الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني

الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي

المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي

الطبعة: 2

الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات

تاريخ النشر : 1418 ه.ق

ISBN (ردمك):964-424-427-3

 المكتبة الإسلامية

تصنيف الكونجرس: BP267/55/الف 2الف 7

تصنيف ديوي: 297/772

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 78-2999

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

فهرس الإجمالي

الصورة

ص: 6

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين

للتنوّر بأنوارها (1) والاستضاءة بأضواء عنايات اللّه جلّ جلاله وإسرارها ، ونشكر اللّه تبارك وتعالى بأن أحلّنا محلّ ألطافه وعناياته الجليلة ، وجعلنا قابلا للتحلّي بالصفات الجميلة.

وشرّفنا للتهيّأ لمناسك أوّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً هُدىً لِلْعالَمِينَ ، وأرانا بفضله وكرمه ما فيه من الآيات البيّنات الّتي من جملتها مقام إبراهيم ، وجعل لنا الأمن والأمان من أذى الظّالمين وموجبات سخط ربّ العالمين ، بدخولها لمناسك وعبادات قد فصّلها بلسان الشرع ، كما قال عزّ من قائل ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (2) ، وأوجب هذه العبادات والمناسك على كلّ من استطاع إليه سبيلا ، ووجد من الزّاد والراحلة على تيسّره دليلا ، وأشار إلى ذلك بقوله : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (3).

ونصلّي على نبيّنا الرّءوف علينا بالهداية إلى هذه الخيرات والحثّ على تلك المبرّات ، وعلى آله الأئمة الهداة والسالكين مسالك الألطاف والعنايات صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين.

الباب الأول : فيما نذكره من فوائد شهر شوال ، وفيه عدّة فصول :

فصل : فيما نذكره ممّا روي في تسمية شوّال.

ص: 7


1- كذا في النسخ الموجودة ، وقد سقط منها عبارات من خطبة المؤلف.
2- آل عمران : 97.
3- آل عمران : 97.

فصل : فيما نذكره من انّ صوم السّتة أيّام من شوّال تكون متفرّقة فيه.

فصل : فيما نذكره من صيام شوّال.

فصل : فيما نذكره من كيفية الدّخول في شهر شوال ، وما أنشأناه عند رؤية هلاله من الابتهال ، وما نذكره من الإشارة إلى المنسك بإجمال المقال.

الباب الثاني : فيما نذكره من فوائد شهر ذي القعدة ، وفيه عدة فصول :

فصل : فيما نذكره من الرّواية بأنّ شهر ذي القعدة محلّ لإجابة الدّعاء عند الشدّة.

فصل : فيما نذكره من ابتداء فوائد ذي القعدة.

فصل : فيما نذكره في كيفية الدخول في هذا الشهر.

فصل : فيما نذكره مما يعمل في يوم الأحد من الشهر المذكور وما فيه من الفضل المذخور.

فصل : فيما نذكره من فضل صوم ثلاثة أيام من الشهر الحرام.

فصل : فيما نذكره من فضل ليلة النصف من ذي القعدة والعمل فيها.

فصل : فيما يتعلق بدحو الأرض وإنشاء أصل البلاد وابتداء مساكن العباد.

فصل : فيما نذكره مما يعمل يوم خمس وعشرين من ذي القعدة.

فصل : فيما نذكره من زيادة رواية في فضل يوم دحو الأرض.

فصل : فيما ذكره من التنبيه على فضل اللّه جل جلاله بدحو الأرض وبسطها لعباده ، والإشارة إلى بعض معاني إرفاده بذلك وإسعاده.

فصل : فيما نذكره من فضل زائد لليلة يوم دحو الأرض ويومها.

فصل : فيما نذكره من الدعاء من يوم خمس وعشرين من ذي القعدة.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون المكلف عليه في اليوم المشار إليه.

فصل : فيما نذكره مما يختم به ذلك اليوم.

الباب الثالث : فيما يختص بفوائد من شهر ذي الحجّة وموائد للسّالكين صوب المحجة ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله.

ص: 8

فصل : فيما نذكره في كيفيّة الدّخول في شهر ذي الحجّة.

فصل : فيما نذكره من فضل العشر الأوّل من ذي الحجة على سبيل الإجمال.

فصل : فيما نذكره من زيادة فضل لعشر ذي الحجّة على بعض التفصيل.

فصل : فيما نذكره من فضل صلاة تصلّي كلّ ليلة من عشر ذي الحجّة.

فصل : فيما نذكره من فضل أوّل يوم من ذي الحجّة.

فصل : فيما نذكره من فضل صوم التّسعة أيّام من عشر ذي الحجّة.

فصل : في صلاة ركعتين قبل الزّوال في أوّل يوم من ذي الحجّة.

فصل : فيمن يريد ان يكفي شرّ ظالم فيعمل أوّل يوم من ذي الحجّة.

فصل : فيما نذكره من فضل اليوم الثّامن من ذي الحجّة ، وهو يوم التروية.

فصل : فيما نذكره من فضل ليلة عرفة.

فصل : فيما نذكره من دعاء في ليلة عرفة.

فصل : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام في ليلة عرفة.

فصل : فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة.

فصل : فيما نذكره من الاهتمام بالدّلالة على الامام يوم عرفة عند اجتماع الأنام ، لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الإسلام.

فصل : فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة والخلاف في ذلك.

فصل : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة.

فصل : فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصّة بالحسين عليه السلام يوم عرفة.

فصل : فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج للدعاء المعتاد ، وهل الاجتماع للدعاء يوم عرفة أفضل أو الانفراد.

فصل : فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة أين كان من البلاد.

فصل : فيما نذكره من صلاة تختصّ بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين.

فصل : فيما نذكره من أدعية يوم عرفة.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي ان يختم به يوم عرفة.

ص: 9

الباب الرابع : فيما نذكره ممّا يتعلّق بليلة عيد الأضحى ويوم عيدها ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من فضل إحياء ليلة عيد الأضحى.

فصل : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام عيد الأضحى.

فصل : فيما نذكره من الإشارة إلى فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم الأضحى وبما ذا يزار.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي أن يكون أهل السعادة والإقبال عليه يوم الأضحى من الأحوال.

فصل : فيما نذكره من الرواية بغسل يوم الأضحى.

فصل : فيما نذكره ممّا يعتمد الإنسان في يوم الأضحى عليه بعد الغسل المشار إليه.

فصل : فيما نذكره من صفة صلاة العيد يوم الأضحى.

فصل : فيما نذكره من فضل الأضحيّة وتأكيدها في السنّة المحمديّة.

فصل : فيما نذكره من رواية عن كم تجزئ الأضحيّة وما يقال عند الذبح.

فصل : فيما نذكره من تعيين أيام وقت الأضاحي.

فصل : فيما نذكره من قسمة لحم الأضحيّة.

فصل : فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الأضحى.

الباب الخامس : فيما نذكره مما يختصّ بعيد الغدير في ليلته ويومه من صلاة ودعاء ، وشرف ذلك اليوم وفضل صومه ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من عمل ليلة الغدير.

فصل : فيما نذكره من مختصر الوصف ممّا رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير من الكشف.

فصل : في بعض تفصيل ما جرت عليه حال يوم الغدير من التعظيم والتبجيل.

فصل : فيما نذكره من فضل اللّه جلّ جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد وما فيه من المنّة على العباد.

فصل : فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند أهل العقول من طريق المنقول.

ص: 10

فصل : فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطيّ.

فصل : فيما نذكره أيضا من فضل يوم الغدير برواية جماعة من ذوي الفضل الكثير ، وهي قطرة من بحر غزير.

فصل : فيما نذكره من جواب من سأل عما في الغدير من الفضل وقصر فهمه عمّا ذكرناه في ذلك من الفضل.

فصل : فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السّماوات برواية الثقات وفضل زيارته عليه السلام في ذلك الميقات.

فصل : فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من المخالفين.

فصل : فيما نذكره من الإشارة إلى من زاره من الأئمّة من ذريّته عليه وعليهم أفضل السلام وغيرهم من عترته من ملوك الإسلام.

فصل : فيما نذكره ممّا رأيتها أنا عند ضريحه الشريف غير ما رويناه وسمعناه به من آياته التي تحتاج إلى مجلدات وتصانيف.

فصل : فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا علي صلوات اللّه عليه في يوم الغدير المشار اليه.

فصل : فيما نذكره من عوذة تعوّذ بها النبي صلى اللّه عليه وآله في يوم الغدير.

فصل : فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد مما رويناه بصحيح الاسناد.

فصل : فيما نذكره من زيارة لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، يزار بها بعد الصلاة والدعاء يوم الغدير السعيد من قريب أو بعيد.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون عليه حال أولياء هذا العيد السعيد في اليوم المعظم المشار إليه.

فصل : فيما نذكره من فضل تفطير الصائمين فيه.

فصل : فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الغدير.

الباب السادس : فيما يتعلّق بمباهلة سيّد أهل الوجود لذوي الجحود ، الّذي لا يساوي ولا يجازي ،

ص: 11

وظهور حجّته على النصارى والحبارى ، وانّ في يوم مثله تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم ، ونذكر ما يعمل من المراسم ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من إنفاذ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لرسله إلى نصارى نجران ودعائهم إلى الإسلام والايمان ومناظرتهم فيما بينهم وظهور تصديقه فيما دعا إليه.

فصل : فيما نذكره من زيارة أهل المباهلة والسعادة.

فصل : فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون أهل المعرفة بحقوق المباهلة من الاعتراف بنعم اللّه جلّ جلاله الشاملة.

فصل : فيما نذكره من عمل يوم بأهل اللّه فيه بأهل السّعادات وندب إلى صوم أو صلوات أو دعوات.

فصل : فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة أيضا لأهل المواسم من المراسم وصدقة مولانا علي عليه السلام بالخاتم.

فصل : فيما نذكره من الإشارة إلى بعض من روى ان آية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، نزلت في مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه من طريق المخالفين عليه.

فصل : فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن.

فصل : فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم هذا اليوم وما فيه من المسار وما يختم به آخر ذلك النهار.

الباب السابع : فيما نذكره مما يتعلّق بليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة ويومها ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا علي عليه السلام ومولاتنا فاطمة صلوات اللّه عليها في هذه الليلة على المسكين واليتيم والأسير.

فصل : فيما نذكره ممّا يعمل يوم خامس وعشرين من ذي الحجّة.

الباب الثامن : فيما نذكره مما يتعلّق باليوم التاسع والعشرين من ذي الحجّة وما يستحب فيه

ص: 12

لأهل الظفر بصواب المحجّة.

الباب التاسع : فيما نذكره من عمل آخر يوم من ذي الحجّة.

وها نحن نفصّل ما أجملناه وننجز ما وعدناه ، فنقول :

ص: 13

الباب الأول: فيما نذكره من فوائد شهر شوال

اشارة

وفيه فصول :

فصل (1): فيما نذكره ممّا روي في تسمية شوال

ذكر مصنّف كتاب دستور المذكّرين ومنشور المتعبدين بإسناده المتّصل فقال : قيل للنبيّ صلى اللّه عليه وآله : يا رسول اللّه ما شهر رمضان - أو ما رمضان؟ قال : ارمض اللّه تعالى فيه ذنوب المؤمنين وغفرها لهم ، قيل : يا رسول اللّه فشوّال؟ قال : شالت فيه ذنوبهم فلم يبق فيه ذنب الاّ غفره.

قال مصنّف هذا الكتاب : ارمض اى أحرق ، وشالت أي ارتفعت وذهبت عنهم ، قال : والمعنى فيه انّهم إذا عرفوا حق رمضان صار كفّارة لهم واذهب عنهم ذنوبهم وطهّرهم منها ، وانّما يتمّ ذلك بانقضاء رمضان وانقضاء رمضان بدخول شوال.

قلت : وقال مصنف الصحاح في اللغة ما هذا لفظه : وشوّال أوّل أشهر الحجّ والجمع شوّالات وشواويل ، وشوّال أي خفيف من العمل والخدمة.

فصل (2): فيما نذكره من انّ صوم السّتة أيّام من شوال تكون متفرّقة فيه

قد ذكرنا في كتاب الزّوائد والفوائد في عمل شهر الصيام روايات بصوم هذه الستّة

ص: 14

الأيّام ولم نذكر الرّواية بصومها متفرّقة ، وأحببنا أن نذكرها في فوائد شوال الرواية بذلك ، فنقول :

روى صاحب دستور المذكرين عن الطبراني ، وهو ثقة عند المحدثين ، بإسناده عن إسحاق بن إبراهيم الدّيري قال : سألت عبد الرزاق عمّن يصوم الثاني من الفطر ، فكره ذلك وأباه إباء شديدا ، وقال عبد الرزاق : وسألت معمّرا عن صيام الستّ الّتي بعد يوم الفطر وقالوا له : تصام بعد الفطر بيوم ، فقال : معاذ اللّه انّما هي أيّام عيد وأكل وشرب ، ولكن تصام ثلاثة أيّام قبل أيام الغرّاء وبعدها ، وأيام الغرّاء ثالث عشرة ورابع عشرة وخامس عشرة.

فصل (3): فيما نذكره من صيام شوّال

بإسناد مصنّف دستور المذكرين إلى من سمّاه ، قال عفّان بن يزيد انّه سمعه من خلق في رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : من صام شهر رمضان وشوّالا والأربعاء والخميس دخل الجنّة.

وفي حديث آخر منه بإسناده إلى مسلم بن عبيد القرشي انّ أباه رضي اللّه عنه أخبره انّه سأل النبي صلى اللّه عليه وآله فقال : يا نبي اللّه أصوم الدّهر؟ فسكت ، ثمّ سأله الثانية ، فسكت ، ثمّ سأله الثالثة ، فقال : يا نبي اللّه أصوم الدهر كله؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : من السائل عن الصوم؟ فقال : أنا يا رسول اللّه ، فقال : اما لأهلك حقّ ، صم رمضان والّذي يليه وكلّ أربعاء وخميس ، فإذا أنت قد صمت الدهر.

فصل (4): فيما نذكره من كيفية الدخول في شوّال وما أنشأناه عند رؤية هلاله من الابتهال ، وما نذكره من الإشارة إلى المنسك بإجمال المقال

أقول : انّ الدخول في شهر شوال ، فهو كما قدّمناه من الدخول في شهر رجب ، فان

ص: 15

ظفرت به ففيه بلاغ في المقال ، وان لم تظفر بما أشرنا إليه ، فليكن دخولك في شهر شوّال دخول المصدّقين ، فإنّه شهر حرام له حقّ التعظيم بالمقال والفعال.

كمن دخل في دروب مكّة إلى مسجدها الأعظم ، فلا بدّ ان يكون لدخوله كيفيّة على قدر تصديقه صاحب المسجد المعظّم ، فاجتهد أن يكون قلبك وعقلك مصاحبا له بالتّعظيم وجوارحك محافظة على سلوك السبيل المستقيم ، فمن عادة الملوك المؤدّب الكامل أن يكون موافقا لمالكه في سائر مسالكه.

فصل : وامّا ما يقال عند رؤية هلال شوّال :

فقد قدّمنا في كتاب عمل الشهر دعاء أنشأناه يصلح لجميع الشهور (1) ، فان لم يجده فليقل عند رؤية الهلال المذكور :

اللّهُمَّ انَّكَ قَدْ مَنَنْتَ عَلَيْنا بِضِياءِ الْبَصائِرِ وَالأَبْصارِ ، حَتَّى عَرَّفْتَنا (2) ما بَلَّغْتَنا إِلَيْهِ مِنَ الأَسْرارِ وَالاعْتِبارِ ، وَشاهَدْنا هِلالَ شَوَّالَ ، وَهُوَ مِنْ شُهُورِ التَّعْظِيمِ وَالإِجْلالِ.

فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَوَفِّقْنا لِمُصاحَبَتِهِ بِما يُقَرِّبُنا الَيْكَ ، وَشَرِّفْنا فِيهِ بِتَمامِ إِقْبالِنا عَلَيْكَ ، وَاجْعَلَهُ لَنا مِنْ اهْلِ السُّعُودِ وَالإِقْبالِ فِي جَمِيعِ الأَحْوالِ وَالأَعْمالِ وَالأَقْوالِ ، كَما (3) اخْلَعْتَ عَلَيْنا خِلَعَ التَّوْفِيقِ لِلظَّفَرِ بِنَصْرِهِ وَبِرِّهِ وَخَيْرِهِ.

وَاجْعَلْ ساعاتِهِ وارِدَةً عَلَيْنا بِزِياداتِ الإِحْسانِ إِلَيْنا ، حَتّى نُدْرِكَ بِتَأْيِيدِكَ وَعِنايَتِكَ افْضَلَ ما ادْرَكَهُ أَحَدٌ فِيهِ مِنْ مَزِيدِكَ وَعَفْوِكَ وَعافِيَتِكَ بِرَحْمَتِكَ.

وَابْدَأْ بِكُلِّ ما تُرِيدُ الْبَدْأَةَ بِهِ فِي الدَّعَواتِ ، وَأَشْرِكْ مَعَنا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنا مِنَ الْأَهْلِ وَذَوِي الْمَوَدّاتِ وَالْحُقُوقِ الْمَحْفُوظاتِ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

فصل : وامّا المنسك للحج وتصنيفه على سبيل التحرير والاستظهار ، فقد كنّا شرعنا فيه وأخّرنا إتمامه لبعض الاعذار.

ص: 16


1- الدروع الواقية : 26.
2- الدروع الواقية : 26.
3- الدروع الواقية : 26.

الباب الثاني: فيما نذكره من فوائد شهر ذي القعدة وفيه عدة فصول :

فصل (1): فيما نذكره من الرّواية بأنّ شهر ذي القعدة محلّ لإجابة الدّعاء عند الشدّة

فصل (1): فيما نذكره من الرّواية بأنّ شهر ذي القعدة محلّ لإجابة الدّعاء عند الشدّة

رأيت كتاب بالمدرسة المستنصريّة تأليف أبي جعفر محمد بن حبيب ، تاريخ كتابته ما هذا لفظه : وكتب عمر بن ثابت في شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ، انّ عياض بن خويلد الهذلي قال :

كان بنو ضيعا رهطا حرمة ، وكنت جارا لهم ، فكانوا يظلمونني ويؤذونني ، فأمهلتهم حتّى دخل الشهر الحرام ، وهو ذو القعدة ، وكان النّاس لا يدعو بعضهم على بعض الاّ فيه ، فقمت قائما فبهلتهم ، (1) فقلت : يا ربّ أدعوك دعاء جاهدا أقتل بني الضّيعاء الاّ واحدا ، ثم اضرب الرّجل فدعه قاعدا أعمى إذا قيد - يعني القائد - فاصطلموا (2) وبقي هذا ، ففعل به ما ترى ، وكان المدعو عليه زمنا.

قلت أنا : ورأيت هذه الحكاية برواية دستور المذكّرين انّها كانت في شهر رجب.

فصل : ورأيت في كتاب محمّد بن الحبيب المذكور ، عند ذكر من استجيبت دعوته في

ص: 17


1- البهل: اللعن.
2- اصطلم : استأصل.

الجاهليّة ، ما رواه عن أبي عبد اللّه بن الأعرابي :

انّ عبد اللّه بن حلاوة السعدي نزل يبني العنبر بن عمر بن تميم ، وله مال من إبل وغنم ، فأكلوه واستطالوا عليه بعددهم ، فأمهلهم حتّى دخل الشّهر الحرام ، ثم رفع يديه فقال :

يا ربّ انّ كان بنو عنبر آل السلب ، منهم مقصورة ، قد أصبحوا كأنّهم قارورة (1) ، من غنم ونعم كثيرة ، ومن شابّ حسن صورة ، ثمّ عدوا الحلقة مقصورة ، ليس لها من إثمها صادورة ، ففجروا بي فجرة مذكورة ، فأصبب عليهم سنة قاسورة (2) ، تختلق (3) المال اختلاق النّورة ، فيقال - واللّه اعلم - انّ أموالهم اجتيحت (4) فلم يبق عليهم منها شيء.

فصل (2): فيما نذكره من ابتداء فوائد ذي القعدة

أقول : فمن ابتداء فوائده الاهتمام بمشاهدة هلاله ، لأجل ما يأتي ذكره فيه من مواقيت ، لإطلاق مكارم اللّه جل جلاله وإقباله ، وما يدعى به عند مشاهدة الهلال الموصوف.

ولم أجد إلى الآن تعيين دعاء لذلك المقام المعروف ، فيقول ان شاء ما نذكره على سبيل الإنشاء ، ما يطلقه على قلمنا مالك الأشياء :

اللّهُمَّ إِنَّ هذا شَهْرُ ذِي الْقَعْدَةِ ، مِنَ الْأَشْهُرِ الَّتِي امَرْتَ بِتَعْظِيمِها ، وَجَعَلْتَ فِيها مِنْ أَسْرارِ الْعِباداتِ ما شَهِدَ بِتَكْرِيمِها ، وَقَدْ شَرَّفْتَنا بِانْ جَعَلْتَ لَنا طَرِيقاً الى مُشاهَدَةِ هِلالِهِ وَمَعْرِفَةِ حَقِّ إِقْبالِهِ ، وَلَمْ تَحْجُبْهُ عَنَّا بِالْغُيُومِ وَحَوادِثِ السَّماءِ ، وَلا حَجَبْتَنا عَنْهُ بِما يَمْنَعُ أَبْصارَنا مِنَ الضِّياءِ.

ص: 18


1- قرّت عينه : بردت سرورا.
2- قسره على الأمر : قهره وأكرهه عليه.
3- خلق الثوب : بلى.
4- احتجبت ( خ ل ) ، أقول : الجوح : الإهلاك والاستئصال كالاجاحة والاجتياح - القاموس.

فَاسْأَلُكَ انْ تُتِمَّ مَا ابْتَدَأْتَ مِنَ النِّعَمِ الْباطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ ، بِانْ تَجْعَلَنا مِنَ الظَّافِرِينَ فِيهِ بِسَعادَةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَكُنْ بِرَحْمَتِكَ الْمُسَيِّرَ لَنا فِي تَقَلُّباتِهِ وَلَحَظاتِهِ بِكَمالِ حَظِّنا مِنْ خَيْراتِهِ وَبَرَكاتِهِ.

وَاحْفَظْنا مِنْ آفاتِهِ وَمَخافَتِهِ ، حَتّى نَكُونَ مِنْ اسْعَدِ مَنْ نَظَرَ الى هِلالِهِ وَبَلَّغْتَهُ مِنْهُ غايَةَ آمالِهِ ، وَابْدَأْ بِكُلِّ مَنْ يُرْضِيكَ الْبَدْأَةَ بِذِكْرِهِ فِي الْمُناجاةِ مِنْ اهْلِ النَّجاةِ ، وَاشْرِكْ مَعَنا اهْلَ الْمُصافاةِ وَالْمُوالاةِ ، وَأَرِنا آياتِ الإِجاباتِ وَالْقَبُولِ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُولِ وَالْمَسْؤُولِ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

فصل (3): فيما نذكره في كيفية الدّخول في هذا الشهر

فأمّا كيفيّة الدّخول في شهر ذي القعدة المعظم في الإسلام ، فعلى نحو ما أشرنا إليه من دخول كلّ شهر حرام ، ونزيد في هذا الشهر على التعيين انّه الشّهر الذي دحاه (1) اللّه فيه الأرض وهيّأها للعالمين - على ما سيأتي شرحه على التفصيل - فكأنّه مطيّة قد اهتديت إليك لتوصلك إلى المسكن الجليل والموطن الجميل ، وما يتّصل به من العطاء الجزيل.

فاشكر واهب تلك المطيّة واعرف حقّه وحقّها وما تظفر به من الامنيّة ، فإنّك ترى العقول السّليمة دالّة على تعظيم المطايا إذا وصلت إلى شرف العطايا ، كما قيل :

وإذا المطيّ بنا بلغن محمدا *** فلها علينا حرمة وذمام

بلّغتنا من خير من وطي الحصا *** وظهورهنّ على الرّجال حرام

وليكن حفظك لحرمة هذا الشّهر بالقلب والعقل وحفظ الجوارح ، لتدرك ما فيه من الفضل الرّاجح ، ان شاء اللّه تعالى.

أقول : وقد ذكرنا انّه شهر موصوف بإجابة الدعوات ، فاغتنم أوقاته وصم فيه صيام الحاجات ، وابدأ بالحوائج المهمات على الترتيب الذي يكون أهم عند من تعرض

ص: 19


1- دحى الأرض : بسطها.

الحوائج عليه ، فيوشك ان يظفر بما تقصد إليه ، ان شاء اللّه تعالى.

فصل (4): فيما نذكره ممّا يعمل في يوم الأحد من الشّهر المذكور وما فيه من الفضل المذخور

وجدنا ذلك بخطّ الشيخ علي بن يحيى الخيّاط رحمه اللّه وغيره في كتب أصحابنا الإماميّة ، وقد روينا عنه كلّما رواه ، وخطّه عندنا بذلك في إجازة تاريخها شهر ربيع الأوّل سنة تسع وستّمائة ، فقال ما هذا لفظه : روى أحمد بن عبد اللّه ، عن منصور بن عبد الحميد ، عن أبي أمامة ، عن انس بن مالك قال : خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم الأحد في شهر ذي القعدة فقال : يا أيّها النّاس من كان منكم يريد التّوبة؟ قلنا : كلّنا نريد التوبة يا رسول اللّه ، فقال عليه السلام : اغتسلوا وتوضّئوا وصلّوا اربع ركعات واقرءوا في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات والمعوّذتين مرة ، ثمّ استغفروا سبعين مرّة ، ثمّ اختموا بلا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم ، ثم قولوا :

يا عَزِيزُ يا غَفَّارُ ، اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَذُنُوبَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ الاَّ انْتَ.

ثم قال عليه السلام : ما من عبد من أمّتي فعل هذا الاّ نودي من السّماء : يا عبد اللّه استأنف العمل فإنّك مقبول التّوبة مغفور الذنب ، وينادي ملك من تحت العرض : أيّها العبد بورك عليك وعلى أهلك وذريتك ، وينادي مناد آخر : أيّها العبد ترضى خصماؤك يوم القيامة ، وينادي ملك آخر : أيّها العبد تموت على الايمان ولا يسلب منك الدّين ويفسح في قبرك وينوّر فيه ، وينادي مناد آخر : أيّها العبد يرضى أبواك وان كانا ساخطين ، وغفر لأبويك ذلك ولذرّيتك وأنت في سعة من الرّزق في الدنيا والآخرة ، وينادي جبرئيل عليه السلام : انا الّذي آتيك مع ملك الموت ان يرفق بك ولا يخدشك اثر الموت ، انّما تخرج الروح من جسدك سلا.

قلنا : يا رسول اللّه لو انّ عبدا يقول في غير الشهر؟ فقال عليه السلام : مثل

ص: 20

ما وصفت ، وانّما علّمني جبرئيل عليه السلام هذه الكلمات أيام أسري بي (1).

فصل (5): فيما نذكره من فضل صوم ثلاثة أيّام من الشّهر الحرام

روينا ذلك بإسنادنا إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان اللّه عليه من كتابه حدائق الرياض وزهرة المرتاض ونور المسترشد ، وعندنا الآن به نسخة عتيقة لعلّها كتبت في زمانه ، فقال ما هذا لفظه :

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : من صام من شهر حرام ثلاثة أيّام : الخميس والجمعة والسّبت ، كتب اللّه له عبادة سنة :

ورأيت في كتاب دستور المذكورين عن النبي صلى اللّه عليه وآله : من صام هذه الثلاثة أيّام كتب اللّه تبارك وتعالى له عبادة تسعمائة سنة ، صيام نهارها وقيام ليلها.

أقول : فإن قلت : فلأيّ حال جعلت هذا الحديث في شهر ذي القعدة من دون أشهر الحرم؟ قلت : لأنّه أوّل ما اشتمل عليه كتابنا هذا منها ، فأردنا أن يغتنم الإنسان أوّل وقت الإمكان قبل حوائل الأزمان ، لأنّ الاستظهار والاحتياط للمبادرة إلى العبادات والطاعات قبل الفوات من دلائل العنايات.

على انّ إيرادنا هذا الحديث في هذا الشّهر لا يمنع ان يعمل عليه في باقي أشهر الحرم ، فانّ عموم هذا اللفظ المشار إليه يشتمل على كلّ شهر من أشهر الحرم ، فإذا عمله في كلّ شهر منها كان أفضل وأكمل فيما يعتمد عليه.

ولا تقل : كيف عدل عن صوم يوم الأربعاء في أوّلها إلى صوم يوم السبت في آخرها ، فإنّ أسرار العبادات لا يعلمها جميعها الاّ المطلع على الغائبات ، وإليه جل جلاله الاختيار فيما تعبّد به من العبادات.

ولعلّ ان احتمل ان يكون المراد بذلك ، انّه لمّا كان الصوم المذكور لهذه الأيام

ص: 21


1- عنه المستدرك 6 : 396.

الثّلاثة في هذه الأشهر المباركات ، فأراد اللّه تعالى ان يكون افتتاح صوم هذه الأيّام مباركا ، وهو الخميس ، وختمها بيوم مبارك ، وهو السبت ، لقول النبي صلى اللّه عليه وآله : بورك لأمّتي في سبتها وخميسها ، تعظيما لهذا الصوم حيث وقع في الأشهر الحرم المعظّمة المباركة المكرّمة.

أو لعلّه يحتمل ان يكون يوم الأحد من هذا الشهر معظّما كما قدّمناه ، وهو يوم ابتداء خلق الدنيا ، فيراد ان يكون مع يوم الفراغ من خلقها وتمامها ، وهو يوم السبت ، معظّما ، وشكرا لله في ابتدائها وفراغها.

فصل (6): فيما نذكره من فضل ليلة النّصف من ذي القعدة والعمل فيها

اعلم رحمك اللّه انّ كل وقت اختاره اللّه جل جلاله لدعوة عبادة إلى حبّه وقربه وإسعاده وإنجاده وإرفاده ، فانّ ذلك من أوقات إقبال العبد وأعياده ، حيث ارتضاه اللّه جل جلاله للوفود بشريف بابه ، وشرّفه بما لم يكن في حسابه.

ونحن ذاكرون في هذا الفصل ما لم نذكره ممّا يتكرّر في السّنة مرّة واحدة ، كما يفتحه اللّه جلّ جلاله علينا من الفائدة ، ووجدناه ممّا تخيّرناه في ذلك وأردناه ما رأيناه في كتاب أدب الوزراء تأليف أحمد بن جعفر بن شاذان في باب شهور العرب :

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وآله انّ في ذي القعدة ليلة مباركة ، وهي ليلة خمس عشرة ، ينظر اللّه إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة ، أجر العامل فيها بطاعة اللّه أجر مائة سائح لم يعص اللّه طرفة عين ، فإذا كان نصف اللّيل فخذ في العمل بطاعة اللّه والصّلاة وطلب الحوائج ، فقد روي انّه لا يبقى أحد سأل اللّه فيها حاجة الاّ أعطاه.

أقول : فاغتنم نداء اللّه جلّ جلاله لك إلى مجلس سعادتك وتشريفك بمجالستك ومشافهتك ومحلّ قضاء حاجتك ، وأفكّر لو كانت هذه المناداة من سلطان زمانك كيف تكون نشيطا إلى الحضور بين يديه بغاية إمكانك ، ولا يكن اللّه جلّ جلاله عندك دون هذه الحال ، والّذي قد عرضه اللّه جلّ جلاله عليك هو للدّنيا ولدار الدوام

ص: 22

والإقبال ، والّذي يدعوك إليه سلطان بلدك مكدّر بالمنّة والذلة ، ويئول إلى الفناء والزوال.

فصل (7): فيما يتعلّق بدحو الأرض وإنشاء أصل البلاد وابتداء مساكن العباد

اعلم انّ هذه الرحمة من سلطان الدنيا والمعاد يعجز عن شرح فضلها بالقلم والمداد ، وها نحن نذكر ما نختاره (1) من الرواية بذلك ، ثم نذكر ما يحضرنا في فضل ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة وشرف محلّها.

فصل (8): فيما نذكره ممّا يعمل يوم خمس وعشرين من ذي القعدة

روينا ذلك بإسنادنا إلى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّه بإسناده في كتاب الكافي إلى محمد بن عبد اللّه الصّيقل قال :

خرج علينا أبو الحسن - يعني الرضا - عليه السلام بمرو في يوم خمس وعشرين من ذي القعدة ، فقال : صوموا فإني أصبحت صائما ، قلنا : جعلت فداك أيّ يوم هو؟ قال : يوم نشرت فيه الرحمة ودحيت فيه الأرض ونصبت فيه الكعبة وهبط فيه آدم عليه السلام (2).

فصل (9): فيما نذكره من رواية أخرى بتعيين وقت نزول الكعبة من السّماء

روينا ذلك بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن بابويه رحمه اللّه بإسناده من

ص: 23


1- يوجد هنا في بعض النسخ هذه الزيادة : ورأيت في بعض تصانيف أصحابنا العجم رضوان اللّه عليهم انه يستحبّ ان يزار مولانا الرضا عليه السلام يوم ثالث وعشرين من ذي القعدة من قرب أو بعد ببعض زياراته المعروفة أو بما يكون كالزيارة.
2- رواه الكليني في الكافي 4 : 149 ، والشيخ في التهذيب 4 : 304 ، عنهما الوسائل 10 : 450.

كتاب من لا يحضره الفقيه ، وقد ضمن في خطبة كتابه صحّة ما يرويه فيه وانّه رواه من الأصول المنقولة عن الأئمة صلوات اللّه عليهم ، فقال ما هذا لفظه :

وروي ان في تسع وعشرين من ذي القعدة أنزل اللّه عز وجل الكعبة ، وهي أوّل رحمة نزلت ، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة سبعين سنة (1).

فصل (10): فيما نذكره من زيادة رواية في فضل يوم دحو الأرض

روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه ، ومن كتاب ثواب الأعمال فقال :

روى الحسن بن الوشاء قال : كنت مع أبي وانا غلام ، فتعشّينا عند الرضا عليه السلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ، فقال له : ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيه إبراهيم عليه السلام ، وولد فيها عيسى بن مريم ، وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة ، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستّين شهرا (2).

وفي روايته من كتاب ثواب الأعمال الّذي نسخته عندنا الآن : انّ فيه يقوم القائم عليه السلام (3).

فصل (11): فيما نذكره من التنبيه على فضل اللّه جل جلاله بدحو الأرض وبسطها لعباده ، والإشارة إلى بعض معاني إرفاده بذلك وإسعاده

اعلم انّ كلّ حيوان فإنّه مضطرّ إلى مسكن يسكن فيه ويتحصّن به ممّا يؤذيه ، فمن أعظم المنن الجسام إنشاء الأرض للأنام ، ومن أسرار ما في ذلك من الأنام ، انّ اللّه جلّ

ص: 24


1- الفقيه 2 : 90 ، عنه الوسائل 10 : 452 ، أورده الصدوق في المقنع : 65 ، عنه المستدرك 7 : 520.
2- الفقيه 2 : 89 ، ثواب الأعمال : 104 ، عنهما الوسائل 10 : 449.
3- لا يوجد هذه الزيادة في ثواب الأعمال المطبوع.

جلاله لم يجعل بناء الأرض وتدبير إنشائها إلى ملائكته ولا غيرهم من خاصّته ، وتولاّها بيد قدرته ورحمته ، وملأها من كنوز حلمه وعفوه ورأفته.

فاذكر أيّها الإنسان المتشرّف بنور الألباب ، المعترف بالإقرار بربّ الأرباب ، انّه لو كنت في دار الفناء فقيرا يتعذّر عليك تحصيل مسكن للبقاء ، يتحصّن فيه من حرّ الصّيف وبرد الشّتاء وما معك ثمن ولا أجرة العمارة للبناء.

فرحمك سلطان ذلك الزّمان ، وبني لك مسكنا بيده وملأه ممّا يحتاج إليه من الإحسان ، وما أتعب لك فيه قلبا ولا جسدا ولا قدما ولا يدا ولا أهلا ولا ولدا ، بل عمّره ، وأنت ما عرفت ذلك السّلطان ولا خدمته ، ثمّ دعاك لتسكن فيما عمّره بيده لك ، فسكنته ووجدته قد ملأه من ذخائر العناية بك.

فكيف كان يكون محبّتك لذلك السّلطان العظيم ، ومراقبتك لحقّه الجسيم ، واعترافك بإحسانه العميم ، فليكن اللّه جلّ جلاله عندك على أقلّ المراتب ، مثل ذلك السّلطان المملوك لربّك جلّ جلاله ، الّذي هو أصل المواهب.

أقول : وليكن كلّ يوم يأتي فيه وقت إنشاء المسكن الجديد كيوم العيد ، معترفا لمولاك المجيد بحقّه الشّامل للعبيد ، وكن مشغولا رحمك اللّه ذلك اليوم وغيره بالشكر له جل جلاله والتحميد والتمجيد.

وإيّاك وان يمرّ عليك مثل هذا اليوم وأنت متهاون بقدره ومتغافل عن مولاك وعظيم شأنه ومتثاقل عن واجب شكره ، فسقط من عين عنايته وتهون ، وتدخل تحت ذلّ ذمّه جل جلاله لك في قوله : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ ) (1).

وتذكر رحمك اللّه انّك لو احتجت إلى فراش في دارك وبساط تجلس عليه لمسارّك ، ففرش لك ذلك الفراش وذلك البساط بيدك ، كيف تكون في المراقبة والمحبّة والخدمة له بنفسك ومالك ولسانك وأهلك وولدك ، فلا يكن اللّه جلّ جلاله عندك دون هذه الحال ، وقد بسط لك الأرض فراشا وجعل لك فيها معاشا.

ص: 25


1- يوسف : 105.

وتذكر رحمك اللّه جلّ جلاله منّته عليك وإحسانه إليك ، كيف انزل الكعبة الشّريفة ، وجعلها بابا إليه ، ومحلاّ لفتح أبواب عفوه ورحمته عند الجرأة عليه ، واسترضاك ، وأنت ملطّخ بأنجاس الذّنوب وأدناس العيوب ان تزوره إليها ، وان تكون قبلة لك إذا أردت التوجّه إليه توجّهت إليها.

وارحم ضعف قلبك وكبدك ، ورقّة نفسك وجسدك ، فلا تعرّضها لخطر ان يكون مولاك ومالك دنياك وأخراك مقبلا عليك يدعوك إليه ، وأنت معرض عنه متمرّد عليه.

ويحك من أين يأتيك وجودك إذا ضيّعته ، ومن أين يأتيك بقاؤك إذا أهملته ومن أين يأتيك حياتك إذا أعرضت عنه ، ومن أين يأتيك عافيتك إذا هربت منه ، ومن يحميك من بأسه الشّديد ، ومن يدفع عنك غضبه إذا غضب من قريب أو بعيد ، ومن ترجوه لنوائبك ومصائبك وأسقامك وبلوغ مرامك إذا خرجت من حماه وهجرته وآثرت عليه ما لا بقاء له لولاه.

عد ويحك إلى الطواف حول كعبة كرمه ، وطف بالذلّ على أبواب حلمه ورحمته وسالف نعمه ، وأجر على الخدود دموع الخشوع ، وجد بماء الجفون قبل نفاد ماء الدّموع ، وابك على قدرك لحبّه وقربه ، واندب على ما فرّطت فيه ندب العارف بعظيم ذنبه ، العاجز عن تفريج كربه ، فإنّك تجده جلّ جلاله بك رحيما ، وعنك حليما ، وعليك عطوفا ، وباحتمال سفهك رءوفا.

فلمن تدخر الذلّ أحقّ به منه ، ولمن تصون الدّمع إذا حبسته عنه ، واذكرني باللّه عند تلك السّاعة فيما تناجيه جلّ جلاله من الدّعاء والضراعة.

فصل (12): فيما نذكره من فضل زائد لليلة يوم دحو الأرض ويومها

وهو نقلناه من خطّ علي بن يحيى الخيّاط ، وقد ذكرنا انّه من جملة من رويناه عنه بإسناد ذكره عن عبد الرحمن السلمي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّه

ص: 26

عليه يقول :

انّ أوّل رحمة نزلت من السّماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة ، فمن صام ذلك اليوم وقام تلك اللّيلة فله عبادة مائة سنة ، صام نهارها وقام ليلها ، وأيّما جماعة اجتمعت ذلك اليوم في ذكر ربّهم عزّ وجلّ لم يتفرّقوا حتّى يعطوا سؤلهم ، وينزّل في ذلك اليوم ألف ألف رحمة يضع منها تسعة وتسعين في حلق الذّاكرين ، والصائمين في ذلك اليوم ، والقائمين في تلك الليلة (1).

قال : وفي حديث آخر عن عبد اللّه بن مسعود قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - في خلال حديث - : وانزل اللّه الرحمة لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، فمن صام ذلك اليوم كان له كصوم سبعين سنة (2).

قال : وفي رواية : في خمس وعشرين ليلة من ذي القعدة أنزلت الرحمة من السماء ، وانزل تعظيم الكعبة على آدم عليه السلام ، فمن صام ذلك اليوم استغفر له كل شيء بين السماء والأرض (3).

فصل (13): فيما نذكره من الدعاء في يوم خمس وعشرين من ذي القعدة

رويناه بطرق متعدّدة ، منها عن جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي فيما ذكره في المصباح الكبير ، فقال قدس اللّه جل جلاله روحه ونوّر ضريحه ما هذا لفظه :

ذو القعدة ، يوم الخامس والعشرين منه دحيت الأرض من تحت الكعبة ، ويستحب صوم هذا اليوم ، وروي انّ صومه يعدل صوم ستّين شهرا ، ويستحبّ ان يدعى في هذا اليوم بهذا الدّعاء :

ص: 27


1- عنه صدره الوسائل 10 : 451.
2- عنه الوسائل 10 : 451.
3- عنه الوسائل 10 : 451.

اللّهُمَّ داحِيَ الْكَعْبَةِ وَفالِقَ الْحَبَّةِ وَصارِفَ اللَّزِبَةِ (1) وَكاشِفَ الْكُرْبَةِ ، اسْأَلُكَ فِي هذا الْيَوْمِ ، مِنْ أَيّامِكَ الَّتِي اعْظَمْتَ حَقَّها ، وَقَدَّمْتَ سَبْقَها ، وَجَعَلْتَها عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ وَدِيعَةً ، وَالَيْكَ ذَرِيعَةً ، وَبِرَحْمَتِكَ الْوَسِيعَةِ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ ، الْمُنْتَجَبِ فِي الْمِيثاقِ ، الْقَرِيبِ يَوْمَ التَّلاقِ ، فاتِقِ كُلِّ رَتْقٍ ، وَداعٍ الى كُلِّ حَقٍّ ، وَعَلى اهْلِ بَيْتِهِ الأَطْهارِ الْهُداةِ الْمَنارِ ، دَعائِمِ الْجَبَّارِ ، وَوُلاةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

وَأَعْطِنا فِي يَوْمِنا هذا مِنْ عَطائِكَ الْمَخْزُونِ ، غَيْرِ مَقْطُوعٍ وَلا مَمْنُونٍ ، تَجْمَعْ لَنا التَّوْبَةَ وَحُسْنَ الاوْبَةِ ، يا خَيْرَ مَدْعُوٍّ وَاكْرَمَ مَرْجُوٍّ ، يا كَفِيُّ يا وَفِيُّ ، يا مَنْ لُطْفُهُ خَفِيٌّ ، الْطُفْ لِي بِلُطْفِكَ ، وَاسْعِدْنِي بِعَفْوِكَ ، وَايِّدْنِي بِنَصْرِكَ ، وَلا تُنْسِنِي كَرِيمَ ذِكْرِكَ ، بِوُلاةِ امْرِكَ وَحَفَظَةِ سِرِّكَ ، وَاحْفَظْنِي مِنْ شَوائِبِ الدَّهْرِ الى يَوْمِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ، وَاشْهِدْنِي أَوْلِيائَكَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِي وَحُلُولِ رَمْسِي (2) وَانْقِطاعِ عَمَلِي وَانْقِضاءِ اجَلِي.

اللّهُمَّ وَاذْكُرْنِي عَلى طُولِ الْبِلى إِذا حَلَلْتُ بَيْنَ أَطْباقِ الثَّرى ، وَنَسِيَنِي النَّاسُونَ مِنَ الْوَرى ، وَاحْلِلْنِي دارَ الْمُقامَةِ ، وَبَوِّئْنِي مَنْزِلَ الْكَرامَةِ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ مُرافِقِي أَوْلِيائِكَ وَاهْلِ اجْتِبائِكَ وَأَصْفِيائِكَ ، وَبارِكْ لِي فِي لِقائِكَ ، وَارْزُقْنِي حُسْنَ الْعَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَلِّ ، بَرِيئاً مِنَ الزَّلَلِ وَسُوءِ الْخَطَلِ.

اللّهُمَّ وَاوْرِدْنِي حَوْضَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَاهْلِ بَيْتِهِ ، وَاسْقِنِي مَشْرَباً رَوِيّاً سائِغاً هَنِيئاً لا اظْمَأُ بَعْدَهُ وَلا أُحَلَّأُ وِرْدَهُ وَلا عَنْهُ أُذادُ (3) ، وَاجْعَلْهُ لِي خَيْرَ زادٍ وَأَوْفى مِيعادٍ يَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ.

اللّهُمَّ وَالْعَنْ جَبابِرَةَ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِحُقُوقِ أَوْلِيائِكَ الْمُسْتَأْثِرِينَ.

اللّهُمَّ وَاقْصِمْ دَعائِمَهُمْ ، وَاهْلِكْ أَشْياعَهُمْ وَعامِلَهُمْ ، وَعَجِّلْ مَهالِكَهُمْ ،

ص: 28


1- اللزبة : الشدة ، القحط.
2- الرمس : القبر.
3- ذاده : منعه.

وَاسْلُبْهُمْ مَمالِكَهُمْ ، وَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ مَسالِكَهُمْ ، وَالْعَنْ مُساهِمَهُمْ وَمَشارِكَهُمْ.

اللّهُمَّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ ، وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ ، وَاظْهِرْ بِالْحَقِّ قائِمَهُمْ ، وَاجْعَلْهُ لِدِينِكَ مُنْتَصِراً ، وَبِأَمْرِكَ فِي أَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً ، اللّهُمَّ احْفُفْهُ (1) بِمَلائِكَةِ النَّصْرِ وَبِما الْقَيْتَ إِلَيْهِ مِنَ الامْرِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُنْتَقِماً لَكَ حَتّى تَرْضَى ، وَيَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ جَدِيداً غَضّاً ، وَيُمَحِّصَ الْحَقَّ مَحْصاً ، وَيَرْفَضَ الْباطِلَ رَفْضاً.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى جَمِيعِ آبائِهِ ، وَاجْعَلْنا مِنْ صَحْبِهِ وَاسْرَتِهِ ، وَابْعَثْنا فِي كَرَّتِهِ حَتّى نَكُونَ فِي زَمانِهِ مِنْ أَعْوانِهِ ، اللّهُمَّ ادْرِكْ بِنا قِيامَهُ ، وَاشْهِدْنا أَيَّامَهُ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ السَّلامُ ، وَارْدُدْ إِلَيْنا سَلامَهُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ (2).

هذا آخر الدعاء وادع أنت بما يجريه اللّه على خاطرك قبل انقضاء دار الفناء.

فصل (14): فيما نذكره ممّا ينبغي ان يكون المكلّف عليه في اليوم المشار إليه

اعلم ان من مهمّات أهل السّعادات عند تجديد النعم الباهرات ، ان يكونوا مشغولين بالشّكر لواهب تلك العنايات ، وخاصّة ان كان العبد ما هو في حالاته موافقا لمولاه في إرادته وكراهاته ، بل يكره سيّده شيئا فيخالفه في كراهته ويحبّ سيده شيئا فيخالفه في محبّته ، ويعامل أصدقائه ومعارفه بالصّفاء والوفاء أكثر ممّا يعامل بذلك مالك الأشياء ، ومن بيده تدبير دار الفناء ودار البقاء وإليه ورود ركائب الآمال والرجاء.

فليكن متعجّبا كيف علم اللّه جلّ جلاله انّ هذا العبد يكون إذا خلقه على هذه الصفات من المخالفات له والمعارضات ، ومع ذلك فبنا له المساكن ، وخلق له فيها ما يحتاج إليه إلى الممات ولم يؤاخذه ولم يعاجله بالجنايات ، وعامله معاملة أهل الطاعات.

ص: 29


1- حفّة : احدقوا واستداروا به.
2- مصباح المتهجّد : 669.

ويحسن ان يكون على الإنسان ان كان مطيعا لربّه أثر ما وهبه من المسكن وأعطاه فيه من الإحسان ، كما لو اشترى دارا يحتاج إليه ، أو وهبه سلطان مساكن كان مضطرّا إليها ، أو كما لو بني هو دارا بالتّعب والعناء ومقاساة الذرجارية (1) والبنّاء ، أو يكون مسرورا على أقلّ الصّفات ، كما لو حصل له دار عارية أو بإجارة هو محتاج إليها في تلك الأوقات.

فاما ان خلّى قلبه بالكليّة من معرفة هذه النعم الإلهيّة ، فكأنّه كالميّت الّذي لا يحسن بما فيه ، أو كالأعمى الّذي لا ينظر إلى المواهب الّتي فضله ممّن يراعيه ، أو كالأصمّ الّذي لا يسمع من يناديه ، وليبك على فقدان فوائد قلبه وعقله ويتوب.

فصل (15): فيما نذكره ممّا يختم به ذلك اليوم

اعلم انّ كلّ يوم سعيد وفصل جديد ينبغي ان يكون خاتمته على العبيد ، كما لو بسط ملك لعباده بساط ضيافة يليق بإرفاده وقدم إليهم موائد إسعاده ، ثمّ جلسوا على فراش إكرامه ، فأكلوا ما احتاجوا إليه من طعامه ، وقاموا عن البساط ليطوي إلى سنة أخرى.

فلا يليق بعبد يعرف قدر تلك النّعمة الكبرى الاّ ان يراه سلطانه لانعامه شاكرا ولإكرامه ذاكرا ، ولفضائل مقامه ناشرا ، على أفضل العبوديّة للجلالة الإلهيّة ، ويجعل آخر ذلك النهار كلّ الملاطفة للمطّلع على الأسرار ، أن يقبل منه ما عمله ، ويبلغه من مراحمه ومكارم أمله ، ويطيع في طاعته أجله.

فإنه يوشك إذا اجتهد العبد في لزوم الأدب لكلّ يوم سعيد ان يؤهّله اللّه تعالى للمزيد : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ. ) (2)

ص: 30


1- الذرجارية ( خ ل ) ، والمراد به العمالة.
2- إبراهيم : 7.

الباب الثالث: فيما يختصّ بفوائد من شهر ذي الحجّة وموائد للسالكين صوب المحجّة

اشارة

وفيه فصول

فصل (1): فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله ، وما ننشئه من دعاء ذلك وابتهاله

فصل (1): فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله ، وما ننشئه من دعاء ذلك وابتهاله

لانّ فيه الفضل الذي يختصّ بالعشر الأوّل منه ، وما يختصّ بالحجّ الّذي لا ينبغي الغفول عنه ، وما يختصّ بيوم الغدير ، وما يختصّ بيوم المباهلة العظيم الكبير ، وما سوف نشرحه في أوقاته ، فتنظّر هلاله من لوازم العارف ومهمّاته ، ولم أجد له دعاء يختصّ بالنظر إليه ، فأنشأنا لذلك ما دلّنا اللّه عزّ وجلّ جلاله عليه ، فنقول :

اللّهُمَّ انَّ هذا هِلالٌ عَظَّمْتَ شَهْرَهُ ، وَشَرَّفْتَ قَدْرَهُ ، وَاعْلَنْتَ ذِكْرَهُ ، وَاعْلَيْتَ امْرَهُ ، وَمَدَحْتَ عَشْرَهُ ، وَجَعَلْتَ فِيهِ تَأْدِيَةَ الْمَناسِكِ ، وَسَعادَةَ الْعابِدِ وَالنّاسِكِ.

وَكَمَّلْتَ فِيهِ كَشْفَ الْوِلايَةِ الْمُهِمَّةِ عَلَى الأُمَّةِ وَزَوالَ الْغُمَّةِ ، بِما جَرى فِي الْغَدِيرِ ثامِنَ عَشْرِهِ ، وَإِظْهارِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ لِسِرِّهِ حَتّى صارَ لِلدِّينِ كَمالاً وَتَماماً ، وَلِلِاسْلامِ عَقْداً وَعَهْداً وَنِظاماً ، فَقُلْتَ جَلَّ جَلالُكَ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (1).

ص: 31


1- المائدة: 3.

وَخَصَصْتَ هذَا الشَّهْرَ بِيَوْمِ الْمُباهِلَةِ ، الَّذِي اظْهَرْتَ حُجَّةَ الإِيمانِ عَلَى الْكُفْرِ إِظْهاراً مُبِيناً ، وَوَهَبْتَ لِلَّذِينَ باهَلْتَ بِهِمْ مَقاماً مَكِيناً.

وَاوْدَعْتَ فِي هذا الشَّهْرِ مِنَ الأَسْرارِ وَالْمَبارِّ ما يَأْتِي ذِكْرُ بَعْضِهِ بِصَحِيحِ الأَخْبارِ وَصَرِيحِ الاعْتِبارِ ، وَجَعَلْتَهُ تَسْلِيَةً عَمّا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ شَهْرِ الامْتِحانِ ، فَبَدَأْتَ بالإِحْسانِ وَالامْتِنانِ قَبْلَ التَّشْرِيفِ بِالرِّضا بِالْبَلْوى الزَّائِدَةِ فِي جِهادِ اهْلِ الْعُدْوانِ.

اللّهُمَّ فَكَما عَرَّفْتَنا بِشَرَفِ هذِهِ الْعَوائِدِ وَدَعَوْتَنا الَى الضِّيافَةِ الى مُقَدَّسِ تِلْكَ الْمَوائِدِ ، فَطَهِّرْنا تَطْهِيراً نَصْلَحُ بِهِ لِمُوافَقَةِ اهْلِ الطَّهارَةِ وَمُرافَقَةِ فَضْلِ الْبِشارَةِ.

وَهَبْ لَنا فِيهِ ما يَعْجُزُ مِنْهُ مَنْطِقُ اهْلِ الْعِبارَةِ ، وَلِيَكُونَ فَوائِدُ رَحْمَتِكَ وَمَوائِدُ ضِيافَتِكَ صافِيَةً مِنَ الأَكْدارِ ، وَمَصُونَةً عَنْ خَطَرِ الْآصارِ (1) ، وَمُناسِبَةً لِابْتِدائِكَ بِالنَّوالِ (2) قَبْلَ السُّؤَالِ.

وَابْدَأْ فِي ذلِكَ بِمَنْ يَسْتَفْتِحُ بِالْبِدايَةِ أَبْوابَ الْفَلاحِ وَالنَّجاحِ ، وَاشْرِكْ مَعَنا مَنْ يُعِيننا امْرُهُ ، وَاجْمَعْ قُلُوبَنا عَلَى الصَّلاحِ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

فصل (2): فيما نذكره في كيفية الدّخول في شهر ذي الحجّة

قد ذكرنا ونذكر من جلالة هذا الشّهر وإقباله وقبوله ما ينبّه على تعظيم دخوله ، وقد قدّمنا في شهر رجب وشوّال وذي القعدة ما هو كالذّخيرة والعدّة ، ونزيد هاهنا بأن نقول :

انّك تدخل في هذا الشهر إلى موائد قوم أطهار وفوائد ديوان مطّلع على الأسرار ، فتطهّر من دنس المعاتبات ونجس المعاقبات ، وتفقّد جوارحك من الأقذار قبل التهجّم

ص: 32


1- الآصار جمع الإصر ، بمعنى الذنب والعقوبة ، وكلاهما يناسب المقام.
2- النّوال : العطاء.

على مساجد الأبرار ، واغسل ما عساك تجده من وسخ في قلبك وحجاب دينك المفرّق بينك وبين ربّك.

فإذا تطهّرت الجوارح من القبائح وخلعت ثياب الفضائح فالبس ثوبا من العمل الصالح مناسبا لثياب من تدخل إليهم وتحضر بين يديهم ، وقدّم قدم السّكينة والوقار ومدّ يد المسألة والاعتبار ، وقف موقف الذلّة والانكسار ، واجلس مجلس السّلامة من الاعتذار ، وكن وقفا مؤبّدا على مرادهم ، وقد ظفرت بما لم يبلغه أملك من إسعادهم وإنجادهم وارفادهم.

واذكرني في ذلك المقام الشريف ، الاّ انّما ضيف الكرام يضيف ، عرّض بذكري عندهم عسا هم ان سمعوك سائلوك عنّي.

فصل (3): فيما نذكره من فضل العشر الأوّل من ذي الحجّة على سبيل الإجمال

اعلم انّ تعيين اللّه جلّ جلاله على أوقات معيّنات تذكر فيها جلّ جلاله ، دون ما لا يجري مجراها من الأوقات ، يقتضي ذلك تعظيمها ومصاحبتها بذكره الشّريف بالعقول والقلوب ، وان لا يخلّيها العبد من أذكار نفسه بأنّها حاضرة بين يدي علاّم الغيوب.

وان يلزمها المراقبة التّامّة في حركاته وسكناته ، ويطهّرها من دنس غفلاته ، حيث قد اختارها اللّه جلّ جلاله لذكره ، وجعلها محلاّ لخزانة سرّه ، وأهلا لتشريفها بتعظيم قدره ، ومنزلا لإطلاق برّه ، ومنهلا (1) للتلذّذ بكأسات شكره.

وهذا عشر ذي الحجّة من جملة تلك الأوقات ، قال اللّه جلّ جلاله : ( وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (2).

فرويت بإسنادي إلى جدّي أبي جعفر الطوسي فيما ذكره في المصباح الكبير وغيره

ص: 33


1- المنهل : المورد ، المشرب ، موضع الشرب.
2- الحج : 28 ، وفيه : « ويذكروا اسم اللّه في أيام معلومات ».

من الروايات عن الصادق صلوات اللّه عليه : « انّ الأيّام المعلومات عشر ذي الحجة. » (1).

أقول : وينبغي ان يكون مع أذكار عقلك وقلبك ونفسك باطّلاع اللّه جلّ جلاله عليك في هذا شهر ذي الحجّة ، الّذي أنعم اللّه جلّ جلاله به عليك ، وجعله رسولا يهدي ما فيه من الفضائل إليك ، على صفات من يتلقّى نعمته جل جلاله بالتعظيم والثناء الجسيم ، ويتلقّى رسوله بالتكريم ، والإقبال على شكر ما أهداه إليك من الفضل العظيم.

وأشغل جميع جوارحك بما يختصّ كلّ منها من العبادات ، حتى تكون ذاكرا لله جل جلاله في ذلك العشر فعلا وقولا في جميع التصرّفات.

فاحسب انّ هذا العشر قد جعله سلطان زمانك وواهب إحسانك وقتا للدّخول إليه والثّناء عليه بين يديه ، أفما كنت تجتهد في تحصيل الألفاظ الفائقة والمعاني الرّائقة الجامعة لأوصاف شكره ونشر برّه ، وتجمع خواطرك كلّها في حضرته على الإخلاص في مراقبته ، ولا تقدر ان تغفل في تلك الحال عنه ، وهو يراك وأنت قريب منه.

فان اللّه جل جلاله أحق بهذا الإقبال عليه والأدب بين يديه وأرجح مطلبا ومكسبا بالتقرّب إليه ، فأين تأخذ عنه يمينا وشمالا ، وتذهب منه تهوينا وضلالا ، لا تغفل فإنّك في قبضته وأنت ميّت وابن أموات ، صنائع نعمته وبقايا رحمته.

فصل (4): فيما نذكره من زيادة فضل لعشر ذي الحجة على بعض التفصيل

وجدنا ذلك في كتاب عمل ذي الحجّة تأليف أبي علي الحسن بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن أشناس البزاز من نسخة عتيقة بخطّه ، تاريخها سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ، وهو من مصنّفي أصحابنا رحمهم اللّه ، بإسناده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه

ص: 34


1- المصباح المتهجد : 671.

وآله انّه قال :

ما من أيّام العمل الصالح فيها أحبّ إلى اللّه عزّ وجل من أيّام العشر - يعني عشر ذي الحجّة - ، قالوا : يا رسول اللّه! ولا الجهاد في سبيل اللّه؟ قال صلى اللّه عليه وآله : ولا الجهاد في سبيل اللّه الاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء.

ومن ذلك بإسناد ابن أشناس البزّاز رحمه اللّه عن النبي صلوات اللّه عليه وآله قال : ما من أيّام أزكى عند اللّه تعالى ولا أعظم أجرا من خير في عشر الأضحى ، قيل : ولا الجهاد في سبيل اللّه؟ قال صلى اللّه عليه وآله : ولا الجهاد في سبيل اللّه الاّ رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشيء.

وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتّى ما يكاد يقدر عليه.

فصل (5): فيما نذكره من فضل صلاة تصلّي كلّ ليلة من عشر ذي الحجّة

ذكرها ابن أشناس في كتابه ، فقال : قال أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن المغيرة الثلاج : سمعت طاهر بن العباس يقول : سمعت محمد بن الفضل الكوفي يقول : سمعت الحسن بن علي الجعفري يحدّث عن أبيه ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام ، قال : قال لي أبي محمد بن علي عليهما السلام :

يا بنيّ لا تتركنّ ان تصلّي كلّ ليلة بين المغرب والعشاء الآخرة من ليالي عشر ذي الحجّة ركعتين ، تقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) مرة واحدة ، وهذه الآية :

( وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (1).

ص: 35


1- الأعراف : 142.

فإذا فعلت ذلك شاركت الحاجّ في ثوابهم وان لم تحجّ (1).

فصل: فيما نذكره من فضل أول يوم من ذي الحجّة

فصل (2): فيما نذكره من فضل أول يوم من ذي الحجّة

رويت بعدّة أسانيد إلى الأئمة عليهم السلام انّ أوّل يوم من عشر ذي الحجّة مولد إبراهيم الخليل عليه السلام (3) ، وهو الذي اختاره جدّي أبو جعفر الطوسي في مصباحه (4) ، مع انّني رويت ان مولده عليه السلام كان في غير ذلك الوقت (5).

ورويت بعدّة أسانيد أيضا إلى أبي جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه ، وإلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، بإسنادهما إلى مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام انّه قال : من صام أوّل يوم من ذي الحجّة كتب اللّه له صوم ثمانين شهرا (6).

وزاد جدي أبو جعفر الطوسي في روايته كما حكيناه عنه وقال : وهو اليوم الذي ولد فيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ، وفيه اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا (7).

وقال رحمه اللّه : في أوّل يوم منه بعث النبي صلى اللّه عليه وآله سورة براءة حين أنزلت عليه مع أبي بكر ثمّ نزل على النبي عليه انّه لا يؤدّيها عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، فأنفذ النبي عليه السلام عليّا عليه السلام حتّى لحق أبا بكر ، فأخذها منه وردّه بالرّوحاء (8) يوم الثالث منه ، ثم أدّاها عنه إلى الناس يوم عرفة ويوم النّحر ، قرأها عليهم في الموسم (9).

ص: 36


1- عنه الوسائل 8 : 183.
2- مصباح المتهجد : 671.
3- الفقيه 2 : 87.
4- مصباح المتهجد : 671.
5- الفقيه 2 : 89 ، وقد مرّ في الرواية الرضوي إن مولده ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة.
6- الفقيه 2 : 87.
7- مصباح المتهجد: 671.
8- الروحاء : من الفرع على نحو أربعين ميلا من المدينة ، وهو الموضع الذي نزل به تبع حين رجع من قتال أهل المدينة يريد مكة ، فأقام بها وأراح ، فسمّاها الروحاء.
9- المصباح : 671 ، عنه البحار 35 : 286.

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلاّمة الفاضل ، رضي الدين ركن الإسلام ، أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه :

وحيث قد ذكرنا آيات براءة ، فينبغي ان نذكر بعض ما رويناه من شرح الحال :

فمن ذلك ما رواه حسن بن أشناس رحمه اللّه ، قال : حدثنا ابن أبي الثلج الكاتب ، قال : حدثنا جعفر بن محمد العلوي ، قال : حدثنا علي بن عبدل الصوفي ، قال : حدثنا طريف مولى محمد بن إسماعيل بن موسى وعبيد اللّه (1) بن يسار ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الهمداني ، وعن جابر ، عن أبي جعفر ، عن محمد بن الحنفيّة ، عن علي عليه السلام : انّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا فتح مكّة أحبّ ان يعذر إليهم وان يدعوهم الى اللّه عزّ وجل أخيرا كما دعاهم أوّلا ، فكتب إليهم كتابا يحذّرهم بأسه وينذرهم عذاب ربّه ، ويعدهم الصفح ويمنّيهم مغفرة ربّهم ، ونسخ لهم أوّل سورة براءة ليقرأ عليهم ، ثم عرض على جميع أصحابه المضيّ إليهم ، فكلّهم يري فيه التثاقل ، فلمّا رأى ذلك منهم ندب (2) إليهم رجلا ليتوجّه به.

فهبط إليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد انّه لا يؤدّي عنك الاّ رجل منك ، فانبأني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بذلك ووجّهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة ، فأتيت مكّة - وأهلها من قد عرفت ليس منهم أحد الاّ ان لو قدر ان يضع على كل جبل مني اربا (3) لفعل ، ولو ان يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله.

فابلغتهم رسالة النبي صلى اللّه عليه وآله وقرأت كتابه عليهم ، وكلّهم يلقاني بالتهديد والوعيد ، ويبدي البغضاء ويظهر لي الشحناء (4) من رجالهم ونسائهم ، فلم يتسنى (5) ذلك

ص: 37


1- في البحار : عبيد.
2- ندب فلانا للأمر أو إلى الأمر : دعاه ورشّحه للقيام به وحثه عليه.
3- الارب : العضو.
4- الشحناء : العداوة امتلأت منها النفس.
5- مأخوذ من التواني كما في قوله تعالى مخاطبا لموسى وهارون عليهما السلام : « ولا تنيا في ذكري ».

حتى نفذت لما وجّهني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (1).

وأقول : وروى الطبري في تاريخه في حوادث سنة ستّ من هجرة النبي صلى اللّه عليه وآله : لمّا أراد النبيّ صلى اللّه عليه وآله القصد لمكّة ومنعه أهلها ، انّ عمر بن الخطاب كان قد أمره النبي صلى اللّه عليه وآله ان يمضي إلى مكّة فلم يفعل واعتذر! فقال الطبري ما هذا لفظه : ثم دعا عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى مكّة فيبلّغ عنه أشراف قريش ما حاله ، فقال : يا رسول اللّه انّي أخاف قريشا على نفسي! (2).

أقول : فانظر حال مولانا علي عليه السلام من حال من تقدّم عليه ، كيف كان يفدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بنفسه في كلّ ما يشير به إليه ، وكيف كان غيره يؤثر عليه نفسه.

ومن ذلك شرح ابسط مما ذكرناه ، رواه حسن بن أشناس رحمه اللّه في كتابه أيضا فقال : وحدّثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا ، قال : حدثنا مالك بن إبراهيم النخعي ، قال : حدثنا حسين بن زيد ، قال : حدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهم السلام قال : لمّا سرّح (3) رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أبا بكر بأوّل سورة براءة إلى أهل مكّة ، أتاه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد انّ اللّه يأمرك ان لا تبعث هذا وان تبعث علي بن أبي طالب ، وانّه لا يؤدّيها عنك غيره ، فأمر النبي صلى اللّه عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام فلحقه وأخذ منه ، وقال : ارجع إلى النبي صلى اللّه عليه وآله ، فقال أبو بكر : هل حدث في شيء؟ فقال علي عليه السلام : سيخبرك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

فرجع أبو بكر إلى النبي صلى اللّه عليه وآله ، فقال : يا رسول اللّه ما كنت ترى أنّي مؤدّ عنك هذه الرسالة؟ فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله : أبى اللّه ان يؤدّيها إلاّ

ص: 38


1- رواه الصدوق مع اختلاف في الخصال 2 : 369 ، عنه البحار 35 : 286.
2- تاريخ الطبري 2 : 278.
3- سرّحه : أرسله.

علي بن أبي طالب ، فأكثر أبو بكر عليه من الكلام ، فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله : كيف تؤدّيها وأنت صاحبي في الغار (1).

قال : فانطلق علي عليه السلام حتى قدم مكّة ثمّ وافى عرفات ، ثمّ رجع إلى جمع ، ثم إلى منى ، ثم ذبح وحلق ، وصعد على الجبل المشرف المعروف بالشعب ، فاذّن ثلاث مرّات : الا تسمعون يا أيّها الناس انّي رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إليكم ، ثم قال :

( بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ ، وَأَذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ - الى قوله - إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

تسع آيات من أوّلها ، ثمّ لمع (2) بسيفه فاسمع الناس وكرّرها ، فقال الناس : من هذا الّذي ينادي في الناس؟ فقالوا : علي بن أبي طالب ، وقال من عرفه من الناس : هذا ابن عمّ محمد ، وما كان ليجترئ على هذا غير عشيرة محمّد.

فأقام أيّام التشريق ثلاثة ينادي بذلك ويقرء على النّاس غدوة وعشيّة ، فناداه الناس من المشركين : أبلغ ابن عمّك ان ليس له عندنا الاّ ضربا بالسيف وطعنا بالرّماح.

ثم انصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى اللّه عليه وآله ويقصد في السير ، وأبطأ الوحي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في أمر علي عليه السلام وما كان منه ، فاغتمّ النبي صلى اللّه عليه وآله لذلك غمّا شديدا رئي ذلك في وجهه ، وكفّ عن النساء من الهمّ والغمّ.

فقال بعضهم لبعض : لعلّ قد نعيت إليه نفسه (3) أو عرض له مرض ، فقالوا لأبي ذر :

ص: 39


1- هذا تعيير لأبي بكر وتشنيع له ، وإيهام بأنّك كنت معي في الغار خائفا فزعا مع استظهارك بي وعدم علم أحد من الناس إلى مكانك ، فكيف تقدر على تبليغ هذه السورة بملإ من الناس يوم الحج الأكبر - كما يأتي في كلام المؤلف.
2- لمع بسيفه : أشار.
3- أي أخبر بوفاته.

قد نعلم منزلتك من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقد ترى ما به ، فنحن نحبّ أن يعلم لنا أمره ، فسأل أبو ذرّ رحمه اللّه النبي صلى اللّه عليه وآله عن ذلك.

فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : ما نعيت إلى نفسي وانّي لميّت ، وما وجدت في أمّتي الاّ خيرا ، وما بي من مرض ولكن من شدّة وجدي لعلي بن أبي طالب وإبطاء الوحي عنّي في امره ، وان اللّه عزّ وجل قد أعطاني في عليّ تسع خصال : ثلاثة لدنياي واثنتان لآخرتي ، واثنتان انا منهما آمن واثنتان أنا منهما خائف.

وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا صلّى الغداة استقبل القبلة بوجهه إلى طلوع الشمس يذكر اللّه عزّ وجلّ ، ويتقدّم علي بن أبي طالب عليه السلام خلف النبي صلى اللّه عليه وآله ويستقبل النّاس بوجهه ، فيستأذنون في حوائجهم ، وبذلك أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

فلمّا توجّه علي عليه السلام إلى ذلك الوجه لم يجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مكان عليّ لأحد ، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا صلّى وسلّم استقبل القبلة بوجهه ، فاذن للناس ، فقام أبو ذر فقال : يا رسول اللّه لي حاجة ، قال : انطلق في حاجتك.

فخرج أبو ذر من المدينة يستقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا كان ببعض الطريق إذا هو براكب مقبل على ناقته ، فإذا هو علي عليه السلام ، فاستقبله والتزمه وقبّله ، وقال : بأبي أنت وأمّي اقصد في مسيرك حتى أكون أنا الذي أبشّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فانّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من أمرك في غمّ شديد وهمّ ، فقال له علي عليه السلام : نعم.

فانطلق أبو ذر مسرعا حتى أتى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال : البشرى ، قال : وما بشراك يا أبا ذر؟ ، قال : قدم علي بن أبي طالب ، فقال له : لك بذلك الجنّة ، ثم ركب النبي عليه السلام وركب معه الناس ، فلمّا رآه أناخ ناقته (1) ، ونزل رسول اللّه صلّى اللّه

ص: 40


1- أناخ الجمل : ابركه.

عليه وآله فتلقّاه والتزمه وعانقه ، ووضع خدّه على منكب علي ، وبكى النبي عليه السلام فرحا بقدومه ، وبكى علي عليه السلام معه.

ثم قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ما صنعت بأبي أنت وأمّي ، فإنّ الوحي أبطئ عليّ في أمرك ، فأخبره بما صنع ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : كان اللّه عزّ وجلّ اعلم بك منّي حين أمرني بإرسالك (1).

ومن كتاب ابن أشناس البزاز من طريق رجال أهل الخلاف في حديث آخر انّه : لمّا وصل مولانا علي عليه السلام إلى المشركين بآيات براءة لقيه خراش بن عبد اللّه أخو عمرو بن عبد اللّه - وهو الذي قتله علي عليه السلام مبارزة يوم الخندق - وشعبة بن عبد اللّه اخوه ، فقال لعلي عليه السلام : ما تيسّرنا يا علي أربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمّك إن شئت الاّ من الطعن والضرب ، وقال شعبة : ليس بيننا وبين ابن عمك الاّ السيف والرمح ، وان شئت بدأ بك ، فقال علي عليه السلام : أجل أجل ان شئت فهلمّوا (2).

وفي حديث آخر من الكتاب قال : وكان علي عليه السلام ينادي في المشركين بأربع : لا يدخل مكّة مشرك بعد مأمنه ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنّة الاّ نفس مسلمة ، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عهد فعهدته إلى مدّته (3).

وقال في حديث آخر : وكانت العرب في الجاهليّة تطوف بالبيت عراة ويقولون : لا يكون علينا ثوب حرام ، ولا ثوب خالطه اثم ، ولا نطوف الاّ كما ولدتنا أمّهاتنا (4).

وقال بعض نقلة هذا الحديث : انّ قول النبي صلوات اللّه وسلامه عليه في الحديث الثاني لأبي بكر : أنت صاحبي في الغار ، لمّا اعتذر عن إنفاذه إلى الكفار ، معناه ، انّك كنت معي في الغار ، فجزعت ذلك الجزع حتّى انّي سكنتك وقلت لك : لا تحزن ،

ص: 41


1- عنه البحار 35 : 287.
2- عنه البحار 35 : 290.
3- عنه البحار 35 : 290.
4- - عنه البحار 35 : 290.

وما كان قد دنا شرّ لقاء المشركين ، وما كان لك أسوة بنفسي (1) ، فكيف تقوى على لقاء الكفار بسورة براءة ، وما أنا معك وأنت وحدك؟

ولم يكن النبي صلى اللّه عليه وآله ممّن يخاف على أبي بكر من الكفّار أكثر من خوفه على علي عليه السلام ، لأنّ أبا بكر ما كان جرى منه أكثر من الهرب منهم ، ولم يعرف له قتيل فيهم ولا جريح ، وانّما كان علي عليه السلام هو الذي يحتمل (2) في المبيت على الفراش حتّى سلم النبي منهم ، وهو الذي قتل منهم في كل حرب ، فكان الخوف على علي عليه السلام من القتل أقرب إلى العقل.

أقول : وقد مضى في الحديث الأوّل انّ مولانا علي عليه السلام بعثه النبي صلى اللّه عليه وآله لردّ أبي بكر وتأدية آيات براءة بعد فتح مكّة ، فينبغي ان نذكر كيف أحوج الحال إلى هذا الإرسال بعد فتح مكّة فنقول :

انّنا وجدنا في كتب من التواريخ وغيرها انّ النبي صلى اللّه عليه وآله فتح مكّة سنة ثمان من الهجرة واستعمل على أهلها عتاب بن أسيد بن العيص بن أميّة بن عبد شمس ، ثمّ اجتمعت هوازن وقدّموا لحربه عليه السلام ، فخرج من مكّة إلى هوازن فغنم أموالهم.

ثم مضى إلى الطائف ، ثمّ رجع من الطائف إلى الجعرانة (3) ، فقسّم بها غنائمهم ، ثم دخل مكّة ليلا معتمرا ، فطاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة وقضى عمرته وعاد إلى الجعرانة ، ومنها توجّه إلى المدينة ولم يحجّ عليه السلام تلك السنة.

فلمّا حجّ الناس سنة ثمان ولم يحجّ النبي صلوات اللّه عليه وآله فيها ، حجّ المسلمون وعليهم عتّاب بن أسيد ، لانّه أمير مكّة ، وحجّ المشركون من أهل مكة وغيرها ممّن أراد الحجّ من الّذين كان لهم عهدته مع النبي صلى اللّه عليه وآله ومن انضمّ إليهم من

ص: 42


1- الاسوة : القدوة ، أي لم تقتد بنفسي وقد أمر اللّه تعالى بذلك حيث قال « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » الأحزاب : 21.
2- كذا في النسخ ، ولعل : احتمل ، أي أطاقه وصبر عليه.
3- الجعرانة : موضع قريب من مكة وهو في الحل وميقات الإحرام.

الكفّار ومتقدمهم أبو سيّارة العدواني على أتان أعور رسنها (1) ليف.

فلمّا دخلت سنة تسع من الهجرة وقرب وقت الحجّ فيها أمر اللّه جل جلاله رسوله صلوات اللّه وسلامه عليه وآله ان ينابذ (2) المشركين ، ويظهر إعزاز الإسلام والمسلمين ، فبعث عليّا عليه السلام لردّ أبي بكر كما رويناه.

والمسلمون من أهل مكة بين حاسد لمولانا علي عليه السلام وبين مطالب له بقتل من قتلهم من أهلهم ، والمشركون في موسم الحج أعداء له عليه السلام ، فتوجّه وحده لكلّهم ، فاعزّ اللّه جل جلاله ورسوله أمر الإسلام على يد مولانا علي عليه السلام ، وأذلّ رقاب الكفّار والطغاة.

فلمّا دخلت سنة عشر وقرب وقت الحجّ خرج النبي صلى اللّه عليه وآله لحجّة الوداع وإبلاغ ما امره اللّه جل جلاله بإبلاغه ، فأقام النّاس بسنن الحج والإسلام ، ونصّ فيها على مولانا علي صلوات اللّه عليه في عوده من الحج بغدير خم وخلافته بعده على سائر الأنام ، وتوجّه إلى المدينة ، ثم دعاه اللّه جلّ جلاله إلى دار السلام في ذلك العام.

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلاّمة رضي الدين ركن الإسلام جمال العارفين ، أفضل السادة أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاوس :

اعلم انّ اللّه جلّ جلاله قد كان عالما قبل ان يتوجّه أبو بكر بسورة براءة انّه لا يصلح لتأديتها ، وانّه ينزل على نبيّه صلوات اللّه عليه جبرئيل ، ويأمره بإعادته أبي بكر ، وانّ أبا بكر يعزل عن ذلك المقام.

فظهر من هذا لذوي الأفهام ان قد كان مراد اللّه جلّ جلاله إظهار انّ أبا بكر لا يصلح لهذا الأمر الجزئي من أمور الرّئاسة ، فكيف يصلح للأمر الكلّي ، وانّه لا ينفعه اختيار صاحب [ الأمر ] (3) لحمل الآيات معه ، فكيف ينفعه اختيار بعض أهل السقيفة

ص: 43


1- الرسن : الحبل المعروف.
2- نابذ منابذة : خالفه وفارقه عن عداوة.
3- هو الظاهر.

له ، وانّ اللّه لم يستصلحه لآيات من كتابه ، فكيف يستصلح لجمع الشّتات.

وانّ اللّه أظهر عزله على اليقين ، فكيف يجوز الاختيار لولايته على الظّن من بعض المسلمين ، وانّه لم يصلح للابلاغ عن اللّه تعالى ورسوله عليه السلام لفريق من النّاس ، فكيف يصلح لجميعهم ، وانّه لم يصلح لبلد واحد ، فكيف يصلح لسائر البلاد.

وفي هذا الحديث المعلوم كشف لأهل العلوم انّ علي بن أبي طالب عليه السلام يسدّ مسدّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فيما لا يمكن القيام فيه بغير نفسه الشريفة ، وفيه تنبيه ونصّ صريح على ولاية علي عليه السلام من اللّه ، وفيه تنبيه على ما اشتملت عليه تلك الولاية من إعزاز دين اللّه وإظهار ناموس الإسلام ، ورفع التقيّة والذل عمّا كان مستورا من تلك الشرائع والأحكام.

ومن عمل اليوم الأول من ذي الحجّة ما رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي قال :

ويستحب ان يصلّي فيه صلاة فاطمة عليها السلام ، وروي انّها اربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، كل ركعة بالحمد مرة وخمسين مرّة ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) وسبّح عقيبها تسبيح الزهراء عليها السلام وتقول :

سُبْحانَ اللّهِ ذِي الْعِزِّ الشّامِخِ الْمُنِيفِ ، سُبْحانَ ذِي الْجَلالِ الْباذِخِ الْعَظِيمِ ، سُبْحانَ ذِي الْمُلْكِ الْفاخِرِ الْقَدِيمِ ، سُبْحانَ مَنْ يَرى أَثَرَ النَّمْلَةِ فِي الصَّفا ، سُبْحانَ مَنْ يَرى وَقْعَ الطَّيْرِ فِي الْهَواءِ ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ هكَذا لا هكَذا غَيْرُهُ (1).

أقول : وقد تقدم ذكر هذه الصلاة والدعاء في عمل يوم الجمعة ، وانّما ذكرناه هاهنا لعذر اقتضى تكرار معناه.

ومن عمل أول يوم من ذي الحجّة إلى عشيّة عرفة دعاء رويناه بإسنادنا إلى أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري رضوان اللّه عليه ، وإلى أبي المفضّل محمد بن عبد اللّه الشيباني

ص: 44


1- مصباح المتهجد : 671.

رحمه اللّه ، قالا : أخبرنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي ، قال : حدثنا خالي أحمد بن مابنداد ، قال : حدثني أحمد بن هلال ، قال : حدثني محمد بن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن بكر بن عبيد اللّه شريك أبي حمزة الثمالي ، قال :

كان أبو عبد اللّه - يعني جعفر بن محمد الصّادق عليه السلام وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين - يدعو بهذا الدعاء في أول يوم من عشر ذي الحجّة إلى عشيّة عرفة في دبر صلاة الصبح وقبل المغرب يقول :

اللّهُمَّ هذِهِ الأَيّامُ الَّتِي فَضَّلْتَها عَلى غَيْرِها مِنَ الأَيّامِ وَشَرَّفْتَها ، وَقَدْ بَلَّغْتَنِيها بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ ، فَانْزِلْ عَلَيْنا مِنْ بَرَكاتِكَ ، وَاسْبِغْ عَلَيْنا فِيها مِنْ نَعْمائِكَ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِيها ، وَانْ تَهْدِيَنا فِيها سَبِيلَ الْهُدى ، وَتَرْزُقَنا فِيهَا التَّقْوى وَالْعِفافَ وَالْغِنى ، وَالْعَمَلَ فِيها بِما تُحِبُّ وَتَرْضى.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ يا مَوْضِعَ كُلِّ شَكْوى ، وَيا سامِعَ كُلِّ نَجْوى ، وَيا شاهِدَ كُلِّ مَلَاءٍ ، وَيا عالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَكْشِفَ عَنّا فِيهَا الْبَلاءَ ، وَتَسْتَجِيبَ لَنا فِيهَا الدُّعاءَ ، وَتُقَوِّيَنا فِيها ، وَتُعِينَنا (1) وَتُوَفِّقَنا فِيها رَبَّنا لِما تُحِبُّ وَتَرْضَى ، وَعَلى ما افْتَرَضْتَ عَلَيْنا مِنْ طاعَتِكَ ، وَطاعَةِ رَسُولِكَ وَاهْلِ وِلايَتِكَ.

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ تَهَبَ لَنا فِيهَا الرِّضا انَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ، وَلا تَحْرِمْنا خَيْرَ ما نَزَلَ فِيها مِنَ السَّماءِ ، وَطَهِّرْنا مِنَ الذُّنُوبِ ، يا عَلاّمَ الْغُيُوبِ ، وَاوْجِبْ لَنا فِيها دارَ الْخُلُودِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَلا تَتْرُكْ لَنا فِيها ذَنْباً الاّ غَفَرْتَهُ وَلا هَمّاً الاّ فَرَّجْتَهُ ، وَلا دَيْناً الاّ قَضَيْتَهُ ، وَلا غائِباً الاّ ادْنَيْتَهُ ، وَلا حاجَةً مِنْ حَوائِجِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ الاّ سَهَّلْتَها وَيَسَّرْتَها ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ص: 45


1- تغنينا ( خ ل ).

اللّهُمَّ يا عالِمَ الْخَفِيّاتِ ، يا راحِمَ الْعَبَراتِ (1) ، يا مُجِيبَ الدَّعَواتِ ، يا رَبَّ الأَرَضِينَ وَالسَّماواتِ ، يا مَنْ لا تَتَشابَهَ عَلَيْهِ الأَصْواتُ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْنا فِيها مِنْ عُتَقائِكَ وَطُلَقائِكَ مِنَ النّارِ ، وَالْفائِزِينَ بِجَنَّتِكَ ، النّاجِينَ بِرَحْمَتِكَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ اجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً (2).

ومن عمل أوّل يوم من ذي الحجّة إلى آخر العشر ، ما رويناه بإسنادنا إلى المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدس اللّه جل جلاله روحه ، قال : أخبرنا الشريف أبو عبد اللّه محمد بن الحسن العلوي الهمداني ، قال : أخبرنا الحسين بن علي الصائحي ، عن أبي الحسن الفازي ، قال : حدّثنا سهل بن إبراهيم بن هشام بن عبيد اللّه ، قال : حدّثنا جدّي هشام بن عبيد اللّه بن عمير ، قال : حدثنا محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن عبد بن عمير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : انّ اللّه تعالى أهدى إلى عيسى بن مريم عليه السلام خمس دعوات جاء بها جبرئيل عليه السلام في أيّام العشر ، فقال : يا عيسى ادع بهذه الخمس الدعوات فإنه ليست عبادة أحبّ إلى اللّه من عبادته في أيام العشر - يعني عشر ذي الحجّة :

أوّلهن : اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

والثانية : اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، أَحَداً صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً.

والثالثة : اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، أَحَداً صَمَداً لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً احَدٌ.

والرابعة : اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ص: 46


1- زيادة : يا مقبل العثرات ( خ ل ).
2- رواه الشيخ في مصباحه : 672.

والخامسة : حَسْبِيَ اللّهُ وَكَفى سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ دَعا ، لَيْسَ وَراءَ اللّهِ مُنْتَهى ، اشْهَدُ لِلَّهِ بِما دَعى ، وَانَّهُ برِئٌ مِمَّنْ تَبَرَّئَ ، وَانَّ لِلَّهِ الاخِرَةَ وَالأُولى.

قال الحواريون لعيسى عليه السلام : يا روح اللّه ما ثواب من قال هؤلاء الكلمات؟ قال : امّا من قال الأولى مائة مرة ، لا يكون لأهل الأرض عمل أفضل من عمله ذلك اليوم ، وكان أكثر العباد حسنات يوم القيامة.

ومن قال الثانية مائة مرة فكأنّما قرء التوراة والإنجيل اثنتي عشرة مرّة وأعطى ثوابها ، قال عيسى عليه السلام : يا جبرئيل وما ثوابها؟ قال : لا يطيق أن يحمل حرفا واحدا من التّوراة والإنجيل من في السماوات السّبع من الملائكة حتى ابعث انا وإسرافيل لأنّه أول عبد قال : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.

ومن قال الثالثة مائة مرة كتب اللّه له عشرة آلاف حسنة ومحي عنه بها عشرة آلاف سيئة ، ورفع له بها عشرة آلاف درجة ، ونزل سبعون الف ملك من السماء ، رافعي أيديهم يصلّون على من قالها ، فقال عيسى عليه السلام : يا جبرئيل هل تصلّي الملائكة الاّ على الأنبياء وقال : انّه من آمن بما جاءت به الرسل والأنبياء ولم يبدل أعطى ثواب الأنبياء.

ومن قال الرابعة مائة مرّة تلقّاها ملك حتى يصعد بين يدي الجبّار عزّ وجلّ فينظر اللّه عزّ وجلّ إلى قائلها ، ومن نظر اللّه تعالى إليه فلا يشقى.

قال عيسى عليه السلام : يا جبرئيل ما ثواب الخامسة؟ فقال : هي دعوتي ولم يؤذن لي ان افسّرها لك.

ومن عمل أول يوم من ذي الحجة إلى آخر العشر ما رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه بإسناده من كتاب ابن أشناس وغيره ، فيما روي عن مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه انّه قال :

من قال كلّ يوم من أيام العشر هذا التهليل :

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ عَدَدَ اللَّيالِي وَالدُّهُورِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ عَدَدَ أَمْواجِ الْبُحُورِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَرَحْمَتُهُ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ عَدَدَ الشَّوْكِ وَالشَّجَرِ ، لا إِلهَ

ص: 47

إِلاَّ اللّهُ عَدَدَ الشَّعْرِ وَالْوَبَرِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ عَدَدَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ.

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ عَدَدَ لَمْحِ الْعُيُونِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ فِي اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (1) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ عَدَدَ الرِّياحِ وَالْبَرارِي وَالصُّخُورِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ مِنَ الْيَوْمِ الى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ.

أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكل تهليلة درجة في الجنّة من الدر والياقوت ، ما بين كلّ درجتين مسيرة مأة عام للراكب المسرع ، في كلّ درجة مدينة فيها قصر من جوهر واحد لا فضل فيها ، في كل مدينة من تلك المدائن من تفاصيل العطاء ما لا يهتدى له وصف البلغاء ، فإذا خرج من قبره أضاءت له كلّ شعرة منه نورا وابتدره سبعون الف ملك يحفّونه إلى باب الجنّة - ثم ذكر الحديث بطوله ، وهو عطاء عظيم جسيم حذفنا شرحه كراهية الإطالة.

وفي روايتنا هذا التهليل بإسنادنا إلى ابن بابويه بإسناده إلى مولانا علي عليه السلام ، انّه كان يهلّل اللّه تعالى في كلّ يوم من عشر ذي الحجّة بهذا التهليل عشر مرات ، ثم ذكر فضل ذلك كما ذكرناه وزيادة (2).

فصل (7): فيما نذكره من فضل صوم التسعة أيام من عشر ذي الحجّة

اعلم ان الاخبار بصوم ثمانية أيّام من عشر ذي الحجّة أوّلها أوّل يوم منه متّفق على فضل صيامها ، والروايات بذلك متظافرة (3) ، وانّما وردت أخبار مختلفة في فضل صوم يوم عرفة أو إفطاره ، وسوف نذكر ما اختاره منها عند ذكر يوم عرفة.

أقول : فممّا رويناه بإسنادنا في فضل صوم هذه التسعة أيّام من عشر ذي الحجّة إلى مولانا موسى بن جعفر الكاظم صلوات اللّه عليه : انّ من صامها كتب اللّه عزّ وجلّ له

ص: 48


1- عسعس الليل : أظلم.
2- ثواب الأعمال : 98 مع اختلاف في ذكر الثواب.
3- راجع المستدرك 7 : 520.

صوم الدهر (1).

فصل (8): في صلاة ركعتين قبل الزوال في أوّل يوم من ذي الحجة

رأيتها في كتب أصحابنا القميّين قال : ويصلّي قبل الزّوال بنصف الساعة ركعتان في هذا اليوم ، في كلّ ركعة الحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) وآية الكرسي و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ ) عشرا عشرا.

فصل (9): فيمن يريد ان يكفي شرّ ظالم فيعمل أول يوم من ذي الحجّة

وهو ممّا رؤيته في بعض الكتب المذكورة انّ من خاف ظالما فقال في هذا اليوم : حَسْبِي حَسْبِي حَسْبِي مِنْ سُؤالِي عِلْمُكَ بِحالِي ، كفاه اللّه شرّه.

فصل (10): فيما نذكره من فضل اليوم الثامن من ذي الحجّة ، وهو يوم التروية

روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن بابويه بإسناده إلى مولانا الصادق صلوات اللّه عليه انّه قال : صوم يوم التروية كفّارة ستّين سنة (2).

فصل (11): فيما نذكره من فضل ليلة عرفة

رأينا ذلك في كتاب أحمد بن جعفر بن شاذان يرويه عن النبي صلوات اللّه عليه انّه قال : انّ ليلة عرفة يستجاب فيها ما دعا من خير ، وللعامل فيها بطاعة اللّه تعالى أجر

ص: 49


1- ثواب الأعمال : 99 ، الفقيه 2 : 87.
2- ثواب الأعمال : 99 ، الفقيه 2 : 87 ، عنه الوسائل 10 : 467.

سبعين ومائة سنة ، وهي ليلة المناجاة وفيها يتوب اللّه على من تاب - والحديث مختصر.

فصل (12): فيما نذكره من دعاء في ليلة عرفة

وجدناه في كتب الدعوات يقول ما هذا لفظه : روي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يرفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وآله انّه قال : من دعا به في ليلة عرفة أو ليالي الجمع غفر اللّه له ، والدعاء :

اللّهُمَّ يا شاهِدَ كُلِّ نَجْوى ، وَمَوْضِعَ كُلِّ شَكْوى ، وَعالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، وَمُنْتَهى كُلِّ حاجَةٍ ، يا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ عَلَى الْعِبادِ ، يا كَرِيمَ ، الْعَفْوِ يا حَسَنَ التَّجاوُزِ يا جَوادُ ، يا مَنْ لا يُوارِي مِنْهُ لَيْلٌ داجٍ ، وَلا بَحْرٌ عَجّاجٌ ، (1) وَلا سَماءٌ ذاتُ أَبْراجٍ ، وَلا ظُلَمٌ ذاتُ ارْنِتاجٍ (2) ، يا مَنِ الظُّلْمَةُ عِنْدَهُ ضِياءٌ.

أَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْجَبَلِ ، فَجَعَلْتَهُ دَكّاً (3) ، وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي رَفَعْتَ بِهِ السَّماواتِ بِلا عَمْدٍ ، وَسَطَحْتَ بِهِ الارْضَ عَلَى وَجْهِ ماءٍ جَمَدَ.

وَبِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ الْمَكْتُوبِ الطَّاهِرِ ، الَّذِي إِذا دُعِيتَ بِهِ اجَبْتَ ، وَإِذا سُئِلْتَ بِهِ اعْطَيْتَ ، وَبِاسْمِكَ الْقُدُّوسِ الْبُرْهانِ ، الَّذِي هُوَ نُورٌ عَلى كُلِّ نُورٍ ، وَنُورٌ مِنْ نُورٍ يُضِيءُ مِنْهُ كُلُّ نُورٍ ، إِذا بَلَغَ الارْضُ انْشَقَّتْ ، وَإِذا بَلَغَ السَّماواتُ فُتِحَتْ ، وَإِذا بَلَغَ الْعَرْشُ اهْتَزَّ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي تَرْتَعِدُ مِنْهُ فَرائِصُ مَلائِكَتِكَ ، وَاسْأَلُكَ بِحَقِّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفى صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلى جَمِيعِ الْأَنْبِياءِ وَجَمِيعِ الْمَلائِكَةِ.

ص: 50


1- عجّ الريح : اشتدّت فأثارت الغبار.
2- ارتجّ الكلام : التبس.
3- دكّ الحائط : هدمه حتى سواه بالأرض.

وَبِالاسْمِ الَّذِي مَشى بِهِ الْخِضْرُ عَلى قُلَلِ (1) الْماءِ كَما مَشى بِهِ عَلى جُدَدِ الارْضِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي فَلَقْتَ بِهِ الْبَحْرَ لِمُوسى ، وَاغْرَقْتَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، وَانْجَيْتَ بِهِ مُوسى بْنَ عِمْرانَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الايْمَنِ ، فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَالْقَيْتَ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنْكَ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ أَحْيى عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ الْمَوْتى ، وَتَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ، وَأَبْرَئَ الاكْمَهَ وَالابْرَصَ بِاذْنِكَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ حَمَلَةُ عَرْشِكَ وَجَبْرَئِيلُ وَمِيكائِيلُ وَإِسْرافِيلُ وَحَبِيبُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَمَلائِكَتُكَ الْمُقَرَّبُونَ وَأَنْبِياؤُكَ الْمُرْسَلُونَ وَعِبادُكَ الصَّالِحُونَ مِنْ اهْلِ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ ذُو النُّونِ ، اذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ انْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، فَنادى فِي الظُّلُماتِ انْ لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ ، سُبْحانَكَ انِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ ، وَنَجَّيْتَهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.

وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الَّذِي دَعاكَ بِهِ داوُودُ ، وَخَرَّ لَكَ ساجِداً فَغَفَرْتَ لَهُ ذَنْبَهُ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعَتْكَ بِهِ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، اذْ قالَتْ ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ، (2) فَاسْتَجَبْتَ لَها دُعاءَها.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ أَيُّوبُ إِذْ حَلَّ بِهِ الْبَلاءُ ، فَعافَيْتَهُ وَأتَيْتَهُ اهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ، رَحْمَةً مِنْكَ وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ يَعْقُوبُ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَقُرَّةَ عَيْنِهِ يُوسُفَ وَجَمَعْتَ شَمْلَهُ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ سُلَيْمانُ فَوَهَبْتَ لَهُ مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ انَّكَ انْتَ الْوَهَّابُ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي سَخَّرْتَ بِهِ الْبُراقَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اذْ قالَ تَعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) (3) ، وَقَوْلُهُ :

ص: 51


1- القلة : أعلى الرأس والجبل وكل شيء.
2- التحريم : 11.
3- الإسراء : 1.

( سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ) (1).

وَبِاسْمِكَ الَّذِي تَنَزَّلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عَلى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ آدَمُ فَغَفَرْتَ لَهُ ذَنْبَهُ وَاسْكَنْتَهُ جَنَّتَكَ ، وَاسْأَلُكَ بِحَقِّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَبِحَقِّ إِبْراهِيمَ ، وَبِحَقِّ فَصْلِكَ يَوْمَ الْقَضاءِ ، وَبِحَقِّ الْمَوازِينِ إِذا نُصِبَتْ ، وَالصُّحُفِ إِذا نُشِرَتْ ، وَبِحَقِّ الْقَلَمِ وَما جَرى وَاللَّوْحِ وَما أَحْصى ، وَبِحَقِّ الاسْمِ الَّذِي كَتَبْتَهُ عَلى سُرادِقِ الْعَرْشِ قَبْلَ خَلْقِكَ الْخَلْقَ وَالدُّنْيا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِأَلْفَيْ عامٍ.

وَاشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَانَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ فِي خَزائِنِكَ الَّذِي اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ احَدٌ مِنْ خَلْقِكَ ، لا مَلِكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلُ ، وَلا عَبْدٌ مُصْطَفى.

وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي شَقَقْتَ بِهِ الْبِحارَ ، وَقامَتْ بِهِ الْجِبَالُ ، وَاخْتَلَفَ بِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَبِحَقِّ السَّبْعِ الْمَثانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَبِحَقِّ الْكِرامِ الْكاتِبِينَ ، وَبِحَقِّ طه وَيس وَكَهيعص وَحمعسق ، وَبِحَقِّ تَوْراةِ مُوسى وَانْجِيلِ عِيسى وَزَبُورِ داوُودَ وَفُرْقانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَلى جَمِيعِ الرُّسُلِ ، وَباهِيّا شَراهِيّاً.

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ تِلْكَ الْمُناجاةِ الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ مُوسى بْنِ عِمْرانَ فَوْقَ جَبَلِ طُورِ سَيْناءَ ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي عَلَّمْتَهُ مَلَكَ الْمَوْتِ لِقَبْضِ الأَرْواحِ ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي كُتِبَ عَلى وَرَقِ الزَّيْتُونِ فَخَضَعَتِ النيرانُ لِتِلْكَ الْوَرَقَةِ ، فَقُلْتَ : ( يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً ) (2).

وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي كَتَبْتَهُ عَلى سُرادِقِ الْمَجْدِ وَالْكَرامَةِ ، يا مَنْ

ص: 52


1- الزخرف : 13.
2- الأنبياء : 69.

لا يُحْفِيهِ (1) سائِلٌ وَلا يَنْقُصُهُ نائِلٌ ، يا مَنْ بِهِ يُسْتَغاثُ وَإِلَيْهِ يُلْجَأُ ، أَسْأَلُكَ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَمُنْتَهىَ الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ وَبِاسْمِكَ الاعْظَمِ وَجَدِّكَ الأَعْلى وَكَلِماتِكَ التَّامَّاتِ الْعُلى.

اللّهُمَّ رَبَّ الرِّياحِ وَما ذَرَتْ ، وَالسَّماءِ وَما اظَلَّتْ وَالارْضِ وَما اقَلَّتْ ، وَالشَّياطِينِ وَما اضَلَّتْ وَالْبِحارِ وَما جَرَتْ ، وَبِحَقِّ كُلِّ حَقٍّ هُوَ عَلَيْكَ حَقٌّ ، وَبِحَقِّ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالرَّوْحانِيِّينَ وَالْكَروبِيِّينَ وَالْمُسَبِّحِينَ لَكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ لا يَفْتُرُونَ (2) ، وَبِحَقِّ إِبْراهِيمَ خَلِيلِكَ ، وَبِحَقِّ كُلِّ وَلِيٍّ يُنادِيكَ بَيْنَ الصَّفا وَالْمَرْوَةِ ، وَتَسْتَجِيبُ لَهُ دُعاءَهُ يا مُجِيبُ.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ الأَسْماءِ ، وَبِهذِهِ الدَّعَواتِ ، انْ تَغْفِرَ لَنا ما قَدَّمْنا وَما أَخَّرْنا ، وَما أَسْرَرْنا وَما اعْلَنَّا ، وَما أَبْدينا وَما أَخْفَيْنا ، وَما انْتَ اعْلَمُ بِهِ مِنَّا ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ.

يا حافِظَ كُلِّ غَرِيبٍ ، يا مُونِسَ كُلِّ وَحِيدٍ ، يا قُوَّةَ كُلِّ ضَعِيفٍ ، يا ناصِرَ كُلِّ مَظْلُومٍ ، يا رازِقَ كُلِّ مَحْرُومٍ ، يا مُونِسَ كُلِّ مُسْتَوْحِشٍ ، يا صاحِبَ كُلِّ مُسافِرٍ ، يا عِمادَ كُلِّ حاضِرٍ ، يا غافِرَ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ ، يا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، يا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، يا كاشِفَ كَرْبِ الْمَكْرُوبِينَ.

يا فارِجَ هَمِّ الْمَهْمُومِينَ ، يا بدِيعَ السَّماواتِ وَالأَرضِينَ ، يا مُنْتَهى غايَةِ الطَّالِبِينَ ، يا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يا رَبَّ الْعالَمِينَ ، يا دَيَّانَ يَوْمِ الدِّينِ ، يا اجْوَدَ الاجْوَدِينَ ، يا اكْرَمَ الاكْرَمِينَ ، يا اسْمَعَ السَّامِعِينَ ، يا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ ، يا اقْدَرَ الْقادِرِينَ.

اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُورِثُ النَّدَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُورِثُ السَّقَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعاءَ.

ص: 53


1- أحفاه : ألحّ عليه ، حفى عنه : أكثر السؤال عن حاله.
2- فتر عن العمل : قصّر فيه.

وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ قَطْرَ السَّماءِ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُعَجِّلُ الْفَناءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَجْلِبُ الشِّقاءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَظْلِمُ الْهَواءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَكْشِفُ الْغِطاءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي لا يَغْفِرُها غَيْرُكَ يا اللّهُ.

وَاحْمِلْ عَنِّي كُلَّ تَبِعَةٍ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ امْرِي فَرَجاً وَمَخْرَجاً وَيُسْراً ، وَانْزِلْ يَقِينَكَ فِي صَدْرِي وَرَجاءَكَ فِي قَلْبِي ، حَتّى لا ارْجُوَ غَيْرَكَ.

اللّهُمَّ احْفَظْنِي وَعافِنِي فِي مَقامِي ، وَاصْحِبْنِي فِي لَيْلِي وَنَهارِي ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَخَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمالِي ، وَمِنْ فَوْقِي وَمِنْ تَحْتِي ، وَيَسِّرْ لِيَ السَّبِيلَ وَاحْسِنْ لِيَ التَّيْسِيرَ ، وَلا تَخْذُلْنِي فِي الْعَسِير.

وَاهْدِنِي يا خَيْرَ دَلِيلٍ ، وَلا تَكِلْنِي الى نَفْسِي فِي الأُمُورِ وَلَقِّنِي كُلَّ سُرُرٍ ، وَاقْلِبْنِي الى اهْلِي بِالْفَلاحِ وَالنَّجاحِ مَحْبُوراً (1) فِي الْعاجِلِ وَالْآجِلِ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَاوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ طَيِّباتِ رِزْقِكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي فِي طاعَتِكَ ، وَاجِرْنِي مِنْ عَذابِكَ وَنارِكَ ، وَاقْلِبْنِي إِذا تَوَفَّيْتَنِي الى جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ وَمِنْ تَحْوِيلِ عافِيَتِكَ ، وَمِنْ حُلُولِ نِقْمَتِكَ ، وَمِنْ نُزُولِ بَلائِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ وَدَرَكِ الشِّقاءِ وَمِنْ سُوءِ الْقَضاءِ ، وَشَماتَةِ الأَعْداءِ ، وَمِنْ شَرِّ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ ، وَمِنْ شَرِّ ما فِي الْكِتابِ الْمُنْزَلِ.

اللّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِنَ الأَشْرارِ ، وَلا مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، وَلا تَحْرِمْنِي صُحْبَةَ الأَخْيارِ ، وَاحْيِنِي حَياةً طَيِّبَةً ، وَتَوَفَّنِي وَفاةً طَيِّبَةً تُلْحِقُنِي بِالأبْرارِ ، وَارْزُقْنِي

ص: 54


1- حبر : سرّ ، الحبرة : السرور.

مُرافَقَةَ الأَنْبِياءِ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى حُسْنِ بَلائِكَ وَصُنْعِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى الإِسْلامِ وَالسُّنَّةِ ، يا رَبِّ كَما هَدَيْتَهُمْ لِدِينِكَ وَعَلَّمْتَهُمْ كِتابَكَ فَاهْدِنا وَعَلِّمْنا ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى حُسْنِ بَلائِكَ وَصُنْعِكَ عِنْدِي خاصَّةً ، كَما خَلَقْتَنِي فَاحْسَنْتَ خَلْقِي ، وَعَلَّمْتَنِي فَاحْسَنْتَ تَعْلِيمِي ، وَهَدَيْتَنِي فَاحْسَنْتَ هِدايَتِي ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى إِنْعامِكَ عَلَيَّ قَدِيماً وَحَدِيثاً.

فَكَمْ مِنْ كَرْبٍ يا سَيِّدِي قَدْ فَرَّجْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ غَمٍّ يا سَيِّدِي قَدْ نَفَّسْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ هَمٍّ يا سَيِّدِي قَدْ كَشَفْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ بَلاءٍ يا سَيِّدِي قَدْ صَرَفْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ عَيْبٍ يا سَيِّدِي قَدْ سَتَرْتَهُ.

فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى كُلِّ حالٍ ، فِي كُلِّ مَثْوى وَزَمانٍ ، وَمُنْقَلَبٍ وَمُقامٍ ، وَعَلى هذِهِ الْحالِ وَكُلِّ حالٍ.

اللّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ افْضَلِ عِبادِكَ نَصِيباً فِي هذا الْيَوْمِ (1) ، مِنْ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ ، اوْ ضُرٍّ تَكْشِفُهُ ، اوْ سُوءٍ تَصْرِفُهُ ، اوْ بَلاءٍ تَدْفَعُهُ ، اوْ خَيْرٍ تَسُوقُهُ ، اوْ رَحْمَةٍ تَنْشُرُها ، اوْ عافِيَةٍ تُلْبِسُها ، فَإِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَبِيَدِكَ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالارْضِ.

وَانْتَ الْواحِدُ الْكَرِيمُ ، الْمُعْطِي الَّذِي لا يَرُدُّ سائِلَهُ ، وَلا يُخَيِّبُ آمِلَهُ ، وَلا يَنْقُصُ نائِلَهُ ، وَلا يَنْفَدُ ما عِنْدَهُ ، بَلْ يَزْدادُ كَثْرَةً وَطِيباً وَعَطاءً وَجُوداً ، وَارْزُقْنِي مِنْ خَزائِنِكَ الَّتِي لا تَفْنى وَمِنْ رَحْمَتِكَ الْواسِعَةِ ، إِنَّ عَطاءَكَ لَمْ يَكُنْ مَحْظُوراً ، وَانْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ومن عمل ليلة عرفة ما ذكره حسن بن أشناس رحمه اللّه في كتابه فقال : حدّثنا أبو الفتح البراج إملاء ، قال : حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن إسماعيل القاضي ، قال : حدثنا يوسف بن موسى ، قال : حدّثنا مسلم الأزدي ، قال : حدّثنا عروة بن قيس

ص: 55


1- في هذه الليلة - ظ.

اليحمدي (1) ، قال : حدثني أمّ الفيض مولاة عبد الملك بن مروان ، قالت :

سمعت عبد اللّه بن مسعود يقول : ما من عبد ولا أمة دعا ليلة عرفة بهذا الدعاء ، وهي عشر كلم ، ألف مرّة ، لم يسأل اللّه عزّ وجلّ شيئا إلاّ أعطاه ، الاّ قطيعة رحم أو اثم :

سُبْحانَ مَنْ فِي السَّماءِ عَرْشُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي الارْضِ سَطْوَتُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي النَّارِ سُلْطانُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ.

سُبْحانَ الَّذِي فِي الْقُبُورِ قَضاؤُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي الْهَواءِ امْرُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي رَفَعَ السَّماءِ ، سُبْحانَ الَّذِي وَضَعَ الارْضَ ، سُبْحانَ مَنْ لا مَنْجَا مِنْهُ الاَّ إِلَيْهِ.

قالت أمّ الفيض : قلت لابن مسعود : عن النبي عليه السلام؟ قال : نعم.

فصل (13): فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام ليلة عرفة

روينا ذلك عن مولانا الباقر صلوات اللّه عليه انّه قال : من زار الحسين - أو قال :

من زار ليلة عرفة - ارض كربلاء وأقام بها حتى يعيد ثم ينصرف ، وقاه اللّه شر سنته.

وروى ذلك جدّي أبو جعفر الطوسي في المصباح عن ابن ميثم ، عن الباقر صلوات اللّه عليه (2).

فصل (14): فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة

اعلم ان يوم عرفة من أفضل أيّام أعياد العباد ، وان لم يظهر اسمه بأنّه يوم عيد ، فقد

ص: 56


1- النجدي ( خ ل ).
2- المصباح : 716 ، عنه البحار 101 : 91 ، أورده ابن قولويه في كامل الزيارات : 269 بإسناده عن ابن ميثم التمار ، عنه البحار 101 : 90.

ظهر انّه يوم سعيد ، دعا اللّه جلّ جلاله عباده فيه إلى تحميده وتمجيده ، ووعدهم بإطلاق عامّ لجودة وإنجاز وعوده ، ووعد فيه بغفران الذّنوب وستر العيوب وتفريج الكروب ، وإذن للمقبل عليه والمعرض عنه في الطلب منه.

وقدّمنا انّ كلّ وقت اختاره اللّه جلّ جلاله لمناجاته وإطلاق مواهبه وصلاته ، فينبغي ان يعرف جليل قدره ، ويقام لله جلّ جلاله بما يقدر العبد عليه من حمده وشكره ، وهذا اليوم كالمتعيّن للحاجّ إلى اللّه جلّ جلاله بقصد بيته الحرام.

وانّما روينا عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ، انّ الحضور عند الحسين عليه السلام للزّيارة والدعاء في اليوم المذكور يقوم مقام الدعاء بعرفة مع تعذّر ذلك الحضور (1) ، وعرفنا رواية وعملا بفضل اللّه جلّ جلاله بإطلاق عباده في طلب إرفاده اين كانوا من بلاده.

فصل (15): فيما نذكره من الاهتمام بالدلالة على الإمام يوم عرفة عند اجتماع الأنام ، لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الإسلام

اعلم انّ الإشارات إلى الأئمّة أوقات يوم عرفة من المهمات ، لما رويناه عن الثقات من كتاب الحجّ لمحمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، قال :

رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يوم عرفة بالموقف وهو ينادي بأعلى صوته : يا أيّها الناس انّ رسول اللّه كان الامام ، ثم كان علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم هه ، فنادى ثلاث مرّات بين يديه ، وعن يمينه وعن يساره ، وعن خلفه اثني عشر صوتا.

قال عمرو : فلمّا أتيت منى سألت أصحاب العربيّة عن تفسير « هه » ، فقالوا : لغة

ص: 57


1- روى ابن قولويه في الكامل : 170 ، والصدوق في ثواب الأعمال 81 ، وفي معاني الأخبار : 391 ، الفقيه 1 : 183 ، والشيخ في مصباحه : 497 ، التهذيب 6 : 50 ، عن الصادق عليه السلام روايات بهذا المضمون.

بني فلان فاسألوني (1) ، قال : سألت غيرهم أيضا من أصحاب العربيّة فقالوا : مثل ذلك (2).

أقول : ولعلّ السبب في الاهتمام بإظهار الإمام يوم عرفة ، لأنه يوم معظم عند كافّة المسلمين ، فلا يستبعد انّ في الحاضرين من هو من الفرق المختلفين ، وان يكون غير معاند في الاعتقادات ، بل لشبهة من الشبهات.

فمن أهمّ مهمات أهل الايمان في يوم عرفة الإشارة كما قلناه إلى معرفة إمام الزّمان مع الأمان ، اقتداء بمولانا الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين أفضل الصلوات ، فقد عرفت ما كان عليه من التقيّة مع ملوك تلك الأوقات ، ومع ذلك فرأى الإشارة إلى الأئمة من المهمات.

أقول : وقد ورد الحديث في تفسير قوله جلّ جلاله : ( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) (3) ، ان معناه : من هدى نفسا ضالّة إلى هداها فقد أحياها (4).

وورد الحديث المنقول عن الرسول صلوات اللّه عليه وآله انّه قال : لأن يهدي اللّه على يديك رجلا إلى الإسلام خير لك مما طلعت عليه الشمس (5).

أقول : فإن كنت تعلم انّ الإنسان إذا كان ضالا عن الهدى فهو كالميّت بل أدبر ، لأنّه مع موته حاصل إلى الردى ، فهدايته إلى النّجاة أهمّ من الحياة ، ليكن تذكيره على الوجه اللطيف كما دلّ عليه مالك القلوب والألسنة ، في قوله جلّ جلاله : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (6).

ورأيت في بعض الروايات انّ أول ما ظهر دعاء الناس يوم عرفة في عرفات في خلافة مولانا على صلوات اللّه عليه بما عرّفهم به عن النبي صلوات اللّه عليه.

ص: 58


1- في النسخ وفي الكافي أيضا : فسألوني ، ما أثبتناه من البحار ، وهو الصحيح ، فيكون كناية عن إمامته.
2- الكافي 4 : 466 ، عنه البحار 47 : 58.
3- المائدة : 32.
4- راجع تفسير البرهان 1 : 463 ، الكافي 2 : 210.
5- منية المريد : 24.
6- النحل : 25.

فصل (16): فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة ، والخلاف في ذلك

رويت بإسنادي إلى أبي جعفر بن بابويه فيما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وقد ذكر في خطبة الكتاب كلّما تضمّنه فإنّه نقله من الأصول الصحيحة المعتمد عليها عن الأئمّة عليهم السلام ، فقال : وفي تسع من ذي الحجّة أنزلت توبة داود عليه السلام ، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة تسعين سنة (1).

أقول : والاخبار في فضل صومه متظاهرة ، وانّما نذكر بعض ما روي في خلاف ذلك وما يحضرنا من تأويلات حاضرة.

فروينا بعدّة أسانيد إلى مولانا الصادق صلوات اللّه عليه قال : أوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى علي عليه السلام وحده ، وأوصى علي عليه السلام إلى الحسن والحسين جميعا ، وكان الحسن إمامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن وهو يتغدّى والحسين عليه السلام صائم ، ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليه السلام فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة وهو يتغدّى وعلي بن الحسين عليه السلام صائم.

فقال له الرجل : انّي دخلت على الحسن يتغدّى وأنت صائم ، ثم دخلت عليك وأنت مفطر؟ فقال : انّ الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلا يتّخذ صومه سنّة ويتأسّى به الناس ، فلمّا ان قبض كنت أنا الإمام فأردت ان لا يتّخذ صومي سنّة فيتأسّى النّاس بي (2).

أقول : ولعلّ سبب كراهيّة صوم يوم عرفة إذا كان الّذي يصومه يضعفه عن استيفاء الدعاء ، أو يكون هلاله مشكوكا فيه ، فتخاف ان يكون يوم عرفة عيد الأضحى.

وقد روينا ذلك بعدّة طرق إلى أبي جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه ،

ص: 59


1- الفقيه 2 : 87 ، عنه الوسائل 10 : 466.
2- الفقيه 2 : 88 ، علل الشرائع : 386 ، عنهما الوسائل 10 : 467.

وإلى ابن فضال من كتاب الصيام عن حنّان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

سألته عن صوم عرفة فقلت : جعلت فداك انّهم يزعمون انّه يعدل صيام سنة؟ قال : كان أبي عليه السلام لا يصومه ، قلت : ولم ذاك جعلت فداك؟ قال : انّ يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوّف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم (1).

أقول : فإن كان هلال الشهر من ذي الحجّة محقّقا ، والّذي يريد صوم عرفة لا يضعفه الصوم عن شيء من عمل ذلك اليوم ، فالظّاهر انّ الصوم له أفضل.

روينا ذلك عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : صوم يوم عرفة يعدل صوم السنة ، وقال : لم يصمه الحسن وصامه الحسين عليهما السلام (2).

أقول : ومن أبلغ ما رويت في ترك صومه بإسنادي إلى محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده إلى محمد بن بشير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : انّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان (3).

ومن ذلك بإسنادي إلى محمد بن يعقوب الكليني أيضا بإسناده في كتاب الكافي إلى زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السلام قالا : لا تصومنّ يوم عاشوراء ولا عرفة ، بمكّة ولا بالمدينة ، ولا في وطنك ، ولا في مصر من الأمصار (4).

أقول : لعلّ قد كانا عليهما السلام يعرفان من زرارة انّ الصوم في يوم عرفة يضعّفه عن الدعاء والمسألة في ذلك اليوم المذكور ، وعمّا هو أهمّ من وظائف ذلك اليوم المشكور.

ص: 60


1- الفقيه 2 : 88 ، علل الشرائع : 385 ، رواه الشيخ في التهذيب 4 : 299 ، الاستبصار 2 : 133 ، والمفيد في المقنعة : 60 ، عنهم الوسائل 10 : 465.
2- رواه الشيخ في التهذيب 4 : 298 ، الاستبصار 2 : 133 ، عنهما الوسائل 10 : 465.
3- الكافي 4 : 146 ، عنه الوسائل 10 : 464.
4- الكافي 4 : 146 ، رواه الشيخ في التهذيب 4 : 301 ، الاستبصار 20 : 134 ، عنهما الوسائل 10 : 461.

فصل (17): فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه بإسناده في كتاب ثواب الأعمال إلى أبي عبد اللّه عليه السلام في ثواب من زار الحسين عليه السلام فقال : من أتاه في يوم عرفة عارفا بحقّه ، كتب له ألف حجّة ، وألف عمرة مقبولة ، وألف غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عادل (1).

وفي رواية أخرى : ومن أتاه في يوم عرفة عارفا بحقّه كتب اللّه له ألف حجّة ، وألف عمرة متقبلات ، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل ، قال : قلت : وكيف لي بمثل الموقف؟ قال : فنظر اليّ شبه المغضب ، ثم قال : يا فلان انّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين يوم عرفة ، واغتسل بالفرات ، ثم توجه إليه كتب اللّه له بكلّ خطوة حجّة بمناسكها ، ولا أعلمه إلاّ قال : وعمرة (2).

ومن ذلك ما رواه بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : انّ اللّه تبارك وتعالى يتجلّى لزوار قبر الحسين عليه السلام قبل أهل عرفات ، ويقضي حوائجهم ، ويغفر ذنوبهم ، ويشفّعهم في مسائلهم ، ثم يأتي أهل عرفة فيفعل بهم ذلك (3).

ومن ذلك من غير كتاب ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام قال : إذا كان يوم عرفة نظر اللّه تعالى إلى زوار قبر الحسين بن علي عليه السلام فقال : ارجعوا مغفورا لكم ما مضى ، ولا يكتب على أحد ذنب سبعين يوما من يوم ينصرف (4).

ومن ذلك عن الصادق عليه السلام أيضا انّه قال : من زار الحسين بن علي عليهما السلام يوم عرفة كتب اللّه عزّ وجلّ له ألف ألف حجة مع القائم ، وألف ألف عمرة

ص: 61


1- رواه الصدوق في ثواب الأعمال : 115 ، الأمالي : 143 ، أورده الشيخ في أماليه 1 : 204 ، عنهم البحار 101 : 85.
2- ثواب الأعمال : 115 مع اختلاف ، الفقيه 2 : 58 ، أورده في كامل الزيارات : 169 ، عنه البحار 101 : 85.
3- ثواب الأعمال : 116 ، رواه الشيخ في مصباح المتهجد : 715 ، وابن قولويه في الكامل : 170 ، عنهم البحار 101 : 86.
4- رواه الشيخ في مصباح المتهجد : 716 ، وابن قولويه في الكامل : 171 ، عنهما البحار 101 : 81 ، 10 : 361.

مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وعتق ألف ألف نسمة ، وحملان ألف ألف فرس في سبيل اللّه ، وسمّاه اللّه عبدي الصديق آمن بوعدي (1).

والأحاديث في فضل زيارة الحسين عليه السلام في عرفة متواترة عند أهل المعرفة.

فصل (18): فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصّة بالحسين عليه السلام يوم عرفة

اعلم انّه سيأتي في بعض ما نذكره من الدعوات في يوم عرفة زيارة النبي والأئمة عليهم أفضل الصلوات ، وانّما نذكر في هذا الفصل زيارة تختصّ بهذا اليوم غير داخلة في دعواته.

