تفسير القمي
نويسنده: القمي، علي بن ابراهیم
مقدمه نویس و مصحح: الجزایري، طیب
مصحح و مقدمه نویس: الجزایري، طیب
تصحيح و تنظيم:الجزایري، طیب
تعداد جلد: 2
زبان: العربية
ناشر: منشورات مکتبة الهدي - مطبعة النجف 1387 ه
ص: 1
ص: 2
1 «م» إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله الحكيم.
2 «ك» إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله كاشف الغطاء.
3 «ط » إشارة إلى نسخة مطبوعة سنة 1313 في إيران.
4 «خ» أو «خ ل» إ شارة إلى «نسخة بدل».
5 «ق» لقاموس اللغة.
6 «ج. ز» مخفف «الجزائري» المحشى.
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ
إِلَى اَلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بٰارَكْنٰا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيٰاتِنٰا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»
ص: 3
صَلَّيْتَ فَقُلْتُ لاَ، فَقَالَ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ «كَلَّمَ اللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً» ثُمَّ رَكِبْتُ فَمَضَيْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ لِي انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلْتُ وَ صَلَّيْتُ فَقَالَ لِي أَ تَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ فَقُلْتُ لاَ، قَالَ صَلَّيْتَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ بِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ رَكِبْتُ فَمَضَيْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرَبَطْتُ اَلْبُرَاقَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْبِطُ بِهَا فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَ مَعِي جَبْرَئِيلُ إِلَى جَنْبَيِ فَوَجَدْنَا إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى فِيمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ قَدْ جُمِعُوا إِلَيَّ وَ أَقَمْتُ الصَّلاَةَ وَ لاَ أَشُكُّ إِلاَّ وَ جَبْرَئِيلُ اسْتَقْدَمَنَا، فَلَمَّا اسْتَوَوْا أَخَذَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِعَضُدِي فَقَدَّمَنِي فَأَمَّمْتُهُمْ وَ لاَ فَخْرَ، ثُمَّ أَتَانِي الْخَازِنُ بِثَلاَثِ أَوَانِي، إِنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ وَ إِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ وَ إِنَاءٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَسَمِعْتُ قَائِلاً يَقُولُ إِنْ أَخَذَ الْمَاءَ غَرِقَ وَ غَرِقَتْ أُمَّتُهُ ، وَ إِنْ أَخَذَ الْخَمْرَ غَوَى وَ غَوَتْ أُمَّتُهُ وَ إِنْ أَخَذَ اللَّبَنَ هُدِيَ وَ هُدِيَتْ أُمَّتُهُ ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُ مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ هُدِيتَ وَ هُدِيَتْ أُمَّتُكَ ثُمَّ قَالَ لِي مَا ذَا رَأَيْتَ فِي مَسِيرِكَ فَقُلْتُ نَادَانِي مُنَادٍ عَنْ يَمِينِي فَقَالَ لِي أَ وَ أَجَبْتَهُ فَقُلْتُ لاَ وَ لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَ ذَاكَ دَاعِي اَلْيَهُودِ لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ ثُمَّ قَالَ مَا ذَا رَأَيْتَ فَقُلْتُ نَادَانِي مُنَادٍ عَنْ يَسَارِي فَقَالَ أَ وَ أَجَبْتَهُ فَقُلْتُ لاَ وَ لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَ ذَاكَ دَاعِي اَلنَّصَارَى لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ ثُمَّ قَالَ مَا ذَا اسْتَقْبَلَكَ فَقُلْتُ لَقِيتُ امْرَأَةً كَاشِفَةً عَنْ ذِرَاعَيْهَا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ انْظُرْنِي حَتَّى أُكَلِّمَكَ ، فَقَالَ لِي أَ فَكَلَّمْتَهَا فَقُلْتُ لَمْ أُكَلِّمْهَا وَ لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَقَالَ تِلْكَ الدُّنْيَا وَ لَوْ كَلَّمْتَهَا لاَخْتَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ، ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتاً أَفْزَعَنِي فَقَالَ جَبْرَئِيلُ أَ تَسْمَعُ يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هَذِهِ صَخْرَةٌ قَذَفْتُهَا عَنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ عَاماً فَهَذَا حِينَ اسْتَقَرَّتْ ، قَالُوا فَمَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى قُبِضَ قَالَ فَصَعِدَ جَبْرَئِيلُ وَ صَعِدْتُ مَعَهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَ عَلَيْهَا مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ
ص: 4
وَ هُوَ صَاحِبُ الْخَطْفَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «إِلاّٰ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهٰابٌ ثٰاقِبٌ »
وَ تَحْتَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ تَحْتَ كُلِّ مَلَكٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ، فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَذَا مَعَكَ فَقَالَ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ أَ وَ قَدْ بُعِثَ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ الْبَابَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِي وَ قَالَ مَرْحَباً بِالْأَخِ النَّاصِحِ وَ النَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ تَلَقَّتْنِي الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى دَخَلْتُ سَمَاءَ الدُّنْيَا فَمَا لَقِيَنِي مَلَكٌ إِلاَّ كَانَ ضَاحِكاً مُسْتَبْشِراً حَتَّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ لَمْ أَرَ أَعْظَمَ خَلْقاً مِنْهُ كَرِيهَ الْمَنْظَرِ ظَاهِرَ الْغَضَبِ ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالُوا مِنَ الدُّعَاءِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَضْحَكْ وَ لَمْ أَرَ فِيهِ مِنَ الاِسْتِبْشَارِ وَ مَا رَأَيْتُ مِمَّنْ ضَحِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَإِنِّي قَدْ فَزِعْتُ فَقَالَ يَجُوزُ أَنْ تَفْزَعَ مِنْهُ ، وَ كُلُّنَا نَفْزَعُ مِنْهُ هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ اَلنَّارِ لَمْ يَضْحَكْ قَطُّ وَ لَمْ يَزَلْ مُنْذُ وَلاَّهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ غَضَباً وَ غَيْظاً عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ وَ لَوْ ضَحِكَ إِلَى أَحَدٍ قَبْلَكَ أَوْ كَانَ ضَاحِكاً لِأَحَدٍ بَعْدَكَ لَضَحِكَ إِلَيْكَ وَ لَكِنَّهُ لاَ يَضْحَكُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ وَ بَشَّرَنِي بِالْجَنَّةِ ، فَقُلْتُ لِجَبْرَئِيلَ وَ جَبْرَئِيلُ بِالْمَكَانِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ «مُطٰاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » ، أَ لاَ تَأْمُرُهُ أَنْ يُرِيَنِي اَلنَّارَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا مَالِكُ أَرِ مُحَمَّداً اَلنَّارَ، فَكَشَفَ عَنْهَا غِطَاءَهَا وَ فَتَحَ بَاباً مِنْهَا، فَخَرَجَ مِنْهَا لَهَبٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ وَ فَارَتْ فَارْتَعَدَتْ حَتَّى ظَنَنْتُ لَيَتَنَاوَلُنِي مِمَّا رَأَيْتُ ، فَقُلْتُ لَهُ يَا جَبْرَئِيلُ قُلْ لَهُ فَلْيَرُدَّ عَلَيْهَا غِطَاءَهَا فَأَمَرَهَا، فَقَالَ لَهَا ارْجِعِي فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ .
ص: 5
الصَّالِحِ وَ النَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ الْمَبْعُوثِ فِي الزَّمَنِ الصَّالِحِ .
ثُمَّ مَرَرْتُ بِمَلَكٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَ هُوَ جَالِسٌ وَ إِذَا جَمِيعُ الدُّنْيَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَ إِذَا بِيَدِهِ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ فِيهِ كِتَابٌ يَنْظُرُ فِيهِ وَ لاَ يَلْتَفِتُ يَمِيناً وَ لاَ شِمَالاً مُقْبِلاً عَلَيْهِ كَهَيْئَةِ الْحَزِينِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ
دَائِبٌ فِي قَبْضِ الْأَرْوَاحِ فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ أَدْنِنِي مِنْهُ حَتَّى أُكَلِّمَهُ ، فَأَدْنَانِي مِنْهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ هَذَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ فَرَحَّبَ بِي وَ حَيَّانِي بِالسَّلاَمِ وَ قَالَ أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنِّي أَرَى الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي أُمَّتِكَ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَنَّانِ ذِي النِّعَمِ عَلَى عِبَادِهِ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ رَبِّي وَ رَحْمَتِهِ عَلَيَّ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ
هُوَ أَشَدُّ الْمَلاَئِكَةِ عَمَلاً فَقُلْتُ أَ كُلُّ مَنْ مَاتَ أَوْ هُوَ مَيِّتٌ فِيمَا بَعْدَ هَذَا تَقْبِضُ رُوحَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ تَرَاهُمْ حَيْثُ كَانُوا وَ تَشْهَدُهُمْ بِنَفْسِكَ فَقَالَ نَعَمْ ، فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ مَا الدُّنْيَا كُلُّهَا عِنْدِي فِيمَا سَخَّرَهَا اللَّهُ لِي وَ مَكَّنَنِي مِنْهَا إِلاَّ كَالدِّرْهَمِ فِي كَفِّ الرَّجُلِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ وَ مَا مِنْ دَارٍ إِلاَّ وَ أَنَا أَتَصَفَّحُهَا كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَ أَقُولُ إِذَا بَكَى أَهْلُ الْمَيِّتِ عَلَى مَيِّتِهِمْ لاَ تَبْكُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي فِيكُمْ عَوْدَةً وَ عَوْدَةً حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَفَى بِالْمَوْتِ طَامَّةً يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ إِنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَطَمُّ وَ أَطَمُّ مِنَ الْمَوْتِ .
قَالَ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَوَائِدُ مِنْ لَحْمٍ طَيِّبٍ وَ لَحْمٍ خَبِيثٍ يَأْكُلُونَ الْخَبِيثَ وَ يَدَعُونَ الطَّيِّبَ ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الْحَرَامَ وَ يَدَعُونَ الْحَلاَلَ وَ هُمْ مِنْ أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 6
الْمُؤْمِنِينَ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذَا مَلَكٌ وَكَّلَهُ اللَّهُ بِأَكْنَافِ السَّمَاوَاتِ وَ أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ وَ هُوَ أَنْصَحُ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُو لَهُمْ بِمَا تَسْمَعُ مُنْذُ خُلِقَ ، وَ مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ فِي السَّمَاءِ أَحَدُهُمَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُنْفِقٍ خَلَفاً وَ الْآخَرُ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُمْسِكٍ تَلَفاً.
ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ يُقْرِضُ اللَّحْمَ مِنْ جَنُوبِهِمْ وَ يُلْقَى فِي أَفْوَاهِهِمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ الْهَمَّازُونَ اللَّمَّازُونَ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَنَامُونَ عَنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ تُقْذَفُ النَّارُ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَ تَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ «اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» ، ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ يُرِيدُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقُومَ فَلاَ يَقْدِرُ مِنْ عِظَمِ بَطْنِهِ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ «اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لاٰ يَقُومُونَ إِلاّٰ كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ اَلشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ » فَإِذَا هُمْ مِثْلُ آلِ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلَى اَلنَّارِ «غُدُوًّا وَ عَشِيًّا» يَقُولُونَ رَبَّنَا مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ قَالَ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِنِسْوَانٍ مُعَلَّقَاتٍ بِثَدْيِهِنَّ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ اللَّوَاتِي يُوَرِّثْنَ أَمْوَالَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْلاَدَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ فِي نَسَبِهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَاطَّلَعَ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ وَ أَكَلَ خَزَائِنَهُمْ .
ص: 7
اللَّهِ خُشُوعاً فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيَّ إِيمَاءً بِرُءُوسِهُمْ لاَ يَنْظُرُونَ إِلَيَّ مِنَ الْخُشُوعِ فَقَالَ لَهُمْ جَبْرَئِيلُ هَذَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ رَسُولاً وَ نَبِيّاً وَ هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَ سَيِّدُهُمْ أَ فَلاَ تُكَلِّمُونَهُ قَالَ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ جَبْرَئِيلَ أَقْبَلُوا عَلَيَّ بِالسَّلاَمِ وَ أَكْرَمُونِي وَ بَشَّرُونِي بِالْخَيْرِ لِي وَ لِأُمَّتِي.
قَالَ ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلاَنِ مُتَشَابِهَانِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَانِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لِي ابْنَا الْخَالَةِ يَحْيَى وَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا وَ سَلَّمَا عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُمَا وَ اسْتَغْفَرَا لِي وَ قَالاَ مَرْحَباً بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَ النَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ إِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاءِ الْأُولَى وَ عَلَيْهِمُ الْخُشُوعُ قَدْ وَضَعَ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ كَيْفَ شَاءَ لَيْسَ مِنْهُمْ مَلَكٌ إِلاَّ يُسَبِّحُ لِلَّهِ وَ يُحَمِّدُهُ بِأَصْوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ .
ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ فَضْلُ حُسْنِهِ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِي وَ قَالَ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ الْأَخِ الصَّالِحِ وَ الْمَبْعُوثِ فِي الزَّمَنِ الصَّالِحِ ، وَ إِذَا فِيهَا مَلاَئِكَةٌ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ فِي السَّمَاءِ الْأُولَى وَ الثَّانِيَةِ ، وَ قَالَ لَهُمْ جَبْرَائِيلُ فِي أَمْرِي مَا قَالَ لِلْآخَرِينَ وَ صَنَعُوا بِي مِثْلَ مَا صَنَعَ الْآخَرُونَ .
ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَ إِذَا فِيهَا رَجُلٌ ، قُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ
ص: 8
فَأَعْجَبَتْنِي كَثْرَتُهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ ، قَالَ هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِي وَ إِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ .
ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَ إِذَا فِيهَا رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ عَلَيْهِ سُمْرَةٌ وَ لَوْ لاَ أَنَّ عَلَيْهِ قَمِيصَيْنِ لَنَفَذَ شَعْرُهُ مِنْهُمَا فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ تَزْعُمُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَكْرَمُ وُلْدِ آدَمَ عَلَى اللَّهِ وَ هَذَا رَجُلٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنِّي فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيلُ قَالَ هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ اسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِي وَ إِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ .
ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَمَا مَرَرْتُ بِمَلَكٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا يَا مُحَمَّدُ
احْتَجِمْ وَ أْمُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ ، وَ إِذَا فِيهَا رَجُلٌ أَشْمَطُ الرَّأْسِ (1) وَ اللِّحْيَةِ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَذَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى بَابِ اَلْبَيْتِ الْمَعْمُورِ
فِي جِوَارِ اللَّهِ فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ وَ هَذَا مَحَلُّكَ وَ مَحَلُّ مَنِ اتَّقَى مِنْ أُمَّتِكَ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «إِنَّ أَوْلَى النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هٰذَا النَّبِيُّ
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّٰهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَيَّ وَ قَالَ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَ الاِبْنِ الصَّالِحِ وَ الْمَبْعُوثِ فِي الزَّمَنِ الصَّالِحِ وَ إِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ، فَبَشَّرُونِي بِالْخَيْرِ لِي وَ لِأُمَّتِي.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ رَأَيْتُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بِحَاراً مِنْ نُورٍ يَتَلَأْلَأُ يَكَادُ تَلَأْلُؤُهَا يَخْطَفُ بِالْأَبْصَارِ وَ فِيهَا بِحَارٌ مُظْلِمَةٌ وَ بِحَارُ ثَلْجٍ وَ رَعْدٌ فَلَمَّا فَزِعْتُ وَ رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ سَأَلْتُ جَبْرَئِيلَ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ وَ اشْكُرْ كَرَامَةَ رَبِّكَ وَ اشْكُرِ اللَّهَ بِمَا صَنَعَ إِلَيْكَ قَالَ فَثَبَّتَنِيَ اللَّهُ بِقُوَّتِهِ وَ عَوْنِهِ حَتَّى كَثُرَ قَوْلِي لِجَبْرَئِيلَ
ص: 9
وَ تَعَجُّبِي، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ أَ تُعَظِّمُ مَا تَرَى إِنَّمَا هَذَا خَلْقٌ مِنْ رَبِّكَ فَكَيْفَ بِالْخَالِقِ الَّذِي خَلَقَ مَا تَرَى، وَ مَا لاَ تَرَى أَعْظَمُ مِنْ هَذَا مِنْ خَلْقِ رَبِّكَ ، إِنَّ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ سَبْعُونَ [تِسْعُونَ ] أَلْفَ حِجَابٍ وَ أَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنَا وَ إِسْرَافِيلُ وَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ أَرْبَعَةُ حُجُبٍ حِجَابٌ مِنْ نُورٍ وَ حِجَابٌ مِنْ ظُلْمَةٍ وَ حِجَابٌ مِنَ الْغَمَامِ وَ حِجَابٌ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ وَ رَأَيْتُ مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ سَخَّرَ بِهِ عَلَى مَا أَرَادَهُ دِيكاً رِجْلاَهُ فِي تُخُومِ الْأَرَضِينَ السَّابِعَةِ وَ رَأْسُهُ عِنْدَ اَلْعَرْشِ
وَ مَلَكاً مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ خَلَقَهُ كَمَا أَرَادَ رِجْلاَهُ فِي تُخُومِ الْأَرَضِينَ السَّابِعَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ مُصْعِداً حَتَّى خَرَجَ فِي الْهَوَاءِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَ انْتَهَى فِيهَا مُصْعِداً حَتَّى اسْتَقَرَّ قَرْنُهُ إِلَى قُرْبِ اَلْعَرْشِ وَ هُوَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّي حَيْثُ مَا كُنْتَ لاَ تَدْرِي أَيْنَ رَبُّكَ مِنْ عِظَمِ شَأْنِهِ وَ لَهُ جَنَاحَانِ فِي مَنْكِبَيْهِ إِذَا نَشَرَهُمَا جَاوَزَا الْمَشْرِقَ وَ الْمَغْرِبَ فَإِذَا كَانَ فِي السَّحَرِ ذَلِكَ الدِّيكُ نَشَرَ جَنَاحَيْهِ وَ خَفَقَ بِهِمَا وَ صَرَخَ بِالتَّسْبِيحِ يَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، وَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ سَبَّحَتْ دُيُوكُ الْأَرْضِ كُلُّهَا وَ خَفَقَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَ أَخَذَتْ فِي الصُّرَاخِ فَإِذَا سَكَتَ ذَلِكَ الدِّيكُ فِي السَّمَاءِ سَكَتَتْ دُيُوكُ الْأَرْضِ كُلُّهَا وَ لِذَلِكَ الدِّيكِ زَغَبٌ أَخْضَرُ وَ رِيشٌ أَبْيَضُ كَأَشَدِّ بَيَاضِ مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ وَ لَهُ زَغَبٌ أَخْضَرُ أَيْضاً تَحْتَ رِيشِهِ الْأَبْيَضِ كَأَشَدِّ خُضْرَةِ مَا رَأَيْتُهَا.
ص: 10
بْنِ حَارِثَةَ فَبَشَّرْتُهُ بِهَا حِينَ أَصْبَحْتُ ، وَ إِذَا بِطَيْرِهَا كَالْبُخْتِ (1) وَ إِذَا رُمَّانُهَا مِثْلُ الدِّلاَءِ الْعِظَامِ ، وَ إِذَا شَجَرَةٌ لَوْ أَرْسَلَ طَائِرٌ فِي أَصْلِهَا مَا دَارَهَا تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ ، وَ لَيْسَ فِي اَلْجَنَّةِ مَنْزِلٌ إِلاَّ وَ فِيهَا فَرْعٌ مِنْهَا فَقُلْتُ مَا هَذِهِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذِهِ شَجَرَةُ طُوبَى، قَالَ اللَّهُ «طُوبىٰ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ » ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمَّا دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَسَأَلْتُ جَبْرَئِيلَ عَنْ تِلْكَ الْبِحَارِ وَ هَوْلِهَا وَ أَعَاجِيبِهَا قَالَ هِيَ سُرَادِقَاتُ الْحُجُبِ الَّتِي احْتَجَبَ اللَّهُ بِهَا وَ لَوْ لاَ تِلْكَ الْحُجُبُ لَهَتَكَ نُورُ اَلْعَرْشِ
كُلَّ شَيْ ءٍ فِيهِ ، وَ انْتَهَيْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا الْوَرَقَةُ مِنْهَا تَظَلُّ بِهِ أُمَّةٌّ مِنَ الْأُمَمِ فَكُنْتُ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى:«قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ »
فَنَادَانِي «آمَنَ الرَّسُولُ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » وَ قَدْ كَتَبْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَا رَبِّ أَعْطَيْتَ أَنْبِيَاءَكَ فَضَائِلَ فَأَعْطِنِي، فَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَعْطَيْتُكَ فِيمَا أَعْطَيْتُكَ كَلِمَتَيْنِ مِنْ تَحْتِ عَرْشِي: «لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ لاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ » قَالَ وَ عَلَّمَتْنِي الْمَلاَئِكَةُ قَوْلاً أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ :
ص: 11
رَاغِباً فِيهَا مُحْتَسِباً كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ ، فَقَالَ : حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ فَقَالَ اللَّهُ هِيَ الصَّلاَحُ وَ النَّجَاحُ وَ الْفَلاَحُ ، ثُمَّ أَمَمْتُ الْمَلاَئِكَةَ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَمَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قَالَ ثُمَّ غَشِيَتْنِي صَبَابَةٌ فَخَرَرْتُ سَاجِداً فَنَادَانِي رَبِّي إِنِّي قَدْ فَرَضْتُ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ كَانَ قَبْلَكَ خَمْسِينَ صَلاَةً وَ فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ وَ عَلَى أُمَّتِكَ فَقُمْ بِهَا أَنْتَ فِي أُمَّتِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَانْحَدَرْتُ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَسْأَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْتَ يَا مُحَمَّدُ فَقُلْتُ قَالَ رَبِّي فَرَضْتُ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ كَانَ قَبْلَكَ خَمْسِينَ صَلاَةً وَ فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ وَ عَلَى أُمَّتِكَ فَقَالَ مُوسَى يَا مُحَمَّدُ إِنَّ أُمَّتَكَ آخِرُ الْأُمَمِ وَ أَضْعَفُهَا وَ إِنَّ رَبَّكَ لاَ يَرُدُّ عَلَيْكَ شَيْئاً وَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ بِهَا فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَخَرَرْتُ سَاجِداً ثُمَّ قُلْتُ فَرَضْتَ عَلَيَّ وَ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً وَ لاَ أُطِيقُ ذَلِكَ وَ لاَ أُمَّتِي فَخَفِّفْ عَنِّي فَوَضَعَ عَنِّي عَشْراً فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ لاَ تُطِيقُ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَوَضَعَ عَنِّي عَشْراً فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ وَ فِي كُلِّ رَجْعَةٍ أَرْجِعُ إِلَيْهِ أَخِرُّ سَاجِداً حَتَّى رَجَعَ إِلَى عَشْرِ صَلَوَاتٍ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لاَ تُطِيقُ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَوَضَعَ عَنِّي خَمْساً فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لاَ تُطِيقُ فَقُلْتُ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي وَ لَكِنْ أَصْبِرُ عَلَيْهَا فَنَادَانِي مُنَادٍ كَمَا صَبَرْتَ عَلَيْهَا فَهَذِهِ الْخَمْسُ . بِخَمْسِينَ كُلُّ صَلاَةٍ بِعَشْرٍ، مَنْ هَمَّ مِنْ أُمَّتِكَ بِحَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا كَتَبْتُ لَهُ عَشَرَةً وَ إِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَتَبْتُ وَاحِدَةً (1) وَ مَنْ هَمَّ مِنْ أُمَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ فَعَمِلَهَا كَتَبْتُ عَلَيْهِ وَاحِدَةً وَ إِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ أَكْتُبْ عَلَيْهِ شَيْئاً فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جَزَى اللَّهُ مُوسَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْراً وَ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللَّهِ :«سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ » الْآيَةَ .
ص: 12
وَ رَوَى الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ : بَيْنَا أَنَا رَاقِدٌ بِالْأَبْطَحِ
وَ عَلِيٌّ عَنْ يَمِينِي وَ جَعْفَرٌ عَنْ يَسَارِي وَ حَمْزَةُ بَيْنَ يَدَيَّ وَ إِذَا أَنَا بِخَفْقِ أَجْنِحَةِ الْمَلاَئِكَةِ وَ قَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ إِلَى أَيِّهِمْ بُعِثْتَ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ إِلَى هَذَا وَ أَشَارَ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ هُوَ سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَ حَوَّاءَ وَ هَذَا وَصِيُّهُ وَ وَزِيرُهُ وَ خَتَنُهُ وَ خَلِيفَتُهُ فِي أُمَّتِهِ وَ هَذَا عَمُّهُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ وَ هَذَا ابْنُ عَمِّهِ جَعْفَرٌ لَهُ جَنَاحَانِ خصيبان [خَضِيبَانِ ] يَطِيرُ بِهِمَا فِي اَلْجَنَّةِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ دَعْهُ فَلْتَنَمْ عَيْنَاهُ وَ لْتَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَ ليعي [يَعِي] قَلْبُهُ وَ اضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً مَلِكٌ بَنَى دَاراً وَ اتَّخَذَ مَأْدُبَةً وَ بَعَثَ دَاعِياً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَالْمَلِكُ اللَّهُ وَ الدَّارُ الدُّنْيَا وَ الْمَأْدُبَةُ اَلْجَنَّةُ وَ الدَّاعِي أَنَا، قَالَ ثُمَّ أَدْرَكَهُ جَبْرَائِيلُ بِالْبُرَاقِ وَ أَسْرَى بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَ عَرَضَ عَلَيْهِ مَحَارِيبَ الْأَنْبِيَاءِ وَ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ فَصَلَّى فِيهَا وَ رَدَّهُ مِنْ لَيْلَتِهِ إِلَى مَكَّةَ فَمَرَّ فِي رُجُوعِهِ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ وَ إِذَا لَهُمْ مَاءٌ فِي آنِيَةٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَ أَهْرَقَ بَاقِيَ ذَلِكَ وَ قَدْ كَانُوا أَضَلُّوا بَعِيراً لَهُمْ وَ كَانُوا يَطْلُبُونَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِقُرَيْشٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَسْرَى بِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعَرَضَ عَلَيَّ مَحَارِيبَ الْأَنْبِيَاءِ وَ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِنِّي مَرَرْتُ بِعِيرٍ لَكُمْ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا وَ إِذَا لَهُمْ مَاءٌ فِي آنِيَةٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ وَ أَهْرَقْتُ بَاقِيَ ذَلِكَ وَ قَدْ كَانُوا أَضَلُّوا بَعِيراً لَهُمْ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ قَدْ أَمْكَنَكُمُ الْفُرْصَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ سَلُوهُ كَمِ الْأَسَاطِينُ فِيهَا وَ الْقَنَادِيلُ ، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَاهُنَا مَنْ قَدْ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصِفْ لَنَا كَمْ أَسَاطِينُهُ وَ قَنَادِيلُهُ وَ مَحَارِيبُهُ فَجَاءَ جَبْرَئِيلُ فَعَلَّقَ صُورَةَ اَلْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ تُجَاهَ وَجْهِهِ فَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ بِمَا سَأَلُوهُ فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ قَالُوا حَتَّى تَجِيءَ الْعِيرُ وَ نَسْأَلَهُمْ عَمَّا قُلْتَ ، فَقَالَ لَهُمْ وَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِيرَ تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَ أَقْبَلَ يَنْظُرُونَ إِلَى اَلْعَقَبَةِ
وَ يَقُولُونَ هَذِهِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ السَّاعَةَ فَبَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَتِ الْعِيرُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ فَسَأَلُوهُمْ عَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا لَقَدْ كَانَ هَذَا، ضَلَّ جَمَلٌ لَنَا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا وَ وَضَعْنَا مَاءً وَ أَصْبَحْنَا وَ قَدْ أُهَرِيقَ الْمَاءُ فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلاَّ عُتُوّاً .
و قوله:«ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنٰا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كٰانَ عَبْداً شَكُوراً»
ص: 13
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ نُوحٌ إِذَا أَمْسَى وَ أَصْبَحَ يَقُولُ أَمْسَيْتُ أَشْهَدُ أَنَّهُ مَا أَمْسَى بِي مِنْ نِعْمَةٍ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْحَمْدُ عَلَيَّ بِهَا كَثِيراً وَ الشُّكْرُ كَثِيراً فَأَنْزَلَ اللَّهُ «إِنَّهُ كٰانَ عَبْداً شَكُوراً» فَهَذَا كَانَ شُكْرَهُ .
و أما قوله «وَ قَضَيْنٰا إِلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ فِي الْكِتٰابِ » أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل
و خاطب أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله فقال «لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ » يعني فلانا و فلانا و أصحابهما و نقضهم العهد «وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً» يعني ما ادعوه من الخلافة «فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ أُولاٰهُمٰا»
يعني يوم الجمل «بَعَثْنٰا عَلَيْكُمْ عِبٰاداً لَنٰا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» يعني أمير المؤمنين عليه السّلام و أصحابه «فَجٰاسُوا خِلاٰلَ الدِّيٰارِ» أي طلبوكم و قتلوكم «وَ كٰانَ وَعْداً مَفْعُولاً» يعني يتم و يكون «ثُمَّ رَدَدْنٰا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ » يعني بني أمية على آل محمد «وَ أَمْدَدْنٰاكُمْ بِأَمْوٰالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْنٰاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً» من الحسن و الحسين ابنا علي و أصحابهما فقتلوا الحسين بن علي و سبوا نساء آل محمد «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهٰا فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ » يعني القائم
و أصحابه( «لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ » ) يعني يسودون وجوههم «وَ لِيَدْخُلُوا اَلْمَسْجِدَ كَمٰا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ » يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه و أمير المؤمنين عليه السّلام و أصحابه «وَ لِيُتَبِّرُوا مٰا عَلَوْا تَتْبِيراً» أي يعلوا عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد عليهم السّلام فقال «عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ » أي ينصركم على عدوكم ثم خاطب بني أمية فقال «وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنٰا» يعني عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد عليهم السّلام «وَ جَعَلْنٰا جَهَنَّمَ لِلْكٰافِرِينَ حَصِيراً» أي حبسا يحصرون فيها ثم قال عز و جل «إِنَّ هٰذَا اَلْقُرْآنَ يَهْدِي» أي يبين «لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ » يعني آل محمد عليهم السّلام «اَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّٰالِحٰاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً» ثم عطف على بني أمية فقال «وَ أَنَّ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنٰا لَهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً» و قوله «وَ يَدْعُ الْإِنْسٰانُ بِالشَّرِّ دُعٰاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ عَجُولاً» قال يدعو على أعدائه بالشر كما يدعو لنفسه بالخير و يستعجل الله بالعذاب و هو قوله «وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ عَجُولاً»
و قوله:«وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنٰا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً » قال المحو في القمر
ص: 14
لِلنَّاسِ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ الْبَحْرَ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ فِيهِ مَجَارِيَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النُّجُومِ وَ الْكَوَاكِبِ ثُمَّ قَدَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى الْفَلَكِ ثُمَّ وَكَّلَ بِالْفَلَكِ مَلَكاً مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُدِيرُونَ الْفَلَكَ فَإِذَا دَارَتِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْكَوَاكِبُ مَعَهُ نَزَلَتْ فِي مَنَازِلِهَا الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ فِيهَا لِيَوْمِهَا وَ لَيْلَتِهَا وَ إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعِبَادِ وَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَهُمْ بِآيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يُزِيلَ الْفَلَكَ الَّذِي عَلَيْهِ مَجَارِي الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النُّجُومِ وَ الْكَوَاكِبِ ، فَيَأْمُرُ الْمَلَكُ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ أَنْ يُزِيلُوا الْفَلَكَ عَنْ مَجَارِيهِ قَالَ فَيُزِيلُونَهُ فَتَصِيرُ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْفَلَكُ فَيُطْمَسُ حَرُّهَا وَ يُغَيَّرُ لَوْنُهَا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَظِّمَ الْآيَةَ طُمِسَتِ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُخَوِّفَ خَلْقَهُ بِالْآيَةِ فَذَلِكَ عِنْدَ شِدَّةِ انْكِسَافِ الشَّمْسِ وَ كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْقَمَرِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخْرِجَهُمَا وَ يَرُدَّهُمَا إِلَى مَجْرَاهُمَا أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يَرُدَّ الشَّمْسَ إِلَى مَجْرَاهَا فَيَرُدُّ الْمَلَكُ الْفَلَكَ إِلَى مَجْرَاهُ فَتَخْرُجُ مِنَ الْمَاءِ(1) وَ هِيَ كَدِرَةٌ وَ الْقَمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ
ص: 15
إِنَّهُ لاَ يَفْزَعُ لَهُمَا وَ لاَ يَرْهَبُ إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى اللَّهِ وَ ارْجِعُوا.
ص: 16
قَالَ وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : الْأَرْضُ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ الْخَرَابُ مِنْهَا مَسِيرَةُ أَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ وَ الْعُمْرَانُ مِنْهَا مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ وَ الشَّمْسُ سِتُّونَ فَرْسَخاً فِي سِتِّينَ فَرْسَخاً وَ الْقَمَرُ أَرْبَعُونَ فَرْسَخاً فِي أَرْبَعِينَ فَرْسَخاً بُطُونُهُمَا يُضِيئَانِ لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ ظُهُورُهُمَا يُضِيئَانِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ وَ الْكَوَاكِبُ كَأَعْظَمِ جَبَلٍ عَلَى الْأَرْضِ وَ خَلْقُ الشَّمْسِ قَبْلَ الْقَمَرِ.
وَ قَالَ سَلاَّمُ بْنُ الْمُسْتَنِيرِ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِمَ صَارَتِ الشَّمْسُ أَحَرَّ مِنَ الْقَمَرِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الشَّمْسَ مِنْ نُورِ اَلنَّارِ وَ صَفْوِ الْمَاءِ طَبَقاً مِنْ هَذَا وَ طَبَقاً مِنْ هَذَا حَتَّى إِذَا صَارَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا اللَّهُ لِبَاساً مِنْ نَارٍ فَمِنْ هُنَالِكَ صَارَتِ الشَّمْسُ أَحَرَّ مِنَ الْقَمَرِ، قُلْتُ فَالْقَمَرُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ ضَوْءِ اَلنَّارِ وَ صَفْوِ الْمَاءِ طَبَقاً مِنْ هَذَا وَ طَبَقاً مِنْ هَذَا حَتَّى إِذَا صَارَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا اللَّهُ لِبَاساً مِنْ مَاءٍ فَمِنْ هُنَاكَ صَارَ الْقَمَرُ أَبْرَدَ مِنَ الشَّمْسِ .
و قوله:«وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِي عُنُقِهِ » قال قدره الذي قدره عليه «وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ كِتٰاباً يَلْقٰاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتٰابَكَ كَفىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» إلى قوله «حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً» فإنه محكم
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِي عُنُقِهِ » يَقُولُ خَيْرُهُ وَ شَرُّهُ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ فِرَاقَهُ حَتَّى يُعْطَى كِتَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا عَمِلَ . و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ إِذٰا أَرَدْنٰا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنٰا مُتْرَفِيهٰا»
أي كثرنا جبابرتها «فَفَسَقُوا فِيهٰا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنٰاهٰا تَدْمِيراً»
و قوله:
«مَنْ كٰانَ يُرِيدُ الْعٰاجِلَةَ » يعني أموال الدنيا «عَجَّلْنٰا لَهُ فِيهٰا مٰا نَشٰاءُ لِمَنْ نُرِيدُ»
ص: 17
في الدنيا «ثُمَّ جَعَلْنٰا لَهُ جَهَنَّمَ » في الآخرة «يَصْلاٰهٰا مَذْمُوماً مَدْحُوراً» يعني يلقى في النار ثم ذكر من عمل للآخرة فقال:«وَ مَنْ أَرٰادَ الْآخِرَةَ وَ سَعىٰ لَهٰا سَعْيَهٰا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولٰئِكَ كٰانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً» ثم قال «كُلاًّ نُمِدُّ هٰؤُلاٰءِ وَ هَؤُلاٰءِ مِنْ عَطٰاءِ رَبِّكَ » يعني من أراد الدنيا من الآخرة و معنى نمد أي نعطي «وَ مٰا كٰانَ عَطٰاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً» أي ممنوعا
و قوله:«لاٰ تَجْعَلْ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً» أي في النار و هو مخاطبة للنبي و المعنى للناس
وَ هُوَ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَةُ . و قوله:«وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِيّٰاهُ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً إِمّٰا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمٰا أَوْ كِلاٰهُمٰا فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ » قال لو علم أن شيئا أقل من أف لقاله «وَ لاٰ تَنْهَرْهُمٰا»
أي لا تخاصمهما و في حديث آخر أفا بالألف أي و لا تقل لهما أفا «وَ قُلْ لَهُمٰا قَوْلاً كَرِيماً» أي حسنا «وَ اخْفِضْ لَهُمٰا جَنٰاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » فقال تذلل لهما و لا تتجبر عليهما «وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمٰا كَمٰا رَبَّيٰانِي صَغِيراً رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمٰا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صٰالِحِينَ فَإِنَّهُ كٰانَ لِلْأَوّٰابِينَ » يعني للتوابين «غَفُوراً»
و قوله «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ » يعني قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنزلت في فاطمة عليها السّلام فجعل لها فدك و المسكين من ولد فاطمة و ابن السبيل من آل محمد
و ولد فاطمة «وَ لاٰ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً» أي لا تنفق المال في غير طاعة الله «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ » و المخاطبة للنبي و المعنى للناس ثم عطف بالمخاطبة على الوالدين فقال «وَ إِمّٰا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ » يعني عن الوالدين إذا كان لك عيال أو كنت عليلا أو فقيرا «فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً» أي حسنا إذا لم تقدر على برهم و خدمتهم فارج لهم من الله الرحمة.
ص: 18
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ وَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لاَ يَرُدُّ أَحَداً عَمَّا عِنْدَهُ فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ لاٰ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلىٰ عُنُقِكَ » . إلخ» فَنَهَاهُ أَنْ يَبْخَلَ أَوْ يُسْرِفَ وَ يَقْعُدَ مَحْسُوراً مِنَ الثِّيَابِ فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْمُحْسُورُ الْعُرْيَانُ .
و قوله:
«وَ لاٰ تَقْتُلُوا أَوْلاٰدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاٰقٍ » يعني مخافة الفقر و الجوع فإن العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك فقال الله عز و جل «نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّٰاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كٰانَ خِطْأً كَبِيراً» و قوله:«وَ لاٰ تَقْرَبُوا الزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ سٰاءَ سَبِيلاً» فإنه محكم
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ تَقْرَبُوا الزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً » يَقُولُ مَعْصِيَةً وَ مَقْتاً فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُهُ وَ يُبْغِضُهُ . قوله «وَ سٰاءَ سَبِيلاً» و هو أشد النار عذابا و الزنا من أكبر الكبائر، و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ لاٰ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً» أي سلطانا على القاتل «فَلاٰ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً» يعني ينصر ولد المقتول على القاتل
و قوله:«وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » يعني بالمعروف و لا يسرف و قوله:«وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ» يعني إذا عاهدت إنسانا فأوف له «إِنَّ الْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلاً» يعني يوم القيامة
و قوله:«وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذٰا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطٰاسِ الْمُسْتَقِيمِ » أي بالسواء
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :
الْقِسْطَاسُ الْمُسْتَقِيمُ فَهُوَ الْمِيزَانُ الَّذِي لَهُ لِسَانٌ .
و قوله:«وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » قال لا ترم أحدا بما ليس لك به علم
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ بَهَتَ مُؤْمِناً أَوْ مُؤْمِنَةً أُقِيمَ فِي طِينَةِ خَبَالٍ أَوْ يَخْرُجُ مِمَّا قَالَ .، و قال علي بن إبراهيم في قوله:
«وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » أي لا تقل «إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً» قال يسأل السمع عما سمع و البصر عما نظر و الفؤاد عما اعتقد عليه.
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 19
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لاَ يَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ عُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ وَ جَسَدِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ وَ مَالِكَ مِنْ أَيْنَ كَسَبْتَهُ وَ أَيْنَ وَضَعْتَهُ وَ عَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ .
و قوله «وَ لاٰ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» أي بطرا أو فرحا «إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ » أي لم تبلغها كلها «وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبٰالَ طُولاً»
أي لا تقدر أن تبلغ قلل الجبال
و قوله:«ذٰلِكَ مِمّٰا أَوْحىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ »
يعني القرآن و ما فيه من الأنباء ثم قال:«وَ لاٰ تَجْعَلْ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ فَتُلْقىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً» فالمخاطبة للنبي و المعنى للناس
و قوله «أَ فَأَصْفٰاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلاٰئِكَةِ إِنٰاثاً» هو رد على قريش فيما قالوا إن الملائكة هن بنات الله
و قوله «وَ مٰا يَزِيدُهُمْ إِلاّٰ نُفُوراً» قال إذا سمعوا القرآن ينفروا عنه و يكذبوه ثم احتج عز و جل على الكفار الذين يعبدون الأوثان فقال «قُلْ » لهم يا محمد «لَوْ كٰانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمٰا يَقُولُونَ إِذاً لاَبْتَغَوْا إِلىٰ ذِي اَلْعَرْشِ سَبِيلاً» قال لو كانت الأصنام آلهة كما يزعمون لصعدوا إلى العرش ثم قال الله لذلك «سُبْحٰانَهُ وَ تَعٰالىٰ عَمّٰا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً»
و قوله:«وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » فحركة كل شيء تسبيح الله عز و جل
و قوله:«وَ إِذٰا قَرَأْتَ اَلْقُرْآنَ جَعَلْنٰا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجٰاباً مَسْتُوراً» يعني يحجب الله عنك الشياطين «وَ جَعَلْنٰا عَلىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً » أي غشاوة «أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذٰانِهِمْ وَقْراً» أي صمما و قوله:
«وَ إِذٰا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي اَلْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ نُفُوراً»
قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
إِذَا تَهَجَّدَ بِالْقُرْآنِ تَسْمَعُ لَهُ قُرَيْشٌ بِحُسْنِ صَوْتِهِ وَ كَانَ إِذَا قَرَأَ «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ » فَرُّوا عَنْهُ .
ص: 20
«قُلْ كُونُوا حِجٰارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمّٰا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنٰا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ » و النغض تحريك الرأس «وَ يَقُولُونَ مَتىٰ هُوَ قُلْ عَسىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيباً»
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :
الْخَلْقُ الَّذِي يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ الْمَوْتُ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ قُلْ لِعِبٰادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ اَلشَّيْطٰانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ » أي يدخل بينهم يحثهم على المعاصي و قوله:«رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ » إلى قوله «زَبُوراً» فهو محكم قوله «وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّٰ نَحْنُ مُهْلِكُوهٰا» أي أهلها «قَبْلَ يَوْمِ الْقِيٰامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهٰا عَذٰاباً شَدِيداً» يعني بالخسف و الموت و الهلاك «كٰانَ ذٰلِكَ فِي الْكِتٰابِ مَسْطُوراً» أي مكتوبا
و قوله:
«وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ إِلاّٰ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ » نزلت في قريش
«وَ آتَيْنٰا ثَمُودَ النّٰاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهٰا وَ مٰا نُرْسِلُ بِالْآيٰاتِ إِلاّٰ تَخْوِيفاً» فعطف على قوله «وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ » .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ » وَ ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَأَلَهُ قَوْمَهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ
قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ «وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ » إِلَى قَوْمِكَ «إِلاّٰ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ » وَ كُنَّا إِذَا أَرْسَلْنَا إِلَى قَرْيَةٍ آيَةً فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا أَهْلَكْنَاهُمْ فَلِذَلِكَ أَخَّرْنَا عَنْ قَوْمِكَ الْآيَاتِ .، و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنٰاكَ إِلاّٰ فِتْنَةً لِلنّٰاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ »
قَالَ : نَزَلَتْ لَمَّا رَأَى النَّبِيُّ فِي نَوْمِهِ كَأَنَّ قُرُوداً تَصْعَدُ مِنْبَرَهُ فَسَاءَهُ ذَلِكَ وَ غَمَّهُ غَمّاً شَدِيداً فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنٰاكَ إِلاّٰ فِتْنَةً » لَهُمْ لِيَعْمَهُوا فِيهَا «وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ » .
كذا نزلت و هم بنو أمية ثم حكى عز و جل خبر إبليس فقال:«وَ إِذْ قُلْنٰا لِلْمَلاٰئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّٰ إِبْلِيسَ » إلى قوله «لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّٰ قَلِيلاً»
ص: 21
أي لأفسدنهم إلا قليلا فقال الله عز و جل «اِذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ
جَزٰاؤُكُمْ جَزٰاءً مَوْفُوراً» و هو محكم
«وَ اسْتَفْزِزْ» أي أخدع «مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شٰارِكْهُمْ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلاٰدِ» قَالَ مَا كَانَ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ فَهُوَ شِرْكُ اَلشَّيْطَانِ فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ الْإِمَاءَ وَ نَكَحَهُنَّ وَ وُلِدَ لَهُ فَهُوَ شِرْكُ اَلشَّيْطَانِ كَمَا تَلِدُ يَلْزَمُهُ مِنْهُ وَ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ إِذَا جَامَعَ فَيَكُونُ الْوَلَدُ مِنْ نُطْفَتِهِ وَ نُطْفَةِ الرَّجُلِ إِذَا كَانَ حَرَاماً
وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَ لَمْ يُسَمِّ شَارَكَهُ اَلشَّيْطَانُ . ثم قال:«رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ » أي السفن «فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كٰانَ بِكُمْ رَحِيماً وَ إِذٰا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّٰ إِيّٰاهُ » أي بطل من تدعون غير الله «فَلَمّٰا نَجّٰاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ كَفُوراً» ثم أرهبهم فقال:«أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جٰانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حٰاصِباً» أي عذابا و هلاكا «ثُمَّ لاٰ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تٰارَةً أُخْرىٰ » أي مرة أخرى «فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قٰاصِفاً مِنَ الرِّيحِ » أي تجيء من كل جانب «فَيُغْرِقَكُمْ بِمٰا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاٰ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنٰا بِهِ تَبِيعاً»
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«قٰاصِفاً مِنَ الرِّيحِ » قَالَ هِيَ الْعَاصِفُ . و قوله «تَبِيعاً»
يقول وكيلا و يقال كفيلا و يقال ثائرا.
قال علي بن إبراهيم ثم ذكر بني آدم فقال:«وَ لَقَدْ كَرَّمْنٰا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنٰاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنٰاهُمْ مِنَ الطَّيِّبٰاتِ وَ فَضَّلْنٰاهُمْ عَلىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنٰا تَفْضِيلاً»
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ [أَحْمَدَ] قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يُكْرِمُ رُوحَ كَافِرٍ وَ لَكِنْ يُكْرِمُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنَّمَا كَرَامَةُ النَّفْسِ وَ الدَّمِ بِالرُّوحِ وَ الرِّزْقُ الطَّيِّبُ هُوَ الْعِلْمُ .
ص: 22
سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ [سَيَّارٍ] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:«يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ » قَالَ يَجِيءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي فِرْقَةٍ وَ عَلِيٌّ فِي فِرْقَةٍ وَ الْحَسَنُ فِي فِرْقَةٍ وَ الْحُسَيْنُ فِي فِرْقَةٍ وَ كُلُّ مَنْ مَاتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ جَاءُوا مَعَهُ . و قال علي بن إبراهيم في قوله «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ » قال ذلك يوم القيامة ينادي مناد ليقم فلان و شيعته و فلان و شيعته و فلان و شيعته و علي و شيعته و قوله:«وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» قال الجلدة التي في ظهر النواة.
و أما قوله «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً»
ص: 23
لَمْ يَخْلُقْ قَبْلَهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ الْهَوَاءَ وَ الْقَلَمَ وَ النُّورَ، ثُمَّ خَلَقَهُ مِنْ أَلْوَانِ أَنْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ نُورٌ أَخْضَرُ وَ مِنْهُ اخْضَرَّتِ الْخُضْرَةُ وَ نُورٌ أَصْفَرُ مِنْهُ اصْفَرَّتِ الصُّفْرَةُ ، وَ نُورٌ أَحْمَرُ مِنْهُ احْمَرَّتِ الْحُمْرَةُ ، وَ نُورٌ أَبْيَضُ وَ هُوَ نُورُ الْأَنْوَارِ، وَ مِنْهُ ضَوْءُ النَّهَارِ ثُمَّ جَعَلَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ طَبَقٍ غِلَظُ كُلِّ طَبَقٍ لأول [كَأَوَّلِ ] اَلْعَرْشِ
إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ وَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ طَبَقٌ إِلاَّ وَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهِ وَ يُقَدِّسُهُ بِأَصْوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ أَلْسِنَةٍ غَيْرِ مُشْتَبِهَةٍ لَوْ أُذِنَ لِلِسَانٍ وَاحِدٍ فَأَسْمَعَ شَيْئاً مِمَّا فِي تَحْتِهِ لَهُدِمَ الْجِبَالُ وَ الْمَدَائِنُ وَ الْحُصُونُ وَ كَشْفُ الْبِحَارِ وَ لَهَلَكَ مَا دُونَهُ ، لَهُ ثَمَانِيَةُ أَرْكَانٍ يَحْمِلُ كُلَّ رُكْنٍ مِنْهَا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مَا لاَ يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلاَّ اللَّهُ «يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ لاٰ يَفْتُرُونَ »
وَ لَوْ أَحَسَّ حِسٌّ [وَ لَوْ أَحْسَرَ] شَيْ ءٌ مِمَّا فَوْقَهُ مَا قَامَ لِذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْإِحْسَاسِ الْجَبَرُوتُ وَ الْكِبْرِيَاءُ وَ الْعَظَمَةُ وَ الْقُدُسُ وَ الرَّحْمَةُ وَ الْعِلْمُ وَ لَيْسَ وَرَاءَ هَذَا مَقَالٌ لَقَدْ طَمَعَ الْحَائِرُ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ أَمَا إِنَّ فِي صُلْبِهِ وَدِيعَةً قَدْ ذُرِئَتْ لِنَارِ جَهَنَّمَ
فَيَخْرُجُونَ أَقْوَاماً مِنْ دِينِ اللَّهِ وَ سَتُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَاءِ فِرَاخٍ مِنْ أَفْرَاخِ مُحَمَّدٍ
تَنْهَضُ تِلْكَ الْفِرَاخُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ وَ تَطْلُبُ غَيْرَ مُدْرَكٍ وَ تَرَابَطَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَصْبِرُونَ وَ يُصَابِرُونَ «حَتّٰى يَحْكُمَ اللّٰهُ بَيْنَنٰا وَ هُوَ خَيْرُ الْحٰاكِمِينَ » .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَيْضاً: «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً» قَالَ نَزَلَتْ فِيمَنْ يُسَوِّفُ الْحَجَّ حَتَّى مَاتَ وَ لَمْ يَحُجَّ فَهُوَ أَعْمَى فَعَمِيَ عَنْ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ . قوله «وَ إِنْ كٰادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنٰا غَيْرَهُ » قال يعني أمير المؤمنين عليه السّلام «إِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً» أي صديقا لو أقمت غيره
ص: 24
و أما قوله:«أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ » قال: دلوكها زوالها و غسق الليل انتصافه «وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ» صلاة الغداة «إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً» قال: تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار ثم قال:«وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ » قال: صلاة الليل و قال: سبب النور في القيامة الصلاة في جوف الليل و أما قوله:«عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ زِرَاعَةَ [زُرْعَةَ ] عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ : يُلْجَمُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَرَقَ (1).
فَيَقُولُونَ : انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ يَشْفَعُ لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ ، فَيَقُولُونَ : يَا آدَمُ
اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ فَيَقُولُ : إِنَّ لِي ذَنْباً وَ خَطِيئَةً فَعَلَيْكُمْ بِنُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحاً
فَيَرُدُّهُمْ إِلَى مَنْ يَلِيهِ وَ يَرُدُّهُمْ كُلُّ نَبِيٍّ إِلَى مَنْ يَلِيهِ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى عِيسَى فَيَقُولُ :
عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ فَيَعْرِضُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ وَ يَسْأَلُونَهُ ، فَيَقُولُ : انْطَلِقُوا فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ إِلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ وَ يَسْتَقْبِلُ بَابَ الرَّحْمَةِ وَ يَخِرُّ سَاجِداً فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَقُولُ اللَّهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَ اشْفَعْ تُشَفَّعْ وَ اسْأَلْ تُعْطَ وَ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ :«عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً» .»
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَ هِشَامٍ
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَوْ قَدْ قُمْتُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَشَفَعْتُ فِي أَبِي وَ أُمِّي وَ عَمِّي وَ أَخٍ كَانَ لِي فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ (2). و قوله «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هٰذَا اَلْقُرْآنِ لاٰ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كٰانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»
ص: 25
أي معينا «وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطٰاناً نَصِيراً»
فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دُخُولَهَا أَنْزَلَ اللَّهُ قُلْ يَا مُحَمَّدُ «أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ » الْآيَةَ وَ قَوْلُهُ :«سُلْطٰاناً نَصِيراً» أَيْ مُعِيناً «وَ قُلْ جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً» فَارْتَجَّتْ مَكَّةُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :«جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً» .
و قوله:«قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلىٰ شٰاكِلَتِهِ » قال: على نيته «فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدىٰ سَبِيلاً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُوقِفَ الْمُؤْمِنُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى حِسَابَهُ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ فَيَنْظُرُ فِي صَحِيفَتِهِ ، فَأَوَّلُ مَا يَرَى سَيِّئَاتِهِ فَيَتَغَيَّرُ لِذَلِكَ لَوْنُهُ وَ تَرْتَعِشُ فَرَائِصُهُ وَ تَفْزَعُ نَفْسُهُ ، ثُمَّ يَرَى حَسَنَاتِهِ فَتَقَرُّ عَيْنُهُ وَ تُسَرُّ نَفْسُهُ وَ تَفْرَحُ رُوحُهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ فَيَشْتَدُّ فَرَحُهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِلْمَلاَئِكَةِ هَلُمُّوا الصُّحُفَ الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَالُ الَّتِي لَمْ يَعْمَلُوهَا، قَالَ : فَيَقْرَءُونَهَا ثُمَّ يَقُولُونَ وَ عِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّا لَمْ نَعْمَلْ مِنْهَا شَيْئاً، فَيَقُولُ : صَدَقْتُمْ نَوَيْتُمُوهَا فَكَتَبْنَاهَا لَكُمْ ثُمَّ يُثَابُونَ عَلَيْهَا.
و أما قوله:«وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلرُّوحِ قُلِ اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : هُوَ مَلَكٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ مَعَ اَلْأَئِمَّةِ .
وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: هُوَ مِنَ الْمَلَكُوتِ .
و أما قوله:«وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً»
فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهَا وَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَ لَمْ يُجِبْهُ بِشَيْ ءٍ وَ كَانَتْ أُخْتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 26
عَلَيَّ إِسْلاَمِي وَ لَيْسَ يَقْبَلُنِي كَمَا قَبِلَ غَيْرِي فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَتْ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَعِدَ بِكَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلاَّ أَخِي مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ وَ اَلْعَرَبِ رَدَدْتَ إِسْلاَمَهُ وَ قَبِلْتَ إِسْلاَمَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :
يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّ أَخَاكِ كَذَّبَنِي تَكْذِيباً لَمْ يُكَذِّبْنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ هُوَ الَّذِي قَالَ لِي:
«لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهٰارَ خِلاٰلَهٰا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمٰاءَ كَمٰا زَعَمْتَ عَلَيْنٰا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّٰهِ وَ الْمَلاٰئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقىٰ فِي السَّمٰاءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّٰى تُنَزِّلَ عَلَيْنٰا كِتٰاباً نَقْرَؤُهُ » قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَ لَمْ تَقُلْ إِنَّ اَلْإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ قَالَ : نَعَمْ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِسْلاَمَهُ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» يَعْنِي عَيْناً «أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ » يَعْنِي بُسْتَاناً «مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهٰارَ خِلاٰلَهٰا تَفْجِيراً» مِنْ تِلْكَ الْعُيُونِ «أَوْ تُسْقِطَ السَّمٰاءَ كَمٰا زَعَمْتَ عَلَيْنٰا كِسَفاً» وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ إِنَّهُ يَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ كِسَفاً. لقوله «وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمٰاءِ سٰاقِطاً يَقُولُوا سَحٰابٌ مَرْكُومٌ » و قوله:«أَوْ تَأْتِيَ بِاللّٰهِ وَ الْمَلاٰئِكَةِ قَبِيلاً» و القبيل أي الكثير «أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ » أي المزخرف بالذهب «أَوْ تَرْقىٰ فِي السَّمٰاءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّٰى تُنَزِّلَ عَلَيْنٰا كِتٰاباً نَقْرَؤُهُ » يقول من الله إلى عبد الله بن أبي أمية أن محمدا صادق و إني أنا بعثته و يجيء معه أربعة من الملائكة يشهدون أن الله هو كتبه فأنزل الله عز و جل «قُلْ سُبْحٰانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّٰ بَشَراً رَسُولاً» .
و قوله:«قُلْ لَوْ كٰانَ فِي الْأَرْضِ مَلاٰئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنٰا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ مَلَكاً رَسُولاً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ
ص: 27
مِنْ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَظْرَةٌ قَبْلَ السَّمَاءِ فَامْتَقَعَ لَوْنُهُ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ كَرُكْمَةٍ (1). ثُمَّ لاَذَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى حَيْثُ نَظَرَ جَبْرَئِيلُ فَإِذَا شَيْ ءٌ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ مُقْبِلاً حَتَّى كَانَ كَقَابٍ مِنَ الْأَرْضِ (2). ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ أُخْبِرُكَ أَنْ تَكُونَ مَلَكاً رَسُولاً أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ تَكُونَ عَبْداً رَسُولاً فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى جَبْرَئِيلَ وَ قَدْ رَجَعَ إِلَيْهِ لَوْنُهُ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ : بَلْ كُنْ عَبْداً رَسُولاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَلْ أَكُونُ عَبْداً رَسُولاً فَرَفَعَ الْمَلَكُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبَدِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ رَفَعَ الْأُخْرَى فَوَضَعَهَا فِي الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَفَعَ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ كُلُّ سَمَاءٍ خُطْوَةٌ وَ كُلَّمَا ارْتَفَعَ صَغُرَ حَتَّى صَارَ آخِرُ ذَلِكَ مِثْلَ الذَّرِّ [الصِّرِّ] فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
إِلَى جَبْرَئِيلَ فَقَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُكَ ذَعِراً وَ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً كَانَ أَذْعَرَ لِي مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِكَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ لاَ تَلُمْنِي أَ تَدْرِي مَنْ هَذَا قَالَ : لاَ، قَالَ : هَذَا إِسْرَافِيلُ حَاجِبُ الرَّبِّ وَ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ مَكَانِهِ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُنْحَطّاً ظَنَنْتُ أَنَّهُ جَاءَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ ، فَكَانَ الَّذِي رَأَيْتَ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِي لِذَلِكَ ، فَلَمَّا رَأَيْتَ مَا اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِهِ رَجَعَ إِلَيَّ لَوْنِي وَ نَفْسِي أَ مَا رَأَيْتَهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ صَغُرَ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ ءٌ يَدْنُو مِنَ الرَّبِّ إِلاَّ صَغُرَ لِعَظَمَتِهِ إِنَّ هَذَا حَاجِبُ الرَّبِّ وَ أَقْرَبُ خَلْقِ اللَّهِ مِنْهُ وَ اللَّوْحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فَإِذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِالْوَحْيِ ضَرَبَ اللَّوْحُ جَبِينَهُ فَنَظَرَ فِيهِ ثُمَّ يُلْقِيهِ إِلَيْنَا فَنَسْعَى بِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَأَدْنَى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْهُ وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ سَبْعُونَ حِجَاباً مِنْ نُورٍ تُقْطَعُ دُونَهَا الْأَبْصَارُ مَا لاَ يُعَدُّ وَ لاَ يُوصَفُ وَ إِنِّي لَأَقْرَبُ الْخَلْقِ مِنْهُ وَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ مَسِيرَةُ أَلْفِ عَامٍ . و قوله:«وَ مٰا مَنَعَ النّٰاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جٰاءَهُمُ الْهُدىٰ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا أَ بَعَثَ اللّٰهُ بَشَراً رَسُولاً» قال
ص: 28
قال الكفار: لم لم يبعث الله إلينا الملائكة فقال الله عز و جل: و لو بعثنا إليهم ملكا لما آمنوا و لهلكوا و لو كانت الملائكة في الأرض «يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنٰا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ مَلَكاً رَسُولاً»
و قوله:«وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ عَلىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا» قال: على جباههم «مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمٰا خَبَتْ زِدْنٰاهُمْ سَعِيراً» أي كلما انطفت
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ
قَالَ : إِنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِياً يُقَالُ لَهُ سَعِيرٌ إِذَا خَبَتْ جَهَنَّمُ فُتِحَ سَعِيرُهَا وَ هُوَ قَوْلُهُ :«كُلَّمٰا خَبَتْ زِدْنٰاهُمْ سَعِيراً» . أي كلما انطفت
و قوله:«قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزٰائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفٰاقِ وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ قَتُوراً» قال: لو كانت الأموال بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة النفاد «وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ قَتُوراً» أي بخيلا
و أما قوله:«وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسىٰ تِسْعَ آيٰاتٍ بَيِّنٰاتٍ » فقال:
الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الحجر و العصا و يده و البحر
و قوله يحكي قول موسى «وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يٰا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً» أي هالكا تدعو بالثبور
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ: فِي قَوْلِهِ :«فَأَرٰادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ » أَيْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ قَدْ عَلِمَ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ مَا أَنْزَلَ تِلْكَ الْآيَاتِ إِلاَّ اللَّهُ . و أما قوله:«فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنٰا بِكُمْ لَفِيفاً» يقول جميعا و في رواية علي بن إبراهيم «فَأَرٰادَ»
يعني فرعون «أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ » أي يخرجهم من مصر «فَأَغْرَقْنٰاهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً وَ قُلْنٰا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرٰائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنٰا بِكُمْ لَفِيفاً» أي من كل ناحية
ص: 29
و هم قوم من أهل الكتاب آمنوا بالله
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلصَّبَّاحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ لاٰ تَجْهَرْ بِصَلاٰتِكَ وَ لاٰ تُخٰافِتْ بِهٰا» قَالَ :
الْجَهْرُ بِهَا رَفْعُ الصَّوْتِ وَ التَّخَافُتُ مَا لَمْ تَسْمَعْ بِأُذُنِكَ وَ اقْرَأْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ .
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلصَّبَّاحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ لاٰ تَجْهَرْ بِصَلاٰتِكَ وَ لاٰ تُخٰافِتْ بِهٰا» قَالَ : رَفْعُ الصَّوْتِ عَالِياً وَ تَخَافُتُهُ مَا لَمْ تَسْمَعْ نَفْسُكَ ، قَالَ قُلْتُ لَهُ : رَجُلٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَرْحَةٌ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهَا قَالَ : يَسْجُدُ مَا بَيْنَ طَرَفِ شَعْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ سَجَدَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى ذَقَنِهِ قُلْتُ : عَلَى ذَقَنِهِ قَالَ : نَعَمْ أَ مَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ سُجَّداً» .»
