بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار المجلد 64

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.

عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 64: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.

عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].

مظهر: ج - عينة.

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].

ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).

ملاحظة: فهرس.

محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-

عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق

ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح

تصنيف ديوي: 297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946

ص: 1

كتاب الإیمان و الكفر

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد لله الذی فضل نوع الإنسان علی سائر الحیوان بالإسلام و الإیمان و جعل لهما جنودا من مكارم الشیم و محاسن الخصال لتكون لهما حصونا من نزعات الشیطان و الصلاة و السلام علی النبی الكریم الرءوف الرحیم الموصوف بالخلق العظیم المبعوث لتتمیم مكارم الأخلاق محمد و آله المخصوصین بین أصناف البرایا بأطیب الأعراق المنصوصین بالفضل و الشرف فی السبع الطباق الممدوحین بأطهر الصفات و أفخر السمات فی جمیع الآفاق أما بعد فهذا هو المجلد الخامس عشر من كتاب بحار الأنوار فی بیان الإسلام و الإیمان و شرائطهما و توابعهما من مكارم الأخلاق و محاسن الأعراق و آداب معاشرة أصناف الخلق من الأقارب و الأجانب و بیان معانی الكفر و ما یوجبه و النفاق و ما یستلزمه من مقابح الخصال و مذامّ الخلال و قد أفردت لأبواب العشرة كتابا لصلوحها لجعلها مجلدا برأسها و إن أدخلناها فی هذا المجلد فی الفهرس المذكور فی أول الكتاب و أطلب من اللّٰه المعونة فی نیل الحق و الصواب فی كل باب

أبواب الإیمان و الإسلام و التشیع و معانیها و فضلها و صفاتها

اشارة

أقول: سیجی ء فی كتاب العشرة و فی كتاب الآداب و السنن ما یتعلّق بهذه الأبواب من الأخبار فانتظره.

باب 1 فضل الإیمان و جمل شرائطه

الآیات

البقرة هُدیً لِلْمُتَّقِینَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ وَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلی هُدیً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) و قال تعالی وَ بَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا

الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ الآیة(2)

و قال تعالی وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ (3) و قال عز و جل وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (4)

ص: 2


1- 1. البقرة: 1- 5.
2- 2. البقرة: 25.
3- 3. البقرة: 41.
4- 4. السورة: 72.

و قال تعالی أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ یَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْیٌ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ یُرَدُّونَ إِلی أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (1) و قال جل و علا قُلْ بِئْسَما یَأْمُرُكُمْ بِهِ إِیمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (2) و قال عز من قائل مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِیلَ وَ مِیكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِینَ (3) و قال تعالی قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلی إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِیَ مُوسی وَ عِیسی وَ ما أُوتِیَ النَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِی شِقاقٍ فَسَیَكْفِیكَهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (4) و قال سبحانه إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (5) و قال تعالی فَمَنْ یَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی لَا انْفِصامَ لَها وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ اللَّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ إلی قوله هُمْ فِیها خالِدُونَ (6) و قال تعالی إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِیَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (7) و قال سبحانه آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَیْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا

ص: 3


1- 1. البقرة: 85.
2- 2. السورة: 93.
3- 3. السورة: 98.
4- 4. البقرة: 136 و 137.
5- 5. السورة: 248.
6- 6. البقرة: 256 و 257.
7- 7. السورة: 277 و 278.

غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَیْكَ الْمَصِیرُ(1) آل عمران إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (2) و قال تعالی وَ أَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَیُوَفِّیهِمْ أُجُورَهُمْ وَ اللَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ (3) و قال سبحانه إِنَّ أَوْلَی النَّاسِ بِإِبْراهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِیُّ وَ الَّذِینَ

آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِیُّ الْمُؤْمِنِینَ (4) و قال تعالی قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ عَلَیْنا وَ ما أُنْزِلَ عَلی إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِیَ مُوسی وَ عِیسی وَ النَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (5) و قال سبحانه وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ (6) و قال عز و علا فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِیمٌ (7) و قال عز و جل وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ خاشِعِینَ لِلَّهِ لا یَشْتَرُونَ بِآیاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ (8) النساء وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً لَهُمْ فِیها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِیلًا(9) و قال تعالی وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِیلًا(10)

ص: 4


1- 1. البقرة: 285.
2- 2. آل عمران: 49.
3- 3. آل عمران: 57.
4- 4. السورة: 68.
5- 5. السورة: 84.
6- 6. السورة: 152.
7- 7. آل عمران: 179.
8- 8. آل عمران: 199.
9- 9. النساء: 57.
10- 10. النساء: 122.

و قال تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِی نَزَّلَ عَلی رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِی أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ یَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِیداً(1) و قال تعالی وَ سَوْفَ یُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ أَجْراً عَظِیماً(2) و قال سبحانه وَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لَمْ یُفَرِّقُوا بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ یُؤْتِیهِمْ أُجُورَهُمْ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً(3) و قال جل و علا فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَیُوَفِّیهِمْ أُجُورَهُمْ وَ یَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَمَّا الَّذِینَ اسْتَنْكَفُوا وَ اسْتَكْبَرُوا فَیُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِیماً وَ لا یَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا وَ لا نَصِیراً(4) و قال فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَیُدْخِلُهُمْ فِی رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ یَهْدِیهِمْ إِلَیْهِ صِراطاً مُسْتَقِیماً(5) المائدة وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِیمٌ (6) و قال سبحانه وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ لَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِیمِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِیلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَ كَثِیرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما یَعْمَلُونَ (7) و قال تعالی إِنَّ

الَّذِینَ آمَنُوا وَ الَّذِینَ هادُوا وَ الصَّابِئُونَ وَ النَّصاری مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ (8)

ص: 5


1- 1. النساء: 136.
2- 2. النساء: 146.
3- 3. السورة: 152.
4- 4. النساء: 173.
5- 5. النساء: 175.
6- 6. المائدة: 9.
7- 7. المائدة: 66.
8- 8. المائدة: 69، و مثلها فی سورة البقرة الآیة 62، و سورة الحجّ الآیة: 17.

الأنعام فَمَنْ آمَنَ وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ (1) و قال سبحانه وَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ هُمْ عَلی صَلاتِهِمْ یُحافِظُونَ (2) و قال عز و علا إِنَّ فِی ذلِكُمْ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (3) و قال جل و عز أَ وَ مَنْ كانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِی الظُّلُماتِ لَیْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُیِّنَ لِلْكافِرِینَ ما كانُوا یَعْمَلُونَ (4) و قال تعالی وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِیماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَذَّكَّرُونَ لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ هُوَ وَلِیُّهُمْ بِما كانُوا یَعْمَلُونَ (5) و قال تعالی وَ أَنَّ هذا صِراطِی مُسْتَقِیماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِیلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (6) و قال تعالی هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّكَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّكَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (7) و قال تعالی قُلْ إِنَّنِی هَدانِی رَبِّی إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ دِیناً قِیَماً مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ (8) الأعراف اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَیْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ قَلِیلًا ما تَذَكَّرُونَ (9) و قال تعالی وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (10) و قال سبحانه وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ كُلَّ شَیْ ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَ یُؤْتُونَ

ص: 6


1- 1. الأنعام: 48.
2- 2. الأنعام: 92.
3- 3. السورة: 99.
4- 4. السورة: 122.
5- 5. السورة: 127.
6- 6. الأنعام: 153.
7- 7. الأنعام: 158.
8- 8. الأنعام: 161.
9- 9. الأعراف: 3.
10- 10. الأعراف: 42.

الزَّكاةَ وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِنا یُؤْمِنُونَ الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِی كانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) الأنفال وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ

جاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ الَّذِینَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ (2) التوبة الَّذِینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (3) و قال تعالی وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ مَساكِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (4) یونس وَ بَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (5) و قال تعالی إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ یَهْدِیهِمْ رَبُّهُمْ بِإِیمانِهِمْ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ (6) و قال تعالی الَّذِینَ آمَنُوا وَ كانُوا یَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ(7) و قال عز و جل وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ (8) و قال جل و علا حَتَّی إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِی

ص: 7


1- 1. الأعراف: 156 و 157.
2- 2. الأنفال: 73 و 74.
3- 3. براءة: 20.
4- 4. براءة: 72.
5- 5. یونس: 2.
6- 6. یونس: 9.
7- 7. یونس: 63 و 64.
8- 8. یونس: 87.

آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ (1) و قال سبحانه كَذلِكَ حَقًّا عَلَیْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِینَ قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِی شَكٍّ مِنْ دِینِی فَلا أَعْبُدُ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِی یَتَوَفَّاكُمْ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِینَ (2) هود إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلی رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ مَثَلُ الْفَرِیقَیْنِ كَالْأَعْمی وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِیرِ وَ السَّمِیعِ هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلًا أَ فَلا تَذَكَّرُونَ (3) الرعد قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَ النُّورُ(4) إبراهیم وَ أُدْخِلَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ أَ لَمْ تَرَ كَیْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَیِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ تُؤْتِی أُكُلَها كُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَكَّرُونَ وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ وَ یُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ وَ یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ(5) النحل ثُمَّ أَوْحَیْنا إِلَیْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ (6)

أسری وَ یُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِیراً(7) الكهف وَ یُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِینَ فِیهِ أَبَداً(8)

ص: 8


1- 1. یونس: 91.
2- 2. یونس: 102- 105.
3- 3. هود: 23 و 24.
4- 4. الرعد: 16.
5- 5. إبراهیم: 23- 27.
6- 6. النحل: 123.
7- 7. أسری: 9.
8- 8. الكهف: 2- 3.

و قال تعالی إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ(1) و قال سبحانه وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدی وَ یَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِینَ أَوْ یَأْتِیَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا(2) و قال تعالی إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خالِدِینَ فِیها لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا(3) مریم إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا یُظْلَمُونَ شَیْئاً(4) و قال تعالی إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا(5) طه وَ مَنْ یَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلی جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّی (6) و قال تعالی وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدی (7) الأنبیاء فَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْیِهِ وَ إِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (8) الحج إِنَّ اللَّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یُرِیدُ(9) و قال تعالی إِنَّ اللَّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِیها حَرِیرٌ وَ هُدُوا

ص: 9


1- 1. الكهف: 30- 31.
2- 2. الكهف: 55.
3- 3. الكهف: 108 و 109.
4- 4. مریم: 60.
5- 5. مریم: 96.
6- 6. طه: 75 و 76.
7- 7. طه: 82.
8- 8. الأنبیاء: 94.
9- 9. الحجّ: 14.

إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلی صِراطِ الْحَمِیدِ(1) و قال تعالی إِنَّ اللَّهَ یُدافِعُ عَنِ الَّذِینَ آمَنُوا(2) و قال تعالی فَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ (3) و قال تعالی وَ إِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِینَ آمَنُوا إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (4) و قال تعالی فَالَّذِینَ

آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ (5) المؤمنون قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ إلی قوله أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِینَ یَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِیها خالِدُونَ (6) النور وَ یَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا ثُمَّ یَتَوَلَّی فَرِیقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِینَ إلی قوله إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِینَ إِذا دُعُوا إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمْ أَنْ یَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (7) و قال سبحانه إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلی أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ یَذْهَبُوا حَتَّی یَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ (8) النمل هُدیً وَ بُشْری لِلْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ (9) القصص فَأَمَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَعَسی أَنْ یَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِینَ (10) العنكبوت الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَكُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْكاذِبِینَ (11)

ص: 10


1- 1. الحجّ: 23 و 24.
2- 2. الحجّ: 38.
3- 3. الحجّ: 50.
4- 4. الحجّ: 54.
5- 5. الحجّ: 56.
6- 6. المؤمنون: 1- 11.
7- 7. النور: 47- 51.
8- 8. النور: 62.
9- 9. النمل: 2- 3.
10- 10. القصص: 67.
11- 11. العنكبوت: 1- 3.

و قال تعالی وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِی كانُوا یَعْمَلُونَ (1) و قال سبحانه وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِی الصَّالِحِینَ إلی قوله وَ لَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِینَ (2) و قال تعالی إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (3) و قال سبحانه وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ أُنْزِلَ إِلَیْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَ كَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَیْكَ الْكِتابَ فَالَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْكِتابَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مِنْ هؤُلاءِ مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (4) و قال عز و جل أَ وَ لَمْ یَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَیْكَ الْكِتابَ یُتْلی عَلَیْهِمْ إِنَّ فِی ذلِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْری لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (5) و قال سبحانه وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً إلی قوله یَتَوَكَّلُونَ (6) الروم فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِی رَوْضَةٍ یُحْبَرُونَ (7) و قال تعالی فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ مُنِیبِینَ إِلَیْهِ وَ اتَّقُوهُ وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِینَ مِنَ الَّذِینَ فَرَّقُوا

دِینَهُمْ وَ كانُوا شِیَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ (8) و قال سبحانه فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ الْقَیِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ یَوْمَئِذٍ یَصَّدَّعُونَ إلی قوله لِیَجْزِیَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ

ص: 11


1- 1. العنكبوت: 7.
2- 2. العنكبوت: 9- 11.
3- 3. العنكبوت: 24.
4- 4. السورة 46 و 47.
5- 5. السورة: 51.
6- 6. السورة: 58 و 59.
7- 7. الروم: 15.
8- 8. الروم: 30- 32.

فَضْلِهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْكافِرِینَ (1) و قال إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ یُؤْمِنُ بِآیاتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (2) لقمان إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِیمِ خالِدِینَ فِیها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ (3) التنزیل إِنَّما یُؤْمِنُ بِآیاتِنَا الَّذِینَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا یَسْتَكْبِرُونَ (4) و قال تعالی أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوی نُزُلًا بِما كانُوا یَعْمَلُونَ (5) الأحزاب وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِیراً(6) سبأ لِیَجْزِیَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ (7) فاطر 19 وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِیرٌ(8) و قال سبحانه وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ(9) الآیة یس لِیُنْذِرَ مَنْ كانَ حَیًّا الآیة(10) المؤمن الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ الآیات (11) و قال تعالی وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ الآیة(12)

و قال سبحانه إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ(13)

ص: 12


1- 1. الروم: 43- 45.
2- 2. الروم: 53.
3- 3. لقمان: 8 و 9.
4- 4. السجدة: 15.
5- 5. السجدة: 18 و 19.
6- 6. الأحزاب: 47.
7- 7. سبأ: 4.
8- 8. سبأ: 7.
9- 9. السورة: 19.
10- 10. یس: 70.
11- 11. المؤمن: 6- 9.
12- 12. المؤمن: 40.
13- 13. المؤمن: 51.

و قال تعالی وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ الآیة(1) و قال تعالی فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِینَ فَلَمْ یَكُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (2) السجدة إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ

عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ (3) حمعسق شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّینِ ما وَصَّی بِهِ نُوحاً وَ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْكَ وَ ما وَصَّیْنا بِهِ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی وَ عِیسی أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ كَبُرَ عَلَی الْمُشْرِكِینَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ اللَّهُ یَجْتَبِی إِلَیْهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی إِلَیْهِ مَنْ یُنِیبُ (4) و قال تعالی وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِی رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِیرُ ذلِكَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ (5) و قال سبحانه وَ یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ یَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ (6) الزخرف الَّذِینَ آمَنُوا بِآیاتِنا وَ كانُوا مُسْلِمِینَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (7) الجاثیة فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَیُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِی رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِینُ (8) الأحقاف إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِینَ فِیها جَزاءً بِما كانُوا یَعْمَلُونَ (9) محمد الَّذِینَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ وَ الَّذِینَ

ص: 13


1- 1. المؤمن: 58.
2- 2. المؤمن: 84 و 85.
3- 3. فصّلت: 8.
4- 4. الشوری: 13.
5- 5. الشوری: 22 و 23.
6- 6. الشوری: 26.
7- 7. الزخرف: 69 و 70.
8- 8. الجاثیة: 30.
9- 9. الأحقاف: 13 و 14.

آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلی مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ یَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (1) و قال تعالی ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِینَ لا مَوْلی لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ(2) الفتح لِیُدْخِلَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ یُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِیماً(3) و قال تعالی فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوی وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیماً(4) و قال سبحانه وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِیماً(5) الحجرات وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْكُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَیْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْیانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ (6) الذاریات إِنَّكُمْ لَفِی قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ یُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (7) و قال تعالی وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْری تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ (8)

الحدید آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ فَالَّذِینَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ أَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِیرٌ وَ ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَ قَدْ أَخَذَ مِیثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ هُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ عَلی عَبْدِهِ آیاتٍ بَیِّناتٍ لِیُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ (9)

ص: 14


1- 1. القتال: 1- 3.
2- 2. القتال: 11- 12.
3- 3. الفتح: 5.
4- 4. الفتح: 26.
5- 5. الفتح: 29.
6- 6. الحجرات: 1- 7.
7- 7. الذاریات: 8- 9.
8- 8. الذاریات: 55.
9- 9. الحدید: 7- 9.

إلی قوله یَوْمَ تَرَی الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ یَسْعی نُورُهُمْ بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ بِأَیْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْیَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (1) إلی قوله تعالی وَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ وَ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآیاتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِیمِ إلی قوله تعالی سابِقُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ (2) و قال عز و جل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ یُؤْتِكُمْ كِفْلَیْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ یَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ یَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ (3) الحشر لا یَسْتَوِی أَصْحابُ النَّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (4) الصف یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلی تِجارَةٍ تُنْجِیكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ یَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ یُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساكِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ وَ أُخْری تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِیبٌ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ لِلْحَوارِیِّینَ مَنْ أَنْصارِی إِلَی اللَّهِ قالَ الْحَوارِیُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلی عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِینَ (5) المنافقین وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِینَ لا یَعْلَمُونَ (6) التغابن فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِی أَنْزَلْنا وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ

ص: 15


1- 1. الحدید: 12.
2- 2. الحدید: 19- 21.
3- 3. الحدید: 28.
4- 4. الحشر: 20.
5- 5. الصف: 1- 14.
6- 6. المنافقین: 8.

یَوْمَ یَجْمَعُكُمْ لِیَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ یَوْمُ التَّغابُنِ وَ مَنْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ یَعْمَلْ صالِحاً یُكَفِّرْ عَنْهُ سَیِّئاتِهِ وَ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ إلی قوله تعالی وَ مَنْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ یَهْدِ قَلْبَهُ (1) الطلاق الَّذِینَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَیْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا یَتْلُوا عَلَیْكُمْ آیاتِ اللَّهِ مُبَیِّناتٍ لِیُخْرِجَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ مَنْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ

یَعْمَلْ صالِحاً یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً(2) التحریم یَوْمَ لا یُخْزِی اللَّهُ النَّبِیَّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ یَسْعی بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ بِأَیْمانِهِمْ یَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ(3) الملك أَ فَمَنْ یَمْشِی مُكِبًّا عَلی وَجْهِهِ أَهْدی أَمَّنْ یَمْشِی سَوِیًّا عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (4) القلم أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِینَ كَالْمُجْرِمِینَ ما لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ (5) الجن فَمَنْ یُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا یَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً(6) المطففین إِنَّ الَّذِینَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا یَضْحَكُونَ وَ إِذا مَرُّوا بِهِمْ یَتَغامَزُونَ وَ إِذَا انْقَلَبُوا إِلی أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِینَ وَ إِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ وَ ما أُرْسِلُوا عَلَیْهِمْ حافِظِینَ فَالْیَوْمَ الَّذِینَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ یَضْحَكُونَ عَلَی الْأَرائِكِ یَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا یَفْعَلُونَ (7) الإنشقاق إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ (8) البروج إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا

ص: 16


1- 1. التغابن: 8- 11.
2- 2. الطلاق: 10- 11.
3- 3. التحریم: 8.
4- 4. الملك: 22.
5- 5. القلم: 35- 36.
6- 6. الجن: 13.
7- 7. المطففین: 29- 36.
8- 8. الانشقاق: 25.

الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِیرُ(1) البلد ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَیْمَنَةِ(2) التین إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ (3) البینة إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ (4) العصر وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ السورة(5).

تفسیر

هُدیً أی بیان من الضلالة لِلْمُتَّقِینَ (6) الذین یتقون الموبقات و یتقون تسلیط السفه علی أنفسهم حتی إذا علموا ما یجب علیهم علمه عملوا بما یوجب لهم رضی ربهم و سیأتی

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: الْمُتَّقُونَ شِیعَتُنَا.

و إنما خصّ المتقین بالاهتداء به لأنهم المنتفعون به.

الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ أی بما غاب عن حواسهم من توحید اللّٰه و نبوة الأنبیاء و قیام القائم علیه السلام و الرجعة و البعث و الحساب و الجنة و النار و سائر الأمور التی یلزمهم الإیمان بها مما لا یعرف بالمشاهدة و إنما یعرف بدلائل نصبها اللّٰه عز و جل علیه وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ بإتمام ركوعها و سجودها و حفظ مواقیتها و حدودها و صیانتها مما یفسدها أو ینقصها وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال و القوی و الأبدان و الجاه و العلم یُنْفِقُونَ أی یتصدقون یحتملون

ص: 17


1- 1. البروج: 11.
2- 2. البلد: 17- 18.
3- 3. التین: 6.
4- 4. البینة: 7- 8.
5- 5. العصر: 1- 3.
6- 6. البقرة: 2.

الكل و یؤدون الحقوق لأهالیها و یقرضون و یقضون الحاجات و یأخذون بأیدی الضعفاء یقودون الضریر و ینجون الضعفاء من المهالك و یحملون عنهم المتاع و یركبون الراجلین و یؤثرون من هو أفضل منهم فی الإیمان علی أنفسهم بالمال و النفس و یساوون من كان فی درجتهم فیه و یبذلون العلم لأهله و یروون فضائل أهل البیت علیهم السلام لمحبیهم و لمن یرجون هدایته أكثر ما تقدم مأخوذ من تفسیر الإمام علیه السلام (1).

وَ فِی مَعَانِی الْأَخْبَارِ وَ الْعَیَّاشِیِّ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَیْ مِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ یَبُثُّونَ (2).

بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ أی من القرآن و الشریعة وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من التوراة و الإنجیل و الزبور و صحف إبراهیم و سائر كتب اللّٰه المنزلة بأنها حق و صدق من عند رب صادق حكیم كما قال الإمام علیه السلام (3).

وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ قَالَ علیه السلام بِالدَّارِ الْآخِرَةِ بَعْدَ هَذِهِ الدُّنْیَا یُوقِنُونَ لَا یَشُكُّونَ فِیهَا أَنَّهَا الدَّارُ الَّتِی فِیهَا جَزَاءُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا عَمِلُوا وَ عِقَابُ الْأَعْمَالِ السَّیِّئَةِ بِمِثْلِ مَا كَسَبُوهُ أُولئِكَ عَلی هُدیً مِنْ رَبِّهِمْ قَالَ علیه السلام أَخْبَرَ عَزَّ جَلَالُهُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَوْصُوفِینَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ.

عَلی هُدیً أی بیان و صواب مِنْ رَبِّهِمْ و علم بما أمرهم به وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أی الناجون مما منه یوجلون الفائزون بما یأملون

وَ قَالَ علیه السلام: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی- وَ بَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا(4) بِاللَّهِ وَ صَدَّقُوكَ فِی نُبُوَّتِكَ فَاتَّخَذُوكَ إِمَاماً وَ صَدَّقُوكَ فِی أَقْوَالِكَ وَ صَوَّبُوكَ فِی أَفْعَالِكَ وَ اتَّخَذُوا

ص: 18


1- 1. یعنی التفسیر المنسوب الی الامام العسكریّ علیه السلام.
2- 2. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 26. و فیه« ینبئون».
3- 3. یعنی الامام العسكریّ فی التفسیر المنسوب إلیه علیه السلام.
4- 4. سورة البقرة: 25.

أَخَاكَ عَلِیّاً بَعْدَكَ إِمَاماً وَ لَكَ وَصِیّاً مَرْضِیّاً وَ انْقَادُوا لِمَا یَأْمُرُهُمْ بِهِ وَ صَارُوا إِلَی مَا أَصَارَهُمْ إِلَیْهِ وَ رَأَوْا لَهُ مَا یَرَوْنَ لَكَ إِلَّا النُّبُوَّةَ الَّتِی أُفْرِدْتَ بِهَا.

و أن الجنة لا تصیر لهم إلا بموالاته و موالاة من ینص لهم علیه من ذریته و موالاة سائر أهل ولایته و معاداة أهل مخالفته و عداوته و أن النیران لا تهدأ عنهم و لا یعدل بهم عن عذابها إلا بتنكبهم عن موالاة مخالفیهم و مؤازرة شانئیهم.

وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ من أداء الفرائض و اجتناب المحارم و لم یكونوا كهؤلاء الكافرین بك أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ بساتین تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ من تحت شجرها و مساكنها إلی آخر ما مرّ فی أبواب المعاد.

وَ قَالَ علیه السلام: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْیَهُودِ وَ آمِنُوا(1) أَیُّهَا الْیَهُودُ بِما أَنْزَلْتُ عَلَی مُحَمَّدٍ مِنْ ذِكْرِ نُبُوَّتِهِ وَ أَنْبَاءِ إِمَامَةِ أَخِیهِ عَلِیٍّ وَ عِتْرَتِهِ الطَّاهِرِینَ- مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ فَإِنَّ مَثَلَ هَذَا الذِّكْرِ فِی كِتَابِكُمْ أَنَّ مُحَمَّداً النَّبِیَّ سَیِّدُ الْأَوَّلِینَ وَ الْآخِرِینَ الْمُؤَیَّدُ بِسَیِّدِ الْوَصِیِّینَ وَ خَلِیفَةِ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِینَ فَارُوقِ الْأُمَّةِ وَ بَابِ مَدِینَةِ الْحِكْمَةِ وَ وَصِیِّ رَسُولِ الرَّحْمَةِ- وَ لا تَشْتَرُوا بِآیاتِی الْمُنْزَلَةِ لِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَ إِمَامَةِ عَلِیٍّ وَ الطَّیِّبِینَ مِنْ عِتْرَتِهِ ثَمَناً قَلِیلًا فَإِنَّ ذَلِكَ وَ إِنْ كَثُرَ فَإِلَی نَفَادٍ وَ خَسَارٍ وَ بَوَارٍ وَ إِیَّایَ فَاتَّقُونِ فِی كِتْمَانِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ وَ أَمْرِ وَصِیِّهِ.

و قیل فی قوله تعالی وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ تعریض بأن الواجب أن تكونوا أول من آمن به لأنهم كانوا أهل النظر فی معجزاته و العلم بشأنه و المستفتحین به و المبشرین بزمانه.

قوله تعالی وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ (2) استدلوا بالعطف علی عدم دخول الأعمال فی الإیمان و هو كذلك لكنه لا ینفی الاشتراط بل استدل فی بعض الأخبار بالمقارنة علیه.

أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ (3) یدل علی اشتراط أجزاء الإیمان بعضها

ص: 19


1- 1. سورة البقرة: 41.
2- 2. سورة البقرة: 82.
3- 3. البقرة: 85.

ببعض و فسر الخزی فی الحیاة الدنیا بذل الجزیة إِلی أَشَدِّ الْعَذابِ قیل أی إلی جنس أشد العذاب یتفاوت ذلك علی قدر تفاوت معاصیهم و الآیة فی الیهود و كذا قوله.

قُلْ بِئْسَما یَأْمُرُكُمْ بِهِ إِیمانُكُمْ (1) قیل أی بموسی و التوراة أن تكفروا بی إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ كما تزعمون بموسی و التوراة و لكن معاذ اللّٰه لا یأمركم إیمانكم بموسی و التوراة بالكفر بمحمد صلی اللّٰه علیه و آله.

مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ (2) بأن یخالفه عنادا لإنعامه علی المقربین من عباده وَ مَلائِكَتِهِ المبعوثین لنصرتهم وَ رُسُلِهِ المخبرین عن فضلهم الداعین إلی متابعتهم وَ جِبْرِیلَ وَ مِیكالَ تخصیص بعد التعمیم للاهتمام فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِینَ یدل علی وجوب الإیمان بالملائكة و الرسل و أن عداوتهما كفر.

وَ فِی تَفْسِیرِ الْإِمَامِ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ ذَمَّ الْیَهُودَ فِی بُغْضِهِمْ لِ جَبْرَئِیلَ الَّذِی كَانَ یُنَفِّذُ قَضَاءَ اللَّهِ فِیهِمْ فِیمَا یَكْرَهُونَ كَدَفْعِهِ عَنْ بُخْتَ نَصَّرَ أَنْ یَقْتُلَهُ دَانِیَالُ مِنْ غَیْرِ ذَنْبٍ جَنَی بُخْتَ نَصَّرُ حَتَّی بَلَغَ كِتَابُ اللَّهِ فِی الْیَهُودِ أَجَلَهُ وَ حَلَّ بِهِمْ مَا جَرَی فِی سَابِقِ عِلْمِهِ وَ ذَمَّهُمْ أَیْضاً وَ ذَمَّ النَّوَاصِبَ فِی بُغْضِهِمْ لِ جَبْرَئِیلَ وَ مِیكَائِیلَ وَ مَلَائِكَةِ اللَّهِ النَّازِلِینَ لِتَأْیِیدِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام عَلَی الْكَافِرِینَ حَتَّی أَذَلَّهُمْ بِسَیْفِهِ الصَّارِمِ.

وَ فِی تَفْسِیرِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِی الْیَهُودِ الَّذِینَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ لَوْ كَانَ الْمَلَكُ الَّذِی یَأْتِیكَ مِیكَائِیلَ آمَنَّا بِكَ فَإِنَّهُ مَلَكُ الرَّحْمَةِ وَ هُوَ صَدِیقُنَا وَ جَبْرَئِیلُ مَلَكُ الْعَذَابِ وَ هُوَ عَدُوُّنَا قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ (3).

فِی الْكَافِی وَ الْعَیَّاشِیِ (4)،

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: إِنَّمَا عَنَی

ص: 20


1- 1. البقرة: 93.
2- 2. البقرة: 98.
3- 3. البقرة: 136.
4- 4. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 62، الكافی ج 1 ص 415 و 416 و لفظه: محمّد بن یحیی، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النعمان، عن سلام، عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی: قولوا آمنا باللّٰه و ما أنزل الینا» الخ.

بِذَلِكَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ وَ جَرَتْ بَعْدَهُمْ فِی الْأَئِمَّةِ علیهم السلام ثُمَّ رَجَعَ الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ فِی النَّاسِ فَقَالَ- فَإِنْ آمَنُوا یَعْنِی النَّاسَ بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ الْآیَةَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْنا یَعْنِی الْقُرْآنَ- وَ ما أُنْزِلَ إِلی إِبْراهِیمَ یَعْنِی الصُّحُفَ- وَ الْأَسْباطِ حَفَدَةُ یَعْقُوبَ- وَ ما أُوتِیَ مُوسی وَ عِیسی أَیِ التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِیلَ- وَ ما أُوتِیَ النَّبِیُّونَ جُمْلَةً الْمَذْكُورُونَ مِنْهُمْ وَ غَیْرُ الْمَذْكُورِینَ- مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ- كَالْیَهُودِ حَیْثُ آمَنُوا بِبَعْضٍ وَ كَفَرُوا بِبَعْضٍ.

و أحد لوقوعه فی سیاق النفی عم فساغ أن یضاف إلیه بین و نحن له أی لله مسلمون مذعنون مخلصون.

وَ فِی الْفَقِیهِ:(1) فِی وَصَایَا أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام لِابْنِهِ فُرِضَ عَلَی اللِّسَانِ الْإِقْرَارُ وَ التَّعْبِیرُ عَنِ الْقَلْبِ بِمَا عُقِدَ عَلَیْهِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْنا الْآیَةَ.

فَإِنْ آمَنُوا أی سائر الناس بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ أی بما آمنتم به و المثل مقحم فی مثله (2) وَ إِنْ تَوَلَّوْا أَیْ أَعْرَضُوا فَإِنَّما هُمْ فِی شِقاقٍ أی كفر كذا فی المجمع (3) عن الصادق علیه السلام و أصله المخالفة و المناوأة فإن كل واحد من المتخالفین فی شق غیر شق الآخر فَسَیَكْفِیكَهُمُ اللَّهُ تسلیة و تسكین للمؤمنین وَ هُوَ السَّمِیعُ لأقوالكم الْعَلِیمُ بأخلاقكم

ص: 21


1- 1. یعنی فقیه من لا یحضره الفقیه و رواه فی الكافی ج 2 ص 35 عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام فی حدیث طویل فی باب أن الایمان مبثوث لجوارح البدن كلها: و فیه فرض اللّٰه علی اللسان القول و التعبیر عن القلب بما عقد علیه و أقربه، قال اللّٰه تبارك و تعالی: وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً و قال:« قُولُوا آمَنَّا باللّٰه و ما أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ أُنْزِلَ إِلَیْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فهذا ما فرض اللّٰه علی اللسان.
2- 2. أی فی مثل هذه الموارد.
3- 3. مجمع البیان ج 1 ص 218.

فَمَنْ یَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ (1) فی المجمع عن الصادق علیه السلام هو الشیطان (2).

أقول: و یستفاد من كثیر من الأخبار أنه یعم كل ما عبد من دون اللّٰه من صنم أو إمام ضلال أو صاد عن دین اللّٰه و هو فعلوت من الطغیان (3) و فی تفسیر علی بن إبراهیم هم الذین غصبوا آل محمد حقهم وَ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ بالتوحید و تصدیق الرسل فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی أی طلب الإمساك من نفسه بالحبل الوثیق و هی مستعارة لمتمسك الحق من النظر الصحیح و الدین القویم.

وَ فِی الْكَافِی عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام (4): هِیَ الْإِیمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ.

وَ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: هِیَ مَوَدَّتُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ لَا انْفِصامَ لَها لَا انْقِطَاعَ لَهَا.

وَ فِی مَعَانِی الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِیِّ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ یَسْتَمْسِكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَی الَّتِی لَا انْفِصَامَ لَهَا فَلْیَسْتَمْسِكْ بِوَلَایَةِ أَخِی وَ وَصِیِّی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَإِنَّهُ لَا یَهْلِكُ مَنْ أَحَبَّهُ وَ تَوَلَّاهُ وَ لَا یَنْجُو مَنْ أَبْغَضَهُ وَ عَادَاهُ (5).

ص: 22


1- 1. البقرة 256.
2- 2. مجمع البیان ج 2 ص 364.
3- 3. قال فی المفردات: الطاغوت عبارة عن كل متعد، و كل معبود من دون اللّٰه، و یستعمل فی الواحد و الجمع، قال:« فَمَنْ یَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ، وَ الَّذِینَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ، یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطَّاغُوتِ» فعبارة عن كل متعد. و لما تقدم سمی الساحر، و الكاهن، و المارد من الجن، و الصارف عن طریق الخیر طاغوتا. و وزنه فیما قیل فعلوت نحو جبروت و ملكوت، و قیل أصله طغووت، و لكن قلب لام الفعل. نحو صاعقة و صاقعة، ثمّ قلب الواو ألفا لتحركه و انفتاح ما قبله.
4- 4. رواه الكلینی فی الكافی ج 2 ص 14 باب فی أن الصبغة هی الإسلام تحت الرقم 1.
5- 5. معانی الأخبار ص 368 و 369. و سنده هكذا: حدّثنا محمّد بن علی ماجیلویه قال: حدّثنی عمی محمّد بن أبی القاسم، عن أحمد بن أبی عبد اللّٰه البرقی، عن أبیه، عن خلف بن حماد الأسدی، عن أبی الحسن العبدی، عن الأعمش، عن عبایة بن ربعی، عن عبد اللّٰه بن عبّاس قال: قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله إلخ.

وَ اللَّهُ سَمِیعٌ بِالْأَقْوَالِ عَلِیمٌ بِالْنِّیَّاتِ اللَّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا مُتَوَلٍّ أُمُورَهُمْ یُخْرِجُهُمْ بهدایته و توفیقه مِنَ الظُّلُماتِ أی ظلمات الجهل و الذنوب إِلَی النُّورِ أی نور الهدی و المغفرة و سیأتی

عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ یَتَقَلَّبُ فِی خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ مَدْخَلُهُ نُورٌ وَ مَخْرَجُهُ نُورٌ وَ عِلْمُهُ نُورٌ وَ كَلَامُهُ نُورٌ وَ مَنْظَرُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِلَی النُّورِ.

وَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ فِی الْكَافِی، عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: أَوْلِیَاؤُهُمُ الطَّوَاغِیتُ.

وَ فِی تَفْسِیرِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ: هُمُ الظَّالِمُونَ آلَ مُحَمَّدٍ- أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ وَ هُمُ الَّذِینَ تَبِعُوا مَنْ غَصَبَهُمْ- یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَی الظُّلُماتِ قِیلَ مِنْ نُورِ الْفِطْرَةِ إِلَی فَسَادِ الِاسْتِعْدَادِ.

وَ فِی الْكَافِی عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: النُّورُ آلُ مُحَمَّدٍ وَ الظُّلُمَاتُ عَدُوُّهُمْ (1).

وَ فِی الْكَافِی وَ الْعَیَّاشِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ یَعْنِی ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَی نُورِ التَّوْبَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ لِوَلَایَتِهِمْ كُلَّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَالَ وَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَی الظُّلُماتِ إِنَّمَا عَنَی بِهَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَی نُورِ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا أَنْ تَوَلَّوْا كُلَّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَیْسَ مِنَ اللَّهِ خَرَجُوا بِوَلَایَتِهِمْ مِنْ نُورِ الْإِسْلَامِ إِلَی ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ النَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ(2).

وَ زَادَ فِی الْعَیَّاشِیِّ قَالَ: قُلْتُ أَ لَیْسَ اللَّهُ عَنَی بِهَذَا الْكُفَّارَ حِینَ قَالَ- وَ الَّذِینَ كَفَرُوا قَالَ فَقَالَ وَ أَیُّ نُورٍ لِلْكَافِرِ فَأُخْرِجَ مِنْهُ إِلَی الظُّلُمَاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ.

الْعَیَّاشِیُّ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: فَأَعْدَاءُ

ص: 23


1- 1. الكافی ج 8 ص 289 و العیّاشیّ ج 1 ص 137.
2- 2. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 138، و تراه فی الكافی ج 1 ص 375، باب فیمن دان اللّٰه عزّ و جلّ بغیر امام من اللّٰه جلّ جلاله، تحت الرقم 3.

عَلِیٍّ هُمُ الْخَالِدُونَ فِی النَّارِ وَ إِنْ كَانُوا فِی أَدْیَانِهِمْ عَلَی غَایَةِ الْوَرَعِ وَ الزُّهْدِ وَ الْعِبَادَةِ(1).

إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا(2) قیل أی باللّٰه و رسله و بما جاءهم منه وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ عطفهما علی ما یعمهما لإنافتهما علی سائر الأعمال الصالحة وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ من آت وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ علی فائت إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (3) أی بقلوبكم فإن دلیله امتثال ما أمرتم أقول تشعر بأن من یأتی بالذنوب الموبقة لیس بمؤمن.

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَیْهِ مِنْ رَبِّهِ (4) قال البیضاوی شهادة و تنصیص من اللّٰه علی صحة إیمانه و الاعتداد به و أنه جازم فی أمره غیر شاك فیه وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا یخلو من أن یعطف المؤمنون علی الرسول فیكون الضمیر الذی ینوب عنه التنوین راجعا إلی الرسول و المؤمنین أو یجعل مبتدأ فیكون الضمیر للمؤمنین و باعتباره یصح وقوع كل بخبره خبر المبتدإ و یكون إفراد الرسول بالحكم إما لتعظیمه أو لأن إیمانه عن مشاهدة و عیان و إیمانهم عن نظر و استدلال.

لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ أی یقولون لا نفرق و أحد فی معنی الجمع لوقوعه فی سیاق النفی و لذلك دخل علیه بین و المراد نفی الفرق بالتصدیق و التكذیب وَ قالُوا سَمِعْنا أجبنا وَ أَطَعْنا أمرك غُفْرانَكَ رَبَّنا أی اغفر لنا غفرانك أو نطلب غفرانك وَ إِلَیْكَ الْمَصِیرُ أی المرجع بعد الموت و هو إقرار منهم بالبعث انتهی

ص: 24


1- 1. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 139.
2- 2. سورة البقرة: 277.
3- 3. سورة البقرة: 282.
4- 4. البقرة: 285.

إِنَّ فِی ذلِكَ (1) أی فی إنبائكم بما تأكلون و ما تدّخرون فی بیوتكم لَآیَةً و معجزة لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ أی مصدقین غیر معاندین فَیُوَفِّیهِمْ أُجُورَهُمْ (2) الإیفاء و التوفیة إعطاء الحق وافیا كاملا.

إِنَّ أَوْلَی النَّاسِ بِإِبْراهِیمَ (3) أی أخصهم به و أقربهم منه من الولی و هو القرب لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ من أمته وَ هذَا النَّبِیُ خصوصا وَ الَّذِینَ آمَنُوا من أمته لموافقتهم له فی أكثر ما شرع لهم علی الأصالة.

فِی الْكَافِی (4)

وَ الْعَیَّاشِیِ (5): هُمُ الْأَئِمَّةُ وَ مَنِ اتَّبَعَهُمْ.

وَ فِی الْمَجْمَعِ (6)

قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ: إِنَّ أَوْلَی النَّاسِ بِالْأَنْبِیَاءِ أَعْمَلُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ وَ قَالَ إِنَّ وَلِیَّ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَ إِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ وَ إِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَی اللَّهَ وَ إِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ.

وَ اللَّهُ وَلِیُّ الْمُؤْمِنِینَ أی یتولّی نصرتهم قُلْ آمَنَّا(7) أمر للرسول بأن یخبر عن نفسه و متابعیه بالإیمان وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أی منقادون مخلصون فی عبادته وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ (8) یتفضّل علیهم بالعفو و غیره فی الأحوال كلها فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ (9) مخلصین وَ إِنْ تُؤْمِنُوا حقّ الإیمان وَ تَتَّقُوا النفاق فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِیمٌ لا یقادر قدره لا یَشْتَرُونَ بِآیاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا(10) كما فعله المحرّفون من أحبارهم

ص: 25


1- 1. آل عمران: 49.
2- 2. آل عمران: 57.
3- 3. آل عمران: 68.
4- 4. الكافی ج 1 ص 416.
5- 5. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 177.
6- 6. مجمع البیان ج 2 ص 458.
7- 7. آل عمران: 84.
8- 8. آل عمران: 152.
9- 9. آل عمران: 179.
10- 10. آل عمران: 199.

أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ و یُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ كما وعدوا فی آیة أخری إِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ لعلمه بالأعمال و ما یستوجبه كل عامل من الجزاء فیسرع فی الجزاء و یوصل الأجر الموعود سریعا.

أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ(1) أی من الدماء و درن الدنیا و أنجاسها و قیل من الأخلاق السیئة وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِیلًا أی دائما لا تنسخه الشمس مشتق من الظل لتأكیده كما قیل لیل ألیل وَعْدَ اللَّهِ (2) قال الطبرسی رحمه اللّٰه أی وعد اللّٰه ذلك وعدا حَقًّا مصدر مؤكّد لما قبله كأنه قال أحقه حقا وَ مَنْ أَصْدَقُ استفهام فیه معنی النفی أی لا أجد أصدق من اللّٰه قولا فیما أخبر و وعدا فیما وعد(3).

یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ (4) أی آمنوا بألسنتهم و ظاهرهم آمنوا بقلوبكم و باطنكم لیوافق ظاهركم باطنكم فالخطاب للمنافقین و قیل الخطاب للمؤمنین علی الحقیقة و المعنی اثبتوا علی هذا الإیمان فی المستقبل و داوموا علیه و اختاره الجبائی قال لأن الإیمان الذی هو التصدیق لا یبقی و إنما یستمر بأن یجدده الإنسان حالا بعد حال.

و قیل الخطاب لأهل الكتاب أمروا بأن یؤمنوا بالنبی و الكتاب الذی أنزل علیه كما آمنوا بما معهم من التوراة و الإنجیل و یكون وجه أمرهم بالتصدیق بهما و إن كانوا مصدّقین بهما أحد أمرین.

إما أن یكون لأن التوراة و الإنجیل فیهما صفات نبینا و تصحیح نبوّته فمن لم یصدقه و لم یصدق القرآن لا یكون مصدقا بهما لأن فی تكذیبه تكذیب التوراة و الإنجیل.

و إما أن یكون اللّٰه عز و جل أمرهم بالإقرار بمحمد و القرآن و بالكتاب

ص: 26


1- 1. النساء: 57.
2- 2. النساء: 122.
3- 3. مجمع البیان ج 3 ص 114.
4- 4. النساء: 136.

الذی أنزل من قبله و هو الإنجیل و ذلك لا یصح إلا بالإقرار بعیسی علیه السلام أیضا و أنه نبی مرسل.

وَ مَنْ یَكْفُرْ بِاللَّهِ أی یجحده أو یشبهه بخلقه أو یرد أمره و نهیه وَ مَلائِكَتِهِ أی ینفیهم أو ینزلهم منزلة لا تلیق بهم كما قالوا إنهم بنات اللّٰه وَ كُتُبِهِ فیجحدها وَ رُسُلِهِ فینكرهم وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ أی یوم القیامة فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِیداً أی ذهب عن الحق و قصد السبیل ذهابا بعیدا.

وَ لَمْ یُفَرِّقُوا بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ (1) بأن آمنوا بجمیعهم أُولئِكَ سَوْفَ یُؤْتِیهِمْ أی یعطیهم أُجُورَهُمْ الموعودة لهم سمی الثواب أجرا للدلالة علی استحقاقهم لها و التصدیر بسوف للدلالة علی أنه كائن لا محالة و إن تأخر وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً لم یزل یغفر ما فرط منهم من المعاصی رَحِیماً یتفضل بأنواع الإنعام.

وَ یَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ (2) أی علی ما كان وعدهم به من الجزاء وَ أَمَّا الَّذِینَ اسْتَنْكَفُوا أی أنفوا عن الإقرار بوحدانیته وَ اسْتَكْبَرُوا أی تعظموا عن الإقرار له بالطاعة و العبودیة وَلِیًّا ینجیهم من عذابه وَ لا نَصِیراً أی ناصرا ینقذهم من عقابه (3).

وَ اعْتَصَمُوا بِهِ أی بحبل طاعته أو طاعة أنبیائه و حججه أو بدینه كما قال وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً

وَ فِی تَفْسِیرِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ: الِاعْتِصَامُ التَّمَسُّكُ بِهِ بِوَلَایَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ- وَ وَلَایَةِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ.

فِی رَحْمَةٍ مِنْهُ أی ثواب مستحق أو نعمة منه و هی الجنة عن ابن عباس وَ فَضْلٍ أی إحسان زائد علیه و قیل أی ما یبسط لهم من الكرامة و تضعیف الحسنات و ما یزاد لهم من النعم علی ما یستحقونه وَ یَهْدِیهِمْ إِلَیْهِ صِراطاً مُسْتَقِیماً قال الطبرسی رحمه اللّٰه (4) صراطا مفعول ثان لیهدیهم فإنه علی

ص: 27


1- 1. النساء: 152.
2- 2. النساء: 173.
3- 3. النساء: 175.
4- 4. مجمع البیان ج 3 ص 147.

معنی یعرفهم أو حال من الهاء فی إلیه أی یوفقهم لإصابة فضله الذی یتفضل به علی أولیائه و یسددهم لسلوك منهج من أنعم علیهم من أهل طاعته و اقتفاء آثارهم.

و أقول

فِی تَفْسِیرِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ (1): الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِیمُ عَلِیٌّ علیه السلام.

لَهُمْ مَغْفِرَةٌ(2) أی لذنوبهم وَ أَجْرٌ أی ثواب عَظِیمٌ قال الطبرسی رحمه اللّٰه الفرق بین الثواب و الأجر أن الثواب یكون جزاء علی الطاعات و الأجر قد یكون علی سبیل المعاوضة بمعنی الأجرة(3).

وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ (4) قال یعنی الیهود و النصاری آمَنُوا بمحمد وَ اتَّقَوْا الكفر و الفواحش لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ أی سترناها علیهم و غفرناها لهم وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِیلَ أی عملوا بما فیهما علی ما فیهما دون أن یحرفوا شیئا منهما أو عملوا بما فیهما بأن أقاموهما نصب أعینهم وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ أی القرآن و قیل كل ما دل اللّٰه علیه من أمور الدین لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ بإرسال السماء علیهم مدرارا وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ بإعطاء الأرض خیرها و قیل لأكلوا ثمار النخیل و الأشجار من فوقهم و الزروع من تحت أرجلهم.

و المعنی لتركوا فی بلادهم و لم یجلوا عن بلادهم و لم یقتلوا فكانوا یتمتعون بأموالهم و ما رزقهم اللّٰه من النعم و إنما خص سبحانه الأكل لأن ذلك أعظم الانتفاع و قیل كنایة عن التوسعة كما یقال فلان فی الخیر من قرنه إلی قدمه أی یأتیه الخیر من كل جهة یلتمسه منها.

أقول: و فی تفسیر علی بن إبراهیم مِنْ فَوْقِهِمْ المطر وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ

ص: 28


1- 1. تفسیر القمّیّ ص 606 و 612 و غیر ذلك من الموارد التی یفسر كلمة« الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ»* و هكذا رواه الصدوق فی المعانی ص 32 عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام.
2- 2. المائدة: 9.
3- 3. مجمع البیان ج 3 ص 169.
4- 4. المائدة: 65 و 66.

النبات و أقول قال بعض أهل التحقیق مِنْ فَوْقِهِمْ الإفاضات و الإلهامات الربانیة وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ما یكتسبونه بالفكر و النظر و مطالعة الكتب فهو محمول علی الرزق الروحانی.

مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ قد دخلوا فی الإسلام وَ كَثِیرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما یَعْمَلُونَ و فیه معنی التعجب أی ما أسوأ عملهم و هم الذین أقاموا علی الجحود و الكفر.

إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا(1) أی باللّٰه و بما فرض علیهم الإیمان به وَ الَّذِینَ هادُوا أی الیهود وَ الصَّابِئُونَ قال علی بن إبراهیم إنهم لیسوا من أهل الكتاب و لكنهم یعبدون الكواكب و النجوم وَ النَّصاری مَنْ آمَنَ منهم أی نزع عن كفره فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ فی الآخرة حین یخاف الفاسقون وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ إذا حزن المخالفون.

أقول: قد ورد مثل هذه الآیة فی البقرة(2) فَمَنْ آمَنَ (3) أی صدق الرسل وَ أَصْلَحَ أی عمل صالحا فی الدنیا فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ من العذاب وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ بفوت الثواب یُؤْمِنُونَ بِهِ (4) أی بالقرآن وَ هُمْ عَلی صَلاتِهِمْ یُحافِظُونَ فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة و لا یزال الخوف یحمله علی النظر و التدبر حتی یؤمن به و یحافظ علی الطاعة و تخصیص الصلاة لأنها عماد الدین و علم الإیمان إِنَّ فِی ذلِكُمْ (5) أی فی إنزال الماء من السماء و إخراج النباتات و الأشجار و الثمار لَآیاتٍ علی وجود صانع علیم حكیم قدیر یقدره و یدبره و ینقله من حال إلی حال لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ فإنهم المنتفعون.

ص: 29


1- 1. المائدة: 69.
2- 2. البقرة: الآیة 62.
3- 3. الأنعام: 48.
4- 4. الأنعام: 92.
5- 5. الأنعام: 99.

أَ وَ مَنْ كانَ مَیْتاً(1) قیل أی كافرا فَأَحْیَیْناهُ بأن هدیناه إلی الإیمان و إنما سمی الكافر میتا لأنه لا ینتفع بحیاته و لا ینفع غیره بحیاته فهو أسوأ حالا من المیت و سمی المؤمن حیا لأنه له و لغیره المصلحة و المنفعة و قیل نطفة فأحییناه وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ قیل المراد بالنور العلم و الحكمة لأن العلم یهتدی به إلی الرشاد كما یهتدی بالنور فی الطرقات أو القرآن و الإیمان كَمَنْ مَثَلُهُ مثل من هو فِی الظُّلُماتِ أی فی ظلمة الكفر.

و سمی القرآن و الإیمان و العلم نورا لأن الناس یبصرون بذلك و یهتدون به من ظلمات الكفر و حیرة الضلالة كما یهتدی بسائر الأنوار و سمی الكفر ظلمة لأن الكافر لا یهتدی بهداه و لا یبصر أمر رشده كما سمی أعمی كَذلِكَ زُیِّنَ لِلْكافِرِینَ ما كانُوا یَعْمَلُونَ قال الحسن زینه و اللّٰه لهم الشیطان و أنفسهم.

وَ فِی الْكَافِی (2)

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: مَیْتاً لَا یَعْرِفُ شَیْئاً وَ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ إِمَاماً یَأْتَمُّ بِهِ- كَمَنْ مَثَلُهُ فِی الظُّلُماتِ الَّذِی لَا یَعْرِفُ الْإِمَامَ.

وَ فِی الْعَیَّاشِیِ (3)

عَنْهُ علیه السلام: الْمَیِّتُ الَّذِی لَا یَعْرِفُ هَذَا الشَّأْنَ یَعْنِی هَذَا الْأَمْرَ- وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً إِمَاماً یَأْتَمُّ بِهِ یَعْنِی عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام - كَمَنْ مَثَلُهُ فِی الظُّلُماتِ قَالَ بِیَدِهِ هَكَذَا هَذَا الْخَلْقُ الَّذِینَ لَا یَعْرِفُونَ شَیْئاً.

وَ فِی الْمَنَاقِبِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: كانَ مَیْتاً عَنَّا فَأَحْیَیْناهُ بِنَا.

وَ قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ (4)

جَاهِلًا عَنِ الْحَقِّ وَ الْوَلَایَةِ فَهَدَیْنَاهُ إِلَیْنَا قَالَ النُّورُ الْوَلَایَةُ فِی الظُّلُماتِ یَعْنِی وَلَایَةَ غَیْرِ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام

وَ فِی الْمَجْمَعِ (5)

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِی عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ وَ أَبِی جَهْلٍ.

وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ (6) قیل یعنی طریقه و عادته فی التوفیق و الخذلان و قیل الإسلام أو القرآن مُسْتَقِیماً لا اعوجاج فیه و النصب علی الحال قَدْ فَصَّلْنَا

ص: 30


1- 1. الأنعام: 122.
2- 2. لم نجده فی الكافی.
3- 3. العیّاشیّ ج 1 ص 357.
4- 4. تفسیر القمّیّ ص: 203.
5- 5. مجمع البیان ج 4 ص 359.
6- 6. الأنعام: 122.

الْآیاتِ أی بیناها و میزناها لِقَوْمٍ یَذَّكَّرُونَ فیعلمون أن القادر هو اللّٰه و أن كل ما یحدث من خیر أو شر فهو بقضائه و أنه علیم بأحوال العباد حكیم عدل فیما یفعل بهم لَهُمْ للذین تذكروا و عرفوا الحق دارُ السَّلامِ أی دار اللّٰه أو دار السلامة من كل آفة.

و قال علی بن إبراهیم یعنی فی الجنة و السلام الأمان و العافیة و السرور عِنْدَ رَبِّهِمْ أی فی ضمانه یوصلهم إلیها لا محالة وَ هُوَ وَلِیُّهُمْ قیل أی مولاهم و محبهم و قال علی بن إبراهیم أی أولی بهم بِما كانُوا یَعْمَلُونَ أی بسبب أعمالهم.

وَ أَنَّ هذا صِراطِی (1) أی و لأن تعلیل للأمر باتباعه و قیل الإشارة فیه إلی ما ذكر فی السورة فإنها بأسرها فی إثبات التوحید و النبوة و بیان الشریعة و قرئ إن بالكسر علی الاستئناف وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ أی الأدیان المختلفة المتشعبة عن الأهویة المتباینة فَتَفَرَّقَ بِكُمْ أی فتفرقكم و تزیلكم عَنْ سَبِیلِهِ الذی هو اتباع الوحی و اقتفاء البرهان ذلِكُمْ الاتباع وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الضلال و التفرق عن الحق.

وَ فِی رَوْضَةِ الْوَاعِظِینَ، عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی هَذِهِ الْآیَةِ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ یَجْعَلَهَا لِعَلِیٍّ فَفَعَلَ (2).

وَ رَوَی الْعَیَّاشِیُّ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: أَنَّهُ قَالَ لِبُرَیْدٍ الْعِجْلِیِّ تَدْرِی مَا یَعْنِی بِ صِراطِی مُسْتَقِیماً قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ وَلَایَةُ عَلِیٍّ وَ الْأَوْصِیَاءِ قَالَ وَ تَدْرِی مَا یَعْنِی وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ وَلَایَةَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ قَالَ وَ تَدْرِی

ص: 31


1- 1. الأنعام: 153.
2- 2. و رواه ابن شهرآشوب فی المناقب عن إبراهیم الثقفی بإسناده الی أبی برذة الاسلمی ج 3 ص 72.

مَا مَعْنَی فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِیلِهِ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ یَعْنِی سَبِیلَ عَلِیٍّ علیه السلام (1).

هَلْ یَنْظُرُونَ (2) إنكار بمعنی ما ینتظرون إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِكَةُ أی ملائكة الموت أو العذاب أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ أی أمره بالعذاب أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّكَ

فِی الْإِحْتِجَاجِ، عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام: فِی مَعْنَی هَذِهِ الْآیَةِ إِنَّمَا خَاطَبَ نَبِیَّنَا صلی اللّٰه علیه و آله هَلْ یَنْتَظِرُ الْمُنَافِقُونَ أَوْ الْمُشْرِكُونَ- إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِكَةُ فیعاینوهم أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ یَعْنِی بِذَلِكَ أَمْرَ رَبِّكَ وَ الْآیَاتُ هِیَ الْعَذَابُ فِی دَارِ الدُّنْیَا كَمَا عَذَّبَ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ وَ الْقُرُونَ الْخَالِیَةَ(3).

یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّكَ إلخ كأن المعنی أنه لا ینفع الإیمان حینئذ نفسا غیر مقدمة إیمانها أو مقدمة إیمانها غیر كاسبة فی إیمانها خیرا و الآیة تدل علی أن الإیمان لا ینفع و لا یقبل عند معاینة أحوال الآخرة و مشاهدة العذاب كإیمان فرعون و قد مرّ تفسیر الآیة بتمامها فی كتاب المعاد.

وَ فِی تَفْسِیرِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: نَزَلَتْ أَوْ كَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قَالَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ فَیَوْمَئِذٍ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها.

وَ فِی الْكَافِی وَ الْعَیَّاشِیِّ عَنِ الْبَاقِرِ وَ الصَّادِقِ علیهما السلام: فِی قَوْلِهِ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّكَ قَالَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَ ظُهُورُ الدُّخَانِ وَ الرَّجُلُ یَكُونُ مُصِرّاً وَ لَمْ یَعْمَلْ عَمَلَ الْإِیمَانِ ثُمَّ تَجِی ءُ الْآیَاتُ فَلَا یَنْفَعُهُ إِیمَانُهُ.

وَ عَنْ أَحَدِهِمَا علیهما السلام: فِی قَوْلِهِ أَوْ كَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قَالَ الْمُؤْمِنُ الْعَاصِی حَالَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ إِیمَانِهِ كَثْرَةُ ذُنُوبِهِ وَ قِلَّةُ حَسَنَاتِهِ فَلَمْ یَكْسِبْ فِی إِیمَانِهِ خَیْراً(4).

ص: 32


1- 1. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 383 و 384.
2- 2. الأنعام: 158.
3- 3. الاحتجاج ص 132.
4- 4. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 385.

وَ فِی الْكَافِی عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: مِنْ قَبْلُ یَعْنِی فِی الْمِیثَاقِ- أَوْ كَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قَالَ الْأَنْبِیَاءُ وَ الْأَوْصِیَاءُ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام خَاصَّةً، قَالَ لَا یَنْفَعُ إِیمَانُهَا لِأَنَّهَا سُلِبَتْ (1).

وَ فِی الْإِكْمَالِ عَنْهُ علیه السلام: فِی هَذِهِ الْآیَةِ یَعْنِی خُرُوجَ الْقَائِمِ الْمُنْتَظَرِ(2).

وَ عَنْهُ علیه السلام قَالَ: الْآیَاتُ هُمُ الْأَئِمَّةُ علیهم السلام وَ الْآیَةُ الْمُنْتَظَرَةُ الْقَائِمُ علیه السلام فَیَوْمَئِذٍ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها(3).

وَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام: أَنَّهَا خُرُوجُ دَابَّةِ الْأَرْضِ مِنْ عِنْدِ الصَّفَا مَعَهَا خَاتَمُ سُلَیْمَانَ وَ عَصَا مُوسَی وَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا(4).

قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وعید و تهدید أی انتظروا إتیان أحد الثلاثة فإنا منتظرون له و حینئذ لنا الفوز و لكم الویل.

قُلْ إِنَّنِی هَدانِی رَبِّی (5) أی بالوحی و الإرشاد و دِیناً أی هدانی دینا قِیَماً فیعل من قام كالسید و الهین مِلَّةَ إِبْراهِیمَ هدانی و عرفنی ملة إبراهیم فی حال حنیفیته

وَ فِی الْعَیَّاشِیِ (6)

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: مَا أَبَقَتِ الْحَنِیفِیَّةُ شَیْئاً حَتَّی إِنَّ مِنْهَا قَصَّ الْأَظْفَارِ وَ الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ وَ الْخِتَانَ.

وَ عَنْهُ علیه السلام: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ یَدِینُ بِدِینِ إِبْرَاهِیمَ علیه السلام غَیْرَنَا وَ غَیْرَ شِیعَتِنَا.

وَ عَنِ السَّجَّادِ علیه السلام: مَا أَحَدٌ عَلَی مِلَّةِ إِبْرَاهِیمَ إِلَّا نَحْنُ وَ شِیعَتُنَا وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْهَا بِرَاءٌ.

ص: 33


1- 1. الكافی ج 1 ص 428.
2- 2. اكمال الدین ج 2 ص 27.
3- 3. اكمال الدین ج 2 ص 5.
4- 4. اكمال الدین ج 2 ص 207 و 208 فی حدیث الدجال.
5- 5. الأنعام: 160- 161.
6- 6. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 388.

ما أُنْزِلَ إِلَیْكُمْ (1) أی من القرآن و الوحی مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ أی شیاطین الجن و الإنس فیحملوكم علی الأهواء و البدع و یضلوكم عن دین اللّٰه و عما أمرتم باتباعه قَلِیلًا ما تَذَكَّرُونَ أی تذكرا قلیلا تتذكرون لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها(2) اعتراض بین المبتدإ و الخبر للترغیب فی اكتساب النعیم المقیم بما یسعه طاقتهم و یسهل علیهم.

وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ كُلَّ شَیْ ءٍ(3) أی فی الدنیا فما من مسلم و لا كافر و لا مطیع و لا عاص و هو متقلب فی نعمتی أو فی الدنیا و الآخرة إلا أن قوما لم یدخلوها لضلالهم فَسَأَكْتُبُها أی فسأثبتها و أوجبها فی الآخرة لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ الشرك و المعاصی.

وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ (4) یستفاد من بعض الآیات تأویل الطیبات بأخذ العلم من أهله و الخبائث بقول من خالف و هو بطن من بطون الآیة و قد مر تفسیرها فی أبواب الأطعمة وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ أی یخفف عنهم ما كلفوا به من التكالیف الشاقة و أصل

الإصر الثقل (5)

و كذا الأغلال وَ عَزَّرُوهُ أی عظموه بالتقویة و الذب عنه و أصل التعزیر المنع و أما النور فقیل هو القرآن و فی كثیر من الأخبار أنه علی علیه السلام.

وَ هاجَرُوا(6) أی فارقوا أوطانهم و قومهم حبا لله و لرسوله و هم

ص: 34


1- 1. الأعراف: 3.
2- 2. الأعراف: 42.
3- 3. الأعراف: 156.
4- 4. الأعراف: 157.
5- 5. بل المراد: وعد الناس بأن الایمان به و التسلیم له یجب عما قبله فمن آمن به و أسلم له حط من عاتقه ثقل الآثام و الذنوب التی اكتسبها قبل ذلك حتّی حقوق الناس أی مظالمهم و أقول: علی ما ثبت من تأویل الآیة فی المهدی« ص» یكون الایمان به و التسلیم له یجب عما قبل ذلك من الآثام و الذنوب كلها، اللّٰهمّ اجعلنا من الآمنین به.
6- 6. الأنفال: 73.

المهاجرون من مكة إلی المدینة وَ الَّذِینَ آوَوْا أی آووهم إلی دیارهم وَ نَصَرُوا هم علی أعدائهم و هم الأنصار أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم حققوا إیمانهم بالهجرة و النصرة و الانسلاخ من الأهل و المال و النفس لأجل الدین لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ لا تبعة له و لا منة فیه وَ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ (1) یرید اللاحقین بعد السابقین فَأُولئِكَ مِنْكُمْ أی من جملتكم أیها المهاجرون و الأنصار و حكمهم حكمكم فی وجوب موالاتهم و نصرتهم و إن تأخر إیمانهم و هجرتهم.

أَعْظَمُ دَرَجَةً(2) أی ممن لم یستجمع هذه الصفات وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ أی المختصون بالفوز و نیل الحسنی عند اللّٰه.

وَ مَساكِنَ طَیِّبَةً(3) أی یطیب فیها العیش فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ أی إقامة و خلود و قد مضت الأخبار فی ذلك من باب وصف الجنة وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ یعنی و شی ء من رضوانه أكبر من ذلك كله لأن رضاه سبب كل سعادة و موجب كل فوز و به ینال كرامته التی هی أكبر أصناف الثواب ذلِكَ الرضوان هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ الذی یستحقر دونه كل لذة و بهجة.

أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (4) أی سابقة و فضلا سمیت قدما لأن السبق بها كما سمیت النعمة یدا لأنها بالید تعطی و إضافتها إلی الصدق لتحققها و التنبیه علی أنهم إنما ینالونها بصدق القول و النیة

وَ فِی الْمَجْمَعِ (5)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَنَّ مَعْنَی قَدَمَ صِدْقٍ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله.

و فی الكافی و العیاشی (6)

هو رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و فیهما بولایة أمیر المؤمنین علیه السلام و هذا لأن الولایة من شروط الشفاعة و هما متلازمتان.

بِإِیمانِهِمْ (7) أی بسبب إیمانهم للاستقامة علی سلوك الطریق المؤدی

ص: 35


1- 1. الأنفال: 74.
2- 2. براءة: 20.
3- 3. براءة: 22.
4- 4. یونس: 2.
5- 5. مجمع البیان ج 5 ص 89.
6- 6. تفسیر العیّاشیّ ج 2 ص 117 و 118.
7- 7. یونس: 9.

إلی الجنة فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إلیها أو یهدیهم فی الآخرة إلیها.

وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ (1) بالنصرة فی الدنیا و الجنة فی العقبی.

آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ (2) قال الطبرسی (3)

رحمه اللّٰه فیه إضمار أی قیل له آلآن آمنت حین لم ینفع الإیمان و لم یقبل لأنه حال الإلجاء و قد عصیت بترك الإیمان فی حال ما ینفعك الإیمان فهلا آمنت قبل ذلك و إیمان الإلجاء لا یستحق به الثواب فلا ینفع انتهی.

و ذكر الرازی لعدم قبول توبة فرعون وجوها منها أنه إنما آمن عند نزول العذاب و الإیمان فی هذا الوقت غیر مقبول لأنه عند نزول العذاب وقت الإلجاء و فی هذا الحال لا تكون التوبة مقبولة.

كَذلِكَ حَقًّا عَلَیْنا(4) أی مثل ذلك الإنجاء نُنْجِ الْمُؤْمِنِینَ منكم حین نهلك المشركین و حَقًّا عَلَیْنا اعتراض یعنی حق ذلك علینا حقا

وَ فِی الْمَجْمَعِ (5)

وَ الْعَیَّاشِیِ (6) عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: مَا یَمْنَعُكُمْ أَنْ تَشْهَدُوا عَلَی مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ كَذلِكَ حَقًّا عَلَیْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِینَ.

وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِی یَتَوَفَّاكُمْ (7) فإنه هو الحقیق بأن یخاف و یرجی و یعبد و إنما خص التوفی بالذكر للتهدید وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ المصدقین بالتوحید فهذا دینی.

ص: 36


1- 1. یونس: 87.
2- 2. یونس: 91.
3- 3. مجمع البیان ج 5 ص 131.
4- 4. یونس: 102.
5- 5. مجمع البیان ج 5 ص 138.
6- 6. تفسیر العیّاشیّ ج 2 ص 138.
7- 7. یونس: 103.

وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ (1) عطف علی أن أكون غیر أن صلة أن محكیة بصیغة الأمر و المعنی أمرت بالاستقامة و السداد فی الدین بأداء الفرائض و الانتهاء عن القبائح.

وَ أَخْبَتُوا إِلی رَبِّهِمْ (2) أی اطمأنوا إلیه و خشعوا له مَثَلُ الْفَرِیقَیْنِ أی الكافر و المؤمن كَالْأَعْمی وَ الْأَصَمِ أی كالأعمی و كالأصم أو كالأعمی الأصم وَ الْبَصِیرِ وَ السَّمِیعِ أی كالبصیر و كالسمیع أو كالبصیر السمیع و ذلك لتعامی الكافر عن آیات اللّٰه و تصامه عن استماع كلام اللّٰه و تأبیه عن تدبّر معانیه أَ فَلا تَذَكَّرُونَ بضرب الأمثال و التأمل فیها.

هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ(3) قال علی بن إبراهیم یعنی الكافر و المؤمن أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَ النُّورُ قال الكفر و الإیمان كَلِمَةً طَیِّبَةً(4) قیل أی قولا حقا و دعاء إلی صلاح كَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ یطیب ثمرها كالنخلة

وَ فِی الْمَجْمَعِ (5)

عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الطَّیِّبَةَ النَّخْلَةُ- أَصْلُها ثابِتٌ فِی الْأَرْضِ ضَارِبٌ بِعُرُوقِهِ فِیهَا- تُؤْتِی أُكُلَها أَیْ تُعْطِی ثَمَرَهَا كُلَّ حِینٍ أَیْ كُلَّ وَقْتِ وَقَّتَهُ اللَّهُ لِإِثْمَارِهَا- بِإِذْنِ رَبِّها أَیْ بِإِرَادَةِ خَالِقِهَا لَعَلَّهُمْ یَتَذَكَّرُونَ لِأَنَّ فِی ضَرْبِ الْأَمْثَالِ تَذْكِیراً وَ تَصْوِیراً لِلْمَعَانِی بِالْمَحْسُوسَاتِ لِتَقْرِیبِهَا مِنَ الْأَفْهَامِ.

وَ فِی الْعَیَّاشِیِ (6)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّهِ وَ لِمَنْ عَادَاهُمْ.

وَ فِی الْكَافِی،(7)

عَنْهُ علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الشَّجَرَةِ فِی هَذِهِ الْآیَةِ فَقَالَ- رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَصْلُهَا وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَرْعُهَا وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّیَّتِهِمَا أَغْصَانُهَا

ص: 37


1- 1. یونس: 105.
2- 2. هود: 23 و 24.
3- 3. الرعد: 16.
4- 4. إبراهیم: 24- 27.
5- 5. مجمع البیان ج 6 ص 312.
6- 6. تفسیر العیّاشیّ ج 2 ص 224.
7- 7. الكافی ج 1 ص 428.

وَ عِلْمُ الْأَئِمَّةِ ثَمَرُهَا وَ شِیعَتُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَرَقُهَا.

قال و اللّٰه إن المؤمن لیولد فتورق ورقة فیها و إن المؤمن لیموت فتسقط ورقة منها.

و فی الإكمال الحسن و الحسین ثمرها و التسعة من ولد الحسین أغصانها و فی معانی الأخبار(1) و غصن الشجرة فاطمة و ثمرها أولادها و ورقها شیعتنا و زاد فی الإكمال تُؤْتِی أُكُلَها كُلَّ حِینٍ ما یخرج من علم الإمام إلیكم فی كل سنة من كل فجّ عمیق.

وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ قیل أی قول باطل و دعاء إلی ضلال أو فساد كَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ لا یطیب ثمرها كشجرة الحنظل اجْتُثَّتْ أی استؤصلت و أخذت جثته بالكلیة مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ لأن عروقها قریبة منه ما لَها مِنْ قَرارٍ أی استقرار

وَ فِی الْمَجْمَعِ (2)

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: أَنَّ هَذَا مَثَلُ بَنِی أُمَیَّةَ.

وَ رَوَی عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنْهُ علیه السلام: كَذَلِكَ الْكَافِرُونَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ إِلَی السَّمَاءِ وَ بَنُو أُمَیَّةَ لَا یَذْكُرُونَ اللَّهَ فِی مَجْلِسٍ وَ لَا فِی مَسْجِدٍ وَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ إِلَی السَّمَاءِ إِلَّا قَلِیلٌ مِنْهُمْ.

بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ قیل أی الذی ثبت بالحجة و البرهان عندهم و تمكن فی قلوبهم و اطمأنت إلیه أنفسهم فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا فلا یزلون إذا افتتنوا فی دینهم وَ فِی الْآخِرَةِ فلا یتلعثمون (3) إذا سئلوا عن معتقدهم وَ یُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ الذین ظلموا أنفسهم بالجحود و الاقتصار علی التقلید فلا یهتدون إلی الحق و لا یثبتون فی مواقف الفتن

وَ فِی التَّوْحِیدِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: یَعْنِی یُضِلُّهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَنْ دَارِ كَرَامَتِهِ- وَ یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ مِنْ تَثْبِیتِ الْمُؤْمِنِینَ وَ خِذْلَانِ الظَّالِمِینَ.

و یظهر من كثیر من الأخبار أن التثبیت فی الدنیا عند الموت و فی الآخرة فی القبر أو الآخرة تشمل الحالتین و قد مضت الأخبار الكثیرة فی تفسیر الآیات المذكورة فی كتب الإمامة و الفتن و المعاد و قد أوردنا وجوها كثیرة فیها

ص: 38


1- 1. معانی الأخبار ص 400.
2- 2. مجمع البیان ج 6 ص 313.
3- 3. تلعثم: توقف و تلكأ.

فلا نعیدها.

حَنِیفاً(1) قال الراغب الحنف هو میل عن الضلال إلی الاستقامة و الجنف بالعكس (2) أَجْراً حَسَناً(3) هو الجنة أَبَداً بلا انقطاع إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِینَ (4) إلا انتظار أن تأتیهم سنة الأولین و هی الإهلاك و الاستئصال أَوْ یَأْتِیَهُمُ الْعَذابُ أی عذاب الآخرة قُبُلًا

أی عیانا كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ (5) قال فی المجمع (6)

أی كان فی حكم اللّٰه و علمه لهم بساتین الفردوس و هو أطیب موضع فی الجنة و أوسطها و أفضلها و أرفعها نُزُلًا أی منزلا و مأوی و قیل ذات نزل و قال الراغب النزل ما یعد للنازل من الزاد(7) لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا أی تحولا إذ لا یجدون أطیب منها حتی تنازعهم إلیه أنفسهم وَ لا یُظْلَمُونَ شَیْئاً(8) قیل أی لا ینقصون شیئا من جزاء أعمالهم و یجوز أن ینتصب شیئا علی المصدر.

سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا(9) قیل أی سیجعل لهم فی القلوب مودة و قد مر(10) فی أخبار كثیرة أنها نزلت فی أمیر المؤمنین علیه السلام حیث جعل اللّٰه له فی قلوب المؤمنین ودا و فرض مودته و ولایته علی الخلق

ص: 39


1- 1. النحل: 123.
2- 2. المفردات: ص 33 و فیه: و الجنف میل عن الاستقامة الی الضلال.
3- 3. الكهف: 2- 3.
4- 4. الكهف: 55.
5- 5. الكهف: 108.
6- 6. مجمع البیان ج 6 ص 498.
7- 7. المفردات: ص 489.
8- 8. مریم: 60.
9- 9. مریم: 96.
10- 10. راجع تاریخ أمیر المؤمنین علیه السلام الباب 14 ج 35 ص 360 من هذه الطبعة.

قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ (1) أی فی الدنیا لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلی أی المنازل الرفیعة جَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من الدرجات مَنْ تَزَكَّی أی من تطهر من أدناس الكفر و المعاصی لِمَنْ تابَ (2) أی من الشرك وَ آمَنَ بما یجب الإیمان به ثُمَّ اهْتَدی أی إلی ولایة أهل البیت علیهم السلام كما ورد فی الأخبار الكثیرة التی قد مر بعضها و سیأتی بعضها إن شاء اللّٰه.

وَ هُوَ مُؤْمِنٌ (3) أی باللّٰه و رسله فَلا كُفْرانَ لِسَعْیِهِ أی لا تضییع له استعیر لمنع الثواب كما استعیر الشكر لإعطائه وَ إِنَّا لَهُ أی لسعیه كاتِبُونَ أی مثبتون فی صحیفة عمله یَفْعَلُ ما یُرِیدُ(4) أی من إثابة الموحد الصالح و عقاب المشرك لا دافع له و لا مانع.

مِنْ أَساوِرَ(5) جمع أسورة و هی جمع سوار مِنْ ذَهَبٍ بیان له وَ لُؤْلُؤاً عطف علیها لا علی ذهب إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ قیل هو قولهم الحمد لله الذی صدقنا وعده أو كلمة التوحید و قال علی بن إبراهیم التوحید و الإخلاص وَ هُدُوا إِلی صِراطِ الْحَمِیدِ قیل أی المحمود نفسه أو عاقبته و هو الجنة أو الحق أو المستحق لذاته الحمد و هو اللّٰه تعالی و صراطه الإسلام.

وَ فِی الْمَحَاسِنِ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: هُوَ وَ اللَّهِ هَذَا الْأَمْرُ الَّذِی أَنْتُمْ عَلَیْهِ.

وَ فِی الْكَافِی (6)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: فِی هَذِهِ الْآیَةِ قَالَ ذَاكَ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ وَ عُبَیْدَةُ وَ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ عَمَّارٌ هُدُوا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ.

إِنَّ اللَّهَ یُدافِعُ عَنِ الَّذِینَ آمَنُوا(7) أی غائلة المشركین وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ (8) قیل الكریم من كل نوع ما یجمع فضائله

ص: 40


1- 1. طه: 75- 76.
2- 2. طه: 82.
3- 3. الأنبیاء: 94.
4- 4. الحجّ: 14.
5- 5. الحجّ: 23 و 24.
6- 6. الكافی ج 1 ص 426.
7- 7. الحجّ: 38.
8- 8. الحجّ: 50.

إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (1) قالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ إِلَی الْإِمَامِ الْمُسْتَقِیمِ.

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (2)

فِی الْكَافِی (3)

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: أَ تَدْرِی مَنْ هُمْ قِیلَ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُسَلِّمُونَ إِنَّ الْمُسَلِّمِینَ هُمُ النُّجَبَاءُ.

وَ رَوَی عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لَهَا تَكَلَّمِی فَقَالَتْ- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الْآیَةَ.

و أقول تدل الآیات علی اشتراط تأثیر الإیمان فی دخول الجنة بالأعمال و إن أمكن تأویلها بما سیأتی و كذا قوله تعالی وَ یَقُولُونَ آمَنَّا إلی آخر الآیات تدل علی بعض شرائط الإیمان و أن من لم یتحاكم إلی الرسول و لم یرض بحكمه فلیس بمؤمن.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ (4) حمل علی الكاملین فی الإیمان الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ أی من صمیم قلوبهم وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلی أَمْرٍ جامِعٍ كالجمعة و الأعیاد و الحروب و المشاورة فی الأمور حَتَّی یَسْتَأْذِنُوهُ أی الرسول صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَكَ أعاده مؤكدا علی أسلوب أبلغ فإنه یفید أن المستأذن مؤمن لا محالة و أن الذاهب بغیر إذن لیس كذلك تنبیها علی كونه مصداقا لصحة الإیمان و ممیزا للمخلص عن المنافق و تعظیما للجرم.

فَعَسی أَنْ یَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِینَ (5) قیل عسی تحقیق علی عادة الكرام أو ترجی من التائب بمعنی فلیتوقع أن یفلح وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ (6) أی لا یختبرون

وَ فِی الْمَجْمَعِ (7)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام:

ص: 41


1- 1. الحجّ: 54.
2- 2. المؤمنون: 51.
3- 3. الكافی ج 1 ص 391 و بعده: فالمؤمن غریب فطوبی للغرباء، و رواه فی المحاسن ص 272.
4- 4. المؤمنون: 62.
5- 5. القصص: 67.
6- 6. العنكبوت: 1- 3.
7- 7. مجمع البیان ج 8 ص 272.

مَعْنَی یُفْتَنُونَ یُبْتَلَوْنَ فِی أَنْفُسِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ.

وَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ فِتْنَةٍ یُبْتَلَی بِهَا الْأُمَّةُ لِیَتَعَیَّنَ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ لِأَنَّ الْوَحْیَ قَدِ انْقَطَعَ وَ بَقِیَ السَّیْفُ وَ افْتِرَاقُ الْكَلِمَةِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

وَ فِی الْكَافِی (1)

عَنِ الْكَاظِمِ علیه السلام: أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآیَةَ ثُمَّ قَالَ مَا الْفِتْنَةُ قِیلَ الْفِتْنَةُ فِی الدِّینِ فَقَالَ یُفْتَنُونَ كَمَا یُفْتَنُ الذَّهَبُ ثُمَّ یُخَلَّصُونَ كَمَا یُخَلَّصُ الذَّهَبُ.

فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا أی فی الوجود بحیث یتمیز الذین صدقوا فی الإیمان و الذین كذبوا فیه بعد ما كان یعلمهم قبل ذلك أنهم سیوجدون و یمتحنون

وَ فِی الْمَجْمَعِ (2)

عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ الصَّادِقِ علیهما السلام: أَنَّهُمَا قَرَءَا بِضَمِّ الْیَاءِ وَ كَسْرِ اللَّامِ فِیهِمَا مِنَ الْإِعْلَامِ أَیْ لَیُعَرِّفَنَّهُمُ النَّاسَ.

و أقول تدل علی أن الإقرار الظاهری غیر كاف فی الإیمان الواقعی أَحْسَنَ الَّذِی كانُوا یَعْمَلُونَ (3) أی أحسن جزاء أعمالهم.

لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِی الصَّالِحِینَ (4) أی فی جملتهم أو فی زمرتهم فی الجنة وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ بلسانه فَإِذا أُوذِیَ فِی اللَّهِ أی فی دینه أو فی ذاته جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ أی تعذیبهم و أذیتهم كَعَذابِ اللَّهِ فیرجع عن الدین كما ینبغی للكافر أن یترك دینه مخافة عذاب اللّٰه وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ أی فتح و غنیمة لَیَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ فی الدین فأشركونا فیه و المراد المنافقون أو قوم ضعف إیمانهم فارتدوا من أذی المشركین و یؤید الأول أَ وَ لَیْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِی صُدُورِ الْعالَمِینَ أی من الإخلاص و النفاق وَ لَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا بقلوبهم وَ لَیَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِینَ فیجازی الفریقین.

وَ قُولُوا(5) أی لأهل الكتاب فی المجادلة و فی الدعوة إلی الدین فلا

ص: 42


1- 1. الكافی ج 1 ص 370.
2- 2. مجمع البیان ج 8 ص 271.
3- 3. العنكبوت: 7.
4- 4. العنكبوت: 9- 11.
5- 5. العنكبوت: 46 و 47.

یدل علی اشتراط الإیمان بالقول فَالَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْكِتابَ أی علمه أی مؤمنو أهل الكتاب وَ مِنْ هؤُلاءِ یعنی من العرب أو من أهل مكة أو ممن فی عهد الرسول صلی اللّٰه علیه و آله من أهل الكتاب مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ أی بالقرآن وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا مع ظهورها و قیام الحجة علیها إِلَّا الْكافِرُونَ المتوغلون فی الكفر.

یُتْلی عَلَیْهِمْ (1) أی تدوم تلاوته علیهم إِنَّ فِی ذلِكَ أی الكتاب الذی هو آیة مستمرة و حجة مبینة لَرَحْمَةً أی لنعمة عظیمة وَ ذِكْری لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ أی تذكرة لمن همّه الإیمان دون التعنّت لَنُبَوِّئَنَّهُمْ (2) لَنُنْزِلَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ المخصوص بالمدح محذوف دل علیه ما قبله و هو الجنة أو الغرف الَّذِینَ صَبَرُوا علی المحن و المشاق فی الدین وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَكَّلُونَ أی لا یتوكلون إلا علی اللّٰه فَهُمْ فِی رَوْضَةٍ(3) قیل أی أرض ذات أزهار و أنهار یُحْبَرُونَ أی یسرون سرورا تهللت له وجوههم و قال علی بن إبراهیم أی یكرمون.

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً(4) قیل أی مائلا مستقیما علیه و قیل هو تمثیل للإقبال و استقامة علیه و الاهتمام به و قال علی بن إبراهیم أی طاهرا

وَ رَوَی هُوَ وَ الْكُلَیْنِیُ (5)

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْوَلَایَةُ.

وَ فِی التَّهْذِیبِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: أَمَرَهُ أَنْ یُقِیمَ وَجْهَهُ لِقِبْلَةٍ لَیْسَ فِیهِ شَیْ ءٌ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ.

فِطْرَتَ اللَّهِ نصب علی الإغراء أو المصدر لما دل علیه ما بعدها الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها أی خلقهم علیها قیل و هی قبولهم للحق و تمكنهم من إدراكه أو ملة الإسلام فإنهم لو خلوا و ما خلقوا علیه أدی بهم إلیها.

ص: 43


1- 1. العنكبوت: 51.
2- 2. العنكبوت: 58 و 59.
3- 3. الروم: 15.
4- 4. الروم: 30- 32.
5- 5. الكافی ج 1 ص 419.

وَ فِی الْكَافِی (1)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ مَا تِلْكَ الْفِطْرَةُ قَالَ هِیَ الْإِسْلَامُ.

فطرهم اللّٰه حین أخذ میثاقهم علی التوحید قال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ (2) و فیهم المؤمن و الكافر.

و فی كثیر من الأخبار(3)

فطرهم علی التوحید و فی بعضها فطرهم علی الولایة و فی بعضها فطرهم علی التوحید و محمد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و آله و علی أمیر المؤمنین علیه السلاملیه السلام (4).

وَ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام (5): فَطَرَهُمْ عَلَی التَّوْحِیدِ عِنْدَ الْمِیثَاقِ عَلَی مَعْرِفَةِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ قَالَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ یَعْلَمُوا مَنْ رَبُّهُمْ وَ لَا مَنْ رَازِقُهُمْ.

و قد مضت الأخبار و الأقوال فی ذلك فی كتاب العدل.

لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أی لا یقدر أحد أن یغیره أو لا ینبغی أن یغیر ذلِكَ إشارة إلی الدین المأمور بإقامة الوجه له أو الفطرة إن فسرت بالملة الدِّینُ الْقَیِّمُ أی المستوی الذی لا عوج فیه وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ أی استقامته مُنِیبِینَ إِلَیْهِ أی راجعین إلیه مرة بعد أخری مِنَ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ أی اختلفوا فیما یعبدونه علی اختلاف أهوائهم و قرأ حمزة و الكسائی فارقوا أی تركوا وَ كانُوا شِیَعاً أی فرقا یشایع كل إمامها الذی أصل دینها كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ أی مسرورون ظنا بأنه الحق (6).

لِلدِّینِ الْقَیِّمِ أی البلیغ الاستقامة لا مَرَدَّ لَهُ لتحتم مجیئه یَوْمَئِذٍ یَصَّدَّعُونَ أصله یتصدعون أی یتفرقون فَرِیقٌ فِی الْجَنَّةِ وَ فَرِیقٌ فِی السَّعِیرِ

ص: 44


1- 1. الكافی ج 2 ص 12.
2- 2. الأعراف: 172.
3- 3. راجع الكافی كتاب الإیمان و الكفر باب فطرة الخلق علی التوحید.
4- 4. راجع الكافی ج 1 ص 412 و تراه فی كشف الحق بروایته عن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله ج 1 ص 93.
5- 5. تفسیر العیّاشیّ ج 2 ص 40.
6- 6. الروم: 43.

لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِیمِ (1) قیل أی لهم نعیم جنات فعكس للمبالغة خالِدِینَ فِیها حال من الضمیر فی لهم أو من جنات النعیم وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا مصدران مؤكدان الأول لنفسه و الثانی لغیره لأن قوله لَهُمْ جَنَّاتُ وعد و لیس كل وعد حقا وَ هُوَ الْعَزِیزُ الذی لا یغلبه شی ء فیمنعه عن إنجاز وعده و وعیده الْحَكِیمُ الذی لا یفعل إلا ما تستدعیه حكمته بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِیراً(2) أی علی سائر الأمم أو علی أجر أعمالهم وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ أی لا تعب فیه و لا من علیه وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ(3) أی الكافر و المؤمن وَ لَا الظُّلُماتُ وَ لَا النُّورُ أی و لا الباطل و لا الحق وَ لَا الظِّلُّ وَ لَا الْحَرُورُ أی و لا الثواب و لا العقاب و لا لتأكید نفی الاستواء و تكریرها علی الشقین لمزید التأكید و الحرور من الحر غلب علی السموم.

و قال علی بن إبراهیم الظل الناس و الحرور البهائم و كأنهم إنما سموا ظلا لتعیشهم فی الظلال و البهائم حرورا لتعیشهم فیها و فی بعض النسخ للناس و للبهائم و هو أصوب و فی بعضها و لا الحرور و الحرور السمائم و هو أظهر منهما وَ ما یَسْتَوِی الْأَحْیاءُ وَ لَا الْأَمْواتُ تمثیل آخر للمؤمنین و الكافرین أبلغ من الأول و لذلك كرر الفعل و قیل للعلماء و الجهلاء إِنَّ اللَّهَ یُسْمِعُ مَنْ یَشاءُ

هدایته فیوفقه لفهم آیاته و الاتعاظ بعظاته وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ أی المصرین علی الكفر و قال علی بن إبراهیم قال هؤلاء الكفار لا یسمعون منك كما لا یسمع من فی القبور.

مَنْ كانَ حَیًّا(4) قال ره یعنی مؤمنا حی القلب و فی المجمع عن

ص: 45


1- 1. لقمان: 8 و 9.
2- 2. الأحزاب: 47.
3- 3. فاطر: 19.
4- 4. یس: 70.

أمیر المؤمنین علیه السلام أی عاقلا وَ یَحِقَّ الْقَوْلُ أی تجب كلمة العذاب عَلَی الْكافِرِینَ (1) الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یُؤْمِنُونَ بِهِ (2) أخبر عنهم بالإیمان إظهارا لفضله و تعظیما لأهله وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا فی الأخبار الكثیرة للذین آمنوا بولایتهم علیهم السلام رَبَّنا أی یقولون ربنا وَسِعْتَ كُلَّ شَیْ ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً أی وسعت رحمتك و علمك كل شی ء فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِیلَكَ قیل أی للذین علمت منهم التوبة و اتباع سبیل الحق وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِیمِ رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِی وَعَدْتَهُمْ أی إیاها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّیَّاتِهِمْ عطف علی هم الأول أی أدخلهم و معهم هؤلاء لیتم سرورهم أو الثانی لبیان عموم الوعد إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الذی لا یمتنع علیه مقدور الْحَكِیمُ الذی لا یفعل إلا ما تقتضیه حكمته و من ذلك الوفاء بالوعد وَ قِهِمُ السَّیِّئاتِ أی العقوبات أو جزاء السیئات أو المعاصی فی الدنیا لقوله وَ مَنْ تَقِ السَّیِّئاتِ یَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ أی و من تقها فی الدنیا فقد رحمته فی الآخرة وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ یعنی الرحمة أو الوقایة أو مجموعهما.

وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیها بِغَیْرِ حِسابٍ (3) قیل أی بغیر تقدیر و موازنة بالعمل بل أضعافا مضاعفة فضلا من اللّٰه و رحمة و لعل جعل العمل عمدة و الإیمان حالا للدلالة علی أنه شرط فی اعتبار العمل و أن ثوابه أعلی من ذلك.

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا(4) قیل أی بالحجة و الظفر و الانتقام من الكفرة فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ الأشهاد جمع شاهد و المراد بهم من یقوم

ص: 46


1- 1. مجمع البیان ج 8 ص 432.
2- 2. المؤمن: 6- 9.
3- 3. المؤمن: 40.
4- 4. المؤمن: 51.

یوم القیامة للشهادة علی الناس من الملائكة و الأنبیاء و المؤمنین.

و قال علی بن إبراهیم هو فی الرجعة إذا رجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الأئمة صلوات اللّٰه علیهم

وَ رَوَی بِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: ذَلِكَ وَ اللَّهِ فِی الرَّجْعَةِ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ أَنْبِیَاءَ اللَّهِ كَثِیرَةٌ لَمْ یُنْصَرُوا فِی الدُّنْیَا وَ قُتِلُوا وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِمْ قُتِلُوا وَ لَمْ یُنْصَرُوا وَ ذَلِكَ فِی الرَّجْعَةِ.

وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ(1) أی الجاهل و المستبصر وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ لَا الْمُسِی ءُ أی و لا یستوی المؤمن المحسن و المسی ء مؤمنا كان أو غیره قَلِیلًا ما تَتَذَكَّرُونَ أی تذكرا ما قلیلا تتذكرون فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا(2) أی عذابنا النازل بهم قال فی المجمع (3) أی عند رؤیتهم بأس اللّٰه و عذابه لأنهم یصیرون عند ذلك ملجئین و فعل الملجإ لا یستحق به المدح سُنَّتَ اللَّهِ نصبها علی المصدر أی سن اللّٰه هذه السنة فی الأمم الماضیة كلها إذ لا ینفعهم إیمانهم إذا رأوا العذاب و المراد بالسنة هنا الطریقة المستمرة من فعله بأعدائه الجاحدین وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ بدخول النار و استحقاق النقمة و فوت الثواب و الجنة

وَ فِی الْعُیُونِ (4)

عَنِ الرِّضَا علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ لِأَیِّ عِلَّةٍ غَرَّقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ قَدْ آمَنَ بِهِ وَ أَقَرَّ بِتَوْحِیدِهِ قَالَ لِأَنَّهُ آمَنَ عِنْدَ رُؤْیَةِ الْبَأْسِ وَ الْإِیمَانُ عِنْدَ رُؤْیَةِ الْبَأْسِ غَیْرُ مَقْبُولٍ وَ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَی ذِكْرُهُ فِی السَّلَفِ وَ الْخَلَفِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا الْآیَتَیْنِ (5).

ص: 47


1- 1. المؤمن: 58.
2- 2. المؤمن: 84 و 85.
3- 3. مجمع البیان ج 8 ص 535.
4- 4. عیون أخبار الرضا علیه السلام ج 2 ص 77- ط دار العلم قم.
5- 5. قال بعد ذلك: و لعلة أخری أغرق اللّٰه عزّ و جلّ فرعون و هی انه استغاث بموسی لما أدركه الغرق و لم یستغث باللّٰه، فأوحی اللّٰه عزّ و جلّ إلیه یا موسی لم تغث فرعون لانك لم تخلقه، و لو استغاث بی لاغثته. أقول: العلة الأولی لعدم قبول ایمانه، و هذه وجه عدم اغاثته و نجاته من الغرق.

و قال الرازی فی تفسیره فإن قیل اذكروا ضابطا فی الوقت الذی لا ینفع الإتیان بالإیمان قلنا إنه الوقت الذی یعاین فیه نزول ملائكة الرحمة و العذاب لأن فی ذلك الوقت یصیر المرء ملجأ إلی الإیمان فذلك الإیمان لا ینفع إنما ینفع مع القدرة علی خلافه حتی یكون المرء مختارا أما إذا عاینوا علامات الآخرة فلا ینفع قوله غَیْرُ مَمْنُونٍ (1) أی لا یمن به علیكم أو غیر مقطوع.

