبَ بِکَ وَ إِنَّ لَهُ لِسِنِّهِ وَ فَضْلِهِ وَ قَرَابَتِهِ قَالَ إِنَّ لَهُ لِذَلِکَ وَ لَکِنْ لاَ حَقَّ لِمَنْ لاَ حَقَّ عَلَیْهِ وَ انْصَرَفَ.

وَ صَلَّی عُثْمَانُ وَ انْصَرَفْتُ مَعَهُ یَتَوَکَّأُ عَلَیَّ فَقَالَ هَلْ سَمِعْتَ مَا قَالَ عَمَّارٌ قُلْتُ نَعَمْ فَسَرَّنِی ذَلِکَ وَ سَاءَنِی أَمَّا مَسَاءَتُهُ إِیَّایَ فَمَا بَلَغَ بِکَ وَ أَمَّا مَسَرَّتُهُ لِی فَحِلْمُکَ وَ احْتِمَالُکَ فَقَالَ إِنَّ عَلِیّاً فَارَقَنِی مُنْذُ أَیَّامٍ عَلَی الْمُقَارَبَةِ وَ إِنَّ عَمَّاراً آتِیهِ فَقَائِلٌ لَهُ وَ قَائِلٌ فَابْدُرْهُ إِلَیْهِ فَإِنَّکَ أَوْثَقُ عِنْدَهُ مِنْهُ وَ أَصْدَقُ قَوْلاً فَأَلْقِ الْأَمْرَ إِلَیْهِ عَلَی وَجْهِهِ فَقُلْتُ نَعَمْ.

وَ انْصَرَفْتُ أُرِیدُ عَلِیّاً ع فِی اَلْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ خَارِجٌ مِنْهُ فَلَمَّا رَآنِی تَفَجَّعَ لِی مِنْ فَوْتِ الصَّلاَةِ وَ قَالَ مَا أَدْرَکْتَهَا قُلْتُ بَلَی وَ لَکِنِّی خَرَجْتُ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ثُمَّ اقْتَصَصْتُ عَلَیْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنَّهُ لَیَقْرِفُ قَرْحَةً لَیَحُورَنَّ عَلَیْهِ أَلَمُهَا (1) فَقُلْتُ إِنَّ لَهُ سِنَّهُ وَ سَابِقَتَهُ وَ قَرَابَتَهُ وَ صِهْرَهُ قَالَ إِنَّ ذَلِکَ لَهُ وَ لَکِنْ لاَ حَقَّ لِمَنْ لاَ حَقَّ عَلَیْهِ .

قَالَ ثُمَّ رَهِقَنَا (2) عَمَّارٌ فَبَشَّ بِهِ عَلِیٌّ وَ تَبَسَّمَ فِی وَجْهِهِ وَ سَأَلَهُ فَقَالَ عَمَّارٌ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ هَلْ أَلْقَیْتَ إِلَیْهِ مَا کُنَّا فِیهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ إِذاً لَقَدْ قُلْتَ بِلِسَانِ عُثْمَانَ وَ نَطَقْتَ بِهَوَاهُ قُلْتُ مَا عَدَوْتُ الْحَقَّ جُهْدِی وَ لاَ ذَلِکَ مِنْ فِعْلِی وَ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ أَیُّ الْحَظَّیْنِ أَحَبُّ إِلَیَّ وَ أَیُّ الْحَقَّیْنِ أَوْجَبُ عَلَیَّ.

قَالَ فَظَنَّ عَلِیٌّ أَنَّ عِنْدَ عَمَّارٍ غَیْرَ مَا أَلْقَیْتُ إِلَیْهِ فَأَخَذَ بِیَدِهِ وَ تَرَکَ یَدِیْ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ یَکْرَهُ مَکَانِی فَتَخَلَّفْتُ عَنْهُمَا وَ انْشَعَبَ بِنَا الطَّرِیقُ فَسَلَکَاهُ وَ لَمْ یَدْعُنِی فَانْطَلَقْتُ إِلَی مَنْزِلِی فَإِذَا رَسُولُ عُثْمَانَ یَدْعُونِی فَأَتَیْتُهُ فَأَجِدُ بِبَابِهِ مَرْوَانَ وَ سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ .

ص :12

فِی رِجَالٍ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ فَأَذِنَ لِی وَ أَلْطَفَنِی وَ قَرَّبَنِی وَ أَدْنَی مَجْلِسِی ثُمَّ قَالَ مَا صَنَعْتَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالْخَبَرِ عَلَی وَجْهِهِ وَ مَا قَالَ الرَّجُلُ وَ قُلْتُ لَهُ وَ کَتَمْتُهُ قَوْلَهُ إِنَّهُ لَیَقْرِفُ قَرْحَةً لَیَحُورَنَّ عَلَیْهِ أَلَمُهَا إِبْقَاءً عَلَیْهِ وَ إِجْلاَلاً لَهُ وَ ذَکَرْتُ مَجِیءَ عَمَّارٍ وَ بَشَّ عَلِیٍّ لَهُ وَ ظَنَّ عَلِیٍّ أَنَّ قِبَلَهُ غَیْرُ مَا أُلْقِیَتْ عَلَیْهِ وَ سُلُوکُهُمَا حَیْثُ سَلَکَا قَالَ وَ فَعَلاَ قُلْتُ نَعَمْ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ عَالِمَ الْغَیْبِ وَ الشَّهَادَةِ الرَّحْمَنَ الرَّحِیمَ أَصْلِحْ لِی عَلِیّاً وَ أَصْلِحْنِی لَهُ أَمِّنْ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ فَأَمَّنْتُ ثُمَّ تَحَدَّثْنَا طَوِیلاً وَ فَارَقْتُهُ وَ أَتَیْتُ مَنْزِلِی

.

1841

1- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ أَیْضاً فِی الْکِتَابِ الْمَذْکُورِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِی شَیْئاً قَطُّ فِی أَمْرِ عُثْمَانَ یَلُومُهُ فِیهِ وَ لاَ یُعْذِرُهُ وَ لاَ سَأَلْتُهُ عَنْ شَیْءٍ مِنْ ذَلِکَ مَخَافَةَ أَنْ أَهْجِمَ مِنْهُ عَلَی مَا لاَ یُوَافِقُهُ فَإِنَّا عِنْدَهُ لَیْلَةً وَ نَحْنُ نَتَعَشَّی إِذْ قِیلَ هَذَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عُثْمَانُ بِالْبَابِ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَدَخَلَ فَأَوْسَعَ لَهُ عَلَی فِرَاشِهِ وَ أَصَابَ مِنَ الْعَشَاءِ مَعَهُ فَلَمَّا رَفَعَ قَامَ مَنْ کَانَ هُنَاکَ وَ ثَبَتُّ أَنَا فَحَمِدَ عُثْمَانُ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ یَا خَالِ فَإِنِّی قَدْ جِئْتُکَ أَسْتَعْذِرُکَ مِنِ ابْنِ أَخِیکَ عَلِیٍّ سَبَّنِی وَ شَهَرَ أَمْرِی وَ قَطَعَ رَحِمِی وَ طَعَنَ فِی دِینِی وَ إِنِّی أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْکُمْ یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنْ کَانَ لَکُمْ حَقٌّ تَزْعُمُونَ أَنَّکُمْ غُلِبْتُمْ عَلَیْهِ فَقَدْ تَرَکْتُمُوهُ فِی یَدَیَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِکَ بِکُمْ وَ أَنَا أَقْرَبُ إِلَیْکُمْ رَحِماً مِنْهُ وَ مَا لُمْتُ مِنْکُمْ أَحَداً إِلاَّ عَلِیّاً وَ لَقَدْ دُعِیتُ أَنْ أَبْسُطَ عَلَیْهِ فَتَرَکْتُهُ لِلَّهِ وَ الرَّحِمِ وَ أَنَا أَخَافُ أَلاَّ یَتْرُکَنِی فَلاَ أَتْرُکَهُ.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَحَمِدَ أَبِی اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ یَا ابْنَ أُخْتِی فَإِنْ کُنْتَ لاَ تَحْمَدُ عَلِیّاً لِنَفْسِکَ فَإِنِّی لاَ أَحْمَدُکَ لِعَلِیٍّ وَ مَا عَلِیٌّ وَحْدَهُ قَالَ فِیکَ بَلْ غَیْرُهُ فَلَوْ أَنَّکَ

ص :13

اتَّهَمْتَ نَفْسَکَ لِلنَّاسِ اتَّهَمَ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ لَکَ وَ لَوْ أَنَّکَ نَزَلْتَ مِمَّا رَقِیتَ وَ ارْتَقَوْا مِمَّا نَزَلُوا فَأَخَذْتَ مِنْهُمْ وَ أَخَذُوا مِنْکَ مَا کَانَ بِذَلِکَ بَأْسٌ قَالَ عُثْمَانُ فَذَلِکَ إِلَیْکَ یَا خَالِ وَ أَنْتَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ قَالَ أَ فَأَذْکُرُ لَهُمْ ذَلِکَ عَنْکَ قَالَ نَعَمْ وَ انْصَرَفَ فَمَا لَبِثْنَا أَنْ قِیلَ هَذَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ رَجَعَ بِالْبَابِ قَالَ أَبِی ائْذَنُوا لَهُ فَدَخَلَ فَقَامَ قَائِماً وَ لَمْ یَجْلِسْ وَ قَالَ لاَ تَعْجَلْ یَا خَالِ حَتَّی أُوذِنَکَ فَنَظَرْنَا فَإِذَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ کَانَ جَالِساً بِالْبَابِ یَنْتَظِرُهُ حَتَّی خَرَجَ فَهُوَ الَّذِی ثَنَاهُ عَنْ رَأْیِهِ الْأَوَّلِ فَأَقْبَلَ عَلَی أَبِی وَ قَالَ یَا بُنَیَّ مَا إِلَی هَذَا مِنْ أَمْرِهِ شَیْءٌ ثُمَّ قَالَ یَا بُنَیَّ أَمْلِکْ عَلَیْکَ لِسَانَکَ حَتَّی تَرَی مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ رَفَعَ یَدَیْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْبِقْ بِی مَا لاَ خَیْرَ لِی فِی إِدْرَاکِهِ فَمَا مَرَّتْ جُمُعَةٌ حَتَّی مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ

.

1842

1- رَوَی أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ فِی اَلْکَامِلِ عَنْ قَنْبَرٍ مَوْلَی عَلِیٍّ ع قَالَ دَخَلْتُ مَعَ عَلِیٍّ عَلَی عُثْمَانَ فَأَحَبَّا الْخَلْوَةَ فَأَوْمَأَ إِلَیَّ عَلِیٌّ ع بِالتَّنَحِّی فَتَنَحَّیْتُ غَیْرَ بَعِیدٍ فَجَعَلَ عُثْمَانُ یُعَاتِبُهُ وَ عَلِیٌّ مُطْرِقٌ فَأَقْبَلَ عَلَیْهِ عُثْمَانُ وَ قَالَ مَا لَکَ لاَ تَقُولُ قَالَ إِنْ قُلْتُ لَمْ أَقُلْ إِلاَّ مَا تَکْرَهُ وَ لَیْسَ لَکَ عِنْدِی إِلاَّ مَا تُحِبُّ

.

قال أبو العبّاس تأویل ذلک إن قلت اعتددت علیک بمثل ما اعتددت به علی فلذعک عتابی و عقدی ألا أفعل و إن کنت عاتبا إلاّ ما تحب (1) .

و عندی فیه تأویل آخر و هو أنی إن قلت و اعتذرت فأی شیء حسنته من الأعذار لم یکن ذلک عندک مصدقا و لم یکن إلاّ مکروها غیر مقبول و اللّه تعالی یعلم أنّه لیس لک عندی فی باطنی و ما أطوی علیه جوانحی إلاّ ما تحب و إن کنت لا تقبل المعاذیر التی أذکرها بل تکرهها و تنبو نفسک عنها.

ص :14

1843

1,14- وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ فِی کِتَابِ اَلشُّورَی عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ شَهِدْتُ عِتَابَ عُثْمَانَ لِعَلِیٍّ ع یَوْماً فَقَالَ لَهُ فِی بَعْضِ مَا قَالَهُ نَشَدْتُکَ اللَّهَ أَنْ تَفْتَحَ لِلْفُرْقَةِ بَاباً فَلَعَهْدِی بِکَ وَ أَنْتَ تُطِیعُ عَتِیقاً وَ اِبْنَ الْخَطَّابِ طَاعَتَکَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَسْتُ بِدُونِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَ أَنَا أَمَسُّ بِکَ رَحِماً وَ أَقْرَبُ إِلَیْکَ صِهْراً فَإِنْ کُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص لَکَ فَقَدْ رَأَیْنَاکَ حِینَ تُوُفِّیَ نَازَعْتَ ثُمَّ أَقْرَرْتَ فَإِنْ کَانَا لَمْ یَرْکَبَا مِنَ الْأَمْرِ جَدَداً فَکَیْفَ أَذْعَنْتَ لَهُمَا بِالْبَیْعَةِ وَ بَخَعْتَ بِالطَّاعَةِ وَ إِنْ کَانَا أَحْسَنَا فِیمَا وَلِیَا وَ لَمْ أُقَصِّرْ عَنْهُمَا فِی دِینِی وَ حَسَبِی وَ قَرَابَتِی فَکُنْ لِی کَمَا کُنْتَ لَهُمَا.

فَقَالَ عَلِیٌّ ع أَمَا الْفُرْقَةُ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَفْتَحَ لَهَا بَاباً وَ أُسَهِّلَ إِلَیْهَا سَبِیلاً وَ لَکِنِّی أَنْهَاکَ عَمَّا یَنْهَاکَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ عَنْهُ وَ أَهْدِیَکَ إِلَی رُشْدِکَ وَ أَمَّا عَتِیقٌ وَ اِبْنُ الْخَطَّابِ فَإِنْ کَانَا أَخَذَا مَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص لِی فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِذَلِکَ وَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ مَا لِی وَ لِهَذَا الْأَمْرِ وَ قَدْ تَرَکْتُهُ مُنْذُ حِینٍ فَأَمَّا أَلاَّ یَکُونَ حَقِّی بَلِ اَلْمُسْلِمُونَ فِیهِ شَرَعٌ فَقَدْ أَصَابَ السَّهْمُ الثُّغْرَةَ (1) وَ أَمَّا أَنْ یَکُونَ حَقِّی دُونَهُمْ فَقَدْ تَرَکْتُهُ لَهُمْ طِبْتُ بِهِ نَفْساً وَ نَفَضْتُ یَدَیَّ عَنْهُ اسْتِصْلاَحاً وَ أَمَّا التَّسْوِیَةُ بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُمَا فَلَسْتَ کَأَحَدِهِمَا إِنَّهُمَا وَلِیَا هَذَا الْأَمْرَ فَظَلَفَا (2) أَنْفُسَهُمَا وَ أَهْلَهُمَا عَنْهُ وَ عُمْتَ فِیهِ وَ قَوْمَکَ عَوْمَ السَّابِحِ فِی اللُّجَّةِ فَارْجِعْ إِلَی اللَّهِ أَبَا عَمْرٍو وَ انْظُرْ هَلْ بَقِیَ مِنْ عُمُرِکَ إِلاَّ کَظِمْءِ الْحِمَارِ (3) فَحَتَّی مَتَی وَ إِلَی مَتَی أَ لاَ تَنْهَی سُفَهَاءَ بَنِی أُمَیَّةَ عَنْ أَعْرَاضِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ أَبْشَارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ وَ اللَّهِ لَوْ ظَلَمَ عَامِلٌ مِنْ عُمَّالِکَ حَیْثُ تَغْرُبُ الشَّمْسُ لَکَانَ إِثْمُهُ مُشْتَرَکاً بَیْنَهُ وَ بَیْنَکَ.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُثْمَانُ لَکَ الْعُتْبَی وَ افْعَلْ وَ اعْزِلْ مِنْ عُمَّالِی کُلَّ مَنْ تَکْرَهُهُ

ص :15

وَ یَکْرَهُهُ اَلْمُسْلِمُونَ ثُمَّ افْتَرَقَا فَصَدَّهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ عَنْ ذَلِکَ وَ قَالَ یَجْتَرِئُ عَلَیْکَ النَّاسُ فَلاَ تَعْزِلْ أَحَداً مِنْهُمْ

.

1844

وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ أَیْضاً فِی کِتَابِهِ عَنْ رِجَالٍ أَسْنَدَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع قَالَ

أَرْسَلَ إِلَیَّ عُثْمَانُ فِی الْهَاجِرَةِ (1) فَتَقَنَّعْتُ بِثَوْبِی وَ أَتَیْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَیْهِ وَ هُوَ عَلَی سَرِیرِهِ وَ فِی یَدِهِ قَضِیبٌ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ مَالٌ دَثِرٌ (2) صُبْرَتَانِ مِنْ وَرِقٍ وَ ذَهَبٍ فَقَالَ دُونَکَ خُذْ مِنْ هَذَا حَتَّی تَمْلَأَ بَطْنَکَ فَقَدْ أَحْرَقْتَنِی فَقُلْتُ وَصَلَتْکَ رَحِمٌ إِنْ کَانَ هَذَا الْمَالُ وَرِثْتَهُ أَوْ أَعْطَاکَهُ مُعْطٍ أَوِ اکْتَسَبْتَهُ مِنْ تِجَارَةٍ کُنْتُ أَحَدَ رَجُلَیْنِ إِمَّا آخُذُ وَ أَشْکُرُ أَوْ أُوَفِّرُ وَ أَجْهَدُ وَ إِنْ کَانَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَ فِیهِ حَقُّ اَلْمُسْلِمِینَ وَ الْیَتِیمِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ فَوَ اللَّهِ مَا لَکَ أَنْ تُعْطِیَنِیهِ وَ لاَ لِی أَنْ آخُذَهُ فَقَالَ أَبَیْتُ وَ اللَّهِ إِلاَّ مَا أَبَیْتَ ثُمَّ قَامَ إِلَیَّ بِالْقَضِیبِ فَضَرَبَنِی وَ اللَّهِ مَا أَرُدُّ یَدَهُ حَتَّی قَضَی حَاجَتَهُ فَتَقَنَّعْتُ بِثَوْبِی وَ رَجَعْتُ إِلَی مَنْزِلِی وَ قُلْتُ اللَّهُ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ إِنْ کُنْتُ أَمَرْتُکَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَیْتُ عَنْ مُنْکَرٍ .

1845

وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ عَنِ اَلزُّهْرِیِّ قَالَ لَمَّا أُتِیَ عُمَرُ بِجَوْهَرِ کِسْرَی وَضَعَ فِی اَلْمَسْجِدِ فَطَلَعَتْ عَلَیْهِ الشَّمْسُ فَصَارَ کَالْجَمْرِ فَقَالَ لِخَازِنِ بَیْتِ الْمَالِ وَیْحَکَ أَرِحْنِی مِنْ هَذَا وَ اقْسِمْهُ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ فَإِنَّ نَفْسِی تُحَدِّثُنِی أَنَّهُ سَیَکُونُ فِی هَذَا بَلاَءٌ وَ فِتْنَةٌ بَیْنَ النَّاسِ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنْ قَسَّمْتَهُ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ لَمْ یَسَعْهُمْ وَ لَیْسَ أَحَدٌ یَشْتَرِیهِ لِأَنَّ ثَمَنَهُ عَظِیمٌ وَ لَکِنْ نَدَعُهُ إِلَی قَابِلٍ فَعَسَی اللَّهُ أَنْ یَفْتَحَ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ بِمَالٍ فَیَشْتَرِیَهُ مِنْهُمْ مَنْ یَشْتَرِیهِ قَالَ ارْفَعْهُ فَأَدْخِلْهُ بَیْتَ الْمَالِ.

وَ قُتِلَ عُمَرُ وَ هُوَ بِحَالِهِ فَأَخَذَهُ عُثْمَانُ لَمَّا وَلِیَ الْخِلاَفَةَ فَحَلَّی بِهِ بَنَاتِهِ.

ص :16

قَالَ اَلزُّبَیْرُ فَقَالَ اَلزُّهْرِیُّ کُلٌّ قَدْ أَحْسَنَ عُمَرُ حِینَ حَرَمَ نَفْسَهُ وَ أَقَارِبَهُ وَ عُثْمَانُ حِینَ وَصَلَ أَقَارِبَهُ.

1846

1- قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْیَانُ بْنُ عُیَیْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ أَبِی خَالِدٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَی عَلِیٍّ ع یَسْتَشْفِعُ بِهِ إِلَی عُثْمَانَ فَقَالَ حَمَّالُ الْخَطَایَا لاَ وَ اللَّهِ لاَ أَعُودُ إِلَیْهِ أَبَداً فَآیَسَهُ مِنْهُ .

1847

14- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ أَیْضاً عَنْ شَدَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِکٍ فِی أَیَّامِ عُمَرَ یَقُولُ یَا طَاعُونُ خُذْنِی فَقُلْنَا لَهُ لِمَ تَقُولُ هَذَا وَ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ یَزِیدُهُ طُولُ الْعُمُرِ إِلاَّ خَیْراً قَالَ إِنِّی أَخَافُ سِتّاً خِلاَفَةَ بَنِی أُمَیَّةَ وَ إِمَارَةَ السُّفَهَاءِ مِنْ أَحْدَاثِهِمْ وَ الرِّشْوَةَ فِی الْحُکْمِ وَ سَفْکَ الدَّمِ الْحَرَامِ وَ کَثْرَةَ الشُّرَطِ وَ نَشَأً یَنْشَأُ یَتَّخِذُونَ اَلْقُرْآنَ مَزَامِیرَ .

1848

وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ عَنْ أَبِی غَسَّانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ زِیَادٍ عَنِ اَلْأَسْوَدِ بْنِ قَیْسٍ عَنْ عُبَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ وَ هُوَ یَخْطُبُ فَأَکَبَّ النَّاسُ حَوْلَهُ فَقَالَ اجْلِسُوا یَا أَعْدَاءَ اللَّهِ فَصَاحَ بِهِ طَلْحَةُ إِنَّهُمْ لَیْسُوا بِأَعْدَاءِ اللَّهِ لَکِنَّهُمْ عِبَادُهُ وَ قَدْ قَرَءُوا کِتَابَهُ .

1849

وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ عَنْ سُفْیَانَ بْنِ عُیَیْنَةَ عَنْ إِسْرَائِیلَ عَنِ اَلْحَسَنِ قَالَ شَهِدْتُ اَلْمَسْجِدَ یَوْمَ جُمُعَةٍ فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ أَنْشُدُ کِتَابَ اللَّهِ فَقَالَ عُثْمَانُ اجْلِسْ أَمَا لِکِتَابِ اللَّهِ نَاشِدٌ غَیْرُکَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَی

ص :17

أَنْ یَجْلِسَ فَبَعَثَ إِلَی الشُّرَطِ لِیُجْلِسُوهُ فَقَامَ النَّاسُ فَحَالُوا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ قَالَ ثُمَّ تَرَامَوْا بِالْبَطْحَاءِ حَتَّی یَقُولَ الْقَائِلُ مَا أَکَادُ أَرَی أَدِیمَ السَّمَاءِ مِنَ الْبَطْحَاءِ فَنَزَلَ عُثْمَانُ فَدَخَلَ دَارَهُ وَ لَمْ یُصَلِّ الْجُمُعَةَ.

عَمِّی فَإِذْ جَمَعْتُکُمَا فِی النِّدَاءِ فَسَأَجْمَعُکُمَا فِی الشِّکَایَةِ عَنْ رِضَایَ عَلَی أَحَدِکُمَا وَ وَجْدِی عَلَی الْآخَرِ إِنِّی أَسْتَعْذِرُکُمَا مِنْ أَنْفُسِکُمَا وَ أَسْأَلُکُمَا فَیْئَتَکُمَا وَ أَسْتَوْهِبُکُمَا رَجْعَتَکُمَا فَوَ اللَّهِ لَوْ غَالَبَنِی النَّاسُ مَا انْتَصَرْتُ إِلاَّ بِکُمَا وَ لَوْ تَهَضَّمُونِی مَا تَعَزَّزْتُ إِلاَّ بِعِزِّکُمَا وَ لَقَدْ طَالَ هَذَا الْأَمْرُ بَیْنَنَا حَتَّی تَخَوَّفْتُ أَنْ یَجُوزَ قَدْرَهُ وَ یَعْظُمَ الْخَطَرُ فِیهِ وَ لَقَدْ هَاجَنِی الْعَدُوُّ عَلَیْکُمَا وَ أَغْرَانِی بِکُمَا فَمَنَعَنِی اللَّهُ وَ الرَّحِمُ مِمَّا أَرَادَ وَ قَدْ خَلَوْنَا فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ إِلَی جَانِبِ قَبْرِهِ وَ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تُظْهِرَا لِی رَأْیَکُمَا فِیَّ وَ مَا تَنْطَوِیَانِ لِی عَلَیْهِ وَ تَصْدُقَا فَإِنَّ الصِّدْقَ أَنْجَی وَ أَسْلَمُ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمَا.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَأَطْرَقَ عَلِیٌّ ع وَ أَطْرَقْتُ مَعَهُ طَوِیلاً أَمَّا أَنَا فَأَجْلَلْتُهُ أَنْ أَتَکَلَّمَ قَبْلَهُ وَ أَمَّا هُوَ فَأَرَادَ أَنْ أُجِیبَ عَنِّی وَ عَنْهُ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ أَ تَتَکَلَّمُ أَمْ أَتَکَلَّمُ عَنْکَ قَالَ بَلْ تَکَلَّمْ عَنِّی وَ عَنْکَ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَ أَثْنَیْتُ عَلَیْهِ وَ صَلَّیْتُ عَلَی رَسُولِهِ ثُمَّ قُلْتُ أَمَّا بَعْدُ یَا ابْنَ عَمِّنَا وَ عَمَّتِنَا فَقَدْ سَمِعْنَا کَلاَمَکَ لَنَا وَ خَلْطَکَ فِی الشِّکَایَةِ بَیْنَنَا عَلَی رِضَاکَ زَعَمْتَ عَنْ أَحَدِنَا وَ وَجْدَکَ عَلَی الْآخَرِ وَ سَنَفْعَلُ فِی ذَلِکَ فَنَذُمُّکَ وَ نَحْمَدُکَ اقْتِدَاءً مِنْکَ بِفِعْلِکَ فِینَا فَإِنَّا نَذُمُّ مِثْلَ تُهَمَتِکَ إِیَّانَا عَلَی مَا اتَّهَمْتَنَا عَلَیْهِ بِلاَ ثِقَةٍ إِلاَّ ظَنّاً وَ نَحْمَدُ مِنْکَ غَیْرَ ذَلِکَ مِنْ مُخَالَفَتِکَ عَشِیرَتَکَ ثُمَّ نَسْتَعْذِرُکَ مِنْ نَفْسِکَ اسْتِعْذَارَکَ إِیَّانَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَ نَسْتَوْهِبُکَ فَیْئَتَکَ اسْتِیهَابَکَ إِیَّانَا فَیْئَتَنَا وَ نَسْأَلُکَ رَجَعْتَکَ مَسْأَلَتَکَ إِیَّانَا رَجْعَتَنَا فَإِنَّا مَعاً أَیَّمَا حَمِدْتَ وَ ذَمَمْتَ مِنَّا کَمِثْلِکَ فِی أَمْرِ نَفْسِکَ لَیْسَ بَیْنَنَا فَرْقٌ وَ لاَ اخْتِلاَفٌ بَلْ کِلاَنَا شَرِیکُ صَاحِبِهِ فِی رَأْیِهِ وَ قَوْلِهِ فَوَ اللَّهِ مَا تَعْلَمُنَا غَیْرَ مُعْذِرِینَ فِیمَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَکَ وَ لاَ تَعْرِفُنَا غَیْرَ قَانِتِینَ عَلَیْکَ وَ لاَ تَجِدُنَا غَیْرَ رَاجِعِینَ إِلَیْکَ فَنَحْنُ نَسْأَلُکَ مِنْ نَفْسِکَ مِثْلَ مَا سَأَلْتَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَ أَمَّا قَوْلُکَ لَوْ غَالَبَتْنِی النَّاسُ مَا انْتَصَرْتُ إِلاَّ بِکُمَا أَوْ تَهَضَّمُونِّی مَا تَعَزَّزْتُ إِلاَّ بِعِزِّکُمَا فَأَیْنَ بِنَا وَ بِکَ عَنْ ذَلِکَ وَ نَحْنُ وَ أَنْتَ کَمَا قَالَ أَخُو کِنَانَةَ

ص :19

بَدَا بُحْتُرٌ مَا رَامَ نَالَ وَ إِنْ یُرَمْ

وَ أَمَّا قَوْلُکَ فِی هَیْجِ الْعَدُوِّ إِیَّاکَ عَلَیْنَا وَ إِغْرَائِهِ لَکَ بِنَا فَوَ اللَّهِ مَا أَتَاکَ الْعَدُوُّ مِنْ ذَلِکَ شَیْئاً إِلاَّ وَ قَدْ أَتَانَا بِأَعْظَمَ مِنْهُ فَمَنَعَنَا مِمَّا أَرَادَ مَا مَنَعَکَ مِنَ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ وَ الرَّحِمِ وَ مَا أَبْقَیْتَ أَنْتَ وَ نَحْنُ إِلاَّ عَلَی أَدْیَانِنَا وَ أَعْرَاضِنَا وَ مُرُوءَاتِنَا وَ لَقَدْ لَعَمْرِی طَالَ بِنَا وَ بِکَ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّی تَخَوَّفْنَا مِنْهُ عَلَی أَنْفُسِنَا وَ رَاقَبْنَا مِنْهُ مَا رَاقَبْتَ.

وَ أَمَّا مُسَاءَلَتُکَ إِیَّانَا عَنْ رَأْیِنَا فِیکَ وَ مَا نَنْطَوِی عَلَیْهِ لَکَ فَإِنَّا نُخْبِرُکَ أَنَّ ذَلِکَ إِلَی مَا تُحِبُّ لاَ یَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنَّا مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ ذَلِکَ وَ لاَ یَقْبَلُ مِنْهُ غَیْرَهُ وَ کِلاَنَا ضَامِنٌ عَلَی صَاحِبِهِ ذَلِکَ وَ کَفِیلٌ بِهِ وَ قَدْ بَرَّأْتَ أَحَدَنَا وَ زَکَّیْتَهُ وَ أَنْطَقْتَ الْآخَرَ وَ أَسْکَتَّهُ وَ لَیْسَ السَّقِیمُ مِنَّا مِمَّا کَرِهْتَ بِأَنْطَقَ مِنَ الْبَرِیءِ فِیمَا ذَکَرْتَ وَ لاَ الْبَرِیءُ مِنَّا مِمَّا سَخِطْتَ بِأَظْهَرَ مِنَ السَّقِیمِ فِیمَا وَصَفْتَ فَإِمَّا جَمَعْتَنَا فِی الرِّضَا وَ إِمَّا جَمَعْتَنَا فِی السَّخَطِ لِنُجَازِیَکَ بِمِثْلِ مَا تَفْعَلُ بِنَا فِی ذَلِکَ مُکَایَلَةَ الصَّاعِ بِالصَّاعِ فَقَدْ أَعْلَمْنَاکَ رَأْیَنَا وَ أَظْهَرْنَا لَکَ ذَاتَ أَنْفُسِنَا وَ صَدَّقْنَاکَ وَ الصِّدْقُ کَمَا ذَکَرْتَ أَنْجَی وَ أَسْلَمُ فَأَجِبْ إِلَی مَا دَعَوْتَ إِلَیْهِ وَ أَجْلِلْ عَنِ النَّقْضِ وَ الْغَدْرِ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مَوْضِعَ قَبْرِهِ وَ اصْدُقْ تَنْجُ وَ تَسْلَمْ وَ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَنَا وَ لَکَ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَنَظَرَ إِلَیَّ عَلِیٌّ ع نَظَرَ هَیْبَةٍ وَ قَالَ دَعْهُ حَتَّی یَبْلُغَ رِضَاهُ فِیمَا هُوَ فِیهِ فَوَ اللَّهِ لَوْ ظَهَرَتْ لَهُ قُلُوبُنَا وَ بَدَتْ لَهُ سَرَائِرُنَا حَتَّی رَآهَا بِعَیْنِهِ کَمَا یَسْمَعُ الْخَبَرَ عَنْهَا بِأُذُنِهِ مَا زَالَ مُتَجَرِّماً مُنْتَقِماً وَ اللَّهِ مَا أَنَا مُلْقًی عَلَی وَضَمَةٍ (1) وَ إِنِّی لَمَانِعٌ مَا وَرَاءَ ظَهْرِی وَ إِنَّ هَذَا الْکَلاَمَ لَمُخَالَفَةٌ مِنْهُ وَ سُوءُ عِشْرَةٍ فَقَالَ عُثْمَانُ مَهْلاً أَبَا حَسَنٍ فَوَ اللَّهِ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص وَصَفَنِی

ص :20

بِغَیْرِ ذَلِکَ یَوْمَ یَقُولُ وَ أَنْتَ عِنْدَهُ إِنَّ مِنْ أَصْحَابِی لَقَوْماً سَالِمِینَ لَهُمْ وَ إِنَّ عُثْمَانَ لَمِنْهُمْ إِنَّهُ لَأَحْسَنُهُمْ بِهِمْ ظَنّاً وَ أَنْصَحُهُمْ لَهُمْ حُبّاً فَقَالَ عَلِیٌّ ع فَتُصَدِّقُ قَوْلَهُ ص بِفِعْلِکَ وَ خَالَفَ مَا أَنْتَ الْآنَ عَلَیْهِ فَقَدْ قِیلَ لَکَ مَا سَمِعْتَ وَ هُوَ کَافٍ إِنْ قَبِلْتَ قَالَ عُثْمَانُ فَتَثِقُ یَا أَبَا الْحَسَنِ قَالَ نَعَمْ أَثِقُ وَ لاَ أَظُنُّکَ إِلاَّ فَاعِلاً قَالَ عُثْمَانُ قَدْ وَثِقْتَ وَ أَنْتَ مِمَّنْ لاَ یَخْفِرُ صَاحِبَهُ وَ لاَ یُکَذِّبُ لِقِیلِهِ.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذْتُ بِأَیْدِیهِمَا حَتَّی تَصَافَحَا وَ تَصَالَحَا وَ تَمَازَحَا وَ نَهَضْتُ عَنْهُمَا فَتَشَاوَرَا وَ تَآمَرَا وَ تَذَاکَرَا ثُمَّ افْتَرَقَا فَوَ اللَّهِ مَا مَرَّتْ ثَالِثَةً حَتَّی لَقِیَنِی کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا یَذْکُرُ مِنْ صَاحِبِهِ مَا لاَ تَبْرَکُ عَلَیْهِ الْإِبِلُ فَعَلِمْتُ أَنْ لاَ سَبِیلَ إِلَی صُلْحِهِمَا بَعْدَهَا

.

1851

1- وَ رَوَی أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ فِی کِتَابِ أَخْبَارِ السَّقِیفَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَیْسٍ الْأَسَدِیِّ عَنِ اَلْمَعْرُوفِ بْنِ سُوَیْدٍ قَالَ کُنْتُ بِالْمَدِینَةِ أَیَّامَ بُویِعَ عُثْمَانُ فَرَأَیْتُ رَجُلاً فِی اَلْمَسْجِدِ جَالِساً وَ هُوَ یُصَفِّقُ (1) بِإِحْدَی یَدَیْهِ عَلَی الْأُخْرَی وَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَ یَقُولُ وَا عَجَبَا مِنْ قُرَیْشٍ وَ اسْتِئْثَارِهِمْ بِهَذَا الْأَمْرِ عَلَی أَهْلِ هَذَا الْبَیْتِ مَعْدِنِ الْفَضْلِ وَ نُجُومِ الْأَرْضِ وَ نُورِ الْبِلاَدِ وَ اللَّهِ إِنَّ فِیهِمْ لَرَجُلاً مَا رَأَیْتُ رَجُلاً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص أَوْلَی مِنْهُ بِالْحَقِّ وَ لاَ أَقْضَی بِالْعَدْلِ وَ لاَ آمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ لاَ أَنْهَی عَنِ الْمُنْکَرِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِیلَ هَذَا اَلْمِقْدَادُ فَتَقَدَّمْتُ إِلَیْهِ وَ قُلْتُ أَصْلَحَکَ اللَّهُ مَنِ الرَّجُلُ الَّذِی تَذْکُرُ فَقَالَ ابْنُ عَمِّ نَبِیِّکَ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ .

قَالَ فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ إِنِّی لَقِیتُ أَبَا ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَحَدَّثْتُهُ مَا قَالَ اَلْمِقْدَادُ فَقَالَ صَدَقَ قُلْتُ فَمَا یَمْنَعُکُمْ أَنْ تَجْعَلُوا هَذَا الْأَمْرَ فِیهِمْ قَالَ أَبَی ذَلِکَ قَوْمُهُمْ قُلْتُ فَمَا یَمْنَعُکُمْ أَنْ تُعِینُوهُمْ قَالَ مَهْ لاَ تَقُلْ هَذَا إِیَّاکُمْ وَ الْفُرْقَةَ وَ الاِخْتِلاَفَ.

ص :21

قَالَ فَسَکَتُّ عَنْهُ ثُمَّ کَانَ مِنَ الْأَمْرِ بَعْدُ مَا کَانَ

.

1852

1- وَ ذَکَرَ شَیْخُنَا أَبُو عُثْمَانَ الْجَاحِظُ فِی الْکِتَابِ الَّذِی أَوْرَدَ فِیهِ الْمَعَاذِیرَ عَنْ أَحْدَاثِ عُثْمَانَ أَنَّ عَلِیّاً اشْتَکَی فَعَادَهُ عُثْمَانُ مِنْ شِکَایَتِهِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَ عَائِدَةٍ تَعُودُ لِغَیْرِ وُدٍّ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ ذَا دَنَفٍ یَمُوتُ .

فَقَالَ عُثْمَانُ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی أَ حَیَاتُکَ أَحَبُّ إِلَیَّ أَمْ مَوْتُکَ إِنْ مِتَّ هَاضَنِی فَقْدُکَ وَ إِنْ حَیِیتَ فَتَنَتْنِی حَیَاتُکَ لاَ أَعْدَمُ مَا بَقِیتَ طَاعِناً یَتَّخِذُکَ رَدِیئَةً [دَرِیئَةً]

یَلْجَأُ إِلَیْهَا.

فَقَالَ عَلِیٌّ ع مَا الَّذِی جَعَلَنِی دَرِیئَةً لِلطَّاعِنِینَ الْعَائِبِینَ إِنَّمَا سُوءُ ظَنِّکَ بِی أَحَلَّنِی مِنْ قِبَلِکَ هَذَا الْمَحَلَّ فَإِنْ کُنْتَ تَخَافُ جَانِبِی فَلَکَ عَلَیَّ عَهْدُ اللَّهِ وَ مِیثَاقُهُ أَنْ لاَ بَأْسَ عَلَیْکَ مِنِّی مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً (1) وَ إِنِّی لَکَ لَرَاعٍ وَ إِنِّی عَنْکَ لَمُحَامٍ وَ لَکِنْ لاَ یَنْفَعُنِی ذَلِکَ عِنْدَکَ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّ فَقْدِی یَهِیضُکَ فَکَلاَّ أَنْ تُهَاضَ لِفَقْدِی مَا بَقِیَ لَکَ اَلْوَلِیدُ وَ مَرْوَانُ .فَقَامَ عُثْمَانُ فَخَرَجَ.

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ عُثْمَانَ هُوَ الَّذِی أَنْشَدَ هَذَا الْبَیْتَ وَ قَدْ کَانَ اشْتَکَی فَعَادَهُ عَلِیٌّ ع فَقَالَ عُثْمَانُ وَ عَائِدَةٍ تَعُودُ بِغَیْرِ نُصْحٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ ذَا دَنَفٍ یَمُوتُ

.

1853

1- وَ رَوَی أَبُو سَعْدٍ الْآبِیُّ (2) فِی کِتَابِهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَقَعَ بَیْنَ عُثْمَانَ وَ عَلِیٍّ

ص :22

ع

کَلاَمٌ فَقَالَ عُثْمَانُ مَا أَصْنَعُ إِنْ کَانَتْ قُرَیْشٌ لاَ تُحِبُّکُمْ وَ قَدْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ یَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِینَ کَأَنَّ وُجُوهَهُمْ شُنُوفُ الذَّهَبِ تُصْرَعْ أَنْفُهُمْ قَبْلَ شِفَاهِهِمْ.

وَ رَوَی الْمَذْکُورُ أَیْضاً أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا نَقَمَ النَّاسُ عَلَیْهِ مَا نَقَمُوا قَامَ مُتَوَکِّئاً عَلَی مَرْوَانَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ لِکُلِّ أُمَّةٍ آفَةً وَ لِکُلِّ نِعْمَةٍ عَاهَةً وَ إِنَّ آفَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ عَاهَةَ هَذِهِ النِّعْمَةِ قَوْمٌ عَیَّابُونَ طَعَّانُونَ یُظْهِرُونَ لَکُمْ مَا تُحِبُّونَ وَ یُسِرُّونَ مَا تَکْرَهُونَ طَغَامٌ مِثْلُ النَّعَامِ یَتَّبِعُونَ أَوَّلَ نَاعِقٍ وَ لَقَدْ نَقَمُوا عَلَیَّ مَا نَقَمُوا عَلَی عُمَرَ مِثْلَهُ فَقَمَعَهُمْ وَ وَقَمَهُمْ (1) وَ إِنِّی لَأَقْرَبُ نَاصِراً وَ أَعَزُّ نَفَراً فَمَا لِی لاَ أَفْعَلُ فِی فُضُولِ (2) الْأَمْوَالِ مَا أَشَاءُ

.

1854

1- وَ رَوَی الْمَذْکُورُ أَیْضاً أَنَّ عَلِیّاً ع اشْتَکَی فَعَادَهُ عُثْمَانُ فَقَالَ مَا أَرَاکَ أَصْبَحْتَ إِلاَّ ثَقِیلاً قَالَ أَجَلْ قَالَ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی أَ مَوْتُکَ أَحَبُّ إِلَیَّ أَمْ حَیَاتُکَ إِنِّی لَأُحِبُّ مَوْتَکَ وَ أَکْرَهُ أَنْ أَعِیشَ بَعْدَکَ فَلَوْ شِئْتَ جَعَلْتَ لَنَا مِنْ نَفْسِکَ مَخْرَجاً إِمَّا صَدِیقاً مُسَالِماً وَ إِمَّا عَدُوّاً مُغَالِباً وَ إِنَّکَ لَکَمَا قَالَ أَخُو إِیَادٍ (3) جَرَتْ لِمَا بَیْنَنَا حَبْلُ الشَّمُوسِ فَلاَ یَأْساً مُبِیناً نَرَی مِنْهَا وَ لاَ طَمَعاً فَقَالَ عَلِیٌّ ع لَیْسَ لَکَ عِنْدِی مَا تَخَافُهُ وَ إِنْ أَجَبْتُکَ لَمْ أُجِبْکَ إِلاَّ بِمَا تَکْرَهُهُ

.

1855

1- وَ کَتَبَ عُثْمَانُ إِلَی عَلِیٍّ ع حِینَ أُحِیطَ بِهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاوَزَ الْمَاءُ الزُّبَی وَ بَلَغَ الْحِزَامُ الطُّبْیَیْنَ وَ تَجَاوَزَ الْأَمْرُ فِی قَدَرِهِ فَطَمِعَ فِیَّ مَنْ لاَ یَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ

ص :23

فَإِنْ کُنْتُ مَأْکُولاً فَکُنْ خَیْرَ آکِلٍ

وَ إِلاَّ فَأَدْرِکْنِی وَ لَمَّا أُمَزَّقْ (1)

.

1856

1- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ خَبَرَ الْعِیَادَةِ عَلَی وَجْهٍ آخَرَ قَالَ مَرِضَ عَلِیٌّ ع فَعَادَهُ عُثْمَانُ وَ مَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ فَجَعَلَ عُثْمَانُ یَسْأَلُ عَلِیّاً عَنْ حَالِهِ وَ عَلِیٌّ سَاکِتٌ لاَ یُجِیبُهُ فَقَالَ عُثْمَانُ لَقَدْ أَصْبَحْتَ یَا أَبَا الْحَسَنِ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْعَاقِّ لِأَبِیهِ إِنْ عَاشَ عَقَّهُ وَ إِنْ مَاتَ فَجَّعَهُ فَلَوْ جَعَلْتَ لَنَا مِنْ أَمْرِکَ فَرَجاً إِمَّا عَدُوّاً أَوْ صَدِیقاً وَ لَمْ تَجْعَلْنَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْمَاءِ أَمَا وَ اللَّهِ لَأَنَا خَیْرٌ لَکَ مِنْ فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ وَ إِنْ قَتَلْتَ لاَ تَجِدُ مِثْلِی فَقَالَ مَرْوَانُ أَمَا وَ اللَّهِ لاَ یُرَامُ مَا وَرَاءَنَا حَتَّی تَتَوَاصَلَ سُیُوفُنَا وَ تُقْطَعَ أَرْحَامُنَا.

فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ عُثْمَانُ وَ قَالَ اسْکُتْ لاَ سَکَتَّ وَ مَا یُدْخِلُکَ فِیمَا بَیْنَنَا

.

1857

1- رَوَی شَیْخُنَا أَبُو عُثْمَانَ الْجَاحِظُ عَنْ زَیْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ وَ هُوَ یَقُولُ لِعَلِیٍّ ع أَنْکَرْتَ عَلَیَّ اسْتِعْمَالَ مُعَاوِیَةَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَهُ قَالَ عَلِیٌّ ع نَشَدْتُکَ اللَّهَ أَ لاَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاوِیَةَ کَانَ أَطْوَعَ لِعُمَرَ مِنْ یَرْفَأَ غُلاَمِهِ إِنَّ عُمَرَ کَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ عَامِلاً وَطِئَ عَلَی صِمَاخِهِ وَ إِنَّ الْقَوْمَ رَکِبُوکَ وَ غَلَبُوکَ وَ اسْتَبَدُّوا بِالْأَمْرِ دُونَکَ فَسَکَتَ عُثْمَانُ

.

أدیبا و قد اشتغل بالریاضیات من الفلسفة و لم یکن یتعصب لمذهب بعینه قال جعفر سألت عما عنده فی أمر علی و عثمان فقال هذه عداوة قدیمة النسب بین عبد شمس و بین بنی هاشم و قد کان حرب بن أمیّة نافر عبد المطلب بن هاشم و کان أبو سفیان یحسد محمّدا ص و حاربه و لم تزل الثنتان متباغضتین و إن جمعتهما المنافیة ثمّ إن رسول اللّه ص زوج علیا بابنته و زوج عثمان بابنته الأخری و کان اختصاص رسول اللّه ص لفاطمة أکثر من اختصاصه للبنت الأخری و للثانیة التی تزوجها عثمان بعد وفاة الأولی و اختصاصه أیضا لعلی و زیادة قربه منه و امتزاجه به و استخلاصه إیاه لنفسه أکثر و أعظم من اختصاصه لعثمان فنفس عثمان ذلک علیه فتباعد ما بین قلبیهما و زاد فی التباعد ما عساه یکون بین الأختین من مباغضة أو مشاجرة أو کلام ینقل من إحداهما إلی الأخری فیتکدر قلبها علی أختها و یکون ذلک التکدیر سببا لتکدیر ما بین البعلین أیضا کما نشاهده فی عصرنا و فی غیره من الأعصار و قد قیل ما قطع من الأخوین کالزوجتین ثمّ اتفق أن علیا ع قتل جماعة کثیرة من بنی عبد شمس فی حروب رسول اللّه ص فتأکد الشنئان و إذا استوحش الإنسان من صاحبه استوحش صاحبه منه ثمّ مات رسول اللّه ص فصبا إلی علی جماعة یسیرة لم یکن عثمان منهم و لا حضر فی دار فاطمة مع من حضر من المخلفین عن البیعة و کانت فی نفس علی ع أمور من الخلافة لم یمکنه إظهارها فی أیام أبی بکر و عمر لقوة عمر و شدته و انبساط یده و لسانه فلما قتل عمر و جعل الأمر شوری بین الستة و عدل عبد الرحمن بها عن علی إلی عثمان لم یملک علی نفسه فأظهر ما کان کامنا و أبدی ما کان مستورا و لم یزل الأمر یتزاید بینهما حتّی شرف و تفاقم و مع ذلک فلم یکن علی ع لینکر من أمره إلاّ منکرا و لا ینهاه إلاّ کما تقتضی الشریعة نهیه عنه و کان عثمان مستضعفا فی نفسه رخوا قلیل الحزم واهی العقدة و سلم عنانه إلی

ص :25

مروان یصرفه کیف شاء الخلافة له فی المعنی و لعثمان فی الاسم فلما انتقض علی عثمان أمره استصرخ علیا و لاذ به و ألقی زمام أمره إلیه فدافع عنه حیث لا ینفع الدفاع و ذب عنه حین لا یغنی الذب فقد کان الأمر فسد فسادا لا یرجی صلاحه.

قال جعفر فقلت له أ تقول إن علیا وجد من خلافة عثمان أعظم ممّا وجده من خلافة أبی بکر و عمر فقال کیف یکون ذلک و هو فرع لهما و لولاهما لم یصل إلی الخلافة و لا کان عثمان ممن یطمع فیها من قبل و لا یخطر له ببال و لکن هاهنا أمر یقتضی فی عثمان زیادة المنافسة و هو اجتماعهما فی النسب و کونهما من بنی عبد مناف و الإنسان ینافس ابن عمه الأدنی أکثر من منافسة الأبعد و یهون علیه من الأبعد ما لا یهون علیه من الأقرب.

قال جعفر فقلت له أ فتقول لو أن عثمان خلع و لم یقتل أ کان الأمر یستقیم لعلی ع إذا بویع بعد خلعه فقال لا و کیف یتوهم ذلک بل یکون انتقاض الأمور علیه و عثمان حی مخلوع أکثر من انتقاضها علیه بعد قتله لأنّه موجود یرجی و یتوقع عوده فإن کان محبوسا عظم البلاء و الخطب و هتف الناس باسمه فی کل یوم بل فی کل ساعة و إن کان مخلی سربه و ممکنا من نفسه و غیر محول بینه و بین اختیاره لجأ إلی بعض الأطراف و ذکر أنّه مظلوم غصبت خلافته و قهر علی خلع نفسه فکان اجتماع الناس علیه أعظم و الفتنة به أشدّ و أغلظ.

قال جعفر فقلت له فما تقول فی هذا الاختلاف الواقع فی أمر الإمامة من مبدأ الحال و ما الذی تظنه أصله و منبعه فقال لا أعلم لهذا أصلا إلاّ أمرین أحدهما أن رسول اللّه ص أهمل أمر الإمامة فلم یصرح فیه بأحد بعینه و إنّما کان هناک رمز و إیماء و کنایة و تعریض لو أراد صاحبه أن یحتج به وقت الاختلاف و حال المنازعة

ص :26

لم یقم منه صورة حجة تغنی و لا دلالة تحسب و تکفی و لذلک لم یحتج علی ع یوم السقیفة بما ورد فیه لأنّه لم یکن نصا جلیا یقطع العذر و یوجب الحجة و عادة الملوک إذا تمهد ملکهم و أرادوا العقد لولد من أولادهم أو ثقة من ثقاتهم أن یصرحوا بذکره و یخطبوا باسمه علی أعناق المنابر و بین فواصل الخطب و یکتبوا بذلک إلی الآفاق البعیدة عنهم و الأقطار النائیة منهم و من کان منهم ذا سریر و حصن و مدن کثیرة ضرب اسمه علی صفحات الدنانیر و الدراهم مع اسم ذلک الملک بحیث تزول الشبهة فی أمره و یسقط الارتیاب بحاله فلیس أمر الخلافة بهین و لا صغیر لیترک حتّی یصیر فی مظنة الاشتباه و اللبس و لعله کان لرسول اللّه ص فی ذلک عذر لا نعلمه نحن إمّا خشیة من فساد الأمر أو إرجاف المنافقین و قولهم إنها لیس بنبوة و إنّما هی ملک به أوصی لذریته و سلالته و لما لم یکن أحد من تلک الذرّیة فی تلک الحال صالحا للقیام بالأمر لصغر السن جعله لأبیهم لیکون فی الحقیقة لزوجته التی هی ابنته و لأولاده منها من بعده.

و أمّا ما تقوله المعتزلة و غیرهم من أهل العدل أن اللّه تعالی علم أن المکلفین یکونون علی ترک الأمر مهملا غیر معین أقرب إلی فعل الواجب و تجنب القبیح قال و لعل رسول اللّه ص لم یکن یعلم فی مرضه أنّه یموت فی ذلک المرض و کان یرجو البقاء فیمهد للإمامة قاعدة واضحة و ممّا یدلّ علی ذلک أنّه لما نوزع فی إحضار الدواة و الکتف لیکتب لهم ما لا یضلون بعده غضب و قال اخرجوا عنی لم یجمعهم بعد الغضب ثانیة و یعرفهم رشدهم و یهدیهم إلی مصالحهم بل ارجأ الأمر إرجاء من یرتقب الإفاقة و ینتظر العافیة.

قال فبتلک الأقوال المحجمة و الکنایات المحتملة و الرموز المشتبهة مثل حدیث

ص :27

خَصْفُ النَّعْل و منزلةُ هارونَ من موسی و من کنت مولاه و هذا یعسوب الدین و لا فتی إلاّ علی و أحبّ خلقک إلیک...و ما جری هذا المجری ممّا لا یفصل الأمر و یقطع العذر و یسکت الخصم و یفحم المنازع وَثَبَتِ الأنصار فَادَّعَتْها و وثب بنو هاشم فادعوها و قال أبو بکر بایعوا عمر أو أبا عبیدة و قال العبّاس لعلی امدد یدک لأبایعک و قال قوم ممن رعف به الدهر فیما بعد و لم یکن موجودا حینئذ إن الأمر کان للعباس لأنّه العم الوارث و إن أبا بکر و عمر غصباه حقه فهذا أحدهما.

و أمّا السبب الثانی للاختلاف فهو جعل عمر الأمر شوری فی الستة و لم ینص علی واحد بعینه إمّا منهم أو من غیرهم فبقی فی نفس کل واحد منهم أنّه قد رشح للخلافة و أهل للملک و السلطنة فلم یزل ذلک فی نفوسهم و أذهانهم مصورا بین أعینهم مُرْتَسِماً فی خیالاتهم منازعة إلیه نفوسهم طامحة نحوه عیونهم حتّی کان من الشقاق بین علی و عثمان ما کان و حتّی أفضی الأمر إلی قتل عثمان و کان أعظم الأسباب فی قتله طلحةُ و کان لا یشک أن الأمر له من بعده لوجوه منها سابقته و منها أنّه ابن عم لأبی بکر و کان لأبی بکر فی نفوس أهل ذلک العصر منزلة عظیمة أعظم منها الآن و منها أنّه کان سمحا جوادا و قد کان نازع عمر فی حیاة أبی بکر و أحبّ أن یفوض أبو بکر الأمر إلیه من بعده فما زال یفتل فی الذِّروة و الغارب فی أمر عثمان و ینکر له القلوب و یکدر علیه النفوس و یُغْرِی أهل المدینة و الأعراب و أهل الأمصار به و ساعده الزبیرُ و کان أیضا یرجو الأمر لنفسه و لم یکن رجاؤهما الأمر بدون رجاء علی بل رجاؤهما کان أقوی لأن علیا دَحَضَهُ الأَوَّلان و أسقطاه و کسرا نَامُوسَه بین الناس فصار نسیا منسیا و مات الأکثر ممن یعرف خصائصه التی کانت فی أیّام النبوّة و فضله و نشأ قوم لا یعرفونه و لا یرونه إلاّ رجلا من عُرْض المسلمین و لم یبق له ممّا یَمُتُّ به إلاّ أنّه ابن عم الرسول و زوج ابنته و أبو ,3سبطیه و نسی ما وراء ذلک کله و اتفق له من بغض

ص :28

قریش و انحرافها ما لم یتفق لأحد و کانت قریش بمقدار ذلک البغض تحب طلحة و الزبیر لأن الأسباب الموجبة لبغضهم لم تکن موجودة فیهما و کانا یتألفان قریشا فی أواخر أیام عثمان و یعدانهم بالعطاء و الإفضال و هما عند أنفسهما و عند الناس خلیفتان بالقوة لا بالفعل لأن عمر نص علیهما و ارتضاهما للخلافة و عمر متبع القول و مرضی الفعال موفق مؤید مطاع نافذ الحکم فی حیاته و بعد وفاته فلما قتل عثمان أرادها طلحة و حرص علیها فلو لا الأشتر و قوم معه من شجعان العرب جعلوها فی علی لم تصل إلیه أبدا فلما فاتت طلحة و الزبیر فتقا ذلک الفتق العظیم علی علی و أخرجا أم المؤمنین معهما و قصدا العراق و أثارا الفتنة و کان من حرب الجمل ما قد علم و عرف ثمّ کانت حرب الجمل مقدّمة و تمهیدا لحرب صفّین فإن معاویة لم یکن لیفعل ما فعل لو لا طمعه بما جری فی البصرة ثم أوهم أهل الشام أن علیا قد فسق بمحاربة أم المؤمنین و محاربة المسلمین و أنّه قتل طلحة و الزبیر و هما من أهل الجنة و من یقتل مؤمنا من أهل الجنة فهو من أهل النار فهل کان الفساد المتولد فی صفین إلا فرعا للفساد الکائن یوم الجمل ثم نشأ من فساد صفین و ضلال معاویة کل ما جری من الفساد و القبیح فی أیام بنی أمیّة و نشأت فتنة ابن الزبیر فرعا من فروع یوم الدار لأن عبد اللّه کان یقول إن عثمان لما أیقن بالقتل نص علی بالخلافة و لی بذلک شهود و منهم مروان بن الحکم أ فلا تری کیف تسلسلت هذه الأمور فرعا علی أصل و غصنا من شجرة و جذوة من ضرام هکذا یدور بعضه علی بعض و کله من الشوری فی الستة.

قال و أعجب من ذلک

1858

1- قَوْلُ عُمَرَ وَ قَدْ قِیلَ لَهُ إِنَّکَ اسْتَعْمَلْتَ یَزِیدَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ وَ سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ وَ مُعَاوِیَةَ وَ فُلاَناً وَ فُلاَناً مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنَ الطُّلَقَاءِ وَ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ وَ تَرَکْتَ أَنْ تَسْتَعْمِلَ عَلِیّاً وَ اَلْعَبَّاسَ وَ اَلزُّبَیْرَ وَ طَلْحَةَ فَقَالَ أَمَّا عَلِیٌّ فَأَنْبَهُ مِنْ ذَلِکَ وَ أَمَّا هَؤُلاَءِ النَّفَرُ

ص :29

مِنْ قُرَیْشٍ فَإِنِّی أَخَافُ أَنْ یَنْتَشِرُوا فِی الْبِلاَدِ فَیُکْثِرُوا فِیهَا الْفَسَادَ

. فمن یخاف من تأمیرهم لئلا یطمعوا فی الملک و یدعیه کل واحد منهم لنفسه کیف لم یخف من جعلهم ستة متساوین فی الشوری مرشحین للخلافة و هل شیء أقرب إلی الفساد من هذا

1859

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ اَلرَّشِیدَ رَأَی یَوْماً مُحَمَّداً وَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَیْهِ یَلْعَبَانِ وَ یَضْحَکَانِ فَسُرَّ بِذَلِکَ فَلَمَّا غَابَا عَنْ عَیْنِهِ بَکَی فَقَالَ لَهُ اَلْفَضْلُ بْنُ الرَّبِیعِ مَا یُبْکِیکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ هَذَا مَقَامُ جَذَلٍ لاَ مَقَامُ حَزَنٍ فَقَالَ أَ مَا رَأَیْتَ لَعْبَهُمَا وَ مَوَدَّةَ بَیْنِهِمَا أَمَا وَ اللَّهِ لَیَتَبَدَّلَنَّ ذَلِکَ بُغْضاً وَ شَنَفاً (1) وَ لَیَحْتَلِسَنَّ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَ صَاحِبِهِ عَنْ قَرِیبٍ فَإِنَّ الْمُلْکَ عَقِیمٌ. و کان الرشید قد عقد الأمر لهما علی ترتیب هذا بعد هذا فکیف من لم یرتبوا فی الخلافة بل جعلوا فیها کأسنان المشط.

فقلت أنا لجعفر هذا کله تحکیه عن محمّد بن سلیمان فما تقول أنت فقال إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام (2)

ص :30

قلت لأنّه لا یرید من طاعتهم له إلاّ نصرة دین اللّه و القیام بحدوده و حقوقه و لا یریدهم لحظ نفسه و أمّا هم فإنهم یریدونه لحظوظ أنفسهم من العطاء و التقریب و الأسباب الموصلة إلی منافع الدنیا.

و هذا الخطاب منه ع لجمهور أصحابه فأما الخواص منهم فإنهم کانوا یریدونه للأمر الذی یریدهم له من إقامة شرائع الدین و إحیاء معالمه

ص :32

و الحمأ الطین الأسود قال سبحانه مِنْ صَلْصٰالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (1) و حمة العقرب سمتها أی فی هذه الفئة الباغیة الضلال و الفساد و الضرر و إذا أرادت العرب أن تعبر عن الضلال و الفساد قالت الحمء مثله الحمأة بالتاء و من أمثالهم ثأطة مدت بماء (2) یضرب للرجل یشتد موقه و جهله و الثأطة الحمأة و إذا أصابها الماء ازدادت فسادا و رطوبة.

و یروی فیها الحما بألف مقصورة و هو کنایة عن الزبیر لأن کل ما کان بسبب الرجل فهم الأحماء واحدهم حما مثل قفا و أقفاء و ما کان بسبب المرأة فهم الأخاتن فأما الأصهار فیجمع الجهتین جمعا و کان الزبیر ابن عمّة رسول اللّه ص و قد کان النبیّ ص أعلم علیا بأن فئة من المسلمین تبغی علیه أیّام خلافته فیها بعض زوجاته و بعض أحمائه فکنی علی ع عن الزوجة بالحمة و هی سم العقرب و یروی و الحمء یضرب مثلا لغیر الطیب و لغیر الصافی و ظهر أن الحمء الذی أخبر النبیّ ص بخروجه مع هؤلاء البغاة هو الزبیر ابن عمته و فی الحمأ أربع لغات حما مثل قفا و حمء مثل کمء و حمو مثل أبو و حم مثل أب.

قوله ع و الشبهة المغدفة أی الخفیة و أصله المرأة تغدف وجهها بقناعها أی تستره و روی المغدفة (3) بکسر الدال من أغدف اللیل أی أظلم .

و زاح الباطل أی بعد و ذهب و أزاحه غیره.

و عن نصابه عن مرکزه و مقره و منه قول بعض المحدثین.

قد رجع الحق إلی نصابه

و أنت من دون الوری أولی به

و الشغْب بالتسکین تهییج الشر شَغَب الحِقْدُ بالفتح شَغْبا و قد جاء بالتحریک فی لغة ضعیفة و ماضیها شَغِبَ بالکسر.

ص :34

لأفرطن لهم حوضا

أی لأملأن یقال أفرطت المزادة أی ملأتها و غدیر مفرط أی ملآن.

و الماتح بنقطتین من فوق المستقی من فوق و بالیاء مالئ الدلاء من تحت و العب الشرب بلا مص کما تشرب الدابّة و

1860

فِی الْحَدِیثِ الْکُبَادُ مِنَ الْعَبِّ (1) .

و الحسی ماء کامن فی رمل یحفر عنه فیستخرج و جمعه أحساء .

یقول ع و اللّه ما أنکروا علی أمرا هو منکر فی الحقیقة و إنّما أنکروا ما الحجة علیهم فیه لا لهم و حملهم علی ذلک الحسد و حبّ الاستئثار بالدنیا و التفضیل فی العطاء و غیر ذلک ممّا لم یکن أمیر المؤمنین ع یراه و لا یستجیزه فی الدین قال و لا جعلوا بینی و بینهم نصفا یعنی وسیطا یحکم و ینصف بل خرجوا عن الطاعة بغتة و إنهم لیطلبون حقا ترکوه أی یظهرون أنهم یطلبون حقا بخروجهم إلی البصرة و قد ترکوا الحق بالمدینة .قال و دما هم سفکوه یعنی دم عثمان و کان طلحة من أشدّ الناس تحریضا علیه و کان الزبیر دونه فی ذلک.

1861

رُوِیَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ وَیْلِی عَلَی اِبْنِ الْحَضْرَمِیَّةِ یُعْنَی طَلْحَةُ أَعْطَیْتُهُ کَذَا وَ کَذَا بَهَاراً (2) ذَهَباً وَ هُوَ یَرُومُ دَمِی یُحَرِّضُ عَلَی نَفْسِی اللَّهُمَّ لاَ تُمَتِّعْهُ بِهِ وَ لَقِّهِ عَوَاقِبَ بَغْیِهِ (3) .

1862

وَ رَوَی النَّاسُ الَّذِینَ صَنَّفُوا فِی وَاقِعَةِ الدَّارِ أَنَّ طَلْحَةَ کَانَ یَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ مُقَنَّعاً بِثَوْبٍ قَدْ اسْتَتَرَ بِهِ عَنْ أَعْیُنِ النَّاسِ یَرْمِی الدَّارَ بِالسِّهَامِ.

1863

وَ رَوَوْا أَیْضاً أَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ عَلَی الَّذِینَ

ص :35

حَصَرُوهُ الدُّخُولَ مِنْ بَابِ الدَّارِ حَمَلَهُمْ طَلْحَةُ إِلَی دَارٍ لِبَعْضِ اَلْأَنْصَارِ فَأَصْعَدَهُمْ إِلَی سَطْحِهَا وَ تَسَوَّرُوا مِنْهَا عَلَی عُثْمَانَ دَارَهُ فَقَتَلُوهُ.

1864

وَ رَوَوْا أَیْضاً أَنَّ اَلزُّبَیْرَ کَانَ یَقُولُ اقْتُلُوهُ فَقَدْ بَدَّلَ دِینَکُمْ فَقَالُوا إِنَّ ابْنَکَ یُحَامِی عَنْهُ بِالْبَابِ فَقَالَ مَا أَکْرَهُ أَنْ یُقْتَلَ عُثْمَانُ وَ لَوْ بُدِئَ بِابْنِی إِنَّ عُثْمَانَ لَجِیفَةٌ عَلَی اَلصِّرَاطِ غَداً.

1865

وَ قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ یَوْمَ الْجَمَلِ وَ اللَّهِ لاَ أَتْرُکُ ثَأْرِی وَ أَنَا أَرَاهُ وَ لَأَقْتُلَنَّ طَلْحَةَ بِعُثْمَانَ فَإِنَّهُ قَتَلَهُ ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ مَأْبَضَهُ (1) فَنَزَفَ الدَّمُ حَتَّی مَاتَ .

ثمّ قال ع إن کنت شریکهم فی دم عثمان فإن لهم نصیبهم منه فلا یجوز لهم أن یطلبوا بدمه و هم شرکاء فیه و إن کانوا ولوه دونی فهم المطلوبون إذن به لا غیرهم.

و إنّما لم یذکر القسم الثالث و هو أن یکون هو ع ولیه دونهم لأنّه لم یقل به قائل فإن الناس کانوا علی قولین فی ذلک أحدهما أن علیا و طلحة و الزبیر مسهم لطخ من عثمان لا بمعنی أنهم باشروا قتله بل بمعنی الإغراء و التحریض و ثانیهما أن علیا ع بریء من ذلک و أن طلحة و الزبیر غیر بریئین منه .

ثمّ قال و إن أول عدلهم للحکم علی أنفسهم یقول إن هؤلاء خرجوا و نقضوا البیعة و قالوا إنّما خرجنا للأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و إظهار العدل و إحیاء الحق و إماتة الباطل و أول العدل أن یحکموا علی أنفسهم فإنّه یجب علی الإنسان أن یقضی علی نفسه ثمّ علی غیره و إذا کان دم عثمان قبلهم فالواجب أن ینکروا علی أنفسهم قبل إنکارهم علی غیرهم.

ص :36

قال و إن معی لبصیرتی أی عقلی ما لبست علی الناس أمرهم و لا لبس الأمر علی أی لم یلبسه رسول اللّه ص علی بل أوضحه لی و عرفنیه.

ثمّ قال و إنها للفئة الباغیة لام التعریف فی الفئة تشعر بأن نصا قد کان عنده أنّه ستخرج علیه فئة باغیة و لم یعین له وقتها و لا کل صفاتها بل بعض علاماتها فلما خرج أصحاب الجمل و رأی تلک العلامات موجودة فیهم قال و إنها للفئة الباغیة أی و إن هذه الفئة أی الفئة التی وعدت بخروجها علی و لو لا هذا لقال و إنها لفئة باغیة علی التنکیر.

ثمّ ذکر بعض العلامات فقال إن الأمر لواضح کل هذا یؤکد به عند نفسه و عند غیره أن هذه الجماعة هی تلک الفئة الموعود بخروجها و قد ذهب الباطل و زاح (1) و خرس لسانه بعد شغبه.

ثمّ أقسم لیملأن لهم حوضا هو ماتحه و هذه کنایة عن الحرب و الهیجاء و ما یتعقبهما من القتل و الهلاک لا یصدرون عنه بری أی لیس کهذه الحیاض الحقیقیة التی إذا وردها الظمآن صدر عن ری و نقع غلیله بل لا یصدرون عنه إلاّ و هم جزر السیوف و لا یعبون بعده فی حسی لأنهم هلکوا فلا یشربون بعده البارد العذب.

و کان عمرو بن اللیث الصفار أمیر خراسان أنفذ جیشا لمحاربة إسماعیل بن أحمد السامانی فانکسر ذلک الجیش و عادوا إلی عمرو بن اللیث فغضب و لقی القواد بکلام غلیظ فقال له بعضهم أیها الأمیر إنّه قد طبخ لک مرجل عظیم و إنّما نلنا منه لهمة (2) یسیرة و الباقی مذخور لک فعلام تترکه اذهب إلیهم فکله فسکت عمرو بن اللیث عنه و لم یجب.

ص :37

و مرادنا من هذه المشابهة و المناسبة بین الکنایتین مِنْهُ فَأَقْبَلْتُمْ إِلَیَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِیلِ عَلَی أَوْلاَدِهَا تَقُولُونَ الْبَیْعَةَ الْبَیْعَةَ قَبَضْتُ کَفِّی فَبَسَطْتُمُوهَا وَ [نَازَعْتُکُمْ]

نَازَعَتْکُمْ یَدِی فَجَاذَبْتُمُوهَا اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَطَعَانِی وَ ظَلَمَانِی وَ نَکَثَا بَیْعَتِی وَ أَلَّبَا النَّاسَ عَلَیَّ فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا وَ لاَ تُحْکِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا وَ أَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِیمَا أَمَّلاَ وَ عَمِلاَ وَ لَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا قَبْلَ الْقِتَالِ وَ اسْتَأْنَیْتُ بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ فَغَمَطَا النِّعْمَةَ وَ رَدَّا الْعَافِیَةَ .

العوذ

النوق الحدیثات النتاج الواحدة عائذ مثل حائل و حول و قد یقال ذلک للخیل و الظباء و یجمع أیضا علی عوذان مثل راع و رعیان و هذه عائذة بینة العئوذ و ذلک إذا ولدت عن قریب و هی فی عیاذها أی بحدثان نتاجها (1) .

و المطافیل جمع مطفل و هی التی زال عنها اسم العیاذ و معها طفلها و قد تسمی المطافیل عوذا إلی أن یبعد العهد بالنتاج مجازا و علی هذا الوجه قال أمیر المؤمنین إقبال العوذ المطافیل و إلاّ فالاسمان معا لا یجتمعان حقیقة و إذا زال الأول ثبت الثانی .

قوله و ألبا الناس علی أی حرضا یقال حسود مؤلب.

ص :38

و استثبتهما بالثاء المعجمة بثلاث طلبت منهما أن یثوبا أی یرجعا و سمی المنزل مثابة لأن أهله ینصرفون فی أمورهم ثمّ یثوبون إلیه و یروی و لقد استتبتهما أی طلبت منهما أن یتوبا إلی اللّه من ذنبهما فی نقض البیعة.

و استأنیت بهما من الإناءة و الانتظار.

و الوِقَاع بکسر الواو مصدر واقعتهم فی الحرب وِقَاعاً مثل نازلتهم نزالا و قاتلتهم قتالا.

و غَمَطَ فلان النعمةَ إذا حَقَّرها و أَزْرَی بها غَمْطا و یجوز غِمْط النعمة بالکسر و المصدر غیر محرک و یقال إن الکسر أفصح من الفتح .

یقول ع إنکم أقبلتم مزدحمین کما تُقْبِلُ النُّوقُ إلی أولادها تسألوننی البیعة فامتنعت علیکم حتّی علمت اجتماعکم فبایعتکم ثمّ دعا علی علی طلحة و الزبیر بعد أن وصفهما بالقطیعة و النکث و التألیب علیه بأن یحل اللّه تعالی ما عقدا و ألا یحکم لهما ما أبرما و أن یریهما المساءة فیما أملا و عملا.

فأما الوصف لهما بما وصفهما به فقد صدق ع فیه و أمّا دعاؤه فاستجیب له و المساءة التی دعا بها هی مساءة الدنیا لا مساءة الآخرة فإن اللّه تعالی قد وعدهما علی لسان رسوله بالجنة و إنّما استوجباها بالتوبة التی ینقلها أصحابنا رحمهم اللّه فی کتبهم عنهما و لولاها لکانا من الهالکین

ص :39

مِنْهَا حَتَّی تَقُومَ الْحَرْبُ بِکُمْ عَلَی سَاقٍ بَادِیاً نَوَاجِذُهَا مَمْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا حُلْواً رَضَاعُهَا عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا أَلاَ وَ فِی غَدٍ وَ سَیَأْتِی غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ یَأْخُذُ الْوَالِی مِنْ غَیْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَی مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا وَ تَخْرُجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِیذَ کَبِدِهَا وَ تُلْقِی إِلَیْهِ سِلْماً مَقَالِیدَهَا فَیُرِیَکُمْ کَیْفَ عَدْلُ السِّیرَةِ وَ یُحْیِی مَیِّتَ اَلْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ .

الساق الشدة و منه قوله تعالی یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سٰاقٍ (1) .

و النواجذ أقصی الأضراس و الکلام کنایة عن بلوغ الحرب غایتها کما أن غایة الضحک أن تبدو النواجذ .

قوله مملوءة أخلافها و الأخلاف للناقة حلمات الضرع واحدها خلف و کذلک و قوله حلوا رضاعها علقما عاقبتها قد أخذه الشاعر فقال الحرب أول ما تکون فتیة

ص :41

و هو الرضاع بالفتح و الماضی رضع بالکسر مثل سمع سماعا و أهل نجد یقولون رضَعَ بالفتح یرضَع بالکسر رضعا مثل ضرب یضرب ضربا و أنشدوا و ذموا لنا الدنیا و هم یرضعونها أفاویق حتّی ما یدر لها ثعل (1) بکسر الضاد

مُفْتَرٍ (1) فاعترض بین إذا و جوابها بقوله وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا یُنَزِّلُ فکأنّه أراد أن یجیبهم عن دعواهم فجعل الجواب اعتراضا.

و من ذلک قوله وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلیٰ وَهْنٍ وَ فِصٰالُهُ فِی عٰامَیْنِ أَنِ اشْکُرْ لِی وَ لِوٰالِدَیْکَ (2) فاعترض بقوله حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلیٰ وَهْنٍ وَ فِصٰالُهُ فِی عٰامَیْنِ بین وَصَّیْنَا و بین الموصی به و فائدة ذلک إذکار الولد بما کابدته أمه من المشقة فی حمله و فصاله.

و من ذلک قوله وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِیهٰا وَ اللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ فَقُلْنٰا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا (3) فقوله وَ اللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ اعتراض بین المعطوف و المعطوف علیه و المراد أن یقرر فی أنفس السامعین أنّه لا ینفع البشر کتمانهم و إخفاؤهم لما یرید اللّه إظهاره.

و من الاعتراض فی الشعر قول جریر و لقد أرانی و الجدید إلی بلی فی موکب بیض الوجوه کرام (4) فقوله و الجدید إلی بلی اعتراض و المراد تعزیته نفسه عما مضی من تلک اللذات.

و کذلک قول کثیر لو أن الباخلین و أنت منهم رأوک تعلموا منک المطالا (5) فقوله و أنت منهم اعتراض و فائدته ألا تظن أنّها لیست باخلة.