ذكر هذه الزيارة :

إذا كنت بمشهد الحسين عليه السلام في يوم عرفة ، فاغتسل غسل الزيارة والبس أطهر ثيابك وطهّر عقلك وقلبك ممّا يقتضي الابعاد بعقابك وعتابك ، لتكون طاهرا من الأدناس ، فيصحّ لك ان تقف بباب طاهر من الأرجاس ، واقصد مقدس حضرته وقف على باب حرمه وكبّر اللّه تعالى وقل :

اللّهُ اكْبَرُ كَبِيراً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً وَسُبْحانَ اللّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا انْ هَدينا اللّهُ ، لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ.

السَّلامُ عَلى رَسُولِ اللّهِ السَّلامُ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلى فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ.

السَّلامُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، السَّلامُ عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، السَّلامُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسى ، السَّلامُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، السَّلامُ عَلى

ص: 62


1- رواه ابن قولويه في كامل الزيارات : 172 ، عنه البحار 101 : 88 ، مستدرك الوسائل 2 : 210 ، والشيخ في مصباح المتهجد : 715 ، التهذيب 6 : 49 ، الوسائل 10 : 359 ، وفي مصباح الكفعمي : 501 ، روضة الواعظين : 323 ، المزار للمفيد : 54.

الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلَى الْخَلَفِ الصَّالِحِ الْمُنْتَظَرِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللّهِ ، عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ ، الْمُوالِي لِوَلِيِّكَ ، الْمُعادِي لِعَدُوِّكَ ، اسْتَجارَ بِمَشْهَدِكَ ، وَتَقَرَّبَ الَى اللّهِ بِقَصْدِكَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِوِلايَتِكَ ، وَخَصَّنِي بِزِيارَتِكَ ، وَسَهَّلَ لِي قَصْدَكَ.

ثم تدخل وتقف ما يلي الرّأس وتقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللّهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفى ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ عَلِيٍّ الْمُرْتَضى ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ خَدِيجَةَ الْكُبْرى.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللّهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورِ ، اشْهَدُ انَّكَ قَدْ اقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ ، وَامَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاطَعْتَ اللّهَ حَتّى أَتاكَ الْيَقِينُ.

فَلَعَنَ اللّهُ امَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ امَّةً ظَلَمَتْكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ امَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ.

يا مَوْلايَ يا أَبا عَبْدِ اللّهِ ، اشْهِدُ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَنْبِيائَهُ وَرُسُلَهُ انِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَبإِيابِكُمْ مُوقِنٌ ، بِشَرَائِعِ دِينِي وَخَواتِيمِ عَمَلِي ، فَصَلَواتُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَرْواحِكُمْ وَعَلى أَجْسادِكُمْ ، وَعَلى شاهِدِكُمْ وَعَلى غائِبِكُمْ ، وَعَلى ظاهِرِكُمْ وَعَلى باطِنِكُمْ (1).

ص: 63


1- غائبكم وظاهركم وباطنكم ( خ ل ).

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ خاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، وَابْنَ إِمامِ الْمُتَّقِينَ ، وَابْنِ قائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ الى جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَكَيْفَ لا تَكُونُ كَذلِكَ ، وَانْتَ بابُ الْهُدى وَإِمامُ التُّقى وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقى ، وَالْحُجَّةُ عَلى اهْلِ الدُّنْيا ، وَخامِسُ أَصْحابِ الْكِسَاءِ.

غَذَّتْكَ يَدُ الرَّحْمَةِ وَرُضِعْتَ مِنْ ثَدْيِ الإِيمانِ ، وَرُبِّيتَ فِي حِجْرِ الإِسْلامِ ، وَالنَّفْسُ غَيْرُ راضِيَةٍ بِفِراقِكَ ، وَلا شاكَّةٍ فِي حَياتِكَ ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْكَ وَعَلى آبائِكَ وَأَبْنائِكَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا صَرِيعَ الْعَبْرَةِ السَّاكِبَةِ (1) ، وَقَرِينَ الْمُصِيبَةِ الرَّاتِبَةِ ، لَعَنَ اللّهُ امَّةً اسْتَحَلَّتْ مِنْكَ الْمَحارِمَ ، فَقُتِلْتَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْكَ مَقْهُوراً ، وَاصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِكَ مَوْتُوراً (2) ، وَاصْبَحَ دِينُ اللّهِ لِفَقْدِكَ مَهْجُوراً.

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى جَدِّكَ وَأَبِيكَ وَأُمِّكَ وَأَخِيكَ ، وَعَلى الأَئِمَّةِ مِنْ بَنِيكَ ، وَعَلى الْمُسْتَشْهَدِينَ مَعَكَ ، وَعَلى الْمَلائِكَةِ الْحافِّينَ بِقَبْرِكَ ، وَالشَّاهِدِينَ لِزُوَّارِكَ ، الْمُؤَمِّنِينَ عَلى دُعاءِ شِيعَتِكَ ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ.

بِأَبِي انْتَ وَأُمِّي يَا بْنَ رَسُولِ اللّهِ ، بِأَبِي انْتَ وَأُمِّي يا أَبا عَبْدِ اللّهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا ، وَعَلى جَمِيعِ اهْلِ السَّماواتِ وَالارْضِ ، فَلَعَنَ اللّهُ امَّةً اسْرَجَتْ وَالْجَمَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ.

يا مَوْلايَ يا أَبا عَبْدِ اللّهِ قَصَدْتُ حَرَمَكَ ، وَاتَيْتُ مَشْهَدَكَ ، اسْأَلُ اللّهَ بِالشَّأْنِ الَّذِي لَكَ عِنْدَهُ ، وَبِالْمَحَلِّ الَّذِي لَكَ لَدَيْهِ انْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، بِمَنِّهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ.

ثم قبّل الضريح وصلّ عند الرأس ركعتين تقرأ فيهما ما أحببت ، فإذا فرغت فقل :

ص: 64


1- سكب الماء : صبّه ، العبرة : الدمعة.
2- الموتور : من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.

اللّهُمَّ لَكَ صَلَّيْتُ وَرَكَعْتُ (1) وَسَجَدْتُ ، لَكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، لأَنَّ الصَّلاةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لا يَكُونَ الاَّ لَكَ ، لأَنَّكَ انْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَبْلِغْهُمْ عَنِّي افْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ ، وَارْدُدْ عَلَيَّ مِنْهُمُ التَّحِيَّةَ وَالسَّلامَ ، اللّهُمَّ وَهاتانِ الرَّكْعَتانِ هدِيَّةٌ مِنِّي الى مَوْلايَ وَسَيِّدِي وَإِمامِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِما السَّلامُ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَتَقَبَّلْ ذلِكَ مِنِّي ، وَاجِرْنِي عَلى ذلِكَ افْضَلَ امَلِي وَرَجائِي فِيكَ وَفِي وَلِيِّكَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثم صر إلى رجلي الحسين عليه السلام وزر علي بن الحسين عليهما السلام ورأسه عند رجلي أبي عبد اللّه عليه السلام ، فتقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ نَبِيِّ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ ايُّهَا الشَّهِيدُ ابْنُ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ ايُّهَا الْمَظْلُومُ ، لَعَنَ اللّهُ امَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ امَّةً ظَلَمَتْكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ امَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللّهِ وَابْنَ وَلِيِّهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ وَجَلَّتِ الرَّزِيَّةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَعَنَ اللّهُ امَّةً قَتَلَتْكَ ، وَأَبْرَءُ الَى اللّهِ وَالَيْكَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

ثمّ توجّه إلى الشهداء فزرهم ، وقل :

السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَوْلِياءَ اللّهِ وَاحِبَّاءَهُ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَصْفِياءَ اللّهِ وَاودّاءَهُ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ دِينِ اللّهِ وَأَنْصارَ نَبِيِّهِ وَأَنْصارَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْصارَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ ابِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْوَلِيِّ النَّاصِحِ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ ابِي عَبْدِ اللّهِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ الْمَظْلُومِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ اجْمَعِينَ.

ص: 65


1- لك ركعت ( خ ل ) ، وفي مصباح الزائر : اللّهمّ انّي صليت وركعت.

بِأَبِي انْتُمْ وَأُمِّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الارْضُ الَّتِي فِيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ وَاللّهِ فَوْزاً عَظِيماً ، يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ مَعَكُمْ فِي الْجِنانِ مَعَ الشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ.

ثم عد إلى رأس الحسين عليه السلام واستكثر من الدعاء لنفسك وأهلك وإخوانك المؤمنين ، وإذا أردت وداعه فودّعه والشهداء ببعض ما قدّمناه من وداعاتهم.

ثم امض إلى مشهد العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام ، فإذا أتيت فقف على قبره ، وقل :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَا الْفَضْلِ الْعَبّاسِ بْنِ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَوَّلِ الْقَوْمِ اسْلاماً ، وَاقْدَمِهِمْ إِيماناً ، وَاقْوَمِهِمْ بِدِينِ اللّهِ ، وَاحْوَطِهِمْ عَلَى الإِسْلامِ ، اشْهَدُ لَقَدْ نَصَحْتَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَخِيكَ.

فَنِعْمَ الأَخُ الصّابِرُ الْمُجاهِدُ الْمُحامِي النّاصِرُ ، وَالأَخُ الدّافِعُ عَنْ أَخِيهِ ، الْمُجِيبُ إِلى طاعَةِ رَبِّهِ ، الرّاغِبُ فِيما زَهِدَ فِيهِ غَيْرُهُ ، مِنَ الثَّوابِ الْجَزِيلِ وَالثَّناءِ الْجَمِيلِ ، فَالْحَقَكَ اللّهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ فِي دارِ النَّعِيمِ ، انَّهُ حَمِيدٌ مُجِيدٌ.

ثم انكبّ (1) على القبر وقل :

اللّهُمَّ لَكَ تَعَرَّضْتُ وَلِزِيارَةِ أَوْلِيائِكَ قَصَدْتُ ، رَغْبَةً فِي ثَوابِكَ وَرَجاءً لِمَغْفِرَتِكَ وَجَزِيلَ إِحْسانِكَ.

فَاسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَجْعَلَ رِزْقِي بِهِمْ داراً ، وَعَيْشِي بِهِمْ قارّاً ، وَزِيارَتِي بِهِمْ مَقْبُولَةً ، وَذَنْبِي بِهِمْ مَغْفُوراً ، وَاقْلِبْنِي بِهِمْ مُفْلِحاً مُنْجِحاً ، مُسْتَجاباً دُعائِي ، بِأَفْضَلِ ما يَنْقَلِبُ بِهِ احَدٌ مِنْ زُوّارِهِ وَالْقاصِدِينَ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثم قبّل الضريح ، وصلّ عنده صلاة الزيارة وما بدا لك ، فإذا أردت وداعه رضوان

ص: 66


1- انكب على أمر : لزمه.

اللّه عليه فودّعه ببعض ما قدّمناه من وداعاته (1).

فصل (19): فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج للدّعاء المعتاد وهل الاجتماع للدعاء يوم عرفة أفضل أو الانفراد

فنقول : وقد وجدنا في كتاب أبي علي حسن بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن أشناس البزّاز رحمه اللّه ركعتين يحتمل أن يكون صلاتهما قبل صلاة الظهرين ، فاقتضى الاستظهار للعبادات أن نذكرهما وفيهما فضل في العنايات.

فقال في كتابه ما هذا لفظه : أمّا الصلاة في يوم عرفة من كتب أصحابنا رحمهم اللّه تعالى ، فانّني وجدتها اثنتي عشرة ركعة ، تقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة وآية الكرسي و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) ، فإذا سلّمت تقرأ ما تيسّر من القرآن وتخرّ ساجدا وترفع يديك وتقول :

سُبْحانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَفازَ بِهِ ، سُبْحانَ مَنْ تَعَطَّفَ بِالْحِلْمِ وَتَكَرَّمَ بِهِ ، سُبْحانَ مَنْ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ وَعَلِمَ بِهِ ، سُبْحانَ مَنْ لا يَنْبَغِي انْ يُسَبَّحَ سِواهُ ، سُبْحانَ ذِي الْعِزِّ وَالْقُدْرَةِ ، سُبْحانَ الْعَظِيمِ الاعْظَمِ.

اسْأَلُكَ يا رَبِّ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ ، وَأَسْأَلُكَ بِالْمُسْتَجابِ مِنْ دُعاءِكَ ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ - وتدعو بما أحببت.

وروي عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام انّه قال : من صلّى يوم عرفة قبل أن يخرج إلى الدعاء في ذلك ويكون بارزا تحت السّماء ركعتين واعترف لله عزّ وجلّ بذنوبه وأقرّ له بخطاياه نال ما نال الواقفون بعرفة من الفوز ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر (2).

ص: 67


1- رواه في مصباح الزائر : 182 - 185 ، مزار الشهيد : 52 - 55 ، عنهما البحار 101 : 360 - 363.
2- عنه الوسائل 8 : 183.

أقول : وامّا هل الاجتماع يوم عرفة أفضل أو الانفراد :

فاعلم انّ الأحاديث وردت انّ اجتماع أربعين في الدّعوات وقضاء الحاجات ، يقتضي تعجيل الإجابات وتفريج الكربات ، ووردت أحاديث انّ الدعاء في السّر أفضل الدعاء وأبلغ في الظفر بالإجابة.

وإذا كانت الاخبار على هذه السبيل فينبغي ان يكون على نفسه بصيرة في كلّ كثير وقليل ، فان عرف من نفسه انّ اجتماعه بالنّاس لا يشغله عن مولاه وانّه يكون أقرب له إلى رضاه ، فالاجتماع لمثل هذه القويّ من العبّاد أفضل من الانفراد ، وان كان يعلم من نفسه انّ الاجتماع بالعباد يشغله عن سلطان المعاد ، فهذا ينبغي له ان يعمل على الانفراد.

وجملة الأمور انّ المراد من العبد المبالغة في إخلاص الأعمال ، فكيف قدر على الظفر بهذه الحال ، فليبادر إليها ويعتمد عليها.

فصل (20): فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة اين كان من البلاد

أقول : قد قدّمنا في الجزء الأول من كتاب المهمّات والتّتمات شروطا للدعوات المقبولات ، وعيوبا في الدعاء تمنع من الإجابات ، فان قدرت على نظر ما هناك من التفصيل ، فاعمل عليه ، فإنّه واضح البرهان والدليل.

وان تعذّر عليك حضور ذلك الكتاب وقت هذه الدعوات ، ولم تكن ممّن يعرف شروط الإجابة ولا عيوب العبادة ، فاعلم انّه ينبغي ان تلقى اللّه جلّ جلاله وقت الحضور لمناجاته ، وأنت طاهر من كلّ ما يقتضي استحقاقك لعقوباته أو معاتباته ، كما انّ العقل يشهد انّك إذا أردت دخول حضرة ملك من ملوك الزّمان ، أو لقاء النبي صلوات اللّه عليه وآله ، أو أحد أئمّتك العظمى الشّأن ، فإنّك تستعدّ للدخول عليهم بكلّ ما يقرّبك إليهم.

ومهما عرفت أنّهم يؤثرون ان يكون عليك من الكسوات ، أو تكون عليه من

ص: 68

الصّفات ، أو يرتضونه من ألفاظ التسليم عليهم ، أو القيام أو الجلوس بين يديهم.

فإنّك تجتهد في العمل على مرادهم بغاية اجتهادك ، مع علمك بأنّهم لا يطّلعون على ضميرك وفؤادك ، فكيف يجوز الاّ تكون مع سلطان دنياك ومعادك على هذه الصفات ، وهو مطّلع على الخفيات ، وحاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى كلّ من تحضر بين يديه.

فإذا تطهّرت وغسّلت عقلك بماء سحائب الإقبال على مولاك ، وغسلت قلبك بدموع الخشوع والخضوع لمالك دنياك وأخراك ، فاغتسل الغسل المأمور به في عرفة ، فإنّه من المهمات ، ولتكن نيّتك في ذلك الغسل الموصوف ، ولكلّ غسل تحتاج إليه في ذلك اليوم المعروف.

فتغتسل غسل التوبة ، عسى ان يكن قد بقي عليك شيء من عيوب القلوب وأدواء الذنوب ، وغسل يوم عرفة وغسل الحاجة وغسل قبول الدعوات ، فانّنا وجدناه في الروايات ، وغسل الاستخارات ، عسى تحتاج إلى شيء من المشاورات ، وكلّ غسل يمكن في ذلك النهار.

واقتد بأهل الاحتياط والاستظهار ، وليكن غسلك قبل الظهرين بقليل لعلّك تصلّي وتدعو وأنت على ذلك الحال الجميل ، ثمّ تصلّي الظهرين بنوافلهما على التمام في المراقبات والدعوات.

فصل (21): فيما نذكره من صلاة تختصّ بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين

روينا هذه الصلاة عن والدي السعيد بإسناده إلى الشيخ المفيد محمّد بن محمد بن النعمان تغمّدهما اللّه جلّ جلاله بالرضوان فيما اشتمل عليه كتابه كتاب الاشراف ، فقال فيه ما هذا لفظه : وصلاة يوم عرفة فيما سوى عرفات من الأماكن والأصقاع ركعتان بعد صلاة العصر وقبل الدعاء.

أقول : فينبغي ان تبالغ فيهما في الإخلاص وعوائد أهل الاختصاص ، لتكون هاتان

ص: 69

الركعتان فاتحة للأبواب بين يديك ، ومقدّمة إلى مولاك الذي أنت مضطرّ إلى إقباله عليك.

فصل (22): فيما نذكره من أدعية يوم عرفة

اعلم انّني وجدت في الروايات اختلافا فيما نذكره قبل الشروع في الدعوات.

فقال جدّي أبو جعفر الطوسي : فإذا وقفت للدعاء فعليك بالسكينة والوقار وأحمد اللّه تعالى وهلّله ومجّده ، وأثن عليه ، وكبّره مائة تكبيرة ، وأحمده مائة مرّة ، وسبّحه مائة واقرأ ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) مائة مرة (1).

وقال محمد بن علي الطرازي في كتابه بإسناده عن الصادق عليه السلام مثل هذا العدد في التكبير والتحميد والتسبيح ، وزاد عليه : وهلّله مائة مرة كما قدّمناه ، ثمّ قال في عدد قراءة ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) مائة مرة كما قدّمناه ، ثمّ قال : وان أحببت أن تزيد على ذلك فزد واقرأ سورة القدر مائة مرة.

ووجدت في رواية أخرى عن مولانا الصادق عليه السلام ما هذا لفظه : تكبر اللّه تعالى مائة مرة وتهلّله مائة مرة وتسبّحه مائة مرة وتقدّسه مائة مرة وتقرء آية الكرسي مائة مرة وتصلّي على النبي صلى اللّه عليه وآله مائة مرة.

أقول : فليكن الاستظهار لاخراك أرجح عندك من الاحتياط لدنياك.

فلو انّ سلطانا جعل لرعيّته يوما يحضرون بين يديه ويعرضون حوائجهم عليه ، وكانت الرعيّة مفتقرة في كلّ شيء إليه واختلف عليهم خواصّ السلطان فيما عيّنه الملك من لفظ الكلام الّذي يعرض عليه وقت الحضور بين يديه ، لطلب ما يحتاجون إليه من الإحسان ، اما كانوا يستظهرون لكلّ طريق في الاحتياط والاستظهار بذكر الألفاظ في جميعها الّتي ذكرها لهم الخواصّ عن الشفيق.

ص: 70


1- مصباح المتهجد : 687.

وأقول : يا أيّها الرجل المتشرّف بنور المعقول والمنقول وهداية الرسول ، أنت تعلم انّك لو تعلّمت تلك الألفاظ جميعها على التفصيل ، ثم دخلت بين يدي ذلك السلطان الجليل وتلوتها بلسانك ، وكنت معرض عنه أو مشغول بغيره عن الالتفات إليه وأدب القرب منه ، فإنّك تشهد على نفسك بالجهل بقدر السلطان ، وانّك قد عرّضت نفسك للحرمان أو الهوان.

فإذا لا يجوز ان تدخل حضرة السلطان الاّ وانّك مقبل عليه بالقلب واللّسان وجميع الجنان والأركان ، فكذا ينبغي ان يكون حالك مع اللّه جلّ جلاله المطّلع على الأسرار ، فتكون عند تلاوة هذه الأذكار حاضرا بعقلك ولبّك ، ومعظّما للألفاظ والمعاني بلسانك وقلبك ومجتهدا ان يصدّق فعالك مقالك.

فإذا تلوت : اللّه أكبر ، فيكون على سرائرك وظواهرك ، آثار انّه لا شيء أعظم من اللّه جلّ جلاله الّذي تتلفّظ بتكبيرة ، فلا تشغل قلبك في تلك الحال بشيء غيره من قليل أمرك وكثيره.

وإذا تلوت تحميده وقلت : الحمد لله ، فقد شهدت انّ الحمد ملكه وانّه أحقّ به من سواه ، فلا يكن في خاطرك محمود عندك ممّن أحسن إليك في دنياك أرجح مقالا ولا أصلح إخلاصا وإقبالا.

وإذا تلوت تسبيحه وتنزيهه فليكن خاطرك منزها له عن أن تؤثّر عليه سواه ، وان يشغلك عنه في تلك الحال غيره ممّن ترجوه أو تراه.

وإذا تلوت تهليلة وقرأت آية الكرسي و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) ، فليكن عليك تصديق الاعتراف له ، بأنه إلهك الّذي لا يشغلك عنه هواك ولا دنياك ، وانّك مملوكه ، وعبده المفتقر إليه ، المشغول به اشتغالا يشهد بتحقيقه سرّك ونجواك.

وإذا قرأت سورة القدر فليكن قلبك معظّما للفظه الشريف ، الّذي جعلك نائبا لتلاوته بين يديه ، وكأنّك تقرء لفظه المقدّس عليه معترفا بحقّها بأبلغ ما يصل جهدك إليه.

وإذا صلّيت على النّبي صلوات اللّه عليه وآله ، فاذكر انّهم غير محتاجين إلى دعاءك لهم بالصلاة عليهم ، بعد ما تعرفه من انّ اللّه تعالى جلّ جلاله صلّى هو وملائكته عليهم ،

ص: 71

لكن قد ورد في الحديث انّ أبواب الإجابات تفتح لطلب الصلوات عليهم في الدعوات ، وإذا فتحها اللّه جلّ جلاله لقبول الصلاة عليهم في مناجاتك كان أرحم وأكرم أن يغلقها عمّا تدعوه عقيب ذلك من حاجاتك ومهماتك.

أقول : فإذا عملت في تلاوة هذه الأمور على ما ذكرناه ، رجوت لنفسك ان تكون عبدا عرف حقّ مولاه وقبل منه فيما يدعوه ، ودعاه وظفر برضاه ، وكان مسعودا في دنياه وأخراه ، وها نحن ذاكرون ما نختاره من الدعوات المختصّة بهذا اليوم المتّفق على تعظيمه بين الفرق المختلفات.

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رضي اللّه عنه ، فيما ذكره في كتاب تهذيب الأحكام ، بإسنادنا إلى مولانا الصّادق صلوات اللّه عليه ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعليّ عليه السلام : ألا أعلّمك دعاء يوم عرفة ، وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء؟ قال : تقول :

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَالَّذِي تَقُولُ وَخَيْراً مِمَّا نَقُولُ ، وَفَوْقَ ما يَقُولُ الْقائِلُونَ ، اللّهُمَّ لَكَ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي ، وَلَكَ بَراءَتِي وَبِكَ حَوْلِي وَمِنْكَ قُوَّتِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَمِنْ وَسْواسِ الصَّدْرِ ، وَمِنْ شَتاتِ الْأَمْرِ ، وَمِنْ عَذابِ الْقَبْرِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الرِّياحِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما تَجِيءُ بِهِ الرِّياحِ ، وَأَسْأَلُكَ خَيْرَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.

اللّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً ، وَفِي سَمْعِي وَبَصَرِي نُوراً ، وَفِي لَحْمِي وَعِظامِي نُوراً ، وَفِي عُرُوقِي وَمَقْعَدِي وَمُقامِي وَمَدْخَلِي وَمَخْرَجِي نُوراً ، وَأَعْظِمْ لِي نُوراً ، يا رَبِّ يَوْمَ أَلْقاكَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1).

ص: 72


1- عنه البحار 98 : 215 ، رواه الشيخ في التهذيب 5 : 183 ، مصباح المتهجد : 687 ، والصدوق في الفقيه 2 : 542.

أقول : وقد كنّا ذكرنا في كتاب عمل اليوم واللّيلة في صفات المخلصين في الدّعوات عدّة روايات ، وسوف نذكر في هذا الموضع ما يليق منها.

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى محمّد بن الحسن بن الوليد ، بإسناده إلى القاسم بن حسين النيسابوري قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام عند ما وقف بالموقف مدّ يديه جميعا ، فما زالتا ممدودتين إلى أن أفاض ، فما رأيت أحدا أقدر على ذلك منه (1).

ومن ذلك ما رويته بإسنادي إلى محمّد بن الحسن الصّفّار ، بإسناده إلى عليّ بن داود قال : رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام في الموقف آخذا بلحيته ومجامع ثوبه وهو يقول بإصبعه اليمنى منكّس الرأس : هذه رمّتي بما جنيت (2).

ومن ذلك ما رويته بإسنادي عن محمّد بن الحسن بن الوليد أيضا ، بإسناده إلى حمّاد بن عبد اللّه قال : كنت قريبا من أبي الحسن موسى عليه السلام بالموقف ، فلمّا همّت الشمس للغروب أخذ بيده اليسرى بمجامع ثوبه ثمّ قال :

اللّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ إِنْ تُعَذِّبْنِي فَبِامُورٍ قَدْ سَلَفَتْ مِنِّي ، وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ بِرمَّتِي ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي فَأَهْلُ الْعَفْوِ أَنْتَ يا اهْلَ الْعَفْوِ ، يا أَحَقَّ مَنْ عَفى اغْفِرْ لِي وَلِأصْحابِي ، وَحرّك دابّته فمرّ (3).

ومن ذلك ممّا لم نذكره في عمل اليوم واللّيلة ، عن مولانا عليّ بن موسى الرِّضا صلوات اللّه عليه في يوم عرفة :

اللّهُمَّ كَما سَتَرْتَ عَلَيَّ ما لَمْ أَعْلَمْ ، فَاغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ ، وَكَما وَسَعَنِي عِلْمُكَ فَلْيَسَعْنِي عَفْوُكَ ، وَكَما بَدَأْتَنِي بِالإِحْسانِ فَأَتِمَّ نِعْمَتَكَ بِالْغُفْرانِ ، وَكَما أَكْرَمْتَنِي بِمَعْرِفَتِكَ فَاشْفَعْها بِمَغْفِرَتِكَ.

وَكَما عَرَّفْتَنِي وَحْدانِيَّتَكَ فَأَكْرِمْنِي بِطاعَتِكَ ، وَكَما عَصَمْتَنِي ما لَمْ أَكُنْ أَعْتَصِمُ مِنْهُ إِلاَّ بِعِصْمَتِكَ ، فَاغْفِرْ لِي ما لَوْ شِئْتَ عَصَمْتَنِي مِنْهُ ، يا جَوادُ يا كَرِيمُ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ (4).

ص: 73


1- عنه البحار 98 : 215.
2- عنه البحار 98 : 215.
3- - عنه البحار 98 : 216.
4- - عنه البحار 98 : 216.

أقول : فانظر رحمك اللّه إلى القوم الّذين تقتدي بآثارهم ، وتهتدي بأنوارهم ، فكن عند دعواتك وفي محلّ مناجاتك على صفاتهم في ضراعاتهم.

ومن الدّعوات المشرّفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن علي صلوات اللّه عليه : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ ، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ ، فَطَرَ أَجْناسَ الْبَدائِعِ ، وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ ، لا يَخْفى عَلَيْهِ الطَّلائِعُ (1) ، وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ.

أَتى بِالْكِتابِ الْجامِعِ ، وَبِشَرْعِ الإِسْلامِ النُّورِ السَّاطِعِ ، وَهُوَ لِلْخَلِيقَةِ صانِعٌ ، وَهُوَ الْمُسْتَعانُ عَلَى الْفَجائِعِ ، جازِي كُلِّ صانِعٍ وَرائِشُ كُلِّ قانِعٍ ، وَراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ ، وَمُنَزِّلُ الْمَنافِعِ ، وَالْكِتابِ الْجامِعِ ، بِالنُّورِ السَّاطِعِ.

وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ ، وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ ، وَلِلْكُرُباتِ دافِعٌ ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ ، وَراحِمُ عَبْرَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، وَدافِعُ (2) ضَرْعَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، فَلا إِلهَ غَيْرُهُ ، وَلا شَيْءَ يَعْدِلُهُ ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ ، وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ ، مُقِرّاً بِأَنَّكَ رَبِّي ، وَأَنَّ إِلَيْكَ مَرَدِّي ، ابْتَدَأْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً ، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الْأَصْلابَ ، أَمْناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ (3) وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ ، فَلَمْ أَزَلْ ظاعِناً (4) مِنْ صُلْبٍ إِلى رَحِمٍ فِي تَقادُمِ (5) الْأَيَّامِ الْماضِيَةِ ، وَالْقُرُونِ الْخالِيَةِ.

لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَأْفَتِكَ بِي ، وَلُطْفِكَ لِي (6) ، وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَيَّامِ

ص: 74


1- الطلائع جمع طليعة ، وهو من يبعث للاطلاع من العدو ، وقد يجيء بمعنى الجماعة فيكون الطلائع بمعنى الجماعات.
2- رافع ( خ ل ).
3- ريب المنون : حوادث الدهر.
4- ظعن : سار ورحل.
5- تقادم بمعنى قدم ، أي مضى على وجوده زمن طويل.
6- بي ( خ ل ).

الْكَفَرَةِ ، الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ ، لكِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي رَأْفَةً مِنْكَ وَتَحَنُّناً (1) عَلَيَّ لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدَى ، الَّذِي فِيهِ يَسَّرْتَنِي ، وَفِيهِ أَنْشَأْتَنِي وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وَسَوابِغِ نِعْمَتِكَ.

فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ، ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ، بَيْنَ لَحْمٍ وَجِلْدٍ وَدَمٍ ، لَمْ تُشْهِدْنِي بِخَلْقِي ، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي.

ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي إِلَى الدُّنْيا تامّاً سَوِيّاً ، وَحَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً ، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الْغَذاءِ لَبَناً مَرِيّاً ، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَواضِنِ (2) ، وَكَفَّلْتَنِي الأُمَّهاتِ الرَّحائِمَ ، وَكَلَأْتَنِي (3) مِنْ طَوارِقِ الْجانِّ وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ ، فَتَعالَيْتَ يا رَحِيمُ يا رَحْمانُ.

حَتّى إِذَا اسْتَهْلَلْتُ (4) ناطِقاً بِالْكَلامِ ، أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الْأَنْعامِ ، فَرَبَّيْتَنِي زائِداً فِي كُلِّ عامٍ ، حَتَّى إِذا كَمُلَتْ فِطْرَتِي ، وَاعْتَدَلَتْ سَرِيرَتِي ، أَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَنْ أَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتِكَ وَرَوَّعْتَنِي (5) بِعَجائِبِ فِطْرَتِكَ ، وَأَنْطَقْتَنِي لِما ذَرَأْتَ (6) فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ ، وَنَبَّهْتَنِي لِذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَواجِبِ طاعَتِكَ وَعِبادَتِكَ ، وَفَهَّمْتَنِي ما جائَتْ بِهِ رُسُلُكَ ، وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَوْنِكَ وَلُطْفِكَ.

ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ حَرِّ الثَّرى (7) لَمْ تَرْضَ لِي يا إِلهِي بِنِعْمَةٍ دُونَ أُخْرى ، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَنْواعِ الْمَعاشِ وَصُنُوفِ الرِّياشِ (8) بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ عَلَيَّ ،

ص: 75


1- تحنّن : ترحّم.
2- الحاضنة : التي تقوم على الصغير في تربيته.
3- كلأه اللّه فلانا : حرسه وحفظه.
4- استهلّ الصبيّ : رفع صوته بالبكاء عند الولادة.
5- روعتني : ألقيت في روعي وقلبي عجائب خلقتك.
6- ذرء : خلق.
7- حرّ كل دار وارض : وسطها.
8- الرياش : اللباس الفاخر.

وَإِحْسانِكَ الْقَدِيمِ إِلَيَّ حَتّى إذا أَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ.

لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَنِي عَلى مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ ، وَوَفَّقْتَنِي لِما يُزْلِفُنِي لَدَيْكَ ، فَانْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي ، وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي ، وَإِنْ أَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي ، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي ، كُلُّ ذلِكَ إِكْمالاً لَانْعُمِكَ عَلَيَّ وَإِحْساناً الَيَّ.

فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ مِنْ مُبْدِئ مُعِيدٍ حَمِيدٍ مَجِيدٍ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ ، فَأَيَّ أَنْعُمِكَ (1) يا إِلهِي احْصِي عَدَداً أَوْ ذِكْراً ، أَمْ أَيَّ عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً ، وَهِيَ يا رَبِّ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيهَا الْعادُّونَ ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِها الْحافِظُونَ.

ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّي ، اللّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ.

وَأَنَا اشْهِدُكَ (2) يا إِلهِي بِحَقِيقَةِ إِيمانِي وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقِينِي وَخالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي ، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي ، وَعَلائِقِ مَجارِي نُورِ بَصَرِي ، وَأَسارِيرِ (3) صَفْحَةِ جَبِينِي ، وَخَرْقِ (4) مَسارِبِ (5) نَفْسِي ، وَخَذارِيفِ (6) مارِنِ عِرْنِينِي (7) ، وَمَسارِبِ صَماخِ (8) سَمْعِي ، وَما ضُمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ ، وَحَرَكاتِ لَفْظِ

ص: 76


1- فأي نعمك ( خ ل ).
2- اشهد ( خ ل ).
3- الأسارير : محاسن الوجه والخدّين والوجنتان.
4- الخرق : النقض.
5- سرب الماء : مسيله ومجراه.
6- الخذاريف : القطعات.
7- العرنين : الأنف كله أو ما صلب منه ، المارن : طرف الأنف أو ما لان من طرفه.
8- الصماخ : الاذن الباطن الماضي إلى الرأس.

لِسانِي ، وَمَغْرِزِ حَنَكِ (1) فَمِي وَفَكِّي ، وَمَنابِتِ أَضْراسِي ، وَبُلُوغِ حَبائِلِ بارِعٍ (2) عُنُقِي ، وَمَساغِ (3) مَطْعَمِي (4) وَمَشْرَبِي ، وَحَمالَةِ (5) أُمِّ رَأْسِي ، وَجُمَلِ حَمائِلِ حَبْلِ وَتِيْنِي ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تامُورُ (6) صَدْرِي ، وَنِياطُ (7) حِجابِ قَلْبِي ، وَأَفْلاذُ حَواشِي كَبِدِي ، وَما حَوَتْهُ شَراسِيفُ (8) أَضْلاعِي ، وَحِقاقُ (9) مَفاصِلِي ، وَأَطْرافُ أَنامِلِي ، وَقَبْضُ عَوامِلِي ، وَدَمِي وَشَعْرِي ، وَبَشَرِي وَعَصَبِي ، وَقَصَبِي وَعِظامِي ، وَمُخِّي وَعُرُوقِي ، وَجَمِيعُ جَوارِحِي ، وَمَا انْتَسَجَ عَلى ذلِكَ أَيَّامُ رِضاعِي ، وَما أَقَلَّتِ الْأَرْضُ مِنِّي ، وَنَوْمِي وَيَقْظَتِي وَسُكُونِي وَحَرَكَتِي ، وَحَرَكاتُ رُكُوعِي وَسُجُودِي ، أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَى الْأَعْصارِ وَالْأَحْقابِ (10) - لَوْ عُمِّرْتُها - أَنْ أُؤَدِّيَ شُكْرَ واحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ ، مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ ، إِلاّ بِمَنِّكَ الْمُوجِبِ عَلَيَّ شُكْراً آنِفاً جَدِيداً ، وَثَناءً طارِفاً (11) عَتِيداً (12).

أَجَلْ ، وَلَوْ حَرَصْتُ وَالْعادُّونَ مِنْ أَنامِكَ أَنْ نُحْصِيَ مَدى إِنْعامِكَ ، سالِفَةً وَآنِفَةً ، لَما حَصَرْناهُ عَدَداً ، وَلا أَحْصَيْناهُ أَبَداً ، هَيْهاتَ أَنَّى ذلِكَ وَأَنْتَ الْمُخْبِرُ عَنْ نَفْسِكَ فِي كِتابِكَ النّاطِقِ ، وَالنَّبَإِ الصَّادِقِ : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها » (13).

ص: 77


1- الحنك : أعلى باطن الفم ، الأسفل من طرف مقدم اللحيين.
2- برع الجبل : علاه.
3- ساغ الشراب : هنأ وسهل مدخله في الخلق.
4- ما كلى ( خ ل ).
5- الحمالة : علاقة السيف.
6- التامور : الوعاء والنفس وحيوتها والقلب وصوته ودمه.
7- النياط : عرق علق به القلب من الوتين فإذا انقطع مات صاحبه.
8- الشرسوف : طرف الضلع المشرف على البطن.
9- الحقاق : جمع حقة ، رأس الورك فيها عظم الفخذ ورأس العضد الذي فيه الوابلة.
10- الحقب : ثمانون سنة أو أكثر ، الدهر.
11- الطرف : الحديث من المال.
12- العتيد : الشيء الحاضر المهيا.
13- إبراهيم : 34 ، النحل : 18.

صَدَقَ كِتابُكَ اللّهُمَّ وَنَبَاؤُكَ ، وَبَلَّغَتْ أَنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ ، ما أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ مِنْ دِينِكَ ، غَيْرَ أَنِّي (1) أَشْهَدُ بِجِدِّي وَجَهْدِي ، وَمَبالِغِ طاقَتِي وَوُسْعِي ، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَ مَوْرُوثاً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ فَيُضادَّهُ فِيمَا ابْتَدَعَ ، وَلا وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ (2) فِيما صَنَعَ.

سُبْحانَهُ سُبْحانَهُ سُبْحانَهُ ، لَوْ كانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا ، فَسُبْحانَ اللّهِ الْواحِدِ الْحَقِّ الْأَحَدِ الصَّمَدِ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً يَعْدِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمُخْلِصِينَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ ، وَأَسْعِدْنِي بِتَقْواكَ ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ ، حَتّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ ، وَلا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْ غِنايَ فِي نَفْسِي ، وَالْيَقِينَ فِي قَلْبِي ، وَالإِخْلاصَ فِي عَمَلِي ، وَالنُّورَ فِي بَصَرِي ، وَالْبَصِيرَةَ فِي دِينِي ، وَمَتِّعْنِي بِجَوارِحِي ، وَاجْعَلْ سَمْعِي وَبَصَرِي الْوارِثَيْنِ مِنِّي ، وَانْصُرْنِي عَلى مَنْ ظَلَمَنِي ، وَأَرِنِي فِيهِ (3) مَآرِبِي (4) وَثارِي وَأَقِرَّ بِذلِكَ عَيْنِي.

اللّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتِي وَاسْتُرْ عَوْرَتِي ، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي ، وَاخْسَأْ (5) شَيْطانِي ، وَفُكَّ رِهانِي وَاجْعَلْ لِي يا إِلهِي الدَّرَجَةَ الْعُلْيا فِي الاخِرَةِ وَالأُولى ،

ص: 78


1- غير انّي يا إلهي ( خ ل ).
2- الإرفاد : الإعطاء والإعانة والاسترفاد والاستعانة.
3- في الأصل : وارزقني ، ما أثبتناه من البلد الأمين.
4- المأرب : الحاجة.
5- خسأت الكلب خساء : طردته.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي سَمِيعاً بَصِيراً ، وَلَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي حَيّاً سَوِيّاً ، رَحْمَةً بِي وَكُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّاً.

رَبِّ بِما بَرَأْتَنِي فَعَدَّلْتَ فِطْرَتِي ، رَبِّ بِما أَنْشَأْتَنِي فَأَحْسَنْتَ صُورَتِي ، يا رَبِّ بِما أَحْسَنْتَ بِي وَفِي نَفْسِي عافَيْتَنِي ، رَبِّ بِما كَلَأْتَنِي وَوَفَّقْتَنِي رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَهَدَيْتَنِي ، رَبِّ بِما آوَيْتَنِي وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ آتَيْتَنِي وَأَعْطَيْتَنِي ، رَبِّ بِما أَطْعَمْتَنِي وَسَقَيْتَنِي ، رَبِّ بِما أَغْنَيْتَنِي وَأَقْنَيْتَنِي (1) ، رَبِّ بِما أَعَنْتَنِي وَأَعْزَزْتَنِي.

رَبِّ بِما أَلْبَسْتَنِي مِنْ ذِكْرِكَ الصَّافِي ، وَيَسَّرْتَ لِي مِنْ صُنْعِكَ الْكافِي ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَعِنِّي عَلى بَوائِقِ (2) الدَّهْرِ ، وَصُرُوفِ الْأَيَّامِ وَاللَّيالِي ، وَنَجِّنِي مِنْ أَهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ الاخِرَةِ وَاكْفِنِي شَرَّ ما يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِي الْأَرْضِ.

اللّهُمَّ ما أَخافُ فَاكْفِنِي ، وَما أَحْذَرُ فَقِنِي ، وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي ، وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي ، وَفِي أَهْلِي وَمالِي وَوَلَدِي فَاخْلُفْنِي ، وَفِيمَا رَزَقْتَنِي فَبارِكْ لِي ، وَفِي نَفْسِي فَذَلِّلْنِي ، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِي ، وَمِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالانْسِ فَسَلِّمْنِي ، وَبِذُنُوبِي فَلا تَفْضَحْنِي ، وَبِسَرِيرَتِي فَلا تُخْزِنِي ، وَبِعَمَلِي فَلا تَبْتَلِنِي ، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْنِي وَإِلى غَيْرِكَ فَلا تَكِلْنِي.

إِلى مَنْ تَكِلْنِي ، إِلَى الْقَرِيبِ يَقْطَعُنِي ، أَمْ إِلَى الْبَعِيدِ يَتَجَهَّمُنِي (3) ، أَمْ إِلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ لِي ، وَأَنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ أَمْرِي ، أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دارِي وَهَوانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي.

اللّهُمَّ فَلا تُحْلِلْ بِي غَضَبَكَ ، فَانْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا أُبالِي سِواكَ ، غَيْرَ أَنَّ عافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي ، فَأَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ

ص: 79


1- قنى المال : جمعه ، اقناه اللّه : أغناه وأعطاه ما يقتني.
2- البوائق : الدواهي.
3- يتجهمني : يطردني.

وَالسَّماواتُ ، وَانْكَشَفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، أَنْ لا تُمِيتَنِي عَلى غَضَبِكَ وَلا تُنْزِلَ بِي سَخَطَكَ ، لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى قَبْلَ (1) ذلِكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ.

رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرامِ ، وَالْمَشْعَرِ الْحَرامِ ، وَالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ، الَّذِي أَحْلَلْتَهُ الْبَرَكَةَ ، وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ أَمَنَهً ، يا مَنْ عَفى عَنِ الْعَظِيمِ مِنَ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ ، يا مَنْ أَسْبَغَ النِّعْمَةَ بِفَضْلِهِ ، يا مَنْ أَعْطَى الْجَزِيلَ (2) بِكَرَمِهِ.

يا عُدَّتِي فِي كُرْبَتِي ، يا مُونِسِي فِي حُفْرَتِي ، يا وَلِيَّ نِعْمَتِي ، يا إِلهِي وَإِلهَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ، وَرَبَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ ، وَرَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبِينَ ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالانْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقانِ الْعَظِيمِ (3) ، وَمُنْزِلَ كهيعص وَطه ، وَيس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ.

أَنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي الْمَذاهِبُ فِي سَعَتِها ، وَتَضِيقُ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِرَحْبِها (4) ، وَلَوْ لا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ ، وَأَنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْداءِ ، وَلَوْ لا نَصْرُكَ لِي لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلوبِينَ.

يا مَنْ خَصَّ نَفْسَه بِالسُّمُوِّ وَالرَّفْعَةِ ، وَأَوْلِياؤُهُ بِعِزِّةِ يَتَعَزَّزُونَ (5) ، يا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ (6) عَلى أَعْناقِهِمْ فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ ، تَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَغَيْبَ ما تَأْتِي بِهِ الْأَزْمانُ وَالدُّهُورُ.

يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلاّ هُوَ (7) ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما يَعْلَمُهُ إِلاَّ هُوَ ، يا مَنْ كَبَسَ (8) الْأَرْضَ عَلَى الْماءِ وَسَدَّ الْهَواءَ بِالسَّماءِ ، يا مَنْ لَهُ أَكْرَمُ الْأَسْماءِ ، يا ذَا

ص: 80


1- من قبل ( خ ل ).
2- الجزيل : الكثير.
3- في الأصل : القرآن العظيم ، ما أثبتناه من البلد الأمين.
4- بما رحبت ( خ ل ) ، رحب المكان : اتّسع.
5- يعتزون ( خ ل ).
6- نير المذلة : علائمهما.
7- يا من لا يعلم ما هو الاّ هو ( خ ل ).
8- كبس البئر : طمها بالتراب.

الْمَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ أَبَداً.

يا مُقَيِّضَ (1) الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِي الْبَلَدِ الْقَفْرِ ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِّ ، وَجاعِلَهُ بَعْدَ الْعُبُودِيَّةِ مَلِكاً ، يا رادَّ يُوسُفَ عَلى يَعْقُوبَ بَعْدَ أَنْ ابْيَضَّتْ عَيْناه مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (2).

يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلاءِ عَنْ أَيُّوبَ ، يا مُمْسِكَ يَدِ إِبْراهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَفَناءِ عُمْرِهِ ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيى وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحِيداً ، يا مَنْ أَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ ، يا مَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرائِيلَ فَأَنْجاهُمْ وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْمُغْرَقِينَ.

يا مَنْ أَرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ، يا مَنْ لا يُعَجِّلُ (3) عَلى مَنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ ، يا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْجُحُودِ (4) ، وَقَدْ غَدَوْا فِي نِعْمَتِهِ ، يَأْكُلُونَ رِزْقَهُ ، وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ ، وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ.

يَا اللّهُ يا بَدِيءُ لا بَدْءَ لَكَ ، يا دائِماً لا نَفادَ (5) لَكَ ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ ، يا مُحْيِي الْمَوْتَى ، يا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ، يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي ، وَعَظُمَتْ خَطِيئَتِي فَلَمْ يَفْضَحْنِي ، وَرَآنِي عَلَى الْمَعاصِي فَلَمْ يَخْذُلْنِي (6).

يا مَنْ حَفِظَنِي فِي صِغَرِي ، يا مَنْ رَزَقَنِي فِي كِبَرِي ، يا مَنْ أَيادِيهِ (7) عِنْدِي لا تُحْصى ، يا مَنْ نِعَمُهُ عِنْدِي لا تُجازى ، يا مَنْ عارَضَنِي بِالْخَيْرِ وَالإِحْسانِ ، وَعارَضْتُهُ بِالإِساءَةِ وَالْعِصْيانِ ، يا مَنْ هَدانِي بِالإِيْمانِ قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ شُكْرَ الامْتِنانِ.

ص: 81


1- مقيّض : مقدّر.
2- الكظيم بمعنى المكظوم وهو المملوّ كربا.
3- لم يعجل ( خ ل ).
4- جحد : أنكر.
5- النفاد : الانقطاع.
6- فلم يخزني ( خ ل ) ، وفي البلد الأمين : فلم يشهرني.
7- أياديه : نعمائه.

يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفانِي ، وَعُرْياناً فَكَسانِي ، وَجائِعاً فَأَطْعَمَنِي ، وَعَطْشاناً فَأَرْوانِي ، وَذَلِيلاً فَأَعَزَّنِي ، وَجاهِلاً فَعَرَّفَنِي ، وَوَحِيداً فَكَثَّرَنِي ، وَغائِباً فَرَدَّنِي ، وَمُقِلًّا فَأَعْنانِي ، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي ، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي ، وَأَمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذلِكَ فَابْتَدَأَنِي.

فَلَكَ الْحَمْدُ يا مَنْ أَقالَ عَثْرَتِي ، وَنَفَّسَ كُرْبَتِي ، وَأَجابَ دَعْوَتِي ، وَسَتَرَ عَوْرَتِي وَذُنُوبِي ، وَبَلَّغَنِي طَلِبَتِي ، وَنَصَرَنِي عَلى عَدُوِّي ، وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمَ مِنَحِكَ (1) لا أُحْصِيها يا مَوْلايَ.

أَنْتَ الَّذِي أَنْعَمْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ.

أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ. أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ ، تَبارَكْتَ رَبِّي (2) وَتَعالَيْتَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ دائِماً ، وَلَكَ الشُّكْرُ واصِباً (3).

ثُمَّ أَنَا يا إِلهِي الْمُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي ، أَنَا الَّذِي أَخْطَأْتُ ، أَنَا الَّذِي أَغْفَلْتُ ، أَنَا الَّذِي جَهِلْتُ ، أَنَا الَّذِي هَمَمْتُ ، أَنَا الَّذِي سَهَوْتُ ، أَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ ، أَنَا الَّذِي تَعَمَّدْتُ ، أَنَا الَّذِي وَعَدْتُ ، أَنَا الَّذِي أَخْلَفْتُ ، أَنَا الَّذِي نَكَثْتُ ، أَنَا الَّذِي أَقْرَرْتُ.

ص: 82


1- المنحة : العطية.
2- ربنا ( خ ل ).
3- واجبا ( خ ل ) ، أقول : واصبا : دائما.

إِلهِي (1) أَعْتَرِفُ بِنِعْمَتِكَ عِنْدِي ، وَأَبُوؤُهُ (2) بِذُنُوبِي فَاغْفِرْ لِي ، يا مَنْ لا تضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ طاعَتِهِمْ ، وَالْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ صالِحاً بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَلَكَ الْحَمْدُ.

إِلهِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ ، وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ ، فَأَصْبَحْتُ لا ذا بَراءَةٍ فَأَعْتَذِرُ ، وَلا ذا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَسْتَقْبِلُكَ (3) يا مَوْلايَ ، أَبِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي ، أَمْ بِلِسانِي أَمْ بِيَدِي أَمْ بِرِجْلِي؟ أَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدِي ، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلايَ ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلَيَّ.

يا مَنْ سَتَرَنِي مِنَ الآباءِ وَالأُمَّهاتِ أَنْ يَزْجُرُونِي ، وَمِنَ الْعَشائِرِ وَالإِخْوانِ أَنْ يُعَيِّرُونِي ، وَمِنَ السَّلاطِينِ أَنْ يُعاقِبُونِي ، وَلَوِ اطَّلَعُوا يا مَوْلايَ عَلى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّى ، إِذاً ما أَنْظَرُونِي وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي.

فَها أَنَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدِي ، خاضِعاً ذَلِيلاً حَقِيراً (4) ، لا ذُو بَراءَةٍ فَأَعْتَذِرُ ، وَلا ذُو قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ ، وَلا حُجَّةٍ لِي فَأَحْتَجَّ بِها ، وَلا قائِلٌ لَمْ أَجْتَرِحْ (5) وَلَمْ أَعْمَلْ سُوءاً.

وَما عَسَى الْجُحُودُ لَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلايَ فَيَنْفَعُنِي (6) ، وَكَيْفَ وَأَنَّى ذلِكَ وَجَوارِحِي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَدْ [ عَمِلْتُ وَ ] (7) عَلِمْتُ يَقِيناً غَيْرَ ذِي شَكٍّ أَنَّكَ سائِلِي عَنْ عَظائِمِ الأُمُورِ.

وَأَنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لا يَجُورُ ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكِي ، وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبِي ، فَانْ تُعَذِّبْنِي فَبِذُنُوبِي يا مَوْلايَ (8) بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي

ص: 83


1- أنا يا الهي ( خ ل ).
2- أبوء به : اعترف به.
3- أستقيلك ( خ ل ).
4- حصيرا حقيرا ( خ ل ).
5- اجترح الشيء : اكتسبه.
6- ينفعني ( خ ل ).
7- من البلد الأمين.
8- يا إلهي ( خ ل ).

فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ.

لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ سُبْحانَكَ انِّي كُنْتُ مِنَ الْوَجِلِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاجِينَ الرَّاغِبِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ السَّائِلِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُهَلِّلِينَ الْمُسَبِّحِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ رَبِّي وَرَبُّ آبائِيَ الْأَوَّلِينَ.

اللّهُمَّ هذا ثَنائِي عَلَيْكَ مُمَجِّداً ، وَإِخْلاصِي لَكَ مُوَحِّداً ، وَإِقْرارِي بِآلائِكَ مُعَدِّداً ، وَإِنْ كُنْتُ مُقِرّاً أَنِّي لا أُحْصِيها لِكَثْرَتِها وَسُبُوغِها ، وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها ، إِلى حادِثٍ ما لَمْ تَزَلْ تَتَغَمَّدُنِي بِهِ مَعَها ، مُذْ خَلَقْتَنِي وَبَرَأْتَنِي مِنْ أَوَّلِ الْعُمْرِ ، مِنَ الإِغْناءِ بَعْدَ الْفَقْرِ وَكَشْفِ الضُّرِّ ، وَتَسْبِيبِ الْيُسْرِ ، وَدَفْعِ الْعُسْرِ ، وَتَفْرِيجِ الْكَرْبِ ، وَالْعافِيَةِ فِي الْبَدَنِ وَالسَّلامَةِ فِي الدِّينِ.

وَلَوْ رَفَدَنِي (1) عَلى قَدْرِ ذِكْرِ نِعَمِكَ عَلَيَّ جَمِيعُ الْعالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، لَما قَدَرْتُ وَلا هُمْ عَلى ذلِكَ ، تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ عَظِيمٍ كَرِيمٍ رَحِيمٍ ، لا تُحْصى آلاؤُكَ ، وَلا يَبْلُغُ ثَناؤُكَ ، وَلا تُكافِئ نَعْماؤُكَ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَتْمِمْ عَلَيْنا نِعْمَتَكَ ، وَأَسْعِدْنا بِطاعَتِكَ سُبْحانَكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ.

اللّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّ إِذا دَعاكَ ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ ، وَتُغِيثُ الْمَكْرُوبَ ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ ، وَتُغْنِي الْفَقِيرَ ، وَتَجْبُرُ الْكَسِيرَ ، وَتَرْحَمُ الصَّغِيرَ ، وَتُعِينُ الْكَبِيرَ ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ ، وَلا فَوْقَكَ قَدِيرٌ ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.

يا مُطْلِقَ الْمُكَبَّلِ الْأَسِيرِ ، يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ ، يا عِصْمَةَ الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ ، يا مَنْ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَعْطِنِي

ص: 84


1- رفده : أعانه.

فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ أَفْضَلَ ما أَعْطَيْتَ ، وَأَنَلْتَ أَحَداً مِنْ عِبادِكَ مِنْ نِعْمَةٍ تُوَلِّيها ، وَآلاءٍ تُجَدِّدُها ، وَبَلِيَّةٍ تَصْرِفُها ، وَكُرْبَةٍ تَكْشِفُها ، وَدَعْوَةٍ تَسْمَعُها ، وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُها ، وَسَيِّئَةٍ تَغْفِرُها ، إِنَّكَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ، وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ ، وَأَسْرَعُ مَنْ أَجابَ ، وَأَكْرَمُ مَنْ عَفى ، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطى ، وَأَسْمَعُ مَنْ سُئِلَ ، يا رَحْمانَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَرَحِيمَهُما ، لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْئُولٌ ، وَلا سِواكَ مَأْمُولٌ ، دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي ، وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي ، وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي ، وَوَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيْتَنِي ، وَفَزِعْتُ إِلَيْكَ فَكَفَيْتَنِي.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ ، وَتَمِّمْ لَنا نَعْماءَكَ ، وَهَنِّئْنا عَطاءَكَ وَاجْعَلْنا لَكَ شاكِرِينَ ، وَلِآلائِكَ ذاكِرِينَ ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ يا مَنْ مَلِكَ فَقَدَرَ ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ ، وَعُصِيَ فَسَتَرَ ، وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ ، يا غايَةَ رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ ، وَمُنْتَهى أَمَلِ الرَّاجِينَ ، يا مَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ، وَوَسِعَ الْمُسْتَقْبِلِينَ (1) رَأْفَةً وَحِلْماً.

اللّهُمَّ إِنَّا نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ الَّتِي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ ، وَأَمِينِكَ عَلى وَحْيِكَ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، السِّراجِ الْمُنِيرِ ، الَّذِي أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَما مُحَمَّدٌ أَهْلُ ذلِكَ يَا عَظِيمُ ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِينَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنَّا ، فَالَيْكَ عَجَّتِ (2) الْأَصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ ، وَاجْعَلْ لَنا فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ نَصِيباً فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ ، وَنُورٍ تَهْدِي بِهِ ، وَرَحْمَةٍ تَنْشُرُها ، وَعافِيَةٍ تُجَلِّلُها ، وَبَرَكَةٍ تُنْزِلُها ، وَرِزْقٍ تَبْسُطُهُ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ اقْلِبْنا فِي هذا الْوَقْتِ مُنْجِحِينَ مُفْلِحِينَ مَبْرُورينَ غانِمِينَ ،

ص: 85


1- في البلد الأمين والبحار : المستقيلين.
2- عجّت : ارتفعت.

وَلا تَجْعَلْنا مِنَ الْقانِطِينَ ، وَلا تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ ، وَلا تَرُدَّنا خائِبِينَ ، وَلا مِنْ (1) بابِكَ مَطْرُودِينَ ، وَلا تَجْعَلْنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومِينَ ، وَلا لِفَضْلِ ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطاياكَ قانِطِينَ ، يا أَجْوَدَ الْأَجْوَدِينَ وَيا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.

اللّهُمَّ إِلَيْكَ أَقْبَلْنا مُوقِنِينَ (2) ، وَلِبَيْتِكَ الْحَرامِ آمِّينَ قاصِدِينَ ، فَأَعِنَّا عَلى مَنْسَكِنا وَأَكْمِلْ لَنا حَجَّنا ، وَاعْفُ اللّهُمَّ عَنَّا وَعافِنا ، فَقَدْ مَدَدْنا إِلَيْكَ أَيْدِيَنا ، وَهِيَ بِذِلَّةِ الاعْتِرافِ مَوْسُومَةٌ ، اللّهُمَّ فَأَعْطِنا فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ ما سَأَلْناكَ ، وَاكْفِنا مَا اسْتَكْفَيْناكَ ، فَلا كافِيَ لَنا سِواكَ وَلا رَبَّ لَنا غَيْرُكَ ، نافِذٌ فِينا حُكْمُكَ ، مُحِيطٌ بِنا عِلْمُكَ ، عَدْلٌ فِينا قَضاؤُكَ ، اقْضِ لَنا الْخَيْرَ وَاجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ.

اللّهُمَّ أَوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظِيمَ الْأَجْرِ ، وَكَرِيمَ الذُّخْرِ وَدَوامَ الْيُسْرِ ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أَجْمَعِينَ ، وَلا تُهْلِكْنا مَعَ الْهالِكِينَ ، وَلا تَصْرِفْ عَنَّا رَأْفَتَكَ ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللّهُمَّ اجْعَلْنا فِي هذا الْوَقْتِ مِمَّنْ سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ ، وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ ، وَتابَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ ، وَتَنَصَّلَ (3) إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهِ فَغَفَرْتَها لَهُ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، اللّهُمَّ وَفِّقْنا وَسَدِّدْنا وَاعْصِمْنا وَاقْبَلْ تَضَرُّعَنا.

يا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ ، وَيا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ ، يا مَنْ لا يَخْفى عَلَيْهِ إِغْماضُ الْجُفُونِ ، وَلا لَحْظِ الْعُيُونِ ، وَلا مَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَكْنُونِ ، وَلا مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمِراتُ الْقُلُوبِ ، الا كُلُّ ذلِكَ قَدْ أَحْصاهُ عِلْمُكَ ، وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ.

سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ، تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالْمَجْدُ ، وَعُلُوُّ الْجِدِّ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، وَالْفَضْلِ وَالإِنْعامِ وَالْأَيادِي الْجِسامِ وَأَنْتَ

ص: 86


1- عن ( خ ل ).
2- مؤمنين ( خ ل ).
3- تنصّل : تبرّأ.

الْجَوادُ الْكَرِيمُ ، الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ ، أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ ، وَعافِنِي فِي بَدَنِي وَدِينِي ، وَآمِنْ خُوفِي ، وَأَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ.

اللّهُمَّ لا تمكرْ بِي وَلا تَسْتَدْرِجْنِي وَلا تَخْذُلْنِي ، وَادْرَءْ (1) عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالانْسِ ، يا أَسْمَعَ السَّامِعِينَ ، وَيا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ ، وَيا أَسْرَعَ الْحاسِبِينَ ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

وَأَسْأَلُكَ اللّهُمَّ حاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي ، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي ، أَسْأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، لَكَ الْمُلْكُ ، وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِ (2).

ومن الدعوات في يوم عرفة دعاء مولانا زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ، وهو من أدعية الصحيفة :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ بَدِيعَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، وَإِلهَ كُلِّ شَيْءٍ مَأْلُوهٍ (3) ، وَخالِقَ كُلِّ شَيْءٍ مَخْلُوقٍ ، وَوارِثَ كُلِّ شَيْءٍ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَلا يَعْزُبُ (4) عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبٌ.

أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْأَحَدُ الْمُتَوَحِّدُ ، الْفَرْدُ ، الدَّائِمُ الْمُتَفَرِّدُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْكَرِيمُ الْمُتَكَرِّمُ ، الْعَظِيمُ الْمُتَعَظِّمُ ، الْكَبِيرُ الْمُتَكَبِّرُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْقَدِيمُ الْخَبِيرُ.

ص: 87


1- ادرء : أسقط.
2- المألوه : المعبود من دونه تعالى.
3- لا يعزب : لا يغيب.
4- عنه البحار 98 : 216 - 227 ، أخرجه الكفعمي في البلد الأمين : 251 - 258 ، أقول : يوجد هنا في بعض النسخ المخطوطة زيادة ، ولا يوجد في النسخة المعتبرة من الكتاب.

وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْكَرِيمُ الاكْرَمُ ، الدَّائِمُ الادْوَمُ (1) ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ احَدٍ ، وَالْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ عَدَدٍ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الدَّانِي (2) فِي عُلُوِّهِ ، وَالْعالِي فِي دُنُوِّهِ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، أَنْشَأْتَ الأَشْياءَ مِنْ غَيْرِ سِنْخٍ (3) وَصَوَّرْتَ ما صَوَّرْتَ مِنْ غَيْرِ مِثالٍ ، وَابْتَدَأْتَ الْمُبْتَدَعاتِ بِلَا احْتِذاءٍ (4).

وَأَنْتَ اللّهُ الَّذِي قَدَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَقْدِيراً ، وَيَسَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَيْسِيراً ، وَدَبَّرْتَ ما دَبَّرْتَ تَدْبِيراً ، أَنْتَ الَّذِي لَمْ يُعِنْكَ عَلى خَلْقِكَ شَرِيكٌ وَلَمْ يُوازِرْكَ (5) فِي امْرِكَ وَزِيرٌ ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ مُشابِهٌ (6) وَلا نَظِيرٌ.

أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ فَكانَ حَتْماً ما أَرَدْتَ ، وَقَضَيْتَ فَكانَ عَدْلاً ما قَضَيْتَ ، وَحَكَمْتَ فَكانَ نِصْفاً (7) ما حَكَمْتَ ، أَنْتَ الَّذِي لا يُحْوِيكَ (8) مَكانٌ ، وَلا يَقُومُ (9) لِسُلْطانِكَ سُلْطانٌ ، وَلَمْ يُعْيِكَ (10) بُرْهانٌ وَلا بَيانٌ ، أَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ شَيْءٍ أَحَداً ، وَقَدَّرْتَ كُلِّ شَيْءٍ تَقْدِيراً.

أَنْتَ الَّذِي قَصُرَتِ الأَوْهامُ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ وَلَمْ تُدْرِكِ الأَبْصارُ مَوْضِعَ انِّيَّتِهِ (11) ، أَنْتَ الَّذِي لا تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً ، وَلا تُمَثَّلُ فَتَكُونَ مَوْجُوداً (12) مَشْهُوداً ، وَلَمْ تَلِدْ فَتَكُونَ مَوْلُوداً.

ص: 88


1- وأنت اللّه لا إله إلاّ أنت العلي المتعال الشديد المحال ( خ ل ).
2- الداني : القريب.
3- السنخ : الأصل.
4- بلا احتذاء : بلا اقتداء.
5- يؤازرك : يعاونك.
6- مشاهد ( خ ل ).
7- نصفا : عدلا.
8- يحويك : يضمّك ويجمعك.
9- لم يقم ( خ ل ).
10- يعيك : يعجزك.
11- كيفيتك ، أينيتك ( خ ل ).
12- ممثلا ( خ ل ).

أَنْتَ الَّذِي لا ضِدَّ لَكَ [ فَيُعانِدُكَ ] (1) وَلا عِدْلَ (2) لَكَ فَيُكاثِرُكَ ، وَلا نِدَّ لَكَ فَيُعارِضُكَ ، أَنْتَ الَّذِي ابْتَدَأَ وَاخْتَرَعَ ، وَاسْتَحْدَثَ ، وَابْتَدَعَ ، وَاحْسَنَ صُنْعَ ما صَنَعَ.

سُبْحانَكَ مِنْ لَطِيفٍ ما أَلْطَفَكَ ، وَرَءُوفٍ ما ارْافَكَ ، وَعَلِيمٍ (3) ما اعْرَفَكَ ، وَسُبْحانَكَ مِنْ مَنِيعٍ (4) ما امْنَعَكَ ، وَجَوادٍ ما اوْسَعَكَ ، وَرَفِيعٍ ما ارْفَعَكَ (5) ، سُبْحانَكَ بَسَطَتْ بِالْخَيْراتِ يَدُكَ ، وَعَرَفْتُ الْهِدايَةَ مِنْ عِنْدِكَ ، فَمَنْ الْتَمَسَكَ لِدِينٍ اوْ دُنْيا وَجَدَكَ.

سُبْحانَكَ خَضَعَ لَكَ وَمَنْ جَرى فِي عِلْمِكَ (6) ، وَخَشَعَ لِعَظَمَتِكَ ما دُونَ عَرْشِكَ ، وَانْقادَ لِلتَّسْلِيمِ لَكَ كُلُّ خَلْقِكَ ، سُبْحانَكَ لا تُحَسُ (7) وَلا تُمَسُّ ، وَلا تُكادُ وَلا تُماطُ (8) ، وَلا تُغالَبُ وَلا تُنازَعُ ، وَلا تُجارى (9) وَلا تُمارى ، (10) وَلا تُخادَعُ وَلا تُماكَرُ ، وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ.

سُبْحانَكَ قَوْلُكَ حُكْمٌ ، وَقَضاؤُكَ حَتْمٌ ، وَإِرادَتُكَ عَزْمٌ ، فَسُبْحانَكَ لا رادَّ لِمَشِيَّتِكَ ، يا (11) فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، بانِيَ الْمَسْمُوكاتِ (12) ، بارِئَ النَّسَماتِ (13).

ص: 89


1- من الصحيفة السجادية.
2- عديل ( خ ل ) ، أقول : العدل : المثل والنظير.
3- حكيم ( خ ل ).
4- مليك ( خ ل ).
5- ذي البهاء والمجد والكبرياء والجمال ( خ ل ).
6- حوى علمك ( خ ل ).
7- لا تحس : لا تفحص إخبارك.
8- لا تحاط ( خ ل ) ، أقول : لا تماط : لا تدفع ولا تبعد.
9- لا تجاري : لا تطاول ولا تغالب.
10- لا تماري : لا تجادل.
11- سبحانك باهر الآيات ( خ ل ).
12- سمك الشيء : رفعه ، المسموكات : السماوات.
13- بارئ النسمات : خالق النفوس.

لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَدُومُ بِدَوامِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خالِداً بِنِعْمَتِكَ (1) ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَزِيدُ عَلى رِضاكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مَعَ حَمْدِ كُلِّ حامِدٍ ، وَحَمْداً يَقْصُرُ عَنْهُ (2) شُكْرُ كُلِّ شاكِرٍ ، حَمْداً لا يَنْبَغِي إِلاَّ لَكَ وَلا يُتَقَرَّبُ إِلاَّ إِلَيْكَ.

حَمْداً يُسْتَدامُ بِهِ الْأَوَّلُ وَيُسْتَدْعى بِهِ دَوامُ الْآخِرِ ، حَمْداً يَتَضاعَفُ عَلى كُرُورِ الْأَيّامِ ، وَيَتَزايَدُ أَضْعافاً مُتَرادِفَةً (3) ، حَمْداً يَعْجُزُ عَنْ إِحْصائِهِ الْحَفَظَةُ ، وَيَزِيدُ عَلى ما احْصَتْهُ فِي كِتابِكَ الْكَتَبَةُ ، حَمْداً يُوازِنُ عَرْشَكَ الْمَجِيدَ وَيُعادِلُ كُرْسِيَّكَ الرَّفِيعَ.

حَمْداً يَكْمُلُ لَدَيْكَ ثَوابُهُ ، وَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جَزاءٍ جَزاؤُهُ ، حَمْداً ظاهِرُهُ وِفْقٌ لِباطِنِهِ ، وَباطِنُهُ وِفْقٌ لِصِدْقِ النِّيَّةِ فِيهِ ، حَمْداً لَمْ يَحْمِدْكَ خَلْقٌ مِثْلُهُ ، وَلا يَعْرِفُ أَحَدٌ سِواكَ فَضْلَهُ ، حَمْداً يَعْجُزُ (4) مَنِ اجْتَهَدَ فِي تَعْدِيدِهِ ، وَيَزِيدُ عَلى مَنِ ادَّعى فِي تَرْفِيَتِهِ (5).

حَمْداً يَجْمَعُ ما خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ ، وَيَنْتَظِمُ ما أَنْتَ خالِقُهُ مِنْ بَعْدُ ، حَمْداً لا حَمْدَ اقْرَبُ الى قَوْلِكَ مِنْهُ ، وَلا حَمْدَ مِمَّنْ يَحْمِدُكَ بِهِ ، حَمْداً يُوجِبُ بِكَرَمِكَ الْمَزِيدَ بِوُفُورِهِ ، تَصِلُهُ بَمَزِيدٍ (6) بَعْدَ مَزِيدٍ طَوْلاً مِنْكَ ، حَمْداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجْهِكَ وَيُقابِلُ عِزَّ جَلالِكَ.

رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبِ (7) الْمُصْطَفى ، الْمُكَرَّمِ الْمُقَرَّبِ ، افْضَلَ صَلَواتِكَ ، وَبارِكْ عَلَيْهِ أَتَمَّ بَرَكاتِكَ ، وَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ اسْبَغَ (8) رَحَماتِكَ.

ص: 90


1- يوازي بنعمتك ( خ ل ).
2- حمدا ينقضي عنه ( خ ل ).
3- مترادفة : متتابعة.
4- يعان ( خ ل ).
5- في الصحيفة : يؤيد من أغرق نزعا في توفيته.
6- يصادف مزيدا ( خ ل ).
7- المنتجب : المنتخب.
8- امتع ( خ ل ).

رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلاةً زاكِيَةً (1) لا تَكُونُ صَلاةً أَزْكَى مِنْها ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ صَلاةً راضِيَةً لا تَكُونُ صَلاةً أَرْضى مِنْها ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً تُرْضِيهِ وَتَزِيدُ عَلى رِضاكَ لَهُ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً تُجاوِزُ رِضْوانَكَ وَيَتَّصِلُ اتِّصالُها بِبَقاءِكَ (2) وَلا يُنْفَدُ كَما لا يَنْفَدُ كَلِماتُكَ.

وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً تَنْتَظِمُ صَلَواتِ مَلائِكَتِكَ وَأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ ، وَاهْلِ طاعَتِكَ ، وَتَجْتَمِعُ عَلى صَلَواتِ عِبادِكَ مِنْ جِنِّكَ وَانْسِكَ وَاهْلِ طاعَتِكَ ، وَتَشْتَمِلُ عَلى صَلاةِ كُلِّ مَنْ ذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ مِنْ أَصْنافِ خَلْقِكَ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً تُحِيطُ بِكُلِّ صَلاةٍ سالِفَةٍ وَمُسْتَأْنِفَةٍ (3).

صَلِّ اللّهُمَّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ صَلاةً مَرْضِيَّةً لَكَ وَلِمَنْ دُونَكَ ، وَتُنْشِئُ مَعَ ذلِكَ صَلَواتٍ تُضاعِفُ مَعَها تِلْكَ الصَّلَواتُ عِنْدَها ، وَتَزِيدُها عَلى كُرُورِ الأَيّامِ ، زِيادَةً فِي تَضاعِيف لا يَعُدُّها (4) غَيْرُكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَطايِبِ اهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لَامْرِكَ ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ ، وَحَفَظَةَ دِينِكَ ، وَخُلَفاءِكَ فِي ارْضِكَ ، وَحُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرادَتِكَ ، وَجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ الَيْكَ وَالْمَسْلَكَ الى جَنَّتِكَ.

رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ صَلاةً تُجْزِلُ (5) لَهُمْ بِها مِنْ نِحَلِكَ (6) وَكَرامَتِكَ وَنِعَمِكَ ، وَتُكْمِلُ (7) لَهُمْ بِهَا الْأَسْنى (8) مِنْ عَطاياكَ وَنَوافِلِكَ ، (9) وَتُوَفِّرُ عَلَيْهِمُ

ص: 91


1- زاكية : تامة مباركة.
2- بدوامك ( خ ل ).
3- مستأنفة : مبتدئة.
4- لا يحصيها ( خ ل ).
5- تجزل : تكثر.
6- تحفك ، نحلتك ( خ ل ) ، أقول : نحلك : عطياتك.
7- تكمل لهم بها الأشياء ( خ ل ).
8- أسنى : أعلى وارفع.
9- نوافلك : هباتك وغنائمك.

الْحَظَّ مِنْ عَوائِدِكَ وَفَوائِدِكَ.

رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ صَلاةً زِنَةَ عَرْشِكَ وَما دُونَهُ ، وَمِلءَ سَماواتِكَ وَما فَوْقَهُنَ (1) ، وَعَدَدَ أَرَضِيكَ وَما تَحْتَهُنَّ وَما بَيْنَهُنَّ ، صَلاةً تُقَرِّبِهُمْ مِنْكَ زُلْفى ، وَتَكُونُ لَهُمْ (2) رِضى وَمُتَّصِلَةً بِنَظائِرِهِنَّ ابَداً.

اللّهُمَّ انَّكَ ايَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوانٍ بِإِمامٍ اقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبادِكَ ، وَمَناراً فِي بِلادِكَ ، بَعْدَ انْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ ، وَجَعَلْتَهُ الذَّرِيعَةَ الى رِضْوانِكَ ، وَافْتَرَضْتَ طاعَتَهُ ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ ، وَامَرْتَ بِامْتِثالِ امْرِهِ (3) وَالانْتِهاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ ، وَانْ لا يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ ، وَلا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللاّئِذِينَ ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَعُرْوَةُ الْمُسْتَمْسِكِينَ (4) ، وَبَهاءُ (5) الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ فَاوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ ما أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَأَوْزِعْنا مِثْلَهُ فِيهِ ، وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً ، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً ، وَاعِنْهُ بِرُكْنِكَ الأَعَزِّ ، وَاشْدُدْ ازْرَهُ ، وَقَوِّ عَضُدَهُ ، وَراعِهِ بِعَيْنِكَ ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ ، وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الاغْلَبِ.

وَاقِمْ بِهِ كِتابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرائِعَكَ ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ (6) ، وَاحْيِ بِهِ ما أَماتَهُ الظَّالِمُونَ ، مِنْ مَعالِمِ دِينِكَ ، وَاجْلُ (7) بِهِ صَداءَ الْجَوْرِ عَنْ طَريقِكَ ، وَابِنْ بِهِ الضَّراءَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَازِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ (8) عَنْ صِراطِكَ ، وَامْحَقْ (9) بِهِ بُغاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً ، وَالِنْ جانِبَهُ لأوْلِياءِكَ ، وَابْسُطْ يَدَهُ

ص: 92


1- ما دونهن ( خ ل ).
2- لك ولهم ( خ ل ).
3- أوامره ( خ ل ).
4- المتمسّكين ( خ ل ).
5- زين ( خ ل ).
6- ورسوله صلواتك اللّهم عليه ( خ ل ).
7- أجل : اكشف.
8- الناكبين : العادلين عن القصد.
9- أمحق : امح وأهلك.

عَلى أَعْداءِكَ ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ ، وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ ، وَاجْعَلْنا لَهُ سامِعِينَ طائِعِينَ (1) ، وَفِي رِضاهُ ساعِينَ ، وَالى نُصْرَتِهِ وَالْمُدافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ (2) ، وَالَيْكَ وَالى رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذلِكَ مُتَقَرِّبِينَ.

اللّهُمَّ صَلِ (3) عَلَيْهِمْ وَعَلى أَوْلِيائِهِمُ الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقامِهِمْ ، الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمْ ، الْمُقْتَفِينَ آثارَهُمْ ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِعُرْوَتِهِمْ ، الْمُؤْتَمِّينَ بِإِمامَتِهِمْ ، الْمُسَلِّمِينَ لَامْرِهِمْ ، الْمُجْتَهِدِينَ فِي طاعَتِهِمْ ، الْمُنْتَظِرِينَ ايَّامَهُمْ الْمادِّينَ الَيْهِمْ اعْيُنَهُمْ ، وَاحْفَظْهُمْ بِالصَّلَواتِ الْمُبارَكاتِ الزَّاكِياتِ (4).

وَصَلِ (5) عَلَيْهِمْ وَعَلى أَرْواحِهِمْ ، وَاجْمَعْ عَلَى التَّقْوَى امْرَهُمْ ، وَاصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ (6) ، وَتُبْ عَلَيْهِمْ انَّكَ انْتَ التوَّابُ الرَّحِيمُ وَخَيْرُ الْغافِرِينَ ، وَاجْعَلْنا مَعَهُمْ فِي دارِ السَّلامِ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ وَهذا يَوْمُ عَرَفَةَ ، يَوْمٌ كَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ (7) وَعَظَّمْتَهُ ، وَنَشَرْتَ فِيهِ رَحْمَتَكَ ، وَمَنَنْتَ فِيهِ بِعَفْوِكَ ، وَاجْزَلْتَ فِيهِ عَطِيَّتَكَ ، وَتَفَضَّلْتَ فِيهِ عَلى عِبادِكَ.

اللّهُمَّ وَأَنا عَبْدُكَ الَّذِي انْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ (8) قَبْلَ خَلْقِكَ لَهُ وَبَعْدَ خَلْقِكَ إِيَّاهُ ، فَجَعَلْتَهُ مِمَّنْ هَدَيْتَهُ لِدِينِكَ ، وَوَفَّقْتَهُ لِحَقِّكَ ، وَعَصَمْتَهُ بِحَبْلِكَ ، وَادْخَلْتَهُ فِي حِزْبِكَ ، وَارْشَدْتَهُ لِمُوالاةِ أَوْلِياءِكَ ، وَمُعاداةِ أَعْداءِكَ ، ثُمَّ امَرْتَهُ فَلَمْ يَأْتَمِرْ ، وَزَجَرْتَهُ (9) فَلَمْ يَنْزَجِرْ ، وَنَهَيْتَهُ عَنْ مَعْصِيَتِكَ ، فَخالَفَ امْرَكَ الى نَهْيِكَ ، لا مُعانِدَةً لَكَ ، وَلا اسْتِكْباراً عَلَيْكَ.

ص: 93


1- مطيعين ( خ ل ).
2- مكتفين ( خ ل ) ، أقول : مكنفين : معينين ومحيطين.
3- وصل ( خ ل ).
4- الناميات الغاديات الرائحات ( خ ل ).
5- وصل وسلم ( خ ل ).
6- الشأن : الأمر والحال.
7- شرفته وكرمته ( خ ل ).
8- أنعمت عليه ( خ ل ).
9- زجرته : منعته.

بَلْ دَعاهُ هَواهُ الى ما نَهَيْتَهُ وَالى ما حَذَّرْتَهُ ، وَأَعانَهُ عَلى ذلِكَ عَدُوُّكَ وَعَدُوُّهُ ، فَاقْدَمَ عَلَيْهِ خائِفاً لِوَعِيدِكَ (1) ، راجِياً لِعَفْوِكَ ، واثِقاً بِتَجاوُزِكَ ، وَكانَ أَحَقَّ عِبادِكَ مَعَ ما انْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ (2) انْ لا يَفْعَلَ.

فَها انَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ صاغِراً (3) ، خاضِعاً خاشِعاً خائِفاً ، مُعْتَرِفاً بِعَظِيمٍ مِنَ الذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ ، وَجَلِيلٍ مِنَ الْخَطايا اجْتَرَمْتُهُ (4) ، مُسْتَجِيراً بِصَفْحِكَ ، لائِذاً بِرَحْمَتِكَ ، مُوقِناً انَّهُ لا يُجِيرُنِي مِنْكَ مُجِيرٌ ، وَلا يَمْنَعُنِي مِنْكَ مانِعٌ.

فَعُدْ عَلَيَّ بِما تَعُودُ بِهِ عَلى مَنِ اقْتَرَفَ (5) مِنْ تَغَمُّدِكَ ، وَجُدْ عَلَيَّ بِما تَجُودُ بِهِ عَلى مَنْ أَلْقى بِيَدِهِ الَيْكَ مِنْ عَفْوِكَ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِما لا يَتَعاظَمُكَ انْ تَمُنَّ بِهِ عَلى مَنْ أَمَّلَكَ مِنْ غُفْرانِكَ ، وَاجْعَلْ لِي فِي هذا الْيَوْمِ نَصِيباً أَنالُ بِهِ حَظّاً مِنْ رِضْوانِكَ ، وَلا تَرُدَّنِي صِفْراً (6) مِمَّا يَنْقَلِبُ بِهِ الْمُعْتَذِرُونَ الَيْكَ (7).

فَانِّي وَانْ لَمْ اقَدِّمْ ما قَدَّمُوهُ مِنَ الصَّالِحاتِ ، فَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْحِيدَكَ وَنَفْيَ الأَضْدادِ وَالأَنْدادِ وَالأَشْباهِ عَنْكَ ، وَأَتَيْتُكَ مِنَ الأَبْوابِ الَّتِي امَرْتَ انْ يُؤْتى مِنْها ، وَتَقَرَّبْتُ الَيْكَ بِما لا يُتَقَرَّبُ بِهِ احَدٌ مِنْكَ الاَّ بِالتَّقَرُّبِ بِهِ.

ثُمَّ اتَّبَعْتُ ذلِكَ بِالإِنابَةِ الَيْكَ وَالتَّذَلُّلِ وَالاسْتِكانَةِ (8) لَكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ وَالثِّقَةِ بِما عِنْدَكَ ، وَشَفَعْتُهُ مِنْ رَجاءِكَ الَّذِي لا يَخِيبُ (9) عَلَيْكَ بِهِ راجِيكَ ، وَسَأَلْتُكَ مَسْأَلَةَ الذَّلِيلِ الْحَقِيرِ (10) الْبائِسِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ.

ص: 94


1- عارفا لوعيدك ( خ ل ).
2- مننت عليه ( خ ل ).
3- ذليلا ( خ ل ).
4- اجترمته : عملته.
5- تعود على من أسرف ( خ ل ).
6- صفرا : خاليا.
7- المتعبدون لك من عبادك ( خ ل ).
8- استكان : خضع وذل.
9- قلّ ما يخيب ( خ ل ).
10- الحقير الذليل ( خ ل ).

وَمَعَ ذلِكَ خِيفَةً وَتَضَرُّعاً ، وَتَعَوُّذاً ، لا مُتَعالِياً بِدالَّةِ (1) الْمُطِيعِينَ ، وَلا مُسْتَطِيلاً (2) بِشَفاعَةِ الشَّافِعِينَ ، وَانَا بَعْدَ ذلِكَ أَقَلُّ الاقَلِّينَ وَأَذَلُّ الاذَلِّينَ وَمِثْلُ الذَّرَّةِ اوْ دُونَها ، فَيَا مَنْ لا يُعاجِلُ (3) الْمُسِيئِينَ ، وَلا يُعافِصُ الْمُقْتَرِفِينَ (4) ، وَيا مَنْ يَمُنُّ بِإِقالَةِ (5) الْعاثِرِينَ ، وَيَتَفَضَّلُ إِنْظارَ الْخاطِئِينَ (6).

انَا الْمُسِيءُ الْمُعْتَرِفُ الْخاطِئُ (7) ، أَنَا الَّذِي اقْدَمُ عَلَيْكَ مُجْتَرِئاً ، أَنَا الَّذِي عَصاكَ مُتَعَمِّداً ، أَنَا الَّذِي اسْتَخْفى مِنْ خَلْقِكَ وَبارَزَكَ (8) ، أَنَا الَّذِي لَمْ يَرْهَبْ سَطْوَتَكَ وَلَمْ يَخَفْ بَأْسَكَ (9) ، انَا الْجانِي عَلى نَفْسِهِ ، انَا الْمُرْتَهِنُ بِبائِقَتِهِ (10) ، انَا الْقَلِيلُ الْحَباءُ ، انَا الطَّوِيلُ الْعَناءُ.

فَبِحَقِ (11) مَنِ انْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِكَ وَمَنِ اصْطَفَيْتَ لِنَفْسِكَ ، وَبِحَقِّ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ بَرِيَّتِكَ وَمَنِ اجْتَبَيْتَ مِنْ عِبادِكَ ، وَبِحَقِّ مَنْ وَصَلْتَ (12) طاعَتَهُ بِطاعَتِكَ ، وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ (13) ، وَبِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوالاتَهُ بِمُوالاتِكَ ، وَمَنْ نُطْتَ مُعاداتَهُ بِمُعاداتِكَ.

تَغَمَّدْنِي فِي يَوْمِي هذا بِما تَغَمَّدْتَ بِهِ مَنْ حارَ الَيْكَ مُتَنَصِّلاً ، وَعاذَ بِاسْتِغْفارِكَ تائِباً ، وَتَوَلَّنِي بِهِ اهْلُ طاعَتِكَ ، وَالزُّلْفى لَدَيْكَ ، وَالْمَكانَةِ مِنْكَ ،

ص: 95


1- بدالّة : بوثوق واتكال.
2- مستطيلا : مترفعا.
3- لم يعاجل ( خ ل ).
4- لم يغافص ( خ ل ) المترفين ( خ ل ).
5- الإقالة : المسامحة.
6- بإنظار : بإمهال.
7- العاثر ( خ ل ).
8- استحيي من عبادك وبارزك بالمعصية ( خ ل ).
9- بأسك : عذابك.
10- نفسي ، ببلية ( خ ل ).
11- بحق ( خ ل ).
12- وصلت : قرنت.
13- - معصيتك ( خ ل ).

وَتَوَحَّدْنِي (1) بِما تَتَوَحَّدُ بِهِ مَنْ وَفا بِعَهْدِكَ ، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي ذاتِكَ ، وَأَجْهَدَها فِي مَرْضاتِكَ.

وَلا تُؤَاخِذْنِي بِتَفْرِيطِي فِي جَنْبِكَ وَتَعَدِّي طَوْرِي (2) فِي حُدُودِكَ وَمُجاوَزَةِ أَحْكامِكَ ، وَلا تَسْتَدْرِجْنِي بِإِمْلائِكَ (3) لِي اسْتِدْراجَ مَنْ يَمْنَعُنِي (4) خَيْرَ ما عِنْدَهُ ، وَنَبِّهْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْغافِلِينَ ، وَسَنَةِ الْمُسْرِفِينَ ، وَنَعْسَةِ الْمَخْذُولِينَ.

وَخُذْ بِقَلْبِي الى مَا اسْتَعْمَلْتَ بِهِ الطَّائِعِينَ (5) ، وَاسْتَعْبَدْتَ بِهِ الْمُتَعَبِّدِينَ ، وَاسْتَنْقَذْتَ بِهِ الْمُتَهاوِنِينَ ، وَاعِذْنِي مِمَّا يُباعِدُنِي عَنْكَ ، وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ حَظِّي مِنْكَ ، وَيَصُدُّنِي عَمَّا أُحاوِلُ لَدَيْكَ.

وَسَهِّلْ لِي مَسْلَكَ الْخَيْراتِ الَيْكَ ، وَالْمُسابَقَةِ إِلَيْها مِنْ حَيْثُ امَرْتَ ، وَالْمُسارَعَةِ (6) فِيها عَلى ما ارَدْتَ ، وَلا تَمْحَقْنِي فِيمَنْ تَمْحَقُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِما اوْعَدْتَ ، وَلا تُهْلِكْنِي مَعَ مَنْ تُهْلِكُ مِنَ الْمُتَعَرِّضِينَ لِمَقْتِكَ ، وَلا تُتَبِّرْنِي فِيمَنْ تُتَبِّرُ (7) مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ سَبِيلِكَ (8).

وَنَجِّنِي مِنْ غَمَراتِ الْفِتْنَةِ ، وَخَلِّصْنِي مِنْ هَفَواتِ (9) الْبَلْوَى ، وَاجِرْنِي مِنْ اخْذِ الإِمْلاءِ ، وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوٍّ يُضِلُّنِي ، وَهَوىً يُوبِقُنِي (10) ، وَمَنْقَصَةً تَرْهَقُنِي (11) ، وَلا تُعْرِضْ عَنِّي إِعْراضَ مَنْ لا تَرْضى عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِكَ ، وَلا تُؤْيِسْنِي مِنَ الأَمَلِ فِيكَ فَيَغْلِبَ عَلَيَّ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَلا تَمْتَحِنِّي بِما لا طاقَةَ لِي

ص: 96


1- توحدني : خصّني.
2- تعدّي طوره : تجاوز حده.
3- املاءك : إمهالك.
4- منعني ( خ ل ).
5- القانتين ( خ ل ).
6- المشاحة ( خ ل ) ، المشاحّة : المنافسة.
7- تبرني فيمن تبير ( خ ل ) ، أقول : تتبرني : تدمّرني.
8- سبلك ( خ ل ).
9- لهوات ( خ ل ).
10- يوبقني : يهلكني.
11- ترهقني : تغشاني.

بِهِ فَتَبْهَظُنِي (1) بِما تُحَمِّلُنِيهِ مِنْ فَضْلِ مَحَبَّتِكَ.

وَلا تُرْسِلْنِي مِنْ يَدِكَ إِرْسالَ مَنْ لا خِيَرَةَ فِيهِ ، وَلا حاجَةَ بِكَ إِلَيْهِ ، وَلا إِنابَةَ لَهُ ، وَلا تَرْمِ بِي رَبِّي مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ رَعايَتِكَ ، وَمَنِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْخِزْيُ مِنْ عِنْدِكَ ، بَلْ خُذْ بِيَدِي مِنْ سَقَطَةِ الْمُتَرَدِّينَ وَوَهْلَةِ الْمُتَعَسِّفِينَ (2) وَزَلَّةِ الْمَغْرُورِينَ وَوَرَطَةِ الْهالِكِينَ.

وَعافِنِي مِمَّا ابْتَلَيْتَ بِهِ طَبَقاتُ عَبِيدِكَ وَإِماءِكَ ، وَبَلِّغْنِي مَبالِغَ مَنْ عَنَيْتَ بِهِ وَانْعَمْتَ عَلَيْهِ ، فَاعَشْتَهُ حَمِيداً وَتَوَفَّيْتَهُ سَعِيداً ، وَطَوِّقْنِي طَوْقَ الإِقْلاعِ عَمَّا يَحْبِطُ الْحَسَناتِ وَيُذْهِبُ بِالْبَرَكاتِ.

وَاشْعِرْ قَلْبِي الازْدِجارَ (3) عَنْ قَبائِحِ السَّيِّئاتِ وَفَواضِحِ الْحُوباتِ (4) ، وَلا تَشْغَلْنِي بِما لا ادْرِكُهُ الاَّ بِكَ عَمَّا لا يُرْضِيكَ عَنِّي غَيْرُهُ ، وَانْزَعْ مِنْ قَلْبِي حُبَّ دُنْيا دَنِيَّةٍ يَقْطَعُنِي (5) عَمَّا عِنْدَكَ ، وَيَصُدُّنِي عَنْ ابْتِغاءِ الْوَسِيلَةِ الَيْكَ وَيُذْهِلُنِي عَنِ التَّقَرُّبِ مِنْكَ وَالتَّفَرُّدِ (6) بِمُناجاتِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، وَهَبْ لِي عِصْمَةً تُدْنِينِي مِنْ خَشْيَتِكَ ، وَتَقْطَعُنِي عَنْ رُكُوبِ مَحارِمِكَ ، وَتَفُكُّنِي عَنْ اسْرِ الْعَظائِمِ ، وَهَبْ لِيَ التَّطْهِيرَ مِنْ دَنَسِ الْعِصْيانِ ، وَاذْهِبْ عَنِّي دَرَنَ (7) الْخَطايا ، وَسَرْبِلْنِي بِسِرْبالِ (8) عافِيَتِكَ ، وَرَدِّنِي رِداءَ مُعافاتِكَ ، وَجَلِّلْنِي سَوابِغَ نَعْمائِكَ ، وَظاهِرْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ (9) وَطَوْلِكَ ، وَايِّدْنِي بِتَوْفِيقِكَ وَتَسْدِيدِكَ (10).

ص: 97


1- تبهظني : تثقلني.
2- المتعسّفين : السالكين على غير هداية.
3- الانزجار ( خ ل ).
4- فضائح ( خ ل ) ، أقول : الحوبات : الآثام والخطيئات.
5- تنهى ( خ ل ).
6- وزيّن لي التفرد ( خ ل ).
7- رين ( خ ل ).
8- السربال : القميص.
9- ظاهر لديّ فضلك ( خ ل ).
10- سددني بتسديدك ( خ ل ) ، أقول : تسديدك : تقويمك.

وَاعِنِّي عَلى صالِحِ النِّيَّةِ وَمَرْضِيِّ الْقَوْلِ وَمُسْتَحْسِنِ الْعَمَلِ ، وَلا تَكِلْنِي الى حَوْلِي وَقُوَّتِي دُونَ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ ، وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ تَبْعَثُنِي لِلِقاءِكَ ، وَلا تَفْضَحْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَوْلِياءِكَ ، وَلا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ ، وَلا تُذْهِبْ عَنِّي شُكْرَكَ ، بَلْ الْزِمْنِيهِ فِي أَحْوالِ السَّهْوِ عِنْدَ غَفَلاتِ الْجاهِلِينَ (1).

وَاوْزِعْنِي انْ اثْنِي عَلَيْكَ بِما اوْلَيْتَنِيهِ (2) ، وَاعْتَرِفُ بِما اسْدَيْتَهُ الَيَ (3) ، وَاجْعَلْ رَغْبَتِي الَيْكَ فَوْقَ رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ ، وَحَمْدِي لَكَ فَوْقَ حَمْدِ الْحامِدِينَ ، وَلا تَخْذُلْنِي عِنْدَ فاقَتِي الَيْكَ ، وَلا تَهْتِكْنِي بِما اسْرَرْتُهُ (4) لَدَيْكَ ، وَلا تُخَيِّبْنِي بِما جَنَيْتُ (5) لَكَ.

فَانِّي مُسْلِمٌ (6) ، اعْلَمُ انَّ الْحُجَّةَ لَكَ وَانْتَ أَوْلى بِالْفَضْلِ وَاعْوَدُ بِالإِحْسانِ ، وَاهْلُ التَّقْوى وَاهْلُ الْمَغْفِرَةِ ، وَانَّكَ بِانْ تَعْفُو أَوْلى مِنْكَ بِانْ تُعاقِبَ ، وَانَّكَ بِانْ تَسْتُرَ أَقْرَبُ مِنْكَ الى انْ تَشْهَرَ.

فَاحْيِنِي حَياةً طَيِّبَةً تَنْتَظِمُ بِكُلِّ ما أُرِيدُ وَتَبْلُغُ بِما (7) أُحِبُّ مِنْ حَيْثُ لا آتِي ما تَكْرَهُ ، وَلا ارْتَكِبُ ما نَهَيْتَ عَنْهُ ، وَامِتْنِي مَيْتَةَ مَنْ يَسْعى نُورُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَاعِزَّنِي عِنْدَ خَلْقِكَ ، وَضَعْنِي (8) إِذا خَلَوْتُ بِكَ ، وَارْفَعْنِي بَيْنَ عِبادِكَ ، وَاغْنِنِي عَمَّنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِّي ، وَزِدْنِي الَيْكَ فاقَةً وَفَقْراً.

وَاعِذْنِي مِنْ شَماتَةِ الأَعْداءِ وَمِنْ حُلُولِ الْبَلاءِ ، وَمِنَ الذُّلِّ وَالْعِناءِ ، وَتَغَمَّدْنِي فِيمَا اطْلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي بِما يَتَغَمَّدُ بِهِ الْقادِرُ عَلَى الْبَطْشِ لَوْلا حِلْمُهُ ،

ص: 98


1- الخاطئين ( خ ل ).
2- أوليتنيه : أعطيتنيه.
3- أبوء بما أسديت ، لالائك ( خ ل ).
4- لا تهلكني بما أسديته ( خ ل ).
5- لا يجبهني بما جبهت ، جنيت ( خ ل ).
6- فانّي لك مسلم ( خ ل ).
7- تنتظم بما ، تبلغ ما ( خ ل ).
8- ضعني : اجعلني متواضعا.

وَالاخْذِ عَلَى الْجَرِيرَةِ (1) لَوْ لا أَناتُهُ ، وَإِذا ارَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً اوْ سُوءاً وَانَا فِيهِمْ ، فَنَجِّنِي مِنْهُمْ عَنْ إِرادَتِكَ ، وَإِذْ لَمْ تُقِمْنِي مَقامَ فَضِيحَةٍ فِي دُنْياكَ ، فَلا تُقِمْنِي مِثْلَهُ فِي آخِرَتِكَ.

وَاشْفَعْ (2) لِي أَوائِلَ مِنَنِكَ بِأَواخِرِها وَقَدِيمَ فَوائِدِكَ بِحَوادِثِها ، وَلا تُمْدِدْ لِي (3) مَدّاً يَقْسُوا مَعَهُ قَلْبِي وَلا تُقْرِعْنِي قارِعَةً (4) يَذْهَبُ بِها (5) بَهائِي ، وَلا تَسُمْنِي (6) خَسِيسَةً يَصْفر بِها (7) قَدْرِي ، وَلا تَرْعُنِي رَوْعَةً ابْلَسُ (8) بِها ، وَلا تَخِفْنِي خِيفَةً اوْجَسُ (9) بِها.

اجْعَلْ هَيْبَتِي (10) فِي وَعِيدِكَ ، وَحَذَرِي مِنْ إِعْذارِكَ وَإِنْذارِكَ ، وَرَهْبَتِي عِنْدَ تِلاوَةِ كِتابِكَ (11) ، وَاعِنِّي بِانْقِطاعِي فِيهِ لِعِبادَتِكَ ، وَتَفَرُّدِي بِالتَّهَجُّدِ لَكَ ، وَتَجْرِيدِي عِنْدَ شُكْرِي لَكَ ، وَإِنْزالِ حَوائِجِي بِبابِكَ (12) ، وَمُنازَلَتِي إِيَّاكَ (13) فِي فَكاكِ رَقَبَتِي مِنْ نارِكَ ، وَإِجارَتِي مِمَّا فِيهِ أَهْلُها مِنْ عَذابِكَ.

وَلا تَذَرْنِي فِي طُغْيانِي عامِهاً (14) ، وَلا فِي غَمْرَتِي ساهِياً حَتّى حِينَ ، وَلا تَجْعَلْنِي عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ، وَلا نَكالاً لِمَنِ اعْتَبَرَ وَلا فِتْنَةً لِمَنْ نَظَرَ ، وَلا تَمْكُرْ بِي فِيمَنْ تَمْكُرُ بِهِ ، وَلا تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي ، وَلا تُغَيِّرْ لِي اسْماً ، وَلا تُبَدِّلْ لِي

ص: 99


1- الجريرة : الجناية والذنب.
2- أخراك ( خ ل ) ، فاشفع ( خ ل ).
3- لا تمدد لي : لا تمهلني.
4- القارعة : الداهية.
5- لها ( خ ل ).
6- لا تسمني : لا تلزمني.
7- لها ( خ ل ).
8- أبلس : آيس.
9- أوجس : أحسّ.
10- دونها ، بل اجعل ( خ ل ).
11- آياتك ( خ ل ).
12- تجرّدي بسكوني إليك ، وانزالي في الآمال بك ( خ ل ).
13- منازلتي إياك : مراجعتي إياك وسؤالي مرة بعد مرة.
14- عامها : مترددا ومتحيرا.

جِسْماً ، وَلا تَتَّخِذْنِي هُزُواً لِخَلْقِكَ (1) ، وَلا تَجْعَلْنِي مُتَحَيِّراً إِلاَّ الَيْكَ ، وَلا مُتَّبِعاً إِلا لِمَرْضاتِكَ ، وَلا مُرْتَهِناً (2) الاَّ بِالانْتِقامِ لَكَ.

وَاوْجِدْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ وَرَوْحِكَ وَرَيْحانِكَ (3) وَجَنَّةَ نَعِيمِكَ ، وَاذِقْنِي طَعْمَ الْفَراغِ لِما تُحِبُّ بِسَعَةٍ مِنْ سَعَتِكَ ، وَالاجْتِهادِ فِيمَا يُزْلِفُ لَدَيْكَ وَعِنْدَكَ ، وَاتْحِفْنِي بِتُحْفَةٍ مِنْ تُحَفاتِكَ.

وَاجْعَلْ تِجارَتِي رابِحَةً ، وَكَرَّتِي غَيْرَ خاسِرَةٍ ، وَاخِفْنِي مَكانَكَ (4) ، وَشَوِّقْنِي الى لِقاءِكَ ، وَتُبْ عَلَيَّ تَوْبَةً نَصُوحاً لا تَبْقى (5) مَعَها ذُنُوباً ، صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ، وَلا تَذَرْ (6) مَعَها (7) عَلانِيَةً وَلا سَرِيرَةً ، وَانْزَعِ الْغِلَّ مِنْ صَدْرِي لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَاعْطِفْ بِقَلْبِي عَلَى الْخاشِعِينَ ، وَكُنْ لِي كَما تَكُونُ لِلصَّالِحِينَ ، وَالْبِسْنِي حِلْيَةَ (8) الْمُتَّقِينَ.

وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْغابِرِينَ ، وَذِكْراً باقِياً (9) فِي الْآخِرِينَ ، وَتَمِّمْ لِي سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَظاهِرْ نَعْماكَ وَكَراماتِها (10) لَدَيَ (11) ، وَسُقْ كَرائِمَ (12) مَواهِبِكَ الَيَّ ، وَجاوِرْ بِيَ الاطْيَبِينَ مِنْ أَوْلِياءِكَ فِي الْجِنانِ الَّتِي زَيَّنْتَها (13) لَاصْفِياءِكَ وَانْحَلْنِي شَرائِفَ نِحلِكَ (14) فِي الْمَقاماتِ الْمُعِدَّةِ لَاحِبّائِكَ.

ص: 100


1- ولا سخريا لك ( خ ل ).
2- تبعا الا مرضاتك ولا ممتهنا ( خ ل ).
3- روحك وريحانك : رحمتك ورزقك الطيب.
4- مقامك ( خ ل ).
5- لا تبق ( خ ل ).
6- لا تذر : لا تترك.
7- بها ( خ ل ).
8- زينة ( خ ل ).
9- ناميا ( خ ل ).
10- كراماتك ( خ ل ).
11- إملاء من فوائدك يدي ( خ ل ).
12- الكرائم : النفائس.
13- رتبتها ( خ ل ).
14- نحلك : عطاياك.

وَاجْعَلْ لِي مَقِيلاً آوى إِلَيْهِ مُطْمَئِنّاً وَمَثابَةً أَتَبَوَّؤُها وَأَقَرُّ عَيْناً ، وَلا تُناقِشْنِي (1) بِعَظِيماتِ الْجَرائِرِ ، وَلا تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرِ ، وَازِلْ عَنِّي كُلَّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ ، وَاجْعَلْ لِي فِي الْحَقِّ طَرِيقاً الى (2) كُلِّ رَحْمَةٍ ، وَاجْزِلْ لِي قِسَمَ الْمَواهِبِ مِنْ نَوالِكَ وَوَفِّرْ عَلَيَّ حُظُوظَ الإِحْسانِ مِنْ إِفْضالِكَ.

وَاجْعَلْ قَلْبِي واثِقاً بِما عِنْدَكَ وَهَمِّي مُسْتَفْرِغاً لِما هُوَ لَكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا اسْتَعْمَلْتَ بِهِ خاصَّتَكَ (3) ، وَاشْرِبْ (4) قَلْبِي عِنْدَ ذُهُولِ الْعُقُولِ (5) طاعَتَكَ ، وَاجْمَعْ لِيَ الْغِنى وَالْعِفافَ وَالدَّعَةَ (6) وَالْمُعافاةَ وَالصِّحَّةَ وَالسَّعَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْعافِيَةَ.

وَلا تُحْبِطْ حَسَناتِي بِما يَشُوبُها مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَلا خَلَواتِي بِما يَعْرضُ لِي مَعَها مِنْ نَزَعاتِ فِتْنَتِكَ ، وَصُنْ وَجْهِي عَنِ الطَّلَبِ الى احَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ ، وَذُبَّنِي (7) عَنْ الْتِماسِ ما عِنْدَ الْفاسِقِينَ ، وَلا تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً (8) وَلا لَهُمْ عَلى مَحْوِ كِتابِكَ يَداً (9) وَلا نَصِيراً ، وَحُطْنِي (10) مِنْ حَيْثُ اعْلَمُ وَمِنْ حَيثُ لا اعْلَمُ ، حِياطَةً تَقِينِي بِها.

وَافْتَحْ لِي أَبْوابَ تَوْبَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ وَرِزْقِكَ الْواسِعِ انِّي الَيْكَ مِنَ الرَّاغِبِينَ ، وَاتْمِمْ لِي (11) إِنْعامَكَ انَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمِينَ. وَاجْعَلْ باقِي عُمْرِي فِي

ص: 101


1- فأقرّ عينا ولا تقايسني ( خ ل ).
2- من ( خ ل ).
3- تستعمل به خالصتك ( خ ل ).
4- اشرب : أمزج.
5- العقول ( خ ل ).
6- الدعة : الراحة وخفض العيش.
7- ذبني : امنعني وادفعني.
8- ظهيرا : منيعا.
9- مؤيدا ( خ ل ).
10- حطني : احفظني.
11- على ( خ ل ).

الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ ، يا رَبَّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى (1) مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ الأَبْرارِ الأَخْيارِ ، وَالسَّلامُ (2) عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ (3).

ومن أدعية يوم عرفة دعاء علي بن الحسين عليه السلام للموقف ، وهو :

اللّهُمَّ أَنْتَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، وَأَنْتَ اللّهُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ الدَّائِبُ فِي غَيْرِ وَصَبٍ (4) وَلا نَصَبٍ (5) ، وَلا يَشْغَلُكَ رَحْمَتُكَ عَنْ عَذابِكَ ، وَلا عَذابُكَ مِنْ رَحْمَتِكَ.

خَفَيْتَ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ ، وَظَهَرْتَ فَلا شَيْءَ فَوْقَكَ ، وَتَقَدَّسْتَ فِي عُلُوِّكَ ، وَتَرَدَّيْتَ بِالْكِبْرِياءِ فِي الْأَرْضِ وَفِي السَّماءِ ، وَقَوَّيْتَ (6) فِي سُلْطانِكَ ، وَدَنَوْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي ارْتِفاعِكَ ، وَخَلَقْتَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِكَ ، وَقَدَّرْتَ الأُمُورَ بِعِلْمِكَ ، وَقَسَّمْتَ الْأَرْزاقَ بِعَدْلِكَ.

وَنَفَذَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عِلْمُكَ ، وَحارَتِ الْأَبْصارُ دُونَكَ ، وَقَصُرَ دُونَكَ طَرْفُ كُلِّ طارِفٍ ، وَكَلَّتِ (7) الْأَلْسُنُ عَنْ صِفاتِكَ ، وَغَشِيَ بَصَرُ كُلِّ ناظِرٍ نُورَكَ ، وَمَلأْتَ بِعَظِمَتِكَ أَرْكانُ عَرْشِكَ.

وَابْتَدَأْتَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثالٍ نَظَرْتَ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ سَبَقَكَ إِلى صَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَلَمْ تُشارَكْ فِي خَلْقِكَ ، وَلَمْ تَسْتَعِنْ بِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ ، وَلَطُفْتَ فِي عَظَمَتِكَ ، وَانْقادَ لِعَظَمَتِكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَذَلَّ لِعِزَّتِكَ كُلُّ شَيْءٍ.

ص: 102


1- صل على ( خ ل ).
2- صلّ على ، والسلام عليه وعليهم أبد الأبدين ( خ ل ).
3- الدعاء : 47 من الصحيفة السجادية ، رواه عنه البلد الأمين : 483 ، مصباح الكفعمي : 671 ، ينابيع المودة : 505 مختصرا ، اتحاف السادة المتقين 4 : 480 ، عنه إحقاق الحق 12 : 46 ، أورده في الصحيفة السجادية الجامعة : 316 ، الدعاء : 147.
4- وصب : وجع ومرض.
5- نصب : تعب واعيا.
6- قويت : غلبت.
7- كلت : أعيت وعجزت.

اثْنِي عَلَيْكَ يا سَيِّدِي وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ فِي مِدْحَتِكَ ثَنائِي مَعَ قِلَّةِ عِلْمِي وَقِصَرِ رَأْيِي ، وَأَنْتَ يا رَبِّ الْخالِقُ وَأَنَا الْمَخْلُوقُ ، وَأَنْتَ الْمالِكُ وَأَنَا الْمَمْلُوكُ ، وَأَنْتَ الرَّبُّ وَأَنَا الْعَبْدُ ، وَأَنْتَ الْغَنِيُّ وَأَنَا الْفَقِيرُ ، وَأَنْتَ الْمُعْطِي وَأَنَا السَّائِلُ ، وَأَنْتَ الْغَفُورُ وَأَنَا الْخاطِئُ ، وَأَنْتَ الْحَيُّ لا تَمُوتُ ، وَأَنَا خَلْقٌ أَمُوتُ.

يا مَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ وَدَبَّرَ الأُمُورَ ، فَلَمْ يُقايِس شَيْئاً بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلى خَلْقِهِ بِغَيْرِهِ.

ثُمَّ أَمْضَى الأُمُورَ عَلى قَضائِهِ وَأَجَّلَها إِلى أَجَلٍ مُسَمّى ، قَضى فِيها بِعَدْلِهِ ، وَعَدَلَ فِيها بِفَضْلِهِ ، وَفَصَلَ فِيها بِحُكْمِهِ ، وَحَكَمَ فِيها بِعَدْلِهِ ، وَعَلِمَها بِحِفْظِهِ ، ثُمَّ جَعَلَ مُنْتَهاها إِلى مَشِيَّتِهِ ، وَمُسْتَقَرَّها إِلى مَحَبَّتِهِ ، وَمَواقِيتَها إِلى قَضائِهِ.

لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ، وَلا رادَّ لِقَضائِهِ ، وَلا مُسْتَزاحَ عَنْ أَمْرِهِ ، وَلا مَحِيصَ (1) لِقَدَرِهِ ، وَلا خُلْفَ لِوَعْدِهِ ، وَلا مُتَخَلِّفَ عَنْ دَعْوَتِهِ ، وَلا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ طَلبَهُ ، وَلا يَمْتَنِعُ مِنْهُ أَحَدٌ أَرادَهُ ، وَلا يَعْظُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَعَلَهُ ، وَلا يَكْبُرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ صَنَعَهُ ، وَلا يَزِيدُ فِي سُلْطانِهِ طاعَةُ مُطِيعٍ ، وَلا يَنْقُصُهُ مَعْصِيَةُ عاصٍ ، وَلا يَتَبَدَّلُ الْقولُ لَدَيْهِ ، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً.

الَّذِي مَلَكَ الْمُلُوكُ بِقُدْرَتِهِ ، وَاسْتَعْبَدَ الْأَرْبابُ بِعِزِّةِ (2) ، وَسادَ الْعُظَماءُ بِجُودِهِ ، وَعَلَا السَّادَةُ بِمَجْدِهِ ، وَانْهَدَّتِ (3) الْمُلُوكُ لِهَيْبَتِهِ ، وَعَلا أَهْلُ السُّلْطانِ بِسُلْطانِهِ وَرُبُوبيَّتِهِ ، وَأَبادَ (4) الْجَبابِرَةُ بِقَهْرِهِ ، وَأَذَلَّ الْعُظَماءُ بِعِزِّةِ ، وَأَسَّسَ الأُمُورَ بِقُدْرَتِهِ ، وَنَبَا الْمَعالِيَ بِسُؤْدَدِهِ (5) ، وَتَمَجَّدَ بِفَخْرِهِ ، وَفَخَرَ بِعِزِّةِ ، وَعَزَّ بِجَبَرُوتِهِ ، وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ بِرَحْمَتِهِ.

إِيَّاكَ أَدْعُو ، وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ ، وَمِنْكَ أَطْلُبُ ، وَإِلَيْكَ أَرْغَبُ ، يا غايَةَ

ص: 103


1- لا محيص : لا مفرّ.
2- بعزته ( خ ل ).
3- انهدت : انحطت وانكسرت.
4- اباد : أهلك.
5- السؤدد : الرفعة والشرف.

الْمُسْتَضْعَفِينَ ، يا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَمُعْتَمَدَ الْمُضْطَهِدِينَ ، وَمُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ، وَمُثِيبَ الصَّابِرِينَ ، وَعِصْمَةَ الصَّالِحِينَ ، وَحِرْزَ الْعارِفِينَ ، وَأَمانَ الْخائِفِينَ ، وَظَهْرَ اللاَّجِينَ ، وَجارَ الْمُسْتَجِيرِينَ ، وَطالِبَ الْغادِرِينَ ، وَمُدْرِكَ الْهارِبِينَ ، وَأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَخَيْرَ النَّاصِرِينَ ، وَخَيْرَ الْفاصِلِينَ ، وَخَيْرَ الْغافِرِينَ ، وَأَحْكَمَ الْحاكِمِينَ ، وَأَسْرَعَ الْحاسِبِينَ.

لا يُمْتَنَعُ مِنْ بَطْشِهِ ، وَلا يُنْتَصَرُ مِنْ عِقابِهِ ، وَلا يُحْتالُ لِكَيْدِهِ (1) ، وَلا يُدْرَكُ عِلْمُهُ ، وَلا يُدْرَءُ (2) مُلْكُهُ ، وَلا يُقْهَرُ عِزُّهُ ، وَلا يُذَلُّ اسْتِكْبارُهُ ، وَلا يُبْلَغُ جَبَرُوتُهُ ، وَلا تَصْغُرُ عَظَمَتُهُ ، وَلا يَضْمَحِلُّ فَخْرُهُ ، وَلا يَتَضَعْضَعُ رُكْنُهُ ، وَلا تُرامُ قُوَّتُهُ ، الْمُحْصِي لِبَرِيَّتِهِ ، الْحافِظِ أَعْمالَ خَلْقِهِ.

لا ضِدَّ لَهُ وَلا نِدَّ (3) لَهُ ، وَلا وَلَدَ لَهُ وَلا صاحِبَةَ لَهُ ، وَلا سَمِيَّ لَهُ وَلا كُفْوَ لَهُ ، وَلا قَرِيبَ لَهُ وَلا شَبِيهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ لَهُ وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ، وَلا يَبْلُغُ شَيْءٌ مَبْلَغَهُ ، وَلا يَقْدِرُ شَيْءٌ قُدْرَتَهُ ، وَلا يُدْرِكُ شَيْءٌ أَثَرَهُ ، وَلا يَنْزِلُ شَيْءٌ مَنْزِلَتَهُ ، وَلا يُدْرِكُ شَيْءٌ أَحْرَزَهُ ، وَلا يَحُولُ دُونَهُ شَيْءٌ.

بَنَى السَّماواتِ فَأَتْقَنَهُنَّ وَما فِيهِنَّ بِعَظَمَتِهِ ، وَدَبَّرَ أَمْرَهُ تَدْبِيراً فِيهِنَّ بِحِكْمَتِهِ ، وَكانَ كَما هُوَ أَهْلُهُ لا بِأَوَّلِيَّةٍ قَبْلَهُ ، وَكانَ كَما يَنْبَغِي لَهُ ، يَرى وَلا يُرى وَهُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلانِيَةَ.

وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ خافِيَةٌ ، وَلَيْسَ لِنَقِمَتِهِ واقِيَةٌ ، يَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى وَلا تُحَصِّنُ مِنْهُ الْقُصُورُ ، وَلا تُجِنُ (4) مِنْهُ السُّتُورُ ، وَلا تَكِنُ (5) مِنْهُ الْجُدُورُ ، وَلا تُوارِي مِنْهُ الْبُحُورُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

ص: 104


1- كيده : مكره.
2- يدرأ : يدفع.
3- الندّ : النظير.
4- تجنّ : تستر.
5- تكنّ : تخفى.

يَعْلَمُ هَماهِمَ (1) الْأَنْفُسِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَوَساوِسَها وَنِيَّاتِ الْقُلُوبِ ، وَنُطْقَ الْأَلْسُنِ وَرَجْعَ الشِّفاهِ ، وَبَطْشَ الْأَيْدِي ، وَنَقْلَ الْأَقْدامِ ، وَخائِنَةَ الْأَعْيُنِ ، وَالسِّرَّ وَأَخْفى وَالنَّجْوى (2) وَما تَحْتَ الثَّرى ، وَلا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ ، وَلا يُفَرِّطُ فِي شَيْءٍ ، وَلا يَنْسى شَيْئاً لِشَيْءٍ.

أَسْأَلُكَ يا مَنْ عَظُمَ صَفْحُهُ ، وَحَسُنَ صُنْعُهُ ، وَكَرُمَ عَفْوُهُ ، وَكَثُرَتْ نِعْمَتُهُ ، وَلا يُحْصى إِحْسانُهُ وَجَمِيلُ بَلائِهِ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَقْضِيَ حَوائِجِي الَّتِي أَفْضَيْتُ بِها إِلَيْكَ ، وَقُمْتُ بِها بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَأَنْزَلْتُها بِكَ ، وَشَكَوْتُها إِلَيْكَ ، مَعَ ما كانَ مِنْ تَفْرِيطِي فِيما أَمَرْتَنِي بِهِ ، وَتَقْصِيرِي فِيما نَهَيْتَنِي عَنْهُ.

يا نُورِي فِي كُلِّ ظُلْمَةٍ ، وَيا انْسِي فِي كُلِّ وَحْشَةٍ ، وَيا ثِقَتِي فِي كُلِّ شَدِيدَةٍ ، وَيا رَجائِي فِي كُلِّ كُرْبَةٍ ، وَيا وَلِيِّي فِي كُلِّ نِعْمَةٍ ، وَيا دَلِيلِي فِي الظُّلامِ ، أَنْتَ دَلِيلِي إِذَا انْقَطَعَتْ دِلالَةُ الْأَدِلاّءِ ، فَانَّ دِلالَتَكَ لا تَنْقَطِعُ ، لا يَضِلُّ مَنْ هَدَيْتَ وَلا يَذِلُّ مَنْ والَيْتَ.

أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَأَسْبَغْتَ (3) ، وَرَزَقْتَنِي فَوَفَّرْتَ ، وَوَعَدْتَنِي فَأَحْسَنْتَ ، وَأَعْطَيْتَنِي فَأَجْزَلْتَ (4) ، بِلَا اسْتِحْقاقٍ لِذلِكَ بِعَمَلٍ مِنِّي وَلكِنْ ابْتِداءً مِنْكَ بِكَرَمِكَ وَجُودِكَ ، فَأَنْفَقْتُ نِعْمَتَكَ فِي مَعاصِيكَ ، وَتَقَوَّيْتُ بِرِزْقِكَ عَلى سَخَطِكَ ، وَأَفْنَيْتُ عُمْرِي فِيما لا تُحِبُّ ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ جُرْأَتِي عَلَيْكَ ، وَرُكُوبِي ما نَهَيْتَنِي عَنْهُ ، وَدُخُولِي فِيما حَرَّمْتَ عَلَيَّ أَنْ عُدْتُ فِي مَعاصِيكَ.

فَأَنْتَ الْعائِدُ بِالْفَضْلِ ، وَأَنَا الْعائِدُ فِي الْمَعاصِي ، وَأَنْتَ يا سَيِّدِي خَيْرُ الْمَوالِي لِعَبِيدِةِ ، وَأَنَا شَرُّ الْعَبِيدِ ، أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي ، وَأَسْأَلُكَ فَتُعْطِينِي ،

ص: 105


1- الهماهم : الخفايا.
2- النجوى : اسرار الحديث.
3- أسبغت : وسعت.
4- أجزلت : أكثرت.

وَأَسْكَتُّ عَنْكَ فَتَبْتَدِئُنِي ، وَأَسْتَزِيدُكَ فَتَزِيدُنِي ، فَبِئْسَ الْعَبْدُ أَنَا لَكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ.

أَنَا الَّذِي لَمْ أَزَلْ أُسِيءُ وَتَغْفِرُ ، وَلَمْ أَتَعَرَّضُ لِلْبَلاءِ وَتُعافِينِي ، وَلَمْ ازَلْ أَتَعَرَّضُ لِلْهَلَكَةِ وَتُنْجِينِي ، وَلَمْ أَزَلْ أَضِيعُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ فِي تَقَلُّبِي (1) فَتَحْفِظُنِي ، فَرَفَعْتَ خَسِيسَتِي ، وَأَقَلْتَ عَثْرَتِي (2) وَسَتَرْتَ عَوْرَتِي ، وَلَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي ، وَلَمْ تُنَكِّسْ بِرَأْسِي عِنْدَ إِخْوانِي ، بَلْ سَتَرْتَ عَلَيَّ الْقَبائِحَ الْعِظامَ ، وَالْفَضائِحَ الْكِبارَ ، وَأَظْهَرْتَ حَسَناتِيَ الْقَلِيلَةَ الصِّغارَ ، مَنّاً مِنْكَ عَلَيَّ ، وَتَفَضُّلاً وَإِحْساناً ، وَإنْعاماً وَاصْطِناعاً.