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّینِ (2) أی قرر لكم دین نوح و محمد و من بینهما من أرباب الشرائع علیهم السلام و هو الأصل المشترك فیما بینهم المفسر بقوله أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ و هو الإیمان بما یجب تصدیقه و الطاعة فی أحكام اللّٰه وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ أی و لا تختلفوا فی هذا الأصل أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً كَبُرَ عَلَی الْمُشْرِكِینَ أی عظم علیهم ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ

من التوحید(3) اللَّهُ یَجْتَبِی إِلَیْهِ مَنْ یَشاءُ أی یجتلب إلیه و الضمیر لما تدعوهم أو للدین وَ یَهْدِی إِلَیْهِ بالإرشاد و التوفیق مَنْ یُنِیبُ أی یقبل إلیه و قال علی بن إبراهیم (4) هم الأئمة الذین اختارهم و اجتباهم

وَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ قَالَ الْإِمَامُ- وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ كِنَایَةٌ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ- ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ مِنْ وَلَایَةِ عَلِیٍّ علیه السلام- مَنْ یَشاءُ كِنَایَةٌ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام.

و سیأتی خبر طویل فی تأویل هذه الآیة

ص: 48


1- 1. فصّلت: 8.
2- 2. الشوری: 13.
3- 3. فی الكافی ج 1 ص 418 فی حدیث الرضا علیه السلام أن المراد كبر علی المشركین بولایة علیّ علیه السلام ما تدعوهم إلیه یا محمّد من ولایة علی، هكذا فی الكتاب مخطوطة.
4- 4. و هكذا رواه فی كنز جامع الفوائد ص 284.

فِی رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ (1) قیل أی فی أطیب بقاعها و أنزهها لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أی ما یشتهونه ثابت لهم عند ربهم ذلِكَ إشارة إلی ما للمؤمنین هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِیرُ الذی یصغر دونه ما لغیرهم فی الدنیا ذلِكَ الَّذِی أی ذلك الثواب الذی یبشرهم اللّٰه به فحذف الجار ثم العائد أو ذلِكَ التبشیر الَّذِی یُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ وَ یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا(2) قیل أی یستجیب اللّٰه لهم فحذف اللام و المراد إجابة الدعاء أو الإثابة علی الطاعة أو یستجیبون اللّٰه بالطاعة إذا دعاهم إلیها

وَ فِی الْمَجْمَعِ (3)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ أَنَّ الْأَنْصَارَ عَرَضُوا عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَمْوَالَهُمْ فَنَزَلَتْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ مُسَلِّمِینَ وَ قَالَ الْمُنَافِقُونَ إِنَّ هَذَا الشَّیْ ءَ افْتِرَاءٌ وَ سَاقَ إِلَی قَوْلِهِ وَ قَالَ وَ یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هُمُ الَّذِینَ سَلَّمُوا لِقَوْلِهِ.

وَ فِی الْكَافِی (4)

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِنُ یَدْعُو لِأَخِیهِ بِظَهْرِ الْغَیْبِ فَیَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ آمِینَ وَ یَقُولُ الْعَزِیزُ الْجَبَّارُ وَ لَكَ مِثْلَا مَا سَأَلْتَ لِحُبِّكَ إِیَّاهُ.

وَ فِی الْمَجْمَعِ (5)

عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: وَ یَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الشَّفَاعَةَ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ مِمَّنْ أَحْسَنَ إِلَیْهِمْ فِی الدُّنْیَا.

الَّذِینَ آمَنُوا(6) صفة للمنادی فی قوله یا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَیْكُمُ تُحْبَرُونَ أی تسرون أو تزینون أو تكرمون إكراما یبالغ فیه فِی رَحْمَتِهِ (7) التی من جملتها الجنة ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِینُ لخلوصه

ص: 49


1- 1. الشوری: 22 و 23.
2- 2. الشوری: 26.
3- 3. مجمع البیان ج 9 ص 29.
4- 4. الكافی ج 2 ص 507.
5- 5. مجمع البیان ج 9 ص 30.
6- 6. الزخرف: 69- 70.
7- 7. الجاثیة: 30.

عن الشوائب.

قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا(1) قیل أی جمعوا بین التوحید الذی هو خلاصة العلم و الاستقامة فی الأمور التی هی منتهی العمل و ثم للدلالة علی تأخیر رتبة العمل و توقف اعتباره علی التوحید و قال علی بن إبراهیم استقاموا علی ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ من لحوق مكروه وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ علی فوات محبوب.

وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ (2) قال علی بن إبراهیم نزلت فی أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الذین ارتدوا بعده و غصبوا أهل بیته حقهم و صدوا عن أمیر المؤمنین و عن ولایة الأئمة علیهم السلام أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ أی أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من الجهاد و النصر

وَ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: فِی قَوْلِهِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ قَالَ بِمَا نُزِّلَ عَلَی مُحَمَّدٍ فِی عَلِیٍّ هَكَذَا نَزَلَتْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ قَالَ نَزَلَتْ فِی أَبِی ذَرٍّ وَ سَلْمَانَ وَ عَمَّارٍ وَ الْمِقْدَادِ لَمْ یَنْقُضُوا الْعَهْدَ قَالَ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلی مُحَمَّدٍ أَیْ أُثْبِتُوا عَلَی الْوَلَایَةِ الَّتِی أَنْزَلَهَا اللَّهُ- وَ هُوَ الْحَقُ یَعْنِی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام- بالَهُمْ أَیْ حَالَهُمْ.

ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ قال و هم الذین اتبعوا أعداء رسول اللّٰه و أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیهما

وَ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: فِی سُورَةِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله آیَةٌ فِینَا وَ آیَةٌ فِی أَعْدَائِنَا(3).

مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا(4) أی ناصرهم علی أعدائهم و قال علی بن إبراهیم یعنی الذین ثبتوا علی ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام لا مَوْلی لَهُمْ فیدفع العذاب عنهم.

ص: 50


1- 1. الأحقاف: 13.
2- 2. القتال: 1- 3.
3- 3. راجع مجمع البیان ج 9 ص 95، و رواه فی كنز جامع الفوائد ص 302 و 334 عن علیّ علیه السلام.
4- 4. القتال: 11.

لِیُدْخِلَ (1) قیل أی فعل ما فعل و دبر ما دبر لیدخل وَ یُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ أی یغطیها و لا یظهرها فَوْزاً عَظِیماً لأنه منتهی ما یطلب من جلب نفع أو دفع ضرر وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ (2) أی أنزل علیهم الثبات و الوقار وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوی أی كلمة بها یتقی من النار أو هی كلمة أهل التقوی و قال الأكثر هی كلمة الشهادة و روی ذلك عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله

وَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: هِیَ الْإِیمَانُ وَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی وَصْفِ عَلِیٍّ علیه السلام هُوَ الْكَلِمَةُ الَّتِی أَلْزَمْتُهَا الْمُتَّقِینَ (3).

وَ فِی أَخْبَارٍ كَثِیرَةٍ عَنْهُمْ علیهم السلام: نَحْنُ كَلِمَةُ التَّقْوَی.

أی ولایتهم وَ كانُوا أَحَقَّ بِها أی بتلك الكلمة من غیرهم وَ أَهْلَها أی المستأهل لها وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیماً فیعلم أهل كل شی ء و ییسره له.

حَبَّبَ إِلَیْكُمُ الْإِیمانَ (4) أی جعله أحب الأدیان إلیكم بأن أقام الأدلة علی صحته و بما وعد من الثواب علیه وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِكُمْ بالألطاف الداعیة إلیه و فیه إشعار بأن الإیمان من فعل القلب وَ كَرَّهَ إِلَیْكُمُ الْكُفْرَ بما وصف من العقاب علیه و بوجوه الألطاف الصارفة عنه وَ الْفُسُوقَ أی الخروج عن الطاعة إلی المعاصی وَ الْعِصْیانَ أی جمیع المعاصی و قیل الفسوق الكذب و هو المروی عن أبی جعفر علیه السلام (5).

وَ فِی الْكَافِی وَ غَیْرِهِ (6)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَنَّ الْإِیمَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ الثَّلَاثَةُ

ص: 51


1- 1. الفتح: 5.
2- 2. الفتح: 26.
3- 3. منها ما تراه فی ج 35 ص 300 من هذه الطبعة فی روایات المعراج، و تراه فی ج 36 ص 55 باب أنّه علیه السلام كلمة اللّٰه أحادیث فی ذلك.
4- 4. الحجرات: 7 و 8.
5- 5. رواه الطبرسیّ فی مجمع البیان ج 9 ص 133.
6- 6. راجع الكافی ج 1 ص 426، مناقب آل أبی طالب ج 3 ص 343 تفسیر القمّیّ ص 640.

الثَّلَاثَةُ عَلَی التَّرْتِیبِ.

وَ فِی الْمَحَاسِنِ (1)

عَنْهُ علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآیَةِ وَ قِیلَ لَهُ هَلْ لِلْعِبَادِ فِیمَا حَبَّبَ اللَّهُ صُنْعٌ قَالَ لَا وَ لَا كَرَامَةَ.

وَ فِی الْكَافِی (2)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحُبِّ وَ الْبُغْضِ أَ مِنَ الْإِیمَانِ هُوَ فَقَالَ وَ هَلِ الْإِیمَانُ إِلَّا الْحُبُّ وَ الْبُغْضُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ.

أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ یعنی أولئك الذین فعل بهم ذلك هم الذین أصابوا الطریق السوی إِنَّكُمْ لَفِی قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (3) أی فی محمد صلی اللّٰه علیه و آله شاعر أو مجنون أو منكم مكذب و منكم مصدق و منكم شاك أو فی القرآن أنه سحر أو كهانة أو ما سطره الأولون یُؤْفَكُ

عَنْهُ مَنْ أُفِكَ الضمیر للرسول صلی اللّٰه علیه و آله أو القرآن أو الإیمان أی من صرف عنه صرف عن الخیرات كلها أو لا صرف أشد منه فكأنه لا صرف بالنسبة إلیه أو یصرف عنه من صرف فی علم اللّٰه و قضائه تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ (4) أی من قدر اللّٰه إیمانه أو من آمن فإنه یزداد بصیرة مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ (5) أی من الأموال التی جعلكم اللّٰه خلفاء فی التصرف فیها فهی حقیقة له لا لكم أو التی استخلفكم عمن قبلكم فی تملكها و التصرف فیها وَ ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ أی أیما عذر لكم فی ترك الإیمان وَ الرَّسُولُ یَدْعُوكُمْ إلیه بالحجج و البینات وَ قَدْ أَخَذَ مِیثاقَكُمْ أی و قد أخذ اللّٰه میثاقكم بالإیمان قبل ذلك إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ لموجب ما فإن هذا موجب لا مزید علیه مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ أی من ظلمات الكفر إلی نور الإیمان

ص: 52


1- 1. المحاسن: 199.
2- 2. الكافی ج 2 ص 125. و تراه فی المحاسن ص 262.
3- 3. الذاریات: 8 و 9.
4- 4. الذاریات: 55.
5- 5. الحدید: 7- 9.

یَسْعی نُورُهُمْ (1) قیل أی ما یهتدون به إلی الجنة بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ بِأَیْمانِهِمْ من حیث یؤتون صحائف أعمالهم لأن السعداء یؤتون صحائف أعمالهم من هاتین الجهتین بُشْراكُمُ الْیَوْمَ جَنَّاتٌ أی یقولون لهم من یتلقاهم من الملائكة بُشْراكُمُ أی المبشر به جنات أو بشراكم دخول جنات ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ إشارة إلی ما تقدم من النور و البشری بالجنات المخلدة أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ (2)

فِی التَّهْذِیبِ عَنِ السَّجَّادِ علیه السلام: إِنَّ هَذِهِ لَنَا وَ لِشِیعَتِنَا.

وَ فِی الْمَحَاسِنِ (3)

عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ: مَا مِنْ شِیعَتِنَا إِلَّا صِدِّیقٌ شَهِیدٌ قِیلَ أَنَّی یَكُونُ ذَلِكَ وَ عَامَّتُهُمْ یَمُوتُونَ عَلَی فُرُشِهِمْ فَقَالَ أَ مَا تَتْلُوا كِتَابَ اللَّهِ فِی الْحَدِیدِ- وَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ وَ الشُّهَداءُ قَالَ لَوْ كَانَ الشُّهَدَاءُ لَیْسَ إِلَّا كَمَا یَقُولُونَ كَانَ الشُّهَدَاءُ قَلِیلًا.

أقول: سیأتی أخبار كثیرة فی ذلك و قد مر بعضها لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ أی أجر الصدیقین و الشهداء و نورهم سابِقُوا(4) أی سارعوا مسارعة السابقین فی المضمار إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أی إلی موجباتها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ قیل أی كعرض مجموعهما إذا بسطتا یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا(5) أی بالرسل المتقدمة اتَّقُوا اللَّهَ فیما نهاكم عنه یُؤْتِكُمْ كِفْلَیْنِ أی نصیبین مِنْ رَحْمَتِهِ لإیمانكم بمحمد و إیمانكم بمن قبله وَ یَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ قیل یرید المذكور فی قوله یَسْعی نُورُهُمْ أو الهدی الذی یسلك به إلی جناب القدس.

و قال علی بن إبراهیم (6) كِفْلَیْنِ نصیبین مِنْ رَحْمَتِهِ أحدهما أن

ص: 53


1- 1. الحدید: 12.
2- 2. الحدید: 19.
3- 3. المحاسن: 163. و الحدیث عن زید بن أرقم عن الحسین بن علی علیهما السلام و فیه قال: قلت جعلت فداك أنی یكون ذلك إلخ.
4- 4. الحدید: 21.
5- 5. الحدید: 28.
6- 6. تفسیر القمّیّ: 666.

لا یدخله النار و ثانیهما أن یدخله الجنة وَ یَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً یعنی الإیمان

وَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام (1): كِفْلَیْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قَالَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ وَ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ یَعْنِی إِمَاماً تَأْتَمُّونَ بِهِ.

وَ فِی الْمَنَاقِبِ قَالَ: وَ النُّورُ عَلِیٌّ علیه السلام.

لا یَسْتَوِی أَصْحابُ النَّارِ وَ أَصْحابُ (2) الْجَنَّةِ قیل أی لا یستوی الذین استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة و الذین استمهنوها فاستحقوا النار هُمُ الْفائِزُونَ بالنعیم المقیم.

تُؤْمِنُونَ (3) استئناف مبین للتجارة و هو الجمع بین الإیمان و الجهاد المؤدی إلی كمال عزهم و المراد به الأمر و إنما جی ء بلفظ الخبر إیذانا بأن ذلك مما لا یترك ذلِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ یعنی ما ذكر من الإیمان و الجهاد إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أی إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل لا یعتد بفعله یَغْفِرْ لَكُمْ جواب للأمر المدلول علیه بلفظ الخبر أو بشرط أو استفهام دل علیه الكلام تقدیره إن تؤمنوا و تجاهدوا أو هل تقبلون أن أدلكم یغفر لكم ذلِكَ إشارة إلی ما ذكر من المغفرة و إدخال الجنة وَ أُخْری أی و لكم إلی هذه النعمة المذكورة نعمة أخری و قیل مبتدأ خبره نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِیبٌ فتح مكة و فی تفسیر علی بن إبراهیم یعنی فی الدنیا بفتح القائم علیه السلام وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ عطف علی محذوف مثل قل یا أیها الذین آمنوا و بشر أو علی تؤمنون به فإنه فی معنی الأمر مَنْ أَنْصارِی إِلَی اللَّهِ (4) أی من جندی متوجها إلی نصرة اللّٰه و الحواریّون أصفیاؤه فَآمَنَتْ طائِفَةٌ أی بعیسی فَأَیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا أی بالحجة أو بالحرب و ذلك بعد رفع عیسی علیه السلام فَأَصْبَحُوا ظاهِرِینَ أی فصاروا غالبین وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ (5) أی لله الغلبة و القوة و لمن أعزه

ص: 54


1- 1. الكافی ج 1 ص 430، كنز جامع الفوائد: 334.
2- 2. الحشر: 20.
3- 3. الصف: 10.
4- 4. الصف: 14.
5- 5. المنافقون: 8.

من رسوله و المؤمنین وَ لكِنَّ الْمُنافِقِینَ لا یَعْلَمُونَ من فرط جهلهم و غرورهم وَ النُّورِ الَّذِی أَنْزَلْنا(1) ذهب أكثر المفسرین إلی أنه القرآن و قال علی بن إبراهیم (2) النور أمیر المؤمنین علیه السلام

وَ فِی الْكَافِی (3)

عَنِ الْكَاظِمِ علیه السلام: الْإِمَامَةُ هِیَ النُّورُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِی أَنْزَلْنا قَالَ النُّورُ هُوَ الْإِمَامُ.

وَ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام:(4) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآیَةِ فَقَالَ النُّورُ وَ اللَّهِ الْأَئِمَّةُ الْخَبَرَ.

و الأخبار فی ذلك كثیرة أوردناها فی كتاب الإمامة(5).

یَوْمَ یَجْمَعُكُمْ لِیَوْمِ الْجَمْعِ (6) لأجل ما فیه من الحساب و الجزاء و الجمع جمع الأولین و الآخرین ذلِكَ یَوْمُ التَّغابُنِ یغبن فیه بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقیاء لو كانوا سعداء و بالعكس

وَ فِی مَعَانِی الْأَخْبَارِ(7)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: یَوْمَ یَغْبِنُ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ.

وَ یَعْمَلْ صالِحاً أی عملا صالحا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ إشارة إلی مجموع الأمرین و لذلك جعله الفوز العظیم لأنه جامع للمصالح من دفع المضار و جلب المنافع یَهْدِ قَلْبَهُ (8) قیل أی للثبات و الاسترجاع عند حلول المصیبة و قال علی بن إبراهیم أی یصدق اللّٰه فی قلبه فإذا بین اللّٰه له اختار الهدی و یزیده اللّٰه كما قال وَ الَّذِینَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدیً

وَ فِی الْكَافِی (9)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْقَلْبَ لَیَتَرَجَّجُ فِیمَا بَیْنَ الصَّدْرِ

ص: 55


1- 1. التغابن: 8.
2- 2. تفسیر القمّیّ ص 683.
3- 3. الكافی ج 1 ص 196.
4- 4. الكافی ج 1 ص 194 و 195 حدیثان.
5- 5. راجع ج 32 ص 3- 325.
6- 6. التغابن: 9.
7- 7. معانی الأخبار ص 156.
8- 8. التغابن: 11.
9- 9. الكافی ج 2 ص 421.

وَ الْحَنْجَرَةِ حَتَّی یُعْقَدَ عَلَی الْإِیمَانِ فَإِذَا عُقِدَ عَلَی الْإِیمَانِ قَرَّ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ مَنْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ یَهْدِ قَلْبَهُ.

أقول: كأنه علیه السلام قرأ بالهمز و رفع قلبه كما قرأ فی الشواذ(1) منسوبا إلی عكرمة و عمرو بن دینار أو هو بیان لحاصل المعنی فیوافق القراءة المشهورة أیضا أی یهدی اللّٰه قلبه فیسكن.

ذِكْراً رَسُولًا(2)

عَنِ الرِّضَا علیه السلام: أَنَّ الذِّكْرَ هُنَا هُوَ الرَّسُولُ (3) وَ نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ.

و قال البیضاوی یعنی بالذكر جبرئیل علیه السلام لكثرة ذكره أو لنزوله بالذكر و هو القرآن أو لكونه مذكورا فی السماوات أو ذا ذكر أی شرف أو محمدا صلی اللّٰه علیه و آله لمواظبته علی تلاوة القرآن أو تبلیغه و عبر عن إرساله بالإنزال ترشیحا أو لأنه مسبب عن إنزال الوحی إلیه و أبدل عنه رسولا للبیان أو أراد به القرآن و رسولا منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكرا و الرسول مفعوله أو بدله علی أنه بمعنی الرسالة مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ من الضلالة إلی الهدی قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً قیل فیه تعجیب و تعظیم لما رزقوا من الثواب.

وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ (4) عطف علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله إحمادا لهم و تعریضا لمن ناواهم و قیل مبتدأ خبره نُورُهُمْ یَسْعی بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ بِأَیْمانِهِمْ

فِی الْمَجْمَعِ (5)

عَنِ الصَّادِقِ: فِی هَذِهِ الْآیَةِ قَالَ یَسْعَی أَئِمَّةُ الْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ بَیْنَ أَیْدِی الْمُؤْمِنِینَ وَ بِأَیْمَانِهِمْ حَتَّی یُنْزِلُوهُمْ مَنَازِلَهُمْ فِی الْجَنَّةِ.

و روی علی بن

ص: 56


1- 1. راجع مجمع البیان ج 10 ص 299.
2- 2. الطلاق: 10- 11.
3- 3. و ذلك لان« رسولا» بیان أو بدل عن« ذكرا» و لا یلزم كون الرسول منزلا فان التقدیر انا انزلنا الیكم ذكرا بل انا أرسلنا الیكم رسولا».
4- 4. التحریم: 9.
5- 5. مجمع البیان ج 10 ص 318 و هكذا رواه علیّ بن إبراهیم فی تفسیره ص 459.

إبراهیم: مثله

وَ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: فَمَنْ كَانَ لَهُ نُورٌ یَوْمَئِذٍ نَجَا وَ كُلُّ مُؤْمِنٍ لَهُ نُورٌ.

یَقُولُونَ إذا طفئ أنوار المنافقین. رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا و قیل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فیسألون إتمامه تفضلا.

أَ فَمَنْ یَمْشِی مُكِبًّا(1) یقال كببته فأكب و هو من الغرائب أی یعثر كل ساعة و یخرّ علی وجهه لوعورة طریقه و اختلاف أجزائه و لذلك قابله بقوله أَمَّنْ یَمْشِی سَوِیًّا أی قائما سالما من العثار عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ أی مستوی الأجزاء أو الجهة و المراد تشبیه

المشرك و الموحد بالسالكین و الدینین بالمسلكین و قیل المراد بالمكب الأعمی فإنه یعتسف فینكب و بالسوی البصیر و قیل من یمشی مكبا هو الذی یحشر علی وجهه إلی النار و من یمشی سویا الذی یحشر علی قدمیه إلی الجنة.

وَ فِی الْكَافِی (2)

عَنِ الْكَاظِمِ علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآیَةِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلَ مَنْ حَادَ عَنْ وَلَایَةِ عَلِیٍّ علیه السلام كَمَنْ یَمْشِی عَلَی وَجْهِهِ لَا یَهْتَدِی لِأَمْرِهِ وَ جَعَلَ مَنْ تَبِعَهُ سَوِیًّا عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ وَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِیمُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام.

أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِینَ (3) إنكار لقولهم إن صح أنا نبعث كما یزعم محمد و من معه لم یفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن علیه فی الدنیا ما لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ التفات فیه تعجیب من حكمهم و استبعاد له و إشعار بأنه صادر من اختلال فكر و اعوجاج رأی.

فَلا یَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً(4) أی نقصا فی الجزاء أو أن یرهقه ذلة و قال علی بن إبراهیم البخس النقصان و الرهق العذاب.

ص: 57


1- 1. الملك: 20.
2- 2. الكافی ج 1 ص 433.
3- 3. القلم: 35.
4- 4. الجن: 13.

وَ فِی الْكَافِی (1)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْمَاضِی علیه السلام قَالَ: قُلْتُ قَوْلُهُ لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدی آمَنَّا بِهِ قَالَ الْهُدَی الْوَلَایَةُ آمَنَّا بِمَوْلَانَا فَمَنْ آمَنَ بِوَلَایَةِ مَوْلَاهُ فَلا یَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً قُلْتُ تَنْزِیلٌ قَالَ لَا تَأْوِیلٌ.

یَضْحَكُونَ (2) أی یستهزءون وَ إِذا مَرُّوا بِهِمْ یَتَغامَزُونَ أی یغمز بعضهم بعضا و یشیرون بأعینهم انْقَلَبُوا فَكِهِینَ أی ملتذین بالسخریة منهم و قال علی بن إبراهیم إِنَّ الَّذِینَ أَجْرَمُوا الأول و الثانی و من تبعهما یَتَغامَزُونَ برسول اللّٰه إلی آخر السورة.

و فی المجمع (3)

قیل نزلت فی علی بن أبی طالب علیه السلام و ذلك أنه كان فی نفر من المسلمین جاءوا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فسخر منهم المنافقون و ضحكوا و تغامزوا ثم رجعوا إلی أصحابهم فقالوا رأینا الیوم الأصلع فضحكنا منه فنزلت الآیات قبل أن یصل علی و أصحابه إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله.

و عن ابن عباس (4) إِنَّ الَّذِینَ أَجْرَمُوا منافقو قریش و الَّذِینَ آمَنُوا علی بن أبی طالب علیه السلام.

وَ إِذا رَأَوْهُمْ (5) أی و إذا رأوا المؤمنین نسبوهم إلی الضلال وَ ما أُرْسِلُوا عَلَیْهِمْ أی علی المؤمنین حافِظِینَ یحفظون علیهم أعمالهم و یشهدون برشدهم و ضلالهم فَالْیَوْمَ الَّذِینَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ یَضْحَكُونَ حین یرونهم أذلاء مغلولین فی النار.

و روی (6)

أنه یفتح لهم باب إلی الجنة فیقال لهم أخرجوا إلیها فإذا

ص: 58


1- 1. الكافی ج 1 ص 433، فی حدیث.
2- 2. المطففین: 28.
3- 3. مجمع البیان ج 10 ص 457.
4- 4. رواه أیضا فی المجمع عن أبی القاسم الحسكانی فی كتاب شواهد التنزیل.
5- 5. المطففین: 32.
6- 6. رواه الطبرسیّ عن أبی صالح ج 10 ص 457.

وصلوا أغلق دونهم فیضحك المؤمنون منهم هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ أی أثیبوا و جوزوا ما كانُوا یَفْعَلُونَ من السخریة بالمؤمنین و الاستفهام للتقریر.

غَیْرُ مَمْنُونٍ (1) أی غیر مقطوع أو ممنون به علیهم كما مر ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِیرُ(2) إذ الدنیا و ما فیها یصغر دونه وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ(3) أی أوصی بعضهم بعضا بالصبر علی طاعة اللّٰه تعالی و المرحمة الرحمة علی عبادة أو بموجبات رحمة اللّٰه أَصْحابُ الْمَیْمَنَةِ أی الیمین أو الیمن و قال علی بن إبراهیم أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام.

وَ الْعَصْرِ قیل أقسم بصلاة العصر أو بعصر النبوة أو بالدهر لاشتماله علی الأعاجیب إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ أی فی خسران فی مساعیهم و صرف أعمارهم فی مطالبهم إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنهم اشتروا الآخرة بالدنیا ففازوا بالحیاة الأبدیة و السعادة السرمدیة وَ تَواصَوْا بِالْحَقِ بالثابت الذی لا یصح إنكاره من اعتقاد أو عمل وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ عن المعاصی و علی الطاعات و علی المصائب.

وَ فِی الْإِكْمَالِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: الْعَصْرِ عَصْرُ خُرُوجِ الْقَائِمِ علیه السلام إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ یَعْنِی أَعْدَاءَنَا- إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا یَعْنِی بِآیَاتِنَا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ یَعْنِی بِمُوَاسَاةِ الْإِخْوَانِ- وَ تَواصَوْا بِالْحَقِ یَعْنِی الْإِمَامَةَ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ یَعْنِی بِالْعِشْرَةِ.

و قال علی بن إبراهیم إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا بولایة أمیر المؤمنین علیه السلام وَ تَواصَوْا بِالْحَقِ ذریاتهم و من خلفوا بالولایة تواصوا بها و صبروا علیها.

وَ فِی الْمَجْمَعِ (4)

عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام وَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَنَّهُمَا قَرَءَا وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ- وَ إِنَّهُ فِیهِ إِلَی آخِرِ الدَّهْرِ.

ص: 59


1- 1. الانشقاق: 25 و التین 6.
2- 2. البروج: ج 12.
3- 3. البلد: 17.
4- 4. مجمع البیان ج 10 ص 536.
الأخبار

«1»- ع، [علل الشرائع] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَفَّانَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّمَا سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً لِأَنَّهُ یُؤْمِنُ عَلَی اللَّهِ فَیُجِیزُ أَمَانَهُ (1).

بیان: یؤمن علی اللّٰه أی یدعو و یشفع لغیره فی الدنیا و الآخرة فیستجاب له و تقبل شفاعته فیه و سیأتی التخصیص بالأخیرة.

«2»- سن، [المحاسن] عَنِ ابْنِ یَزِیدَ عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَیْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ طَرِیفٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: لِمَ سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً فَقُلْتُ لَا أَدْرِی إِلَّا أَنَّهُ أُرَاهُ یُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَقَالَ صَدَقْتَ وَ لَیْسَ لِذَلِكَ سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً فَقُلْتُ لِمَ سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً قَالَ إِنَّهُ یُؤْمِنُ عَلَی اللَّهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَیُجِیزُ أَمَانَهُ (2).

«3»- ع، [علل الشرائع] عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ هَارُونَ عَنِ ابْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: أَ لَا أُنَبِّئُكُمْ لِمَ سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً لِإِیمَانِهِ النَّاسَ عَلَی أَنْفُسِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ أَ لَا أُنَبِّئُكُمْ مَنِ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ یَدِهِ وَ لِسَانِهِ الْخَبَرَ(3).

بیان: فیه إیماء إلی أنه یشترط فی الإیمان أو كماله أن لا یخافه الناس علی أنفسهم و أموالهم و كذا الإسلام.

«4»- شی، [تفسیر العیاشی] عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فِی قَوْلِ اللَّهِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی (4) قَالَ هِیَ الْإِیمَانُ بِاللَّهِ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ (5).

ص: 60


1- 1. علل الشرائع ج 2 ص 219.
2- 2. المحاسن: 329.
3- 3. علل الشرائع: 219.
4- 4. البقرة: 256.
5- 5. تفسیر العیّاشیّ ج 1 ص 138.

«5»- ختص، [الإختصاص] رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: الْمُؤْمِنُ هَاشِمِیٌّ لِأَنَّهُ هَشَمَ الضَّلَالَ وَ الْكُفْرَ وَ النِّفَاقَ وَ الْمُؤْمِنُ قُرَشِیٌّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِلشَّیْ ءِ وَ نَحْنُ الشَّیْ ءُ وَ أَنْكَرَ لَا شَیْ ءَ الدُّلَامَ وَ أَتْبَاعَهُ وَ الْمُؤْمِنُ نَبَطِیٌّ لِأَنَّهُ اسْتَنْبَطَ الْأَشْیَاءَ تَعَرَّفَ الْخَبِیثَ عَنِ الطَّیِّبِ وَ الْمُؤْمِنُ عَرَبِیٌّ لِأَنَّهُ عُرِّبَ عَنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ وَ الْمُؤْمِنُ أَعْجَمِیٌّ لِأَنَّهُ أَعْجَمَ عَنِ الدُّلَامِ فَلَمْ یَذْكُرْهُ بِخَیْرٍ وَ الْمُؤْمِنُ فَارِسِیٌّ لِأَنَّهُ تَفَرَّسَ فِی الْأَسْمَاءِ لَوْ كَانَ الْإِیمَانُ مَنُوطاً بِالثُّرَیَّا لَتَنَاوَلَهُ أَبْنَاءُ فَارِسَ یَعْنِی بِهِ الْمُتَفَرِّسَ فَاخْتَارَ مِنْهَا أَفْضَلَهَا وَ اعْتَصَمَ بِأَشْرَفِهَا وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ (1).

توضیح: كأن الغرض بیان فضل المؤمن و أنه یمكن أن یطلق علیه كل اسم حسن بوجه من الوجوه فبین علیه السلام أنه یمكن أن یعد فی الهاشمیین لأنه هشم الضلال و أشباهه أی كسرها و أبطلها.

فی القاموس الهشم كسر الشی ء الیابس أو الأجوف أو لكسر العظام و الرأس خاصة أو الوجه و الأنف أو كل شی ء هشمه یهشمه فهو مهشوم و هشیم و هاشم أبو عبد المطلب و اسمه عمرو لأنه أول من ثرد الثرید و هشمه (2)

و القرشی كأنه مبنی علی الاشتقاق الكبیر أو كان أصله ذلك كتأبط شرا فصار بكثرة الاستعمال كذلك و المراد بالشی ء الحق الثابت و باللاشی ء الباطل المضمحلّ و یمكن أن یكون بمعنی المشی ء أی ما یصلح أن تتعلق به المشیئة و الحق كذلك.

و الدلام بیان للا شی ء و یكنی به غالبا فی الأخبار عن عمر تقیة و قد یطلق علی سابقه أیضا إما لسواد ظاهرهما أو باطنهما بالكفر و النفاق أو لانتشار الظلم و الفتن بهما فی الآفاق

ص: 61


1- 1. الاختصاص: 143.
2- 2. القاموس ج 4 ص 190.

فی القاموس الدلام كسحاب السواد أو الأسود(1) و فی النهایة فیه أمیركم رجل طوال أدلم الأدلم الأسود الطویل و منه الحدیث فجاء رجل أدلم فاستأذن علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله قیل هو عمر بن الخطاب انتهی و هذا یدل علی أن الكنایة بعمر أنسب و القرش القطع و الجمع و فی تسمیة قریش أقوال شتی لا طائل فی ذكرها.

لأنه عرّب عنا كأنه علی بناء المجهول من التفعیل فإن التعریب تهذیب المنطق من اللحن فعن تعلیلیة أو علی بناء المعلوم من التعریب بمعنی التكلم عن القوم و الإعراب الإبانة و الإفصاح و عدم اللحن فی الكلام و الرد عن القبیح كل ذلك ذكره الفیروزآبادی (2).

و فی النهایة عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم و قال الإعراب و التعریب الإبانة و الإیضاح و فی القاموس من لا یفصح كالاعجمی و استعجم سكت.

قوله علیه السلام لأنه تفرس فی الأسماء التفرس التثبت و النظر و إعمال الحدس الصائب فی الأمور و قوله فاختار عطف علی قوله تفرس و الحدیث معترض بینهما لبیان أن الفارس فی هذا الحدیث أیضا المتفرس و المعنی أن الذین مدحهم الرسول صلی اللّٰه علیه و آله لیس مطلق العجم بل أهل الدین و الیقین منهم كسلمان رضی اللّٰه عنه و التفرس فی الأسماء كالتفكر فی الإیمان و النفاق مثلا و اختیار الإیمان و فی التقوی و الفسق و اختیار التقوی أو التفكر فی أن الإیمان ما معناه و علی أی الفرق المختلفة یصح إطلاق المؤمن فیختار من الإیمان ما هو حقه و ما یصح أن یطلق علیه.

و الحاصل أنه یتدبر و یتفكر فی الدلائل و البراهین من الكتاب و السنة و الأدلة العقلیة و یختار من العقائد و الأعمال ما هو أحسنها و أوفقها للأدلة و فی النهایة فیه اتقوا فراسة المؤمن فإنه ینظر بنور اللّٰه یقال بمعنیین أحدهما

ص: 62


1- 1. القاموس ج 4 ص 113.
2- 2. المصدر ج 1 ص 102.

ما دل ظاهر هذا الحدیث علیه و هو ما یوقعه اللّٰه تعالی فی قلوب أولیائه فیعلمون أحوال الناس بنوع من الكرامات و إصابة الظن و الحدس و الثانی نوع یتعلم بالدلائل و التجارب و الخلق و الأخلاق فتعرف به أحوال الناس و للناس فیه تصانیف قدیمة و حدیثة و رجل فارس بالأمر أی عالم به بصیر.

«6»- صِفَاتُ الشِّیعَةِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ السَّمَاءِ هَلْ یَرَوْنَ أَهْلَ الْأَرْضِ قَالَ لَا یَرَوْنَ إِلَّا الْمُؤْمِنِینَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ نُورٍ كَنُورِ الْكَوَاكِبِ قِیلَ فَهُمْ یَرَوْنَ أَهْلَ الْأَرْضِ قَالَ لَا یَرَوْنَ نُورَهُ حَیْثُ مَا تَوَجَّهَ ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسُ سَاعَاتٍ یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَشْفَعُ فِیهَا(1).

«7»- قَضَاءُ الْحُقُوقِ لِلصُّورِیِّ، بِإِسْنَادِهِ قَالَ: قِیلَ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لِمَ سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً قَالَ لِأَنَّهُ اشْتَقَّ لِلْمُؤْمِنِ اسْماً مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَی فَسَمَّاهُ مُؤْمِناً وَ إِنَّمَا سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ لِأَنَّهُ یُؤْمَنُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَی وَ یُؤْمِنُ عَلَی اللَّهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَیُجِیزُ لَهُ ذَلِكَ وَ لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ أَوْ نَامَ أَوْ نَكَحَ أَوْ مَرَّ بِمَوْضِعِ قَذَرٍ حَوَّلَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِینَ طُهْراً لَا یَصِلُ إِلَیْهِ مِنْ قَذَرِهَا شَیْ ءٌ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَیَكُونُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ بِالْمَوْقِفِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَیَمُرُّ بِالْمَسْخُوطِ عَلَیْهِ الْمَغْضُوبِ غَیْرِ النَّاصِبِ وَ لَا الْمُؤْمِنِ وَ قَدِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ فَیَرَی مَنْزِلَةً عَظِیمَةً لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَدْ عَرَفَ الْمُؤْمِنَ فِی الدُّنْیَا وَ قَضَی لَهُ الْحَوَائِجَ فَیَقُومُ الْمُؤْمِنُ اتِّكَالًا عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَیُعَرِّفُهُ بِفَضْلِ اللَّهِ فَیَقُولُ اللَّهُمَّ هَبْ لِی عَبْدَكَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَالَ فَیُجِیبُهُ اللَّهُ تَعَالَی إِلَی ذَلِكَ قَالَ وَ قَدْ حَكَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ قَوْلَهُمْ- فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ (2) مِنَ النَّبِیِّینَ- وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ مِنَ الْجِیرَانِ وَ الْمَعَارِفِ فَإِذَا أَیِسُوا مِنَ الشَّفَاعَةِ قَالُوا یَعْنِی مَنْ لَیْسَ بِمُؤْمِنٍ- فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (3).

بیان: بموضع قذر كأنه متعلق بجمیع الأفعال المتقدمة و المراد

ص: 63


1- 1. صفات الشیعة ص 181.
2- 2. الشعراء: 100.
3- 3. قضاء الحقوق مخطوط.

بالقذارة و الطهر المعنویان أو بالطهر فقط المعنوی و المراد بغیر الناصب و المؤمن المستضعف أو المؤمن الفاسق أو الأعم منهما.

«8»- كِتَابُ الْمُؤْمِنِ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ أَنَا جَالِسٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها(1) أَ یَجْرِی لِهَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا یَعْرِفُ مِنْهُمْ هَذَا الْأَمْرَ قَالَ إِنَّمَا هِیَ لِلْمُؤْمِنِینَ خَاصَّةً(2).

«9»- وَ مِنْهُ، عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ شُعَیْبٍ قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: لَیْسَ لِأَحَدٍ عَلَی اللَّهِ ثَوَابٌ عَلَی عَمَلٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِینَ.

«10»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِذَا أَحْسَنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ ضَاعَفَ اللَّهُ لَهُ عَمَلَهُ لِكُلِّ عَمَلٍ سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ اللَّهُ یُضاعِفُ لِمَنْ یَشاءُ(3).

«11»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحَدِهِمَا علیهما السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَیَزْهَرُ نُورُهُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تَزْهَرُ نُجُومُ السَّمَاءِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ وَ قَالَ علیه السلام إِنَّ الْمُؤْمِنَ وَلِیُّ اللَّهِ یُعِینُهُ وَ یَصْنَعُ لَهُ وَ لَا یَقُولُ عَلَی اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَ لَا یَخَافُ غَیْرَهُ.

وَ قَالَ علیه السلام: إِنَّ الْمُؤْمِنَیْنِ لَیَلْتَقِیَانِ فَیَتَصَافَحَانِ فَلَا یَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُقْبِلًا عَلَیْهِمَا بِوَجْهِهِ وَ الذُّنُوبُ تَتَحَاتُّ عَنْ وُجُوهِهِمَا حَتَّی یَفْتَرِقَا.

بیان: ولی اللّٰه أی محبه أو محبوبه أو ناصر دینه قال فی المصباح الولی فعیل بمعنی فاعل من ولیه إذا قام به و منه اللَّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا(4) و یكون الولی بمعنی المفعول فی حق المطیع فیقال المؤمن ولی اللّٰه.

قوله یعینه أی اللّٰه یعین المؤمن و یصنع له أی یكفی مهماته و لا یقول أی المؤمن علی اللّٰه إلا الحق أی إلا ما علم أنه حق و لا یخاف غیره و فیه تفكیك بعض الضمائر و الأظهر أن المعنی یعین المؤمن دین اللّٰه

ص: 64


1- 1. الأنعام: 16.
2- 2. لم یطبع بعد.
3- 3. البقرة: 261.
4- 4. البقرة: 257.

و أولیاءه و یصنع له أی أعماله خالصة لله سبحانه فی القاموس صنع إلیه معروفا كمنع صنعا بالضم و ما أحسن صنع اللّٰه بالضم و صنیع اللّٰه عندك.

«13»- الْمُؤْمِنُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَا یَقْدِرُ الْخَلَائِقُ عَلَی كُنْهِ صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَكَمَا لَا یَقْدِرُ عَلَی كُنْهِ صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَكَذَلِكَ لَا یَقْدِرُ عَلَی كُنْهِ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَمَا لَا یَقْدِرُ عَلَی كُنْهِ صِفَةِ الرَّسُولِ صلی اللّٰه علیه و آله فَكَذَلِكَ لَا یَقْدِرُ عَلَی كُنْهِ صِفَةِ الْإِمَامِ علیه السلام وَ كَمَا لَا یَقْدِرُ عَلَی كُنْهِ صِفَةِ الْإِمَامِ علیه السلام كَذَلِكَ لَا یَقْدِرُ عَلَی كُنْهِ صِفَةِ الْمُؤْمِنِ.

«14»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: یَقُولُ عَزَّ وَ جَلَّ مَنْ أَهَانَ لِی وَلِیّاً فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِی وَ أَنَا أَسْرَعُ شَیْ ءٍ إِلَی نُصْرَةِ أَوْلِیَائِی وَ مَا تَرَدَّدْتُ فِی شَیْ ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِی فِی مَوْتِ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنِ إِنِّی لَأُحِبُّ لِقَاءَهُ فَیَكْرَهُ الْمَوْتَ فَأَصْرِفُهُ عَنْهُ وَ إِنَّهُ لَیَسْأَلُنِی

فَأُعْطِیهِ وَ إِنَّهُ لَیَدْعُونِی فَأُجِیبُهُ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ فِی الدُّنْیَا إِلَّا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ لَاسْتَغْنَیْتُ بِهِ عَنْ جَمِیعِ خَلْقِی وَ لَجَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ أُنْساً لَا یَسْتَوْحِشُ إِلَی أَحَدٍ.

«15»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: لَوْ كَانَتْ ذُنُوبُ الْمُؤْمِنِ مِثْلَ رَمْلِ عَالِجٍ وَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ فَلَا تَجْتَرُوا.

بیان: یدل علی أنه لیس المراد بالمؤمن المؤمن الكامل لعدم اجتماع الإیمان الكامل مع هذه الذنوب الكثیرة و عدم الاجتراء إما لأنه قلما یبقی الإیمان مع الإصرار علی الذنوب الكثیرة أو لأن المغفرة و عدم العقوبات لا ینافی حط الدرجات و فوت السعادات.

«16»- الْمُؤْمِنُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: یُتَوَفَّی الْمُؤْمِنُ مَغْفُوراً لَهُ ذُنُوبُهُ وَ اللَّهِ جَمِیعاً.

«17»- وَ مِنْهُ، عَنْهُ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا دَعَا اللَّهَ أَجَابَهُ فَشُخِصَ بَصَرِی نَحْوَهُ إِعْجَاباً(1)

بِمَا قَالَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ لِخَلْقِهِ.

ص: 65


1- 1. و فی المطبوع« اعجابا بها قال فقال: و هو تصحیف.

وَ مِنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِی الْبِلَادِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ صَعِدَ مَلَكَاهُ فَقَالا یَا رَبِّ مَاتَ فُلَانٌ فَیَقُولُ انْزِلَا فَصَلِّیَا عَلَیْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَ هَلِّلَانِی وَ كَبِّرَانِی إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ اكْتُبَا مَا تَعْمَلَانِ لَهُ.

«19»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: رَأْیُ الْمُؤْمِنِ وَ رُؤْیَاهُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یُعْطَی عَلَی الثُّلُثِ.

بیان: و منهم من یعطی أی من المؤمنین الكاملین من یعطی ثلث أجزاء النبوة من الرأی و الرؤیا أو الأعم.

«20»- الْمُؤْمِنُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ عَمَلَ الْمُؤْمِنِ یَذْهَبُ فَیَمْهَدُ لَهُ فِی الْجَنَّةِ كَمَا یُرْسِلُ الرَّجُلُ غُلَامَهُ فَیَفْرُشُ لَهُ ثُمَّ تَلَا- وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ یَمْهَدُونَ (1).

وَ مِنْهُ، عَنْهُ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَذُودُ الْمُؤْمِنَ عَمَّا یَكْرَهُ كَمَا یَذُودُ الرَّجُلُ الْبَعِیرَ الْغَرِیبَ لَیْسَ مِنْ أَهْلِهِ.

«22»- وَ مِنْهُ، عَنْهُ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: كَمَا لَا یَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ شَیْ ءٌ فَلَا یَضُرُّ مَعَ الْإِیمَانِ شَیْ ءٌ.

بیان: كأنه محمول علی ترك الصغائر فإن ترك الكبائر من الإیمان أو علی الضرر الذی یوجب دخول النار أو الخلود فیها.

«23»- الْمُؤْمِنُ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَا تَرَدَّدْتُ فِی شَیْ ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِی عَلَی الْمُؤْمِنِ لِأَنِّی أُحِبُّ لِقَاءَهُ وَ یَكْرَهُ الْمَوْتَ فَأَزْوِیهِ عَنْهُ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَاحِدٌ لَاكْتَفَیْتُ بِهِ عَنْ جَمِیعِ خَلْقِی وَ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ أُنْساً لَا یَحْتَاجُ فِیهِ إِلَی أَحَدٍ.

«24»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا مُؤْمِنٌ یَمُوتُ فِی غُرْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَیَغِیبُ عَنْهُ بَوَاكِیهِ إِلَّا بَكَتْهُ بِقَاعُ الْأَرْضِ الَّتِی كَانَ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلَیْهَا وَ بَكَتْهُ أَثْوَابُهُ وَ بَكَتْهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ الَّتِی كَانَ یَصْعَدُ بِهَا عَمَلُهُ وَ بَكَاهُ الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلَانِ بِهِ.

ص: 66


1- 1. الروم: 44.

و أقول ستأتی الأخبار فی ذلك و شرحها فی كتاب الجنائز إن شاء اللّٰه.

الْمُؤْمِنُ، عَنْ أَحَدِهِمَا علیهما السلام قَالَ: إِنَّ ذُنُوبَ الْمُؤْمِنِ مَغْفُورَةٌ فَیَعْمَلُ الْمُؤْمِنُ لِمَا یَسْتَأْنِفُ أَمَا إِنَّهَا لَیْسَتْ إِلَّا لِأَهْلِ الْإِیمَانِ.

بیان: لما یستأنف أی لتحصیل الثواب لا لتكفیر السیئات.

«26»- نهج، [نهج البلاغة]: فِی بَعْضِ خُطَبِهِ علیه السلام سَبِیلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ فَبِالْإِیمَانِ یُسْتَدَلُّ عَلَی الصَّالِحَاتِ وَ بِالصَّالِحَاتِ یُسْتَدَلُّ عَلَی الْإِیمَانِ وَ بِالْإِیمَانِ یُعْمَرُ الْعِلْمُ وَ بِالْعِلْمِ یُرْهَبُ الْمَوْتُ وَ بِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْیَا وَ بِالدُّنْیَا تُحْرَزُ الْآخِرَةُ وَ بِالْقِیَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ وَ تُبَرَّزُ الْجَحِیمُ لِلْغَاوِینَ وَ إِنَّ الْخَلْقَ لَا مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ الْقِیَامَةِ مُرْقِلِینَ فِی مِضْمَارِهَا إِلَی الْغَایَةِ الْقُصْوَی (1).

تبیین: بلج الصبح أی أضاء و أشرق و المنهاج الطریق و الظاهر أن الكلام فی وصف الدین و مناهجه قوانینه و سراجه الأنور الرسول الهادی إلیه و أوصیاؤه صلوات اللّٰه علیهم.

قال بعض شراح النهج یرید بالإیمان أولا مسماه اللغوی و هو التصدیق قال اللّٰه تعالی وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنَّا صادِقِینَ (2) أی بمصدق و ثانیا بمعناه الشرعی أی التصدیق و الإقرار و العمل أی من حصل عنده التصدیق بالوحدانیة و الرسالة استدل بهما علی وجوب الأعمال الصالحة علیه أو ندبه إلیها و بأعماله الصالحة یعلم إیمانه و بهذا فر من الدور(3).

ص: 67


1- 1. نهج البلاغة عبده ط مصر ص 301 الخطبة 154.
2- 2. یوسف: 17.
3- 3. بل الصحیح أن الاستدلال لیس بمعناه المصطلح علیه عند الفلاسفة و المتكلّمین بل هو بمعناه اللغوی و هو الاستهداء و المراد أن الایمان یهدی الی عمل الصالحات فیمن آمن و لم یكن لیعمل الصالحات كما أن الصالحات تهدی الی الایمان باللّٰه فیمن یعمل الصالحات و لم یكن لیؤمن باللّٰه كما سیجی ء احتماله فیما بعد.

و قال بعضهم الصالحات معلولات للإیمان و ثمرات له فیستدل بوجوده فی قلب العبد علی ملازمته للصالحات استدلالا بالعلة علی المعلول و بصدورها عن العبد علی وجوده فی القلب استدلالا بالمعلول علی العلة.

و علی هذا الوجه یكون الإیمان فی الموضعین بالمعنی اللغوی و حینئذ یمكن أن یكون المعنی یستدل بالإیمان علی الصالحات أو یكون الإیمان دلیلا للإنسان نفسه و قائدا یؤدیه إلی فعل الصالحات و بأعماله الصالحة یعلم غیره أنه من المؤمنین فالاستدلال فی الموضعین لیس بمعنی واحد.

و یمكن أن یراد بالثانی أن مشاهدة الأعمال الصالحة یؤدی من یشاهدها إلی الإیمان.

و یحتمل أن یكون المراد أن الإیمان یهدی إلی صالح الأعمال و الأعمال الصالحة تورث كمال الإیمان أو الإیمان یقود الإنسان إلی الأعمال الصالحة و الأعمال الصالحة الناشیة من حسن السریرة و خلوص النیة تورث توفیق الكافر للإیمان.

أو یستدل بإیمان الرجل إذا علم علی حسن عمله و بقدر أعماله علی قدر إیمانه و كماله أو یستدل بكل منهما إذا علم علی الآخر و هذا قریب من الثانی و الغرض بیان شدة الارتباط و التلازم بینهما.

و بالإیمان یعمر العلم فإن العلم الخالی من الإیمان كالخراب لا ینتفع به و قیل لأن حسن العمل من أجزاء الإیمان و العلم بلا عمل كالخراب لا فائدة فیه.

و بالعلم یرهب الموت أی یخشی عقاب اللّٰه بعد الموت كما قال اللّٰه تعالی إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ(1) و بالموت تختم الدنیا و الموت لا مهرب منه فلا بد من القطع بانقطاع الدنیا و لا ینبغی للعاقل أن تكون همته مقصورة علیها.

ص: 68


1- 1. فاطر: 28.

و بالدنیا تحرز الآخرة أی تحاز و تجمع سعاداتهما فإن الدنیا مضمار الآخرة و محل الاستعداد و اكتساب الزاد لیوم المعاد أو المراد بالدنیا الأموال و نحوها أی یمكن للإنسان أن یصرف ما أعطاه اللّٰه من المال و نحوه علی وجه یكتسب به الآخرة و الزلفة و الزلفی بالضم فیهما القربة و أبرزه الشی ء إبرازا و برزه تبریزا أی أظهره و كشفه.

و الغاوی العامل بما یوجب الخیبة أی بالقیامة أو فیها یقرب الجنة للمتقین لیدخلوها أو لیستبشروا بها و یكشف الغطاء عن الجحیم للضالین كما قال سبحانه وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ وَ بُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِلْغاوِینَ (1) قیل و فی اختلاف الفعلین دلالة علی غلبة الوعد و القصر بالفتح الغایة كالقصاری بالضم و قصرت الشی ء حبسته و قصرت فلانا علی كذا رددته علی شی ء دون ما أراد كذا فی العین أی لا محبس للخلق أو لا غایة لهم دون القیامة أو لا مرد لهم عنها.

و أرقل أی أسرع و المضمار موضع تضمیر الفرس و مدّته و هو أن تعلفه حتی یسمن ثم ترده إلی القوت و فسر المضمار بالمیدان و هو أنسب بالمقام.

«27»- نَوَادِرُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُ كَمِثْلِ شَجَرَةٍ لَا یَتَحَاتُّ وَرَقُهَا شِتَاءً وَ لَا قَیْظاً قِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا هِیَ قَالَ النَّخْلَةُ.

بیان: القیظ صمیم الصیف من طلوع الثریا إلی طلوع سهیل.

«28»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِیِّ عَنْ جَدِّهِ الْحُسَیْنِ عَنْ أَبِیهِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِیهِ الْكَاظِمِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: یُعَیِّرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَیَقُولُ عَبْدِی مَا مَنَعَكَ إِذْ مَرِضْتُ أَنْ تَعُودَنِی فَیَقُولُ سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ أَنْتَ رَبُّ الْعِبَادِ لَا تَأْلَمُ وَ لَا تَمْرَضُ فَیَقُولُ مَرِضَ أَخُوكَ الْمُؤْمِنُ فَلَمْ تَعُدْهُ وَ عِزَّتِی وَ جَلَالِی لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِی عِنْدَهُ ثُمَّ لَتَكَفَّلْتُ بِحَوَائِجِكَ فَقَضَیْتُهَا لَكَ وَ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَةِ عَبْدِیَ

ص: 69


1- 1. الشعراء: 90 و 91.

الْمُؤْمِنِ وَ أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ (1).

أَقُولُ وَ رَوَی بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ: مِثْلَهُ مَعَ زِیَادَةِ السَّقْیِ وَ الْإِطْعَامِ.

بیان: لوجدتنی أی وجدت رحمتی أو علمی عنده و الكلام مشتمل علی المجاز و الاستعارة مبالغة فی إكرام المؤمن.

«29»- مِشْكَاةُ الْأَنْوَارِ، عَنْ مُیَسِّرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْكُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ لَیَمُرُّ بِهِ الرَّجُلُ وَ قَدْ أُمِرَ بِهِ إِلَی النَّارِ فَیَقُولُ یَا فُلَانُ أَغِثْنِی فَإِنِّی كُنْتُ أَصْنَعُ إِلَیْكَ الْمَعْرُوفَ فِی دَارِ الدُّنْیَا فَیَقُولُ لِلْمَلَكِ خَلِّ سَبِیلَهُ فَیَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ فَیُخَلِّی سَبِیلَهُ.

«30»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: یُؤْتَی بِعَبْدٍ یَوْمَ الْقِیَامَةِ لَیْسَتْ لَهُ حَسَنَةٌ فَیُقَالُ لَهُ اذْكُرْ وَ تَذَكَّرْ هَلْ لَكَ حَسَنَةٌ فَیَقُولُ مَا لِی حَسَنَةٌ غَیْرُ أَنَّ فُلَاناً عَبْدَكَ الْمُؤْمِنَ مَرَّ بِی فَسَأَلَنِی مَاءً لِیَتَوَضَّأَ بِهِ فَیُصَلِّیَ فَأَعْطَیْتُهُ فَیُدْعَی بِذَلِكَ الْعَبْدُ فَیَقُولُ نَعَمْ یَا رَبِّ فَیَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ غَفَرْتُ لَكَ أَدْخِلُوا عَبْدِی جَنَّتِی.

«31»- وَ مِنْهُ، عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: یُقَالُ لِلْمُؤْمِنِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ تَصَفَّحْ وُجُوهَ النَّاسِ فَمَنْ كَانَ سَقَاكَ شَرْبَةً أَوْ أَطْعَمَكَ أُكْلَةً أَوْ فَعَلَ بِكَ كَذَا وَ كَذَا فَخُذْ بِیَدِهِ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ قَالَ فَإِنَّهُ لَیَمُرُّ عَلَی الصِّرَاطِ وَ مَعَهُ بَشَرٌ كَثِیرٌ فَیَقُولُ الْمَلَائِكَةُ یَا وَلِیَّ اللَّهِ إِلَی أَیْنَ یَا عَبْدَ اللَّهِ فَیَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَجِیزُوا لِعَبْدِی فَأَجَازُوهُ وَ إِنَّمَا سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً لِأَنَّهُ یُجِیزُ عَلَی اللَّهِ فَیُجِیزُ أَمَانَهُ.

وَ مِنْهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ الْجُعْفِیِّ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَیُفَوِّضُ اللَّهُ إِلَیْهِ- یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَیَصْنَعُ مَا یَشَاءُ قُلْتُ حَدِّثْنِی فِی كِتَابِ اللَّهِ أَیْنَ قَالَ قَالَ قَوْلُهُ لَهُمْ ما یَشاؤُنَ فِیها وَ لَدَیْنا مَزِیدٌ(2) فَمَشِیَّةُ اللَّهِ مُفَوَّضَةٌ إِلَیْهِ وَ الْمَزِیدُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا یُحْصَی ثُمَّ قَالَ یَا جَابِرُ وَ لَا تَسْتَعِنْ بِعَدُوٍّ لَنَا فِی حَاجَةٍ وَ لَا تَسْتَطْعِمْهُ

ص: 70


1- 1. أمالی الطوسیّ ج 2 ص 242 ط النجف.
2- 2. ق: 35.

وَ لَا تَسْأَلْهُ شَرْبَةً أَمَا إِنَّهُ لَیُخْلَدُ فِی النَّارِ فَیَمُرُّ بِهِ الْمُؤْمِنُ فَیَقُولُ یَا مُؤْمِنُ أَ لَسْتُ فَعَلْتُ كَذَا وَ كَذَا فَیَسْتَحْیِی مِنْهُ فَیَسْتَنْقِذُهُ مِنَ النَّارِ وَ إِنَّمَا سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً لِأَنَّهُ یُؤْمِنُ عَلَی اللَّهِ فَیُجِیزُ اللَّهُ أَمَانَهُ.

«33»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ زَعِیمُ أَهْلِ بَیْتِهِ شَاهِدٌ عَلَیْهِمْ وَلَایَتَهُمْ وَ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ یَخْشَعُ لَهُ كُلُّ شَیْ ءٍ حَتَّی هَوَامُّ الْأَرْضِ وَ سِبَاعُهَا وَ طَیْرُ السَّمَاءِ.

«34»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِیِّ قَالَ قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ أَعْطَی الْمُؤْمِنَ ثَلَاثَ خِصَالٍ الْعِزَّ فِی الدُّنْیَا وَ فِی دِینِهِ وَ الْفَلَحَ فِی الْآخِرَةِ وَ الْمَهَابَةَ فِی صُدُورِ الْعَالَمِینَ.

«35»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ الْكَعْبَةِ.

«36»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لِیَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنِّی مَنْ آذَی عَبْدِیَ الْمُؤْمِنَ وَ لْیَأْمَنْ غَضَبِی مَنْ أَكْرَمَ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنَ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ فِی الْأَرْضِ مَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إِلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ مَعَ إِمَامٍ عَادِلٍ لَاسْتَغْنَیْتُ بِهِمَا عَنْ جَمِیعِ مَا خَلَقْتُ فِی أَرْضِی وَ لَقَامَتْ سَبْعُ سَمَاوَاتٍ وَ سَبْعُ أَرَضِینَ بِهِمَا وَ جَعَلْتُ لَهُمَا مِنْ إِیمَانِهِمَا أُنْساً لَا یَحْتَاجُونَ إِلَی أُنْسٍ سِوَاهُمَا.

«37»- وَ مِنْهُ، قَالَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله: مَا مِنْ شَیْ ءٍ أَحَبَّ إِلَی اللَّهِ مِنَ الْإِیمَانِ وَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَ تَرْكِ مَا أَمَرَ أَنْ یَتْرُكَ.

«38»- وَ مِنْهُ، عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: لَا یُعَذِّبُ اللَّهُ أَهْلَ قَرْیَةٍ وَ فِیهَا مِائَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ لَا یُعَذِّبُ اللَّهُ أَهْلَ قَرْیَةٍ وَ فِیهَا خَمْسُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ لَا یُعَذِّبُ اللَّهُ أَهْلَ قَرْیَةٍ وَ فِیهَا عَشَرَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ لَا یُعَذِّبُ اللَّهُ أَهْلَ قَرْیَةٍ وَ فِیهَا خَمْسَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ لَا یُعَذِّبُ اللَّهُ أَهْلَ قَرْیَةٍ وَ فِیهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ.

«39»- وَ مِنْهُ، رُوِیَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَظَرَ إِلَی الْكَعْبَةِ فَقَالَ مَرْحَباً بِالْبَیْتِ مَا أَعْظَمَكَ وَ أَعْظَمَ حُرْمَتَكَ عَلَی اللَّهِ وَ اللَّهِ لَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكَ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْكَ وَاحِدَةً وَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلَاثَةً مَالَهُ وَ دَمَهُ وَ أَنْ یُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.

ص: 71

«40»- وَ مِنْهُ، عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: مَنْ آذَی مُؤْمِناً فَقَدْ آذَانِی وَ مَنْ آذَانِی فَقَدْ آذَی اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ آذَی اللَّهَ فَهُوَ مَلْعُونٌ فِی التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الزَّبُورِ وَ الْفُرْقَانِ.

«41»- وَ مِنْهُ، عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أَكْرَمُ عَلَیْهِ مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ لَیْسَ شَیْ ءٌ أَحَبَّ إِلَی اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ تَائِبٍ وَ مُؤْمِنَةٍ تَائِبَةٍ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ یُعْرَفُ فِی السَّمَاءِ كَمَا یَعْرِفُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَ وُلْدَهُ.

«42»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَوَّضَ إِلَی الْمُؤْمِنِ أَمْرَهُ كُلَّهُ وَ لَمْ یُفَوِّضْ إِلَیْهِ أَنْ یَكُونَ ذَلِیلًا أَ مَا تَسْمَعُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ- وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ (1) فَالْمُؤْمِنُ یَكُونُ عَزِیزاً وَ لَا یَكُونُ ذَلِیلًا وَ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَعَزُّ مِنَ الْجَبَلِ یُسْتَقَلُّ مِنْهُ بِالْمَعَاوِلِ وَ الْمُؤْمِنُ لَا یُسْتَقَلُّ مِنْ دِینِهِ.

بیان: و لم یفوض إلیه أن یكون ذلیلا أی نهاه أن یذلّ نفسه و لو كان فی الأمر بالمعروف و النهی عن المنكر و سائر القرب فإذا علم أنه یصیر سببا لمذلته و إهانته و أذاه سقط ذلك عنه أو المعنی أن اللّٰه یعزّه بعزّة دینه و رفعته الواقعیة و إن أذلّ نفسه فإن اللّٰه أخبر بعزّته و ضمنها له و كان الاستشهاد بالآیة و آخر الخبر بالأخیر أنسب.

«43»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنِ الْمُفِیدِ عَنِ ابْنِ قُولَوَیْهِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ شَرِیفِ بْنِ سَابِقٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: یَا فَضْلُ لَا تَزْهَدُوا فِی فُقَرَاءِ شِیعَتِنَا فَإِنَّ الْفَقِیرَ مِنْهُمْ لَیَشْفَعُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فِی مِثْلِ رَبِیعَةَ وَ مُضَرَ ثُمَّ قَالَ یَا فَضْلُ إِنَّمَا سُمِّیَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً لِأَنَّهُ یُؤْمِنُ عَلَی اللَّهِ فَیُجِیزُ اللَّهُ أَمَانَهُ ثُمَّ قَالَ أَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ فِی أَعْدَائِكُمْ إِذَا رَأَوْا شَفَاعَةَ الرَّجُلِ مِنْكُمْ لِصَدِیقِهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ (2) الْخَبَرَ(3).

ص: 72


1- 1. المنافقون: 8.
2- 2. الشعراء: 100.
3- 3. أمالی الطوسیّ ج 1 ص 46.

«44»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ الثُّمَالِیِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ عَنِ النَّاسِ فَنَظَرُوا إِلَی مَا وَصَلَ مَا بَیْنَ اللَّهِ وَ بَیْنَ الْمُؤْمِنِ خَضَعَتْ لِلْمُؤْمِنِ رِقَابُهُمْ وَ تَسَهَّلَتْ لَهُ أُمُورُهُمْ وَ لَانَتْ طَاعَتُهُمْ وَ لَوْ نَظَرُوا إِلَی مَرْدُودِ الْأَعْمَالِ مِنَ السَّمَاءِ لَقَالُوا مَا یَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلًا(1).

باب 2 أن المؤمن ینظر بنور اللّٰه و أن اللّٰه خلقه من نوره

«1»- یر، [بصائر الدرجات] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ سُلَیْمَانَ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ یَا سُلَیْمَانُ اتَّقِ فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ فَسَكَتُّ حَتَّی أَصَبْتُ خَلْوَةً فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ اتَّقِ فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ یَا سُلَیْمَانُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمُؤْمِنَ مِنْ نُورِهِ وَ صَبَغَهُمْ فِی رَحْمَتِهِ وَ أَخَذَ مِیثَاقَهُمْ لَنَا بِالْوَلَایَةِ وَ الْمُؤْمِنُ أَخُ الْمُؤْمِنِ لِأَبِیهِ وَ أُمِّهِ أَبُوهُ النُّورُ وَ أُمُّهُ الرَّحْمَةُ وَ إِنَّمَا یَنْظُرُ بِذَلِكَ النُّورِ الَّذِی خُلِقَ مِنْهُ (2).

بیان: الفراسة الكاملة لكمّل المؤمنین و هم الأئمة علیهم السلام فإنهم یعرفون كلا من المؤمنین و المنافقین بسیماهم كما مر فی كتاب الإمامة و سائر المؤمنین یتفرّسون ذلك بقدر إیمانهم «خلق المؤمن من نوره» أی من روح طیّبة منوّرة بنور اللّٰه أو من طینة مخزونة مناسبة لطینة أئمتهم علیهم السلام «و صبغهم» أی غمسهم أو لوّنهم «فی رحمته» كنایة عن جعلهم قابلة لرحماته الخاصّة أو عن تعلّق

ص: 73


1- 1. المحاسن: 132.
2- 2. بصائر الدرجات: 79.

الروح الطیّبة التی هی محلّ الرحمة «أبوه النّور و أمّه الرّحمة» كأنه علی الاستعارة أی لشدّة ارتباطه بأنوار اللّٰه و رحماته كأن أباه النور و أمّه الرحمة أو النور كنایة عن الطینة و الرحمة عن الروح أو بالعكس.

«2»- یر، [بصائر الدرجات] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُعَاوِیَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عِیسَی بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا الْحَدِیثُ الَّذِی سَمِعْتُهُ مِنْكَ مَا تَفْسِیرُهُ قَالَ وَ مَا هُوَ قُلْتُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ قَالَ یَا مُعَاوِیَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمُؤْمِنَ مِنْ نُورِهِ وَ صَبَغَهُمْ فِی رَحْمَتِهِ وَ أَخَذَ مِیثَاقَهُمْ لَنَا بِالْوَلَایَةِ عَلَی مَعْرِفَتِهِ یَوْمَ عَرَّفَهُ نَفْسَهُ فَالْمُؤْمِنُ أَخُ الْمُؤْمِنِ لِأَبِیهِ وَ أُمِّهِ أَبُوهُ النُّورُ وَ أُمُّهُ الرَّحْمَةُ فَإِنَّمَا یَنْظُرُ بِذَلِكَ النُّورِ الَّذِی خُلِقَ مِنْهُ (1).

فضائل الشیعة للصدوق عن أبیه عن سعد عن عباد بن سلیمان عن محمد بن سلیمان: مثله (2).

«3»- یر، [بصائر الدرجات] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَنَا شِیعَةً فَجَعَلَهُمْ مِنْ نُورِهِ وَ صَبَغَهُمْ فِی رَحْمَتِهِ وَ أَخَذَ مِیثَاقَهُمْ لَنَا بِالْوَلَایَةِ عَلَی مَعْرِفَتِهِ یَوْمَ عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ فَهُوَ الْمُتَقَبِّلُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ الْمُتَجَاوِزُ عَنْ مُسِیئِهِمْ مَنْ لَمْ یَلْقَ اللَّهَ بِمَا هُوَ عَلَیْهِ لَمْ یَتَقَبَّلْ مِنْهُ حَسَنَةً وَ لَمْ یَتَجَاوَزْ عَنْهُ سَیِّئَةً(3).

«4»- یر، [بصائر الدرجات] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ثُمَّ تَلَا(4) إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ (5).

ص: 74


1- 1. بصائر الدرجات ص 80.
2- 2. فضائل الشیعة 150.
3- 3. بصائر الدرجات ص 80.
4- 4. الحجر: 75.
5- 5. بصائر الدرجات: 357.

«5»- یر، [بصائر الدرجات] عَنْ أَبِی طَالِبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام: فِی قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَی إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ علیهم السلام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ لِقَوْلِ اللَّهِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ (1).

«6»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سُلَیْمَانَ الْجَعْفَرِیِّ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: قَالَ لِی یَا سُلَیْمَانُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْمُؤْمِنَ مِنْ نُورِهِ وَ صَبَغَهُمْ فِی رَحْمَتِهِ وَ أَخَذَ مِیثَاقَهُمْ لَنَا بِالْوَلَایَةِ فَالْمُؤْمِنُ أَخُ الْمُؤْمِنِ لِأَبِیهِ وَ أُمِّهِ أَبُوهُ النُّورُ وَ أُمُّهُ الرَّحْمَةُ فَاتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ الَّذِی خُلِقَ مِنْهُ (2).

«7»- سن، [المحاسن] مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنِ الثُّمَالِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَجْرَی فِی الْمُؤْمِنِ مِنْ رِیحِ رَوْحِ اللَّهِ وَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَقُولُ (3) رُحَماءُ بَیْنَهُمْ (4).

نَوَادِرُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِیَّاكُمْ وَ فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَی.

«9»- ن، [عیون أخبار الرضا علیه السلام] بِإِسْنَادِ التَّمِیمِیِّ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُ یَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ (5).

«10»- نهج، [نهج البلاغة] قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَی أَلْسِنَتِهِمْ (6).

«11»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ قَالَ: تَقَبَّضْتُ بَیْنَ یَدَیْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ رُبَّمَا حَزِنْتُ مِنْ غَیْرِ مُصِیبَةٍ تُصِیبُنِی أَوْ أَمْرٍ یَنْزِلُ بِی حَتَّی یَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْلِی فِی وَجْهِی

ص: 75


1- 1. بصائر الدرجات: 357.
2- 2. المحاسن: 131.
3- 3. الفتح: 29.
4- 4. المحاسن: 131.
5- 5. عیون أخبار الرضا ج 2 ص 200.
6- 6. نهج البلاغة: 219 تحت الرقم 309 من باب الحكم و المواعظ.

وَ صَدِیقِی قَالَ نَعَمْ یَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ طِینَةِ الْجِنَانِ وَ أَجْرَی فِیهِمْ مِنْ رِیحِ رُوحِهِ فَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ أَخُ الْمُؤْمِنِ لِأَبِیهِ وَ أُمِّهِ فَإِذَا أَصَابَ رُوحاً مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ فِی بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ حُزْنٌ حَزِنَتْ هَذِهِ لِأَنَّهَا مِنْهَا(1).

بیان: التقبض ظهور أثر الحزن عند الانبساط و فی المحاسن تنفست (2) أی تأوهت من ریح روحه أی من نسیم من روحه الذی نفخه فی الأنبیاء و الأوصیاء علیهم السلام كما قال وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی (3) أو من رحمة ذاته

كَمَا قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: وَ اللَّهِ شِیعَتُنَا مِنْ نُورِ اللَّهِ خُلِقُوا وَ إِلَیْهِ یَعُودُونَ.

أو الإضافة بیانیة شبه الروح بالریح لسریانه فی البدن كما أن نسبة النفخ إلیه لذلك أی من الروح الذی هو كالریح و اجتباه و اختاره و یمكن أن یقرأ بفتح الراء أی من نسیم رحمته كما فی خبر آخر و أجری فیهم من روح رحمته لأبیه و أمه الظاهر تشبیه الطینة بالأم و الروح بالأب و یحتمل العكس.

ص: 76


1- 1. الكافی ج 2 ص 166. و تراه فی المحاسن: 133.
2- 2. أی بدل تقبضت.
3- 3. الحجر: 29، ص: 72.

باب 3 طینة المؤمن و خروجه من الكافر و بالعكس و بعض أخبار المیثاق زائدا علی ما تقدم فی كتاب التوحید و العدل

«1»- سن، [المحاسن] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ رَفَعَهُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی شِیعَتَنَا مِنْ طِینَةٍ مَخْزُونَةٍ لَا یَشِذُّ مِنْهَا شَاذٌّ وَ لَا یَدْخُلُ فِیهَا دَاخِلٌ أَبَداً إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ(1).

«2»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّا وَ شِیعَتَنَا خُلِقْنَا مِنْ طِینَةٍ وَاحِدَةٍ(2).

«3»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ الْخَفَّافِ رَفَعَهُ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: الْمُؤْمِنُ آنَسُ الْإِنْسِ جَیِّدُ الْجِنْسِ مِنْ طِینَتِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ (3).

بیان: آنس علی صیغة اسم الفاعل و یحتمل أفعل التفضیل و نسبته إلی الأنس علی المجاز و المراد الأنس بأئمتهم علیهم السلام أو بعضهم ببعض (4).

«4»- سن، [المحاسن] عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَدِیدٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ بَعَثَ مَلَكاً فَأَخَذَ

ص: 77


1- 1. المحاسن: 134.
2- 2. المصدر: 135،.
3- 3. المصدر نفسه: 135.
4- 4. أو هو الانس خلاف الجن و المعنی أن المؤمن آنس أفراد الانس.

قَطْرَةً مِنْ مَاءِ الْمُزْنِ فَأَلْقَاهَا عَلَی وَرَقَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا أَحَدُ الْأَبَوَیْنِ (1)

فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ مِنْهُ (2).

«5»- سن، [المحاسن] عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُیَسِّرٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ نُطْفَةَ الْمُؤْمِنِ لَتَكُونُ فِی صُلْبِ الْمُشْرِكِ فَلَا یُصِیبُهُ شَیْ ءٌ مِنَ الشَّرِّ حَتَّی یَضَعَهُ فَإِذَا صَارَ بَشَراً سَوِیّاً لَمْ یُصِبْهُ شَیْ ءٌ مِنَ الشَّرِّ حَتَّی یَجْرِیَ عَلَیْهِ الْقَلَمُ (3).

ختص، [الإختصاص] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ الصَّادِقَ علیه السلام مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَ اللَّهُ طِینَةَ الْمُؤْمِنِ قَالَ مِنْ طِینَةِ عِلِّیِّینَ قَالَ قُلْتُ فَمِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَ الْمُؤْمِنَ قَالَ مِنْ طِینَةِ الْأَنْبِیَاءِ فَلَنْ یُنَجِّسَهُ شَیْ ءٌ(4).

«7»- وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رِبْعِیٍّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّبِیِّینَ مِنْ طِینَةِ عِلِّیِّینَ قُلُوبَهُمْ وَ أَبْدَانَهُمْ وَ خَلَقَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ تِلْكَ الطِّینَةِ وَ خَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ وَ خَلَقَ الْكُفَّارَ مِنْ طِینَةِ سِجِّینٍ قُلُوبَهُمْ وَ أَبْدَانَهُمْ فَخَلَطَ بَیْنَ الطِّینَتَیْنِ فَمِنْ هَذَا یَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَ یَلِدُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ وَ مِنْ هَذَا یُصِیبُ الْمُؤْمِنُ السَّیِّئَةَ وَ مِنْ هَاهُنَا یُصِیبُ الْكَافِرُ الْحَسَنَةَ فَقُلُوبُ الْمُؤْمِنِینَ تَحِنُّ إِلَی مَا خُلِقُوا مِنْهُ وَ قُلُوبُ الْكَافِرِینَ تَحِنُّ إِلَی مَا خُلِقُوا مِنْهُ (5).

ص: 78


1- 1. و المراد الأب فانه صاحب النطفة، و به یلحق الولد، و هذا التعبیر و زان قوله علیه السلام:« اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجیعین».
2- 2. المحاسن: 138.
3- 3. المصدر: 138.
4- 4. الاختصاص: 25. و مثله فی الكافی ج 2 ص 3 بإسناده عن صالح بن سهل قال: قلت لابی عبد اللّٰه علیه السلام: جعلت فداك من أی شی ء خلق اللّٰه عزّ و جلّ طینة المؤمن؟ فقال من طینة الأنبیاء فلم تنجس أبدا. قال المؤلّف قدّس سرّه فی شرحه مرآة العقول یعنی نجاسة الكفر و الشرك.
5- 5. الاختصاص: 24. و مثله فی الكافی ج 2 ص 2.

بیان: الخلق یكون بمعنی التكوین و بمعنی التقدیر و فی النهایة طِینَ علیه أی جُبِلَ و یقال طَانَهُ اللَّهُ عَلَی طِینَتِهِ خَلَقَهُ عَلَی جِبِلَّتِهِ و طِینَةُ الرَّجُل خَلْقُهُ و أَصْلُهُ و قال علّیّون اسم للسماء السابعة و قیل اسم لدیوان الملائكة الحفظة ترفع إلیه أعمال الصالحین من العباد.

و قیل أراد أعلی الأمكنة و أشرف المراتب و أقربها من اللّٰه تعالی فی الدار الآخرة و تعرب بالحروف و الحركات كقِنَّسْرِینَ و أشباهها علی أنها جمع أو واحد انتهی.

و إضافة الطینة إما بتقدیر اللام أو من أو فی «قلوبهم و أبدانهم» بدل النبیین و یحتمل أن یراد بالقلب هنا العضو المعروف الذی یتعلق الروح أولا بالبخار اللطیف المنبعث منه فلا ینافی ما مر فی باب خلق أبدان الأئمة علیهم السلام من أن أجسادهم مخلوقة من طینة علیین و أرواحهم مخلوقة من فوق ذلك علی أنه لو أرید به الروح أمكن الجمع بجعل الطینة مبدأ لها مجازا باعتبار القرب و التعلق أو بتخصیص النبیین بغیر نبینا صلی اللّٰه علیه و آله و یؤیده بعض الأخبار و فی القاموس سجین كسكین موضع فیه كتاب الفجار و واد فی جهنم أو حجر فی الأرض السابعة و فی النهایة اسم علم للنار فعیل من السجن.

«فخلط الطینتین» أی فی جسد آدم علیه السلام فلذا حصل فی ذریته قابلیة المرتبتین و استعداد الدرجتین «و من هاهنا یصیب المؤمن السیئة» لخلط طینته بطینة الكافر و كذا العكس «فقلوب المؤمنین تحنّ» أی تمیل و تشتاق قال الجوهری الحنین الشوق و تَوَقَان النفس «إلی ما خلقوا منه» أی إلی الأعمال المناسبة لما خلقوا منه المؤدیة إلیها أو إلی الأنبیاء و الأوصیاء علیهم السلام المخلوقین من الطینة التی خلق منها قلوبهم و كذا الفقرة الثانیة تحتمل الوجهین و قد مر الكلام منا فی أمثال هذا الخبر فی كتاب العدل.

و قال بعض المحدثین فی تأویله أن اللّٰه تعالی لما علم فی الأزل الأرواح التی تختار الإیمان باختیارها و التی تختار المعصیة باختیارها سواء خلقوا من طینة

ص: 79

علیین أو من طینة سجین فلما علم ذلك أعطی أبدان الأرواح التی علم أنهم یختارون الإیمان باختیارها كیفیة علیین للمناسبة و أعطی أبدان الأرواح التی علم أنها تختار الكفر باختیارها كیفیة السجین من غیر أن یكون للأمرین مدخل فی اختیارهم الإیمان و الكفر و خلط ما بین الطینتین من غیر أن یكون لذلك الخلط مدخل فی اختیار الحسنة و السیئة.

و قال بعض أرباب التأویل من المحققین (1)

المراد بعلیین أشرف المراتب و أقربها من اللّٰه تعالی و له درجات كما یدل علیه ما ورد فی بعض الأخبار من قولهم أعلی علیین و كما وقع التنبیه فی هذا الخبر بنسبة خلق القلوب و الأبدان كلیهما إلیه مع اختلافهما فی الرتبة. فیشبه أن یراد بهما عالم الجبروت و الملكوت جمیعا اللذین هما فوق عالم الملك أی عالم العقل و النفس و خلق قلوب النبیین من الجبروت معلوم لأنهم المقرّبون و أما خلق أبدانهم من الملكوت فذلك لأن أبدانهم الحقیقیة هی التی فی باطن هذه الجلود المدبرة لهذه الأبدان و إنما أبدانهم العنصریة أبدان أبدانهم لا علاقة لهم بها فكأنهم و هم فی جلابیب من هذه الأبدان قد نفضوها و تجرّدوا منها لعدم ركونهم إلیها و شدة شوقهم إلی النشأة الأخری و لهذا نعموا بالوصول إلی الآخرة و مفارقة هذه الأدنی و من هنا

ورد فی الحدیث: الدُّنْیَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ(2).

ص: 80


1- 1. یرید به الفیلسوف المشهور ملا صدرا الشیرازی.
2- 2. قال العلامة الطباطبائی مد ظله فی بعض كلامه: الاخبار مستفیضة فی أن اللّٰه تعالی خلق السعداء من طینة علیین و خلق الاشقیاء من طینة سجین- من النار- و كل یرجع الی حكم طینته من السعادة و الشقاء، و قد أورد علیها اولا بمخالفة الكتاب و ثانیا باستلزام الجبر الباطل. أما البحث الأول فقد قال اللّٰه تعالی:« هُوَ الَّذِی خَلَقَكُمْ مِنْ طِینٍ» و قال:« بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِینٍ» فأفاد أن الإنسان مخلوق من طین، ثمّ قال تعالی:« وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ. مُوَلِّیها» الآیة. و قال:« ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِی كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها» الآیة: فأفاد أن للإنسان غایة و نهایة من السعادة و الشقاء، و هو متوجه إلیها، سائر نحوها و قال تعالی: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِیقاً هَدی وَ فَرِیقاً حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ» الآیة. فأفاد أن ما ینتهی إلیه أمر الإنسان من السعادة و الشقاء هو ما كان علیه فی بدء خلقه طینا، فهذه الطینة طینة سعادة و طینة شقاء، و آخر السعید الی الجنة، و آخر الشقی الی النار، فهما أو لهما لكون الآخر هو الأول، و حینئذ صح أن السعداء خلقوا من طینة الجنة و الاشقیاء خلقوا من طینة النار. و قال تعالی:« كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِی عِلِّیِّینَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّیُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ یَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ... كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّینٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِینَ» الآیات و هی تشعر بأن علیین و سجین هما ما ینتهی إلیه أمر الابرار و الفجار من النعمة و العذاب فافهم. و اما البحث الثانی و هو ان اخبار الطینة تستلزم أن تكون السعادة و الشقاء لازمین حتمیین للإنسان، و معه لا یكون أحدهما اختیاریا كسبیا للإنسان و هو الجبر الباطل. فالجواب عنه أن اقتضاء الطینة للسعادة أو الشقاء لیس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالی و قضائه ما قضی من سعادة و شقاء، فیرجع الاشكال الی سبق قضاء السعادة الشقاء فی حقّ الإنسان قبل أن یخلق، و أن ذلك یستلزم الجبر، و الجواب أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختیار العبد، فهو فعل اختیاری فی عین أنّه حتمی الوقوع، و لم یتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم یختره حتّی یلزم منه بطلان الاختیار.

و إنما نسب خلق أبدان المؤمنین إلی ما دون ذلك لأنها مركّبة من هذه و من هذه لتعلّقهم بهذه الأبدان العنصریة أیضا ما داموا فیها و سجین أخس المراتب و أبعدها من اللّٰه سبحانه فیشبه أن یراد به حقیقة الدنیا و باطنها التی هی مخبوءة تحت عالم الملك أعنی هذا العالم العنصری فإن الأرواح مسجونة فیه و لهذا

ورد فی الحدیث: الْمَسْجُونُ مَنْ سَجَنَتْهُ الدُّنْیَا عَنِ الْآخِرَةِ.

ص: 81

و خلق أبدان الكفار من هذا العالم ظاهر و إنما نسب خلق قلوبهم إلیه لشدة ركونهم إلیه و إخلادهم إلی الأرض و تثاقلهم إلیها فكأنه لیس لهم من الملكوت نصیب لاستغراقهم فی الملك و الخلط بین الطینتین إشارة إلی تعلق الأرواح الملكوتیة بالأبدان العنصریة بل نشؤها منها شیئا فشیئا فكل من النشأتین غلبت علیه صار من أهلها فیصیر مؤمنا حقیقیا أو كافرا حقیقیا أو بین الأمرین علی حسب مراتب الإیمان و الكفر انتهی.

و أقول هو مبنی علی أصول و اصطلاحات لم تثبت حقیتها و لم تعرف حقیقتها و لا ضرورة فی الخوض فیها.

«7»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْجَازِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْمُؤْمِنَ مِنْ طِینَةِ الْجَنَّةِ وَ خَلَقَ الْكَافِرَ مِنْ طِینَةِ النَّارِ وَ قَالَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَیْراً طَیَّبَ رُوحَهُ وَ جَسَدَهُ فَلَا یَسْمَعُ شَیْئاً مِنَ الْخَیْرِ إِلَّا عَرَفَهُ وَ لَا یَسْمَعُ شَیْئاً مِنَ الْمُنْكَرِ إِلَّا أَنْكَرَهُ قَالَ وَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ الطِّینَاتُ ثَلَاثٌ طِینَةُ الْأَنْبِیَاءِ وَ الْمُؤْمِنُ مِنْ تِلْكَ الطِّینَةِ إِلَّا أَنَّ الْأَنْبِیَاءَ هُمْ مِنْ صَفْوَتِهَا هُمُ الْأَصْلُ وَ لَهُمْ فَضْلُهُمْ وَ الْمُؤْمِنُونَ الْفَرْعُ مِنْ طِینٍ لازِبٍ كَذَلِكَ لَا یُفَرِّقُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ شِیعَتِهِمْ وَ قَالَ طِینَةُ النَّاصِبِ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَ أَمَّا الْمُسْتَضْعَفُونَ فَ مِنْ تُرابٍ لَا یَتَحَوَّلُ مُؤْمِنٌ عَنْ إِیمَانِهِ وَ لَا نَاصِبٌ عَنْ نَصْبِهِ وَ لِلَّهِ الْمَشِیَّةُ فِیهِمْ (1).

تبیین: من طینة الجنة أی من طینة یعلم حین خلقه منها أنه یصیر إلی الجنة أو من طینة مرجحة لأعمال تصیر سببا لدخول الجنة لا علی الإلجاء إذا أراد اللّٰه بعبد خیرا أی حسن عاقبة و سعادة.

ص: 82


1- 1. الكافی ج 2 ص 3.

طیب روحه بالهدایات الخاصة و الألطاف المرجحة و ذلك بعد حسن اختیاره و ما یعود إلیه من الأسباب مِنْ طِینٍ لازِبٍ قال القاضی هو الحاصل من ضرب الجزء المائی إلی الجزء الأرضی و فی القاموس اللزوب اللصوق و الثبوت و لزب ككرم لزبا و لزوبا دخل بعضه فی بعض و الطین لزق و صلب.

أقول: و یمكن أن یكون علی هذا التأویل للآیة الكریمة المراد باللزوب لصوقهم بالأئمة علیهم السلام و ملازمتهم لهم فقوله كذلك لا یفرق اللّٰه و فی بعض النسخ لذلك أی للزوبهم و لصوقهم بأئمتهم علیهم السلام و لصوق طینتهم بطینتهم لا یفرق اللّٰه بینهم و بینهم أو لكونهم من فرع تلك الطینة لا یفرق اللّٰه بینهما فی الدنیا و الآخرة لأن الفرع ملحق بالأصل و تابع له.

و الحمأ الطین الأسود و المسنون المتغیر المنتن و قیل أی مصبوب كأنه أفرغ حتی صار صورة و قیل إنه الرطب و قیل مصور و الحمأ المسنون طین سجین فمن تراب أی خلقوا من تراب غیر ممزوج بماء عذب زلال كما مزجت به طینة الأنبیاء و المؤمنین و لا بماء آسن أجاج كما مزجت به طینة الكافرین.

و كأن هذا وجه جمع بین الآیات الكریمة فإن ما دل علی أنه خلق مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فهو فی الناصب و ما دل علی أنه خلق مِنْ طِینٍ لازِبٍ فهو فی الشیعة و ما دل علی أنه خلق مِنْ تُرابٍ فهو فی المستضعفین فیحتمل أن یكون المراد إدخال تلك الطینات فی بدن آدم علیه السلام لتحصیل قابلیة جمیع تلك الأمور و الأقسام فی ولده أو یكون المراد خلق كل صنف من طینة بإدخالها فی النطفة أو بحصول تلك النطفة من هذه الطینة.

فالأوسط أظهر

لِمَا رَوَاهُ الشَّیْخُ فِی مَجَالِسِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَیْدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ یَحْیَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ علیهما السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ فِی الْفِرْدَوْسِ لَعَیْناً أَحْلَی مِنَ الشَّهْدِ وَ أَلْیَنَ مِنَ الزُّبْدِ وَ أَبْرَدَ

ص: 83

مِنَ الثَّلْجِ وَ أَطْیَبَ مِنَ الْمِسْكِ فِیهَا طِینَةٌ خَلَقَنَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهَا وَ خَلَقَ شِیعَتَنَا مِنْهَا فَمَنْ لَمْ یَكُنْ مِنْ تِلْكَ الطِّینَةِ فَلَیْسَ مِنَّا وَ لَا مِنْ شِیعَتِنَا وَ هِیَ الْمِیثَاقُ الَّذِی أَخَذَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی وَلَایَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام َلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام- قَالَ عُبَیْدٌ فَذَكَرْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ هَذَا الْحَدِیثَ فَقَالَ صَدَقَكَ یَحْیَی بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَكَذَا أَخْبَرَنِی أَبِی عَنْ جَدِّی عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ عُبَیْدٌ أَشْتَهِی أَنْ تُفَسِّرَهُ لَنَا إِنْ كَانَ عِنْدَكَ تَفْسِیرٌ قَالَ نَعَمْ أَخْبَرَنِی أَبِی عَنْ جَدِّی عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً رَأْسُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَ قَدَمَاهُ فِی تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَی بَیْنَ عَیْنَیْهِ رَاحَةُ أَحَدِكُمْ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ خَلْقاً عَلَی وَلَایَةِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام أَمَرَ ذَلِكَ الْمَلَكَ فَأَخَذَ مِنْ تِلْكَ الطِّینَةِ فَرَمَی بِهَا فِی النُّطْفَةِ حَتَّی یَصِیرَ إِلَی الرَّحِمِ مِنْهَا یَخْلُقُ وَ هِیَ الْمِیثَاقُ.

قوله و لله المشیة فیهم أی فی المستضعفین و التعمیم بعید(1).

«8»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُسْلِمٍ الْحُلْوَانِیِّ عَنْ أَبِی إِسْمَاعِیلَ الصَّیْقَلِ الرَّازِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ فِی الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً تُسَمَّی الْمُزْنَ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ مُؤْمِناً أَقْطَرَ مِنْهَا قَطْرَةً فَلَا تُصِیبُ بَقْلَةً وَ لَا ثَمَرَةً أَكَلَ مِنْهَا مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ إِلَّا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ صُلْبِهِ مُؤْمِناً(2).

بیان: فی المصباح حلوان بالضم بلد مشهور من سواد العراق و هی آخر مدن العراق و بینها و بین بغداد نحو خمس مراحل و فی القاموس المزن بالضم

ص: 84


1- 1. بل للّٰه المشیة فیهم جمیعا و لیس المشیة مشیة جزافیة بل هی ما یجری علیه ناموس الكون و الفساد الحاكم علی الإنسان و قلبه و فكره و أفعاله كلها فمن آمن فقد آمن بمشیة اللّٰه و من كفر فقد كفر بمشیة اللّٰه و من ارتد عن الایمان الی النصب و العناد فقد ارتد بمشیة اللّٰه، فافهم ذلك.
2- 2. الكافی ج 2 ص 14.

السحاب أو أبیضه أو ذو الماء انتهی و كان التسمیة هنا علی التشبیه.

قیل هذا الحدیث كما یناسب ما قیل إن المراد بالطینة الأصول الممتزجات المنتقلة فی أطوار الخلقة كالنطفة و ما قبلها من موادها مثل النبات و الغذاء و ما بعدها من العلقة و المضغة و المزاج الإنسان القابل للنفس الناطقة المدبرة كذلك یناسب ما ذكر من أن المراد بالطینة طینة الجنة لأن طینة الجنة اختمارها و تربیتها بهذه القطرة كما أنه بماء العذب الفرات المذكور سابقا و بالجملة خلقه من طینة الجنة و مزجها بماء الفرات أولا و تربیتها بماء المزن ثانیا لطف منه تعالی بالنسبة إلی المؤمن لیحصل له الوصول إلی أعلی مراتب القرب انتهی.

و قال بعض المحققین من أهل التأویل الجنة تشتمل جنان الجبروت و الملكوت و المزن السحاب و هو أیضا یعم سحاب ماء الرحمة و الجود و الكرم و سحاب ماء المطر و الخصب و الدیم و كما أن لكل قطرة من ماء المطر صورة و سحابا انفصلت منه فی عالم الملك كذلك له صورة و سحاب انفصلت منه فی عالمی الملكوت و الجبروت و كما أن البقلة و الثمرة تتربی بصورتها الملكیة كذلك تتربی بصورتیها الملكوتیة و الجبروتیة المخلوقتین من ذكر اللّٰه تعالی اللتین من شجرة المزن الجنانی و كما أنهما تتربیان بها قبل الأكل كذلك تتربیان بها بعد الأكل فی بدن الآكل فإنها ما لم تستحل إلی صورة العضو فهی بعد فی التربیة.

فالإنسان إذا أكل بقلة أو ثمرة ذكر اللّٰه عز و جل عندها و شكر اللّٰه علیها و صرف قوتها فی طاعة اللّٰه سبحانه و الأفكار الإیمانیة و الخیالات الروحانیة فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة فی جسده بماء المزن الجنانی فإذا فضلت من مادتها فضلة منویة فهی من شجرة المزن التی أصلها فی الجنة.

و إذا أكلها علی غفلة من اللّٰه سبحانه و لم یشكر اللّٰه علیها و صرف قوتها فی معصیة اللّٰه تعالی و الأفكار المموهة الدنیویة و الخیالات الشهوانیة فقد تربت

ص: 85

تلك البقلة أو الثمرة فی جسده بماء آخر غیر صالح لخلق المؤمن إلا أن یكون قد تحقق تربیتها بماء المزن الجنانی قبل الأكل.

و أما مأكولة الكافر التی یخلق منها المؤمن فإنما یتحقق تربیتها بذلك الماء قبل أكله لها غالبا و لذكر اللّٰه عند زرعها أو غرسها مدخل فی تلك التربیة و كذلك لحل ثمنها و تقوی زارعها أو غارسها إلی غیر ذلك من الأسباب.

«9»- كا، [الكافی] الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ وَ غَیْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ جَمِیعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ یَسَارٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ یُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَیْسَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنَا مَوْلَاكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَیْسَانَ قَالَ أَمَّا النَّسَبُ فَأَعْرِفُهُ وَ أَمَّا أَنْتَ فَلَسْتُ أَعْرِفُكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنِّی وُلِدْتُ بِالْجَبَلِ وَ نَشَأْتُ فِی أَرْضِ فَارِسَ وَ إِنَّنِی أُخَالِطُ النَّاسَ فِی التِّجَارَاتِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ فَأُخَالِطُ الرَّجُلَ فَأَرَی لَهُ حُسْنَ السَّمْتِ وَ حُسْنَ الْخُلُقِ وَ كَثْرَةَ أَمَانَةٍ ثُمَّ أُفَتِّشُهُ فَأُفَتِّشُهُ عَنْ عَدَاوَتِكُمْ وَ أُخَالِطُ الرَّجُلَ فَأَرَی مِنْهُ سُوءَ الْخُلُقِ وَ قِلَّةَ أَمَانَةٍ وَ زَعَارَّةً ثُمَّ أُفَتِّشُهُ فَأُفَتِّشُهُ عَنْ وَلَایَتِكُمْ فَكَیْفَ یَكُونُ ذَلِكَ قَالَ فَقَالَ لِی أَ مَا عَلِمْتَ یَا ابْنَ كَیْسَانَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَخَذَ طِینَةً مِنَ الْجَنَّةِ طِینَةً مِنَ النَّارِ فَخَلَطَهُمَا جَمِیعاً ثُمَّ نَزَعَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَمَا رَأَیْتَ فِی أُولَئِكَ مِنَ الْأَمَانَةِ وَ حُسْنِ الْخُلُقِ وَ حُسْنِ السَّمْتِ فَمِمَّا مَسَّتْهُمْ مِنْ طِینَةِ الْجَنَّةِ وَ هُمْ یَعُودُونَ إِلَی مَا خُلِقُوا مِنْهُ وَ مَا رَأَیْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ قِلَّةِ الْأَمَانَةِ وَ سُوءِ الْخُلُقِ وَ الزَّعَارَّةِ فَمِمَّا مَسَّتْهُمْ مِنْ طِینَةِ النَّارِ وَ هُمْ یُعَادُونَ إِلَی مَا خُلِقُوا مِنْهُ (1).