ص :43

و من ذلک قول الشاعر (1) فلو سألت سراة الحیّ سلمی

فقوله علی أن قد تلون بی زمانی.

اعتراض و فائدته الإخبار عن أن السن قد أخذت منه و تغیرت بطول العمر أوصافه.

و من ذلک قول أبی تمام رددت رونق وجهی فی صحیفته فقوله و خیر القول أصدقه اعتراض و فائدته إثبات صدقه فی دعواه أنّه لا یبالی أیهما حقن.

فأما قول أبی تمام أیضا و إن الغنی لی إن لحظت مطالبی من الشعر إلاّ فی مدیحک أطوع (2) .

فإن الاعتراض فیه هو قوله ...إلا فی مدیحک.. و لیس قوله ...إن لحظت مطالبی اعتراضا کما زعم ابن الأثیر الموصلی (3) لأن فائدة البیت معلقة علیه لأنّه لا یرید أن الغنی

ص :44

لی علی کل حال أطوع من الشعر و کیف یرید هذا و هو کلام فاسد مختل بل مراده أن الغنی لی بشرط أن تلحظ مطالبی من الشعر أطوع لی إلاّ فی مدیحک فإن الشعر فی مدیحک أطوع لی منه و إذا کانت الفائدة معلقة بالشرط المذکور لم یکن اعتراضا و کذلک وهم ابن الأثیر (1) أیضا فی قول إمرئ القیس فلو أن ما أسعی لأدنی معیشة

فقال إن قوله و لم أطلب اعتراض و لیس بصحیح لأن فائدة البیت مرتبطة به و تقدیره لو سعیت لأن آکل و أشرب لکفانی القلیل و لم أطلب الملک فکیف یکون قوله و لم أطلب الملک اعتراضا و من شأن الاعتراض أن یکون فضلة ترد لتحسین و تکملة و لیست فائدته أصلیة.

و قد یأتی الاعتراض و لا فائدة فیه و هو غیر مستحسن نحو قول النابغة یقول رجال یجهلون خلیقتی لعل زیادا لا أبا لک غافل (2) .

فقوله لا أبا لک اعتراض لا معنی تحته هاهنا و مثله قول زهیر سئمت تکالیف الحیاة و من یعش ثمانین حولا لا أبا لک یسأم (3) .

فإن جاءت لا أبا لک تعطی معنی یلیق بالموضع فهی اعتراض جید نحو قول أبی تمام عتابک عنی لا أبا لک و اقصدی.

فإنه أراد زجرها و ذمها لما أسرفت فی عتابه.

ص :45

و قد یأتی الاعتراض علی غایة من القبح و الاستهجان و هو علی سبیل التقدیم و التأخیر نحو قول الشاعر فقد و الشک بین لی عناء بوشک فراقهم صرد فصیح (1) تقدیره فقد بین لی صرد یصیح بوشک فراقهم و الشک عناء فلأجل قوله و الشک عناء بین قد و الفعل الماضی و هو بین عد اعتراضا مستهجنا و أمثال هذا للعرب کثیر قوله ع یأخذ الوالی من غیرها عمالها علی مساوئ أعمالها کلام منقطع عما قبله و قد کان تقدم ذکر طائفة من الناس ذات ملک و أمره فذکر ع أن الوالی یعنی الإمام الذی یخلقه اللّه تعالی فی آخر الزمان یأخذ عمال هذه الطائفة علی سوء أعمالهم و علی هاهنا متعلقة بیأخذ التی هی بمعنی یؤاخذ من قولک أخذته بذنبه و آخذته و الهمز أفصح .

و الأفالیذ جمع أفلاذ و أفلاذ جمع فلذ و هی القطعة من الکبد و هذا کنایة عن الکنوز التی تظهر للقائم بالأمر

1866

12- وَ قَدْ جَاءَ ذِکْرُ ذَلِکَ فِی خَبَرٍ مَرْفُوعٍ فِی لَفْظَةٍ وَ قَاءَتْ لَهُ الْأَرْضُ أَفْلاَذَ کَبِدِهَا . و قد فسر قوله تعالی وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقٰالَهٰا (2) بذلک فی بعض التفاسیر .

و المقالید المفاتیح مِنْهَا کَأَنِّی بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ وَ فَحَصَ بِرَایَاتِهِ فِی ضَوَاحِی کُوفَانَ فَعَطَفَ عَلَیْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ وَ فَرَشَ الْأَرْضَ بِالرُّءُوسِ قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ وَ ثَقُلَتْ فِی الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ بَعِیدَ الْجَوْلَةِ عَظِیمَ الصَّوْلَةِ

ص :46

وَ اللَّهِ لَیُشَرِّدَنَّکُمْ فِی أَطْرَافِ الْأَرْضِ حَتَّی لاَ یَبْقَی مِنْکُمْ إِلاَّ قَلِیلٌ کَالْکُحْلِ فِی الْعَیْنِ فَلاَ تَزَالُونَ کَذَلِکَ حَتَّی تَئُوبَ إِلَی اَلْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ وَ الآْثَارَ الْبَیِّنَةَ وَ الْعَهْدَ الْقَرِیبَ الَّذِی عَلَیْهِ بَاقِی النُّبُوَّةِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اَلشَّیْطَانَ إِنَّمَا یُسَنِّی لَکُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ .

هذا إخبار عن عبد الملک بن مروان و ظهوره بالشام و ملکه بعد ذلک العراق و ما قتل من العرب فیها أیام عبد الرحمن بن الأشعث و قتله أیام مصعب بن الزبیر .

و نعق الراعی بغنمه بالعین المهملة و نغق الغراب بالغین المعجمة و فحص برایاته هاهنا مفعول محذوف تقدیره و فحص الناس برایاته أی نحاهم و قلبهم یمینا و شمالا.

و کوفان اسم الکوفة و ضواحیها ما قرب منها من القری و الضروس الناقة السیئة الخلق تعض حالبها قال بشر بن أبی خازم عطفنا لهم عطف الضروس من الملا بشهباء لا یمشی الضراء رقیبها (1) .

و قوله و فرش الأرض بالرءوس غطاها بها کما یغطی المکان بالفراش .

و فغرت فاغرته کأنّه یقول فتح فاه و الکلام استعارة و فغر فعل یتعدی و لا یتعدی و ثقلت فی الأرض وطأته کنایة عن الجور و الظلم .

بعید الجولة

استعارة أیضا و المعنی أن تطواف خیوله و جیوشه فی البلاد أو جولان رجاله فی الحرب علی الأقران طویل جدا لا یتعقبه السکون إلاّ نادرا.

و بعید منصوب علی الحال و إضافته غیر محضة.

ص :47

و عوازب أحلامها ما ذهب من عقولها عزب عنه الرأی أی بعد .

و یسنی لکم طرقه أی یسهل و العقب بکسر القاف مؤخر القدم و هی مؤنثة.

فإن قلت فإن قوله حتی تئوب یدل علی أن غایة ملکه أن تئوب إلی العرب عوازب أحلامها و عبد الملک مات فی ملکه و لم یزل الملک عنه بأوبة أحلام العرب إلیها فإن فائدة حتّی إلی و هی موضوعة للغایة.

قلت إن ملک أولاده ملکه أیضا و ما زال الملک عن بنی مروان حتی آبت إلی العرب عوازب أحلامها و العرب هاهنا بنو العبّاس و من اتبعهم من العرب أیام ظهور الدولة کقحطبة بن شبیب الطائی و ابنیه حمید و الحسن و کبنی رزتنی بتقدیم الراء المهملة الذین منهم طاهر بن الحسین و إسحاق بن إبراهیم المصعبی و عدادهم فی خزاعة و غیرهم من العرب من شیعة بنی العبّاس و قد قیل إن أبا مسلم أیضا عربی أصله و کل هؤلاء و آبائهم کانوا مستضعفین مقهورین مغمورین فی دولة بنی أمیّة لم ینهض منهم ناهض و لا وثب إلی الملک واثب إلی أن أفاء اللّه تعالی إلی هؤلاء ما کان عزب عنهم من إبائهم و حمیتهم فغاروا للدین و المسلمین من جور بنی مروان و ظلمهم و قاموا بالأمر و أزالوا تلک الدولة التی کرهها اللّه تعالی و أذن فی انتقالها .

ثمّ أمرهم ع بأن یلزموا بعد زوال تلک الدولة الکتاب و السنة و العهد القریب الذی علیه باقی النبوّة یعنی عهده و أیامه ع و کأنّه خاف من أن یکون بإخباره لهم بأن دولة هذا الجبار ستنقضی إذا آبت إلی العرب عوازب أحلامها کالأمر لهم باتباع ولاة الدولة الجدیدة فی کل ما تفعله فاستظهر علیهم بهذه الوصیة و قال لهم إذا ابتذلت الدولة فالزموا الکتاب و السنة و العهد الذی فارقتکم علیه

ص :48

طَلْحَةُ یَوْمَئِذٍ بِالشَّامِ وَ قَالَ عُمَرُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قُبِضَ وَ هُوَ عَنْ هَؤُلاَءِ رَاضٍ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَیْرِهِمْ وَ أَوْصَی صُهَیْبُ بْنُ سِنَانٍ مَوْلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ وَ یُقَالُ إِنَّ أَصْلَهُ مِنْ حَیٍّ مِنْ رَبِیعَةَ بْنِ نِزَارٍ یُقَالُ لَهُمْ عَنَزَةُ فَأَمَرَهُ أَنْ یُصَلِّیَ بِالنَّاسِ حَتَّی یَرْضَی هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ رَجُلاً مِنْهُمْ وَ کَانَ عُمَرُ لاَ یَشُکُّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَائِرٌ إِلَی أَحَدِ الرَّجُلَیْنِ عَلِیٍّ وَ عُثْمَانَ وَ قَالَ إِنْ قَدِمَ طَلْحَةُ فَهُوَ مَعَهُمْ وَ إِلاَّ فَلْتَخْتَرِ الْخَمْسَةُ وَاحِداً مِنْهَا وَ رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَخْرَجَ سَعْدَ بْنَ مَالِکٍ مِنْ أَهْلِ الشُّورَی وَ قَالَ الْأَمْرُ فِی هَؤُلاَءِ الْأَرْبَعَةِ وَ دَعُوا سَعْداً عَلَی حَالِهِ أَمِیراً بَیْنَ یَدَیِ الْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ وَ لَوْ کَانَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَیّاً لَمَا تَخَالَجَتْنِی فِیهِ الشُّکُوکُ فَإِنِ اجْتَمَعَ ثَلاَثَةٌ عَلَی وَاحِدٍ فَکُونُوا مَعَ الثَّلاَثَةِ وَ إِنِ اخْتَلَفُوا فَکُونُوا مَعَ الْجَانِبِ الَّذِی فِیهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ .

وَ قَالَ لِأَبِی طَلْحَةَ الْأَنْصَارِیِّ یَا أَبَا طَلْحَةَ فَوَ اللَّهِ لَطَالَمَا أَعَزَّ اللَّهُ بِکُمْ الدِّینَ وَ نَصَرَ بِکُمُ اَلْإِسْلاَمَ اخْتَرْ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ خَمْسِینَ رَجُلاً فَائْتِ بِهِمْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ فِی کُلِّ یَوْمٍ مَرَّةً فَاسْتَحِثُّوهُمْ حَتَّی یَخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَ لِلْأُمَّةِ رَجُلاً مِنْهُمْ.

ثُمَّ جَمَعَ قَوْماً مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَأَعْلَمَهُمْ مَا أَوْصَی بِهِ وَ کَتَبَ فِی وَصِیَّتِهِ أَنْ یُوَلِّیَ الْإِمَامُ سَعْدَ بْنَ مَالِکٍ اَلْکُوفَةَ وَ أَبَا مُوسَی الْأَشْعَرِیَّ لِأَنَّهُ کَانَ عَزَلَ سَعْداً عَنْ سَخْطَةٍ فَأَحَبَّ أَنْ یَطْلُبَ ذَلِکَ إِلَی مَنْ یَقُومُ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ اسْتِرْضَاءً لِسَعْدٍ .

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ فَحَدَّثَنِی مَنْ لاَ أَتَّهِمُهُ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ هُوَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِیُّ قَالَ مَشَیْتُ وَرَاءَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ حَیْثُ انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ وَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ یَمْشِی فِی جَانِبِهِ فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ لِلْعَبَّاسِ ذَهَبَتْ مِنَّا وَ اللَّهِ فَقَالَ کَیْفَ عَلِمْتَ قَالَ أَ لاَ تَسْمَعُهُ یَقُولُ کُونُوا فِی الْجَانِبِ الَّذِی فِیهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ نَظِیرُ عُثْمَانَ وَ هُوَ صِهْرُهُ فَإِذَا اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ فَلَوْ أَنَّ الرَّجُلَیْنِ

ص :50

الْبَاقِیَیْنِ کَانَا مَعِی لَمْ یُغْنِیَا عَنِّی شَیْئاً مَعَ أَنِّی لَسْتُ أَرْجُو إِلاَّ أَحَدَهُمَا وَ مَعَ ذَلِکَ فَقَدْ أَحَبَّ عُمَرُ أَنْ یُعْلِمَنَا أَنَّ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَهُ فَضْلاً عَلَیْنَا لَعَمْرُ اللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِکَ لَهُمْ عَلَیْنَا کَمَا لَمْ یَجْعَلْهُ لِأَوْلاَدِهِمْ عَلَی أَوْلاَدِنَا أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ عُمَرُ لَمْ یَمُتْ لَأَذْکَرْتُهُ مَا أَتَی إِلَیْنَا قَدِیماً وَ لَأَعْلَمْتُهُ سُوءَ رَأْیِهِ فِینَا وَ مَا أَتَی إِلَیْنَا حَدِیثاً وَ لَئِنْ مَاتَ وَ لَیَمُوتَنَّ لَیَجْتَمِعَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ عَلَی أَنْ یَصْرِفُوا هَذَا الْأَمْرَ عَنَّا وَ لَئِنْ فَعَلُوهَا وَ لَیَفْعَلَنَّ لَیَرَوْنَنِی حَیْثُ یَکْرَهُونَ وَ اللَّهِ مَا بِی رَغْبَةٌ فِی السُّلْطَانِ وَ لاَ حُبُّ الدُّنْیَا وَ لَکِنْ لِإِظْهَارِ الْعَدْلِ وَ الْقِیَامِ بِالْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ.

قَالَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَآنِی وَرَاءَهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ سَاءَهُ ذَلِکَ فَقُلْتُ لاَ تُرَعْ أَبَا حَسَنٍ لاَ وَ اللَّهِ لاَ یَسْتَمِعُ أَحَدٌ الَّذِی سَمِعْتُ مِنْکَ فِی الدُّنْیَا مَا اصْطَحَبْنَا فِیهَا فَوَ اللَّهِ مَا سَمِعَهُ مِنِّی مَخْلُوقٌ حَتَّی قَبَضَ اللَّهُ عَلِیّاً إِلَی رَحْمَتِهِ.

قَالَ عَوَانَةُ فَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِیلُ قَالَ حَدَّثَنِی اَلشَّعْبِیُّ قَالَ-فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَ أُدْرِجَ فِی أَکْفَانِهِ ثُمَّ وُضِعَ لِیُصَلَّی عَلَیْهِ تَقَدَّمَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَ تَقَدَّمَ عُثْمَانُ فَقَامَ عِنْدَ رِجْلَیْهِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع هَکَذَا یَنْبَغِی أَنْ تَکُونَ الصَّلاَةُ فَقَالَ عُثْمَانُ بَلْ هَکَذَا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا أَسْرَعَ مَا اخْتَلَفْتُمْ یَا صُهَیْبُ صَلِّ عَلَی عُمَرَ کَمَا رَضِیَ أَنْ تُصَلِّیَ بِهِمْ الْمَکْتُوبَةَ فَتَقَدَّمَ صُهَیْبٌ فَصَلَّی عَلَی عُمَرَ .

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ وَ أُدْخِلَ أَهْلُ الشُّورَی دَاراً فَأَقْبَلُوا یَتَجَادَلُونَ عَلَیْهَا وَ کُلُّهُمْ بِهَا ضَنِینٌ وَ عَلَیْهَا حَرِیصٌ إِمَّا لِدُنْیَا وَ إِمَّا لِآخِرَةٍ فَلَمَّا طَالَ ذَلِکَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَنْ رَجُلٌ مِنْکُمْ یُخْرِجُ نَفْسَهُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَ یَخْتَارُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلاً مِنْکُمْ فَإِنِّی طَیِّبَةٌ نَفْسِی أَنْ أَخْرُجَ مِنْهَا وَ أَخْتَارَ لَکُمْ قَالُوا قَدْ رَضِینَا إِلاَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فَإِنَّهُ اتَّهَمَهُ وَ قَالَ أَنْظُرُ وَ أَرَی فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَیْهِ وَ قَالَ یَا أَبَا الْحَسَنِ ارْضَ بِرَأْیِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ کَانَ الْأَمْرُ لَکَ أَوْ لِغَیْرِکَ فَقَالَ عَلِیٌّ أَعْطِنِی یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتُؤْثِرَنَّ الْحَقَّ وَ لاَ تَتَّبِعِ الْهَوَی

ص :51

وَ لاَ تَمِلْ إِلَی صِهْرٍ وَ لاَ ذِی قَرَابَةٍ وَ لاَ تَعْمَلُ إِلاَّ لِلَّهِ وَ لاَ تَأْلُو هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَخْتَارَ لَهَا خَیْرَهَا قَالَ فَحَلَفَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِاللَّهِ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَأَجْتَهِدَنَّ لِنَفْسِی وَ لَکُمْ وَ لِلْأُمَّةِ وَ لاَ أَمِیلُ إِلَی هَوًی وَ لاَ إِلَی صِهْرٍ وَ لاَ ذِی قَرَابَةٍ قَالَ فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَمَکَثَ ثَلاَثَةَ أَیَّامٍ یُشَاوِرُ النَّاسُ ثُمَّ رَجَعَ وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ وَ کَثُرُوا عَلَی الْبَابِ لاَ یَشُکُّونَ أَنَّهُ یُبَایِعُ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ کَانَ هَوَی قُرَیْشٍ کَافَّةً مَا عَدَا بَنِی هَاشِمٍ فِی عُثْمَانَ وَ هَوَی طَائِفَةٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ مَعَ عَلِیٍّ وَ هَوَی طَائِفَةٍ أُخْرَی مَعَ عُثْمَانَ وَ هِیَ أَقَلُّ الطَّائِفَتَیْنِ وَ طَائِفَةٌ لاَ یُبَالُونَ أَیُّهُمَا بُویِعَ.

قَالَ فَأَقْبَلَ اَلْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مَا أَقُولُ أَنَا اَلْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو إِنَّکُمْ إِنْ بَایَعْتُمْ عَلِیّاً سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا وَ إِنْ بَایَعْتُمْ عُثْمَانَ سَمِعْنَا وَ عَصَیْنَا فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَبِیعَةَ بْنِ الْمُغِیرَةِ الْمَخْزُومِیُّ فَنَادَی أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّکُمْ إِنْ بَایَعْتُمْ عُثْمَانَ سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا وَ إِنْ بَایَعْتُمْ عَلِیّاً سَمِعْنَا وَ عَصَیْنَا فَقَالَ لَهُ اَلْمِقْدَادُ یَا عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّ رَسُولِهِ وَ عَدُوَّ کِتَابِهِ وَ مَتَی کَانَ مِثْلُکَ یَسْمَعُ لَهُ الصَّالِحُونَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ یَا ابْنَ الْحَلِیفِ العَسِیفِ (1) وَ مَتَی کَانَ مِثْلُکَ یَجْتَرِئُ عَلَی الدُّخُولِ فِی أَمْرِ قُرَیْشٍ .

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ أَیُّهَا الْمَلَأُ إِنْ أَرَدْتُمْ أَلاَّ تَخْتَلِفَ قُرَیْشٌ فِیمَا بَیْنَهَا فَبَایِعُوا عُثْمَانَ فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ إِنْ أَرَدْتُمْ أَلاَّ یَخْتَلِفَ اَلْمُسْلِمُونَ فِیمَا بَیْنَهُمْ فَبَایِعُوا عَلِیّاً ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ فَقَالَ یَا فَاسِقُ یَا ابْنَ الْفَاسِقِ أَ أَنْتَ مِمَّنْ یَسْتَنْصِحُهُ اَلْمُسْلِمُونَ أَوْ یَسْتَشِیرُونَهُ فِی أُمُورِهِمْ وَ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَ نَادَی مُنَادٍ لاَ یُدْرَی مَنْ هُوَ فَقُرَیْشٌ تَزْعُمُ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِی مَخْزُومٍ وَ اَلْأَنْصَارُ تَزْعُمُ أَنَّهُ رَجُلٌ طُوَالٌ آدَمُ مُشْرِفٌ عَلَی النَّاسِ لاَ یَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ افْرُغْ مِنْ أَمْرِکَ وَ امْضِ عَلَی مَا فِی نَفْسِکَ فَإِنَّهُ الصَّوَابُ.

ص :52

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ فَأَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ عَلَیْکَ عَهْدُ اللَّهِ وَ مِیثَاقُهُ وَ أَشَدُّ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَی النَّبِیِّینَ مِنْ عَهْدٍ وَ مِیثَاقٍ إِنَّ بَایَعْتُکَ لَتَعْمَلَنَّ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَ سِیرَةِ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع طَاقَتِی وَ مَبْلَغَ عِلْمِی وَ جَهْدَ رَأْیِی وَ النَّاسُ یَسْمَعُونَ.

فَأَقْبَلَ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِکَ فَقَالَ نَعَمْ لاَ أَزُولُ عَنْهُ وَ لاَ أَدَعُ شَیْئاً مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی عَلِیٍّ فَقَالَ لَهُ ذَلِکَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَ لِعُثْمَانَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِی کُلِّ ذَلِکَ یُجِیبُ عَلِیٌّ مِثْلَ مَا کَانَ أَجَابَ بِهِ وَ یُجِیبُ عُثْمَانُ بِمِثْلِ مَا کَانَ أَجَابَ بِهِ.

فَقَالَ ابْسُطْ یَدَکَ یَا عُثْمَانُ فَبَسَطَ یَدَهُ فَبَایَعَهُ وَ قَامَ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا وَ قَدْ بَایَعُوا إِلاَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فَإِنَّهُ لَمْ یُبَایِعْ.

قَالَ فَخَرَجَ عُثْمَانُ عَلَی النَّاسِ وَ وَجْهُهُ مُتَهَلِّلٌ وَ خَرَجَ عَلِیٌّ وَ هُوَ کَاسِفُ الْبَالِ مُظْلِمٌ وَ هُوَ یَقُولُ یَا اِبْنَ عَوْفٍ لَیْسَ هَذَا بِأَوَّلِ یَوْمٍ تَظَاهَرْتُمْ عَلَیْنَا مِنْ دَفْعِنَا عَنْ حَقِّنَا وَ الاِسْتِئْثَارِ عَلَیْنَا وَ إِنَّهَا لَسُنَّةٌ عَلَیْنَا وَ طَرِیقَةٌ تَرَکْتُمُوهَا.

فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعُثْمَانَ أَ مَا وَ اللَّهِ لَوْ بُویِعَ غَیْرُکَ لَمَا بَایَعْنَاهُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ کَذَبْتَ وَ اللَّهِ لَوْ بُویِعَ غَیْرُهُ لَبَایَعْتَهُ وَ مَا أَنْتَ وَ ذَاکَ یَا ابْنَ الدَّبَّاغَةِ وَ اللَّهِ لَوْ وَلِیَهَا غَیْرُهُ لَقُلْتَ لَهُ مِثْلَ مَا قُلْتَ الْآنَ تَقَرُّباً إِلَیْهِ وَ طَمَعاً فِی الدُّنْیَا فَاذْهَبْ لاَ أَبَا لَکَ.

فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ لَوْ لاَ مَکَانُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ لَأَسْمَعْتُکَ مَا تَکْرَهُ وَ مَضَیَا.

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ رَحْلَهُ دَخَلَ إِلَیْهِ بَنُو أُمَیَّةَ حَتَّی امْتَلَأَتْ بِهِمْ الدَّارُ ثُمَّ أَغْلَقُوهَا عَلَیْهِمْ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ أَ عِنْدَکُمْ أَحَدٌ مِنْ غَیْرِکُمْ قَالُوا لاَ قَالَ یَا بَنِی أُمَیَّةَ تَلَقَّفُوهَا تَلَقُّفَ الْکُرَةِ فَوَ الَّذِی یَحْلِفُ بِهِ أَبُو سُفْیَانَ مَا مِنْ عَذَابٍ وَ لاَ حِسَابٍ وَ لاَ جَنَّةٍ وَ لاَ نَارٍ وَ لاَ بَعْثٍ وَ لاَ قِیَامَةٍ.

ص :53

قَالَ فَانْتَهَرَهُ عُثْمَانُ وَ سَاءَهُ بِمَا قَالَ وَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ.

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ فَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْتَ فَوَ اللَّهِ مَا وُفِّقْتَ حَیْثُ تَدْخُلُ رَحْلَکَ قَبْلَ أَنْ تَصْعَدَ اَلْمِنْبَرَ فَتَحْمَدَ اللَّهَ وَ تُثْنِیَ عَلَیْهِ وَ تَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَی عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تَعِدَ النَّاسَ خَیْراً.

قَالَ فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَقَامٌ لَمْ نَکُنْ نَقُومُهُ وَ لَمْ نَعُدَّ لَهُ مِنَ الْکَلاَمِ الَّذِی یُقَامُ بِهِ فِی مِثْلِهِ وَ سَأُهَیِّئُ ذَلِکَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ لَنْ آلُوَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ خَیْراً وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ .

ثُمَّ نَزَلَ.

قَالَ عَوَانَةُ فَحَدَّثَنِی یَزِیدُ بْنُ جَرِیرٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ عَنْ شَقِیقِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ لَمَّا انْصَرَفَ إِلَی رَحْلِهِ قَالَ لِبَنِی أَبِیهِ یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنَّ قَوْمَکُمْ عَادَوْکُمْ بَعْدَ وَفَاةِ اَلنَّبِیِّ کَعَدَاوَتِهِمْ اَلنَّبِیَّ فِی حَیَاتِهِ وَ إِنْ یُطِعْ قَوْمُکُمْ لاَ تُؤَمَّرُوا أَبَداً وَ وَ اللَّهِ لاَ یُنِیبُ هَؤُلاَءِ إِلَی الْحَقِّ إِلاَّ بِالسَّیْفِ قَالَ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلٌ إِلَیْهِمْ قَدْ سَمِعَ الْکَلاَمَ کُلَّهُ فَدَخَلَ وَ قَالَ یَا أَبَا الْحَسَنِ أَ تُرِیدُ أَنْ تَضْرِبَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فَقَالَ اسْکُتْ وَیْحَکَ فَوَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَبُوکَ وَ مَا رَکِبَ مِنِّی قَدِیماً وَ حَدِیثاً مَا نَازَعَنِی اِبْنُ عَفَّانَ وَ لاَ اِبْنُ عَوْفٍ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَخَرَجَ.

قَالَ وَ أَکْثَرَ النَّاسُ فِی أَمْرِ اَلْهُرْمُزَانِ وَ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَ قَتْلِهِ إِیَّاهُ وَ بَلَغَ مَا قَالَ فِیهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَامَ عُثْمَانُ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ کَانَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ أَنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَصَابَ اَلْهُرْمُزَانَ وَ هُوَ رَجُلٌ مِنَ

ص :54

اَلْمُسْلِمِینَ وَ لَیْسَ لَهُ وَارِثٌ إِلاَّ اللَّهُ وَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ أَنَا إِمَامُکُمْ وَ قَدْ عَفَوْتُ أَ فَتَعْفُونَ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ ابْنِ خَلِیفَتِکُمْ بِالْأَمْسِ قَالُوا نَعَمْ فَعَفَا عَنْهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِکَ عَلِیّاً تَضَاحَکَ وَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ بَدَأَ بِهَا عُثْمَانُ أَ یَعْفُو عَنْ حَقِّ امْرِئٍ لَیْسَ بِوَالِیهِ تَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ قَالُوا فَکَانَ ذَلِکَ أَوَّلَ مَا بَدَا مِنْ عُثْمَانَ مِمَّا نُقِمَ عَلَیْهِ.

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ وَ خَرَجَ اَلْمِقْدَادُ مِنَ الْغَدِ فَلَقِیَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَأَخَذَ بِیَدِهِ وَ قَالَ إِنْ کُنْتَ أَرَدْتَ بِمَا صَنَعْتَ وَجْهَ اللَّهِ فَأَثَابَکَ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ وَ إِنْ کُنْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ الدُّنْیَا فَأَکْثَرَ اللَّهُ مَالَکَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اسْمَعْ رَحِمَکَ اللَّهُ اسْمَعْ قَالَ لاَ أَسْمَعُ وَ اللَّهِ وَ جَذَبَ یَدَهُ مِنْ یَدِهِ وَ مَضَی حَتَّی دَخَلَ عَلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ قُمْ فَقَاتِلْ حَتَّی نُقَاتِلَ مَعَکَ قَالَ عَلِیٌّ فَبِمَنْ أُقَاتِلُ رَحِمَکَ اللَّهُ وَ أَقْبَلَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ یُنَادِی یَا نَاعِیَ اَلْإِسْلاَمِ قُمْ فَانْعَهِ قَدْ مَاتَ عُرْفٌ وَ بَدَا نُکْرٌ.

أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ لِی أَعْوَاناً لَقَاتَلْتُهُمْ وَ اللَّهِ لَئِنْ قَاتَلَهُمْ وَاحِدٌ لَأَکُونَنَّ لَهُ ثَانِیاً فَقَالَ عَلِیٌّ یَا أَبَا الْیَقْظَانِ وَ اللَّهِ لاَ أَجِدُ عَلَیْهِمْ أَعْوَاناً وَ لاَ أُحِبُّ أَنْ أَعْرِضَکُمْ لِمَا لاَ تُطِیقُونَ وَ بَقِیَ ع فِی دَارِهِ وَ عِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ لَیْسَ یَدْخُلُ إِلَیْهِ أَحَدٌ مَخَافَةَ عُثْمَانَ .

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ وَ اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَی عَلَی أَنْ تَکُونَ کَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً عَلَی مَنْ لَمْ یُبَایِعْ فَقَامُوا إِلَی عَلِیٍّ فَقَالُوا قُمْ فَبَایِعْ عُثْمَانَ قَالَ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالُوا نُجَاهِدُکَ قَالَ فَمَشَی إِلَی عُثْمَانَ حَتَّی بَایَعَهُ وَ هُوَ یَقُولُ صَدَقَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ فَلَمَّا بَایَعَ أَتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَاعْتَذَرَ إِلَیْهِ وَ قَالَ إِنَّ عُثْمَانَ أَعْطَانَا یَدَهُ وَ یَمِینَهُ وَ لَمْ تَفْعَلْ أَنْتَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَوَثَّقَ لِلْمُسْلِمِینَ فَجَعَلْتُهَا فِیهِ فَقَالَ إِیهاً عَنْکَ إِنَّمَا آثَرْتَهُ بِهَا لِتَنَالَهَا بَعْدَهُ دَقَّ اللَّهُ بَیْنَکُمَا عِطْرَ مَنْشِمٍ (1) .

ص :55

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ وَ قَدِمَ طَلْحَةُ مِنْ اَلشَّامِ بَعْدَ مَا بُویِعَ عُثْمَانُ فَقِیلَ لَهُ رِدْ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّی تَرَی فِیهِ رَأْیَکَ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَوْ بَایَعْتُمْ شَرَّکُمْ لَرَضِیتُ فَکَیْفَ وَ قَدْ بَایَعْتُمْ خَیْرَکُمْ قَالَ ثُمَّ عَدَا عَلَیْهِ بَعْدَ ذَلِکَ وَ صَاحِبُهُ حَتَّی قَتَلاَهُ ثُمَّ زَعَمَا أَنَّهُمَا یَطْلُبَانِ بِدَمِهِ.

قَالَ اَلشَّعْبِیُّ فَأَمَّا مَا یَذْکُرُهُ النَّاسُ مِنَ الْمُنَاشَدَةِ وَ قَوْلُ عَلِیٍّ ع لِأَهْلِ الشُّورَی أَ فِیکُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص کَذَا فَإِنَّهُ لَمْ یَکُنْ یَوْمَ الْبَیْعَةِ وَ إِنَّمَا کَانَ بَعْدَ ذَلِکَ بِقَلِیلٍ دَخَلَ عَلِیٌّ ع عَلَی عُثْمَانَ وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ مِنْهُمْ أَهْلُ الشُّورَی وَ قَدْ کَانَ بَلَغَهُ عَنْهُمْ هَنَاتٌ وَ قَوَارِصُ فَقَالَ لَهُمْ أَ فِیکُمْ أَ فِیکُمْ کُلَّ ذَلِکَ یَقُولُونَ لاَ قَالَ لَکِنِّی أُخْبِرُکُمْ عَنْ أَنْفُسِکُمْ أَمَّا أَنْتَ یَا عُثْمَانُ فَفَرَرْتَ یَوْمَ حُنَیْنٍ وَ تَوَلَّیْتَ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعٰانِ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا طَلْحَةُ فَقُلْتَ إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ لَنَرْکُضَنَّ بَیْنَ خَلاَخِیلِ نِسَائِهِ کَمَا رَکَضَ بَیْنَ خَلاَخِیلِ نِسَائِنَا وَ أَمَّا أَنْتَ یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَصَاحِبُ قَرَارِیطَ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا سَعْدُ فَتَدِقُّ عَنْ أَنْ تُذْکَرَ قَالَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ عُثْمَانُ أَ مَا کَانَ فِیکُمْ أَحَدٌ یَرُدُّ عَلَیْهِ قَالُوا وَ مَا مَنَعَکَ مِنْ ذَلِکَ وَ أَنْتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ تَفَرَّقُوا

.

1868

1- قَالَ عَوَانَةُ قَالَ إِسْمَاعِیلُ قَالَ اَلشَّعْبِیُّ فَحَدَّثَنِی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُنْدَبٍ عَنْ أَبِیهِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِیِّ قَالَ کُنْتُ جَالِساً بِالْمَدِینَةِ حَیْثُ بُویِعَ عُثْمَانُ فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ إِلَی اَلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو وَ فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ مِثْلَ مَا أُتِیَ إِلَی أَهْلِ هَذَا الْبَیْتِ وَ کَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَالِساً فَقَالَ وَ مَا أَنْتَ وَ ذَاکَ یَا مِقْدَادُ قَالَ اَلْمِقْدَادُ إِنِّی وَ اللَّهِ أُحِبُّهُمْ لِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ إِنِّی لَأَعْجَبُ مِنْ قُرَیْشٍ وَ تَطَاوُلِهِمْ عَلَی النَّاسِ بِفَضْلِ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ انْتِزَاعِهِمْ سُلْطَانَهُ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ أَجْهَدْتُ نَفْسِی

ص :56

لَکُمْ قَالَ اَلْمِقْدَادُ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَرَکْتَ رَجُلاً مِنَ الَّذِینَ یَأْمُرُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ لِی عَلَی قُرَیْشٍ أَعْوَاناً لَقَاتَلْتُهُمْ قِتَالِی إِیَّاهُمْ بِبَدْرٍ وَ أُحُدٍ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ لاَ یَسْمَعَنَّ هَذَا الْکَلاَمَ النَّاسُ فَإِنِّی أَخَافُ أَنْ تَکُونَ صَاحِبَ فِتْنَةٍ وَ فُرْقَةٍ.

قَالَ اَلْمِقْدَادُ إِنَّ مَنْ دَعَا إِلَی الْحَقِّ وَ أَهْلِهِ وَ وُلاَةِ الْأَمْرِ لاَ یَکُونُ صَاحِبَ فِتْنَةٍ وَ لَکِنْ مَنْ أَقْحَمَ النَّاسَ فِی الْبَاطِلِ وَ آثَرَ الْهَوَی عَلَی الْحَقِّ فَذَلِکَ صَاحِبُ الْفِتْنَةِ وَ الْفُرْقَةِ.

قَالَ فَتَرَبَّدَ وَجْهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّکَ إِیَّایَ تَعْنِی لَکَانَ لِی وَ لَکَ شَأْنٌ.

قَالَ اَلْمِقْدَادُ إِیَّایَ تُهَدِّدُ یَا اِبْنَ أُمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَامَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَانْصَرَفَ.

قَالَ جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَ قُلْتُ لَهُ یَا عَبْدَ اللَّهِ أَنَا مِنْ أَعْوَانِکَ فَقَالَ رَحِمَکَ اللَّهُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لاَ یُغْنِی فِیهِ الرَّجُلاَنِ وَ لاَ الثَّلاَثَةُ قَالَ فَدَخَلْتُ مِنْ فَوْرِی ذَلِکَ عَلَی عَلِیٍّ ع فَلَمَّا جَلَسْتُ إِلَیْهِ قُلْتُ یَا أَبَا الْحَسَنِ وَ اللَّهِ مَا أَصَابَ قَوْمَکَ بِصَرْفِ هَذَا الْأَمْرِ عَنْکَ فَقَالَ صَبْرٌ جَمِیلٌ وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ .

فَقُلْتُ وَ اللَّهِ إِنَّکَ لَصَبُورٌ قَالَ فَإِنْ لَمْ أَصْبِرْ فَمَا ذَا أَصْنَعُ قُلْتُ إِنِّی جَلَسْتُ إِلَی اَلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو آنِفاً وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالاَ کَذَا وَ کَذَا ثُمَّ قَامَ اَلْمِقْدَادُ فَاتَّبَعْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ کَذَا فَقَالَ لِی کَذَا فَقَالَ عَلِیٌّ ع لَقَدْ صَدَقَ اَلْمِقْدَادُ فَمَا أَصْنَعُ فَقُلْتُ تَقُومُ فِی النَّاسِ فَتَدْعُوهُمْ إِلَی نَفْسِکَ وَ تُخْبِرُهُمْ أَنَّکَ أَوْلَی بِالنَّبِیِّ ص وَ تَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ عَلَی هَؤُلاَءِ الْمُظَاهِرِینَ عَلَیْکَ فَإِنْ أَجَابَکَ عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ شَدَّدْتَ بِهِمْ عَلَی الْبَاقِینَ فَإِنْ دَانُوا لَکَ فَذَاکَ وَ إِلاَّ قَاتَلْتَهُمْ وَ کُنْتَ أَوْلَی بِالْعُذْرِ قُتِلْتَ أَوْ بَقِیتَ وَ کُنْتَ أَعْلَی عِنْدَ اللَّهِ حُجَّةً.

فَقَالَ أَ تَرْجُو یَا جُنْدَبُ أَنْ یُبَایِعَنِی مِنْ کُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدٌ قُلْتُ أَرْجُو ذَلِکَ قَالَ لَکِنِّی لاَ أَرْجُو ذَلِکَ لاَ وَ اللَّهِ وَ لاَ مِنَ الْمِائَةِ وَاحِدٌ وَ سَأُخْبِرُکَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا یَنْظُرُونَ

ص :57

إِلَی قُرَیْشٍ فَیَقُولُونَ هُمْ قَوْمُ مُحَمَّدٍ وَ قَبِیلُهُ وَ أَمَّا قُرَیْشٌ بَیْنَهَا فَتَقُولُ إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ یَرَوْنَ لَهُمْ عَلَی النَّاسِ بِنُبُوَّتِهِ فَضْلاً وَ یَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَوْلِیَاءُ هَذَا الْأَمْرِ دُونَ قُرَیْشٍ وَ دُونَ غَیْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ وَ هُمْ إِنْ وَلَّوْهُ لَمْ یَخْرُجْ السُّلْطَانُ مِنْهُمْ إِلَی أَحَدٍ أَبَداً وَ مَتَی کَانَ فِی غَیْرِهِمْ تَدَاوَلَتْهُ قُرَیْشٌ بَیْنَهَا لاَ وَ اللَّهِ لاَ یَدْفَعُ النَّاسُ إِلَیْنَا هَذَا الْأَمْرَ طَائِعِینَ أَبَداً.

فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاکَ یَا اِبْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ لَقَدْ صَدَعْتَ قَلْبِی بِهَذَا الْقَوْلِ أَ فَلاَ أَرْجِعُ إِلَی الْمِصْرِ فَأُوذِنَ النَّاسَ بِمَقَالَتِکَ وَ أَدْعُوَ النَّاسَ إِلَیْکَ فَقَالَ یَا جُنْدَبُ لَیْسَ هَذَا زَمَانَ ذَاکَ .

قَالَ فَانْصَرَفْتُ إِلَی اَلْعِرَاقِ فَکُنْتُ أَذْکُرُ فَضْلَ عَلِیٍّ عَلَی النَّاسِ فَلاَ أَعْدَمُ رَجُلاً یَقُولُ لِی مَا أَکْرَهُ وَ أَحْسَنُ مَا أَسْمَعُهُ قَوْلُ مَنْ یَقُولُ دَعْ عَنْکَ هَذَا وَ خُذْ فِیمَا یَنْفَعُکَ فَأَقُولُ إِنَّ هَذَا مِمَّا یَنْفَعُنِی وَ یَنْفَعُکَ فَیَقُومُ عَنِّی وَ یَدَعُنِی.

وَ زَادَ أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ حَتَّی رُفِعَ ذَلِکَ مِنْ قَوْلِی إِلَی اَلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ أَیَّامَ وَلِیَنَا فَبَعَثَ إِلَیَّ فَحَبَسَنِی حَتَّی کُلِّمَ فِیَّ فَخَلَّی سَبِیلِی.

وَ رَوَی اَلْجَوْهَرِیُّ قَالَ نَادَی عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ ذَلِکَ الْیَوْمَ یَا مَعْشَرَ اَلْمُسْلِمِینَ إِنَّا قَدْ کُنَّا وَ مَا کُنَّا نَسْتَطِیعُ الْکَلاَمَ قِلَّةً وَ ذِلَّةً فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِدِینِهِ وَ أَکْرَمَنَا بِرَسُولِهِ فَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِلَی مَتَی تَصْرِفُونَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ تُحَوِّلُونَهُ هَاهُنَا مَرَّةً وَ هَاهُنَا مَرَّةً مَا أَنَا آمِنٌ أَنْ یَنْزِعَهُ اللَّهُ مِنْکُمْ وَ یَضَعَهُ فِی غَیْرِکُمْ کَمَا نَزَعْتُمُونَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَ وَضَعْتُمُوهُ فِی غَیْرِ أَهْلِهِ.

فَقَالَ لَهُ هَاشِمُ بْنُ الْوَلِیدِ بْنِ الْمُغِیرَةِ یَا اِبْنَ سُمَیَّةَ لَقَدْ عَدَوْتَ طَوْرَکَ وَ مَا عَرَفْتَ قَدْرَکَ مَا أَنْتَ وَ مَا رَأَتْ قُرَیْشٌ لِأَنْفُسِهَا إِنَّکَ لَسْتَ فِی شَیْءٍ مِنْ أَمْرِهَا وَ إِمَارَاتِهَا فَتَنَحَّ عَنْهَا.

وَ تَکَلَّمَتْ قُرَیْشُ بِأَجْمَعِهَا فَصَاحُوا بِعَمَّارٍ وَ انْتَهَرُوهُ فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ مَا زَالَ أَعْوَانُ الْحَقِّ أَذِلاَّءَ ثُمَّ قَامَ فَانْصَرَفَ

.

ص :58

و

1874

14- فِی حَدِیثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ فِی یَوْمِ صَوْمٍ إِنَّ فُلاَنَةَ وَ فُلاَنَةَ کَانَتَا تَأْکُلاَنِ الْیَوْمَ شَحْمَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ یَعْنِی الْغَیْبَةَ فَمُرْهُمَا فَلْتَتَقَیَّئَا فَقَاءَتْ کُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَقَةَ دَمٍ

(1)

.

و

1875

14- فِی الصِّحَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَیْهَا أَنَّهُ ع مَرَّ بِقَبْرَیْنِ جَدِیدَیْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَیُعَذَّبَانِ وَ مَا یُعَذَّبَانِ بِکَبِیرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَکَانَ یَغْتَابُ النَّاسَ وَ أَمَّا الْآخَرُ فَکَانَ لاَ یَتَنَزَّهُ مِنَ الْبَوْلِ وَ دَعَا بِجَرِیدَةٍ رَطْبَةٍ فَکَسَرَهَا اثْنَتَیْنِ أَوْ قَالَ دَعَا بِجَرِیدَتَیْنِ ثُمَّ غَرَسَهُمَا فِی الْقَبْرَیْنِ وَ قَالَ أَمَا إِنَّهُ سَیُهَوَّنُ مِنْ عَذَابِهِمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَیْنِ .

و

1876

14- فِی حَدِیثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلَیْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ اغْتَابَا بِحَضْرَتِهِ رَجُلاً وَ هُوَ یَمْشِی ع وَ هُمَا یَمْشِیَانِ مَعَهُ فَمَرَّ عَلَی جِیفَةٍ فَقَالَ انْهَشَا مِنْهَا فَقَالاَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ وَ نَنْهَشُ الْجِیفَةَ فَقَالَ مَا أَصَبْتُمَا مِنْ أَخِیکُمَا أَنْتَنُ مِنْ هَذِهِ

.

و

1877

فِی حَدِیثِ أَبِی هُرَیْرَةَ مَنْ أَکَلَ لَحْمَ أَخِیهِ حَیّاً قُرِّبَ إِلَیْهِ لَحْمُهُ فِی الْآخِرَةِ فَقِیلَ لَهُ کُلْهُ مَیِّتاً کَمَا أَکَلْتَهُ حَیّاً فَیَأْکُلُهُ وَ یَضِجُّ وَ یَکْلَحُ.

1878

وَ رُوِیَ أَنَّ رَجُلَیْنِ کَانَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَرَّ بِهِمَا رَجُلٌ کَانَ مُخَنَّثاً فَتَرَکَ ذَلِکَ فَقَالاَ لَقَدْ بَقِیَ عِنْدَهُ مِنْهُ شَیْءٌ فَأُقِیمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّیَا مَعَ النَّاسِ وَ ذَلِکَ یَجُولُ فِی أَنْفُسِهِمَا فَأَتَیَا عَطَاءَ بْنَ أَبِی رَبَاحٍ فَسَأَلاَهُ فَأَمَرَهُمَا أَنْ یُعِیدَا الْوُضُوءَ وَ الصَّلاَةَ وَ إِنْ کَانَا صَائِمَیْنِ أَنْ یَقْضِیَا صِیَامَ ذَلِکَ الْیَوْمِ.

1879

وَ عَنْ مُجَاهِدٌ

وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الْهُمَزَةُ الطَّعَّانُ فِی النَّاسِ وَ اللُّمَزَةُ النَّمَّامُ.

1880

وَ عَنِ اَلْحَسَنِ وَ اللَّهِ لَلْغِیبَةُ أَسْرَعُ فِی دِینِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْأَکِلَةِ فِی الْجَسَدِ.

ص :61

1881

بَعْضُهُمْ أَدْرَکْنَا السَّلَفَ وَ هُمْ لاَ یَرَوْنَ الْعِبَادَةَ فِی الصَّوْمِ وَ لاَ فِی الصَّلاَةِ وَ لَکِنْ فِی الْکَفِّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ.

1882

اِبْنُ عَبَّاسٍ

إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَذْکُرَ عُیُوبَ صَاحِبِکَ فَاذْکُرْ عُیُوبَکَ. و هذا مشتق من کلام أمیر المؤمنین ع .

1883

أَبُو هُرَیْرَةَ

یُبْصِرُ أَحَدُهُمَا الْقَذَی فِی عَیْنِ أَخِیهِ وَ لاَ یُبْصِرُ الْجِذْعَ فِی عَیْنِ نَفْسِهِ. و هذا کالأول.

1884

اَلْحَسَنُ

یَا ابْنَ آدَمَ إِنَّکَ إِنْ قَضَیْتَ حَقِیقَةَ الْإِیمَانِ فَلاَ تَعِبِ النَّاسَ بِعَیْبٍ هُوَ فِیکَ حَتَّی تَبْدَأَ بِإِصْلاَحِ ذَلِکَ الْعَیْبِ مِنْ نَفْسِکَ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِکَ کَانَ شُغُلُکَ فِی خَاصَّةِ نَفْسِکَ وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَی اللَّهِ مَنْ کَانَ هَکَذَا.

و

1885

یُرْوَی أَنَّ اَلْمَسِیحَ ع مَرَّ عَلَی جِیفَةِ کَلْبٍ فَقَالَ بَعْضُ التَّلاَمِذَةِ مَا أَشَدَّ نَتْنَهُ فَقَالَ اَلْمَسِیحُ مَا أَشَدَّ بَیَاضَ أَسْنَانِهِ.

کأنّه نهاهم عن غیبة الکلب و نبههم إلی أنّه لا ینبغی أن یذکر من کل شیء إلاّ أحسنه.

و

1886

4- سَمِعَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ ع رَجُلاً یَغْتَابُ آخَرَ فَقَالَ إِنَّ لِکُلِّ شَیْءٍ إِدَاماً وَ إِدَامُ کِلاَبِ النَّاسِ الْغَیْبَةُ .

و

1887

فِی خُطْبَةِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ دِمَاءَکُمْ وَ أَمْوَالَکُمْ وَ أَعْرَاضَکُمْ عَلَیْکُمْ حَرَامٌ کَحُرْمَةِ یَوْمِکُمْ هَذَا فِی شَهْرِکُمْ هَذَا فِی بَلَدِکُمْ هَذَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْغَیْبَةَ کَمَا حَرَّمَ الْمَالَ وَ الدَّمَ.

1888

عُمَرُ

:مَا یَمْنَعُکُمْ إِذَا رَأَیْتُمْ مَنْ یَخْرِقُ أَعْرَاضَ النَّاسِ أَنْ تُعَرِّبُوا عَلَیْهِ أَیْ تُقَبِّحُوا قَالُوا نَخَافُ سَفَهَهُ وَ شَرَّهُ قَالَ ذَلِکَ أَدْنَی أَلاَّ تَکُونُوا شُهَدَاءَ.

1889

أَنَسٌ یَرْفَعُهُ مَنْ مَاتَ عَلَی الْغَیْبَةِ حُشِرَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مُزْرَقَّةً عَیْنَاهُ یُنَادِی بِالْوَیْلِ وَ النَّدَامَةِ یَعْرِفُ أَهْلَهِ وَ لاَ یَعْرِفُونَهُ.

ص :62

1890

وَ قَالَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِکِ فِی بَعْضِ وُلْدِ اَلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ أَبْلِغْ أَبَا وَهْبٍ إِذَا مَا لَقِیتَهُ

1891

مَرَّ اَلشَّعْبِیُّ بِقَوْمٍ یَغْتَابُونَهُ فِی الْمَسْجِدِ وَ فِیهِمْ بَعْضُ أَصْدِقَائِهِ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَیِ الْبَابِ وَ قَالَ هَنِیئاً مَرِیئاً غَیْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ لِعِزَّةِ مَنْ أَعْرَاضُنَا مَا اسْتُحِلَّتْ (1) .

1892

وَ مِنْ کَلاَمِ بَعْضِ الْحُکَمَاءِ أَبْصَرُ النَّاسُ بِالْعُوَارِ الْمِعْوَارُ هَذَا مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ وَ أَجْرَأُ مَنْ رَأَیْتُ بِظَهْرِ غَیْبٍ عَلَی عَیْبِ الرِّجَالِ ذَوُو الْعُیُوبِ.

1893

قِیلَ لِشَبِیبِ بْنِ شَبَّةَ بْنِ عَقَّالٍ مَا بَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَهْتَمِ یَغْتَابُکَ وَ یَنْتَقِصُکَ قَالَ لِأَنَّهُ شَقِیقِی فِی النَّسَبِ وَ جَارِی فِی الْبَلَدِ وَ شَرِیکِی فِی الصَّنْعَةِ.

1894

دَخَلَ أَبُو الْعَیْنَاءِ عَلَی اَلْمُتَوَکِّلِ وَ عِنْدَهُ جُلَسَاؤُهُ فَقَالَ لَهُ یَا مُحَمَّدُ کُلُّهُمْ کَانُوا فِی غَیْبَتِکَ مُنْذُ الْیَوْمِ وَ لَمْ یَبْقَ أَحَدٌ لَمْ یَذُمَّکَ غَیْرِی فَقَالَ إِذَا رَضِیَتْ عَنِّی کِرَامُ عَشِیرَتِی فَلاَ زَالَ غَضْبَاناً عَلَیَّ لِئَامُهَا.

1895

قَالَ بَعْضُهُمْ بِتُّ بِالْبَصْرَةِ لَیْلَةً مَعَ الْمَسْجِدِیِّینَ فَلَمَّا کَانَ وَقْتُ السَّحَرِ حَرَّکَهُمْ وَاحِدٌ فَقَالَ إِلَی کَمْ هَذَا النَّوْمُ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ.

1896

وَ قِیلَ لِشَاعِرٍ وَصَلَهُ بَعْضُ الرُّؤَسَاءِ وَ أَنْعَمَ عَلَیْهِ مَا صَنَعَ بِکَ فُلاَنٌ قَالَ مَا وَفَتْ نِعْمَتُهُ بِإِسَاءَتِهِ مَنَعَنِی لَذَّةَ الثَّلْبِ وَ حَلاَوَةَ الشَّکْوَی.

1897

أَعْرَابِیٌّ مَنْ عَابَ سَفِلَةً فَقَدْ رَفَعَهُ وَ مَنْ عَابَ شَرِیفاً فَقَدْ وَضَعَ نَفْسَهُ.

ص :63

1898

نَظَرَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَی رَجُلٍ یَغْتَابُ رَجُلاً وَ قَالَ یَا هَذَا إِنَّکَ تُمْلِی عَلَی حَافِظَیْکَ کِتَاباً فَانْظُرْ مَا ذَا تَقُولُ.

1899

اِبْنُ عَبَّاسٍ

مَا الْأَسَدُ الضَّارِی عَلَی فَرِیسَةٍ بِأَسْرَعَ مِنَ الدَّنِیءِ فِی عِرْضِ السَّرِیِّ.

1900

بَعْضُهُمْ

وَ مَطْرُوفَةٌ عَیْنَاهُ عَنْ عَیْبِ نَفْسِهِ

فَإِنْ لاَحَ عَیْبٌ مِنْ أَخِیهِ تَبَصَّرَا.

1901

وَ قَالَتْ رَابِعَةُ الْعَدَوِیَّةُ إِذَا نَصَحَ الْإِنْسَانُ لِلَّهِ أَطْلَعَهُ اللَّهُ تَعَالَی عَلَی مَسَاوِئِ عَمَلِهِ فَتَشَاغَلَ بِهَا عَنْ ذِکْرِ مَسَاوِئِ خَلْقِهِ.

1902

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَیْرِ لاِبْنِهِ یَا بُنَیَّ عَلَیْکَ بِالدِّینِ فَإِنَّ الدُّنْیَا مَا بَنَتْ شَیْئاً إِلاَّ هَدَمَهُ الدِّینُ وَ إِذَا بَنَی الدِّینُ شَیْئاً لَمْ تَسْتَطِعِ الدُّنْیَا هَدْمَهُ أَ لاَ تَرَی عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ مَا یَقُولُ فِیهِ خُطَبَاءُ بَنِی أُمَیَّةَ مِنْ ذَمِّهِ وَ عَیْبِهِ وَ غَیْبَتِهِ وَ اللَّهِ لَکَأَنَّمَا یَأْخُذُونَ بِنَاصِیَتِهِ إِلَی السَّمَاءِ أَ لاَ تَرَاهُمْ کَیْفَ یَنْدُبُونَ مَوْتَاهُمْ وَ یَرْثِیهِمْ شُعَرَاؤُهُمْ وَ اللَّهِ لَکَأَنَّمَا یَنْدُبُونَ جِیَفَ الْحُمُرِ.

1903

وَ مِنْ کَلاَمِ بَعْضِ الصَّالِحِینَ الْوَرَعُ فِی الْمَنْطِقِ أَشَدُّ مِنْهُ فِی الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ لِأَنَّکَ إِذَا اسْتَوْدَعَکَ أَخُوکَ مَالاً لَمْ تَجِدْ بِکَ نَفْسُکَ لِخِیَانَةً فِیهِ وَ قَدِ اسْتَوْدَعَکَ عِرْضَهُ وَ أَنْتَ تَغْتَابُهُ وَ لاَ تُبَالِی.

1904

کَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِیرِینَ قَدْ جَعَلَ عَلَی نَفْسِهِ کُلَّمَا اغْتَابَ أَحَداً أَنْ یَتَصَدَّقَ بِدِینَارٍ وَ کَانَ إِذَا مَدَحَ أَحَداً قَالَ هُوَ کَمَا یَشَاءُ اللَّهُ وَ إِذَا ذَمَّهُ قَالَ هُوَ کَمَا یَعْلَمُ اللَّهُ.

1905

اَلْأَحْنَفُ

:فِیَّ خَلَّتَانِ لاَ أَغْتَابُ جَلِیسِی إِذَا قَامَ عَنِّی وَ لاَ أَدْخُلُ بَیْنَ الْقَوْمِ فِیمَا لَمْ یُدْخِلُونِی فِیهِ.

1906

قِیلَ لِرَجُلٍ مِنَ اَلْعَرَبِ مَنِ السَّیِّدُ فِیکُمْ قَالَ الَّذِی إِذَا أَقْبَلَ هِبْنَاهُ وَ إِذَا أَدْبَرَ اغْتَبْنَاهُ.

ص :64

1907

قِیلَ لِلرَّبِیعِ بْنِ خَیْثَمٍ مَا نَرَاکَ تَعِیبُ أَحَداً فَقَالَ لَسْتُ رَاضِیاً عَلَی نَفْسِی فَأَتَفَرَّغَ لِذِکْرِ عُیُوبِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ لِنَفْسِی أَبْکِی لَسْتُ أَبْکِی لِغَیْرِهَا لِنَفْسِی فِی نَفْسِی عَنِ النَّاسِ شَاغِلٌ.

1908

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَکِ

قُلْتُ لِسُفْیَانَ مَا أَبْعَدَ أَبَا حَنِیفَةَ مِنَ الْغِیْبَةِ مَا سَمِعْتُهُ یَغْتَابُ عَدُوّاً قَالَ هُوَ وَ اللَّهِ أَعْقَلُ مِنْ أَنْ یُسَلِّطَ عَلَی حَسَنَاتِهِ مَا یَذْهَبُ بِهَا.

1909

سُئِلَ فُضَیْلٌ عَنْ غِیبَةِ الْفَاسِقِ فَقَالَ لاَ تَشْتَغِلْ بِذِکْرِهِ وَ لاَ تُعَوِّدْ لِسَانَکَ الْغَیْبَةَ أَشْغِلْ لِسَانَکَ بِذِکْرِ اللَّهِ وَ إِیَّاکَ ذِکْرَ النَّاسِ فَإِنَّ ذِکْرَ النَّاسِ دَاءٌ وَ ذِکْرَ اللَّهِ دَوَاءُ.

1910

بَعْضُ الشُّعَرَاءِ

وَ لَسْتُ بِذِی نَیْرَبٍ فِی الصَّدِیقِ

1911

وَ کَانَ یُقَالُ الْغَیْبَةُ فَاکِهَةُ الْقُرَّاءِ.

1912

وَ قِیلَ لِإِسْمَاعِیلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِی حَنِیفَةَ أَیُّ اللُّحْمَانِ أَطْیَبُ قَالَ لُحُومُ النَّاسِ هِیَ وَ اللَّهِ أَطْیَبُ مِنْ لُحُومِ الدَّجَاجِ وَ الدُّرَّاجِ (1) یَعْنِی الْغِیبَةَ.

1913

اِبْنُ الْمُغِیرَةِ

لاَ تَذْکُرِ الْمَیِّتَ بِسُوءٍ فَتَکُونَ الْأَرْضُ أَکْتَمَ عَلَیْهِ مِنْکَ.

1914

وَ کَانَ عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ صَالِحٍ الْهَاشِمِیُّ إِذَا ذُکِرَ عِنْدَهُ الْمَیِّتُ بِسُوءٍ یَقُولُ کُفُّوا عَنْ أُسَارَی الثَّرَی.

و

1915

فِی الْأَثَرِ سَامِعُ الْغِیبَةِ أَحَدُ الْمُغْتَابَیْنِ.

ص :65

1916

أَبُو نُوَاسٍ

: مَا حَطَّکَ الْوَاشُونَ مِنْ رُتْبَةٍ

1917

اَلْحَسَنُ

:ذَمُّ الرَّجُلِ فِی السِّرِّ مَدْحٌ لَهُ فِی الْعَلاَنِیَةِ.

1918

عَلِیٌّ ع

اَلْغِیبَةُ جُهْدُ الْعَاجِزِ .

1919

أَخَذَهُ اَلْمُتَنَبِّی فَقَالَ

وَ أُکَبِّرُ نَفْسِی عَنْ جَزَاءٍ بِغِیبَةٍ

وَ کُلُّ اغْتِیَابِ جُهْدُ مَنْ مَا لَهُ جَهْدٌ (1) .

1920

بَلَغَ اَلْحَسَنَ أَنَّ رَجُلاً اغْتَابَهُ فَأَهْدَی إِلَیْهِ طَبَقاً مِنْ رُطَبٍ فَجَاءَهُ الرَّجُلُ مُعْتَذِراً وَ قَالَ أَصْلَحَکَ اللَّهُ اغْتَبْتُکَ فَأَهْدَیْتَ لِی قَالَ إِنَّکَ أَهْدَیْتَ إِلَیَّ حَسَنَاتِکَ فَأَرَدْتُ أَنْ أُکَافِئَکَ.

1921

أَتَی رَجُلٌ عَمْرَو بْنَ عُبَیْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ اَلْأَسْوَارِیَّ لَمْ یَزَلْ أَمْسِ یَذْکُرُکَ وَ یَقُولُ عَمْرٌو الضَّالُّ فَقَالَ لَهُ یَا هَذَا وَ اللَّهِ مَا رَعَیْتَ حَقَّ مُجَالَسَةِ الرَّجُلِ حِینَ نَقَلْتَ إِلَیْنَا حَدِیثَهُ وَ لاَ رَعَیْتَ حَقِّی حِینَ بَلَّغْتَ عَنْ أَخِی مَا أَکْرَهُهُ أَعْلِمْهُ أَنَّ الْمَوْتَ یَعُمُّنَا وَ الْبَعْثَ یَحْشُرُنَا وَ الْقِیَامَةَ تَجْمَعُنَا وَ اللَّهُ یَحْکُمُ بَیْنَنَا.

أو متکبر أو فی أفعاله الدنیئة نحو قولک کذاب و ظالم و متهاون بالصلاة أو الدنیویة نحو قولک قلیل الأدب متهاون بالناس کثیر الکلام کثیر الأکل أو فی ثوبه کقولک وسخ الثیاب کبیر العمامة طویل الأذیال.

و قد قال قوم لا غیبة فی أمور الدین لأن المغتاب إنّما ذمّ ما ذمه اللّه تعالی و احتجوا بما

1922

14- رُوِیَ أَنَّهُ ذُکِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص امْرَأَةٌ وَ کَثْرَةُ صَوْمِهَا وَ صَلاَتِهَا وَ لَکِنَّهَا تُؤْذِی جَارَتَهَا فَقَالَ هِیَ فِی اَلنَّارِ وَ لَمْ یُنْکِرْ عَلَیْهِمْ غِیبَتَهُمْ إِیَّاهَا .

1923

وَ رُوِیَ أَنَّ امْرَأَةً ذُکِرَتْ عِنْدَهُ ع بِأَنَّهَا بَخِیلَةٌ فَقَالَ فَمَا خَیْرُهَا إِذَنْ.

و أکثر العلماء علی أن الغیبة فی أمور الدین محرمة أیضا و ادعوا الإجماع علی أن من ذکر غیره بما یکرهه فهو مغتاب سواء أ کان فی الدین أو فی غیره قالوا و المخالف مسبوق بهذا الإجماع و قالوا و

1924

14- قَدْ رُوِیَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْغِیبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِکْرُکَ أَخَاکَ بِمَا یَکْرَهُهُ فَقَائِلٌ قَالَ أَ رَأَیْتَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ کَانَ ذَلِکَ فِی أَخِی قَالَ إِنْ کَانَ فِیهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَ إِنْ لَمْ یَکُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ

(1)

.

قالوا و

1925

14- رَوَی مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَنَّ رَجُلاً ذُکِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ قَوْمٌ مَا أَعْجَزَهُ فَقَالَ ع اغْتَبْتُمْ صَاحِبَکُمْ فَقَالُوا قُلْنَا مَا فِیهِ فَقَالَ إِنْ قُلْتُمْ مَا لَیْسَ فِیهِ فَقَدْ بَهَتُّمُوهُ .

قالوا و ما احتج به الزاعمون أن لا غیبة فی الدین لیس بحجة لأن الصحابة إنّما ذکرت ذلک فی مجلس رسول اللّه ص لحاجتها إلی تعرف الأحکام بالسؤال و لم یکن غرضها التنقص.

و اعلم أن الغیبة لیست مقصورة علی اللسان فقط بل کل ما عرفت به صاحبک

ص :67

نقص أخیک فهو غیبة فقد یکون ذلک باللسان و قد یکون بالإشارة و الإیماء و بالمحاکاة نحو أن تمشی خلف الأعرج متعارجا و بالکتاب فإن القلم أحد اللسانین.

و إذا ذکر المصنّف شخصا فی تصنیفه و هجن کلامه فهو غیبة فأما قوله قال قوم کذا فلیس بغیبة لأنّه لم یعین شخصا بعینه.

1926

وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَقُولُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ یَقُولُونَ کَذَا فَکَانَ لاَ یُعَیِّنُ وَ یَکُونُ مَقْصُودُهُ وَاحِداً بِعَیْنِهِ.

و أخبث أنواع الغیبة غیبة القراء المراءین و ذلک نحو أن یذکر عندهم إنسان فیقول قائلهم الحمد لله الذی لم یبلنا بدخول أبواب السلطان و التبذل فی طلب الحطام و قصده أن یفهم الغیر عیب ذلک الشخص فتخرج الغیبة فی مخرج الحمد و الشکر لله تعالی فیحصل من ذلک غیبة المسلم و یحصل منه الریاء و إظهار التعفف عن الغیبة و هو واقع فیها و کذلک یقول لقد ساءنی ما یذکر به فلان نسأل اللّه أن یعصمه و یکون کاذبا فی دعوی أنّه ساءه و فی إظهار الدعاء له بل لو قصد الدعاء له لأخفاه فی خلوة عقب صلواته و لو کان قد ساءه لساءه أیضا إظهار ما یکرهه ذلک الإنسان.

و اعلم أن الإصغاء إلی الغیبة علی سبیل التعجب کالغیبة بل أشدّ لأنّه إنّما یظهر التعجب لیزید نشاط المغتاب فی الغیبة فیندفع فیها حکایة یستخرج الغیبة منه بذلک و إذا کان السامع الساکت شریک المغتاب فما ظنک بالمجتهد فی حصول الغیبة و الباعث علی الاستزادة منها

1927

14- وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ ذَکَرَا إِنْسَاناً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إِنَّهُ لَنَئُومٌ ثُمَّ أَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص خُبْزاً قَفَاراً فَطَلَبَا مِنْهُ أَدَماً (1) فَقَالَ قَدْ ائْتَدَمْتُمَا قَالاَ مَا نَعْلَمُهُ قَالَ بَلَی بِمَا أَکَلْتُمَا مِنْ لَحْمِ صَاحِبِکُمَا .

فجمعهما فی الإثم و قد

ص :68

کان أحدهما قائلا و الآخر مستمعا فالمستمع لا یخرج من إثم الغیبة إلاّ بأن ینکر بلسانه فإن خاف فبقلبه و إن قدر علی القیام أو قطع الکلام بکلام آخر لزمه ذلک فإن قال بلسانه اسکت و هو مرید للغیبة بقلبه فذلک نفاق و لا یخرجه عن الإثم إلاّ أن یکرهه بقلبه و لا یکفی أن یشیر بالید أی اکفف أو بالحاجب و العین فإن ذلک استحقار للمذکور بل ینبغی أن یذب عنه صریحا

1928

فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ وَ هُوَ یَقْدِرُ عَلَی أَنْ یَنْصُرَهُ فَلَمْ یَنْصُرْهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَلَی رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ.

و منها أن یستشعر من إنسان أنّه سیذمه و یطول لسانه فیه و یقبح حاله عند بعض الرؤساء أو یشهد علیه بشهادة فیبادره قبل أن یقبح حاله فیطعن فیه لیسقط أثر شهادته علیه.

و قد یبتدئ بذکر بعض ما فیه صادقا لیکذب علیه بعد ذلک فیروج کذبه بالصدق الأول.

و منها أن ینسب إلی أمر فیرید التبرؤ منه فیذکر الذی فعله و کان من حقه أن یبرئ نفسه و لا یذکر الذی فعله لکنه إنّما یذکر غیره تأکیدا لبراءة نفسه و کیلا یکون تبرؤا مبتورا و ربما یعتذر بأن یقول فلان فعله و کنت شریکا فی بعض الأمر لیبرئ نفسه بعض البراءة.

و منها المباهاة و حبّ الرئاسة مثل أن یقول کلام فلان رکیک و معرفته بالفن الفلانی ناقصة و غرضه إظهار فضله علیه.

و منها الحسد و إرادة إسقاط قدر من یمدحه الناس بذکر مساوئه لأنّه یشق علیه ثناء الناس علیه و لا یجد سبیلا إلی سد باب الثناء علیه إلاّ بذکر عیوبه.

و منها اللعب و الهزل و المطایبة و تزجیة الوقت بالضحک و السخریة فیذکر غیره بما یضحک الحاضرین علی سبیل الهزء و المحاکاة.

و اعلم أن الذی یقوی فی نفسی أن الغیبة لا تکون محرمة إلاّ إذا کانت علی سبیل القصد إلی تنقص الإنسان فقط و غض قدره فأما إذا خرجت مخرجا آخر فلیست بحرام کمن یظلمه القاضی و یأخذ الرشوة علی إسقاط حقوقه فإن له أن یذکر حاله للسلطان متظلما من حیف الحاکم علیه إذ لا یمکنه استیفاء حقوقه إلاّ بذلک

1929

فَقَدْ قَالَ ص مَطْلُ الْغَنِیِّ ظُلْمٌ.

1930

وَ قَالَ لَیُّ (1) الْوَاجِدِ یُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَ عِرْضَهُ.

ص :70

و کذلک النهی عن المنکر واجب و قد یحتاج الإنسان إلی الاستعانة بالغیر علی تغییره و ردّ القاضی إلی منهج الصلاح فلا بدّ له أن یشرح للغیر حال ذلک الإنسان المرتکب المنکر و من ذکر الإنسان بلقب مشهور فعرف عن عیبه کالأعرج و الأعمش المحدثین لم یکن مغتابا إذا لم یقصد الغض و النقص.

و الصحیح أن المجاهر بالفسق لا غیبة له کصاحب الماخور و المخنث و من یدعو الناس إلی نفسه أبنة و کالعشار و المستخرج بالضرب فإن هؤلاء غیر کارهین لما یذکرون به و ربما تفاخروا بذلک و

1931

قَدْ قَالَ اَلنَّبِیُّ ص مَنْ أَلْقَی جِلْبَابَ الْحَیَاءِ عَنْ وَجْهِهِ فَلاَ غِیبَةَ لَهُ.

1932

وَ قَالَ عُمَرُ لَیْسَ لِفَاجِرٍ حُرْمَةٌ. و أراد المجاهر بالفسق دون المستتر.

1933

وَ قَالَ اَلصَّلْتُ بْنُ طَرِیفٍ قُلْتُ لِلْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ الرَّجُلُ الْفَاجِرُ الْمُعْلِنُ بِالْفُجُورِ غَیْرُ مُرَاقِبٍ هَلْ ذِکْرِی لَهُ بِمَا فِیهِ غِیبَةٌ فَقَالَ لاَ وَ لاَ کَرَامَةَ لَهُ.

فاسدا کالعدو و الحسود و قد یشتبه الأمر فیظن المعروف منکرا فیعجل الإنسان بقول لا یتحققه کمن یری غلام زید یحمل فی إناء مستور مغطی خلا فیظنه خمرا .

قال ع و یحیل الکلام أی یکون باطلا أحال الرجل فی منطقه إذا تکلم الذی لا حقیقة له و من الناس من یرویه و یحیک الکلام بالکاف من قولک ما حاک فیه السیف و یجوز أحاک بالهمزة أی ما أثر یعنی أن القول یؤثر فی العرض و إن کان باطلا و الروایة الأولی أشهر و أظهر .

و یبور یفسد و قوله و باطل ذلک یبور مثل قولهم للباطل جولة و للحق دولة و هذا من قوله تعالی وَ قُلْ جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ إِنَّ الْبٰاطِلَ کٰانَ زَهُوقاً (1) .

و الإصبع مؤنثة و لذلک قال أربع أصابع فحذف الهاء .

فإن قلت کیف یقول ع الباطل ما یسمع و الحق ما یری و أکثر المعلومات إنّما هی من طریق السماع کعلمنا الآن بنبوة محمد ص بما بلغنا من معجزاته التی لم نرها و إنّما سمعناها.

قلت لیس کلامه فی المتواتر من الأخبار و إنّما کلامه فی الأقوال الشاذة الواردة من طریق الآحاد التی تتضمن القدح فیمن قد غلبت نزاهته فلا یجوز العدول عن المعلوم بالمشکوک

ص :73

و الغارم من علیه الدیون و یقال صبر فلان نفسه علی کذا مخففا أی حبسها قال تعالی وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ (1) .

و قال عنترة یذکر حربا فصبرت عارفة لذلک حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع (2)

1934

14- وَ فِی الْحَدِیثِ النَّبَوِیِّ فِی رَجُلٍ أَمْسَکَ رَجُلاً وَ قَتَلَهُ آخَرُ فَقَالَ ع اقْتُلُوا الْقَاتِلَ وَ اصْبِرُوا الصَّابِرَ .

أی احبسوا الذی حبسه للقتل إلی أن یموت .

و قوله فإن فوزا أفصح من أن یقول فإن الفوز أو فإن فی الفوز کما قال الشاعر إن شواء و نشوة و لم یقل إن الشواء و النشوة و السر فی هذا أنّه کأنّه یجعل هذا الشواء شخصا من جملة أشخاص داخلة تحت نوع واحد و یقول إن واحدا منها أیها کان فهو من لذة العیش و إن لم یحصل له کل أشخاص ذلک النوع و مراده تقریر فضیلة هذه الخصال فی النفوس أی متی حصل للإنسان فوز ما بها فقد حصل له الشرف و هذا المعنی و إن أعطاه لفظة الفوز بالألف و اللام إذا قصد بها الجنسیة إلاّ أنّه قد یسبق إلی الذهن منها الاستغراق لا الجنسیة فأتی بلفظة لا توهم الاستغراق و هی اللفظة المنکرة و هذا دقیق و هو من لباب علم البیان

ص :75

اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَیْثَکَ وَ لاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِینَ وَ لاَ تُهْلِکْنَا بِالسِّنِینَ وَ لاَ تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَیْکَ نَشْکُو إِلَیْکَ مَا لاَ یَخْفَی عَلَیْکَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَایِقُ الْوَعْرَةُ وَ أَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الْمُجْدِبَةُ وَ أَعْیَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ وَ تَلاَحَمَتْ عَلَیْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعَبَةُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُکَ أَلاَّ تَرُدَّنَا خَائِبِینَ وَ لاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِینَ وَ لاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا وَ لاَ تُقَایِسَنَا بِأَعْمَالِنَا اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَیْنَا غَیْثَکَ وَ بَرَکَتَکَ وَ رِزْقَکَ وَ رَحْمَتَکَ وَ اسْقِنَا سُقْیَا نَاقِعَةً مُرْوِیَةً مُعْشِبَةً تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ وَ تُحْیِی بِهَا مَا قَدْ مَاتَ نَافِعَةَ الْحَیَا کَثِیرَةَ الْمُجْتَنَی تُرْوِی بِهَا الْقِیعَانَ وَ تُسِیلُ الْبُطْنَانَ وَ تَسْتَوْرِقُ الْأَشْجَارَ وَ تُرْخِصُ الْأَسْعَارَ إِنَّکَ عَلَی مَا تَشَاءُ قَدِیرٌ .