ثُمَّ أَمَرْتَنِي فَلم أَئْتَمِرْ (3) ، وَزَجَرْتَنِي فَلَمْ أَنْزَجِرْ ، وَلَمْ أَشْكُرْ نِعْمَتَكَ ، وَلَمْ أَقْبَلْ نَصِيحَتَكَ. وَلَمْ أُؤَدِّ حَقَّكَ ، وَلَمْ أَتْرُكْ مَعاصِيكَ ، بَلْ عَصَيْتُكَ بِعَيْنِي وَلَوْ شِئْتَ أَعْمَيْتَنِي ، فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِسَمْعِي وَلَوْ شِئْتَ أَصْمَمْتَنِي ، فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِيَدِي ، وَلَوْ شِئْتَ لَكَنَعْتَنِي (4) فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِرِجْلِي وَلَوْ شِئْتَ جَذَمْتَنِي (5) فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِفَرْجِي وَلَوْ شِئْتَ لَعَقَمْتَنِي فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِجَمِيعِ جَوارِحِي وَلَمْ يَكُ هذا جَزاؤُكَ مِنِّي ، فَعَفْوَكَ عَفْوَكَ.

فَها أَنَا ذا عَبْدُكَ الْمُقِرُّ بِذَنْبِي ، الْخاشِعُ بِذُلِّي ، الْمُسْتَكِينُ لَكَ بِجُرْمِي ، مُقِرٌّ لَكَ بِجِنايَتِي ، مُتَضَرِّعٌ إِلَيْكَ ، راجٍ لَكَ فِي مَوْقِفِي هذا ، تائِبٌ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي وَمِنْ اقْتِرافِي (6) ، وَمُسْتَغْفِرٌ لَكَ مِنْ ظُلْمِي لِنَفْسِي ، راغِبٌ إِلَيْكَ فِي فَكاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، وَمُبْتَهِلٌ إِلَيْكَ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْمَعاصِي.

ص: 106


1- تقلّبي : انتقالي وتحولي.
2- عثرتي : غفرت خطيئتي.
3- أئتمر : امتثل.
4- كنعتني : قطعت أو شللت يدي.
5- جذمتني : قطعت رجلي.
6- الاقتراف : الاكتساب.

طالِبٌ إِلَيْكَ أَنْ تُنْجِحَ لِي حَوائِجِي ، وَتُعْطِينِي فَوْقَ رَغْبَتِي ، وَأَنْ تَسْمَعَ نِدائِي ، وَتَسْتَجِيبَ دُعائِي ، وَتَرْحَمَ تَضَرُّعِي وَشَكْوايَ ، وَكَذلِكَ الْعَبْدُ الْخاطِئُ يَخْضَعُ لِسَيِّدِهِ ، وَيَخْشَعُ لِمَوْلاهُ بِالذُّلِّ.

يا أَكْرَمَ مَنْ أَقَرَّ لَهُ كُلٌّ بِالذُّنُوبِ ، وَأَكْرَمَ مَنْ خُضِعَ لَهُ وَخُشِعَ ، ما أَنْتَ صانِعٌ بِمُقِرٍّ لَكَ بِذَنْبِهِ ، خاضِعٍ لَكَ بِذُلِّهِ ، فَانْ كانَتْ ذُنُوبِي قَدْ حالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنْ تُقْبِلَ عَلَيَّ بِوَجْهِكَ ، وَتَنْشُرَ عَلَيَّ رَحْمَتَكَ ، وَتُنْزِلَ عَلَيَّ شَيْئاً مِنْ بَرَكاتِكَ ، وَتَرْفَعَ لِي إِلَيْكَ صَوْتاً أَوْ تَغْفِرَ لِي ذَنْباً ، أَوْ تَتَجاوَزَ عَنْ خَطِيئَةٍ (1).

فَها أَنَا ذا عَبْدُكَ مُسْتَجِيراً بِكَرَمِ وَجْهِكَ ، وَعِزِّ جَلالِكَ ، وَمُتَوَجِّهاً إِلَيْكَ ، وَمُتَوَسِّلاً إِلَيْكَ ، وَمُتَقَرِّباً إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ وَأَكْرَمِهِمْ لَدَيْكَ ، وَأَوْلاهُمْ بِكَ ، وَأَطْوَعِهِمْ لَكَ ، وَأَعْظَمِهِمْ مِنْكَ مَنْزِلَةً ، وَعِنْدَكَ مَكاناً ، وَبِعِتْرَتِهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِمْ الْهُداةِ الْمَهْدِيِّينَ ، الَّذِينَ افْتَرَضْتَ طاعَتَهُمْ ، وَأَمَرْتَ بِمَوَدَّتِهِمْ ، وَجَعَلْتَهُمْ وُلاةَ الْأَمْرِ بَعْدَ نَبِيِّكَ.

يا مُذِلَّ كُلِّ جَبَّارٍ ، وَيا مُعِزَّ كُلِّ ذَلِيلٍ ، قَدْ بَلَغَ مَجْهُودِي ، فَهَب لِي نَفْسِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ بِرَحْمَتِكَ.

اللّهُمَّ لا قُوَّةَ لِي عَلى سَخَطِكَ ، وَلا صَبْرَ لِي عَلى عَذابِكَ ، وَلا غِناً بِي عَنْ رَحْمَتِكَ ، تَجِدُ مَنْ تُعَذِّبُ غَيْرِي ، وَلا أَجِدُ مَنْ يَرْحَمُنِي غَيْرُكَ ، وَلا قُوَّةَ لِي عَلَى الْبَلاءِ وَلا طاقَةَ لِي عَلَى الْجُهْدِ.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَبِآلِةِ الطَّاهِرِينَ ، وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِالْأَئِمَّةِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِسِرِّكَ ، وَأَطْلَعْتَهُمْ عَلى وَحْيِكَ (2) ، وَاخْتَرْتَهُمْ بِعِلْمِكَ ، وَطَهَّرْتَهُمْ وَخَلَّصْتَهُمْ ، وَاصْطَفَيْتَهُمْ وَصَفَّيْتَهُمْ ، وَجَعَلْتَهُمْ هُداةً مَهْدِيِّينَ ، وَائْتَمَنْتَهُمْ عَلى وَحْيِكَ ، وَعَصَمْتَهُمْ عَنْ مَعاصِيكَ ، وَرَضَيْتَهُمْ لِخَلْقِكَ ، وَخَصَصْتَهُمْ بِعِلْمِكَ ، وَاجْتَبَيْتَهُمْ وَحَبَوْتَهُمْ وَجَعَلْتَهُمْ حُجَجاً عَلى خَلْقِكَ ،

ص: 107


1- خطيئته ( خ ل ).
2- في المصباح : خفيك.

وَأَمَرْتَ بِطاعَتِهِمْ وَلَمْ تُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَتِهِمْ ، وَفَرَضْتَ طاعَتَهُمْ عَلى مَنْ بَرَأْتَ (1) ، وَأَتَوَسَّلُ بِهِمْ إِلَيْكَ فِي مَوْقِفِي الْيَوْمَ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ خِيارِ وِفْدِكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارْحَمْ صُراخِي وَاعْتِرافِي بِذَنْبِي وَتَضَرُّعِي وَارْحَمْ طَرْحِي رَحْلِي بِفِنائِكَ ، وَارْحَمْ مَسِيرِي إِلَيْكَ ، يا أَكْرَمَ مَنْ سُئِلَ ، يا عَظِيماً يُرْجى لِكُلِّ عَظِيمٍ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِيَ الْعَظِيمَ ، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الْعَظِيمَ إِلاَّ الْعَظِيمُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، يا رَبَّ الْمُؤْمِنِينَ ، لا تَقْطَعْ رَجائِي ، يا مَنّانُ مُنَّ عَلَيَّ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يا مَنْ لا يَخِيبُ سائِلَهُ لا تَرُدَّنِي ، يا عَفُوُّ اعْفُ عَنِّي ، يا تَوَّابُ تُبْ عَلَيَّ ، وَاقْبَلْ تَوْبَتِي يا مَوْلايَ ، حاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي ، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي ، فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ.

اللّهُمَّ بَلِّغْ رُوحَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عَنِّي تَحِيَّةً وَسَلاماً ، وَبِهِمُ الْيَوْمَ فَاسْتَنْقِذْنِي ، يا مَنْ أَمَرَ بِالْعَفْوِ ، يا مَنْ يُجْزِي عَلَى الْعَفْوِ ، يا مَنْ يَعْفُو ، يا مَنْ رَضِيَ بِالْعَفْوِ ، يا مَنْ يُثِيبُ عَلَى الْعَفْوِ ، الْعَفْوَ الْعَفْوَ - يقولها عشرين مرة - أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ الْعَفْوَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ.

هذا مَكانُ الْبائِسِ الْفَقِيرِ ، هذا مَكانُ الْمُضْطَرِّ إِلى رَحْمَتِكَ ، هذا مَكانُ الْمُسْتَجِيرِ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، هذا مَكانُ الْعائِذِ بِكَ مِنْكَ ، أَعُوذُ بِرِضاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَمِنْ فُجْأَةِ نِقْمَتِكَ ، يا أَمَلِي يا رَجائِي يا خَيْرَ مُسْتَغاثٍ ، يا أَجْوَدَ الْمُعْطِينَ ، يا مَنْ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ.

يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ ، وَرَجائِي وَثِقَتِي وَمُعْتَمَدِي ، وَيا ذُخْرِي وَظَهْرِي وَعُدَّتِي ، وَغايَةَ أَمَلِي وَرَغْبَتِي ، يا غِياثِي يا وارِثِي ، ما أَنْتَ صانِعٌ بِي فِي هذا الْيَوْمِ الَّذِي فَزعْتُ فِيهِ إِلَيْكَ ، وَكَثُرَتْ فِيهِ الْأَصْواتُ.

ص: 108


1- برأت : خلقت.

أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَقْلِبَنِي (1) فِيهِ مُفْلِحاً مُنْجِحاً بِأَفْضَلِ ما انْقَلَبَ بِهِ مِنْ رَضِيتَ عَنْهُ ، وَاسْتَجَبْتَ دُعاءَهُ وَقَبِلْتَهُ ، وَأَجْزَلْتَ حَباهُ (2) وَغَفَرْتَ ذُنُوبَهُ وَأَكْرَمْتَهُ وَلَمْ تَسْتَبْدِلْ بِهِ سِواهُ ، وَشَرَّفْتَ مَقامَهُ وَباهَيْتَ بِهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَقَلَبْتَهُ بِكُلِّ حَوائِجِهِ ، وَأَحْيَيْتَهُ بَعْدَ الْمَماتِ حَياةً طَيِّبَةً ، وَخَتَمْتَ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَأَلْحَقْتَهُ بِمَنْ تَوَلاّهُ.

اللّهُمَّ إِنَّ لِكُلِّ وافِدٍ جائِزَةٌ وَلِكُلِّ زائِرٍ كَرامَةٌ ، وَلِكُلِّ سائِلٍ لَكَ عَطِيَّةٌ ، وَلِكُلِّ راجٍ لَكَ ثَواباً ، وَلِكُلِّ مُلْتَمِسٍ ما عِنْدَكَ جَزاءٌ ، وَلِكُلِّ راغِبٍ إِلَيْكَ هِبَةٌ ، وَلِكُلِّ مَنْ فَزَعَ إِلَيْكَ رَحْمَةً ، وَلِكُلِّ مَنْ رَغِبَ الَيْكَ (3) زُلْفى ، وَلِكُلِّ مُتَضَرِّعٍ إِلَيْكَ إِجابَةٌ ، وَلِكُلِّ مُسْتَكِينٍ إِلَيْكَ رَأْفَةٌ ، وَلِكُلِّ نازِلٍ بِكَ حِفْظاً ، وَلِكُلِّ مُتَوَسِّلٍ الَيْكَ عَفْواً.

وَقَدْ وَفَدْتُ إِلَيْكَ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ فِي هذا الْمَوْضِعِ الَّذِي شَرَّفْتَهُ رَجاءً لِما عِنْدَكَ ، فَلا تَجْعَلْنِي الْيَوْمَ أَخْيَبَ وَفْدِكَ ، وَأَكْرِمْنِي بِالْجَنَّةِ ، وَمُنَّ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَجَمِّلْنِي بِالْعافِيَةِ ، وَأَجِرْنِي مِنَ النَّارِ ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ الطَّيِّبِ ، وَادْرَءْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَشَرَّ شَياطِينِ الانْسِ وَالْجِنِّ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَلا تَرُدَّنِي خائِباً ، وَسَلِّمْنِي ما بَيْنِي وَبَيْنَ لِقائِكَ حَتّى تُبَلِّغَنِي الدَّرَجَةَ الَّتِي فِيها مُرافَقَةَ أَوْلِيائِكَ ، وَاسْقِنِي مِنْ حَوْضِهِمْ مَشْرَباً رَوِيّاً لا أَظْمَأُ بَعْدَهُ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِمْ ، وَتَوَفَّنِي فِي حِزْبِهِمْ ، وَعَرِّفْنِي وُجُوهَهُمْ فِي رِضْوانِكَ وَالْجَنَّةَ ، فَانِّي رَضِيتُ بِهِمْ هُداةً.

يا كافِيَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكْفِنِي شَرَّ ما أَحْذَرُ ، وَشَرَّ ما لا أَحْذَرُ ، وَلا تَكِلْنِي إِلَى أَحَدٍ سِواكَ ، وَبارِكْ لِي

ص: 109


1- ان تقلبني : أن ترجعني.
2- أجزلت حباءه : كثرت عطاءه.
3- في البحار : فيك.

فِيما رَزَقْتَنِي ، وَلا تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي ، وَلا تَكِلْنِي إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ وَلا إِلى رَأْيِي فَيُعْجِزُنِي ، وَلا إِلَى الدُّنْيا فَتَلْفِظُنِي (1) ، وَلا إِلى قَرِيبٍ وَلا بَعِيدٍ ، بَلْ تَفَرَّدْ بِالصُّنْعِ لِي يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ.

اللّهُمَّ أَنْتَ أَنْتَ انْقَطَعَ الرَّجاءُ إِلاَّ مِنْكَ ، فِي هذا الْيَوْمِ تَطَوَّلْ عَلَيَّ فِيهِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، اللّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الْأَمْكنَةِ الشَّرِيفَةِ ، وَرَبَّ كُلِّ حَرَمٍ وَمَشْعَرٍ (2) عَظَّمْتَ قَدْرَهُ ، وَشَرَّفْتَهُ وَبِالْبَيْتِ الْحَرامِ ، وَبِالْحِلِّ وَالْحَرامِ ، وَالرُّكْنِ وَالْمَقامِ.

صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْجِحْ [ لِي ] (3) كُلَّ حاجَةٍ مِمَّا فِيهِ صَلاحُ دِينِي وَدُنْيايَ وَآخِرَتِي ، وَاغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ وَلَدَنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ، وَاجْزِهِما عَنِّي خَيْرَ الْجَزاءِ ، وَعَرِّفْهُما بِدُعائِي لَهُما ما تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُما ، فَإِنَّهُما قَدْ سَبَقانِي إِلَى الْغايَةِ ، وَخَلَقْتَنِي بَعْدَهُما ، فَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي وَفِيهِما وَفِي جَمِيعِ أَسْلافِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هذا الْيَوْمِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَفَرِّجْ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، وَانْصُرْهُمْ وَانْتَصِرْ بِهِمْ ، وَأَنْجِزْ لَهُمْ ما وَعَدْتَهُمْ ، وَبَلِّغْنِي فَتْحَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكْفِنِي كُلَّ هَوْلٍ دُونَهُ ، ثُمَّ اقْسِمِ اللّهُمَّ لِي فِيهِمْ نَصِيباً خالِصاً ، يا مُقَدِّرَ الآجالِ ، يا مُقَسِّمَ الْأَرْزاقِ ، افْسَحْ لِي فِي عُمْرِي ، وَابْسُطْ لِي فِي رِزْقِي.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَصْلِحْ لَنَا إِمامَنا وَاسْتَصْلِحْهُ ، وَأَصْلِحْ عَلى يَدَيْهِ ، وَآمِنْ خَوْفَهُ وَخَوْفَنا عَلَيْهِ ، وَاجْعَلْهُ اللّهُمَّ الَّذِي تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ.

اللّهُمَّ امْلَأِ الْأَرْضَ بِهِ عَدْلاً وَقِسْطاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً ، وَامْنُنْ بِهِ عَلى فُقَراءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرامِلِهِمْ وَمَساكِينَهُمْ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ خِيارِ مَوالِيهِ

ص: 110


1- تلفظني : ترميني.
2- المشعر : كل موضع مقدّس ، ومنه المزدلفة.
3- من البحار والصحيفة.

وَشِيعَتِهِ ، أَشَدِّهِمْ لَهُ حُبّاً وَأَطْوَعِهِمْ لَهُ طَوْعاً ، وَأَنْفَذِهِمْ لِأَمْرِهِ ، وَأَسْرَعِهِمْ إِلى مَرْضاتِهِ ، وَأَقْبَلِهِمْ لِقَوْلِهِ ، وَأَقْوَمِهِمْ بِأَمْرِهِ ، وَارْزُقْنِي الشَّهادَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتّى أَلْقاكَ وَأَنْتَ عَنِّي راضٍ.

اللّهُمَّ إِنِّي خَلَّفْتُ الْأَهْلَ وَالْوَلَدَ وَما خَوَّلْتَنِي (1) وَخَرَجْتُ إِلَيْكَ وَوَكَّلْتُ ما خَلَّفْتُ إِلَيْكَ فَأَحْسِنْ عَلَيَّ فِيهِمُ الْخَلَفَ ، فَإِنَّكَ وَلِيٌّ ذلِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، سُبْحانَ اللّهِ رَبِّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَما فِيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2).

ومن هذا الموضع زيادة ليس من هذا الفصل وهو مضاف إليه :

اللّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ ، وَأَجَلِي بِعِلْمِكَ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَنِي لِما يُرْضِيكَ عَنِّي ، وَأَنْ تُسَلِّمَ لِي مَناسِكِي الَّتِي أَرَيْتَها إِبْراهِيمَ خَلِيلَكَ ، وَدَلَلْتَ عَلَيْها نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَواتُكَ عَلَيْهِما ، اللّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيتَ عَمَلَهُ ، وَأَطَلْتَ عُمْرَهُ ، وَأَحْيَيْتَهُ بَعْدَ الْمَماتِ حَياةً طَيِّبَةً.

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى نَعْمائِهِ الَّتِي لا تُحْصى بِعَدَدٍ ، وَلا تُكافَؤُ بِعَمَلٍ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَلَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً ، وَفَضَّلَنِي عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي وَلَمْ أَكُ أَمْلِكُ شَيْئاً ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى رَحْمَتِهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ

ص: 111


1- خوّلتني : ملكتني.
2- عنه البحار 98 : 228 ، رواه إلى هنا المفيد في مزاره : 134 ، مصباح المتهجد : 689 ، عنه البلد الأمين : 245 ، مصباح الكفعمي : 663 ، الصحيفة السجادية الجامعة : 337 ، الدعاء : 149.

لِرِسالاتِكَ (1) ، وَاجْعَلْهُ اللّهُمَّ أَوَّلَ شافِعٍ وَأَوَّلَ مُشَفَّعٍ وَأَوَّلَ قائِلٍ وَأَنْجَحَ سائِلٍ ، إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاكَ ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ ، وَتُغِيثُ الْمَكْرُوبَ ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ ، وَتُغْنِي الْفَقِيرَ ، وَتَجْبُرُ الْكَسِيرَ ، وَلَيْسَ فَوْقَكَ أَمِيرٌ ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ، يا عِصْمَةَ الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ ، يا مَنْ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ.

أَسْأَلُكَ بِعَظِيمِ ما سَأَلَكَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ كَرِيمِ أَسْمائِكَ وَجَمِيلِ ثَنائِكَ وَخاصَّةِ آلائِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَجْعَلَ عَشِيَّتِي هذِهِ أَعْظَمَ عَشِيَّةٍ مَرَّتْ عَلَيَّ مُنْذُ أَنْزَلْتَنِي إِلى الدُّنْيا بَرَكَةً فِي عِصْمَةِ دِينِي وَخَلاصِ نَفْسِي وَقَضاءِ حاجَتِي ، وَتَشْفِيعِي فِي مَسائِلِي وَإتْمامِ النِّعْمَةِ عَلَيَّ ، وَصَرْفِ السُّوءِ عَنِّي وَلِباسِ الْعافِيَةِ لِي ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ بِرَحْمَتِكَ ، إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَلا تَجْعَلْ هذِهِ الْعَشِيَّة آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي ، حَتّى تُبَلِّغَنِيها مِنْ قابِلٍ مَعَ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الْحَرامِ ، وَالزُّوَّارِ لِقَبْرِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ فِي أَعْفى عافِيَتِكَ ، وَأَعَمِّ نِعْمَتِكَ ، وَأَوْسَعِ رَحْمَتِكَ ، وَأَجْزَلِ قِسَمِكَ ، وَأَوْسَعِ رِزْقِكَ ، وَأَفْضَلِ الرَّجاءِ ، وَأَنَا لَكَ عَلى أَحْسَنِ الْوَفاءِ ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاسْمَعْ دُعائِي ، وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَتَذَلُّلِي وَاسْتِكانَتِي وَتَوَكُّلِي فَانِّي لَكَ سِلْمٌ لا أَرْجُو نَجاحاً وَلا مُعافاةً وَلا تَشْرِيفاً إِلاَّ بِكَ وَمِنْكَ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ بِتَبْلِيغِي هذِهِ الْعَشِيَّةَ مِنْ قابِلٍ وَأَنَا مُعافىً مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَمَحْذُورٍ ، مِنْ جَمِيعِ الْبَوائِق (2) وَأَعِنِّي عَلى طاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسُولِكَ وَأَوْلِيائِكَ الَّذِينَ اصْطَفَيْتَهُمْ مِنْ خَلْقِكَ (3).

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَسَلِّمْنِي فِي دِينِي وَامْدُدْ لِي فِي

ص: 112


1- لرسالتك ( خ ل ).
2- البائقة : الداهية.
3- نحلقك ( خ ل ).

عُمْرِي وَأَصِحَّ جِسْمِي ، يا مَنْ رَحِمَنِي وَأَعْطانِي سُؤْلِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَتَمِّمْ عَلَيَّ نِعْمَتَكَ فِيما بَقِيَ مِنْ أَجَلِي حَتّى تَتَوفّانِي وَأَنْتَ عَنِّي راضٍ ، وَلا تُخْرِجْنِي مِنْ مِلَّةِ الإِسْلامِ ، فَانِّي اعْتَصَمْتُ بِحَبْلِكَ فَلا تَكِلْنِي إِلى غَيْرِكَ ، وَعَلِّمْنِي ما يَنْفَعُنِي ، وَامْلأْ قَلْبِي عِلْماً وَخَوْفاً مِنْ سَطَواتِكَ وَنَقِماتِكَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إِلَيْكَ الْمُشْفِقِ مِنْ عَذابِكَ ، الْخائِفِ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَحَنَّنْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ وَأَنْ تَجُودَ عَلَيَّ بِمَغْفِرَتِكَ وَتُؤَدِّيَ عَنِّي فَرِيضَتَكَ ، وَتُغْنِينِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ ، وَأَنْ تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (1).

ومن أدعية يوم عرفة دعاء لمولانا زين العابدين صلوات اللّه عليه ، وهو دعاء اشتمل على المعاني الرَّبانيّة وأدب العبودية مع الجلالة الإلهيّة :

اللّهُمَّ إِنَّ مَلائِكَتَكَ مُشْفِقُونَ (2) مِنْ خَشْيَتِكَ ، سامِعُونَ مُطِيعُونَ لَكَ وَهُمْ بِأَمْرِكَ يَعْمَلُونَ ، لا يَفْتَرُونَ (3) اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يُسَبِّحُونَ ، وَأَنَا أَحَقُّ بِالْخَوْفِ الدَّائِمِ لِاساءَتِي عَلى نَفْسِي ، وَتَفْرِيطِها إِلَى اقْتِرابِ أَجَلِي ، فَكَمْ لِي يا رَبِّ مِنْ ذَنْبٍ أَنَا فِيهِ مَغْرُورٌ مُتَحَيِّرٌ.

اللّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَكْثَرْتُ عَلى نَفْسِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالإِساءَةِ وَأَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنَ الْمُعافاةِ ، سَتَرْتَ عَلَيَّ وَلَمْ تَفْضَحْنِي بِما أَحْسَنْتَ لِيَ النَّظَرَ وَأَقَلْتَنِي الْعَثْرَةَ ، وَأَخافُ أَنْ أَكُونَ فِيها مُسْتَدْرجاً ، فَقَدْ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَسْتَحْيِي مِنْ كَثْرَةِ مَعاصِيَّ ، ثُمَّ لَمْ تَهْتِكْ لِي سِرّاً ، وَلَمْ تُبْدِ لِي عَوْرَةً ، وَلَمْ تَقْطَعْ عَنِّي الرِّزْقَ ، وَلَمْ تُسَلِّطْ عَلَيَّ جَبَّاراً ، وَلَمْ تَكْشِفْ عَنِّي غِطاءً مُجازاةً لِذُنُوبِي ، تَرَكْتَنِي كَأَنِّي

ص: 113


1- عنه البحار 98 : 234.
2- مشفقون : خائفون.
3- لا يفترون : لا يسكنون.

لا ذَنْبَ لِي ، كَفَفْتَ (1) عَنْ خَطِيئَتِي وَزَكَّيْتَنِي بِما لَيْسَ فِيَّ ، أَنَا الْمُقِرُّ عَلى نَفْسِي بِما جَنَتْ عَلَيَّ يَدايَ ، وَمَشَتْ إِلَيْهِ رِجْلايَ ، وَباشَرَ جَسَدِي وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ عَيْنايَ وَسَمِعَتْهُ أُذُنايَ ، وَعَمِلَتْهُ جَوارِحِي ، وَنَطَقَ بِهِ لِسانِي ، وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبِي.

فَأَنَا الْمُسْتَوْجِبُ يا إِلهِي زَوالَ نِعْمَتِكَ ، وَمُفاجاةَ نِقْمَتِكَ وَتَحْلِيلَ عُقُوبَتِكَ ، لِمَا اجْتَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ مَعاصِيكَ ، وَضَيَّعْتَ مِنْ حُقُوقِكَ ، أَنَا صاحِبُ الذُّنُوبِ الْكَبِيرَةِ (2) الَّتِي لا تُحْصى عَدَدُها ، وَصاحِبُ الْجُرْمِ الْعَظِيمِ ، أَنَا الَّذِي أَحْلَلْتُ الْعُقُوبَةَ بِنَفْسِي وَأَوْبَقْتُها (3) بِالْمَعاصِي جُهْدِي وَطاقَتِي وَعَرَّضْتُها لِلْمَهالِكَ بِكُلِّ قُوَّتِي.

إِلهِي (4) أَنَا الَّذِي لَمْ أَشْكُرْ نِعَمَكَ عِنْدَ مَعاصِيِّ إِيَّاكَ وَلَمْ أَدَعْها عِنْدَ حُلُولِ الْبَلِيَّةِ وَلَمْ أَقِفْ عِنْدَ الْهَوى وَلَمْ اراقِبْكَ ، يا إِلهِي أَنَا الَّذِي لَمْ أَعْقِلْ عِنْدَ الذُّنُوبِ نَهْيَكَ ، وَلَمْ اراقِبْ عِنْدَ اللَّذَّاتِ زَجْرَكَ (5) ، وَلَمْ أَقْبَلْ عِنْدَ الشَّهْوَةِ نَصِيحَتَكَ ، وَرَكِبْتُ الْجَهْلَ بَعْدَ الْحِلْمِ ، وَغَدَوْتُ (6) إِلَى الظُّلْمِ بَعْدَ الْعِلْمِ.

اللّهُمَّ فَكَما حَلُمْتَ عَنِّي فِيمَا اجْتَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ مَعاصِيكَ ، وَعَرَفْتَ تَضْييعِي حَقَّكَ ، وَضَعْفِي عَنْ شُكْرِ نِعْمَتِكَ ، وَرُكُوبِي مَعْصِيَتَكَ ، اللّهُمَّ إِنِّي لَسْتُ ذا عُذْرٍ فَأَعْتَذِرُ وَلا ذا حِيلَةٍ فَأَنْتَصِرُ.

اللّهُمَّ قَدْ أَسَأْتُ وَظَلَمْتُ ، وَبِئْسَ ما صَنَعْتُ ، عَمِلْتُ سُوءً لَمْ تَضُرُّكَ ذُنُوبِي ، فَأَسْتَغْفِرُكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ ، سُبْحانَكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.

اللّهُمَّ إِنَّكَ تَجِدُ مَنْ تُعَذِّبُهُ غَيْرِي وَلا أَجِدُ مَنْ يَرْحَمُنِي سِواكَ ، اللّهُمَّ فَلَوْ

ص: 114


1- كففت : انصرفت.
2- الكثيرة ( خ ل ).
3- أوبقتها : أهلكتها.
4- اللّهم ( خ ل ).
5- زجرك : منعك.
6- غدوت : ذهبت وانطلقت.

كانَ لِي مَهْرَبٌ لَهَرَبْتُ ، وَلَوْ كانَ لِي مَصْعَدٌ فِي السَّماءِ أَوْ مَسْلَكٌ فِي الْأَرْضِ لَسَلَكْتُ ، وَلكِنَّهُ لا مَهْرَبَ لِي وَلا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا وَلا مَأْوى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ.

اللّهُمَّ إِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَهْلُ ذلِكَ أَنَا وَإِنْ تَرْحَمْنِي فَأَهْلُ ذلِكَ أَنْتَ ، بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ وَوَحْدانِيَّتِكَ وَجَلالِكَ وَكِبْرِيائِكَ وَعَظَمَتِكَ وَسُلْطانِكَ ، فَقَدِيماً ما مَنَنْتَ عَلى أَوْلِيائِكَ وَمُسْتَحِقِّي عُقُوبَتِكَ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ ، سَيِّدِي عافِيَةَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ عافِيَتَكَ ، وَعَفْوَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ عَفْوَكَ ، وَرَحْمَةَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ رَحْمَتَكَ ، وَمَغْفِرَةَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ مَغْفِرَتَكَ ، وَرِزْقَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ رِزْقَكَ ، وَفَضْلَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ فَضْلَكَ.

سَيِّدِي أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنَ النِّعَمِ وَأَقْلَلْتَ لَكَ مِنَ الشُّكْرِ ، فَكَمْ لَكَ عِنْدِي مِنْ نِعْمَةٍ لَا يُحْصِيها أَحَدٌ غَيْرُكَ ، مَا أَحْسَنَ بَلاءَكَ (1) عِنْدِي ، وَأَحْسَنَ فِعالَكَ ، نادَيْتُكَ مُسْتَغِيثاً مُسْتَصْرِخاً فَأَغَثْتَنِي ، وَسَأَلْتُكَ عائِلاً (2) فَأَغْنَيْتَنِي ، وَنَأَيْتُ (3) فَكُنْتَ قَرِيباً مُجِيباً ، وَاسْتَعَنْتُ بِكَ مُضْطَرّاً فَأَعَنْتَنِي وَوَسَّعْتَ عَلَيَّ ، وَهَتَفْتُ إِلَيْكَ فِي مَرَضِي فَكَشَفْتَهُ عَنِّي ، وَانْتَصَرْتُ بِكَ فِي رَفْعِ الْبَلاءِ.

فَوَجَدْتُكَ يا مَوْلايَ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ، وَكَيْفَ لا أَشْكُرُكَ ، يا إِلهِي أَطْلَقْتَ لِسانِي بِذِكْرِكَ رَحْمَةً لِي مِنْكَ ، وَأَضَأْتَ لِي بَصَرِي بِلُطْفِكَ حُجَّةً مِنْكَ عَلَيَّ ، وَسَمِعَتْ أُذُنايَ بِقُدْرَتِكَ نَظَراً مِنْكَ ، وَدَلَلْتَ عَقْلِي عَلى تَوْبِيخِ (4) نَفْسِي.

إِلَيْكَ أَشْكُو ذُنُوبِي فَإِنَّها لا مَجْرى لِبَثِّها (5) إِلاَّ إِلَيْكَ ، فَفَرِّجْ عَنِّي ما ضاقَ بِهِ صَدْرِي ، وَخَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ ما أَخافُ عَلى نَفْسِي ، مِنْ أَمْرِ دِينِي وَدُنْيايَ

ص: 115


1- بلاءك : إحسانك وإنعامك.
2- عائلا : فقيرا.
3- نأيت : بعدت.
4- التوبيخ : اللوم.
5- لبثّها : لإذاعتها ونشرها.

وَأَهْلِي وَمالِي ، فَقَدِ اسْتَصْعَبَ عَلَيَّ شَأْنِي ، وَشَتَّتَ عَلَيَّ أَمْرِي وَقَدْ أَشْرَفَتْ عَلى هَلَكَتِي نَفْسِي ، وَإِذا تَدارَكَتْنِي مِنْكَ بِرَحْمَةٍ تُنْقِذُنِي بِها ، فَمَنْ لِي بَعْدَكَ يا مَوْلايَ.

أَنْتَ الْكَرِيمُ الْعَوَّادُ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَأَنَا اللَّئِيمُ الْعَوَّادُ بِالْمَعاصِي ، فَاحْلُمْ يا حَلِيمُ عَنْ جَهْلِي وَأَقِلْنِي يا مُقِيلَ عَثْرَتِي ، وَتَقَبَّلْ يا رَحِيمُ تَوْبَتِي ، سَيِّدِي وَمَوْلايَ ، لا بُدَّ مِنْ لِقائِكَ عَلى كُلِّ حالٍ.

وَكَيْفَ يَسْتَغْنِي الْعَبْدُ عَنْ رَبِّهِ ، وَكَيْفَ يَسْتَغْنِي الْمُذْنِبُ عَمَّنْ يَمْلِكُ عُقُوبَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ ، سَيِّدِي لَمْ أَزْدَدْ إِلَيْكَ إِلاَّ فَقْراً ، وَلَمْ تَزْدَدْ عَنِّي إِلاَّ غِنًى ، وَلَمْ تَزْدَدْ ذُنُوبِي إِلاَّ كَثْرَةً ، وَلَمْ يَزْدَدْ عَفْوُكَ إِلاّ سَعَةً.

سَيِّدِي ، ارْحَمْ تَضَرُّعِي إِلَيْكَ وَانْتِصابِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَطَلَبِي ما لَدَيْكَ ، تَوْبَةً فِيما بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، سَيِّدِي مُتَعَوِّذاً بِكَ مُتَضَرِّعاً إِلَيْكَ بائِساً فَقِيراً تائِباً ، غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلا مُسْتَكْبِرٍ ، وَلا مُسْتَسْخِطٍ (1) ، بَلْ مُسْتَسْلِمٍ لِأَمْرِكَ راضٍ بِقَضائِكَ ، لا آيِسٌ مِنْ رَوْحِكَ (2) ، وَلا آمِنٌ مِنْ مَكْرِكَ وَلا قانِطٌ مِنْ رَحْمَتِكَ ، سَيِّدِي بَلْ مُشْفِقٌ (3) مِنْ عَذابِكَ ، راجٍ لِرَحْمَتِكَ ، لِعِلْمِي بِكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ ، فَإِنَّهُ لَنْ يُجِيرَنِي (4) مِنْكَ أَحَدٌ وَلا أَجِدُ مِنْ دُونِكَ مُلْتَحَداً (5).

اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ تُحْسِنَ فِي رامِقَةِ (6) الْعُيُونِ عَلانِيَتِي ، وَتَفْتَحَ فِيما أَخْلُو لَكَ سَرِيرَتِي ، مُحافِظاً عَلى رِئاءِ النَّاسِ مِنْ نَفْسِي ، مُضَيِّعاً ما أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ مِنِّي فَابْدِئُ لَكَ بِأَحْسَنِ أَمْرِي ، وَأَخْلُو لَكَ بِشَرِّ فِعْلِي تَقَرُّباً إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِحَسَناتِي ، وَفِراراً مِنْهُمْ إِلَيْكَ بِسَيِّئَاتِي ، حَتّى كَأَنَّ الثَّوابَ لَيْسَ

ص: 116


1- مستسخط : كاره.
2- روحك : رحمتك.
3- مشفق : خائف حذر.
4- يجيرني : ينقذني.
5- ملتحدا : ملجأ.
6- وامقة ( خ ل ) ، أقول : رمقه بعينه : أطال النظر إليه.

مِنْكَ ، وَكَأَنَّ الْعِقابَ لَيْسَ إِلَيْكَ ، قَسْوَةً مِنْ مَخافَتِكَ مِنْ قَلْبِي وَزَلَلاً عَنْ قُدْرَتِكَ مِنْ جَهْلِي فَيَحِلُّ بِي غَضَبَكَ وَيَنالُنِي مَقْتُكَ فَأَعِذْنِي مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ ، وَقِنِي بِوِقايَتِكَ الَّتِي وَقَيْتَ بِها عِبادَكَ الصَّالِحِينَ.

اللّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي ما كانَ صالِحاً ، وَأَصْلِحْ مِنِّي ما كانَ فاسِداً ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَنْ لا يَرْحَمُنِي وَلا باغِياً وَلا حاسِداً.

اللّهُمَّ أَذْهِبْ عَنِّي كُلَّ هَمٍّ ، وَفَرِّجْ عَنِّي كُلِّ غَمٍّ ، وَثَبِّتْنِي فِي كُلِّ مُقامٍ ، وَاهْدِنِي فِي كُلِّ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْحَقِّ ، وَحُطَّ عَنِّي كُلَّ خَطِيئَةٍ ، وَأَنْقِذْنِي مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ وَبَلِيَّةٍ ، وَعافِنِي أَبَداً ما أَبْقَيْتَنِي وَاغْفِرْ لِي إِذا تَوَفَّيْتَنِي ، وَلَقِّنِي رَوْحاً وَرَيْحاناً وَجَنَّةَ نَعِيمٍ ، أَبَدَ الابِدِينَ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (1).

ومن أدعية يوم عرفة ما رويناه بإسنادنا إلى أبي محمّد هارون بن موسى التلّعكبري ، بإسناده إلى إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام قال : سمعته يدعو في يوم عرفة في الموقف بهذا الدُّعاء ، فنسخته :

تقول إذا زالت الشمس من يوم عرفة وأنت بها ، تصلّي الظهر والعصر ، ثمَّ ائت الموقف ، وكبّر اللّه مائة مرّة ، وأحمده مائة مرّة ، وسبّحه مائة مرّة ، وهلّله مائة مرّة واقرأ ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) مائة مرّة ، وإن أحببت أن تزيد على ذلك فزد ، واقرأ سورة القدر مائة مرة ، ثم قل :

لا إِلهَ إِلاّ اللّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، سُبْحانَ اللّهِ رَبِّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ ، وَما فِيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، اللّهُمَّ إِيَّاكَ أَعْبُدُ وَإِيَّاكَ أَسْتَعِينُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ اثْنِي عَلَيْكَ وَما عَسى أَنْ أَبْلُغَ مِنْ مَدْحِكَ مَعَ قِلَّةِ عِلْمِي ، وَقِصَرِ رَأْيِي ، وَأَنْتَ الْخالِقُ وَأَنَا الْمَخْلُوقُ ، وَأَنْتَ الْمالِكُ وَأَنَا

ص: 117


1- عنه البحار 98 : 236 - 239 ، رواه في الصحيفة السجادية الجامعة : 333 ، الدعاء : 148.

الْمَمْلُوكُ ، وَأَنْتَ الرَّبُّ وَأَنَا الْعَبْدُ (1) ، وَأَنْتَ الْعَزِيزُ وَأَنَا الذَّلِيلُ ، وَأَنْتَ الْقَوِيُّ وَأَنَا الضَّعِيفُ ، وَأَنْتَ الْغَنِيُّ وَأَنَا الْفَقِيرُ ، وَأَنْتَ الْمُعْطِي وَأَنَا السَّائِلُ ، وَأَنْتَ الْغَفُورُ وَأَنَا الْخاطِئُ ، وَأَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا تَمُوتُ ، وَأَنَا خَلْقٌ أَمُوتُ.

اللّهُمَّ أَنْتَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ مالِكُ يَوْمِ الدِّينِ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ بَدِيءُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْكَ يَعُودُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ وَلا تَزالُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خالِقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْواحِدُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَلِكُ الْقُدوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنى ، سُبْحانَ اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ يُسَبِّحُ لَكَ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْكَبِيرُ ، وَالْكِبْرِياءُ رِداؤُكَ.

اللّهُمَّ أَنْتَ (2) سابِغُ النَّعْماءِ ، حَسَنُ الْبَلاءِ ، جَزِيلُ الْعَطاءِ ، مُسْقِطُ الْقَضاءِ ، باسِطُ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ ، نَفَّاعٌ بِالْخَيْراتِ ، كاشِفُ الْكُرُباتِ ، رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ، مُنْزِلُ الآياتِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَماواتٍ ، عَظِيمِ الْبَرَكاتِ ، مُخْرِجٌ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ، مُبَدِّلُ السَّيِّئاتِ حَسَناتٍ ، وَجاعِلُ الْحَسَناتِ دَرَجاتٍ.

اللّهُمَّ إِنَّكَ دَنَوْتَ فِي عُلُوِّكَ وَعَلَوْتَ فِي دُنُوِّكَ ، فَدَنَوْتَ فَلَيْسَ دُونَكَ

ص: 118


1- في البحار : أنا المربوب.
2- في البحار : انّك.

شَيْءٌ ، وَارْتَفَعْتَ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، تَرى وَلا تُرى ، وَأَنْتَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى ، فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ، لَكَ ما فِي السَّماواتِ الْعُلْى ، وَلَكَ الْكِبْرِياءُ فِي الاخِرَةِ وَالأُولى.

اللّهُمَّ إِنَّكَ غافِرُ الذُّنُوبِ ، شَدِيدُ الْعِقابِ ، ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ وَبَلَغَتْ حُجَّتُكَ ، وَلا مُعَقِّبَ لِحُكْمِكَ ، وَأَنْتَ لا تُخَيِّبُ سائِلَكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا رافِعَ لِما وَضَعْتَ وَلا واضِعَ لِما رَفَعْتَ.

أَنْتَ الَّذِي أَثْبَتَّ كُلَّ شَيْءٍ بِحُكْمِكَ ، وَأَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِعِلْمِكَ ، وَأَبْرَمْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِحُكْمِكَ ، وَلا يَفُوتُكَ شَيْءٌ بِعِلْمِكَ ، وَلا يَمْتَنِعُ عَنْكَ شَيْءٌ.

أَنْتَ الَّذِي لا يُعْجِزُكَ هارِبُكَ ، وَلا يَرْتَفِعُ صَرِيعُكَ ، وَلا يُحْيى قَتِيلُكَ ، أَنْتَ عَلَوْتَ فَقَهَرْتَ ، وَمَلَكْتَ فَقَدَرْتَ ، وَبَطَنْتَ فَخَبَرْتَ ، وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرْتَ ، عَلِمْتَ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَتَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَضَعُ وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَكَ بِمِقْدارِ.

أَنْتَ الَّذِي لا تَنْسى مَنْ ذَكَرَكَ ، وَلا يَضِيعُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا يَشْغَلُكَ ما فِي جَوِّ أَرْضِكَ عَمَّا فِي جَوِّ سَماواتِكَ ، وَلا يَشْغَلُكَ ما فِي جَوِّ سَماواتِكَ عَمَّا فِي جَوِّ أَرْضِكَ ، أَنْتَ الَّذِي تَعَزَّرْتَ فِي مُلْكِكَ ، وَلَمْ يُشْرِكْكَ أَحَدٌ فِي جَبَرُوتِكَ ، أَنْتَ الَّذِي عَلا كُلَّ شَيْءٍ مُلْكُكَ ، وَمَلَكَ كُلَّ شَيْءٍ أَمْرُكَ.

أَنْتَ الَّذِي مَلَكْتَ الْمُلُوكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَاسْتَعْبَدْتَ الْأَرْبابَ بِعِزَّتِكَ ، وَأَنْتَ الَّذِي قَهَرْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِعِزَّتِكَ ، وَعَلَوْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِفَضْلِكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا يُسْتَطاعُ كُنْهُ وَصْفِكَ ، وَلا مُنْتَهى لِما عِنْدَكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا يَصِفُ الْواصِفُونَ عَظَمَتَكَ ، وَلا يَسْتَطِيعُ الْمُزايِلُونَ (1) تَحْوِيلَكَ ، أَنْتَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

ص: 119


1- زائلة : فارقه.

أَنْتَ الَّذِي لا يُحْفِيكَ سائِلٌ ، وَلا يَنْقُصُكَ نائِلٌ ، وَلا يَبْلُغُ مَدْحَكَ مادِحٌ وَلا قائِلٌ ، أَنْتَ الْكائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَالْكائِنُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ.

أَنْتَ الْواحِدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ (1) كُفُواً أَحَدٌ ، وَلَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، السَّماواتُ وَمَنْ فِيهِنَّ لَكَ ، وَالْأَرَضُونَ وَمَنْ فِيهِنَّ لَكَ ، وَما بَيْنَهُنَّ وَما تَحْتَ الثَّرى ، أَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ وَأَحَطْتَ بِهِ عِلْماً ، وَأَنْتَ تَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما تَشاءُ ، وَأَنْتَ (2) لا تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ، وَأَنْتَ الْفَعَّالُ لِما تُرِيدُ ، وَأَنْتَ الْقَرِيبُ وَأَنْتَ الْبَعِيدُ ، وَأَنْتَ السَّمِيعُ وَأَنْتَ الْبَصِيرُ.

وَأَنْتَ الْماجِدُ وَأَنْتَ الْواحِدُ (3) ، وَأَنْتَ الْعَلِيمُ وَأَنْتَ الْكَرِيمُ ، وَأَنْتَ الْبارُّ وَأَنْتَ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ الْقادِرُ وَأَنْتَ الْقاهِرُ ، لَكَ الْأَسْماءُ الْحُسْنى كُلُّها ، وَأَنْتَ الْجَوادُ الَّذِي لا يَبْخَلُ ، وَأَنْتَ الْعَزِيزُ الَّذِي لا تَذِلُّ ، وَأَنْتَ مُمْتَنِعٌ لا تُرامُ ، يُسَبِّحُ لَكَ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَأَنْتَ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ مِنْكَ بِالشَّرِّ.

أَنْتَ رَبِّي وَرَبُّ آبائِي الْأَوَّلِينَ ، أَنْتَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاكَ ، أَنْتَ (4) نَجَّيْتَ نُوحاً مِنَ الْغَرَقِ ، وَأَنْتَ (5) غَفَرْتَ لِداوُدَ ذَنْبَهُ ، وَأَنْتَ (6) نَفَّسْتَ (7) عَنْ ذِي النونِ كَرْبَهُ ، وَأَنْتَ (8) كَشَفْتَ عَنْ أَيُّوبَ ضُرَّهُ ، وَأَنْتَ (9) رَدَدْتَ مُوسى عَلى امِّه.

وَأَنْتَ صَرَفْتَ قُلُوبَ السَّحَرَةِ إِلَيْكَ ، حَتّى قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ، وَأَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَةِ الصَّالِحِينَ ، لا يُذْكَرُ مِنْكَ إِلاَّ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ ، وَما لا يُذْكَرُ أَكْثَرُ ، لَكَ الالاءُ وَالنَّعْماءُ (10).

ص: 120


1- لم تلد ولم تولد ولم يكن لك ( خ ل ).
2- أنت الذي ( خ ل ).
3- الواجد ( خ ل ).
4- وأنت ( خ ل ).
5- أنت الذي ( خ ل ).
6- أنت الذي ( خ ل ).
7- نفّس : أزال كربه.
8- أنت الذي ( خ ل ).
9- أنت الذي ( خ ل ).
10- النعم ( خ ل ).

وَأَنْتَ الْمُحْسِنُ الْمُجْمِلُ ، لا تُبْلَغُ مِدْحَتُكَ ، وَلا الثَّناءُ عَلَيْكَ ، أَنْتَ كَما أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ، سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، تَبارَكَتْ أَسْماؤُكَ ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ ، ما أَعْظَمَ شَأْنُكَ ، وَأَجَلَّ مَكانُكَ ، وَما أَقْرَبَكَ مِنْ عِبادِكَ ، وَأَلْطَفَكَ بِخَلْقِكَ ، وَأَمْنَعَكَ بِقُوَّتِكَ.

أَنْتَ أَعَزُّ وَأَجَلُّ وَأَسْمَعُ وَأَبْصَرُ ، وَأَعْلى وَأَكْبَرُ ، وَأَظْهَرُ وَأَشْكَرُ ، وَأَقْدَرُ وَأَعْلَمُ ، وَأَجْبَرُ وَأَكْبَرُ ، وَأَعْظَمُ وَأَقْرَبُ ، وَأَمْلَكُ وَأَوْسَعُ ، وَأَمْنَعُ وَأَعْطى ، وَأَحْكَمُ وَأَفْضَلُ ، وَأَحْمَدُ ، مِنْ تُدْرِكَ الْعَيانُ عَظَمَتَكَ ، أَوْ تَصِفُ الْواصِفُونَ صِفَتَكَ ، أَوْ يَبْلُغُوا غايَتَكَ.

اللّهُمَّ أَنْتَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، أَجَلُّ مَنْ ذُكِرَ وَأَشْكَرُ مَنْ عُبِدَ ، وَأَرْأَفُ مَنْ مَلِكَ ، وَأَجْوَدُ مَنْ سُئِلَ ، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطى ، تَحْلُمُ بَعْدَ ما تَعْلَمُ ، وَتَعْفُو وَتَغْفِرُ بَعْدَ ما تَقْدِرُ ، لَمْ تُطَعْ قَطُّ إِلاَّ بِاذْنِكَ ، وَلَمْ تُعْصَ قَطُّ إِلاَّ بِقُدْرَتِكَ ، تُطاعُ رَبَّنا فَتَشْكُرُ ، وَتُعْصى رَبَّنا فَتَغْفِرُ.

اللّهُمَّ أَنْتَ أَقْرَبُ حَفِيظٍ وَأَدْنى شَهِيدٍ ، حُلْتَ بَيْنَ الْقُلُوبِ ، وَأَخَذْتَ بِالنَّواصِي وَأَحْصَيْتَ الْأَعْمالَ ، وَعَلِمْتَ الْأَخْبارَ ، وَبِيَدِكَ الْمَقادِيرُ ، وَالْقُلُوبُ إِلَيْكَ مُقْتَصِدَةٌ (1) ، والسِّرُّ عِنْدَكَ عَلانِيَةٌ ، وَالْمُهْتَدِي مَنْ هَدَيْتَ ، وَالْحَلالُ ما حَلَّلْتَ ، وَالْحَرامُ ما حَرَّمْتَ ، وَالدِّينُ ما شَرَعْتَ ، وَالْأَمْرُ ما قَضَيْتَ ، تَقْضِي وَلا يُقْضى عَلَيْكَ.

اللّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ.

اللّهُمَّ بِيَدِكَ مَقادِيرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارِ ، وَبِيَدِكَ مَقادِيرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَبِيَدِكَ مَقادِيرُ النَّصْرِ وَالْخِذْلانِ ، وَبِيَدِكَ مَقادِيرُ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَبِيَدِكَ مَقادِيرُ الْمَوْتِ وَالْحَياةِ ، وَبِيَدِكَ مَقادِيرُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ

ص: 121


1- مقصده ( خ ل ).

مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لِي كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ وَضَوْءِ النَّهارِ ، عَمْداً أَوْ خَطَأَ ، سِرّاً أَوْ عَلانِيَةً ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَهُوَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

اللّهُمَّ إِنِّي أُثْنِي عَلَيْكَ بِأَحْسَنِ ما أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَأَشْكُرُكَ بِما مَنَنْتَ بِهِ عَلَيَّ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ شُكْرِكَ ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ بِمَحامِدِكَ كُلِّها عَلى نَعْمائِكَ كُلِّها ، وَعَلى جَمِيعِ خَلْقِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْحَمْدُ إِلى ما تُحِبُّ رَبَّنا وَتَرْضى.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما خَلَقْتَ ، وَعَدَدَ ما ذَرَأْتَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما بَرَأْتَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما أَحْصَيْتَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرَضِينَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

ثمّ تقول عشرا : لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وتقول عشرا : أَسْتَغْفِرُ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ.

ثمّ تقول :

يا اللّهُ يا اللّهُ - عشرا ، يا رَحْمانُ يا رَحْمانُ - عشرا ، يا رَحِيمُ يا رَحِيمُ - عشرا ، يا بَدِيعَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عشرا ، يا ذا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ - عشرا ، يا حَنَّانُ يا مَنَّانُ - عشرا ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ - عشرا ، بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ - عشرا ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ - عشرا.

ثمّ تقول :

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَلِيُّ الْحَمْدِ ، وَمُنْتَهىَ الْحَمْدِ ، وفِيُّ الْحَمْدِ ، عَزِيزُ الْجُنْدِ ، قَدِيمُ الْمَجْدِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ حِينَ لا شَمْسٌ تضِيءُ ، وَلا قَمَرٌ يُسْرِي ، وَلا بَحْرٌ يَجْرِي ، وَلا رِياحٌ تَذْرِي (1) ، وَلا سَماءٌ مَبْنِيَّةٌ ، وَلا أَرْضٌ مَدْحِيَّةٌ (2) ، وَلا لَيْلٌ تُجِنُّ ، وَلا نَهارٌ يَكِنُّ ، وَلا عَيْنٌ تَنْبَعُ ، وَلا صَوْتٌ يَسْمَعُ ،

ص: 122


1- ذر الشيء : طار في الهواء.
2- دحى الأرض : بسطها.

وَلا جَبَلٌ مَرْسِيٌ (1) ، وَلا سَحابٌ مُنْشَأ ، وَلا إِنْسٌ مَبْرُوٌّ ، وَلا جِنٌّ مَذْرُوٌّ ، وَلا مَلِكٌ كَرِيمٌ ، وَلا شَيْطانٌ رَجِيمٌ ، وَلا ظِلٌّ مَمْدُودٌ ، وَلا شَيْءٌ مَعْدُودٌ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اسْتَحْمَدَ إِلى مَنِ اسْتَحْمَدَهُ مِنْ أَهْلِ مَحامِدِهِ ، لِيَحْمِدُوهُ عَلى ما بَذَلَ مِنْ نَوافِلِهِ الَّتِي فاقَ مَدْحَ الْمادِحِينَ مَآثِرُ مَحامِدِهِ ، وَعَدا وَصْفَ الْواصِفِينَ هَيْبَةُ جَلالِهِ ، هُوَ أَهْلٌ لِكُلِّ حَمْدٍ وَمُنْتَهى كُلِّ رَغْبَةٍ ، الْواحِدِ الَّذِي لا بَدْأَ لَهُ ، الْمَلِكِ (2) الَّذِي لا زَوالَ لَهُ ، الرَّفِيعِ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ ناظِرٌ ، ذِي الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ.

الْمَحْمُودِ لِبَذْلِ نَوائِلِهِ ، الْمَعْبُودِ بِهَيْبَةِ جَلالِهِ ، الْمَذْكُورِ بِحُسْنِ آلائِهِ ، الْمَنَّانِ بِسَعَةِ فَواضِلِهِ ، الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ فِي تَمامِ الْمَواهِبِ مِنْ خَزائِنِهِ ، الْعَظِيمِ الشَّأْنِ الْكَرِيمِ فِي سُلْطانِهِ ، الْعَلِيِّ فِي مَكانِهِ ، الْمُحْسِنِ فِي امْتِنانِهِ ، الْجَوادِ فِي فَواضِلِهِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ بارِئِ خَلْقِ الْمَخْلُوقِينَ بِعِلْمِهِ ، وَمُصَوِّرِ أَجْسادِ الْعِبادِ بِقُدْرَتِهِ ، وَمُخالِفِ صُوَرِ مَنْ خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ ، وَنافِخِ الْأَرْواحِ فِي خَلْقِهِ بِعِلْمِهِ ، وَمُعَلِّمِ مَنْ خَلَقَ مِنْ عِبادِهِ اسْمَهُ ، وَمُدَبِّرِ خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بِعَظَمَتِهِ.

الَّذِي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقُ كُرْسِيِّهِ ، وَعَلا بِعَظَمَتِهِ فَوْقَ الْأَعْلَيْنَ ، وَقَهَرَ الْمُلُوكَ بِجَبَرُوتِهِ ، الْجَبَّارُ الْأَعْلى الْمَعْبُودُ فِي سُلْطانِهِ ، الْمُتَسَلِّطُ بِقُوَّتِهِ ، الْمُتَعالِي فِي دُنُوِّهِ ، الْمُتَدانِي كُلَّ شَيْءٍ فِي ارْتِفاعِهِ ، الَّذِي نَفَذَ بَصَرُهُ فِي خَلْقِهِ ، وَحارَتِ الْأَبْصارُ بِشُعاعِ نُورِهِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَلِيمِ الرَّشِيدِ ، الْقَوِيِّ الشَّدِيدِ ، الْمُبْدِئِ الْمُعِيدِ ، الْفَعَّالِ لِما يُرِيدُ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ مُنْزِلِ الآياتِ ، وَكاشِفِ الْكُرُباتِ ، وَمُؤْتِي السَّماواتِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي كُلِّ مَكانٍ ، وَفِي كُلِّ زَمانٍ ، وَفِي كُلِّ أَوانٍ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا يَنْسى مَنْ ذَكَرَهُ ، وَلا يَخِيبُ مَنْ دَعاهُ ، وَلا يَذِلُّ مَنْ

ص: 123


1- رسى الجبل : ثبت ورسخ.
2- له الملك ( خ ل ).

والاهُ ، الَّذِي يَجْزِي بِالإِحْسانِ إِحْساناً ، وَبِالصَّبْرِ نَجاةً ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً اولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، سُبْحانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ أَكْبَرُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، وَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ.

وَسُبْحانَ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَأَطْرافَ النَّهارِ ، وَسُبْحانَ اللّهِ بِالْغُدُوِّ وَالآصالِ ، وَسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَما يُحِبُّ رَبُّنا وَكَما يَرْضى كَثِيراً طَيِّباً ، وَسُبْحانَ اللّهِ كُلَّما سَبَّحَ اللّهَ شَيْءٌ وَكَما يُحِبُّ اللّهُ أَنْ يُسَبَّحَ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّما حَمِدَ اللّهَ شَيْءٌ ، وَكَما يُحِبُّ اللّهُ أَنْ يُحْمَدَ ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ كُلَّما هَلَّلَ اللّهَ شَيْءٌ وَكَما يُحِبُّ اللّهُ أَنْ يُهَلَّلَ ، وَاللّهُ أَكْبَرُ كُلَّما كَبَّرَ اللّهَ شَيْءٌ ، وَكَما يُحِبُّ اللّهُ أَنْ يُكَبَّرَ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

ثمَّ تقول ، وهو الدّعاء المخزون :

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يا اللّهُ يا رَحْمانُ - سبع مرات ، بِأَسْمائِكَ الرَّضِيَّةِ الْمَرْضِيَّةِ الْمَكْنُونَةِ ، يا اللّهُ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْكِبْرِيائِيَّةِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْعَزِيزَةِ الْمَنِيعَةِ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ التَّامَّةِ الْكامِلَةِ الْمَعْهُودَةِ يا اللّهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي هِيَ رِضاكَ يا اللّهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي لا تَرُدُّها دُونَكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ مَسائِلِكَ بِما عاهَدْتَ أَوْفِي الْعَهْدِ أَنْ لا تُخَيِّبَ سائِلَكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِجُمْلَةِ مَسائِلِكَ الَّتِي لا يَفِي بِحَمْلِها شَيْءٌ غَيْرُكَ - سبع مرّات.

وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ إِذا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَهُ ، وَبِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، وَكُلِّ مَسْأَلَةٍ حَتّى يَنْتَهِي إِلَى اسْمِكَ الْأَعْظَمِ الْأَعْظَمِ الْأَكْبَرِ الْأَكْبَرِ الْعَلِيِّ الْأَعْلى ، الَّذِي

ص: 124

اسْتَوَيْتَ بِهِ عَلى عَرْشِكَ ، وَاسْتَقْلَلْتَ بِهِ عَلى كُرْسِيِّكَ ، وَهُوَ اسْمُكَ الْكامِلُ الَّذِي فَضَّلْتَهُ عَلى جَمِيعِ أَسْمائِكَ يا رَحْمانُ - سبع مرّات.

وَأَسْأَلُكَ بِما لا أَعْلَمُهُ ما لَوْ عَلِمْتُهُ لَسَأَلْتُكَ بِهِ ، وَبِكُلِّ اسْمٍ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، يا رَحْمانُ يا رَحْمانُ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ وَأَمِينِكَ وَحَبِيبِكَ وَصَفْوَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَخاصَّتِكَ مِنْ بَرِيَّتِكَ وَمُحِبِّكَ وَنَجِيِّكَ (1) وَحَبِيبِكَ وَصَفِيِّكَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ ، وَتَرَحَّمْ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ ، كَأَفْضَلِ وَأَجْمَلِ ، وَأَزْكى وَأَطْهَرِ ، وَأَعْظَمِ وَأَكْثَرِ وَأَتَمِّ ، ما صَلَّيْتَ عَلى أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِينَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِي الاخِرِينَ ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلى ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ فِي الْمُرْسَلِينَ.

اللّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّداً صَلَواتُكَ عَلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ، وَالْفَضِيلَةَ وَالشَّرَفَ ، وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ.

اللّهُمَّ أَكْرِمْ مَقامَهُ ، وَشَرِّفْ بُنْيانَهُ ، وَعَظِّمْ بُرْهانَهُ ، وَبَيِّضْ وَجْهَهُ ، وَأَعْلِ كَعْبَهُ (2) ، وَأَفْلِجْ حُجَّتَهُ (3) ، وَأَظْهِرْ دَعْوَتَهُ ، وَتَقَبَّلْ شَفاعَتَهُ كَما بَلَّغَ رِسالاتِكَ ، وَتَلا آياتِكَ ، وَأَمَرَ بِطاعَتِكَ وَائْتَمَرَ بِها ، وَنَهى عَنْ مَعْصِيَتِكَ وَانْتَهى عَنْها ، فِي سِرٍّ وَعَلانِيَةٍ ، وَجاهَدَ حَقَّ الْجِهادِ فِيكَ ، وَعَبَدَكَ مُخْلِصاً حَتّى أَتاهُ الْيَقِينُ ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى أَهْلِهِ.

اللّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً يَغْبِطُهُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ وَالاخِرُونَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ.

ص: 125


1- نجيبك ( خ ل ).
2- رجل عالي الكعب : شريف.
3- أفلج اللّه حجته : أظهره.

اللّهُمَّ اسْتَعْمِلْنا لِسُنَّتِهِ ، وَتَوَفَّنا عَلى مِلَّتِهِ ، وَابْعَثْنا فِي شِيعَتِهِ ، وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ يَتَّبِعُهُ ، وَلا تَحْجُبْنا عَنْ رُؤْيَتِهِ ، وَلا تَحْرِمْنا مُرافَقَتَهُ حَتّى تُسْكِنَّا غُرَفَةُ وَتُخَلِّدْنا فِي جِوارِهِ ، رَبِّ إِنِّي أَحْبَبْتُهُ فَأَحِبَّنِي لِذلِكَ ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ أَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً ، اللّهُمَّ افْتَحْ لَهُمْ فَتْحاً يَسِيراً وَانْصُرْهُمْ نَصْراً عَزِيزاً ، وَاجْعَلْ لَهُمْ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً ، اللّهُمَّ مَكِّنْ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَاجْعَلْهُمْ أَئِمَّةً وَاجْعَلْهُمُ الْوارِثِينَ.

اللّهُمَّ أَرِهِمْ فِي عَدُوِّهِمْ ما يَأْمُلُونَ وَأَرِ عَدُوَّهُمْ مِنْهُمْ ما يَحْذَرُونَ ، اللّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَهُمْ فِي خَيْرٍ وَعافِيَةٍ ، اللّهُمَّ عَجِّلِ الرَّوْحَ وَالْفَرَجَ لالِ مُحَمَّدٍ ، اللّهُمَّ اجْمَعْ عَلَى الْهُدى أَمْرَهُمْ ، وَاجْعَلْ قُلُوبَهُمْ فِي قُلُوبِ خِيارِهِمْ ، وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنَهُمْ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَلِوالِدَيَّ وَما وَلَدا ، وَأَعْتِقْهُما مِنَ النَّارِ وَارْحَمْهُما وَارْضِهِما عَنِّي ، وَاغْفِرْ لِكُلِّ والِدٍ لِي دَخَلَ فِي الإِسْلامِ ، وَلِأَهْلِي وَوَلَدِي وَجَمِيعِ قَراباتِي ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ اجْعَلْنِي وَجَمِيعَ وَرَثَةِ أَبِي وَإِخْوانِي فِيكَ مِنْ أَهْلِ وِلايَتِكَ وَمَحَبَّتِكَ ، فَإِنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى ذلِكَ غَيْرُكَ يا رَحْمانُ.

اللّهُمَّ أَوْزِعْنِي (1) أَنْ أَشْكُرَكَ وَأَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ ، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَاجْزِ والِدَيَّ خَيْرَ ما جَزَيْتَ والِداً عَنْ وَلَدِهِ ، وَاجْعَلْ ثَوابَهُما عَنِّي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَاغْفِرْ لَنا وَلِاخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ ، وَلا تَجْعَلْ فِي

ص: 126


1- أوزعني : ألهمني.

قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَاغْفِرْ لَنا ولِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الْأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْواتِ.

اللّهُمَّ أَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِهِمْ ، وَاجْمَعْ عَلَى التَّقْوى أَمْرَهُمْ ، وَاجْعَلْنِي وَإِيَّاهُمْ عَلى طاعَتِكَ وَمَحَبَّتِكَ ، اللّهُمَّ وَالْمُمْ شَعَثَهُمْ (1) ، وَاحْقِنْ دِماءَهُمْ ، وَوَلِّ أَمْرَهُمْ خِيارَهُمْ أَهْلَ الرَّأْفَةِ وَالْمَعْدِلَةِ عَلَيْهِمْ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ بَدِيعَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، وَالْجُودِ وَالْقُوَّةِ وَالسُّلْطانِ ، وَالْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ ، وَالْكِبْرِياءِ وَالْعَظَمَةِ ، وَالْقُدْرَةِ وَالْمِدْحَةِ ، وَالرَّهْبَةِ وَالرَّغْبَةِ ، وَالْجُودِ وَالْعُلُوِّ ، وَالْحُجَّةِ وَالْهُدى ، وَالطَّاعَةِ وَالْعِبادَةِ ، وَالْأَمْرِ وَالْخَلْقِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَكَ يا رَبَّ الْعالَمِينَ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

أَسْأَلُكَ سُؤَالَ الضَّارِعِينَ الْمُتَضَرِّعِينَ ، الْمَساكِينَ الْمُسْتَكِينِينَ ، الرَّاغِبِينَ الرَّاهِبِينَ ، الَّذِينَ لا يَحْذَرُونَ سِواكَ ، يا مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ وَيَكْشِفُ الضُّرَّ وَيُجِيبُ الدَّاعِي وَيُعْطِي السَّائِلَ.

أَسْأَلُكَ يا رَبِّ سُؤالَ مَنْ لَمْ يَجِدْ لِضَعْفِهِ مُقَوِّياً ، وَلا لِذَنْبِهِ غافِراً ، وَلا لِفَقْرِهِ ساداً غَيْرُكَ ، أَسْأَلُكَ سُؤالَ مَنِ اشْتَدَّتْ فاقَتُهُ ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ ، وَكَثُرَتْ ذُنُوبُهُ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

أَسْأَلُكَ يا رَبِّ ، مَسْأَلَةَ كُلِّ سائِلٍ وَرَغْبَةَ كُلِّ راغِبٍ بِيَدِكَ ، وَأَنْتَ إِذا دُعِيتَ أَجَبْتَ وَبِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ ، وَبِحَقِّ صَفْوَتِكَ مِنْ عِبادِكَ ، وَمُنْتَهى الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ ، وَمُنْتَهىَ الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ ، أَنْ لا تَسْتَدْرِجَنِي بِخَطِيئَتِي ، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتِي فِي دِينِي.

وَاذْكُرْنِي يا رَبِّ بِرِضاكَ ، وَلا تُنْسِنِي حِينَ تَنْشُرُ رَحْمَتَكَ ، وَأَقْبِلْ عَلَيَ

ص: 127


1- الشعث : انتشار الأمر وخلله.

بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِكَرامَتِكَ ، يا كَرِيمَ الْعَفْوِ ، وَاسْتَجِبْ دُعائِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي ، فَانِّي بائِسٌ فَقِيرٌ ، خائِفٌ مُسْتَجِيرٌ مِنْ عَذابِكَ ، لا أَثِقُ بِعَمَلِي ، وَلكِنِّي أَثِقُ بِرَحْمَتِكَ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ كُنْ بِي حَفِيّاً وَلا تَجْعَلْنِي بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَافِيَتِكَ وَأَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، فَانَّنِي لا أَسْتَغِيثُ بِغَيْرِكَ ، وَأَسْتَجِيرُكَ فَأَجِرْنِي مِنْ كُلِّ هَوْلٍ وَمَشَقَّةٍ وَخَوْفٍ ، وَآمِنْ خَوْفِي وَشَجِّعْ جُبْنِي ، وَقَوِّ ضَعْفِي ، وَسُدُّ فاقَتِي ، وَأَصْلِحْ لِي جَمِيعَ أُمُورِي ، يا رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ ، وَمِنْ شدَّةِ الْمَوْقِفِ يَوْمَ الدِّينِ ، فَإِنَّكَ تُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْكَ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ لا تُعْرِضْ عَنِّي حِينَ أَدْعُوكَ ، وَلا تصْرِفْ عَنِّي وَجْهَكَ حِينَ أَسْأَلُكَ ، فَلا رَبَّ لِي سِواكَ وَأَعْطِنِي مَسْأَلَتِي وَآمِنْ خَوْفِي يَوْمَ أَلْقاكَ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ فَأَعِذْنِي ، فَانِّي ضَعِيفٌ خائِفٌ مُسْتَجِيرٌ بائِسٌ فَقِيرٌ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، اللّهُمَّ اكْشِفْ ضُرَّ مَا اسْتَعَذْتُكَ مِنْهُ ، وَأَلْبِسْنِي رَحْمَتَكَ ، وَجَلِّلْنِي ، عافِيَتَكَ وَآمِنِّي بِرَحْمَتِكَ ، فَإِنَّكَ تُجِيرُ وَلا تُجارُ عَلَيْكَ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ وَمِنْ خَلْوَتِهِ وَمِنْ ظُلْمَتِهِ ، وَضِيقِهِ وَعَذابِهِ ، وَمِنْ هَوْلِ ما أَتَخَوَّفُ بَعْدَهُ يا رَبَّ الْعالَمِينَ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (1) صَفْوَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَأَنْ تَسْتَجِيبَ لِي دُعائِي ، وَتُعْطِيَنِي سُؤْلِي وَاكْفِنِي مِنْ دُنْيايَ وَآخِرَتِي ، وَارْحَمْ فاقَتِي ، وَاغْفِرْ ذُنُوبِي ما تَقَدَّمَ مِنْها وَما تَأَخَّرَ ، وَآتِنِي فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنِي بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النَّارِ.

اللّهُمَّ ارْزُقْنِي صِلَةَ قَرابَتِي وَحَجّاً مَقْبُولاً وَعَمَلاً صالِحاً مَبْرُوراً تَرْضاهُ مِمَّنْ عَمِلَ بِهِ ، وَأَصْلِحْ لِي أَهْلِي وَوَلَدِي ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي عَقَباً صالِحاً تُلْحِقُنِي مِنْ دُعائِهِمْ رِضْواناً وَمَغْفِرَةً وَزِيادَةً فِي كَرامَتِكَ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ

ص: 128


1- آل محمد ( خ ل ).

قَدِيرٌ ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ وَكُلَّما كانَ فِي قَلْبِي مِنْ شَكٍّ أَوْ رَيْبَةٍ ، أَوْ جُحُودٍ أَوْ قُنُوطٍ ، أَوْ فَرَحٍ أَوْ مَرَحٍ (1) ، أَوْ بَطَرٍ أَوْ فَخْرٍ ، أَوْ خُيَلاءٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ خِيفَةٍ ، أَوْ رِياءٍ أَوْ سُمْعَةٍ ، أَوْ شِقاقٍ أَوْ نِفاقٍ ، أَوْ كُفْرٍ أَوْ فُسُوقٍ ، أَوْ عَظَمَةٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا لا تُحِبُّ عَلَيْهِ أَوْلِياءَكَ ، فَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ أَنْ تَمْحُوَ ذلِكَ مِنْ قَلْبِي وَأَنْ تُبَدِّلَنِي مَكانَهُ إِيماناً وَعَدْلاً ، وَرِضا بِقَضائِكَ ، وَوَفاءً بِعَهْدِكَ وَوَجِلاً مِنْكَ ، وَزُهْداً فِي الدُّنْيا وَرَغْبَةً فِيما عِنْدَكَ ، وَثِقَةً بِكَ وَطُمَأْنِينَةً إِلَيْكَ وَتَوْبَةً إِلَيْكَ نَصُوحاً ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي وَلَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً ، فَأَعِنِّي عَلى أَهْوالِ الدُّنْيا وَبَوائِقِ (2) الدَّهْرِ [ وَنَكَباتِ الزَّمانِ ] (3) وَكُرُباتِ الاخِرَةِ ، وَمُصِيباتِ اللَّيالِي وَالْأَيَّامِ وَمِنْ شَرِّ ما يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِي الْأَرْضِ ، اللّهُمَّ بارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ ، وَرَضِّنِي بِقَضائِكَ ، اللّهُمَّ افْتَحْ مَسامِعَ قَلْبِي لِذِكْرِكَ ، وَارْزُقْنِي شُكْراً وَتَوْفِيقاً وَعِبادَةً وَخَشْيَةً يا رَبَّ الْعالَمِينَ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ اطَّلِعْ إِلَيَّ الْيَوْمَ اطِّلاعَةً تُدْخِلُنِي بِها الْجَنَّةَ ، اللّهُمَّ اسْتَجِبْ دُعائِي وَاقْبَلْهُ مِنِّي ، وَاجْعَلْهُ دُعاءً جامِعاً يُوافِقُ بَعْضُهُ بَعْضاً ، فَانَّ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَكَ بِمِقْدارِ ، اللّهُمَّ وَاجْعَلْهُ مِنْ شَأْنِكَ فَإِنَّكَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ.

اللّهُمَّ وَاكْتُبْهُ فِي عِلِّيِّينَ فِي كِتابِ لا يُمْحى وَلا يُبَدَّلُ بِأَنْ تَقُولَ : قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ ، وَاسْتَجَبْتُ لَهُ دَعْوَتَهُ وَوَفَّقْتُهُ ، وَاصْطَفَيْتُهُ لِنَفْسِي ، وَكَرَّمْتُهُ وَفَضَّلْتُهُ ، وَعَصَمْتُهُ وَهَدَيْتُهُ ، وَزَكَّيْتُهُ وَأَصْلَحْتُهُ ، وَاسْتَخْلَصْتُهُ وَغَفَرْتُ لَهُ ، وَعَفَوْتُ عَنْهُ ، آمِينَ يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ،

ص: 129


1- مرح الرجل : اشتدّ فرحه ونشاطه حتى جاوز القدر وتبختر واختال.
2- البائقة : الداهية.
3- من البحار.

فِي خَلاصِي وَخَلاصِ والِدَيَّ وَما وَلَدا وَأَهْلِي وَوَلَدِي وَجَمِيعِ ذُرِّيَّةِ أَبِي وَإِخْوانِي فِيكَ وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَكُلِّ والِدٍ لِي دَخَلَ فِي الإِسْلامِ ، مِنْ أَهْوالِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَمِنْ هُمُومِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَأَهْوالِها.

وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَنِي عِزَّها ، وَتَصْرِفَ عَنِّي شَرَّها ، وَتُثَبِّتَنِي بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَثِيراً وَحَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَصْرِفَ عَنِّي شَرَّ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ ، وَشَرَّ كُلِّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ، وَشَرَّ كُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَدِيدٍ ، وَمِنْ شَرِّ السَّأمَّةِ وَالْهامَّةِ (1) وَاللاّمَّةِ (2) وَالْخاصَّةِ وَالْعامَّةِ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، وَمِنْ شَرِّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَمِنْ شَرِّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالانْسِ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى خَيْرٍ مَخْلُوقٍ دَعا إِلى خَيْرِ مَعْبُودٍ ، اللّهُمَّ رَبَّنا وَآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النَّارِ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ وَما كانَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ عَمَلٍ صالِحٍ أَسْأَلُكَ بِهِ ، وَأَكُونُ فِي رِضْوانِكَ وَعافِيَتِكَ ، وَما صَلُحَ مِنْ ذلِكَ مِنَ الْبَرِّ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ بِهِ ، إِنِّي إِلَيْكَ راغِبٌ وَبِكَ مُسْتَجِيرٌ.

اللّهُمَّ مَا اسْتَعْفَيْتُكَ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَسْتَعْفِكَ مِنْهُ وَتُوجِبُ عَلَيَّ بِهِ النَّارَ وَسَخَطَكَ فَاعْفُنِي مِنْهُ ، وَما عُذْتُ مِنَ الْمَخازِي يَوْمَ الْقِيامَةِ وَسُوءِ الْمُطَّلَعِ إِلى ما فِي الْقُبُورِ فَأَعِذْنِي مِنْهُ ، اللّهُمَّ وَما أَنْدَمُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِي لَهُ وَأُجازِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْمَعادِ أَوْ تَرانِي فِي الدُّنْيا عَلَى الْحالِ الَّتِي تُورِثُ سَخَطَكَ ، فَأَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تُعَظِّمَ عافِيَتِي مِنْ جَمِيعِ ذلِكَ يا وَلِيَّ الْعافِيَةِ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

وَأَسْأَلُكَ يا رَبِّ مَعَ ذلِكَ الْعافِيَةَ مِنْ جُهْدِ الْبَلاءِ ، وَسُوءِ الْقَضاءِ وَشَماتَةِ

ص: 130


1- الهامة : كل ذات سم يقتل ، جمع هوام ، امّا ما يسمّ ولا يقتل فهو السأمة كالعقرب والزنبور.
2- اللامة : مرض شبه الجنون.

الْأَعْداءِ ، وَأَنْ تَحْمِلَنِي بِما لا طاقَةَ لِي بِهِ وَأَنْ لا تُسَلِّطَ عَلَيَّ ظالِمِي بِما لا طاقَةَ لِي بِهِ ، وَتُناقِشَنِي فِي الْحِسابِ يَوْمَ الْحِسابِ مُناقَشَةً بِمَساوِيَّ أَحْوَجَ ما أَكُونُ إِلى عَفْوِكَ وَتَجاوُزِكَ ، أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تُعَظِّمَ عافِيَتِي فِي جَمِيعِ ذلِكَ ، يا وَلِيَّ الْعافِيَةِ ، أَيْ مَنْ عَفا عَنِ السَّيِّئاتِ وَلَمْ يُجازِ بِها ، ارْحَمْ عَبْدَكَ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، نَفْسِي نَفْسِي ارْحَمْ عَبْدَكَ يا سَيِّداهُ ، عَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ ، يا رَبّاهُ يا رَبّاهُ يا رَبّاهُ يا مُنْتَهى رَغْبَتاهُ ، يا مُجْرِي الدَّمِ فِي عُرُوقِي ، عَبْدَكَ عَبْدَكَ يا سَيِّداهُ ، [ عَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ ] ، (1) يا مالِكَ عَبْدِهِ ، يا سَيِّداهُ ، يا مالِكاهُ ، يا هُوَ يا رَبّاهُ ، لا حِيلَةَ لِي وَلا غِنى بِي عَنْ نَفْسِي ، وَلا أَسْتَطِيعُ لَها ضَرّاً وَلا نَفْعاً ، وَلا رَجاءً لِي وَلا أَجِدُ أَحَداً أُصانِعُهُ (2) ، تَقَطَّعَتْ أَسْبابُ الْخَدائِعِ وَاضْمَحَلَّ عَنِّي كُلُّ باطِلٍ ، أَفْرَدَنِيَ الدَّهْرُ إِلَيْكَ فَقُمْتُ هذا الْمَقامَ ، إِلهِي بِعِلْمِكَ.

فَكَيْفَ أَنْتَ صانِعٌ بِي ، لَيْتَ شِعْرِي وَلا أَشْعُرُ ، كَيْفَ تَقُولُ لِدُعائِي؟

أَتَقُولُ : نَعَمْ ، أَوْ تَقُولُ : لا ، فَانْ قُلْتَ : لا ، فَيا وَيْلَتاهُ يا وَيْلَتاهُ يا وَيْلَتاهُ ، يا عَوْلَتاهُ يا عَوْلَتاهُ يا عَوْلَتاهُ ، يا شَقْوَتاهُ يا شَقْوَتاهُ يا شَقْوَتاهُ ، يا ذُلاَّهُ يا ذُلاَّهُ يا ذُلاَّهُ.

إِلَى مَنْ ، وَعِنْدَ مَنْ أَوْ كَيْفَ ، أَوْ بِماذا ، أَوْ إِلى أَيِّ شَيْءٍ ، وَمَنْ أَرْجُو ، أَوْ مَنْ يَعُودُ عَلَيَّ إِنْ رَفَضْتَنِي ، يا واسِعَ الْمَغْفِرَةِ ، وَإِنْ قُلْتَ : نَعَمْ ، كَما الظَّنُّ بِكَ ، فَطُوبى لِي أَنَا السَّعِيدُ ، فَطُوبى لِي أَنَا الْمَرْحُومُ.

أَيا مُتَرَحِّمُ ، أَيا مُتَعَطِّفُ ، أَيا مُحْيِي ، أَيا مُتَمَلِّكُ ، أَيا مُتَسَلِّطُ! لا عَمَلَ لِي أَرْجُو بِهِ نَجاحَ حاجَتِي ، وَلا أَحَدٌ أَنْفَعُ لِي مِنْكَ ، يا مَنْ عَرَّفَنِي نَفْسَهُ ، يا مَنْ أَمَرَنِي بِطاعَتِهِ ، يا مَدْعُوُّ يا مَسْئُولُ أَيا (3) مَطْلُوبٌ إِلَيْهِ.

رَفَضْتُ وَصِيَّتَكَ ، وَلَوْ أَطَعْتُكَ لَكَفَيْتَنِي ما قُمْتُ إِلَيْكَ فِيهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ

ص: 131


1- من البحار.
2- صانعه : داهنه ، رشاه.
3- يا ( خ ل ).

أَقُومَ ، وَأَنَا مَعَ مَعْصِيَتِي لَكَ راجٍ ، فَلا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ ما رَجَوْتُهُ ، وَارْدُدْ يَدِي مِلءَ مِنْ خَيْرِكَ بِحَقِّكَ يا سَيِّدِي يا وَلِيِّي أَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَ ، شَرُّ عَبْدٍ ، وَأَنْتَ خَيْرُ رَبٍّ ، يا مَخْشِيَّ الانْتِقامِ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا مُحِيطُ بِمَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، أَصْلِحْنِي لِدُنْيايَ ، وَأَصْلِحْنِي لاخِرَتِي ، وَأَصْلِحْنِي لِأَهْلِي ، وَأَصْلِحْنِي لِوَلَدِي وَأَصْلِحْ لِي ما خَوَّلْتَنِي (1) يا إِلهِي ، وَأَصْلِحْنِي مِنْ خَطايايَ.

يا حَنّانُ يا مَنّانُ ، تَفَضَّلْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بإجابَتِكَ ، وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ ما حُلْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْباطِلِ ، وَآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثمّ تقول :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

الم اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ.

شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ ، اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً.

ص: 132


1- خوّلته : ملكته.

ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ، اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ.

قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ (1) حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ ، أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ ، اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى.

إِنَّنِي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ، إِنَّما إِلهُكُمُ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ، وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ.

وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ (2) عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.

فَتَعالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ

ص: 133


1- عنت : وقع في أمر شاق.
2- نقدر : نضيق.

الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ، إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ يَسْتَكْبِرُونَ.

ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ، غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ، تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلِّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ.

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ.

هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ، وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ - تقوله سبعا.

ثمّ تقول :

آمَنّا بِاللّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما انْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ ، وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما اوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما اوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (1) ،

ص: 134


1- شطط : أفرط ، تباعد عن الحق.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللّهُ ، لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَصَلَّى اللّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

ثم تقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا نَبِيَّ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللّهِ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَمِينِهِ عَلى وَحْيِهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ ، أَنْتَ حُجَّةُ اللّهِ عَلى خَلْقِهِ ، وَبابُ عِلْمِهِ وَوَصِيُّ نَبِيِّهِ وَالْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ فِي أُمَّتِهِ ، لَعَنَ اللّهُ أُمَّةً غَصَبَتْكَ حَقَّكَ ، وَقَعَدَتْ مَقْعَدَكَ ، أَنَا بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَمِنْ شِيعَتِهِمْ إِلَيْكَ.

السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ الْبَتُولُ ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا زَيْنَ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ اللّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْكِ وَعَلَيْهِ ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا أُمَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، لَعَنَ اللّهُ امَّةً غَصَبَتْكِ حَقَّكِ وَمَنَعَتْكِ ما جَعَلَهُ اللّهُ لَكِ حَلالاً ، أَنَا بَرِيءٌ إِلَيْكِ مِنْهُمْ وَمِنْ شِيعَتِهِمْ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبا مُحَمَّدِ الْحَسَنَ الزَّكِيَّ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ ، لَعَنَ اللّهُ امَّةً قَتَلَتْكَ وَبايَعَتْ فِي أَمْرِكَ وَشايَعَتْ انَا بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَمِنْ شِيعَتِهِمْ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبا عَبْدِ اللّهِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْكَ وَعَلى أَبِيكَ وَجَدِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، لَعَنَ اللّهُ امَّةً اسْتَحَلَّتْ دَمَكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ امَّةً قَتَلَتْكَ وَاسْتَباحَتْ حَرِيمَكَ ، وَلَعَنَ اللّهُ أَشْياعَهُمْ وَأَتْباعَهُمْ ، وَلَعَنَ اللّهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ ، أَنَا بَرِيءٌ إِلَى اللّهِ وَإِلَيْكَ مِنْهُمْ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبا مُحَمَّدٍ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبا عَبْدِ اللّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ، السَّلامُ

ص: 135

عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسى.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا أَبَا الْقاسِمِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ صاحِبَ الزَّمانِ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْكَ وَعَلى عِتْرَتِكَ الطّاهِرَةِ الطَّيِّبَةِ.

يا مَوالِيَّ كُونُوا شُفَعائِي فِي حَطِّ وزْرِي وَخَطايايَ ، آمَنْتُ بِاللّهِ وَبِما انْزِلَ إِلَيْكُمْ وَأَتَوالى آخِرَكُمْ بِما أَتَوالى بِهِ أَوَّلَكُمْ ، وَبَرِئْتُ مِنَ الْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَاللاّتِ وَالْعُزّى.

يا مَوالِيَّ ، أَنَا سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَلَعَنَ اللّهُ ظالِميكُمْ وَغاصِبِيكُمْ وَلَعَنَ اللّهُ أَشْياعَهُمْ وَأَتْباعَهُمْ وَأَهْلَ مَذْهَبِهِمْ ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ.

اللّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شَهِيداً وَاشْهِدُ مُحَمَّداً صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَلِيّاً وَالثَّمانِيَةَ مِنْ حَمَلَةِ عَرْشِكَ وَالْأَرْبَعَةِ الْأَمْلاكِ خَزَنَةَ عِلْمِكَ ، أَنِّي بَرِيءٌ (1) مِنْ أَعْدائِهِمْ وَأَنَّ فَرْضَ صَلَواتِي لِوَجْهِكَ ، وَنَوافِلِي وَزَكَواتِي وَما طابَ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ عِنْدَكَ ، فَعَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ.

اللّهُمَّ أَقْرِرْ (2) عَيْنِي بِصَلاتِهِ وَصَلاةِ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَاجْعَلْ ما هَدَيْتَنِي إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِمْ مُسْتَقَرّاً لا مُسْتَوْدَعاً ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ وَعَرِّفْنِي نَفْسَكَ وَعَرِّفْنِي رُسُلَكَ ، وَعَرِّفْنِي مَلائِكَتَكَ ، وَعَرِّفْنِي وُلاةَ أَمْرِكَ ، اللّهُمَّ إِنِّي لا آخذُ إِلاّ ما أَعْطَيْتَ ، وَلا واقٍ إِلاّ ما وَقَيْتَ ، اللّهُمَّ لا تَحْرِمْنِي مَنازِلَ أَوْلِيائِكَ وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَأْفَةً وَرُشْداً ، اللّهُمَّ وَعَلِّمْنِي ناطِقَ التَّنْزِيلِ وَخَلِّصْنِي مِنَ الْمَهالِكِ.

اللّهُمَّ وَخَلِّصْنِي مِنَ الشَّيْطانِ وَحِزْبِهِ ، وَمِنَ السُّلْطانِ وَجُنْدِهِ ، وَمِنَ الْجِبْتِ

ص: 136


1- انّي أبرئ ( خ ل ).
2- أقرّ ( خ ل ).

وَأَنْصارِهِ ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودِ ، وَبِعَلِيٍّ الْمَقْصُودِ ، وَبِحَقِّ شبرٍ وَشبيرٍ ، وَبِحَقِّ أَسْمائِكَ الْحُسْنى صَلِّ عَلى أَفْضَلِ الصَّفْوَةِ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنْتَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ.

يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا رَبّاهُ يا رَبّاهُ يا رَبّاهُ ، يا سَيِّداهُ يا سَيِّداهُ يا سَيِّداهُ ، يا مَوْلاهُ يا مَوْلاهُ يا مَوْلاهُ ، يا عِمادَ مَنْ لا عِمادَ لَهُ ، وَيا سَنَدَ مَنْ لا سَنَدَ لَهُ ، وَيا ذُخْرَ مَنْ لا ذُخْرَ لَهُ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ عَلى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ، اللّهُمَّ اجْعَلْهُ مَوْقِفاً مَحْمُوداً وَلا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنَّا ، وَأَشْرِكْنا فِي صالِحِ دُعاءِ مَنْ دَعاكَ بِمِنى وَعَرَفاتٍ وَمُزْدَلَفَةِ وَعِنْدَ قَبْرِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَالْمَقامِ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَيْثُ رَفَعْتَ أَقْدارَنا عَنْ شَدِّ الزَّنانِيرِ (1) فِي الْأَوْساطِ وَالْخَواتِيمِ فِي الْأَعْناقِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَيْثُ لَمْ تَجْعَلْنا زَنادِقَةً مُضِلِّينَ ، وَلا مُدَّعِيَةً شاكِّينَ مُرْتابِينَ وَلا مُعارِضِينَ ، وَلا عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مُنْحَرِفِينَ ، وَلا بَيْنَ عِبادِهِ مَشْهُورِينَ.

اللّهُمَّ كَما بَلَّغْتَنا هذَا الْيَوْمَ الْمُبارَكَ مِنْ شَهْرِنا وَسَنَتِنا هذِهِ الْمُبارَكَةِ ، فَبَلِّغْنا آخِرَها فِي عافِيَةٍ وَبَلِّغْنا أَعْواماً كَثِيرَةً بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا رَبّاهُ يا رَبّاهُ يا رَبّاهُ ، يا سَيِّداهُ يا سَيِّداهُ يا سَيِّداهُ ، يا مَوْلاهُ يا مَوْلاهُ يا مَوْلاهُ.

اللّهُمَّ وَما قَسَمْتَ لِي فِي هذِهِ السّاعَةِ وَفِي هذَا الْيَوْمِ وَفِي هذَا الشَّهْرِ وَفِي هذِهِ السَّنَةِ ، مِنْ خَيْرٍ أَوْ بَرَكَةٍ أَوْ عافِيَةٍ ، أَوْ مَغْفِرَةٍ أَوْ رَأْفَةٍ أَوْ رَحْمَةٍ ، أَوْ عِتْقٍ مِنَ النّارِ أَوْ رِزْقٍ واسِعٍ حَلالٍ طَيِّبٍ ، أَوْ تَوْبَةٍ نَصُوحٍ ، فَاجْعَلْ لَنا فِي ذلِكَ أَوْفَرَ النَّصِيبِ وَأَجْزَلِ الْحَظِّ.

اللّهُمَّ ما أَنْزَلْتَ فِي هذِهِ السّاعَةِ وَفِي هذَا الْيَوْمِ وَفِي هذَا الشَّهْرِ وَفِي هذِهِ

ص: 137


1- الزّنارج الزنانير ، الزنارة : ما يشدّ على الوسط.

السَّنَةِ ، مِنْ حَرَقٍ أَوْ شَرَقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ هَدَمٍ أَوْ رَدْمٍ (1) ، أَوْ خَسْفٍ أَوْ قَذْفٍ ، أَوْ رَجْفٍ (2) أَوْ مَسْخٍ أَوْ صَيْحَةٍ ، أَوْ زَلْزَلَةٍ أَوْ فِتْنَةٍ ، أَوْ صاعِقَةٍ أَوْ بَرَدٍ ، أَوْ جُنُونٍ أَوْ جُذامٍ ، أَوْ بَرَصٍ أَوْ أَكْلِ سَبُعٍ أَوْ مَيْتَةَ سُوءٍ ، وَجَمِيعِ أَنْواعِ الْبَلاءِ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، فَاصْرِفْهُ عَنّا كَيْفَ شِئْتَ ، وَأَنّى شِئْتَ ، وَعَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ دارٍ وَمَنْزِلٍ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِها.

عَزَّ جارُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ وَلا إِلهَ غَيْرُكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَةُ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ اللّهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ، وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ اللّهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، عَلَيْها أَحْيى ، وَعَلَيْها أَمُوتُ ، وَعَلَيْها ابْعَثُ حَيّاً إِنْ شاءَ اللّهُ.

رَضِيتُ بِاللّهِ رَبّاً ، وَبِالإِسْلامِ دِيناً ، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَبِيّاً ، وَبِعَلِيٍّ وَلِيّاً ، وَبِالْقُرْآنِ كِتاباً ، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً ، وَبإِبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَباً ، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَبِيّاً ، وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْهِ لِلْحَقِّ واضِحاً ، وَلِلْجَنَّةِ وَالنّارِ قاسِماً ، وَبِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ شِيعَتِهِ إِخْواناً.

لا أُشْرِكُ بِاللّهِ شَيْئاً وَلا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً وَلا أَدَّعِي مَعَهُ إِلهاً ، لا إِلهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، إِلهاً واحِداً فَرْداً صَمَداً ، لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالْعَظِيمِ مِنْ آلائِكَ ، وَالْقَدِيمِ مِنْ نَعْمائِكَ ، وَالْمَخْزُونِ مِنْ أَسْمائِكَ ، وَما وارَتِ الْحُجُبُ مِنْ بَهائِكَ ، وَمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ ، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ ، وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ

ص: 138


1- الردم : ما يسقط من الحائط المتهدّم.
2- رجف : تحرك ، الرجفة : الزلزلة.

مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَرْحَمَ هذِهِ النَّفْسَ الْجَزُوعَةَ ، وَهذَا الْبَدَنَ الْهَلُوعَ (1) الَّذِي لا يُطِيقُ حَرَّ شَمْسِكَ ، فَكَيْفَ يُطِيقُ حَرَّ نارِكَ ، إِنْ تُعاقِبْنِي لا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ شَيْءٌ ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي لا يَنْقُصُ مِنْ مُلْكِكَ شَيْءٌ.

أَنْتَ يا رَبِّ أَرْحَمُ ، وَبِعِبادِكَ أَعْلَمُ ، وَبِسُلْطانِكَ أَرْأَفُ ، وَبِمُلْكِكَ أَقْدَمُ ، وَبِعَفْوِكَ أَكْرَمُ ، وَعَلى عِبادِكَ أَنْعَمُ ، لا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ طاعَةُ الْمُطِيعِينَ ، وَلا يَنْقُصُ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْعاصِينَ (2) ، وَاعْفُ عَنِّي يا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

أَلُوذُ بِعِزَّتِكَ ، وَأَسْتَظِلُّ بِفِنائِكَ ، وَأَسْتَجِيرُ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْتَغِيثُ بِرَحْمَتِكَ ، وَأَعْتَصِمُ بِحَبْلِكَ ، وَلا أَثِقُ إِلاّ بِكَ ، وَلا أَلْجَأ إِلاّ إِلَيْكَ ، يا عَظِيمَ الرَّجاءِ ، يا كاشِفَ الْبَلاءِ ، وَيا أَحَقَّ مَنْ تَجاوَزَ وَعَفى.

اللّهُمَّ إِنَّ ظُلْمِي مُسْتَجِيرٌ بِعَفْوِكَ ، وَخَوْفِي مُسْتَجِيرٌ بِأَمانِكَ ، وَفَقْرِي مُسْتَجِيرٌ بِغِناكَ ، وَوَجْهِيَ الْبالِي الْفانِي مُسْتَجِيرٌ بِوَجْهِكَ الدّائِمِ الْباقِي ، الَّذِي لا يَفْنى وَلا يَزُولُ ، يا مَنْ لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ ، لا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا فِي دِينِنا.

وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَرَ هَمِّنا ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحَمُنا ، وَعُدْ بِحِلْمِكَ عَلى جَهْلِنا ، وَبِقُوَّتِكَ عَلى ضَعْفِنا ، وَبِغِناكَ عَلى فَقْرِنا ، وَأَعِذْنا مِنَ الْأَذى وَالْعِدى وَالضُّرِّ وَسُوءِ الْقَضاءِ وَشَماتَةِ الْأَعْداءِ ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْمالِ وَالدِّينِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ ، وَعِنْدَ مُعايَنَةِ الْمَوْتِ.

اللّهُمَّ يا رَبِّ نَشْكُوا غَيْبَةَ نَبِيِّنا عَنّا ، وَقِلَّةَ ناصِرِنا ، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا ، وَشِدَّةَ الزَّمانِ عَلَيْنا ، وَوُقُوعَ الْفِتَنِ بِنا ، وَتَظاهُرَ الْخَلْقِ عَلَيْنا ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَفَرِّجْ ذلِكَ بِفَرَجٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ ، وَضُرٍّ تَكْشِفُهُ وَحَقٍّ تُظْهِرُهُ.

اللّهُمَّ وَابْعَثْ بِقائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللّه عليه وآله لِلنَّصْرِ لِدِينِكَ ، وَإِظْهار حُجَّتِكَ ، وَالْقِيامِ بِأَمْرِكَ ، وَتَطْهِيرِ أَرْضِكَ مِنْ أَرْجاسِها بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ.

ص: 139


1- الهلوع : من يفزع.
2- المذنبين ( خ ل ).

اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُوالِي لَكَ عَدُوّاً أَوْ أُعادِي لَكَ وَلِيّاً ، أَوْ أَسْخَطَ لَكَ رِضا ، أَوْ أَرْضى لَكَ سَخَطاً ، أَوْ أَقُولَ لِحَقٍّ : هذا باطِلٌ ، أَوْ أَقُولَ لِباطِلٍ : هذا حَقٌّ ، أَوْ أَقُولَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا : هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النَّارِ (1).

ومن الدعوات في يوم عرفة ، المرويات عن الصّادق عليه أفضل الصلاة فقال : تكبّر اللّه مائة مرة ، وتهلّله مائة مرّة ، وتسبّحه مائة مرّة ، وتقدّسه مائة مرّة ، وتقرء آية الكرسي مائة مرّة ، وتصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه وآله مائة مرّة ، ثمّ تبدأ بالدّعاء ، فتقول :

إِلهِي وَسَيِّدِي ، وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ ما أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي لَكَ مُخالَفَةَ أَمْرِكَ ، بَلْ عَصَيْتُ إِذْ عَصَيْتُكَ وَما أَنَا بِنَكالِكَ (2) جاهِلٌ ، وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ ، وَلكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ، وَغَلَبَتْ عَلَيَّ شِقْوَتِي ، وَأَعانَنِي عَلَيْهِ عَدُوُّكَ وَعَدُوِّي ، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ الْمُسْبَلُ (3) عَلَيَّ ، فَعَصَيْتُكَ بِجَهْلِي ، وَخالَفْتُكَ بِجُهْدِي.

فَالآنَ مِنْ عَذابِكَ مَنْ يُنْقِذُنِي ، وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ إِنْ أَنْتَ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي ، أَنَا الْغَرِيقُ الْمُبْتَلى ، فَمَنْ سَمِعَ بِمِثْلِي أَوْ رَأى مِثْلَ جَهْلِي ، لا رَبَّ لِي غَيْرُكَ يُنْجِينِي ، وَلا عَشِيرَةَ تَكْفِينِي ، وَلا مالَ يُفْدِينِي.

فَوَعِزَّتِكَ يا سَيِّدِي لأَطْلُبَنَّ إِلَيْكَ ، وَعِزَّتِكَ يا مَوْلايَ لأَتَضَرَّعَنَّ إِلَيْكَ ، وَعِزَّتِكَ يا إِلهِي لُالِحَّنَّ عَلَيْكَ ، وَعِزَّتِكَ يا إِلهِي لَأَبْتَهِلَنَّ إِلَيْكَ ، وَعِزَّتِكَ يا رَجائِي لَأَمُدَّنَّ يَدِي مَعَ جُرْمِها إِلَيْكَ.

إِلهِي فَمَنْ لِي ، مَوْلايَ فَبِمَنْ أَلُوذُ؟ سَيِّدِي فَبِمَنْ أَعُوذُ؟ أَمَلِي فَمَنْ أَرْجُو؟ أَنْتَ أَنْتَ انْقَطَعَ الرَّجاءُ إِلاّ مِنْكَ ، وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، يا أَحَدَ مَنْ لا أَحَدَ

ص: 140


1- عنه البحار 98 : 238 - 255 ، عنه بعضه البحار 101 : 375.
2- النكال : العقوبة.
3- اسبل الستر : أرخاه.

لَهُ ، يا أَكْرَمَ مَنْ أُقِرَّ لَهُ بِذَنْبٍ ، يا أَعَزَّ مَنْ خُضِعَ لَهُ بِذُلٍّ.

يا أَرْحَمَ مَنِ اعْتُرِفَ لَهُ بِجُرْمٍ ، لِكَرَمِكَ أَقْرَرْتُ بِذُنُوبِي ، وَلِعِزَّتِكَ خَضَعْتُ بِذِلَّتِي ، فَما صانِعٌ مَوْلايَ وَلِرَحْمَتِكَ أَنْتَ اعْتَرَفْتُ بِجُرْمِي ، فَمَا أَنْتَ فاعِلٌ سَيِّدِي لِمُقِرٍّ لَكَ بِذَنْبِهِ ، خاضِعٍ لَكَ بِذِلَّةٍ ، مُعْتَرِفٍ لَكَ بِجُرْمِهِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاسْمَعِ اللّهُمَّ دُعائِي إِذا دَعَوْتُكَ ، وَنِدائِي إِذا نادَيْتُكَ ، وَأَقْبِلْ عَلَيَّ إِذا ناجَيْتُكَ ، فَانِّي أُقِرُّ لَكَ بِذُنُوبِي ، وَأَعْتَرِفُ وَأَشْكُو إِلَيْكَ مَسْكَنَتِي وَفاقَتِي وَقَساوَةَ قَلْبِي وَضُرِّي وَحاجَتِي ، يا خَيْرَ مَنْ آنَسْتُ بِهِ وَحْدَتِي وَناجَيْتُهُ بِسِرِّي.

يا أَكْرَمَ مَنْ بَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدِي ، وَيا أَرْحَمَ مَنْ مَدَدْتَ إِلَيْهِ عُنُقِي ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي الَّتِي نَظَرَتْ إِلَيْها عَيْنايَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِيَ الَّتِي نَطَقَ بِها لِسانِي ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِيَ الَّتِي اكْتَسَبَتْها يَدِي ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي الَّتِي باشَرَها جِلْدِي ، وَاغْفِرِ اللّهُمَّ ذُنُوبِيَ الَّتِي احْتَطَبْتُ بِها عَلى بَدَنِي.

وَاغْفِرِ اللّهُمَّ ذُنُوبِي الَّتِي قَدَّمَتْها يَدايَ ، وَاغْفِرْ اللّهُمَّ ذُنُوبِي الَّتِي أَحْصاها كِتابُكَ ، وَاغْفِرِ اللّهُمَّ ذُنُوبِيَ الَّتِي سَتَرْتُها مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَلَمْ أَسْتُرْها مِنْكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي أَوَّلَها وَآخِرَها ، صَغِيرَها وَكَبِيرَها ، دَقِيقَها وَجَلِيلَها ، ما أَعْرِفُ (1) مِنْها وَما لا أَعْرِفُ ، مَوْلايَ عَظُمَتْ ذُنُوبِي وَجَلَّتْ ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ فِي جَنْبِ عَفْوِكَ.

فَاعْفُ عَنِّي فَقَدْ قَيَّدَتْنِي ، وَاشْتَهَرَتْ عُيُوبِي ، وَغَرَقَتْنِي خَطايايَ ، وَأَسْلَمَتْنِي نَفْسِي إِلَيْكَ ، بَعْدَ ما لَمْ أَجِدْ مَلْجَأً ، وَلا مَنْجا مِنْكَ إِلاّ إِلَيْكَ ، مَوْلايَ اسْتَوْجَبْتُ أَنْ أَكُونَ لِعُقُوبَتِكَ غَرَضاً ، وَلِنَقِمَتِكَ مُسْتَحِقّاً.

ص: 141


1- عرفت ( خ ل ).

إِلهِي قَدْ غُيِّرَ عَقْلِي فِيما وَجِلَتْ مِنْ مُباشِرَةِ عِصْيانِكَ ، وَبَقِيَتْ حَيْراناً مُتَعَلِّقاً بِعَمُودِ عَفْوِكَ (1) ، فَأَقِلْنِي يا مَوْلايَ وَإِلهِي بِالاعْتِرافِ ، فَها أَنَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ عَبْدٌ ذَلِيلٌ خاضِعٌ صاغِرٌ داخِرٌ راغِمٌ ، إِنْ تَرْحَمْنِي فَقَدِيماً شَمَلَنِي عَفْوُكَ ، وَأَلْبَسَتْنِي عافِيَتُكَ ، وَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَإِنِّي لِذلِكَ أَهْلٌ وَهُوَ مِنْكَ يا رَبِ (2) عَدْلٌ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالْمَخْزُونِ مِنْ أَسْمائِكَ ، وَما وارَتِ الْحُجُبُ مِنْ بَهائِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَتَرْحَمَ هذِهِ النَّفْسَ الْجَزُوعَةَ ، وَهذا الْبَدَنَ الْهَلُوعَ (3) ، وَالْجِلْدَ الرَّقِيقَ ، وَالْعَظْمَ الدَّقِيقَ ، مَوْلايَ عَفْوَكَ عَفْوَكَ - مائة مرّة.

اللّهُمَّ قَدْ غَرَقَتْنِي الذُّنُوبُ وَغَمَرَتْنِي النِّعَمُ ، وَقَلَّ شُكْرِي وَضَعُفَ عَمَلِي ، وَلَيْسَ لِي ما أَرْجُوهُ إِلاّ رَحْمَتُكَ ، فَاعْفُ عَنِّي فَإِنِّي امْرَؤُ حَقِيرٌ وَخَطَرِي يَسِيرٌ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي ، فَإِنَّ عَفْوَكَ أَرْجى لِي مِنْ عَمَلِي ، وَإِنْ تَرْحَمْنِي فَانَّ رَحْمَتَكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي ، وَأَنْتَ الَّذِي لا تُخَيِّبُ السّائِلَ ، وَلا يَنْقُصُكَ النّائِلُ ، يا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَأَكْرَمَ مَأْمُولٍ.

هذا مَقامُ الْمُسْتَجِيرِ بِكَ مِنَ النّارِ - مائة مرّة ، هذا مَقامُ الْعائِذِ بِكَ مِنَ النّارِ - مائة مرّة.

هذا مَقامُ الذَّلِيلِ ، هذا مَقامُ الْبائِسِ الْفَقِيرِ ، هذا مَقامُ الْمُسْتَجِيرِ ، هذا مَقامُ مَنْ لا أَمَلَ لَهُ سِواكَ ، هذا مَقامُ مَنْ لا يُفَرِّجُ كَرْبَهُ سِواكَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ ، لَوْ لا أَنْ هَدانا اللّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما رَزَقْتَنِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما مَنَحْتَنِي (4) ، وَلَكَ

ص: 142


1- في البحار : غفرانك.
2- وهو يا رب منك ( خ ل ).
3- الهلوع : من يفزع.
4- منحه : أعطاه.

الْحَمْدُ عَلى ما أَلْهَمْتَنِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما وَفَّقْتَنِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما شَفَيْتَنِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما عافَيْتَنِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما هَدَيْتَنِي.

وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرّاءِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ، حَمْداً كَثِيراً دائِماً سَرْمَداً أَبَداً لا يَنْقَطِعُ وَلا يَفْنى أَبَداً ، حَمْداً تَرْضى بِحَمْدِكَ عَنّا ، حَمْداً يَصْعَدُ أَوَّلُهُ وَلا يَفْنَى آخِرُهُ يَزِيدُ وَلا يَبِيدُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قَوِيَ عَلَيْهِ بَدَنِي بِعافِيَتِكَ ، أَوْ نالَتْهُ قُدْرَتِي بِفَضْلِ نِعْمَتِكَ ، أَوْ بَسَطْتُ إِلَيْهِ يَدِي بِسابِغِ رِزْقِكَ ، أَوْ اتَّكَلْتُ عِنْدَ خَوْفِي مِنْهُ عَلى أَناتِكَ أَوْ وَثِقْتُ فِيهِ بِحَوْلِكَ ، أَوْ عَوَّلْتُ فِيهِ عَلى كَرِيمِ عَفْوِكَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ خُنْتُ فِيهِ أَمانَتِي ، أَوْ نَحَّسْتُ بِفِعْلِهِ نَفْسِي ، أَوْ احْتَطَبْتُ بِهِ عَلى بَدَنِي ، أَوْ قَدَّمْتُ فِيهِ لَذَّتِي ، أَوْ آثَرْتُ فِيهِ شَهَواتِي ، أَوْ سَعَيْتُ فِيهِ لِغَيْرِي ، أَوْ اسْتَغْوَيْتُ فِيهِ مَنْ تَبِعَنِي ، أَوْ غَلَبْتُ عَلَيْهِ بِفَضْلِ حِيلَتِي ، أَوِ احْتَلْتُ عَلَيْكَ فِيهِ مَوْلايَ فَلَمْ تَغْلِبْنِي عَلى فِعْلِي ، إِذْ كُنْتَ كارِهاً لِمَعْصِيَتِي ، لكِنْ سَبَقَ عِلْمُكَ فِي فِعْلِي ، فَحَلُمْتَ عَنِّي ، لَمْ تُدْخِلْنِي يا رَبِّ فِيهِ جَبْراً ، وَلَمْ تُحَمِّلْنِي عَلَيْهِ قَهْراً ، وَلَمْ تَظْلِمْنِي فِيهِ شَيْئاً.

أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ غَمَرَتْهُ مَساغِبُ الْإساءَةِ ، فَأَيْقَنَ مِنْ إِلهِهِ بِالْمُجازاةِ ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ تَهَوَّرَ تَهَوُّراً فِي الْغَياهِبِ ، وَتَداحَضَ (1) لِلشَّقْوَةِ فِي أَوْداءِ الْمَذاهِبِ ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ أَوْرَطَهُ الإِفْراطُ فِي مَآثِمِهِ وَأَوْثَقَهُ الارْتِباكُ (2) فِي لُجَجِ جَرائِمِهِ ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ أَناف (3) عَلَى الْمَهالِكِ بِمَا اجْتَرَمَ.

أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ أَوْحَدَتْهُ الْمَنِيَّةُ فِي حُفْرَتِهِ ، فَأَوْحَشَ بِمَا اقْتَرَفَ

ص: 143


1- دحض رجله: زلفت.
2- ربكه : خلطه.
3- اناف على الشيء : أشرف.

مِنْ ذَنْبٍ اسْتَكْفَفَ ، فَاسْتَرْحَمَ هُنالِكَ رَبَّهُ وَاسْتَعْطَفَ ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ لِبُعْدِ سَفَرِهِ زاداً ، وَلَمْ يُعَدِّ لِمَظاعِنِ تِرْحالِهِ (1) إِعْداداً ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ شَسَعَتْ (2) شُقَّتُهُ وَقَلَّتْ عُدَّتُهُ فَغَشِيَتْهُ هُنالِكَ كُرْبَتُهُ ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ خالَطَ كَسْبُهُ التَّدالُسَ ، وَقَرَنَ بِأَعْمالِهِ التَّباخُسَ.

أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ لا يَعْلَمُ عَلى أَيِّ مَنْزِلَتِهِ هاجِمٌ ، أَفِي النّارِ يُصْلى (3) أَمْ فِي الْجَنَّةِ ناعِمٌ يَحْيى ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ غَرَقَ فِي لُجَجِ الْمَآثِمِ ، وَتَقَلَّبَ فِي أَظالِيلِ مَقْتِ الْمَحارِمِ.

أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ عَنَدَ عَنْ لَوائِحِ حَقِّ الْمَنْهَجِ ، وَسَلَكَ سَوادِفَ سُبُلِ الْمُرْتَتَجِ (4) ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ لَمْ يُهْمِلْ شُكْرِي وَلَمْ يَضْرِبْ عَنْهُ صَفْحاً ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ لَمْ يَنْجهُ الْمَفَرُّ مِنْ مُعاناةِ ضَنْكِ الْمُنْقَلَبِ ، وَلَمْ يُجِرْهُ الْمَهْرَبُ مِنْ أَهاوِيلِ عَبْءِ (5) الْمَكْسَبِ.

أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ تَمَرَّدَ فِي طُغْيانِهِ عَدُوّاً ، وَبارَزَهُ بِالْخَطِيئَةِ عُتُوّاً ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ أَحْصى عَلَيْهِ كُرُورَ لَوافِظِ أَلْسِنَتِهِ ، وَزِنَةَ مَخانِقِ (6) الْجَنَّةِ ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ اسْتِغْفارَ مَنْ لا يَرْجُو سِواهُ ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ مِمّا أَحْصاهُ الْعُقُولُ ، وَالْقَلْبُ الْجَهُولُ ، وَاقْتَرَفَتْهُ الْجَوارِحُ الْخاطِئَةُ ، وَاكْتَسَبَتْهُ الْيَدُ الْباغِيَةُ.

أَسْتَغْفِرُ اللّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ بِمِقْدارٍ وَمِقْياسٍ وَمِكْيالٍ ، وَمَبْلَغٍ ما أَحْصى وَعَدَدِ ما خَلَقَ وَما فَلَقَ ، وَذَرَءَ وَبَرَءَ ، وَأَنْشَأَ وَصَوَّرَ وَدَوَّنَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللّهَ أَضْعافَ ذلِكَ كُلِّهِ وَأَضْعافاً مُضاعَفَةً وَأَمْثالاً مُمَثَّلَةً ، حَتّى أَبْلُغَ رِضَى اللّهِ وَأَفُوزَ بِعَفْوِهِ.

ص: 144


1- رحل رحلا وترحالا عن المكان : تركه.
2- شسعت : بعدت.
3- صلى بالنار : قاسى حرّها أو احترق بها.
4- سبل المرتتج : الطرق الضيّقة.
5- العبئ : الحمل والثقل من أي شيء كان.
6- المخنقة جمع مخانق : ما يخنق به ، القلادة.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانِي لِدِينِهِ الَّذِي لا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلاّ بِهِ ، وَلا يَغْفِرُ ذَنْباً إِلاّ لِأَهْلِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مُسْلِماً لَهُ وَلِرَسُولِهِ صلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ فِيما أَمَرَ بِهِ وَنَهى عَنْهُ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنِي أَعْبُدُ شَيْئاً غَيْرَهُ ، وَلَمْ يُكْرِمْ بِهَوانِي أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى ما صَرَفَ عَنِّي مِنْ أَنْواعِ الْبَلاءِ فِي نَفْسِي وَأَهْلِي وَمالِي وَوَلَدِي وَأَهْلِ حُزانَتِي ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ عَلى كُلِّ حالٍ.

وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْمَلِكُ الرَّحْمنُ ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْمُفَضِّلُ الْمَنّانُ ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْأَوَّلُ وَالآخِرُ ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ذُو الطَّوْلِ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الظّاهِرُ الْباطِنُ ، وَاللّهُ أَكْبَرُ مِدادَ كَلِماتِهِ ، وَاللّهُ أَكْبَرُ مِلْءَ عَرْشِهِ ، وَاللّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ ما أَحْصى كِتابُهُ ، وَسُبْحانَ اللّهِ الْحَلِيمِ الْكَرِيمِ ، وَسُبْحانَ اللّهِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ ، وَسُبْحانَ اللّهِ الَّذِي لا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاّ لَهُ.

وَسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ ، الَّذِينَ أَذْهَبَ اللّهُ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ ، وَصَفِيِّكَ وَحَبِيبِكَ ، وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَالْمُبَلِّغِ رِسالاتِكَ ، فَإِنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَمانَةَ ، وَمَنَحَ النَّصِيحَةَ ، وَحَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ ، وَكابَدَ (1) الْعُسْرَةِ.

اللّهُمَّ أَعْطِهِ بِكُلِّ مَنْقَبَةٍ مِنْ مَناقِبِهِ ، وَمَنزِلَةٍ مِنْ مَنازِلِهِ ، وَحالٍ مِنْ أَحْوالِهِ ، خَصائِصَ مِنْ عَطائِكَ ، وَفَضائِلَ مِنْ حَبائِكَ (2) ، تَسُرُّ بِها نَفْسَهُ ، وَتُكْرِمُ بِها وَجْهَهُ ، وَتَرْفَعُ بِها مَقامَهُ ، وَتُعْلِي بِها شَرَفَهُ عَلَى الْقُوّامِ بِقِسْطِكَ ، وَالذّابِّينَ عَنْ حَرِيمِكَ (3).

ص: 145


1- كابده : قاسى.
2- الحبوة : العطية.
3- حرمك ( خ ل ).

اللّهُمَّ وَأَوْرِدْ عَلَيْهِ وَعَلى ذُرِّيَّتِهِ ، وَأَزْواجِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، وَأَصْحابِهِ وَأُمَّتِهِ ما تَقِرُّ بِهِ عَيْنُهُ ، وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ وَمِمَّنْ تَسْقِيهِ بِكَأْسِهِ ، وَتُورِدُهُ حَوْضَهُ ، وَتَحْشُرُنا فِي زُمْرَتِهِ وَتَحْتَ لِوائِهِ ، وَتُدْخِلُنا فِي كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْنِي مَعَهُمْ فِي كُلِّ شِدَّةٍ وَرَخاءٍ ، وَفِي كُلِّ عافِيَةٍ وَبَلاءٍ ، وَفِي كُلِّ أَمْنٍ وَخَوْفٍ ، وَفِي كُلِّ مَثْوىً وَمُنْقَلَبٍ ، اللّهُمَّ أَحْيِنِي مَحْياهُمْ ، وَأَمِتْنِي مَماتَهُمْ ، وَاجْعَلْنِي مَعَهُمْ فِي الْمَواطِنِ كُلِّها ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنُهُمْ أَبَداً ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ أَفْنِنِي خَيْرَ الْفَناءِ إِذا أَفْنَيْتَنِي عَلى مُوالاتِكَ وَمُوالاةِ أَوْلِيائِكَ ، وَمُعاداةِ أَعْدائِكَ ، وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ إِلَيْكَ وَالْوَفاءِ بِعَهْدِكَ ، وَالتَّصْدِيقِ بِكِتابِكَ ، وَالاتِّباعِ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَتُدْخِلُنِي مَعَهُمْ فِي كُلِّ خَيْرٍ وَتُنْجِينِي بِهِمْ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاغْفِرْ ذَنْبِي وَوَسِّعْ خُلْقِي وَطَيِّبْ كَسْبِي وَقَنِّعْنِي بِما رَزَقْتَنِي ، وَلا تُذْهِبْ نَفْسِي إِلى شَيْءٍ صَرَفْتَهُ عَنِّي ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ النِّسْيانِ وَالْكَسَلِ وَالتَّوانِي فِي طاعَتِكَ ، وَمِنْ عِقابِكَ الْأَدْنى وَعَذابِكَ الْأَكْبَرِ.

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ دُنْيا تَمْنَعُ خَيْرَ الاخِرَةِ ، وَمِنْ حَياةٍ تَمْنَعُ خَيْرَ الْمَماتِ ، وَمِنْ أَمَلٍ يَمْنَعُ خَيْرَ الْعَمَلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ ، وَمِنْ دُعاءٍ لا يُرْفَعُ ، وَمِنْ صَلاةٍ لا تُقْبَلُ.

اللّهُمَّ افْتَحْ مَسامِعَ قَلْبِي لِذِكْرِكَ ، حَتّى أَتَّبِعَ كِتابَكَ وَاصَدِّقَ رَسُولَكَ ، وَآمَنَ بِوَعْدِكَ ، وَاوفِي بِعَهْدِكَ ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَسْأَلُكَ الصَّبْرَ عَلى طاعَتِكَ ، وَالصَّبْرَ لِحُكْمِكَ.

وَأَسْأَلُكَ اللّهُمَّ حَقائِقَ الإِيمانِ ، وَالصِّدْقَ فِي الْمَواطِنِ كُلِّها ، وَالْعَفْوَ وَالْمُعافاةَ ، وَالْيَقِينَ وَالْكَرامَةَ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَالشُّكْرَ وَالنَّظَرَ إِلى وَجْهِكَ

ص: 146

الْكَرِيمِ ، فَانَّ بِنِعْمَتِكَ تَتِمُّ الصّالِحاتِ.