توضیح: عن عداوتكم التعدیة بعن لتضمین معنی الكشف و السمت الطریق و هیئة أهل الخیر و زعارة بالزای و الراء المشددة و یخفف الشراسة و سوء الخلق و فی بعض النسخ بالدال و العین و الراء المهملات و هو الفساد و الفسق

ص: 86


1- 1. الكافی ج 2 ص 4.

و الخبث فخلطهما جمیعا أی فی صلب آدم علیه السلام إلی أن یخرجوا من أصلاب أولاده و هو المراد بقوله ثم نزع هذه من هذه إذ یخرج المؤمن من صلب الكافر و الكافر من صلب المؤمن.

و حمل الخلط علی الخلطة فی عالم الأجساد و اكتساب بعضهم الأخلاق من بعض بعید جدا و قیل ثم نزع هذه من هذه معناه أنه نزع طینة الجنة من طینة النار و طینة النار من طینة الجنة بعد ما مست إحداهما الأخری ثم خلق أهل الجنة من طینة الجنة و أهل النار من طینة النار و أولئك إشارة إلی الأعداء و هؤلاء إلی الأولیاء و ما خلقوا منه فی الأول طینة النار و فی الثانی طینة الجنة.

كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِی حَمَّادٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ زَیْدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ علیه السلام بَعَثَ جَبْرَئِیلَ علیه السلام فِی أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَبَضَ بِیَمِینِهِ قَبْضَةً فَبَلَغَتْ قَبْضَتُهُ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَی السَّمَاءِ الدُّنْیَا وَ أَخَذَ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ تُرْبَةً وَ قَبَضَ قَبْضَةً أُخْرَی مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ الْعُلْیَا

إِلَی الْأَرْضِ السَّابِعَةِ الْقُصْوَی فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ كَلِمَتَهُ فَأَمْسَكَ الْقَبْضَةَ الْأُولَی بِیَمِینِهِ وَ الْقَبْضَةَ الْأُخْرَی بِشِمَالِهِ فَفَلَقَ الطِّینَ فِلْقَتَیْنِ فَذَرَا مِنَ الْأَرْضِ ذَرْواً وَ مِنَ السَّمَاوَاتِ ذَرْواً فَقَالَ لِلَّذِی بِیَمِینِهِ مِنْكَ الرُّسُلُ وَ الْأَنْبِیَاءُ وَ الْأَوْصِیَاءُ وَ الصِّدِّیقُونَ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ السُّعَدَاءُ وَ مَنْ أُرِیدُ كَرَامَتَهُ فَوَجَبَ لَهُمْ مَا قَالَ كَمَا قَالَ وَ قَالَ لِلَّذِی بِشِمَالِهِ مِنْكَ الْجَبَّارُونَ وَ الْمُشْرِكُونَ وَ الْكَافِرُونَ وَ الطَّوَاغِیتُ وَ مَنْ أُرِیدُ هَوَانَهُ وَ شِقْوَتَهُ فَوَجَبَ لَهُمْ مَا قَالَ كَمَا قَالَ ثُمَّ إِنَّ الطِّینَتَیْنِ خُلِطَتَا جَمِیعاً وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوی (1) فَالْحَبُّ طِینَةُ الْمُؤْمِنِینَ الَّتِی أَلْقَی اللَّهُ عَلَیْهَا مَحَبَّتَهُ وَ النَّوَی طِینَةُ

ص: 87


1- 1. الأنعام: 95 و ما بعدها ذیلها.

الْكَافِرِینَ الَّذِینَ نَأَوْا عَنْ كُلِّ خَیْرٍ وَ إِنَّمَا سُمِّیَ النَّوَی مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ نَأَی عَنْ كُلِّ خَیْرٍ وَ تَبَاعَدَ عَنْهُ وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِ فَالْحَیُّ الْمُؤْمِنُ الَّذِی یَخْرُجُ طِینَتُهُ مِنْ طِینَةِ الْكَافِرِ وَ الْمَیِّتُ الَّذِی یُخْرَجُ هُوَ مِنَ الْحَیِّ هُوَ الْكَافِرُ الَّذِی یُخْرَجُ مِنْ طِینَةِ الْمُؤْمِنِ فَالْحَیُّ الْمُؤْمِنُ وَ الْمَیِّتُ الْكَافِرُ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أَ وَ مَنْ كانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ (1) فَكَانَ مَوْتُهُ اخْتِلَاطَ طِینَتِهِ مَعَ طِینَةِ الْكَافِرِ وَ كَانَ حَیَاتُهُ حِینَ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَیْنَهُمَا بِكَلِمَتِهِ كَذَلِكَ یُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْمُؤْمِنَ فِی الْمِیلَادِ مِنَ الظُّلْمَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِیهَا إِلَی النُّورِ وَ یُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ النُّورِ إِلَی الظُّلْمَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ إِلَی النُّورِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ-(2) لِیُنْذِرَ مَنْ كانَ حَیًّا وَ یَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَی الْكافِرِینَ (3).

تبیین: قوله فی أول ساعة إلخ قیل لما كان خلق آدم علیه السلام بعد خلق السماوات و الأرض ضرورة تقدم البسیط علی المركب و كان خلق السماوات و الأرض و أقواتها فی ستة أیام من الأسبوع و قد جمعت جمیعا فی الجمعة صار بدو خلق الإنسان فیه و المراد بكلمته جبرئیل علیه السلام لأنه حامل كلمته أو لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام اللّٰه أو لكونه مخلوقا بكلمة كن بلا مادة و قیل المراد بالسماوات درجات الجنة و بالأرضین دركات سجین لیطابق الأخبار الأخر و یحتمل أخذها منهما معا.

و قیل كأن المراد بالتربة ما له مدخل فی تهیئة المادة القابلة لأن یخلق منها شی ء فیشمل الطینة بمعنی الجبلة و آثار القوی السماویة المربیة للنطفة و بالجملة ما له مدخل فی السبب القابلی انتهی.

و قیل إطلاق التربة علی ما أخذ من السماوات من قبیل مجاز المشارفة أی ما یصیر تربة و ینقلب إلیهما و القصوی مؤنث الأقصی أی الأبعد و یدل علی أن الأرض سبع طبقات كالسماوات كما قال اللّٰه تعالی اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ

ص: 88


1- 1. الأنعام: 122.
2- 2. یس: 70.
3- 3. الكافی ج 2 ص 5.

سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ (1) قوله علیه السلام ففلق الطین فلقتین ضمیر فلق إما راجع إلی اللّٰه أو إلی جبرئیل و كذا قوله فذرا و فی القاموس فلقه یفلقه شقه كفلقه و فالق الحب خالقه أو شاقه بإخراج الورق منه و قال ذرت الریح الشی ء أو أذرته و ذرته أطارته و أذهبته و ذرا هو بنفسه.

أقول: الكلام یحتمل وجوها الأول أن یكون قوله ففلق تفریعا و تأكیدا لما مضی أی فصار بقبض بعض الطین بالیمین و بعضه بالشمال الطین صنفین ففرق من الأرض أی ما كان فی یده من طین الأرض و كذا الثانی فقال اللّٰه أو جبرئیل للذی بیمینه قبل الذرو أو للذی كان بیمینه بعده.

الثانی أن یكون المعنی ففلق كل طین من الطینتین فلقة أی جعل كلا منهما حصتین ففرق من كل طین حصة لیكون طینة للمستضعفین و الأطفال و المجانین و قال لما بقی فی الیمین منك الرسل إلخ و لما بقی فی الشمال منك الجبارون إلخ و علی هذا لعل إرجاع الضمائر إلی اللّٰه أولی فیقرأ أرید فی الموضعین بصیغه المتكلم و علی الوجه الآخر یقرأ بصیغه الغائب المجهول.

الثالث ما ذكره بعض الأفاضل حیث قال كان الفلق كنایة عن إفراز ما یصلح من المادتین لخلق الإنسان و إنما ذرا من كل منهما ما ذرا لأنه كان فیهما ما لیس له مدخل فی خلق الإنسان و إنما كان مادة لسائر الأكوان خاصة.

قوله علیه السلام ثم إن الطینتین خلطتا أی ما كان فی الیدین أو جمیع الطینتین المذروء منهما و غیر المذروء.

قوله علیه السلام فالحب طینة المؤمنین هذا بطن من بطون الآیة و علی هذا التأویل المراد بالفلق شق كل منهما و إخراج الآخر منه أو شق كل منهما

ص: 89


1- 1. الطلاق: 12، و لكنها لا تدلّ علی أن الأرض ذات طباق كالسماوات و لعلّ المراد مثلهن عددا، أو مثلهن قطعا فینطبق مع سبع قارات لارضنا هذه التی نحن علیها.

عن صاحبه أو خلقهما. من أجل أنه نأی كأن مناسبة نأی و نوی من جهة الاشتقاق الكبیر المبنی علی توافق بعض حروف الكلمتین فإن الأول مهموز الوسط و الثانی من المعتل (1)

و یحتمل أن یكون أصل المهموز من المعتل أو بالعكس و یؤیده أن صاحب مصباح المنیر و الراغب فی المفردات ذكرا نأی فی باب النون مع الواو أو یقال لیس الغرض هنا بیان الاشتقاق بل بیان أن النوی بمعنی البعد و ذكر نأی لتناسب اللفظین فإن الواوی أیضا یطلق بهذا المعنی قال فی القاموس النیة الوجه الذی یذهب فیه و البعد كالنوی فیهما انتهی.

و الآیة فی سورة الأنعام هكذا إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوی (2) قال فی مجمع البیان (3) أی شاق الحبة الیابسة المیتة فیخرج منه النبات و شاق النواة الیابسة فیخرج منه النخل و الشجر و قیل معناه خالق الحب و النوی و منشئهما و مبدئهما و قیل المراد به ما فی الحبة و النواة من الشق و هو من عجیب قدرة اللّٰه تعالی فی استوائه.

یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِ (4) أی یخرج النبات الغض الطری الخضر من الحب الیابس و یخرج الحب الیابس من النبات الحی النامی عن الزجاج و العرب تسمی الشجرة ما دام غضا قائما بأنه حی فإذا یبس أو قطع أو قلع سموه میتا.

و قیل معناه یخلق الحی من النطفة و هی موات و یخلق النطفة و هی موات من الحی عن الحسن و غیره و هذا أصح و قیل معناه یخرج الطیر من البیض و البیض من

ص: 90


1- 1. و لعلّ ذلك إشارة الی أن الحب و هو ما كان له قشر و لباب یؤكل انما یناسب المؤمن ذا اللب و أن النوی و هو ما كان كله كالقشر و لیس له لباب یؤكل انما یناسب الكافر لیس له لب.
2- 2. الأنعام: 95.
3- 3. مجمع البیان ج 4 ص 338.
4- 4. الأنعام: 95.

الطیر عن الجبائی (1)

و قیل یخرج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن.

ثم قال سبحانه فی هذه السورة أیضا أَ وَ مَنْ كانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِی الظُّلُماتِ لَیْسَ بِخارِجٍ مِنْها(2) قال الطبرسی (3) أَ وَ مَنْ كانَ مَیْتاً أی كافرا فَأَحْیَیْناهُ بأن هدیناه إلی الإیمان عن ابن عباس و غیره شبه سبحانه الكفر بالموت و الإیمان بالحیاة و قیل معناه من كان نطفة فأحییناه وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً المراد بالنور العلم و الحكمة أو القرآن أو الإیمان و بالظلمات ظلمات الكفر.

و إنما سمی اللّٰه الكافر میتا لأنه لا ینتفع بحیاته و لا ینتفع غیره بحیاته فهو أسوأ حالا من المیت إذ لا یوجد من المیت ما یعاقب علیه و لا یتضرر غیره به و سمی المؤمن حیا لأنه له و لغیره المصلحة و المنفعة فی حیاته و كذلك سمی الكافر میتا و المؤمن حیا فی عدة مواضع مثل قوله إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی (4) و لِیُنْذِرَ مَنْ كانَ حَیًّا(5) و قوله وَ ما یَسْتَوِی الْأَحْیاءُ وَ لَا

الْأَمْواتُ (6) و سمی القرآن و الإیمان و العلم نورا لأن الناس یبصرون بذلك و یهتدون به من ظلمات الكفر و حیرة الضلالة كما یهتدی بسائر الأنوار و سمی الكفر ظلمة لأن الكافر لا یهتدی بهداه و لا یبصر أمر رشده انتهی.

و أقول علی التأویل المذكور فی الخبر و أكثر التفاسیر المذكورة قوله تعالی یُخْرِجُ الْحَیَ بیان لقوله فالِقُ الْحَبِ قوله حین فرق اللّٰه بینهما بكلمته أی بقدرته أو بأمر كن أو بجبرئیل

ص: 91


1- 1. و لیس بشی ء فان النطفة لیست بمیتة بل الحیوانات و النباتات كلها انما یخلقون من نطفة حی.
2- 2. الأنعام: 122.
3- 3. مجمع البیان ج 4 ص 359.
4- 4. النمل: 80.
5- 5. یس: 70.
6- 6. فاطر: 22.

و التفریق فی المیلاد أو فی الطینة و الأول أظهر فقوله كذلك تشبیه الإخراج من الظلمات إلی النور و بالعكس بإخراج الحی من المیت و بالعكس فی أن المراد فیهما إخراج طینة المؤمن من طینة الكافر و بالعكس.

و لیس المراد تأویل تتمة تلك الآیة أعنی قوله سبحانه أ و من كان میتا إلخ فإنه لم یذكر فیها إخراج الكافر من النور إلی الظلمة بل فیها أنه فی الظلمات لیس بخارج منها بل هو إشارة إلی قوله تعالی اللَّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ الآیة.

و لا ینافیه قوله علیه السلام و یخرج الكافر مع أن فی الآیة نسب الإخراج إلی الطاغوت لأن لخذلانه سبحانه مدخلا فی ذلك مع أنه یمكن أن یقرأ علی بناء المجرد المعلوم أو علی بناء المجهول.

و ما قیل من أنه یظهر من هذا الحدیث أن إخراج المؤمن من الكافر و بالعكس فی وقتین وقت تفریق الطین و وقت الولادة فلیس بظاهر كما عرفت ثم استشهد علیه السلام لإطلاق الحیاة علی الإیمان أو كونه من طینة مقربة له بقوله سبحانه لِیُنْذِرَ مَنْ كانَ حَیًّا أی كان من طینة الجنة علی تأویله علیه السلام.

قال الطبرسی (1)

أی أنزلناه لیخوف به من معاصی اللّٰه من كان مؤمنا لأن الكافر كالمیت بل أقل من المیت أو من كان عاقلا كما روی عن علی علیه السلام و قیل من كان حی القلب حی البصر وَ یَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَی الْكافِرِینَ أی یجب الوعید و العذاب علی الكافرین بكفرهم و أقول علی تأویله علیه السلام یحتمل أن یكون المراد بالقول ما مر من قوله سبحانه منك الجبارون و المشركون و الكافرون إلی آخره.

«11»- مع، [معانی الأخبار]: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهم السلام عَنِ الْمَوْتِ مَا هُوَ فَقَالَ هُوَ التَّصْدِیقُ بِمَا لَا یَكُونُ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ- عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ لَمْ یَكُنْ مَیِّتاً فَإِنَّ الْمَیِّتَ هُوَ الْكَافِرُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ

ص: 92


1- 1. مجمع البیان ج 8 ص 432.

یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ یُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِ (1) یَعْنِی الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ وَ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ (2).

«12»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ طِینَةَ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ مِنْ طِینَةِ الْأَنْبِیَاءِ فَلَنْ تَنْجَسَ أَبَداً(3).

بیان: فلن تنجس أبدا أی بنجاسة الكفر و الشرك و إن نجست بالمعاصی فتطهر بالتوبة و الشفاعة و رحمة الرب تعالی و قیل أی لن یتعلق بالدنیا تعلق ركون و إخلاد یذهله عن الآخرة.

«13»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام الْمُؤْمِنُونَ مِنْ طِینَةِ الْأَنْبِیَاءِ قَالَ نَعَمْ (4).

بیان: أی من فضل طینتهم.

«14»- كا، [الكافی] عَنْ أَبِی عَلِیٍّ الْأَشْعَرِیِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ كَیْفَ ابْتُدِئَ الْخَلْقُ لَمَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ قَالَ كُنْ مَاءً عَذْباً أَخْلُقْ مِنْكَ جَنَّتِی وَ أَهْلَ طَاعَتِی وَ كُنْ مِلْحاً أُجَاجاً أَخْلُقْ مِنْكَ نَارِی وَ أَهْلَ مَعْصِیَتِی ثُمَّ أَمَرَهُمَا فَامْتَزَجَا فَمِنْ ذَلِكَ صَارَ یَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ ثُمَّ أَخَذَ طِینَةً مِنْ أَدِیمِ الْأَرْضِ فَعَرَكَهُ عَرْكاً شَدِیداً فَإِذَا هُمْ كَالذَّرِّ یَدِبُّونَ فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْیَمِینِ إِلَی الْجَنَّةِ بِسَلَامٍ وَ قَالَ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ إِلَی النَّارِ وَ لَا أُبَالِی ثُمَّ أَمَرَ نَاراً فَأُسْعِرَتْ فَقَالَ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ أُدْخُلُوهَا فَهَابُوهَا وَ قَالَ لِأَصْحَابِ الْیَمِینِ أُدْخُلُوهَا فَدَخَلُوهَا فَقَالَ كُونِی بَرْداً وَ سَلاماً فَكَانَتْ بَرْداً

ص: 93


1- 1. الروم: 18.
2- 2. معانی الأخبار: 290.
3- 3. الكافی ج 2: 3. و فیه فلم تنجس أبدا.
4- 4. الكافی ج 2: 5.

وَ سَلَاماً فَقَالَ أَصْحَابُ الشِّمَالِ یَا رَبِّ أَقِلْنَا قَالَ قَدْ أَقَلْتُكُمْ فَادْخُلُوهَا فَذَهَبُوا فَهَابُوهَا فَثَمَّ ثَبَتَتِ الطَّاعَةُ وَ الْمَعْصِیَةُ وَ لَا یَسْتَطِیعُ هَؤُلَاءِ أَنْ یَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ وَ لَا هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ(1).

تبیین: لما اختلف اثنان أی فی مسألة الاستطاعة و الاختیار و الجبر أو لما تنازع اثنان فی أمر من أمور الدین لاختلاف أفهامهم و قابلیاتهم و طینهم و لما بالغوا فی هدایة الخلق.

كن ماء عذبا أمر تكوینی أو استعارة تمثیلیة لبیان علمه تعالی باختلاف مواد الخلق و استعداداتهم و ما هم إلیه صائرون و فی القاموس ماء أجاج ملح مر و قال أدیم النار عامته أو بیاضه و من الضحی أوله و من السماء و الأرض ما ظهر و قال عركه دلكه و حكه حتی عفاه و قال الذر صغار النمل و مائة منها زنة حبة شعیر الواحدة ذرة و قال دب یدب دبا و دبیبا مشی علی هنیئة و قال أقلته فسخته و استقاله طلب إلیه أن یقیله و قال هابه یهابه هیبا و مهابة خافه.

وَ قَالَ السَّیِّدُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی نَهْجِ الْبَلَاغَةِ(2) رَوَی الْیَمَانِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ قُتَیْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِحْیَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام َلِیٍّ علیه السلام وَ قَدْ ذُكِرَ اخْتِلَافُ النَّاسِ قَالَ إِنَّمَا فَرَّقَ بَیْنَهُمْ مَبَادِی طِینِهِمْ وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِلْقَةً مِنْ سَبَخِ أَرْضٍ وَ عَذْبِهَا وَ حَزْنِ تُرْبَةٍ وَ سَهْلِهَا فَهُمْ عَلَی حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ یَتَقَارَبُونَ وَ عَلَی قَدْرِ اخْتِلَافِهِمْ یَتَفَاوَتُونَ فَتَامُّ الرُّوَاءِ نَاقِصُ الْعَقْلِ وَ مَادُّ الْقَامَةِ قَصِیرُ الْهِمَّةِ وَ زَاكِی الْعَمَلِ قَبِیحُ الْمَنْظَرِ وَ قَرِیبُ الْقَعْرِ بَعِیدُ السَّبْرِ وَ مَعْرُوفُ الضَّرِیبَةِ مُنْكَرُ الْجَلِیبَةِ وَ نَائِرُ الْقَلْبِ مُتَفَرِّقُ اللُّبِّ وَ طَلِیقُ اللِّسَانِ حَدِیدُ الْجَنَانِ.

و قال ابن میثم (3)

فی قوله علیه السلام إنما فرق بینهم إلخ أی تقاربهم فی

ص: 94


1- 1. الكافی ج 2: 6.
2- 2. نهج البلاغة ط مصر عبده ج 1 ص 253.
3- 3. شرح النهج لابن میثم ص 419 ط ایران قدیم.

الصور و الأخلاق تابع لتقارب طینهم و تقارب مبادیه و هی السهل و الحزن و السبخ و العذب و تفاوتهم فیها لتفاوت طینهم و مبادیه المذكورة.

و قال أهل التأویل الإضافة بمعنی اللام أی المبادی لطینهم كنایة عن الأجزاء العنصریة التی هی مبادی المركبات ذوات الأمزجة(1)

أو السبخ كنایة عن الحار الیابس و العذب عن الحار الرطب و السهل عن البارد الرطب و الحزن عن البارد الیابس انتهی.

و أقول لا یبعد أن یكون الماء العذب كنایة عما خلق اللّٰه فی الإنسان من الدواعی إلی الخیر و الصلاح كالعقل و النفس الملكوتی و الماء الأجاج عما ینافی و یعارض ذلك و یدعو إلی الشهوات الدنیة و اللذات الجسمانیة من البدن و ما ركب فیه من الدواعی إلی الشهوات.

و مزجهما كنایة عن تركیبهما فی الإنسان فقوله أخلق منك أی من أجلك جنتی و أهل طاعتی إذ لو لا ما فی الإنسان من جهة الخیر لم یكن لخلق الجنة فائدة و لم یكن یستحقها أحد و لم یصر أحد مطیعا له تعالی.

و كذا قوله أخلق منك ناری إذ لو لا ما فی الإنسان من دواعی الشرور لم یكن یعصی اللّٰه أحد و لم یحتج إلی خلق النار للزجر عن الشرور.

ثم لإظهار إحاطة علمه بما سیقع من كل فرد من أفراد البشر للملائكة لطفا لهم و لبنی آدم أیضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر و میز من علم منهم الإیمان ممن علم منهم خلافه و كلفهم بدخول النار لیعلموا قبل التكلیف فی عالم الأجساد

ص: 95


1- 1. بل الصحیح كما أشرنا إلیه قبلا أن النطفة هی التی خلقت من سلالة من الطین فلیس الإنسان مركبا من الماء و التراب و انما ذلك هو النطفة و لست أعنی الماء الدافق و لا« اسپرماتوزئید» علی اصطلاح المتأخرین بل هی شی ء آخر سمیت بالنطفة عند المتأخرین فی داخل« اسپرماتوزئید» و انما شخصیة الجنین بها فالنطفة التی اخذت و استلت من سهل الأرض غیر ما اخذت و استلت من حزنها و ما اخذت من طین لازب رس غیر ما اخذت من حما مسنون و هكذا.

أن ما علم منهم مطابق للواقع فثم ثبتت الطاعة و المعصیة و علم الملائكة من یطیع بعد ذلك و من یعصی و أثبت ذلك فی الألواح مطابقا لعلمه تعالی.

و قوله فمن ذلك صار یلد المؤمن الكافر أی لأجل ما قرر فی الإنسان من جهتی الخیر و الشر تری الأب یصیر تابعا للعقل و مقویا لدواعی الخیر و زاجرا للشهوات فیصیر من الأخیار و الابن یتبع الهوی و الشهوات و یسلطها علی العقل فیصیر من الأشرار مع نهایة الارتباط بینهما و قوله و لا یستطیع هؤلاء أی لا یتخلف ما علم اللّٰه تعالی منهم لكن لا یختارونها إلا باختیارهم و إرادتهم و استطاعتهم هذا ما خطر بالبال علی وجه الاحتمال و اللّٰه یعلم غوامض أسرارهم علیهم السلام.

و قال بعض أهل التأویل عبر عن المادة تارة بالماء و أخری بالتربة لاشتراكهما فی قبول الأشكال و لاجتماعهما فی طینة الإنسان و تركیب خلقته و أدیم الأرض وجهها و كأنه كنایة عما ینبت منها مما یصلح أن یصیر غذاء للإنسان و یحصل منه النطفة أو تتربی به و العرك الدلك و كأنه كنایة عن مزجه بحیث یحصل منه المزاج و یستعد للحیاة و الذر النمل الصغار و وجه الشبه الحس و الحركة و كونهم محل الشعور مع صغر الجثة و الخفاء.

و هذا الخطاب إنما كان فی عالم الأمر و لشدة ارتباط الملك بالملكوت و قوامه به جاز إسناد مادته إلیه و إن كان عالم الأمر مجردا عن المادة و اجتماعهم فی الوجود عند اللّٰه إنما هو لاجتماع الأجسام الزمانیة عنده تعالی دفعة واحدة فی عالم الأمر و إن كانت متفرقة مبسوطة متدرجة فی عالم الخلق.

و وجودهم فی عالم الأمر وجود ملكوتی ظلی ینبعث من حقیقته هذا الوجود الخلقی الجسمانی و هو صورة علمه سبحانه بها و عنه عبر بالظلال فی حدیث آخر.

و أمره تعالی إیاهم إلی الجنة و النار هدایته إیاهم إلی سبیلهما ثم توفیقه أو خذلانه و لعل المراد بالنار المسعرة بعد ذلك التكالیف الشرعیة و تحصیل المعرفة

ص: 96

المحرقة للقلوب لصعوبة الخروج عن عهدتها.

و استقالة أصحاب الشمال كنایة عن تمنیهم الإطاعة و عدم قدرتهم التامة علیها لغلبة الشهوة علیهم و كونهم مسخرة تحت سلطان الهوی كما قالوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَیْنا شِقْوَتُنا وَ كُنَّا قَوْماً ضالِّینَ (1) انتهی.

و لعل إبداء تلك التأویلات فی الأخبار جرأة علی اللّٰه و رسوله و الأئمة الأخیار إلا أن یكون علی سبیل الاحتمال لكن بعد ثبوت ما بنوا علیه الكلام من المقدمات التی لم تثبت بالبرهان و الیقین بل بعضها مناف لما ثبت فی الدین المبین.

«15»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ علیه السلام أَرْسَلَ الْمَاءَ عَلَی الطِّینِ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً فَعَرَكَهَا ثُمَّ فَرَّقَهَا فِرْقَتَیْنِ بِیَدِهِ ثُمَّ ذَرَاهُمْ فَإِذَا هُمْ یَدِبُّونَ ثُمَّ رَفَعَ لَهُمْ نَاراً فَأَمَرَ أَهْلَ الشِّمَالِ أَنْ یَدْخُلُوهَا فَذَهَبُوا إِلَیْهَا فَهَابُوهَا وَ لَمْ یَدْخُلُوهَا ثُمَّ أَمَرَ أَهْلَ الْیَمِینِ أَنْ یَدْخُلُوهَا فَذَهَبُوا فَدَخَلُوهَا فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ النَّارَ فَكَانَتْ عَلَیْهِمْ بَرْداً وَ سَلَاماً فَلَمَّا رَأَی ذَلِكَ أَهْلُ الشِّمَالِ قَالُوا رَبَّنَا أَقِلْنَا فَأَقَالَهُمْ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ ادْخُلُوهَا فَذَهَبُوا فَقَامُوا عَلَیْهَا وَ لَمْ یَدْخُلُوهَا فَأَعَادَهُمْ طِیناً وَ خَلَقَ مِنْهَا آدَمَ علیه السلام وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَلَنْ یَسْتَطِیعَ هَؤُلَاءِ أَنْ یَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ وَ لَا هَؤُلَاءِ أَنْ یَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ فَیَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ تِلْكَ النَّارَ فَلِذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ (2) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ (3).

بیان: فیرون أی علماء أهل البیت علیهم السلام قُلْ إِنْ كانَ الآیة قد مر فیه

ص: 97


1- 1. المؤمنون: 107.
2- 2. الزخرف: 81.
3- 3. الكافی ج 2: 7.

وجوه من التأویل (1)

الأول فأنا أول العابدین منكم فإن النبی یكون أعلم باللّٰه و بما یصح له و بما لا یصح له و أولی بتعظیم ما یجب تعظیمه و من حق تعظیم الوالد تعظیم ولده و لا یستلزم ذلك إمكاك كینونة الولد و عبادته له فإن المحال قد یستلزم المحال بل المراد نفیهما.

و الثانی أن معناه إن كان له ولد فی زعمكم فأنا أول العابدین لله الموحدین له المنكرین لقولكم.

و الثالث أن المعنی فأنا أول الآنفین منه (2)

أو من أن یكون له ولد من عبد یعبد إذا اشتد أنفة(3).

الرابع أن كلمة إن نافیة أی ما كان له ولد فأنا أول الموحدین من أهل مكة و بناء الخبر علی التفسیر الأول إذ ظهر منه أنه صلی اللّٰه علیه و آله كان مبادرا إلی كل خیر و سعادة و إطاعة فلا بد أن یكون مبادرا فی دخول النار عند الأمر به.

«16»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِیِّ وَ عُقْبَةَ جَمِیعاً عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ فَخَلَقَ مَنْ أَحَبَّ مِمَّا أَحَبَّ فَكَانَ مَا أَحَبَّ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِینَةِ الْجَنَّةِ وَ خَلَقَ مَا أَبْغَضَ مِمَّا أَبْغَضَ وَ كَانَ مَا أَبْغَضَ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِینَةِ النَّارِ ثُمَّ بَعَثَهُمْ فِی الظِّلَالِ

ص: 98


1- 1. راجع ج 3 ص 256 من هذه الطبعة الجدیدة.
2- 2. و اختاره علیّ بن إبراهیم فی تفسیره، و فی الاحتجاج عن أمیر المؤمنین علیه السلام أول العابدین أی الجاحدین.
3- 3. قال الجوهریّ: قال أبو زید: العبد بالتحریك: الغضب و الانف و الاسم العبدة مثل الانفة، و قد عبد أی أنف قال الفرزدق: اولئك أحلاسی فجئنی بمثلهم و أعبد أن أهجو كلیبا بدارم. قال أبو عمرو: و قوله تعالی: فأنا أول العابدین من الانف و الغضب.

فَقُلْتُ وَ أَیُّ شَیْ ءٍ الظِّلَالُ فَقَالَ علیه السلام أَ لَمْ تَرَ إِلَی ظِلِّكَ فِی الشَّمْسِ شَیْئاً وَ لَیْسَ بِشَیْ ءٍ ثُمَّ بَعَثَ فِیهِمُ النَّبِیِّینَ فَدَعَوْهُمْ إِلَی الْإِقْرَارِ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ (1) ثُمَّ دَعَوْهُمْ إِلَی الْإِقْرَارِ بِالنَّبِیِّینَ فَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ وَ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ دَعَوْهُمْ إِلَی وَلَایَتِنَا فَأَقَرَّ بِهَا وَ اللَّهِ مَنْ أَحَبَّ وَ أَنْكَرَهَا مَنْ أَبْغَضَ وَ هُوَ قَوْلُهُ- فَما كانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ (2) ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام كَانَ التَّكْذِیبُ ثَمَ (3).

بیان: فخلق من أحب مما أحب قیل ما فی قوله ما أحب و ما أبغض مصدریة.

و أقول یمكن تأویله بالعلم أی بأنه لما علم اللّٰه تعالی حین خلقهم أنهم سیصیرون من الأشقیاء و أبغضهم فكأنه خلقهم مما أبغض أو أنه إشارة إلی اختلاف استعداداتهم و قابلیاتهم فی اختیار الحق و قبوله.

و المراد بالظل إما عالم الأرواح أو عالم المثال فعلی الأول شبه الروح المجرد علی القول به أو الجسم اللطیف بالظل للطافته و عدم كثافته أو لكونه تابعا لعالم الأجساد الأصلیة و علی الثانی ظاهر.

و قوله شیئا بتقدیر تحسه أو الرؤیة بمعنی العلم لكن لا یناسبه تعدیتها بإلی و الأظهر شی ء كما ورد فی هذه الروایة بسند آخر و قیل أراد بقوله و لیس بشی ء أن الحیاة و التكلیف فی ذلك الوقت لا یصیران سببین للثواب و العقاب كأفعال النائم و لا یبقی بل مثال و حكایة عن الحیاة و التكلیف فی الأبدان و لذا سمی الوجود الذهنی بالوجود الظلی لعدم كونه منشأ للآثار و مبدأ للأحكام.

و قیل یمكن أن یراد به عالم الذر المباین لعالم الأجساد الكثیفة و هو

ص: 99


1- 1. الزخرف: 87.
2- 2. یونس: 74.
3- 3. الكافی ج 2: 10.

یحكی عن هذا العالم و یشبهه و لیس منه فهو ظل بالنسبة إلیه أو عالم الأرواح كما قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی بعض خطبه إلا إن الذریة أفنان أنا شجرتها و دوحة أنا ساقتها و إنی من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء كنا أظلالا تحت العرش قبل خلق البشر و قبل خلق الطینة التی كان منها البشر أشباحا خالیة لا أجساما نامیة.

لَیَقُولُنَّ اللَّهُ أی خلقنا اللّٰه أو اللّٰه خلقنا علی اختلاف فی تقدیم المحذوف و تأخیره و المشهور الأول و الغرض أن اضطرارهم إلی هذا الجواب بمقتضی العهد و المیثاق.

و قوله فَما كانُوا لِیُؤْمِنُوا الآیة فی سورة الأعراف (1) هكذا تِلْكَ الْقُری نَقُصُّ عَلَیْكَ مِنْ أَنْبائِها وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَما كانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی قُلُوبِ الْكافِرِینَ و كأن التغییر من النساخ أو النقل بالمعنی (2).

و قال البیضاوی فَما كانُوا لِیُؤْمِنُوا عند مجیئهم بالمعجزات بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ أی بما كذبوه قبل الرسل بل كانوا مستمرین علی التكذیب أو فما كانوا لیؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولا حین جاءتهم الرسل و لم یؤثر قط فیهم دعوتهم المتطاولة و الآیات المتتابعة و اللام لتأكید النفی و الدلالة علی أنهم ما صلحوا للإیمان لمنافاته لحالهم فی التصمیم علی الكفر و الطبع علی قلوبهم.

«17»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام كَیْفَ أَجَابُوا وَ هُمْ ذَرٌّ قَالَ جَعَلَ فِیهِمْ مَا إِذَا

ص: 100


1- 1. الأعراف: 101.
2- 2. بل كما أشرنا إلیه سابقا الآیة فی یونس 74 بزیادة لفظ« به» و هی قوله تعالی: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلی قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَما كانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلی قُلُوبِ الْمُعْتَدِینَ».

سَأَلَهُمْ أَجَابُوا یَعْنِی فِی الْمِیثَاقِ (1).

بیان: ما إذا سألهم كلمة ما موصولة و العائد محذوف أی أجابوه به أی جعل فی كل ذرة العقل و آلة السمع و آلة النطق و من حمل الآیة علی الاستعارة و التمثیل حمل الخبر علی أن المراد به أنه جعلهم بحیث إذا سئلوا فی عالم الأبدان أجابوا بلسان المقال (2)

و هو بعید.

«18»- شی، [تفسیر العیاشی] عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ: أَتَاهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَخْبِرْنِی عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی هَلْ كَلَّمَ أَحَداً مِنْ وُلْدِ آدَمَ قَبْلَ مُوسَی- فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام قَدْ كَلَّمَ اللَّهُ جَمِیعَ خَلْقِهِ بَرَّهُمْ وَ فَاجِرَهُمْ وَ رَدُّوا عَلَیْهِ الْجَوَابَ فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَی ابْنِ الْكَوَّاءِ وَ لَمْ یَعْرِفْهُ فَقَالَ لَهُ كَیْفَ كَانَ ذَلِكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- فَقَالَ لَهُ أَ وَ مَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ إِذْ یَقُولُ لِنَبِیِّكَ- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی (3) فَأَسْمَعَهُمْ كَلَامَهُ وَ رَدُّوا عَلَیْهِ الْجَوَابَ كَمَا تَسْمَعُ فِی قَوْلِ اللَّهِ یَا ابْنَ الْكَوَّاءِ قالُوا بَلی فَقَالَ إِنِّی أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَ أَنَا الرَّحْمَنُ فَأَقَرُّوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَ الرُّبُوبِیَّةِ وَ مَیَّزَ الرُّسُلَ وَ الْأَنْبِیَاءَ وَ الْأَوْصِیَاءَ وَ أَمَرَ الْخَلْقَ بِطَاعَتِهِمْ فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ فِی الْمِیثَاقِ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ شَهِدْنَا عَلَیْكُمْ یَا بَنِی آدَمَ أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا

ص: 101


1- 1. الكافی ج 2 ص 12.
2- 2. قال الفیض رحمه اللّٰه فی تفسیر الآیة: ان اللّٰه نصب لهم دلائل ربوبیته، و ركب فی عقولهم ما یدعوهم الی الإقرار بها، حتی صاروا بمنزلة الاشهاد علی طریقة التمثیل، نظیر ذلك قوله عزّ و جلّ:« إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ» و قوله جل و علا« فقال لها و للأرض ائتیا قالتا أتینا طائعین» و معلوم أنّه لا قول ثمة، و انما هو تمثیل و تصویر للمعنی. و ذلك حین كانت أنفسهم فی أصلاب آبائهم العقلیّة، و معادنهم الاصلیة. یعنی شاهدهم و هم دقائق فی تلك الحقائق، و عبر عن تلك الآباء بالظهور، لان كل واحد منهم ظهر أو مظهر لطائفة من النفوس أو ظاهر عنده لكونه صورة عقلیة نوریة ظاهرة بذاتها.
3- 3. الأعراف: 171.

غافِلِینَ (1).

«19»- شی، [تفسیر العیاشی] عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَخْبِرْنِی عَنِ الذَّرِّ حَیْثُ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی وَ اللَّهِ وَ أَسَرَّ بَعْضُهُمْ خِلَافَ مَا أَظْهَرَ كَیْفَ عَلِمُوا الْقَوْلَ حَیْثُ قِیلَ لَهُمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِیهِمْ مَا إِذَا سَأَلَهُمْ أَجَابُوهُ (2).

«20»- شی، [تفسیر العیاشی] عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فِی قَوْلِ اللَّهِ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی قُلْتُ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ قَالَ نَعَمْ وَ قَالُوا بِقُلُوبِهِمْ قُلْتُ وَ أَیُّ شَیْ ءٍ كَانُوا یَوْمَئِذٍ قَالَ صَنَعَ فِیهِمْ مَا اكْتَفَی بِهِ (3).

«21»- أَقُولُ وَجَدْتُ فِی بَعْضِ الْكُتُبِ مَرْوِیّاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِیِّ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِیرٍ عَنْ أَبِیهِ سَدِیرٍ الصَّیْرَفِیِّ عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ اللَّیْثِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِلْإِمَامِ الْبَاقِرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ علیهما السلام یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِی عَنِ الْمُؤْمِنِ مِنْ شِیعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِذَا بَلَغَ وَ كَمُلَ فِی الْمَعْرِفَةِ هَلْ یَزْنِی قَالَ علیه السلام لَا قُلْتُ فَیَلُوطُ قَالَ لَا قُلْتُ فَیَسْرِقُ قَالَ لَا قُلْتُ فَیَشْرَبُ خَمْراً قَالَ لَا قُلْتُ فَیُذْنِبُ ذَنْباً قَالَ لَا قَالَ الرَّاوِی فَتَحَیَّرْتُ مِنْ ذَلِكَ وَ كَثُرَ تَعَجُّبِی مِنْهُ قُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّی أَجِدُ مِنْ شِیعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ مِنْ مَوَالِیكُمْ مَنْ یَشْرَبُ الْخَمْرَ وَ یَأْكُلُ الرِّبَا وَ یَزْنِی وَ یَلُوطُ وَ یَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ أَبْوَابِ الْبِرِّ حَتَّی إِنَّ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ یَأْتِیهِ

فِی حَاجَةٍ یَسِیرَةٍ فَلَا یَقْضِیهَا لَهُ فَكَیْفَ هَذَا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ هَذَا قَالَ فَتَبَسَّمَ الْإِمَامُ علیه السلام وَ قَالَ یَا أَبَا إِسْحَاقَ هَلْ عِنْدَكَ شَیْ ءٌ غَیْرُ مَا ذَكَرْتَ قُلْتُ نَعَمْ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ إِنِّی أَجِدُ النَّاصِبَ الَّذِی لَا أَشُكُّ فِی كُفْرِهِ یَتَوَرَّعُ عَنْ هَذِهِ

ص: 102


1- 1. تفسیر العیّاشیّ ج 2 ص 41.
2- 2. تفسیر العیّاشیّ ج 2 ص 42.
3- 3. تفسیر العیّاشیّ ج 2 ص 40.

الْأَشْیَاءِ لَا یَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَ لَا یَسْتَحِلُّ دِرْهَماً لِمُسْلِمٍ وَ لَا یَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّیَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ یَقُومُ بِحَوَائِجِ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُسْلِمِینَ لِلَّهِ وَ فِی اللَّهِ تَعَالَی فَكَیْفَ هَذَا وَ لِمَ هَذَا فَقَالَ علیه السلام یَا إِبْرَاهِیمُ لِهَذَا أَمْرٌ بَاطِنٌ وَ هُوَ سِرٌّ مَكْنُونٌ وَ بَابٌ مُغْلَقٌ مَخْزُونٌ وَ قَدْ خَفِیَ عَلَیْكَ وَ عَلَی كَثِیرٍ مِنْ أَمْثَالِكَ وَ أَصْحَابِكَ وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یُؤْذِنْ أَنْ یَخْرُجَ سِرُّهُ وَ غَیْبُهُ إِلَّا إِلَی مَنْ یَحْتَمِلُهُ وَ هُوَ أَهْلُهُ قُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّی وَ اللَّهِ لَمُحْتَمِلٌ مِنْ أَسْرَارِكُمْ وَ لَسْتُ بِمُعَانِدٍ وَ لَا بِنَاصِبٍ فَقَالَ علیه السلام یَا إِبْرَاهِیمُ نَعَمْ أَنْتَ كَذَلِكَ وَ لَكِنْ عِلْمُنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا یَحْتَمِلُهُ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِیٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِیمَانِ وَ إِنَّ التَّقِیَّةَ مِنْ دِینِنَا وَ دِیْنِ آبَائِنَا وَ مَنْ لَا تَقِیَّةَ لَهُ فَلَا دِینَ لَهُ یَا إِبْرَاهِیمُ لَوْ قُلْتُ إِنَّ تَارِكَ التَّقِیَّةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ لَكُنْتُ صَادِقاً یَا إِبْرَاهِیمُ إِنَّ مِنْ حَدِیثِنَا وَ سِرِّنَا وَ بَاطِنِ عِلْمِنَا مَا لَا یَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِیٌّ مُرْسَلٌ وَ لَا مُؤْمِنٌ مُمْتَحَنٌ قُلْتُ یَا سَیِّدِی وَ مَوْلَایَ فَمَنْ یَحْتَمِلُهُ إِذاً قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَ شِئْنَا أَلَا مَنْ أَذَاعَ سِرَّنَا إِلَّا إِلَی أَهْلِهِ فَلَیْسَ مِنَّا ثَلَاثاً أَلَا مَنْ أَذَاعَ سِرَّنَا أَذَاقَهُ اللَّهُ حَرَّ الْحَدِیدِ ثُمَّ قَالَ یَا إِبْرَاهِیمُ خُذْ مَا سَأَلْتَنِی عِلْماً بَاطِناً مَخْزُوناً فِی عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَی الَّذِی حَبَا اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ بِهِ رَسُولَهُ صلی اللّٰه علیه و آله وَ حَبَا بِهِ رَسُولَهُ وَصِیَّهُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام ثُمَّ قَرَأَ علیه السلام هَذِهِ الْآیَةَ عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ (1) وَیْحَكَ یَا إِبْرَاهِیمُ إِنَّكَ قَدْ سَأَلْتَنِی عَنِ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ شِیعَةِ مَوْلَانَا أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام َلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ عَنْ زُهَّادِ النَّاصِبَةِ وَ عُبَّادِهِمْ مِنْ هَاهُنَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ قَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً(2) وَ مِنْ هَاهُنَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ عامِلَةٌ

ص: 103


1- 1. الجن: 27 و 28.
2- 2. الفرقان: 21.

ناصِبَةٌ تَصْلی ناراً حامِیَةً تُسْقی مِنْ عَیْنٍ آنِیَةٍ(1) وَ هَذَا النَّاصِبُ قَدْ جُبِلَ عَلَی بُغْضِنَا وَ رَدِّ فَضْلِنَا وَ یُبْطِلُ خِلَافَةَ أَبِینَا أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام وَ یُثْبِتُ خِلَافَةَ مُعَاوِیَةَ وَ بَنِی أُمَیَّةَ وَ یَزْعُمُ أَنَّهُمْ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ وَ یَزْعُمُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَیْهِمْ وَجَبَ عَلَیْهِ الْقَتْلُ وَ یَرْوِی فِی ذَلِكَ كَذِباً وَ زُوراً وَ یَرْوِی أَنَّ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ خَلْفَ مَنْ غَلَبَ وَ إِنْ كَانَ خَارِجِیّاً ظَالِماً وَ یَرْوِی أَنَّ الْإِمَامَ الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا كَانَ خَارِجِیّاً خَرَجَ عَلَی یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ وَ یَزْعُمُ أَنَّهُ یَجِبُ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ یَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَی السُّلْطَانِ وَ إِنْ كَانَ ظَالِماً یَا إِبْرَاهِیمُ هَذَا كُلُّهُ رَدٌّ عَلَی اللَّهِ تَعَالَی وَ عَلَی رَسُولِهِ صلی اللّٰه علیه و آله سُبْحَانَ اللَّهِ قَدِ افْتَرَوْا عَلَی اللَّهِ الْكَذِبَ وَ تَقَوَّلُوا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْبَاطِلَ وَ خَالَفُوا اللَّهَ وَ خَالَفُوا رَسُولَهُ وَ خُلَفَاءَهُ یَا إِبْرَاهِیمُ لَأَشْرَحَنَّ لَكَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِی لَا

یَسْتَطِیعُونَ لَهُ إِنْكَاراً وَ لَا مِنْهُ فِرَاراً وَ مَنْ رَدَّ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَقُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِی سَأَلْتُكَ فِی كِتَابِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ هَذَا الَّذِی سَأَلْتَنِی فِی أَمْرِ شِیعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ أَمْرِ عَدُوِّهِ النَّاصِبِ فِی كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا بِعَیْنِهِ قَالَ نَعَمْ هَذَا بِعَیْنِهِ فِی كِتَابِ اللَّهِ الَّذِی لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَكِیمٍ حَمِیدٍ یَا إِبْرَاهِیمُ اقْرَأْ هَذِهِ الْآیَةَ- الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2) أَ تَدْرِی مَا هَذِهِ الْأَرْضُ قُلْتُ لَا قَالَ علیه السلام اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ أَرْضاً طَیِّبَةً طَاهِرَةً وَ فَجَّرَ فِیهَا مَاءً عَذْباً زُلَالًا فُرَاتاً سَائِغاً فَعَرَضَ عَلَیْهَا وَلَایَتَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَقَبِلَتْهَا فَأَجْرَی عَلَیْهَا ذَلِكَ الْمَاءَ سَبْعَةَ أَیَّامٍ ثُمَّ نَضَبَ عَنْهَا ذَلِكَ الْمَاءُ بَعْدَ السَّابِعِ فَأَخَذَ مِنْ صَفْوَةِ ذَلِكَ الطِّینِ طِیناً فَجَعَلَهُ طِینَ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام ثُمَّ أَخَذَ جَلَّ جَلَالُهُ ثُفْلَ

ص: 104


1- 1. الغاشیة: 4.
2- 2. النجم: 32.

ذَلِكَ الطِّینِ فَخَلَقَ مِنْهُ شِیعَتَنَا وَ محبونا [مُحِبِّینَا] مِنْ فَضْلِ طِینَتِنَا فَلَوْ تَرَكَ یَا إِبْرَاهِیمُ طِینَتَكُمْ كَمَا تَرَكَ طِینَتَنَا لَكُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ نَحْنُ سَوَاءً قُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا صَنَعَ بِطِینَتِنَا قَالَ مَزَجَ طِینَتَكُمْ وَ لَمْ یَمْزُجْ طِینَتَنَا قُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ بِمَا ذَا مَزَجَ طِینَتَنَا قَالَ علیه السلام خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَیْضاً أَرْضاً سَبِخَةً خَبِیثَةً مُنْتِنَةً وَ فَجَّرَ فِیهَا مَاءً أُجَاجاً مَالِحاً آسِناً ثُمَّ عَرَضَ عَلَیْهَا جَلَّتْ عَظَمَتُهُ وَلَایَةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام فَلَمْ تَقْبَلْهَا وَ أَجْرَی ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَیْهَا سَبْعَةَ أَیَّامٍ ثُمَّ نَضَبَ ذَلِكَ الْمَاءُ عَنْهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ كُدُورَةِ ذَلِكَ الطِّینِ الْمُنْتِنِ الْخَبِیثِ وَ خَلَقَ مِنْهُ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ وَ الطُّغَاةَ وَ الْفَجَرَةَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَی بَقِیَّةِ ذَلِكَ الطِّینِ فَمَزَجَ بِطِینَتِكُمْ وَ لَوْ تَرَكَ طِینَتَهُمْ عَلَی حَالِهِ وَ لَمْ یَمْزُجْ بِطِینَتِكُمْ مَا عَمِلُوا أَبَداً عَمَلًا صَالِحاً وَ لَا أَدَّوْا أَمَانَةً إِلَی أَحَدٍ وَ لَا شَهِدُوا الشَّهَادَتَیْنِ وَ لَا صَامُوا وَ لَا صَلَّوْا وَ لَا زَكَّوْا وَ لَا حَجُّوا وَ لَا أَشْبَهُوكُمْ فِی الصُّوَرِ أَیْضاً یَا إِبْرَاهِیمُ لَیْسَ شَیْ ءٌ أَعْظَمُ عَلَی الْمُؤْمِنِ أَنْ یَرَی صُورَةً حَسَنَةً فِی عَدُوٍّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الْمُؤْمِنُ لَا یَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ مِنْ طِینِ الْمُؤْمِنِ وَ مِزَاجِهِ یَا إِبْرَاهِیمُ ثُمَّ مُزِجَ الطِّینَتَانِ بِالْمَاءِ الْأَوَّلِ وَ الْمَاءِ الثَّانِی فَمَا تَرَاهُ مِنْ شِیعَتِنَا مِنْ رِبًا وَ زِنًا وَ لِوَاطَةٍ وَ خِیَانَةٍ وَ شُرْبِ خَمْرٍ وَ تَرْكِ صَلَاةٍ وَ صِیَامٍ وَ زَكَاةٍ وَ حَجٍّ وَ جِهَادٍ فَهِیَ كُلُّهَا مِنْ عَدُوِّنَا النَّاصِبِ وَ سِنْخِهِ وَ مِزَاجِهِ الَّذِی مُزِجَ بِطِینَتِهِ وَ مَا رَأَیْتَهُ فِی هَذَا الْعَدُوِّ النَّاصِبِ مِنَ الزُّهْدِ وَ الْعِبَادَةِ وَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَی الصَّلَاةِ وَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَ الْخَیْرِ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ طِینِ الْمُؤْمِنِ وَ سِنْخِهِ وَ مِزَاجِهِ فَإِذَا عُرِضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ وَ أَعْمَالُ النَّاصِبِ عَلَی اللَّهِ یَقُولُ جَلَّ وَ عَزَّ أَنَا عَدْلٌ لَا أَجُورُ وَ مُنْصِفٌ لَا أَظْلِمُ وَ عِزَّتِی وَ جَلَالِی وَ ارْتِفَاعِ مَكَانِی مَا أَظْلِمُ مُؤْمِناً بِذَنْبٍ مُرْتَكَبٍ مِنْ سِنْخِ النَّاصِبِ وَ طِینِهِ وَ مِزَاجِهِ هَذِهِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ كُلُّهَا مِنْ طِینِ الْمُؤْمِنِ وَ مِزَاجِهِ وَ الْأَعْمَالُ الرَّدِیَّةُ

ص: 105

الَّتِی كَانَتْ مِنَ الْمُؤْمِنِ مِنْ طِینِ الْعَدُوِّ النَّاصِبِ وَ یُلْزِمُ اللَّهُ تَعَالَی كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا هُوَ مِنْ أَصْلِهِ وَ جَوْهَرِهِ وَ طِینَتِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ أَ فَتَرَی هَاهُنَا ظُلْماً وَ جَوْراً وَ عُدْوَاناً ثُمَّ قَرَأَ علیه السلام مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (1): یَا إِبْرَاهِیمُ إِنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ فَبَدَا شُعَاعُهَا فِی الْبُلْدَانِ كُلِّهَا أَ هُوَ بَائِنٌ مِنَ الْقُرْصَةِ أَمْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا شُعَاعُهَا تَبْلُغُ فِی الدُّنْیَا فِی الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ حَتَّی إِذَا غَابَتْ یَعُودُ الشُّعَاعُ وَ یَرْجِعُ إِلَیْهَا أَ لَیْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قُلْتُ بَلَی یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَكَذَلِكَ یَرْجِعُ كُلُّ شَیْ ءٍ إِلَی أَصْلِهِ وَ جَوْهَرِهِ وَ عُنْصُرِهِ فَإِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ یَنْزِعُ اللَّهُ تَعَالَی مِنَ الْعَدُوِّ النَّاصِبِ سِنْخَ الْمُؤْمِنِ وَ مِزَاجَهُ وَ طِینَتَهُ وَ جَوْهَرَهُ وَ عُنْصُرَهُ مَعَ جَمِیعِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ وَ یَرُدُّهُ إِلَی الْمُؤْمِنِ وَ یَنْزِعُ اللَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِ سِنْخَ النَّاصِبِ وَ مِزَاجَهُ وَ طِینَتَهُ وَ جَوْهَرَهُ وَ عُنْصُرَهُ مَعَ جَمِیعِ أَعْمَالِهِ السَّیِّئَةِ الرَّدِیَّةِ وَ یَرُدُّهُ إِلَی النَّاصِبِ عَدْلًا مِنْهُ جَلَّ جَلَالُهُ وَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَ یَقُولُ لِلنَّاصِبِ لَا ظُلْمَ عَلَیْكَ هَذِهِ الْأَعْمَالُ الْخَبِیثَةُ مِنْ طِینَتِكَ وَ مِزَاجِكَ وَ أَنْتَ أَوْلَی بِهَا وَ هَذِهِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ مِنْ طِینَةِ الْمُؤْمِنِ وَ مِزَاجِهِ وَ هُوَ أَوْلَی بِهَا الْیَوْمَ تُجْزی كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْیَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ (2) أَ فَتَرَی هَاهُنَا ظُلْماً وَ جَوْراً قُلْتُ لَا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بَلْ أَرَی حِكْمَةً بَالِغَةً فَاضِلَةً وَ عَدْلًا بَیِّناً وَاضِحاً ثُمَّ قَالَ علیه السلام أَزِیدُكَ بَیَاناً فِی هَذَا الْمَعْنَی مِنَ الْقُرْآنِ قُلْتُ بَلَی یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أَ لَیْسَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ- الْخَبِیثاتُ لِلْخَبِیثِینَ وَ الْخَبِیثُونَ لِلْخَبِیثاتِ وَ الطَّیِّباتُ لِلطَّیِّبِینَ وَ الطَّیِّبُونَ لِلطَّیِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا یَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ (3) وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَ وَ الَّذِینَ كَفَرُوا إِلی جَهَنَّمَ یُحْشَرُونَ لِیَمِیزَ اللَّهُ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ وَ یَجْعَلَ الْخَبِیثَ بَعْضَهُ عَلی بَعْضٍ

ص: 106


1- 1. یوسف: 79.
2- 2. المؤمن: 17.
3- 3. النور: 24.

فَیَرْكُمَهُ جَمِیعاً فَیَجْعَلَهُ فِی جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (1) فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِیمِ وَ مَا أَوْضَحَ ذَلِكَ لِمَنْ فَهِمَهُ وَ مَا أَعْمَی قُلُوبَ هَذَا الْخَلْقِ الْمَنْكُوسِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ فَقَالَ علیه السلام یَا إِبْرَاهِیمُ مِنْ هَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی- إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلًا(2) مَا رَضِیَ اللَّهُ تَعَالَی أَنْ یُشَبِّهَهُمْ بِالْحَمِیرِ وَ الْبَقَرِ وَ الْكِلَابِ وَ الدَّوَابِّ حَتَّی زَادَهُمْ فَقَالَ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلًا یَا إِبْرَاهِیمُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِی أَعْدَائِنَا النَّاصِبَةِ- وَ قَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً(3) وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً(4) وَ قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلی شَیْ ءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (5) وَ قَالَ جَلَّ وَ عَزَّ وَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِیعَةٍ یَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّی إِذا جاءَهُ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً(6) كَذَلِكَ النَّاصِبُ یَحْسَبُ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ نَافِعَةً حَتَّی إِذَا جَاءَهُ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ أَوْ كَظُلُماتٍ فِی بَحْرٍ لُجِّیٍّ یَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ یَدَهُ لَمْ یَكَدْ یَراها وَ مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ(7) ثُمَّ قَالَ علیه السلام یَا إِبْرَاهِیمُ أَزِیدُكَ فِی هَذَا الْمَعْنَی مِنَ الْقُرْآنِ قُلْتُ بَلَی یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ علیه السلام قَالَ اللَّهُ تَعَالَی یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً

ص: 107


1- 1. الأنفال: 37 و 38.
2- 2. الفرقان: 44.
3- 3. الفرقان: 21.
4- 4. الكهف: 105.
5- 5. المجادلة: 18.
6- 6. النور: 40.
7- 7. النور: 41.

رَحِیماً(1) یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئَاتِ شِیعَتِنَا حَسَنَاتٍ وَ حَسَنَاتِ أَعْدَائِنَا سَیِّئَاتٍ- یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ وَ یَحْكُمُ ما یُرِیدُ- لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ- لا یُسْئَلُ عَمَّا یَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ هَذَا یَا إِبْرَاهِیمُ مِنْ بَاطِنِ عِلْمِ اللَّهِ الْمَكْنُونِ وَ مِنْ سِرِّهِ الْمَخْزُونِ أَ لَا أَزِیدُكَ مِنْ هَذَا الْبَاطِنِ شَیْئاً فِی الصُّدُورِ قُلْتُ بَلَی یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ علیه السلام قالَ الَّذِینَ كَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِیلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطایاكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِینَ مِنْ خَطایاهُمْ مِنْ شَیْ ءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَ لَیَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَ لَیُسْئَلُنَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَمَّا كانُوا یَفْتَرُونَ (2) وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فالِقُ الْإِصْباحِ- فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَقَدْ أَخْبَرْتُكَ بِالْحَقِّ وَ أَنْبَأْتُكَ بِالصِّدْقِ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ وَ أَحْكَمُ.

بیان: قد مر هذا الخبر نقلا من العلل (3)

مع اختلاف ما و زیادة و نقص و هو من غوامض الأسرار.

و قال بعض المحققین فی شرحه جملة القول فی بیان السر فیه أنه قد تحقق و ثبت أن كلا من العوالم الثلاثة له مدخل فی خلق الإنسان و فی طینته و مادته من كل حظ و نصیب و لعل الأرض الطیبة كنایة عما له فی جملة طینته من آثار عالم الملكوت الذی منه الأرواح المثالیة و القوی الخیالیة الفلكیة المعبر عنهم بالمدبرات أمرا.

و الماء العذب عما له فی طینته من إفاضات عالم الجبروت الذی منه الجواهر القدسیة و الأرواح العالیة المجردة عن الصور المعبر عنهم بالسابقات سبعا.

و الأرض الخبیثة عما له فی طینته من أجزاء عالم الملك الذی منه الأبدان العنصریة المسخرة تحت الحركات الفلكیة المسخرة لما فوقها

ص: 108


1- 1. الفرقان: 71.
2- 2. العنكبوت: 12 و 13.
3- 3. راجع علل الشرائع ج 2: 293.

و الماء الأجاج المالح الآسن عما له فی طینته من تهیجات الأوهام الباطلة و الأهواء المموهة الردیة الحاصلة من تركیب الملك مع الملكوت مما لا أصل له و لا حقیقة.

ثم الصفوة من الطینة الطیبة عبارة عما غلب علیه إفاضة الجبروت من ذلك و الثفل منه ما غلب علیه أثر الملكوت منه و كدورة الطین المنتن الخبیث مما غلب علیه طبائع عالم الملك و ما یتبعه من الأهواء المضلة.

و إنما لم یذكر نصیب عالم الملك للأئمة علیهم السلام مع أن أبدانهم العنصریة منه لأنهم لم یتعلقوا بهذه الدنیا و لا بهذه الأجساد تعلق ركون و إخلاد فهم و إن كانوا فی النشأة الفانیة بأبدانهم العنصریة و لكنهم لیسوا من أهلها كما مضی بیانه.

قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام فِی حَدِیثِ حَفْصِ بْنِ غِیَاثٍ: یَا حَفْصُ مَا أَنْزَلْتُ الدُّنْیَا مِنْ نَفْسِی إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْمَیْتَةِ إِذَا اضْطُرِرْتُ إِلَیْهَا أَكَلْتُ مِنْهَا.

فلا جرم نفضوا أذیالهم منها بالكلیة إذا ارتحلوا عنها و لم یبق معهم منها كدورة و إنما لم یذكر نصیب الناصب و أئمة الكفر من إفاضة عالم الجبروت مع أن لهم منه حظ الشعور و الإدراك و غیر ذلك لعدم تعلقهم و لا ركونهم إلیه و لذا تراهم تشمئز نفوسهم من سماع العلم و الحكمة و یثقل علیهم فهم الأسرار و المعارف فلیس لهم من ذلك العالم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّیْهِ إِلَی الْماءِ لِیَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِینَ إِلَّا فِی ضَلالٍ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ فلا جرم ذهب عنهم نصیبهم من ذلك العالم حین أخلدوا إلی الأرض وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ فإذا جاء یوم الفصل و میز اللّٰه الخبیث من الطیب ارتقی من غلب علیه إفاضات عالم الجبروت إلی الجبروت و أعلی الجنان و التحق بالمقربین و من غلب علیه آثار الملكوت إلی الملكوت و مواصلة الحور و الولدان و التحق بأصحاب الیمین و بقی من غلب علیه الملك فی الحسرة و الثبور و الهوان و التعذیب بالنیران إذ فرق الموت بینه و بین محبوباته و مشتهیاته.

ص: 109

فالأشقیاء و إن انتقلوا إلی نشأة من جنس نشأة الملكوت خلقت بتبعیتها بالعرض إلا أنهم یحملون معهم من الدنیا من صور أعمالهم و أخلاقهم و عقائدهم مما لا یمكن انفكاكهم عنه مما یتأذون به و یعذبون بمجاورته من سَمُومٍ وَ حَمِیمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ یَحْمُومٍ و من حیات و عقارب و ذوات لدغ و سموم و من ذهب و فضة كنزوها فی دار الدنیا و لم ینفقوها فی سبیل اللّٰه و أشرب فی قلوبهم محبتها فَتُكْوی بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ و من آلهة یعبدونها من دون اللّٰه من حجر أو خشب أو حیوان أو غیرها مما یعتقدون فیه أنه ینفعهم و هو یضرهم إذ یقال إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ و بالجملة المرء مع من أحب فمحبوب الأشقیاء لما كان من متاع الدنیا الذی لا حقیقة له و لا أصل بل هو مَتاعُ الْغُرُورِ فإذا كان یوم القیامة و برزت و حواق الأمور كسد متاعهم و صار لا شیئا محضا فیتألمون بذلك و یتمنون الرجوع إلی الدنیا التی هی وطنهم المألوف لأنهم من أهلها لیسوا من أهل النشأة الباقیة لأنهم رَضُوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا وَ اطْمَأَنُّوا بِها فإذا فارقوها عذبوا بفراقها فی نار جهنم.

أعمالهم التی أحاطت بهم و جمیع المعاصی و الشهوات یرجع إلی متاع هذه النشأة الدنیاویة و محبتها فمن كان من أهلها عذب بمفارقتها لا محالة و من لیس من أهلها و إنما ابتلی بها و ارتكبها مع إیمان منه بقبحها و خوف من اللّٰه سبحانه فی إتیانها فلا جرم یندم علی ارتكابها إذا رجع إلی عقله و أناب إلی ربه فیصیر ندامته علیها و الاعتراف بها و ذل مقامه بین یدی ربه حیاء منه تعالی سببا لتنویر قلبه و هذا المعنی تبدیل سیئاتهم حسنات.

فالأشقیاء إنما عذبوا بما لم یفعلوا لحنینهم إلی ذلك و شهوتهم له و عقد ضمائرهم علی فعله دائما أن تیسر لهم لأنهم كانوا من أهله و من جنسه وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ و السعداء إنما لم یخلدوا فی العذاب و لم یشتد علیهم العقاب بما فعلوا من القبائح لأنهم ارتكبوا علی كره من عقولهم و خوف من ربهم لأنهم لم

ص: 110

یكونوا من أهلها و لا من جنسها بل أثیبوا بما لم یفعلوا من الخیرات لحنینهم إلیه و عزمهم علیه و عقد ضمائرهم علی فعله إن تیسر لهم.

فإنما الأعمال بالنیات و إنما لكل امرئ ما نوی و إنما ینوی كل ما ناسب طینته و یقتضیه جبلته كما قال اللّٰه سبحانه قُلْ كُلٌّ یَعْمَلُ عَلی شاكِلَتِهِ (1) و لهذا ورد فی الحدیث أن كلا من أهل الجنة و النار إنما یخلدون فیما یخلدون علی نیاتهم و إنما یعذب بعض السعداء حین خروجهم من الدنیا بسبب مفارقة ما مزج بطینتهم من طینة الأشقیاء مما أنسوا به قلیلا و ألفوه بسبب ابتلائهم به ما داموا فی الدنیا.

وَ رَوَی الشَّیْخُ الصَّدُوقُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی اعْتِقَادَاتِهِ مُرْسَلًا: أَنَّهُ لَا یُصِیبُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ التَّوْحِیدِ أَلَمٌ فِی النَّارِ إِذَا دَخَلُوهَا وَ إِنَّمَا یُصِیبُهُمْ آلَامٌ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَیَكُونُ تِلْكَ الْآلَامُ جَزَاءً بِمَا كَسَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَ مَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ انْتَهَی.

و أقول بناء هذه التأویلات علی أمور لیست مخالفتها لأصول متكلمی الإمامیة أقل من مخالفة ظواهر تلك الأخبار و قد تكلمنا فی أمثال هذه الروایات فی كتاب العدل و كان ترك الخوض فیها و فی أمثالها و رد علمها مع صحتها إلی من صدرت عنه أحوط و أولی كما قال مولانا أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه و قد سئل عن القدر طریق مظلم فلا تسلكوه و بحر عمیق فلا تلجوه و سر اللّٰه فلا تتكلفوه.

«22»- كا [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُذَیْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی (2) إِلَی آخِرِ الْآیَةِ فَقَالَ وَ أَبُوهُ یَسْمَعُ علیهما السلام حَدَّثَنِی أَبِی أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ التُّرْبَةِ الَّتِی خَلَقَ اللَّهُ

ص: 111


1- 1. أسری: 84.
2- 2. الأعراف: 171.

مِنْهَا آدَمَ علیه السلام فَصَبَّ عَلَیْهَا الْمَاءَ الْعَذْبَ الْفُرَاتَ ثُمَّ تَرَكَهَا أَرْبَعِینَ صَبَاحاً ثُمَّ صَبَّ عَلَیْهَا الْمَاءَ الْمَالِحَ الْأُجَاجَ فَتَرَكَهَا أَرْبَعِینَ صَبَاحاً فَلَمَّا اخْتَمَرَتِ الطِّینَةُ أَخَذَهَا فَعَرَكَهَا عَرْكاً شَدِیداً فَخَرَجُوا كَالذَّرِّ مِنْ یَمِینِهِ وَ شِمَالِهِ وَ أَمَرَهُمْ جَمِیعاً أَنْ یَقَعُوا فِی النَّارِ فَدَخَلَ أَصْحَابُ الْیَمِینِ فَصَارَتْ عَلَیْهِمْ بَرْداً وَ سَلَاماً وَ أَبَی أَصْحَابُ الشِّمَالِ أَنْ یَدْخُلُوهَا(1).

بیان: ظاهر الحدیث أن السؤال عن الباقر علیه السلام كان فی زمن أبیه علیه السلام و هو حاضر و فیه أنه لم یعهد إدراك زرارة علی بن الحسین علیه السلام فیحتمل أن یكون روی ذلك عن الرجل السائل و لم یكن زرارة حاضرا عند السؤال مع أنه یمكن إدراكه زمان السجاد علیه السلام و عدم روایته عنه و لذا لم یعد فی أصحابه.

و فی تفسیر العیاشی (2)

هكذا عن زرارة أن رجلا سأل أبا عبد اللّٰه علیه السلام إلی آخر الخبر و هو أصوب.

وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ قال البیضاوی أی أخرج من أصلابهم نسلا علی ما یتوالدون قرنا بعد قرن و مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بنی آدم بدل البعض و قرأ نافع و أبو عمرو و ابن عامر و یعقوب ذریاتهم وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ أی نصب لهم دلائل ربوبیته و ركب فی عقولهم ما یدعوهم إلی الإقرار بها حتی صاروا بمنزلة من قیل أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی فنزل تمكینهم من العلم بها و تمكنهم منه منزلة الإشهاد و الاعتراف علی طریقة التمثیل و یدل علیه قوله قالُوا بَلی شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ أی كراهة أن تقولوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ لم نتنبه علیه بدلیل أو تقولوا عطف علی أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فاقتدینا بهم لأن

ص: 112


1- 1. الكافی ج 2 ص 7.
2- 2. تفسیر العیّاشیّ ج 2 ص 39.

التقلید عند قیام الدلیل و التمكن من العلم به لا یصلح عذرا أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ یعنی آباءهم المبطلین بتأسیس الشرك و قیل لما خلق اللّٰه آدم أخرج من ذریته ذریة كالذر و أحیاهم و جعل لهم العقل و النطق و ألهمهم ذلك لحدیث رواه عمر(1)

انتهی.

و قال بعض المحققین لعل معنی إشهاد ذریة بنی آدم علی أنفسهم بالتوحید استنطاق حقائقهم بألسنة قابلیات جواهرها و ألسن استعدادات ذواتها و أن تصدیقهم به كان بلسان طباع الإمكان قبل نصب الدلائل لهم أو بعد نصب الدلائل أو أنه نزل تمكینهم من العلم و تمكنهم منه بمنزلة الإشهاد و الاعتراف علی طریقة التخیل نظیر ذلك قوله عز و جل إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْ ءٍ(2) إلخ و قوله عز و علا فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ (3) و معلوم أنه لا قول ثمة و إنما هو تمثیل و تصویر للمعنی و یحتمل أن یكون النطق باللسان الملكوتی الذی به یسبح كل شی ء بحمد ربه و ذلك لأنهم مفطورون علی التوحید.

قوله علیه السلام من تراب التربة هذا من قبیل إضافة الجزء إلی الكل قوله من یمینه و شماله الضمیران راجعان إلی الملك المأمور بهذا الأمر كجبرئیل أو العرش أو إلی التراب فاستعار الیمین للجهة التی فیها الیمن و البركة و الشمال للأخری أو الیمین لصفة الرحمانیة و الشمال لصفة القهاریة فالضمیران راجعان إلی اللّٰه تعالی كما فی الدعاء و الخیر فی یدیك أی كلما یصدر منك من خیر أو شر أو نفع أو ضر فهو خیر و مشتمل علی المصالح الجلیلة.

«23»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ

ص: 113


1- 1. راجع الدّر المنثور ج 3 ص 142، ففیه أحادیث متعدّدة عن رسول اللّٰه« ص» بأسانید مختلفة.
2- 2. النحل: 40.
3- 3. فصّلت: 11.

دَاوُدَ الْعِجْلِیِّ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی حَیْثُ خَلَقَ الْخَلْقَ خَلَقَ مَاءً عَذْباً وَ مَاءً مَالِحاً أُجَاجاً فَامْتَزَجَ الْمَاءَانِ فَأَخَذَ طِیناً مِنْ أَدِیمِ الْأَرْضِ فَعَرَكَهُ عَرْكاً شَدِیداً فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْیَمِینِ وَ هُمْ كَالذَّرِّ یَدِبُّونَ إِلَی الْجَنَّةِ بِسَلَامٍ وَ قَالَ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ إِلَی النَّارِ وَ لَا أُبَالِی ثُمَّ قَالَ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ ثُمَّ أَخَذَ الْمِیثَاقَ عَلَی النَّبِیِّینَ فَقَالَ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ وَ أَنَّ هَذَا مُحَمَّدٌ رَسُولِی وَ أَنَّ هَذَا عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ قَالُوا بَلَی فَثَبَتَتْ لَهُمُ النُّبُوَّةُ وَ أَخَذَ الْمِیثَاقَ عَلَی أُولِی الْعَزْمِ أَنَّنِی رَبُّكُمْ وَ مُحَمَّدٌ رَسُولِی وَ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَوْصِیَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ وُلَاةُ أَمْرِی وَ خُزَّانُ عِلْمِی وَ أَنَّ الْمَهْدِیَّ أَنْتَصِرُ بِهِ لِدِینِی وَ أُظْهِرُ بِهِ دَوْلَتِی وَ أَنْتَقِمُ بِهِ مِنْ أَعْدَائِی وَ أُعْبَدُ بِهِ طَوْعاً وَ كَرْهاً قَالُوا أَقْرَرْنَا یَا رَبِّ وَ شَهِدْنَا وَ لَمْ یَجْحَدْ آدَمُ وَ لَمْ یُقِرَّ فَثَبَتَتِ الْعَزِیمَةُ لِهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ فِی الْمَهْدِیِّ وَ لَمْ یَكُنْ لِآدَمَ عَزْمٌ عَلَی الْإِقْرَارِ بِهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلی آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِیَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً(1) قَالَ إِنَّمَا هُوَ فَتَرَكَ ثُمَّ أَمَرَ نَاراً فَأُجِّجَتْ فَقَالَ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ ادْخُلُوهَا فَهَابُوهَا وَ قَالَ لِأَصْحَابِ الْیَمِینِ ادْخُلُوهَا فَدَخَلُوهَا فَكَانَتْ عَلَیْهِمْ بَرْداً وَ سَلَاماً فَقَالَ أَصْحَابُ الشِّمَالِ یَا رَبِّ أَقِلْنَا فَقَالَ قَدْ أَقَلْتُكُمْ اذْهَبُوا فَادْخُلُوهَا فَهَابُوهَا فَثَمَّ ثَبَتَتِ الطَّاعَةُ وَ الْوَلَایَةُ وَ الْمَعْصِیَةُ(2).

توضیح: قوله علیه السلام فأخذ طینا أی مزجه بالماءین لیحصل فیه استعداد الخیر و الشر إلی الجنة أی امضوا إلیها سالمین من العذاب و النكال أو إلی ما یوجب الجنة سالمین من شبه الشیاطین و وساوسهم.

أن تقولوا كذا فی أكثر النسخ بصیغة الخطاب كما فی القراءات المشهورة

ص: 114


1- 1. طه: 115.
2- 2. الكافی ج 2 ص 8.

فیكون ذكر تتمة الآیة استطرادا و الأصوب هنا أن یقولوا بصیغة الغیبة موافقا لقراءة أبی عمرو فی الآیة قوله علیه السلام ثم أخذ لعل كلمة ثم هنا للتراخی الرتبی لا الزمانی لما بین المیثاقین من التفاوت و إلا فالظاهر تقدم أخذ المیثاق من النبیین علی غیرهم كما أن میثاق أولی العزم مقدم علی غیرهم أیضا و أرید بأولی العزم نوح و إبراهیم و موسی و عیسی و محمد صلوات اللّٰه علیهم و لا ینافی دخول الإقرار بنبوة نبینا صلی اللّٰه علیه و آله فیما عهد إلیهم دخوله فی المعهود إلیهم.

قیل و لما كانوا معهودین معلومین جاز أن یشار إلیهم بهؤلاء الخمسة مع عدم ذكرهم مفصلا و إنما زاد فی أخذ المیثاق علی من زاد فی رتبته و شرفه لأن التكلیف إنما یكون بقدر الفهم و الاستعداد فكلما زاد زاد و أنما یعرف مراتب الوجود من له حظ منها و بقدر حظه منها و أما آدم فلما لم یعزم علی الإقرار بالمهدی لم یعد من أولی العزم و إنما عزم علی الإقرار بغیره من الأوصیاء.

إنما هو فترك یعنی معنی فنسی هنا لیس إلا فترك و لعل السر فی عدم عزمه علیه السلام علی الإقرار بالمهدی استبعاده أن یكون لهذا النوع الإنسانی اتفاق علی أمر واحد انتهی.

و أقول الظاهر أن المراد بعدم العزم عدم الاهتمام به و بتذكره أو عدم التصدیق اللسانی حیث لم یكن شی ء من ذلك واجبا لا عدم التصدیق به مطلقا فإنه لا یناسب منصب النبوة بل و لا ما هو أدون منه و قوله إنما هو فترك أی معنی النسیان هنا الترك لأن النسیان غیر مجوز علی الأنبیاء علیهم السلام أو كان فی قراءتهم علیهم السلام فترك مكان فنسی أو المعنی أن العزم إنما هو ما ذكر أی العزم علی الإقرار المذكور فترك آدم علیه السلام أو كان المطلوب الإقرار التام و لم یأت به أو عزم أولا ثم ترك و الأول كأنه أظهر.

و فی القاموس الأجیج تلهب النار كالتأجج و أججتها تأجیجا فتأججت.

ص: 115

«24»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ حَبِیبٍ السِّجِسْتَانِیِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا أَخْرَجَ ذُرِّیَّةَ بَنِی آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ لِیَأْخُذَ عَلَیْهِمُ الْمِیثَاقَ بِالرُّبُوبِیَّةِ لَهُ وَ بِالنُّبُوَّةِ لِكُلِّ نَبِیٍّ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ لَهُ عَلَیْهِمُ الْمِیثَاقَ بِنُبُوَّتِهِ- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لآِدَمَ انْظُرْ مَا ذَا تَرَی قَالَ فَنَظَرَ آدَمُ علیه السلام إِلَی ذُرِّیَّتِهِ وَ هُمْ ذَرٌّ قَدْ مَلَئُوا السَّمَاءَ قَالَ آدَمُ علیه السلام یَا رَبِّ مَا أَكْثَرَ ذُرِّیَّتِی وَ لِأَمْرٍ مَا خَلَقْتَهُمْ فَمَا تُرِیدُ مِنْهُمْ بِأَخْذِكَ الْمِیثَاقَ عَلَیْهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ یَعْبُدُونَنِی وَ لا یُشْرِكُونَ بِی شَیْئاً وَ یُؤْمِنُونَ بِرُسُلِی وَ یَتَّبِعُونَهُمْ قَالَ آدَمُ یَا رَبِّ فَمَا لِی أَرَی بَعْضَ الذَّرِّ أَعْظَمَ مِنْ بَعْضٍ وَ بَعْضَهُمْ لَهُ نُورٌ كَثِیرٌ وَ بَعْضَهُمْ لَهُ نُورٌ قَلِیلٌ وَ بَعْضَهُمْ لَیْسَ لَهُ نُورٌ أَصْلًا فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ كَذَلِكَ خَلَقْتُهُمْ لِأَبْلُوَهُمْ فِی كُلِّ حَالاتِهِمْ قَالَ آدَمُ علیه السلام یَا رَبِّ فَتَأْذَنُ لِی فِی الْكَلَامِ فَأَتَكَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ تَكَلَّمْ فَإِنَّ رُوحَكَ مِنْ رُوحِی وَ طَبِیعَتَكَ خِلَافُ كَیْنُونَتِی قَالَ آدَمُ علیه السلام فَلَوْ كُنْتَ خَلَقْتَهُمْ عَلَی مِثَالٍ وَاحِدٍ وَ قَدْرٍ وَاحِدٍ وَ طَبِیعَةٍ وَاحِدَةٍ وَ جِبِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَ أَلْوَانٍ وَاحِدَةٍ وَ أَعْمَارٍ وَاحِدَةٍ وَ أَرْزَاقٍ سَوَاءٍ لَمْ یَبْغِ بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَ لَمْ یَكُ بَیْنَهُمْ تَحَاسُدٌ وَ لَا تَبَاغُضٌ وَ لَا اخْتِلَافٌ فِی شَیْ ءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَا آدَمُ بِرُوحِی نَطَقْتَ وَ بِضَعْفِ طَبِیعَتِكَ تَكَلَّمْتَ مَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ وَ أَنَا الْخَالِقُ الْعَلِیمُ بِعِلْمِی خَالَفْتُ بَیْنَ خَلْقِهِمْ وَ بِمَشِیَّتِی یَمْضِی فِیهِمْ أَمْرِی وَ إِلَی تَدْبِیرِی وَ تَقْدِیرِی صَائِرُونَ وَ لَا تَبْدِیلَ لِخَلْقِی إِنَّمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ لِیَعْبُدُونِی وَ خَلَقْتُ الْجَنَّةَ لِمَنْ عَبَدَنِی فَأَطَاعَنِی مِنْهُمْ وَ اتَّبَعَ رُسُلِی وَ لَا أُبَالِی وَ خَلَقْتُ النَّارَ لِمَنْ كَفَرَ بِی وَ عَصَانِی وَ لَمْ یَتَّبِعْ رُسُلِی وَ لَا أُبَالِی وَ خَلَقْتُكَ وَ خَلَقْتُ ذُرِّیَّتَكَ مِنْ غَیْرِ فَاقَةٍ بِی إِلَیْكَ وَ إِلَیْهِمْ وَ إِنَّمَا خَلَقْتُكَ وَ خَلَقْتُهُمْ لِأَبْلُوَكَ وَ أَبْلُوَهُمْ أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فِی دَارِ الدُّنْیَا فِی حَیَاتِكُمْ وَ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ-

ص: 116

فَلِذَلِكَ خَلَقْتُ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةَ وَ الْحَیَاةَ وَ الْمَوْتَ وَ الطَّاعَةَ وَ الْمَعْصِیَةَ وَ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ وَ كَذَلِكَ أَرَدْتُ فِی تَقْدِیرِی وَ تَدْبِیرِی وَ بِعِلْمِیَ النَّافِذِ فِیهِمْ خَالَفْتُ بَیْنَ صُوَرِهِمْ وَ أَجْسَامِهِمْ وَ أَلْوَانِهِمْ وَ أَعْمَارِهِمْ وَ أَرْزَاقِهِمْ وَ طَاعَتِهِمْ وَ مَعْصِیَتِهِمْ فَجَعَلْتُ مِنْهُمُ الشَّقِیَّ وَ السَّعِیدَ وَ الْبَصِیرَ وَ الْأَعْمَی وَ الْقَصِیرَ وَ الطَّوِیلَ وَ الْجَمِیلَ وَ الدَّمِیمَ وَ الْعَالِمَ وَ الْجَاهِلَ وَ الْغَنِیَّ وَ الْفَقِیرَ وَ الْمُطِیعَ وَ الْعَاصِیَ وَ الصَّحِیحَ وَ السَّقِیمَ وَ مَنْ بِهِ الزَّمَانَةُ وَ مَنْ لَا عَاهَةَ بِهِ فَیَنْظُرُ الصَّحِیحُ إِلَی الَّذِی بِهِ الْعَاهَةُ فَیَحْمَدُنِی عَلَی عَافِیَتِهِ وَ یَنْظُرُ الَّذِی بِهِ الْعَاهَةُ إِلَی الصَّحِیحِ فَیَدْعُونِی وَ یَسْأَلُنِی أَنْ أُعَافِیَهُ وَ یَصْبِرُ عَلَی بَلَائِی فَأُثِیبُهُ جَزِیلَ عَطَائِی وَ یَنْظُرُ الْغَنِیُّ إِلَی الْفَقِیرِ فَیَحْمَدُنِی وَ یَشْكُرُنِی وَ یَنْظُرُ الْفَقِیرُ إِلَی الْغَنِیِّ فَیَدْعُونِی وَ یَسْأَلُنِی وَ یَنْظُرُ الْمُؤْمِنُ إِلَی الْكَافِرِ فَیَحْمَدُنِی عَلَی مَا هَدَیْتُهُ فَلِذَلِكَ (1)

خَلَقْتُهُمْ

لِأَبْلُوَهُمْ فِی السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ فِیمَا أُعَافِیهِمْ وَ فِیمَا أَبْتَلِیهِمْ وَ فِیمَا أُعْطِیهِمْ وَ فِیمَا أَمْنَعُهُمْ وَ أَنَا اللَّهُ الْمَلِكُ الْقَادِرُ وَ لِی أَنْ أَمْضِیَ جَمِیعَ مَا قَدَّرْتُ عَلَی مَا دَبَّرْتُ وَ لِی أَنْ أُغَیِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا شِئْتُ إِلَی مَا شِئْتُ وَ أُقَدِّمَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخَّرْتُ وَ أُؤَخِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْتُ وَ أَنَا اللَّهُ الْفَعَّالُ لِمَا أُرِیدُ لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَ أَنَا أَسْأَلُ خَلْقِی عَمَّا هُمْ فَاعِلُونَ (2).

تبیین: قوله فكان و ثم قال و فنظر الكل معطوف علی أخرج و قوله قال آدم جواب لما و لأمر ما أی لأمر عظیم قوله یَعْبُدُونَنِی أی أرید منهم أن یعبدونی قوله لا یُشْرِكُونَ بِی شَیْئاً حال أو استئناف بیانی قوله و كذلك خلقتهم فی بعض النسخ لذلك أی لأجل الاختلاف كما قال سبحانه وَ لا یَزالُونَ مُخْتَلِفِینَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ (3) علی بعض التفاسیر أو لأن یعبدونی و لا یشركوا بی شیئا.

ص: 117


1- 1. فكذلك ظ، و زان قوله فیما سبق و كذلك خلقتهم، و كذلك أردت فی تقدیری.
2- 2. الكافی ج 2 ص 8- 10.
3- 3. هود: 118.

من روحی أی من روح اصطفیته و اخترته أو من عالم المجردات بناء علی تجرد النفس قیل الروح الأول النفس و الثانی جبرئیل و لا یخفی ما فیه.

و طبیعتك أی خلقتك الجسمانیة البدنیة أو صفاتها التابعة لها خلاف كینونتی أی وجودی فإنها من عالم المادیات و لا تناسب عالم المجردات و الخطاء و الوهم ناش منها.

و قیل الكینونة هنا مصدر كان الناقصة و الإضافة أیضا للتشریف أی صفاتك البدنیة مخالفة للآداب المرضیة لی ككونك صابرا و قانعا و راضیا بقضائه تعالی و الجبلة بكسر الجیم و الباء و تشدید اللام الخلقة قوله و بضعف طبیعتك تكلفت ما لا علم لك به فی بعض النسخ و بضعف قوتك تكلمت.

و الحاصل أن حكمك بأنهم إذا كانوا علی صفات واحدة كان أقرب إلی الحكمة و الصواب أنما نشأ من الأوهام التابعة للقوی البدنیة فإنهم لو كانوا كذلك لم یتیسر التكلیف المعرض لهم لأرفع الدرجات و لم یبق نظام النوع و لم یرتكبوا الصناعات الشاقة التی بها بقاء نوعهم إلی غیر ذلك من الحكم و المصالح.

بعلمی خالفت بین خلقهم إذ علمت أن فی مخالفة خلقتهم صلاحهم و بقاء نوعهم و بمشیتی أی إرادتی التابعة لحكمتی یمضی فیهم أمری أی الأمر التكوینی أو التكلیفی أو الأعم لا تبدیل لخلقی أی لتقدیری أو لما قررت فیهم من القابلیات و الاستعدادات و قیل أی من حسنت أحواله فی ذلك الوقت حسنت أحواله فی الدنیا و من حسنت أحواله فی الدنیا حسنت أحواله فی الآخرة و من قبحت أحواله فی ذلك الوقت قبحت أحواله فی الموطنین الآخرین لا یتبدل هؤلاء إلی هؤلاء و لا هؤلاء إلی هؤلاء.

أقول: قد مر و سیأتی الكلام فی تفسیر قوله تعالی لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ (1) و كان هذا إشارة إلیه و إنما خلقت الجن و الإنس لیعبدونی إشارة إلی قوله

ص: 118


1- 1. الروم: 30.

تعالی وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ (1) و أورد علی ظاهر الآیة أن بعض الجن و الإنس لا یعبدون أصلا إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك و عدم ترتب العلة الغائیة علی فعل الحكیم ممتنع و أجیب بوجوه أربعة.

الأول أنه أراد سبحانه بالجن و الإنس اللذین بلغوا حد التكلیف قبل الممات و التعلیل المفهوم من اللام أعم من العلة الغائیة

كَمَا رَوَی الصَّدُوقُ فِی التَّوْحِیدِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَی قَوْلِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُیَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ (2)

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ لِیَعْبُدُوهُ وَ لَمْ یَخْلُقْهُمْ لِیَعْصُوهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ فَیَسَّرَ كُلًّا لِمَا خُلِقَ لَهُ فَالْوَیْلُ لِمَنِ اسْتَحَبَّ الْعَمَی عَلَی الْهُدَی.

الثانی أنه إن سلمنا أن المراد بالجن و الإنس ما هو أعم من المكلفین و أن اللام للعلیة الغائیة لا نسلم العموم فی ضمیر الجمع فی قوله لیعبدون إذ لعل المراد عبادة بعض الجن و الإنس.

الثالث إن سلمنا عموم ضمیر یعبدون أیضا فلا نسلم رجوع الضمیر إلی الجن و الإنس إذ یمكن عوده إلی المؤمنین المذكورین قبل هذه الآیة فی قوله تعالی وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْری تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ فتدل علی أن خلق غیر المؤمنین لأجل المؤمنین كما یومئ إلیه قوله تعالی فی هذا الخبر و ینظر المؤمن إلی الكافر فیحمدنی فلذلك خلقتهم إلخ.

الرابع لو سلمنا جمیع ذلك نقول ترتب الغایة علی فعل الحكیم و وجوبه

ص: 119


1- 1. الذاریات: 56.
2- 2. قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ما منكم من أحد الا و قد كتب مقعده من النار و مقعده من الجنة قالوا یا رسول اللّٰه أ فلا نتكل علی كتابنا و ندع العمل، قال اعملوا فكل میسر لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فسییسر لعمل السعادة، و أمّا من كان من أهل الشقاوة فسییسر لعمل الشقاوة، متفق علیه، كما فی مشكاة المصابیح ص 20.

أنما هو فیما هو غایة بالذات و الغایة بالذات هنا إنما هی التكلیف بالعبادة و العبادة غایة بالعرض و التكلیف شامل لجمیع أفراد الجن و الإنس للروایات الدالة علی أن الأطفال و المجانین یكلفون فی القیامة كما سیأتی فی كتاب الجنائز.

قوله و قبل مماتكم كأن تخصیص قبل الممات بالذكر و إن كان داخلا فی الحیاة للتنبیه علی أن المدار علی العاقبة فی السعادة و الشقاوة لأبلوك و أبلوهم أی لأعاملك و إیاهم معاملة المختبر أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا مفعول ثان للبلوی بتضمین معنی العلم.

قوله و الطاعة و المعصیة إسناد خلقهما إلیه سبحانه إسناد إلی العلة البعیدة أو المراد به جعل المعصیة معصیة و الطاعة طاعة أو المراد بالخلق التقدیر علی عموم المجاز أو الاشتراك و ظاهره أن الجنة و النار مخلوقتان كما هو مذهب أكثر الإمامیة بل كلهم و أكثر العامة و قد مر الكلام فیه فی كتاب المعاد.

و بعلمی النافذ فیهم أی المتعلق بكنه ذواتهم و صفاتهم و أعمالهم كأنه نفذ فی أعماقهم أو الجاری أثره فیهم فجعلت منهم الشقی و السعید أی من كنت أعلم عند خلقه أنه یصیر شقیا أو المادة القابلة للشقاوة و إن لم یكن مجبورا علیها و كذا السعید و البصیر أی بصرا أو بصیرة و كذا الأعمی.

و الذمیم فی أكثر النسخ بالذال المعجمة أی المذموم الخلقة فی القاموس ذمه ذما و مذمة فهو مذموم و ذمیم و بئر ذمیم و ذمیمة قلیلة الماء و غزیرة ضد و به ذمیمة أی زمانة تمنعه الخروج و كأمیر بثر یعلو الوجوه من حر أو جرب (1) و فی بعض النسخ بالدال المهملة فی القاموس (2) و الدمة بالكسر الرجل القصیر الحقیر و أدم أقبح أو ولد له ولد قبیح دمیم و قال الزمانة العاهة و قوله لأبلوهم بدل لقوله لذلك خلقتهم قوله و لی أن أغیر إشارة إلی أن

ص: 120


1- 1. القاموس ج 4 ص 115 و 116.
2- 2. القاموس: ج 4 ص 113.

الطینات المختلفة و الخلق منها و تقدیر الأمور المذكورة فیهم لیس مما ینفی اختیار الخیر و الشر أو من الأمور الحتمیة التی لا تقبل البداء.

لا أسأل عما أفعل إنما لا یسأل لأنه سبحانه الكامل بالذات العادل فی كل ما أراد العالم بالحكم و المصالح الخفیة التی لا تصل إلیها عقول الخلق بخلاف غیره فإنهم مسئولون عن أعمالهم و أحوالهم لأن فیها الحسن و القبیح و الإیمان و الكفر لا بالمعنی الذی تذهب إلیه الأشاعرة أنه یجوز أن یدخل الأنبیاء علیهم السلام النار و الكفار الجنة و لا یجب علیه شی ء.

و قیل إن هذا إشارة إلی عدم الوجوب السابق و جواز تخلف المعلول عن العلة التامة كما اختاره هذا القائل.

و قال بعض أرباب التأویل فی شرح هذا الخبر إنما ملئوا السماء لأن الملكوت إنما هو فی باطن السماء و قد ملئوها و كانوا یومئذ ملكوتیین و السر فی تفاوت الخلائق فی الخیرات و الشرور و اختلافهم فی السعادة و الشقاوة اختلاف استعداداتهم و تنوع حقائقهم لتباین المواد السفلیة فی اللطافة و الكثافة و اختلاف أمزجتهم فی القرب و البعد من الاعتدال الحقیقی و اختلاف الأرواح التی بإزائها فی الصفاء و الكدورة و القوة و الضعف و ترتب درجاتهم فی القرب من اللّٰه سبحانه و البعد عنه كما أشیر إلیه

فِی الْحَدِیثِ:(1) النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ خِیَارُهُمْ فِی الْجَاهِلِیَّةِ خِیَارُهُمْ فِی الْإِسْلَامِ.

و أما سر هذا السر أعنی سر اختلاف الاستعدادات و تنوع الحقائق فهو تقابل صفات اللّٰه سبحانه و أسمائه الحسنی التی هی من أوصاف الكمال و نعوت الجلال و ضرورة تباین مظاهرها التی بها یظهر أثر تلك الأسماء فكل من الأسماء یوجب تعلق إرادته سبحانه و قدرته إلی إیجاد مخلوق یدل علیه من حیث اتصافه بتلك الصفة فلا بد من

ص: 121


1- 1. رواه الكلینی فی الكافی ج 8 ص 177 و لفظه: الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة فمن كان له فی الجاهلیة أصل فله فی الإسلام أصل، و رواه السیوطی فی الجامع الصغیر و لفظه كما فی المتن و بعده:« إذا تفقهوا».