تظلکم

تعلو علیکم و قد أظلتنی الشجرة و استظللت بها و الزلفة القربة یقول إن السماء و الأرض إذا جاءتا بمنافعکم أما السماء فبالمطر و أمّا الأرض فبالنبات فإنهما لم تأتیا بذلک تقربا إلیکم و لا رحمة لکم و لکنهما أمرتا بنفعکم فامتثلتا الأمر لأنّه أمر من تجب طاعته و لو أمرتا بغیر ذلک لفعلتاه و الکلام مجاز و استعارة لأن الجماد لا یؤمر و المعنی أن الکل مسخر تحت القدرة الإلهیة و مراده تمهید قاعدة الاستسقاء کأنّه یقول إذا کانت السماء و الأرض أیّام الخصب و المطر و النبات لم یکن ما کان منهما محبة لکم و لا رجاء منفعة منکم بل طاعة الصانع الحکیم سبحانه فیما سخرهما له

ص :77

فکذلک السماء و الأرض أیّام الجدب و انقطاع المطر و عدم الکلأ لیس ما کان منهما بغضا لکم و لا استدفاع ضرر یخاف منکم بل طاعة الصانع الحکیم سبحانه فیما سخرهما له و إذا کان کذلک فبالحری ألا نأمل السماء و لا الأرض و أن نجعل آمالنا معلقة بالملک الحق المدبر لهما و أن نسترحمه و ندعوه و نستغفره لا کما کانت العرب فی الجاهلیة یقولون مطرنا بنوء کذا و قد سخط النوء الفلانی علی بنی فلان فأمحلوا .

ثمّ ذکر ع أن اللّه تعالی یبتلی عباده عند الذنوب بتضییق الأرزاق علیهم و حبس مطر السماء عنهم و هذا الکلام مطابق للقواعد الکلامیة لأن أصحابنا یذهبون إلی أن الغلاء قد یکون عقوبة علی ذنب و قد یکون لطفا للمکلفین فی الواجبات العقلیّة و هو معنی قوله لیتوب تائب إلی آخر الکلمات و یقلع یکف و یمسک .

ثمّ ذکر أن اللّه سبحانه جعل الاستغفار سببا فی درور الرزق و استدلّ علیه بالآیة التی أمر نوح ع فیها قومه بالاستغفار یعنی التوبة عن الذنوب و قدم إلیهم الموعد بما هو واقع فی نفوسهم و أحبّ إلیهم من الأمور الآجلة فمناهم الفوائد العاجلة ترغیبا فی الإیمان و برکاته و الطاعة و نتائجها کما قال سبحانه للمسلمین وَ أُخْریٰ تُحِبُّونَهٰا نَصْرٌ مِنَ اللّٰهِ وَ فَتْحٌ قَرِیبٌ (1) فوعدهم بمحبوب الأنفس الذی یرونه فی العاجل عیانا و نقدا لا جزاء و نسیئة و قال تعالی فی موضع آخر وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُریٰ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَیْهِمْ بَرَکٰاتٍ مِنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ (2) و قال سبحانه وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقٰامُوا اَلتَّوْرٰاةَ وَ اَلْإِنْجِیلَ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَکَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ (3)

ص :78

و قال تعالی وَ أَنْ لَوِ اسْتَقٰامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لَأَسْقَیْنٰاهُمْ مٰاءً غَدَقاً (1)

ص فأثبت المعاد علی وجه محقق کامل أکمل ممّا ذکره الأولان فقال إن البدن و النفس معا مبعوثان و لکل منهما حظ فی الثواب و العقاب.

و قد شرح الرئیس أبو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا هذا الموضع فی رسالة له فی المعاد تعرف بالرسالة الأصحوبة شرحا جیدا فقال إن الشریعة المحمدیة أثبتت فی القیامة رد النفس إلی البدن و جعلت للمثاب و المعاقب ثوابا و عقابا بحسب البدن و النفس جمیعا فکان للمثاب لذات بدنیة من حور عین و ولدان مخلدین و فاکهة یشتهون و کأس لاٰ یُصَدَّعُونَ عَنْهٰا وَ لاٰ یُنْزِفُونَ و جَنّٰاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ من لبن و عسل و خمر و ماء زلال و سرر و أرائک و خیام و قباب فرشها مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ و ما جری مجری ذلک و لذات نفسانیة من السرور و مشاهدة الملکوت و الأمن من العذاب و العلم الیقینی بدوام ما هم فیه و أنّه لا یتعقبه عدم و لا زوال و الخلو عن الأحزان و المخاوف و للمعاقب عقاب بدنی و هو المقامع من الحدید و السلاسل و الحریق و الحمیم و الغسلین و الصراخ و الجلود التی کلما نضجت بدلوا جلودا غیرها و عقاب نفسانی من اللعن و الخزی و الخجل و الندم و الخوف الدائم و الیأس من الفرج و العلم الیقینی بدوام الأحوال السیئة التی هم علیها.

قال فوفت الشریعة الحکمة حقها من الوعد الکامل و الوعید الکامل و بهما ینتظم الأمر و تقوم الملّة فأما النصاری و ما ذهبوا إلیه من أمر بعث الأبدان ثمّ خلوها فی الدار الآخرة من المطعم و الملبس و المشرب و المنکح فهو أرک ما ذهب إلیه أرباب الشرائع و أسخفه و ذلک أنّه إن کان السبب فی البعث هو أن الإنسان هو البدن أو أن البدن شریک النفس فی الأعمال الحسنة و السیئة فوجب أن یبعث فهذا القول بعینه إن أوجب ذلک فإنّه یوجب أن یثاب البدن و یعاقب بالثواب و العقاب البدنی المفهوم عند العالم و إن کان الثواب و العقاب روحانیا فما الغرض فی بعث الجسد ثمّ ما ذلک

ص :80

الثواب و العقاب الروحانیان و کیف تصور العامّة ذلک حتّی یرغبوا و یرهبوا کلا بل لم تصور لهم الشریعة النصرانیة من ذلک شیئا غیر أنهم یکونون فی الآخرة کالملائکة و هذا لا یفی بالترغیب التام و لا ما ذکروه من العقاب الروحانی و هو الظلمة و خبث النفس کاف فی الترهیب و الذی جاءت به شریعة الإسلام حسن لا زیادة علیه انقضی کلام هذا الحکیم.

فأما کون الاستغفار سببا لنزول القطر و درور الرزق فإن الآیة بصریحها ناطقة به لأنّها أمر و جوابه قال اِسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کٰانَ غَفّٰاراً یُرْسِلِ السَّمٰاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرٰاراً کما تقول قم أکرمک أی إن قمت أکرمتک

1935

وَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ یَسْتَسْقِی فَمَا زَادَ عَلَی الاِسْتِغْفَارِ فَقِیلَ لَهُ مَا رَأَیْنَاکَ اسْتَسْقَیْتَ فَقَالَ لَقَدْ اسْتَسْقَیْتُ بِمَجَادِیحِ (1) السَّمَاءِ الَّتِی یُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ.

1936

وَ عَنِ اَلْحَسَنِ أَنَّ رَجُلاً شَکَا إِلَیْهِ الْجَدْبَ فَقَالَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ فَشَکَا آخَرُ إِلَیْهِ الْفَقْرَ وَ آخَرُ قِلَّةَ النَّسْلِ وَ آخَرُ قِلَّةَ رَیْعِ أَرْضِهِ فَأَمَرَهُمْ کُلَّهُمْ بِالاِسْتِغْفَارِ فَقَالَ لَهُ اَلرَّبِیعُ بْنُ صَبِیحٍ رِجَالٌ أَتَوْکَ یَشْکُونَ أَبْوَاباً وَ یَشْکُونَ أَنْوَاعاً فَأَمَرْتَهُمْ کُلَّهُمْ بِالاِسْتِغْفَارِ فَتَلاَ لَهُ الْآیَةَ .

قوله استقبل توبته أی استأنفها و جددها و استقال خطیئته طلب الإقالة منها و الرحمة و بادر منیته سابق الموت قبل أن یدهمه.

ص :81

قوله ع لا تهلکنا بالسنین جمع سنة و هی الجدب و المحل قال تعالی وَ لَقَدْ أَخَذْنٰا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ (1) و

1937

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص یَدْعُو عَلَی اَلْمُشْرِکِینَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَیْهِمْ سِنِینَ کَسِنِی یُوسُفَ .

و السنة لفظ محذوف منه حرف قیل إنّه الهاء و قیل الواو فمن قال المحذوف هاء قال أصله سنهة مثل جبهة لأنّهم قالوا نخلة سنهاء أی تحمل سنة و لا تحمل أخری و قال بعض الأنصار فلیست بسنهاء و لا رجبیة و لکن عرایا فی السنین الجوائح (2) .

و من قال أصلها الواو احتج بقولهم أسنی القوم یسنون إسناء إذا لبثوا فی المواضع سنة فأما التصغیر فلا یدلّ علی أحد المذهبین بعینه لأنّه یجوز سنیة و سنیهة و الأکثر فی جمعها بالواو و النون سنون بکسر السین کما فی هذه الخطبة و بعضهم یقول سنون بالضم .

و المضایق الوعرة بالتسکین و لا یجوز التحریک و قد وعر هذا الشیء بالضم وعورة و کذلک توعر أی صار وعرا و استوعرت الشیء استصعبته .

و أجاءتنا

ألجأتنا قال تعالی فَأَجٰاءَهَا الْمَخٰاضُ إِلیٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ (3) .

و المقاحط المجدبة السنون الممحلة جمع مقحطة .

و تلاحمت اتصلت .

و الواجم الذی قد اشتد حزنه حتّی أمسک عن الکلام و الماضی وجم بالفتح یجم وجوما .

قوله و لا تخاطبنا بذنوبنا و لا تقایسنا بأعمالنا أی لا تجعل جواب دعائنا لک ما تقتضیه ذنوبنا کأنّه یجعله کالمخاطب لهم و المجیب عما سألوه إیاه کما یفاوض الواحد

ص :82

منا صاحبه و یستعطفه فقد یجیبه و یخاطبه بما یقتضیه ذنبه إذا اشتدت موجدته علیه و نحوه.

و لا تقایسنا بأعمالنا

قست الشیء بالشیء إذا حذوته و مثلته به أی لا تجعل ما تجیبنا به مقایسا و مماثلا لأعمالنا السیئة .

قوله سقیا ناقعة هی فعلی مؤنثة غیر مصروفة .

و الحیا المطر و ناقعة مرویة مسکنة للعطش نقع الماء العطش نقعا و نقوعا سکنه و فی المثل الرشف أنقع أی أن الشراب الذی یرشف قلیلا قلیلا أنجع و أقطع للعطش و إن کان فیه بطء .

و کثیرة المجتنی أی کثیرة الکلأ و الکلأ الذی یجتنی و یرعی و القیعان جمع قاع و هو الفلاة .

و البطنان جمع بطن و هو الغامض من الأرض مثل ظهر و ظهران و عبد و عبدان

ص :83

فإن قلت فهذا یناقض مذهب المعتزلة فی قولهم بالواجبات عقلا و لو لم تبعث الرسل.

قلت صحة مذهبهم تقتضی أن تحمل عموم الألفاظ علی أن المراد بها الخصوص فیکون التأویل لِئَلاّٰ یَکُونَ لِلنّٰاسِ عَلَی اللّٰهِ حُجَّةٌ فیما لم یدلّ العقل علی وجوبه و لا قبحه کالشرعیات و کذلک وَ مٰا کُنّٰا مُعَذِّبِینَ حَتّٰی نَبْعَثَ رَسُولاً علی ما لم یکن العقل دلیلا علیه حتّی نبعث رسولا .

الإعذار

تقدیم العذر ثمّ قال إن اللّه تعالی کشف الخلق بما تعبدهم به من الشرعیات علی ألسنة الأنبیاء و لم یکن أمرهم خافیا عنه فیحتاج إلی أن یکشفهم بذلک و لکنه أراد ابتلاءهم و اختبارهم لیعلم أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فیعاقب المسیء و یثیب المحسن.

فإن قلت الإشکال قائم لأنّه إذا کان یعلم أیهم یحسن و أیهم یسیء فما فائدة الابتلاء و هل هو إلاّ محض العبث قلت فائدة الابتلاء إیصال نفع إلی زید لم یکن لیصح إیصاله إلیه إلاّ بواسطة هذا الابتلاء و هو ما یقوله أصحابنا إن الابتلاء بالثواب قبیح و اللّه تعالی یستحیل أن یفعل القبیح .

قوله و للعقاب بواء أی مکافأة قالت لیلی الأخیلیة فإن تکن القتلی بواء فإنکم فتی ما قتلتم آل عوف بن عامر (1) .

و أبأت القاتل بالقتیل و استبأته أیضا إذا قتلته به و قد باء الرجل بصاحبه أی قتل به

ص :85

و فی المثل باءت عرار بکحل (1) و هما بقرتان قتلت إحداهما بالأخری و قال مهلهل لبجیر لما قتل بؤ بشسع نعل کلیب .قوله ع أین الذین زعموا هذا الکلام کنایة و إشارة إلی قوم من الصحابة کانوا ینازعونه الفضل فمنهم من کان یدعی له أنّه أفرض و منهم من کان یدعی له أنّه أقرأ و منهم من کان یدعی له أنّه أعلم بالحلال و الحرام هذا مع تسلیم هؤلاء له أنّه ع أقضی الأمة و أن القضاء یحتاج إلی کل هذه الفضائل و کل واحدة منها لا تحتاج إلی غیرها فهو إذن أجمع للفقه و أکثرهم احتواء علیه إلاّ أنّه ع لم یرض بذلک و لم یصدق الخبر الذی قیل أفرضکم فلان إلی آخره فقال إنّه کذب و افتراء حمل قوما علی وضعه الحسد و البغی و المنافسة لهذا الحیّ من بنی هاشم أن رفعهم اللّه علی غیرهم و اختصهم دون من سواهم.

و أن هاهنا للتعلیل أی لأن فحذف اللام التی هی أداة التعلیل علی الحقیقة قال سبحانه لَبِئْسَ مٰا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّٰهُ عَلَیْهِمْ (2) و قال بعض النحاة لبعض الفقهاء الزاعمین أن لا حاجة للفقه إلی النحو ما تقول لرجل قال لزوجته أنت طالق إن دخلت الدار فقال لا یقع إلاّ بالدخول فقال فإن فتح الهمزة قال کذلک فعرفه أن العربیة نافعة فی الفقه و أن الطلاق منجز لا معلق إن کان مراده تعلیل الطلاق بوقوع الدخول لاشتراطه به .

ثمّ قال بنا یستعطی الهدی أی یطلب أن یعطی و کذلک یستجلی أی یطلب جلاؤه .

ثمّ قال إن الأئمة من قریش إلی آخر الفصل

ص :86

الکلام و هو تصریح بأن الإمامة لا تصلح من قریش إلا فی بنی هاشم خاصّة و لیس ذلک بمذهب للمعتزلة لا متقدمیهم و لا متأخریهم.

قلت هذا الموضع مشکل و لی فیه نظر و إن صح أن علیا ع قاله قلت کما قال لأنّه ثبت عندی

1939

أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص قَالَ إِنَّهُ مَعَ الْحَقِّ وَ أَنَّ الْحَقَّ یَدُورُ مَعَهُ حَیْثُمَا دَارَ.

و یمکن أن یتأول و یطبق علی مذهب المعتزلة فیحمل علی أن المراد به کمال الإمامة کما حمل

1940

قَوْلُهُ ص لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِی الْمَسْجِدِ.

علی نفی الکمال لا علی نفی الصحة مِنْهَا آثَرُوا عَاجِلاً وَ أَخَّرُوا آجِلاً وَ تَرَکُوا صَافِیاً وَ شَرِبُوا آجِناً کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی فَاسِقِهِمْ وَ قَدْ صَحِبَ الْمُنْکَرَ فَأَلِفَهُ وَ بَسِئَ بِهِ وَ وَافَقَهُ حَتَّی شَابَتْ عَلَیْهِ مَفَارِقُهُ وَ صُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً کَالتَّیَّارِ لاَ یُبَالِی مَا غَرَّقَ أَوْ کَوَقْعِ النَّارِ فِی الْهَشِیمِ لاَ یَحْفِلُ مَا حَرَّقَ أَیْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِیحِ الْهُدَی وَ الْأَبْصَارُ اللاَّمِحَةُ إِلَی مَنَازِلِ التَّقْوَی أَیْنَ الْقُلُوبُ الَّتِی وُهِبَتْ لِلَّهِ وَ عُوقِدَتْ عَلَی طَاعَةِ اللَّهِ ازْدَحَمُوا عَلَی الْحُطَامِ وَ تَشَاحُّوا عَلَی الْحَرَامِ وَ رُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ فَصَرَفُوا عَنِ اَلْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ وَ أَقْبَلُوا إِلَی اَلنَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ وَ دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَ وَلَّوْا وَ دَعَاهُمُ اَلشَّیْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَ أَقْبَلُوا .

ص :88

آثروا

اختاروا و أخروا ترکوا الآجن الماء المتغیر أجن الماء یأجن و یأجن .

و بسئ به ألفه و ناقة بسوء ألفت الحالب و لا (1) تمنعه و شابت علیه مفارقه طال عهده به مذ زمن الصبا حتّی صار شیخا و صبغت به خلائقه ما صارت طبعا لأن العادة طبیعة ثانیة .

مزبدا

أی ذو زبد و هو ما یخرج من الفم کالرغوة یضرب مثلا للرجل الصائل المقتحم.

و التیار معظم اللجة و المراد به هاهنا السیل و الهشیم دقاق الحطب .

و لا یحفل بفتح حرف المضارعة لأن الماضی ثلاثی أی لا یبالی .

و الأبصار اللامحة الناظرة و تشاحوا تضایقوا کل منهم یرید ألا یفوته ذلک و أصله الشح و هو البخل.

فإن قلت هذا الکلام یرجع إلی الصحابة الذین تقدم ذکرهم فی أول الخطبة.

قلت لا و إن زعم قوم أنّه عناهم بل هو إشارة إلی قوم ممن یأتی من الخلف بعد السلف أ لا تراه قال کأنّی أنظر إلی فاسقهم قد صحب المنکر فألفه و هذا اللفظ إنّما یقال فی حقّ من لم یوجد بعد کما قال فی حق الأتراک کأنّی أنظر إلیهم قوما کأنّ وجوههم المجان و کما قال فی حق صاحب الزنج کأنّی به یا أحنف قد سار فی الجیش و کما قال فی الخطبة التی ذکرناها آنفا- کأنّی به قد نعق بالشام یعنی به عبد الملک و حوشی ع أن یعنی بهذا الکلام الصحابة لأنهم ما آثروا العاجل و لا أخروا الآجل و لا صحبوا المنکر و لا أقبلوا کالتیار لا یبالی ما غرق و لا کالنار لا تبالی ما أحرقت و لا ازدحموا علی الحطام و لا تشاحوا علی الحرام و لا صرفوا عن الجنة وجوههم و لا أقبلوا

ص :89

إلی النار بأعمالهم و لا دعاهم الرحمن فولوا و لا دعاهم الشیطان فاستجابوا و قد علم کل أحد حسن سیرتهم و سداد طریقتهم و إعراضهم عن الدنیا و قد ملکوها و زهدهم فیها و قد تمکنوا منها و لو لا قوله کأنّی أنظر إلی فاسقهم لم أبعد أن یعنی بذلک قوما ممن علیه اسم الصحابة و هو ردیء الطریقة کالمغیرة بن شعبة و عمرو بن العاص و مروان بن الحکم و معاویة و جماعة معدودة أحبوا الدنیا و استغواهم الشیطان و هم معدودون فی کتب أصحابنا و من اشتغل بعلوم السیرة و التواریخ عرفهم بأعیانهم

ص :90

و قد بالغ بعض الشعراء فی الشکوی فأتی بهذه الألفاظ لکنه أسرف فقال.

حظی من العیش أکل کله غصص

مر المذاق و شرب کله شرق

و مراد أمیر المؤمنین ع بکلامه أن نعیم الدنیا لا یدوم فإذا أحسنت أساءت و إذا أنعمت أنقمت .

ثمّ قال لا ینالون منها نعمة إلاّ بفراق أخری هذا معنی لطیف و ذلک أن الإنسان لا یتهیأ له أن یجمع بین الملاذ الجسمانیة کلها فی وقت فحال ما یکون آکلا لا یکون مجامعا و حال ما یشرب لا یأکل و حال ما یرکب للقنص و الریاضة لا یکون جالسا علی فراش وثیر ممهد و علی هذا القیاس لا یأخذ فی ضرب من ضروب الملاذ إلاّ و هو تارک لغیره منها .

ثمّ قال و لا یعمر معمر منکم یوما من عمره إلاّ بهدم آخر من أجله و هذا أیضا لطیف لأن المسرور ببقائه إلی یوم الأحد لم یصل إلیه إلاّ بعد أن قضی یوم السبت و قطعه و یوم السبت من أیّام عمره فإذا قد هدم من عمره یوما فیکون قد قرب إلی الموت لأنّه قد قطع من المسافة جزءا .

ثمّ قال و لا تجدد له زیادة فی أکله إلاّ بنفاد ما قبلها من رزقه و هذا صحیح فإن فسرنا الرزق بما وصل إلی البطن علی أحد تفسیرات المتکلّمین فإن الإنسان لا یأکل لقمة إلاّ و قد فرغ من اللقمة التی قبلها فهو إذا لا یتجدد له زیادة فی أکله إلاّ بنفاد ما قبلها من رزقه .

ثمّ قال و لا یحیا له أثر إلاّ مات له أثر و ذلک أن الإنسان فی الأعمّ الأغلب لا ینتشر صیته و یشیع فضله إلاّ عند الشیخوخة و کذلک لا تعرف أولاده و یصیر لهم اسم فی الدنیا إلاّ بعد کبره و علو سنه فإذا ما حیی له أثر إلاّ بعد أن مات له أثر و هو قوته و نشاطه و شبیبته و مثله قوله و لا یتجدد له جدید إلاّ بعد أن یخلق له جدید .

ص :92

ثم قال و لا تقوم له نابتة إلاّ و تسقط منه محصودة هذه إشارة إلی ذهاب الآباء عند حدوث أبنائهم فی الأعمّ الأغلب و لهذا قال و قد مضت أصول نحن فروعها فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله و قد نظر الشعراء إلی هذا المعنی فقالوا فیه و أکثروا نحو قول الشاعر فإن أنت لم تصدقک نفسک فانتسب و قال الشاعر فعددت آبائی إلی عرق الثری و قد صرّح أبو العتاهیة بالمعنی فقال کل حیاة إلی ممات مِنْهَا وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِکَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا الْبِدَعَ وَ الْزَمُوا الْمَهْیَعَ إِنَّ عَوَازِمَ الْأُمُورِ أَفْضَلُهَا وَ إِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا.

ص :93

البدعة کل ما أحدث ممّا لم یکن علی عهد رسول اللّه ص فمنها الحسن کصلاة التراویح و منها القبیح کالمنکرات التی ظهرت فی أواخر الخلافة العثمانیة و إن کانت قد (1) تکلفت الأعذار عنها.

و معنی قوله ع ما أحدثت بدعة إلاّ ترک بها سنة أن من السنة ألا تحدث البدعة فوجود البدعة عدم للسنة لا محالة .

و المهیع الطریق الواضح من قولهم أرض هیعة أی مبسوطة واسعة و المیم مفتوحة و هی زائدة .

و عوازم الأمور ما تقادم منها من قولهم عجوز عوزم أی مسنة قال الراجز لقد غدوت خلق الثیاب

و یجمع فوعل علی فواعل کدورق و هوجل و یجوز أن یکون عوازم جمع عازمة و یکون فاعل بمعنی مفعول أی معزوم علیها أی مقطوع معلوم بیقین صحتها و مجیء فاعلة بمعنی مفعولة کثیر کقولهم عِیشَةٍ رٰاضِیَةٍ بمعنی مرضیة و الأول أظهر عندی لأن فی مقابلته قوله و إن محدثاتها شرارها و المحدث فی مقابلة القدیم

ص :94

نظام العقد الخیط الجامع له و تقول أخذته کله بحذافیره أی بأصله و أصل الحذافیر أعالی الشیء و نواحیه الواحد حذفار .

و أَصْلِهِمْ نَارَ الْحَرْبِ

اجعلهم صالین لها یقال صَلَیْتُ اللحم و غیره أصلیه صَلْیاً مثل رمیته أرمیه رمیا إذا شویته

1941

14- وَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّهُ ص أُتِیَ بِشَاةٍ مَصْلِیَّةٍ

(1)

.

أی مشویة و یقال أیضا صلیت الرجل نارا إذا أدخلته النار و جعلته یصلاها فإن ألقیته فیها إلقاء کأنّک ترید الإحراق قلت أصلیته بالألف و صلیته تصلیة و قرئ و یصلی سعیرا (2) و من خفف فهو من قولهم صَلِیَ فلان بالنار بالکسر یصلی صلیا احترق قال اللّه تعالی هُمْ أَوْلیٰ بِهٰا صِلِیًّا (3) و یقال أیضا صلی فلان بالأمر إذا قاسی حره و شدته قال الطهوی و لا تبلی بسالتهم و إن هم صلوا بالحرب حینا بعد حین (4) .

و علی هذا الوجه یحمل کلام أمیر المؤمنین ع و هو مجاز من الإحراق و الشیء الموضوع لها هذا اللفظ حقیقة .

و العورات الأحوال التی یخاف انتقاضها فی ثغر أو حرب قال تعالی یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنٰا عَوْرَةٌ وَ مٰا هِیَ بِعَوْرَةٍ (5) و الکلب الشر و الأذی

غزاة القادسیة و قیل فی غزاة نهاوند و إلی هذا القول الأخیر ذهب محمّد بن جریر الطبریّ فی التاریخ الکبیر و إلی القول الأوّل ذهب المدائنی فی کتاب الفتوح و نحن نشیر إلی ما جری فی هاتین الوقعتین إشارة خفیفة علی مذهبنا فی ذکر السیر و الأیّام.

فأما وقعة القادسیة فکانت فی سنة أربع عشرة للهجرة استشار عمر المسلمین فی أمر القادسیة فأشار علیه علیّ بن أبی طالب

1942

1- فِی رِوَایَةِ أَبِی الْحَسَنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَیْفٍ الْمَدَائِنِیِّ أَلاَّ یَخْرُجَ بِنَفْسِهِ وَ قَالَ إِنَّکَ إِنْ تَخْرُجْ لاَ یَکُنْ لِلْعَجَمِ هِمَّةٌ إِلاَّ اسْتِئْصَالُکَ لِعِلْمِهِمْ أَنَّکَ قُطْبُ رَحَی اَلْعَرَبِ فَلاَ یَکُونُ لِلْإِسْلاَمِ بَعْدَهَا دَوْلَةٌ وَ أَشَارَ عَلَیْهِ غَیْرُهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ یَخْرُجَ بِنَفْسِهِ فَأَخَذَ بِرَأْیِ عَلِیٍّ ع .

و روی غیر المدائنی أن هذا الرأی أشار به عبد الرحمن بن عوف

1943

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ لَمَّا بَدَا لِعُمَرَ فِی الْمُقَامِ بَعْدَ أَنْ کَانَ عَزَمَ عَلَی الشُّخُوصِ بِنَفْسِهِ أَمَّرَ سَعْدَ بْنَ أَبِی وَقَّاصٍ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ وَ بَعَثَ یَزْدَجِرْدُ رُسْتُمَ الْأَرْمَنِیَّ أَمِیراً عَلَی اَلْفُرْسِ فَأَرْسَلَ سَعْدٌ اَلنُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ رَسُولاً إِلَی یَزْدَجِرْدَ فَدَخَلَ عَلَیْهِ وَ کَلَّمَهُ بِکَلاَمٍ غَلِیظٍ فَقَالَ یَزْدَجِرْدُ لَوْ لاَ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ لَقَتَلْتُکَ ثُمَّ حَمَلَهُ وِقْراً مِنْ تُرَابٍ عَلَی رَأْسِهِ وَ سَاقَهُ حَتَّی أَخْرَجَهُ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ اَلْمَدَائِنِ وَ قَالَ ارْجِعْ إِلَی صَاحِبِکَ فَقَدْ کَتَبْتُ إِلَی رُسْتُمَ أَنْ یَدْفِنَهُ وَ جُنْدَهُ مِنَ اَلْعَرَبِ فِی خَنْدَقِ اَلْقَادِسِیَّةِ ثُمَّ لَأُشْغِلَنَّ اَلْعَرَبَ بَعْدَهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَ لَأُصِیبَنَّهُمْ بِأَشَدَّ مِمَّا أَصَابَهُمْ بِهِ سَابُورُ ذُو الْأَکْتَافِ فَرَجَعَ اَلنُّعْمَانُ إِلَی سَعْدٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لاَ تَخَفْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ مَلَّکَنَا أَرْضَهُمْ تَفَاؤُلاً بِالتُّرَابِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ تَثَبَّطَ رُسْتُمُ عَنِ الْقِتَالِ وَ کَرِهَهُ وَ آثَرَ الْمُسَالَمَةَ وَ اسْتَعْجَلَهُ یَزْدَجِرْدُ مِرَاراً وَ اسْتَحَثَّهُ عَلَی الْحَرْبِ وَ هُوَ یُدَافِعُ بِهَا وَ یَرَی الْمُطَاوَلَةَ وَ کَانَ عَسْکَرُهُ مِائَةً وَ عِشْرِینَ أَلْفاً

ص :97

وَ کَانَ عَسْکَرُ سَعْدٍ بِضْعاً وَ ثَلاَثِینَ أَلْفاً وَ أَقَامَ رُسْتُمُ بَرِیداً مِنَ الرِّجَالِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ إِلَی جَانِبِ الْآخَرِ مِنَ اَلْقَادِسِیَّةِ إِلَی اَلْمَدَائِنِ کُلَّمَا تَکَلَّمَ رُسْتُمُ کَلِمَةً أَدَّاهَا بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ حَتَّی تَصِلَ إِلَی سَمْعِ یَزْدَجِرْدَ فِی وَقْتِهَا وَ شَهِدَ وَقْعَةَ اَلْقَادِسِیَّةِ مَعَ اَلْمُسْلِمِینَ طُلَیْحَةُ بْنُ خُوَیْلِدٍ وَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِیکَرِبَ وَ اَلشَّمَّاخُ بْنُ ضِرَارٍ وَ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِیبِ الشَّاعِرُ وَ أَوْسُ بْنُ مَعْنٍ الشَّاعِرُ وَ قَامُوا فِی النَّاسِ یُنْشِدُونَهُمْ الشِّعْرَ وَ یُحَرِّضُونَهُمْ وَ قَرَّنَ أَهْلُ فَارِسَ أَنْفُسَهُمْ بِالسَّلاَسِلِ لِئَلاَّ یَهْرُبُوا فَکَانَ الْمُقَرِّنُونَ مِنْهُمْ نَحْوَ ثَلاَثِینَ أَلْفاً وَ الْتَحَمَ الْفَرِیقَانِ فِی الْیَوْمِ الْأَوَّلِ فَحَمَلَتِ الْفِیَلَةُ الَّتِی مَعَ رُسْتُمَ عَلَی الْخَیْلِ فَطَحَنَتْهَا وَ ثَبَتَ لَهَا جَمْعٌ مِنَ الرَّجَّالَةِ وَ کَانَتْ ثَلاَثَةً وَ ثَلاَثِینَ فِیلاً مِنْهَا فِیلُ الْمَلِکِ وَ کَانَ أَبْیَضَ عَظِیماً فَضَرَبَتِ الرِّجَالُ خَرَاطِیمَ الْفِیَلَةِ بِالسُّیُوفِ فَقَطَعَتْهَا وَ ارْتَفَعَ عُوَاؤُها وَ أُصِیبَ فِی هَذَا الْیَوْمِ وَ هُوَ الْیَوْمُ الْأَوَّلُ خَمْسُمِائَةٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ أَلْفَانِ مِنَ اَلْفُرْسِ وَ وَصَلَ فِی الثَّانِی أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ مِنَ اَلشَّامِ فِی عَسَاکِرَ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ فَکَانَ مَدَداً لِسَعْدٍ وَ کَانَ هَذَا الْیَوْمُ عَلَی اَلْفُرْسِ أَشَدَّ مِنْ الْیَوْمِ الْأَوَّلِ قُتِلَ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ أَلْفَانِ وَ مِنَ اَلْمُشْرِکِینَ عَشَرَةُ آلاَفٍ وَ أَصْبَحُوا فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ عَلَی الْقِتَالِ وَ کَانَ عَظِیماً عَلَی اَلْعَرَبِ وَ اَلْعَجَمِ مَعاً وَ صَبَرَ الْفَرِیقَانِ وَ قَامَتِ الْحَرْبُ ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ تِلْکَ اللَّیْلَةَ جَمْعَاءَ لاَ یَنْطِقُونَ کَلاَمُهُمْ الْهَرِیرُ فَسُمِّیَتْ لَیْلَةَ الْهَرِیرِ .

وَ انْقَطَعَتِ الْأَخْبَارُ وَ الْأَصْوَاتُ عَنْ سَعْدٍ وَ رُسْتُمَ وَ انْقَطَعَ سَعْدٌ إِلَی الصَّلاَةِ وَ الدُّعَاءِ وَ الْبُکَاءِ وَ أَصْبَحَ النَّاسُ حَسْرَی لَمْ یَغْمِضُوا لَیْلَتَهُمْ کُلَّهَا وَ الْحَرْبُ قَائِمَةٌ بَعْدُ إِلَی وَقْتِ الظُّهْرِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَی رِیحاً عَاصِفاً فِی الْیَوْمِ الرَّابِعِ أَمَالَتِ الْغُبَارَ وَ النَّقْعَ عَلَی اَلْعَجَمِ فَانْکَسَرُوا وَ وَصَلَتِ اَلْعَرَبُ إِلَی سَرِیرِ رُسْتُمَ وَ قَدْ قَامَ عَنْهُ لِیَرْکَبَ جَمَلاً وَ عَلَی رَأْسِهِ الْعَلَمُ فَضَرَبَ هِلاَلُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْحَمْلَ الَّذِی رُسْتُمُ فَوْقَهُ فَقَطَعَ حِبَالَهُ وَ وَقَعَ عَلَی هِلاَلِ أَحَدِ الْعِدْلَیْنِ فَأَزَالَ فَقَارَ ظَهْرِهِ وَ مَضَی رُسْتُمُ نَحْوَ الْعَتِیقِ فَرَمَی نَفْسَهُ فِیهِ وَ اقْتَحَمَ هِلاَلٌ عَلَیْهِ فَأَخَذَ

ص :98

بِرِجْلِهِ وَ خَرَجَ بِهِ یَجُرُّهُ حَتَّی أَلْقَاهُ تَحْتَ أَرْجُلِ الْخَیْلِ وَ قَدْ قَتَلَهُ وَ صَعِدَ السَّرِیرَ فَنَادَی أَنَا هِلاَلٌ أَنَا قَاتِلُ رُسْتُمَ فَانْهَزَمَتِ اَلْفُرْسُ وَ تَهَافَتُوا (1) فِی الْعَقِیقِ فَقُتِلَ مِنْهُمْ نَحْوُ ثَلاَثِینَ أَلْفاً وَ نُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ وَ أَسْلاَبُهُمْ وَ کَانَتْ عَظِیمَةً جِدّاً وَ أَخَذَتِ اَلْعَرَبُ مِنْهُمْ کَافُوراً کَثِیراً فَلَمْ یَعْبَئُوا بِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ یَعْرِفُوهُ وَ بَاعُوهُ مِنْ قَوْمٍ بِمِلْحٍ کَیْلاً بِکَیْلٍ وَ سُرُّوا بِذَلِکَ وَ قَالُوا أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِلْحاً طَیِّباً وَ دَفَعْنَا إِلَیْهِمْ مِلْحاً غَیْرَ طَیِّبِ وَ أَصَابُوا مِنَ الْجَامَاتِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ مَا لاَ یَقَعُ عَلَیْهِ الْعَدُّ لِکَثْرَتِهِ فَکَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ یَعْرِضُ جَامَیْنِ مِنْ ذَهَبٍ عَلَی صَاحِبِهِ لِیَأْخُذَ مِنْهُ جَاماً وَاحِداً مِنْ فِضَّةٍ یُعْجِبُهُ بَیَاضُهَا وَ یَقُولُ مَنْ یَأْخُذُ صَفْرَاوَیْنِ بِبَیْضَاءَ.

وَ بَعَثَ سَعْدٌ بِالْأَنْفَالِ وَ الْغَنَائِمِ إِلَی عُمَرَ فَکَتَبَ إِلَی سَعْدٍ لاَ تَتَّبِعِ اَلْفُرْسَ وَ قِفْ مَکَانَکَ وَ اتَّخِذْهُ مَنْزِلاً فَنَزَلَ مَوْضِعَ اَلْکُوفَةِ الْیَوْمَ وَ اخْتَطَّ مَسْجِدَهَا وَ بَنَی فِیهَا الْخُطَطَ لِلْعَرَبِ (2) .

بِمَنْ مَعَکَ وَ مِنْ عِنْدِکَ قَلَّ فِی نَفْسِکَ مَا تَکَاثَرَ مِنْ عَدَدِ الْقَوْمِ وَ کُنْتَ أَعَزَّ عِزّاً وَ أَکْثَرَ إِنَّکَ لاَ تَسْتَبْقِی مِنْ نَفْسِکَ بَعْدَ الْیَوْمِ (1) بَاقِیَةً وَ لاَ تَمَتَّعُ مِنَ الدُّنْیَا بِعَزِیزٍ وَ لاَ تَکُونُ مِنْهَا فِی حِرْزٍ حَرِیزٍ إِنَّ هَذَا الْیَوْمَ لَهُ مَا بَعْدَهُ فَاشْهَدْ بِنَفْسِکَ وَ رَأْیِکَ وَ أَعْوَانِکَ وَ لاَ تَغِبْ عَنْهُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ قَامَ طَلْحَةُ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَدْ أَحْکَمَتْکَ الْأُمُورُ وَ عَجَمَتْکَ الْبَلاَیَا وَ حَنَکَّتْکَ (2) التَّجَارِبُ وَ أَنْتَ وَ شَأْنَکَ وَ أَنْتَ وَ رَأْیَکَ لاَ نَنْبُو فِی یَدَیْکَ وَ لاَ نَکِلُ أَمْرَنَا إِلاَّ إِلَیْکَ فَأْمُرْنَا نُجِبْ وَ ادْعُنَا نُطِعْ وَ احْمِلْنَا نَرْکَبْ وَ قُدْنَا نَنْقُد فَإِنَّکَ وَلِیُّ هَذَا الْأَمْرِ وَ قَدْ بَلَوْتَ وَ جَرَّبْتَ وَ اخْتَبَرْتَ فَلَمْ یَنْکَشِفْ شَیْءٌ مِنْ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ لَکَ إِلاَّ عَنْ خِیَارٍ.

فَقَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ یَکُنْ نَصْرُهُ وَ لاَ خِذْلاَنُهُ بِکَثْرَةٍ وَ لاَ قِلَّةٍ إِنَّمَا هُوَ دِینُ اللَّهِ الَّذِی أَظْهَرَهُ وَ جُنْدُهُ الَّذِی أَعَزَّهُ وَ أَمَدُهُ بِالْمَلاَئِکَةِ حَتَّی بَلَغَ مَا بَلَغَ فَنَحْنُ عَلَی مَوْعُودٍ مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَ نَاصِرٌ جُنْدَهُ وَ إِنَّ مَکَانَکَ مِنْهُمْ مَکَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ یَجْمَعُهُ وَ یُمْسِکُهُ فَإِنِ انْحَلَّ تَفَرَّقَ مَا فِیهِ وَ ذَهَبَ ثُمَّ لَمْ یَجْتَمِعْ بِحَذَافِیرِهِ أَبَداً وَ اَلْعَرَبُ الْیَوْمَ وَ إِنْ کَانُوا قَلِیلاً فَإِنَّهُمْ کَثِیرٌ عَزِیزُ بِالْإِسْلاَمِ أَقِمْ مَکَانَکَ وَ اکْتُبْ إِلَی أَهْلِ اَلْکُوفَةِ فَإِنَّهُمْ أَعْلاَمُ اَلْعَرَبِ وَ رُؤَسَاؤُهُمْ وَ لْیُشْخَصْ مِنْهُمْ الثُّلُثَانِ وَ لْیُقِمِ الثُّلُثُ وَ اکْتُبْ إِلَی أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ أَنْ یُمِدُّوهُمْ بِبَعْضِ مَنْ عِنْدَهُمْ وَ لاَ تُشْخِصِ اَلشَّامَ وَ لاَ اَلْیَمَنِ إِنَّکَ إِنْ أَشْخَصْتَ أَهْلَ اَلشَّامِ مِنْ شَامِهِمْ سَارَتِ اَلرُّومُ إِلَی ذَرَارِیِّهِمْ وَ إِنْ أَشْخَصْتَ أَهْلَ اَلْیَمَنِ مِنْ یَمَنِهِمْ سَارَتِ اَلْحَبَشَةُ إِلَی ذَرَارِیِّهِمْ وَ مَتَی شَخَصْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَیْکَ اَلْعَرَبُ مِنْ أَقْطَارِهَا وَ أَطْرَافِهَا حَتَّی یَکُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَکَ أَهَمَّ إِلَیْکَ مِمَّا بَیْنَ یَدَیْکَ مِنَ الْعَوْرَاتِ وَ الْعِیَالاَتِ إِنَّ اَلْأَعَاجِمَ إِنْ یَنْظُرُوا

ص :100

إِلَیْکَ غَداً قَالُوا هَذَا أَمِیرُ اَلْعَرَبِ وَ أَصْلُهُمْ فَکَانَ ذَلِکَ أَشَدَّ لِکَلَبِهِمْ عَلَیْکَ وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ مَسِیرِ الْقَوْمِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ أَکْرَهُ لِسَیْرِهِمْ مِنْکَ وَ هُوَ أَقْدَرُ عَلَی تَغْیِیرِ مَا یَکْرَهُ وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ فَإِنَّا لَمْ نَکُنْ نُقَاتِلُ فِیمَا مَضَی بِالْکَثْرَةِ وَ إِنَّمَا کُنَّا نُقَاتِلُ بِالصَّبْرِ وَ النَّصْرِ.

فَقَالَ عُمَرُ أَجَلْ هَذَا الرَّأْیُ وَ قَدْ کُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُتَابِعَ عَلَیْهِ فَأَشِیرُوا عَلَیَّ بِرَجُلٍ أُوَلِّیهِ ذَلِکَ الثَّغْرَ قَالُوا أَنْتَ أَفْضَلُ رَأْیاً فَقَالَ أَشِیرُوا عَلَیَّ بِهِ وَ اجْعَلُوهُ عِرَاقِیّاً قَالُوا أَنْتَ أَعْلَمُ بِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ قَدْ وَفَدُوا عَلَیْکَ فَرَأَیْتَهُمْ وَ کَلَّمْتَهُمْ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَأُوَلِّیَنَّ أَمْرَهُمْ رَجُلاً یَکُونُ عَمْداً لِأَوَّلِ الْأَسِنَّةِ قِیلَ وَ مَنْ هُوَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ اَلنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ قَالُوا هُوَ لَهَا.

وَ کَانَ اَلنُّعْمَانُ یَوْمَئِذٍ بِالْبَصْرَةِ فَکَتَبَ إِلَیْهِ عُمَرُ فَوَلاَّهُ أَمْرَ الْجَیْشِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ کَتَبَ إِلَیْهِ عُمَرُ سِرْ إِلَی نَهَاوَنْدَ فَقَدْ وَلَّیْتُکَ حَرْبَ اَلْفِیرُوزَانِ وَ کَانَ الْمُقَدَّمَ عَلَی جُیُوشِ کِسْرَی فَإِنْ حَدَثَ بِکَ حَدَثٌ فَعَلَی النَّاسِ حُذَیْفَةُ بْنُ الْیَمَانِ فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ فَعَلَی النَّاسِ نُعَیْمُ بْنُ مُقَرِّنٍ فَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْکُمْ فَاقْسِمْ عَلَی النَّاسِ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ لاَ تَرْفَعْ إِلَیَّ مِنْهُ شَیْئاً وَ إِنْ نَکَثَ الْقَوْمُ فَلاَ تَرَانِی وَ لاَ أَرَاکَ وَ قَدْ جَعَلْتُ مَعَکَ طُلَیْحَةَ بْنَ خُوَیْلِدٍ وَ عَمْرَو بْنَ مَعْدِیکَرِبَ لِعِلْمِهِمَا بِالْحَرْبِ فَاسْتَشِرهُمَا وَ لاَ تُوَلِّهِمَا شَیْئاً.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَسَارَ اَلنُّعْمَانُ بِالْعَرَبِ حَتَّی وَافَی نَهَاوَنْدَ وَ ذَلِکَ فِی اَلسَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنَ خِلاَفَةِ عُمَرَ وَ تَرَاءَی الْجَمْعَانِ وَ نَشِبَ الْقِتَالُ وَ حَجَزَهُمْ اَلْمُسْلِمُونَ فِی خَنَادِقِهِمْ وَ اعْتَصَمُوا بِالْحُصُونِ وَ الْمُدُنِ وَ شَقَّ عَلَی اَلْمُسْلِمِینَ ذَلِکَ فَأَشَارَ طُلَیْحَةُ عَلَیْهِ فَقَالَ أَرَی أَنْ تَبْعَثَ خَیْلاً بِبَعْضِ الْقَوْمِ وَ تَحْمِشَهُمْ (1) فَإِذَا اسْتَحْمَشُوا خَرَجَ بَعْضُهُمْ وَ اخْتَلَطُوا بِکُمْ

ص :101

فَاسْتَطْرَدُوا لَهُمْ فَإِنَّهُمْ یَطْمَعُونَ بِذَلِکَ ثُمَّ تَعْطِفُ عَلَیْهِمْ حَتَّی یَقْضِیَ اللَّهُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ بِمَا یُحِبُّ.

فَفَعَلَ اَلنُّعْمَانُ ذَلِکَ فَکَانَ کَمَا ظَنَّ طُلَیْحَةُ وَ انْقَطَعَ اَلْعَجَمُ عَنْ حُصُونِهِمْ بَعْضَ الاِنْقِطَاعِ فَلَمَّا أَمْعَنُوا فِی الاِنْکِشَافِ لِلْمُسْلِمِینَ حَمَلَ اَلنُّعْمَانُ بِالنَّاسِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً لَمْ یَسْمَعِ السَّامِعُونَ مِثْلَهُ وَ زَلِقَ بِالنُّعْمَانِ فَرَسُهُ فَصُرِعَ وَ أُصِیبَ وَ تَنَاوَلَ الرَّایَةَ نُعَیْمٌ أَخُوهُ فَأَتَی حُذَیْفَةُ لَهَا فَدَفَعَهَا إِلَیْهِ وَ کَتَمَ اَلْمُسْلِمُونَ مُصَابَ أَمِیرِهِمْ وَ اقْتَتَلُوا حَتَّی أَظْلَمَ اللَّیْلُ وَ رَجَعُوا وَ اَلْمُسْلِمُونَ وَرَاءَهُمْ فَعَمِیَ عَلَیْهِمْ قَصْدُهُمْ فَتَرَکُوهُ وَ غَشِیَهُمْ اَلْمُسْلِمُونَ بِالسُّیُوفِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَا لاَ یُحْصَی وَ أَدْرَکَ اَلْمُسْلِمُونَ اَلْفِیرُوزَانَ وَ هُوَ هَارِبٌ وَ قَدِ انْتَهَی إِلَی ثَنِیَّةٍ مَشْحُونَةٍ (1) بِبِغَالٍ مُوقَرَةٍ عَسَلاً فَحَبَسَتْهُ عَلَی أَجَلِهِ فَقُتِلَ فَقَالَ اَلْمُسْلِمُونَ إِنَّ لِلَّهِ جُنُوداً مِنْ عَسَلٍ.

وَ دَخَلَ اَلْمُسْلِمُونَ نَهَاوَنْدَ فَاحْتَوَوْا عَلَی مَا فِیهَا وَ کَانَتْ أَنْفَالُ هَذَا الْیَوْمِ عَظِیمَةً فَحُمِلَتْ إِلَی عُمَرَ فَلَمَّا رَآهَا بَکَی فَقَالَ لَهُ اَلْمُسْلِمُونَ إِنَّ هَذَا الْیَوْمَ یَوْمُ سُرُورٍ وَ جَذَلٍ فَمَا بُکَاؤُکَ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی زَوَی هَذَا(2) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ عَنْ أَبِی بَکْرٍ إِلاَّ لِخَیْرٍ أَرَادَهُ بِهِمَا وَ لاَ أَرَاهُ فَتْحَهُ عَلَیَّ إِلاَّ لِشَرٍّ أُرِیدَ بِی إِنَّ هَذَا الْمَالَ لاَ یَلْبَثُ أَنْ یَفْتِنَ النَّاسَ.

ثُمَّ رَفَعَ یَدَهُ إِلَی السَّمَاءِ یَدْعُو وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ اعْصِمْنِی وَ لاَ تَکِلْنِی إِلَی نَفْسِی یَقُولُهَا مِرَاراً ثُمَّ قَسَمَهُ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ عَنْ آخِرِهِ

.

ص :102

المکلفین بالأحکام الشرعیة المقربة إلی الواجبات العقلیّة و المبعدة من المقبحات العقلیّة و لا مدخل للرسول فی معرفة البارئ سبحانه لأن العقل یوجبها و إن لم یبعث الرسل.

قلت إن کثیرا من شیوخنا أوجبوا بعثة الرسل إذا کان فی حثهم المکلفین علی ما فی العقول فائدة و هو مذهب شیخنا أبی علی رحمه اللّه فلا یمتنع أن یکون إرسال محمد ص إلی العرب و غیرهم لأن اللّه تعالی علم أنهم مع تنبیهه إیاهم علی ما هو واجب فی عقولهم من المعرفة أقرب إلی حصول المعرفة فحینئذ یکون بعثه لطفا و یستقیم کلام أمیر المؤمنین وَ إِنَّهُ سَیَأْتِی عَلَیْکُمْ مِنْ بَعْدِی زَمَانٌ لَیْسَ فِیهِ شَیْءٌ أَخْفَی مِنَ الْحَقِّ وَ لاَ أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ وَ لاَ أَکْثَرَ مِنَ الْکَذِبِ عَلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ لَیْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِکَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ اَلْکِتَابِ إِذَا تُلِیَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ وَ لاَ أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لاَ فِی الْبِلاَدِ شَیْءٌ أَنْکَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لاَ أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْکَرِ فَقَدْ نَبَذَ اَلْکِتَابَ حَمَلَتُهُ وَ تَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ فَالْکِتَابُ یَوْمَئِذٍ وَ أَهْلُهُ طَرِیدَانِ مَنْفِیَّانِ وَ صَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِی طَرِیقٍ وَاحِدٍ لاَ یُؤْوِیهِمَا مُؤْوٍ فَالْکِتَابُ وَ أَهْلُهُ فِی ذَلِکَ الزَّمَانِ فِی النَّاسِ وَ لَیْسَا فِیهِمْ وَ مَعَهُمْ وَ لَیْسَا مَعَهُمْ لِأَنَّ الضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ الْهُدَی وَ إِنِ اجْتَمَعَا فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَی الْفُرْقَةِ وَ افْتَرَقُوا عَنِ الْجَمَاعَةِ کَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْکِتَابِ وَ لَیْسَ اَلْکِتَابُ إِمَامَهُمْ فَلَمْ یَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ اسْمُهُ وَ لاَ یَعْرِفُونَ إِلاَّ خَطَّهُ وَ زَبْرَهُ وَ مِنْ قَبْلُ مَا [مَثَلُوا]

مَثَّلُوا بِالصَّالِحِینَ کُلَّ مُثْلَةٍ وَ سَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَی اللَّهِ فِرْیَةً وَ جَعَلُوا

ص :104

فِی الْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السَّیِّئَةِ وَ إِنَّمَا هَلَکَ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَ تَغَیُّبِ آجَالِهِمْ حَتَّی نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِی تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ وَ تُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ وَ تَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ وَ النِّقْمَةُ .

أخبر ع أنّه سیأتی علی الناس زمان من صفته کذا و کذا و قد رأیناه و رآه من کان قبلنا أیضا قال شعبة إمام المحدثین تسعة أعشار الحدیث کذب.

و قال الدارقطنی ما الحدیث الصحیح فی الحدیث إلاّ کالشعرة البیضاء فی الثور الأسود و أمّا غلبة الباطل علی الحق حتّی یخفی الحق عنده فظاهرة .

و أبور أفسد من بار الشیء أی هلک و السلعة المتاع و نبذ الکتاب ألقاه و لا یؤویهما لا یضمهما إلیه و ینزلهما عنده .

و الزبر مصدر زبرت أزبر بالضم أی کتبت و جاء یزبر بالکسر و الزبر بالکسر الکتاب و جمعه زبور مثل قدر و قدور و قرأ بعضهم وَ آتَیْنٰا دٰاوُدَ زُبُوراً (1) أی کتبا و الزبور بفتح الزای الکتاب المزبور فعول بمعنی مفعول و قال الأصمعی سمعت أعرابیا یقول أنا أعرف بزبرتی (2) أی خطی و کتابتی .

و مثلوا بالصالحین بالتخفیف نکلوا بهم مثلت بفلان أمثل بالضم مثلا بالفتح و سکون الثاء و الاسم المثلة بالضم و من روی مثلوا بالتشدید أراد جدعوهم بعد قتلهم .

و علی فی قوله و سموا صدقهم علی اللّه فریة لیست متعلقة بصدقهم بل بفریة

ص :105

أی و سموا صدقهم فریة علی اللّه فإن امتنع أن یتعلق حرف الجر به لتقدمه علیه و هو مصدر فلیکن متعلقا بفعل مقدر دل علیه هذا المصدر الظاهر و روی و جعلوا فی الحسنة العقوبة السیئة و الروایة الأولی بالإضافة أکثر و أحسن .

و الموعود هاهنا الموت و القارعة المصیبة تقرع أی تلقی بشدة و قوة أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللَّهَ وُفِّقَ وَ مَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِیلاً هُدِیَ لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ فَإِنَّ جَارَ اللَّهِ آمِنٌ وَ عَدُوَّهُ خَائِفٌ وَ إِنَّهُ لاَ یَنْبَغِی لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّهِ أَنْ یَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِینَ یَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ یَتَوَاضَعُوا لَهُ وَ سَلاَمَةَ الَّذِینَ یَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ یَسْتَسْلِمُوا لَهُ فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِیحِ مِنَ الْأَجْرَبِ وَ الْبَارِئِ مِنْ ذِی السَّقَمِ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّی تَعْرِفُوا الَّذِی تَرَکَهُ وَ لَنْ تَأْخُذُوا بِمِیثَاقِ الْکِتَابِ حَتَّی تَعْرِفُوا الَّذِی نَقَضَهُ وَ لَنْ تَمَسَّکُوا بِهِ حَتَّی تَعْرِفُوا الَّذِی نَبَذَهُ فَالْتَمِسُوا ذَلِکَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُمْ عَیْشُ الْعِلْمِ وَ مَوْتُ الْجَهْلِ هُمُ الَّذِینَ یُخْبِرُکُمْ حُکْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ صَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ لاَ یُخَالِفُونَ الدِّینَ وَ لاَ یَخْتَلِفُونَ فِیهِ فَهُوَ بَیْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ .

من استنصح اللّه

من أطاع أوامره و علم أنّه یهدیه إلی مصالحه و یرده عن مفاسده و یرشده إلی ما فیه نجاته و یصرفه عما فیه عطبه .

ص :106

و التی هی أقوم یعنی الحالة و الخلة التی اتباعها أقوم و هذا من الألفاظ القرآنیة قال سبحانه إِنَّ هٰذَا اَلْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ (1) و المراد بتلک الحالة المعرفة بالله و توحیده و وعد له .

ثمّ نهی ع عن التکبر و التعظم و قال إن رفعة القوم الذین یعرفون عظمة اللّه أن یتواضعوا له و ما هاهنا بمعنی أی شیء و من روی بالنصب جعلها زائدة و قد ورد فی ذمّ التعظم و التکبر ما یطول استقصاؤه و هو مذموم علی العباد فکیف بمن یتعظم علی الخالق سبحانه و إنّه لمن الهالکین

1945

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَمَّا افْتَخَرَ أَنَا سَیِّدُ وُلْدِ آدَمَ ثُمَّ قَالَ وَ لاَ فَخْرَ.

فجهر بلفظة الافتخار ثمّ أسقط استطالة الکبر و إنّما جهر بما جهر به لأنّه أقامه مقام شکر النعمة و التحدث بها و

1946

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ عَنْهُ ص أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْکُمْ حَمِیَّةَ اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ فَخْرَهَا بِالْآبَاءِ النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَ آدَمُ مِنْ تُرَابٍ مُؤْمِنٌ تَقِیٌّ وَ فَاجِرٌ شَقِیٌّ لَیَنْتَهِیَنَّ أَقْوَامٌ یَفْخَرُونَ بِرِجَالٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَیَکُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَی اللَّهِ مِنْ جُعْلاَنٍ تَدْفَعُ النَّتْنَ بِأَنْفِهَا .

قوله و اعلموا أنکم لن تَعْرِفُوا الرشد حتّی تعرفوا الذی ترکه فیه تنبیه علی أنّه یجب البراءة من أهل الضلال و هو قول أصحابنا جمیعهم فإنهم بین مکفر لمن خالف أصول التوحید و العدل و هم الأکثرون أو مفسق و هم الأقلون و لیس أحد منهم معذورا عند أصحابنا و إن ضل بعد النظر کما لا نعذر الیهود و النصاری إذا ضلوا بعد النظر .

ثمّ قال ع فالتمسوا ذلک عند أهله هذا کنایة عنه ع و کثیرا ما یسلک هذا المسلک و یعرض هذا التعریض و هو الصادق الأمین العارف بأسرار الإلهیة.

ص :107

ثم ذکر أن هؤلاء الذین أمر باتباعهم ینبئ حکمهم عن علمهم و ذلک لأن الامتحان یظهر خبیئة الإنسان .

ثمّ قال و صمتهم عن نطقهم صمت العارف أبلغ من نطق غیره و لا یخفی فضل الفاضل و إن کان صامتا .

ثمّ ذکر أنهم لا یخالفون الدین لأنّهم قوامه و أربابه و لا یختلفون فیه لأن الحق فی التوحید و العدل واحد فالدین بینهم شاهد صادق یأخذون بحکمه کما یؤخذ بحکم الشاهد الصادق .

و صامت ناطق

لأنّه لا ینطق بنفسه بل لا بدّ له من مترجم فهو صامت فی الصورة و هو فی المعنی أنطق الناطقین لأن الأوامر و النواهی و الآداب کلها مبنیة علیه و متفرعة علیه

ص :108

جوارحها إلیها حتّی یدخل علیها فیربطها یقول لا أکون مقرا بالضیم راغنا (1) أسمع الناعی المخبر عن قتل عسکر الجمل لحکیم بن جبلة و أتباعه فلا یکون عندی من التغییر و الإنکار لذلک إلاّ أن أسمعه و أحضر الباکین علی قتلاهم .

و قوله لکل ضلة علة و لکل ناکث شبهة هو جواب سؤال مقدر کأنّه یقول إن قیل لأی سبب خرج هؤلاء فإنّه لا بدّ أن یکون لهم تأویل فی خروجهم و قد قیل إنهم یطالبون بدم عثمان فهو ع قال کل ضلالة فلا بدّ لها من علة اقتضتها و کل ناکث فلا بدّ له من شبهة یستند إلیها .

و قوله لینتزعن هذا نفس هذا قول صحیح لا ریب فیه لأن الرئاسة لا یمکن أن یدبرها اثنان معا فلو صح لهما ما أراداه لوثب أحدهما علی الآخر فقتله فإن الملک عقیم

1947

وَ قَدْ ذَکَرَ أَرْبَابُ اَلسِّیرَةِ أَنَّ الرَّجُلَیْنِ اخْتَلَفَا مِنْ قَبْلِ وُقُوعِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِی الصَّلاَةِ فَأَقَامَتْ عَائِشَةُ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَیْرِ یُصَلِّی هَذَا یَوْماً وَ هَذَا یَوْماً إِلَی أَنْ تَنْقَضِیَ الْحَرْبُ.

ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَیْرِ ادَّعَی أَنَّ عُثْمَانَ نَصَّ عَلَیْهِ بِالْخِلاَفَةِ یَوْمَ الدَّارِ وَ احْتَجَّ فِی ذَلِکَ بِأَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ عَلَی الصَّلاَةِ وَ احْتَجَّ تَارَةً أُخْرَی بِنَصٍّ صَرِیحٍ زَعَمَهُ وَ ادَّعَاهُ وَ طَلَبَ طَلْحَةُ مِنْ عَائِشَةَ أَنْ یُسَلِّمَ النَّاسُ عَلَیْهِ بِالْإِمْرَةِ وَ أَدْلَی إِلَیْهَا بِالتَّیْمِیَّةِ وَ أَدْلَی اَلزُّبَیْرُ إِلَیْهَا بِأَسْمَاءَ أُخْتِهَا فَأَمَرَتِ النَّاسَ أَنْ یُسَلِّمُوا عَلَیْهِمَا مَعاً بِالْإِمْرَةِ.

وَ اخْتَلَفَا فِی تَوَلِّی الْقِتَالِ فَطَلَبَهُ کُلٌّ مِنْهُمَا أَوَّلاً ثُمَّ نَکَلَ کُلٌّ مِنْهُمَا عَنْهُ وَ تَفَادَی (2) مِنْهُ. و قد ذکرنا فی الأجزاء المتقدمة قطعة صالحة من أخبار الجمل

ص :110

ثُمَّ قَالَ أَفْرَغَ اللَّهُ عَلَیْنَا وَ عَلَیْکُمُ الصَّبْرَ وَ أَعَزَّ لَنَا وَ لَکُمُ النَّصْرَ وَ کَانَ لَنَا وَ لَکُمْ ظَهِیراً فِی کُلِّ أَمْرٍ ثُمَّ رَفَعَ مُصْحَفاً بِیَدِهِ فَقَالَ مَنْ یَأْخُذُ هَذَا اَلْمُصْحَفَ فَیَدْعُوهُمْ إِلَی مَا فِیهِ وَ لَهُ اَلْجَنَّةُ فَقَامَ غُلاَمٌ شَابٌّ اسْمُهُ مُسْلِمٌ عَلَیْهِ قَبَاءٌ أَبْیَضُ فَقَالَ أَنَا آخُذُهُ فَنَظَرَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ وَ قَالَ یَا فَتَی إِنْ أَخَذْتَهُ فَإِنَّ یَدَکَ الْیُمْنَی تُقْطَعُ فَتَأْخُذُهُ بِیَدِکَ الْیُسْرَی فَتُقْطَعُ ثُمَّ تُضْرَبُ بِالسَّیْفِ حَتَّی تُقْتَلَ فَقَالَ لاَ صَبْرَ لِی عَلَی ذَلِکَ فَنَادَی عَلِیٌّ ثَانِیَةً فَقَامَ الْغُلاَمُ وَ أَعَادَ عَلَیْهِ الْقَوْلَ وَ أَعَادَ الْغُلاَمُ الْقَوْلَ مِرَاراً حَتَّی قَالَ الْغُلاَمُ أَنَا آخُذُهُ وَ هَذَا الَّذِی ذَکَرْتَ فِی اللَّهِ قَلِیلٌ فَأَخَذَهُ وَ انْطَلَقَ فَلَمَّا خَالَطَهُمْ نَادَاهُمْ هَذَا کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ فَقَطَعَ یَدَهُ الْیُمْنَی فَتَنَاوَلَهُ بِالْیُسْرَی فَضَرَبَهُ أُخْرَی فَقَطَعَ الْیُسْرَی فَاحْتَضَنَهُ فَضَرَبُوهُ بِأَسْیَافِهِمْ حَتَّی قُتِلَ فَقَالَتْ أُمُّ ذَرِیحٍ الْعَبْدِیَّةُ فِی ذَلِکَ (1) یَا رَبِّ إِنَّ مُسْلِماً أَتَاهُمْ (2)

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ فَعِنْدَ ذَلِکَ أَمَرَ عَلِیٌّ ع وَلَدَهُ مُحَمَّداً أَنْ یَحْمِلَ الرَّایَةَ فَحَمَلَ وَ حَمَلَ مَعَهُ النَّاسُ وَ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِی الْفَرِیقَیْنِ وَ قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَی سَاقٍ

.

ص :112

وَ مَا تَدْرِی إِذَا أَلْقَحْتَ شَوْلاً (1)

أَ تُنْتِجُ بَعْدَ ذَلِکَ أُمَّ تُحِیلُ (2)

.

و أما الزبیر فقتله ابن جرموز غیلة بوادی السباع و هو منصرف عن الحرب نادم علی ما فرط منه و تقدم ذکر کیفیة قتله فیما سبق.

1951

وَ رَوَی اَلْکَلْبِیُّ قَالَ کَانَ الْعِرْقُ الَّذِی أَصَابَهُ السَّهْمُ إِذَا أَمْسَکَهُ طَلْحَةُ بِیَدِهِ اسْتَمْسَکَ وَ إِذَا رَفَعَ یَدَهُ عَنْهُ سَالَ فَقَالَ طَلْحَةُ هَذَا سَهْمٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَی وَ کٰانَ أَمْرُ اللّٰهِ قَدَراً مَقْدُوراً مَا رَأَیْتُ کَالْیَوْمِ دَمَ قُرَشِیٍّ أَضْیَعَ.

قَالَ وَ کَانَ اَلْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ إِذَا سَمِعَ هَذَا وَ حُکِیَ لَهُ یَقُولُ ذُقْ عَقْعَقُ (3) .

1952

وَ رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَکَمِ یَقُولُ أَنَا قَتَلْتُ طَلْحَةَ .

وَ قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَ قَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ مَرْوَانَ لَوْ لاَ أَنَّ أَبِی أَخْبَرَنِی أَنَّهُ رَمَی طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ مَا تَرَکْتُ تَیْمِیّاً إِلاَّ قَتَلْتُهُ بِعُثْمَانَ قَالَ یَعْنِی أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ وَ طَلْحَةَ قَتَلاَهُ وَ کَانَا تَیْمِیَّیْنِ.

1953

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُنْدَبٍ عَنْ أَبِیهِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَرَرْتُ بِطَلْحَةَ وَ إِنَّ مَعَهُ عِصَابَةً یُقَاتِلُ بِهِمْ وَ قَدْ فَشَتْ فِیهِمُ الْجِرَاحُ وَ کَثَّرَهُمُ النَّاسُ فَرَأَیْتُهُ جَرِیحاً وَ السَّیْفُ فِی یَدِهِ وَ أَصْحَابُهُ یَتَصَدَّعُونَ (4) عَنْهُ رَجُلاً فَرَجُلاً وَ اثْنَیْنِ فَاثْنَیْنِ وَ أَنَا أَسْمَعُهُ وَ هُوَ یَقُولُ عِبَادَ اللَّهِ الصَّبْرَ الصَّبْرَ فَإِنَّ بَعْدَ الصَّبْرِ النَّصْرَ وَ الْأَجْرَ

ص :114

فَقُلْتُ لَهُ النَّجَاءَ النَّجَاءَ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ فَوَ اللَّهِ مَا أُجِرْتَ وَ لاَ نُصِرْتَ وَ لَکِنَّکَ وُزِرْتَ وَ خَسِرْتَ ثُمَّ صِحْتُ بِأَصْحَابِهِ فَانْذَعَرُوا عَنْهُ وَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَطْعَنَهُ لَطَعَنْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَجَدَلْتُکَ فِی هَذَا الصَّعِیدِ (1) فَقَالَ وَ اللَّهِ لَهَلَکْتَ هَلاَکَ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ إِذَنْ فَقُلْتُ لَهُ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَمْسَیْتَ وَ إِنَّ دَمَکَ لَحَلاَلٌ وَ إِنَّکَ لَمِنَ النَّادِمِینَ فَانْصَرَفَ وَ مَعَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ وَ مَا أَدْرِی کَیْفَ کَانَ أَمْرُهُ إِلاَّ أَنِّی أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ هَلَکَ.

وَ رُوِیَ أَنَّ طَلْحَةَ قَالَ ذَلِکَ الْیَوْمَ مَا کُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآیَةَ نَزَلَتْ فِینَا وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لاٰ تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّةً (2) .

1954

1- وَ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ قَالَ لَمَّا أَدْبَرَ طَلْحَةُ وَ هُوَ جَرِیحٌ یَرْتَادُ مَکَاناً یَنْزِلُهُ (3) جَعَلَ یَقُولُ لِمَنْ یَمُرُّ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع أَنَا طَلْحَةُ مَنْ یُجِیرُنِی یُکَرِّرُهَا قَالَ فَکَانَ اَلْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ إِذَا ذَکَرَ ذَلِکَ یَقُولُ لَقَدْ کَانَ فِی جِوَارٍ عَرِیضٍ

.

ص :115

وَدَاعِی لَکُمْ وَدَاعُ امْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلاَقِی غَداً تَرَوْنَ أَیَّامِی وَ یُکْشَفُ لَکُمْ عَنْ سَرَائِرِی وَ تَعْرِفُونَنِی بَعْدَ خُلُوِّ مَکَانِی وَ قِیَامِ غَیْرِی مَقَامِی .

أطردت الرجل إذا أمرت بإخراجه و طرده و طردته إذا نفیته و أخرجته فالإطراد أدل علی العز و القهر من الطرد و کأنّه ع جعل الأیّام أشخاصا یأمر بإخراجهم و إبعادهم عنه أی ما زلت أبحث عن کیفیة قتلی و أی وقت یکون بعینه و فی أی أرض یکون یوما یوما فإذا لم أجده فی الیوم أطردته و استقبلت غده فأبحث فیه أیضا فلا أعلم فأبعده و أطرده و أستأنف یوما آخر هکذا حتّی وقع المقدور و هذا الکلام یدلّ علی أنّه لم یکن یعرف حال قتله معرفة مفصلة من جمیع الوجوه و أن رسول اللّه ص أعلمه بذلک علما مجملا لأنّه قد ثبت

1955

14,1- أَنَّهُ ص قَالَ لَهُ سَتُضْرَبُ عَلَی هَذِهِ وَ أَشَارَ إِلَی هَامَتِهِ فَتُخْضَبُ مِنْهَا هَذِهِ وَ أَشَارَ إِلَی لِحْیَتِهِ .

و ثبت

1956

أَنَّهُ ص قَالَ لَهُ أَ تَعْلَمُ مَنْ أَشْقَی الْأَوَّلِینَ قَالَ نَعَمْ عَاقِرُ النَّاقَةِ فَقَالَ لَهُ أَ تَعْلَمُ مَنْ أَشْقَی الْآخِرِینَ قَالَ لاَ قَالَ مَنْ یَضْرِبُکَ هَاهُنَا فَیَخْضِبُ هَذِهِ .

و کلام أمیر المؤمنین ع یدل علی أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا یقطع علی أنّه یموت من ضربته أ لا تراه یقول إن ثبتت الوطأة فی هذه المزلة فذاک و إن تدحض فإنما کنا فی أفیاء أغصان و مهاب ریاح أی إن سلمت فذاک الذی تطلبونه یخاطب أهله و أولاده و لا ینبغی أن یقال فذاک ما أطلبه لأنّه ع کان یطلب الآخرة

ص :117

أکثر من الدنیا

1957

وَ فِی کَلاَمِهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ مَا یُؤَکِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَ هُوَ قَوْلُهُ

إِنْ عِشْتُ فَأَنَا وَلِیُّ دَمِی وَ إِنْ مِتُّ فَضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ

.

و لیس قوله ع و أنا الیوم عبرة لکم و غدا مفارقکم و ما یجری مجراه من ألفاظ الفصل بناقض (1) لما قلناه و ذلک لأنّه لا یعنی غدا بعینه بل ما یستقبل من الزمان کما یقول الإنسان الصحیح أنا غدا میت فما لی أحرص علی الدنیا و لأن الإنسان قد یقول فی مرضه الشدید لأهله و ولده ودعتکم و أنا مفارقکم و سوف یخلو منزلی منی و تتأسفون علی فراقی و تعرفون موضعی بعدی کله علی غلبة الظنّ و قد یقصد الصالحون به العظة و الاعتبار و جذب السامعین إلی جانب التقوی و ردعهم عن الهوی و حبّ الدنیا.

فإن قلت فما تصنع

1958

1- بِقَوْلِهِ ع لاِبْنِ مُلْجَمٍ أُرِیدُ حِبَاءَهُ وَ یُرِیدُ قَتْلِی عَذِیرَکَ مِنْ خَلِیلِکَ مِنْ مُرَادٍ (2) .

وَ قَوْلُ الْخُلَّصِ مِنْ شِیعَتِهِ فَهَلاَّ تَقْتُلُهُ فَقَالَ فَکَیْفَ أَقْتُلُ قَاتِلِی وَ تَارَةً قَالَ إِنَّهُ لَمْ یَقْتُلْنِی فَکَیْفَ أَقْتُلُ مَنْ لَمْ یَقْتُلْ .

وَ کَیْفَ

1959

قَالَ فِی الْبَطِّ الصَّائِحِ خَلْفَهُ فِی الْمَسْجِدِ لَیْلَةَ ضَرَبَهُ اِبْنُ مُلْجَمٍ دَعُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ نَوَائِحُ .

وَ کَیْفَ

1960

قَالَ تِلْکَ اللَّیْلَةَ

إِنِّی رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص فَشَکَوْتُ إِلَیْهِ وَ قُلْتُ مَا لَقِیتُ مِنْ أُمَّتِکَ مِنَ الْأَوَدِ وَ اللَّدَدِ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ عَلَیْهِمْ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ أَبْدِلْنِی بِهِمْ خَیْراً مِنْهُمْ وَ أَبْدِلْهُمْ بِی شَرّاً مِنِّی .

و کیف

1961

قَالَ

إِنِّی لاَ أُقْتَلُ مُحَارِباً وَ إِنَّمَا أُقْتَلُ فَتْکاً وَ غِیلَةً یَقْتُلُنِی رَجُلٌ خَامِلُ الذِّکْرِ .

و قد جاء عنه ع من هذا الباب آثار کثیرة.

قلت کل هذا لا یدلّ علی أنّه کان یعلم الأمر مفصلا من جمیع الوجوه أ لا تری أنه

ص :118

لیس فی الأخبار و الآثار ما یدلّ علی الوقت الذی یقتل فیه بعینه و لا علی المکان الذی یقتل فیه بعینه و أما ابن ملجم فمن الجائز أن یکون علم أنّه هو الذی یقتله و لم یعلم علما محققا أن هذه الضربة تزهق نفسه الشریفة منها بل قد کان یجوز أن یبل و یفیق منها ثمّ یکون قتله فیما بعد علی ید ابن ملجم و إن طال الأمد و لیس هذا بمستحیل و قد وقع مثله فإن عبد الملک جرح عمرو بن سعید الأشدق فی أیام معاویة علی منافرة کانت بینهما فعفا عمرو عنه ثمّ کان من القضاء و القدر أن عبد الملک قتل عمرا أیضا بیده ذبحا کما تذبح الشاة.

و أما

1962

قَوْلُهُ فِی الْبَطِّ

دَعُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ نَوَائِحُ .

فلعله علم أنّه تلک اللیلة یصاب و یجرح و إن لم یعلم أنّه یموت منه و النوائح قد ینحن علی المقتول و قد ینحن علی المجروح و المنام و الدعاء لا یدلّ علی العلم بالوقت بعینه و لا یدلّ علی أن إجابة دعائه تکون علی الفور لا محالة .

ثمّ نعود إلی الشرح أما قوله کل امرئ لاق ما یفر منه فی فراره أی إذا کان مقدورا و إلاّ فقد رأینا من یفر من الشیء و یسلم لأنّه لم یقدر و هذا من قوله تعالی وَ لَوْ کُنْتُمْ فِی بُرُوجٍ مُشَیَّدَةٍ (1) و قوله لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلیٰ مَضٰاجِعِهِمْ (2) و من قوله تعالی قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِی تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاٰقِیکُمْ (3) و فی القرآن العزیز مثل هذا کثیر .

قوله و الأجل مساق النفس أی الأمر الذی تساق إلیه و تنتهی عنده و تقف إذا بلغته فلا یبقی له حینئذ أکلة فی الدنیا.

ص :119

قوله و الهرب منه موافاته هذا کلام خارج مخرج المبالغة فی عدم النجاة و کون الفرار غیر مغن و لا عاصم من الموت یقول الهرب بعینه من الموت موافاة للموت أی إتیان إلیه کأنّه لم یرتض بأن یقول الهارب لا بدّ أن ینتهی إلی الموت بل جعل نفس الهرب هو ملاقاة الموت.