وَ رُوِيَ أَيْضاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :
«وَ لاٰ تَجْهَرْ بِصَلاٰتِكَ وَ لاٰ تُخٰافِتْ بِهٰا» قَالَ : الْإِجْهَارُ أَنْ تَرْفَعَ صَوْتَكَ تُسْمِعُهُ مَنْ بَعُدَ عَنْكَ وَ الْإِخْفَاتُ أَنْ لاَ تُسْمِعَ مَنْ مَعَكَ إِلاَّ يَسِيراً.
ثُمَّ قَالَ :«وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً» قَالَ : لَمْ يَذِلَّ فَيَحْتَاجَ إِلَى وَلِيٍّ فَيَنْصُرَهُ .
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلىٰ عَبْدِهِ اَلْكِتٰابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً» قال: هذا مقدم و مؤخر لأن معناه الذي أنزل على عبده الكتاب
قيما و لم يجعل له عوجا، فقد قدم حرف على حرف «لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ » يعني يخوف و يحذرهم عذاب الله عز و جل «وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّٰالِحٰاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مٰاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً» يعني في الجنة «وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قٰالُوا اتَّخَذَ اللّٰهُ وَلَداً مٰا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ » ما قالت قريش حين زعموا أن الملائكة بنات
ص: 30
الله و ما قالت اليهود و النصارى في قولهم «عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ » و «اَلْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ » فرد الله عليهم فقال:«مٰا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لاٰ لِآبٰائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوٰاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّٰ كَذِباً» ثم قال:«فَلَعَلَّكَ » يا محمد «بٰاخِعٌ نَفْسَكَ عَلىٰ آثٰارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً»
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَلَعَلَّكَ بٰاخِعٌ نَفْسَكَ » يَقُولُ قَاتِلٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ وَ أَمَّا أَسَفاً يَقُولُ حُزْناً. و قال علي بن إبراهيم في قوله:«إِنّٰا جَعَلْنٰا مٰا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهٰا» يعني الشجر و النبات و كلما خلقه الله في الأرض «لِنَبْلُوَهُمْ » أي نختبرهم «أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ إِنّٰا لَجٰاعِلُونَ مٰا عَلَيْهٰا صَعِيداً جُرُزاً» يعني خرابا
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «صَعِيداً جُرُزاً» أَيْ لاَ نَبَاتَ فِيهَا.
و قوله:«أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحٰابَ الْكَهْفِ وَ اَلرَّقِيمِ كٰانُوا مِنْ آيٰاتِنٰا عَجَباً»
يقول قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه، و هم فتية كانوا في الفترة بين عيسى ابن مريم و محمد صلّى اللّه عليه و آله، و أما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم أي مكتوب فيهما أمر الفتية و أمر إسلامهم و ما أراد منهم دقيانوس الملك و كيف كان أمرهم و حالهم
ص: 31
يَتْبَعَ الْعَالِمَ وَ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ مَنْ هُوَ وَ كَيْفَ تَبِعَهُ وَ مَا كَانَ قِصَّتُهُ مَعَهُ وَ اسْأَلُوهُ عَنْ طَائِفٍ طَافَ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَ مَطْلَعِهَا حَتَّى بَلَغَ سَدَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مَنْ هُوَ وَ كَيْفَ كَانَ قِصَّتُهُ ثُمَّ أَمْلَوْا عَلَيْهِمْ أَخْبَارَ هَذِهِ الثَّلاَثِ مَسَائِلَ وَ قَالُوا لَهُمْ إِنْ أَجَابَكُمْ بِمَا قَدْ أَمْلَيْنَا عَلَيْكُمْ فَهُوَ صَادِقٌ وَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فَلاَ تُصَدِّقُوهُ قَالُوا: فَمَا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ : سَلُوهُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ فَإِنِ ادَّعَى عِلْمَهَا فَهُوَ كَاذِبٌ فَإِنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى.
فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ وَ اجْتَمَعُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَزْعُمُ أَنَّ خَبَرَ السَّمَاءِ يَأْتِيهِ وَ نَحْنُ نَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ فَإِنْ أَجَابَنَا عَنْهَا عَلِمْنَا أَنَّهُ صَادِقٌ وَ إِنْ لَمْ يُجِبْنَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَاذِبٌ ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : سَلُوهُ عَمَّا بَدَا لَكُمْ فَسَأَلُوهُ عَنِ الثَّلاَثِ مَسَائِلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : غَداً أُخْبِرُكُمْ وَ لَمْ يَسْتَثْنِ (1)
فَاحْتُبِسَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً حَتَّى اغْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ شَكَّ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَ فَرِحَتْ قُرَيْشٌ وَ اسْتَهْزَءُوا وَ آذَوُا وَ حَزِنَ أَبُو طَالِبٍ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً نَزَلَ عَلَيْهِ بِسُورَةِ الْكَهْفِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا جَبْرَئِيلُ لَقَدْ أَبْطَأْتَ فَقَالَ : إِنَّا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَنْزِلَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَأَنْزَلَ «أَمْ حَسِبْتَ » يَا مُحَمَّدُ
ص: 32
طَرِيقِهِمْ فَدَعُوهُ إِلَى أَمْرِهِمْ فَلَمْ يُجِبْهُمْ وَ كَانَ مَعَ الرَّاعِي كَلْبٌ فَأَجَابَهُمُ الْكَلْبُ وَ خَرَجَ مَعَهُمْ فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَلاَ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ ، حِمَارُ بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَاءَ وَ ذِئْبُ يُوسُفَ وَ كَلْبُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، فَخَرَجَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ مِنَ الْمَدِينَةِ بِحِيلَةِ الصَّيْدِ هَرَباً مِنْ دِينِ ذَلِكَ الْمَلِكِ ، فَلَمَّا أَمْسَوْا دَخَلُوا ذَلِكَ الْكَهْفَ وَ الْكَلْبَ مَعَهُمْ فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النُّعَاسَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «فَضَرَبْنٰا عَلَى آذٰانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً» ، فَنَامُوا حَتَّى أَهْلَكَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَلِكَ وَ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ وَ ذَهَبَ ذَلِكَ الزَّمَانُ وَ جَاءَ زَمَانٌ آخَرُ وَ قَوْمٌ آخَرُونَ ثُمَّ انْتَبَهُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : كَمْ نَمْنَا هَاهُنَا فَنَظَرُوا إِلَى الشَّمْسِ قَدِ ارْتَفَعَتْ فَقَالُوا: نَمْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ثُمَّ قَالُوا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ خُذْ هَذَا الْوَرِقَ وَ ادْخُلِ الْمَدِينَةَ مُتَنَكِّراً لاَ يَعْرِفُوكَ فَاشْتَرِ لَنَا طَعَاماً فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِنَا وَ عَرَفُونَا يَقْتُلُونَا أَوْ يَرُدُّونَا فِي دِينِهِمْ ، فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَرَأَى مَدِينَةً بِخِلاَفِ الَّذِي عَهِدَهَا وَ رَأَى قَوْماً بِخِلاَفِ أُولَئِكَ لَمْ يَعْرِفْهُمْ وَ لَمْ يَعْرِفُوا لُغَتَهُ وَ لَمْ يَعْرِفْ لُغَتَهُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : مَنْ أَنْتَ وَ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ فَأَخْبَرَهُمْ فَخَرَجَ مَلِكُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَ الرَّجُلُ مَعَهُمْ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى بَابِ الْكَهْفِ وَ أَقْبَلُوا يَتَطَلَّعُونَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هَؤُلاَءِ ثَلاَثَةٌ وَ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : خَمْسَةٌ وَ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : هُمْ سَبْعَةٌ وَ ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ حَجَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِحِجَابٍ مِنَ الرُّعْبِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُقَدَّمُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ غَيْرُ صَاحِبِهِمْ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ إِلَيْهِمْ وَجَدَهُمْ خَائِفِينَ أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ دَقْيَانُوسَ شَعَرُوا بِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ صَاحِبُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا نَائِمِينَ هَذَا الزَّمَنَ الطَّوِيلَ وَ أَنَّهُمْ آيَةٌ لِلنَّاسِ فَبَكَوْا وَ سَأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيدَهُمْ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ نَائِمِينَ كَمَا كَانُوا ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ يَنْبَغِي أَنْ نَبْنِيَ هَاهُنَا مَسْجِداً وَ نَزُورَهُ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ ، فَلَهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَقْلَتَانِ يَنَامُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى جُنُوبِهِمُ الْيُمْنَى وَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى جُنُوبِهِمُ الْيُسْرَى وَ الْكَلْبُ مَعَهُمْ قَدْ بَسَطَ ذِرَاعَيْهِ بِفِنَاءِ الْكَهْفِ .
ص: 33
و هم الذين ذهبوا إلى باب الكهف
قوله:«سَبْعَةٌ وَ ثٰامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ » فقال الله لنبيه،«قُلْ » لهم «رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مٰا يَعْلَمُهُمْ إِلاّٰ قَلِيلٌ » ثم انقطع خبرهم فقال:
«فَلاٰ تُمٰارِ فِيهِمْ إِلاّٰ مِرٰاءً ظٰاهِراً وَ لاٰ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ لاٰ تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ » أخبره أنه إنما حبس الوحي عنه أربعين صباحا لأنه قال لقريش غدا أخبركم بجواب مسائلكم و لم يستثن فقال الله:«وَ لاٰ تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ » إلى قوله «رَشَداً» ثم عطف على الخبر الأول الذي حكى عنهم أنهم يقولون ثلاثة رابعهم كلبهم فقال «وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاٰثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً» و هو حكاية عنهم و لفظه خبر و الدليل على أنه حكاية عنهم قوله:«قُلِ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلٰهاً لَقَدْ قُلْنٰا إِذاً شَطَطاً» يَعْنِي جَوْراً عَلَى اللَّهِ إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَهُ شَرِيكاً. و قوله «لَوْ لاٰ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطٰانٍ بَيِّنٍ » يعني بحجة بينة أن معه شريكا و قوله:«وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقٰاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ» يقول ترى أعينهم مفتوحة و هم رقود يعني نيام «وَ نُقَلِّبُهُمْ ذٰاتَ الْيَمِينِ وَ ذٰاتَ الشِّمٰالِ » في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الأرض و قوله:«فَلْيَنْظُرْ أَيُّهٰا أَزْكىٰ طَعٰاماً» يقول أيها أطيب طعاما «فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ » إلى قوله «وَ كَذٰلِكَ أَعْثَرْنٰا عَلَيْهِمْ » يعني اطلعنا على الفتية «لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ » في البعث و «اَلسّٰاعَةَ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا» يعني لا شك فيها بأنها كائنة و قوله «رَجْماً» يعني ظنا «بِالْغَيْبِ »
ما يستفتونهم و قوله «فَلاٰ تُمٰارِ فِيهِمْ إِلاّٰ مِرٰاءً ظٰاهِراً» يقول حسبك ما قصصنا عليك من أمرهم «وَ لاٰ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً» يقول لا تسأل عن أصحاب الكهف
أحدا من أهل الكتاب
ص: 34
الْفَارِسِيِّ كَانَ عَلَيْهِ كِسَاءٌ فِيهِ يَكُونُ طَعَامُهُ وَ هُوَ دِثَارُهُ وَ رِدَاؤُهُ وَ كَانَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ فَدَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلْمَانُ عِنْدَهُ ، فَتَأَذَّى عُيَيْنَةُ بِرِيحِ كِسَاءِ سَلْمَانَ وَ قَدْ كَانَ عَرِقَ فِيهِ وَ كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْحَرِّ فَعَرِقَ فِي الْكِسَاءِ، فَقَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا نَحْنُ دَخَلْنَا عَلَيْكَ فَأَخْرِجْ هَذَا وَ اصْرِفْهُ مِنْ عِنْدِكَ فَإِذَا نَحْنُ خَرَجْنَا فَأَدْخِلْ مَنْ شِئْتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ لاٰ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا» وَ هُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ . و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شٰاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شٰاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلظّٰالِمِينَ نٰاراً أَحٰاطَ بِهِمْ سُرٰادِقُهٰا»
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ هَكَذَا «وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ »
يَعْنِي وَلاَيَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «فَمَنْ شٰاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شٰاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلظّٰالِمِينَ » آلَ مُحَمَّدِ
«نٰاراً أَحٰاطَ بِهِمْ سُرٰادِقُهٰا وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغٰاثُوا بِمٰاءٍ كَالْمُهْلِ » قَالَ الْمُهْلُ الَّذِي يَبْقَى فِي أَصْلِ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ . «يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرٰابُ وَ سٰاءَتْ مُرْتَفَقاً» ثم ذكر ما أعد الله للمؤمنين فقال:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ » إلى قوله «وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً» و قوله «وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنٰا لِأَحَدِهِمٰا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنٰابٍ وَ حَفَفْنٰاهُمٰا بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنٰا بَيْنَهُمٰا زَرْعاً» قال: نزلت في رجل كان له بستانان كبيران عظيمان كثيرا الثمار كما حكى الله عز و جل و فيهما نخل و زرع و كان له جار فقير فافتخر الغني على ذلك الفقير و قال له «أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مٰالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ »
أي بستانه و قال «مٰا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هٰذِهِ أَبَداً وَ مٰا أَظُنُّ السّٰاعَةَ قٰائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهٰا مُنْقَلَباً» فقال له الفقير:«أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّٰاكَ رَجُلاً لٰكِنَّا هُوَ اللّٰهُ رَبِّي وَ لاٰ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً» ثم قال الفقير للغني:«وَ لَوْ لاٰ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لاٰ قُوَّةَ إِلاّٰ بِاللّٰهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مٰالاً وَ وَلَداً» ثم قال الفقير «فَعَسىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْهٰا حُسْبٰاناً مِنَ السَّمٰاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً» أي محترقا
ص: 35
«أَوْ يُصْبِحَ مٰاؤُهٰا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً» فوقع فيها ما قال الفقير في تلك الليلة و أصبح الغني «يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلىٰ مٰا أَنْفَقَ فِيهٰا وَ هِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا وَ يَقُولُ يٰا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ مٰا كٰانَ مُنْتَصِراً» فهذه عقوبة البغي
و قوله:«وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا كَمٰاءٍ أَنْزَلْنٰاهُ مِنَ السَّمٰاءِ» إلى قوله «وَ خَيْرٌ أَمَلاً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ آمروا [اُومُرُوا] بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يُقَرِّبَا أَجَلاً وَ لَمْ يُبَاعِدَا رِزْقاً فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ كَقَطْرِ الْمَطَرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قَدَّرَ اللَّهُ لَهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ وَ إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ وَ رَأَى عِنْدَ أَخِيهِ عَفْوَةً (1). فَلاَ يَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً فَإِنَّ الْمَرْءَ اَلْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ وَ يَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ وَ يُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ كَالْيَاسِرِ الْفَالِجِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزٍ مِنْ قِدَاحِهِ يُوجِبُ لَهُ بِهَا الْمَغْنَمَ وَ يُدْفَعُ عَنْهُ الْمَغْرَمُ كَذَلِكَ الْمَرْءُ اَلْمُسْلِمُ
الْبَرِيءُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَ الْكَذِبِ يَنْتَظِرُ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا دَاعِياً مِنَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ وَ إِمَّا رِزْقاً مِنَ اللَّهِ فَهُوَ ذُو أَهْلٍ وَ مَالٍ وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ وَ الْمَالُ وَ الْبَنُونَ وَ هُوَ حَرْثُ الدُّنْيَا وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ حَرْثُ الْآخِرَةِ وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ لِأَقْوَامٍ .
و قوله:«وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبٰالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بٰارِزَةً وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً»
فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ «وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً» فَقَالَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا قُلْتُ يَقُولُونَ إِنَّهَا فِي الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَحْشُرُ اللَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً وَ يَذَرُ الْبَاقِينَ إِنَّمَا ذَلِكَ فِي اَلرَّجْعَةِ فَأَمَّا آيَةُ الْقِيَامَةِ فَهَذِهِ «وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ عُرِضُوا عَلىٰ رَبِّكَ صَفًّا» إِلَى قَوْلِهِ «مَوْعِداً» .
ص: 36
فهو محكم قال «وَ وُضِعَ الْكِتٰابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ » إلى قوله «وَ لاٰ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» قال يجدون كلما عملوا مكتوبا و قوله «وَ مٰا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً»
أي ناصرا و قوله «وَ جَعَلْنٰا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً» أي سترا و قوله «وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ اَلنّٰارَ
فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوٰاقِعُوهٰا» أي علموا فهذا ظن يقين و قوله «وَ مٰا مَنَعَ النّٰاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جٰاءَهُمُ الْهُدىٰ » إلى قوله «وَ يُجٰادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبٰاطِلِ » أي يخاصمون بالباطل «لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ » أي يدفعوه «وَ اتَّخَذُوا آيٰاتِي» إلى قوله «لَوْ يُؤٰاخِذُهُمْ بِمٰا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذٰابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ» فهو محكم و قوله «لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً» أي ملجأ «وَ تِلْكَ الْقُرىٰ » أي أهل القرى «أَهْلَكْنٰاهُمْ لَمّٰا ظَلَمُوا وَ جَعَلْنٰا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً» أي يوم القيامة يدخلون النار
فَلَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُرَيْشاً بِخَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ قَالُوا أَخْبِرْنَا عَنِ الْعَالِمِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ
أَنْ يَتَّبِعَهُ وَ مَا قِصَّتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِفَتٰاهُ لاٰ أَبْرَحُ حَتّٰى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً» قَالَ وَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا «كَلَّمَ اللّٰهُ مُوسىٰ
تَكْلِيماً» وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلْأَلْوَاحَ وَ فِيهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَ كَتَبْنٰا لَهُ فِي اَلْأَلْوٰاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْ ءٍ» رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلتَّوْرَاةَ وَ كَلَّمَهُ قَالَ فِي نَفْسِهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَعْلَمَ مِنِّي فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ أَنْ أَدْرِكْ مُوسَى فَقَدْ هَلَكَ وَ أَعْلِمْهُ أَنَّ عِنْدَ مُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ رَجُلاً أَعْلَمَ مِنْكَ فَصِرْ إِلَيْهِ وَ تَعَلَّمْ مِنْ عِلْمِهِ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 37
مُوسَى وَ يُوشَعُ مَعَهُ حَتَّى عشيا [عَيِيَا] فَقَالَ مُوسَى لِوَصِيِّهِ «آتِنٰا غَدٰاءَنٰا لَقَدْ لَقِينٰا مِنْ سَفَرِنٰا هٰذٰا نَصَباً» أَيْ عَنَاءً فَذَكَرَ وَصِيُّهُ السَّمَكَ فَقَالَ لِمُوسَى إِنِّي «نَسِيتُ الْحُوتَ »
عَلَى الصَّخْرَةِ فَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْنَاهُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ هُوَ الَّذِي نُرِيدُهُ فَرَجَعَا «عَلىٰ آثٰارِهِمٰا قَصَصاً» أَيْ عِنْدَ الرَّجُلِ وَ هُوَ فِي صَلاَتِهِ فَقَعَدَ مُوسَى حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا.
فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ : اخْتَلَفَ يُونُسُ وَ هِشَامُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالِمِ الَّذِي أَتَاهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَيُّهُمَا كَانَ أَعْلَمَ وَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوسَى حُجَّةً فِي وَقْتِهِ وَ هُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ فَقَالَ قَاسِمٌ الصَّيْقَلُ : فَكَتَبُوا ذَلِكَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ فِي الْجَوَابِ : أَتَى مُوسَى الْعَالِمَ فَأَصَابَهُ وَ هُوَ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ إِمَّا جَالِساً وَ إِمَّا مُتَّكِئاً فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى
فَأَنْكَرَ السَّلاَمَ إِذْ كَانَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا سَلاَمٌ قَالَ : مَنْ أَنْتَ قَالَ : أَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ، قَالَ : أَنْتَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيماً قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ :
فَمَا حَاجَتُكَ قَالَ : جِئْتُ «أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّٰا عُلِّمْتَ رُشْداً» قَالَ : إِنِّي وُكِّلْتُ بِأَمْرٍ لاَ تُطِيقُهُ وَ وُكِّلْتَ أَنْتَ بِأَمْرٍ لاَ أُطِيقُهُ ، ثُمَّ حَدَّثَهُ الْعَالِمُ بِمَا يُصِيبُ آلَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْبَلاَءِ وَ كَيْدِ الْأَعْدَاءِ حَتَّى اشْتَدَّ بُكَاؤُهُمَا ثُمَّ حَدَّثَهُ الْعَالِمُ عَنْ فَضْلِ آلِ مُحَمَّدٍ حَتَّى جَعَلَ مُوسَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ حَتَّى ذَكَرَ فُلاَناً وَ فُلاَناً وَ فُلاَناً وَ مَبْعَثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى قَوْمِهِ وَ مَا يَلْقَى مِنْهُمْ وَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَ ذَكَرَ لَهُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ «وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصٰارَهُمْ كَمٰا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ » حِينَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ مُوسَى «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّٰا عُلِّمْتَ رُشْداً» فَقَالَ اَلْخَضِرُ:«إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلىٰ مٰا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً»
فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ :«سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ صٰابِراً وَ لاٰ أَعْصِي لَكَ أَمْراً قٰالَ »
ص: 38
لاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ أَفْعَلُهُ وَ لاَ تُنْكِرْهُ عَلَيَّ حَتَّى أَنَا أُخْبِرُكَ بِخَبَرِهِ قَالَ : نَعَمْ ، فَمَرُّوا ثَلاَثَتُهُمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَ قَدْ شُحِنَتْ سَفِينَةٌ وَ هِيَ تُرِيدُ أَنْ تَعْبُرَ فَقَالَ لأرباب [أَرْبَابُ ] السَّفِينَةِ : تحملوا [نَحْمِلُ ] هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ نَفَرٍ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ ، فَحَمَلُوهُمْ فَلَمَّا جَنَحَتِ السَّفِينَةُ فِي الْبَحْرِ قَامَ اَلْخَضِرُ إِلَى جَوَانِبِ السَّفِينَةِ فَكَسَرَهَا وَ أَحْشَاهَا بِالْخِرَقِ وَ الطِّينِ ، فَغَضِبَ مُوسَى غَضَباً شَدِيداً وَ قَالَ لِلْخَضِرِ:«أَ خَرَقْتَهٰا لِتُغْرِقَ أَهْلَهٰا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» فَقَالَ لَهُ اَلْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :«أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قٰالَ » مُوسَى:«لاٰ تُؤٰاخِذْنِي بِمٰا نَسِيتُ وَ لاٰ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً»
فَخَرَجُوا مِنَ السَّفِينَةِ فَمَرُّوا فَنَظَرَ اَلْخَضِرُ إِلَى غُلاَمٍ يَلْعَبُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ حَسَنِ الْوَجْهِ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ فِي أُذُنَيْهِ دُرَّتَانِ ، فَتَأَمَّلَهُ اَلْخَضِرُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَقَتَلَهُ ، فَوَثَبَ مُوسَى
عَلَى اَلْخَضِرِ وَ جَلَدَ بِهِ الْأَرْضَ فَقَالَ :«أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً» فَقَالَ اَلْخَضِرُ:«أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» قَالَ مُوسَى:«إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَهٰا فَلاٰ تُصٰاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقٰا حَتّٰى إِذٰا أَتَيٰا أَهْلَ قَرْيَةٍ » بِالْعَشِيِّ تُسَمَّى اَلنَّاصِرَةَ وَ إِلَيْهَا يَنْتَسِبُ اَلنَّصَارَى
ص: 39
«فَخَشِينٰا أَنْ يُرْهِقَهُمٰا طُغْيٰاناً وَ كُفْراً فَأَرَدْنٰا أَنْ يُبْدِلَهُمٰا رَبُّهُمٰا خَيْراً مِنْهُ زَكٰاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً» فَأَبْدَلَ اللَّهُ لِوَالِدَيْهِ بِنْتاً وَ وَلَدَتْ سَبْعِينَ نَبِيّاً،«وَ أَمَّا الْجِدٰارُ» الَّذِي أَقَمْتُهُ «فَكٰانَ لِغُلاٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كٰانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمٰا وَ كٰانَ أَبُوهُمٰا صٰالِحاً فَأَرٰادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغٰا أَشُدَّهُمٰا» إِلَى قَوْلِهِ «ذٰلِكَ تَأْوِيلُ مٰا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» .
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
أَنَّهُ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ الْكَنْزُ لَوْحاً مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ بِسْمِ اللَّهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَ اَلْأَئِمَّةُ حُجَجُ اللَّهِ عَجَبٌ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ كَيْفَ يَفْرَحُ ، عَجَبٌ لِمَنْ يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَفْرَقُ (1) ، عَجَبٌ لِمَنْ يَذْكُرُ اَلنَّارَ كَيْفَ يَضْحَكُ ، عَجَبٌ لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَ تَصَرُّفَ أَهْلِهَا حَالاً بَعْدَ حَالٍ كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
فِي قَوْلِهِ :«وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِفَتٰاهُ » وَ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ قَوْلُهُ :«لاٰ أَبْرَحُ » يَقُولُ لاَ أَزَالُ «حَتّٰى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً» قَالَ الْحُقُبُ ثَمَانُونَ سَنَةً . و قوله:«لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» هو النكر و كان موسى ينكر الظلم فأعظم ما رأى.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فَلَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِخَبَرِ مُوسَى وَ فَتَاهُ وَ اَلْخَضِرِ قَالُوا فَأَخْبِرْنَا عَنْ طَائِفٍ طَافَ الْمَشْرِقَ وَ الْمَغْرِبَ مَنْ هُوَ وَ مَا قِصَّتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنّٰا مَكَّنّٰا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْنٰاهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً» أَيْ دَلِيلاً «فَأَتْبَعَ سَبَباً» .
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ [ابْنِ ] أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ :«يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ
قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً» قَالَ إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَلَّكَهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا مِنْ حَيْثُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ إِلَى حَيْثُ تَغْرُبُ فَهُوَ قَوْلُهُ «حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهٰا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ »
ص: 40
إِلَى قَوْلِهِ «عَذٰاباً نُكْراً» قَالَ فِي اَلنَّارِ فَجَعَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بَيْنَهُمْ بَاباً مِنْ نُحَاسٍ وَ حَدِيدٍ وَ زِفْتٍ (1). وَ قَطِرَانٍ (2). فَحَالَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْخُرُوجِ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ حَتَّى يُولَدَ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ أَلْفُ وَلَدٍ ذَكَرٍ ثُمَّ قَالَ هُمْ أَكْثَرُ خَلْقٍ خُلِقُوا بَعْدَ الْمَلاَئِكَةِ .
وَ سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ
نَبِيّاً كَانَ أَمْ مَلَكاً فَقَالَ : لاَ نَبِيٌّ وَ لاَ مَلَكٌ بَلْ إِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ أَحَبَّ اللَّهَ فَأَحَبَّهُ وَ نَصَحَ لِلَّهِ فَنَصَحَ لَهُ ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغِيبَ ثُمَّ بَعَثَهُ الثَّانِيَةَ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغِيبَ ثُمَّ بَعَثَهُ ثَالِثَةً فَمَكَّنَ اللَّهُ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ يَعْنِي نَفْسَهُ . «حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهٰا تَطْلُعُ عَلىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهٰا سِتْراً» قال لم يعلموا صنعة الثياب «ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً» أي دليلا «حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمٰا قَوْماً لاٰ يَكٰادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً» إلى قوله «آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ» فأمرهم أن يأتوه بالحديد فأتوا به فوضعه بين الصدفين يعني بين الجبلين حتى سوى بينهما ثم أمرهم أن يأتوا بالنار فأتوا بها فنفخوا فأشعلوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار ثم صب عليه القطر و هو الصفر حتى سده و هو قوله:«حَتّٰى إِذٰا سٰاوىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قٰالَ انْفُخُوا» إلى قوله «نَقْباً» فقال ذو القرنين:«هٰذٰا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّٰاءَ وَ كٰانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا» قال إذا كان قبل يوم القيامة
في آخر الزمان انهدم ذلك السد و خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا و أكلوا الناس و هو قوله:«حَتّٰى إِذٰا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ »
ص: 41
قَالَ : فَسَارَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ فَكَانَ إِذَا مَرَّ بِقَرْيَةٍ زَأَرَ فِيهَا كَمَا يَزْأَرُ الْأَسَدُ الْمُغْضَبُ ، فَيَنْبَعِثُ فِي الْقَرْيَةِ ظُلُمَاتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ وَ صَوَاعِقُ تُهْلِكُ مَنْ نَاوَاهُ وَ خَالَفَهُ ، فَلَمْ يَبْلُغْ مَغْرِبَ الشَّمْسِ حَتَّى دَانَ لَهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ :«إِنّٰا مَكَّنّٰا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْنٰاهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً» أَيْ دَلِيلاً.
فَقِيلَ لَهُ إِنَّ لِلَّهِ فِي أَرْضِهِ عَيْناً يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ لاَ يَشْرَبُ مِنْهَا ذُو رُوحٍ إِلاَّ لَمْ يَمُتْ حَتَّى الصَّيْحَةِ ، فَدَعَا ذُو الْقَرْنَيْنِ اَلْخَضِرَ وَ كَانَ أَفْضَلَ أَصْحَابِهِ عِنْدَهُ وَ دَعَا بِثَلاَثِمِائَةٍ وَ ثَلاَثِينَ [وَ سِتِّينَ ] رَجُلاً وَ دَفَعَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَمَكَةً وَ قَالَ لَهُمْ اذْهَبُوا إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا فَإِنَّ هُنَاكَ ثَلاَثَمِائَةٍ وَ ثَلاَثِينَ عَيْناً فَلْيَغْسِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سَمَكَتَهُ فِي عَيْنٍ غَيْرِ عَيْنِ صَاحِبِهِ ، فَذَهَبُوا يَغْسِلُونَ وَ قَعَدَ اَلْخَضِرُ يَغْسِلُ فَانْسَابَتِ السَّمَكَةُ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ وَ بَقِيَ اَلْخَضِرُ مُتَعَجِّباً مِمَّا رَأَى وَ قَالَ فِي نَفْسِهِ مَا أَقُولُ لِذِي الْقَرْنَيْنِ ثُمَّ نَزَعَ ثِيَابَهُ يَطْلُبُ السَّمَكَةَ فَشَرِبَ مِنْ مَائِهَا وَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السَّمَكَةِ فَرَجَعُوا إِلَى ذِي الْقَرْنَيْنِ فَأَمَرَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِقَبْضِ السَّمَكِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى اَلْخَضِرِ لَمْ يَجِدُوا مَعَهُ شَيْئاً، فَدَعَاهُ وَ قَالَ لَهُ : مَا حَالُ السَّمَكَةِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ لَهُ : فَصَنَعْتَ مَا ذَا قَالَ : اغْتَمَسْتُ فِيهَا فَجَعَلْتُ أَغُوصُ وَ أَطْلُبُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا، قَالَ : فَشَرِبْتَ مِنْ مَائِهَا قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ فَطَلَبَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الْعَيْنَ فَلَمْ يَجِدْهَا فَقَالَ لِلْخَضِرِ: كُنْتَ أَنْتَ صَاحِبَهَا.
ص: 42
إِلَيْهَا فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ لَهَا تَكْتُمِينَ عَلَيَّ أَمْرِي فَقَالَتْ : نَعَمْ قَالَ لَهَا:
إِنْ سَأَلَكِ أَبِي هَلْ كَانَ مِنِّي إِلَيْكِ مَا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ إِلَى النِّسَاءِ فَقُولِي نَعَمْ ، فَقَالَتْ أَفْعَلُ فَسَأَلَهَا الْمَلِكُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ نَعَمْ وَ أَشَارَ عَلَيْهِ النَّاسُ أَنْ يَأْمُرَ النِّسَاءَ أَنْ يُفَتِّشْنَهَا فَأَمَرَ بِذَلِكَ فَكَانَتْ عَلَى حَالِهَا فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ زَوَّجْتَ الْغِرَّ مِنَ الْغِرَّةِ (1) زَوِّجْهُ امْرَأَةً ثَيِّباً فَزَوَّجَهُ فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ سَأَلَهَا اَلْخَضِرُ أَنْ تَكْتُمَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ فَقَالَتْ : نَعَمْ فَلَمَّا أَنْ سَأَلَهَا الْمَلِكُ قَالَتْ لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ ابْنَكَ امْرَأَةٌ فَهَلْ تَلِدُ الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَرْأَةِ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ وَ أَمَرَ بِرَدْمِ الْبَابِ عَلَيْهِ فَرُدِمَ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ حَرَّكَتْهُ رِقَّةُ الْآبَاءِ فَأَمَرَ بِفَتْحِ الْبَابِ فَفُتِحَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فِيهِ وَ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْقُوَّةِ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ كَيْفَ يَشَاءُ ثُمَّ كَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَ شَرِبَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي مَنْ شَرِبَ مِنْهُ بَقِيَ إِلَى الصَّيْحَةِ .
ص: 43
فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَ جَعَلَ مَدِينَتَهُمْ عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَ ابْتَدَرَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي كَتَمَتْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَ الرَّجُلُ الَّذِي كَتَمَ عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَصْبَحَا الْتَقَيَا فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صَاحِبَهُ بِخَبَرِهِ فَقَالاَ مَا نَجَوْنَا إِلاَّ بِذَلِكَ فَآمَنَا بِرَبِّ اَلْخَضِرِ وَ حَسُنَ إِيمَانُهُمَا وَ تَزَوَّجَ بِهَا الرَّجُلُ وَ وَقَعَا إِلَى مَمْلَكَةِ مَلِكٍ آخَرَ وَ تَوَصَّلَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ وَ كَانَتْ تُزَيِّنُ بِنْتَ الْمَلِكِ فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشُطُهَا يَوْماً إِذْ سَقَطَ مِنْ يَدِهَا الْمَشْطُ فَقَالَتْ : لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَتْ لَهَا بِنْتُ الْمَلِكِ : مَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ فَقَالَتْ لَهَا إِنَّ لِي إِلَهاً تَجْرِي الْأُمُورُ كُلُّهَا بِحَوْلِهِ وَ قُوَّتِهِ فَقَالَتْ لَهَا بِنْتُ الْمَلِكِ أَ لَكِ إِلَهٌ غَيْرُ أَبِي قَالَتْ : نَعَمْ وَ هُوَ إِلَهُكَ وَ إِلَهُ أَبِيكَ فَدَخَلَتْ بِنْتُ الْمَلِكِ عَلَى أَبِيهَا فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا مَا سَمِعَتْ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا الْمَلِكُ فَسَأَلَهَا عَنْ خَبَرِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ لَهَا مَنْ عَلَى دِينِكَ قَالَتْ زَوْجِي وَ وُلْدِي فَدَعَاهُمَا الْمَلِكُ فَأَمَرَهُمَا بِالرُّجُوعِ عَنِ التَّوْحِيدِ فَأَبَوْا عَنْ ذَلِكَ فَدَعَا بِمِرْجَلٍ مِنْ مَاءٍ فَأَسْخَنَهُ وَ أَلْقَاهُمْ فِيهِ فَأَدْخَلَهُمْ بَيْتاً وَ هَدَمَ عَلَيْهِمُ الْبَيْتَ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَهَذِهِ الرَّائِحَةُ الَّتِي شَمِمْتَهَا مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ .
وَ عَنْهُ قَالَ : أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْماً وَ يَدُهُ عَلَى عَاتِقِ سَلْمَانَ وَ مَعَهُ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 44
مَنْ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَ أَعْمَامَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يُشْبِهُ أُمَّهُ وَ أَخْوَالَهُ فَكَيْفَ هَذَا فَقَالَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: نَعَمْ أَمَّا الرَّجُلُ إِذَا نَامَ فَإِنَّ رُوحَهُ تَخْرُجُ مِثْلَ شُعَاعِ الشَّمْسِ فَتَعَلَّقُ بِالرِّيحِ وَ الرِّيحُ بِالْهَوَى فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ جَذَبَ الْهَوَى الرِّيحَ وَ جَذَبَ الرِّيحُ الرُّوحَ فَرَجَعَتْ إِلَى الْبَدَنِ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْبِضَهَا جَذَبَ الْهَوَى الرِّيحَ وَ جَذَبَتِ الرِّيحُ الرُّوحَ فَيَقْبِضُهَا إِلَيْهِ وَ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يَنْسَى الشَّيْ ءَ ثُمَّ يَذْكُرُهُ فَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ عَلَى رَأْسِ فُؤَادِهِ حُقَّةٌ مَفْتُوحَةُ الرَّأْسِ فَإِذَا سَمِعَ الشَّيْ ءَ وَقَعَ فِيهَا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُنْسِيَهَا أَطْبَقَ عَلَيْهَا وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ فَتَحَهَا وَ هَذَا دَلِيلُ الْإِلَهِيَّةِ ، وَ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يَلِدُ لَهُ أَوْلاَدٌ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَ عُمُومَتَهُ وَ إِذَا سَبَقَتْ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ يُشْبِهُ أُمَّهُ وَ أَخْوَالَهُ فَالْتَفَتَ الرَّجُلُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ وَ خَلِيفَتُهُ فِي أُمَّتِهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً حَقّاً وَ أَنَّ الْحَسَنَ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَنَّ الْحُسَيْنَ الْقَائِمَ مِنْ بَعْدِهِ بِأَمْرِهِ وَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ وَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى وَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ وَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَ وَصِيَّ الْحَسَنِ بْنَ عَلِيٍّ الْقَائِمَ بِالْقِسْطِ الْمُنْتَظَرَ الَّذِي يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ثُمَّ قَامَ وَ خَرَجَ مِنْ بَابِ اَلْمَسْجِدِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْحَسَنِ : هَذَا أَخِي اَلْخَضِرُ.
قَالَ : فَلَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُرَيْشاً بِخَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَ خَبَرِ اَلْخَضِرِ
وَ مُوسَى وَ خَبَرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ قَالُوا قَدْ بَقِيَتْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :
مَا هِيَ قَالُوا: مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّٰاعَةِ أَيّٰانَ مُرْسٰاهٰا قُلْ إِنَّمٰا عِلْمُهٰا عِنْدَ رَبِّي...» إلخ. فهذا كان سبب نزول سورة الكهف و هذه الآية «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّٰاعَةِ أَيّٰانَ مُرْسٰاهٰا» في سورة الأعراف و كان الواجب أن تكون في هذه السورة
ص: 45
يختلطون «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنٰاهُمْ جَمْعاً وَ عَرَضْنٰا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكٰافِرِينَ عَرْضاً اَلَّذِينَ كٰانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطٰاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كٰانُوا لاٰ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً» قال: كانوا لا ينظرون إلى ما خلق الله من الآيات و السماوات و الأرض و قوله: «أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ » إلى قوله «إِنّٰا أَعْتَدْنٰا جَهَنَّمَ لِلْكٰافِرِينَ نُزُلاً» أي منزلا
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالاً اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» قَالَ : هُمُ اَلنَّصَارَى
وَ الْقِسِّيسُونَ وَ الرُّهْبَانُ وَ أَهْلُ الشُّبُهَاتِ وَ الْأَهْوَاءِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَ اَلْحَرُورِيَّةُ وَ أَهْلُ الْبِدَعِ . و قال علي بن إبراهيم نزلت في اليهود و جرت في الخوارج «أُولٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيٰاتِ رَبِّهِمْ وَ لِقٰائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فَلاٰ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَزْناً» قال:
أي حسنة «ذٰلِكَ جَزٰاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمٰا كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آيٰاتِي وَ رُسُلِي هُزُواً» يعني بالآيات الأوصياء اتخذوها هزوا ثم ذكر المؤمنين بهذه الآيات فقال «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ كٰانَتْ لَهُمْ جَنّٰاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خٰالِدِينَ فِيهٰا لاٰ يَبْغُونَ عَنْهٰا حِوَلاً» أي لا يحولون و لا يسألون التحويل عنها و أما قوله:«قُلْ لَوْ كٰانَ الْبَحْرُ مِدٰاداً لِكَلِمٰاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمٰاتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنٰا بِمِثْلِهِ مَدَداً»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [جَعْفَرٍ] أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [عُبَيْدِ اللَّهِ ] بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«خٰالِدِينَ فِيهٰا لاٰ يَبْغُونَ عَنْهٰا حِوَلاً» قَالَ : خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَ لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً قَالَ : لاَ يُرِيدُونَ بِهَا بَدَلاً قُلْتُ قَوْلُهُ «قُلْ لَوْ كٰانَ الْبَحْرُ مِدٰاداً لِكَلِمٰاتِ رَبِّي» إلخ»
قَالَ : قَدْ أُخْبِرُكَ أَنَّ كَلاَمَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ آخَرُ وَ لاَ غَايَةٌ وَ لاَ يَنْقَطِعُ أَبَداً قُلْتُ قَوْلُهُ :
ص: 46
«إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحىٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» فَهَذَا الشِّرْكُ شِرْكُ رِيَاءٍ.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ «فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ ...» إلخ» فَقَالَ : مَنْ صَلَّى مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ زَكَّى مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ صَامَ مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ حَجَّ مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلَ مُرَاءَاةٍ .
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [عَبْدِ اللَّهِ ] بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ [بْنِ حَمْزَةَ ] بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ
عَنْ أَبِيهِ وَ اَلْحُسَيْنِ [الْحَسَنِ ] بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَضَّاحٍ وَ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ جَمِيعِهِمْ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ » قَالَ : يَعْنِي فِي الْخَلْقِ أَنَّهُ مِثْلُهُمْ مَخْلُوقٌ «يُوحىٰ إِلَيَّ » إِلَى قَوْلِهِ «بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» قَالَ : لاَ يَتَّخِذْ مَعَ وَلاَيَةِ آلِ مُحَمَّدِ وَلاَيَةَ غَيْرِهِمْ وَ وَلاَيَتُهُمُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فَمَنْ أَشْرَكَ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ بِوَلاَيَتِنَا وَ كَفَرَ بِهَا وَ جَحَدَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَقَّهُ وَ وَلاَيَتَهُ قُلْتُ قَوْلُهُ :«اَلَّذِينَ كٰانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطٰاءٍ عَنْ ذِكْرِي» قَالَ : يَعْنِي بِالذِّكْرِ وَلاَيَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ قَوْلُهُ «ذِكْرِي» ، قُلْتُ قَوْلُهُ «لاٰ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً» قَالَ : كَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ إِذَا ذُكِرَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا ذِكْرَهُ لِشِدَّةِ بُغْضٍ لَهُ وَ عَدَاوَةٍ مِنْهُمْ لَهُ وَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ قُلْتُ قَوْلُهُ «أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبٰادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيٰاءَ إِنّٰا أَعْتَدْنٰا جَهَنَّمَ لِلْكٰافِرِينَ نُزُلاً» قَالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ ): يَعْنِيهِمَا وَ أَشْيَاعَهُمَا الَّذَيْنِ اتَّخَذُوهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ بِحُبِّهِمْ إِيَّاهُمَا أَنَّهُمَا يُنْجِيَانِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَ كَانُوا بِحُبِّهِمَا كَافِرِينَ قُلْتُ قَوْلُهُ «إِنّٰا أَعْتَدْنٰا جَهَنَّمَ لِلْكٰافِرِينَ نُزُلاً» أَيْ مَنْزِلاً فَهِيَ لَهُمَا وَ لِأَشْيَاعِهِمَا عَتِيدَةٌ عِنْدَ اللَّهِ ، قُلْتُ قَوْلُهُ :«نُزُلاً» قَالَ : مَأْوَى وَ مَنْزِلاً.
ص: 47
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ كهيعص»
قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ [مُحَمَّدٍ] عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [عَبْدِ اللَّهِ ]
عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : هَذِهِ «كهيعص»
أَسْمَاءُ اللَّهِ مُقَطَّعَةً وَ أَمَّا قَوْلُهُ «كهيعص» قَالَ اللَّهُ هُوَ الْكَافِي الْهَادِي الْعَالِمُ ذُو الْأَيَادِي الصَّابِرُ عَلَى الْأَعَادِي الصَّادِقُ ذُو الْأَيَادِي الْعِظَامِ وَ هُوَ قَوْلُهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّٰا» يَقُولُ ذَكَرَ رَبُّكَ زَكَرِيَّا فَرَحِمَهُ «إِذْ نٰادىٰ رَبَّهُ نِدٰاءً خَفِيًّا قٰالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي» يَقُولُ الضَّعْفُ «وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعٰائِكَ رَبِّ شَقِيًّا» يَقُولُ لَمْ يَكُنْ دُعَائِي خَائِباً عِنْدَكَ «وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوٰالِيَ مِنْ وَرٰائِي» يَقُولُ خِفْتُ الْوَرَثَةَ مِنْ بَعْدِي «وَ كٰانَتِ امْرَأَتِي عٰاقِراً» وَ لَمْ يَكُنْ لِزَكَرِيَّا يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ وَ يَرِثُهُ وَ كَانَتْ هَدَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ نُذُورُهُمْ لِلْأَحْبَارِ وَ كَانَ زَكَرِيَّا رَئِيسَ الْأَحْبَارِ وَ كَانَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا أُخْتَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ بْنِ مَاثَانَ ، وَ بَنُو مَاثَانَ إِذْ ذَاكَ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ بَنُو مُلُوكِهِمْ وَ هُمْ مِنْ وُلْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَقَالَ زَكَرِيَّا «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا يٰا زَكَرِيّٰا إِنّٰا نُبَشِّرُكَ بِغُلاٰمٍ اسْمُهُ يَحْيىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا» يَقُولُ لَمْ يُسَمَّ بِاسْمِ يَحْيَى أَحَدٌ قَبْلَهُ «قٰالَ رَبِّ أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ وَ كٰانَتِ امْرَأَتِي عٰاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا» فَهُوَ الْيَئُوسُ «قٰالَ كَذٰلِكَ قٰالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً قٰالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قٰالَ آيَتُكَ أَلاّٰ تُكَلِّمَ النّٰاسَ ثَلاٰثَ لَيٰالٍ سَوِيًّا» صَحِيحاً مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ .
وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : ثُمَّ قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَبَرَ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَقَالَ :
ص: 48
النَّخْلَةِ الْيَابِسَةِ «فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجٰاباً» قَالَ فِي مِحْرَابِهَا «فَأَرْسَلْنٰا إِلَيْهٰا رُوحَنٰا»
يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا قٰالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا» يَعْنِي إِنْ كُنْتَ مَنْ يَتَّقِي اللَّهَ «قٰالَ » لَهَا جَبْرَئِيلُ «إِنَّمٰا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاٰماً زَكِيًّا» فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ أَنْ تَحْمِلَ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَقَالَتْ «أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا» وَ لَمْ يَعْلَمْ جَبْرَئِيلُ أَيْضاً كَيْفِيَّةَ الْقُدْرَةِ فَقَالَ لَهَا «كَذٰلِكِ قٰالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّٰاسِ وَ رَحْمَةً مِنّٰا وَ كٰانَ أَمْراً مَقْضِيًّا»
قَالَ فَنَفَخَ فِي جَيْبِهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِاللَّيْلِ فَوَضَعَتْهُ بِالْغَدَاةِ وَ كَانَ حَمْلُهَا تِسْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهَا الشُّهُورَ سَاعَاتٍ ثُمَّ نَادَاهَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ » أَيْ هُزِّي النَّخْلَةَ الْيَابِسَةَ فَهَزَّتْ ، وَ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُوقٌ فَاسْتَقْبَلَهَا الْحَاكَةُ وَ كَانَتِ الْحِيَاكَةُ أَنْبَلَ صِنَاعَةٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَأَقْبَلُوا عَلَى بِغَالٍ شُهْبٍ فَقَالَتْ لَهُمْ مَرْيَمُ أَيْنَ النَّخْلَةُ الْيَابِسَةُ فَاسَتَهْزَءُوا بِهَا وَ زَجَرُوهَا فَقَالَتْ لَهُمْ جَعَلَ اللَّهُ كَسْبَكُمْ بَوْراً وَ جَعَلَكُمْ فِي النَّاسِ عَاراً ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا قَوْمٌ مِنَ التُّجَّارِ فَدَلُّوهَا عَلَى النَّخْلَةِ الْيَابِسَةِ فَقَالَتْ لَهُمْ مَرْيَمُ جَعَلَ اللَّهُ الْبَرَكَةَ فِي كَسْبِكُمْ وَ أَحْوَجَ النَّاسَ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا بَلَغَتِ النَّخْلَةَ أَخَذَهَا الْمَخَاضُ فَوَضَعَتْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ «قٰالَتْ يٰا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هٰذٰا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا» مَا ذَا أَقُولُ لِخَالِي وَ مَا ذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ
«فَنٰادٰاهٰا» عِيسَى «مِنْ تَحْتِهٰا أَلاّٰ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا» أَيْ نَهَراً «وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ » أَيْ حَرِّكِي النَّخْلَةَ «تُسٰاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا» أَيْ طَيِّباً وَ كَانَتِ النَّخْلَةُ قَدْ يَبِسَتْ مُنْذُ دَهْرٍ طَوِيلٍ ، فَمَدَّتْ يَدَهَا إِلَى النَّخْلَةِ فَأَوْرَقَتْ وَ أَثْمَرَتْ وَ سَقَطَ عَلَيْهَا الرُّطَبُ الطَّرِيُّ فَطَابَتْ نَفْسُهَا فَقَالَ لَهَا عِيسَى قَمِّطِينِي وَ سَوِّينِي ثُمَّ افْعَلِي كَذَا وَ كَذَا فَقَمَّطَتْهُ وَ سَوَّتْهُ وَ قَالَ لَهَا عِيسَى «فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمّٰا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْماً» وَ صَمْتاً كَذَا نَزَلَتْ «فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» .
ص: 49
زَكَرِيَّا فَأَقْبَلَتْ وَ هُوَ فِي صَدْرِهَا وَ أَقْبَلْنَ مُؤْمِنَاتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَبْزُقْنَ فِي وَجْهِهَا فَلَمْ تُكَلِّمْهُنَّ حَتَّى دَخَلَتْ فِي مِحْرَابِهَا فَجَاءَ إِلَيْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ وَ زَكَرِيَّا فَقَالُوا لَهَا «يٰا مَرْيَمُ
لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» أَيْ عَظِيماً مِنَ الْمَنَاهِي «يٰا أُخْتَ هٰارُونَ مٰا كٰانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ مٰا كٰانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا»
وَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : يَا أُخْتَ هَارُونَ أَنَّ هَارُونَ كَانَ رَجُلاً فَاسِقاً زَانِياً فَشَبَّهُوهَا بِهِ مِنْ أَيْنَ هَذَا الْبَلاَءُ الَّذِي جِئْتِ بِهِ وَ الْعَارُ الَّذِي أَلْزَمْتِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَشَارَتْ إِلَى عِيسَى فِي الْمَهْدِ فَقَالُوا لَهَا «كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كٰانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا» فَأَنْطَقَ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ :«إِنِّي عَبْدُ اللّٰهِ آتٰانِيَ الْكِتٰابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا» إِلَى قَوْلِهِ «ذٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ » أَيْ يُخَاصِمُونَ .
فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: فِي قَوْلِهِ «وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلاٰةِ وَ الزَّكٰاةِ » قَالَ زَكَاةُ الرُّءُوسِ لِأَنَّ كُلَّ النَّاسِ لَيْسَ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَ إِنَّمَا الْفِطْرَةُ عَلَى الْفَقِيرِ وَ الْغَنِيِّ وَ الصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صَلَوَاتُ الَّلهُ عَلَيهِ : فِي قَوْلِهِ «وَ جَعَلَنِي مُبٰارَكاً أَيْنَ مٰا كُنْتُ » قَالَ نَفَّاعاً.
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَ هُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي وَلاَّدٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ » قَالَ :
يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا صَارَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ فِي اَلْجَنَّةِ وَ أَهْلُ اَلنَّارِ فِي اَلنَّارِ
يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ وَ يَا أَهْلَ اَلنَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْتَ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ فَيَقُولُونَ لاَ فَيُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُوقَفُ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ ثُمَّ يُنَادَوْنَ جَمِيعاً أَشْرِفُوا وَ انْظُرُوا إِلَى الْمَوْتِ فَيُشْرِفُونَ ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ
خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ أَبَداً يَا أَهْلَ اَلنَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ أَبَداً. و هو قوله «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ » أي قضي على أهل الجنة بالخلود و على أهل
ص: 50
النار بالخلود فيها و
قوله «إِنّٰا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهٰا» قال كل شيء خلقه الله يرثه الله يوم القيامة ثم قص عز و جل قصة إبراهيم عليه السّلام فقال:«يٰا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مٰا لاٰ يَسْمَعُ وَ لاٰ يُبْصِرُ وَ لاٰ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً» إلى قوله «عَسىٰ أَلاّٰ أَكُونَ بِدُعٰاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ » يعني إبراهيم عليه السّلام «وَ مٰا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلاًّ جَعَلْنٰا نَبِيًّا وَ وَهَبْنٰا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنٰا» يعني لإبراهيم و إسحاق
و يعقوب من رحمتنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
«وَ جَعَلْنٰا لَهُمْ لِسٰانَ صِدْقٍ عَلِيًّا» يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . ثم ذكر موسى ثم ذكر إسماعيل عليه السّلام فقال:«وَ اذْكُرْ فِي الْكِتٰابِ إِسْمٰاعِيلَ إِنَّهُ كٰانَ صٰادِقَ الْوَعْدِ» قال: وعد وعدا فانتظر صاحبه سنة و هو إسماعيل بن حزقيل عليه السّلام.
و قوله:«وَ اذْكُرْ فِي الْكِتٰابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كٰانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَ رَفَعْنٰاهُ مَكٰاناً عَلِيًّا»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :
ص: 51
الرَّابِعَةِ وَ الْخَامِسَةِ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ رَفَعْنٰاهُ مَكٰاناً عَلِيًّا» قَالَ : وَ سُمِّيَ إِدْرِيسَ لِكَثْرَةِ دِرَاسَتِهِ الْكُتُبَ .
و قوله «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ » و هو الدني [الردي] و الدليل على ذلك قوله «أَضٰاعُوا الصَّلاٰةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوٰاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا»
ثم استثنى عز و جل فقال:«إِلاّٰ مَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً» إلى قوله «لاٰ يَسْمَعُونَ فِيهٰا» يعني في الجنة «لَغْواً إِلاّٰ سَلاٰماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهٰا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا»
قال ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة و الدليل على ذلك قوله:«بُكْرَةً وَ عَشِيًّا» فالبكرة و العشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد و إنما يكون الغدو و العشي في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين و تطلع فيها الشمس و القمر.
و قوله عز و جل يحكي قول الدهرية الذين أنكروا البعث فقال:«وَ يَقُولُ الْإِنْسٰانُ أَ إِذٰا مٰا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَ وَ لاٰ يَذْكُرُ الْإِنْسٰانُ أَنّٰا خَلَقْنٰاهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً» أي لم يكن ثم ذكره و قوله «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا كٰانَ عَلىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظّٰالِمِينَ فِيهٰا جِثِيًّا» يعني في البحار إذا تحولت نيرانا يوم القيامة
وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ » .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ [أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ] بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا» قَالَ : أَ مَا تَسْمَعُ الرَّجُلَ يَقُولُ وَرَدْنَا مَاءَ بَنِي فُلاَنٍ فَهُوَ الْوُرُودُ وَ لَمْ يَدْخُلْهُ . و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثٰاثاً وَ رِءْياً» قال: عنى به الثياب و الأكل و الشرب
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الْأَثَاثُ الْمَتَاعُ وَ أَمَّا «رِءْياً» فَالْجَمَالُ وَ الْمَنْظَرُ الْحَسَنُ . و قال علي بن إبراهيم في قوله «حَتّٰى إِذٰا رَأَوْا مٰا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذٰابَ وَ إِمَّا السّٰاعَةَ » قال العذاب القتل و الساعة الموت و قوله:
«وَ يَزِيدُ اللّٰهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً » رد على من زعم أن الإيمان لا يزيد و لا ينقص
ص: 52
وَ قَوْلُهُ :«وَ الْبٰاقِيٰاتُ الصّٰالِحٰاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوٰاباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا» قَالَ : الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ هُوَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ.
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ فَرَأَيْتُهَا قيعان [قِيعَاناً] يقق [يَقَقاً](1) وَ رَأَيْتُ فِيهَا مَلاَئِكَةً يَبْنُونَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَ لَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَ رُبَّمَا أَمْسَكُوا فَقُلْتُ لَهُمْ مَا لَكُمْ رُبَّمَا بَنَيْتُمْ وَ رُبَّمَا أَمْسَكْتُمْ فَقَالُوا: حَتَّى تَجِيئَنَا النَّفَقَةُ قُلْتُ لَهُمْ وَ مَا نَفَقَتُكُمْ فَقَالُوا قَوْلُ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ) فَإِذَا قَالَ بَنَيْنَا وَ إِذَا أَمْسَكَ أَمْسَكْنَا. و قوله «أَ لَمْ تَرَ أَنّٰا أَرْسَلْنَا الشَّيٰاطِينَ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ
تَؤُزُّهُمْ أَزًّا» قال: نزلت في مانعي الخمس و الزكاة و المعروف يبعث الله عليهم سلطانا أو شيطانا فينفق ما يجب عليه من الزكاة و الخمس في غير طاعة الله و يعذبه الله على ذلك و قوله «فَلاٰ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمٰا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا» فقال لي ما هو عندك قلت: عدد الأيام، قال: لا إن الآباء و الأمهات ليحصون ذلك و لكن عدد الأنفاس و أما قوله «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمٰنِ وَفْداً وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلىٰ جَهَنَّمَ
وِرْداً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمٰنِ وَفْداً» قَالَ : يَا عَلِيُّ إِنَّ الْوَفْدَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ رُكْبَاناً أُولَئِكَ رِجَالٌ اتَّقَوُا اللَّهَ فَأَحَبَّهُمُ اللَّهُ وَ اخْتَصَّهُمْ وَ رَضِيَ أَعْمَالَهُمْ فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ثُمَّ قَالَ :
يَا عَلِيُّ أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُمْ لَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَ بَيَاضُ وُجُوهِهِمْ كَبَيَاضِ الثَّلْجِ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بَيَاضُهَا كَبَيَاضِ اللَّبَنِ عَلَيْهِمْ نِعَالُ الذَّهَبِ شِرَاكُهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ.
ص: 53
الْأُرْجُوَانِ (1) وَ أَزِمَّتُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ فَتَطِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ مِنْ قُدَّامِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ يَزُفُّونَهُمْ زَفّاً حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِمْ إِلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ وَ عَلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ شَجَرَةٌ ، الْوَرَقَةُ مِنْهَا يَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِائَةُ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ وَ عَنْ يَمِينِ الشَّجَرَةِ عَيْنٌ مُطَهِّرَةٌ مُزَكِّيَةٌ فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا شَرْبَةً فَيُطَهِّرُ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ وَ يُسْقِطُ عَنْ أَبْشَارِهِمُ الشَّعْرَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«وَ سَقٰاهُمْ رَبُّهُمْ شَرٰاباً طَهُوراً» مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُطَهِّرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى عَيْنٍ أُخْرَى عَنْ يَسَارِ الشَّجَرَةِ فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهَا وَ هِيَ عَيْنُ الْحَيَاةِ فَلاَ يَمُوتُونَ أَبَداً ثُمَّ يُوقَفُ بِهِمْ قُدَّامَ اَلْعَرْشِ وَ قَدْ سَلِمُوا مِنَ الْآفَاتِ وَ الْأَسْقَامِ وَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ أَبَداً، قَالَ : فَيَقُولُ الْجَبَّارُ لِلْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ احْشُرُوا أَوْلِيَائِي إِلَى اَلْجَنَّةِ وَ لاَ تَقِفُوهُمْ مَعَ الْخَلاَئِقِ فَقَدْ سَبَقَ رِضَائِي عَنْهُمْ وَ وَجَبَتْ رَحْمَتِي لَهُمْ فَكَيْفَ أُرِيدُ أَنْ أُوقِفَهُمْ مَعَ أَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ فَتَسُوقُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى اَلْجَنَّةِ فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ ضَرَبُوا الْمَلاَئِكَةُ الْحَلْقَةَ ضَرْبَةً فَتَصِرُّ صَرِيراً فَيَبْلُغُ صَوْتُ صَرِيرِهَا كُلَّ حَوْرَاءَ خَلَقَهَا اللَّهُ وَ أَعَدَّهَا لِأَوْلِيَائِهِ فَيَتَبَاشَرْنَ إِذَا سَمِعْنَ صَرِيرَ الْحَلَقَةِ وَ يَقُولُ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ قَدْ جَاءَنَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَيُفْتَحُ لَهُمُ الْبَابُ فَيَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ فَيُشْرِفُ عَلَيْهِمْ أَزْوَاجُهُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَ الْآدَمِيِّينَ فَيَقُلْنَ مَرْحَباً بِكُمْ فَمَا كَانَ أَشَدَّ شَوْقَنَا إِلَيْكُمْ ، وَ يَقُولُ لَهُنَّ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ هَؤُلاَءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا عَلِيُّ هَؤُلاَءِ شِيعَتُكَ
وَ شِيعَتُنَا الْمُخْلِصُونَ [لِوَلاَيَتِكَ ] وَ أَنْتَ إِمَامُهُمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ :«يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمٰنِ وَفْداً وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً» .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
ص: 54
بْنَ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ الْقُرَشِيَّ ثُمَّ السَّهْمِيَّ وَ هُوَ أَحَدُ الْمُسْتَهْزِءِينَ وَ كَانَ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ عَلَى اَلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ حَقٌّ فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لَهُ اَلْعَاصُ : أَ لَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ فِي اَلْجَنَّةِ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ الْحَرِيرَ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَوْعِدُ مَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ اَلْجَنَّةُ فَوَ اللَّهِ لَأُوتَيَنَّ فِيهَا خَيْراً مِمَّا أُوتِيتُ فِي الدُّنْيَا «كَلاّٰ سَيَكْفُرُونَ بِعِبٰادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» الضِّدُّ الْقَرِينُ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِهِ .
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ [عَبْدُ اللَّهِ ] بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :
«وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلاّٰ سَيَكْفُرُونَ بِعِبٰادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ يَكُونُونَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ضِدّاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ وَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ :
لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ هِيَ السُّجُودَ وَ لاَ الرُّكُوعَ وَ إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الرِّجَالِ ، مَنْ أَطَاعَ مَخْلُوقاً فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ فَقَدْ عَبَدَهُ . و قوله «أَنّٰا أَرْسَلْنَا الشَّيٰاطِينَ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا»
قال: لما طغوا فيها و في فتنتها و في طاعتهم مد لهم في طغيانهم و ضلالهم أرسل عليهم شياطين الإنس و الجن «تَؤُزُّهُمْ أَزًّا» أي تنخسهم نخسا(1) و تحضهم على طاعتهم و عبادتهم فقال الله:«فَلاٰ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمٰا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا» أي في طغيانهم و فتنهم و كفرهم.