إیجاد المخلوقات كلها علی اختلافها و تباین أنواعها لتكون مظاهر لأسمائه الحسنی جمیعا و مجالی لصفاته العلیا قاطبة كما أشیر إلی لمعة منه فی هذا الحدیث انتهی.

أقول: هذه الكلمات مبنیة علی خرافات الصوفیة إنما نورد أمثالها لتطلع علی مسالك القوم فی ذلك و آرائهم.

«25»- كا، [الكافی] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّی لَأَرَی بَعْضَ أَصْحَابِنَا یَعْتَرِیهِ النَّزَقُ وَ الْحِدَّةُ وَ الطَّیْشُ فَأَغْتَمُّ لِذَلِكَ غَمّاً شَدِیداً وَ أَرَی مَنْ خَالَفَنَا فَأَرَاهُ حَسَنَ السَّمْتِ قَالَ لَا تَقُلْ حَسَنَ السَّمْتِ فَإِنَّ السَّمْتَ سَمْتُ الطَّرِیقِ وَ لَكِنْ قُلْ حَسَنَ السِّیمَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ (1) قَالَ قُلْتُ فَأَرَاهُ حَسَنَ السِّیمَاءِ لَهُ وَقَارٌ فَأَغْتَمُّ لِذَلِكَ قَالَ لَا تَغْتَمَّ لِمَا رَأَیْتَ مِنْ نَزَقِ أَصْحَابِكَ وَ لِمَا رَأَیْتَ مِنْ حُسْنِ سِیمَاءِ مَنْ خَالَفَكَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ خَلَقَ تِلْكَ الطِّینَتَیْنِ ثُمَّ فَرَّقَهُمَا فِرْقَتَیْنِ فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْیَمِینِ كُونُوا خَلْقاً بِإِذْنِی فَكَانُوا خَلْقاً بِمَنْزِلَةِ الذَّرِّ یَسْعَی وَ قَالَ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ كُونُوا خَلْقاً بِإِذْنِی فَكَانُوا خَلْقاً بِمَنْزِلَةِ الذَّرِّ یَدْرُجُ.

ثُمَّ رَفَعَ لَهُمْ نَاراً فَقَالَ (2) ادْخُلُوهَا بِإِذْنِی فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَهَا مُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ اتَّبَعَهُ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ أَوْصِیَاؤُهُمْ وَ أَتْبَاعُهُمْ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ ادْخُلُوهَا بِإِذْنِی فَقَالُوا رَبَّنَا خَلَقْتَنَا لِتُحْرِقَنَا فَعَصَوْا فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْیَمِینِ اخْرُجُوا بِإِذْنِی مِنَ النَّارِ فَخَرَجُوا لَمْ تَكْلِمْ مِنْهُمُ النَّارُ كَلْماً وَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِیهِمْ أَثَراً فَلَمَّا رَآهُمْ أَصْحَابُ الشِّمَالِ قَالُوا رَبَّنَا نَرَی أَصْحَابَنَا قَدْ سَلِمُوا فَأَقِلْنَا وَ مُرْنَا بِالدُّخُولِ قَالَ قَدْ أَقَلْتُكُمْ فَادْخُلُوهَا فَلَمَّا دَنَوْا وَ أَصَابَهُمُ الْوَهَجُ رَجَعُوا فَقَالُوا یَا رَبَّنَا لَا صَبْرَ لَنَا عَلَی الِاحْتِرَاقِ فَعَصَوْا فَأَمَرَهُمْ بِالدُّخُولِ ثَلَاثاً كُلَّ ذَلِكَ یَعْصُونَ وَ یَرْجِعُونَ وَ أَمَرَ أُولَئِكَ ثَلَاثاً كُلَّ ذَلِكَ یُطِیعُونَ وَ یَخْرُجُونَ فَقَالَ لَهُمْ كُونُوا طِیناً بِإِذْنِی فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ

ص: 122


1- 1. الفتح: 29.
2- 2. فقال لاصحاب الیمین ظ.

قَالَ فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا یَكُونُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَ مَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا یَكُونُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَ مَا رَأَیْتَ مِنْ نَزَقِ أَصْحَابِكَ وَ خُلُقِهِمْ فَمِمَّا أَصَابَ مِنْ لَطْخِ أَصْحَابِ الشِّمَالِ وَ مَا رَأَیْتَ مِنْ حُسْنِ سِیمَاءِ مَنْ خَالَفَكُمْ وَ وَقَارِهِمْ فَمِمَّا أَصَابَهُمْ مِنْ لَطْخِ أَصْحَابِ الْیَمِینِ (1).

توضیح: یقال عراه و اعتراه أی غشیه و أتاه و النزق بالفتح و التحریك الخفة عند الغضب و الحدة و الطیش قریبان منه و قال الجوهری السمت الطریق و سمت یسمت بالضم أی قصد و السمت هیئة أهل الخیر یقال ما أحسن سمته أی هدیه (2) و قال السیما مقصور من الواو قال تعالی سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ و قد یجی ء السیماء و السیمیاء ممدودین (3).

و قال الفیروزآبادی السمت الطریق و هیئة أهل الخیر و السیر علی الطریق بالظن و حسن النحو و قصد الشی ء(4)

و قال السیمة و السیماء و السیمیاء بكسرهن العلامة(5).

و قال الجزری السمت الهیئة الحسنة و منه فینظرون إلی سمته و هدیه أی حسن هیئته و منظره فی الدین و لیس من الحسن و الجمال و قیل هو من السمت الطریق یقال الزم هذا السمت و فلان حسن السمت أی حسن القصد.

و قال الزمخشری السمت أخذ النهج و لزوم المحجة یقال ما أحسن سمته أی طریقته التی ینتهجها فی تحری الخیر و التزیی بزی الصالحین.

و فی المصباح السمت الطریق و القصد و السكینة و الوقار و الهیئة انتهی.

و لعل منعه علیه السلام عن إطلاق السمت لأن السمت یكون بمعنی سمت الطریق فیوهم أن طریقهم و مذهبهم حسن فعبر علیه السلام بعبارة أخری لا یوهم ذلك أو لما

ص: 123


1- 1. الكافی ج 2 ص 11.
2- 2. الصحاح ص 254.
3- 3. الصحاح: 1956.
4- 4. القاموس ج 1 ص 150.
5- 5. القاموس ج 4 ص 133.

لم یكن السمت بمعنی هیئة أهل الخیر فصیحا أمر بعبارة أخری أفصح منه أو أنه علیه السلام علم أنه أراد بالسمت السیماء لا هیئة أهل الخیر و الطریقة الحسنة و الأفعال المحمودة فلذا نبهه علیه السلام بأن السمت لم یأت بالمعنی الذی أردت و هذا قریب من الأول.

و الوقار الاطمئنان و السكینة البدنیة لأصحاب الیمین أی للذین كانوا فی یمین الملك الذی أمره بتفریقها أو للذین كانوا فی یمین العرش أو للذین علم أنهم سیصیرون من المؤمنین الذین یقفون فی القیامة عن یمین العرش.

كونوا خلقا أی مخلوقین ذوی أرواح و قیل أی كونوا أرواحا بمنزلة الذر أی النمل الصغار یسعی و إطلاق السعی هنا و الدرج فیما سیأتی إما لمحض التفنن فی العبارة أو المراد بالسعی سرعة السیر و بالدرج المشی الضعیف كما یقال درج الصبی إذا مشی أول مشیه فیكون إشارة إلی مسارعة الأولین إلی الخیرات و بطء الآخرین عنها و قیل المراد سعی الأولین إلی العلو و الآخرین إلی السفل و لا دلالة فی اللفظ علیهما.

ثم اتبعه أولو العزم أی سائرهم علیهم السلام و الكلم الجرح و الفعل كضرب و قد یبنی علی التفعیل و فی القاموس وهج النار تهج وهجا و وهجانا اتقدت و الاسم الوهج محركة.

و أقول یمكن أن یقال فی تأویل هذا الخبر أنه لما كان من علم اللّٰه منهم السعادة تابعین للعقل و لمقتضیات النفس المقدس فكأنها طینتهم و من علم اللّٰه منهم الشقاوة تابعین للشهوات البدنیة و دواعی النفس الأمارة فكأنها طینتهم و لما مزج اللّٰه بینهما فی عالم الشهود جری فی غالب الناس الطاعة و المعصیة و الصفات القدسیة و الملكات الردیة فما كان من الخیرات فهو من جهة العقل و النفس و هما طینة أصحاب الیمین و إن كان فی أصحاب الشمال و ما كان من الشرور و المعاصی فهو من الأجزاء البدنیة التی هی طینة أصحاب الشمال و إن كان فی أصحاب الیمین.

ص: 124

و یمكن أیضا أن یقال المعنی أن اللّٰه تعالی قرر فی خلقة آدم علیه السلام و طینته دواعی الخیر و الشر و علم أنه یكون فی ذریته السعداء و الأشقیاء و خلق آدم علیه السلام مع علمه بذلك فكأنه خلط بین الطینتین و لما كان أولاد آدم مدنیین بالطبع لا بد لهم فی نشأة الدنیا من المخالطة و المصاحبة فالسعداء یكتسبون الصفات الذمیمة من مخالطة الأشقیاء و بالعكس فلعل قوله من لطخ أصحاب الشمال و من لطخ أصحاب الیمین إشارة إلی هذا المعنی.

و لما كان السبب الأقوی فی اكتساب السعداء صفات الأشقیاء استیلاء أئمة الجور و أتباعهم علی أئمة الحق و أتباعهم و علم اللّٰه أن المؤمنین إنما یرتكبون الآثام لاستیلاء أهل الباطل علیهم و عدم تولی أئمة الحق لسیاستهم فیعذرهم بذلك و یعفو عنهم و یعذب أئمة الجور و أتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم مع ما یستحقون من جرائم أنفسهم و سیأتی مزید تحقیق لذلك فی الأخبار الآتیة إن شاء اللّٰه تعالی.

«26»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْمُؤْمِنَ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ وَ جَلَالِ كِبْرِیَائِهِ فَمَنْ طَعَنَ عَلَی الْمُؤْمِنِ أَوْ رَدَّ عَلَیْهِ فَقَدْ رَدَّ عَلَی اللَّهِ فِی عَرْشِهِ وَ لَیْسَ هُوَ مِنَ اللَّهِ فِی وَلَایَةٍ وَ إِنَّمَا هُوَ شِرْكُ شَیْطَانٍ (1).

بیان: و لیس هو من اللّٰه فی ولایة أی لیس من أولیاء اللّٰه و أحبائه و أنصاره أو لیس من المؤمنین الذین ینصرهم اللّٰه و یوالیهم كما قال تعالی ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِینَ لا مَوْلی لَهُمْ (2) أو لیس من حزب اللّٰه بل هو من حزب الشیطان كما ورد فی خبر آخر خرج من ولایة اللّٰه إلی ولایة الشیطان.

«27»- رِیَاضُ الْجِنَانِ، لِفَضْلِ اللَّهِ بْنِ مَحْمُودٍ الْفَارِسِیِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ بِشْرِ بْنِ أَبِی عُتْبَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیهما السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مُحَمَّداً مِنْ طِینَةٍ مِنْ

ص: 125


1- 1. المحاسن: 132.
2- 2. القتال 11.

جَوْهَرَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ وَ إِنَّهُ كَانَ لِطِینَتِهِ نَضْجٌ فَجَعَلَ طِینَةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام مِنْ نَضْجِ طِینَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَانَ لِطِینَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام نَضْجٌ فَجَعَلَ طِینَتَنَا مِنْ فَضْلِ طِینَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ كَانَتْ لِطِینَتِنَا نَضْجٌ فَجَعَلَ طِینَةَ شِیعَتِنَا مِنْ نَضْجِ طِینَتِنَا فَقُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَیْنَا وَ قُلُوبُنَا تَعْطِفُ عَلَیْهِمْ كَعَطْفِ الْوَالِدِ عَلَی الْوَلَدِ وَ نَحْنُ لَهُمْ خَیْرٌ مِنْهُمْ لَنَا وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَنَا خَیْرٌ وَ نَحْنُ لَهُ خَیْرٌ.

«28»- وَ مِنْهُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی الْحَجَّاجِ قَالَ قَالَ لِی أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: یَا أَبَا الْحَجَّاجِ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنْ طِینِ عِلِّیِّینَ وَ خَلَقَ قُلُوبَهُمْ (1)

مِنْ طِینِ عِلِّیِّینَ فَقُلُوبُ شِیعَتِنَا مِنْ أَبْدَانِ آلِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی خَلَقَ عَدُوَّ آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ طِینِ سِجِّینٍ وَ خَلَقَ قُلُوبَهُمْ أَخْبَثَ مِنْ ذَلِكَ وَ خَلَقَ شِیعَتَهُمْ مِنْ طِینٍ دُونَ طِینِ سِجِّینٍ فَقُلُوبُهُمْ مِنْ أَبْدَانِ أُولَئِكَ وَ كُلُّ قَلْبٍ یَحِنُّ إِلَی بَدَنِهِ.

«29»- بشا، [بشارةُ المصطفی] عَنِ ابْنِ الشَّیْخِ عَنْ وَالِدِهِ عَنِ الْمُفِیدِ عَنِ الْجِعَابِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحُسَیْنِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَابِرٍ الْأَنْصَارِیِّ وَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام أَ لَا أُبَشِّرُكَ أَلَا أَمْنَحُكَ قَالَ بَلَی یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنِّی خُلِقْتُ أَنَا وَ أَنْتَ مِنْ طِینَةٍ وَاحِدَةٍ فَفَضَلَتْ مِنْهَا فَضْلَةٌ فَخَلَقَ مِنْهَا شِیعَتَنَا فَإِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ دُعِیَ النَّاسُ بِأُمَّهَاتِهِمْ إِلَّا شِیعَتَكَ فَإِنَّهُمْ یُدْعَوْنَ بِأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ لِطِیبِ مَوْلِدِهِمْ (2).

«30»- بشا، [بشارة المصطفی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَهْرِیَارَ الْخَازِنِ عَنْ أَبِی مَنْصُورٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْمُعَدِّلِ عَنْ أَبِی عُمَیْرٍ السَّمَّاكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَهْدِیِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِیِّ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحِمَّصِیِّ عَنْ أَبِی زِیَادٍ

ص: 126


1- 1. كأنّه یعنی قلوب شیعتهم.
2- 2. بشارة المصطفی ص 115 و 17.

عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ لِعَلِیٍّ علیه السلام أَ لَا أُبَشِّرُكَ یَا عَلِیُّ قَالَ بَلَی بِأَبِی وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنَا وَ أَنْتَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ خُلِقْنَا مِنْ طِینَةٍ وَاحِدَةٍ وَ فَضَلَتْ مِنْهَا فَضْلَةٌ فَجَعَلَ (1)

مِنْهَا شِیعَتَنَا وَ مُحِبِّینَا فَإِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ دُعِیَ النَّاسُ بِأَسْمَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ مَا خَلَا نَحْنُ وَ شِیعَتَنَا وَ مُحِبِّینَا فَإِنَّهُمْ یُدْعَوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ (2).

«31»- بشا، [بشارة المصطفی] عَنِ ابْنِ شَیْخِ الطَّائِفَةِ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْمُفِیدِ عَنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی الثَّلْجِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی الْهَاشِمِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّرَارِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی زَكَرِیَّا الْمَوْصِلِیِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ علیهم السلام: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ لِعَلِیٍّ أَنْتَ الَّذِی احْتَجَّ اللَّهُ بِكَ فِی ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ حَیْثُ أَقَامَهُمْ أَشْبَاحاً فَقَالَ لَهُمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی قَالَ وَ مُحَمَّدٌ رَسُولِی قَالُوا بَلَی قَالَ وَ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَأَبَی الْخَلْقُ جَمِیعاً إِلَّا اسْتِكْبَاراً وَ عُتُوّاً عَنْ وَلَایَتِكَ إِلَّا نَفَرٌ قَلِیلٌ وَ هُمْ أَقَلُّ الْقَلِیلِ وَ هُمْ أَصْحَابُ الْیَمِینِ (3).

«32»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی وَ غَیْرِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ غَیْرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ عَنْ أَبِی نَهْشَلٍ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلَی عِلِّیِّینَ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِیعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ وَ خَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ وَ قُلُوبُهُمْ تَهْوَی إِلَیْنَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِی عِلِّیِّینَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّیُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ یَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (4) وَ خَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّینٍ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِیعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ وَ أَبْدَانَهُمْ

ص: 127


1- 1. فخلق خ ل.
2- 2. بشارة المصطفی 24.
3- 3. بشارة المصطفی: 144.
4- 4. المطففین: 18- 21.

مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوَی إِلَیْهِمْ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّینٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ (1) وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِینَ (2).

بیان: قد مر الخبر و شرحه فی باب خلق أبدان الأئمة علیهم السلام(3).

و قال بعض أرباب التأویل كل ما یدركه الإنسان بحواسه یرتفع منه أثر إلی روحه و یجتمع فی صحیفة ذاته و خزانة مدركاته و كذلك كل مثقال ذرة من خیر أو شر یعمله یری أثره مكتوبا ثمة و سیما ما رسخت بسبب الهیئات و تأكدت به الصفات و صار خلقا و ملكة.

فالأفاعیل المتكررة و العقائد الراسخة فی النفوس هی بمنزلة النقوش الكتابیة فی الألواح كما قال اللّٰه تعالی أُولئِكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ (4) و هذه الألواح النفیسة یقال لها صحائف الأعمال و إلیه الإشارة بقوله سبحانه وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (5) و قوله عز و جل وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ كِتاباً یَلْقاهُ مَنْشُوراً(6) فیقال له لَقَدْ كُنْتَ فِی غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ(7) هذا كِتابُنا یَنْطِقُ عَلَیْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) فمن كان من أهل السعادة و أصحاب الیمین و كانت معلوماته أمورا قدسیة و أخلاقه زكیة و أعماله صالحة فقد أُوتِیَ كِتابَهُ بِیَمِینِهِ (9) أعنی من الجانب

ص: 128


1- 1. المطففین: 7- 10.
2- 2. الكافی ج 2 ص 4.
3- 3. كتاب الإمامة المجلد السابع.
4- 4. المجادلة: 22.
5- 5. كورت 10.
6- 6. أسری: 13.
7- 7. ق: 22.
8- 8. الجاثیة: 28.
9- 9. أسری: 71- الحاقة: 19.

الأقوی الروحانی و هو جهة علیین و ذلك لأن كتابه من جنس الألواح العالیة و الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة بِأَیْدِی سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ(1) یَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ و من كان من الأشقیاء المردودین و كانت معلوماته مقصورة علی الجرمیات و أخلاقه سیئة و أعماله خبیثة فقد أُوتِیَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ أعنی من جانبه الأضعف الجسمانی و هو جهة سجین و ذلك لأن كتابه من جنس الأوراق السفلیة و الصحائف الحسیة القابلة للاحتراق فلا جرم یعذب بالنار و إنما عود الأرواح إلی ما خلقت منه كما قال سبحانه كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (2) كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ (3) فما خلق من علیین فكتابه فی علیین و ما خلق من سجین فكتابه فی سجین انتهی.

و سیاق تلك التحقیقات علی مذاقه من أصول الدین و لما لم یصرح بنفی ما حققه جماهیر الإمامیة من أصحاب الیقین لا أدری أنها ثبتت له فی علیین أو سجین وفقنا اللّٰه لسلوك مسالك المتقین.

«33»- بشا، [بشارة المصطفی] عَنِ ابْنِ الشَّیْخِ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْمُفِیدِ عَنِ ابْنِ قُولَوَیْهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّا وَ شِیعَتَنَا خُلِقْنَا مِنْ طِینَةِ عِلِّیِّینَ وَ خَلَقَ اللَّهُ عَدُوَّنَا مِنْ طِینَةِ خَبَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (4).

بیان: قال فی النهایة فیه من شرب الخمر سقاه اللّٰه من طینة الخبال یوم القیامة جاء تفسیره فی الحدیث أن الخبال عصارة أهل النار و الخبال فی الأصل الفساد و یكون من الأفعال و الأبدان و العقول.

ص: 129


1- 1. اقتباس من قوله تعالی فی عبس: 13- 16.
2- 2. الأعراف: 29.
3- 3. الأنبیاء: 104.
4- 4. بشارة المصطفی: 105.

باب 4 فطرة اللّٰه سبحانه و صبغته

الآیات:

البقرة صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (1) الروم فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (2).

تفسیر

صِبْغَةَ اللَّهِ قال البیضاوی أی صبغنا اللّٰه صبغته و هی فطرة اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها فإنها حلیة الإنسان كما أن الصبغة حلیة المصبوغ أو هدانا هدایته و أرشدنا حجته أو طهر قلوبنا بالإیمان تطهیره و سماه صبغة لأنه ظهر أثره علیهم ظهور الصبغ علی المصبوغ و تداخل فی قلوبهم تداخل الصبغ الثوب أو للمشاكلة فإن النصاری كانوا یغمسون أولادهم فی ماء أصفر یسمونه المعمودیة و یقولون هو تطهیر لهم و به تحقق نصرانیتهم و نصبها علی أنه مصدر مؤكد لقوله آمنا و قیل علی الإغراء و قیل علی البدل من ملة إبراهیم.

وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً لا صبغة أحسن من صبغته وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ تعریض بهم أی لا نشرك به كشرككم.

ص: 130


1- 1. البقرة: 138.
2- 2. الروم: 30.

و أقول قد مضی تفسیر الآیة الثانیة فی باب فضل الإیمان (1).

كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً(2) قَالَ الْإِسْلَامُ وَ قَالَ فِی قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی (3) قَالَ هِیَ الْإِیمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ (4).

بیان: قیل علی هذه الأخبار یحتمل أن تكون صبغة منصوبة علی المصدر من مسلمون فی قوله تعالی قبل ذلك لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (5) ثم یحتمل أن یكون معناها و موردها مختصا بالخواص و الخلص المخاطبین ب قُولُوا فی صدر الآیات حیث قال قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْنا(6) دون سائر أفراد بنی آدم بل یتعین هذا المعنی أن فسر الإسلام بالخضوع و الانقیاد للأوامر و النواهی كما فعلوه و إن فسر بالمعنی العرفی فتوجیه التعمیم فیه كتوجیه التعمیم فی فطرة اللّٰه كما سیأتی إن شاء اللّٰه.

و قیل صبغة اللّٰه إبداع الممكنات و إخراجها من العدم إلی الوجود و إعطاء كل ما یلیق به من الصفات و الغایات و غیرهما.

قوله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ قال تعالی فَمَنْ یَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی لَا انْفِصامَ لَها و فسر الطاغوت فی الأخبار بالشیطان و بأئمة الضلال و الأولی التعمیم لیشمل كل من عبد من دون اللّٰه من صنم أو صاد عن سبیل اللّٰه و یُؤْمِنْ بِاللَّهِ بالتوحید و تصدیق الرسل و أوصیائهم.

فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی أی طلب الإمساك من نفسه بالحبل الوثیق

ص: 131


1- 1. راجع ص 43 و 44 فیما سبق.
2- 2. البقرة: 138.
3- 3. البقرة: 256.
4- 4. الكافی ج 2 ص 14.
5- 5. البقرة: 136.
6- 6. البقرة: 136.

و هی مستعار لمتمسك الحق من النظر الصحیح و الدین القویم لَا انْفِصامَ لَها أی لا انقطاع لها و ما ورد فی الخبر من تفسیره بالإیمان كأن المراد به أنه تعالی شبه الإیمان الكامل بالعروة الوثقی.

و علی ما ورد فی كثیر من الأخبار من أن المراد بالطاغوت الغاصبون للخلافة فالمعنی من رفض متابعة أئمة الضلال و آمن بما جاء من عند اللّٰه فی علی و الأوصیاء من بعده علیهم السلام فقد آمن باللّٰه وحده لا شریك له و إلا فهو مشرك

كَمَا رُوِیَ فِی مَعَانِی الْأَخْبَارِ(1)،

عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: مَنْ أَحَبَّ أَنْ یَسْتَمْسِكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی الَّتِی لَا انْفِصامَ لَها فَلْیَسْتَمْسِكْ بِوَلَایَةِ أَخِی وَ وَصِیِّی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَإِنَّهُ لَا یَهْلِكُ مَنْ أَحَبَّهُ وَ تَوَلَّاهُ وَ لَا یَنْجُو مَنْ أَبْغَضَهُ وَ عَادَاهُ.

وَ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: أَنَّ الْعُرْوَةَ الْوُثْقَی هِیَ مَوَدَّتُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ.

«2»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلٍ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قَالَ الصِّبْغَةُ هِیَ الْإِسْلَامُ (2).

«3»- ید، [التوحید] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْعَلَا بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ عَلَی التَّوْحِیدِ(3).

«4»- یر، [بصائر الدرجات] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فِی قَوْلِهِ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها(4) قَالَ فَقَالَ عَلَی التَّوْحِیدِ وَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام (5).

ص: 132


1- 1. معانی الأخبار: 368.
2- 2. الكافی ج 2: 14.
3- 3. كتاب التوحید: 341.
4- 4. الروم: 30.
5- 5. بصائر الدرجات: 78.

بیان: قال فی النهایة فیه كل مولود یولد علی الفطرة الفطر الابتداء و الاختراع و الفطرة منه الحالة كالجلسة و الركبة و المعنی أنه یولد علی نوع من الجبلة و الطبع المتهیأ لقبول الدین فلو ترك علیها لاستمر علی لزومها و لم یفارقها إلی غیرها و إنما یعدل عنه من یعدل لآفة من آفات البشر و التقلید ثم تمثل بأولاد الیهود و النصاری فی اتباعهم لآبائهم و المیل إلی أدیانهم عن مقتضی الفطرة السلیمة.

و قیل معناه كل مولود یولد علی معرفة اللّٰه و الإقرار به فلا تجد أحدا إلا و هو یقر بأن اللّٰه صانعه و إن سماه بغیر اسمه أو عبد معه غیره و منه حدیث حذیفة علی غیر فطرة محمد أراد دین الإسلام الذی هو منسوب إلیه انتهی.

و قیل الفطرة بالكسر مصدر للنوع من الإیجاد و هو إیجاد الإنسان علی نوع مخصوص من الكمال و هو التوحید و معرفة الربوبیة مأخوذا علیهم میثاق العبودیة و الاستقامة علی سنن العدل.

و قال بعض العامة الفطرة ما سبق من سعادة أو شقاوة فمن علم اللّٰه سعادته ولد علی فطرة الإسلام و من علم شقاوته ولد علی فطرة الكفر تعلق بقوله تعالی لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ (1) و بحدیث الغلام الذی قتله الخضر علیه السلام طبع یوم طبع كافرا فإنه یمنع من كون تولده علی فطرة الإسلام.

و أجیب عن الأول بأن معنی لا تَبْدِیلَ لا تغییر یعنی لا یكون بعضهم علی فطرة الكفر و بعضهم علی فطرة الإسلام و یؤیده قوله صلی اللّٰه علیه و آله كل مولود یولد علی الفطرة فأبواه یهودانه و ینصرانه فإن المراد بهذه الفطرة فطرة الإسلام.

و عن الثانی بأن المراد بالطبع حالة ثانیة طرأت و هی التهیؤ للكفر عن الفطرة التی ولد علیها.

و قال بعضهم المراد بالفطرة كونه خلقا قابلا للهدایة و متهیئا لها لما أوجد فیه من القوة القابلة لها لأن فطرة الإسلام و صوابها موضوع فی العقول

ص: 133


1- 1. الروم: 30.

و إنما یدفع العقول عن إدراكها تغییر الأبوین أو غیرهما.

و أجیب عنه بأن حمل الفطرة علی الإسلام لا یأباه العقل و ظاهر الروایات یدل علیه و حملها علی خلاف الظاهر لا وجه له من غیر مستند.

«3»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها قَالَ فَطَرَهُمْ عَلَی مَعْرِفَةِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ یَعْلَمُوا إِذَا سُئِلُوا مَنْ رَبُّهُمْ وَ مَنْ رَازِقُهُمْ (1).

بیان: قال فی المصباح المنیر فطر اللّٰه الخلق فطرا من باب قتل خلقهم و الاسم الفطرة بالكسر قال اللّٰه تعالی فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها

وَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: كُلُّ مَوْلُودٍ یُولَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ.

قیل معناه الفطرة الإسلامیة و الدین الحق و إنما أبواه یهودانه و ینصرانه أی ینقلانه إلی دینهما.

و هذا التفسیر مشكل إن حمل اللفظ علی حقیقته فقط لأنه یلزم منه أن لا یتوارث المشركون مع أولادهم الصغار قبل أن یهودوهم و ینصروهم و اللازم منتف بل الوجه حمله علی حقیقته و مجازه معا.

أما حمله علی مجازه فعلی ما قبل البلوغ و ذلك أن إقامة الأبوین علی دینهما سبب لجعل الولد تابعا لهما فلما كانت الإقامة سببا جعلت تهویدا و تنصیرا مجازا ثم أسند إلی الأبوین توبیخا لهما و تقبیحا علیهما كأنه قال أبواه بإقامتهما علی الشرك یجعلانه مشركا و یفهم من هذا أنه لو أقام أحدهما علی الشرك و أسلم الآخر لا یكون مشركا بل مسلما و قد جعل البیهقی هذا معنی الحدیث فقال قد جعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حكم الأولاد قبل أن یختاروا لأنفسهم حكم الآباء فیما یتعلق بأحكام الدنیا و أما حمله علی الحقیقة فعلی ما بعد البلوغ لوجود الكفر من الأولاد.

«6»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 134


1- 1. المحاسن: 241 و الآیة فی الروم: 30.

سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها مَا تِلْكَ الْفِطْرَةُ قَالَ هِیَ الْإِسْلَامُ فَطَرَهُمُ اللَّهُ حِینَ أَخَذَ مِیثَاقَهُمْ عَلَی التَّوْحِیدِ(1).

بیان: علی التوحید متعلق بفطر و أخذ علی التنازع.

«7»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِكِینَ بِهِ (2) قَالَ الْحَنِیفِیَّةُ مِنَ الْفِطْرَةِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ قَالَ فَطَرَهُمْ عَلَی الْمَعْرِفَةِ بِهِ فَقَالَ زُرَارَةُ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی (3) قَالَ أَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ذُرِّیَّتَهُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَخَرَجُوا كَالذَّرِّ فَعَرَّفَهُمْ وَ أَرَاهُمْ نَفْسَهُ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ یَعْرِفْ أَحَدٌ رَبَّهُ وَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كُلُّ مَوْلُودٍ یُولَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ یَعْنِی عَلَی الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَالِقُهُ وَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ-(4) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ (5).

تبیین: قوله حُنَفاءَ لِلَّهِ إشارة إلی قوله سبحانه فی سورة الحج فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِكِینَ بِهِ أی اجتنبوا الرجس الذی هو الأوثان كما یجتنب الأنجاس و كل افتراء

وَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الشِّطْرَنْجُ وَ قَوْلَ الزُّورِ الْغِنَاءُ.

ص: 135


1- 1. الكافی ج 2 ص 12، و الآیة فی الروم: 30.
2- 2. الحجّ: 31.
3- 3. الأعراف: 171.
4- 4. لقمان: 25.
5- 5. الكافی ج 2: 12 و 13.

قال الطبرسی (1)

رحمه اللّٰه حُنَفاءَ لِلَّهِ أی مستقیمی الطریقة علی ما أمر اللّٰه مائلین عن سائر الأدیان غَیْرَ مُشْرِكِینَ بِهِ أی حجاجا مخلصین و هم مسلمون موحدون لا یشركون فی تلبیة الحج به أحدا.

و قال فی النهایة فیه خلقت عبادی حنفاء أی طاهری الأعضاء من المعاصی لا أنه خلقهم كلهم مسلمین لقوله تعالی هُوَ الَّذِی خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ (2) و قیل أراد أنه خلقهم حنفاء مؤمنین لما أخذ علیهم المیثاق أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی فلا یوجد أحد إلا و هو مقر بأن له ربا و إن أشرك به و اختلفوا فیه.

و الحنفاء جمع حنیف و هو المائل إلی الإسلام الثابت علیه و الحنیف عند العرب من كان علی دین إبراهیم و أصل الحنف المیل و منه

الحدیث بُعِثْتُ بِالْحَنِیفِیَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ.

انتهی.

لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أی بأن یكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركین بل كان كلهم مسلمین مقرین به أو قابلین للمعرفة و أراهم نفسه أی بالرؤیة العقلیة الشبیهة بالرؤیة العینیة فی الظهور لیرسخ فیهم معرفته و یعرفوه فی دار التكلیف و لو لا تلك المعرفة المیثاقیة لم یحصل لهم تلك القابلیة و فسر علیه السلام الفطرة فی الحدیث بالمجبولیة علی معرفة الصانع و الإذعان به.

كذلك قوله أی هذه الآیة أیضا محمولة علی هذا المعنی وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أی كفار مكة كما ذكره المفسرون أو الأعم كما هو الأظهر من الخبر لَیَقُولُنَّ اللَّهُ لفطرتهم علی المعرفة و قال البیضاوی لوضوح الدلیل المانع من إسناد الخلق إلی غیره بحیث اضطروا إلی إذعانه انتهی.

و المشهور أنه مبنی علی أن كفار قریش لم یكونوا ینكرون أن الصانع هو اللّٰه بل كانوا یعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند اللّٰه و ظاهر الخبر أن

ص: 136


1- 1. مجمع البیان ج 8 ص 83.
2- 2. التغابن: 2.

كل كافر لو خلی و طبعه و ترك العصبیة و متابعة الأهواء و تقلید الأسلاف و الآباء لأقر بذلك كما ورد ذلك فی الأخبار الكثیرة قال بعض المحققین الدلیل علی ذلك ما تری أن الناس یتوكلون بحسب الجبلة علی اللّٰه و یتوجهون توجها غریزیا إلی

مسبب الأسباب و مسهل الأمور الصعاب و إن لم یتفطنوا لذلك و یشهد لهذا قول اللّٰه عز و جل قال أَ رَأَیْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَیْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ بَلْ إِیَّاهُ تَدْعُونَ فَیَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَیْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (1)

وَ فِی تَفْسِیرِ مَوْلَانَا الْعَسْكَرِیِّ علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ مَوْلَانَا الصَّادِقُ عَنِ اللَّهِ فَقَالَ لِلسَّائِلِ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَلْ رَكِبْتَ سَفِینَةً قَطُّ قَالَ بَلَی قَالَ فَهَلْ كُسِرَ بِكَ حَیْثُ لَا سَفِینَةَ تُنْجِیكَ وَ لَا سِبَاحَةَ تُغْنِیكَ قَالَ بَلَی قَالَ فَهَلْ تَعَلَّقَ قَلْبُكَ هُنَاكَ أَنَّ شَیْئاً مِنَ الْأَشْیَاءِ قَادِرٌ عَلَی أَنْ یُخَلِّصَكَ مِنْ وَرْطَتِكَ قَالَ بَلَی قَالَ الصَّادِقُ فَذَلِكَ الشَّیْ ءُ هُوَ اللَّهُ الْقَادِرُ عَلَی الْإِنْجَاءِ حِینَ لَا مُنْجِیَ وَ عَلَی الْإِغَاثَةِ حِینَ لَا مُغِیثَ.

و لهذا جعلت الناس معذورین فی تركهم اكتساب المعرفة باللّٰه عز و جل متروكین علی ما فطروا علیه مرضیا عنهم بمجرد الإقرار بالقول و لم یكلفوا الاستدلال العلمیة فی ذلك و إنما التعمق لزیادة البصیرة و لطائفة مخصوصة و أما الاستدلال فللرد علی أهل الضلال.

ثم إن أفهام الناس و عقولهم متفاوتة فی قبول مراتب العرفان و تحصیل الاطمئنان كما و كیفا شدة و ضعفا سرعة و بطئا حالا و علما و كشفا و عیانا و إن كان أصل المعرفة فطریا إما ضروری أو یهتدی إلیه بأدنی تنبیه فلكل طریقة هداه اللّٰه عز و جل إلیها إن كان من أهل الهدایة و الطرق إلی اللّٰه بعدد أنفاس الخلائق و هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ یَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ

ص: 137


1- 1. الأنعام: 40 و 41.

قال بعض المنسوبین إلی العلم اعلم أن أظهر الموجودات و أجلاها هو اللّٰه عز و جل فكان هذا یقتضی أن یكون معرفته أول المعارف و أسبقها إلی الأفهام و أسهلها علی العقول و نری الأمر بالضد من ذلك فلا بد من بیان السبب فیه.

و إنما قلنا إن أظهر الموجودات و أجلاها هو اللّٰه لمعنی لا تفهمه إلا بمثال هو أنا إذا رأینا إنسانا یكتب أو یخیط مثلا كان كونه حیا من أظهر الموجودات فحیاته و علمه و قدرته للخیاطة أجلی عندنا من سائر صفاته الظاهرة و الباطنة إذ صفاته الباطنة كشهوته و غضبه و خلقه و صحته و مرضه و كل ذلك لا نعرفه و صفاته الظاهرة لا نعرف بعضها و بعضها نشك فیه كمقدار طوله و اختلاف لون بشرته و غیر ذلك من صفاته.

أما حیاته و قدرته و إرادته و علمه و كونه حیوانا فإنه جلی عندنا من غیر أن یتعلق حس البصر بحیاته و قدرته و إرادته فإن هذه الصفات لا تحس بشی ء من الحواس الخمس ثم لا یمكن أن یعرف حیاته و قدرته و إرادته إلا بخیاطته و حركته فلو نظرنا إلی كل ما فی العلم سواء لم نعرف به صفاته فما علیه إلا دلیل واحد و هو مع ذلك جلی واضح.

و وجود اللّٰه و قدرته و علمه و سائر صفاته یشهد له بالضرورة كل ما نشاهده و ندركه بالحواس الظاهرة و الباطنة من حجر و مدر و نبات و شجر و حیوان و سماء و أرض و كوكب و بر و بحر و نار و هواء و جوهر و عرض بل أول شاهد علیه أنفسنا و أجسامنا و أصنافنا و تقلب أحوالنا و تغیر قلوبنا و جمیع أطوارنا فی حركاتنا و سكناتنا.

و أظهر الأشیاء فی علمنا أنفسنا ثم محسوساتنا بالحواس الخمس ثم مدركاتنا بالبصیرة و العقل و كل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد و شاهد و دلیل واحد و جمیع ما فی العالم شواهد ناطقة و أدلة شاهدة بوجود خالقها و مدبرها و مصرفها و محركها و دالة علی علمه و قدرته و لطفه و حكمته.

و الموجودات المدركة لا حصر لها فإن كانت حیاة الكاتب ظاهرة عندنا

ص: 138

و لیس یشهد له إلا شاهد واحد و هو ما أحسسنا من حركة یده فكیف لا یتصور فی الوجود شی ء داخل نفوسنا و خارجها إلا و هو شاهد علیه و علی عظمته و جلاله إذ كل ذرة فإنها تنادی بلسان حالها أنه لیس وجودها بنفسها و لا حركتها بذاتها و إنما یحتاج إلی موجد و محرك لها یشهد بذلك أولا تركیب أعضائنا و ائتلاف عظامنا و لحومنا و أعصابنا و نبات شعورنا و تشكل أطرافنا و سائر أجزائنا الظاهرة و الباطنة فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها كما نعلم أن ید الكاتب لم یتحرك بنفسها.

و لكن لما لم یبق فی الوجود مدرك و محسوس و معقول و حاضر و غائب إلا و هو شاهد و معرف عظم ظهوره فانبهرت العقول و دهشت عن إدراكه فإذن ما یقصر عن فهمه عقولنا له سببان أحدهما خفاؤه فی نفسه و غموضه و ذلك لا یخفی مثاله و الآخر ما یتناهی وضوحه و هذا كما أن الخفاش یبصر باللیل و لا یبصر بالنهار لا لخفاء النهار و استتاره و لكن لشدة ظهوره فإن بصر الخفاش ضعیف یبهره نور الشمس إذا أشرق فیكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سببا لامتناع إبصاره فلا یری شیئا إلا إذا امتزج الظلام بالضوء و ضعف ظهوره.

فكذلك عقولنا ضعیفة و جمال الحضرة الإلهیة فی نهایة الإشراق و الاستنارة و فی غایة الاستغراق و الشمول حتی لا یشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات و الأرض فصار ظهوره سبب خفائه فسبحان من احتجب بإشراق نوره و اختفی عن البصائر و الأبصار بظهوره.

و لا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور فإن الأشیاء تستبان بأضدادها و ما عم وجوده حتی لا ضد له عسر إدراكه فلو اختلف الأشیاء فدل بعضها دون البعض أدركت التفرقة علی قرب و لما اشتركت فی الدلالة علی نسق واحد أشكل الأمر.

و مثاله نور الشمس المشرق علی الأرض فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض

ص: 139

یحدث فی الأرض و یزول عند غیبة الشمس فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أن لا هیئة فی الأجسام إلا ألوانها و هی السواد و البیاض و غیرها فإنا لا نشاهد فی الأسود إلا السواد و فی الأبیض إلا البیاض و أما الضوء فلا ندركه وحده لكن لما غابت الشمس و أظلمت المواضع أدركنا تفرقة بین الحالتین فعلمنا أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء و اتصفت بصفة فارقتها عند الغروب فعرفنا وجود النور بعدمه و ما كنا نطلع علیه لو لا عدمه إلا بعسر شدید و ذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غیر مختلفة فی الظلام و النور.

هذا مع أن النور أظهر المحسوسات إذ به یدرك سائر المحسوسات فما هو ظاهر فی نفسه و هو مظهر لغیره انظر كیف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لو لا طریان ضده فإذن الرب تعالی هو أظهر الأمور و به ظهرت الأشیاء كلها و لو كان له عدم أو غیبة أو تغیر لانهدمت السماوات و الأرض و بطل الملك و الملكوت و لأدركت التفرقة بین الحالتین و لو كان بعض الأشیاء موجودا به و بعضها موجودا بغیره لأدركت التفرقة بین الشیئین فی الدلالة و لكن دلالته عامة فی الأشیاء علی نسق واحد و وجوده دائم فی الأحوال یستحیل خلافه فلا جرم أورث شدة الظهور خفاء فهذا هو السبب فی قصور الأفهام.

و أما من قویت بصیرته و لم یضعف منته فإنه فی حال اعتدال أمره لا یری إلا اللّٰه و أفعاله و أفعاله أثر من آثار قدرته فهی تابعة فلا وجود لها بالحقیقة و إنما الوجود للواحد الحق الذی به وجود الأفعال كلها و من هذا حاله فلا ینظر فی شی ء من الأفعال إلا و یری فیه الفاعل و یذهل عن الفعل من حیث إنه سماء و أرض و حیوان و شجر بل ینظر فیه من حیث إنه صنع فلا یكون نظره مجاوزا له إلی غیره كمن نظر فی شعر إنسان أو خطه أو تصنیفه و رأی فیه الشاعر و المصنف و رأی آثاره من حیث هی آثاره لا من حیث إنه حبر و عفص و زاج مرقوم علی بیاض فلا یكون قد نظر إلی غیر المصنف.

ص: 140

فكل العالم تصنیف اللّٰه تعالی فمن نظر إلیها من حیث إنها فعل اللّٰه و عرفها من حیث إنها فعل اللّٰه و أحبها من حیث إنها فعل اللّٰه لم یكن ناظرا إلا فی اللّٰه و لا عارفا إلا باللّٰه و لا محبا إلا لله و كان هو الموحد الحق الذی لا یری إلا اللّٰه بل لا ینظر إلی نفسه من حیث نفسه بل من حیث هو عبد اللّٰه فهذا هو الذی یقال فیه إنه فنی فی التوحید و إنه فنی فی نفسه و إلیه الإشارة بقول من قال كنا بنا ففنینا عنا فبقینا بلا نحن.

فهذه أمور معلومة عند ذوی البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن دركها و قصور قدرة العلماء عن إیضاحها و بیانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلی الأفهام و لاشتغالهم بأنفسهم و اعتقادهم أن بیان ذلك لغیرهم مما لا یغنیهم.

فهذا هو السبب فی قصور الأفهام عن معرفة اللّٰه تعالی و انضم إلیه أن المدركات كلها التی هی شاهدة علی اللّٰه إنما یدركها الإنسان فی الصبی عند فقد العقل قلیلا قلیلا و هو مستغرق الهم بشهواته و قد أنس بمدركاته و محسوساته إلفها فسقط وقعها عن قلبه بطول الأنس و لذلك إذا رأی علی سبیل الفجأة حیوانا غریبا أو فعلا من أفعال اللّٰه خارقا للعادة عجیبا انطلق لسانه بالمعرفة طبعا فقال سبحان اللّٰه و هو یری طول النهار نفسه و أعضاءه و سائر الحیوانات المألوفة و كلها شواهد قاطعة و لا یحس بشهادتها لطول الأنس بها و لو فرض أكمه بلغ عاقلا ثم انقشعت الغشاوة عن عینه فامتد بصره إلی السماء و الأرض و

الأشجار و النبات و الحیوان دفعة واحدة علی سبیل الفجأة یخاف علی عقله أن ینبهر لعظم تعجبه من شهادة هذه العجائب علی خالقها.

و هذا و أمثاله من الأسباب مع الانهماك فی الشهوات و هی التی سدت علی الخلق سبیل الاستضاءة بأنوار المعرفة و السباحة فی بحارها الواسعة و الجلیات إذا صارت مطلوبة صارت معتاصة(1)

فهذا سد الأمر فلیتحقق و لذلك قیل

ص: 141


1- 1. اعتاص علیه الامر: أی التوی، منه رحمه اللّٰه.

لقد ظهرت فلا تخفی علی أحد***إلا علی أكمه لا یعرف القمرا

لكن بطنت بما أظهرت محتجبا***فكیف یعرف من بالعرف استترا

وَ فِی كَلَامِ سَیِّدِ الشُّهَدَاءِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَیْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَی جَدِّهِ وَ أَبِیهِ وَ أُمِّهِ وَ أَخِیهِ وَ عَلَیْهِ وَ بَنِیهِ مَا یُرْشِدُكَ إِلَی هَذَا الْعِیَانِ بَلْ یُغْنِیكَ عَنْ هَذَا الْبَیَانِ حَیْثُ قَالَ فِی دُعَاءِ عَرَفَةَ: كَیْفَ یُسْتَدَلُّ عَلَیْكَ بِمَا هُوَ فِی وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَیْكَ أَ یَكُونُ لِغَیْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَیْسَ لَكَ حَتَّی یَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ مَتَی غِبْتَ حَتَّی تَحْتَاجَ إِلَی دَلِیلٍ یَدُلُّ عَلَیْكَ وَ مَتَی بَعُدْتَ حَتَّی تَكُونَ الْآثَارُ هِیَ الَّتِی تُوصِلُ إِلَیْكَ عَمِیَتْ عَیْنٌ لَا تَرَاكَ وَ لَا تَزَالُ عَلَیْهَا رَقِیباً وَ خَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِیباً وَ قَالَ أَیْضاً تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَیْ ءٍ فَمَا جَهِلَكَ شَیْ ءٌ وَ قَالَ تَعَرَّفْتَ إِلَیَّ فِی كُلِّ شَیْ ءٍ فَرَأَیْتُكَ ظَاهِراً فِی كُلِّ شَیْ ءٍ فَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَیْ ءٍ انْتَهَی.

و أقول قد مضی أكثر أخبار هذا الباب فی كتاب التوحید(1).

ص: 142


1- 1. راجع ج 3 ص 276- 282 من هذه الطبعة، باب الدین الحنیف و الفطرة و صبغة اللّٰه و التعریف فی المیثاق.

باب 5 فیما یدفع اللّٰه بالمؤمن

«1»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ التَّیْمِیِ (1)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَیَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِ الْوَاحِدِ عَنِ الْقَرْیَةِ الْفَنَاءَ(2).

بیان: عن القریة أی عن أهلها بحذف المضاف كما فی قوله تعالی وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ(3) و ذلك الدفع إما بدعائه أو ببركة وجوده فیهم.

«2»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: لَا یُصِیبُ قَرْیَةً عَذَابٌ وَ فِیهَا سَبْعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (4).

بیان: و یمكن رفع التنافی بینه و بین الأول بوجوه الأول أن الأول محمول علی النادر و الثانی علی الغالب أو الحتم الثانی أن یراد بالمؤمن فی الأول الكامل و فی الثانی غیره الثالث أن یحملا علی اختلاف المعاصی و استحقاق العذاب فیها فإنها مختلفة ففی القلیل و الخفیف منها یدفع بالواحد و فی الكثیر و الغلیظ منها

ص: 143


1- 1. منسوب الی تیم اللات، و الرجل علیّ بن الحسن بن فضال الفطحی الثقة. و فی نسخة الكمبانیّ« المیثمی» و هو تصحیف.
2- 2. الكافی ج 2 ص 247.
3- 3. یوسف: 82.
4- 4. الكافی ج 2 ص 247.

لا یدفع إلا بالسبعة مع أن المفهوم لا یعارض المنطوق.

«3»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ غَیْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قِیلَ لَهُ فِی الْعَذَابِ إِذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ یُصِیبُ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ نَعَمْ وَ لَكِنْ یَخْلُصُونَ بَعْدَهُ (1).

بیان: و لكن یخلصون بعده أی ینجون بعد نزول العذاب بهم فی البرزخ و القیامة فی المصباح خلص الشی ء من التلف خلوصا من باب قعد و خلاصا و مخلصا سلم و نجا و خلص الماء من الكدر صفا انتهی.

و یشكل الجمع بینه و بین الخبرین السابقین و یمكن الجمع بوجوه الأول حمل العذاب فی الأولین علی نوع منه كعذاب الاستیصال كما أنه سبحانه أخرج لوطا و أهله من بین قومه ثم أنزل العذاب علیهم و هذا الخبر علی نوع آخر كالوباء و القحط.

الثانی أن یحمل هذا علی النادر و ما مر علی الغالب علی بعض الوجوه.

الثالث حمل هذا علی أقل من السبعة و حمل الواحد علی النادر و ما قیل إن المراد بالخلاص الخلاص فی الدنیا فهو بعید مع أنه لا ینفع فی دفع التنافی.

ص: 144


1- 1. الكافی ج 2 ص 247.

باب 6 حقوق المؤمن علی اللّٰه عز و جل و ما ضمن اللّٰه تعالی له

«1»- ل، [الخصال] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ الْیَشْكُرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّی الْحَضْرَمِیِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَیْدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: لِلْمُؤْمِنِ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِشْرُونَ خَصْلَةً یَفِی لَهُ بِهَا لَهُ عَلَی اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَنْ لَا یَفْتِنَهُ وَ لَا یُضِلَّهُ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یُعْرِیَهُ وَ لَا یُجَوِّعَهُ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا

یُشْمِتَ بِهِ عَدُوَّهُ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یَهْتِكَ سِتْرَهُ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یَخْذُلَهُ وَ یُعِزَّهُ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یُمِیتَهُ غَرَقاً وَ لَا حَرَقاً وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یَقَعَ عَلَی شَیْ ءٍ وَ لَا یَقَعَ عَلَیْهِ شَیْ ءٌ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ یَقِیَهُ مَكْرَ الْمَاكِرِینَ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ یُعِیذَهُ مِنْ سَطَوَاتِ الْجَبَّارِینَ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ یَجْعَلَهُ مَعَنَا فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یُسَلِّطَ عَلَیْهِ مِنَ الْأَدْوَاءِ مَا یَشِینُ خِلْقَتَهُ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ یُعِیذَهُ مِنَ الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یُمِیتَهُ عَلَی كَبِیرَةٍ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یُنْسِیَهُ مَقَامَهُ فِی الْمَعَاصِی حَتَّی یُحْدِثَ تَوْبَةً وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یَحْجُبَ عَنْهُ عِلْمَهُ وَ مَعْرِفَتَهُ بِحُجَّتِهِ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یَغْرِزَ فِی قَلْبِهِ الْبَاطِلَ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ یَحْشُرَهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ نُورُهُ یَسْعَی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ یُوَفِّقَهُ لِكُلِّ خَیْرٍ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یُسَلِّطَ عَلَیْهِ عَدُوَّهُ فَیُذِلَّهُ وَ لَهُ عَلَی اللَّهِ أَنْ یَخْتِمَ لَهُ بِالْأَمْنِ وَ الْإِیمَانِ وَ یَجْعَلَهُ مَعَنَا فِی الرَّفِیقِ الْأَعْلَی هَذِهِ شَرَائِطُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْمُؤْمِنِینَ (1).

ص: 145


1- 1. الخصال: ج 2: 99.

بیان: قوله علیه السلام و لا یضله عطف تفسیر لقوله لا یفتنه و هتك الستر الفضیحة بالعیوب و المعاصی و ذكر البرص و الجذام بعد قوله ما یشین خلقه تخصیص بعد التعمیم و بذلك عدا شیئین و كذلك تسلیط العدو و سطوات الجبارین بینهما العموم و الخصوص فالمراد بالعدو غیر الجبارین أن لا یحجب عنه علمه أی بالحجة أو مطلقا بعد الفحص.

و فی المصباح غرزته غرزا من باب ضرب أثبته بالأرض و فی النهایة فی حدیث الدعاء و ألحقنی بالرفیق الأعلی الرفیق جماعة الأنبیاء الذین یسكنون أعلی علیین و هو اسم جاء علی فعیل و معناه الجماعة كالصدیق و الخلیط یقع علی الواحد و الجمع و منه قوله تعالی وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِیقاً(1) انتهی. ثم إن أكثر هذه الخصال یحتمل أن تكون مبنیة علی الغالب و مشروطة بالشرائط.

«2»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] الْمُفِیدُ عَنِ الصَّدُوقِ عَنِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ النَّخَعِیِّ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی ضَمِنَ لِلْمُؤْمِنِ ضَمَاناً قَالَ قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ ضَمِنَ لَهُ إِنْ أَقَرَّ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِیَّةِ وَ لِمُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله بِالنُّبُوَّةِ وَ لِعَلِیٍّ علیه السلام بِالْإِمَامَةِ وَ أَدَّی مَا افْتُرِضَ عَلَیْهِ أَنْ یُسْكِنَهُ فِی جِوَارِهِ قَالَ فَقُلْتُ هَذِهِ وَ اللَّهِ هِیَ الْكَرَامَةُ الَّتِی لَا تُشْبِهُهَا كَرَامَةُ الْآدَمِیِّینَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام اعْمَلُوا قَلِیلًا تَنَعَّمُوا كَثِیراً(2).

ثو، [ثواب الأعمال] ابن المتوكل: مثله (3).

ص: 146


1- 1. النساء: 69.
2- 2. أمالی الشیخ ص 195.
3- 3. ثواب الأعمال ص 5.

باب 7 الرضا بموهبة الإیمان و أنه من أعظم النعم و ما أخذ اللّٰه علی المؤمن من الصبر علی ما یلحقه من الأذی

«1»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] الْفَحَّامُ عَنِ الْمَنْصُورِیِّ عَنْ عَمِّ أَبِیهِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الثَّالِثِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیهم السلام قَالَ: إِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَی سَیِّدِنَا الصَّادِقِ علیه السلام فَشَكَا إِلَیْهِ الْفَقْرَ فَقَالَ لَیْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ وَ مَا أَعْرِفُكَ فَقِیراً قَالَ وَ اللَّهِ یَا سَیِّدِی مَا اسْتَبَنْتَ وَ ذَكَرَ مِنَ الْفَقْرِ قِطْعَةً وَ الصَّادِقُ علیه السلام یُكَذِّبُهُ إِلَی أَنْ قَالَ خَبِّرْنِی لَوْ أُعْطِیتَ بِالْبَرَاءَةِ مِنَّا مِائَةَ دِینَارٍ كُنْتَ تَأْخُذُ قَالَ لَا إِلَی أَنْ ذَكَرَ أُلُوفَ دَنَانِیرَ وَ الرَّجُلُ یَحْلِفُ أَنَّهُ لَا یَفْعَلُ فَقَالَ لَهُ مَنْ مَعَهُ سِلْعَةٌ یُعْطَی هَذَا الْمَالَ لَا یَبِیعُهَا هُوَ فَقِیرٌ؟.

بیان: ما استبنت أی ما حققت حالی و ما استوضحتها حیث لم تعرفنی فقیرا.

«2»- یر، [بصائر الدرجات] عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّی بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْهَیْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِی یُوسُفَ الْبَزَّازِ قَالَ: تَلَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَلَیْنَا هَذِهِ الْآیَةَ فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ (1) قَالَ أَ تَدْرِی مَا آلَاءُ اللَّهِ قُلْتُ لَا قَالَ هِیَ أَعْظَمُ نِعَمِ اللَّهِ عَلَی خَلْقِهِ وَ هِیَ وَلَایَتُنَا(2).

«3»- سن، [المحاسن] عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِی أُمَیَّةَ یُوسُفَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِی سَعِیدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنْ تَكُونُوا وَحْدَانِیِّینَ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله

ص: 147


1- 1. الأعراف: 74.
2- 2. بصائر الدرجات: ص 81.

وَحْدَانِیّاً یَدْعُو النَّاسَ فَلَا یَسْتَجِیبُونَ لَهُ وَ لَقَدْ كَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام وَ قَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی (1).

«4»- سن، [المحاسن] عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ شَجَرَةَ عَنْ عُبَیْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ أُنْساً یَسْكُنُ إِلَیْهِ حَتَّی لَوْ كَانَ عَلَی قُلَّةِ جَبَلٍ لَمْ یَسْتَوْحِشْ إِلَی مَنْ خَالَفَهُ (2).

بیان: القلة بالضم أعلی الجبل و قلة كل شی ء أعلاه یستوحش إلی من خالفه أی ممن خالفه و الظاهر لم یستوحش كما فی بعض النسخ بتضمین معنی المیل أی لم یستوحش من الوحدة فیمیل إلی من خالفه فی الدین و یأنس به فی القاموس الوحشة الهم و الخلوة و الخوف و استوحش وجد الوحشة.

«5»- سن، [المحاسن] عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ فُضَیْلٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی مَا تَرَدَّدْتُ فِی شَیْ ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِی عَنِ الْمُؤْمِنِ فَإِنِّی أُحِبُّ لِقَاءَهُ وَ یَكْرَهُ الْمَوْتَ فَأَزْوِیهِ عَنْهُ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَاحِدٌ لَاكْتَفَیْتُ بِهِ عَنْ جَمِیعِ خَلْقِی وَ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ أُنْساً لَا یَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَی أَحَدٍ(3).

«6»- سن، [المحاسن] عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْحَلَبِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لِیَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنِّی مُسْتَذِلُّ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنِ وَ مَا تَرَدَّدْتُ فِی شَیْ ءٍ كَتَرَدُّدِی فِی مَوْتِ الْمُؤْمِنِ إِنِّی لَأُحِبُّ لِقَاءَهُ وَ یَكْرَهُ الْمَوْتَ فَأَصْرِفُهُ عَنْهُ وَ إِنَّهُ لَیَدْعُونِی فِی أَمْرٍ فَأَسْتَجِیبُ لَهُ لِمَا هُوَ خَیْرٌ لَهُ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ فِی الدُّنْیَا إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ عَبِیدِی مُؤْمِنٌ لَاسْتَغْنَیْتُ بِهِ عَنْ جَمِیعِ خَلْقِی وَ لَجَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ

ص: 148


1- 1. المحاسن: 159.
2- 2. المحاسن: 159.
3- 3. المحاسن: 159 و 160.

أُنْساً لَا یَسْتَوْحِشُ فِیهِ إِلَی أَحَدٍ(1).

بیان: لیأذن بحرب منی أی لیعلم أنی أحاربه كنایة عن شدة غضبه علیه أو أنه فی حكم محاربی كما قال تعالی فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ (2) قال الطبرسی أی اعلموا بحرب و المعنی أنكم فی امتناعكم حرب لله و لرسوله قوله لاستغنیت به أی لأقمت نظام العالم و أنزلت الماء من السماء و رفعت عن الناس العذاب و البلاء لوجود هذا المؤمن لأن هذا یكفی لبقاء هذا النظام لا یستوحش فیه كان كلمة فی تعلیلیة و الضمیر للإیمان و لیست هذه الكلمة فی أكثر الروایات و هو أظهر.

«7»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّضْرِ عَنْ یَحْیَی الْحَلَبِیِّ عَنْ أَیُّوبَ بْنِ الْحُرِّ أَخِی أُدَیْمٍ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَا یَضُرُّ أَحَدَكُمْ أَنْ یَكُونَ عَلَی قُلَّةِ جَبَلٍ یَجُوعُ یَوْماً وَ یَشْبَعُ یَوْماً إِذَا كَانَ عَلَی دِینِ اللَّهِ (3).

«8»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی عَنْ رِبْعِیٍّ عَنْ فُضَیْلٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَلَامَةُ الدِّینِ وَ صِحَّةُ الْبَدَنِ خَیْرٌ مِنْ زِینَةِ الدُّنْیَا حَسْبُ (4).

«9»- عُدَّةُ الدَّاعِی، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لِیَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنِّی مَنْ آذَی عَبْدِیَ الْمُؤْمِنَ وَ لْیَأْمَنْ غَضَبِی مَنْ أَكْرَمَ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنَ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ مِنْ خَلْقِی فِی الْأَرْضِ فِیمَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَاحِدٌ مَعَ إِمَامٍ عَادِلٍ لَاسْتَغْنَیْتُ بِعِبَادَتِهِمَا عَنْ جَمِیعِ مَا خَلَقْتُ فِی أَرْضِی وَ لَقَامَتْ سَبْعُ أَرَضِینَ وَ سَبْعُ سَمَاوَاتٍ بِهِمَا وَ لَجَعَلْتُ لَهُمَا مِنْ إِیمَانِهِمَا أُنْساً لَا یَحْتَاجَانِ إِلَی الْبَشَرِ سِوَاهُمَا(5).

ص: 149


1- 1. المحاسن: 160.
2- 2. البقرة: 279.
3- 3. المحاسن: 160.
4- 4. المحاسن: 219.
5- 5. عدّة الداعی: 138.

«10»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنْ كُلَیْبِ بْنِ مُعَاوِیَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: مَا یَنْبَغِی لِلْمُؤْمِنِ أَنْ یَسْتَوْحِشَ إِلَی أَخِیهِ فَمَنْ دُونَهُ الْمُؤْمِنُ عَزِیزٌ فِی دِینِهِ (1).

بیان: أن یستوحش أی یجد الوحشة و لعله ضمن معنی المیل و السكون فعدی بإلی أی استوحش من الناس مائلا أو ساكنا إلی أخیه.

قال فی الوافی ضمن الاستیحاش معنی الاستیناس فعداه بإلی و إنما لا ینبغی له ذلك لأنه ذل فلعل أخاه الذی لیس فی مرتبته لا یرغب فی صحبته.

و قال بعضهم إلی بمعنی مع و المراد بأخیه أخوه النسبی و من موصولة و دون منصوب بالظرفیة و الضمیر لأخیه أی لا ینبغی للمؤمن أن یجد وحشة مع أخیه النسبی إذا كان كافرا فمن كان دون هذا الأخ من الأقارب و الأجانب و قیل أی لا ینبغی للمؤمن أن یستوحش من اللّٰه و من الإیمان به إلی أخیه فكیف من دونه إذ للمؤمن أنس بالإیمان و قرب الحق من غیر وحشة فلو انتفی الأنس و تحققت الوحشة انتفی الإیمان و القرب.

و أقول الأظهر ما ذكرنا أولا من أن المؤمن لا ینبغی أن یجد الوحشة من قلة أحبائه و موافقیه و كثرة أعدائه و مخالفیه فیأنس لذلك و یمیل إلی أخیه الدینی أو النسبی فمن دونه من الأعادی أو الأجانب و قوله المؤمن عزیز فی دینه جملة استئنافیة فكأنه یقول قائل لم لا یستوحش فیجیب بأنه منیع رفیع القدر بسبب دینه فلا یحتاج فی عزه و كرامته و غلبته إلی أن یمیل إلی أحد و یأنس به و الحاصل أن عزته بالدین لا بالعشائر و التابعین فكلمة فی سببیة.

و أقول فی بعض النسخ عمن دونه و فی بعضها عن دونه فهو صلة للاستیحاش أی یأنس بأخیه مستوحشا عمن هو غیره.

«11»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَیُّوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ وَ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ عَنْ فُضَیْلِ بْنِ یَسَارٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی

ص: 150


1- 1. الكافی ج 2 ص 245.

أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی مَرْضَةٍ مَرِضَهَا لَمْ یَبْقَ مِنْهُ إِلَّا رَأْسُهُ فَقَالَ یَا فُضَیْلُ إِنَّنِی كَثِیراً مَا أَقُولُ مَا عَلَی رَجُلٍ عَرَّفَهُ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ لَوْ كَانَ فِی رَأْسِ جَبَلٍ حَتَّی یَأْتِیَهُ الْمَوْتُ یَا فُضَیْلَ بْنَ یَسَارٍ إِنَّ النَّاسَ أَخَذُوا یَمِیناً وَ شِمَالًا وَ إِنَّا وَ شِیعَتَنَا هُدِینَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ یَا فُضَیْلَ بْنَ یَسَارٍ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَوْ أَصْبَحَ لَهُ (1) مَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ كَانَ ذَلِكَ خَیْراً لَهُ وَ لَوْ أَصْبَحَ مُقَطَّعاً أَعْضَاؤُهُ كَانَ ذَلِكَ خَیْراً لَهُ یَا فُضَیْلَ بْنَ یَسَارٍ إِنَّ اللَّهَ لَا یَفْعَلُ بِالْمُؤْمِنِ إِلَّا مَا هُوَ خَیْرٌ لَهُ یَا فُضَیْلَ بْنَ یَسَارٍ لَوْ عَدَلَتِ الدُّنْیَا عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَی عَدُوَّهُ مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ یَا فُضَیْلَ بْنَ یَسَارٍ إِنَّهُ مَنْ كَانَ هَمُّهُ هَمّاً وَاحِداً كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّهُ (2)

وَ مَنْ كَانَ هَمُّهُ فِی كُلِّ وَادٍ لَمْ یُبَالِ اللَّهُ بِأَیِّ وَادٍ هَلَكَ (3).

محص، [التمحیص] عن الفضیل: مثله بأدنی تغییر و اختصار بیان فی مرضة بالفتح أو بالتحریك و كلاهما مصدر مرضها أی مرض بها و قیل البارز فی مرضها مفعول مطلق للنوع لم یبق منه إلا رأسه من للتبعیض و الضمیر للإمام علیه السلام أی من أعضائه أو للتعلیل و الضمیر للمرض و الأول أظهر و المعنی أنه نحف جمیع أعضائه و هزلت حتی كأنه لم یبق منها شی ء إلا رأسه فإنه لقلة لحمه لا یعتریه الهزال كثیرا أو المراد أنه لم یبق قوة الحركة فی شی ء من أعضائه إلا فی رأسه و الأول أظهر.

كثیرا ما أقول ما زائدة للإبهام و ما فی قوله ما علی رجل نافیة أو استفهامیة للإنكار و حاصلهما واحد أی لا ضرر و لا وحشة علیه أخذوا یمینا و شمالا أی عدلوا عن الصراط المستقیم إلی أحد جانبیه من الإفراط كالخوارج أو التفریط كالمخالفین له ما بین المشرق أی و الحال أن له ما بینهما أو أصبح بمعنی صار مقطعا علی بناء المفعول للتكثیر أعضاؤه

ص: 151


1- 1. فی التمحیص: لو أصبح له ملك ما بین المشرق إلخ.
2- 2. فی التمحیص: كفاه اللّٰه ما أهمه.
3- 3. الكافی ج 2 ص 246.

بدل اشتمال من الضمیر المستتر فی مقطعا و منهم من قرأ أعضاء بالنصب علی التمیز.

و قوله علیه السلام إن اللّٰه لا یفعل بالمؤمن تعلیل لهاتین الجملتین فإنه تعالی لو أعطی جمیع الدنیا المؤمن لم یكن ذلك علی سبیل الاستدراج بل لأنه علم أنه یشكره و یصرفه فی مصارف الخیر و لا یصیر ذلك سببا لنقص قدره عند اللّٰه كما فعل ذلك بسلیمان علیه السلام بخلاف ما إذا فعل ذلك بغیر المؤمن فإنه لإتمام الحجة علیه و استدراجه فیصیر سببا لشدة عذابه و كذا إذا قدر للمؤمن تقطیع أعضائه فإنما هو لمزید قربه عنده تعالی و رفعة درجاته فی الآخرة فینبغی أن یشكره سبحانه فی الحالتین و یرضی بقضائه فیهما.

و لما كان الغالب فی الدنیا فقر المؤمنین و ابتلائهم بأنواع البلاء و غنی الكفار و الأشرار و الجهال رغب الأولین بالصبر و حذر الآخرین عن الاغترار بالدنیا و الفخر بقوله علیه السلام لو عدلت الدنیا عند اللّٰه جناح بعوضة ما سقی عدوه منها شربة ماء فما أعطاه أعداءه لیس لكرامتهم عنده بل لهوانهم علیه و لذا لم یعطهم من الآخرة التی لها عنده قدر و منزلة شیئا و قد قال تعالی وَ لَوْ لا

أَنْ یَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ یَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ (1) إنه من كان همه هما واحدا الهم القصد و العزم و الحزن و الحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا و هو طلب دین الحق و رضی اللّٰه تعالی و قربه و طاعته و لم یخلطه بالأغراض النفسانیة و الأهواء الباطلة فإن الحق واحد و للباطل شعب كثیرة أو غرضه فی العبادات قربه تعالی و رضاه دون الأغراض الدنیویة كفاه اللّٰه همه أی أعانه علی تحصیل ذلك المقصود و نصره علی النفس و الشیطان و جنود الجهل و من كان همه فی كل واد من أودیة الضلالة و الجهالة لم یبال اللّٰه بأی واد هلك أی صرف اللّٰه لطفه و توفیقه عنه و تركه مع نفسه و

ص: 152


1- 1. الزخرف: 33.

أهوائها حتی یهلك باختیار واحد من الأدیان الباطلة أو الأغراض الباطلة أو كل واد من أودیة الدنیا و كل شعبة من شعب أهواء النفس الأمارة بالسوء من حب المال و الجاه و الشرف و العلو و لذة المطاعم و المشارب و الملابس و المناكح و غیر ذلك من الأمور الفانیة الباطلة.

و الحاصل أن من اتبع الشهوات النفسانیة أو الآراء الباطلة و لم یصرف نفسه عن مقتضاها إلی دین الحق و طاعة اللّٰه و ما یوجب قربه لم یمدده اللّٰه بنصره و توفیقه و لم یكن له عند اللّٰه قدر و منزلة و لم یبال بأی طریق سلك و لا فی أی واد هلك و قیل بأی واد من أودیة جهنم و قیل یمكن أن یراد بالهم الواحد القصد إلی اللّٰه و التوكل علیه فی جمیع الأمور فإنه تعالی یكفیه هم الدنیا و الآخرة بخلاف من اعتمد علی رأیه و قطع علاقة التوكل عن نفسه و یحتمل أن یكون المراد بالهم الحزن و الغم أی من كان حزنه للآخرة كفاه اللّٰه ذلك و أوصله إلی سرور الأبد و من كان حزنه للدنیا وكله اللّٰه إلی نفسه حتی یهلك فی واد من أودیة أهوائها.

«12»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ عَنْ فُضَیْلِ بْنِ یَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْمُخْتَارِ الْأَنْصَارِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: یَا عَبْدَ الْوَاحِدِ مَا یَضُرُّ رَجُلًا إِذَا كَانَ عَلَی ذَا الرَّأْیِ مَا قَالَ النَّاسُ لَهُ وَ لَوْ قَالُوا مَجْنُونٌ وَ مَا یَضُرُّهُ وَ لَوْ كَانَ عَلَی رَأْسِ جَبَلٍ یَعْبُدُ اللَّهَ حَتَّی یَجِیئَهُ الْمَوْتُ (1).

بیان: ما یضر ما نافیة و یحتمل الاستفهام علی الإنكار علی ذا الرأی أی علی هذا الرأی و هو التشیع ما قال فاعل ما یضره و لو قالوا مجنون فإن هذا أقصی ما یمكن أن یقال فیه كما قالوا فی الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و ما یضره أی قول الناس و هذا أیضا یحتمل الاستفهام علی الإنكار و لو كان علی رأس جبل أی لكثرة قول الناس فیه هربا من أقوالهم فیه و ضررهم یعبد اللّٰه

ص: 153


1- 1. الكافی ج 2 ص 245.

حال أو استئناف كأنه سئل كیف لا یضره ذلك قال لأنه یعبد اللّٰه حتی یأتیه الموت.

«13»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْمُعَلَّی عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَوْ لَمْ یَكُنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَاحِدٌ لَاسْتَغْنَیْتُ بِهِ عَنْ جَمِیعِ خَلْقِی وَ لَجَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ أُنْساً لَا یَحْتَاجُ إِلَی أَحَدٍ(1).

بیان: یحتمل أن یكون هذا المؤمن الواحد الإمام أو لا بد من أحد غیره یؤمن به و الأول أظهر لما مر من كون إبراهیم علیه السلام أمة و قد مر ما یؤید الثانی أیضا و أما كون الإیمان سببا للأنس و عدم الاستیحاش لأنه یتفكر فی اللّٰه و صفاته و فی صفات الأنبیاء و الأئمة علیهم السلام و حالاتهم و فی درجات الآخرة و نعمها و یتلو كتاب اللّٰه و یدعوه فیعبده فیأنس به سبحانه كما سئل عن راهب لم لا تستوحش عن الخلوة قال لأنی إذا أردت أن یكلمنی أحد أتلو كتاب اللّٰه و إذا أردت أن أكلم أحدا أناجی اللّٰه.

«14»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ أَبِی نَصْرٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُوسَی عَنِ ابْنِ یَسَارٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: مَا یُبَالِی مَنْ عَرَّفَهُ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ أَنْ یَكُونَ عَلَی قُلَّةِ جَبَلٍ یَأْكُلُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ حَتَّی یَأْتِیَهُ الْمَوْتُ (2).

بیان: ما یبالی خبر أو المعنی ینبغی أن لا یبالی من عرفه هذا الأمر أی دین الإمامیة.

«15»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ مَنْصُورٍ الصَّیْقَلِ وَ الْمُعَلَّی بْنِ خُنَیْسٍ قَالا سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَا تَرَدَّدْتُ فِی شَیْ ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِی فِی مَوْتِ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنِ إِنَّنِی لَأُحِبُّ لِقَاءَهُ وَ یَكْرَهُ الْمَوْتَ فَأَصْرِفُهُ عَنْهُ وَ إِنَّهُ

ص: 154


1- 1. الكافی ج 2 ص 245.
2- 2. المصدر ج 2 ص 245.

لَیَدْعُونِی فَأُجِیبُهُ وَ إِنَّهُ لَیَسْأَلُنِی فَأُعْطِیهِ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ فِی الدُّنْیَا إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ عَبِیدِی مُؤْمِنٌ لَاسْتَغْنَیْتُ بِهِ عَنْ جَمِیعِ خَلْقِی وَ لَجَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ أُنْساً لَا یَسْتَوْحِشُ إِلَی أَحَدٍ(1).

تبیین: ما ترددت فی شی ء هذا الحدیث من الأحادیث المشهورة بین الفریقین و من المعلوم أنه لم یرد التردد المعهود من الخلق فی الأمور التی یقصدونها فیترددون فی إمضائها إما لجهلهم بعواقبها أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع و نحوه و لهذا قال أنا فاعله أی لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله أو المراد به التردد فی التقدیم و التأخیر لا فی أصل الفعل و علی التقدیرین فلا بد فیه من تأویل و فیه وجوه عند الخاصة و العامة أما عند الخاصة فثلاثة.

الأول أن فی الكلام إضمارا و التقدیر لو جاز علی التردد ما ترددت فی شی ء كترددی فی وفاة المؤمن.

الثانی أنه لما جرت العادة بأن یتردد الشخص فی مساءة من یحترمه و یوقره كالصدیق و أن لا یتردد فی مساءة من لیس له عنده قدر و لا حرمة كالعدو بل یوقعها من غیر تردد و تأمل صح أن یعبر عن توقیر الشخص و احترامه بالتردد و عن إذلاله و احتقاره بعدمه فالمعنی لیس لشی ء من مخلوقاتی عندی قدر و حرمة كقدر عبدی المؤمن و حرمته فالكلام من قبیل الاستعارة التمثیلیة.

الثالث أنه ورد من طریق الخاصة و العامة أن اللّٰه سبحانه یظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف و الكرامة و البشارة بالجنة ما یزیل عنه كراهة الموت و یوجب رغبته فی الانتقال إلی دار القرار فیقل تأذیه به و یصیر راضیا بنزوله و راغبا فی حصوله فأشبهت هذه المعاملة معاملة من یرید أن یؤلم حبیبه ألما یتعقبه نفع عظیم فهو یتردد فی أنه كیف یوصل هذا الألم إلیه علی وجه یقل تأذیه.

فلا یزال یظهر له ما یرغبه فیما یتعقبه من اللذة الجسمیة و الراحة العظیمة

ص: 155


1- 1. الكافی ج 2: 246.

إلی أن یتلقاه بالقبول و یعده من الغنائم المؤدیة إلی إدراك المأمول فیكون فی الكلام استعارة تمثیلیة.

و أما وجوهه عند العامة فهی أیضا ثلاثة الأول أن معناه ما تردد عبدی المؤمن فی شی ء أنا فاعله كتردده فی قبض روحه فإنه متردد بین إرادته للبقاء و إرادتی للموت فأنا ألطفه و أبشره حتی أصرفه عن كراهة الموت فأضاف سبحانه تردد نفس ولیه إلی ذاته المقدسة كرامة و تعظیما له كما یقول غدا یوم القیامة لبعض من یعاتبه من المؤمنین فی تقصیره عن تعاهد ولی من أولیائه عبدی مرضت فلم تعدنی فیقول كیف تمرض و أنت رب العالمین فیقول مرض عبدی فلان فلم تعده فلو عدته لوجدتنی عنده و كما أضاف مرض ولیه و سقمه إلی عزیز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده و تنویها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد إلی ذاته لذلك.

الثانی أن ترددت فی اللغة بمعنی رددت مثل قولهم فكرت و تفكرت و دبرت و تدبرت فكأنه یقول ما رددت ملائكتی و رسلی فی أمر حكمت بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدی المؤمن فارددهم فی إعلامه بقبضی له و تبشیره بلقائی و بما أعددت له عندی كما ردد ملك الموت علیه السلام إلی إبراهیم و موسی علیهما السلام فی القصتین المشهورتین إلی أن اختار الموت فقبضهما كذلك خواص المؤمنین من الأولیاء یرددهم إلیهم رفقا و كرامة لیمیلوا إلی الموت و یحبوا لقاءه تعالی.

الثالث أن معناه ما رددت الأعلال و الأمراض و البر و اللطف و الرفق حتی یری بالبر عطفی و كرمی فیمیل إلی لقائی طمعا و بالبلایا و العلل فیتبرم بالدنیا و لا یكره الخروج منها.

و ما دل علیه هذا الحدیث من أن المؤمن یكره الموت لا ینافی ما دلت الروایات الكثیرة علیه من أن المؤمن یحب لقاء اللّٰه و لا یكرهه إما لما ذكره

ص: 156

الشهید فی الذكری من أن حب لقاء اللّٰه غیر مقید بوقت فیحمل علی حال الاحتضار و معاینة ما یحب فإنه لیس شی ء حینئذ أحب إلیه من الموت و لقاء اللّٰه أو لأنه یكره الموت من حیث التألم به و هما متغایران و كراهة أحد المتغایرین لا یوجب كراهة الآخر أو لأن حب لقاء اللّٰه یوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه و هو یستلزم كراهة الموت القاطع له و اللازم لا ینافی الملزوم قوله تعالی و إنه لیدعونی بأن یقول یا اللّٰه مثلا فأجیبه بأن یقول له لبیك مثلا و إنه لیسألنی أی یطلب حاجته كأن یقول اصرف عنی الموت لاستغنیت به أی اكتفیت به فی إبقاء نظام العالم للمصلحة و ضمن یستوحش معنی الاحتیاج و نحوه فعدی بإلی كما مر.

باب 8 قلة عدد المؤمنین و أنه ینبغی أن لا یستوحشوا لقلتهم و أنس المؤمنین بعضهم ببعض

الآیات:

قال تعالی: وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّكُورُ(1)

و قال: وَ قَلِیلٌ ما هُمْ (2)

و قال: وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِیلٌ (3)

و قال سبحانه: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ (4)

و قال: وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا یَشْكُرُونَ (5)

ص: 157


1- 1. سبأ: 13.
2- 2. ص: 24.
3- 3. هود: 40.
4- 4. العنكبوت: 63.
5- 5. یونس: 60 النمل: 73.

و أقول:

مثله كثیر فی القرآن و الغرض رفع ما یسبق إلی الأوهام العامیة أن الكثرة دلیل الحقیة و القلة دلیل البطلان و لذا یمیل أكثر الناس إلی السواد الأعظم مع أن فی أعصار جمیع الأنبیاء كان أعداؤهم أضعاف أضعاف أتباعهم و أولیائهم و قد ذم الكثیر و مدح القلیل الرب الجلیل فی التنزیل و اللّٰه یهدی إلی سواء السبیل.

«1»- نهج، [نهج البلاغة] قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: أَیُّهَا النَّاسُ لَا تَسْتَوْحِشُوا فِی طَرِیقِ الْهُدَی لِقِلَّةِ أَهْلِهِ فَإِنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَی مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِیرٌ وَ جُوعُهَا طَوِیلٌ (1).

بیان: لما كانت العادة جاریة بأن یستوحش الناس من الوحدة و قلة الرفیق فی الطریق لا سیما إذا كان طویلا صعبا غیر مأنوس فنهی عن الاستیحاش فی تلك الطریق و كنی به عما عساه یعرض لبعضهم من الوسوسة بأنهم لیسوا علی الحق لقلتهم و كثرة مخالفیهم كما أشرنا إلیه.

و أیضا قلة العدد فی الطرق الحسیة مظنة الهلاك و السلامة مع الكثرة فنبههم علیه السلام علی أنهم فی طریق الهدی و السلامة و إن كانوا قلیلین و لا یجوز مقایسة طرق الآخرة بطرق الدنیا.

ثم نبه علی علة قلة أهل طریق أهل الهدی و هی اجتماع الناس علی الدنیا فقال فإن الناس و استعار للدنیا المائدة لكونهما مجتمع اللذات و كنی عن قصر مدتها بقصر شبعها و عن استعقاب الانهماك فیها للعذاب الطویل فی الآخرة بطول جوعها.

قیل و لفظ الجوع مستعار للحاجة الطویلة بعد الموت إلی المطاعم الحقیقیة الباقیة من الكمالات النفسانیة و هو بسبب الغفلة فی الدنیا فلذلك نسب الجوع إلیها.

«2»- صِفَاتُ الشِّیعَةِ لِلصَّدُوقِ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ قَیْسٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ

ص: 158


1- 1. نهج البلاغة: 442، الخطبة 199.

علیه السلام قَالَ: قَالَ لِی كَمْ شِیعَتُنَا بِالْكُوفَةِ قَالَ قُلْتُ خَمْسُونَ أَلْفاً فَمَا زَالَ یَقُولُ إِلَی أَنْ قَالَ وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنْ یَكُونَ بِالْكُوفَةِ خَمْسَةٌ وَ عِشْرُونَ رَجُلًا یَعْرِفُونَ أَمْرَنَا الَّذِی نَحْنُ عَلَیْهِ وَ لَا یَقُولُونَ عَلَیْنَا إِلَّا الْحَقَ (1).

«3»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ قُتَیْبَةَ الْأَعْشَی قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: الْمُؤْمِنَةُ أَعَزُّ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَ الْمُؤْمِنُ أَعَزُّ مِنَ الْكِبْرِیتِ الْأَحْمَرِ فَمَنْ رَأَی مِنْكُمُ الْكِبْرِیتَ الْأَحْمَرَ(2).

بیان: فی القاموس عز یعز عزا و عزة بكسرهما صار عزیزا كتعزز و قوی بعد ذلة و الشی ء قل فلا یكاد یوجد فهو عزیز(3)

و قال الكبریت من الحجارة الموقد بها و الیاقوت الأحمر و الذهب و جوهر معدنه خلف التبت بوادی النمل (4) انتهی.

و المشهور أن الكبریت الأحمر هو الجوهر الذی یطلبه أصحاب الكیمیاء و هو الإكسیر و حاصل الحدیث أن المرأة المتصفة بصفات الإیمان أقل وجودا من الرجل المتصف بها و الرجل المتصف بها أعز وجودا من الإكسیر الذی لا یكاد یوجد ثم أكد قلة وجود الكبریت بقوله فمن رأی منكم و هو استفهام إنكاری أی إذا لم تروا الكبریت الأحمر فكیف تطمعون فی رؤیة المؤمن الكامل الذی هو أعز وجودا منه أو فی كثرته.

«4»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِی نَجْرَانَ عَنْ مُثَنًّی الْحَنَّاطِ عَنْ كَامِلٍ التَّمَّارِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: النَّاسُ كُلُّهُمْ بَهَائِمُ ثَلَاثاً إِلَّا قَلِیلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِنُ غَرِیبٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (5).

ص: 159


1- 1. صفات الشیعة ص 170.
2- 2. الكافی ج 2: 242.
3- 3. القاموس ج 2 ص 182.
4- 4. المصدر ج 1 ص 155.
5- 5. الكافی ج 2 ص 242.

بیان: كلهم بهائم أی شبیه بها فی عدم العقل و إدراك الحق و غلبة الشهوات النفسانیة علی القوی العقلانیة كما قال تعالی إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلًا إلا قلیل كذا فی أكثر النسخ و فی بعضها إلا قلیلا و هو أصوب.

المؤمن غریب لأنه قلما یجد مثله فیسكن إلیه فهو بین الناس كالغریب الذی بعد عن أهله و وطنه و دیاره ثلاث مرات أی قال هذا الكلام ثلاث مرات و كذا قوله ثلاثا و فی بعض النسخ عزیز مكان غریب.

«5»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ لِأَبِی بَصِیرٍ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَنِّی أَجِدُ مِنْكُمْ ثَلَاثَةَ مُؤْمِنِینَ یَكْتُمُونَ حَدِیثِی مَا اسْتَحْلَلْتُ أَنْ أَكْتُمَهُمْ حَدِیثاً(1).

بیان: ثلاثة مؤمنین ثلاثة إما بالتنوین و مؤمنین صفتها أو بالإضافة فمؤمنین تمیز و یدل علی أن المؤمن الكامل الذی یستحق أن یكون صاحب أسرارهم و حافظها قلیل و أنهم كانوا یتقون من أكثر الشیعة كما كانوا یتقون من المخالفین لأنهم كانوا یذیعون فیصل ذلك إما إلی خلفاء الجور فیتضررون علیهم السلام منهم أو إلی نواقص العقول الذین لا یمكنهم فهمها فیصیر سببا لضلالتهم.

و یمكن أن یقال فی سبب تعیین الثلاثة إن الواحد لا یمكنه ضبط السر و كذا الاثنان و أما إذا كانوا ثلاثة فیأنس بعضهم ببعض و یذكرون ذلك فیما بینهم فلا یضیق صدرهم و یخف علیهم الاستتار عن غیرهم كما هو المجرب.

«6»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِیِّ عَنْ سَدِیرٍ الصَّیْرَفِیِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقُلْتُ لَهُ وَ اللَّهِ مَا یَسَعُكَ الْقُعُودُ قَالَ وَ لِمَ یَا سَدِیرُ قُلْتُ لِكَثْرَةِ مَوَالِیكَ وَ شِیعَتِكَ وَ أَنْصَارِكَ وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام مَا لَكَ مِنَ الشِّیعَةِ وَ الْأَنْصَارِ وَ الْمَوَالِی مَا طَمِعَ فِیهِ تَیْمٌ وَ لَا عَدِیٌ

ص: 160


1- 1. الكافی ج 2: 242.

فَقَالَ یَا سَدِیرُ كَمْ عَسَی أَنْ یَكُونُوا قُلْتُ مِائَةَ أَلْفٍ قَالَ مِائَةَ أَلْفٍ قُلْتُ نَعَمْ وَ مِائَتَیْ أَلْفٍ فَقَالَ وَ مِائَتَیْ أَلْفٍ قُلْتُ نَعَمْ وَ نِصْفَ الدُّنْیَا قَالَ فَسَكَتَ عَنِّی ثُمَّ قَالَ یَخِفُّ عَلَیْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا إِلَی یَنْبُعَ قُلْتُ نَعَمْ فَأَمَرَ بِحِمَارٍ وَ بَغْلٍ أَنْ یُسْرَجَا فَبَادَرْتُ فَرَكِبْتُ الْحِمَارَ فَقَالَ یَا سَدِیرُ تَرَی أَنْ تُؤْثِرَنِی بِالْحِمَارِ قُلْتُ الْبَغْلُ أَزْیَنُ وَ أَنْبَلُ قَالَ الْحِمَارُ أَرْفَقُ بِی فَنَزَلْتُ فَرَكِبَ الْحِمَارَ وَ رَكِبْتُ الْبَغْلَ فَمَضَیْنَا فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَقَالَ یَا سَدِیرُ انْزِلْ بِنَا نُصَلِّی ثُمَّ قَالَ هَذِهِ أَرْضٌ سَبِخَةٌ لَا یَجُوزُ الصَّلَاةُ فِیهَا فَسِرْنَا حَتَّی صِرْنَا إِلَی أَرْضٍ حَمْرَاءَ وَ نَظَرَ إِلَی غُلَامٍ یَرْعَی جِدَاءً فَقَالَ وَ اللَّهِ یَا سَدِیرُ لَوْ كَانَ لِی شِیعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِی الْقُعُودُ وَ نَزَلْنَا وَ صَلَّیْنَا فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلَاةِ عَطَفْتُ إِلَی الْجِدَاءِ فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِیَ سَبْعَةَ عَشَرَ(1).

بیان: سدیر كأمیر ما یسعك القعود أی ترك القتال و الجهاد و فی المصباح قعد عن حاجته تأخر عنها و الموالی الأحباء المخلصون من الشیعة و تیم قبیلة أبی بكر و عدی قبیلة عمر أی ما طمع من غصب خلافته التیمی و العدوی أو قبیلتهما قال مائة ألف علی سبیل التعجب و الإنكار یخف علیك بكسر الخاء أی یسهل و لا یثقل و فی القاموس خف القوم ارتحلوا مسرعین.

و قال ینبع كینصر حصن له عیون و نخیل و زروع بطریق حاج مصر(2) و فی النهایة علی سبع مراحل من المدینة من جهة البحر انتهی و قیل علی أربع مراحل و هو من أوقاف أمیر المؤمنین علیه السلام و هو علیه السلام أجری عینه كما یظهر من الأخبار.

أن یسرجا بدل اشتمال لقوله حمار و بغل أزین أی الزینة فی

ص: 161


1- 1. الكافی ج 2 ص 242.
2- 2. القاموس ج 3: 87.

ركوبه أكثر و عند الناس أحسن و فی القاموس النبل بالضم الذكاء و النجابة نبل ككرم نبالة فهو نبیل و امرأة نبیلة فی الحسن بینة النبالة و كذا الناقة أو الفرس و الرجل (1)

و الحاصل أنی إنما اخترت لك البغل لأنه أشرف و أفضل و اختار علیه السلام الحمار لأن التواضع فیه أكثر مع سهولة الركوب و النزول و السیر.

فحانت الصلاة أی قرب أو دخل وقتها فی القاموس حان یحین قرب و آن و كأن الأمر بالنزول أولا ثم الإعراض عنه للتنبیه علی عدم جواز الصلاة فیها و فی المشهور محمول علی الكراهة إلا أن یحصل الاستقرار و سیأتی فی كتاب الصلاة و كره الصلاة فی السبخة إلا أن تكون مكانا لینا تقع علیه الجبهة مستویا و سنتكلم علیه إن شاء اللّٰه.

و قال الجوهری الجدی من ولد المعز و ثلاثة أجد فإذا كثرت فهی الجداء و لا تقل الجدایا و لا الجدی بكسر الجیم (2)

و قال عطفت أی ملت و یومئ إلی أن الصاحب علیه السلام مع كثرة من یدعی التشیع لیست له شیعة واقعیة بهذا العدد و قیل أی لا بد أن یكون فی عسكر الإمام علیه السلام هذا العدد من المخلصین حتی یمكنه طلب حقه بهذا العسكر لا أن هذا العدد كاف فی جواز الخروج.

«7»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَالَ لِی عَبْدٌ صَالِحٌ علیه السلام یَا سَمَاعَةُ أَمِنُوا عَلَی فُرُشِهِمْ وَ أَخَافُونِی أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كَانَتِ الدُّنْیَا وَ مَا فِیهَا إِلَّا وَاحِدٌ یَعْبُدُ اللَّهَ وَ لَوْ كَانَ مَعَهُ غَیْرُهُ لَأَضَافَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِ حَیْثُ یَقُولُ- إِنَّ إِبْراهِیمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِیفاً وَ لَمْ یَكُ مِنَ الْمُشْرِكِینَ (3) فَصَبَرَ(4)

بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ آنَسَهُ بِإِسْمَاعِیلَ وَ إِسْحَاقَ فَصَارُوا ثَلَاثَةً

ص: 162


1- 1. القاموس ج 4 ص 54.
2- 2. الصحاح: 2299.
3- 3. النحل: 120.
4- 4. فغبر، خ ل- كما فی متن الكافی.

أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَقَلِیلٌ وَ إِنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ كَثِیرٌ أَ تَدْرِی لِمَ ذَاكَ فَقُلْتُ لَا أَدْرِی جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ صُیِّرُوا أُنْساً لِلْمُؤْمِنِینَ یَبُثُّونَ إِلَیْهِمْ مَا فِی صُدُورِهِمْ فَیَسْتَرِیحُونَ إِلَی ذَلِكَ وَ یَسْكُنُونَ إِلَیْهِ (1).

بیان: أخافونی أی بالإذاعة و ترك التقیة و الضمیر فی أمنوا راجع إلی المدعین للتشیع الذین لم یطیعوا أئمتهم فی التقیة و ترك الإذاعة و أشار بذلك إلی أنهم لیسوا بشیعة لنا ثم ذكر لرفع استبعاد السائل عن قلة المخلصین بقوله لقد كانت الدنیا و ما فیها الواو للحال و ما نافیة و لو كان معه غیره أی من أهل الإیمان لأضافه اللّٰه عز و جل إلیه لأن الغرض ذكر أهل الإیمان التاركین للشرك حیث قال و لم یك من المشركین فلو كان معه غیره من المؤمنین لذكره معه.

إِنَّ إِبْراهِیمَ كانَ أُمَّةً قال فی مجمع البیان (2) اختلف فی معناه فقیل قدوة و معلما للخیر قال ابن الأعرابی یقال للرجل العالم أمة و قیل أراد إمام هدی و قیل سماه أمة لأن قوام الأمة كان فیه و قیل لأنه قام بعمل أمة و قیل لأنه انفرد فی دهره بالتوحید فكان مؤمنا وحده و الناس كفار قانِتاً لِلَّهِ أی مطیعا دائما علی عبادته و قیل مصلیا حَنِیفاً أی مستقیما علی الطاعة و طریق الحق و هو الإسلام وَ لَمْ یَكُ مِنَ الْمُشْرِكِینَ بل كان موحدا انتهی.

و قیل یحتمل أن یكون من للابتداء أی لم یكن فی آبائه مشرك و هو بعید و فی النهایة فی حدیث قس أنه یبعث یوم القیامة أمة واحدة الأمة الرجل المتفرد بدین كقوله تعالی إِنَّ إِبْراهِیمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ انتهی.

و أقول كأن هذا كان بعد وفاة لوط علیه السلام أو أنه لما لم یكن معه و كان مبعوثا علی قوم آخر لم یكن ممن یؤنسه و یقویه علی أمره فی قومه فغبر بذلك

ص: 163


1- 1. الكافی ج 2: 243.
2- 2. مجمع البیان ج 6: 391.

فی أكثر النسخ بالغین المعجمة و الباء الموحدة أی مكث أو مضی و ذهب كما فی القاموس فعلی الأول فیه ضمیر مستتر راجع إلی إبراهیم و علی الثانی فاعله ما شاء اللّٰه و فی بعض النسخ فصبر فهو موافق للأول و فی بعضها بالعین المهملة فهو موافق للثانی.

و إن أهل الكفر كثیر المراد بالكفر هنا مقابل الإیمان الكامل كما قال سبحانه وَ ما یُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (1) أ تدری لم ذاك هذا بیان لحقیة هذا الكلام أی قلة عدد المؤمنین مع أنهم بحسب الظاهر كثیرون أو لأن اللّٰه تعالی لم جعل هؤلاء

فی صورة المؤمنین أو لم خلقهم و المعنی علی التقادیر أن اللّٰه جعل هؤلاء المتشیعة أنسا للمؤمنین لئلا یستوحشوا لقلتهم أو یكون علة لخروج هؤلاء عن الإیمان فالمعنی أن اللّٰه تعالی جعل المخالفین أنسا للمؤمنین فیبثون أی المؤمنون إلی المخالفین أسرار أئمتهم فبذلك خرجوا عن الإیمان.