قوله أبحثها أی أکشفها و أکثر ما یستعمل بحث معدی بحرف الجر و قد عداه هاهنا إلی الأیّام بنفسه و إلی مکنون الأمر بحرف الجر و قد جاء بحثت الدجاجة التراب أی نبشته .

قوله فأبی اللّه إلاّ إخفاءه هیهات علم مخزون تقدیره هیهات ذلک مبتدأ و خبره هیهات اسم للفعل معناها بعد أی علم هذا العیب علم مخزون مصون لم أطلع علیه.

فإن قلت ما معنی قوله کم أطردت الأیّام أبحثها و هل علم الإنسان بموته کیف یکون و فی أی وقت یکون و فی أی أرض یکون ممّا یمکن استدراکه بالنظر و الفکر و البحث.

قلت مراده ع أنی کنت فی أیام رسول اللّه ص أسأله کثیرا عن هذا الغیب فما أنبأنی منه إلاّ بأمور إجمالیة غیر مفصلة و لم یأذن اللّه تعالی فی اطلاعی علی تفاصیل ذلک .

قوله فالله لاٰ تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً الروایة المشهورة فالله بالنصب و کذلک محمّدا بتقدیر فعل لأن الوصیة تستدعی الفعل بعدها أی وحدوا اللّه و قد روی بالرفع و هو جائز علی المبتدأ و الخبر .

قوله أقیموا هذین العمودین و أوقدوا هذین المصباحین و خلاکم ذمّ ما لم تشردوا کلام داخل فی باب الاستعارة شبه الکتاب و السنة بعمودی الخیمة و بمصباحین

ص :120

یستضاء بهما و خلاکم ذمّ کلمة جاریة مجری المثل معناها و لا ذمّ علیکم فقد أعذرتم و ذمّ مرفوع بالفاعلیة معناه عداکم و سقط عنکم.

فإن قلت إذا لم یشرکوا بالله و لم یضیعوا سنة محمد ص فقد قاموا بکل ما یجب و انتهوا عن کل ما یقبح فأی حاجة له إلی أن یستثنی و یقول ما لم تشردوا و إنّما کان یحتاج إلی هذه اللفظة لو قال وصیتی إلیکم أن توحدوا اللّه و تؤمنوا بنبوة محمد ص کان حینئذ یحتاج إلی قوله ما لم تشردوا و یکون مراده بها فعل الواجبات و تجنب المقبحات لأنّه لیس فی الإقرار بالوحدانیة و الرسالة العمل بل العمل خارج عن ذلک فوجب إذا أوصی أن یوصی بالاعتقاد و العمل کما

1963

14- قَالَ عُمَرُ لِأَبِی بَکْرٍ فِی وَاقِعَةِ أَهْلِ الرِّدَّةِ کَیْفَ تُقَاتِلُهُمْ وَ هُمْ مُقِرُّونَ بِالشَّهَادَتَیْنِ وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أُمِرْتُ بِأَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّی یَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ إِنَّهُ قَالَ تَتِمَّةَ هَذَا فَإِذَا هُمْ قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّی دِمَاءَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَ أَدَاءُ الزَّکَاةِ مِنْ حَقِّهَا .

قلت مراده بقوله ما لم تشردوا ما لم ترجعوا عن ذلک فکأنّه قال خلاکم ذمّ إن وحدتم اللّه و اتبعتم سنة رسوله و دمتم علی ذلک و لا شبهة أن هذا الکلام منتظم و أن اللفظتین الأولیین لیستا بمغنیتین عن اللفظة الثالثة (1) و بتقدیر أن یغنیا عنه فإن فی ذکره مزید تأکید و إیضاح غیر موجودین لو لم یذکر و هذا کقوله تعالی وَ مَنْ یُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَخْشَ اللّٰهَ وَ یَتَّقْهِ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْفٰائِزُونَ (2) و لیس لقائل أن یقول من لا یخشی اللّه لا یکون مطیعا لله و الرسول و أی حاجة به إلی ذکر ما قد أغنی اللفظ الأول عنه قوله حمل کل امرئ مجهوده و خفف عن الجهلة هذا کلام متصل بما قبله

ص :121

لأنّه لما قال ما لم تشردوا أنبأ عن تکلیفهم کل ما وردت به السنة النبویّة و أن یدوموا علیه و هذا فی الظاهر تکلیف أمور شاقة فاستدرک بکلام یدلّ علی التخفیف فقال إن التکالیف علی قدر المکلفین فالعلماء تکلیفهم غیر تکلیف العامّة و أرباب الجهل و المبادئ کالنساء و أهل البادیة و طوائف من الناس الغالب علیهم البلادة و قلة الفهم کأقاصی الحبشة و الترک و نحوهم و هؤلاء عند المکلفین غیر مکلفین إلاّ بحمل التوحید و العدل بخلاف العلماء الذین تکلیفهم الأمور المفصلة و حل المشکلات الغامضة و قد روی حمل علی صیغة الماضی و مجهوده بالنصب و خفف علی صیغة الماضی أیضا و یکون الفاعل هو اللّه تعالی المقدم ذکره و الروایة الأولی أکثر و ألیق .

ثم قال رب رحیم أی ربکم ربّ رحیم و دین قویم أی مستقیم و إمام علیم یعنی رسول اللّه ص و من الناس من یجعل رب رحیم فاعل خفف علی روایة من رواها فعلا ماضیا و لیس بمستحسن لأن عطف الدین علیه یقتضی أن یکون الدین أیضا مخففا و هذا لا یصحّ.

ثمّ دعا لنفسه و لهم بالغفران.

ثمّ قسم الأیّام الماضیة و الحاضرة و المستقبلة قسمة حسنة فقال أنا بالأمس صاحبکم و أنا الیوم عبرة لکم و غدا مفارقکم إنّما کان عبرة لهم لأنّهم یرونه بین أیدیهم ملقی صریعا بعد أن صرع الأبطال و قتل الأقران فهو کما قال الشاعر أکال أشلاء الفوارس بالقنا أضحی بهن و شلوه مأکول.

و یقال دحضت قدم فلان أی زلت و زلقت.

ثمّ شبه وجوده فی الدنیا بأفیاء الأغصان و مهاب الریاح و ظلال الغمام لأن ذلک کله سریع الانقضاء لا ثبات له .

ص :122

قوله اضمحل فی الجو متلفقها و عفا فی الأرض مخطها اضمحل ذهب و المیم زائدة و منه الضحل و هو الماء القلیل و اضمحل السحاب تقشع و ذهب و فی لغة الکلابیین امضحل الشیء بتقدیم المیم و متلفقها مجتمعها أی ما اجتمع من الغیوم فی الجو و التلفیق الجمع و عفا درس و مخطها أثرها کالخطة .

قوله و إنّما کنت جارا جاورکم بدنی أیاما فی هذا الکلام إشعار بما یذهب إلیه أکثر العقلاء من أمر النفس و أن هویة الإنسان شیء غیر هذا البدن .

و قوله ستعقبون منی أی إنّما تجدون عقیب فقدی جثة یعنی بدنا خلاء أی لا روح فیه بل قد أقفر من تلک المعانی التی کنتم تعرفونها و هی العقل و النطق و القوّة و غیر ذلک ثمّ وصف تلک الجثة فقال ساکنة بعد حراک بالفتح أی بعد حرکة و صامتة بعد نطق و هذا الکلام أیضا یشعر (1) بما قلناه من أمر النفس بل یصرح بذلک أ لا تراه قال ستعقبون منی جثة أی تستبدلون بی جثة صفتها کذا و تلک الجثة جثته ع و محال أن یکون العوض و المعوض عنه واحدا فدل علی أن هویته ع التی أعقبنا منها الجنة غیر الجثة .

قوله لیعظکم هدوی أی سکونی و خفوت إطراقی مثله خفت خفوتا سکن و خفت خفاتا مات فجأة و إطراقه إرخاؤه عینیه ینظر إلی الأرض لضعفه عن رفع جفنه و سکون أطرافه یداه و رجلاه و رأسه ع .

قال فإنه أوعظ للمعتبرین من المنطق البلیغ و القول المسموع و صدق ع فإن خطبا أخرس ذلک اللسان و هد تلک القوی لخطب جلیل و یجب أن یتعظ العقلاء به و ما عسی یبلغ قول الواعظین بالإضافة إلی من شاهد تلک الحال بل بالإضافة إلی من سمعها و أفکر فیها فضلا عن مشاهدتها عیانا و فی هذا الکلام شبه من کلام الحکماء الذین تکلموا عند تابوت الإسکندر فقال أحدهم حرکنا بسکونه

ص :123

و قال الآخر قد کان سیفک لا یجف و کانت مراقیک لا ترام و کانت نقماتک لا تؤمن و کانت عطایاک یفرح بها و کان ضیاؤک لا ینکشف فأصبح ضوؤک قد خمد و أصبحت نقماتک لا تخشی و عطایاک لا ترجی و مراقیک لا تمنع و سیفک لا یقطع.

و قال الآخر انظروا إلی حلم المنام کیف انجلی و إلی ظل الغمام کیف انسلی و قال آخر ما کان أحوجه إلی هذا الحلم و إلی هذا الصبر و السکون أیّام حیاته و قال آخر القدرة العظیمة التی ملأت الدنیا العریضة الطویلة طویت فی ذراعین.

و قال الآخر أصبح آسر الأسراء أسیرا و قاهر الملوک مقهورا کان بالأمس مالکا فصار الیوم هالکا .

ثمّ قال ع ودعتکم وداع امرئ مرصد للتلاقی أرصدته لکذا أی أعددته له

1964

وَ فِی الْحَدِیثِ إِلاَّ أَنْ أَرْصُدَهُ لِدَیْنٍ عَلَیَّ. و التلاقی هاهنا لقاء اللّه و یروی وداعیکم أی وداعی إیّاکم و الوداع مفتوح الواو .

ثمّ قال غدا ترون أیامی و یکشف لکم عن سرائری و تعرفوننی بعد خلو مکانی و قیام غیری مقامی هذا معنی قد تداوله الناس قدیما و حدیثا قال أبو تمام راحت وفود الأرض عن قبره

و قال أبو الطیب و نذمهم و بهم عرفنا فضله و بضدها تتبین الأشیاء (1) .

ص :124

و من أمثالهم الضد یظهر حسنة الضد.

و منها أیضا لو لا مرارة المرض لم تعرف حلاوة العافیة.

و إنّما قال ع و یکشف لکم عن سرائری لأنهم بعد فقده و موته یظهر لهم و یثبت عندهم إذا رأوا و شاهدوا إمرة من بعده أنّه إنّما کان یرید بتلک الحروب العظیمة وجه اللّه تعالی و ألا یظهر المنکر فی الأرض و إن ظنّ قوم فی حیاته أنّه کان یرید الملک و الدنیا

ص :125

بالجربزة و الغباوة و الشجاعة التی هی محبوسة بالتهور و الجبن و الجود المحبوس بالتبذیر و الشح فمن لم یقع علی الطریق الوسطی و أخذ یمینا و شمالا فقد ضل.

ثمّ فسر قوله أخذ یمینا و شمالا فقال ظعنوا ظعنا فی مسالک الغی و ترکوا مذاهب الرشد ترکا و نصب ترکا و ظعنا علی المصدریة و العامل فیهما من غیر لفظهما (1) و هو قوله أخذوا .

ثمّ نهاهم عن استعجال ما هو معد و لا بدّ من کونه و وجوده و إنّما سماه کائنا لقرب کونه کما قال تعالی إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (2) و نهاهم أن یستبطئوا ما یجیء فی الغد لقرب وقوعه کما قال و إن غدا للناظرین قریب.

و قال الآخر غد ما غد ما أقرب الیوم من غد.

و قال تعالی إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ (3) .

ثمّ قال کم من مستعجل أمرا و یحرص علیه فإذا حصل ود أنّه لم یحصل قال أبو العتاهیة من عاش لاقی ما یسوء

و قال آخر فلا تتمنین الدهر شیئا فکم أمنیة جلبت منیة.

ص :127

و قال تعالی وَ عَسیٰ أَنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَ اللّٰهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ (1) و تباشیر الصبح أوائله .

ثمّ قال یا قوم قد دنا وقت القیامة و ظهور الفتن التی تظهر أمامها.

و إبان الشیء بالکسر و التشدید وقته و زمانه و کنی عن تلک الأهوال بقوله و دنو من طلعة ما لا تعرفون لأن تلک الملاحم و الأشراط الهائلة غیر معهود مثلها نحو دابة الأرض و الدجال و فتنته و ما یظهر علی یده من المخاریق و الأمور الموهمة و واقعة السفیانی و ما یقتل فیها من الخلائق الذین لا یحصی عددهم .

ثمّ ذکر أن مهدی آل محمّد ص و هو الذی عنی بقوله و إن من أدرکها منا یسری فی ظلمات هذه الفتن بسراج منیر و هو المهدیّ و أتباع الکتاب و السنة .

و یحذو فیها

یقتفی و یتبع مثال الصالحین لیحل فی هذه الفتن و ربقا أی حبلا معقودا .

و یعتق رقا

أی یستفک أسری و ینقذ مظلومین من أیدی ظالمین و یصدع شعبا أی یفرق جماعة من جماعات الضلال و یشعب صدعا یجمع ما تفرق من کلمة أهل الهدی و الإیمان .

قوله ع فی سترة عن الناس هذا الکلام یدلّ علی استتار هذا الإنسان المشار إلیه و لیس ذلک بنافع للإمامیة فی مذهبهم و إن ظنوا أنّه تصریح بقولهم و ذلک لأنّه من الجائز أن یکون هذا الإمام یخلقه اللّه تعالی فی آخر الزمان و یکون مستترا مدة و له دعاة یدعون إلیه و یقررون أمره ثمّ یظهر بعد ذلک الاستتار و یملک الممالک

ص :128

و یقهر الدول و یمهد الأرض کما ورد فی قوله لا یبصر القائف أی هو فی استتار شدید لا یدرکه القائف و هو الذی یعرف الآثار و الجمع قافة و لا یعرف أثره و لو استقصی فی الطلب و تابع النظر و التأمل .

و یقال شحذت السکین أشحذه شحذا أی حددته یرید لیحرضن فی هذه الملاحم قوم علی الحرب و قتل أهل الضلال و لتشحذن عزائمهم کما یشحذ الصیقل السیف و یرقق حده .

ثمّ وصف هؤلاء القوم المشحوذی العزائم فقال تجلی بصائرهم بالتنزیل أی یکشف الرین و الغطاء عن قلوبهم بتلاوة القرآن و إلهامهم تأویله و معرفة أسراره .

ثمّ صرّح بذلک فقال و یرمی بالتفسیر فی مسامعهم أی یکشف لهم الغطاء و تخلق المعارف فی قلوبهم و یلهمون فهم الغوامض و الأسرار الباطنة و یغبقون کأس الحکم بعد الصبوح أی لا تزال المعارف الربانیة و الأسرار الإلهیة تفیض علیهم صباحا و مساء فالغبوق کنایة عن الفیض الحاصل لهم فی الآصال و الصبوح کنایة عما یحصل لهم منه فی الغدوات و هؤلاء هم العارفون الذین جمعوا بین الزهد و الحکمة و الشجاعة و حقیق بمثلهم أن یکونوا أنصارا لولی اللّه الذی یجتبیه و یخلقه فی آخر أوقات الدنیا فیکون خاتمة أولیائه و الذی یلقی عصا التکلیف عنده مِنْهَا وَ طَالَ الْأَمَدُ بِهِمْ لِیَسْتَکْمِلُوا الْخِزْیَ وَ یَسْتَوْجِبُوا الْغِیَرَ حَتَّی إِذَا اخْلَوْلَقَ

ص :129

الْأَجَلُ وَ اسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَی الْفِتَنِ وَ اشْتَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ لَمْ یَمُنُّوا عَلَی اللَّهِ بِالصَّبْرِ وَ لَمْ یَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِی الْحَقِّ حَتَّی إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلاَءِ حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَی أَسْیَافِهِمْ وَ دَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ .

هذا الکلام یتصل بکلام قبله لم یذکره الرضی رحمه اللّه و هو وصف فئة ضالة قد استولت و ملکت و أملی لها اللّه سبحانه قال ع و طال الأمد بهم لیستکملوا الخزی و یستوجبوا الغیر أی النعم (1) التی یغیرها بهم من نعم اللّه سبحانه کما قال وَ إِذٰا أَرَدْنٰا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنٰا مُتْرَفِیهٰا فَفَسَقُوا فِیهٰا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنٰاهٰا تَدْمِیراً (2) و کما قال تعالی سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لاٰ یَعْلَمُونَ (3) .

حتی إذا اخلولق الأجل

أی قارب أمرهم الانقضاء من قولک اخلولق السحاب أی استوی و صار خلیقا بأن یمطر و اخلولق الرسم استوی مع الأرض .

و استراح قوم إلی الفتن

أی صبا قوم من شیعتنا و أولیائنا إلی هذه الفئة و استراحوا إلی ضلالها و فتنتها و اتبعوها .

و اشتالوا عن لقاح حربهم

أی رفعوا أیدیهم و سیوفهم عن أن یشبوا الحرب بینهم و بین هذه الفئة مهادنة لها و سلما و کراهیة للقتال یقال شال فلان کذا أی رفعه و اشتال افتعل هو فی نفسه کقولک حجم زید عمرا و احتجم هو نفسه و لقاح حربهم هو بفتح اللام مصدر من لقحت الناقة .

قوله لم یمنوا هذا جواب قوله حتی إذا و الضمیر فی یمنوا راجع إلی

ص :130

العارفین الذین تقدم ذکرهم فی الفصل السابق ذکره یقول حتّی إذا ألقی هؤلاء السلام إلی هذه الفئة عجزا عن القتال و استراحوا من منابذتهم بدخولهم فی ضلالتهم و فتنتهم إمّا تقیة (1) منهم أو لشبهة دخلت علیهم أنهض اللّه تعالی هؤلاء العارفین الشجعان الذین خصهم بحکمته و أطلعهم علی أسرار ملکوته فنهضوا و لم یمنوا علی اللّه تعالی بصبرهم و لم یستعظموا أن یبذلوا فی الحق نفوسهم قال حتّی إذا وافق قضاء اللّه تعالی و قدره کی ینهض هؤلاء بقضاء اللّه و قدره فی انقضاء مدة تلک الفئة و ارتفاع ما کان شمل الخلق من البلاء بملکها و إمرتها حمل هؤلاء العارفون بصائرهم علی أسیافهم و هذا معنی لطیف یعنی أنهم أظهروا بصائرهم و عقائدهم و قلوبهم للناس و کشفوها و جردوها من أجفانها مع تجرید السیوف من أجفانها فکأنها شیء محمول علی السیوف یبصره من یبصر السیوف و لا ریب أن السیوف المجردة من أجلی الأجسام للأبصار فکذلک ما یکون محمولا علیها و من الناس من فسر هذا الکلام فقال أراد بالبصائر جمع بصیرة و هو الدم فکأنّه أراد طلبوا ثأرهم و الدماء التی سفکتها هذه الفئة و کأنّ تلک الدماء المطلوب ثأرها محمولة علی أسیافهم التی جردوها للحرب و هذا اللفظ قد قاله بعض الشعراء المتقدمین بعینه راحوا بصائرهم علی أکتافهم و بصیرتی یعدو بها عتد وأی (2) .

و فسره أبو عمرو بن العلاء فقال یرید أنهم ترکوا دم أبیهم و جعلوه خلفهم أی لم یثأروا به و أنا طلبت ثأری و کان أبو عبیدة معمر بن المثنی یقول فی هذا البیت البصیرة الترس أو الدرع و یرویه حملوا بصائرهم

ص :131

حَتَّی إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ رَجَعَ قَوْمٌ عَلَی الْأَعْقَابِ وَ غَالَتْهُمُ السُّبُلُ وَ اتَّکَلُوا عَلَی الْوَلاَئِجِ وَ وَصَلُوا غَیْرَ الرَّحِمِ وَ هَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِی أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ وَ نَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ فِی غَیْرِ مَوْضِعِهِ مَعَادِنُ کُلِّ خَطِیئَةٍ وَ أَبْوَابُ کُلِّ ضَارِبٍ فِی غَمْرَةٍ قَدْ مَارُوا فِی الْحَیْرَةِ وَ ذَهَلُوا فِی السَّکْرَةِ عَلَی سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَی الدُّنْیَا رَاکِنٍ أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّینِ مُبَایِنٍ .

رجعوا علی الأعقاب ترکوا ما کانوا علیه قال سبحانه وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلیٰ عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللّٰهَ شَیْئاً (1) .

و غالتهم السبل

أهلکهم اختلاف الآراء و الأهواء غاله کذا أی أهلکه و السبل الطرق.

و الولائج جمع ولیجة و هی البطانة یتخذها الإنسان لنفسه قال سبحانه وَ لَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ لاٰ رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً (2) .

و وصلوا غیر الرحم

أی غیر رحم رسول اللّه ص فذکرها ع

ص :132

ذکرا مطلقا غیر مضاف للعلم بها کما یقول القائل أهل البیت فیعلم السامع أنّه أراد أهل بیت الرسول . و هجروا السبب یعنی أهل البیت أیضا و هذه إشارة إلی

1965

قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص خَلَّفْتُ فِیکُمُ الثَّقَلَیْنِ کِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی حَبْلاَنِ مَمْدُودَانِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَی الْأَرْضِ لاَ یَفْتَرِقَانِ حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ اَلْحَوْضَ .

فعبر أمیر المؤمنین عن أهل البیت بلفظ السبب لما کان النبیّ ص قال حبلان و السبب فی اللغة الحبل.

عنی بقوله أمروا بمودته قول اللّه تعالی قُلْ لاٰ أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبیٰ (1) .

قوله و نقلوا البناء عن رص أساسه الرَّصُّ مصدر رصصت الشیء أرصه أی ألصقت بعضه ببعض و منه قوله تعالی کَأَنَّهُمْ بُنْیٰانٌ مَرْصُوصٌ (2) و تراص القوم فی الصف أی تلاصقوا فبنوه فی غیر موضعه و نقلوا (3) الأمر عن أهله إلی غیر أهله .

ثمّ ذمهم ع و قال إنهم معادن کل خطیئة و أبواب کل ضارب فی غمرة الغمرة الضلال و الجهل و الضارب فیها الداخل المعتقد لها .

قد ماروا فی الحیرة

مار یمور إذا ذهب و جاء فکأنهم یسبحون فی الحیرة کما یسبح الإنسان فی الماء.

و ذهل فلان بالفتح یذهل علی سنة من آل فرعون أی علی طریقة و آل فرعون أتباعه قال تعالی أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذٰابِ (4)

ص :133

من منقطع إلی الدنیا

لا هم له غیرها راکن مخلد إلیها قال اللّه تعالی وَ لاٰ تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا (1) أو مفارق للدین مباین (2) مزایل.

فإن قلت أی فرق بین الرجلین و هل یکون المنقطع إلی الدنیا إلاّ مفارقا للدین قلت قد یکون فی أهل الضلال من هو مفارق للدین مباین و لیس براکن إلی الدنیا و لا منقطع إلیها کما نری کثیرا من أحبار النصاری و رهبانهم.

فإن قلت أ لیس هذا (3) الفصل صریحا فی تحقیق مذهب الإمامیّة قلت لا بل نحمله علی أنّه عنی ع أعداءه الذین حاربوه من قریش و غیرهم من أفناء العرب فی أیام صفین و هم الذین نقلوا البناء و هجروا السبب و وصلوا غیر الرحم و اتکلوا علی الولائج و غالتهم السبل و رجعوا علی الأعقاب کعمرو بن العاص و المغیرة بن شعبة و مروان بن الحکم و الولید بن عقبة و حبیب بن مسلمة و بسر بن أرطاة و عبد اللّه بن الزبیر و سعید بن العاص و حوشب و ذی الکلاع و شرحبیل بن السمط (4) و أبی الأعور السلمی و غیرهم ممن تقدم ذکرنا له فی الفصول المتعلقة بصفین و أخبارها فإن هؤلاء نقلوا الإمامة عنه ع إلی معاویة فنقلوا البناء عن رص أصله إلی غیر موضعه.

فإن قلت لفظ الفصل یشهد بخلاف ما تأولته لأنّه قال ع حتی إذا قبض اللّه رسوله رجع قوم علی الأعقاب فجعل رجوعهم علی الأعقاب عقیب قبض الرسول ص و ما ذکرته أنت کان بعد قبض الرسول بنیف و عشرین سنة .

قلت لیس یمتنع أن یکون هؤلاء المذکورون رجعوا علی الأعقاب لما مات رسول اللّه ص و أضمروا فی أنفسهم مُشَاقَّةَ أمیرِ المؤمنین و أذاه و قد کان فیهم من

ص :134

یتحکک به فی أیام أبی بکر و عمر و عثمان و یتعرض له و لم یکن أحد منهم و لا من غیرهم یقدم علی ذلک فی حیاة رسول اللّه و لا یمتنع أیضا أن یرید برجوعهم علی الأعقاب ارتدادهم عن الإسلام بالکلیة فإن کثیرا من أصحابنا یطعنون فی إیمان بعض من ذکرناه و یعدونهم من المنافقین و قد کان سیف رسول اللّه ص یقمعهم و یردعهم عن إظهار ما فی أنفسهم من النفاق فأظهر قوم منهم بعده ما کانوا یضمرونه من ذلک خصوصا فیما یتعلق بأمیر المؤمنین الذی

1966

1- وَرَدَ فِی حَقِّهِ مَا کُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِینَ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ إِلاَّ بِبُغْضِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ . و هو خبر محقق مذکور فی الصحاح.

فإن قلت یمنعک من هذا التأویل قوله و نقلوا البناء عن رص أساسه فجعلوه فی غیر موضعه و ذلک لأن إذا ظرف و العامل فیها قوله رجع قوم علی الأعقاب و قد عطف علیه قوله و نقلوا البناء فإذا کان الرجوع علی الأعقاب واقعا فی الظرف المذکور و هو وقت قبض الرسول وجب أن یکون نقل البناء إلی غیر موضعه واقعا فی ذلک الوقت أیضا لأن أحد الفعلین معطوف علی الآخر و لم ینقل أحد وقت قبض الرسول ص البناء إلی معاویة عن أمیر المؤمنین ع و إنّما نقل عنه إلی شخص آخر و فی إعطاء العطف حقه إثبات مذهب الإمامیّة صریحا.

قلت إذا کان الرجوع علی الأعقاب واقعا وقت قبض النبیّ ص فقد قمنا بما یجب من وجود عامل فی الظرف و لا یجب أن یکون نقل البناء إلی غیر موضعه واقعا فی تلک الحال أیضا بل یجوز أن یکون واقعا فی زمان آخر إمّا بأن تکون الواو للاستئناف لا للعطف أو بأن تکون للعطف فی مطلق الحدث لا فی وقوع الحدث فی عین ذلک الزمان المخصوص کقوله تعالی حَتّٰی إِذٰا أَتَیٰا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَمٰا أَهْلَهٰا فَأَبَوْا أَنْ

ص :135

یُضَیِّفُوهُمٰا فَوَجَدٰا فِیهٰا جِدٰاراً یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَّ فَأَقٰامَهُ (1) فالعامل فی الظرف اِسْتَطْعَمٰا و یجب أن یکون استطعامهما وقت إتیانهما أهلها لا محالة و لا یجب أن تکون جمیع الأفعال المذکورة المعطوفة واقعة حال الإتیان أیضا أ لا تری أن من جملتها فأقامه و لم یکن إقامة الجدار حال إتیانهما القریة بل متراخیا عنه بزمان ما اللّهمّ إلاّ أن یقول قائل أشار بیده إلی الجدار فقام أو قال له قم فقام لأنّه لا یمکن أن یجعل إقامة الجدار مقارنا للإتیان إلاّ علی هذا الوجه و هذا لم یکن و لا قاله مفسر و لو کان قد وقع علی هذا الوجه لما قال له لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراً لأن الأجر إنّما یکون علی اعتمال عمل فیه مشقة و إنّما یکون فیه مشقة إذا بناه بیده و باشره بجوارحه و أعضائه.

و اعلم أنا نحمل کلام أمیر المؤمنین ع علی ما یقتضیه سؤدده الجلیل و منصبه العظیم و دینه القویم من الإغضاء عما سلف ممن سلف فقد کان صاحبهم بالمعروف برهة من الدهر فإما أن یکون ما کانوا فیه حقهم أو حقه فترکه لهم رفعا لنفسه عن المنازعة أو لما رآه من المصلحة و علی کلا التقدیرین فالواجب علینا أن نطبق بین آخر أفعاله و أقواله بالنسبة إلیهم و بین أولها فإن بعد تأویل ما یتأوله من کلامه لیس بأبعد من تأویل أهل التوحید و العدل الآیات المتشابهة فی القرآن و لم یمنع بعدها من الخوض فی تأویلها محافظة علی الأصول المقررة فکذلک هاهنا

ص :136

مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ وَ مَنْ سَعَی فِیهَا حَطَمَتْهُ یَتَکَادَمُونَ فِیهَا تَکَادُمَ الْحُمُرِ فِی الْعَانَةِ قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ وَ عَمِیَ وَجْهُ الْأَمْرِ تَغِیضُ فِیهَا الْحِکْمَةُ وَ تَنْطِقُ فِیهَا الظَّلَمَةُ وَ تَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا وَ تَرُضُّهُمْ بِکَلْکَلِهَا یَضِیعُ فِی غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ وَ یَهْلِکُ فِی طَرِیقِهَا الرُّکْبَانُ تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ وَ تَحْلُبُ عَبِیطَ الدِّمَاءِ وَ تَثْلِمُ مَنَارَ الدِّینِ وَ تَنْقُضُ عَقْدَ الْیَقِینِ یَهْرُبُ مِنْهَا الْأَکْیَاسُ وَ یُدَبِّرُهَا الْأَرْجَاسُ مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ کَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ تُقْطَعُ فِیهَا الْأَرْحَامُ وَ یُفَارَقُ عَلَیْهَا اَلْإِسْلاَمُ بَرِیئُهَا سَقِیمٌ وَ ظَاعِنُهَا مُقِیمٌ .

مداحر الشیطان

الأمور التی یدحر بها أی یطرد و یبعد دحرته أدحره دحورا قال تعالی دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذٰابٌ وٰاصِبٌ (1) و قال سبحانه اُخْرُجْ مِنْهٰا مَذْؤُماً مَدْحُوراً (2) أی مقصی.

و مزاجره

الأمور یزجر بها جمع مزجر و مزجرة و کثیرا ما یبنی ع من الأفعال مفعلا و مفعلة و یجمعه و إذا تأملت کلامه عرفت ذلک .

و حبائل الشیطان مکایده و أشراکه التی یضل بها البشر و مخاتله الأمور التی یختل بها بالکسر أی یخدع .

لا یؤازی فضله

لا یساوی و اللفظة مهموزة آزیت فلانا حاذیته و لا یجوز وازیته.

ص :138

و لا یجبر فقده

لا یسد أحد مسده بعده و الجفوة الجافیة غلظ الطبع و بلادة الفهم .

و یستذلون الحکیم

یستضیمون العقلاء و اللام هاهنا للجنس کقوله وَ جٰاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا (1) .

یحیون علی فترة

علی انقطاع الوحی ما بین نبوتین.

و یموتون علی کفرة

بالفتح واحد الکفرات کالضربة واحدة الضربات .

و یروی ثم إنکم معشر الناس و الأغراض الأهداف و سکرات النعمة ما تحدثه النعم عند أربابها من الغفلة المشابهة للسکر قال الشاعر خمس سکرات إذا منی المرء

و من کلام الحکماء للوالی سکرة لا یفیق منها إلاّ بالعزل و البوائق الدواهی جمع بائقة یقال باقتهم الداهیة بوقا أی أصابتهم و کذلک باقتهم بئوق علی فعول و ابتاقت علیهم بائقة شر مثل انباحت أی انفتقت و انباق علیهم الدهر هجم بالداهیة کما یخرج الصوت من البوق و

1967

فِی الْحَدِیثِ لاَ یَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ مَنْ لاَ یَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ.

أی غوائله و شره .

و القتام بفتح القاف الغبار و الأقتم الذی یعلوه قتمة و هو لون فیه غبرة و حمرة.

و العشوة بکسر العین رکوب الأمر علی غیر بیان و وضوح و یروی و تبینوا فی قتام العشوة کما قرئ إِنْ جٰاءَکُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا (2) و فتثبتوا.

ص :139

و اعوجاج الفتنة

أخذها فی غیر القصد و عدولها عن المنهج.

ثمّ کنی عن ظهور المستور المخفی منها بقوله عند طلوع جنینها و ظهور کمینها .

و الجنین الولد ما دام فی البطن و الجمع أجنة و یجوز ألا یکون الکلام کنایة بل صریحا أی عند طلوع ما استحن منها أی استتر و ظهور ما کمن أی ما بطن.

و کنی عن استحکام أمر الفتنة بقوله و انتصاب قطبها و مدار رحاها .

ثمّ قال إنها تبدو یسیرة ثمّ تصیر کثیرة .

و الفظاعة مصدر فظع بالضم فهو فظیع أی شدید شنیع تجاوز المقدار و کذلک أفظع الرجل فهو مفظع و أفظع الرجل علی ما لم یسم فاعله نزل به أمر عظیم و أفظعت الشیء وجدته فظیعا و مثله استفظعته و هذا المعنی کما قال الشاعر و لربما هاج الکبیر و من الأمور لک الصغیر.

و فی المثل و الشر تبدؤه صغاره و قال الشاعر فإن النار بالعودین تذکی و إن الحرب أولها کلام (1) .

و قال أبو تمام رب قلیل جدا کثیرا کم مطر بدؤه مطیر.

و قال أیضا لا تذیلن صغیر همک و انظر کم بذی الأسل دوحة من قضیب (2) .

قوله شبابها کشباب الغلام بالکسر مصدر شب الفرس و الغلام یشب و یشب شبابا و شبیبا إذا قمص و لعب و أشببته أنا أی هیجته.

ص :140

و السلام الحجارة جمع واحده سلمة بکسر اللام یذکر الفتنة و یقول إنها تبدو فی أول الأمر و أربابها یمرحون و یشبون کما یشب الغلام و یمرح ثمّ تئول إلی أن تعقب فیهم آثارا کآثار الحجارة فی الأبدان قال الشاعر و الحب مثل الحرب أولها

ثمّ ذکر أن هذه الفتنة یتوارثها قوم من قوم و کلهم ظالم أولهم یقود آخرهم کما یقود الإنسان القطار من الإبل و هو أمامها و هی تتبعه و آخرهم یقتدی بأولهم أی یفعل فعله و یحذو حذوه .

و جیفة مریحة منتنة أراحت ظهر ریحها و یجوز أن تکون من أراح البعیر أی مات و قد جاء فی أراح بمعنی أنتن راح بلا همز .

ثمّ ذکر تبرؤ التابع من المتبوع یعنی یوم القیامة .

فإن قلت إن الکتاب العزیز إنّما ذکر تبرؤ المتبوع من التابع فی قوله إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِینَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذٰابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبٰابُ (1) و هاهنا قد عکس ذلک فقال إن التابع یتبرأ من المتبوع قلت إنّه قد ورد فی الکتاب العزیز مثل ذلک فی قوله أَیْنَ شُرَکٰاؤُکُمُ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (2) قٰالُوا ضَلُّوا عَنّٰا بَلْ لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً (3) فقولهم لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً هو التبرؤ و هو قوله حکایة عنهم وَ اللّٰهِ رَبِّنٰا مٰا کُنّٰا مُشْرِکِینَ (4) و هذا هو التبرؤ.

ص :141

ثم ذکر ع أن القائد یتبرأ من المقود أی یتبرأ المتبوع من التابع فیکون کل من الفریقین تبرأ من صاحبه کما قال سبحانه ثُمَّ یَوْمَ الْقِیٰامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَ یَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً (1) .

و یتزایلون یتفرقون .

قوله ثم یأتی بعد ذلک طالع الفتنة الرجوف طالعها مقدماتها و أوائلها و سماها رجوفا لشدة الاضطراب فیها.

فإن قلت أ لم تکن قلت إن قوله عن قلیل یتبرأ التابع من المتبوع یعنی به یوم القیامة فکیف یقول ثم یأتی بعد ذلک طالع الفتنة و هذا إنّما یکون قبل القیامة قلت إنّه لما ذکر تنافس الناس علی الجیفة المنتنة و هی الدنیا أراد أن یقول بعده بلا فصل ثم یأتی بعد ذلک طالع الفتنة الرجوف لکنه لما تعجب من تزاحم الناس و تکالبهم علی تلک الجیفة أراد أن یؤکد ذلک التعجب فأتی بجملة معترضة بین الکلامین تؤکد معنی تعجبه منهم فقال إنهم علی ما قد ذکرنا من تکالبهم علیها عن قلیل یتبرأ بعضهم من بعض و یلعن بعضهم بعضا و ذلک أدعی لهم لو کانوا یعقلون إلی أن یترکوا التکالب و التهارش علی هذه الجیفة الخسیسة ثمّ عاد إلی نظام الکلام فقال ثم یأتی بعد ذلک طالع الفتنة الرجوف و مثل هذا الاعتراض فی الکلام کثیر و خصوصا فی القرآن و قد ذکرنا منه فیما تقدم طرفا.

قوله و القاصمة الزحوف القاصمة الکاسرة و سماها زحوفا تشبیها لمشیها قدما بمشی الدبی الذی یهلک الزروع و یبیدها و الزحف السیر علی تؤدة کسیر الجیوش بعضها إلی بعض.

ص :142

قوله و تزیغ قلوب أی تمیل و هذه اللفظة و التی بعدها دالتان علی خلاف ما تذهب إلیه الإمامیّة من أن المؤمن لا یکفر و ناصرتان لمذهب أصحابنا .

و نجومها مصدر نجم الشر إذا ظهر .

من أشرف لها

من صادمها و قابلها و من سعی فیها أی فی تسکینها و إطفائها و هذا کله إشارة إلی الملحمة الکائنة فی آخر الزمان .

و التکادم التعاض بأدنی الفم کما یکدم الحمار و یقال کدم یکدم و المکدم المعض.

و العانة القطیع من حمر الوحش و الجمع عون .

تغیض فیها الحکمة

تنقض.

فإن قلت لیس قوله و تنطق فیها الظلمة واقعا فی نقیض قوله تغیض فیها الحکمة فأین هذا من الخطابة التی هو فیها نسیج وحده قلت بل المناقضة ظاهرة لأن الحکمة إذا غاضت فیها لم ینطق بها أحد و لا بدّ من نطق ما فإذا لم تنطق الحکماء وجب أن یکون النطق لمن لیس من الحکماء فهو من الظلمة فقد ثبت التناقض .

و المسحل المبرد یقول تنحت أهل البدو و تسحتهم کما یسحت الحدید أو الخشب بالمبرد و أهل البدو أهل البادیة و یجوز أن یرید بالمسحل الحلقة التی فی طرف شکیم اللجام المعترضة بإزاء حلقة أخری فی الطرف الآخر و تدخل إحداهما فی الأخری بمعنی أن هذه الفتنة تصدم أهل البدو بمقدّمة جیشها کما یصدم الفارس الراجل أمامه بمسحل لجام فرسه .

و الکلکل الصدر و ترضهم تدقهم دقا جریشا .

ص :143

قوله تضیع فی غبارها الوحدان جمع واحد مثل شاب و شبان و راع و رعیان و یجوز الأحدان بالهمز أی من کان یسیر وحده فإنّه یهلک بالکلیة فی غبارها و أمّا إذا کانوا جماعة رکبانا فإنهم یضلون و هو أقرب من الهلاک و یجوز أن یکون الوحدان جمع أوحد یقال فلان أوحد الدهر و هؤلاء الوحدان أو الأحدان مثل أسود و سودان أی یضل فی هذه الفتنة و ضلالها الذی کنی عنه بالغبار فضلاء عصرها و علماء عهدها لغموض الشبهة و استیلاء الباطل علی أهل وقتها و یکون معنی الفقرة الثانیة علی هذا التفسیر أن الراکب الذی هو بمظنة النجاة لا ینجو و الرکبان جمع راکب و لا یکون إلاّ ذا بعیر قوله ترد بمر القضاء أی بالبوار و الهلاک و الاستئصال.

فإن قلت أ یجوز أن یقال للفتنة القبیحة إنها من القضاء.

قلت نعم لا بمعنی الخلق بل بمعنی الإعلام کما قال سبحانه وَ قَضَیْنٰا إِلیٰ بَنِی إِسْرٰائِیلَ فِی الْکِتٰابِ لَتُفْسِدُنَّ (1) أی أعلمناهم أی ترد هذه الفتنة بإعلام اللّه تعالی لمن یشاء إعلامه من المکلفین أنّها أم اللهیم (2) التی لاٰ تُبْقِی وَ لاٰ تَذَرُ فذلک الإعلام هو المر الذی لا یبلغ الوصف مرارته لأن الأخبار عن حلول المکروه الذی لا مدفع عنه و لا محیص منه مر جدا .

قوله و تحلب عبیط الدماء أی هذه الفتنة یحلبها الحالب دما عبیطا و هذه کنایة عن الحرب

1968

وَ قَدْ قَالَ ع فِی مَوْضِعٍ آخَرَ

أَمَا وَ اللَّهِ لَیَحْلُبَنَّهَا دَماً وَ لَیَتْبَعَنَّهَا نَدَماً . و العبیط الدم الطری الخالص .

و ثلمت الإناء أثلمه بالکسر .

و الأکیاس العقلاء.

ص :144

و الأرجاس جمع رجس و هو القذر و النجس و المراد هاهنا الفاسقون فإما أن یکون علی حذف المضاف أی و یدبرها ذوو الأرجاس أو أن یکون جعلهم الأرجاس أنفسها لما کانوا قد أسرفوا فی الفسق فصاروا کأنهم الفسق و النجاسة نفسها (1) کما یقال رجل عدل و رجل رضا .

قوله مرعاد مبراق أی ذات وعید و تهدد و یجوز أن یعنی بالرعد صوت السلاح و قعقعته و بالبرق لونه و ضوءه .

و کاشفة عن ساق عن شدة و مشقة .

قوله بریئها سقیم یمکن أن یعنی بها أنّها لشدتها لا یکاد الذی یبرأ منها و ینفض یده عنها یبرأ بالحقیقة بل لا بدّ أن یستثنی شیئا من الفسق و الضلال أی لشدة التباس الأمر و اشتباه الحال علی المکلفین حینئذ.

و یمکن أن یعنی به أن الهارب منها غیر ناج بل لا بدّ أن یصیبه بعض معرتها و مضرتها.

و ظاعنها مقیم

أی ما یفارق الإنسان من أذاها و شرها فکأنّه غیر مفارق له لأنّه قد أبقی عنده ندوبا و عقابیل من شرورها و غوائلها مِنْهَا بَیْنَ قَتِیلٍ مَطْلُولٍ وَ خَائِفٍ مُسْتَجِیرٍ یَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الْأَیْمَانِ وَ بِغُرُورِ الْإِیمَانِ فَلاَ تَکُونُوا أَنْصَابَ الْفِتَنِ وَ أَعْلاَمَ الْبِدَعِ

ص :145

وَ الْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَیْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَةِ وَ بُنِیَتْ عَلَیْهِ أَرْکَانُ الطَّاعَةِ وَ اقْدَمُوا عَلَی اللَّهِ مَظْلُومِینَ وَ لاَ تَقْدَمُوا عَلَیْهِ ظَالِمِینَ وَ اتَّقُوا مَدَارِجَ اَلشَّیْطَانِ وَ مَهَابِطَ الْعُدْوَانِ وَ لاَ تُدْخِلُوا بُطُونَکُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ فَإِنَّکُمْ بِعَیْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَعْصِیَةَ وَ سَهَّلَ لَکُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ .

یقال طل دم فلان فهو مطلول أی مهدر لا یطلب به و یجوز أطل دمه و طله اللّه و أطله أهدره و لا یقال طل دم فلان بالفتح و أبو عبیدة و الکسائی یقولانه .

و یختلون یخدعون بالأیمان التی یعقدونها و یقسمون بها و بالإیمان الذی یظهرونه و یقرون به .

ثمّ قال فلا تکونوا أنصار الفتن و أعلام البدع أی لا تکونوا ممن یشار إلیکم فی البدع کما یشار إلی الأعلام المبنیة القائمة و

1969

جَاءَ فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ

کُنْ فِی الْفِتْنَةِ کَابْنِ اللَّبُونِ لاَ ظَهْرٌ فَیُرْکَبَ وَ لاَ ضَرْعٌ فَیُحْلَبَ .

و هذه اللفظة یرویها کثیر من الناس لأمیر المؤمنین ع .

قوله و اقدموا علی اللّه مظلومین

1970

جَاءَ فِی الْخَبَرِ کُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ .

و مدارج الشیطان جمع مدرجة و هی السبیل التی یدرج فیها و مهابط العدوان محاله التی یهبط فیها .

و لعق الحرام جمع لُعَقَة بالضم و هی اسم لما تأخذه الملعقة و اللعقة بالفتح المرة الواحدة .

قوله فإنکم بعین من حرم یقال أنت بعین فلان أی أنت بمرأی منه و قد

1971

قَالَ ع فِی مَوْضِعٍ آخَرَ بِصِفِّینَ

فَإِنَّکُمْ بِعَیْنِ اللَّهِ وَ مَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ .

و هذا من باب الاستعارة قال سبحانه وَ لِتُصْنَعَ عَلیٰ عَیْنِی (1) و قال تَجْرِی بِأَعْیُنِنٰا (2)

ص :146

إحداهما الطریقة المذکورة فی هذا الفصل و هی طریقة المتکلّمین و هی إثبات أن الأجسام محدثة و لا بدّ للمحدث من محدث.

و الثانیة إثبات وجوده تعالی من النظر فی نفس الوجود.

و ذلک لأن الوجود ینقسم بالاعتبار الأول إلی قسمین واجب و ممکن و کل ممکن لا بدّ أن ینتهی إلی الواجب لأن طبیعة الممکن یمتنع من أن یستقل بنفسه فی قوامه فلا بدّ من واجب یستند إلیه و ذلک الواجب الوجود الضروری الذی لا بدّ منه هو اللّه تعالی .

و ثانیها إثبات أزلیته و بیانه ما ذکره فی هذا الفصل و هو أن العالم مخلوق له سبحانه حادث من جهته و المحدث لا بدّ له من محدث فإن کان ذلک المحدث محدثا عاد القول فیه کالقول فی الأول و یتسلسل فلا بدّ من محدث قدیم و ذلک هو اللّه تعالی .

و ثالثها أنه لا شبیه له أی لیس بجسم کهذه الأجسام و بیانه ما ذکر أیضا أن مخلوقاته متشابهة یعنی بذلک ما یریده المتکلمون من قولهم الأجسام متماثلة فی الجسمیة و أن نوع الجسمیة واحد أی لا یخالف جسم جسما بذاته و إذا کانت متماثلة صح علی کل واحد منها ما صح علی الآخر فلو کان له سبحانه شبیه منها أی لو کان جسما مثلها لوجب أن یکون محدثا کمثلها أو تکون قدیمة مثله و کلا الأمرین محال .

و رابعها أن المشاعر لا تستلمه و روی لا تلمسه و المشاعر الحواس و بیانه أنّه تعالی لیس بجسم لما سبق و ما لیس بجسم استحال أن تکون المشاعر لامسة له لأن إدراک المشاعر مدرکاته مقصور علی الأجسام و هیئاتها و الاستلام فی اللغة لمس الحجر بالید و تقبیله و لا یهمز لأن أصله من السلام و هی (1) الحجارة کما یقال استنوق الجمل و بعضهم یهمزه

ص :148

و خامسها أن السواتر لا تحجبه و بیانه أن السواتر و الحجب إنّما تحجب ما کان فی جهة و ذلک لأنّها ذوات أین و وضع فلا نسبة لها إلی ما لیس من ذوات الأین و الوضع .

ثمّ قال ع لاِفْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ الْمَصْنُوعِ إشارة إلی أن المصنوع من ذوات الجهة و الصانع منزه عن ذلک بریء عن المواد فلا یلزم فیه ما یلزم فی ذوات المادة و الجهة .

و سادسها معنی قولنا إنّه أحد أنّه لیس بمعنی العدد کما یقوله الناس أول العدد أحد و واحد بل المراد بأحدیته کونه لا یقبل التجزؤ و باعتبار آخر کونه لا ثانی له فی الربوبیة .

و سابعها أنّه خالق لا بمعنی الحرکة و النصب و هو التعب و ذلک لأن الخالقین منا یحتاجون إلی الحرکة من حیث کانوا أجساما تفعل بالآلات و البارئ سبحانه لیس بجسم و لا یفعل بالآلة بل کونه قادرا إنّما هو لذاته المقدّسة لا لأمر زائد علیها فلم یکن فاعلا بالحرکة .

و ثامنها أنّه سمیعٌ لاَ بِأَدَاةٍ و ذلک لأن حاجتنا إلی الحواس إنّما کانت لأمر یخصنا و هو کوننا أحیاء بحیاة حالة فی أبعاضنا و البارئ تعالی حی لذاته فلم یحتج فی کونه مدرکا إلی الأداة و الجارحة .

و تاسعها أنّه بصیر لا بتفریق آلة و المراد بتفریق الآلة هاهنا الشعاع الذی باعتباره یکون الواحد منا مبصرا فإن القائلین بالشعاع یقولون إنّه یخرج من العین أجسام لطیفة هی الأشعة و تکون آلة للحی فی إبصار المبصرات فیتفرق علیها فکل جسم یقع علیه ذلک الشعاع یکون مبصرا و البارئ تعالی بصیر لا بشعاع یجعله آلة فی الإدراک و یتفرق علی المرئیات

ص :149

فیدرکها به و ذلک لما قدمناه من أنّه حی لذاته لا بمعنی فلا یحتاج إلی آلة و أداة و وصلة تکون کالواسطة بینه و بین المدرکات .

و عاشرها أنه الشاهد لا بمماسة و ذلک لأن الشاهد منا هو الحاضر بجسمه عند المشهود أ لا تری أن من فی الصین لا یکون شاهدا من فی المغرب لأن الحضور الجسمانی یفتقر إلی القرب و القرب من لوازم الجسمیة فما لیس بجسم و هو عالم بکل شیء یکون شاهدا من غیر قرب و لا مماسة و لا أین مطلوب .

و حادی عشرها أنه البائن لا بتراخی مسافة بینونة المفارق عن المادة بینونة لیست أینیة لأنّه لا نسبة لأحدهما إلی الآخر بالجهة فلا جرم کان البارئ تعالی مباینا عن العالم لا بمسافة بین الذاتین .

و ثانی عشرها أنه الظاهر لا برؤیة و الباطن لا بلطافة و ذلک لأن الظاهر من الأجسام ما کان مرئیا بالبصر و الباطن منها ما کان لطیفا جدا إمّا لصغره أو لشفافیته و البارئ تعالی ظاهر للبصائر لا للأبصار باطن أی غیر مدرک بالحواس لأن ذاته لا تقبل المدرکیة إلاّ من حیث کان لطیف الحجم أو شفاف الجرم .

و ثالث عشرها أنّه قال بان من الأشیاء بالقهر لها و القدرة علیها و بانت الأشیاء منه (1) بالخضوع له و الرجوع إلیه هذا هو معنی قول المتکلّمین و الحکماء و الفرق بینه و بین الموجودات کلها أنّه واجب الوجود لذاته و الأشیاء کلها ممکنة الوجود (2) بذواتها فکلها محتاجة إلیه لأنّها لا وجود لها إلاّ به و هذا هو معنی خضوعها له و رجوعها إلیه و هو سبحانه غنی عن کل شیء و مؤثر فی کل شیء إمّا بنفسه أو بأن یکون مؤثرا فیما هو مؤثر فی ذلک الشیء کأفعالنا فإنّه یؤثر فینا و نحن نؤثر فیها فإذا هو قاهر لکل شیء و قادر علی کل شیء فهذه هی البینونة بینه و بین الأشیاء کلها.

ص :150

و رابع عشرها أنّه لا صفة له زائدة علی ذاته و نعنی بالصفة ذاتا موجودة قائمة بذاته و ذلک لأن من أثبت هذه الصفة له فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد أبطل أزله و هذا کلام غامض و تفسیره أن من أثبت له علما قدیما أو قدرة قدیمة فقد أوجب أن یعلم بذلک العلم معلومات محدودة أی محصورة و کذلک قد أوجب أن یقدر بتلک القدرة علی مقدورات محدودة و هذه المقدّمة فی کتب أصحابنا المتکلّمین ممّا یذکرونه فی تقریر أن العلم الواحد لا یتعلق بمعلومین و أن القدرة الواحدة لا یمکن أن تتعلق فی الوقت الواحد من الجنس الواحد فی المحل الواحد إلاّ بجزء واحد و سواء فرض هذان المعنیان قدیمین أو محدثین فإن هذا الحکم لازم لهما فقد ثبت أن من أثبت المعانی القدیمة فقد أثبت البارئ تعالی محدود العالمیة و القادریة و من قال بذلک فقد عده أی جعله من جملة الجثة المعدودة فیما بیننا کسائر البشر و الحیوانات و من قال بذلک فقد أبطل أزله لأن کل ذات مماثلة لهذه الذوات المحدثة فإنها محدثة مثلها و المحدث لا یکون أزلیا .

و خامس عشرها أن من قال کیف فقد استوصفه أی من قال لزید کیف اللّه فقد استدعی أن یوصف اللّه بکیفیة من الکیفیات و البارئ تعالی لا تجوز الکیفیات علیه و الکیفیات هی الألوان و الطعوم و نحوها و الأشکال و المعانی و ما یجری مجری ذلک و کل هذا لا یجوز إلاّ علی الأجسام.

فإن قلت ینبغی أن یقول فقد وصفه و لا یقال فقد استوصفه لأن السائل لم یستوصف اللّه و إنّما استوصف صاحبه الذی سأله عن کیفیة اللّه.

قلت استوصف هاهنا بمعنی وصف کقولک استغنی زید عن عمرو أی غنی عنه و استعلی علیه أی علا و مثله کثیر .

و سادس عشرها أن من قال أین فقد حیزه لأن أین سؤال عن المکان و لیس اللّه تعالی فی مکان و یأتی أنّه فی کل مکان بمعنی العلم و الإحاطة .

ص :151

و سابع عشرها أنه عالم إذ لا معلوم و ربّ إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور و کل هذا صحیح و مدلول علیه لأنّه عالم فیما لم یزل و لیس شیء من الأشیاء بموجود و هو ربّ کل شیء قبل أن یخلقه کما تقول أنّه سمیع بصیر قبل أن یدرک المسموعات و المبصرات أی قبل أن یخلقها و قادر علی الأشیاء قبل کونها لأنّه یستحیل حال کونها أن تکون مقدوره لاستحالة إیجاد الموجود.

و قد شرحنا کل هذه المسائل التوحیدیة فی کتبنا المصنفة فی علم الکلام مِنْهَا قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ وَ لَمَعَ لاَمِعٌ وَ لاَحَ لاَئِحٌ وَ اعْتَدَلَ مَائِلٌ وَ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وَ بِیَوْمٍ یَوْماً وَ انْتَظَرْنَا الْغِیَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ وَ إِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَی خَلْقِهِ وَ عُرَفَاؤُهُ عَلَی عِبَادِهِ وَ لاَ یَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ وَ لاَ یَدْخُلُ اَلنَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْکَرَهُمْ وَ أَنْکَرُوهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی خَصَّکُمْ بِالْإِسْلاَمِ وَ اسْتَخْلَصَکُمْ لَهُ وَ ذَلِکَ لِأَنَّهُ اسْمُ سَلاَمَةٍ وَ جِمَاعُ کَرَامَةٍ اصْطَفَی اللَّهُ تَعَالَی مَنْهَجَهُ وَ بَیَّنَ حُجَجَهُ مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُکْمٍ لاَ تَفْنَی غَرَائِبُهُ وَ لاَ تَنْقَضِی عَجَائِبُهُ فِیهِ مَرَابِیعُ النِّعَمِ وَ مَصَابِیحُ الظُّلَمِ لاَ تُفْتَحُ الْخَیْرَاتُ إِلاَّ بِمَفَاتِیحِهِ وَ لاَ تُکْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِمَصَابِیحِهِ قَدْ أَحْمَی حِمَاهُ وَ أَرْعَی مَرْعَاهُ فِیهِ شِفَاءُ [اَلْمُشْتَفِی]

اَلْمُسْتَشْفِی وَ کِفَایَةُ الْمُکْتَفِی.

ص :152

هذه خطبة خطب بها بعد قتل عثمان حین أفضت الخلافة إلیه .

قد طلع طالع

یعنی عود الخلافة إلیه و کذلک قوله و لمع لامع و لاح لائح کل هذا یراد به معنی واحد.

و اعتدل مائل

إشارة إلی ما کانت الأمور علیه من الاعوجاج فی أواخر أیام عثمان و استبدل اللّه بعثمان و شیعته علیا و شیعته و بأیام ذاک أیّام هذا .

ثمّ قال و انتظرنا الغِیَرَ انتظارَ المُجْدِبِ المَطَرَ و هذا الکلام یدلّ علی أنّه قد کان یتربص بعثمان الدوائر و یرتقب حلول الخطوب بساحته لیلی الخلافة.

فإن قلت أ لیس هو الذی طلق الدنیا فأین هذا القول من طلاقها قلت إنّه طلق الدنیا أن یقبل (1) منها حظا دنیویا و لم یطلقها أن ینهی فیها عن المنکرات التی أمره اللّه تعالی بالنهی عنها و یقیم فیها الدین الذی أمره اللّه بإقامته و لا سبیل له إلی النهی عن المنکر و الأمر بالمعروف إلاّ بولایة الخلافة

فإن قلت أ تقول المعتزلة إن علیا کان یذهب إلی فسق عثمان المستوجب لأجله الخلع قلت کلا حاش لله أن تقول المعتزلة ذلک و إنّما تقول إن علیا کان یری أن عثمان یضعف عن تدبیر الخلافة و أن أهله غلبوا علیه و استبدوا بالأمر دونه و استعجزه المسلمون و استسقطوا رأیه فصار حکمه حکم الإمام إذا عمی أو أسره العدو فإنّه ینخلع من الإمامة .

ثمّ قال ع الأئمة قوام اللّه علی خلقه أی یقومون بمصالحهم و قیم المنزل هو المدبر له .

قال و عرفاؤه علی عباده جمع عریف و هو النقیب و الرئیس یقال عرف فلان بالضم عرافة بالفتح مثل خطب خطابة أی صار عریفا و إذا أردت أنّه عمل ذلک قلت عرف فلان علینا سنین یعرف عِرَافة بالکسر مثل کتب یکتب کتابة .

قال و لا یدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه و لا یدخل النار إلا من أنکرهم و أنکروه هذا إشارة إلی قوله تعالی یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ (1) قال المفسرون ینادی فی الموقف یا أتباع فلان و یا أصحاب فلان فینادی کل قوم باسم إمامهم یقول أمیر المؤمنین ع لا یدخل الجنة یومئذ إلاّ من کان فی الدنیا عارفا بإمامه و من یعرفه إمامه فی الآخرة فإن الأئمة تعرف أتباعها یوم القیامة و إن لم یکونوا رأوهم فی الدنیا کما أن النبیّ ص یشهد (2) للمسلمین و علیهم و إن لم یکن رأی أکثرهم قال سبحانه فَکَیْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنٰا بِکَ عَلیٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِیداً (3) و

1972

جَاءَ فِی الْخَبَرِ

ص :154

الْمَرْفُوعِ مَنْ مَاتَ بِغَیْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِیتَةً جَاهِلِیَّةً .

و أصحابنا کافة قائلون بصحة هذه القضیة و هی أنّه لا یدخل الجنة إلا من عرف الأئمة أ لا تری أنهم یقولون الأئمة بعد رسول اللّه ص فلان و فلان و یعدونهم واحدا واحدا فلو أن إنسانا لا یقول بذلک لکان عندهم فاسقا و الفاسق لا یدخل الجنة عندهم أبدا أعنی من مات علی فسقه فقد ثبت أن هذه القضیة و هی قوله ع لا یدخل الجنة إلا من عرفهم قضیة صحیحة علی مذهب المعتزلة و لیس قوله و عرفوه بمنکر عند أصحابنا إذا فسرنا قوله تعالی یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ علی ما هو الأظهر و الأشهر من التفسیرات و هو ما ذکرناه.

و بقیت القضیة الثانیة ففیها الإشکال و هی قوله ع و لا یدخل النار إلا من أنکرهم و أنکروه و ذلک أن لقائل أن یقول قد یدخل النار من لم ینکرهم مثل أن یکون إنسان یعتقد صحة إمامة القوم الذین یذهب أنهم أئمة عند المعتزلة ثم یزنی أو یشرب الخمر من غیر توبة فإنّه یدخل النار و لیس بمنکر للأئمة فکیف یمکن الجمع بین هذه القضیة و بین الاعتزال فالجواب أن الواو فی قوله و أنکروه بمعنی أو کما فی قوله تعالی فَانْکِحُوا مٰا طٰابَ لَکُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنیٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ (1) فالإنسان المفروض فی السؤال و إن کان لا ینکر الأئمة إلاّ أنهم ینکرونه أی یسخطون یوم القیامة أفعاله یقال أنکرت فعل فلان أی کرهته فهذا هو تأویل الکلام علی مذهبنا فأما الإمامیّة فإنهم یحملون ذلک علی تأویل آخر و یفسرون قوله و لا یدخل النار فیقولون أراد و لا یدخل النار دخولا مؤبدا إلاّ من ینکرهم و ینکرونه.

ص :155

ثم ذکر ع شرف الإسلام و قال إنّه مشتق من السلامة و إنّه جامع للکرامة و إن اللّه قد بین حججه أی الأدلة علی صحته .

ثمّ بین ما هذه الأدلة فقال من ظاهر علم و باطن حکم أی حکمه من هاهنا للتبیین و التفسیر کما تقول دفعت إلیه سلاحا من سیف و رمح و سهم و یعنی بظاهر علم و باطن حکم و القرآن أ لا تراه کیف أتی بعده بصفات و نعوت لا تکون إلاّ للقرآن من قوله لا تفنی عزائمه أی آیاته المحکمة و براهینه العازمة أی القاطعة و لا تنقضی عجائبه لأنّه مهما تأمله الإنسان استخرج منه بفکر غرائب عجائب لم تکن عنده من قبل .

فیه مرابیع النعم

المرابیع الأمطار التی تجیء فی أول الربیع فتکون سببا لظهور الکلأ و کذلک تدبر القرآن سبب للنعم الدینیة و حصولها .

قوله قد أحمی حماه و أرعی مرعاه الضمیر فی أحمی یرجع إلی اللّه تعالی أی قد أحمی اللّه حماه أی عرضه لأن یحمی کما تقول أ قتلت الرجل أی عرضته لأن یقتل و أ ضربته أی عرضته لأن یضرب أی قد عرض اللّه تعالی حمی القرآن و محارمه لأن یجتنب و مکن منها و عرض مرعاه لأن یرعی أی مکن من الانتفاع بما فیه من الزواجر و المواعظ لأنّه خاطبنا بِلِسٰانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ و لم یقنع ببیان ما لا نعلم إلاّ بالشرع حتّی نبه فی أکثره علی أدلة العقل

ص :156

وَ إِنِّی أُحَذِّرُکُمْ وَ نَفْسِی هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَلْیَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ فَإِنَّمَا الْبَصِیرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَکَّرَ وَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ انْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ثُمَّ سَلَکَ جَدَداً وَاضِحاً یَتَجَنَّبُ فِیهِ الصَّرْعَةَ فِی الْمَهَاوِی وَ الضَّلاَلَ فِی الْمَغَاوِی وَ لاَ یُعِینُ عَلَی نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِی حَقٍّ أَوْ تَحْرِیفٍ فِی نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ فَأَفِقْ أَیُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَکْرَتِکَ وَ اسْتَیْقِظْ مِنْ غَفْلَتِکَ وَ اخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِکَ وَ أَنْعِمِ الْفِکْرَ فِیمَا جَاءَکَ عَلَی لِسَانِ اَلنَّبِیِّ الْأُمِّیِّ ص مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَ لاَ مَحِیصَ عَنْهُ وَ خَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِکَ إِلَی غَیْرِهِ وَ دَعْهُ وَ مَا رَضِیَ لِنَفْسِهِ وَ ضَعْ فَخْرَکَ وَ احْطُطْ کِبْرَکَ وَ اذْکُرْ قَبْرَکَ فَإِنَّ عَلَیْهِ مَمَرَّکَ وَ کَمَا تَدِینُ تُدَانُ وَ کَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ وَ مَا قَدَّمْتَ الْیَوْمَ تَقْدَمُ عَلَیْهِ غَداً فَامْهَدْ لِقَدَمِکَ وَ قَدِّمْ لِیَوْمِکَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَیُّهَا الْمُسْتَمِعُ وَ الْجِدَّ الْجِدَّ أَیُّهَا الْغَافِلُ وَ لاٰ یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ (1) .

فاعل کشف هو اللّه تعالی و قد کان سبق ذکره فی الکلام و إنّما کشف لهم عن جزاء معصیتهم بما أراهم حال الموت من دلائل الشقوة و العذاب

1973

فَقَدْ وَرَدَ فِی الْخَبَرِ الصَّحِیحِ أَنَّهُ لاَ یَمُوتُ مَیِّتٌ حَتَّی یَرَی مَقَرَّهُ مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ .

و لما انفتحت أعین أبصارهم عند مفارقة الدنیا سمی ذلک ع استخراجا لهم من جلابیب غفلتهم کأنهم کانوا من الغفلة و الذهول فی لباس نزع عنهم .

قال استقبلوا مدبرا أی استقبلوا أمرا کان فی ظنهم و اعتقادهم مدبرا عنهم و هو الشقاء و العذاب و استدبروا مقبلا ترکوا وراء ظهورهم ما کانوا خولوه من الأولاد و الأموال و النعم و فی قوة هذا الکلام أن یقول عرفوا ما أنکروه و أنکروا ما عرفوه

ص :158

و روی أحذرکم و نفسی هذه المزلة مفعلة من الزلل و فی قوله و نفسی لطافة رشیقة و ذلک لأنّه طیب قلوبهم بأن جعل نفسه شریکة لهم فی هذا التحذیر لیکونوا إلی الانقیاد أقرب و عن الإباء و النفرة أبعد بطریق جدد لاحب .

و المهاوی جمع مهواة و هی الهوة یتردی فیها .

و المغاوی جمع مغواة و هی الشبهة التی یغوی بها الناس أی یضلون .

یصف الأمور التی یعین بها الإنسان أرباب الضلال علی نفسه و هی أن یتعسف فی حقّ یقوله أو یأمر به فإن الرفق أنجح و أن یحرف المنطق فإن الکذب لا یثمر خیرا و أن یتخوف من الصدق فی ذات اللّه قال سبحانه إِذٰا فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَخْشَوْنَ النّٰاسَ کَخَشْیَةِ اللّٰهِ (1) فذم من لا یصدق و یجاهد فی الحق .

قوله و اختصر من عجلتک أی لا تکن عجلتک کثیرة بل إذا کانت لک عجلة فلتکن شیئا یسیرا .

و تقول أنعمت النظر فی کذا أی دققته من قولک أنعمت سحق الحجر و قیل إنّه مقلوب أمعن.

و النبیّ الأمی إما الذی لا یحسن الکتابة أو المنسوب إلی أم القری و هی مکّة .و لا محیص عنه لا مفر و لا مهرب حاص أی تخلص من أمر کان شب فیه .

قوله فإن علیه ممرک أی لیس القبر بدار مقام و إنّما هو ممر و طریق إلی الآخرة.

ص :159

و کما تدین تدان

أی کما تجازی غیرک تجازی بفعلک و بحسب ما عملت و منه قوله سبحانه إِنّٰا لَمَدِینُونَ (1) أی مجزیون و منه الدیان فی صفة اللّه تعالی .

قوله و کما تزرع تحصد معنی قد قاله الناس بعده کثیرا قال الشاعر إذا أنت لم تزرع و أدرکت حاصدا ندمت علی التقصیر فی زمن البذر.

و من أمثالهم من زرع شرا حصد ندما .

فامهد لنفسک أی سو و وطئ . وَ لاٰ یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ (2) من القرآن العزیز أی و لا یخبرک بالأمور أحد علی حقائقها کالعارف بها العالم بکنهها إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللَّهِ فِی الذِّکْرِ الْحَکِیمِ الَّتِی عَلَیْهَا یُثِیبُ وَ یُعَاقِبُ وَ لَهَا یَرْضَی وَ یَسْخَطُ أَنَّهُ لاَ یَنْفَعُ عَبْداً وَ إِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ وَ أَخْلَصَ فِعْلَهُ أَنْ یَخْرُجَ مِنَ الدُّنْیَا لاَقِیاً رَبَّهُ بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ یَتُبْ مِنْهَا أَنْ یُشْرِکَ بِاللَّهِ فِیمَا افْتَرَضَ عَلَیْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ أَوْ یَشْفِیَ غَیْظَهُ بِهَلاَکِ نَفْسٍ أَوْ یَعُرَّ بِأَمْرٍ فَعَلَهُ غَیْرُهُ أَوْ یَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إِلَی النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِی دِینِهِ أَوْ یَلْقَی النَّاسَ بِوَجْهَیْنِ أَوْ یَمْشِیَ فِیهِمْ بِلِسَانَیْنِ اعْقِلْ ذَلِکَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِیلٌ عَلَی شِبْهِهِ إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا وَ إِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَی غَیْرِهَا وَ إِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِینَةُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَ الْفَسَادُ فِیهَا إِنَّ الْمُؤْمِنِینَ مُسْتَکِینُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِینَ مُشْفِقُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِینَ خَائِفُونَ.

ص :160

عزائم اللّه

هی موجباته و الأمر المقطوع علیه الذی لا ریب فیه و لا شبهة قال ع إن من الأمور التی نص اللّه تعالی علیها نصا لا یحتمل التأویل و هی من العزائم التی یقطع بها و لا رجوع فیها و لا نسخ لها أن من مات و هو علی ذنب من هذه الذنوب (1) المذکورة و لو اکتفی بذلک ع لأغناه عن قوله لم یتب إلا أنّه ذکر ذلک تأکیدا و زیادة فی الإیضاح (2) فإنّه لا ینفعه فعل شیء من الأفعال الحسنة و لا الواجبة و لا تفیده العبادة و لو أجهد نفسه فیها بل یکون من أهل النار و الذنوب المذکورة هی أن یتخذ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ فیشرکه فی العبادة أو یقتل إنسانا بغیر حقّ بل لیشفی غیظه أو یقذف غیره بأمر قد فعله هو.

عره بکذا یعره عرا أی عابه و لطخه أو یروم بلوغ حاجة من أحد بإظهار بدعة فی الدین کما یفعل أکثر الناس فی زماننا أو یکون ذا وجهین و هو أیضا قوله أو یمشی فیهم بلسانین و إنّما أعاده تأکیدا.

1974

لَمَّا نَصَبَ مُعَاوِیَةُ ابْنَهُ یَزِیدَ لِوَلاَیَةِ الْعَهْدِ أَقْعَدَهُ فِی قُبَّةٍ حَمْرَاءَ وَ أَدْخَلَ النَّاسَ یُسَلِّمُونَ عَلَی مُعَاوِیَةَ ثُمَّ یَمِیلُونَ إِلَی قُبَّةِ یَزِیدَ فَیُسَلِّمُونَ عَلَیْهِ بِوَلاَیَةِ الْعَهْدِ حَتَّی جَاءَ رَجُلٌ فَفَعَلَ ذَلِکَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمَا إِنَّکَ لَوْ لَمْ تُوَلِّ هَذَا أُمُورَ اَلْمُسْلِمِینَ لَأَضَعْتَهَا وَ کَانَ اَلْأَحْنَفُ جَالِساً فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ مُعَاوِیَةُ مَا بَالُکَ لاَ تَقُولُ یَا أَبَا بَحْرٍ قَالَ أَخَافُ اللَّهَ إِنْ کَذَبْتُکَ وَ أَخَافُکَ إِنْ صَدَقْتُکَ فَمَا ذَا أَقُولُ فَقَالَ جَزَاکَ اللَّهُ عَنِ الطَّاعَةِ خَیْراً وَ أَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ جَزِیلَةٍ فَلَمَّا خَرَجَ لَقِیَهُ ذَلِکَ الرَّجُلُ بِالْبَابِ فَقَالَ یَا أَبَا بَحْرٍ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّ شَرَّ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ هَذَا الرَّجُلُ وَ لَکِنَّ هَؤُلاَءِ

ص :161

قَدْ اسْتَوْثَقُوا مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ بِالْأَبْوَابِ وَ الْأَقْفَالِ فَلَسْنَا نَطْمَعُ فِی اسْتِخْرَاجِهَا إِلاَّ بِمَا سَمِعْتَ فَقَالَ یَا هَذَا أَمْسِکْ عَلَیْکَ فَإِنَّ ذَا الْوَجْهَیْنِ خَلِیقٌ أَلاَّ یَکُونَ وَجِیهاً عِنْدَ اللَّهِ غَداً .

ثمّ أمر ع بأن یعقل ما قاله و یعلم باطن خطابه و إنّما رمز بباطن هذا الکلام إلی الرؤساء یوم الجمل لأنهم حاولوا أن یشفوا غیظهم بإهلاکه و إهلاک غیره من المسلمین و عروه (1) ع بأمر هم فعلوه و هو التألیب علی عثمان و حصره و استنجحوا حاجتهم إلی أهل البصرة بإظهار البدعة و الفتنة و لقوا الناس بوجهین و لسانین لأنّهم بایعوه و أظهروا الرضا به ثمّ دبوا له الخمر (2) فجعل ذنوبهم هذه مماثلة للشرک بالله سبحانه فی أنّها لا تغفر إلاّ بالتوبة و هذا هو معنی قوله اعقل ذلک فإن المثل دلیل علی شبهه و روی فإن المثل واحد الأمثال أی هذا الحکم بعدم المغفرة لمن أتی شیئا من هذه الأشیاء عام و الواحد منها دلیل علی ما یماثله و یشابهه.

فإن قلت فهذا تصریح بمذهب الإمامیّة فی طلحة و الزبیر و عائشة .قلت کلا فإن هذه الخطبة خطب بها و هو سائر إلی البصرة و لم تقع الحرب إلاّ بعد تعدّد الکبائر و رمز فیها إلی المذکورین و قال إن لم یتوبوا و قد ثبت أنهم تابوا و الأخبار عنهم بالتوبة کثیرة مستفیضة .

ثمّ أراد ع أن یومئ إلی ذکر النساء للحال التی کان وقع إلیها من استنجاد أعدائه بامرأة فذکر قبل ذکر النساء أنواعا من الحیوان تمهیدا لقاعدة ذکر النساء فقال إن البهائم همها بطونها کالحمر و البقر و الإبل و الغنم و إن السباع همها العدوان

ص :162

علی غیرها

کالأسود الضاریة و النمور و الفهود و البزاة و الصقور ثمّ قال و إن النساء همهن زینة الحیاة الدنیا و الفساد فیها .

1975

نَظَرَ حَکِیمٌ إِلَی امْرَأَةٍ مَصْلُوبَةٍ عَلَی شَجَرَةٍ فَقَالَ لَیْتَ کُلَّ شَجَرَةٍ تَحْمِلُ مِثْلَ هَذِهِ الثَّمَرَةِ.

1976

وَ مَرَّتْ امْرَأَةٌ بِسُقْرَاطَ وَ هُوَ یَتَشَرَّقُ فِی الشَّمْسِ فَقَالَتْ مَا أَقْبَحَکَ أَیُّهَا الشَّیْخُ فَقَالَ لَوْ أَنَّکُنَّ مِنَ الْمَرَائِی الصَّدِئَةِ لَغَمَّنِی مَا بَانَ مِنْ قُبْحِ صُورَتِی فِیکُنَّ.

1977

وَ رَأَی حَکِیمٌ امْرَأَةً تَعَلَّمُ الْکِتَابَةَ فَقَالَ سَهْمٌ یُسْقَی سَمّاً لِیَرْمِیَ بِهِ یَوْماً مَّا.

1978

وَ رَأَی بَعْضُهُمْ جَارِیَةً تَحْمِلُ نَاراً فَقَالَ نَارٌ عَلَی نَارٍ وَ الْحَامِلُ شَرٌّ مِنْ الْمَحْمُولِ.