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«لاٰ يَمْلِكُونَ الشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْداً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ
ص: 55
الْمَيِّتُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ : إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ قَالَ :«اَللّٰهُمَّ فٰاطِرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ عٰالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ » الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَ رَسُولُكَ وَ أَنَّ اَلْجَنَّةَ حَقٌّ وَ أَنَّ اَلنَّارَ حَقٌّ وَ أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَ الْحِسَابَ حَقٌّ وَ الْقَدَرَ وَ الْمِيزَانَ حَقٌّ وَ أَنَّ الدِّينَ كَمَا وَصَفْتَ وَ أَنَّ اَلْإِسْلاَمَ كَمَا شَرَعْتَ وَ أَنَّ الْقَوْلَ كَمَا حَدَّثْتَ وَ أَنَّ اَلْقُرْآنَ كَمَا أَنْزَلْتَ وَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ جَزَى اللَّهُ مُحَمَّداً خَيْرَ الْجَزَاءِ وَ حي [حَيَّا] اللَّهُ مُحَمَّداً وَ آلَهُ بِالسَّلاَمِ اللَّهُمَّ يَا عُدَّتِي عِنْدَ كُرْبَتِي وَ يَا صَاحِبِي عِنْدَ شِدَّتِي وَ يَا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي يَا إِلَهِي وَ إِلَهَ آبَائِي لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي كُنْتُ أَقْرَبَ مِنَ الشَّرِّ وَ أَبْعَدَ مِنَ الْخَيْرِ وَ أَسْرَى فِي الْفِتَنِ وَحْدِي فَآنِسْ فِي الْقَبْرِ وَحْشَتِي وَ اجْعَلْ لِي عَهْداً يَوْمَ أَلْقَاكَ مَنْشُوراً ثُمَّ يُوصِي بِحَاجَتِهِ وَ تَصْدِيقُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فِي قَوْلِهِ «لاٰ يَمْلِكُونَ الشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْداً» فَهَذَا عَهْدُ الْمَيِّتِ وَ الْوَصِيَّةُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْفَظَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَ يَتَعَلَّمَهَا وَ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عَلَّمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ : عَلَّمَنِيهَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
و قوله: «لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» أي ظلما و أما قوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا»
فَإِنَّهُ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ جَالِساً بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ قُلْ يَا عَلِيُّ «اَللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وُدّاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ :«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا» . ثم خاطب الله عز و جل نبيه فقال:«فَإِنَّمٰا يَسَّرْنٰاهُ بِلِسٰانِكَ » يعني القرآن «لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا» قال أصحاب الكلام و الخصومة ثم ذكر الفرق الهالكة فقال:«وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً» أي حسا.
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [عَبْدِ اللَّهِ ] بْنِ مُوسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
ص: 56
أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«لاٰ يَمْلِكُونَ الشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْداً» قَالَ لاَ يَشْفَعُ وَ لاَ يُشَفَّعُ لَهُمْ وَ لاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ بِوَلاَيَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ
مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ الْعَهْدُ عِنْدَ اللَّهِ قُلْتُ قَوْلُهُ «وَ قٰالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمٰنُ وَلَداً»
قَالَ : هَذَا حَيْثُ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ لِلَّهِ وَلَداً وَ إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثٌ ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى رَدّاً عَلَيْهِمْ «لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» أَيْ عَظِيماً «تَكٰادُ السَّمٰاوٰاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ » يَعْنِي مِمَّا قَالُوهُ وَ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ [رَمَوْهُ بِهِ ]«وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبٰالُ هَدًّا» مِمَّا قَالُوا «أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمٰنِ وَلَداً» فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «وَ مٰا يَنْبَغِي لِلرَّحْمٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ إِلاّٰ آتِي الرَّحْمٰنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصٰاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ فَرْداً» وَاحِداً وَاحِداً، قُلْتُ قَوْلُهُ «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا» قَالَ : وَلاَيَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هِيَ الْوُدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ ، قُلْتُ قَوْلُهُ «فَإِنَّمٰا يَسَّرْنٰاهُ بِلِسٰانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا» قَالَ إِنَّمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى أَقَامَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَماً فَبَشَّرَ بِهِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْذَرَ بِهِ اَلْكَافِرِينَ وَ هُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ «قَوْماً لُدًّا» أَيْ كُفَّاراً، قُلْتُ قَوْلُهُ «وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً» قَالَ أَهْلَكَ اللَّهُ مِنَ الْأُمَمِ مَا لاَ يُحْصُونَ لَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ «هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً» أَيْ ذِكْراً.
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ »
ص: 57
قَالاَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ [تَبَرَّمَ ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «طه» بِلُغَةِ طَيٍّ يَا مُحَمَّدُ «مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ
لِتَشْقىٰ إِلاّٰ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشىٰ » .
و قوله:«لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّرىٰ »
ص: 58
أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ عَلَى الثَّرَى، قِيلَ لَهُ فَالثَّرَى عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ : عِنْدَ ذَلِكَ انْقَضَى عِلْمُ الْعُلَمَاءِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَارِدٍ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ «اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اسْتَوىٰ » قَالَ اسْتَوَى مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ فَلَيْسَ شَيْ ءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْ ءٍ.
وَ عَنْهُ عَنْ سَهْلٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الْأَرْضِ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هِيَ قَالَ : عَلَى الْحُوتِ قُلْتُ فَالْحُوتُ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ : عَلَى الْمَاءِ قُلْتُ فَالْمَاءُ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ عَلَى الصَّخْرَةِ قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الصَّخْرَةُ قَالَ عَلَى قَرْنِ ثَوْرٍ أَمْلَسَ قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الثَّوْرُ قَالَ عَلَى الثَّرَى قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الثَّرَى فَقَالَ هَيْهَاتَ عِنْدَ ذَلِكَ ضَلَّ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ.
ص: 59
القصص و قوله «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ » قال: كانتا من جلد حمار ميت «أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمٰا يُوحىٰ إِنَّنِي أَنَا اللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِذِكْرِي» قال: إذا نسيتها ثم ذكرتها فصلها
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «آتِيكُمْ مِنْهٰا بِقَبَسٍ » يَقُولُ آتِيكُمْ بِقَبَسٍ مِنَ النَّارِ تَصْطَلُونَ مِنَ الْبَرْدِ. و قوله «أَوْ أَجِدُ عَلَى النّٰارِ هُدىً » كان قد أخطأ الطريق يقول أو أجد على النار طريقا و قوله «أَهُشُّ بِهٰا عَلىٰ غَنَمِي» يقول أخبط بها الشجر لغنمي «وَ لِيَ فِيهٰا مَآرِبُ أُخْرىٰ »
فمن الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه فقال «وَ لِيَ فِيهٰا مَآرِبُ أُخْرىٰ » يقول حوائج أخرى
قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فِي قَوْلِهِ «إِنَّ السّٰاعَةَ آتِيَةٌ أَكٰادُ أُخْفِيهٰا» قَالَ مِنْ نَفْسِي هَكَذَا نَزَلَتْ قِيلَ كَيْفَ يُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِهِ قَالَ جَعَلَهَا مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ .
و قوله «وَ فَتَنّٰاكَ فُتُوناً» أي اختبرناك اختبارا «فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ » يعني عند شعيب و قوله «اِصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي» أي اخترتك «اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآيٰاتِي وَ لاٰ تَنِيٰا فِي ذِكْرِي» أي لا تضعفا «اِذْهَبٰا إِلىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغىٰ فَقُولاٰ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ » و قد ذهب بعض المعتزلة في قوله:«لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ » أنه لم يعلم عز و جل أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى و قد ضلوا في تأويلهم و اعلم أن الله قال لموسى عليه السّلام حين أرسله إلى فرعون ائتياه «فَقُولاٰ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ » و قد علم أنه لا يتذكر و لا يخشى و لكن ليكون أحرص لموسى
على الذهاب و آكد في الحجة على فرعون.
وَ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ
ص: 60
عَلَى مَا قُلْتَ ثُمَّ اسْتَثْنَيْتَ فَمَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ الْحَرْبَ خَدِيعَةٌ وَ أَنَا عِنْدَ أَصْحَابِي صَدُوقٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَطْمَعَ أَصْحَابِي فِي قَوْلِي كَيْ لاَ يَفْشَلُوا وَ لاَ يَفِرُّوا فَافْهَمْ فَإِنَّكَ تَنْتَفِعُ بِهَا بَعْدَ الْيَوْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
و أما قوله «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ » قَالَ : نَحْنُ وَ اللَّهِ أُولُو النُّهَى فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا مَعْنَى أُولِي النُّهَى قَالَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِمَّا يَكُونُ بَعْدَهُ مِنِ ادِّعَاءِ فُلاَنٍ الْخِلاَفَةَ وَ الْقِيَامِ بِهَا وَ الْآخَرِ مِنْ بَعْدِهِ وَ الثَّالِثِ مِنْ بَعْدِهِمَا وَ بَنِي أُمَيَّةَ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
وَ كَانَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ وَ كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيّاً وَ كَمَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ عَلِيٍّ فِيمَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الْمُلْكِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ غَيْرِهِمْ فَهَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي اَلْكِتَابِ :«إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ » الَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا عِلْمُ هَذَا كُلِّهِ فَصَبَرْنَا لِأَمْرِ اللَّهِ فَنَحْنُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَ خُزَّانُهُ عَلَى دِينِهِ نَخْزُنُهُ وَ نُسِرُّهُ وَ نَكْتَتِمُ بِهِ مِنْ عَدُوِّنَا كَمَا اكْتَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ وَ جَاهَدَ اَلْمُشْرِكِينَ
فَنَحْنُ عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لَنَا فِي إِظْهَارِ دِينِهِ بِالسَّيْفِ وَ نَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ فَنَضْرِبُهُمْ عَلَيْهِ عَوْداً كَمَا ضَرَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَدْءاً .
قوله:
«وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً ثُمَّ اهْتَدىٰ » قال: إلى الولاية
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ] عَنِ اَلسِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبَانٍ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً ثُمَّ اهْتَدىٰ » قَالَ أَ لاَ تَرَى كَيْفَ اشْتَرَطَ وَ لَمْ يَنْفَعْهُ التَّوْبَةُ وَ الْإِيمَانُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ حَتَّى اهْتَدَى وَ اللَّهِ لَوْ جَهَدَ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلٍ مَا قُبِلَ مِنْهُ حَتَّى يَهْتَدِيَ ، قُلْتُ إِلَى مَنْ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ إِلَيْنَا.،
ص: 61
الْمِيقَاتِ وَ خَلَّفَ هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ فَلَمَّا جَاءَتِ الثَّلاَثُونَ يَوْماً وَ لَمْ يَرْجِعْ مُوسَى إِلَيْهِمْ غَضِبُوا وَ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوا هَارُونَ ، قَالُوا: إِنَّ مُوسَى كَذَبَنَا وَ هَرَبَ مِنَّا فَجَاءَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ مُوسَى قَدْ هَرَبَ مِنْكُمْ وَ لاَ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ أَبَداً فَاجْمَعُوا لِي حُلِيَّكُمْ حَتَّى أَتَّخِذَ لَكُمْ إِلَهاً تَعْبُدُونَهُ وَ كَانَ اَلسَّامِرِيُّ عَلَى مُقَدِّمَةِ مُوسَى
يَوْمَ أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ أَصْحَابَهُ فَنَظَرَ إِلَى جَبْرَئِيلَ وَ كَانَ عَلَى حَيَوَانٍ فِي صُورَةِ رَمَكَةٍ (1) فَكَانَتْ كُلَّمَا وَضَعَتْ حَافِرَهَا عَلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ تَحَرَّكَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ اَلسَّامِرِيُّ وَ كَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ مُوسَى فَأَخَذَ التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ حَافِرِ رَمَكَةِ جَبْرَئِيلَ وَ كَانَ يَتَحَرَّكُ فَصَرَّهُ فِي صُرَّةٍ وَ كَانَ عِنْدَهُ يَفْتَخِرُ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
فَلَمَّا جَاءَهُمْ إِبْلِيسُ وَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ قَالَ لِلسَّامِرِيِّ هَاتِ التُّرَابَ الَّذِي مَعَكَ فَجَاءَ بِهِ اَلسَّامِرِيُّ فَأَلْقَاهُ إِبْلِيسُ فِي جَوْفِ الْعِجْلِ فَلَمَّا وَقَعَ التُّرَابُ فِي جَوْفِهِ تَحَرَّكَ وَ خَارَ وَ نَبَتَ عَلَيْهِ الْوَبَرُ وَ الشَّعْرُ، فَسَجَدَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ سَجَدُوا سَبْعِينَ أَلْفاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ كَمَا حَكَى اللَّهُ «يٰا قَوْمِ إِنَّمٰا فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي قٰالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عٰاكِفِينَ حَتّٰى يَرْجِعَ إِلَيْنٰا مُوسىٰ » فَهَمُّوا بِهَارُونَ حَتَّى هَرَبَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَ بَقُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى تَمَّ مِيقَاتُ مُوسَى
«أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَشَرَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ اَلْأَلْوَاحَ فِيهَا اَلتَّوْرَاةُ
وَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ السِّيَرِ وَ الْقِصَصِ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: إِنَّا «قَدْ فَتَنّٰا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ اَلسّٰامِرِيُّ » وَ عَبَدُوا الْعِجْلَ وَ «لَهُ خُوٰارٌ» فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ
يَا رَبِّ الْعِجْلُ مِنَ اَلسَّامِرِيِّ فَالْخُوَارُ مِمَّنْ فَقَالَ مِنِّي يَا مُوسَى إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُهُمْ قَدْ وَلَّوْا عَنِّي إِلَى الْعِجْلِ أَحْبَبْتُ أَنْ أَزِيدَهُمْ فِتْنَةً فَرَجَعَ مُوسَى كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً «قٰالَ يٰا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطٰالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي»
ص: 62
ثُمَّ رَمَى بِالْأَلْوَاحِ وَ أَخَذَ بِلِحْيَةِ أَخِيهِ هَارُونَ وَ رَأْسِهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ فَقَالَ «يٰا هٰارُونُ مٰا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّٰ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي» فَقَالَ هَارُونُ كَمَا حَكَى اللَّهُ «يَا بْنَ أُمَّ لاٰ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لاٰ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي» فَقَالَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ :«مٰا أَخْلَفْنٰا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنٰا» قَالَ مَا خَالَفْنَاكَ «وَ لٰكِنّٰا حُمِّلْنٰا أَوْزٰاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ » يَعْنِي مِنْ حِلْيَتِهِمْ «فَقَذَفْنٰاهٰا» قَالَ : يَعْنِي التُّرَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ اَلسَّامِرِيُّ طَرَحْنَاهُ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ اَلسَّامِرِيُّ الْعِجْلَ وَ «لَهُ خُوٰارٌ» فَقَالَ لَهُ مُوسَى «فَمٰا خَطْبُكَ يٰا سٰامِرِيُّ قٰالَ » اَلسَّامِرِيُّ «بَصُرْتُ بِمٰا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهٰا» يَعْنِي مِنْ تَحْتِ حَافِرِ رَمَكَةِ جَبْرَئِيلَ فِي الْبَحْرِ فَنَبَذْتُهَا أَيْ أَمْسَكْتُهَا «وَ كَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي» أَيْ زَيَّنَتْ ، فَأَخْرَجَ مُوسَى الْعِجْلَ فَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ وَ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِلسَّامِرِيِّ «فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيٰاةِ أَنْ تَقُولَ لاٰ مِسٰاسَ » يَعْنِي مَا دُمْتَ حَيّاً(1) وَ عَقِبُكَ هَذِهِ الْعَلاَمَةُ فِيكُمْ قَائِمَةٌ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ يَعْنِي حَتَّى تُعْرَفُوا أَنَّكُمْ سَامِرِيَّةٌ فَلاَ يَغْتَرَّ بِكُمُ النَّاسُ فَهُمْ إِلَى السَّاعَةِ بِمِصْرَ وَ اَلشَّامِ مَعْرُوفُونَ بِ «لاَ مِسَاسَ » ثُمَّ هَمَّ مُوسَى بِقَتْلِ اَلسَّامِرِيِّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ لاَ تَقْتُلْهُ يَا مُوسَى فَإِنَّهُ سَخِيٌّ فَقَالَ لَهُ :«اُنْظُرْ إِلىٰ إِلٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عٰاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّمٰا إِلٰهُكُمُ اللّٰهُ الَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْ ءٍ عِلْماً» قِيلَ وَ إِنَّ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ أَنْكَرَ عِنْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ : فَأَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يُبْرَدَ الْعِجْلُ بِالْمَبَارِدِ وَ أَلْقَى بُرَادَتَهُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَشْرَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَالَّذِينَ كَانُوا سَجَدُوا يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الْبُرَادَةِ شَيْ ءٌ فَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَبَانَ مَنْ خَالَفَ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ .
ص: 63
وَ يَفْتِنَانِهِ وَ يُضِلاَّنِ النَّاسَ بَعْدَهُ . و قد ذكرنا هذا الحديث في تفسير:«وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيٰاطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ » في سورة الأنعام (1)
و قوله «وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً» تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون أن يطرفوها و قوله «يَتَخٰافَتُونَ بَيْنَهُمْ » قال يوم القيامة يشير بعضهم إلى بعض أنهم لم يلبثوا إلا عشرا قال الله «نَحْنُ أَعْلَمُ بِمٰا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً » قال أعلمهم و أصلحهم يقولون «إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّٰ يَوْماً» ثم خاطب الله نبيه عليه و آله السّلام فقال «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبٰالِ فَقُلْ يَنْسِفُهٰا رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُهٰا قٰاعاً صَفْصَفاً لاٰ تَرىٰ فِيهٰا عِوَجاً وَ لاٰ أَمْتاً» قال الأمت الارتفاع و العوج الحزون و الذكوات(2) و قوله «يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّٰاعِيَ لاٰ عِوَجَ لَهُ » قال مناديا من عند الله.
و قوله:«وَ خَشَعَتِ الْأَصْوٰاتُ لِلرَّحْمٰنِ فَلاٰ تَسْمَعُ إِلاّٰ هَمْساً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَابِشِيِّ عَنْ أَبِي الْوَرْدِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَ هُمْ حُفَاةٌ عُرَاةٌ فَيُوقَفُونَ فِي الْمَحْشَرِ حَتَّى يَعْرَقُوا عَرَقاً شَدِيداً وَ تَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ خَمْسِينَ عَاماً وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ :«وَ خَشَعَتِ الْأَصْوٰاتُ لِلرَّحْمٰنِ فَلاٰ تَسْمَعُ إِلاّٰ هَمْساً» ، قَالَ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ اَلْعَرْشِ أَيْنَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ فَيَقُولُ النَّاسُ قَدْ أَسْمَعْتَ فَسَمِّ بِاسْمِهِ فَيُنَادِي أَيْنَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ أَيْنَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمِّيُّ ، فَيُقَدَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَوْضٍ طُولُهُ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَ صَنْعَاءَ فَيَقِفُ عَلَيْهِ فَيُنَادِي بِصَاحِبِكُمْ فَيُقَدَّمُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَمَامَ النَّاسِ فَيَقِفُ مَعَهُ ثُمَّ يُؤْذَنُ لِلنَّاسِ فَيَمُرُّونَ فَبَيْنَ وَارِدِ اَلْحَوْضِ
ص: 64
يَوْمَئِذٍ وَ بَيْنَ مَصْرُوفٍ عَنْهُ فَإِذَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَنْ يُصْرَفُ مِنْ مُحِبِّينَا يَبْكِي وَ يَقُولُ : يَا رَبِّ شِيعَةُ عَلِيٍّ قَالَ : فَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكاً فَيَقُولُ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ يَا مُحَمَّدُ
فَيَقُولُ : أَبْكِي لِأُنَاسٍ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ أَرَاهُمْ قَدْ صُرِفُوا تِلْقَاءَ أَصْحَابِ اَلنَّارِ وَ مُنِعُوا وُرُودَ حَوْضِي قَالَ فَيَقُولُ الْمَلَكُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ قَدْ وَهَبْتُهُمْ لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَ صَفَحْتُ لَهُمْ عَنْ ذُنُوبِهِمْ بِحُبِّهِمْ لَكَ وَ لِعِتْرَتِكَ وَ أَلْحَقْتُهُمْ بِكَ وَ بِمَنْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ بِهِ وَ جَعَلْنَاهُمْ فِي زُمْرَتِكَ فَأَورِدْهُمْ حَوْضَكَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَكَمْ مِنْ بَاكٍ يَوْمَئِذٍ وَ بَاكِيَةٍ يُنَادُونَ يَا مُحَمَّدَاهْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ وَ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يَتَوَلاَّنَا وَ يُحِبُّنَا وَ يَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّنَا وَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ كَانُوا فِي حِزْبِنَا وَ مَعَنَا وَ يَرِدُونَ حَوْضَنَا.
و قوله:«يَعْلَمُ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مٰا خَلْفَهُمْ وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً» قال ما بين أيديهم ما مضى من أخبار الأنبياء و ما خلفهم من أخبار القائم عليه السلام و قوله:
«وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ » أي ذلت و أما قوله «أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً» يعني ما يحدث من أمر القائم عليه السلام و السفياني
و قوله «لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً»
قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ اَلْقُرْآنُ بَادَرَ بِقِرَاءَتِهِ قَبْلَ تَمَامِ نُزُولِ الْآيَةِ وَ الْمَعْنَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ » أَيْ تَفْرُغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ «وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» .
و قوله «وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» قال فيما نهاه عنه أكل الشجرة و قد روي فيه غير هذا و قوله «وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً» أي ضيقة
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً» قَالَ هِيَ وَ اللَّهِ اَلنُّصَّابُ ، قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ رَأَيْنَاهُمْ دَهْرَهُمُ الْأَطْوَلَ فِي كِفَايَةٍ حَتَّى مَاتُوا، قَالَ ذَلِكَ وَ اللَّهِ فِي اَلرَّجْعَةِ يَأْكُلُونَ الْعَذَرَةَ .
ص: 65
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» قَالَ عَهِدَ إِلَيْهِ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ فَتَرَكَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ فِيهِمْ أَنَّهُمْ هَكَذَا وَ إِنَّمَا سُمُّوا أُولُو الْعَزْمِ أَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
وَ سِيرَتِهِ فَأَجْمَعَ عَزْمُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَ الْإِقْرَارُ بِهِ .
قال علي بن إبراهيم في قول الله «وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ »
حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ فَضَالَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَ لَهُ مَالٌ قَالَ هُوَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ :«وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ » قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَعْمَى قَالَ أَعْمَاهُ اللَّهُ عَنْ طَرِيقِ اَلْجَنَّةِ .
و قوله «وَ كَذٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسىٰ »
أي تترك و قوله «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِأُولِي النُّهىٰ » قال نحن أولو النهى و قوله «وَ لَوْ لاٰ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكٰانَ لِزٰاماً» قال ما كان ينزل بهم العذاب و لكن قد أخرهم الله إلى أجل مسمى و قوله «وَ مِنْ آنٰاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرٰافَ النَّهٰارِ»
قال بالغداة و العشي قوله «وَ لاٰ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ »
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اسْتَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَالِساً ثُمَّ قَالَ مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ تَقَطَّعَتْ نَفَسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ وَ مَنْ أَتْبَعَ بَصَرَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ طَالَ هَمُّهُ وَ لَمْ يُشْفَ غَيْظُهُ وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلاَّ فِي مَطْعَمٍ أَوْ فِي مَشْرَبٍ قَصُرَ أَجَلُهُ وَ دَنَا عَذَابُهُ . و قوله «وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ » أي أمتك «وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهٰا لاٰ نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلتَّقْوىٰ » قال للمتقين فوضع الفعل مكان المفعول و أما قوله «قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا» أي انتظروا أمرا «فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحٰابُ الصِّرٰاطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدىٰ »
ص: 66
هُنَا، وَ مَنْ شَاءَ فَلْيَأْخُذْ مِنْ هُنَاكَ لاَ يَجِدُونَ وَ اللَّهِ عَنَّا مَحِيصاً.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَلاٰ يَخٰافُ ظُلْماً وَ لاٰ هَضْماً» يَقُولُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْ ءٌ. و أما ظلما يقول لن يذهب به و أما قوله «كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيٰاتُنٰا فَنَسِيتَهٰا» يقول أي تركتها فلم تعمل بها «وَ كَذٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسىٰ » يقول تترك في العذاب و قوله «وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهٰا» فإن الله أمره أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهل محمد صلّى اللّه عليه و آله عند الله منزلة خاصة ليست للناس إذ أمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة
فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَجِيءُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ
وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَيَقُولُ : «اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ » فَيَقُولُ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ وَ يَقُولُ الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ «إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ إِذَا شَهِدَ اَلْمَدِينَةَ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَ قَالَ أَبُو الْحَمْرَاءِ خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَا أَشْهَدُ بِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
و قوله «أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ » يقول يبين لهم و قوله «لَكٰانَ لِزٰاماً» قال اللزام الهلاك و قوله «قٰاعاً صَفْصَفاً» فالقاع الذي لا تراب عليه و الصفصف الذي لا نبات له.
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اِقْتَرَبَ لِلنّٰاسِ حِسٰابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ » قال قربت القيامة و الساعة و الحساب ثم كنى عن قريش فقال «مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ لاٰهِيَةً قُلُوبُهُمْ » قال من التلهي و قوله:
«أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ » أي تأتون محمدا و هو ساحر ثم قال قل لهم
ص: 67
يا محمد «رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ » يعني ما يقال في السماء و الأرض ثم حكى الله قول قريش فقال:«بَلْ قٰالُوا أَضْغٰاثُ أَحْلاٰمٍ بَلِ افْتَرٰاهُ » أي هذا الذي يخبرنا به محمد صلّى اللّه عليه و آله يراه في النوم و قال بعضهم بل افتريه أي يكذب و قال بعضهم «بَلْ هُوَ شٰاعِرٌ فَلْيَأْتِنٰا بِآيَةٍ كَمٰا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ » فرد الله عليهم فقال:«مٰا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ » قال كيف يؤمنون و لم يؤمن من كان قبلهم بالآيات حتى هلكوا.
و قوله:«فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ » قال آل محمد هم أهل الذكر
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ [عَنْ ] سُلَيْمَانَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ ثَعْلَبَةَ [تَغْلِبَةَ ] عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ » مَنِ المعنون [اَلْمَعْنِيُّونُ ] بِذَلِكَ فَقَالَ : نَحْنُ وَ اللَّهِ ، فَقُلْتُ فَأَنْتُمُ الْمَسْئُولُونَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ نَحْنُ السَّائِلُونَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَعَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَكُمْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا قَالَ لاَ ذَلِكَ إِلَيْنَا إِنْ شِئْنَا فَعَلْنَا وَ إِنْ شِئْنَا تَرَكْنَا ثُمَّ قَالَ :«هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ » .
وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فِي قَوْلِهِ «وَ كَمْ قَصَمْنٰا مِنْ قَرْيَةٍ »
يَعْنِي أَهْلَ قَرْيَةٍ «كٰانَتْ ظٰالِمَةً وَ أَنْشَأْنٰا بَعْدَهٰا قَوْماً آخَرِينَ فَلَمّٰا أَحَسُّوا بَأْسَنٰا» يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ إِذَا أَحَسُّوا بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ «إِذٰا هُمْ مِنْهٰا يَرْكُضُونَ لاٰ تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلىٰ مٰا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَسٰاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » يَعْنِي الْكُنُوزَ الَّتِي كَنَزُوهَا قَالَ فَيَدْخُلُ بَنُو أُمَيَّةَ إِلَى اَلرُّومِ إِذَا طَلَبَهُمُ الْقَائِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنَ اَلرُّومِ وَ يُطَالِبُهُمْ بِالْكُنُوزِ الَّتِي كَنَزُوهَا فيقولوا [فَيَقُولُونَ ] كَمَا حَكَى اللَّهُ «يٰا وَيْلَنٰا إِنّٰا كُنّٰا ظٰالِمِينَ فَمٰا زٰاَلَتْ تِلْكَ دَعْوٰاهُمْ حَتّٰى جَعَلْنٰاهُمْ حَصِيداً خٰامِدِينَ » قَالَ بِالسَّيْفِ وَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ . و هذا كله مما لفظه ماض و معناه مستقبل و هو مما ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله
و قوله:
«وَ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ » يعني من الملائكة «لاٰ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِهِ وَ لاٰ يَسْتَحْسِرُونَ » أي لا يضعفون و قوله «لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا»
ص: 68
فإنه رد على الثنوية ثم قطع عز و جل حجة الخلق فقال:«لاٰ يُسْئَلُ عَمّٰا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ »
و قوله «هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ » أي حجتكم «هٰذٰا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ »
أي خبري «وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي» أي خبرهم
و قوله «وَ قٰالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمٰنُ وَلَداً سُبْحٰانَهُ بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ » قال هو ما قالت النصارى إن المسيح ابن الله و ما «قٰالَتِ اَلْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ » ، و قالوا في الأئمة ما قالوا فقال الله عز و جل إبطالا له «بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ » يعني هؤلاء الذين زعموا أنهم ولد الله و جواب هؤلاء الذين زعموا ذلك في سورة الزمر في قوله «لَوْ أَرٰادَ اللّٰهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاَصْطَفىٰ مِمّٰا يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ سُبْحٰانَهُ » قوله:«وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلٰهٌ مِنْ دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ » قال من زعم أنه إمام و ليس هو بإمام
و أما قوله:«أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : خَرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
حَاجّاً وَ مَعَهُ اَلْأَبْرَشُ الْكَلْبِيُّ فَلَقِيَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ هِشَامٌ
لِلْأَبْرَشِ تَعْرِفُ هَذَا قَالَ : لاَ، قَالَ : هَذَا الَّذِي تَزْعُمُ اَلشِّيعَةُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ كَثْرَةِ عِلْمِهِ فَقَالَ اَلْأَبْرَشُ لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسَائِلَ لاَ يُجِيبُنِي فِيهَا إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ فَقَالَ هِشَامٌ وَدِدْتُ أَنَّكَ فَعَلْتَ ذَلِكَ ، فَلَقِيَ اَلْأَبْرَشُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
ص: 69
السَّمَاءَ أَمَرَ الرِّيَاحَ فَضَرَبَتِ الْبُحُورَ حَتَّى أَزْبَدَتْ بِهَا فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ وَ الزَّبَدِ مِنْ وَسْطِهِ دُخَانٌ سَاطِعٌ مِنْ غَيْرِ نَارٍ فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاءَ وَ جَعَلَ فِيهَا الْبُرُوجَ وَ النُّجُومَ وَ مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ أَجْرَاهَا فِي الْفَلَكِ وَ كَانَتِ السَّمَاءُ خَضْرَاءَ عَلَى لَوْنِ الْمَاءِ الْأَخْضَرِ وَ كَانَتِ الْأَرْضُ غَبْرَاءَ عَلَى لَوْنِ الْمَاءِ الْعَذْبِ وَ كَانَتَا مَرْتُوقَتَيْنِ لَيْسَ لَهَا أَبْوَابٌ وَ لَمْ يَكُنْ لِلْأَرْضِ أَبْوَابٌ وَ هِيَ النَّبْتُ وَ لَمْ تَمْطُرِ السَّمَاءُ عَلَيْهَا فَتُنْبِتَ فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَ فَتَقَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا» فَقَالَ اَلْأَبْرَشُ وَ اللَّهِ مَا حَدَّثَنِي بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ قَطُّ أَعِدْ عَلَيَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ وَ كَانَ اَلْأَبْرَشُ مُلْحِداً فَقَالَ : أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ نَبِيٍّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ .
و قوله:«وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلاٰ يُؤْمِنُونَ » قال نسب كل شيء إلى الماء و لم يجعل للماء نسبا إلى غيره
و قوله:«وَ جَعَلْنَا السَّمٰاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً»
يعني من الشياطين أي لا يسترقون السمع
وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«وَ مٰا جَعَلْنٰا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخٰالِدُونَ » فَإِنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِمَا يُصِيبُ أَهْلَ بَيْتِهِ بَعْدَهُ وَ ادِّعَاءِ مَنِ ادَّعَى الْخِلاَفَةَ دُونَهُمْ اغْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ مٰا جَعَلْنٰا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخٰالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً » أَيْ نَخْتَبِرُهُمْ «وَ إِلَيْنٰا تُرْجَعُونَ » فَأَعْلَمَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ لاَ بُدَّ أَنْ تَمُوتَ كُلُّ نَفْسٍ .
ص: 70
وَ طَابَ كَسْبُهُ وَ صَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَ حَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ وَ أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ كَلاَمِهِ وَ عَدَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ وَ وَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَ لَمْ يَتَعَدَّ إِلَى الْبِدْعَةِ ، أَيُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ وَ أَكَلَ كِسْرَتَهُ وَ بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ وَ كَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُلٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ .
و قوله:«خُلِقَ الْإِنْسٰانُ مِنْ عَجَلٍ » قال لما أجرى الله في آدم روحه من قدميه فبلغت الروح إلى ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر فقال عز و جل «خُلِقَ الْإِنْسٰانُ مِنْ عَجَلٍ »
و قوله «وَ نَضَعُ الْمَوٰازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيٰامَةِ » قال المجازاة «وَ إِنْ كٰانَ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنٰا بِهٰا» أي جَازَيْنَا بِهَا و هي ممدودةً آتينا بها.
ثم حكى عز و جل قول إبراهيم لقومه و أبيه فقال:«وَ لَقَدْ آتَيْنٰا إِبْرٰاهِيمَ
رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ » إلى قوله «بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ »
قَالَ : فَلَمَّا نَهَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 71
لِرَعِيَّتِكَ قَالَ وَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَتْ رَأَيْتُكَ تَقْتُلُ أَوْلاَدَ رَعِيَّتِكَ فَكَانَ يَذْهَبُ النَّسْلُ فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَطْلُبُهُ دَفَعْتُهُ إِلَيْكَ لِتَقْتُلَهُ وَ تَكُفَّ عَنْ قَتْلِ أَوْلاَدِ النَّاسِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَقِيَ لَنَا وَلَدُنَا وَ قَدْ ظَفِرْتَ بِهِ فَشَأْنَكَ فَكُفَّ عَنْ أَوْلاَدِ النَّاسِ فَصَوَّبَ رَأْيَهَا ثُمَّ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
«فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ » .
فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ اللَّهِ مَا فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وَ مَا كَذَبَ إِبْرَاهِيمُ فَقِيلَ وَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ إِنَّمَا قَالَ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا إِنْ نَطَقَ وَ إِنْ لَمْ يَنْطِقْ فَلَمْ يَفْعَلْ كَبِيرُهُمْ هَذَا شَيْئاً.، فاستشار نمرود قومه في إبراهيم ف «قٰالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فٰاعِلِينَ »
فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كَانَ فِرْعَوْنُ إِبْرَاهِيمَ
لِغَيْرِ رُشْدٍ وَ أَصْحَابُهُ لِغَيْرِ رُشْدٍ [فِرْعَوْنُ إِبْرَاهِيمَ لِغَيْرِ رُشْدِهِ وَ أَصْحَابُهُ لِغَيْرِ رُشْدِهِمْ ] فَإِنَّهُمْ قَالُوا لِنُمْرُودَ:«حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فٰاعِلِينَ » وَ كَانَ مُوسَى وَ أَصْحَابُهُ رِشْدَةً فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي مُوسَى قَالُوا «أَرْجِهْ وَ أَخٰاهُ وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدٰائِنِ حٰاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سٰاحِرٍ عَلِيمٍ » .
فَحَبَسَ إِبْرَاهِيمَ وَ جَمَعَ لَهُ الْحَطَبَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَلْقَى فِيهِ نُمْرُودُ إِبْرَاهِيمَ فِي النَّارِ، بَرَزَ نُمْرُودُ وَ جُنُودُهُ وَ قَدْ كَانَ بُنِيَ لِنُمْرُودَ بِنَاءٌ لِيَنْظُرَ مِنْهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ كَيْفَ تَأْخُذُهُ النَّارُ فَجَاءَ إِبْلِيسُ وَ اتَّخَذَ لَهُمُ الْمَنْجَنِيقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ وَاحِدٌ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ عَنْ غُلْوَةِ سَهْمٍ وَ كُلُّ الطَّائِرِ مِنْ مَسِيرَةِ فَرْسَخٍ يَرْجِعُ عَنْهَا أَنْ يَتَقَارَبَ مِنَ النَّارِ وَ كَانَ الطَّائِرُ إِذَا مَرَّ فِي الْهَوَاءِ يَحْتَرِقُ فَوُضِعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الْمَنْجَنِيقِ وَ جَاءَ أَبُوهُ فَلَطَمَهُ لَطْمَةً وَ قَالَ لَهُ ارْجِعْ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ .
ص: 72
عَدُوَّهُ يُحْرِقُهُ بِالنَّارِ فَقَالَ اسْكُتْ إِنَّمَا يَقُولُ هَذَا عَبْدٌ مِثْلُكَ يَخَافُ الْفَوْتَ هُوَ عَبْدِي آخُذُهُ إِذَا شِئْتُ فَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَبَّهُ بِسُورَةِ الْإِخْلاَصِ «يَا اللَّهُ يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ يَا مَنْ «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» نَجِّنِي مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِكَ فَالْتَقَى مَعَهُ جَبْرَئِيلُ فِي الْهَوَاءِ وَ قَدْ وُضِعَ فِي الْمَنْجَنِيقِ فَقَالَ : يَا إِبْرَاهِيمُ
هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ وَ أَمَّا إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَنَعَمْ فَدَفَعَ إِلَيْهِ خَاتَماً عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَى اللَّهِ أَسْنَدْتُ أَمْرِي إِلَى [قُوَّةِ ] اللَّهِ وَ فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى النَّارِ «كُونِي بَرْداً» فَاضْطَرَبَتْ أَسْنَانُ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْبَرْدِ حَتَّى قَالَ «وَ سَلاٰماً عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ »
وَ انْحَطَّ جَبْرَئِيلُ وَ جَلَسَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ فِي اَلنَّارِ وَ نَظَرَ إِلَيْهِ نُمْرُودُ فَقَالَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهاً فَلْيَتَّخِذْ مِثْلَ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ أَصْحَابِ نُمْرُودَ إِنِّي عَزَمْتُ عَلَى النَّارِ أَنْ لاَ تُحْرِقَهُ فَخَرَجَ عَمُودٌ مِنَ النَّارِ نَحْوَ الرَّجُلِ فَأَحْرَقَتْهُ «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ » وَ خَرَجَ مُهَاجِراً إِلَى اَلشَّامِ وَ نَظَرَ نُمْرُودُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِي النَّارِ وَ مَعَهُ شَيْخٌ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لِآزَرَ مَا أَكْرَمَ ابْنَكَ عَلَى رَبِّهِ قَالَ وَ كَانَ الْوَزَغُ يَنْفُخُ فِي نَارِ إِبْرَاهِيمَ
وَ كَانَ الضِّفْدِعُ يَذْهَبُ بِالْمَاءِ لِيُطْفِئَ بِهِ النَّارَ قَالَ وَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ لِلنَّارِ «كُونِي بَرْداً وَ سَلاٰماً»
لَمْ تَعْمَلِ النَّارُ فِي الدُّنْيَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ :«وَ أَرٰادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنٰاهُمُ الْأَخْسَرِينَ » فَقَالَ اللَّهُ «وَ نَجَّيْنٰاهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بٰارَكْنٰا فِيهٰا لِلْعٰالَمِينَ » يَعْنِي إِلَى اَلشَّامِ وَ سَوَادِ اَلْكُوفَةِ وَ كُوثَى رُبَى. و قوله:«وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً » قال ولد الولد و هو يعقوب
و قوله «وَ نَجَّيْنٰاهُ » يعني لوطا «مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ »
قال كانوا ينكحون الرجال.
أما قوله:«وَ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ إِذْ يَحْكُمٰانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنّٰا لِحُكْمِهِمْ شٰاهِدِينَ »
ص: 73
غَنَمُ رَجُلٍ آخَرَ بِاللَّيْلِ وَ قَضَمَتْهُ وَ أَفْسَدَتْهُ فَجَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ إِلَى دَاوُدَ فَاسْتَعْدَى(1)
عَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ فَقَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اذْهَبَا إِلَى سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِيَحْكُمَ بَيْنَكُمَا فَذَهَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنْ كَانَتِ الْغَنَمُ أَكَلَتِ الْأَصْلَ وَ الْفَرْعَ فَعَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ الْغَنَمَ وَ مَا فِي بَطْنِهَا وَ إِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ بِالْفَرْعِ وَ لَمْ تَذْهَبْ بِالْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ وُلْدَهَا إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ ، وَ كَانَ هَذَا حُكْمَ دَاوُدَ وَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ سُلَيْمَانَ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ وَ لَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْحُكْمِ وَ لَوِ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا لَقَالَ (2) كُنَّا لِحُكْمِهِمَا شَاهِدِينَ .
و قوله:«وَ عَلَّمْنٰاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ » يعني الدرع «لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شٰاكِرُونَ »
و قوله:«وَ لِسُلَيْمٰانَ الرِّيحَ عٰاصِفَةً » قال تجري من كل جانب «إِلىٰ الْأَرْضِ الَّتِي بٰارَكْنٰا فِيهٰا» قال إلى بيت المقدس و الشام
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ زِيَادٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ وَ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«وَ آتَيْنٰاهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ » قَالَ أَحْيَا اللَّهُ لَهُ (3) أَهْلَهُ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ الْبَلِيَّةِ وَ أَحْيَا لَهُ أَهْلَهُ الَّذِينَ مَاتُوا وَ هُوَ فِي الْبَلِيَّةِ .
وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ :«وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً» قَالَ هُوَ يُونُسُ وَ مَعْنَى ذَا النُّونِ ذَا الْحُوتِ وَ قَوْلُهُ :«فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » قَالَ أَنْزَلَهُ عَلَى أَشَدِّ الْأَمْرَيْنِ وَ ظَنَّ بِهِ أَشَدَّ الظَّنِّ ، وَ قَالَ إِنَّ جَبْرَئِيلَ اسْتَثْنَى فِي هَلاَكِ قَوْمِ يُونُسَ وَ لَمْ يَسْمَعْهُ يُونُسُ ، قُلْتُ مَا كَانَ حَالُ يُونُسَ لَمَّا ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرٍ شَدِيدٍ، قُلْتُ وَ مَا كَانَ سَبَبُهُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ قَالَ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ .
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
ص: 74
سَيَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي لَيْلَتِهَا فَفَقَدَتْهُ مِنَ الْفِرَاشِ فَدَخَلَهَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَدْخُلُ النِّسَاءَ فَقَامَتْ تَطْلُبُهُ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ وَ هُوَ فِي جَانِبٍ مِنَ الْبَيْتِ قَائِمٌ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَبْكِي وَ هُوَ يَقُولُ «اَللَّهُمَّ لاَ تَنْزِعْ مِنِّي صَالِحَ مَا أَعْطَيْتَنِي أَبَداً اللَّهُمَّ وَ لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً اللَّهُمَّ لاَ تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَ لاَ حَاسِداً أَبَداً اللَّهُمَّ لاَ تَرُدَّنِي فِي سُوءٍ اسْتَنْقَذْتَنِي مِنْهُ أَبَداً» قَالَ فَانْصَرَفَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَبْكِي حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِبُكَائِهَا فَقَالَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ لِمَ لاَ أَبْكِي وَ أَنْتَ بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ مِنَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مَا تَأَخَّرَ تَسْأَلُهُ أَنْ لاَ يُشْمِتَ بِكَ عَدُوّاً أَبَداً وَ لاَ حَاسِداً وَ أَنْ لاَ يَرُدَّكَ فِي سُوءٍ اسْتَنْقَذَكَ مِنْهُ أَبَداً، وَ أَنْ لاَ يَنْزِعَ عَنْكَ صَالِحَ مَا أَعْطَاكَ أَبَداً وَ أَنْ لاَ يَكِلَكَ إِلَى نَفْسِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً فَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ وَ مَا يُؤْمِنُنِي وَ إِنَّمَا وَكَلَ اللَّهُ يُونُسَ بْنَ مَتَّى إِلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً» يَقُولُ مِنْ أَعْمَالِ قَوْمِهِ «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ » يَقُولُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يُعَاقَبَ بِمَا صَنَعَ .،
وَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ : فِي قَوْلِهِ :«وَ زَكَرِيّٰا إِذْ نٰادىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاٰ تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوٰارِثِينَ فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ وَهَبْنٰا لَهُ يَحْيىٰ
وَ أَصْلَحْنٰا لَهُ زَوْجَهُ » قَالَ كَانَتْ لاَ تَحِيضُ فَحَاضَتْ . و قوله «وَ يَدْعُونَنٰا رَغَباً وَ رَهَباً»
قال راغبين راهبين
و قوله «وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهٰا» قال مريم لم ينظر إليها شيء و قوله:«فَنَفَخْنٰا فِيهٰا مِنْ رُوحِنٰا» قال روح مخلوقة بأمر الله يعني من أمرنا و قوله:«فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّٰالِحٰاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلاٰ كُفْرٰانَ لِسَعْيِهِ » أي لا يبطل سعيه
و قوله:«وَ حَرٰامٌ عَلىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَنَّهُمْ لاٰ يَرْجِعُونَ »
ص: 75
وَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالاَ: كُلُّ قَرْيَةٍ أَهْلَكَ اللَّهُ أَهْلَهَا بِالْعَذَابِ لاَ يَرْجِعُونَ فِي اَلرَّجْعَةِ . فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لأن أحدا من أهل الإسلام
لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك و من لم يهلك قوله «لاٰ يَرْجِعُونَ » أيضا عنى في الرجعة فأما إلى القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار
و قوله «حَتّٰى إِذٰا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ » قال إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا و يأكلون الناس ثم احتج عز و جل على عبدة الأوثان فقال «إِنَّكُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ » إلى قوله «وَ هُمْ فِيهٰا لاٰ يَسْمَعُونَ »
فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَجَدَ مِنْهَا أَهْلُ مَكَّةَ وَجْداً شَدِيداً فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى(1)
وَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَخُوضُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالَ اِبْنُ الزِّبَعْرَى: أَ مُحَمَّدٌ تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالُوا: نَعَمْ ، قَالَ اِبْنُ الزِّبَعْرَى إِنِ اعْتَرَفَ بِهَا لَأَخْصِمَنَّهُ ، فَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ :
يَا مُحَمَّدُ أَ رَأَيْتَ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأْتَ آنِفاً أَ فِينَا وَ فِي آلِهَتِنَا أَمْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَ آلِهَتِهِمْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : بَلْ فِيكُمْ وَ فِي آلِهَتِكُمْ وَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ إِلاَّ مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ ، فَقَالَ اِبْنُ الزِّبَعْرَى خَاصَمْتُكَ وَ اللَّهِ أَ لَسْتَ تُثْنِي عَلَى عِيسَى خَيْراً وَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ اَلنَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى وَ أُمَّهُ وَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُونَ الْمَلاَئِكَةَ أَ فَلَيْسَ هَؤُلاَءِ مَعَ الْآلِهَةِ فِي اَلنَّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لاَ، فَضَحِكَتْ قُرَيْشٌ وَ ضَحِكَ وَ قَالَتْ قُرَيْشٌ خَصَمَكَ اِبْنُ الزِّبَعْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُلْتُمُ الْبَاطِلَ أَ مَا قُلْتُ إِلاَّ مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ . و قوله:«إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ لاٰ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهٰا وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خٰالِدُونَ » و قوله «حَصَبُ جَهَنَّمَ »
يقول يقذفون فيها قذفا و قوله «أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ » يعني الملائكة و عيسى
ص: 76
ابن مريم عليه السّلام و قال علي بن إبراهيم «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ » ناسخة لقوله «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا»
و قوله «لاٰ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ هٰذٰا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ » إلى قوله «إِنّٰا كُنّٰا فٰاعِلِينَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي
عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ ابْتِدَاءً مِنْهُ إِنَّ اللَّهَ إِذَا بَدَا لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ خَلْقَهُ وَ يَجْمَعَهُمْ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ أَمَرَ مُنَادِياً يُنَادِي فَاجْتَمَعَ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَيْنِ ثُمَّ أُذِنَ لِسَمَاءِ الدُّنْيَا فَتَنْزِلُ فَكَانَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَ أُذِنَ لِلسَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَتَنْزِلُ وَ هِيَ ضِعْفُ الَّتِي تَلِيهَا فَإِذَا رَآهَا أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالُوا جَاءَ رَبُّنَا قَالُوا لاَ وَ هُوَ آتٍ يَعْنِي أَمْرَهُ حَتَّى تَنْزِلُ كُلُّ سَمَاءٍ تَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مِنْ وَرَاءِ الْأُخْرَى وَ هِيَ ضِعْفُ الَّتِي تَلِيهَا ثُمَّ يَنْزِلُ أَمْرُ اللَّهِ «فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمٰامِ وَ الْمَلاٰئِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ» وَ إِلَى رَبِّكَ «تُرْجَعُ الْأُمُورُ» ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ مُنَادِياً يُنَادِي «يٰا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطٰارِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لاٰ تَنْفُذُونَ إِلاّٰ بِسُلْطٰانٍ » قَالَ وَ بَكَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى إِذَا سَكَتَ قَالَ قُلْتُ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ شِيعَتُهُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ شِيعَتُهُ عَلَى كُثْبَانٍ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَحْزَنُ النَّاسُ وَ لاَ يَحْزَنُونَ وَ يَفْزَعُ النَّاسُ وَ لاَ يَفْزَعُونَ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الْآيَةَ «مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهٰا وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ » فَالْحَسَنَةُ وَ اللَّهِ وَلاَيَةُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ قَالَ :«لاٰ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ هٰذٰا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ » .» و أما قوله:«يَوْمَ نَطْوِي السَّمٰاءَ كَطَيِّ اَلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ » قال السجل اسم الملك الذي يطوي الكتب و معنى يطويها أي يفنيها فتتحول دخانا و الأرض نيرانا
و قوله:«وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ
مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ» قال الكتب كلها ذكر «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ »
قال: القائم عليه السلام و أصحابه قال و الزبور فيه ملاحم و تحميد و تمجيد و دعاء
ص: 77
«قٰالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ » قال معناه لا تدعو [تدع] للكفار، و الحق الانتقام من الظالمين و مثله في سورة آل عمران «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظٰالِمُونَ » .
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّٰاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ » قال مخاطبة للناس عامة «يَوْمَ تَرَوْنَهٰا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّٰا أَرْضَعَتْ » أي تبقى و تتحير و تتغافل «وَ تَضَعُ كُلُّ ذٰاتِ حَمْلٍ حَمْلَهٰا» قال كل امرأة تموت حاملة عند زلزلة الساعة تضع حملها يوم القيامة و قوله «وَ تَرَى النّٰاسَ سُكٰارىٰ » قال يعني ذاهلة عقولهم من الخوف و الفزع متحيرين و قال «وَ مٰا هُمْ بِسُكٰارىٰ وَ لٰكِنَّ عَذٰابَ اللّٰهِ شَدِيدٌ» و قوله:«وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُجٰادِلُ فِي اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ » أي يخاصم «وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطٰانٍ مَرِيدٍ» قال المريد الخبيث ثم خاطب الله عز و جل الدهرية و احتج عليهم فقال:«يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ » أي في شك «فَإِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » قال المخلقة إذا صارت دما و غير المخلقة قال السقط «لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحٰامِ مٰا نَشٰاءُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: وَ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ كَذَلِكَ كُنْتُمْ فِي الْأَرْحَامِ «وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحٰامِ مٰا نَشٰاءُ»
فَلاَ يَخْرُجُ سِقْطاً.
و قوله:«وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّٰى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاٰ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً»
ص: 78
قَالَ : إِذَا بَلَغَ الْعَبْدُ مِائَةَ سَنَةٍ فَذَلِكَ أَرْذَلُ الْعُمُرِ. و قال علي بن إبراهيم ثم ضرب الله للبعث و النشور مثلا فقال:«وَ تَرَى الْأَرْضَ هٰامِدَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا الْمٰاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » أي حسن «ذٰلِكَ بِأَنَّ اللّٰهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتىٰ » إلى قوله «مَنْ فِي الْقُبُورِ» و قوله:«وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُجٰادِلُ فِي اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لاٰ هُدىً وَ لاٰ كِتٰابٍ مُنِيرٍ» قال: نزلت هذه الآية في أبي جهل «ثٰانِيَ عِطْفِهِ » قال: تولى عن الحق «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ » قال: عن طريق الله و الإيمان و قوله:«وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّٰهَ عَلىٰ حَرْفٍ » قال على شك «فَإِنْ أَصٰابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصٰابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ الْخُسْرٰانُ الْمُبِينُ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يُونُسَ
عَنْ حَمَّادٍ عَنِ اِبْنِ الظَّبْيَانِ [ابْنِ الطَّيَّارِ] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ وَحَّدُوا اللَّهَ وَ جعلوا عبادة [وَ خَلَعُوا عِبَادَةَ ] مَنْ دُونَ اللَّهِ وَ خَرَجُوا مِنَ الشِّرْكِ وَ لَمْ يَعْرِفُوا أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَلَى شَكٍّ فِي مُحَمَّدٍ وَ مَا جَاءَ بِهِ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا نَنْظُرُ فَإِنْ كَثُرَتْ أَمْوَالُنَا وَ عُوفِينَا فِي أَنْفُسِنَا وَ أَوْلاَدِنَا عَلِمْنَا أَنَّهُ صَادِقٌ وَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ إِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ نَظَرْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ «فَإِنْ أَصٰابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ...» . إلخ» و قوله:«يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ مٰا لاٰ يَضُرُّهُ وَ مٰا لاٰ يَنْفَعُهُ » انقلب مشركا يدعو غير الله و يعبد غيره فمنهم من يعرف و يدخل الإيمان في قلبه فهو مؤمن و يزول عن منزلته من الشك إلى الإيمان و منهم من يلبث على شكه و منهم من ينقلب إلى الشرك و أما قوله:«مَنْ كٰانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللّٰهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ » فإن الظن في كتاب الله على وجهين و طريقين ظن يقين و ظن شك فهذا ظن شك قال من شك أن الله لن يثيبه في الدنيا و الآخرة «فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمٰاءِ» أي يجعل بينه و بين الله دليلا و الدليل على أن السبب هو الدليل قول الله في سورة الكهف «وَ آتَيْنٰاهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً» أي دليلا
ص: 79
«ثُمَّ لْيَقْطَعْ » أي يميز و الدليل على أن القطع هو التمييز قوله «وَ قَطَّعْنٰاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبٰاطاً أُمَماً» أي ميزناهم فقوله:«ثُمَّ لْيَقْطَعْ » أي يميز «فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مٰا يَغِيظُ » أي حيلته و الدليل على أن الكيد هو الحيلة قوله:«كَذٰلِكَ كِدْنٰا لِيُوسُفَ » أي حيلنا له حتى حبس أخاه و قوله يحكي قول فرعون:«فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ »
أي حيلتكم قال فإذا وضع لنفسه سببا و ميز دله على الحق، فأما العامة فإنهم رووا في ذلك أنه من لم يصدق بما قال الله فليلق حبلا إلى سقف البيت ليختنق.
ثم ذكر عز و جل عظيم كبريائه و آلائه فقال:«أَ لَمْ تَرَ» يقول أ لم تعلم يا محمد
«أَنَّ اللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبٰالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ » و لفظ الشجر واحد و معناه جمع «وَ كَثِيرٌ مِنَ النّٰاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذٰابُ وَ مَنْ يُهِنِ اللّٰهُ فَمٰا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ»
و قوله:«هٰذٰانِ خَصْمٰانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ » (1) قال: نحن و بنو أمية قلنا «صَدَقَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ » و قال بنو أمية كذب الله و رسوله «فَالَّذِينَ كَفَرُوا» يعني بني أمية
«قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيٰابٌ مِنْ نٰارٍ» إلى قوله «حَدِيدٍ» قال: تغشاه [تشويه] النار فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته و تتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه «وَ لَهُمْ مَقٰامِعُ مِنْ حَدِيدٍ» قال: الأعمدة التي يضربون بها ضربا بتلك الأعمدة و قوله «كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهٰا وَ ذُوقُوا عَذٰابَ الْحَرِيقِ »
ص: 80
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ خَوِّفْنِي فَإِنَّ قَلْبِي قَدْ قَسَا فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اسْتَعِدَّ لِلْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ فَإِنَّ جَبْرَائِيلَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ قَاطِبٌ (1) وَ قَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَجِيءُ وَ هُوَ مُبْتَسِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا جَبْرَئِيلُ جِئْتَنِي الْيَوْمَ قَاطِباً فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ
قَدْ وُضِعَتْ مَنَافِخُ اَلنَّارِ، فَقَالَ : وَ مَا مَنَافِخُ اَلنَّارِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ بِالنَّارِ فَنُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ وَ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الضَّرِيعِ قَطَرَتْ فِي شَرَابِ أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَاتَ أَهْلُهَا مِنْ نَتْنِهَا وَ لَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي طُولُهَا «سَبْعُونَ ذِرٰاعاً» وُضِعَتْ عَلَى الدُّنْيَا لَذَابَتِ الدُّنْيَا مِنْ حَرِّهَا، وَ لَوْ أَنَّ سِرْبَالاً مِنْ سَرَابِيلِ أَهْلِ اَلنَّارِ عُلِّقَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَمَاتَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنْ رِيحِهِ وَ وَهَجِهِ ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَكَى جَبْرَئِيلُ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكاً فَقَالَ لَهُمَا:
إِنَّ رَبَّكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلاَمَ وَ يَقُولُ قَدْ آمَنْتُكُمَا أَنْ تُذْنِبَا ذَنْباً أُعَذِّبُكُمَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَمَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَبْرَئِيلَ مُبْتَسِماً بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ :
إِنَّ أَهْلَ اَلنَّارِ يُعَظِّمُونَ اَلنَّارَ وَ إِنَّ أَهْلَ اَلْجَنَّةِ يُعَظِّمُونَ اَلْجَنَّةَ وَ النَّعِيمَ وَ إِنَّ أَهْلَ جَهَنَّمَ
إِذَا دَخَلُوهَا هَوَوْا فِيهَا مَسِيرَةَ سَبْعِينَ عَاماً فَإِذَا بَلَغُوا أَعْلاَهَا قُمِعُوا بِمَقَامِعِ الْحَدِيدِ وَ أُعِيدُوا فِي دَرَكِهَا هَذِهِ حَالُهُمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا» . إلخ» ثُمَّ تُبَدَّلُ جُلُودُهُمْ جُلُوداً غَيْرَ الْجُلُودِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَسْبُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قُلْتُ حَسْبِي حَسْبِي .
ثم ذكر الله ما أعده للمؤمنين فقال «إِنَّ اللّٰهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ » إلى قوله «وَ لِبٰاسُهُمْ فِيهٰا حَرِيرٌ»
حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ
ص: 81
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ شَوِّقْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ مِنْ أَدْنَى نَعِيمِ اَلْجَنَّةِ يُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ مِنْ مَسَافَةِ الدُّنْيَا وَ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ اَلْجَنَّةِ مَنْزِلاً لَوْ نَزَلَ بِهِ أَهْلُ الثَّقَلَيْنِ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ لَوَسِعَهُمْ طَعَاماً وَ شَرَاباً وَ لاَ يَنْقُصُ مِمَّا عِنْدَهُ شَيْ ءٌ وَ إِنَّ أَيْسَرَ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ فَيُرْفَعُ لَهُ ثَلاَثُ حَدَائِقَ فَإِذَا دَخَلَ أَدْنَاهُنَّ رَأَى فِيهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ وَ الْخَدَمِ وَ الْأَنْهَارِ وَ الْأَثْمَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ مِمَّا يَمْلَأُ عَيْنَهُ قُرَّةً وَ قَلْبَهُ مَسَرَّةً فَإِذَا شَكَرَ اللَّهَ وَ حَمِدَهُ قِيلَ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ إِلَى الْحَدِيقَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهَا مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَعْطِنِي هَذِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنْ أَعْطَيْتُكَ إِيَّاهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ رَبِّ هَذِهِ هَذِهِ فَإِذَا هُوَ دَخَلَهَا شَكَرَ اللَّهَ وَ حَمِدَهُ قَالَ فَيُقَالُ افْتَحُوا لَهُ بَابَ اَلْجَنَّةِ وَ يُقَالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِذَا قَدْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْخُلْدِ وَ يَرَى أَضْعَافَ مَا كَانَ فِيمَا قَبْلُ فَيَقُولُ عِنْدَ تَضَاعُفِ مَسَرَّاتِهِ رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ الَّذِي لاَ يُحْصَى إِذْ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِالْجِنَانِ وَ نَجَّيْتَنِي مِنَ اَلنِّيرَانِ
ص: 82
قَرْنَ إِحْدَانَا عُلِّقَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ لَأَغْشَى نُورُهُ الْأَبْصَارَ. فهاتان الآيتان و تفسيرهما رد على من أنكر خلق الجنة و النار
قوله:«وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ » قال التوحيد و الإخلاص «وَ هُدُوا إِلىٰ صِرٰاطِ الْحَمِيدِ» قال إلى الولاية
و قوله:«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ الَّذِي جَعَلْنٰاهُ لِلنّٰاسِ سَوٰاءً الْعٰاكِفُ فِيهِ وَ الْبٰادِ» قال نزلت في قريش حين صدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن مكة
و قوله:«سَوٰاءً الْعٰاكِفُ فِيهِ وَ الْبٰادِ» قال أهل مكة و من جاء إليهم من البلدان فهم سواء لا يمنع النزول و دخول الحرم و قوله:«وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ » قال نزلت في من يلحد في أمير المؤمنين عليه السّلام
و قوله:«وَ إِذْ بَوَّأْنٰا لِإِبْرٰاهِيمَ مَكٰانَ اَلْبَيْتِ » أي عرفناه و قد كتبنا خبر بناء البيت في سورة البقرة
و أما قوله:«وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالاً وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » يقول الإبل المهزولة و قرئ « يأتون من كل فج عميق»
قَالَ :
وَ لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ اَلْبَيْتِ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَقَالَ : يَا رَبِّ وَ مَا يَبْلُغُ صَوْتِي فَقَالَ اللَّهُ أَذِّنْ عَلَيْكَ الْأَذَانُ وَ عَلَيَّ الْبَلاَغُ وَ ارْتَفَعَ عَلَى اَلْمَقَامِ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ مُلْصَقٌ بِالْبَيْتِ فَارْتَفَعَ اَلْمَقَامُ حَتَّى كَانَ أَطْوَلَ مِنَ الْجِبَالِ فَنَادَى وَ أَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ شَرْقاً وَ غَرْباً يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى اَلْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَأَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَأَجَابُوهُ مِنْ تَحْتِ الْبُحُورِ السَّبْعَةِ وَ مِنْ بَيْنِ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إِلَى مُنْقَطَعِ التُّرَابِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِ كُلِّهَا وَ مِنْ أَصْلاَبِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ بِالتَّلْبِيَةِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ أَ وَ لاَ تَرَوْنَهُمْ يَأْتُونَ يُلَبُّونَ فَمَنْ حَجَّ مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهُمْ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«فِيهِ آيٰاتٌ بَيِّنٰاتٌ مَقٰامُ إِبْرٰاهِيمَ »
يَعْنِي نِدَاءَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى اَلْمَقَامِ بِالْحَجِّ .