و یؤید الاحتمالات المتقدمة خبر علی بن جعفر(2)

فیستریحون إلی ذلك إلی بمعنی مع أو ضمن فی متعلقه معنی التوجه و نحوه.

«8»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنِ النَّضْرِ عَنْ یَحْیَی بْنِ أَبِی خَالِدٍ الْقَمَّاطِ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْیَنَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أَقَلَّنَا لَوِ اجْتَمَعْنَا عَلَی شَاةٍ مَا أَفْنَیْنَاهَا فَقَالَ أَ لَا أُحَدِّثُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ ذَهَبُوا إِلَّا وَ أَشَارَ بِیَدِهِ ثَلَاثَةً قَالَ حُمْرَانُ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا حَالُ عَمَّارٍ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ عَمَّاراً أَبَا الْیَقْظَانِ بَایَعَ وَ قُتِلَ شَهِیداً فَقُلْتُ فِی نَفْسِی مَا شَیْ ءٌ أَفْضَلَ مِنَ الشَّهَادَةِ فَنَظَرَ إِلَیَّ فَقَالَ لَعَلَّكَ تَرَی أَنَّهُ مِثْلُ الثَّلَاثَةِ أَیْهَاتَ أَیْهَاتَ (3).

بیان: ما أقلنا صیغة تعجب ما أفنیناها أی ما نقدر علی أكل جمیعها و أشار كلام الراوی و المراد به الإشارة بثلاثة أصابع من یده علیه السلام و ثلاثة كلام الإمام و المراد بالثلاثة سلمان و أبو ذر و المقداد

كَمَا رَوَی الْكَشِّیُ

ص: 164


1- 1. یوسف: 106.
2- 2. الآتی تحت الرقم 9.
3- 3. الكافی ج 2 ص 244.

عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام (1)

أَنَّهُ قَالَ: ارْتَدَّ النَّاسُ إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ قَالَ الرَّاوِی فَقُلْتُ فَعَمَّارٌ قَالَ كَانَ جَاضَ جَیْضَةً ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ إِنْ أَرَدْتَ الَّذِی لَمْ یَشُكَّ وَ لَمْ یَدْخُلْهُ شَیْ ءٌ فَالْمِقْدَادُ فَأَمَّا سَلْمَانُ فَإِنَّهُ عَرَضَ فِی قَلْبِهِ أَنَّ عِنْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ لَوْ تَكَلَّمَ بِهِ لَأَخَذَتْهُمُ الْأَرْضُ وَ هُوَ هَكَذَا وَ أَمَّا أَبُو ذَرٍّ فَأَمَرَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ بِالسُّكُوتِ وَ لَمْ یَأْخُذْهُ فِی اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ فَأَبَی إِلَّا أَنْ یَتَكَلَّمَ.

جاض أی عدل عن الحق و مال.

و قال الجوهری (2)

هیهات كلمة تبعید و التاء مفتوحة مثل كیف و أصلها هاء و ناس یكسرونها علی كل حال بمنزلة نون التثنیة و قد تبدل الهاء الأولی همزة فیقال أیهات مثل هراق و أراق قال الكسائی و من كسر التاء وقف علیها بالهاء فقال هیهاه و من نصبها وقف بالتاء و إن شاء بالهاء.

«9»- كا، [الكافی] عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُعَلَّی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام یَقُولُ: لَیْسَ كُلُّ مَنْ یَقُولُ بِوَلَایَتِنَا مُؤْمِناً وَ لَكِنْ جُعِلُوا أُنْساً لِلْمُؤْمِنِینَ (3).

«10»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی بْنِ عُبَیْدٍ عَنْ یُونُسَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَیَسْكُنُ إِلَی الْمُؤْمِنِ كَمَا یَسْكُنُ الظَّمْآنُ إِلَی الْمَاءِ الْبَارِدِ(4).

بیان: إلی المؤمن قیل إلی بمعنی مع و أقول كأن فیه تضمینا و هذا تشبیه كامل للمعقول بالمحسوس فإن للظمآن اضطرابا فی فراق الماء و یشتد طلبه له فإذا وجده استقر و سكن و یصیر سببا لحیاته البدنی فكذلك المؤمن یشتد شوقه إلی المؤمن و تعطشه فی لقائه فإذا وجده سكن

ص: 165


1- 1. رجال الكشّیّ ص 16.
2- 2. الصحاح: 2258.
3- 3. الكافی ج 2: 245.
4- 4. الكافی ج 2: 247.

و مال إلیه و یحیا به حیاة طیبة روحانیة فإنه یصیر سببا لقوة إیمانه و إزالة شكوكه و شبهاته و زوال وحشته.

و قیل هذا السكون ینشأ من أمرین أحدهما الاتحاد فی الجنسیة للتناسب فی الطبیعة و الروح كما مر و المتجانسان یمیل أحدهما إلی الآخر و كلما كان التناسب و التجانس أكمل كان المیل أعظم كما روی أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف و ثانیهما المحبة لأن المؤمن لكمال صورته الظاهرة و الباطنة بالعلم و الإیمان و الأخلاق و الأعمال محبوب القلوب و تلك الصورة قد تدرك بالبصر و البصیرة و قد تكون سببا للمحبة و السكون بإذن اللّٰه تعالی و بسبب العلاقة فی الواقع و إن لم یعلم تفصیلها.

باب 9 أصناف الناس فی الإیمان

الآیات:

التوبة الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّا یَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ مَغْرَماً وَ یَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ

یَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَیُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِی رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (1) الشعراء وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلی بَعْضِ الْأَعْجَمِینَ فَقَرَأَهُ عَلَیْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِینَ (2)

ص: 166


1- 1. البراءة 97- 99.
2- 2. الشعراء: 198.

محمد وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَكُمْ ثُمَّ لا یَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (1) تفسیر الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً الأعراب سكان البادیة الذین لم یهاجروا إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال الراغب العرب أولاد إسماعیل و الأعراب جمعه فی الأصل و صار ذلك اسما لسكان البادیة قال تعالی قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا و قال الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً انتهی (2).

و كونهم أشد كفرا و نفاقا من أهل الحضر لتوحشهم و قساوتهم و جفائهم و نشوهم فی بعد من مشاهدة العلماء و سماع التنزیل وَ أَجْدَرُ أَلَّا یَعْلَمُوا أی أحق بأن لا یعلموا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ من الشرائع فرائضها و سننها و أحكامها وَ اللَّهُ عَلِیمٌ یعلم حال كل أحد من أهل الوبر و المدر حَكِیمٌ فیما یصیب به مسیئهم و محسنهم عقابا و ثوابا.

وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یَتَّخِذُ أی یعد ما یُنْفِقُ أی یصرفه فی سبیل اللّٰه و یتصدق به مَغْرَماً أی غرامة و خسرانا إذ لا یحتسبه عند اللّٰه و لا یرجو علیه ثوابا و إنما ینفق رئاء و تقیة وَ یَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ أی ینتظر بكم صروف الزمان و حوادث الأیام من الموت و القتل و المغلوبیة فیرجع إلی دین المشركین و یتخلص من الإنفاق عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ اعتراض بالدعاء علیهم بنحو ما یتربصونه أو إخبار عن وقوع ما یتربصون علیهم وَ اللَّهُ سَمِیعٌ لما یقولون عند الإنفاق و غیره عَلِیمٌ بما یضمرون.

قُرُباتٍ أی سبب قربات وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أی و سبب دعواته لأنه كان یدعو للمتصدقین بالخیر و البركة و یستغفر لهم أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ شهادة من اللّٰه لهم بصحة معتقدهم و تصدیق لرجائهم سَیُدْخِلُهُمُ اللَّهُ وعد لهم بإحاطة الرحمة علیهم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ تقریر له.

ص: 167


1- 1. القتال: 38.
2- 2. المفردات: 328، و فیه الاعراب ولد إسماعیل.

ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِینَ (1) لفرط عنادهم و استنكافهم من اتباع العجم و ما قیل من أن المراد بالأعجمین البهائم فهو فی غایة البعد.

وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا(2) عطف علی وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا یُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ (3) و قال علی بن إبراهیم یعنی عن ولایة أمیر المؤمنین علیه السلام.

یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَكُمْ أی یقم مكانكم قوما آخرین و قال علی بن إبراهیم یدخلهم فی هذا الأمر ثُمَّ لا یَكُونُوا أَمْثالَكُمْ قال فی معاداتكم و خلافكم و ظلمكم لآل محمد علیه و علیهم السلام.

قال فی المجمع وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا أی تعرضوا عن طاعته و عن أمر رسوله یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَكُمْ أمثل و أطوع منكم ثُمَّ لا یَكُونُوا أَمْثالَكُمْ بل یكونوا خیرا منكم و أطوع لله منكم.

وَ رَوَی أَبُو هُرَیْرَةَ: أَنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِینَ ذَكَرَ اللَّهُ فِی كِتَابِهِ وَ كَانَ سَلْمَانُ إِلَی جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ فَضَرَبَ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَهُ عَلَی فَخِذِ سَلْمَانَ فَقَالَ هَذَا وَ قَوْمُهُ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِیمَانُ مَنُوطاً بِالثُّرَیَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ.

وَ رَوَی أَبُو بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنْ تَتَوَلَّوْا یَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ- یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَكُمْ یَعْنِی الْمَوَالِیَ.

وَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَدْ وَ اللَّهِ أَبْدَلَ بِهِمْ خَیْراً مِنْهُمُ الْمَوَالِیَ (4)

«1»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِی یَحْیَی الْوَاسِطِیِّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ النَّاسَ یَقُولُونَ مَنْ لَمْ یَكُنْ عَرَبِیّاً صَلْباً وَ مَوْلًی صَرِیحاً فَهُوَ سِفْلِیٌّ فَقَالَ وَ أَیُ

ص: 168


1- 1. الشعراء: 198.
2- 2. القتال: 38.
3- 3. القتال: 36.
4- 4. مجمع البیان ج 9 ص 108.

شَیْ ءٍ الْمَوْلَی الصَّرِیحُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ مَنْ مُلِكَ أَبَوَاهُ قَالَ وَ لِمَ قَالُوا هَذَا قَالَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَوْلَی الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ أَنَا مَوْلَی مَنْ لَا مَوْلَی لَهُ أَنَا مَوْلَی كُلِّ مُسْلِمٍ عَرَبِیِّهَا وَ عَجَمِیِّهَا فَمَنْ وَالَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ لَیْسَ یَكُونُ مِنْ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ أَیُّهُمَا أَشْرَفُ مَنْ كَانَ مِنْ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَوْ مَنْ كَانَ مِنْ نَفْسِ أَعْرَابِیٍّ جِلْفٍ بَائِلٍ عَلَی عَقِبَیْهِ ثُمَّ قَالَ علیه السلام مَنْ دَخَلَ فِی الْإِسْلَامِ رَغْبَةً خَیْرٌ مِمَّنْ دَخَلَ رَهْبَةً وَ دَخَلَ الْمُنَافِقُونَ رَهْبَةً وَ الْمَوَالِی دَخَلُوا رَغْبَةً(1).

بیان: فی القاموس الصلب بالضم الشدید و الحسب و القوة و قال الصریح الخالص من كل شی ء و قال (2)

السفل و السفلة بكسرهما نقیض العلو و قد سفل ككرم و علم و نصر سفالا و سفولا و تسفل و سفل فی خلقه و علمه ككرم سفلا و یضم و سفالا ككتاب و فی الشی ء سفولا نزل من أعلاه إلی أسفله و سفلة الناس بالكسر كفرحة أسافلهم و غوغاؤهم.

مولی القوم من أنفسهم كان غرضه صلی اللّٰه علیه و آله حثهم علی إكرام موالیهم و معتقیهم و رعایتهم و عدم الإزراء بشأنهم و تعییرهم بخسة نسبهم لا أنهم فی حكمهم فی جمیع الأمور كما فهمه بعض العامة قال فی النهایة فی حدیث الزكاة مولی القوم منهم الظاهر من المذهب و المشهور أن موالی بنی هاشم و المطلب لا یحرم علیهم أخذ الزكاة لانتفاء النسب الذی به حرم علی بنی هاشم و المطلب و فی مذهب الشافعی علی وجه أنه یحرم علی الموالی أخذها لهذا الحدیث و وجه الجمع بین الحدیث و نفی التحریم أنه إنما قال هذا القول تنزیها لهم و بعثا علی التشبه بسادتهم و الاستنان بسنتهم فی اجتناب مال الصدقة التی هی أوساخ الناس.

ص: 169


1- 1. معانی الأخبار: 405.
2- 2. القاموس ج 3: 396.

و أقول غرض القائل أنه لیس غیر العرب من نجباء الناس و لما قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مولی القوم من أنفسهم فالمولی الصریح أیضا ملحق بهم فحمل الروایة علی الحقیقة و العموم و سائر الناس من أهل فارس و غیرهم من سقاط الناس و أراذلهم و لیسوا من أكفاء العرب كما كان عمر یقوله و ذلك أنه سمع من النبی صلی اللّٰه علیه و آله أن أنصار علی و أهل بیته علیهم السلام یكونون من العجم و لذا حكم بقتل العجم جمیعا لما استولی علی بلاد فارس فمنعه أمیر المؤمنین علیه السلام عن ذلك

وَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ.

فصار أولادهم من أهل العراق و غیرهم من أصحاب أئمتنا صلوات اللّٰه علیهم و أنصارهم و محل أسرارهم و دونوا الأصول و انتشر ببركتهم علوم أهل البیت صلوات اللّٰه علیهم فی العالم.

و هذا الكلام الذی نقله الراوی عن المتعصبین من المخالفین الذین كانوا أعداء أهل البیت و شیعتهم و موالیهم كان مبنیا علی ما ذكرنا فأجاب علیه السلام متعجبا من كلامهم بأن النبی صلی اللّٰه علیه و آله و إن قال مولی القوم من أنفسهم قال أیضا أنا مولی من لا مولی له فالعجم كلهم رسول اللّٰه مولاهم.

و أیضا له صلی اللّٰه علیه و آله ولاء كل مسلم من العرب و العجم أی هو أولی بأمورهم و ناصرهم و معینهم فی الدنیا و الآخرة و إن ماتوا و لا وارث لهم فهو وارثهم و علیه نفقتهم إن كانوا فقراء و یجب علیه قضاء دیونهم إن ماتوا و لا مال لهم من بیت مال المسلمین و كذا بعده أوصیاؤه علیهم السلام موالیهم بتلك المعانی

كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِاتِّفَاقِ الْمُخَالِفِ وَ الْمُؤَالِفِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِیٌّ مَوْلَاهُ.

ثم بین علیه السلام أنهم أشرف من الموالی الصریح الذی ذكره الراوی لأنه علی مقتضی قوله إذا أعتق والدی رجل أعرابی جلف یبول علی عقبیه و لا یغسلهما للشقاق الذی فیهما و كان ذلك عادتهم و لذا أمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بغسل رجلیهم قبل الصلاة و قال ویل للأعقاب من النار فتوهموا أن ذلك فی الوضوء

ص: 170

كما ذكره الجزری فی النهایة أو هو كنایة عن عدم احترازهم عن البول فیصل إلی أرجلهم رشاشته و لا یغسلونها و الأول أظهر فكان (1) هذا الرجل مولی صریحا للعرب و هو عندهم أشرف من العجم مع أن العجم مولی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بمقتضی الخبر الثانی فهو من نفس رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بمقتضی الخبر الأول فكیف لا یكون أشرف منه و من مولاه.

ثم بین علیه السلام بوجه آخر أن العجم الذین كانوا فی ذلك الزمان من شیعتهم و أصحابهم أفضل من العرب الذین یفتخرون هؤلاء بالانتساب بهم فإن الموالی أی أولاد فارس دخلوا فی الإسلام رغبة و هم كانوا منافقین أظهروا الإسلام خوفا و رهبة فقوله فمن والی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أی دخل فی الإسلام و لا مولی له و صار رسول اللّٰه مولاه و الجلف فی أكثر النسخ بالجیم فی القاموس الجلف بالكسر الرجل الجافی و فی النهایة الجلف الأحمق و فی بعض النسخ بالخاء المفتوحة و اللام الساكنة و هو الردی ء من كل شی ء.

«2»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَثِ عَنِ الدِّهْقَانِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ زَیْدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِیهِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّمَا شِیعَتُنَا الْمَعَادِنُ وَ الْأَشْرَافُ وَ أَهْلُ الْبُیُوتَاتِ وَ مَنْ مَوْلِدُهُ طَیِّبٌ قَالَ عَلِیُّ بْنُ جَعْفَرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِیرِ ذَلِكَ فَقَالَ الْمَعَادِنُ مِنْ قُرَیْشٍ وَ الْأَشْرَافُ مِنَ الْعَرَبِ وَ أَهْلُ الْبُیُوتَاتِ مِنَ الْمَوَالِی وَ مَنْ مَوْلِدُهُ طَیِّبٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ(2).

بیان: أهل السواد أهل العراق لأن أصلهم كانوا من العجم ثم اختلط العرب بهم بعد بناء الكوفة فلا یعدون من العرب و لا من العجم قال فی المصباح العرب تسمی الأخضر الأسود لأنه یری كذلك علی بعد و منه سواد العراق لخضرة أشجاره و زروعه.

ع، [علل الشرائع] الْقَطَّانُ عَنِ السُّكَّرِیِّ عَنِ الْجَوْهَرِیِّ عَنِ ابْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیه السلام یَقُولُ: الْمُؤْمِنُ عَلَوِیٌّ لِأَنَّهُ عَلَا فِی الْمَعْرِفَةِ

ص: 171


1- 1. جواب قوله:« إذا أعتق».
2- 2. معانی الأخبار: 158.

وَ الْمُؤْمِنُ هَاشِمِیٌّ لِأَنَّهُ هَشَمَ الضَّلَالَةَ وَ الْمُؤْمِنُ قُرَشِیٌّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالشَّیْ ءِ الْمَأْخُوذِ عَنَّا وَ الْمُؤْمِنُ عَجَمِیٌّ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَمَ عَلَیْهِ أَبْوَابَ الشَّرِّ وَ الْمُؤْمِنُ عَرَبِیٌّ لِأَنَّ نَبِیَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله عَرَبِیٌّ وَ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ بِلِسانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ وَ الْمُؤْمِنُ نَبَطِیٌّ لِأَنَّهُ اسْتَنْبَطَ الْعِلْمَ وَ الْمُؤْمِنُ مُهَاجِرِیٌّ لِأَنَّهُ هَجَرَ السَّیِّئَاتِ وَ الْمُؤْمِنُ أَنْصَارِیٌّ لِأَنَّهُ نَصَرَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهْلَ بَیْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَ الْمُؤْمِنُ مُجَاهِدٌ لِأَنَّهُ یُجَاهِدُ أَعْدَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی دَوْلَةِ الْبَاطِلِ بِالتَّقِیَّةِ وَ فِی دَوْلَةِ الْحَقِّ بِالسَّیْفِ (1).

بیان: كأن المقصود من هذه الروایة أن مناط الشرف و الفضل و الكرامة الإیمان و التقوی و العمل الصالح فإذا انضمت إلیه سائر الجهات كانت أحسن و أشرف و إن افترقتا فصاحب الإیمان و التقوی أشرف و بالكرامة أحری.

بل یمكن إثبات تلك الصفات له أیضا لأنه متصف بما هو مناط الشرف فیها فالمؤمن علوی لأن فضل العلوی من جهة الانتساب إلی علی علیه السلام من جهة النسب و فضله علیه السلام من جهة كماله فی الإیمان و المعرفة و العلم و العمل فمن انتسب إلیه علیه السلام بهذه الجهات كان انتسابه الروحانی إلیه أقوی من الانتساب الجسمانی من جهة النسب فقط فهو علوی لعلوه فی المعرفة و انتسابه إلیه من هذه الجهة.

و كذا الهاشمی لأن شرافة الانتساب إلی هاشم إما لشرفه أو لشرف الرسول صلی اللّٰه علیه و آله فإن الانتساب إلیه یستلزم قرابته فعلی الأول ففضل هاشم من جهة كونه من أوصیاء إبراهیم علیه السلام و كسره للضلالة و البدع أقوی من إطعامه و كسره للثرید فالانتساب إلیه من هذه الجهة أقوی و المؤمن منسوب إلیه من تلك الجهة و أما علی الثانی فظاهر بتقریب ما مر فی العلوی.

قال الفیروزآبادی (2)

الهشم كسر الشی ء الیابس أو الأجوف أو كسر العظام و الرأس خاصة أو الوجه و الأنف أو كل شی ء و هاشم أبو عبد المطلب

ص: 172


1- 1. علل الشرائع ج 2 ص 152.
2- 2. القاموس ج 2 ص 190. و قد مر نقله فیما سبق.

و اسمه عمرو لأنه أول من ثرد الثرید و هشمه و هذا البیان بوجهه جاء فی القرشی و قوله لأنه أقر بالشی ء لرعایة المناسبة اللفظیة لا لبیان جهة الاشتقاق و إن أمكن حمله علی الاشتقاق الكبیر.

قال فی القاموس (1)

قرشه یقرشه و یقرشه قطعه و جمعه من هاهنا و هاهنا و ضم بعضه إلی بعض و منه قریش لتجمعهم إلی الحرم أو لأنهم كانوا یتقرشون البیاعات فیشترونها أو لأن النضر بن كنانة اجتمع فی ثوبه یوما فقالوا تقرش أو لأنه جاء إلی قومه فقالوا كأنه جمل قریش أی شدید أو لأن قصیا كان یقال له القرشی أو لأنهم كانوا یفتشون الحاج فیسدون خلتها إلی أن قال و النسبة قرشی و قریشی.

و قال (2)

العجم بالضم و بالتحریك خلاف العرب و الأعجم من لا یفصح كالاعجمی و الأخرس و العجمی من جنسه العجم و إن أفصح و أعجم فلان الكلام ذهب به إلی العجمة و استعجم سكت و القراءة لم یقدر علیها لغلبة النعاس.

و فی النهایة كل من لا یقدر علی الكلام فهو أعجم و مستعجم و منه الحدیث فإذا قام أحدكم من اللیل فاستعجم القرآن علی لسانه أی أرتج علیه فلم یقدر أن یقرأ كأنه صار عجمة انتهی. و الحاصل أنه لا یهتدی إلی الشر و لا یأتی منه إلا الخیر فهو علی بناء المجهول و یحتمل المعلوم و سیأتی الكلام فی النبطی و سائر الفقرات ظاهرة مما مر.

و یحتمل أن یكون المعنی أن المؤمن لشرفه و كماله یمكن أن یطلق علیه كل من هذه الألفاظ بوجه حسن و إن كان قریبا مما مر أو المعنی أنه من أی هذه الأصناف كان فإطلاقه علیه بوجه حسن یتضمن مدحا عظیما و الأول أظهر.

«4»- فس، [تفسیر القمی]: وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلی بَعْضِ الْأَعْجَمِینَ فَقَرَأَهُ عَلَیْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِینَ (3)

ص: 173


1- 1. المصدر ج 2: 283 و 284.
2- 2. المصدر ج 4: 147.
3- 3. الشعراء: 198.

قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام لَوْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ عَلَی الْعَجَمِ مَا آمَنَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَ قَدْ نُزِّلَ عَلَی الْعَرَبِ فَآمَنَتْ بِهِ الْعَجَمُ فَهَذِهِ فَضِیلَةُ الْعَجَمِ.

«5»- فس، [تفسیر القمی] عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ السِّنْدِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ یُونُسَ بْنِ یَعْقُوبَ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ قَیْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: یَا ابْنَ قَیْسٍ وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَكُمْ ثُمَّ لا یَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (1) عَنَی أَبْنَاءَ الْمَوَالِی الْمُعْتَقِینَ.

«6»- ب، [قرب الإسناد] عَنِ ابْنِ طَرِیفٍ عَنِ ابْنِ عُلْوَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: لَوْ كَانَ الْعِلْمُ مَنُوطاً بِالثُّرَیَّا لَتَنَاوَلَتْهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ (2).

«7»- ب، [قرب الإسناد] بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی فَارِسَ ضَرَبْتُمُوهُمْ عَلَی تَنْزِیلِهِ وَ لَا تَنْقَضِی الدُّنْیَا حَتَّی یَضْرِبُوكُمْ عَلَی تَأْوِیلِهِ (3).

«8»- ع، [علل الشرائع] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ هَاشِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ شَرِیكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: لَا تَسُبُّوا قُرَیْشاً وَ لَا تُبْغِضُوا الْعَرَبَ وَ لَا تُذِلُّوا الْمَوَالِیَ وَ لَا تُسَاكِنُوا الْخُوزَ وَ لَا تُزَوِّجُوا إِلَیْهِمْ فَإِنَّ لَهُمْ عِرْقاً یَدْعُوهُمْ إِلَی غَیْرِ الْوَفَاءِ(4).

بیان: الموالی المعتقون و أبناؤهم و من لحق بقبیلة و لیس منهم و كأن المراد فی الأخبار العجم فإن أولاد الفرس غلب العرب علی آبائهم فكأنهم أعتقوهم أو أنهم لإیمانهم ألحقوا بأئمتهم فصاروا موالی العرب و فی القاموس (5) الخوز بالضم جیل من الناس و اسم لجمیع بلاد خوزستان.

«9»- ع، [علل الشرائع] عَنِ ابْنِ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِی بَكْرٍ الْحَضْرَمِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ یَفْتَرِی عَلَی الرَّجُلِ

ص: 174


1- 1. القتال: 38.
2- 2. قرب الإسناد: 52 ط حجری.
3- 3. قرب الإسناد ص 52.
4- 4. علل الشرائع ج 2: 79.
5- 5. القاموس ج 2: 175.

مِنْ جَاهِلِیَّةِ الْعَرَبِ قَالَ یُضْرَبُ حَدّاً قُلْتُ حَدّاً قَالَ نَعَمْ إِنْ (1)

یَدْخُلْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (2).

بیان: كأنه محمول علی ما إذا سری شینه إلیه صلی اللّٰه علیه و آله كأجداده و جداته أو أقاربه القریبة كما یومئ إلیه قوله إنه یدخل أی عیبه و عاره أو هو من الدخل بمعنی العیب و لو كان إن یدخل كما فی بعض النسخ كان ما ذكرنا أظهر.

«10»- ع، [علل الشرائع] عَنِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِیِّ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ عَبْدِ الْعَظِیمِ الْحَسَنِیِّ عَنْ حَرْبٍ عَنْ شَیْخٍ مِنْ بَنِی أَسَدٍ یُقَالُ لَهُ عَمْرٌو عَنْ ذَرِیحٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: أَصَابَ بَعِیراً لَنَا عِلَّةٌ وَ نَحْنُ فِی مَاءٍ لِبَنِی سُلَیْمٍ فَقَالَ الْغُلَامُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَا مَوْلَایَ أَنْحَرُهُ قَالَ لَا تَلَبَّثْ فَلَمَّا سِرْنَا أَرْبَعَةَ أَمْیَالٍ قَالَ یَا غُلَامُ انْزِلْ فَانْحَرْهُ وَ لَأَنْ تَأْكُلَهُ السِّبَاعُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ الْأَعْرَابُ (3).

«11»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی الْقَاسِمِ مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْكُوفِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِیرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِنْبَرَ یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی قَدْ ذَهَبَ عَنْكُمْ بِنَخْوَةِ الْجَاهِلِیَّةِ وَ تَفَاخُرِهَا بِآبَائِهَا أَلَا إِنَّكُمْ مِنْ آدَمَ وَ آدَمُ مِنْ طِینٍ وَ خَیْرُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَهُ أَتْقَاهُمْ إِنَّ الْعَرَبِیَّةَ لَیْسَتْ بِأَبٍ وَالِدٍ وَ لَكِنَّهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ فَمَنْ قَصَرَ بِهِ عَمَلُهُ (4)

فَلَمْ یُبْلِغْهُ رِضْوَانَ اللَّهِ حَسَبَهُ أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ أَوْ إِحْنَةٍ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَیَّ هَاتَیْنِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ(5).

بیان: إن العربیة إلخ أی العربیة الممدوحة إنما هی باللسان بأن

ص: 175


1- 1. انه یدخل، خ ل.
2- 2. علل الشرائع ج 2 ص 79.
3- 3. علل الشرائع ج 2: 286.
4- 4. علمه و لم یبلغه خ ل.
5- 5. معانی الأخبار: 207.

یقر بالحق و یلحق بالرسول و أهل بیته و إن كان من العجم لا یكون آباؤه من العرب ثم بین علیه السلام أن الحسب لا ینفع بدون العمل تحت قدمی أی أبطلته لا یطلب به فی الإسلام.

«12»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ یُوسُفَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ مُوسَی علیه السلام قَالَ قَالَ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ عَرَبِیٌّ وَ مَوْلًی وَ عِلْجٌ فَأَمَّا الْعَرَبُ فَنَحْنُ وَ أَمَّا الْمَوْلَی فَمَنْ وَالانَا وَ أَمَّا الْعِلْجُ فَمَنْ تَبَرَّأَ مِنَّا وَ نَاصَبَنَا(1).

بیان: فی النهایة العلج الرجل من كفار العجم و غیرهم.

«13»- مع، [معانی الأخبار] بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ یُوسُفَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ ضُرَیْسِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: نَحْنُ قُرَیْشٌ وَ شِیعَتُنَا الْعَرَبُ وَ عَدُوُّنَا الْعَجَمُ (2).

بیان: و شیعتنا العرب أی العرب الممدوح من كان شیعتنا و إن كان عجما و العجم المذموم من كان عدونا و إن كان عربا.

«14»- مع، [معانی الأخبار] بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِیدِ بْنِ خُثَیْمٍ عَنْ أَخِیهِ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ: نَحْنُ الْعَرَبُ وَ شِیعَتُنَا مِنَّا سَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ أَوْ هَبَجٌ قَالَ قُلْتُ وَ مَا الْهَمَجُ قَالَ الذُّبَابُ فَقُلْتُ وَ مَا الْهَبَجُ قَالَ الْبَقُ (3).

بیان: فی القاموس الهمج محركة ذباب صغیر كالبعوض یسقط علی وجوه الغنم و الحمیر و الهبج بهذا المعنی لم أجده فی كتب اللغة قال فی القاموس الهبج محركة كالورم فی ضرع الناقة.

«15»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ

ص: 176


1- 1. معانی الأخبار: 403.
2- 2. المصدر: 403.
3- 3. المصدر: 404.

دَاوُدَ بْنِ الْحُصَیْنِ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا یَزَالُ الرَّجُلُ مِمَّنْ یَنْتَحِلُ أَمْرَنَا یَقُولُ لِمَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْهِ بِالْإِسْلَامِ یَا نَبَطِیُّ قَالَ فَقَالَ نَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ النَّبَطُ مِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْرَاهِیمَ (1)

إِنَّمَا هُمَا نَبَطَانِ مِنَ النَّبَطِ الْمَاءِ وَ الطِّینِ وَ لَیْسَ بِضَارِّهِ فِی ذُرِّیَّتِهِ شَیْ ءٌ فَقَوْمٌ اسْتَنْبَطُوا الْعِلْمَ فَنَحْنُ هُمْ (2).

بیان: قال فی المصباح النبط جیل من الناس كانوا ینزلون سواد العراق ثم استعمل فی أخلاط الناس و عوامهم و الجمع أنباط كسبب و أسباب الواحد نباطی بزیادة ألف و النون تضم و تفتح قال اللیث و رجل نبطی و منعه ابن الأعرابی و استنبطت الحكم استخرجته بالاجتهاد و أنبطته إنباطا مثله و أصله من استنبط الحافر الماء و أنبطه إنباطا إذا استخرجه بعلمه.

و فی النهایة نبط الماء ینبط إذا نبع و أنبط الحفار بلغ الماء فی البئر و الاستنباط الاستخراج و النبط و النبیط الماء یخرج من قعر البئر إذا احتفرت و فی حدیث عمر تمعدوا و لا تستنبطوا أی تشبهوا بمعد و لا تشبهوا بالنبط النبط و النبیط جیل معروف كانوا ینزلون بالبطایح بین العراقین و منه حدیثه الآخر لا تنبطوا فی المدائن أی لا تشبهوا بالنبط فی سكناها و اتخاذها العقار و الملك.

و حدیث ابن عباس نحن معاشر قریش من النبط من أهل كوثی (3) قیل لأن إبراهیم الخلیل صلوات اللّٰه علیه ولد بها و كان النبط سكانها و منه حدیث عمرو بن معدیكرب سأله عمر عن سعد فقال أعرابی فی حبوته نبطی فی جبوته أراد أنه فی جبایة الخراج و عمارة الأرضین كالنبط حذقا بها و مهارة فیها لأنهم كانوا سكان العراق و أربابها.

ص: 177


1- 1. من ذرّیة آدم و إبراهیم انما هما نبطیان من أنبط الماء و الطین خ ل.
2- 2. معانی الأخبار ص 404.
3- 3. كوثی- بالضم- بلدة بالعراق قاله الفیروزآبادی.

و فی حدیث الشعبی أن رجلا قال لآخر یا نبطی قال لا حد علیه كلنا نبط یرید الجوار و الدار دون الولادة.

و فی الصحاح (1)

فی كلام أیوب بن القریة أهل عمان عرب استنبطوا و أهل البحرین نبیط استعربوا.

و فی القاموس النبط محركة أول ما یظهر من ماء البئر و أنبط الحافر انتهی إلیها و غور المرء و جیل ینزلون بالبطایح بین العراقین كالنبیط و الأنباط و هو نبطی محركة و تنبط تشبه بهم أو تنسب إلیهم و الكلام استخرجه و كل ما أظهر بعد خفاء فقد أنبط و استنبط مجهولین و استنبط الفقیه استخرج الفقه الباطن بفهمه و اجتهاده (2).

إذا عرفت هذا فاعلم أن الخبر یحتمل وجهین أحدهما أن المراد أنا أهل البیت و النبط جمیعا من ذریة إبراهیم إما علی الحقیقة أو علی التأویل لأنه علیه السلام كان یساكنهم فی دیارهم فلهم أیضا شرافة النسب ثم بین علیه السلام فضلهم من جهة اشتقاق اللفظ فقال النبط له اشتقاقان.

أحدهما من استنباط الماء و تعمیر الأرض و هذا لا یضرهم إن لم یفعلوا مثل أفعالهم فإن فعل الآباء لا یضر الأبناء فهذا لا یصیر سببا لذمهم كما یوهمه كلام عمر و ثانیهما استنباط العلم و الحكمة فنحن أنباط بهذا المعنی و شیعتنا الذین یستنبطون منا داخلون فی ذلك كما قال سبحانه لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (3) و ثانیهما أن یكون المعنی أنا أهل بیت النبی صلی اللّٰه علیه و آله و خلفاؤه و بذلك لنا الفضیلة علی سائر الخلق و لیس لغیرنا فضل علی النبط لأنهم أیضا من

ص: 178


1- 1. الصحاح: 1162.
2- 2. القاموس ج 2 ص 387.
3- 3. النساء: 83.

ذریة إبراهیم.

ثم بین علیه السلام أن للنبطی بحسب الاشتقاق معنیین أحدهما مستخرج الماء من الطین و هذا لا یضرهم فی شرافة نسبهم و الآخر استنباط العلم فنحن هم فلا یكون النبطی شتما لهم بل هو مدح لهم و علی التقدیرین ضمیر ضاره عائد إلی إبراهیم علیه السلام و كذا ضمیر ذریته و یحتمل عودهما إلی النبطی و عود الأول إلی النبطی و الثانی إلی إبراهیم علیه السلام و فی بعض النسخ من ذریة آدم و إبراهیم و لا یختلف المعنی و یحتمل أن یكون المراد بالنبط من یقال له علی وجه الذم نبطی أی الذین أسلموا بعد الكفر و الأسر و هم كانوا غالبا إما من قریش أو أهل الكتاب و هم من ذریة إبراهیم علیه السلام و یحتمل الخبر وجوها أخر تظهر مما ذكرنا للمتدبر.

«16»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَیُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَخِی دَارِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: مَنْ وُلِدَ فِی الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَرَبِیٌّ وَ مَنْ دَخَلَ فِیهِ طَوْعاً أَفْضَلُ مِمَّنْ دَخَلَ فِیهِ كَرْهاً وَ الْمَوْلَی هُوَ الَّذِی یُؤْخَذُ أَسِیراً مِنْ أَرْضِهِ وَ یُسْلِمُ فَذَلِكَ الْمَوْلَی (1).

«17»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ یَزِیدَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنِ الْحُبَابِ بْنِ مُوسَی عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: مَنْ وُلِدَ فِی الْإِسْلَامِ حُرّاً فَهُوَ عَرَبِیٌّ وَ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ فَخَفَرَ فِی عَهْدِهِ فَهُوَ مَوْلَی رَسُولِ اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَنْ دَخَلَ فِی الْإِسْلَامِ طَوْعاً فَهُوَ مُهَاجِرٌ(2).

بیان: فهو عربی أی فی حقیقته الشرعیة أو فی حكم وجوب الإكرام و الاحترام و من كان له عهد أی ذمة و أمان من مسلم فهو مولی رسول اللّٰه فإنه حكم بوجوب إمضاء عهده و أمانه فإذا خفر فی عهده و نقض أمانه فقد نقض عهد مولی رسول اللّٰه.

ص: 179


1- 1. معانی الأخبار: 404.
2- 2. معانی الأخبار: 405.

فی القاموس خفره و به و علیه یخفر و یخفر خفرا أجاره و منعه و آمنه و خفر به خفرا و خفورا نقض عهده و غدره كأخفره (1) و قال المولی العبد و المعتق و المعتق و الجار و الحلیف و المنعم و المنعم علیه فهو مهاجر أی فی حكمه فی الأجر و الحرمة.

«18»- ل، [الخصال] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ یُوسُفَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ مُوسَی علیه السلام قَالَ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ عَرَبِیٌّ وَ مَوْلًی وَ عِلْجٌ فَأَمَّا الْعَرَبُ فَنَحْنُ وَ أَمَّا الْمَوَالِی فَمَنْ وَالانَا وَ أَمَّا الْعِلْجُ فَمَنْ تَبَرَّأَ مِنَّا وَ نَاصَبَنَا(2).

«19»- مع، [معانی الأخبار] رُوِیَ أَنَّ الصَّادِقَ علیه السلام قَالَ: مَنْ وُلِدَ فِی الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَرَبِیٌّ وَ مَنْ دَخَلَ فِیهِ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ مُهَاجِرٌ وَ مَنْ سُبِیَ وَ أُعْتِقَ فَهُوَ مَوْلًی وَ مَوْلَی الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (3).

«20»- سن، [المحاسن] عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَرِیرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: جَاءَنِی ابْنُ عَمِّكَ كَأَنَّهُ أَعْرَابِیٌّ مَجْنُونٌ عَلَیْهِ إِزَارٌ وَ طَیْلَسَانٌ وَ نَعْلَانِ فِی یَدِهِ فَقَالَ لِی إِنَّ قَوْماً یَقُولُونَ فِیكَ فَقُلْتُ أَ لَسْتَ عَرَبِیّاً قَالَ بَلَی فَقُلْتُ إِنَّ الْعَرَبَ لَا تُبْغِضُ عَلِیّاً ثُمَّ قُلْتُ لَهُ لَعَلَّكَ مِمَّنْ یُكَذِّبُ بِالْحَوْضِ أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ أَبْغَضْتَهُ ثُمَّ وَرَدْتَ عَلَیْهِ الْحَوْضَ لَتَمُوتَنَّ عَطَشاً(4).

بیان: یقولون فیك أی بالإمامة أو أقوالا.

«21»- شی، [تفسیر العیاشی] عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآیَةِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللَّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ

ص: 180


1- 1. القاموس ج 2: 22.
2- 2. الخصال ج 1: 60.
3- 3. معانی الأخبار: 239.
4- 4. المحاسن: 89 و 90.

عَلَی الْكافِرِینَ (1) قَالَ الْمَوَالِی (2).

بیان: الموالی العجم.

«22»- كِتَابُ الْإِسْتِدْرَاكِ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ یَحْیَی بْنِ زَكَرِیَّا بْنِ شَیْبَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: نَحْنُ الْعَرَبُ وَ شِیعَتُنَا الْمَوَالِی وَ سَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ.

باب 10 لزوم البیعة و كیفیتها و ذم نكثها

الآیات:

النحل: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَیْمانَ بَعْدَ تَوْكِیدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَیْكُمْ كَفِیلًا إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمانَكُمْ دَخَلًا بَیْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما یَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَكُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ما كُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ إلی قوله تعالی وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَكُمْ دَخَلًا بَیْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (3)

ص: 181


1- 1. المائدة: 54.
2- 2. تفسیر العیّاشیّ ج 1: 327.
3- 3. النحل: 91- 95.

الفتح: إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَكَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً(1)

الممتحنة: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ عَلی أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (2)

تفسیر:

وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ قال الطبرسی (3)

رحمه اللّٰه قال ابن عباس الوعد من العهد و قال المفسرون العهد الذی یجب الوفاء به هو الذی یحسن فعله و عاهد اللّٰه لیفعلنه فإنه یصیر واجبا علیه وَ لا تَنْقُضُوا الْأَیْمانَ هذا نهی منه سبحانه عن حنث الأیمان و قوله بَعْدَ تَوْكِیدِها أی بعد عقدها و إبرامها و توثیقها باسم اللّٰه تعالی و قیل بعد تشدیدها و تغلیظها بالعزم و العقد علی الیمین بخلاف لغو الیمین وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَیْكُمْ كَفِیلًا أی حسیبا فیما عاهدتموه علیه و قیل كفیلا بالوفاء إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ من نقض العهد أو الوفاء به فإیاكم أن تلقوه و قد نقضتم و هذه الآیة نزلت فی الذین بایعوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی الإسلام فقال سبحانه للمسلمین الذین بایعوه لا یحملنكم قلة المسلمین و كثرة المشركین علی نقض البیعة فإن اللّٰه حافظكم أی اثبتوا علی ما عاهدتم علیه الرسول و أكدتموه بالأیمان انتهی.

وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها أی كالمرأة غزلت ثم نكثت غزلها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أی من بعد إحكام و فتل أَنْكاثاً جمع نكث بالكسر و هو ما ینكث فتله

ص: 182


1- 1. الفتح: 10.
2- 2. الممتحنة: 12.
3- 3. مجمع البیان ج 6: 382.

وَ رَوَی عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ (1) عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: الَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَهَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِی تَیْمِ بْنِ مُرَّةَ یُقَالُ لَهَا رَیْطَةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَیْمِ بْنِ لُؤَیِّ بْنِ غَالِبٍ كَانَتْ حَمْقَاءَ تَغْزِلُ الشَّعْرَ فَإِذَا غَزَلَتْهُ نَقَضَتْهُ ثُمَّ عَادَتْ فَغَزَلَتْهُ فَقَالَ اللَّهُ كَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها الْآیَةَ.

قال إن اللّٰه تعالی أمر بالوفاء و نهی عن نقض العهد فضرب لهم مثلا تَتَّخِذُونَ أَیْمانَكُمْ دَخَلًا بَیْنَكُمْ أی دغلا و خیانة و مكرا و خدیعة و ذلك لأنهم كانوا حین عهدهم یضمرون الخیانة و الناس یسكنون إلی عهدهم.

و الدخل أن یكون الباطن خلاف الظاهر و أصله أن یدخل فی الشی ء ما لم یكن منه أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ یعنی لا تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة و هم كفرة قریش أزید عددا و أوفر مالا من أمة یعنی جماعة المؤمنین إِنَّما یَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ أی إنما یختبركم بكونكم أربی لینظر أ توفون بعهد اللّٰه أم تغترون بكثرة قریش و قوتهم و ثروتهم و قلة المؤمنین و ضعفهم و فقرهم وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَكُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وعید و تحذیر من مخالفة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله.

وَ لا تَتَّخِذُوا تصریح بالنهی عنه بعد التضمین تأكیدا و مبالغة فی قبح المنهی عنه فَتَزِلَّ قَدَمٌ عن محجة الإسلام بَعْدَ ثُبُوتِها علیها أی فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا علی هدی یقال زل قدم فلان فی أمر كذا إذا عدل عن الصواب و المراد أقدامهم و إنما

وحد و نكر للدلالة علی أن زلل قدم واحدة عظیم فكیف بأقدام كثیرة وَ تَذُوقُوا السُّوءَ فی الدنیا بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ أی بصدودكم أو بصدكم غیركم عنها لأنهم لو نقضوا العهد و ارتدوا لاتخذ نقضها سنة یستن بها وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ فی الآخرة

وَ فِی الْجَوَامِعِ، عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ فِی وَلَایَةِ عَلِیٍّ وَ الْبَیْعَةِ لَهُ حِینَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله سَلِّمُوا عَلَی عَلِیٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ.

و أقول قد مر أن فی قراءتهم علیهم السلام أن تكون أئمة هی أزكی

ص: 183


1- 1. تفسیر القمّیّ: 365.

من أئمتكم (1).

إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ (2) لأنه المقصود بیعته یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ یعنی یدك التی فوق أیدیهم فی حال بیعتهم إیاك إنما هی بمنزلة ید اللّٰه لأنهم فی الحقیقة یبایعون اللّٰه عز و جل ببیعتك فَمَنْ نَكَثَ أی نقض العهد فَإِنَّما یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ أی لا یعود ضرر نكثه إلا علیه وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ أی فی مبایعته فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً هو الجنة.

وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ (3) یرید البنات أو الأسقاط وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ فی الجوامع كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدی منك كنی بالبهتان المفتری بین یدیها و رجلیها عن الولد الذی تلصقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذی تحمله فیه بین الیدین و فرجها الذی تلده به بین الرجلین وَ لا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوفٍ أی فی حسنة تأمرهن بها فَبایِعْهُنَ بضمان الثواب علی الوفاء بهذه الأشیاء.

وَ فِی الْمَجْمَعِ،(4) رَوَی الزُّهْرِیُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یُبَایِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآیَةِ- أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ مَا مَسَّتْ یَدٌ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ إِذَا بَایَعَ النِّسَاءَ دَعَا بِقَدَحِ مَاءٍ فَغَمَسَ یَدَهُ فِیهِ ثُمَّ غَمَسْنَ أَیْدِیَهُنَّ فِیهِ وَ قِیلَ إِنَّهُ كَانَ یُبَایِعُهُنَّ مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ عَنِ الشَّعْبِیِّ.

«1»- ن، [عیون أخبار الرضا علیه السلام] بِإِسْنَادِهِ إِلَی الرَّیَّانِ بْنِ شَبِیبٍ: أَنَّ الْمَأْمُونَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ یَأْخُذَ الْبَیْعَةَ لِنَفْسِهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ وَ لِلرِّضَا علیه السلام بِوَلَایَةِ الْعَهْدِ وَ لِلْفَضْلِ بِالْوِزَارَةِ أَمَرَ بِثَلَاثَةِ كَرَاسِیَّ فَنُصِبَتْ لَهُمْ فَلَمَّا قَعَدُوا عَلَیْهَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فَدَخَلُوا یُبَایِعُونَ فَكَانُوا یُصَفِّقُونَ بِأَیْمَانِهِمْ عَلَی أَیْمَانِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَعْلَی الْإِبْهَامِ إِلَی الْخِنْصِرِ وَ یَخْرُجُونَ حَتَّی

ص: 184


1- 1. راجع ج 36 ص 81 و 148 من تاریخ أمیر المؤمنین علیه السلام و تراه فی تفسیر العیّاشیّ ج 2: 268.
2- 2. الفتح: 10.
3- 3. الممتحنة: 12.
4- 4. مجمع البیان ج 9: 276.

بَایَعَ فِی آخِرِ النَّاسِ فَتًی مِنَ الْأَنْصَارِ فَصَفَّقَ بِیَمِینِهِ مِنْ أَعْلَی الْخِنْصِرِ إِلَی أَعْلَی الْإِبْهَامِ فَتَبَسَّمَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام فَقَالَ كُلُّ مَنْ بَایَعَنَا بَایَعَ بِفَسْخِ الْبَیْعَةِ غَیْرَ هَذَا الْفَتَی فَإِنَّهُ بَایَعَنَا بِعَقْدِهَا فَقَالَ الْمَأْمُونُ وَ مَا فَسْخُ الْبَیْعَةِ وَ مَا عَقْدُهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام عَقْدُ الْبَیْعَةِ هُوَ مِنْ أَعْلَی الْخِنْصِرِ إِلَی أَعْلَی الْإِبْهَامِ وَ فَسْخُهَا مِنْ أَعْلَی الْإِبْهَامِ إِلَی أَعْلَی الْخِنْصِرِ قَالَ فَمَاجَ النَّاسُ فِی ذَلِكَ وَ أَمَرَ الْمَأْمُونُ بِإِعَادَةِ النَّاسِ إِلَی الْبَیْعَةِ عَلَی مَا وَصَفَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام فَقَالَ النَّاسُ كَیْفَ یَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ مَنْ لَا یَعْرِفُ عَقْدَ الْبَیْعَةِ إِنَّ مَنْ عَلِمَ أَوْلَی بِهَا مِمَّنْ لَا یَعْلَمُ فَحَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَی مَا فَعَلَهُ مِنْ سَمِّهِ (1).

«2»- ل، [الخصال] عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَوَیْهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ نَصْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَی عَنْ شَیْبَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِی صَالِحٍ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: ثَلَاثَةٌ لا یُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ لا یُزَكِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (2) رَجُلٌ بَایَعَ إِمَاماً لَا یُبَایِعُهُ إِلَّا لِدُنْیَا إِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا مَا یُرِیدُهُ وَفَی لَهُ وَ إِلَّا كَفَّ وَ رَجُلٌ بَایَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَقَدْ أَعْطَی بِهَا كَذَا وَ كَذَا فَصَدَّقَهُ وَ أَخَذَهَا وَ لَمْ یُعْطِ فِیهَا مَا قَالَ وَ رَجُلٌ عَلَی فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ یَمْنَعُهُ ابْنَ السَّبِیلِ (3).

بیان: لا یُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ أی بما یسرهم أو بشی ء أصلا فإن الملائكة یسألونهم أو هو كنایة عن سخطه سبحانه علیهم وَ لا یُزَكِّیهِمْ أی لا یثنی علیهم أو لا یقبل منهم عملا أو لا یطهرهم مما یوجب العذاب بالعفو و المغفرة.

«3»- سن، [المحاسن] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِیٍّ الْعَمْرِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِیهِ علیه السلام قَالَ: ثَلَاثٌ مُوبِقَاتٌ نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَ تَرْكُ السُّنَّةِ وَ فِرَاقُ

ص: 185


1- 1. عیون أخبار الرضا ج 2 ص 238. الباب 59.
2- 2. اقتباس من قوله تعالی فی البقرة: 174.
3- 3. الخصال ج 1: 53.

الْجَمَاعَةِ(1).

«4»- الدُّرَّةُ الْبَاهِرَةُ، قَالَ الرِّضَا علیه السلام: لَا یَعْدَمُ الْمَرْءُ دَائِرَةَ السَّوْءِ مَعَ نَكْثِ الصَّفْقَةِ.

بیان: قال الراغب الدائرة فی المكروه كما یقال دولة فی المحبوب قال تعالی نَخْشی أَنْ تُصِیبَنا دائِرَةٌ(2) و قولُهُ یَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ(3) أی محیط به السوء إحاطة الدائرة فلا سبیل لهم إلی الانفكاك منه بوجه (4)

و قال الجوهری صفقت له بالبیع و البیعة صفقا أی ضربت بیدی علی یده و تصافق القوم عند البیعة(5).

«5»- شا، [الإرشاد]: فِی بَیْعَةِ النَّاسِ لِلرِّضَا علیه السلام عِنْدَ الْمَأْمُونِ فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ ذَكَرَ فِیهِ أَنَّهُ جَلَسَ الْمَأْمُونُ وَ وَضَعَ لِلرِّضَا علیه السلام وِسَادَتَیْنِ عَظیِمَتَیْنِ وَ أَجْلَسَ الرِّضَا علیه السلام عَلَیْهِمَا فِی الْخُضْرَةِ وَ عَلَیْهِ عِمَامَةٌ وَ سَیْفٌ ثُمَّ أَمَرَ ابْنَهُ الْعَبَّاسَ أَنْ یُبَایِعَ لَهُ فِی أَوَّلِ النَّاسِ فَرَفَعَ الرِّضَا یَدَهُ فَتَلَقَّی بِهَا وَجْهَهُ وَ بِبَطْنِهَا وُجُوهَهُمْ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ ابْسُطْ یَدَكَ لِلْبَیْعَةِ فَقَالَ الرِّضَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَكَذَا كَانَ یُبَایَعُ فَبَایَعَهُ النَّاسُ وَ یَدُهُ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ (6).

«6»- ل، [الخصال] بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ یَذْكُرُ فِیهِ أَحْكَامَ النِّسَاءِ قَالَ وَ لَا تُبَایِعَ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ الثِّیَابِ (7).

ثو، [ثواب الأعمال] بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ: إِنَّ فِی

ص: 186


1- 1. المحاسن: 94.
2- 2. المائدة: 52.
3- 3. براءة: 98.
4- 4. المفردات فی غریب القرآن: 174.
5- 5. الصحاح: 1057.
6- 6. الإرشاد: 291.
7- 7. الخصال ج 2: 141.

النَّارِ لَمَدِینَةً یُقَالُ لَهَا الْحَصِینَةُ أَ فَلَا تَسْأَلُونِّی مَا فِیهَا فَقِیلَ لَهُ وَ مَا فِیهَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ فِیهَا أَیْدِی النَّاكِثِینَ (1).

«8»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ بَایَعَ الرِّجَالُ ثُمَّ جَاءَتْهُ النِّسَاءُ یُبَایِعْنَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ إِلَی قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (2) قَالَتْ هِنْدٌ أَمَّا الْوَلَدُ فَقَدْ رَبَّیْنَا صِغَاراً وَ قَتَلْتَهُمْ كِبَاراً وَ قَالَتْ أُمُّ حَكِیمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَ كَانَتْ عِنْدَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِی جَهْلٍ- یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ الَّذِی أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ لَا نَعْصِیَكَ فِیهِ قَالَ لَا تَلْطِمْنَ خَدّاً وَ لَا تَخْمِشْنَ وَجْهاً وَ لَا تَنْتِفْنَ شَعْراً وَ لَا تَشْقُقْنَ جَیْباً وَ لَا تُسَوِّدْنَ ثَوْباً وَ لَا تَدْعِینَ بِوَیْلٍ فَبَایَعَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی هَذَا فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ كَیْفَ نُبَایِعُكَ قَالَ إِنَّنِی لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَ یَدَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَقَالَ أَدْخِلْنَ أَیْدِیَكُنَّ فِی هَذَا الْمَاءِ فَهِیَ الْبَیْعَةُ(3).

«9»- كا، [الكافی] بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام كَیْفَ مَاسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله النِّسَاءَ حِینَ بَایَعَهُنَّ قَالَ دَعَا بِمِرْكَنِهِ الَّذِی كَانَ یَتَوَضَّأُ فِیهِ فَصَبَّ فِیهِ مَاءً ثُمَّ غَمَسَ یَدَهُ فَكُلَّمَا بَایَعَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَالَ اغْمِسِی یَدَكِ فَتَغْمِسُ كَمَا غَمَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَكَانَ هَذَا مُمَاسَحَتَهُ إِیَاهُنَ (4).

بیان: المركن كمنبر الإجانة.

«10»- كا، [الكافی] بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدَانَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَ تَدْرِی كَیْفَ

ص: 187


1- 1. ثواب الأعمال: 227.
2- 2. الممتحنة: 13.
3- 3. الكافی ج 5 ص 527.
4- 4. الكافی ج 5 ص 526.

بَایَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله النِّسَاءَ قُلْتُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ قَالَ جَمَعَهُنَّ حَوْلَهُ ثُمَّ دَعَا بِتَوْرِ بِرَامٍ فَصَبَّ فِیهِ مَاءً نَضُوحاً ثُمَّ غَمَسَ یَدَهُ فِیهِ ثُمَّ قَالَ اسْمَعْنَ یَا هَؤُلَاءِ أُبَایِعُكُنَّ عَلَی أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لَا تَسْرِقْنَ وَ لَا تَزْنِینَ وَ لَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ وَ لَا تَأْتِینَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیكُنَّ وَ أَرْجُلِكُنَّ وَ لَا تَعْصِینَ بُعُولَتَكُنَّ فِی مَعْرُوفٍ أَقْرَرْتُنَّ قُلْنَ نَعَمْ فَأَخْرَجَ یَدَهُ مِنَ التَّوْرِ ثُمَّ قَالَ لَهُنَّ اغْمِسْنَ أَیْدِیَكُنَّ فَفَعَلْنَ فَكَانَتْ یَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الطَّاهِرَةُ أَطْیَبَ مِنْ أَنْ یَمَسَّ بِهَا كَفَّ أُنْثَی لَیْسَتْ لَهُ بِمَحْرَمٍ (1).

بیان: فی النهایة التور إناء من صفر أو حجارة كالإجانة و قد یتوضأ منه و قال البرمة بالضم القدر مطلقا و جمعها برام و هی فی الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز و الیمن و النضوح كصبور طیب.

أقول: قد مر تفسیر الآیات و سائر الأخبار فی النكث و كیفیة البیعة فی باب فتح مكة(2) و أبواب نكث طلحة و الزبیر.

ص: 188


1- 1. الكافی ج 5 ص 256.
2- 2. راجع ج 21 ص 95- 99.

باب 11 آخر فی أن المؤمن صنفان

كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ نُصَیْرٍ أَبِی الْحَكَمِ الْخَثْعَمِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنَانِ فَمُؤْمِنٌ صَدَقَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ وَفَی بِشَرْطِهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ (1) فَذَلِكَ الَّذِی لَا تُصِیبُهُ أَهْوَالُ الدُّنْیَا وَ

لَا أَهْوَالُ الْآخِرَةِ وَ ذَلِكَ مِمَّنْ یَشْفَعُ وَ لَا یُشْفَعُ لَهُ وَ مُؤْمِنٌ كَخَامَةِ الزَّرْعِ تَعْوَجُّ أَحْیَاناً وَ تَقُومُ أَحْیَاناً فَذَلِكَ مِمَّنْ یُصِیبُهُ أَهْوَالُ الدُّنْیَا وَ أَهْوَالُ الْآخِرَةِ وَ ذَلِكَ مِمَّنْ یُشْفَعُ لَهُ وَ لَا یَشْفَعُ (2).

بیان: قال اللّٰه سبحانه مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ قال البیضاوی من الثبات مع الرسول و المقاتلة لأعداء الدین من صدقنی إذا قال لك الصدق فإن العاهد إذا وفی بعهده فقد صدق فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ أی نذره بأن قاتل حتی استشهد كحمزة و مصعب بن عمیر و أنس بن النضر و النحب النذر استعیر للموت لأنه كنذر لازم فی رقبة كل حیوان وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ أی الشهادة وَ ما بَدَّلُوا العهد و لا غیروه تَبْدِیلًا أی شیئا من التبدیل.

ص: 189


1- 1. الأحزاب: 23.
2- 2. الكافی ج 2 ص 248.

و قال الطبرسی رحمه اللّٰه (1) فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ یعنی حمزة بن عبد المطلب و جعفر بن أبی طالب وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ یعنی علی بن أبی طالب علیه السلام.

وَ رُوِیَ فِی الْخِصَالِ (2) عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: لَقَدْ كُنْتُ عَاهَدْتُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أَنَا وَ عَمِّی حَمْزَةُ وَ أَخِی جَعْفَرٌ وَ ابْنُ عَمِّی عُبَیْدَةُ عَلَی أَمْرٍ وَفَیْنَا بِهِ لِلَّهِ تَعَالَی وَ لِرَسُولِهِ فَتَقَدَّمَنِی أَصْحَابِی وَ تَخَلَّفْتُ بَعْدَهُمْ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَی فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِینَا- مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ الْآیَةَ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ وَ عُبَیْدَةُ وَ أَنَا وَ اللَّهِ الْمُنْتَظِرُ وَ مَا بَدَّلْتُ تَبْدِیلًا.

فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه علیه السلام استدل بهذه الآیة علی أن المؤمنین صنفان لأنه تعالی قال مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ فصنف منهم مؤمن صدق بعهد اللّٰه قیل الباء بمعنی فی أی فی عهد اللّٰه فقوله صدق كنصر بالتخفیف ففیه إشارة إلی أن فی الآیة أیضا الباء مقدرة أی صدقوا بما عاهدوا اللّٰه علیه و یمكن أن یقرأ صدق بالتشدید بیانا لحاصل معنی الآیة أی صدقوا بعهد اللّٰه و ما وعدهم من الثواب و ما اشترط فی الثواب من الإیمان و العمل الصالح و الأول أظهر و المراد بالعهد أصول الدین من الإقرار بالتوحید و النبوة و الإمامة و المعاد و الوفاء بالشرط الإتیان بالمأمورات و الانتهاء عن المنهیات و قیل أراد بالعهد المیثاق بقوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ و بالشرط قوله تعالی إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَیِّئاتِكُمْ (3) و أقول یحتمل أن یكون المراد بهما ما مر فِی كِتَابِ الْإِمَامَةِ عَنْهُ علیه السلام حَیْثُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالِحِینَ حَتَّی تَعْرِفُوا وَ لَا تَعْرِفُونَ حَتَّی تُصَدِّقُوا وَ لَا تُصَدِّقُونَ حَتَّی تُسَلِّمُوا أَبْوَاباً أَرْبَعَةً لَا یَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ وَ

ص: 190


1- 1. مجمع البیان ج 8 ص 349، و فیه: قال ابن عبّاس. من قضی نحبه حمزة بن عبد المطلب، و من قتل معه، و أنس بن نضر و أصحابه، و روی الحاكم أبو القاسم الحسكانی بالاسناد عن عمرو بن ثابت، عن أبی إسحاق عن علیّ علیه السلام قال: فینا نزلت رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ المنتظر. و ما بدلت تبدیلا. نعم ما نقله رحمه اللّٰه انما یوجد فی تفسیر القمّیّ ص 527.
2- 2. الخصال ج 2: 21.
3- 3. النساء: 31.

تَاهُوا تَیْهاً بَعِیداً إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَ لَا یَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ وَ الْعُهُودِ فَمَنْ وَفَی لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِشَرْطِهِ وَ اسْتَعْمَلَ مَا وَصَفَ فِی عَهْدِهِ نَالَ مَا عِنْدَهُ وَ اسْتَعْمَلَ عَهْدَهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَخْبَرَ الْعِبَادَ بِطَرِیقِ الْهُدَی وَ شَرَعَ لَهُمْ فِیهَا الْمَنَارَ وَ أَخْبَرَهُمْ كَیْفَ یَسْلُكُونَ فَقَالَ وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدی (1) وَ قَالَ إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ (2) إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ.

فالشروط و العهود هی التوبة و الإیمان و الأعمال الصالحة و الاهتداء بالأئمة علیهم السلام.

فذلك الذی لا تصیبه أهوال الدنیا و لا أهوال الآخرة قیل المراد بأهوال الدنیا القحط و الطاعون و أمثالهما فی الحیاة و ما یراه عند الموت من سكراته و أهواله و أهوال الآخرة ما بعد الموت إلی دخول الجنة و قیل المراد بأهوال الدنیا الهموم من فوات نعیمها لأن الدنیا و نعیمها لم تخطر بباله فكیف الهموم من فواتها أو المراد أعم منها و من عقوباتها و مكارهها و مصائبها لأنها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة أو لأنها لا تصیبه لأجل المعصیة فلا ینافی إصابتها لرفع الدرجة و لا یخفی بعد تلك الوجوه.

و الأظهر عندی أن المراد بأهوال الدنیا ارتكاب الذنوب و المعاصی لأنها عنده من أعظم المصائب و الأهوال بقرینة ما سیأتی فی الشق المقابل له و یحتمل أن یكون إطلاق الأهوال علیها علی مجاز المشاكلة.

و ذلك ممن یشفع علی بناء المعلوم أی یشفع للمؤمنین من المذنبین و لا یشفع له علی بناء المجهول أی أنه لا یحتاج إلی الشفاعة لأنه من المقربین الذین لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ و لا یحزنون و إنما الشفاعة لأهل المعاصی.

كخامة الزرع قال فی النهایة فیه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفیئها الریاح هی الطاقة الغضة اللینة من الزرع و ألفها منقلبة عن واو انتهی.

ص: 191


1- 1. طه: 82.
2- 2. المائدة: 27.

و أشار علیه السلام إلی وجه الشبه بقوله یعوج أحیانا و المراد باعوجاجه میله إلی الباطل و هو متاع الدنیا و الشهوات النفسانیة و بقیامه استقامته علی طریق الحق و مخالفته للأهواء و الوساوس الشیطانیة و لا یشفع أی لا یؤذن له فی الشفاعة.

كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْقُمِّیِّ عَنْ خِضْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنَانِ مُؤْمِنٌ وَفَی لِلَّهِ بِشُرُوطِهِ الَّتِی اشْتَرَطَهَا عَلَیْهِ فَذَلِكَ مَعَ النَّبِیِّینَ وَ الصِّدِّیقِینَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِینَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِیقاً وَ ذَلِكَ مِمَّنْ یَشْفَعُ وَ لَا یُشْفَعُ لَهُ وَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا یُصِیبُهُ أَهْوَالُ الدُّنْیَا وَ لَا أَهْوَالُ الْآخِرَةِ وَ مُؤْمِنٌ زَلَّتْ بِهِ قَدَمٌ كَخَامَةِ الزَّرْعِ كَیْفَمَا كَفَتْهُ الرِّیحُ انْكَفَأَ وَ ذَلِكَ مَنْ تُصِیبُهُ أَهْوَالُ الدُّنْیَا وَ أَهْوَالُ الْآخِرَةِ وَ یُشْفَعُ لَهُ وَ هُوَ عَلَی خَیْرٍ(1).

بیان: خضر بكسر الخاء و سكون الضاد أو بفتح الخاء و سكون الضاد صحح بهما فی القاموس و غیره وفی لله بشروطه العهود داخلة تحت الشروط هنا فذلك مع النبیین إشارة إلی قوله تعالی وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَ الصِّدِّیقِینَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِینَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِیقاً(2) و هذا مبنی علی ما ورد فی الأخبار الكثیرة أن الصدیقین و الشهداء و الصالحین هم الأئمة علیهم السلام و المراد بالمؤمن فی المقسم هنا غیرهم من المؤمنین و قد مر

عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام: أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآیَةِ فَمِنَّا النَّبِیُّ وَ مِنَّا الصِّدِّیقُ وَ الشُّهَدَاءُ وَ الصَّالِحُونَ.

و فی تفسیر علی بن إبراهیم (3)

قال النَّبِیِّینَ رَسُولُ اللَّهِ وَ الصِّدِّیقِینَ عَلِیٌ وَ الشُّهَداءِ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ الصَّالِحِینَ الْأَئِمَّةُ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِیقاً الْقَائِمُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ.

ص: 192


1- 1. الكافی ج 2: 248.
2- 2. النساء: 69.
3- 3. تفسیر القمّیّ ص 131.

فلا یحتاج إلی ما قیل إن الظاهر أنه كان من النبیین لأن الصنف الأول إما نبی أو صدیق أو شهید أو صالح و الصنف الثانی یكون مع هؤلاء بشفاعتهم زلت به قدم كان الباء للتعدیة أی أزلته قدم و إقدام علی المعصیة و قیل الباء للسببیة أی زلت بسببه قدمه أی فعله عمدا من غیر نسیان و إكراه و كیفما مركب من كیف للشرط نحو كیف تصنع أصنع و ما زائدة للتأكید.

و فی النهایة یقال كفأت الإناء و أكفأته إذا كببته و إذا أملته و فی القاموس كفاه كمنعه صرفه و كبه و قلبه كأكفأه و اكتفاه و انكفأ رجع و لونه تغیر(1).

«3»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنِ ابْنِ مِهْرَانَ عَنْ یُونُسَ بْنِ یَعْقُوبَ عَنْ أَبِی مَرْیَمَ الْأَنْصَارِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قَامَ رَجُلٌ بِالْبَصْرَةِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَخْبِرْنَا عَنِ الْإِخْوَانِ فَقَالَ الْإِخْوَانُ صِنْفَانِ إِخْوَانُ الثِّقَةِ وَ إِخْوَانُ الْمُكَاشَرَةِ فَأَمَّا إِخْوَانُ الثِّقَةِ فَهُمُ الْكَفُّ وَ الْجَنَاحُ وَ الْأَهْلُ وَ الْمَالُ فَإِذَا كُنْتَ مِنْ أَخِیكَ عَلَی حَدِّ الثِّقَةِ فَابْذُلْ لَهُ مَالَكَ وَ بَدَنَكَ وَ صَافِ مَنْ صَافَاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ اكْتُمْ سِرَّهُ وَ عَیْبَهُ وَ أَظْهِرْ مِنْهُ الْحَسَنَ وَ اعْلَمْ أَیُّهَا السَّائِلُ أَنَّهُمْ أَقَلُّ مِنَ الْكِبْرِیتِ الْأَحْمَرِ وَ أَمَّا إِخْوَانُ الْمُكَاشَرَةِ فَإِنَّكَ تُصِیبُ لَذَّتَكَ مِنْهُمْ فَلَا تَقْطَعَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَ لَا تَطْلُبَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ ضَمِیرِهِمْ وَ ابْذُلْ لَهُمْ مَا بَذَلُوا لَكَ مِنْ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَ حَلَاوَةِ اللِّسَانِ (2).

بیان: الإخوان صنفان المراد بالإخوان إما مطلق المؤمنین فإن المؤمنین إخوة أو المؤمنین الذین یصاحبهم و یعاشرهم و یظهرون له المودة و الأخوة

ص: 193


1- 1. القاموس ج 1: 26.
2- 2. الكافی ج 2: 248.

أو الأعم من المؤمنین و غیرهم إذا كانوا كذلك و المراد بإخوان الثقة أهل الصلاح و الصدق و الأمانة الذین یثق بهم و یعتمد علیهم فی الدین و عدم النفاق و موافقة ظاهرهم لباطنهم و بإخوان المكاشرة الذین لیسوا بتلك المثابة و لكن یعاشرهم لرفع الوحشة أو للمصلحة و التقیة فیجالسهم و یضاحكهم و لا یعتمد علیهم و لكن ینتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لإزالة الوحشة و دفع الضرر.

قال فی النهایة فیه إنا لنكشر فی وجوه أقوام الكشر ظهور الأسنان فی الضحك و كاشره إذا ضحك فی وجهه و باسطه و الاسم الكشرة كالعشرة.

فهم الكف الحمل علی المبالغة و التشبیه أی هم بمنزلة كفك فی إعانتك و كف الأذی عنك فینبغی أن تراعیه و تحفظه كما تحفظ كفك.

قال فی المصباح قال الأزهری الكف الراحة مع الأصابع سمیت بذلك لأنها تكف الأذی عن البدن و قال جناح الطائر بمنزلة الید للإنسان و فی القاموس الجناح الید و العضد و الإبط و الجانب و نفس الشی ء و الكنف و الناحیة انتهی و أكثر المعانی مناسبة و العضد أظهر و الحمل كما سبق أی هم بمنزلة عضدك فی إعانتك فراعهم كما تراعی عضدك و كذا الأهل و المال و یمكن أن یكون المراد بكونهم مالا أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إلیه.

فإذا كنت من أخیك أی بالنسبة إلیه كَقَوْلِ النَّبِیِّ: أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی.

علی حد الثقة أی علی مرتبة الثقة و الاعتماد أو علی أول حد من حدودها و الثقة فی الأخوة و الدیانة و الاتصاف بصفات المؤمنین و كون باطنه موافقا لظاهره.

فابذل له مالك و بدنك بذل المال هو أن یعطیه من ماله عند حاجته إلیه سأل أم لم یسأل و بذل البدن هو أن یخدمه و یدفع الأذی عنه قولا و فعلا و هما متفرعان علی كونهم الكف و الجناح و الأهل و المال و صاف من صافاه

ص: 194

أی أخلص الود لمن أخلص له الود قال فی المصباح صفا خلص من الكدر و أصفیته الوداد أخلصته و فی القاموس صافاه صدقه الإخاء كأصفاه.

و عاد من عاداه أی فی الدین أو الأعم إذا كان الأخ محقا و إنما أطلق لأن المؤمن الكامل لا یكون إلا محقا و یؤید هاتین الفقرتین

مَا رُوِیَ عَنْهُ فِی النَّهْجِ (1)

أَنَّهُ قَالَ: أَصْدِقَاؤُكَ ثَلَاثَةٌ وَ أَعْدَاؤُكَ ثَلَاثَةٌ فَأَصْدِقَاؤُكَ صَدِیقُكَ وَ صَدِیقُ صَدِیقِكَ وَ عَدُوُّ عَدُوِّكَ وَ أَعْدَاؤُكَ عَدُوُّكَ وَ عَدُوُّ صَدِیقِكَ وَ صَدِیقُ عَدُوِّكَ.

و اكتم سره أی ما أمرك بإخفائه أو تعلم أن إظهاره یضره و عیبه أی إن كان له عیب نادرا أو ما یعیبه الناس علیه و لم یكن قبیحا واقعا كالفقر و الأمراض الخفیة و أظهر منه الحسن بالتحریك أی ما هو حسن ممدوح عقلا و شرعا من الصفات و الأخلاق و الأعمال و یمكن أن یقرأ بالضم.

فإنك تصیب لذتك منهم أی تلتذ بحسن صحبتهم و مؤانستهم و تحصیل بعض المنافع الدنیویة منهم بل الأخرویة أیضا أحیانا بمذاكرتهم و مفاوضتهم فلا تقطعن ذلك الحظ منهم بالاستیحاش عنهم و ترك مصاحبتهم فتصیر وحیدا لندرة النوع الأول

كَمَا قَالَ علیه السلام فِی حَدِیثٍ آخَرَ: زُهْدُكَ فِی رَاغِبٍ فِیكَ نُقْصَانُ حَظٍّ وَ رَغْبَتُكَ فِی زَاهِدٍ فِیكَ ذُلُّ نَفْسٍ.

و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضمیرهم أی ما یضمرون فی أنفسهم فلعله یظهر لك منهم حسد و عداوة و نفاق فتترك مصاحبتهم فیفوتك ذلك الحظ منهم أو یظهر لك منهم سوء عقیدة و فساد رأی فتضطر إلی مفارقتهم لذلك أو المعنی لا تتوقع منهم موافقة ضمیرهم لك و حبهم الواقعی و اكتف بالمعاشرة الظاهرة و إن علمت عدم موافقة قلبهم للسانهم كما یرشد إلیه قوله علیه السلام و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه أی تهلله و إظهار فرحه برؤیتك و تبسمه.

ص: 195


1- 1. نهج البلاغة ج 2 ص 217 تحت الرقم 295 من الحكم و المواعظ.

فی المصباح رجل طلق الوجه أی فرح ظاهر البشر و هو طلیق الوجه قال أبو زید متهلل بسام.

و فی الحدیث حث علی حسن المعاشرة و الاكتفاء بظواهر أحوالهم و عدم تجسس ما فی بواطنهم فإنه أقرب إلی هدایتهم و إرشادهم إلی الحق و تعلیم الجهال و هدایة أهل الضلال و أبعد من التضرر منهم و التنفر عنهم و الأخبار فی حسن المعاشرة كثیرة لا سیما مع المدعین للتشیع و الإیمان وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ.

باب 12 شدة ابتلاء المؤمن و علته و فضل البلاء

اشارة

الآیات:

البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ (1)

آل عمران: لَتُبْلَوُنَّ فِی أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ أَشْرَكُوا أَذیً كَثِیراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(2)

الأنعام: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ

ص: 196


1- 1. البقرة: 214.
2- 2. آل عمران: 188.

یَتَضَرَّعُونَ فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ ما كانُوا یَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَیْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَیْ ءٍ حَتَّی إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (1)

تفسیر:

أَمْ حَسِبْتُمْ قال فی المجمع (2) أی أ ظننتم و خلتم أیها المؤمنون أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ و لما تمتحنوا و تبتلوا بمثل ما امتحن الذین مضوا من قبلكم به فتصبروا كما صبروا و هذا استدعاء إلی الصبر و بعده الوعد بالنصر.

ثم ذكر سبحانه ما أصاب أولئك فقال مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ و المس و اللمس واحد و البأساء نقیض النعماء و الضراء نقیض السراء و قیل البأساء القتل و الضراء الفقر وَ زُلْزِلُوا أی حركوا بأنواع البلایا و قیل معناه هنا أزعجوا بالمخافة من العدو و ذلك لفرط الحیرة.

مَتی نَصْرُ اللَّهِ قیل هذا استعجال للموعود كما یفعله الممتحن و إنما قاله الرسول استبطاء للنصر و قیل إن معناه الدعاء لله بالنصر و لا یجوز أن یكون علی جهة الاستبطاء لنصر اللّٰه لأن الرسول یعلم أن اللّٰه لا یؤخره عن الوقت الذی توجبه الحكمة ثم أخبر اللّٰه أنه ناصر لأولیائه فقال أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ و قیل إن هذا من كلامهم فإنهم قالوا عند الإیاس مَتی نَصْرُ اللَّهِ ثم تفكروا و علموا أن اللّٰه منجز وعده فقالوا أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ و قیل إنه ذكر كلام الرسول و المؤمنین جملة و تفصیله و قال المؤمنون مَتی نَصْرُ اللَّهِ و قال الرسول أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ انتهی.

وَ أَقُولُ رُوِیَ فِی الْخَرَائِجِ عَنْ زَیْنِ الْعَابِدِینَ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ: فَمَا تَمُدُّونَ أَعْیُنَكُمْ لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ مِمَّنْ هُوَ عَلَی مَا أَنْتُمْ عَلَیْهِ یُؤْخَذُ فَتُقْطَعُ یَدُهُ وَ رِجْلُهُ وَ یُصْلَبُ ثُمَّ تَلَا أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ الْآیَةَ.

ص: 197


1- 1. الأنعام: 44- 46.
2- 2. مجمع البیان ج 2 ص 308، و فیه: معناه: بل أ ظننتم و خلتم إلخ.

وَ رُوِیَ فِی الْكَافِی عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقْرَأُ- وَ زُلْزِلُوا ثُمَّ زُلْزِلُوا حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ.

و قال فی المجمع (1)

فی قوله تعالی لَتُبْلَوُنَ أی لتوقع علیكم المحن و تلحقكم الشدائد فِی أَمْوالِكُمْ بذهابها و نقصانها وَ فی أَنْفُسِكُمْ أیها المؤمنون بالقتل و المصائب و قیل بفرض الجهاد و غیره وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ یعنی الیهود و النصاری وَ مِنَ الَّذِینَ أَشْرَكُوا یعنی كفار مكة و غیرهم أَذیً كَثِیراً من تكذیب النبی صلی اللّٰه علیه و آله و من الكلام الذی یغمهم مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أی مما بان رشده و صوابه و وجب علی العاقل العزم علیه و قیل أی من محكم الأمور.

و قال فی قوله تعالی (2) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا أی رسلا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فخالفوهم فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ یرید بالفقر و البؤس و الأسقام و الأوجاع عن ابن عباس لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُونَ معناه لكی یتضرعوا فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا معناه فهلا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فأقاموا علی كفرهم و لم تنجع فیهم العظة وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ بالوسوسة و الإغراء بالمعصیة لما فیها من عاجل اللذة ما كانُوا یَعْمَلُونَ یعنی أعمالهم.

فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أی تركوا ما وعظوا به فَتَحْنا عَلَیْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَیْ ءٍ أی كل نعمة و بركة من السماء و الأرض و المعنی أنه تعالی امتحنهم بالشدائد لكی یتضرعوا و یتوبوا فلما تركوا ذلك فتح علیهم أبواب النعم و التوسعة فی الرزق لیرغبوا بذلك فی نعیم الآخرة حَتَّی إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا من النعیم و اشتغلوا بالتلذذ و لم یروه نعمة من اللّٰه حتی یشكروه أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً أی مفاجاة من حیث لا یشعرون فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ أی آیسون من النجاة و الرحمة.

وَ رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِذَا رَأَیْتَ اللَّهَ یُعْطِی عَلَی الْمَعَاصِی فَذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ

ص: 198


1- 1. مجمع البیان ج 2 ص 551 و الآیة فی آل عمران: 186.
2- 2. مجمع البیان ج 4: 301، و الآیة فی الانعام: 44.

مِنْهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ وَ نَحْوُهُ مَا رُوِیَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام أَنَّهُ قَالَ یَا ابْنَ آدَمَ إِذَا رَأَیْتَ رَبَّكَ یُتَابِعُ عَلَیْكَ نِعَمَهُ فَاحْذَرْهُ.

انتهی (1).

و یظهر من الآیات أن البلایا و المصائب نعم من اللّٰه لیتعظوا و یتذكروا بها و یتركوا المعاصی

كَمَا قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام (2): وَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ حِینَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وَ تَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ فَزِعُوا إِلَی رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِیَّاتِهِمْ وَ وَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ عَلَیْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ وَ أَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ.

و تدل علی أن تواتر النعم علی العباد و عدم ابتلائهم بالبلایا استدراج منه سبحانه غالبا كما قال علی بن إبراهیم لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُونَ یعنی كی یتضرعوا فلما لم یتضرعوا فتح اللّٰه علیهم الدنیا و أغناهم لفعلهم الردی فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ أی آیسون و ذلك قول اللّٰه فی مناجاته لموسی علیه السلام.

حَدَّثَنِی أَبِی عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِیَاثٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ فِی مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَی لِمُوسَی یَا مُوسَی إِذَا رَأَیْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلًا فَقُلْ مَرْحَباً بِشِعَارِ الصَّالِحِینَ وَ إِذَا رَأَیْتَ الْغِنَی مُقْبِلًا فَقُلْ ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ فَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَی أَحَدٍ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا إِلَّا بِذَنْبٍ لِیُنْسِیَهُ ذَلِكَ الذَّنْبَ فَلَا یَتُوبَ فَیَكُونُ إِقْبَالُ الدُّنْیَا عَلَیْهِ عُقُوبَةً لِذُنُوبِهِ (3).

وَ رَوَی الْكَشِّیُ (4)

وَ الْعَیَّاشِیُّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَبِی الْحَسَنِ صَاحِبِ الْعَسْكَرِ علیه السلام: أَنَّ قَنْبَراً مَوْلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام أُدْخِلَ عَلَی الْحَجَّاجِ فَقَالَ مَا الَّذِی كُنْتَ تَلِی مِنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ قَالَ كُنْتُ أُوَضِّیهِ فَقَالَ لَهُ مَا كَانَ یَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ فَقَالَ كَانَ یَتْلُو هَذِهِ الْآیَةَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ إِلَی قَوْلِهِ:

ص: 199


1- 1. مجمع البیان ج 4: 302.
2- 2. نهج البلاغة ج 1: 353 تحت الرقم 176 من الخطب.
3- 3. أخرجه الدیلمیّ فی إرشاد القلوب: 219، الباب 48، و تراه فی الكافی ج 2 ص 263. راجع تفسیر القمّیّ ذیل هذه الآیة.
4- 4. رجال الكشّیّ: 70.

فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِینَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (1) فَقَالَ الْحَجَّاجُ أَظُنُّهُ كَانَ یَتَأَوَّلُهُ عَلَیْنَا قَالَ نَعَمْ (2).

«1»- كِتَابُ صِفَاتِ الشِّیعَةِ، لِلصَّدُوقِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْبَرَصُ شِبْهُ اللَّعْنَةِ لَا یَكُونُ فِینَا وَ لَا فِی ذُرِّیَّتِنَا وَ لَا فِی شِیعَتِنَا.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنْ لَمْ یُؤْمِنِ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْبَلَایَا فِی الدُّنْیَا وَ لَكِنْ آمَنَهُ مِنَ الْعَمَی فِی الْآخِرَةِ وَ مِنَ الشَّقَاءِ یَعْنِی عَمَی الْبَصَرِ(3).

«2»- نَوَادِرُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِیباً وَ سَیَعُودُ غَرِیباً كَمَا بَدَأَ فَطُوبَی لِلْغُرَبَاءِ فَقِیلَ وَ مَنْ هُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ الَّذِینَ یَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ إِنَّهُ لَا وَحْشَةَ وَ لَا غُرْبَةَ عَلَی مُؤْمِنٍ وَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ یَمُوتُ فِی غُرْبَتِهِ إِلَّا بَكَتْ عَلَیْهِ الْمَلَائِكَةُ رَحْمَةً لَهُ حَیْثُ قَلَّتْ بَوَاكِیهِ وَ فُسِحَ لَهُ فِی قَبْرِهِ بِنُورٍ یَتَلَأْلَأُ مِنْ حَیْثُ دُفِنَ إِلَی مَسْقَطِ رَأْسِهِ.

«3»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِیَاءُ ثُمَّ الَّذِینَ یَلُونَهُمْ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ (4).

بیان: أشد الناس بلاء قیل المراد بالناس هنا الكمل من الأنبیاء و الأوصیاء و الأولیاء فإنهم الناس حقیقة و سائر الناس نسناس كما ورد فی الأخبار و البلاء ما یختبر و یمتحن به من خیر أو شر و أكثر ما یأتی مطلقا الشر و ما أرید به الخیر یأتی مقیدا كما قال تعالی بَلاءً حَسَناً(5) و أصله المحنة.

ص: 200


1- 1. الأنعام: 45.
2- 2. تفسیر العیّاشیّ ج 1: 359.
3- 3. صفات الشیعة: 180.
4- 4. الكافی ج 2: 252.
5- 5. الأنفال: 17.

و اللّٰه تعالی یبتلی عبده بالصنع الجمیل لیمتحن شكره و بما یكره لیمتحن صبره یقال بلاه اللّٰه بخیر أو شر یبلوه بلوا و أبلاه إبلاء و ابتلاه ابتلاء بمعنی امتحنه و الاسم البلاء مثل سلام و البلوی و البلیة مثله.

و قال فی النهایة فیه أشد الناس بلاء الأنبیاء ثم الأمثل فالأمثل أی الأشرف فالأشرف و الأعلی فالأعلی فی الرتبة و المنزلة ثم یقال هذا أمثل من هذا أی أفضل و أدنی إلی الخیر و أماثل الناس خیارهم انتهی.

ثم الذین یلونهم أی یقربون منهم و یكونون بعدهم فی المصباح الولی مثل فلس القرب و فی الفعل لغتان أكثرهما ولیه یلیه بكسرتین و الثانیة من باب وعد و هی قلیلة الاستعمال و جلست مما یلیه أی یقاربه و قیل الولی حصول الثانی بعد الأول من غیر فصل انتهی و المراد بهم الأوصیاء علیهم السلام.

«4»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ نَاجِیَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام إِنَّ الْمُغِیرَةَ یَقُولُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا یُبْتَلَی بِالْجُذَامِ وَ لَا بِالْبَرَصِ وَ لَا بِكَذَا وَ لَا بِكَذَا فَقَالَ إِنْ كَانَ لَغَافِلًا عَنْ صَاحِبِ یَاسِینَ إِنَّهُ كَانَ مُكَنَّعاً ثُمَّ رُدَّ أَصَابِعُهُ فَقَالَ كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی تَكْنِیعِهِ أَتَاهُمْ فَأَنْذَرَهُمْ ثُمَّ عَادَ إِلَیْهِمْ مِنَ الْغَدِ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ یُبْتَلَی بِكُلِّ بَلِیَّةٍ وَ یَمُوتُ بِكُلِّ مِیتَةٍ إِلَّا أَنَّهُ لَا یَقْتُلُ نَفْسَهُ (1).

بیان: المغیرة هو المغیرة بن سعید و قد ذكر الكشی (2) أحادیث كثیرة فی لعنه و قال العلامة قدس سره إنه كان یدعو إلی محمد بن عبد اللّٰه بن الحسن و قال رحمه اللّٰه فی مناهج الیقین القائلون بإمامة الباقر علیه السلام اختلفوا بعد موته فالإمامیة ساقوها إلی ولده الصادق علیه السلام و منهم من قال إنه لم یمت و منهم من ساقها إلی غیر ولده فذهب بعضهم إلی أن الإمام بعد الباقر علیه السلام محمد بن عبد اللّٰه بن الحسن بن الحسن و هم أصحاب المغیرة بن سعید.

ص: 201


1- 1. الكافی ج 2: 254.
2- 2. رجال الكشّیّ: 194- 198.

وَ رَوَی الْكَشِّیُ (1) عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَنَّهُ قَالَ یَوْماً لِأَصْحَابِهِ لَعَنَ اللَّهُ الْمُغِیرَةَ بْنَ سَعِیدٍ وَ لَعَنَ اللَّهُ یَهُودِیَّةً كَانَ یَخْتَلِفُ إِلَیْهَا یَتَعَلَّمُ مِنْهَا السِّحْرَ وَ الشُّعْبَذَةَ وَ الْمَخَارِیقَ إِنَّ الْمُغِیرَةَ كَذَبَ عَلَی أَبِی علیه السلام فَسَلَبَهُ اللَّهُ الْإِیمَانَ وَ إِنَّ قَوْماً كَذَبُوا عَلَیَّ مَا لَهُمْ أَذَاقَهُمُ اللَّهُ حَرَّ الْحَدِیدِ.

وَ رُوِیَ أَیْضاً عَنِ الرِّضَا علیه السلام(2)

أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْمُغِیرَةُ یَكْذِبُ عَلَی أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فَأَذَاقَهُ اللَّهُ حَرَّ الْحَدِیدِ.

و قال فی المواقف قال مغیرة بن سعید العجلی اللّٰه جسم علی صورة إنسان من نور علی رأسه تاج و قلبه منبع الحكمة و لما أراد أن یخلق الخلق تكلم بالاسم الأعظم فطار فوقع تاجا علی رأسه ثم إنه كتب علی كفه أعمال العباد فغضب من المعاصی فعرق فحصل منه بحران أحدهما مالح مظلم و الآخر حلو نیر ثم اطلع فی البحر النیر فأبصر فیه ظله فانتزعه فجعل منه الشمس و القمر و أفنی الباقی من الظل نفیا للشریك ثم خلق الخلق من البحرین فالكفار من المظلم و المؤمنین من النیر.

ثم أرسل محمدا و الناس فی ضلال و عرض الْأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ و هو أبو بكر بأمر عمر بشرط أن یجعل الخلافة بعده له و قوله تعالی كَمَثَلِ الشَّیْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ(3)

ص: 202


1- 1. رجال الكشّیّ: 196.
2- 2. المصدر نفسه ص 194. أقول: و روی بإسناده الی هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللّٰه علیه السلام یقول: كان المغیرة بن سعید یتعمد الكذب علی أبی، و یأخذ كتب أصحابه- و كان أصحابه المستترون بأصحاب أبی یأخذون الكتب من أصحاب أبی فیدفعونها الی المغیرة-. فكان یدس فیها الكفر و الزندقة، و یسندها الی أبی، ثمّ یدفعها الی أصحابه فیأمرهم أن یبثوها فی الشیعة، فكلما كان فی كتب أصحاب أبی من الغلو، فذاك مما دسه المغیرة ابن سعید فی كتبهم.
3- 3. الحشر: 16.

نزلت فی أبی بكر و عمر.

و الإمام المنتظر هو زكریا بن محمد بن علی بن الحسین بن علی و هو حی فی جبل حاجر إلی أن یؤمر بالخروج و قتل المغیرة فقال بعض أصحابه بانتظاره و بعضهم بانتظار زكریا انتهی.

و قیل هو المغیرة بن سعد و كان یلقب بالأبتر فنسبت إلیه البتریة من الزیدیة و لم أدر من أین أخذه (1).

فقال إن كان لغافلا إن مخففة من المثقلة و صاحب یاسین هو حبیب النجار و إنذاره إشارة إلی قوله تعالی وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْیَةِ(2) و هذه القریة هی أنطاكیة فی قول المفسرین إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ أی رسولین من رسلنا فَكَذَّبُوهُما أی الرسولین قال ابن عباس ضربوهما و سجنوهما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ أی فقوینا و شددنا ظهورهما برسول ثالث قیل كان اسم الرسولین شمعون و یوحنا و الثالث بولس و قال ابن عباس و كعب صادق و صدوق و الثالث سلوم و قیل إنهم رسل عیسی

ص: 203


1- 1. قال الفیروزآبادی فی القاموس ج 1 ص 366 فی مادة« بتر»: و الابتر لقب المغیرة بن سعد و البتریة- بالضم- من الزیدیة تنسب إلیه. و لكن قال الكشّیّ فی رجاله ص 202: البتریة هم أصحاب كثیر النواء و الحسن بن صالح بن یحیی[ حی ظ]، و سالم بن أبی حفصة و الحكم بن عتیبة و سلمة بن كهیل و أبو المقدام ثابت الحداد، و هم الذین دعوا الی ولایة علیّ علیه السلام ثمّ خلطوها بولایة أبی بكر و عمر و یثبتون لهما امامتهما و یبغضون عثمان و طلحة و الزبیر و عائشة، و یرون الخروج مع بطون ولد علیّ بن أبی طالب إلخ. و انما قیل لهم البتریة لان جماعة من الزیدیة دخلوا علی أبی جعفر الباقر علیه السلام و كان عنده زید بن علیّ، فأظهروا عقائدهم و ما یقولون به، فقال لهم زید: بترتم أمرنا بتركم اللّٰه.
2- 2. یس: 13. و ما بعدها ذیلها.

و هم الحواریون و إنما أضافهم إلی نفسه لأن عیسی علیه السلام أرسلهم بأمره فَقالُوا إِنَّا إِلَیْكُمْ مُرْسَلُونَ قالُوا یعنی أهل القریة ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فلا تصلحون للرسالة كما لا نصلح نحن لها وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَیْ ءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قالُوا رَبُّنا یَعْلَمُ إِنَّا إِلَیْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَ ما عَلَیْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِینُ إلی قوله تعالی وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعی و كان اسمه حبیب النجار عن ابن عباس و جماعة من المفسرین و كان قد آمن بالرسول عند ورودهم القریة و كان منزله عند أقصی باب من أبواب المدینة فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل و هموا بقتلهم جاء یعدو و یشتد قالَ یا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِینَ الذین أرسلهم اللّٰه إلیكم و أقروا برسالتهم.

قالوا و إنما علم هو نبوتهم لأنهم لما دعوه قال أ تأخذون علی ذلك أجرا قالوا لا و قیل إنه كان به زمانة أو جذام فابرءوه فآمن بهم عن ابن عباس اتَّبِعُوا مَنْ لا یَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ وَ ما لِیَ لا أَعْبُدُ الَّذِی فَطَرَنِی وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفاعَتُهُمْ شَیْئاً وَ لا یُنْقِذُونِ إِنِّی إِذاً لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ إِنِّی آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ فاسمعوا قولی و اقبلوه و قیل إنه خاطب بذلك الرسل أی فاسمعوا ذلك حتی تشهدوا لی به عند اللّٰه عن ابن مسعود.

قال ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه وطئوه بأرجلهم حتی مات فأدخله اللّٰه الجنة و هو حی فیها یرزق و هو قوله قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ و قیل رجموه حتی قتلوه و قیل إن القوم لما أرادوا أن یقتلوه رفعه اللّٰه إلیه فهو فی الجنة و لا یموت إلا بفناء الدنیا و هلاك الجنة عن الحسن و مجاهد و قالا إن الجنة التی دخلها یجوز هلاكها.

و قیل إنهم قتلوه إلا أن اللّٰه سبحانه أحیاه و أدخله الجنة فلما دخلها قالَ یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِی رَبِّی وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُكْرَمِینَ

ص: 204

وَ فِی تَفْسِیرِ الثَّعْلَبِیِّ بِالْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی لَیْلَی عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: سُبَّاقُ الْأُمَمِ ثَلَاثَةٌ لَمْ یَكْفُرُوا بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَیْنٍ- عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ صَاحِبُ یَاسِینَ وَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ فَهُمُ الصِّدِّیقُونَ وَ عَلِیٌّ أَفْضَلُهُمْ.

كل ذلك ذكره الطبرسی (1)

رحمه اللّٰه فی مجمع البیان و الأخبار الطویلة المشتملة علی تلك القصة قد تقدمت فی المجلد الخامس.