اللّهُمَّ أَنْتَ تُنْزِلُ الْغِنا وَالْبَرَكَةَ مِنَ الرَّفِيعِ الْأَعْلى عَلَى الْعِبادِ قاهِراً مُقْتَدِراً ، أَحْصَيْتَ أَعْمالَهُمْ ، وَقَسَمْتَ أَرْزاقَهُمْ ، وَسَمَّيْتَ آجالَهُمْ وَكَتَبْتَ آثارَهُمْ ، وَجَعَلْتَهُمْ مُخْتَلِفَةً أَلْسِنَتُهُمْ وَأَلْوانُهُمْ ، خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ ، لا يَعْلَمُ الْعِبادُ عِلْمَكَ ، وَكُلُّنا فُقَراء إِلَيْكَ.

فَلا تَصْرِفِ اللّهُمَّ عَنِّي وَجْهَكَ ، وَلا تَمْنَعْنِي فَضْلَكَ ، وَلا تحْرِمْنِي طَوْلَكَ وَعَفْوَكَ ، وَاجْعَلْنِي أُوالِي أَوْلِياءَكَ وَأُعادِي أَعْداءَكَ ، وَارْزُقْنِي الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ وَالْخُشُوعَ وَالْوَفاءَ وَالتَّسْلِيمَ ، وَالتَّصْدِيقَ بِكِتابِكَ ، وَاتِّباعَ سُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنِي ما أَهَمَّنِي وَغَمَّنِي ، وَلا تَكِلْنِي إِلى نَفْسِي ، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ ما خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ ، وَأَلْبِسْنِي دِرْعَكَ الْحَصِينَةَ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ خَلْقِكَ ، وَاقْضِ عَنِّي دَيْنِي وَوَفِّقْنِي لِمَا يُرْضِيكَ عَنِّي.

وَاحْرُسْنِي وَذُرِّيَّتِي وَأَهْلِي وَقَراباتِي وَجَمِيعَ إِخْوانِي فِيكَ وَأَهْلَ حُزانَتِي (1) مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، وَمِنْ شَرِّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَشَياطِينِ الانْسِ وَالْجِنِّ ، وَانْصُرْنِي عَلى مَنْ ظَلَمَنِي ، وَتَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعَظِيمِ ما سَأَلَكَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ ، مِنْ كَرِيمِ أَسْمائِكَ ، وَجَمِيلِ ثَنائِكَ ، وَخاصَّةِ دُعائِكَ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَجْعَلَ عَشِيَّتِي هذِهِ أَعْظَمَ عَشِيَّةٍ مَرَّتْ عَلَيَّ مُنْذُ أَخْرَجْتَنِي إِلَى الدُّنْيا بَرَكَةً ، فِي عِصْمَةٍ مِنْ دِينِي ، وَخَلاصِ نَفْسِي وَقَضاءِ حاجَتِي ، وَتَشْفِيعِي فِي مَسْأَلَتِي ، وَإِتْمامِ النِّعْمَةِ عَلَيَّ وَصَرْفِ السُّوءِ عَنِّي ، وَلِباسِ الْعافِيَةِ ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ بِرَحْمَتِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ.

اللّهُمَّ إِنْ كُنْتَ لَمْ تَكْتُبْنِي فِي حُجّاجِ بَيْتِكَ الْحَرامِ أَوْ أَحْرَمْتَنِي الْحُضُورَ

ص: 147


1- حزانة الرجل : عياله الذين يتحزن ويهتمّ لأمرهم.

مَعَهُمْ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ ، فَلا تَحْرِمْنِي شِرْكَتَهُمْ فِي دُعائِهِمْ ، وَانْظُرْ إِلَيَّ بِنَظْرَتِكَ الرَّحِيمَةِ لَهُمْ ، وَأَعْطِنِي مِنْ خَيْرِ ما تُعْطِي أَوْلِياءَكَ وَأَهْلِ طاعَتِكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلا تَجْعَلْ هذِهِ الْعَشِيَّةَ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي ، حَتّى تُبَلِّغَنِيها مِنْ قابِلٍ مَعَ حُجّاجِ بَيْتِكَ الْحَرامِ وَزُوّارِ قَبْرِ نَبِيِّكَ عَليه السلام ، فِي أَعْفى عافِيَتِكَ ، وَأَعَمِّ نِعْمَتِكَ ، وَأَوْسَعِ رَحْمَتِكَ ، وَأَجْزَلِ قِسَمِكَ ، وَأَسْبَغِ رِزْقِكَ ، وَأَفْضَلِ رَجائِكَ ، وَأَتَمِّ رَأْفَتِكَ ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاسْمَعْ دُعائِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي ، وَتَذَلُّلِي وَاسْتِكانَتِي وَتَوَكُّلِي عَلَيْكَ ، فَأَنَا مُسَلِّمٌ لِأَمْرِكَ لا أَرْجُو نَجاحاً وَلا مُعافاةً وَلا تَشْرِيفاً إِلاّ بِكَ وَمِنْكَ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ بِتَبْلِيغِي هذِهِ الْعَشِيَّةَ مِنْ قابِلٍ ، وَأَنَا مُعافىً مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَمَحْذُورٍ ، وَمِنْ جَمِيعِ الْبَوائِقِ (1) وَمَحْذُوراتِ الطَّوارِقِ (2).

اللّهُمَّ أَعِنِّي عَلى طاعَتِكَ وَطاعَةِ أَوْلِيائِكَ الَّذِينَ اصْطَفَيْتَهُمْ مِنْ خُلْقِكَ لِخَلْقِكَ ، وَالْقِيامِ فِيهِمْ بِدِينِكَ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ لِي دِينِي ، وَزِدْ فِي أَجَلِي ، وَأَصِحَّ لِي جِسْمِي ، وَأَقِرَّ بِشُكْرِ نِعْمَتِكَ عَيْنِي ، وَآمِنْ رَوْعَتِي وَأَعْطِنِي سُؤْلِي ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَتَمِّمْ آلاءَكَ عَلَيَّ فِيما بَقِيَ مِنْ عُمْرِي ، وَتَوَفَّنِي إِذا تَوَفَّيْتَنِي وَأَنْتَ عَنِّي راضٍ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَثَبِّتْنِي عَلى مِلَّةِ (3) الإِسْلامِ فَانِّي بِحَبْلِكَ اعْتَصَمْتُ فَلا تَكِلْنِي فِي جَمِيعِ الأُمُورِ إِلاّ إِلَيْكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَامْلَأْ قَلْبِي رَهْبَةً مِنْكَ وَرَغْبَةً إِلَيْكَ وَخَشْيَةً مِنْكَ وَغِنًى بِكَ ، وَعَلِّمْنِي ما يَنْفَعُنِي وَاسْتَعْمِلْنِي بِما عَلَّمْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إِلَيْكَ ، الْمُشْفِقِ مِنْ عَذابِكَ ، الْخائِفِ

ص: 148


1- البائقة : الداهية.
2- الطارقة ج طوارق : الداهية.
3- في البحار : دين.

مِنْ عُقُوبَتِكَ ، أَنْ تُغْنِيَنِي بِعَفْوِكَ وَتُجِيرَنِي بِعِزَّتِكَ ، وَتَحَنَّنَ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ ، وَتُؤَدِّيَ عَنِّي فَرائِضَكَ وَتَسْتَجِيبَ لِي فِيمَا سَأَلْتُكَ ، وَتُغْنِيَنِي عَنْ شِرارِ خَلْقِكَ وَتُدْنِيَنِي مِمَّنْ كادَنِي ، وَتَقِيَنِي مِنَ النّارِ وَما قَرَّبَ إِلَيْها مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَتَغْفِرَ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1).

دعاء آخر في يوم عرفة مروي عن الصادق عليه السلام : اللّهُمَّ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ رَبُّ الْعالَمِينَ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ.

وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ مالِكُ يَوْمِ الدِّينِ ، بَدْءُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْكَ يَعُودُ ، لَمْ تَزَلْ وَلا تَزالُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ ، الْكِبْرِياءُ رِداؤُكَ ، سابِغُ النَّعْماءِ ، جَزِيلُ الْعَطاءِ ، باسِطُ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ ، نَفّاحُ (2) الْخَيْراتِ ، كاشِفُ الْكُرُباتِ ، مُنَزِّلُ الآياتِ ، مُبَدِّلُ السَّيِّئاتِ ، جاعِلُ الْحَسَناتِ دَرَجاتٍ.

دَنَوْتَ فِي عُلُوِّكَ وَعَلَوْتَ فِي دُنُوِّكَ ، دَنَوْتَ فَلا شَيْءَ دُونَكَ ، وَارْتَفَعْتَ فَلا شَيْءَ فَوْقِكَ ، تَرى وَلا تُرى ، وَأَنْتَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى ، فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ، لَكَ ما فِي السَّماواتِ الْعُلى ، وَلَكَ الْكِبْرِياءُ فِي الاخِرَةِ وَالأُولى ، غافِرُ الذَّنْبِ ، وَقابِلُ التَّوْبِ شَدِيدُ الْعِقابِ (3).

لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ إِلَيْكَ الْمَأْوى ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَبَلَغَتْ حُجَّتُكَ ، وَلا مُعَقِّبَ لِحُكْمِكَ ، وَلا يَخِيبُ سائِلُكَ ، أَحَطْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِعِلْمِكَ ، وَأَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ شَيْءٍ أَمَداً ، وَقَدَّرْتَ

ص: 149


1- عنه البحار 98 : 255 - 262.
2- نفح بالشيء : أعطاه.
3- ذي الطول ( خ ل ).

كُلَّ شَيْءٍ تَقْدِيراً.

بَلَوْتَ فَقَهَرْتَ ، وَنَظَرْتَ فَخَبَرْتَ ، وَبَطَنْتَ وَعَلِمْتَ فَسَتَرْتَ ، وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرْتَ تَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَلا تَنْسى مَنْ ذَكَرَكَ وَلا تُخَيِّبُ مَنْ سَأَلَكَ ، وَلا تُضَيِّعُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ.

أَنْتَ الَّذِي لا يَشْغَلُكَ ما فِي جَوِّ سَماواتِكَ عَمّا فِي جَوِّ أَرْضِكَ (1) ، تَعَزَّزْتَ فِي مُلْكِكَ وَتَقَوَّيْتَ فِي سُلْطانِكَ ، وَغَلَبَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَضاؤُكَ ، وَمَلِكَ كُلَّ شَيْءٍ أَمْرُكَ ، وَقَهَرَتْ قُدْرَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ ، لا يُسْتَطاعُ وَصْفُكَ ، وَلا يُحاطُ بِعِلْمِكَ ، وَلا مُنْتَهى لِما عِنْدَكَ ، وَلا تَصِفُ الْعُقُولُ صِفَةَ ذاتِكَ.

عَجَزَتِ الْأَوْهامُ عَنْ كَيْفِيَّتِكَ ، وَلا تُدْرِكُ الْأَبْصارُ مَوْضِعَ أَيْنِيَّتِكَ ، وَلا تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً ، وَلا تُمَثَّلُ فَتَكُونَ مَوْجُوداً ، وَلا تَلِدُ فَتَكُونَ مَوْلُوداً ، أَنْتَ الَّذِي لا ضِدَّ مَعَكَ فَيُعانِدُكَ ، وَلا عَدِيلَ لَكَ فَيُكاثِرُكَ ، وَلا نِدَّ لَكَ فَيُعارِضُكَ ، أَنْتَ ابْتَدَأْتَ وَاخْتَرَعْتَ وَاسْتَحْدَثْتَ فَما أَحْسَنَ ما صَنَعْتَ.

سُبْحانَكَ ما أَجَلَّ ثَناؤُكَ وَأَسْنى فِي الْأَماكِنِ مَكانُكَ (2) ، وَأَصْدَعَ بِالْحَقِّ فُرْقانُكَ ، سُبْحانَكَ مِنْ لَطِيفٍ ما أَلْطَفَكَ ، وَحَكِيمٍ ما أَعْرَفَكَ ، وَمَلِيكٍ ما أَسْمَحَكَ (3) ، بَسَطَتْ بِالْخَيْراتِ يَدُكَ ، وَعُرِفَتِ الْهِدايَةُ مِنْ عِنْدِكَ ، خَضَعَ (4) لَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَانْقادَ لِلتَّسْلِيمِ لَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، سَبِيلُكَ جُدَدٌ (5) ، وَأَمْرُكَ رُشْدٌ.

وَأَنْتَ حَيٌّ صَمَدٌ ، وَأَنْتَ الْماجِدُ الْجَوادُ ، الْواحِدُ الْأَحَدُ ، الْعَلِيمُ الْكَرِيمُ الْقَدِيمُ ، الْقَرِيبُ الْمُجِيبُ ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ، تَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الَّذِي

ص: 150


1- في أرضك ( خ ل ).
2- أسنى الأماكن مكانك ( خ ل ).
3- سمح : جاد.
4- وخضع ( خ ل ).
5- الجدد : المستوي من الأرض.

صَدَعَ بِأَمْرِكَ ، وَبالَغَ فِي إِظْهارِ دِينِكَ ، وَأَكَّدَ مِيثاقَكَ ، وَنَصَحَ لِعِبادِكَ ، وَبَذَلَ جُهْدَهُ فِي مَرْضاتِكَ ، اللّهُمَّ شَرِّفْ بُنْيانَهُ وَعَظِّمْ بُرْهانَهُ.

اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وُلاةِ الْأَمْرِ بَعْدَ نَبِيِّكَ تَراجِمَةِ وَحْيِكَ ، وَخُزَّانِ عِلْمِكَ ، وَأُمَنائِكَ فِي بِلادِكَ الَّذِينَ أَمَرْتَ بِمَوَدَّتِهِمْ ، وَفَرَضْتَ طاعَتَهُمْ عَلى بَرِيَّتِكَ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ صَلاةً دائِمَةً باقِيَةً.

اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى السُّيَّاحِ وَالْعُبَّادِ ، وَأَهْلِ الْجِدِّ وَالاجْتِهادِ ، وَاجْعَلْنِي فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ مِمَّنْ نَظَرْتَ إِلَيْهِ فَرَحِمْتَهُ ، وَسَمِعْتَ دُعاءَهُ فَأَجَبْتَهُ ، وَآمَنَ بِكَ فَهَدَيْتَهُ ، وَسَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ ، وَرَغِبَ إِلَيْكَ فَأَرْضَيْتَهُ ، وَهَبْ لِي فِي يَوْمِي هذا صَلاحاً لِقَلْبِي وَدِينِي وَدُنْيايَ وَمَغْفِرَةً لِذُنُوبِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

أَسْأَلُكَ الرَّحْمَةِ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ وَثِقَتِي ، يا رَجائِي يا مُعْتَمَدِي (1) ، وَمَلْجئِي وَذُخْرِي ، وَظَهْرِي وَعُدَّتِي ، وَأَمَلِي وَغايَتِي ، وَأَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي وَعُيُوبِي ، وَإِساءَتِي وَظُلْمِي وَجُرْمِي وَإسْرافِي عَلى نَفْسِي ، فَهذا مَقامُ الْعائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ ، هذا مَقامُ الْهارِبِ إِلَيْكَ مِنَ النَّارِ.

اللّهُمَّ وَهذا يَوْمُ عَرَفَةَ ، كَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ ، نَشَرْتَ فِيهِ رَحْمَتَكَ وَمَنَنْتَ فِيهِ بِعَفْوِكَ ، وَأَجْزَلْتَ فِيهِ عَطِيَّتَكَ ، وَتَفَضَّلْتَ فِيهِ عَلى عِبادِكَ.

اللّهُمَّ وَهذهِ الْعَشِيَّةُ مِنْ عَشايا رَحْمَتِكَ وَإِحْدى أَيَّامِ زُلْفَتِكَ ، وَلَيْلَةُ عِيدٍ مِنْ أَعْيادِكَ ، فِيها يُفْضِي إِلَيْكَ (2) لَهُمْ مِنَ الْحَوائِجِ مَنْ قَصَدَكَ مُؤَمِّلاً راجِياً فَضْلَكَ ، طالِباً مَعْرُوفَكَ الَّذِي تَمُنُّ بِهِ عَلى مَنْ تَشاءُ مِنْ خَلْقِكَ.

وَأَنْتَ فِيها بِكُلِّ لِسانٍ تُدْعى ، وَلِكُلِّ خَيْرٍ تُبْتَغى وَتُرْجى ، وَلَكَ فِيها جَوائِزُ وَمَواهِبُ وَعَطايا ، تَمُنُّ بِها عَلى مَنْ تَشاءُ مِنْ عِبادِكَ ، وَتَشْملُ بِها أَهْلَ الْعِنايَةِ مِنْكَ ، وَقَدْ قَصَدْناكَ مُؤَمِّلِينَ راجِينَ ، وَأَتَيْناكَ طالِبِينَ ، نَرْجُو ما لا خُلْفَ لَهُ مِنْ

ص: 151


1- ويا معتمدي ( خ ل ).
2- أفضي إليه بسرّه : أعلمه به.

وَعْدِكَ ، وَلا مَتْرَكَ لَهُ مِنْ عَظِيمِ أَجْرِكَ ، قَدْ أَبْرَزَتْ ذَوُو الآمالِ إِلَيْكَ وُجُوهَهَا الْمَصُونَةَ ، وَمَدُّوا إِلَيْكَ أَكُفَّهُمْ طَلَباً لِمَا عِنْدَكَ لِيُدْرِكُوا بِذلِكَ رِضْوانَكَ.

يا غَفَّارُ يا مُسْتَراشُ (1) مِنْ نَيْلِهِ ، وَمُسْتَعاشُ مِنْ فَضْلِهِ ، يا مَلِكُ فِي عَظَمَتِهِ ، يا جَبَّارُ فِي قُوَّتِهِ ، يا لَطِيفُ فِي قُدْرَتِهِ ، يا مُتَكَفِّلُ يا رازِقَ النِّعابِ (2) فِي عُشِّهِ (3) ، يا أَكْرَمَ مَسْئُولٍ ، وَيا خَيْرَ مَأْمُولٍ ، وَيا أَجْوَدَ مَنْ نَزَلَتْ بِفِنائِهِ الرَّكائِبُ (4) ، وَطُلِبَ عِنْدَهُ نَيْلُ الرَّغائِبِ (5) ، وَأَناخَتِ (6) بِهِ الْوُفُودُ.

يا ذَا الْجُودِ ، يا أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مَقْصُودٍ ، أَنَا عَبْدُكَ الَّذِي أَمَرْتَنِي فَلَمْ أَئْتَمِر ، وَنَهَيْتَنِي عَنْ مَعْصِيَتِكَ. وَزَجَرْتَنِي فَلَمْ أَنْزَجِرْ ، فَخالَفْتُ أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ ، لا مُعانِدَةً لَكَ وَلَا اسْتِكْباراً عَلَيْكَ ، بَلْ دَعانِي هَوايَ وَاسْتَزَلَّنِي عَدُوُّكَ وَعَدُوِّي ، فَأَقْدَمْتُ عَلى ما فَعَلْتُ عارِفاً بِوَعِيدِكَ ، راجِياً لِعَفْوِكَ ، واثِقاً بِتَجاوُزِكَ وَصَفْحِكَ.

فَيا أَكْرَمَ مَنْ أُقِرَّ لَهُ بِالذُّنُوبِ ، ها أَنَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ صاغِراً ذَلِيلاً خاضِعاً خاشِعاً خائِفاً ، مُعْتَرِفاً عَظِيمَ ذُنُوبِي وَخَطايايَ ، فَما أَعْظَمَ ذُنُوبِي الَّتِي تَحَمَّلْتُها وَأَوْزارِيَ الَّتِي اجْتَرَمْتُها ، مُسْتَجِيراً فِيها بِصَفْحِكَ ، لائِذاً بِرَحْمَتِكَ ، مُوقِناً أَنَّهُ لا يُجِيرُنِي مِنْكَ مُجِيرٌ وَلا يَمْنَعُنِي مِنْكَ مانِعٌ.

فَعُدْ عَلَيَّ بِما تَعُودُ بِهِ عَلى مَنِ اقْتَرَبَ مِنْ تَغَمُّدِكَ ، وَجُدْ عَلَيَّ بِما تَجُودُ بِهِ عَلى مَنْ أَلْقى بِيَدِهِ إِلَيْكَ مِنْ عِبادِكَ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِما لا يَتَعاظَمُكَ أَنْ تَمُنَّ بِهِ عَلى مَنْ أَمَّلَكَ لِغُفْرانِكَ لَهُ.

يا كَرِيمُ ، ارْحَمْ صَوْتَ حَزِينٍ يُخْفِي ما سَتَرْتَ عَنْ خَلْقِكَ مِنْ مَساوِيهِ ، يَسْأَلُكَ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ رَحْمَةً تُنْجِيهِ مِنْ كَرْبِ مَوْقِفِ الْمَسْأَلَةِ وَمَكْرُوهِ يَوْمِ

ص: 152


1- راشه ريشه إذا أحسّوا إليه وكل من أوليته خيرا فقد رشته.
2- النعاب : فرخ الغراب لكثرة نعبه ، والنعب : الصوت.
3- يا رزاق النعاب في عشته ( خ ل ).
4- الركوبة جمع ركائب : ما يركب من الإبل أو المركوبة عموماً.
5- الرغيبة جمع رغائب : الأمر المرغوب فيه.
6- أناخ الجمل : بركة.

هوْلِ الْمُعايَنَةِ حِينَ تَفَردهُ عَمَلُهُ ، وَيَشْغَلُهُ عَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ.

فَارْحَمْ عَبْدَكَ الضَّعِيفَ عَمَلاً الْجَسِيمَ أَمَلاً ، خَرَجَتْ مِنْ يَدِي أَسْبابُ الْوُصُلاتِ إِلاَّ ما وَصَلَهُ رَحْمَتُكَ (1) ، وَتَقَطَّعَتْ عَنِّي عِصَمُ الآمالِ إِلاّ ما أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ ، قَلَّ عِنْدِي مَا أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طاعَتِكَ ، وَكَبُرَ عِنْدِي (2) ما أَبُوءُ بِهِ (3) مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَلَنْ يَضِيقَ عَفْوُكَ عَنْ عَبْدِكَ وَإِنْ أَساءَ ، فَاعْفُ عَنِّي فَقَدْ أَشَرَفَ عَلى خَفايا الْأَعْمالِ عِلْمُكَ ، وَانْكَشَفَ كُلُّ مَسْتُورٍ عِنْدَ خُبْرِكَ ، وَلا يَنْطَوِي عَلَيْكَ دَقائِقُ الأُمُورِ ، وَلا يَعْزُبُ عَنْكَ غَيِّباتُ (4) السَّرائِرِ.

وَقَدِ اسْتَحْوَذَ (5) عَلَيَّ عَدُوُّكَ الَّذِي اسْتَنْظَرَكَ لِغِوايَتِي ، فَأَنْظَرْتَهُ ، وَاسْتَمْهَلَكَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ لِاضْلالِي فَأَمْهَلْتَهُ ، وَأَوْقَعَنِي بِصَغائِرِ ذُنُوبٍ مُوبِقَةٍ ، وَكَبائِرِ أَعْمالٍ مُرْدِيَةٍ ، حَتّى إِذا قارَفْتُ مَعْصِيَتَكَ ، وَاسْتَوْجَبْتُ بِسُوءِ فِعْلِي سَخَطَكَ (6) ، تَوَلّى عَنِّي بِالْبَراءَةِ مِنِّي وَادْبَرَ مُوَلِّياً عَنِّي ، فَأَصْحَرَنِي لِغَضَبِكَ فَرِيداً ، وَأَخْرَجَنِي إِلَى فِناءِ نَقِمَتِكَ طَرِيداً.

لا شَفِيعٌ يَشْفَعُ لِي إِلَيْكَ ، وَلا خَفِيرٌ يَقِينِي (7) مِنْكَ ، وَلا حِصْنٌ يَحْجُبُنِي عَنْكَ ، وَلا مَلاذٌ أَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنْكَ ، فَهذا مَقامُ الْعائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ ، وَمَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَكَ ، وَلا يَضِيقَنَّ عَنِّي فَضْلَكَ ، وَلا يَقْصُرَنَّ دُونِي عَفْوَكَ ، وَلا أَكُنْ أَخْيَبَ وَفْدِكَ مِنْ عِبادِكَ التَّائِبِينَ ، وَلا أَقْنَطَ وُفُودِكَ الامِلِينَ.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَطالَ ما أَغْفَلْتُ مِنْ وَظائِفِ فُرُوضِكَ وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقاماتِ حُدُودِكَ ، فَهذا مَقامُ مَنِ اسْتَحْيا لِنَفْسِهِ مِنْكَ ،

ص: 153


1- الا وصلة رحمتك ( خ ل ).
2- عليّ ( خ ل ).
3- أبوء به : أقرّ.
4- خيّبات ( خ ل ).
5- استحوذ : غلب.
6- لسوء سعيي سخطتك ( خ ل ).
7- يؤمنني ( خ ل ).

وَسَخَطَ عَلَيْها وَرَضِيَ عَنْكَ ، وَتَلَقَّاكَ بِنَفْسٍ خاشِعَةٍ ، وَرَقَبَةٍ خاضِعَةٍ ، وَظَهْرٍ مُثْقِلٍ مِنَ الذُّنُوبِ ، واقِفاً بَيْنَ الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ ، فَأَنْتَ أَوْلى مَنْ وُثِقَ بِهِ مَنْ رَجاهُ ، وَآمَنَ مَنْ خَشِيَهُ وَاتَّقاهُ.

اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَعْطِنِي ما رَجَوْتُ وَآمِنِّي مِمَّا حَذَرْتُ ، وَعُدْ عَلَيَّ بِعائِدَةٍ مِنْ رَحْمَتِكَ ، اللّهُمَّ وَإِذْ سَتَرْتَنِي بِفَضْلِكَ ، وَتَغَمَّدْتَنِي بِعَفْوِكَ ، فِي دارِ الْحَياةِ وَالْفَناءِ بِحَضْرَةِ الْأَكْفاءِ ، فَأَجِرْنِي مِنْ فَضِيحاتِ دارِ الْبَقاءِ عِنْدَ مَواقِفِ الْأَشْهادِ ، مِنَ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَالرُّسُلِ الْمُكَرَّمِينَ ، وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ.

فَحَقِّقْ رَجائِي فَأَنْتَ أَصْدَقُ الْقائِلِينَ : « يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ » (1).

اللّهُمَّ إِنِّي سائِلُكَ الْقاصِدُ ، وَمِسْكِينُكَ الْمُسْتَجِيرُ الْوافِدُ ، وَضَعِيفُكَ الْفَقِيرُ ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ وَأَجَلِي بِعِلْمِكَ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَنِي لِما يُرْضِيكَ عَنِّي ، وَأَنْ تُبارِكَ لِي فِي يَوْمِي هذا الَّذِي فَزِعَتْ فِيهِ إِلَيْكَ الْأَصْواتُ ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْكَ عِبادُكَ بِالْقُرُباتِ.

أَسْأَلُكَ بِعَظِيمِ ما سَأَلَكَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ كَرِيمِ أَسْمائِكَ ، وَجَمِيلِ ثَنائِكَ ، وَخاصَّةِ دُعائِكَ بِآلائِكَ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَنْ تَجْعَلَ يَوْمِي هذا أَعْظَمَ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيَّ مُنْذُ أَنْزَلْتَنِي إِلَى الدُّنْيا بَرَكَةً فِي عِصْمَةِ دِينِي ، وَخاصَّةٍ نَفَسِي ، وَقَضاءِ حاجَتِي ، وَتَشْفِيعِي فِي مَسائِلِي ، وَإِتْمامِ النِّعْمَةِ عَلَيَّ ، وَصَرْفِ السُّوءِ عَنِّي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، افْتَحْ عَلَيَّ أَبْوابَ رَحْمَتِكَ ، وَرَضِّنِي بِعادِلِ قِسَمِكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِخالِصِ طاعَتِكَ.

يا أَمَلِي وَيا رَجائِي ، حاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي ، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي ، فَكاكُ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ.

ص: 154


1- الزمر : 53.

إِلهِي لا تَقْطَعْ رَجائِي ، وَلا تُخَيِّبْ دُعائِي ، يا مَنَّانُ مُنَّ عَلَيَّ بِالْجَنَّةِ ، يا عَفُوُّ اعْفُ عَنِّي ، يا تَوَّابُ تُبْ عَلَيَّ ، وَتَجاوَزْ عَنِّي ، وَاصْفَحْ عَنْ ذُنُوبِي ، يا مَنْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ الْعَفْوَ ، يا مَنْ أَمَرَ بِالْعَفْوِ ، يا مَنْ يَجْزِي عَلَى الْعَفْوِ ، يا مَنِ اسْتَحْسَنَ الْعَفْوَ ، أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ الْعَفْوَ الْعَفْوَ - يقولها عشرين مرّة.

أَنْتَ أَنْتَ انْقَطَعَ الرَّجاءُ إِلاَّ مِنْكَ ، وَخابَتِ الآمالُ إِلاَّ فِيكَ ، فَلا تَقْطَعْ رَجائِي يا مَوْلايَ ، إِنَّ لَكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ أَضْيافاً فَاجْعَلْنِي مِنْ أَضْيافِكَ ، فَقَدْ نَزَلْتُ بِفِنائِكَ راجِياً مَعْرُوفَكَ ، يا ذَا الْمَعْرُوفِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَنْقَضِي أَبَداً ، يا ذَا النَّعْماءِ الَّتِي لا تُحْصى عَدَداً.

اللّهُمَّ إِنَّ لَكَ حُقُوقاً فَتَصَدَّقْ بِها عَلَيَّ ، وَلِلنَّاسِ قِبَلِي تَبِعاتٌ فَتَحَمَّلْها عَنِّي ، وَقَدْ أَوْجَبْتَ يا رَبِّ لِكُلِّ ضَيْفٍ قِرىً ، وَأَنَا ضَيْفُكَ ، فَاجْعَلْ قِرايَ اللَّيْلَةَ الْجَنَّةَ.

يا وَهَّابَ الْجَنَّةِ ، يا وَهَّابَ الْمَغْفِرَةِ ، أَقْلِبْنِي مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً لِي ، مَرْحُوماً صَوْتِي ، مَغْفُوراً ذَنْبِي ، بِأَفْضَلِ ما يَنْقَلِبُ بِهِ الْيَوْمَ أَحَدٌ مِنْ وَفْدِكَ وَزُوَّارِكَ ، وَبارِكْ لِي فِيما أَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنْ مالٍ - إلى هاهنا ما وجد في الأصل (1).

دعاء آخر في يوم عرفة وجدناه في كتب الدعوات :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِحَمْدِهِ ، وَجَعَلَنا مِنْ أَهْلِهِ ، لِنَكُونَ لِاحْسانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَلِيَجْزِيَنا عَلى ذلِكَ جَزاءَ الْمُحْسِنِينَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اجْتَبانا (2) بِدِينِهِ ، وَخَصَّنا (3) بِمِلَّتِهِ وَسَبِيلِهِ ، وَأَرْشَدَنا إِلى سُنَنِ إِحْسانِهِ لِنَسْلُكَها بِمَنِّهِ وَرِضْوانِهِ ، حَمْداً يَقْبَلُهُ (4) مِنَّا وَيَرْضى بِهِ عَنَّا.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ يَوْمَ عَرَفَةَ ، يَوْمٌ عَظِيمٌ قَدْرُهُ ، جَلِيلٌ

ص: 155


1- عنه البحار 98 : 262 - 266.
2- حبانا ( خ ل ).
3- اختصنا ( خ ل ).
4- يتقبّله ( خ ل ).

أَمْرُهُ ، مَيْمُونٌ ذِكْرُهُ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَرَّفَنا فَضْلَهُ ، وَجَعَلَنا مِنَ التَّابِعِينَ لِرُسُلِهِ ، الطَّائِعِينَ فِيهِ لَامْرِهِ.

اللّهُمَّ فَقِنا فِيهِ مِنَ الْمَخاوفِ وَالشَّدائِدِ ، وَكُنْ بِرَحْمَتِكَ وَإِحْسانِكَ عَلَيْنا عائِداً ، وَاغْفِرْ لَنا زِيارَةَ هذِهِ الْمَشاهِدِ ، وَاجْعَلْ حَظَّنا مِنْ زِيارَتِها أَعْظَمَ حَظٍّ وارِدٍ ، وَاعْفُ عَنَّا وَأَنْتَ الصَّمَدُ الْواحِدُ ، وَلا تُشْمِتْ بِنا عَدُوّاً وَلا حاسِداً ، وَاجْعَلْنِي لالائِكَ شاكِراً وَحامِداً.

يا مَنْ بَدَأَنِي بِنِعْمَتِهِ ، وَأَفْضَلَ عَلَيَّ سَنِيَّ قِسَمِهِ (1) ، يا مَنْ يَعْلَمُ سَرِيرَتِي وَيَسْتُرُ عَلانِيَتِي ، أَعْطِنِي ثَوابَ الْمُطِيعِينَ ، وَعُلُوَّ مَنازِلِ الْمُخْبِتِينَ ، وَاكْتُبْنِي فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ ، الَّذِينَ قَبِلْتَ عَمَلَهُمْ ، وَخَتَمْتَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ الَّتِي ظاهِرٌ قَدْرُهُ ، جَلِيلٌ أَمْرُهُ ، مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ ذِكْرُهُ ، مَحْفُوظٌ فِي قُلُوبِ الْعارِفِينَ ، مَنْ عَرَفَ فَضْلَها مِنْ بَيْنِ اللَّيالِي وَالْأَيَّامِ فازَ ، وَلِكُلِّ فَضْلٍ حازَ ، وَمَنْ دَعاكَ فازَ بِجَزِيلِ الثَّوابِ وَحُسْنِ الإِيابِ.

اللّهُمَّ بارِكْ لَنا فِي هذا وَخاتِمَتِهِ ، وَاخْتِمْ لَنا بِخَيْرٍ عِنْدَ مساءَلَتِهِ ، وَاجْعَلْهُ لَنا شاهِداً بِعَمَلِ طاعَتِكَ ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ عِنايَتِكَ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ مَظالِمَ كَثِيرَةِ ، وَبَوائِقَ (2) جَزِيلَةٍ ، وَعَظائِمِ ذُنُوبٍ جَمَّةٍ قَدْ أَثْقَلَتْ ظَهْرِي ، وَمَنَعَنِي مِنَ الرُّقادِ (3) ذِكْرُها.

اللّهُمَّ إِنِّي أَتَنَصَّلُ (4) إِلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ وَالْخطايا وَأَتُوبُ ، فَلا تَجْعَلْ دُعائِي يا رَبِّ عَنْكَ مَحْجُوباً ، فَأَنْتَ أَكْرَمُ مَأْمُولٍ ، وَأَعَزُّ مَطْلُوبٍ ، إِلهِي أَمُدُّ إِلَيْكَ كَفّاً طالَ ما عَصَتْ ، وَأَبْكِي بِعَيْنٍ طالَ ما عَلَى الْمَعاصِي عَكَفَتْ.

وَأَدْعُوكَ بِلِسانٍ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ الْكِرامُ الْحَفَظَةُ كَتَبَتْ ، وَأَرْجُوكَ بِنَفْسٍ

ص: 156


1- قسمته ( خ ل ).
2- البائقة : الشر.
3- الرقاد : النوم.
4- تنصّل إليه من الجناية : خرج وتبرّأ.

عَفْوَكَ وَصَفْحَكَ أَمَّلَتْ ، وَعَلى بِرِّكَ وَإِحْسانِكَ يا كَرِيمُ عَوَّلَتْ ، وَلِبابِ فَضْلِكَ وَمَعْرُوفِكَ طَرَقَتْ ، وَلِرَحْمَتِكَ (1) تَعَرَّضَتْ.

إِلهِي ذَلَّتْ لِعَظَمَتِكَ الْأَرْبابُ ، وَتاهَتْ (2) عِنْدَ تَأَمُّلِ عَزِيزِ سُلْطانِكَ أُولُوا الْأَلْبابِ ، وَقَصَدَكَ السَّائِلُونَ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّكَ جَوادٌ وَهَّابٌ ، فَقَصَدْتُكَ يا إِلهِي لِمَعْرِفَتِي بِأَنَّكَ تُجِيبُ الدَّاعِينَ ، وَتَسْمَعُ سُؤَالَ السَّائِلِينَ ، وَتَقْبَلُ بِبِرِّكَ لِمَعْرُوفِكَ عَلَى التَّائِبِينَ ، فَقَبَضْتُ إِلَيْكَ كَفّاً هِيَ مِنْ عقابِكَ خائِفَةٌ ، وَبِما جَنَتْ مِنَ الْخَطايا عارِفَةٌ.

وَشَخَصَتْ إِلَيْكَ بِعَيْنٍ هِيَ مِنْ هَيْبَتِكَ ذارِفَةٌ (3) ، وَدَعَوْتُكَ بِلِسانٍ نَغماتُهُ لِشُكْرِكَ واصِفَةٌ ، وَأَذْلَلْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ نَفْساً لَمْ تَزَلْ عَلَى الْمَعاصِي عاكِفَةٌ (4) ، فَيا مَنْ يَعْلَمُ سَرِيرَتِي ، ارْحَمْ ضَعْفِي وَمَسْكَنَتِي ، وَتَغَمَّدْنِي بِعَفْوِكَ وَسِتْرِكَ فِي دُنْيايَ وَآخِرَتِي ، وَلا تَكِلْنِي إِلى سِواكَ فَأَنْتَ رَجائِي وَأَمَلِي.

يا عُدَّتِي عِنْدَ الشَّدائِدِ ، يا مَنْ لا يُضْجِرُهُ سائِلٌ سَأَلَ ، وَلا يَثْقُلُ عَلَيْهِ مُلِحُّ بِالدُّعاءِ مُبْتَهِلٌ ، بابُكَ لِلطَّارِقِينَ مَفْتُوحٌ ، وَبِرُّكَ لِلْمُنِيبِينَ مَمْنُوحٌ (5) ، فَأَنْتَ مَشْكُورٌ مَمْدُوحٌ ، اللّهُمَّ وَهذِهِ لَيْلَةٌ مَنْ عَرَفَ ظاهِرَها فازَ ، وَمَنْ عَرَفَ باطِنَها فَكُلَ (6) فَضِيلَةٍ حازَ.

اللّهُمَّ وَفِّقْنا فِيها لِلْأَعْمالِ الصَّالِحَةِ ، وَالتِّجارَةِ الرَّابِحَةِ ، وَالسُّلُوكِ لِلْمَحَجَّةِ الْواضِحَةِ ، وَاجْعَلْها لَنا شاهِدَةً ، وَقِنا فِيها مِنَ الشَّدائِدِ ، وَاجْعَلِ الْخَيْرَ عَلَيْنا فِيها وارِداً ، وَلا تُشْمِتْ بِنا عَدُوّاً وَلا حاسِداً ، فَأَنْتَ الْأَحَدُ الْواحِدُ.

إِلهِي ها أَنَا ذا عَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ ، باسِطٌ إِلَيْكَ كَفّاً هِيَ حَذِرَةٌ مِمَّا جَنَتْ ،

ص: 157


1- لمعروفك ( خ ل ).
2- تاهت : ضلّت.
3- ذرف العين دمعها : اسالته.
4- عكف على الأمر : لزمه مواظبا.
5- منحه : أعطاه.
6- فبكل ( خ ل ).

وَجِلَةٌ مِمَّا اقْتَرَفَتْ (1) ، اللّهُمَّ فَاسْتُرْ سُوءَ عَمَلِي يَوْمَ كَشْفِ السَّرائِرِ ، وَارْحَمْنِي مِمَّا فِيهِ أُحاذِرُ ، وَكُنْ بِي رَءُوفاً وَلِذَنْبِي غافِراً ، فَأَنْتَ السَّيِّدُ الْقاهِرُ ، فَانْ عَفَوْتَ فَمَنْ أَوْلى مِنْكَ بِالْعَفْوِ ، وَإِنْ عَذَّبْتَ فَمَنْ أَعْدَلُ مِنْكَ فِي الْحُكْمِ.

اللّهُمَّ وَهذِهِ لَيْلَةٌ باطِنُها سُرُورُ أَوْلِيائِكَ الَّذِينَ حَبَوْتَهُمْ بِعُلُوِّ الْمَنازِلِ وَالدَّرَجاتِ ، وَضاعَفْتَ لَهُمُ الْحَسَناتِ ، وَغَفَرْتَ لَهُمُ السَّيِّئاتِ ، وَخَتَمْتَ لَهُمْ بِالْخَيْراتِ.

وَقَدْ أَمْسَيْتُ يا رَبِّ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ راجِياً لِفَضْلِكَ ، مُؤَمِّلاً بِرَّكَ ، مُنْتَظِراً مَوادَّ إِحْسانِكَ وَلُطْفِكَ ، مُتَوَكِّلاً عَلَيْكَ ، مُتَوَسِّلاً بِكَ ، طالِباً لِما عِنْدَكَ مِنَ الْخَيْرِ الْمَذْخُورِ لَدَيْكَ ، مُعْتَصِماً بِكَ مِنْ شَرِّ ما أَخافُ وَأَحْذَرُ ، وَمِنْ شَرِّ ما اعْلِنُ وَأُسِرُّ.

فَبِكَ أَمْتَنِعُ وَأَنْتَصِرُ ، وَإِلَيْكَ أَلْجَأُ وَبِكَ اسْتَتِرُ ، وَبِطاعَةِ نَبِيِّكَ وَالْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أَفْتَخِرُ ، وَإِلى زِيارَةِ وَلِيِّكَ وَأَخِي نَبِيِّكَ أَبْتَدِرُ ، اللّهُمَّ فَبِهِ وَبِأَخِيهِ وَذُرِّيَّتِهِ أَتَوَسَّلُ ، وَأَسْأَلُ وَأَطْلُبُ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، وَالْمَقَرَّ مَعَهُمْ فِي دارِ الْقَرارِ ، فَانَّ لَكَ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ رِقاباً تَعْتِقُها مِنَ النَّارِ.

اللّهُمَّ وَهذِهِ لَيْلَةُ عِيدٍ وَلَكَ فِيهَا أَضْيَافٌ ، فَاجْعَلْنِي مِنْ أَضْيافِكَ ، وَهَبْ لِي ما بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، وَاجْعَلْ قِرايَ مِنْكَ الْجَنَّةَ ، يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا خَيْرَ مَنْزُولٍ بِهِ ، يا خَيْرَ مَنْ نزلَتْ بِفِنائِهِ الرَّكائِبُ ، وَأَناخَتْ (2) بِهِ الْوُفُودُ ، يا ذَا السُّلْطانِ الْمُمْتَنِعَ بِغَيْرِ أَعْوانٍ وَلا جُنُودٍ.

أَنْتَ اللّهُ (3) لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ أَقَرَّ لَكَ كُلُّ مَعْبُودٍ ، أَحْمَدُكَ وَاثْنِي عَلَيْكَ بِما حَمِدَكَ كُلُّ مَحْمُودٍ ، يا اللّهُ أَسْأَلُكَ يا مَنْ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغِيثُ الْمُذْنِبُونَ ، وَيا مَنْ

ص: 158


1- اقترف : اكتسب.
2- أناخ الجمل : ابركه.
3- وأنت اللّه ( خ ل ).

إِلى ذِكْرِ إِحْسانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ ، وَيا مَنْ لِخِيفَتِهِ يَنْتَحِبُ (1) الْخاطِئُونَ ، وَيَا أُنْسَ كُلِّ مُسْتَوْحِشٍ غَرِيبٍ ، وَيا فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوبٍ كَئِيبٍ ، وَيا عَوْنَ (2) كُلِّ ضَعِيفٍ فَرِيدٍ ، وَيا عَضُدَ كُلِّ مُحْتاجٍ طَرِيدٍ.

أَنْتَ اللّهُ الَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ، وَأَنْتَ اللّهُ الَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فِي نِعَمِكَ سَهْماً ، وَأَنْتَ اللّهُ الَّذِي عَفْوُهُ أَعْلا مِنْ عِقابِهِ ، وَأَنْتَ اللّهُ الَّذِي عَطاؤُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِ ، وَأَنْتَ اللّهُ الَّذِي تَسْعى رَحْمَتُهُ أَمامَ غَضَبِهِ.

وَأَنَا يا إِلهِي عَبْدُكَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالدُّعاءِ ، وَتَكَفَّلْتَ لَهُ الإِجابَةَ ، فَها أَنَا ذا يا إِلهِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، أَنَا الَّذِي أَثْقَلَتِ الْخَطايا ظَهْرَهُ ، أَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصاكَ ، وَجاهَرَكَ بِذَنْبِهِ وَمَا اسْتَحْياكَ ، وَلَمْ يَكُنْ هذا جَزاؤُكَ مِنِّي ، فَعَفْوَكَ ، فَها أَنَا ذا عَبْدُكَ الْمُقِرُّ بِذَنْبِهِ ، الْخاضِعُ لَكَ بِذُلِّهِ ، الْمُسْتَكِينُ لَكَ بِجُرْمِهِ.

إِلهِي فَما أَنْتَ صانِعٌ بِمُقِرٍّ لَكَ بِجِنايَتِهِ ، مُتَوَكِّلٍ عَلَيْكَ فِي رِعايَتِهِ ، إِلهِي لا تُخَيِّبْ مَنْ لا يَجِدُ (3) مَطْمَعاً غَيْرَكَ ، وَلا أَحَداً دُونَكَ ، يا أَكْرَمَ مَنْ أَقِرَّ لَهُ بِالذُّنُوبِ ، وَيا أَعْظَمَ مَنْ خُضِعَ وَخُشِعَ لَهُ ، أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ ، يا مَنْ رَضِيَ بِالْعَفْوِ ، يا مَنِ اسْتَحْسَنَ الْعَفْوَ! يا مَنْ يَجْزِي عَلَى الْعَفْوِ! الْعَفْوَ الْعَفْوَ ، يا أَهْلَ الْعَفْوِ! الْعَفْوَ الْعَفْوَ.

لا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ عَنِّي ، وَلا تَجْبَهْنِي (4) بِالرَّدِّ فِي مَسْأَلَتِي ، وَأَكْرِمْ فِي مَجْلِسِي مُنْقَلَبِي ، فَانِّي أَسْأَلُكَ وَأُنادِيكَ ، فَنِعْمَ الْمُجِيبُ وَنِعْمَ الْمَدْعُوُّ وَنِعْمَ الْمَرْجُوُّ.

يا مَنْ لا يُبْرِمُهُ (5) سائِلٌ سَأَلَ ، وَلا مُلِحٌّ عَلَيْهِ بِالدُّعاءِ مُبْتَهِلٌ ، يا أَهْلَ الْوَفاءِ وَالْعَطاءِ ، يا كَرِيمَ الْعَفْوِ ، يا حَسَنَ التَّجاوُزِ ، يا مَنْ لا يُوارِي مِنْهُ لَيْلٌ داجٍ ، وَلا بَحْرٌ

ص: 159


1- انتحب : بكى شديدا.
2- غوث ( خ ل ).
3- لم يجد ( خ ل ).
4- جبهة بالمكروه : استقبله.
5- برم : سئم وضجر.

عَجّاجٌ ، وَلا سَماءٌ ذاتُ أَبْراجٍ ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الْحَرامِ ، والرُّكْنِ وَالْمَقامِ ، وَالْمَشاعِرِ الْعِظامِ ، وَاللَّيالِي وَالْأَيَّامِ ، وَالضِّياءِ وَالظَّلامِ ، وَالْمَلائِكَةِ الْكِرامِ ، وَأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ.

وَأَسْأَلُكَ بِأَمْرِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَبِاسْمِكَ الْعَلِيِّ الْأَعْظَمِ (1) ، وَبِكُلِّ ما سَأَلَكَ بِهِ داعٍ شاكِرٌ وَمُسَبِّحٌ ذاكِرٌ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي ، وَتَرْضى عَنِّي وَتَصْفَحَ ، وَتَتَجاوَزَ عَنْ ذَنْبِي وَتَسْمَحَ ، وَأَنْ تَجْعَلَ مَآبِي خَيْرَ مَآبٍ ، وَأَنْ تَكْفِيَنِي شَرَّ كُلِّ عَدُوِّ ظاهِرٍ ، وَمُسْتَخْفٍ وَبارِزٍ ، وَكَيْدَ كُلِّ مَكِيدٍ.

يا حَلِيمُ يا وَدُودُ ، اكْفِنِي شَرَّ أَعْدائِي وَحاسِدِي ، وَتَوَلَّنِي بِوِلايَتِكَ وَاكْفِنِي بِكِفايَتِكَ ، وَاهْدِ قَلْبِي بِهُداكَ ، وَحُطَّ عَنِّي وِزْرِي ، وَشُدَّ أَزْرِي ، وَارْزُقْنِي التَّوْبَةَ بِحَطِّ السَّيِّئاتِ وَتَضاعُفِ الْحَسَناتِ ، وَكَشْفِ الْبَلِيَّاتِ ، وَرِبْحِ التجاراتِ ، وَدَفْعِ مَعَرَّةِ (2) السَّعاياتِ.

إِنَّكَ مُجِيبُ الدَّعواتِ ، وَمُنْزِلُ الْبَرَكاتِ ، كُنْ لِدُعائِي مُجِيباً ، وَمِنْ نِدائِي قَرِيباً ، وَلِي حافِظاً وَرَقِيباً ، وَأَجِرْنِي مِمَّا أُحاذِرُ وَأَخْشى مِنْ [ شَرِّ ] (3) كُلِّ ذِي شَرٍّ مِنْ خَلْقِكَ أَجْمَعِينَ ، إِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (4).

دعاء آخر في يوم عرفة ، ذكر رواية ان فيه اسم اللّه الأعظم :

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي (5) نَجَّيْتَ بِهِ مُوسى حِينَ قُلْتَ بآهِيَّاً شَراهِيّاً فِي الدَّهْرِ الْباقِي وَالدَّهْرِ الْخالِي ، وَأَسْأَلُكَ بِعِلْمِكَ الْغَيْبِ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، فَإِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَبِأَسْمائِكَ الْحُسْنى الْمُتَعَزِّزاتِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنا ، وَتَفْعَلَ بِنا ما أَنْتَ أَهْلُهُ ، فَإِنَّكَ

ص: 160


1- في البحار : العظيم.
2- المعرة : المساءة والإثم.
3- من البحار.
4- عنه البحار 98 : 266 - 270.
5- في البحار : باسمك العظيم الذي.

أَهْلُ الْعَفْوِ.

يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ ، وَما أَبْدَيْتُ وَما أَخْفَيْتُ ، وَما خَفِيَ عَلَى الْخَلائِقِ وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ ، فَإِنَّكَ أَهْلُ التَّجاوُزِ وَالإِحْسانِ ، أَسْأَلُكَ يا جَوادُ يا كَرِيمُ ، أَنْ تَجُودَ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً دائِماً مَعَ دَوامِكَ ، وَخالِداً مَعَ خُلُودِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً لا أَمَدَ لَهُ دُونَ مَشِيَّتِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ زِنَةَ عَرْشِكَ وَرِضى نَفْسِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً لا أَجْرَ لِقائِلِهِ دُونَ رِضاكَ.

وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ قُوَّةِ كُلِّ ضَعِيفٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ عِزِّ كُلِّ ذَلِيلٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ غِنى كُلِّ فَقِيرٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ ، عَوْنِ كُلِّ مَظْلُومٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ مُونِسِ كُلِّ وَحِيدٍ.

وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ ، فَكاكِ كُلِّ أَسِيرٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ مَلْجَأِ كُلِّ مَهْمُومٍ (1) ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ دافِعِ كُلِّ سَيِّئَةٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ كاشِفِ كُلِّ كُرْبَةٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ صاحِبِ كُلِّ سَرِيرَةٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ مَوْضِعِ كُلِّ رَزِيَّةٍ.

وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْفَعَّالِ لِما يُرِيدُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ رازِقِ الْعِبادِ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ عَدَدَ ما خَلَقَ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ غايَةَ كُلِّ طالِبٍ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ سَرْمَداً أَبَداً لا يَنْقَطِعُ أَبَداً ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ عَدَدَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحُرْمَةِ هذا الدُّعاءِ ، وَبِحُرْمَةِ هذا الْيَوْمِ الْمُبارَكِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ ، وَما أَسْرَرْتُ

ص: 161


1- في بعض النسخ « ملجأ كلّ مهموم » مقدم على « مونس كلّ وحيد ».

وَمَا أَعْلَنْتُ ، وَما أَبْدَيْتُ وَما أَخْفَيْتُ ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي.

وَأَنْ تُقَدِّرَ لِي خَيْراً مِنْ تَقْدِيرِي لِنَفْسِي ، وَتَكْفِيَنِي ما يُهِمُّنِي وَتُغْنِينِي بِكَرَمِ وَجْهِكَ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِكَ ، وَتَرْزُقَنِي حُسْنَ التَّوْفِيقِ ، وَتَصَدَّقَ عَلَيَّ بِالرِّضا وَالْعَفْوِ عَمَّا مَضى ، وَالتَّوْفِيقِ لِما تُحِبُّ وَتَرْضى ، وَتُيَسِّرَ لِي مِنْ أَمْرِي ما أَخافُ عُسْرَهُ ، وَتُفَرِّجَ عَنِّي الْهَمَّ وَالْغَمَّ وَالْكَرْبَ ، وَما ضاقَ بِهِ صَدْرِي وَعِيلَ بِهِ صَبْرِي ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ ، وَتَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (1).

دعاء آخر في عشية عرفة ، وجدناه في نسخة تاريخ كتابتها سنة سبعين ومائتين ، فقال ما هذا لفظه : بِسْمِ اللّهِ وَبِاللّهِ وَاللّهُ أَكْبَرُ ، أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، وَمِنْ نَزْغِهِ (2) وَشَرِّهِ وَكَيْدِهِ وَخَيْلِهِ وَحِيَلِهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الْقَوْلَ فِي مَقامِي هذا بِما يَبْلُغُهُ مَجْهُودِي مِنْ تَحْمِيدِكَ وَتَهْلِيلِكَ وَتَكْبِيرِكَ ، وَالصَّلاةِ عَلى أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ ، وَالاسْتِغْفارِ لِأَوْلِيائِكَ ، وَلأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِذلِكَ ، فَبِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ ، مُتَوَجِّهاً جَمِيعاً إِلَيْكَ فِي حَوائِجِي ، صَغِيرِها وَكَبِيرِها ، عاجِلِها وَآجِلِها.

فَكُنِ اللّهُمَّ الْهادِي فِي ذلِكَ كُلِّهِ لِلصَّوابِ وَالْمُعِينَ عَلَيْهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالرَّشادِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِذلِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، أَنْتَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَأَوَّلُهُ ، وَبَعْدَ (3) كُلِّ شَيْءٍ وَمُنْتَهاهُ ، وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخالِقُهُ ، وَمُدَبِّرُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُحْصِيهِ ، وَمالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَوارِثُهُ.

ص: 162


1- عنه البحار 98 : 270.
2- نزغ الشيطان : وساوسه وما يحمل به الإنسان على المعاصي.
3- وآخره وبديع كلّ شيء ( خ ل ).

أَنْتَ الَّذِي لَمْ تَسْتَعِنْ بِشَيْءٍ ، وَلَمْ تُشاوِرْ أَحَداً فِي شَيْءٍ ، وَلَمْ يُعْوِزْكَ (1) شَيْءٌ ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْكَ شَيْءٌ ، أَنْتَ الَّذِي أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ ، وَذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لِعِزَّتِكَ ، وَاعْتَرَفَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِكَ ، وَحارَتِ الْأَبْصارُ دُونَكَ ، وَكَلَّتِ الْأَلْسُنُ عَنْ صِفاتِكَ ، وَضَلَّتِ الْأَحْلامُ فِيكَ.

أَنْتَ الَّذِي تَعالَيْتَ بِقُدْرَتِكَ ، وَعَلَوْتَ بِسُلْطانِكَ ، وَقَهَرْتَ بِعِزَّتِكَ ، فَأَدْرَكْتَ الْأَبْصارَ ، وَأَحْصَيْتَ الْأَعْمارَ ، وَأَخَذْتَ بِالنَّواصِي وَحُلْتَ دُونَ الْقُلُوبِ.

اللّهُ أَكْبَرُ ، اللّهُ أَكْبَرُ أَهْلَ الْكِبْرِياءِ وَالْعَظَمَةِ ، وَمُنْتَهى الْجَبَرُوتِ وَالْقُوَّةِ ، وَوَلِيُّ الْغَيْثِ وَالْقُدْرَةِ ، مَلِكُ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، عَظِيمُ الْمَلَكُوتِ ، شَدِيدُ الْجَبَرُوتِ ، عَزِيزُ الْقُدْرَةِ ، لَطِيفٌ لِما يَشاءُ ، اللّهُ أَكْبَرُ ، اللّهُ أَكْبَرُ.

مُدَبِّرُ الأُمُورِ ، مُبْدِئُ الْخَفِيَّاتِ ، مُعْلِنُ السَّرائِرِ ، مُحْيِي الْمَوْتى وَالْعِظامِ وَهِيَ رَمِيمٌ ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ وَآخِرُهُ ، وَبَدِيعُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُعِيدُهُ ، وَخالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمَوْلاهُ.

لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، يا رَبِّ خَشَعَتْ لَكَ الْأَصْواتُ ، وَضَلَّتْ فِيكَ الْأَحْلامُ وَالْأَبْصارُ ، وَأَفْضَتْ إِلَيْكَ الْقُلُوبُ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ كُلُّ شَيْءٍ خاشِعٌ لَكَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ قائِمٌ بِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ مُشْفِقٌ مِنْكَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ ضارِعٌ إِلَيْكَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ لا يَقْضِي فِي الأُمُورِ إِلاَّ أَنْتَ ، وَلا يُدَبِّرُ مَقادِيرَها غَيْرُكَ ، وَلا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْها دُونَكَ ، وَلا يَصِيرُ شَيْءٌ مِنْها إِلاَّ إِلَيْكَ.

لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْخَلْقُ كُلُّهُ فِي قَبْضَتِكَ ، وَالنَّواصِي كُلُّها بِيَدِكَ ، وَالْمَلائِكَةُ مُشْفِقُونَ مِنْ خَشْيَتِكَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَشْرَكَ بِكَ عَبْدٌ داخِرٌ (2) لَكَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، عَلَوْتَ فَقَهَرْتَ وَمَلَكْتَ فَقَدَرْتَ ، وَنَظَرْتَ فَخَبَرْتَ ، وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرْتَ ، عَلِمْتَ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ.

ص: 163


1- عاز الشيء فلانا : احتاج فلان إليه فلم يجده.
2- دخر : ذلّ وصغر.

سُبْحانَكَ رَبَّنا تَسْبيحاً دائِماً لا يَقْصُرُ دُونَ أَفْضَلِ رِضاكَ ، وَلا يُجاوِزُهُ شَيْءٌ ، سُبْحانَكَ عَدَدَ ما قَهَرَهُ مُلْكُكَ ، وَأَحاطَتْ بِهِ قُدْرَتُكَ ، وَأَحْصاهُ كِتابُكَ ، سُبْحانَكَ ما أَعْظَمَ شَأْنَكَ ، وَأَعَزَّ سُلْطانَكَ ، وَأَشَدَّ جَبَرُوتَكَ ، سُبْحانَكَ لَكَ التَّسْبِيحُ وَالْعَظَمَةُ ، وَلَكَ الْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ ، وَلَكَ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ ، وَلَكَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ كَلامَهُ ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ ما فِي نَفْسِهِ ، وَمَنْ عاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَمَنْ ماتَ فَالَيْهِ مَرَدُّهُ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُجِيرُ وَلا يُجارَ عَلَيْهِ ، وَيَمْتَنِعُ وَلا يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ ، وَيَحْكُمُ بِحُكْمِهِ ، وَيَقْضِي فَلا رادَّ لِقَضائِهِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمُهُ ، وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ حِفْظُهُ ، وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ جَبَرُوتُهُ ، وَأَخافُ كُلَّ شَيْءٍ سُلْطانُهُ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَلِكَ فَقَدَرَ ، وَبَطَنَ فَخَبَرَ ، الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتى وَيُمِيتُ الْأَحْياءَ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما تَأْخُذُ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما تُعْطِي ، وَعَلى ما تُبْلِي وَعَلى ما تَبْتَلِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما بَقِيَ وَعَلى ما تُبْدِي ، وَعَلى ما تُخْفِي ، وَعَلى ما لا يُرى وَعَلى ما يُرى ، وَعَلى ما قَدْ كانَ ، وَعَلى ما قَدْ يَكُونُ ، وَعَلى ما هُوَ كائِنٌ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ ، وَعَلى عَفْوِكَ بَعْدَ مَنِّكَ وَقُدْرَتِكَ ، وَعَلى آلائِكَ بَعْدَ حُجَّتِكَ ، وَعَلى صَفْحِكَ بَعْدَ انْتِقامِكَ (1).

وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما تَقْضِي فِيما خَلَقْتَ ، وَعَلى بَعْدِ ما فَنى خَلْقُكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ تخْلُقَ شَيْئاً مِنْ خَلْقِكَ ، وَعَلى بَدْءِ ما خَلَقْتَ إِلَى انْقِضاءِ خَلْقِكَ وَبَعْدَ ذلِكَ ، حَمْداً أَرْضىَ الْحَمْدِ لَكَ ، وَأَحَقَّ الْحَمْدِ بِكَ ، وَأَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَيْكَ وَتَرْضاهُ لِنَفْسِكَ ، حَمْداً لا يَحْجُبُ عَنْكَ ، وَلا يَنْتَهِي دُونَكَ ، وَلا يَقْصُرُ دُونَ أَفْضَلِ رِضاكَ.

ص: 164


1- افتقارك ( خ ل ) ، أقول : على ما أثبتناه المعنى واضح ، أي صفحك بعد قدرتك على الانتقام ، وعلى ما في نسخة البدل أيضا ، لأن الافتقار قد يكون بمعنى العلم بالأمور الخفية ، - كما في النهاية - أي صفحك بعد علمك بالمعاصي المستورة.

تَبارَكَتْ أَسْماؤُكَ يا رَبِّ وَتَعالى ذِكْرُكَ ، وَقَهَرَ سُلْطانُكَ ، وَتَمَّتْ كَلِماتُكَ ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ ، أَمْرُكَ قَضاءٌ ، وَكَلامُكَ نُورٌ ، وَرِضاكَ رَحْمَةٌ ، وَسَخَطُكَ عَذابٌ ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ ، تَقْضِي بِعِلْمٍ وَتَعْفُو بِحِلْمٍ ، وَتَأْخُذُ بِقُدْرَةٍ وَتَفْعَلُ ما تَشاءُ.

تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ ، واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ، شَدِيدُ الْعِقابِ وَالنَّقِمَةِ ، قَرِيبُ الرَّحْمَةِ ، سَرِيعُ الْحِسابِ عَلى كُلِّ خَفِيَّةٍ ، الْحاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَةٍ ، الشَّاهِدُ لِكُلِّ نَجْوَى ، اللَّطِيفُ لِما يَشاءُ.

ثمّ تكبّر اللّه مائة مرّة ، وتحمده مائة مرّة ، وتسبّحه مائة مرّة ، وتقرء ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) مائة مرّة ، وتقول : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ مائة مرّة ، وتقول :

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَتقول : اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ - مائة مرّة ، وتقرء عشرة آيات من أوّل البقرة :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ.

اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ

ص: 165

وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً (1) كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً (2) وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ

ص: 166


1- الإصر : الإثم والثقل.
2- الحثيث : السريع كانّ نفسه تحثه.

بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ. وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ. وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ.

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ. مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ.

وتحمد اللّه على كلّ نعمة أنعم بها عليك ، من أهل أو مال أو ولد ، وقليل أو كثير ، وتذكر المنعم عليك في جميع ما أبلاك وأولاك شيئا شيئا ما أمكنك ذكره ، وقل :

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى نِعَمِهِ الَّتِي لا تُحْصى وَلا تُكافأ بِعَمَلٍ إِلاَّ بِحَمْدِ اللّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَلَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً ، وَفَضَّلَنِي عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ فِي حُسْنِ الْخُلْقِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَّمَنِي وَلَمْ أَعْلَمْ شَيْئاً وَفَضَّلَنِي عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ فِي حُسْنِ الرِّزْقِ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى رَحْمَتِهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُنْطِقْنِي مِنْ بُكْمٍ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْنِي مِنْ عَمى غَيْرُهُ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُسْمِعْنِي مِنْ صَمَمٍ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَهْدِنِي مِنْ ضَلالَةٍ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُؤْمِنِّي مِنْ خَوْفٍ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُؤْمِنْ رَوْعِي غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُقِلْنِي مِنْ عَثْرَةٍ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُكْرِمْنِي مِنْ هَوانٍ غَيْرُهُ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَسْتُرْ مِنِّي عَوْرَةً غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَرْفَعْنِي مِنْ ضَعَةٍ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَسُدَّ مِنِّي فاقَةً غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَشْبَعْنِي مِنْ جُوعٍ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُسْقِنِي مِنْ ظَمَإٍ غَيْرُهُ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَكْسُنِي مِنْ عُرى غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُفَهِّمْنِي

ص: 167

مِنْ عَيٍّ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُعَلِّمْنِي مِنْ جَهْلٍ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُقَوِّنِي مِنْ ضَعْفٍ غَيْرُهُ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَكْفِنِي الْمُهِمَّ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَصْرِفْ عَنِّي السُّوءَ غَيْرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنِي فِي كُلِّ مِصْرٍ قَدِمْتُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عافانِي فِي كُلِّ طَرِيقٍ سَلَكْتُهُ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي آوانِي ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَفْرَشَنِي ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَهَّدَ لِي ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْدَمَنِي ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَوَّجَنِي ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَمَلَنِي فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي مِنَ الطَّيِّباتِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنِي عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الدُّنْيا ما بَقِيتَ الدُّنْيا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الاخِرَةِ إِذَا انْقَضَتِ الدُّنْيا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الدُّنْيا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مِمَّنْ يَحْمِدُهُ وَيَشْكُرُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنِي يَهُودِيّاً وَلا نَصْرانِيّاً وَلا مَجُوسِيّاً ، وَلا شاكّاً وَلا ضالًّا وَلا مُرْتاباً ، وَلا مُتَّبِعَ ضَلالَةٍ ، وَلا مُتَّبِعَ شَيْءٍ مِنَ السُّبُلِ الْمُشَبَّهَةِ الَّتِي أَحْدَثَها النَّاسُ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِ السَّلامُ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِمَحامِدِهِ كُلِّها عَلى نَعْمائِهِ كُلِّها ، حَتّى يَنْتَهِي الْحَمْدُ الى ما يُحِبُّ رَبُّنا وَيَرْضى ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَنْسَ مَنْ ذَكَرَهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا يَخِيبُ مَنْ دَعاهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا يَذِلُّ مَنْ والاهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَجْزِي بِالإِحْسانِ إِحْساناً وَبِالصَّبْرِ نَجاةً.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفاهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنْ وَثِقَ بِهِ لَمْ يَكِلْهُ إِلى غَيْرِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ يَقِينُنا حِينَ يَنْقَطِعُ الْحَبْلُ عَنَّا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ رَجاؤُنا حِينَ يَسُوءُ ظَنُّنا بِأَعْمالِنا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَكْشِفُ غَمَّنا وَيُنَفِّسُ كَرْبَنا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُفَرِّجُ هَمَّنا.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَوْزِعْنِي شُكْرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ

ص: 168

بِهَا عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ فَقَدْ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ نِعماً لا أُحْصِيها ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى جَمِيعِ ما أَحْصَيْتَ مِنْها وَعَلى كُلِّ حالٍ ، حَمْداً تَرْضاهُ وَيَصْعَدُ إِلَيْكَ ، وَلا يَحْجُبُ عَنْكَ وَلا يَقْصُرُ دُونَ رِضاكَ ، حَمْداً تُوجِبُ لِي بِهِ الْكَرامَةَ عِنْدَكَ ، وَالْمَزِيدَ مِنْ عِنْدِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

وتحمد اللّه وتسبّحه وتهلّله وتكبّره بكلّ ما في القرآن من ذلك.

التحميد :

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ. الظُّلُماتِ وَالنُّورَ. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللّهُ. وَلَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا. وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى. وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ. قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ. وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

ص: 169

وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ.

التسبيح :

سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا. وقالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ. سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ.

سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ، تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ. قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ.

سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ. سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً. سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً.

سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ.

سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ. وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ. هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ.

ص: 170

سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ. فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. سُبْحانَهُ هُوَ اللّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ. وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.

سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً. قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ. سُبْحانَ رَبِّيَ الْأَعْلى.

التهليل :

وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. الم اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ. ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ.

لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ. لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً. لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ.

لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.

ص: 171

لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ. لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ.

الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ. لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً.

ثمّ قل :

سُبْحانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحانَ اللّهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ ، سُبْحانَ اللّهِ الْمَلِكِ ، سُبْحانَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى ، سُبْحانَ مَنْ عَلا فِي الْهَواءِ ، سُبْحانَ اللّهِ وَتَعالى ، سُبْحانَ اللّهِ الْقائِمِ الدَّائِمِ ، سُبْحانَ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ، سُبْحانَ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ الْمُتَكَبِّرِ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ ما أَحْمَدَكَ وَأَمْجَدَكَ ، وَأَجْوَدَكَ [ وَأَكْرَمَكَ ] (1) ، وَأَرْأَفَكَ وَأَرْحَمَكَ ، وَأَعْلاكَ وَأَقْرَبَكَ ، وَأَقْدَرَكَ وَأَقْهَرَكَ ، وَأَوْسَعَكَ وَأَفْضَلَكَ ، وَأَثْبَتَكَ وَأَثْوَبَكَ ، وَأَحْضَرَكَ وَأَخْبَرَكَ ، وَأَلْطَفَكَ وَأَعْلَمَكَ ، وَأَشْكَرَكَ وَأَحْلَمَكَ ، وَأَجَلَّ ثَناءَكَ ، وَأَتَمَّ مُلْكَكَ ، وَأَمْضى أَمْرَكَ ، وَما أَقْدَمَ عِزَّكَ ، وَأَعَزَّ قَهْرَكَ ، وَأَمْتَنَ كَيْدَكَ ، وَأَغْلَبَ مَكْرَكَ ، وَأَقْرَبَ فَتْحَكَ ، وَأَدْوَمَ نَصْرَكَ ، وَأَقْدَمَ شَأْنَكَ ، وَأَحْوَطَ مُلْكَكَ ، وَأَظْهَرَ عَدْلَكَ ، وَأَعْدَلَ حُكْمَكَ ، وَأَوْفى عَهْدَكَ ، وَأَنْجَزَ وَعْدَكَ ، وَأَكْرَمَ ثَوابَكَ ، وَأَشَدَّ عِقابَكَ ، وَأَحْسَنَ عَفْوَكَ ، وَأَجْزَلَ عَطاءَكَ ، وَأَشَدَّ أَرْكانَكَ ، وَأَعْظَمَ سُلْطانَكَ.

لِأَنَّكَ اللّهُ الْعَظِيمُ فِي عَظَمَتِكَ ، جَلِيلٌ فِي بَهائِكَ ، بَهِيٌّ فِي جَلالِكَ ، جَبَّارٌ فِي كِبْرِيائِكَ ، كَبِيرٌ فِي جَبَرُوتِكَ ، مَلِكٌ فِي قُدْرَتِكَ ، قادِرٌ فِي مُلْكِكَ ، عَزِيزٌ فِي قَهْرِكَ ، قاهِرٌ فِي عِزِّكَ ، مُنِيرٌ فِي ضِيائِكَ ، عَدْلٌ فِي قَضائِكَ ، صادِقٌ فِي دُعائِكَ ، كَرِيمٌ فِي عَفْوِكَ ، قَرِيبٌ فِي ارْتِفاعِكَ ، عالٍ فِي دُنُوِّكَ.

اللّهُمَّ نَدَبْتَ الْمُؤْمِنِينَ إِلى أَمْرٍ بَدَأْتَ فِيهِ بِنَفْسِكَ وَمَلائِكَتِكَ ، فَقُلْتَ : « إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ».

ص: 172


1- من البحار.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَنَبِيِّكَ وَأَمِينِكَ ، وَنَجِيِّكَ وَنَجِيبِكَ ، وَصَفْوَتِكَ وَصَفِيِّكَ ، وَوَلِيِّكَ وَحَبِيبِكَ ، وَخَلِيلِكَ وَخاصَّتِكَ وَخالِصَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ.

الَّذِي انْتَجَبْتَهُ لِرِسالَتِكَ (1) وَاسْتَخْلَصْتَهُ لِدِينِكَ ، وَاسْتَرْعَيْتَهُ عِبادَكَ ، وَائْتَمَنْتَهُ عَلى وَحْيِكَ ، وَجَعَلْتَهُ عَلَمَ الْهُدى ، وَبابَ النُّهى ، وَالْحُجَّةَ الْكُبْرى ، وَالْعُرْوَةَ الْوُثْقى فِيما بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِكَ ، وَالشَّاهِدَ لَهُمْ وَالْمُهَيْمِنَ عَلَيْهِمْ.

كَما بَلَّغَ رِسالَتَكَ (2) ، وَنَصَحَ لِعِبادِكَ ، وَجاهَدَ فِي سَبِيلِكَ ، وَصَدَعَ بِأَمْرِكَ ، وَأَحَلَّ حَلالَكَ ، وَحَرَّمَ حَرامَكَ ، وَبَيَّنَ فَرائِضَكَ ، وَاحْتَجَّ عَلى خَلْقِكَ بِأَمْرِكَ ، أَفْضَلَ وَأَشْرَفَ ، وَأَحْسَنَ وَأَجْمَلَ ، وَأَنْفَعَ وَأَزْكَى ، وَأَنْمى وَأَطْهَرَ ، وَأَطْيَبَ وَأَرْضى ، وَأَكْمَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأَصْفِيائِكَ ، وَأَهْلِ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ ، وَالْكَرامَةِ عَلَيْكَ.

اللّهُمَّ وَاجْعَلْ صَلَواتِكَ وَغُفْرانَكَ وَبَرَكاتَكَ ، وَرِضْوانَكَ وَرَحْمَتَكَ ، وَمَنَّكَ وَإِفْضالَكَ ، وَتَحِيَّتَكَ وَسَلامَكَ ، وَتَشْرِيفَكَ وَإِعْظامَكَ ، وَصَلَواتِ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيائِكَ الْمُرْسَلِينَ ، وَعِبادِكَ الصَّالِحِينَ ، مِنَ الشُّهَداءِ وَالصِّدِّيقِينَ ، وَالْأَوْصِياءِ ، وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ، وَأَهْلِ السَّماواتِ وَالْأَرضِينَ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَهُما ، وَما بَيْنَ الْخافِقَيْنِ ، وَما فِي الْهَواءِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَالنُّجُومِ وَالْجِبَالِ ، وَالشَّجَرِ وَالدَّوابِّ ، وَما يُسَبِّحُ لَكَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَالظُّلْمَةِ وَالضِّياءِ ، بِالْغُدُوِّ وَالآصالِ ، فِي ساعاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.

عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ، الْمَهْدِيِّ الْهادِي ، السِّراجِ الْمُنِيرِ ، الشَّاهِدِ الْأَمِينِ ، الدَّاعِيَ إِلَيْكَ بِاذْنِكَ ، سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، وَخاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَإِمامِ الْمُتَّقِينَ ، وَمَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَوَلِيِّ الْمُرْسَلِينَ ، وَقائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجِّلِينَ ، كَما هَدَيْتَنا بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وَأَنَرْتَ لَنا بِهِ مِنَ الظُّلْمَةِ ، وَاسْتَنْقَذْتَنا بِهِ مِنَ الْهَلَكَةِ.

ص: 173


1- لرسالاتك ( خ ل ).
2- رسالاتك ( خ ل ).

فَاجْزِهِ عَنّا أَفْضَلَ ما جَزَيْتَ نَبِيّاً عَنْ أُمَّتِهِ وَرَسُولاً عَمَّنْ أَرْسَلْتَهُ إِلَيْهِ ، وَاجْعَلْنا ندِينُ بِدِينِهِ ، وَنَهْتَدِي بِهُداهُ ، وَنُوالِي وَلِيَّهُ ، وَنُعادِي عَدُوَّهُ ، وَتَوَفَّنا عَلى مِلَّتِهِ ، وَاجْعَلْنا فِي شَفاعَتِهِ ، وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ ، غَيْرَ خَزايا وَلا نادِمِينَ ، وَلا ناكِثِينَ وَلا مُبَدِّلِينَ ، آمِينَ رَبِّ الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبْتَ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ ، الَّذِينَ أَمَرْتَ بِطاعَتِهِمْ ، وَأَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ ، الَّذِينَ أَلْهَمْتَهُمْ عِلْمَكَ ، وَاسْتَحْفَظْتَهُمْ كِتابَكَ ، فَانَّهُمْ مَعْدِنُ كَلِماتِكَ ، وَخُزَّانُ عِلْمِكَ ، وَدَعائِمُ دِينِكَ ، وَالْقُوَّامُ بِأَمْرِكَ ، صَلاةً كَثِيرةً ، طَيِّبَةً مُبارَكَةً ، تامَّةً زاكِيَةً نامِيَةً ، وَأَبْلِغْ أَرْواحَهُمْ وَأَجْسادَهُمْ مِنِّي فِي هذِهِ السَّاعَةِ وَفِي كُلِّ ساعَةٍ تَحِيَّةً كَثِيرَةً وَسَلاماً.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَعَلى إِبْراهِيمَ خَلِيلِكَ ، وَعَلى مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَاولِي الْعَزْمِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، وَالْأَوْلِياءِ الْمُنْتَجَبِينَ ، وَالْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ.

وَاخْصُصْ خَواصَّ أَهْلِ صَفْوَتِكَ ، الَّذِينَ اجْتَبَيْتَ لِرِسالاتِكَ ، وَحَمَّلَتِ الْأَمانَةَ فِيما بَيْنَكَ وَبَيْنَ خَلْقِكَ ، بِتَفاضُلِ دَرَجاتِ أَهْلِ صَفْوَتِكَ ، وَزِدْهُمْ إِلى كُلِّ كَرامَةٍ كَرامَةً ، وَإِلى كُلِّ فَضِيلَةٍ فَضِيلَةً ، وَإِلى كُلِّ خاصَّةٍ خاصَّةً ، وَعَلى جَمِيعِ مَلائِكَتِكَ ، وَأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأَهْلِ طاعَتِكَ ، وَصِلْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فِي اتِّصالِ مُوالاتِكَ.

اللّهُمَّ سَلِّمْ عَلى جَمِيعِ أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ ، وَاخْصُصْ مُحَمَّداً مِنْ ذلِكَ بِأَشْرَفِهِ ، وَسَلِّمْ عَلى جَمِيعِ مَلائِكَتِكَ ، وَاخْصُصْ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ مِنْ ذلِكَ بِأَفْضَلِهِ ، وَسَلِّمْ عَلى عِبادِكَ الصَّالِحِينَ ، وَاخْصُصْ أَوْلِياءَكَ مِنْ ذلِكَ بِأَدْوَمِهِ ، وَبارِكْ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً ، وَعَلى أَهْلِي وَوَلَدِي وَوالِدَيَّ وَما وَلَدا ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

ص: 174

اللّهُمَّ إِنَّ ذُنُوبِي أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصى ، وَحَوائِجِي أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُسَمّى ، اللّهُمَّ وَلِي إِلى عَفْوِكَ وَمَعْرُوفِكَ ، وَمَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ ، وَرِضْوانِكَ وَعافِيَتِكَ ، وَعِصْمَتِكَ وَحُسْنِ إِجابَتِكَ أَعْظَمُ الْفاقَةِ ، وَأَشَدُّ الْحاجَةِ.

اللّهُمَّ لا أَجِدُ فِي ذلِكَ كُلِّهِ إِلَيْكَ شافِعاً وَلا مُتَقَرِّباً أَوْجَهَ فِي نَفْسِي رَجاءً فِيما قَصَدْتُ إِلَيْكَ بِهِ ، مِنْ تَحْمِيدِكَ وَتَسْبِيحِكَ وَتَهْلِيلِكَ ، وَتَكْبِيرِكَ وَتَمْجِيدِكَ ، وَتَعْظِيمِ ذِكْرِكَ ، وَتَفْخِيمِ شَأْنِكَ ، وَالصَّلاةِ عَلى مَلائِكَتِكَ وَأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأَهْلِ طاعَتِكَ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْكَ ، بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَوْصِياءِ الْمَرْضِيِّينَ ، صَلَواتُكَ وَبَرَكاتُكَ وَرَحْمَتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ.

يا مُحَمَّدُ يا رَسُولَ اللّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنِّي أَتَقَرَّبُ بِكَ إِلَى اللّهِ رَبِّكَ وَرَبِّي لِيَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي وَيَقْضِي لِي بِكَ حَوائِجِي ، فَكُنْ لِي شَفِيعاً عِنْدَ رَبِّكَ وَرَبِّي ، فَنِعْمَ الْمَسْؤُولُ رَبِّي ، وَنِعْمَ الشَّفِيعُ أَنْتَ يا مُحَمَّدُ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الَّذِينَ أَذْهَبْتَ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً.

اللّهُمَّ اجْعَلْ صَلَواتِكَ وَبَرَكاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ، وَاجْعَلْنِي بِهِ وَبِهِمْ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَاجْعَلْ صَلاتِي بِهِمْ مَقْبُولَةً ، وَدُعائِي بِهِمْ مُسْتَجاباً ، وَذَنْبِي بِهِمْ مَغْفُوراً ، وَرِزْقِي بِهِمْ مَبْسُوطاً ، وَانْظُرْ إِلَيَّ فِي مَقامِي هذا نَظْرَةً رَحِيمَةً ، أَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرامَةَ عِنْدَكَ ، وَلا تَصْرِفْهُ عَنِّي أَبَداً ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يا اللّهُ يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ ، يا واحِدُ يا ماجِدُ ، يا أَحَدُ يا صَمَدُ ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ يا دائِمُ ، يا قائِمُ يا عالِمُ ، يا مَلِكُ يا قُدُّوسُ يا سَلامُ ، يا مُؤْمِنُ يا مُهَيْمِنُ ، يا عَزِيزُ يا جَبَّارُ يا مُتَكَبِّرُ ، يا خالِقُ يا بارِئُ يا مُصَوِّرُ ، يا عَلِيُّ يا عَظِيمُ ، يا حَلِيمُ يا كَرِيمُ ، يا حَكِيمُ يا عَلِيمُ ، يا خَبِيرُ يا كَبِيرُ ، يا مُتَعالِي يا وَلِيُّ.

يا أَوَّلُ يا آخِرُ ، يا ظاهِرُ يا باطِنُ ، يا حَقُّ يا مُبِينُ ، يا سَمِيعُ يا بَصِيرُ ، يا قَرِيبُ يا مُجِيبُ ، يا حَمِيدُ يا مَجِيدُ ، يا قادِرُ يا قاهِرُ ، يا مَلِيكُ يا مُقْتَدِرُ ، يا غَنِيُّ يا كَرِيمُ ، يا عَفُوُّ يا غَفُورُ ، يا غَفَّارُ يا غافِرُ ، يا قابِلُ يا تَوَّابُ ، يا وَهَّابُ يا واسِعُ ، يا رَفِيعُ يا رازِقُ ،

ص: 175

يا مُنِيرُ يا شَهِيدُ يا حَفِيظُ ، يا فالِقُ يا فاطِرُ ، يا بَدِيعُ يا نُورُ يا شاكِرُ ، يا وَلِيُّ يا مَوْلى ، يا نَصِيرُ.

يا اللّهُ ، يا مُسْتَعانُ يا خَلاَّقُ ، يا لَطِيفُ يا شَكُورُ ، يا قُدُّوسُ يا سَرِيعُ ، يا شَدِيدُ يا مُحِيطُ ، يا رَبُّ يا قَوِيُّ ، يا رَءُوفُ يا وَدُودُ ، يا فَعَّالُ لِما يُرِيدُ.

اللّهُمَّ يا عَلاَّمُ يا رَقِيبُ ، يا مُغِيثُ يا حَبِيبُ ، يا وَكِيلُ يا هادِي ، يا مُبْدِئُ يا مُعِيدُ ، يا مَنْ فِي السَّماءِ ، يا ذَا الْعَرْشِ ، يا ذَا الْفَضْلِ ، يا ذَا الطَّوْلِ يا ذَا الْمَعارِجِ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، يا ذَا التَّقْوى ، يا أَهْلَ الْمَغْفِرَةِ ، يا جاعِلُ يا ناشِرُ يا باعِثُ ، يا كافِي يا حَفِيُ (1) يا مُولِجُ يا مُخْرِجُ ، يا مُعْطِي يا قابِضُ ، يا مُجِيبَ الدَّعَواتِ.

أَسْأَلُكَ يا اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ (2) الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ، يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وتقول :

قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ. اللّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ وَيا اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ كُلَّها ، يا اللّهُ يا رَحْمانُ ، وَبِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ

ص: 176


1- حفي فلانا : أعطاه.
2- هيمن فلان على كذا : صار رقيبا عليه وحافظا ، المهيمن : بمعنى المؤمن أو المؤتمن أو الشاهد أو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم.

نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، وَلِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ اوْ انْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ. وَبِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ لَمْ تُعَلِّمْهُ إِيَّاهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ وَنُورِكَ وَجَمِيعِ ما أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ ، وَجَمِيعِ ما أَحَطْتَ بِهِ عَلى خَلْقِكَ.

وَأَسْأَلُكَ بِجَمْعِكَ وَأَرْكانِكَ كُلِّها ، وَبِحَقِ (1) رَسُولِكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَبِحَقِّ أَوْلِيائِكَ وَبِحَقِّكَ عَلَيْهِمْ ، وَبِاسْمِكَ الْأَكْبَرِ الاكْبَرِ الاكْبَرِ ، وَبِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الْأَعْظَمِ الْأَعْظَمِ الَّذِي مَنْ دَعاكَ بِهِ كانَ حَقّاً عَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّهُ ، وَأَنْ تُعْطِيَهُ ما سَأَلَكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي جَمِيعَ ذُنُوبِي وَجَمِيعَ عِلْمِكَ فِيَّ.

وَلا تَدَعْ لِي فِي مَقامِي هذا ذَنْباً إِلاَّ غَفَرْتَهُ ، وَلا وِزْراً إِلاَّ حَطَّطْتَهُ ، وَلا خَطِيئَةً إِلاَّ كَفَّرْتَها ، وَلا سَيِّئَةً إِلاَّ مَحَوْتَها ، وَلا حَسَنَةً إِلاَّ أَثْبَتَّها ، وَلا شُحّاً إِلاَّ سَتَرْتَهُ ، وَلا عَيْباً إِلاَّ أَصْلَحْتَهُ ، وَلا شَيْناً إِلاَّ زَيَّنْتَهُ ، وَلا سُقْماً إِلاَّ شَفَيْتَهُ ، وَلا فَقْراً إِلاَّ أَغْنَيْتَهُ ، وَلا فاقَةً إِلاَّ سَدَدْتَها ، وَلا دَيْناً إِلاَّ قَضَيْتَهُ ، وَلا أَمانَةً إِلاَّ أَدَّيْتَها ، وَلا هَمّاً إِلاَّ فَرَّجْتَهُ ، وَلا غَماً إِلاَّ كَشَفْتَهُ ، وَلا كُرْبَةً إِلاَّ نَفَّسْتَها ، وَلا بَلِيَّةً إِلاَّ صَرَفْتَها ، وَلا عَدُوّاً إِلاَّ أَبَدْتَهُ ، وَلا مَؤُونَةً إِلاَّ كَفَيْتَها ، وَلا حاجَةً مِنْ حَوائِجِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ إِلاَّ قَضَيْتَها ، عَلى أَفْضَلِ أَمَلِي وَرَجائِي فِيكَ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِذلِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ ، وَأَجَلِي بِعِلْمِكَ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تُوَفِّقَنِي لِما يُرْضِيكَ عَنِّي ، وَفُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنَ الرِّزْقِ الْحَلالِ الطَّيِّبِ ، وَادْرَءْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَشَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلا تَمْكُرْ بِي وَلا تَخْدَعْنِي ، وَلا تَسْتَدْرِجْنِي.

ص: 177


1- أسألك بحق ( خ ل ).

اللّهُمَّ هذا مَقامُ الْعائِذِ بِكَ ، الْبائِسِ الْفَقِيرِ ، الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ الْمُشْفِقِ ، مَقامُ مَنْ يَبُوءُ (1) بِخَطِيئَتِهِ ، وَيَعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ ، وَيَتُوبُ إِلى رَبِّهِ ، عَصَيْتُكَ إِلهِي بِلِسانِي ، وَلَوْ تَشاءُ وَعِزَّتِكَ لأَخْرَسْتَنِي ، وَعَصَيْتُكَ بِبَصَرِي وَلَوْ تَشاءُ وَعِزَّتِكَ لَأَكْمَهْتَنِي (2) ، وَعَصَيْتُكَ بِسَمْعِي وَلَوْ تَشاءُ وَعِزَّتِكَ لأَصْمَمْتَنِي ، وَعَصَيْتُكَ بِرِجْلِي وَلَوْ تَشاءُ وَعِزَّتِكَ لَجَذَمْتَنِي (3) ، وَعَصَيْتُكَ إِلهِي بِجَمِيعِ جَوارِحِي الَّتِي أَنْعَمْتَ بِها عَلَيَّ وَلَمْ يَكُنْ ذلِكَ جَزاؤُكَ مِنِّي فِي حُسْنِ صَنِيعِكَ إِلَيَّ وَجَمِيلِ بَلائِكَ عِنْدِي.

اللّهُمَّ ما عَمِلْتُ مِنْ عَمَلٍ عَمْداً أَوْ خَطَأَ ، سِرّاً أَوْ عَلانِيَةً ، مِمَّا خانَهُ سَمْعِي ، أَوْ عايَنَهُ بَصَرِي ، أَوْ نَطَقَ بِهِ لِسانِي ، أَوْ نَقَلَتْ إِلَيْهِ قَدَمِي ، أَوْ بَطَشْتُهُ بِيَدِي ، أَوْ باشَرْتُهُ بِجِلْدِي ، أَوْ جَعَلْتُهُ فِي بَطْنِي ، أَوْ كَسَوْتُهُ ظَهْرِي ، أَوْ هَوَيْتُهُ بِنَفْسِي ، أَوْ شَرَّبْتُهُ قَلْبِي ، فِيما هُوَ لَكَ مَعْصِيَةٌ وَعَلى مَنْ فَعَلَهُ وِزْرٌ ، وَمِنْ كُلِّ فاحِشَةٍ (4) أَوْ ذَنْبٍ أَوْ خَطِيئَةٍ عَمِلْتُها فِي سَوادِ لَيْلٍ أَوْ بَياضِ نَهارٍ ، فِي خَلاءٍ أَوْ مَلاءٍ ، عَلِمْتُهُ أَوْ لَمْ أَعْلَمْهُ ، ذَكَرْتُهُ أَوْ نَسِيتُهُ ، عَصَيْتُكَ فِيهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ ، أَوْ قَصَدْتُ فِيهِ مُذْ يَوْمِ خَلَقْتَنِي إِلى أَنْ وَقَفْتُ مَوْقِفِي هذا ، فَانَّنِي أَسْتَغْفِرُكَ لَهُ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْهُ.

وَأَسْأَلُكَ يا اللّهُ يا اللّهُ يا رَبِّ يا رَبِّ - تقول ذلك عشر مرّات ، بِحَقِّكَ عَلى نَفْسِكَ ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْكَ ، وَبِحَقِّ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَيْكَ ، وَبِحَقِّكَ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْكَلِماتِ الَّتِي تَلَقَّاكَ بِها آدَمُ ، فَتُبْتَ عَلَيْهِ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَتُوبَ عَلَيَّ فِي مَقامِي هذا وَأَنْ تُعْطِيَنِي خَيْرَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ تَوْبَةً لا تَسْخَطُ عَلَيَّ بَعْدَها أَبَداً.

ص: 178


1- باء بالحق أو بالذنب : أقرّ.
2- كمه : عمي أو صار أعشى.
3- جذم : قطعه بسرعة فانقطع ، أجذم يده : قطعها.
4- الفاحش : القبيح.

وَأَنْ تَغْفِرَ لِي مَغْفِرَةً لا تُعَذِّبْنِي بَعْدَها أَبَداً ، وَأَنْ تُعافِيَنِي فِيهِ مُعافاةً لا تَبْتَلِيَنِي بَعْدَها أَبَداً ، وَأَنْ تَرْزُقَنِي فِيهِ يَقِيناً لا أَشُكُّ بَعْدَهُ أَبَداً ، وَأَنْ تُكْرِمَنِي فِيهِ كَرامَةً لا تُهِينُنِي بَعْدَها أَبَداً ، وَأَنْ تُعِزَّنِي فِيهِ عِزاً لا ذُلَّ بَعْدَهُ أَبَداً.

وَأَنْ تَرْفَعَنِي فِيهِ رَفْعَةً لا تَضَعُنِي بَعْدَها أَبَداً ، وَأَنْ تَرْزُقَنِي فِيهِ رِزْقاً واسِعاً حَلالاً طَيِّباً كَثِيراً نافِعاً لِلاخِرَةِ وَالدُّنْيا ، مِنْ حَيْثُ أَرْجُو وَمِنْ حَيْثُ لا أَرْجُو ، وَمِنْ حَيْثُ أَحْتَسِبُ وَمِنْ حَيْثُ لا أَحْتَسِبُ ، لا تُعَذِّبْنِي عَلَيْهِ ، وَلا تُفْقِرْنِي بَعْدَهُ أَبَداً.

وَأَنْ تَهَبَ فِيهِ صَلاحاً لِقَلْبِي ، وَصَلاحاً لِبَدَنِي (1) ، وَصَلاحاً لِأَهْلِي ، وَصَلاحاً لِوَلَدِي ، وَصَلاحاً لِما خَوَّلْتَنِي (2) وَرَزَقْتَنِي ، وَأَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ، وَمَغْفِرَةً لِذُنُوبِي وَعافِيَةً مِنْ كُلِّ بَلاءٍ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثمّ تقول سبعين مرّة : أَسْتَغْفِرُ اللّهَ ، وسبعين مرّة : أَتُوبُ إِلَى اللّهِ ، وسبعين مرّة أَسْأَلُ اللّهَ الْجَنَّةَ ، وسبعين مرّة : أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ النَّارِ.

ثمّ تقول وأنت رافع رأسك إلى السّماء :

اللّهُمَّ حاجَتِي إِلَيْكَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي شَيْءٌ ، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي شَيْءٌ ، فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ ، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ الشَّيْطانِ وَمَؤُونَةَ السُّلْطانِ وَمَؤُونَةَ النَّاسِ ، وَمَؤُونَةَ عِيالِي ، فَإِنَّكَ وَلِيُّ ذلِكَ مِنِّي وَمِنْهُمْ فِي يُسْرٍ وَعافِيَةٍ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيتَ عَنْهُ وَأَطَلْتَ عُمْرَهُ ، وَأَحْيَيْتَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حَياةً طَيِّبَةً ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَما أَقُولُ وَفَوْقَ ما أَقُولُ ، وَفَوْقَ ما يَقُولُ الْقائِلُونَ ، اللّهُمَّ لَكَ صَلاتِي وَدِينِي ، وَمَحْيايَ وَمَماتِي ،

ص: 179


1- في البحار : لديني.
2- خوّلتني : ملّكتني.

وَبِكَ قِوامِي وَبِكَ حَوْلِي وَقُوَّتِي ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَمِنْ وَسْواسِ (1) الصَّدْرِ ، وَمِنْ شَتاتِ الْأَمْرِ وَمِنْ عَذابِ النَّارِ ، وَمِنْ عَذابِ الْقَبْرِ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَسْأَلُكَ خَيْرَ الرِّياحِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما تَجْرِيهِ الرِّياحُ ، وَأَسْأَلُكَ خَيْرَ اللَّيْلِ وَخَيْرَ النَّهارِ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُوراً ، وَفِي بَصَرِي نُوراً وَفِي لَحْمِي وَدَمِي وَعِظامِي ، وَعُرُوقِي وَمَفاصِلِي ، وَمَقْعَدِي وَمَقامِي ، وَمَدْخَلِي وَمَخْرَجِي نُوراً ، وَأَعْظِمْ لِي نُوراً يا رَبِّ يَوْمَ أَلْقاكَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ وَتَعَبَّأَ وَأَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوِفادَةٍ إِلى مَخْلُوقٍ رَجاءَ رِفْدِهِ وَطَلَبَ نائِلِهِ وَجائِزَتِهِ ، فَالَيْكَ أَيْ سَيِّدِي كانَ الْيَوْمَ تَهْيِئَتِي وَتَعْبِئَتِي (2) وَإِعْدادِي وَاسْتِعْدادِي ، رَجاءَ عَفْوِكَ وَرِفْدِكَ (3) وَطَلَبِ فَضْلِكَ وَجائِزَتِكَ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَلا تُخَيِّبْنِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ أَبَداً ما أَبْقَيْتَنِي مِنْ رَجائِي.

يا مَنْ لا يُحْفِيهِ (4) سائِلٌ ، وَلا يَنْقُصُهُ نائِلٌ ، فَإِنِّي لَمْ آتِكَ الْيَوْمِ ثِقَةً مِنِّي بِعَمَلٍ صالِحٍ قَدَّمْتُهُ ، وَلا شَفاعَةِ مَخْلُوقٍ رَجَوْتُهُ إِلاَّ شَفاعَةَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، صَلَواتُكَ وَبَرَكاتُكَ وَرَحْمَتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ.

أَتَيْتُكَ مُقِرّاً بِأَنْ لا حُجَّةَ لِي وَلا عُذْرَ لِي ، أَتَيْتُكَ أَرْجُو عَظِيمَ عَفْوِكَ الَّذِي عَفَوْتَ بِهِ عَنِ الْخَطَّائِينَ (5) ، فَأَنْتَ الَّذِي عَفَوْتَ لِلْخَطّائِينَ عَلى عَظِيمِ جُرْمِهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ طُولُ عُكُوفِهِمْ عَلى عَظِيمِ الْجُرْمِ ، أَنْ عُدْتَ عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ.

ص: 180


1- وساوس ( خ ل ).
2- عبّأ المتاع : هيأه.
3- رجاء رفدك ( خ ل ).
4- خفي فلانا : أعطاه ، احفى إليه في الوصية : بالغ فيها.
5- الخاطئين ( خ ل ).

فَيا مَنْ رَحْمَتُهُ واسِعَةٌ ، وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ ، يا عَظِيمُ يا عَظِيمُ يا عَظِيمُ ، يا كَرِيمُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعُدْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ ، وَتَحَنَّنْ عَلَيَّ بِمَغْفِرَتِكَ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ وَعافِيَتِكَ ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ وَتَوَسَّعْ عَلَيَّ بِرِزْقِكَ ، لَيْسَ يَرُدُّ غَضَبَكَ إِلاَّ حِلْمُكَ ، وَلا يَرُدُّ سَخَطَكَ إِلاّ عَفْوُكَ ، وَلا يُجِيرُ مِنْ عِقابِكَ إِلاَّ رَحْمَتُكَ ، وَلا يُنْجِي مِنْكَ إِلاَّ التَّضَرُّعُ إِلَيْكَ.

فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَهَبْ لِي يا إِلهِي مِنْكَ فَرَجاً بِالْقُدْرَةِ الَّتِي تُحْيِي بِها أَمْواتَ الْعِبادِ ، وَبِها تَنْشُرُ مَيْتَ الْبِلادِ ، وَلا تُهْلِكْنِي يا إِلهِي غَمّاً حَتّى تَسْتَجِيبَ لِي وَتُعَرِّفَنِي الإِجابَةَ فِي دُعائِي ، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْعافِيَةِ إِلى مُنْتَهى أَجَلِي ، وَلا تُشْمِتْ بِي عَدُوِّي ، وَلا تُمَكِّنْهُ مِنْ عُنُقِي (1).

يا إِلهِي إِنْ رَفَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَضَعُنِي ، وَإِنْ وَضَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْفَعُنِي ، وَإِنْ أَكْرَمْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُهِينُنِي ، وَإِنْ أَهَنْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُكْرِمُنِي ، أَوْ مَنْ ذَا الَّذِي يَرْحَمُنِي إِنْ عَذَّبْتَنِي ، أَوْ مَنْ ذَا الَّذِي يُعَذِّبُنِي إِنْ رَحِمْتَنِي ، وَإِنْ أَهْلَكْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْرِضُ لَكَ فِي عَبْدِكَ أَوْ يَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِهِ.

وَقَدْ عَلِمْتُ يا إِلهِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ وَلا جَوْرٌ ، وَلا فِي عُقُوبَتِكَ (2) عَجَلَةٌ ، إِنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ ، وَإِنَّما يَحْتاجُ إِلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ ، وَقَدْ تَعالَيْتَ يا إِلهِي (3) عُلُوّاً كَبِيراً.

إِلهِي صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَلا تَجْعَلْنِي لِلْبَلاءِ غَرَضاً وَلا لِنَقِمَتِكَ نَصَباً ، وَأَمْهِلْنِي وَنَفِّسْنِي (4) وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي ، وَارْحَمْ تَضَرُّعِي ، وَلا تُتْبِعْنِي بِبَلاءٍ فِي أَثَرِ بَلاءٍ ، فَقَدْ تَرى ضَعْفِي ، وَقِلَّةَ حِيلَتِي ، وَتَضَرُّعِي إِلَيْكَ.

ص: 181


1- ولا تسلّطه عليّ ( خ ل ).
2- نقمتك ( خ ل ).
3- تعاليت الهي ( خ ل ).
4- نفّسني : أزال كربي وغمّي.

أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَضَبِكَ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَعِذْنِي ، وَأَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ فَأَجِرْنِي ، وَاؤْمِنُ بِكَ فَآمِنِّي ، وَأَسْتَهْدِيكَ فَاهْدِنِي ، وَأَسْتَرْحِمُكَ فَارحَمْنِي ، وَأَسْتَنْصِرُكَ فَانْصُرْنِي ، وَأَسْتَكْفِيكَ فَاكْفِنِي ، وَأَسْتَرْزِقُكَ فَارْزُقْنِي ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلى الصَّبْرِ فَأَعِنِّي ، وَأَسْتَعْصِمُكَ فِيما بِقِيَ مِنْ عُمْرِي فَاعْصِمْنِي ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِما سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنِّي لَنْ أَعُودَ لِشَيْءٍ كَرِهْتَهُ مِنِّي (1) إِنْ شِئْتَ ذلِكَ يا رَبِّ.

فإذا قاربت غروب الشّمس فقل :

بِسْمِ اللّهِ وَبِاللّهِ ، وَسُبْحانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ أَكْبَرُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، سُبْحانَ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَأَطْرافَ النَّهارِ ، سُبْحانَ اللّهِ بِالْغُدُوِّ وَالآصالِ (2) ، سُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ.

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

سُبْحانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ ، سُبْحانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوتِ ، سُبْحانَ الْمَلِكِ الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، سُبْحانَ الْقائِمِ الدَّائِمِ الْقَدِيمِ ، سُبْحانَ الْحَيِّ الْقَيُّومِ ، سُبْحانَ رَبِّيَ الْأَعْلى ، سُبْحانَهُ وَتَعالى ، سُبْحانَ اللّهِ ، سُبُّوحاً قُدُّوساً رَبَّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَمْسَيْتُ مِنْكَ فِي نِعْمَةٍ وَعافِيَةٍ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، وَأَتْمِمْ عَلَيَّ يا رَبِّ نِعْمَتَكَ وَفَضْلَكَ وَعافِيَتَكَ ، وَارْزُقْنِي شُكْرَكَ.

اللّهُمَّ بِنُورِكَ اهْتَدَيْتُ ، وَبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْتُ ، وَبِنِعْمَتِكَ أَصْبَحْتُ وَأَمْسَيْتُ ، أُشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شَهِيداً ، وَأُشْهِدُ مَلائِكَتَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ ،

ص: 182


1- كرهت ( خ ل ).
2- الأصيل جمع آصال : الوقت بين العصر والمغرب أو العشي.

وَأَنْبِياءَكَ ، وَرُسُلَكَ ، وَأَهْلَ سَماواتِكَ وَأَهْلَ أَرْضِكَ ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكْتُبْ لِي هذِهِ الشَّهادَةَ عِنْدَكَ حَتّى تُلَقِّنِيها يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَقَدْ رَضِيتَ عَنِّي إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً تَضَعُ لَكَ السَّماءُ أَكْنافَها ، وَيُسَبِّحُ لَكَ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَصْعَدُ ، وَلا يَنْفَدُ (1) ، حَمْداً يَزِيدُ وَلا يَبِيدُ ، حَمْداً سَرْمَداً دائِماً لَا انْقِطاعَ لَهُ وَلا نَفادَ ، حَمْداً يَصْعَدُ أَوَّلُهُ ، وَلا يَنْفَدُ آخِرُهُ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَيَّ وَفِيَّ وَمَعِي ، وَقَبْلِي وَبَعْدِي ، وَأَمامِي وَلَدَيَّ ، وَإِذا مِتُّ وَفَنَيْتُ وَبَقِيتَ أَنْتَ يا مَوْلايَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ بِجَمِيعِ مَحامِدِكَ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نَعْمائِكَ كُلِّها ، وَلَكَ الْحَمْدُ فِي كُلِّ عِرْقٍ ساكِنٍ ، وَكُلِّ أَكْلَةٍ وَشَرْبَةٍ ، وَنَفْسٍ وَبَطْشٍ (2) ، وَعَلى كُلِّ مَوْضِعِ شَعْرَةٍ وَعَلى كُلِّ حالٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ ، وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ ، وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ، عَلانِيَتُهُ وَسِرُّهُ ، وَأَنْتَ مُنْتَهى الشَّأْنِ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى عِلْمِكَ بَعْدَ عَفْوِكَ وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى عَفْوِكَ ، بَعْدَ قُدْرَتِكَ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ باعِثَ الْحَمْدِ ، وَوارِثَ الْحَمْدِ ، وَبَدِيعَ الْحَمْدِ ، وَفِيَّ الْعَهْدِ ، صادِقَ الْوَعْدِ ، عَزِيزَ الْجُنْدِ ، قَدِيمَ الْمَجْدِ ، رَفِيعَ الدَّرَجاتِ ، مُجِيبَ الدَّعَواتِ ، مُنْزِلَ الآياتِ ، مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَماواتٍ ، مُخْرِجاً مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ حَسَناتٍ ، وَجاعِلَ الْحَسَناتِ دَرَجاتٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ غافِرَ الذَّنْبِ ، وَقابِلَ التَّوْبِ ، شَدِيدَ الْعِقابِ ، ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ فِي اللَّيْلِ إِذا يَغْشى ، وَلَكَ الْحَمْدُ فِي النَّهارِ إِذا تَجَلّى ، وَلَكَ الْحَمْدُ فِي الاخِرَةِ وَالأُولى ، وَلَكَ الْحَمْدُ

ص: 183


1- في البحار : يصعد أوّله ولا ينفد آخره.
2- البطش : الأخذ بسرعة.

عَدَدَ كُلِّ مَلَكٍ فِي السَّماءِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ كُلِّ قَطْرَةٍ فِي الْبحارِ.

وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ الْقَطرِ وَالشَّجَرِ ، وَالْحِصى وَالنَّوى وَالثَّرى ، وَجَمِيعِ الانْسِ وَالْبَهائِمِ (1) وَالطَّيْرِ ، وَالسِّباعِ وَالْهَوامِّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما فِي جَوْفِ الْأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما أَحْصى كِتابُكَ وَأَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ ، حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبارَكاً أَبَداً.

ثمّ قل :

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - عشر مرّات.

ثم قل :

أَسْتَغْفِرُ اللّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ - عشر مرّات ، يا اللّهُ يا اللّهُ - عشراً ، يا رَحْمانُ يا رَحْمانُ - عشراً ، يا رَحِيمُ يا رَحِيمُ - عشرا ، يا بَدِيعَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ - عشرا ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ - عشرا ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ - عشرا ، يا حَنَّانُ يا مَنَّانُ - عشرا ، يا لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ - عشرا ، آمِينَ آمِينَ - عشرا.

ثمّ قل :

أَسْأَلُكَ يا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، يا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، يا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى وَبِالأُفُقِ الْمُبِينِ ، يا مَنْ هُوَ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، يا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَفْعَلَ بِي كَذا وَكَذا ، وتسأل كلّ حاجة لك.

ثمّ قل :

أَمْسَيْنا وَالْجُودُ وَالْجَمالُ ، وَالنُّورُ وَالْبَهاءُ ، وَالْعِزَّةُ وَالْقُدْرَةُ ، وَالسُّلْطانُ وَالدُّنْيا وَالاخِرَةُ ، وَما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ.

ص: 184


1- البهيمة : كل ذات أربع قوائم من دوابّ البر والماء ما عدا السباع والطيور.

وتقول ثلاث مرّات :

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَاللّهُ أَكْبَرُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَسُبْحانَ اللّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْهُ أَحَبَّ مَنْ أُحِبُّ ، وَآثَرَ مَنْ اوثِرَ عِنْدِي ، ثُمَّ ثَبِّتْنِي عَلى دِينِ مُحَمَّدٍ وَإِبْراهِيمَ عَلَيْهِما السَّلامُ وَأَتْباعِهِما (1) ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - تقولها أحد عشر مرّة.

وتقول عشر مرّات : أَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ هَمَزاتِ (2) الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ يَحْضُرُونَ (3).

ثمّ قل :

الْحَمْدُ لِلَّهِ مَعَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى لا يَكُونَ شَيْءٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَحْدَهُ ، عَدَدَ جَمِيعِ الْأَشْياءِ وَأَضْعافِها مُنْتَهى عِلْمِ اللّهِ ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ كَذلِكَ ، وَاللّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحانَ اللّهِ كَذلِكَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ الْمِيزانِ وَمُنْتَهَى الْعِلْمِ وَمَبْلَغَ الرِّضا وَزِنَةَ الْعَرْشِ.

سُبْحانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ وَمِثْلَهُ ، وَمِدادَ كَلِماتِهِ وَمِثْلَهُ ، وَعَدَدَ خَلْقِهِ وَمِثْلَهُ وَمِلْءَ سَماواتِهِ وَمِثْلَهُ ، وَمِلْءَ أَرْضِهِ وَمِثْلَهُ ، وَعَدَدَ جَمِيعِ ذلِكَ كُلِّهِ سُبْحانَ اللّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ أَكْبَرُ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَعَلى أَرْواحِهِمْ وَأَجْسادِهِمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ.

ص: 185


1- والانقطاع إليهما ( خ ل ).
2- همزات الشيطان : خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان.
3- أعوذ بك ربّ ان يحضرون ( خ ل ).

ثمّ ارفع يديك وقل :

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خالِداً مَعَ خُلُودِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً لا أَمَدَ لَهُ دُونَ مَشِيَّتِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً لا مُنْتَهى لَهُ دُونَ عِلْمِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً لا حَدَّ لِقائِلِهِ إِلاّ رِضاكَ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكى وَأَنْتَ الْمُسْتَعانُ ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَما أَنْتَ أَهْلُهُ ، أَشْهَدُ أَنَّهُ ما أَمْسَتْ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فِي دِينِي وَدُنْيايَ فَإِنَّها مِنَ اللّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَيَّ بِها وَالشُّكْرُ كَثِيراً.

أَمْسَيْتُ لِلَّهِ عَبْداً مَمْلُوكاً ، أَمْسَيْتُ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسُوقَ إِلى نَفْسِي خَيْرَ ما أَرْجُو وَلا أَصْرِفُ مِنْها شَرَّ ما أَحْذَرُ ، أَمْسَيْتُ مُرْتَهِناً بِعَمَلِي ، أَمْسَيْتُ لا فَقِيرَ هُوَ أَفْقَرُ مِنِّي إِلَى اللّهِ ، وَاللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ، بِاللّهِ نُصْبِحُ وَبِاللّهِ نُمْسِي ، وَبِاللّهِ نَحْيا وَبِاللّهِ نَمُوتُ ، وَإِلَى اللّهِ النُّشُورُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَسْأَلُكَ خَيْرَ لَيْلَتِي هذِهِ وَخَيْرَ ما فِيها ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّها وَشَرِّ ما فِيها ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ تَكْتُبَ عَلَيَّ فِيها خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكْفِنِي خَطِيئَتَها وَإِثْمَها وَأَعْطِنِي يُمْنَها وَنُورَها وَبَرَكَتَها.

اللّهُمَّ نَفْسِي خَلَقْتَها ، وَبِيَدِكَ حَياتُها وَمَوْتُها ، اللّهُمَّ فَانْ أَمْسَكْتَها فَالى رِضْوانِكَ وَالْجَنَّةَ ، وَإِنْ أَرْسَلْتَها فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لَها وَارْحَمْها ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَقَنِّعْنِي بِما رَزَقْتَنِي ، وَبارِكْ لِي فِيما آتَيْتَنِي ، وَاحْفَظْنِي فِي غَيْبَتِي وَحَضْرَتِي وَكُلِّ أَحْوالِي.

ثمّ قل عشر مرّات :

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَابْعَثْنِي عَلَى الإِيمانِ بِكَ ، وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِكَ ، وَالْوِلايَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَالْبَراءَةِ مِنْ عَدُوِّهِ ، وَالانْتِقامِ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، فَانِّي قَدْ رَضِيتُ بِذلِكَ يا رَبِّ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ فِي الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ فِي

ص: 186

الْمَلَإِ الْأَعْلى ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ فِي الْمُرْسَلِينَ.

اللّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّداً الْوَسِيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالْفَضِيلَةَ ، وَالدَّرَجَةَ الْكَبِيرَةَ الرَّفِيعَةَ فِي الْجَنَّةِ ، اللّهُمَّ انِّي آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ وَلَمْ أَرَهُ فَلا تَحْرِمْنِي يَوْمَ الْقِيامَةِ رُؤْيَتَهُ ، ارْزُقْنِي صُحْبَتَهُ ، وَتَوَفَّنِي عَلى مِلَّتِهِ ، وَاسْقِنِي مِنْ حَوْضِهِ مَشْرَباً رَوِيّاً سائِغاً (1) هَنِيئاً لا اظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَداً ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ انِّي آمَنْتُ (2) بِمُحَمَّدٍ وَلَمْ أَرَهُ فَعَرِّفْنِي فِي الْجِنانِ وَجْهَهُ ، اللّهُمَّ بَلِّغْ (3) رُوحَ مُحَمَّدٍ مِنِّي تَحِيَّةً كَثِيرَةً وَسَلاماً ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ أَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ أَمَرْتَ بِطاعَتِهِمْ وَأَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ أَلْهَمْتَهُمْ عِلْمَكَ وَاسْتَحْفَظْتَهُمْ كِتابَكَ ، وَاسْتَرْعَيْتَهُمْ عِبادَكَ ، فَانَّهُمْ مَعْدِنُ كَلِماتِكَ ، وَخُزّانُ عِلْمِكَ ، وَدَعائِمُ دِينِكَ ، وَالْقُوّامُ بِأَمْرِكَ صَلاةً كَثِيرَةً طَيِّبَةً مُبارَكَةً نامِيَةً ، وَأَبْلِغْ أَرْواحَهُمْ الطَّيِّبَةَ وَأَجْسادَهُمُ الطَّاهِرَةَ مِنِّي فِي هذِهِ السَّاعَةِ وَكُلِّ ساعَةٍ تَحِيَّةً كَثِيرَةً وَسَلاماً ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً (4).

دعاء آخر في عشيّة عرفة :

يا رَبِّ إِنَّ ذُنُوبِي لا تَضُرُّكَ ، وَإِنَّ مَغْفِرَتَكَ لِي لا تَنْقُصُكَ ، فَأَعْطِنِي ما لا يَنْقُصُكَ ، وَاغْفِر لِي ما لا يَضُرُّكَ (5).

دعاء آخر في عشيّة عرفة :

اللّهُمَّ لا تَحْرِمْنِي خَيْرَ ما عِنْدَكَ لِشَرِّ ما عِنْدِي ، فَانْ أَنْتَ لَمْ تَرْحَمْنِي بِتَعَبِي

ص: 187


1- ساغ الشراب : هنأ وسهّل مدخله في الحلق.
2- اللّهم آمنت ( خ ل ).
3- أبلغ ( خ ل ).
4- عنه البحار 98 : 270 - 291.
5- عنه البحار 98 : 291.

وَنَصَبِي (1) ، فَلا تَحْرِمْنِي أَجْرَ الْمُصابِ عَلى مُصِيبَتِهِ (2).

أقول : وقد روينا في دعاء جدّتنا أمّ جدنا داود بن الحسن ابن مولانا الحسن السبط ابن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، المذكور في عمل يوم النصف من رجب ، قالت أمّ داود : فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أيدعي بهذا الدُّعاء في غير رجب؟ قال : نعم في يوم عرفة.

أقول : ويستحبّ أيضا أن يدعى في هذا اليوم بالدّعاء الّذي قدّمناه في تعقيب الظهر يوم الجمعة ، في الجزء الرابع ، عن مولانا زين العابدين عليه السلام الّذي أوّله : يا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لا يَرْحَمُهُ الْعِبادُ (3).

فصل (23): فيما نذكره مما ينبغي ان يختم به يوم عرفة

اعلم انّ كلّ يوم جعله اللّه جلّ جلاله من مواسم السعادات ومراسم العبادات ، ينبغي أن يكون العبد فيه موافقا لمولاه ساعات ذلك اليوم ، وقفا على طاعة اللّه جلّ جلاله ورضاه ، ويختمه بالاجتهاد في التضرعات بان منّه بما صدر عنه ، ويتمّ نقصان أعماله بما اللّه جل جلاله أهله من مكارمه وإفضاله.

ويسلّم ذلك العمل بلسان الحال إلى من كان العبد ضيفا له في ذلك اليوم المشار اليه من إمام وقته صلوات اللّه عليه ، ليكون عرضه على يديه ، ويكون هو الشفيع فيما لم يبلغ أمل العبد إليه ، فإنّ كلّ ضيف بحكم مضيفه ، وكل متشرّف بسلطان فحديث إعماله إلى مشرّفه.

ص: 188


1- النصب : العناء.
2- عنه البحار 98 : 291.
3- جمال الأسبوع : 262.

الباب الرابع: فيما نذكره ممّا يتعلق بليلة الأضحى ويوم عيدها

اشارة

وفيه فصول :

فصل (1): فيما نذكره من فضل إحياء ليلة عيد الأضحى

فصل (1):فيما نذكره من فضل إحياء ليلة عيد الأضحى

روينا ذلك بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رحمه اللّه فيما رواه عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليه السلام قال : كان يعجبه ان يفرغ نفسه أربع ليال في السنة ، وهي أوّل ليلة من رجب ، وليلة النّصف من شعبان ، وليلة الفطر ، وليلة الأضحى (1).

واعلم انّ إحياء اللّيالي بالعبادات هو أن تكون حركاتك وسكناتك ، وإراداتك وكراهاتك جميعا معاملات لله جلّ جلاله ، وتقصد بها التقرّب إليه والإقبال عليه والأدب بين يديه فيما يكرهه أو يرضاه ، كما يكون العبد بين يدي مولاه إذا كان المولى يراه.

فان كانت فيها عبادات متعيّنات فاعمل عليها ، وان لم يكن فيها عبادة متعيّنة ، أو كانت فيها عبادات مرويّات ، ولكن يبقى من اللّيل ما ليس له وظائف متعيّنات ، فليكن احياء ما يتخلّف من اللّيلة الّتي يراد إحياؤها بالعبادات بالاستغفار ، وإصلاح

ص: 189


1- مصباح المتهجد : 648 ، رواه في دعائم الإسلام 1 : 184 ، قرب الاسناد : 177 ، عنه البحار 91 : 122 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 46.

ما بينك وبين اللّه جلّ جلاله ، من طهارة الأسرار وزوال ظلمة الإصرار ، وما يحتاج مثلك إليه من الأذكار وسعادة الدنيا ودار القرار.

وان غلبك النوم فليكن نومك على نيّة التقرب إلى العظمة الإلهية ، لتستعين به على النشاط والإقبال على زيادة العبادات للأبواب الربانيّة ، فإذا عملت على هذا النظام تكون قد ظفرت بإحياء تلك اللّيلة على التمام ان شاء اللّه جل جلاله.

فصل (2): فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام عيد الأضحى

روينا ذلك بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد اللّه وأحمد بن عبدون ، جميعا ، عن الشيخ محمد بن أحمد بن داود القمي ، شيخ القميّين وفقيههم وعالمهم ، قال : حدثنا محمّد بن محمد النحوي ، قال : حدّثنا أبو القاسم علي بن محمد ، قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبي سنان ، عن أبان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :

من زار الحسين عليه السلام ليلة من ثلاث غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر ، قال : قلت : وأيّ اللّيالي؟ فذكر ليلة الأضحى (1).

فصل (3): فيما نذكره من الإشارة إلى فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم الأضحى ، وبما ذا يزار

اعلم انّ عمل الشيعة على زيارته عليه السلام في هذا الميقات ، يغني عن ذكر الروايات ، وقد كنّا قدّمنا عند ذكر ليلة عرفة حديث مولانا الباقر عليه السلام بما معناه : ان الإقامة عند الحسين عليه السلام حتى يعيد للاضحى يحفظ المقيم عنده من شرّ سنته (2).

ص: 190


1- عنه البحار 91 : 126 ، رواه في مصباح المتهجد : 716 ، عنه البحار 101 : 91.
2- مصباح المتهجد : 715.

وامّا لفظ ما نذكره في هذا اليوم من زيارته ، فقد كنّا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارتين يختصّ بهذا الميقات ، وليس هذا الكتاب ممّا نقصد به ذكر الزيارات ، فان وجدت تلك الزيارتين ، والاّ فزر الحسين عليه السلام ليلة الأضحى ويوم الأضحى بما ذكرناه في هذا الكتاب من الزيارة ليوم عرفة ، فإنّها كافية عند أهل المعرفة.

فصل (4): فيما نذكره ممّا ينبغي أن يكون أهل السعادات والإقبال عليه يوم الأضحى من الأحوال

اعلم أنّنا قد ذكرنا في عيد شهر رمضان ما فتحه علينا مالك القلب واللسان ، من الآداب عند استقبال ذلك العيد وآداب ذلك النهار ، ما تستغني به الآن عن التكرار ، لكن يمكن أنك لا تقدر على نظر ما قدّمناه ، أو لا تعرف معناه ، فنذكر ما يفتح اللّه جلّ جلاله عليه ويحسن به إلينا ، فنقول :

اذكر أيّها الإنسان أنّ اللّه جلّ جلاله سبقك بالإحسان قبل أن تعرفه ، وقبل أن تتقرّب إليه بشيء من الطّاعات ، فهيّأ لك كلّما كنت محتاجا إليه من المهمّات ، حتّى بعث لك رسولا من أعزّ الخلائق عليه ، يزيل ملوك الكفّار ويقطع دابر الأشرار ، الّذين يحولون بينك وبين فوائد إسراره ، ويشغلونك عن الاهتداء بأنواره فأطفأ نار الكافرين ، وأذلّ رقاب ملوك اليهود والنصارى والملحدين.