ص: 83
امْرَأَةٌ عَجُوزٌ شَمْطَاءُ تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَ تَدْعُو بِالْوَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : تِلْكَ نَائِلَةُ يَئِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبِلاَدِكُمْ هَذِهِ .
و قوله:«ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ » أي يحلقوا رءوسهم و يغتسلوا من الوسخ «وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ » و إنما سمي عتيقا لأنه أعتق من الغرق
و قوله:«فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : «اَلرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ » الشِّطْرَنْجُ وَ «قَوْلَ الزُّورِ» : الْغِنَاءُ.
و قوله «حُنَفٰاءَ لِلّٰهِ » أي طاهرين و قوله:
«فِي مَكٰانٍ سَحِيقٍ » أي بعيد
و قوله:«وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » قال: تعظيم البدن و جودتها
و قَوْلُهُ :«لَكُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى»
قَالَ الْبُدْنُ يَرْكَبُهَا الْمُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي يُحْرِمُ فِيهِ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا وَ لاَ مُعْنِفٍ عَلَيْهَا وَ إِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«ثُمَّ مَحِلُّهٰا إِلَى اَلْبَيْتِ الْعَتِيقِ »
و قوله «فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ » قال العابدين و قوله «فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ » قال تنحر قائمة «فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا» أي وقعت على الأرض «فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» قال القانع الذي يسأل فيعطيه، و المعتر الذي يعتريك فلا يسأل
و قوله «لَنْ يَنٰالَ اللّٰهَ لُحُومُهٰا وَ لاٰ دِمٰاؤُهٰا وَ لٰكِنْ يَنٰالُهُ التَّقْوىٰ مِنْكُمْ »
أي لا يبلغ ما يتقرب به إلى الله و لا نحرها إذا لم يتق الله و «إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ » نحرها «مِنَ الْمُتَّقِينَ » و قوله:«لِتُكَبِّرُوا اللّٰهَ عَلىٰ مٰا هَدٰاكُمْ » قال التكبير أيام التشريق في الصلاة بمنى في عقيب خمس عشرة صلاة و في الأمصار عقيب عشر صلوات
و قوله:
«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» قال نزلت في علي
و جعفر و حمزة ثم جرت، قوله:«اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ » قال الحسين عليه السّلام حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة و قتل بالطف.
حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا...» إلخ» قَالَ : إِنَّ اَلْعَامَّةَ يَقُولُونَ نَزَلَتْ فِي
ص: 84
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَ إِنَّمَا هِيَ لِلْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا خَرَجَ يَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ قَوْلُهُ : نَحْنُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وَ طُلاَّبُ الدِّيَةِ .
ثم ذكر عبادة الأئمة عليهم السّلام
و سيرتهم فقال:«اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلاٰةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ» و أما قَوْلُهُ :«وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ» قَالَ هُوَ مَثَلٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم قَوْلُهُ :«بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ » هِيَ الَّتِي لاَ يَسْتَسْقِى مِنْهَا وَ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي قَدْ غَابَ فَلاَ يُقْتَبَسُ مِنْهُ الْعِلْمُ وَ الْقَصْرُ الْمَشِيدُ» هُوَ الْمُرْتَفَعُ وَ هُوَ مَثَلٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَلْأَئِمَّةِ وَ فَضَائِلِهِمُ الْمُشْرِفَةِ عَلَى الدُّنْيَا وَ هُوَ قَوْلُهُ «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » و قال الشاعر في ذلك:
بئر معطلة و قصر مشرف *** مثل لآل محمد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى *** و البئر علمهم الذي لا ينزف.
و قوله:«وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِيٍّ » إلى قوله «وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »
فَإِنَّ اَلْعَامَّةَ رَوَوْا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَقَرَأَ سُورَةَ اَلنَّجْمِ فِي اَلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ قُرَيْشٌ يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ «أَ فَرَأَيْتُمُ اَللاّٰتَ وَ اَلْعُزّٰىوَ مَنٰاةَ الثّٰالِثَةَ الْأُخْرىٰ » أَجْرَى إِبْلِيسُ عَلَى لِسَانِهِ «فَإِنَّهَا لَلْغَرَانِيقُ الْأُولَى وَ إِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى» فَفَرِحَتْ قُرَيْشٌ وَ سَجَدُوا وَ كَانَ فِي الْقَوْمِ اَلْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَأَخَذَ كَفّاً مِنْ حَصًى فَسَجَدَ عَلَيْهِ وَ هُوَ قَاعِدٌ وَ قَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ أَقَرَّ مُحَمَّدٌ بِشَفَاعَةِ اَللاَّتِ وَ اَلْعُزَّى، قَالَ فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ قَدْ قَرَأْتَ مَا لَمْ أُنْزِلْ عَلَيْكَ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِيٍّ إِلاّٰ إِذٰا تَمَنّٰى أَلْقَى اَلشَّيْطٰانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّٰهُ مٰا يُلْقِي اَلشَّيْطٰانُ » .».
وَ أَمَّا اَلْخَاصَّةُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَصَابَهُ خَصَاصَةٌ فَجَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ : هَلْ عِنْدَكَ مِنْ طَعَامٍ فَقَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ ذَبَحَ لَهُ عَنَاقاً وَ شَوَاهُ فَلَمَّا أَدْنَاهُ مِنْهُ تَمَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ
ص: 85
يَكُونَ مَعَهُ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَجَاءَ مُنَافِقَانِ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ
بَعْدَهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِيٍّ » وَ لاَ مُحَدَّثٍ
«إِلاّٰ إِذٰا تَمَنّٰى أَلْقَى اَلشَّيْطٰانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ » يَعْنِي فُلاَناً وَ فُلاَناً «فَيَنْسَخُ اللّٰهُ مٰا يُلْقِي اَلشَّيْطٰانُ »
يَعْنِي لَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَهُمَا «ثُمَّ يُحْكِمُ اللّٰهُ آيٰاتِهِ » يَعْنِي يَنْصُرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ثُمَّ قَالَ :«لِيَجْعَلَ مٰا يُلْقِي اَلشَّيْطٰانُ فِتْنَةً » يَعْنِي فُلاَناً وَ فُلاَناً «لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ »
إِلَى قَوْلِهِ «إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ » يَعْنِي إِلَى الْإِمَامِ الْمُسْتَقِيمِ . ثم قال:«وَ لاٰ يَزٰالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ » أي في شك من أمير المؤمنين عليه السّلام «حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ السّٰاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذٰابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ » قال العقيم الذي لا مثل له في الأيام ثم قال:«اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلّٰهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ فِي جَنّٰاتِ النَّعِيمِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا» قال: و لم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام
«فَأُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ » .
ثم ذكر أمير المؤمنين و المهاجرين من أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:«وَ الَّذِينَ هٰاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مٰاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّٰهُ » إلى قوله «لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ »
و أما قَوْلُهُ :«وَ مَنْ عٰاقَبَ بِمِثْلِ مٰا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّٰهُ » فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَ هَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى اَلْغَارِ وَ طَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَقُتِلَ عُتْبَةُ وَ شَيْبَةُ وَ اَلْوَلِيدُ وَ أَبُو جَهْلٍ وَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ
وَ غَيْرُهُمْ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ طُلِبَ بِدِمَائِهِمْ فَقُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ آلُ مُحَمَّدٍ بَغْياً وَ عُدْوَاناً وَ هُوَ قَوْلُ يَزِيدَ حِينَ تَمَثَّلَ بِهَذَا الشِّعْرِ:
لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا *** جَزَعَ اَلْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِ
لَأَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً *** ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لاَ تُشَلَّ
لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ *** مِنْ بَنِي أَحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلَ
قَدْ قَتَلْنَا الْقَرْمَ مِنْ سَادَاتِهِمْ *** وَ عَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فَاعْتَدَلَ .
ص: 86
و قال الشاعر في مثل ذلك:
و كذاك الشيخ أوصاني به *** فاتبعت الشيخ فيما قد سأل.
و قال يزيد أيضا يقول:
و الرأس*** مطروح يقلبه
يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر *** حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به
أيام بدر لكان الوزن بالقدر.
فقال الله تبارك و تعالى:«وَ مَنْ عٰاقَبَ » يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «بِمِثْلِ مٰا عُوقِبَ بِهِ » يعني حسينا أرادوا أن يقتلوه «ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّٰهُ » يعني بالقائم من ولده
و قوله:«لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنٰا مَنْسَكاً هُمْ نٰاسِكُوهُ » أي مذهبا يذهبون فيه ثم احتج عز و جل على قريش و الملحدين الذين يعبدون غير الله فقال:«يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ » يعني الأصنام «لَنْ يَخْلُقُوا ذُبٰاباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبٰابُ شَيْئاً لاٰ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّٰالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ » يعني الذباب
و قوله:«اَللّٰهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً» أي يختار و هو جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت و من الناس الأنبياء و الأوصياء فمن الأنبياء نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد صلّى اللّه عليه و آله و من هؤلاء الخمسة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
و من الأوصياء أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام و فيه تأويل غير هذا.
ثم خاطب الله الأئمة عليهم السّلام فقال:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا» إلى قوله «وَ فِي هٰذٰا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ » يا معشر الأئمة
«وَ تَكُونُوا» أنتم «شُهَدٰاءَ عَلَى» المؤمنين و «اَلنّٰاسِ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلاٰةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ » وَ هَذِهِ الْآيَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَ الْمَهْدِيُّ وَ أَصْحَابُهُ يُمَلِّكُهُمُ اللَّهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ يُظْهِرُ الدِّينَ وَ يُمِيتُ اللَّهُ بِهِ وَ أَصْحَابِهِ الْبِدَعَ الْبَاطِلَ كَمَا أَمَاتَ السَّفَهُ الْحَقَّ حَتَّى لاَ يُرَى أَثَرٌ لِلظُّلْمِ . و أما قوله:
ص: 87
«فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا وَ هِيَ ظٰالِمَةٌ فَهِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا» و العروش سقف البيت و قوله:
«يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذٰابِ » و ذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخبرهم أن العذاب قد أتاهم قالوا فأين العذاب و استعجلوه فقال الله «وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّٰا تَعُدُّونَ » و أما قوله:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جٰاهِدُوا فِي اللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ هُوَ اجْتَبٰاكُمْ وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ » فهذه خاصة لآل محمد عليهم السّلام
و قوله:«لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ » يعني يكون على آل محمد
«وَ تَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى النّٰاسِ » أي آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله
و قال عيسى ابن مريم:«وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مٰا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّٰا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ » يعني الشهيد «وَ أَنْتَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ» و إن الله جعل على هذه الأمة بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله شهيدا من أهل بيته و عترته ما كان في الدنيا منهم أحد فإذا فنوا هلك أهل الأرض
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : جَعَلَ اللَّهُ النُّجُومَ أَمَاناً لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ جَعَلَ أَهْلَ بَيْتِي أَمَاناً لِأَهْلِ الْأَرْضِ (1).
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ »
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ اَلْجَنَّةَ قَالَ لَهَا تَكَلَّمِي فَقَالَتْ :«قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » .» و قوله:«اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ » قال غضك بصرك في صلواتك و إقبالك عليها «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ » يعني الغناء و الملاهي «وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكٰاةِ فٰاعِلُونَ »
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ مَنَعَ قِيرَاطاً مِنَ الزَّكَاةِ فَلَيْسَ هُوَ بِمُؤْمِنٍ وَ لاَ مُسْلِمٍ
وَ لاَ كَرَامَةَ لَهُ .
«وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلاّٰ عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ »
ص: 88
يعني الإماء «فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ » و المتعة حدها حد الإماء «فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ » قال من جاوز ذلك فأولئك هم العادون
و قوله:«وَ الَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلَوٰاتِهِمْ يُحٰافِظُونَ » قال على أوقاتها و حدودها
و قوله:«أُولٰئِكَ هُمُ الْوٰارِثُونَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ : مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً إِلاَّ جَعَلَ لَهُ فِي اَلْجَنَّةِ مَنْزِلاً وَ فِي اَلنَّارِ مَنْزِلاً فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ اَلْجَنَّةَ وَ أَهْلُ اَلنَّارِ اَلنَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ أَشْرِفُوا فَيُشْرِفُونَ عَلَى أَهْلِ اَلنَّارِ وَ تُرْفَعُ لَهُمْ مَنَازِلُهُمْ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ الَّتِي لَوْ عَصَيْتُمُ اللَّهَ لَدَخَلْتُمُوهَا يَعْنِي اَلنَّارَ قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرَحاً لِمَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ اَلنَّارِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيَنْظُرُونَ مَنَازِلَهُمْ فِي اَلْجَنَّةِ وَ مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ الَّتِي لَوْ أَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ لَدَخَلْتُمُوهَا قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ اَلنَّارِ حُزْناً فَيُورَثُ هَؤُلاَءِ مَنَازِلَ هَؤُلاَءِ وَ يُورَثُ هَؤُلاَءِ مَنَازِلَ هَؤُلاَءِ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ «أُولٰئِكَ هُمُ الْوٰارِثُونَ اَلَّذِينَ يَرِثُونَ اَلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ » .
و قوله:«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ » قال السلالة الصفوة من الطعام و الشراب الذي يصير نطفة و النطفة أصلها من السلالة و السلالة هي من صفوة الطعام و الشراب و الطعام من أصل الطين فهذا معنى قوله:«مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ » يعني في الرحم «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا الْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ » و هذه استحالة من أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في الرحم أربعون يوما ثم تصير علقة.
و زعمت المعتزلة أنا نخلق أفعالنا و احتجوا بقول الله «أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ »
و زعموا أن هاهنا خالقين غير الله عز و جل و معنى الخلق هاهنا التقدير مثل قول الله
ص: 89
لعيسى ابن مريم و ليس ذلك كما ذهبت المعتزلة أنهم خالقون لأفعالهم و قوله:«خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ » إلى قوله «ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ» فهم ستة أجزاء و ست استحالات و في كل جزء و استحالة دية محدودة ففي النطفة عشرون دينارا، و في العلقة أربعون دينارا، و في المضغة ستون دينارا و في العظم ثمانون دينارا، و إذا كسي لحما فمائة دينار حتى يستهل فإذا استهل فالدية كاملة
فَحَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ فَإِنْ خَرَجَ فِي النُّطْفَةِ قَطْرَةُ دَمٍ قَالَ فِي الْقَطْرَةِ عُشْرُ النُّطْفَةِ فَفِيهَا اثْنَانِ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً(1) قُلْتُ قَطْرَتَانِ قَالَ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً قُلْتُ فَثَلاَثٌ قَالَ سِتَّةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً قُلْتُ فَأَرْبَعٌ قَالَ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً قُلْتُ فَخَمْسٌ قَالَ ثَلاَثُونَ دِينَاراً وَ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ فَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ حَتَّى تَصِيرَ عَلَقَةً فَيَكُونُ فِيهَا أَرْبَعُونَ دِينَاراً، قُلْتُ فَإِنْ خَرَجَتِ النُّطْفَةُ مُتَخَضْخِضَةً بِالدَّمِ قَالَ : قَدْ عَلِقَتْ إِنْ كَانَ دَماً صَافِياً أَرْبَعُونَ دِينَاراً وَ إِنْ كَانَ دَماً أَسْوَدَ فَذَلِكَ مِنَ الْجَوْفِ فَلاَ شَيْ ءَ عَلَيْهِ إِلاَّ التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ دَمٍ صَافٍ فَذَلِكَ الْوَلَدُ وَ مَا كَانَ مِنْ دَمٍ أَسْوَدَ فَهُوَ مِنَ الْجَوْفِ ، قَالَ فَقَالَ أَبُو شِبْلٍ فَإِنَّ الْعَلَقَةَ إِذَا صَارَتْ فِيهَا شَبِيهَ الْعُرُوقِ وَ اللَّحْمِ قَالَ : اثْنَانِ وَ أَرْبَعُونَ دِينَاراً [وَ] الْعُشْرُ قَالَ قُلْتُ فَإِنَّ عُشْرَ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةٌ ، قَالَ لاَ إِنَّمَا عُشْرُ الْمُضْغَةِ إِنَّمَا ذَهَبَ عُشْرُهَا فَكُلَّمَا ازْدَادَتْ زِيدَ حَتَّى تَبْلُغَ السِّتِّينَ قُلْتُ فَإِنْ رَأَتْ فِي الْمُضْغَةِ مِثْلَ عُقْدَةِ عَظْمٍ يَابِسٍ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ عَظْمٌ أَوَّلَ مَا يَبْتَدِئُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ(2) فَإِنْ زَادَ فَزَادَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً قُلْتُ فَإِنْ كُسِيَ الْعَظْمُ لَحْماً قَالَ كَذَلِكَ إِلَى مِائَةٍ قُلْتُ فَإِنْ رَكَزَهَا فَسَقَطَ الصَّبِيُّ لاَ يُدْرَى أَ حَيّاً كَانَ أَوْ مَيِّتاً، قَالَ : هَيْهَاتَ يَا أَبَا شِبْلٍ
ص: 90
إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ صَارَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ وَ قَدِ اسْتَوْجَبَ الدِّيَةَ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ» فَهُوَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ لَقَدْ خَلَقْنٰا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرٰائِقَ » قال السماوات و قوله:«وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنٰاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ »
قال شجرة الزيتون و هو مثل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: فِي قَوْلِهِ :«وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّٰاهُ فِي الْأَرْضِ » فَهِيَ الْأَنْهَارُ وَ الْعُيُونُ وَ الْآبَارُ وَ قَوْلُهُ :«وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنٰاءَ» فَالطُّورُ الْجَبَلُ وَ السَّيْنَاءُ الشَّجَرَةُ وَ أَمَّا الشَّجَرَةُ الَّتِي «تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ » فَهِيَ الزَّيْتُونُ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعٰامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّٰا فِي بُطُونِهٰا وَ لَكُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ وَ عَلَيْهٰا وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ » يعني السفن
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ: فِي قَوْلِهِ «فَجَعَلْنٰاهُمْ غُثٰاءً» وَ الْغُثَاءُ الْيَابِسُ الْهَامِدُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ .
و قوله:«ثُمَّ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا تَتْرٰا» يقول بعضهم في أثر بعض
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ جَعَلْنَا اِبْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً » إلى قوله «وَ مَعِينٍ » قال الربوة: الحيرة و ذات قرار و معين أي الكوفة
ثم خاطب الله الرسل فقال «يٰا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبٰاتِ وَ اعْمَلُوا صٰالِحاً» إلى قوله «أُمَّةً وٰاحِدَةً » قال على مذهب واحد
و قوله:«كُلُّ حِزْبٍ بِمٰا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ » قال كل من اختار لنفسه دينا فهو فرح به، ثم خاطب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال «فَذَرْهُمْ » يا محمد «فِي غَمْرَتِهِمْ » أي في سكرتهم و شكهم «حَتّٰى حِينٍ »
ص: 91
«أَنَّهُمْ إِلىٰ رَبِّهِمْ رٰاجِعُونَ » ثم قال «أُولٰئِكَ يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ هُمْ لَهٰا سٰابِقُونَ »
و هو معطوف على قوله «أَ يَحْسَبُونَ أَنَّمٰا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مٰالٍ وَ بَنِينَ نُسٰارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرٰاتِ » .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«أُولٰئِكَ يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ هُمْ لَهٰا سٰابِقُونَ » هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ.
و قوله:
«بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هٰذٰا» يعني من القرآن و لهم أعمال من دون ذلك «هُمْ لَهٰا عٰامِلُونَ » يقول ما كتب عليهم في اللوح ما هم عاملون قبل أن يخلقوا هم لذلك الأعمال المكتوبة عاملون و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ لَدَيْنٰا كِتٰابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ » أي عليكم ثم قال:«بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هٰذٰا» أي في شك مما يقولون
و قوله:«حَتّٰى إِذٰا أَخَذْنٰا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذٰابِ » يعني كبراءهم بالعذاب «إِذٰا هُمْ يَجْأَرُونَ » أي يضجون فرد الله عليهم «لاٰ تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنّٰا لاٰ تُنْصَرُونَ » إلى قوله «مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سٰامِراً تَهْجُرُونَ » أي جعلتموه سمرا و هجرتموه
و قوله:
«أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ » يعني برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرد الله عليهم «بَلْ جٰاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كٰارِهُونَ » و قوله:«وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوٰاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمٰاوٰاتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ » قال: الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و الدليل على ذلك قوله:«قَدْ جٰاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ » يعني بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و قوله:«وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ » أي يا محمد أهل مكة في علي «أَ حَقٌّ هُوَ» إمام هو «قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ » أي لإمام، و مثله كثير و الدليل على أن الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام قول الله عز و جل: و لو اتبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام قريشا «لَفَسَدَتِ السَّمٰاوٰاتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ » ، ففساد السماء إذا لم تمطر و فساد الأرض إذا لم تنبت و فساد الناس في ذلك
ص: 92
«وَ إِنَّ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ » قال عن الإمام لحائدون ثم حكى الله عز و جل قول الدهرية «قٰالُوا أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً وَ عِظٰاماً أَ إِنّٰا لَمَبْعُوثُونَ » إلى قوله «أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ » يعني أكاذيب الأولين فرد الله عليهم فقال:«بَلْ أَتَيْنٰاهُمْ بِالْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَكٰاذِبُونَ » ثم رد الله على الثنوية الذين قالوا بإلهين فقال الله تعالى:«مَا اتَّخَذَ اللّٰهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مٰا كٰانَ مَعَهُ مِنْ إِلٰهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِمٰا خَلَقَ وَ لَعَلاٰ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ » قال: لو كان إلهين كما زعمتم لكانا يختلفان فيخلق هذا و لا يخلق هذا و يريد هذا و لا يريد هذا و يطلب كل واحد منهما الغلبة و إذا أراد أحدهما خلق إنسان أراد الآخر خلق بهيمة فيكون إنسانا و بهيمة في حالة واحدة و هذا غير موجود فلما بطل هذا ثبت التدبير و الصنع لواحد و دل أيضا التدبير و ثباته و قوام بعضه ببعض على أن الصانع واحد و ذلك قوله:
«مَا اتَّخَذَ اللّٰهُ مِنْ وَلَدٍ» إلى قوله «لَعَلاٰ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ » ثم قال آنفا «سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يَصِفُونَ » و قوله:«وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزٰاتِ اَلشَّيٰاطِينِ » قال ما يقع في قلبك من وسوسة الشياطين و قوله:«حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ كَلاّٰ إِنَّهٰا كَلِمَةٌ هُوَ قٰائِلُهٰا» فإنها نزلت في مانع الزكاة و الخمس.
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَا مِنْ ذِي مَالٍ ذَهَبٍ وَ لاَ فِضَّةٍ يَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ أَوْ خُمُسَهُ إِلاَّ حَبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَفْرٍ وَ سَلَّطَ عَلَيْهِ سِبَاعاً تُرِيدُهُ وَ تَحِيدُ عَنْهُ [فِيهِ ] فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَحِيصَ لَهُ أَمْكَنَهُ مِنْ يَدِهِ فَقَضِمَهَا كَمَا يُقْضَمُ الْفُجْلُ وَ مَا مِنْ ذِي مَالٍ إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ يَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ إِلاَّ حَبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَفْرٍ يَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا وَ كُلُّ ذِي ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا وَ مَا مِنْ ذِي مَالٍ نَخْلٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ كَرْمٍ يَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ إِلاَّ طَوَّقَهُ اللَّهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَ رَفَعَ أَرْضَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يُقَلِّدُهُ [يُقَلِّبُهُ ] إِيَّاهُ . و قوله:«وَ مِنْ وَرٰائِهِمْ بَرْزَخٌ »
ص: 93
«إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ » قال البرزخ هو أمر بين أمرين و هو الثواب و العقاب بين الدنيا و الآخرة و هو رد على من أنكر عذاب القبر و الثواب و العقاب قبل القيامة و هو
قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ اللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ إِلاَّ الْبَرْزَخَ فَأَمَّا إِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْنَا فَنَحْنُ أَوْلَى بِكُمْ .
وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : إِنَّ الْقَبْرَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ اَلْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ اَلنِّيرَانِ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرٰاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ» ، يَقُولُ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَأَجْرُ رَبِّكَ خَيْرٌ «وَ هُوَ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ » . و قوله:«وَ لَقَدْ أَخَذْنٰاهُمْ بِالْعَذٰابِ فَمَا اسْتَكٰانُوا لِرَبِّهِمْ وَ مٰا يَتَضَرَّعُونَ » فهو الجوع و الخوف و القتل و قوله:«حَتّٰى إِذٰا فَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بٰاباً ذٰا عَذٰابٍ شَدِيدٍ إِذٰا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ » يقول آيسون
و أما قوله:«غَلَبَتْ عَلَيْنٰا شِقْوَتُنٰا» فإنهم علموا حين عاينوا أمر الآخرة أن الشقي كتب عليهم علموا حين لم ينفعهم العلم قالوا «رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا مِنْهٰا فَإِنْ عُدْنٰا فَإِنّٰا ظٰالِمُونَ قٰالَ اخْسَؤُا فِيهٰا وَ لاٰ تُكَلِّمُونِ » فبلغني و الله أعلم أنهم تداركوا بعضهم على بعض سبعين عاما حتى انتهوا إلى قعر جهنم.
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«فَإِذٰا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاٰ أَنْسٰابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاٰ يَتَسٰاءَلُونَ » فإنه رد على من يفتخر بالأنساب
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لاَ يَتَقَدَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدٌ إِلاَّ بِالْأَعْمَالِ . و الدليل على ذلك
قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ بِأَبٍ وَ جَدٍّ وَ إِنَّمَا هُوَ لِسَانٌ نَاطِقٌ فَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ أَلاَ إِنَّكُمْ وُلْدُ آدَمَ وَ آدَمُ مِنْ تُرَابٍ وَ اللَّهِ لَعَبْدٌ حَبَشِيٌّ حِينَ أَطَاعَ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ سَيِّدٍ قُرَشِيٍّ عَصَى اللَّهَ وَ «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ » . و الدليل على ذلك قوله عز و جل:«فَإِذٰا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاٰ أَنْسٰابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاٰ يَتَسٰاءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِينُهُ » يعني بالأعمال الحسنة «فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِينُهُ » قال من الأعمال الحسنة «فَأُولٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خٰالِدُونَ » و قوله «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّٰارُ»
قال أي تلهب عليهم فتحرقهم «وَ هُمْ فِيهٰا كٰالِحُونَ » أي مفتوحي الفم متربدي الوجوه
ص: 94
«قٰالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قٰالُوا لَبِثْنٰا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعٰادِّينَ » قال سل الملائكة الذين كانوا يعدون علينا الأيام و يكتبون ساعاتنا و أعمالنا التي اكتسبناها فيها على الأنام فرد الله عليهم فقال قل لهم يا محمد «إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّٰ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ » و قوله:«وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ لاٰ بُرْهٰانَ لَهُ بِهِ » أي لا حجة له به «فَإِنَّمٰا حِسٰابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاٰ يُفْلِحُ اَلْكٰافِرُونَ وَ قُلْ » يا محمد «رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّٰاحِمِينَ »
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ أَنْزَلْنٰاهٰا وَ فَرَضْنٰاهٰا وَ أَنْزَلْنٰا فِيهٰا آيٰاتٍ بَيِّنٰاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » يعني كي تذكروا و قوله:«اَلزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ » و هي ناسخة لقوله «وَ اللاّٰتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ »
إلى آخر الآية و قوله:«وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ » يعني لا تأخذكم الرأفة على الزاني و الزانية في دين الله «إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ الْآخِرِ» في إقامة الحد عليهما.
و كانت آية الرجم نزلت: الشَّيْخُ وَ الشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهْوَةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: فِي قَوْلِهِ :«وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا» يَقُولُ ضَرْبَهُمَا «طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » يُجْمَعُ لَهُمُ النَّاسُ إِذَا جُلِدُوا.
ص: 95
المعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهن، و نزلت هذه الآية في نساء مكة
كن مستعلنات بالزنا سارة و حنتمة و الرباب كن يغنين بهجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
فحرم الله نكاحهن، و جرت بعدهن في النساء من أمثالهن.
و الزنا على وجوه و الحد فيه على وجوه
فَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّهُ أَحْضَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
سِتَّةَ نَفَرٍ أُخِذُوا بِالزِّنَا فَأَمَرَ أَنْ يُقَامَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدُّ وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
جَالِساً عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ يَا عُمَرُ لَيْسَ هَذَا حُكْمَهُمْ ، قَالَ : فَأَقِمْ أَنْتَ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ، فَقَدَّمَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَ قَدَّمَ الثَّانِيَ فَرَجَمَهُ وَ قَدَّمَ الثَّالِثَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَ قَدَّمَ الرَّابِعَ فَضَرَبَهُ نِصْفَ الْحَدِّ وَ قَدَّمَ الْخَامِسَ فَعَزَّرَهُ وَ أَمَّا السَّادِسُ فَأَطْلَقَهُ فَتَعَجَّبَ عُمَرُ
وَ تَحَيَّرَ النَّاسُ ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ سِتَّةُ نَفَرٍ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ أَقَمْتَ عَلَيْهِمْ سِتَّ عُقُوبَاتِ لَيْسَ مِنْهَا حُكْمٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ فَقَالَ نَعَمْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَانَ ذِمِّيّاً زَنَى بِمُسْلِمَةٍ
وَ خَرَجَ عَنْ ذِمَّتِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ السَّيْفُ ، وَ أَمَّا الثَّانِي فَرَجُلٌ مُحْصَنٌ زَنَى فَرَجَمْنَاهُ ، وَ أَمَّا الثَّالِثُ فَغَيْرُ مُحْصَنٍ فَحَدَدْنَاهُ ، وَ أَمَّا الرَّابِعُ فَعَبْدٌ زَنَى فَضَرَبْنَاهُ نِصْفَ الْحَدِّ، وَ أَمَّا الْخَامِسُ فَكَانَ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِالشُّبْهَةِ فَعَزَّرْنَاهُ وَ أَدَّبْنَاهُ وَ أَمَّا السَّادِسُ فَمَجْنُونٌ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ سَقَطَ مِنْهُ التَّكْلِيفُ .
و أما قوله:«وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ » إلى قوله «وَ لاٰ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الْقَاذِفُ يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَ لاَ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَداً إِلاَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ ثَلاَثَةٌ وَ أَبَى وَاحِدٌ يُجْلَدُ الثَّلاَثَةُ وَ لاَ يُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى يَقُولَ أَرْبَعَةٌ رَأَيْنَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ ، وَ مَنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ زَنَى لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُعِيدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ .
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ
ص: 96
إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَ بِكَ جُنَّةٌ فَقَالَ : لاَ قَالَ أَ فَتَقْرَأُ مِنَ اَلْقُرْآنِ شَيْئاً قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ لَهُ : مِمَّنْ أَنْتَ فَقَالَ : أَنَا مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةَ
قَالَ : اذْهَبْ حَتَّى أَسْأَلَ عَنْكَ فَسَأَلَ عَنْهُ ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا رَجُلٌ صَحِيحُ الْعَقْلِ مُسْلِمٌ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، فَقَالَ :
وَيْحَكَ أَ لَكَ زَوْجَةٌ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكُنْتَ حَاضِرَهَا أَوْ غَائِباً عَنْهَا قَالَ : بَلْ كُنْتُ حَاضِرَهَا قَالَ : اذْهَبْ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِكَ ، فَجَاءَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فِي الرَّابِعَةِ ، فَقَالَ : إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِحَبْسِهِ ثُمَّ نَادَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَحْتَاجُ أَنْ نُقِيمَ عَلَيْهِ حَدَّ اللَّهِ فَاخْرُجُوا مُتَنَكِّرِينَ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَ مَعَكُمْ أَحْجَارُكُمْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَخْرَجَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْغَلَسِ (1) وَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ حَفَرَ حَفِيرَةً وَ وَضَعَهُ فِيهَا ثُمَّ نَادَى: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ حُقُوقُ اللَّهِ لاَ يَطْلُبُهَا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِلَّهِ حَقٌّ مِثْلُهُ فَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِ حَقٌّ مِثْلُهُ فَلْيَنْصَرِفْ فَإِنَّهُ لاَ يُقِيمُ الْحَدَّ مِنَ اللَّهِ مَنْ لِلَّهِ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَانْصَرَفَ النَّاسُ فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَجَراً فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ فَرَمَاهُ ثُمَّ أَخَذَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِثْلَهُ ثُمَّ فَعَلَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِثْلَهُ فَلَمَّا مَاتَ أَخْرَجَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ صَلَّى عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ لاَ تُغَسِّلُهُ قَالَ : قَدِ اغْتَسَلَ بِمَا هُوَ مِنْهَا طَاهِرٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَتَى هَذِهِ الْقَاذُورَةَ (2) فَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ لَتَوْبَةٌ إِلَى اللَّهِ فِي السِّرِّ لَأَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَفْضَحَ نَفْسَهُ وَ يَهْتِكَ سِتْرَهُ .
ص: 97
و أما قوله «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ » إلى قوله «إِنْ كٰانَ مِنَ الصّٰادِقِينَ »
فإنها نزلت في اللعان، و كان سبب ذلك
أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ جَاءَهُ عُوَيْمِرُ بْنُ سَاعِدَةَ الْعَجْلاَنِيُّ وَ كَانَ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّ امْرَأَتِي زَنَى بِهَا شَرِيكُ بْنُ السَّمْحَاءِ وَ هِيَ مِنْهُ حَامِلٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَنْزِلَهُ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ وَ قَالَ لِعُوَيْمِرٍ: ائْتِنِي بِأَهْلِكَ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكُمَا قُرْآناً، فَجَاءَ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَدْعُوكِ وَ كَانَتْ فِي شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا فَجَاءَ مَعَهَا جَمَاعَةٌ فَلَمَّا دَخَلَتِ اَلْمَسْجِدَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِعُوَيْمِرٍ تَقَدَّمَا إِلَى اَلْمِنْبَرِ وَ الْتَعِنَا، قَالَ فَكَيْفَ أَصْنَعُ فَقَالَ تَقَدَّمْ وَ قُلْ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي إِذاً لِمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ ، قَالَ فَتَقَدَّمَ وَ قَالَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَعِدْهَا فَأَعَادَهَا ثُمَّ قَالَ أَعِدْهَا حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَقَالَ لَهُ فِي الْخَامِسَةِ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتَهَا بِهِ فَقَالَ «وَ الْخٰامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَيْهِ إِنْ كٰانَ مِنَ الْكٰاذِبِينَ » فِيمَا رَمَاهَا بِهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِنَّ اللَّعْنَةَ لَمَوْجِبَةٌ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً ثُمَّ قَالَ لَهُ تَنَحَّ فَتَنَحَّى عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَتِهِ تَشْهَدِينَ كَمَا شَهِدَ وَ إِلاَّ أَقَمْتُ عَلَيْكِ حَدَّ اللَّهِ ، فَنَظَرَتْ فِي وُجُوهِ قَوْمِهَا فَقَالَتْ لاَ أُسَوِّدُ هَذِهِ الْوُجُوهَ فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ ، فَتَقَدَّمَتْ إِلَى اَلْمِنْبَرِ وَ قَالَتْ :
أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ عُوَيْمِرَ بْنَ سَاعِدَةَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَعِيدِيهَا فَأَعَادَتْهَا حَتَّى أَعَادَتْهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْعَنِي نَفْسَكِ فِي الْخَامِسَةِ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاكِ بِهِ فَقَالَتْ فِي الْخَامِسَةِ «أَنَّ غَضَبَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا إِنْ كٰانَ مِنَ الصّٰادِقِينَ » فِيمَا رَمَانِي بِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 98
أَبْعَدُ لَكَ مِنْهُ وَ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَهُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ أَخْمَشَ السَّاقَيْنِ وَ أَخْفَشَ الْعَيْنَيْنِ جعد [جَعْداً] قطط [قَطَطاً] فَهُوَ لِلْأَمْرِ السَّيِّئِ وَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَشْهَلَ أَصْهَبَ (1) فَهُوَ لِأَبِيهِ فَيُقَالُ إِنَّهَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى الْأَمْرِ السَّيِّئِ ، فَهَذِهِ لاَ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَ إِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لاَ يَرِثُهُ أَبُوهُ وَ مِيرَاثُهُ لِأُمِّهِ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ فَلِأَخْوَالِهِ وَ إِنْ قَذَفَهُ أَحَدٌ جُلِدَ حَدَّ الْقَاذِفِ .،
و أما قوله:«إِنَّ الَّذِينَ جٰاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاٰ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ » فإن العامة رووا أنها نزلت في عائشة و ما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة و أما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية و ما رمتها به عائشة و المنافقات.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ
قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ [مُحَمَّدُ] بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
يَقُولُ : لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَزِنَ عَلَيْهِ حُزْناً شَدِيداً فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا الَّذِي يَحْزُنُكَ عَلَيْهِ فَمَا هُوَ إِلاَّ ابْنَ جَرِيحٍ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلِيّاً
وَ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ فَذَهَبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَيْهِ وَ مَعَهُ السَّيْفُ وَ كَانَ جَرِيحٌ الْقِبْطِيُّ فِي حَائِطٍ وَ ضَرَبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَابَ الْبُسْتَانِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ جَرِيحٌ لِيَفْتَحَ لَهُ الْبَابَ فَلَمَّا رَأَى عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 99
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا بَعَثْتَنِي فِي الْأَمْرِ أَكُونُ فِيهِ كَالْمِسْمَارِ الْمُحْمَى فِي الوتر [اَلْوَبَرِ] أَمْ أَثَّبَّتُ قَالَ فَقَالَ لاَ بَلِ اثَّبِّتْ ، فَقَالَ وَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَ لاَ مَا لِلنِّسَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَصْرِفُ عَنَّا السُّوءَ أَهْلَ الْبَيْتِ (1) .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ وَ مَا سَمِعَتْ أُذُنَاهُ كَانَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ » .» ثم أدب الله تعالى خلقه فقال:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ » إلى قوله «فَلاٰ تَدْخُلُوهٰا حَتّٰى يُؤْذَنَ لَكُمْ »
قال معناه معلما للناس «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهٰا أَحَداً» يأذن لكم «فَلاٰ تَدْخُلُوهٰا حَتّٰى يُؤْذَنَ لَكُمْ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبىٰ » وَ هِيَ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «وَ الْمَسٰاكِينَ وَ اَلْمُهٰاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا» يَقُولُ يَعْفُو بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ وَ يَصْفَحُ فَإِذَا فَعَلْتُمْ كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لَكُمْ يَقُولُ اللَّهُ :«أَ لاٰ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّٰهُ لَكُمْ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » . و قوله:«إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ الْغٰافِلاٰتِ الْمُؤْمِنٰاتِ »
يقول غافلات عن الفواحش و قوله:«اَلْخَبِيثٰاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثٰاتِ وَ الطَّيِّبٰاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبٰاتِ أُولٰئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّٰا يَقُولُونَ »
ص: 100
يقول الخبيثات من الكلام و العمل للخبيثين من الرجال و النساء يلزمونهم و يصدق عليهم من قال و الطيبون من الرجال و النساء من الكلام و العمل للطيبات و أما قوله:«حَتّٰى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلىٰ أَهْلِهٰا» قال الاستيناس هو الاستئذان
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الاِسْتِينَاسُ وَقْعُ النَّعْلِ وَ التَّسْلِيمُ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ مُبٰارَكَةً طَيِّبَةً » قال هو سلامك على أهل البيت و ردهم عليكم فهو سلامك على نفسك
ثُمَّ رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ :«لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهٰا مَتٰاعٌ لَكُمْ » قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هِيَ الْحَمَّامَاتُ وَ الْخَانَاتُ وَ الْأَرْحِيَةُ تَدْخُلُهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ .
و قوله:«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ » .
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ : كُلُّ آيَةٍ فِي اَلْقُرْآنِ فِي ذِكْرِ الْفُرُوجِ فَهِيَ مِنَ الزِّنَا إِلاَّ هَذِهِ الْآيَةَ فَإِنَّهَا مِنَ النَّظَرِ فَلاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ أَخِيهِ وَ لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ أُخْتِهَا.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ لاٰ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّٰ مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا» فَهِيَ الثِّيَابُ وَ الْكُحْلُ وَ الْخَاتَمُ وَ خِضَابُ الْكَفِّ وَ السِّوَارُ، وَ الزِّينَةُ ثَلاَثٌ : زِينَةٌ لِلنَّاسِ وَ زِينَةٌ لِلْمَحْرَمِ وَ زِينَةٌ لِلزَّوْجِ ، فَأَمَّا زِينَةُ النَّاسِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَ أَمَّا زِينَةُ الْمَحْرَمِ فَمَوْضِعُ الْقِلاَدَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَ الدُّمْلُجُ (1) وَ مَا دُونَهُ وَ الْخَلْخَالُ وَ مَا أَسْفَلَ مِنْهُ وَ أَمَّا زِينَةٌ لِلزَّوْجِ فَالْجَسَدُ كُلُّهُ . و أما قوله:
ص: 101
«أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ » فهو الشيخ الكبير الفاني الذي لا حاجة له في النساء و الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء و أما قوله:«وَ لاٰ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ » يقول و لا تضرب إحدى رجليها بالأخرى ليقرع الخلخال بالخلخال و أما قوله:«وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ » فكانوا في الجاهلية لا ينكحون الأيامى فأمر الله المسلمين أن ينكحوا الأيامى، و قال علي بن إبراهيم: الأيم التي ليس لها زوج
و أما قوله:«وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتٰابَ مِمّٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَكٰاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً» فإن العبيد و الإماء كانوا يقولون لأصحابهم كاتبونا و معنى ذلك أنهم يشترون أنفسهم من أصحابهم على أنهم يؤدون ثمنهم في نجمين(1) أو ثلاثة أنجم فيمتنعون عليهم فقال:«فَكٰاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً» و معنى قوله:«وَ آتُوهُمْ مِنْ مٰالِ اللّٰهِ الَّذِي آتٰاكُمْ » قال إذا كاتبتموهم تجعلوا لهم من ذلك شيئا و قوله «وَ لاٰ تُكْرِهُوا فَتَيٰاتِكُمْ عَلَى الْبِغٰاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» قال كانت العرب و قريش يشترون الإماء و يجعلون عليهن الضريبة الثقيلة و يقولون اذهبن و ازنين و اكتسبن فنهاهم الله عز و جل عن ذلك فقال «وَ لاٰ تُكْرِهُوا فَتَيٰاتِكُمْ عَلَى الْبِغٰاءِ» إلى قوله «غَفُورٌ رَحِيمٌ » أي لا يؤاخذهن الله بذلك إذا أكرهن عليه
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا «فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ » .»
ص: 102
عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ «اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ » الْمِشْكَاةُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ «فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الْمِصْبٰاحُ » الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ (1) «فِي زُجٰاجَةٍ الزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » كَأَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الْأَرْضِ «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ » يُوقَدُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ وَ عَلَى نَبِيِّنَا وَ آلِهِ السَّلاَمُ «لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ » يَعْنِي لاَ يَهُودِيَّةٍ وَ لاَ نَصْرَانِيَّةٍ «يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ» يَكَادُ الْعِلْمُ يَتَفَجَّرُ مِنْهَا «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ» إِمَامٌ مِنْهَا بَعْدَ إِمَامٍ «يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ» يَهْدِي اللَّهُ لِلْأَئِمَّةِ مَنْ يَشَاءُ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي نُورِ وَلاَيَتِهِمْ مُخْلِصاً «وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ » .
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
فِي هَذِهِ الْآيَةِ «اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ » قَالَ بَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ تَعَالَى «مَثَلُ نُورِهِ » مَثَلُ هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ «كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الْمِصْبٰاحُ » وَ الْمِشْكَاةُ جَوْفُ الْمُؤْمِنِ وَ الْقِنْدِيلُ قَلْبُهُ وَ الْمِصْبَاحُ النُّورُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ » قَالَ الشَّجَرَةُ الْمُؤْمِنُ «زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ » قَالَ عَلَى سَوَاءِ الْجَبَلِ لاَ غَرْبِيَّةٍ أَيْ لاَ شَرْقَ لَهَا وَ لاَ شَرْقِيَّةٍ أَيْ لاَ غَرْبَ لَهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ طَلَعَتْ عَلَيْهَا وَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ غَرَبَتْ عَلَيْهَا «يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ» يَكَادُ النُّورُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ يُضِيءُ وَ إِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ «نُورٌ عَلىٰ نُورٍ» فَرِيضَةٌ عَلَى فَرِيضَةٍ وَ سُنَّةٌ عَلَى سُنَّةٍ «يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ» يَهْدِي اللَّهُ لِفَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ مَنْ يَشَاءُ «وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ » فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ ، قَالَ فَالْمُؤْمِنُ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ، مَدْخَلُهُ نُورٌ وَ مَخْرَجُهُ نُورٌ وَ عِلْمُهُ نُورٌ وَ كَلاَمُهُ نُورٌ وَ مَصِيرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى اَلْجَنَّةِ نُورٌ، قُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي إِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَثَلُ نُورِ الرَّبِّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ لَيْسَ لِلَّهِ مَثَلٌ قَالَ اللَّهُ «فَلاٰ تَضْرِبُوا لِلّٰهِ الْأَمْثٰالَ » .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ(2) بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ
ص: 103
بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: فِي قَوْلِهِ «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ » قَالَ هِيَ بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ وَ بَيْتُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْهَا. قال علي بن إبراهيم في قوله:«اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ » إلى قوله «وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَكَتَبَ إِلَيَّ الْجَوَابَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مُحَمَّداً كَانَ أَمِينَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كُنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَثَتَهُ فَنَحْنُ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ عِنْدَنَا عِلْمُ الْمَنَايَا وَ الْبَلاَيَا وَ أَنْسَابُ اَلْعَرَبِ
وَ مَوْلِدُ اَلْإِسْلاَمِ وَ مَا مِنْ فِئَةٍ تَضِلُّ مِائَةٌ بِهِ وَ تَهْدِي مِائَةٌ بِهِ إِلاَّ وَ نَحْنُ نَعْرِفُ سَائِقَهَا وَ قَائِدَهَا وَ نَاعِقَهَا وَ إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ وَ إِنَّ شِيعَتَنَا لَمَكْتُوبُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ يَرِدُونَ مَوْرِدَنَا وَ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَنَا لَيْسَ عَلَى مِلَّةِ اَلْإِسْلاَمِ غَيْرُنَا وَ غَيْرُهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ آخِذُونَ بِحُجْزَةِ نَبِيِّنَا(1) وَ نَبِيُّنَا آخِذٌ بِحُجْزَةِ رَبِّنَا وَ الْحُجْزَةُ النُّورُ وَ شِيعَتُنَا
ص: 104
كِتَابِ اللَّهِ كَمَثَلِ مِشْكَاةٍ وَ الْمِشْكَاةُ فِي الْقِنْدِيلِ فَنَحْنُ الْمِشْكَاةُ فِيهَا مِصْبَاحٌ ، الْمِصْبَاحُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ » مِنْ عُنْصُرَةٍ طَاهِرَةٍ «اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ » لاَ دَعِيَّةٍ وَ لاَ مُنْكِرَةٍ «يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ» اَلْقُرْآنُ «نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ » فَالنُّورُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
يَهْدِي اللَّهُ لِوَلاَيَتِنَا مَنْ أَحَبَّ ، وَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَبْعَثَ وَلِيَّنَا مُشْرِقاً وَجْهُهُ مُنِيراً بُرْهَانُهُ ظَاهِرَةً عِنْدَ اللَّهِ حُجَّتُهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَ أَوْلِيَاءَنَا الْمُتَّقِينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءَ وَ الصَّالِحِينَ «وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً» فَشُهَدَاؤُنَا لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى الشُّهَدَاءِ بِعَشْرِ دَرَجَاتٍ وَ لِشَهِيدِ شِيعَتِنَا فَضْلٌ عَلَى كُلِّ شَهِيدٍ غَيْرِنَا بِتِسْعِ دَرَجَاتٍ نَحْنُ النُّجَبَاءُ وَ نَحْنُ أَفْرَاطُ الْأَنْبِيَاءِ وَ نَحْنُ أَوْلاَدُ الْأَوْصِيَاءِ وَ نَحْنُ الْمَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ نَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ نَحْنُ الَّذِينَ شَرَعَ اللَّهُ لَنَا دِينَهُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ :«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مٰا وَصّٰى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ » يَا مُحَمَّدُ «وَ مٰا وَصَّيْنٰا بِهِ إِبْرٰاهِيمَ
وَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ » ، قَدْ عَلِمْنَا وَ بَلَّغْنَا مَا عَلِمْنَا وَ اسْتَوْدَعْنَا عِلْمَهُمْ وَ نَحْنُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ نَحْنُ وَرَثَةُ أُولِي الْعِلْمِ وَ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » «وَ لاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » كَمَا قَالَ اللَّهُ «وَ لاٰ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » وَ إِنْ «كَبُرَ عَلَى اَلْمُشْرِكِينَ
مٰا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » مِنَ الشِّرْكِ مَنْ أَشْرَكَ بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «مٰا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » مِنْ وَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا مُحَمَّدُ «فِيهِ هُدًى «وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ » مَنْ يُجِيبُكَ إِلَيَّ بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِكِتَابٍ فَتَدَبَّرْهُ وَ افْهَمْهُ فَإِنَّهُ «شِفٰاءٌ لِمٰا فِي الصُّدُورِ» وَ نُورٌ.، و الدليل على أن هذا مثل لهم.
قوله «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ » إلى قوله «بِغَيْرِ حِسٰابٍ »
ص: 105
يلمع من بعيد كأنه الماء و ليس في الحقيقة بشيء فإذا جاء العطشان «لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً»
و البقيعة المفازة المستوية
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ عَنْ [جَعْفَرِ بْنِ ] مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الصَّائِغِ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ :
فِي قَوْلِ اللَّهِ «أَوْ كَظُلُمٰاتٍ » فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ «فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشٰاهُ مَوْجٌ » يَعْنِي نعثل [نَعْثَلاً]
«مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ » طَلْحَةُ وَ زُبَيْرٌ «ظُلُمٰاتٌ بَعْضُهٰا فَوْقَ بَعْضٍ » مُعَاوِيَةُ وَ يَزِيدُ وَ فِتَنُ بَنِي أُمَيَّةَ «إِذٰا أَخْرَجَ يَدَهُ » فِي ظُلْمَةِ فِتْنَتِهِمْ «لَمْ يَكَدْ يَرٰاهٰا وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّٰهُ لَهُ نُوراً فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ» يَعْنِي إِمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ «فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ» فَمَا لَهُ مِنْ إِمَامٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَمْشِي بِنُورِهِ . يعني كما في قوله:«يَسْعىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ » قال: إنما المؤمنون يوم القيامة «نُورُهُمْ يَسْعىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ » حتى ينزلوا منازلهم من الجنان.
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً فِي صُورَةِ الدِّيكِ الْأَمْلَحِ الْأَشْهَبِ بَرَاثِينُهُ (1) فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَ عُرْفُهُ تَحْتَ اَلْعَرْشِ
ص: 106
الْأَرْضِ دِيكٌ إِلاَّ أَجَابَهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ :«وَ الطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ » .»
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ صِدِّيقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَا مِنْ طَيْرٍ يُصَادُ فِي الْبَرِّ وَ لاَ فِي الْبَحْرِ وَ لاَ يُصَادُ شَيْ ءٌ مِنَ الْوَحْشِ إِلاَّ بِتَضْيِيعِهِ التَّسْبِيحَ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يُزْجِي سَحٰاباً» أي يثيره فيعصره فينزل منه الماء من الأرض ثم يؤلف بينه فإذا غلظ [علا] بعث الله ملكا من الرياح و هو قوله:«فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاٰلِهِ » أي المطر
و قوله:«وَ اللّٰهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مٰاءٍ» أي من مياه «فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلىٰ بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلىٰ رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ» قال على رجلين الناس و على بطنه الحيات و على أربع البهائم و
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .
و قوله:«وَ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنٰا» إلى قوله «وَ مٰا أُولٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَلثَّالِثِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي حَدِيقَةٍ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَرْضَى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لَهُ لاَ تُحَاكِمْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ عَلَيْكَ وَ لَكِنْ حَاكِمْهُ إِلَى اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْيَهُودِيِّ فَقَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
لاَ أَرْضَى إِلاَّ بِابْنِ شَيْبَةَ الْيَهُودِيِّ فَقَالَ اِبْنُ شَيْبَةَ لَهُ تَأْتَمِنُونَ مُحَمَّداً [رَسُولَ اللَّهِ ] عَلَى وَحْيِ السَّمَاءِ وَ تَتَّهِمُونَهُ فِي الْأَحْكَامِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ «وَ إِذٰا دُعُوا إِلَى اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «أُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ » ثُمَّ ذَكَرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
فَقَالَ «إِنَّمٰا كٰانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذٰا دُعُوا إِلَى اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنٰا وَ أَطَعْنٰا» إِلَى قَوْلِهِ «فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰائِزُونَ » .
ص: 107
«قُلْ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمٰا عَلَيْهِ مٰا حُمِّلَ » قال ما حمل النّبي صلّى اللّه عليه و آله من النبوة «وَ عَلَيْكُمْ مٰا حُمِّلْتُمْ » من الطاعة ثم خاطب الله الأئمة و وعدهم أن يستخلفهم في الأرض من بعد ظلمهم و غصبهم فقال:«وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » إلى قوله «لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً» و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله و هو معطوف على قوله:«رِجٰالٌ لاٰ تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لاٰ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ » .
و أما قوله:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ » إلى قوله «ثَلاٰثُ عَوْرٰاتٍ لَكُمْ » قال: إن الله تبارك و تعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد لا أب و لا أخت و لا أم و لا خادم إلا بإذن هذه و الأوقات بعد طلوع الفجر و نصف النهار و بعد العشاء الآخرة، ثم أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات فقال:«لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لاٰ عَلَيْهِمْ جُنٰاحٌ بَعْدَهُنَّ » يعني بعد هذه الثلاثة الأوقات
و قوله «وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللاّٰتِي لاٰ يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ » قال نزلت في العجائز اللاتي قد يئسن من المحيض و التزويج أن يضعن الثياب ثم قال «وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ » أي لا يظهرن للرجال
وَ - وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ وَ لاٰ عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لاٰ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ » وَ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اَلْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا كَانُوا يَعْزِلُونَ الْأَعْمَى وَ الْأَعْرَجَ وَ الْمَرِيضَ وَ كَانُوا لاَ يَأْكُلُونَ مَعَهُمْ وَ كَانَتِ اَلْأَنْصَارُ فِيهِمْ تِيهٌ وَ تَكَرُّمٌ فَقَالُوا: إِنَّ الْأَعْمَى لاَ يُبْصِرُ الطَّعَامَ وَ الْأَعْرَجَ لاَ يَسْتَطِيعُ الزِّحَامَ عَلَى الطَّعَامِ وَ الْمَرِيضَ لاَ يَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الصَّحِيحُ فَعَزَلُوا لَهُمْ طَعَامَهُمْ عَلَى نَاحِيَةٍ وَ كَانُوا يَرَوْنَ عَلَيْهِمْ فِي مُؤَاكَلَتِهِمْ جُنَاحاً وَ كَانَ الْأَعْمَى وَ الْمَرِيضُ يَقُولُونَ لَعَلَّنَا نُؤْذِيهِمْ إِذَا أَكَلْنَا مَعَهُمْ فَاعْتَزَلُوا مُؤَاكَلَتَهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً» .
ص: 108
و قال علي بن إبراهيم في قوله «أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خٰالاٰتِكُمْ أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً»
فَإِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ آخَى بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ آخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ
وَ بَيْنَ عُثْمَانَ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَ بَيْنَ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ وَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَ أَبِي ذَرٍّ وَ بَيْنَ اَلْمِقْدَادِ وَ عَمَّارٍ وَ تَرَكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَاغْتَمَّ مِنْ ذَلِكَ غَمّاً شَدِيداً، فَقَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي لِمَ لاَ تُؤَاخِي بَيْنِي وَ بَيْنَ أَحَدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
وَ اللَّهِ يَا عَلِيُّ مَا حَبَسْتُكَ إِلاَّ لِنَفْسِي أَ مَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أَخِي وَ أَنَا أَخُوكَ وَ أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَنْتَ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي تَقْضِي دَيْنِي وَ تُنْجِزُ عِدَاتِي وَ تَتَوَلَّى عَلَيَّ غُسْلِي وَ لاَ يَلِيهِ غَيْرُكَ وَ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، فَاسْتَبْشَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي غَزَاةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ يَدْفَعُ الرَّجُلُ مِفْتَاحَ بَيْتِهِ إِلَى أَخِيهِ فِي الدِّينِ وَ يَقُولُ لَهُ خُذْ مَا شِئْتَ وَ كُلْ مَا شِئْتَ فَكَانُوا يَمْتَنِعُونَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى رُبَّمَا فَسَدَ الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً» يَعْنِي إِنْ حَضَرَ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ إِذَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ . و قوله:«فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ قَالَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ بَيْتَهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَحَدٌ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ السَّلاَمُ عَلَيْنَا مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا. يقول الله «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ مُبٰارَكَةً طَيِّبَةً »
و قيل إذا لم ير الداخل بيتا أحدا فيه يقول السلام عليكم و رحمة الله يقصد به الملكين الذين عليه شهودا.
ص: 109
إلى قوله «حَتّٰى يَسْتَأْذِنُوهُ » فإنها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
لأمر من الأمور في بعث يبعثه أو حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه فنهاهم الله عز و جل عن ذلك
وَ قَوْلُهُ «فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ » قَالَ نَزَلَتْ فِي حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي فِي صَبِيحَتِهَا حَرْبُ أُحُدٍ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَهْلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ «فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ » فَأَقَامَ عِنْدَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ وَ هُوَ جُنُبٌ فَحَضَرَ الْقِتَالَ وَ اسْتُشْهِدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَأَيْتُ الْمَلاَئِكَةَ تَغْسِلُ حَنْظَلَةَ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِي صَحَائِفِ فِضَّةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ فَكَانَ يُسَمَّى «غَسِيلَ الْمَلاَئِكَةِ .»
و قوله:«لاٰ تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» قال لا تدعوا رسول الله كما يدعو بعضكم بعضا ثم قال:«فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ » يعني بلية «أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » قال القتل
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
فِي قَوْلِهِ «لاٰ تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» يَقُولُ لاَ تَقُولُوا يَا مُحَمَّدُ وَ لاَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَكِنْ قُولُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قال: الله «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ » أي يعصون أمره «أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » .
ص: 110
عز و جل أيضا فقال «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذٰا» يعني القرآن «إِلاّٰ إِفْكٌ افْتَرٰاهُ وَ أَعٰانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ » قالوا إن هذا الذي يقرؤه محمد و يخبرنا به إنما يتعلمه من اليهود و يكتبه من علماء النصارى و يكتب عن رجل يقال له ابن قبيطة و ينقله عنه بالغداة و العشي فحكى الله قولهم و رد عليهم فقال «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذٰا إِلاّٰ إِفْكٌ افْتَرٰاهُ » إلى قوله «بُكْرَةً وَ أَصِيلاً» فرد الله عليهم و قال «قُلْ » لهم يا محمد
«أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً»
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِفْكٌ افْتَرٰاهُ » قَالَ الْإِفْكُ الْكَذِبُ .
«وَ أَعٰانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ » يعنون أبا فكيهة و حبرا و عداسا و عابسا مولى حويطب و قوله «أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهٰا» فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة قال أساطير الأولين اكتتبها محمد «فَهِيَ تُمْلىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً» .
قال علي بن إبراهيم ثم حكى الله قولهم أيضا فقال «وَ قٰالُوا مٰا لِهٰذَا الرَّسُولِ
يَأْكُلُ الطَّعٰامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْوٰاقِ لَوْ لاٰ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهٰا» فرد الله عز و جل عليهم فقال «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ » إلى قوله «وَ جَعَلْنٰا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً » أي اختبارا فعير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالفقر فقال الله تعالى «تَبٰارَكَ الَّذِي إِنْ شٰاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذٰلِكَ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلِ بْنِ جَمِيلِ الْبَرْقِيِّ [الرَّقِّيِّ ] عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَكَذَا « وَ قَالَ الظَّالِمُونَ لِآلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً «اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثٰالَ فَضَلُّوا فَلاٰ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً» قَالَ إِلَى وَلاَيَةِ عَلِيٍّ وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هُوَ السَّبِيلُ . حدثنا محمد بن همام عن جعفر بن محمد بن مالك قال حدثني محمد بن المستنير [المثنى] عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر
ص: 111
بن يزيد عن أبي جعفر عليه السّلام: مثله.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عُمَرَ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي الصَّامِتِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَشْرَفُ سَاعَةٍ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى «بَلْ كَذَّبُوا بِالسّٰاعَةِ وَ أَعْتَدْنٰا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّٰاعَةِ سَعِيراً» .
قال علي بن إبراهيم ثم ذكر الدهرية و ما أعده لهم فقال «بَلْ كَذَّبُوا بِالسّٰاعَةِ وَ أَعْتَدْنٰا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّٰاعَةِ سَعِيراً إِذٰا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكٰانٍ بَعِيدٍ» قال من مسيرة سنة «سَمِعُوا لَهٰا تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً وَ إِذٰا أُلْقُوا مِنْهٰا» أي فيها «مَكٰاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ » قال مقيدين بعضهم مع بعض «دَعَوْا هُنٰالِكَ ثُبُوراً» .
ثم ذكر عز و جل احتجاجه على الملحدين و عبدة الأصنام و النيران يوم القيامة و عبدة الشمس و القمر و الكواكب و غيرهم فقال «وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَ مٰا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَقُولُ » الله لمن عبدوهم «أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبٰادِي هٰؤُلاٰءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قٰالُوا سُبْحٰانَكَ مٰا كٰانَ يَنْبَغِي لَنٰا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيٰاءَ» إلى قوله «قَوْماً بُوراً» أي قوم سوء، ثم يقول عز و جل للناس الذين عبدوهم «فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمٰا تَقُولُونَ فَمٰا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَ لاٰ نَصْراً» و قوله «وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً» أي قدرا مقدورا.
و أما قوله «وَ قَدِمْنٰا إِلىٰ مٰا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنٰاهُ هَبٰاءً مَنْثُوراً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 112
هَبَاءً مَنْثُوراً ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّهُمْ كَانُوا لَيَصُومُونَ وَ يُصَلُّونَ وَ لَكِنْ كَانُوا إِذَا عَرَضَ لَهُمْ شَيْ ءٌ مِنَ الْحَرَامِ أَخَذُوهُ وَ إِذَا عَرَضَ لَهُمْ شَيْ ءٌ مِنْ فَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْكَرُوهُ قَالَ وَ الْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ هُوَ الَّذِي تَرَاهُ يَدْخُلُ الْبَيْتَ فِي الْكُوَّةِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ .
وَ قَوْلُهُ «وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّٰالِمُ عَلىٰ يَدَيْهِ » قَالَ اَلْأَوَّلُ «يَقُولُ يٰا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ عَلِيّاً وَلِيّاً «يٰا وَيْلَتىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاٰناً خَلِيلاً» يَعْنِي اَلثَّانِيَ «لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جٰاءَنِي» يَعْنِي الْوَلاَيَةَ «وَ كٰانَ اَلشَّيْطٰانُ » وَ هُوَ اَلثَّانِي «لِلْإِنْسٰانِ خَذُولاً» .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «أَصْحٰابُ اَلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً» فَبَلَغَنَا وَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَوَى أَهْلُ اَلنَّارِ إِلَى اَلنَّارِ لِيُنْطَلَقَ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا اَلنَّارَ فَيُقَالُ لَهُمْ : ادْخُلُوا «إِلىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاٰثِ شُعَبٍ » مِنْ دُخَانِ اَلنَّارِ فَيَحْسَبُونَ أَنَّهَا اَلْجَنَّةُ ثُمَّ يَدْخُلُونَ اَلنَّارَ أَفْوَاجاً أَفْوَاجاً وَ ذَلِكَ نِصْفَ النَّهَارِ، وَ أَقْبَلَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ فِيمَا اشْتَهَوْا مِنَ التُّحَفِ حَتَّى يُعْطَوْا مَنَازِلَهُمْ فِي اَلْجَنَّةِ نِصْفَ النَّهَارِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«أَصْحٰابُ اَلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً» .»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمٰاءُ بِالْغَمٰامِ » قَالَ : الْغَمَامُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ عٰاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحٰابَ الرَّسِّ »
ص: 113
«وَ عٰاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحٰابَ الرَّسِّ » فَهُنَّ الرَّسِّيَّاتُ .
و قوله «وَ كُلاًّ تَبَّرْنٰا تَتْبِيراً»
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ كُلاًّ تَبَّرْنٰا تَتْبِيراً» يَعْنِي كَسَّرْنَا تَكْسِيراً، قَالَ هِيَ لَفْظَةٌ بِالنَّبَطِيَّةِ [بِالْقِبْطِيَّةِ ].
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : وَ أَمَّا الْقَرْيَةُ «اَلَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ» فَهِيَ سَدُومُ قَرْيَةُ قَوْمِ لُوطٍ أَمْطَرَ اللَّهُ «عَلَيْهِمْ حِجٰارَةً مِنْ سِجِّيلٍ »
يَقُولُ مِنْ طِينٍ .
و قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ » قَالَ نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ ضَاقَ عَلَيْهِمُ الْمَعَاشُ فَخَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ وَ تَفَرَّقُوا فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى شَجَرَةً [صَخْرَةً ] حَسَنَةً أَوْ حَجَراً حَسَناً هَوَاهُ فَعَبَدَهُ وَ كَانُوا يَنْحِرُونَ لَهَا النَّعَمَ وَ يُلَطِّخُونَهَا بِالدَّمِ وَ يُسَمُّونَهَا سَعْدَ صَخْرَةٍ وَ كَانَ إِذَا أَصَابَهُمْ دَاءٌ فِي إِبِلِهِمْ وَ أَغْنَامِهِمْ جَاءُوا إِلَى الصَّخْرَةِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهَا الْغَنَمَ وَ الْإِبِلَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ اَلْعَرَبِ بِإِبِلٍ لَهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَمَسَّحَ بِالصَّخْرَةِ لِإِبِلِهِ وَ يُبَارِكَ عَلَيْهَا فَنَفَرَتْ إِبِلُهُ وَ تَفَرَّقَتْ فَقَالَ الرَّجُلُ شِعْراً:
أَتَيْتُ إِلَى سَعْدٍ لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا *** فَشَتَّتَنَا سَعْدٌ فَمَا نَحْنُ مِنْ سَعْدٍ
وَ مَا سَعْدٌ إِلاَّ صَخْرَةٌ مَسْتَوِيَةٌ *** مِنَ الْأَرْضِ لاَ تَهْدِي لِغَيٍّ وَ لاَ رُشْدٍ.
وَ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ اَلْعَرَبِ وَ الثَّعْلَبُ يَبُولُ عَلَيْهِ فَقَالَ شِعْراً:
وَ رَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبَانِ بِرَأْسِهِ *** لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ .
و أما قوله «وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كٰانَ رَبُّكَ قَدِيراً»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ
ص: 114
مِنْ سِنْخِهِ فَبَرَأَهَا مِنْ أَسْفَلِ أَضْلاَعِهِ (1) فَجَرَى بِذَلِكَ الضِّلْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ ثُمَّ زَوَّجَهَا إِيَّاهُ فَجَرَى بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ صِهْرٌ فَذَلِكَ قَوْلُهُ «نَسَباً وَ صِهْراً» فَالنَّسَبُ يَا أَخَا بَنِي عِجْلٍ مَا كَانَ مِنْ نَسَبِ الرِّجَالِ وَ الصِّهْرُ مَا كَانَ بِسَبَبِ النِّسَاءِ.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: فِي قَوْلِهِ «أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » فَقَالَ الظِّلُّ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ . و قوله «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هٰذٰا عَذْبٌ فُرٰاتٌ وَ هٰذٰا مِلْحٌ أُجٰاجٌ »
فالأجاج المر «وَ جَعَلَ بَيْنَهُمٰا بَرْزَخاً» يقول حاجزا و هو المنتهى «وَ حِجْراً مَحْجُوراً»
يقول حراما محرما بأن يغير طعم واحد منهما طعم الآخر و أما قوله «وَ كٰانَ الْكٰافِرُ عَلىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً» .
فقال علي بن إبراهيم: قد يسمى الإنسان ربا لغة لقوله «اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ » و كل مالك لشيء يسمى ربه فقوله «وَ كٰانَ الْكٰافِرُ عَلىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً» قال الكافر الثاني كان على أمير المؤمنين عليه السّلام ظهيرا
«وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمٰنِ قٰالُوا وَ مَا الرَّحْمٰنُ » قال جوابه «اَلرَّحْمٰنُ عَلَّمَ اَلْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسٰانَ عَلَّمَهُ الْبَيٰانَ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «تَبٰارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمٰاءِ بُرُوجاً»
ص: 115
فَالْبُرُوجُ الْكَوَاكِبُ وَ الْبُرُوجُ الَّتِي لِلرَّبِيعِ وَ الصَّيْفِ اَلْحَمَلُ
وَ اَلثَّوْرُ وَ اَلْجَوْزَاءُ وَ اَلسَّرَطَانُ وَ اَلْأَسَدُ وَ اَلسُّنْبُلَةُ وَ بُرُوجُ الْخَرِيفِ وَ الشِّتَاءِ اَلْمِيزَانُ
وَ اَلْعَقْرَبُ وَ اَلْقَوْسُ وَ اَلْجَدْيُ وَ اَلدَّلْوُ وَ اَلْحُوتُ وَ هِيَ اثْنَا عَشَرَ بُرْجاً.
وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ «وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرٰادَ شُكُوراً» فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رُبَّمَا فَاتَتْنِي صَلاَةُ اللَّيْلِ الشَّهْرَ وَ الشَّهْرَيْنِ وَ الثَّلاَثَةَ فَأَقْضِيهَا بِالنَّهَارِ أَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ قُرَّةُ عَيْنٍ لَكَ وَ اللَّهِ قُرَّةُ عَيْنٍ لَكَ ثَلاَثاً إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ «وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ خِلْفَةً » الْآيَةَ فَهُوَ قَضَاءُ صَلاَةِ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ وَ قَضَاءُ صَلاَةِ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ وَ هُوَ مِنْ سِرِّ آلِ مُحَمَّدٍ
الْمَكْنُونِ .
و في قوله «وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» قال نزلت في الأئمة عليهم السّلام
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى
عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» قَالَ اَلْأَئِمَّةُ «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» خَوْفاً مِنْ عَدُوِّهِمْ .
وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذٰا خٰاطَبَهُمُ الْجٰاهِلُونَ قٰالُوا سَلاٰماً وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِيٰاماً» قَالَ هُمُ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ يَتَّقُونَ فِي مَشْيِهِمْ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «إِنَّ عَذٰابَهٰا كٰانَ غَرٰاماً» يَقُولُ مُلاَزِماً لاَ يُفَارِقُ .
قوله «وَ الَّذِينَ لاٰ يَدْعُونَ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ وَ لاٰ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ لاٰ يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً» و أثام واد من أودية جهنم
من صفر مذاب قدامها خدة [حدة جرة] في جهنم يكون فيه من عبد غير الله و من قتل «اَلنَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ » و يكون فيه الزناة و «يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ » إلى
ص: 116
قوله «فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّٰهِ مَتٰاباً» يقول لا يعود إلى شيء من ذلك، بالإخلاص و نية صادقة «وَ الَّذِينَ لاٰ يَشْهَدُونَ الزُّورَ» قال الغناء و مجالس اللهو «إِذٰا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا» و الإسراف الإنفاق في المعصية في غير حق و لم يقتروا لم يبخلوا عن حق الله «وَ كٰانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوٰاماً» و القوام العدل و الإنفاق فيما أمر الله به.
و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ الَّذِينَ لاٰ يَدْعُونَ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ» إلى قوله «يَلْقَ أَثٰاماً» قال واديا في جهنم يقال له أثام ثم استثنى عز و جل فقال:
«إِلاّٰ مَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صٰالِحاً فَأُوْلٰئِكَ يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ »
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَعْفَرٍ وَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
أَوْقَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ عَرَضَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ فَيَنْظُرُ فِي صَحِيفَتِهِ فَأَوَّلُ مَا يَرَى سَيِّئَاتِهِ فَيَتَغَيَّرُ لِذَلِكَ لَوْنُهُ وَ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ حَسَنَاتُهُ فَتَفْرَحُ لِذَلِكَ نَفْسُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَدَّلُوا سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ أَظْهَرُوهَا لِلنَّاسِ فَيُبَدِّلُ اللَّهُ لَهُمْ فَيَقُولُ النَّاسُ أَ مَا كَانَ لِهَؤُلاَءِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ وَ هُوَ قَوْلُهُ «يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ » .».
قَالَ : وَ قُرِئَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ «وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً» فَقَالَ قَدْ سَأَلُوا اللَّهَ عَظِيماً أَنْ يَجْعَلَهُمْ لِلْمُتَّقِينَ أَئِمَّةً ! فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ هَذَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ « الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْ لَنَا مِنَ الْمُتَّقِينَ إِمَاماً.»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «اَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً» قَالَ نَحْنُ هُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ .
وَ رَوَى غَيْرُهُ : أَنَّ «أَزْوٰاجِنٰا» خَدِيجَةُ «وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا» فَاطِمَةُ «وَ «قُرَّةَ أَعْيُنٍ »
الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ «وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً» عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
ص: 117
يَقُولُ مَا يَفْعَلُ رَبِّي بِكُمْ «فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزٰاماً» .
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ طسم تِلْكَ آيٰاتُ اَلْكِتٰابِ الْمُبِينِ » قال طسم هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المرموز في القرآن
و قوله «لَعَلَّكَ بٰاخِعٌ نَفْسَكَ »
أي خادع نفسك «أَلاّٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » (1)
وَ قَوْلُهُ «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ » فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ تَخْضَعُ رِقَابُهُمْ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ هِيَ الصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ صَاحِبِ الْأَمْرِ.
و قوله «وَ إِذْ نٰادىٰ رَبُّكَ مُوسىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي
ص: 118
«فَعَلْتُهٰا إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضّٰالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّٰا خِفْتُكُمْ » (1) إِلَى قَوْلِهِ «أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ »
فَ «قٰالَ فِرْعَوْنُ وَ مٰا رَبُّ الْعٰالَمِينَ » وَ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ اللَّهِ فَقَالَ مُوسَى «رَبُّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ » فَقَالَ فِرْعَوْنُ مُتَعَجِّباً لِأَصْحَابِهِ :
«أَ لاٰ تَسْتَمِعُونَ » أَسْأَلُهُ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ فَيُجِيبُنِي عَنِ الصِّفَاتِ فَقَالَ مُوسَى «رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبٰائِكُمُ الْأَوَّلِينَ » ثُمَّ قَالَ لِمُوسَى:«لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلٰهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قٰالَ » مُوسَى:«أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْ ءٍ مُبِينٍ قٰالَ » فِرْعَوْنُ «فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّٰادِقِينَ فَأَلْقىٰ عَصٰاهُ فَإِذٰا هِيَ ثُعْبٰانٌ مُبِينٌ » فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ جُلَسَاءِ فِرْعَوْنَ إِلاَّ هَرَبَ وَ دَخَلَ فِرْعَوْنَ مِنَ الرُّعْبِ مَا لَمْ يَمْلِكْ بِهِ نَفْسَهُ ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ :
أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ وَ بِالرَّضَاعِ إِلاَّ مَا كَفَفْتَهَا عَنِّي فَكَفَّهَا ثُمَّ «نَزَعَ يَدَهُ فَإِذٰا هِيَ بَيْضٰاءُ لِلنّٰاظِرِينَ »
فَلَمَّا أَخَذَ مُوسَى الْعَصَا رَجَعَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ نَفْسُهُ وَ هَمَّ بِتَصْدِيقِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ هَامَانُ فَقَالَ لَهُ : بَيْنَمَا أَنْتَ إِلَهٌ تُعْبَدُ إِذْ صِرْتَ تَابِعاً لِعَبْدٍ ثُمَّ «قٰالَ » فِرْعَوْنُ «لِلْمَلَإِ»
ص: 119
وَ إِنَّمَا غَلَبَا النَّاسَ بِالسِّحْرِ وَ ادَّعَى فِرْعَوْنُ الرُّبُوبِيَّةَ بِالسِّحْرِ فَلَمَّا أَصْبَحَ بَعَثَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ مَدَائِنِ مِصْرَ كُلِّهَا وَ جَمَعُوا أَلْفَ سَاحِرٍ وَ اخْتَارُوا مِنَ الْأَلْفِ مِائَةً وَ مِنَ الْمِائَةِ ثَمَانِينَ ، فَقَالَ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أَسْحَرَ مِنَّا فَإِنْ غَلَبْنَا مُوسَى فَمَا يَكُونُ لَنَا عِنْدَكَ قَالَ :«إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ » عِنْدِي أُشَارِكُكُمْ فِي مُلْكِي، قَالُوا: فَإِنْ غَلَبَنَا مُوسَى وَ أَبْطَلَ سِحْرَنَا عَلِمْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ السِّحْرِ وَ لاَ مِنْ قِبَلِ الْحِيلَةِ وَ آمَنَّا بِهِ وَ صَدَّقْنَاهُ فَقَالَ فِرْعَوْنُ إِنْ غَلَبَكُمْ مُوسَى صَدَّقْتُهُ أَنَا أَيْضاً مَعَكُمْ ، وَ لَكِنْ أَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أَيْ حِيلَتَكُمْ ، قَالَ وَ كَانَ مَوْعِدُهُمْ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَمَعَ فِرْعَوْنُ النَّاسَ وَ السَّحَرَةَ وَ كَانَتْ لَهُ قُبَّةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَمَانُونَ ذِرَاعاً وَ قَدْ كَانَ كُسِيَتْ بِالْحَدِيدِ وَ الْفُولاَذِ الْمَصْقُولِ فَكَانَتْ إِذَا وَقَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهَا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا مِنْ لُمَعِ الْحَدِيدِ وَ وَهَجِ الشَّمْسِ وَ جَاءَ فِرْعَوْنُ وَ هَامَانُ وَ قَعَدَا عَلَيْهَا يَنْظُرَانِ وَ أَقْبَلَ مُوسَى يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَتِ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ : إِنَّا نَرَى رَجُلاً يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ وَ لَنْ يَبْلُغَ سِحْرُنَا إِلَى السَّمَاءِ وَ ضَمِنَتِ السَّحَرَةُ مَنْ فِي الْأَرْضِ فَقَالُوا لِمُوسَى «إِمّٰا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّٰا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ » «قٰالَ لَهُمْ مُوسىٰ أَلْقُوا مٰا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبٰالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ » فَأَقْبَلَتْ تَضْطَرِبُ وَ صَارَتْ مِثْلَ الْحَيَّاتِ «قٰالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّٰا لَنَحْنُ الْغٰالِبُونَ » «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسىٰ » فَنُودِيَ «لاٰ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلىٰ وَ أَلْقِ مٰا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مٰا صَنَعُوا إِنَّمٰا صَنَعُوا كَيْدُ سٰاحِرٍ وَ لاٰ يُفْلِحُ السّٰاحِرُ حَيْثُ أَتىٰ » .
ص: 120
وَ هَامَانُ فِي ثِيَابِهِمَا وَ شَابَ رَأْسُهُمَا وَ غُشِيَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَزَعِ وَ مَرَّ مُوسَى فِي الْهَزِيمَةِ مَعَ النَّاسِ ، فَنَادَاهُ اللَّهُ «خُذْهٰا وَ لاٰ تَخَفْ سَنُعِيدُهٰا سِيرَتَهَا الْأُولىٰ » فَرَجَعَ مُوسَى
وَ لَفَّ عَلَى يَدِهِ عَبَاءً كَانَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَمِهَا فَإِذَا هِيَ عَصَا كَمَا كَانَتْ وَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سٰاجِدِينَ » لَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ «قٰالُوا آمَنّٰا بِرَبِّ الْعٰالَمِينَ رَبِّ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ » فَغَضِبَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ غَضَباً شَدِيداً وَ «قٰالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ » يَعْنِي مُوسَى «اَلَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاٰفٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ » فَقَالُوا لَهُ كَمَا حَكَى اللَّهُ «لاٰ ضَيْرَ إِنّٰا إِلىٰ رَبِّنٰا مُنْقَلِبُونَ إِنّٰا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنٰا رَبُّنٰا خَطٰايٰانٰا أَنْ كُنّٰا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ » فَحَبَسَ فِرْعَوْنُ مَنْ آمَنَ بِمُوسَى حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ «عَلَيْهِمُ الطُّوفٰانَ وَ الْجَرٰادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفٰادِعَ وَ الدَّمَ » فَأَطْلَقَ فِرْعَوْنُ عَنْهُمْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى «أَنْ أَسْرِ بِعِبٰادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ » فَخَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَقْطَعَ بِهِمُ الْبَحْرَ.
وَ جَمَعَ فِرْعَوْنُ أَصْحَابَهُ وَ بَعَثَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ وَ حَشَرَ النَّاسَ وَ قَدَّمَ مُقَدِّمَتَهُ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ وَ رَكِبَ هُوَ فِي أَلْفِ أَلْفٍ وَ خَرَجَ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «فَأَخْرَجْنٰاهُمْ مِنْ جَنّٰاتٍ وَ عُيُونٍ وَ كُنُوزٍ وَ مَقٰامٍ كَرِيمٍ كَذٰلِكَ وَ أَوْرَثْنٰاهٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ » فَلَمَّا قَرُبَ مُوسَى الْبَحْرَ وَ قَرُبَ فِرْعَوْنُ مِنْ مُوسَى «قٰالَ أَصْحٰابُ مُوسىٰ إِنّٰا لَمُدْرَكُونَ قٰالَ » مُوسَى «كَلاّٰ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ » أَيْ سَيُنْجِينِي.
فَدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ انْفَلِقْ ، فَقَالَ الْبَحْرُ لَهُ : اسْتَكْبَرْتَ يَا مُوسَى أَنْ تَقُولَ لِي أَنْفَلِقُ لَكَ وَ لَمْ أَعْصِ اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَ قَدْ كَانَ فِيكُمُ الْمَعَاصِي، فَقَالَ لَهُ مُوسَى فَاحْذَرْ أَنْ تَعْصِيَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ آدَمَ أُخْرِجَ مِنَ اَلْجَنَّةِ بِمَعْصِيَتِهِ وَ إِنَّمَا إِبْلِيسُ
ص: 121
فَضَرَبَهُ «فَانْفَلَقَ فَكٰانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ » أَيْ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ فَضَرَبَ لَهُ فِي الْبَحْرِ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقاً فَأَخَذَ كُلُّ سِبْطٍ مِنْهُمْ فِي طَرِيقٍ فَكَانَ الْمَاءُ قَدِ ارْتَفَعَ وَ بَقِيَتِ الْأَرْضُ يَابِسَةً طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ فَيَبِسَتْ كَمَا حَكَى اللَّهُ «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لاٰ تَخٰافُ دَرَكاً وَ لاٰ تَخْشىٰ » وَ دَخَلَ مُوسَى الْبَحْرَ وَ كَانَ أَصْحَابُهُ اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطاً فَضَرَبَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقاً فَأَخَذَ كُلُّ سِبْطٍ فِي طَرِيقٍ وَ كَانَ الْمَاءُ قَدِ ارْتَفَعَ عَلَى رُءُوسِهِمْ مِثْلَ الْجِبَالِ فَجَزِعَتِ الْفِرْقَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ مُوسَى
فِي طَرِيقِهِ فَقَالُوا يَا مُوسَى أَيْنَ إِخْوَانُنَا فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى مَعَكُمْ فِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَصَارَتْ طَاقَاتٍ حَتَّى كَانَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ يَتَحَدَّثُونَ وَ أَقْبَلَ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَ لاَ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَبُّكُمُ الْأَعْلَى قَدْ فُرِّجَ لِيَ الْبَحْرُ فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ الْبَحْرَ وَ امْتَنَعَتِ الْخَيْلُ مِنْهُ لِهَوْلِ الْمَاءِ فَتَقَدَّمَ فِرْعَوْنُ حَتَّى جَاءَ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ مُنَجِّمُهُ لاَ تَدْخُلِ الْبَحْرَ وَ عَارَضَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حِصَانٍ فَامْتَنَعَ الْحِصَانُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءَ فَعَطَفَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَ هُوَ عَلَى مَادِيَانَةٍ فَتَقَدَّمَهُ وَ دَخَلَ فَنَظَرَ الْفَرَسُ إِلَى الرَّمَكَةِ فَطَلَبَهَا وَ دَخَلَ الْبَحْرَ وَ اقْتَحَمَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُ فَلَمَّا دَخَلُوا كُلُّهُمْ حَتَّى كَانَ آخِرُ مَنْ دَخَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ آخِرُ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى أَمَرَ اللَّهُ الرِّيَاحَ فَضَرَبَتِ الْبَحْرَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَأَقْبَلَ الْمَاءُ يَقَعُ عَلَيْهِمْ مِثْلَ الْجِبَالِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ «آمَنْتُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرٰائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ » فَأَخَذَ جَبْرَئِيلُ كَفّاً مِنْ حَمْأَةٍ فَدَسَّهَا فِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ «آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ » .»
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ » يَقُولُ عَصَبَةٌ قَلِيلَةٌ «وَ إِنّٰا لَجَمِيعٌ حٰاذِرُونَ » يَقُولُ مُؤَدُّونَ فِي الْأَدَاةِ وَ هُوَ الشَّاكُّ فِي السِّلاَحِ . و أما قوله «وَ مَقٰامٍ كَرِيمٍ » يقول مساكن حسنة و أما قوله «فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ » يعني عند طلوع الشمس و أما قوله «مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ » يقول سيكفين
ص: 122
«وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ » يقول قربت «وَ بُرِّزَتِ اَلْجَحِيمُ » يقول نحيت(1) و أما قوله:
«فَافْتَحْ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ فَتْحاً» يقول اقض بيني و بينهم قضاء و قال علي بن إبراهيم
في قوله:«وَ اجْعَلْ لِي لِسٰانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ » قال هو أمير المؤمنين عليه السّلام
و قوله:«إِلاّٰ مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » قال القلب السليم الذي يلقى الله و ليس فيه أحد سواه.
و قوله:«فَكُبْكِبُوا فِيهٰا هُمْ وَ الْغٰاوُونَ »
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ وَصَفُوا عَدْلاً ثُمَّ خَالَفُوهُ إِلَى غَيْرِهِ .
وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ قَالَ : هُمْ بَنُو أُمَيَّةَ «وَ الْغٰاوُونَ »
هُمْ بَنُو فُلاَنٍ . «قٰالُوا وَ هُمْ فِيهٰا يَخْتَصِمُونَ تَاللّٰهِ إِنْ كُنّٰا لَفِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعٰالَمِينَ » يقولون لمن تبعوهم أطعناكم كما أطعنا الله فصرتم أربابا ثم يقولون «فَمٰا لَنٰا مِنْ شٰافِعِينَ وَ لاٰ صَدِيقٍ حَمِيمٍ »
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالاَ: وَ اللَّهِ لَنَشْفَعَنَّ فِي الْمُذْنِبِينَ مِنْ شِيعَتِنَا حَتَّى يَقُولُوا أَعْدَاؤُنَا إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ «فَمٰا لَنٰا مِنْ شٰافِعِينَ وَ لاٰ صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنٰا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » قَالَ : مِنَ الْمُهْتَدِينَ قَالَ : لِأَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ لَزِمَهُمْ بِالْإِقْرَارِ.
و قوله:«قٰالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ » يا نوح «وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ » قال الفقراء
و قوله:«وَ إِذٰا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّٰارِينَ » قال: تقتلون بالغضب من غير استحقاق
و قوله:«وَ نَخْلٍ طَلْعُهٰا هَضِيمٌ » أي ممتلئ
و قوله:«وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبٰالِ بُيُوتاً فٰارِهِينَ » أي حاذقين و يقرأ فرهين أي بطرين
إلى قوله «إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقٰالِينَ » أي من المبغضين
و قوله:«وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ » قال الخلق الأولين
و قوله «فَكَذَّبُوهُ » قال قوم شعيب «فَأَخَذَهُمْ عَذٰابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ »
ص: 123
قال يوم حر و سمائم (1)
و قوله:«وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعٰالَمِينَ نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ الْأَمِينُ »
يعني القرآن
وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَسَّانَ [حَنَانٍ ] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعٰالَمِينَ نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ الْأَمِينُ عَلىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ » قَالَ : الْوَلاَيَةُ نَزَلَتْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْمَ الْغَدِيرِ.
و قوله:«وَ لَوْ نَزَّلْنٰاهُ عَلىٰ بَعْضِ اَلْأَعْجَمِينَ
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مٰا كٰانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ »
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَوْ أُنْزِلَ اَلْقُرْآنُ عَلَى اَلْعَجَمِ
مَا آمَنَتْ بِهِ اَلْعَرَبُ وَ قَدْ نَزَلَ عَلَى اَلْعَرَبِ فَآمَنَتْ بِهِ اَلْعَجَمُ فَهَذِهِ فَضِيلَةُ اَلْعَجَمِ .
و قَوْلُهُ «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » قَالَ نَزَلَتْ وَ «رَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ».
قَالَ : نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَنِي هَاشِمٍ وَ هُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْكُلُ الْجَذَعَ (2) وَ يَشْرَبُ الْقِرْبَةَ فَاتَّخَذَ لَهُمْ طَعَاماً يَسِيراً وَ أَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ يَكُونُ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فَقَالَ لَهُمْ أَبُو لَهَبٍ جَزْماً سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَتَفَرَّقُوا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَفَعَلَ بِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَقَاهُمُ اللَّبَنَ حَتَّى رَوُوا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَيُّكُمْ يَكُونُ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ جَزْماً سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ فَتَفَرَّقُوا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَفَعَلَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَقَاهُمُ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَيُّكُمْ يَكُونُ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ يُنْجِزُ عِدَاتِي وَ يَقْضِي دَيْنِي فَقَامَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنّاً وَ أَحْمَشَهُمْ (3)
سَاقاً وَ أَقَلَّهُمْ مَالاً فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَنْتَ هُوَ .
ص: 124
و قوله:«اَلَّذِي يَرٰاكَ حِينَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ »
قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : «اَلَّذِي يَرٰاكَ حِينَ تَقُومُ » فِي النُّبُوَّةِ «وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ » قَالَ فِي أَصْلاَبِ النَّبِيِّينَ «وَ الشُّعَرٰاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغٰاوُونَ »
قَالَ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ غَيَّرُوا دِينَ اللَّهِ بِآرَائِهِمْ وَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَاعِراً قَطُّ تَبِعَهُ أَحَدٌ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ وَضَعُوا دِيناً بِآرَائِهِمْ فَيَتَّبِعُهُمُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ «أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وٰادٍ يَهِيمُونَ » يَعْنِي يُنَاظِرُونَ بِالْأَبَاطِيلِ وَ يُجَادِلُونَ بِالْحُجَجِ الْمُضِلَّةِ وَ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ يَذْهَبُونَ «وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مٰا لاٰ يَفْعَلُونَ » قَالَ يَعِظُونَ النَّاسَ وَ لاَ يَتَّعِظُونَ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لاَ يَنْتَهُونَ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ لاَ يَعْمَلُونَ وَ هُمُ الَّذِينَ غَصَبُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ .
ثُمَّ ذَكَرَ آلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ شِيعَتَهُمُ الْمُهْتَدِينَ فَقَالَ :«إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ وَ ذَكَرُوا اللّٰهَ كَثِيراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا» ثُمَّ ذَكَرَ أَعْدَاءَهُمْ وَ مَنْ ظَلَمَهُمْ فَقَالَ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا» آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »
هَكَذَا وَ اللَّهِ نَزَلَتْ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «اَلْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » الْمُجَهَّزُ الَّذِي قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ رَفْعُهُ وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«بِكُلِّ رِيعٍ »
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَعْنِي بِكُلِّ طَرِيقٍ «آيَةً » وَ الْآيَةُ عَلِيٌّ «تَعْبَثُونَ » .
و قوله «إِنَّمٰا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ » يقول أجوف مثل خلق الناس و لو كنت رسولا ما كنت مثلنا
و قوله «أَصْحٰابُ الْأَيْكَةِ » الأيكة الغيضة من الشجر
و أما قوله «عَذٰابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كٰانَ عَذٰابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ » فبلغنا و الله أعلم أنه أصابهم حر و هم في بيوتهم فخرجوا يلتمسون الروح من قبل السحابة التي بعث الله فيها العذاب فلما غشيتهم أخذتهم الصيحة «فَأَصْبَحُوا فِي دِيٰارِهِمْ جٰاثِمِينَ » و هم قوم شعيب
و قوله «لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ » يعني كتب الأولين
ص: 125
لمعزولون
و قوله: «و رهطك منهم المخلصين» علي بن أبي طالب و حمزة و جعفر
و الحسن و الحسين و الأئمة من آل محمد عليهم السّلام
ثم قال:«لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ » يعني من بعدك في ولاية علي و الأئمة عليهم السّلام من ذريتهم «فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّٰا تَعْمَلُونَ » و معصية الرسول صلّى اللّه عليه و آله و هو ميت كمعصيته و هو حي
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ طس تِلْكَ آيٰاتُ اَلْقُرْآنِ وَ كِتٰابٍ مُبِينٍ » إلى قوله «هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَ إِنَّكَ » مخاطبة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «لَتُلَقَّى اَلْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ » أي من عند «حَكِيمٍ عَلِيمٍ »
و قوله «إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نٰاراً» أي رأيت ذلك لما خرج من المدائن من عند شعيب فكتب خبره في سورة القصص
و قوله:
«يٰا مُوسىٰ لاٰ تَخَفْ إِنِّي لاٰ يَخٰافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلاّٰ مَنْ ظَلَمَ » و معنى إلا من ظلم كقولك و لا من ظلم «ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ » فوضع حرف مكان حرف
و قوله:«وَ لَقَدْ آتَيْنٰا دٰاوُدَ» إلى قوله «اَلْمُبِينُ » قال: أعطى داود
و سليمان ما لم يعط أحدا من أنبياء الله من الآيات علمهما «مَنْطِقَ الطَّيْرِ» و ألان لهما الحديد و الصفر من غير نار و جعلت الجبال يسبحن مع داود و أنزل الله عليه الزبور
فيه توحيد و تمجيد و دعاء و أخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة عليهم السّلام
من ذريتهما عليهما السّلام و أخبار الرجعة و القائم عليه السلام لقوله «وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ » و قوله «وَ حُشِرَ لِسُلَيْمٰانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ » قعد على كرسيه و حملته الريح فمرت به على وادي النمل و هو واد ينبت الذهب و الفضة و قد وكل الله به النمل
ص: 126
بِأَضْعَفِ خَلْقِهِ وَ هُوَ النَّمْلُ لَوْ رَامَتْهُ الْبَخَاتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ .
فلما انتهى سليمان إلى وادي النمل فقالت نملة «يٰا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسٰاكِنَكُمْ لاٰ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمٰانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضٰاحِكاً مِنْ قَوْلِهٰا وَ قٰالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ » إلى قوله «فِي عِبٰادِكَ الصّٰالِحِينَ » و كان سليمان إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير التي سخرها الله لسليمان فتظل الكرسي و البساط بجميع من عليه من الشمس فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقع الشمس من موضعه في حجر سليمان عليه السّلام فرفع رأسه و قال كما حكى الله «مٰا لِيَ لاٰ أَرَى الْهُدْهُدَ» إلى قوله «بِسُلْطٰانٍ مُبِينٍ » أي بحجة قوية فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء الهدهد فقال له سليمان أين كنت قال «أَحَطْتُ بِمٰا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ » أي بخبر صحيح «إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ» و هذا مما لفظه عام و معناه خاص لأنها لم تؤت أشياء كثيرة منها الذكر و اللحية ثم قال:
«وَجَدْتُهٰا وَ قَوْمَهٰا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّٰهِ » إلى قوله «فَهُمْ لاٰ يَهْتَدُونَ »
ثم قال الهدهد «أَلاّٰ يَسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ فِي السَّمٰاوٰاتِ » أي المطر و في الأرض النبات.
ثم قال سليمان «سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكٰاذِبِينَ » إلى قوله «مٰا ذٰا يَرْجِعُونَ » فقال الهدهد إنها في حصن منيع في عرش عظيم أي سرير فقال سليمان
ألق الكتاب على قبتها فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك و جمعت جنودها و قالت لهم كما حكى الله «يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتٰابٌ كَرِيمٌ »
أي مختوم «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمٰانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ أَلاّٰ تَعْلُوا عَلَيَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ » أي لا تتكبروا علي ثم قالت «يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مٰا كُنْتُ قٰاطِعَةً أَمْراً حَتّٰى تَشْهَدُونِ » فقالوا لها كما حكى الله «نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مٰا ذٰا تَأْمُرِينَ قٰالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذٰا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهٰا وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهٰا أَذِلَّةً »
ص: 127
فقال الله عز و جل «وَ كَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ » ثم قالت إن كان هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنا به فإن الله لا يغلب و لكن سأبعث إليه بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها و علمنا أنه لا يقدر علينا فبعثت إليه حقه فيها جوهرة عظيمة و قالت للرسول قل له يثقب هذه الجوهر بلا حديد و لا نار فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان بعض جنوده من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها و أخرج الخيط من الجانب الآخر و قال سليمان لرسولها «فَمٰا آتٰانِيَ اللّٰهُ خَيْرٌ مِمّٰا آتٰاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاٰ قِبَلَ لَهُمْ بِهٰا» أي لا طاقة لهم بها «وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهٰا أَذِلَّةً وَ هُمْ صٰاغِرُونَ » .
فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك و بقوة سليمان فعلمت أنه لا محيص لها فارتحلت نحو سليمان فلما علم سليمان بإقبالها نحوه قال للجن و الشياطين «أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهٰا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قٰالَ عِفْرِيتٌ مِنَ » عفاريت «اَلْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقٰامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ » قال سليمان أريد أسرع من ذلك، فقال آصف بن برخيا «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » فدعا الله باسمه الأعظم فخرج السرير من تحت كرسي سليمان فقال «نَكِّرُوا لَهٰا عَرْشَهٰا» أي غيروه «نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاٰ يَهْتَدُونَ فَلَمّٰا جٰاءَتْ قِيلَ أَ هٰكَذٰا عَرْشُكِ قٰالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ» و كان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيتا من قوارير و وضعه على الماء ثم «قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ » فظنت أنه ماء فرفعت ثوبها و أبدت ساقيها فإذا عليها شعر كثير فقيل لها «إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوٰارِيرَ قٰالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمٰانَ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ » فتزوجها سليمان و هي بلقيس بنت الشرح الحميرية و قالت الشياطين اتخذوا لها شيئا يذهب الشعر عنها فعملوا لها الحمامات و طبخوا النورة فالحمامات و النورة مما اتخذته الشياطين لبلقيس و كذا الأرحية التي تدور على الماء.
ص: 128
وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَعَ عِلْمِهِ مَعْرِفَةَ الْمَنْطِقِ بِكُلِّ لِسَانٍ وَ مَعْرِفَةَ اللُّغَاتِ وَ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ الْبَهَائِمِ وَ السِّبَاعِ فَكَانَ إِذَا شَاهَدَ الْحُرُوبَ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَ إِذَا قَعَدَ لِعُمَّالِهِ وَ جُنُودِهِ وَ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ تَكَلَّمَ بِالرُّومِيَّةِ وَ إِذَا خَلاَ بِنِسَائِهِ تَكَلَّمَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَ النَّبَطِيَّةِ وَ إِذَا قَامَ فِي مِحْرَابِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَ إِذَا جَلَسَ لِلْوُفُودِ وَ الْخُصَمَاءِ تَكَلَّمَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَهُمْ يُوزَعُونَ » قَالَ يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ . و قوله «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذٰاباً شَدِيداً»
يقول لأنتفن ريشه و قوله «أَلاّٰ تَعْلُوا عَلَيَّ » يقول لا تعظموا علي و قوله «لاٰ قِبَلَ لَهُمْ بِهٰا» يقول لا طاقة لهم بها.
و قول سليمان «لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ» لما آتاني من الملك «أَمْ أَكْفُرُ» إذا رأيت من هو أدون مني أفضل مني علما فعزم الله له على الشكر
و أما قوله «قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ وَ سَلاٰمٌ عَلىٰ عِبٰادِهِ الَّذِينَ اصْطَفىٰ » قال: هم آل محمد عليهم السّلام و قوله:«فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خٰاوِيَةً بِمٰا ظَلَمُوا» قال لا تكون الخلافة في آل فلان و لا آل فلان و لا آل فلان و لا طلحة و لا الزبير.
و قال علي بن إبراهيم في قوله «أَمَّنْ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَنْبَتْنٰا بِهِ حَدٰائِقَ ذٰاتَ بَهْجَةٍ » أي بساتين ذات حسن «مٰا كٰانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهٰا» و هو على حد الاستفهام «أَ إِلٰهٌ مَعَ اللّٰهِ » يعني فعل هذا مع الله «بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ » قال عن الحق و قوله:«أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفٰاءَ الْأَرْضِ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ
، هُوَ وَ اللَّهِ الْمُضْطَرُّ إِذَا صَلَّى فِي الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَ دَعَا اللَّهَ فَأَجَابَهُ «وَ يَكْشِفُ السُّوءَ» وَ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ . و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله.
ثم حكى عز و جل قول الدهرية فقال:
ص: 129
«وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذٰا كُنّٰا تُرٰاباً وَ آبٰاؤُنٰا أَ إِنّٰا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنٰا هٰذٰا نَحْنُ وَ آبٰاؤُنٰا مِنْ قَبْلُ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِيرُ الْأَوَّلِينَ » أي أكاذيب الأولين، فحزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لذلك فأنزل الله تعالى «وَ لاٰ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمّٰا يَمْكُرُونَ » ثم حكى أيضا قولهم «وَ يَقُولُونَ »
يا محمد «مَتىٰ هٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ قُلْ عَسىٰ أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ » أي قد قرب من خلفكم «بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ » ثم قال «إِنَّكَ » يا محمد «لاٰ تُسْمِعُ الْمَوْتىٰ وَ لاٰ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعٰاءَ إِذٰا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ » أي إن هؤلاء الذين تدعوهم لا يسمعون ما تقول كما لا يسمع الموتى و الصم.
فأما قوله «وَ إِذٰا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً » إلى قوله «بِآيٰاتِنٰا لاٰ يُوقِنُونَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ : انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ نَائِمٌ فِي اَلْمَسْجِدِ قَدْ جَمَعَ رَمْلاً وَ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَيْهِ فَحَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : قُمْ يَا دَابَّةَ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ يُسَمِّي بَعْضُنَا بَعْضاً بِهَذَا الاِسْمِ فَقَالَ : لاَ وَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ لَهُ خَاصَّةً وَ هُوَ الدَّابَّةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ «وَ إِذٰا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّٰاسَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا لاٰ يُوقِنُونَ » ثُمَّ قَالَ يَا عَلِيُّ إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ أَخْرَجَكَ اللَّهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَ مَعَكَ مِيسَمٌ تَسِمُ بِهِ أَعْدَاءَكَ ، فَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ هَذِهِ الدَّابَّةُ إِنَّمَا تَكْلِمُهُمْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَلَمَهُمُ اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ إِنَّمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ مِنَ الْكَلاَمِ وَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا فِي اَلرَّجْعَةِ قَوْلُهُ «وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيٰاتِنٰا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتّٰى إِذٰا جٰاؤُ قٰالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآيٰاتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِهٰا عِلْماً أَمّٰا ذٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »
ص: 130
اَلرَّجْعَةِ ، وَ أَمَّا آيَةُ الْقِيَامَةِ فَهِيَ «وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» .»
حَدَّثَنِي أَبِي
عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اَلْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً» قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قُتِلَ إِلاَّ يَرْجِعُ حَتَّى يَمُوتَ وَ لاَ يَرْجِعُ إِلاَّ مَنْ مَحَضَ الْإِيمَانَ مَحْضاً وَ مَنْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَالَ رَجُلٌ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ
قَدْ أَفْسَدَتْ قَلْبِي وَ شَكَّكَتْنِي قَالَ عَمَّارٌ وَ أَيُّ آيَةٍ هِيَ قَالَ قَوْلُ اللَّهِ :«وَ إِذٰا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ » ، الْآيَةَ فَأَيُّ دَابَّةٍ هِيَ قَالَ عَمَّارٌ وَ اللَّهِ مَا أَجْلِسُ وَ لاَ آكُلُ وَ لاَ أَشْرَبُ حَتَّى أُرِيَكَهَا: فَجَاءَ عَمَّارٌ مَعَ الرَّجُلِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ يَأْكُلُ تَمْراً وَ زَبَداً، فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلُمَّ فَجَلَسَ عَمَّارٌ وَ أَقْبَلَ يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَتَعَجَّبَ الرَّجُلُ مِنْهُ ، فَلَمَّا قَامَ عَمَّارٌ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ
حَلَفْتَ أَنَّكَ لاَ تَأْكُلُ وَ لاَ تَشْرَبُ وَ لاَ تَجْلِسُ حَتَّى تُرِيَنِيهَا، قَالَ عَمَّارٌ قَدْ أَرَيْتُكَهَا إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ .، و قوله «وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دٰاخِرِينَ » قال خاشعين و قوله «وَ تَرَى الْجِبٰالَ تَحْسَبُهٰا جٰامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحٰابِ صُنْعَ اللّٰهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ» قال فعل الله الذي أحكم كل شيء.
و أما قوله:«مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهٰا» «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا» و قوله «مَنْ جٰاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي اَلنّٰارِ» قال الحسنة و الله ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و السيئة و الله عداوته
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ [حَنَانٍ ] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
فِي قَوْلِهِ :«مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا» قَالَ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً وَ الْحَسَنَةُ الْوَلاَيَةُ فَمَنْ عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَلاَيَةٌ رُفِعَ عَنْهُ بِمَا عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ فِي الدُّنْيَا «وَ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاٰقٍ » .، قال علي بن إبراهيم في قوله:
«إِنَّمٰا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهٰا» قال مكة «وَ لَهُ كُلُّ شَيْ ءٍ»
ص: 131
قال الله عز و جل:«وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » إلى قوله «سَيُرِيكُمْ آيٰاتِهِ فَتَعْرِفُونَهٰا» قال الآيات أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام إذا رجعوا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم، و الدليل على أن الآيات هم الأئمة
قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
وَ اللَّهِ مَا لِلَّهِ آيَةٌ أَكْبَرُ مِنِّي.، فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ لَقَدْ أَرْسَلْنٰا إِلىٰ ثَمُودَ
أَخٰاهُمْ صٰالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللّٰهَ فَإِذٰا هُمْ فَرِيقٰانِ يَخْتَصِمُونَ » يَقُولُ مُصَدِّقٌ وَ مُكَذِّبٌ قَالَ الْكَافِرُونَ مِنْهُمْ أَ تَشْهَدُونَ «أَنَّ صٰالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ » قَالَ الْمُؤْمِنُونَ إِنَّا بِالَّذِي «أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ » ، قَالَ الْكَافِرُونَ مِنْهُمْ «إِنّٰا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كٰافِرُونَ » ، وَ قَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فَجَاءَهُمْ بِنَاقَةٍ «فَعَقَرُوهٰا» ، وَ كَانَ الَّذِي عَقَرَهَا أَزْرَقَ أَحْمَرَ وَلَدَ الزِّنَا. و أما قوله:«لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ » فإنهم سألوه قبل أن يأتيهم الناقة أن يأتيهم بعذاب أليم أرادوا بذلك امتحانه ف «قٰالَ : يٰا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ » يقول بالعذاب قبل الرحمة و أما قوله:«قٰالُوا اطَّيَّرْنٰا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ » فإنهم أصابهم جوع شديد فقالوا هذا من شومك و شوم الذين معك أصابنا هذا القحط و هي الطيرة «قٰالَ طٰائِرُكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ » يقول خيركم و شركم من عند الله «بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ » يقول تبتلون بالاختبار.
و أما قوله «وَ كٰانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ يُصْلِحُونَ »
كانوا يعملون في الأرض بالمعاصي و أما قوله «تَقٰاسَمُوا بِاللّٰهِ » أي تحالفوا «لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ » أي لنحلفن «لِوَلِيِّهِ مٰا شَهِدْنٰا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَ إِنّٰا لَصٰادِقُونَ »
يقول لنفعلن، فأتوا صالحا ليلا ليقتلوه و عند صالح ملائكة يحرسونه فلما أتوه قاتلتهم الملائكة في دار صالح رجما بالحجارة فأصبحوا في داره مقتلين و صبحت قومه الرجفة «فَأَصْبَحُوا فِي دِيٰارِهِمْ جٰاثِمِينَ » .
و أما قوله:«بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حٰاجِزاً» يقول فضاء و أما قوله «بَلِ ادّٰارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ » يقول علموا ما كانوا جهلوا في الدنيا و أما قوله «وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دٰاخِرِينَ »
ص: 132
قال: صاغرين و أما قوله:«أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ» يقول «أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ » .
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ طسم تِلْكَ آيٰاتُ اَلْكِتٰابِ الْمُبِينِ » ثم خاطب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«نَتْلُوا عَلَيْكَ » يا محمد «مِنْ نَبَإِ مُوسىٰ وَ فِرْعَوْنَ » إلى قوله «إِنَّهُ كٰانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ » فأخبر الله نبيه بما لقي موسى و أصحابه من فرعون من القتل و الظلم ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته من أمته ثم بشره بعد تعزيته أنه يتفضل عليهم بعد ذلك و يجعلهم خلفاء في الأرض و أئمة على أمته و يردهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتى ينتصفوا منهم فقال: «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ
وَ هٰامٰانَ وَ جُنُودَهُمٰا» و هم الذين غصبوا آل محمد حقهم و قوله «مِنْهُمْ » أي من آل محمد «مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ » أي من القتل و العذاب و لو كانت هذه الآية نزلت في موسى و فرعون لقال و نري فرعون و هامان و جنودهما منه ما كانوا يحذرون أي من موسى و لم يقل منهم فلما تقدم قوله «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ » علمنا أن المخاطبة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و ما وعد الله به رسوله فإنما يكون بعده و الأئمة يكونون من ولده و إنما ضرب الله هذا المثل لهم في موسى و بني إسرائيل و في أعدائهم بفرعون و هامان و جنودهما فقال: إن فرعون قتل بني إسرائيل و ظلم من ظلمهم فأظفر الله موسى بفرعون و أصحابه حتى أهلكهم الله و كذلك أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصابهم من أعدائهم القتل و الغصب ثم يردهم الله و يرد أعداءهم إلى الدنيا حتى يقتلوهم.
ص: 133
وَ قَدْ ضَرَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَثَلاً مِثْلَ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَعْدَائِهِمْ بِفِرْعَوْنَ
وَ هَامَانَ فَقَالَ : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَوَّلُ مَنْ بَغَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَلَقَ اللَّهُ لَهَا عِشْرِينَ إِصْبَعاً لِكُلِّ إِصْبَعٍ مِنْهَا ظُفُرَانِ طَوِيلاَنِ كَالْمِخْلَبَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ وَ كَانَ مَجْلِسُهَا فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ جَرِيبٍ فَلَمَّا بَغَتْ بَعَثَ اللَّهُ لَهَا أَسَداً كَالْفِيلِ وَ ذِئْباً كَالْبَعِيرِ وَ نَسْراً كَالْحِمَارِ وَ كَانَ ذَلِكَ فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ فَسَلَّطَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَقَتَلُوهَا، أَلاَ وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ خَسَفَ اللَّهُ بِقَارُونَ .» و إنما هذا مثل لأعدائه الذين غصبوا حقه فأهلكهم الله
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى أَثَرِ هَذَا الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ : «وَ قَدْ كَانَ لِي حَقٌّ حَازَهُ دُونِي مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَ لَمْ أَكُنْ أُشْرِكُهُ فِيهِ وَ لاَ تَوْبَةَ لَهُ إِلاَّ بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ وَ بِرَسُولٍ مُرْسَلٍ وَ أَنَّى لَهُ بِالرِّسَالَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ
[النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لاَ نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .»(1) و كذلك مثل القائم عليه السّلام
في غيبته و هربه و استناره مثل موسى عليه السّلام خائف مستتر إلى أن يأذن الله في خروجه و طلب حقه و قتل أعدائه في قوله:«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ » و قد ضرب الحسين بن علي عليه السّلام مثلا في بني إسرائيل بذلتهم من أعدائهم
حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : لَقِيَ اَلْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ : وَيْحَكَ أَ مَا آنَ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ كَيْفَ أَصْبَحْتُ أَصْبَحْنَا فِي قَوْمِنَا مِثْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ
يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَنَا وَ يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا وَ أَصْبَحَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ يُلْعَنُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَ أَصْبَحَ عَدُوُّنَا يُعْطَى الْمَالَ وَ الشَّرَفَ ، وَ أَصْبَحَ مَنْ يُحِبُّنَا مَحْقُوراً مَنْقُوصاً حَقُّهُ ، وَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلِ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَصْبَحَتِ اَلْعَجَمُ تَعْرِفُ لِلْعَرَبِ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ تَفْتَخِرُ عَلَى اَلْعَرَبِ بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا، وَ أَصْبَحَتِ اَلْعَرَبُ تَعْرِفُ لِقُرَيْشٍ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحَتِ اَلْعَرَبُ تَفْتَخِرُ عَلَى اَلْعَجَمِ بِأَنَّ مُحَمَّداً
ص: 134
كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لاَ يُعْرَفُ لَنَا حَقٌّ فَهَكَذَا أَصْبَحْنَا يَا مِنْهَالُ .
و أما قوله:«وَ أَوْحَيْنٰا إِلىٰ أُمِّ مُوسىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذٰا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لاٰ تَخٰافِي وَ لاٰ تَحْزَنِي إِنّٰا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جٰاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي
عَنِ اَلْحُسَيْنِ [الْحَسَنِ ] بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ اَلْعَلاَءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ : إِنَّ مُوسَى لَمَّا حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا إِلاَّ عِنْدَ وَضْعِهِ وَ كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ وَكَّلَ بِنَسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نِسَاءً مِنَ اَلْقِبْطِ يَحْفَظْنَهُنَّ ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يُولَدُ فِينَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ يَكُونُ هَلاَكُ فِرْعَوْنَ وَ أَصْحَابِهِ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ لَأَقْتُلَنَّ ذُكُورَ أَوْلاَدِهِمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ مَا يُرِيدُونَ وَ فَرَّقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ حَبَسَ الرِّجَالَ فِي الْمَحَابِسِ ، فَلَمَّا وَضَعَتْ أُمُّ مُوسَى بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَ حَزِنَتْ عَلَيْهِ وَ اغْتَمَّتْ وَ بَكَتْ وَ قَالَتْ يُذْبَحُ السَّاعَةَ ، فَعَطَفَ اللَّهُ بِقَلْبِ الْمُوَكَّلَةِ بِهَا عَلَيْهِ فَقَالَتْ لِأُمِّ مُوسَى: مَا لَكِ قَدِ اصْفَرَّ لَوْنُكِ فَقَالَتْ : أَخَافُ أَنْ يُذْبَحَ وَلَدِي فَقَالَتْ : لاَ تَخَافِي وَ كَانَ مُوسَى
لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَحَبَّهُ ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ :«وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي» فَأَحَبَّتْهُ الْقِبْطِيَّةُ الْمُوَكَّلَةُ بِهِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى التَّابُوتَ وَ نُودِيَتْ أُمُّهُ «ضَعِيهِ «فِي التّٰابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ » وَ هُوَ الْبَحْرُ «وَ لاٰ تَخٰافِي وَ لاٰ تَحْزَنِي إِنّٰا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جٰاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ » فَوَضَعَتْهُ فِي التَّابُوتِ وَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ وَ أَلْقَتْهُ فِي اَلنِّيلِ
وَ كَانَ لِفِرْعَوْنَ قَصْرٌ عَلَى شَطِّ اَلنِّيلِ مُنْتَزِهاً، فَنَظَرَ مِنْ قَصْرِهِ وَ مَعَهُ آسِيَةُ
ص: 135
ائْتُوا ظِئْراً تُرَبِّيهِ فَجَاءُوا بِعِدَّةِ نِسَاءٍ قَدْ قَتَلَ أَوْلاَدَهُنَّ فَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ «وَ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِ الْمَرٰاضِعَ مِنْ قَبْلُ » وَ بَلَغَ أُمَّهُ أَنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ أَخَذَهُ فَحَزِنَتْ وَ بَكَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ «وَ أَصْبَحَ فُؤٰادُ أُمِّ مُوسىٰ فٰارِغاً» يَعْنِي كَادَتْ أَنْ تُخْبِرَ بِخَبَرِهِ أَوْ تَمُوتَ ثُمَّ ضَبَطَتْ نَفْسَهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «لَوْ لاٰ أَنْ رَبَطْنٰا عَلىٰ قَلْبِهٰا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ قٰالَتْ لِأُخْتِهِ » أَيْ لِأُخْتِ مُوسَى «قُصِّيهِ » أَيِ اتَّبِعِيهِ فَجَاءَتْ أُخْتُهُ إِلَيْهِ «فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ » أَيْ عَنْ بُعْدٍ «وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ » فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ مُوسَى ثَدْيَ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ اغْتَمَّ فِرْعَوْنُ غَمّاً شَدِيداً «فَقٰالَتْ » أُخْتُهُ «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ نٰاصِحُونَ » فَقَالَ : نَعَمْ فَجَاءَتْ بِأُمِّهِ فَلَمَّا أَخَذَتْهُ فِي حَجْرِهَا وَ أَلْقَمَتْهُ ثَدْيَهَا الْتَقَمَهُ وَ شَرِبَ فَفَرِحَ فِرْعَوْنُ وَ أَهْلُهُ أَكْرَمُوا أُمَّهُ فَقَالُوا لَهَا رَبِّيهِ لَنَا فَإِنَّا نَفْعَلُ بِكِ مَا نَفْعَلُ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:«فَرَدَدْنٰاهُ إِلىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهٰا وَ لاٰ تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ »
وَ كَانَ فِرْعَوْنُ يَقْتُلُ أَوْلاَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّمَا يَلِدُونَ وَ يُرَبِّي مُوسَى وَ يُكْرِمُهُ وَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ هَلاَكَهُ عَلَى يَدِهِ ، فَلَمَّا دَرَجَ مُوسَى كَانَ يَوْماً عِنْدَ فِرْعَوْنَ فَعَطَسَ مُوسَى
فَقَالَ «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ » ، فَأَنْكَرَ فِرْعَوْنُ عَلَيْهِ وَ لَطَمَهُ وَ قَالَ مَا هَذَا الَّذِي تَقُولُ فَوَثَبَ مُوسَى عَلَى لِحْيَتِهِ وَ كَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ فَهَلَبَهَا أَيْ قَلَعَهَا فَآلَمَهُ أَلَماً شَدِيداً بِلَطْمَتِهِ إِيَّاهُ فَهَمَّ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِهِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ هَذَا غُلاَمٌ حَدَثٌ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ
ص: 136
تَعَالَى يَقُولُ :«يَا بْنَ أُمَّ لاٰ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لاٰ بِرَأْسِي» فَقُلْتُ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْبَرَ سِنّاً قَالَ : هَارُونُ قُلْتُ : فَكَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعاً قَالَ : الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى وَ مُوسَى يُوحِيهِ إِلَى هَارُونَ فَقُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنِ الْأَحْكَامِ وَ الْقَضَاءِ وَ الْأَمْرِ وَ النَّهْيِ أَ كَانَ ذَلِكَ إِلَيْهِمَا قَالَ كَانَ مُوسَى الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ وَ يَكْتُبُ [هَارُونُ ] الْعِلْمَ وَ يَقْضِي بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَ هَارُونُ يَخْلُفُهُ إِذَا غَابَ مِنْ قَوْمِهِ لِلْمُنَاجَاةِ ، قُلْتُ : فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَالَ مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَاتَا جَمِيعاً فِي التِّيهِ ، قُلْتُ فَكَانَ لِمُوسَى وَلَدٌ قَالَ لاَ كَانَ الْوَلَدُ لِهَارُونَ وَ الذُّرِّيَّةُ لَهُ .
قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ مُوسَى عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي أَكْرَمِ كَرَامَةٍ حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مُوسَى مِنَ التَّوْحِيدِ حَتَّى هَمَّ بِهِ ، فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِهِ وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَجُلاَنِ يَقْتَتِلاَنِ أَحَدُهُمَا يَقُولُ بِقَوْلِ مُوسَى وَ الْآخَرُ يَقُولُ بِقَوْلِ فِرْعَوْنَ «فَاسْتَغٰاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ » فَجَاءَ مُوسَى فَوَكَزَ صَاحِبَ فِرْعَوْنَ
«فَقَضىٰ عَلَيْهِ » وَ تَوَارَى فِي الْمَدِينَةِ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَ آخَرُ فَتَشَبَّثَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَقُولُ بِقَوْلِ مُوسَى فَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى فَلَمَّا نَظَرَ صَاحِبُهُ إِلَى مُوسَى قَالَ لَهُ :
«أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمٰا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ » فَخَلَّى عَنْ صَاحِبِهِ وَ هَرَبَ وَ كَانَ خَازِنُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِناً بِمُوسَى قَدْ كَتَمَ إِيمَانَهُ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ :«وَ قٰالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمٰانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّٰهُ » وَ بَلَغَ فِرْعَوْنَ
خَبَرُ قَتْلِ مُوسَى الرَّجُلَ فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ فَبَعَثَ الْمُؤْمِنُ إِلَى مُوسَى «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّٰاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهٰا» كَمَا حَكَى اللَّهُ «خٰائِفاً يَتَرَقَّبُ »
قَالَ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمْنَةٍ وَ يَسْرَةٍ وَ يَقُولُ «رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ » .
وَ مَرَّ نَحْوَ مَدْيَنَ
ص: 137
قَالَتَا كَمَا حَكَى اللَّهُ «لاٰ نَسْقِي حَتّٰى يُصْدِرَ الرِّعٰاءُ وَ أَبُونٰا شَيْخٌ كَبِيرٌ» فَرَحِمَهُمَا مُوسَى
وَ دَنَا مِنَ الْبِئْرِ فَقَالَ لِمَنْ عَلَى الْبِئْرِ أَسْتَقِي لِي دَلْواً وَ لَكُمْ دَلْواً وَ كَانَ الدَّلْوُ يَمُدُّهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ ، فَاسْتَقَى وَحْدَهُ دَلْواً لِمَنْ عَلَى الْبِئْرِ وَ دَلْواً لِبِنْتَيْ شُعَيْبٍ وَ سَقَى أَغْنَامَهُمَا «ثُمَّ تَوَلّٰى إِلَى الظِّلِّ فَقٰالَ رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» وَ كَانَ شَدِيدَ الْجُوعِ .
وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ حَيْثُ سَقَى «لَهُمٰا ثُمَّ تَوَلّٰى إِلَى الظِّلِّ فَقٰالَ رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» وَ اللَّهِ مَا سَأَلَ اللَّهَ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ رَأَوْا خُضْرَةَ الْبَقْلِ فِي صِفَاقِ بَطْنِهِ (1) مِنْ هُزَالِهِ .
فَلَمَّا رَجَعَتَا ابْنَتَا شُعَيْبٍ إِلَى شُعَيْبٍ قَالَ لَهُمَا أَسْرَعْتُمَا الرُّجُوعَ فَأَخْبَرَتَاهُ بِقِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ
وَ لَمْ تَعْرِفَاهُ فَقَالَ شُعَيْبٌ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اذْهَبِي إِلَيْهِ فَادْعِيهِ لِنَجْزِيَهُ أَجْرَ مَا سَقَى لَنَا فَجَاءَتْ إِلَيْهِ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى «تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيٰاءٍ» فَقَالَتْ «إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مٰا سَقَيْتَ لَنٰا» فَقَامَ مُوسَى مَعَهَا وَ مَشَتْ أَمَامَهُ فَسَفَقَتْهَا الرِّيَاحُ فَبَانَ عَجُزُهَا(2) فَقَالَ لَهَا مُوسَى تَأَخَّرِي وَ دُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ بِحَصَاةٍ تُلْقِيهَا أَمَامِي أَتْبَعُهَا فَأَنَا مِنْ قَوْمٍ لاَ يَنْظُرُونَ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى شُعَيْبٍ قَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ «لاٰ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ » قَالَتْ إِحْدَى بَنَاتِ شُعَيْبٍ
«يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ » فَقَالَ لَهَا شُعَيْبٌ أَمَّا قُوَّتُهُ فَقَدْ عَرَفْتِيهِ أَنَّهُ يَسْتَقِي الدَّلْوَ وَحْدَهُ فَبِمَ عَرَفْتِ أَمَانَتَهُ فَقَالَتْ إِنَّهُ لَمَّا قَالَ لِي تَأَخَّرِي عَنِّي وَ دُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ فَأَنَا مِنْ قَوْمٍ لاَ يَنْظُرُونَ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ أَعْجَازَ النِّسَاءِ فَهَذِهِ أَمَانَتُهُ فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَ مٰا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ مِنَ الصّٰالِحِينَ »
ص: 138
فَقَالَ لَهُ مُوسَى
«ذٰلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاٰ عُدْوٰانَ عَلَيَّ » أَيْ لاَ سَبِيلَ عَلَيَّ إِنْ عَمِلْتُ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ فَقَالَ مُوسَى «وَ اللّٰهُ عَلىٰ مٰا نَقُولُ وَكِيلٌ »
قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى قَالَ أَتَمَّهَا عَشْرَ حِجَجٍ قُلْتُ لَهُ فَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْأَجَلَ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ : قَبْلُ قُلْتُ فَالرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَ يَشْتَرِطُ لِأَبِيهَا إِجَارَةَ شَهْرَيْنِ أَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ إِنَّ مُوسَى عَلِمَ أَنَّهُ يُتِمُّ لَهُ شَرْطَهُ فَكَيْفَ لِهَذَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى يَفِيَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيَّتَهُمَا زَوَّجَهُ شُعَيْبٌ مِنْ بَنَاتِهِ قَالَ : الَّتِي ذَهَبَتْ إِلَيْهِ فَدَعَتْهُ وَ قَالَتْ لِأَبِيهَا «يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ » .
«فَلَمّٰا قَضىٰ مُوسَى الْأَجَلَ » قَالَ لِشُعَيْبٍ لاَ بُدَّ لِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَى وَطَنِي وَ أُمِّي وَ أَهْلِ بَيْتِي فَمَا لِي عِنْدَكَ فَقَالَ شُعَيْبٌ : مَا وَضَعَتْ أَغْنَامِي فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ غَنَمٍ بُلْقٍ فَهُوَ لَكَ ، فَعَمَدَ مُوسَى عِنْدَ مَا أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ الْفَحْلَ عَلَى الْغَنَمِ إِلَى عَصًا فَقَشَرَ مِنْهُ بَعْضَهُ وَ تَرَكَ بَعْضَهُ وَ غَرَزَهُ فِي وَسَطِ مَرْبِضِ الْغَنَمِ وَ أَلْقَى عَلَيْهِ كِسَاءً أَبْلَقَ ثُمَّ أَرْسَلَ الْفَحْلَ عَلَى الْغَنَمِ فَلَمْ تَضَعِ الْغَنَمُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلاَّ بُلْقاً، فَلَمَّا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَمَلَ مُوسَى امْرَأَتَهُ وَ زَوَّدَهُ شُعَيْبٌ مِنْ عِنْدِهِ وَ سَاقَ غَنَمَهُ فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ قَالَ لِشُعَيْبٍ أَبْغِي عَصًا تَكُونُ مَعِي وَ كَانَتْ عَصَا الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَهُ قَدْ وَرِثَهَا مَجْمُوعَةً فِي بَيْتٍ ، فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ ادْخُلْ هَذَا الْبَيْتَ وَ خُذْ عَصًا مِنْ بَيْنِ الْعِصِيِّ فَدَخَلَ فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَصَا نُوحٍ وَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ صَارَتْ فِي كَفِّهِ فَأَخْرَجَهَا وَ نَظَرَ إِلَيْهَا شُعَيْبٌ
ص: 139
«فَلَمّٰا قَضىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَ سٰارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جٰانِبِ اَلطُّورِ نٰاراً قٰالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نٰاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهٰا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّٰارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ » فَأَقْبَلَ نَحْوَ النَّارِ يَقْتَبِسُ فَإِذَا شَجَرَةٌ وَ نَارٌ تَلْتَهِبُ عَلَيْهَا فَلَمَّا ذَهَبَ نَحْوَ النَّارِ يَقْتَبِسُ مِنْهَا أَهْوَتْ إِلَيْهِ فَفَزِعَ مِنْهَا وَ عَدَا وَ رَجَعَتِ النَّارُ إِلَى الشَّجَرَةِ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا وَ قَدْ رَجَعَتْ إِلَى الشَّجَرَةِ فَرَجَعَ الثَّانِيَةَ لِيَقْتَبِسَ فَأَهْوَتْ إِلَيْهِ فَعَدَا وَ تَرَكَهَا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهَا وَ قَدْ رَجَعَتْ إِلَى الشَّجَرَةِ فَرَجَعَ إِلَيْهَا الثَّالِثَةَ فَأَهْوَتْ إِلَيْهِ فَعَدَا «وَ لَمْ يُعَقِّبْ » أَيْ لَمْ يَرْجِعْ فَنَادَاهُ اللَّهُ «أَنْ يٰا مُوسىٰ إِنِّي أَنَا اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ » قَالَ مُوسَى فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ :
مَا فِي يَمِينِكَ «يٰا مُوسىٰ قٰالَ هِيَ عَصٰايَ » ...«قٰالَ أَلْقِهٰا يٰا مُوسىٰ فَأَلْقٰاهٰا» فَصَارَتْ حَيَّةً تَسْعَى فَفَزِعَ مِنْهَا مُوسَى وَ عَدَا فَنَادَاهُ اللَّهُ خُذْهَا وَ «لاٰ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضٰاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» أَيْ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ
كَانَ شَدِيدَ السُّمْرَةِ فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ فَأَضَاءَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «فَذٰانِكَ بُرْهٰانٰانِ مِنْ رَبِّكَ إِلىٰ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ إِنَّهُمْ كٰانُوا قَوْماً فٰاسِقِينَ » فَقَالَ مُوسَى
كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخٰافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » ....
و أما قوله:«وَ قٰالَ فِرْعَوْنُ يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ مٰا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰا هٰامٰانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلىٰ إِلٰهِ مُوسىٰ وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكٰاذِبِينَ »
ص: 140
فِرْعَوْنُ لِهَامَانَ انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ هَلْ بَلَغْنَاهَا فَنَظَرَ هَامَانُ فَقَالَ أَرَى السَّمَاءَ كَمَا كُنْتُ أَرَاهَا مِنَ الْأَرْضِ فِي الْبُعْدِ، فَقَالَ انْظُرْ إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ لاَ أَرَى الْأَرْضَ وَ لَكِنْ أَرَى الْبِحَارَ وَ الْمَاءَ قَالَ فَلَمْ تَزَلِ النَّسْرُ تَرْتَفِعُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وَ غَابَتْ عَنْهُمُ الْبِحَارُ وَ الْمَاءُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ فَنَظَرَ فَقَالَ أَرَاهَا كَمَا كُنْتُ أَرَاهَا مِنَ الْأَرْضِ فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ نَظَرَ هَامَانُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ هَلْ بَلَغْنَاهَا فَقَالَ أَرَى الْكَوَاكِبَ كَمَا كُنْتُ أَرَاهَا مِنَ الْأَرْضِ وَ لَسْتُ أَرَى مِنَ الْأَرْضِ إِلاَّ الظُّلْمَةَ قَالَ ثُمَّ حَالَتِ الرِّيَاحُ الْقَائِمَةُ فِي الْهَوَاءِ بَيْنَهُمَا فَأَقْبَلَتِ التَّابُوتُ بِهِمَا فَلَمْ يَزَلْ يَهْوِي بِهِمَا حَتَّى وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَكَانَ فِرْعَوْنُ أَشَدَّ مَا كَانَ عُتُوّاً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ «وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى اَلنّٰارِ وَ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ لاٰ يُنْصَرُونَ » .
ثم خاطب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال «وَ مٰا كُنْتَ بِجٰانِبِ الْغَرْبِيِّ » يا محمد «إِذْ قَضَيْنٰا إِلىٰ مُوسَى الْأَمْرَ» أي أعلمناه «وَ مٰا كُنْتَ بِجٰانِبِ اَلطُّورِ إِذْ نٰادَيْنٰا» يعني موسى عليه السّلام و قوله:«وَ لٰكِنّٰا أَنْشَأْنٰا قُرُوناً فَتَطٰاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ» أي طالت أعمارهم فعصوا و قوله:«وَ مٰا كُنْتَ ثٰاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ » أي باقيا و قوله:
ساحران تظاهرا (1) قال موسى و هارون و قوله:«وَ لَقَدْ وَصَّلْنٰا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » أي كي يتذكروا
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
فِي قَوْلِ اللَّهِ «وَ لَقَدْ وَصَّلْنٰا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » قَالَ : إِمَامٌ بَعْدَ إِمَامٍ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«أُولٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمٰا صَبَرُوا»
قال الأئمة عليهم السّلام
وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نَحْنُ صَبَرْنَا وَ شِيعَتُنَا أَصْبَرُ مِنَّا وَ ذَلِكَ أَنَا صَبَرْنَا عَلَى مَا نَعْلَمُ وَ هُمْ صَبَرُوا عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ . و قوله:
ص: 141
«وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ » أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ وَ إِذٰا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ » قال اللغو الكذب و اللهو الغناء و هم الأئمة عليهم السّلام
يعرضون عن ذلك كله،
وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » قَالَ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ يَقُولُ يَا عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ بِالْجَهْرِ نَفَعَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : يَا ابْنَ أَخِي أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي، [وَ أَقُولُ بِنَفْسِي] فَلَمَّا مَاتَ شَهِدَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهَا بِأَعْلَى صَوْتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْمَعْهَا مِنْهُ وَ أَرْجُو أَنْ تَنْفَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَوْ قُمْتُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَشَفَعْتُ فِي أَبِي وَ أُمِّي وَ عَمِّي وَ أَخٍ كَانَ لِي مُوَاخِياً فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ (1).
و قوله:«وَ قٰالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنٰا» قال نزلت في قريش
حين دعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى الإسلام و الهجرة و قالوا «إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنٰا» فقال الله عز و جل:«أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبىٰ إِلَيْهِ ثَمَرٰاتُ كُلِّ شَيْ ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّٰا وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ » و قوله:«وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهٰا» أي كفرت «فَتِلْكَ مَسٰاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّٰ قَلِيلاً»
ص: 142
و قوله:«وَ يَوْمَ يُنٰادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكٰائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ » يعني الذين قالوا هم شركاء الله «قٰالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنٰا هٰؤُلاٰءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنٰا أَغْوَيْنٰاهُمْ كَمٰا غَوَيْنٰا تَبَرَّأْنٰا إِلَيْكَ مٰا كٰانُوا إِيّٰانٰا يَعْبُدُونَ » يعني ما عبدوا و هي عبادة الطاعة «وَ قِيلَ ادْعُوا شُرَكٰاءَكُمْ » الذين كنتم تدعونهم شركاء «فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ رَأَوُا الْعَذٰابَ لَوْ أَنَّهُمْ كٰانُوا يَهْتَدُونَ » و قوله:«وَ يَوْمَ يُنٰادِيهِمْ فَيَقُولُ مٰا ذٰا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ » فإن العامة رووا أن ذلك في القيامة و أما الخاصة
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا دَخَلَ قَبْرَهُ جَاءَهُ مُنْكَرٌ فَزِعَ مِنْهُ يَسْأَلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَيَقُولُ لَهُ مَا ذَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِناً قَالَ : «أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَ بِالْحَقِّ » فَيُقَالُ لَهُ ارْقُدْ رَقْدَةً لاَ حُلُمَ فِيهَا وَ يَتَنَحَّى عَنْهُ اَلشَّيْطَانُ وَ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَ رَأَى مَكَانَهُ فِي اَلْجَنَّةِ ، قَالَ وَ إِذَا كَانَ كَافِراً قَالَ مَا أَدْرِي، فَيُضْرَبُ ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ إِلاَّ الْإِنْسَانَ وَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ اَلشَّيْطَانُ وَ لَهُ عَيْنَانِ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ نَارٍ يَلْمَعُانِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ فَيَقُولُ لَهُ أَنَا أَخُوكَ وَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ الْحَيَّاتُ وَ الْعَقَارِبُ وَ يُظْلَمُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ ثُمَّ يَضْغَطُهُ ضَغْطَةً تَخْتَلِفُ أَضْلاَعُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَالَ بِأَصَابِعِهِ (1) فَشَرَجَهَا. و قوله:«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ مٰا كٰانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ » قال يختار الله الإمام و ليس لهم أن يختاروا ثم قال «وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ مٰا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَ مٰا يُعْلِنُونَ » قال ما عزموا عليه من الاختيار و أخبر الله نبيه عليه و آله السّلام قبل ذلك
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 143
إِمَامَهَا «فَقُلْنٰا هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّٰهِ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَفْتَرُونَ » .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «إِنَّ قٰارُونَ كٰانَ مِنْ قَوْمِ مُوسىٰ فَبَغىٰ عَلَيْهِمْ وَ آتَيْنٰاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مٰا إِنَّ مَفٰاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ » و العصبة ما بين العشرة إلى تسعة عشر قال كان يحمل مفاتح خزائنه العصبة أولو القوة، فقال قارون كما حكى الله «إِنَّمٰا أُوتِيتُهُ عَلىٰ عِلْمٍ عِنْدِي» يعني ماله و كان يعمل الكيمياء
فقال الله:«أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لاٰ يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ » أي لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء «فَخَرَجَ عَلىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ » قال في الثياب المصبغات يجرها في الأرض «قٰالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا يٰا لَيْتَ لَنٰا مِثْلَ مٰا أُوتِيَ قٰارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » فقال لهم الخلص من أصحاب موسى «وَيْلَكُمْ ثَوٰابُ اللّٰهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً وَ لاٰ يُلَقّٰاهٰا إِلاَّ الصّٰابِرُونَ فَخَسَفْنٰا بِهِ وَ بِدٰارِهِ الْأَرْضَ فَمٰا كٰانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ مٰا كٰانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكٰانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللّٰهَ » قال: هي لفظة سريانية «يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لاٰ أَنْ مَنَّ اللّٰهُ عَلَيْنٰا لَخَسَفَ بِنٰا وَيْكَأَنَّهُ لاٰ يُفْلِحُ الْكٰافِرُونَ » .
وَ كَانَ سَبَبُ هَلاَكِ قَارُونَ أَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ
ص: 144
وَ الدُّعَاءِ وَ الْبُكَاءِ وَ كَانَ قَارُونُ مِنْهُمْ وَ كَانَ يَقْرَأُ اَلتَّوْرَاةَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحْسَنُ صَوْتاً مِنْهُ وَ كَانَ يُسَمَّى اَلْمَنُونَ لِحُسْنِ قِرَاءَتِهِ وَ قَدْ كَانَ يَعْمَلُ اَلْكِيمِيَاءَ، فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التِّيهِ وَ التَّوْبَةِ وَ كَانَ قَارُونُ قَدِ امْتَنَعَ مِنَ الدُّخُولِ مَعَهُمْ فِي التَّوْبَةِ وَ كَانَ مُوسَى يُحِبُّهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ يَا قَارُونُ قَوْمُكَ فِي التَّوْبَةِ وَ أَنْتَ قَاعِدٌ هَاهُنَا ادْخُلْ مَعَهُمْ وَ إِلاَّ نَزَلَ بِكَ الْعَذَابُ ، فَاسْتَهَانَ بِهِ وَ اسْتَهْزَأَ بِقَوْلِهِ فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِهِ مُغْتَمّاً فَجَلَسَ فِي فِنَاءِ قَصْرِهِ وَ عَلَيْهِ جُبَّةُ شَعْرٍ وَ نَعْلاَنِ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ شِرَاكُهُمَا مِنْ خُيُوطِ شَعْرٍ بِيَدِهِ الْعَصَا، فَأَمَرَ قَارُونُ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ رمادا [رَمَادٌ] قَدْ خُلِطَ بِالْمَاءِ فَصُبَّ عَلَيْهِ فَغَضِبَ مُوسَى غَضَباً شَدِيداً وَ كَانَ فِي كَتِفِهِ شَعَرَاتٌ كَانَ إِذَا غَضِبَ خَرَجَتْ مِنْ ثِيَابِهِ وَ قَطَرَ مِنْهَا الدَّمُ ، فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ إِنْ لَمْ تَغْضَبْ لِي فَلَسْتُ لَكَ بِنَبِيٍّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ قَدْ أَمَرْتُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تُطِيعَكَ فَمُرْهَا بِمَا شِئْتَ وَ قَدْ كَانَ قَارُونُ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُغْلَقَ بَابُ الْقَصْرِ، فَأَقْبَلَ مُوسَى فَأَوْمَأَ إِلَى الْأَبْوَابِ فَانْفَرَجَتْ وَ دَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَارُونُ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أُوتِيَ فَقَالَ :
يَا مُوسَى أَسْأَلُكَ بِالرَّحِمِ الَّذِي بَيْنِي وَ بَيْنَكَ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا اِبْنَ لاَوَى لاَ تَزِدْنِي مِنْ كَلاَمِكَ ! يَا أَرْضُ خُذِيهِ فَدَخَلَ الْقَصْرُ بِمَا فِيهِ فِي الْأَرْضِ وَ دَخَلَ قَارُونُ فِي الْأَرْضِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَبَكَى وَ حَلَّفَهُ بِالرَّحِمِ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا اِبْنَ لاَوَى لاَ تَزِدْنِي مِنْ كَلاَمِكَ ، يَا أَرْضُ خُذِيهِ وَ ابْتَلِعِيهِ بِقَصْرِهِ وَ خَزَائِنِهِ .
ص: 145
مِهَاداً لَوْ قَدْ وَرَدْتَ عَلَيْهِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ ، فَخَرَجَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ طُورِ سِينَا مَعَ وَصِيِّهِ فَصَعِدَ مُوسَى الْجَبَلَ فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ وَ مَعَهُ مِكْتَلٌ (1) وَ مِسْحَاةٌ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا تُرِيدُ قَالَ إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ قَدْ تُوُفِّيَ فَأَنَا أَحْفِرُ لَهُ قَبْراً فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَ وَ لاَ أُعِينُكَ عَلَيْهِ قَالَ : بَلَى قَالَ فَحَفَرَا الْقَبْرَ فَلَمَّا فَرَغَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْقَبْرِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا تُرِيدُ قَالَ أَدْخُلُ الْقَبْرَ فَأَنْظُرُ كَيْفَ مَضْجَعُهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنَا أَكْفِيكَ ، فَدَخَلَهُ مُوسَى فَاضْطَجَعَ فِيهِ فَقَبَضَ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ وَ انْضَمَّ عَلَيْهِ الْجَبَلَ .
و أما قوله:«تِلْكَ الدّٰارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِينَ لاٰ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا حَفْصُ
مَا مَنْزِلَةُ الدُّنْيَا مِنْ نَفْسِي إِلاَّ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ إِذَا اضْطُرِرْتُ إِلَيْهَا أَكَلْتُ مِنْهَا، يَا حَفْصُ
ص: 146
اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَوْحِشُ .
وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَيْضاً: فِي قَوْلِهِ :
«عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً» قَالَ : الْعُلُوُّ الشَّرَفُ وَ الْفَسَادُ النِّسَاءُ.
و أما قوله:
«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ»
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سُئِلَ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ جَابِراً بَلَغَ مِنْ فِقْهِهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ»
يَعْنِي اَلرَّجْعَةَ .
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ» قَالَ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
وَ اَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ .
و قوله:«فَلاٰ تَكُونَنَّ » يا محمد «ظَهِيراً لِلْكٰافِرِينَ » فقال و المخاطبة للنبي
و المعنى للناس
و قوله:«وَ لاٰ تَدْعُ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ» المخاطبة للنبي و المعنى للناس
وَ هُوَ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَةُ . و قوله:
«كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ »
قَالَ فَيَفْنَى كُلُّ شَيْ ءٍ وَ يَبْقَى الْوَجْهُ اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ ، لاَ وَ لَكِنْ مَعْنَاهَا كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلاَّ دِينَهُ (1) وَ نَحْنُ الْوَجْهُ الَّذِي يُؤْتَى اللَّهُ مِنْهُ ، لَمْ نَزَلْ فِي عِبَادِهِ مَا دَامَ اللَّهُ لَهُ فِيهِمْ رُوبَةٌ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ رُوبَةٌ فَرَفَعَنَا إِلَيْهِ فَفَعَلَ بِنَا مَا أَحَبَّ ، قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الرُّوبَةُ قَالَ : الْحَاجَةُ .
ص: 147
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الم أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ » أي لا يختبرون
قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : جَاءَ اَلْعَبَّاسُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ انْطَلِقْ بِنَا نُبَايِعْ لَكَ النَّاسَ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَ تَرَاهُمْ فَاعِلِينَ قَالَ : نَعَمْ قَالَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ :«الم أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » . أي اختبرناهم «فَلَيَعْلَمَنَّ اللّٰهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكٰاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئٰاتِ أَنْ يَسْبِقُونٰا» أي يفوتونا «سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ مَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ اللّٰهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللّٰهِ لَآتٍ » قال من أحب لقاء الله جاءه الأجل «وَ مَنْ جٰاهَدَ» أمال نفسه عن اللذات و الشهوات و المعاصي «فَإِنَّمٰا يُجٰاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللّٰهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ »
و قوله:
«وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حُسْناً» قال هما اللذان ولداه ثم قال:«وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ »
يعني الوالدين على أن تُشْرِكَ «بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاٰ تُطِعْهُمٰا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصّٰالِحِينَ »
أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بِسْطَامَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَسَّانَ عَنِ اَلْهَيْثَمِ بْنِ رَاقِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ نُبَاتَةَ : أَنَّهُ سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوٰالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» قَالَ الْوَالِدَانِ اللَّذَانِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا الشُّكْرَ هُمَا اللَّذَانِ وَلَدَا الْعِلْمَ وَ وَرَّثَا الْحُكْمَ [الْحِلْمَ ] وَ أُمِرَ النَّاسُ بِطَاعَتِهِمَا. ثم قال إلي المصير فمصير العباد إلى الله و الدليل على ذلك الوالدان ثم عطف الله القول على ابن فلانة و صاحبه فقال في الخاص «وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ عَلىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي» يقول في الوصية و تعدل عمن أمرت بطاعته «فَلاٰ تُطِعْهُمٰا»
ص: 148
و لا تسمع قولهما ثم عطف القول على الوالدين فقال «وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً»
يقول عرف الناس فضلهما و ادع إلى سبيلهما و ذلك قوله «وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ » قال إلى الله ثم إلينا فاتقوا الله و لا تعصوا الوالدين فإن رضاهما رضاء الله و سخطهما سخط الله.
و قوله:«وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ فَإِذٰا أُوذِيَ فِي اللّٰهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّٰاسِ كَعَذٰابِ اللّٰهِ » قال إذا آذاه إنسان أو أصابه ضر أو فاقة أو خوف من الظالمين ليدخل معهم في دينهم فرأى أن ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع «وَ لَئِنْ جٰاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ » يعني القائم عليه السلام «لَيَقُولُنَّ إِنّٰا كُنّٰا مَعَكُمْ أَ وَ لَيْسَ اللّٰهُ بِأَعْلَمَ بِمٰا فِي صُدُورِ الْعٰالَمِينَ » و قوله:«وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنٰا وَ لْنَحْمِلْ خَطٰايٰاكُمْ » قال كانت الكفار يقولون للمؤمنين كونوا معنا فإن الذي تخافون أنتم ليس بشيء فإن كان حقا نتحمل نحن ذنوبكم فيعذبهم الله مرتين بذنوبهم و مرة بذنوب غيرهم، و أما قوله:«وَ إِبْرٰاهِيمَ إِذْ قٰالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللّٰهَ وَ اتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّمٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَوْثٰاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً» أي تقدرون كذبا «إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ لاٰ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللّٰهِ الرِّزْقَ وَ اعْبُدُوهُ وَ اشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » و انقطع خبر إبراهيم
و خاطب الله أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله فقال «إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مٰا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاٰغُ الْمُبِينُ » إلى قوله «أُولٰئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » ثم عطف على خبر إبراهيم فقال:«فَمٰا كٰانَ جَوٰابَ قَوْمِهِ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجٰاهُ اللّٰهُ مِنَ النّٰارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » فهذا من المنقطع المعطوف
و قوله:«ثُمَّ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ » أي يتبرأ بعضكم من بعض «وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» فهذا كفر البراءة
ص: 149
الله و قوله:«وَ تَأْتُونَ فِي نٰادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» قال هم قوم لوط .
و قوله «وَ قٰارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ لَقَدْ جٰاءَهُمْ مُوسىٰ بِالْبَيِّنٰاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا كٰانُوا سٰابِقِينَ » فهذا رد على المجبرة الذين زعموا أن الأفعال لله عز و جل و لا صنع لهم فيها و لا اكتساب فرد الله عليهم فقال «فَكُلاًّ أَخَذْنٰا بِذَنْبِهِ » و لم يقل بفعلنا به لأنه عز و جل أعدل من أن يعذب العبد على فعله الذي يجبرهم عليه فقال الله «فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنٰا عَلَيْهِ حٰاصِباً» و هم قوم لوط «وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ »
و هم قوم شعيب و صالح «وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنٰا بِهِ الْأَرْضَ » و هم قوم هود «وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنٰا» و هم فرعون و أصحابه ثم قال عز و جل تأكيدا و ردا على المجبرة.
«وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » .
ثم ضرب الله مثلا فيمن اتخذ من دون الله أولياء فقال:«مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَوْلِيٰاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً» و هو الذي نسجه العنكبوت على باب الغار الذي دخله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو أوهن البيوت قال:
فكذلك من اتخذ من دون الله أولياء ثم قال:«وَ تِلْكَ الْأَمْثٰالُ نَضْرِبُهٰا لِلنّٰاسِ وَ مٰا يَعْقِلُهٰا إِلاَّ الْعٰالِمُونَ » يعني آل محمد عليهم السّلام ثم خاطب نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:
«اُتْلُ مٰا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ اَلْكِتٰابِ وَ أَقِمِ الصَّلاٰةَ إِنَّ الصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ»
قَالَ : مَنْ لَمْ تَنْهَهُ الصَّلاَةُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً. و قوله «وَ لاٰ تُجٰادِلُوا أَهْلَ الْكِتٰابِ » قال اليهود و النصارى «إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » قال بالقرآن
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لَذِكْرُ اللّٰهِ أَكْبَرُ»
يَقُولُ ذِكْرُ اللَّهِ لِأَهْلِ الصَّلاَةِ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ أَ لاَ تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ » .» و أما قوله «فَالَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ الْكِتٰابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ » يعني أنهم آل محمد صلوات اللّه عليهم
«وَ مِنْ هٰؤُلاٰءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ » يعني أهل الإيمان من أهل القبلة.
ص: 150
«وَ مٰا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتٰابٍ وَ لاٰ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتٰابَ الْمُبْطِلُونَ » و هو معطوف على قوله في سورة الفرقان
«اِكْتَتَبَهٰا فَهِيَ تُمْلىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً» فرد الله عليهم فقال كيف يدعون [يزعمون] أن الذي تقرأه أو تخبر به تكتبه عن غيرك و أنت «مٰا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتٰابٍ وَ لاٰ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتٰابَ الْمُبْطِلُونَ » أي شكوا و قوله:
«بَلْ هُوَ آيٰاتٌ بَيِّنٰاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ » قال هم الأئمة عليهم السّلام و قوله «وَ مٰا يَجْحَدُ بِآيٰاتِنٰا» يعني ما يجحد بأمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام «إِلاَّ الظّٰالِمُونَ » و قال عز و جل «وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ » يا محمد «بِالْعَذٰابِ » يعني قريشا فقال الله تعالى «وَ لَوْ لاٰ أَجَلٌ مُسَمًّى لَجٰاءَهُمُ الْعَذٰابُ وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وٰاسِعَةٌ » يَقُولُ لاَ تُطِيعُوا أَهْلَ الْفِسْقِ مِنَ الْمُلُوكِ فَإِنْ خِفْتُمُوهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ فَإِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ وَ هُوَ يَقُولُ «فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ »
فَقَالَ «أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا» .، ثم قال «كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ الْمَوْتِ »
أي فاصبروا على طاعة الله فإنكم إليه ترجعون.
و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لاٰ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّٰهُ يَرْزُقُهٰا وَ إِيّٰاكُمْ » قال: كانت العرب يقتلون أولادهم مخافة الجوع فقال الله تعالى:«اَللّٰهُ يَرْزُقُهٰا وَ إِيّٰاكُمْ »
و قوله:«وَ إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ » أي لا يموتون فيها
و قوله «وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا» أي صبروا و جاهدوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا» أي لنثبتنهم «وَ إِنَّ اللّٰهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم وَ لِأَشْيَاعِهِمْ .
ص: 151
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الم غُلِبَتِ اَلرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ «الم غُلِبَتِ اَلرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ » قَالَ : يَا أَبَا عُبَيْدَةَ إِنَّ لِهَذَا تَأْوِيلاً لاَ يَعْلَمُهُ «إِلاَّ اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » مِنَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ قَدْ ظَهَرَ اَلْإِسْلاَمُ
كَتَبَ إِلَى مَلِكِ اَلرُّومِ كِتَاباً وَ بَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولاً يَدْعُوهُ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ وَ كَتَبَ إِلَى مَلِكِ فَارِسَ كِتَاباً وَ بَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولاً يَدْعُوهُ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ ، فَأَمَّا مَلِكُ اَلرُّومِ فَإِنَّهُ عَظَّمَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَكْرَمَ رَسُولَهُ ، وَ أَمَّا مَلِكُ فَارِسَ فَإِنَّهُ مَزَّقَ كِتَابَهُ وَ اسْتَخَفَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ كَانَ مَلِكُ فَارِسَ يُقَاتِلُ يَوْمَئِذٍ مَلِكَ اَلرُّومِ وَ كَانَ اَلْمُسْلِمُونَ يَهْوَوْنَ أَنْ يَغْلِبَ مَلِكُ اَلرُّومِ مَلِكَ فَارِسَ وَ كَانُوا لِنَاحِيَةِ مَلِكِ اَلرُّومِ أَرْجَى مِنْهُمْ لِمَلِكِ فَارِسَ ، فَلَمَّا غَلَبَ مَلِكُ فَارِسَ مَلِكَ اَلرُّومِ بَكَى لِذَلِكَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ اغْتَمُّوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ «الم غُلِبَتِ اَلرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ » يَعْنِي غَلَبَتْهَا فَارِسُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هِيَ اَلشَّامَاتُ وَ مَا حَوْلَهَا ثُمَّ قَالَ وَ فَارِسُ «مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ » اَلرُّومَ سَيُغْلَبُونَ «فِي بِضْعِ سِنِينَ »(1)
ص: 152
وَ قَوْلُهُ :«لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ » أَنْ يَأْمُرَ «وَ مِنْ بَعْدُ» أَنْ يَقْضِيَ بِمَا يَشَاءُ وَ قَوْلُهُ «وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ» قُلْتُ : أَ لَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ «فِي بِضْعِ سِنِينَ » وَ قَدْ مَضَى لِلْمُسْلِمِينَ سِنُونَ كَثِيرَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَ إِنَّمَا غَلَبَتِ الْمُؤْمِنُونَ فَارِسَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ : أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّ لِهَذَا تَأْوِيلاً وَ تَفْسِيراً وَ اَلْقُرْآنُ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَاسِخٌ وَ مَنْسُوخٌ ، أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ :
«لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ» يَعْنِي إِلَيْهِ الْمَشِيَّةُ فِي الْقَوْلِ أَنْ يُؤَخِّرَ مَا قَدَّمَ وَ يُقَدِّمَ مَا أَخَّرَ إِلَى يَوْمٍ يَحْتِمُ الْقَضَاءَ بِنُزُولِ النَّصْرِ فِيهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ «يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ» .
ثم قال «وَعْدَ اللّٰهِ لاٰ يُخْلِفُ اللّٰهُ وَعْدَهُ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا» يعني ما يرونه حاضرا «وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غٰافِلُونَ » قال يرون حاضر الدنيا و يتغافلون عن الآخرة
و قوله «ثُمَّ كٰانَ عٰاقِبَةَ الَّذِينَ أَسٰاؤُا السُّواىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيٰاتِ اللّٰهِ وَ كٰانُوا بِهٰا يَسْتَهْزِؤُنَ » أي ظلموا و استهزءوا
و قوله «وَ يَوْمَ تَقُومُ السّٰاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ »
أي يئسوا «وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكٰائِهِمْ شُفَعٰاءُ» يعني شركاء يعبدونهم و يطيعونهم لا يشفعون لهم
ص: 153
و قوله «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ » قال يخرج المؤمن من الكافر و يخرج الكافر من المؤمن و قوله:«وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ كَذٰلِكَ تُخْرَجُونَ » رد على الدهرية ثم قال «وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ إِذٰا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ » أي تنثرون في الأرض إلى قوله «أَنْ تَقُومَ السَّمٰاءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ »
قال يعني السماء و الأرض هاهنا «ثُمَّ إِذٰا دَعٰاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذٰا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ »
و هو رد على أصناف الزنادقة.
و أما قوله «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ »
فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ قُرَيْشاً وَ اَلْعَرَبَ كَانُوا إِذَا حَجُّوا يُلَبُّونَ وَ كَانَتْ تَلْبِيَتُهُمْ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ لَكَ وَ الْمُلْكَ لَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ » وَ هِيَ تَلْبِيَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ الْأَنْبِيَاءِ، فَجَاءَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ ، فَقَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ تَلْبِيَةَ أَسْلاَفِكُمْ ، قَالُوا: وَ مَا كَانَتْ تَلْبِيَتُهُمْ فَقَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ إِلاَّ شَرِيكٌ هُوَ لَكَ » فَنَفَرَتْ قُرَيْشٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ عَلَى رَسْلِكُمْ حَتَّى آتِيَ عَلَى آخِرِ كَلاَمِي، فَقَالُوا مَا هُوَ فَقَالَ «إِلاَّ شَرِيكٌ هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَ مَا يَمْلِكُ » أَ لاَ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الشَّرِيكَ وَ مَا مَلَكَهُ فَرَضُوا بِذَلِكَ وَ كَانُوا يُلَبُّونَ بِهَذَا قُرَيْشٌ خَاصَّةً فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَ قَالَ هَذَا شِرْكٌ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ» أَيْ تَرْضَوْنَ أَنْتُمْ فِيمَا تَمْلِكُونَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ فِيهِ شَرِيكٌ فَإِذَا لَمْ تَرْضَوْا أَنْتُمْ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ فِيمَا تَمْلِكُونَهُ شَرِيكٌ فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ أَنْ تَجْعَلُوا لِي شَرِيكاً فِيمَا أَمْلِكُ . و قوله «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً»
أي طاهرا
أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» قَالَ هِيَ الْوَلاَيَةُ .
ص: 154
حَدَّثَنَا اَلْهَيْثَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّمَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا»
قَالَ هُوَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيُّ اللَّهِ إِلَى هَاهُنَا التَّوْحِيدُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ النَّابِ وَ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ وَ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» قَالَ قُمْ فِي الصَّلاَةِ وَ لاَ تَلْتَفِتْ يَمِيناً وَ لاَ شِمَالاً.
و قال علي بن إبراهيم في قوله «فَآتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى وَ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : لَمَّا بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَ اسْتَقَامَ لَهُ الْأَمْرُ عَلَى جَمِيعِ اَلْمُهَاجِرِينَ
وَ اَلْأَنْصَارِ بَعَثَ إِلَى فَدَكَ فَأَخْرَجَ وَكِيلَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْهَا فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنَعْتَنِي عَنْ مِيرَاثِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
وَ أَخْرَجْتَ وَكِيلِي مِنْ فَدَكَ فَقَدْ جَعَلَهَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهَا هَاتِي عَلَى ذَلِكَ شُهُوداً فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ فَقَالَتْ لاَ أَشْهَدُ حَتَّى أَحْتَجَّ يَا أَبَا بَكْرٍ عَلَيْكَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَتْ أَنْشُدُكَ اللَّهَ ، أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
قَالَ إِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ قَالَ بَلَى، قَالَتْ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 155
بْنُ الْحَدَثَانِ وَ عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ يَشْهَدُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِأَنَّهُ قَالَ : إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ فَإِنَّ عَلِيّاً زَوْجُهَا يَجُرُّ إِلَى نَفْسِهِ وَ أُمَّ أَيْمَنَ فَهِيَ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ لَوْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا لَنَظَرْنَا فِيهِ فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ مِنْ عِنْدِهِمَا بَاكِيَةً حَزِينَةً فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ هَذَا جَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ هُوَ فِي اَلْمَسْجِدِ وَ حَوْلَهُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ مَنَعْتَ فَاطِمَةَ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ قَدْ مَلَكَتْهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا فَيْ ءُ اَلْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَقَامَتْ شُهُوداً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَعَلَهُ لَهَا وَ إِلاَّ فَلاَ حَقَّ لَهَا فِيهِ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
يَا أَبَا بَكْرٍ تَحْكُمُ فِينَا بِخِلاَفِ حُكْمِ اللَّهِ فِي اَلْمُسْلِمِينَ قَالَ لاَ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ اَلْمُسْلِمِينَ شَيْ ءٌ يَمْلِكُونَهُ ادَّعَيْتُ أَنَا فِيهِ مَنْ تَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ قَالَ : إِيَّاكَ كُنْتُ أَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا تَدَّعِيهِ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ قَالَ فَإِذَا كَانَ فِي يَدِي شَيْ ءٌ وَ ادَّعَى فِيهِ اَلْمُسْلِمُونَ
فَتَسْأَلُنِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا فِي يَدِي! وَ قَدْ مَلَكْتُهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَعْدَهُ وَ لَمْ تَسْأَلِ اَلْمُسْلِمِينَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْا عَلَيَّ شُهُوداً كَمَا سَأَلْتَنِي عَلَى مَا ادَّعَيْتُ عَلَيْهِمْ ! فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ يَا عَلِيُّ دَعْنَا مِنْ كَلاَمِكَ فَإِنَّا لاَ نَقْوَى عَلَى حُجَجِكَ فَإِنْ أَتَيْتَ بِشُهُودٍ عُدُولٍ وَ إِلاَّ فَهُوَ فَيْ ءُ اَلْمُسْلِمِينَ لاَ حَقَّ لَكَ وَ لاَ لِفَاطِمَةَ فِيهِ .
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَبَا بَكْرٍ تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
فِيمَنْ نَزَلَتْ أَ فِينَا أَمْ فِي غَيْرِنَا قَالَ بَلْ فِيكُمْ قَالَ فَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى فَاطِمَةَ
ص: 156
بِالطَّهَارَةِ وَ قَبِلْتَ شَهَادَةَ النَّاسِ عَلَيْهَا كَمَا رَدَدْتَ حُكْمَ اللَّهِ وَ حُكْمَ رَسُولِهِ أَنْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَهَا فَدَكَ وَ قَبَضَتْهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ قَبِلْتَ شَهَادَةَ أَعْرَابِيٍّ بَائِلٍ عَلَى عَقِبِهِ عَلَيْهَا فَأَخَذْتَ مِنْهَا فَدَكَ وَ زَعَمْتَ أَنَّهُ فَيْ ءُ اَلْمُسْلِمِينَ وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَ الْيَمِينُ عَلَى مَنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَدَمْدَمَ النَّاسُ (1) وَ بَكَى بَعْضُهُمْ فَقَالُوا صَدَقَ وَ اللَّهِ عَلِيٌّ وَ رَجَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى مَنْزِلِهِ .
قَالَ : وَ دَخَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى اَلْمَسْجِدِ وَ طَافَتْ بِقَبْرِ أَبِيهَا عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلاَمُ وَ هِيَ تَبْكِي وَ تَقُولُ :
إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا *** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَ لاَ تَغِبْ
قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَثَةٌ (2) *** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ تَكْثُرِ الْخُطَبُ
قَدْ كَانَ جِبْرِيلُ بِالْآيَاتِ يُؤْنِسُنَا *** فَغَابَ عَنَّا وَ كُلُّ الْخَيْرِ مُحْتَجَبٌ
وَ كُنْتَ بَدْراً وَ نُوراً يُسْتَضَاءُ بِهِ *** عَلَيْكَ تَنْزِلُ مِنْ ذِي الْعِزَّةِ الْكُتُبُ
فَقَمَّصَتْنَا(3) رِجَالٌ وَ اسْتُخِفَّ بِنَا *** إِذْ غِبْتَ عَنَّا فَنَحْنُ الْيَوْمَ نُغْتَصَبُ
فَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبٌ وَ مَنْزِلَةٌ *** عِنْدَ الْإِلَهِ عَلَى الْأَدْنَيْنَ (4) يَقْتَرِبُ
أَبْدَتْ رِجَالٌ لَنَا فَحْوَى(5) صُدُورِهِمُ *** لَمَّا مَضَيْتَ وَ حَالَتْ دُونَكَ الْكُثُبُ
فَقَدْ رُزِينَا بِمَا لَمْ يرزأه [يُزْرَهُ ] أَحَدٌ *** مِنَ الْبَرِيَّةِ لاَ عَجَمٌ وَ لاَ عَرَبٌ
وَ قَدْ رُزِينَا بِهِ مَحْضاً خَلِيقَتُهُ *** صَافِي الضَّرَائِبِ وَ الْأَعْرَاقِ وَ النَّسَبِ
ص: 157
فَأَنْتَ خَيْرُ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمُ *** وَ أَصْدَقُ النَّاسِ حِينَ الصِّدْقِ وَ الْكَذِبِ
فَسَوْفَ نَبْكِيكَ مَا عِشْنَا وَ مَا بَقِيَتْ *** مِنَّا الْعُيُونُ بِهَمَّالٍ (1) لَهَا سَكْبٌ
سَيَعْلَمُ الْمُتَوَلِّي ظُلْمَ خَامَتِنَا(2) *** يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنى [عَنَّا] كَيْفَ يَنْقَلِبُ (3)
قَالَ : فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ بَعَثَ إِلَى عُمَرَ فَدَعَاهُ ثُمَّ قَالَ : أَ مَا رَأَيْتَ مَجْلِسَ عَلِيٍّ مِنَّا الْيَوْمَ ، وَ اللَّهِ لَإِنْ قَعَدَ مَقْعَداً مِثْلَهُ لَيُفْسِدَنَّ أَمْرَنَا فَمَا الرَّأْيُ قَالَ عُمَرُ الرَّأْيُ أَنْ تَأْمُرَ بِقَتْلِهِ ، قَالَ فَمَنْ يَقْتُلُهُ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَا إِلَى خَالِدٍ فَأَتَاهُمَا فَقَالاَ نُرِيدُ أَنْ نَحْمِلَكَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، قَالَ حَمِّلاَنِي مَا شِئْتُمَا وَ لَوْ قَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالاَ فَهُوَ ذَاكَ ، فَقَالَ خَالِدٌ مَتَى أَقْتُلُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا حَضَرَ اَلْمَسْجِدَ
فَقُمْ بِجَنْبِهِ فِي الصَّلاَةِ فَإِذَا أَنَا سَلَّمْتُ فَقُمْ إِلَيْهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ، قَالَ نَعَمْ فَسَمِعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ ذَلِكَ وَ كَانَتْ تَحْتَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ لِجَارِيَتِهَا اذْهَبِي إِلَى مَنْزِلِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ
فَأَقْرِئِيهِمَا السَّلاَمَ وَ قُولِي لِعَلِيٍّ «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّٰاصِحِينَ » فَجَاءَتِ الْجَارِيَةُ إِلَيْهِمَا فَقَالَتْ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ تَقْرَأُ عَلَيْكُمَا
ص: 158
السَّلاَمَ وَ تَقُولُ «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّٰاصِحِينَ » ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قُولِي لَهَا إِنَّ اللَّهَ يحيل [يَحُولُ ] بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَا يُرِيدُونَ ثُمَّ قَامَ وَ تَهَيَّأَ لِلصَّلاَةِ وَ حَضَرَ اَلْمَسْجِدَ وَ وَقَفَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَ صَلَّى لِنَفْسِهِ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى جَنْبِهِ وَ مَعَهُ السَّيْفُ فَلَمَّا جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّشَهُّدِ نَدِمَ عَلَى مَا قَالَ وَ خَافَ الْفِتْنَةَ وَ شِدَّةَ عَلِيٍّ وَ بَأْسَهُ فَلَمْ يَزَلْ مُتَفَكِّراً لاَ يَجْسُرُ أَنْ يُسَلِّمَ حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ سَهَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَالِدٍ فَقَالَ يَا خَالِدُ لاَ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا خَالِدُ مَا الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ قَالَ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِكَ ، قَالَ وَ كُنْتَ تَفْعَلُ قَالَ إِي وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّهُ قَالَ لِي لاَ تَفْعَلْ لَقَتَلْتُكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، قَالَ فَأَخَذَهُ ( عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ يَقْتُلُهُ وَ رَبِّ اَلْكَعْبَةِ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا الْحَسَنِ اللَّهَ اللَّهَ بِحَقِّ صَاحِبِ هَذَا اَلْقَبْرِ فَخَلَّى عَنْهُ ، قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَى عُمَرَ وَ أَخَذَ بِتَلاَبِيبِهِ وَ قَالَ يَا اِبْنَ الصُّهَاكِ لَوْ لاَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ «كِتٰابٌ مِنَ اللّٰهِ سَبَقَ » لَعَلِمْتَ أَيُّنَا «أَضْعَفُ نٰاصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً»
ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ .
و قوله:«وَ مٰا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوٰالِ النّٰاسِ فَلاٰ يَرْبُوا عِنْدَ اللّٰهِ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : الرِّبَا رِبَاءَانِ أَحَدُهُمَا حَلاَلٌ وَ الْآخَرُ حَرَامٌ فَأَمَّا الْحَلاَلُ فَهُوَ أَنْ يُقْرِضَ الرَّجُلُ أَخَاهُ قَرْضاً طَمَعاً أَنْ يَزِيدَهُ وَ يُعَوِّضَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُهُ بِلاَ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابٌ فِيمَا أَقْرَضَهُ وَ هُوَ قَوْلُهُ «فَلاٰ يَرْبُوا عِنْدَ اللّٰهِ » وَ أَمَّا الرِّبَا الْحَرَامُ فَالرَّجُلُ يُقْرِضُ قَرْضاً وَ يَشْتَرِطُ أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرَامُ . و قوله «وَ مٰا آتَيْتُمْ مِنْ زَكٰاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ » أي ما بررتم به إخوانكم و أقرضتموهم لا طمعا في زيادة
ص: 159
بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ .، ثم ذكر عز و جل عظيم قدرته و تفضله على خلقه فقال «اَللّٰهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيٰاحَ فَتُثِيرُ سَحٰاباً» أي ترفعه «فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمٰاءِ كَيْفَ يَشٰاءُ وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً» قال بعضه على بعض «فَتَرَى الْوَدْقَ » أي المطر «يَخْرُجُ مِنْ خِلاٰلِهِ » إلى قوله «لَمُبْلِسِينَ » أي آيسين «فَانْظُرْ إِلىٰ آثٰارِ رَحْمَتِ اللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتىٰ » و هو رد على الدهرية و قوله «ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِي النّٰاسِ » قال في البر فساد الحيوان إذا لم يمطر و كذلك هلاك دواب البحر بذلك
وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : حَيَاةُ دَوَابِّ الْبَحْرِ بِالْمَطَرِ فَإِذَا كُفَّ الْمَطَرُ «ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» وَ ذَلِكَ إِذَا كَثُرَتِ الذُّنُوبُ وَ الْمَعَاصِي.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ مُيَسِّرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ :«ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِي النّٰاسِ » ، قَالَ ذَلِكَ وَ اللَّهِ يَوْمَ قَالَتِ اَلْأَنْصَارُ مِنَّا رَجُلٌ وَ مِنْكُمْ رَجُلٌ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «اَللّٰهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ » يعني من نطفة منتنة ضعيفة «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً» و هو الكبر
و قوله «قٰالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمٰانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ إِلىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ » فإن هذه الآية مقدمة و مؤخرة و إنما هي « و قال الذين أوتوا العلم و الإيمان في [من] كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث
و قوله «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لاٰ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاٰ يُوقِنُونَ » أي لا يغضبنك،
قَالَ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُصَلِّي وَ اِبْنُ الْكَوَّاءِ خَلْفَهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقْرَأُ، فَقَالَ اِبْنُ الْكَوَّاءِ «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ » فَسَكَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى سَكَتَ اِبْنُ الْكَوَّاءِ ثُمَّ عَادَ فِي قِرَاءَتِهِ حَتَّى فَعَلَ اِبْنُ الْكَوَّاءِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
«فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لاٰ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاٰ يُوقِنُونَ » .».
ص: 160
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الم تِلْكَ آيٰاتُ اَلْكِتٰابِ الْحَكِيمِ هُدىً وَ رَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولٰئِكَ عَلىٰ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ » أي على بيان من ربهم «وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »
و قوله «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ » قال: الغناء و شرب الخمر و جميع الملاهي «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ » قال: يحيد بهم عن طريق الله
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ »
إلخ...» فَهُوَ اَلنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ
وَ كَانَ اَلنَّضْرُ رَاوِياً لِأَحَادِيثِ النَّاسِ وَ أَشْعَارِهِمْ .، يقول الله عز و جل:«وَ إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِ آيٰاتُنٰا وَلّٰى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهٰا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ »
و قوله «وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دٰابَّةٍ » يقول جعل فيها من كل دابة و قوله «وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَنْبَتْنٰا فِيهٰا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ » يقول من كل لون حسن و الزوج اللون الأصفر و الأخضر و الأحمر و الكريم الحسن
أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ [الْقَصِيرِ] النَّضْرِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَوْلُهُ «وَ لَقَدْ آتَيْنٰا لُقْمٰانَ الْحِكْمَةَ »
قَالَ أُوتِيَ مَعْرِفَةَ إِمَامِ زَمَانِهِ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «هٰذٰا خَلْقُ اللّٰهِ » أي مخلوق الله لأن الخلق هو الفعل و الفعل لا يرى و إنما أشار إلى المخلوق و إلى السماء و الأرض و الجبال و جميع الحيوان فأقام الفعل مقام المفعول و قوله «وَ لَقَدْ آتَيْنٰا لُقْمٰانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّٰهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمٰا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ»
ص: 161
أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ لُقْمَانَ (1) وَ حِكْمَتِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَقَالَ : أَمَا وَ اللَّهِ مَا أُوتِيَ لُقْمَانُ الْحِكْمَةَ بِحَسَبٍ وَ لاَ مَالٍ وَ لاَ أَهْلٍ وَ لاَ بَسْطٍ فِي جِسْمٍ وَ لاَ جَمَالٍ وَ لَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ مُتَوَرِّعاً فِي اللَّهِ سَاكِتاً سَكِيناً عَمِيقَ النَّظَرِ طَوِيلَ الْفِكْرِ حَدِيدَ النَّظَرِ مُسْتَعْبِراً بِالْعِبَرِ لَمْ يَنَمْ نَهَاراً قَطُّ وَ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى بَوْلٍ وَ لاَ غَائِطٍ وَ لاَ اغْتِسَالٍ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وَ عُمْقِ نَظَرِهِ وَ تَحَفُّظِهِ فِي أَمْرِهِ وَ لَمْ يَضْحَكْ مِنْ شَيْ ءٍ قَطُّ مَخَافَةَ الْإِثْمِ ، وَ لَمْ يَغْضَبْ قَطُّ وَ لَمْ يُمَازِحْ إِنْسَاناً قَطُّ وَ لَمْ يَفْرَحْ بِشَيْ ءٍ إِنْ أَتَاهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ لاَ حَزِنَ مِنْهَا عَلَى شَيْ ءٍ قَطُّ ، وَ قَدْ نَكَحَ مِنَ النِّسَاءِ وَ وُلِدَ لَهُ مِنَ الْأَوْلاَدِ الْكَثِيرَةِ وَ قَدَّمَ أَكْثَرَهُمْ أَفْرَاطاً، فَمَا بَكَى عَلَى مَوْتِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، وَ لَمْ يَمُرَّ بِرَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ أَوْ يَقْتَتِلاَنِ إِلاَّ أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا وَ لَمْ يَمْضِ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَابَّا، وَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلاً قَطُّ مِنْ أَحَدٍ اسْتَحْسَنَهُ إِلاَّ سَأَلَ عَنْ تَفْسِيرِهِ وَ عَمَّنْ أَخَذَهُ ، وَ كَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ الْفُقَهَاءِ وَ الْحُكَمَاءِ، وَ كَانَ يَغْشَي الْقُضَاةَ وَ الْمُلُوكَ وَ السَّلاَطِينَ ، فَيَرْثِي لِلْقُضَاةِ مَا ابْتُلُوا بِهِ وَ يَرْحَمُ لِلْمُلُوكِ وَ السَّلاَطِينِ لِعِزَّتِهِمْ بِاللَّهِ وَ طُمَأْنِينَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَ يَعْتَبِرُ وَ يَتَعَلَّمُ مَا يَغْلِبُ بِهِ نَفْسَهُ وَ يُجَاهِدُ بِهِ هَوَاهُ وَ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنَ اَلشَّيْطَانِ فَكَانَ يُدَاوِي قَلْبَهُ بِالْفِكْرِ وَ يُدَاوِي نَفْسَهُ بِالْعِبَرِ وَ كَانَ لاَ يَظْعَنُ إِلاَّ فِيمَا يَنْفَعُهُ فَبِذَلِكَ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَ مُنِحَ الْعِصْمَةَ ، فَإِنَّ
ص: 162
اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَمَرَ طَوَائِفَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ حِينَ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَ هَدَأَتِ الْعُيُونُ بِالْقَائِلَةِ فَنَادَوْا لُقْمَانَ حَيْثُ يَسْمَعُ وَ لاَ يَرَاهُمْ فَقَالُوا: يَا لُقْمَانُ هَلْ لَكَ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ تَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ لُقْمَانُ : إِنْ أَمَرَنِيَ اللَّهُ بِذَلِكَ فَالسَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ لِأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ بِي ذَلِكَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ وَ عَلَّمَنِي وَ عَصَمَنِي وَ إِنْ هُوَ خَيَّرَنِي قَبِلْتُ الْعَافِيَةَ فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا لُقْمَانُ لِمَ قُلْتَ ذَلِكَ قَالَ : لِأَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَشَدِّ الْمَنَازِلِ مِنَ الدِّينِ وَ أَكْثَرُهَا فِتَناً وَ بَلاَءً مَا يُخْذَلُ وَ لاَ يُعَانُ وَ يَغْشَاهُ الظُّلَمُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَ صَاحِبُهُ فِيهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِنْ أَصَابَ فِيهِ الْحَقَّ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَسْلَمَ وَ إِنْ أَخْطَأَ أَخْطَأَ طَرِيقَ اَلْجَنَّةِ
وَ مَنْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا ذَلِيلاً وَ ضَعِيفاً كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْهِ فِي الْمَعَادِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَكَماً سَرِيّاً شَرِيفاً وَ مَنِ اخْتَارَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ يَخْسَرُهُمَا كِلْتَيْهِمَا تَزُولُ هَذِهِ وَ لاَ تُدْرَكُ تِلْكَ ، قَالَ فَتَعَجَّبَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ حِكْمَتِهِ وَ اسْتَحْسَنَ الرَّحْمَنُ مَنْطِقَهُ ، فَلَمَّا أَمْسَى وَ أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِكْمَةَ فَغَشَّاهُ بِهَا مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَ هُوَ نَائِمٌ وَ غَطَّاهُ بِالْحِكْمَةِ غِطَاءً فَاسْتَيْقَظَ وَ هُوَ أَحْكَمُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ ، وَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ وَ يُثْبِتُهَا فِيهَا.
قَالَ : فَلَمَّا أُوتِيَ الْحُكْمَ بِالْخِلاَفَةِ وَ لَمْ يَقْبَلْهَا أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ فَنَادَتْ دَاوُدَ
بِالْخِلاَفَةِ فَقَبِلَهَا وَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا بِشَرْطِ لُقْمَانَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ الْخِلاَفَةَ فِي الْأَرْضِ وَ ابْتُلِيَ فِيهَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَ كُلَّ ذَلِكَ يَهْوِي فِي الْخَطَإِ يَقْبَلُهُ اللَّهُ وَ يَغْفِرُ لَهُ ، وَ كَانَ لُقْمَانُ يُكْثِرُ زِيَارَةَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ يَعِظُهُ بِمَوَاعِظِهِ وَ حِكْمَتِهِ وَ فَضْلِ عِلْمِهِ وَ كَانَ دَاوُدُ يَقُولُ لَهُ : طُوبَى لَكَ يَا لُقْمَانُ أُوتِيتَ الْحِكْمَةَ وَ صُرِفَتْ عَنْكَ الْبَلِيَّةُ وَ أُعْطِيَ دَاوُدُ الْخِلاَفَةَ وَ ابْتُلِيَ بِالْحُكْمِ وَ الْفِتْنَةِ .
ص: 163
وَ اسْتَقْبَلْتَ الْآخِرَةَ فَدَارٌ أَنْتَ إِلَيْهَا تَسِيرُ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ دَارٍ أَنْتَ عَنْهَا مُتَبَاعِدٌ، يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَ زَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ لاَ تُجَادِلْهُمْ فَيَمْنَعُوكَ وَ خُذْ مِنَ الدُّنْيَا بَلاَغاً وَ لاَ تَرْفُضْهَا فَتَكُونَ عِيَالاً عَلَى النَّاسِ وَ لاَ تَدْخُلْ فِيهَا دُخُولاً يُضِرُّ بِآخِرَتِكَ وَ صُمْ صَوْماً يَقْطَعُ شَهْوَتَكَ وَ لاَ تَصُمْ صَوْماً يَمْنَعُكَ مِنَ الصَّلاَةِ فَإِنَّ الصَّلاَةَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الصِّيَامِ ، يَا بُنَيَّ إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ هَلَكَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ فَاجْعَلْ سَفِينَتَكَ فِيهَا الْإِيمَانَ وَ اجْعَلْ شِرَاعَهَا التَّوَكُّلَ وَ اجْعَلْ زَادَكَ فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ ، فَإِنْ نَجَوْتَ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ وَ إِنْ هَلَكْتَ فَبِذُنُوبِكَ يَا بُنَيَّ إِنْ تَأَدَّبْتَ صَغِيراً انْتَفَعْتَ بِهِ كَبِيراً، وَ مَنْ غَنِيَ بِالْأَدَبِ اهْتَمَّ بِهِ وَ مَنِ اهْتَمَّ بِهِ تَكَلَّفَ عِلْمَهُ وَ مَنْ تَكَلَّفَ عِلْمَهُ اشْتَدَّ طَلَبُهُ وَ مَنِ اشْتَدَّ طَلَبُهُ أَدْرَكَ مَنْفَعَتَهُ فَاتَّخِذْهُ عَادَةً فَإِنَّكَ تَخْلُفُ فِي سَلَفِكَ وَ تَنْفَعُ بِهِ مَنْ خَلَفَكَ وَ يَرْتَجِيكَ فِيهِ رَاغِبٌ وَ يَخْشَى صَوْلَتَكَ رَاهِبٌ وَ إِيَّاكَ وَ الْكَسَلَ عَنْهُ وَ الطَّلَبَ لِغَيْرِهِ فَإِنْ غَلَبْتَ عَلَى الدُّنْيَا فَلاَ تَغْلِبَنَّ عَلَى الْآخِرَةِ وَ إِذَا فَاتَكَ طَلَبُ الْعِلْمِ فِي مَظَانِّهِ فَقَدْ غَلَبْتَ عَلَى الْآخِرَةِ وَ اجْعَلْ فِي أَيَّامِكَ وَ لَيَالِيكَ وَ سَاعَاتِكَ لِنَفْسِكَ نَصِيباً فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَإِنَّكَ لَنْ تَجِدَ لَهُ تَضْيِيعاً أَشَدَّ مِنْ تَرْكِهِ ، وَ لاَ تُمَارِيَنَّ فِيهِ لَجُوجاً وَ لاَ تُجَادِلَنَّ فَقِيهاً وَ لاَ تُعَادِيَنَّ سُلْطَاناً، وَ لاَ تُمَاشِيَنَّ ظَلُوماً، وَ لاَ تُصَادِقَنَّهُ وَ لاَ تُصَاحِبَنَّهُ فَاسِقاً نَطِفاً(1) وَ لاَ تُصَاحِبَنَّ مُتَّهَماً، وَ اخْزُنْ عِلْمَكَ كَمَا تَخْزُنُ وَرِقَكَ (2) ، يَا بُنَيَّ خَفِ اللَّهَ خَوْفاً لَوْ أَتَيْتَ الْقِيَامَةَ بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ خِفْتَ أَنْ يُعَذِّبَكَ وَ ارْجُ اللَّهَ رَجَاءً لَوْ وَافَيْتَ الْقِيَامَةَ بِإِثْمِ الثَّقَلَيْنِ رَجَوْتَ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ .
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَا أَبَتِ وَ كَيْفَ أُطِيقُ هَذَا وَ إِنَّمَا لِي قَلْبٌ وَاحِدٌ فَقَالَ لَهُ لُقْمَانُ
يَا بُنَيَّ لَوِ اسْتُخْرِجَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فَشُقَّ لَوَجَدَ فِيهِ نُورَيْنِ نُوراً لِلْخَوْفِ وَ نُوراً لِلرَّجَاءِ
ص: 164
لَوْ وُزِنَا لَمَا رُجِحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يُصَدِّقْ مَا قَالَ اللَّهُ وَ مَنْ يُصَدِّقْ مَا قَالَ اللَّهُ يَفْعَلْ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَ اللَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ مَا قَالَ اللَّهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَخْلاَقَ تَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ إِيمَاناً صَادِقاً يَعْمَلْ لِلَّهِ خَالِصاً نَاصِحاً وَ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ خَالِصاً نَاصِحاً فَقَدْ آمَنَ بِاللَّهِ صَادِقاً وَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ خَافَهُ وَ مَنْ خَافَهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَ مَنْ أَحَبَّهُ اتَّبَعَ أَمْرَهُ وَ مَنِ اتَّبَعَ أَمْرَهُ اسْتَوْجَبَ جَنَّتَهُ وَ مَرْضَاتَهُ وَ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ رِضْوَانَ اللَّهِ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِ سَخَطُهُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، يَا بُنَيَّ ! لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَ لاَ تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهَا فَمَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَ لاَ تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ نَعِيمَهَا ثَوَاباً لِلْمُطِيعِينَ وَ لَمْ يَجْعَلْ بَلاَءَهَا عُقُوبَةً لِلْعَاصِينَ .
و قوله «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلىٰ وَهْنٍ » يعني ضعفا على ضعف ثم قال «وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ عَلىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاٰ تُطِعْهُمٰا» إلى قوله «بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ » يَقُولُ اتَّبِعْ سَبِيلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .
قال علي بن إبراهيم ثم عطف على خبر لقمان و قصته فقال «يٰا بُنَيَّ إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمٰاوٰاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» قال من الرزق يأتيك به الله
و قوله «وَ لاٰ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّٰاسِ » أي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم «وَ لاٰ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» أي فرحا
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لاٰ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً»
أَيْ بِالْعَظَمَةِ . و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ » أي لا تعجل «وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ » أي لا ترفعه «إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوٰاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» و روي فيه غير هذا أيضا
و أما قوله «وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً »
ص: 165
فَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ تَوْحِيدِهِ وَ أَمَّا النِّعْمَةُ الْبَاطِنَةُ فَوَلاَيَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ عَقْدُ مَوَدَّتِنَا فَاعْتَقَدَ وَ اللَّهِ قَوْمٌ هَذِهِ النِّعْمَةَ الظَّاهِرَةَ وَ الْبَاطِنَةَ .