أنه كان مكنعا فی أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة و فی بعضها بالتاء و فی القاموس كنع كمنع كنوعا انقبض و انضم و أصابعه ضربها فأیبسها و كفرح یبس و تشنج و لزم و شیخ كنع ككتف شنج و الكنیع المكسور الید و الأكنع الأشل و كمعظم و مجمل المقفع الید أی متشنجها أو المقطوعها و كنع یده أشلها(2)

و قال كتع كمنع انقبض و انضم و الأكتع من رجعت أصابعه إلی كفه و ظهرت رواجبه (3).

و أقول كأنه كان الجذام سببا لتكنیع أصابعه كما سیأتی تفسیره بالجذام أو كان هذا الداء أیضا مذكورا فی الأدواء التی نفاها عن المؤمن أو الغرض بیان أن الابتلاء بالأدواء العظیمة الشنیعة لا ینافی كمال الإیمان و قیل كانت أصابعه سقطت من الجذام فأشار علیه السلام بضم أصابعه إلی كفه إلی ذلك.

ثم رد أصابعه هذا من كلام الراوی أی رد علیه السلام أصابعه إلی كفه إشارة إلی تكنیعه فقال كأنی أنظر إلی تكنیعه أی أعلم ذلك و كیفیته بعین الیقین أتاهم أی حبیب فأنذرهم و خوفهم عقاب اللّٰه علی ترك اتباع الرسل بما حكی اللّٰه تعالی عنه و ربما یتوهم التنافی بین هذا الخبر و بین مَا وَرَدَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ: إِذَا بَلَغَ الْمُؤْمِنُ أَرْبَعِینَ سَنَةً آمَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ.

و یمكن أن یجاب بأنه محمول علی الغالب فلا ینافی الابتلاء بعد

ص: 205


1- 1. مجمع البیان ج 8 ص 417- 421.
2- 2. القاموس ج 3 ص 80.
3- 3. القاموس ج 3 ص 77.

الأربعین نادرا مع أنه یمكن أن یكون ابتلاء المؤمن قبل الأربعین و أیضا الخبر لیس بصریح فی ابتلائه بالجذام.

و المیتة بالكسر للحال و الهیئة و یدل علی أن قاتل نفسه لیس بمؤمن سواء قتلها بحربة أو بشرب السم أو بترك الأكل و الشرب أو ترك مداواة جراحة أو مرض علم نفعها أما لو أحرق العدو السفینة فألقی من فیها نفسه فی البحر فمات فالظاهر أنه أیضا داخل فی هذا الحكم خلافا لبعض العامة فإنه أخرجه منه لأنه فر من موت إلی موت و هو ضعیف و ربما یحمل علی من استحل قتل نفسه و الظاهر أن المراد بالمؤمن الكامل.

«5»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ عُثْمَانَ النَّوَّاءِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَبْتَلِی الْمُؤْمِنَ بِكُلِّ بَلِیَّةٍ وَ یُمِیتُهُ بِكُلِّ مِیتَةٍ وَ لَا یَبْتَلِیهِ بِذَهَابِ عَقْلِهِ أَ مَا تَرَی أَیُّوبَ كَیْفَ سَلَّطَ اللَّهُ إِبْلِیسَ عَلَی مَالِهِ وَ عَلَی وُلْدِهِ وَ عَلَی أَهْلِهِ وَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ مِنْهُ وَ لَمْ یُسَلِّطْ عَلَی عَقْلِهِ تُرِكَ لَهُ لِیُوَحِّدَ اللَّهَ بِهِ (1).

بیان: و لا یبتلیه بذهاب عقله لأن فائدة الابتلاء التصبر و التذكر و الرضا و نحوها و لا یتصور شی ء من ذلك بذهاب العقل و فساد القلب و لا ینافی ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء علی أن الموضع هو المؤمن و المجنون لا یتصف بالإیمان كذا قیل لكن ظاهر الخبر أن المؤمن الكامل لا یبتلی بذلك و إن لم یطلق علیه فی تلك الحال اسم الإیمان و كان بحكم المؤمن.

و یمكن أن یكون هذا غالبیا فإنا نری كثیرا من صلحاء المؤمنین یبتلون فی أواخر العمر بالخرافة و ذهاب العقل أو یخص بنوع منه و الوجه الأول لا یخلو من وجه و علی كل شی ء منه ظاهره تسلطه علی جمیع أعضائه و قواه سوی عقله و قد یؤول بتسلطه علی بیته و أثاث بیته و أمثال ذلك و أحبائه و أصدقائه

ص: 206


1- 1. الكافی ج 2 ص 256.

و قد سبق بسط القول فی قصص أیوب علیه السلام و دفع الشبه الواردة فیها فی المجلد الخامس فلا نعیدها حذرا من التكرار.

«6»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام الْبَلَاءُ وَ مَا یَخُصُّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِی الدُّنْیَا فَقَالَ النَّبِیُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ یُبْتَلَی الْمُؤْمِنُ بَعْدُ عَلَی قَدْرِ إِیمَانِهِ وَ حُسْنِ أَعْمَالِهِ فَمَنْ صَحَّ إِیمَانُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَ مَنْ سَخُفَ إِیمَانُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ (1).

محص، [التمحیص] عن عبد الرحمن: مثله بیان السخف الخفة فی العقل و غیره ذكره الجزری و الفعل ككرم و ضعف عمله أی بالكمیة أو بالكیفیة أو بهما.

«7»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ زَیْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ عَظِیمَ الْأَجْرِ لَمَعَ عَظِیمِ الْبَلَاءِ وَ مَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْماً إِلَّا ابْتَلَاهُمْ (2).

بیان: یدل علی أن عظیم البلاء سبب للأجر العظیم و علامة لمحبة الرب الرحیم إذا كان فی المؤمن الكریم.

«8»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَاداً فِی الْأَرْضِ مِنْ خَالِصِ عِبَادِهِ مَا یُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ تُحْفَةً إِلَی الْأَرْضِ إِلَّا صَرَفَهَا عَنْهُمْ إِلَی غَیْرِهِمْ وَ لَا بَلِیَّةً إِلَّا صَرَفَهَا إِلَیْهِمْ (3).

نبه، [تنبیه الخاطر] عن ابن رئاب و كرام بن عمرو عن أبی بصیر: مثله

ص: 207


1- 1. الكافی ج 2 ص 252.
2- 2. الكافی ج 2 ص 252.
3- 3. المصدر ص 253.

بیان: ما ینزل من السماء أی یقدر فیها تحفة أی من التحف الدنیویة و كذا البلیة.

«9»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَیْدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَنَّهُ قَالَ وَ عِنْدَهُ سَدِیرٌ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً وَ إِنَّا وَ إِیَّاكُمْ یَا سَدِیرُ لَنُصْبِحُ بِهِ وَ نُمْسِی (1).

بیان: غته أی غمسه و الباء بمعنی فی و یحتمل القهر و الغم فی النهایة فیه یغتهم اللّٰه فی العذاب غتا أی یغمسهم فیه غمسا متتابعا و منه حدیث الدعاء یا من لا یغته دعاء الداعین أی یغلبه و یقهره و فی حدیث الحوض یغت فیه میزابان مدادهما من الجنة أی یدفقان فیه الماء دفقا دائما متتابعا و فی القاموس غته بالأمر كده و فی الماء غطه و فلانا غمه و خنقه (2)

لنصبح به أی بالغت أو بالبلاء.

«10»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْوَلِیدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً وَ ثَجَّهُ بِالْبَلَاءِ ثَجّاً فَإِذَا دَعَاهُ قَالَ لَبَّیْكَ عَبْدِی لَئِنْ عَجَّلْتُ لَكَ مَا سَأَلْتَ إِنِّی عَلَی ذَلِكَ لَقَادِرٌ وَ لَئِنِ ادَّخَرْتُ لَكَ فَمَا ادَّخَرْتُ لَكَ خَیْرٌ لَكَ (3).

جع، [جامع الأخبار] عنه علیه السلام: مثله (4)

بیان: فی القاموس ثج الماء سال و ثجه أساله و فی النهایة فیه أفضل الحج العج الثج الثج سیلان دماء الهدی و الأضاحی یقال ثجه

ص: 208


1- 1. المصدر ص 253.
2- 2. القاموس ج 1 ص 153.
3- 3. الكافی ج 2 ص 253.
4- 4. روی الصدوق فی معانی الأخبار ص 223 بإسناده عن النخعیّ عن عمه عن إسماعیل بن مسلم، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن علی علیهم السلام قال: نزل جبرئیل علی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فقال: یا محمد! مر أصحابك بالعج و الثج، فالعج رفع الأصوات بالتلبیة، و الثج نحر البدن.

یثجه ثجا و منه فحلب فیه ثجا أی لبنا سائلا كثیرا و حدیث المستحاضة إنی أثجه ثجا انتهی.

و أقول ما فی هذا الخبر یحتمل أن یكون علی الحذف و الإیصال و الباء زائدة أی ثج علیه البلاء أو یكون تسییله كنایة عن شدة ألمه و حزنه كأنه یذوب من البلاء و یسیل أو عن توجهه إلی جناب الحق سبحانه بالدعاء و التضرع لدفعه و قیل أی أسال دم قلبه بالبلاء.

و أقول فی جامع الأخبار(1)

و غیره بجه بالباء الموحدة و البج الشق و الطعن بالرمح.

فإذا دعاه أی لدفع البلاء أو لغیره من المطالب أیضا و فی القاموس ألب أقام كلب و منه لبیك أی أنا مقیم علی طاعتك إلبابا بعد إلباب و إجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهی و قصدی لك من داری تلب داره أی تواجهها أو معناه محبتی لك من امرأة لبة محبة لزوجها أو معناه إخلاصی لك من حسب لباب خالص (2).

«11»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ زَیْدٍ الزَّرَّادِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ عَظِیمَ الْبَلَاءِ یُكَافَأُ بِهِ عَظِیمُ الْجَزَاءِ فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِعَظِیمِ الْبَلَاءِ فَمَنْ رَضِیَ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ الرِّضَا وَ مَنْ سَخِطَ الْبَلَاءَ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ السَّخَطُ(3).

ل، [الخصال] عن أبیه عن محمد العطار عن سهل عن الحسن اللؤلؤی عن محمد بن سنان عن زید الشحام عنه علیه السلام: مثله (4)

محص، [التمحیص] عن الشحام: مثله بیان یكافأ به علی بناء المجهول أی یجازی أو یساوی فی القاموس

ص: 209


1- 1. جامع الأخبار: 134.
2- 2. القاموس ج 1 ص 126 و 127.
3- 3. الكافی ج 2 ص 253.
4- 4. الخصال ج 1 ص 12.

كافأه مكافأة و كفاء جازاه و فلانا ماثله و راقبه (1) و الحمد لله كفاء الواجب أی ما یكون مكافئا له.

فإذا أحب اللّٰه عبدا أی أراد أن یوصل الجزاء العظیم إلیه و یرضی عنه و وجده أهلا لذلك ابتلاه بعظیم البلاء من الأمراض الجسمانیة و المكاره الروحانیة فمن رضی أی ببلائه و قضائه و الظاهر أن المراد بالموصول فی الموضعین أعم من العبد المحبوب المتقدم فإن العبد المحبوب لله سبحانه لا یسخط قضاءه و یحتمل أن یكون المراد بالمحبة تعریضه للمثوبة سواء رضی أم لا فمن رضی فله عند اللّٰه الرضا أی یرضی اللّٰه عنه و من سخط القضاء فله عند اللّٰه السخط أی الغضب.

«12»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ زَكَرِیَّا بْنِ الْحُرِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّمَا یُبْتَلَی الْمُؤْمِنُ فِی الدُّنْیَا عَلَی قَدْرِ دِینِهِ أَوْ قَالَ عَلَی حَسَبِ دِینِهِ (2).

بیان: أو قال الشك من الراوی و الحسب بالتحریك المقدار فمآل الروایتین واحد قال فی المصباح قولهم یجزی المرء علی حسب عمله أی علی مقداره.

«13»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّی الْحَضْرَمِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُهْلُولِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ الْمِیزَانِ كُلَّمَا زِیدَ فِی إِیمَانِهِ زِیدَ فِی بَلَائِهِ (3).

بیان: إنما المؤمن كان المعنی أن حال المؤمن فی إیمانه و بلائه بمنزلة كفتی المیزان كما ورد الصلاة میزان فمن وفی استوفی و قیل المعنی أن المؤمن ككفة المیزان فی أنه كلما وضع فیه یوضع فی الكفة الأخری

ص: 210


1- 1. القاموس ج 1 ص 26.
2- 2. الكافی ج 2 ص 253.
3- 3. الكافی ج 2 ص 254.

ما یوازنه عند الوزن فكلما زید فی المؤمن من الإیمان زید فی الكفة الأخری و هو الكافر الذی بلاء المؤمن بسببه سواء كان من الإنس أو الجن فیزید بلاؤه و أذاه للمؤمن بحسب زیادة إیمان المؤمن.

«14»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ أَبِی أَیُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: الْمُؤْمِنُ لَا یَمْضِی عَلَیْهِ أَرْبَعُونَ لَیْلَةً إِلَّا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ یَحْزُنُهُ یُذَكَّرُ بِهِ (1).

بیان: أمر یحزنه بالضم قال فی المصباح حزن حزنا من باب تعب و الاسم الحزن بالضم فهو حزین و یتعدی فی لغة قریش بالحركة یقال حزننی الأمر یحزننی من باب قتل قاله تغلب و الأزهری و فی لغة تمیم بالألف و مثل الأزهری باسم الفاعل و المفعول فی اللغتین علی بابهما و منع أبو زید الماضی من الثلاثی فقال لا یقال حزنه و إنما یستعمل المضارع من الثلاثی فیقال یحزنه انتهی.

و قوله یذكر به علی بناء المفعول من التفعیل كأنه سئل عن سبب عروض ذلك الأمر فقال یذكر به ذنوبه و التوبة منها لقوله سبحانه ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَیْدِیكُمْ (2) و ربه القادر علی دفع ذلك عنه فیتضرع لذلك و یدعو اللّٰه لرفعه و سفالة الدنیا(3)

و دناءتها لشیوع أمثال ذلك فیها فیزهد فیها و الآخرة و خلوص لذاتها عن الأحزان و الكدورات فیرغب إلیها و لا یصلح القلب إصلاح الحزن شی ء و قد قیل إن القلب الذی لا حزن فیه كالبیت الخراب.

«15»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ عُبَیْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَبِأَفْضَلِ مَكَانٍ ثَلَاثاً إِنَّهُ لَیَبْتَلِیهِ بِالْبَلَاءِ ثُمَّ یَنْزِعُ نَفْسَهُ عُضْواً عُضْواً

ص: 211


1- 1. المصدر 253.
2- 2. الشوری: 30.
3- 3. أی و یذكر سفالة الدنیا. و هكذا قوله: و الآخرة إلخ.

مِنْ جَسَدِهِ وَ هُوَ یَحْمَدُ اللَّهَ عَلَی ذَلِكَ (1).

بیان: من اللّٰه أی بالنسبة إلیه ثلاثا أی قال هذا الكلام ثلاث مرات نفسه عضوا عضوا أی روحه من بدنه بالتدریج و قیل أراد بقطع بدنه عضوا عضوا فكلما قطع منه عضو سلب الروح منه و قال بعضهم النفس بضم النون و الفاء جمع نفیس أی یقطع أعضاءه النفیسة بالجذام و لا یخفی ما فیه و الأول أظهر.

«16»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ فُضَیْلِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ فِی الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَا یَبْلُغُهَا عَبْدٌ إِلَّا بِالابْتِلَاءِ فِی جَسَدِهِ (2).

بیان: یدل علی أن بعض درجات الجنة یمكن البلوغ إلیها بالعمل و السعی و بعضها لا یمكن الوصول إلیها إلا بالابتلاء فی الجسد فیمن اللّٰه تعالی علی من أحب من عباده بالابتلاء لیصلوا إلیها.

«17»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ أَبِی یَحْیَی الْحَنَّاطِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی یَعْفُورٍ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَا أَلْقَی مِنَ الْأَوْجَاعِ وَ كَانَ مِسْقَاماً فَقَالَ لِی یَا عَبْدَ اللَّهِ لَوْ یَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا لَهُ مِنَ الْجَزَاءِ فِی الْمَصَائِبِ لَتَمَنَّی أَنَّهُ قُرِّضَ بِالْمَقَارِیضِ (3).

بیان: و كان مسقاما هذا كلام أبی یحیی و ضمیر كان عائد إلی عبد اللّٰه و المسقام بالكسر الكثیر السقم و المرض أنه قرض علی بناء المفعول بالتخفیف أو بالتشدید للتكثیر و المبالغة.

و فی المصباح قرضت الشی ء قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراضین و المقراض أیضا بكسر المیم و الجمع مقاریض و لا یقال إذا جمع بینهما مقراض كما تقوله العامة و إنما یقال عند اجتماعهما قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضین

ص: 212


1- 1. الكافی ج 2 ص 254.
2- 2. الكافی ج 2 ص 255.
3- 3. المصدر ج 2 ص 255.

و فی الواحد قطعته بالمقراض.

كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ یُونُسَ بْنِ رِبَاطٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَمْ یَزَالُوا مُنْذُ كَانُوا فِی شِدَّةٍ أَمَا إِنَّ ذَلِكَ إِلَی مُدَّةٍ قَلِیلَةٍ وَ عَافِیَةٍ طَوِیلَةٍ(1).

نبه، [تنبیه الخاطر] عن ابن رباط: مثله بیان منذ كانوا تامة و فی شدة خبر لم یزالوا إلی مدة قلیلة أی إلی انتهاء مدة قلیلة هی العمر ینتهی إلی عافیة طویلة فی البرزخ و الآخرة و قیل إلی بمعنی مع.

«19»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبِی أُسَامَةَ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَیَتَعَاهَدُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا یَتَعَاهَدُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ بِالْهَدِیَّةِ مِنَ الْغَیْبَةِ وَ یَحْمِیهِ الدُّنْیَا كَمَا یَحْمِی الطَّبِیبُ الْمَرِیضَ (2).

بیان: فی القاموس تعهده و تعاهده تفقده و أحدث العهد به و قال حمی المریض ما یضره منعه إیاه فاحتمی و تحمی امتنع.

و أقول وجه الشبه فی الفقرتین فی المشبه و إن كان أقوی لكن المشبه به عند الناس أظهر و أجلی.

كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِیرَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْخَثْعَمِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُهْلُولٍ الْعَبْدِیِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: لَمْ یُؤْمِنِ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ هَزَاهِزِ الدُّنْیَا وَ لَكِنَّهُ آمَنَهُ مِنَ الْعَمَی فِیهَا وَ الشَّقَاءِ فِی الْآخِرَةِ(3).

بیان: من هزاهز الدنیا أی الفتن و البلایا التی یهتز فیها الناس و العمی

ص: 213


1- 1. الكافی ج 2 ص 255.
2- 2. المصدر ج 2 ص 255.
3- 3. المصدر نفسه.

عمی القلب الموجب للجهل باللّٰه و التنفر عن الحق و البعد عن لوازم الإیمان و كل ذلك یوجب الشقاء و التعب فی الآخرة.

كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نُوحِ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ أَبِی دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِّ رَفَعَهُ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: دُعِیَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی طَعَامٍ فَلَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَ الرَّجُلِ نَظَرَ إِلَی دَجَاجَةٍ فَوْقَ حَائِطٍ قَدْ بَاضَتْ فَتَقَعُ الْبَیْضَةُ عَلَی وَتِدٍ فِی حَائِطٍ فَثَبَتَتْ عَلَیْهِ وَ لَمْ تَسْقُطْ وَ لَمْ تَنْكَسِرْ فَتَعَجَّبَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْهَا فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَ عَجِبْتَ مِنْ هَذِهِ الْبَیْضَةِ فَوَ الَّذِی بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رُزِئْتُ شَیْئاً قَطُّ.

فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَمْ یَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ شَیْئاً وَ قَالَ مَنْ لَمْ یُرْزَأْ فَمَا لِلَّهِ فِیهِ مِنْ حَاجَةٍ(1).

بیان: فتقع أی فوقعت و استعمال المضارع فی الماضی فی أمثال هذه المواضع شائع ما رزئت شیئا أی ما نقصت فی القاموس رزأه ماله كجعله و علمه رزءا بالضم أصاب منه شیئا كارتزأه ماله و رزأ الشی ء نقصه و الرزیئة المصیبة و ما رزئته بالكسر ما نقصته (2).

و فی النهایة فی حدیث سراقة فلم یرزءانی شیئا أی لم یأخذا منی شیئا یقال رزأته أرزأه و أصله النقص فقوله رزئت علی بناء المجهول و مفعوله الثانی محذوف.

فما لله فیه من حاجة استعمال الحاجة فی اللّٰه سبحانه مجاز و المراد أنه لیس من خلص المؤمنین و ممن أعده اللّٰه لهدایة الخلق و لعبادته و معرفته فإن نظام العالم لما كان بوجود هؤلاء فكأنه محتاج إلیهم فی ذلك أو أنهم لما كانوا من حزب اللّٰه و عبدته حقیقة و أنصار دینه فكأنه سبحانه محتاج إلیهم كما أن سائر الخلق محتاجون إلی مثل ذلك.

أو المراد حاجة الأنبیاء و الأوصیاء فی ترویج الدین و نسب ذلك إلی ذاته

ص: 214


1- 1. الكافی ج 2: 256.
2- 2. القاموس ج 1: 16.

تعظیما لهم كما ورد فی قوله تعالی إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْكُمْ (1) وَ ما ظَلَمُونا(2) و أمثالهما.

أو أنه تعالی لما طلب من عباده العبادات بالأوامر و غیرها كطلب ذی الحاجة ما یحتاج إلیه فاستعملت الحاجة فیه مجازا أو سلب الحاجة كنایة عن سلب اللطف به و ترك الإقبال علیه لأن اللطف و الإقبال منا لا زمان للحاجة فنفی الملزوم و أراد نفی اللازم و الوجوه متقاربة.

و إنما امتنع صلی اللّٰه علیه و آله من طعامه لأن ما ذكره كان من صفات المستدرجین و من لا خیر فیه لا خیر فی طعامه و المال الذی لم ینقص منه شی ء ملعون كالبدن و قد

قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: مَلْعُونٌ كُلُّ مَالٍ لَا یُزَكَّی مَلْعُونٌ كُلُّ بَدَنٍ لَا یُزَكَّی (3).

مع أنه یمكن أن یكون علم صلی اللّٰه علیه و آله من تقریره أنه لا یؤدی الحقوق الواجبة أیضا و أیضا لما كانت الخصلة التی ذكرها صاحب الطعام مرغوبة بالطبع لسائر الخلق أراد صلی اللّٰه علیه و آله المبالغة فی ذمها لئلا ترغب الصحابة فیها و لیعلموا أنها لیست من صفات المؤمنین.

«22»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: لَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِیمَنْ لَیْسَ لَهُ فِی مَالِهِ وَ بَدَنِهِ نَصِیبٌ (4).

بیان: فیمن لیس له أی لله و إرجاعه إلی المؤمن كما زعم بعید و الظاهر أن المراد بالنصیب النقص الذی وقع بقضاء اللّٰه و قدره فی ماله أو بدنه بغیر اختیار و یحتمل شموله للاختیاری أیضا كأداء الحقوق المالیة و إبلاء البدن بالطاعة.

«23»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِیِ

ص: 215


1- 1. القتال 7.
2- 2. البقرة: 57.
3- 3. سیأتی الحدیث ص 219.
4- 4. الكافی ج 2 ص 256.

بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّهُ لَیَكُونُ لِلْعَبْدِ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فَمَا یَنَالُهَا إِلَّا بِإِحْدَی الْخَصْلَتَیْنِ إِمَّا بِذَهَابِ مَالِهِ أَوْ بِبَلِیَّةٍ فِی جَسَدِهِ (1).

بیان: بذهاب ماله بكسر اللام و قد یقرأ بالفتح و علی الأول یمكن أن یكون علی المثال فیشمل ذهاب ولده و أهله و أقاربه و أشباه ذلك و المراد بالعبد المؤمن الخالص الذی یحبه اللّٰه.

«24»- كا، [الكافی] بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ مُثَنًّی الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِی أُسَامَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَوْ لَا أَنْ یَجِدَ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنُ فِی قَلْبِهِ لَعَصَّبْتُ رَأْسَ الْكَافِرِ بِعِصَابَةِ حَدِیدٍ لَا یُصَدَّعُ رَأْسُهُ أَبَداً(2).

بیان: لو لا أن یجد عبدی المؤمن فی قلبه كأن مفعول الوجدان محذوف أی شكا أو حزنا شدیدا أو یكون الوجد بمعنی الغضب أو بمعنی الحزن فقوله فی قلبه للتأكید أی وجدا مؤثرا فی قلبه باقیا فیه.

فی المصباح وجدته أجده وجدانا بالكسر و وجدت علیه موجدة فی الغضب و وجدت به فی الحزن وجدا بالفتح انتهی.

و العصابة بالكسر ما یشد علی الرأس و العمامة و العصب الطی الشدید و عصب رأسه بالعصابة و عصب أیضا بالتشدید أی شده بها و الصداع كغراب وجع الرأس یقال صدع علی بناء المفعول من التفعیل و جوز فی الشعر التخفیف و ذكر الرأس هنا علی التجرید و العصب بالحدید كنایة عن حفظه مما یؤلمه و یؤذیه.

و تخصیص الرأس لأن أكثر الأمراض العظیمة ینشأ منه و أكثر القوی فیه و ذكر الصداع لأنه أقل مراتب الآلام و الأوجاع و أخفها أی فكیف ما فوقه و یحتمل كون تخصیص الرأس لذلك.

و الحاصل أنه لو لا مخافة انكسار قلب المؤمن أو ضعف یقینه لما یراه علی

ص: 216


1- 1. الكافی ج 2 ص 257.
2- 2. المصدر ج 2 ص 257.

الكافر من العافیة المستمرة لقویت الكافر و صححت جسمه حتی لا یری وجعا و ألما فی الدنیا أبدا.

و قیل تعصیب الرأس كنایة عن وضع تاج السلطنة علی رأسه و ذكر الحدید كنایة عن شدة ملكه بحیث لا تحصل فیه ثلمة و لا یخفی بعده.

و فیه إشارة إلی قوله سبحانه لَوْ لا أَنْ یَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً(1) قال الطبرسی رحمه اللّٰه أی لو لا أن یجتمع الناس علی الكفر فیكونوا كلهم كفارا علی دین واحد لمیلهم إلی الدنیا و حرصهم علیها لَجَعَلْنا لِمَنْ یَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ فالسقف إذا كان من فضة فالحیطان من فضة وَ مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ أی و جعلنا درجا و سلالیم من فضة لتلك السقف علیها یعلون و یصعدون.

وَ لِبُیُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَیْها أی علی تلك السرر یَتَّكِؤُنَ وَ زُخْرُفاً أی ذهبا أی و جعلنا لهم مع ذلك ذهبا و قیل الزخرف النقوش و قیل هو الفرش و متاع البیت و المعنی لأعطی الكافر فی الدنیا غایة ما یتمناه فیها لقلتها و حقارتها عنده و لكنه سبحانه لم یفعل ذلك لما فیه من المفسدة وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِینَ خاصة لهم (2).

«25»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حُسَیْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ تُكْفِئُهَا الرِّیَاحُ كَذَا وَ كَذَا وَ كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ تُكْفِئُهُ الْأَوْجَاعُ وَ الْأَمْرَاضُ وَ مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الْإِرْزَبَّةِ الْمُسْتَقِیمَةِ الَّتِی لَا یُصِیبُهَا شَیْ ءٌ حَتَّی یَأْتِیَهُ الْمَوْتُ فَیَقْصِفَهُ قَصْفاً(3).

بیان: قد مر معنی خامة الزرع فی باب أن المؤمن صنفان (4) و الفرق

ص: 217


1- 1. الزخرف: 33- 35.
2- 2. مجمع البیان ج 9 ص 47.
3- 3. الكافی ج 2 ص 257.
4- 4. راجع ص 191 فیما سبق.

بین التشبیه هنا و بین ما سبق حیث شبه هناك بعض المؤمنین بها و هاهنا جمیعهم بها هو أنه شبه المعاصی هناك بالریح و هاهنا شبه البلایا و الأمراض بها تكفئها بالهمز أی تقلبها فی القاموس كفأه كمنعه صرفه و كبه و قلبه كأكفأه (1) و قال الإرزبة و المرزبة مشددتان أو الأولی فقط عصیة من حدید(2) و حتی فی قوله حتی یأتیه الموت متعلق بالجار و المجرور فی قوله كمثل الإرزبة و فی المصباح قصفت العود قصفا فانقصفت مثل كسرته فانكسر لفظا و معنا.

وَ مِثْلُ هَذِهِ الرِّوَایَةِ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُكْفِئُهَا الرِّیَاحُ تَصْرِفُهَا مَرَّةً وَ تَعْدِلُهَا أُخْرَی حَتَّی یَأْتِیَهُ أَجَلُهُ وَ مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الْأَرْزَةِ(3) الْمُجْذِیَةِ الَّتِی لَا یُصِیبُهَا شَیْ ءٌ حَتَّی یَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: مَثَلُ الْكَافِرِ.

قال عیاض الخامة هی الزرع أول ما ینبت و معنی تكفئها بضم التاء تمیلها الریح و تلقیها بالأرض كالمصروع ثم تقیمه یقوم علی سوقه و معنی المجذیة الثابتة یقال أجذی یجذی و الانجعاف الانقطاع یقال جعفت الرجل صرعته.

و قال محیی الدین الأرزة بالفتح و قال بعضهم هی الآرزة بالمد و كسر الراء علی وزن فاعلة و أنكره أبو عبید و قال أهل اللغة الآرزة بالمد الثابتة و هذا المعنی صحیح هاهنا فإنكار أبی عبید إنكار الروایة لا إنكار اللغة.

و قال أبو عبید شبه المؤمن بالخامة التی تمیلها الریح لأنه یرزأ فی نفسه و ماله و شبه الكافر بالأرزة لأنه لا یرزأ فی شی ء حتی یموت و إن رزئ لم یؤجر حتی یلقی اللّٰه بذنوب جمة.

«26»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ

ص: 218


1- 1. القاموس ج 1 ص 26.
2- 2. القاموس ج 1 ص 73.
3- 3. فی نسخة الكمبانیّ« الارزبة» و هو تصحیف.

عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْماً لِأَصْحَابِهِ مَلْعُونٌ كُلُّ مَالٍ لَا یُزَكَّی مَلْعُونٌ كُلُّ جَسَدٍ لَا یُزَكَّی وَ لَوْ فِی كُلِّ أَرْبَعِینَ یَوْماً مَرَّةً فَقِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا زَكَاةُ الْمَالِ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا زَكَاةُ الْأَجْسَادِ فَقَالَ لَهُمْ أَنْ تُصَابَ بِآفَةٍ قَالَ فَتَغَیَّرَتْ وُجُوهُ الَّذِینَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ تَغَیَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ قَالَ لَهُمْ هَلْ تَدْرُونَ مَا عَنَیْتُ بِقَوْلِی قَالُوا لَا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلَی الرَّجُلُ یُخْدَشُ الْخَدْشَةَ وَ یُنْكَبُ النَّكْبَةَ وَ یَعْثِرُ الْعَثْرَةَ وَ یَمْرَضُ الْمَرْضَةَ وَ یُشَاكُ الشَّوْكَةَ وَ مَا أَشْبَهَ هَذَا حَتَّی ذَكَرَ فِی آخِرِ حَدِیثِهِ اخْتِلَاجَ الْعَیْنِ (1).

بیان: ملعون كل مال لا یزكی قال الشیخ البهائی برد اللّٰه مضجعه أی بعید عن الخیر و البركة یعنی لا خیر فیه لصاحبه و لا بركة و یجوز أن یراد ملعون صاحبه علی حذف مضاف أی مطرود مبعد عن رحمة اللّٰه تعالی و قس علیه قوله صلی اللّٰه علیه و آله ملعون كل جسد لا یزكی و ذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة و یجوز أن یكون استعارة تبعیة و وجه الشبه أن كلا منهما و إن كان نقصا بحسب الظاهر إلا أنه موجب لمزید الخیر و البركة فی نفس الأمر.

فتغیرت وجوه الذین سمعوا ذلك لأنهم ظنوا أن مراده بالآفة العاهة و البلیة الشدیدة التی كثیرا ما یخلو عنهما الإنسان سنین عدیدة فضلا عن أربعین یوما قال بلی أقول كأنه جواب عن سؤال مقدر كأن القوم قالوا ألا تفسر لنا قال بلی.

و صحف بعض الأفاضل فقرأ بلی الرجل مصدرا مضافا إلی الرجل أی خلقه كأن البلایا تبلی الجسد و تخلقها و یخدش صفة الرجل لأن اللام للعهد الذهنی و لا یخفی ما فیه.

و قال الشیخ المتقدم ذكره قدس سره یخدش بالبناء للمفعول و كذا ینكب و الخدشة تفرق اتصال فی الجلد من ظفر و نحوه سواء خرج منه الدم أو لا.

ص: 219


1- 1. الكافی ج 2 ص 258.

و أقول النكبة أن یقع رجله علی الحجارة و نحوها أو یسقط علی وجهه أو أصابته بلیة خفیفة من بلایا الدهر فی القاموس النكب الطرح و نكب الإناء هراق ما فیه و الكنانة نثر ما فیها و الحجارة رجله لثمتها أو أصابتها فهو منكوب و نكب و به طرحه و النكبة بالفتح المصیبة و نكبه الدهر نكبا و نكبا بلغ منه أو أصابه بنكبة(1).

و فی النهایة و قد نكب بالحرة أی نالته حجارتها و أصابته و منه النكبة و هی ما یصیب الإنسان من الحوادث و منه الحدیث أنه نكبت إصبعه أی نالته الحجارة.

و یعثر العثرة فی القاموس العثرة المرة من العثار فی المشی و قال الشیخ رحمه اللّٰه المراد عثرة الرجل و یجوز أن یراد بها ما یعم عثرة اللسان أیضا لكنه بعید.

و یشاك الشوكة یقال شاكته الشوكة تشوكه شاكة و شیكة إذا دخلت فی جسده و انتصاب الشوكة بالمفعولیة المطلقة كانتصاب الخدشة و النكبة و العثرة فإن قلت تلك مصادر بخلاف الشوكة فكیف یكون مفعولا مطلقا قلت قد یجی ء المفعول المطلق غیر مصدر إذا لابس المصدر بالآلیة و نحوها نحو ضربته سوطا و إن أبیت فاجعل انتصابها بنزع الخافض أی یشاك بالشوكة.

أقول: و فی القاموس شاكته الشوكة دخلت فی جسمه و شكته أنا أشوكه و أشكته أدخلتها فی جسمه و شاك یشاك شاكة و شیكة بالكسر وقع فی الشوك و الشوكة خالطها و ما أشاكه شوكة و لا شاكه بها ما أصابه بها انتهی (2)

فعلی بعض الوجوه یمكن أن یكون الشوكة مفعولا ثانیا من غیر تقدیر.

و قال و ما أشبه هذا یحتمل أن یكون من كلام النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أن یكون من كلام الراوی.

ص: 220


1- 1. القاموس ج 1 ص 134.
2- 2. القاموس ج 3 ص 309.

أقول: الظاهر أنه من كلام الصادق علیه السلام إلی آخر الخبر و ضمیر حدیثه راجع إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قال قدس سره عد صلی اللّٰه علیه و آله اختلاج العین من الآفات لأن الاختلاج مرض من الأمراض و قد ذكره الأطباء و هو حركة سریعة متواترة غیر عادیة یعرض لجزء من البدن

كالجلد و نحوه بسبب رطوبة غلیظة لزجة تنحل فتصیر ریحا بخاریا غلیظا یعسر خروجه من المسام و تزاول الدافعة دفعه فتقع بینهما مدافعة و اضطراب.

«27»- كا، [الكافی] عَنْ أَبِی عَلِیٍّ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَ یُبْتَلَی الْمُؤْمِنُ بِالْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ وَ أَشْبَاهِ هَذَا قَالَ فَقَالَ وَ هَلْ كُتِبَ الْبَلَاءُ إِلَّا عَلَی الْمُؤْمِنِ (1).

بیان: و هل كتب البلاء إلا علی المؤمن أی غالبا.

«28»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَمَّنْ رَوَاهُ عَنِ الْحَلَبِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَیَكْرُمُ عَلَی اللَّهِ حَتَّی لَوْ سَأَلَهُ الْجَنَّةَ بِمَا فِیهَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَنْتَقِصَ مِنْ مُلْكِهِ شَیْئاً وَ إِنَّ الْكَافِرَ لَیَهُونُ عَلَی اللَّهِ حَتَّی لَوْ سَأَلَهُ الدُّنْیَا بِمَا فِیهَا لَأَعْطَاهُ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَنْقُصَ مِنْ مُلْكِهِ شَیْئاً وَ إِنَّ اللَّهَ لَیَتَعَاهَدُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا یَتَعَاهَدُ الْغَائِبُ أَهْلَهُ بِالطُّرَفِ وَ إِنَّهُ لَیَحْمِیهِ الدُّنْیَا كَمَا یَحْمِی الطَّبِیبُ الْمَرِیضَ (2).

بیان: كلمة لو فی الموضعین شرطیة امتناعیة و أعطاه جزاؤه أی لو سأل المؤمن الجنة أعطاه لكنه لا یسأله ذلك لأنه یعلم عدم المصلحة فی ذلك أو یحب الشركاء فیها و لا یطلب التفرد مع أنه یمكن أن یعطیه ما هو جنة بالفعل و یخلق أمثالها و أضعافها لغیره.

و أما الكافر فإنه أیضا لا یسأل جمیع الدنیا لأنه لا یؤمن باللّٰه و سعة قدرته بل یعد ذلك ممتنعا و قیل لأنه ممتنع أن یسأل اللّٰه لأنه سبحانه لا یدرك

ص: 221


1- 1. الكافی ج 2 ص 258.
2- 2. المصدر ج 2 ص 258.

بالكنه و لا بالشخص بل معرفته منحصرة فی أن یعرف بصفات الربوبیة و الكافر لا یعرفه كذلك و إلیه یشیر قوله تعالی أُجِیبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (1) و انتقص یكون لازما و متعدیا و المراد هنا الثانی فی القاموس نقص لازم متعد و أنقصه و انتقصه و نقصه نقصه فانتقص (2) و قیل شیئا قائم مقام المفعول المطلق فی الموضعین بمعنی انتقاصا و فی المصباح الطرفة ما یستطرف أی یستملح و الجمع طرف مثل غرفة و غرف و فی القاموس أطرف فلانا أعطاه ما لم یعطه أحد قبله و الاسم الطرفة بالضم.

«29»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ فِی كِتَابِ عَلِیٍّ علیه السلام إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً النَّبِیُّونَ ثُمَّ الْوَصِیُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ إِنَّمَا یُبْتَلَی الْمُؤْمِنُ عَلَی قَدْرِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ فَمَنْ صَحَّ دِینُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ

وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یَجْعَلِ الدُّنْیَا ثَوَاباً لِمُؤْمِنٍ وَ لَا عُقُوبَةً لِكَافِرٍ وَ مَنْ سَخُفَ دِینُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ وَ أَنَّ الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَی الْمُؤْمِنِ التَّقِیِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلَی قَرَارِ الْأَرْضِ (3).

ع، [علل الشرائع] عن أبیه عن السعدآبادی عن البرقی عن ابن محبوب: مثله (4)

جع، [جامع الأخبار] عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: مِثْلَهُ (5)

إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِلَی قَوْلِهِ لِكَافِرٍ فِی آخِرِ الْخَبَرِ وَ هُوَ أَنْسَبُ.

بیان: و ذلك أن اللّٰه أقول دفع لما یتوهم من أن المؤمن لكرامته علی اللّٰه كان ینبغی أن یكون بلاؤه أقل و المعنی أن المؤمن لما كان محل ثوابه الآخرة لأن الدنیا لفنائها و انقطاعها لا یصح أن یكون ثوابا له فینبغی

ص: 222


1- 1. البقرة: 185.
2- 2. القاموس ج 2 ص 320.
3- 3. الكافی ج 2 ص 259.
4- 4. علل الشرائع ج 1 ص 42.
5- 5. جامع الأخبار ص 133.

أن لا یكون له فی الدنیا إلا ما یوجب الثواب فی الآخرة و كذا الكافر لما كانت عقوبته فی الآخرة لأن الدنیا لانقطاعها لا تصلح أن تكون عقوبته فیها فلا یبتلی فی الدنیا كثیرا بل إنما یكون ثوابه لو كان له عمل فی الدنیا بدفع البلاء و السعة فی النعماء.

و فی القاموس القرار و القرارة ما قر فیه و المطمئن من الأرض (1) شبه علیه السلام البلاء النازل إلی المؤمن بالمطر النازل إلی الأرض و وجه الشبه متعدد و هو السرعة و الاستقرار بعد النزول و كثرة النفع و التسبب للحیاة فإن البلاء للمؤمن سبب للحیاة الأبدیة و المطر سبب للحیاة الأرضیة.

«30»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِیَّةَ عَنْ یُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ هَذَا الَّذِی ظَهَرَ بِوَجْهِی یَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَبْتَلِ بِهِ عَبْداً لَهُ فِیهِ حَاجَةٌ قَالَ فَقَالَ لِی لَقَدْ كَانَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ مُكَنَّعَ الْأَصَابِعِ فَكَانَ یَقُولُ هَكَذَا وَ یَمُدُّ یَدَیْهِ وَ یَقُولُ- یا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِینَ (2) ثُمَّ قَالَ لِی إِذَا كَانَ الثُّلُثُ الْأَخِیرُ مِنَ اللَّیْلِ فِی أَوَّلِهِ فَتَوَضَّأْ وَ قُمْ إِلَی صَلَاتِكَ الَّتِی تُصَلِّیهَا فَإِذَا كُنْتَ فِی السَّجْدَةِ الْأَخِیرَةِ مِنَ الرَّكْعَتَیْنِ الْأُولَیَیْنِ فَقُلْ وَ أَنْتَ سَاجِدٌ یَا عَلِیُّ یَا عَظِیمُ یَا رَحْمَانُ یَا رَحِیمُ یَا سَامِعَ الدَّعَوَاتِ یَا مُعْطِیَ الْخَیْرَاتِ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَعْطِنِی مِنْ خَیْرِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَ اصْرِفْ عَنِّی مِنْ شَرِّ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَ أَذْهِبْ عَنِّی هَذَا الْوَجَعَ وَ تُسَمِّیهِ فَإِنَّهُ قَدْ غَاظَنِی وَ أَحْزَنَنِی وَ أَلِحَّ فِی الدُّعَاءِ قَالَ فَمَا وَصَلْتُ إِلَی الْكُوفَةِ حَتَّی أَذْهَبَ اللَّهُ بِهِ عَنِّی كُلَّهُ (3).

بیان: الظاهر أن الآثار التی ظهرت بوجهه كان برصا و یحتمل الجذام و

ص: 223


1- 1. القاموس ج 2: 115.
2- 2. یس: 13.
3- 3. الكافی ج 2 ص 259.

علی الأول ذكر المؤمن لبیان أنه إذا جاز ابتلاء المؤمن بالجذام جاز ابتلاؤه بالبرص بطریق أولی لأن الجذام أشد و أخبث.

و أما ذكر مؤمن آل فرعون فی هذا الخبر فلعله من اشتباه الرواة أو النساخ لأن الآیة المذكورة إنما هی فی قصة آل یاسین كما مر فی هذا الباب أیضا(1) و ربما یوجه بوجهین أحدهما أن المراد بالفرعون هنا فرعون عیسی علیه السلام و هو الجبار الذی كان بالأنطاكیة حین ورده رسل عیسی علیه السلام و الفرعون یطلق علی كل جبار متكبر نعم شاع إطلاقه علی ثلاثة فرعون الخلیل و اسمه سنان و فرعون یوسف و اسمه الریان بن الولید و فرعون موسی و اسمه الولید بن مصعب و إضافته إلی آل فرعون عیسی بأدنی الملابسة و هو كونه فیهم و اشتغاله بإنذارهم أو باعتبار كونه منهم فی نفس الأمر.

و ثانیهما كونهما واحدا و كان طویل العمر جدا و مع إدراكه زمان موسی أدرك زمان عیسی علیهما السلام أیضا مع أنه كان بینهما علی روایة ابن الجوزی فی التنقیح ألف و ستمائة و اثنتان و ثلاثون سنة و كان اسمه حبیبا النجار و كان یلقب بمؤمن آل یاسین كما مر فی الخبر و قال فی القاموس خربیل كقندیل اسم مؤمن آل یاسین (2).

و قال علی بن إبراهیم (3)

فی قوله تعالی وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَكْتُمُ إِیمانَهُ (4) قال كتم إیمانه ستمائة سنة قال و كان مجذوما مكنعا و هو الذی قد وقعت أصابعه و كان یشیر إلی قومه بیدیه المكنوعتین و یقول یا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِیلَ الرَّشادِ(5) و فی بعض النسخ مكتعا و هو الذی قد عقفت

ص: 224


1- 1. تحت الرقم: 4.
2- 2. القاموس ج 3 ص 367.
3- 3. تفسیر القمّیّ ص 585.
4- 4. المؤمن: 30.
5- 5. غافر: 38.

أصابعه و كان یسیر بیدیه المعقوفتین و یقول و العقف العطف و لا یخفی بعد الوجهین لا سیما الأخیر فإنه ینافیه أخبار كثیرة دالة علی تعدد المؤمنین.

و إذا كان الثلث كان تامة و قیل ناقصة و اسمه ضمیر مستتر راجع إلی العالم أو نحوه و الثلث منصوب بالظرفیة الزمانیة بقرینة فی أوله فإنه بدل الثلث و الظرف خبر كان و تسمیة كلام الإمام علیه السلام اعترض بین الدعاء أی و تسمی الوجع بأن تقول مكان هذا الوجع هذا البرص و فیه إشعار بأن الدعاء لا یخص البرص.

و أحزننی و فیما سیأتی فی كتاب الدعاء حزننی و كلاهما صحیح فیقال حزنه و أحزنه و الإلحاح المداومة و المبالغة بالتضرع و التكرار و الاستشفاع بالنبی صلی اللّٰه علیه و آله و الأئمة صلوات اللّٰه علیهم و أشباه ذلك قال فی المصباح ألح السحاب إلحاحا دام مطره و منه ألح الرجل علی الشی ء إذا أقبل علیه مواظبا.

«31»- ب، [قرب الإسناد] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَیْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَ یُبْتَلَی الْمُؤْمِنُ بِالْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ وَ أَشْبَاهِ هَذَا قَالَ وَ هَلْ كُتِبَ الْبَلَاءُ إِلَّا عَلَی الْمُؤْمِنِ (1).

«32»- ل، [الخصال] عَنِ ابْنِ مَسْرُورٍ عَنِ ابْنِ بُطَّةَ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ رَفَعَهُ إِلَی زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَی قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام فَقَالَ یَا زُرَارَةُ النَّاسُ فِی زَمَانِنَا عَلَی سِتِّ طَبَقَاتٍ أَسَدٍ وَ ذِئْبٍ وَ ثَعْلَبٍ وَ كَلْبٍ وَ خِنْزِیرٍ وَ شَاةٍ فَأَمَّا الْأَسَدُ فَمُلُوكُ الدُّنْیَا یُحِبُّ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ یَغْلِبَ وَ لَا یُغْلَبَ وَ أَمَّا الذِّئْبُ فَتُجَّارُكُمْ یَذُمُّونَ إِذَا اشْتَرَوْا وَ یَمْدَحُونَ إِذَا بَاعُوا وَ أَمَّا الثَّعْلَبُ فَهَؤُلَاءِ الَّذِینَ یَأْكُلُونَ بِأَدْیَانِهِمْ وَ لَا یَكُونُ فِی قُلُوبِهِمْ مَا یَصِفُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ أَمَّا الْكَلْبُ یَهِرُّ عَلَی النَّاسِ بِلِسَانِهِ وَ یَكْرَهُهُ النَّاسُ مِنْ شِرَّةِ لِسَانِهِ

ص: 225


1- 1. قرب الإسناد ص 81.

وَ أَمَّا الْخِنْزِیرُ فَهَؤُلَاءِ الْمُخَنَّثُونَ وَ أَشْبَاهُهُمْ لَا یُدْعَوْنَ إِلَی فَاحِشَةٍ إِلَّا أَجَابُوا وَ أَمَّا الشَّاةُ فَالَّذِینَ تُجَرُّ شُعُورُهُمْ (1)

وَ یُؤْكَلُ لُحُومُهُمْ وَ یُكْسَرُ عَظْمُهُمْ فَكَیْفَ تَصْنَعُ الشَّاةُ بَیْنَ أَسَدٍ وَ ذِئْبٍ وَ ثَعْلَبٍ وَ كَلْبٍ وَ خِنْزِیرٍ(2).

بیان: المراد بالشاة المؤمن المبتلی بهؤلاء و جر الشعر كنایة عن الاستیلاء علیهم و جرهم إلی بیوت الظلمة للدعاوی الباطلة أو الاستخفاف بهم و فی بعض النسخ بالزای فهو بالمعنی الأخیر و أكل لحومهم غیبتهم و كسر عظمهم ضربهم و شدة الجور علیهم.

«33»- ن، [عیون أخبار الرضا علیه السلام] بِالْأَسَانِیدِ الثَّلَاثَةِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: مَا كَانَ وَ لَا یَكُونُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ مُؤْمِنٌ إِلَّا وَ لَهُ جَارٌ یُؤْذِیهِ (3).

صح، [صحیفة الرضا]عنه علیه السلام: مثله (4).

«34»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنِ الْفَحَّامِ عَنِ الْمَنْصُورِیِّ عَنْ عَمِّ أَبِیهِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الثَّالِثِ عَنْ آبَائِهِ عَنِ الصَّادِقِ علیهم السلام: مِثْلَهُ (5)

وَ فِیهِ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ.

«35»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنِ الْغَضَائِرِیِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَالِكِیِّ عَنِ الْیَقْطِینِیِّ عَنْ یَحْیَی بْنِ زَكَرِیَّا عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ أَبِی خَالِدٍ الْبَرْقِیِّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَوْ لَا أَنِّی أَسْتَحْیِی مِنْ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنِ مَا تَرَكْتُ عَلَیْهِ خِرْقَةً یَتَوَارَی بِهَا وَ إِذَا كَمَلَتْ لَهُ الْإِیمَانُ ابْتَلَیْتُهُ بِضَعْفٍ فِی قُوَّتِهِ وَ قِلَّةٍ فِی رِزْقِهِ فَإِنْ هُوَ حَرِجَ أَعَدْتُ إِلَیْهِ فَإِنْ صَبَرَ بَاهَیْتُ بِهِ مَلَائِكَتِی

ص: 226


1- 1. فی المصدر المطبوع: تجز شعورهم بالزای.
2- 2. الخصال ج 2 ص 165.
3- 3. عیون أخبار الرضا ج 2 ص 33.
4- 4. صحیفة الرضا ص 32.
5- 5. أمالی الشیخ ج 1 ص 286.

أَلَا وَ قَدْ جَعَلْتُ عَلِیّاً عَلَماً لِلنَّاسِ فَمَنْ تَبِعَهُ كَانَ هَادِیاً وَ مَنْ تَرَكَهُ كَانَ ضَالًّا لَا یُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَ لَا یُبْغِضُهُ إِلَّا مُنَافِقٌ (1).

بیان: فإن هو حرج كفرح أی ضاق صدره و لم یصبر أعدت إلیه أی ما أخذت منه الرزق أو القوة.

«36»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ شِبْلٍ عَنْ ظَفَرِ بْنِ حُمْدُونٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْمُطَلِّبِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ التَّمِیمِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبَانٍ عَنِ ابْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی لَأُحِبُّكَ فِی السِّرِّ كَمَا أُحِبُّكَ فِی الْعَلَانِیَةِ قَالَ فَنَكَتَ بِعُودِهِ ذَلِكَ فِی الْأَرْضِ طَوِیلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ صَدَقْتَ إِنَّ طِینَتَنَا طِینَةٌ مَرْحُومَةٌ أَخَذَ اللَّهُ مِیثَاقَهَا یَوْمَ أَخَذَ الْمِیثَاقَ فَلَا یَشِذَّ مِنْهَا شَاذٌّ وَ لَا یَدْخُلُ فِیهَا دَاخِلٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ أَمَا إِنَّهُ فَاتَّخِذْ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً(2) فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ الْفَاقَةُ إِلَی مُحِبِّیكَ أَسْرَعُ مِنَ السَّیْلِ مِنْ أَعْلَی الْوَادِی إِلَی أَسْفَلِهِ (3).

بیان: أما إنه كأنه سقط هنا شی ء و فیه تقدیر أی أما إنه إن كان كذلك فاتخذ و فی البصائر أما فاتخذ

وَ فِی النِّهَایَةِ فِی حَدِیثِ عَلِیٍّ: مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَلْیُعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً.

أی لیزهد فی الدنیا و لیصبر علی الفقر و القلة و الجلباب الإزار و الرداء و قیل هو كالمقنعة تغطی به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها و جمعه جلابیب كنی به عن الصبر لأنه یستر الفقر كما یستر الجلباب البدن و قیل إنما كنی بالجلباب عن اشتماله بالفقر أی فلیلبس الفقر و یكون منه

ص: 227


1- 1. أمالی الشیخ ج 1 ص 312.
2- 2. روی الصدوق فی معانی الأخبار ص 182، بإسناده عن أحمد بن المبارك قال: قال رجل لابی عبد اللّٰه علیه السلام: حدیث یروی أن رجلا قال لأمیر المؤمنین علیه السلام: انی احبك فقال له: أعد للفقر جلبابا، فقال علیه السلام: لیس هكذا: قال: انما قال له: أعددت لفاقتك جلبابا- یعنی یوم القیامة.
3- 3. أمالی الشیخ ج 2: 24.

علی حالة تعمه و تشتمله لأن الغنی من أحوال أهل الدنیا و لا یتهیأ الجمع بین حب الدنیا و حب أهل البیت.

«37»- ع، [علل الشرائع] عَنِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنِ الْجَامُورَانِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً كَانَ فِی قُلَّةِ جَبَلٍ لَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِ مَنْ یُؤْذِیهِ لِیَأْجُرَهُ عَلَی ذَلِكَ (1).

بیان: قلة الجبل بالضم أعلاه و المراد بالبعث التخلیة و عدم الصرف.

«38»- ع، [علل الشرائع] عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِیِّ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ حُمْدُونٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ نُصَیْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ حُصَیْنٍ عَنْ یَحْیَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیه السلامَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: مَا زِلْتُ أَنَا وَ مَنْ كَانَ قَبْلِی مِنَ النَّبِیِّینَ وَ الْمُؤْمِنِینَ مُبْتَلَیْنَ بِمَنْ یُؤْذِینَا وَ لَوْ كَانَ الْمُؤْمِنُ عَلَی رَأْسِ جَبَلٍ لَقَیَّضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ مَنْ یُؤْذِیهِ لِیَأْجُرَهُ عَلَی ذَلِكَ.

وَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ وَلَدَتْنِی أُمِّی حَتَّی إِنْ كَانَ عَقِیلٌ لَیُصِیبُهُ رَمَدٌ فَیَقُولُ لَا تَذُرُّونِّی (2) حَتَّی تَذُرُّوا عَلِیّاً فَیَذُرُّونِّی وَ مَا بِی مِنْ رَمَدٍ(3).

«39»- ع، [علل الشرائع] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَیُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: الصَّاعِقَةُ لَا تُصِیبُ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ فَإِنَّا قَدْ رَأَیْنَا فُلَاناً یُصَلِّی فِی الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَصَابَتْهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّهُ كَانَ یَرْمِی حَمَامَ الْحَرَمِ.

وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: الصَّاعِقَةُ تُصِیبُ الْمُؤْمِنَ وَ الْكَافِرَ وَ لَا تُصِیبُ ذَاكِراً(4).

ص: 228


1- 1. علل الشرائع ج 1 ص 42.
2- 2. یقال: ذر الملح: نثره و فرقه و الدواء فی العین: بذره.
3- 3. علل الشرائع ج 1 ص 42.
4- 4. علل الشرائع ج 2 ص 147.

بیان: إنه كان یرمی یدل علی أن المراد بالمؤمن فی أول الخبر المؤمن الكامل كما یدل علیه الروایة الآتیة و یحتمل أن لا یكون من أصابته مؤمنا و لم یر علیه السلام المصلحة فی إظهار ذلك فأسنده إلی بعض أعماله و الأول أظهر.

«40»- ع، [علل الشرائع] عَنِ ابْنِ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَیْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ مَلَكَیْنِ هَبَطَا مِنَ السَّمَاءِ فَالْتَقَیَا فِی الْهَوَاءِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فِیمَا هَبَطْتَ قَالَ بَعَثَنِیَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَی بَحْرِ إِیلٍ أَحْشُرُ سَمَكَةً إِلَی جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ اشْتَهَی عَلَیْهِ سَمَكَةً فِی ذَلِكَ الْبَحْرِ فَأَمَرَنِی أَنْ أَحْشُرَ إِلَی الصَّیَّادِ سَمَكَ الْبَحْرِ حَتَّی یَأْخُذَهَا لَهُ لِیُبَلِّغَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ غَایَةَ مُنَاهُ فِی كُفْرِهِ فَفِیمَا بُعِثْتَ أَنْتَ قَالَ بَعَثَنِیَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِی أَعْجَبَ مِنَ الَّذِی بَعَثَكَ فِیهِ بَعَثَنِی إِلَی

عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْمَعْرُوفِ دُعَاؤُهُ وَ صَوْتُهُ فِی السَّمَاءِ لِأُكْفِئَ قِدْرَهُ الَّتِی طَبَخَهَا لِإِفْطَارِهِ لِیُبَلِّغَ اللَّهُ فِی الْمُؤْمِنِ الْغَایَةَ فِی اخْتِبَارِ إِیمَانِهِ (1).

توضیح: كأن إیل اسم بحر و هو غیر معروف فی اللغة اشتهی علیه كذا فی النسخ و یمكن إرجاع الضمیر إلی اللّٰه أی سأل اللّٰه فی ذلك و اعتمد علیه و هو لا ینافی كفره كدعاء فرعون أو إلی نفسه أی لنفسه أو ملزما علی نفسه كنایة عن الاهتمام بها و كأنه كان فی علته كما سیأتی نقلا من تفسیر الإمام و فی القاموس كفأه كمنعه كبه و قلبه كأكفأه و قال القدر بالكسر معروف أنثی أو یؤنث.

«41»- ع، [علل الشرائع] عَنِ ابْنِ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ سُفْیَانَ بْنِ السِّمْطِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِعَبْدٍ خَیْراً فَأَذْنَبَ ذَنْباً تَبِعَهُ بِنَقِمَةٍ وَ یُذَكِّرُهُ الِاسْتِغْفَارَ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِعَبْدٍ شَرّاً فَأَذْنَبَ ذَنْباً تَبِعَهُ بِنِعْمَةٍ لِیُنْسِیَهُ الِاسْتِغْفَارَ وَ یَتَمَادَی بِهِ وَ هُوَ

ص: 229


1- 1. لم نظفر علیه.

قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ (1) بِالنِّعَمِ عِنْدَ الْمَعَاصِی (2).

بیان: فی القاموس استدرجه خدعه و أدناه و استدراج اللّٰه تعالی العبد أنه كلما جدد خطیئة جدد له نعمة و أنساه الاستغفار و أن یأخذه قلیلا قلیلا و لا یباغته (3).

«42»- ع، [علل الشرائع] عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ الْأَسَدِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- لَوْ لا أَنْ یَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قَالَ عَنَی بِذَلِكَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ أَنْ یَكُونُوا عَلَی دِینٍ وَاحِدٍ كُفَّاراً كُلُّهُمْ- لَجَعَلْنا لِمَنْ یَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ (4) وَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله لَحَزِنَ الْمُؤْمِنُونَ وَ غَمَّهُمْ ذَلِكَ وَ لَمْ یُنَاكِحُوهُمْ وَ لَمْ یُوَارِثُوهُمْ (5).

بیان: لَوْ لا أَنْ یَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قال البیضاوی لو لا أن یرغبوا فی الكفر إذا رأوا الكفار فی سعة و تنعم لحبهم الدنیا فیجتمعوا علیه وَ مَعارِجَ أی مصاعد جمع معرج عَلَیْها یَظْهَرُونَ أی یعلون لحقارة الدنیا وَ لِبُیُوتِهِمْ بدل من لِمَنْ بدل الاشتمال أو علة كقولك هیأت له ثوبا لقمیصه.

«43»- ل، [الخصال] الْأَرْبَعُمِائَةِ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: مَا مِنَ الشِّیعَةِ عَبْدٌ یُقَارِفُ أَمْراً نَهَیْنَاهُ عَنْهُ فَیَمُوتُ حَتَّی یُبْتَلَی بِبَلِیَّةٍ تُمَحَّصُ بِهَا ذُنُوبُهُ إِمَّا فِی مَالٍ وَ إِمَّا فِی وَلَدٍ وَ إِمَّا فِی نَفْسِهِ حَتَّی یَلْقَی اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَا لَهُ ذَنْبٌ وَ إِنَّهُ لَیَبْقَی عَلَیْهِ الشَّیْ ءُ مِنْ ذُنُوبِهِ فَیُشَدَّدُ بِهِ عَلَیْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ (6).

ص: 230


1- 1. الأعراف: 182، القلم: 44.
2- 2. علل الشرائع ج 2 ص 248.
3- 3. القاموس ج 1 ص 188. و فیه و أدناه كدرجه- بالتشدید- و أقلقه حتّی تركه یدرج علی الأرض.
4- 4. الزخرف: 34.
5- 5. علل الشرائع ج 2 ص 276.
6- 6. الخصال ج 2 ص 169.

«44»- ص، [قصص الأنبیاء علیهم السلام] بِالْإِسْنَادِ إِلَی الصَّدُوقِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ یَرْفَعُهُ فَقَالَ: الْتَقَی مَلَكَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ بَعَثَنِی رَبِّی أَحْبِسُ السَّمَكَ فَإِنَّ فُلَانَ الْمَلِكَ اشْتَهَی سَمَكَةً فَأَمَرَ بِی أَنْ أَحْبِسَهُ لَهُ لِیُؤْخَذَ لَهُ الَّذِی یَشْتَهِی مِنْهُ فَأَنْتَ أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ بَعَثَنِی رَبِّی إِلَی فُلَانٍ الْعَابِدِ فَإِنَّهُ قَدْ طَبَخَ قِدْراً وَ هُوَ صَائِمٌ فَأَرْسَلَنِی رَبِّی أُكْفِؤُهَا.

«45»- ص، [قصص الأنبیاء علیهم السلام] بِالْإِسْنَادِ عَنِ الصَّدُوقِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ یَزِیدَ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِیَاءُ ثُمَّ الَّذِینَ یَلُونَهُمْ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ.

«46»- ما، [الأمالی] للشیخ الطوسی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْقَزْوِینِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الزَّعْفَرَانِیِّ عَنْ أَحْمَدَ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامٍ: مِثْلَهُ (1).

«47»- مص، [مصباح الشریعة] قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: الْبَلَاءُ زَیْنُ الْمُؤْمِنِ وَ كَرَامَةٌ لِمَنْ عَقَلَ لِأَنَّ فِی مُبَاشَرَتِهِ وَ الصَّبْرِ عَلَیْهِ وَ الثَّبَاتِ عِنْدَهُ تَصْحِیحَ نِسْبَةِ الْإِیمَانِ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فَالْمُؤْمِنُ مِنَ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ وَ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الْبَلَاءِ تَحْتَ سِتْرِ حِفْظِ اللَّهِ لَهُ تَلَذُّذُهُ أَكْثَرُ مِنْ تَلَذُّذِهِ بِالنِّعْمَةِ وَ یَشْتَاقُ إِلَیْهِ إِذَا فَقَدَهُ لِأَنَّ تَحْتَ یَدِ الْبَلَاءِ وَ الْمِحْنَةِ أَنْوَارُ النِّعْمَةِ وَ تَحْتَ أَنْوَارِ النِّعْمَةِ نِیرَانُ الْبَلَاءِ وَ الْمِحْنَةِ وَ قَدْ یَنْجُو مِنَ الْبَلَاءِ كَثِیرٌ وَ یَهْلِكُ فِی النِّعْمَةِ كَثِیرٌ.

وَ مَا أَثْنَی اللَّهُ تَعَالَی عَلَی عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَی مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا بَعْدَ ابْتِلَائِهِ وَ وَفَاءِ حَقِّ الْعُبُودِیَّةِ فِیهِ فَكَرَامَاتُ اللَّهِ فِی الْحَقِیقَةِ نِهَایَاتٌ بِدَایَاتُهَا الْبَلَاءُ وَ مَنْ خَرَجَ مِنْ سَبِیكَةِ الْبَلْوَی جُعِلَ سِرَاجَ الْمُؤْمِنِینَ وَ مُونِسَ الْمُقَرَّبِینَ وَ دَلِیلَ الْقَاصِدِینَ وَ لَا خَیْرَ فِی عَبْدٍ شَكَا مِنْ مِحْنَةٍ تَقَدَّمَهَا آلَافُ نِعْمَةٍ وَ اتَّبَعَهَا آلَافُ رَاحَةٍ وَ مَنْ لَا یَقْضِی حَقَّ الصَّبْرِ عَلَی الْبَلَاءِ حُرِمَ قَضَاءَ الشُّكْرِ فِی النَّعْمَاءِ كَذَلِكَ

ص: 231


1- 1. أمالی الشیخ ج 2 ص 273.

مَنْ لَا یُؤَدِّی حَقَّ الشُّكْرِ فِی النَّعْمَاءِ یُحْرَمُ عَنْ قَضَاءِ الصَّبْرِ فِی الْبَلَاءِ وَ مَنْ حُرِمَهُمَا فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِینَ.

وَ قَالَ أَیُّوبُ علیه السلام فِی دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ قَدْ أَتَی عَلَیَّ سَبْعُونَ فِی الرَّخَاءِ حَتَّی أَتَی عَلَیَّ سَبْعُونَ فِی الْبَلَاءِ.

وَ قَالَ وَهْبٌ: الْبَلَاءُ لِلْمُؤْمِنِ كَالشِّكَاكِ لِلدَّابَّةِ وَ الْعِقَالِ لِلْإِبِلِ.

وَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: الصَّبْرُ مِنَ الْإِیمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ وَ رَأْسُ الصَّبْرِ الْبَلَاءُ وَ مَا یَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (1).

بیان: و وفاء حق العبودیة أی وفاؤه بما هو حق العبودیة فیه أی فی البلاء من الصبر و الشكر و الرضا بالقضاء الشكاك [الشكال] ككتاب اسم للحبل الذی یشد به قوائم الدابة و العقال ككتاب أیضا ما یعقل به رجل البعیر و المعنی أن البلایا تمنع المؤمن من ارتكاب الخطایا.

«48»- م، [تفسیر الإمام علیه السلام] قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ یَحْیَی الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی جَعَلَ تَمْحِیصَ ذُنُوبِ شِیعَتِنَا فِی الدُّنْیَا بِمِحْنَتِهِمْ لِتَسْلَمَ بِهَا طَاعَاتُهُمْ وَ یَسْتَحِقُّوا عَلَیْهَا ثَوَابَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ یَحْیَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِنَّا لَا نُجَازَی بِذُنُوبِنَا إِلَّا فِی الدُّنْیَا قَالَ نَعَمْ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الدُّنْیَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یُطَهِّرُ شِیعَتَنَا مِنْ ذُنُوبِهِمْ فِی الدُّنْیَا بِمَا یَبْتَلِیهِمْ بِهِ مِنَ الْمِحَنِ وَ بِمَا یَغْفِرُهُ لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ یَقُولُ وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَیْدِیكُمْ وَ یَعْفُوا عَنْ كَثِیرٍ(2) حَتَّی إِذَا وَرَدُوا الْقِیَامَةَ تَوَفَّرَتْ عَلَیْهِمْ طَاعَاتُهُمْ وَ عِبَادَاتُهُمْ وَ إِنَّ أَعْدَاءَ آلِ مُحَمَّدٍ یُجَازِیهِمْ عَنْ طَاعَةٍ تَكُونُ مِنْهُمْ فِی الدُّنْیَا وَ إِنْ كَانَ لَا وَزْنَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا إِخْلَاصَ مَعَهَا وَ إِذَا وَافَوُا الْقِیَامَةَ حُمِلَتْ عَلَیْهِمْ ذُنُوبُهُمْ وَ بُغْضُهُمْ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ خِیَارِ أَصْحَابِهِ فَقُذِفُوا فِی النَّارِ.

ص: 232


1- 1. مصباح الشریعة ص 61. الباب 90.
2- 2. الشوری: 30.

وَ لَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ إِنَّهُ كَانَ فِیمَا مَضَی قَبْلَكُمْ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مُطِیعٌ لِلَّهِ مُؤْمِنٌ وَ الْآخَرُ كَافِرٌ بِهِ مُجَاهِرٌ بِعَدَاوَةِ أَوْلِیَائِهِ وَ مُوَالاةِ أَعْدَائِهِ وَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَلِكٌ عَظِیمٌ فِی قُطْرٍ مِنَ الْأَرْضِ فَمَرِضَ الْكَافِرُ فَاشْتَهَی سَمَكَةً فِی غَیْرِ أَوَانِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ الصِّنْفَ مِنَ السَّمَكِ كَانَ فِی ذَلِكَ الْوَقْتِ فِی اللُّجَجِ بِحَیْثُ لَا یُقْدَرُ عَلَیْهِ فَآیَسَتْهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ نَفْسِهِ وَ قَالُوا اسْتَخْلِفْ فِی مُلْكِكَ مَنْ یَقُومُ بِهِ فَلَسْتَ بِأَخْلَدَ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ فَإِنَّ شِفَاءَكَ فِی هَذِهِ السَّمَكَةِ الَّتِی اشْتَهَیْتَهَا وَ لَا سَبِیلَ إِلَیْهَا فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكاً وَ أَمَرَهُ أَنْ یُزْعِجَ تِلْكَ السَّمَكَةَ إِلَی حَیْثُ یَسْهُلُ أَخْذُهَا فَأُخِذَتْ لَهُ تِلْكَ السَّمَكَةُ فَأَكَلَهَا وَ بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ وَ بَقِیَ فِی مُلْكِهِ سِنِینَ بَعْدَهَا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْمَلِكَ الْمُؤْمِنَ مَرِضَ فِی وَقْتٍ كَانَ جِنْسُ ذَلِكَ السَّمَكِ بِعَیْنِهِ لَا یُفَارِقُ الشُّطُوطَ الَّتِی یَسْهُلُ أَخْذُهُ مِنْهَا مِثْلَ عِلَّةِ الْكَافِرِ فَاشْتَهَی تِلْكَ السَّمَكَةَ وَ وَصَفَهَا لَهُ الْأَطِبَّاءُ وَ قَالُوا طِبْ نَفْساً فَهَذَا أَوَانُهُ تُؤْخَذُ لَكَ فَتَأْكُلُ مِنْهَا وَ تَبْرَأُ فَبَعَثَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَلَكَ فَأَمَرَهُ أَنْ یُزْعِجَ جِنْسَ تِلْكَ السَّمَكَةِ عَنِ الشُّطُوطِ إِلَی اللُّجَجِ لِئَلَّا یُقْدَرَ عَلَیْهِ فَلَمْ تُوجَدْ حَتَّی مَاتَ الْمُؤْمِنُ مِنْ شَهْوَتِهِ وَ

بِعَدَمِ دَوَائِهِ فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ فِی الْأَرْضِ حَتَّی كَادُوا یُفْتَنُونَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَی سَهَّلَ عَلَی الْكَافِرِ مَا لَا سَبِیلَ لَهُ إِلَیْهِ وَ عَسَّرَ عَلَی الْمُؤْمِنِ مَا كَانَ السَّبِیلُ إِلَیْهِ سَهْلًا فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَی مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ وَ إِلَی نَبِیِّ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِی الْأَرْضِ إِنِّی أَنَا اللَّهُ الْكَرِیمُ الْمُتَفَضِّلُ الْقَادِرُ لَا یَضُرُّنِی مَا أُعْطِی وَ لَا یَنْقُصُنِی مَا أَمْنَعُ وَ لَا أَظْلِمُ أَحَداً مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّمَا سَهَّلْتُ لَهُ أَخْذَ السَّمَكَةِ فِی غَیْرِ أَوَانِهَا لِیَكُونَ جَزَاءً عَلَی حَسَنَةٍ كَانَ عَمِلَهَا إِذْ كَانَ حَقّاً أَلَّا أُبْطِلَ لِأَحَدٍ حَسَنَةً حَتَّی یَرِدَ الْقِیَامَةَ وَ لَا حَسَنَةَ فِی صَحِیفَتِهِ وَ یَدْخُلَ النَّارَ بِكُفْرِهِ وَ مَنَعْتُ الْعَابِدَ ذَلِكَ السَّمَكَةَ بِعَیْنِهَا لِخَطِیئَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فَأَرَدْتُ تَمْحِیصَهَا عَنْهُ بِمَنْعِ تِلْكَ الشَّهْوَةِ وَ إِعْدَامِ ذَلِكَ الدَّوَاءِ وَ لِیَأْتِیَنِی وَ لَا ذَنْبَ

ص: 233

عَلَیْهِ فَیَدْخُلَ الْجَنَّةَ(1).

بیان: فلست بأخلد من أصحاب القبور لعل المعنی أن اللّٰه لم یجعلك من الخالدین فی الدنیا و أسباب موتك قد تسببت فلا بد من موتك أو المعنی أن بقاءك فی الدنیا مع هذا المرض كحیاة أصحاب القبور فی الاستحالة العادیة.

«49»- م، [تفسیر الإمام علیه السلام] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: عَجَباً لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ شِیعَةِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِیٍّ علیهما السلام أَنْ یُنْصَرَ فِی الدُّنْیَا عَلَی أَعْدَائِهِ فَقَدْ جُمِعَ لَهُ خَیْرُ الدَّارَیْنِ وَ إِنِ امْتُحِنَ فِی الدُّنْیَا فَقَدِ ادُّخِرَ لَهُ فِی الْآخِرَةِ مَا لَا یَكُونُ لِمِحْنَتِهِ فِی الدُّنْیَا قَدْرٌ عِنْدَ إِضَافَتِهَا إِلَی نِعَمِ الْآخِرَةِ وَ كَذَلِكَ عَجَباً لِلْعَبْدِ الْمُخَالِفِ لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ إِنْ خُذِلَ فِی الدُّنْیَا وَ غُلِبَ بِأَیْدِی الْمُؤْمِنِینَ فَقَدْ جُمِعَ عَلَیْهِ عَذَابُ الدَّارَیْنِ وَ إِنْ أُمْهِلَ فِی الدُّنْیَا وَ أُخِّرَ عَنْهُ عَذَابُهَا كَانَ لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ عَجَائِبِ الْعَذَابِ وَ ضُرُوبِ الْعِقَابِ مَا یَوَدُّ لَوْ كَانَ فِی الدُّنْیَا مُسْلِماً وَ مَا لَا قَدْرَ لِنِعَمِ الدُّنْیَا الَّتِی كَانَتْ لَهُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إِلَی تِلْكَ الْبَلَایَا فَلَوْ أَنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ نَعِیماً فِی الدُّنْیَا وَ أَطْوَلَهُمْ فِیهَا عُمُراً مِنْ مُخَالِفِینَا غُمِسَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فِی النَّارِ غَمْسَةً ثُمَّ سُئِلَ هَلْ لَقِیتَ نَعِیماً قَطُّ لَقَالَ لَا وَ لَوْ أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَیْشاً فِی الدُّنْیَا وَ أَعْظَمَهُمْ بَلَاءً مِنْ مُوَافِقِینَا وَ شِیعَتِنَا غُمِسَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فِی الْجَنَّةِ غَمْسَةً ثُمَّ سُئِلَ لَقِیتَ بُؤْساً قَطُّ لَقَالَ لَا فَمَا ظَنُّكُمْ بِنَعِیمٍ وَ بُؤْسٍ هَذِهِ صِفَتُهُمَا فَذَلِكَ النَّعِیمُ فَاطْلُبُوهُ وَ ذَلِكَ الْعَذَابُ فَاتَّقُوهُ.

«50»- جا، [المَجالسُ لِلْمُفِیدِ] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ الْأَهْوَازِیِّ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَیْبَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَ لَمْ یَكُنْ عِنْدَهُ مَا یُكَفِّرُهَا ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَی بِالْحُزْنِ لِیُكَفِّرَ عَنْهُ ذُنُوبَهُ (2).

محص، [التمحیص] عن الحكم: مثله.

ص: 234


1- 1. تفسیر الإمام صلوات اللّٰه علیه ذیل تفسیر البسملة.
2- 2. مجالس المفید ص 22 تحت الرقم: 3.

«51»- جا، [المجالس للمفید] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْمُوسَوِیِّ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ یَحْیَی بْنِ زَكَرِیَّا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَیْمَانَ الْقُمِّیِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِیُّ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ لَیُبْتَلَی بِالْجُوعِ حَتَّی یَمُوتَ جُوعاً وَ إِنْ كَانَ النَّبِیُّ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ لَیُبْتَلَی بِالْعَطَشِ حَتَّی یَمُوتَ عَطَشاً وَ إِنْ كَانَ النَّبِیُّ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ لَیُبْتَلَی بِالْعَرَاءِ حَتَّی یَمُوتَ عُرْیَاناً وَ إِنْ كَانَ النَّبِیُّ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ لَیُبْتَلَی بِالسُّقْمِ وَ الْأَمْرَاضِ حَتَّی تُتْلِفَهُ وَ إِنْ كَانَ النَّبِیُّ لَیَأْتِی قَوْمَهُ فَیَقُومُ فِیهِمْ یَأْمُرُهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ یَدْعُوهُمْ إِلَی تَوْحِیدِ اللَّهِ وَ مَا مَعَهُ مَبِیتُ لَیْلَةٍ فَمَا یَتْرُكُونَهُ یَفْرُغُ مِنْ كَلَامِهِ وَ لَا یَسْتَمِعُونَ إِلَیْهِ حَتَّی یَقْتُلُوهُ وَ إِنَّمَا یَبْتَلِی اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی عِبَادَهُ عَلَی قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ (1).

«52»- جا، [المجالس للمفید] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِیدِ(2) عَنْ أَبِیهِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ عَطِیَّةَ عَنِ ابْنِ فَرْقَدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ فِیمَا نَاجَی اللَّهُ بِهِ مُوسَی بْنَ عِمْرَانَ أَنْ یَا مُوسَی مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنِ وَ إِنِّی إِنَّمَا ابْتَلَیْتُهُ لِمَا هُوَ خَیْرٌ لَهُ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمَا یُصْلِحُ عَبْدِی فَلْیَصْبِرْ عَلَی بَلَائِی وَ لْیَشْكُرْ نَعْمَائِی وَ لْیَرْضَ بِقَضَائِی أَكْتُبْهُ فِی الصِّدِّیقِینَ عِنْدِی إِذَا عَمِلَ بِمَا یُرْضِینِی وَ أَطَاعَ أَمْرِی (3).

«53»- ضه، [روضة الواعظین] قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَ لَمْ یَجِدْ مَا یُكَفِّرُهَا بِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِالْحُزْنِ فِی الدُّنْیَا لِیُكَفِّرَهَا بِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ وَ إِلَّا فَعَذَّبَهُ فِی قَبْرِهِ لِیَلْقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَوْمَ یَلْقَاهُ وَ لَیْسَ شَیْ ءٌ یَشْهَدُ عَلَیْهِ بِشَیْ ءٍ مِنْ ذُنُوبِهِ.

«54»- جع، [جامع الأخبار] قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلامَلِیٌّ علیه السلام. الْجَزَعُ عِنْدَ الْبَلَاءِ تَمَامُ الْمِحْنَةِ.

وَ قَالَ ع (4): إِنَّ الْبَلَاءَ لِلظَّالِمِ أَدَبٌ وَ لِلْمُؤْمِنِ امْتِحَانٌ وَ لِلْأَنْبِیَاءِ دَرَجَةٌ وَ لِلْأَوْلِیَاءِ كَرَامَةٌ.

ص: 235


1- 1. مجالس المفید ص 31 تحت الرقم: 5.
2- 2. هو أحمد بن محمّد بن الحسن بن الولید.
3- 3. مجالس المفید ص 63 تحت الرقم: 11.
4- 4. فی المصدر: و قال النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله.

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (1): مَنِ ابْتُلِیَ فَصَبَرَ وَ أُعْطِیَ فَشَكَرَ وَ ظَلَمَ فَغَفَرَ وَ ظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ قَالُوا مَا بَالُهُ قَالَ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ.

وَ قَالَ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ یَتَعَاهَدُ وَلِیَّهُ بِالْبَلَاءِ كَمَا یَتَعَاهَدُ الْمَرِیضَ أَهْلُهُ بِالدَّوَاءِ وَ إِنَّ اللَّهَ لَیَحْمِی عَبْدَهُ الدُّنْیَا كَمَا یُحْمَی الْمَرِیضُ الطَّعَامَ.

وَ رُوِیَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَیْراً ابْتَلَاهُمْ.

وَ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: لَا یَزَالُ الْبَلَاءُ فِی الْمُؤْمِنِ وَ الْمُؤْمِنَةِ فِی جَسَدِهِ وَ مَالِهِ وَ وُلْدِهِ حَتَّی یَلْقَی اللَّهَ وَ مَا عَلَیْهِ مِنْ خَطِیئَةٍ.

وَ قَالَ علیه السلام: لَیَوَدَّنَّ أَهْلُ الْعَافِیَةِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَنَّ جُلُودَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِیضِ لِمَا یَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی یَا دَاوُدُ قُلْ لِعِبَادِی یَا عِبَادِی مَنْ لَمْ یَرْضَ بِقَضَائِی وَ لَمْ یَشْكُرْ نَعْمَائِی وَ لَمْ یَصْبِرْ عَلَی بَلَائِی فَلْیَطْلُبْ رَبّاً سِوَائِی.

وَ قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام: یَا بُنَیَّ مَنْ كَتَمَ بَلَاءً ابْتُلِیَ بِهِ مِنَ النَّاسِ وَ شَكَا ذَلِكَ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَانَ حَقّاً عَلَی اللَّهِ أَنْ یُعَافِیَهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ قَالَ علیه السلام یُبْتَلَی الْمَرْءُ عَلَی قَدْرِ حُبِّهِ.

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَا مِنْ عَبْدٍ أُرِیدُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ إِلَّا ابْتَلَیْتُهُ فِی جَسَدِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ وَ إِلَّا ضَیَّقْتُ عَلَیْهِ فِی رِزْقِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ وَ إِلَّا شَدَّدْتُ عَلَیْهِ الْمَوْتَ حَتَّی یَأْتِیَنِی وَ لَا ذَنْبَ لَهُ ثُمَّ أُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَ مَا مِنْ عَبْدٍ أُرِیدُ أَنْ أُدْخِلَهُ النَّارَ إِلَّا صَحَّحْتُ جِسْمَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَمَاماً لِطَلِبَتِهِ وَ إِلَّا آمَنْتُ [خَوْفَهُ] لَهُ وَ عَنْ سُلْطَانِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَمَاماً لِطَلِبَتِهِ وَ إِلَّا هَوَّنْتُ عَلَیْهِ الْمَوْتَ حَتَّی یَأْتِیَنِی وَ لَا حَسَنَةَ لَهُ ثُمَّ أَدْخَلْتُهُ النَّارَ.

وَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَیَتَعَاهَدُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ إِمَّا بِمَرَضٍ فِی جَسَدِهِ أَوْ بِمُصِیبَةٍ فِی أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مُصِیبَةٍ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْیَا

ص: 236


1- 1. فی المصدر: و قال علیه السلام.

لِیَأْجُرَهُ عَلَیْهَا.

وَ قَالَ علیه السلام: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ هُوَ یُذَكَّرُ فِی كُلِّ أَرْبَعِینَ یَوْماً بِبَلَاءٍ إِمَّا فِی مَالِهِ أَوْ فِی وَلَدِهِ أَوْ فِی نَفْسِهِ فَیُؤْجَرُ عَلَیْهِ أَوْ هَمٍّ لَا یَدْرِی مِنْ أَیْنَ هُوَ.

وَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ فِی الْجَنَّةِ لَمَنْزِلَةً لَا یَبْلُغُهَا الْعَبْدُ إِلَّا بِبَلَاءٍ فِی جَسَدِهِ.

وَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: خَرَجَ مُوسَی علیه السلام فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ فَذَهَبَ بِهِ حَتَّی خَرَجَ إِلَی الظَّهْرِ فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ حَتَّی أَجِیئَكَ وَ خَطَّ عَلَیْهِ خَطَّةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ فَقَالَ إِنِّی اسْتَوْدَعْتُكَ صَاحِبِی وَ أَنْتَ خَیْرُ مُسْتَوْدَعٍ ثُمَّ مَضَی فَنَاجَاهُ اللَّهُ بِمَا أَحَبَّ أَنْ یُنَاجِیَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ نَحْوَ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَسَدٌ قَدْ وَثَبَ عَلَیْهِ فَشَقَّ بَطْنَهُ وَ فَرَثَ لَحْمَهُ وَ شَرِبَ دَمَهُ قُلْتُ وَ مَا فَرْثُ اللَّحْمِ قَالَ قَطْعُ أَوْصَالِهِ فَرَفَعَ مُوسَی رَأْسَهُ فَقَالَ یَا رَبِّ اسْتَوْدَعْتُكَ وَ أَنْتَ خَیْرُ مُسْتَوْدَعٍ فَسَلَّطْتَ عَلَیْهِ شَرَّ كِلَابِكَ فَشَقَّ بَطْنَهُ وَ فَرَثَ لَحْمَهُ وَ شَرِبَ دَمَهُ فَقِیلَ یَا مُوسَی إِنَّ صَاحِبَكَ كَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ فِی الْجَنَّةِ لَمْ یَكُنْ یَبْلُغُهَا إِلَّا بِمَا صَنَعْتُ بِهِ انْظُرْ وَ كَشَفَ لَهُ الْغِطَاءَ فَنَظَرَ مُوسَی فَإِذَا مَنْزِلٌ شَرِیفُ فَقَالَ رَبِّ رَضِیتُ.

وَ عَنِ الْكَاظِمِ علیه السلام قَالَ: لَنْ تَكُونُوا مُؤْمِنِینَ حَتَّی تَعُدُّوا الْبَلَاءَ نِعْمَةً وَ الرَّخَاءَ مُصِیبَةً وَ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الْبَلَاءِ أَعْظَمُ مِنَ الْغَفْلَةِ عِنْدَ الرَّخَاءِ.

قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله: لَا تَكُونُ مُؤْمِناً حَتَّی تَعُدَّ الْبَلَاءَ نِعْمَةً وَ الرَّخَاءَ مِحْنَةً لِأَنَّ بَلَاءَ الدُّنْیَا نِعْمَةٌ فِی الْآخِرَةِ وَ رَخَاءَ الدُّنْیَا مِحْنَةٌ فِی الْآخِرَةِ.

وَ عَنْ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا قَارَفَ الذُّنُوبَ ابْتُلِیَ بِهَا بِالْفَقْرِ فَإِنْ كَانَ فِی ذَلِكَ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ وَ إِلَّا ابْتُلِیَ بِالْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ فِی ذَلِكَ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ وَ إِلَّا ابْتُلِیَ بِالْخَوْفِ مِنَ السُّلْطَانِ یَطْلُبُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ وَ إِلَّا ضُیِّقَ عَلَیْهِ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ حَتَّی یَلْقَی اللَّهَ حِینَ یَلْقَاهُ وَ مَا لَهُ مِنْ ذَنْبٍ یَدَّعِیهِ عَلَیْهِ فَیَأْمُرُ بِهِ إِلَی الْجَنَّةِ وَ إِنَّ الْكَافِرَ وَ الْمُنَافِقَ لَیُهَوَّنُ عَلَیْهِمَا خُرُوجُ أَنْفُسِهِمَا حَتَّی یَلْقَیَا اللَّهَ حِینَ

ص: 237

یَلْقَیَانِهِ وَ مَا لَهُمَا عِنْدَهُ مِنْ حَسَنَةٍ یَدَّعِیَانِهَا عَلَیْهِ فَیَأْمُرُ بِهِمَا إِلَی النَّارِ.

وَ عَنْهُ علیه السلام قَالَ: كُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ إِیمَاناً ازْدَادَ ضِیقاً فِی مَعِیشَتِهِ (1).

بیان: فی القاموس فرث الجلة یفرث و یفرث نثر ما فیها و كبده یفرثها ضربها و هو حی كفرثها تفریثا فانفرثت كبده انتثرت (2).

بشا، [بشارة المصطفی] عَنِ ابْنِ شَیْخِ الطَّائِفَةِ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْمُفِیدِ عَنْ زَیْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَكَمِ الْكِنْدِیِّ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ صَبِیحٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْبَاقِرِ علیه السلام إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ فَرَدَّ عَلَیْهِ السَّلَامَ فَقَالَ الرَّجُلُ كَیْفَ أَنْتُمْ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ أَ وَ مَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَعْلَمُوا كَیْفَ نَحْنُ إِنَّمَا مَثَلُنَا فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ بَنِی إِسْرَائِیلَ كَانَ یُذَبَّحُ أَبْنَاؤُهُمْ وَ تُسْتَحْیَا نِسَاؤُهُمْ أَلَا وَ إِنَّ هَؤُلَاءِ یُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَنَا وَ یَسْتَحْیُونَ نِسَاءَنَا زَعَمَتِ الْعَرَبُ أَنَّ لَهُمْ فَضْلًا عَلَی الْعَجَمِ فَقَالَ الْعَجَمُ وَ بِمَا ذَاكَ؟ قَالُوا كَانَ مُحَمَّدٌ مِنَّا عَرَبِیٌّ قَالُوا لَهُمْ صَدَقْتُمْ وَ زَعَمَتْ قُرَیْشٌ أَنَّ لَهَا فَضْلًا عَلَی غَیْرِهَا مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَتْ لَهُمُ الْعَرَبُ مِنْ غَیْرِهِمْ وَ بِمَا ذَاكَ؟ قَالُوا كَانَ مُحَمَّدٌ قُرَشِیّاً قَالُوا لَهُمْ صَدَقْتُمْ فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ صَدَقُوا فَلَنَا فَضْلٌ عَلَی النَّاسِ لِأَنَّا ذُرِّیَّةُ مُحَمَّدٍ وَ أَهْلُ بَیْتِهِ خَاصَّةً وَ عِتْرَتُهُ لَا یَشْرَكُنَا فِی ذَلِكَ غَیْرُنَا فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُحِبُّكُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ قَالَ فَاتَّخِذْ لِلْبَلَاءِ جِلْبَاباً فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ لَأَسْرَعُ إِلَیْنَا وَ إِلَی شِیعَتِنَا مِنَ السَّیْلِ فِی الْوَادِی وَ بِنَا یُبْدَأُ الْبَلَاءُ ثُمَّ بِكُمْ وَ بِنَا یُبْدَأُ الرَّخَاءُ ثُمَّ بِكُمْ (3).

بیان: قال الجوهری آن أینك أی حان حینك و آن لك أن تفعل كذا یئین أینا عن أبی زید أی حان مثل أنی لك و هو مقلوب منه (4).

«56»- جع، [جامع الأخبار] قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله: الدُّنْیَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ وَ قَالَ:

ص: 238


1- 1. جامع الأخبار: 132، الباب 70.
2- 2. القاموس: ج 1 ص 172.
3- 3. بشارة المصطفی ص 107.
4- 4. الصحاح ص 2076.

لَوْ كَانَ الْمُؤْمِنُ فِی جُحْرِ فَأْرَةٍ لَقَیَّضَ اللَّهُ فِیهِ مَنْ یُؤْذِیهِ وَ قَالَ الْمُؤْمِنُ مُكَفَّرٌ.

وَ رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: لَا یَكُونُ فِی الدُّنْیَا مُؤْمِنٌ إِلَّا وَ لَهُ جَارٌ یُؤْذِیهِ.

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: مَا كَانَ وَ لَا یَكُونُ وَ لَا هُوَ كَائِنٌ-(1) نَبِیٌّ وَ لَا مُؤْمِنٌ إِلَّا وَ لَهُ قَرَابَةٌ یُؤْذِیهِ أَوْ جَارٌ یُؤْذِیهِ (2).

«57»- ختص، [الإختصاص] عَنْ رِبْعِیٍّ عَنِ الْفُضَیْلِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ الشَّیَاطِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَكْثَرُ مِنَ الزَّنَابِیرِ عَلَی اللَّحْمِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا بِیَدِهِ إِلَّا مَا دَفَعَ اللَّهُ (3).

بیان: كأنه علیه السلام أشار إلی جهة السماء.

«58»- ختص، [الإختصاص] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْأَنْبِیَاءَ وَ أَوْلَادَ الْأَنْبِیَاءِ وَ أَتْبَاعَ الْأَنْبِیَاءِ خُصُّوا بِثَلَاثِ خِصَالٍ السُّقْمِ فِی الْأَبْدَانِ وَ خَوْفِ السُّلْطَانِ وَ الْفَقْرِ(4).

«59»- محص، [التمحیص] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ أَحْمَدَ وَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَیْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ وَ كَرَّامٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَی شِیعَتِنَا مِنَ السَّیْلِ إِلَی قَرَارِ الْوَادِی (5).

«60»- محص، [التمحیص] عَنْ كَثِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْجُوعُ وَ الْخَوْفُ أَسْرَعُ إِلَی شِیعَتِنَا مِنْ رَكْضِ الْبَرَاذِینِ.

بیان: الركض تحریك الرجل و منه ارْكُضْ بِرِجْلِكَ (6) و الدفع

ص: 239


1- 1. فی المصدر: و لیس بكائن.
2- 2. جامع الأخبار: 150. الباب 87.
3- 3. الاختصاص ص 30.
4- 4. الاختصاص ص 213.
5- 5. كتاب التمحیص مخطوط.
6- 6. ص: 42.

و استحثاث الفرس للعدو و الهرب و العدو و ركض الفرس كعنی فركض هو عدا فهو راكض و مركوض ذكره الفیروزآبادی (1).

«61»- محص، [التمحیص] عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً عَلَی لَوْحٍ فِی الْبَحْرِ لَقَیَّضَ اللَّهُ لَهُ مُنَافِقاً یُؤْذِیهِ.

جع، [جامع الأخبار] عنه علیه السلام: مثله (2).

«62»- محص، [التمحیص] عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: یَا زِیَادُ إِنَّ اللَّهَ یَتَعَهَّدُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا یَتَعَهَّدُ الْغَائِبُ أَهْلَهُ بِالْهَدِیَّةِ وَ یَحْمِیهِ الدُّنْیَا كَمَا یَحْمِی الطَّبِیبُ الْمَرِیضَ.

«63»- محص، [التمحیص] عَنْ زَیْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: نِعْمَ جُرْعَةُ الْغَیْظِ لِمَنْ صَبَرَ عَلَیْهَا وَ إِنَّ عَظِیمَ الْأَجْرِ مَعَ عَظِیمِ الْبَلَاءِ وَ مَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْماً إِلَّا ابْتَلَاهُمْ.

«64»- محص، [التمحیص] عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَیْدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمُؤْمِنِینَ فِی دَارِ الدُّنْیَا غَرَضاً لِعَدُوِّهِمْ.

«65»- محص، [التمحیص] عَنِ الثُّمَالِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: یَا أَبَا حَمْزَةَ مَا كَانَ وَ لَنْ یَكُونَ مُؤْمِنٌ إِلَّا وَ لَهُ بَلَایَا أَرْبَعٌ إِمَّا یَكُونُ لَهُ جَارٌ یُؤْذِیهِ أَوْ مُنَافِقٌ یَقْفُو أَثَرَهُ أَوْ مُنَافِقٌ یَرَی قِتَالَهُ جِهَاداً أَوْ مُؤْمِنٌ یَحْسُدُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ أَشَدُّ الْأَرْبَعَةِ عَلَیْهِ لِأَنَّهُ یَقُولُ فَیُصَدَّقُ عَلَیْهِ وَ یُقَالُ هَذَا رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِهِ فَمَا بَقَاءُ الْمُؤْمِنِ بَعْدَ هَذِهِ.

«66»- محص، [التمحیص] عَنِ ابْنِ أَبِی یَعْفُورٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَوْ یَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا لَهُ فِی الْمَصَائِبِ مِنَ الْأَجْرِ لَتَمَنَّی أَنْ یُقْرَضَ بِالْمَقَارِیضِ.

«67»- محص، [التمحیص] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام یَقُولُ: إِذَا أُضِیفَ الْبَلَاءُ إِلَی الْبَلَاءِ كَانَ مِنَ الْبَلَاءِ عَافِیَةٌ وَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ إِنْ

ص: 240


1- 1. القاموس ج 2 ص 332.
2- 2. جامع الأخبار ص 150 الباب: 87.