1979

وَ قِیلَ لِسُقْرَاطَ أَیُّ السِّبَاعِ أَحْسَنُ قَالَ الْمَرْأَةُ.

1980

وَ تَزَوَّجَ بَعْضُهُمْ امْرَأَةً نَحِیفَةً فَقِیلَ لَهُ فِی ذَلِکَ فَقَالَ اخْتَرْتُ مِنَ الشَّرِّ أَقَلَّهُ.

1981

وَ رَأَی بَعْضُ الْحُکَمَاءِ امْرَأَةً غَرِیقَةً قَدْ احْتَمَلَهَا السَّیْلُ فَقَالَ زَادَتِ الْکَدَرُ کَدَراً وَ الشَّرُّ بِالشَّرِّ یُهْلَکُ .

ثمّ ذکر ع خصائص المؤمن فقال إن المؤمنین مستکینون استکان الرجل أی خضع و ذل .

إن المؤمنین مشفقون

التقوی رأس الإیمان کما ورد فی الخبر .

ثمّ قال إن المؤمنین خائفون هو الأول و إنّما أکده و التأکید مطلوب فی باب الخطابة

ص :163

هذا کلام متصل بکلام لم یحکه الرضی رحمه اللّه و هو ذکر قوم من أهل الضلال قد کان أخذ فی ذمهم و نعی علیهم عیوبهم .

و أرز المؤمنون

أی انقبضوا و المضارع یأرز بالکسر أرزا و أروزا و رجل أروز أی منقبض و

1982

فِی الْحَدِیثِ إِنَّ اَلْإِسْلاَمَ لَیَأْرِزُ إِلَی اَلْمَدِینَةِ کَمَا تَأْرِزُ الْحَیَّةُ إِلَی جُحْرِهَا (1) .

أی ینضم إلیها و یجتمع .

ثمّ قال نحن الشعار و الأصحاب یشیر إلی نفسه و هو أبدا یأتی بلفظ الجمع و مراده الواحد.

و الشعار ما یلی الجسد من الثیاب فهو أقرب من سائرها إلیه و مراده الاختصاص برسول اللّه ص . و الخزنة و الأبواب یمکن أن یعنی به خزنة العلم و أبواب العلم

1983

لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَا مَدِینَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِیٌّ بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ الْحِکْمَةَ فَلْیَأْتِ الْبَابَ.

1984

وَ قَوْلُهُ فِیهِ خَازِنُ عِلْمِی.

1985

وَ قَالَ تَارَةً أُخْرَی عَیْبَةُ عِلْمِی.

و یمکن أن یرید خزنة الجنة و أبواب الجنة أی لا یدخل الجنة إلا من وافی بولایتنا فقد جاء فی حقه الخبر الشائع المستفیض أنّه قسیم النار و الجنة و ذکر أبو عبید الهروی فی الجمع بین الغریبین أن قوما من أئمة العربیة فسروه فقالوا لأنّه لما کان محبه من أهل الجنة و مبغضه من أهل النار کأنّه بهذا الاعتبار قسیم النار و الجنة قال أبو عبید و قال غیر هؤلاء بل هو قسیمها بنفسه فی الحقیقة یدخل قوما إلی الجنة و قوما إلی النار و هذا الذی ذکره أبو عبید أخیرا هو ما یطابق

1986

1- الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِیهِ یَقُولُ لِلنَّارِ هَذَا لِی فَدَعِیهِ وَ هَذَا لَکِ فَخُذِیهِ .

ثمّ ذکر أن البیوت لا تؤتی إلاّ من أبوابها قال اللّه تعالی وَ لَیْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا

ص :165

الْبُیُوتُ مِنْ ظُهُورِهٰا وَ لٰکِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقیٰ وَ أْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا (1) .

ثمّ قال من أتاها من غیر أبوابها سمی سارقا و هذا حقّ ظاهرا و باطنا أما الظاهر فلأن من یتسور البیوت من غیر أبوابها هو السارق و أمّا الباطن فلأن من طلب العلم من غیر أستاذ محقق فلم یأته من بابه فهو أشبه شیء بالسارق

رَوَاهُ أَبُو نُعَیْمٍ الْحَافِظُ فِی کِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِحِلْیَةِ الْأَوْلِیَاءِ *وَ زَادَ فِیهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی اَلْمُسْنَدِ فَطُوبَی لِمَنْ أَحَبَّکَ وَ صَدَقَ فِیکَ وَ وَیْلٌ لِمَنْ أَبْغَضَکَ وَ کَذَبَ فِیکَ.

1988

14,1- الْخَبَرُ الثَّانِی -قَالَ لِوَفْدِ ثَقِیفٍ لَتُسْلِمُنَّ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَیْکُمْ رَجُلاً مِنِّی أَوْ قَالَ عَدِیلَ نَفْسِی فَلَیَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَکُمْ وَ لَیَسْبِیَنَّ ذَرَارِیَّکُمْ وَ لَیَأْخُذَنَّ أَمْوَالَکُمْ قَالَ عُمَرُ فَمَا تَمَنَّیْتُ الْإِمَارَةَ إِلاَّ یَوْمَئِذٍ وَ جَعَلْتُ أَنْصَبُ لَهُ صَدْرِی رَجَاءَ أَنْ یَقُولَ هُوَ هَذَا فَالْتَفَتَ فَأَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ وَ قَالَ هُوَ هَذَا مَرَّتَیْنِ

.

1989

14,1- رَوَاهُ أَحْمَدُ فِی اَلْمُسْنَدِ وَ رَوَاهُ فِی کِتَابِ فَضَائِلِ عَلِیٍّ ع أَنَّهُ قَالَ لَتَنْتَهُنَّ یَا بَنِی وَلِیعَةَ (1) أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَیْکُمْ رَجُلاً کَنَفْسِی یَمْضِی فِیکُمْ أَمْرِی یَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ وَ یَسْبِی الذُّرِّیَّةَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَمَا رَاعَنِی إِلاَّ بَرْدُ کَفِّ عُمَرَ فِی حُجْزَتِی (2) مِنْ خَلْفِی یَقُولُ مَنْ تَرَاهُ یَعْنِی فَقُلْتُ إِنَّهُ لاَ یَعْنِیکَ وَ إِنَّمَا یَعْنِی خَاصِفَ النَّعْلِ وَ إِنَّهُ قَالَ هُوَ هَذَا .

1990

الْخَبَرُ الثَّالِثُ -إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَیَّ فِی عَلِیٍّ عَهْداً فَقُلْتُ یَا رَبِّ بَیِّنْهُ لِی قَالَ اسْمَعْ إِنَّ عَلِیّاً رَایَةُ الْهُدَی وَ إِمَامُ أَوْلِیَائِی وَ نُورُ مَنْ أَطَاعَنِی وَ هُوَ الْکَلِمَةُ الَّتِی أَلْزَمْتُهَا الْمُتَّقِینَ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِی وَ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَنِی فَبَشِّرْهُ بِذَلِکَ فَقُلْتُ قَدْ بَشَّرْتُهُ یَا رَبِّ فَقَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ فِی قَبْضَتِهِ فَإِنْ یُعَذِّبْنِی فَبِذُنُوبِی لَمْ یَظْلِمْ شَیْئاً وَ إِنْ یُتِمَّ لِی مَا وَعَدَنِی فَهُوَ أَوْلَی وَ قَدْ دَعَوْتُ لَهُ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْلُ قَلْبَهُ وَ اجْعَلْ رَبِیعَهُ الْإِیمَانَ بِکَ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ ذَلِکَ غَیْرَ أَنِّی مُخْتَصُّهُ بِشَیْءٍ مِنَ الْبَلاَءِ لَمْ أَخْتَصَّ بِهِ أَحَداً مِنْ أَوْلِیَائِی فَقُلْتُ رَبِّ أَخِی وَ صَاحِبِی قَالَ إِنَّهُ سَبَقَ فِی عِلْمِی أَنَّهُ لَمُبْتَلٍ وَ مُبْتَلًی

ص :167

ذَکَرَهُ أَبُو نُعَیْمٍ الْحَافِظُ فِی حِلْیَةِ الْأَوْلِیَاءِ عَنْ أَبِی بَرْزَةَ الْأَسْلَمِیِّ

1991

ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِینَ عَهِدَ فِی عَلِیٍّ إِلَیَّ عَهْداً أَنَّهُ رَایَةُ الْهُدَی وَ مَنَارُ الْإِیمَانِ وَ إِمَامُ أَوْلِیَائِی وَ نُورُ جَمِیعِ مَنْ أَطَاعَنِی إِنَّ عَلِیّاً أَمِینِی غَداً فِی اَلْقِیَامَةِ وَ صَاحِبُ رَایَتِی بِیَدِ عَلِیٍّ مَفَاتِیحُ خَزَائِنِ رَحْمَةِ رَبِّی.

1992

الْخَبَرُ الرَّابِعُ -مَنْ أَرَادَ أَنْ یَنْظُرَ إِلَی نُوحٍ فِی عَزْمِهِ وَ إِلَی آدَمَ فِی عِلْمِهِ وَ إِلَی إِبْرَاهِیمَ فِی حِلْمِهِ وَ إِلَی مُوسَی فِی فِطْنَتِهِ وَ إِلَی عِیسَی فِی زُهْدِهِ فَلْیَنْظُرْ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی اَلْمُسْنَدِ وَ رَوَاهُ أَحْمَدُ الْبَیْهَقِیُّ فِی صَحِیحِهِ

1993

الْخَبَرُ الْخَامِسُ -مَنْ سَرَّهُ أَنْ یَحْیَا حَیَاتِی وَ یَمُوتَ مِیتَتِی وَ یَتَمَسَّکَ بِالْقَضِیبِ مِنَ الْیَاقُوتَةِ الَّتِی خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَی بِیَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا کُونِی فَکَانَتْ فَلْیَتَمَسَّکْ بِوَلاَءِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ذَکَرَهُ أَبُو نُعَیْمٍ الْحَافِظُ فِی کِتَابِ حِلْیَةِ الْأَوْلِیَاءِ وَ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْبَلٍ فِی اَلْمُسْنَدِ فِی کِتَابِ فَضَائِلِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ حِکَایَةُ لَفْظِ أَحْمَدَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ یَتَمَسَّکَ بِالْقَضِیبِ الْأَحْمَرِ الَّذِی غَرَسَهُ اللَّهُ فِی جَنَّةِ عَدْنٍ بِیَمِینِهِ فَلْیَتَمَسَّکْ بِحُبِّ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ .

1994

الْخَبَرُ السَّادِسُ -وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَوْ لاَ أَنْ تَقُولَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِی فِیکَ مَا قَالَتِ اَلنَّصَارَی فِی اِبْنِ مَرْیَمَ لَقُلْتُ الْیَوْمَ فِیکَ مَقَالاً لاَ نَمُرُّ[تَمُرُّ]

بِمَلَإٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ إِلاَّ أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَیْکَ لِلْبَرَکَةِ ذَکَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی اَلْمُسْنَدِ

1995

14,1- الْخَبَرُ السَّابِعُ -خَرَجَ ص عَلَی الْحَجِیجِ عَشِیَّةَ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ

ص :168

بَاهَی بِکُمُ الْمَلاَئِکَةَ عَامَّةً وَ غَفَرَ لَکُمْ عَامَّةً وَ بَاهَی بِعَلِیٍّ خَاصَّةً وَ غَفَرَ لَهُ خَاصَّةً إِنِّی قَائِلٌ لَکُمْ قَوْلاً غَیْرَ مُحَابٍ فِیهِ لِقَرَابَتِی إِنَّ السَّعِیدَ کُلَّ السَّعِیدِ حَقَّ السَّعِیدِ مَنْ أَحَبَّ عَلِیّاً فِی حَیَاتِهِ وَ بَعْدَ مَوْتِهِ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی کِتَابِ فَضَائِلِ عَلِیٍّ ع وَ فِی اَلْمُسْنَدِ أَیْضاً .

1996

الْخَبَرُ الثَّامِنُ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی الْکِتَابَیْنِ الْمَذْکُورَیْنِ أَنَا أَوَّلُ مَنْ یُدْعَی بِهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَأَقُومُ عَنْ یَمِینِ اَلْعَرْشِ فِی ظِلِّهِ ثُمَّ أُکْسَی حُلَّةً ثُمَّ یُدْعَی بِالنَّبِیِّینَ بَعْضُهُمْ عَلَی أَثَرِ بَعْضٍ فَیَقُومُونَ عَنْ یَمِینِ اَلْعَرْشِ وَ یُکْسَوْنَ حُلَلاً ثُمَّ یُدْعَی بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ لِقَرَابَتِهِ مِنِّی وَ مَنْزِلَتِهِ عِنْدِی وَ یُدْفَعُ إِلَیْهِ لِوَائِی لِوَاءُ الْحَمْدِ آدَمُ وَ مَنْ دُونَهُ تَحْتَ ذَلِکَ اللِّوَاءِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِیٍّ فَتَسِیرُ بِهِ حَتَّی تَقِفَ بَیْنِی وَ بَیْنَ إِبْرَاهِیمَ الْخَلِیلِ ثُمَّ تُکْسَی حُلَّةً وَ یُنَادِی مُنَادٍ مِنَ اَلْعَرْشِ نِعْمَ الْعَبْدُ أَبُوکَ إِبْرَاهِیمُ وَ نِعْمَ الْأَخُ أَخُوکَ عَلِیٌّ أَبْشِرْ فَإِنَّکَ تُدْعَی إِذَا دُعِیتُ وَ تُکْسَی إِذَا کُسِیتُ وَ تُحَیَّا إِذَا حُیِّیتُ.

1997

14,1- الْخَبَرُ التَّاسِعُ -یَا أَنَسُ اسْکُبْ لِی وَضُوءاً ثُمَّ قَامَ فَصَلَّی رَکْعَتَیْنِ ثُمَّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ یَدْخُلُ عَلَیْکَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إِمَامُ الْمُتَّقِینَ وَ سَیِّدُ اَلْمُسْلِمِینَ وَ یَعْسُوبُ الدِّینِ وَ خَاتَمُ الْوَصِیِّینَ وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِینَ قَالَ أَنَسٌ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ رَجُلاً مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ کَتَبْتُ دَعْوَتِی فَجَاءَ عَلِیٌّ فَقَالَ ص مَنْ جَاءَ یَا أَنَسُ فَقُلْتُ عَلِیٌّ فَقَامَ إِلَیْهِ مُسْتَبْشِراً فَاعْتَنَقَهُ ثُمَّ جَعَلَ یَمْسَحُ عَرَقَ وَجْهِهِ فَقَالَ عَلِیٌّ یَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْکَ وَ آلِکَ لَقَدْ رَأَیْتُ مِنْکَ الْیَوْمَ تَصْنَعُ بِی شَیْئاً مَا صَنَعْتَهُ بِی قَبْلُ قَالَ وَ مَا یَمْنَعُنِی وَ أَنْتَ تُؤَدِّی عَنِّی وَ تُسْمِعُهُمْ صَوْتِی وَ تُبَیِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِیهِ بَعْدِی رَوَاهُ أَبُو نُعَیْمٍ الْحَافِظُ فِی حِلْیَةِ الْأَوْلِیَاءِ

.

ص :169

1998

14,1- الْخَبَرُ الْعَاشِرُ -اُدْعُوا لِی سَیِّدَ اَلْعَرَبِ عَلِیّاً فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَ لَسْتَ سَیِّدَ اَلْعَرَبِ فَقَالَ أَنَا سَیِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَ عَلِیٌّ سَیِّدُ اَلْعَرَبِ فَلَمَّا جَاءَ أَرْسَلَ إِلَی اَلْأَنْصَارِ فَأَتَوْهُ فَقَالَ لَهُمْ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ أَ لاَ أَدُلُّکُمْ عَلَی مَا إِنْ تَمَسَّکْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً قَالُوا بَلَی یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذَا عَلِیٌّ فَأَحِبُّوهُ بِحُبِّی وَ أَکْرِمُوهُ بِکَرَامَتِی فَإِنَّ جَبْرَائِیلَ أَمَرَنِی بِالَّذِی قُلْتُ لَکُمْ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ رَوَاهُ اَلْحَافِظُ أَبُو نُعَیْمٍ فِی حِلْیَةِ الْأَوْلِیَاءِ

.

1999

14,1- الْخَبَرُ الْحَادِیَ عَشَرَ -مَرْحَباً بِسَیِّدِ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِمَامِ الْمُتَّقِینَ فَقِیلَ لِعَلِیٍّ ع کَیْفَ شُکْرُکَ فَقَالَ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَی مَا آتَانِی وَ أَسْأَلُهُ الشُّکْرَ عَلَی مَا أَوْلاَنِی وَ أَنْ یَزِیدَنِی مِمَّا أَعْطَانِی ذَکَرَهُ صَاحِبُ اَلْحِلْیَةِ أَیْضاً .

2000

الْخَبَرُ الثَّانِیَ عَشَرَ -مَنْ سَرَّهُ أَنْ یَحْیَا حَیَاتِی وَ یَمُوتَ مَمَاتِی وَ یَسْکُنَ جَنَّةَ عَدْنٍ الَّتِی غَرَسَهَا رَبِّی فَلْیُوَالِ عَلِیّاً مِنْ بَعْدِی وَ لْیُوَالِ وَلِیَّهُ وَ لْیَقْتَدِ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِی فَإِنَّهُمْ عِتْرَتِی خُلِقُوا مِنْ طِینَتِی وَ رُزِقُوا فَهْماً وَ عِلْماً فَوَیْلٌ لِلْمُکَذِّبِینَ مِنْ أُمَّتِی الْقَاطِعِینَ فِیهِمْ صِلَتِی لاَ أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِی ذَکَرَهُ صَاحِبُ اَلْحِلْیَةِ أَیْضاً

2001

14,1- الْخَبَرُ الثَّالِثَ عَشَرَ -بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ فِی سَرِیَّةٍ وَ بَعَثَ عَلِیّاً ع فِی سَرِیَّةٍ أُخْرَی وَ کِلاَهُمَا إِلَی اَلْیَمَنِ وَ قَالَ إِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَعَلِیٌّ عَلَی النَّاسِ وَ إِنْ افْتَرَقْتُمَا فَکُلُّ وَاحِدٍ مِنْکُمَا عَلَی جُنْدِهِ فَاجْتَمَعَا وَ أَغَارَا وَ سَبَیَا نِسَاءً وَ أَخَذَا أَمْوَالاً وَ قَتَلاَ نَاساً وَ أَخَذَ عَلِیٌّ جَارِیَةً فَاخْتَصَّهَا لِنَفْسِهِ فَقَالَ خَالِدٌ لِأَرْبَعَةٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ مِنْهُمْ بُرَیْدَةُ الْأَسْلَمِیُّ اسْبِقُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَاذْکُرُوا لَهُ کَذَا وَ اذْکُرُوا

ص :170

لَهُ کَذَا لِأُمُورٍ عَدَّدَهَا عَلَی عَلِیٍّ فَسَبَقُوا إِلَیْهِ فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنْ جَانِبِهِ فَقَالَ إِنَّ عَلِیّاً فَعَلَ کَذَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَ الْآخَرُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَقَالَ إِنَّ عَلِیّاً فَعَلَ کَذَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَ بُرَیْدَةُ الْأَسْلَمِیُّ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلِیّاً فَعَلَ ذَلِکَ فَأَخَذَ جَارِیَةً لِنَفْسِهِ فَغَضِبَ ص حَتَّی احْمَرَّ وَجْهُهُ وَ قَالَ دَعُوا لِی عَلِیّاً یُکَرِّرُهَا إِنَّ عَلِیّاً مِنِّی وَ أَنَا مِنْ عَلِیٍّ وَ إِنَّ حَظَّهُ فِی الْخُمُسِ أَکْثَرُ مِمَّا أَخَذَ وَ هُوَ وَلِیُّ کُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِی رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ فِی اَلْمُسْنَدِ غَیْرَ مَرَّةٍ وَ رَوَاهُ فِی کِتَابِ فَضَائِلِ عَلِیٍّ وَ رَوَاهُ أَکْثَرُ الْمُحَدِّثِینَ

.

2002

الْخَبَرُ الرَّابِعَ عَشَرَ -کُنْتُ أَنَا وَ عَلِیٌّ نُوراً بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ فَلَمَّا خَلَقَ آدَمَ قَسَمَ ذَلِکَ فِیهِ وَ جَعَلَهُ جُزْءَیْنِ فَجُزْءٌ أَنَا وَ جُزْءٌ عَلِیٌّ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِی اَلْمُسْنَدِ وَ فِی کِتَابِ فَضَائِلِ عَلِیٍّ ع وَ ذَکَرَهُ صَاحِبُ کِتَابِ اَلْفِرْدَوْسِ وَ زَادَ فِیهِ ثُمَّ انْتَقَلْنَا حَتَّی صِرْنَا فِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَکَانَ لِیَ النُّبُوَّةُ وَ لِعَلِیٍّ الْوَصِیَّةُ.

2003

14,1- الْخَبَرُ الْخَامِسَ عَشَرَ -اَلنَّظَرُ إِلَی وَجْهِکَ یَا عَلِیُّ عِبَادَةٌ أَنْتَ سَیِّدٌ فِی الدُّنْیَا وَ سَیِّدٌ فِی الْآخِرَةِ مَنْ أَحَبَّکَ أَحَبَّنِی وَ حَبِیبِی حَبِیبُ اللَّهِ وَ عَدُوُّکَ عَدُوِّی وَ عَدُوِّی عَدُوُّ اللَّهِ الْوَیْلُ لِمَنْ أَبْغَضَکَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِی اَلْمُسْنَدِ قَالَ وَ کَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ یُفَسِّرُهُ وَ یَقُولُ إِنَّ مَنْ یَنْظُرُ إِلَیْهِ یَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْلَمَ هَذَا الْفَتَی سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَشْجَعَ هَذَا الْفَتَی سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَفْصَحَ هَذَا الْفَتَی .

ص :171

2004

14,1- الْحَدِیثُ السَّادِسَ عَشَرَ -لَمَّا کَانَتْ لَیْلَةُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ یَسْتَقِی لَنَا مَاءً فَأَحْجَمَ النَّاسُ فَقَامَ عَلِیٌّ فَاحْتَضَنَ قِرْبَةً ثُمَّ أَتَی بِئْراً بَعِیدَةَ الْقَعْرِ مُظْلِمَةً فَانْحَدَرَ فِیهَا فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَی جِبْرِیلَ وَ مِیکَائِیلَ وَ إِسْرَافِیلَ أَنْ تَأَهَّبُوا لِنَصْرِ مُحَمَّدٍ وَ أَخِیهِ وَ حِزْبِهِ فَهَبَطُوا مِنَ السَّمَاءِ لَهُمْ لَغَطٌ یُذْعَرُ مَنْ یَسْمَعُهُ فَلَمَّا حَاذُوا الْبِئْرَ سَلَّمُوا عَلَیْهِ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ إِکْرَاماً لَهُ وَ إِجْلاَلاً رَوَاهُ أَحْمَدُ فِی کِتَابِ فَضَائِلِ عَلِیٍّ ع .

2005

وَ زَادَ فِیهِ فِی طَرِیقٍ أُخْرَی عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ لَتُؤْتَیَنَّ یَا عَلِیُّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ بِنَاقَةٍ مِنْ نُوقِ اَلْجَنَّةِ فَتَرْکَبُهَا وَ رُکْبَتُکَ مَعَ رُکْبَتِی وَ فَخِذُکَ مَعَ فَخِذِی حَتَّی تَدْخُلَ اَلْجَنَّةَ .

2006

الْحَدِیثُ السَّابِعَ عَشَرَ -خَطَبَ ص یَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ قَدِّمُوا قُرَیْشاً وَ لاَ تَقَدَّمُوهَا وَ تَعَلَّمُوا مِنْهَا وَ لاَ تُعَلِّمُوهَا قُوَّةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَیْشٍ تَعْدِلُ قُوَّةَ رَجُلَیْنِ مِنْ غَیْرِهِمْ وَ أَمَانَةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَیْشٍ تَعْدِلُ أَمَانَةَ رَجُلَیْنِ مِنْ غَیْرِهِمْ أَیُّهَا النَّاسُ أُوصِیکُمْ بِحُبِّ ذِی قُرْبَاهَا أَخِی وَ ابْنِ عَمِّی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ لاَ یُحِبُّهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَ لاَ یُبْغِضُهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِی وَ مَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِی وَ مَنْ أَبْغَضَنِی عَذَّبَهُ اللَّهُ بِالنَّارِ رَوَاهُ أَحْمَدُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی کِتَابِ فَضَائِلِ عَلِیٍّ ع

2007

الْحَدِیثُ الثَّامِنَ عَشَرَ -اَلصِّدِّیقُونَ ثَلاَثَةٌ حَبِیبٌ النَّجَّارُ الَّذِی جَاءَ مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ یَسْعیٰ وَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ الَّذِی کَانَ یَکْتُمُ إِیمٰانَهُ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ هُوَ أَفْضَلُهُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِی کِتَابِ فَضَائِلِ عَلِیٍّ ع

2008

الْحَدِیثُ التَّاسِعَ عَشَرَ -أُعْطِیتُ فِی عَلِیٍّ خَمْساً هُنَّ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنَ الدُّنْیَا وَ مَا فِیهَا أَمَّا وَاحِدَةٌ فَهُوَ کَابٍ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَتَّی یَفْرُغَ مِنْ حِسَابِ الْخَلاَئِقِ وَ أَمَّا الثَّانِیَةُ

ص :172

فَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِیَدِهِ آدَمُ وَ مَنْ وَلَدَ تَحْتَهُ وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ فَوَاقِفٌ عَلَی عُقْرِ (1) حَوْضِی یَسْقِی مَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّتِی وَ أَمَّا الرَّابِعَةُ فَسَاتِرُ عَوْرَتِی وَ مُسَلِّمِی إِلَی رَبِّی وَ أَمَّا الْخَامِسَةُ فَإِنِّی لَسْتُ أَخْشَی عَلَیْهِ أَنْ یَعُودَ کَافِراً بَعْدَ إِیمَانٍ وَ لاَ زَانِیاً بَعْدَ إِحْصَانٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِی کِتَابِ اَلْفَضَائِلِ

2009

14,1- الْحَدِیثُ الْعِشْرُونَ -کَانَتْ لِجَمَاعَةٍ مِنَ اَلصَّحَابَةِ أَبْوَابٌ شَارِعَةٌ فِی مَسْجِدِ اَلرَّسُولِ ص فَقَالَ ع یَوْماً سُدُّوا کُلَّ بَابٍ فِی اَلْمَسْجِدِ إِلاَّ بَابَ عَلِیٍّ فَسُدَّتْ فَقَالَ فِی ذَلِکَ قَوْمٌ حَتَّی بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَامَ فِیهِمْ فَقَالَ إِنَّ قَوْماً قَالُوا فِی سَدِّ الْأَبْوَابِ وَ تَرْکِی بَابَ عَلِیٍّ إِنِّی مَا سَدَدْتُ وَ لاَ فَتَحْتُ وَ لَکِنِّی أُمِرْتُ بِأَمْرٍ فَاتَّبَعْتُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِی اَلْمُسْنَدِ مِرَاراً وَ فِی کِتَابِ الْفَضَائِلِ

.

2010

14,1- الْحَدِیثُ الْحَادِی وَ الْعِشْرُونَ -دَعَا ص عَلِیّاً فِی غَزَاةِ الطَّائِفِ فَانْتَجَاهُ وَ أَطَالَ نَجْوَاهُ حَتَّی کَرِهَ قَوْمٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ ذَلِکَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَقَدْ أَطَالَ الْیَوْمَ نَجْوَی اِبْنِ عَمِّهِ فَبَلَغَهُ ع ذَلِکَ فَجَمَعَ مِنْهُمْ قَوْماً ثُمَّ قَالَ إِنَّ قَائِلاً قَالَ لَقَدْ أَطَالَ الْیَوْمَ نَجْوَی اِبْنِ عَمِّهِ أَمَا إِنِّی مَا انْتَجَیْتُهُ وَ لَکِنَّ اللَّهَ انْتَجَاهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی اَلْمُسْنَدِ

.

2011

الْحَدِیثُ الثَّانِی وَ الْعِشْرُونَ -أَخْصِمُکَ (2) یَا عَلِیُّ بِالنُّبُوَّةِ فَلاَ نُبُوَّةَ بَعْدِی وَ تَخْصِمُ النَّاسَ بِسَبْعٍ لاَ یُجَاحِدُ فِیهَا أَحَدٌ مِنْ قُرَیْشٍ أَنْتَ أَوَّلُهُمْ إِیمَاناً بِاللَّهِ وَ أَوْفَاهُمْ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَقْوَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَ أَقْسَمُهُمْ بِالسَّوِیَّةِ وَ أَعْدَلُهُمْ فِی الرَّعِیَّةِ وَ أَبْصَرُهُمْ بِالْقَضِیَّةِ وَ أَعْظَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَزِیَّةً

ص :173

رَوَاهُ أَبُو نُعَیْمٍ الْحَافِظُ فِی حِلْیَةِ الْأَوْلِیَاءِ

2012

14,15,1- الْخَبَرُ الثَّالِثُ وَ الْعِشْرُونَ -قَالَتْ فَاطِمَةُ إِنَّکَ زَوَّجْتَنِی فَقِیراً لاَ مَالَ لَهُ فَقَالَ زَوَّجْتُکِ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً وَ أَعْظَمَهُمْ حِلْماً وَ أَکْثَرَهُمْ عِلْماً أَ لاَ تَعْلَمِینَ أَنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَی الْأَرْضِ اطِّلاَعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا أَبَاکِ ثُمَّ اطَّلَعَ إِلَیْهَا ثَانِیَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا بَعْلَکِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِی اَلْمُسْنَدِ .

2013

14,1,15- الْحَدِیثُ الرَّابِعُ وَ الْعِشْرُونَ -لَمَّا أُنْزِلَ إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَ الْفَتْحُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ ع مِنْ غَزَاةِ حُنَیْنٍ جَعَلَ یُکْثِرُ مِنْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَا وُعِدْتُ بِهِ جَاءَ الْفَتْحُ وَ دَخَلَ النَّاسُ فِی دِینِ اللّٰهِ أَفْوٰاجاً وَ إِنَّهُ لَیْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ مِنْکَ بِمَقَامِی لِقِدَمِکَ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ قُرْبِکَ مِنِّی وَ صِهْرِکَ وَ عِنْدَکَ سَیِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ وَ قَبْلَ ذَلِکَ مَا کَانَ مِنْ بَلاَءِ أَبِی طَالِبٍ عِنْدِی حِینَ نَزَلَ اَلْقُرْآنُ فَأَنَا حَرِیصٌ عَلَی أَنْ أُرَاعِیَ ذَلِکَ لِوَلَدِهِ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِیُّ فِی تَفْسِیرِ الْقُرْآنِ .

و اعلم أنا إنّما ذکرنا هذه الأخبار هاهنا لأن کثیرا من المنحرفین عنه ع إذا مروا علی کلامه فی نهج البلاغة و غیره المتضمن التحدث بنعمة اللّه علیه من اختصاص الرسول له ص و تمیزه إیاه عن غیره ینسبونه إلی التیه و الزهو و الفخر و لقد سبقهم بذلک قوم من الصحابة

2014

1- قِیلَ لِعُمَرَ وَلِّ عَلِیّاً أَمْرَ الْجَیْشِ وَ الْحَرْبِ فَقَالَ هُوَ أَتْیَهُ مِنْ ذَلِکَ

.

2015

1- وَ قَالَ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا رَأَیْنَا أَزْهَی مِنْ عَلِیٍّ وَ أُسَامَةَ .

فأردنا بإیراد هذه الأخبار هاهنا عند تفسیر قوله نحن الشعار و الأصحاب و نحن الخزنة و الأبواب أن ننبه علی عظم منزلته عند الرسول ص و أن من قیل

ص :174

فی حقه ما قیل لو رقی إلی السماء و عرج فی الهواء و فخر علی الملائکة و الأنبیاء تعظما و تبجحا لم یکن ملوما بل کان بذلک جدیرا فکیف و هو ع لم یسلک قط مسلک التعظم و التکبر فی شیء من أقواله و لا من أفعاله و کان ألطف البشر خلقا و أکرمهم طبعا و أشدهم تواضعا و أکثرهم احتمالا و أحسنهم بشرا و أطلقهم وجها حتّی نسبه من نسبه إلی الدعابة و المزاح و هما خلقان ینافیان التکبر و الاستطالة و إنّما کان یذکر أحیانا ما یذکره من هذا النوع نفثة مصدور و شکوی مکروب و تنفس مهموم و لا یقصد به إذا ذکره إلاّ شکر النعمة و تنبیه الغافل علی ما خصه اللّه به من الفضیلة فإن ذلک من باب الأمر بالمعروف و الحض علی اعتقاد الحق و الصواب فی أمره و النهی عن المنکر الذی هو تقدیم غیره علیه فی الفضل فقد نهی اللّه سبحانه عن ذلک فقال أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ یَهِدِّی إِلاّٰ أَنْ یُهْدیٰ فَمٰا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ (1) مِنْهَا فِیهِمْ کَرَائِمُ الْإِیمَانِ وَ هُمْ کُنُوزُ الرَّحْمَنِ إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا وَ إِنْ صَمَتُوا لَمْ یُسْبَقُوا فَلْیَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَ لْیُحْضِرْ عَقْلَهُ وَ لْیَکُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَ إِلَیْهَا یَنْقَلِبُ فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ یَکُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ یَعْلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَیْهِ أَمْ لَهُ فَإِنْ کَانَ لَهُ مَضَی فِیهِ وَ إِنْ کَانَ عَلَیْهِ وَقَفَ عَنْهُ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمٍ کَالسَّائِرِ عَلَی غَیْرِ طَرِیقٍ فَلاَ یَزِیدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ

ص :175

إِلاَّ بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ وَ الْعَامِلُ بِالْعِلْمِ کَالسَّائِرِ عَلَی الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ .

قوله فیهم یرجع إلی آل محمّد ص الذین عناهم بقوله نحن الشعار و الأصحاب و هو یطلق دائما هذه الصیغ الجمعیة و یعنی نفسه و فی القرآن کثیر من ذلک نحو قوله تعالی اَلَّذِینَ قٰالَ لَهُمُ النّٰاسُ إِنَّ النّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزٰادَهُمْ إِیمٰاناً وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ (1) .

و کرائم الإیمان جمع کریمة و هی المنفسات منه قال الشاعر ماض من العیش لو یفدی بذلت له کرائم المال من خیل و من نعم.

فإن قلت أ یکون فی الإیمان کرائم و غیر کرائم قلت نعم لأن الإیمان عند أکثر أصحابنا اسم للطاعات کلها واجبها و نفلها فمن کانت نوافله أکثر کانت کرائم الإیمان عنده أکثر و من قام بالواجبات فقط من غیر نوافل کان عنده الإیمان و لم یکن عنده کرائم الإیمان.

فإن قلت فعلی هذا تکون النوافل أکرم من الواجبات.

قلت هی أکرم منها باعتبار و الواجبات أکرم منها باعتبار آخر أما الأول فلأن صاحبها إذا کان قد قام بالواجبات کان أعلی مرتبة فی الجنة ممن اقتصر علی الواجبات فقط و أمّا الثانی فلأن المخل بها لا یعاقب و المخل بالواجبات یعاقب .

قوله و هم کنوز الرحمن لأن الکنز مال یدخر لشدیدة أو ملمة تلم بالإنسان و کذلک هؤلاء قد ذخروا لإیضاح المشکلات الدینیة علی المکلفین.

ص :176

ثم قال إن نطقوا صدقوا و إن سکتوا لم یکن سکوتهم عن عی یوجب کونهم مسبوقین لکنهم ینطقون حکما و یصمتون حلما .

ثمّ أمر ع بالتقوی و العمل الصالح و قال لِیَصْدُقْ رَائِدٌ أهلَه الرائد الذاهب من الحیّ یرتاد لهم المرعی و فی أمثالهم الرائد لا یکذب أهله و المعنی أنّه ع أمر الإنسان بأن یصدق نفسه و لا یکذبها بالتسویف و التعلیل قال الشاعر أخی إذا خاصمت نفسک فاحتشد لها و إذا حدثت نفسک فاصدق.

و فی المثل المتشبع بما لا یملک کلابس ثوبی زور .

فإنه منها قدم قد قیل إن اللّه تعالی خلق أرواح البشر قبل أجسادهم و الخبر فی ذلک مشهور و الآیة أیضا و هی قوله وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ (1) و یمکن أن یفسر علی وجه آخر و ذلک أن الآخرة الیوم عدم محض و الإنسان قدم من العدم و إلی العدم ینقلب فقد صح أنّه قدم من الآخرة و یرجع إلی الآخرة .

و روی أن العالم بالبصر أی بالبصیرة فیکون هو و قوله فالناظر بالقلب سواء و إنّما قاله تأکیدا و علی هذا الوجه لا یحتاج إلی تفسیر و تأویل فأما الروایة المشهورة فالوجه فی تفسیرها أن یکون قوله فالناظر مبتدأ و العامل صفة له و قوله بالبصر یکون مبتدأ عمله جملة مرکبة من مبتدأ و خبر موضعها رفع لأنّها خبر المبتدأ الذی هو فالناظر و هذه الجملة المذکورة قد دخلت علیها کان فالجار و المجرور و هو الکلمة الأولی منها منصوبة الموضع لأنّها خبر کان و یکون قوله فیما بعد أن یعلم منصوب

ص :177

الموضع لأنّه بدل من البصر الذی هو خبر یکون و المراد بالبصر هاهنا البصیرة فیصیر تقدیر الکلام فالناظر بقلبه العامل بجوارحه یکون مبتدأ عمله بالفکر و البصیرة بأن یعلم أ عمله له أم علیه.

و یروی کالسابل علی غیر طریق و السابل طالب السبیل و

2016

قَدْ جَاءَ فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ مَنْ عَمِلَ بِغَیْرِ هُدًی لَمْ یَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً.

2017

وَ فِی کَلاَمِ الْحُکَمَاءِ الْعَامِلُ بِغَیْرِ عِلْمٍ کَالرَّامِی مِنْ غَیْرِ وَتَرٍ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ لِکُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَی مِثَالِهِ فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ وَ قَدْ قَالَ اَلرَّسُولُ الصَّادِقُ ص إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْعَبْدَ وَ یُبْغِضُ عَمَلَهُ وَ یُحِبُّ الْعَمَلَ وَ یُبْغِضُ بَدَنَهُ .

هذا الکلام مشتق من قوله تعالی وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَبٰاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِی خَبُثَ لاٰ یَخْرُجُ إِلاّٰ نَکِداً (1) و هو تمثیل ضربه اللّه تعالی لمن ینجع فیه الوعظ و التذکیر من البشر و لمن لا یؤثر ذلک فیه مثله بالأرض العذبة الطیبة تخرج النبت و الأرض السبخة الخبیثة لا تنبت و کلام أمیر المؤمنین ع إلی هذا المعنی یومئ یقول إن لکلتا حالتی الإنسان الظاهرة أمرا باطنا یناسبها من أحواله و الحالتان الظاهرتان میله إلی العقل و میله إلی الهوی فالمتبع لمقتضی عقله یرزق السعادة و الفوز فهذا هو الذی طاب

ص :178

ظاهره و طاب باطنه و المتبع لمقتضی هواه و عادته و دین أسلافه یرزق الشقاوة و العطب و هذا هو الذی خبث ظاهره و خبث باطنه.

فإن قلت فلم قال فما طاب و هلا قال فمن طاب و کذلک فی خبث قلت کلامه فی الأخلاق و العقائد و ما تنطوی علیه الضمائر یقول ما طاب من هذه الأخلاق و الملکات و هی خلق النفس الربانیة المریدة للحق من حیث هو حقّ سواء کان ذلک مذهب الآباء و الأجداد أو لم یکن و سواء کان ذلک مستقبحا مستهجنا عند العامّة أو لم یکن و سواء نال به من الدنیا حظا أو لم ینل یستطیب باطنه یعنی ثمرته و هی السعادة و هذا المعنی من مواضع ما لا من مواضع من .

فأما الخبر المروی (1) فإنّه مذکور فی کتب المحدثین و قد فسره أصحابنا المتکلمون فقالوا إن اللّه تعالی قد یحب المؤمن و محبته له إرادة إثابته و یبغض عملا من أعماله و هو ارتکاب صغیرة من الصغائر فإنها مکروهة عند اللّه و لیست قادحة فی إیمان المؤمن لأنّها تقع مکفرة و کذلک قد یبغض العبد بأن یرید عقابه نحو أن یکون فاسقا لم یتب و یحب عملا من أعماله نحو أن یطیع ببعض الطاعات و حبّه لتلک الطاعة هی إرادته تعالی أن یسقط عنه بها بعض ما یستحقه من العقاب المتقدم وَ اعْلَمْ أَنَّ لِکُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً وَ کُلُّ نَبَاتٍ لاَ غِنَی بِهِ عَنِ الْمَاءِ وَ الْمِیَاهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمَا طَابَ سَقْیُهُ طَابَ غَرْسُهُ وَ حَلَّتْ ثَمَرَتُهُ وَ مَا خَبُثَ سَقْیُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَ أَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ.

ص :179

السقی مصدر سقیت و السقی بالکسر النصیب من الماء.

و أمر الشیء أی صار مرا.

و هذا الکلام مثل فی الإخلاص و ضده و هو الریاء و حبّ السمعة فکل عمل یکون مدده الإخلاص لوجهه تعالی لا غیر فإنّه زاک حلو الجنی و کل عمل یکون الریاء و حبّ الشهرة مدده فلیس بزاک و تکون ثمرته مرة المذاق

ص :180

فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّیْلَ لَهَا نَهَاراً وَ مَعَاشاً وَ النَّهَارَ سَکَناً وَ قَرَاراً وَ جَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَی الطَّیَرَانِ کَأَنَّهَا شَظَایَا الْآذَانِ غَیْرَ ذَوَاتِ رِیشٍ وَ لاَ قَصَبٍ إِلاَّ أَنَّکَ تَرَی مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَیِّنَةً أَعْلاَماً لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا یَرِقَّا فَیَنْشَقَّا وَ لَمْ (1) یَغْلُظَا فَیَثْقُلاَ تَطِیرُ وَ وَلَدُهَا لاَصِقٌ بِهَا لاَجِئٌ إِلَیْهَا یَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ وَ یَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ لاَ یُفَارِقُهَا حَتَّی تَشْتَدَّ أَرْکَانُهُ وَ یَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ وَ یَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَیْشِهِ وَ مَصَالِحَ نَفْسِهِ فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِکُلِّ شَیْءٍ عَلَی غَیْرِ مِثَالٍ خَلاَ مِنْ غَیْرِهِ .

الخفاش واحد جمعه خفافیش و هو هذا الطائر الذی یطیر لیلا و لا یطیر نهارا و هو مأخوذ من الخفش و هو ضعف فی البصر خلقة و الرجل أخفش و قد یکون علة و هو الذی یبصر باللیل لا بالنهار أو فی یوم غیم لا فی یوم صحو .

و انحسرت الأوصاف کلت و أعیت و ردعت کفت و المساغ المسلک .

قال أحق و أبین ممّا تری العیون و ذلک لأن العلوم العقلیّة إذا کانت ضروریة أو قریبة من الضروریة کانت أوثق من المحسوسات لأن الحس یغلط دائما فیری الکبیر صغیرا کالبعید و الصغیر کبیرا کالعنبة فی الماء تری کالإجاصة و یری الساکن متحرکا کجرف الشط إذا رآه راکب السفینة متصاعدا و یری المتحرک ساکنا کالظل إلی غیر ذلک من الأغالیط و القضایا العقلیّة الموثوق بها لأنّها بدیهیة أو تکاد فالغلط غیر داخل علیها قوله یقبضها الضیاء أی یقبض أعینها .

قوله و تتصل بعلانیة برهان الشمس کلام جید فی مذاهب الاستعارة.

ص :182

و سبحات إشراقها جلاله و بهاؤه و أکنها سترها و بلج ائتلافها جمع بلجة و هی أول الصبح و جاء بلجة أیضا بالفتح .

و الحداق جمع حدقة العین و الإسداف مصدر أسدف اللیل أظلم .

و غسق الدجنة ظلام اللیل فإذا ألقت الشمس قناعها أی سفرت عن وجهها و أشرقت.

و الأوضاح جمع وضح و قد یراد به حلی یعمل من الدراهم الصحاح و قد یراد به الدراهم الصحاح نفسها و إن لم یکن حلیا و الضباب جمع ضب و وجارها بیتها و شظایا الآذان أقطاع منها و القصب هاهنا الغضروف.

و خلاصة الخطبة التعجب من أعین الخفافیش التی تبصر لیلا و لا تبصر نهارا و کل الحیوانات بخلاف ذلک فقد صار اللیل لها معاشا و النهار لها سکنا بعکس الحال فیما عداها ثمّ من أجنحتها التی تطیر بها و هی لحم لا ریش علیه و لا غضروف و لیست رقیقة فتنشق و لا کثیفة فتثقلها عن الطیران ثمّ من ولدها إذا طارت احتملته و هو لاصق بها فإذا وقعت وقع ملتصقا بها هکذا إلی أن یشتد و یقوی علی النهوض فیفارقها

و أمّا طیرانها من غیر ریش فإنّه لیس بذلک الطیران الشدید و إنّما هو نهوض و خفة أفادها اللّه تعالی إیاه بواسطة الطبیعة و التصاق الولد بها لأنّها تضمه إلیها بالطبع و ینضم إلیها کذلک و تستعین علی ضمه برجلیها و بقصر المسافة و جملة الأمر أنّه تعجب من عجیب و فی الأحادیث العامیة قیل للخفاش لما ذا لا جناح لک قال لأنّی تصویر مخلوق قیل فلما ذا لا تخرج نهارا قال حیاء من الطیور یعنون أن المسیح ع صوره و أن إلیه الإشارة بقوله تعالی وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ بِإِذْنِی فَتَنْفُخُ فِیهٰا فَتَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِی (1) .

و فی الطیر عجائب و غرائب لا تهتدی العقول إلیها و یقال إن ضربین من الحیوان أصمان لا یسمعان و هما النعام و الأفاعی.

و تقول العرب إن الظلیم یسمع بعینه و أنفه لا یحتاج معهما إلی حاسة أخری و الکراکی یجمعها أمیر لها کیعسوب النحل و لا یجمعها إلاّ أزواجا و العصافیر آلفة للناس آنسة بهم لا تسکن دارا حتّی یسکنها إنسان و متی سکنتها لم تقم فیها إذا خرج الإنسان منها فبفراقه تفارق و بسکناه تسکن و یذکر أهل البصرة أنه إذا کان زمن الخروج إلی البساتین لم یبق فی البصرة عصفور إلاّ خرج إلیها إلاّ ما أقام علی بیضه و فراخه و قد یدرب العصفور فیستجیب من المکان البعید و یرجع.

و قال شیخنا أبو عثمان بلغنی أنّه درب فیرجع من میل و لیس فی الأرض رأس أشبه برأس الحیة من رأس العصفور و لیس فی الحیوان الذی یعایش الناس أقصر عمرا منه قیل لأجل السفاد الذی یستکثر منه و یتمیز الذکر من الأنثی فی العصافیر تمیز الدیک

ص :184

من الدجاجة لأن له لحیة و لا شیء أحنی علی ولده منه و إذا عرض له شیء صاح فأقبلت إلیه العصافیر یساعدنه و لیس [لشیء]

(1) فی مثل جسم العصفور [من]

(2) شدة [وطئه إذا مشی أو علی السطح ما للعصفور فإنک]

(3) إذا کنت تحت السطح و وقع حسبت وقعته وقعة حجر و ذکور (4) العصافیر لا تعیش إلاّ سنة و کثیرا ما تجلب الحیات إلی المنازل لأن الحیات تتبعها حرصا علی ابتلاع بیضها و فراخها.

و یقال إن الدجاجة إذا باضت بیضتین فی یوم واحد و تکرر ذلک ماتت و إذا هرمت الدجاجة لم یکن لأواخر ما تبیضه صفرة و إذا لم یکن للبیضة مح لم یخلق فیها فروج لأن غذاءه المح ما دام فی البیضة و قد یکون للبیضة محان فتنفقص (5) عن فروجین یخلقان من البیاض و یغتذیان بالمحین لأن الفراریج تخلق من البیاض و تغتذی بالصفرة و کل دیک فإنّه یلتقط الحبة فیحذف بها إلی الدجاجة سماحا و إیثارا و لهذا قالوا أسمح من لاقطة یعنون الدیکة إلاّ دیکة مرو بخراسان فإنها تطرد دجاجها عن الحب و تنزعه من أفواهها فتبتلعه.

و الحمامة بلهاء و فی أمثالهم أحمق من حمامة و هی مع حمقها مهتدیة إلی مصالح نفسها و فراخها.

قال ابن الأعرابی قلت لشیخ من العرب من علمک هذا قال علمنی الذی علم الحمامة علی بلهها تقلیب بیضها کی تعطی الوجهین جمیعا نصیبهما من الحضن.

و الهدایة فی الحمام لا تکون إلاّ فی الخضر و السمر فأما الأسود الشدید السواد فهو کالزنجی القلیل المعرفة و الأبیض ضعیف القوّة و إذا خرج الجوزل (6) عن بیضته علم أبواه أن حلقه لا یتسع للغذاء فلا یکون لهما هم إلاّ أن ینفخا فی حلقه الریح لتتسع حوصلته بعد التحامها ثمّ یعلمن أنّه لا یحتمل فی أول اغتذائه أن یزق بالطعم فیزقانه باللعاب المختلط

ص :185

بقواهما و قوی الطعم ثمّ یعلمان أن حوصلته تحتاج إلی دباغ فیأکلان من شورج (1) أصول الحیطان و هو شیء من الملح الخالص و التراب فیزقانه به فإذا علما أنّه قد اندبغ زقاه بالحب الذی قد غب فی حواصلهما ثمّ بالذی هو أطری فأطری حتّی یتعود فإذا علما أنّه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع لیحتاج و یتشوف فتطلبه نفسه و یحرص علیه فإذا فطماه و بلغا منتهی حاجته إلیهما نزع اللّه تلک الرحمة منهما و أقبل بهما علی طلب نسل آخر.

و یقال إن حیة أکلت بیض مکاء فجعل المکاء یشرشر علی رأسها و یدنو منها حتّی دلعت (2) الحیة لسانها و فتحت فاها تریده و تهم به فألقی فیها حسکة (3) فأخذت بحلقها حتّی ماتت.

و من دعاء الصالحین یا رزاق النعاب (4) فی عشه و ذلک أن الغراب إذا فقص عن فراخه فقص عنها بیض الألوان فینفر عنها و لا یزقها فتنفتح أفواهها فیأتیها ذباب یتساقط فی أفواهها فیکون غذاءها إلی أن تسود فینقطع الذباب عنها و یعود الغراب إلیها فیأنس بها و یغذیها.

و الحباری تدبق (5) جناح الصقر بذرقها ثمّ یجتمع علیه الحباریات فینتفن ریشه طاقة طاقة حتّی یموت و لذلک یحاول الحباری العلو علیه و یحاول هو العلو علیها و لا یتجاسر أن یدنو منها متسفلا عنها و یقال إن الحباری تموت کمدا إذا انحسر عنها ریشها و رأت صویحباتها تطیر.

ص :186

و کل الطیر یتسافد بالأستاه إلاّ الحجل فإن الحجلة تکون فی سفالة الریح و الیعقوب (1) فی علاوتها فتلقح منه کما تلقح النخلة من الفحال (2) بالریح.

و الحباری شدید الحمق یقال إنها أحمق الطیر و هی أشدّ حیاطة لبیضها و فراخها.

و العقعق مع کونه أخبث الطیر و أصدقها خبثا و أشدها حذرا لیس فی الأرض طائر أشدّ تضییعا لبیضه و فراخه منه.

و من الطیر ما یؤثر التفرد کالعقاب و منه ما یتعایش زوجا کالقطا.

و الظلیم یبتلع الحدید المحمی ثمّ یمیعه فی قانصته حتّی یحیله کالماء الجاری و فی ذلک أعجوبتان التغذی بما لا یغذی به و استمراؤه و هضمه شیئا لو طبخ بالنار أبدا لما انحل.

و کما سخر الحدید لجوف الظلیم فأحاله سخر الصخر الأصمّ لأذناب الجراد إذا أراد أن یلقی بیضه غرس ذنبه فی أشدّ الأرض صلابة فانصدع له و ذلک من فعل الطبیعة بتسخیر الصانع القدیم سبحانه کما أن عود الحلفاء الرخو الدقیق (3) المنبت یلقی فی نباته الآجر و الخزف الغلیظ فیثقبه.

و قد رأیت فی مسناة سور بغداد فی حجر صلد نبعة نبات قد شقت و خرجت من موضع لو حاول جماعة أن یضربوه بالبیارم الشدیدة مدة طویلة لم یؤثر فیه أثرا.

و قد قیل إن إبرة العقرب أنفذ فی الطنجیر (4) و الطست.

و فی الظلیم شبه من البعیر من جهة المنسم و الوظیف و العنق و الخزامة التی فی أنفه

ص :187

و شبه من الطائر من جهة الریش و الجناحین و الذنب و المنقار ثمّ إن ما فیه من شبه الطیر جذبه إلی البیض و ما فیه من شبه البعیر لم یجذبه إلی الولادة.

و یقال إن النعامة مع عظم عظامها و شدة عدوها لا مخ فیها و أشدّ ما یکون عدوها أن تستقبل الریح فکلما کان أشدّ لعصوفها کان أشدّ لحضرها (1) تضع عنقها علی ظهرها ثمّ تخرق الریح و من أعاجیبها أن الصیف إذا دخل و ابتدأ البسر فی الحمرة ابتدأ لون وظیفها فی الحمرة فلا یزالان یزدادان حمرة إلی أن تنتهی حمرة البسر و لذلک قیل للظلیم خاضب و من العجب أنّها لا تأنس بالطیر و لا بالإبل مع مشاکلتها للنوعین و لا یکاد یری بیضها مبددا البتة بل تصفه طولا صفا مستویا علی غایة الاستواء حتّی لو مددت علیه خیط المسطر لما وجدت لبعضه خروجا عن البعض ثمّ تعطی لکل واحدة نصیبها من الحضن.

و الذئب لا یعرض لبیض النعام ما دام الأبوان حاضرین فإنهما متی نقفاه (2) رکبه الذکر فطحره (3) و أدرکته الأنثی فرکضته ثمّ أسلمته إلی الذکر و رکبته عوضه فلا یزالان یفعلان به ذلک حتّی یقتلاه أو یعجزهما هربا و النعام قد یتخذ فی الدور و ضرره شدید لأن النعامة ربما رأت فی أذن الجاریة قرطا فیه حجر أو حبة لؤلؤ فخطفته و أکلته و خرمت الأذن أو رأت ذلک فی لبتها فضربت بمنقارها اللبة فخرقتها (4)

ص :188

الذی أسره إلی الزوجة الأخری و أدی إلی تظاهرهما علیه و أنزل فیهما قرآنا یتلی فی المحاریب یتضمن وعیدا غلیظا عقیب تصریح بوقوع الذنب و صغو القلب و أعقبتها تلک الجرأة و ذلک الانبساط و حدث منها فی أیام الخلافة العلویة ما حدث و لقد عفا اللّه تعالی عنها و هی من أهل الجنة عندنا بسابق الوعد و ما صح من أمر التوبة.

و

2019

رَوَی أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِی کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ فِی بَابِ عَائِشَةَ عَنْ سَعِیدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ عَنْ أَبِی بَکْرِ بْنِ أَبِی شَیْبَةَ عَنْ وَکِیعٍ عَنْ عِصَامِ بْنِ قُدَامَةَ عَنْ عِکْرِمَةَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِنِسَائِهِ أَیَّتُکُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ یُقْتَلُ حَوْلَهَا قَتْلَی کَثِیرٌ وَ تَنْجُو بَعْدَ مَا کَادَتْ (1) .

قال أبو عمر بن عبد البر و هذا الحدیث من أعلام نبوّته ص قال و عصام بن قدامة ثقة و سائر الإسناد فثقة رجاله أشهر من أن تذکر (2) .

و لم تحمل عائشة من رسول اللّه ص و لا ولد له ولد من مهیرة (3) إلاّ من خدیجة و من السراری من ماریة .

و قذفت عائشة فی أیام رسول اللّه ص بصفوان بن المعطل السلمی و القصة مشهورة فأنزل اللّه تعالی براءتها فی قرآن یتلی و ینقل و جلد قاذفوها الحدّ و توفیت فی سنة سبع و خمسین للهجرة و عمرها أربع و ستون سنة و دفنت بالبقیع

ص :191

فی ملک معاویة و صلی علیها المسلمون لیلا و أمهم أبو هریرة و نزل فی قبرها خمسة من أهلها عبد اللّه و عروة ابنا الزبیر و القاسم و عبد اللّه ابنا محمّد بن أبی بکر و عبد الرحمن بن أبی بکر و ذلک لسبع عشرة خلت من شهر رمضان من السنة المذکورة.

فأما قوله فأدرکها رأی النساء أی ضعف آرائهن و

2020

قَدْ جَاءَ فِی الْخَبَرِ لاَ یُفْلِحُ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَی امْرَأَةٍ.

و

2021

جَاءَ إِنَّهُنَّ قَلِیلاَتُ عَقْلٍ وَ دِینٍ أَوْ قَالَ ضَعِیفَاتُ. و لذلک جعل شهادة المرأتین بشهادة الرجل الواحد و المرأة فی أصل الخلقة سریعة الانخداع سریعة الغضب سیئة الظنّ فاسدة التدبیر و الشجاعة فیهن مفقودة أو قلیلة و کذلک السخاء و أمّا الضغن فاعلم أن هذا الکلام یحتاج إلی شرح و قد کنت قرأته علی الشیخ أبی یعقوب یوسف بن إسماعیل اللمعانی رحمه اللّه أیّام اشتغالی علیه بعلم الکلام و سألته عما عنده فیه فأجابنی بجواب طویل أنا أذکر محصوله بعضه بلفظه رحمه اللّه و بعضه بلفظی فقد شذ عنی الآن لفظه کله بعینه قال أول بدء الضغن کان بینها و بین فاطمة ع و ذلک لأن رسول اللّه ص تزوجها عقیب موت خدیجة فأقامها مقامها و فاطمة هی ابنة خدیجة و من المعلوم أن ابنة الرجل إذا ماتت أمها و تزوج أبوها أخری کان بین الابنة و بین المرأة کدر و شنئان و هذا لا بدّ منه لأن الزوجة تنفس علیها میل الأب و البنت تکره میل أبیها إلی امرأة غریبة کالضرة لأمها بل هی ضرة علی الحقیقة و إن کانت الأم میتة و لأنا لو قدرنا الأم حیة لکانت العداوة مضطرمة متسعرة فإذا کانت قد ماتت ورثت ابنتها تلک العداوة و فی المثل عداوة الحماة و الکنة و قال الراجز

ص :192

إن الحماة أولعت بالکنة (1)

و أولعت کنتها بالظنة.

ثمّ اتفق أن رسول اللّه ص مال إلیها و أحبها فازداد ما عند فاطمة بحسب زیادة میله و أکرم رسول اللّه ص فاطمة إکراما عظیما أکثر ممّا کان الناس یظنونه و أکثر من إکرام الرجال لبناتهم حتّی خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد

2022

فَقَالَ بِمَحْضَرِ الْخَاصِّ وَ الْعَامِّ مِرَاراً لاَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَ فِی مَقَامَاتٍ (2) مُخْتَلِفَةٍ لاَ فِی مَقَامٍ وَاحِدٍ إِنَّهَا سَیِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ وَ إِنَّهَا عَدِیلَةُ مَرْیَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَ إِنَّهَا إِذَا مَرَّتْ فِی الْمَوْقِفِ نَادَی مُنَادٍ مِنْ جِهَةِ اَلْعَرْشِ یَا أَهْلَ الْمَوْقِفِ غُضُّوا أَبْصَارَکُمْ لِتَعْبُرَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ .

و هذا من الأحادیث الصحیحة و لیس من الأخبار المستضعفة و إن إنکاحه علیا إیاها ما کان إلاّ بعد أن أنکحه اللّه تعالی إیاها فی السماء بشهادة الملائکة و

2023

کَمْ قَالَ لاَ مَرَّةً

(3)

یُؤْذِینِی مَا یُؤْذِیهَا وَ یُغْضِبُنِی مَا یُغْضِبُهَا وَ إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّی یُرِیبُنِی مَا رَابَهَا.

فکان هذا و أمثاله یوجب زیادة الضغن عند الزوجة حسب زیادة هذا التعظیم و التبجیل و النفوس البشریة تغیظ علی ما هو دون هذا فکیف هذا.

ثمّ حصل عند بعلها ما هو حاصل عندها أعنی علیا ع فإن النساء کثیرا ما یجعلن الأحقاد فی قلوب الرجال لا سیما و هن محدثات اللیل کما قیل فی المثل و کانت تکثر الشکوی من عائشة و یغشاها نساء المدینة و جیران بیتها فینقلن إلیها کلمات عن عائشة ثم یذهبن إلی بیت عائشة فینقلن إلیها کلمات عن فاطمة و کما کانت فاطمة تشکو إلی بعلها کانت عائشة تشکو إلی أبیها لعلمها أن بعلها لا یشکیها (4) علی ابنته فحصل فی نفس أبی بکر من ذلک أثر ما ثمّ تزاید تقریظ رسول اللّه ص

ص :193

لعلی ع و تقریبه و اختصاصه فأحدث ذلک حسدا له و غبطة فی نفس أبی بکر عنه و هو أبوها و فی نفس طلحة و هو ابن عمها و هی تجلس إلیهما و تسمع کلامهما و هما یجلسان إلیها و یحادثانها فأعدی إلیها منهما کما أعدتهما.

قال و لست أبرئ علیا ع من مثل ذلک فإنّه کان ینفس علی أبی بکر سکون النبیّ ص إلیه و ثناءه علیه و یحب أن ینفرد هو بهذه المزایا و الخصائص دونه و دون الناس أجمعین و من انحرف عن إنسان انحرف عن أهله و أولاده فتأکدت البغضة بین هذین الفریقین ثمّ کان من أمر القذف ما کان و لم یکن علی ع من القاذفین و لکنه کان من المشیرین علی رسول اللّه ص بطلاقها تنزیها لعرضه عن أقوال الشنأة و المنافقین.

2024

14,1- قَالَ لَهُ لَمَّا اسْتَشَارَهُ إِنْ هِیَ إِلاَّ شِسْعُ نَعْلِکَ وَ قَالَ لَهُ سَلِ الْخَادِمَ وَ خَوِّفْهَا وَ إِنْ أَقَامَتْ عَلَی الْجُحُودِ فَاضْرِبْهَا .

و بلغ عائشة هذا الکلام کله و سمعت أضعافه ممّا جرت عادة الناس أن یتداولوه فی مثل هذه الواقعة و نقل النساء إلیها کلاما کثیرا عن علی و فاطمة و أنهما قد أظهرا الشماتة جهارا و سرا بوقوع هذه الحادثة لها فتفاقم الأمر و غلظ.

ثمّ إن رسول اللّه ص صالحها و رجع إلیها و نزل القرآن ببراءتها فکان منها ما یکون من الإنسان ینتصر بعد أن قهر و یستظهر بعد أن غلب و یبرأ بعد أن اتهم من بسط اللسان و فلتات القول و بلغ ذلک کله علیا ع و فاطمة ع فاشتدت الحال و غلظت و طوی کل من الفریقین قلبه علی الشنئان لصاحبه ثمّ کان بینها و بین علی ع فی حیاة رسول اللّه ص أحوال و أقوال کلها تقتضی تهییج ما فی النفوس نحو قولها له

2025

14,1- وَ قَدْ اسْتَدْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ فَجَاءَ حَتَّی قَعَدَ بَیْنَهُ

ص :194

وَ بَیْنَهَا وَ هُمَا مُتَلاَصِقَانِ أَ مَا وَجَدْتَ مَقْعَداً لِکَذَا -لا تکنی عنه- إِلاَّ فَخِذِی

.

2026

14,1- وَ نَحْوَ مَا رُوِیَ أَنَّهُ سَایَرَهُ یَوْماً وَ أَطَالَ مُنَاجَاتَهُ فَجَاءَتْ وَ هِیَ سَائِرَةٌ خَلْفَهُمَا حَتَّی دَخَلَتْ بَیْنَهُمَا وَ قَالَتْ فِیمَ أَنْتُمَا فَقَدْ أَطَلْتُمَا فَیُقَالُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص غَضِبَ ذَلِکَ الْیَوْمَ

.

و ما روی من حدیث الجفنة من الثرید التی أمرت الخادم فوقفت لها فأکفأتها و نحو ذلک ممّا یکون بین الأهل و بین المرأة و أحمائها.

ثمّ اتفق أن فاطمة ولدت أولادا کثیرة بنین و بنات و لم تلد هی ولدا و أن رسول اللّه ص کان یقیم بنی فاطمة مقام بنیه و یسمی الواحد منهما ابنی و یقول دَعُوا لِی ابْنِی و لا تَزْرِمُوا (1) علی ابنی و ما فعل ابنی فما ظنک بالزوجة إذا حرمت الولد من البعل ثمّ رأت البعل یتمنی بنی ابنته من غیرها و یحنو علیهم حنو الوالد المشفق هل تکون محبة لأولئک البنین و لأمهم و لأبیهم أم مبغضة و هل تود دوام ذلک و استمراره أم زواله و انقضاءه.

ثم اتفق أن رسول اللّه ص سد باب أبیها إلی المسجد و فتح باب صهره ثمّ بعث أباها ببراءة إلی مکّة ثم عزله عنها بصهره فقدح ذلک أیضا فی نفسها و ولد لرسول اللّه ص إبراهیم من ماریة فأظهر علی ع بذلک سرورا کثیرا و کان یتعصب لماریة و یقوم بأمرها عند رسول اللّه ص میلا علی غیرها و جرت لماریة نکبة مناسبة لنکبة عائشة فبرأها علی ع منها و کشف بطلانها أو کشفه اللّه تعالی علی یده و کان ذلک کشفا محسا بالبصر لا یتهیأ للمنافقین أن یقولوا فیه ما قالوه فی القرآن المنزل ببراءة عائشة و کل ذلک ممّا کان یوغر صدر عائشة علیه و یؤکد ما فی نفسها منه ثمّ مات إبراهیم فأبطنت شماتة و إن أظهرت کآبة

ص :195

و وجم علی ع من ذلک و کذلک فاطمة و کانا یؤثران و یریدان أن تتمیز ماریة علیها بالولد فلم یقدر لهما و لا لماریة ذلک و بقیت الأمور علی ما هی علیه و فی النفوس ما فیها حتّی مرض رسول اللّه ص المرض الذی توفی فیه و کانت فاطمة ع و علی ع یریدان أن یمرضاه فی بیتهما و کذلک کان أزواجه کلهن فمال إلی بیت عائشة بمقتضی المحبة القلبیة التی کانت لها دون نسائه و کره أن یزاحم فاطمة و بعلها فی بیتهما فلا یکون عنده من الانبساط لوجودهما ما یکون إذا خلا بنفسه فی بیت من یمیل إلیه بطبعه و علم أن المریض یحتاج إلی فضل مداراة و نوم و یقظة و انکشاف و خروج حدث فکانت نفسه إلی بیته أسکن منها إلی بیت صهره و بنته فإنه إذا تصور حیاءهما منه استحیا هو أیضا منهما و کل أحد یحب أن یخلو بنفسه و یحتشم الصهر و البنت و لم یکن له إلی غیرها من الزوجات مثل ذلک المیل إلیها فتمرض فی بیتها فغبطت علی ذلک و لم یمرض رسول اللّه ص منذ قدم المدینة مثل هذا المرض و إنّما کان مرضه الشقیقة (1) یوما أو بعض یوم ثمّ یبرأ فتطاول هذا المرض و کان علی ع لا یشک أن الأمر له و أنّه لا ینازعه فیه أحد من الناس

2027

1- وَ لِهَذَا قَالَ لَهُ عَمُّهُ وَ قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص امْدُدْ یَدَکَ أُبَایِعْکَ فَیَقُولُ النَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ص بَایَعَ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلاَ یَخْتَلِفُ عَلَیْکَ اثْنَانِ قَالَ یَا عَمِّ وَ هَلْ یَطْمَعُ فِیهَا طَامِعٌ غَیْرِی قَالَ سَتَعْلَمُ قَالَ فَإِنِّی لاَ أُحِبُّ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ وَرَاءِ رِتَاجٍ وَ أُحِبُّ أَنْ أَصْحَرَ بِهِ (2) فَسَکَتَ عَنْهُ .

فلما ثقل (3) رسول اللّه ص فی مرضه أنفذ جیش أسامة و جعل فیه أبا بکر و غیره من أعلام

ص :196

المهاجرین و الأنصار فکان علی ع حینئذ بوصوله إلی الأمر إن حدث برسول اللّه ص حدث أوثق و تغلب علی ظنه أن المدینة لو مات لخلت من منازع ینازعه الأمر بالکلیة فیأخذه صفوا عفوا و تتم له البیعة فلا یتهیأ فسخها لو رام ضد منازعته علیها فکان من عود أبی بکر من جیش أسامة بإرسالها إلیه و إعلامه بأن رسول اللّه ص یموت ما کان و من حدیث الصلاة بالناس ما عرف فنسب علی ع عائشة أنها أمرت بلالا مولی أبیها أن یأمره فلیصل بالناس

2028

14,1- لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ کَمَا رُوِیَ قَالَ لِیُصَلِّ بِهِمْ أَحَدُهُمْ وَ لَمْ یُعَیِّنْ وَ کَانَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ هُوَ فِی آخِرِ رَمَقٍ یَتَهَادَی بَیْنَ عَلِیٍّ وَ اَلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ حَتَّی قَامَ فِی الْمِحْرَابِ کَمَا وَرَدَ فِی الْخَبَرِ ثُمَّ دَخَلَ فَمَاتَ ارْتِفَاعَ الضُّحَی .

فجعل یوم صلاته حجة فی صرف الأمر إلیه و قال أیکم یطیب نفسا أن یتقدم قدمین قدمهما رسول اللّه فی الصلاة و لم یحملوا خروج رسول اللّه ص إلی الصلاة لصرفه عنها بل لمحافظته علی الصلاة مهما أمکن فبویع علی هذه النکتة التی اتهمها علی ع علی أنّها ابتدأت منها.

و کان علی ع یذکر هذا لأصحابه فی خلواته کثیرا و یقول إنّه لم یقل ص إنکن لصویحبات یوسف إلاّ إنکارا لهذه الحال و غضبا منها لأنّها و حفصة تبادرتا إلی تعیین أبویهما و أنّه استدرکها بخروجه و صرفه عن المحراب فلم یجد ذلک و لا أثر مع قوة الداعی الذی کان یدعو إلی أبی بکر و یمهد له قاعدة الأمر و تقرر حاله فی نفوس الناس و من اتبعه علی ذلک من أعیان المهاجرین و الأنصار و لما ساعد علی ذلک من الحظ الفلکی و الأمر السمائی الذی جمع علیه القلوب و الأهواء فکانت هذه الحال عند علی أعظم من کل عظیم و هی الطامة الکبری

ص :197

و المصیبة العظمی و لم ینسبها إلاّ إلی عائشة وحدها و لا علق الأمر الواقع إلاّ بها فدعا علیها فی خلواته و بین خواصه و تظلم إلی اللّه منها و جری له فی تخلفه عن البیعة ما هو مشهور حتّی بایع و کان یبلغه و فاطمة عنها کل ما یکرهانه منذ مات رسول اللّه ص إلی أن توفیت فاطمة و هما صابران علی مضض و رمض (1) و استظهرت بولایة أبیها و استطالت و عظم شأنها و انخذل علی و فاطمة و قهرا و أخذت فدک و خرجت فاطمة تجادل فی ذلک مرارا فلم تظفر بشیء و فی ذلک تبلغها النساء و الداخلات و الخارجات عن عائشة کل کلام یسوؤها و یبلغن عائشة عنها و عن بعلها مثل ذلک إلاّ أنّه شتان ما بین الحالین و بعد ما بین الفریقین هذه غالبة و هذه مغلوبة و هذه آمرة و هذه مأمورة و ظهر التشفی و الشماتة و لا شیء أعظم مرارة و مشقة من شماتة العدو.

فقلت له رحمه اللّه أ فتقول أنت إن عائشة عینت أباها للصلاة و رسول اللّه ص لم یعینه فقال أما أنا فلا أقول ذلک و لکن علیا کان یقوله و تکلیفی غیر تکلیفه کان حاضرا و لکم أکن حاضرا فأنا محجوج بالأخبار التی اتصلت بی و هی تتضمن تعیین النبیّ ص لأبی بکر فی الصلاة و هو محجوج بما کان قد علمه أو یغلب علی ظنه من الحال التی کان حضرها.

قال

2029

15- ثُمَّ مَاتَتْ فَاطِمَةُ فَجَاءَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ ص کُلُّهُنَّ إِلَی بَنِی هَاشِمٍ فِی الْعَزَاءِ إِلاَّ عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لَمْ تَأْتِ وَ أَظْهَرَتْ مَرَضاً وَ نُقِلَ إِلَی عَلِیٍّ ع عَنْهَا کَلاَمٌ یَدُلُّ عَلَی السُّرُورِ .

ثمّ بایع علی أباها فسرت بذلک و أظهرت من الاستبشار بتمام البیعة و استقرار

ص :198

الخلافة و بطلان منازعة الخصم ما قد نقله الناقلون فأکثروا و استمرت الأمور علی هذا مدة خلافة أبیها و خلافة عمر و عثمان و القلوب تغلی و الأحقاد تذیب الحجارة و کلما طال الزمان علی علی تضاعفت همومه و باح بما فی نفسه إلی أن قتل عثمان و قد کانت عائشة فیها أشدّ الناس علیه تألیبا و تحریضا فقالت أبعده اللّه لما سمعت قتله و أملت أن تکون الخلافة فی طلحة فتعود الإمرة تیمیة کما کانت أولا فعدل الناس عنه إلی علیّ بن أبی طالب فلما سمعت ذلک صرخت وا عثماناه قتل عثمان مظلوما و ثار ما فی الأنفس حتّی تولد من ذلک یوم الجمل و ما بعده.

هذه خلاصة کلام الشیخ أبی یعقوب رحمه اللّه و لم یکن یتشیع و کان شدیدا فی الاعتزال إلا أنّه فی التفضیل کان بغدادیا فأما قوله ع و لو دعیت لتنال من غیری مثل ما أتت إلی لم تفعل فإنما یعنی به عمر یقول لو أن عمر ولی الخلافة بعد قتل عثمان علی الوجه الذی قتل علیه و الوجه الذی أنا ولیت الخلافة علیه و نسب إلی عمر أنه کان یؤثر قتله أو یحرض علیه و دعیت عائشة إلی أن تخرج علیه فی عصابة من المسلمین إلی بعض بلاد الإسلام تثیر فتنة و تنقض البیعة لم تفعل و هذا حقّ لأنّها لم تکن تجد علی عمر ما تجده علی علی ع و لا الحال الحال .

فأما قوله و لها بعد حرمتها الأولی و الحساب علی اللّه فإنه یعنی بذلک حرمتها بنکاح رسول اللّه ص لها و حبّه إیاها و حسابها علی اللّه لأنّه غفور رحیم لا یتعاظم عفوه زلة و لا یضیق عن رحمته ذنب.

ص :199

فإن قلت هذا الکلام یدلّ علی توقفه ع فی أمرها و أنتم تقولون إنها من أهل الجنة فکیف تجمعون بین مذهبکم و هذا الکلام.