ولم يكلّفك أن تكون في تلك الأوقات من المجاهدين ، ولا تكلّفت خطرا ، ولا تحمّلت ضررا في استقامة هذا الدين ، وجاءتك العبادات في عافية ونعمة صافية ، ممّا كان فيه سيّد المرسلين ، وخواصّ عترته الطاهرين ، صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين ، وممّا جاهد عليه ووصل إليه السلف من المسلمين.

فلا تنس المنّة عليك في سلامتك من تلك الأهوال وما ظفرت به من الآمال والإقبال ، وجرّ (1) بلسان الحال بنظرك ، واذكر بخاطرك القتلى ، الّذين سفكت دماؤهم

ص: 191


1- جبّر ( خ ل ).

في مصلحتك وهدايتك من أهل الكفر ومن أهل الإسلام ، حتّى ظفرت أنت بسعادتك ، وكم خرّب من بلاد عامرة ، وأهلك من أمم غابرة.

ثمّ اذكر إبراز اللّه جلّ جلاله إسراره بيوم العيد ، وأظهر لك أنواره بذلك الوقت السعيد ، من مخزون ما كان مستورا عن الأمم الماضية ، والقرون الخالية ، وجعلك أهلا أن تزور عظمته وحضرته فيه ، وتحدّثه بغير واسطة وتناجيه.

فهل كان هذا في حسنات نطفتك أو علقتك أو مضغتك؟ أو لمّا كنت جنينا ضعيفا؟ أو لمّا صرت رضيعا لطيفا؟ أو لمّا كنت ناشئا (1) صغيرا؟ أو هل وجدت لك في ذلك تدبيرا؟.

فكن رحمك اللّه عبدا مطيعا ومملوكا سميعا لذلك المالك السّالك بك في تلك المسالك ، الواقي لك من المهالك ، فواللّه إنّه ليقبح بك مع سلامة عقلك ، وما وهب لك من فضله ، الّذي صرت تعتقده من فضلك أن تعمى أو تتعامى عن هذا الإحسان الخارق للألباب ، أو أن تشغل عنه ، أو تؤثر عليه شيئا من الأسباب؟

أقول : فاستقبل هداية اللّه جلّ جلاله إليك يوم عيده ، بتعظيمه وتمجيده ، والقيام بحقّ وعوده ، والخوف من وعيده ، وفرحك وسرورك بما في ذلك من المسارّ والمبارّ على قدر الواهب جلّ جلاله ، وعلى قدر ما كنت عليه من ذلّ التراب ، وعقبات النشأة الأولى وما كان فيها من الأخطار ، وتردّدك في الأصلاب والأرحام ألوفا كثيرة من الأعوام ، يسار بك في تلك المضايق على مركب السّلامة من العوائق ، حتّى وصلت إلى هذه المسافة ، وأنت مشمول بالرحمة والرأفة ، موصول بموائد الضّيافة ، آمنا من المخافة.

فالعجب كلّ العجب لك إن جهلت قدر المنّة عليك فيما تولاّه اللّه جلّ جلاله من الإحسان إليك ، فاشتغل بما يريد ، وقد كفاك كلّ هول شديد ، وهو جلّ جلاله كافيك ما قد بقي بذلك اللّطف والعطف الّذي أجراه على المماليك والعبيد.

ص: 192


1- الناشئ : الغلام أو الجارية إذا جاوزا حدّ الصغر وشبّا.

فصل (5): فيما نذكره من الرواية بغسل يوم الأضحى

بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه رضوان اللّه جلّ جلاله عليه فيما ذكره من كتاب من لا يحضره الفقيه فقال ما هذا لفظه :

وروى ابن المغيرة ، عن القاسم بن الوليد قال : سألته عن غسل الأضحى؟ قال :

واجب إلاّ بمنى (1).

ثمّ قال رحمه اللّه : وروي أنّ غسل الأضحى سنّة (2).

أقول : إنّه إذا ورد لفظ الأمر بالوجوب لشيء يكون ظاهر العمل عليه أنّه مندوب ، فعسى يكون المراد بلفظ الواجب التأكيد للعمل عليه ، وإظهار تعظيمه على غيره من غسل مندوب من لم يبلغ تعظيمه إليه.

فصل (6): فيما نذكره ممّا يعتمد الإنسان في يوم الأضحى عليه بعد الغسل المشار إليه

وجدنا ذلك في بعض مصنّفات أصحابنا المهتمّين بالعبادات بنسخة عتيقة ، ذكر مصنّفها أنها مختصر من كتاب المنتخب ، فقال ما هذا لفظه :

العمل في يوم النحر ، تبكّر يوم النحر فتغتسل وتلبس أنظف ثوب لك ، وتقول عند ذلك :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، اللّهُمَّ إِنّا نَسْتَفْتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ ، وَنَسْتَدْعِي الثَّوابَ بِمَنِّكَ ، فَاسْمَعْ يا سَمِيعُ مِدْحَتِي ، فَكَمْ يا إِلهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ كَشَفْتَها فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَكَمْ يا إِلهِي مِنْ دَعْوَةٍ قَدْ أَجَبْتَها فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَكَمْ يا إِلهِي مِنْ رَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَكَمْ يا إِلهِي مِنْ عَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها فَلَكَ الْحَمْدُ ،

ص: 193


1- الفقيه 1 : 321 ، عنه الوسائل 3 : 330.
2- الفقيه 1 : 321 ، عنه الوسائل 3 : 330.

وَكَمْ يا إِلهِي مِنْ مِحْنَةٍ قَدْ أَزَلْتَها فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَكَمْ يا إِلهِي مِنْ حَلْقَةٍ (1) ضَيِّقَةٍ قَدْ فَكَكْتَها فَلَكَ الْحَمْدُ.

سُبْحانَكَ لَمْ تَزَلْ عالِماً كامِلاً ، أَوَّلاً آخِراً ، ظاهِراً باطِناً ، مَلِكاً عَظِيماً ، أَزَلِيّاً قَدِيماً ، عَزِيزاً حَكِيماً ، رَءُوفاً رَحِيماً ، جَواداً كَرِيماً ، سَمِيعاً بَصِيراً ، لَطِيفاً خَبِيراً ، عَلِيّاً كَبِيراً ، عَلِيماً قَدِيراً ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ وَأَنْتَ التوَّابُ الرَّحِيمُ.

اللّهُمَّ إِنِّي اشْهِدُ بِحَقِيقَةِ إِيمانِي (2) ، وَعَقْدِ عَزائِمِي (3) وَإيقانِي ، وَحَقائِقَ ظُنُونِي وَمَجارِي سُيُولِ مَدامِعِي (4) ، وَمَساغِ (5) مَطْعَمِي ، وَلَذَّةِ مَشْرَبِي ، وَمَشامِّي (6) وَلَفْظِي ، وَقِيامِي وَقُعُودِي ، وَمَنامِي ، وَرُكُوعِي وَسُجُودِي ، وَبَشَرِي وَعَصَبِي وَقَصَبِي (7) ، وَلَحْمِي وَدَمِي ، وَمُخِّي وَعِظامِي ، وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ شَراسِيفُ (8) أَضْلاعِي وَما أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ (9) شَفَتايَ ، وَما أَقَلَّتِ الْأَرْضُ مِنْ قَدَمَيَّ ، أَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، إِلهاً واحِداً أَحَداً فَرْداً صَمَداً ، لَمْ تَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً وَلَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ.

وَكَيْفَ لا اشْهَدُ لَكَ بِذلِكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ وَأَنْتَ خَلَقْتَنِي بَشَراً سَوِيّاً (10) ، وَلَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً ، وَكُنْتَ يا مَوْلايَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّاً وَرَبَّيْتَنِي طِفْلاً صَغِيراً ، وَهَدَيْتَنِي لِلِاسْلامِ كَبِيراً ، وَلَوْ لا رَحْمَتُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْهالِكِينَ ، نَعَمْ فَلا إِلهَ

ص: 194


1- الحلقة : الضيقة : استعيرت للضيق الشديد اللازم.
2- بحقيقة إيماني : أي بما حقّ وثبت بها إيماني من العقائد الحقة.
3- عقد عزائمي : ما عقدت عليه قلبي.
4- المدامع : المآفي ، وهي أطراف العين.
5- ساغ الشراب : سهل مدخله في الحلق.
6- المشام : آلة الشم أو مكانه.
7- القصب : العظام المجوفة.
8- الشرسوف : غضروف معلق بكل ضلع أو مقط الضلع.
9- أطبقت الشيء على الشيء : غطّيته به.
10- بشرا سويّا : مستوي الأعضاء حسن الخلق.

إِلاَّ اللّهُ كَلِمَةُ حَقٍّ مَنْ قالَها سَعِدَ وَعَزَّ ، وَمَنِ اسْتَكْبَرَ عَنْها شَقِيَ وَذَلَّ ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ كَلِمَةٌ خَفِيفَةٌ عَلَى اللِّسانِ ، ثَقِيلَةٌ فِي الْمِيزانِ ، بِها رِضَى الرَّحْمنِ ، وَسَخَطُ الشَّيْطانِ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَضْعافَ ما حَمِدَهُ جَمِيعُ خَلْقِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، وَكَما يُحِبُّ رَبُّنا ، اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ، وَيَرْضَى أَنْ يُسَبِّحَ وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِ رَبِّنا وَعِزِّ جَلالِهِ وَعِظَمِ رُبُوبِيَّتِهِ وَمِدادِ كَلِماتِهِ ، وَكَما هُوَ أَهْلُهُ.

وَسُبْحانَ اللّهِ أَضْعافَ ما سَبَّحَهُ جَمِيعُ خَلْقِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَكَما يُحِبُّ رَبُّنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ، وَيَرْضى أَنْ يُسَبِّحَ وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِ رَبِّنا وَعِزِّ جَلالِهِ وَعِظَمِ رُبُوبِيَّتِهِ وَمِدادِ كَلِماتِهِ وَكَما هُوَ أَهْلُهُ.

وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلهاً واحِداً أَحَداً فَرْداً صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً وَلَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، أضْعافَ ما هَلَّلَهُ جَمِيعُ خَلْقِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ وَكَما يُحِبُّ رَبُّنا اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَيَرْضى أَنْ يُهَلَّلْ ، وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِ رَبِّنا وَعِزِّ جَلالِهِ وَعِظَمِ رُبُوبِيَّتِهِ وَمِدادِ كَلِماتِهِ وَكَما هُوَ أَهْلُهُ.

وَاللّهُ أَكْبَرُ أَضْعافَ ما كَبَّرُهُ جَمِيعُ خَلْقِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، وَكَما يُحِبُّ رَبُّنا اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَيَرْضى أَنْ يُكَبَّرَ ، وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِ رَبِّنا وَعِزِّ جَلالِهِ وَعِظَمِ رُبُوبِيَّتِهِ وَمِدادِ كَلِماتِهِ وَكَما هُوَ أَهْلُهُ.

وَأَسْتَغْفِرُ اللّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ غَفَّارُ الذُّنُوبِ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيَّ أَضْعافَ مَا اسْتَغْفَرَهُ جَمِيعُ خَلْقِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، وَكَما يُحِبُّ رَبُّنَا اللّهُ لا إِلهَ هُوَ وَيَرْضى أَنْ يَسْتَغْفِرَ ، وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِ رَبِّنا وَعِزِّ جَلالِهِ وَعِظَمِ رَبُوبِيَّتِهِ وَمِدادِ كَلِماتِهِ وَكَما هُوَ أَهْلُهُ.

اللّهُمَّ يا اللّهُ يا رَبِّ ، يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ ، يا مَلِكُ يا قُدُّوسُ ، يا سَلامُ يا مُؤْمِنُ ، يا مُهَيْمِنُ يا عَزِيزُ ، يا جَبَّارُ يا مُتَكَبِّرُ ، يا كَبِيرُ يا خالِقُ ، يا بارِئُ يا مُصَوِّرُ ، يا حَكِيمُ يا خَبِيرُ ، يا سَمِيعُ يا بَصِيرُ ، يا عالِمُ يا عَلِيمُ ، يا جَوادُ يا كَرِيمُ ، يا حَلِيمُ يا قَدِيمُ ، يا غَنِيُّ.

ص: 195

يا عَظِيمُ يا مُتَعالِي ، يا عالِي يا مُحِيطُ ، يا رَءُوفُ (1) يا غَفُورُ (2) يا وَدُودُ (3) ، يا شَكُورُ يا جَلِيلُ ، يا جَمِيلُ ، يا حَمِيدُ يا مَجِيدُ ، يا مُبْدِئُ يا مُعِيدُ ، يا فَعَّالاً لِما يُرِيدُ يا باعِثُ يا وارِثُ (4) يا قَدِيرُ يا مُقْتَدِرُ ، يا صَمَدُ يا قاهِرُ يا تَوَّابُ يا بارُّ ، يا قَوِيُّ يا بَدِيعُ ، يا وَكِيلُ يا كَفِيلُ.

يا قَرِيبُ يا مُجِيبُ ، يا أَوَّلُ يا رازِقُ يا مُنِيرُ ، يا وَلِيُّ يا هادِي ، يا ناصِرُ يا واسِعُ ، يا مُحْيِي يا مُمِيتُ ، يا قابِضُ يا باسِطُ ، يا قائِمُ يا شَهِيدُ يا رَقِيبُ يا حَبِيبُ يا مالِكُ يا نُورُ ، يا رَفِيعُ يا مَوْلى ، يا ظاهِرُ يا باطِنُ ، يا أَوَّلُ يا آخِرُ ، يا طاهِرُ يا مُطَهِّرُ ، يا لَطِيفُ يا حَفِيُ (5) ، يا خالِقُ يا مَلِيكُ ، يا فَتّاحُ يا عَلاّمُ ، يا شاكِرُ يا أَحَدُ ، يا غَفَّارُ.

يا ذَا الطَّوْلِ يا ذَا الْحَوْلِ ، يا مُعِينُ يا ذَا الْعَرْشِ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، يا مُسْتَعانُ يا غالِبُ يا مُغِيثُ يا مَحْمُودُ يا مَعْبُودُ ، يا مُحْسِنُ يا مُجْمِلُ يا فَرْدُ ، يا حَنَّانُ يا مَنَّانُ ، يا قَدِيمَ الإِحْسانِ.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ الْأَسْماءِ وَبِحَقِّ أَسْمائِكَ كُلِّها ، ما عَلِمْتُ مِنْها وَما لَمْ أَعْلَمْ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبِينَ الْأَخْيارِ الطَّاهِرِينَ الْأَبْرارِ ، وَأَنْ تُفَرِّجَ عَنِّي كُلَّ غَمٍّ وَهَمٍّ وَكَرْبٍ وَضُرٍّ وَضِيقٍ أَنَا فِيهِ ، وَتُوَسِّعَ عَلَيَّ فِي رِزْقِي أَبَداً ما أَحْيَيْتَنِي ، وَتُبَلِّغَنِي أَمَلِي سَرِيعاً عاجِلاً.

وَتَكْبِتَ أَعْدائِي (6) وَحُسَّادِي ، وَذَوِي التَّعَزُّزِ عَلَيَّ ، وَالظُّلْمِ لِي وَالتَّعَدِّي عَلَيَّ ، وَتَنْصُرَنِي عَلَيْهِمْ ، بِرَحْمَتِكَ وَتَكْفِيَنِي أَمْرَهُمْ بِعِزَّتِكَ ، وَتَجْعَلَنِي الظّاهِرَ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَتِكَ وَغالِبِ مَشِيَّتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى

ص: 196


1- الرءوف : الرحيم بعباده العطوف عليهم بألطافه ، والرأفة أدق من الرحمة.
2- الغفر : التغطية ، والغفور بمعنى الساتر للذنوب والعيوب.
3- الودود : فعول بمعنى الفاعل أي يحبّ عباده الصالحين ، أو بمعنى المفعول أي محبوب في قلوبهم.
4- الوارث : هو الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم.
5- الحفيّ : المبالغ في الإكرام والبر وإظهار السرور.
6- كبت اللّه العدو : أهلكه وأذلّه.

اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ (1) خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَحَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (2).

وتقول إذا خرجت من منزلك تريد المصلّى :

بِسْمِ اللّهِ وَبِاللّهِ ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ اكْبَرُ ، اللّهُ اكْبَرُ اللّهُ اكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا انْ هَدينا اللّهُ ، لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبَّنا بِالْحَقِّ.

اللّهُمَّ يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ يا كهيعص ، يا نُورَ كُلِّ نُورٍ ، يا مُدَبِّرَ الأُمُورِ ، يا اللّهُ يا أَوَّلَ الأَوَّلِينَ ، وَيا آخِرَ الاخِرِينَ ، وَيا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ ، يا جَوادُ يا كَرِيمُ ، يا سَمِيعُ يا عَلِيمُ.

اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُزِيلُ النِّعَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَأْخُذُ بِالْكَظَمِ (3) ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُحِلُّ السَّقَمَ ، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ (4) ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ الْبَلاءَ ، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تُورِثُ الشِّقاءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعاءَ ، [ وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَقْطَعُ الرَّجاءَ ] (5).

وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَكْشِفُ الْغِطاءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُمْسِكَ غَيْثَ السَّماءِ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُكَدِّرُ الصَّفاءَ (6) ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي أَتَيْتُها تَعَمُّداً اوْ خَطَأَ ، انَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِ رَبِّنا وَعِزِّ جَلالِهِ.

اللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يا ذَا الْجَلالِ

ص: 197


1- صلّى اللّه وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده على محمد ( خ ل ).
2- عنه البحار 98 : 295 ، 91 : 47.
3- يقال : أخذ بكظمه أي كربه وغمّه.
4- الهتك : خرق الستر ، والعصم جمع العصمة ، وهي ما يعتصم به.
5- من البحار.
6- الصفا - بالقصر - جمع الصفاة ، وهي الصخرة الملساء.

وَالإِكْرامِ ، انِّي اعْهَدُ الَيْكَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَاشْهِدُكَ انِّي اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ وَانْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَاشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وَاشْهَدُ انَّ وَعْدَكَ حَقٌّ ، وَانَّ لِقاءَكَ حَقٌّ ، وَانَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ، وَانَّكَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.

وَاشْهَدُ (1) انَّكَ انْ تَكِلْنِي الى نَفْسِي تَكِلْنِي الى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ (2) وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ ، وَانِّي لا أَثِقُ الاَّ بِرَحْمَتِكَ ، فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْداً تُؤَدِّيهِ إِلَيَّ يَوْمَ أَلْقاكَ انَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي كُلَّها صَغِيرَها وَكَبِيرَها ، انَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ الاَّ انْتَ ، وَتُبْ عَلَيَّ انَّكَ انْتَ التَّوَّاب الرَّحِيمُ.

وتقول وأنت في الطريق :

بِسْمِ اللّهِ وَبِاللّهِ ، اللّهُ اكْبَرُ اللّهُ اكْبَرُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ اكْبَرُ (3) ، اللّهُ اكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ (4) وَانّا الى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.

بِسْمِ اللّهِ مَخْرَجِي ، وَبِاذْنِهِ خَرَجْتُ ، وَمَرْضاتَهُ اتَّبَعْتُ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْهِ فَوَّضْتُ امْرِي وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، تَوَكَّلْتُ عَلَى الإِلهِ الاكْبَرِ ، تَوَكُّلَ مُفَوِّضٍ إِلَيْهِ.

اللّهُمَّ يا اللّهُ يا رَحْمانُ ، يا عَلِيُّ يا عَظِيمُ ، يا احَدُ يا صَمَدُ ، يا فَرْدُ يا رَحِيمُ يا وِتْرُ (5) ، يا سَمِيعُ يا عَلِيمُ ، يا عالِمُ يا كَبِيرُ يا مُتَكَبِّرُ ، يا جَلِيلُ يا جَمِيلُ ، يا حَلِيمُ

ص: 198


1- عوزة ( خ ل ) ، أقول : العورة : كلّ ما يستحي منه وكل حال يتخوف منه ، عوز الرجل : افتقر.
2- أشهدك ( خ ل ).
3- زيادة : لا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر ( خ ل ).
4- مقرنين : مطيقين.
5- الوتر : الفرد.

يا كَرِيمُ ، يا قَوِيُّ يا وَفِيُّ ، يا عَزِيزُ يا مُكَوِّنُ ، يا حَنّانُ يا مَنّانُ ، يا مُؤْمِنُ يا مُهَيْمِنُ (1) ، يا عَزِيزُ يا جَبّارُ.

يا قَدِيمُ يا مُتَعالي ، يا مُعِينُ يا تَوَّابُ يا وَهّابُ يا باعِثُ يا وارِثُ ، يا حَمِيدُ يا مَجِيدُ يا مَعْبُودُ ، يا مَوْجُودُ يا ظاهِرُ يا باطِنُ ، يا طاهِرُ يا مُطَهِّرُ ، يا مَكْنُونُ يا مَخْزُونُ ، يا أَوَّلُ يا آخِرُ ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ يا شامِخُ ، يا واسِعُ يا سَلامُ يا رَفِيعُ يا مُرْتَفِعُ يا نُورُ.

يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، يا ذَا الْعِزَّةِ وَالسُّلْطانِ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تُفَرِّجَ عَنِّي كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ وَكَرْبٍ انَا فِيهِ ، وَتَقْضِيَ جَمِيعَ حَوائِجِي وَتُبَلِّغَنِي غايَةَ أَمَلِي ، وَتَكْبِتَ (2) أَعْدائِي وَحُسّادِي ، وَتَكْفِيَنِي امْرَ كُلِّ مُؤْذٍ لِي سَرِيعاً عاجِلاً ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

فإذا دخلت إلى المصلّى وجلست في الموضع الّذي تصلّي فيه ، تقول :

اللّهُ اكْبَرُ اللّهُ اكْبَرُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ اكْبَرُ ، اللّهُ اكْبَرُ (3) وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، يا واسِعُ لا يَضِيقُ ، وَيا حَسَناً عائِدَتُهُ ، يا مُلْبِساً فَضْلَ رَحْمَتِهِ ، يا مُهاباً لِشِدَّةِ سُلْطانِهِ ، يا راحِماً بِكُلِّ مَكانٍ ، ضَرِيرٌ (4) أَصابَهُ الضُّرُّ ، فَخَرَجَ الَيْكَ مُسْتَغِيثاً بِكَ هائِباً (5) لَكَ ، يَقُولُ : رَبِّ عَمِلْتُ سُوءً وَظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَلِمَغْفِرَتِكَ خَرَجْتُ الَيْكَ.

اسْتَجِيرُ بِكَ فِي خُرُوجِي مِمّا أَخافُ وَاحْذَرُ ، وَبِعِزِّ جَلالِكَ اسْتَجِيرُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ وَمَحْذُورٍ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي تَسَمَّيْتَ بِهِ ، وَجَعَلْتَهُ مَعَ قُوَّتِكَ ، وَمَعَ قُدْرَتِكَ ، وَمَعَ سُلْطانِكَ ، وَصَيَّرْتَهُ فِي قَبْضَتِكَ ، وَنَوَّرْتَهُ بِكَلِماتِكَ ، وَالْبَسْتَهُ وَقارَها مِنْكَ.

ص: 199


1- المهيمن : الرقيب ، الشاهد.
2- كبت اللّه عدوه : أهلكه وذلّله.
3- لا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر ( خ ل ).
4- الضرير : من أصابه الضر وسوء الحال.
5- هابه : خافه واتقاه وحذره.

يا اللّهُ ، اطْلُبُهُ الَيْكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ تَمْحُوَ (1) عَنِّي كُلَّ كَبِيرَةٍ أَتَيْتُها ، وَكُلَّ خَطِيئَةٍ ارْتَكَبْتُها ، وَكُلَّ سَيِّئَةٍ اكْتَسَبْتُها ، وَكُلَّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ ، وَمَخُوفٍ وَمَحْذُورٍ ارْهَبُ ، وَكُلَّ ضِيقٍ انَا فِيهِ.

فَانِّي بِكَ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي فِيهِ تَفْسِيرُ الأُمُورِ كُلِّها ، هذا اعْتِرافِي فَلا تَخْذُلْنِي ، وَهَبْ لِي عافِيَةً شامِلَةَ كافِيَةً ، وَنَجِّنِي مِنْ كُلِّ امْرٍ عَظِيمٍ وَمَكْرُوهٍ جَسِيمٍ ، هَلَكْتُ فَتَلافَنِي (2) بِحَقِّ حُقُوقِكَ كُلِّها ، يا كَرِيمُ يا رَبِّ بِحُبِّي (3) مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَبْدِكَ ، شَدِيدٌ حَياؤُهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِرَحْمَتِكَ ، لِاصْرارِهِ عَلى ما نَهَيْتَهُ عَنْهُ مِنَ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ ، يا عَظِيمُ يا عَظِيمُ.

ما اتَيْتُ بِهِ لا يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ ، قَدْ شَمِتَ بِي فِيهِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ، وَاسْلَمَنِي فِيهِ الْعَدُوُّ وَالْحَبِيبُ ، وَالْقَيْتُ بِيَدِي الَيْكَ ، طَمَعاً لأَمْرٍ واحِدٍ وَطَمَعِي ذلِكَ فِي رَحْمَتِكَ ، فَارْحَمْنِي يا ذَا الرَّحْمَةِ الْواسِعَةِ ، وَتَلافَنِي بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ الذُّنُوبِ.

انِّي أَسْأَلُكَ بِعِزِّ ذلِكَ الاسْمِ الَّذِي مَلَأَ كُلَّ شَيْءٍ دُونَكَ انْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ تَرْحَمَنِي بِاسْتِجارَتِي بِكَ الَيْكَ ، بِاسْمِكَ هذا يا رَحِيمُ ، اتَيْتُ هذا الْمُصَلّى تائِباً مِمَّا اقْتَرَفْتُ (4) ، فَاغْفِرْ لِي تَبِعَتَهُ ، وَعافِنِي مِنْ أَتْباعِهِ بَعْدَ مَقامِي ، يا كَرِيمُ يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ يا مَحَلَّ كُنُوزِ اهْلِ الْغِنى ، وَيا مُغْنِي اهْلِ الْفاقَةِ بِسَعَةِ تِلْكَ الْكُنُوزِ بِالْعِيادَةِ عَلَيْهِمْ وَالنَّظَرِ لَهُمْ ، يا اللّهُ لا يُسَمّى غَيْرُكَ إِلهاً ، إِنَّما الالِهَةُ كُلُّها مَعْبُودَةُ بِالْفِرْيَةِ (5) عَلَيْكَ وَالْكِذْبِ ، لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ يا سادَّ الْفُقَراءِ يا كاشِفَ الضُّرِّ ، يا جابِرَ الْكَسِيرِ ، يا عالِمَ السَّرائِرِ وَالضَّمائِرِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَارْحَمْ هَرَبِي الَيْكَ مِنْ فَقْرِي.

ص: 200


1- تمحق ( خ ل ).
2- في الموضعين : فتلافني ، أقول : تلافيته : تداركته.
3- بحق ( خ ل ).
4- الاقتراف : الاكتساب.
5- الفرية : الكذب واختلاقه.

أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْحالِّ فِي غِناكَ ، الَّذِي لا يَفْتَقِرُ ذاكِرُهُ ابَداً ، انْ تُعِيذَنِي مِنْ لُزُومِ فَقْرٍ أَنْسى بِهِ الدِّينَ ، اوْ بِسُوءِ غِنىً افْتَتِنُ بِهِ عَنِ الطّاعَةِ ، بِحَقِّ نُورِ أَسْمائِكَ كُلِّها ، اطْلُبُ الَيْكَ مِنْ رِزْقِكَ ما تُوَسِّعُ بِهِ عَلَيَّ ، وَتَكُفُّنِي بِهِ عَنْ مَعاصِيكَ وَتَعْصِمُنِي بِهِ فِي دِينِي ، لا أَجِدُ لِي غَيْرُكَ.

مَقادِيرُ الأَرْزاقِ عِنْدَكَ ، فَانْفَعْنِي مِنْ قُدْرَتِكَ بِي فِيها بِما يَنْزِعُ ما نَزَلَ بِي مِنَ الْفَقْرِ ، يا غَنِيُّ يا قَوِيُّ يا مَتِينُ ، يا مُمْتَنِناً عَلى اهْلِ الصَّبْرِ بِالدَّعَةِ (1) الَّتِي أَدْخَلْتَها عَلَيْهِمْ بِطاعَتِكَ ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ ، وَقَدْ فَدَحَتْنِي (2) الْمِحَنُ وَافْنَتْنِي وَاعْيَتْنِي (3) الْمَسالِكُ لِلرُّوحِ مِنْها ، وَاضْطَرَّنِي الَيْكَ الطَّمَعُ فِيها مَعَ حُسْنِ الرَّجاءِ لَكَ فِيها.

فَهَرِبْتُ بِنَفْسِي الَيْكَ ، وَانْقَطَعتُ الَيْكَ بِضُرِّي ، وَرَجَوْتُكَ لِدُعائِي ، انْتَ مالِكِي فَاغْنِنِي ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتِي بِجَلاءِ كَرْبِها ، وَإِدْخالِكَ الصَّبْرَ عَلَيَّ فِيها ، فَإِنَّكَ انْ حُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ ما انَا فِيهِ هَلَكْتُ وَلا صَبْرَ لِي ، يا ذَا الاسْمِ الْجامِعِ الَّذِي فِيهِ عِظَمُ الشُّئُونِ كُلِّها ، بِحَقِّكَ يا سَيِّدِي صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغْنِنِي بِأَنْ تُفَرِّجَ عَنِّي يا كَرِيمُ (4).

فصل (7): فيما نذكره من صفة صلاة العيد يوم الأضحى

اعلم انّنا قدّمنا في صفة صلاة عيد الفطر رواية تتضمّن دعاء واحدا للتّكبيرات ، وقد وجدنا عدّة روايات فيها لكلّ تكبيرة من صلاة العيد دعاء جديد ، فاخترنا لله جلّ جلاله ان نذكر هاهنا رواية منها ليكون لكلّ عيد صلاة منفردة ، استظهارا للظّفر

ص: 201


1- الدعة : الخفض.
2- فدحه الأمر أو الدين : أثقله وبهظه.
3- اعفتني ( خ ل ) ، أقول : أعيتني المسالك : أي حيّرتني وملّتني الطرق التي سلكتها للروح من المحن فلم يتسيّر لي ذلك.
4- عنه البحار 91 : 50 - 53.

بالفضل عنها ، فنقول :

أخبرنا جماعة قد ذكرنا أسمائهم في الجزء الأول من المهمّات ، بطرقهم المرضيّات الى مشايخ المعظمين محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد اللّه وجعفر بن قولويه وأبي جعفر الطوسي وغيرهم ، بإسنادهم جميعا إلى سعد بن عبد اللّه من كتاب فضل الدعاء ، المتّفق على ثقته وفضله وعدالته ، بإسناده فيه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال : صلاة العيدين : تكبّر فيها اثنتي عشرة تكبيرة ، سبع تكبيرات في الأولى ، وخمس تكبيرات في الثانية ، تكبّر باستفتاح الصلاة ، ثم تقرء الحمد وسورة « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلى » ، ثم تكبير فتقول :

اللّهُ اكْبَرُ ، اهْلَ الْكِبْرِياءِ وَالْعَظَمَةِ ، وَالْجَلالِ وَالْقُدْرَةِ ، وَالسُّلْطانِ وَالْعِزَّةِ ، وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ ، اللّهُ اكْبَرُ ، أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ وَآخِرُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَبَدِيعُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُنْتَهاهُ ، وَعالِمُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُنْتَهاهُ.

اللّهُ اكْبَرُ مُدَبِّرُ الأُمُورِ ، باعِثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، قابِلُ الأَعْمالِ ، مُبْدِئُ الْخَفِيَّاتِ ، مُعْلِنُ السَّرائِرِ ، وَمَصِيرُ كُلِّ شَيْءٍ وَمَرَدُّهُ إِلَيْهِ ، اللّهُ اكْبَرُ ، عَظِيمُ الْمَلَكُوتِ ، شَدِيدُ الْجَبَرُوتِ ، حَيٌّ لا يَمُوتُ ، اللّهُ اكْبَرُ ، دائِمٌ لا يَزُولُ ، فَاذا قَضَى امْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

ثمّ تكبر وتركع وتسجد سجدتين ، فذلك سبع تكبيرات : أوّلها استفتاح الصّلاة وآخرها تكبيرة الركوع ، وتقول في ركوعك :

خَشَعَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي ، وَشَعْرِي وَبَشَرِي ، وَما أَقَلَّتِ الْأَرْضُ (1) مِنِّي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، سُبْحانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ - ثلاث مرات.

فإن أحببت أن تزيد فزد ما شئت ، ثمّ ترفع رأسك من الركوع ، وتعتدل وتقيم صلبك وتقول :

الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالْحَوْلُ وَالْعَظَمَةُ ، وَالْقُوَّةُ وَالْعِزَّةُ ، وَالسُّلْطانُ وَالْمُلْكُ ،

ص: 202


1- أقلّت الأرض : حملته من جوارحي واعضائي.

وَالْجَبَرُوتُ وَالْكِبْرِياءُ ، وَما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ.

ثم تسجد وتقول في سجودك :

سَجَدَ وَجْهِيَ الْبالِي ، الْفانِي الْخاطِئُ الْمُذْنِبُ ، لِوَجْهِكَ الْباقِي الدَّائِمِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ، غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلا مُسْتَحْسِرٍ (1) وَلا مُسْتَعْظِمٍ وَلا مُتَجَبِّرٍ ، بَلْ بائِسٌ فَقِيرٌ خائِفٌ مُسْتَجِيرٌ عَبْدٌ ذَلِيلٌ مُهِينٌ (2) حَقِيرٌ ، سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ اسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ الَيْكَ.

ثم تسبّح وترفع رأسك وتقول :

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ ، وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَالأَئِمَّةِ ، وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي ، وَلا تَقْطَعْ بِي (3) عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَاجْعَلْنِي مَعَهُمْ وَفِيهِمْ وَفِي زُمْرَتِهِمْ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ ، آمِينَ يا رَبَّ الْعالَمِينَ.

ثمّ تسجد الثانية وتقول مثل الّذي قلت في الأولى ، فإذا نهضت في الثانية ، تقول :

بَرِئْتُ الَى اللّهِ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ.

ثم تقرأ فاتحة الكتاب وسورة « وَالشَّمْسِ وَضُحيها » ، ثمّ تكبر وتقول :

اللّهُ اكْبَرُ خَشَعَتْ (4) لَكَ يا رَبِّ الأَصْواتُ ، وَعَنَتْ لَكَ الْوُجُوهُ ، وَحارَتْ مِنْ دُونِكَ الأَبْصارُ ، اللّهُ اكْبَرُ كَلَّتِ الالْسُنُ عَنْ صِفَةِ عَظَمَتِكَ ، وَالنَّواصِي كُلُّها بِيَدِكَ ، وَمَقادِيرُ الأُمُورِ كُلُّها الَيْكَ ، لا يَقْضِي فِيها غَيْرُكَ ، وَلا يَتِمُّ مِنْها شَيْءٌ دُونَكَ (5).

( اللّهُ اكْبَرُ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمُكَ (6) ، وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ عِزُّكَ ، وَنَفَذَ فِي

ص: 203


1- حسر : أعيا وتعب.
2- المهين : الحقير والضعيف.
3- في القاموس : قطع بزيد فهو مقطوع به ، عجز عن سفره بأي سبب كان ، أوصل بينه وبين ما يؤمله.
4- الخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن.
5- أي لا تصير تماما الاّ بمشيّتك.
6- في الفقيه : حفظك.

كُلِّ شَيْءٍ امْرُكَ ، وَقائِمُ كُلِّ شَيْءٍ بِكَ ) (1) ، اللّهُ اكْبَرُ ، تَواضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِكَ ، وَذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لِعِزَّتِكَ ، وَاسْتَسْلَمَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِكَ ، وَخَضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِمُلْكِكَ ، اللّهُ اكْبَرُ.

ثم تكبّر وتقول وأنت راكع مثل ما قلت في ركوعك الأوّل ، وكذلك في السجود ما قلت في الرّكعة الأولى ، ثمّ تتشهّد بما تتشهّد به في سائر الصّلوات ، فإذا فرغت دعوت بما أجبت للدّين والدنيا (2).

أقول : ومن غير هذه الرواية : فإذا فرغت من صلاة عيد الأضحى فادع بهذا الدعاء :

اللّهُ اكْبَرُ اللّهُ اكْبَرُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ اكْبَرُ ، اللّهُ اكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ إِلهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ لا نَعْبُدُ إِلاَّ إِيّاهُ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (3).

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ رَبُّنا وَرَبُّ آبائِنا الْأَوَّلِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ ، انْجَزَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ [ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ (4) ، وَهَزَمَ الأَحْزابَ وَحْدَهُ ، فَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

سُبْحانَ اللّهِ كُلَّما سَبَّحَ اللّهُ شَيْءٌ وَكَما يُحِبُّ اللّهُ انْ يُسَبَّحَ وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلالِهِ ، وَاللّهُ اكْبَرُ كُلَّما كَبَّرَ اللّهَ شَيْءٌ وَكَما يُحِبُّ اللّهُ انْ يُكَبِّرَ وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلالِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّما حَمِدَ اللّهَ شَيْءٌ وَكَما يُحِبُّ اللّهُ انْ يُحْمَدَ وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلالِهِ.

وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ كُلَّما هَلَّلَ اللّهَ شَيْءٌ وَكَما يُحِبُّ اللّهُ انْ يُهَلَّلَ وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلالِهِ ، وَسُبْحانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ، وَعَدَدَ كُلِّ نِعْمَةٍ انْعَمَهَا اللّهُ عَلَيَّ ، وَعَلى احَدٍ مِنْ خَلْقِهِ ، مِمَّنْ كانَ اوْ يَكُونُ

ص: 204


1- ليس في بعض النسخ.
2- عنه البحار 91 : 60 - 62 ، رواه في الفقيه 1 : 512 ، 523.
3- الكافرون ( خ ل ).
4- من البحار.

الى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

أُعِيذُ نَفْسِي وَدِينِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي وَجَسَدِي وَجَمِيعَ جَوارِحِي ، وَما أَقَلَّتِ الارْضُ مِنِّي ، وَاهْلِي وَمالِي وَوَلَدِي وَجَمِيعَ جَوارِحِي ، وَمَنْ تَشْمُلُهُ عِنايَتِي (1) ، وَجَمِيعَ ما رَزَقْتَنِي يا رَبِّ وَكُلَّ مَنْ يَعْنِينِي امْرُهُ ، بِاللّهِ الَّذِي لا إِلهَ الاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الارْضِ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدُهُ الاّ بِاذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ ايْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ، الاّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالارْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً. قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً. وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً. إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ. رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ. إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً (2) وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (3) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ. فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ. سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا (4) لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (5). فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

ص: 205


1- عنايتي : اعتنائي واهتمامي بأمره.
2- دحره : منعه.
3- الواصب : الدائم.
4- فانفذوا : فاخرجوا.
5- بسلطان : بقوة وقهر.

يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ (1) مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ (2) فَلا تَنْتَصِرانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ. وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ. اللّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ. وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ. وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ.

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ. مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ.

اللّهُمَّ انَّكَ تَرى وَلا تُرى ، وَانْتَ بِالْمَنْظَرِ الأَعْلى ، وَانَّ الَيْكَ (3) الرُّجْعى (4) وَالْمُنْتَهى ، وَلَكَ الاخِرَةُ وَالأُولى ، اللّهُمَّ انّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ انْ نَذِلَ (5) اوْ نَخْزى (6) ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَآلِهِ ، بِأَفْضَلِ صَلَواتِكَ ، وَاغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَما وَلَدا وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ، الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ وَالاهْلِ وَالْقَراباتِ.

اسْتَغْفِرُ اللّهَ الَّذِي لا إِلهَ الاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، لِجَمِيعِ ظُلْمِي وَجُرْمِي

ص: 206


1- الشواظ : لهب لادخان فيه.
2- النحاس : الدخان أو الصفر المذاب يصبّ على رءوسهم.
3- وإليك ( خ ل ).
4- الرجعي : الرجوع ، أي إليك رجوع الخلائق للجزاء والحساب.
5- نعوذ بك ان نذل ( خ ل ).
6- الخزي : الذل والهوان.

وَذُنُوبِي وَإِسْرافِي عَلى نَفْسِي وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، اللّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً ، وَفِي سَمْعِي نُوراً ، وَفِي بَصَرِي نُوراً ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ نُوراً ، وَمِنْ خَلْفِي نُوراً ، وَمِنْ فَوْقِي نُوراً ، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً وَاعْظِمْ لِيَ النُّورَ ، وَاجْعَلْ لِي نُوراً امْشِي بِهِ فِي النّاسِ وَلا تَحْرِمْنِي نُورَكَ (1) يَوْمَ أَلْقاكَ.

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ. لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً. سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ.

رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ. رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا. رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ. رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ.

سُبْحانَ رَبِّ الصَّباحِ الصّالِحِ ، فالِقِ الإِصْباحِ (2) ، وَجاعِلِ اللَّيْلِ سَكَناً وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حُسْباناً (3) ، اللّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَ يَوْمِي هذا صَلاحاً وَاوْسَطَهُ فَلاحاً وَآخِرَهُ نَجاحاً ، اللّهُمَّ مَنْ اصْبَحَ وَحاجَتُهُ الى مَخْلُوقٍ وَطَلِبَتُهُ (4) إِلَيْهِ ، فَإِنَّ حاجَتِي وَطَلِبَتِي الَيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ.

اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

ص: 207


1- من نورك ( خ ل ).
2- فالق الإصباح : شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل أو عن بياض النهار ، أو شاق ظلمة الإصباح وهو الغبش الذي يليه.
3- حسبانا : على أدوار مختلفة تحسب بها الأوقات.
4- الطلبة : ما طلبته من شيء.

لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ. اللّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ. وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ. وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ. مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ.

سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي إِذا دُعِيتَ بِها عَلى مَغالِقِ أَبْوابِ السَّماءِ (1) لِلْفَتْحِ انْفَتَحَتْ ، وَاسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي إِذا دُعِيتَ بِها عَلى مَضائِقِ الأَرضِينَ لِلْفَرْجِ انْفَرَجَتْ ، وَاسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي إِذا دُعِيتَ بِها عَلَى الْبَأْساءِ وَالضَّراءِ لِلْكَشْفِ انْكَشَفَتْ (2) ، وَاسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي إِذا دُعِيتَ بِها عَلى أَبْوابِ الْعُسْرِ لِلْيُسْرِ تَيَسَّرَتْ.

وَاسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الَّتِي إِذا دُعِيتَ بِها عَلَى الأَمْواتِ لِلنُّشُورِ انْتَشَرَتْ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ تُعَرِّفَنِي بَرَكَةَ هذا الْيَوْمِ وَيُمْنَهُ ، وَتَرْزُقَنِي خَيْرَهُ وَتَصْرِفَ عَنِّي شَرَّهُ ، وَتَكْتُبَنِي فِيهِ مِنْ خِيارِ حُجّاجِ بَيْتِكَ الْحَرامِ ،

ص: 208


1- في البحار : السماوات.
2- تكشّفت ( خ ل ).

الْمَبْرُورِ حَجُّهُمْ ، الْمَشْكُورِ سَعْيُهُمْ ، الْمَغْفُورِ ذُنُوبُهُمْ ، الْمُكَفَّرِ عَنْهُمْ سَيِّئَاتُهُمْ ، وَانْ تُوَسِّعَ عَلَيَّ فِي رِزْقِي ، وَتَقْضِيَ عَنِّي دَيْنِي ، وَتُؤَدِّيَ عَنِّي أَمانَتِي ، وَتَكْشِفَ [ عَنِّي ] (1) ضُرِّي ، وَتُفَرِّجَ عَنِّي هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي ، وَتُبَلِّغَنِي أَمَلِي وَتُعْطِيَنِي سُؤْلِي وَمَسْأَلَتِي ، وَتَزِيدَنِي فَوْقَ رَغْبَتِي ، وَتُوصِلَنِي الَى بُغْيَتِي سَرِيعاً عاجِلاً ، وَتُخَيِّرَ لِي وَتَخْتارَ لِي ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْ اسْمِي فِي هذا الْيَوْمِ فِي السُّعَداءِ وَرُوحِي مَعَ الشُّهَداءِ ، وَإِحْسانِي فِي عِلِّيِّينَ ، وَإِساءَتِي مَغْفُورَةً ، وَهَبْ لِي يَقِيناً تُباشِرُ بِهِ قَلْبِي ، وَإِيماناً يُذْهِبُ بِالشَّكِّ عَنِّي ، وَآتِنِي فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنِي عَذابَ النّارِ (2).

وتدعو أيضا في يوم عيد الأضحى فتقول :

اللّهُ اكْبَرُ ، اللّهُ اكْبَرُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ اكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، اللّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الْحَمْدُ كَما يَنْبَغِي لِعِزِّ سُلْطانِكَ وَجَلالِ وَجْهِكَ ، لا إِلهَ إِلاّ انْتَ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، وَسُبْحانَ اللّهِ رَبِّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِاسْمِكَ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ إِلهاً واحِداً لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ (3) مِنْ عَرْشِكَ ، وَمُنْتَهى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ ، وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ وَجَدِّكَ (4) الأَعْلى ، وَبِكَلِماتِكَ التّامّاتِ الَّتِي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلا فاجِرٌ.

ص: 209


1- من البحار.
2- عنه البحار 91 : 63 - 67.
3- بمعاقد العز من عرشك : أي بالخصال التي استحقّ بها العرش العزّ وبمواضع انعقادها منه.
4- الجدّ ، هنا بمعنى العظمة والغناء.

وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، الَّذِي لا إِلهَ الاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ ، الْفَعّالُ لِما يُرِيدُ ، الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لا يَمُوتُ ، قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ.

تَبارَكْتَ (1) وَتَعالَيْتَ خالِقُ ما يُرى وَما لا يُرى ، فَإِنَّكَ بَدِيعٌ لَمْ يَكُنْ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَسَمِيعٌ لَمْ يَكُنْ دُونَكَ شَيْءٌ ، وَرَفِيعٌ لَمْ يَكُنْ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، اسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ ، وَبِاسْمِكَ التّامِّ النُّورِ ، وَبِاسْمِكَ الطُّهْرِ الطّاهِرِ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي إِذا سُئِلْتَ بِهِ اعْطَيْتَ ، وَإِذا دُعِيتَ بِهِ اجَبْتَ ، وَإِذا سُمِّيتَ بِهِ رَضِيتَ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَرْحَمَنِي وَتَرْحَمَ والِدَيَّ وَما وَلَدا ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ، وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ (2) ، وَالذَّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِراتِ ، وَانْ تُفَرِّجَ عَنِّي هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي وَضِيقَ صَدْرِي ، وَتَقْضِيَ عَنِّي دُيُونِي ، وَتُؤَدِّيَ عَنِّي أَمانَتِي ، وَتُوصِلَنِي الى بُغْيَتِي (3) ، وَتُسَهِّلَ لِي مِحْنَتِي (4) ، وَتُيَسِّرَ لِي إِرادَتِي سَرِيعاً عاجِلاً ، انَّكَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

اللّهُمَّ اشْرَحْ (5) صَدْرِي لِلِاسْلامِ ، وَزَيِّنِّي بِالإِيمانِ ، وَالْبِسْنِي التَّقْوى ، وَقِنِي عَذابَ النَّارِ ، اللّهُمَّ رَبَّ النُّجُومِ السّائِرَةِ ، وَرَبَّ الْبِحارِ الْجارِيَةِ ، وَرَبَّ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، مالِكَ (6) الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

رَحْمانَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُما ، تُعْطِي مِنْهُما ما تَشاءُ وَتَمْنَعُ مِنْهُما ما تَشاءُ ، اقْضِ عَنِّي دَيْنِي ، وَفَرِّجْ عَنِّي كُلَّ هَمٍّ وَبَلاءٍ ، انَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ،

ص: 210


1- تباركت : تكاثر خيرك ، من البركة ، وهي كثرة الخير.
2- القنوت : الطاعة ، والدعاء المخصوص في الصلاة.
3- البغية : الحاجة.
4- محبتي ( خ ل ).
5- الشرح : الفتح والكشف.
6- ومالك ( خ ل ).

فَعّالٌ لِما يَشاءُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

اللّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ الأَشْياءِ الَيَّ ، وَاجْعَلْ اخْوَفَ الأَشْياءِ عِنْدِي خَوْفَكَ ، وَارْزُقْنِي الشَّوْقَ الى لِقائِكَ وَاقْرِرْ عَيْنِي بِعِبادَتِكَ.

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، إِلهاً واحِداً أَحَداً فَرْداً صَمَداً ، لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، وَلَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً احَدٌ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ اخْتِمُ بِها عَمَلِي ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِي ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ اسْكُنُ بِها قَبْرِي ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ أَلْقى بِها رَبِّي.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً عَلى حَمْدٍ ، وَلِكُلِّ أَسْمائِكَ حَمْدٌ ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَكَ حَمْدٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَكَ عَبْدٌ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً عَلى حَمْدٍ ، حَمْداً دائِماً ابَداً خالِداً لِخُلُودِكَ وَزِنَةَ عَرْشِكَ ، وَكَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِكَ وَعِزِّ جَلالِكَ وَعِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ ، وَكَما انْتَ اهْلُهُ ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى الْبَأْساءِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى الضَّرَّاءِ ، حَمْداً يُوافِي نِعَمَكَ وَيُكافِئ (1) مَزِيدَكَ.

اللّهُمَّ انْتَ نُورُ السَّماواتِ وَالارْضِ ، وَضِياءُ السَّماواتِ وَالارْضِ ، وَمَلِكُ السَّماواتِ وَالارْضِ وَقَيُّومُ السَّماواتِ وَالارْضِ ، انْتَ ذُو الْعِزِّ وَالْفَضْلِ ، وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِياءِ ، وَالْقُدْرَةِ عَلى خَلْقِكَ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ كُلِّها ، يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ يا اللّهُ ، أَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ يا قَدِيمُ يا قَدِيرُ يا دائِمُ ، يا فَرْدُ يا وِتْرُ ، يا احَدُ يا صَمَدُ ، يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً احَدٌ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ يا نُورَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدى كُلِّ شَيْءٍ (2) ، وَمالِكَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمُنْتَهى كُلِّ شَيْءٍ ، وَمُمِيتَ كُلِّ شَيْءٍ وَمُحْيِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَخالِقَ كُلِّ شَيْءٍ ، انْتَ الْخالِقُ الْبارِيءُ ، لَكَ الْبَقاءُ وَيَفْنى كُلُّ شَيْءٍ.

ص: 211


1- يكافئ : يجازي ويماثل.
2- وصاحب كلّ شيء ( خ ل ).

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ كُلِّها مَعَ اسْمِكَ الْعَظِيمِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ اسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَنُورِكَ الْقَدِيمِ ، وَعَفْوِكَ الْعَظِيمِ ، لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ يا كَرِيمُ ، اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِلا إِلهَ إِلاَّ انْتَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ النُّورَ الَّذِي أَضاءَ كُلَّ شَيْءٍ.

وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ الظُّلْمَةَ الَّتِي اطْبَقَتْ عَلى كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ خَلَقْتَ الْخَلْقَ وَبِهِ تُمِيتُ الْخَلْقَ ، بِهِ بِهِ بِهِ ، اسْأَلُكَ يا جَمِيلُ يا حَيُّ يا قَيُّومُ ، يا باعِثُ يا وارِثُ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ.

اسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ الْعَرْشَ الْعَظِيمَ ، فَإِنَّكَ خَلَقْتَهُ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ ، وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي طَوَّقْتَ بِهِ حَمَلَةَ الْعَرْشِ حِينَ حَمَّلْتَهُمْ ، وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ احَطْتَ الارْضَ فَإِنَّهُ اسْمُكَ ، يا اللّهُ يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، اسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي خَلَقْتَ بِهِ الْمَلائِكَةَ الْخارِجِينَ مِنَ الأَقْطارِ ، فَإِنَّكَ خَلَقْتَهُمْ بِاسْمِكَ الْعَزِيزِ ، يا قَرِيبُ يا مُجِيبُ يا باعِثُ يا وارِثُ.

اسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ (1) ، وَانْ تُفَرِّجَ عَنِّي كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ وَكَرْبٍ وَضُرٍّ وَضِيقٍ انَا فِيهِ ، وَانْ تَسْتَنْفِذَنِي مِنْ وَرْطَتِي (2) ، وَتُخَلِّصَنِي مِنْ مِحْنَتِي ، وَانْ تُبَلِّغَنِي امَلِي سَرِيعاً عاجِلاً ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ يا اللّهُ يا قَدِيمَ الإِحْسانِ ، يا دائِمَ الْمَعْرُوفِ ، يا مَنْ لا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ ، وَلا يُغَلِّطُهُ وَلا يَضْجُرُهُ إِلْحاحُ الْمُلِحِّينَ ، وَلا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ ، وَلا يَتَعاظَمُهُ الْحَوائِجُ ، يا مُطْلِقَ الإِطْلاقِ ، يا مُدِرَّ الأَرْزاقِ ، يا فَتّاحَ الأَغْلاقِ ، يا مُنْقِذَ مَنْ فِي الْوِثاقِ (3) ، يا واحِدُ يا رازِقُ (4) صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاقْضِ لِي جَمِيعَ حَوائِجِي وَاكْشِفْ ضُرِّي ، فَإِنَّهُ لا يَكْشِفُهُ احَدٌ سِواكَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ص: 212


1- الورطة : الهلكة وكل أمر تعسر النجاة منه.
2- وآل محمد ( خ ل ).
3- الوثاق : ما يشدّ به.
4- رزاق ( خ ل ).

اللّهُمَّ قَدْ (1) اكْدَى (2) الطَّلَبُ وَاعْيَتِ الْحِيَلُ الاّ عِنْدَكَ ، وَسُدَّتِ الْمَذاهِبُ وَضاقَتِ الطُّرُقُ الاّ الَيْكَ (3) ، وَاخْتَلَف الظَّنُّ الاّ بِكَ ، وَتَصَرَّمَتِ (4) الأَشْياءُ وَكَذِبَتِ الْعِداةُ الاّ عِدَتُكَ.

اللّهُمَّ وَانِّي أَجِدُ سُبُلَ الْمَطالِبِ الَيْكَ مُشْرَعَةً (5) ، وَمَناهِلَ (6) الرَّجاءِ الَيْكَ مُتْرَعَةً (7) ، وَالاسْتِعانَةَ بِفَضْلِكَ لِمَنِ ائْتَمَّ بِكَ مُباحَةً ، وَأَبْوابَ الدُّعاءِ لِمَنْ دَعاكَ مُفَتَّحَةً ، وَاعْلَمُ انَّكَ لِداعِيكَ بِمَوْضِعِ إِجابَةٍ ، وَلِلصّارِخِ الَيْكَ بِمَرْصَدِ (8) إِغاثَةٍ ، وَانَّ الْقاصِدَ الَيْكَ قَرِيبُ الْمَسافَةِ ، وَمُناجاةُ الرَّاحِلِ الَيْكَ غَيْرُ مَحْجُوبَةٍ عَنْ إِسْماعِكَ ، وَانَّ اللّهْفَ (9) الى جُودِكَ وَالرِّضا بِعِدَتِكَ وَالاسْتِغاثَةَ بِفَضْلِكَ عِوَضٌ عَنْ مَنْعِ الْباخِلِينَ ، وَخَلَفٌ مِنْ خَتَلِ (10) الْوارِثِينَ.

اللّهُمَّ وَانِّي أَقْصدُكَ بِطَلِبَتِي وَأَتَوَجَّهُ الَيْكَ بِمَسْأَلَتِي وَاحْضِرُكَ رَغْبَتِي ، وَاجْعَلُ بِكَ اسْتِغاثَتِي ، وَبِدُعائِكَ تَحَرُّمِي (11) ، مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقاقٍ مِنِّي لِاسْتِماعِكَ وَلَا اسْتِيجابٍ لِاجابَتِكَ ، عَنْ بَسْطِ يَدٍ الى طاعَتِكَ ، اوْ قَبْضِ يَدٍ مِنْ مَعاصِيكَ ، وَلَا اتِّعاظٍ مِنِّي لِزَجْرِكَ ، وَلا إِحْجامِ (12) عَنْ نَهْيِكَ الاّ لَجَأً الى تَوْحِيدِكَ وَمَعْرِفَتِكَ ، بِمَعْرِفَتِي (13) انْ لا رَبَّ لِي غَيْرُكَ ، وَلا قُوَّةَ وَلَا اسْتِعانَةَ الاّ بِكَ.

ص: 213


1- وقد ( خ ل ).
2- كدي الرجل : عجز ولم ينفع.
3- زيادة : وخابت الثقة ( خ ل ).
4- تصرمت الأشياء : تقطعت.
5- الشارع : الطريق الأعظم ، والشريعة : مورد الإبل على الماء الجاري.
6- المنهل : المورد ، موضع الشرب في الطريق.
7- ترع الحوض : امتلأ.
8- المرصد : موضع التّرصّد والترقب.
9- اللاهف : المظلوم المضطر.
10- ختله : خدعه.
11- تحرّمي : استجارتي وامتناعي من البلايا.
12- احجام منّي ( خ ل ) ، أقول : أحجم عن الشيء : كفّ ، نكص هيبة.
13- بمعرفة منّي ( خ ل ).

إِذْ تَقُولُ يا الهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ لِمُسْرِفِي عِبادِكَ ( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (1) ، وَتَقُولُ لَهُمْ إِفْهاماً وَمَوْعِظَةً وَتِكْراراً ( وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ) (2) ، فَارْحَمْنا بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَاكْشِفْ ضُرِّي وَنَحِيبِي الَيْكَ ، انَّكَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

اللّهُمَّ يا رَبِّ تَكْذِيباً لِمَنْ اشْرَكَ بِكَ ، وَرَدّاً عَلى مَنْ جَعَلَ الْحَمْدُ لِغَيْرِكَ ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ عُلُوّاً كَبِيراً ، بَلْ انْتَ اللّهُ لَكَ الْحَمْدُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، انْتَ اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، انْتَ اللّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ ، انْتَ اللّهُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، انْتَ اللّهُ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ.

انْتَ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَالَيْكَ يَعُودُ ، انْتَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ ، انْتَ اللّهُ الْخالِقُ عالِمُ السِّرِّ وَأَخْفى ، لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ الْواحِدُ الأَحَدُ ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً احَدٌ.

اللّهُمَّ إِنَّكَ حَيٌّ لا تَمُوتُ ، وَخالِقٌ لا تُغْلَبُ ، وَبَصِيرٌ لا تَرْتابُ ، وَسَمِيعٌ لا تَشُكُّ ، وَصادِقٌ لا تَكْذِبُ ، وَقاهِرٌ لا تُقْهَرُ ، وَبَدِيءُ لا تَتَغَيَّرُ ، وَقَرِيبٌ لا تَبْعُدُ وَقادِرٌ لا تُضادُّ ، وَغافِرٌ لا تَظْلِمُ ، وَصَمَدٌ لا تُطْعَمُ ، وَقَيُّومٌ لا تَنامُ ، وَمُجِيبٌ لا تَسْأَمُ ، وَجَبَّارٌ لا تُكَلَّمُ ، وَعَظِيمٌ لا تُرامُ.

وَعالِمٌ لا تُعَلَّمُ ، وَقَوِيٌّ لا تَضْعُفُ ، وَوَفِيٌّ لا تُخْلِفُ ، وَعَدْلٌ لا تَحِيفُ ، وَغَنِيٌّ لا تَفْتَقِرُ ، وَكَبِيرٌ لا تُغادَرُ ، (3) وَحَكِيمٌ لا تَجُورُ ، وَمُمْتَنِعٌ لا تُمانَعُ (4) ، وَمَعْرُوفٌ لا تُنْكَرُ ، وَوَكِيلٌ لا تَخْفى ، وَغالِبٌ لا تُغْلَبُ ، وَبَرٌّ لا تُسْتَأْمَرُ (5) ، وَفَرْدٌ لا تُشاوِرُ ،

ص: 214


1- الزمر : 53.
2- آل عمران : 135.
3- المغادرة : الترك ، أي لا تترك شيئا إلاّ أحصيته وجازيت عليه.
4- لا تمانع : لا يمتنع منك أحد.
5- لا تستأمر : لا تستشير أحدا في البر والإحسان.

وَوَهّابٌ لا تُمِلُ (1) ، وَواسِعٌ لا تُذْهَلُ (2). وَجَوادٌ لا تَبْخَلُ ، وَعَزِيزٌ لا تُغْلَبُ ، وَحافِظٌ لا تَغْفُلُ ، وَقائِمٌ لا تَنامُ ، وَمُحْتَجِبٌ لا تَزُولُ ، وَدائِمٌ لا تَفْنى ، وَباقٍ لا تَبْلى ، وَواحِدٌ لا شَبِيهَ لَكَ ، وَمُقْتَدِرٌ لا تُنازَعُ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ الْحَنّانُ الْمَنّانُ ، بَدِيعُ السَّماواتِ وَالارْضِ ، ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ تُبَلِّغَنِي غايَةَ أَمَلِي وَابْعَدَ امْنِيَّتِي ، وَأَقْصى ارْجِئَتِي وَتَكْشِفَ ضُرِّي ، فَإِنَّهُ لا تَكْشِفُهُ احَدٌ سِواكَ بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ يا نُورَ السَّماواتِ وَالْأَرَضِينَ ، وَيا عِمادَ (3) السَّماواتِ وَالْأَرَضِينَ وَيا قَيُّومَ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ ، وَيا جَمالَ (4) السَّماواتِ وَالأَرضِينَ ، وَيا زَيْنَ السَّماواتِ وَالأَرضِينَ ، وَيا بَدِيعَ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ ، وَيا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، يا صَرِيخَ (5) الْمُسْتَصْرِخِينَ ، يا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، يا مُنْتَهى رَغْبَةِ الْعابِدِينَ ، يا مُنَفِّسَ (6) عَنِ الْمَكْرُوبِينَ.

يا مُفَرِّجَ عَنِ الْمَغْمُومِينَ ، يا كاشِفَ الضُّرِّ ، يا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يا إِلهَ الْعالَمِينَ ، مَنْزُولٌ بِكَ كُلُّ حاجَةٍ ، يا حَنّانُ يا مَنّانُ يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، يا نُورَ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ وَما بَيْنَهُنَّ ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ.

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ النُّورِ الْمُشْرِقِ ، الْحَيِّ الْباقِي الدّائِمِ ، وَبِوَجْهِكَ الْقُدُّوسِ الَّذِي اشْرَقَتْ لَهُ السَّماواتُ وَالأَرَضُونَ ، وَانْفَلَقَتْ (7) بِهِ

ص: 215


1- لا تملّ : لا تسأم من الهبة والعطاء ولو من كثرة السؤال.
2- لا تذهل : أي لا تفعل.
3- العماد : ما يعتمد عليه.
4- الجمال : الحسن.
5- الصريخ : المغيث.
6- نفّس اللّه عنه كربته : فرّجها.
7- انفلقت : انشقّت.

الظُّلُماتُ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تُفَرِّجَ عَنِّي كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ وَكَرْبٍ وَضُرٍّ وَضِيقٍ انَا فِيهِ ، وَانْ تَرْحَمَنِي وَتَرْحَمَ والِدَيَّ وَما وَلَدا ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ، الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ يا مَنْ لا تَراهُ الْعُيُونُ ، وَلا تُخالِطُهُ الظُّنُونُ ، وَلا تَصِفُهُ الْواصِفُونَ ، وَلا تَعْتَرِيهِ الْحَوادِثُ وَلا تَغْشاهُ الدَّوائِرُ (1) ، تَعْلَمُ مَثاقِيلَ الْجِبَالِ وَمَكائِيلَ الْبِحارِ ، وَعَدَدَ قَطْرِ الأَمْطارِ وَوَرَقِ الأَشْجارِ ، وَما اظْلَمَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَاشْرَقَ عَلَيْهِ النَّهارُ ، وَلا يُوارِي مِنْكَ سَماءٌ سَماءً ، وَلا ارْضٌ ارْضاً ، وَلا جَبَلٌ ما فِي وعْرِهِ (2) وَلا بَحْرٌ ما فِي قَعْرِهِ ، انْ تَجْعَلَ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَهُ ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَواتِمَهُ ، وَخَيْرَ ايّامِي يَوْمَ أَلْقاكَ ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ فُلَ (3) عَنِّي حَدَّ مَنْ نَصَبَ لِي حَدَّهُ ، وَاطْفِ عَنِّي نارَ مَنْ شَبَ (4) لِي نارَهُ ، وَاكْفِنِي هَمَّ مَنْ ادْخَلَ عَلَيَّ هَمَّهُ ، وَاعْصِمْنِي بِالسَّكِينَةِ (5) وَالْوَقارِ (6) ، وَادْخِلْنِي فِي دِرْعِكَ الْحَصِينَةِ ، وَادْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي سِتْرِك الْواقِي ، يا مَنْ لا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ اكْفِنِي ما أَهَمَّنِي مِنْ امْرِ دُنْيايَ وَآخِرَتِي يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

يا حَقِيقُ يا شَفِيقُ ، يا رُكْنِيَ الْوَثِيقَ ، اخْرِجْنِي مِنْ حِلَقِ الْمَضِيقِ ، الى فَرَجٍ مِنْكَ قَرِيبٌ ، وَلا تُحَمِّلْنِي يا عَزِيزُ بِحَقِّ عِزِّكَ ما لا أُطِيقُ ، انْتَ اللّهُ سَيِّدِي وَمَوْلايَ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْحَقِيقُ ، يا مُشْرِقَ الْبُرْهانِ ، يا قَوِيَّ الأَرْكانِ ، يا مَنْ وَجْهُهُ فِي هذَا الْمَكانِ ، احْرُسْنِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لا تَنامُ ، وَاكْفِنِي بِكِفايَتِكَ الَّتِي

ص: 216


1- الدوائر جمع الدائرة : وهي الدولة بالغلبة والنصرة.
2- وغده ( خ ل ) ، أقول : الوعر : المكان الصلب ، المكان المخيف الوحش.
3- فلّ السيف : ثلمة ، الفلّة : الثلمة في حدّ السيف.
4- شبّب ( خ ل ) ، أقول : شبّ النار : أوقدها.
5- السكينة : اطمينان القلب بذكر اللّه.
6- الوقار : كون الجوارح مشغولة بطاعة اللّه.

لا تُرامُ (1) ، اللّهُمَّ لا امْلِكُ وَانْتَ الرَّجاءُ ، فَارْحَمْنِي بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ ، وَرَبَّ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (2) ، وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، وَرَبَّ التَّوْراةِ وَالانْجِيلِ (3) ، وَرَبَّ الْقُرْآنِ (4) الْعَظِيمِ.

انْتَ اللّهُ إِلهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ ، لا إِلهَ فِيهِما غَيْرُكَ وَلا مَعْبُودَ سِواكَ ، وَانْتَ جَبّارُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَجَبَّارُ مَنْ فِي الارْضِ لا جَبّارَ فِيهِما غَيْرُكَ ، وَانْتَ مَلِكُ مَنْ فِي السَّماواتِ (5) وَمَلِكُ مَنْ فِي الارْضِ ، لا مَلِكَ فِيهِما غَيْرُكَ.

اسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ وَمُلْكِكَ الْقَدِيمِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي صَلُحَ بِهِ الأَوَّلُونَ ، وَبِهِ صَلُحَ الاخِرُونَ ، يا حَيُّ قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ ، يا حَيُّ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ.

اسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَصْلُحَ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، وَانْ تَجْعَلَ عَمَلِي فِي الْمَرْفُوعِ الْمُتَقَبَّلِ ، وَهَبْ لِي ما وَهَبْتَ لَاوْلِيائِكَ وَاهْلِ طاعَتِكَ ، فَانِّي مُؤْمِنٌ بِكَ ، مُتَوَكِّلٌ عَلَيْكَ ، مُنِيبٌ الَيْكَ مَصِيرِي الَيْكَ.

انْتَ الْحَنّانُ الْمَنّانُ تُعْطِي الْخَيْرِ مَنْ تَشاءُ وَتَصْرِفُهُ عَمَّنْ تَشاءُ ، فَتَوَفَّنِي عَلى دِينِ مُحَمَّدٍ وَسُنَّتِهِ ، وَهَبْ لِي ما وَهَبْتَ لِعِبادِكَ الصّالِحِينَ يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتَ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ، رَحْمانُ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُما ، تُعْطِي مِنْهُما ما تَشاءُ وَتَمْنَعُ مِنْهُما ما تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ص: 217


1- لا ترام : أي لا تقصد بسوء وممانعة.
2- المسجور : المملوّ أو المتّقد نارا في القيامة.
3- والزبور ( خ ل ).
4- الفرقان ( خ ل ).
5- السماء ( خ ل ).

اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ ضَجِيعاً (1) ، وَمِنَ الشَّرِّ وَلُوعاً (2) اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ النّارِ فَإِنَّها بِئْسَ الْمَصِيرُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الْقَرِينِ ، وَاصْبَحْتُ وَرَبِّي مَحْمُودٌ ، اصْبَحْتُ لا ادْعُو مَعَ اللّهِ إِلهاً ، وَلا اتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً ، وَلا اشْرِكَ بِهِ شَيْئاً.

اللّهُمَّ يا نُورَ السَّماواتِ وَالارْضِ ، وَيا جَمالَ السَّماواتِ وَالارْضِ ، وَيا جَمالَ السَّماواتِ وَالارْضِ ، وَيا حامِلَ السَّماواتِ وَالارْضِ وَيا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، وَيا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَيا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، وَيا مُنْتَهى رَغْبَةِ الْعابِدِينَ ، يا مُفَرِّجاً عَنِ الْمَغْمُومِينَ ، وَيا مُرَوِّحُ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ ، وَيا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ وَيا كاشِفَ السُّوءِ وَيا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، وَيا إِلهَ الْعالَمِينَ ، مَنْزُولٌ بِكَ كُلُّ حاجَةٍ ، انْزَلْتُ بِكَ الْيَوْمَ حاجَتِي.

اللّهُمَّ انِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ وَفِي قَبْضَتِكَ ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ ، عَدْلٌ فِيَّ حُكْمُكَ ، ماضٍ فِيَّ قَضاؤُكَ ، فَأَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ عَلى خَلْقِكَ وَبِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَكَ ، وَبِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ اوْ انْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ اوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ (3) بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، وَانْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي (4) وَنُورَ بَصَرِي وَجَلاءَ حُزْنِي وَذَهابَ هَمِّي وَغَمِّي ، وَانْ تَقْضِيَ لِي كُلَّ حاجَةٍ مِنْ حَوائِجِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ ، اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَإِسْرافِي فِي امْرِي وَقِنِي عَذابَ الْقَبْرِ ، اللّهُمَّ يَسِّرْنِي لِلْيُسْرى وَجَنِّبْنِي الْعُسْرى.

اللّهُمَّ اعْصِمْنِي بِدِينِكَ وَطاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسُولِكَ ، اللّهُمَّ اعِذْنِي مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ ، اللّهُمَّ امَرْتَنِي انْ ادْعُوكَ ، فَانِّي ادْعُوكَ انْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَتَقِينِي

ص: 218


1- الضجيع المضطجع على جنبه.
2- ولعت بالشيء : أولع به ولعا.
3- استأثرت به : تفرّدت واستبددت به ولم تعلمه أحدا من خلقك.
4- في النهاية : في الحديث : اللّهم اجعل القرآن ربيع قلبي ، جعله ربيعا له لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان ويميل إليه.

عَذابَ (1) النّارِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيا وَالْمَماتِ وَعَذابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجّالِ (2).

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، اوْ انْزَلْتَهُ فِي كُتُبِكَ ، اوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَو اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، وَاسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي اشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُماتُ ، وَصَلُحَ بِهِ امْرُ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

وَأَسْأَلُكَ يا اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، بِأَنَّكَ انْتَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ الْواحِدُ الأَحَدُ ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ تَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً احَدٌ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ الْمَنّانُ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ ، ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرامِ.

وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الاعْظَمِ الَّذِي لا شَيْءَ اعْظَمُ مِنْهُ وَلا أَجَلُّ مِنْهُ وَلا اكْبَرُ مِنْهُ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِي الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، وَانْ تُعْطِيَ مُحَمَّداً الْوَسِيلَةَ ، وَانْ تُجْزِيَ مُحَمَّداً عَنْ أُمَّتِهِ احْسَنَ ما تَجْزِيَ نَبِيّاً عَنْ أُمَّتِهِ ، وَانْ تَجْعَلَنا فِي زُمْرَتِهِ ، وَانْ تَسْقِيَنا بِكَأْسِهِ ، إِنَّكَ وَلِيُّ ذلِكَ وَالْقادِرُ عَلَيْهِ.

اللّهُمَّ عافِنِي أَبَداً ما ابْقَيْتَنِي وَآتِنِي فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنِي بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النّارِ يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمٍ النَّبِيِّينَ وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً ، وَحَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (3).

وإذا نهضت من مصلاّك لتنصرف فقل :

اللّهُ اكْبَرُ اللّهُ اكْبَرُ ، لا إِلهَ إِلاّ اللّهُ وَاللّهُ اكْبَرُ اللّهُ اكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

ص: 219


1- من عذاب ( خ ل ).
2- فتنة المسيح الدجال ، سمّي الدجال مسيحا لأنّ إحدى عينيه ممسوحة ، أو المراد به المسيح الكذاب الذي يخرج قبيل ظهور المسيح الصادق عليه السلام.
3- عنه البحار 91 : 69 - 76.

وإذا انصرفت إلى منزلك ودخلته تقول :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، بِسْمِ اللّهِ وَبِاللّهِ ، اللّهُ اكْبَرُ اللّهُ اكْبَرُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ اكْبَرُ ، اللّهُ اكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الرَّفِيعَةِ الْجَلِيلَةِ الْكَرِيمَةِ ، الْحَسَنَةِ الْجَمِيلَةِ ، يا حَمِيدُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا جَلِيلُ يا عَظِيمُ ، يا كَرِيمُ يا قادِرُ ، يا وارِثُ يا عَزِيزُ ، يا فَرْدُ يا وِتْرُ ، يا اللّهُ يا رَحْمنُ يا رَحِيمُ ، يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ.

اسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ وَمُنْتَهاها الَّتِي مَحَلُّها فِي نَفْسِكَ مِمَّا لَمْ تُسَمَّ بِهِ أَحَداً غَيْرَكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِما لا يَراهُ وَلا يَعْلَمُهُ مِنْ أَسْمائِكَ غَيْرُكَ ، يا اللّهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ ما نَسَبْتَ إِلَيْهِ نَفْسَكَ مِمّا تُحِبُّهُ يا اللّهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِجُمْلَةِ مَسائِلِكَ يا اللّهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ مَسْأَلَةٍ أَوْجَبْتَها حَتّى انْتَهى بِها الى اسْمِكَ الْعَظِيمِ الاعْظَمِ يا اللّهُ ، وَاسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الْحُسْنى كُلِّها يا اللّهُ ، وَاسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ اوْجَبْتَهُ حَتّى انْتَهى الَى اسْمِكَ الْعَظِيمِ الاعْظَمِ ، الْكَبِيرِ الاكْبَرِ ، الْعَلِيِّ الأَعْلى ، يا اللّهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْكامِلِ الَّذِي فَضَّلْتَهُ عَلى جَمِيعِ مَنْ يُسَمّى بِهِ احَدٌ غَيْرُكَ ، الَّذِي هُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا صَمَدُ يا رَحْمانُ ، أَدْعُوكَ وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ ما انْتَ فِيهِ مِمّا لا اعْلَمُهُ ، فَأَسْأَلُكَ بِهِ يا اللّهُ.

وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ الأَسْماءِ ، وَبِحَقِّ تَفْسِيرِها فَإِنَّهُ لا يَعْلَمُ تَفْسِيرَها غَيْرُكَ ، يا اللّهُ ، وَأَسْأَلُكَ بِما لا اعْلَمُ بِهِ وَبِما لَوْ عَلِمْتُهُ لَسَأَلْتُكَ بِهِ ، وَبِكُلِّ اسْمٍ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ يا اللّهُ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَانْ تَغْفِرَ لَنا وَتَرْحَمَنا وَتُوجِبَ لَنا رِضْوانَكَ وَالْجَنَّةَ وَتَرْزُقَنا مِنْ فَضْلِكَ الْكَثِيرِ الْواسِعِ ، وَتَجْعَلَ لَنا مِنْ أَمْرِنا فَرَجاً ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لا هادِيَ لِمَنْ اضْلَلْتَ ، وَلا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ ، وَلا مانِعَ لِما اعْطَيْتَ ، وَلا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ ، وَلا مُؤَخِّرَ لِما قَدَّمْتَ ، وَلا مُقَدِّمَ لِما اخَّرْتَ ،

ص: 220

وَلا قابِضَ لِما بَسَطْتَ ، وَلا باسِطَ لِما قَبَضْتَ. (1)

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ الْغِنى يَوْمَ الْعِيلَةِ ، وَالامْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ ، وَأَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لا يَزُولُ وَلا يَحُولُ (2).

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِما سَأَلَكَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ ، وَاسْتَجِيرُ بِكَ مِمَّا اسْتَجارَ بِكَ مِنْهُ مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ انْتَ رَبِّي فَيَسِّرْ لِي امْرِي ، وَوَفِّقْنِي فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعافِيَةٍ ، وَادْفَعْ عَنِّي السُّوءَ كُلَّهُ ، وَاكْفِنا شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الَّذِي بِهِ قِوامُ الدِّينِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي قامَتْ بِهِ السَّماواتُ وَالأَرَضُونَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي تُحْيِي بِهِ الْمَوْتى ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي إِذا دُعِيتَ بِهِ اجَبْتَ وَإِذا سُئِلْتَ بِهِ اعْطَيْتَ ، وَبِالتَّوْراةِ وَالانْجِيلِ (3) وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، رَبَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ ، انْ تُعْتِقَنِي مِنَ النّارِ عِتْقاً ثابِتاً لا أَعُودُ لِاثْمٍ بَعْدَهُ أَبَداً.

اللّهُمَّ اذْكُرْنِي بِرَحْمَتِكَ وَلا تُدْرِكْنِي (4) بِخَطِيئَتِي ، وَزِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ انِّي الَيْكَ راغِبٌ ، وَاجْعَلْ دُعائِي وَعَمَلِي خالِصاً [ لَكَ ] (5) ، وَاجْعَلْ ثَوابَ مَنْطِقِي وَمَجْلِسِي رِضاكَ عَنِّي ، وَاجْعَلْ ثَوابِي مِنْ ذلِكَ الْجَنَّةَ بِقُدْرَتِكَ ، وَزِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ انِّي الَيْكَ راغِبٌ.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وَما اخَّرْتُ (6) ، وَما اعْلَنْتُ وَما اسْرَرْتُ ، وَما انْتَ اعْلَمُ بِهِ مِنِّي انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللّهُمَّ وَما كانَ مِنْ خَيْرٍ فَارْزُقْنِي الْمُداوَمَةَ عَلَيْهِ وَالزِّيادَةَ مِنْهُ ، حَتّى تُبَلِّغَنِي بِذلِكَ جَسِيمَ الْخَيْرِ عِنْدَكَ ، وَتَجْعَلَهُ لِكُلِّ خَيْرٍ

ص: 221


1- في البحار زيادة : اللّهم ابسط علينا بركاتك وفضلك ورحمتك ورزقك.
2- لا يحول : لا يتغيّر.
3- في البحار زيادة : والزبور.
4- في البحار : لا تذكرني.
5- من البحار.
6- ما قدّمت ، أي ما فعلته في حياتي ، وما أخّرت أي ما أوصيت به بعد وفاتي.

تَبَعاً (1) وَنَجاةً مِنْ كُلِّ تَبِعَةٍ.

اللّهُمَّ ارْزُقْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلاةَ وَالْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَصِلَةَ الرَّحِمِ ، وَعَظِّمْ وَوَسِّعْ رِزْقِي وَرِزْقَ عِيالِي ، انْتَ اللّهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَانْتَ اللّهُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ اعْطِنِي اشْرَفَ الْعَطِيَّةِ ، وَاجِرْنِي مِنْ جَهْدِ (2) الْبَلاءِ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ ، وَاعِذْنِي مِنْ عَذابِكَ الْواقِعِ ، وَارْزُقْنِي مِنْ رِزْقِكَ الْواسِعِ ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ انِّي ادْعُوكَ دُعاءَ عَبْدٍ اشْتَدَّتْ (3) فاقَتُهُ ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ ، دُعاءَ مَنْ لَيْسَ لَهُ رَبٌّ غَيْرُكَ ، وَلا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، وَلا مَفْزَعَ الاّ الَيْكَ ، وَلا مُسْتَغاثَ الاّ بِكَ ، وَلا ثِقَةَ لَهُ غَيْرُكَ ، وَلا حَوْلَ لَهُ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِكَ.

ادْعُوكَ [ يا خَيْرَ مَنْ دُعِيَ وَ ] (4) يا خَيْرَ مَنْ أَجابَ ، وَيا خَيْرَ مَنْ تَضَرَّعَ إِلَيْهِ ، [ وَيا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ وَيا خَيْرَ مَنْ أَعْطى وَيا خَيْرَ مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ ] (5).

ادْعُوكَ يا خَيْرَ مَنْ رُفِعَتْ إِلَيْهِ الايْدِي ، وَادْعُوكَ يا ذَا الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ (6) ، وَادْعُوكَ يا ذَا الْعِزَّةِ وَالْجَلالِ ، وَادْعُوكَ يا ذَا الْبَهْجَةِ وَالْجَمالِ ، وَادْعُوكَ يا ذَا الْمُلْكِ (7) وَالسُّلْطانِ ، وَادْعُوكَ يا رَبِّ الأَرْبابِ. وَادْعُوكَ يا سَيِّدَ السّاداتِ ، وَادْعُوكَ بِلا إِلهَ إِلاّ انْتَ.

وَادْعُوكَ يا احْكَمَ الْحاكِمِينَ ، وَيا دَيَّانَ الدِّينِ (8) ، وَيا قائِماً بِالْقِسْطِ (9) ،

ص: 222


1- التبع بالتحريك التابع.
2- الجهد : المشقّة.
3- في البحار : قد اشتدت.
4- - من البحار.
5- - من البحار.
6- المغفرة ( خ ل ).
7- ذا العزة ( خ ل ).
8- ديان الدين : معطي الجزاء أو الحاكم يوم الجزاء.
9- القسط : العدل.

يا رَحِيمُ يا رَحِيمُ يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ ، وَيا اسْمَعَ السّامِعِينَ وَيا أَبْصَرَ النّاظِرِينَ يا قَرِيبُ يا مُجِيبُ.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ حَمَلَةِ عَرْشِكَ وَبِحَقِّ الْمَلائِكَةِ ، وَبِحَقِّ الرّاكِعِينَ وَالسّاجِدِينَ لَكَ ، وَبِحَقِّ النَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالصّالِحِينَ ، وَبِحَقِّ السّائِلِينَ وَالْمَحْرُومِينَ (1) وَبِحَقِّكَ الْعَظِيمِ (2) ، وَبِحَقِّكَ عَلى خَلْقِكَ اجْمَعِينَ.

وَبِأَنَّكَ انْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ تُعْتِقَنِي مِنَ النّارِ ، وَتَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي يا رَحْمانُ ، وَتُفَرِّجَ عَنِّي هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي وَضِيقَ صَدْرِي ، وَتَكْشِفَ ضُرِّي وَتُيَسِّرَ لِي امْرِي ، وَتُبَلِّغَنِي غايَةَ امَلِي سَرِيعاً عاجِلاً ، انَّكَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

اللّهُمَّ انَّنِي اذْكُرُ ذُنُوبِي وَاعْتَرِفُ بِخَطايايَ وَسُوءِ عَمَلِي وَإِسْرافِي عَلى نَفْسِي وَظُلْمِي قَبْلَ اللِّقاءِ ، وَقَبْلَ انْ يُؤْخَذَ بِكَظْمِي (3) ، وَاعْتَرَفْتُ انِّي مَأْخُوذٌ بِذُنُوبِي وَبِخَطايايَ ، وَمُجازىً بِكَسْبِي وَمُحاسَبٌ بِعَمَلِي ، فَاسْتَعْفَتْ (4) مِنْهُنَّ نَفْسِي ، وَوَجِلَتْ مِنْهُنَّ قَلْبِي ، وَوَهنَ مِنْهُنَّ عَظْمِي ، وَسَهَرَتْ مِنْهُنَّ عَيْنِي ، وَبَكَتْ حَتّى بَلَّ الدُّمُوعُ خَدِّي وَضاقَتْ عَلَيَّ الارْضُ بِما رَحُبَتْ.

رَبِّ فَأَوْسِعْ عَلى ذُنُوبِي بِرَحْمَتِكَ ، وَعَلى خَطايايَ بِمَغْفِرَتِكَ ، وَعَلى سُوءِ عَمَلِي بِعَفْوِكَ ، وَعَلى إِساءَتِي بِحِلْمِكَ ، وَعَلى إِسْرافِي عَلى نَفْسِي وَظُلْمِي بِها بِتَجاوُزِكَ ، اللّهُمَّ تَفَضَّلْ عَلَيَّ بِحِلْمِكَ ، وَعُدْ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ.

وَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَحابِّكَ مِنَ الأَعْمالِ الصّالِحَةِ الَّتِي تُحِبُّ وَتَرْضى ، وَتَقَبَّلْها فِيما يُرْفَعُ الَيْكَ مِنَ الأَعْمالِ الصّالِحَةَ الَّتِي تُرْضِيكَ

ص: 223


1- بحق السائلين والمحرومين : أي الفقراء الذين يسألون والذين لا يسألون فيحسبهم الناس أغنياء فيحرمون.
2- بحقك العظيم عليّ ( خ ل ).
3- أخذ بكظمه : كربه وغمّه.
4- اعفني عن الخروج معك : دعني منه.

عَنِّي حَتّى تَجْعَلَنِي رَفِيقاً لِابْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَنَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَإلِهِ وَجَمِيعِ (1) النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَالأَئِمَّةِ الصّادِقِينَ ، رَبِّ قَدْ امِنَتْ نَفْسِي مِنْ عَذابِكَ ، وَرَضِيَتْ مِنْ ثَوابِكَ ، وَاطْمَأَنَّتْ الى دارِكَ دارِ السَّلامِ الَّتِي لا يَمَسُّنِي فِيها نَصَبٌ وَلا لُغُوبٌ (2).

اللّهُمَّ لا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ ، وَلا تُؤْمِنِّي مَكْرَكَ وَلا تَصْرِفْ عَنِّي وَجْهَكَ ، وَلا تُزِلْ عَنِّي خَيْرَكَ ، وَلا تَكْشِفْ عَنِّي سِتْرَكَ ، وَلا تُلْهِنِي عَنْ ذِكْرِكَ ، وَلا تَجْعَلْ عِبادَتِي لِغَيْرِكَ ، وَلا تَحْرِمْنِي ثَوابَكَ وَلا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَساجِدِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُكَ ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنَ الْغافِلِينَ عَنْ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ (3).

وَلا تَحْرِمْنِي الْعَمَلَ بِطاعَتِكَ ، وَاجْعَلْنِي وَجِلاً مِنْ عَذابِكَ ، خائِفاً مِنْ عِقابِكَ ، وَاجْعَلْ عَيْنِي باكِيَةً لِخَشْيَتِكَ ، وَاجْعَلْنِي أُحِبُّكَ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَاجْعَلْنِي اسْجُدُ فِي مَواطِنِ صِدْقٍ تُرْضِيكَ عَنِّي ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ سَيِّئاتِ عَمَلِي ، وَمِنَ النَّدَمِ وَالسَّدَمِ (4) ، وَمِنَ الْحَرَقِ وَالْغَرَقِ ، وَمِنَ الأَشَرِ وَالْبَطَرِ ، وَمِنْ غَلَبَةِ الْعَدُوِّ وَمِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ ، وَمِنْ وَعَثْاءِ السَّفَرِ (5) ، وَكَآبَةِ الْمَرَضِ ، وَمِنْ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ (6) ، وَمِنَ الإِصْرارِ عَلَى الْفَواحِشِ ، ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ (7) ، وَمِنْ جُهْدِ الْبَلاءِ ، وَمِنْ عَمَلٍ لا تُحِبُّ وَلا تَرْضى ، وَأَسْأَلُكَ الْهُدى وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الضَّلالَةِ وَالرَّدى (8).

اللّهُمَّ انِّي كُنْتُ عَمِياً (9) فَبَصَّرْتَنِي ، وَضَعِيفاً فَقَوَّيْتَنِي ، وَجاهِلاً فَعَلَّمْتَنِي ،

ص: 224


1- وعلى جميع النبيّين ( خ ل ).
2- النصب ، العناء ، لغب : تعب واعيا أشد الإعياء.
3- اسمك ( خ ل ).
4- السّدم : الهم أو مع ندم أو غيظ مع حزن.
5- وعث الطريق : تعسر سلوكه.
6- سوء المنقلب : أي الانقلاب إلى الآخرة أو إلى الوطن.
7- ما ظهر منها وما بطن : أي أفعال الجوارح والقلوب.
8- الردى : الهلاك.
9- رجل عمي القلب : جاهل - الصحاح.

وَعائِلاً فَآوَيْتَنِي ، وَيَتِيماً فَكَفَّلْتَنِي ، وَفَقِيراً فَاغْنَيْتَنِي ، وَوَحِيداً فَكَثَّرْتَنِي ، ثُمَّ عَلَّمْتَنِي الْقُرْآنَ وَهَدَيْتَنِي لِلصَّلاةِ وَالصِّيامِ ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى نَعْمائِكَ عِنْدِي ، فَاسْأَلُكَ يا رَبِّ انْ تُدارِكَنِي سَعَةُ رَحْمَتِكَ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَكَ ، وَحِلْمُكَ وَعَفْوُكَ وَمَغْفِرَتُكَ يا خَيْرَ الْغافِرِينَ.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَطَهِّرْ قَلْبِي ، وَاشْرَحْ صَدْرِي وَاعِنِّي عَلى ما عَلَّمْتَنِي ، وَفَرِّجْ هَمِّي ، وَاصْرِفْ عَنِّي كُلَ (1) مَكْرُوهٍ ، وَاصْرِفِ الأَسْواءَ وَالْمَكارِهَ عَنِّي ، وَتَقَبَّلْ مِنِّي حَسَناتِي ، وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتِي فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الذَّي كانُوا يُوعَدُونَ.

وَأَسْأَلُكَ يا رَبِّ انْ تُحَبِّبَ الَيَّ ما احْبَبْتَ وَتُبَغِّضَ الَيَّ ما كَرِهْتَ ، وَتُحَبِّبَ الَيَّ رِضْوانَكَ ، وَتُبَغِّضَ الَيَّ مُخالَفَتَكَ وَعِصْيانَكَ ، وَتَسْتَعْمِلْنِي فِي الْباقِياتِ الصّالِحاتِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (2).

اللّهُمَّ الْهِمْنِي شُكْرَكَ ، وَعَلِّمْنِي حُكْمَكَ ، وَفَقِّهْنِي فِي دِينِكَ ، وَوَفِّقْنِي لِعِبادَتِكَ ، وَهَبْ لِي حُسْنَ الظَّنِّ بِكَ ، وَارْزُقْنِي اجْتِنابَ سَخَطِكَ ، وَالتَّسْلِيمَ لِقَضائِكَ ، وَالْمَعْرِفَةَ بِحَقِّكَ ، وَالْعَمَلَ بِطاعَتِكَ ، وَتَفْوِيضَ أُمُورِي كُلِّها الَيْكَ ، وَالاعْتِصامَ بِكَ ، وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْكَ ، وَالثِّقَةَ وَالاسْتِعانَةَ بِكَ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ كانَ وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

اللّهُمَّ انِّي اشْهِدُكَ وَاشْهِدُ الْمَلائِكَةَ وَحَمَلَةَ الْعَرْشِ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ ، بِأَنَّكَ انْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَانَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِكَ ، سُبْحانَ اللّهِ الْعَلِيِّ الأَعْلى ، سُبْحانَ اللّهِ وَتَعالى.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ، وَاعْطِهِ الْوَسِيلَةَ وَالرَّفْعَةَ وَالْفَضِيلَةَ ، اللّهُمَّ انْفَعْنا بِما عَلَّمْتَنا انَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ، اللّهُمَّ الَيْكَ رُفِعَتِ الايْدِي ،

ص: 225


1- واصرفني عن كل ( خ ل ).
2- خير مردّا : عاقبة ومنفعة.

وَأَفْضَتِ الْقُلُوبُ (1) ، وَخَضَعَتِ الرِّقابُ ، وَعَنَتِ (2) الْوُجُوهُ ، وَخَشَعَتِ الأَصْواتُ ، وَدَعَتِ الالْسُنُ.

اللّهُمَّ فَانْتَ الْحَلِيمُ فَلا تَجْهَلُ ، [ وَانْتَ الْجَوادُ فَلا تَبْخَلُ ] (3) ، وَانْتَ الْعَدْلُ فَلا تَظْلِمُ ، وَانْتَ الْحَكِيمُ فَلا تَجُورُ ، وَانْتَ الْمَنِيعُ فَلا تُرامُ ، وَانْتَ الرَّفِيعُ فَلا تُرى ، وَانْتَ الْعَزِيزُ فَلا تُسْتَذَلُ (4) ، وَانْتَ الْغَنِيُّ فَلا تَفْتَقِرُ ، وَانْتَ الدَّائِمُ غَيْرُ الْغافِلِ ، احَطْتَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ، وَاحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً.

وَانْتَ الْبَدِيعُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالدَّائِمُ بَعْدُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَانْتَ خالِقُ ما يُرى وَما لا يُرى ، عَلِمْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِغَيْرِ تَعْلِيمٍ ، وَانْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَانْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَانْتَ الْباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، وَانْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ.

يا مَنْ هُوَ اقْرَبُ الَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (5) ، يا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الأَعْلى (6) ، يا مَنْ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ، يا اسْمَعَ السّامِعِينَ ، وَيا أَبْصَرَ النّاظِرِينَ وَيا اسْرَعَ الْحاسِبِينَ وَيا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ ، بِلا إِلهَ إِلاّ انْتَ انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، آمِينَ.

اصْبَحْتُ راضِياً بِفِطْرَةِ الإِسْلامِ (7) ، وَكَلِمَةِ الإِخْلاصِ ، وَسُنَّةِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وَمِلَّةِ أَبِينا إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما انَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، رَضِيتُ بِاللّهِ رَبّاً ، وَبِالإِسْلامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَبِيّاً.

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي لا إِلهَ الاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ، الَّذِي لا تَأْخُذُهُ

ص: 226


1- أفضت القلوب : وصلت أو أبدت أسرارها لديك.
2- عنت : خضعت وذلّت.
3- من البحار.
4- فلا تذل ( خ ل ).
5- قال الجوهري : حبل الوريد عرق تزعم العرب انّه من الوريد ، وهما وريدان مكتنفا ضفتي العنق مما يلي مقدمه غليظان.
6- بالمنظر الأعلى : أي في المرقب الأعلى يرقب عباده.
7- فطرة الإسلام : أي الإسلام الذي فطرتني عليه.

سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ، الَّذِي مَلأَ السَّماواتِ وَالارْضَ.

وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي عَنَتْ لَهُ الْوُجُوهُ وَخَشَعَتْ لَهُ الأَصْواتُ ، وَخَضَعَتْ لَهُ الرِّقابُ ، وَذَلَّتْ لَهُ الْخَلائِقُ ، وَوَجِلَتْ مِنْ خَشْيَتِهِ الْقُلُوبُ ، انْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَتَدْفَعْ عَنِّي كُلَّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ ، وَانْ تَصْلَحَ لِي امْرِي كُلَّهُ ، وَلا تَكِلْنِي الى نَفْسِي فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِي ، وَلا الى احَدٍ مِنْ خَلْقِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً ، وَلا أَقَلَّ مِنْ ذلِكَ وَلا اكْثَرَ.

وَلا تَنْزَعْ مِنِّي صالِحاً اعْطَيْتَنِيهِ ، وَلا تُعِدْنِي فِي سُوءٍ اسْتَنْقَذْتَنِي مِنْهُ ، وَلا تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَلا حاسِداً ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ اهْلِ طاعَتِكَ وَأَوْلِيائِكَ حَتّى تَتَوَفّانِي الى جَنَّتِكَ وَرَحْمَتِكَ.

اللّهُمَّ يا ذَا النَّعْماءِ السّابِغَةِ ، وَيا ذَا الْحُجَجِ الْبالِغَةِ ، وَيا ذَا الرَّحْمَةِ الْواسِعَةِ ، وَيا ذَا الْمَغْفِرَةِ النَّافِعَةِ ، وَيا ذَا الْكَلِمَةِ الْباقِيَةِ ، وَيا ذَا الْحَمْدِ الْفاضِلِ ، وَيا ذَا الْعَطاءِ الْجَزِيلِ ، وَيا ذَا الْفَضْلِ الْجَمِيلِ ، وَيا ذَا الإِحْسانِ الْجَلِيلِ ، يا مَنْ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَلا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

أَسْأَلُكَ الْأَمْنَ وَالإِيمانَ ، وَالسَّلامَةَ وَالإِسْلامَ ، وَالْيَقِينَ وَالشُّكْرَ ، وَالصَّبْرَ وَالصِّدْقَ ، وَالْعافِيَةَ وَالْمُعافاةَ ، وَالْوَرَعَ عَنْ مَحارِمِكَ ، وَالثِّقَةَ بِطَوْلِكَ بِرَحْمَتِكَ ، يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ الْخَيْرَ وَالْعِفَّةَ وَحُسْنَ الْخُلْقِ وَالرِّضا بِالْقَضاءِ وَالْقَدَرِ ، سُبْحانَكَ فِي السَّماءِ عَرْشُكَ ، وَسُبْحانَكَ فِي الارْضِ سُلْطانُكَ ، وَسُبْحانَكَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ سَبِيلُكَ ، وَسُبْحانَكَ فِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُكَ ، وَسُبْحانَكَ فِي النّارِ غَضَبُكَ ، وَسُبْحانَكَ فِي الْجَحِيمِ سَخَطُكَ.

لا إِلهَ إِلاّ انْتَ سُبْحانَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، لَكَ مُلْكُ السَّماواتِ وَالارْضِ ، سُبْحانَكَ انْتَ الرَّبُّ وَالَيْكَ الْمَعادُ ، سُبْحانَكَ يا ذَا الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ سُبْحانَكَ يا ذَا الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ ، سُبْحانَ الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، سُبْحانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ، سُبْحانَ رَبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ.

ص: 227

سُبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلى ، سُبْحانَهُ وَتَعالى ، سُبْحانَ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ ، سُبْحانَ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ، سُبْحانَ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ، سُبْحانَ الْكَبِيرِ الْمُتَعالِ ، سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ تَبارَكَ اسْمُكَ وَتَعالى جَدُّكَ وَلا إِلهَ غَيْرُكَ.

اللّهُمَّ لَكَ اسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَلَكَ خَضَعْتُ ، وَالَيْكَ خَشَعْتُ ، فَاغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ مِنْ ذُنُوبِي وَما اخَّرْتُ ، وَما اسْرَرْتُ وَما اعْلَنْتُ ، انَّكَ انْتَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَانْتَ نُورُ السَّماواتِ وَالارْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، انْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ ، وَلِقاؤُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسّاعَةُ حَقٌّ.

اللّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَالأَرضِينَ السَّبْعِ ، وَما فِيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَرَبَّ السَّبْعِ الْمَثانِي (1) وَرَبَّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَرَبَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ (2) ، وَرَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اسْأَلُكَ (3) بِأَسْمائِكَ الَّتِي بِها تَقُومُ السَّماءُ ، وَبِها تَقُومُ الارْضُ ، وَبِها تُرْزَقُ الْبَهائِمُ ، وَبِها تُفْرَقُ الْمُجْتَمَعُ ، وَتُجْمَعُ الْمُتَفَرِّقُ ، وَبِها احْصَيْتَ عَدَدَ الرِّمالِ ، وَوَرَقَ الأَشْجارِ ، وَكَيْلَ الْبِحارِ ، وَقَطْرَ الأَمْطارِ ، وَما اظْلَمَ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَاشْرَقَ [ عَلَيْهِ ] (4) النَّهارُ ، اسْأَلُكَ بِذلِكَ كُلِّهِ انْ تَرْحَمَنِي مِنَ النّارِ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ انْتَ الْعَظِيمُ تَمُنُّ بِالْعَظِيمِ ، وَتُعْطِي الْجَزِيلَ وَتَعْفُو عَنِ الْكَثِيرِ ، وَتُضاعِفُ الْقَلِيلَ وَتَفْعَلُ ما تُرِيدُ ، اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ انْ تَمْلَأَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ وَتَلْبِسَ وَجْهِي مِنْ نُورِكَ ، وَانْ تَغْمُرَنِي فِي رَحْمَتِكَ ، وَانْ تُلْقِيَ عَلَيَّ مَحَبَّتَكَ ، وَانْ تَبْلُغَ بِي جَسِيمَ الْخَيْرِ عِنْدَكَ.

وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الاعْظَمِ ، وَاسْأَلُكَ بِكُلِّ حَرْفٍ انْزَلْتَهُ عَلى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ،

ص: 228


1- السبع المثاني ، أي السورة الفاتحة لأنها سبع آيات.
2- في الجار زيادة : وعزرائيل.
3- في البحار : اللّهم إنّي أسألك.
4- من البحار.

وَبِكُلِّ حَرْفٍ أَنْزَلْتَهُ عَلى نَبِيِّكَ عِيسى وَبِكُلِّ حَرْفٍ سَبَّحَكَ بِهِ مَلِكٌ مِنْ مَلائِكَتِكَ ، اوْ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيائِكَ ، اوْ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِكَ ، وَاسْتَجَبْتَ لَهُ دَعْوَتَهُ ، انْ تُفَرِّجَ عَنِّي هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي وَضِيقَ صَدْرِي وَما تَخَيَّرْتَ بِهِ فِي امْرِي.

يا مَوْضِعَ كُلِّ شَكْوى ، وَيا شاهِدَ كُلِّ نَجْوى ، وَيا مُنْتَهى كُلِّ حاجَةٍ ، وَيا عالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، وَيا كاشِفَ كُلِّ بَلِيَّةٍ ، وَيا خَلِيلَ إِبْراهِيمَ وَيا نَجِيَ (1) مُوسى وَيا مُصْطَفى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، ادْعُوكَ دُعاءَ مَنِ اشْتَدَّتْ فاقَتُهُ ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ وَقَلَّتْ حِيلَتُهُ ، وَادْعُوكَ دُعاءَ مَنْ لا يَجِدُ لِكَشْفِ ما هُوَ فِيهِ غَيْرُكَ انْ تَغْفِرَ لِي.

يا اسْمَعَ السّامِعِينَ وَيا ابْصَرَ النّاظِرِينَ وَيا اسْرَعَ الْحاسِبِينَ وَيا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ وَيا اقْرَبَ الْمُحِبِّينَ ، وَيا رَءُوفُ يا رَحِيمُ ، يا بَدِيعَ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَاعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ ، يا مَنْ تَلَطَّفَ بِي فِي صَغِيرِ حَوائِجِي وَكَبِيرِها ، انْ وَكَلْتَنِي فِيها الى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ عَجَزْتُ عَنْها ، فَادْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ ، يا اللّهُ ، وَلا تُناقِشْنِي فِي الْحِسابِ.

اللّهُمَّ ما كانَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ عِنْدِي مِنْ مَظْلَمَةٍ ، فِي عِرْضٍ اوْ مالٍ اوْ غَيْرِهِ ، فَاغْفِرْ لِي ذلِكَ فِيما بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، وَارْضَ عِبادَكَ عَنِّي بِما شِئْتَ مِنْ فَضْلِكَ وَخَزائِنِكَ.

اللّهُمَّ افْتَحْ لِي بابَ الْخَيْرِ وَيَسِّرْ لِي امْرَهُ ، اللّهُمَّ افْتَحْ لِي بابَ الامْرِ الَّذِي فِيهِ الْفَرَجُ وَالْعافِيَةُ ، اللّهُمَّ افْتَحْ لِي بابَهُ وَيَسِّرْ لِي سَبِيلَهُ وَسَهِّلْ لِي مَخْرَجَهُ.

اللّهُمَّ أَيُّما احَدٍ مِنْ خَلْقِكَ أَرادَنِي بِسُوءٍ فَانِّي ادْرَءُ (2) بِكَ فِي نَحْرِهِ (3) ،

ص: 229


1- النجيّ : المناجي ، والمخاطب للإنسان والمحدّث له.
2- درء يدرء : دفع.
3- انما خصّ النحور لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع - قاله في النهاية.

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ ، وَسَطْوَتِهِ وَغَضَبِهِ وَبادِرَتِهِ (1) ، فَخُذْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ ، وَعَنْ شِمالِهِ ، وَمِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ وَمِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ ، وَامْنَعْهُ مِنْ انْ يُوصَلَ الَيَّ ابَداً سُوءً.

اللّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي حِصْنِكَ وَجِوارِكَ وَكَنَفِكَ (2) ، عَزَّ جارُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ ، وَلا إِلهَ غَيْرُكَ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ زَحْزَحَ (3) بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، اوْ باعَدَ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ، اوْ صَرَفَ بِهِ عَنِّي وَجْهَكَ الْكَرِيمَ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ انْ تَحُولَ خَطِيئَتِي وَجُرْمِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ.

اللّهُمَّ وَفِّقْنِي لِكُلِّ شَيْءٍ يُرْضِيكَ عَنِّي ، وَيُقَرِّبُنِي الَيْكَ ، فَارْفَعْ دَرَجَتِي وَعَظِّمْ شَأْنِي وَاحْسِنْ مَثْوايَ وَثَبِّتْنِي بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاخِرَةِ ، وَوَفِّقْنِي لِكُلِّ مَقامٍ مَحْمُودٍ تُحِبُّ انْ تُدْعا فِيهِ بِأَسْمائِكَ اوْ تُسْأَلَ فِيهِ مِنْ عَطاياكَ ، رَبِّ لا تَكْشِفْ عَنِّي سِتْرَكَ ، وَلا تُبْدِ عَوْرَتِي (4) لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ.

اللّهُمَّ اجْعَلِ الْيَقِينَ فِي قَلْبِي ، وَالنُّورَ فِي بَصَرِي ، وَالصِّحَّةَ فِي بَدَنِي ، وَالنَّصِيحَةَ (5) فِي صَدْرِي ، وَذِكْرَكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ عَلى لِسانِي ، وَاوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ ، وَارْزُقْنِي مِنْ بَرَكاتِكَ (6) ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطاعَتِكَ ، وَاجْعَلْ رَغْبَتِي الَيْكَ فِيما (7) عِنْدَكَ وَتَوَفَّنِي عَلى سُنَّتِكَ (8) ، وَلا تَكِلْنِي الى غَيْرِكَ ، وَلا تُزِغْ قَلْبِي (9) بَعْدَ اذْ هَدَيْتَنِي.

يا صَرِيخَ الْمَكْرُوبِينَ ، يا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، فَرِّجْ هَمِّي وَغَمِّي

ص: 230


1- البادرة : الحدّة ، بدرت منه بوادر غضب أي خطاء وسقطات عند ما احتدّ.
2- الكنف : الجانب.
3- زحزحته عن كذا : باعدته.
4- تبد عورتي : عيوبي.
5- النصيحة : خلوص المحبة لله ولحججه ولسائر المؤمنين.
6- البركات : الزيادات من المنافع والإفاضات الدنيوية والأخروية فيما عندك من الألطاف.
7- وفيما ( خ ل ).
8- سننك ( خ ل ).
9- ولا تزغ قلبي : أي لا تمله إلى الباطل.

وَحُزْنِي ، كَما كَشَفْتَ عَنْ رَسُولِكَ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوِّهِ ، فَاكْفِنِي كُلَّ هَوْلٍ وَفِتْنَةٍ وَسُقْمٍ حَتّى تُبَلِّغَنِي رَحْمَتَكَ.

اللّهُمَّ هذا مَكانُ الْبائِسِ (1) الْفَقِيرِ ، وَالْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ ، وَالْهالِكِ الْفَرْقِ (2) ، وَالْمُشْفِقِ الْوَجِلِ ، وَمَنْ يَقِرُّ بِخَطِيئَتِهِ وَيَعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ وَيَتُوبُ الى رَبِّهِ ، اللّهُمَّ فَقَدْ تَرى مَكانِي وَتَسْمَعُ كَلامِي وَتَعْلَمُ سِرِّي وَاعْلانِي وَلا يَخْفى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ امْرِي.

اسْأَلُكَ بِأَنَّكَ وَلِيُّ التَّقْدِيرِ وَمُمْضِي الْمَقادِيرِ ، سُؤَالَ مَنْ أَساءَ وَاقْتَرَفَ (3) ، وَاسْتَكانَ (4) وَاعْتَرَفَ ، وَاسْأَلُكَ انْ تَغْفِرَ لِي ما مَضى فِي عِلْمِكَ وَشَهِدَتْهُ حَفَظَتُكَ وَاحْصَتْهُ مَلائِكَتُكَ ، وَاسْأَلُكَ انْ تَتَجاوَزَ عَنِّي وَتَرْحَمَنِي بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ ، وَتُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَعَلى اهْلِ بَيْتِهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ.

اللّهُمَّ يا نُورَ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ ، وَيا زَيْنَ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ ، وَيا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، وَيا مُغِيثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، وَيا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَيا مُنْتَهى رَغْبَةِ الْعابِدِينَ ، وَيا مُفَرِّجَ عَنِ الْمَغْمُومِينَ.

وَيا كاشِفَ كَرْبِ الْمَكْرُوبِينَ وَيا خَيْرَ الْغافِرِينَ وَيا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ ، وَيا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ وَيا إِلهَ الْعالَمِينَ ، اسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا حَنّانُ يا مَنّانُ ، يا بَدِيعَ السَّماواتِ وَالارْضِ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ ، اسْأَلُكَ انْ تُعْتِقَنِي مِنَ النّارِ.

اللّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوابَ الْخَيْراتِ وَوَفِّقْنا لِما يَكْسِبُنا الْحَسَناتِ ، وَجَنِّبْنا السَّيِّئاتِ وَادْفَعْ عَنَّا الْمَكْرُوهاتِ ، وَقِنا الْمَخُوفاتِ ، انَّكَ مُنْتَهىَ الرَّغَباتِ ،

ص: 231


1- البائس : هو الذي اشتدت حاجته.
2- الفرق : الخائف.
3- اقترف : اكتسب الذنوب.
4- استكان : خضع.

وَمُجِيبَ الدَّعَواتِ وَقاضِي الْحاجاتِ ، وَكاشِفَ الْكُرُباتِ ، وَفارِجَ الْهَمِّ وَكاشِفَ الْغَمِّ ، وَرَحْمانَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَرَحِيمَهُما.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي (1) ، وَارْحَمْنِي فِي حَياتِي وَمَماتِي ، رَحْمَةً تُغْنِينِي بِها عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِواكَ.

اللّهُمَّ انْتَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاّ انْتَ وَانَا عَبْدُكَ ، آمَنْتُ بِكَ مُخْلِصاً لَكَ دِينِي ، اصْبَحَ وَأَمْسى عَلى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، اسْأَلُكَ التَّوْبَةَ مِنْ سَيِّئاتِ عَمَلِي ، وَاسْتَغْفِرُكَ لِذُنُوبِيَ الَّتِي لا يَغْفِرُها الاّ انْتَ.

اللّهُمَّ انْتَ بِالْمَنْظَرِ الأَعْلى ، تَرى وَلا تُرى ، أَعُوذُ بِكَ انْ أَضِلَّ فَأَشْقى ، اوْ أَذِلَّ فَأَخْزى ، وَأَعُوذُ بِكَ انْ آتِيَ ما لا تَرْضى ، اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ ، وَمُنْتَهىَ الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ وَبِاسْمِكَ الاعْظَمِ ، وَجَدِّكَ الأَعْلى ، وَكَلِماتِكَ التَّامَّاتِ.

اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءَ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

اسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ تَغْفِرَ لِي جَمِيعَ ذُنُوبِي ، وَتَقْضِيَ لِي جَمِيعَ حَوائِجِي ، صَغِيرَها وَكَبِيرَها ، ما اسْرَرْتُ مِنْها وَما اعْلَنْتُ ، وَتُسَهِّلَ لِي مَحْيايَ ، وَتُيَسِّرَ لِي أُمُورِي ، وَتَكْشِفَ ضُرِّي وَتَكْبِتَ (2) أَعْدائِي ، وَتَكْفِيَنِي (3) شَرَّ حُسَّادِي ، وَشَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ وَتُؤْتِيَنِي فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَتَقِيَنِي بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النّارِ بِرَحْمَتِكَ ، يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ.

ص: 232


1- اغفر ذنوبي ( خ ل ).
2- الكبت : الصرف والإذلال.
3- تكفني ( خ ل ).

وَيا اسْمَعَ السّامِعِينَ ، وَيا مالِكَ يَوْمِ الدِّينِ آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ (1) ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ لِي وَلا حِيلَةَ إِلاّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، وَما شاءَ اللّهُ كانَ ، وَحَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (2).

ومن الدعوات بعد عيد الأضحى دعاء الندبة ، قدّمناه في عيد الفطر.

ومن الدعوات بعد دعائين ذكرناهما في تعقيب ظهر الجمعة أحدهما أوّله : يا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لا يَرْحَمُهُ الْعِبادُ ، والآخر : اللّهُمَّ انَّ هذا يَوْمٌ مُبارَكٌ وَالْمُسْلِمُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ فِي أَقْطارِ ارْضِكَ (3).

فصل (8): فيما نذكره من فضل الأضحيّة وتأكيدها في السنّة المحمديّة

روينا ذلك بإسنادها إلى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : الأضحيّة واجبة على من وجد ، من صغير أو كبير ، وهي سنّة (4).

روينا ذلك بإسنادنا إلى العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل سأله عن الأضحى فقال : هو واجب على كل مسلم الاّ من لم يجد ، فقال له السائل : فما ترى في العيال؟ قال : ان شئت فعلت وان شئت لم تفعل ، فأمّا أنت فلا تدعه (5).

وروينا عن محمد بن بابويه فيما ذكره عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها ، انّها جاءت إلى النبي صلى اللّه عليه وآله ، فقالت : يا رسول اللّه تحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحيّة فاستقرض وأضحى؟ قال : فاستقرض فإنّه دين مقضيّ (6).

ص: 233


1- الطيبين الطاهرين ( خ ل ).
2- عنه البحار 91 : 76 - 86.
3- راجع جمال الأسبوع : 262.
4- الفقيه 2 : 488.
5- الفقيه 2 : 488.
6- الفقيه 2 : 489.

فصل (9): فيما نذكره من رواية عن كم تجزئ الأضحيّة وما يقال عند الذبح

روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه فقال : وضحّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بكبشين ذبح واحدا بيده ، وقال : اللّهُمَّ هذا عَنِّي وَعَنْ مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ اهْلِ بَيْتِي ، وذبح الآخر فقال : اللّهُمَّ هذا عَنِّي وَعَنْ مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي (1).

قال محمد بن بابويه : وكان أمير المؤمنين عليه السلام يضحّي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كلّ سنة بكبش ، فيذبحه ويقول :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، اللّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ.

ثم يقول عليه السلام : هذا عَنْ نَبِيِّكَ ، ثمّ يذبحه ويذبح كبشا آخر عن نفسه (2).

أقول : وروينا بإسنادنا زيادة في الدّعاء عند الذبح عن محمد بن يعقوب ، بإسناده إلى صفوان ومحمد بن أبي عمير قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة فانحره أو اذبحه وقل :

وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالارْضَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما انَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ امِرْتُ وَانَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، اللّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ بِسْمِ اللّهِ وَاللّهُ اكْبَرُ ، اللّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي.

ثم أمرّ السكين ولا تنخعها حتّى تموت (3).

ص: 234


1- الفقيه 2 : 489.
2- الفقيه 2 : 489.
3- الكافي 4 : 498.

فصل (10): فيما نذكره من تعيين أيّام وقت الأضاحي

روينا ذلك بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي من تهذيب الأحكام ، بإسناده الى علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال :

سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : أربعة أيّام ، وسألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال : ثلاثة أيّام ، قلت : فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين ، أله ان يضحّي في اليوم الثالث؟ قال : نعم (1).

أقول : وقد روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب وابن بابويه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن النحر؟ فقال : امّا بمنى فثلاثة أيّام ، وامّا في البلدان فيوم واحد (2).

أقول : لعلّ هذا يراد به انّ الأفضل في البلدان ان يكون النحر في يوم الأضحى الواحد ، على أعجل الإمكان ، فلا يؤخّر فيؤدّي إلى التّهاون وحوائل الأزمان.

فصل (11): فيما نذكره من قسمة لحم الأضحيّة

روينا ذلك بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب بإسناده إلى أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن لحوم الأضاحيّ؟ فقال : كان علي بن الحسين وأبو جعفر عليهم السلام يتصدّقان بثلث على جيرانهم ، وثلث على السّؤال ، وثلث يمسكانه لأهل البيت (3).

أقول : ولتكن النيّة فيما يخرجه أو يمسكه عن الأضحيّة ، امتثال أمر اللّه جلّ جلاله

ص: 235


1- التهذيب 5 : 203.
2- الكافي 4 : 486 ، الفقيه 2 : 486.
3- الكافي 4 : 499.

واتّباع السنّة المحمدية والعبادة بذلك لله جلّ جلاله ، لأنّه أهل للعبادة.

أقول : وقد تقدّم في عيد الفطر مهمّات يحتاج إليها في عيد الأضحى وزيادات ، فلينظر من ذلك المكان ، لئلاّ يتكرّر ذكرها الآن.

فصل (12): فيما نذكره ممّا يختم به يوم عيد الأضحى

قد ذكرنا في عدّة مواقيت معظّمات ما يختم زمان تلك الأوقات ، فيعمل على ما ذكرنا ، ونذكر هاهنا ما معناه :

انّ كلّ وقت اختصّ اللّه جلّ جلاله بخدمته به ، وجعله محلاّ لبسط فراش رحمته وإطلاق المواهب لأهل مسألته ، للابتداء لمن لم يسأله من خليقته ، فكلّ من اخرج من ذلك الوقت شيئا في غير العبادة وطلب السّعادة ، فكأنّه قد سرق الوقت من مولاه وهتك الحرمة ، وخرج عن رضاه ونازعه في إرادته وتعرّض بما لا طاقة له به من نقمته ، فأيّ إنسان أو أي جنان يكون عارفا بما لك رقاب العبيد ، ويقدم على المجاهرة والمكابرة في مقدّس حضرته بما لا يريد.

ومتى فعل عبد نحو هذا التبدّر والتشريد (1) في يوم عيد ، فقد صار عيده من أيّام المصيبات ، وكان جديرا ان يجلس في العزاء ، على ما أقدم عليه من كسر حرمة مالك الأحياء والأموات وكسر حرمة رسوله ونوّابه عليهم السلام الّذين جاءوا بشرائع الإسلام ، ولأجل ما فاته من المواهب والانعام.

ثم لينظر فيمن كان حاميه وخفيره (2) ومضيفه في اليوم المشار إليه ، كما كنّا ذكرناه في كتاب جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع ، من انّ لكلّ يوم خفيرا ومضيفا ، إمّا النبي أو بعض الأئمّة صلوات اللّه عليهم ، فليرجع فيما جرى عليه إليهم ويسألهم استدراك أمره وجبر كسره ، كما يرجع كلّ ضيف فيه إلى مضيفه ، وكلّ متشرف بخفير إلى خفيره ومشرّفه.

ص: 236


1- شرّده : طرده ونفره.
2- الخفير : الحامي والكفيل.

الباب الخامس: فيما نذكره ممّا يختصّ بعيد الغدير في ليلته ويومه من صلاة ودعاء ، وشرف ذلك اليوم وفضل صومه

اشارة

وفيه فصول :

فصل (1): فيما نذكره من عمل ليلة الغدير

وجدنا فيها صلاة مذكورة في كتب العبادات ، والصلاة خير موضوع وخير مسموع ، عام في سائر الصلوات.

ذكر صفة هذه الصلاة في ليلة الغدير :

وهي اثنتي عشرة ركعة ، لا يسلّم إلاّ في أخراهنّ ويجلس بين كلّ ركعتين ، ويقرء في كلّ ركعة الحمد و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) عشر مرات ، وآية الكرسي مرّة ، فإذا أتيت الثانية عشر فاقرء فيها الحمد سبع مرات و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) سبع مرات ، واقنت وقل :

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وتركع وتسجد وتقول في سجودك عشر مرات :

سُبْحانَ مَنْ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عِلْمُهُ ، سُبْحانَ مَنْ لا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ الاّ لَهُ ، سُبْحانَ ذِي الْمَنِّ وَالنِّعَمِ ، سُبْحانَ ذِي الْفَضْلِ وَالطَّوْلِ ، سُبْحانَ ذِي

ص: 237

الْعِزَّةِ (1) وَالْكَرَمِ.