أَصَابَكُمْ تَمْحِیصٌ فَاصْبِرُوا فَإِنَّمَا یَبْتَلِی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ وَ لَمْ یَزَلْ إِخْوَانُكُمْ قَلِیلًا أَلَا وَ إِنَّ أَقَلَّ أَهْلِ الْمَحْشَرِ الْمُؤْمِنُونَ.

بیان: كان من البلاء عافیة لعل المعنی أن عند اشتداد البلاء و تواتره یرجی الفرج كما قال تعالی إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً(1).

«68»- محص، [التمحیص] عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ هُوَ یَذَّكَّرُ لِبَلَاءٍ یُصِیبُهُ فِی كُلِّ أَرْبَعِینَ یَوْماً أَوْ بِشَیْ ءٍ فِی مَالِهِ وَ وُلْدِهِ لِیَأْجُرَهُ اللَّهُ عَلَیْهِ أَوْ بِهَمٍّ لَا یَدْرِی مِنْ أَیْنَ هُوَ.

«69»- محص، [التمحیص] عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْأَحْمَسِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ اللَّهَ لَیَتَعَهَّدُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ كَمَا یَتَعَهَّدُ أَهْلَ الْبَیْتِ سَیِّدُهُمْ بِطُرَفِ الطَّعَامِ.

توضیح: الظاهر أن الأحمسی هو الحسین بن عثمان الثقة و أهل البیت بالنصب و سیدهم بالرفع و فی القاموس الطریف القریب من الثمر و غیره.

«70»- محص، [التمحیص] عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا أَفْلَتَ الْمُؤْمِنُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثٍ وَ رُبَّمَا اجْتَمَعَتِ الثَّلَاثُ عَلَیْهِ إِمَّا أَنْ یَكُونَ مَعَهُ فِی الدَّارِ مَنْ یُغْلِقُ عَلَیْهِ الْبَابَ یُؤْذِیهِ أَوْ جَارٌ یُؤْذِیهِ أَوْ شَیْ ءٌ فِی طَرِیقِهِ وَ حَوَائِجِهِ یُؤْذِیهِ وَ لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً عَلَی قُلَّةِ جَبَلٍ لَبَعَثَ اللَّهُ إِلَیْهِ شَیْطَاناً وَ یَجْعَلُ لَهُ مِنْ إِیمَانِهِ أُنْساً لَا یَسْتَوْحِشُ إِلَی أَحَدٍ.

«71»- محص، [التمحیص] عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِیَاءُ ثُمَّ الَّذِینَ یَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِینَ یَلُونَهُمْ.

«72»- محص، [التمحیص] عَنْ سَدِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام هَلْ یَبْتَلِی اللَّهُ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ وَ هَلْ یُبْتَلَی إِلَّا الْمُؤْمِنُ حَتَّی إِنَّ صَاحِبَ یَاسِینَ- قالَ یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ (2) كَانَ مُكَنَّعاً قُلْتُ وَ مَا الْمُكَنَّعُ قَالَ كَانَ بِهِ جُذَامٌ.

ص: 241


1- 1. الانشراح: 5.
2- 2. یس: 130.

«73»- محص، [التمحیص] عَنْ عُمَرَ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ بِهِ وَجَعٌ فِی شَیْ ءٍ مِنْ بَدَنِهِ لَا یُفَارِقُهُ حَتَّی یَمُوتَ یَكُونُ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ.

«74»- محص، [التمحیص] عَنِ الْأَحْمَسِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَا تَزَالُ الْغُمُومُ وَ الْهُمُومُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّی لَا تَدَعَ لَهُ ذَنْباً.

وَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَا یَمْضِی عَلَی الْمُؤْمِنِ أَرْبَعُونَ لَیْلَةً إِلَّا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ یَحْزُنُهُ یُذَكِّرُهُ رَبَّهُ.

«75»- محص، [التمحیص] عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ لَیَهْتَمُّ فِی الدُّنْیَا حَتَّی یَخْرُجَ مِنْهَا وَ لَا ذَنْبَ لَهُ.

«76»- محص، [التمحیص] عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: قَالَ اللَّهُ لَوْ لَا أَنْ یَجِدَ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنُ فِی نَفْسِهِ لَعَصَّبْتُ الْمُنَافِقَ عِصَابَةً لَا یَجِدُ أَلَماً حَتَّی یَمُوتَ.

بیان: فی النهایة فی حدیث الإیمان إنی سائلك فلا تجد علی أی لا تغضب من سؤالی یقال وجد علیه یجد وجدا و موجدة.

«77»- محص، [التمحیص] عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الدُّنْیَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَیُرَوَّعُ فِیهَا وَ أَمَّا الْكَافِرُ فَیُمَتَّعُ فِیهَا.

بیان: الروع الفزع كالارتیاع و التروع و الروعة الفزعة و راع أفزع كروع لازم متعد(1).

«78»- محص، [التمحیص] عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَیَكْرُمُ عَلَی اللَّهِ تَعَالَی حَتَّی إِنَّهُ لَوْ سَأَلَهُ الدُّنْیَا وَ مَا فِیهَا أَعْطَاهُ إِیَّاهَا وَ لَمْ یَنْقُصَاهُ ذَلِكَ وَ لَوْ سَأَلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ شِبْراً حَرَمَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ یَتَعَهَّدُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا یَتَعَهَّدُ الْغَائِبُ أَهْلَهُ بِالْهَدِیَّةِ وَ یَحْمِیهِ الدُّنْیَا كَمَا یَحْمِی الطَّبِیبُ الْمَرِیضَ.

بیان: الظاهر أنه سقط من صدر الخبر فقرات.

«79»- محص، [التمحیص] عَنْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ بِعَرْضِ كُلِّ خَیْرٍ لَوْ قُطِعَ أَنْمُلَةً أَنْمُلَةً كَانَ خَیْراً لَهُ وَ لَوْ وُلِّیَ شَرْقَهَا وَ غَرْبَهَا كَانَ خَیْراً لَهُ.

ص: 242


1- 1. القاموس ج 3 ص 32.

بیان: بعرض كل خیر أی بمعرض كل خیر و محل عروضه و ظهوره لو قطع أنملة أنملة فی المصباح الأنملة من الأصابع العقدة و بعضهم یقول الأنامل رءوس الأصابع و الأنملة بفتح الهمزة و فتح المیم أكثر من ضمها و ابن قتیبة یجعل المضموم من لحن العوام و بعض المتأخرین من النحاة حكی تثلیث الهمزة مع تثلیث المیم فتصیر تسع لغات.

و أقول كان المعنی قطع جمیع بدنه بمقدار الأنملة و كون المراد قطع أنامل یدیه و رجلیه تدریجا بعید.

«80»- محص، [التمحیص] عَنْ عِیسَی بْنِ أَبِی مَنْصُورٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ یَذُودُ الْمُؤْمِنَ عَمَّا یَشْتَهِیهِ كَمَا یَذُودُ أَحَدُكُمُ الْغَرِیبَ عَنْ إِبِلِهِ لَیْسَ مِنْهَا.

بیان: فی المصباح ذاد الراعی إبله عن الماء ذودا و ذیادا منعها.

«81»- محص، [التمحیص] عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ لَیَطْلُبُ الْإِمَارَةَ وَ التِّجَارَةَ حَتَّی إِذَا أَشْرَفَ مِنْ ذَلِكَ عَلَی مَا كَانَ یَهْوَی بَعَثَ اللَّهُ مَلَكاً وَ قَالَ لَهُ عُقْ عَبْدِی وَ صُدَّهُ عَنْ أَمْرٍ لَوِ اسْتَمْكَنَ مِنْهُ أُدْخَلَهُ النَّارَ فَیُقْبِلُ الْمَلَكُ فَیَصُدُّهُ بِلُطْفِ اللَّهِ فَیُصْبِحُ وَ هُوَ یَقُولُ لَقَدْ دُهِیتُ وَ مَنْ دَهَانِی فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَ فَعَلَ وَ مَا یَدْرِی أَنَّ اللَّهَ النَّاظِرُ لَهُ فِی ذَلِكَ وَ لَوْ ظَفِرَ بِهِ أَدْخَلَهُ النَّارَ.

بیان: فی القاموس دهاه دهیا و دهاه أصابه بداهیة و هی الأمر العظیم (1) و فعل اللّٰه به و فعل كنایة عن شتم كثیر و دعاء علیه بالسوء.

«82»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیهما السلام قَالَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ كَفَّتَیِ الْمِیزَانِ كُلَّمَا زِیدَ فِی إِیمَانِهِ زِیدَ فِی بَلَائِهِ لِیَلْقَی اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَا خَطِیئَةَ لَهُ (2).

ص: 243


1- 1. القاموس ج 4 ص 329، و فیه: دهاه دهیا و دهاه: نسبه الی الدهاء، أو عابه و تنقصه، أو أصابه بداهیة إلخ.
2- 2. أمالی الشیخ ج 2 ص 244.

محص، [التمحیص] عن علی بن أبی حمزة عنه علیه السلام: مثله (1)

جع، [جامع الأخبار] عنه علیه السلام: مثله.

«83»- كِتَابُ الْإِمَامَةِ وَ التَّبْصِرَةِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنِ السَّكُونِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: السُّقْمُ یَمْحُو الذُّنُوبَ وَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله سَاعَاتُ الْوَجَعِ یُذْهِبْنَ سَاعَاتِ الْخَطَایَا وَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله سَاعَاتُ الْهُمُومِ سَاعَاتُ الْكَفَّارَاتِ وَ لَا یَزَالُ الْهَمُّ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّی یَدَعَهُ وَ مَا لَهُ مِنْ ذَنْبٍ.

«84»- كش، [رجال الكشی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الْعَمْرَكِیِّ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِیبٍ الْأَزْدِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ عَنْ ذَرِیحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ أَنَا وَجِعٌ ثَقِیلٌ فَقِیلَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَجِعٌ فَأَرْسَلَ إِلَیَّ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام بِشَرَابٍ مَعَ الْغُلَامِ مُغَطًّی بِمِنْدِیلٍ فَنَاوَلَنِیهِ الْغُلَامُ وَ قَالَ لِی اشْرَبْهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِی أَنْ لَا أَرْجِعَ حَتَّی تَشْرَبَهُ فَتَنَاوَلْتُهُ فَإِذَا رَائِحَةُ الْمِسْكِ عَنْهُ وَ إِذَا شَرَابٌ طَیِّبُ الطَّعْمِ بَارِدٌ فَإِذَا شَرِبْتُهُ قَالَ لِیَ الْغُلَامُ یَقُولُ لَكَ إِذَا شَرِبْتَهُ فَتَعَالَ فَفَكَّرْتُ فِیمَا قَالَ لِی وَ لَا أَقْدِرُ عَلَی النُّهُوضِ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَی رِجْلِی فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الشَّرَابُ فِی جَوْفِی فَكَأَنَّمَا نَشِطْتُ مِنْ عِقَالٍ فَأَتَیْتُ بَابَهُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَیْهِ فَصَوَّتَ بِی صَحَّ الْجِسْمُ ادْخُلْ ادْخُلْ فَدَخَلْتُ وَ أَنَا بَاكٍ وَ سَلَّمْتُ عَلَیْهِ وَ قَبَّلْتُ یَدَیْهِ وَ رَأْسَهُ فَقَالَ لِی وَ مَا یُبْكِیكَ یَا مُحَمَّدُ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَبْكِی عَلَی اغْتِرَابِی وَ بُعْدِ الشُّقَّةِ وَ قِلَّةِ الْمَقْدُرَةِ عَلَی الْمُقَامِ عِنْدَكَ وَ النَّظَرِ إِلَیْكَ فَقَالَ أَمَّا قِلَّةُ الْمَقْدُرَةِ فَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ أَوْلِیَاءَنَا وَ أَهْلَ مَوَدَّتِنَا وَ جَعَلَ الْبَلَاءَ إِلَیْهِمْ سَرِیعاً وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْغُرْبَةِ فَلَكَ بِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أُسْوَةٌ بِأَرْضٍ نَاءٍ عَنَّا بِالْفُرَاتِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ بُعْدِ الشُّقَّةِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ فِی هَذِهِ الدَّارِ غَرِیبٌ وَ فِی هَذَا الْخَلْقِ الْمَنْكُوسِ حَتَّی یَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إِلَی رَحْمَةِ اللَّهِ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ

ص: 244


1- 1. جامع الأخبار ص 134.

مِنْ حُبِّكَ قُرْبَنَا وَ النَّظَرَ إِلَیْنَا وَ أَنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَی ذَلِكَ فَاللَّهُ یَعْلَمُ مَا فِی قَلْبِكَ وَ جَزَاؤُكَ عَلَیْهِ (1).

قب، [المناقب لابن شهرآشوب] مرسلا: مثله (2)

ختص، [الإختصاص] عن عدة من أصحابه عن محمد بن جعفر المؤدب عن البرقی عن بعض أصحابنا عن الأصم عن مدلج: مثله (3)

بیان: قیل له أی لأبی جعفر علیه السلام و فی المناقب قیل لأبی جعفر علیه السلام و فی النهایة فی حدیث السحر فكأنما أنشط من عقال أی حل و كثیرا ما یجی ء فی الروایة كأنما نشط من عقال و لیس بصحیح یقال نشطت العقدة إذا عقدتها و أنشطتها إذا حللتها و فی القاموس الشقة بالضم و الكسر البعد و الناحیة التی یقصدها المسافر و السفر البعید و المشقة.

فلك بأبی عبد اللّٰه أی الحسین صلوات اللّٰه علیه أسوة أی اقتداء أی شابهته فی الغربة و التفكر فی حالة یسهل علیك غربتك و یكشف هذا الحزن عنك فی القاموس الأسوة بالكسر و الضم القدوة و ما یأتسی به الحزین و أساه تأسیة فتأسی عزاه فتعزی (4).

و فی هذا الخلق عطف علی قوله و فی هذه الدار أی بین هذا الخلق غریب و إنما وصفهم بالنكس لأنهم انخلعوا عن الإنسانیة فصاروا كالبهائم و الأنعام أو انقلبوا عن حدود الإنسانیة إلی حد البهیمیة أو هم منكوسو القلوب لا تعی قلوبهم شیئا من الحق أو هو كنایة عن الخیبة و الخسران أو شبه أسوأ حالاتهم الروحانیة بأسوإ حالاتهم الجسمانیة أو أنهم لما أعرضوا عن العروج علی معارج الكمالات الروحانیة و قصروا نظرهم علی الشهوات الجسمانیة

ص: 245


1- 1. رجال الكشّیّ ص 150، تحت الرقم: 67.
2- 2. مناقب آل أبی طالب ج 2 ص 181.
3- 3. الاختصاص ص 52.
4- 4. القاموس ج 4 ص 299.

فكأنهم انتكسوا و انقلبوا.

و فی المناقب و فی هذا الخلق منكوس أی یرونه كذلك أو بینهم بشر الأحوال لا یقدر علی شی ء كالمنكوس فی القاموس نكسه قلبه علی رأسه كنكسه و النكس بالكسر الضعیف و كمحدث الفرس لا یسمو برأسه و لا بهادیه إذا جری ضعفا أو الذی لم یلحق الخیل و انتكس وقع علی رأسه (1).

و فی النهایة فی حدیث أبی هریرة تعس عبد الدنیا و انتكس أی انقلب علی رأسه و هو دعاء علیه بالخیبة لأن من انتكس فی أمره فقد خاب و خسر و فی حدیث ابن مسعود قیل له إن فلانا یقرأ القرآن منكوسا فقال ذلك منكوس القلب.

فاللّٰه یعلم ما فی قلبك فی المناقب فلك ما فی قلبك و ما فی رجال الكشی أظهر.

«85»- كِتَابُ الْمُؤْمِنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِیفٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فَجَاءَ جَمِیلٌ الْأَزْرَقُ فَدَخَلَ عَلَیْهِ قَالَ فَذَكَرُوا بَلَایَا لِلشِّیعَةِ وَ مَا یُصِیبُهُمْ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام إِنَّ أُنَاساً أَتَوْا عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ علیه السلام وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَذَكَرُوا لَهُمَا نَحْوَ مَا ذَكَرْتُمُ قَالَ فَأَتَیَا الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ علیهما السلام فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ الْحُسَیْنُ علیه السلام وَ اللَّهِ الْبَلَاءُ وَ الْفَقْرُ وَ الْقَتْلُ أَسْرَعُ إِلَی مَنْ أَحَبَّنَا مِنْ رَكْضِ الْبَرَاذِینِ وَ مِنَ السَّیْلِ إِلَی صِمْرِهِ قُلْتُ وَ مَا الصِّمْرُ قَالَ مُنْتَهَاهُ وَ لَوْ لَا أَنْ تَكُونُوا كَذَلِكَ لَرَأَیْنَا أَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَّا.

بیان: فی القاموس صمر الماء جری من حدور فی مستوی فسكن و هو جار و الصمر بالكسر مستقره (2).

«86»- الْمُؤْمِنُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْفُضَیْلِ بْنِ یَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ الشَّیَاطِینَ أَكْثَرُ عَلَی الْمُؤْمِنِ مِنَ الزَّنَابِیرِ عَلَی اللَّحْمِ.

«87»- محص، [التمحیص] عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً نَظَرَ إِلَیْهِ فَإِذَا نَظَرَ إِلَیْهِ أَتْحَفَهُ مِنْ ثَلَاثٍ بِوَاحِدَةٍ إِمَّا صُدَاعٍ وَ إِمَّا حُمًّی وَ إِمَّا رَمَدٍ.

ص: 246


1- 1. القاموس ج 2 ص 256.
2- 2. القاموس ج 2: 72.

«88»- نهج، [نهج البلاغة] قَالَ علیه السلام: وَ قَدْ تُوُفِّیَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ الْأَنْصَارِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْكُوفَةِ مَرْجِعَهُ مَعَهُ مِنْ صِفِّینَ وَ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَیْهِ لَوْ أَحَبَّنِی جَبَلٌ لَتَهَافَتَ.

قال السید رضی اللّٰه عنه و معنی ذلك أن المحبة تغلظ علیه فتسرع المصائب إلیه و لا یفعل ذلك إلا بالأتقیاء الأبرار و المصطفین الأخیار

وَ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ علیه السلام: مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَلْیَسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً.

و قد تؤول ذلك علی معنی آخر لیس هذا موضع ذكره (1).

تبیان مرجعه منصوب علی الظرفیة و التهافت التساقط قطعة قطعة من هفت كضرب إذا سقط كذلك و قیل هفت أی تطایر لخفته و المراد تلاشی الأجزاء و تفرقها لعدم الطاقة و تغلظ فی بعض النسخ علی صیغة المجهول من باب التفعیل و فی بعضها علی صیغة المجرد المعلوم یقال غلظ الشی ء ككرم ضد رق كما فی النسخة و جاء كضرب و الاستعداد للشی ء التهیؤ له.

و لفظ الروایة علی ما ذكره ابن الأثیر فی النهایة أظهر

قَالَ فِی حَدِیثِ عَلِیٍّ علیه السلام: مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَلْیُعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً(2).

أی لیزهد فی الدنیا و لیصبر علی الفقر و العلة و الجلباب الإزار و الرداء و قیل هو كالمقنعة تغطی به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها و جمعه جلابیب كنی به عن الصبر لأنه یستر الفقر كما یستر الجلباب البدن.

و قیل إنما كنی بالجلباب عن اشتماله بالفقر أی فلیلبس إزار الفقر و یكون منه علی حالة تعمه و تشمله لأن الغنی من أحوال أهل الدنیا و لا یتهیأ الجمع بین حب الدنیا و حب أهل البیت انتهی.

وَ قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ(3)

قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: لَا یُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ

ص: 247


1- 1. نهج البلاغة ج 2 ص 168 تحت الرقم 111 من الحكم و المواعظ.
2- 2. قد مر فی ذیل ص 227 حدیث عن المعانی، یقول فیه الصادق علیه السلام أن أصل الحدیث« من أحبنا فلیعده للفقر جلبابا، فراجع.
3- 3. راجع شرح النهج ج 4 ص 289 ط مصر.

وَ لَا یُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ.

وَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِنَّ الْبَلْوَی أَسْرَعُ إِلَی الْمُؤْمِنِ مِنَ الْمَاءِ إِلَی الْحَدُورِ.

هاتان المقدمتان یلزمهما نتیجة صادقة هی أنه علیه السلام لو أحبه جبل لتهافت و لعل هذا هو مراد الرضی رضی اللّٰه عنه بقوله معنی آخر لیس هذا موضع ذكره انتهی و فیه تأمل.

و قال ابن میثم (1)

الجلباب مستعار لتوطین النفس علی الفقر و الصبر علیه و وجه الاستعارة كونهما ساترین للمستعد بهما من عوارض الفقر و ظهوره فی سوء الخلق و ضیق الصدر و التحیر الذی ربما أدی إلی الكفر كما یستر بالملحفة و لما كانت محبتهم علیهم السلام بصدق یستلزم متابعتهم و الاستشعار بشعارهم و من شعارهم الفقر و رفض الدنیا و الصبر علی ذلك وجب أن یكون كل محب مستشعرا للفقر و مستعدا له جلبابا من توطین النفس علیه و الصبر.

و قد ذكر ابن قتیبة هذا المعنی بعبارة أخری فقال من أحبنا فلیقتصر علی التقلل من الدنیا و التقنع فیها قال و شبه الصبر علی الفقر بالجلباب لأنه یستر الفقر كما یستر الجلباب البدن قال و یشهد بصحة هذا التأویل

مَا رُوِیَ: أَنَّهُ رَأَی قَوْماً عَلَی بَابِهِ فَقَالَ یَا قَنْبَرُ مَنْ هَؤُلَاءِ فَقَالَ شِیعَتُكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ مَا لِی لَا أَرَی فِیهِمْ سِیمَاءَ الشِّیعَةِ قَالَ وَ مَا سِیمَاءُ الشِّیعَةِ قَالَ خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الطَّوَی یُبْسُ الشِّفَاهِ مِنَ الظَّمَاءِ عُمْشُ الْعُیُونِ مِنَ الْبُكَاءِ.

و قال أبو عبید إنه لم یرد الفقر فی الدنیا أ لا تری أن فیمن یحبهم مثل ما فی سائر الناس من الغنی و إنما أراد الفقر یوم القیامة و أخرج الكلام مخرج الوعظ و النصیحة و الحث علی الطاعات فكأنه أراد من أحبنا فلیعد لفقره یوم القیامة ما یحسره من الثواب و التقرب إلی اللّٰه تعالی و الزلفة عنده.

قال و قال السید المرتضی ره و الوجهان جمیعا حسنان و إن كان قول ابن قتیبة أحسن فذلك معنی قول السید رضی اللّٰه عنه و قد تؤول ذلك علی معنی آخر انتهی كلام ابن میثم.

ص: 248


1- 1. شرح النهج لابن میثم البحرانیّ ص 594.

و قال القطب الراوندی رحمه اللّٰه بعد ذكر المعنیین المحكیین عن ابن قتیبة و أبی عبید و قال المرتضی فیه وجها ثالثا أی من أحبنا فلیزم نفسه و لیقدها إلی الطاعات و لیذللها علی الصبر عما كره منها فالفقر أن یحز أنف البعیر فیلوی علیه حبل یذلل به الصعب یقال فقره إذا فعل به ذلك انتهی.

و لا یخفی أنه لو كان المراد الصبر علی الفقر و ستره و الكف عن إظهار الحاجة إلی الناس و ذلك هو المعبر عنه بالجلباب كما أشیر إلیه أولا لا یقدح فیه ما ذكره أبو عبید من أن فیمن یحبهم مثل ما فی سائر الناس من الغنی لأن الأمر بالصبر و الستر حینئذ یتوجه إلی من ابتلاه اللّٰه بالفقر فالمراد أن من ابتلی من محبینا

بالفقر فلیصبر علیه و لا یكشفها و لا یستفاد منه فقد الغنی من الشیعة.

و أما الخبر الأول فقد قیل یحتمل أن تكون مفاده صعوبة حمل محبتهم الكاملة

فَیَكُونُ قَرِیباً مِنْ قَوْلِهِ علیه السلام: إِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا یَحْتَمِلُهُ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِیٌّ مُرْسَلٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِیمَانِ (1).

فتهافت الجبل حینئذ لثقل هذا الحمل و شدة المهابة كقوله تعالی لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلی جَبَلٍ لَرَأَیْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ (2) و قوله تعالی إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها(3) و الظاهر من المقام أنه لیس المراد بالمحبة ما فی العوام و الأوساط بل ما یستلزم التشبه به علیه السلام علی وجه كامل و الاقتداء التام به علیه السلام فی الفضائل و محاسن الأعمال علی قدر الطاقة و إن كانت درجته الرفیعة فوق إدراك الأفهام و أعلی من أن تناله الأوهام و حق للجبل أن یتهافت عن حمل مثل ذلك الحمل.

ص: 249


1- 1. راجع الكافی ج 1 ص 401. بصائر الدرجات ص 20.
2- 2. الحشر: 21.
3- 3. الأحزاب: 73.
تتمیم

فی هذه الأحادیث الواردة من طرق الخاصة و العامة دلالة واضحة علی أن الأنبیاء و الأوصیاء علیهم السلام فی الأمراض الحسیة و البلایا الجسمیة كغیرهم بل هم أولی بها من الغیر تعظیما لأجرهم الذی یوجب التفاضل فی الدرجات و لا یقدح ذلك فی رتبتهم بل هو تثبیت لأمرهم و أنهم بشر إذ لو لم یصبهم ما أصاب سائر البشر مع ما یظهر فی أیدیهم من خرق العادة لقیل فیهم ما قالت النصاری فی نبیهم.

و قد ورد هذا التأویل فی الخبر و ابتلاؤهم تحفة لهم لرفع الدرجات التی لا یمكن الوصول إلیها بشی ء من العمل إلا ببلیة كما أن بعض الدرجات لا یمكن الوصول إلیها إلا بالشهادة فیمن اللّٰه سبحانه علی من أحب من عباده بها تعظیما و تكریما له

كَمَا وَرَدَ فِی خَبَرِ شَهَادَةِ سَیِّدِ الشُّهَدَاءِ علیه السلام: أَنَّهُ رَأَی النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ یَا حُسَیْنُ لَكَ دَرَجَةٌ فِی الْجَنَّةِ لَا تَصِلُ إِلَیْهَا إِلَّا بِالشَّهَادَةِ.

و استثنی أكثر العلماء ما هو نقص و منفر للخلق عنهم كالجنون و الجذام و البرص و حمل استعاذة النبی صلی اللّٰه علیه و آله عنها علی أنها تعلیم للخلق.

و قال المحقق الطوسی قدس سره فی التجرید فیما یجب كونه فی كل نبی العصمة و كمال العقل و الذكاء و الفطنة و قوة الرأی و عدم السهو و كلما ینفر عنه الخلق من دناءة الآباء و عهر الأمهات و الفظاظة و الغلظة و الأبنة و شبهها و الأكل علی الطریق و شبهه.

و قال العلامة فی شرحه و أن یكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الأبنة و سلس الریح و الجذام و البرص لأن ذلك كله مما ینفر عنه فیكون منافیا للغرض من البعثة و ضم القوشجی سلس البول أیضا.

و قال القاضی عیاض من علماء المخالفین فی كتاب الشفاء قال اللّٰه تعالی:

ص: 250

وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ (1) و قال مَا الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّیقَةٌ كانا یَأْكُلانِ الطَّعامَ (2) و قال وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَیَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ یَمْشُونَ فِی الْأَسْواقِ (3) و قال قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ یُوحی إِلَیَ (4) فمحمد صلی اللّٰه علیه و آله و سائر الأنبیاء من البشر أرسلوا إلی البشر و لو لا ذلك لما أطاق الناس مقاومتهم و القبول عنهم و مخاطبتهم قال اللّٰه تعالی وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا(5) أی لما كان إلا فی صورة البشر الذین یمكنكم مخالطتهم إذ لا تطیقون مقاومة الملك و مخاطبته و رؤیته إذا كان علی صورته و قال لَوْ كانَ فِی الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ لَنَزَّلْنا عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا(6) أی لا یمكن فی سنة اللّٰه إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه أو من خص اللّٰه تعالی و اصطفاه و قواه علی مقاومته كالأنبیاء و الرسل.

فالأنبیاء و الرسل وسائط بین اللّٰه و خلقه یبلغونهم أوامره و نواهیه و وعده و وعیده و یعرفونهم بما لم یعلموه من أمره و خلقه و جلاله و سلطانه و جبروته و ملكوته فظواهرهم و أجسادهم و بنیتهم متصفة بأوصاف البشر طارئ علیها ما یطرأ علی البشر من الأعراض و الأسقام و الموت و الفناء و نعوت الإنسانیة و أرواحهم و بواطنهم متصفة بأعلی من أوصاف البشر متعلقة بالملإ الأعلی متشبهة بصفات الملائكة سلیمة من التغییر و الآفات و لا یلحقها غالبا عجز البشریة و لا ضعف الإنسانیة.

ص: 251


1- 1. آل عمران: 144.
2- 2. المائدة: 78.
3- 3. الفرقان: 20.
4- 4. الكهف: 11.
5- 5. الأنعام: 9.
6- 6. الإسراء: 95.

إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشریة كظواهرهم لما أطاقوا الأخذ عن الملائكة و رؤیتهم و مخاطبتهم كما لا یطیقه غیرهم من البشر و لو كانت أجسامهم و ظواهرهم متسمة بنعوت الملائكة و بخلاف صفات البشر لما أطاق البشر و من أرسلوا إلیه مخاطبتهم كما تقدم من قول اللّٰه تعالی.

فجعلوا من جهة الأجسام و الظواهر مع البشر و من جهة الأرواح و البواطن مع الملائكة كَمَا قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: تَنَامُ عَیْنَایَ وَ لَا یَنَامُ قَلْبِی. وَ قَالَ: إِنِّی لَسْتُ كَهَیْئَتِكُمْ إِنِّی أَظَلُّ یُطْعِمُنِی رَبِّی وَ یَسْقِینِی. فبواطنهم منزهة عن الآفات مطهرة من النقائص و الاعتلالات.

و قال فی موضع آخر قد قدمنا أنه صلی اللّٰه علیه و آله و سائر الأنبیاء و الرسل من البشر و أن جسمه و ظاهره خالص للبشر یجوز علیه من الآفات و التغییرات و الآلام و الأسقام و تجرع كأس الحمام ما یجوز علی البشر هذا كله لیس بنقیصة فیه لأن الشی ء إنما یسمی ناقصا بالإضافة إلی ما هو أتم منه و أكمل من نوعه و قد كتب اللّٰه علی أهل هذه الدار فِیها تَحْیَوْنَ وَ فِیها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ (1) و خلق جمیع البشر بمدرجة الغیر فقد مرض صلی اللّٰه علیه و آله و اشتكی و أصابه الحر و القر و أدركه الجوع و العطش و لحقه الغضب و الضجر و ناله الإعیاء و التعب و مسه الضعف و الكبر و سقط فجحش شقه و شجه الكفار و كسروا رباعیته و سقی السم و سحر و تداوی و احتجم و تعوذ ثم قضی نحبه فتوفی صلی اللّٰه علیه و آله و لحق بالرفیق الأعلی و تخلص من دار الامتحان و البلوی.

و هذه سمات البشر التی لا محیص عنها و أصاب غیره من الأنبیاء ما هو أعظم منها و قتلوا قتلا و رموا فی النار و وشروا بالمیاشیر(2)

و منهم من وقاه اللّٰه

ص: 252


1- 1. الأعراف: 25.
2- 2. المیاشیر: المناشیر: جمع میشار بمعنی منشار.

ذلك فی بعض الأوقات و منهم من عصمه كما عصم نبینا صلی اللّٰه علیه و آله بعد من الناس.

فلئن لم یكف عن نبینا ربه تعالی ید ابن قمیئة یوم أحد و لا حجبه عن عیون عداه عند دعوة أهل الطائف فلقد أخذ علی عیون قریش عند خروجه إلی ثور و أمسك عنه سیف غورث و حجر أبی جهل و فرس سراقة و لئن لم یقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم من سم الیهودیة و كذا سائر أنبیائه مبتلی و معافی.

و ذلك من تمام حكمته لیظهر شرفهم فی هذه المقامات و یبین أمرهم و یتم كلمته فیهم و لیحقق بامتحانهم بشریتهم و یرتفع الالتباس عن أهل الضعف فیهم لئلا یضلوا بما یظهر من العجائب علی أیدیهم ضلال النصاری بعیسی ابن مریم و لیكون فی محنهم تسلیة لأممهم و وفور لأجورهم عند ربهم تماما علی الذی أحسن إلیهم.

قال بعض المحققین و هذه الطواری و التغییرات المذكورة إنما یختص بأجسامهم البشریة المقصود بها مقاومة البشر و معاناة بنی آدم لمشاكلة الجسم و أما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك معصومة منه متعلقة بالملإ الأعلی و الملائكة لأخذها عنهم تلقیها الوحی منهم

وَ قَدْ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ عَیْنَیَّ تَنَامَانِ وَ لَا یَنَامُ قَلْبِی.

وَ قَالَ: إِنِّی لَسْتُ كَهَیْئَتِكُمْ إِنِّی أَبِیتُ عِنْدَ رَبِّی یُطْعِمُنِی وَ یَسْقِینِی.

وَ قَالَ: إِنِّی لَسْتُ أَنْسَی وَ لَكِنْ أَنْسَی لِیُسْتَنَّ بِی.

فأخبر أن سره و باطنه و روحه بخلاف جسمه و ظاهره و أن الآفات التی تحل ظاهره من ضعف و جوع و نوم و سهر لا یحل منها شی ء باطنه بخلاف غیره من البشر فی حكم الباطن لأن غیره إذا نام استغرق النوم جسمه و قلبه و هو فی نومه علیه السلام حاضر القلب كما هو فی یقظته حتی إنه جاء فی بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث فی نومه لكون قلبه یقظان كما ذكرناه.

ص: 253

و كذلك غیره إذا جاع ضعف لذلك جسمه و حارت قوته و بطلت فی الكلیة حملته و هو علیه السلام قد أخبر أنه لا یعتریه ذلك و أنه بخلافهم بقوله لست كهیئتكم و كذلك أقول إنه فی هذه الأحوال كلها من وصب و مرض و سحر و غضب لم یجر علی باطنه ما یحل به و لا فاض منه علی لسانه و جوارحه ما لا یلیق به كما یعتری غیره من البشر.

تذییل

قال المحقق الطوسی قدس اللّٰه روحه فی التجرید بعض الألم قبیح یصدر منا خاصة و بعضه حسن یصدر منه تعالی و منا و حسنه إما لاستحقاقه أو لاشتماله علی النفع أو دفع الضرر الزائدین أو لكونه عادیا أو علی وجه الدفع و یجوز فی المستحق كونه عقابا و لا یكفی اللطف فی ألم المكلف فی الحسن و لا یشترط فی الحسن اختیار المتألم بالفعل و العوض نفع مستحق خال عن تعظیم و إجلال و یستحق علیه تعالی بإنزال الآلام و تفویت المنافع لمصلحة الغیر و إنزال الغموم سواء استندت إلی علم ضروری أو مكتسب أو ظن لا ما یستند إلی فعل العبد و أمر عباده بالمضار و إباحته أو تمكین غیر العاقل بخلاف الإحراق عند الإلقاء فی النار و القتل عند شهادة الزور و الانتصاف علیه تعالی واجب عقلا و سمعا فلا یجوز تمكین الظالم من الظلم من دون عوض فی الحال یوازی ظلمه.

فإن كان المظلوم من أهل الجنة فرق اللّٰه أعواضه علی الأوقات أو تفضل علیه بمثلها و إن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا من عقابه بحیث لا یظهر له التخفیف بأن یفرق الناقص علی الأوقات و لا یجب دوامه لحسن الزائد بما یختار معه الألم و إن كان منقطعا و لا یجب حصوله فی الدنیا لاحتمال مصلحة التأخیر و الألم علی القطع ممنوع مع أنه غیر محل النزاع و لا یجب إشعار صاحبه بإیصاله عوضا و لا یتعین منافعه و لا یصح إسقاطه و العوض علیه تعالی یجب

ص: 254

تزایده إلی حد الرضا عند كل عاقل و علینا تجب مساواته.

و قال العلامة نور اللّٰه ضریحه فی شرحه اعلم أنا قد بینا وجوب الألطاف و المصالح و هی ضربان مصالح فی الدین و مصالح فی الدنیا أعنی المنافع الدنیاویة و مصالح الدین إما مضار أو منافع و المضار منها آلام و أمراض و غیرهما كالآجال و الغلاء و المنافع الصحة و السعة فی الرزق و الرخص.

و اختلف الناس فی قبح الألم و حسنه فذهبت الثنویة إلی قبح جمیع الآلام و ذهبت المجبرة إلی حسن جمیعها من اللّٰه تعالی و ذهبت البكریة و أهل التناسخ و العدلیة إلی حسن بعضها و قبح الباقی و اختلفوا فی وجه الحسن إلی أن قال و قالت المعتزلة إنه یحسن عند شروط أحدها أن یكون مستحقا و ثانیها أن یكون نفع عظیم یوفی علیها و ثالثها أن یكون فیها دفع ضرر أعظم منها و رابعها أن یكون مفعولا علی مجری العادة كما یفعله اللّٰه تعالی بالحی إذا ألقیناه فی النار و خامسها أن یكون مفعولا علی سبیل الدفع عن النفس كما إذا آلمنا من یقصد قتلنا لأنا متی علمنا اشتمال الألم علی أحد هذه الوجوه حكمنا بحسنه قطعا و شرط حسن الألم المبتدإ الذی یفعله اللّٰه تعالی كونه مشتملا علی اللطف إما للمتألم أو لغیره لأن خلو الألم عن النفع الزائد الذی یختار المولم معه الألم یستلزم الظلم و خلوه عن اللطف یستلزم العبث و هما قبیحان و لذا أوجب أبو هاشم فی أمراض الصبیان مع الأعواض الزائدة اشتمالها علی اللطف لمكلف آخر و جوز المصنف كأبی الحسین البصری أن تقع الآلام فی الكفار و الفساق عقابا للكافر و الفاسق و منع قاضی القضاة من ذلك و جزم بكون أمراضهم محنا لا عقوبات و ذهب المصنف كالقاضی و الشیخین إلی أنه لا یكفی اللطف فی ألم المكلف فی الحسن بل لا بد من عوض خلافا لجماعة اكتفوا باللطف و لو فرضنا اشتمال اللذة علی اللطف الذی اشتمل علیه الألم هل یحسن منه تعالی فعل الألم بالحی

ص: 255

لأجل لطف الغیر مع العوض الذی یختار المكلف لو عرض علیه قال أبو هاشم نعم و أبو الحسین منع ذلك و تبعه المصنف.

و لا یشترط فی حسن الألم المفعول ابتداء من اللّٰه تعالی اختیار المتألم للعوض الزائد علیه بالفعل و قید الخلو عن تعظیم و إجلال لیخرج به الثواب.

و الوجوه التی یستحق به العوض علی اللّٰه تعالی أمور الأول إنزال الآلام بالعبد كالمرض و غیره.

الثانی تفویت المنافع إذا كانت منه تعالی لمصلحة الغیر فلو أمات اللّٰه تعالی ابنا لزید و كان فی معلومه تعالی أنه لو عاش لا ینفع به زید لاستحق علیه تعالی العوض عما فاته من منافع ولده و لو كان فی معلومه تعالی عدم انتفاعه به لأنه یموت قبل الانتفاع منه لم یستحق منه عوضا لعدم تفویت المنفعة منه تعالی و لذلك لو أهلك ماله استحق العوض بذلك سواء أشعر بهلاك ماله أو لم یشعر لأن تفویت المنفعة كإنزال الألم و لو آلمه و لم یشعر به لاستحق العوض و كذا لو فوت علیه منفعة لم یشعر بها و عندی فی هذا الوجه نظر.

الثالث إنزال الغموم بأن یفعل اللّٰه تعالی أسباب الغم أما الغم الحاصل من العبد نفسه فإنه لا عوض فیه علیه تعالی.

الرابع أمر اللّٰه تعالی عباده بإیلام الحیوان أو إباحته سواء كان الأمر للإیجاب أو للندب فإن العوض فی ذلك كله علی اللّٰه تعالی.

الخامس تمكین غیر العاقل مثل سباع الوحش و سباع الطیر و الهوام و قد اختلف أهل العدل هنا علی أربعة أقوال فذهب بعضهم إلی أن العوض علی اللّٰه تعالی مطلقا و یعزی إلی الجبائی و قال آخرون إن العوض علی فاعل الألم عن أبی علی و قال آخرون لا عوض هنا علی اللّٰه تعالی و لا علی الحیوان.

و قال القاضی إن كان الحیوان ملجأ إلی الإیلام كان العوض علیه تعالی و إن لم یكن ملجأ كان العوض علی الحیوان و إذا طرحنا صبیا فی النار فاحترق فإن الفاعل للألم هو اللّٰه تعالی و العوض علینا و یحسن لأن فعل الألم واجب

ص: 256

فی الحكمة من حیث إجراء العادة و اللّٰه قد منعنا من طرحه و نهانا عنه فصار الطارح كأنه الموصل إلیه الألم فلهذا كان العوض علینا دونه تعالی و كذلك إذا شهد عند الإمام شاهدا زور بالقتل فإن العوض علی الشهود و إن كان اللّٰه تعالی قد أوجب القتل و الإمام تولاه و لیس علیهما عوض لأنهما أوجبا بشهادتهما علی الإمام إیصال الألم إلیه من جهة الشرع فصار كأنهما فعلاه لأن قبول الشاهدین عادة شرعیة یجب إجراؤها علی قانونها كالعادات الحسیة.

و اختلف أهل العدل فی وجوب الانتصاف علیه تعالی فذهب قوم منهم إلی أن الانتصاف للمظلوم من الظالم واجب علی اللّٰه تعالی عقلا لأنه هو المدبر لعباده فنظره نظر الوالد لولده و قال آخرون منهم إنه یجب سمعا و المصنف رحمه اللّٰه اختار وجوبه عقلا و سمعا و هل یجوز أن یمكن اللّٰه تعالی من الظلم من لا عوض له فی الحال یوازی ظلمه فمنع منه المصنف قدس سره.

و قد اختلف أهل العدل هنا فقال أبو هاشم و الكعبی إنه یجوز لكنهما اختلفا فقال الكعبی یجوز أن یخرج من الدنیا و لا عوض له یوازی ظلمه و قال إن اللّٰه تعالی یتفضل علیه بالعوض المستحق علیه و یدفعه إلی المظلوم و قال أبو هاشم لا یجوز بل یجب التقیة لأن الانتصاف واجب و التفضل لیس بواجب و لا یجوز تعلیق الواجب بالجائز.

و قال السید المرتضی رضی اللّٰه عنه إن التقیة تفضل أیضا فلا یجوز تعلیق الانتصاف بها فلهذا وجب العوض فی الحال و اختاره المصنف رحمه اللّٰه لما ذكرناه.

و اعلم أن المستحق للعوض إما أن یكون مستحقا للجنة أو للنار فإن كان مستحقا للجنة فإن قلنا إن العوض دائم فلا بحث و إن قلنا إنه منقطع توجه الإشكال بأن یقال لو أوصل العوض إلیه ثم انقطع عنه حصل له الألم بانقطاعه.

و الجواب من وجهین الأول أنه یوصل إلیه عوضه متفرقا علی الأوقات بحیث لا یتبین له انقطاعه فلا یحصل له الألم الثانی أن یتفضل اللّٰه تعالی علیه

ص: 257

بعد انقطاعه بمثله دائما فلا یحصل له ألم و إن كان مستحقا للعقاب جعل اللّٰه عوضه جزءا من عقابه بمعنی أنه یسقط من عقابه بإزاء ما یستحقه من الأعواض إذ لا فرق فی العقل بین إیصال النفع و دفع الضرر فی الإیثار.

فإذا خفف عقابه و كانت آلامه عظیمة علم أن آلامه بعد إسقاط ذلك القدر من العقاب أشد و لا یظهر له أنه كان فی راحة أو نقول إنه تعالی ینقص من آلامه ما یستحقه من أعواضه متفرقا علی الأوقات بحیث لا تظهر له الخفة من قبل.

و اختلف فی أنه هل یجب دوام العوض أم لا فقال الجبائی یجب دوامه و قال أبو هاشم لا یجب و اختاره المصنف رحمه اللّٰه و لا یجب إشعار مستحق العوض بتوفیره عوضا له بخلاف الثواب و حینئذ أمكن أن یوفره اللّٰه تعالی فی الدنیا علی بعض المعوضین غیر المكلفین و أن ینتصف لبعضهم من بعض فی الدنیا و لا تجب إعادتهم فی الآخرة و العوض لا یجب إیصاله فی منفعة معینة دون أخری بل یصح توفیره بكل ما یحصل فیه شهوة المعوض بخلاف الثواب لأنه یجب أن یكون من جنس ما ألفه المكلف من ملاذه.

و لا یصح إسقاط العوض و لا هبته ممن وجب علیه فی الدنیا و لا فی الآخرة سواء كان العوض علیه تعالی أو علینا هذا قول أبی هاشم و القاضی و جزم أبو الحسین بصحة إسقاط العوض علینا إذا استحل الظالم من المظلوم و جعله فی حل بخلاف العوض علیه تعالی فإنه لا یسقط لأن إسقاطه عنه تعالی عبث لعدم انتفاعه به.

ثم قال بعد إیراد دلیل القاضی علی عدم صحة الهبة مطلقا و الوجه عندی جواز ذلك لأنه حقه و فی هبته نفع للموهوب و یمكن نقل هذا الحق إلیه و علی هذا لو كان العوض مستحقا علیه تعالی أمكن هبة مستحقه لغیره من العباد أما الثواب المستحق علیه تعالی فلا یصح منا هبته لغیرنا لأنه مستحق بالمدح فلا یصح نقله إلی من لا یستحقه.

ص: 258

ثم قال العوض الواجب علیه تعالی یجب أن یكون زائدا علی الألم الحاصل بفعله أو بأمره أو بإباحته أو بتمكینه لغیر العاقل زیادة تنتهی إلی حد الرضا من كل عاقل بذلك العوض فی مقابلة ذلك الألم لو فعل به لأنه لو لا ذلك لزم الظلم أما مع مثل هذا العوض فإنه یصیر كأنه لم یفعل.

و أما العوض علینا فإنه یجب مساواته لما فعله من الألم أو فوته من المنفعة لأن الزائد علی ما یستحق علیه من الضمان یكون ظلما و لا یخرج ما فعلناه بالضمان عن كونه ظلما قبیحا فلا یلزم أن یبلغ الحد الذی شرطناه فی الآلام الصادرة عنه تعالی.

انتهی ملخص ما ذكره قدس سره و إنما ذكرناها بطولها لتطلع علی ما ذكره أصحابنا تبعا لأصحاب الاعتزال و أكثر دلائلهم علی جل ما ذكر فی غایة الاعتلال بل ینافی بعض ما ذكروه كثیر من الآیات و الأخبار و نقلها و تحصیلها و شرحها و تفصیلها لا یناسب هذا الكتاب و اللّٰه أعلم بالصواب و سیأتی بعض القول إن شاء اللّٰه تعالی عن قریب.

باب 13 أن المؤمن مكفر

أقول: سنورد إن شاء اللّٰه تعالی عدة أخبار فی هذا المعنی فی طی بابین من أبواب كتاب العشرة كما ستعرف و لنذكر هنا أیضا شطرا منها.

«1»- ع، [علل الشرائع] عَنِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِیِّ عَنِ الْبَرْقِیِّ بِإِسْنَادِهِ یَرْفَعُهُ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: الْمُؤْمِنُ مُكَفَّرٌ وَ ذَلِكَ أَنَّ مَعْرُوفَهُ یَصْعَدُ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَا یَنْتَشِرُ فِی النَّاسِ وَ الْكَافِرَ مَشْهُورٌ وَ ذَلِكَ أَنَّ مَعْرُوفَهُ لِلنَّاسِ یَنْتَشِرُ فِی النَّاسِ

ص: 259

وَ لَا یَصْعَدُ إِلَی السَّمَاءِ(1).

«2»- ع، [علل الشرائع] عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُوسَی عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیه السلامَنْ أَبِیهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهم السلام قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُكَفَّراً لَا یُشْكَرُ مَعْرُوفُهُ وَ لَقَدْ كَانَ مَعْرُوفُهُ عَلَی الْقُرَشِیِّ وَ الْعَرَبِیِّ وَ الْعَجَمِیِّ وَ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ مَعْرُوفاً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی هَذَا الْخَلْقِ وَ كَذَلِكَ نَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ مُكَفَّرُونَ لَا یُشْكَرُ مَعْرُوفُنَا وَ خِیَارُ الْمُؤْمِنِینَ مُكَفَّرُونَ لَا یُشْكَرُ مَعْرُوفُهُمْ (2).

«3»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ الْحَجَّالِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِی یَزِیدَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ مُكَفَّرٌ وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی وَ ذَلِكَ أَنَّ مَعْرُوفَهُ یَصْعَدُ إِلَی اللَّهِ فَلَا یُنْشَرُ فِی النَّاسِ وَ الْكَافِرُ مَشْكُورٌ(3).

بیان: المؤمن مكفر علی بناء المفعول من التفعیل أی لا یشكر الناس معروفه بقرینة تتمة الخبر و قد قال الفیروزآبادی المكفر كمعظم المجحود النعمة مع إحسانه و الموثق فی الحدید و قال الجزری فی النهایة فیه المؤمن مكفر أی مرزأ فی نفسه و ماله لتكفر خطایاه انتهی و هذا الوجه لا یحتمل فی هذه الأخبار.

و كأن المراد بالتعلیل أن معروفه لما كان خالصا لله مقبولا عنده لا یرضی له بأن یثیبه فی الدنیا فتكفر نعمته لیكمل ثوابه فی الآخرة و الكافر لما لم یكن مستحقا لثواب الآخرة یثاب فی الدنیا كعمل الشیطان.

و قیل هو مبنی علی أن المؤمن یخفی معروفه من الناس و لا یفعله رئاء و لا سمعة فیصعد إلی اللّٰه و لا ینتشر فی الناس و الكافر یفعله علانیة ریاء و سمعة

ص: 260


1- 1. علل الشرائع ج 2 ص 247.
2- 2. المصدر ج 2 ص 247.
3- 3. الكافی ج 2 ص 251.

فینتشر فی الناس و لا یقبله اللّٰه و لا یصعد إلیه.

و قیل المعنی أن معروفه الكثیر الذی یدل علیه صیغة التفعیل لا یعلمه إلا اللّٰه و من علمه بالوحی من قبله تعالی لأن معروفه لیس من قبیل الدراهم و الدنانیر بل من جملة معروفه حیاة سائر الخلق و بقائهم بسببه و أمثال ذلك من النعم العظیمة المخفیة.

و ربما یقال فی وجه التعلیل إن المؤمن یجعل معروفه فی الضعفاء و الفقراء الذین لیس لهم وجه عند الناس و لا ذكر فلا یذكر ذلك فی الخلق و الكافر یجعل معروفه فی المشاهیر و الشعراء و الذین یذكرونه فی الناس فینتشر فیهم.

فإن قیل بعض تلك الوجوه ینافی ما سیأتی فی باب الرئاء أن اللّٰه تعالی یظهر العمل الخالص و یكثره فی أعین الناس و من أراد بعمله الناس یقلله اللّٰه فی أعینهم قلنا یمكن حمل هذا علی الغالب و ذاك علی النادر أو هذا علی المؤمن الخالص و ذاك علی غیرهم أو هذا علی العبادات المالیة و ذاك علی العبادات البدنیة.

باب 14 علامات المؤمن و صفاته

الآیات:

الأنفال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیاتُهُ زادَتْهُمْ إِیماناً وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَكَّلُونَ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ (1)

التوبة: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ یُطِیعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ سَیَرْحَمُهُمُ

ص: 261


1- 1. الأنفال: 2- 4.

اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمٌ (1)

یوسف: وَ ما یُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (2)

المؤمنون: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِینَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ فَمَنِ ابْتَغی وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ وَ الَّذِینَ هُمْ عَلی صَلَواتِهِمْ یُحافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِینَ یَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِیها خالِدُونَ (3)

القصص: الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ یُؤْمِنُونَ وَ إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِینَ أُولئِكَ یُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ بِما صَبَرُوا وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَیْكُمْ لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ (4)

التنزیل: إِنَّما یُؤْمِنُ بِآیاتِنَا الَّذِینَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا یَسْتَكْبِرُونَ تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزاءً بِما كانُوا یَعْمَلُونَ أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوی نُزُلًا بِما كانُوا یَعْمَلُونَ (5)

حمعسق: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ وَ أَبْقی لِلَّذِینَ آمَنُوا وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَكَّلُونَ وَ الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُونَ وَ الَّذِینَ اسْتَجابُوا

ص: 262


1- 1. براءة 71.
2- 2. یوسف: 106.
3- 3. المؤمنون: 1- 11.
4- 4. القصص: 52- 55.
5- 5. السجدة: 15- 19.

لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُوری بَیْنَهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ (1)

الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً یَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِی الْإِنْجِیلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوی عَلی سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا

الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِیماً(2)

البینة: وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفاءَ وَ یُقِیمُوا الصَّلاةَ وَ یُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِینُ الْقَیِّمَةِ إلی قوله إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ (3)

تفسیر:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ (4) قیل أی الكاملون فی الإیمان وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أی فزعت لذكره استعظاما له و هیبة من جلاله زادَتْهُمْ إِیماناً ازدادوا بها یقینا و طمأنینة نفس وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَكَّلُونَ أی و إلیه یفوضون أمورهم فیما یخافون و یرجون أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم حققوا إیمانهم بضم مكارم الأخلاق و محاسن أفعال الجوارح إلیه لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أی كرامة و علو منزلة وَ مَغْفِرَةٌ لما فرط منهم وَ رِزْقٌ كَرِیمٌ أعد لهم فی الجنة.

قال علی بن إبراهیم (5)

نزلت فی أمیر المؤمنین علیه السلام و أبی ذر و سلمان

ص: 263


1- 1. الشوری: 36- 40.
2- 2. الفتح: 29.
3- 3. البینة: 5- 8.
4- 4. الأنفال: 2.
5- 5. تفسیر القمّیّ ص 236.

و المقداد.

أَوْلِیاءُ بَعْضٍ (1) أی أحباؤهم و أنصارهم أو أولی بتولی أمورهم سَیَرْحَمُهُمُ اللَّهُ السین مؤكدة للوقوع.

إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (2) قیل بعبادة غیره أو باتخاذ الأحبار أربابا أو نسبة التبنی إلیه أو القول بالنور و الظلمة أو النظر إلی الأسباب و نحو ذلك و سیأتی تفسیرها فی الأخبار أنها شرك طاعة أطاعوا فیها الشیطان أو الاستعانة أو التوسل بغیره تعالی و نحو ذلك.

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (3) عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: أَنَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْمُسْلِمِینَ هُمُ النُّجَبَاءُ(4). خاشِعُونَ قال علی بن إبراهیم غضك بصرك فی صلاتك و إقبالك علیها و روی رمی البصر إلی الأرض و سیأتی تفسیرها فی كتاب الصلاة إن شاء اللّٰه تعالی.

و فسر اللغو فی بعض الأخبار بالغناء و الملاهی و فی بعضها بكل قول لیس فیه ذكر و فی بعضها بالاستماع إلی القصاص و فی بعضها أن یتقول الرجل علیك بالباطل أو یأتیك بما لیس فیك فتعرض عنه فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ أی الكاملون فی العدوان.

لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ أی لما یؤتمنون و یعاهدون من جهة الحق أو الخلق راعُونَ قائمون بحفظها و إصلاحها یُحافِظُونَ أی علی أوقاتها و حدودها أُولئِكَ الجامعون لهذه هُمُ الْوارِثُونَ

وَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام: أَنَّ هَذِهِ الْآیَةَ فِیَّ نَزَلَتْ (5).

ص: 264


1- 1. براءة: 71.
2- 2. یوسف 106.
3- 3. المؤمنون: 1.
4- 4. رواه الكلینی فی الكافی ج 1 ص 391 بإسناده عن كامل التمار عنه علیه السلام.
5- 5. تفسیر القمّیّ ص 445.

الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْكِتابَ قیل نزلت فی مؤمنی أهل الكتاب آمَنَّا بِهِ أی بأنه كلام اللّٰه إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِینَ لما رأوا ذكره فی الكتب المتقدمة بِما صَبَرُوا

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: بِمَا صَبَرُوا عَلَی التَّقِیَّةِ وَ قَالَ الْحَسَنَةُ التَّقِیَّةُ وَ السَّیِّئَةُ الْإِذَاعَةُ.

و قال علی بن إبراهیم هم الأئمة علیهم السلام قال و قوله وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ أی یدفعون سیئة من أساء إلیهم بحسناتهم.

یُنْفِقُونَ أی فی سبیل الخیر وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ تكرما و قال علی بن إبراهیم قال اللغو الكذب و اللّٰهو و الغناء قال و هم الأئمة علیهم السلام یعرضون عن ذلك كله وَ قالُوا أی للاغین سَلامٌ عَلَیْكُمْ قالوا ذلك متاركة لهم و تودیعا لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ لا نطلب صحبتهم و لا نریدها.

إِذا ذُكِّرُوا بِها(1) أی وعظوا بها خَرُّوا سُجَّداً خوفا من عذاب اللّٰه وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أی نزهوه عما لا یلیق به كالعجز عن البعث حامدین له شكرا علی ما وفقهم للإسلام و آتاهم الهدی وَ هُمْ لا یَسْتَكْبِرُونَ عن الإیمان و الطاعة تَتَجافی جُنُوبُهُمْ أی ترفع و تتنحی عَنِ الْمَضاجِعِ أی عن الفرش و مواضع النوم.

فِی الْمَجْمَعِ،(2)

عَنِ الْبَاقِرِ وَ الصَّادِقِ علیهما السلام: هُمُ الْمُتَهَجِّدُونَ بِاللَّیْلِ الَّذِینَ یَقُومُونَ عَنْ فُرُشِهِمْ لِلصَّلَاةِ.

و یَدْعُونَ رَبَّهُمْ داعین إیاه خَوْفاً من سخطه وَ طَمَعاً فی رحمته مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ أی مما تقر به عیونهم.

وَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: مَا مِنْ عَمَلٍ حَسَنٍ یَعْمَلُهُ الْعَبْدُ إِلَّا وَ لَهُ ثَوَابٌ فِی الْقُرْآنِ إِلَّا صَلَاةُ اللَّیْلِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یُبَیِّنْ ثَوَابَهَا لِعِظَمِ خَطَرِهِ (3).

فقال تَتَجافی جُنُوبُهُمْ إلی قوله یَعْمَلُونَ كَمَنْ كانَ فاسِقاً أی خارجا عن الإیمان لا یَسْتَوُونَ فی الشرف و المثوبة

ص: 265


1- 1. السجدة: 15.
2- 2. مجمع البیان ج 8: 331.
3- 3. رواه أیضا فی المجمع ج 8 ص 331.

نُزُلًا النزل ما یعد للنازل من طعام و شراب و صلة.

وَ ما عِنْدَ اللَّهِ (1) أی ثواب الآخرة خَیْرٌ وَ أَبْقی لخلوص نفعه و دوامه وَ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ أی قبلوا ما أمروا به وَ أَمْرُهُمْ شُوری بَیْنَهُمْ أی تشاور بینهم لا ینفردون برأی حتی یتشاوروا و یجتمعوا علیه و ذلك من فرط یقظتهم فی الأمور قال علی بن إبراهیم (2)

یشاورون الإمام فیما یحتاجون إلیه من أمر دینهم.

هُمْ یَنْتَصِرُونَ أی ینتقمون ممن بغی علیهم من غیر أن یعتدوا و قیل أی یتناصرون ینصر بعضهم بعضا و قیل جعل اللّٰه المؤمنین صنفین صنف یعفون و صنف ینتصرون (3) و قیل وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل و هو لا ینافی وصفهم بالغفران فإن الغفران ینبئ عن عجز المغفور و الانتصار یشعر بمقاومة الخصم و الحلم عن العاجز محمود و عن المتغلب مذموم لأنه إجراء و إغراء علی البغی.

سَیِّئَةٌ مِثْلُها سمی الثانیة سیئة للازدواج و لأنها تسوء من تنزل به و هذا منع عن التعدی فی الانتصار فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ بینه و بین عدوه فَأَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ عدة مبهمة تدل علی عظم الموعود.

وَ رُوِیَ فِی الْمَجْمَعِ،(4)

عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ نَادَی مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ فَلْیَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَیُقَالُ مَنْ ذَا الَّذِی أَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ فَیُقَالُ الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ... بِغَیْرِ حِسابٍ.

إِنَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ أی المبتدءین بالسیئة و المتجاوزین فی الانتقام.

ص: 266


1- 1. الشوری: 36.
2- 2. تفسیر القمّیّ ص 654.
3- 3. الزیادة من مجمع البیان للطبرسیّ: قال: و قیل جعل اللّٰه المؤمنین صنفین: صنف یعفون عمن ظلمهم و هم الذین ذكروا قبل هذه الآیة و هو قوله« وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُونَ» و صنف ینتصرون ممن ظلمهم و هم الذین ذكروا فی هذه الآیة.
4- 4. مجمع البیان ج 9 ص 34.

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ (1) جملة مبینة للمشهود به فی قوله وَ كَفی بِاللَّهِ شَهِیداً أو استئناف مع معطوفه و ما بعدهما خبر وَ الَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَی الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ أی یغلظون علی من خالف دینهم و یتراحمون فیما بینهم تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً لأنهم مشتغلون بالصلاة فی أكثر أوقاتهم یَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً أی یطلبون الثواب و الرضا سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ قیل یرید السمة التی تحدث فی جباههم من كثرة الصلاة وَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: هُوَ السَّهَرُ فِی الصَّلَاةِ.

أی أثره.

ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْراةِ أی صفتهم العجیبة الشأن المذكورة فیها أی أخبر اللّٰه تعالی فی التوراة و الإنجیل بأن هذه صفتهم أَخْرَجَ شَطْأَهُ أی فراخه فَآزَرَهُ أی فقواه فَاسْتَغْلَظَ أی فصار من الدقة إلی الغلظ فَاسْتَوی عَلی سُوقِهِ هو جمع ساق أی فاستوی علی قصبه یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ بكثافته و قوته و غلظه و حسن منظره.

قیل هو مثل ضربه اللّٰه للصحابة قلوا فی بدو الإسلام ثم كثروا و استحكموا فترقی أمرهم بحیث أعجب الناس لِیَغِیظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ علة لتشبیههم بالزرع فی ذكائه و استحكامه.

و فی مجالس الصدوق أنها نزلت فی أمیر المؤمنین علیه السلام و الذین تحت لوائه فی القیامة ینادون أن ربكم یقول لكم عندی مغفرة و أجر عظیم یعنی الجنة.

مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ (2) أی لا یشركون به حُنَفاءَ أی مائلین عن العقائد الزائغة ذلِكَ دِینُ الْقَیِّمَةِ أی دین الملة القیمة أُولئِكَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ أی الخلیقة و فی الأخبار أَنَّهُمْ عَلِیٌّ و شِیعَتُهُ (3) وَ رَضُوا عَنْهُ لأنه بلغهم أقصی أمانیهم ذلِكَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ فإن الخشیة ملاك الأمر و الباعث علی كل خیر.

ص: 267


1- 1. الفتح: 29.
2- 2. البینة: 5.
3- 3. راجع سعد السعود: 108.

«1»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِیلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: یَنْبَغِی لِلْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ فِیهِ ثَمَانُ خِصَالٍ وَقُوراً عِنْدَ الْهَزَاهِزِ صَبُوراً عِنْدَ الْبَلَاءِ شَكُوراً عِنْدَ الرَّخَاءِ قَانِعاً بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ لَا یَظْلِمُ الْأَعْدَاءَ وَ لَا یَتَحَامَلُ لِلْأَصْدِقَاءِ بَدَنُهُ مِنْهُ فِی تَعَبٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ إِنَّ الْعِلْمَ خَلِیلُ الْمُؤْمِنِ وَ الْحِلْمَ وَزِیرُهُ وَ الْعَقْلَ أَمِیرُ جُنُودِهِ وَ الرِّفْقَ أَخُوهُ وَ الْبِرَّ وَالِدُهُ (1).

كا، [الكافی] عن علی عن أبیه عن ابن محبوب عن جمیل بن صالح عن عبد اللّٰه بن غالب عنه علیه السلام: مثله (2)

ل، [الخصال] عن ابن المتوكل عن الحمیری عن ابن عیسی عن ابن محبوب عن جمیل عن عبد اللّٰه: مثله (3)

ل، [الخصال] عن أبیه عن سعد عن ابن عیسی: مثله (4)

محص، [التمحیص] عنه علیه السلام: مثله.

بیان: أقول ما فی تلك الأسانید من عبد اللّٰه أظهر من عبد الملك لأن عبد الملك غیر مذكور فی كتب الرجال و عبد اللّٰه بن غالب الأسدی الشاعر مذكور فیها ثقة و هو الذی

قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّ مَلَكاً یُلْقِی عَلَیْهِ الشِّعْرَ وَ أَنَا أَعْرِفُ ذَلِكَ الْمَلَكَ (5).

فی سائر الكتب و السند الثانی للكافی وقور و صبور و شكور و قانع بالرفع و الوقور فعول من الوقار بالفتح و هو الحلم و الرزانة و الهز

ص: 268


1- 1. الكافی ج 2: 47.
2- 2. الكافی ج 2 ص 230.
3- 3. الخصال ج 2 ص 38.
4- 4. المصدر ج 2 ص 38 و فیه: و الصبر أمیر جنوده.
5- 5. راجع رجال الكشّیّ: 288 تحت الرقم 176.

التحریك و الهزاهز الفتن التی یفتتن الناس بها أی لا یعرض له شك عند الفتن التی تصیر سببا لشك الناس و كفرهم.

صبورا عند البلاء البلاء اسم لما یمتحن به من خیر أو شر و كثر استعماله فی الشر و هو المراد هنا و الصبر حبس النفس علی الأمور الشاقة علیها و ترك الاعتراض علی المقدر لها و عدم الشكایة و الجزع و هو من أعظم خصال الإیمان.

شكورا عند الرخاء الرخاء النعمة و الخصب و سعة العیش و الشكر الاعتراف بالنعمة ظاهرا و باطنا و معرفة المنعم و صرفها فیما أمر به و الشكور مبالغة فیه قانعا بما رزقه اللّٰه أی لا یبعثه الحرص علی طلب الحرام و الشبهة و تضییع العمر فی جمع ما لا یحتاج إلیه.

لا یظلم الأعداء الغرض نفی الظلم مطلقا و إنما خص الأعداء بالذكر لأنهم مورد الظلم غالبا و لأنه یستلزم ترك ظلم غیرهم بالطریق الأولی.

و لا یتحامل للأصدقاء فی القاموس تحامل فی الأمر و به تكلفه علی مشقة و علیه كلفه ما لا یطیق (1)

فالكلام یحتمل وجوها الأول أنه لا یظلم الناس لأجل الأصدقاء.

الثانی أنه لا یتحمل الوزر لأجلهم كأن یشهد لهم بالزور أو یكتم الشهادة لرعایتهم أو یسعی لهم فی حرام.

الثالث أن یراد به أنه لا یحمل علی نفسه للأصدقاء ما لا یمكنه الخروج عنه.

بدنه منه فی تعب لاشتغاله بالعبادات و إعراضه عن الرسوم و العادات و سعیه فی إعانة المؤمنین و الناس منه فی راحة لعدم تعرضه لهم و إعانته إیاهم.

إن العلم استئناف و لیس من جملة العدد خلیل المؤمن الخلة الصداقة و المحبة التی تخللت القلب فصارت خلاله أی فی باطنه و الخلیل الصدیق

ص: 269


1- 1. القاموس ج 3 ص 361.

فعیل بمعنی فاعل و إنما كان العلم خلیل المؤمن لأنه لا ینتفع بخلیل انتفاعه بالعلم فی الدنیا و الآخرة فكما لا یفارق الخلیل و لا یتجاوز عن مصلحته ینبغی أن لا یفارق العلم و لا یتجاوز عن مقتضاه (1).

و الحلم وزیره فإنه یعاونه فی أمور دنیاه و آخرته كمعاونة الوزیر الناصح الملك و العقل أمیر جنوده إذ جنوده فی رفع وساوس الشیطان و صولاتهم الأعمال الصالحة و الأخلاق الحسنة و كلها تابعة للعقل كما مر بیانه فی باب جنود العقل.

و فی ثانی سندی الكافی و سائر الكتب و الصبر أمیر جنوده و هو أیضا كذلك و الرفق أخوه أی اللین و اللطف و المداراة مع الصدیق و العدو و تمشیة الأمور بتدبیر و تأمل بمنزلة الأخ له فی أنه یصاحبه و لا یفارقه أو فی إعانته و إیصال النفع إلیه و البر أی الإحسان إلی الوالدین أو إلی جمیع من یستحق البر والده أی بمنزلة والده فی رعایته و اختیاره علی جمیع الأمور أو فی الانتفاع منه و كونه سببا لحیاته المعنویة.

و فی ثانیة روایتی الكافی و اللین والده و الفرق بینه و بین الرفق إما بحمل الرفق علی اللطف و الإحسان و هو أحد معانیه و اللین علی ترك الخشونة أو بحمل الرفق علی ترك العنف و اللین علی شدة الرفق و كثرته أو الرفق علی المعاملات و اللین علی المعاشرات و سیأتی بعض القول فیهما(2).

كا، [الكافی] عَنْ أَبِی عَلِیٍّ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ یُونُسَ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ یَصْمُتُ لِیَسْلَمَ وَ یَنْطِقُ لِیَغْنَمَ لَا یُحَدِّثُ أَمَانَتَهُ الْأَصْدِقَاءَ وَ لَا یَكْتُمُ شَهَادَتَهُ مِنَ الْبُعَدَاءِ وَ لَا یَعْمَلُ شَیْئاً مِنَ الْخَیْرِ رِئَاءً وَ لَا یَتْرُكُهُ حَیَاءً إِنْ زُكِّیَ خَافَ مِمَّا یَقُولُونَ وَ یَسْتَغْفِرُ

ص: 270


1- 1. فی نسخة الكمبانیّ طبع هناك ما جعلناه بین العلامتین بعد عشرة أسطر.
2- 2. ما بین العلامتین طبع فی نسخة الكمبانیّ قبل ذلك و هو فی غیر محله كما لا یخفی.

اللَّهَ لِمَا لَا یَعْلَمُونَ لَا یَغُرُّهُ قَوْلُ مَنْ جَهِلَهُ وَ یَخَافُ إِحْصَاءَ مَا عَمِلَهُ (1).

بیان: لیغنم أی الفوائد الأخرویة أو لیزید علمه لا لإظهار الكمال و لا یكتم شهادته من البعداء أی من الأباعد عنه نسبا أو محبة فكیف الأقارب و فی بعض النسخ من الأعداء خاف مما یقولون إن یصیر سببا لغروره و عجبه لما لا یعلمون أی من ذنوبه. لا یغره قول من جهله أی لا یخدعه ثناء من جهل ذنوبه و عیوبه فیعجب بنفسه و یخاف إحصاء ما عمله أی إحصاء اللّٰه و الحفظة أو إحصاء نفسه و علی الأخیر یحتمل أن یكون منصوبا بنزع الخافض أی یخاف اللّٰه لإحصائه ما قد عمله و فی المجالس كما سیأتی إحصاء من قد علمه.

«3»- كا، [الكافی] عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ رَوَاهُ رَفَعَهُ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ لَهُ قُوَّةٌ فِی دِینٍ وَ حَزْمٌ فِی لِینٍ وَ إِیمَانٌ فِی یَقِینٍ وَ حِرْصٌ فِی فِقْهٍ وَ نَشَاطٌ فِی هُدًی وَ بِرٌّ فِی اسْتِقَامَةٍ وَ عِلْمٌ فِی حِلْمٍ وَ كَیْسٌ فِی رِفْقٍ وَ سَخَاءٌ فِی حَقٍّ وَ قَصْدٌ فِی غِنًی وَ تَجَمُّلٌ فِی فَاقَةٍ وَ عَفْوٌ فِی قُدْرَةٍ وَ طَاعَةٌ لِلَّهِ فِی نَصِیحَةٍ وَ انْتِهَاءٌ فِی شَهْوَةٍ وَ وَرَعٌ فِی رَغْبَةٍ وَ حِرْصٌ فِی جِهَادٍ وَ صَلَاةٌ فِی شُغُلٍ وَ صَبْرٌ فِی شِدَّةٍ وَ فِی الْهَزَاهِزِ وَقُورٌ وَ فِی الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَ فِی الرَّخَاءِ شَكُورٌ وَ لَا یَغْتَابُ وَ لَا یَتَكَبَّرُ وَ لَا یَقْطَعُ الرَّحِمَ وَ لَیْسَ بِوَاهِنٍ وَ لَا فَظٍّ وَ لَا غَلِیظٍ لَا یَسْبِقُهُ بَصَرُهُ وَ لَا یَفْضَحُهُ بَطْنُهُ وَ لَا یَغْلِبُهُ فَرْجُهُ وَ لَا یَحْسُدُ النَّاسَ یُعَیَّرُ وَ لَا یُعَیِّرُ وَ لَا یُسْرِفُ (2)

یَنْصُرُ الْمَظْلُومَ وَ یَرْحَمُ الْمِسْكِینَ نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ لَا یَرْغَبُ فِی عِزِّ الدُّنْیَا وَ لَا یَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا لِلنَّاسِ هَمٌّ قَدْ أَقْبَلُوا عَلَیْهِ وَ لَهُ هَمٌّ قَدْ شَغَلَهُ

ص: 271


1- 1. الكافی ج 2 ص 231.
2- 2. و لا یحسد الناس بعز: و لا یقتر، و لا یسرف خ ل.

لَا یُرَی فِی حُكْمِهِ نَقْصٌ وَ لَا فِی رَأْیِهِ وَهْنٌ وَ لَا فِی دِینِهِ ضَیَاعٌ یُرْشِدُ مَنِ اسْتَشَارَهُ وَ یُسَاعِدُ مَنْ سَاعَدَهُ وَ یَكِیعُ عَنِ الْخَنَاءِ وَ الْجَهْلِ (1).

بیان: المؤمن له قوة فی دین قد عرفت أنه فی بعض تلك الفقرات الظرف لغو و فی بعضها مستقر و هو تفنن حسن و إن أمكن أن یكون فی الجمیع لغوا بتكلفات بعیدة لا حاجة إلیها ففی هذه الفقرة الظاهر أن الظرف لغو و فی للظرفیة أی قوی فی أمر الدین متصلب و حزم فی لین أی مع لین فالظرف مستقر بأن یكون صفة أو حالا و یحتمل أن یكون لغوا أی هو فی اللین صاحب حزم لكنه بعید.

و قال بعض الأفاضل أی له ضبط و تیقظ فی أموره الدینیة و الدنیویة ممزوجا بلین الطبع و عدم الفظاظة و الخشونة مع معاملیه و هو فضیلة العدل فی المعاملة مع الخلق و قد تكون عن تواضع و قد تكون عن مهانة و ضعف نفس و الأول هو المطلوب و هو المقارن للحزم فی الأمور و مصالح النفس و الثانی رذیلة لا یمكن معه الحزم لانفعال المهین عن كل حادث.

و بیان الظرفیة علی ثلاثة أوجه الأول أن الظرفیة مجازیة بتشبیه ملابسة الحزم للین الطبع فی الاجتماع معه بملابسة المظروف للظرف فتكون لفظة فی استعارة تبعیة.

الثانی أن یعتبر تشبیه الهیئة المنتزعة من الحزم و اللین و مصاحبة أحدهما الآخر بالهیئة المنتزعة من المظروف و الظرف و مصاحبتهما فیكون الكلام استعارة تمثیلیة لكنه لم یصرح من الألفاظ التی هی بإزاء المشبه به إلا بكلمة فی فإن مدلولها هو العمدة فی تلك الهیئة و ما عداه تبع له یلاحظ معه فی ضمن ألفاظ منویة فلا تكون لفظة فی استعارة بل هی علی معناها الحقیقی.

الثالث أن تشبه اللین بما یكون محلا و ظرفا للشی ء علی طریقة الاستعارة بالكنایة و تكون كلمة فی قرینة و تخییلا.

ص: 272


1- 1. الكافی ج 2 ص 231.

و إیمان فی یقین أی مع یقین أی بلغ إیمانه حد الیقین فی جمیع العقائد أو فی الثواب و العقاب أو فی القضاء و القدر كما عرفت فی باب الیقین و حرص فی فقه أی هو حریص فی معرفة مسائل الدین أو حریص فی العبادة مع معرفته لمسائل الدین و نشاط فی هدی أی ناشط راغب فی العبادة مع اهتدائه إلی الحق و معرفته بأصول الدین كما مر فی تفسیر قوله تعالی لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدی (1) و راغب فی الاهتداء و ما یصیر سببا لهدایته أو فی هدایة غیره.

و بر فی استقامة أی مع الاستقامة فی الدین كما قال تعالی الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا(2) أو المراد به الاستقامة فی البر أی یضع البر فی محله و موضعه و علم فی حلم أی مع أناة و عفو أو مع عقل و كیس فی رفق أی كیاسة مع رفق بالخلق لا كالأكیاس فی أمور الدنیا یریدون التسلط علی الخلق و إیذاءهم أو یستعمل الكیاسة فی الرفق فیرفق فی محله و یخشن فی موضعه.

و سخاء فی حق أی سخاوته فی الحقوق اللازمة لا فی الأمور الباطلة كما ورد أَسْخَی النَّاسِ مَنْ أَدَّی زَكَاةَ مَالِهِ أو مع رعایة الحق فیه بحیث لا ینتهی إلی الإسراف و التبذیر و یؤكده قوله و قصد فی غنی أی یقتصد بین الإسراف و التقتیر فی حال الغنی و الثروة أو مع استغنائه عن الخلق.

و تجمل فی فاقة التجمل التزین و الفاقة الفقر و الحاجة أی یتزین فی حال الفقر لتضمنه الشكایة من اللّٰه أو یظهر الغنی لذلك كما قال الجوهری التجمل تكلف الجمیل و قد یقرأ بالحاء المهملة أی تحمل و صبر فی الفقر.

فی قدرة أی علی الانتقام فی نصیحة أی مع نصیحة لله أو لأئمة المسلمین أو للمؤمنین أو الأعم من الجمیع و نصیحة اللّٰه إخلاص العمل له.

و فی النهایة فیه إن الدین النصیحة لله و لرسوله و لكتابه و لأئمة

ص: 273


1- 1. طه: 82.
2- 2. فصّلت: 33 الاحقاف 13.

المسلمین و عامتهم النصیحة كلمة یعبر بها عن جملة هی إرادة الخیر للمنصوح له و أصل النصح فی اللغة الخلوص و معنی نصیحة اللّٰه صحة الاعتقاد فی وحدانیته و إخلاص النیة فی عبادته و النصیحة لكتاب اللّٰه هو التصدیق به و العمل بما فیه و نصیحة رسوله صلی اللّٰه علیه و آله التصدیق بنبوته و رسالته و الانقیاد لما أمر به و نهی عنه و نصیحة الأئمة أن یطیعهم فی الحق و نصیحة عامة المسلمین إرشادهم إلی مصالحهم انتهی.

و انتهاء فی شهوة أی یقبل نهی اللّٰه فی حال شهوة المحرمات فی الصحاح نهیته عن كذا فانتهی عنه و تناهی أی كف و ورع فی رغبة أی یتورع عن الشبهات فی حال الرغبة فیها فإن الورع یطلق غالبا فی ترك الشبهات و قیل فی الرغبة عنها و عدم المیل إلیها و هو بعید.

و حرص فی جهاد الجهاد بالكسر و المجاهدة القتال مع العدو و یطلق علی مجاهدة النفس أیضا و هو الجهاد الأكبر أی حرص فی القتال أو فی العبادة مع مجاهدة النفس و علی الأول فی بمعنی علی و فی بعض النسخ فی اجتهاد و صلاة فی شغل أی مع شغل القلب بها أو فی حال اشتغاله بالأمور الدنیویة كما قال سبحانه رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ(1)

وَ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام فِی تَفْسِیرِ هَذِهِ الْآیَةِ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا أَصْحَابَ تِجَارَةٍ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ تَرَكُوا التِّجَارَةَ وَ انْطَلَقُوا إِلَی الصَّلَاةِ وَ هُمْ أَعْظَمُ أَجْراً مِمَّنْ لَا یَتَّجِرُ(2).

و قیل المراد ذكر اللّٰه فی أشغاله و هو بعید و فی الهزاهز وقور عطف علی قوله له قوة فی دین و لیس بواهن أی فی أمور الدین و لا فظ و لا غلیظ الفظ الخشن الخلق فی القول و الفعل و الغلظة غلظة القلب كما قال تعالی وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (3)

ص: 274


1- 1. النور: 37.
2- 2. مجمع البیان ج 7: 145.
3- 3. آل عمران: 159.

فی القاموس الفظ الغلیظ الجانب السیئ الخلق القاسی الخشن الكلام انتهی (1)

و المعنی أن قوته الغضبیة قائمة علی حد الاعتدال خرجت عن الوهن المتضمن للتفریط و الفضاضة الموجبة للإفراط.

و لا یسبقه بصره أی یملك بصره و لا ینظر إلی شی ء إلا بعد علمه بأنه یحل له النظر إلیه و لا یضره فی الدنیا و الآخرة و لا یفضحه بطنه بأن یرتكب بسبب شهوات البطن ما یفضحه فی الدنیا و الآخرة كالسرقة و الظلم و قیل بأن یحضر طعاما بغیر طلب و لا یغلبه أی لا یغلب عقله فرجه أی شهوة فرجه فیوقعه فی الزنا و اللواطة و أشباههما من المحرمات و الشبهات.

یعیر بفتح الیاء المشددة و لا یعیر بكسر الیاء أی یعیره الناس بسبب عدم التعارف و أمثاله و هو لا یعیر أحدا.

و فی بعض النسخ لا یحسد الناس بعز أی بسبب عزه و لا یقتر و لا یسرف و لعله أصوب و ما سیأتی بروایة الخصال أظهر و العناء بالفتح و المد النصب و المشقة.

للناس هم أی فكر و مقصد من الدنیا و عزها و فخرها و مالها و له هم أی فكر و قصد من أمر الآخرة قد شغله عما أقبل الناس علیه لا یری علی بناء المفعول فی حكمه أی بین الناس أو فی حكمته و فی الخصال فی حله و لا فی رأیه وهن أی هو صاحب عزم قوی و لیس رأیه ضعیفا واهنا و لا فی دینه ضیاع أی دینه قوی متین لا یضیع بالشكوك و الشبهات و لا بارتكاب السیئات.

و یساعد من ساعده أی یعاون من عاونه و حمله علی طلب الإعانة بعید من اللفظ و قیل المراد بمن ساعده جمیع المؤمنین فإن كل مؤمن یساعد سائر المؤمنین بتصدیق دینهم و موافقته لهم فی الإیمان و یكیع كیبیع بالیاء المثناة التحتانیة و فی بعض نسخ الخصال بالتاء المثناة الفوقانیة و فی بعضها بالنون

ص: 275


1- 1. القاموس ج 2 ص 397.

و الكل متقاربة فی المعنی قال فی القاموس كعت عنه أكیع و أكاع كیعا إذا هبته و جبنت عنه و قال كنع عن الأمر كمنع هرب (1) و جبن و قال كتع كمنع هرب و فی النهایة الخناء الفحش فی القول و الجهل مقابل العلم أو السفاهة و السب.

«4»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا علیهما السلام قَالَ: مَرَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام بِمَجْلِسٍ مِنْ قُرَیْشٍ فَإِذَا هُوَ بِقَوْمٍ بِیضٍ ثِیَابُهُمْ صَافِیَةٍ أَلْوَانُهُمْ كَثِیرٍ ضَحِكُهُمْ یُشِیرُونَ بِأَصَابِعِهِمْ إِلَی مَنْ یَمُرُّ بِهِمْ ثُمَّ مَرَّ بِمَجْلِسٍ لِلْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ فَإِذَا أَقْوَامٌ بَلِیَتْ مِنْهُمُ الْأَبْدَانُ وَ دَقَّتْ مِنْهُمُ الرِّقَابُ وَ اصْفَرَّتْ مِنْهُمُ الْأَلْوَانُ وَ قَدْ تَوَاضَعُوا بِالْكَلَامِ فَتَعَجَّبَ عَلِیٌّ علیه السلام مِنْ ذَلِكَ وَ دَخَلَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی إِنِّی مَرَرْتُ بِمَجْلِسٍ لآِلِ فُلَانٍ ثُمَّ وَصَفَهُمْ وَ مَرَرْتُ بِمَجْلِسٍ لِلْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ فَوَصَفَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَ جَمِیعٌ مُؤْمِنُونَ فَأَخْبِرْنِی یَا رَسُولَ اللَّهِ بِصِفَةِ الْمُؤْمِنِ فَنَكَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ عِشْرُونَ خَصْلَةً فِی الْمُؤْمِنِ فَإِنْ لَمْ یَكُنْ فِیهِ لَمْ یَكْمُلْ إِیمَانُهُ إِنَّ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِینَ یَا عَلِیُّ الْحَاضِرُونَ الصَّلَاةَ وَ الْمُسَارِعُونَ إِلَی الزَّكَاةِ(2) وَ الْمُطْعِمُونَ الْمَسَاكِینَ الْمَاسِحُونَ رَأْسَ الْیَتِیمِ الْمُطَهِّرُونَ أَطْمَارَهُمْ الْمُتَّزِرُونَ عَلَی أَوْسَاطِهِمْ الَّذِینَ إِنْ حَدَّثُوا لَمْ یَكْذِبُوا وَ إِذَا وَعَدُوا لَمْ یُخْلِفُوا وَ إِذَا ائْتُمِنُوا لَمْ یَخُونُوا وَ إِذَا تَكَلَّمُوا صَدَقُوا رُهْبَانٌ بِاللَّیْلِ أُسُدٌ بِالنَّهَارِ صَائِمُونَ النَّهَارَ قَائِمُونَ اللَّیْلَ لَا یُؤْذُونَ جَاراً وَ لَا یَتَأَذَّی بِهِمْ جَارٌ الَّذِینَ مَشْیُهُمْ عَلَی الْأَرْضِ هَوْنٌ وَ خُطَاهُمْ إِلَی بُیُوتِ الْأَرَامِلِ وَ عَلَی أَثَرِ الْجَنَائِزِ جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاكُمْ مِنَ الْمُتَّقِینَ (3).

لی، [الأمالی للصدوق] عَنْ عَلِیِّ بْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ مَاجِیلَوَیْهِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ

ص: 276


1- 1. القاموس ج 3 ص 80.
2- 2. زاد فی أمالی الصدوق: و الحاجون لبیت اللّٰه الحرام. و الصائمون فی شهر رمضان، و هو الصحیح.
3- 3. الكافی ج 2 ص 232.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی الْجَارُودِ عَنِ ابْنِ طَرِیفٍ عَنِ ابْنِ نُبَاتَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ صِفَةِ الْمُؤْمِنِ فَنَكَسَ صلی اللّٰه علیه و آله رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ فِی الْمُؤْمِنِینَ عِشْرُونَ خَصْلَةً فَمَنْ لَمْ یَكُنْ فِیهِ لَمْ یَكْمُلْ إِیمَانُهُ یَا عَلِیُّ إِنَّ الْمُؤْمِنِینَ هُمُ الْحَاضِرُونَ إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ(1)

وَ سَنُشِیرُ إِلَی بَعْضِ الِاخْتِلَافِ.

بیان: بیض بالكسر جمع أبیض و یحتمل فیه و فی نظائره الجر و الرفع یشیرون بأصابعهم استهزاء و إشارة إلی عیوبهم و الأوس و الخزرج (2) قبیلتان من الأنصار بلیت منهم الأبدان أی خلقت و نحفت لكثرة العبادة و الریاضة و دقت منهم الرقاب لنحافتهم و اصفرت منهم الألوان لكثرة سهرهم و صومهم و قد تواضعوا بالكلام الباء بمعنی فی أی كانوا یتكلمون بالتواضع بعضهم لبعض أو تكلموا معه بالتواضع.

و فی بعض النسخ تواصفوا بالصاد المهملة و الفاء أی كان یصف بعضهم لبعض بالكلام لا بالإشارة كما مر فی الفرقة الأخری أو لم یكن كلامهم لغوا بل كانوا یصفون ما سمعوا من الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و جمیع مؤمنون أی ظاهرا و یحتمل الاستفهام بصفة المؤمن أی الواقعی و فی القاموس الناكس المتطأطئ رأسه و نكس الرأس لعسر العمل بتلك الصفات و الاتصاف بها و تركها بعد السماع أسوأ لهم كما مر فی حقوق الإخوان.

و قیل النكس كان للتأسف علی أحوال قریش و التفكر فیما علم أنهم یفعلونه بأوصیائه و أهل بیته بعده الحاضرون الصلاة أی للإتیان بها جماعة إلی

ص: 277


1- 1. أمالی الصدوق ص 326، المجلس: 81.
2- 2. هما بطنان عظیمان من الازد من القحطانیة، و هم بنو أوس و بنو الخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة البهلول بن عمرو مزیقیاء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطریف بن امرئ القیس البطریق ابن ثعلبة العنقاء بن مازن بن الازد. كانوا فی الجاهلیة یعبدون مناة، و إذا حجوا وقفوا مع الناس، فإذا نفروا أتوا مناة و حلقوا رءوسهم عنده، و أقاموا عنده لا یرون لحجهم تماما الا بذلك.

الزكاة أی إلی أدائها عند أول وقت وجوبها.

و فی المجالس بعد ذلك و الحاجون لبیت اللّٰه الحرام و الصائمون فی شهر رمضان و هو أظهر لأن بهما یتم العدد و علی ما فی الكافی قد یتكلف بجعل خطاهم إلی الجنائز خصلتین و الدعاء آخر الخبر خصلة إشارة إلی التقوی.

الماسحون رأس الیتیم شفقة علیهم المطهرون أطمارهم أی ثیابهم البالیة بالغسل أو بالتشمیر و هما مرویان فی قوله سبحانه وَ ثِیابَكَ فَطَهِّرْ(1) قال الطبرسی قدس سره أی و ثیابك الملبوسة فطهرها من النجاسة للصلاة و قیل و ثیابك فقصر روی ذلك عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام قال الزجاج لأن تقصیر الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر علی الأرض لم یؤمن أن یصیبه ما ینجسه و قیل لا یكن لباسك من حرام وَ رَوَی أَبُو بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: غَسْلُ الثِّیَابِ یُذْهِبُ الْهَمَّ وَ الْحُزْنَ وَ هُوَ طَهُورٌ لِلصَّلَاةِ وَ تَشْمِیرُ الثِّیَابِ طَهُورٌ لَهَا وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ ثِیابَكَ فَطَهِّرْ أَیْ فَشَمِّرْ(2).

و فی القاموس الطمر بالكسر الثوب الخلق أو الكساء البالی من غیر الصوف و الجمع أطمار.

أقول: و یمكن جعل هذا إشارة إلی خصلتین هما التطهیر و الاكتفاء بلبس أخلاق الثیاب فینفع فی إتمام العدد علی بعض الوجوه.

و فی المجالس المطهرون أظفارهم و له وجه المتزرون علی أوساطهم أی یشدون المئزر علی وسطهم احتیاطا لستر العورة فإنهم كانوا لا یلبسون السراویل أو المراد شد الوسط بالإزار كالمنطقة لیجمع الثیاب و ما توهمه بعض الأصحاب من كراهة ذلك لم أر له مستندا و قیل هو كنایة عن الاهتمام فی العبادة فی القاموس الإزار الملحفة و یؤنث كالمئزر و ائتزر به و تأزر و لا تقل اتزر و قد جاء فی بعض الأحادیث و لعله من تحریف الرواة(3).

ص: 278


1- 1. المدّثّر: 5.
2- 2. مجمع البیان ج 10: 385.
3- 3. القاموس ج 1 ص 363.

و فی النهایة فی حدیث الاعتكاف كان إذا دخل العشر الأواخر أیقظ أهله و شد المئزر و المئزر الإزار و كنی بشده عن اعتزال النساء و قیل أراد تشمیره للعبادة یقال شددت لهذا الأمر مئزری أی تشمرت له و فی الحدیث كان یباشر بعض نسائه و هی مؤتزرة فی حالة الحیض أی مشدودة الإزار و قد جاء فی بعض الروایات و هی متزرة و هو خطأ لأن الهمزة لا تدغم فی التاء.

و إن حدثوا لم یكذبوا فیه شائبة تكرار مع قوله و إن تكلموا صدقوا و یمكن حمل الأول علی الحدیث عن النبی و الأئمة علیهم السلام و الثانی علی سائر الكلام أو یقرأ حدثوا علی بناء المجهول من التفعیل و لم یكذبوا علی بناء المعلوم من التفعیل و یمكن عدهما خصلة واحدة للتأكید علی بعض الوجوه.

و إذا وعدوا لم یخلفوا علی بناء الإفعال و المشهور بین الأصحاب استحباب الوفاء بالوعد و یظهر من الآیة و بعض الأخبار الوجوب و لا یمكن الاستدلال بهذا الخبر علی الوجوب لاشتماله علی كثیر من المستحبات و إذا ائتمنوا علی مال أو عرض أو

كلام لم یخونوا رهبان باللیل أی یمضون إلی الخلوات و یتضرعون رهبة من اللّٰه أو یتحملون مشقة السهر و العبادة كالرهبان و فسر الرهبانیة فی قوله تعالی وَ رَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها(1) بصلاة اللیل.

قال الراغب الترهب التعبد و هو استعمال الرهبة و الرهبانیة غلو فی تحمل التعبد من فرط الرهبة قال تعالی وَ رَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها و الرهبان یكون واحدا و جمعا(2).

أسد بالنهار أی شجعان فی الجهاد كالأسد فی الصحاح الأسد جمعه أسود و أسد مقصور مثقل منه و أسد مخفف (3)

قائمون باللیل الفرق بینه و بین رهبان باللیل أن الرهبان إشارة إلی التضرع و الرهبة أو التخلی

ص: 279


1- 1. الحدید: 27.
2- 2. مفردات غریب القرآن ص 204.
3- 3. الصحاح: 438.

و الترهب و قیام اللیل للصلاة لا یستلزم شیئا من ذلك و لا یتأذی بهم جار الفرق بینه و بین ما سبق أن المراد بالجار فی الأول من آمنه و فی الثانی جار الدار أو فی الأول جار الدار و فی الثانی من یجاوره فی المجلس أو فی الأول الإیذاء بلا واسطة و فی الثانی تأذیه بسبب خدمه و أعوانه فالجار فی الموضعین جار الدار.

مشیهم علی الأرض هون إشارة إلی قوله سبحانه وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً(1) قال البیضاوی أی هینین أو مشیا هینا مصدر وصف به و المعنی أنهم یمشون بسكینة و تواضع إلی بیوت الأرامل للصدقة علیهن و إعانتهن و علی إثر الجنائز كأن فیه إشعارا باستحباب المشی خلف الجنازة.

«5»- لی، [الأمالی للصدوق] عَنِ ابْنِ مُوسَی عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُبَارَكٍ مَوْلَی الرِّضَا عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: لَا یَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً حَتَّی یَكُونَ فِیهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ سُنَّةٌ مِنْ رَبِّهِ وَ سُنَّةٌ مِنْ نَبِیِّهِ وَ سُنَّةٌ مِنْ وَلِیِّهِ فَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ رَبِّهِ فَكِتْمَانُ سِرِّهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ (2) وَ أَمَّا السُّنَّةُ مِنْ نَبِیِّهِ فَمُدَارَاةُ النَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ نَبِیَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله بِمُدَارَاةِ النَّاسِ فَقَالَ خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ (3) وَ أَمَّا السُّنَّةُ مِنْ وَلِیِّهِ فَالصَّبْرُ فِی الْبَأْسَاءِ وَ الضَّرَّاءِ یَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ (4) وَ الصَّابِرِینَ فِی الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِینَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (5).

ص: 280


1- 1. الفرقان: ص 63.
2- 2. الجن: 27.
3- 3. الأعراف: 199.
4- 4. البقرة: 177.
5- 5. أمالی الصدوق ص 198 المجلس 53.

ن، [عیون أخبار الرضا علیه السلام] عن أبیه عن أحمد بن إدریس عن الأشعری عن سهل عن الحارث بن الدلهاث مولی الرضا عنه علیه السلام: مثله (1).

«8»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَرْثِ عَنِ الدِّلْهَاثِ مَوْلَی الرِّضَا علیه السلام قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا علیه السلام یَقُولُ: وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَی قَوْلِهِ فَالصَّبْرُ فِی الْبَأْسَاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ لَیْسَ فِیهِ ذِكْرُ الْآیَةِ وَ لَیْسَ فِیهِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ أَیْضاً وَ كَأَنَّهُمَا سَقَطَا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ(2).