قلت یجوز أن یکون قال هذا الکلام قبل أن یتواتر الخبر عنده بتوبتها فإن أصحابنا یقولون إنها تابت بعد قتل أمیر المؤمنین و ندمت و قالت لوددت أن لی من رسول اللّه ص عشرة بنین کلهم ماتوا و لم یکن یوم الجمل و إنها کانت بعد قتله تثنی علیه و تنشر مناقبه مع أنهم رووا أیضا أنّها عقیب الجمل کانت تبکی حتّی تبل خمارها و أنّها استغفرت اللّه و ندمت و لکن لم یبلغ أمیر المؤمنین ع حدیث توبتها عقیب الجمل بلاغا یقطع العذر و یثبت الحجة و الذی شاع عنها من أمر الندم و التوبة شیاعا مستفیضا إنّما کان بعد قتله ع إلی أن ماتت و هی علی ذلک و التائب مغفور له و یجب قبول التوبة عندنا فی العدل و قد أکدوا وقوع التوبة منها ما روی فی الأخبار المشهورة أنّها زوجة رسول اللّه ص فی الآخرة کما کانت زوجته فی الدنیا و مثل هذا الخبر إذا شاع أوجب علینا أن نتکلف إثبات توبتها و لو لم ینقل فکیف و النقل لها یکاد أن یبلغ حدّ التواتر مِنْهُ سَبِیلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ فَبِالْإِیمَانِ یُسْتَدَلُّ عَلَی الصَّالِحَاتِ وَ بِالصَّالِحَاتِ یُسْتَدَلُّ عَلَی الْإِیمَانِ وَ بِالْإِیمَانِ یُعْمَرُ الْعِلْمُ وَ بِالْعِلْمِ یُرْهَبُ الْمَوْتُ وَ بِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْیَا وَ بِالدُّنْیَا تُحْرَزُ الآْخِرَةُ وَ بِالْقِیَامَةِ تُزْلَفُ اَلْجَنَّةُ وَ تُبَرَّزُ اَلْجَحِیمُ

ص :200

لِلْغٰاوِینَ وَ إِنَّ الْخَلْقَ لاَ مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ اَلْقِیَامَةِ مُرْقِلِینَ فِی مِضْمَارِهَا إِلَی الْغَایَةِ الْقُصْوَی .

هو الآن فی ذکر الإیمان و عنه قال سبیل أبلج المنهاج أی واضح الطریق .

ثمّ قال فبالإیمان یستدل علی الصالحات یرید بالإیمان هاهنا مسماه اللغوی لا الشرعی لأن الإیمان فی اللغة هو التصدیق قال سبحانه وَ مٰا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنٰا (1) أی بمصدق و المعنی أن من حصل عنده التصدیق بالوحدانیة و الرسالة و هما کلمتا الشهادة استدلّ بهما علی وجوب الأعمال الصالحة علیه أو ندبه إلیها لأن المسلم یعلم من دین نبیه ص أنه أوجب علیه أعمالا صالحة و ندبه إلی أعمال صالحة فقد ثبت أن بالإیمان یستدل علی الصالحات .

ثمّ قال و بالصالحات یستدل علی الإیمان فالإیمان هاهنا مستعمل فی مسماه الشرعی لا فی مسماه اللغوی و مسماه الشرعی هو العقد بالقلب و القول باللسان و العمل بالجوارح فلا یکون المؤمن مؤمنا حتّی یستکمل فعل کل واجب و یجتنب کل قبیح و لا شبهة أنا متی علمنا أو ظننا من مکلف أنّه یفعل الأفعال الصالحة و یجتنب الأفعال القبیحة استدللنا بذلک علی حسن إطلاق لفظ المؤمن علیه و بهذا التفسیر الذی فسرناه نسلم من إشکال الدور لأن لقائل أن یقول من شرط الدلیل أن یعلم قبل العلم بالمدلول فلو کان کل واحد من الإیمان و الصالحات یستدل به علی الآخر لزم تقدم العلم بکل واحد منهما علی العلم بکل واحد منهما فیؤدی إلی الدور و لا شبهة أن هذا الدور غیر لازم علی التفسیر الذی فسرناه نحن.

ص :201

ثم قال ع و بالإیمان یعمر العلم و ذلک لأن العالم و هو غیر عامل بعلمه غیر منتفع بما علم بل مستضر به غایة الضرر فکأن علمه خراب غیر معمور و إنّما یعمر بالإیمان و هو فعل الواجب و تجنب القبیح علی مذهبنا أو الاعتقاد و المعرفة علی مذهب غیرنا أو القول اللسانی علی قول آخرین و مذهبنا أرجح لأن عمارة العلم إنّما تکون بالعمل من الأعضاء و الجوارح و بدون ذلک یبقی العلم علی خرابه کما کان .

ثمّ قال و بالعلم یرهب الموت هذا من قول اللّه تعالی إِنَّمٰا یَخْشَی اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ (1) .

ثمّ قال و بالموت تختم الدنیا و هذا حقّ لأنّه انقطاع التکلیف .

ثمّ قال و بالدنیا تحرز الآخرة هذا کقول بعض الحکماء الدنیا متجر و الآخرة ربح و نفسک رأس المال .

ثمّ قال و بالقیامة تزلف اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ و تبرز اَلْجَحِیمُ لِلْغٰاوِینَ هذا من القرآن العزیز (2) و تزلف لهم تقدم لهم و تقرب إلیهم .

و لا مقصر لی عن کذا لا محبس و لا غایة لی دونه و أرقل أسرع و المضمار حیث تستبق الخیل مِنْهَا-قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الْأَجْدَاثِ وَ صَارُوا إِلَی مَصَایِرِ الْغَایَاتِ لِکُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا

ص :202

لاَ یَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَ لاَ یُنْقَلُونَ عَنْهَا وَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ إِنَّهُمَا لاَ یُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَ لاَ یَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ وَ عَلَیْکُمْ بِکِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِینُ وَ النُّورُ الْمُبِینُ وَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ وَ الرِّیُّ النَّاقِعُ وَ الْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّکِ وَ النَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ لاَ یَعْوَجُّ فَیُقَامَ وَ لاَ یَزِیغُ فَیُسْتَعْتَبَ وَ لاَ یُخْلِقُهُ کَثْرَةُ الرَّدِّ وَ وُلُوجُ السَّمْعِ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ .

شخصوا

من بلد کذا خرجوا و مستقر الأجداث مکان استقرارهم بالقبور و هی جمع جدث .

و مصایر الغایات جمع مصیر و الغایات جمع غایة و هی ما ینتهی إلیه قال الکمیت فالآن صرت إلی أمیة و الأمور إلی مصایر .

ثمّ ذکر أن أهل الثواب و العقاب کل من الفریقین یقیم بدار لا یتحول منها و هذا کما

2030

وَرَدَ فِی الْخَبَرِ أَنَّهُ یُنَادِی مُنَادٍ یَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ سَعَادَةً لاَ فَنَاءَ لَهَا وَ یَا أَهْلَ اَلنَّارِ شَقَاوَةً لاَ فَنَاءَ لَهَا .

ثمّ ذکر أن الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر خلقان من خلق اللّه سبحانه و ذلک لأنّه تعالی ما أمر إلاّ بمعروف و ما نهی إلاّ عن منکر و یبقی الفرق بیننا و بینه أنا یجب علینا النهی عن المنکر بالمنع منه و هو سبحانه لا یجب علیه ذلک لأنّه لو منع من إتیان المنکر لبطل التکلیف .

ثمّ قال إنهما لا یقربان من أجل و لا ینقصان من رزق و إنّما قال ع

ص :203

ذلک لأن کثیرا من الناس یکف عن نهی الظلمة عن المناکیر توهما منه أنهم أما إن یبطشوا به فیقتلوه أو یقطعوا رزقه و یحرموه فقال ع إن ذلک لیس ممّا یقرب من الأجل و لا یقطع الرزق.

و ینبغی أن یحمل کلامه ع علی حال السلامة و غلبة الظنّ بعدم تطرق الضرر الموفی علی مصلحة النهی عن المنکر .

ثمّ أمر باتباع الکتاب العزیز و وصفه بما وصفه به .

و ماء ناقع ینقع الغلة أی یقطعها و یروی منها و لا یزیغ یمیل فیستعتب یطلب منه العتبی هی الرضا کما یطلب من الظالم یمیل فیسترضی .

قال و لا یخلقه کثرة الرد و ولوج السمع هذا من خصائص القرآن المجید شرفه اللّه تعالی و ذلک أن کل کلام منثور أو منظوم إذا تکررت تلاوته و تردد ولوجه الأسماع مل و سمج و استهجن إلاّ القرآن فإنه لا یزال غضا طریا محبوبا غیر مملول

ص :204

قد کان ع یتکلم فی الفتنة و لذلک ذکر الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و لذلک قال فعلیکم بکتاب اللّه أی إذا وقع الأمر و اختلط الناس فعلیکم بکتاب اللّه فلذلک قام إلیه من سأله عن الفتنة

2031

وَ هَذَا الْخَبَرُ مَرْوِیٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَدْ رَوَاهُ کَثِیرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِینَ عَنْ عَلِیٍّ ع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ کَتَبَ عَلَیْکَ جِهَادَ الْمَفْتُونِینَ کَمَا کَتَبَ عَلَیَّ جِهَادَ اَلْمُشْرِکِینَ قَالَ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِی کُتِبَ عَلَیَّ فِیهَا الْجِهَادُ قَالَ قَوْمٌ یَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ وَ هُمْ مُخَالِفُونَ لِلسُّنَّةِ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلاَمَ أُقَاتِلُهُمْ وَ هُمْ یَشْهَدُونَ کَمَا أَشْهَدُ قَالَ عَلَی الْأَحْدَاثِ فِی الدِّینِ وَ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّکَ کُنْتَ وَعَدْتَنِی الشَّهَادَةَ فَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ یُعَجِّلَهَا لِی بَیْنَ یَدَیْکَ قَالَ فَمَنْ یُقَاتِلُ اَلنَّاکِثِینَ وَ اَلْقَاسِطِینَ وَ اَلْمَارِقِینَ أَمَا إِنِّی وَعَدْتُکَ الشَّهَادَةَ وَ سَتُسْتَشْهَدُ تُضْرَبُ عَلَی هَذِهِ فَتُخْضَبُ هَذِهِ فَکَیْفَ صَبْرُکَ إِذاً قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَیْسَ ذَا بِمَوْطِنِ صَبْرٍ هَذَا مَوْطِنُ شُکْرٍ قَالَ أَجَلْ أَصَبْتَ فَأَعِدَّ لِلْخُصُومَةِ فَإِنَّکَ مُخَاصِمٌ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ بَیَّنْتَ لِی قَلِیلاً فَقَالَ إِنَّ أُمَّتِی سَتُفْتَنُ مِنْ بَعْدِی فَتَتَأَوَّلُ اَلْقُرْآنَ وَ تَعْمَلُ بِالرَّأْیِ وَ تَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ بِالنَّبِیذِ وَ السُّحْتَ بِالْهَدِیَّةِ وَ الرِّبَا بِالْبَیْعِ وَ تُحَرِّفُ اَلْکِتَابَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ تَغْلِبُ کَلِمَةَ الضَّلاَلِ فَکُنْ جَلِیسَ بَیْتِکَ حَتَّی تُقَلَّدَهَا فَإِذَا قُلِّدْتَهَا جَاشَتِ عَلَیْکَ الصُّدُورُ وَ قُلِبَتْ لَکَ الْأُمُورُ تُقَاتِلُ حِینَئِذٍ عَلَی تَأْوِیلِ اَلْقُرْآنِ کَمَا قَاتَلْتَ عَلَی تَنْزِیلِهِ فَلَیْسَتْ حَالُهُمْ الثَّانِیَةُ بِدُونِ حَالِهِمْ الْأُولَی فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِأَیِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُ هَؤُلاَءِ الْمَفْتُونِینَ مِنْ بَعْدِکَ أَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ یَعْمَهُونَ فِیهَا إِلَی أَنْ یُدْرِکَهُمُ الْعَدْلُ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ یُدْرِکُهُمُ الْعَدْلُ مِنَّا أَمْ مِنْ غَیْرِنَا قَالَ بَلْ مِنَّا بِنَا فَتَحَ وَ بِنَا یَخْتِمُ وَ بِنَا أَلَّفَ اللَّهُ بَیْنَ الْقُلُوبِ

ص :206

بَعْدَ الشِّرْکِ وَ بِنَا یُؤَلِّفُ بَیْنَ الْقُلُوبِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ فَقُلْتُ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی مَا وَهَبَ لَنَا مِنْ فَضْلِهِ .

و اعلم أن لفظه ع المروی فی نهج البلاغة یدل علی أن الآیة المذکورة و هی قوله ع الم أَ حَسِبَ النّٰاسُ أنزلت بعد أحد و هذا خلاف قول أرباب التفسیر لأن هذه الآیة هی أول سورة العنکبوت و هی عندهم بالاتفاق مکیة و یوم أحد کان بالمدینة و ینبغی أن یقال فی هذا إن هذه الآیة خاصّة أنزلت بالمدینة و أضیفت إلی السورة المکیة فصارتا واحدة و غلب علیها نسب المکی لأن الأکثر کان بمکّة و فی القرآن مثل هذا کثیر کسورة النحل فإنها مکیة بالإجماع و آخرها ثلاث آیات أنزلت بالمدینة بعد یوم أحد و هی قوله تعالی وَ إِنْ عٰاقَبْتُمْ فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصّٰابِرِینَ وَ اصْبِرْ وَ مٰا صَبْرُکَ إِلاّٰ بِاللّٰهِ وَ لاٰ تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَ لاٰ تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمّٰا یَمْکُرُونَ إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ (1) .

فإن قلت فلم قال علمت أن الفتنة لا تنزل بنا و رسول اللّه بین أظهرنا قلت لقوله تعالی وَ مٰا کٰانَ اللّٰهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ (2) .

و قوله حیزت عنی الشهادة أی منعت .

قوله لیس هذا من مواطن الصبر کلام عال جدا یدلّ علی یقین عظیم و عرفان تام و نحوه

2032

1- قَوْلُهُ وَ قَدْ ضَرَبَهُ اِبْنُ مُلْجَمٍ فُزْتُ وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ .

ص :207

قوله سیفتنون بعدی بأموالهم من قوله تعالی إِنَّمٰا أَمْوٰالُکُمْ وَ أَوْلاٰدُکُمْ فِتْنَةٌ (1) .

قوله و یمنون بدینهم علی ربهم من قوله تعالی یَمُنُّونَ عَلَیْکَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاٰ تَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلاٰمَکُمْ بَلِ اللّٰهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَدٰاکُمْ لِلْإِیمٰانِ (2) .

قوله و یتمنون رحمته من قوله أحمق الحمقی من أتبع نفسه هواها و تمنی علی اللّه .

قوله و یأمنون سطوته من قوله تعالی أَ فَأَمِنُوا مَکْرَ اللّٰهِ فَلاٰ یَأْمَنُ مَکْرَ اللّٰهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخٰاسِرُونَ (3) .

و الأهواء الساهیة

الغافلة و السحت الحرام و یجوز ضم الحاء و قد أسحت الرجل فی تجارته إذا اکتسب السحت .

و فی قوله بل بمنزلة فتنة تصدیق لمذهبنا فی أهل البغی و أنهم لم یدخلوا فی الکفر بالکلیة بل هم فساق و الفاسق عندنا فی منزلة بین المنزلتین خرج من الإیمان و لم یدخل فی الکفر

ص :208

خُلِقَ لِلآْخِرَةِ وَ مَا یَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِیلٍ یُسْلَبُهُ وَ تَبْقَی عَلَیْهِ تَبِعَتُهُ وَ حِسَابُهُ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّهُ لَیْسَ لِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الْخَیْرِ مَتْرَکٌ وَ لاَ فِیمَا نَهَی عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ عِبَادَ اللَّهِ احْذَرُوا یَوْماً تُفْحَصُ فِیهِ الْأَعْمَالُ وَ یَکْثُرُ فِیهِ الزِّلْزَالُ وَ تَشِیبُ فِیهِ الْأَطْفَالُ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ عَلَیْکُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِکُمْ وَ عُیُوناً مِنْ جَوَارِحِکُمْ وَ حُفَّاظَ صِدْقٍ یَحْفَظُونَ أَعْمَالَکُمْ وَ عَدَدَ أَنْفَاسِکُمْ لاَ تَسْتُرُکُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَیْلٍ دَاجٍ وَ لاَ یُکِنُّکُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ وَ إِنَّ غَداً مِنَ الْیَوْمِ قَرِیبٌ یَذْهَبُ الْیَوْمُ بِمَا فِیهِ وَ یَجِیءُ الْغَدُ لاَحِقاً بِهِ فَکَأَنَّ کُلَّ امْرِئٍ مِنْکُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ وَ مَخَطَّ حُفْرَتِهِ فَیَا لَهُ مِنْ بَیْتِ وَحْدَةٍ وَ مَنْزِلِ وَحْشَةٍ وَ مَفْرَدِ غُرْبَةٍ وَ کَأَنَّ الصَّیْحَةَ قَدْ أَتَتْکُمْ وَ السَّاعَةَ قَدْ غَشِیَتْکُمْ وَ بَرَزْتُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ قَدْ زَاحَتْ عَنْکُمُ الْأَبَاطِیلُ وَ اضْمَحَلَّتْ عَنْکُمُ الْعِلَلُ وَ اسْتَحَقَّتْ بِکُمُ الْحَقَائِقُ وَ صَدَرَتْ بِکُمُ الْأُمُورُ مَصَادِرَهَا فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ وَ اعْتَبِرُوا بِالْغِیَرِ وَ انْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ .

جعل الحمد مفتاحا لذکره

لأن أول الکتاب العزیز اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ و القرآن هو الذکر قال سبحانه إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ (1)

ص :210

و سببا للمزید

لأنّه تعالی قال لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ (1) و الحمد هاهنا هو الشکر و معنی جعله الحمد دلیلا علی عظمته و آلائه أنّه إذا کان سببا للمزید فقد دل ذلک علی عظمة الصانع و آلائه أما دلالته علی عظمته فلأنّه دال علی أن قدرته لا تتناهی أبدا بل کلما ازداد الشکر ازدادت النعمة و أمّا دلالته علی آلائه فلأنّه لا جود أعظم من جود من یعطی من یحمده لا حمدا متطوعا بل حمدا واجبا علیه .

قوله یجری بالباقین کجریه بالماضین من هذا أخذ الشعراء و غیرهم ما نظموه فی هذا المعنی قال بعضهم مات من مات و الثریا الثریا

و قال آخر فما الدهر إلاّ کالزمان الذی مضی و لا نحن إلاّ کالقرون الأوائل .

قوله لا یعود ما قد ولی منه کقول الشاعر ما أحسن الأیّام إلاّ أنّها یا صاحبی إذا مضت لم ترجع (2) .

قوله و لا یبقی سرمدا ما فیه کلام مطروق المعنی قال عدی لیس شیء علی المنون بباق غیر وجه المهیمن الخلاق .

قوله آخر أفعاله کأوله یروی کأولها و من رواه کأوله أعاد الضمیر إلی الدهر أی آخر أفعال الدهر کأول الدهر فحذف المضاف .

متشابهة أموره

لأنّه کما کان من قبل یرفع و یضع و یغنی و یفقر و یوجد

ص :211

و یعدم فکذلک هو الآن أفعاله متشابهة و روی متسابقة أی شیء منها قبل شیء کأنها خیل تتسابق فی مضمار .

متظاهرة أعلامه

أی دلالاته علی سجیته التی عامل الناس بها قدیما و حدیثا متظاهرة یقوی بعضها بعضا و هذا الکلام جار منه ع علی عادة العرب فی ذکر الدهر و إنّما الفاعل علی الحقیقة ربّ الدهر .

و الشول النوق التی خف لبنها و ارتفع ضرعها و أتی علیها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانیة الواحدة شائلة و هی جمع علی غیر القیاس و شولت الناقة أی صارت شائلة فأما الشائل بغیر هاء فهی الناقة تشول بذنبها للقاح و لا لبن لها أصلا و الجمع شول مثل راکع و رکع قال أبو النجم کأن فی أذنابهن الشول (1) .

و الزاجر الذی یزجر الإبل یسوقها و یقال حدوت إبلی و حدوت بإبلی و الحدو سوقها و الغناء لها و کذلک الحداء و یقال للشمال حدواء لأنّها تحدو السحاب أی تسوقه قال العجاج حدواء جاءت من بلاد الطور (2) .

و لا یقال للمذکر أحدی و ربما قیل للحمار إذا قدم أتنه حاد قال ذو الرمة حادی ثلاث من الحقب السماحیج (3) .

و المعنی أن سائق الشول یعسف بها و لا یتقی سوقها و لا یدارک کما یسوق العشار (4) .

ص :212

ثم قال ع من شغل نفسه بغیر نفسه هلک و ذلک أن من لا یوفی النظر حقه و یمیل إلی الأهواء و نصرة الأسلاف و الحجاج عما ربی علیه بین الأهل و الأستاذین الذین زرعوا فی قلبه العقائد یکون قد شغل نفسه بغیر نفسه لأنّه لم ینظر لها و لا قصد الحق من حیث هو حقّ و إنّما قصد نصرة مذهب معین یشق علیه فراقه و یصعب عنده الانتقال منه و یسوؤه أن یرد علیه حجة تبطله فیسهر عینه و یتعب قلبه فی تهویس (1) تلک الحجة و القدح فیها بالغث و السمین لا لأنّه یقصد الحق بل یقصد نصرة المذهب المعین و تشیید دلیله لا جرم أنّه متحیر فی ظلمات لا نهایة لها .

و الارتباک الاختلاط ربکت الشیء أربکه ربکا خلطته فارتبک أی اختلط و ارتبک الرجل فی الأمر أی نشب فیه و لم یکد یتخلص منه .

قوله و مدت به شیاطینه فی طغیانه مأخوذ من قوله تعالی وَ إِخْوٰانُهُمْ یَمُدُّونَهُمْ فِی الغَیِّ ثُمَّ لاٰ یُقْصِرُونَ (2) .

و روی و مدت له شیاطینه باللام و معناه الإمهال مد له فی الغی أی طول له و قال تعالی قُلْ مَنْ کٰانَ فِی الضَّلاٰلَةِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمٰنُ مَدًّا (3) .

قوله و زینت له سیئ أعماله مأخوذ من قوله تعالی أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (4) .

قوله التقوی دار حصن عزیز معناه دار حصانة عزیزة فأقام الاسم مقام المصدر و کذلک فی الفجور .

و یحرز من لجأ إلیه یحفظ من اعتصم به.

ص :213

و حمة الخطایا سمها و تقطع الحمة کما تقول قطعت سریان السم فی بدن الملسوع بالبادزهرات و التریاقات فکأنّه جعل سم الخطایا ساریا فی الأبدان و التقوی تقطع سریانه .

قوله و بالیقین تدرک الغایة القصوی و ذلک لأن أقصی درجات العرفان الکشف و هو المراد هاهنا بلفظ الیقین .

و انتصب اللّه اللّه علی الإغراء و فی متعلقة بالفعل المقدر و تقدیره راقبوا و أعز الأنفس علیهم أنفسهم .

قوله فشقوة لازمة مرفوع علی أنّه خبر مبتدإ محذوف تقدیره فغایتکم أو فجزاؤکم أو فشأنکم و هذا یدلّ علی مذهبنا فی الوعید لأنّه قسم الجزاء إلی قسمین إمّا العذاب أبدا أو النعیم أبدا و فی هذا بطلان قول المرجئة إن ناسا یخرجون من النار فیدخلون الجنة لأن هذا لو صح لکان قسما ثالثا .

قوله فقد دللتم علی الزاد أی الطاعة .

و أمرتم بالظعن

أی أمرتم بهجر الدنیا و أن تظعنوا عنها بقلوبکم و یجوز الظعن بالتسکین .

و حثثتم علی المسیر

لأن اللیل و النهار سائقان عنیفان .

قوله و إنّما أنتم کرکب وقوف لا یدرون متی یؤمرون بالسیر السیر هاهنا هو الخروج من الدنیا إلی الآخرة بالموت جعل الناس و مقامهم فی الدنیا کرکب وقوف لا یدرون متی یقال لهم سیروا فیسیرون لأن الناس لا یعلمون الوقت الذی یموتون فیه فإن قلت کیف سمی الموت و المفارقة سیرا.

قلت لأن الأرواح یعرج بها إمّا إلی عالمها و هم السعداء أو تهوی إلی أسفل

ص :214

السافلین و هم الأشقیاء و هذا هو السیر الحقیقی لا حرکة الرجل بالمشی و من أثبت الأنفس المجردة قال سیرها خلوصها من عالم الحس و اتصالها المعنوی لا الأبدی ببارئها فهو سیر فی المعنی لا فی الصورة و من لم یقل بهذا و لا بهذا قال إن الأبدان بعد الموت تأخذ فی التحلل و التزایل فیعود کل شیء منها إلی عنصره فذاک هو السیر .

و ما فی عما قلیل زائدة و تبعته إثمه و عقوبته .

قوله إنّه لیس لما وعد اللّه من الخیر مترک أی لیس الثواب فیما ینبغی للمرء أن یترکه و لا الشر فیما ینبغی أن یرغب المرء فیه .

و تفحص فیه الأعمال تکشف و الزلزال بالفتح اسم للحرکة الشدیدة و الاضطراب و الزلزال بالکسر المصدر قال تعالی وَ زُلْزِلُوا زِلْزٰالاً شَدِیداً (1) .

قوله و یشیب فیه الأطفال کلام جار مجری المثل یقال فی الیوم الشدید إنّه لیشیب نواصی الأطفال و قال تعالی فَکَیْفَ تَتَّقُونَ إِنْ کَفَرْتُمْ یَوْماً یَجْعَلُ الْوِلْدٰانَ شِیباً (2) و لیس ذلک علی حقیقته لأن الأمة مجمعة علی أن الأطفال لا تتغیر حالهم فی الآخرة إلی الشیب و الأصل فی هذا أن الهموم و الأحزان إذا توالت علی الإنسان شاب سریعا قال أبو الطیب و الهم یخترم الجسیم نحافة و یشیب ناصیة الصبیّ و یهرم (3) .

قوله إن علیکم رصدا من أنفسکم و عیونا من جوارحکم لأن الأعضاء تنطق فی القیامة بأعمال المکلفین و تشهد علیهم.

ص :215

و الرصد جمع راصد کالحرس جمع حارس .

قوله و حفاظ صدق یعنی الملائکة الکاتبین لا یعتصم منهم بسترة و لا ظلام لیل و من هذا المعنی قول الشاعر إذا ما خلوت الدهر یوما فلا تقل خلوت و لکن قل علی رقیب قوله و إن غدا من الیوم قریب و منه قول القائل فإن غدا لناظره قریب (1) .

منه قوله غد ما غد ما أقرب الیوم من غد.

و منه قول اللّه تعالی إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ (2) و الصیحة نفخة الصور .

و زاحت الأباطیل بعدت و اضمحلت تلاشت و ذهبت .

قوله و استحقت أی حقت و وقعت استفعل بمعنی فعل کقولک استمر علی باطله أی مر علیه .

و صدرت بکم الأمور مصادرها

کل وارد فله صدر عن مورده و صدر الإنسان عن موارد الدنیا الموت ثمّ البعث

ص :216

مرفوعا و أیضا فإن العرب تستعمل بین یدیه بمعنی قبل قال تعالی بَیْنَ یَدَیْ عَذٰابٍ شَدِیدٍ (1) أی قبله مِنْهَا فَعِنْدَ ذَلِکَ لاَ یَبْقَی بَیْتُ مَدَرٍ وَ لاَ وَبَرٍ إِلاَّ وَ أَدْخَلَهُ الظَّلَمَةُ تَرْحَةً وَ أَوْلَجُوا فِیهِ نِقْمَةً فَیَوْمَئِذٍ لاَ یَبْقَی لَهُمْ فِی السَّمَاءِ عَاذِرٌ وَ لاَ فِی الْأَرْضِ نَاصِرٌ أَصْفَیْتُمْ بِالْأَمْرِ غَیْرَ أَهْلِهِ وَ أَوْرَدْتُمُوهُ غَیْرَ مَوْرِدِهِ وَ سَیَنْتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ مَأْکَلاً بِمَأْکَلٍ وَ مَشْرَباً بِمَشْرَبٍ مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ وَ مَشَارِبِ الصَّبِرِ وَ الْمَقِرِ وَ لِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ وَ دِثَارِ السَّیْفِ وَ إِنَّمَا هُمْ مَطَایَا الْخَطِیئَاتِ وَ زَوَامِلُ الآْثَامِ فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ لَتَنْخَمَنَّهَا أُمَیَّةُ مِنْ بَعْدِی کَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ ثُمَّ لاَ تَذُوقُهَا وَ لاَ [تَتَطَعَّمُ]

تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا کَرَّ الْجَدِیدَانِ .

الترحة الحزن قال فحینئذ لا یبقی لهم أی یحیق بهم العذاب و یبعث اللّه علیهم من ینتقم و هذا إخبار عن ملک بنی أمیّة بعده و زوال أمرهم عند تفاقم فسادهم فی الأرض .

ثمّ خاطب أولیاء هؤلاء الظلمة و من کان یؤثر ملکهم فقال أصفیتم بالأمر

ص :218

غیر أهله

أصفیت فلانا بکذا خصصته به و صفیة المغنم شیء کان یصطفیه الرئیس لنفسه من الغنیمة .

و أوردتموه غیر ورده

أنزلتموه عند غیر مستحقه ثمّ قال سیبدل اللّه مأکلهم اللذیذة الشهیة بمأکل مریرة علقمیة و المقر المر و مأکلا منصوب بفعل مقدر أی یأکلون مأکلا و الباء هاهنا للمجازاة الدالة علی الصلة کقوله تعالی فَبِمٰا نَقْضِهِمْ مِیثٰاقَهُمْ (1) و کقول أبی تمام فبما قد أراه ریان مکسو المعانی من کل حسن و طیب (2) و قال سبحانه قٰالَ رَبِّ بِمٰا أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ (3) و جعل شعارهم الخوف لأنّه باطن فی القلوب و دثارهم السیف لأنّه ظاهر فی البدن کما أن الشعار ما کان إلی الجسد و الدثار ما کان فوقه .

و مطایا الخطیات حوامل الذنوب و زوامل الآثام جمع زاملة و هی بعیر یستظهر به الإنسان یحمل متاعه علیه قال الشاعر زوامل أشعار و لا علم عندهم بجیدها إلاّ کعلم الأباعر (4) و تنخمت النخامة إذا تنخعتها و النخامة النخاعة .

و الجدیدان اللیل و النهار و قد جاء فی الأخبار الشائعة المستفیضة فی کتب المحدثین أن رسول اللّه ص أخبر أن بنی أمیّة تملک الخلافة بعده مع ذمّ منه ع

ص :219

لهم نحو ما روی عنه فی تفسیر قوله تعالی وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنٰاکَ إِلاّٰ فِتْنَةً لِلنّٰاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی اَلْقُرْآنِ (1) فإن المفسرین قالوا

2033

1- إِنَّهُ رَأَی بَنِی أُمَیَّةَ یَنْزُونَ عَلَی مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ هَذَا لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ ص الَّذِی فَسَّرَ لَهُمْ الْآیَةَ بِهِ فَسَاءَهُ ذَلِکَ ثُمَّ قَالَ الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ بَنُو أُمَیَّةَ وَ بَنُو الْمُغِیرَةِ .

و نحو

2034

قَوْلِهِ ص إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِی الْعَاصِ ثَلاَثِینَ رَجُلاً اتَّخَذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً وَ عِبَادَهُ خَوَلاً.

وَ نَحْوُ

2035

قَوْلِهِ ص فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی لَیْلَةُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (2) قَالَ أَلْفَ شَهْرٍ یَمْلِکُ فِیهَا بَنُو أُمَیَّةَ .

و ورد عنه ص من ذمهم الکثیر المشهور نحوُ

2036

قَوْلِهِ أَبْغَضُ الْأَسْمَاءِ إِلَی اللَّهِ اَلْحَکَمُ وَ هِشَامٌ وَ اَلْوَلِیدُ .

و

2037

فِی خَبَرٍ آخَرَ اسْمَانِ یُبْغِضُهُمَا اللَّهُ مَرْوَانُ وَ اَلْمُغِیرَةُ .

و نحوُ

2038

قَوْلِهِ إِنَّ رَبَّکُمْ یُحِبُّ وَ یُبْغِضُ کَمَا یُحِبُّ أَحَدُکُمْ وَ یُبْغِضُ وَ إِنَّهُ یُبْغِضُ بَنِی أُمَیَّةَ وَ یُحِبُّ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .

فإن قلت کیف قال ثم لا تذوقها أبدا و قد ملکوا بعد قیام الدولة الهاشمیة بالمغرب مدة طویلة قلت الاعتبار بملک العراق و الحجاز و ما عداهما من الأقالیم لا اعتداد به

ص :220

یجوز أن یکون أمره هاهنا هو الأمر الفعلی لا الأمر القولی کما یقال أمر فلان مستقیم و ما أمر کذا و قال تعالی وَ مٰا أَمْرُنٰا إِلاّٰ وٰاحِدَةٌ کَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (1) وَ مٰا أَمْرُ السّٰاعَةِ إِلاّٰ کَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (2) فیکون المعنی أن شأنه تعالی لیس إلاّ أحد شیئین و هما أن یقول و أن یفعل فعبر عن أن یقول بقوله قضاء لأن القضاء الحکم و عبر عن أن یفعل بقوله و حکمة لأن أفعاله کلها تتبع دواعی الحکمة و یجوز أن یکون أمره هو الأمر القولی و هو المصدر من أمر له بکذا أمرا فیکون المعنی أن أوامره إیجاب و إلزام بما فیه حکمة و مصلحة و قد جاء القضاء بمعنی الإلزام و الإیجاب فی القرآن العزیز فی قوله وَ قَضیٰ رَبُّکَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِیّٰاهُ (3) أی أوجب و ألزم .

قوله و رضاه أمان و رحمة لأن من فاز بدرجة الرضا فقد أمن و حصلت له الرحمة لأن الرضا رحمة و زیادة .

قوله یقضی بعلم أی یحکم بما یحکم به لأنّه عالم بحسن ذلک القضاء أو وجوبه فی العدل .

قوله و یعفو بحلم أی لا یعفو عن عجز و ذل کما یعفو الضعیف عن القوی بل هو قادر علی الانتقام و لکنه یحلم .

ثمّ حمد اللّه تعالی علی الإعطاء و الأخذ و العافیة و البلاء لأن ذلک کله من عند اللّه لمصالح للمکلف یعلمها و ما (4) یعلمها المکلف و الحمد علی المصالح واجب.

ص :223

ثم أخذ فی تفخیم شأن ذلک الحمد و تعظیمه و المبالغة فی وصفه احتذاء

2039

بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص

الْحَمْدُ لِلَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ الْحَمْدِ لِلَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ .

فقال ع حمدا یکون أرضی الحمد لک أی یکون رضاک له أوفی و أعظم من رضاک بغیره و کذلک القول فی أحبّ و أفضل .

قوله و یبلغ ما أردت أی هو غایة ما تنتهی إلیه الإرادة و هذا کقول الأعرابیة فی صفة المطر غشینا ما شئنا و هو من فصیح الکلام .

قوله لا یحجب عنک لأن الإخلاص یقارنه و الریاء منتف عنه.

قوله و لا یقصر دونک أی لا یحبس أی لا مانع عن وصوله إلیک و هذا من باب التوسع و معناه أنّه بریء من الموانع عن إثماره الثواب و اقتضائه إیاه و روی و لا یقصر من القصور و روی و لا یقصر من التقصیر .

ثمّ أخذ فی بیان أن العقول قاصرة عن إدراک الباری سبحانه و العلم به و أنا إنّما نعلم منه صفات إضافیة أو سلبیة کالعلم بأنّه حی و معنی ذلک أنّه لا یستحیل علی ذاته أن یعلم و یقدر و أنّه قیوم بمعنی أن ذاته لا یجوز علیها العدم أی یقیم الأشیاء و یمسکها و کل شیء یقیم الأشیاء کلها و یمسکها فلیس بمحتاج إلی من یقیمه و یمسکه و إلاّ لم یکن مقیما و ممسکا لکل شیء و کل من لیس بمحتاج إلی من یقیمه و یمسکه فذاته لا یجوز علیها العدم و أنّه تعالی لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ لأن هذا من صفات الأجسام و ما لا یجوز علیها العدم لا یکون جسما و لا یوصف بخواص الأجسام و لوازمها فإنّه لا ینتهی إلیه نظر لأن انتهاء النظر إلیه یستلزم مقابلته و هو تعالی منزه عن الجهة و إلاّ لم یکن ذاته مستحیلا علیها العدم و أنّه لا یدرکه بصر لأن إبصار الأشیاء بانطباع أمثلتها فی الرطوبة الجلیدیة کانطباع أشباح المرئیات فی المرآة و الباری تعالی لا یتمثل و لا یتشبح و إلاّ لم یکن

ص :224

قیوما و أنّه یدرک الأبصار لأنّه إمّا عالم لذاته أو لأنّه حی لا آفة به و أنّه یحصی الأعمال لأنّه عالم لذاته فیعلم کل شیء حاضرا و ماضیا و مستقبلا و أنّه یأخذ بِالنَّوٰاصِی وَ الْأَقْدٰامِ لأنّه قادر لذاته فهو متمکن من کل مقدور .

ثمّ خرج إلی فن آخر فقال و ما الذی نعجب لأجله من قدرتک و عظیم ملکک و الغائب عنا من عظمتک أعظم من الحاضر مثال ذلک أن جرم الشمس أعظم من جرم الأرض مائة و ستین مرة و لا نسبة لجرم الشمس إلی فلکها المائل و لا نسبة لفلکها المائل إلی فلکها الممیل و فلک تدویر المریخ الذی فوقها أعظم من ممیل الشمس و لا نسبة لفلک تدویر المریخ إلی فلکه الممیل و فلک تدویر المشتری أعظم من ممیل المریخ و لا نسبة لفلک تدویر المشتری إلی فلکه الممیل و فلک تدویر زحل أعظم من ممیل المشتری و لا نسبة لفلک تدویر زحل إلی ممیل زحل و لا نسبة لممیل زحل إلی کرة الثوابت و لا نسبة لکرة الثوابت إلی الفلک الأطلس الأقصی فانظر أی نسبة تکون الأرض بکلیتها علی هذا الترتیب إلی الفلک الأطلس و هذا ممّا تقصر العقول عن فهمه و تنتهی دونه و تحول سواتر الغیوب بینها و بینه کما قال ع .

ثمّ ذکر أن من أعمل فکره لیعلم کیف أقام سبحانه العرش و کیف ذرأ الخلق و کیف علق السماوات بغیر علاقة و لا عمد و کیف مد الأرض علی الماء رجع طرفه حسیرا و عقله مبهورا و هذا کله حقّ و من تأمل کتبنا العقلیّة و اعتراضنا علی الفلاسفة الذین عللوا هذه الأمور و زعموا أنهم استنبطوا لها أسبابا عقلیة و ادعوا وقوفهم علی کنهها و حقائقها علم صحة ما ذکره ع من أن من حاول تقدیر ملک اللّه تعالی و عظیم مخلوقاته بمکیال عقله فَقَدْ ضَلَّ ضَلاٰلاً مُبِیناً .

ص :225

و روی و فکره جائرا بالجیم أی عادلا عن الصواب و الحسیر المتعب و المبهور المغلوب و الواله المتحیر مِنْهَا یَدَّعِی بِزَعْمِهِ أَنَّهُ یَرْجُو اللَّهَ کَذَبَ وَ الْعَظِیمِ مَا بَالُهُ لاَ یَتَبَیَّنُ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ فَکُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ إِلاَّ رَجَاءَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَ کُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلاَّ خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ یَرْجُو اللَّهَ فِی الْکَبِیرِ وَ یَرْجُو الْعِبَادَ فِی الصَّغِیرِ فَیُعْطِی الْعَبْدَ مَا لاَ یُعْطِی الرَّبَّ فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ یُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا یُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ أَ تَخَافُ أَنْ تَکُونَ فِی رَجَائِکَ لَهُ کَاذِباً أَوْ تَکُونَ لاَ تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً وَ کَذَلِکَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِیدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لاَ یُعْطِی رَبَّهُ فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً وَ کَذَلِکَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْیَا فِی عَیْنِهِ وَ کَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ آثَرَهَا عَلَی اللَّهِ فَانْقَطَعَ إِلَیْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا .

یجوز بزعمه بالضم و بزعمه بالفتح و بزعمه بالکسر ثلاث لغات أی بقوله فأما من زعمت أی کفلت فالمصدر الزعم بالفتح و الزعامة

ص :226

ثم أقسم علی کذب هذا الزاعم فقال و العظیم و لم یقل و اللّه العظیم تأکیدا لعظمة البارئ سبحانه لأن الموصوف إذا ألقی و ترک و اعتمد علی الصفة حتّی صارت کالاسم کان أدل علی تحقّق مفهوم الصفة کالحارث و العبّاس .ثم بین مستند هذا التکذیب فقال ما بال هذا الزاعم أنّه یرجو ربّه و لا یظهر رجاؤه فی عمله فإنا نری من یرجو واحدا من البشر یلازم بابه و یواظب علی خدمته و یتحبب إلیه و یتقرب إلی قلبه بأنواع الوسائل و القرب لیظفر بمراده منه و یتحقّق رجاؤه فیه و هذا الإنسان الذی یزعم أنّه یرجو اللّه تعالی لا یظهر من أعماله الدینیة ما یدلّ علی صدق دعواه و مراده ع هاهنا لیس شخصا بعینه بل کل إنسان هذه صفته فالخطاب له و الحدیث معه .

ثمّ قال کل رجاء إلاّ رجاء اللّه فهو مدخول أی معیب و الدخل بالتسکین العیب و الریبة و من کلامهم تری الفتیان کالنخل و ما یدریک ما الدخل (1) و جاء الدخل بالتحریک أیضا یقال هذا الأمر فیه دخل و دغل بمعنی قوله تعالی وَ لاٰ تَتَّخِذُوا أَیْمٰانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ (2) أی مکرا و خدیعة و هو من هذا الباب أیضا .

ثمّ قال و کل خوف محقق إلاّ خوف اللّه فإنّه معلول محقق أی ثابت أی کل خوف حاصل حقیقة فإنّه مع هذا الحصول و التحقّق معلول لیس بالخوف الصریح إلاّ خوف اللّه وحده و تقواه و هیبته و سطوته و سخطه ذلک لأن الأمر الذی یخاف من العبد سریع الانقضاء و الزوال و الأمر الذی یخاف من الباری تعالی لا غایة له و لا انقضاء لمحذوره کما قیل

2040

فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ فُضُوحُ الدُّنْیَا أَهْوَنُ مِنْ فُضُوحِ الْآخِرَةِ.

ص :227

ثم عاد إلی الرجاء فقال یرجو هذا الإنسان اللّه فی الکثیر أی یرجو رحمته فی الآخرة و لا یتعلق رجاؤه بالله تعالی إلاّ فی هذا الموضع فأما ما عدا ذلک من أمور الدنیا کالمکاسب و الأموال و الجاه و السلطان و اندفاع المضار و التوصل إلی الأغراض بالشفاعات و التوسلات فإنّه لا یخطر له اللّه تعالی ببال بل یعتمد فی ذلک علی السفراء و الوسطاء و یرجو حصول هذه المنافع و دفع هذه المضار من أبناء نوعه من البشر فقد أعطی العباد من رجائه ما لم یعطه الخالق سبحانه فهو مخطئ لأنّه إمّا ألا یکون هو فی نفسه صالحا لأن یرجوه سبحانه و إمّا ألا یکون البارئ تعالی فی نفسه صالحا لأن یرجی فإن کان الثانی فهو کفر صراح و إن کان الأول فالعبد مخطئ حیث لم یجعل نفسه مستعدا لفعل الصالحات لأن یصلح لرجاء البارئ سبحانه .

ثمّ انتقل ع إلی الخوف فقال و کذلک إن خاف هذا الإنسان عبدا مثله خافه أکثر من خوفه البارئ سبحانه لأن کثیرا من الناس یخافون السلطان و سطوته أکثر من خوفهم مؤاخذة البارئ سبحانه و هذا مشاهد و معلوم من الناس فخوف بعضهم من بعض کالنقد المعجل و خوفهم من خالقهم ضمار و وعد و الضمار ما لا یرجی من الوعود و الدیون قال الراعی حمدن مزاره و أصبن منه عطاء لم یکن عدة ضمارا (1) .

ثمّ قال و کذلک من عظمت الدنیا فی عینه یختارها علی اللّه و یستعبده حبها و یقال کبر بالضم یکبر أی عظم فهو کبیر و کبار بالتخفیف فإذا أفرط قیل

ص :228

کبار بالتشدید فأما کبر بالکسر فمعناه أسن و المصدر منهما کبرا بفتح الباء وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللَّهِ ص کَافٍ لَکَ فِی الْأُسْوَةِ وَ دَلِیلٌ لَکَ عَلَی ذَمِّ الدُّنْیَا وَ عَیْبِهَا وَ کَثْرَةِ مَخَازِیهَا وَ مَسَاوِیهَا إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا وَ وُطَّئَتْ لِغَیْرِهِ أَکْنَافُهَا وَ فُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا وَ زُوِیَ عَنْ زَخَارِفِهَا وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّیْتُ بِمُوسَی کَلِیمِ اللَّهِ ص حَیْثُ یَقُولُ رَبِّ إِنِّی لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ وَ اللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً یَأْکُلُهُ لِأَنَّهُ کَانَ یَأْکُلُ بَقْلَةَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ کَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَی مِنْ شَفِیفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ وَ إِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ ص صَاحِبِ الْمَزَامِیرِ وَ قَارِئِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَلَقَدْ کَانَ یَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِیَدِهِ وَ یَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَیُّکُمْ یَکْفِینِی بَیْعَهَا وَ یَأْکُلُ قُرْصَ الشَّعِیرِ مِنْ ثَمَنِهَا وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِی عِیسَی بْنِ مَرْیَمَ ع فَلَقَدْ کَانَ یَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ وَ یَلْبَسُ الْخَشِنَ وَ یَأْکُلُ الْجَشِبَ وَ کَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ بِاللَّیْلِ الْقَمَرَ وَ ظِلاَلُهُ فِی الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ فَاکِهَتُهُ وَ رَیْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَ لاَ وَلَدٌ یَحْزُنُهُ وَ لاَ مَالٌ یَلْفِتُهُ وَ لاَ طَمَعٌ یُذِلُّهُ دَابَّتُهُ رِجْلاَهُ وَ خَادِمُهُ یَدَاهُ .

ص :229

یجوز أسوة و إسوة و قرئ التنزیل بهما و المساوئ العیوب ساءه کذا یسوؤه سوءا بالفتح و مساءة و مسائیة و سوته سوایة و مسایة بالتخفیف أی ساءه ما رآه منی و سأل سیبویه الخلیل عن سوائیة فقال هی فعالیة بمنزلة علانیة و الذین قالوا سوایة حذفوا الهمزة تخفیفا و هی فی الأصل قال و سألته عن مسائیة فقال هی مقلوبة و أصلها مساوئة فکرهوا الواو مع الهمزة و الذین قالوا مسایة حذفوا الهمزة أیضا تخفیفا و من أمثالهم الخیل تجری فی مساویها أی أنّها و إن کانت بها عیوب و أوصاب فإن کرمها یحملها علی الجری.

و المخازی جمع مخزاة و هی الأمر یستحی من ذکره لقبحه و أکنافها جوانبها و زوی قبض و زخارف جمع زخرف و هو الذهب

2041

رُوِیَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ قَالَ عُرِضَتْ عَلَیَّ کُنُوزُ الْأَرْضِ وَ دُفِعَتْ إِلَیَّ مَفَاتِیحُ خَزَائِنِهَا فَکَرِهْتُهَا وَ اخْتَرْتُ الدَّارَ الْآخِرَةَ.

و جاء فی الأخبار الصحیحة

2042

14- أَنَّهُ کَانَ یَجُوعُ وَ یَشُدُّ حَجَراً عَلَی بَطْنِهِ وَ أَنَّهُ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ لَحْمٍ قَطُّ .

2043

15,1,2,3- وَ أَنَّ فَاطِمَةَ وَ بَعْلَهَا وَ ,2بَنِیهَا کَانُوا یَأْکُلُونَ خُبْزَ الشَّعِیرِ وَ أَنَّهُمْ آثَرُوا سَائِلاً بِأَرْبَعَةِ أَقْرَاصٍ مِنْهُ کَانُوا أَعَدُّوهَا لِفُطُورِهِمْ وَ بَاتُوا جِیَاعاً .

2044

14- وَ قَدْ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَلَکَ قِطْعَةً وَاسِعَةً مِنَ الدُّنْیَا فَلَمْ یَتَدَنَّسْ مِنْهَا بِقَلِیلٍ وَ لاَ کَثِیرٍ وَ لَقَدْ کَانَتِ الْإِبِلُ الَّتِی غَنِمَهَا یَوْمَ حُنَیْنٍ أَکْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلاَفِ بَعِیرٍ فَلَمْ یَأْخُذْ مِنْهَا وَبَرَةً لِنَفْسِهِ وَ فَرَّقَهَا کُلَّهَا عَلَی النَّاسِ .

و هکذا کانت شیمته و سیرته فی جمیع أحواله إلی أن توفی .

و الصفاق الجلد الباطن الذی فوقه الجلد الظاهر من البطن و شفیفه رقیقه الذی یستشف ما وراءه و بالتفسیر الذی فسر ع الآیة فسرها المفسرون و قالوا إن

ص :230

خضرة البقل کانت تری فی بطنه من الهزال و إنّه ما سأل اللّه إلاّ أکلة من الخبز و ما فی لِمٰا أَنْزَلْتَ بمعنی أی أی إنّی لأی شیء أنزلت إلی قلیل أو کثیر غث أو سمین فقیر.

فإن قلت لم عدی فقیرا باللام و إنّما یقال فقیر إلی کذا قلت لأنّه ضمن معنی سائل و مطالب و من فسر الآیة بغیر ما ذکره ع لم یحتج إلی الجواب عن هذا السؤال فإن قوما قالوا أراد إنّی فقیر من الدنیا لأجل ما أنزلت إلی من خیر أی من خیر الدین و هو النجاة من الظالمین فإن ذلک رضا بالبدل السنی و فرحا به و شکرا له.

و تشذب اللحم تفرقه و المزامیر جمع مزمار و هو الآلة التی یزمر فیها و یقال زمر یزمر و یزمر بالضم و الکسر فهو زمار و لا یکاد یقال زامر و یقال للمرأة زامرة و لا یقال زمارة فأما الحدیث أنّه نهی عن کسب الزمارة فقالوا إنها الزانیة هاهنا و یقال إن داود أعطی من طیب النغم و لذة ترجیع القراءة ما کانت الطیور لأجله تقع علیه و هو فی محرابه و الوحش تسمعه فتدخل بین الناس و لا تنفر منهم لما قد استغرقها من طیب صوته و

2045

14- قَالَ اَلنَّبِیُّ ص لِأَبِی مُوسَی وَ قَدْ سَمِعَهُ یَقْرَأُ لَقَدْ أُوتِیتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِیرِ دَاوُدَ وَ کَانَ أَبُو مُوسَی شَجِیَّ الصَّوْتِ إِذَا قَرَأَ .

و

2046

وَرَدَ فِی الْخَبَرِ

دَاوُدُ قَارِئُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ .

و سفائف الخوص جمع سفیفة و هی النسیجة منه سففت الخوص و أسففته بمعنی و هذا الذی ذکره ع عن داود یجب أن یحمل علی أنّه شرح حاله قبل أن یملک فإنّه کان فقیرا فأما حیث ملک فإن المعلوم من سیرته غیر ذلک .

فأما عیسی فحاله کما ذکرها ع لا ریب فی ذلک علی أنّه أکل اللحم و شرب

ص :231

الخمر و رکب الحمار و خدمه التلامذة و لکن الأغلب من حاله هی الأمور التی عددها أمیر المؤمنین ع .

و یقال حزننی الشیء یحزننی بالضم و یجوز أحزننی بالهمز یحزننی و قرئ بهما و هو فی کلامه ع فی هذا الفصل بهما و یقال لفته عن کذا یلفته بالکسر أی صرفه و لواه فَتَأَسَّ بِنَبِیِّکَ الْأَطْیَبِ الْأَطْهَرِ ص فَإِنَّ فِیهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّی وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّی وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَی اللَّهِ الْمُتَأَسِّی بِنَبِیِّهِ وَ الْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ قَضَمَ الدُّنْیَا قَضْماً وَ لَمْ یُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْیَا کَشْحاً وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْیَا بَطْناً عُرِضَتْ عَلَیْهِ الدُّنْیَا فَأَبَی أَنْ یَقْبَلَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَبْغَضَ شَیْئاً فَأَبْغَضَهُ وَ حَقَّرَ شَیْئاً فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَیْئاً فَصَغَّرَهُ وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِینَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ تَعْظِیمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ لَکَفَی بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ تَعَالَی وَ مُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَی وَ لَقَدْ کَانَ ص یَأْکُلُ عَلَی الْأَرْضِ وَ یَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ وَ یَخْصِفُ بِیَدِهِ نَعْلَهُ وَ یَرْفَعُ بِیَدِهِ ثَوْبَهُ وَ یَرْکَبُ الْحِمَارَ الْعَارِیَ وَ یُرْدِفُ خَلْفَهُ وَ یَکُونُ السِّتْرُ عَلَی بَابِ بَیْتِهِ فَتَکُونُ فِیهِ التَّصَاوِیرُ فَیَقُولُ یَا فُلاَنَةُ لِإِحْدَی أَزْوَاجِهِ غَیِّبِیهِ عَنِّی فَإِنِّی إِذَا نَظَرْتُ إِلَیْهِ ذَکَرْتُ الدُّنْیَا وَ زَخَارِفَهَا فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْیَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِکْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِیبَ زِینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ لِکَیْلاَ یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیَاشاً وَ لاَ یَعْتَقِدَهَا قَرَاراً وَ لاَ یَرْجُوَ فِیهَا مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَ غَیَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ

ص :232

وَ کَذَلِکَ مَنْ أَبْغَضَ شَیْئاً أَبْغَضَ أَنْ یَنْظُرَ إِلَیْهِ وَ أَنْ یُذْکَرَ عِنْدَهُ وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللَّهِ ص مَا یَدُلُّکَ عَلَی مَسَاوِئِ الدُّنْیَا وَ عُیُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِیهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِیَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِیمِ زُلْفَتِهِ فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَکْرَمَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص بِذَلِکَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ کَذَبَ وَ اللَّهِ الْعَظِیمِ بِالْإِفْکِ الْعَظِیمِ وَ إِنْ قَالَ أَکْرَمَهُ فَلْیَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَیْرَهُ حَیْثُ بَسَطَ الدُّنْیَا لَهُ وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ فَتَأَسَّی مُتَأَسٍّ بِنَبِیِّهِ وَ اقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ وَ إِلاَّ فَلاَ یَأْمَنِ الْهَلَکَةَ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً ص عَلَماً لِلسَّاعَةِ وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ خَرَجَ مِنَ الدُّنْیَا خَمِیصاً وَ وَرَدَ الآْخِرَةَ سَلِیماً لَمْ یَضَعْ حَجَراً عَلَی حَجَرٍ حَتَّی مَضَی لِسَبِیلِهِ وَ أَجَابَ دَاعِیَ رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِینَ أَنْعَمَ عَلَیْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِی هَذِهِ حَتَّی اسْتَحْیَیْتُ مِنْ رَاقِعِهَا وَ لَقَدْ قَالَ لِی قَائِلٌ أَ لاَ تَنْبِذُهَا عَنْکَ فَقُلْتُ [اُعْزُبْ]

اُغْرُبْ عَنِّی فَعِنْدَ الصَّبَاحِ یُحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَی .

المقتص لأثره

المتبع له و منه قوله تعالی وَ قٰالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّیهِ (1) و قضم الدنیا تناول منها قدر الکفاف و ما تدعو إلیه الضرورة من خشن العیشة و قال أبو ذر رحمه اللّه یخضمون و نقضم و الموعد اللّه و أصل القضم أکل الشیء الیابس بأطراف الأسنان و الخضم أکل بکل الفم للأشیاء الرطبة و روی قصم بالصاد أی کسر

ص :233

قوله أهضم أهل الدنیا کشحا الکشح الخاصرة و رجل أهضم بین الهضم إذا کان خمیصا لقلة الأکل .

و روی و حقر شیئا فحقره بالتخفیف و الشقاق الخلاف و المحادة المعاداة و خصف النعل خرزها و الریاش الزینة و المدرعة الدراعة .

و قوله عند الصباح یحمد القوم السری مثل یضرب لمحتمل المشقة العاجلة (1) رجاء الراحة الآجلة

قوله لم یضع حجرا علی حجر هو عین ما

2050

14- جَاءَ فِی الْأَخْبَارِ الصَّحِیحَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنَ الدُّنْیَا وَ لَمْ یَضَعْ حَجَراً عَلَی حَجَرٍ .

2051

1- وَ جَاءَ فِی أَخْبَارِ عَلِیٍّ ع الَّتِی ذَکَرَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی کِتَابِ فَضَائِلِهِ وَ هُوَ رِوَایَتِی عَنْ قُرَیْشِ بْنِ السَّبِیعِ بْنِ الْمُهَنَّا الْعَلَوِیِّ عَنْ نَقِیبِ الطَّالِبِیِّینَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْمَعْمَرِ عَنِ اَلْمُبَارَکِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ الصَّیْرَفِیِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الطُّیُورِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ یُوسُفَ الْعَلاَّفِ الْمُزَنِیِّ عَنْ أَبِی بَکْرٍ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِکٍ الْقَطِیعِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِیهِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ قِیلَ لِعَلِیٍّ ع یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لِمَ تَرْقَعُ قَمِیصَکَ قَالَ لِیَخْشَعَ الْقَلْبُ وَ یَقْتَدِیَ بِیَ الْمُؤْمِنُونَ .

و

2052

1- رَوَی أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ عَلِیّاً کَانَ یَطُوفُ الْأَسْوَاقَ مُؤْتَزِراً بِإِزَارٍ مُرْتَدِیاً بِرِدَاءٍ وَ مَعَهُ الدِّرَّةُ کَأَنَّهُ أَعْرَابِیٌّ بَدَوِیٌّ فَطَافَ مَرَّةً حَتَّی بَلَغَ سُوقَ الْکَرَابِیسِ فَقَالَ لِوَاحِدٍ یَا شَیْخُ بِعْنِی قَمِیصاً تَکُونُ قِیمَتُهُ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ فَلَمَّا عَرَفَهُ الشَّیْخُ لَمْ یَشْتَرِ مِنْهُ شَیْئاً ثُمَّ أَتَی آخَرَ فَلَمَّا عَرَفَهُ لَمْ یَشْتَرِ مِنْهُ شَیْئاً فَأَتَی غُلاَماً حَدَثاً فَاشْتَرَی مِنْهُ قَمِیصاً بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَلَمَّا جَاءَ أَبُو الْغُلاَمِ أَخْبَرَهُ فَأَخَذَ دِرْهَماً ثُمَّ جَاءَ إِلَی عَلِیٍّ ع لِیَدْفَعَهُ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا أَوْ قَالَ مَا شَابَهَ هَذَا فَقَالَ یَا مَوْلاَیَ إِنَّ الْقَمِیصَ الَّذِی بَاعَکَ ابْنِی کَانَ یُسَاوِی دِرْهَمَیْنِ فَلَمْ یَأْخُذِ الدِّرْهَمَ وَ قَالَ بَاعَنِی رِضَایَ وَ أَخَذَ رِضَاهُ

.

2053

1- وَ رَوَی أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِی النَّوَّارِ بَائِعِ الْخَامِ بِالْکُوفَةِ قَالَ جَاءَنِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ إِلَی السُّوقِ وَ مَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ وَ هُوَ خَلِیفَةٌ فَاشْتَرَی مِنِّی قَمِیصَیْنِ وَ قَالَ لِغُلاَمِهِ اِخْتَرْ أَیَّهُمَا شِئْتَ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا وَ أَخَذَ عَلِیٌّ الْآخَرَ ثُمَّ لَبِسَهُ وَ مَدَّ یَدَهُ فَوَجَدَ کُمَّهُ فَاضِلَةً فَقَالَ اِقْطَعِ الْفَاضِلَ فَقَطَعْتُهُ ثُمَّ کَفَّهُ وَ ذَهَبَ

.

ص :235

2054

1- وَ رَوَی أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ اَلصَّمَّالِ بْنِ عُمَیْرٍ قَالَ رَأَیْتُ قَمِیصَ عَلِیٍّ ع الَّذِی أُصِیبَ فِیهِ وَ هُوَ کَرَابِیسُ سَبِیلاَنِیٌّ (1) وَ رَأَیْتُ دَمَهُ قَدْ سَالَ عَلَیْهِ کَالدُّرْدِیِّ

(2)

.

2055

1- وَ رَوَی أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَمَّا أَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَی عَلِیٍّ ع وَجَدَهُ مُؤْتَزِراً بِعَبَاءَةٍ مُحْتَجِزاً بِعِقَالٍ وَ هُوَ یَهْنَأُ بَعِیراً لَهُ .

و الأخبار فی هذا المعنی کثیرة و فیما ذکرناه کفایة

ص :236

و مما [من]

أکفر الناس به یزید بن معاویة أنه سماها خبیثة مراغمة لرسول اللّه ص .

علا بها ذکره

لأنّه ص إنّما انتصر و قهر الأعداء بعد الهجرة و دعوة متلافیة أی تتلافی ما فسد فی الجاهلیة من أدیان البشر .

قوله و بین به الأحکام المفصولة لیس یعنی أنّها کانت مفصولة قبل أن بینها بل المراد بین به الأحکام التی هی الآن مفصولة عندنا و واضحة لنا لأجل بیانه لها .

و الکبوة مصدر کبا الجواد إذا عثر فوقع إلی الأرض و المآب المرجع و العذاب الوبیل ذو الوبال و هو الهلاک و الإنابة الرجوع و السبیل الطریق یذکر و یؤنث و القاصدة ضد الجائرة فإن قلت لم عدی القاصدة ب إلی قلت لأنّها لما کانت قاصدة تضمنت معنی الإفضاء إلی المقصد فعداها ب إلی باعتبار المعنی أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً وَ الْمَنْجَاةُ أَبَداً رَهَّبَ فَأَبْلَغَ وَ رَغَّبَ فَأَسْبَغَ وَ وَصَفَ لَکُمُ الدُّنْیَا وَ انْقِطَاعَهَا وَ زَوَالَهَا وَ انْتِقَالَهَا فَأَعْرِضُوا عَمَّا یُعْجِبُکُمْ فِیهَا لِقِلَّةِ مَا یَصْحَبُکُمْ مِنْهَا أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَ أَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ

ص :238

فَغُضُّوا عَنْکُمْ عِبَادَ اللَّهِ غُمُومَهَا وَ أَشْغَالَهَا لِمَا أَیْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرُّفِ حَالاَتِهَا فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِیقِ النَّاصِحِ وَ الْمُجِدِّ الْکَادِحِ وَ اعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَیْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَکُمْ قَدْ تَزَایَلَتْ أَوْصَالُهُمْ وَ زَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَ أَسْمَاعُهُمْ وَ ذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَ عِزُّهُمْ وَ انْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَ نَعِیمُهُمْ فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الْأَوْلاَدِ فَقْدَهَا وَ بِصُحْبَةِ الْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا لاَ یَتَفَاخَرُونَ وَ لاَ یَتَنَاسَلُونَ وَ لاَ یَتَزَاوَرُونَ وَ لاَ یَتَحَاوَرُونَ فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ وَ الْعَلَمَ قَائِمٌ وَ الطَّرِیقَ جَدَدٌ وَ السَّبِیلَ قَصْدٌ .

المنجاة

مصدر نجا ینجو نجاة و منجاة و النجاة الناقة ینجی علیها فاستعارها هاهنا للطاعة و التقوی کأنها کالمطیة المرکوبة یخلص بها الإنسان من الهلکة .

قوله رهب فأبلغ الضمیر یرجع إلی اللّه سبحانه أی خوف المکلفین فأبلغ فی التخویف و رغبهم فأتم الترغیب و أسبغه ثمّ أمر بالإعراض عما یسر و یروق من أمر الدنیا لقلة ما یصحب الناس من ذلک ثمّ قال إنها أقرب دار من سخط اللّه و هذا نحو

2056

قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص حُبُّ الدُّنْیَا رَأْسُ کُلِّ خَطِیئَةٍ .

ص :239

قوله فغضوا عنکم عباد اللّه غمومها أی کفوا عن أنفسکم الغم لأجلها و الاشتغال بها یقال غضضت فلانا عن کذا أی کففته قال تعالی وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ (1) قوله فاحذروها حذر الشفیق الناصح أی فاحذروها علی أنفسکم لأنفسکم کما یحذر الشفیق الناصح علی صاحبه و کما یحذر المجد الکادح أی الساعی من خیبة سعیه و الأوصال الأعضاء و المحاورة المخاطبة و المناجاة و روی و لا یتجاورون بالجیم و العلم ما یتسدل به فی المفازة و طریق جدد أی سهل واضح و السبیل قصد أی مستقیم

ص :240

الوضین

بطان (1) القتب و حزام السرج و یقال للرجل المضطرب فی أموره إنّه لقلق الوضین و ذلک أن الوضین إذا قلق اضطرب القتب أو الهودج أو السرج و من علیه .

و یرسل فی غیر سدد أی یتکلم فی غیر قصد و فی غیر صواب و السدد و الاستداد الاستقامة و الصواب و السدید الذی یصیب السدد و کذلک المسد و استد الشیء أی استقام .

و ذمامة الصهر بالکسر أی حرمته هو الذمام قال ذو الرمة تکن عوجة یجزیکها اللّه عنده بها الأجر أو تقضی ذمامة صاحب (2) .

و یروی ماتة الصهر أی حرمته و وسیلته مت إلیه بکذا و إنّما قال ع له و لک بعد ذمامة الصهر لأن زینب بنت جحش زوج رسول اللّه ص کانت أسدیة و هی زینب بنت جحش بن رباب بن یعمر بن صبرة بن مرة بن کثیر بن غنم بن دودان بن أسد بن خزیمة و أمها أمیة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فهی بنت عمّة رسول اللّه ص و المصاهرة المشار إلیها هی هذه.

و لم یفهم القطب الراوندیّ ذلک فقال فی الشرح کان أمیر المؤمنین ع قد تزوج فی بنی أسد و لم یصب فإن علیا ع لم یتزوج فی بنی أسد البتة و نحن نذکر أولاده أما الحسن و الحسین و زینب الکبری و أم کلثوم الکبری فأمهم فاطمة بنت سیدنا رسول اللّه ص (3) و أما محمد فأمه خولة بنت إیاس (4) بن جعفر من بنی حنیفة و أما أبو بکر و عبد اللّه فأمهما لیلی بنت مسعود النهشلیة

ص :242

من تمیم و أما عمر و رقیة فأمهما سبیة من بنی تغلب یقال لها الصهباء سبیت فی خلافة أبی بکر و إمارة خالد بن الولید بعین التمر و أما یحیی و عون فأمهما أسماء بنت عمیس الخثعمیة (1) و أما جعفر و العبّاس و عبد اللّه و عبد الرحمن (2) فأمهم أم البنین بنت حزام بن خالد بن ربیعة بن الوحید من بنی کلاب و أما رملة و أم الحسن فأمهما أم سعید بنت عروة بن مسعود الثقفی و أما أم کلثوم الصغری و زینب الصغری و جمانة و میمونة و خدیجة و فاطمة و أم الکرام و نفیسة و أم سلمة و أم أبیها (3) و أمامة بنت علی ع فهن لأمهات أولاد شتّی فهؤلاء أولاده و لیس فیهم أحد من أسدیة و لا بلغنا أنّه تزوج فی بنی أسد و لم یولد له و لکن الراوندیّ یقول ما یخطر له و لا یحقق.

و أما حق المسألة فلأن للسائل علی المسئول حقا حیث أهله لأن یستفید منه .

و الاستبداد بالشیء التفرد به و النوط الالتصاق و کانت أثرة أی استئثارا بالأمر و استبدادا به

2057

قَالَ اَلنَّبِیُّ ص لِلْأَنْصَارِ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِی أَثَرَةً.

و شحت بخلت و سخت جادت و یعنی بالنفوس التی سخت نفسه و بالنفوس التی شحت أما علی قولنا فإنّه یعنی نفوس أهل الشوری بعد مقتل عمر و أمّا علی قول الإمامیّة فنفوس أهل السقیفة و لیس فی الخبر ما یقتضی صرف ذلک إلیهم فالأولی أن یحمل علی ما ظهر عنه من تألمه من عبد الرحمن بن عوف و میله إلی عثمان .

ثمّ قال إن الحکم هو اللّه و إن الوقت الذی یعود الناس کلهم إلیه هو یوم القیامة و روی یوم بالنصب علی أنّه ظرف و العامل فیه المعود علی أن یکون مصدرا .

و أمّا البیت فهو لإمرئ القیس بن حجر الکندی و روی أن أمیر المؤمنین ع لم یستشهد إلاّ بصدره فقط و أتمه الرواة

ص :243

بنو ثعل جیرانها و حماتها

دثار اسم راع کان لإمرئ القیس و تنوفی و القواعل جبال و الحزقة القصیر الضخم البطن و اللبون الإبل ذوات الألبان و القریة موضع معروف بین الجبلین و حائل اسم موضع أیضا و سعد و نائل حیان من طیئ و الرباع جمع ربع و هو ما نتج فی الربیع و المجادل القصور و مکللة یرجع إلی المجادل مکللة بالصخر و الأسرة الطریق و کذلک الحبک و الوصائل جمع وصیلة و هو ثوب أمغر (1) الغزل فیه خطوط و النهب الغنیمة و الجمع النهاب و الانتهاب مصدر انتهبت المال إذا أبحته یأخذه من شاء و النهبی اسم ما أنهب و حجراته نواحیه الواحدة حجرة مثل جمرات و جمرة و صیح فی حجراته صیاح الغارة و الرواحل جمع راحلة و هی الناقة التی تصلح أن ترحل أی یشد الرحل علی ظهرها و یقال للبعیر راحلة و انتصب حدیثا بإضمار فعل أی هات حدیثا أو حدّثنی حدیثا و یروی و لکن حدیث أی و لکن مرادی أو غرضی حدیث فحذف المبتدأ و ما هاهنا یحتمل أن تکون إبهامیة و هی التی إذا اقترنت باسم نکرة زادته إبهاما و شیاعا کقولک أعطنی کتابا ما ترید أی کتاب کان و یحتمل أن تکون صلة مؤکدة کالتی فی قوله تعالی فَبِمٰا نَقْضِهِمْ مِیثٰاقَهُمْ وَ کُفْرِهِمْ بِآیٰاتِ اللّٰهِ (2) فأما حدیث الثانی فقد ینصب و قد یرفع فمن نصب أبدله من حدیث الأول و من رفع جاز أن یجعل ما موصولة بمعنی الذی و صلتها الجملة أی الذی هو حدیث الرواحل ثمّ حذف صدر الجملة کما حذف فی تَمٰاماً عَلَی الَّذِی أَحْسَنَ (3) و یجوز أن تجعل ما استفهامیة بمعنی أی.

ص :245

ثم قال و هلم الخطب هذا یقوی روایة من روی عنه أنّه ع لم یستشهد إلاّ بصدر البیت کأنّه قال دع عنک ما مضی و هلم ما نحن الآن فیه من أمر معاویة فجعل هلم ما نحن فیه من أمر معاویة قائما مقام قول إمرئ القیس و لکن حدیثا ما حدیث الرواحل.

و هلم لفظ یستعمل لازما و متعدیا فاللازم بمعنی تعال قال الخلیل أصله لم من قولهم لم اللّه شعثه أی جمعه کأنّه أراد لم نفسک إلینا أی اجمعها و اقرب منا و جاءت ها للتنبیه قبلها و حذفت الألف لکثرة الاستعمال و جعلت الکلمتان کلمة واحدة یستوی فیها الواحد و الاثنان و الجمع و المؤنث و المذکر فی لغة أهل الحجاز قال سبحانه وَ الْقٰائِلِینَ لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنٰا (1) و أهل نجد یصرفونها فیقولون للاثنین هلما و للجمع هلموا و علی ذلک و قد یوصل إذا کان لازما باللام فیقال هلم لک و هلم لکما کما قالوا هیت لک و إذا قیل لک هلم إلی کذا أی تعال إلیه قلت لا أهلم مفتوحة الألف و الهاء مضمومة المیم فأما المتعدیة فهی بمعنی هات تقول هلم کذا و کذا قال اللّه تعالی هَلُمَّ شُهَدٰاءَکُمُ (2) و تقول لمن قال لک ذلک لا أهلمه أی لا أعطیکه یأتی بالهاء ضمیر المفعول لیتمیز من الأولی.

یقول ع و لکن هات ذکر الخطب فحذف المضاف و الخطب الحادث الجلیل یعنی الأحوال التی أدت إلی أن صار معاویة منازعا فی الرئاسة قائما عند کثیر من الناس مقامه صالحا لأن یقع فی مقابلته و أن یکون نِدّاً له .

ثمّ قال فلقد أضحکنی الدهر بعد إبکائه یشیر إلی ما کان عنده من الکآبة لتقدم من سلف علیه فلم یقنع الدهر له بذلک حتّی جعل معاویة نظیرا له فضحک ع

ص :246

مما تحکم به الأوقات و یقتضیه تصرف الدهر و تقلبه و ذلک ضحک تعجب و اعتبار .

ثمّ قال و لا غرو و اللّه أی و لا عجب و اللّه.

ثمّ فسر ذلک فقال یا له خطبا یستفرغ العجب أی یستنفده و یفنیه یقول قد صار العجب لا عجب لأن هذا الخطب استغرق التعجب فلم یبق منه ما یطلق علیه لفظ التعجب و هذا من باب الإغراق و المبالغة فی المبالغة کما قال أبو الطیب أسفی علی أسفی الذی دلهتنی

و قال ابن هانی المغربی قد سرت فی المیدان یوم طرادهم فعجبت حتّی کدت ألا أعجبا (1) .

و الأود العوج .

ثمّ ذکر تمالؤ قریش علیه فقال حاول القوم إطفاء نور اللّه من مصباحه یعنی ما تقدم من منابذة طلحة و الزبیر و أصحابهما له و ما شفع ذلک من معاویة و عمرو و شیعتهما و فوار الینبوع ثقب البئر .

قوله و جدحوا بینی و بینهم شربا (2) أی خلطوه و مزجوه و أفسدوه.

و الوبیء ذو الوباء و المرض و هذا استعارة کأنّه جعل الحال التی کانت بینه و بینهم قد أفسدها القوم و جعلوها مظنة الوباء و السقم کالشرب الذی یخلط بالسم أو بالصبر فیفسد و یوبئ.

ص :247

ثم قال فإن کشف اللّه تعالی هذه المحن التی یحصل منها ابتلاء الصابرین و المجاهدین و حصل لی التمکن من الأمر حملتهم علی الحق المحض الذی لا یمازجه باطل کاللبن المحض الذی لا یخالطه شیء من الماء و إن تکن الأخری أی و إن لم یکشف اللّه تعالی هذه الغمّة و مت أو قتلت و الأمور علی ما هی علیه من الفتنة و دولة الضلال فَلاٰ تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَرٰاتٍ و الآیة من القرآن العزیز (1) .

و سألت أبا جعفر یحیی بن محمّد العلوی نقیب البصرة وقت قراءتی علیه عن هذا الکلام و کان رحمه اللّه علی ما یذهب إلیه من مذهب العلویة منصفا وافر العقل فقلت له من یعنی ع بقوله کانت أثرة شحت علیها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرین و من القوم الذین عناهم الأسدی بقوله کیف دفعکم قومکم عن هذا المقام و أنتم أحق به هل المراد یوم السقیفة أو یوم الشوری فقال یوم السقیفة فقلت إن نفسی لا تسامحنی أن أنسب إلی الصحابة عصیان رسول اللّه ص و دفع النصّ فقال و أنا فلا تسامحنی أیضا نفسی أن أنسب الرسول ص إلی إهمال أمر الإمامة و أن یترک الناس فوضی سدی مهملین و قد کان لا یغیب عن المدینة إلا و یؤمر علیها أمیرا و هو حی لیس بالبعید عنها فکیف لا یؤمر و هو میت لا یقدر علی استدراک ما یحدث.