وَ اعْتَقَدَهَا قَوْمٌ ظَاهِرَهُ وَ لَمْ يَعْتَقِدُوا بَاطِنَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قٰالُوا آمَنّٰا بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ » فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ نُزُولِهَا إِذْ لَمْ يَتَقَبَّلِ اللَّهُ تَعَالَى إِيمَانَهُمْ إِلاَّ بِعَقْدِ وَلاَيَتِنَا وَ مَحَبَّتِنَا . و قوله «وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّٰهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقىٰ » قال بالولاية
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يُجٰادِلُ فِي اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لاٰ هُدىً وَ لاٰ كِتٰابٍ مُنِيرٍ وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ قٰالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مٰا وَجَدْنٰا عَلَيْهِ آبٰاءَنٰا أَ وَ لَوْ كٰانَ اَلشَّيْطٰانُ يَدْعُوهُمْ إِلىٰ عَذٰابِ السَّعِيرِ» فَهُوَ اَلنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اتَّبِعْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قَالَ بَلْ أَتَّبِعُ مَا وَجَدْتُ عَلَيْهِ آبَائِي.
و قوله «وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ »
وَ ذَلِكَ أَنَّ اَلْيَهُودَ
سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنِ اَلرُّوحِ ، فَقَالَ «اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً» ، قَالُوا نَحْنُ خَاصَّةً قَالَ بَلِ النَّاسُ عَامَّةً قَالُوا فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَانِ يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَمْ تُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً وَ قَدْ أُوتِيتَ اَلْقُرْآنَ وَ أُوتِينَا اَلتَّوْرَاةَ
وَ قَدْ قَرَأْتَ :«وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ » وَ هِيَ اَلتَّوْرَاةُ «فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:«وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اللّٰهِ » يَقُولُ عِلْمُ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَ مَا أُوتِيتُمْ كَثِيرٌ فِيكُمْ قَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ »
الآية معنى ذلك أن علم الله أكثر من ذلك فأما ما آتاكم فهو كثير فيكم قليل في ما عند الله و قوله «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّٰهِ » قال السفن
ص: 166
تجري في البحر بقدرة الله
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «مٰا خَلْقُكُمْ وَ لاٰ بَعْثُكُمْ إِلاّٰ كَنَفْسٍ وٰاحِدَةٍ » بَلَغَنَا وَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا مُحَمَّدُ خُلِقْنَا أَطْوَاراً نُطَفاً ثُمَّ عَلَقاً ثُمَّ أُنْشِئْنَا «خَلْقاً آخَرَ» كَمَا تَزْعُمُ وَ تَزْعُمُ أَنَّا نُبْعَثُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ! فَقَالَ اللَّهُ «مٰا خَلْقُكُمْ وَ لاٰ بَعْثُكُمْ إِلاّٰ كَنَفْسٍ وٰاحِدَةٍ » إِنَّمَا «يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » .
و قوله «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهٰارِ وَ يُولِجُ النَّهٰارَ فِي اللَّيْلِ » يقول ما ينقص من الليل يدخل في النهار و ما ينقص من النهار يدخل في الليل و قوله:«وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى» يقول كل واحد منهما يجري إلى منتهاه لا يقصر عنه و لا يجاوزه، و قال علي بن إبراهيم في قوله «إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِكُلِّ صَبّٰارٍ شَكُورٍ» قال هو الذي يصبر على الفقر و الفاقة و يشكر الله على جميع أحواله
و قوله «وَ إِذٰا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ » يعني في البحر «دَعَوُا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » إلى قوله «فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» أي صالح «وَ مٰا يَجْحَدُ بِآيٰاتِنٰا إِلاّٰ كُلُّ خَتّٰارٍ كَفُورٍ» قال الختار الخداع و قوله «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لاٰ يَجْزِي وٰالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ » إلى قوله «إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ » قال ذلك القيامة و قوله «إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْأَرْحٰامِ وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ مٰا ذٰا تَكْسِبُ غَداً وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هَذِهِ الْخَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَ هِيَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ .
ص: 167
«لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ »
قوله «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمٰاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ » يعني (الأمور التي يدبرها و الأمر و النهي الذي أمر به و أعمال العباد كل هذا يظهره يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سني الدنيا
و قوله «اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسٰانِ مِنْ طِينٍ » قال هو آدم عليه السّلام «ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ » أي ولده «مِنْ سُلاٰلَةٍ » و هو الصفو من الطعام و الشراب «مِنْ مٰاءٍ مَهِينٍ » قال النطفة المني «ثُمَّ سَوّٰاهُ » أي استحالة من نطفة إلى علقة و من علقة إلى مضغة حتى نفخ فيه الروح
و قوله «قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ »
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي
عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ مَلَكاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِيَدِهِ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ لاَ يَلْتَفِتُ يَمِيناً وَ لاَ شِمَالاً مُقْبِلاً عَلَيْهِ كَهَيْئَةِ الْحَزِينِ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ : هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ مَشْغُولٌ فِي قَبْضِ الْأَرْوَاحِ فَقُلْتُ أدنيني [أَدْنِنِي] مِنْهُ يَا جَبْرَئِيلُ لِأُكَلِّمَهُ ، فَأَدْنَانِي مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ أَ كُلُّ مَنْ مَاتَ أَوْ هُوَ مَيِّتٌ فِيمَا بَعْدُ أَنْتَ تَقْبِضُ رُوحَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ تَحْضُرُهُمْ بِنَفْسِكَ قَالَ نَعَمْ وَ مَا الدُّنْيَا كُلُّهَا عِنْدِي فِيمَا سَخَّرَهَا اللَّهُ لِي وَ مَكَّنَنِي مِنْهَا إِلاَّ كَالدِّرْهَمِ فِي كَفِّ الرَّجُلِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ وَ مَا مِنْ دَارٍ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ وَ أَدْخُلُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَ أَقُولُ إِذَا بَكَى أَهْلُ الْبَيْتِ عَلَى مَيِّتِهِمْ لاَ تَبْكُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي إِلَيْكُمْ عَوْدَةً وَ عَوْدَةً حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَفَى بِالْمَوْتِ طَامَّةً يَا جَبْرَئِيلُ ! فَقَالَ جَبْرَئِيلُ إِنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَطَمُّ وَ أَعْظَمُ مِنَ الْمَوْتِ .
و قوله:«وَ لَوْ شِئْنٰا لَآتَيْنٰا كُلَّ نَفْسٍ هُدٰاهٰا» قال لو شئنا أن نجعلهم كلهم معصومين لقدرنا
و قوله «فَذُوقُوا بِمٰا نَسِيتُمْ لِقٰاءَ يَوْمِكُمْ هٰذٰا إِنّٰا نَسِينٰاكُمْ » أي تركناكم
و قوله «تَتَجٰافىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضٰاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ »
ص: 168
اَلْقُرْآنِ إِلاَّ صَلاَةَ اللَّيْلِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُبَيِّنْ ثَوَابَهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا عِنْدَهُ فَقَالَ «تَتَجٰافىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضٰاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ »
إِلَى قَوْلِهِ «يَعْمَلُونَ » .
ثُمَّ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ كَرَامَةً فِي عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مَلَكاً مَعَهُ حُلَّتَانِ فَيَنْتَهِي إِلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ فَيَقُولُ :
اسْتَأْذِنُوا لِي عَلَى فُلاَنٍ ، فَيُقَالُ لَهُ هَذَا رَسُولُ رَبِّكَ عَلَى الْبَابِ ، فَيَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ أَيَّ شَيْ ءٍ تَرَيْنَ عَلَيَّ أَحْسَنَ فَيَقُلْنَ يَا سَيِّدَنَا وَ الَّذِي أَبَاحَكَ اَلْجَنَّةَ مَا رَأَيْنَا عَلَيْكَ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْ هَذَا قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ رَبُّكَ ، فَيَتَّزِرُ(1) بِوَاحِدَةٍ وَ يَتَعَطَّفُ بِالْأُخْرَى فَلاَ يَمُرُّ بِشَيْ ءٍ إِلاَّ أَضَاءَ لَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْمَوْعِدِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا تَجَلَّى لَهُمُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِ أَيْ إِلَى رَحْمَتِهِ «خَرُّوا سُجَّداً» فَيَقُولُ عِبَادِي ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ لَيْسَ هَذَا يَوْمَ سُجُودٍ وَ لاَ عِبَادَةٍ قَدْ رَفَعْتُ عَنْكُمُ الْمَئُونَةَ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ وَ أَيُّ شَيْ ءٍ أَفْضَلُ مِمَّا أَعْطَيْتَنَا [أَعْطَيْتَنَاهُ ] اَلْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ لَكُمْ مِثْلُ مَا فِي أَيْدِيكُمْ سَبْعِينَ ضِعْفاً، فَيَرَى الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ سَبْعِينَ ضِعْفاً مِثْلَ مَا فِي يَدِهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ لَدَيْنٰا مَزِيدٌ»
وَ هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ إِنَّهَا لَيْلَةٌ غَرَّاءُ وَ يَوْمٌ أَزْهَرُ فَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنَ التَّسْبِيحِ وَ التَّهْلِيلِ وَ التَّكْبِيرِ وَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِهِ ، قَالَ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُ فَلاَ يَمُرُّ بِشَيْ ءٍ إِلاَّ أَضَاءَ لَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَزْوَاجِهِ فَيَقُلْنَ وَ الَّذِي أَبَاحَنَا اَلْجَنَّةَ يَا سَيِّدَنَا مَا رَأَيْنَاكَ أَحْسَنَ مِنْكَ السَّاعَةَ فَيَقُولُ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ إِلَى نُورِ رَبِّي، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ أَزْوَاجَهُ لاَ يَغِرْنَ وَ لاَ يَحِضْنَ وَ لاَ يَصْلَفْنَ (2) قَالَ الرَّاوِي قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ
ص: 169
أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْ ءٍ أَسْتَحِي مِنْهُ قَالَ سَلْ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَلْ فِي اَلْجَنَّةِ غِنَاءٌ قَالَ إِنَّ فِي اَلْجَنَّةِ شَجَرَةً يَأْمُرُ اللَّهُ رِيَاحَهَا فَتَهَبُّ فَتَضْرِبُ تِلْكَ الشَّجَرَةُ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا حُسْناً ثُمَّ قَالَ : هَذَا عِوَضٌ لِمَنْ تَرَكَ السَّمَاعَ لِلْغِنَاءِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ اَلْجَنَّةَ بِيَدِهِ وَ لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا مَخْلُوقٌ يَفْتَحُهَا الرَّبُّ كُلَّ صَبَاحٍ فَيَقُولُ ازْدَادِي رِيحاً ازْدَادِي طِيباً وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى «فَلاٰ تَعْلَمُ نَفْسٌ مٰا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزٰاءً بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ » .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ » قَالَ فَذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اَلْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ تَشَاجَرَا فَقَالَ الْفَاسِقُ اَلْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ : أَنَا وَ اللَّهِ أَبْسَطُ مِنْكَ لِسَاناً وَ أَحَدُّ مِنْكُمْ سِنَاناً وَ أَمْثَلُ مِنْكَ جُثُوّاً فِي الْكَتِيبَةِ ، قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اسْكُتْ فَإِنَّمَا أَنْتَ فَاسِقٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ فَلَهُمْ جَنّٰاتُ الْمَأْوىٰ نُزُلاً بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ » فَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوٰاهُمُ اَلنّٰارُ كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا أُعِيدُوا فِيهٰا» إلى قوله «بِهِ تُكَذِّبُونَ » قال: إن جهنم
إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فإذا بلغوا أسفلها زفرت بهم جهنم فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم.
و أما قوله:«وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذٰابِ الْأَدْنىٰ دُونَ الْعَذٰابِ الْأَكْبَرِ» الآية قال: العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف و معنى قوله:«لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »
يعني فإنهم يرجعون في الرجعة حتى يعذبوا
و قوله:«وَ جَعَلْنٰا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا لَمّٰا صَبَرُوا» قال: كان في علم الله أنهم يصبرون على ما يصيبهم فجعلهم أئمة،
ص: 170
بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : الْأَئِمَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِمَامَانِ إِمَامٌ عَدْلٌ وَ إِمَامٌ جَوْرٌ قَالَ اللَّهُ «وَ جَعَلْنٰا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا» لاَ بِأَمْرِ النَّاسِ يُقَدِّمُونَ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ أَمْرِهِمْ وَ حُكْمَ اللَّهِ قَبْلَ حُكْمِهِمْ قَالَ «وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى اَلنّٰارِ» يُقَدِّمُونَ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَمْرِ اللَّهِ وَ حُكْمَهُمْ قَبْلَ حُكْمِ اللَّهِ وَ يَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ خِلاَفاً لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ .،
و قال علي بن إبراهيم في قوله «أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا نَسُوقُ الْمٰاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ» قال الأرض الخراب و هو مثل ضربه الله في الرجعة و القائم عليه السلام
فلما أخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخبر الرجعة قالوا «مَتىٰ هٰذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ »
و هذه معطوفة على قوله «وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذٰابِ الْأَدْنىٰ دُونَ الْعَذٰابِ الْأَكْبَرِ»
فقالوا «مَتىٰ هٰذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ » فقال الله «قُلْ » لهم «يَوْمَ الْفَتْحِ لاٰ يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمٰانُهُمْ وَ لاٰ هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » يا محمد «وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ »
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّٰهَ وَ لاٰ تُطِعِ اَلْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً» و هذا هو الذي
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَةُ . فالمخاطبة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و المعنى للناس
و قوله «مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَ مٰا جَعَلَ أَزْوٰاجَكُمُ اللاّٰئِي تُظٰاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهٰاتِكُمْ » و هو مع قوله في المجادلة «اَلَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسٰائِهِمْ » إلى قوله «وَلَدْنَهُمْ » .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ » قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّنَا وَ حُبُّ عَدُوِّنَا فِي جَوْفِ إِنْسَانٍ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ فَيُحِبُّ هَذَا وَ يُبْغِضُ هَذَا فَأَمَّا مُحِبُّنَا فَيُخْلِصُ الْحُبَّ لَنَا كَمَا يُخْلَصُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ لاَ كَدَرَ فِيهِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ
ص: 171
حُبَّنَا فَلْيَمْتَحِنْ قَلْبَهُ فَإِنْ شَارَكَهُ فِي حُبِّنَا حُبُّ عَدُوِّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَ لَسْنَا مِنْهُ وَ اللَّهُ عَدُوُّهُمْ وَ جَبْرَئِيلُ وَ مِيكَائِيلُ وَ اللَّهُ «عَدُوٌّ لِلْكٰافِرِينَ » .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ »
قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : كَانَ سَبَبُ نُزُولِ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا تَزَوَّجَ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ خَرَجَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ
فِي تِجَارَةٍ لَهَا وَ رَأَى زَيْداً يُبَاعُ وَ رَآهُ غُلاَماً كَيِّساً حَصِيفاً(1) فَاشْتَرَاهُ فَلَمَّا نبأ [نُبِّئَ ]
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دَعَاهُ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ فَأَسْلَمَ وَ كَانَ يُدْعَى زَيْدٌ مَوْلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَلَمَّا بَلَغَ حَارِثَةَ بْنَ شَرَاحَبِيلَ الْكَلْبِيَّ خَبَرُ وَلَدِهِ زَيْدٍ قَدِمَ مَكَّةَ وَ كَانَ رَجُلاً جَلِيلاً، فَأَتَى أَبَا طَالِبٍ فَقَالَ يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنِي وَقَعَ عَلَيْهِ السَّبْيُ وَ بَلَغَنِي أَنَّهُ صَارَ إِلَى ابْنِ أَخِيكَ فَسَلْهُ إِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ وَ إِمَّا أَنْ يُفَادِيَهُ وَ إِمَّا أَنْ يُعْتِقَهُ ، فَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هُوَ حُرٌّ فَلْيَذْهَبْ كَيْفَ يَشَاءُ، فَقَامَ حَارِثَةُ فَأَخَذَ بِيَدِ زَيْدٍ فَقَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ الْحَقْ بِشَرَفِكَ وَ حَسَبِكَ ، فَقَالَ زَيْدٌ لَسْتُ أُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
أَبَداً، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فَتَدَعُ حَسَبَكَ وَ نَسَبَكَ وَ تَكُونُ عَبْداً لِقُرَيْشٍ فَقَالَ زَيْدٌ لَسْتُ أُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا دُمْتُ حَيّاً، فَغَضِبَ أَبُوهُ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ بَرِئْتُ مِنْهُ وَ لَيْسَ هُوَ ابْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اشْهَدُوا أَنَّ زَيْداً ابْنِي أَرِثُهُ وَ يَرِثُنِي، فَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
يُحِبُّهُ وَ سَمَّاهُ زَيْدَ الْحُبِّ .
فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ زَوَّجَهُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَ أَبْطَأَ عَنْهُ يَوْماً فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَنْزِلَهُ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِذَا زَيْنَبُ جَالِسَةٌ وَسْطَ حُجْرَتِهَا تَسْحَقُ طِيباً بِفِهْرٍ(2) فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ كَانَتْ جَمِيلَةً حَسَنَةً فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ خَالِقِ النُّورِ
ص: 172
وَ تَبَارَكَ «اَللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ » (1) ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ وَقَعَتْ زَيْنَبُ
فِي قَلْبِهِ مَوْقِعاً عَجِيباً، وَ جَاءَ زَيْدٌ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَخْبَرَتْهُ زَيْنَبُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَقَالَ لَهَا زَيْدٌ: هَلْ لَكِ أَنْ أُطَلِّقَكِ حَتَّى يَتَزَوَّجَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَعَلَّكِ قَدْ وَقَعْتِ فِي قَلْبِهِ فَقَالَتْ : أَخْشَى أَنْ تُطَلِّقَنِي وَ لاَ يَتَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ
بِكَذَا وَ كَذَا فَهَلْ لَكَ أَنْ أُطَلِّقَهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لاَ، اذْهَبْ فَاتَّقِ اللَّهَ وَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ، ثُمَّ حَكَى اللَّهُ فَقَالَ :«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّٰهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّٰهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّٰاسَ وَ اللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ
مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا» إِلَى قَوْلِهِ «وَ كٰانَ أَمْرُ اللّٰهِ مَفْعُولاً» فَزَوَّجَهُ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ (2).
ص: 173
فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : يُحَرِّمُ عَلَيْنَا نِسَاءَ أَبْنَائِنَا وَ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةَ ابْنِهِ زَيْدٍ فَأَنْزَلَ
ص: 174
اللَّهُ فِي هَذَا «وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «يَهْدِي السَّبِيلَ » . ثم قال:
«اُدْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ » إلى قوله «وَ مَوٰالِيكُمْ » فأعلم الله أن زيدا
ليس هو ابن محمد و إنما ادعاه للسبب الذي ذكرناه، و في هذا أيضا ما نكتبه في غير هذا الموضع في قوله:«مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ وَ لٰكِنْ رَسُولَ اللّٰهِ وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كٰانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً» ثم نزل «لاٰ يَحِلُّ لَكَ النِّسٰاءُ مِنْ بَعْدُ»
ما حلل عليه في سورة النساء و قوله:«وَ لاٰ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوٰاجٍ » معطوف على قصة امرأة زيد «وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ » أي لا يحل لك امرأة رجل أن تتعرض لها حتى يطلقها زوجها و تتزوجها أنت فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا.
و قوله:« النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ » قال: نزلت و هو أب لهم و أزواجه أمهاتهم، فجعل الله المؤمنين أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جعل رسول الله
أباهم لمن لم يقدر أن يصون نفسه و لم يكن له مال و ليس له على نفسه ولاية فجعل الله تبارك و تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله الولاية على المؤمنين من أنفسهم
ص: 175
بِغَدِيرِ خُمٍّ : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَ لَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ » قَالُوا: بَلَى ثُمَّ أَوْجَبَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا أَوْجَبَهُ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَلاَيَةِ فَقَالَ : «أَ لاَ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ » فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ النَّبِيَّ أَباً لِلْمُؤْمِنِينَ أَلْزَمَهُ مَئُونَتَهُمْ وَ تَرْبِيَةَ أَيْتَامِهِمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمِنْبَرَ فَقَالَ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَ مَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَعَلَيَّ وَ إِلَيَّ .، فألزم الله نبيه للمؤمنين ما يلزمه الوالد و ألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك ألزم أمير المؤمنين عليه السّلام ما ألزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
من بعد ذلك و بعده الأئمة عليهم السّلام واحدا واحدا و الدليل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام هما الوالدان قوله:«وَ اعْبُدُوا اللّٰهَ وَ لاٰ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً» فالوالدان رسول الله و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما
وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وَ كَانَ إِسْلاَمُ عَامَّةِ اَلْيَهُودِ بِهَذَا السَّبَبِ لِأَنَّهُمْ أَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ عِيَالاَتِهِمْ . و قوله:«وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ » قال نزلت في الإمامة
و قوله:«وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثٰاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْرٰاهِيمَ
وَ مُوسىٰ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ » قال: هذه الواو زيادة في قوله و منك و إنما هو منك و من نوح فأخذ الله الميثاق لنفسه على الأنبياء ثم أخذ لنبيه صلّى اللّه عليه و آله على الأنبياء و الأئمة ثم أخذ للأنبياء على رسوله صلّى اللّه عليه و آله.
و قوله:«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جٰاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهٰا وَ كٰانَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جٰاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ » الآية فإنها نزلت في قصة الأحزاب من قريش و العرب
الذين تحزبوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص: 176
وَ هُمْ يَهُودُ مِنْ بَنِي هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا أَجْلاَهُمْ مِنَ اَلْمَدِينَةِ صَارُوا إِلَى خَيْبَرَ وَ خَرَجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَ هَمَّ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ وَ قَالَ لَهُمْ إِنَّ مُحَمَّداً قَدْ وَتَرَكُمْ وَ وَتَرَنَا وَ أَجْلاَنَا مِنَ اَلْمَدِينَةِ مِنْ دِيَارِنَا وَ أَمْوَالِنَا وَ أَجْلَى بَنِي عَمِّنَا بَنِي قَيْنُقَاعَ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ وَ اجْمَعُوا حُلَفَاءَكُمْ وَ غَيْرَهُمْ حَتَّى نَسِيرَ إِلَيْهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ قَوْمِي بِيَثْرِبَ سَبْعُمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَ هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ عَهْدٌ وَ مِيثَاقٌ وَ أَنَا أَحْمِلُهُمْ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ يَكُونُونَ مَعَنَا عَلَيْهِمْ فَتَأْتُونَهُ أَنْتُمْ مِنْ فَوْقُ وَ هُمْ مِنْ أَسْفَلُ .
وَ كَانَ مَوْضِعُ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ عَلَى قَدْرِ مِيلَيْنِ وَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسَمَّى بِئْرَ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمْ يَزَلْ يَسِيرُ مَعَهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فِي قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ حَتَّى اجْتَمَعُوا قَدْرَ عَشَرَةِ آلاَفٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَ كِنَانَةَ وَ اَلْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ فِي قَوْمِهِ وَ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فِي بَنِي سُلَيْمٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ وَ كَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ ، فَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْقَلِيلَ لاَ يُقَاوِمُ الْكَثِيرَ فِي الْمُطَاوَلَةِ (1) قَالَ : فَمَا نَصْنَعُ قَالَ : نَحْفِرُ خَنْدَقاً يَكُونُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ حِجَاباً فَيُمْكِنُكَ مَنْعُهُمْ فِي الْمُطَاوَلَةِ ، وَ لاَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَأْتُونَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّا كُنَّا مَعَاشِرَ اَلْعَجَمِ فِي بِلاَدِ فَارِسَ إِذَا دَهَمَنَا دَهْمٌ مِنْ عَدُوِّنَا نَحْفِرُ الْخَنَادِقَ فَيَكُونُ الْحَرْبُ مِنْ مَوَاضِعَ مَعْرُوفَةٍ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ : أَشَارَ سَلْمَانُ
ص: 177
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَحْفِرُ اجْتَهَدُوا فِي الْحَفْرِ وَ نَقَلُوا التُّرَابَ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَكَّرُوا إِلَى الْحَفْرِ وَ قَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ فَبَيْنَا اَلْمُهَاجِرُونَ
وَ اَلْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ إِذْ عَرَضَ لَهُمْ جَبَلٌ لَمْ تَعْمَلِ الْمَعَاوِلُ فِيهِ ، فَبَعَثُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ ، قَالَ جَابِرٌ: فَجِئْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَ رَسُولُ اللَّهِ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ وَ رِدَاؤُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَ قَدْ شَدَّ عَلَى بَطْنِهِ حَجَراً، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ عَرَضَ لَنَا جَبَلٌ لَمْ تَعْمَلِ الْمَعَاوِلُ فِيهِ فَقَامَ مُسْرِعاً حَتَّى جَاءَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَ ذِرَاعَيْهِ وَ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ وَ مَجَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فِي فِيهِ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ أَخَذَ مِعْوَلاً فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَنَظَرْنَا فِيهَا إِلَى قُصُورِ اَلشَّامِ ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ نَظَرْنَا فِيهَا إِلَى قُصُورِ اَلْمَدَائِنِ ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ أُخْرَى نَظَرْنَا فِيهَا إِلَى قُصُورِ اَلْيَمَنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمَا إِنَّهُ سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ الَّتِي بَرَقَتْ فِيهَا الْبَرْقُ .
ثُمَّ انْهَالَ عَلَيْنَا الْجَبَلُ كَمَا يَنْهَالُ الرَّمْلُ ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
مقوي [مُقْوٍ] أَيْ جَائِعٌ لَمَّا رَأَيْتُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي الْغِذَاءِ قَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا جَابِرُ فَقُلْتُ : عَنَاقٌ (1) وَ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ فَقَالَ : تَقَدَّمْ وَ أَصْلِحْ مَا عِنْدَكَ ، قَالَ : فَجِئْتُ إِلَى أَهْلِي فَأَمَرْتُهَا فَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ وَ ذَبَحْتُ الْعَنْزَ وَ سَلَخْتُهَا وَ أَمَرْتُهَا أَنْ تَخْبِزَ وَ تَطْبُخَ وَ تَشْوِيَ ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ ذَلِكَ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَرَغْنَا فَاحْضُرْ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ ثُمَّ قَالَ : مَعَاشِرَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ أَجِيبُوا جَابِراً
قَالَ جَابِرٌ: وَ كَانَ فِي الْخَنْدَقِ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ ثُمَّ لَمْ يَمُرَّ بِأَحَدٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ إِلاَّ قَالَ أَجِيبُوا جَابِراً، قَالَ جَابِرٌ: فَتَقَدَّمْتُ وَ قُلْتُ لِأَهْلِي:
وَ اللَّهِ قَدْ أَتَاكِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَا لاَ قِبَلَ لَكِ بِهِ ، فَقَالَتْ : أَعْلَمْتَهُ أَنْتَ بِمَا عِنْدَنَا قَالَ : نَعَمْ قَالَتْ : هُوَ أَعْلَمُ بِمَا أَتَى، قَالَ جَابِرٌ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 178
فَنَظَرَ فِي الْقِدْرِ ثُمَّ قَالَ : اغْرِفِي وَ أَبْقِي ثُمَّ نَظَرَ فِي التَّنُّورِ ثُمَّ قَالَ : أَخْرِجِي وَ أَبْقِي ثُمَّ دَعَا بِصَحْفَةٍ فَثَرَدَ فِيهَا وَ غَرَفَ ، فَقَالَ : يَا جَابِرُ أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَأَدْخَلْتُ عَشَرَةً فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا(1) وَ مَا يُرَى فِي الْقَصْعَةِ إِلاَّ آثَارُ أَصَابِعِهِمْ ثُمَّ قَالَ : يَا جَابِرُ عَلَيَّ بِالذِّرَاعِ فَأَتَيْتُهُ بِالذِّرَاعِ فَأَكَلُوهُ ثُمَّ قَالَ : أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا وَ مَا يُرَى فِي الْقَصْعَةِ إِلاَّ آثَارُ أَصَابِعِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : عَلَيَّ بِالذِّرَاعِ فَأَكَلُوا وَ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ : أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً فَأَدْخَلْتُهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا وَ لَمْ يُرَ فِي الْقَصْعَةِ إِلاَّ آثَارُ أَصَابِعِهِمْ ثُمَّ قَالَ : يَا جَابِرُ عَلَيَّ بِالذِّرَاعِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ قَالَ : ذِرَاعَانِ ، فَقُلْتُ : وَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَقَدْ أَتَيْتُكَ بِثَلاَثَةٍ ، فَقَالَ : أَمَا لَوْ سَكَتَّ يَا جَابِرُ لَأَكَلُوا النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنَ الذِّرَاعِ ، قَالَ جَابِرُ: فَأَقْبَلْتُ أُدْخِلُ عَشَرَةً عَشَرَةً فَدَخَلُوا فَيَأْكُلُونَ حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ وَ بَقِيَ وَ اللَّهِ لَنَا مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ مَا عِشْنَا بِهِ أَيَّاماً .
قَالَ : وَ حَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْخَنْدَقَ وَ جَعَلَ لَهُ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ وَ جَعَلَ عَلَى كُلِّ بَابٍ رَجُلاً مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ
وَ رَجُلاً مِنَ اَلْأَنْصَارِ مَعَ جَمَاعَةٍ يَحْفَظُونَهُ وَ قَدِمَتْ قُرَيْشٌ وَ كِنَانَةُ وَ سُلَيْمٌ وَ هِلاَلٌ
فَنَزَلُوا الرَّغَابَةَ (2) .
فَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ حَفْرِ الْخَنْدَقِ قَبْلَ قُدُومِ قُرَيْشٍ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ، فَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ وَ مَعَهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فَلَمَّا نَزَلُوا اَلْعَقِيقَ جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ
إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَ كَانُوا فِي حِصْنِهِمْ قَدْ تَمَسَّكُوا بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
، فَدَقَّ بَابَ الْحِصْنِ فَسَمِعَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ قَرْعَ الْبَابِ فَقَالَ لِأَهْلِهِ : هَذَا أَخُوكِ قَدْ شَأَمَ قَوْمَهُ وَ جَاءَ الْآنَ يَشْأَمُنَا وَ يُهْلِكُنَا وَ يَأْمُرُنَا بِنَقْضِ الْعَهْدِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَ قَدْ وَفَى لَنَا مُحَمَّدٌ وَ أَحْسَنَ جِوَارَنَا فَنَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ غُرْفَتِهِ فَقَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ قَالَ : حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ قَدْ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ، فَقَالَ كَعْبٌ : بَلْ جِئْتَنِي بِذُلِّ الدَّهْرِ،
ص: 179
فَقَالَ : يَا كَعْبُ هَذِهِ قُرَيْشٌ فِي قَادَتِهَا وَ سَادَتِهَا قَدْ نَزَلَتْ بِالْعَقِيقِ مَعَ حُلَفَائِهِمْ مِنْ كِنَانَةَ وَ هَذِهِ فَزَارَةُ مَعَ قَادَتِهَا وَ سَادَتِهَا قَدْ نَزَلَتِ الرغابة [اَلزُّغَابَةَ ] وَ هَذِهِ سُلَيْمٌ وَ غَيْرُهُمْ قَدْ نَزَلُوا حِصْنَ بَنِي ذُبْيَانَ وَ لاَ يُفْلِتُ مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ أَبَداً فَافْتَحِ الْبَابَ وَ انْقُضِ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ كَعْبٌ : لَسْتُ بِفَاتِحٍ لَكَ الْبَابَ ارْجِعْ مِنْ حَيْثُ جِئْتَ فَقَالَ حُيَيٌّ : مَا يَمْنَعُكَ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ إِلاَّ حَشِيشَتُكَ [خَسِيسَتُكَ ] الَّتِي فِي التَّنُّورِ تَخَافُ أَنْ أَشْرَكَكَ فِيهَا فَافْتَحْ فَإِنَّكَ آمِنٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ : لَعَنَكَ اللَّهُ قَدْ دَخَلْتَ عَلَيَّ مِنْ بَابٍ دَقِيقٍ (1) ثُمَّ قَالَ : افْتَحُوا لَهُ الْبَابَ ، فَفَتَحُوا لَهُ الْبَابَ ، فَقَالَ :
ص: 180
عَلَى النَّاسِ جَمِيعاً وَ جَعَلَ مِنْهُمُ النُّبُوَّةَ وَ الْمُلْكَ وَ قَدْ عَهِدَ إِلَيْنَا مُوسَى «أَلاّٰ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّٰى يَأْتِيَنٰا بِقُرْبٰانٍ تَأْكُلُهُ النّٰارُ» وَ لَيْسَ مَعَ مُحَمَّدٍ آيَةٌ وَ إِنَّمَا جَمَعَهُمْ جَمْعاً وَ سَحَرَهُمْ وَ يُرِيدُ أَنْ يَغْلِبَهُمْ بِذَلِكَ ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْلِبُهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ حَتَّى أَجَابُوهُ فَقَالَ لَهُمْ أَخْرِجُوا الْكِتَابَ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ فَأَخْرَجُوهُ فَأَخَذَهُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَ مَزَّقَهُ وَ قَالَ قَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ فَتَجَهَّزُوا وَ تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ .
وَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ذَلِكَ فَغَمَّهُ غَمّاً شَدِيداً وَ فَزِعَ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَ أُسَيْدِ بْنِ حُصَيْنٍ وَ كَانَا مِنَ اَلْأَوْسِ وَ كَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ حُلَفَاءَ اَلْأَوْسِ فَقَالَ لَهُمَا: ائْتِيَا بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْظُرُوا مَا صَنَعُوا فَإِنْ كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلاَ تُعْلِمَا أَحَداً إِذَا رَجَعْتُمَا إِلَيَّ وَ قُولاَ عَضَلٌ وَ الفارة [اَلْقَارَةُ ] فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَ أُسَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ إِلَى بَابِ الْحِصْنِ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمَا كَعْبٌ مِنَ الْحِصْنِ فَشَتَمَ سَعْداً وَ شَتَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: إِنَّمَا أَنْتَ ثَعْلَبٌ فِي جُحْرٍ لَنُوَلِّيَنَّ قُرَيْشاً وَ لَيُحَاصِرَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لَيُنْزِلَنَّكَ عَلَى الصُّغْرِ وَ القماع [اَلْقَمَاءِ] وَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالاَ عَضَلٌ وَ الفارة [اَلْقَارَةُ ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
لُعَنَاءُ نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عُيُونٌ لِقُرَيْشٍ يَتَجَسَّسُونَ خَبَرَهُ وَ كَانَتْ عَضَلٌ وَ الفارة [اَلْقَارَةُ ] قبيلتان [قَبِيلَتَيْنِ ] مِنَ اَلْعَرَبِ دَخَلاَ فِي اَلْإِسْلاَمِ
ثُمَّ غَدَرَا فَكَانَ إِذَا غَدَرَ أَحَدٌ ضُرِبَ بِهَذَا الْمَثَلِ فَيُقَالُ عَضَلٌ وَ الفارة [اَلْقَارَةُ ].
وَ رَجَعَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَ قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِنَقْضِ بَنِي قُرَيْظَةَ
ص: 181
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اخْذُلْ بَيْنَ اَلْيَهُودِ وَ قُرَيْشٍ فَإِنَّهُ أَوْقَعُ عِنْدِي، قَالَ : فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَقُولَ فِيكَ مَا أُرِيدُ، قَالَ قُلْ مَا بَدَا لَكَ ، فَجَاءَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ : تَعْرِفُ مَوَدَّتِي لَكُمْ وَ نُصْحِي وَ مَحَبَّتِي أَنْ يَنْصُرَكُمُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّكُمْ وَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّداً قَدْ وَافَقَ اَلْيَهُودَ
أَنْ يَدْخُلُوا بَيْنَ عَسْكَرِكُمْ وَ يَمِيلُوا عَلَيْكُمْ وَ وَعَدَهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ جَنَاحَهُمُ الَّذِي قَطَعَهُ لِبَنِي النَّضِيرِ وَ قَيْنُقَاعَ فَلاَ أَرَى لَكُمْ أَنْ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُوا فِي عَسْكَرِكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْناً تَبْعَثُوا بِهِمْ إِلَى مَكَّةَ فَتَأْمَنُوا مَكْرَهُمْ وَ غَدَرَهُمْ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ
وَفَّقَكَ اللَّهُ وَ أَحْسَنَ جَزَاكَ مِثْلُكَ أَهْدَى النَّصَائِحِ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَبُو سُفْيَانَ بِإِسْلاَمِ نُعَيْمٍ
وَ لاَ أَحَدٌ مِنَ اَلْيَهُودِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ : يَا كَعْبُ تَعْلَمُ مَوَدَّتِي لَكُمْ وَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ تَخْرُجُ هَؤُلاَءِ اَلْيَهُودُ فَنَضَعُهُمْ فِي نَحْرِ مُحَمَّدٍ
فَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ الذِّكْرُ لَنَا دُونَهُمْ وَ إِنْ كَانَتْ عَلَيْنَا كَانُوا هَؤُلاَءِ مَقَادِيمَ الْحَرْبِ فَلاَ أَرَى لَكُمْ أَنْ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُوا عَسْكَرَكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ عَشَرَةً مِنْ أَشْرَافِهِمْ يَكُونُونَ فِي حِصْنِكُمْ إِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمَّدٍ لَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى يَرُدُّوا عَلَيْكُمْ عَهْدَكُمْ وَ عَقْدَكُمْ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَ بَيْنَكُمْ لِأَنَّهُ إِنْ وَلَّتْ قُرَيْشٌ وَ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمَّدٍ غَزَاكُمْ مُحَمَّدٌ فَيَقْتُلُكُمْ فَقَالُوا: أَحْسَنْتَ وَ أَبْلَغْتَ فِي النَّصِيحَةِ لاَ نَخْرُجُ مِنْ حِصْنِنَا حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُمْ رَهْناً يَكُونُونَ فِي حِصْنِنَا .
وَ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْخَنْدَقِ قَالُوا: هَذِهِ مَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ اَلْعَرَبُ
تَعْرِفُهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُمْ هَذَا مِنْ تَدْبِيرِ الْفَارِسِيِّ الَّذِي مَعَهُ فَوَافَى عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ
وَ هُبَيْرَةُ بْنُ وَهْبٍ وَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى اَلْخَنْدَقِ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ صَفَّ أَصْحَابَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَصَاحُوا بِخَيْلِهِمْ حَتَّى طَفِرُوا الْخَنْدَقَ إِلَى جَانِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَصَارُوا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كُلُّهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ قَالَ رَجُلٌ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ هُوَ فُلاَنٌ
ص: 182
أَحَدٌ فَهَلُمُّوا نَدْفَعْ إِلَيْهِ مُحَمَّداً لِيَقْتُلَهُ وَ نَلْحَقْ نَحْنُ بِقَوْمِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْلَهُ «قَدْ يَعْلَمُ اللّٰهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقٰائِلِينَ لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنٰا وَ لاٰ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّٰ قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيراً» وَ رَكَزَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ رُمْحَهُ فِي الْأَرْضِ وَ أَقْبَلَ يَجُولُ حَوْلَهُ وَ يَرْتَجِزُ وَ يَقُولُ :
وَ لَقَدْ بَحَحْتُ (1) مِنَ النِّدَاءِ بِجَمْعِكُمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ *** وَ وَقَفْتُ إِذْ جَبُنَ الشُّجَاعُ مَوَاقِفَ الْقَرْنِ الْمُنَاجِزِ
إِنِّي كَذَلِكَ لَمْ أَزَلْ مُتَسَرِّعاً نَحْوَ الْهَزَاهِزِ *** إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي الْفَتَى وَ الْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ لِهَذَا الْكَلْبِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ : أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ هَذَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَارِسُ يَلْيَلَ (2) قَالَ : أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
: ادْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَعَمَّمَهُ بِيَدِهِ ، وَ دَفَعَ إِلَيْهِ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ وَ قَاتِلْ بِهَذَا وَ قَالَ : اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ وَ مِنْ تَحْتِهِ .
فَمَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُهَرْوِلُ فِي مَشْيِهِ وَ هُوَ يَقُولُ :
لاَ تَعْجَلَنَّ فَقَدْ أَتَاكَ مُجِيبُ صَوْتِكَ غَيْرَ عَاجِزٍ *** ذُو نِيَّةٍ وَ بَصِيرَةٍ وَ الصِّدْقُ مُنْجِي كُلِّ فَائِزٍ
إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُقِيمَ عَلَيْكَ نَائِحَةَ الْجَنَائِزِ *** مِنْ ضَرْبَةٍ نَجْلاَءَ يَبْقَى صَوْتُهَا بَعْدَ الْهَزَاهِزِ.
ص: 183
فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو مَنْ أَنْتَ قَالَ : أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
وَ خَتَنُهُ فَقَالَ : وَ اللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ كَانَ لِي صَدِيقاً قَدِيماً وَ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَقْتُلَكَ مَا آمَنَ ابْنُ عَمِّكَ حِينَ بَعَثَكَ إِلَيَّ أَنْ أَخْتَطِفَكَ بِرُمْحِي هَذَا فَأَتْرُكَكَ شَائِلاً بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لاَ حَيٌّ وَ لاَ مَيِّتٌ ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قَدْ عَلِمَ ابْنُ عَمِّي أَنَّكَ إِنْ قَتَلْتَنِي دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ وَ أَنْتَ فِي اَلنَّارِ وَ إِنْ قَتَلْتُكَ فَأَنْتَ فِي اَلنَّارِ
وَ أَنَا فِي اَلْجَنَّةِ ، فَقَالَ عَمْرٌو وَ كِلْتَاهُمَا لَكَ يَا عَلِيُّ «تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزىٰ » ، قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
دَعْ هَذَا يَا عَمْرُو إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ وَ أَنْتَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ اَلْكَعْبَةِ تَقُولُ لاَ يَعْرِضَنَّ عَلَيَّ أَحَدٌ فِي الْحَرْبِ ثَلاَثَ خِصَالٍ إِلاَّ أَجَبْتُهُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَ أَنَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ ثَلاَثَ خِصَالٍ فَأَجِبْنِي إِلَى وَاحِدَةٍ قَالَ : هَاتِ يَا عَلِيُّ ! قَالَ : أَحَدُهَا تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ : نَحِّ عَنِّي هَذِهِ فَاسْأَلِ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ أَنْ تَرْجِعَ وَ تَرُدَّ هَذَا الْجَيْشَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنْ يَكُ صَادِقاً فَأَنْتُمْ أَعْلَى بِهِ عَيْناً وَ إِنْ يَكُ كَاذِباً كَفَتْكُمْ ذُؤْبَانُ اَلْعَرَبِ أَمْرَهُ ، فَقَالَ : إِذاً لاَ تَتَحَدَّثُ نِسَاءُ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ وَ لاَ تُنْشِدُ الشُّعَرَاءُ فِي أَشْعَارِهَا أَنِّي جَبُنْتُ وَ رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي مِنَ الْحَرْبِ وَ خَذَلْتُ قَوْماً رَأَّسُونِي عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فَالثَّالِثَةُ أَنْ تَنْزِلَ إِلَيَّ فَإِنَّكَ رَاكِبٌ وَ أَنَا رَاجِلٌ حَتَّى أُنَابِذَكَ فَوَثَبَ عَنْ فَرَسِهِ وَ عَرْقَبَهُ وَ قَالَ هَذِهِ خَصْلَةٌ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً مِنَ اَلْعَرَبِ يَسُومُنِي عَلَيْهَا ثُمَّ بَدَأَ فَضَرَبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ فَاتَّقَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
بِدَرَقَتِهِ فَقَطَعَهَا وَ ثَبَتَ السَّيْفُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا عَمْرُو أَ مَا كَفَاكَ أَنِّي بَارَزْتُكَ وَ أَنْتَ فَارِسُ اَلْعَرَبِ حَتَّى اسْتَعَنْتَ عَلَيَّ بِظَهِيرٍ فَالْتَفَتَ عَمْرٌو إِلَى خَلْفِهِ فَضَرَبَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُسْرِعاً عَلَى سَاقَيْهِ قَطَعَهُمَا جَمِيعاً وَ ارْتَفَعَتْ بَيْنَهُمَا عَجَاجَةٌ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ثُمَّ انْكَشَفَ الْعَجَاجَةُ فَنَظَرُوا فَإِذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 184
يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ وَ هُوَ يَقُولُ وَ الرَّأْسُ بِيَدِهِ :
أَنَا عَلِيٌّ وَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ *** اَلْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْفَتَى مِنَ الْهَرَبِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيُّ مَاكَرْتَهُ قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
الْحَرْبُ خَدِيعَةٌ .
وَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلزُّبَيْرَ إِلَى هُبَيْرَةَ بْنِ وَهْبٍ
فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً فَلَقَ هَامَتَهُ وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يُبَارِزَ ضِرَارَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلَمَّا بَرَزَ إِلَيْهِ ضِرَارٌ انْتَزَعَ لَهُ عُمَرُ سَهْماً فَقَالَ ضِرَارٌ وَيْحَكَ يَا اِبْنَ صُهَاكَ أَ تَرْمِينِي فِي مُبَارَزَةٍ وَ اللَّهِ لَئِنْ رَمَيْتَنِي لاَ تَرَكْتُ عَدَوِيّاً بِمَكَّةَ إِلاَّ قَتَلْتُهُ فَانْهَزَمَ عَنْهُ عُمَرُ وَ مَرَّ نَحْوَهُ ضِرَارٌ وَ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِالْقَنَاةِ ثُمَّ قَالَ احْفَظْهَا يَا عُمَرُ فَإِنِّي آلَيْتُ أَنْ لاَ أَقْتُلَ قُرَشِيّاً مَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ ، فَكَانَ عُمَرُ يَحْفَظُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَا وَلِيَ فَوَلاَّهُ .
فَبَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُحَارِبُهُمْ فِي الْخَنْدَقِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَيْلَكَ يَا يَهُودِيُّ أَيْنَ قَوْمُكَ فَصَارَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ
إِلَيْهِمْ فَقَالَ وَيْلَكُمْ اخْرُجُوا فَقَدْ نَابَذْتُمْ مُحَمَّداً الْحَرْبَ فَلاَ أَنْتُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ وَ لاَ أَنْتُمْ مَعَ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ كَعْبٌ : لَسْنَا خَارِجِينَ حَتَّى تُعْطِيَنَا قُرَيْشٌ عَشَرَةً مِنْ أَشْرَافِهِمْ رَهْناً يَكُونُونَ فِي حِصْنِنَا إِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمَّدٍ لَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى يَرُدَّ مُحَمَّدٌ عَلَيْنَا عَهْدَنَا وَ عَقَدْنَا فَإِنَّا لاَ نَأْمَنُ أَنْ تَفِرَّ قُرَيْشٌ وَ نَبْقَى نَحْنُ فِي عُقْرِ دَارِنَا وَ يَغْزُونَا مُحَمَّدٌ فَيَقْتُلُ رِجَالَنَا وَ يَسْبِي نِسَاءَنَا وَ ذَرَارِيَّنَا وَ إِنْ لَمْ نَخْرُجْ لَعَلَّهُ يَرُدُّ عَلَيْنَا عَهْدَنَا، فَقَالَ لَهُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ تَطْمَعُ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ قَدْ نَابَذَتِ اَلْعَرَبُ مُحَمَّداً الْحَرْبَ فَلاَ أَنْتُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ
وَ لاَ أَنْتُمْ مَعَ قُرَيْشٍ فَقَالَ كَعْبٌ هَذَا مِنْ شُؤْمِكَ إِنَّمَا أَنْتَ طَائِرٌ تَطِيرُ مَعَ قُرَيْشٍ
غَداً وَ تَتْرُكُنَا فِي عُقْرِ دَارِنَا وَ يَغْزُونَا مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ لَكَ عَهْدُ اللَّهِ عَلَيَّ وَ عَهْدُ مُوسَى
ص: 185
فَرَجَعَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ فَلَمَّا قَالَ يَسْأَلُونَ الرَّهْنَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ
هَذَا وَ اللَّهِ أَوَّلُ الْغَدْرِ قَدْ صَدَقَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي إِخْوَانِ الْقُرُودِ وَ الْخَنَازِيرِ.
فَلَمَّا طَالَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْأَمْرُ وَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ وَ كَانُوا فِي وَقْتِ بَرْدٍ شَدِيدٍ وَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ وَ خَافُوا مِنَ اَلْيَهُودِ خَوْفاً شَدِيداً وَ تَكَلَّمَ الْمُنَافِقُونَ بِمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ وَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ إِلاَّ نَافَقَ إِلاَّ الْقَلِيلُ وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ اَلْعَرَبَ تَتَحَزَّبُ وَ يَجِيئُونَ مِنْ فَوْقُ وَ تَغْدِرُ اَلْيَهُودُ وَ نَخَافُهُمْ مِنْ أَسْفَلَ وَ إِنَّهُ لَيُصِيبُهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ وَ لَكِنْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ لِي عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا جَاءَتْ قُرَيْشٌ وَ غَدَرَتِ اَلْيَهُودُ قَالَ الْمُنَافِقُونَ «مٰا وَعَدَنَا اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّٰ غُرُوراً» وَ كَانَ قَوْمٌ لَهُمْ دُورٌ فِي أَطْرَافِ اَلْمَدِينَةِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى دُورِنَا فَإِنَّهَا فِي أَطْرَافِ اَلْمَدِينَةِ وَ هِيَ عَوْرَةٌ وَ نَخَافُ اَلْيَهُودَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهَا، وَ قَالَ قَوْمٌ هَلُمُّوا فَنَهْرَبَ وَ نَصِيرَ فِي الْبَادِيَةِ وَ نَسْتَجِيرَ بِالْأَعْرَابِ فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَعِدُنَا مُحَمَّدٌ كَانَ بَاطِلاً كُلُّهُ ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 186
وَ اكْشِفْ عَنَّا شَرَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ بِقُوَّتِكَ وَ حَوْلِكَ وَ قُدْرَتِكَ ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ مَقَالَتَكَ وَ أَجَابَ دَعْوَتَكَ وَ أَمَرَ الدَّبُورَ وَ هِيَ الرِّيحُ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ أَنْ تَهْزِمَ قُرَيْشاً وَ اَلْأَحْزَابَ . وَ بَعَثَ اللَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ الدَّبُورَ فَانْهَزَمُوا وَ قُلِعَتْ أَخْبِيَتُهُمْ وَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ
وَ كَانَ قَرِيباً مِنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ نَادَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ نَادَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ أَدْعُوكَ فَلاَ تُجِيبُنِي! قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مِنَ الْخَوْفِ وَ الْبَرْدِ وَ الْجُوعِ فَقَالَ ادْخُلْ فِي الْقَوْمِ وَ ائْتِنِي بِأَخْبَارِهِمْ وَ لاَ تُحْدِثَنَّ حَدَثاً حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ الرِّيَاحَ عَلَى قُرَيْشٍ فَهَزَمَهُمْ قَالَ حُذَيْفَةُ فَمَضَيْتُ وَ أَنَا أَنْتَفِضُ مِنَ الْبَرْدِ فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلاَّ بِقَدْرِ مَا جُزْتُ اَلْخَنْدَقَ حَتَّى كَأَنِّي فِي حَمَّامٍ فَقَصَدْتُ خِبَاءً عَظِيماً فَإِذَا نَارٌ تَخْبُو وَ تُوقَدُ وَ إِذَا خَيْمَةٌ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ دَلَّى خُصْيَتَيْهِ عَلَى النَّارِ وَ هُوَ يَنْتَفِضُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنْ كُنَّا نُقَاتِلُ أَهْلَ السَّمَاءِ بِزَعْمِ مُحَمَّدٍ فَلاَ طَاقَةَ لَنَا بِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ إِنْ كُنَّا نُقَاتِلُ أَهْلَ الْأَرْضِ فَنَقْدِرُ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ لِيَنْظُرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ إِلَى جَلِيسِهِ لاَ يَكُونُ لِمُحَمَّدٍ عَيْنٌ فِيمَا بَيْنَنَا، قَالَ حُذَيْفَةُ
فَبَادَرْتُ أَنَا فَقُلْتُ لِلَّذِي عَنْ يَمِينِي مَنْ أَنْتَ فَقَالَ : أَنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ثُمَّ قُلْتُ لِلَّذِي عَنْ يَسَارِي مَنْ أَنْتَ قَالَ : أَنَا مُعَاوِيَةُ وَ إِنَّمَا بَادَرْتُ إِلَى ذَلِكَ لِئَلاَّ يَسْأَلَنِي أَحَدٌ مَنْ أَنْتَ ، ثُمَّ رَكِبَ أَبُو سُفْيَانَ رَاحِلَتَهُ وَ هِيَ مَعْقُولَةٌ وَ لَوْ لاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
قَالَ لاَ تُحْدِثْ حَدَثاً حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ لَقَدَرْتُ أَنْ أَقْتُلَهُ .
ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَ أَنَا وَ أَنْتَ عَلَى ضُعَفَاءِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ ارْتَحِلُوا إِنَّا مُرْتَحِلُونَ فَفَرُّوا مُنْهَزِمِينَ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 187
بْنَ مُعَاذٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِسَهْمٍ فِي اَلْخَنْدَقِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ (1) فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَقَبَضَ سَعْدٌ عَلَى أَكْحَلِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئاً فَأَبْقِنِي لَهَا فَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيَّ مُحَارَبَتُهُمْ مِنْ قَوْمٍ حَادُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ إِنْ كَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ وَضَعَتْ أَوْزَارَهَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فَاجْعَلْهَا لِي شَهَادَةً وَ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَمْسَكَ الدَّمُ وَ تَوَرَّمَتْ يَدُهُ .
وَ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةً وَ كَانَ يَتَعَاهَدُهُ بِنَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جٰاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهٰا وَ كٰانَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيراً» . «إِذْ جٰاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ » يعني بني قريظة حين غدروا و خافوهم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «وَ إِذْ زٰاغَتِ الْأَبْصٰارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنٰاجِرَ» إلى قوله «إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّٰ فِرٰاراً»
و هم الذين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تأذن لنا نرجع إلى منازلنا فإنها في أطراف المدينة و نخاف اليهود عليها فأنزل الله فيهم «إِنَّ بُيُوتَنٰا عَوْرَةٌ وَ مٰا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّٰ فِرٰاراً» إلى قوله «وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيراً» و نزلت هذه الآية في فلان لما قال لعبد الرحمن بن عوف: هلم ندفع محمدا إلى قريش و نلحق نحن بقومنا.
ثم وصف الله المؤمنين المصدقين بما أخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يصيبهم في الخندق من الجهد، فقال:«وَ لَمّٰا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ اَلْأَحْزٰابَ قٰالُوا هٰذٰا مٰا وَعَدَنَا اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ » ...«وَ مٰا زٰادَهُمْ إِلاّٰ إِيمٰاناً» يعني ذلك البلاء و الجهد و الخوف
ص: 188
جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» أَجَلَهُ يَعْنِي عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ رَدَّ اللّٰهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنٰالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللّٰهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتٰالَ »
بعلي بن أبي طالب عليه السّلام، و نزل في بني قريظة «وَ أَنْزَلَ » الله «اَلَّذِينَ ظٰاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ مِنْ صَيٰاصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيٰارَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُهٰا وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً»
فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمَدِينَةَ وَ اللِّوَاءُ مَعْقُودٌ أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْغُبَارِ فَنَادَاهُ جَبْرَئِيلُ عَذِيرَكَ مِنْ مُحَارِبٍ ! وَ اللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ لِأُمَّتِهَا فَكَيْفَ تَضَعُ لِأُمَّتِكَ ! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ لاَ تُصَلِّيَ الْعَصْرَ إِلاَّ بِبَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنِّي مُتَقَدِّمُكَ وَ مُزَلْزِلٌ بِهِمْ حِصْنَهُمْ إِنَّا كُنَّا فِي آثَارِ الْقَوْمِ نَزْجُرُهُمْ زَجْراً حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاسْتَقْبَلَهُ حَارِثَةُ بْنُ نُعْمَانَ فَقَالَ لَهُ : مَا الْخَبَرُ يَا حَارِثَةُ
قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ يُنَادِي فِي النَّاسِ أَلاَ لاَ يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ ذَاكَ جَبْرَئِيلُ ادْعُوا لِي عَلِيّاً فَجَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
فَقَالَ لَهُ نَادِ فِي النَّاسِ لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَجَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
فَنَادَى فِيهِمْ ، فَخَرَجَ النَّاسُ فَبَادَرُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَعَ الرَّايَةِ الْعُظْمَى .
وَ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ لَمَّا انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ جَاءَ فَدَخَلَ حِصْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَجَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَحَاطَ بِحِصْنِهِمْ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ مِنَ الْحِصْنِ يَشْتِمُهُمْ وَ يَشْتِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى حِمَارٍ فَاسْتَقْبَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَدْنُ مِنَ الْحِصْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا عَلِيُّ لَعَلَّهُمْ شَتَمُونِي إِنَّهُمْ لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَأَذَلَّهُمُ اللَّهُ ثُمَّ دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ حِصْنِهِمْ فَقَالَ :
ص: 189
يَا أَبَا الْقَاسِمِ ! مَا كُنْتَ جَهُولاً فَاسْتَحْيَا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى سَقَطَ الرِّدَاءُ مِنْ ظَهْرِهِ حَيَاءً مِمَّا قَالَهُ ، وَ كَانَ حَوْلَ الْحِصْنِ نَخْلٌ كَثِيرٌ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِيَدِهِ فَتَبَاعَدَ عَنْهُ وَ تَفَرَّقَ فِي الْمَفَازَةِ وَ أَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْعَسْكَرَ حَوْلَ حِصْنِهِمْ فَحَاصَرَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يُطْلِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ نَزَلَ إِلَيْهِ غَزَالُ بْنُ شمول فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ! تُعْطِينَا مَا أَعْطَيْتَ إِخْوَانَنَا مِنْ بَنِي النَّضِيرِ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَ نُخْلِي لَكَ الْبِلاَدَ وَ مَا فِيهَا وَ لاَ نَكْتُمُكَ شَيْئاً، فَقَالَ : لاَ أَوْ تَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِي فَرَجَعَ وَ بَقُوا أَيَّاماً فَبَكَتِ النِّسَاءُ وَ الصِّبْيَانُ إِلَيْهِمْ وَ جَزِعُوا جَزَعاً شَدِيداً، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَمَرَ بِالرِّجَالِ فَكُتِّفُوا وَ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ وَ أَمَرَ بِالنِّسَاءِ فَعُزِلْنَ وَ قَامَتِ اَلْأَوْسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
حُلَفَاؤُنَا وَ مَوَالِينَا مِنْ دُونِ النَّاسِ نَصَرُونَا عَلَى اَلْخَزْرَجِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا وَ قَدْ وَهَبْتَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ سَبْعَمِائَةِ ذِرَاعٍ وَ ثَلاَثَمِائَةِ حَاسِرٍ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ وَ لَسْنَا نَحْنُ بِأَقَلَّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُمْ : أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِمْ إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ فَقَالُوا: بَلَى فَمَنْ هُوَ قَالَ : سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
قَالُوا: قَدْ رَضِينَا بِحُكْمِهِ فَأَتَوْا بِهِ فِي مِحَفَّةٍ وَ اجْتَمَعَتِ اَلْأَوْسُ حَوْلَهُ يَقُولُونَ لَهُ :
يَا أَبَا عَمْرٍو اتَّقِ اللَّهَ وَ أَحْسِنْ فِي حُلَفَائِكَ وَ مَوَالِيكَ فَقَدْ نَصَرُونَا بِبُغَاثٍ وَ الْحَدَائِقِ وَ الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لاَ يَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ ، فَقَالَتِ اَلْأَوْسُ وَا قَوْمَاهْ ذَهَبَتْ وَ اللَّهِ بَنُو قُرَيْظَةَ وَ بَكَتِ النِّسَاءُ وَ الصِّبْيَانُ إِلَى سَعْدٍ، فَلَمَّا سَكَتُوا قَالَ لَهُمْ سَعْدٌ: يَا مَعْشَرَ اَلْيَهُودِ أَ رَضِيتُمْ بِحُكْمِي فِيكُمْ قَالُوا:
بَلَى قَدْ رَضِينَا بِحُكْمِكَ وَ قَدْ رَجَوْنَا نَصَفَكَ وَ مَعْرُوفَكَ وَ حُسْنَ نَظَرِكَ ، فَعَادَ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فَقَالُوا بَلَى يَا أَبَا عَمْرٍو! فَالْتَفَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِجْلاَلاً لَهُ ، فَقَالَ :
ص: 190
وَ ذَرَارِيَّهُمْ وَ تَقْسِمَ غَنَائِمَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ قَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ رُقْعَةٍ ثُمَّ انْفَجَرَ جُرْحُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَمَا زَالَ يُنْزَفُ الدَّمُ حَتَّى قَضَى، وَ سَاقُوا الْأُسَارَى إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
بِأُخْدُودٍ فَحُفِرَتْ بِالْبَقِيعِ فَلَمَّا أَمْسَى أَمَرَ بِإِخْرَاجِ رَجُلٍ رَجُلٍ فَكَانَ يَضْرِبُ عُنُقَهُ .
فَقَالَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ لِكَعْبِ بْنِ أُسَيْدٍ: مَا تَرَى مَا يَصْنَعُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِهِمْ فَقَالَ لَهُ : مَا يَسُوؤُكَ أَ مَا تَرَى الدَّاعِيَ لاَ يُقْلِعُ (1) وَ الَّذِي يَذْهَبُ لاَ يَرْجِعُ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ وَ الثَّبَاتِ عَلَى دِينِكُمْ ، فَأُخْرِجَ كَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ مَجْمُوعَةً يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ وَ كَانَ جَمِيلاً وَسِيماً فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُ يَا كَعْبُ أَ مَا نَفَعَتْكَ وَصِيَّةُ اِبْنِ الْحَوَّاسِ الْحِبْرِ الذَّكِيِّ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنَ اَلشَّامِ فَقَالَ تَرَكْتُ الْخَمْرَ وَ الْخِنْزِيرَ وَ جِئْتُ إِلَى الْبُؤْسِ وَ التُّمُورِ لِنَبِيٍّ يُبْعَثُ مَخْرَجُهُ بِمَكَّةَ وَ مُهَاجَرَتُهُ فِي هَذِهِ الْبَحِيرَةِ يَجْتَزِي بِالْكُسَيْرَاتِ وَ التُّمَيْرَاتِ وَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعُرْيَ فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لاَ يُبَالِي مَنْ لاَقَى مِنْكُمْ يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ مُنْقَطَعَ الْخُفِّ وَ الْحَافِرِ فَقَالَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ! وَ لَوْ لاَ أَنَّ اَلْيَهُودَ يُعَيِّرُونِي أَنِّي جَزِعْتُ عِنْدَ الْقَتْلِ لَآمَنْتُ بِكَ وَ صَدَّقْتُكَ وَ لَكِنِّي عَلَى دِينِ اَلْيَهُودِ عَلَيْهِ أَحْيَا وَ عَلَيْهِ أَمُوتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
قَدِّمُوهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَضُرِبَتْ ثُمَّ قَدِّمَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
يَا فَاسِقُ كَيْفَ رَأَيْتَ صُنْعَ اللَّهِ بِكَ فَقَالَ وَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ! مَا أَلُومُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ وَ لَقَدْ قَلْقَلْتُ كُلَّ مُقَلْقَلٍ وَ جَهَدْتُ كُلَّ الْجَهْدِ وَ لَكِنْ مَنْ يَخْذُلِ ، اللَّهُ يُخْذَلْ ثُمَّ قَالَ حِينَ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ :
لَعَمْرُكَ مَا لاَمَ ابْنُ أَخْطَبَ نَفْسَهُ *** وَ لَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهُ يُخْذَلْ .