اسْأَلُكَ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ ، وَمُنْتَهىَ الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ ، وَبِالاسْمِ الاعْظَمِ وَكَلِماتِكَ التّامَّةِ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ رَسُولِكَ وَاهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَانْ تَفْعَلَ بِي كَذا وَكَذا ، انَّكَ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

دعاء ليلة الغدير :

وجدناه في كتب الدعوات فقال ما هذا لفظه : وجد في كتاب الشريف الجليل أبي الحسين (2) زيد بن جعفر المحمّدي بالكوفة ، اخرج إلى الشّيخ أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه الغضائري ، جزءا عتيقا بخطّ الشيخ أبي غالب أحمد بن محمد الزراري فيه أدعية بغير أسانيد ، من جملتها هذا الدّعاء منسوبا إلى ليلة الغدير ، وهو :

اللّهُمَّ انَّكَ دَعَوْتَنا الى سَبِيلِ طاعَتِكَ وَطاعَةِ نَبِيِّكَ وَوَصِيهِ وَعِتْرَتِهِ ، دُعاءً لَهُ نُورٌ وَضِياءٌ ، وَبَهْجَةٌ وَاسْتِنارٌ ، فَدَعانا نَبِيُّكَ لِوَصِيِّهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ ، فَوَفَّقْتَنا لِلإِصابَةِ وَسَدَّدْتَنا لِلإِجابَةِ لِدُعائِهِ ، فَانَلْنا الَيْكَ بِالإِنابَةِ ، وَأَسْلَمْنا لِنَبِيِّكَ قُلُوبَنا ، وَلِوَصِيِّهِ نُفُوسنا ، وَلِما دَعَوْتَنا إِلَيْهِ عُقُولَنا.

فَتَمَّ لَنا نُورَكَ يا هادِيَ الْمُضِلِّينَ ، اخْرِجِ الْبُغْضَ وَالْمُنْكَرَ وَالْغُلُوَّ لِامِينِكَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ، مِنْ قُلُوبِنا وَنُفُوسنا وَأَلْسِنَتِنا ، وَهُمُومِنا ، وَزِدْنا مِنْ مُوالاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَمَوَدَّتِهِ لَهُ وَالأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ زِياداتٌ لَا انْقِطاعَ لَها ، وَمُدَّةٌ لا تَناهِيَ لَها ، وَاجْعَلْنا نُعادِي لِوَلِيِّكَ مَنْ ناصَبَهُ ، وَنُوالِي مَنْ أَحَبَّهُ وَنَأْمُلُ بِذلِكَ طاعَتَكَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْ عَذابَكَ وَسَخَطَكَ عَلى مَنْ ناصَبَ وَلِيَّكَ وَجَحَدَ إِمامَتَهُ وَانْكَرَ وِلايَتَهُ وَقَدَّمْتَهُ أَيّامَ فِتْنَتِكَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمانٍ وَأَوانٍ ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِكَ وَعَلِيٍّ وَلِيِّكَ وَالأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ حُجَجكَ ، فَاثْبتْ

ص: 238


1- العز ( خ ل ).
2- أبي الحسن ( خ ل ).

قَلْبِي عَلى دِينِكَ ، وَمُوالاةِ أَوْلِيائِكَ وَمُعاداةِ أَعْدائِكَ ، مَعَ خَيْرِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، تَجْمَعُها لِي وَلِاهْلِي وَوَلَدِي وَإِخْوانِي الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

فصل (2): فيما نذكره من مختصر الوصف ممّا رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير من الكشف

اعلم انّ نصّ النبي صلوات اللّه عليه وآله على مولانا علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه يوم الغدير بالأمة لا يحتاج إلى كشف وبيان لأهل العلم والأمانة والدّراية ، وانّما نذكر تنبيها على بعض من رواه ليقصد من شاء ويقف على معناه.

فمن ذلك ما صنّفه أبو سعد مسعود بن ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت في عقيدته ، المتّفق عند أهل المعرفة به على صحّة ما يرويه لأهل البيت وأمانته ، صنّف كتابا سمّاه كتاب الدّراية في حديث الولاية ، وهو سبعة عشر جزء ، روى فيه حديث نصّ النّبيّ عليه أفضل السّلام بتلك المناقب والمراتب على مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام عن مائة وعشرين نفسا من الصحابة.

ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير صنّفه وسمّاه كتاب الردّ على الحرقوصيّة (1) ، روي فيه حديث يوم الغدير وما نصّ النّبي على علي عليه السلام بالولاية والمقام الكبير ، وروي ذلك من خمس وسبعين طريقا.

ومن ذلك ما رواه أبو القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه الحسكاني في كتاب سمّاه كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة.

ومن ذلك الّذي لم يكن مثله في زمانه أبو العباس أحمد بن سعيد بن عقدة الحافظ ، الّذي زكّاه وشهد بعلمه الخطيب مصنّف تاريخ بغداد (2) ، فإنّه صنّف كتابا سمّاه حديث الولاية ، وجدت هذا الكتاب بنسخة قد كتبت في زمان أبي العباس بن عقدة مصنّفه ، تاريخها سنة ثلاثين وثلاثمائة صحيح النقل ، عليه خطّ الطوسي وجماعة من شيوخ

ص: 239


1- هم اتباع حرقوص بن زهير المعروف بذي الثدية.
2- تاريخ بغداد :

الإسلام ، لا يخفى صحّة ما تضمّنه على أهل الأفهام ، وقد روي فيه نصّ النبيّ صلوات اللّه عليه على مولانا علي عليه السلام بالولاية من مائة وخمس طرق.

وان عدّدت أسماء المصنّفين من المسلمين في هذا الباب ، طال ذلك على من يقف على هذا الكتاب ، وجميع هذه التصانيف عندنا الآن الاّ كتاب الطبري (1).

فصل (3): في بعض تفصيل ما جرت عليه حال يوم الغدير من التعظيم والتبجيل

اعلم أنّ ما نذكر في هذا الفصل ما رواه أيضا مخالفوا الشّيعة المعتمد عليهم في النقل.

فمن ذلك ما رواه عنهم مصنّف كتاب الخالص ، المسمّى بالنشر والطيّ ، وجعله حجّة ظاهرة باتّفاق العدوّ والوليّ ، وحمل به نسخة إلى الملك شاه مازندران رستم بن علي لمّا حضره بالرّي ، فقال فيما رواه عن رجالهم :

فصل : وعن أحمد بن محمد بن علي المهلّب ، أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن القاسم الشعراني ، عن أبيه ، حدّثنا سلمة بن الفضل الأنصاري ، عن أبي

ص: 240


1- جدير بنا أن نذكر هنا بعض مصادر أهل السّنة التي يذكر فيها حديث ولاية الكبرى : رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 2 : 26 ، الذهبي في ميزان الاعتدال 2 : 303 الطحاوي في مشكل الآثار 2 : 307 ، ابن كثير في البداية والنهاية 5 : 211 ، ابن حجر في لسان الميزان 2 : 379 ، وفي مطالب العالية 4 : 65 ، ابن حسنويه في درر بحر المناقب : 92 ، ابن حجر في الإصابة 2 : 414 ، الأمر تسري في أرجح المطالب : 581 ، المتقي الهندي في كنز العمال 12 : 258 و 15 : 115 ، السيوطي في الحبائك في اخبار الملائك : 131 ، الخوارزمي في المناقب : 115 ، العاصمي في زين الفتى 1 : 46 ، العسقلاني في الكاف الشاف : 96 ، الحاكم في المستدرك 3 : 371 ، ابن حبان في مسنده 2 : 179 ، البزاز في مسنده 1 : 100 ، أحمد بن حنبل في الفضائل : 290 ، الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 17 ، السيوطي في تاريخ الخلفاء : 169 ، الكنجي في كفاية الطالب : 56 ، النسائي في الخصائص : 100 ، البدخشي في مفتاح النجاح : 58 ، الدولابي في الكنى والأسماء 2 : 88 ، الرازي في نهاية العقول : 199 ، الحمويني في فرائد السمطين 1 : 59 ، الحضرمي في وسيلة - المآل على ما في الغدير - 1 : 176 ، ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 93 ، الكتاني في نظم المتناثر : 124 ، الترمذي في المناقب المرتضوية : 125 ، العيني الحيدرآبادي في المناقب : 37 ، الحسكاني في شواهد التنزيل 1 : 173 القلندر هندي في رياض الأزهر : 100 ، النبهاني في فتح الكبير 2 : 242 ، الخطيب في تاريخ بغداد 12 : 343 ، مجد الدين الطبري في رياض النضرة 2 : 203 ، الشوكاني في تفسيره 2 : 57 ، السيوطي في جامع الصغير : 141 ، السمهودي في ينابيع المودة : 38 ، القرماني في اخبار الدول : 102 ، ابن صباغ المالكي في فصول المهمة : 23.

مريم ، عن قيس بن حنّان ، عن عطيّة السّعدي ، قال : سألت حذيفة بن اليمان عن إقامة النبي صلى اللّه عليه وآله عليّا يوم الغدير كيف كان؟ فقال : انّ اللّه تعالى انزل على نبيّه صلى اللّه عليه وآله.

أقول : لعلّه يعني بالمدينة.

( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (1) ، فقالوا : يا رسول اللّه ما هذه الولاية الّتي أنتم بها أحقّ بأنفسنا؟ فقال عليه السلام : السّمع والطاعة فيما أحببتم وكرهتم ، فقلنا : سمعنا وأطعنا ، فأنزل اللّه تعالى ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) (2).

فخرجنا إلى مكّة مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حجّة الوداع ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمّد انّ ربّك يقرئك السلام ويقول : انصب عليّا عليه السلام علما للنّاس ، فبكى النبي صلى اللّه عليه وآله حتّى اخضلّت لحيته (3) ، وقال : يا جبرئيل انّ قومي حديثو عهد بالجاهليّة ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتّى انقادوا لي فكيف إذا حملت على رقابهم غيري ، قال : فصعد جبرئيل.

ثم قال صاحب كتاب النشر والطي : عن حذيفة : وقد كان النبي صلى اللّه عليه وآله بعث عليّا عليه السلام إلى اليمن فوافى مكّة ونحن مع الرّسول ، ثم توجّه علي عليه السلام يوما نحو الكعبة يصلّي ، فلمّا ركع أتاه سائل فتصدّق عليه بحلقة خاتمه ، فانزل اللّه تعالى ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (4).

فكبّر رسول اللّه وقرأه علينا ثم قال : قوموا نطلب هذه الصّفة الّتي وصف اللّه بها ،

ص: 241


1- الأحزاب : 6.
2- المائدة : 7.
3- خضل واخضل : ابتل.
4- المائدة : 55.

فلمّا دخل رسول اللّه المسجد استقبله سائل ، فقال : من أين جئت؟ فقال : من عند هذا المصلّي تصدّق عليّ بهذه الحلقة وهو راكع.

فكبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومضى نحو عليّ فقال : يا عليّ ما أحدثت اليوم من خير؟ فأخبره بما كان منه إلى السائل ، فكبّر ثالثة.

فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض وقالوا : انّ أفئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطّاعة له ، فنسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ان يبدّله لنا ، فاتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأخبروه بذلك ، فانزل اللّه تعالى قرآنا وهو « قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي - الآية » (1) ، فقال جبرئيل : يا رسول اللّه أتمّه ، فقال حبيبي جبرئيل : قد سمعت ما تؤامروا به ، فانصرف عن رسول اللّه الأمين جبرئيل.

ثم قال صاحب كتاب النشر والطيّ من غير حديث حذيفة : فكان من قول رسول اللّه في حجة الوداع بمنى : يا أيها النّاس انّي قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلّوا : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، وانّه قد نبّأني اللطيف الخبير انّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كاصبعي هاتين - وجمع بين سبّابتيه - ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما فقد هلك ، الأهل بلّغت أيّها النّاس؟ قالوا : نعم ، قال : اشهد.

ثم قال صاحب كتاب النشر والطي : فلمّا كان في آخر يوم من أيّام التّشريق انزل اللّه عليه « إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ الى آخرها » (2) ، فقال عليه السلام : نعيت اليّ نفسي ، فجاء إلى المسجد الخيف فدخله ونادى : الصّلاة جامعة ، فاجتمع النّاس فحمد اللّه واثنى عليه - وذكر خطبته عليه السلام.

ثمّ قال فيها : ايها الناس انّي تارك فيكم الثقلين ، الثقل الأكبر كتاب اللّه عزّ وجلّ ، طرف بيد اللّه عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فتمسّكوا به ، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي ، فإنّه قد نبّأني اللّطيف الخبير انّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كاصبعي هاتين - وجمع بين سبّابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبّابتيه والوسطى - فتفضل هذه

ص: 242


1- يونس : 15.
2- الفتح : 1.

على هذه.

قال مصنف كتاب النشر والطي : فاجتمع قوم وقالوا : يريد محمّد ان يجعل الإمامة في أهل بيته ، فخرج منهم أربعة ودخلوا إلى مكّة ، ودخلوا الكعبة وكتبوا فيما بينهم : ان أمات اللّه محمّدا أو قتل لا يردّ هذا الأمر في أهل بيته ، فانزل اللّه تعالى : « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » (1).

أقول : فانظر هذا التدريج من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والتلطّف من اللّه جلّ جلاله في نصّه على مولانا عليّ صلوات اللّه عليه ، فأوّل امره بالمدينة قال سبحانه : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (2) ، فنصّ على انّ الأقرب إلى النّبي صلوات اللّه عليه أولى به من المؤمنين والمهاجرين ، فعزل جلّ جلاله عن هذه الولاية المؤمنين والمهاجرين ، وخصّ بها أولى الأرحام من سيّد المرسلين.

ثم انظر كيف نزل جبرئيل بعد خروجه عليه السلام إلى مكّة بالتعيين على عليّ عليه السلام ، فلمّا راجع النبيّ صلوات اللّه عليه وأشفق على قومه من حسدهم لعلي عليه السلام ، كيف عاد اللّه جلّ جلاله وأنزل ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) (3) ، وكشف عن علي عليه السلام بذلك الوصف ، ثمّ انظر كيف مال النبي صلى اللّه عليه وآله إلى التوطئة بذكر أهل بيته بمنى ، ثم عاد ذكرهم في مسجد الخيف.

ثم ذكر صاحب كتاب النشر والطي توجّههم إلى المدينة ومراجعة رسول اللّه مرّة بعد مرّة لله جلّ جلاله ، وما تكرّر من اللّه تعالى إلى رسول اللّه في ولاية عليّ عليه السلام ، قال حذيفة : واذّن النبي صلى اللّه عليه وآله بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا.

ثم قال صاحب كتاب النّشر والطيّ : فنزل جبرئيل على النبي عليهما السلام بضجنان (4) في حجّة الوداع بإعلان علي عليه السلام.

ص: 243


1- الزخرف : 79 - 80.
2- الأنفال : 15.
3- المائدة : 55.
4- الضجن : واد فى بلاد هذيل بتهامة ، أسفله لكنانة ، على ليلة من مكة.

ثم قال صاحب الكتاب : فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتى نزل الجحفة ، فلمّا نزل القوم وأخذوا منازلهم ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فأمره أن يقوم بعليّ عليه السلام وقال : يا ربّ انّ قومي حديثو عهد بالجاهليّة فمتى افعل هذا يقولوا : فعل بابن عمّه.

أقول : وزاد في الجحفة ، أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتاب الدراية ، فقال بإسناده من عدّة طرق إلى عبد اللّه بن عباس قال :

لمّا خرج النبي صلى اللّه عليه وآله في حجّة الوداع ، فنزل جحفة أتاه جبرئيل عليه السلام فأمره أن يقوم بعلي عليه السلام قال : ألستم تزعمون انّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره ، وأعن من عانة ، قال ابن عباس : وجبت واللّه في أعناق الناس.

أقول : وسار النبي صلى اللّه عليه وآله من جحفة.

قال مسعود السجستاني في كتاب الدراية بإسناده إلى عبد اللّه بن عباس أيضا قال :

أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ان يبلّغ ولاية علي عليه السلام ، فأنزل اللّه تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. ) (1).

يقول رضي الدين ركن الإسلام أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس أمدّه اللّه بعناياته وأيّده بكراماته :

اعلم انّ موسى نبيّ اللّه راجع اللّه تعالى في إبلاغ رسالته وقال في مراجعته ( إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ) (2) ، وانّما كان قتل نفسا واحدة ، وامّا علي بن أبي طالب ، فإنّه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلي كلّ واحد منهم.

يحتمل مراجعة النبي صلى اللّه عليه وآله لله جلّ جلاله في تأخير ولاية مولانا علي عليه السلام وترك إظهار عظيم فضله وشرف محله ، وكان النبي شفيقا على أمّته كما

ص: 244


1- المائدة : 67.
2- القصص : 33.

وصفه اللّه جلّ جلاله ، فاشفق عليهم من الامتحان بإظهار ولاية علي عليه السلام في أوان.

ويحتمل ان يكون اللّه جلّ جلاله إذن للنبي عليه السلام في مراجعته لتظهر لأمّته انّه ما آثره لمولانا علي عليه السلام ، وانّما اللّه جلّ جلاله آثره كما قال ( ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (1).

قال صاحب كتاب النشر والطي في تمام حديثه ما هذا لفظه : فهبط جبرئيل فقال : اقرء « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - الآية » ، وقد بلغنا غدير خم في وقت لو طرح اللّحم فيه على الأرض لانشوى (2) ، وانتهى إلينا رسول اللّه فنادى : الصلاة جامعة ، ولقد كان أمر عليّ عليه السلام أعظم عند اللّه ممّا يقدّر ، فدعا المقداد وسلمان وأبا ذر وعمار ، فأمرهم أن يعمدوا إلى أصل شجرتين فيقمّوا (3) ما تحتهما فكسحوه (4) ، وأمرهم أن يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأمر بثوب فطرح عليه ، ثم صعد النبي صلى اللّه عليه وآله المنبر ينظر يمنة ويسرة ينتظر اجتماع الناس إليه.

فلما اجتمعوا فقال : الحمد لله الذي علا في توحّده ودنا في تفرّده - الى ان قال : - أقرّ له على نفسي بالعبوديّة واشهد له بالربوبيّة وأؤدّي ما أوحى اليّ ، حذار ان لم افعل ان تحلّ بي قارعة (5) ، أوحى اليّ « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - الآية ».

معاشر النّاس ما قصّرت في تبليغ ما أنزله اللّه تبارك وتعالى ، وانا أبيّن لكم سبب هذه الآية ، انّ جبرئيل هبط اليّ مرارا أمرني عن السلام ان أقول في المشهد واعلم الأبيض والأسود ، انّ علي بن أبي طالب أخي وخليفتي والامام بعدي.

أيّها النّاس علمي بالمنافقين - الّذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه

ص: 245


1- النجم : 3 - 4.
2- شوى اللحم : عرّضه للنار فنضح.
3- قمّ البيت : كنسه.
4- كسحت البيت : كنسته.
5- القارعة : الداهية ، النكبة المهلكة.

هيّنا وهو عند اللّه عظيم ، وكثرة أذاهم لي مرّة سمّوني إذنا لكثرة ملازمته إيّاي واقبالي عليه ، حتّى انزل اللّه ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) (1) - محيط (2) ، ولو شئت ان اسمّي القائلين بأسمائهم لسمّيت.

واعلموا انّ اللّه قد نصبه لكم وليّا وإماما ، مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التّابعين وعلى البادي والحاضر ، وعلى العجمي والعربي ، وعلى الحرّ والمملوك ، وعلى الكبير والصغير ، وعلى الأبيض والأسود ، وعلى كلّ موحد ، فهو ماض حكمه ، جائز قوله ، نافذ أمره ، ملعون من خالفه ومرحوم من صدّقه.

معاشر النّاس تدبّروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته ولا تتّبعوا فواللّه لا يوضح تفسيره إلاّ الّذي أنا آخذ بيده ورافعها بيدي ، ومعلّمكم ان من كنت مولاه فهو مولاه ، وهو عليّ.

معاشر النّاس انّ عليّا والطيّبين من ولدي من صلبه هم الثّقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ولا يحلّ امرة المؤمنين لأحد بعدي غيره.

ثم ضرب بيده على عضده ، فرفعه على درجة دون مقامه متيامنا عن وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فرفعه بيده وقال :

أيّها النّاس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : اللّه ورسوله ، فقال : ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، انّما أكمل اللّه لكم دينكم بولايته وإمامته ، وما نزلت آية خاطب اللّه بها المؤمنين الاّ بدأ به ، ولا شهد اللّه بالجنّة في هل أتى إلاّ له ، ولا أنزلها في غيره ، ذريّة كلّ نبيّ من صلبه وذرّيتي من صلب علي ، لا يبغض عليّا إلاّ شقيّ ولا يوالي عليّا إلاّ تقي ، وفي عليّ نزلت ( وَالْعَصْرِ ) ، وتفسيرها : وربّ عصر القيامة ، ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) أعداء آل محمد ، ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) بولايتهم » ، ( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) بمواساة إخوانهم ، ( وَتَواصَوْا

ص: 246


1- التوبة : 61.
2- خبر لقوله : علمي.

بِالصَّبْرِ ) في غيبة غائبهم.

معاشر النّاس آمنوا باللّه ورسوله والنّور الّذي أنزل ، أنزل اللّه النور في ، ثمّ في عليّ ، ثم النّسل منه إلى المهدي ، الّذي يأخذ بحق اللّه ، معاشر النّاس انّي رسول اللّه قد خلت من قبلي الرسل ، الا انّ عليّا الموصوف بالصّبر والشّكر ثمّ من بعده من ولده من صلبه.

معاشر النّاس قد ضلّ من قبلكم أكثر الأوّلين ، انا صراط اللّه المستقيم الّذي أمركم أن تسلكوا الهدى إليه ، ثم عليّ من بعدي ، ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحقّ ، انّي قد بيّنت لكم وفهّمتكم ، هذا عليّ يفهّمكم بعدي ، الا وانّي عند انقطاع خطبتي أدعوكم إلى مصافحتي على بيعته والإقرار له بولايته ، الاّ انّي بايعت لله وعلى بائع لي ، وأنا آخذكم بالبيعة له عن اللّه ، ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (1).

معاشر النّاس أنتم أكثر من ان تصافحوني بكفّ واحدة قد أمرني اللّه ان آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقّدتم الإمرة لعلي بن أبي طالب ، ومن جاء من بعده من الأئمّة منّي منه ، على ما أعلمتكم انّ ذرّيّتي من صلبه فليبلّغ الحاضر الغائب ، فقولوا : سامعين مطيعين راضين لما بلّغت عن ربّك ، نبايعك على ذلك بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا ، على ذلك نحيا ونموت ونبعث ، لا نغيّر ولا نبدّل ولا نشكّ ولا نرتاب ، أعطينا بذلك اللّه وإيّاك ، وعليّا والحسن والحسين والأئمّة الّذين ذكرت ، كلّ عهد وميثاق من قلوبنا وألسنتنا ، ونحن لا نبتغي بذلك بدلا ونحن نؤدّي ذلك إلى كلّ من رأينا.

فبادر النّاس بنعم نعم ، سمعنا وأطعنا أمر اللّه وأمر رسوله آمنّا به بقلوبنا وتداكّوا (2) على رسول اللّه وعلي عليهما السلام بأيديهم ، الى ان صلّيت الظّهر والعصر في وقت واحد ، وباقي ذلك اليوم إلى ان صلّيت العشاء آن في وقت واحد ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول كلّما أتى فوج : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلَى الْعالَمِينَ. » (3)

ص: 247


1- الفتح : 10.
2- تداك عليه القوم : ازدحموا.
3- عنه بطوله البحار 37 : 126 - 133.

فصل : وامّا ما رواه مسعود بن ناصر السجستاني في صفة نصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله على مولانا علي عليه السلام بالولاية ، فإنّه مجلّد أكثر من عشرين كراسا.

وامّا الّذي ذكره محمّد بن جرير صاحب التاريخ في ذلك فإنّه مجلّد ، وكذلك ما ذكره أبو العبّاس بن عقده وغيره من العلماء وأهل الروايات فإنّها عدة مجلدات.

فصل : وامّا ما جرى من إظهار بعض من حضر في يوم الغدير لكراهة نصّ النبي صلوات اللّه عليه علي مولانا علي صلوات اللّه عليه.

فقد ذكر الثعلبي في تفسيره : انّ النّاس تنحّوا عن النبيّ عليه السلام ، فأمر عليّا فجمعهم ، فلمّا اجتمعوا قام وهو متوسّد على يد علي بن أبي طالب ، فحمد اللّه وأثنى عليه.

ثمّ قال : أيّها الناس انّه قد كرهت تخلّفكم عنّي حتّى خيل إلىّ انّه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني ، ثمّ قال : لكن عليّ بن أبي طالب أنزله اللّه منّي بمنزلتي منه ، فرضي اللّه عنه كما أنا راض عنه ، فإنّه لا يختار على قربي ومحبّتي شيئا ، ثمّ رفع يديه فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه.

قال : فابتدر النّاس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يبكون ويتضرّعون ويقولون :

يا رسول اللّه ما تنحّينا عنك إلاّ كراهية ان نثقل عليك ، فنعوذ باللّه من سخط رسوله ، فرضي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عنهم عند ذلك (1).

فصل : وقال مصنّف كتاب النشر والطي : قال أبو سعيد الخدري : فلم ننصرف حتّى نزلت هذه الآية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (2) ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : الحمد لله على كمال الدين وتمام النقمة ورضى الرّبّ برسالتي وولاية علي بن أبي طالب ، ونزلت « الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ - الآية » (3).

قال صاحب الكتاب : فقال الصادق عليه السلام : يئس الكفرة وطمع الظلمة.

ص: 248


1- عنه البحار 37 : 134 ، رواه في الطرائف : 145 ، ذكره ابن المغازلي في مناقبه : 25 ، عنه العمدة : 53.
2- المائدة : 3.
3- المائدة : 3.

قلت انا : وقال مسلم في صحيحة بإسناده إلى طارق بن شهاب قال : قالت اليهود لعمر : لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) ، نعلم اليوم الّذي أنزلت فيه لاتّخذنا ذلك اليوم عيدا (1).

وروي نزول هذه يوم الغدير جماعة من المخالفين ذكرناهم في الطرائف (2).

وقال مصنف كتاب النشر والطي ما هذا لفظه : فصل : وروي انّ اللّه تعالى عرض عليّا على الأعداء يوم الابتهال فرجعوا عن العداوة وعرضه على الأولياء يوم الغدير فصاروا أعداء ، فشتّان ما بينهما.

وروى أبو سعيد السّمان بإسناده انّ إبليس أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في صورة شيخ حسن السّمت ، فقال : يا محمد ما أقلّ من يبايعك على ما تقول في ابن عمّك عليّ؟ فأنزل اللّه ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (3) ، فاجتمع جماعة من المنافقين الّذين نكثوا عهده فقالوا : قد قال محمد بالأمس في مسجد الخيف ما قال ، وقال هاهنا ما قال ، فان رجع إلى المدينة يأخذ البيعة له والرّأي أن نقتل محمدا قبل ان يدخل المدينة.

فلمّا كان في تلك اللّيلة قعد له عليه السلام أربعة عشر رجلا في العقبة ليقتلوه - وهي عقبة بين الجحفة والإيواء - فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقته ، فلمّا أمسى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صلّى وارتحل وتقدّم أصحابه وكان صلى اللّه عليه وآله على ناقة ناجية ، فلمّا صعد العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد انّ فلانا وفلانا - وسمّاهم كلّهم وذكر صاحب الكتاب أسماء القوم المشار إليهم - ثمّ قال : قال جبرئيل : يا محمد هؤلاء قد قعدوا لك في العقبة ليغتالوك (4).

فنظر رسول اللّه إلى من خلفه ، فقال : من هذا خلفي؟ فقال حذيفة بن اليمان : انا حذيفة يا رسول اللّه ، قال : سمعت ، سمعناه؟ قال : نعم ، قال : اكتم ، ثم دنا منهم فناداهم

ص: 249


1- صحيح مسلم 4 : 2313 ، عنه الطرائف : 147.
2- الطرائف : 140 - 153.
3- سبأ : 20.
4- ليقتلوك ( خ ل ).

بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلمّا سمعوا نداء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مرّوا ودخلوا في غمار الناس وتركوا رواحلهم وقد كانوا عقلوها داخل العقبة ، ولحق النّاس برسول اللّه وانتهى رسول اللّه إلى رواحلهم فعرفها.

فلمّا نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة : ان أمات اللّه محمدا أو قتل لا نردّ هذا الأمر إلى أهل بيته ، ثمّ همّوا بما همّوا به ، فجاءوا إلى رسول اللّه يحلفون انّهم لن يهمّوا بشيء من ذلك ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى « يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا الآية. » (1) (2)

فصل : وذكر الزمخشري في كتاب الكشاف ، وهو ممّن لا يتّهم عند أهل الخلاف ، فقال في تفسير قوله تعالى ( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ) (3) ما هذا لفظه :

وعن ابن جريح : وقفوا لرسول اللّه ليلة الثنيّة على العقبة ، وهم اثنا عشر رجلا ، ليفتكوا به من قبل غزاة تبوك ( وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ) ودبّروا لك الحيل والمكايد ودوّروا الآراء في إبطال أمرك ، وقرئ : وقلبوا - بالتخفيف - حتى جاء الحق وظهر أمر اللّه (4).

ثم قال الزمخشري أيضا في الكتاب في تفسير قوله جلّ جلاله ( وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) (5) ما هذا لفظه :

وهو الفتك برسول اللّه وذلك عند مرجعه من تبوك توافق خمسة عشر منهم على ان يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنّم العقبة بالليل فأخذ عمار بن ياسر رضي اللّه عنه بخطام راحلته يقودها ، وحذيفة خلفه يسوقها ، فبينا هو كذلك إذ سمع حذيفة توقّع أخفاف الإبل بقعقعة السلام ، فالتفت قوم متلثّمون فقال : إليكم أعداء اللّه ، فهربوا (6).

فصل : وبلغ أمر الحسد لمولانا علي عليه السلام على ذلك المقام والأنعام إلى بعضهم

ص: 250


1- التوبة : 74.
2- عنه البحار 37 : 134.
3- التوبة : 48.
4- الكشاف 2 : 277.
5- التوبة : 74.
6- الكشاف 2 : 291.

الهلاك والاصطلام (1).

فروى الحاكم عبيد اللّه بن عبد اللّه الحسكاني في كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة ، وهو من أعيان رجال الجمهور ، فقال : قرأت على أبي بكر محمد بن محمد الصيدلاني فأقرّ به ، حدثكم أبو محمد عبد اللّه بن أحمد بن جعفر الشيباني ، حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الأسدي ، حدثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور بن ربعي ، عن حذيفة بن اليمان قال :

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعلي : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، قام النعمان بن المنذر الفهريّ فقال : هذا شيء قلته من عندك أو شيء أمرك به ربّك؟ قال : لا بل أمرني به ربّي ، فقال : اللّهم أنزل علينا حجارة من السماء ، فما بلغ رحله حتّى جاءه حجر فأدماه (2) فخرّ ميتا ، فأنزل اللّه تعالى ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) (3).

أقول : وروى هذا الحديث الثعلبي في تفسيره للقرآن بأفضل وأكمل من هذه الرواية (4).

وكذلك رواه صاحب كتاب النشر والطي قال : لما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد عليّ فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فشاع ذلك في كلّ بلد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على ناقة له ، حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها ، ثم أتى النبي وهو في ملأ من أصحابه ، فقال : يا محمد أمرتنا عن اللّه ان نشهد ان لا إله إلاّ اللّه وانك رسول اللّه ، فقبلناه ، وأمرتنا أن نصلّي خمسا ، فقبلناه ، وأمرتنا بالحج ، فقبلناه ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع (5) ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أهذا شيء من عندك أم من اللّه؟ فقال : واللّه الذي لا إله الاّ هو انّ هذا من اللّه ، فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللّهم ان كان ما يقوله محمد حقّا فأمطر علينا

ص: 251


1- اصطلمه : استأصله.
2- أدمى الرجل : أسال دمه.
3- المعارج : 1.
4- عنه الغدير 1 : 240 وفي الطرائف : 153. ذكره الحسكاني في شواهد التنزيل 2 : 286.
5- الضبع : وسط العضد ، الإبط.

حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتّى رماه اللّه بحجر فسقط على هامّته (1) ، وخرج من دبره فقتله (2).

أقول : فإذا كان الحال كما ذكرناه من الحاسدين الكارهين لما انزل اللّه ولما أمر به رسوله صلوات اللّه عليه وآله من ولاية علي بن أبي طالب على الإسلام والمسلمين ، وكان ذلك في حياة النبي صلوات اللّه عليه وآله وهو يرجى ويخاف والوحي ينزل عليه ، فكيف يستبعد ممن كان بهذه الصفات في الحسد والعداوات ان يعزلوا الولاية عن مولانا علي عليه السلام بعد وفاة النّبي صلوات اللّه عليه أو يكتموا كثيرا من النصوص عليه :

باعوه بالأمل الضّعيف سفاهة *** وقت الحياة فكيف بعد وفاته

خذلوه في وقت يخاف ويرتجى *** أيراد منهم ان يفوا لمماته

فصل (4): فيما نذكره من فضل اللّه جلّ جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد ، وما فيه من المنّة على العباد

اعلم انّ كلّ عيد جديد أطلق اللّه جلّ جلاله فيه شيئا من الجود لعبد سعيد ، فإنّما يكون إطلاقه جلّ جلاله لذلك الإحسان لمن ظفر بمعرفة اللّه جلّ جلاله ومعرفة رسوله صلوات اللّه عليه وامام الزمان ، وكان صحيح الأيمان ، فإنّ النقل عن صاحب الشّريعة النبويّة ورد متظاهرا انّه من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليّة.

وهذا عيد يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة ، فيه كشف اللّه ورسوله عن واضح المحجّة ، ونصّ بها على من اختاره للإمامة والحجّة ، وكل عبد علاقة عليه كالعبد الذي يخدم بين يديه ويتقرّب إليه.

واعلم انّ المنّة بكشفه والمحنة بلطفه ، تكاد ان تزيد على الامتحان بصاحب النّبوة العظيم الشّأن ، لأنّ الرسول المبعوث صلوات اللّه وسلامه عليه ، بعث في أوّل أمره بمكّة إلى قوم يعبدون أحجارا واخشابا لا تدفع ولا تنفع ولا تسمع خطابا ولا تردّ جوابا.

قد شهدت عقول أهل الوجود بجهل من اتّخذها آلهة من دون اللّه المعبود ، ولم يكن

ص: 252


1- الهامة : الرأس.
2- عنه البحار 37 : 136.

بين أهل مكّة وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عداوة قبل رسالته ، ولا بينهم وبينه قتل ولا دماء قد سفكها ، تمنع طبعا وعقلا من قبول نبوّته.

وامّا مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل السلام ، الّذي نصّ اللّه جلّ جلاله عليه على لسان رسوله عليه أعظم الصلاة والسلام في يوم الغدير ، فإنّ أهل الإسلام كانوا قد اتّسعت عليهم شبهات العقول والأحلام وتأويل ما يقدرون فيه على التأويل ، وكان مولانا علي عليه السلام قد عادى كثيرا في اللّه جلّ جلاله وفي طاعة الرسول الجليل ، فسفك دماء عظيمة من أسلافهم وعظمائهم وأمثالهم ، وسار مع رسول اللّه عليه السلام سيرة واحدة في معاداة من عاداه من أوّل امره إلى آخره ، من غير مراعاة لحفظ قلوب من كان عاداه من رجالهم ، وظهرت له من العنايات والكرامات ما اقتضت حسد أهل المقامات.

فحصل لإمامته من المعاداة والحسد له على الحياة ونفور الطبائع ، بأنّه ما يسير الاّ سيرة واحدة من غير مداهاة زيادة على ما كان عند بعثة النبي عليه أفضل الصلوات ، بلغ الأمر إلى ما قدمناه قبل هذا الفصل من العداوات.

فصل : ولقد حكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل ، وهو من المخالفين المعاندين ، كلاما جليلا في سبب عداوة الناس لمولانا علي بن أبي طالب عليه السلام فقال في مدح أبو الهيثم بن التيهان انّه أوّل من ضرب على يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في ابتداء أمر نبوّته ، ثم قال بإسناده إلى أبو الهيثم بن التيهان انّه قام خطيبا بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال :

انّ حسد قريش إيّاك على وجهين : امّا خيارهم فتمنّوا ان يكونوا مثلك منافسة (1) في الملإ وارتفاع الدرجة ، وامّا شرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب وأحبط الأعمال ، وذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمها إليك الحظّ وأخّرهم عنها الحرمان ، فلم يرضوا ان يلحقوا حتّى طلبوا ان يسبقوك ، فبعدت واللّه عليهم الغاية وأسقط المضمار.

فلمّا تقدّمتهم بالسّبق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت ، وكنت واللّه أحقّ

ص: 253


1- نافس فلانا في أمر : فأخره وباراه فيه.

قريش بشكر قريش ، نصرت نبيّهم حيّا وقضيت عنه الحقوق ميّتا ، واللّه ما بغيهم الاّ على أنفسهم ولا نكثوا الاّ بيعة اللّه ، يد اللّه فوق أيديهم فيها ، ونحن معاشر الأنصار أيدينا وألسنتنا معك ، فأيدينا على من شهد وألسنتنا على من غاب.

أقول : فهذا أبو الهيثم بن التيهان من أشرف الأنصار ، وقد حضر أوّل أمر النبوّة وما جرت الحال عليه ، وقوله حجة على قريش وغيرهم فيما أشار رحمه اللّه.

فليكن تعظيم عيد أهل الشرائع على قدر ما فيه من المنافع ، وعلى قدر ما سلّم اللّه جلّ جلاله الظّافر بما فيه من الحوائل والقواطع ، فانّ كل نعمة لله على عباده ، على قدر ما سلّمهم فيها من إخطار غضبه وإبعاده ، وعلى قدر مفارقتهم لأهل عناده وموافقتهم لمراده.

فصل (5): فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند أهل العقول من طريق المنقول

فمن ذلك ما أخبرني به الشيخ العالم حسين بن أحمد السوراوي والشيخ الأوحد الملقّب عماد الدين أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني ، بإسنادهما المقدم ذكره عن الشيخ السعيد المجيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس اللّه روحه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الخراساني الحاجب في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ، قال : حدثنا سعيد بن هارون أبو عمرو المروزي - وقد زاد على الثّمانين سنة - قال : حدثنا الفيّاض بن محمد بن عمر الطوسي بطوس سنة تسع وخمسين ومائتين ، وقد بلغ التّسعين ، انّه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهم السلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد احتبسهم للإفطار ، وقد قدم إلى منازلهم الطّعام والبرّ والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال ، وقد غيّر أحوالهم وأحوال حاشيته وجدّدت له الآلة غير الآلة الّتي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه ، فكان من قوله عليه السلام :

حدثني الهادي أبي ، قال : حدثني جدّي الصادق ، قال : حدثني الباقر ، قال : حدثني سيد العابدين ، قال : حدثني أبي الحسين ، قال :

ص: 254

اتّفق في بعض سنّي أمير المؤمنين عليه السلام الجمعة والغدير ، فصعد المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم ، فحمد اللّه حمدا لم يسمع بمثله ، وأثنى عليه بما لا يتوجّه إلى غيره ، فكان ما حفظ من ذلك :

الحمد لله الّذي جعل الحمد من غير حاجة منه إلى حامديه ، وطريقا من طرق الاعتراف بلا هويّته وصمدانيّته وفردانيّته ، وسببا إلى المزيد من رحمته ، ومحجّة للطّالب من فضله ، وكمن في إبطان حقيقة الاعتراف له بأنّه المنعم على كلّ حمد باللفظ وان عظم.

واشهد ان لا إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، شهادة نزعت عن إخلاص الطّوي ونطق اللّسان بها عبارة عن صدق خفيّ ، أنّه الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى ، ليس كمثله شيء ، إذ كان الشيء من مشيّته وكان لا يشبهه مكونه.

واشهد انّ محمّدا عبده ورسوله ، استخلصه في القدم على سائر الأمم ، على علم منه ، بأنّه انفرد عن التّشاكل والتّماثل من أبناء الجنس ، وانتجبه آمرا وناهيا عنه ، اقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه ، إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ، ولا تمثّله غوامض الظّنون في الإسرار.

لا إله الاّ هو الملك الجبّار ، قرن الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلا هويّته ، واختصّه من تكرمته بما لم يلحقه فيه أحد من بريّته ، فهو أهل ذلك بخاصّته وخلّته ، إذ لا يختصّ من يشوبه التّغيير ، ولا يخالل من يلحقه التّظنين ، وأمر بالصّلاة عليه ، مزيدا في تكرمته ، وطريقا للدّاعي إلى إجابته ، فصلّى اللّه عليه وكرّم وشرّف وعظّم ، مزيدا لا تلحقه التّفنية ولا ينقطع على التّأبيد.

وانّ اللّه تعالى اختصّ لنفسه بعد نبيّه صلى اللّه عليه وآله بريّته خاصّة ، علاهم بتعليته ، وسمّى بهم إلى رتبته بهم إلى رتبته ، وجعلهم الدّعاة بالحقّ إليه ، والأداء بالإرشاد عليه ، لقرن قرن ، وزمن زمن ، انشأهم في القدم قبل كلّ مذرّ ومبرّ ، وأَنوارا أنطقها بتحميده وألهمها على شكره وتمجيده.

وجعلها الحجج على كلّ معترف له بملكوت الربوبيّة ، وسلطان العبوديّة ، واستنطق

ص: 255

بها الخرسات بأنواع اللّغات ، بخوعا (1) له بأنّه فاطر الأرضين والسّماوات ، واستشهدهم خلقه وولاّهم ما شاء من أمره.

جعلهم تراجم مشيّته وألسن إرادته ، عبيدا ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ، وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى ، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) ، يحكمون بأحكامه ويستنّون بسنّته ، ويعتمدون حدوده ، ويؤدّون فرضه.

ولم يدع الخلق في بهم صمّا ولا في عمى بكما ، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم ، وتفرقّت في هياكلهم ، حقّقها في نفوسهم واستعدّ لها حواسّهم ، فقرّر بها على إسماع ونواظر وأفكار وخواطر ، ألزمهم بها حجّته وأراهم بها محجّته وأنطقهم عمّا شهدته بألسن ذريّة بما قام فيها من قدرته وحكمته ، وبيّن عندهم بها ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (2) ، بصير شاهد خبير.

وانّ اللّه تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ، لا يقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ، ليكمل لكم عندكم ، جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفوا بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلك بكم منهاج قصده ، ويوفّر عليكم هنيء رفده.

فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه (3) لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب السّوء من مثله إلى مثله ، وذكري للمؤمنين وتبيان خشية المتّقين ، ووهب لأهل طاعته في الأيّام قبله وجعله لا يتمّ الاّ بالايتمار لما أمر به ، والانتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه ، ولا يقبل توحيده الاّ بالاعتراف لنبيّه صلى اللّه عليه وآله بنبوّته ، ولا يقبل دينا الاّ بولاية من أمر بولايته ، ولا ينتظم أسباب طاعته إلاّ بالتمسّك بعصمة وعصم أهل ولايته.

فانزل على نبيّه صلى اللّه عليه وآله في يوم الدّوح ما بيّن فيه عن إرادته في خلصائه

ص: 256


1- بخع : أقرّ به وأذعن.
2- الأنفال : 42.
3- ندب للأمر أو إلى الأمر : دعاه ورشّحه للقيام به.

وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزّيغ والنفاق ، وضمن له عصمته منهم وكشف عن خبايا أهل الرّيب وضمائر أهل الارتداد ما رمز فيه.

فعقله المؤمن والمنافق فأذعن مذعن وثبت على الحقّ ثابت ، وازدادت جهالة المنافق ، وحميّة المارق (1) ، ووقع العضّ على النواجذ (2) والعمر على السّواعد ، ونطق ناطق ، ونعق ناعق ، ونشق ناشق ، واستمرّ على ما رقته مارق ، ووقع الإذعان من طائفة باللسان دون حقائق الايمان ، ومن طائفة باللّسان وصدق الايمان.

وأكمل اللّه دينه ، وأقرّ عين نبيّه والمؤمنين والمتابعين ، وكان ما قد شهده بعضكم وبلغ بعضكم ، وتمّت كلمة اللّه الحسني على الصّابرين ، ودمّر (3) اللّه ما صنع فرعون وهامان وقارون وجنوده وما كانوا يعرشون (4) ، وبقيت حثالة (5) من الضلال ، لا يألون النّاس خبالا (6).

فيقصدهم اللّه في ديارهم ، ويمحو آثارهم ، ويبيد معالمهم ، ويعقّبهم عن قرب الحسرات ، ويلحقهم عن بسط أكفّهم ، ومدّ أعناقهم ، ومكّنهم من دين اللّه حتّى بدّلوه ومن حكمه حتّى غيّروه ، وسيأتي نصر اللّه على عدوّه لحينه ، واللّه لطيف خبير وفي دون ما سمعتم كفاية وبلاغ.

فتأمّلوا رحمكم اللّه ما ندبكم اللّه إليه ، وحثّكم عليه ، واقصدوا شرعه ، واسلكوا نهجه ، ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله.

هذا يوم عظيم الشّأن فيه وقع الفرج ، ورفعت الدرج ، ووضحت الحجج ، وهو يوم الإيضاح والإفصاح عن المقام الصراح ، ويوم كمال الدّين ، ويوم العهد المعهود ، ويوم

ص: 257


1- المارق : من مرق من الدين ، أي خرج من الدين بضلالة أو بدعة.
2- عض الشيء : لزمه واستمسك به ، الناجذ : واحد النواجذ أي الأضراس ، يقال : عضّ على ناجذه : بلغ أشدّه لانّ النواجذ تنبت بعد البلوغ وكمال العقل.
3- الدمار : الهلاك.
4- عرش البيت : بناه.
5- حثالة : ما يسقط من قشر الشعير ، حثالة الناس : رذالتهم.
6- الخبال : الفساد.

الشاهد والمشهود ، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود ، ويوم البيان عن حقائق الايمان ، ويوم دحر (1) الشيطان ، ويوم البرهان.

هذا يوم الفصل الذي كنتم به توعدون ، هذا يوم الملإ الأعلى الّذي أنتم عنه معرضون ، هذا يوم الإرشاد ، ويوم محنة العباد ويوم الدليل على الرّواد ، هذا يوم إبداء خفايا الصدور ، ومضمرات الاموم ، هذا يوم النّصوص على أهل المخصوص.

هذا يوم شيث ، هذا يوم إدريس ، هذا يوم يوشع ، هذا يوم شمعون ، هذا يوم الأمن المأمون ، هذا يوم إظهار المصون من المكنون ، هذا يوم إبداء السرائر.

فلم يزل عليه السلام يقول : هذا يوم هذا يوم ، فراقبوا اللّه واتقوه ، واسمعوا له وأطيعوه ، واحذروا المكر ولا تخادعوه ، وفتّشوا ضمائركم ، ولا تواربوه ، وتقربوا إلى اللّه بتوحيده ، وطاعة من أمركم أن تطيعوه ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر.

ولا يجنح (2) بكم الغيّ فتضلّوا عن سبيل الرشاد ، باتباع أولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا ، قال اللّه تعالى عزّ من قائل في طائفة ذكرهم بالذّمّ في كتابه ( إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) (3) ، وقال اللّه تعالى : ( وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ ، قالُوا لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ ) (4) ، أفتدرون استكبار ما هو ، ترك الطّاعة لمن أمر اللّه بطاعته والتّرفع عمّن ندبوا إلى متابعته ، والقرآن ينطق من هذا عن كثير ، ان تدبّره متدبّر زجره ووعظه.

واعلموا أيّها المؤمنون انّ اللّه عزّ وجلّ قال : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (5) ، أتدرون ما سبيل اللّه ومن سبيله ومن صراط اللّه ومن طريقه.

ص: 258


1- دحر : طرد.
2- جنح : مال.
3- الأحزاب : 67.
4- إبراهيم : 21.
5- الصف : 4.

انا صراط اللّه الّذي من لا يسلكه بطاعة اللّه فيه هوى به (1) إلى النار ، انّا سبيله الّذي نصبني للاتّباع بعد نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، أنا قسيم النّار ، أنا حجة اللّه على الفجّار ، أنا نور الأنوار.

فانتبهوا من رقدة الغفلة ، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل ، وسابقوا إلى مغفرة من ربّكم قبل ان يضرب بالسّور بباطن الرّحمة وظاهر العذاب ، فتنادون فلا يسمع نداؤكم ، وتضجّون فلا يحفل (2) بضجيجكم ، وقبل ان تستغيثوا فلا تغاثوا ، سارعوا إلى الطّاعات قبل فوات الأوقات ، فكان قد جاء هادم اللّذات فلا مناص نجات ولا محيص تخليص.

عودوا رحمكم اللّه بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، والبرّ بإخوانكم ، والشكر لله عزّ وجلّ على ما منحكم ، وأجمعوا يجمع اللّه شملكم ، وتبارّوا يصل اللّه ألفتكم ، وتهانّوا نعمة اللّه كما هنّاكم بالصّواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده إلاّ في مثله ، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر ، والتّعاطف فيه يقتضي رحمة اللّه وعطفه ، وهبوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البشرى فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم.

واحمدوا اللّه على ما منحكم وعودوا بالمزيد على أهل التّأميل لكم ، وساووا بكم ضعفاء كم ومن ملككم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب إمكانكم ، فالدّرهم فيه بمأتي ألف درهم والمزيد من اللّه عزّ وجلّ.

وصوم هذا اليوم ممّا ندب اللّه إليه ، وجعل العظيم كفالة عنه ، حتّى لو تعبّد له عبد من العبيد في التشبيه من ابتداء الدنيا إلى تقضّيها (3) صائما نهارها قائما ليلها ، إذا خلص المخلص في صومه لقصرت أيّام الدنيا عن كفايته ، ومن أضف فيه أخاه مبتدئا وبرّه راغبا ، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليله ، ومن فطّر مؤمنا في ليلته فكأنّما فطّر

ص: 259


1- هوى الشيء : ألقاه من فوق.
2- حفل : بالى واهتمّ.
3- تقضّى الشيء : انصرم وفنى.

فئاما (1) فئاما ، يعدّها بيده عشرة.

فنهض ناهض فقال : يا أمير المؤمنين وما الفئام؟ قال : مأتي ألف نبي وصديق وشهيد ، فكيف بمن يكفل عددا من المؤمنين والمؤمنات ، فانا ضمينه على اللّه تعالى الأمان من الكفر والفقر.

وان مات في ليلته أو يومه أو بعده إلى مثله ، من غير ارتكاب كبيرة ، فأجره على اللّه ، ومن استدان لإخوانه وأعانهم ، فأنا الضامن على اللّه ان أبقاه وان قبضه حمله عنه ، وإذا تلاقيتم فتصافحوا بألسنتكم وتهانّوا بالنعمة في هذا اليوم ، وليبلّغ الحاضر الغائب والشاهد البائن ، وليعد الغنى على الفقير والقوي على الضعيف ، أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بذلك.

ثم أخذ صلوات اللّه عليه في خطبته الجمعة ، وجعل صلاته جمعة صلاة عيد ، وانصرف بولده وشيعته إلى منزل أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام ، بما أعدّ له من طعامه ، وانصرف غنيّهم وفقيرهم برفده إلى عياله (2).

فصل (6): فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطيّ

رواه عن الرضا عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة زفّت أربعة أيام إلى اللّه كما تزفّ العروس إلى خدرها ، قيل : ما هذه الأيام؟ قال :

يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة ويوم الغدير ، وانّ يوم الغدير بين الأضحى والفطر والجمعة كالقمر بين الكواكب ، وهو اليوم الذي نجّا فيه إبراهيم الخليل من النار ، فصامه شكرا لله ، وهو اليوم الّذي أكمل اللّه به الدّين في إقامة النبي عليه السلام عليّا أمير المؤمنين علما وأبان فضيلته ووصايته ، فصام ذلك اليوم ، وانّه اليوم الكمال ويوم مرغمة الشيطان ، ويوم تقبّل أعمال الشيعة ومحبّي آل محمد ، وهو اليوم الّذي يعمد اللّه

ص: 260


1- الفئام : الجماعة من الناس.
2- رواه الشيخ في مصباحه : 752 ، عنه الوسائل 10 : 444.

فيه إلى ما عمله المخالفون فيجعله هباء منثورا.

وهو اليوم الذي يأمر جبرئيل عليه السلام ان ينصب كرسيّ كرامة اللّه بإزاء بيت المعمور ويصعده جبرئيل عليه السلام وتجتمع إليه الملائكة من جميع السماوات ويثنون على محمّد ويستغفرون لشيعته أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام ومحبّيهم من ولد آدم عليه السلام ، وهو اليوم الذي يأمر اللّه فيه الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن محبّي أهل البيت وشيعتهم ثلاثة أيّام من يوم الغدير ، ولا يكتبون عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لمحمد وعلي والأئمة.

وهو اليوم الذي جعله اللّه لمحمد وآله وذوي رحمه ، وهو اليوم الذي يزيد اللّه في حال من عبد فيه ووسع على عياله ونفسه وإخوانه ويعتقه اللّه من النار ، وهو اليوم الذي يجعل اللّه فيه سعى الشيعة مشكورا وذنبهم مغفورا وعملهم مقبولا.

وهو يوم تنفيس الكرب ويوم تحطيط الوزر ويوم الحباء والعطيّة ويوم نشر العلم ويوم البشارة والعيد الأكبر ، ويوم يستجاب فيه الدعاء ، ويوم الموقف العظيم ، ويوم لبس الثّياب ونزع السّواد ، ويوم الشرط المشروط ويوم نفي الهموم ويوم الصفح عن مذنبي شيعة أمير المؤمنين.

وهو يوم السبقة ، ويوم إكثار الصلاة على محمد وآل محمد ، ويوم الرضا ، ويوم عيد أهل بيت محمد ، ويوم قبول الأعمال ، ويوم طلب الزيادة ويوم استراحة المؤمنين ويوم المتاجرة ، ويوم التودّد ، ويوم الوصول إلى رحمة اللّه ، ويوم التزكية ، ويوم ترك الكبائر والذنوب ويوم العبادة ويوم تفطير الصائمين ، فمن فطّر فيه صائما مؤمنا كان كمن أطعم فئاما وفئاما - الى ان عدّ عشرا ، ثم قال : أوتدري ما الفئام؟ قال : لا ، قال : مائة ألف.

وهو يوم التهنئة ، يهنّي بعضكم بعضا ، فإذا لقي المؤمن أخاه يقول : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنا مِنَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِوِلايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ عليهم السلام ، وهو يوم التبسّم في وجوه الناس من أهل الإيمان ، فمن تبسّم في وجه أخيه يوم الغدير نظر اللّه إليه يوم القيامة بالرّحمة وقضى له ألف حاجة ، وبني له قطرا في الجنّة من درّة بيضاء ، ونضّر وجهه (1).

ص: 261


1- نضّر الوجه : نعم وحسن وكان جميلا.

وهو يوم الزينة ، فمن تزيّن ليوم الغدير غفر اللّه له كلّ خطيئة عملها ، صغيرة أو كبيرة ، وبعث اللّه إليه ملائكة يكتبون له الحسنات ويرجعون له الدرجات إلى قابل مثل ذلك اليوم ، فان مات مات شهيدا وان عاش عاش سعيدا ، ومن أطعم مؤمنا كان كمن اطعم جميع الأنبياء والصديقين ، ومن زار فيه مؤمنا أدخل اللّه قبره سبعين نورا ووسّع في قبره ويزور قبره كلّ يوم سبعون ألف ملك ويبشّرونه بالجنّة.

وفي يوم الغدير عرض اللّه الولاية على أهل السماوات السبع فسبق إليها أهل السماء السابعة فزيّن بها العرش ، ثم سبق إليها أهل السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور ، ثم سبق إليها أهل السماء الدنيا فزيّنها بالكواكب ، ثم عرضها على الأرضين فسبقت مكة فزيّنها بالكعبة ، ثم سبقت إليها المدينة فزيّنها بالمصطفى محمد صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ سبقت إليها الكوفة فزيّنها بأمير المؤمنين عليه السلام ، وعرضها على الجبال فأوّل جبل أقرّ بذلك ثلاثة جبال : جبل العقيق وجبل الفيروزج وجبل الياقوت ، فصارت هذه الجبال جبالهنّ وأفضل الجواهر ، ثم سبقت إليها جبال أخر ، فصارت معادن الذهب والفضة ، وما لم يقرّ بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئا.

وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار عذبا وما أنكر صار ملحا أجاجا ، وعرضها في ذلك اليوم على النّبات فما قبله صار حلوا طيبا ، وما لم يقبل صار مرّا ، ثمّ عرضها في ذلك اليوم على الطّير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما أنكرها صار أخرس مثل ألكن ، ومثل المؤمنين في قبولهم ولاء أمير المؤمنين في يوم غدير خم كمثل الملائكة في سجودهم لآدم ، ومثل من أبي ولاية أمير المؤمنين في يوم الغدير مثل إبليس ، وفي هذا اليوم أنزلت هذه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (1) ، وما بعث اللّه نبيّا الاّ وكان يوم بعثه مثل يوم الغدير عنده وعرف حرمته إذ نصب لأمّته وصيّا وخليفة من بعده في ذلك اليوم.

ص: 262


1- المائدة : 68.

فصل (7): فيما نذكره أيضا من فضل يوم الغدير ، برواية جماعة من ذوي الفضل الكثير ، وهي قطرة من بحر غزير

فمن هؤلاء ما رواه محمد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى عبد الرحمن بن سالم ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة ، قلت : وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال : اليوم الذي نصب فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قلت : وأي يوم هو؟ قال : ما تصنع باليوم ، انّ السنة تدور ولكنّه يوم ثماني عشر من ذي الحجّة.

فقلت : وما ينبغي لنا ان نفعل في ذلك اليوم؟ قال : تذكرون اللّه فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد صلّى اللّه عليهم ، وأوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين ان يتّخذ ذلك اليوم عيدا ، وكذلك كانت الأنبياء تفعل ، كانوا يوصون أوصيائهم بذلك فيتّخذونه عيدا (1).

ومن أولئك ما رواه علي بن الحسن بن فضّال في كتاب الصيام ، بإسناده إلى الحسن بن راشد قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام هل للمسلمين عيد سوى الفطر والأضحى؟ فقال : نعم أعظمهما وأشرفهما ، قال : قلت : أيّ يوم هو؟ قال : يوم نصب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين للنّاس فدعاهم إلى ولايته ، قال : قلت : في أيّ يوم ذلك؟ قال : يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة.

قال : قلت : فما ينبغي فيه وما يستحب فيه؟ قال : الصّيام والتقرب إلى اللّه عزّ وجلّ فيه باعمال الخير ، قال : قلت : فما لمن صامه؟ قال : يحسب له بصيام ستّين شهرا (2).

ص: 263


1- رواه الكليني في الكافي 4 : 149 ، عنه الوسائل 10 : 440 ، أورده الشيخ في مصباحه 2 : 679.
2- رواه مع اختلاف الكليني في الكافي 4 : 148 ، والصدوق في الفقيه 2 : 90 ، ثواب الأعمال : 99 ، والشيخ في التهذيب 4 : 305 ، مصباح المتهجد : 680 ، عنهم الوسائل 10 : 441 ، رواه في العدد القوية : 168 ، عنه البحار 98 : 322.

ومن أولئك ما رواه الشيوخ المعظمون أبو جعفر محمد بن بابويه والمفيد محمد بن محمد بن النعمان وأبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، بإسنادهم جميعا عن الصادق عليه السلام انّ العمل في يوم الغدير ثامن عشر ذي الحجّة يعدل العمل في ثمانين شهرا (1).

وفي حديث آخر بإسنادهم آخر جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : صوم يوم غدير خم كفّارة ستين سنة (2).

ومن أولئك مصنّف كتاب النشر والطي قال بإسناده إلى الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي ، حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، حدثنا محمد بن ظهير ، حدثنا عبد اللّه بن الفضل الهاشمي ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام ، قال النبي صلى اللّه عليه وآله : يوم غدير خم أفضل أعياد أمّتي هو اليوم الذي أمرني اللّه فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب فيه علما لأمّتي يهتدون به بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل اللّه فيه الدين وأتمّ على أمّتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام دينا ، ثم قال :

معاشر الناس انّ عليّا منّي وأنا من عليّ خلق من طينتي وهو بعدي يبيّن لهم ما اختلفوا فيه من سنّتي ، وهو أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ويعسوب المؤمنين وخير الوصيين وزوج سيّدة نساء العالمين وأبو الأئمة المهديّين.

ومن أولئك ما رواه محمد بن علي بن محمد الطرازي في كتابه ، بإسناده المتّصل إلى المفضّل بن عمر قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا كان يوم القيامة زفّت أربعة أيّام إلى اللّه عزّ وجلّ كما تزفّ العروس إلى خدرها : يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم الجمعة ويوم غدير خم ، ويوم غدير خم بين الفطر والأضحى يوم الجمعة كالقمر بين الكواكب ، وانّ اللّه ليوكّل بغدير خم ملائكته المقرّبين ، وسيّدهم يومئذ جبرئيل عليه السلام ، وأنبياء اللّه المرسلين ، وسيدهم يومئذ

ص: 264


1- ثواب الأعمال : 100.
2- ثواب الأعمال : 100 ، التهذيب 4 : 305 ، الفقيه 2 : 90 الخصال : 264 ، عنهم الوسائل 10 : 442 ، رواه الشيخ في مصباحه : 736.

محمد صلى اللّه عليه وآله ، وأوصياء اللّه المنتجبين ، وسيّدهم يومئذ أمير المؤمنين ، وأولياء اللّه ، وساداتهم يومئذ سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ، حتّى يورده الجنان كما يورد الراعي بغنمه الماء والكلاء.

قال المفضّل : سيّدي تأمرني بصيامه؟ قال لي : أي واللّه أي واللّه أي واللّه انّه اليوم الذي تاب اللّه فيه على آدم عليه السلام فصام شكرا لله ، على ذلك اليوم ، وانه اليوم الذي نجى اللّه تعالى فيه إبراهيم عليه السلام من النار فصام شكرا لله تعالى على ذلك اليوم ، وانه اليوم الذي أقام موسى هارون عليهما السلام علما فصام شكرا لله تعالى ذلك اليوم ، وانه اليوم الذي أظهر عيسى عليه السلام وصيّه شمعون الصفا فصام شكرا لله عزّ وجلّ على ذلك اليوم.

وانّه اليوم الّذي أقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عليّا للناس علما وأبان فيه فضله ووصيّه ، فصام شكرا لله تبارك وتعالى ذلك اليوم ، وانه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الاخوان وفيه مرضاة الرحمن ومرغمة الشيطان (1).

فصل (8): فيما نذكره من جواب من سأل عمّا في يوم الغدير من الفضل ، وقصر فهمه عمّا ذكرناه في ذلك من الفضل

اعلم ان من التنبيه على ان فضل يوم الغدير ما عرف مثله بعده ولا قبله لأحد من الأوصياء والأعيان فيما مضى من الأزمان وجوه :

منها : انّ اللّه جلّ جلاله جعل نفس علي عليه السلام نفس النبي صلى اللّه عليه وآله في آية المباهلة ، فقال تعالى : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (2).

وقد ذكرنا في الطرائف عن المخالف انّ الأبناء الحسن والحسين ، والنساء فاطمة ،

ص: 265


1- عنه الوسائل 10 : 445 ، رواه في العدد القوية : 168 ، عنه البحار 98 : 323.
2- آل عمران : 61.

وأنفسنا علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم (1) ، فمنها جرى من التعظيم لنفس رسول اللّه ، فمولانا علي عليه السلام داخل فيما يمكن دخوله فيه من ذلك المقام ، ولو اقتصرنا على هذا الوجه الكبير لكفى في تعظيم يوم الغدير.

ومنها : انّنا روينا في الطرائف أيضا عن المخالف ، انّ نور عليّ من نور النّبيّ صلى اللّه عليه وآله في أصل خلقتهما ، وان ذلك ينبّه على تعظيم منزلتهما (2).

ومنها : انّ مولانا عليّا صلوات اللّه عليه في أمّته.

ومنها : انّ كلّما عصمت حرمة المنصوص عليه بالخلافة كان ذلك تعظيما لمن كان عنه ، ومولانا علي عليه السلام نائب عن اللّه ورسوله في كلّ رحمة ورأفة وأمانا من مخافة.

ومنها : انّ اللّه جلّ جلاله قال : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (3) ، فيكون علي عليه السلام بمقتضى هذا الوصف الذي لا يجحد ولا ينكر ، الرئيس من اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله على هذه الأمّة ، التي هي خير الأمم أعظم من كلّ رئيس في شرف القدم وعلوّ الهمم وكمال القسم.

ومنها : انّ الامتحان بنصّ اللّه جلّ جلاله ورسوله صلوات اللّه عليه على مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام ، وجدناه أعظم من كلّ امتحان عرفناه للأوصياء لأجل ما اتّفق لمولانا على صلوات اللّه عليه من كثرة الحاسدين وأعداء الدين ، الّذين عاداهم وجاهدهم في اللّه رب العالمين وفي نصرة سيّد المرسلين ، وقد شهدت عدالة الألباب انّ المنازل في الفضل تزيد بزيادة الامتحان الوارد من جانب مالك الأسباب.

ومنها : انّ مولانا عليّا عليه السلام وقى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وحفظ الإسلام والمسلمين في عدّة مقامات ، عجز عنها كثير من قوّة العالمين ، فجازاه جلّ جلاله ورسوله

ص: 266


1- الطرائف : 129 ، رواه الطبري في تفسيره 22 : 7 ، الحسكاني في شواهد التنزيل 2 : 16 و 17 ، مسلم في صحيحة 4 : 1871 ، النسائي في الخصائص : 4 ، القندوزي في ينابيع المودة : 107 - 109 ، الخوارزمي في المناقب : 22 - 25.
2- الطرائف : 15 ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : 205 - على ما في إحقاق الحق 5 : 243 - ، كتاب الفردوس في باب الخاء - على ما في الاحقاق 4 : 92 - المناقب لابن المغازلي : 79 ، العمدة : 44.
3- آل عمران : 110.

صلوات اللّه عليه شرف ذلك الفضل المبين بهذا المقام المكين مثل انّه بات على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بمكة ، وقد عجز عنها كلّ من قرب منه وكانوا بين هارب أو عاجز عنه فكلّما جرى بالمهاجرة من الشهادة في الدنيا والآخرة ، فمولانا حيث فداه بمهجته أصل الفوائد بنبوّته (1).

ومنها : أداؤه سورة براءة ونبذ عهود المشركين ، لمّا نزل إلى خاتم النبيّين انّه لا يؤدّيها إلاّ أنت أو رجل منك ، فكان القائم مقام النبوة مولانا علي أمير المؤمنين عليه السلام (2).

ومنها : مقامات مولانا علي عليه السلام في بدر وخيبر وحنين وفي أحد ، وفي كلّ موقف كان يمكن أن يخذل الوالد للولد (3).

ومنها : قتل مولانا علي صلوات اللّه عليه لعمرو بن عبد ودّ ، العظيم الشأن ، وقد روينا في الطرائف عن المخالف ان النبي صلى اللّه عليه وآله قال : لضربة علي لعمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل أمّتي إلى يوم القيامة (4) ، وكذلك قال النبي صلوات اللّه عليه لمّا برز مولانا علي إليه : برز الإسلام كلّه إلى الكفر كلّه ، فما ظنّك برجل يرى النّبي صلوات اللّه عليه انّه هو الإسلام كله ، وكيف يدرك بالبيان والتبيان فضله ، ولله در القائل :

يفنى الكلام ولا يحيط بوصفه *** أيحيط ما يفنى بما لا ينفد

ومنها : انّ اللّه جلّ جلاله جعل النّص منه جلّ جلاله ومن رسوله صلوات اللّه عليه بالخلافة لعلي صلوات اللّه عليه يقوم مقام جميع فضل الرسالة ، وهذا مقام لا يبلغ وصفي حقيقته ، فقال جلّ جلاله : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (5) ، وقد ذكرنا في الطرائف عن المخالف وفي هذا الكتاب انّ المراد

ص: 267


1- راجع الطرائف : 36 ، مسند أحمد بن حنبل 1 : 331 ، عنه البحار 36 : 41 والعمدة : 123 ، إحقاق الحق 6 : 476 عن الثعلبي.
2- راجع الطرائف : 38 ، عن مسند أحمد بن حنبل 3 : 283 ، إحقاق الحق عن الفاضل لأحمد بن حنبل 3 : 428 ، ذخائر العقبى : 69 ، تفسير ابن كثير 2 : 322 صحيح بخاري 5 : 202 ، إحقاق الحق 3 : 430 عن تفسير الثعلبي.
3- راجع الطرائف : 55 - 59 ، صحيح بخاري 5 : 76 - 77 ، صحيح مسلم 4 : 187 ، مسند أحمد 5 : 333 ، صحيح ترمذي 13 : 171.
4- الطرائف : 60 ، عن مناقب الخوارزمي : 58 ، وفيه لمبارزة علي.
5- المائدة : 67.

بهذه الآية ولاية علي صلوات اللّه عليه يوم الغدير من غير ارتياب (1).

ومنها : ان عناية اللّه جلّ جلاله بمولانا علي عليه السلام بلغت بتكرار الآيات والمعجزات والكرامات إلى ان ادّعى فيه خلق عظيم باقون إلى هذه الأوقات ما ادّعى بعض النّصارى في عيسى صلوات اللّه عليه ، وانّه ربّ العالمين الّذي يجب ان توجّه العبادات إليه.

ومنها : انّ مولانا عليا عليه السلام عذّب الّذين ادّعوا فيه الإلهيّة كما امره صاحب النّبوة الربانيّة ، ولم يزدهم تعذيبه لهم الاّ ملزما بأنّه ربّ العالمين وما عرفنا انّ معبودا عذّب من يعبده بمثل ذلك العذاب ، وهو مقيم على عبادته بالجدّ والاجتهاد ، فكان ذلك تنبيها على انّ ظهور فضله خرق العقول والبصائر حتّى بلغ إلى هذا الأمر الباهر.

وما يقدر على شرح فضائل مولانا علي عليه السلام على التفصيل ، وقد ذكرنا في الطرائف وجوها دالّة على مقامه الجليل ، وقد نطق القرآن الشريف بنعم اللّه تعالى على عباده مطلقا على التجميل ، فقال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها ) (2) ، فهذا يكون من تلك النّعم التي لا تحصى لأنّه عليه السلام رئيس القوم الّذين ظفروا بها وحصّلوها.

فصل (9): فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السّماوات برواية الثقات وفضل زيارته عليه السلام في ذلك الميقات

روينا بإسنادنا الّذي ذكرناه قبل هذا الفصل إلى الشيخ الموثوق بروايته محمد بن أحمد بن داود ، في كتاب كامل الزّيارات ، قال : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن عمار الكوفي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال :

ص: 268


1- راجع الطرائف : 145 - 153.
2- إبراهيم : 34.

كنّا عند الرضا عليه السلام والمجلس غاصّ بأهله (1) فتذاكروا يوم الغدير ، فأنكره بعض النّاس ، فقال الرضا عليه السلام : حدثني أبي ، عن أبيه عليهما السلام قال :

انّ يوم الغدير في السّماء أشهر منه في الأرض ، انّ لله عزّ وجلّ في الفردوس الأعلى قصرا ، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، فيه مائة ألف قبّة من ياقوتة حمراء ومائة ألف خيمة من ياقوت أخضر ، ترابه المسك والعنبر فيه أربعة أنهار : نهر من خمر ونهر من ماء ونهر من لبن ونهر من عسل ، حواليه أشجار جميع الفواكه ، عليه طيور أبدانها من لؤلؤ وأجنحتها من ياقوت تصوّت بألوان الأصوات.

فإذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبّحون اللّه ويقدّسونه ويهلّلونه ، فتطاير تلك الطّيور فتقع في ذلك الماء وتتمرّغ (2) على ذلك المسك والعنبر ، فإذا اجتمعت الملائكة طارت تلك الطيور فتنفض (3) ذلك ، وانّهم في ذلك اليوم ليتهادّون نثار فاطمة عليها السلام فإذا كان آخر اليوم نودوا : انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم من الخطأ والزلل إلى قابل في مثل هذا اليوم تكرمة لمحمّد وعلي عليهما السلام.

ثم التفت فقال لي : يا ابن أبي نصر اين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فان اللّه تبارك وتعالى يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ويعتق من النار ضعف ما أعتق من شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر ولدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين وأفضل على إخوانك في هذا اليوم وسرّ فيه كلّ مؤمن ومؤمنة.

ثم قال : يا أهل الكوفة لقد أعطيتم خيرا كثيرا وانّكم لمّمن امتحن اللّه قلبه للإيمان ، مستذلّون مقهورون ممتحنون يصبّ البلاء عليهم صبّا ، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم ، واللّه لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات ، ولو لا انّي أكره التطويل لذكرت فضل هذا اليوم وما أعطاه اللّه لمن عرفه

ص: 269


1- عضّ المكان بهم : امتلأ وضاق عليهم.
2- تمرّغ في التراب : تقلب.
3- الفض : النفر المتفرقون.

ما لا يحصى بعدد.

قال علي بن الحسن بن فضال : قال لي محمد بن عبد اللّه : لقد تردّدت إلى أحمد بن محمد أنا وأبوك والحسن بن جهم أكثر من خمسين مرّة سمعناه منه (1).

فصل (10): فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من المخالفين

اعلم انّ كلّ ميّت كان قبره مشهورا أو مستورا ، فإنّ أهل بيته والمخصوصون بمصيبته والموصوفون بشيعته وخاصّته ، يكونون اعرف بموضع دفنه وقبره ، وهذا اعتبار صحيح لا يجحده الاّ مكابر وضعيف في عقله أو حقير في قدره.

وقد علم أعيان أهل الإسلام انّ عترة مولانا علي عليه السلام وشيعته الّذين لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلدة ، مطبقون متّفقون على انّ هذا الضّريح الشّريف الّذي يزوره أهل الحقائق من المغارب والمشارق ، هو قبر مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.

فمن العجب انّ كلّ انسان وقف على قبر دارس (2) وقال : هذا قبر أبي أو جدّي حكم الحاضرون بتصديقه ولم ينازعوه في تحقيقه ، ويكون قبر مولانا علي عليه السلام لا يقبل فيه قول أولاده الّذين لا يحصيهم الاّ اللّه جلّ جلاله.

ومن العجب ان يكون أصحاب كلّ ملة وعقيدة يرجع في معرفة قبور رؤسائهم إليهم ، ولا يرجع في قبر أمير المؤمنين عليه السلام إلى أصحابه وشيعته وخاصّته ، وانّما بعض المخالفين ذكر انّهم لا يعرفون انّ هذا موضع قبره الآن ، وربّما روى بعضهم انّ قبره في غير هذا المكان.

واعلم انّ قبر مولانا علي عليه السلام إنّما ستره ذريّته وشيعته عن المخالفين عليه ، ولقد صدق المخالف إذا لم يعرفه فإنّ ستره انّما كان منه ومن أمثاله فكيف يطلع على حاله.

ص: 270


1- عنه البحار 100 : 359 ، رواه الشيخ في مصباحه مختصرا : 737.
2- درس الرسم : عفا وانمحى.

فصل (11): فيما نذكره من الإشارة إلى من زاره من الأئمة من ذريّته عليه وعليهم أفضل السلام ، وغيرهم من عترته من ملوك الإسلام

فأقول : قد روينا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارة مولانا علي بن الحسين عليه السلام لمولانا علي صلوات اللّه عليه أيام التقيّة من بني أميّة ، وروينا من كتاب المسرّة من كتاب ابن أبي قرّة زيارة زين العابدين وولده محمد بن علي الباقر عليهما السلام لهذا قبر مولانا علي عليه السلام ، وذكر في كتاب مصباح الزائر زيارات الصادق عليه السلام له في هذا القبر الشريف ، وزيارة مولانا علي بن محمد الهادي عليه السلام.

فهؤلاء أربعة من أئمة الإسلام ومن أعيان ذريّته عليه وعليهم أفضل السلام قد نصّوا على انّ هذا موضع ضريحه وزاروه فيه وشهدوا بتصحيحه ومثلهم لا تردّ شهادتهم في شيء من أحكام المسلمين ، فكيف تردّ في معرفة قبر جدّهم أمير المؤمنين سلام اللّه جلّ جلاله عليهم.

وامّا الخلفاء من بني العباس والملوك من النّاس ، فأوّل من زاره الرشيد وجماعة من بني هاشم ، ثم المقتفي ، ثم الناصر مرارا وأطلق عنده صدقات ومبارّا ، ثم المستنصر وجعله شيخه في الفتوة ، ثم المعتصم.

وامّا العلماء والعقلاء والملوك والوزراء ، فلا يحصى عددهم بما نذكره من قلم أو لسان ، وقبورهم شاهدة بذلك ومدافنهم إلى الآن.

فصل (12): فيما نذكره من آيات رأيتها أنا عند ضريحه الشريف غير ما رويناه وسمعنا به ، من آياته التي تحتاج إلى مجلدات وتصانيف

اعلم ان كلّ نذر يحمل إليه مذ ظهر مقدّس قبره بعد هلاك بني أميّة وإلى الآن ، فانّ تصديق اللّه جلّ جلاله لأهل النذر ، كالآية والمعجزة والبرهان على انّ قبره

ص: 271

الشريف بذلك المكان ، وهذه النذور لا يحصيها أحد من أهل الدهور ، واما انّا فاشهد باللّه وفي اللّه جلّ جلاله انّني كنت يوما قد ذكرت تاريخه في كتاب البشارات بين يدي ضريحه المقدس ، وأقسمت عليه في شيء وسألت جوابه باقي النهار وانفصلت ، فما استقررت بمشهده في الدّار حتّى عرفت في الحال من رآه في المنام بجواب ما فهمته به من الكلام.

أقول : واعرف انّني كنت يوما وراء ظهر ضريحه الشريف ، وأخي الرضي محمد بن محمد بن الآوي حاضر معي ، وأنا أقسم على أمير المؤمنين عليه السلام في إذلال بعض من كان يتجرّأ على اللّه وعلى رسوله وعلي مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وعلينا بالأقوال والأعمال.

فقلت للقاضي الآوي محمد بن محمد بن محمد : يا أخي قد وقع في خاطري ان قد حصل ما سألته ، وانّ اليوم الثالث من هذا اليوم يصل قاصد من عند القوم المذكورين بالذلّ والسؤال لنا على أضعف سؤال السائلين ، فلمّا كان اليوم الثالث من يوم قلت له وصل قاصد من عندهم على فرس عاجل بمثل ما ذكرناه من الذلّ الهائل.

أقول : واعرف انّني دخلت حضرته الشريفة كم مرّة في أمور هائلة لي وتارة لأولادي وتارة لأهل ودادي ، فبعضها زالت وانا بحضرته ، وبعضها زالت باقي نهار مخاطبته ، وبعضها زالت بعد أيّام في جواب زيارته ، ولو ذكرتها احتاجت إلى مجلّد كبير ، وقد صنّف أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الحسني مصنّفا في ذلك متضمّنا للاسانيد والروايات ، لو أردنا تصنيف مثله وأمثاله كان ذلك أسهل المرادات ، ولكنّا وجدنا من الآيات الباهرات ما يغني عن الروايات.

فصل (13): فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا علي صلوات اللّه عليه في يوم الغدير المشار إليه

أعلم انّنا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر عدّة روايات مطوّلات يضيق عن مثلها مثل هذا الميقات ، لأنّ يوم الغدير يختصّ بيومه زيارات في كتاب المسرة

ص: 272

من كتاب مزار ابن أبي قرّة ، وهي زيارات يوم الغدير.

رويناها عن جماعة إليه رحمه اللّه عليه قال : أخبرنا محمد بن عبد اللّه ، قال : أخبرنا أبي ، قال : أخبرنا الحسن بن يوسف بن عميرة ، عن أبيه ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام قال :

كان أبي علي بن الحسين عليهما السلام قد اتّخذ منزله من بعد مقتل أبيه الحسين بن علي عليهما السلام بيتا من شعر وأقام بالبادية ، فلبث بها عدّة سنين كراهية لمخالطته النّاس وملابستهم وكان يسير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائرا لأبيه وجدّه عليهما السلام ، ولا يشعر بذلك من فعله.

قال محمد بن علي : فخرج سلام اللّه عليه متوجّها إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام وأنا معه ، وليس معنا ذو روح الاّ الناقتين ، فلمّا انتهى إلى النجف من بلاد الكوفة ، وصار إلى مكانه منه ، فبكا حتّى اخضلّت لحيته بدموعه ، ثم قال :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أمِينَ اللّهِ فِي ارْضِهِ وَحُجَّتَهُ ، اشْهَدُ لَقَدْ جاهَدْتَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ ، وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، حَتَّى دَعاكَ اللّهُ الى جِوارِهِ ، فَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ لَكَ كَرِيمَ ثَوابِهِ ، وَالْزَمَ أَعْداءَكَ الْحُجَّةَ مَعَ مالَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلى جَمِيعِ خَلْقِهِ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ، راضِيَةً بِقَضائِكَ ، مُولَعَةً (1) بِذِكْرِكَ وَدُعائِكَ ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ (2) أَوْلِيائِكَ ، مَحْبُوبَةً فِي ارْضِكَ وَسَمائِكَ ، صابِرَةً عَلى نُزُولِ (3) بَلائِكَ ، شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعْمائِكَ ، ذاكِرَةً لِسَوابِغِ آلائِكَ (4) ، مُشْتاقَةً الى فَرْحَةِ لِقائِكَ ، مُتَزَوِّدَةً التَّقْوى لِيَوْمِ جَزائِكَ ، مُسْتَنَّةً

ص: 273


1- المولعة : المتعلّقة.
2- الصفوة : الخالصة.
3- عند نزول ( خ ل ).
4- لسابغ آلائك ( خ ل ).

بِسُنَنِ أَوْلِيائِكَ ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيا بِحَمْدِكَ وَثَنائِكَ.

ثم وضع خده على القبر وقال :

اللّهُمَّ انَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتِينَ (1) الَيْكَ وَإلِهَهٌ (2) ، وَسُبُلَ الرّاغِبِينَ (3) الَيْكَ شارِعَةٌ ، وَاعْلامَ الْقاصِدِينَ الَيْكَ واضِحَةٌ ، وَافْئِدَةَ الْوافِدِينَ الَيْكَ فازِعَةٌ (4) ، وَأَصْواتَ الدّاعِينَ الَيْكَ صاعِدَةٌ ، وَأَبْوابَ الإِجابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ ، وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ ، وَتَوْبَةَ مَنْ أَنابَ الَيْكَ مَقْبُولَةٌ ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكا مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ.

وَالاسْتِغاثَةَ لِمَنِ اسْتَغاثَ بِكَ مَوْجُودَةٌ ، وَالإِعانَةَ لِمَنْ اسْتَعانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ ، وَعِداتِكَ (5) لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ (6) ، وَزَلاّتِ مَنِ اسْتَقالَكَ (7) مُقالَةٌ ، وَأَعْمالَ الْعامِلِينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ ، وَأَرْزاقَ الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ ، وَعَوائِدَ الْمَزِيدِ مُتَواتِرَةٌ (8) ، وَمَوائِدَ الْمُسْتَطْعَمِينَ مُعَدَّةٌ ، وَمَناهِلَ الظَّماءِ مُتْرَعَةٌ (9).

اللّهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعائِي ، وَاقْبَلْ ثَنائِي ، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَوْلِيائِي وَأَحِبّائِي ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ آبائِي ، إِنَّكَ وَلِيُّ نَعْمائِي وَمُنْتَهى مُنايَ وَغايَةُ رَجائِي فِي مُنْقَلَبِي وَمَثْوايَ.

قال جابر : قال لي الباقر عليه السلام : ما قال هذا الكلام ولا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، أو عند قبر أحد من الأئمة عليهم السلام الاّ رفع دعاؤه في درج (10) من نور وطبع عليه بخاتم محمد صلى اللّه عليه وآله ، وكان محفوظا

ص: 274


1- المخبتين : الخاشعين.
2- وإلهه : متحيرة من شدة الوجد.
3- الراغبين : المبتهلين.
4- فارغة ( خ ل ).
5- عداتك : وعودك.
6- متنجزة ( خ ل ).
7- استقالك : طلب صفحك.
8- متواترة : متتابعة.
9- ترع الحوض : امتلأ.
10- الدرج - بالفتح - الذي يكتب فيه.

كذلك حتّى يسلّم إلى قائم آل محمد عليهم السلام ، فيلقي صاحبه بالبشرى والتحيّة والكرامة ان شاء اللّه.

قال جابر : حدّثت به أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام وقال لي : زد فيه إذا ودّعت أحدا منهم فقل :

السَّلامُ عَلَيْكَ ايُّهَا الإِمامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ ، اسْتَوْدِعُكَ اللّهَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ ، آمَنّا بِالرَّسُولِ وَبِما جِئْتُمْ بِهِ وَبِما دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ (1) ، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِي وَلِيِّكَ ، اللّهُمَّ لا تَحْرِمْنِي ثَوابَ مَزارِهِ الَّذِي اوْجَبْتَ لَهُ وَيَسِّرْ لَنَا الْعَوْدَ إِلَيْهِ انْ شاءَ اللّهُ (2).

أقول : وقد زاره مولانا الصادق بنحو هذه الألفاظ من الزيارة تركنا ذكرها خوف الإطالة.

أقول : وروى جدّي أبو جعفر الطوسي هذه الزيارة ليوم الغدير عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام انّ مولانا علي بن الحسين صلوات اللّه عليه زاره بها فيه ، وفي ألفاظها خلاف ، ولم يذكر فيها وداعا (3).

فصل (14): فيما نذكره من عوذة تعوّذ بها النبي صلى اللّه عليه وآله في يوم الغدير

فتعوّذ بها أنت أيضا قبل شروعك في عمل اليوم المذكور ليكون حرزا لك من المحذور ، وهي :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، بِسْمِ اللّهِ خَيْرِ الْأَسْماءِ ، بِسْمِ اللّهِ رَبِّ الاخِرَةِ وَالأُولى ، وَرَبِّ الارْضِ وَالسَّماءِ ، الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ كَيْدُ الأَعْداءِ ، وَبِها

ص: 275


1- ودعوتم إليه ( خ ل ).
2- رواه في كامل الزيارات : 39 ، عنه البحار 100 : 264 ، المزار الكبير : 112 ، مصباح الزائر : 583 ، مزار الشهيد : 95 ، البلد الأمين : 295 ، ومصباح الكفعمي : 480 ، فرحة الغري : 40 ، عنه الوسائل 10 : 306 ، البحار 100 : 264 و 102 : 176 ، وفي الصحيفة السجادية الجامعة : 595 ، الدعاء : 255.
3- مصباح المتهجد : 681.

تُدْفَعُ كُلُّ الأَسْواءِ ، وَبِالْقِسَمِ بِها يَكْفِي مَنِ اسْتَكْفى.

اللّهُمَّ انْتَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخالِقُهُ ، وَبارِئُ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَرازِقُهُ ، وَمُحْصِي كُلِّ شَيْءٍ وَعالِمُهُ ، وَكافِي كُلِّ جَبَّارٍ وَقاصِمُهُ ، وَمُعِينُ كُلِّ مُتَوَكِّلٍ عَلَيْهِ وَعاصِمُةُ ، وَبِرُّ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَراحِمُهُ ، لَيْسَ لَكَ ضِدٌّ فَيُعانِدُكَ ، وَلا نِدٌّ فَيُقاوِمُكَ ، وَلا شَبِيهٌ فَيُعادِلُكَ ، تَعالَيْتَ عَنْ ذلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً.

اللّهُمَّ بِكَ اعْتَصَمْتُ وَاسْتَقَمْتُ وَالَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَعَلَيْكَ اعْتَمَدْتُ ، يا خَيْرَ عاصِمٍ وَاكْرَمَ راحِمٍ وَاحْكَمَ حاكِمٍ وَاعْلَمَ عالِمٍ ، مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ عَصَمْتَهُ ، وَمَنِ اسْتَرْحَمَكَ رَحِمْتَهُ ، وَمَنِ اسْتَكْفاكَ كَفَيْتَهُ ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ امِنْتَهُ (1) وَهَدَيْتَهُ ، سَمْعاً لِقَوْلِكَ يا رَبِّ وَطاعَةً لِامْرِكَ.

اللّهُمَّ أَقُولُ وَبِتَوْفِيقِكَ أَقُولُ ، وَعَلى كِفايَتِكَ أُعَوِّلُ ، وَبِقُدْرَتِكَ أَطُولُ ، وَبِكَ أسْتَكْفِي وَأَصُولُ ، فَاكْفِنِي اللّهُمَّ وَانْقِذْنِي وَتَوَلَّنِي وَاعْصِمْنِي وَعافِنِي ، وَامْنَعْ مِنِّي وَخُذْ لِي وَكُنْ لِي بِعَيْنِكَ وَلا تَكُنْ عَلَيَّ ، اللّهُمَّ انْتَ رَبِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَالَيْكَ انَبْتُ وَالَيْكَ الْمَصِيرُ وَانْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

فصل (15): فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد ، مما رويناه بصحيح الاسناد

فمن ذلك بالأسانيد المتصلة ممّا ذكره ورواه محمّد بن علي الطّرازي في كتابه ، عن محمّد بن سنان ، عن داود بن كثير الرّقي ، عن عمارة بن جوين أبي هارون العبدي ، ورويناه بإسنادنا أيضا إلى الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان ، فيما رواه عن عمارة بن جوين أبي هارون العبدي أيضا قال :

دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام في اليوم الثّامن عشر من ذي الحجّة ، فوجدته صائما فقال : إنّ هذا اليوم يوم عظّم اللّه حرمته على المؤمنين ، إذ أكمل اللّه لهم فيه

ص: 276


1- توكل امنته ( خ ل ).

الدّين وتمّم عليهم النعمة ، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من الميثاق والعهد في الخلق الأوّل ، إذ أنساهم اللّه ذلك الموقف ، ووفّقهم للقبول منه ، ولم يجعلهم من أهل الإنكار الّذين جحدوا.

فقلت له : جعلت فداك فما صواب صوم هذا اليوم؟ فقال : إنّه يوم عيد وفرح وسرور وصوم شكرا لله عزّ وجلّ ، فانّ صومه يعدل ستّين شهرا من الأشهر الحرم ، ومن صلّى فيه ركعتين أيّ وقت شاء ، وأفضل ذلك قرب الزّوال ، وهي السّاعة الّتي أقيم فيها أمير المؤمنين عليه السلام بغدير خم علما للنّاس ، وذلك أنّهم كانوا قربوا من المنزل في ذلك الوقت.

فمن صلّى ركعتين ، ثمّ سجد وشكر اللّه عزّ وجلّ مائة مرّة ، ودعا بهذا الدّعاء بعد رفع رأسه من السّجود ، الدّعاء :

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّكَ واحِدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ ، كَما كانَ مِنْ شَأْنِكَ أَنْ تَفَضَّلْتَ عَلَيَّ بِأَنْ جَعَلْتَنِي مِنْ أَهْلِ إجابَتِكَ وَأَهْلِ دِينِكَ وَأَهْلِ دَعْوَتِكَ ، وَوَفقْتَنِي لِذلِكَ فِي مُبْتَدَإِ (1) خَلْقِي تَفَضُّلاً مِنْكَ وَكَرَماً وَجُوداً ، ثُمَّ أَرْدَفْتَ الْفَضْلَ فَضْلاً ، وَالْجُودَ جُوداً ، وَالْكَرَمَ كَرَماً ، رَأْفَةً مِنْكَ وَرَحْمَةً إِلى أَنْ جَدَّدْتَ ذلِكَ الْعَهْدَ لِي تَجْدِيداً بَعْدَ تَجْدِيدِكَ خَلْقِي ، وَكُنْتُ نَسياً مَنْسِيّاً ناسِياً ساهِياً غافِلاً.

فَأَتْمَمْتَ نِعْمَتَكَ بِأَنْ ذَكَّرْتَنِي ذلِكَ وَمَنَنْتَ بِهِ عَلَيَّ وَهَدَيْتَنِي لَهُ فَلْيَكُنْ مِنْ شَأْنِكَ يا إِلهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ ، أَنْ تُتِمَّ لِي ذلِكَ وَلا تَسْلُبَنِيهِ حَتّى تَتَوَفّانِي عَلى ذلِكَ ، وَأَنْتَ عَنِّي راضٍ ، فَإِنَّكَ أَحَقُّ الْمُنْعِمِينَ أَنْ تُتِمَّ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ.

اللّهُمَّ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأَجَبْنا داعِيكَ بِمَنِّكَ فَلَكَ الْحَمْدُ ، غُفْرانَكَ رَبَّنا

ص: 277


1- مبدء ( خ ل ).

وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَدَّقْنا وَأَجَبْنا داعِيَ اللّهِ وَاتَّبَعْنا الرَّسُولَ فِي مُوالاةِ مَوْلانا وَمَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ ، أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ عَبْدِ اللّهِ وَأَخِي رَسُولِهِ ، وَالصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ ، وَالْحُجَّةِ عَلى بَرِيَّتِهِ ، الْمُؤَيِّدِ بِهِ نَبِيَّهُ وَدِينَهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ ، عَلَماً لِدِينِ اللّهِ ، وَخازِناً لِعِلْمِهِ ، وَعَيْبَةَ غَيْبِ اللّهِ ، وَمَوْضِعَ سِرِّ اللّهِ ، وَأَمِينِ اللّهِ عَلى خَلْقِهِ ، وَشاهِدِهِ فِي بَرِيَّتِهِ.

اللّهُمَ إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ ، فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ، رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ.

فَانَّا يا رَبَّنا بِمَنِّكَ وَلُطْفِكَ أَجَبْنا داعِيكَ ، وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ وَصَدَّقْناهُ وَصَدَّقْنا مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَكَفَرْنا بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ ، فَوَلِّنا ما تَوَلَّيْنا ، وَاحْشُرْنا مَعَ أَئِمَّتِنا فَانّا بِهِمْ مُؤْمِنُونَ مُوقِنُونَ وَلَهُمْ مُسَلِّمُونَ.

آمَنّا بِسِرِّهِمْ وَعَلانِيَتِهِمْ ، وَشاهِدِهِمْ وَغائِبِهِمْ ، وَحَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ ، وَرَضِينا بِهِمْ أَئِمَّةً وَقادَةً وَسادَةً ، وَحَسْبُنا بِهِمْ بَيْنَنا وَبَيْنَ اللّهِ دُونَ خَلْقِهِ لا نَبْتَغِي بِهِمْ بَدَلاً ، وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيجَةً (1) ، وَبَرِئْنا إِلَى اللّهِ مِنْ كُلِّ مَنْ نَصَبَ لَهُمْ حَرْباً مِنَ الْجِنِّ وَالانْسِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، وَكَفَرْنا بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَالْأَوْثانِ الْأَرْبَعَةِ وَأَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَكُلِّ مَنْ والاهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالانْسِ مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ إِلى آخِرِهِ.

اللّهُمَّ إنّا نُشْهِدُكَ أَنّا ندِينُ بِما دانَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَآلُ مُحَمَّدٍ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَقَوْلُنا ما قالُوا ، وَدِينُنا ما دانُوا بِهِ ، ما قالُوا بِهِ قُلْنا ، وَما دانُوا بِهِ دِنا ، وَما أَنْكَرُوا أَنْكَرْنا ، وَمَنْ والَوْا والَيْنا ، وَمَنْ عادَوْا عادَيْنا ، وَمَنْ لَعَنُوا لَعَنّا ، وَمَنْ تَبَرَّءُوا مِنْهُ تَبَرَّأْنا مِنْهُ ، وَمَنْ تَرَحَّمُوا عَلَيْهِ تَرَحَّمْنا عَلَيْهِ ، آمَنّا وَسَلَّمْنا وَرَضِينا

ص: 278


1- الوليجة : الدخيلة وخاصّتك من الرجال أو من تتخذه معقدا عليه.

وَاتَّبَعْنا مَوالِينا صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ.

اللّهُمَّ فَتَمِّمْ لَنا ذلِكَ وَلا تَسْلُبْناهُ ، وَاجْعَلْهُ مُسْتَقَرّاً ثابِتاً عِنْدَنا ، وَلا تَجْعَلْهُ مُسْتَعاراً ، وَأَحْيِنا ما أَحْيَيْتَنا عَلَيْهِ وَأَمِتْنا إِذا أَمَتَّنا عَلَيْهِ ، آلُ مُحَمَّدٍ أَئِمَّتُنا ، فَبِهِمْ نَأْتَمُّ وَإِيّاهُمْ نُوالِي ، وَعَدُوَّهُمْ عَدُو اللّهِ نُعادِي ، فَاجْعَلْنا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرِّبِينَ ، فَانّا بِذلِكَ راضُونَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثمّ تسجد وتحمد اللّه مائة مرّة وتشكر اللّه عزّ وجلّ مائة مرّة وأنت ساجد ، فإنّه من فعل ذلك كان كمن حضر ذلك اليوم وبايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على ذلك ، وكانت درجته مع درجة الصّادقين الّذين صدقوا اللّه ورسوله في موالاة مولاهم ذلك اليوم ، وكان كمن استشهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأمير المؤمنين صلّى اللّه عليه ومع الحسن والحسين صلّى اللّه عليهما ، وكمن يكون تحت راية القائم صلّى اللّه عليه وفي فسطاطه من النّجباء والنّقباء (1).

ومن الدّعوات في يوم عيد الغدير ما ذكره محمّد بن عليّ الطّرازيّ في كتابه رويناه بإسنادنا إلى عبد اللّه بن جعفر الحميري قال : حدّثنا هارون بن مسلم ، عن أبي الحسن اللّيثيّ ، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته.

أتعرفون يوما شيّد اللّه به الإسلام ، وأظهر به منار الدّين ، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال : لا ، قالوا : أفيوم الأضحى هو؟

قال : لا ، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدّين أشرف منهما ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خم أمر اللّه عزّ وجلّ جبرئيل عليه السلام أن يهبط على النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقت قيام الظهر من ذلك اليوم ، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه

ص: 279


1- عنه البحار 98 : 298 ، عنه صدره الوسائل 8 : 90 ، 10 : 444 ، وفي مصباح المتهجد : 737.

السلام وأن ينصبه علما للنّاس بعده ، وأن يستخلفه في أمّته.

فهبط إليه وقال له : حبيبي محمّد إنّ اللّه يقرئك السّلام ، ويقول لك : قم في هذا اليوم بولاية عليّ صلى اللّه عليه وآله ليكون علما لأمّتك بعدك ، يرجعون إليه ، ويكون لهم كأنت ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : حبيبي جبرئيل إنّي أخاف تغيّر أصحابي لما قد وتروه وأن يبدوا ما يضمرون فيه.

فعرج ، وما لبث أن هبط بأمر اللّه فقال له : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1).

فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذعرا (2) مرعوبا خائفا من شدّة الرّمضاء (3) وقدماه تشويان ، وأمر بأن ينظف الموضع ويقمّ (4) ما تحت الدّوح (5) من الشوك وغيره ، ففعل ذلك ، ثمّ نادى بالصّلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون وفيمن اجتمع أبو بكر وعمرو عثمان وسائر المهاجرين والأنصار.

ثمّ قام خطيبا وذكر بعده الولاية ، فألزمها للنّاس جميعا فأعلمهم أمر اللّه بذلك فقال قوم ما قالوا وتناجوا بما أسرّوا.

فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره ، وأن يلبس المؤمن أنظف ثيابه وأفخرها ويتطيّب إمكانه وانبساط يده ثم يقول :

اللّهُمَّ إِنَّ هذا الْيَوْمَ شَرَّفْتَنا فِيهِ بِوِلايَةِ وَلِيِّكَ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْهِ وَجَعَلْتَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرْتَنا بِمُوالاتِهِ وَطاعَتِهِ وَأَنْ نَتَمَسَّكَ بِما يُقَرِّبُنا إِلَيْكَ ، وَيُزْلِفُنا لَدَيْكَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.

اللّهُمَّ قَدْ قَبِلْنا أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ ، وَسَمِعْنا وَأَطَعْنا لِنَبِيِّكَ ، وَسَلَّمْنا وَرَضِينا ، فَنَحْنُ مَوالِيَّ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْهِ ، وَأَوْلِياؤُهُ كَما أَمَرْتَ ، نُوالِيهِ وَنُعادِي مَنْ

ص: 280


1- المائدة : 67.
2- ذعره : أفزعه.
3- الرمضاء : شدة الحر ، الأرض الحامية من شدة حرّ الشمس.
4- قمّ البيت : كسحة.
5- الدوحة ج دوح : الشجرة العظيمة المتسعة.

يُعادِيهِ ، وَنُبَرِّءُ مِمَّنْ تَبَرَّءَ مِنْهُ ، وَنُبْغِضُ مَنْ أَبْغَضَهُ ، وَنُحِبُّ مَنْ أَحَبَّهُ ، وَعَلِيٌّ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ مَوْلانا كَما قُلْتَ ، وَإِمامُنا بَعْدَ نَبِيِّنا صلَّى اللّهُ عليه وآله كَما أَمَرْتَ.

فإذا كان وقت الزّوال أخذت مجلسك بهدوء (1) وسكون ووقار وهيبة وإخبات (2) وتقول :

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كَما فَضَّلَنا فِي دِينِهِ عَلى مَنْ جَحَدَ وَعَنَدَ (3) ، وَفِي نَعِيمِ الدُّنْيا عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ عَمَدَ (4) ، وَهَدانا بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَشَرَّفَنا بِوَصِيَّةِ وَخَلِيفَتِهِ فِي حَياتِهِ وَبَعْدَ مَماتِهِ ، أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ.

اللّهُمَّ إِنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَبِيُّنا كَما أَمَرْتَ ، وَعَلِيّاً صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ مَوْلانا كَما أَقَمْتَ ، وَنَحْنُ مَوالِيهِ وَأَوْلِياؤُهُ.

ثمّ تقوم وتصلّي شكرا لله تعالى ركعتين ، تقرء في الأولى الحمد ، و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) كما أنزلتا لا كما نقصتا ، ثمّ تقنت وتركع وتتمّ الصّلاة وتسلّم وتخرّ ساجدا ، وتقول في سجودك :

اللّهُمَّ إِنّا إِلَيْكَ نُوَجِّهُ وُجُوهَنا فِي يَوْمِ عِيدِنَا الَّذِي شَرَّفْتَنا فِيهِ بِوِلايَةِ مَوْلانا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، عَلَيْكَ نَتَوَكَّلُ وَبِكَ نَسْتَعِينُ فِي أُمُورِنا ، اللّهُمَّ لَكَ سَجَدَتْ وُجُوهُنا ، وَأَشْعارُنا وَأَبْشارُنا ، وَجُلُودُنا وَعُرُوقُنا ، وَأَعْظُمُنا وَأَعْصابُنا ، وَلُحُومُنا وَدِماؤُنا.

اللّهُمَّ إِيّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نَخْضَعُ وَلَكَ نَسْجُدُ ، عَلى مِلَّةِ إبْراهِيمَ وَدِينِ مُحَمَّدٍ وَوِلايَةِ عَلِيٍّ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، حُنَفاءَ مُسْلِمِينَ وَما نَحْنُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا مِنَ الْجاحِدِينَ.

ص: 281


1- هدء هدوء : سكن.
2- اخبت إلى اللّه : اطمأن إليه تعالى وتخشّع امامه.
3- عند الرجل : خالف الحق وهو عارف به.
4- عمد الشيء : أسقطه ، عمد فلان : وجع.

اللّهُمَّ الْعَنِ الْجاحِدِينَ الْمُعانِدِينَ الْمُخالِفِينَ لِأَمْرِكَ وَأَمْرِ رَسُولِكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اللّهُمَّ الْعَنِ الْمُبْغِضِينَ لَهُمْ لَعْن لَعْناً كَثِيراً ، لا يَنْقَطِعُ أَوَّلُهُ وَلا يَنْفَدُ آخِرُهُ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَثَبِّتْنا عَلى مُوالاتِكَ وَمُوالاةِ رَسُولِكَ وَآلِ رَسُولِكَ وَمُوالاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ ، اللّهُمَ آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبَنا يا سَيِّدَنا وَمَوْلانا.

ثمّ كل واشرب وأظهر السّرور وأطعم إخوانك ، وأكثر برّهم واقض حوائج إخوانك ، إعظاما ليومك ، وخلافا على من أظهر فيه الاغتمام والحزن ضاعف اللّه حزنه وغمّه (1).

ومن الدعوات في يوم الغدير ما نقلناه من كتاب محمّد بن عليّ الطّرازي أيضا بإسناده إلى أبي الحسن عبد القاهر بوّاب مولانا أبي إبراهيم موسى بن جعفر وأبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام قال :

حدّثنا أبو الحسن عليّ بن حسّان الواسطي بواسط في سنة ثلاثمائة قال : حدّثني عليّ بن الحسن العبدي قال : سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق عليه الصّلاة والسلام وعلى آبائه وأبنائه يقول :

صوم يوم غدير خمّ يعدل صيام عمر الدّنيا ، لو عاش إنسان عمر الدّنيا ، ثمّ لو صام ما عمرت الدّنيا لكان له ثواب ذلك وصيامه يعدل عند اللّه عزّ وجلّ مائة حجّة ومائة عمرة ، وهو عيد اللّه الأكبر ، وما بعث اللّه عزّ وجلّ نبيّا إلاّ وتعيّد في هذا اليوم ، وعرف حرمته ، واسمه في السّماء يوم العهد المعهود ، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود.

ومن صلّى فيه ركعتين من قبل أن تزول الشّمس بنصف ساعة شكرا لله عزّ وجلّ ، ويقرء في كلّ ركعة سورة الحمد عشرا و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) عشرا ، و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )

ص: 282


1- عنه البحار 98 : 300.

عشرا ، وآية الكرسي عشرا ، عدلت عند اللّه عزّ وجلّ مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة.

وما سأل اللّه عزّ وجلّ حاجة من حوائج الدّنيا والآخرة كائنة ما كانت إلاّ أتى اللّه عزّ وجلّ على قضائها في يسر وعافية ، ومن فطّر مؤمنا كان له ثواب من أطعم فئاما وفئاما ، ولم يزل يعدّ حتّى عقد عشرة.

ثمّ قال : أتدري ما الفئام؟ قلت : لا ، قال : مائة ألف ، وكان له ثواب من أطعم بعددهم من النّبيين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين في حرم اللّه عزّ وجلّ وسقاهم في يوم ذي مسغبة (1) ، والدّرهم فيه بمائة ألف درهم ، ثمّ قال : لعلّك ترى أنّ اللّه عزّ وجلّ خلق يوما أعظم حرمة منه؟ لا واللّه ، لا واللّه ، لا واللّه ، ثمّ قال : وليكن من قولك إذا لقيت أخاك المؤمن :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنا بِهذا الْيَوْمِ ، وَجَعَلَنا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَجَعَلَنا مِنَ الْمُوفِينَ بِعَهْدِهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْنا ، وَمِيثاقِهِ الَّذِي واثَقَنا بِهِ مِنْ وِلايَةِ وُلاةِ أَمْرِهِ ، وَالْقُوَّامِ بِقِسْطِهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْنا مِنَ الْجاحِدِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ.

ثمّ قال : وليكن من دعائك في دبر الركعتين أن تقول :

رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ، رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ، رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ.

اللّهُمَّ إِنِّي اشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شَهِيداً ، وَاشْهِدُ مَلائِكَتَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ وَسُكّانَ سَماواتِكَ وَأَرْضِكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ، الْمَعْبُودُ الَّذِي لَيْسَ مِنْ لَدُنْ عَرْشِكَ إِلى قَرارِ أَرْضِكَ مَعْبُودٌ يُعْبَدُ سِواكَ إِلاّ باطِلٌ مُضْمَحِلٌّ غَيْرُ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَعْبُودُ لا مَعْبُودَ سِواكَ ، تَعالَيْتَ عَمّا يَقُولُ الظّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَوَلِيُّهُمْ

ص: 283


1- سغب : جاع.

وَمَوْلاهُمْ وَمَوْلايَ ، رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا النِّداءَ ، وَصَدَّقْنَا الْمُنادِي ، رَسُولَكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، إِذْ نادى نِداءً عَنْكَ بِالَّذِي أَمَرْتَهُ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْكَ ما أَنْزَلْتَ إِلَيْهِ مِنْ مُوالاةِ وَلِيِّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَذَّرْتَهُ وَأَنْذَرْتَهُ إِنْ لَمْ يُبَلِّغْ أَنْ تَسْخَطَ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ إِذا بَلَّغَ رِسالاتِكَ (1) عَصَمْتَهُ مِنَ النَّاسِ.

فَنادى مُبَلِّغاً وَحْيَكَ وَرِسالاتِكَ : أَلا مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ ، وَمَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ ، وَمَنْ كُنْتُ نَبِيهُ فَعَلِيٌّ أَمِيرُهُ.

رَبَّنا قَدْ أَجَبْنا داعِيكَ النَّذِيرَ الْمُنْذِرَ مُحَمَّداً عَبْدَكَ الَّذِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ، وَجَعَلْتَهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ ، رَبَّنا آمَنّا وَاتَّبَعْنا مَوْلانا وَوَلِيُّنا وَهادِينا وَداعِينا وَداعِي الْأَنامِ وَصِراطَكَ السَّوِيَّ الْمُسْتَقِيمَ ، مَحَجَّتَكَ الْبَيْضاءَ ، وَسَبِيلَكَ الدَّاعِي إِلَيْكَ عَلى بَصِيرَةٍ هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ ، وَسُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ بِوِلايَتِهِ وَبِأَمْرِ رَبِّهِمْ بِاتِّخاذِ الْوَلايِجِ مِنْ دُونِهِ.

فَأَشْهَدُ يا إِلهِي أَنَّ الإِمامَ الْهادِي الْمُرْشِدَ الرَّشِيدَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ صلوات اللّه عليه أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، الَّذِي ذَكَرْتَهُ فِي كِتابِكَ فَقُلْتَ : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (2).

اللّهُمَّ فَانَّا نَشْهَدُ بِأَنَّهُ عَبْدُكَ الْهادِي مِنْ بَعْدِ نَبِيِّكَ النَّذِيرِ الْمُنْذِرِ ، وَالصِّراطُ الْمُسْتَقِيمُ وَإِمامُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجِّلِينَ ، وَحُجَّتَكَ الْبالِغَةُ ، وَلِسانُكَ الْمُعَبِّرُ عَنْكَ فِي خَلْقِكَ ، وَالْقائِمُ بِالْقِسْطِ بَعْدَ نَبِيِّكَ ، وَدَيّانُ دِينِكَ ، وَخازِنُ عِلْمِكَ ، وَعَيْبَةُ وَحْيِكَ ، وَعَبْدُكَ وَأَمِينُكَ ، الْمَأْمُونُ الْمَأْخُوذُ مِيثاقُهُ مَعَ مِيثاقِكَ وَمِيثاقِ رُسُلِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَبَرِيَّتِكَ بِالشَّهادَةِ وَالإِخْلاصِ بِالْوَحْدانِيَّةِ.

بِأَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، وَمُحَمَّدٌ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَعَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَجَعَلْتَ الْإِقْرارَ بِوِلايَتِهِ تَمامَ تَوْحِيدِكَ وَالإِخْلاصَ لَكَ بوَحْدانِيَّتِكَ وَإِكْمالَ دِينِكَ وَتَمامَ نِعْمَتِكَ عَلى جَمِيعِ خَلْقِكَ ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ

ص: 284


1- رسالتك ( خ ل ).
2- الزخرف : 4.

الْحَقُ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (1).

فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ما مَنَنْتَ بِهِ عَلَيْنا مِنَ الإِخْلاصِ لَكَ بِوَحْدانِيَّتِكَ ، وَجُدْتَ عَلَيْنا بِمُوالاةِ وَلِيِّكَ الْهادِي مِنْ بَعْدِ نَبِيِّكَ النَّذِيرِ الْمُنْذِرِ ، وَرَضِيتَ لَنَا الإِسْلامَ دِيناً بِمَوْلانا وَأَتْمَمْتَ عَلَيْنا نِعْمَتَكَ بِالَّذِي جَدَّدْتَ لَنا عَهْدَكَ وَمِيثاقَكَ ، وَذَكَّرْتَنا ذلِكَ.

وَجَعَلْتَنا مِنْ أَهْلِ الإِخْلاصِ وَالتَّصْدِيقِ لِعَهْدِكَ وَمِيثاقِكَ ، وَمِنْ أَهْلِ الْوَفاءِ بِذلِكَ ، وَلَمْ تَجْعَلْنا مِنَ النَّاكِثِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ (2) ، وَلَمْ تَجْعَلْنا مِنَ الْمُغَيِّرِينَ وَالْمُبَدِّلِينَ وَالْمُحَرِّفِينَ وَالْمُبَتِّكِينَ (3) آذانَ الْأَنْعامِ ، وَالْمُغَيِّرِينَ خَلْقَ اللّهِ ، وَمِنَ الَّذِينَ اسْتَحْوَذَ (4) عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ ، وَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَالصِّراطِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَأكثر من قولك :

اللّهُمَّ الْعَنِ الْجاحِدِينَ وَالنّاكِثِينَ وَالْمُغَيِّرِينَ وَالْمُبَدِّلِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ ، الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ.

ثمّ قل :

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى نِعْمَتِكَ عَلَيْنا بِالَّذِي هَدَيْتَنا إِلى مُوالاةِ وُلاةِ أَمْرِكَ مِنْ بَعْدِ نَبِيِّكَ ، وَالْأَئِمَّةِ الْهادِينَ الَّذِينَ جَعَلْتَهُمْ أَرْكاناً لِتَوْحِيدِكَ ، وَأَعْلامَ الْهُدى وَمَنارَ التَّقْوى ، وَالْعُرْوَةَ الْوُثْقى ، وَكَمالَ دِينِكَ ، وَتَمامَ نِعْمَتِكَ ، وَمَنْ بِهِمْ وَبِمُوالاتِهِمْ رَضِيتَ لَنا الإِسْلامَ دِيناً ، رَبَّنا فَلَكَ الْحَمْدُ.

آمَنّا بِكَ وَصَدَّقْنا بِنَبِيِّكَ الرَّسُولِ النَّذِيرِ الْمُنْذِرِ ، وَاتَّبَعْنَا الْهادِي مِنْ بَعْدِ النَّذِيرِ الْمُنْذِرِ ، وَوالَيْنا وَلِيَّهُمْ وَعادَيْنا عَدُوَّهُمْ ، وَبَرِئْنا مِنَ الْجاحِدِينَ

ص: 285


1- المائدة : 3.
2- والجاحدين بيوم الدين ( خ ل ).
3- بتّكه : قطعه.
4- استحوذ عليه : غلبه واستولى عليه.

وَالنّاكِثِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ.

اللّهُمَّ فَكَما كانَ مِنْ شَأْنِكَ يا صادِقَ الْوَعْدِ ، يا مَنْ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ، يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ ، أَنْ أَتْمَمْتَ عَلَيْنا نِعْمَتَكَ بِمُوالاةِ أَوْلِيائِكَ ، الْمَسْؤولِ عَنْهُمْ عِبادَكَ ، فَإِنَّكَ قُلْتَ : ( ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (1) ، وَقُلْتَ : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (2).

وَمَنَنْتَ بِشَهادَةِ الإِخْلاصِ لَكَ بِوِلايَةِ أَوْلِيائِكَ الْهُداةِ مِنْ بَعْدِ النَّذِيرِ الْمُنْذِرِ ، السِّراجِ الْمُنِيرِ ، وَأَكْمَلْتَ لَنَا الدِّينَ بِمُوالاتِهِمْ وَالْبَراءَةِ مِنْ عَدُوِّهِمْ (3) ، وَأَتْمَمْتَ عَلَيْنا النِّعَمَ بِالَّذِي جَدَّدْتَ لَنا عَهْدَكَ ، وَذَكَّرْتَنا مِيثاقَكَ الْمَأْخُوذَ مِنّا فِي مُبْتَدَإِ (4) خَلْقِكَ إِيّانا.

وَجَعَلْتَنا مِنْ أَهْلِ الإِجابَةِ ، وَذَكَّرْتَنا الْعَهْدَ وَالْمِيثاقَ ، وَلَمْ تُنْسِنا ذِكْرَكَ ، فَإِنَّكَ قُلْتَ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (5).

شَهِدْنا بِمَنِّكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ رَبُّنا وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ نَبِيِّنا ، وَأَنَّ عَلِيّاً أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيُّنا وَمَوْلانا ، وَشَهِدْنا بِالْوِلايَةِ لِوَلِيِّنا وَمَوْلانا مِنْ ذُرِّيَّةِ نَبِيِّكَ مِنْ صُلْبِ وَلِيِّنا وَمَوْلانا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِكَ الَّذِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ.

وَجَعَلْتَهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْكَ عَلِيّاً حَكِيماً ، وَجَعَلْتَهُ آيَةً لِنَبِيِّكَ وَآيَةً مِنْ آياتِكَ الْكُبْرى ، وَالنَّبإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ، وَالنَّبَإ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ، وَعَنْهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَسْئُولُونَ ، وَتَمامَ نِعْمَتِكَ الَّتِي عَنْها يُسْأَلُ عِبادُكَ إِذْ هُمْ مَوْقُوفُونَ ، وَعَنِ النَّعِيمِ مَسْئُولُونَ.

ص: 286


1- التكاثر : 7.
2- الصافات : 24.
3- في البحار : أعدائهم.
4- ابتداء ( خ ل ).
5- الأعراف : 172.

اللّهُمَّ وَكَما كانَ مِنْ شَأْنِكَ ما أَنْعَمْتَ عَلَيْنا بِالْهِدايَةِ إِلى مَعْرِفَتِهِمْ ، فَلْيَكُنْ مِنْ شَأْنِكَ أَنْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تُبارِكَ لَنا فِي يَوْمِنا هذا الَّذِي ذَكَّرْتَنا فِيهِ عَهْدَكَ وَمِيثاقَكَ ، وَأَكْمَلْتَ لَنا دِينَنا وَأَتْمَمْتَ عَلَيْنا نِعْمَتَكَ ، وَجَعَلْتَنا بِنِعْمَتِكَ مِنْ أَهْلِ الإِجابَةِ وَالإِخْلاصِ بِوَحْدانِيَّتِكَ ، وَمِنْ أَهْلِ الإِيمانِ وَالتَّصْدِيقِ بِوِلايَةِ أَوْلِيائِكَ وَالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكَ وَأَعْداءِ أَوْلِيائِكَ الْجاحِدِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ.

فَأَسْأَلُكَ يا رَبِّ تَمامَ ما أَنْعَمْتَ عَلَيْنا وَلا تَجْعَلْنا مِنَ الْمُعانِدِينَ ، وَلا تُلْحِقْنا بِالْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ لَنا قَدَمَ صِدْقٍ مَعَ الْمُتَّقِينَ.

وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَاجْعَلْ لَنا مِنَ الْمُتَّقِينَ إِماماً إِلى يَوْمِ الدِّينِ ، يَوْمَ يُدْعى كُلُّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ، وَاجْعَلْنا فِي ظِلِّ الْقَوْمِ الْمُتَّقِينَ الْهُداةِ بَعْدَ النَّذِيرِ الْمُنْذِرِ وَالْبَشِيرِ ، الْأَئِمَّةِ الدُّعاةِ إِلَى الْهُدى ، وَلا تَجْعَلْنا مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الدُّعاةِ إِلَى النَّارِ ، وَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَأَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ.

رَبَّنا فَاحْشُرْنا فِي زُمْرَةِ الْهادِي الْمَهْدِيِّ وَأَحْيِنا ما أَحْيَيْتَنا عَلَى الْوَفاءِ بِعَهْدِكَ وَمِيثاقِكَ الْمَأْخُوذِ مِنّا عَلى مُوالاةِ أَوْلِيائِكَ ، وَالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكَ الْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ ، وَالنّاكِثِينَ بِمِيثاقِكَ ، وَتَوَفَّنا عَلى ذلِكَ ، وَاجْعَلْ لَنا مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ، اثْبِتْ لَنا قَدَمَ صِدْقٍ فِي الْهِجْرَةِ الَيْهِمْ.

وَاجْعَلْ مَحْيانا خَيْرَ الْمَحْيا وَمَماتَنا خَيْرَ الْمَماتِ وَمُنْقَلَبَنا خَيْرَ الْمُنْقَلَبِ ، عَلى مُوالاةِ أَوْلِيائِكَ وَالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكَ ، حَتّى تَتَوَفّانا وَأَنْتَ عَنّا راضٍ ، قَدْ أَوْجَبْتَ لَنَا الْخُلُودَ فِي جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ وَالْمَثْوى فِي جِوارِكَ وَالإِنابَةَ إِلى دارِ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِكَ ، لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ (1) وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (2).

رَبَّنا إِنَّكَ أَمَرْتَنا بِطاعَةِ وُلاةِ أَمْرِكَ ، وَأَمَرْتَنا أَنْ نَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ ،

ص: 287


1- نصب : تعب واعيا.
2- لغب : تعب واعيا أشد الإعياء.

فَقُلْتَ : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (1) ، وَقُلْتَ : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (2).

رَبَّنا سَمِعْنا وَأَطَعْنا رَبَّنا ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ، مُسْلِمِينَ مُسَلِّمِينَ مُصَدِّقِينَ لِأَوْلِيائِكَ ، وَلا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ، رَبَّنا آمَنّا بِكَ وَصَدَّقْنا نَبِيَّكَ ، وَوالَيْنا وَلِيَّكَ وَالْأَوْلِياءَ مِنْ بَعْدِ نَبِيِّكَ ، وَوَلِيَّكَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْهِ ، وَالإِمامَ الْهادِي مِنْ بَعْدِ الرَّسُولِ النَّذِيرِ الْمُنْذِرِ وَالسِّراجِ الْمُنِيرِ.

رَبَّنا فَكَما كانَ مِنْ شَأْنِكَ أَنْ جَعَلْتَنا مِنْ أَهْلِ الْوَفاءِ بِعَهْدِكَ بِمَنِّكَ عَلَيْنا وَلُطْفِكَ لَنا ، فَلْيَكُنْ مِنْ شَأْنِكَ أَنْ تَغْفِرَ لَنا ذُنُوبَنا وَتُكَفِّرَ عَنّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ، رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ.

رَبَّنا آمَنّا بِكَ ، وَوَفَيْنا بِعَهْدِكَ ، وَصَدَّقْنا رُسُلَكَ ، وَاتَّبَعْنا وُلاةَ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ رُسُلِكَ ، وَوالَيْنا أَوْلِيائَكَ ، وَعادَيْنا أَعْداءَكَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ ، وَاحْشُرْنا مَعَ الْأَئِمَّةِ الْهُداةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ الرَّسُولِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ.

آمَنّا يا رَبِّ بِسِرِّهِمْ وَعَلانِيَتِهِمْ ، وَشاهِدِهِمْ وَغائِبِهِمْ ، وَبِحَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ ، وَرَضِينا بِهِمْ أَئِمَّةً وَسادَةً وَقادَةً لا نَبْتَغِي بِهِمْ بَدَلاً وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِمْ وَلائِجَ أَبَداً.