ثمّ قال لیس یشک أحد من الناس أن رسول اللّه ص کان عاقلا کامل العقل أما المسلمون فاعتقادهم فیه معلوم و أما الیهود و النصاری و الفلاسفة فیزعمون أنّه حکیم تام الحکمة سدید الرأی أقام ملة و شرع شریعة فاستجد ملکا عظیما بعقله و تدبیره و هذا الرجل العاقل الکامل یعرف طباع العرب و غرائزهم و طلبها بالثارات و الذحول و لو بعد الأزمان المتطاولة و یقتل الرجل من القبیلة رجلا من بیت آخر

ص :248

فلا یزال أهل ذلک المقتول و أقاربه یتطلبون القاتل لیقتلوه حتّی یدرکوا ثارهم منه فإن لم یظفروا به قتلوا بعض أقاربه و أهله فإن لم یظفروا بأحدهم قتلوا واحدا أو جماعة من تلک القبیلة به و إن لم یکونوا رهطه الأدنین و الإسلام لم یحل طبائعهم و لا غیر هذه السجیة المرکوزة فی أخلاقهم و الغرائز بحالها فکیف یتوهم لبیب أن هذا العاقل الکامل وتر العرب و علی الخصوص قریشا و ساعده علی سفک الدماء و إزهاق الأنفس و تقلد الضغائن ابن عمه الأدنی و صهره و هو یعلم أنّه سیموت کما یموت الناس و یترکه بعده و عنده ابنته و له منها ابنان یجریان عنده مجری ابنین من ظهره حنوا علیهما و محبة لهما و یعدل عنه فی الأمر بعده و لا ینص علیه و لا یستخلفه فیحقن دمه و دم بنیه و أهله باستخلافه أ لا یعلم هذا العاقل الکامل أنّه إذا ترکه و ترک بنیه و أهله سوقة و رعیة فقد عرض دماءهم للإراقة بعده بل یکون هو ع هو الذی قتله و أشاط (1) بدمائهم لأنّهم لا یعتصمون بعده بأمر یحمیهم و إنّما یکونون مضغة للأکل و فریسة للمفترس یتخطفهم الناس و تبلغ فیهم الأغراض فأما إذا جعل السلطان فیهم و الأمر إلیهم فإنّه یکون قد عصمهم و حقن دماءهم بالرئاسة التی یصولون بها و یرتدع الناس عنهم لأجلها و مثل هذا معلوم بالتجربة أ لا تری أن ملک بغداد أو غیرها من البلاد لو قتل الناس و وترهم و أبقی فی نفوسهم الأحقاد العظیمة علیه ثمّ أهمل أمر ولده و ذریته من بعده و فسح للناس أن یقیموا ملکا من عرضهم و واحدا منهم و جعل بنیه سوقة کبعض العامّة لکان بنوه بعده قلیلا بقاؤهم سریعا هلاکهم و لوثب علیهم الناس ذوو الأحقاد و الترات من کل جهة یقتلونهم و یشردونهم کل مشرد و لو أنّه عین ولدا من أولاده للملک و قام خواصه و خدمه و خوله بأمره بعده لحقنت دماء أهل

ص :249

بیته و لم تطل ید أحد من الناس إلیهم لناموس الملک و أبهة السلطنة و قوة الرئاسة و حرمة الإمارة.

أ فتری ذهب عن رسول اللّه ص هذا المعنی أم أحبّ أن یستأصل أهله و ذریته من بعده و أین موضع الشفقة علی فاطمة العزیزة عنده الحبیبة إلی قلبه.

أ تقول إنّه أحبّ أن یجعلها کواحدة من فقراء المدینة تتکفف الناس و أن یجعل علیا المکرم المعظم عنده الذی کانت حاله معه معلومة کأبی هریرة الدوسی و أنس بن مالک الأنصاری یحکم الأمراء فی دمه و عرضه و نفسه و ولده فلا یستطیع الامتناع و علی رأسه مائة ألف سیف مسلول تتلظی أکباد أصحابها علیه و یودون أن یشربوا دمه بأفواههم و یأکلوا لحمه بأسنانهم قد قتل أبناءهم و إخوانهم و آباءهم و أعمامهم و العهد لم یطل و القروح لم تتقرف (1) و الجروح لم تندمل.

فقلت له لقد أحسنت فیما قلت إلاّ أن لفظه ع یدلّ علی أنّه لم یکن نص علیه أ لا تراه یقول و نحن الأعلون نسبا و الأشدون بالرسول نوطا فجعل الاحتجاج بالنسب و شدة القرب فلو کان علیه نص لقال عوض ذلک و أنا المنصوص علی المخطوب باسمی.

فقال رحمه اللّه إنّما أتاه من حیث یعلم لا من حیث یجهل أ لا تری أنّه سأله فقال کیف دفعکم قومکم عن هذا المقام و أنتم أحق به فهو إنّما سأل عن دفعهم عنه و هم أحق به من جهة اللحمة و العترة و لم یکن الأسدی یتصور النصّ و لا یعتقده و لا یخطر بباله لأنّه لو کان هذا فی نفسه لقال له لم دفعک الناس عن هذا المقام و قد نص علیک رسول اللّه ص و لم یقل له هذا و إنّما قال کلاما عاما لبنی هاشم کافة

ص :250

کیف دفعکم قومکم عن هذا و أنتم أحق به أی باعتبار الهاشمیة و القربی فأجابه بجواب أعاد قبله المعنی الذی تعلق به الأسدی بعینه تمهیدا للجواب فقال إنّما فعلوا ذلک مع أنا أقرب إلی رسول اللّه ص من غیرنا لأنّهم استأثروا علینا و لو قال له أنا المنصوص علی و المخطوب باسمی فی حیاة رسول اللّه ص لما کان قد أجابه لأنّه ما سأله هل أنت منصوص علیک أم لا و لا هل نص رسول اللّه ص بالخلافة علی أحد أم لا و إنّما قال لم دفعکم قومکم عن الأمر و أنتم أقرب إلی ینبوعه و معدنه منهم فأجابه جوابا ینطبق علی السؤال و یلائمه أیضا فلو أخذ یصرح له بالنص و یعرفه تفاصیل باطن الأمر لنفر عنه و اتهمه و لم یقبل قوله و لم ینجذب إلی تصدیقه فکان أولی الأمور فی حکم السیاسة و تدبیر الناس أن یجیب بما لا نفرة منه و لا مطعن علیه فیه

ص :251

حَدَّهُ وَ صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ لَیْسَ لِشَیْءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ وَ لاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَیْءٍ انْتِفَاعٌ عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِینَ کَعِلْمِهِ بِالْأَحْیَاءِ الْبَاقِینَ وَ عِلْمُهُ بِمَا فِی السَّمَاوَاتِ الْعُلَی کَعِلْمِهِ بِمَا فِی الْأَرَضِینَ السُّفْلَی .

المهاد

هنا هو الأرض و أصله الفراش و ساطحه باسطه و منه تسطیح القبور خلاف تسنیمها و منه أیضا المسطح للموضع الذی یبسط فیه التمر لیجفف .

و الوهاد جمع وهدة و هی المکان المطمئن و مسیلها مجری السیل فیها و النجاد جمع نجد و هو ما ارتفع من الأرض و مخصبها مروضها و جاعلها ذوات خصب

و ثانیها أنّه لیس لأزلیته انقضاء لأنّه لو صح علیه العدم لکان لعدمه سبب فکان وجوده موقوفا علی انتفاء سبب عدمه و المتوقف علی غیره یکون ممکن الذات فلا یکون واجب الوجود.

و قوله ع هو الأول لم یزل و الباقی بلا أجل تکرار لهذین المعنیین السابقین علی سبیل التأکید و یدخل فیه أیضا قوله لا یقال له متی و لا یضرب له أمد بحتی لأن متی للزمان و واجب الوجود یرتفع عن الزمان و حتی للغایة و واجب الوجود لا غایة له.

و یدخل أیضا فیه قوله قبل کل غایة و مدة و کل إحصاء و عدة .

و ثالثها أنّه لا یشبه الأشیاء البتة لأن ما عداه إمّا جسم أو عرض أو مجرد فلو أشبه الجسم أو العرض لکان إمّا جسما أو عرضا ضرورة تساوی المتشابهین المتماثلین فی حقائقهما.

و لو شابه غیره من المجردات مع أن کل مجرد غیر ممکن لکان ممکنا و لیس واجب الوجود بممکن فیدخل فی هذا المعنی قوله ع حد الأشیاء عند خلقه لها إبانة له من شبهها أی جعل المخلوقات ذوات حدود لیتمیز هو سبحانه عنها إذ لا حدّ له فبطل أن یشبهه شیء منها و دخل فیه قوله ع لا تقدره الأوهام بالحدود و الحرکات و لا بالجوارح .

و الأدوات

جمع أداة و هی ما یعتمد به و دخل فیه قوله الظاهر فلا یقال مم أی لا یقال من أی شیء ظهر و الباطن فلا یقال فیم أی لا یقال فیما ذا بطن و یدخل فیه قوله لا شبح فیتقصی و الشبح الشخص و یتقصی یطلب أقصاه.

و یدخل فیه قوله و لا محجوب فیحوی و قوله لم یقرب من الأشیاء بالتصاق و لم یبعد عنها بافتراق لأن هذه الأمور کلها من خصائص الأجسام و واجب الوجود لا یشبه الأجسام و لا یماثلها.

و یدخل فیه قوله ع تعالی عما ینحله المحددون من صفات الأقدار أی ممّا ینسبه إلیه المشبهة و المجسمة من صفات المقادیر و ذوات المقادیر.

ص :254

و نهایات الأقطار

أی الجوانب .

و تأثل المساکن

مجد مؤثل أی أصیل و بیت مؤثل أی معمور و کأنّ أصل الکلمة أن تبنی الدار بالأثل و هو شجر معروف و تمکن الأماکن ثبوتها و استقرارها .

و قوله فالحد لخلقه مضروب و إلی غیره منسوب و قوله و لا له بطاعة شیء انتفاع لأنّه إنّما ینتفع الجسم الذی یصحّ علیه الشهوة و النفرة کل هذا داخل تحت هذا الوجه .

الأصل الثانی أنّه تعالی عالم لذاته فیعلم کل معلوم و یدخل تحت هذا الأصل قوله ع لا تخفی علیه من عباده شخوص لحظة أن تسکن العین فلا تتحرک و لا کرور لفظة أی رجوعها .

و لا ازدلاف ربوة

صعود إنسان أو حیوان ربوة من الأرض و هی الموضع المرتفع و لا انبساط خطوة فی لیل داج أی مظلم.

و لا غسق ساج

أی ساکن .

ثمّ قال یتفیأ علیه القمر المنیر هذا من صفات الغسق و من تتمة نعته و معنی یتفیأ علیه یتقلب ذاهبا و جائیا فی حالتی أخذه فی الضوء إلی التبدر و أخذه فی النقص إلی المحاق .

و قوله و تعقبه أی و تتعقبه فحذف إحدی التاءین کما قال سبحانه اَلَّذِینَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِکَةُ (1) أی تتوفاهم و الهاء فی و تعقبه ترجع إلی القمر أی و تسیر الشمس عقبه فی کروره و أفوله أی غیبوبته و فی تقلیب الأزمنة و الدهور من إقبال لیل و إدبار نهار .

ص :255

فإن قلت إذا کان قوله یتفیأ علیه القمر المنیر فی موضع جر لأنّه صفة غسق فکیف تتعقب الشمس و القمر مع وجود الغسق و هل یمکن اجتماع الشمس و الغسق قلت لا یلزم من تعقب الشمس للقمر ثبوت الغسق.

بل قد یصدق تعقبها له و یکون الغسق معدوما کأنّه ع قال لا یخفی علی اللّه حرکة فی نهار و لا لیل یتفیأ علیه القمر و تعقبه الشمس أی تظهر عقیبه فیزول الغسق بظهورها.

و هذا التفسیر الذی فسرناه یقتضی أن یکون حرف الجر و هو فی التی فی قوله فی الکرور متعلقا بمحذوف و یکون موضعه نصبا علی الحال أی و تعقبه کارا و آفلا و یدخل تحته أیضا قوله ع علمه بالأموات الماضین کعلمه بالأحیاء الباقین و علمه بما فی السماوات العلا کعلمه بما فی الأرضین السفلی .

الأصل الثالث أنّه تعالی قادر لذاته فکان قادرا علی کل الممکنات و یدخل تحته قوله لم یخلق الأشیاء من أصول أزلیة و لا من أوائل أبدیة بل خلق ما خلق فأقام حده و صور ما صور فأحسن صورته و الرد فی هذا علی أصحاب الهیولی و الطینة التی یزعمون قدمها.

و یدخل تحته قوله لیس لشیء امتناع لأنّه متی أراد إیجاد شیء أوجده و یدخل تحته قوله خرت له الجباه أی سجدت و وحدته الشفاه یعنی الأفواه فعبر بالجزء عن الکل مجازا و ذلک لأن القادر لذاته هو المستحق للعبادة لخلقه أصول النعم کالحیاة و القدرة و الشهوة.

و اعلم أن هذا الفن هو الذی بان به أمیر المؤمنین ع عن العرب فی زمانه قاطبة

ص :256

و استحق به التقدّم و الفضل علیهم أجمعین و ذلک لأن الخاصّة التی یتمیز بها الإنسان عن البهائم هی العقل و العلم أ لا تری أنّه یشارکه غیره من الحیوانات فی اللحمیة و الدمویة و القوّة و القدرة و الحرکة الکائنة علی سبیل الإرادة و الاختیار فلیس الامتیاز إلاّ بالقوة الناطقة أی العاقلة العالمة فکلما کان الإنسان أکثر حظا منها کانت إنسانیته أتم و معلوم أن هذا الرجل انفرد بهذا الفن و هو أشرف العلوم لأن معلومه أشرف المعلومات و لم ینقل عن أحد من العرب غیره فی هذا الفن حرف واحد و لا کانت أذهانهم تصل إلی هذا و لا یفهمونه بهذا الفن فهو (1) منفرد فیه و بغیره من الفنون و هی العلوم الشرعیة مشارک لهم و راجح (2) علیهم فکان أکمل منهم لأنا قد بینا أن الأعلم أدخل فی صورة الإنسانیة و هذا هو معنی الأفضلیة مِنْهَا أَیُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِیُّ وَ الْمُنْشَأُ الْمَرْعِیُّ فِی ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَ مُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ.

بُدِئْتَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِینٍ وَ وُضِعْتَ فِی قَرٰارٍ مَکِینٍ إِلیٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ وَ أَجَلٍ مَقْسُومٍ تَمُورُ فِی بَطْنِ أُمِّکَ جَنِیناً لاَ تُحِیرُ دُعَاءً وَ لاَ تَسْمَعُ نِدَاءً ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّکَ إِلَی دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا وَ لَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا فَمَنْ هَدَاکَ لاِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْیِ أُمِّکَ وَ عَرَّفَکَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِکَ وَ إِرَادَتِکَ هَیْهَاتَ إِنَّ مَنْ یَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِی الْهَیْئَةِ وَ الْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ وَ مِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقِینَ أَبْعَدُ.

ص :257

السوی

المستوی الخلقة غیر ناقص قال سبحانه فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِیًّا (1) و المنشأ مفعول من أنشأ أی خلق و أوجد و المرعی المحوط المحفوظ.

و ظلمات الأرحام و مضاعفات الأستار مستقر النطف و الرحم موضوعة فیما بین المثانة و المعی المستقیم و هی مربوطة بِرِبَاطَاتٍ علی هیئة السلسلة و جسمها عصبی لیمکن امتدادها و اتساعها وقت الحاجة إلی ذلک عند الولادة و تنضم و تَتَقَنَّصُ إذا استغنی عن ذلک و لها بطنان ینتهیان إلی فم واحد و زائدتان یسمیان قرینی الرحم و خلف هاتین الزائدتین بیضتا المرأة و هما أصغر من بیضتی الرجل و أشدّ تفرطحا و منهما ینصب منی المرأة إلی تجویف الرحم و للرحم رقبة منتهیة إلی فرج المرأة و تلک الرقبة من المرأة بمنزلة الذکر من الرجل فإذا امتزج منی الرجل بمنی المرأة فی تجویف الرحم کان العلوق ثمّ ینمی و یزید من دم الطمث و یتصل بالجنین عروق تأتی إلی الرحم فتغذوه حتّی یتم و یکمل فإذا تمّ لم یکتف بما تحته من تلک العروق فیتحرک حرکات قویة طلبا للغذاء فتهتک أَرْبِطَةُ الرحم التی قلنا إنها علی هیئة السلسلة و تکون منها الولادة .

قوله بدئت مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِینٍ أی کان ابتداء خلقک من سلالة و هی خلاصة الطین لأنّها سلت من بین الکدر و فعالة بناء للقلة کالقلامة و القمامة.

و قال الحسن هی ما بین ظهرانی الطین.

ثمّ قال و وضعت فِی قَرٰارٍ مَکِینٍ الکلام الأول لآدم الذی هو أصل البشر و الثانی لذریته و القرار المکین الرحم متمکنة فی موضعها برباطاتها لأنّها لو کانت متحرکة لتعذر العلوق.

ص :258

ثم قال إِلیٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ و أجل مقسوم إلی متعلقة بمحذوف کأنّه قال منتهیا إلی قدر معلوم أی مقدرا طوله و شکله إلی أجل مقسوم مدة حیاته .

ثمّ قال تَمُورُ فی بطن أمک أی تتحرک لا تحیر أی لا ترجع جوابا أحار یحیر .

إلی دار لم تشهدها

یعنی الدنیا و یقال أشبه شیء بحال الانتقال من الدنیا إلی الأحوال التی بعد الموت انتقال الجنین من ظلمة الرحم إلی فضاء الدنیا فلو کان الجنین یعقل و یتصور کان یظن أنّه لا دار له إلاّ الدار التی هو فیها و لا یشعر بما وراءها و لا یحس بنفسه إلاّ و قد حصل فی دار لم یعرفها و لا تخطر بباله فبقی هو کالحائر المبهوت و هکذا حالنا فی الدنیا إذا شاهدنا ما بعد الموت.

و لقد أحسن ابن الرومی فی صفة خُطُوبِ الدنیا و صُرُوفِها بقوله لما تؤذن الدنیا به من صروفها

قال فمن هداک إلی اجْتِرَارِ الغذاء من ثدی أمک اجترار امْتِصَاصِ اللبن من الثدی و ذلک بالإلهام الإلهی.

قال و عرفک عند الحاجة أی أعلمک بموضع الحلمة عند طلبک الرضاع فالتقمتها بفمک.

ص :259

ثم قال هیهات أی بعد أن یحیط علما بالخالق من عجز عن معرفة المخلوق قال الشاعر رأیت الوری یدعون الهدی

ص :260

وَ إِنِّی أَنْشُدُکَ اللَّهَ [أَنْ]

أَلاَّ تَکُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَقْتُولَ فَإِنَّهُ کَانَ یُقَالُ یُقْتَلُ فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ یَفْتَحُ عَلَیْهَا الْقَتْلَ وَ الْقِتَالَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ یَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَیْهَا وَ یَبُثُّ الْفِتَنَ فِیهَا فَلاَ یُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ یَمُوجُونَ فِیهَا مَوْجاً وَ یَمْرُجُونَ فِیهَا مَرْجاً فَلاَ تَکُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَیِّقَةً یَسُوقُکَ حَیْثُ شَاءَ بَعْدَ جُلاَلِ السِّنِّ وَ تَقَضِّی الْعُمُرِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ [رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ]

کَلِّمِ النَّاسَ فِی أَنْ یُؤَجِّلُونِی حَتَّی أَخْرُجَ إِلَیْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهِمْ فَقَالَ ع مَا کَانَ بِالْمَدِینَةِ فَلاَ أَجَلَ فِیهِ وَ مَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِکَ إِلَیْهِ .

نقمت علی زید بالفتح أنقم فأنا ناقم إذا عتبت علیه و قال الکسائی نقمت بالکسر أیضا أنقم لغة و هذه اللفظة تجیء لازمة و متعدیة قالوا نقمت الأمر أی کرهته.

و استعتبت فلانا طلبت منه العتبی و هی الرضا و استعتابهم عثمان طلبهم منه ما یرضیهم عنه .

و استسفرونی جعلونی سفیرا و وسیطا بینک و بینهم .

ثمّ قال له و أقسم علی ذلک أنّه لا یعلم ما ذا یقول له لأنّه لا یعرف أمرا یجهله أی من هذه الأحداث خاصّة و هذا حقّ لأن علیا ع لم یکن یعلم منها ما یجهله

ص :262

عثمان بل کان أحداث الصبیان فضلا عن العقلاء الممیزین یعلمون وجهی الصواب و الخطأ فیها .

ثمّ شرع معه فی مسلک الملاطفة و القول اللین فقال ما سبقنا إلی الصحبة و لا انفردنا بالرسول دونک و أنت مثلنا و نحن مثلک .

ثمّ خرج إلی ذکر الشیخین فقال قولا معناه أنهما لیسا خیرا منک فإنک مخصوص دونهما بقرب النسب یعنی المنافیة و بالصهر و هذا کلام هو موضع المثل یسر حسوا فی ارتغاء و مراده تفضیل نفسه ع لأن العلة التی باعتبارها فضل عثمان علیهما محققة فیه و زیادة لأن له مع المنافیة الهاشمیة فهو أقرب.

و الوشیجة عروق الشجرة ثمّ حذره جانب اللّه تعالی و نبهه علی أن الطرق واضحة و أعلام الهدی قائمة و أن الإمام العادل أفضل الناس عند اللّه و أن الإمام الجائر شر الناس عند اللّه.

ثمّ روی له الخبر المذکور و روی ثم یرتبک فی قعرها أی ینشب .

و خوفه أن یکون الإمام المقتول الذی یفتح الفتن بقتله و قد کان رسول اللّه ص قال کلاما هو هذا أو یشبه هذا .

و مرج الدین أی فسد و السیقة ما استاقه العدو من الدوابّ مثل الوسیقة قال الشاعر فما أنا إلاّ مثل سیقة العدا إن استقدمت بحر و إن جبأت عقر (1) .

و الجلال بالضم الجلیل کالطوال و الطویل أی بعد السن الجلیل أی العمر الطویل.

ص :263

و قوله ما کان بالمدینة فلا أجل فیه و ما غاب فأجله وصول أمرک إلیه کلام شریف فصیح لأن الحاضر أی معنی لتأجیله و الغائب فلا عذر بعد وصول الأمر فی تأخیره لأن السلطان لا یؤخر أمره.

و قد ذکرنا من الأحداث التی نقمت علی عثمان فیما تقدم ما فیه کفایة و

2058

1- قَدْ ذَکَرَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی اَلتَّارِیخِ الْکَبِیرِ (1) هَذَا الْکَلاَمَ فَقَالَ إِنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص تَکَاتَبُوا فَکَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ أَنْ اقْدَمُوا فَإِنَّ الْجِهَادَ بِالْمَدِینَةِ لاَ بِالرُّومِ وَ اسْتَطَالَ النَّاسُ عَلَی عُثْمَانَ وَ نَالُوا مِنْهُ وَ ذَلِکَ فِی سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ ثَلاَثِینَ وَ لَمْ یَکُنْ أَحَدٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ یَذُبُّ عَنْهُ وَ لاَ یَنْهَی إِلاَّ نَفَرٌ مِنْهُمْ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَ أَبُو أُسَیْدٍ السَّاعِدِیُّ وَ کَعْبُ بْنُ مَالِکٍ وَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَکَلَّمُوا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ ع وَ سَأَلُوهُ أَنْ یُکَلِّمَ عُثْمَانَ فَدَخَلَ عَلَیْهِ وَ قَالَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ...

-وَ رَوَی الْکَلاَمَ إِلَی آخِرِهِ بِأَلْفَاظِهِ فَقَالَ عُثْمَانُ وَ قَدْ (2) عَلِمْتُ أَنَّکَ لَتَقُولَنَّ (3) مَا قُلْتُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتُ مَکَانِی مَا عَنَّفْتُکَ وَ لاَ عَتَبْتُ عَلَیْکَ (4) وَ لَمْ آتِ مُنْکَراً إِنَّمَا وَصَلْتُ رَحِماً وَ سَدَدْتُ خَلَّةً وَ آوَیْتُ ضَائِعاً وَ وَلَّیْتُ شَبِیهاً بِمَنْ کَانَ عُمَرُ یُوَلِّیَهُ أَنْشُدُکَ اللَّهَ یَا عَلِیُّ أَ لاَ تَعْلَمُ (5) أَنَّ اَلْمُغِیرَةِ بْنَ شُعْبَةَ لَیْسَ هُنَاکَ قَالَ بَلَی قَالَ أَ فَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ وَلاَّهُ قَالَ بَلَی قَالَ فَلِمَ تَلُومُنِی أَنْ وَلَّیْتُ اِبْنَ عَامِرٍ فِی رَحِمِهِ وَ قَرَابَتِهِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع إِنَّ عُمَرَ کَانَ یَطَأُ عَلَی صِمَاخِ مَنْ یُوَلِّیهِ ثُمَّ یَبْلُغُ مِنْهُ إِنْ أَنْکَرَ مِنْهُ أَمْراً أَقْصَی الْعُقُوبَةَ وَ أَنْتَ فَلاَ تَفْعَلُ ضَعُفْتَ وَ رَقَقْتَ عَلَی أَقْرِبَائِکَ.

ص :264

قَالَ عُثْمَانُ هُمْ أَقْرِبَاؤُکَ أَیْضاً فَقَالَ عَلِیٌّ لَعَمْرِی إِنَّ رَحِمَهُمُ مِنِّی لَقَرِیبَةٌ وَ لَکِنَّ الْفَضْلَ فِی غَیْرِهِمْ. (1)

فَقَالَ عُثْمَانُ أَ فَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ وَلَّی مُعَاوِیَةَ فَقَدْ وَلَّیْتُهُ قَالَ عَلِیٌّ أَنْشُدُکَ اللَّهَ أَ لاَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاوِیَةَ کَانَ أَخْوَفَ لِعُمَرَ مِنْ یَرْفَأَ غُلاَمِهِ لَهُ قَالَ بَلَی قَالَ فَإِنَّ مُعَاوِیَةَ یَقْطَعُ الْأُمُورَ دُونَکَ وَ یَقُولُ لِلنَّاسِ هَذَا بِأَمْرِ عُثْمَانَ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِکَ فَلاَ تُعَیَّرْ عَلَیْهِ.

ثُمَّ قَامَ عَلِیٌّ فَخَرَجَ عُثْمَانُ عَلَی أَثَرِهِ فَجَلَسَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ فَخَطَبَ النَّاسَ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِکُلِّ شَیْءٍ آفَةً وَ لِکُلِّ أَمْرٍ عَاهَةً وَ إِنَّ آفَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ عَاهَةَ هَذِهِ النِّعْمَةَ عَیَّابُونَ طَعَّانُونَ یُرُونَکُمْ مَا تُحِبُّونَ وَ یُسِرُّونَ عَنْکُمْ مَا تَکْرَهُونَ یَقُولُونَ لَکُمْ وَ تَقُولُونَ أَمْثَالُ النَّعَامِ یَتْبَعُ أَوَّلَ نَاعِقٍ أَحَبُّ مَوَارِدِهَا إِلَیْهَا الْبَعِیدُ لاَ یَشْرَبُونَ إِلاَّ نَغْصاً وَ لاَ یَرِدُونَ إِلاَّ عَکَراً أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ عِبْتُمْ عَلَیَّ مَا أَقْرَرْتُمْ لاِبْنِ الْخَطَّابِ بِمِثْلِهِ وَ لَکِنَّهُ وَطِئَکُمْ بِرِجْلِهِ وَ ضَرَبَکُمْ بِیَدِهِ وَ قَمَعَکُمْ بِلِسَانِهِ فَدِنْتُمْ لَهُ عَلَی مَا أَحْبَبْتُمْ وَ کَرِهْتُمْ وَ لِنْتُ لَکُمْ وَ أَوْطَأْتُکُمْ کَتِفَیَّ وَ کَفَفْتُ یَدِی وَ لِسَانِی عَنْکُمْ فَاجْتَرَأْتُمْ عَلَیَّ أَمَا وَ اللَّهِ لِأَنَّا أَقْرَبُ نَاصِراً وَ أَعَزُّ نَفَراً وَ أَکْثَرُ عَدَداً وَ أَحْرَی إِنْ قُلْتُ هَلُمَّ أَنْ یُجَابَ صَوْتِی وَ لَقَدْ أَعْدَدْتُ لَکُمْ أَقْرَاناً وَ کَشَرْتُ لَکُمْ عَنْ نَابِی وَ أَخْرَجْتُمْ مِنِّی خُلُقاً لَمْ أَکُنْ أُحْسِنُهُ وَ مَنْطِقاً لَمْ أَکُنْ أَنْطِقُ بِهِ فَکَفُّوا عَنِّی أَلْسِنَتَکُمْ وَ طَعْنَکُمْ وَ عَیْبَکُمْ عَلَی وُلاَتِکُمْ فَمَا الَّذِی تَفْقِدُونَ مِنْ حَقِّکُمْ وَ اللَّهِ مَا قَصُرْتُ عَنْ بُلُوغِ مَنْ کَانَ قَبْلِی یَبْلُغُ وَ مَا وَجَدْتُکُمْ تَخْتَلِفُونَ عَلَیْهِ فَمَا بَالُکُمْ.

فَقَامَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ فَقَالَ وَ إِنْ شِئْتُمْ حَکَّمْنَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ السَّیْفَ.

فَقَالَ عُثْمَانُ اسْکُتْ لاَ سَکَتَّ دَعْنِی وَ أَصْحَابِی مَا مَنْطِقُکَ فِی هَذَا أَ لَمْ أَتَقَدَّمْ (2) إِلَیْکَ أَلاَ تَنْطِقُ.

فَسَکَتَ مَرْوَانُ وَ نَزَلَ عُثْمَانُ

.

ص :265

و نعقت فی أسماعنا دلائله

أی صاحت دلائله لظهورها کالأصوات المسموعة التی تعلم یقینا .

و أخادید الأرض شقوقها جمع أخدود و فجاجها جمع فج و هو الطریق بین الجبلین و رواسی أعلامها أثقال جبالها .

مصرفة فی زمام التسخیر

أی هی مسخرة تحت القدرة الإلهیة .

و حقاق المفاصل جمع حقّ و هو مجمع المفصلین من الأعضاء کالرکبة و جعلها محتجبة لأنّها مستورة بالجلد و اللحم .

و عبالة الحیوان کثافة جسده و الخفوف سرعة الحرکة و الدفیف للطائر طیرانه فویق الأرض یقال عقاب دفوف قال إمرؤ القیس یصف فرسه و یشبهها بالعقاب کأنّی بفتخاء الجناحین لقوة دفوف من العقبان طأطأت شملالی (1) .

و نسقها

رتبها و الأصابیغ جمع أصباغ و أصباغ جمع صبغ .

و المغموس الأول هو ذو اللون الواحد کالأسود و الأحمر و المغموس الثانی ذو اللونین نحو أن یکون أحمر و عنقه خضراء.

و روی قد طورق لون أی لون علی لون کما تقول طارقت بین الثوبین.

فإن قلت ما هذه الطیور التی یسکن بعضها الأخادید و بعضها الفجاج و بعضها رءوس الجبال.

قلت أما الأول فکالقطا و الصدی (2) و الثانی کالقبج (3) و الطیهوج (4) و الثالث کالصقر و العقاب

ص :267

وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُسُ الَّذِی أَقَامَهُ فِی [أَحْسَنِ]

أَحْکَمِ تَعْدِیلٍ وَ نَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِی أَحْسَنِ تَنْضِیدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وَ ذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ إِذَا دَرَجَ إِلَی الْأُنْثَی نَشَرَهُ مِنْ طَیِّهِ وَ سَمَا بِهِ مُطِلاًّ عَلَی رَأْسِهِ کَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِیٍّ عَنَجَهُ نُوتِیُّهُ یَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ وَ یَمِیسُ بِزَیَفَانِهِ یُفْضِی کَإِفْضَاءِ الدِّیَکَةِ وَ یَؤُرُّ بِمَلاَقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ أُحِیلُکَ مِنْ ذَلِکَ عَلَی مُعَایَنَةٍ لاَ کَمَنْ یُحِیلُ عَلَی ضَعِیفٍ إِسْنَادُهُ وَ لَوْ کَانَ کَزَعْمِ مَنْ یَزْعُمُ أَنَّهُ یُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ فَتَقِفُ فِی ضَفَّتَیْ جُفُونِهِ وَ أَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِکَ ثُمَّ تَبِیضُ لاَ مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَی الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ لَمَا کَانَ ذَلِکَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ .

الطاوس

فاعول کالهاضوم و الکابوس و ترخیمه طویس و نضد رتب قوله أشرج قصبه القصب هاهنا عروق الجناح و غضاریفه عظامه الصغار و أشرجها رکب بعضها فی بعض کما تشرج العیبة أی یداخل بین أشراجها و هی عراها واحدها شرج بالتحریک.

ثمّ ذکر ذنب الطاوس و أنّه طویل المسحب و أن الطاوس إذا درج إلی الأنثی للسفاد نشر ذنبه من طیه و علا به مرتفعا علی رأسه و القلع شراع السفینة و جمعه قلاع و الداری جالب العطر فی البحر من دارین و هی فرضة بالبحرین فیها سوق یحمل إلیها المسک من الهند و

2059

فِی الْحَدِیثِ الْجَلِیسُ الصَّالِحُ کَالدَّارِیِّ إِنْ لَمْ یُحْذِکَ مِنْ عِطْرِهِ عَلِقَکَ مِنْ رِیحِهِ (1) .

قال الشاعر

ص :268

إذا التاجر الداری جاء بفأرة

من المسک راحت فی مفارقهم تجری.

و النوتی الملاح و جمعه نواتی.

و عنجه عطفه و عنجت خطام البعیر رددته علی رجلیه أعنجه بالضم و الاسم العنج بالتحریک و فی المثل عود یعلم العنج (1) یضرب مثلا لتعلیم الحاذق.

و یختال من الخیلاء و هی العجب و یمیس یتبختر.

و زیفانه تبختره زاف یزیف و منه ناقة زیافة أی مختالة قال عنترة زیافة مثل الفنیق المکدم (2) .

و کذلک ذکر الحمام عند الحمامة إذا جر الذنابی و دفع مقدمه بمؤخره و استدار علیها .

و یفضی یسفد و الدیکة جمع دیک کالقرطة و الجحرة جمع قرط و جحر.

و یؤر

یسفد و الأر الجماع و رجل آر کثیر الجماع و ملاقحه أدوات اللقاح و أعضاؤه و هی آلات التناسل.

قوله أر الفحول أی أرا مثل أر الفحول ذات الغلمة و الشبق .

ثمّ ذکر أنّه لم یقل ذلک عن إسناد قد یضعف و یتداخله الطعن بل قال ذلک عن عیان و مشاهدة.

ص :269

فإن قلت من أین للمدینة طوأویس و أین العرب و هذا الطائر حتّی یقول أمیر المؤمنین ع أحیلک من ذلک علی معاینة لا سیما و هو یعنی السفاد و رؤیة ذلک لمن تکثر الطواویس فی داره و یطول مکثها عنده نادرة.

قلت لم یشاهد أمیر المؤمنین ع الطواویس بالمدینة بل بالکوفة و کانت یومئذ تجبی إلیها ثَمَرٰاتُ کُلِّ شَیْءٍ و تأتی إلیها هدایا الملوک من الآفاق و رؤیة المسافدة مع وجود الذکر و الأنثی غیر مستبعدة .

و اعلم أن قوما زعموا أن الذکر تدمع عینه فتقف الدمعة بین أجفانه فتأتی الأنثی فتطعمها فتلقح من تلک الدمعة و أمیر المؤمنین ع لم یحل ذلک و لکنه قال لیس بأعجب من مطاعمة الغراب و العرب تزعم أن الغراب لا یسفد و من أمثالهم أخفی من سفاد الغراب فیزعمون أن اللقاح من مطاعمة الذکر و الأنثی منهما و انتقال جزء من الماء الذی فی قانصته إلیها من منقاره و أمّا الحکماء فقل أن یصدقوا بذلک علی أنهم قد قالوا فی کتبهم ما یقرب من هذا قالوا فی السمک البیاض إن سفاده خفی جدا و إنّه لم یظهر ظهورا یعتد به و یحکم بسببه.

هذا لفظ ابن سینا فی کتاب الشفاء ثم قال و الناس یقولون إن الإناث تأخذ زرع الذکور فی أفواهها إلی بطونها ثمّ قال و قد شوهدت الإناث منها تتبع الذکور مبتلعة للزرع و أمّا عند الولادة فإن الذکور تتبع الإناث مبتلعة بیضها.

قال ابن سینا و القبجة تحبلها ریح تهب من ناحیة الحجل الذکر و من سماع صوته.

قال و النوع المسمی مالاقیا تتلاصق بأفواهها ثمّ تتشابک فذاک سفادها و سمعت

ص :270

أن الغراب یسفد و أنّه قد شوهد سفاده و یقول الناس إن من شاهد سفاد الغراب یثری و لا یموت إلاّ و هو کثیر المال موسر.

و الضفتان بفتح الضاد الجنابان و هما ضفتا النهر و قد جاء ذلک بالکسر أیضا و الفتح أفصح .

و المنبجس المنفجر و یسفحها یصبها و روی تنشجها مدامعه من النشیج و هو صوت الماء و غلیانه من زق أو حبّ أو قدر تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِیَ مِنْ فِضَّةٍ وَ مَا أُنْبِتَ عَلَیْهَا مِنْ عَجِیبِ دَارَاتِهِ وَ شُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْیَانِ وَ فِلَذَ الزَّبَرْجَدِ فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ قُلْتَ [جَنِیٌّ]

جَنًی جُنِیَ مِنْ زَهْرَةِ کُلِّ رَبِیعٍ وَ إِنْ ضَاهَیْتَهُ بِالْمَلاَبِسِ فَهُوَ کَمَوْشِیِّ الْحُلَلِ أَوْ کَمُونِقِ عَصْبِ اَلْیَمَنِ وَ إِنْ شَاکَلْتَهُ بِالْحُلِیِّ فَهُوَ کَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَیْنِ الْمُکَلَّلِ یَمْشِی مَشْیَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ وَ یَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَ [جَنَاحَهُ]

جَنَاحَیْهِ فَیُقَهْقِهُ ضَاحِکاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ وَ أَصَابِیغِ وِشَاحِهِ فَإِذَا رَمَی بِبَصَرِهِ إِلَی قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلاً بِصَوْتٍ یَکَادُ یُبِینُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ وَ یَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ کَقَوَائِمِ الدِّیَکَةِ الْخِلاَسِیَّةِ .

قصبه

عظام أجنحته و المداری جمع مدری و هو فی الأصل القرن قال النابغة یصف الثور و الکلاب شک الفریصة بالمدری فأنفذها شک المبیطر إذ یشفی من العضد (1) .

ص :271

و کذلک المدراة و یقال المدری لشیء کالمسلة تصلح بها الماشطة شعور النساء قال الشاعر تهلک المدراة فی أکنافه و إذا ما أرسلته یعتفر (1) .

و تمدرت المرأة أی سرحت شعرها شبه عظام أجنحة الطاوس بمداری من فضة لبیاضها و شبه ما أنبت اللّه علیها من تلک الدارات و الشموس التی فی الریش بخالص العقیان و هو الذهب.

و فلذ الزبرجد

جمع فلذة و هی القطعة و الزبرجد هذا الجوهر الذی تسمیه الناس البلخش .

ثمّ قال إن شبهته بنبات الأرض قلت إنّه قد جنی من زهرة کل ربیع فی الأرض لاختلاف ألوانه و أصباغه .

و إن ضاهیته بالملابس

المضاهاة المشاکلة یهمز و لا یهمز و قرئ یضاهون قول الذین کفروا (2) و یُضٰاهِؤُنَ و هذا ضهی هذا علی فعیل أی شبیهه.

و موشی الحلل ما دبج بالوشی و هو الأرقم الملون و العصب برود الیمن .و الحلی جمع حلی و هو ما تلبسه المرأة من الذهب و الفضة مثل ثدی و ثدی و وزنه فعول و قد تکسر الحاء لمکان الیاء مثل عصی و قرئ مِنْ حُلِیِّهِمْ (3) بالضم و الکسر.

و نطقت باللجین جعلت الفضة کالنطاق لها و المکلل ذو الإکلیل.

ص :272

و زقا صوت یزقو زقوا و زقیا و زقاء و کل صائح زاق و الزقیة الصیحة و هو أثقل من الزواقی أی الدیکة لأنّهم کانوا یسمرون فإذا صاحت الدیکة تفرقوا.

و معولا صارخا أعولت الفرس صوتت و منه العویل و العولة .

و قوائمه حمش دقاق و هو أحمش الساقین و حمش الساقین بالتسکین و قد حمشت قوائمه أی دقت و تقول العرب للغلام إذا کانت أمه بیضاء و أبوه عربیا آدم فجاء لونه بین لونیهما.

خلاسی بالکسر و الأنثی خلاسیة و قال اللیث الدیکة الخلاسیة هی المتولدة من الدجاج الهندی و الفارسیّ.

یقول ع إن الطاوس یزهی بنفسه و یتیه إذا نظر فی أعطافه و رأی ألوانه المختلفة فإذا نظر إلی ساقیه وجم لذلک و انکسر نشاطه و زهوه فصاح صیاح العویل لحزنه و ذلک لدقة ساقیه و نتوء عرقوبیه وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِیصِیَةٌ خَفِیَّةٌ وَ لَهُ فِی مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ وَ مَخْرَجُ عَنُقِهِ کَالْإِبْرِیقِ وَ مَغْرِزُهَا إِلَی حَیْثُ بَطْنُهُ کَصِبْغِ الْوَسْمَةِ الْیَمَانِیَّةِ أَوْ کَحَرِیرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ وَ کَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ إِلاَّ أَنَّهُ یُخَیَّلُ لِکَثْرَةِ مَائِهِ وَ شِدَّةِ بَرِیقِهِ أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ وَ مَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ کَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِی لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ أَبْیَضُ یَقَقٌ فَهُوَ بِبَیَاضِهِ فِی سَوَادِ

ص :273

مَا هُنَالِکَ یَأْتَلِقُ وَ قَلَّ صِبْغٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ وَ عَلاَهُ بِکَثْرَةِ صِقَالِهِ وَ بَرِیقِهِ وَ بَصِیصِ دِیبَاجِهِ وَ رَوْنَقِهِ فَهُوَ کَالْأَزَاهِیرِ الْمَبْثُوثَةِ لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِیعٍ وَ لاَ شُمُوسُ قَیْظٍ .

نجمت

ظهرت و الظنبوب حرف الساق و هو هذا العظم الیابس.

و الصیصیة فی الأصل شوکة الحائک التی یسوی بها السداة و اللحمة و منه قوله (1) کوقع الصیاصی فی النسیج الممدد.

و نقل إلی صیصیة الدیک لتلک الهیئة التی فی رجله .

و العرف الشعر المرتفع من عنقه علی رأسه و القنزعة واحدة القنازع و هی الشعر حوالی الرأس و

2060

فِی الْحَدِیثِ غَطِّی عَنَّا قَنَازِعَکِ یَا أُمَّ أَیْمَنَ (2) .

و موشاة ذات وشی .

و الوسمة بکسر السین العظلم الذی یخضب به و یجوز تسکین السین .

و الأسحم الأسود و المتلفع الملتحف و یروی متقنع بمعجر و هو ما تشده المرأة علی رأسها کالرداء .

و الأقحوان البابونج الأبیض و جمعه أقاح.

ص :274

و أبیض یقق خالص البیاض و جاء یقق بالکسر و یأتلق یلمع .

و البصیص البریق و بص الشیء لمع .

و تربها الأمطار تربیها و تجمعها.

یقول ع کأنّ هذا الطائر ملتحف بملحفة سوداء إلاّ أنّها لکثرة رونقها یتوهم أنّه قد امتزج بها خضرة ناضرة و قل أن یکون لون إلاّ و قد أخذ هذا الطائر منه بنصیب فهو کأزاهیر الربیع إلاّ أن الأزهار تربیها الأمطار و الشموس و هذا مستغن عن ذلک وَ قَدْ یَنْحَسِرُ مِنْ رِیشِهِ وَ یَعْرَی مِنْ لِبَاسِهِ فَیَسْقُطُ تَتْرَی وَ یَنْبُتُ تِبَاعاً فَیَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الْأَغْصَانِ ثُمَّ یَتَلاَحَقُ نَامِیاً حَتَّی یَعُودَ کَهَیْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ لاَ یُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ وَ لاَ یَقَعُ لَوْنٌ فِی غَیْرِ مَکَانِهِ وَ إِذَا تَصَفَّحَتْ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْکَ حُمْرَةً وَرْدِیَّةً وَ تَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِیَّةً وَ أَحْیَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِیَّةً فَکَیْفَ تَصِلُ إِلَی صِفَةِ هَذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِینَ وَ أَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الْأَوْهَامَ أَنْ تُدْرِکَهُ وَ الْأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ فَسُبْحَانَ الَّذِی بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلاَّهُ لِلْعُیُونِ فَأَدْرَکَتْهُ مَحْدُوداً مُکَوَّناً وَ مُؤَلَّفاً مُلَوَّناً وَ أَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِیصِ صِفَتِهِ وَ قَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِیَةِ نَعْتِهِ وَ سُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ وَ الْهَمَجَةِ إِلَی مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِیتَانِ وَ الْفِیَلَةِ

ص :275

وَ وَأَی عَلَی نَفْسِهِ أَلاَّ یَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِیهِ الرُّوحَ إِلاَّ وَ جَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ وَ الْفَنَاءَ غَایَتَهُ .

ینحسر من ریشه

ینکشف فیسقط و یروی یتحسر .

تتری

أی شیئا بعد شیء و بینهما فترة قال اللّه تعالی ثُمَّ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا تَتْرٰا (1) لأنّه لم یرسلهم علی تراسل بل بعد فترات و هذا ممّا یغلط فیه قوم فیعتقدون أن تتری للمواصلة و الالتصاق و أصلها الواو من الوتر و هو الفرد و فیها لغتان تنون و لا تنون فمن ترک صرفها للمعرفة جعل ألفها ألف تأنیث و من نونها جعل ألفها للإلحاق.

قال ع و ینبت تباعا أی لا فترات بینهما و کذلک حال الریش الساقط یسقط شیئا بعد شیء و ینبت جمیعا.

و ینحت یتساقط و انحتات الورق تناثرها و نامیا زائدا یقول ع إذا عاد ریشه عاد مکان کل ریشة ریشة ملونة بلون الریشة الأولی فلا یتخالف الأوائل و الأواخر .

و الخضرة الزبرجدیة منسوبة إلی الزمرد (2) و لفظة الزبرجد تارة تستعمل له و تارة لهذا الحجر الأحمر المسمی بلخش و العسجد الذهب و و عمائق الفطن

ص :276

البعیدة القعر و القریحة الخاطر و الذهن و بهر غلب و جلاه أظهره و یروی بالتخفیف و أدمج القوائم أحکمها کالحبل المدمج الشدید الفتل.

و الذرة النملة الصغیرة و الهمجة واحدة الهمج و هو ذباب صغیر کالبعوض یسقط علی وجوه الغنم و الحمر و أعینها .

و وأی

وعد و الوأی الوعد.

و اعلم أن الحکماء ذکروا فی الطاوس أمورا قالوا إنّه یعیش خمسا و عشرین سنة (1) و هی أقصی عمره و یبیض فی السنة الثالثة من عمره عند ما ینتقش لونه و یتم ریشه و یبیض فی السنة مرة واحدة اثنتی عشرة بیضة فی ثلاثة أیّام و یحضنها ثلاثین یوما فیفرخ و یلقی ریشه مع سقوط ورق الشجر و ینبته مع ابتداء نبات الورق.

و الدجاج قد یحضن بیض الطاوس و إنّما یختار الدجاج لحضانته و إن وجدت الطاوسة لأن الطاوس الذکر یعبث بالأنثی و یشغلها عن الحضانة و ربما انفقص البیض من تحتها و لهذه العلة یخبأ کثیر من الإناث محاضنها عن ذکرانها و لا تقوی الدجاجة علی أکثر من بیضتی طاوس و ینبغی أن یتعهد الدجاجة حینئذ بتقریب العلف منها.

و قال شیخنا أبو عثمان الجاحظ رحمه اللّه فی کتاب الحیوان إن الطاوسة قد تبیض من الریح بأن یکون فی سفالة الریح و فوقها طاوس ذکر فیحمل ریحه فتبیض منه و کذلک القبجة.

قال و بیض الریح قل أن یفرخ

ص :277

مِنْهَا فِی صِفَةِ اَلْجَنَّةِ فَلَوْ رَمَیْتَ بِبَصَرِ قَلْبِکَ نَحْوَ مَا یُوصَفُ لَکَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُکَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَی الدُّنْیَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَّاتِهَا وَ زَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَ لَذَهِلَتْ بِالْفِکْرِ فِی [اِصْطِفَافِ]

اِصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُیِّبَتْ عُرُوقُهَا فِی کُثْبَانِ الْمِسْکِ عَلَی سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا وَ فِی تَعْلِیقِ کَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِی عَسَالِیجِهَا وَ أَفْنَانِهَا وَ طُلُوعِ تِلْکَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِی غُلُفِ أَکْمَامِهَا تُجْنَی مِنْ غَیْرِ تَکَلُّفٍ فَتَأْتِی عَلَی مُنْیَةِ مُجْتَنِیهَا وَ یُطَافُ عَلَی نُزَّالِهَا فِی أَفْنِیَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ وَ الْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْکَرَامَةُ تَتَمَادَی بِهِمْ حَتَّی حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ وَ أَمِنُوا نُقْلَةَ الْأَسْفَارِ فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَکَ أَیُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَی مَا یَهْجُمُ عَلَیْکَ مِنْ تِلْکَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ لَزَهِقَتْ نَفْسُکَ شَوْقاً إِلَیْهَا وَ لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِی هَذَا إِلَی مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالاً بِهَا جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ یَسْعَی بِقَلْبِهِ إِلَی مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ.

قال الرضی رحمه اللّه تعالی تفسیر بعض ما فی هذه الخطبة من الغریب قوله ع یؤر بملاقحه الأر کنایة عن النکاح یقال أر الرجل المرأة یؤرها إذا نکحها.

و قوله ع کأنّه قلع داری عنجه نوتیه القلع شراع السفینة و داری منسوب إلی دارین و هی بلدة علی البحر یجلب منها الطیب و عنجه أی عطفه یقال عنجت الناقة أعنجها عنجا إذا عطفتها و النوتی الملاح.

ص :278

و قوله ع ضفتی جفونه أراد جانبی جفونه و الضفتان الجانبان.

و قوله و فلذ الزبرجد الفلذ جمع فلذة و هی القطعة.

و قوله ع کبائس اللؤلؤ الرطب الکباسة العذق و العسالیج الغصون واحدها عسلوج

رمیت ببصر قلبک

أی أفکرت و تأملت و عزفت نفسک کرهت و زهدت و الزخارف جمع زخرف و هو الذهب و کل مموه .

و اصطفاف الأشجار انتظامها صفا و یروی فی اصطفاق أغصان أی اضطرابها .

یأتی علی منیة مجتنیها

لا یترک له منیة أصلا لأنّه یکون قد بلغ نهایة الأمانی.

و العسل المصفق المصفی تحویلا من إناء إلی إناء و المونقة المعجبة و زهقت نفسه مات.

و اعلم أنّه لا مزید فی التشویق إلی الجنة علی ما ذکره اللّه تعالی فی کتابه فکل الصید فی جانب الفرا (1) .

ص :279

و قد جاء عن رسول اللّه ص فی ذلک أخبار صحیحة

2061

فَرَوَی أُسَامَةُ بْنُ زَیْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَذْکُرُ اَلْجَنَّةَ فَقَالَ أَ لاَ مُشْتَرٍ لَهَا هِیَ وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ رَیْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَ نُورٌ یَتَلَأْلَأُ وَ نَهَرٌ یَطْرُدُ وَ زَوْجَةٌ لاَ تَمُوتُ مَعَ حُبُورٍ وَ نَعِیمٍ وَ مَقَامِ الْأَبَدِ.

و

2062

رَوَی أَبُو سَعِیدٍ الْخُدْرِیُّ عَنْهُ ص أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَوَّطَ حَائِطَ اَلْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَ لَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَ غَرَسَ غَرْسَهَا قَالَ لَهَا تَکَلَّمِی فَقَالَتْ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَ طُوبَی لَکَ مَنْزِلَ الْمُلُوکِ.

و

2063

رَوَی جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ ع إِذَا دَخَلَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ اَلْجَنَّةَ قَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ تَعَالَی أَ تُحِبُّونَ أَنْ أَزِیدَکُمْ فَیَقُولُونَ وَ هَلْ خَیْرٌ مِمَّا أَعْطَیْتَنَا فَیَقُولُ نَعَمْ رِضْوَانِی أَکْبَرُ.

و

2064

عَنْهُ ع

إِنَّ أَحَدَهُمْ لَیُعْطَی قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِی الْأَکْلِ وَ الشُّرْبِ فَقِیلَ لَهُ فَهَلْ یَکُونُ مِنْهُمْ حَدَثٌ أَوْ قَالَ خَبَثٌ قَالَ عَرَقٌ یَفِیضُ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ کَرِیحِ الْمِسْکِ یُضْمِرُ مِنْهُ الْبَطْنُ.

2065

وَ رَوَی اَلزَّمَخْشَرِیُّ فِی رَبِیعِ الْأَبْرَارِ وَ مَذْهَبُهُ فِی اَلاِعْتِزَالِ وَ نُصْرَةِ أَصْحَابِنَا مَعْلُومٌ وَ کَذَلِکَ فِی انْحِرَافِهِ عَنِ اَلشِّیعَةِ وَ تَسْخِیفِهِ لِمَقَالاَتِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مُحَمَّداً ص قَالَ لَمَّا أُسْرِیَ بِی أَخَذَنِی جَبْرَئِیلُ فَأَقْعَدَنِی عَلَی دُرْنُوکٍ مِنْ دَرَانِیکِ اَلْجَنَّةِ ثُمَّ نَاوَلَنِی سَفَرْجَلَةً فَبَیْنَا أَنَا أَقْلِبُهَا انْفَلَقَتْ فَخَرَجَتْ مِنْهَا جَارِیَةٌ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهَا فَسَلَّمَتْ فَقُلْتُ مَنْ أَنْتِ قَالَتْ أَنَا الرَّاضِیَةُ الْمَرْضِیَّةُ خَلَقَنِی الْجَبَّارُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَصْنَافٍ أَعْلاَیَ مِنْ عَنْبَرٍ

ص :280

وَ أَوْسَطِی مِنْ کَافُورٍ وَ أَسْفَلِی مِنْ مِسْکٍ ثُمَّ عَجَّنَنِی بِمَاءِ الْحَیَوَانِ وَ قَالَ لِی کُونِی کَذَا فَکُنْتُ خَلَقَنِی لِأَخِیکَ وَ ابْنِ عَمِّکَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ .

قلت الدرنوک ضرب من البسط ذو خمل و یشبه به فروة البعیر قال الراجز جعد الدرانیک رفل الأجلاد (1)

ص :281

و استعار لفظة الأداحی للأعشاش مجازا لأن الأداحی لا تکون إلاّ للنعام تدحوها بأرجلها و تبیض فیها و دحوها توسیعها من دحوت الأرض.

و القیض الکسر و الفلق قضت القارورة و البیضة و انقاضت هی و انقاض الجدار انقیاضا أی تصدع من غیر أن یسقط فإن سقط قیل تقیض تقیضا و تقوض تقوضا و قوضته أنا و تقول للبیضة إذا تکسرت فلقا تقیضت تقیضا فإن تصدعت و لم تنفلق قلت انقاضت فهی منقاضة و القارورة مثله مِنْهَا افْتَرَقُوا بَعْدَ أُلْفَتِهِمْ وَ تَشَتَّتُوا عَنْ أَصْلِهِمْ فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِغُصْنٍ أَیْنَمَا مَالَ مَالَ مَعَهُ عَلَی أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی سَیَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ یَوْمٍ لِبَنِی أُمَیَّةَ کَمَا یَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِیفِ یُؤَلِّفُ اللَّهُ بَیْنَهُمْ ثُمَّ یَجْمَعُهُمْ رُکَاماً کَرُکَامِ السَّحَابِ ثُمَّ یَفْتَحُ [اَللَّهُ]

لَهُمْ أَبْوَاباً یَسِیلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ کَسَیْلِ الْجَنَّتَیْنِ حَیْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَیْهِ قَارَةٌ وَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَیْهِ أَکَمَةٌ وَ لَمْ یَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ وَ لاَ حِدَابُ أَرْضٍ یُذَعْذِعُهُمُ اللَّهُ فِی بُطُونِ أَوْدِیَتِهِ ثُمَّ یَسْلُکُهُمْ یَنٰابِیعَ فِی الْأَرْضِ یَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ وَ یُمَکِّنُ لِقَوْمٍ فِی دِیَارِ قَوْمٍ وَ ایْمُ اللَّهِ لَیَذُوبَنَّ مَا فِی أَیْدِیهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَ التَّمْکِینِ کَمَا تَذُوبُ الْأَلْیَةُ عَلَی النَّارِ أَیُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ وَ لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِینِ الْبَاطِلِ لَمْ

ص :283

یَطْمَعْ فِیکُمْ مَنْ لَیْسَ مِثْلَکُمْ وَ لَمْ یَقْوَ مَنْ قَوِیَ عَلَیْکُمْ لَکِنَّکُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِی إِسْرَائِیلَ وَ لَعَمْرِی لَیُضَعَّفَنَّ لَکُمُ التِّیْهُ مِنْ بَعْدِی أَضْعَافاً بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِکُمْ وَ قَطَعْتُمُ الْأَدْنَی وَ وَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِیَ لَکُمْ سَلَکَ بِکُمْ مِنْهَاجَ اَلرَّسُولِ وَ کُفِیتُمْ مَئُونَةَ الاِعْتِسَافِ وَ نَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ .

هو ع یذکر حال أصحابه و شیعته بعده فیقول افترقوا بعد ألفتهم أی بعد اجتماعهم.

و تشتتوا عن أصلهم

أی عنی بعد مفارقتی فمنهم آخذ بغصن أی یکون منهم من یتمسک بمن أخلفه بعدی من ذرّیة الرسول أینما سلکوا سلکوا معهم و تقدیر الکلام و منهم من لا یکون هذه حاله لکنه لم یذکره ع اکتفاء بذکر القسم الأوّل لأنّه دال علی القسم الثانی .

ثمّ قال علی أن هؤلاء القوم من ثبت منهم علی عقیدته فینا و من لم یثبت لا بدّ أن یجمعهم اللّه تعالی لشر یوم لبنی (1) أمیّة و کذا کان فإن الشیعة الهاشمیة اجتمعت علی إزالة ملک بنی مروان من کان منهم ثابتا علی ولاء علیّ بن أبی طالب ع و من حاد منهم عن ذلک و ذلک فی أواخر أیام مروان الحمار عند ظهور الدعوة الهاشمیة.

و قزع الخریف جمع قزعة و هی سحب صغار تجتمع فتصیر رکاما و هو ما کثف

ص :284

من السحاب و رکمت الشیء أرکمه إذا جمعته و ألقیت بعضه علی بعض .

و مستثارهم موضع ثورتهم.

و الجنتان هما اللتان قال اللّه تعالی فیهما لَقَدْ کٰانَ لِسَبَإٍ فِی مَسْکَنِهِمْ آیَةٌ جَنَّتٰانِ عَنْ یَمِینٍ وَ شِمٰالٍ (1) و سلط اللّه علیهما السیل قال اللّه تعالی فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنٰا عَلَیْهِمْ سَیْلَ الْعَرِمِ (2) فشبه ع سیلان الجیوش إلی بنی أمیّة بالسیل المسلط علی تینک الجنتین .

فإنه لم تسلم علیه قارة و هی الجبیل الصغیر و لم تثبت له أکمة و هی التلعة من الأرض .

و لم یرد سننه

أی طریقه طود مرصوص أی جبل شدید التصاق الأجزاء بعضها ببعض و لا حداب أرض جمع حدبة (3) و هی الروابی و النجاد .

ثمّ قال یذعذعهم اللّه الذعذعة بالذال المعجمة مرتین التفریق و ذعذعة الشر إذاعته.

ثم یسلکهم

یَنٰابِیعَ فِی الْأَرْضِ

من ألفاظ القرآن (4) و المراد أنّه کما أن اللّه تعالی ینزل من السماء ماء فیستکن فی أعماق الأرض ثمّ یظهر منها ینابیع إلی ظاهرها کذلک هؤلاء القوم یفرقهم اللّه تعالی فی بطون الأودیة و غوامض الأغوار ثمّ

ص :285

یظهرهم بعد الاختفاء فیأخذ بهم من قوم حقوق آخرین و یمکن منهم قوما من ملک قوم و دیارهم .

ثمّ أقسم لیذوبن ما فی أیدی بنی أمیّة بعد علوهم و تمکینهم کما تذوب الألیة علی النار و همزة الألیة مفتوحة و جمعها ألیات بالتحریک و التثنیة ألیان بغیر تاء قال الراجز ترتج ألیاه ارتجاج الوطب (1) .

و جمع الألیة ألاء علی فعال و کبش آلی علی أفعل و نعجة ألیاء و الجمع ألی علی فعل و یقال أیضا کبش ألیان بالتحریک و کباش ألیانات و رجل ألیأ أی عظیم الألیة و امرأة عجزاء و لا تقل ألیاء و قد قاله بعضهم و قد ألی الرجل بالکسر یألی عظمت ألیته .

ثمّ قال لو لا تخاذلکم لم یطمع فیکم من هو دونکم.

و تهنوا مضارع وهن أی ضعف و هو من ألفاظ القرآن (2) أیضا .

و تهتم متاه بنی إسرائیل حرتم و ضللتم الطریق و

2066

14- قَدْ جَاءَ فِی الْمَسَانِیدِ الصَّحِیحَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لَتَرْکَبُنَّ سَنَنَ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّی لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ فَقِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ اَلْیَهُودَ وَ اَلنَّصَارَی قَالَ فَمَنْ إِذاً .

و

2067

مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّحِیحَةِ أَیْضاً أَ مُتَهَوِّکُونَ أَنْتُمْ کَمَا تَهَوَّکَتِ اَلْیَهُودُ وَ اَلنَّصَارَی (3) .

2068

وَ فِی صَحِیحَیِ اَلْبُخَارِیِّ وَ مُسْلِمٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ سَیُجَاءُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ بِأُنَاسٍ مِنْ أُمَّتِی

ص :286

فَیُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَإِذَا رَأَیْتَهُمْ اخْتَلَجُوا دُونِی قُلْتُ أَیْ رَبِّ أَصْحَابِی فَیُقَالُ لِی إِنَّکَ لاَ تَدْرِی مَا عَمِلُوا بَعْدَکَ فَأَقُولُ مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَ کُنْتُ عَلَیْهِمْ شَهِیداً مٰا دُمْتُ فِیهِمْ فَلَمّٰا تَوَفَّیْتَنِی کُنْتَ أَنْتَ الرَّقِیبَ عَلَیْهِمْ وَ أَنْتَ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ .

الإسناد فی هذا الحدیث عن ابن عبّاس رضی اللّه عنه.

2069

14- وَ فِی اَلصَّحِیحَیْنِ أَیْضاً عَنْ زَیْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ اسْتَیْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَوْماً مِنَ نَوْمِهِ مُحْمَرّاً وَجْهُهُ وَ هُوَ یَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَیْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ نَهْلِکُ وَ فِینَا الصَّالِحُونَ فَقَالَ نَعَمْ إِذَا کَثُرَ الْخَبَثَ

.

2070

14- وَ فِی اَلصَّحِیحَیْنِ أَیْضاً یُهْلِکُ أُمَّتِی هَذَا الْحَیُّ مِنْ قُرَیْشٍ قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ .

رواه أبو هریرة عنه ص .

2071

ثُمَّ قَالَ ع

لَیُضَعَّفَنَّ لَکُمُ التِّیهُ مِنْ بَعْدِی .

یعنی الضلال یضعفه لکم الشیطان و أنفسکم بما خلفتم الحق وراء ظهورکم أی لأجل ترککم الحق و قطعکم الأدنی یعنی نفسه و وصلکم الأبعد یعنی معاویة و یروی إن اتبعتم الراعی لکم بالراء.

و الاعتساف سلوک غیر الطریق و الفادح الثقل فدحه الدین أثقله

ص :287

و اصدفوا عن سمت الشر

أی أعرضوا عن طریقه تقصدوا أی تعدلوا و القصد العدل .

ثمّ أمر بلزوم الفرائض من العبادات و المحافظة علیها کالصلاة و الزکاة و انتصب ذلک علی الإغراء .

ثمّ ذکر أن الحرام غیر مجهول للمکلف بل معلوم و الحلال غیر مدخول أی لا عیب و لا نقص فیه و أن حرمة المسلم أفضل من جمیع الحرمات و هذا لفظ

2072

الْخَبَرِ النَّبَوِیِّ حُرْمَةُ اَلْمُسْلِمِ فَوْقَ کُلِّ حُرْمَةٍ دَمُهُ وَ عِرْضُهُ وَ مَالُهُ.

قال ع و شد بالإخلاص و التوحید حقوق المسلمین فی معاقدها لأن الإخلاص و التوحید داعیان إلی المحافظة علی حقوق المسلمین صارفان عن انتهاک محارمهم .

قال فالمسلم من سلم الناس هذا لفظ الخبر النبوی بعینه.

قوله و لا یحل أذی المسلم إلا بما یجب أی إلاّ بحق و هو الکلام الأول و إنّما أعاده تأکیدا .

ثمّ أمر بمبادرة الموت و سماه الواقعة العامّة لأنّه یعم الحیوان کله ثمّ سماه خاصّة أحدکم لأنّه و إن کان عاما إلاّ أن له مع کل إنسان بعینه خصوصیة زائدة علی ذلک العموم .

قوله فإن الناس أمامکم أی قد سبقوکم و الساعة تسوقکم من خلفکم .

ثمّ أمر بالتخفف (1) و هو القناعة من الدنیا بالیسیر و ترک الحرص علیها فإن المسافر الخفیف أحری بالنجاة و لحاق أصحابه و بلوغ المنزل من الثقیل.

ص :289

و قوله فإنما ینتظر بأولکم آخرکم أی إنّما ینتظر ببعث الموتی المتقدمین أن یموت الأواخر أیضا فیبعث الکل جمیعا فی وقت واحد .

ثمّ ذکر أنهم مسئولون عن کل شیء حتی عن البقاع لم استوطنتم هذه و زهدتم فی هذه و لم أخربتم هذه الدار و عمرتم هذه الدار و حتّی عن البهائم لم ضربتموها لم أجعتموها.

و روی فإن البأس (1) أمامکم یعنی الفتنة و الروایة الأولی أظهر و

2073

قَدْ وَرَدَ فِی الْأَخْبَارِ النَّبَوِیَّةِ لَیَنْتَصِفَنَّ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ.

و

2074

جَاءَ فِی الْخَبَرِ الصَّحِیحِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی عَذَّبَ إِنْسَاناً بَهَرَ حَبْسَهُ فِی بَیْتٍ وَ أَجَاعَهُ حَتَّی هَلَکَ.

ص :290

و علی حدّ شوکتهم شدتهم أی لم تنکسر سورتهم .

و العبدان جمع عبد بالکسر مثل جحش و جحشان و جاء عبدان بالضم مثل تمر و تمران و جاء عبید مثل کلب و کلیب و هو جمع عزیز و جاء أعبد و عباد و عبدان مشددة الدال و عبداء بالمد و عبدی بالقصر و معبوداء بالمد و عبد بالضم مثل سقف و سقف و أنشدوا أنسب العبد إلی آبائه أسود الجلدة من قوم عبد (1) .

و منه قرأ بعضهم و عبد الطاغوت (2) و أضافه.

قوله و التفت إلیهم أعرابکم انضمت و اختلطت بهم .

و هم خلالکم

أی بینکم یسومونکم ما شاءوا یکلفونکم قال تعالی یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذٰابِ (3) .

و تؤخذ الحقوق مسمحة

من أسمح أی ذل و انقاد .

فاهدءوا عنی

أی فاسکنوا (4) هدأ الرجل هدءا و هدوءا أی سکن و أهدأه غیره و تضعضع قوة تضعف و تهد ضعضعت البناء هددته و المنة القوّة و الوهن الضعف و آخر الدواء الکی مثل مشهور و یقال آخر الطبّ و یغلط فیه العامّة فتقول آخر الداء و الکی لیس من الداء لیکون آخره

ص :292

الصحیحة من المطالبة بذلک علی وجه السکون و الحکومة

2075

وَ قَدْ قَالَ هُوَ ع لِمُعَاوِیَةَ

فَأَمَّا طَلَبُکَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَادْخُلْ فِی الطَّاعَةِ وَ حَاکِمِ الْقَوْمَ إِلَیَّ أَحْمِلْکَ وَ إِیَّاهُمْ عَلَی کِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ .

قال أصحابنا المعتزلة رحمهم اللّه و هذا عین الحق و محض الصواب لأنّه یجب دخول الناس فی طاعة الإمام ثمّ تقع المحاکمة إلیه فإن حکم بالحق استدیمت إمامته و إن حکم بالجور انتقض أمره و تعین خلعه.

فإن قلت فما معنی قوله و سأمسک الأمر ما استمسک فإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الکی .

قلت لیس معناه و سأصبر عن معاقبة هؤلاء ما أمکن الصبر فإذا لم أجد بدا عاقبتهم و لکنه کلام قاله أول مسیر طلحة و الزبیر إلی البصرة فإنه حینئذ أشار علیه قوم بمعاقبة المجلبین فاعتذر بما قد ذکر ثمّ قال و سأمسک الأمر ما استمسک أی أمسک نفسی عن محاربة هؤلاء الناکثین للبیعة ما أمکننی و أدفع الأیّام بمراسلتهم و تخویفهم و إنذارهم و أجتهد فی ردهم إلی الطاعة بالترغیب و الترهیب فإذا لم أجد بدا من الحرب فآخر الدواء الکی أی الحرب لأنّها الغایة التی ینتهی أمر العصاة إلیها

ص :294

فی العلم و استحق أن یوصف بذلک و یشار إلیه فیه کذلک لا یهلک بعدوله عنه إلاّ من هو أعظم الهالکین و من یشار إلیه بالهلاک و قد بلغ الغایة فی الهلاک .

ثمّ قال إن المبتدعات المشبهات هن المهلکات المبتدعات ما أحدث و لم یکن علی عهد الرسول و المشبهات التی تشبه السنن و لیست منها أی المشبهات بالسنن و روی المشبهات بالکسر أی المشبهات علی الناس یقال قد شبه علیه الأمر أی ألبس علیه و یروی المشتبهات أی الملتبسات لا یعرف حقها من باطلها.

قال إلا من حفظ اللّه أی من عصمه اللّه بألطاف یمتنع لأجلها عن الخطأ ثمّ أمرهم بلزوم الطاعة و اتباع السلطان و قال إن فیه عصمة لأمرکم فأعطوه طاعتکم غیر ملومة أی مخلصین ذوی طاعة محضة لا یلام باذلها أی لا ینسب إلی النفاق و لا مستکره بها أی لیست عن استکراه بل یبذلونها اختیارا و محبة و یروی غیر ملویة أی معوجة من لویت العود .

ثمّ أقسم أنهم إن لم یفعلوا و إلاّ نقل اللّه عنهم سلطان الإسلام یعنی الخلافة ثمّ لا یعیده إلیهم أبدا حتی یأرز الأمر إلی غیرهم أی حتّی ینقبض و ینضم و یجتمع و

2076

فِی الْحَدِیثِ إِنَّ اَلْإِسْلاَمَ لَیَأْرَزُ إِلَی اَلْمَدِینَةِ کَمَا تَأْرِزُ الْحَیَّةُ إِلَی جُحْرِهَا (1) .

فإن قلت کیف قال إنّه لا یعیده إلیهم أبدا و قد عاد إلیهم بالخلافة العباسیة .

قلت لأن الشرط لم یقع و هو عدم الطاعة فإن أکثرهم أطاعوه طاعة غیر ملومة و لا مستکره بها و إذا لم یتحقّق الشرط لم یتحقّق المشروط.

ص :296

و قد أجاب قوم عن هذا فقالوا خاطب الشیعة الطالبیة فقال إن لم تعطونی الطاعة المحضة نقل اللّه الخلافة عن هذا البیت حتی یأرز و ینضم إلی بیت آخر و هکذا وقع فإنها انضمت إلی بیت آخر من بنی هاشم .و أجاب قوم آخرون فقالوا أراد بقوله أبدا المبالغة کما تقول احبس هذا الغریم أبدا و المراد بالقوم الذین یأرز الأمر إلیهم بنو أمیّة کأنّه قال إن لم تفعلوا نقل اللّه الخلافة عنکم حتّی یجعلها فی قوم آخرین و هم أعداؤکم من أهل الشام و بنی أمیّة و لا یعیده إلیکم إلی مدة طویلة و هکذا وقع .

و قد تمالئوا قد اجتمعوا و تساعدوا علی سخطة إمارتی علی کراهیتها و بغضها .

ثمّ وعد بالصبر علیهم ما لم یخف من فرقة الجماعة و انتشار حبل الإسلام .

و فیالة الرأی ضعفه و کذلک فیولته و رجل فیل الرأی أی ضعیفه قال بنی ربّ الجواد فلا تفیلوا فما أنتم فنعذرکم لفیل (1) .

أی لستم علی رجل ضعیف الرأی و الجمع أفیال و یقال أیضا رجل فال قال رأیتک یا أخیطل إذ جرینا و جربت الفراسة کنت فالا (2) .

قال إن تموا علی هذا الرأی الضعیف قطعوا نظام المسلمین و فرقوا جماعتهم .

ثمّ ذکر أن الحسد دعاهم إلی ذلک و أفاءها علیه ردها علیه فاء یفیء رجع و فلان سریع الفیء من غضبه أی سریع الرجوع و إنّه لحسن الفیئة بالکسر مثال الفیعة أی حسن الرجوع و هذا الکلام لا یشعر بأنّه ع کان یعتقد أن الأمر له و أنّه غلب علیه ثمّ رجع إلیه و لکنه محمول علی أنّه من رسول اللّه ص بمنزلة الجزء من الکل و أنهما من جوهر واحد فلما کان الوالی قدیما و هو رسول اللّه ص

ص :297

ثم تخلل بین ولایته ص و ولایة أمیر المؤمنین ع ولایات غریبة سمی ولایته فیئا و رجوعا لأنّها رجعت إلی الدوحة الهاشمیة و بهذا یجب أن یتأول قوله فأرادوا ردّ الأمور علی أدبارها أی أرادوا انتزاع الخلافة من بنی هاشم کما انتزعت أولا و إقرارها فی بیوت بعیدة عن هذا البیت أسوة بما وقع من قبل .

و النعش مصدر نعش أی رفع و لا یجوز أنعش

ص :298

یستعلم حاله أ هو علی حجة (1) أم علی شبهة فلما رآه ع و سمع لفظه علم صدقه و برهانه فکان بینهما ما قد شرحه ع.

و لا شیء ألطف و لا أوقع و لا أوضح من المثال الذی ضربه ع و هو حجة لازمة لا مدفع لها .

قوله و لا أحدث حدثا أی لا أفعل ما لم یأمرونی به إنّما أمرت باستعلام حالک فقط فأما المبایعة لک فإن أحدثتها کنت فاعلا ما لم أندب له .

و مساقط الغیث المواضع التی یسقط الغیث فیها و الکلأ النبت إذا طال و أمکن أن یرعی و أول ما یظهر یسمی الرطب فإذا طال قلیلا فهو الخلی فإذا طال شیئا آخر فهو الکلأ فإذا یبس فهو الحشیش.

و المعاطش و المجادب مواضع العطش و الجدب و هو المحل

ص :300

فتسمی غیضة و مغیضا و ینبت فیها الشجر کأنّه جعل الفلک کالغیضة و اللیل و النهار کالشجر النابت فیها.

و وجه المشارکة أن المغیض أو الغیضة یتولد منهما الشجر و کذلک اللیل و النهار یتولدان من جریان الفلک.

ثمّ عاد فقال و مجری للشمس و القمر أی موضعا لجریانهما.

و مختلفا للنجوم السیارة

أی موضعا لاختلافها و اللام مفتوحة .

ثمّ قال جعلت سکانه سبطا من ملائکتک أی قبیلة قال تعالی اِثْنَتَیْ عَشْرَةَ أَسْبٰاطاً أُمَماً (1) .

لاٰ یَسْأَمُونَ

لا یملون و قرارا للأنام أی موضع استقرارهم و سکونهم و مدرجا للهوام أی موضع دروجهم و سیرهم و حرکاتهم و الهوام الحشرات و المخوف من الأحناش.