ص: 191
فَقُدِّمَ وَ ضُرِبَ عُنُقُهُ فَقَتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْبَرْدَيْنِ (1) بِالْغَدَاةِ وَ الْعَشِيِّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَ كَانَ يَقُولُ : اسْقُوهُمُ الْعَذْبَ وَ أَطْعِمُوهُمُ الطَّيِّبَ وَ أَحْسِنُوا إِلَى أُسَارَاهُمْ ، حَتَّى قَتَلَهُمْ كُلَّهُمْ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ «وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظٰاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ
مِنْ صَيٰاصِيهِمْ » أَيْ مِنْ حُصُونِهِمْ «وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ » إِلَى قَوْلِهِ «وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً» .
و أما قوله «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلاً وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّٰارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنٰاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً»
فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ غَزَاةِ خَيْبَرَ وَ أَصَابَ كَنْزَ آلِ أَبِي الْحَقِيقِ ، قُلْنَ أَزْوَاجُهُ أَعْطِنَا مَا أَصَبْتَ ، فَقَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَسَّمْتُهُ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ فَغَضِبْنَ مِنْ ذَلِكَ وَ قُلْنَ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ إِنْ طَلَّقْتَنَا أَنْ لاَ نَجِدَ الْأَكْفَاءَ مِنْ قَوْمِنَا يَتَزَّوَجُونَّا فَأَنِفَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُنَّ فَاعْتَزَلَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي مَشْرَبَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ يَوْماً، حَتَّى حِضْنَ وَ طَهُرْنَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَ هِيَ آيَةُ التَّخْيِيرِ فَقَالَ «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ » إِلَى قَوْلِهِ «أَجْراً عَظِيماً»
فَقَامَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ هِيَ أَوَّلُ مَنْ قَامَتْ وَ قَالَتْ قَدِ اخْتَرْتُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقُمْنَ كُلُّهُنَّ فَعَانَقْنَهُ وَ قُلْنَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «تُرْجِي مَنْ تَشٰاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشٰاءُ» الْآيَةَ .
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ آوَى فَقَدْ نَكَحَ وَ مَنْ أَرْجَى فَقَدْ طَلَّقَ .، و قوله «تُرْجِي مَنْ تَشٰاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشٰاءُ» مع هذه الآية «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ ...» إلخ و قد أخرت عنها في التأليف.
ثم خاطب الله عز و جل نساء نبيه فقال «يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضٰاعَفْ لَهَا الْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ »
ص: 192
إلى قوله «نُؤْتِهٰا أَجْرَهٰا مَرَّتَيْنِ وَ أَعْتَدْنٰا لَهٰا رِزْقاً كَرِيماً»
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَ الْعَذَابَ ضِعْفَيْنِ . كل هذا في الآخرة حيث يكون الأجر يكون العذاب
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ
عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضٰاعَفْ لَهَا الْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ » قَالَ : الْفَاحِشَةُ الْخُرُوجُ بِالسَّيْفِ .
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ أَبِيهِ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ «وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ الْأُولىٰ » قَالَ أَيْ سَيَكُونُ جَاهِلِيَّةٌ أُخْرَى.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ
وَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ثُمَّ أَلْبَسَهُمْ كِسَاءً خَيْبَرِيّاً وَ دَخَلَ مَعَهُمْ فِيهِ ثُمَّ قَالَ : «اَللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِيَ الَّذِينَ وَعَدْتَنِي فِيهِمْ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ أَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ أَبْشِرِي يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ .
وَ قَالَ أَبُو الْجَارُودِ قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ : إِنَّ جُهَّالاً مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنَّمَا أَرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ وَ قَدْ كَذَبُوا وَ أَثِمُوا لَوْ عَنَى بِهَا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ لَقَالَ : لِيُذْهِبَ عَنْكُنَّ الرِّجْسَ وَ يُطَهِّرَكُنَّ تَطْهِيراً، وَ لَكَانَ الْكَلاَمُ مُؤَنَّثاً كَمَا قَالَ «وَ اذْكُرْنَ مٰا يُتْلىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ » «وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ » «لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ» .
ص: 193
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» ثم عطف على نساء النبي فقال:«وَ اذْكُرْنَ مٰا يُتْلىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيٰاتِ اللّٰهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ لَطِيفاً خَبِيراً» ثم عطف على آل محمد فقال:«إِنَّ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اَلْمُسْلِمٰاتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْقٰانِتِينَ وَ الْقٰانِتٰاتِ وَ الصّٰادِقِينَ وَ الصّٰادِقٰاتِ »
إلى قوله «أَعَدَّ اللّٰهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً»
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ » وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَطَبَ عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَ هِيَ بِنْتُ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أُؤَامِرَ نَفْسِي فَأَنْظُرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ » الْآيَةَ فَقَالَتْ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرِي بِيَدِكَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَيْدٍ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ إِنَّهُمَا تَشَاجَرَا فِي شَيْ ءٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَعْجَبَتْهُ فَقَالَ زَيْدٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْذَنُ لِي فِي طَلاَقِهَا فَإِنَّ فِيهَا كِبْراً وَ إِنَّهَا لَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «اِتَّقِ اللّٰهَ » وَ «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ » وَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا، ثُمَّ إِنَّ زَيْداً
طَلَّقَهَا وَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ نِكَاحَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ :«فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ
مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا» .
و قوله:«مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ » فإن هذه نزلت في شأن زيد بن حارثة قالت قريش يعيرنا محمد يدعي بعضنا بعضا و قد ادعى هو زيدا فقال الله:«مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ » يعني يومئذ قال: إنه ليس بأبي زيد
و قوله:«وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ » يعني لا نبي بعد محمد صلّى اللّه عليه و آله،
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ شٰاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً وَ دٰاعِياً إِلَى اللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً»
إلى قوله «وَ دَعْ أَذٰاهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ وَكِيلاً» فإنها نزلت بمكة قبل
ص: 194
الهجرة بخمس سنين فهذا دليل على خلاف التأليف ثم خاطب الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله
فقال:«يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّٰا أَحْلَلْنٰا لَكَ أَزْوٰاجَكَ اللاّٰتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ مٰا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلَيْكَ » يعني من الغنيمة «وَ بَنٰاتِ عَمِّكَ وَ بَنٰاتِ عَمّٰاتِكَ » إلى قوله «وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ »
فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ امْرَأَةً مِنَ اَلْأَنْصَارِ
أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ تَهَيَّأَتْ وَ تَزَيَّنَتْ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِيَّ حَاجَةٌ فَقَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ : قَبَّحَكِ اللَّهُ مَا أَنْهَمَكِ لِلرِّجَالِ ! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَهْ يَا عَائِشَةُ ! فَإِنَّهَا رَغِبَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذْ زَهِدْتُنَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ : رَحِمَكِ اللَّهُ وَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ يَا مَعَاشِرَ اَلْأَنْصَارِ نَصَرَنِي رِجَالُكُمْ وَ رَغِبَتْ فِيَّ نِسَاؤُكُمْ ارْجِعِي رَحِمَكِ اللَّهُ فَإِنِّي أَنْتَظِرُ أَمْرَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرٰادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهٰا خٰالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ » فَلاَ تَحِلُّ الْهِبَةُ إِلاَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .
وَ أَمَّا قَوْلُهُ :«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّٰ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلىٰ طَعٰامٍ غَيْرَ نٰاظِرِينَ إِنٰاهُ » فَإِنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَ كَانَ يُحِبُّهَا فَأَوْلَمَ وَ دَعَا أَصْحَابَهُ فَكَانَ أَصْحَابُهُ إِذَا أَكَلُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْلُوَ مَعَ زَيْنَبَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّٰ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ »
وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ بِلاَ إِذْنٍ .
و أما قوله «وَ مٰا كٰانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّٰهِ وَ لاٰ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كٰانَ عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيماً» فإنه كان سبب نزولها أنه
لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ « النَّبِيُّ
أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ » وَ حَرَّمَ اللَّهُ نِسَاءَ النَّبِيِّ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ
غَضِبَ طَلْحَةُ ، فَقَالَ : يُحَرِّمُ مُحَمَّدٌ عَلَيْنَا نِسَاءَهُ وَ يَتَزَوَّجُ هُوَ نِسَاءَنَا لَئِنْ أَمَاتَ اللَّهُ مُحَمَّداً
ص: 195
«إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً» . ثم رخص لقوم معروفين الدخول عليهن بغير إذن فقال:«لاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبٰائِهِنَّ وَ لاٰ أَبْنٰائِهِنَّ وَ لاٰ إِخْوٰانِهِنَّ وَ لاٰ أَبْنٰاءِ إِخْوٰانِهِنَّ » إلى قوله «إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيداً» ثم ذكر ما فضل الله نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» قال: صلوات الله عليه تزكية له و ثناء عليه، و صلاة الملائكة مدحهم له و صلاة الناس دعاؤهم له و التصديق و الإقرار بفضله و قوله:«وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» يعني سلموا له بالولاية و بما جاء به.
و قوله «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً» قال نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين عليه السّلام حقه و أخذ حق فاطمة عليها السّلام
و آذاها
وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، كَمَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي وَ مَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي كَمَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، وَ مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ . و هو قول الله «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ » الآية
و قوله «وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ » يعني عليا و فاطمة «بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً» و هي جارية في الناس كلهم.
و أما قوله «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ » فإنه كان سبب نزولها
أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْرُجْنَ إِلَى اَلْمَسْجِدِ وَ يُصَلِّينَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ خَرَجْنَ إِلَى صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَ الْغَدَاةِ : يَقْعُدُ الشُّبَّانُ لَهُنَّ فِي طَرِيقِهِنَّ فَيُؤْذُونَهُنَّ وَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ » إِلَى قَوْلِهِ «ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاٰ يُؤْذَيْنَ وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً» .»
و أما قوله «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنٰافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » أي شك «وَ الْمُرْجِفُونَ فِي اَلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاٰ يُجٰاوِرُونَكَ »
ص: 196
بَعْضِ غَزَوَاتِهِ يَقُولُونَ قُتِلَ وَ أُسِرَ فَيَغْتَمُّ اَلْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ وَ يَشْكُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنٰافِقُونَ » إِلَى قَوْلِهِ «ثُمَّ لاٰ يُجٰاوِرُونَكَ فِيهٰا إِلاّٰ قَلِيلاً» أَيْ نَأْمُرُكَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلاَّ قَلِيلاً «مَلْعُونِينَ أَيْنَمٰا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً» .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَلْعُونِينَ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ ، يَقُولُ اللَّهُ بَعْدَ اللَّعْنَةِ «أَيْنَمٰا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً» .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي اَلنّٰارِ» فإنها كناية عن الذين غصبوا آل محمد حقهم «يَقُولُونَ يٰا لَيْتَنٰا أَطَعْنَا اللّٰهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولاَ»
يعني في أمير المؤمنين عليه السّلام «وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ»
و هما رجلان و السادة و الكبراء هما أول من بدا بظلمهم و غصبهم و قوله «فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ» أي طريق الجنة، و السبيل أمير المؤمنين عليه السّلام ثم يقولون «رَبَّنٰا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذٰابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً» و أما قوله «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسىٰ فَبَرَّأَهُ اللّٰهُ مِمّٰا قٰالُوا وَ كٰانَ عِنْدَ اللّٰهِ وَجِيهاً» أي ذا جاه
قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَقُولُونَ لَيْسَ لِمُوسَى مَا لِلرِّجَالِ وَ كَانَ مُوسَى إِذَا أَرَادَ الاِغْتِسَالَ يَذْهَبُ إِلَى مَوْضِعٍ لاَ يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَ كَانَ يَوْماً يَغْتَسِلُ عَلَى شَطِّ نَهَرٍ وَ قَدْ وَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ فَأَمَرَ اللَّهُ الصَّخْرَةَ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ حَتَّى نَظَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَكُونُوا»
... إلخ.
أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ رَفَعَهُ إِلَيْهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
وَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ كَمَا «آذَوْا مُوسىٰ فَبَرَّأَهُ اللّٰهُ مِمّٰا قٰالُوا» .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِيداً» أي صحيحا
ص: 197
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ » فِي وَلاَيَةِ عَلِيٍّ وَ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ مِنْ بَعْدِهِ «فَقَدْ فٰازَ فَوْزاً عَظِيماً»
هَكَذَا نَزَلَتْ وَ اللَّهِ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «إِنّٰا عَرَضْنَا الْأَمٰانَةَ عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبٰالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا» قال الأمانة هي الإمامة و الأمر و النهي و الدليل على أن الأمانة هي الإمامة قوله عز و جل في الأئمة «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا» يعني الإمامة فالأمانة هي الإمامة عرضت «عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبٰالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا» ، قال: أبين أن يدعوها أو يغصبوها أهلها «وَ أَشْفَقْنَ مِنْهٰا وَ حَمَلَهَا الْإِنْسٰانُ » أي فلان «إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللّٰهُ الْمُنٰافِقِينَ وَ الْمُنٰافِقٰاتِ وَ اَلْمُشْرِكِينَ وَ اَلْمُشْرِكٰاتِ وَ يَتُوبَ اللّٰهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً» .
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مٰا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ » قال ما يدخل فيها و ما ينزل من السماء يعني المطر «وَ مٰا يَخْرُجُ مِنْهٰا» قال من النبات «وَ مٰا يَعْرُجُ فِيهٰا» يعني من أعمال العباد، ثم حكى عز و جل قول الدهرية فقال «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاٰ تَأْتِينَا السّٰاعَةُ قُلْ بَلىٰ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عٰالِمِ الْغَيْبِ لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ أَصْغَرُ مِنْ ذٰلِكَ وَ لاٰ أَكْبَرُ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ »
قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَكَتَبَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . و قوله «وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ » فقال: هو أمير المؤمنين عليه السّلام
ص: 198
صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما أنزل الله عليه ثم حكى قول الزنادقة فقال:
«قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذٰا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ » أي متم و صرتم ترابا «إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» تعجبوا أن يعيدهم الله خلقا جديدا «أَفْتَرىٰ عَلَى اللّٰهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ » أي مجنون فرد الله عليهم فقال «بَلِ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذٰابِ وَ الضَّلاٰلِ الْبَعِيدِ» .
ثم ذكر ما أعطى داود فقال:«وَ لَقَدْ آتَيْنٰا دٰاوُدَ مِنّٰا فَضْلاً يٰا جِبٰالُ أَوِّبِي مَعَهُ » أي سبحي لله «وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّٰا لَهُ الْحَدِيدَ» قال: كان داود إذا مر في البراري يقرأ الزبور تسبح الجبال و الطير و الوحوش معه و ألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب
وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ يَوْمَ الثَّلاَثَاءِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَلاَنَ اللَّهُ فِيهِ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
و قوله «أَنِ اعْمَلْ سٰابِغٰاتٍ »
قال الدروع «وَ قَدِّرْ فِي السَّرْدِ» قال المسامير التي في الحلقة «وَ اعْمَلُوا صٰالِحاً إِنِّي بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» .
و قوله:«وَ لِسُلَيْمٰانَ الرِّيحَ غُدُوُّهٰا شَهْرٌ وَ رَوٰاحُهٰا شَهْرٌ» قال: كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر و بالعشي مسيرة شهر و قوله:
«وَ أَسَلْنٰا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ» أي الصفر «وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنٰا نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابِ السَّعِيرِ»
ص: 199
يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ لاَ يَجْسُرُونَ أَنْ يَبْرَحُوا فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ حَانَ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مَعَهُ فِي الْقُبَّةِ فَفَزِعَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ فَقَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ فَقَالَ لَهُ : أَنَا الَّذِي لاَ أَقْبَلُ الرِّشَى وَ لاَ أَهَابُ الْمُلُوكَ فَقَبَضَهُ وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصَاهُ سَنَةً وَ الْجِنُّ يَعْمَلُونَ لَهُ وَ لاَ يَعْلَمُونَ بِمَوْتِهِ حَتَى بَعَثَ اللَّهُ الْأَرْضَةَ فَأَكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ «فَلَمّٰا خَرَّ» عَلَى وَجْهِهِ تَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ أَنْ لَوْ كَانُوا أَيِ الْجِنُّ «يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مٰا لَبِثُوا فِي الْعَذٰابِ الْمُهِينِ » (1)
فَكَذَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْجِنَّ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ فَلَمَّا سَقَطَ سُلَيْمَانُ عَلَى وَجْهِهِ عَلِمَ الْإِنْسُ أَنْ لَوْ يَعْلَمُ الْجِنُّ الْغَيْبَ لَمْ يَعْمَلُوا سَنَةً لِسُلَيْمَانَ
وَ هُوَ مَيِّتٌ وَ يَتَوَهَّمُونَهُ حَيّاً، قَالَ : فَالْجِنُّ تَشْكُرُ الْأَرَضَةَ بِمَا عَمِلَتْ بِعَصَا سُلَيْمَانَ ، قَالَ : فَلَمَّا هَلَكَ سُلَيْمَانُ وَضَعَ إِبْلِيسُ السِّحْرَ وَ كَتَبَهُ فِي كِتَابٍ ثُمَّ طَوَاهُ وَ كَتَبَ عَلَى ظَهْرِهِ هَذَا مَا وَضَعَهُ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِرِ كُنُوزِ الْمُلْكِ وَ الْعِلْمِ مَنْ أَرَادَ كَذَا وَ كَذَا فَلْيَعْمَلْ كَذَا وَ كَذَا ثُمَّ دَفَنَهُ تَحْتَ السَّرِيرِ ثُمَّ اسْتَثَارَهُ لَهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ مَا كَانَ يَغْلِبُنَا سُلَيْمَانُ إِلاَّ بِهَذَا وَ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ مَا هُوَ إِلاَّ عَبْدُ اللَّهِ وَ نَبِيُّهُ . و قوله:«لَقَدْ كٰانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتٰانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمٰالٍ »
قَالَ :
ص: 200
قَوْمٌ مِنْهُمْ هَرَبُوا وَ تَرَكُوا الْبِلاَدَ فَمَا زَالَ الْجُرَذُ يَقْلَعُ الْحَجَرَ حَتَّى خَرَّبُوا ذَلِكَ السَّدَّ فَلَمْ يُشْعِرُوا حَتَّى غَشِيَهُمُ السَّيْلُ وَ خَرَّبَ بِلاَدَهُمْ وَ قَلَعَ أَشْجَارَهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«لَقَدْ كٰانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتٰانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمٰالٍ » إِلَى قَوْلِهِ «سَيْلَ الْعَرِمِ » أَيِ الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ «وَ بَدَّلْنٰاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوٰاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ » وَ هُوَ أُمُّ غَيْلاَنَ «وَ أَثْلٍ »
قَالَ : هُوَ نَوْعٌ مِنَ الطَّرْفَاءِ «وَ شَيْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذٰلِكَ جَزَيْنٰاهُمْ بِمٰا كَفَرُوا» إِلَى قَوْلِهِ «بٰارَكْنٰا فِيهٰا» قَالَ مَكَّةَ .
و قوله:«وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّٰ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ »
قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ :
لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَنْصِبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلنَّاسِ فِي قَوْلِهِ «يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » فِي عَلِيٍّ » بِغَدِيرِ خُمٍّ فَقَالَ : «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ
مَوْلاَهُ » فَجَاءَتِ الْأَبَالِسَةُ إِلَى إِبْلِيسَ الْأَكْبَرِ وَ حَثَوُا التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ مَا لَكُمْ فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ عَقَدَ الْيَوْمَ عُقْدَةً لاَ يَحُلُّهَا شَيْ ءٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ كَلاَّ إِنَّ الَّذِينَ حَوْلَهُ قَدْ وَعَدُونِي فِيهِ عِدَةً لَنْ يُخْلِفُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ «وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ » الْآيَةَ .» و قوله «وَ مٰا كٰانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطٰانٍ » كناية عن إبليس «إِلاّٰ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهٰا فِي شَكٍّ وَ رَبُّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ حَفِيظٌ » ثم قال عز و جل احتجاجا منه على عبدة الأوثان «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ لاٰ يَمْلِكُونَ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي الْأَرْضِ وَ مٰا لَهُمْ فِيهِمٰا» كناية عن السماوات و الأرض «مِنْ شِرْكٍ وَ مٰا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ» و قوله «وَ لاٰ تَنْفَعُ الشَّفٰاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّٰ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ » قال لا يشفع أحد من أنبياء الله و رسله يوم القيامة حتى يأذن الله له إلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، و الشفاعة له و للأئمة
من ولده، ثم بعد ذلك للأنبياء عليهم السّلام.
ص: 201
قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُكَبِّرِ قَالَ : دَخَلَ مَوْلًى لاِمْرَأَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُقَالُ لَهُ أَبُو أَيْمَنَ ، فَقَالَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ يُغْرُونَ النَّاسَ وَ يَقُولُونَ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ «شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ» فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى تَرَبَّدَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ : وَيْحَكَ يَا أَبَا أَيْمَنَ أَ غَرَّكَ أَنْ عَفَّ بَطْنُكَ وَ فَرْجُكَ أَمَا لَوْ قَدْ رَأَيْتَ أَفْزَاعَ الْقِيَامَةِ لَقَدِ احْتَجْتَ إِلَى شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
وَيْلَكَ فَهَلْ يَشْفَعُ إِلاَّ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ اَلنَّارُ ثُمَّ قَالَ : مَا أَحَدٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ إِلاَّ وَ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الشَّفَاعَةَ فِي أُمَّتِهِ وَ لَنَا الشَّفَاعَةَ فِي شِيعَتِنَا وَ لِشِيعَتِنَا الشَّفَاعَةَ فِي أَهَالِيهِمْ ثُمَّ قَالَ : وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَشْفَعُ فِي مِثْلِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَشْفَعُ حَتَّى لِخَادِمِهِ وَ يَقُولُ : يَا رَبِّ حَقُّ خِدْمَتِي كَانَ يَقِينِي الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«حَتّٰى إِذٰا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قٰالُوا مٰا ذٰا قٰالَ رَبُّكُمْ قٰالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» وَ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ لَمْ يَسْمَعُوا وَحْياً فِيمَا بَيْنَ أَنْ بُعِثَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِلَى أَنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ جَبْرَئِيلَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَسَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَوْتَ وَحْيِ اَلْقُرْآنِ كَوَقْعِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا فَصَعِقَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْوَحْيِ انْحَدَرَ جَبْرَئِيلُ كُلَّمَا مَرَّ بِأَهْلِ سَمَاءٍ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يَقُولُ كُشِفَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ «مٰا ذٰا قٰالَ رَبُّكُمْ قٰالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» .
و قوله:«قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنٰا رَبُّنٰا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنٰا» يقول يقضي بيننا «بِالْحَقِّ وَ هُوَ الْفَتّٰاحُ الْعَلِيمُ » قال: القاضي العليم.
قوله:«وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ كَافَّةً لِلنّٰاسِ »
ص: 202
«وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ كَافَّةً لِلنّٰاسِ » ، لِأَهْلِ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ وَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ هَلْ بَلَغَ رِسَالَتُهُ إِلَيْهِمْ كُلِّهِمْ قُلْتُ : لاَ أَدْرِي، قَالَ : يَا اِبْنَ بُكَيْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ اَلْمَدِينَةِ فَكَيْفَ بَلَغَ أَهْلَ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ قُلْتُ :
لاَ أَدْرِي، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ جَبْرَئِيلَ فَاقْتَلَعَ الْأَرْضَ بِرِيشَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ وَ نَصَبَهَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ رَاحَتِهِ فِي كَفِّهِ يَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ وَ يُخَاطِبُ كُلَّ قَوْمٍ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى نُبُوَّتِهِ بِنَفْسِهِ فَمَا بَقِيَتْ قَرْيَةٌ وَ لاَ مَدِينَةٌ إِلاَّ وَ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِنَفْسِهِ .
قال علي بن إبراهيم: ثم حكى الله لنبيه صلّى اللّه عليه و آله قول الكفار من قريش
و غيرهم «وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهٰذَا اَلْقُرْآنِ وَ لاٰ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ » من كتب الأنبياء «وَ لَوْ تَرىٰ إِذِ الظّٰالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» و هم الرؤساء «لَوْ لاٰ أَنْتُمْ لَكُنّٰا مُؤْمِنِينَ قٰالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَ نَحْنُ صَدَدْنٰاكُمْ عَنِ الْهُدىٰ » و هو البيان «بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ » ثم يقول «اَلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ» يعني مكرتم بالليل و النهار و قوله «وَ أَسَرُّوا النَّدٰامَةَ لَمّٰا رَأَوُا الْعَذٰابَ »
قَالَ :
يُسِرُّونَ النَّدَامَةَ فِي اَلنَّارِ إِذَا رَأَوْا وَلِيَّ اللَّهِ فَقِيلَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَا يُغْنِيهِمْ إِسْرَارُ النَّدَامَةِ وَ هُمْ فِي الْعَذَابِ قَالَ : يَكْرَهُونَ شَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ، ثُمَّ افْتَخَرُوا عَلَى اللَّهِ بِالْغِنَى فَقَالُوا «نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوٰالاً وَ أَوْلاٰداً وَ مٰا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ » فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشٰاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ وَ مٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ لاٰ أَوْلاٰدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنٰا زُلْفىٰ إِلاّٰ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً» .
ص: 203
«صٰالِحاً فَأُولٰئِكَ لَهُمْ جَزٰاءُ الضِّعْفِ بِمٰا عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفٰاتِ آمِنُونَ » .».
و قوله:«وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ »
قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : إِنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُنْزِلُ أَمْرَهُ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَ أَمَامَهُ مَلَكٌ يُنَادِي: هَلْ مِنْ تَائِبٍ يُتَابُ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤْلَهُ اللَّهُمَّ أَعْطِ لِكُلِّ مُنْفِقٍ خَلَفاً وَ لِكُلِّ مُمْسِكٍ تَلَفاً إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَ أَمْرُ الرَّبِّ إِلَى عَرْشِهِ فَيُقَسَّمُ الْأَرْزَاقُ بَيْنَ الْعِبَادِ، ثُمَّ قَالَ لِفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ يَا فُضَيْلُ نَصِيبُكَ مِنْ ذَلِكَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ «وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرّٰازِقِينَ » .» و قوله:«وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاٰئِكَةِ أَ هٰؤُلاٰءِ إِيّٰاكُمْ كٰانُوا يَعْبُدُونَ » فتقول الملائكة «سُبْحٰانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنٰا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كٰانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ »
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ حَسَّانَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ عَمَّارٍ يَرْفَعُهُ : فِي قَوْلِهِ «وَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ مٰا بَلَغُوا مِعْشٰارَ مٰا آتَيْنٰاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كٰانَ نَكِيرِ» قَالَ : كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ رُسُلَهُمْ وَ مَا بَلَغَ مَا آتَيْنَا رُسُلَهُمْ مِعْشَارَ مَا آتَيْنَا مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ .
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِهِ «إِنَّمٰا أَعِظُكُمْ بِوٰاحِدَةٍ »
قَالَ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ هِيَ الْوَاحِدَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «قُلْ مٰا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ » وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
سَأَلَ قَوْمَهُ أَنْ يَوَدُّوا أَقَارِبَهُ وَ لاَ يُؤْذُوهُمْ ، وَ أَمَّا قَوْلُهُ : فَهُوَ لَكُمْ يَقُولُ ثَوَابُهُ لَكُمْ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله «وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلاٰ فَوْتَ »
ص: 204
أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى اَلْحَجَرِ ثُمَّ يَنْشُدُ اللَّهَ حَقَّهُ ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي اللَّهِ فَأَنَا أَوْلَى بِاللَّهِ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي آدَمَ فَأَنَا أَوْلَى بِآدَمَ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي نُوحٍ فَأَنَا أَوْلَى بِنُوحٍ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي إِبْرَاهِيمَ فَأَنَا أَوْلَى بِإِبْرَاهِيمَ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي مُوسَى فَأَنَا أَوْلَى بِمُوسَى، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي عِيسَى فَأَنَا أَوْلَى بِعِيسَى، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي مُحَمَّدٍ فَأَنَا أَوْلَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُحَاجَّنِي فِي كِتَابِ اللَّهِ فَأَنَا أَوْلَى بِكِتَابِ اللَّهِ ، ثُمَّ يَنْتَهِي إِلَى اَلْمَقَامِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَ يَنْشُدُ اللَّهَ حَقَّهُ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هُوَ وَ اللَّهِ الْمُضْطَرُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفٰاءَ الْأَرْضِ » فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ جَبْرَئِيلَ ثُمَّ الثَّلاَثُمِائَةِ وَ الثَّلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَمَنْ كَانَ ابْتُلِيَ بِالْمَسِيرِ وَافَاهُ وَ مَنْ لَمْ يُبْتَلَ بِالْمَسِيرِ فُقِدَ عَنْ فِرَاشِهِ وَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الْمَفْقُودُونَ عَنْ فُرُشِهِمْ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ :«فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ أَيْنَ مٰا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً»
قَالَ : الْخَيْرَاتُ الْوَلاَيَةُ .
وَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:«وَ لَئِنْ أَخَّرْنٰا عَنْهُمُ الْعَذٰابَ إِلىٰ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ » وَ هُمْ وَ اللَّهِ أَصْحَابُ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَجْتَمِعُونَ وَ اللَّهِ إِلَيْهِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِذَا جَاءَ إِلَى اَلْبَيْدَاءِ يَخْرُجُ إِلَيْهِ جَيْشُ اَلسُّفْيَانِيِّ فَيَأْمُرُ اللَّهُ الْأَرْضَ فَتَأْخُذُ أَقْدَامَهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلاٰ فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكٰانٍ قَرِيبٍ وَ قٰالُوا آمَنّٰا بِهِ »
يَعْنِي بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ . «وَ أَنّٰى لَهُمُ التَّنٰاوُشُ مِنْ مَكٰانٍ بَعِيدٍ» إلى قوله «وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مٰا يَشْتَهُونَ » يعني أن لا يعذبوا «كَمٰا فُعِلَ بِأَشْيٰاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ »
يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا «إِنَّهُمْ كٰانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ » .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ فَزِعُوا»
ص: 205
تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ خُسِفَ بِهِمْ .
أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ : قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِهِ «وَ أَنّٰى لَهُمُ التَّنٰاوُشُ مِنْ مَكٰانٍ بَعِيدٍ» قَالَ إِنَّهُمْ طَلَبُوا الْهُدَى مِنْ حَيْثُ لاَ يُنَالُ وَ قَدْ كَانَ لَهُمْ مَبْذُولاً مِنْ حَيْثُ يُنَالُ .
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ فٰاطِرِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ جٰاعِلِ الْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ »
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : خَلَقَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ مُخْتَلِفَةً وَ قَدْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَبْرَئِيلَ وَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ عَلَى سَاقِهِ الدُّرُّ مِثْلُ الْقَطْرِ عَلَى الْبَقْلِ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ قَالَ : إِذَا أَمَرَ اللَّهُ مِيكَائِيلَ بِالْهُبُوطِ إِلَى الدُّنْيَا صَارَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَ الْأُخْرَى فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَ إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً أَنْصَافُهُمْ مِنْ بَرْدٍ وَ أَنْصَافُهُمْ مِنْ نَارٍ يَقُولُونَ يَا مُؤَلِّفاً بَيْنَ الْبَرْدِ وَ النَّارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ، وَ قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً بُعْدُ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ إِلَى عَيْنَيْهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ خَفَقَانَ الطَّيْرِ، وَ قَالَ : إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ يَأْكُلُونَ وَ لاَ يَشْرَبُونَ وَ لاَ يَنْكِحُونَ وَ إِنَّمَا يَعِيشُونَ بِنَسِيمِ اَلْعَرْشِ ، وَ إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً رُكَّعاً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَ إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً سُجَّداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
مَا مِنْ شَيْ ءٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَ إِنَّهُ لَيَهْبِطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَيَأْتُونَ اَلْبَيْتَ الْحَرَامَ فَيَطُوفُونَ بِهِ ثُمَّ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ثُمَّ يَأْتُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْتُونَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
فَيُقِيمُونَ عِنْدَهُ ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ السَّحَرِ وُضِعَ لَهُمْ مِعْرَاجٌ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ أَبَداً.
ص: 206
تَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ وَ جَعَلَ لَهُمُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ جَوْدَةَ الْعَقْلِ وَ سُرْعَةَ الْفَهْمِ .
وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي خِلْقَةِ الْمَلاَئِكَةِ .:
«وَ مَلاَئِكَةٌ خَلَقْتَهُمْ وَ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ فَلَيْسَ فِيهِمْ فَتْرَةٌ وَ لاَ عِنْدَهُمْ غَفْلَةٌ وَ لاَ فِيهِمْ مَعْصِيَةٌ ، هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ ، وَ أَخْوَفُ خَلْقِكَ مِنْكَ ، وَ أَقْرَبُ خَلْقِكَ إِلَيْكَ وَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِكَ ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ وَ لاَ سَهْوُ الْعُقُولِ وَ لاَ فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ ، لَمْ يَسْكُنُوا الْأَصْلاَبَ وَ لَمْ تَتَضَمَّنْهُمُ الْأَرْحَامُ وَ لَمْ تَخْلُقْهُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ، أَنْشَأْتَهُمْ إِنْشَاءً فَأَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ وَ أَكْرَمْتَهُمْ بِجِوَارِكَ وَ ائْتَمَنْتَهُمْ عَلَى وَحْيِكَ وَ جَنَّبْتَهُمُ الْآفَاتِ وَ وَقَيْتَهُمُ الْبَلِيَّاتِ وَ طَهَّرْتَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَ لَوْ لاَ قُوَّتُكَ لَمْ يَقْوَوْا وَ لَوْ لاَ تَثْبِيتُكَ لَمْ يَثْبُتُوا وَ لَوْ لاَ رَحْمَتُكَ لَمْ يُطِيعُوا وَ لَوْ لاَ أَنْتَ لَمْ يَكُونُوا، أَمَا إِنَّهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ مِنْكَ وَ طَوَاعِيَتِهِمْ (1) إِيَّاكَ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ وَ قِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ لَوْ عَايَنُوا مَا خَفِيَ عَنْهُمْ مِنْكَ لاَحْتَقَرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَآزَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَعَلِمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَ مَعْبُوداً مَا أَحْسَنَ بَلاَءَكَ عِنْدَ خَلْقِكَ .»
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ :«مٰا يَفْتَحِ اللّٰهُ لِلنّٰاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاٰ مُمْسِكَ لَهٰا»
قَالَ : وَ الْمُتْعَةُ مِنْ ذَلِكَ .
وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ حَسَّانَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ عَمَّارٍ يَرْفَعُهُ : فِي قَوْلِهِ :«أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللّٰهَ يُضِلُّ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ فَلاٰ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰاتٍ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ » قَالَ : نَزَلَتْ فِي زُرَيْقٍ وَ حَبْتَرٍ.
قال علي بن إبراهيم: ثم احتج عز و جل على الزنادقة و الدهرية فقال:
«اَللّٰهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيٰاحَ فَتُثِيرُ سَحٰاباً فَسُقْنٰاهُ إِلىٰ بَلَدٍ مَيِّتٍ » و هو الذي لا نبات
ص: 207
فيه «فَأَحْيَيْنٰا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا» أي بالمطر ثم قال:«كَذٰلِكَ النُّشُورُ» و قوله «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّٰالِحُ يَرْفَعُهُ » قال كلمة الإخلاص و الإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض و الولاية ترفع العمل الصالح إلى الله
وَ عَنِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ : الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قَوْلُ الْمُؤْمِنِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ وَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ » وَ قَالَ : وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الاِعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ إِنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لاَ شَكَّ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ مِصْدَاقاً مِنْ عَمَلٍ يُصَدِّقُهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ فَإِذَا قَالَ ابْنُ آدَمَ وَ صَدَّقَ قَوْلَهُ بِعَمَلِهِ رَفَعَ قَوْلَهُ بِعَمَلِهِ إِلَى اللَّهِ وَ إِذَا قَالَ وَ خَالَفَ قَوْلُهُ عَمَلَهُ رُدَّ قَوْلُهُ عَلَى عَمَلِهِ الْخَبِيثِ وَ هُوِيَ بِهِ فِي اَلنَّارِ.
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ مٰا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لاٰ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ » يعني يكتب في كتاب و هو رد على من ينكر البداء
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«وَ مٰا يَسْتَوِي الْبَحْرٰانِ هٰذٰا عَذْبٌ فُرٰاتٌ سٰائِغٌ شَرٰابُهُ وَ هٰذٰا مِلْحٌ أُجٰاجٌ » فَالْأُجَاجُ الْمُرُّ قَوْلُهُ «وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوٰاخِرَ» يَقُولُ الْفُلْكُ مُقْبِلَةٌ وَ مُدْبِرَةٌ بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ .
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مٰا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ» قال: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النواة ثم احتج على عبدة الأصنام
فقال:«إِنْ تَدْعُوهُمْ لاٰ يَسْمَعُوا دُعٰاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجٰابُوا لَكُمْ » إلى قوله «بِشِرْكِكُمْ » يعني يجحدون بشرككم لهم يوم القيامة
و قوله:«وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ » أي لا تحمل آثمة إثم أخرى و قوله:«وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلىٰ حِمْلِهٰا لاٰ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ ءٌ وَ لَوْ كٰانَ ذٰا قُرْبىٰ » أي لا يحمل ذنب أحد على أحد إلا من يأمر به فيحمله الآمر و المأمور
ص: 208
الناس و الحرور البهائم و قال «وَ مٰا يَسْتَوِي الْأَحْيٰاءُ وَ لاَ الْأَمْوٰاتُ » ثم قال:«إِنَّ اللّٰهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشٰاءُ وَ مٰا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ» قال هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كما لا يسمع أهل القبور
و قوله:«وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّٰ خَلاٰ فِيهٰا نَذِيرٌ» قال:
لكل زمان إمام. ثم ذكر كبرياءه فقال:«أَ لَمْ تَرَ» يا محمد «أَنَّ اللّٰهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَخْرَجْنٰا بِهِ ثَمَرٰاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوٰانُهٰا» إلى قوله «وَ غَرٰابِيبُ سُودٌ» و هو الغربان «وَ مِنَ النّٰاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعٰامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ كَذٰلِكَ إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ» و معناه يخشاه عباده العلماء.
ثم ذكر المؤمنين المنفقين أموالهم في طاعة الله فقال:«إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتٰابَ اللّٰهِ
وَ أَقٰامُوا الصَّلاٰةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً يَرْجُونَ تِجٰارَةً لَنْ تَبُورَ» أي لن تخسر، ثم خاطب نبيه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«وَ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ مِنَ اَلْكِتٰابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللّٰهَ بِعِبٰادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ» ثم ذكر آل محمد فقال «ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا» و هم الأئمة عليهم السّلام ثم قال «فَمِنْهُمْ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ » من آل محمد غير الأئمة و هو الجاحد للإمام «وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» و هو المقر بالإمام «وَ مِنْهُمْ سٰابِقٌ بِالْخَيْرٰاتِ بِإِذْنِ اللّٰهِ » و هو الإمام، ثم ذكر ما أعده الله لهم عنده فقال «جَنّٰاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهٰا يُحَلَّوْنَ فِيهٰا مِنْ أَسٰاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ » إلى قوله «لاٰ يَمَسُّنٰا فِيهٰا نَصَبٌ وَ لاٰ يَمَسُّنٰا فِيهٰا لُغُوبٌ » قال: النصب العناد اللغوب الكسل و الضجر و دار المقامة دار البقاء.
ثم ذكر ما أعده لأعدائهم و من خالفهم و ظلمهم فقال «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نٰارُ جَهَنَّمَ لاٰ يُقْضىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا» إلى قوله «وَ هُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهٰا» أي يصيحون و ينادون «رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا نَعْمَلْ صٰالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّٰا نَعْمَلُ » فرد الله عليهم فقال:«أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ مٰا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ» أي عمرتم حتى عرفتم الأمور كلها «وَ جٰاءَكُمُ النَّذِيرُ» يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «فَذُوقُوا فَمٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ»
ص: 209
ثم حكى الله عز و جل قول قريش فقال:«وَ أَقْسَمُوا بِاللّٰهِ جَهْدَ أَيْمٰانِهِمْ لَئِنْ جٰاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ » يعني الذين هلكوا «فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ نَذِيرٌ»
يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «مٰا زٰادَهُمْ إِلاّٰ نُفُوراً اِسْتِكْبٰاراً فِي الْأَرْضِ وَ مَكْرَ السَّيِّئِ وَ لاٰ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّٰ بِأَهْلِهِ »
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ إِلَى شِيعَتِهِ يَذْكُرُ فِيهِ خُرُوجَ عَائِشَةَ إِلَى اَلْبَصْرَةِ وَ عِظَمَ خَطَإِ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ فَقَالَ :
«وَ أَيُّ خَطِيئَةٍ أَعْظَمُ مِمَّا أَتَيَا أَخْرَجَا زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ بَيْتِهَا وَ كَشَفَا عَنْهَا حِجَاباً سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَ صَانَا حَلاَئِلَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا، مَا أَنْصَفَا لاَ لِلَّهِ وَ لاَ لِرَسُولِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا، ثَلاَثُ خِصَالٍ مَرْجَعُهَا عَلَى النَّاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْبَغْيُ وَ الْمَكْرُ وَ النَّكْثُ ، قَالَ اللَّهُ :«يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنَّمٰا بَغْيُكُمْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ » وَ قَالَ :«فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ » وَ قَالَ :«وَ لاٰ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّٰ بِأَهْلِهِ » وَ قَدْ بَغَيَا عَلَيْنَا وَ نَكَثَا بَيْعَتِي وَ مَكَرَا بِي.
و قوله:«أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ » قال: أ و لم ينظروا في القرآن و في أخبار الأمم الهالكة «فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » قوله:«وَ لَوْ يُؤٰاخِذُ اللّٰهُ النّٰاسَ بِمٰا كَسَبُوا مٰا تَرَكَ عَلىٰ ظَهْرِهٰا مِنْ دَابَّةٍ وَ لٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى» قال: لا يأخذهم عند المعاصي و عند اغترارهم بالله
قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي
عَنِ اَلنَّوْفَلِيِّ عَنِ اَلسَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :
سَبَقَ الْعِلْمُ وَ جَفَّ الْقَلَمُ وَ مَضَى الْقَضَاءُ وَ تَمَّ الْقَدَرُ بِتَحْقِيقِ الْكِتَابِ وَ تَصْدِيقِ الرُّسُلِ بِالسَّعَادَةِ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ آمَنَ وَ اتَّقَى وَ بِالشَّقَاءِ لِمَنْ كَذَّبَ وَ كَفَرَ بِالْوَلاَيَةِ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ
ص: 210
مَا تُرِيدُ(1) وَ بِفَضْلِ نِعْمَتِي عَلَيْكَ قَوِيتَ عَلَى مَعْصِيَتِي وَ بِقُوَّتِي وَ عِصْمَتِي وَ عَافِيَتِي أَدَّيْتَ إِلَيَّ فَرَائِضِي وَ أَنَا أَوْلَى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ وَ أَنْتَ أَوْلَى بِذَنْبِكَ مِنِّي، الْخَيْرُ مِنِّي إِلَيْكَ وَاصِلٌ بِمَا أَوْلَيْتُكَ وَ الشَّرُّ مِنِّي إِلَيْكَ بِمَا جَنَيْتَ جَزَاءٌ وَ بِكَثِيرٍ مِنْ تَسْلِيطِي [تَسَلُّطِي] لَكَ انْطَوَيْتَ عَنْ طَاعَتِي وَ بِسُوءِ ظَنِّكَ بِي قَنَطْتَ مِنْ رَحْمَتِي فَلِيَ الْحَمْدُ وَ الْحُجَّةُ عَلَيْكَ بِالْبَيَانِ ، وَ لِيَ السَّبِيلُ عَلَيْكَ بِالْعِصْيَانِ وَ لَكَ الْجَزَاءُ الْحَسَنُ عِنْدِي بِالْإِحْسَانِ ثُمَّ لَمْ أَدَعْ تَحْذِيرَكَ بِي ثُمَّ لَمْ آخُذْكَ عِنْدَ غِرَّتِكَ وَ هُوَ قَوْلُهُ :«وَ لَوْ يُؤٰاخِذُ اللّٰهُ النّٰاسَ بِمٰا كَسَبُوا مٰا تَرَكَ عَلىٰ ظَهْرِهٰا مِنْ دَابَّةٍ » لَمْ أُكَلِّفْكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ وَ لَمْ أَحْمِلْكَ مِنَ الْأَمَانَةِ إِلاَّ مَا قَرَرْتَ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ وَ رَضِيتُ لِنَفْسِي مِنْكَ مَا رَضِيتَ بِهِ لِنَفْسِكَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ :«وَ لٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِعِبٰادِهِ بَصِيراً» .
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ يس وَ اَلْقُرْآنِ الْحَكِيمِ »
قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : « يس»
اسْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :«إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ »
قَالَ : عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ «تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ » قَالَ : اَلْقُرْآنُ . «لِتُنْذِرَ قَوْماً مٰا أُنْذِرَ آبٰاؤُهُمْ فَهُمْ غٰافِلُونَ » إلى قوله «عَلىٰ أَكْثَرِهِمْ » يعني نزل به العذاب
ص: 211
«فَهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ » و قوله:«إِنّٰا جَعَلْنٰا فِي أَعْنٰاقِهِمْ أَغْلاٰلاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقٰانِ » إلى قوله «فَهُمْ مُقْمَحُونَ » قال: قد رفعوا رءوسهم
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :
فِي قَوْلِهِ :«وَ جَعَلْنٰا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنٰاهُمْ » يَقُولُ :
فَأَعْمَيْنَاهُمْ «فَهُمْ لاٰ يُبْصِرُونَ » الْهُدَى أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَهُمْ وَ أَبْصَارَهُمْ وَ قُلُوبَهُمْ فَأَعْمَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
قَامَ يُصَلِّي، وَ قَدْ حَلَفَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَآهُ يُصَلِّي لَيَدْمَغَنَّهُ (1) ، فَجَاءَ وَ مَعَهُ حَجَرٌ وَ النَّبِيُّ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَجَعَلَ كُلَّمَا رَفَعَ الْحَجَرَ لِيَرْمِيَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَ لاَ يَدُورُ الْحَجَرُ بِيَدِهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ سَقَطَ الْحَجَرُ مِنْ يَدِهِ ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ وَ هُوَ مِنْ رَهْطِهِ أَيْضاً فَقَالَ أَنَا أَقْتُلُهُ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ فَجَعَلَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
فَأُرْعِبَ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : حَالَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ كَهَيْئَةِ الْعِجْلِ يَخْطِرُ بِذَنَبِهِ (2) فَخِفْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ .، و قوله:«سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ » فلم يؤمن من أولئك الرهط من بني مخزوم أحد يعني ابن المغيرة.
و قال علي بن إبراهيم في قوله:«وَ سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ » إلى قوله «وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ » أي في كتاب مبين و هو محكم
وَ ذَكَرَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا وَ اللَّهِ الْإِمَامُ الْمُبِينُ أُبِينُ لِلْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ وَ وَرِثْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ . و هو محكم.
و قوله:«وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحٰابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جٰاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنٰا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمٰا فَعَزَّزْنٰا بِثٰالِثٍ فَقٰالُوا إِنّٰا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ »
قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي
عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 212
قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : بَعَثَ اللَّهُ رَجُلَيْنِ إِلَى أَهْلِ مَدِينَةِ أَنْطَاكِيَةَ
فَجَاءَهُمْ بِمَا لاَ يَعْرِفُونَ فَغَلَّظُوا عَلَيْهِمَا فَأَخَذُوهُمَا وَ حَبَسُوهُمَا فِي بَيْتِ الْأَصْنَامِ ، فَبَعَثَ اللَّهُ الثَّالِثَ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ : أَرْشِدُونِي إِلَى بَابِ الْمَلِكِ قَالَ : فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَلِكِ قَالَ : أَنَا رَجُلٌ كُنْتُ أَتَعَبَّدُ فِي فَلاَةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْبُدَ إِلَهَ الْمَلِكِ فَأَبْلَغُوا كَلاَمَهُ الْمَلِكَ ، فَقَالَ : أَدْخِلُوهُ إِلَى بَيْتِ الْآلِهَةِ فَأَدْخَلُوهُ فَمَكَثَ سَنَةً مَعَ صَاحِبَيْهِ ، فَقَالَ بِهَذَا يُنْقَلُ قَوْمٌ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ بِالْحِذْقِ [بِالْحَرْفِ ] أَ فَلاَ رَفَقْتُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: لاَ تُقِرَّانِ بِمَعْرِفَتِي ثُمَّ أُدْخِلَ عَلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ بَلَغَنِي أَنَّكَ كُنْتَ تَعْبُدُ إِلَهِي فَلَمْ أَزَلْ وَ أَنْتَ أَخِي فَاسْأَلْنِي حَاجَتَكَ ! قَالَ : مَا لِي حَاجَةٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ وَ لَكِنْ رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ فِي بَيْتِ الْآلِهَةِ فَمَا بَالُهُمَا قَالَ الْمَلِكُ : هَذَانِ رَجُلاَنِ أَتَيَانِي بِبُطْلاَنِ دِينِي وَ يَدْعُوَانِي إِلَى إِلَهٍ سَمَاوِيٍّ ، فَقَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ فَمُنَاظَرَةٌ جَمِيلَةٌ فَإِنْ يَكُنِ الْحَقُّ لَهُمَا اتَّبَعْنَاهُمَا وَ إِنْ يَكُنِ الْحَقُّ لَنَا دَخَلاَ مَعَنَا فِي دِينِنَا، فَكَانَ لَهُمَا مَا لَنَا وَ مَا عَلَيْهِمَا مَا عَلَيْنَا قَالَ فَبَعَثَ الْمَلِكُ إِلَيْهِمَا فَلَمَّا دَخَلاَ إِلَيْهِ قَالَ لَهُمَا صَاحِبُهُمَا مَا الَّذِي جِئْتُمَا بِهِ قَالاَ جِئْنَا نَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ يَخْلُقُ فِي الْأَرْحَامِ مَا يَشَاءُ وَ يُصَوِّرُ كَيْفَ يَشَاءُ وَ أَنْبَتَ الْأَشْجَارَ وَ الْأَثْمَارَ وَ أَنْزَلَ الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ.
ص: 213
بِحُجَّتَيْنِ وَ أَتَيْنَا بِمِثْلِهِ وَ لَكِنْ بَقِيَ شَيْ ءٌ وَاحِدٌ فَإِنْ هُمَا فَعَلاَهُ دَخَلْتُ مَعَهُمَا فِي دِينِهِمَا ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ لِلْمَلِكِ ابْنٌ وَاحِدٌ وَ مَاتَ فَإِنْ أَحْيَاهُ إِلَهُهُمَا دَخَلْتُ مَعَهُمَا فِي دِينِهِمَا، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : وَ أَنَا أَيْضاً مَعَكَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا قَدْ بَقِيَتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ الْوَاحِدَةُ قَدْ مَاتَ ابْنُ الْمَلِكِ فَادْعُوَا إِلَهَكُمَا فَيُحْيِيَهُ ، قَالَ فَخَرَّا إِلَى الْأَرْضِ سَاجِدَيْنِ لِلَّهِ وَ أَطَالاَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَا رَأْسَيْهِمَا وَ قَالاَ لِلْمَلِكِ ابْعَثْ إِلَى قَبْرِ ابْنِكَ تَجِدْهُ قَدْ قَامَ مِنْ قَبْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ فَخَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ فَوَجَدُوهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ التُّرَابِ ، قَالَ فَأُتِيَ بِهِ الْمَلِكَ فَعَرَفَ أَنَّهُ ابْنُهُ ، فَقَالَ لَهُ مَا حَالُكَ يَا بُنَيَّ قَالَ كُنْتُ مَيِّتاً فَرَأَيْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ رَبِّي السَّاعَةَ سَاجِدَيْنِ يَسْأَلاَنِهِ أَنْ يُحْيِيَنِي فَأَحْيَانِي، قَالَ تَعْرِفُهُمَا إِذَا رَأَيْتَهُمَا قَالَ نَعَمْ ، قَالَ : فَأَخْرَجَ النَّاسَ جُمْلَةً إِلَى الصَّحْرَاءِ فَكَانَ يَمُرُّ عَلَيْهِ رَجُلٌ رَجُلٌ فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ انْظُرْ فَيَقُولُ لاَ لاَ ثُمَّ مَرُّوا عَلَيْهِ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ هَذَا أَحَدُهُمَا وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ ثُمَّ مَرُّوا أَيْضاً بِقَوْمٍ كَثِيرِينَ حَتَّى رَأَى صَاحِبَهُ الْآخَرَ فَقَالَ وَ هَذَا الْآخَرُ، قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَاحِبُ الرَّجُلَيْنِ أَمَّا أَنَا فَقَدْ آمَنْتُ بِإِلَهِكُمَا وَ عَلِمْتُ أَنَّ مَا جِئْتُمَا بِهِ هُوَ الْحَقُّ قَالَ فَقَالَ الْمَلِكُ وَ أَنَا أَيْضاً آمَنْتُ بِإِلَهِكُمَا ذَلِكَ وَ آمَنَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ كُلُّهُمْ .
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سٰابِقُ النَّهٰارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ » يَقُولُ الشَّمْسُ سُلْطَانُ النَّهَارِ وَ الْقَمَرُ سُلْطَانُ اللَّيْلِ لاَ يَنْبَغِي لِلشَّمْسِ أَنْ تَكُونَ مَعَ ضَوْءِ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ وَ لاَ يَسْبِقُ اللَّيْلُ النَّهَارَ يَقُولُ لاَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ حَتَّى يُدْرِكَهُ النَّهَارُ «وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ » يَقُولُ يَجِيءُ [يَجْرِي] وَرَاءَ الْفَلَكِ الاِسْتِدَارَةُ . و قوله «إِنّٰا تَطَيَّرْنٰا بِكُمْ » قال بأسمائكم و قوله «وَ جٰاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعىٰ قٰالَ يٰا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ » قال نزلت في حبيب النجار إلى قوله «وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ » و قوله «إِنْ كٰانَتْ إِلاّٰ صَيْحَةً وٰاحِدَةً فَإِذٰا هُمْ خٰامِدُونَ » أي ميتون.
ص: 214
و قوله:«سُبْحٰانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوٰاجَ كُلَّهٰا مِمّٰا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمّٰا لاٰ يَعْلَمُونَ »
قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ اَلْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ : إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى النَّبَاتِ وَ التَّمْرِ وَ الشَّجَرِ فَتَأْكُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَ الْبَهَائِمُ فَتَجْرِي فِيهِمْ . و قوله:«وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهٰارَ فَإِذٰا هُمْ مُظْلِمُونَ » أي نخرج و قوله «وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهٰا ذٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ »
إلى قوله «كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ » قال: العرجون طلع النخل و هو مثل الهلال في أول طلوعه.
قَالَ : وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ دَاوُدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَهْدِيِّ قَالَ : دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ الْمُكَارِي
عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ أَ بَلَغَ مِنْ قَدْرِكَ أَنْ تَدَّعِيَ مَا ادَّعَى أَبُوكَ
فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا لَكَ أَطْفَأَ اللَّهُ نُورَكَ وَ أَدْخَلَ الْفَقْرَ بَيْتَكَ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى عِمْرَانَ أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً فَوَهَبَ لَهُ مَرْيَمَ وَ وَهَبَ لِمَرْيَمَ عِيسَى فَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ مَرْيَمَ وَ مَرْيَمُ مِنْ عِيسَى وَ مَرْيَمُ وَ عِيسَى شَيْ ءٌ وَاحِدٌ وَ أَنَا مِنْ أَبِي وَ أَبِي
مِنِّي وَ أَنَا وَ أَبِي شَيْ ءٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَأَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ! قَالَ : سَلْ وَ لاَ إِخَالُكَ تَقْبَلُ مِنِّي وَ لَسْتَ مِنْ غَنَمِي وَ لَكِنْ هَاتِهَا، فَقَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهُ قَدِيمٍ فَهُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ ، مَا كَانَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَدِيمٌ وَ هُوَ حُرٌّ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ «وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنٰاهُ مَنٰازِلَ حَتّٰى عٰادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ »
فَمَا كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَدِيمٌ حُرٌّ، قَالَ : فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ افْتَقَرَ وَ ذَهَبَ بَصَرُهُ ثُمَّ مَاتَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ لَيْسَ عِنْدَهُ مَبِيتُ لَيْلَةٍ .
و قوله:«وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّٰا حَمَلْنٰا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » قال السفن الملية «وَ خَلَقْنٰا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مٰا يَرْكَبُونَ » يعني الدواب و الأنعام
ص: 215
و لا يوصي بوصية
و ذلك قوله «فَلاٰ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لاٰ إِلىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ »
و قوله «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذٰا هُمْ مِنَ الْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ » قال من القبور.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ «يٰا وَيْلَنٰا مَنْ بَعَثَنٰا مِنْ مَرْقَدِنٰا» فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا فِي الْقُبُورِ فَلَمَّا قَامُوا حَسِبُوا أَنَّهُمْ كَانُوا نِيَاماً «قٰالُوا يٰا وَيْلَنٰا مَنْ بَعَثَنٰا مِنْ مَرْقَدِنٰا» قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ «هٰذٰا مٰا وَعَدَ الرَّحْمٰنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ » .
قال علي بن إبراهيم ثم ذكر النفخة الثانية فقال «إِنْ كٰانَتْ إِلاّٰ صَيْحَةً وٰاحِدَةً فَإِذٰا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنٰا مُحْضَرُونَ » و قوله «إِنَّ أَصْحٰابَ اَلْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فٰاكِهُونَ » قال في افتضاض العذارى فاكهون، قال يفاكهون النساء و يلاعبونهن
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ :«فِي ظِلاٰلٍ عَلَى الْأَرٰائِكِ مُتَّكِؤُنَ » الْأَرَائِكُ السُّرُرُ عَلَيْهَا الْحِجَالُ .
، و قال علي بن إبراهيم في قوله «سَلاٰمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ » قال السلام منه تعالى هو الأمان
و قوله «وَ امْتٰازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ » قال إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق فينادوا يا رب حاسبنا و لو إلى النار فيبعث الله رياحا فتضرب بينهم و ينادي مناد «وَ امْتٰازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ » فيميز بينهم فصار المجرمون إلى النار
و من كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة
و قوله «وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً» يعني خلقا كثيرا قد هلك
و قوله:«اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ » إلى قوله «بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ » قال: إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون أنهم لم يعملوا من ذلك شيئا و هو قوله «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمٰا يَحْلِفُونَ لَكُمْ » فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم و تنطق جوارحهم «بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ »
ص: 216
يعني في الدنيا «فَمَا اسْتَطٰاعُوا مُضِيًّا وَ لاٰ يَرْجِعُونَ »
و قوله «وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلاٰ يَعْقِلُونَ » فإنه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد و يقولون إن الرجل إذا نكح المرأة و صارت النطفة في رحمها تلقته الأشكال من الغذاء و دار عليه الفلك و مر عليه الليل و النهار فيولد الإنسان بالطبائع من الغذاء و مرور الليل و النهار فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد فقال:«وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلاٰ يَعْقِلُونَ » قال لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبدا ما دامت الأشكال قائمة و الليل و النهار قائمين و الفلك يدور فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر إلى حد الطفولية و نقصان السمع و البصر و القوة و العلم و المنطق حتى ينتكس و لكن ذلك من خلق العزيز العليم و تقديره.
و قوله:«وَ مٰا عَلَّمْنٰاهُ الشِّعْرَ وَ مٰا يَنْبَغِي لَهُ » قال: كانت قريش تقول إن هذا الذي يقول محمد شعر فرد الله عليهم فقال «وَ مٰا عَلَّمْنٰاهُ الشِّعْرَ وَ مٰا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّٰ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ » و لم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شعرا قط
و قوله:
«لِيُنْذِرَ مَنْ كٰانَ حَيًّا» يعني مؤمنا حي القلب و قوله:«وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ » يعني العذاب
و قوله:«أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا خَلَقْنٰا لَهُمْ مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا أَنْعٰاماً»
أي خلقناها بقوتنا
و قوله «وَ ذَلَّلْنٰاهٰا لَهُمْ » يعني الإبل مع قوتها و عظمها يسوقها الطفل
و قوله «وَ لَهُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ وَ مَشٰارِبُ أَ فَلاٰ يَشْكُرُونَ » يعني ما يكسبون بها و ما يركبونها و قوله «وَ مَشٰارِبُ » يعني ألبانها
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
: فِي قَوْلِهِ «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لاٰ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ » يَقُولُ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْآلِهَةُ لَهُمْ نَصْراً وَ هُمْ لَهُمْ أَيْ لِلْآلِهَةِ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ .
ص: 217
و قوله «فَإِذٰا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ » أي ناطق عالم بليغ
و قوله:
«وَ ضَرَبَ لَنٰا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قٰالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظٰامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ » فقال الله عز و جل «قُلْ »
يا محمد «يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ » .
قال فلو أن الإنسان تفكر في خلقة نفسه لدله ذلك على خالقه لأنه يعلم كل إنسان أنه ليس بقديم لأنه يرى نفسه و غيره مخلوقا محدثا و يعلم أنه لم يخلق نفسه لأن كل خالق قبل خلقه و لو خلق نفسه لدفع عنها الآفات و الأوجاع و الأمراض و الموت فيثبت عند ذلك أن لها خالقا مدبرا «هُوَ اللّٰهُ الْوٰاحِدُ الْقَهّٰارُ»
قوله «اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نٰاراً فَإِذٰا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ » و هو المرخ و العفار(1) و يكون في ناحية بلاد الغرب فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار ثم قال عز و جل «أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ بِقٰادِرٍ» إلى قوله «كُنْ فَيَكُونُ » قال خزائنه في كاف و نون «فَسُبْحٰانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »
«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَ الصَّافّٰاتِ صَفًّا» قال: الملائكة و الأنبياء و من صف لله و عبده «فَالزّٰاجِرٰاتِ زَجْراً» الذين يزجرون الناس «فَالتّٰالِيٰاتِ ذِكْراً»
الذين يقرءون الكتاب من الناس فهو قسم و جوابه «إِنَّ إِلٰهَكُمْ لَوٰاحِدٌ رَبُّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ رَبُّ الْمَشٰارِقِ إِنّٰا زَيَّنَّا السَّمٰاءَ الدُّنْيٰا بِزِينَةٍ الْكَوٰاكِبِ »
ص: 218
مِثْلُ الْمَدَائِنِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ مَرْبُوطَةٌ كُلُّ مَدِينَةٍ بِعَمُودٍ [إِلَى عَمُودٍ] مِنْ نُورٍ طُولُ ذَلِكَ الْعَمُودِ فِي السَّمَاءِ مَسِيرَةُ مِائَتَيْنِ وَ خَمْسِينَ سَنَةً (1).
و قوله «وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطٰانٍ مٰارِدٍ»
ص: 219