رَبَّنا فَأَحْيِنا ما أَحْيَيْتَنا عَلى مُوالاتِهِمْ ، وَالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِهِمْ ، وَالتَّسْلِيمِ لَهُمْ وَالرَّدِّ إِلَيْهِمْ ، وَتَوَفَّنا إِذا تَوَفَّيْتَنا عَلَى الْوَفاءِ لَكَ وَلَهُمْ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثاقِ ، وَالْمُوالاةِ لَهُمْ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّسْلِيمِ لَهُمْ ، غَيْرَ جاحِدِينَ وَلا ناكِثِينَ وَلا مُكَذِّبِينَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالْحَقِّ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ، وَبِالَّذِي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ جَمِيعاً ، أَنْ تُبارِكَ لَنا فِي يَوْمِنا هذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنا فِيهِ بِالْوَفاءِ

ص: 288


1- النساء : 59.
2- التوبة : 119.

لِعَهْدِكَ ، الَّذِي عَهِدْتَ إِلَيْنا وَالْمِيثاقِ الَّذِي واثَقْتَنا بِهِ مِنْ مُوالاةِ أَوْلِيائِكَ وَالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكَ.

وَتَمُنَّ عَلَيْنا بِنِعْمَتِكَ ، وَتَجْعَلَهُ عِنْدَنا مُسْتَقَرّاً ثابِتاً وَلا تَسْلُبْناهُ أَبَداً ، وَلا تَجْعَلْهُ عِنْدَنا مُسْتَوْدَعاً فَإِنَّكَ قُلْتَ : ( فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (1) ، فَاجْعَلْهُ مُسْتَقَرّاً ثابِتاً.

وَارْزُقْنا نَصْرَ دِينِكَ مَعَ وَلِيٍّ هادٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ قائِماً رَشِيداً هادِياً مَهْدِيّاً مِنَ الضَّلالَةِ إِلَى الْهُدى ، وَاجْعَلْنا تَحْتَ رايَتِهِ وَفِي زُمْرَتِهِ شُهَداءَ صادِقِينَ ، مَقْتُولِينَ فِي سَبِيلِكَ وَعَلى نُصْرَةِ دِينِكَ.

ثمّ سلّ بعد ذلك حوائجك للآخرة والدّنيا ، فإنّها واللّه واللّه واللّه مقضيّة في هذا اليوم ، ولا تقعد عن الخير ، وسارع إلى ذلك إن شاء اللّه تعالى (2).

ومن الدعوات في يوم الغدير ما وجدناه في نسخة عتيقة من كتب العبادات :

اللّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَرَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (3) ، وَرَبَّ الشَّفْعِ الْكَبِيرِ ، وَرَبَّ الْوِتْرِ الرَّفِيعِ ، سُبْحانَكَ مُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، إِلهُ مَنْ فِي السَّماواتِ السَّبْعِ ، وَإِلهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لا إِلهَ فِيهِما غَيْرُكَ ، جَبّارُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، لا جَبّارَ فِيهِما غَيْرُكَ ، مَلِكُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (4) لا مَلِكَ فِيهِما غَيْرُكَ.

أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ وَبِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ ، وَبِمُلْكِكَ الْقَدِيمِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّماواتُ وَالْأَرَضُونَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي أَصْلَحَتْ بِهِ أُمُورُ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ.

يا حَيُّ قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ ، يا حَيُّ بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ ، يا حَيُّ حِينَ لا حَيَّ إِلاَّ أَنْتَ ،

ص: 289


1- الانعام : 98.
2- عنه البحار 98 : 302 - 307 ، روى مثله مع اختلاف في التهذيب 3 : 143 ، اخرج منه قطعات في الوسائل 5 : 224 و 8 : 89 البحار 35 : 318 ، إثبات الهداة 3 : 303 ، غاية المرام : 101 ، اللوامع : 374 ، جامع الأحاديث 7 : 398 ، مصباح المتهجّد 2 : 691.
3- سجر البحر : فاض.
4- ملك من في السماوات وملك من في الأرض ( خ ل ).

يا حَيُّ يا قَيُّومُ ، يا أَحَدُ يا صَمَدُ يا فَرْدُ يا وِتْرُ يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ ، اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ أُمُورِنا فَرَجاً وَمَخْرَجاً ، وَاسْتَقْبِلْنا عَلى هُدى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ عَمَلَنا فِي الْمَرْفُوعِ الْمُتَقَبَّلِ.

وَهَبْ لَنا ما وَهَبْتَ لِأَوْلِيائِكَ وَأَهْلِ طاعَتِكَ وَعِبادِكَ الصَّالِحِينَ مِنْ خَلْقِكَ ، فَانّا بِكَ مُؤْمِنُونَ ، وَعَلَيْكَ مُتَوَكِّلُونَ ، وَمَصِيرُنا إِلَيْكَ ، وَاجْمَعْ لَنا الْخَيْرَ كُلَّهُ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ ، وَاصْرِفْ عَنَّا الشَّرَّ كُلَّهُ بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ.

يا حَنّانُ يا مَنّانُ ، يا بَدِيعَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ، تُعْطِي الْخَيْرَ مَنْ تَشاءُ ، وَتَصْرِفُ الشَّرَّ عَمَّنْ تَشاءُ ، أَعْطِنا جَمِيعَ ما سَأَلْناكَ مِنَ الْخَيْرِ ، وَامْنُنْ بِهِ عَلَيْنا بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، إِنّا إِلَيْكَ راغِبُونَ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

اللّهُمَّ اشْرَحْ بِالْقُرْآنِ صَدْرِي ، وَأَنْطِقْ بِالْقُرْآنِ لِسانِي ، وَنَوِّرْ بِالْقُرْآنِ بَصَرِي وَاسْتَعْمِلْ بِالْقُرْآنِ بَدَنِي ، وَأَعِنِّي عَلَيْهِ أَبَداً ما أَبْقَيْتَنِي ، فَإِنَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ.

اللّهُمَّ يا داحِيَ الْمَدْحُوّاتِ (1) ، وَيا بانِيَ الْمَبْنِيَّاتِ وَيا مُرْسِيَ الْمَرْسِيَّاتِ (2) ، وَيا جَبّارَ الْقُلُوبِ عَلى فِطْرَتِها ، شَقِيِّها وَسَعِيدِها ، وَيا باسِطَ الرَّحْمَةِ لِلْمُتَّقِينَ ، اجْعَلْ شَرائِفَ صَلَواتِكَ وَنَوامِيَ بَرَكاتِكَ وَرَأْفَتِكَ ، وَتَحِيَّتِكَ وَرَحْمَتِكَ ، عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، الْفاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ ، وَالْخاتِمِ لِما سَبَقَ ، وَفاتِحِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ ، وَدافِعِ جَيْشاتِ الْأَباطِيلِ.

كَما حَمَّلْتَهُ فَاضْطَلَعَ (3) بِأَمْرِكَ مُسْتَبْصِراً فِي رِضْوانِكَ ، غَيْرَ ناكِلٍ (4) عَنْ قَدَمٍ ، وَلا مُنْثَنٍ عَنْ كَرَمٍ ، حافِظاً لِعَهْدِكَ ، قاضِياً لِنَفاذِ أَمْرِكَ ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ ،

ص: 290


1- المدحيات ( خ ل ) ، أقول : دحى الأرض : بسطها.
2- رسى : ثبت ورسخ.
3- اضطلع : قوى ، اضطلع بحمله : نهض به وقوى عليه.
4- نكل عن كذا : نكص وجبن.

وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ، وَبَعِيثُكَ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

اللّهُمَّ فَافْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً عِنْدَكَ ، وَأَعْطِهِ مِنْ بَعْدِ رِضاهُ الرِّضا ، مِنْ نُورِ ثَوابِكَ الْمَحْلُولِ وَعَطاءِ جَزائِكَ الْمَعْلُولِ ، اللّهُمَّ أَتْمِمْ لَهُ وَعْدَهُ بِانْبِعاثِكَ إِيّاهُ مَقْبُولَ الشَّفاعَةِ عِنْدَكَ مَرْضِيَّ الْمَقالَةِ ، ذا مَنْطِقٍ عَدْلٍ ، وَخُطْبَةٍ فَصْلٍ ، وَحُجَّةٍ وَبُرْهانٍ عَظِيمٍ. اللّهُمَّ اجْعَلْنا سامِعِينَ مُطِيعِينَ وَأَوْلِياءَ مُخْلِصِينَ ، وَرُفَقاءَ مُصاحِبِينَ.

اللّهُمَّ أَبْلِغْهُ مِنّا السَّلامَ ، وَارْدُدْ عَلَيْنا مِنْهُ السَّلامَ ، اللّهُمَّ إِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّ فِي رِضاكَ ضَعْفِي وَخُذْ إِلَى الْخَيْرِ بِناصِيَتِي ، وَاجْعَلِ الإِسْلامَ مُنْتَهى رِضاكَ ، اللّهُمَّ إِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّنِي ، وَإِنِّي ذَلِيلٌ فَأَعِزَّنِي ، وَإِنِّي فَقِيرٌ فَارْزُقْنِي.

ثمّ تقول مائة مرّة :

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ.

ثمّ تقول :

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَبِأَنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَأَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي كُلَّها ، صَغِيرَها وَكَبِيرَها ، مَغْفِرَةً تامَّةً يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثمّ تقول أربع مرّات :

اللّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَاومِنُ بِكَ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.

ثمّ تقول :

اللّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ فِي دِينِي وَأَمانَتِي وَنَفْسِي وَوَلَدِي وَمالِي وَجَمِيعِ أَهْلِ عِنايَتِي فِي حِماكَ الَّذِي لا يُسْتَباحُ ، وَفِي عِزِّكَ الَّذِي لا يُرامُ ، وَفِي سُلْطانِكَ الَّذِي لا يُسْتَضامُ ، وَفِي مُلْكِكَ الَّذِي لا يَبْلى ، وَفِي نِعَمِكَ الَّتِي لا تُحْصى ،

ص: 291

وَفِي ذِمَّتِكَ الَّتِي لا تُخْفَرُ ، وَفِي رَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، وَجارُ اللّهِ آمِنٌ مَحْفُوظٌ.

وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ أَكْبَرُ ، وَسُبْحانَ اللّهِ ، رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي كُلَّها بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ افْتَحْ لَنا بِطاعَتِكَ ، وَاخْتِمْ لَنا بِرِضْوانِكَ ، وَأَعِذْنا مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، السَّلامُ عَلَى الْحافِظِينَ الْكِرامِ الْكاتِبِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ يَوْمِي هذا ، وَخَيْرَ ما فِيهِ ، وَخَيْرَ ما أَمَرْتَ بِهِ وَخَيْرَ ما قَبْلَهُ ، وَخَيْرَ ما بَعْدَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ يَوْمِي هذا وَشَرِّ ما فِيهِ وَشَرِّ ما قَبْلَهُ وَشَرِّ ما بَعْدَهُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ وَهُداهُ ، اللّهُمَّ افْتَحْ لِي بِخَيْرٍ وَاخْتِمْ لِي بِخَيْرٍ ، وَاخْتِمْهُ عَلَيَّ بِخَيْرٍ ، اللّهُمَّ افْتَحْهُ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ ، وَاخْتِمْهُ عَلَيَّ بِرِضْوانِكَ ، اللّهُمَّ مَنْ كادَنِي فِي يَوْمِي هذا بِسُوءٍ فَاكْفِنِيهِ ، وَقِنِي شَرَّهُ ، وَارْدُدْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ.

اللّهُمَّ ما أَنْزَلْتَ فِي يَوْمِي هذا مِنْ خَيْرٍ أَوْ رَحْمَةٍ أَوْ شِفاءٍ ، أَوْ فَرَجٍ أوْ عافِيَةٍ أَوْ رِزْقٍ ، فَاجْعَلْ لِي فِيهِ نَصِيباً وافِراً حَسَناً ، وَما أَنْزَلْتَ فِيهِ مِنْ مَحْذُورٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ بَلِيَّةٍ أَوْ شِقاءٍ فَاصْرِفْهُ عَنِّي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلْ بَدْوَ يَوْمِي هذا فَلاحاً وَأَوْسَطَهُ صَلاحاً وَآخِرَهُ نَجاحاً ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ يَوْمٍ أَوَّلُهُ فَزَعٌ ، وَأَوْسَطُهُ جَزَعٌ ، وَآخِرُهُ وَجَعٌ ، اللّهُمَّ بِرَأْفَتِكَ أَرْجُو رَحْمَتِكَ ، وَبِرَحْمَتِكَ أَرْجُو رِضْوانَكَ ، وَبِرِضْوانِكَ أَرْجُو الْجَنَّةَ فَلا تُؤَاخِذْنِي بِذَنْبِي ، وَلا تُعاقِبْنِي بِسُوءِ عَمَلِي.

ص: 292

اللّهُمَّ اجْعَلْ حَياتِي ما احْيَيْتَنِي زِيادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلْ وَفاتِي إِذا تَوَفَّيْتَنِي راحَةً مِنْ كُلِّ شَرٍّ ، وَنَجاةً لِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ ، اللّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ ، وَأَرْجُوكَ وَلا أَرْجُو غَيْرَكَ وَأَذْكُرُكَ وَلا أَنْساكَ.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي كُلَّ ذَنْبٍ سَلَفَ مِنِّي فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ مُنْذُ خَلَقْتَنِي وَكَفِّرْهُ عَنِّي وَأَبْدِلْنِي بِهِ حَسَناتٍ وَتَقَبَّلْ مِنِّي كُلَّ خَيْرٍ عَمِلْتُهُ لَكَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ مُنْذُ خَلَقْتَنِي ، وَارْفَعْهُ لِي عِنْدَكَ فِي الرَّفِيعِ الْأَعْلى ، وَأَعْطِنِي عَلَيْهِ الثَّوابَ الْكَثِيرَ بِرَحْمَتِكَ إِنَّكَ جَوادٌ لا يَبْخَلُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ مُتَوَكِّلاً عَلَيْكَ فَاكْفِنِي ، وَأَصْبَحْتُ فَقِيراً إِلَيْكَ فَأَغْنِنِي ، وَأَصْبَحْتُ لا أَعْرِفُ رَبّاً غَيْرَكَ فَاغْفِرْ لِي ، وَأَصْبَحْتُ مُقِرّاً لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ مُعْتَرِفاً لَكَ بِالْعُبُودِيَّةِ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، إِلهاً واحِداً أَحَداً صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، فَبَلَّغَ رِسالاتِهِ وَنَصَحَ لأُمَّتِهِ ، وَجاهَدَ فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، وَعَبَدَهُ حَتّى أَتاهُ الْيَقِينُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنّارَ حَقٌّ وَالْبَعْثَ حَقٌّ وَأَنِّي أُومِنُ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَبِمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ.

اللّهُمَّ فَاكْتُبْ لِي هذِهِ الشَّهادَةَ عِنْدَكَ ، وَلَقِّنِيها عِنْدَ حاجَتِي إِلَيْها وَأَحْيِنِي عَلَيْها وَابْعَثْنِي عَلَيْها وَاحْشُرْنِي عَلَيْها وَاجْزِنِي جَزاءَ مَنْ لَقِيَكَ بِها مُخْلِصاً ، غَيْرَ شاكٍ فِيها وَلا مُرْتَدٍّ عَنْها وَلا مُبَدِّلَ لَها آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ الْأَخْيارِ وَسَلَّمَ كَثِيراً ، سُبْحانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ اكْبَرُ وَاسْتَغْفِرُ اللّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ، غَفّارُ الذُّنُوبِ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ.

وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيَّ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، الْأَوَّلِ

ص: 293

فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ ، وَالآخِرِ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ ، وَالظّاهِرِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ ، وَالْباطِنِ فَلَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا تَبْدِيلَ لِقَوْلِهِ ، وَلا مُعادِلَ لِحُكْمِهِ ، وَلا رادَّ لِقَضائِهِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْخالِقِ لَهُ ، وَالآخِرِ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْوارِثِ لَهُ.

وَالظَّاهِرِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَالْوَكِيلِ عَلَيْهِ ، وَالْباطِنِ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُحِيطِ بِهِ ، الَّذِي عَلا فَقَهَرَ ، وَمَلِكَ فَقَدَرَ ، وَبَطَنَ فَخَبَرَ ، دَيّانِ الدِّينِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ فِي اللَّيْلِ إِذا يَغْشى ، وَفِي النَّهارِ إِذا تَجَلّى ، وَلَكَ الْحَمْدُ فِي الاخِرَةِ وَالأُولى ، وَلَكَ الْحَمْدُ كَما حَمِدْتَ نَفْسَكَ وَكَما أَنْتَ أَهْلُهُ وَكَما حَمِدَكَ الْحامِدُونَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَدَدَ ما أَحْصى كِتابُكَ وَأَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ زِنَةَ عَرْشِكَ وَمِدادَ كَلِماتِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ كَما يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِكَ وَعِزِّ جَلالِكَ ، وَعِظَمِ سُلْطانِكَ.

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خالِداً بِخُلُودِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً دائِماً بِدَوامِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً لا أَمَدَ لَهُ دُونَ بُلُوغِ مَشِيَّتِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً لا يَتَناهى دُونَ مُنْتَهى عِلْمِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَبْلُغُ رِضاكَ وَيُوجِبُ مَزِيدَكَ ، وَيُؤْمِنُ مِنْ غَيْرِكَ ، فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ.

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَيُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

سُبْحانَ الدَّائِمِ الْقائِمِ ، سُبْحانَ الْمَلِكِ الْحَقِّ ، سُبْحانَ الْعَلِيِّ الْأَعْلى ،

ص: 294

سُبْحانَهُ وَتَعالى ، سُبْحانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحانَ اللّهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ ، سُبْحانَ اللّهِ الَّذِي لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ، سُبْحانَ مَنْ تَواضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ ، سُبْحانَ مَنْ ذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لِعِزَّتِهِ ، سُبْحانَ مَنْ خَضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِمُلْكَتِهِ ، سُبْحانَ مَنِ اسْتَسْلَمَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِهِ ، سُبْحانَ مَنِ انْقادَتْ لَهُ الأُمُورُ بِأَزِمَّتِها ، سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ.

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ السَّمِيعُ الْعَظِيمُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ إِلهاً واحِداً أَحَداً فَرْداً صَمَداً ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْباقِي بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْقادِرُ عَلَيْهِ وَالْمُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ.

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَدْعُوكَ وَأَنْتَ قُلْتَ : ( قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) (1) ، إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِدُعائِكَ وَوَعَدْتَ إِجابَتَكَ وَلا خُلْفَ لِوَعْدِكَ ، فَانِّي أَدْعُوكَ كَما أَمَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، كَما سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ ذَكَرْتَهُ فِي كِتابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ ، يا بَدِيءُ لا بَدْءَ لَكَ ، يا دائِمُ لا نَفادَ لَكَ ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ (2) يا مُحْيِي يا مُمِيتُ ، يا قائِماً عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ.

ص: 295


1- الإسراء : 110.
2- يا حي يا قديم يا قيوم ( خ ل ).

يا أَحَدُ يا وِتْرُ يا فَرْدُ يا صَمَدُ ، يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، يا مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

يا حَنّانُ يا مَنّانُ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، يا رَبَّ الْأَرضِينَ وَما أَقَلَّتْ ، وَالسَّماواتِ وَما أَظَلَّتْ ، وَالرِّياحِ وَما ذَرَتْ ، يا خالِقَ كُلِّ شَيْءٍ ، يا زَيْنَ السَّماواتِ وَالْأَرضِينَ يا عِمادَ السَّماواتِ وَالْأَرَضِينَ يا قَيُّومَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

وَيا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، وَيا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَيا مَعاذَ الْعائِذِينَ وَيا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، وَيا مُنَفِّساً عَنِ الْمَكْرُوبِينَ ، وَيا مُفَرِّجاً عَنِ الْمَغْمُومِينَ ، وَيا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، وَيا مُجِيبَ دَعْوَةِ الدَّاعِينَ ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَيا أَوَّلَ الْأَوَّلِينَ وَيا آخِرَ الاخِرِينَ.

أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَجَلِّ الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ ، الظَّاهِرِ الْباطِنِ الطَّاهِرِ الْمُطَهَّرِ الْمُقَدَّسِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الْفَرْدِ ، الَّذِي مَلأَ الْأَرْكانَ كُلَّها ، الَّذِي إِذا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ ، وَإِذا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَيْتَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَأَفْضَلِ وَأَكْرَمِ ، وَأَعْلى وَأَكْمَلِ ، وَأَعَزِّ وَأَعْظَمِ ، وَأَشْرَفِ وَأَزْكى ، وَأَنْمى وَأَطْيَبِ ، ما صَلَّيْتَ عَلى أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيائِكَ الْمُصْطَفِينَ وَمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَعِبادِكَ الصَّالِحِينَ.

اللّهُمَّ شَرِّفْ بُنْيانَهُ ، وَعَظِّمْ بُرْهانَهُ ، وَثَقِّلْ مِيزانَهُ ، وَابْعَثْهُ الْمَقامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ ، وَتَقَبَّلْ شَفاعَتَهُ ، وَاجْزِهِ عَنّا أَفْضَلَ ما جَزَيْتَ نَبِيّاً عَنْ أُمَّتِهِ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ عَلى إِبْراهِيمَ وَعَلى آلِ إِبْراهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَنْبِيائِكَ الْمُرْسَلِينَ ، وَمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَعِبادِكَ الصّالِحِينَ وَصَلِّ عَلَيْنا مَعَهُمْ إِنَّكَ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَما وَلَدا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ، حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ ، شاهِدِهِمْ وَغائِبِهِمْ ، إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَهُمْ وَمَثْواهُمْ ،

ص: 296

اللّهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلِاخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.

اللّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا أَئِمَّتَنا وَقُضاتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا وَجَماعَتَنا وَدِينَنَا الَّذِي ارْتَضَيْتَ لَنا ، اللّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ.

اللّهُمَّ إِنِّي مِنْ عِبادِكَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَسْرَفُوا عَلَيْها وَاسْتَوْجَبُوا الْعَذابَ بِالْحُجَجِ اللاّزِمَةِ ، وَالذُّنُوبِ الْمُوبِقَةِ (1) ، وَالْخَطايا الْمُحِيطَةِ بِهِمْ ، وَقَدْ قُلْتَ : ( يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا ) (2) ( مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (3) ، لا خُلْفَ لِوَعْدِكَ ، وَلا مُبَدِّلَ لِقَوْلِكَ.

اللّهُمَّ لا تَقْنُطْنِي مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَلا تُؤْيِسْنِي مِنْ عَفْوِكَ وَمَغْفِرَتِكَ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبادِكَ الَّذِينَ تَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ ، وَتُكَفِّرُ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التوَّابُ الرَّحِيمُ ، وَخُذْ بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَقَلْبِي وَجَوارِحِي كُلِّها إِلى طاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسُولِكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَإلِهِ ، وَإِلى أَحَبِّ الْأَعْمالِ إِلَيْكَ.

وَارْزُقْنِي تَوْبَةً نَصُوحاً أَسْتَوْجِبُ بِها مَحَبَّتَكَ ، وَأَسْتَحِقُّ مَعَها جَنَّتَكَ ، وَتُوقِينِي مِنْ عَذابِكَ ، فَإِنَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِكَ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيائِكَ وَأَنْصارِكَ الَّذِينَ تُعِزُّ بِهِمْ دِينَكَ ، وَتَنْتَقِمُ بِهِمْ مِنْ عَدُوِّكَ ، وَتَخْتِمُ لَهُمْ بِالسَّعادَةِ وَالشَّهادَةِ ، تُحْيِيهِمْ حَياةً طَيِّبَةً ، وَتَقْلِبُهُمْ مُنْقَلَباً كَرِيماً وَتُؤْتِيهِمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الاخِرَةِ حَسَنَةً وَتَقِيهمْ عَذابَ النَّارِ.

اللّهُمَّ إِنَّ ذُنُوبِي عَظِيمَةٌ كَثِيرَةٌ ، وَرَحْمَتَكَ وَعَفْوَكَ وَفَضْلَكَ أَعْظَمُ مِنْها وَأَكْثَرُ وَأَوْسَعُ ، فَانْشُرْ عَلَيَّ مِنْ سَعَةِ رَحْمَتِكَ وَعِظَمِ عَفْوِكَ وَمَغْفِرَتِكَ ما تُنْجِينِي بِهِ مِنَ النّارِ وَتُدْخِلُنِي بِهِ الْجَنَّةَ.

ص: 297


1- الموبق : المهلك.
2- قنط : يئس.
3- الزمر : 53.

اللّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ اسْتَغَثْتُ مِنْ ذُنُوبِي وَاسْتَجَرْتُ فَأَغِثْنِي ، وَأَجِرْنِي مِنْ ذُنُوبِي ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِمَغْفِرَتِكَ وَعَفْوِكَ عَمّا ظَلَمْتُ بِهِ نَفْسِي خاصَّةً ، يا إِلهِي ، وَخَلِّصْنِي مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ قِبَلِي ، وَاسْتَوْهِبْنِي مِنْهُ وَاغْفِرْ لِي وَعَوِّضْهُ مِنْ فَضْلِكَ وَطَوْلِكَ وَجَزِيلِ ثَوابِكَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ بِذلِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْ ما مَضى مِنْ حُسْنِ عَمَلِي مَقْبُولاً وَما فَرَطَ مِنِّي مِنْ سَيِّئَةٍ مَغْفُوراً ، وَما أَسْتَأْنِفُ مِنْ عُمْرِي أَوَّلَهُ صَلاحاً وَأَوْسَطَهُ فَلاحاً وَآخِرَهُ نَجاحاً ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جُهْدِ الْبَلاءِ وَسُوءِ الْقَضاءِ وَشَرِّ الْعَمَلِ وَدَرَكِ الشَّقاءِ وَشَماتَةِ الْأَعْداءِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمالِ وَالْوَلَدِ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبِ لا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ ، وَعَمَلٍ لا يَنْفَعُ وَدُعاءٍ لا يُسْمَعُ ، اللّهُمَّ سَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مِنِّي ، وَعافِنِي وَاعْفُ عَنِّي ، وَلا تُؤاخِذْنِي بِذُنُوبِي ، وَلا تُقايِسْنِي بِعَمَلِي ، وَلا تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي ، وَأَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ وَعافِنِي مِنَ النَّارِ بِقُدْرَتِكَ.

اللّهُمَّ أَقِلْنِي عَثْرَتِي ، وَاسْتُرْ عَوْرَتِي وَآمِنْ رَوْعَتِي ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدى وَالتُّقى وَالْعِفافَ وَالْكِفافَ وَالْغِنى ، وَالْعَمَلَ بِما تُحِبُّ وَتَرْضى ، اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ اشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ أَوْ لا أَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِما أَعْلَمُ وَلِما لا أَعْلَمُ.

اللّهُمَّ لا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَرَ هَمِّي وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتِي فِي حَدٍّ ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَنْ لا يَرْحَمُنِي ، وَلا تُسَلِّطْنِي عَلى أَحَدٍ بِظُلْمٍ فَتُهْلِكُنِي ، اللّهُمَّ اجْعَلْ حَياتِي زِيادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلْ وَفاتِي راحَةً لِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

اللّهُمَّ إِنَّ ذُلِّي أَصْبَحَ وَأَمْسى مُسْتَجِيراً بِعِزَّتِكَ وَفَقْرِي مُسْتَجِيراً بِغِناكَ ، وَذُنُوبِي مُسْتَجِيرَةً بِرَحْمَتِكَ ، وَوَجْهِيَ الْبالِي الْفانِي مُسْتَجِيرَةً بِوَجْهِكَ الْباقِي الدَّائِمِ الْكَرِيمِ ، فَكُنْ لِي جاراً مِنْ كُلِّ سُوءٍ بِرَحْمَتِكَ.

اللّهُمَّ ما أَعْطَيْتَنِي مِنْ عَطاءٍ أَوْ قَضَيْتَ عَلَيَّ مِنْ قَضاءٍ ، فَاجْعَلِ الْخِيَرَةَ لِي فِي بَدْئِهِ وَعاقِبَتِهِ ، وَارْزُقْنِي الْعافِيَةَ وَالسَّلامَةَ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ص: 298

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكى وَأَنْتَ الْمُسْتَعانُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَرَسُولِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَإِمامِ الْمُتَّقِينَ ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يا رَبِّ حُسْنَ الظَّنِّ بِكَ ، وَالصِّدْقِ فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ تُدْخِلَنِي النَّارَ ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِ (1) أَنْ تَبْتَلِيَنِي بِبَلِيَّةٍ تَحْمِلُنِي ضَرُورَتُها عَلَى التَّعَرُّضِ بِشَيْءٍ مِنْ مَعاصِيكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي حالٍ كُنْتُ اوْ أَكُونُ فِيها فِي يُسْرٍ أَوْ عُسْرٍ أَظُنُّ أَنَّ مَعاصِيَكَ أَنْجَحُ لِي مِنْ طاعَتِكَ.

وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَقُولَ قَوْلاً مِنْ طاعَتِكَ أَلْتَمِسُ بِهِ رِضا سِواكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَسْعَدَ بِما آتَيْتَنِي مِنِّي ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَتَكَلَّفَ طَلَبَ ما لَيْسَ لِي وَما لَمْ تَقْسِمْهُ لِي ، وَما قَسَمْتَ لِي مِنْ قِسْمٍ أَوْ رَزَقْتَنِي مِنْ رِزْقٍ فَأْتِنِي بِهِ فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعافِيَةٍ حَلالاً طَيِّباً.

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ زَحْزَحَ (2) بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، أَوْ باعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَوْ تَصْرِفَ بِهِ حَظِّي أَوْ صَرَفَ وَجْهَكَ الْكَرِيمَ عَنِّي ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ تَحُولَ خَطِيئَتِي أَوْ ظُلْمِي أَوْ جُرْمِي أَوْ إسْرافِي عَلى نَفْسِي أَوْ اتِّباعِي هَوايَ أَوْ اسْتِعْمالِي شَهْوَتِي دُونَ مَغْفِرَتِكَ وَثَوابِكَ وَرِضْوانِكَ وَنائِلِكَ ، وَبَرَكاتِكَ وَمَوْعِدِكَ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الضَّرَرِ فِي الْمَعِيشَةِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ تَبْتَلِيَنِي بِبَلاءٍ لا طاقَةَ لِي بِهِ ، أَوْ تُسَلِّطَ عَلَيَّ طاغِياً أَوْ تَهْتِكَ لِي سِتْراً ، أَوْ تُبْدِيَ لِي عَوْرَةً ، أَوْ تُحاسِبَنِي يَوْمَ الْقِيامَةِ مُناقَشَةً أَحْوَجَ ما أَكُونُ إِلى تَجاوُزِكَ وَعَفْوِكَ عَنِّي.

وَأَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِماتِكَ التّامَّاتِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَتُعْطِيَ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ ما سَأَلَكَ وَأَفْضَلَ ما سُئِلْتَ لَهُ وَأَفْضَلَ

ص: 299


1- يا رب ( خ ل ).
2- زحزحه عن مكانه : باعده ، الزحزح : البعد.

ما أَنْتَ مَسْئُولٌ لَهُ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ عُتَقائِكَ وَطُلَقائِكَ مِنَ النّارِ.

يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَيا أَجْوَدَ الْأَجْوَدِينَ ، وَيا إِلهَ الْعالَمِينَ ، وَيا سَيِّدَ السَّاداتِ ، وَيا جَبَّارَ الْجَبابِرَةِ ، وَيا أَفْضَلَ مَنْ سُئِلَ وَ (1) أَكْرَمَ مَنْ أَعْطى وَأَحَقَّ مَنْ تَجاوَزَ وَعَفى وَرَحِمَ وَتَفَضَّلَ بإحْسانِهِ الْقَدِيمِ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحانَهُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ أَفْلَحَ سائِلُكَ ، وَتَعالى جَدُّكَ (2) ، وَامْتَنَعَ عائِذُكَ ، أَعِذْنِي بِرَحْمَتِكَ مِنْ شَرِّ ما خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ ، حَسْبِيَ اللّهُ وَكَفى ، سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ دَعا ، لَيْسَ وَراءَ اللّهِ مُنْتَهى.

اللّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَرَبُّ مَنْ كادَنِي وَبَغى عَلَيَّ ، مِنَ الْجِنِّ وَالانْسِ ، ناصِيَتِي وَناصِيَتُهُ بِيَدِكَ ، فَادْفَعْ فِي نَحْرِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّهِ ، بِعِزَّتِكَ الَّتِي لا تُرامُ وَبِقُدْرَتِكَ الَّتِي لا يَمْتَنِعُ مِنْها بَرٌّ وَلا فاجِرٌ ، وَبِكَلِماتِكَ الْحُسْنى.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَلَمْ أَكُ شَيْئاً ، اللّهُمَّ أَعِنِّي عَلى هَوْلِ الدُّنْيا وَبَوائِقِ (3) الاخِرَةِ ، وَمُصِيباتِ اللَّيالِي وَالْأَيَّامِ ، اللّهُمَّ اصْحِبْنِي فِي سَفَرِي وَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي (4) وَبارِكْ لِي فِيما رَزَقْتَنِي ، وَلَكَ فَذَلِّلْنِي وَعَلى خُلْقٍ حَسَنٍ صالِحٍ فَقَوِّمْنِي ، وَإِلَيْكَ فَحَبِّبْنِي وَإِلَى النَّاسِ فَلا تَكِلْنِي ، رَبَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ.

وَأَنْتَ رَبِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ، وَكَشَفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، أَنْ يَنْزِلَ بِي سَخَطَكَ ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبَكَ وَمِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِكَ ، لَكَ

ص: 300


1- ويا ( خ ل ).
2- الجدّ : الحظ ، الحظوة ، يقال : تعس جده : خسر أو هلك.
3- البائقة : الشر ، الداهية.
4- ومالي ( خ ل ).

الْعُتْبى عِنْدِي فِيما اسْتَطَعْتُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ.

اللّهُمَّ إِنَّكَ لَسْتَ بِرَبٍّ اسْتَحْدَثْناكَ ، وَلا كانَ مَعَكَ إِلهٌ أَعانَكَ [ تَعالَى اللّهُ عَ ] (1) مّا ما يَقُولُ الْقائِلُونَ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَبارِكْ لِي فِي الْمَوْتِ إِذا نَزَلَ بِي ، وَاجْعَلْ لِي فِيهِ راحَةً وَفَرَجاً ، اللّهُمَّ فَكَما (2) حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلْقِي ، اللّهُمَّ إِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّ فِي رِضاكَ ضَعْفِي ، وَخُذْ إِلَى الْخَيْرِ بِناصِيَتِي ، وَاجْعَلِ الإِسْلامَ مُنْتَهى رِضايَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَاشْهِدُ مَلائِكَتَكَ وَكَفى بِكَ شَهِيداً ، أَنَّكَ أَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَخِيَرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَأَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ عَرْشِكَ إِلى قَرارِ أَرْضِكَ السَّابِعَةِ باطِلٌ ما خَلا وَجْهِكَ الْكَرِيمِ ، الدّائِم الَّذِي لا يَزُولُ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكْشِفْ ما بِي مِنْ ضُرٍّ ، وَحَوِّلْهُ عَنِّي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ، وَانَّكَ تَفْعَلُ ما تَشاءُ وَانَّ مَيْسُورَ الْعَسِيرِ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.

اللّهُمَّ يَسِّرْ مِنْ أَمْرِي ما عُسِرَ ، وَسَهِّلْ ما صَعُبَ ، وَلَيِّنْ ما غَلُظَ ، وَفَرِّجْ ما لا يُفَرِّجُهُ أَحَدٌ غَيْرُكَ ، بِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ الدّائِمِ التَّامِّ ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَبِحَقِّ الرُّوحانِيِّينَ الَّذِينَ لا يَفْتُرُونَ إِلاَّ بِتَعْظِيمِ عِزِّ جَلالِكَ ، وَبِالثَّناءِ عَلَيْكَ ، وَلا يَبْلُغُونَ ما أَنْتَ مُسْتَحِقُّهُ مِنْ عَظِيمِ عِزِّكَ وَعُلُوِّ شَأْنِكَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ، وَبِالاسْمِ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي فَلَقْتَ (3) بِهِ الْبَحْرَ لِمُوسى بْنِ عِمْرانَ فَصارَ كُلُّ فرقٍ كَالطَّوْدِ (4) الْعَظِيمِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي ذَلَّ لَهُ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ.

ص: 301


1- هو الظاهر.
2- كما ( خ ل ).
3- فلق الشّيء : شقّه.
4- الطود : الجبل العظيم.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي وَضَعْتَهُ عَلَى النَّهارِ فَأَضاءَ وَعَلَى اللَّيْلِ فَأَظْلَمَ أَنْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِنَ التَّوَّابِينَ الْمُتَطَهِّرِينَ وَتَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ، وَتَغْفِرَ لِوالِدَيَّ كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ، وَعَلِّمانِي كِتابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ ، وَتُدْخِلَ عَلَيْهِما رَأْفَةً مِنْكَ وَرَحْمَةً ، وَبَدِّلْ سَيِّئاتِهِما حَسَناتٍ وَتَقَبَّلْ مِنْهُمَا ما أَحْسَنا ، وَتَجاوَزْ عَنْهُما ما أَساءا ، فَإِنَّكَ أَوْلى بِالْجُودِ ، وَاجْعَلْهُما مِنَ الَّذِينَ رَضِيتَ عَنْهُمْ ، وَأَسْكَنْتَهُمْ جَنَّاتِكَ النَّعِيمِ بِرَحْمَتِكَ لا بِأَعْمالِهِمْ ، تَفَضُّلاً مِنْكَ عَلَيْهِمْ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَعِزَّتِكَ وَسُلْطانِكَ.

يا مَنْ لَهُ الْحَمْدُ وَلا يَنْبَغِي الْحَمْدُ إِلاّ لَهُ ، يا كَرِيمَ الإِحْسانِ ، يا مَنْ يَبْقى وَيَفْنى كُلُّ شَيْءٍ ، يا مَنْ يَرى وَلا يُرى وَهُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى ، وَمَنْ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبٌ ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ رَءُوفٌ وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ قابِلٌ شَهِيدٌ ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ.

وَأَسْأَلُكَ بِالاسْمِ الَّذِي وَضَعْتَ بِهِ الْجِبَالَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْتَقَرَّتْ ، وَبِالاسْمِ الَّذِي وَضَعْتَهُ عَلَى السَّماواتِ فَاسْتَقَلَّتْ ، أَنْ تُنْجِيَنِي مِنَ النَّارِ ، وَتُجِيزَنِي الصِّراطَ بِقُدْرَتِكَ ، وَوالِدَيَّ وَحامَّتِي (1) وَقَرابَتِي (2) وَجِيرانِي وَمَنْ أَحَبَّنِي ، وَكُلَّ ذِي رَحِمٍ فِي الإِسْلامِ دَخَلَ إِلَيَّ ، بِنُورِكَ الَّذِي لا يُطْفَأُ ، وَبِعِزَّتِكَ الَّتِي لا تُرامُ ، وَاكْفِنِي ما لا يَكْفِنِيهِ أَحَدٌ سِواكَ ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِكَ الْجَمِيلِ ، وَعافِنِي بِقُدْرَتِكَ مِنْ عَذابِكَ وَعِقابِكَ.

اللّهُمَّ إِنَّكَ عالِمٌ غَيْرُ مُتَعَلِّمٍ ، وَأَنْتَ عالِمٌ بِحالِي وَأَمْرِي ، فَاجْعَلْ لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ نَصِيباً وَإِلى كُلِّ خَيْرٍ سَبِيلاً ، اللّهُمَّ وَاجْعَلْ لِي سَهْماً فِي دُعاءِ مَنْ دَعاكَ رَجاءَ الثَّوابِ مِنْكَ فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَتَقَبَّلْ دُعاءَهُمْ وَأَعِنْهُمْ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا يُقْدَرُ عَلَيْكَ ، وَلا يَدْفَعُ الْبَلاءَ غَيْرُكَ.

ص: 302


1- الحامة : خاصة الرجل من أهله وولده الذين يهتم لهم.
2- قراباتي ( خ ل ).

يا مَعْرُوفاً بِالإِحْسانِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ أَنْتَ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلى دِينِكَ ، وَأَنْتَ مُدَبِّرُ الأُمُورِ وَأَنْتَ تَخْتارُ لِعِبادِكَ ، فَاجْعَلْنِي مِمَّنِ اخْتَرْتَهُ لِطاعَتِكَ ، وَأَمِنْتَهُ مِنْ عَذابِكَ يَوْمَ يَخْسُرُ الْمُبْطِلُونَ ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التوَّابُ الرَّحِيمُ.

وَاخْتَرْنِي وَاخْتَرْ وُلْدِي فَقَدْ خَلَقْتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ ، وَرَزَقْتَ فَأَفْضَلْتَ ، فَتَمِّمْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَهْلِ عِنايَتِي ، وَأَوْسِعْ عَلَيْنا فِي رِزْقِكَ ، وَلا تُشْمِتْ (1) بِنا عَدُوّاً وَلا حاسِداً ، وَلا باغِياً وَلا طاغِياً ، وَاحْرُسْنا بِعَيْنِكَ الَّتِي لا تَنامُ.

اللّهُمَّ هذَا الدُّعاءُ وَعَلَيْكَ الإِجابَةُ ، وَأَنْتَ الْمُسْتَعانُ وَعَلَيْكَ التَّكِلانُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِكَ وَصَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ، وَحَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (2).

ومن الدّعوات في يوم الغدير من رواية أخرى :

اللّهُمَّ بِنُورِكَ اهْتَدَيْتُ ، وَبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْتُ ، وَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُ : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) (3) ، وَقُلْتَ : ( ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) (4) ، وَقُلْتَ : ( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) (5).

اللّهُمَّ فَانِّي أَسْأَلُكَ وَاشْهِدُكَ وَاشْهِدُ مَلائِكَتَكَ أَنَّكَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ نَبِيِّي صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَأَنَّ عَلِيّاً أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَوْلايَ وَوَلِيِّي عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي فِي هذا الْيَوْمِ ، وَفِي هذَا الْوَقْتِ ، ما سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِي وَتُصْلِحَنِي فِيما بَقِيَ مِنْ عُمْرِي.

ص: 303


1- شمت بفلان : فرح ببليته.
2- عنه البحار 98 : 308 - 318.
3- النساء : 64.
4- الفرقان : 77.
5- البقرة : 186.

اللّهُمَّ إِيماناً بِكَ وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِكَ ، حَتّى أَكُونَ عَلَى النَّهْجِ الَّذِي تَرْضاهُ ، وَالطَّرِيقِ الَّذِي تُحِبُّهُ ، فَإِنَّكَ عُدَّتِي عِنْدَ شِدَّتِي وَوَلِيُّ نِعْمَتِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نَفْحَةً مِنْ نَفَحاتِكَ كَرِيمَةً تَلُمُّ بِها شَعْثِي (1) ، وَتُصْلِحُ بِها شَأْنِي ، وَتُوَسِّعُ بِهَا رِزْقِي ، وَتَقْضِيَ بِهَا دَيْنِي ، وَتُعِينُنِي بِها عَلى جَمِيعِ أُمُورِي ، فَإِنَّكَ عِنْدَ شِدَّتِي ، فَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تُصْلِحَ لِي أَحْوالَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَلَمْ يَسْأَلِ السَّائِلُونَ أَكْرَمَ مِنْكَ ، وَأَطْلُبُ إِلَيْكَ وَلَمْ يَطْلُبِ الطّالِبُونَ إِلى أَحَدٍ أَجْوَدَ مِنْكَ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تُبَلِّغَنِي فِي هذا الْيَوْمِ امْنِيَّةَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، اللّهُمَّ فارِجَ الْغَمِّ وَمُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، اللّهُمَّ فارِجَ الْغَمِّ إِنِّي مَغْمُومٌ فَفَرِّجْ عَنِّي ، اللّهُمَّ إِنِّي مَهْمُومٌ فَاكْشِفْ هَمِّي.

اللّهُمَّ إِنِّي مُضْطَرٌّ فَسَهِّلْ لِي ، اللّهُمَّ إِنِّي مَدْيُونٌ فَاقْضِ دَيْنِي ، اللّهُمَّ إِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّ ضَعْفِي ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ رِزْقِكَ رِزْقاً واسِعاً حَلالاً طَيِّباً ، أَسْتَعِينُ بِهِ وَأَعِيشُ بِهِ بَيْنَ خَلْقِكَ ، رِزْقاً مِنْ عِنْدِكَ لا أَبْذُلُ فِيهِ وَجْهِي لِأَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ ، أَنْتَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَما وَلَدا وَأَهْلِ قَرابَتِي وَإِخْوانِي مَنْ عَرَفْتُ وَمَنْ لَمْ أَعْرِفْ ، اللّهُمَّ اجْزِهِمْ بِأَحْسَنِ أَعْمالِهِمْ وَأَوْصِلْ إِلَيْهِمُ الرَّحْمَةَ وَالسُّرُورَ ، وَاحْشُرْهُمْ مَعَ رَسُولِكَ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيائِهِمْ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَسَلَّمَ (2).

ومن الدّعوات في يوم الغدير ما رويناه بإسنادنا عن الشيخ المفيد رضوان اللّه عليه :

ص: 304


1- الشعث : انتشار الأمر وخلله ، يقال : لمّ اللّه شعثهم : جمع أمرهم.
2- عنه البحار 98 : 319.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَعَلِيٍّ وَلِيِّكَ ، وَالشَّأْنِ وَالْقَدْرِ الَّذِي خَصَّصْتَهُما بِهِ دُونَ خَلْقِكَ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَأَنْ تَبْدَأَ بِهِما فِي كُلِّ خَيْرٍ عاجِلٍ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الْأَئِمَّةِ الْقادَةِ ، وَالدُّعاةِ السّادَةِ ، وَالنُّجُومِ الزّاهِرَةِ ، وَالْأَعْلامِ الْباهِرَةِ ، وَساسَةِ الْعِبادِ ، وَأَرْكانِ الْبِلادِ ، وَالنَّاقَةِ الْمُرْسَلَةِ ، وَالسَّفِينَةِ النّاجِيَةِ الْجارِيَةِ فِي اللُّجَجِ الْغامِرَةِ (1).

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، خُزّانِ عِلْمِكَ وَأَرْكانِ تَوْحِيدِكَ ، وَدَعائِمِ دِينِكَ ، وَمَعادِنِ كَرامَتِكَ وَصَفْوَتِكَ مِنْ بَرِيَّتِكَ ، وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، الأَتْقِياءِ النُّجَباءِ الْأَبْرارِ ، وَالْبابِ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ ، مَنْ أَتاهُ نَجى وَمَنْ أَباهُ هَوى.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، أَهْلِ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرْتَ بِمَسْأَلَتِهِمْ ، وَذَوِي الْقُرْبى الَّذِينَ أَمَرْتَ بِمَوَّدَتِهِمْ ، وَفَرَضْتَ حَقَّهُمْ ، وَجَعَلْتَ الْجَنَّةَ مَعادَ مَنِ اقْتَفى (2) آثارَهُمْ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما أَمَرُوا بِطاعَتِكَ ، وَنَهَوْا عَنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَدَلُّوا عِبادَكَ عَلى وَحْدانِيَّتِكَ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَنَجِيبِكَ (3) وَصَفْوَتِكَ وَأَمِينِكَ وَرَسُولِكَ إِلى خَلْقِكَ ، وَبِحَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَعْسُوبِ الدِّينِ ، وَقائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجِّلِينَ ، الْوَصِيِّ الْوَفِيِّ ، وَالصِّدِيقِ الْأَكْبَرِ ، وَالْفارُوقِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْباطِلِ وَالشّاهِدِ لَكَ ، وَالدّالِّ عَلَيْكَ ، وَالصّادِعِ بِأَمْرِكَ ، وَالْمُجاهِدِ فِي سَبِيلِكَ ، لَمْ تَأْخُذْهُ فِيكَ لَوْمَةُ لائِمٍ.

أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي فِي هذَا الْيَوْمِ الَّذِي عَقَدْتَ فِيهِ لِوَلِيِّكَ الْعَهْدَ فِي أَعْناقِ خَلْقِكَ وَأَكْمَلْتَ لَهُمُ الدِّينَ مِنَ الْعارِفِينَ بِحُرْمَتِهِ وَالْمُقِرِّينَ بِفَضْلِهِ ، مِنْ عُتَقائِكَ وَطُلَقائِكَ مِنَ النّارِ ، وَلا تُشْمِتْ بِي

ص: 305


1- اللجّة : معظم الماء ، غمر الماء : علاه وغطّاه.
2- اقتصّ ( خ ل ) ، أقول : اقتفى الشّيء : اختاره ، اقتص أثره : اتبعه.
3- نجيك ( خ ل ).

حاسِدِي النِّعَمِ.

اللّهُمَّ فَكَما جَعَلْتَهُ عِيدَكَ الْأَكْبَرَ وَسَمَّيْتَهُ فِي السَّماءِ يَوْمَ الْعَهْدِ الْمَعْهُودِ ، وَفِي الْأَرْضِ يَوْمَ الْمِيثاقِ الْمَأْخُوذِ ، وَالْجَمْعِ الْمَسْؤُولِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَقْرِرْ بِهِ عُيُونَنا ، وَاجْمَعْ بِهِ شَمْلَنا ، وَلا تُضِلَّنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا (1) ، وَاجْعَلْنا لِأَنْعُمِكَ مِنَ الشّاكِرِينَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَرَّفَنا فَضْلَ هذا الْيَوْمِ ، وَبَصَّرَنا حُرْمَتَهُ ، وَكَرَّمَنا بِهِ ، وَشَرَّفَنا بِمَعْرِفَتِهِ ، وَهَدانا بِنُورِهِ ، يا رَسُولَ اللّهِ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكُما وَعَلى عِتْرَتِكُما وَعَلى مُحِبِّيكُما مِنِّي أَفْضَلُ السَّلامِ ، ما بَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَبِكُما أَتَوَجَّهُ إِلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُما فِي نَجاحِ طَلِبَتِي وَقَضاءِ حَوائِجِي وَتَيْسِيرِ أُمُورِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَلْعَنَ مَنْ جَحَدَ حَقَّ هذَا الْيَوْمِ وَأَنْكَرَ حُرْمَتَهُ ، فَصَدَّ عَنْ سَبِيلِكَ لِاطْفاءِ نُورِكَ ، فَأَبَى اللّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.

اللّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ ، وَاكْشِفْ عَنْهُمْ وَبِهِمْ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الْكُرُباتِ ، اللّهُمَّ امْلاءِ الْأَرْضَ بِهِمْ عَدْلاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً ، وَأَنْجِزْ لَهُمْ ما وَعَدْتَهُمْ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (2).

فصل (16): فيما نذكره من زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام ، يزار بها بعد الصلاة والدعاء يوم الغدير السعيد ، من قريب أو بعيد

روى عدّة من شيوخنا عن أبي عبد اللّه محمد بن أحمد الصفواني من كتابه بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إذا كنت في يوم الغدير في مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، فادن من

ص: 306


1- وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب ( خ ل ).
2- عنه البحار 98 : 320.

قبره بعد الصّلاة والدعاء ، وان كنت في بعد فأوم إليه بعد الصلاة ، وهذا الدعاء :

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَأَخِي نَبِيِّكَ ، وَوَزِيرِهِ وَحَبِيبِهِ ، وَخَلِيلِهِ وَمَوْضِعِ سِرِّهِ ، وَخِيرَتِهِ مِنْ اسْرَتِهِ ، وَوَصِيِّهِ وَصَفْوَتِهِ ، وَخالِصَتِهِ وَامِينِهِ وَوَلِيِّهِ وَاشْرَفِ عِتْرَتِهِ ، الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ، وَابِي ذُرِّيَّتِهِ وَبابَ حِكْمَتِهِ ، وَالنّاطِقِ بِحُجَّتِهِ ، وَالدّاعِي إِلى شَرِيعَتِهِ وَالْماضِي عَلى سُنَّتِهِ (1) ، وَخَلِيفَتِهِ عَلى أُمَّتِهِ ، سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ ، افْضَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى احَدٍ مِنْ خَلْقِكَ وَأَصْفِيائِكَ وَأَوْصِياءِ أَنْبِياءِكَ.

اللّهُمَّ إِنِّي اشْهَدُ انَّهُ قَدْ بَلَّغَ عَنْ نَبِيِّكَ ما حَمَّلَ ، وَرَعى ما اسْتُحْفِظَ ، وَحَفِظَ ما اسْتُودِعَ ، وَحَلَّلَ حَرامَكَ ، وَحَرَّمَ حَرامَكَ ، وَأَقامَ أَحْكامَكَ ، وَدَعى إِلى سَبِيلِكَ ، وَوالى أَوْلِياءَكَ ، وَعادى أَعْداءَكَ ، وَجاهَدَ النَّاكِثِينَ (2) عَنْ سَبِيلِكَ وَالْقاسِطِينَ وَالْمارِقِينَ عَنْ امْرِكَ ، صابِراً مُحْتَسِباً غَيْرَ مُدْبِرٍ ، لا تَأْخُذُهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ ، حَتَّى بَلَغَ فِي ذلِكَ الرِّضا سَلَّمَ الَيْكَ الْقَضاءَ ، وَعَبَدَكَ مُخْلِصاً ، وَنَصَحَ لَكَ مُجْتَهِداً ، حَتّى أَتاهُ الْيَقِينُ.

فَقَبَضْتَهُ الَيْكَ شَهِيداً سَعِيداً ، وَلِيّاً تَقِيّاً رَضِيّاً زَكِيّاً ، هادِيّاً مَهْدِيّاً ، اللّهُمَّ صَل عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ ، افْضَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى احَدٍ مِنْ أَنْبِيائِكَ وَأَصْفِيائِكَ يا رَبَّ الْعالَمِينَ (3).

فصل (17): فيما نذكره ممّا ينبغي أن يكون عليه حال أولياء هذا العيد السّعيد في اليوم المعظّم المشار إليه

أعلم إنّنا قد ذكرنا في عيد الفطر وعيد الأضحى وغيرهما فيما مضى ، ما يكون

ص: 307


1- سننه ( خ ل ).
2- نكث العهد : نقضه ونبذه.
3- عنه البحار 100 : 273.

الإنسان عليه مع اللّه جلّ جلاله في تحصيل كمال العفو والرضا ، وإذا عرفت كما قدّمناه فضل عيد الغدير على كلّ وقت ذكرناه.

فينبغي ان تكون في هذا العيد على قدر فضله على كلّ يوم سعيد ، فتكون عند المجالسة لشرف تلك الأوقات ، كما لو جالست مماليك سلطان معظمين في الحرمات والمقامات ، وتكون في عيد الغدير كما لو جالست سلطان أولئك المماليك المعظمين ، وصاحبت مولاهم الّذي هم علاقة عليه في أمور الدنيا والدين.

فاجتهد في احترام ساعاته والتزام حقّ حرماته وصحبته لشكر اللّه جلّ جلاله على تشريفك بمعرفته وتأهليك لكرامته ، وتجميلك بتجديد نعمته.

وقد قدّمنا في اخبار فضله آدابا وأسبابا يعملها المسعودون في ذلك اليوم ، فاعمل عليها ، فإنّها من تدبير العارفين.

فصل (18): فيما نذكره من فضل تفطير الصائمين فيه

أقول : قد قدّمنا فيما مضى من الفصول فضلا عظيما لمن فطّر صائما ليوم الغدير ، وأوضحنا ذلك بالمنقول ، فنذكر هاهنا زيادة من طريق المعقول ، فنقول :

إذا كان لكلّ صائم في ذلك العيد ما ذكرناه من الحظّ السعيد ، فإذا قمت بإفطارهم ومسارّهم وحفظ القوّة الّتي بذلوها لله جلّ جلاله في نهارهم ، فكأنّك قد ملّكتها عليهم ، أو صرت شريكا لهم في كلّ ما وصل من اللّه جلّ جلاله إليهم بالمقدار اليسير الّذي تخرجه في فطور الصائم.

وقد شهد العقل انّ من قدر على الظفر بالغنائم وبالمماليك وبالسعادات وبالعنايات بقوت يوم واحد لبعض أهل الضرورات ، فإنّه يغتنم ذلك بأبلغ الإمكان ولا يسامح نفسه بالتّهوين لهذا المطلب العظيم الشأن ، وكفاك انّك تعظّم بذلك ما عظّم مولاك ومالك دنياك وأخراك ، ويا طوباك ان يبلغ خير خلق اللّه جلّ جلاله محمّدا صلوات اللّه عليه ومولاك أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ومن يكون حديثك بعدهما إليه انّك عظمت يوما

ص: 308

عزيزا عليهم ، وأكرمت كريما لديهم ورفعت رايات معالمهم المذكورة ، وقطعت شبهات من سعى في تعظيم آيات مواسمهم المشهورة ، فتكون كمن كان صدقت محبته وتعطّرت فضائله وظهرت دلائله :

وتهتزّ للمعروف في طلب العلى (1) *** لتذكر يوما عند ليلى شمائله

فصل (19): فيما نذكره ممّا يختم به يوم عيد الغدير

اعلم انا قد عرّفناك بعض ما عرفناه من شرف هذا اليوم وتعظيمه عند اللّه جلّ جلاله وعند من اتّبع رضاه ، فكن عند أواخر نهاره ذاكرا لمعرفة قدره ، متأسّفا على إبعاده ، تأسّف المغرم (2) بفراق أهل وداده ، متلهّفا ان يؤهّلك اللّه جلّ جلاله ليوم إظهار إسراره ، وان يجعلك من أعوان المولى المذخور لرفع منارة ، ويشرفك بان يكتب اسمك في ديوان أنصاره ، ويضمّ مثل ما عملت في اليوم المذكور السعيد بلسان الحال ، كما يفعل المؤدّب من العبيد.

وتعرّضه على من كنت ضيفا له من نوّاب اللّه جلّ جلاله وخاصّته ، الّذين هم الوسائل بينك وبين رحمته وحفظ نعمته ، وتسأل ان يتمّموا ما فيه من نقصان ، ويربحوا ما تخاف على علمك من خسران ، وان يسلّموه من يد لسان حالهم إلى الملكين الحافظين الكاتبين بجميع أعمالك في ذلك النهار ، أو يعرضوه على مزيد كمالهم على وجه اللّه جلّ جلاله ، عرضا يليق بالثابت المكمّل في صفات الأبرار على مولى الممالك المطّلع على الأسرار.

فتكون قد أدّيت الأمانة في يومك وفي عملك ، واجتهدت في حفظ حرمته ومحلّه ، وسلّمت كلّ تفويض وتسليم إلى أهله.

ص: 309


1- اهتز : تحرك.
2- اغرم بالشيء : أولع به فهو مغرم.

الباب السادس: فيما يتعلّق بمباهلة سيّد أهل الوجود لذوي الجحود ، الّذي لا يساوي ولا يجازي ، وظهور حجّته على النّصارى والحبارى وانّ في يوم مثله تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم ، ونذكر ما يعمل من المراسم

وفيه فصول :

فصل (1): فيما نذكره من إنفاذ النبي صلى اللّه عليه وآله لرسله إلى نصارى نجران ودعائهم إلى الإسلام والايمان ، ومناظرتهم فيما بينهم ، وظهور تصديقه فيما دعا إليه

روينا ذلك بالأسانيد الصحيحة والروايات الصّريحة إلى أبي المفضّل محمد بن المطلب الشيباني رحمه اللّه من كتاب المباهلة ، ومن أصل كتاب الحسن بن إسماعيل بن أشناس من كتاب عمل ذي الحجّة ، فيما رويناه بالطرق الواضحة عن ذوي الهمم الصالحة ، لا حاجة إلى ذكر أسمائهم ، لأنّ المقصود ذكر كلامهم ، قالوا :

لمّا فتح النبي صلى اللّه عليه وآله مكّة ، وانقادت له العرب ، وأرسل رسله ودعاته الى الأمم ، وكاتب الملكين ، كسرى وقيصر ، يدعوهما إلى الإسلام ، والاّ أقرّا بالجزية والصّغار ، والاّ أذنا بالحرب العوان (1) ، أكبر شأنه نصارى نجران وخلطاؤهم من بني

ص: 310


1- الحرب العوان : الحرب التي قوتل فيها مرة بعد الأخرى ، وهي أشدّ الحروب.

عبد المدان وجميع بني الحارث بن كعب ، ومن ضوى إليهم (1) ، ونزل بهم من دهماء الناس (2) على اختلافهم هناك في دين النصرانيّة من الأروسيّة والسالوسيّة وأصحاب دين الملك والمارونية والعبّاد والنسطوريّة ، واملأت قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه ورعبا ، فإنّهم كذلك من شأنهم.

إذا وردت عليهم رسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بكتابه ، وهم عتبة بن غزوان وعبد اللّه بن أبي أميّة والهدير بن عبد اللّه أخو تيم بن مرّة وصهيب بن سنان أخو النّمر بن قاسط ، يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أجابوا فاخوان ، وان أبوا واستكبروا فإلى الخطّة (3) المخزية (4) إلى أداء الجزية عن يد ، فان رغبوا عمّا دعاهم إليه من أحد المنزلتين (5) وعندوا فقد آذنهم على سواء ، وكان في كتابه صلى اللّه عليه وآله :

( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (6).

قالوا : وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا يقاتل قوما حتّى يدعوهم ، فازداد القوم لورود رسل نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وكتابه نفورا وامتزاجا ، ففزعوا لذلك إلى بيعتهم العظمى وأمروا ، ففرش أرضها وألبس جدرها بالحرير والديباج ، ورفعوا الصّليب الأعظم ، وكان من ذهب مرصّع ، أنفذه إليهم قيصر الأكبر ، وحضر ذلك بني الحارث بن كعب ، وكانوا ليوث الحرب فرسان النّاس ، قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم أيامهم في الجاهليّة.

فاجتمع القوم جميعا للمشورة والنظر في أمورهم ، وأسرعت إليهم القبائل من مذحج ، وعك وحمير وانمار ، ومن دنا منهم نسبا ودارا من قبائل سبا ، وكلّهم قد ورم انفه غضبا

ص: 311


1- ضويت إليه : إذا أديت إليه.
2- دهماء الناس : جماعتهم.
3- الخطة : الأمر والقصّة.
4- المخوفة ( خ ل ).
5- المنزلين ( خ ل ).
6- آل عمران : 67.

لقومهم ، ونكص (1) من تكلّم منهم بالإسلام ارتدادا.

فخاضوا وأفاضوا في ذكر المسير بنفسهم وجمعهم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والنزول به بيثرب لمناجزته (2) ، فلمّا رأى أبو حامد حصين بن علقمة - أسقفهم الأوّل وصاحب مدارسهم وعلامهم ، وكان رجلا من بني بكر بن وائل - ما أزمع (3) القوم عليه من إطلاق الحرب ، دعا بعصابة فرفع بها حاجبيه عن عينيه ، وقد بلغ يومئذ عشرين ومائة سنة.

ثم قام فيهم خطيبا معتمدا على عصى وكانت فيه بقيّة وله رأي ورويّة وكان موحّدا يؤمن بالمسيح وبالنبي عليهما السلام ويكتم ذلك من كفرة قومه وأصحابه.

فقال : مهلا بني عبد المدان مهلا ، استديموا العافية والسعادة ، فإنّهما مطويّان في الهوادة (4) ، دبّوا (5) إلى قوم في هذا الأمر دبيب الزّور ، وإيّاكم والسّورة العجلي ، فانّ البديهة بها لا ينجب (6) ، انّكم واللّه على فعل ما لم تفعلوا اقدر منكم على ردّ ما فعلتم ، الاّ انّ النجاة مقرونة بالأناة ، ألا ربّ احجام (7) أفضل من اقدام ، وكائن من قول أبلغ من وصوله.

ثم أمسك ، فأقبل عليه كرز بن سبرة الحارثي ، وكان يومئذ زعيم بني الحارث بن كعب ، وفي بيت شرفهم ، والمعصب فيهم وأمير حروبهم ، فقال : لقد انتفخ (8) سحرك واستطير قلبك أبا حارثة ، فظلّت كالمسبوع النزاعة الهلوع (9) ، تضرب لنا الأمثال وتخوّفنا النزال (10) ، لقد علمت وحقّ المنّان بفضيلة الحفاظ بالنّوء باللعب ، وهو عظيم ، وتلقّح (11) الحرب وهي عقيم تثقف أورد الملك الجبار ولنحن أركان الرّايس وذي المنار الّذين

ص: 312


1- نكص عن الأمر : أحجم عنه.
2- ناجزه : بارزة وقاتله.
3- أزمعت على أمر : أثبت عليه.
4- الهوادة : الصلح.
5- دبّ : مشى كالحية أو على اليدين والرجلين كالطفل.
6- نجب : حمد في نظره أو قوله أو فعله.
7- حجم عن الشيء : منع.
8- انتفخ : علا.
9- الهلوع : من يفزع من الشر.
10- النزال : الحرب.
11- لقح الحرب : هاجت بعد سكون.

شددنا ملكهما وأمّرنا مليكهما ، فأيّ أيّامنا ينكر أم لأيّهما ويك تلمز (1) ، فما أتى على آخر كلامه حتى انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفّه غيظا وغضبا وهو لا يشعر.

فلمّا أمسك كرز بن سبرة أقبل عليه العاقب ، واسمه عبد المسيح بن شرحبيل ، وهو يومئذ عميد القوم وأمير رأيهم وصاحب مشورتهم ، الّذي لا يصدرون جميعا الاّ عن قوله ، فقال له : أفلح وجهك وانس ربعك (2) وعزّ جارك وامتنع ذمارك (3) ، ذكرت وحقّ مغبرّة الجباه (4) حسبا صميما ، وعيصا (5) كريما وعزّا قديما ، ولكن أبا سبرة لكلّ مقام مقال ، ولكل عصر رجال ، والمرء بيومه أشبه منه بأمسه ، وهي الأيّام تهلك جيلا ، وتديل قبيلا ، والعافية أفضل جلباب ، وللآفات أسباب ، فمن أوكد أسبابها لتعرّض لأبوابها ، ثمّ صمت العاقب مطرقا.

فأقبل عليه السّيّد واسمه اهتم بن النعمان ، وهو يومئذ اسقف نجران ، وكان نظير العاقب في علوّ المنزلة ، وهو رجل من عاملة وعداده في لخم (6) ، فقال له سعد : جدّك وسما جدّك أبا وائلة ، انّ لكلّ لامعة ضياء ، وعلى كلّ صواب نورا ، ولكن لا يدركه وحقّ واهب العقل إلاّ من كان بصيرا ، انّك أفضيت وهذان فيما تصرّف بكما الكلم إلى سبيلي حزن وسهل ، ولكلّ على تفاوتكم حظّ من الرأي الربيق (7) والأمر الوثيق إذا أصيب به مواضعه ، ثمّ انّ أخا قريش قد نجدكم لخطب عظيم وأمر جسيم ، فما عندكم فيه قولوا وانجزوا (8) ، أبخوع (9) وإقرار أم نزوع (10).

ص: 313


1- اللمز : العيب.
2- الربع : الدار ، المنزلة ، جماعة الناس.
3- الذمار : ما يلزمك حفظه.
4- أي الجباه المغبرة.
5- أي نسبا.
6- أي من قبيلة لخم.
7- الرأي الربيق : الذي عليه العزم كأنه كناية عن الشديد.
8- نجز الحاجة : قضاها.
9- البخوع : الطاعة والخضوع.
10- أي انتهاء عنه.

قال عتبة والهدير والنفر من أهل نجران ، فعاد كرز بن سبرة لكلامه وكان كمّيا (1) أبيا ، فقال : أنحن نفارق دينا رسخت عليه عروقنا ومضى عليه آباؤنا وعرف ملوك النّاس ثمّ العرب ذلك منّا ، أنتهالك (2) إلى ذلك أم نقرّ بالجزية وهي الخزية حقّا ، لا واللّه حتى نجرّد البواتر (3) من أغمادها ، وتذهل الحلائل (4) عن أولادها ، أو تشرق (5) نحن محمّد بدمائنا ، ثم يديل (6) اللّه عزّ وجلّ بنصره من يشاء.

قال له السيد : اربع (7) على نفسك وعلينا أبا سبرة ، فان سلّ السيف يسلّ السيف ، وانّ محمّدا قد بخعت (8) له العرب ، وأعطته طاعتها وملك رجالها واعنتها ، وجرت أحكامه في أهل الوبر (9) منهم والمدر (10) ، ورمقه (11) الملكان العظيمان كسرى وقيصر ، فلا أراكم والرّوح لو نهد (12) لكم ، الاّ وقد تصدّع عنكم من خفّ معكم من هذه القبائل ، فصرتم جفاء كأمس الذاهب أو كلحم على وضم (13).

وكان فيهم رجل يقال له : جهير بن سراقة البارقي من زنادقة نصارى العرب ، وكان له منزلة من ملوك النصرانيّة ، وكان مثواه بنجران ، فقال له أبا سعاد (14) : قل في أمرنا وانجدنا برأيك ، فهذا مجلس له ما بعده.

فقال : فإنّي أرى لكم أن تقاربوا محمّدا وتطيعوه في بعض ملتمسه عندكم ،

ص: 314


1- كمّ : إذا قتل الشجعان.
2- تهالك في الأمر أو العدو : جدّ فيه مستعجلا.
3- البواتر : السيوف.
4- الحليل ج حلائل : الزوج لأنه يحل مع امرأته وتحل معه.
5- تشرق : تظهر.
6- يديل : ينصر.
7- اربع : ارفق.
8- بخعت : أطاعت.
9- الوبر ، هو للإبل كالصوف للغنم ، أهل الوبر : أهل البدو.
10- المدر : الطين ، أهل المدر : أهل المدن والقرى لأنّ بنيانها غالبا من المدر.
11- رمقه : نظر إليه.
12- نهد : نهض.
13- الوضم : كل شيء يجعل عليه اللحم من خشب.
14- سعد ( خ ل ).

ولينطلق وفودكم إلى ملوك أهل ملّتكم إلى الملك الأكبر بالرّوم قيصر ، وإلى ملوك هذه الجلدة السوداء الخمسة ، يعني ملوك السودان ، ملك النوبة وملك الحبشة وملك علوه وملك الرعا (1) وملك الراحات ومريس والقبط ، وكلّ هؤلاء كانوا نصارى.

قال : وكذلك من ضوى (2) إلى الشام وحلّ بها من ملوك غسّان ولخم وجذام وقضاعة ، وغيرهم ، من ذوي يمنكم فهم لكم عشيرة وموالي وأعوان وفي الدّين اخوان ، يعني أنّهم نصارى ، وكذلك نصارى الحيرة من العبّاد وغيرهم ، فقد صبّت إلى دينهم قبائل تغلب بنت وائل وغيرهم من ربيعة بن نزار ، لتسير وفودكم.

ثم لتخرق إليهم البلاد إغذاذا (3) ، فيستصرخونهم لدينكم فيستنجدكم (4) الرّوم وتسير إليكم الاساودة (5) مسير أصحاب الفيل ، وتقبل إليكم نصارى العرب من ربيعة اليمن.

فإذا وصلت الأمداد واردة ، سرتم أنتم في قبائلكم وسائر من ظاهركم وبذل نصره وموازرته لكم ، حتّى تضاهئون (6) من انجدكم (7) وأصرخكم ، من الأجناس ، والقبائل الواردة عليكم ، فامّوا (8) محمّدا حتّى تنجوا به جميعا ، فسيعتق إليكم وافدا لكم من صبا (9) إليه ، مغلوبا مقهورا ، وينعتق به من كان منهم في مدرته (10) مكثورا (11) ، فيوشك ان تصطلموا (12) حوزته وتطفئوا جمرته.

ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس ، فلا تتمالك العرب حينئذ حتّى

ص: 315


1- ملك حبشة ، ملك عليه ، ملك الرعانة ( خ ل ).
2- ضوى إليه : انضمّ ولجأ.
3- إغذاذا : سريعا.
4- استنجد : استعان وقوى بعد الضعف.
5- الاساودة : جماعة سودان.
6- ضاهاه : شاكله.
7- نجده : أعانه.
8- امّه : قصده.
9- صبا : مال.
10- مدرته : بلده.
11- مكثورا : المغلوب بالكثرة.
12- الاصطلاء : الاستئصال.

تتهافت دخولا في دينكم ، ثم لتعظمنّ بيعتكم هذه ، ولتشرفنّ ، حتّى تصير كالكعبة المحجوجة (1) بتهامة ، هذا الرأي فانتهزوه (2) ، فلا رأي لكم بعده.

فأعجب القوم كلام جهير بن سراقة ، ووقع منهم كلّ موقع ، فكاد أن يتفرّقوا على العمل به ، وكان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بني قيس بن ثعلبة ، يدعى حارثة بن أثال على دين المسيح عليه السلام ، فقام حارثة على قدميه وأقبل على جهير ، وقال متمثّلا :

متى ما تقد بالباطل الحق بابه *** وان قلت بالحقّ الرّواسي ينقد

إذا ما أتيت الأمر من غير بابه *** ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتد

ثمّ استقبل السيد والعاقب والقسّيسين والرّهبان وكافّة نصارى نجران بوجهه لم تخلط معهم غيرهم ، فقال (3) : سمعا سمعا يا أبناء الحكمة وبقايا حملة الحجّة ، انّ السعيد واللّه من نفعته الموعظة ولم يعش (4) عن التذكرة ، ألا وانّي أنذركم وأذكّركم قول مسيح اللّه عزّ وجلّ - ثم شرح وصيّته ونصّه على وصيّه شمعون بن يوحنّا وما يحدث على أمّته من الافتراق.

ثم ذكر عيسى عليه السلام وقال : انّ اللّه جلّ جلاله أوحى إليه : فخذ يا بن أمتي كتابي بقوّة ثم فسّره لأهل سوريا بلسانهم ، وأخبرهم انّي انا اللّه لا إله إلاّ أنا ، الحيّ القيوم البديع الدائم الّذي لا أحول ولا أزول ، انّي بعثت رسلي ونزلت كتبي رحمة ونورا عصمة لخلقي ، ثمّ انّي باعث بذلك نجيب رسالتي ، أحمد صفوتي من برّيتي البار قليطا عبدي أرسله في خلوّ من الزمان ، ابعثه بمولده فاران من مقام أبيه إبراهيم عليه السلام ، انزل عليه توراة حديثة ، افتح بها أعينا عميا ، وإذنا صمّا ، وقلوبا غلفا (5) ، طوبى لمن شهد أيّامه وسمع كلامه ، فآمن به واتّبع النّور الّذي جاء به ، فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النّبي

ص: 316


1- حجّ : قصد.
2- انتهزوه : اغتنموه.
3- يعني حارثة.
4- عشوت إلى النار : إذا استدللت إليها بسير ضعيف ، وإذا صدرت عنه إلى غيره قلت : عشوت عنه.
5- الأغلف ج غلف : الذي لا يعي شيئا.

فصلّ عليه فانّي وملائكتي نصلّي عليه.

قال : فما أتى حارثة بن أثال على قوله هذا حتّى أظلم بالسيّد والعاقب مكانهما ، وكرها ما قام به في الناس معربا ومخبرا عن المسيح عليه السلام بما أخبر وقدم من ذكر النّبي محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم ، لأنّهما كانا قد أصابا بمواضعهما من دينهما شرفا بنجران ووجها عند ملوك النصرانيّة جميعا ، وكذلك عند سوقتهم وعربهم في البلاد ، فأشفقا ان يكون ذلك سببا لانصراف قومهما عن طاعتهما لدينهما وفسخا لمنزلتهما في الناس.

فأقبل العاقب على حارثة فقال : أمسك عليك يا حار ، فانّ رادّ هذا الكلام عليك أكثر من قابله ، وربّ قول يكون بليّة على قائله ، وللقلوب نفرات عند الإصداع (1) بمظنون الحكمة ، فاتّق نفورها ، فلكلّ نبأ أهل ، ولكلّ خطب محلّ ، وانّما الدرك (2) ما أخذ لك بمواضي النجاة ، وألبسك جنّة السّلامة ، فلا تعدلنّ بهما حظّا ، فانّي لم آلك لا أبا لك نصحا ثمّ ارمّ (3).

فأوجب السيّد ان يشرك العاقب في كلامه ، فأقبل على حارثة فقال : انّي لم أزل أتعرّف لك فضلا تميل إليك الألباب ، فإيّاك أن تقعد مطيّة اللّجاج ، وان توجف إلى السراب (4) ، فمن عذر بذلك فلست فيه أيّها المرء بمعذور ، وقد أغفلك أبو واثلة ، وهو وليّ أمرنا وسيّد حضرنا عتابا فأوله (5) اعتبارا (6).

ثمّ تعلم ان ناجم (7) قريش يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يكون رزؤه (8) قليلا ، ثم ينقطع ويخلو ، انّ بعد ذلك قرن يبعث في آخره النبيّ المبعوث بالحكمة والبيان والسّيف والسلطان ، يملك ملكا مؤجّلا ، تطبق فيه أمّته المشارق والمغارب ، ومن ذرّيته الأمير

ص: 317


1- الصدع : الشق ، صدع بالأمر : تظلّم به جهارا.
2- الدرك : اللحاق والوصول.
3- ارمّ القوم : سكتوا.
4- الآل والسراب ( خ ل ) ، الآل الذي تراه أول النهار وآخره يرفع الشخوص وليس بالسراب.
5- اوله : أعطه.
6- اعتابا ( خ ل ).
7- ناجم قريش أي الرجل الظاهر منهم ، من نجم الشيء إذا أظهر.
8- الرزء : المصيبة.

الظاهر يظهر على جميع الملكات والأديان ، ويبلغ ملكه ما طلع عليه اللّيل والنّهار ، وذلك يا حار أمل من ورائه أمد ومن دونه أجل ، فتمسّك من دينك بما تعلم وتمنع لله أبوك من أنس متصرّم بالزمان أو لعارض من الحدثان ، فإنّما نحن ليومنا ولغد أهله.

فأجابه حارثة بن أثال فقال : ايها (1) عليك أبا قرّة ، فإنّه لا حظّ في يومه لمن لا درك له في غده ، واتّق اللّه تجد اللّه جلّ وتعالى بحيث لا مفزع إلاّ إليه ، وعرضت مشيّدا بذكر أبي واثلة ، فهو العزيز المطاع الرّحب الباع ، وإليكما معا ملقى (2) الرّحال ، فلو أضربت التّذكرة عن أحد لتبزيز (3) فضل لكنتماه ، لكنّها أبكارا لكلام (4) تهدي لأربابها ، ونصيحة كنتما أحقّ من أصغى بها ، إنكما مليكا ثمرات قلوبنا ، ووليّا طاعتنا في ديننا.

فالكيّس الكيّس يا أيها المعظّمان عليكما به ، أريا مقاما بدهكما نواحيه واهجر سنة التسويف (5) فيما أنتما بعرضه ، آثر اللّه فيما كان يؤثركما بالمزيد من فضله ، ولا تخلدا فيما اظلّكما إلى الونية (6) ، فإنّه من أطال (7) عنان الأمر أهلكته الغرّة ، ومن اقتعد مطيّة الحذر كان بسبيل أمن من المتألّف ، ومن استنصح عقله كانت العبرة له لا به ، ومن نصح لله عزّ وجلّ أنسه اللّه جلّ وتعالى بعزّ الحياة وسعادة المنقلب.

ثم أقبل على العاقب معاتبا فقال : وزعمت أبا واثلة إنّ رادّ ما قلت أكثر من قائله ، وأنت لعمرو اللّه حريّ الاّ يؤثر هذا عنك ، فقد علمت وعلمنا امّة الإنجيل معا بسيرة ما قام به المسيح عليه السلام في حواريه ، ومن آمن له من قومه ، وهذه منك فهّة (8) لا يدحضها (9) الاّ التوبة والإقرار بما سبق به الإنكار.

ص: 318


1- ايها - بالكسر منونا وغير منون - يقال تسكينا لمن استزاد في كلامه يراد بذلك كفّه عن الكلام.
2- يلقى ( خ ل ).
3- بزز الرجل : فاق على أصحابه.
4- أبكار الكلم ، أبكارا لكلمة ( خ ل ).
5- ارمقاما يدهكما نواحيه واهجر التسويف ( خ ل ).
6- ونيت في الأمر : خففت.
7- أطاع ( خ ل ).
8- فهة : السقط.
9- الدحض : غسل الثوب والجسد.

فلمّا أتى على هذا الكلام صرف إلى السيّد وجهه فقال : لا سيف الاّ ذو نبوة ولا عليم الاّ ذو هفوة ، فمن نزع عن وهلة وأقلع فهو السعيد الرشيد ، وانّما الآفة في الإصرار ، وأعرضت (1) بذكر نبيّين يخلقان زعمت (2) بعد ابن البتول ، فأين يذهب بك عمّا خلّد في الصحف من ذكري ذلك ، ألم تعلم ما أنبأ به المسيح عليه السلام في بني إسرائيل ، وقوله لهم : كيف بكم إذا ذهب بي إلى أبي وأبيكم وخلّف بعد أعصار يخلو من بعدي وبعدكم صادق وكاذب؟ قالوا : ومن هما يا مسيح اللّه؟ ، قال : نبيّ من ذريّة إسماعيل عليهما السلام صادق ومتنبّئ من بني إسرائيل كاذب ، فالصّادق منبعث منهما برحمة وملحمة ، يكون له الملك والسلطان ما دامت الدّنيا ، وامّا الكاذب ، فله نبذ يذكر به المسيح الدجال ، يملك فواقا (3) ثم يقتله اللّه بيدي إذا رجع بي.

قال حارثة : واحذّركم يا قوم ان يكون من قبلكم من اليهود أسوة لكم ، انّهم انذروا بمسيحين : مسيح رحمة وهدى ومسيح ضلالة ، وجعل لهم على كلّ واحد منهما آية وأمارة ، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به وآمنوا بمسيح الضّلالة الدّجال وأقبلوا على انتظاره ، واضربوا في الفتنة وركبوا نتّجها (4) ، ومن قبل نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءه والقوّامين بالقسط من عباده ، فحجب اللّه عزّ وجلّ عنهم البصيرة بعد التّبصرة بما كسبت أيديهم ، ونزع ملكتهم منهم ببغيهم ، وألزمهم الذّلة والصغار ، وجعل منقلبهم إلى النار.

قال العاقب : فما أشعرك يا حار ان يكون هذا النّبي المذكور في الكتب هو قاطن (5) يثرب ، ولعلّه ابن عمّك صاحب اليمامة ، فإنّه يذكر من النبوّة ما يذكر منها أخو قريش ، وكلاهما من ذريّة إسماعيل ولجميعهما اتباع وأصحاب ، يشهدون بنبوّته ويقرّون له برسالته ، فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة فتذكرها؟

ص: 319


1- عرضته ( خ ل ).
2- زعمته ( خ ل ).
3- الفواق : ما بين الحلبتين من الوقت ، الزمن اليسير.
4- نتّج بمعنى نتج ، ويقال إذا تكسب من عمله.
5- قطن بمكان : أقام فيه.

قال حارثة : أجل واللّه أجدها ، واللّه أكبر وأبعد ممّا بين السحاب والتّراب ، وهي الأسباب الّتي بها وبمثلها تثبت حجّة اللّه في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وأنبيائه ، وامّا صاحب اليمامة فيكفيك فيه ما أخبركم به سفرائكم وغيركم والمنتجعة (1) منكم أرضه ومن قدم من أهل اليمامة عليكم ، ألم يخبركم جميعا عن روّاد (2) مسيلمة وسمّاعية ، ومن أوفده (3) صاحبهم (4) إلى أحمد بيثرب ، فعادوا إليه جميعا بما تعرّفوا هناك في بني قيلة (5) وتبيّنوا به ، قالوا : قدم علينا أحمد يثرب وبئارنا ثماد (6) ومياهنا ملحة ، وكنّا من قبله لا نستطيب ولا نستعذب ، فبصق في بعضها ومجّ (7) في بعض ، فعادت عذابا محلوليّة وجاش (8) منها ما كان ماؤها ثمادا فحار (9) بحرا.

قالوا : وتفل محمّد في عيون رجال ذوي رمد وعلى كلوم (10) رجال ذوي جراح ، فبرأت لوقته عيونهم فما اشتكوها واندملت جراحاتهم فما ألموها في كثير ممّا أدوا ، ونبّئوا عن محمد صلى اللّه عليه وآله من دلالة وآية ، وأرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك ، فأنعم لهم كارها وأقبل بهم إلى بعض بئارهم فمجّ فيها وكانت الركي معذوبة ، فصارت ملحا لا يستطاع شرابه ، وبصق في بئر كان ماؤها وشلا (11) فعادت فلم تبضّ بقطرة من ماء ، وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت ، وعلى جراح - أو قالوا : جراح آخر - فاكتسى جلده برصا.

فقالوا لمسيلمة فيما أبصروا في ذلك منه واستبرءوه ، فقال : ويحكم بئس الأمّة أنتم

ص: 320


1- النجعة : طلب الكلام في موضعه ، يقال : انتجعت فلانا إذا أتيته تطلب معروفا.
2- الروّاد : الجواسيس.
3- أوفده : أرسله.
4- أي مسيلمة.
5- أي الأنصار.
6- الثماد : الماء لا مادة له.
7- مجّ من فمه : رمى به.
8- جاش الوادي : كثر ماؤه.
9- حار المكان بالماء : امتلأ.
10- الكلوم : الجراحات.
11- وشلا : قليل الماء.

لنبيّكم والعشيرة لابن عمّكم ، انكم كلّفتموني يا هؤلاء من قبل ان يوحى اليّ في شيء ممّا سألتم ، والآن فقد أذن لي في أجسادكم واشعاركم دون بئاركم ومياهكم ، هذا لمن كان منكم بي مؤمنا ، وامّا من كان مرتابا فإنّه لا يزيده تفلتي عليه الاّ بلاء ، فمن شاء الآن منكم فليأت لا تفل في عينه وعلى جلده ، قالوا : ما فينا وأبيك أحد يشاء ذلك ، انّا نخاف ان يشمت بك أهل يثرب واضربوا عنه حمية لنسبه فيهم وتذمّما لمكانة منهم.

فضحك السيد والعاقب حتّى فحصا الأرض بأرجلهما ، وقالا : ما النور والظّلام ، والحق والباطل بأشدّ تباينا وتفاوتا ممّا بين هذين الرجلين صدقا وكذبا.

قالوا : وكان العاقب أحبّ مع ما تبيّن من ذلك ان يشيّد ما فرط من تفريط مسيلمة ويؤهّل منزلته ، ليجعله لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كفّا ، استظهارا بذلك في بقاء عزّته وما طار له من السموّ في أهل ملّته ، فقال : ولإن فخر أخو بني حنيفة (1) في زعمه انّ اللّه عزّ وجلّ أرسله وقال من ذلك ما ليس له بحق فلقد برّ (2) في ان نقل قومه من عبادة الأوثان إلى الإيمان بالرحمان.

قال حارثة : أنشدك باللّه الذي دحاها (3) وأشرق باسمه قمراها ، هل تجد فيما انزل اللّه عزّ وجلّ في الكتب السالفة ، يقول اللّه عزّ وجلّ : انا اللّه لا إله إِلاّ أنا ، ديّان يوم الدين أنزلت كتبي وأرسلت رسلي لاستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان وجعلتهم في بريّتي وأرضي كالنّجوم الدّراري في سمائي ، يهدون بوحيي وامري ، من أطاعهم أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ، وانّي لعنت وملائكتي في سمائي وارضي واللاّعنون من خلقي من جحد ربوبيّتي أو عدل بي شيئا من بريّتي ، أو كذّب بأحد من أنبيائي ورسلي - أو قال : أوحي اليّ ولم يوح إليه شيء - أو غمص (4) سلطاني أو تقمّصه (5) متبريا ، أو أكمه عبادي وأضلّهم عنّي ، الا وانّما يعبدني من عرف ما أريد من عبادتي وطاعتي من خلقي ، فمن

ص: 321


1- يعني المسيلمة.
2- برّ : أحسن.
3- اى دحى الأرض.
4- غمص : احتقر ونقص.
5- أي لبسه قميصا يعني ادعاه بالباطل.

لم يقصد اليّ من السبيل التي نهجتها برسلي لم يزدد في عبادته منّي الاّ بعدا.

قال العاقب : رويدك (1) فاشهد لقد نبّأت حقا ، قال حارثة : فما دون الحقّ من مقنع وما بعده لامرئ مفزع ، ولذلك قلت الذي قلت ، فاعترضه السيد وكان ذا محال (2) وجدال شديد ، فقال : ما أحرى (3) وما أرى أخا قريش (4) مرسلا الاّ إلى قومه بني إسماعيل دينه ، وهو مع ذلك يزعم ان اللّه عزّ وجلّ أرسله إلى النّاس جميعا.

قال حارثة : أفتعلم أنت يا أبا قرّة انّ محمّدا مرسل من ربّه إلى قومه خاصّة؟ قال : أجل ، قال : أتشهد له بذلك؟ قال : ويحك وهل يستطاع دفع الشواهد ، نعم اشهد غير مرتاب بذلك ، وبذلك شهدت له الصحف الدّارسة والإنباء الخالية.

فأطرق حارثة ضاحكا ينكت الأرض بسبّابته ، قال السيد : ما يضحكك يا بن أثال؟ قال : عجبت فضحكت ، قال : أوعجب ما تسمع؟ قال : نعم العجب أجمع ، أليس بالإله بعجيب من رجل أوتي أثره من علم وحكمة ، يزعم ان اللّه عزّ وجلّ اصطفى لنبوّته واختصّ برسالته وأيّد بروحه وحكمته رجلا خرّاصا يكذب عليه ويقول : أوحى اليّ ولم يوح إليه ، فيخلّط كالكاهن كذبا بصدق وباطلا بحقّ.

فارتدع السيد وعلم انّه قد وهل (5) فأمسك محجوجا ، قالوا : وكان حارثة بنجران حثيثا (6) ، فأقبل عليه العاقب وقد قطعه ما فرط إلى السيّد من قوله ، فقال له : عليك (7) أخا بني قيس بن ثعلبة ، واحبس عليك ذلق لسانك وما لم تزل تستحمّ (8) لنا من مثابة سفهك ، فربّ كلمة « يرفع صاحبها بها رأسا ، قد ألقته في قعر مظلمة ، وربّ كلمة لامت (9)

ص: 322


1- رويدك : أمهل.
2- المحال الكيد والمكر.
3- الأحرى : الأولى والأجدر.
4- أي محمد صلى اللّه عليه وآله.
5- وهل : فزع.
6- حثيثا : غريبا - كذا في هامش الأصل.
7- أي أمسك.
8- حمّ البئر والبيت : كبسها.
9- لامت : أصلحت.

ورأبت قلوبا نغلة (1) ، فدع عنك ما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وان كان عندك ما يبيّن اعتذاره.

ثم اعلم انّ لكلّ شيء صورة ، وصورة الإنسان العقل ، وصورة العقل الأدب ، والأدب أدبان : طباعي ومرتاضي ، فأفضلهما أدب اللّه جلّ جلاله ، ومن أدب اللّه سبحانه وحكمته أن يرى لسلطانه حقّ ليس لشيء من خلقه ، لأنّه الحبل بين اللّه وبين عباده ، والسلطان اثنان : سلطان ملكة وقهر ، وسلطان حكمة وشرع ، فاعلاهما فوقا سلطان الحكمة قد ترى يا هذا انّ اللّه عزّ وجلّ قد صنع لنا حتّى جعلنا حكاما وقواما على ملوك ملّتنا من بعدهم من حشوتهم (2) وأطرافهم ، فاعرف لذي الحق حقّه ، أيّها المرء وخلاّك ذم (3).

ثم قال : وذكرت أخا قريش وما جاء به من الآيات والنّذر ، فأطلت وأعرضت ولقد برزت ، فنحن بمحمّد عالمون وبه جدّا موقنون ، شهدت لقد انتظمت له الآيات والبيّنات ، سالفها وآنفها ، الاّ انّه هي أشفاها (4) وأشرفها ، وانّما مثلها فيما جاء به كمثل الرأس للجسد ، فما حال جسد لا رأس له ، فأمهل رويدا ، نتجسّس الاخبار ونعتبر الآثار ولنستشف ما ألفينا ممّا افضى إلينا ، فإنّ انسنا الآية الجامعة الخاتمة لديه ، فنحن إليه أسرع وله أطوع ، والاّ فاعلم ما نذكر به النبوّة والسفارة عن الرّب الّذي لا تفاوت في أمره ولا تغاير في حكمه.

قال له حارثة : قد ناديت فأسمعت ، وفزعت فصدعت ، وسمعت وأطعت ، فما هذه الآية الّتي أوحش بعد الانسة فقدها ، وأعقب الشك بعد البيّنة عدمها ، وقال له العاقب : قد أثلجك أبو قرّة بها فذهبت عنها في غير مذهب وجاورتها فاطلت في غير ما طائل وحاورتنا (5) ، قال حارثة : الى ذلك فجلّها الآن لي فداك أبي وأمي.

ص: 323


1- نغلة : فاسدة.
2- حشوتهم : رذالهم.
3- أي أعذرت وسقط عنك الغم.
4- اثفاها ، اسفاها ( خ ل ).
5- حاورتنا فاطلت في غير ما طائل وجوازنا ( خ ل ).

قال العاقب : أفلح من سلّم للحقّ وصدع به ولم يرغب عنه وقد أحاط به علما ، فقد علمنا وعلمت من أبناء الكتب المستودعة علم القرون وما كان وما يكون ، فإنّها استهلّت بلسان كلّ أمة منهم معربة مبشّرة ومنذرة بأحمد النّبي ، العاقب الّذي تطبق أمّته المشارق والمغارب يملك وشيعته من بعده ملكا مؤجّلا يستأثر (1) مقتبلهم (2) ملكا على الاحمّ (3) منهم بذلك النّبي وتباعة وسيما ، ويوسع من بعدهم أمّتهم عدوانا وهضما ، فيملكون بذلك سبتا (4) طويلا حتّى لا يبقى بجزيرة العرب بيت الاّ وهو راغب إليهم أو راهب لهم.

ثم بدال بعد لأي منهم ويشعث (5) سلطانهم حدّا حدّا وبيتا فبيتا ، حتّى تجيء أمثال النعف (6) من الأقوام فيهم ، ثم يملك أمرهم عليهم عبداؤهم وقنّهم ، يملكون جيلا فجيلا ، يسيرون في الناس بالقعسريّة (7) خبطا (8) خبطا ، ويكون سلطانهم سلطانا عضوضا ضروسا ، فتنقص الأرض حينئذ من أطرافها ويشتدّ البلاء وتشتمل الآفات حتّى يكون الموت أعزّ من الحياة الحمراء (9) ، أو أحبّ حينئذ إلى أحدهم من الحياة (10) ، وما ذلك الاّ لما يدهنون به من الضّر والضرّاء والفتنة العشواء وقوّام الدين يومئذ وزعماؤهم يومئذ أناس ليسوا من أهله ، فمجّ (11) الدين بهم وتعفو آياته ويدبّر تولّيا وامحاقا ، فلا يبقى منه الاّ اسمه حتّى ينعاه ناعيه والمؤمن يومئذ غريب والدّيانون قليل ما هم ، حتّى يستأنس الناس من روح اللّه وفرجه إلاّ أقلّهم ، وتظن أقوام ان لن ينصر اللّه رسله ويحقّ وعده.

ص: 324


1- الاستيثار : الاستبداد.
2- اقتبل امره : استأنفه ، اقتبل الخطبة : ارتجلها.
3- أي أقربهم.
4- سبتا : دهرا.
5- يشعث : يتفرق.
6- النعف : الدود الذي في أنوف الإبل والغنم.
7- بالقهرية ( خ ل ) ، أقول : القعسريّة : الصلابة.
8- الخبط : الجماعة.
9- الحمراء : الشديدة.
10- من الحبوة إلى المعافاة السليم ، حبوة التسليم ( خ ل ).
11- فمج ( خ ل ).

فإذا بهم الشصائب (1) والنقم وأخذ من جميعهم بالكظم تلافي اللّه دينه وراش (2) عباده من بعد ما قنطوا برجل من ذريّة نبيّهم أحمد ونجله ، يأتي اللّه عزّ وجلّ به من حيث لا يشعرون ، تصلّي عليه السماوات وسكّانها وتفرح به الأرض وما عليها من سوام (3) وطائر وأنام ، وتخرج له أمّكم - يعني الأرض - بركتها وزينتها وتلقى إليه كنوزها وأفلاذ كبدها ، حتّى تعود كهيئتها على عهد آدم عليه السلام ، وترفع عنهم المسكنة والعاهات في عهده والنقمات الّتي كانت تضرب بها الأمم من قبل ، وتلقى في البلاد الآمنة وتنزع حمة كلّ ذات حمة ، ومخلب كلّ ذي مخلب ، وناب كلّ ذي ناب ، حتّى ان الجويرية اللكاع لتلعب بالأفعوان (4) ، فلا يضرها شيئا ، وحتّى يكون الأسد في الباقر (5) كأنّه راعيها ، والذئب في البهم (6) كأنّه ربّها.

ويظهر اللّه عبده على الدين كله فيملك مقاليد الأقاليم إلى بيضاء الصّين (7) ، حتّى لا يكون على عهده في الأرض أجمعها الاّ دين اللّه الحق الذي ارتضاه لعباده وبعث به آدم بديع فطرته وأحمد خاتم رسالته ومن بينهما من أنبيائه ورسله.

فلمّا أتى العاقب على اقتصاصه هذا أقبل عليه حارثة مجيبا فقال : اشهد باللّه البديع يا أيّها النّبيه الخطير والعليم الأثير لقد ابتسم الحقّ بقلبك وأشرق الجنان بعدل منطقك وتنزّلت كتب اللّه التي جعلها نورا في بلاده وشاهدة على عباده بما اقتصصت من سطورها حقّا ، فلم يخالف طرس (8) منها طرسا ولا رسم من آياتها رسما فما بعد هذا.

قال العاقب : فإنّك زعمت زعمة أخا قريش (9) فكنت بما تأثر من هذا حقّ غالط ،

ص: 325


1- الشصائب : الشدائد.
2- أي أصلح.
3- السوام : الوحوش.
4- الأفعوان : ذكور الأفاعي.
5- الباقر : جماعة البقر.
6- البهم : أولاد الضأن.
7- بيضاء الصين : كورة بالمغرب.
8- الطرس : الصحيفة.
9- زعمت أخا قريش ( خ ل ).

قال : وبم ، ألم تعترف له بنبوّته ورسالته الشواهد؟ قال العاقب : بلى لعمرو اللّه ولكنهما نبيان رسولان يعتقبان بين مسيح اللّه عزّ وجلّ وبين الساعة ، اشتقّ اسم أحدهما من صاحبه محمد وأحمد ، بشّر بأولهما موسى عليه السلام وثانيهما عيسى عليه السلام ، فأخو قريش هذا مرسل إلى قومه ويقفوه من بعده ، ذو الملك الشديد والأكل الطويل ، يبعثه اللّه عزّ وجلّ خاتما للدين وحجّة على الخلائق أجمعين ، ثم تأتي من بعده فترة تتزايل فيها القواعد من مراسيها فيعيدها اللّه عزّ وجلّ ويظهره على الدّين كلّه ، فيملك هو والملوك الصالحون من عقبه جميع ما طلع عليه اللّيل والنهار من أرض وجبل وبرّ وبحر ، يرثون أرض اللّه عزّ وجلّ ملكا كما ورثهما أو ملكهما الأبوان آدم ونوح عليهما السلام ، يلقون وهم الملوك الأكابر في مثل هيئة المساكين بذاذة واستكانة.

فأولئك الأكرمون الأماثل لا يصلح عباد اللّه وبلاده الاّ بهم ، وعليهم ينزل عيسى بن البكر عليه السلام على آخرهم ، بعد مكث طويل وملك شديد ، لا خير في العيش بعدهم ، وتردفهم رجرجة (1) طغام (2) في مثل أحلام العصافير وعليهم يقوم الساعة ، وانّما تقوم على شرار الناس وأخابثهم ، فذلك الوعد الذي صلى (3) به اللّه عزّ وجلّ على أحمد كما صلى به خليله إبراهيم عليه السلام في كثير ممّا لأحمد صلّى اللّه عليه من البراهين والتأييد الذي خبّرت به كتب اللّه الأولى.

قال حارثة : فمن الأثر المستقرّ عندك أبا واثلة في هذين الاسمين انّهما لشخصين لنبيّين مرسلين في عصرين مختلفين ، قال العاقب : أجل ، قال : فهل يتخالجك في ذلك ريب أو يعرض لك فيه ظن؟ قال العاقب : كلاّ والمعبود انّ هذا لأجلي من بوح (4) ، وأشار له إلى جرم الشمس المستدير ، فأكبّ حارثة مطرقا وجعل ينكث في الأرض عجبا ، ثم قال : إنّما الآفة أيّها الزعيم المطاع ان يكون المال عند من يخزنه لا من ينفقه

ص: 326


1- الرجرجة : من لا عقل له ، الجماعة الكثيرة في الحرب.
2- الطغام : رذال الناس.
3- أي جعله صلة.
4- بالياء والباء المضمومة كلاهما اسم للشمس.

والسلاح عند من يتزيّن به لا من يقاتل به والرّأي عند من يملكه (1) لا من ينصره.

قال العاقب : لقد أسمعت يا حويرث فاقذعت (2) وطفقت فأقدمت فمه؟ قال (3) أقسم بالذي قامت به السماوات والأرضون باذنه وغلبت الجبابرة بأمره انّهما اسمان مشتقّان لنفس واحدة ، واحد لنبيّ وواحد رسول ، واحد أنذر به موسى بن عمران وبشّر به عيسى بن مريم ومن قبلهما أشار به صحف إبراهيم عليه السلام ، فتضاحك السيد ، يرى قومه ومن حضرهم ان ضحكه هزؤ من حارثة وتعجّب وانتشط العاقب من ذلك ، فأقبل على حارثة مؤنّبا (4) ، فقال : لا يغررك باطل أبي قرّة فإنّه وان ضحك لك فإنّما يضحك منك.

قال حارثة : لئن فعلها لأنّها لإحدى الدهارس (5) أو سوء أفلم تتعرّفا راجع اللّه بكما من موروث الحكمة لا ينبغي للحكيم ان يكون عبّاسا في غير أدب ولا ضحّاكا في غير عجب أو لم يبلغكما عن سيّد كما المسيح عليه السلام ، قال : فضحك العالم في غير حينه غفلة من قلبه أو سكره ألهته عمّا في غده.

قال السيّد : يا حارثة انّه لا يعيش واللّه أحد بعقله حتّى يعيش بظنّه (6) ، وإذا أنا لم أعلم إلاّ ما رويت فلا علمت أو لم يبلغك أنت عن سيّدنا المسيح علينا سلامه انّ اللّه عبادا ضحكوا جهرا من سعة رحمة ربّهم وبكوا سرّا من خيفة ربّهم؟ قال : إذا كان هذا فنعم ، قال : فما هنا فليكن مراجم ظنونك بعباد ربّك ، وعد بنا إلى ما نحن بسبيله ، فقد طال التنازع والخصام بيننا يا حارثة ، قالوا : وكان هذا مجلسا ثالثا في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في أمرهم.

ص: 327


1- يهلكه ( خ ل ).
2- أقذعه : رماه بالفحش وسوء القول.
3- يعني حارثة.
4- أنّبه : عنّفه ولامه.
5- دهرس : الداهية والخفة والنشاط.
6- أي التعيش بالظنون الفاسدة أكثر من التعيش بالعقل ، وهذا كناية ان هكذا الكلام صادر من الظن الفاسد ، ومراده ان ضحكه لم يكن عبثا.

فقال السيد : يا حارثة ألم ينبّؤك أبو واثلة بأفصح لفظ اخترق (1) إذنا ودعا ذلك بمثله مخبرا ، فالقاك مع غرمائك (2) بموارده حجرا وهاجما أنا ذا آكد عليك التذكرة بذلك من معدن ثالث ، فأنشدك اللّه وما أنزل إلى كلمته من كلماته ، هل تجد في الزّاجرة المنقولة من لسان أهل سوريا إلى لسان العرب يعني صحيفة شمعون بن حمون الصّفا الّتي توارثها عنه أهل النجران؟

قال السيد : ألم يقل بعد نبذ طويل من كلام فإذا طبقت وقطعت الأرحام وعفت (3) الاعلام بعث اللّه عبده الفارقليطا بالرحمة والمعدلة ، قالوا : وما الفارقليطا يا مسيح اللّه (4)؟

قال : أحمد النبي الخاتم الوارث ذلك الذي يصلّى عليه حيّا ويصلّى عليه بعد ما يقبضه إليه بابنه الطاهر الخاير ، ينشره اللّه في آخر الزمان بعد ما انقضت (5) عرى الدّين وخبت مصابيح الناموس ، وأفلت (6) نجومه فلا يلبث ذلك العبد الصالح الاّ امما حتّى يعود الدين به كما بدء ، ويقرّ اللّه عزّ وجلّ سلطانه في عبده ثم في الصالحين من عقبه وينشر منه حتّى يبلغ ملكه منقطع التراب.

قال حارثة : كلما قد انشدتما حقّ لا وحشة مع الحق ولا أنس في غيره ، فمه؟ قال السيد : فانّ من الحق ان لا حظّ في هذه الاّ كرومة للابتر ، قال حارثة : انّه لكذلك أليس بمحمد؟ قال السيد : انّك ما عملت الاّ لدّا (7) ألم يخبرنا سفرنا وأصحابنا فيما تجسّسنا من خبره انّ ولديه الذكرين القرشيّة والقبطيّة بادا (8) وغودر (9) محمد كقرن الأعضب (10) موفٍ

ص: 328


1- أحرق ( خ ل ).
2- عرفائك ( خ ل ).
3- علقت ( خ ل ).
4- يا روح اللّه ( خ ل ).
5- انغمضت ، انفصمت ( خ ل ).
6- فأفلت ( خ ل ).
7- لدا : خصومته شديدة.
8- بادا : هلكا.
9- غودر : ترك.
10- أي غنم مكسور القرن.

على ضريحه (1) ، فلو كان له بقيّة لكان لك بذلك مقالا إذا ولّت انباؤه الّذي تذكر.

قال حارثة : العبر لعمرو اللّه كثيرة والاعتبار بها قليل ، والدليل موف على سنن السبيل ان لم يعش عنه ناظر وكما انّ أبصار الرمدة لا تستطيع النظر في قرص الشمس لسقمها (2) ، فكذلك البصائر القصيرة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها ، ألا ومن كان كذلك فلستماه - وأشار إلى السيد والعاقب - إنكما ويمين اللّه لمحجوجان بما أتاكما اللّه عزّ وجلّ من ميراث الحكمة وأستودعكما من بقايا الحجة ، ثم بما أوجب لكما من الشرف والمنزلة في الناس ، فقد جعل اللّه عزّ وجلّ من أتاه سلطانا ملوكا للناس وأربابا وجعلكما حكما وقوّاما على ملوك ملّتنا وذادة (3) لهم يفزعون إليكما في دينهم ولا تفزعان إليهم وتأمرانهم فيأتمرون لكما وحقّ لكل ملك أو موطّإ الأكناف ان يتواضع لله عزّ وجلّ إذ رفعه ، وان ينصح لله عزّ وجلّ في عباده ولا يدهن في امره وذكرتما محمدا بما حكمت له بالشهادات الصادقة وبيّنة فيه الاسفار المستحفظة ، ورأيتماه مع ذلك مرسلا إلى قومه لا إلى الناس جميعا وان ليس بالخاتم الحاشر (4) ولا الوارث العاقب لأنكما زعمتماه أبتر أليس كذلك؟ قالا : نعم.

قال : أرأيتكما لو كان له بقية وعقب هل كنتما ممتريان لما تجدان وبما تكذّبان (5) من الوراثة والظهور على النواميس انّه النبي الخاتم والمرسل إلى كافة البشر؟ قالا : لا ، قال : أفليس هذا القيل لهذه الحال مع طول اللّوائم والخصائم عندكما مستقرّا؟ قالا : أجل ، قال : اللّه أكبر ، قالا : كبّرت كبيرا فما دعاك إلى ذلك؟ قال حارثة : الحق أبلج والباطل لجلج ، ولنقل ماء البحر ولشقّ الصّخر أهون من اماتة ما أحياه اللّه عزّ وجلّ واحياء ما أماته الآن ، فاعلما انّ محمدا غير أبتر وانّه الخاتم الوارث والعاقب الحاشر حقّا ، فلا نبي بعده وعلى أمته تقوم الساعة ، ويرث اللّه الأرض ومن عليها وانّ من ذريّته الأمير الصالح

ص: 329


1- موف على ضريحه : مشرف على الموت.
2- بسقمها ( خ ل ).
3- زادة ( خ ل ) ، ذاده : منعه.
4- الحاشر من أسماء النبي صلى اللّه عليه وآله لانّه يحشر الناس ممن على دينه خلفه.
5- تمتريان لما تجدان وبما تذكران ( خ ل ).

الّذي بيّنتما ونبّأتما انّه يملك مشارق الأرض ومغاربها ويظهره اللّه عزّ وجلّ بالحنيفية الابراهيميّة على النواميس كلّها؟ قالا : اولى لك يا حارثة لقد أغفلناك (1) وتأبى الاّ مراوغة كالثعالبة فما تسأم المنازعة ولا تملّ من المراجعة ، ولقد زعمت مع ذلك عظيما فما برهانك به؟ قال : اما وجدّكما لانبّئكما ببرهان يجير من الشبهة ويشفي به جوى (2) الصدور.

ثم أقبل على أبي حارثة حصين بن علقمة شيخهم وأسقفهم الأول ، فقال : ان رأيت أيّها الأب الأثير ان تؤنس قلوبنا وتثلج صدورنا بإحضار الجامعة والزاجرة ، قالوا : وكان هذا المجلس الرّابع من اليوم الرابع وذلك لمّا خلقت (3) الأرض وركدت الشمس وفي زمن قيظ (4) شديد ، فأقبلا على حارثة ، فقالا : ارج هذا إلى غد فقد بلغت القلوب منّا الصدور فتفرّقوا على إحضار الزاجرة والجامعة من غد للنظر فيهما والعمل بما يتراءان منهما.

فلمّا كان من الغد صار أهل نجران إلى بيعتهم لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة على اقتباسه وتبيّنه من الجامعة ، ولمّا رأى السيد والعاقب اجتماع النّاس لذلك قطع بهما (5) لعلمهما (6) بصواب قول حارثة واعترضاه ليصدّانه عن تصفّح الصّحف على أعين النّاس وكانا من شياطين الإنس.

فقال السيد : انّك قد أكثرت وأمللت قضّ الحديث لنا مع قصّه (7) ودعنا من تبيانه ، فقال حارثة : وهل هذا الاّ منك وصاحبك ، فمن الآن فقولا ما شئتما ، فقال العاقب :

ما من مقال الاّ قلنا وسنعود فنخبر بعض ذلك تخبيرا غير كاتمين لله عزّ وجلّ من حجة ولا جاحدين له آية ولا مفترين مع ذلك على اللّه عزّ وجلّ لعبد انّه مرسل منه وليس

ص: 330


1- اغفلني فلان : أعياني أمره.
2- الجوي : الضيّق الصدر.
3- تخليق الشمس : ارتفاعها.
4- قاظ اليوم : اشتد حرّها.
5- قطع بفلان : عجز عن سفره من نفقة الذهاب أو فات راحلته.
6- بعلمهما ( خ ل ).
7- فض عنا : تترك الكلام ، قض عنّا : من قض الجناح انقطع الحديث والكلام.

برسوله ، فنحن نعترف يا هذا بمحمد صلى اللّه عليه وآله انّه رسول من اللّه عزّ وجلّ إلى قومه من بني إسماعيل عليهم السلام في غير ان تجب له بذلك على غيرهم من عرب الناس ولا أعاجمهم تباعة ولا طاعة بخروج له عن ملّة ولا دخول معه في ملّة إلاّ الإقرار له بالنبوة والرسالة إلى أعيان قومه ودينه.

قال حارثة : وبم شهدتما له بالنبوة والأمر؟ قالا : حيث جاءتنا فيه البيّنة من تباشير الأناجيل والكتب الخالية ، فقال : منذ وجب هذا لمحمد صلى اللّه عليه وآله عليكما في طويل الكلام وقصيره وبدية وعوده ، فمن أين زعمتما انّه ليس بالوارث الحاشر ولا المرسل إلى كافة البشر؟ قالا : لقد علمت وعلمنا فما نمتري بأنّ حجّة اللّه عزّ وجلّ لم ينته (1) أمرها وانّها كلمة اللّه (2) جارية في الأعقاب ما اعتقب الليل والنهار وما بقي من الناس شخصان وقد ظننّا من قبل انّ محمدا صلى اللّه عليه وآله ربّها وانّه القائد بزمامها ، فلمّا أعقمه اللّه عزّ وجلّ بمهلك الذّكورة من ولده علمنا انّه ليس به لأنّ محمّدا أبتر وحجّة اللّه عزّ وجلّ الباقية ونبيّه الخاتم بشهادة كتب اللّه عزّ وجلّ المنزلة ليس بأبتر ، فإذا هو نبيّ يأتي ويخلد بعد محمد صلى اللّه عليه وآله اشتقّ اسمه من اسم محمد وهو أحمد الذي نبّأ المسيح عليه السلام باسمه وبنبوّته ورسالاته الخاتمة ويملك ابنه القاهرة الجامعة للناس جميعا على ناموس اللّه عزّ وجلّ الأعظم ليس بمظهرة دينه ولكنّه من ذرّيّته وعقبه يملك قرى الأرض وما بينهما من لوب (3) وسهل وصخر وبحر ملكا مورّثا موطّأ (4) وهذا نبأ أحاطت سفرة الأناجيل (5) به علما وقد أوسعناك بهذا القيل سمعا وعدنا لك به انفة بعد سالفة فما أر بك (6) إلى تكراره.

ص: 331


1- لن ينتهي ( خ ل ).
2- كلمة لله ( خ ل ).
3- لوب - جمع لابة ، هو الحرة من الأرض ذات أجمر سود.
4- موطإ : مهيا.
5- سفرة الأناجيل : كتب الأناجيل.
6- أر بك : حاجتك.

قال حارثة : قد اعلم انا وايّاكما في رجع من القول منذ (1) ثلاث وما ذاك الاّ ليذكر ناس ويرجع فارط (2) وتظهر لنا الكلم (3) وذكرتما نبيّين يبعثان يعتقبان بين مسيح اللّه عزّ وجلّ والساعة قلتما وكلاهما من بني إسماعيل ، أوّلهم محمّد بيثرب وثانيهما أحمد العاقب ، وامّا محمّد صلى اللّه عليه وآله أخو قريش هذا القاطن بيثرب فآياته حقّ مؤمن أجل وهو والمعبود أحمد الذي نبّأت به كتب اللّه عزّ وجلّ ودلّت عليه آياته وهو حجّة اللّه عزّ وجلّ ورسوله صلى اللّه عليه وآله الخاتم الوارث حقّا ولا نبوّة ولا رسول اللّه عزّ وجلّ ولا حجّة بين ابن البتول والساعة غيره ، بلى ومن كان منه من ابنته البتولة البهلولة (4) الصدّيقة فأنتما (5) ببلاغ اللّه لكنّكما من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله في أمر مستقرّ ، ولو لا انقطاع نسله لما ارتبتما فيما زعمتما به انه السابق العاقب؟ قالا : أجل انّ ذلك لمن أكبر أماراته عندنا.

قال : فأنتما واللّه فيما تزعمان من نبيّ ثان من بعده في أمر ملتبس والجامعة يحكم في ذلك بيننا ، فتنادي الناس من كل ناحية وقالوا : الجامعة يا أبا حارثة الجامعة ، وذلك لما مسّهم في طول تحاور الثلاثة من السأمة والملل ، وظنّ القوم مع ذلك ان الفلج (6) لصاحبيهما لما كانا يدّعيان في تلك المجالس من ذلك ، فأقبل أبو حارثة إلى علج (7) واقف منه فقال : امض يا غلام فات بهما ، فجاء بالجامعة يحملها على رأسه وهو لا يكاد يتماسك بها لثقلها.

قال : فحدّثني رجل صدق من النجرانية ممّن كان يلزم السيد والعاقب ويخفّ لهما في بعض أمورهما ويطّلع على كثير من شأنهما ، قال : لمّا حضرت الجامعة بلغ ذلك من

ص: 332


1- منك ( خ ل ).
2- فارط : مقصّر.
3- يطمئن لنا الكلم ، تطهّر لنا الكلام ( خ ل ).
4- البهلولة ( خ ل ) ، أقول : البهلول : السيد الجامع لكل خير.
5- فأنتما ( خ ل ).
6- أفلج اللّه حجته : أظهرها.
7- العلج : رجل ضخيم من كفّار عجم ، قيل من مطلق الكفار.

السيد والعاقب كلّ مبلغ لعلمهما بما يهجمان عليه في تصفّحهما من دلائل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وصفته وذكر أهل بيته وأزواجه وذرّيّته وما يحدث في أمّته وأصحابه من بوائق الأمور من بعده إلى فناء الدنيا وانقطاعها.

فأقبل أحدهما على صاحبه فقال : هذا يوم ما بورك لنا في طلوع شمسه ، لقد شهدته أجسامنا وغابت عنه آراؤنا بحضور طغاتنا وسفلتنا ولقلّ ما شهد سفهاء قوم مجمعة الاّ كانت لهم الغلبة ، قال الآخر : فهم شر غالب لمن غلب انّ أحدهم ليفيق بأدنى كلمة ويفسد في بعض ساعة ما لا يستطيع الاسى الحليم له رتقا ولا الخولّي (1) النّفيس إصلاحا له في حول محرّم له ذلك ، لانّ السفيه هادم والحليم بان وشتّان بين البناء والهدم.

قال : فانتهز حارثة الفرصة فأرسل في خيفة (2) وسر إلى النفر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فاستحضرهم استظهارا بمشهدهم ، فحضروا فلم يستطع الرجلان فضّ ذلك المجلس ولا ارجاؤه ، وذلك لما بيّنا من تطلع عامتهما من نصارى نجران إلى معرفة ما تضمّنت الجامعة من صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وانبعاث له مع حضور رسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لذلك وتأليب (3) حارثة عليهما فيه وصفو (4) أبي حارثة شيخهم اليه.

قال : قال لي ذلك الرجل النجراني ، فكان الرأي عندهما ان ينقادا لما يدهمهما من هذا الخطب ولا يظهران شماسا (5) منه ولا نفورا ، حذار ان يطرقا الظنة فيه إليهما وان يكونا أيضا أوّل معتبر للجامعة ومستحثّ لهما لئلاّ يقتات (6) في شيء من ذك المقام والمنزلة عليهما ثم يستبين انّ الصواب في الحال ويستنجد انه ليأخذان بموجبه فتقدّما لما تقدّم في أنفسهما من ذلك إلى الجامعة وهي بين يدي أبي حارثة وحاذاهما حارثة بن أثال

ص: 333


1- الخولي : الراعي الحسن القيام على المال.
2- خفيّة ( خ ل ).
3- التأليب : التحريض.
4- الصفو : الميل.
5- شماسا : منعا.
6- يقتات : من ألفتّ وهو التكسّر والتفرق والانهدام.

وتطاولت إليهما فيه الأعناق ، وحفّت رسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بهم ، فأمر أبو حارثة بالجامعة ففتح طرفها واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى المستودعة علم ملكوت اللّه عزّ وجلّ جلاله وما ذرء وما برء في أرضه وسمائه وما وصلهما جلّ جلاله من ذكر عالميه ، وهي الصحيفة التي ورثها شيث من أبيه آدم عليه السلام عمّا دعا من الذكر المحفوظ.

فقرء القوم السيد والعاقب وحارثة في الصحيفة تطلّبا لما تنازعوا فيه من نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وصفته ومن حضرهم يومئذ من الناس إليهم مضجّون (1) مرتقبون لما يستدرك من ذكري ذلك ، فألفوا في المسباح (2) الثاني من فواصلهما : بسم اللّه الرحمن الرحيم انّا اللّه لا إله إلاّ أنا الحي القيوم ، معقّب الدهور وفاصل الأمور ، سبقت بمشيّتي الأسباب وذلّلت بقدرتي الصعاب ، فانا العزيز الحكيم الرحمن الرحيم ، ارحم ترحم ، سبقت رحمتي غضبي وعفوي عقوبتي ، خلقت عبادي لعبادتي وألزمتهم حجّتي ، الا انّي باعث فيهم رسلي ومنزل عليهم كتبي ، أبرم ذلك من لدن أوّل مذكور من بشر إلى أحمد نبيي وخاتم رسلي ، ذاك الذي اجعل عليه صلواتي واسلك في قلبه بركاتي وبه أكمل أنبيائي ونذري.

قال آدم عليه السلام : الهي من هؤلاء الرسل ومن أحمد هذا الذي رفعت وشرّفت؟ قال : كلّ من ذريتك وأحمد عاقبهم ، قال : ربّ بما أنت باعثهم ومرسلهم؟ قال : بتوحيدي ، ثم اقفى ذلك بثلاثمائة وثلاثين شريعة ، انظمها وأكملها لأحمد جميعا فأذنت لمن جاءني بشريعة منها مع الأيمان بي وبرسلي ان ادخله الجنّة ، ثم ذكر ما جملته : انّ اللّه تعالى عرض على آدم عليه السلام معرفة الأنبياء عليهم السلام وذرّيّتهم ونظرهم آدم.

ثم قال ما هذا لفظه : ثم نظر آدم عليه السلام إلى نور قد لمع فسدّ الجو المنخرق ، فأخذ بالمطالع من المشارق ثم سرى كذلك حتّى طبق المغارب ثم سمى حتّى بلغ ملكوت السماء ، فنظر فإذا هو نور محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وإذا الأكناف به قد

ص: 334


1- مصيحون ( خ ل ).
2- المصباح ( خ ل ).

تضوّعت طيبا (1) وإذا أَنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وامامه أشبه شيء به ارجا (2) ونورا ويتلوها أَنوار من بعدها تستمدّ منها ، وإذا هي شبيه بها في ضيائها وعظمها ونشرها ، ثم دنت منها فتكلّلت (3) عليها وحفّت بها ونظر ، فإذا أَنوار من بعد ذلك في مثل عدد الكواكب ودون منازل الأوائل جدّا جدا ، وبعض هذه أضوأ من بعض وهي في ذلك متفاوتون جدا ، ثم طلع عليه سواد كالليل وكالسيل ينسلون من كل وجهة وارب ، فاقبلوا كذلك حتّى ملئوا القاع (4) والاكم (5) فإذا هم أقبح شيء صورا وهيئة وأنتنه ريحا.