و ما لا یحصی

أی لا یضبط بالإحصاء و العد ممّا نراه و نعرفه و ما لا نراه و لا نعرفه .

و قال بعض العلماء إن أردت أن تعرف حقیقة قوله مما یری و ما لا یری فأوقد نارا صغیرة فی فلاة فی لیلة صیفیة و انظر ما یجتمع علیها من الأنواع الغریبة العجیبة الخلق التی لم تشاهدها أنت و لا غیرک قط .

قوله و للخلق اعتمادا لأنهم یجعلونها کالمساکن لهم فینتفعون بها و یبنون منازل إلی جانبها فیقوم مقام جدار قد استغنوا عن بنیانه و لأنّها أمّهات العیون و منابع المیاه باعتماد الخلق علی مرافقهم و منافعهم و مصالحهم علیها.

ص :302

قوله و سددنا للحق أی صوبنا إلیه من قولک منهم سدید أی مصیب و سدد السنان إلی القرن أی صوبه نحوه .

و الذمار ما یحامی عنه و الغائر ذو الغیرة و نزول الحقائق نزول الأمور الشدیدة کالحرب و نحوها .

ثمّ قال العار وراءکم أی إن رجعتم القهقری هاربین.

و الجنة أمامکم

أی إن أقدمتم علی العدو مجاهدین و هذا الکلام شریف جدا

ص :303

الشریعة (1) الإسلامیة التی تقتضی أن السماوات تحجب ما وراءها عن المدرکین بالحاسة و أنّها لیست طباقا متراصة بل بینها خلق من خلق اللّه تعالی لا یعلمهم غیره و اتباع هذا القول و اعتقاده أولی [منها ]

وَ قَدْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّکَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ یَا اِبْنَ أَبِی طَالِبٍ لَحَرِیصٌ فَقُلْتُ بَلْ أَنْتُمْ وَ اللَّهِ لَأَحْرَصُ وَ أَبْعَدُ وَ أَنَا أَخَصُّ وَ أَقْرَبُ وَ إِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِی وَ أَنْتُمْ تَحُولُونَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِی دُونَهُ فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِی الْمَلَإِ الْحَاضِرِینَ هَبَّ کَأَنَّهُ بُهِتَ لاَ یَدْرِی مَا یُجِیبُنِی بِهِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیکَ عَلَی قُرَیْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی وَ صَغَّرُوا عَظِیمَ مَنْزِلَتِیَ وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی أَمْراً هُوَ لِی ثُمَّ قَالُوا أَلاَ إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِی الْحَقِّ أَنْ تَتْرُکَهُ .

هذا من خطبة یذکر فیها ع ما جری یوم الشوری بعد مقتل عمر و الذی قال له إنک علی هذا الأمر لحریص سعد بن أبی وقاص مع روایته فیه

2077

أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی .

و هذا عجب فقال لهم بل أنتم و اللّه أحرص و أبعد ...الکلام المذکور و قد رواه الناس کافة.

و قالت الإمامیّة هذا الکلام یوم السقیفة و الذی قال له إنک علی هذا الأمر لحریص أبو عبیدة بن الجراح و الروایة الأولی أظهر و أشهر.

ص :305

و روی فلما قرعته بالتخفیف أی صدمته بها.

و روی هب لا یدری ما یجیبنی کما تقول استیقظ و انتبه کأنّه کان غافلا ذاهلا عن الحجة فهب لما ذکرتها .

أستعدیک

أطلب أن تعدینی علیهم و أن تنتصف لی منهم.

قطعوا رحمی

لم یرعوا قربه من رسول اللّه ص . و صغروا عظیم منزلتی لم یقفوا مع النصوص الواردة فیه.

و أجمعوا علی منازعتی أمرا هو لی

أی بالأفضلیة أنا أحق به منهم هکذا ینبغی أن یتأول کلامه.

و کذلک قوله إنّما أطلب حقا لی و أنتم تحولون بینی و بینه و تضربون وجهی دونه .

قال ثم قالوا ألا إن فی الحق أن تأخذه و فی الحق أن تترکه قال لم یقتصروا علی أخذ حقی ساکتین عن الدعوی و لکنهم أخذوه و ادعوا أن الحق لهم و أنّه یجب علی أن أترک المنازعة فیه فلیتهم أخذوه معترفین بأنّه حقی فکانت المصیبة به أخفّ و أهون.

و اعلم أنّه قد تواترت الأخبار عنه ع بنحو من هذا القول نحو

2078

قَوْلِهِ

مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ حَتَّی یَوْمِ النَّاسِ هَذَا .

و

2079

قَوْلِهِ

اَللَّهُمَّ أَخْزِ قُرَیْشاً فَإِنَّهَا مَنَعَتْنِی حَقِّی وَ غَصَبَتْنِی أَمْرِی .

و

2080

قَوْلِهِ

فَجَزَی قُرَیْشاً عَنِّی الْجَوَازِی فَإِنَّهُمْ ظَلَمُونِی حَقِّی وَ اغْتَصَبُونِی سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّی .

ص :306

و

2081

1- قَوْلِهِ وَ قَدْ سَمِعَ صَارِخاً یُنَادِی أَنَا مَظْلُومٌ فَقَالَ هَلُمَّ فَلْنَصْرَخْ مَعاً فَإِنِّی مَا زِلْتُ مَظْلُوماً .

و

2082

قَوْلِهِ

وَ إِنَّهُ لَیَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَی .

و

2083

قَوْلِهِ

أَرَی تُرَاثِی نَهْباً .

و

2084

قَوْلِهِ

أَصْغَیَا بِإِنَائِنَا وَ حَمَلاَ النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا .

و

2085

قَوْلِهِ

إِنَّ لَنَا حَقّاً إِنْ نُعْطَهُ نَأْخُذْهُ وَ إِنْ نُمْنَعْهُ نَرْکَبْ أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَ إِنْ طَالَ السُّرَی .

و

2086

قَوْلِهِ

مَا زِلْتُ مُسْتَأْثَراً عَلَیَّ مَدْفُوعاً عَمَّا أَسْتَحِقُّهُ وَ أَسْتَوْجِبُهُ .

و أصحابنا یحملون ذلک کله علی ادعائه الأمر بالأفضلیة و الأحقیة و هو الحق و الصواب فإن حمله علی الاستحقاق بالنص تکفیر أو تفسیق لوجوه المهاجرین و الأنصار و لکن الإمامیّة و الزیدیة حملوا هذه الأقوال علی ظواهرها و ارتکبوا بها مرکبا صعبا و لعمری إن هذه الألفاظ موهمة مغلبة علی الظنّ ما یقوله القوم و لکن تصفح الأحوال یبطل ذلک الظنّ و یدرأ ذلک الوهم فوجب أن یجری مجری الآیات المتشابهات الموهمة ما لا یجوز علی البارئ فإنّه لا نعمل بها و لا نعول علی ظواهرها لأنا لما تصفحنا أدلة العقول اقتضت العدول عن ظاهر اللفظ و أن تحمل علی التأویلات المذکورة فی الکتب.

و حدّثنی یحیی بن سعید بن علی الحنبلی المعروف بابن عالیة من ساکنی قطفتا (1) بالجانب الغربی من بغداد و أجد الشهود المعدلین بها قال کنت حاضرا مجلس الفخر إسماعیل بن علی الحنبلی الفقیه المعروف بغلام بن المنی و کان الفخر إسماعیل بن علی هذا مقدم

ص :307

الحنابلة

ببغداد فی الفقه و الخلاف و یشتغل بشیء فی علم المنطق و کان حلو العبارة و قد رأیته أنا و حضرت عنده و سمعت کلامه و توفی سنة عشر و ستمائة .

قال ابن عالیة و نحن عنده نتحدث إذ دخل شخص من الحنابلة قد کان له دین علی بعض أهل الکوفة فانحدر إلیه یطالبه به و اتفق أن حضرت زیارة یوم الغدیر و الحنبلی المذکور بالکوفة و هذه الزیارة هی الیوم الثامن عشر من ذی الحجة و یجتمع بمشهد أمیر المؤمنین ع من الخلائق جموع عظیمة تتجاوز حدّ الإحصاء.

قال ابن عالیة فجعل الشیخ الفخر یسأل ذلک الشخص ما فعلت ما رأیت هل وصل مالک إلیک هل بقی لک منه بقیة عند غریمک و ذلک یجاوبه حتّی قال له یا سیدی لو شاهدت یوم الزیارة یوم الغدیر و ما یجری عند قبر علیّ بن أبی طالب من الفضائح و الأقوال الشنیعة و سب الصحابة جهارا بأصوات مرتفعة من غیر مراقبة و لا خیفة فقال إسماعیل أی ذنب لهم و اللّه ما جرأهم علی ذلک و لا فتح لهم هذا الباب إلاّ صاحب ذلک القبر فقال ذلک الشخص و من صاحب القبر قال علیّ بن أبی طالب قال یا سیدی هو الذی سن لهم ذلک و علمهم إیاه و طرقهم إلیه قال نعم و اللّه قال یا سیدی فإن کان محقا فما لنا أن نتولی فلانا و فلانا و إن کان مبطلا فما لنا نتولاه ینبغی أن نبرأ إمّا منه أو منهما.

قال ابن عالیة فقام إسماعیل مسرعا فلبس نعلیه و قال لعن اللّه إسماعیل الفاعل إن کان یعرف جواب هذه المسألة و دخل دار حرمه و قمنا نحن و انصرفنا مِنْهَا فِی ذِکْرِ أَصْحَابِ اَلْجَمَلِ :

فَخَرَجُوا یَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص کَمَا تُجَرُّ الْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا

ص :308

مُتَوَجِّهِینَ بِهَا إِلَی اَلْبَصْرَةِ فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِی بُیُوتِهِمَا وَ أَبْرَزَا حَبِیسَ رَسُولِ اللَّهِ ص لَهُمَا وَ لِغَیْرِهِمَا فِی جَیْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَعْطَانِیَ الطَّاعَةَ وَ سَمَحَ لِی بِالْبَیْعَةِ طَائِعاً غَیْرَ مُکْرَهٍ فَقَدِمُوا عَلَی عَامِلِی بِهَا وَ خُزَّانِ بَیْتِ مَالِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَ طَائِفَةً غَدْراً فَوَاللَّهِ [إِنْ]

لَوْ لَمْ یُصِیبُوا مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُعْتَمِدِینَ لِقَتْلِهِ بِلاَ جُرْمٍ جَرَّهُ لَحَلَّ لِی قَتْلُ ذَلِکَ الْجَیْشِ کُلِّهِ إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ یُنْکِرُوا وَ لَمْ یَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَ لاَ بِیَدٍ دَعْ مَا [إِنَّهُمْ]

أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِی دَخَلُوا بِهَا عَلَیْهِمْ .

حرمة رسول اللّه ص

کنایة عن الزوجة و أصله الأهل و الحرم و کذلک حبیس رسول اللّه ص کنایة عنها .

و قتلوهم صبرا أی بعد الأسر و قوله فو اللّه إن لو لم یصیبوا إن هاهنا زائدة و یجوز أن تکون مخففة من الثقیلة.

و یسأل عن قوله ع لو لم یصیبوا إلاّ رجلا واحدا لحل لی قتل ذلک الجیش بأسره لأنهم حضروه فلم ینکروا فیقال أ یجوز قتل من لم ینکر المنکر مع تمکنه من إنکاره.

و الجواب أنّه یجوز قتلهم لأنّهم اعتقدوا ذلک القتل مباحا فإنهم إذا اعتقدوا إباحته فقد اعتقدوا إباحة ما حرم اللّه فیکون حالهم حال من اعتقد أن الزنا مباح أو أن شرب الخمر مباح.

ص :309

و قال القطب الراوندیّ یرید أنهم داخلون فی عموم قوله تعالی إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِینَ یُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا (1) .

و لقائل أن یقول الإشکال إنّما وقع فی قوله لو لم یصیبوا من المسلمین إلا رجلا واحدا لحل لی قتل ذلک الجیش بأسره لأنّهم حضروا المنکر و لم یدفعوه بلسان و لا ید فهو علل استحلاله قتلهم بأنهم لم ینکروا المنکر و لم یعلل ذلک بعموم الآیة .

و أمّا معنی قوله دع ما إنهم قد قتلوا من المسلمین مثل العدة التی دخلوا بها علیهم فهو أنّه لو کان المقتول واحدا لحل لی قتلهم کلهم فکیف و قد قتلوا من المسلمین عدة مثل عدتهم التی دخلوا بها البصرة و ما هاهنا زائدة.

و صدق ع فإنهم قتلوا من أولیائه و خزان بیت المال بالبصرة خلقا کثیرا بعضهم غدرا و بعضهم صبرا کما خطب به ع

مَاءٍ یُدْعَی اَلْحَوْأَبَ قَدْ نَبَحَتْ بَعْضَ نِسَائِی ثُمَّ قَالَ لِی إِیَّاکِ یَا حُمَیْرَاءُ أَنْ تَکُونِیهَا فَقَالَ لَهَا اَلزُّبَیْرُ مَهْلاً یَرْحَمُکِ اللَّهُ فَإِنَّا قَدْ جُزْنَا مَاءَ اَلْحَوْأَبِ بِفَرَاسِخَ کَثِیرَةٍ فَقَالَتْ أَ عِنْدَکَ مَنْ یَشْهَدُ بِأَنَّ هَذِهِ الْکِلاَبَ النَّابِحَةَ لَیْسَتْ عَلَی مَاءِ اَلْحَوْأَبِ فَلَفَّقَ لَهَا اَلزُّبَیْرُ وَ طَلْحَةُ خَمْسِینَ أَعْرَابِیّاً جَعَلاَ لَهُمْ جُعْلاً فَحَلَفُوا لَهَا وَ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَیْسَ بِمَاءِ اَلْحَوْأَبِ فَکَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ شَهَادَةِ زُورٍ فِی اَلْإِسْلاَمِ فَسَارَتْ عَائِشَةُ لِوَجْهِهَا

.

2088

14- قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَ حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ عِکْرِمَةَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ یَوْماً لِنِسَائِهِ وَ هُنَّ عِنْدَهُ جَمِیعاً لَیْتَ شِعْرِی أَیَّتُکُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ (1) تَنْبَحُهَا کِلاَبُ اَلْحَوْأَبِ یُقْتَلُ عَنْ یَمِینِهَا وَ شِمَالِهَا قَتْلَی کَثِیرَةٌ کُلُّهُمْ فِی اَلنَّارِ وَ تَنْجُو بَعْدَ مَا کَادَتْ .

قلت و أصحابنا المعتزلة رحمهم اللّه یحملون

2089

قَوْلُهُ ع وَ تَنْجُو عَلَی نَجَاتِهَا مِنَ اَلنَّارِ .

و الإمامیّة یحملون ذلک علی نجاتها من القتل و محملنا أرجح لأن لفظة فی النار أقرب إلیه من لفظة القتلی و القرب معتبر فی هذا الباب أ لا تری أن نحاة البصریین أعملوا أقرب العاملین نظرا إلی القرب.

2090

1- قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَ حَدَّثَنِی اَلْکَلْبِیُّ عَنْ أَبِی صَالِحٍ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اَلزُّبَیْرَ وَ طَلْحَةَ أَغَذَّا (2) السَّیْرَ بِعَائِشَةَ حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی حَفْرِ أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ وَ هُوَ قَرِیبٌ مِنَ اَلْبَصْرَةِ وَ کَتَبَا إِلَی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ الْأَنْصَارِیِّ وَ هُوَ عَامِلُ عَلِیٍّ ع عَلَی اَلْبَصْرَةِ أَنْ أَخْلِ لَنَا دَارَ الْإِمَارَةِ فَلَمَّا وَصَلَ کِتَابُهُمَا إِلَیْهِ بَعَثَ اَلْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ قَدِمُوا عَلَیْنَا وَ مَعَهُمْ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَ النَّاسُ إِلَیْهَا سِرَاعٌ کَمَا تَرَی فَقَالَ اَلْأَحْنَفُ

ص :311

إِنَّهُمْ جَاءُوکَ بِهَا لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ هُمُ الَّذِینَ أَلَّبُوا عَلَی عُثْمَانَ النَّاسَ وَ سَفَکُوا دَمَهُ وَ أَرَاهُمْ وَ اللَّهِ لاَ یُزَایِلُونَ حَتَّی یَلْقَوْا الْعَدَاوَةَ بَیْنَنَا وَ یَسْفِکُوا دِمَاءَنَا وَ أَظُنُّهُمْ وَ اللَّهِ سَیَرْکَبُونَ مِنْکَ خَاصَّةً مَا لاَ قِبَلَ لَکَ بِهِ إِنْ لَمْ تَتَأَهَّبْ لَهُمْ بِالنُّهُوضِ إِلَیْهِمْ فِیمَنْ مَعَکَ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَإِنَّکَ الْیَوْمَ الْوَالِی عَلَیْهِمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ مُطَاعٌ فَسِرْ إِلَیْهِمْ بِالنَّاسِ وَ بَادِرْهُمْ قَبْلَ أَنْ یَکُونُوا مَعَکَ فِی دَارٍ وَاحِدَةٍ فَیَکُونَ النَّاسُ لَهُمْ أَطْوَعَ مِنْهُمْ لَکَ.

فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَیْفٍ الرَّأْیُ مَا رَأَیْتَ لَکِنَّنِی أَکْرَهُ الشَّرَّ وَ أَنْ أَبْدَأَهُمْ بِهِ وَ أَرْجُو الْعَافِیَةَ وَ السَّلاَمَةَ إِلَی أَنْ یَأْتِیَنِی کِتَابُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَأْیُهُ فَأَعْمَلَ بِهِ ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ اَلْأَحْنَفِ حَکِیمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِیُّ مِنْ بَنِی عَمْرِو بْنِ وَدِیعَةَ فَأَقْرَأَهُ کِتَابَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلُ قَوْلِ اَلْأَحْنَفِ وَ أَجَابَهُ عُثْمَانُ بِمِثْلِ جَوَابِهِ لِلْأَحْنَفِ فَقَالَ لَهُ حَکِیمٌ فَأْذَنْ لِی حَتَّی أَسِیرَ إِلَیْهِمْ بِالنَّاسِ فَإِنْ دَخَلُوا فِی طَاعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِلاَّ نَابَذْتُهُمْ عَلَی سَوَاءٍ.

فَقَالَ عُثْمَانُ لَوْ کَانَ ذَلِکَ رَأْیِی لَسِرْتُ إِلَیْهِمْ نَفْسِی قَالَ حَکِیمٌ أَمَا وَ اللَّهِ إِنْ دَخَلُوا عَلَیْکَ هَذَا الْمِصْرَ لَیَنْتَقِلَنَّ قُلُوبُ کَثِیرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَیْهِمْ وَ لَیُزِیلُنَّکَ عَنْ مَجْلِسِکَ هَذَا وَ أَنْتَ أَعْلَمُ فَأَبَی عَلَیْهِ عُثْمَانُ .

قَالَ وَ کَتَبَ عَلِیٌّ إِلَی عُثْمَانَ لَمَّا بَلَغَهُ مُشَارَفَةُ الْقَوْمِ اَلْبَصْرَةَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْبُغَاةَ عَاهَدُوا اللَّهَ ثُمَّ نَکَثُوا وَ تَوَجَّهُوا إِلَی مِصْرِکَ وَ سَاقَهُمْ اَلشَّیْطَانُ لِطَلَبِ مَا لاَ یَرْضَی اللَّهُ بِهِ وَ اللّٰهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْکِیلاً فَإِذَا قَدِمُوا عَلَیْکَ فَادْعُهُمْ إِلَی الطَّاعَةِ وَ الرُّجُوعِ إِلَی الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَ الْمِیثَاقِ الَّذِی فَارَقُونَا عَلَیْهِ فَإِنْ أَجَابُوا فَأَحْسِنْ جِوَارَهُمْ مَا دَامُوا

ص :312

عِنْدَکَ وَ إِنْ أَبَوْا إِلاَّ التَّمَسُّکَ بِحَبْلِ النَّکْثِ وَ الْخِلاَفِ فَنَاجِزْهُمُ الْقِتَالَ حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُمْ وَ هُوَ خَیْرُ الْحٰاکِمِینَ وَ کَتَبْتُ کِتَابِی هَذَا إِلَیْکَ مِنَ اَلرَّبَذَةِ وَ أَنَا مُعَجَّلٌ الْمَسِیرَ إِلَیْکَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَ کَتَبَهُ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ فِی سَنَةِ سِتٍّ وَ ثَلاَثِینَ .

قَالَ فَلَمَّا وَصَلَ کِتَابُ عَلِیٍّ ع إِلَی عُثْمَانَ أَرْسَلَ إِلَی أَبِی الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِیَّ وَ عِمْرَانَ بْنِ الْحَصِینِ الْخُزَاعِیِّ فَأَمَرَهُمَا أَنْ یَسِیرا حَتَّی یَأْتِیَاهُ بِعِلْمِ الْقَوْمِ وَ مَا الَّذِی أَقْدَمَهُمْ فَانْطَلَقَا حَتَّی إِذَا أَتَیَا حَفْرَ أَبِی مُوسَی وَ بِهِ مُعَسْکَرُ الْقَوْمِ فَدَخَلاَ عَلَی عَائِشَةَ فَنَالاَهَا وَ وَعَظَاهَا وَ أَذْکَرَاهَا وَ نَاشَدَاهَا اللَّهَ فَقَالَتْ لَهُمَا الْقَیَا طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرَ فَقَامَا مِنْ عِنْدِهَا وَ لَقِیَا اَلزُّبَیْرَ فَکَلَّمَاهُ فَقَالَ لَهُمَا إِنَّا جِئْنَا لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ نَدْعُو النَّاسَ إِلَی أَنْ یَرِدُوا أَمْرَ الْخِلاَفَةِ شُورَی لِیَخْتَارَ النَّاسُ لِأَنْفُسِهِمْ فَقَالاَ لَهُ إِنَّ عُثْمَانَ لَمْ یُقْتَلْ بِالْبَصْرَةِ لِیُطْلَبَ دَمُهُ فِیهَا وَ أَنْتَ تَعْلَمُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ مَنْ هُمْ وَ أَیْنَ هُمْ وَ إِنَّکَ وَ صَاحِبَکَ وَ عَائِشَةَ کُنْتُمْ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَیْهِ وَ أَعْظَمَهُمْ إِغْرَاءً بِدَمِهِ فَأَقِیدُوا مِنْ أَنْفُسِکُمْ وَ أَمَّا إِعَادَةُ أَمْرِ الْخِلاَفَةِ شُورَی فَکَیْفَ وَ قَدْ بَایَعْتُمْ عَلِیّاً طَائِعَیْنِ غَیْرَ مُکْرَهِینَ وَ أَنْتَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَمْ یَبْعُدِ الْعَهْدُ بِقِیَامِکَ دُونَ هَذَا الرَّجُلِ یَوْمَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَنْتَ آخِذٌ قَائِمٌ سَیْفَکَ تَقُولُ مَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِالْخِلاَفَةِ مِنْهُ وَ لاَ أَوْلَی بِهَا مِنْهُ وَ امْتَنَعْتَ مِنْ بَیْعَةِ أَبِی بَکْرٍ فَأَیْنَ ذَلِکَ الْفِعْلُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ.

فَقَالَ لَهُمَا اذْهَبَا فَالْقَیَا طَلْحَةَ فَقَامَا إِلَی طَلْحَةَ فَوَجَدَاهُ أَخْشَنَ الْمَلْمَسِ شَدِیدَ الْعَرِیکَةِ قَوِیَّ الْعَزْمِ فِی إِثَارَةِ الْفِتْنَةِ وَ إِضْرَامِ نَارِ الْحَرْبِ فَانْصَرَفَا إِلَی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ فَأَخْبَرَاهُ وَ قَالَ لَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ یَا اِبْنَ حُنَیْفٍ قَدْ أَتَیْتَ فَانْفِرْ وَ طَاعِنِ الْقَوْمَ وَ جَالِدْ وَ اصْبِرْ (1)

ص :313

وَ ابْرُزْ لَهَا مُسْتَلْئِماً وَ شَمِّرْ.

فَقَالَ اِبْنُ حُنَیْفٍ إِی وَ اَلْحَرَمَیْنِ لَأَفْعَلَنَّ وَ أَمَرَ مُنَادِیَهُ فَنَادَی فِی النَّاسِ السِّلاَحَ السِّلاَحَ فَاجْتَمَعُوا إِلَیْهِ وَ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ أَتَانَا اَلزُّبَیْرُ فَدَانَی الْکَلاَمَ

قَالَ وَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَی اَلْمِرْبَدِ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی جُشَمَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ أَنَا فُلاَنُ الْجُشَمِیُّ وَ قَدْ أَتَاکُمْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ فَإِنْ کَانُوا أَتَوْکُمْ خَائِفِینَ لَقَدْ أَتَوْکُمْ مِنَ الْمَکَانِ الَّذِی یَأْمَنُ فِیهِ الطَّیْرُ وَ الْوَحْشُ وَ السِّبَاعُ وَ إِنْ کَانُوا إِنَّمَا أَتَوْکُمْ بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ فَغَیْرُنَا وَلِیُّ قَتْلِهِ فَأَطِیعُونِی أَیُّهَا النَّاسُ وَ رُدُّوهُمْ مِنْ حَیْثُ أَقْبَلُوا فَإِنَّکُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا لَمْ تَسْلَمُوا مِنَ الْحَرْبِ الضَّرُوسِ وَ الْفِتْنَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِی لاٰ تُبْقِی وَ لاٰ تَذَرُ .

قَالَ فَحَصَّبَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَأَمْسَکَ.

قَالَ وَ اجْتَمَعَ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ إِلَی اَلْمِرْبَدِ حَتَّی مَلَئُوهُ مُشَاةً وَ رُکْبَاناً فَقَامَ طَلْحَةُ فَأَشَارَ إِلَی النَّاسِ بِالسُّکُونِ لِیَخْطُبَ فَسَکَتُوا بَعْدَ جُهْدٍ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ کَانَ مِنْ أَهْلِ السَّابِقَةِ وَ الْفَضِیلَةِ وَ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ الَّذِی رَضِیَ اللّٰهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ

ص :314

وَ نَزَلَ اَلْقُرْآنُ نَاطِقاً بِفَضْلِهِمْ وَ أَحَدُ أَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِینَ الْوَالِینَ عَلَیْکُمْ بَعْدَ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ صَاحِبَیْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ کَانَ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً نَقَمْنَا عَلَیْهِ فَأَتَیْنَاهُ فَاسْتَعْتَبْنَاهُ فَأَعْتَبْنَا فَعَدَا عَلَیْهِ امْرُؤٌ ابْتَزَّ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَمْرَهَا غَصْباً بِغَیْرِ رِضًا مِنْهَا وَ لاَ مَشُورَةٍ فَقَتَلَهُ وَ سَاعَدَهُ عَلَی ذَلِکَ قَوْمٌ غَیْرُ أَتْقِیَاءَ وَ لاَ أَبْرَارٌ فَقُتِلَ مُحْرِماً بَرِیئاً تَائِباً وَ قَدْ جِئْنَاکُمْ أَیُّهَا النَّاسُ نَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ نَدْعُوکُمْ إِلَی الطَّلَبِ بِدَمِهِ فَإِنْ نَحْنُ أَمْکَنَنَا اللَّهُ مِنْ قَتَلَتِهِ قَتَلْنَاهُمْ بِهِ وَ جَعَلْنَا هَذَا الْأَمْرَ شُورَی بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ ن وَ کَانَتْ خِلاَفَةِ رَحْمَةٍ لِلْأُمَّةِ جَمِیعاً فَإِنَّ کُلَّ مَنْ أَخَذَ الْأَمْرَ مِنْ غَیْرِ رِضاً مِنَ الْعَامَّةِ وَ لاَ مَشُورَةٍ مِنْهَا ابْتِزَازاً کَانَ مُلْکُهُ مُلْکاً عَضُوضاً وَ حَدَثاً کَثِیراً.

ثُمَّ قَامَ اَلزُّبَیْرُ فَتَکَلَّمَ بِمِثْلِ کَلاَمٍ طَلْحَةَ .

فَقَامَ إِلَیْهِمَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَقَالُوا لَهُمَا أَ لَمْ تُبَایِعَا عَلِیّاً فِیمَنْ بَایَعَهُ فَفِیمَ بَایَعْتُمَا ثُمَّ نَکَثْتُمَا فَقَالاَ مَا بَایَعْنَا وَ مَا لِأَحَدٍ فِی أَعْنَاقِنَا بَیْعَةٌ وَ إِنَّمَا اسْتُکْرِهْنَا عَلَی بَیْعَةٍ فَقَالَ نَاسٌ قَدْ صَدَقَا وَ أَحْسَنَا الْقَوْلَ وَ قَطَعَا بِالثَّوَابِ وَ قَالَ نَاسٌ مَا صَدَقَا وَ لاَ أَصَابَا فِی الْقَوْلِ حَتَّی ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ.

قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ عَلَی جَمَلِهَا فَنَادَتْ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ أَیُّهَا النَّاسُ أَقِلُّوا الْکَلاَمَ وَ اسْکُتُوا فَأَسْکَتَ النَّاسُ (1) لَهَا فَقَالَتْ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عُثْمَانَ قَدْ کَانَ غَیَّرَ وَ بَدَّلَ ثُمَّ لَمْ یَزَلْ یَغْسِلُ ذَلِکَ بِالتَّوْبَةِ حَتَّی قُتِلَ مَظْلُوماً تَائِباً وَ إِنَّمَا نَقَمُوا عَلَیْهِ ضَرْبَهُ بِالسَّوْطِ وَ تَأْمِیرَهُ الشُّبَّانَ وَ حِمَایَتَهُ مَوْضِعَ الْغَمَامَةِ فَقَتَلُوهُ مُحْرِماً فِی حُرْمَةِ الشَّهْرِ وَ حُرْمَةِ الْبَلَدِ ذَبْحاً کَمَا یُذْبَحُ الْجَمَلُ أَلاَ وَ إِنَّ قُرَیْشاً رَمَتْ غَرَضَهَا بِنِبَالِهَا وَ أَدْمَتْ أَفْوَاهَهَا بِأَیْدِیهَا وَ مَا نَالَتْ بِقَتْلِهَا إِیَّاهُ شَیْئاً وَ لاَ سَلَکَتْ بِهِ سَبِیلاً

ص :315

قَاصِداً أَمَا وَ اللَّهِ لَیَرَوْنَهَا بَلاَیَا عَقِیمَةً تَنْتَبِهُ النَّائِمَ وَ تُقِیمُ الْجَالِسَ وَ لَیُسَلَّطَنَّ عَلَیْهِمْ قَوْمٌ لاَ یَرْحَمُونَهُمْ وَ یَسُومُونَهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ.

أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَا بَلَغَ مِنْ ذَنْبِ عُثْمَانَ مَا یُسْتَحَلُّ بِهِ دَمُهُ مِصْتُمُوهُ (1) کَمَا یُمَاصُ الثَّوْبُ الرَّحِیضُ (2) ثُمَّ عَدَوْتُمْ عَلَیْهِ فَقَتَلْتُمُوهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَ خُرُوجِهِ مِنْ ذَنْبِهِ وَ بَایَعْتُمْ اِبْنَ أَبِی طَالِبٍ بِغَیْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ ابْتِزَازاً وَ غَصْباً تَرَانِی أَغْضَبُ لَکُمْ مِنْ سَوْطِ عُثْمَانَ وَ لِسَانِهِ وَ لاَ أَغْضَبُ لِعُثْمَانَ مِنْ سُیُوفِکُمْ أَلاَ إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً فَاطْلُبُوا قَتَلَتَهُ فَإِذَا ظَفِرْتُمْ بِهِمْ فَاقْتُلُوهُمْ ثُمَّ اجْعَلُوا الْأَمْرَ شُورَی بَیْنَ الرَّهْطِ الَّذِینَ اخْتَارَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ لاَ یَدْخُلْ فِیهِمْ مَنْ شَرِکَ فِی دَمِ عُثْمَانَ .

قَالَ فَمَاجَ النَّاسُ وَ اخْتَلَطُوا فَمِنْ قَائِلٍ الْقَوْلُ مَا قَالَتْ وَ مِنْ قَائِلٍ یَقُولُ وَ مَا هِیَ وَ هَذَا الْأَمْرُ إِنَّمَا هِیَ امْرَأَةُ مَأْمُورَةٌ بِلُزُومِ بَیْتِهَا وَ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَ کَثُرَ اللَّغَطُ حَتَّی تَضَارَبُوا بِالنِّعَالِ وَ تَرَامَوْا بِالْحَصَی.

ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ تَمَایَزُوا فَصَارُوا فَرِیقَیْنِ فَرِیقٌ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ وَ فَرِیقٌ مَعَ عَائِشَةَ وَ أَصْحَابِهَا.

قَالَ وَ حَدَّثَنَا اَلْأَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ سِیرِینَ عَنْ أَبِی الْخَلِیلِ قَالَ لَمَّا نَزَلَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ اَلْمِرْبَدَ أَتَیْتَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا مُجْتَمِعِینَ فَقُلْتُ لَهُمَا نَاشَدْتُکُمَا اللَّهَ وَ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص مَا الَّذِی أَقْدَمَکُمَا أَرْضَنَا هَذِهِ فَلَمْ یَتَکَلَّمَا فَأَعَدْتُ عَلَیْهِمَا فَقَالاَ بَلَغَنَا أَنَّ بِأَرْضِکُمْ هَذِهِ دُنْیَا فَجِئْنَا نَطْلُبُهَا.

ص :316

قَالَ وَ قَدْ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ سِیرِینَ عَنِ اَلْأَحْنَفِ بْنِ قَیْسٍ أَنَّهُ لَقِیَهُمَا فَقَالاَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِمَا الْأُولَی إِنَّمَا جِئْنَا لِطَلَبِ الدُّنْیَا

.

و

2091

1,5- قَدْ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ أَیْضاً نَحْواً مِمَّا رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ قَالَ بَعَثَ عَلِیٌّ ع اِبْنَ عَبَّاسٍ یَوْمَ الْجَمَلِ إِلَی اَلزُّبَیْرِ قَبْلَ الْحَرْبِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یَقْرَأُ عَلَیْکَ السَّلاَمَ وَ یَقُولُ لَکُمْ أَ لَمْ تُبَایِعْنِی طَائِعاً غَیْرَ مُکْرَهٍ فَمَا الَّذِی رَابَکَ مِنِّی فَاسْتَحْلَلْتَ بِهِ قِتَالِی قَالَ فَلَمْ یَکُنْ لَهُ جَوَابٌ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ لِی إِنَّا مَعَ الْخَوْفِ الشَّدِیدِ لَنَطْمَعُ لَمْ یَقُلْ غَیْرَ ذَلِکَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فَسَأَلْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ ع مَا تَرَاهُ یَعْنِی بِقَوْلِهِ هَذَا فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ مَا تَرَکْتُ اِبْنَ عَبَّاسٍ حَتَّی سَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا فَقَالَ یَقُولُ إِنَّا مَعَ الْخَوْفِ الشَّدِیدِ مِمَّا نَحْنُ عَلَیْهِ نَطْمَعُ أَنْ نَلِیَ مِثْلَ الَّذِی وَلِیتُمْ

.

و

2092

1- قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِی جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ع عَنْ أَبِیهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَعَثَنِی عَلِیٌّ ع یَوْمَ الْجَمَلِ إِلَی طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ وَ بَعَثَ مَعِی بِمُصْحَفٍ مَنْشُورٍ وَ إِنَّ الرِّیحَ لَتُصَفِّقُ وَرَقَهُ فَقَالَ لِی قُلْ لَهُمَا هَذَا کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ فَمَا تُرِیدَانِ فَلَمْ یَکُنْ لَهُمَا جَوَابٌ إِلاَّ أَنْ قَالاَ نُرِیدُ مَا أَرَادَ کَأَنَّهُمَا یَقُولاَنِ الْمُلْکَ فَرَجَعْتُ إِلَی عَلِیٍّ فَأَخْبَرْتُهُ

.

2093

وَ قَدْ رَوَی قَاضِی الْقُضَاةِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی کِتَابِ اَلْمُغْنِی عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِیرٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ لِطَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ إِنَّ لَکُمَا فَضْلاً وَ صُحْبَةً فَأَخْبِرَانِی عَنْ مَسِیرِکُمَا

ص :317

هَذَا وَ قِتَالِکُمَا أَ شَیْءٌ أَمَرَکُمَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص أَمْ رَأْیٌ رَأَیْتُمَاهُ فَأَمَّا طَلْحَةُ فَسَکَتَ وَ جَعَلَ یَنْکُتُ فِی الْأَرْضِ وَ أَمَّا اَلزُّبَیْرُ فَقَالَ وَیْحَکَ حُدِّثْنَا أَنَّ هَاهُنَا دَرَاهِمَ کَثِیرَةً فَجِئْنَا لِنَأْخُذَ مِنْهَا.

و جعل قاضی القضاة هذا الخبر حجة فی أن طلحة تاب و أن الزبیر لم یکن مصرا علی الحرب و الاحتجاج بهذا الخبر علی هذا المعنی ضعیف و إن صح هو و ما قبله إنّه لدلیل علی حمق شدید و ضعف عظیم و نقص ظاهر و لیت شعری ما الذی أحوجهما إلی هذا القول و إذا کان هذا فی أنفسهما فهلا کتماه.

ثمّ نعود إلی خبرهما

2094

1- قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ فَلَمَّا أَقْبَلَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ مِنَ اَلْمِرْبَدِ یُرِیدَانِ عُثْمَانَ بْنَ حُنَیْفٍ فَوَجَدَاهُ وَ أَصْحَابَهُ قَدْ أَخَذُوا بِأَفْوَاهِ السِّکَکِ فَمَضَوْا حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی مَوْضِعِ الدَّبَّاغِینَ فَاسْتَقْبَلَهُمْ أَصْحَابُ اِبْنِ حُنَیْفٍ فَشَجَرَهُمْ (1) طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ أَصْحَابُهُمَا بِالرِّمَاحِ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ حَکِیمُ بْنُ جَبَلَةَ فَلَمْ یَزَلْ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ یُقَاتِلُونَهُمْ حَتَّی أَخْرَجُوهُمْ مِنْ جَمِیعِ السِّکَکِ وَ رَمَاهُمْ النِّسَاءُ مِنْ فَوْقِ الْبُیُوتِ بِالْحِجَارَةِ فَأَخَذُوا إِلَی مَقْبَرَةِ بَنِی مَازِنٍ فَوَقَفُوا بِهَا مَلِیّاً حَتَّی ثَابَتْ إِلَیْهِمْ خَیْلُهُمْ ثُمَّ أَخَذُوا عَلَی مُسَنَّاةِ الْبَصْرَةِ حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی اَلرَّابُوقَةِ ثُمَّ أَتَوْا سَبِخَةَ دَارِ الرِّزْقِ فَنَزَلُوهَا.

قَالَ وَ أَتَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَکِیمٍ التَّمِیمِیُّ لَمَّا نَزَلاَ اَلسَّبِخَةَ بِکُتُبٍ کَانَا کَتَبَاهَا إِلَیْهِ فَقَالَ لِطَلْحَةَ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ مَا هَذَا کُتُبُکَ إِلَیْنَا قَالَ بَلَی قَالَ فَکَتَبْتَ أَمْسِ تَدْعُونَا إِلَی خَلْعِ عُثْمَانَ وَ قَتْلِهِ حَتَّی إِذَا قَتَلْتَهُ أَتَیْتَنَا ثَائِراً بِدَمِهِ فَلَعَمْرِی مَا هَذَا رَأْیُکَ لاَ تُرِیدُ إِلاَّ هَذِهِ الدُّنْیَا مَهْلاً إِذَا کَانَ هَذَا رَأْیَکَ فَلِمَ قَبِلْتَ مِنْ عَلِیٍّ مَا عُرِضَ عَلَیْکَ مِنَ الْبَیْعَةِ

ص :318

فَبَایَعْتَهُ طَائِعاً رَاضِیاً ثُمَّ نَکَثْتَ بَیْعَتَکَ ثُمَّ جِئْتَ لِتُدْخِلَنَا فِی فِتْنَتِکَ فَقَالَ إِنَّ عَلِیّاً دَعَانِی إِلَی بَیْعَتِهِ بَعْدَ مَا بَایَعَ النَّاسُ فَعَلِمْتُ لَوْ لَمْ أَقْبَلْ مَا عَرَضَهُ عَلَیَّ لَمْ یَتِمَّ لِی ثُمَّ یُغْرَی بِی مَنْ مَعَهُ.

قَالَ ثُمَّ أَصْبَحْنَا مِنْ غَدٍ فَصَفَّا لِلْحَرْبِ وَ خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَیْفٍ إِلَیْهِمَا فِی أَصْحَابِهِ فَنَاشَدَهُمَا اللَّهَ وَ اَلْإِسْلاَمَ وَ أَذْکَرَهُمَا بَیْعَتَهُمَا عَلِیّاً ع فَقَالاَ نَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُمَا وَ مَا أَنْتُمَا وَ ذَاکَ أَیْنَ بَنُوهُ أَیْنَ بَنُو عَمِّهِ الَّذِینَ هُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنْکُمْ کَلاَّ وَ اللَّهِ وَ لَکِنَّکُمَا حَسَدْتُمَاهُ حَیْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَیْهِ وَ کُنْتُمَا تَرْجُوَانِ هَذَا الْأَمْرَ وَ تَعْمَلاَنِ لَهُ وَ هَلْ کَانَ أَحَدٌ أَشَدَّ عَلَی عُثْمَانَ قَوْلاً مِنْکُمَا فَشَتَمَاهُ شَتْماً قَبِیحاً وَ ذَکَرَا أُمَّهُ فَقَالَ لِلزُّبَیْرِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ صَفِیَّةُ وَ مَکَانُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنَّهَا أَدْنَتْکَ إِلَی الظِّلِّ وَ أَنَّ الْأَمْرَ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ یَا ابْنَ الصَّعْبَةِ یَعْنِی طَلْحَةَ أَعْظَمُ مِنَ الْقَوْلِ لَأَعْلَمْتُکُمَا مِنْ أَمْرِکُمَا مَا یَسُوءُکُمَا اللَّهُمَّ إِنِّی قَدْ أَعْذَرْتُ إِلَی هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ.

ثُمَّ حَمَلَ عَلَیْهِمْ وَ اقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالاً شَدِیداً ثُمَّ تَحَاجَزُوا وَ اصْطَلَحُوا عَلَی أَنْ یُکْتَبَ بَیْنَهُمْ کِتَابُ صُلْحٍ فَکَتَبَ.

هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَیْهِ عُثْمَانُ بْنُ حُنَیْفٍ الْأَنْصَارِیُّ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ شِیعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ وَ مَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اَلْمُسْلِمِینَ مِنْ شِیعَتِهِمَا أَنَّ لِعُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ دَارَ الْإِمَارَةِ وَ الرَّحْبَةَ وَ الْمَسْجِدَ وَ بَیْتَ الْمَالِ وَ الْمِنْبَرَ وَ أَنَّ لِطَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ وَ مَنْ مَعَهُمَا أَنْ یَنْزِلُوا حَیْثُ شَاءُوا مِنَ اَلْبَصْرَةِ وَ لاَ یُضَارَّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فِی طَرِیقٍ وَ لاَ فُرْضَةٍ وَ لاَ سُوقٍ وَ لاَ شِرْعَةٍ وَ لاَ مِرْفَقٍ حَتَّی یَقْدَمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَإِنْ أَحَبُّوا دَخَلُوا فِیمَا دَخَلَتْ فِیهِ الْأُمَّةُ وَ إِنْ أَحَبُّوا لَحِقَ کُلُّ قَوْمٍ بِهَوَاهُمْ وَ مَا أَحَبُّوا مِنْ

ص :319

قِتَالِ أَوْ سِلْمٍ أَوْ خُرُوجٍ أَوْ إِقَامَةٍ وَ عَلَی الْفَرِیقَیْنِ بِمَا کَتَبُوا عَهْدُ اللَّهِ وَ مِیثَاقُهُ وَ أَشَدُّ مَا أَخَذَهُ عَلَی نَبِیٍّ مِنْ أَنْبِیَائِهِ مِنْ عَهْدٍ وَ ذِمَّةٍ.

وَ خَتَمَ الْکِتَابَ وَ رَجَعَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَیْفٍ حَتَّی دَخَلَ دَارَ الْإِمَارَةِ وَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ الْحَقُوا رَحِمَکُمُ اللَّهُ بِأَهْلِکُمْ وَ ضَعُوا سِلاَحَکُمْ وَ دَاوُوا جَرْحَاکُمْ فَمَکَثُوا کَذَلِکَ أَیَّاماً.

ثُمَّ إِنَّ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرَ قَالاَ إِنْ قَدِمَ عَلِیٌّ وَ نَحْنُ عَلَی هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الْقِلَّةِ وَ الضَّعْفِ لَیَأْخُذَنَّ بِأَعْنَاقِنَا فَأَجْمِعَا عَلَی مُرَاسَلَةِ القَبَائِلِ وَ اسْتِمَالَةِ اَلْعَرَبِ فَأَرْسِلاَ إِلَی وُجُوهِ النَّاسِ وَ أَهْلِ الرِّئَاسَةِ وَ الشَّرَفِ تَدْعُوَانِهِمْ إِلَی الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ خَلْعِ عَلِیٍّ وَ إِخْرَاجِ اِبْنِ حُنَیْفٍ مِنَ اَلْبَصْرَةِ فَبَایَعَهُمْ عَلَی ذَلِکَ اَلْأَزْدُ وَ ضَبَّةُ وَ قَیْسُ بْنُ عَیْلاَنَ کُلُّهَا إِلاَّ الرَّجُلَ وَ الرَّجُلَیْنِ مِنَ الْقَبِیلَةِ کَرِهُوا أَمْرَهُمْ فَتَوارَوْا عَنْهُمْ وَ أَرْسَلُوا إِلَی هِلاَلِ بْنِ وَکِیعٍ التَّمِیمِیِّ فَلَمْ یَأْتِهِمْ فَجَاءَهُ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ إِلَی دَارِهِ فَتَوَارَی عَنْهُمَا فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ مَا رَأَیْتُ مِثْلَکَ أَتَاکَ شَیْخَا قُرَیْشٍ فَتَوَارَیْتَ عَنْهُمَا فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّی ظَهَرَ لَهُمَا وَ بَایَعَهُمَا وَ مَعَهُ بَنُو عَمْرِو بْنِ تَمِیمٍ کُلُّهُمْ وَ بَنُو حَنْظَلَةَ إِلاَّ بَنِی یَرْبُوعٍ فَإِنَّ عَامَّتَهُمْ کَانُوا شِیعَةَ عَلِیٍّ ع وَ بَایَعَهُمْ بَنُو دَارِمٍ کُلُّهُمْ إِلاَّ نَفَراً مِنْ بَنِی مُجَاشِعٍ ذَوِی دِینٍ وَ فَضْلٍ.

فَلَمَّا اسْتَوْسَقَ لِطَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ أَمْرُهُمَا خَرَجَا فِی لَیْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ذَاتِ رِیحٍ وَ مَطَرٍ وَ مَعَهُمَا أَصْحَابُهُمَا قَدْ أَلْبَسُوهُمْ الدُّرُوعَ وَ ظَاهَرُوا فَوْقَهَا بِالثِّیَابِ فَانْتَهَوْا إِلَی الْمَسْجِدِ وَقْتَ الصَّلاَةِ الْفَجْرِ وَ قَدْ سَبَقَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ حُنَیْفٍ إِلَیْهِ وَ أُقِیمَتِ الصَّلاَةُ فَتَقَدَّمَ عُثْمَانُ لِیُصَلِّیَ بِهِمْ فَأَخَّرَهُ أَصْحَابُ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ وَ قَدَّمُوا اَلزُّبَیْرَ فَجَاءَتْ اَلسَّبَابِجَةُ وَ هُمْ الشُّرَطُ حَرَسُ بَیْتِ الْمَالِ فَأَخْرَجُوا اَلزُّبَیْرَ وَ قَدَّمُوا عُثْمَانَ فَغَلَبَهُمْ أَصْحَابُ اَلزُّبَیْرِ فَقَدَّمُوا اَلزُّبَیْرَ وَ أَخَّرُوا عُثْمَانَ فَلَمْ یَزَالُوا کَذَلِکَ حَتَّی کَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ وَ صَاحَ بِهِمْ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَ لاَ تَتَّقُونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ وَ قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَغَلَبَ اَلزُّبَیْرُ فَصَلَّی بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ

ص :320

صَلاَتِهِ صَاحَ بِأَصْحَابِهِ الْمُسْتَسْلِحِینَ أَنْ خُذُوا عُثْمَانَ بْنَ حُنَیْفٍ فَأَخَذُوهُ بَعْدَ أَنْ تَضَارَبَ هُوَ وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ بِسَیْفَیْهِمَا فَلَمَّا أُسِرَ ضُرِبَ ضَرْبَ الْمَوْتِ وَ نُتِفَ حَاجِبَاهُ وَ أَشْفَارُ عَیْنَیْهِ وَ کُلُّ شَعْرَةٍ فِی رَأْسِهِ وَ وَجْهِهِ وَ أَخَذُوا اَلسَّبَابِجَةَ وَ هُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً فَانْطَلَقُوا بِهِمْ وَ بِعُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ إِلَی عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ اخْرُجْ إِلَیْهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَإِنَّ اَلْأَنْصَارَ قَتَلَتْ أَبَاکَ وَ أَعَانَتْ عَلَی قَتْلِهِ فَنَادَی عُثْمَانُ یَا عَائِشَةُ وَ یَا طَلْحَةُ وَ یَا زُبَیْرُ إِنَّ أَخِی سَهْلَ بْنَ حُنَیْفٍ خَلِیفَةُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَی اَلْمَدِینَةِ وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنْ قَتَلْتُمُونِی لَیَضَعَنَّ السَّیْفَ فِی بَنِی أَبِیکُمْ وَ أَهْلِیکُمْ وَ رَهْطِکُمْ فَلاَ یَبْقَی أَحَدٌ مِنْکُمْ فَکَفُّوا عَنْهُ وَ خَافُوا أَنْ یَقَعَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ بِعِیَالاَتِهِمْ وَ أَهْلِهِمْ بِالْمَدِینَةِ فَتَرَکُوهُ.

وَ أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَی اَلزُّبَیْرِ أَنِ اقْتُلْ اَلسَّبَابِجَةَ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِی الَّذِی صَنَعُوا بِکَ قَالَ فَذَبَحَهُمْ وَ اللَّهِ اَلزُّبَیْرُ کَمَا یَذْبَحُ الْغَنَمَ وَلِیُّ ذَلِکَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ وَ هُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً وَ بَقِیَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مُسْتَمْسِکِینَ بِبَیْتِ الْمَالِ قَالُوا لاَ نَدْفَعُهُ إِلَیْکُمْ حَتَّی یَقْدَمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَسَارَ إِلَیْهِمْ اَلزُّبَیْرُ فِی جَیْشٍ لَیْلاً فَأَوْقَعَ بِهِمْ وَ أَخَذَ مِنْهُمْ خَمْسِینَ أَسِیراً فَقَتَلَهُمْ صَبْراً.

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ فَحَدَّثَنَا اَلصَّقْعَبُ بْنُ زُهَیْرٍ قَالَ کَانَتِ اَلسَّبَابِجَةُ الْقَتْلَی یَوْمَئِذٍ أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ قَالَ فَکَانَ غَدْرُ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ بِعُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ أَوَّلَ غَدْرٍ کَانَ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ کَانَ اَلسَّبَابِجَةُ أَوَّلَ قَوْمٍ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ صَبْراً قَالَ وَ خَیَّرُوا عُثْمَانَ بْنَ حُنَیْفٍ بَیْنَ أَنْ یُقِیمَ أَوْ یَلْحَقَ بِعَلِیٍّ فَاخْتَارَ الرَّحِیلَ فَخَلَّوْا سَبِیلَهُ فَلَحِقَ بِعَلِیٍّ ع فَلَمَّا رَآهُ بَکَی وَ قَالَ لَهُ فَارَقْتُکَ شَیْخاً وَ جِئْتُکَ أَمْرَدَ فَقَالَ عَلِیٌّ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ قَالَهَا ثَلاَثاً

.

ص :321

قلت السبابجة لفظة معربة قد ذکرها الجوهریّ فی کتاب الصحاح (1) قال هم قوم من السند کانوا بالبصرة جلاوزة (2) و حراس السجن و الهاء للعجمة و النسب قال یزید بن مفرغ الحمیری و طماطیم من سبابیج خزر یلبسونی مع الصباح القیودا.

2095

1- قَالَ فَلَمَّا بَلَغَ حَکِیمَ بْنَ جَبَلَةَ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ بِعُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ خَرَجَ فِی ثَلاَثِمِائَةٍ مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ مُخَالِفاً لَهُمْ وَ مُنَابِذاً فَخَرَجُوا إِلَیْهِ وَ حَمَلُوا عَائِشَةَ عَلَی جَمَلٍ فَسُمِّیَ ذَلِکَ الْیَوْمُ یَوْمَ الْجَمَلِ الْأَصْغَرَ وَ یَوْمَ عَلِیٍّ یَوْمَ الْجَمَلِ الْأَکْبَرِ .وَ تَجَالَدَ الْفَرِیقَانِ بِالسُّیُوفِ فَشَدَّ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَزْدِ مِنْ عَسْکَرِ عَائِشَةَ عَلَی حَکِیمِ بْنِ جَبَلَةَ فَضَرَبَ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا وَ وَقَعَ اَلْأَزْدِیُّ عَنْ فَرَسِهِ فَجَثَا حَکِیمٌ فَأَخَذَ رِجْلَهُ فَرَمَی بِهَا اَلْأَزْدِیَّ فَصَرَعَهُ ثُمَّ دَبَّ إِلَیْهِ فَقَتَلَهُ مُتَّکِئاً عَلَیْهِ خَانِقاً لَهُ حَتَّی زَهَقَتْ نَفْسُهُ فَمَرَّ بِحَکِیمٍ إِنْسَانٌ وَ هُوَ یَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ مَنْ فَعَلَ بِکَ قَالَ وِسَادِی فَنَظَرَ فَإِذَا اَلْأَزْدِیُّ تَحْتَهُ وَ کَانَ حَکِیمٌ شُجَاعاً مَذْکُوراً.

قَالَ وَ قُتِلَ مَعَ حَکِیمٍ إِخْوَةٌ لَهُ ثَلاَثَةٌ وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ کُلُّهُمْ وَ هُمْ ثَلاَثُمِائَةٍ مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ وَ الْقَلِیلُ مِنْهُمْ مِنْ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ فَلَمَّا صَفَتِ اَلْبَصْرَةُ لِطَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرِ بَعْدَ قَتْلِ حَکِیمٍ وَ أَصْحَابِهِ وَ طُرِدَ اِبْنُ حُنَیْفٍ عَنْهُمَا اخْتَلَفَا فِی الصَّلاَةِ وَ أَرَادَ کُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ یَؤُمَّ بِالنَّاسِ وَ خَافَ أَنْ تَکُونَ صَلاَتُهُ خَلْفَ صَاحِبِهِ تَسْلِیماً لَهُ وَ رِضاً بِتَقَدُّمِهِ فَأَصْلَحَتْ بَیْنَهُمَا عَائِشَةُ بِأَنْ جَعَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَیْرِ وَ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ یُصَلِّیَانِ بِالنَّاسِ هَذَا یَوْماً وَ هَذَا یَوْماً.

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ ثُمَّ دَخَلاَ بَیْتَ الْمَالِ بِالْبَصْرَةِ فَلَمَّا رَأَوْا مَا فِیهِ مِنَ الْأَمْوَالِ قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَعَدَکُمُ اللّٰهُ مَغٰانِمَ کَثِیرَةً تَأْخُذُونَهٰا فَعَجَّلَ لَکُمْ هٰذِهِ (3) فَنَحْنُ أَحَقُّ

ص :322

بِهَا مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ فَأَخَذَا ذَلِکَ الْمَالَ کُلَّهُ فَلَمَّا غَلَبَ عَلِیٌّ ع رَدَّ تِلْکَ الْأَمْوَالَ إِلَی بَیْتِ الْمَالِ وَ قَسَّمَهَا فِی اَلْمُسْلِمِینَ

.

و قد ذکرنا فیما تقدم کیفیة الوقعة و مقتل الزبیر فارا عن الحرب خوفا أو توبة و نحن نقول إنها توبة و ذکرنا مقتل طلحة و الاستیلاء علی أم المؤمنین و إحسان علی ع إلیها و إلی من أسر فی الحرب أو ظفر به بعدها

فِی وَجْهِهِ وَ أَفْسَدَ قُلُوبَ اَلْمُسْلِمِینَ عَلَیْهِ فَإِنْ کَانَ لِبَنِی عَبْدِ مَنَافٍ قَوْمٌ غَیْرُ هَؤُلاَءِ أَسْدَیْتُمْ إِلَیْهِمْ إِحْسَاناً فَعَرِّفْنِی مَنْ هُمْ جُعِلْتُ فِدَاکَ.

الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ بَلْ بِمَنْزِلَةِ الْعَیْنَیْنِ مِنَ الرَّأْسِ فَرَدَّتْ عَلَیَّ مَقَالَتِی فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ أَرَاکَ قَصَدْتَ قَصْدِی فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَقُولَ قُلْتُ وَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أَکُفَّ کَفَفْتُ قَالَ بَلْ قُلْ وَ مَا عَسَی أَنْ تَقُولَ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّی ابْنُ اَلزُّبَیْرِ حَوَارِیِّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنَّ أُمِّی أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِی بَکْرٍ الصِّدِّیقِ ذَاتِ النِّطَاقَیْنِ وَ أَنَّ عَمَّتِی خَدِیجَةُ سَیِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ وَ أَنَّ صَفِیَّةَ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ص جَدَّتِی وَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِینَ خَالَتِی فَهَلْ تَسْتَطِیعُ لِهَذَا إِنْکَاراً.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ لَقَدْ ذَکَرْتَ شَرَفاً شَرِیفاً وَ فَخْراً فَاخِراً غَیْرَ أَنَّکَ تُفَاخِرُ مَنْ بِفَخْرِهِ فَخَرْتَ وَ بِفَضْلِهِ سَمَوْتَ قَالَ وَ کَیْفَ ذَلِکَ قَالَ لِأَنَّکَ لَمْ تَذْکُرْ فَخْراً إِلاَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنَا أَوْلَی بِالْفَخْرِ بِهِ مِنْکَ قَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ لَوْ شِئْتَ لَفَخَرْتُ عَلَیْکَ بِمَا کَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا (1) .

نَشَدْتُکُمْ اللَّهَ أَیُّهَا الْحَاضِرُونَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَشْرَفُ أَمْ خُوَیْلِدٌ فِی قُرَیْشٍ قَالُوا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَالَ أَ فَهَاشِمٌ کَانَ أَشْرَفَ فِیهَا أَمْ أَسَدٌ قَالُوا بَلْ هَاشِمٌ قَالَ أَ فَعَبْدُ مَنَافٍ أَشْرَفُ أَمْ عَبْدُ الْعُزَّی قَالُوا عَبْدُ مَنَافٍ فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ تُنَافِرُنِی یَا اِبْنَ الزُّبَیْرِ وَ قَدْ قَضَی

ص :325

قَضَی لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْفَضْلِ فِی قَوْلِهِ مَا افْتَرَقَتْ فِرْقَتَانِ إِلاَّ کُنْتُ فِی خَیْرِهِمَا فَقَدْ فَارَقْنَاکَ مِنْ بَعْدِ قُصَیِّ بْنِ کِلاَبٍ أَ فَنَحْنُ فِی فِرْقَةِ الْخَیْرِ أَمْ لاَ إِنْ قُلْتَ نَعَمْ خُصِمْتَ (1) وَ إِنْ قُلْتَ لاَ کَفَرْتَ.

فَضَحِکَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ تَحَرُّمُکَ بِطَعَامِنَا یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ لَأَعْرَقْتُ جَبِینَکَ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِکَ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ لِمَ أَ بِبَاطِلٍ فَالْبَاطِلُ لاَ یَغْلِبُ الْحَقَّ أَمْ بِحَقٍّ فَالْحَقُّ لاَ یَخْشَی مِنَ الْبَاطِلِ.

فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ إِنِّی وَ اللَّهِ لَقَدْ نَهَیْتُهُ عَنْ هَذَا الْمَجْلِسِ فَأَبَی إِلاَّ مَا تَرَوْنَ.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ مَهْ أَیَّتُهَا الْمَرْأَةُ اقْنَعِی بِبَعْلِکِ فَمَا أَعْظَمَ الْخَطَرَ وَ مَا أَکْرَمَ الْخَبَرَ فَأَخَذَ الْقَوْمُ بِیَدِ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَ کَانَ قَدْ عَمِیَ فَقَالُوا انْهَضْ أَیُّهَا الرَّجُلُ فَقَدْ أَفْحَمْتَهُ غَیْرَ مَرَّةٍ فَنَهَضَ وَ قَالَ أَلاَ یَا قَوْمَنَا ارْتَحِلُوا وَ سِیرُوا فَلَوْ تُرِکَ الْقَطَا لَغَفَا وَ نَامَا.

فَقَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ یَا صَاحِبَ الْقَطَاةِ أَقْبِلْ عَلَیَّ فَمَا کُنْتَ لِتَدَعَنِی حَتَّی أَقُولَ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ الْأَقْوَامُ أَنِّی سَابِقٌ غَیْرُ مَسْبُوقٍ وَ ابْنُ حَوَارِیٍّ وَ صَدِیقٌ مُتَبَجِّحٌ فِی الشَّرَفِ الْأَنِیقِ خَیْرٌ مِنْ طَلِیقٍ.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ دَسَعْتَ بُجْرَتَکَ (2) فَلَمْ تُبْقِ شَیْئاً هَذَا الْکَلاَمُ مَرْدُودٌ مِنِ امْرِئٍ حَسُودٍ فَإِنْ کُنْتَ سَابِقاً فَإِلَی مَنْ سَبَقْتَ وَ إِنْ کُنْتَ فَاخِراً فَبِمَنْ فَخَرْتَ فَإِنْ کُنْتَ أَدْرَکْتَ هَذَا الْفَخْرَ بِأُسْرَتِکَ دُونَ أُسْرَتِنَا فَالْفَخْرُ لَکَ عَلَیْنَا وَ إِنْ کُنْتَ إِنَّمَا أَدْرَکْتَهُ بِأُسْرَتِنَا فَالْفَخْرُ لَنَا عَلَیْکَ وَ الْکَثْکَثُ (3) فِی فَمِکَ وَ یَدَیْکَ وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ

ص :326

مِنَ الطَّلِیقِ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ ابْتُلِیَ فَصَبَرَ وَ أُنْعِمَ عَلَیْهِ فَشَکَرَ وَ إِنْ کَانَ وَ اللَّهِ لَوَفِیّاً کَرِیماً غَیْرَ نَاقِضٍ بَیْعَةً بَعْدَ تَوْکِیدِهَا وَ لاَ مُسْلِمٍ کَتِیبَةً بَعْدَ التَّأَمُّرِ عَلَیْهَا.

فَقَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ أَ تُعَیِّرُ اَلزُّبَیْرَ بِالْجُبْنِ وَ اللَّهِ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ مِنْهُ خِلاَفَ ذَلِکَ.

قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ اللَّهِ إِنِّی لاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنَّهُ فَرَّ وَ مَا کَرَّ وَ حَارَبَ فَمَا صَبَرَ وَ بَایَعَ فَمَا تَمَّمَ وَ قَطَعَ الرَّحِمَ وَ أَنْکَرَ الْفَضْلَ وَ رَامَ مَا لَیْسَ لَهُ بِأَهْلٍ.

وَ أَدْرَکَ مِنْهَا بَعْضَ مَا کَانَ یَرْتَجِی

فَقَالَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ لَمْ یَبْقَ یَا بَنِی هَاشِمٍ غَیْرُ الْمُشَاتَمَةِ (1) وَ الْمُضَارَبَةِ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَیْنِ بْنِ الْحَارِثِ أَقَمْنَاهُ عَنْکَ یَا اِبْنَ الزُّبَیْرِ وَ تَأْبَی إِلاَّ مُنَازَعَتَهُ وَ اللَّهِ لَوْ نَازَعْتَهُ مِنْ سَاعَتِکَ إِلَی انْقِضَاءِ عُمُرِکَ مَا کُنْتَ إِلاَّ کَالسَّغِبِ الظَّمْآنِ یَفْتَحُ فَاهُ یَسْتَزِیدُ مِنَ الرِّیحِ فَلاَ یَشْبَعُ مِنْ سَغَبٍ وَ لاَ یَرْوَی مِنْ عَطَشٍ فَقُلْ إِنْ شِئْتَ أَوْ فَدَعْ وَ انْصَرَفَ الْقَوْمُ

.

ص :327

فإن قلت أی فرق بین أقواهم علیه و أعلمهم بأمر اللّه فیه قلت أقواهم أحسنهم سیاسة و أعلمهم بأمر اللّه أکثرهم علما و إجراء للتدبیر بمقتضی العلم و بین الأمرین فرق واضح فقد یکون سائسا حاذقا و لا یکون عالما بالفقه و قد یکون سائسا فقیها و لا یجری التدبیر علی مقتضی علمه و فقهه .

و ثانیها أن الإمامة لا یشترط فی صحة انعقادها أن یحضرها الناس کافة لأنّه لو کان ذلک مشترطا لأدی إلی ألا تنعقد إمامة أبدا لتعذر اجتماع المسلمین من أطراف الأرض و لکنها تنعقد بعقد العلماء و أهل الحل و العقد الحاضرین ثمّ لا یجوز بعد عقدها لحاضریها أن یرجعوا من غیر سبب یقتضی رجوعهم و لا یجوز لمن غاب عنها أن یختار غیر من عقد له بل یکون محجوجا بعقد الحاضرین مکلفا طاعة الإمامة المعقود له و علی هذا جرت الحال فی خلافة أبی بکر و عمر و عثمان و انعقد إجماع المسلمین علیه و هذا الکلام تصریح بصحة مذهب أصحابنا فی أن الاختیار طریق إلی الإمامة و مبطل لما تقوله الإمامیّة من دعوی النصّ علیه و من قولهم لا طریق إلی الإمامة سوی النصّ أو المعجز .

و ثالثها أن الخارج علی الإمام یستعتب أولا بالکلام و المراسلة فإن أبی قوتل و هذا هو نص الکتاب العزیز وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَی الْأُخْریٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتّٰی تَفِیءَ إِلیٰ أَمْرِ اللّٰهِ (1) .

و رابعها أنّه یقاتل أحد رجلین إمّا رجلا ادعی ما لیس له نحو أن یخرج علی الإمام من یدعی الخلافة لنفسه و إمّا رجلا منع ما علیه نحو أن یخرج علی الإمام رجل لا یدعی الخلافة و لکنه یمتنع من الطاعة فقط.

فإن قلت الخارج علی الإمام مدع الخلافة لنفسه مانع ما علیه أیضا لأنّه قد امتنع من الطاعة فقد دخل أحد القسمین فی الآخر.

ص :329

قلت لما کان مدعی الخلافة قد اجتمع له أمران إیجابی و سلبی فالإیجابی دعواه الخلافة و السلبی امتناعه من الطاعة کان متمیزا ممن لم یحصل له إلاّ القسم السلبی فقط و هو مانع الطاعة لا غیر فکان الأحسن فی فن علم البیان أن یشتمل اللفظ علی التقسیم الحاضر للإیجاب و السلب فلذلک قال إمّا مدعیا ما لیس له أو مانعا ما هو علیه أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَی اللَّهِ فَإِنَّهَا خَیْرُ مَا تَوَاصَی الْعِبَادُ بِهِ وَ خَیْرُ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللَّهِ وَ قَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَ لاَ یَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ إِلاَّ أَهْلُ الْبَصَرِ وَ الصَّبْرِ وَ الْعِلْمِ [بِمَوَاقِعِ]

بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَ قِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ وَ لاَ تَعْجَلُوا فِی أَمْرٍ حَتَّی تَتَبَیَّنُوا فَإِنَّ لَنَا مَعَ کُلِّ أَمْرٍ تُنْکِرُونَهُ غِیَراً أَلاَ وَ إِنَّ هَذِهِ الدُّنْیَا الَّتِی أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَ تَرْغَبُونَ فِیهَا وَ أَصْبَحَتْ تُغْضِبُکُمْ وَ تُرْضِیکُمْ لَیْسَتْ بِدَارِکُمْ وَ لاَ مَنْزِلِکُمْ الَّذِی خُلِقْتُمْ لَهُ وَ لاَ الَّذِی دُعِیتُمْ إِلَیْهِ أَلاَ وَ إِنَّهَا لَیْسَتْ بِبَاقِیَةٍ لَکُمْ وَ لاَ تَبْقَوْنَ عَلَیْهَا وَ هِیَ وَ إِنْ غَرَّتْکُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرْتُکُمْ شَرَّهَا فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِیرِهَا وَ أَطْمَاعَهَا لِتَخْوِیفِهَا وَ سَابِقُوا فِیهَا إِلَی الدَّارِ الَّتِی دُعِیتُمْ إِلَیْهَا وَ انْصَرِفُوا بِقُلُوبِکُمْ عَنْهَا وَ لاَ یَخِنَّنَّ أَحَدُکُمْ خَنِینَ الْأَمَةِ عَلَی مَا زُوِیَ عَنْهُ مِنْهَا وَ اسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ بِالصَّبْرِ عَلَی طَاعَةِ اللَّهِ وَ الْمُحَافَظَةِ عَلَی مَا اسْتَحْفَظَکُمْ مِنْ کِتَابِهِ أَلاَ وَ إِنَّهُ لاَ یَضُرُّکُمْ تَضْیِیعُ شَیْءٍ مِنْ دُنْیَاکُمْ بَعْدَ حِفْظِکُمْ قَائِمَةَ دِینِکُمْ

ص :330

أَلاَ وَ إِنَّهُ لاَ یَنْفَعُکُمْ بَعْدَ تَضْیِیعِ دِینِکُمْ شَیْءٌ حَافَظْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْیَاکُمْ أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِکُمْ إِلَی الْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِیَّاکُمُ الصَّبْرَ .

لم یکن المسلمون قبل حرب الجمل یعرفون کیفیة قتال أهل القبلة و إنّما تعلموا فقه ذلک من أمیر المؤمنین ع .و قال الشافعی لو لا علی لما عرف شیء من أحکام أهل البغی .

قوله ع و لا یحمل هذا العلم إلاّ أهل البصر و الصبر و ذلک لأن المسلمین عظم عندهم حرب أهل القبلة و أکبروه و من أقدم عندهم علیه أقدم علی خوف و حذر فقال ع إن هذا العلم لیس یدرکه کل أحد و إنّما له قوم مخصوصون .

ثمّ أمرهم بالمضی عند ما یأمرهم به و بالانتهاء عما ینهاهم عنه و نهاهم عن أن یعجلوا بالحکم علی أمر ملتبس حتّی یتبین و یتضح.

ثمّ قال إن عندنا تغییرا لکل ما تنکرونه من الأمور حتّی یثبت أنّه یجب إنکارها و تغییرها أی لست کعثمان أصر علی ارتکاب ما أنهی عنه بل أغیر کل ما ینکره المسلمون و یقتضی الحال و الشرع تغییره .

ثمّ ذکر أن الدنیا التی تغضب الناس و ترضیهم و هی منتهی أمانیهم و رغبتهم لیست دارهم و إنّما هی طریق إلی الدار الآخرة و مدة اللبث فی ذلک الطریق یسیرة جدا.

و قال إنها و إن کانت غرارة فإنها منذرة و محذرة لأبنائها بما رأوه من آثارها فی

ص :331

سلفهم و إخوتهم و أحبائهم و مناداتها علی نفسها بأنها فاعلة بهم ما فعلت بأولئک من الفناء و فراق المألوف .

قال فدعوا غرورها لتحذیرها و ذلک لأن جانب تحذیرها أولی بأن یعمل علیه من جانب غرورها لأن غرورها إنّما هو بأمر سریع مع التصرم و الانقضاء و تحذیرها إنّما هو لأمر جلیل عظیم فإن الفناء المعجل محسوس و قد دل العقل و الشرائع کافة علی أن بعد ذلک الفناء سعادة و شقاوة فینبغی للعاقل أن یحذر من تلک الشقاوة و یرغب فی تلک السعادة و لا سبیل إلی ذلک إلاّ برفض غرور الدنیا علی أنّه لو لم یکن ذلک لکان الواجب علی أهل اللب و البصیرة رفضها لأن الموجود منها خیال فإنّه أشبه شیء بأحلام المنام فالتمسک به و الإخلاد إلیه حمق .

و الخنین صوت یخرج من الأنف عند البکاء و أضافه إلی الأمة لأن الإماء کثیرا ما یضربن فیبکین و یسمع الخنین منهن و لأن الحرة تأنف من البکاء و الخنین و زوی قبض .

ثمّ ذکر أنّه لا یضر المکلف فوات قسط من الدنیا إذا حفظ قائمة دینه یعنی القیام بالواجبات و الانتهاء عن المحظورات و لا ینفعه حصول الدنیا کلها بعد تضییعه دینه لأن ابتیاع لذة متناهیة بلذة غیر متناهیة یخرج اللذة المتناهیة من باب کونها نفعا و یدخلها فی باب المضار فکیف إذا انضاف إلی عدم اللذة غیر المتناهیة حصول مضار و عقوبات غیر متناهیة أعاذنا اللّه منها

ص :332

151-من خطبة له علیه السلام فی التحذیر من الفتن و غیرها ممّا یهلک 137-146

152-من خطبة له فی تمجید اللّه و تعظیمه 147-152

153-من خطبة له علیه السلام فی تحذیر الناس من الغفلة 157-160

154-من خطبة له علیه السلام فی وصف الداعی و وصف أهل البیت و ذکر لزوم العمل بالعلم و العلم بالعمل 164-179

155-و من خطبة له علیه السلام یذکر فیها بدیع خلقة الخفاش 181-182

156-من کلام له علیه السلام خاطب به أهل البصرة علی جهة اقتصاص الملاحم 189-203

157-و من کلام له علیه السلام حینما قام إلیه رجل و سأله عن الفتنة 205

158-من خطبة له علیه السلام فی وصف الدهر و التحفظ منه،و فیها جملة وصایا 209-210

159-و من خطبة له علیه السلام فی حال الناس قبل البعثة و بعدها 217-218

160-من خطبة له علیه السلام فی وصف حاله مع أصحابه 221

161-من خطبة له علیه السلام فی تعظیم اللّه،و فیها ذکر شخص یزعم أنّه یرجو اللّه و هو لا یعمل لرجائه،و فیها حث علی الاقتداء بالأنبیاء 223-229

162-من خطبة له علیه السلام،ذکر فیها الرسول علیه السلام و شرف أسرته 237-239 163-من کلام له علیه السلام لبعض أصحابه و قد سأله:کیف دفعکم قومکم عن هذا المقام و أنتم أحق به؟241

164-من خطبة له علیه السلام فی تنزیه اللّه و تذکیر الإنسان بهدیه له فی سبیل معیشته 252-257

ص :334

165-من کلام قاله علیه السلام لعثمان بن عفان،لما اجتمع علیه الناس و سألوه مخاطبته عنهم 261-262

166-من خطبة له یذکر فیها عجیب خلقة الطاوس،و فیها وصف الجنة 266-278

167-من خطبة له علیه السلام،یوصی فیها بمکارم الأخلاق،و یوعد بنی أمیّة 282

168-من خطبة له علیه السلام فی أول خلافته،و فیها حث علی اتباع القرآن،و تأدیة الفرائض 288

169-من کلام له علیه السلام بعد ما بویع له بالخلافة،و قد قال له قوم من الصحابة:لو عاقبت قوما ممن أجلب علی عثمان!291

170-من خطبة له علیه السلام عند مسیر أصحاب الجمل إلی البصرة 295

171-من کلام له علیه السلام لرجل من أهل البصرة و قد أرسله قومه لیعلم حقیقة حاله مع أصحاب الجمل 299

172-من کلام له علیه السلام لما عزم علی لقاء القوم بصفین 301

173-من خطبة له علیه السلام،و فیها ذکر أصحاب الجمل 304

174-من خطبته له علیه السلام،فیمن أحق بالخلافة،و فیمن یجب قتاله،و فیها ذمّ للدنیا و تزهید فیها 328-331

ص :335