فبهر (6) آدم عليه السلام ما رأى من ذلك وقال : يا عالم الغيوب وغافر الذنوب ويا ذا القدرة القاهرة والمشية الغالبة من هذا الخلق السعيد الذي كرمت ورفعت على العالمين ومن هذه الأنوار المنيفة المكتنفة له؟

فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا آدم هذا وهؤلاء وسيلتك ووسيلة من أسعدت من خلقي ، هؤلاء السّابقون المقربون والشافعون المشفّعون ، وهذا أحمد سيّدهم وسيّد بريّتي ، اخترته بعلمي واشتققت اسمه من اسمي ، فانا المحمود وهو محمد ، وهذا صنوه (7) ووصيّه ، آزرته به وجعلت بركاتي وتطهيري في عقبه ، وهذه سيّدة إمائي والبقيّة في علمي من أحمد نبيّي ، وهذان السبطان والخلفان لهم ، وهذه الأعيان المضارع نورها أَنوارهم بقيّة منهم ، الاّ ان كلا اصطفيت وطهّرت وعلى كلّ باركت وترحّمت ، فكلاّ بعلمي جعلت قدوة عبادي ونور بلادي.

ونظر فإذا شبح في آخرهم يزهر في ذلك الصفيح (8) كما يزهر كوكب الصبح لأهل

ص: 335


1- ضوع المسك : انتشرت رائحته.
2- ارجا : طيبا.
3- تكللت : أحاطت.
4- القاع : المستوي من الأرض.
5- الاكم : التلال.
6- بهره : قهره.
7- صنوه : اخوه.
8- الصفيح : السماء ووجه كل شيء عريض.

الدنيا ، فقال اللّه تبارك وتعالى : وبعبدي هذا السعيد افكّ عن عبادي الأغلال واضع عنهم الآصار (1) واملأ أرضى به حنانا ورأفة وعدلا كما ملئت من قبله قسوة وقشعريّة وجورا.

قال آدم عليه السلام : ربّ انّ الكريم من كرمت وانّ الشّريف من شرّفت ، وحقّ يا الهي لمن رفعت وأعليت ان يكون كذلك ، فيا ذا النعم التي لا تنقطع والإحسان الّذي لا يجازي ولا ينفد ، بم بلغ عبادك هؤلاء العالون هذه المنزلة من شرف عطائك وعظيم فضلك وحبائك ، وكذلك من كرّمت من عبادك المرسلين؟

قال اللّه تبارك وتعالى : انّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا الرحمن الرحيم العزيز الحكيم عالم الغيوب ومضمرات القلوب ، اعلم ما لم يكن ممّا يكون كيف يكون ، وما لا يكون كيف لو كان يكون ، وانّي اطّلعت يا عبدي في علمي على قلوب عبادي فلم أر فيهم أطوع لي ولا أنصح لخلقي من أنبيائي ورسلي ، فجعلت لذلك فيهم روحي وكلمتي وألزمتهم عبء حجّتي واصطفيتهم على البرايا برسالتي وولي ، ثم ألقيت بمكانتهم تلك في منازلهم حوامّهم (2) وأوصيائهم من بعدي ودائع حجّتي والسادة في بريّتي ، لأجبر بهم كسر عبادي وأقيم بهم أودهم ذلك ، إنّي بهم وبقلوبهم لطيف خبير ، ثم اطلعت على قلوب المصطفين من رسلي ، فلم أجد فيهم أطوع ولا أنصح لخلقي من محمد خيرتي وخالصتي ، فاخترته على علم ورفعت ذكره إلى ذكري ، ثم وجدت قلوب حامّته (3) اللاّتي من بعده على صبغة قلبه فألحقتهم به وجعلتهم ورثة كتابي ووحيي وأوكار حكمتي ونوري ، وآليت (4) بي إلاّ أعذّب بناري من لقيني معتصما بتوحيدي وجعل مودّتهم ابدا.

ثم أمرهم أبو حارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى الّتي انتهى ميراثها إلى إدريس النبي عليه السلام ، قال : وكان كتابتها بالقلم السرياني القديم ، وهو الذي كتب

ص: 336


1- الآصار : الذنوب.
2- حوامّهم : اقربائهم.
3- حامّته : أقرباؤه.
4- آليت : حلفت.

به من بعد نوح عليه السلام من ملوك الهياطلة (1) وهم النمادرة ، قال : فاقتصّ القوم الصحيفة وأفضوا منها إلى هذا الرسم.

قال : اجتمع إلى إدريس عليه السلام قومه وصحابته ، وهو يومئذ في بيت عبادته من ارض كوفان ، فخبّرهم فيما اقتصّ عليهم ، قال : إنّ بني أبيكم آدم عليه السلام الصلبيّة وبني بنيه وذرّيّته اختصموا فيما بينهم وقالوا : أي الخلق عندكم أكرم على اللّه عزّ وجلّ وارفع لديه مكانة وأقرب منه منزلة؟ فقال بعضهم : أبوكم آدم عليه السلام خلقه اللّه عزّ وجلّ بيده واسجد له ملائكته وجعله الخليفة في أرضه وسخّر له جميع خلقه ، وقال آخرون : بل الملائكة الذين لم يعصوا اللّه عزّ وجلّ ، وقال بعضهم : لا بل رؤساء الملائكة الثلاثة : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام ، وقال بعضهم : لا بل أمين اللّه جبرئيل عليه السلام.

فانطلقوا إلى آدم عليه السلام فذكروا الّذي قالوا واختلفوا فيه ، فقال : يا بنيّ أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على اللّه عزّ وجلّ ، انّه واللّه لمّا ان نفخ في الروح حتى استويت جالسا فبرق لي العرش العظيم ، فنظرت فيه فإذا فيه : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ، فلان صفوة اللّه فلان أمين اللّه فلان خيرة اللّه عزّ وجلّ ، فذكر عدّة أسماء مقرونة بمحمد صلى اللّه عليه وآله.

قال آدم : ثمّ لم أر في السماء موضع أديم - أو قال : صفيح - منها ، الاّ وفيه مكتوب : لا إله إلاّ اللّه ، وما من موضع مكتوب فيه : لا إله إلاّ اللّه الاّ وفيه مكتوب خلقا لا خطّا : محمد رسول اللّه ، وما من موضع في مكتوب : محمد رسول اللّه ، الاّ ومكتوب : فلان خيرة اللّه فلان صفوة اللّه فلان أمين اللّه عزّ وجلّ ، فذكر عدة أسماء تنتظم حساب المعدود ، قال آدم عليه السلام : فمحمّد صلى اللّه عليه وآله يا بني ومن خطّ من تلك الأسماء معه أكرم الخلائق على اللّه تعالى جميعا.

ثم ذكر ان أبا حارثة سأل السيد والعاقب ان يقفا على صلوات إبراهيم عليه السلام

ص: 337


1- الهيطل - كحيدر - جنس من الترك والهند كانت لهم شوكة.

الذي جاء بها الاملاك من عند اللّه عزّ وجلّ فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة ، قال أبو حارثة : لا بل شارفوها (1) بأجمعها واسبروها (2) ، فإنه أصرم (3) للمعذور وارفع لحكّة (4) الصدور ، وأجدر الاّ ترتابوا في الأمر من بعد ، فلم يجد من المصير إلى قوله من بدّ ، فعمد القوم إلى تابوت إبراهيم عليه السلام قال : وكان اللّه عزّ وجلّ بفضله على من يشاء من خلقه ، قد اصطفى إبراهيم عليه بخلّته وشرفه بصلواته وبركاته وجعله قبلة وإماما لمن يأتي من بعده وجعل النبوة والإمامة والكتاب في ذريّته يتلقّاها آخر عن أول وورّثه تابوت آدم عليه السلام المتضمّن للحكمة والعلم الذي فضّله اللّه عزّ وجلّ به على الملائكة طرّا.

فنظر إبراهيم عليه السلام في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوي العزم من الأنبياء المرسلين وأوصيائهم من بعدهم ونظرهم ، فإذا بيت محمد صلى اللّه عليه وآله آخر الأنبياء عن يمينه علي بن أبي طالب آخذ بحجزته ، فإذا شكل عظيم يتلألأ نورا فيه :

هذا صنوه ووصيّه المؤيّد بالنّصر ، فقال إبراهيم عليه السلام : إلهي وسيّدي من هذا الخلق الشريف؟

فأوحى اللّه عزّ وجلّ : هذا عبدي وصفوتي الفاتح الخاتم وهذا وصيّه الوارث ، قال : ربّ ما الفاتح الخاتم؟ قال : هذا محمد خيرتي وبكر فطرتي (5) وحجّتي الكبرى في بريّتي ، نبّئته واجتبيته إذا آدم بين الطين والجسد ، ثم إنّي باعثه عند انقطاع الزمان لتكملة ديني وخاتم به رسالاتي ونذري ، وهذا عليّ اخوه وصدّيقه الأكبر ، آخيت بينهما واخترتهما وصلّيت وباركت عليهما وطهّرتهما وأخلصتهما والأبرار منهما وذرّيتهما قبل ان أخلق سمائي وارضي وما فيهما من خلقي ، وذلك لعلمي بهم وبقلوبهم انّي بعبادي عليهم خبير.

قال : ونظر إبراهيم عليه السلام فإذا اثنى عشر تكاد تلألأ إشكالهم لحسنهما (6) نورا ،

ص: 338


1- شارفه وعليه : اطلع من فوقه.
2- السبر : امتحان غور الشيء.
3- أصرم : اقطع.
4- لحسكة ( خ ل ) ، أقول : حكة الصدر : خلجان الشبهة فيها ، الحسكة : نبات تعلق ثمرته بالصوف ، والحقد والعداوة.
5- بكر فطرتي : أول خلقي.
6- بحسنها ( خ ل ).

فسأل ربه عزّ وجلّ وتعالى فقال : ربّ نبّئني بأسماء هذه الصور المقرونة بصورة محمد ووصيّه وذلك لمّا رأى من رفيع درجاتهم والتحاقهم بشكلي محمد ووصيّه عليهم السلام ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : هذه أمتي والبقيّة من بنيّي فاطمة الصّديقة الزهراء وجعلتها مع خليلها عصبة لذريّة نبيّي ، هؤلاء وهذان الحسنان وهذا فلان وهذا فلان وهذا كلمتي التي انشر به رحمتي في بلادي وبه انتاش ديني وعبادي ذلك بعد إياس منهم وقنوط منهم من غياثي ، فإذا ذكرت محمّدا نبيّي لصلواتك فصل عليهم معه يا إبراهيم (1).

قال : فعندها صلّى عليهم إبراهيم عليه السلام فقال : ربّ صلّ على محمد وآل محمد كما اجتبيتهم وأخلصتهم إخلاصا ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ لتهنّك كرامتي وفضلي عليك فإنّي صائر بسلالة محمّد صلى اللّه عليه وآله ومن اصطفيت معه منهم إلى قناة (2) صلبك ومخرجهم منك ثم من بكرك (3) إسماعيل عليه السلام ، فأبشر يا إبراهيم فانّي واصل صلواتك بصلواتهم ومتبع ذلك بركاتي وترحّمي عليك وعليهم وجاعل حناني (4) وحجّتي إلى الأمد المعدود واليوم الموعود الذي إرث فيه سمائي وارضي وابعث له خلقي لفصل قضائي وإفاضة رحمتي وعدلي.

قال : فلما سمع أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ما افضى إليه القوم من تلاوة ما تضمّنت الجامعة والصحف الدارسة من نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وصفة أهل بيته المذكورين معه بما هم به منه وبما شاهدوا من مكانتهم عنده ازداد القوم بذلك يقينا وايمانا واستطيروا (5) له فرحا.

قال : ثم صار القوم إلى ما نزل على موسى صلى اللّه عليه وآله فالفوا في السفر الثاني من التوراة انّي باعث في الأميّين من ولد إسماعيل رسولا انزل عليه كتابي وابعثه

ص: 339


1- معهم ( خ ل ).
2- قناة : الظهر التي تنتظم الفقار.
3- البكر : أول كلّ شيء وأول ولد الأبوين.
4- الحنان : الرحمة والبركة.
5- استطير : طيّر.

بالشريعة القيّمة إلى جميع خلقي ، أوتيته حكمتي وايّدته بملائكتي وجنودي يكون ذريّته من ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلين لهما كإسماعيل وإسحاق ، أصلين لشعبتين عظيمتين أكثّرهم جدّا جدّا ، يكون منهم اثنى عشر فيما أكمل بمحمد صلى اللّه عليه وآله وبما أرسله به من بلاغ وحكمة ديني واختم به أنبيائي ورسلي فعلى محمد صلى اللّه عليه وآله وأمّته تقوم الساعة.

فقال حارثة : الآن أسفر الصبح لذي عينين ووضح الحق لمن رضي به دينا ، فهل في أنفسكما من مرض تستشفيان به فلم يرجعا إليه قولا ، فقال أبو حارثة : اعتبروا الامارة الخاتمة من قول سيدكم المسيح عليه السلام فصار إلى الكتب والأناجيل الّتي جاء بها عيسى عليه السلام ، فالفوا في المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح عليه السلام : يا عيسى يا بن الطاهرة البتول اسمع قولي وجدّ في أمري ، إنّي خلقتك من غير فحل وجعلتك آية للعالمين ، فإيّاي فأعبد وعليّ فتوكّل ، وخذ الكتاب بقوة ثم فسّره لأهل سوريا وأخبرهم انّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا الحي القيوم الذي لا أحول ولا أزول ، فآمنوا بي وبرسولي النبي الأمّي الذي يكون في آخر الزمان نبي الرحمة والملحمة الأول والآخر ، قال : أول النبيّين خلقا وآخرهم مبعثا ، ذلك العاقب الحاشر فبشّر به بني إسرائيل.

قال عيسى عليه السلام : يا مالك الدهور وعلاّم الغيوب من هذا العبد الصالح الذي قد أحبّه قلبي ولم تره عيني ، قال : ذلك خالصتي ورسولي المجاهد بيده في سبيلي يوافق قوله فعله وسريرته علانيته انزل عليه توراة (1) حديثة ، افتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا وقلوبا غلفا ، فيها ينابيع العلم وفهم الحكمة وربيع القلوب وطوباه طوبى أمته.

قال : ربّ ما اسمه وعلامته وما أكل أمته - يقول : ملك أمته (2) - وهل له من بقيّة - يعني ذرية؟ قال : سأنبئك بما سألت ، اسمه أحمد صلى اللّه عليه وآله منتخب من ذريّة إبراهيم ومصطفى من سلالة إسماعيل عليه السلام ، ذو الوجه الأقمر والجبين الأزهر راكب الجمل ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، يبعثه اللّه في أمّة أميّة ما بقي الليل والنهار مولده

ص: 340


1- نورا ( خ ل ).
2- أي المراد من أكل أمته ملك أمته.

في بلد أبيه إسماعيل - يعني مكة - كثير الأزواج قليل الأولاد نسله من مباركة صدّيقة ، يكون له منها ابنة ، لها فرخان سيدان يستشهدان ، اجعل نسل أحمد منهما ، فطوباهما ولمن أحبّهما وشهد أيامهما فنصرهما.

قال عيسى عليه السلام : الهي وما طوبى؟ قال : شجرة في الجنّة ساقها وأغصانها من ذهب وورقها حلل وحملها كثدي الأبكار ، احلى من العسل وألين من الزبد وماؤها من تسنيم لو انّ غرابا طار وهو فرخ لأدركه الهرم من قبل ان يقطعها ، وليس منزل من منازل أهل الجنّة الاّ وظلاله (1) فنن (2) من تلك الشجرة ، قال : فلمّا أتى القوم على دراسة ما أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى المسيح عليه السلام من نعت محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وصفته وملك أمته وذكر ذريته وأهل بيته ، أمسك الرجلان مخصومين وانقطع التحاور بينهم في ذلك.

قال : فلمّا فلج حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما تبيّنوه بينوه في الصحف القديمة ولم يتمّ لهما ما قدّروا من تحريفها ولم يمكنهما ان يلتبسا (3) على الناس في تأويلهما امسكا عن المنازعة من هذا الوجه وعلما انّهما قد أخطأ سبيل الصواب فصار إلى معبدهم (4) آسفين (5) لينظرا ويرتئيا (6) ، وفزع إليهما نصارى نجران ، فسألوهما عن رأيهما وما يعملان في دينهما ، فقالا : ما معناه تمسّكوا بدينكم حتى يكشف دين محمد وسنسير إلى بني قريش إلى يثرب وننظر إلى ما جاء به وإلى ما يدعوا إليه.

قال : فلمّا تجهّز السيد والعاقب للمسير إلى رسول اللّه بالمدينة انتدب (7) معهما أربعة عشر راكبا من نصارى نجران هم من أكابرهم فضلا وعلما في أنفسهم وسبعون رجلاً

ص: 341


1- فظلاله ( خ ل ).
2- الفنن : الأغصان.
3- ان يلبسا ( خ ل ).
4- بيعتهم ( خ ل ).
5- الأسف : أشد الحزن.
6- ارتأى : افتعال من الرأي.
7- ندبه الأمر فانتدب له : دعاه فأجابه.

من أشراف بني الحارث بن كعب وسادتهم ، قال : وكان قيس بن الحصين ذو الغصّة ويزيد بن عبد المدان ببلاد حضر موت فقدما نجران على بقيّة مسير قومهم فشخصا معهم ، فاغترز (1) القوم في ظهور مطاياهم وجنبوا خيلهم وأقبلوا لوجوههم حتّى وردوا المدينة ، قال : ولمّا استرات (2) رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خبر أصحابه أنفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرجها معه لمشارفة أمرهم ، فالفوهم وهم عامدون إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

قال : ولما دنوا من المدينة أحبّ السيد والعاقب ان يباهيا المسلمين وأهل المدينة بأصحابهما وبمن حفّ من بني الحارث معهما فاعترضاهم ، فقالا : لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الأرض فألقيتم عنكم تفثكم (3) وثياب سفركم ، وشننتم (4) عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل ، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا (5) من شعثهم وألقوا عنهم ثياب بذلتهم (6) ولبسوا ثياب صونهم من الأتحميات (7) والحرير ، وذرّوا (8) المسك في لممهم (9) ومفارقهم ، ثم ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح على مناسج (10) خيلهم وأقبلوا يسيرون رزدقا (11) واحدا وكانوا من أجمل العرب صورا وأتمّهم أجساما وخلقا.

فلمّا تشرّفهم الناس أقبلوا نحوهم فقالوا : ما رأينا وفدا أجمل من هؤلاء ، فأقبل القوم حتّى دخلوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في مسجده وحانت (12) وقت صلاتهم ، فقاموا

ص: 342


1- اغترز القوم : ركب القوم.
2- الاستراءة : الاستبطاء.
3- التفث : الشعث والكثافات.
4- شن الماء : صبه وفرقه.
5- أماط : أبعد.
6- البذلة : ما لا يصان من الثياب.
7- الاتحمية : نوع من البرد.
8- ذر الملح والطيب : نثرة وفرقه.
9- اللم جمع اللمة ، وهو الشعر يجاوز شحمة الأذن.
10- منسج الفرس : أسفل من حاركه.
11- الرزدق : الصف من الناس.
12- حانت : قربت.

يصلّون إلى المشرق ، فأراد الناس ان ينهوهم عن ذلك فكفّهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ثم امهلهم وأمهلوه ثلاثا فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا إلى هديه ويعتبروا ما يشاهدون منه ممّا يجدون من صفته.

فلمّا كان بعد ثالثة دعاهم صلى اللّه عليه وآله إلى الإسلام فقالوا : يا أبا القاسم ما أخبرتنا كتب اللّه عزّ وجلّ بشيء من صفة النبي المبعوث بعد الروح عيسى عليه السلام الاّ وقد تعرّفناه فيك الاّ خلّة هي أعظم الخلال آية ومنزلة وأجلاها امارة ودلالة.

قال صلى اللّه عليه وآله : وما هي؟ قالوا : انّا نجد في الإنجيل من صفة النبي الغابر (1) من بعد المسيح انّه يصدّق به ويؤمن به وأنت تسبّه وتكذّب به وتزعم انّه عبد ، قال : فلم تكن خصومتهم ولا منازعتهم للنبي صلى اللّه عليه وآله إلاّ في عيسى عليه السلام.

فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : لا ، بل أصدّقه واصدّق به وأومن به وأشهد أنّه النبي المرسل من ربّه عزّ وجلّ وأقول : انه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، قالوا : وهل يستطيع العبد ان يفعل ما كان يفعل وهل جاءت الأنبياء بما جاء به من القدرة القاهرة ألم يكن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص وينبئهم بما يكنون (2) في صدورهم وما يدّخرون في بيوتهم ، فهل يستطيع هذا الاّ اللّه عزّ وجلّ أو ابن اللّه ، وقالوا في الغلوّ فيه وأكثروا ، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا؟

فقال صلى اللّه عليه وآله : قد كان عيسى أخي كما قلتم يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخبر قومه بما في نفوسهم وبما يدّخرون في بيوتهم ، وكلّ ذلك باذن اللّه عزّ وجلّ وهو اللّه عزّ وجلّ عبد وذلك عليه غير عار وهو منه غير مستنكف ، فقد كان لحما ودما وشعرا وعظما وعصبا وأمشاجا (3) يأكل الطعام ويظمئ وينصبّ باربه (4) وربّه

ص: 343


1- الغابر : الماضي والباقي.
2- كننت الشيء : سترته ، وأكننته في نفس : أسررته.
3- الأمشاج : الأخلاط.
4- ينصب باربه : يتعقب بسبب حاجته ، ويمكن ان يكون كناية عن الذهاب إلى الخلاء.

الأحد الحق الذي ليس كمثله شيء وليس له ندّ ، قالوا : فأرنا مثله من جاء من غير فحل ولا أب؟

قال : هذا آدم عليه السلام أعجب منه خلقا ، جاء من غير أب ولا أمّ وليس شيء من الخلق بأهون على اللّه عزّ وجلّ في قدرته من شيء ولا أصعب ، ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (1) ، وتلا عليهم : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (2) ، قالا : فما نزداد منك في أمر صاحبنا الاّ تباينا وهذا الأمر الذي لا نقرّ لك فهلمّ فلنلاعنك أيّنا أولى بالحق فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ، فإنّها مثلة وآية معجّلة.

فأنزل اللّه عزّ وجلّ آية المباهلة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (3) ، فتلا عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ما نزّل عليه في ذلك من القرآن ، فقال صلى اللّه عليه وآله : ان اللّه قد أمرني أصير إلى ملتمسكم وأمرني بمباهلتكم ان أقمتم وأصررتم على قولكم ، قالا : وذلك آية ما بيننا وبينك إذا كان غدا باهلناك.

ثم قاما وأصحابهما من النصارى معهما فلمّا أبعدا وقد كانوا انزلوا بالحرّة (4) أقبل بعضهم على بعض فقالوا : قد جاءكم هذا بالفصل من امره وأمركم فانظروا أوّلا بمن يباهلكم أبكافّة اتباعه ، أم بأهل الكتاب من أصحابه ، أو بذوي التخشّع والتّمسك (5) والصفوة دينا وهم القليل منهم عددا ، فان جاءكم بالكثرة وذوي الشدة منهم ، فإنما جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك ، فالفلج (6) إذا لكم دونه ، وان أتاكم بنفر قليل من

ص: 344


1- يس : 82.
2- آل عمران : 59.
3- آل عمران : 61.
4- الحرّة : موضع وقعة حنين وموضع بتبوك وبين المدينة والعقيق وقبلي المدينة.
5- الإمساك : عند الرهبان التقتير في العيش والامتناع عن بعض المآكل تنسّكا وتعبدا.
6- أفلج اللّه حجته : أظهرها.

ذوي تخشع ، فهؤلاء سجيّة الأنبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم ، فإياكم والاقدام إذا على مباهلتهم ، فهذه لكم امارة ، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه ، فقد أعذر من أنذر.

فأمر صلى اللّه عليه وآله بشجرتين فقصدتا وكسح (1) ما بينهما ، وأمهل حتى إذا كان من الغد أمر بكساء اسود رقيق فنشر على الشجرتين ، فلمّا أبصر السيد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم وخرج معهما نصارى نجران وركب فرسان بني الحارث بن الكعب في أحسن هيئة ، وأقبل الناس من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار وغيرهم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم وألويتهم وأحسن شارتهم (2) وهيئتهم ، لينظروا ما يكون من الأمر.

ولبث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حجرته حتّى متع (3) النهار ، ثم خرج آخذا بيد علي والحسن والحسين امامه وفاطمة عليهم السلام من خلفهم ، فأقبل بهم حتّى أتى الشجرتين فوقف من بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة الّتي خرج بها من حجرته ، فأرسل إليهما يدعوهما إلى ما دعاه إليه من المباهلة.

فأقبلا إليه فقالا : بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟ قال : بخير أهل الأرض وأكرمهم على اللّه عزّ وجلّ ، بهؤلاء ، وأشار لهما إلى علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم ، قالا : فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا من الكثر ولا أهل الشّارّة ممّن نرى آمن بك واتبعك ، وما نرى هاهنا معك الاّ هذا الشّاب والمرأة والصبيّين ، أفبهؤلاء تباهلنا؟ قال صلى اللّه عليه وآله : نعم ، أو لم أخبركم بذلك آنفا ، نعم بهؤلاء أمرت والذي بعثني بالحق ان أباهلكم.

فاصفارّت حينئذ ألوانهما وكرّا وعادا إلى أصحابهما وموقفهما ، فلمّا رأى أصحابهما ما بهما وما دخلهما ، قالوا : ما خطبكما؟ فتماسكا ، وقالا ما كان ثمة من خطب ، فنخبركم

ص: 345


1- كسح : كنس.
2- الشارة : اللباس والهيئة.
3- متع النهار : ارتفع.

وأقبل عليهم شابّ كان من خيارهم قد أوتي فيهم علما ، فقال : ويحكم لا تفعلوا واذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته فواللّه انكم لتعلمون حق العلم انه الصادق وانّما عهدكم بإخوانكم حديث قد مسخوا قردة وخنازير ، فعلموا انّه قد نصح لهم فأمسكوا.

قال : وكان للمنذرين علقمة أخي أسقفهم أبي حارثة حظّ من العلم فيهم يعرفونه له وكان نازحا (1) عن نجران في وقت تنازعهم ، فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فشخص معهم ، فلمّا رأى المنذر انتشار أمر القوم يومئذ وتردّدهم في رأيهم أخذ بيد السيد والعاقب على أصحابه فقال : اخلوني وهذين ، فاعتزل بهما.

ثم أقبل عليهما فقال : ان الرائد (2) لا يكذّب أهله وأنا لكما جدّ شفيق ، فان نظرتما لأنفسكما نجوتما وان تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما ، قالا : أنت الناصح حبيبا (3) المأمون عيبا فهات ، قال : أتعلمان انّه ما بأهل يوم نبيّا قط الاّ كان مهلكهم كلمح البصر ، وقد علمتما وكلّ ذي ارب (4) من ورثة الكتب معكما انّ محمّدا أبا القاسم هذا هو الرسول الذي بشّرت به الأنبياء عليهم السلام وأفصحت ببيعتهم وأهل بيتهم الأمناء ، وأخرى أنذركما بها فلا تعشوا عنها ، قالا : وما هي يا أبا المثنى؟

قال : انظرا إلى النجم قد استطلع إلى الأرض وإلى خشوع الشجر وتساقط الطير بازائكما (5) لوجوههما قد نشرت على الأرض أجنحتها وفات ما في حواصلها وما عليها لله عزّ وجلّ من تبعة ، ليس ذلك الاّ ما قد أظل من العذاب وانظر إلى اقشعرار الجبال وإلى الدخان المنتشر وقزع (6) السحاب ، هذا ونحن في حمّارة (7) القيظ وإبان الهجير (8) ، وانظروا

ص: 346


1- نازحا : بعيدا.
2- الرائد : الجاسوس.
3- رجل ناصح الحبيب : أمين.
4- ارب : عقل وصار بصيرا.
5- بآرائكما ( خ ل ).
6- القزع : قطع من السحاب رقيقة.
7- حمّارة القيظ : شدته.
8- الهجير والهاجرة : نصف النهار عند اشتداد الحر.

إلى محمّد صلى اللّه عليه وآله رافعا يده والأربعة من أهل معه انّما ينتظر ما تجيبان به ، ثم اعلموا انّه ان نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا ولم نرجع إلى أهل ولا مال.

فنظرا فابصرا أمرا عظيما فأيقنا انّه الحق من اللّه تعالى ، فزلت إقدامهما وكادت ان تطيش عقولهما واستشعرا انّ العذاب واقع بهما ، فلمّا أبصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة والرهبة قال لهما : إنكما ان أسلمتما له سلمتما في عاجلة وآجله وان آثرتما دينكما وغضارة (1) ملّتكما وشححتما (2) بمنزلتكم من الشرف في قومكما ، فلست أحجر (3) عليكما الضّنين (4) بما نلتما من ذلك ، ولكنّكما بدهتما (5) محمدا صلى اللّه عليه وآله بتطلّب المباهلة وجعلتماها حجازا وآية بينكما وبينه وشخصتما من نجران ، وذلك من تاليكما (6) ، فأسرع محمد صلى اللّه عليه وآله إلى ما بغيتما منه والأنبياء إذا أظهرت بأمر لم نرجع الاّ بقضائه وفعله ، فاذ نكّلتما (7) عن ذلك وأذهلتكما مخافة ما تريان فالحظّ في النكول لكما ، فالوحا (8) يا اخوتي الوحا صالحا محمدا صلى اللّه عليه وآله وارضياه ولا ترجيا (9) ذلك ، فإنكما وانا معكما بمنزلة قوم يونس لمّا غشيهم العذاب.

قالا : فكن أنت يا أبا المثنى أنت الذي تلقى محمدا صلى اللّه عليه وآله بكفالة ما يبتغيه (10) لدينا والتمس لنا إليه ابن عمّه هذا ليكون هو الذي يبرم الأمر بيننا وبينه ، فإنه ذو الوجه والزعيم عنده ولا تبطئنّ به ما ترجع إلينا به.

وانطلق المنذر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : السلام عليك يا رسول اللّه

ص: 347


1- الغضارة : طيب العيش.
2- الشح : البخل مع حرص.
3- أحجر : امنع.
4- الضنّ : البخل.
5- بدهه بأمر : استقبله به.
6- التالي : التقصير والحلف.
7- نكّله عن الشيء : صرفه.
8- الوحي : السرعة ، الوحا الوحا : البدار البدار.
9- ترجيا : تؤخّرا.
10- ابتغى الشيء : طلبه.

اشهد ان لا إله إلاّ اللّه الذي ابتعثك وانك وعيسى عبدان لله عزّ وجلّ مرسلان ، فأسلم وبلّغه ما جاء له ، فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عليّا عليه السلام مصالحة القوم ، فقال علي عليه السلام : بأبي أنت على ما أصالحهم؟ فقال له : رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم معهم معه رأيي ، فصار إليهم فصالحاه على ألف حلّة وألف دينار خرجا في كل عام يؤدّيان شطر ذلك في المحرم وشطرا في رجب.

فصار علي عليه السلام بهما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذليلين صاغرين وأخبره بما صالحهما عليه واقرّا له بالخرج والصغار ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : قد قبلت ذلك منكم أما إنّكم لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم (1) اللّه عليكم الوادي نارا تأجّج (2) ثم لساقها اللّه عزّ وجلّ إلى من ورائكم في أسرع من طرف العين ، فحرّقهم تأجّجا.

فلمّا رجع النبي صلى اللّه عليه وآله بأهل بيته وصار إلى مسجده هبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد ان اللّه عزّ وجلّ يقرؤك السلام ويقول : ان عبدي موسى عليه السلام بأهل عدوه قارون بأخيه هارون وبنيه ، فخسفت بقارون وأهله وماله وبمن آزره من قومه ، وبعزتي أقسم وبجلالي ، يا أحمد لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض والخلائق جميعا لتقطّعت السماء كسفا (3) والجبال زبرا ولساخت (4) الأرض فلم تستقرّ ابدا ، الاّ ان أشاء ذلك.

فسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ووضع على الأرض وجهه ثمّ رفع يديه حتّى تبيّن للنّاس عفرة إبطيه (5) فقال : شكرا للمنعم شكرا للمنعم - قالها ثلاثا ، فسئل النبي صلى اللّه عليه وآله عن سجدته وممّا رأى من تباشير السرور في وجهه ، فقال : شكرا لله عزّ وجلّ لما أبلاني من الكرامة في أهل بيتي ، ثم حدثهم بما جاء به جبرئيل عليه السلام.

ص: 348


1- ضرم النار : اشتغل.
2- تأجّج النار : اشتد حرّها.
3- الكسف : القطع ، وكذا الزبر.
4- ساخت قوائمه في الأرض : دخلت وغابت.
5- العفرة : البياض ليس بالشديد.

فصل (2): فيما نذكره من زيادة في فضل أهل المباهلة والسعادة

اعلم انّ شهادة أهل الخلاف لأهل المباهلة بشرف الأوصاف ، مع ما يعاملونهم به من الانحراف أبلغ من شهادة شيعتهم وأظهر في أنوار حجّتهم.

فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة ان الذين بأهل بهم النبي صلى اللّه عليه وآله علي وفاطمة والحسن والحسين (1).

ورواه أيضا الثعلبي ومقاتل والكلبي والحافظ ابن مردويه وعبد اللّه بن عباس وجابر بن عبد اللّه الأنصاري والحسن البصري والشعبي والسّدي وغيرهم ممّن لا يحضرني ذكر أسمائهم (2).

ورواه أيضا الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن عند تفسير قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (3).

فقال الزمخشري ما هذا لفظه : انّه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر ، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : واللّه لقد عرفتم يا معشر النّصارى انّ محمّدا نبيّ مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، واللّه ما بأهل قوم نبيّا قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكنّ ، فان أبيتم إلاّ ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرّجل وانصرفوا.

فاتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقد غدا محتضنا للحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعليّ خلفهما ، وهو يقول : إذ أنا دعوت فامّنوا ، فقال اسقف

ص: 349


1- صحيح مسلم 4 : 1871.
2- ذخائر العقبى : 25 ، الجامع للترمذي : 4 : 82 ، المستدرك للحاكم 3 : 150 ، المسند لأحمد بن حنبل 1 : 185 ، العمدة : 95 عن تفسير الثعلبي ، التفسير لفخر الرازي 8 : 85 ، المناقب لابن المغازلي : 263 ، درّ المنثور 4 : 38.
3- آل عمران : 61.

نجران : يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوها لو شاء اللّه ان يزيل جبلا عن مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولم يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا انّنا لا نباهلك وان نقرّك على دينك ونثبت على ديننا.

قال : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ، فأبوا ، قال : فانّي أناجزكم (1) ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا ، على ان نؤدّي إليك في كلّ عام ألفي حلّة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد.

فصالحهم على ذلك وقال : والذي نفسي بيده انّ الهلاك قد تدلّى على نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم الوادي عليهم نارا ، ولأستأصل اللّه نجران وأهله حتّى الطير على رءوس الشجر ، ولمّا حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا.

وعن عائشة : انّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج وعليه مرط مرحل (2) من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ علي ، ثمّ قال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (3).

فان قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة الاّ ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه ، ومن ذلك أمر يختصّ به وبمن يكاذبه ، فما معنى الأبناء والنساء؟

قلت : كان ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرء على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده ، وأحبّ الناس إليه لذلك ، ولم ينتصر على تعرّض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلكه مع أحبّته وأعزّته ، هلاك الاستئصال ، ان تمّت المباهلة ، وخصّ الأبناء والنساء ، لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربّما بدأهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يقتل ، ومن ثمّ كانوا يسوقون مع أنفسهم الضغائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمّون الذّادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق ،

ص: 350


1- ناجزه : بارزة وقاتله.
2- المرط : كساء من صوف أو خز ، المرحل - بالحاء المهملة - ما ينقش عليه صورة رحل الإبل.
3- الأحزاب : 33.

وقدّمهم في الذّكر على أنفسهم ، لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن بأنّهم مقدمون على الأنفس مقدّمون بها ، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام ، وفيه برهان واضح على صحّة نبوّة النبي صلى اللّه عليه وآله لأنّه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك - هذا آخر كلام الزمخشري. » (1).

فصل (3): فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول

اعلم انّ يوم مباهلة النّبي صلوات اللّه عليه وآله لنصارى نجران كان يوما عظيم الشأن اشتمل على عدّة آيات وكرامات :

فمن آياته : انّه كان أوّل مقام فتح اللّه جلّ جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة ، في هذه الملّة الفاضلة ، عند جحود حججه وبيّناته.

ومن آياته : انّه أوّل يوم ظهرت لله جلّ جلاله ولرسوله صلوات اللّه عليه وآله العزّة ، بإلزام أهل الكتاب من النصارى الذلّة والجزية ، ودخولهم عند حكم نبوته ومراداته.

ومن آياته : انه كان أوّل يوم أحاطت فيه سرادقات القوة الإلهيّة والقدرة النّبوية ، بمن كان يحتجّ عليه بالمعقول.

ومن آياته : انّه أوّل يوم أشرقت شموسه بنور التصديق لمحمّد صلوات عليه وآله من جانب اللّه جلّ جلاله ، بالتفريق بين أعدائه وأهل ثقاته.

ومن آياته : انّه يوم أظهر فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تخصيص أهل بيته بعلوّ مقاماتهم.

ومن آياته : انّه يوم كشف اللّه جلّ جلاله لعباده ، انّ الحسن والحسين عليهما أفضل السلام ، مع ما كانا عليه من صغر السنّ ، أحقّ بالمباهلة من صحابة رسول اللّه صلوات اللّه عليه والمجاهدين في رسالاته.

ص: 351


1- الكشاف 1 : 368 - 370 ، عنه الطرائف : 43.

ومن آياته : انّه يوم أظهر اللّه جلّ جلاله فيه انّ ابنته المعظّمة ، فاطمة صلوات اللّه عليها ، أرجح في مقام المباهلة ، من اتباعه وذوي الصلاح من رجاله وأهل عناياته.

ومن آياته : انّه يوم أظهر اللّه جلّ جلاله فيه انّ مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام نفس رسول اللّه صلوات اللّه عليهما ، وانه من معدن ذاته وصفاته ، وانّ مراده من مراداته ، وان افترقت الصورة فالمعنى واحد في الفضل من سائر جهاته.

ومن آياته : انّه يوم وسم كلّ من تأخر عن مقام المباهلة بوسم ، يقتضي أنّه دون من قدم عليه في الاحتجاج لله عزّ وجلّ ونشر علاماته.

ومن آياته : انّه يوم لم يجر مثله قبل الإسلام ، فيما عرفنا من صحيح النقل ورواياته.

ومن آياته : انّه يوم أخرس السنة الدّعوى وعرس في مجلس منطق الفتوى ، بأنّ أهل المباهلة أكرم على اللّه جلّ جلاله من كلّ من لم يصلح لما صلحوا له من المتقرّبين بطاعاته وعباداته.

ومن آياته : انّ يوم المباهلة يوم بيان برهان الصّادقين ، الّذين أمر اللّه جلّ جلاله بأتباعهم في مقدّس قرآنه وآياته.

ومن آياته : انّ يوم المباهلة يوم شهد اللّه جلّ جلاله لكلّ واحد من أهل المباهلة بعصمته مدة حياته.

ومن آياته : انّ يوم المباهلة أبلغ في تصديق صاحب النبوة والرسالة من التحدّي بالقرآن ، وأظهر في الدّلالة الذين تحدّاهم صلوات اللّه عليه بالقرآن قالوا : ( لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا ) (1) ، وان كان قولهم في مقام البهتان ويوم المباهلة ، فما أقدموا على دعوى الجحود للعجز عن مباهلته لظهور حجته وعلاماته.

ومن آياته : انّ يوم المباهلة أطفأ اللّه به نار الحرب وصان وجوه المسلمين من الجهاد ومن الكرب ، وخلّصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرءوس ، وعتقها من رقّ الغزو والبؤس ، لشرف أهل المباهلة الموصوفين فيها بصفاته.

ص: 352


1- الأنفال : 31.

ومن آياته : انّ البيان واللّسان والجنان اعترفوا بالعجز عن شرح كمال كراماته.

فصل (4): فيما نذكره مما ينبغي ان يكون أهل المعرفة بحقوق المباهلة من الاعتراف بنعم اللّه جلّ جلاله الشاملة

اعلم انّ يوم المباهلة أعظم ممّا أشرنا إليه ، وانّما ذكرنا من فضله بحسب ما دلّنا اللّه جلّ جلاله عليه.

وكن أنت مفكّرا في انّ اللّه جلّ جلاله اختار لنا في الأزل ، من غير وسيلة منّا ولا فضيلة صدرت عنّا ، أنوارا تباهل بها جاحدين كفارا ، وشموسا تكشف بنورها دعوى اليهود والنصارى ، وتمحو آثار استمرار شرعهم وشموسهم ، ويخسف ببدورها دعوى الجاهليّة بعبادة أصنامهم وتخليطهم (1) بها من نحو سهم ، وتخلع به خلع التشريف بالتكليف للتّراب ، ويحيى بهدايتها موات الألباب ، وتعمّ لأجلها دوام نعيم دار الثواب ، ويأتي بها إلى نار ، قد علا لهبها وسعيرها ، وحروب قد اشتدّ كلبها (2) وزفيرها ، فخفف بها عنّا وعن سائر البشر هول ذلك الخطر والضرر ، وإطفاء شررها بمباهلة ساعة بأهل الطاعة ، وقرب جموعها وهدم ربوعها ، بثبوت اقدام أرباب المباهلة ، ورايات إخلاصهم ، وحمى حوزة الإسلام والمسلمين بتلك المباهلة الصّادرة عن أمر ربّ العالمين.

فلهذا اليوم المباهلة من حقّ التشريف وتعظيم أهل المقام الشريف ، وتخفيف المالك اللطيف ، يقتضي ان يكون هذا اليوم من أعظم أيّام البشارات وأكرم أيّام السعادات ، معمور المجالس والمحافل بالثناء على اللّه جلّ جلاله ، وذكر ما فيه من الفضائل ، معروفا به جلّ جلاله حقوق ملوك أهل المباهلة وما دفع اللّه جلّ جلاله بهم من الأمور الهائلة ، وما نفع بمباهلتهم في العاجلة والآجلة ، وان يتوجّه بهم فيه إلى كشّاف الكربات وواهب ألطاف الكرامات ، فيما يكون العبد محتاجا إليه ، وعلى قدر تعظيم اليوم المذكور وعزّة أهله عليه.

ص: 353


1- تخليطهم ( خ ل ).
2- كلب الزمان : اشتد.

فصل (5): فيما نذكره من عمل يوم بأهل اللّه فيه بأهل السعادات وندب إلى صوم أو صلوات أو دعوات

روينا ذلك إلى أبي الفرج محمد بن علي بن أبي قرّة ، بإسناده إلى علي بن محمد القمي رفعه في خبر المباهلة ، وهي يوم اربع وعشرين من ذي الحجّة ، وقد قيل : يوم إحدى وعشرين ، وقيل : يوم سبعة وعشرين ، وأصحّ الروايات يوم أربعة وعشرين ، والزيارة فيه قال :

إذا أردت ذلك فابدء بصوم ذلك اليوم شكرا لله تعالى ، واغتسل والبس أنظف ثيابك ، وتطيّب بما قدرت عليه ، وعليك السكينة والوقار ، والّذي يعمله من يزور أن يمضي إلى مشهد وليّ من أولياء اللّه ، أو موضع خال ، أو جبل عال ، أو واد خضر ، وعليه الاّ يقيم في منزله ، ويخرج بعد ان يغتسل ، ويلبس أحسن ثيابه.

فإذا وصل إلى المقام الّذي يريد فيه أداء الحق وطلب الحاجة والمسألة بهم صلّى ساعة يدخل ركعتين بقراءة وتسبيح ، فإذا جلس في التشهد وسلّم استغفر اللّه سبعين مرة ، ثمّ يقوم قائما ويرفع يديه ويرم طرفه (1) نحو الهواء ، ويقول :

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَرَّفَنِي ما كُنْتُ بِهِ جاهِلاً ، وَلَوْ لا تَعْرِيفُكَ إِيّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْهالِكِينَ ، اذْ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُ : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (2) ، فَبَيَّنْتَ لِيَ الْقَرابَةَ ، وَقُلْتَ : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (3) ، فَبَيَّنْتَ لِيَ الْبَيْتَ بَعْدَ الْقَرابَةِ.

ص: 354


1- الطرف : العين.
2- الشورى : 23.
3- الأحزاب : 33.

ثُمَّ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ بِتَفَضُّلِكَ عَلى خَلْقِكَ وَارَدْتَ مَعْرِفَتَهُمْ بِالْبَيْتِ وَالْقَرابَةِ ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُ : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (1).

فَلَكَ الشُّكْرُ يا رَبِّ وَلَكَ الْمَنُّ حَيْثُ هَدَيْتَنِي وَارْشَدْتَنِي ، حَتّى لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ الْأَهْلُ وَالْبَيْتُ وَالْقَرابَةُ ، حَتّى عَرَّفْتَنِي نِسائَهُمْ وَأَوْلادَهُمْ وَرِجالَهُمْ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ الَيْكَ بِذلِكَ الْمَقامِ الَّذِي لا يَكُونُ اعْظَمُ فَضْلاً مِنْهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا اكْثَرُ رَحْمَةً بِمَعْرِفَتِكَ ايَّاهُمْ (2) ، فَلَوْ لا هذا الْمَقامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي أَنْقَذْتَنا ، وَدَلَلْتَنا الَى اتِّباعِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ اهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ وَعِتْرَتِهِ ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالْمَنُّ وَالشُّكْرُ عَلى نَعْمائِكَ وَأَيادِيكَ.

اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الَّذِينَ افْتَرَضْتَ عَلَيْنا طاعَتَهُمْ ، وَثَبَّتَّنا بِالْقَوْلِ الَّذِي عَرَّفُونا ، وَاجْزِ مُحَمَّداً وَآلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِنّا افْضَلَ الْجَزاءِ ، وَأَدْخِلْنا فِي شَفاعَتِهِمْ دارَ كَرامَتِكَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللّهُمَّ هؤُلاءِ اهْلُ الْكِسَاءِ وَالْعَباءِ يَوْمَ الْمُباهِلَةِ ، وَمَنْ دَخَلَ مِنَ الانْسِ وَالْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، اجْعَلْهُمْ شُفَعاءَنا ، اسْأَلُكَ بِحَقِّ ذلِكَ الْمَقامِ انْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَتَتُوبَ عَلَيَّ ، انَّكَ انْتَ التوَّابُ الرَّحِيمُ.

اللّهُمَّ انِّي اشْهِدُكَ انَّ أَرْواحَهُمْ وَطِينَتَهُمْ واحِدَةٌ ، وَهُمُ الشَّجَرَةُ الَّتِي طابَ أَصْلُها وَأَغْصانُها وَأَوْراقُها.

اللّهُمَّ فَارْحَمْنا بِحَقِّهِمْ ، فَإِنَّكَ اقَمْتَهُمْ حُجَجاً عَلى خَلْقِكَ ، وَدَلائِلَ عَلى ما يُسْتَدَلُّ بِوَحْدانِيَّتِكَ ، وَباباً الَى الْمُعْجِزاتِ بِعِلْمِكَ الَّذِي يَعْجُزُ عَنْهُ الْخَلْقُ غَيْرُهُمْ ، وَانْتَ الْمُتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ اقَمْتَهُمْ مِنْ بَيْنِ خَلْقِكَ وَنَقَلْتَهُمْ مِنْ عِبادِكَ.

فَجَعَلْتَهُمْ مُطَهَّرِينَ أُصُولاً وَفُرُوعاً وَمَنْبَتاً ، ثُمَّ اكْرَمْتَهُمْ بِنُورِكَ ، حَتّى

ص: 355


1- آل عمران : 61.
2- إخراجهم عن الشبهات ( خ ل ).

فَضَّلْتَهُمْ مِنْ بَيْنِ اهْلِ زَمانِهِمْ وَالاقْرَبِينَ الَيْهِمْ ، فَخَصَصْتَهُمْ بِوَحْيِكَ ، وَانْزَلْتَ عَلَيْهِمْ كِتابَكَ ، وَأَمَرْتَنا بِالتَّمَسُّكِ بِهِما.

اللّهُمَّ فَانّا قَدْ تَمَسَّكْنا بِكِتابِكَ وَبِعِتْرَةِ نَبِيِّكَ ، الَّذِينَ اقَمْتَهُمْ لَنا دَلِيلاً وَعَلَماً ، وَأَمَرْتَنا بِاتِّباعِهِمْ ، اللّهُمَّ انّا قَدْ تَمَسَّكْنا فَارْزُقْنا شَفاعَتَهُمْ حِينَ يَقُولُ الْخاطِئُونَ : ( فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (1).

اللّهُمَّ اجْعَلْنا مِنَ الصَّادِقِينَ بِهِمْ ، وَالْمُنْتَظِرِينَ لِشَفاعَتِهِمْ ، وَلا تُضِلَّنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

ثم تصلي عند كلّ دعاء ركعتين وتقيم إلى انتصاف النهار ، أو زوال الشمس ، وقد قبل إلى اصفرار الشمس ، وكل ذلك حسن.

وهذا ما جاء من الروايات في انصراف القوم عن مقامهم في يوم المباهلة.

ومن الدعاء في يوم المباهلة دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله :

رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي الفرج محمد بن علي بن أبي قرّة ، بإسناده إلى محمد بن سليمان الديلمي ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أبو جعفر عليه السلام :

لو قلت انّ في هذا الدعاء الاسم الأكبر لصدقت ، ولو علم الناس ما فيه من الإجابة لاضطربوا على تعليمه بالأيدي ، وانا لاقدّمه بين يدي حوائجي فينجح ، وهو دعاء المباهلة من قول اللّه تعالى : « فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ - ثم الى آخر الآية » (2) ، وانّ جبرئيل عليه السلام نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأخبره بهذا الدعاء ، قال : تخرج أنت ووصيّك وسبطاك وابنتك وبأهل القوم وادعوا به.

قال أبو عبد اللّه عليه السلام : فإذا دعوتم فاجتهدوا في الدعاء ، فانّ ما عند اللّه خير وأبقى ، من كنوز العلم ، فاشفعوا به واكتموه من غير أهله السفهاء والمنافقين ، الدعاء :

ص: 356


1- الشعراء : 100 - 101.
2- آل عمران : 61.

اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ مِنْ بَهائِكَ بِأَبْهاهُ وَكُلُّ بَهائِكَ بَهِيُّ ، اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِبَهائِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ مِنْ جَلالِكَ بِأَجَلِّهِ وَكُلُّ جَلالِكَ جَلِيلٌ ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِجَلالِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ مِنْ جَمالِكَ بِأَجْمَلِهِ وَكُلُّ جَمالِكَ جَمِيلٌ اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِجَمالِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ انِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عَظَمَتِكَ بِأَعْظَمِها وَكُلُّ عَظَمَتِكَ عَظِيمَةٌ ، اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِعَظَمَتِكَ كُلِّها ، اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ مِنْ نُورِكَ بِأَنْوَرِهِ وَكُلُّ نُورِكَ نَيِّرٌ ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِنُورِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ رَحْمَتِكَ بِأَوْسَعِها وَكُلُّ رَحْمَتِكَ واسِعَةٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ كُلِّها ، اللّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كَمالِكَ بِأَكْمَلِهِ وَكُلُّ كَمالِكَ كامِلٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكَمالِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كَلِماتِكَ بِأَتَمِّها وَكُلُّ كَلِماتِكَ تامَّةٌ ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِكَلِماتِكَ كُلِّها ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ مِنْ أَسْمائِكَ بِأَكْبَرِها وَكُلُّ أَسْمائِكَ كَبِيرَةٌ ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ كُلِّها اللّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عِزَّتِكَ بِأَعَزِّها ، وَكُلُّ عِزَّتِكَ عَزِيزَةٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ كُلِّها ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ مَشِيَّتِكَ بِأَمْضاها ، وَكُلُّ مَشِيَّتِكَ ماضِيَةٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَشِيَّتِكَ كُلِّها ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ الَّتِي اسْتَطَلْتَ بِها عَلى كُلِّ شَيْءٍ ، وَكُلُّ قُدْرَتِكَ مُسْتَطِيلَةٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ كُلِّها ، اللّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عِلْمِكَ بِأَنْفَذِهِ وَكُلُّ عِلْمِكَ نافِذٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِلْمِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ قَوْلِكَ بِأَرْضاهُ وَكُلُّ قَوْلِكَ رَضِيٌّ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِقَوْلِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ مَسائِلِكَ بأَحَبِّها الَيْكَ وَكُلُ

ص: 357

مَسائِلِكَ (1) الَيْكَ حَبِيبَةٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَسائِلِكَ كُلِّها ، اللّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ شَرَفِكَ بِأَشْرَفِهِ وَكُلُّ شَرَفِكَ شَرِيفٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِشَرَفِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ سُلْطانِكَ بِأَدْوَمِهِ وَكُلُّ سُلْطانِكَ دائِمٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِسُلْطانِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ مُلْكِكَ بِأَفْخَرِهِ وَكُلُّ مُلْكِكَ فاخِرٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمُلْكِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عَلائِكَ بِأَعْلاهُ وَكُلُّ عَلائِكَ عالٍ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعَلائِكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ آياتِكَ بِأَعْجَبِها وَكُلُّ آياتِكَ عَجِيبَةٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِآياتِكَ كُلِّها ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ مَنِّكَ بِأَقْدَمِهِ ، وَكُلُّ مَنِّكَ قَدِيمٌ ، اللّهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِمَنِّكَ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ إِنِّي ادْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِما انْتَ فِيهِ مِنَ الشُّئُونِ وَالْجَبَرُوتِ ، اللّهُمَّ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ شَأْنٍ وَكُلِّ جَبَرُوتٍ لَكَ.

اللّهُمَّ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِما تُجِيبُنِي بِهِ حِينَ اسْأَلُكَ يا اللّهُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ، اسْأَلُكَ بِبَهاءِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِجَلالِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِجَمالِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ.

اسْأَلُكَ بِعَظَمَةِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِكَمالِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِقَوْلِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِشَرَفِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ.

أَسْأَلُكَ بِعَلاءِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِكَلِماتِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِعِزَّةِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ

ص: 358


1- كلها ( خ ل ).

بِلا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، يا اللّهُ يا رَبّاهُ - حتّى ينقطع النفس.

وتقول :

أَسْأَلُكَ سَيِّدِي فَلَيْسَ مِثْلُكَ شَيْءٌ ، وَاسْأَلُكَ بِكُلِّ دَعْوَةٍ دَعاكَ بِها نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، اوْ مَلِكٌ مُقَرَّبٌ اوْ مُؤْمِنٌ امْتَحَنْتَ قَلْبَهُ لِلإيمانِ اسْتَجَبْتَ دَعْوَتَهُ مِنْهُ ، وَأَتَوَجَّهُ الَيْكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، وَأَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ حَوائِجِي بِمُحَمَّدٍ.

يا مُحَمَّدُ يا رَسُولَ اللّهِ ، بِأَبِي انْتَ وَأُمِّي أَتَوَجَّهُ إِلى رَبِّكَ وَرَبِّي وَأُقَدِّمُكَ بَيْنَ يَدَيْ حاجَتِي ، يا رَبّاهُ يا اللّهُ يا رَبَّاهُ ، اسْأَلُكَ بِكَ فَلَيْسَ كَمِثْلِكَ شَيْءٌ ، وَأَتَوَجَّهُ الَيْكَ بِمُحَمَّدٍ خَلِيلِكَ وَنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَبِعِتْرَتِهِ وَاقَدِّمُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ حَوائِجِي.

وَأَسْأَلُكَ بِحَياتِكَ الَّتِي لا تَمُوتُ ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي لا يُطْفَأُ ، وَبِالْعَيْنِ الَّتِي لا تَنامُ ، اسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، ثم تسأل حاجتك ، تقضى إن شاء اللّه (1).

ومن الدعاء في يوم المباهلة ما وجدناه في كتب الدّعوات فقال ما هذا لفظه :

دعاء المباهلة والإنابة والتضرّع والمسألة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام :

اللّهُ لا إِلهَ الاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ الاَّ بِاذْنِهِ ، يَعْلَمُ ما بَيْنَ ايْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ الاّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

شَهِدَ اللّهُ انَّهُ لا إِلهَ الاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ ، وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ، لا إِلهَ الاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَيُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، تُولِجُ

ص: 359


1- رواه الشيخ في مصباحه : 759 مع اختلافات.

اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَتُخْرِجَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ الاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالارْضِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

هُوَ اللّهُ الَّذِي لا يُعْرَفُ لَهُ سَمِيٌّ وَهُوَ اللّهُ الرَّجاءُ وَالْمُرْتَجى ، وَاللَّجاءُ وَالْمُلْتَجى ، وَإِلَيْهِ الْمُشْتَكى وَمِنْهُ الْفَرَجُ وَالرَّخاءُ وَهُوَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.

اللّهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ يا اللّهُ ، بِحَقِّ الاسْمِ الرَّفِيعِ عِنْدَكَ الْعالِي الْمَنِيعِ ، الَّذِي اخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ ، وَاخْتَصَصْتَهُ لِذِكْرِكَ ، وَمَنَعْتَهُ جَمِيعَ خَلْقِكَ ، وَافْرَدْتَهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ دُونَكَ ، وَجَعَلْتَهُ دَلِيلاً عَلَيْكَ ، وَسَبَباً الَيْكَ ، وَهُوَ اعْظَمُ الْأَسْماءِ ، وَأَجَلُّ الأَقْسامِ ، وَافْخَرُ الأَشْياءِ ، وَاكْبَرُ الْغَنائِمِ ، وَاوْفَقُ الدَّعائِمِ ، لا تُخَيِّبُ راجِيهِ ، وَلا تَرُدُّ داعِيهِ ، وَلا يَضْعُفُ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلَجَأَ إِلَيْهِ.

وَاسْأَلُكَ يا اللّهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي تَفَرَّدْتَ بِها انْ تَقِيَنِي مِنَ النّارِ بِقُدْرَتِكَ ، وَتُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ ، يا نُورُ انْتَ نُورُ السَّماواتِ وَالارْضِ ، قَدِ اسْتَضاءَ بِنُورِكَ اهْلُ سَماواتِكَ وَارْضِكَ.

فَاسْأَلُكَ انْ تَجْعَلَ لِي نُوراً فِي سَمْعِي وَبَصَرِي ، اسْتَضِيءُ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، يا عَظِيمُ انْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، بِعَظَمَتِكَ اسْتَعَنْتُ فَارْفَعْنِي وَالْحِقْنِي دَرَجَةَ الصّالِحِينَ.

يا كَرِيمُ بِكَرَمِكَ تَعَرَّضْتُ ، وَبِهِ تَمَسَّكْتُ ، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَاعْتَمَدْتُ فَأَكْرِمْنِي بِكَرامَتِكَ ، وَانْزِلْ عَلَيَّ رَحْمَتَكَ وَبَرَكاتِكَ ، وَقَرِّبْنِي مِنْ جِوارِكَ ، وَالْبِسْنِي مِنْ مَهابَتِكَ وَبَهاءِكَ ، وَانِلْنِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَجَزِيلِ عَطائِكَ ، يا كَبِيرُ لا تُصَعِّرْ خَدِّي ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَنْ لا يَرْحَمُنِي ، وَارْفَعْ ذِكْرِي ، وَشَرِّفْ مَقامِي ،

ص: 360

وَاعْلِ فِي عِلِّيِّينَ دَرَجَتِي.

يا مُتَعالِ (1) اسْأَلُكَ بِعُلُوِّكَ انْ تَرْفَعَنِي وَلا تَضَعَنِي ، وَلا تُذِلَّنِي بِمَنْ هُوَ ارْفَعُ مِنِّي ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَنْ هُوَ دُونِي ، وَاسْكِنْ خَوْفَكَ قَلْبِي ، يا حَيُّ ، اسْأَلُكَ بِحَياتِكَ الَّتِي لا تَمُوتُ انْ تُهَوِّنَ عَلَيَّ الْمَوْتَ وَانْ تُحْيِيَنِي حَياةً طَيِّبَةً وَتَوَفَّنِي مَعَ الأَبْرارِ.

يا قَيُّومُ انْتَ الْقائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ (2) ، وَالْمُقِيمُ بِكُلِّ شَيْءٍ ، اجْعَلْنِي مِمَّنْ يُطِيعُكَ ، وَيَقُومُ بِأَمْرِكَ وَحَقِّكَ ، وَلا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِكَ ، يا رَحْمانُ ارْحَمْنِي بِرَحْمَتِكَ ، وَجُدْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ وَجُودِكَ ، وَنَجِّنِي مِنْ عِقابِكَ ، وَاجِرْنِي مِنْ عَذابِكَ.

يا رَحِيمُ تَعَطَّفْ عَلَيَّ ضُرِّي بِرَحْمَتِكَ وَجُدْ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَرَأْفَتِكَ ، وَخَلِّصْنِي مِنْ عَظِيمِ جُرْمِي بِرَحْمَتِكَ ، فَإِنَّكَ الشَّفِيقُ الرَّفِيقُ ، وَمَنْ لَجَأَ الَيْكَ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَالرُّكْنِ الْوَثِيقِ.

يا مالِكُ مِنْ مُلْكِكَ اطْلُبُ ، وَمِنْ خَزائِنِكَ الَّتِي لا تَنْفَدُ اسْأَلُ ، فَأَعْطِنِي مُلْكَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ فَإِنَّهُ لا يُعْجِزُكَ وَلا يُنْقُصُكَ شَيْءٌ وَلا يُؤْثَرُ فِيما عِنْدَكَ.

يا قُدُّوسُ انْتَ الطّاهِرُ الْمُقَدَّسُ ، فَطَهِّرْ قَلْبِي ، وَفَرِّغْنِي لِذِكْرِكَ ، وَعَلِّمْنِي ما يَنْفَعُنِي ، وَزِدْنِي عِلْماً الى ما عَلَّمْتَنِي ، يا جَبّارُ بِقُوَّتِكَ اعِنِّي عَلَى الْجَبّارِينَ وَاجْبُرْنِي يا جابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِيرِ ، وَكُلُّ جَبّارٍ خاضِعٌ لَكَ.

يا مُتَكَبِّرُ اكْنُفْنِي بِرُكْنِكَ وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبُغاةِ (3) ، وَلا تَبْتَلِينِي بِالْمَعاصِي فَاهُونُ عِنْدَكَ وَعِنْدَ خَلْقِكَ ، يا حَلِيمُ عُدْ عَلَيَّ بِحِلْمِكَ ، وَاسْتُرْنِي بِعَفْوِكَ ، وَاجْعَلْنِي مُؤَدِّياً لِحَقِّكَ ، وَلا تَفْضَحْنِي يَوْمَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ.

يا عَلِيمُ انْتَ الْعالِمُ بِحالِي وَسِرِّي وَجَهْرِي وَخَطايَ وَعَمْدِي ، فَاصْفَحْ لِي

ص: 361


1- متعالي ( خ ل ).
2- بما كسبت ( خ ل ).
3- من خلقك بكبريائك يا عزيز أعزني بطاعتك ولا تذلني ( خ ل ).

عَمّا خَفِيَ عَنْ خَلْقِكَ مِنْ امْرِي ، يا حَكِيمُ اسْأَلُكَ بِما احْكَمْتَ بِهِ الأَشْياءَ فَاتْقَنْتَها انْ تَحْكُمَ لِي بِالإِجابَةِ فِيما اسْأَلُكَ وَارْغَبُ فِيهِ الَيْكَ.

يا سَلامُ سَلِّمْنِي مِنْ مَظالِمِ الْعِبادِ وَمِنْ عَذابِ الْقَبْرِ وَأَهْوالِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، يا مُؤْمِنُ آمِنِّي مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَارْحَمْ ضُرِّي وَذُلَّ مَقامِي وَاكْفِنِي ما أَهَمَّنِي مِنْ امْرِ دُنْيايَ وَآخِرَتِي ، يا مُهَيْمِنُ خُذْ بِناصِيَتِي الى رِضاكَ وَاجْعَلْنِي عامِلاً بِطاعَتِكَ مَعْصُوماً عَنْ طاعَةِ مَنْ سِواكَ ، يا بارِئَ الأَشْياءِ عَلى خَيْرِ مِثالٍ ، أَسْأَلُكَ انْ تَجْعَلَنِي مِنَ الصّادِقِينَ الْمَبْرُورِينَ عِنْدَكَ.

يا مُصَوِّرُ صَوَّرْتَنِي فَاحْسَنْتَ صُورَتِي وَخَلَقْتَنِي فَاكْمَلْتَ خَلْقِي ، فَتَمِّمْ احْسَنَ ما انْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ وَلا تُشَوِّهْ خَلْقِي يَوْمَ الْقِيامَةِ ، يا قَدِيرُ بِقُدْرَتِكَ قَدَّرْتَ وَقَدَّرْتَنِي عَلَى الأَشْياءِ فَاسْأَلُكَ انْ تُحْسِنَ عَلى أُمُورِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ مَعُونَتِي ، وَتُنْجِيَنِي مِنْ سُوءِ أَقْدارِكَ.

يا غَنِيُّ اغْنِنِي بِغِنائِكَ ، وَاوْسِعْ عَلَيَّ عَطاءَكَ (1) ، وَاشْفِنِي بِشِفائِكَ ، وَلا تُبَعِّدْنِي مِنْ سَلامَتِكَ ، يا حَمِيدُ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، وَبِيَدِكَ الامْرُ كُلُّهُ وَمِنْكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ ، اللّهُمَّ الْهِمْنِي الشُّكْرَ عَلى ما اعْطَيْتَنِي ، يا مَجِيدُ انْتَ الْمَجِيدُ وَحْدَكَ لا يَفُوتُكَ شَيْءٌ وَلا يَؤُودُكَ شَيْءٌ ، فَاجْعَلْنِي مِمَّنْ يُقَدِّسُكَ وَيُمَجِّدُكَ وَيُثْنِي عَلَيْكَ.

يا احَدُ انْتَ اللّهُ الْفَرْدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً احَدٌ ، فَكُنْ لِيَ اللّهُمَّ جاراً وَمُونِساً وَحِصْناً مَنِيعاً ، يا وِتْرُ انْتَ وِتْرُ كُلِّ شَيْءٍ وَلا يَعْدِلُكَ شَيْءٌ فَاجْعَلْ عاقِبَةَ امْرِي الى خَيْرٍ وَاجْعَلْ خَيْرَ ايّامِي يَوْمَ أَلْقاكَ.

يا صَمَدُ يا مَنْ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وَلا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، احْفَظْنِي فِي تَقَلُّبِي (2) وَنَوْمِي وَيَقْظَتِي ، يا سَمِيعُ اسْمَعْ صَوْتِي ، وَارْحَمْ صَرْخَتِي.

ص: 362


1- في عطائك ( خ ل ).
2- تخيّلى ( خ ل ).

يا سَمِيعُ يا مُجِيبُ يا بَصِيرُ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمُكَ ، وَنَفَذَ فِيهِ عِلْمُكَ وَكُلُّهُ بِعَيْنِكَ ، فَانْظُرْ الَيَّ بِرَحْمَتِكَ وَلا تُعْرِضْ عَنِّي بِوَجْهِكَ ، يا رَءُوفُ انْتَ ارْأَفُ بِي مِنْ ابِي وَأُمِّي وَلَوْ لا رَأْفَتُكَ لَما عَطَفا عَلَيَّ ، فَتَمِّمْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ وَلا تُنَغِّصْنِي ما اعْطَيْتَنِي.

يا لَطِيفُ الْطُفْ بِي بِلُطْفِكَ الْخَفِيِّ ، مِنْ حَيْثُ اعْلَمُ وَمِنْ حَيْثُ لا اعْلَمُ ، انَّكَ انْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ ، يا حَفِيظُ احْفظْنِي فِي نَفْسِي وَاهْلِي وَمالِي وَوَلَدِي ، وَما حَضَرْتُهُ وَوَعَيْتُهُ ، وَغِبْتُ عَنْهُ مِنْ امْرِي بِما حَفِظْتَ بِهِ السَّماواتِ وَالأَرضِينَ وَما بَيْنَهُما ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

يا غَفُورُ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَاسْتُرْ عُيُوبِي ، وَلا تَفْضَحْنِي بِسَرائِرِي انَّكَ ارْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَيا وَدُودُ اجْعَلْ لِي مِنْكَ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَاجْعَلْ لِي ذلِكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ ، يا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ اجْعَلْنِي مِنَ الْمُسَبِّحِينَ الْمُمَجِّدِينَ لَكَ فِي آناءِ اللَّيْلِ وَأَطْرافِ النَّهارِ وَبِالْغُدُوِّ وَالآصالِ ، وَاعِنِّي عَلى ذلِكَ.

يا مُبْدِئُ أَنْتَ بَدَأْتَ الأَشْياءَ كَما تُرِيدُ وَانْتَ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْفَعَّالُ لِما تُرِيدُ ، فَاجْعَلْ لِيَ الْخِيَرَةَ فِي الْبَدْءِ وَالْعاقِبَةِ فِي الأُمُورِ ، يا مُعِيدُ انْتَ تُعِيدُ الأَشْياءَ كَما بَدَأْتَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ، اسْأَلُكَ إِعادَةَ الصِّحَّةِ وَالْمالِ وَجَلِيلِ الأَحْوالِ الَيَّ وَالتَّفَضُّلَ بِذلِكَ.

يا رَقِيبُ احْرُسْنِي بِرَقَبَتِكَ وَاعِنِّي بِحِفْظِكَ وَاكْنُفْنِي بِفَضْلِكَ وَلا تَكِلْنِي الى غَيْرِكَ ، يا شَكُورُ انْتَ الْمَشْكُورُ عَلى ما رَعِيتَ وَغَذَّيْتَ وَوَهَبْتَ وَاعْطَيْتَ وَاغْنَيْتَ ، فَاجْعَلْنِي لَكَ مِنَ الشّاكِرِينَ وَلِآلائِكَ مِنَ الْحامِدِينَ.

يا باعِثُ ابْعَثْنِي شَهِيداً صِدِّيقاً رَضِيّاً عَزِيزاً حَمِيداً مُغْتَبِطاً مَسْرُوراً مَشْكُوراً مَحْبُوراً ، يا وارِثُ تَرِثُ الارْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَالسَّماواتِ وَسُكّانَها وَجَمِيعَ ما خَلَقْتَ ، فَوَرِّثْنِي حِلْماً وَعِلْماً انَّكَ خَيْرُ الْوارِثِينَ.

يا مُحْيِي احْيِنِي حَياةً طَيِّبَةً بِجُودِكَ ، وَالْهِمْنِي شُكْرَكَ ابَداً ما ابْقَيْتَنِي ،

ص: 363

وَآتِنِي فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنِي عَذابَ النَّارِ ، يا مُحْسِنُ عُدْ عَلَيَّ اللّهُمَّ بِإِحْسانِكَ وَضاعِفْ عِنْدِي نِعْمَتَكَ وَجَمِيلَ بَلائِكَ.

يا مُمِيتُ هَوِّنْ عَلَيَّ سَكَراتِ الْمَوْتِ وَغُصَصَهُ ، وَبارِكْ لِي فِيهِ عِنْدَ نُزُولِهِ ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنَ النّادِمِينَ عِنْدَ مُفارَقَةِ الدُّنْيا ، يا مُجْمِلُ لا تُبْغِضْنِي بِما اعْطَيْتَنِي وَلا تَمْنَعْنِي ما رَزَقْتَنِي وَلا تَحْرِمْنِي ما وَعَدْتَنِي وَجَمِّلْنِي بِطاعَتِكَ.

يا مُنْعِمُ تَمِّمْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ وَآنِسْنِي بِها وَاجْعَلْنِي مِنَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَيْها ، يا مُفْضِلُ بِفَضْلِكَ أَعِيشُ وَلَكَ ارْجُو وَعَلَيْكَ اعْتَمِدُ فَاوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ وَارْزُقْنِي مِنْ حَلالِ رِزْقِكَ.

انْتَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ، وَانْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فَاجْعَلْنِي أَوَّلَ التّائِبِينَ وَمِمَّنْ يَرْوى مِنْ حَوْضِ نَبِيِّكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، يا آخِرُ انْتَ الآخِرُ وَكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ الاّ وَجْهَكَ تَعالَيْتَ عُلُوّاً كَبِيراً.

يا ظاهِرُ انْتَ الظّاهِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مَكْنُونٍ وَالْعالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ مَكْتُومٍ ، فَاسْأَلُكَ انْ تُظْهِرَ مِنْ أُمُورِي أَحَبَّها الَيْكَ ، يا باطِنُ انْتَ تُبْطِنُ فِي الأَشْياءِ مِثْلَ ما تُظْهِرُهُ فِيها وَانْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ ، فَاسْأَلُكَ اللّهُمَّ انْ تُصْلِحَ ظاهِرِي وَباطِنِي بِقُدْرَتِكَ.

يا قاهِرُ انْتَ الَّذِي قَهَرْتَ الأَشْياءَ بِقُدْرَتِكَ ، فَكُلُّ جَبّارٍ دُونَكَ وَنَواصِي الْخَلْقِ كُلُّهُمْ بِيَدِكَ ، وَكُلُّهُمْ واقِفٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَخاضِعٌ لَكَ ، يا وَهّابُ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَعِلْماً وَمالاً وَوَلَداً طَيِّباً انَّكَ انْتَ الْوَهّابُ.

يا فَتّاحُ افْتَحْ لِي أَبْوابَ رَحْمَتِكَ ، وَادْخِلْنِي فِيها ، وَاعِذْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، وَافْتَحْ لِي مِنْ فَضْلِكَ ، يا رَزّاقُ ارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ ، وَزِدْنِي مِنْ عَطائِكَ ، وَسَعَةِ ما عِنْدَكَ ، وَاغْنِنِي عَنْ خَلْقِكَ ، يا خَلاّقُ انْتَ خَلَقْتَ الأَشْياءَ بِغَيْرِ نَصَبٍ وَلا لُغُوبٍ (1) ، خَلَقْتَنِي خَلْقاً سَوِيّاً حَسَناً جَمِيلاً ، وَفَضَّلْتَنِي عَلى كَثِيرٍ

ص: 364


1- نصب : تعب واعيا ، لغب : تعب واعيا أشد الإعياء.

مِمَّنْ خَلَقْتَ تَفْضِيلاً.

يا قاضِي انْتَ تَقْضِي فِي خَلْقِكَ بِما تُرِيدُ ، فَاقْضِ لِي بِالْحُسْنى وَجَنِّبْنِي الرَّدى وَاخْتِمْ لِي بِالْحُسْنى فِي الاخِرَةِ وَالأُولى ، يا حَنّانُ تَحَنَّنْ عَلَيَّ بِرَأْفَتِكَ ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِرِزْقِكَ ، وَرَحْمَتِكَ ، وَاقْبِضْ عَنِّي يَدَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَشَيْطانٍ مَرِيدٍ ، وَاخْرِجْنِي بِعِزَّتِكَ مِنْ حِلَقِ الْمَضِيقِ الى فَرَجِكَ الْقَرِيبِ.

يا مَنّانُ امْنُنْ عَلَيَّ بِالْعافِيَةِ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَلا تَسْلُبْنِيها ابَداً ما ابْقَيْتَنِي يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، اغْفِرْ لِي بِجَلالِكَ وَكَرَمِكَ مَغْفِرَةً تُحِلُّ بِها عَنِّي قُيُودَ ذُنُوبِي وَتَغْفِرَ لِي سَيِّئاتِي انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

يا جَوادُ انْتَ الْجَوادُ الْكَرِيمُ الَّذِي لا تَبْخَلُ ، وَالْمُعْطِي الَّذِي لا تَنْكَلُ (1) ، فَجُدْ عَلَيَّ بِكَرَمِكَ وَاجْعَلْنِي شاكِراً لِانْعامِكَ ، يا قَوِيُّ خَلَقْتَ السَّماواتِ وَما فِي الارْضِ وَما بَيْنَهُما وَما فِيهِما وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ بِغَيْرِ نَصَبٍ وَلا لُغُوبٍ ، فَقَوِّنِي عَلى امْرِي بِقُوَّتِكَ.

يا شَدِيدُ اشْدُدْ ازْرِي وَاعِنِّي عَلى امْرِي وَكُنْ لِي مِنْ كُلِّ خاصَةٍ قاضِياً ، يا غالِبُ غَلَبْتَ كُلَّ غَلاّبٍ بِقُدْرَتِكَ فَاغْلِبْ بالِي وَهَوايَ حَتّى تَرُدَّهُما الى طاعَتِكَ وَاغْلِبْ بِعِزَّتِكَ مَنْ بَغى عَلَيَّ وَرامَ حَرْبِي.

يا دَيّانُ انْتَ تَحْشُرُ الْخَلْقَ وَعَلَيْكَ الْعَرْضُ وَكُلٌّ يُدِينُ لَكَ وَيَقِرُّ لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ فَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ بِعِزَّتِكَ ، يا ذَكُورُ اذْكُرْنِي فِي الْأَوَّلِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَعِنْدَ كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ.

يا خَفِيُّ انْتَ تَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى وَهُوَ ظاهِرٌ عِنْدَكَ فَاغْفِرْ لِي ما خَفِيَ عَلَى النّاسِ مِنْ امْرِي ، وَلا تَهْتِكْنِي يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى رُءُوسِ الأَشْهادِ ، يا جَلِيلُ جَلَلْتَ عَنِ الأَشْياءِ ، فَكُلُّها صَغِيرَةٌ عِنْدَكَ فَاعْطِنِي مِنْ جَلائِلِ نِعْمَتِكَ ، وَلا تَحْرِمْنِي مِنْ فَضْلِكَ.

ص: 365


1- نكله عن الشيء : صرفه ، نكل عن كذا : نكص وجبن.

يا مُنْقِذُ انْقِذْنِي مِنَ الْهَلاكِ وَاكْشِفْ عَنِّي غَمّاءَ الضَّلالاتِ ، وَخَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ مُوبِقَةٍ ، وَفَرِّجْ عَنِّي كُلَّ مُلِمَّةٍ ، يا رَفِيعُ ارْتَفَعْتَ عَنْ انْ يَبْلُغَكَ وَصْفٌ اوْ يُدْرِكَكَ نَعْتٌ اوْ يُقاسَ بِكَ قِياسٌ فَارْفَعْنِي فِي عِلِّيِّينَ.

يا قابِضُ كُلُّ شَيْءٍ فِي قَبْضَتِكَ مُحِيطٌ بِهِ قُدْرَتُكَ ، فَاجْعَلْنِي فِي ضَمانِكَ وَحِفْظِكَ وَلا تَقْبِضْ يَدَيَّ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ افْعَلُهُ ، يا باسِطُ ابْسُطْ يَدَيَّ بِالْخَيْراتِ ، وَاعْطِنِي بِقُدْرَتِكَ أَعْلى الدَّرَجاتِ.

يا واسِعُ وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ، فَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي رِزْقِي ، يا شَفِيقُ انْتَ اشْفَقُ عَلَى خَلْقِكَ مِنْ آبائِهِمْ وَأُمَّهاتِهِمْ وَارْأَفُ بِهِمْ ، فَاجْعَلْنِي شَفِيقاً رَفِيقاً وَكُنْ بِي شَفِيقاً رَفِيقاً بِرَحْمَتِكَ.

يا رَفِيقُ ارْفَقْ بِي إِذا اخْطَأْتُ وَتَجاوَزْ عَنِّى إِذا اسَأْتُ وَأْمُرْ مَلَكَ الْمَوْتِ وَأَعْوانَهُ عَلَيْهِمْ السَّلامُ انْ يَرْفَقُوا بِرُوحِي إِذا أَخْرَجُوها عَنْ جَسَدِي وَلا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ.

يا مُنْشِئُ انْشَأْتَ كُلَّ شَيْءٍ كَما ارَدْتَ وَخَلَقْتَ ما احْبَبْتَ ، فَبِتِلْكَ الْقُدْرَةِ أَنْشأنِي سَعِيداً مَسْعُوداً فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَانْشَأْتَ ذُرِّيَّتِي وَما ذَرَعْتَ وَبَذَرْتَ فِي ارْضِكَ ، وَانْشَأْ مَعاشِي وَرِزْقِي وَبارِكْ لِي فِيهِما بِرَحْمَتِكَ.

يا بَدِيعُ انْتَ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالارْضِ وَمُبْدِعُهُما وَلَيْسَ لَكَ شِبْهٌ (1) وَلا يَلْحَقُكَ وَصْفٌ ، وَلا يُحِيطُ بِكَ فَهْمٌ ، يا مَنِيعُ لا تَمْنَعْنِي ما اطْلُبُ مِنْ رَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَامْنَعْ عَنِّي كُلَّ مَحْذُورٍ وَمَخُوفٍ ، يا تَوَّابُ اقْبَلْ تَوْبَتِي وَارْحَمْ عَبْرَتِي وَاصْفَحْ عَنْ خَطِيئَتِي وَلا تَحْرِمْنِي ثَوابَ عَمَلِي.

يا قَرِيبُ قَرِّبْنِي مِنْ جِوارِكَ وَاجْعَلْنِي فِي حِفْظِكَ وَكَنَفِكَ ، وَلا تُبَعِّدْنِي عَنْكَ بِرَحْمَتِكَ ، يا مُجِيبُ اجِبْ دُعائِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَلا تَحْرِمْنِي الثَّوابَ كَما وَعَدْتَنِي.

ص: 366


1- شبيه ( خ ل ).

يا مُنْعِمُ بَدَأْتَ بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقاقِها وَقَبْلَ السُّؤالِ بِها فَكَذلِكَ إِتْمامَها بِالْكَمالِ وَالزِّيادَةِ مِنْ فَضْلِكَ يا ذَا الإِفْضالِ (1) ، يا مُفْضِلُ لَوْ لا فَضْلُكَ هَلَكْنا فَلا تُقَصِّرْ عَنّا فَضْلَكَ ، يا مَنّانُ فَامْنُنْ عَلَيْنا بِالدَّوامِ يا ذَا الإِحْسانِ.

يا مَعْرُوفُ انْتَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي لا يَجْهَلُ ، وَمَعْرُوفُكَ ظاهِرٌ لا يُنْكَلُ ، فَلا تَسْلُبْنا ما أَوْدَعْتَناهُ مِنْ مَعْرُوفِكَ بِرَحْمَتِكَ ، يا خَبِيرُ خَبَّرْتَ الأَشْياءَ قَبْلَ كَوْنِها وَخَلَقْتَها عَلى عِلْمٍ مِنْكَ بِها ، فَانْتَ أَوَّلُها وَآخِرُها ، فَزِدْنِي خَيْراً بِها الْهَمْتَنِيهِ مِنْ شُكْرِكَ وَبَصِيرَةٍ.

يا مُعْطِي اعْطِنِي مِنْ جَلِيلِ عَطاءِكَ ، وَبارِكْ لِي فِي قَضائِكَ ، وَاسْكِنِّي بِرَحْمَتِكَ فِي جِوارِكَ ، يا مُعِينُ اعِنِّي عَلى أُمُورِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ بِقُوَّتِكَ ، وَلا تَكِلْنِي فِي شَيْءٍ الى غَيْرِكَ ، يا سَتّارُ اسْتُرْ عُيُوبِي وَاغْفِرْ ذُنُوبِي وَاحْفَظْنِي فِي مَشْهَدِي وَمَغِيبِي.

يا شَهِيدُ اشْهِدُكَ اللّهُمَّ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ وَمَلائِكَتِكَ ، انَّهُ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، فَاكْتُبْ هذِهِ الشَّهادَةَ عِنْدَكَ وَنَجِّنِي بِها مِنْ عَذابِكَ ، يا فاطِرُ انْتَ فاطِرُ السَّماواتِ وَالارْضِ وَما بَيْنَهُما وَما فِيهِما فَكُنْ لِي فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَتَوَفَّنِي مُسْلِماً ، وَالْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.

يا مُرْشِدُ ارْشِدْنِي الَى الْخَيْرِ بِعِزَّتِكَ وَجَنِّبْنِي السَّيِّئاتِ بِعِصْمَتِكَ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ الْقِيامَةِ ، يا سَيِّدَ السَّاداتِ وَمَوْلَى الْمَوالِي ، الَيْكَ مَصِيرُ كُلِّ شَيْءٍ فَانْظُرْ الَيَّ بِعَيْنِ عَفْوِكَ.

يا سَيِّدُ انْتَ سَيِّدِي وَعِمادِي وَمُعْتَمَدِي ، وَذُخْرِي وَذَخِيرَتِي وَكَهْفِي فَلا تَخْذُلْنِي ، يا مُحِيطُ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمُكَ ، وَوَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَتُكَ ، فَاجْعَلْنِي فِي ضَمانِكَ ، وَحُطْنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ بِقُدْرَتِكَ.

يا مُجِيرُ اجِرْنِي مِنْ عِقابِكَ وَآمِنِّي مِنْ عَذابِكَ ، اللّهُمَّ إِنِّي خائِفٌ وَانِّي

ص: 367


1- يا ذا الفضل ( خ ل ).

مُسْتَجِيرٌ بِكَ فَاجِرْنِي مِنَ النّارِ بِرَحْمَتِكَ ، يا اهْلَ التَّقْوى وَاهْلَ الْمَغْفِرَةِ.

يا عَدْلُ انْتَ اعْدَلُ الْحاكِمِينَ وَارْحَمُ الرّاحِمِينَ ، فَالْطُفْ لَنا بِرَحْمَتِكَ ، وَآتِنا شَيْئاً بِقُدْرَتِكَ ، وَوَفِّقْنا لِطاعَتِكَ ، وَلا تَبْتَلِنا بِما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ، وَخَلِّصْنا مِنْ مَظالِمِ الْعِبادِ ، وَأَجِرْنا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِينَ وَغَشْمِ (1) الْغاشِمِينَ بِقُدْرَتِكَ ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللّهُمَّ اسْمَعْ دُعائِي ، وَاقْبَلْ ثَنائِي ، وَعَجِّلْ إِجابَتِي ، وَآتِنِي فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنِي بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النّارِ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ الطّاهِرِينَ.

فصل (6): فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة أيضا لأهل المواسم من المراسم وصدقة مولانا علي عليه السلام بالخاتم

اعلم انّ في مثل هذا يوم المباهلة ، أطلق اللّه جلّ جلاله مواهب ومراتب فاضلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، فينبغي ان يعرف منها ما يبلغ جهد الناظر إليه.

منها : انّه يوم تصدّق فيه مولانا علي عليه السلام على السّائل بخاتمه وهو راكع ، حتّى انزل جلّ جلاله على رسوله محمد صلوات اللّه عليه وسلامه :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ. ) (2)

فكانت هذه الآيات بما اشتملت عليه من الصفات ، نصّا من اللّه جلّ جلاله صريحا على مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام بالولاية من ربّ العالمين وعن سيد المرسلين

ص: 368


1- الغشم : الظلم.
2- المائدة : 54 - 57.

وانه أمير المؤمنين.

فمن الصفات فيها قوله جلّ جلاله : ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ).

وقد شهد من روى هذه الآيات من المخالف والمؤالف ان النبي صلى اللّه عليه وآله قال لمولانا علي عليه السلام لما انهزم المسلمون في خيبر : « لأعطين الرّاية غدا رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله ، كرّارا غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح اللّه عليه » (1) ،

وقال النبي عليه السلام في حديث الطائر : « اللّهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر » (2).

فكان مولانا علي سلام اللّه عليه هو المشهود له بهذه المحبّة الباهرة والصّفة الظاهرة.

ومن الصفات قوله جلّ جلاله : ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ).

ولم يجتمع هاتان الصفتان المتضادّتان في أحد من القرابة والصّحابة إلاّ في مولانا علي صلوات اللّه عليه ، فإنّه عليه السلام كان في حال التفرّغ من الحروب على الصفات المكمّلة من الذلّ لعلاّم الغيوب وحسن صحابة المؤمنين والرحمة للضعفاء والمساكين ، وكان في حال الحرب على ما هو معلوم من الشّدة على الكافرين ، والاقدام على كلّ هول في ملاقاة الابطال والظالمين ، حتّى انّ من يراه في حال احتمال أهوال الجهاد يكاد ان يقول : هذا الذي رأيناه من قبل من أذلّ العبّاد والزهّاد.

ومن الصفات قوله جلّ جلاله : ( يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ).

وما عرفنا أبدا انّ أحدا من القرابة والصحابة الّذي نازعوه في إمامته ورئاسته ، الاّ وكان له في الأمور العظائم موقف اقدام وموقف احجام الاّ مولانا علي صلوات اللّه عليه ، فإنّه كان على صفة واحدة في الاقدام عند العظائم ، لا يخاف لومة لائم منذ بعث النبي صلوات اللّه عليه إلى العباد وإلى حين انتقل مولانا علي عليه السلام إلى سلطان المعاد.

ومن الصفات وصف اللّه جلّ جلاله : ( أُولئِكَ الَّذِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ

ص: 369


1- راجع الطرائف : 55 - 59.
2- راجع الطرائف : 71 - 72.

لائِمٍ ) بالآية التي بعدها بغير فصل بلفظ خاص كشف فيه مراده جلّ جلاله لأهل البصائر والمعالم ، فقال : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ).

فبدء بولاية اللّه جلّ جلاله التي هي شاملة على جميع الخلائق ، ثم بولاية رسوله صلوات اللّه عليه على ذلك الوصف السابق ، ثم بولاية الذي تصدق بخاتمه وهو راكع ، على الوصف الواضح اللاحق ، فكيف يحسن المكابرة بعد هذا الكشف لأهل الحقائق بمحكم القرآن الناطق.

ومن الصفات قوله جلّ جلاله : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ ).

وهذا إطلاق لهؤلاء الموصوفين بالغلبة العامّة والحجّة التّامة ، وهي صفة من يكون معصوما في المسالك والمذاهب ، ولم يدّع عصمة واجبة لأحد نازع مولانا علي عليه السلام في شيء من المراتب والمناصب ، فكانت هذه الآيات دالّة على انّ مولانا عليا صلوات اللّه عليه المراد بها فيما تضمّنته من الولايات.

فصل (7): فيما نذكره من الإشارة إلى بعض من روى انّ هذه الآية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) نزلت في مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من طرق أهل الخلاف

فصل (7): فيما نذكره من الإشارة إلى بعض من روى انّ هذه الآية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (1) نزلت في مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من طرق أهل الخلاف

اعلم انّنا ذكرنا في كتاب الطرائف بعض من روى هذا من طرق المخالف ، وانا أذكر في هذا المكان من يحضرني أسماؤهم منهم لئلا يطول الكلام بذكر اخبارهم على التفصيل والبيان :

فممّن روى ذلك من أهل الخلاف مصنّف كتاب الجمع بين الصحاح الستة ، من الجزء الثالث من اجزاء الثلاثة ، ورواه الثعلبي في كتابه في تفسير القرآن عن السّدي

ص: 370


1- المائدة : 55.

وعتبة بن أبي حكيم ، ورواه أيضا عن عباية بن الربعي وعن ابن عباس وعن أبي ذر ، ورواه أيضا الشافعي ابن المغازلي من خمس طرق ، ورواه أيضا علي بن عابس وعبد اللّه بن عطاء ، ورواه الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن ، واجمع أهل البيت الذين وصفهم النبي صلوات اللّه عليه وآله انّهم لا يفارقون كتابه حتّى يردوا عليه الحوض انّ هذه الآية نزلت في مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وأطبق على ذلك الشيعة الّذين تثبت الحجّة بما أطبقوا عليه (1).

فصل (8): فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن

روينا ذلك عن جماعة من الأعيان والإخوان ، أحدهم جدّي أبو جعفر الطوسي فيما يذكره في المصباح في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة ، فقال ما هذا لفظه :

في هذا اليوم تصدّق أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بخاتمه وهو راكع للصلاة فيه ، روي عن الصادق عليه السلام انّه قال : من صلّى في هذا اليوم ركعتين قبل الزوال بنصف ساعة ، شكرا لله على ما منّ به عليه وخصّه به ، يقرأ في كلّ ركعة أم الكتاب مرّة واحدة ، وعشر مرّات ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) ، وعشر مرات آية الكرسي إلى قوله تعالى : ( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) ، وَعشر مرات ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، عدلت عند اللّه مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة ولم يسأل ، اللّه عزّ وجلّ حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الاّ قضاها له ، كائنة ما كانت إن شاء اللّه ، وهذه الصلاة بعينها رويناها في يوم الغدير » (2).

أقول : فإذا عملت ما أشرنا إليه فاعلم ، انّ من العمل الزائد الذي يعتمد عليه ، ان تجعل هذا اليوم محلاّ لبذل الصدقات على أهل الضرورات ، اقتداء بمن يعتدي به صلوات اللّه عليه ، ومبادرة واغتناما لهذا الموسم الذي كانت الصدقة فيه مفتاحا لما

ص: 371


1- رواه الزمخشري في الكشاف 1 : 624 ، الثعلبي في تفسيره عنه إحقاق الحق 2 : 402 و 4 : 59 والبحار 35 : 195 ، وفي ذخائر العقبى : 102 ، ينابيع المودة : 218 ، المناقب لابن المغازلي : 321 ، الطرائف : 47.
2- مصباح المتهجد : 758.

لم تبلغ الآمال إليه ، فعسى يأتيك من فضل اللّه جلّ جلاله عند صدقاتك ما لم يبلغ أملك إليه من سعاداتك.

فانّ لأوقات القبول أسرارا لله جلّ جلاله ما تعرف الاّ بالمنقول ، وقد نصّ القرآن العظيم والرسول الكريم انّ هذا اليوم فيه كان بذل العطاء الجزيل بالتصدق بالقليل ، ولتكن نيتك مجرّدة العبادة لله جلّ جلاله هذه الحال ، لأنّه جلّ جلاله أهل أن يعبد بما يريده من صواب الأعمال.

فصل (9): فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم كلّ وقت عند العارفين بقدر ما تفضّل اللّه جلّ جلاله على أوليائه المعظمين وعلى المسلمين

وإذا كان اللّه جلّ جلاله قد جعله محلاّ للنصّ على من يقوم مقام صاحب الرسالة ، فقد بالغ جلّ جلاله في تعظيمه بما دلّ عليه من الجلالة ، فليكن العارف بهذا المقدار مشغولا بحمد اللّه جلّ جلاله ، على ما وهب من المسارّ ودفع من الاخطار ، وعلى قدر ما أضاء بهذا اليوم من ظلمات الجهالات ، بما أنار فيه من الدّلالات ، وعلى قدر ما أوضح فيه من السبيل إلى النّعيم المقيم الجليل.

أقول : وامّا ما يختم به آخر هذا اليوم الراجح من العمل الصالح :

فاعلم انّنا قد قدّمنا في عدّة مقامات معظّمات ما يختم به ساعات تلك الأوقات ، فان ظفرت بشيء ممّا قدّمناه فاعمل في ذلك بما يقربك إلى اللّه جلّ جلاله والظفر برضاه ، ونذكر هاهنا ان تكون خاتمة نهار يوم الابتهال ويوم نصّ اللّه جلّ جلاله على مولانا علي عليه السلام بصريح مقال بعد ما ذكرناه من الأعمال.

من ان تنظر إلى جميع ما عملت فيه ، من طاعة اللّه جلّ جلاله ومراضيه ، بعين الاعتراف لله جلّ جلاله ولأهل تلك المقامات الكاملة بالمنّة العظيمة الفاضلة ، فانّ أعمالك ، وان كثرت في المقدار ، فإنّها لا تقوم بحقّ اللّه جلّ جلاله وحقوق القوم الأطهار ، بل هي من مكاسبهم ومعدودة من مناقبهم ، إذ كانوا الفاتحين لأبوابها والهادين

ص: 372

إلى صوابها.

وان تجمع بلسان الحال أطراف عباداتك وتضمّها بين يدي الذين جعلهم اللّه جلّ جلاله من أسباب حياتك وأبواب نجاتك ، وتتوجّه إليهم باللّه جلّ جلاله ، وبكل من يعزّ عليهم ، وتتوجّه إلى اللّه جلّ جلاله بهم في ان يأذن لهم في تسليم أعمالك إليهم ليصلحوا منها ما كان قاصرا ويربحوا فيها ما كان خاسرا ، ويعوّضوها بيد قبولهم ، ويدخلوها في سعة قبول اللّه جلّ جلاله لأعمالهم وبلوغ آمالهم.

ص: 373

الباب السابع: فيما نذكره مما يتعلق بليلة خمس وعشرين من ذي الحجة ويومها

اشارة

وفيه فصول :

فصل (1): فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا علي ومولاتنا فاطمة صلوات اللّه عليهما في هذه الليلة على المسكين واليتيم والأسير

روينا ذلك بعدة طرق ، منها ما ذكره جدّي أبو جعفر الطوسي في كتاب المصباح ، فقال : « وفي ليلة خمس وعشرين سنة - يعني من ذي الحجّة - تصدّق أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ، وفي اليوم الخامس والعشرين منه نزلت فيهما وفي الحسن والحسين عليهما السلام سورة هل أتى » (1).

لما مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامّة العرب ، فقال : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك وكلّ نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء ، فقال علي عليه السلام : ان براء ولداي : ممّا بهما صمت ثلاثة أيّام شكرا لله عزّ وجلّ ، وقالت فاطمة وجاريتهم فضّة مثل ذلك ، فالبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق علي عليه السلام إلى شمعون بن

ص: 374


1- مصباح المتهجد : 767.

حاريا الخيبري فاقترض منه ثلاثة أصوع من شعير.

أقول : ورويت ببعض أسانيدي ، انّ صدقة مولانا على ومولاتنا فاطمة صلوات اللّه عليهما على المسكين واليتيم والأسير كانت في ثلاث ليال ، فيمكن ان يكون أول الثلاثة ليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة.

فمن الرواية في ذلك قال : فانطلق علي عليه السلام إلى جار له من اليهود يعالج الصوف ، يقال له : شمعون بن حاريا ، فقال له : هل لك ان تعطيني جزّة من الصوف تعزلها بنت محمد صلى اللّه عليه وآله بثلاثة أصوع من شعير؟ فقال : نعم ، فأعطاه فجاء بالصوف وبالشعير ، فأخبر عليه السلام فاطمة عليها السلام بذلك ، فقبلت وأطاعت.

قالوا : فقامت فاطمة عليها السلام فطحنته واختبزت منه خمسة اقراص ، لكلّ واحد منهم قرص وصلّى عليّ مع النبي صلوات اللّه عليهما المغرب وأتى المنزل ، فوضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة ، فسمعه علي عليه السلام فأمر بإعطائه فأعطوه.

فمكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح ، فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليها السلام إلى صاع فطحنته واختبزته وصلى عليّ مع النبي عليهما السلام ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه ، فأتاهم يتيم فوقف بالباب وقال : السلام عليكم أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والديّ يوم العقبة ، اطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة. فسمعه علي عليه السلام فأمر بإعطائه فأعطوه.

ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح ، فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة عليها السلام إلى الصاع الثالث فطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي صلى اللّه عليه وآله ثم أتى المنزل ثم وضع الطعام بين يديه وأتاهم أسير فوقف بالباب فقال :

السلام عليكم أهل بيت محمد ، تأسرونا ولا تطعمونا ، فسمعه علي عليه السلام فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح.

فلمّا كان اليوم الرابع وقد وفوا نذرهم ، أخذ علي بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى

ص: 375

الحسين ، وأقبل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، فلمّا بصر به النبي صلى اللّه عليه وآله قال : يا أبا الحسن ما أشدّ ما أراه بكم ، فانطلق بنا إلى منزل فاطمة.

فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها من شدة الجوع وغارت عيناها ، فلمّا رآها النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : وا غوثاه يا اللّه أهل بيت محمد يموتون جوعا ، فهبط جبرئيل عليه السلام على محمد صلى اللّه عليه وآله فقال : يا محمد خذ ما هنّاك اللّه في أهل بيتك ، فقال : ما آخذ يا جبرئيل ، فاقرأه عليه :

« هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ - الى قوله : إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً - الى آخر السورة. » (1) أقول : وزاد محمد بن الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة : انّهم عليهم السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام.

أقول : وروي حديث نزول المائدة عليهم أيضا موفّق ، أي أحمد المكي الخوارزمي (2).

أقول : وذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في كتاب الكشاف ولكنّه لم يذكر نزولها في الوقت الّذي ذكرناه ، فقال ما هذا لفظه :

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله انّه جاع في زمن قحط ، فأهدت له فاطمة عليها السلام رغيفين وبضعة لحم ، اثرته بها ، فرجع بها إليها فقال : هلمّي يا بنيّة وكشفت عن الطبق ، فإذا هو مملوّ خبزا ولحما ، فبهتت وعلمت انها نزلت من عند اللّه ، فقال لها صلوات اللّه عليه : أنّى لك هذا؟ قال : هو من عند اللّه انّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال عليه السلام : الحمد لله الذي جعلك شبيه سيّدة نساء بني إسرائيل ، ثم جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته حتّى شبعوا وبقي الطعام كما هو وأوسعت فاطمة على جيرانها (3).

ص: 376


1- نقله بتفصيله في الطرائف : 107 إلى 109 عن الثعلبي عن ابن عباس.
2- المناقب للخوارزمي : 188.
3- الكشاف 1 : 358.

أقول : وروي حديث نزول هذه الآيات من هل أتى في مدح مولانا علي وفاطمة والحسن والحسين ، علي بن أحمد الواحدي النيشابوري المخالف لأهل البيت في كتاب أسباب النزول (1).

فصل (2): فيما نذكره من العبادات لربّ العالمين في هذه ليلة خمس وعشرين

اعلم انّ أوقات العبادات والمراد منها لله جلّ جلاله في تلك الأوقات مرجعه إلى العالم بمصالح العباد ، وما يكون أنفع لهم في الدنيا والمعاد ، لما عرفنا انّ صدقة مولانا علي ومولاتنا فاطمة صلوات اللّه عليهما في هذه الليلة بالمقدار اليسير بلغ بهم إلى المقام الكبير والثناء عليهم بلفظ الكتاب المجيد وما وهب لهم من المزيد ، وكانوا قدوة لمن اقتدى بآثارهم واهتدى بأنوارهم.

اقتضى ذلك بلسان الحال ان يكون في هذه الليلة من جملة ثواب الأعمال التصدّق على الفقراء والإسراء والأيتام والمساكين والإيثار على النفس والأقربين ، موافقة لأهل الإيثار ، ومتابعة للاطهار ، وتعرّضا لنفحات مالك المراحم والمكارم والمبار ، ودخول فيما فتحه اللّه جلّ جلاله في تلك الليلة من الأنوار والأسرار.

فصل (3): فيما نذكره ممّا يعمل يوم خامس وعشرين من ذي الحجّة

اعلم انّ هذا يوم عظيم الشأن اثنى اللّه جلّ جلاله على خاصّته ببيان لفظ مقدس القرآن ، فهو يوم يحسن ان يقرب فيه إلى اللّه جلّ جلاله بصلوات الشكر ، على ما وهب لأهل الذكر وولاة الأمر ، ويبالغ العبد فيه بحق الاعتراف والانعام والاسعاف.

روينا بإسنادنا إلى شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان ضاعف اللّه جلّ جلاله

ص: 377


1- راجع أسباب النزول للواحدي : 331 ، المناقب لابن المغازلي : 272 ، شواهد التنزيل 2 : 303 ، كفاية الطالب : 201 ، ينابيع المودة : 93 ، البحار 35 : 248.

له تحف الرضوان ، فيما ذكره في كتاب حدائق الرياض وزهرة المرتاض عند ذكر شهر ذي الحجّة فقال ما هذا لفظه :

وفي يوم الخامس والعشرين منه نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام سورة هل أتى ، ويستحب صيامه على ما أظهره اللّه تعالى ذكره من فضل صفوته وعترة رسوله وحجّته على خلقه.

أقول : وامّا صحبة هذا اليوم بحفظ حرمته والعمل في خاتمته ، فقد قدّمنا في الأيام المعظمات ما يغني عن تكراره لمن عرفه.

أقول : وفي السادس والعشرين من ذي الحجّة قتل عدوّ لأهل بيت النبوة عليهم السلام ، وفي اليوم السابع والعشرين منه كان قتل مروان وزوال دولة بني أميّة بالكليّة ، فهذا يقتضي أن يكونا يومي سرور وصوم وصلاة شكر وصدقات عند ذوي البصائر والأبصار والعنايات ، وهو مذكور وصفه في غير هذه الرويات.

ص: 378

الباب الثامن: فيما نذكره مما يتعلّق باليوم التاسع والعشرين من ذي الحجّة وما يستحبّ فيه لأهل الظفر بصواب المحجة

روينا ذلك بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رضوان اللّه جلّ جلاله عليه من كتاب حدائق الرياض المشار إليه عند ذكر اليوم التاسع والعشرين من ذي الحجّة فقال ما هذا لفظه : ويستحب صيامه شكرا لله تعالى لتفريجه عن أوليائه بموت عدوه وعدو رسوله.

أقول : وإذا كان هذا اليوم كما أشار إليه المفيد رحمه اللّه ، فينبغي ان يكون السرور فيه والعمل لله جلّ جلاله بمراضيه ، والشكر له سبحانه والثناء على برّه ، على قدر نعمة هلاك عدوّه الذي أشار إلى ذكره ، فان كان عدوا عظيما ، فليكن ما يفعله العبد في مقابلته عظيما جليلا ، ويكون الشكر لله جلّ جلاله جسيما جميلا.

أقول : وما أصحبه هذا اليوم بما يليق به من الاعتراف لله جلّ جلاله بمنّته وكمال الأوصاف عند خاتمته ، فهو ان يكون عداوتك لمن عاد اللّه جلّ جلاله لأجله ولمن عادى رسوله صلوات اللّه عليه ، على قدر ما وضع من محلّه ، ولمن عادى أولياء اللّه على قدر اسائته إليهم ، وما ادخل العدو من الضرر عليهم ، ولا تكون عداوتك لدنيا فانية ولا لأغراض واهية ، وإذا كان آخر نهار اليوم المذكور فاختمه بالآداب الّتي قدمناها في أيام السّرور.

ص: 379

الباب التاسع: فيما نذكره من عمل آخر يوم ذي الحجّة

يصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ، وعشر دفعات سورة ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) وعشر دفعات آية الكرسي ، ثم تدعوا وتقول :

اللّهُمَّ ما عَمِلْتُ فِي هذِهِ السَّنَةِ مِنْ عَمَلٍ ، نَهَيْتَنِي عَنْهُ وَلَمْ تَرْضَهُ ، وَنَسيتُهُ وَلَمْ تَنْسَهُ ، وَدَعَوْتَنِي الَى التَّوْبَةِ بَعْدَ اجْتِرائِي عَلَيْكَ ، اللّهُمَّ فَانِّي اسْتَغْفِرُكَ مِنْهُ فَاغْفِرْ لِي ، وَما عَمِلْتُ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي الَيْكَ فَاقْبَلْهُ مِنِّي ، وَلا تَقْطَعْ رَجائِي مِنْكَ يا كَرِيمُ.

قال : فإذا قلت هذا قال الشيطان : يا ويله ما تعبت فيه هذه السّنة هدمه اجمع بهذه الكلامات وشهدت له السنة الماضية انه قد ختمها بخير (1).

أقول : ووجدت في بعض الكتب لفظ آخر بعد الصلاة في هذا اليوم وهو ان يقول :

اللّهُمَّ ما عَمِلْتُ فِي هذِهِ السَّنَةِ مِنْ عَمَلٍ صالِحٍ وَوَعَدْتَنِي انْ تُعْطِيَنِي عَلَيْهِ الثَّوابَ ، فَتَقَبَّلْهُ مِنِّي بِفَضْلِكَ وَسَعَةِ رَحْمَتِكَ ، وَلا تَقْطَعْ رَجائِي ، وَلا تُخَيِّبْ دُعائِي ، اللّهُمَّ وَما عَمِلتُ فِي هذِهِ السَّنَةِ مِمّا نَهَيْتَنِي عَنْهُ ، وَتَجَرَّأْتُ عَلَيْهِ ، فَانِّي اسْتَغْفِرُكَ لِذلِكَ كُلِّهِ فَاغْفِرْ لِي يا غَفُورُ.

ص: 380


1- عنه المستدرك 6 : 397.

وهذه الرواية دلّت على انّ أوّل السنة المحرم ، وسوف نذكر ما نرويه في هذه الأسباب في أول الجزء الثاني من هذا الكتاب ونجمع بين الروايتين على وجه الثواب ان شاء اللّه تعالى.

يقول السيد الامام العالم الفقيه العلامة الفاضل البارع الزاهد العابد ، أوحد دهره وفريد عصره ، رضي الدين ركن الإسلام والمسلمين جمال العارفين أفضل السادات عند الطائفة ، ذو الحسبين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاوس الحسني قدس اللّه روحه ونور ضريحه :

وحيث رأينا ان قد وصل آخر عمل شهر ذي الحجّة إلى هذا المقدار من التّصنيف ، ومتى جعلنا كتاب الإقبال جزءا واحدا اضجر بنقل التأليف ، جعلنا آخر هذا الجزء شهر ذي الحجّة شهر المسرّات والمبرّات والبشارات.

ويكون أوّل الجزء الآخر شهر محرم شهر تشريف أهل السّعادة بتأهيلهم للشهادة والإظهار للأبرار ، ان بذل النفوس والرءوس عن حمى المالك الجبّار من صفات الأخيار الذين جادوا بالنفوس لواهبها وبالرءوس في اليقين وإيثار ربّ العالمين بما وهبك وسلّمه إليك قبل ان يخرج عن يديك وتحالب عليه ويفوتك الشرف الذي وصل إليه الباذلون لما أعطاهم المسعودون في دنياهم وأخراهم.

وهذا آخر ما أجراه اللّه جلّ جلاله على خاطري أن أذكره في الجزء الأوّل من كتاب الإقبال ، ولم يكن له عندي مسوّدة ، بل كنت أملي ما يكون صادرا عن مالك سرائري في رقاع أو بلساني ، وينقله الناسخ في الحال ، وما يكون منقولا من الروايات والكتب المصنفات ، تارة امليه من الكتاب الّذي هو فيه ، وتارة يكتبه الناسخ من الأصل بألفاظه ومعانيه ، والحمد لله جلّ جلاله كما يريد منّا وكما ترضى به عنّا.

ص: 381

ص: 382

فهرس الموضوعات

مقدمة المؤلف... 7

الباب الأول : فيما نذكره من فوائد شهر شوال ، وفيه عدة فصول :

فصل 1 : فيما نذكره مما روي في تسمية شوال... 14

فصل 2 : فيما نذكره من ان صوم الستة أيام من شوال تكون متفرقة فيه... 14

فصل 3 : فيما نذكره من صيام شوال... 15

فصل 4 : فيما نذكره من كيفية الدخول في شوال وما أنشأناه عند رؤية هلاله من الابتهال ، وما نذكره من الإشارة إلى المنسك بإجمال المقال... 15

الباب الثاني : فيما نذكره من فوائد شهر ذي القعدة ، وفيه عدة فصول :

فصل 1 : فيما نذكره من الرواية بان شهر ذي القعدة محل لإجابة الدعاء عند الشدة... 17

فصل 2 : فيما نذكره من ابتداء فوائد ذي القعدة... 18

فصل 3 : فيما نذكره في كيفية الدخول في هذا الشهر... 19

فصل 4 : فيما نذكره مما يعمل في يوم الاحد من الشهر المذكور ، وما فيه من الفضل المذخور 20

فصل 5 : فيما نذكره من فضل صوم ثلاثة أيام من الشهر الحرام... 21

فصل 6 : فيما نذكره من فضل ليلة النصف من ذي القعدة والعمل فيها... 22

فصل 7 : فيما يتعلق بدحوالأرض وإنشاء أصل البلاد وابتداء مساكن العباد... 23

فصل 8 : فيما نذكره مما يعمل يوم خمس وعشرين من ذي القعدة... 23

فصل 9 : فيما نذكره من رواية أخرى بتعيين وقت نزول الكعبة من السماء... 23

فصل 10 : فيما نذكره من زيادة رواية في فضل يوم دحوالأرض... 24

فصل 11 : فيما نذكره من التنبيه على فضل اللّه جل جلاله بدحوالأرض وبسطها لعباده ، والإشارة إلى بعض معاني ارفاده بذلك واسعاده... 24

ص: 383

فصل 12 : فيما نذكره من فضل زائد لليلة يوم دحوالأرض ويومها... 26

فصل 13 : فيما نذكره من الدعاء في يوم خمس وعشرين من ذي القعدة... 27

فصل 14 : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون المكلف عليه في اليوم المشار إليه... 29

فصل 15 : فيما نذكره مما يختم به ذلك اليوم... 30

الباب الثالث : فيما يختص بفوائد من شهر ذي الحجة وموائد للسالكين صوب المحجة ، وفيه فصول :

فصل 1 : فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله وما ننشئه من دعاء ذلك وابتهاله... 31

فصل 2 : فيما نذكره في كيفية الدخول في شهر ذي القعدة... 32

فصل 3 : فيما نذكره من فضل العشر الأول من ذي الحجة على سبيل الاجمال... 33

فصل 4 : فيما نذكره من زيادة فضل لعشر ذي الحجة على بعض التفصيل... 34

فصل 5 : فيما نذكره من فضل صلاة تصلى كل ليلة من عشر ذي الحجة... 35

فصل 6 : فيما نذكره من فضل أول يوم من ذي الحجة... 36

ذكر رواية في شرح ما جرى في ذلك اليوم... 37

ذكر رواية أخرى في شرح ما جرى في ذلك اليوم ، وكلام للمؤلف فيه... 41

ذكر اعمال لهذا اليوم... 44

فصل 7 : فيما نذكره من فضل صوم التسعة أيام من عشر ذي الحجة... 48

فصل 8 : في صلاة ركعتين قبل الزوال في أول يوم من ذي الحجة... 49

فصل 9 : فيمن يريد ان يكفي شر ظالم فيعمل أول يوم من ذي الحجة... 49

فصل 10 : فيما نذكره من فضل اليوم الثامن من ذي الحجة ، وهو يوم التروية... 49

فصل 11 : فيما نذكره من فضل ليلة عرفة... 49

فصل 12 : فيما نذكره من دعاء في ليلة عرفة... 50

ذكر عمل أخرى في هذه الليلة... 55

فصل 13 : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام ليلة عرفة... 56

فصل 14 : فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة... 56

فصل 15 : فيما نذكره من الاهتمام بالدلالة على الامام يوم عرفة عند اجتماع الأنام ، لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الاسلام... 57

فصل 16 : فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة والخلاف في ذلك... 59

فصل 17 : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة... 61

فصل 18 : فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصة بالحسين عليه السلام يوم عرفة... 62

فصل 19 : فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج المعتاد ، وهل الاجتماع

ص: 384

للدعاء يوم عرفة أفضل أو الانفراد... 67

فصل 20 : فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة أين كان من البلاد... 68

فصل 21 : فيما نذكره من صلاة تختص بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين... 69

فصل 22 : فيما نذكره من أدعية يوم عرفة... 70

كلام للمؤلف في الترغيب في العمل في هذا اليوم... 70

ذكر بعض الدعوات... 72

ذكر دعاء مولانا الحسين عليه السلام... 74

ذكر دعاء علي بن الحسين عليهما السلام للموقف... 87

ذكر دعاء اخر لعلي بن الحسين عليهما السلام... 102

ذكر دعاء اخر لعلي بن الحسين عليهما السلام... 113

ذكر دعاء الصادق عليه السلام في يوم عرفة... 117

ذكر دعاء اخر للصادق عليه السلام في يوم عرفة... 140

ذكر دعاء اخر للصادق عليه السلام... 149

دعاء آخر من يوم عرفة... 155

دعاء آخر في يوم عرفة... 160

دعاء آخر في عشية عرفة... 162

أدعية أخرى في عشية عرفة... 187

فصل 23 : فيما نذكره مما ينبغي ان يختم به يوم عرفة... 188

الباب الرابع : فيما نذكره مما يتعلق بليلة الأضحى ويوم عيدها ، وفيه فصول :

فصل 1 : فيما نذكره من فضل احياء ليلة عيد الأضحى... 189

فصل 2 : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام عيد الأضحى... 190

فصل 3 : فيما نذكره من الإشارة إلى فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم الأضحى ، وبماذا يزار... 190

فصل 4 : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون أهل السعادات والاقبال عليه يوم الأضحى من الأحوال... 191

فصل 5 : فيما نذكره من الرواية بغسل يوم الأضحى... 193

فصل 6 : فيما نذكره مما يعتمد الانسان في يوم الأضحى عليه بعد الغسل المشار إليه... 193

فصل 7 : فيما نذكره من صفة صلاة العيد يوم الأضحى... 201

ذكر دعاء اخر في هذا اليوم... 209

ذكر دعاء بعد صلاة العيد... 220

ص: 385

فصل 8 : فيما نذكره من فضل الأضحية وتأكيدها في السنة المحمدية... 223

فصل 9 : فيما نذكره من رواية عن كم تجزى الأضحية وما يقال عند الذبح... 234

فصل 10 : فيما نذكره من تعيين أيام وقت الأضاحي... 235

فصل 11 : فيما نذكره من قسمة لحم الأضحية... 235

فصل 12 : فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الأضحى... 236

الباب الخامس : فيما نذكره مما يختص بعيد الغدير في ليلته ويومه ، من صلاة ودعاء ، وشرف ذلك اليوم وفضل صومه ، وفيه فصول :

فصل 1 : فيما نذكره من عمل ليلة الغدير... 237

فصل 2 : فيما نذكره من مختصر الوصف مما رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير من الكشف... 239

فصل 3 : في بعض تفصيل ما جرت عليه حال يوم الغدير من التعظيم والتبجيل... 240

فصل 4 : فيما نذكره من فضل اللّه جل جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد ، وما فيه من المنة على العباد... 252

فصل 5 : فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند أهل العقول من طريق المنقول... 254

فصل 6 : فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطي... 260

فصل 7 : فيما نذكره أيضا من فضل يوم الغدير ، برواية جماعة من ذوي الفضل الكثير ، وهي قطرة من بحر غزير... 263

فصل 8 : فيما نذكره من جواب من سأل عما في يوم الغدير من الفضل وقصر فهمه عما ذكرناه من ذلك من الفضل... 265

فصل 9 : فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السماوات برواية الثقات ، وفضل زيارته عليه السلام في ذلك الميقات... 268

فصل 10 : فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من المخالفين... 270

فصل 11 : فيما نذكره من الإشارة إلى من زاره من الأئمة من ذريته عليه وعليهم أفضل السلام ، وغيرهم من عترته من ملوك الاسلام... 271

فصل 12 : فيما نذكره من آيات رأيتها أنا عند ضريحه الشريف غير ما رويناه وسمعنا به ، من آياته التي تحتاج إلى مجلدات وتصانيف... 271

فصل 13 : فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا علي صلوات اللّه عليه في يوم الغدير المشار إليه... 272

فصل 14 : فيما نذكره من عودة تعوذ بها النبي صلى اللّه عليه وآله في يوم الغدير... 275

ص: 386

فصل 15 : فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد ، مما رويناه بصحيح الاسناد... 276

ذكر دعاء آخر في يوم عيد الغدير... 279

ذكر دعاء آخر في يوم الغدير... 282

ذكر دعاء آخر في يوم الغدير... 289

ذكر دعاء آخر في يوم الغدير... 303

ذكر دعاء آخر في يوم الغدير... 304

فصل 16 : فيما نذكره من زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام ، يزار بها بعد الصلاة والدعاء يوم الغدير السعيد ، من قريب أو بعيد... 306

فصل 17 : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون عليه حال أولياء هذا العيد السعيد في اليوم المعظم المشار إليه... 307

فصل 18 : فيما نذكره من فضل تفطير الصائمين فيه... 308

فصل 19 : فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الغدير... 309

الباب السادس : فيما يتعلق بمباهلة سيد أهل الوجود لذوي الجحود الذي لا يساوي ولا يجازي ، وظهور حجته على النصارى والحبارى ، وان في يوم مثله تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم ، ونذكر ما يعمل من المراسم ، وفيه فصول :

فصل 1 : فيما نذكره من انفاذ النبي صلى اللّه عليه وآله لرسله إلى نصارى نجران ودعائهم إلى الاسلام والايمان ومناظرتهم فيما بينهم ، وظهور تصديقه فيما دعا إليه... 310

فصل 2 : فيما نذكره من زيادة في فضل أهل المباهلة والسعادة... 349

فصل 3 : فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول... 351

فصل 4 : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون أهل المعرفة بحقوق المباهلة ، من الاعتراف بنعم اللّه جل جلاله الشاملة... 353

فصل 5 : فيما نذكره من عمل يوم باهل اللّه فيه باهل السعادات وندب إلى صوم أو صلوات أو دعوات... 354

دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في يوم المباهلة... 356

دعاء المباهلة والإنابة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام... 359

فصل 6 : فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة أيضا لأهل المواسم من المراسم ، وصدقة مولانا علي عليه السلام بالخاتم... 368

فصل 7 : فيما نذكره من الإشارة إلى بعض من روي ان هذه الآية : انما وليكم اللّه ، نزلت في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من طرق أهل الخلاف... 370

ص: 387

فصل 8 : فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن... 371

فصل 9 : فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم كل وقت عند العارفين بقدر ما تفضل اللّه جل جلاله على أوليائه المعظمين وعلى المسلمين... 372

الباب السابع : فيما نذكره مما يتعلق بليلة خمس وعشرين من ذي الحجة ويومها ، وفيه فصول :

فصل 1 : فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا علي ومولاتنا فاطمة صلوات اللّه عليهما في هذه الليلة على المسكين واليتيم والأسير... 374

فصل 2 : فيما نذكره من العبادات لرب العالمين في هذه ليلة خمس وعشرين... 377

فصل 3 : فيما نذكره مما يعمل يوم خامس وعشرين من ذي الحجة... 377

الباب الثامن : فيما نذكره مما يتعلق باليوم التاسع والعشرين من ذي الحجة وما يستحب فيه لأهل الظفر بصواب المحجة... 379

الباب التاسع : فيما نذكره من عمل آخر يوم ذي الحجة... 380

ص: 388

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.