بیان: عالِمُ الْغَیْبِ قال الطبرسی رحمه اللّٰه أی هو عالم الغیب یعلم متی تكون القیامة فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِهِ أَحَداً أی لا یطلع علی الغیب أحدا من عباده ثم استثنی فقال إِلَّا مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ یعنی الرسل فإنه یستدل علی نبوتهم بأن یخبروا بالغیب لیكون آیة معجزة لهم و معناه إلا من ارتضاه و اختاره للنبوة و الرسالة فإنه یطلعه علی ما شاء من غیبه علی حسب ما یراه من المصلحة انتهی (3).

وَ قَدْ مَرَّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: كَانَ وَ اللَّهِ مُحَمَّدٌ مِمَّنِ ارْتَضَاهُ.

وَ فِی الْخَرَائِجِ، عَنِ الرِّضَا علیه السلام: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی إِلَّا مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ قَالَ فَرَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ مُرْتَضَی وَ نَحْنُ وَرَثَةُ ذَلِكَ الرَّسُولِ الَّذِی أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَی مَا یَشَاءُ مِنْ غَیْبِهِ فَعَلَّمَنَا مَا كَانَ وَ مَا یَكُونُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ(4).

و فی تفسیر علی بن إبراهیم إلا من ارتضی من رسول یعنی علیا المرتضی من الرسول و هو منه (5).

ثم اعلم أن الاستشهاد بالآیة الكریمة یدل علی أن المراد بكتمان السر

ص: 281


1- 1. عیون أخبار الرضا علیه السلام ج 1 ص 256.
2- 2. الكافی ج 2: 141.
3- 3. مجمع البیان ج 10 ص 374.
4- 4. مختار الخرائج و الجرائح ص 204 فی حدیث طویل.
5- 5. تفسیر القمّیّ ص 699.

الكتمان عن غیر أهله و عمن لا یكتمه.

خُذِ الْعَفْوَ قال فی المجمع أی خذ یا محمد ما عفی من أموال الناس أی ما فضل من النفقة فكان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یأخذ الفضل من أموالهم لیس فیها شی ء موقت ثم نزلت آیة الزكاة فصار منسوخا بها و قیل معناه خذ العفو من أخلاق الناس و اقبل المیسور منها و معناه أنه أمره بالتساهل و ترك الاستقصاء فی القضاء و الاقتضاء و هذا یكون فی الحقوق الواجبة لله و للناس و فی غیرها و قیل هو العفو فی قبول العذر عن المعتذر و ترك المؤاخذة بالإساءة.

وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ یعنی بالمعروف و هو كل ما حسن فی العقل فعله أو فی الشرع و لم یكن منكرا و لا قبیحا عند العقلاء و قیل بكل خصلة حمیدة وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ معناه و أعرض عنهم عند قیام الحجة علیهم و الإیاس من قبولهم و لا تقابلهم بالسفه صیانة لقدرك فإن مجاوبة السفیه تضع عن القدر.

و لا یقال هذه الآیة منسوخة بآیة القتال لأنها عامة خص عنها الكافر الذی یجب قتله بدلیل (1) وَ الصَّابِرِینَ فِی الْبَأْساءِ(2) أقول الآیة هكذا لَیْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِیِّینَ وَ آتَی الْمالَ عَلی حُبِّهِ ذَوِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینَ وَ ابْنَ السَّبِیلِ وَ السَّائِلِینَ وَ فِی الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَی الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرِینَ فِی الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِینَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ و الأكثر علی أن نصب الصابرین علی المدح و قال البیضاوی عن الأزهری البأساء فی الأموال كالفقر و الضراء فی الأنفس كالمرض وَ حِینَ الْبَأْسِ وقت مجاهدة العدو و یدل الخبر علی أن هذه الآیة نزلت فی الأئمة علیهم السلام فهم

ص: 282


1- 1. مجمع البیان ج 4: 512.
2- 2. البقرة: 177.

الصادقون الذین أمر اللّٰه بالكون معهم حیث قال وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ (1).

«6»- الشِّهَابُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِیمٌ وَ الْفَاجِرُ خَبٌّ لَئِیمٌ.

الضوء، ضوء الشهاب رجل غر و غریر أی غیر مجرب و جاریة غرة و غریرة و غر أیضا بینة الغرارة و جمع الغر أغرار و الغریر أغراء و قد غر یغر بالكسر غرارة و الاسم الغرة یقال كان ذلك فی غرارتی و حداثتی أی فی غرتی و الغرة الغفلة و الغار الغافل و اغتره أتاه علی غرة منه و اغتر بالشی ء خدع به (2).

و الكرم الجود و إذا وصف اللّٰه بالكرم فهو عبارة عن الإحسان و الإنعام المترادف و إذا كان وصفا للآدمی فهو للأخلاق و الأفعال المحمودة فیه و الكرم كالحریة إلا أنه أكبر منها درجة و نقیض الكرم اللؤم و قد كرم الرجل فهو كریم و قوم كرام و كرماء و نسوة كرائم و یقال رجل كرم و امرأة كرم و نسوة كرم و قال فتنبو العین عن كرم عجاف (3) و الكرام كالكریم و الكرام فوق ذلك (4).

و الفجور الفسق و أصل ف ج ر الشق و منه الفجر الطالع و فجر الماء فكأن الفجور شق لباس الدین و أكثر ما یذكر فی القرآن و الحدیث یراد به الكافر.

ص: 283


1- 1. براءة: 119.
2- 2. أخذه من صحاح الجوهریّ راجع ص 768.
3- 3. قیل: الشعر لمرداس بن أدیة و قیل لسعید الشیبانی، و نسبه فی اللسان الی أبی خالد القنانی و الأبیات هكذا: لقد زاد الحیاة الی حبا***بناتی انهن من الضعاف مخافة أن یرین البؤس بعدی***و أن یشربن رنقا بعد صاف و أن یعرین ان كسی الجواری***فتنبو العین عن كرم عجاف و لو لا ذاك قد سومت مهری***و فی الرحمن للضعفاء كاف الخ.
4- 4. راجع الصحاح: 2020.

و الخب الخداع الجربز(1)

و قد خببت یا رجل تخب خبا بالكسر و قد خبب فلان فلانا أی خدعه و اللؤم الدناءة و الشح و أصله الهمز و قد لؤم لؤما و ملأمة و لآمة كقولك لئامة و یا ملأمان خلاف یا مكرمان.

فوصف صلی اللّٰه علیه و آله المؤمن بالغفلة عما لا یعنیه و الإهمال لما لیس من شأنه و بالجود الذی هو تاج المفاخر و واسطة المآثر و عكس ذلك كله للكافر فوصفه بالجربزة و الخبث و الشیطنة و قرن بذلك اللؤم و الشح و جعله لا یبض حجره (2) و لا یورق شجره و هو وصف معناه الترغیب فی خصال الخیر و تجنب خصال الشر و فائدة الحدیث الأمر بالتغافل عن بعض الأمور و ترك الاستقصاء فیها و المساهلة فی المعاملة و النهی عن الخب و سوء المعاملة و الخداع و الاستهزاء و البخل بما فی الید و راوی الحدیث أبو هریرة.

مزید إیضاح قال فی النهایة فیه المؤمن غر كریم و الفاجر خب لئیم غر أی لیس بذی نكر فهو ینخدع لانقیاده و لینه و هو ضد الخب یقال فتی غر و فتاة غر و قد غررت تغر غرارة یرید أن المؤمن المعهود من طبعه الغرارة و قلة الفطنة للشر و ترك البحث عنه و لیس ذلك منه جهلا و لكنه كرم و حسن خلق.

و منه حدیث الجنة یدخلنی غرة الناس أی البله الذین لم یجربوا الأمور فهم قلیلو الشر منقادون فإن من آثر الخمول و إصلاح نفسه و التزود لمعاده و نبذ أمور الدنیا فلیس غرا فیما قصد له و لا مذموما بنوع من الذم و الخب بالفتح الخداع و هو الجربز الذی یسعی بین الناس بالفساد رجل خب و امرأة خبة و قد تكسر خاؤه و أما المصدر فبالكسر لا غیر.

«7»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سُلَیْمَانَ الْجَعْفَرِیِّ عَنْ أَبِی

ص: 284


1- 1. الخب- بالفتح و الكسر- و الجربز- بالضم- الخب الخبیث معرب كربز و المصدر الجربزة قاله الفیروزآبادی، و قال فی برهان قاطع: كربز بضم الأول و الثالث هو قثاء الحمار.
2- 2. أی لا ینال خیره.

الْحَسَنِ الرِّضَا عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ: رَفَعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَوْمٌ فِی بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله مَنِ الْقَوْمُ فَقَالُوا مُؤْمِنُونَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَ مَا بَلَغَ مِنْ إِیمَانِكُمْ قَالُوا الصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَ الشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حُلَمَاءُ(1) عُلَمَاءُ كَادُوا مِنَ الْفِقْهِ أَنْ یَكُونُوا أَنْبِیَاءَ إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَصِفُونَ فَلَا تَبْنُوا مَا لَا تَسْكُنُونَ وَ لَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (2).

بیان: رفع إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كمنع علی بناء المعلوم أی أسرعوا إلیه أو علی بناء المجهول أی ظهروا فإن الرفع ملزوم للظهور قال فی المصباح رفعته أذعته و منه رفعت علی العامل رفیعة و رفع البعیر فی سیره أسرع و رفعته أسرعت به یتعدی و لا یتعدی انتهی.

و قال الكرمانی فی شرح البخاری فیه فرفعت لنا صخرة أی ظهرت لأبصارنا و فیه فرفع لی البیت المعمور أی قرب و كشف انتهی و یمكن أن یقرأ بالدال و لكن قد عرفت أنه لا حاجة إلیه قال فی المصباح رفعت إلی كذا بالبناء للمفعول انتهیت إلیه.

من القوم أی من أی صنف من الناس أنتم فقالوا مؤمنون أی نحن مؤمنون و ما بلغ من إیمانكم من تبعیضیة أی بأی حد بلغ بعض إیمانكم أی اذكروا بعض شرائط الإیمان منكم بأی حد بلغ أو زائدة أو سببیة أی ما بلغكم و وصل إلیكم بسبب إیمانكم أو البلوغ بمعنی الكمال و من للتبعیض أی ما كمل من صفات إیمانكم.

حلماء أی هم حلماء من الحلم بالكسر بمعنی العقل أو عدم المبادرة عند الغضب ما لا تسكنون أی ما یزید علی ما اضطررتم إلیه من المسكن و كذا لا تجمعوا ما لم تدعكم الضرورة للأكل إلیه و یمكن تعمیم الأكل بحیث

ص: 285


1- 1. حكماء خ ل.
2- 2. الكافی ج 2 ص 48.

یشمل سائر ما یحتاجون إلیه كقوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ (1) وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ (2) أو خصهما بالذكر لأنهما عمدة مطالب الراغبین فی الدنیا و اتقوا اللّٰه إلخ لما كانت تلك الصفات تقتضی الزهد فی الدنیا و التقوی حثهم فی تلك الفقرات علیهما.

«8»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنِ ابْنِ بَزِیعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: بَیْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی بَعْضِ أَسْفَارِهِ إِذْ لَقِیَهُ رَكْبٌ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا أَنْتُمْ فَقَالُوا نَحْنُ مُؤْمِنُونَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ فَمَا حَقِیقَةُ

إِیمَانِكُمْ قَالُوا الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَ التَّفْوِیضُ إِلَی اللَّهِ وَ التَّسْلِیمُ لِأَمْرِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كَادُوا أَنْ یَكُونُوا مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْبِیَاءَ فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِینَ فَلَا تَبْنُوا مَا لَا تَسْكُنُونَ وَ لَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (3).

ید،(4) [التوحید] مع، [معانی الأخبار] عَنِ ابْنِ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنِ ابْنِ بَزِیعٍ: مِثْلَهُ إِلَّا فِی تَقْدِیمِ التَّسْلِیمِ عَلَی التَّفْوِیضِ (5).

ل، [الخصال] عن أبیه عن سعد عن ابن أبی الخطاب: مثله (6)

مشكاة الأنوار، نقلا من كتاب المحاسن (7): مثله توضیح بینا رسول اللّٰه بینا هی بین الظرفیة أشبعت فتحتها

ص: 286


1- 1. اقتباس من قوله تعالی: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ: أسری: 34 و الانعام: 152.
2- 2. البقرة: 188.
3- 3. الكافی ج 2: 52.
4- 4. التوحید: 379.
5- 5. معانی الأخبار: 187.
6- 6. الخصال ج 2 ص 71.
7- 7. راجع المحاسن ص 226.

فصارت ألفا و یقع بعدها حینئذ إذ الفجائیة غالبا و عاملها محذوف یفسره الفعل الواقع بعد إذ عند بعض و بعضهم یجعلها خبرا عن مصدر مسبوك من الفعل أی بین أوقات سفره لقاء الركب و قد یقع بعدها إذا الفجائیة أیضا و الركب جمع راكب كصحب و صاحب.

فقال ما أنتم أی أی صنف أنتم من الناس قیل كما أن ما تكون سؤالا عن حقیقة الشی ء تكون سؤالا عن خواصه و آثاره المترتبة علیه و هو المراد هنا فلذلك أجابوا بها فقالوا نحن مؤمنون انتهی.

و قال الراغب فی معانی ما الثالث الاستفهام و یسأل به عن جنس ذات الشی ء و نوعه و عن جنس صفات الشی ء و نوعها و قد یسأل به عن الأشخاص و الأعیان فی غیر الناطقین انتهی (1).

فما حقیقة إیمانكم لما كانت للإیمان حقائق مختلفة و درجات متفاوتة سألهم صلی اللّٰه علیه و آله عن حقیقة الإیمان الذی یدعونه فأجابوا بلوازمه و آثاره لیظهر حقیقة ما ادعوه أو المراد بالحقیقة ما یحقه و یثبته أی الإیمان أمر قلبی إنما یثبت بآثاره فما ظهر من آثار إیمانكم لیدل علی ثبوته فی قلوبكم و المعنی الأول أنسب بما مر من مضمون هذا الخبر حیث قال و ما بلغ من إیمانكم فإن الظاهر اتحاد الواقعة و التفویض إلی اللّٰه هنا التوكل علیه فی جمیع الأمور.

«9»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَارِثَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِیَّ فَقَالَ لَهُ كَیْفَ أَنْتَ یَا حَارِثَةَ بْنَ مَالِكٍ النُّعْمَانِیَّ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ حَقّاً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِكُلِّ شَیْ ءٍ حَقِیقَةٌ فَمَا حَقِیقَةُ قَوْلِكَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ عَزَفَتْ نَفْسِی عَنِ الدُّنْیَا فَأَسْهَرَتْ لَیْلِی وَ أَظْمَأَتْ هَوَاجِرِی وَ كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی عَرْشِ رَبِّی وَ قَدْ وُضِعَ لِلْحِسَابِ وَ كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی أَهْلِ الْجَنَّةِ یَتَزَاوَرُونَ فِی الْجَنَّةِ وَ كَأَنِّی أَسْمَعُ عُوَاءَ أَهْلِ النَّارِ فِی النَّارِ

ص: 287


1- 1. مفردات غریب القرآن ص 479.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَبْصَرْتَ فَاثْبُتْ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِی أَنْ یَرْزُقَنِی الشَّهَادَةَ مَعَكَ فَقَالَ اللَّهُمَّ ارْزُقْ حَارِثَةَ الشَّهَادَةَ فَلَمْ یَلْبَثْ إِلَّا أَیَّاماً حَتَّی بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِسَرِیَّةٍ فَبَعَثَهُ فِیهَا فَقَاتَلَ فَقَتَلَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِیَةً ثُمَّ قُتِلَ.

وَ فِی رِوَایَةِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَیْدٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: اسْتُشْهِدَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وَ كَانَ هُوَ الْعَاشِرَ(1).

تبیین: مؤمن حقا قوله حقا مصدر مؤكد كقولهم هذا عبد اللّٰه حقا و الحاصل أنی مؤمن حق الإیمان و كما ینبغی أن یكون المؤمن فأسهرت لیلی علی صیغة الغیبة بإرجاع الضمیر إلی النفس أو علی صیغة التكلم و كذا الفقرة التالیة تحتمل الوجهین.

و یقال تزاوروا أی زار بعضهم بعضا و قال فی النهایة فی حدیث حارثة كأنی أسمع عواء أهل النار أی صیاحهم و العواء صوت السباع و كأنه بالذئب و الكلب أخص و فی القاموس عوی یعوی عیا و عواء بالضم لوی خطمه ثم صوت أو مد صوته و لم یفصح و قال السریة من خمسة أنفس إلی ثلاث مائة أو أربعمائة و فی الصحاح السریة قطعة من الجیش و قوله و فی روایة القاسم بن برید یحتمل الإرسال أو یكون الراوی عنه ابن سنان.

ثم اعلم أن هاتین الروایتین تدلان علی أن حارثة استشهد فی زمن الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و قال بعضهم و ینافیه ما ذكر الشیخ فی رجاله حیث قال حارثة بن النعمان الأنصاری كنیته أبو عبد اللّٰه شهد بدرا و أحدا و ما بعدهما من المشاهد و ذكر هو أنه رأی جبرئیل دفعتین علی صورة دحیة الكلبی أولهما حین خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی بنی قریظة و الثانی حین رجع من حنین و شهد مع أمیر المؤمنین القتال و توفی فی زمن معاویة انتهی.

و هو خطأ لأن المذكور فی الخبر حارثة بن مالك و جده النعمان و ما

ص: 288


1- 1. الكافی ج 2 ص 54. و تراه فی المحاسن ص 246 و 250.

ذكره الشیخ حارثة بن النعمان و هو غیره نعم ما سیأتی من ذهاب بصره ینافی ذلك فی الجملة و یمكن توجیهه بتكلف و العجب أن هذا الحدیث مذكور فی كتب العامة أیضا كما یظهر من النهایة و هذا الرجل غیر مذكور فی رجالهم و كأنه لعدم الروایة عنه كما أن أصحابنا أیضا لم یذكروه لذلك.

«10»- ل، [الخصال] عَنِ ابْنِ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ الْمُؤْمِنَ عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ الَّذِی إِذَا سَخِطَ لَمْ یُخْرِجْهُ سَخَطُهُ مِنَ الْحَقِّ وَ الْمُؤْمِنُ الَّذِی إِذَا رَضِیَ لَمْ یُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِی بَاطِلٍ وَ الْمُؤْمِنُ الَّذِی إِذَا قَدَرَ لَمْ یَتَعَاطَ مَا لَیْسَ لَهُ (1).

ل، [الخصال] عَنِ الطَّالَقَانِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِیرٍ الطَّبَرِیِّ عَنْ صَالِحٍ الْكِنَانِیِّ عَنْ یَحْیَی بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ الْحِمَّانِیِّ عَنْ شَرِیكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُعَاذٍ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ فِیهِ لَمْ یَتَنَاوَلْ مَا لَیْسَ لَهُ (2).

«11»- لی، [الأمالی للصدوق] ابْنُ إِدْرِیسَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: إِنَّ لِأَهْلِ الدِّینِ عَلَامَاتٍ یُعْرَفُونَ بِهَا صِدْقُ الْحَدِیثِ وَ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَ رَحْمَةُ الضُّعَفَاءِ وَ قِلَّةُ الْمُؤَاتَاةِ لِلنِّسَاءِ وَ بَذْلُ الْمَعْرُوفِ وَ حُسْنُ الْخُلُقِ وَ سَعَةُ الْخُلُقِ (3) وَ اتِّبَاعُ الْعِلْمِ وَ مَا یُقَرِّبُ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ طُوبی لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ وَ طُوبَی شَجَرَةٌ فِی الْجَنَّةِ أَصْلُهَا فِی دَارِ النَّبِیِّ وَ لَیْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ فِی دَارِهِ غُصْنٌ مِنْهَا لَا تَخْطُرُ عَلَی قَلْبِهِ شَهْوَةُ شَیْ ءٍ إِلَّا أَتَاهُ بِهِ ذَلِكَ الْغُصْنُ وَ لَوْ أَنَّ رَاكِباً مُجِدّاً صَارَ فِی ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مَا خَرَجَ مِنْهَا وَ لَوْ طَارَ مِنْ أَسْفَلِهَا غُرَابٌ مَا بَلَغَ أَعْلَاهَا حَتَّی یَسْقُطَ هَرِماً أَلَا فِی هَذَا فَارْغَبُوا.

ص: 289


1- 1. الخصال ج 1 ص 52. و فیه« ما لیس له بنفسه».
2- 2. الخصال: ج 1 ص 51.
3- 3. وسعة الحلم خ ل.

إِنَّ الْمُؤْمِنَ نَفْسُهُ مِنْهُ فِی شُغُلٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ إِذَا جَنَّ عَلَیْهِ اللَّیْلُ افْتَرَشَ وَجْهَهُ وَ سَجَدَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِمَكَارِمِ بَدَنِهِ یُنَاجِی الَّذِی خَلَقَهُ فِی فَكَاكِ رَقَبَتِهِ أَلَا هَكَذَا فَكُونُوا(1).

«12»- ل، [الخصال] الْمُظَفَّرُ الْعَلَوِیُّ عَنِ ابْنِ الْعَیَّاشِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ یُونُسَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ كَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ لِأَهْلِ التَّقْوَی عَلَامَاتٍ وَ سَاقَ الْحَدِیثَ كَمَا مَرَّ إِلَّا أَنَّ فِیهِ وَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَ قِلَّةُ الْفَخْرِ وَ الْبُخْلِ وَ صِلَةُ الْأَرْحَامِ وَ فِیهِ لَا یَنْوِی فِی قَلْبِهِ شَیْئاً إِلَّا أَتَاهُ وَ فِیهِ وَ لَوْ أَنَّ غُرَاباً طَارَ مِنْ أَصْلِهَا مَا بَلَغَ أَعْلَاهَا حَتَّی یَبْیَاضَّ هَرَماً(2).

مِشْكَاةُ الْأَنْوَارِ، نَقْلًا مِنْ كِتَابِ الْمَحَاسِنِ: إِلَی قَوْلِهِ طُوبی لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ.

بیان: فی النهایة فیه خیر النساء المؤاتیة لزوجها المؤاتاة حسن المطاوعة و الموافقة و أصله الهمز فخفف و كثر حتی صار یقال بالواو الخالصة و لیس بالوجه و بذل المعروف أی الإحسان بالمال أو غیره فی ظلها أی تحت أغصانها فإنه لیس فی الجنة ظل بل كلها ظل ممدود كما قیل و لذا قال فی النهایة إن فی الجنة شجرة یصیر الراكب فی ظلها مائة عام أی فی ذراها و ناحیتها قوله غراب إنما خص به لأنه أطول الطیور أعمارا و فی القاموس ابیض و ابیاض ضد اسود و اسواد و ابیضاض الغراب عند غایة كبره و سیأتی شرحه مبسوطا فی باب جوامع المكارم إن شاء اللّٰه.

«13»- لی، [الأمالی للصدوق] الطَّالَقَانِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دُبَیْسٍ الْمُفَسِّرِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی الْبُهْلُولِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ هُرْمُزَ دِیَارِ الطَّبَرِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِیِّ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ الرَّبِیعِ عَنْ كَادِحِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ مَا الَّذِی أَخْفَی اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی مِنَ الْجَنَّةِ وَ قَدْ أَخْبَرَ

ص: 290


1- 1. أمالی الصدوق.
2- 2. الخصال ج 2 ص 87.

عَنْ أَزْوَاجِهَا وَ عَنْ خَدَمِهَا وَ طِیبِهَا وَ شَرَابِهَا وَ ثَمَرِهَا وَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی مِنْ أَمْرِهَا وَ أَنْزَلَهُ فِی كِتَابِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِیَ جَنَّةُ عَدْنٍ خَلَقَهَا اللَّهُ یَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَطْبَقَ عَلَیْهَا فَلَمْ یَرَهَا مَخْلُوقٌ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ حَتَّی یَدْخُلَهَا أَهْلُهَا قَالَ لَهَا عَزَّ وَ جَلَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكَلَّمِی فَقَالَتْ طُوبَی لِلْمُؤْمِنِینَ قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ طُوبَی لِلْمُؤْمِنِینَ وَ طُوبَی لَكِ.

قَالَ مُقَاتِلٌ قَالَ الضَّحَّاكُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله: أَلَا مَنْ كَانَ فِیهِ سِتُّ خِصَالٍ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ مَنْ صَدَقَ حَدِیثُهُ وَ أَنْجَزَ مَوْعُودَهُ وَ أَدَّی أَمَانَتَهُ وَ بَرَّ وَالِدَیْهِ وَ وَصَلَ رَحِمَهُ وَ اسْتَغْفَرَ مِنْ ذَنْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ (1).

بیان: كأن سؤاله عن قوله سبحانه فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ (2) قوله صلی اللّٰه علیه و آله من صدق علی بناء التفعیل أی جعل حدیثه صادقا أو علی بناء المجرد فحدیثه مرفوع أمانته أی الأمانة التی عنده من الناس.

«14»- لی، [الأمالی للصدوق] عَنِ ابْنِ مَسْرُورٍ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ عَنْ عَمِّهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِیَّةَ عَنِ الثُّمَالِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ قَالَ: الْمُؤْمِنُ خَلَطَ عِلْمَهُ بِالْحِلْمِ یَجْلِسُ لِیَعْلَمَ وَ یُنْصِتُ لِیَسْلَمَ وَ یَنْطِقُ لِیَفْهَمَ لَا یُحَدِّثُ أَمَانَتَهُ الْأَصْدِقَاءَ وَ لَا یَكْتُمُ شَهَادَتَهُ الْأَعْدَاءَ وَ لَا یَفْعَلُ شَیْئاً مِنَ الْحَقِّ رِیَاءً وَ لَا یَتْرُكُهُ حَیَاءً إِنْ زُكِّیَ خَافَ مَا یَقُولُونَ وَ یَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا لَا یَعْلَمُونَ لَا یَغُرُّهُ قَوْلُ مَنْ جَهِلَهُ وَ یَخْشَی إِحْصَاءَ مَنْ قَدْ عَلِمَهُ وَ الْمُنَافِقُ یَنْهَی وَ لَا یَنْتَهِی وَ یَأْمُرُ بِمَا لَا یَأْتِی إِذَا قَامَ فِی الصَّلَاةِ اعْتَرَضَ وَ إِذَا رَكَعَ رَبَضَ وَ إِذَا سَجَدَ نَقَرَ وَ إِذَا جَلَسَ شَغَرَ یُمْسِی وَ هَمُّهُ الطَّعَامُ وَ هُوَ مُفْطِرٌ وَ یُصْبِحُ وَ هَمُّهُ النَّوْمُ وَ لَمْ یَسْهَرْ إِنْ حَدَّثَكَ كَذَبَكَ وَ إِنْ وَعَدَكَ أَخْلَفَكَ وَ إِنِ ائْتَمَنْتَهُ

ص: 291


1- 1. أمالی الصدوق: 164 ط قم المجلس 46 تحت الرقم: 9.
2- 2. السجدة: 17.

خَانَكَ وَ إِنْ خَالَفْتَهُ اغْتَابَكَ (1).

كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الثُّمَالِیِّ: مِثْلَهُ إِلَی قَوْلِهِ وَ یَخْشَی إِحْصَاءَ مَا قَدْ عَمِلَهُ (2).

بیان: خلط علمه فی الكافی عمله بتقدیم المیم و ما هنا أوفق بسائر الأخبار و أظهر إذ العلم بلا عمل یصیر غالبا سببا للتكبر و الترفع و السفاهة و ترك الحلم یجلس لیعلم أی یختار مجلسا یحصل فیه التعلم و إنما یجلس له لا للأغراض الفاسدة لیسلم أی من مفاسد الكلام و ینطق لیفهم أی إنما ینطق فی تلك المجالس لیفهم ما أفاده العالم إن لم یفهمه لا للمجادلة و إظهار الفضل لا یحدث أمانته أی السر أو المال الذی ائتمن علیه أو أسرار أموره التی یخشی علیه الضرر فإطلاق الأمانة باعتبار أنه یجعله أمانة عند من یحدثه الأصدقاء فكیف الأعداء.

و لا یكتم أی لو كان عنده شهادة لعدو لا تحمله عداوته علی أن لا یقول له أنا شاهد لك أو لا یكتمه إذا استشهده فالمراد للأعداء شیئا من الحق أی العبادات الحقة لیراه الناس و فیه إشعار بأنه لا یفعل غیر الحق و لا یأتی ببدعة و لا یتركه أی الحق حیاء لأنه لا حیاء فی الحق كما قال اللّٰه تعالی وَ اللَّهُ لا یَسْتَحْیِی مِنَ الْحَقِ (3) إن زكی أی أثنی علیه و مدح بما یفعله خاف ما یقولون و فی الكافی مما یقولون أی خاف أن یكون قولهم سببا لإعجابه بنفسه و عمله فیضیع عمله أو یكونوا كاذبین و رضی بكذبهم فیعاقب علی ذلك مع أنه لا ینفع تزكیتهم كما قال تعالی فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ (4) بَلِ اللَّهُ یُزَكِّی مَنْ یَشاءُ(5)

ص: 292


1- 1. أمالی الصدوق: 295 ط قم المجلس 74.
2- 2. تری شطره الأول فی الكافی ج 2 ص 231. باب المؤمن و علاماته تحت الرقم 3، و شطره الثانی ص 396 باب صفة النفاق و المنافق تحت الرقم 3 أیضا.
3- 3. الأحزاب: 53.
4- 4. النجم: 32.
5- 5. النساء: 49.

مما لا یعلمون أی عیوبه و معاصیه التی صار عدم علمهم بها سببا لتزكیتهم لا یغره تأكید لما سبق أو استئناف بیانی و كذا الفقرة الآتیة علی اللف و النشر المرتب أی لا یغتر بتزكیة من لا یطلع علی عیوبه الخفیة فیعجب بقولهم.

إحصاء من قد علمه أی الرب أو الأعم منه و من النبی و الأئمة علیهم السلام و الملائكة الكاتبین و فی الكافی ما قد علمه فیكون إضافة إلی المفعول أی إحصاء ما تقدم ذكر أعماله و سیأتی شرح تتمة الخبر فی باب صفات المنافق إن شاء اللّٰه.

«15»- ل، [الخصال] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّضْرِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ صَالِحِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ أَبِی عُثْمَانَ عَبْدِ بْنِ مَیْمُونٍ السَّكُونِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْنٍ الْأَزْدِیِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنِ الطَّاوُسِ بْنِ الْیَمَانِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ علیهما السلام یَقُولُ: عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ قُلْتُ وَ مَا هُنَّ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ الْوَرَعُ فِی الْخَلْوَةِ وَ الصَّدَقَةُ فِی الْقِلَّةِ وَ الصَّبْرُ عِنْدَ الْمُصِیبَةِ وَ الْحِلْمُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَ الصِّدْقُ عِنْدَ الْخَوْفِ (1).

الدرة الباهرة، عنه علیه السلام: مثله بیان عند الخوف كأنه محمول علی خوف لم یصل إلی حد وجوب التقیة.

«16»- ل، [الخصال] عَنِ ابْنِ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ غَیْرِهِ بِإِسْنَادِهِ رَفَعَاهُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام أَنَّهُ قَالَ: الْمُؤْمِنُ مَنْ طَابَ مَكْسَبُهُ وَ حَسُنَتْ خَلِیقَتُهُ وَ صَحَّتْ سَرِیرَتُهُ وَ أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ كَلَامِهِ وَ كَفَی النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ وَ أَنْصَفَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ (2).

كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَیْفَرٍ عَنْ آدَمَ أَبِی الْحَسَنِ اللُّؤْلُؤِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ فِیهِ وَ كَفَی النَّاسَ شَرَّهُ (3).

ص: 293


1- 1. الخصال ج 2 ص 129.
2- 2. الخصال ج 2 ص 7.
3- 3. الكافی ج 2 ص 234.

بیان: فی رجال الشیخ آدم أبو الحسین من طاب مكسبه أی یكون ما یكتسبه من المال حلالا و فی القاموس فلان طیب المكسب و المكسب أی طیب الكسب خلیقته أی طبیعته بالتخلی عن الرذائل أو التحلی بالفضائل سریرته أی نیته أو بواطن أمره بأن لا یكون باطنه خلاف ظاهره أو قلبه بصحة عقائده و نیاته و فی القاموس السریرة ما یكتم.

و أنفق الفضل من ماله أی أنفق ما یفضل عن نفقة نفسه و عیاله فی سبیل اللّٰه و الفضل من كلامه ما لا نفع فیه لآخرته و كفی الناس شره بأن یكف عنهم ضره و أنصف الناس من نفسه بأن یحكم لهم علیها و یحب لهم ما یحب لها و یكره لهم ما یكره لها.

«17»- ل، [الخصال]: فِی وَصِیَّةِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی عَلِیٍّ علیه السلام یَا عَلِیُّ یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ لِلْمُؤْمِنِ ثَمَانُ خِصَالٍ وَقَارٌ عِنْدَ الْهَزَاهِزِ وَ صَبْرٌ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَ شُكْرٌ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَ قُنُوعٌ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ لَا یَظْلِمُ الْأَعْدَاءَ وَ لَا یَتَحَامَلُ لِلْأَصْدِقَاءِ بَدَنُهُ مِنْهُ فِی تَعَبٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ(1).

«18»- ل، [الخصال] عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ وَ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ مَعاً عَنِ الْأَشْعَرِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِی سُلَیْمَانَ الْحُلْوَانِیِّ أَوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: صِفَةُ الْمُؤْمِنِ قُوَّةٌ فِی دِینٍ وَ حَزْمٌ فِی لِینٍ وَ إِیمَانٌ فِی یَقِینٍ وَ حِرْصٌ فِی فِقْهٍ وَ نَشَاطٌ فِی هُدًی وَ بِرٌّ فِی اسْتِقَامَةٍ وَ إِغْمَاضٌ عِنْدَ شَهْوَةٍ وَ عِلْمٌ فِی حِلْمٍ وَ شُكْرٌ فِی رِفْقٍ وَ سَخَاءٌ فِی حَقٍّ وَ قَصْدٌ فِی غِنًی وَ تَجَمُّلٌ فِی فَاقَةٍ وَ عَفْوٌ فِی قُدْرَةٍ وَ طَاعَةٌ فِی نَصِیحَةٍ وَ وَرَعٌ فِی رَغْبَةٍ وَ حِرْصٌ فِی جِهَادٍ وَ صَلَاةٌ فِی شُغُلٍ وَ صَبْرٌ فِی شِدَّةٍ وَ فِی الْهَزَاهِزِ وَقُورٌ وَ فِی الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَ فِی الرَّخَاءِ شَكُورٌ لَا یَغْتَابُ وَ لَا یَتَكَبَّرُ وَ لَا یَبْغِی وَ إِنْ بُغِیَ عَلَیْهِ صَبَرَ وَ لَا یَقْطَعُ الرَّحِمَ وَ لَیْسَ بِوَاهِنٍ وَ لَا فَظٍّ غَلِیظٍ وَ لَا یَسْبِقُهُ بَصَرُهُ وَ لَا یَفْضَحُهُ بَطْنُهُ وَ لَا یَغْلِبُهُ فَرْجُهُ وَ لَا یَحْسُدُ النَّاسَ وَ لَا یَقْتُرُ وَ لَا یُبَذِّرُ وَ لَا یُسْرِفُ بَلْ یَقْتَصِدُ یَنْصُرُ الْمَظْلُومَ وَ یَرْحَمُ الْمَسَاكِینَ.

ص: 294


1- 1. الخصال ج 2 ص 38.

نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ لَا یَرْغَبُ فِی عِزِّ الدُّنْیَا وَ لَا یَجْزَعُ مِنَ الْمَهَانَةِ لِلنَّاسِ هَمٌّ قَدْ أَقْبَلُوا عَلَیْهِ وَ لَهُ هَمٌّ قَدْ شَغَلَهُ لَا یُرَی فِی حِلْمِهِ نَقْصٌ وَ لَا فِی رَأْیِهِ وَهْنٌ وَ لَا فِی دِینِهِ ضَیَاعٌ یُرْشِدُ مَنِ اسْتَشَارَهُ وَ یُسَاعِدُ مَنْ سَاعَدَهُ وَ یَكِیعُ عَنِ الْبَاطِلِ وَ الْخَنَاءِ وَ الْجَهْلِ فَهَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ (1).

بیان: قد مر شرحه بروایة الكلینی (2)

و إنما أعدناه للاختلاف الكثیر بینهما و شكر أی لله بالطاعة مع رفق فیها و عدم المبالغة فیها بحیث یتضجر و یضعف عنها أو مع رفق بالخلق و یحتمل أن یكون المراد شكر الخلق و فیما مر و كیس.

«19»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنِ الْمُفِیدِ عَنِ ابْنِ قُولَوَیْهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِیهِ كَمُلَ إِیمَانُهُ وَ إِنْ كَانَ مِنْ قَرْنِهِ إِلَی قَدَمِهِ ذُنُوبٌ لَمْ یَنْقُصْهُ ذَلِكَ وَ هِیَ الصِّدْقُ وَ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَ الْحَیَاءُ وَ حُسْنُ الْخُلُقِ (3).

محص، [التمحیص] عن أمیر المؤمنین علیه السلام عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله: مثله- كا، [الكافی] عن محمد بن یحیی عن ابن عیسی: مثله (4)

بیان: أربع مبتدأ أی خصال أربع و الموصول بصلته خبره و إن كان من قرنه مبالغة فی الكثرة أو كنایة عن صدورها من كل جارحة من جوارحه و یمكن حملها علی الصغائر فإن صدور الكبائر الكثیرة من صاحب تلك الخصال بعید و یحتمل أن یكون المراد أنه یوفق للتوبة و هذه الخصال تدعوه إلیها فإن كلا منها یمنع كثیرا من الذنوب كما لا یخفی.

ص: 295


1- 1. الخصال ج 2: 131.
2- 2. تحت الرقم 3 ص 271.
3- 3. أمالی الشیخ ج 1 ص 43.
4- 4. الكافی ج 2: 98.

«20»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنِ الْمُفِیدِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی أَیُّوبَ الْخَزَّازِ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ علیهما السلام قَالَ كَانَ أَبِی عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ علیهما السلام یَقُولُ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِیهِ كَمَلَ إِیمَانُهُ وَ مُحِّصَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ وَ لَقِیَ رَبَّهُ وَ هُوَ عَنْهُ رَاضٍ مَنْ وَفَی لِلَّهِ بِمَا جَعَلَ عَلَی نَفْسِهِ لِلنَّاسِ وَ صَدَقَ لِسَانُهُ مَعَ النَّاسِ وَ اسْتَحْیَا مِنْ كُلِّ قَبِیحٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ النَّاسِ وَ حَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ أَهْلِهِ (1).

سن، [المحاسن] عن أبیه عن ابن محبوب: مثله (2)

بیان: فی النهایة أصل المحص التخلیص و منه تمحیص الذنوب أی إزالتها بما جعل علی نفسه للناس أی بالنذر أو العهد أو الیمین كما یومئ إلیه قوله وفی لله و یحتمل التعمیم لأن الوفاء بالعهد إن لم یكن واجبا فلا ریب فی رجحانه و عند الناس أی إذا لم یكن مستحسنا عند اللّٰه أو المراد بالناس كملهم مع أهله التخصیص لأنه أفضل و أهم.

«21»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] الْمُفِیدُ عَنِ الْجِعَابِیِّ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ طَاهِرِ بْنِ مِدْرَارٍ عَنْ رَزِینِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام یَقُولُ: لَا یَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً حَتَّی یَكُونَ كَامِلَ الْعَقْلِ وَ لَا یَكُونُ كَامِلَ الْعَقْلِ حَتَّی یَكُونَ فِیهِ عَشْرُ خِصَالٍ الْخَیْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ یَسْتَقِلُّ كَثِیرَ الْخَیْرِ مِنْ نَفْسِهِ وَ یَسْتَكْثِرُ قَلِیلَ الْخَیْرِ مِنْ غَیْرِهِ وَ یَسْتَكْثِرُ قَلِیلَ الشَّرِّ مِنْ نَفْسِهِ وَ یَسْتَقِلُّ كَثِیرَ الشَّرِّ مِنْ غَیْرِهِ لَا یَتَبَرَّمُ بِطَلَبِ الْحَوَائِجِ قِبَلَهُ وَ لَا یَسْأَمُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ عُمُرَهُ الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَیْهِ مِنَ الْعِزِّ وَ الْفَقْرُ أَحَبُّ إِلَیْهِ مِنَ الْغِنَی حَسْبُهُ مِنَ الدُّنْیَا قُوتٌ وَ الْعَاشِرَةُ وَ مَا الْعَاشِرَةُ لَا یَلْقَی أَحَداً إِلَّا قَالَ هُوَ خَیْرٌ مِنِّی وَ أَتْقَی إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ رَجُلٌ خَیْرٌ مِنْهُ وَ أَتْقَی وَ آخَرُ شَرٌّ مِنْهُ وَ أَدْنَی فَإِذَا لَقِیَ

ص: 296


1- 1. أمالی الشیخ ج 1 ص 71.
2- 2. المحاسن ص 8.

الَّذِی هُوَ خَیْرٌ مِنْهُ وَ أَتْقَی تَوَاضَعَ لَهُ لِیَلْحَقَ بِهِ وَ إِذَا لَقِیَ الَّذِی هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَ أَدْنَی قَالَ لَعَلَّ شَرَّ هَذَا ظَاهِرٌ وَ خَیْرَهُ بَاطِنٌ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَا وَ سَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ (1).

بیان: فی القاموس البرم محركة السأمة و الضجر و أبرمه فبرم كفرح و تبرم أمله فمل قبله بكسر القاف و فتح الباء أی عنده الذل أحب إلیه من العز لعل المعنی أن ذله عند نفسه أحب إلیه من العز و التكبر أو یحب الذل إذا علم أن العز یصیر سببا لفساده و بغیه أو إذا أذله اللّٰه یرضی بذلك و یكون أحب إلیه لقلة مفاسده كما هو الظاهر من الفقرة التی بعدها لئلا ینافی ما ورد من أنه تعالی لا یرضی بذل المؤمن و لم یدع إلیه أن یذل نفسه حسبه من الدنیا قوت أی یكتفی بالقوت و لا یطلب أكثر منه.

و اعلم أن الخصال المذكورة اثنتا عشرة فلا یوافق العدد المذكور أولا و یمكن توجیهه بوجوه الأول عد استقلال الخیر من نفسه و استكثاره من غیره واحدا لتلازمهما غالبا و كذا عد القرینتین بعدهما واحدا لذلك.

الثانی عد تقلیل الخیر من نفسه و تكثیر الشر منها واحدا لقربهما و تلازمهما و كذا تقلیل الشر و تكثیر الخیر من الغیر.

الثالث عد كون الخیر مأمولا منه و الشر مأمونا واحدا للتلازم غالبا و جعل الاكتفاء بالقوت من تتمة الفقرة السابقة لا خصلة أخری.

الرابع عد قوله الذل إلی قوله قوت خصلة واحدة لتقارب الجمیع و لكل وجه و إن كان لا یخلو شی ء منها من تكلف و ساد أهل زمانه أی صار سیدهم و أشرفهم حسبا و كرامة.

«22»- جا،(2) [المجالس للمفید] ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنِ الْمُفِیدِ عَنِ ابْنِ قُولَوَیْهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْقَمَّاطِ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ سَمِعْتُ

ص: 297


1- 1. أمالی الشیخ الطوسیّ ج 1 ص 152.
2- 2. مجالس المفید ص 219. المجلس 42.

أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: لَا یَكْمُلُ إِیمَانُ الْعَبْدِ حَتَّی یَكُونَ فِیهِ أَرْبَعُ خِصَالٍ یُحَسِّنُ خُلُقَهُ وَ یَسْتَخِفُّ نَفْسَهُ (1)

وَ یُمْسِكُ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ وَ یُخْرِجُ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ (2).

سن، [المحاسن] عن أبیه عن أبی سعید القماط: مثله (3).

«23»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ الْحُسَیْنِ بْنِ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ: الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِیمٌ وَ الْفَاجِرُ خَبٌّ لَئِیمٌ وَ خَیْرُ الْمُؤْمِنِینَ مَنْ كَانَ مَأْلَفَةً لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لَا خَیْرَ فِیمَنْ لَا یَأْلَفُ وَ لَا یُؤْلَفُ قَالَ وَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ شِرَارُ النَّاسِ مَنْ یُبْغِضُ الْمُؤْمِنِینَ وَ تُبْغِضُهُ قُلُوبُهُمْ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِیمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَیْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ لِلْبِرَاءِ الْعَیْبَ أُولَئِكَ لا یَنْظُرُ اللَّهُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَكِّیهِمْ ثُمَّ تَلَا صلی اللّٰه علیه و آله هُوَ الَّذِی أَیَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِینَ (4)

أَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ (5).

بیان: مألفة أی محلا لألفتهم یألفون به أو یألفهم أیضا قال فی المصباح المألف الموضع الذی یألفه الإنسان و ألفته من باب علمت أنست به و أحببته و الاسم الألفة بالضم و الألفة أیضا اسم من الائتلاف و هو الالتیام و الاجتماع و النمیمة نقل الحدیث من قوم إلی قوم علی جهة الإفساد و الشر.

الباغون أی الطالبون للبراء من العیوب العیب لا یَنْظُرُ اللّٰه إِلَیْهِمْ كنایة من عدم اللطف أو المعنی لا ینظر اللّٰه إلیهم نظر رحمة وَ لا یُزَكِّیهِمْ أی لا یثنی علیهم و لا یقبل أعمالهم أو لا ینمی أعمالهم و الاستشهاد بالآیة لدلالتها علی

ص: 298


1- 1. فی الأمالی و یسخو نفسه.
2- 2. أمالی الطوسیّ ج 1 ص 235.
3- 3. المحاسن ص 8.
4- 4. الأنفال: 62. و الآیة التی بعدها فی الأنفال: 63.
5- 5. أمالی الطوسیّ ج 2 ص 78.

حسن التألیف بین قلوب المؤمنین و التزاما علی قبح التفریق بینهم.

«24»- ع، [علل الشرائع] عَنِ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ هَارُونَ عَنِ ابْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ: قِیلَ لَهُ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِ أَحَدُّ شَیْ ءٍ قَالَ لِأَنَّ عِزَّ الْقُرْآنِ فِی قَلْبِهِ وَ مَحْضَ الْإِیمَانِ فِی صَدْرِهِ وَ هُوَ بَعْدُ مُطِیعٌ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ مُصَدِّقٌ قِیلَ فَمَا بَالُ الْمُؤْمِنِ قَدْ یَكُونُ أَشَحَّ شَیْ ءٍ قَالَ لِأَنَّهُ یَكْسِبُ الرِّزْقَ مِنْ حِلِّهِ وَ مَطْلَبُ الْحَلَالِ عَزِیزٌ فَلَا یُحِبُّ أَنْ یُفَارِقَهُ لِشِدَّةِ مَا یَعْلَمُ مِنْ عُسْرِ مَطْلَبِهِ وَ إِنْ هُوَ سَخَتْ نَفْسُهُ لَمْ یَضَعْهُ إِلَّا فِی مَوْضِعِهِ قِیلَ لَهُ فَمَا بَالُ الْمُؤْمِنِ قَدْ یَكُونُ أَنْكَحَ شَیْ ءٍ قَالَ لِحِفْظِهِ فَرْجَهُ مِنْ فُرُوجِ مَا لَا یَحِلُّ لَهُ وَ لَكِنْ لَا تَمِیلُ بِهِ شَهْوَتُهُ هَكَذَا وَ لَا هَكَذَا فَإِذَا ظَفِرَ بِالْحَلَالِ اكْتَفَی بِهِ وَ اسْتَغْنَی بِهِ عَنْ غَیْرِهِ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ قُوَّةَ الْمُؤْمِنِ فِی قَلْبِهِ أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ تَجِدُونَهُ ضَعِیفَ الْبَدَنِ نَحِیفَ الْجِسْمِ وَ هُوَ یَقُومُ اللَّیْلَ وَ یَصُومُ النَّهَارَ وَ قَالَ الْمُؤْمِنُ أَشَدُّ فِی دِینِهِ مِنَ الْجِبَالِ الرَّاسِیَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَبَلَ قَدْ یُنْحَتُ مِنْهُ وَ الْمُؤْمِنُ لَا یَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَی أَنْ یَنْحَتَ مِنْ دِینِهِ شَیْئاً وَ ذَلِكَ لِضَنِّهِ بِدِینِهِ وَ شُحِّهِ عَلَیْهِ (1).

بیان: لأن عز القرآن فی قلبه أی حدته إنما هی فی الدین لتنمره فی ذات اللّٰه و عدم المداهنة فی دین اللّٰه.

«25»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنْ مُوسَی بْنِ الْقَاسِمِ الْعِجْلِیِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَقِیَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْماً حَارِثَةَ بْنَ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِیَّ قَالَ لَهُ كَیْفَ أَصْبَحْتَ یَا حَارِثَةُ قَالَ أَصْبَحْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مُؤْمِناً حَقّاً قَالَ إِنَّ لِكُلِّ إِیمَانٍ حَقِیقَةً فَمَا حَقِیقَةُ إِیمَانِكَ قَالَ عَزَفَتْ نَفْسِی عَنِ الدُّنْیَا وَ أَسْهَرَتْ لَیْلِی وَ أَظْمَأَتْ نَهَارِی فَكَأَنِّی بَعَرْشِ رَبِّی وَ قَدْ قَرُبَ لِلْحِسَابِ وَ كَأَنِّی بِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِیهَا یَتَزَاوَرُونَ وَ أَهْلِ النَّارِ فِیهَا یُعَذَّبُونَ

ص: 299


1- 1. علل الشرائع ج 2 ص 244.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْتَ مُؤْمِنٌ نَوَّرَ اللَّهُ الْإِیمَانَ فِی قَلْبِكَ فَاثْبُتْ ثَبَّتَكَ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا عَلَی نَفْسِی مِنْ شَیْ ءٍ أَخْوَفَ مِنِّی عَلَیْهَا مِنْ بَصَرِی فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَذَهَبَ بَصَرُهُ (1).

«26»- مع، [معانی الأخبار] عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ حَرْبِ بْنِ الْحَسَنِ الطَّحَّانِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ فُضَیْلِ بْنِ یَسَارٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: لَا یَبْلُغُ أَحَدُكُمْ حَقِیقَةَ الْإِیمَانِ حَتَّی یَكُونَ فِیهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ الْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَیْهِ مِنَ الْحَیَاةِ وَ الْفَقْرُ أَحَبُّ إِلَیْهِ مِنَ الْغِنَی وَ الْمَرَضُ أَحَبُّ إِلَیْهِ مِنَ الصِّحَّةِ قُلْنَا وَ مَنْ یَكُونُ كَذَلِكَ قَالَ كُلُّكُمْ ثُمَّ قَالَ أَیُّمَا أَحَبُّ إِلَی أَحَدِكُمْ یَمُوتُ فِی حُبِّنَا أَوْ یَعِیشُ فِی بُغْضِنَا فَقُلْتُ نَمُوتُ وَ اللَّهِ فِی حُبِّكُمْ أَحَبُّ إِلَیْنَا قَالَ وَ كَذَلِكَ الْفَقْرُ وَ الْغِنَی وَ الْمَرَضُ وَ الصِّحَّةُ قُلْتُ إِی وَ اللَّهِ (2).

«27»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَیْفٍ عَنْ أَخِیهِ عَلِیٍّ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ: لَا یَسْتَكْمِلُ عَبْدٌ حَقِیقَةَ الْإِیمَانِ حَتَّی یَكُونَ فِیهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ التَّفَقُّهُ فِی الدِّینِ وَ حُسْنُ التَّقْدِیرِ فِی الْمَعِیشَةِ وَ الصَّبْرُ عَلَی الرَّزَایَا(3).

«28»- سن، [المحاسن] عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَیْنِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: ثَلَاثُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِیهِ یَسْتَكْمِلُ خِصَالَ الْإِیمَانِ الَّذِی إِذَا رَضِیَ لَمْ یُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِی بَاطِلٍ وَ إِذَا غَضِبَ لَمْ یُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنَ الْحَقِّ وَ إِذَا قَدَرَ لَمْ یَتَعَاطَ مَا لَیْسَ لَهُ (4).

كا، [الكافی] عن العدة عن البرقی: مثله (5)

ص: 300


1- 1. معانی الأخبار ص 187.
2- 2. معانی الأخبار ص 189.
3- 3. المحاسن ص 5.
4- 4. المحاسن: 6.
5- 5. الكافی ج 2 ص 239.

ل، [الخصال] عن أبیه عن محمد بن علی بن الصلت عن البرقی عن ابن فضال عن عاصم عن الثمالی عن عبد اللّٰه بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسین بن علی عن أبیها(1): مثله

بیان: الظاهر أن فیه إرسالا لأن فاطمة بنت الحسین علیه السلام لم تعهد روایتها عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله بل لم تلقه و كأنه كان عن فاطمة بنت الحسین عن الحسین كما فی الخصال.

یستكمل أی لا تحصل هذه الأخلاق فی مؤمن إلا و قد حصلت فیه سائر الخصال لأنها أشقها و أشدها و أیضا أنها مستلزمة للعدل و هو التوسط بین الإفراط و التفریط و هو معیار جمیع الكمالات و فی القاموس التعاطی التناول و تناول ما لا یحق و التنازع فی الأخذ و ركوب الأمر انتهی (2)

أی بعد القدرة لا یأخذ أو لا یرتكب ما لیس له.

«29»- سن، [المحاسن] رُوِیَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سِتَّةٌ لَا تَكُونُ فِی مُؤْمِنٍ قِیلَ وَ مَا هِیَ قَالَ الْعُسْرُ وَ النَّكَدُ وَ اللَّجَاجَةُ وَ الْكَذِبُ وَ الْحَسَدُ وَ الْبَغْیُ وَ قَالَ لَا یَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُحَارِباً(3).

بیان: العسر الشدة فی المعاملات و عدم السهولة و النكد العسر و الخشونة فی المعاشرات و قلة العطاء و البخل و هو أظهر فی القاموس نكد عیشهم كفرح اشتد و عسر و البئر قل ماؤها و نكد فلانا كنصر منعه ما سأله أو لم یعطه إلا أقله و النكد بالضم قلة العطاء و یفتح و اللجاجة الخصومة.

قوله محاربا أی بغیر حق و فی بعض النسخ مجازفا و الجزاف معرب گزاف و هو بیع الشی ء لا یعلم كیله و لا وزنه و المجازفة فی البیع المساهلة فیه قال فی المصباح یقال لمن یرسل كلامه إرسالا من غیر قانون جازف فی كلامه

ص: 301


1- 1. الخصال ج 1 ص 52.
2- 2. القاموس ج 4 ص 364.
3- 3. المحاسن: 158 و فیه: مجازفا.

فأقیم نهج الصواب مقام الكیل و الوزن انتهی.

و أقول كأنه المراد هنا و فی بعض النسخ بالحاء و الراء المهملتین و المجارف بفتح الراء المحروم المحدود الذی سد علیه أبواب الرزق و فی كونه منافیا للإیمان الكامل إشكال إلا أن یكون مبنیا علی الغالب.

«30»- سن، [المحاسن] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادٍ الْكُوفِیِّ عَنْ مُیَسِّرِ بْنِ سَعِیدٍ الْقَصِیرِ الْجَوْهَرِیِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: یُعْرَفُ مَنْ یَصِفُ الْحَقَّ بِثَلَاثِ خِصَالٍ یُنْظَرُ إِلَی أَصْحَابِهِ مَنْ هُمْ وَ إِلَی صَلَاتِهِ كَیْفَ هِیَ وَ فِی أَیِّ وَقْتٍ یُصَلِّیهَا فَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ نُظِرَ أَیْنَ یَضَعُ مَالَهُ (1).

«31»- سن، [المحاسن] عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانٍ الْأَحْمَرِ عَنِ ابْنِ سَیَابَةَ عَنْ أَبِی النُّعْمَانِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: أَ لَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ الْمُؤْمِنُ مَنِ ائْتَمَنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَی أَمْوَالِهِمْ وَ أُمُورِهِمْ وَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ یَدِهِ وَ الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّیِّئَاتِ فَتَرَكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ (2).

«32»- شا، [الإرشاد] رُوِیَ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ الْعَبْدِیِّ قَالَ: صَلَّی بِنَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام ذَاتَ یَوْمٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَی الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ یَذْكُرُ اللَّهَ لَا یَلْتَفِتُ یَمِیناً وَ لَا شِمَالًا حَتَّی صَارَتِ الشَّمْسُ عَلَی حَائِطِ مَسْجِدِكُمْ هَذَا یَعْنِی جَامِعَ الْكُوفَةِ قِیسَ رُمْحٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیْنَا بِوَجْهِهِ علیه السلام فَقَالَ لَقَدْ عَهِدْتُ أَقْوَاماً عَلَی عَهْدِ خَلِیلِی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ إِنَّهُمْ لَیُرَاوِحُونَ فِی هَذَا اللَّیْلِ بَیْنَ جِبَاهِهِمْ وَ رُكَبِهِمْ فَإِذَا أَصْبَحُوا أَصْبَحُوا شُعْثاً غُبْراً بَیْنَ أَعْیُنِهِمْ شِبْهُ رُكَبِ الْمِعْزَی فَإِذَا ذَكَرُوا الْمَوْتَ مَادُوا كَمَا یَمِیدُ الشَّجَرَةُ فِی الرِّیحِ ثُمَّ انْهَمَلَتْ عُیُونُهُمْ حَتَّی تُبَلَّ ثِیَابَهُمْ ثُمَّ نَهَضَ علیه السلام وَ هُوَ یَقُولُ كَأَنَّمَا الْقَوْمُ بَاتُوا غَافِلِینَ (3).

ص: 302


1- 1. المحاسن ص 254.
2- 2. المحاسن ص 285.
3- 3. الإرشاد ص 114.

بیان: فی القاموس قیس رمح بالكسر و قاسه قدره (1).

«33»- قب، [المناقب لابن شهرآشوب] قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَعْطَی الْمُؤْمِنَ الْبَدَنَ الصَّحِیحَ وَ اللِّسَانَ الْفَصِیحَ وَ الْقَلْبَ الصَّرِیحَ وَ كَلَّفَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا طَاعَةً لِذَاتِهِ وَ لِنَبِیِّهِ وَ لِخُلَفَائِهِ فَمِنَ الْبَدَنِ الْخِدْمَةُ لَهُ وَ لَهُمْ وَ مِنَ اللِّسَانِ الشَّهَادَةُ بِهِ وَ بِهِمْ وَ مِنَ الْقَلْبِ الطُّمَأْنِینَةُ بِذِكْرِهِ وَ بِذِكْرِهِمْ فَمَنْ شَهِدَ بِاللِّسَانِ وَ اطْمَأَنَّ بِالْجَنَانِ وَ خَدَمَ بِالْأَرْكَانِ أَنْزَلَهُ اللَّهُ الْجِنَانَ (2).

بیان: البدن الصحیح كأن المعنی الصحة من الذنوب و العیوب المعنویة أو الصحة من الآفات التی تورث الشین فیكون مختصا بالأنبیاء و الأئمة علیهم السلام و الصریح الخالص من كل شی ء و المراد به هنا الخالص من الغل و الحسد و الشك و الشبهة.

«34»- كِتَابُ صِفَاتِ الشِّیعَةِ، لِلصَّدُوقِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ ابْنِ مَسْرُورٍ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ عَنْ عَمِّهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: لَا دِینَ لِمَنْ لَا تَقِیَّةَ لَهُ وَ لَا إِیمَانَ لِمَنْ لَا وَرَعَ لَهُ.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَفْوَانَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ الَّذِی إِذَا غَضِبَ لَمْ یُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنْ حَقٍّ وَ الَّذِی إِذَا رَضِیَ لَمْ یُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِی بَاطِلٍ وَ الَّذِی إِذَا قَدَرَ لَمْ یَأْخُذْ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ (3).

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: مَنْ سَاءَتْهُ سَیِّئَتُهُ وَ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَبِیبٍ الْوَاسِطِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا أَقْبَحَ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ لَهُ رَقَبَةٌ تُذِلُّهُ.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُسَیْنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَشَدُّ

ص: 303


1- 1. القاموس ج 2 ص 244.
2- 2. مناقب آل أبی طالب ج 4 ص 180.
3- 3. مما له خ.

مِنْ زُبَرِ الْحَدِیدِ إِنَّ زُبَرَ الْحَدِیدِ إِذَا دَخَلَ النَّارَ تَغَیَّرَ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَوْ قُتِلَ ثُمَّ نُشِرَ ثُمَّ قُتِلَ لَمْ یَتَغَیَّرْ قَلْبُهُ (1).

بیان: فی القاموس الزبرة بالضم القطعة من الحدید و الجمع زبر و زبر لم یتغیر قلبه أی عقائده التی فی قلبه.

«35»- صِفَاتُ الشِّیعَةِ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ لَا یَدْخُلُ فِیهِمْ دَاخِلٌ وَ لَا یَخْرُجُ مِنْهُمْ خَارِجٌ مَثَلُهُمْ وَ اللَّهِ مَثَلُ الرَّأْسِ فِی الْجَسَدِ وَ مَثَلُ الْأَصَابِعِ فِی الْكَفِّ فَمَنْ رَأَیْتُمْ یُخَالِفُ ذَلِكَ فَاشْهَدُوا عَلَیْهِ بَتَاتاً أَنَّهُ مُنَافِقٌ (2).

بیان: مثلهم أی ینبغی أن یكون منزلة كل مؤمن من سائر المؤمنین منزلة الرأس من الجسد فی التواصل و التعاون و اهتمام المؤمنین بهم بعضهم بتاتا أی بتا و قطعا.

«36»- صِفَاتُ الشِّیعَةِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ الدَّیْلَمِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: الشِّتَاءُ رَبِیعُ الْمُؤْمِنِ یَطُولُ فِیهِ لَیْلُهُ فَیَسْتَعِینُ بِهِ عَلَی قِیَامِهِ.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِیدِ بْنِ غَزْوَانَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: الْمُؤْمِنُ لَا یَكُونُ مُحَارَفاً(3).

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ هَیْثَمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِیهِ اسْتَكْمَلَ خِصَالَ الْإِیمَانِ مَنْ صَبَرَ عَلَی الظُّلْمِ وَ كَظَمَ غَیْظَهُ وَ احْتَسَبَ وَ عَفَا كَانَ مِمَّنْ یُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَ شُفِّعَ فِی مِثْلِ رَبِیعَةَ وَ مُضَرَ.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَیْدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِینَ حَتَّی تَكُونُوا مُؤْتَمَنِینَ وَ حَتَّی تَعُدُّوا نِعْمَةَ الرَّخَاءِ مُصِیبَةً وَ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَی الْبَلَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَافِیَةِ عِنْدَ الرَّخَاءِ.

ص: 304


1- 1. صفات الشیعة ص 179.
2- 2. صفات الشیعة ص 179.
3- 3. مجازفا خ ل.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ مَنْ یَخَافُهُ كُلُّ شَیْ ءٍ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ عَزِیزٌ فِی دِینِ اللَّهِ وَ لَا یَخَافُ مِنْ شَیْ ءٍ وَ هُوَ عَلَامَةُ كُلِّ مُؤْمِنٍ.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ یَخْشَعُ لَهُ كُلُّ شَیْ ءٍ ثُمَّ قَالَ إِذَا كَانَ مُخْلِصاً لِلَّهِ قَلْبَهُ أَخَافَ اللَّهُ مِنْهُ كُلَّ شَیْ ءٍ حَتَّی هَوَامَّ الْأَرْضِ وَ سِبَاعَهَا وَ طَیْرَ السَّمَاءِ(1).

«37»- نهج، [نهج البلاغة] قَالَ علیه السلام: الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِی وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِی قَلْبِهِ أَوْسَعُ شَیْ ءٍ صَدْراً وَ أَذَلُّ شَیْ ءٍ نَفْساً یَكْرَهُ الرِّفْعَةَ وَ یَشْنَأُ السُّمْعَةَ طَوِیلٌ غَمُّهُ بَعِیدٌ هَمُّهُ كَثِیرٌ صَمْتُهُ مَشْغُولٌ وَقْتُهُ شَكُورٌ صَبُورٌ مَغْمُورٌ بِفِكْرَتِهِ ضَنِینٌ بِخَلَّتِهِ سَهْلُ الْخَلِیقَةِ لَیِّنُ الْعَرِیكَةِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَ هُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ(2).

توضیح: البشر بالكسر الطلاقة و كتمان الحزن من الشكر و لا یختص بحزن الآخرة كما قیل و سعة صدره كنایة عن قوة حلمه و شدة تحمله للمشاق و ذلة نفسه للتواضع و النظر إلی عظمة اللّٰه و استحقار العمل.

یكره الرفعة أی الشرف و العلو فی الدنیا و یشنأ كیمنع و یسمع یبغض السمعة أی إسماع العمل الناس أو فعله لذلك و طول الغم لذكر الموت و الآخرة و عدم العلم بالعاقبة بعید همه أی حزنه تأكیدا أو الهم بمعنی القصد و العزم أی همته عالیة مصروفة إلی الأمور الباقیة مشغول وقته أی مستغرق فی العبادة و الذكر و التفكر فی آیات اللّٰه و تحصیل العلم و بذله و نحو ذلك و الحاصل أنه لا یضیع العمر.

مغمور بفكرته یقال عمره الماء كنصر أی غطاه و الفكر و الفكرة إعمال النظر و المراد به التفكر فی آلاء اللّٰه و عبره و علوم اللّٰه و حكمه.

ضنین بخلته الضنة البخل و الخلة بالضم الصداقة و المحبة التی تخللت القلب فصارت خلاله أی فی باطنه كما فی النهایة و فی المصباح الخلة بالفتح الصداقة

ص: 305


1- 1. صفات الشیعة ص 179- 181.
2- 2. نهج البلاغة ج 2 224 تحت الرقم 333 من الحكم.

و الضم لغة و بالفتح الفقر و الحاجة. فالفقرة تحتمل وجوها الأول أنه ضنین بخلته لترصده مواقع الخلة و أهلها الذین هم إخوان الصدق فی اللّٰه و هم قلیلون.

الثانی أن یكون المراد أنه إذا خال أحدا أی صادقه ضن أن یضیع خلته أو یهمل خلیله فالمراد استحكام مودته.

الثالث أن یكون بفتح الخاء كما روی أی إذا عرضت له حاجة ضن بها أن یسأل أحدا فیها و یظهرها.

و الخلیقة الطبیعة و سهولتها خلوها عن الفظاظة و الخشونة و العریكة النفس و الطبیعة یقال فلان لین العریكة إذا كان مطاوعا منقادا قلیل الخلاف و النفور منكسر النخوة و حجر صلد بالفتح أی صلب أملس و صلابته لثباته فی طاعة اللّٰه و إمضاء أموره و شجاعته و حمیته أو شدة إیمانه و یقینه و عدم تزلزله فی الفتن و ذلته تواضعه.

«38»- الْمَجَازَاتُ النَّبَوِیَّةُ، قَوْلُهُ علیه السلام مِنْ جُمْلَةِ كَلَامٍ: الْعِلْمُ خَلِیلُ الْمُؤْمِنِ وَ الْحِلْمُ وَزِیرُهُ وَ الْعَقْلُ دَلِیلُهُ وَ الْعَمَلُ قَیِّمُهُ وَ اللِّینُ أَخُوهُ وَ الرِّفْقُ وَالِدُهُ وَ الصَّبْرُ أَمِیرُ جُنُودِهِ (1).

الشِّهَابُ، عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله: مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ فِیهِ وَ الْعَمَلُ قَائِدُهُ وَ الْبِرُّ أَخُوهُ.

قال السید رضی اللّٰه عنه هذه الألفاظ كلها مستعارة منها فالمراد بقوله علیه السلام العلم خلیل المؤمن أنه یأنس به من الوحشة كما یسكن الحمیم إلی حمیمه و المراد بقوله علیه السلام و الحلم وزیره أنه یقوی به علی الأمور و یوازره علی كظم المكروه و المراد بقوله علیه السلام و العقل دلیله أنه بالعقل یهتدی فی ظلم المشكلات و ینجو من مضایق الغمرات فهو كالدلیل الذی یرشد فی المضال و یجنب عن المزال.

ص: 306


1- 1. المجازات النبویّة ص 123.

و المراد بقوله علیه السلام و العمل قیمه أن العمل یثقف میله و یقوم زلله و یسد خلله فهو كالقیم الذی یأتی بمصالح ما یقوم علیه و مراشد ما یوكل إلیه و المراد بقوله علیه السلام و اللین أخوه أن اللین یفیده مواخاة الإخوان و مخالصتهم و یحفظ علیه صفاءهم و مودتهم فجعله علیه السلام أخاه من حیث كان سببا لاجتلاب الإخوان إلیه و حفظ المودات علیه.

و المراد بقوله علیه السلام و الرفق والده كالمراد بقوله و اللین أخوه لأن الرفق یقبل إلیه بالقلوب و یظأر علیه كوامن الصدور فیصیر كل أحد فی الحنو علیه و المیل إلیه كالوالد الرءوف و الحدب العطوف (1).

و المراد بقوله علیه السلام و الصبر أمیر جنوده أن الصبر ملاك أمره و شداد أزره و به یبلغ الآداب و یدرك المحاب فهو كأمیر جنده الذی یقوی به علی أعدائه و یصل به إلی أغراضه و طلباته و قد یجوز أن یكون المراد أن الصبر رأس خلاله و رئیس خصاله فهو متقدم علیها و كالأمیر لسائرها كما أن الأمیر متقدم علی رعیته و سائس علی من فی طبقته.

«39»- الشِّهَابُ، قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُ یَسِیرُ الْمَئُونَةِ.

الضوء، ضوء الشهاب هذا إخبار معناه الأمر أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المؤمن أن یكون یسیر المئونة قانعا بالموجود صابرا عن المفقود شاكرا ذاكرا لا طامح البصر إلی زبرج الدنیا و لا جشعا تواقا إلی العلیا منكسر القلب ذلیل النفس للرب تكفیه الكسرة و ترویه الشربة و یواریه الجرد و یلفحه الحر و ینفحه البرد كما وصفه أمیر المؤمنین علیه السلام هُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِی تَعَبٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ و فائدة الحدیث الحث علی التخفف من الدنیا و الابتذال فیها و راویه أبو هریرة.

أقول: الجرد بالفتح الخلق البالی و لفح النار بحرها أحرقت و نفحت الریح هبت.

«40»- الشِّهَابُ، قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُ كَیِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ.

ص: 307


1- 1. الحدب ككتف: العطوف، فذكر العطوف بعده تأكید.

الضوء، ضوء الشهاب الكیاسة ضد الحمق و الكیس الظریف یقال هو كیس مكیس و ینسب إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال

أ ما ترانی كیسا مكیسا***بنیت بعد نافع مخیسا(1).

و مخیس اسم سجن بناه أمیر المؤمنین علیه السلام بالعراق و كان بنی قبله نافعا و حرقه لصوص حبسوا فیه و كان مبنیا من القصب فبنی مخیسا بالجص و الآجر و یقال مخیس أی ذلیل و مخیس أی موضع التذلیل و قد كاس الغلام یكیس كیسا و كیاسة و تكیس تظرف و كایسته فكسته أی غلبته.

و الفطنة كالفهم و رجل فطن و قد فطن فطنة و فطانة و فطانیة و الحذر احتراز عن مخیف یقال حذر حذرا و حذرته و حذار أی احذر و الحذر التحرز مثل الحذر و رجل حذر و حذر أی متیقظ متحرز و الجمع حذرین و حذاری.

و هذا الحدیث أیضا ظاهره إخبار و معناه أمر یأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الرجل المؤمن أن یكون كیسا ظریفا ضابطا أمر دینه و دنیاه فطنا غیر غافل عما سیدهمه متحرزا غایة التحرز.

و قال الحسن المؤمن فطن هدم دنیاه و بنی بها آخرته و لم یهدم آخرته و یبنی بها دنیاه.

و قال علی بن بكار ذهب الأخیار فلم یبق إلا من یؤثر الدرهمین علی دینه.

و قال یحیی بن معاذ الدرهم عقرب فإن لم تحسن رقیتها فلا تأخذه فإنها إن لذعتك قتلتك بسمها قیل و ما رقیتها قال أخذها من حلها و وضعها فی حلها.

ص: 308


1- 1. ذكره الجوهریّ: 923 و 969، و نسبه الی الراجز، و ذكره الفیروزآبادی ج 2 ص 213، قال: المخیس- كمعظم و محدث- السجن، و سجن بناه علی رضی اللّٰه تعالی عنه و كان أولا جعله من قصب و سماه نافعا فنقبه اللصوص فقال: أ ما ترانی كیسا مكیسا***بنیت بعد نافع مخیسا بابا حصینا و أمینا كیسا.

و إنما شرط صلی اللّٰه علیه و آله هذه الخلال للمؤمن لأن فیها جوامع الخیر یكون كیسا نظارا فی الدلائل الموصلة إلی العلم فطنا فهما عالما بما یأتی و یذر حذرا متحرزا مع ذلك كله لأن المؤمن منزله بین الخوف و الرجاء.

و فائدة الحدیث الحث علی التنبه و التقیظ و قلة الركون إلی الدنیا الخداعة المكاره و راوی الحدیث أنس بن مالك.

«41»- الشِّهَابُ، قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُ إِلْفٌ مَأْلُوفٌ.

الضوء، ضوء الشهاب الإلف اجتماع مع التیام یقال ألفت بین القوم و ألفت الموضع آلفه ألفا و آلفنیه زید فأنا آلف و آلفت الموضع أولفه إیلافا و آلفته أؤالفه مؤالفة و إلافا علی أفعل و فاعل (1)

و التألیف جمع أجزاء متفرقة علی ترتیب یقدم فیه المقدم و یؤخر المؤخر و أوالف الطیر التی ألفت الدور.

فیقول علیه السلام إن المؤمن ینبغی أن یكون آلفا مستأنسا بالخلق مستأنسا به غیر نافر منفر و لا منفور منه یخف إلی حاجات أخیه المؤمن غیر رافع نفسه عنه یغفر زلته و یقبل عثرته و لا یحسد و لا یحقد علیه موافقا غیر منافق محالفا غیر مخالف مناصحا غیر مفاضح.

و فائدة الحدیث الحث علی الإلف و حسن المصادقة و راوی الحدیث جابر بن عبد اللّٰه رضی اللّٰه عنه.

«42»- الشِّهَابُ، قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَی أَنْفُسِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ.

الضوء، ضوء الشهاب الأمن طمأنینة النفس و زوال الخوف و الأمن و الأمانة و الإیمان و الأمنة قریب من قریب و اللّٰه تعالی مؤمن لأنه آمن عباده من ظلمه إیاهم و رجل أمنة و أمنة(2)

یثق بكل أحد.

ص: 309


1- 1. و عبارة الجوهریّ فی الصحاح: 1332: فصار صورة أفعل و فاعل فی الماضی واحدا.
2- 2. الأول بالتحریك و الثانی كهمزة.

و هذا الحدیث أیضا ظاهره إخبار و هو فی معنی الأمر أی ینبغی أن یكون المؤمن موثوقا به مأمون الجانب نقیا من المعایب غیر خائن فی نفس أو مال و لا مخفر ذمة و لا ناقض عهد و لا ناكث عقد.

و فائدة الحدیث الحث علی الدیانة و الأمانة و الصیانة و اتباع الأحسن فی المعاملة و إیثار الصدق و المجاملة و راویا الحدیث أنس بن مالك و فضالة بن عبید.

«43»- ین، [كتاب حسین بن سعید] و النوادر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ وَ الْحُسَیْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِیَّاكُمْ وَ مَا یُعْتَذَرُ مِنْهُ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا یُسِی ءُ وَ لَا یَعْتَذِرُ وَ الْمُنَافِقُ یُسِی ءُ كُلَّ یَوْمٍ وَ یَعْتَذِرُ مِنْهُ (1).

«44»- محص، [التمحیص] عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ لَا یَغْلِبُهُ فَرْجُهُ وَ لَا یَفْضَحُهُ بَطْنُهُ.

«45»- محص، [التمحیص] رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: لَا یَكْمُلُ الْمُؤْمِنُ إِیمَانُهُ حَتَّی یَحْتَوِیَ عَلَی مِائَةٍ وَ ثَلَاثِ خِصَالٍ فِعْلٍ وَ عَمَلٍ وَ نِیَّةٍ وَ بَاطِنٍ وَ ظَاهِرٍ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا الْمِائَةُ وَ ثَلَاثُ خِصَالٍ فَقَالَ یَا عَلِیُّ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِ أَنْ یَكُونَ جَوَّالَ الْفِكْرِ جَوْهَرِیَّ الذِّكْرِ(2)

كَثِیراً عِلْمُهُ عَظِیماً حِلْمُهُ جَمِیلَ الْمُنَازَعَةِ كَرِیمَ الْمُرَاجَعَةِ أَوْسَعَ النَّاسِ صَدْراً وَ أَذَلَّهُمْ نَفْساً

ضِحْكُهُ تَبَسُّماً وَ اجْتِمَاعُهُ تَعَلُّماً مُذَكِّرَ الْغَافِلِ مُعَلِّمَ الْجَاهِلِ لَا یُؤْذِی مَنْ یُؤْذِیهِ وَ لَا یَخُوضُ فِیمَا لَا یَعْنِیهِ وَ لَا یَشْمَتُ بِمُصِیبَةٍ وَ لَا یَذْكُرُ أَحَداً بِغِیبَةٍ بَرِیئاً مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَاقِفاً عِنْدَ الشُّبُهَاتِ كَثِیرَ الْعَطَاءِ قَلِیلَ الْأَذَی عَوْناً لِلْغَرِیبِ وَ أَباً لِلْیَتِیمِ بِشْرُهُ فِی وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِی قَلْبِهِ مُتَبَشِّراً بِفَقْرِهِ أَحْلَی مِنَ الشَّهْدِ وَ أَصْلَدَ مِنَ الصَّلْدِ لَا یَكْشِفُ سِرّاً وَ لَا یَهْتِكُ سِتْراً لَطِیفَ

ص: 310


1- 1. هذه المصادر كلها مخطوط.
2- 2. جهوری الذكر، خ ل.

الْحَرَكَاتِ حُلْوَ الْمُشَاهَدَةِ كَثِیرَ الْعِبَادَةِ حَسَنَ الْوَقَارِ لَیِّنَ الْجَانِبِ طَوِیلَ الصَّمْتِ حَلِیماً إِذَا جُهِلَ عَلَیْهِ صَبُوراً عَلَی مَنْ أَسَاءَ إِلَیْهِ یُبَجِّلُ الْكَبِیرَ وَ یَرْحَمُ الصَّغِیرَ أَمِیناً عَلَی الْأَمَانَاتِ بَعِیداً مِنَ الْخِیَانَاتِ إِلْفُهُ التُّقَی وَ حِلْفُهُ الْحَیَاءُ كَثِیرَ الْحَذَرِ قَلِیلَ الزَّلَلِ حَرَكَاتُهُ أَدَبٌ وَ كَلَامُهُ عَجَبٌ مُقِیلَ الْعَثْرَةِ وَ لَا یَتَتَبَّعُ الْعَوْرَةَ وَقُوراً صَبُوراً رَضِیّاً شَكُوراً قَلِیلَ الْكَلَامِ صَدُوقَ اللِّسَانِ بَرّاً مَصُوناً حَلِیماً رَفِیقاً عَفِیفاً شَرِیفاً لَا لَعَّانٌ وَ لَا كَذَّابٌ وَ لَا مُغْتَابٌ وَ لَا سَبَّابٌ وَ لَا حَسُودٌ وَ لَا بَخِیلٌ هَشَّاشاً بَشَّاشاً لَا حَسَّاسٌ وَ لَا جَسَّاسٌ یَطْلُبُ مِنَ الْأُمُورِ أَعْلَاهَا وَ مِنَ الْأَخْلَاقِ أَسْنَاهَا مَشْمُولًا بِحِفْظِ اللَّهِ مُؤَیَّداً بِتَوْفِیقِ اللَّهِ ذَا قُوَّةٍ فِی لِینٍ وَ عَزْمَةٍ فِی یَقِینٍ لَا یَحِیفُ عَلَی مَنْ یُبْغِضُ وَ لَا یَأْثَمُ فِیمَنْ یُحِبُّ صَبُوراً فِی الشَّدَائِدِ لَا یَجُورُ وَ لَا یَعْتَدِی وَ لَا یَأْتِی بِمَا یَشْتَهِی الْفَقْرُ شِعَارُهُ وَ الصَّبْرُ دِثَارُهُ قَلِیلَ الْمَئُونَةِ كَثِیرَ الْمَعُونَةِ كَثِیرَ الصِّیَامِ طَوِیلَ الْقِیَامِ قَلِیلَ الْمَنَامِ قَلْبُهُ تَقِیٌّ وَ عَمَلُهُ زَكِیٌّ إِذَا قَدَرَ عَفَا وَ إِذَا وَعَدَ وَفَی یَصُومُ رَغْباً وَ یُصَلِّی رَهْباً وَ یُحْسِنُ فِی عَمَلِهِ كَأَنَّهُ نَاظِرٌ إِلَیْهِ غَضَّ الطَّرْفِ سَخِیَّ الْكَفِّ لَا یَرُدُّ سَائِلًا وَ لَا یَبْخَلُ بِنَائِلٍ مُتَوَاصِلًا إِلَی الْإِخْوَانِ مُتَرَادِفاً لِلْإِحْسَانِ یَزِنُ كَلَامَهُ وَ یُخْرِسُ لِسَانَهُ لَا یَغْرَقُ فِی بُغْضِهِ وَ لَا یَهْلِكُ فِی حُبِّهِ وَ لَا یَقْبَلُ الْبَاطِلَ مِنْ صَدِیقِهِ وَ لَا یَرُدُّ الْحَقَّ عَلَی عَدُوِّهِ وَ لَا یَتَعَلَّمُ إِلَّا لِیَعْلَمَ وَ لَا یَعْلَمُ إِلَّا لِیَعْمَلَ قَلِیلًا حِقْدُهُ كَثِیراً شُكْرُهُ یَطْلُبُ النَّهَارَ مَعِیشَتَهُ وَ یَبْكِی اللَّیْلَ عَلَی خَطِیئَتِهِ إِنْ سَلَكَ مَعَ أَهْلِ الدُّنْیَا كَانَ أَكْیَسَهُمْ وَ إِنْ سَلَكَ مَعَ أَهْلِ الْآخِرَةِ كَانَ أَوْرَعَهُمْ لَا یَرْضَی فِی كَسْبِهِ بِشُبْهَةٍ وَ لَا یَعْمَلُ فِی دِینِهِ بِرُخْصَةٍ یَعْطِفُ عَلَی أَخِیهِ بِزَلَّتِهِ وَ یَرْعَی مَا مَضَی مِنْ قَدِیمِ صُحْبَتِهِ (1).

ص: 311


1- 1. التمحیص مخطوط.

بیان: جوال الفكر أی فكره فی الحركة دائما جهوری الذكر فی القاموس كلام جهوری أی عال أی یعلن ذكر اللّٰه أو ذكره عال فی الناس و فی بعض النسخ جوهری و كأنه كنایة عن خلوص ذكره و نفاسته و الظاهر أنه تصحیف.

و فی القاموس الصلد و یكسر الصلب الأملس و صلدت الأرض صلبت و التبجیل التعظیم و الإلف بالكسر من تألفه و یألفك و الحلف بالكسر الصدیق یحلف لصاحبه أن لا یغدر به مصونا أی عرضه أو عن الخطاء.

و فی القاموس الحس الحیلة(1)

و القتل و الاستئصال و بالكسر الصوت و الحاسوس الجاسوس و حسست به بالكسر أیقنت و أحسست ظننت و وجدت و أبصرت و التحسس الاستماع لحدیث القوم و طلب خبرهم فی الخیر.

و قال (2)

الجس تفحص الأخبار كالتجسس و منه الجاسوس و لا تجسسوا أی خذوا ما ظهر و دعوا ما ستر اللّٰه عز و جل أو لا تفحصوا عن بواطن الأمور أو لا تبحثوا عن العورات انتهی.

ص: 312


1- 1. قال فی القاموس ج 2 ص 206 ط مصر: الحس: الجلبة، و قال المحشی فی هامشه: هكذا فی النسخ و صوابه: الجبلة و هو عن ابن الاعرابی كما نقله الصاغانی و صاحب اللسان، كذا قال الشارح، و لا وجه لهذا التصویب فان المجد مطلع. و قال الشرتونی فی أقرب الموارد ج 1 ص 191: الحس بالفتح مصدر و- الحیلة تقول: أحسست منه حسا أی حیلة، و نقل فی الذیل ص 133 عن اللسان أن الحس بمعنی الجلبة. أقول: و الظاهر أن« حیلة» و« جلبة» كلیهما تصحیف و الصحیح كما صوبه ابن الاعرابی الجبلة- كالابلة- و هی السنة المجدبة كالحس- بالكسر- و الحسوس.
2- 2. القاموس ج 2 ص 204.

و الحاصل أن الحساس و الجساس متقاربان فی المعنی و كأن الأول إعمال الظنون فی الناس و الثانی تجسس أحوالهم و یحتمل الأول بعض المعانی المتقدمة كما لا یخفی.

مشمولا بحفظ اللّٰه من شر الشیاطین رغبا فی الثواب رهبا من العقاب كأنه ناظر إلیه أی یشاهده بعین الیقین و یحتمل إرجاع الضمیر إلی اللّٰه بقرینة المقام كقوله صلی اللّٰه علیه و آله الإحسان أن تعبد اللّٰه كأنك تراه أو المعنی كأنه جعل ناظرا علی نفسه.

یزن كلامه أی یتفكر فیه هل له قدر فی میزان الأجر و القبول فیتكلم به و إلا فیتركه لا یغرق فی بغضه من الإغراق و هو المبالغة أو كیفرح كنایة عن الهلاك فكلمة فی سببیة و العدد المذكور فی التفصیل أكثر مما ذكر أولا لتكرار بعضها معنی.

«46»- نَوَادِرُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ كَیْفَ أَصْبَحْتَ فَقَالَ أَصْبَحْتُ وَ اللَّهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِكُلِّ مُؤْمِنٍ حَقِیقَةٌ فَمَا حَقِیقَةُ إِیمَانِكَ قَالَ أَسْهَرْتُ لَیْلِی وَ أَنْفَقْتُ مَالِی وَ عَزَفْتُ عَنِ الدُّنْیَا وَ كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی عَرْشِ رَبِّی جَلَّ جَلَالُهُ وَ قَدْ أُبْرِزَ لِلْحِسَابِ وَ كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی أَهْلِ الْجَنَّةِ فِی الْجَنَّةِ یَتَزَاوَرُونَ وَ كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی أَهْلِ النَّارِ فِی النَّارِ یَتَعَاوَوْنَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَذَا عَبْدٌ قَدْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ قَدْ أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ لِی بِالشَّهَادَةِ فَدَعَا لَهُ فَاسْتُشْهِدَ یَوْمَ الثَّامِنِ.

«47»- ما، [الأمالی للشیخ الطوسی] جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَیْدٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الثَّالِثِ علیه السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: الْمُؤْمِنُ لَا یَحِیفُ عَلَی مَنْ یُبْغِضُ وَ لَا یَأْثَمُ فِیمَنْ یُحِبُّ وَ إِنْ بُغِیَ عَلَیْهِ صَبَرَ حَتَّی یَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الْمُنْتَصِرَ لَهُ (1).

ص: 313


1- 1. أمالی الطوسیّ ج 2 ص 193.

«48»- دَعَوَاتُ الرَّاوَنْدِیِّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: الْمُؤْمِنُ صَبُورٌ فِی الشَّدَائِدِ وَقُورٌ فِی الزَّلَازِلِ قَنُوعٌ بِمَا أُوتِیَ لَا یَعْظُمُ عَلَیْهِ الْمَصَائِبُ وَ لَا یَحِیفُ عَلَی مُبْغِضٍ وَ لَا یَأْثَمُ فِی مُحِبٍّ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ وَ النَّفْسُ مِنْهُ فِی شِدَّةٍ.

«49»- نهج، [نهج البلاغة] قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلاملیه السلام: كَانَ لِی فِیمَا مَضَی أَخٌ فِی اللَّهِ وَ كَانَ یُعْظِمُهُ فِی عَیْنِی صِغَرُ الدُّنْیَا فِی عَیْنِهِ وَ كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلَا یَشْتَهِی مَا لَا یَجِدُ وَ لَا یُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ وَ كَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فَإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِینَ وَ نَقَعَ غَلِیلَ السَّائِلِینَ وَ كَانَ ضَعِیفاً مُسْتَضْعَفاً فَإِذَا جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَیْثُ غَادٍ(1) وَ صِلُّ وَادٍ لَا یُدْلِی بِحُجَّةٍ حَتَّی یَأْتِیَ قَاضِیاً وَ كَانَ لَا یَلُومُ أَحَداً عَلَی مَا لَا یَجِدُ الْعُذْرَ فِی مِثْلِهِ حَتَّی یَسْمَعَ اعْتِذَارَهُ وَ كَانَ لَا یَشْكُو وَجَعاً إِلَّا عِنْدَ بُرْئِهِ وَ كَانَ یَقُولُ مَا یَفْعَلُ وَ لَا یَقُولُ مَا لَا یَفْعَلُ وَ كَانَ إِنْ غُلِبَ عَلَی الْكَلَامِ لَمْ یُغْلَبْ عَلَی السُّكُوتِ وَ كَانَ عَلَی مَا یَسْمَعُ (2) أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَی أَنْ یَتَكَلَّمَ وَ كَانَ إِذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ نَظَرَ أَیُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَی الْهَوَی فَخَالَفَهُ فَعَلَیْكُمْ بِهَذِهِ الْخَلَائِقِ فَالْزَمُوهَا وَ تَنَافَسُوا فِیهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِیعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِیلِ خَیْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِیرِ(3).

وَ قَالَ علیه السلام: لَا یُصَدَّقُ 9 إِیمَانُ عَبْدٍ حَتَّی یَكُونَ بِمَا فِی یَدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِی یَدِهِ (4).

وَ قَالَ علیه السلام: عَلَامَةُ الْإِیمَانِ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَیْثُ یَضُرُّكَ عَلَی الْكَذِبِ حَیْثُ یَنْفَعُكَ وَ أَنْ لَا یَكُونَ فِی حَدِیثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ وَ أَنْ تَتَّقِیَ اللَّهَ فِی حَدِیثِ غَیْرِكَ (5).

ص: 314


1- 1. لیث غاب خ ل.
2- 2. علی أن یسمع خ ل.
3- 3. نهج البلاغة ج 2 ص 214 تحت الرقم 289 من الحكم.
4- 4. نهج البلاغة ج 2 ص 219، تحت الرقم 310 من الحكم.
5- 5. نهج البلاغة ج 2 ص 251، تحت الرقم 458 من الحكم.

«50»- نهج، [نهج البلاغة] رُوِیَ: أَنَّ صَاحِباً لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام (1) یُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ كَانَ رَجُلًا عَابِداً فَقَالَ لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صِفْ لِیَ الْمُتَّقِینَ حَتَّی كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْهِمْ فَتَثَاقَلَ عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ علیه السلام یَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَ أَحْسِنْ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ فَلَمْ یَقْنَعْ هَمَّامٌ بِذَلِكَ الْقَوْلِ حَتَّی عَزَمَ عَلَیْهِ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْخَلْقَ حِینَ خَلَقَهُمْ غَنِیّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِیَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِیَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَیْنَهُمْ مَعَایِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْیَا مَوَاضِعَهُمْ فَالْمُتَّقُونَ فِیهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَ مَشْیُهُمُ التَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَی الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِی الْبَلَاءِ كَالَّذِی نُزِّلَتْ فِی الرَّخَاءِ لَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِی كَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَیْنٍ شَوْقاً إِلَی الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِی أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِی أَعْیُنِهِمْ فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ النَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ أَجْسَادُهُمْ نَحِیفَةٌ وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِیفَةٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِیفَةٌ صَبَرُوا أَیَّاماً قَصِیرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِیلَةً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ یَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْیَا فَلَمْ یُرِیدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اللَّیْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِینَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ یُرَتِّلُونَهُ تَرْتِیلًا یُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ یَسْتَثِیرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآیَةٍ فِیهَا تَشْوِیقٌ رَكَنُوا إِلَیْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَیْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْیُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآیَةٍ فِیهَا تَخْوِیفٌ أَصْغَوْا إِلَیْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِیرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِیقَهَا فِی أُصُولِ آذَانِهِمْ

ص: 315


1- 1. رواه الكلینی فی الكافی ج 2 ص 226 باب المؤمن و علاماته و صفاته مع اختلاف.

فَهُمْ حَانُونَ عَلَی أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ أَكُفِّهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ یَطْلُبُونَ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی فَكَاكَ رِقَابِهِمْ وَ أَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِیَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْیَ الْقِدَاحِ یَنْظُرُ إِلَیْهِمُ النَّاظِرُ فَیَحْسَبُهُمْ مَرْضَی وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَ یَقُولُ قَدْ خُولِطُوا وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِیمٌ لَا یَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِیلَ وَ لَا یَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِیرَ فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ وَ إِذَا زُكِّیَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا یُقَالُ لَهُ فَیَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِی مِنْ غَیْرِی وَ رَبِّی أَعْلَمُ مِنِّی بِنَفْسِی اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِی بِمَا یَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِی أَفْضَلَ مِمَّا یَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِی مَا لَا یَعْلَمُونَ فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَی لَهُ قُوَّةً فِی دِینٍ وَ حَزْماً فِی لِینٍ وَ إِیمَاناً فِی یَقِینٍ وَ حِرْصاً فِی عِلْمٍ وَ عِلْماً فِی حِلْمٍ وَ قَصْداً فِی غِنًی وَ خُشُوعاً فِی عِبَادَةٍ وَ تَجَمُّلًا فِی فَاقَةٍ وَ صَبْراً فِی شِدَّةٍ وَ طَلَباً فِی حَلَالٍ وَ نَشَاطاً فِی هُدًی وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ یَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَ هُوَ عَلَی وَجَلٍ یُمْسِی وَ هَمُّهُ الشُّكْرُ وَ یُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذِّكْرُ یَبِیتُ حَذِراً وَ یُصْبِحُ فَرِحاً حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ الرَّحْمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ فِیمَا تَكْرَهُ لَمْ یُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِیمَا تُحِبُّ قُرَّةُ عَیْنِهِ فِیمَا لَا یَزُولُ وَ زَهَادَتُهُ فِیمَا لَا یَبْقَی یَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ تَرَاهُ قَرِیباً أَمَلُهُ قَلِیلًا زَلَلُهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَكْلُهُ سَهْلًا أَمْرُهُ حَرِیزاً دِینُهُ مَیِّتَةً شَهْوَتُهُ مَكْظُوماً غَیْظُهُ الْخَیْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ إِنْ كَانَ فِی الْغَافِلِینَ كُتِبَ فِی الذَّاكِرِینَ وَ إِنْ كَانَ فِی الذَّاكِرِینَ لَمْ یُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِینَ یَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ یُعْطِی مَنْ حَرَمَهُ وَ یَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِیداً فُحْشُهُ لَیِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْكَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ مُقْبِلًا خَیْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ فِی الزَّلَازِلِ وَقُورٌ وَ فِی الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَ فِی الرَّخَاءِ شَكُورٌ لَا یَحِیفُ عَلَی مَنْ یُبْغِضُ وَ لَا یَأْثَمُ فِیمَنْ یُحِبُّ یَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ یُشْهَدَ عَلَیْهِ لَا یُضِیعُ مَا

ص: 316

اسْتُحْفِظَ وَ لَا یَنْسَی مَا ذُكِّرَ وَ لَا یُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ وَ لَا یُضَارُّ بِالْجَارِ وَ لَا یَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ وَ لَا یَدْخُلُ فِی الْبَاطِلِ وَ لَا یَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ لَمْ یَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَ إِنْ ضَحِكَ لَمْ یَعْلُ صَوْتُهُ وَ إِنْ بُغِیَ عَلَیْهِ صَبَرَ حَتَّی یَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی یَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَةٌ وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِینٌ وَ رَحْمَةٌ لَیْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَ عَظَمَةٍ وَ لَا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَ خَدِیعَةٍ قَالَ فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِیهَا فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَمَا بَالُكَ أَنْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ علیه السلام وَیْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا یَعْدُوهُ وَ سَبَباً لَا یَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلًا لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّیْطَانُ عَلَی لِسَانِكَ (1).

تبیین: قال الكیدری الهمام البعید الهمة و كان السائل كاسمه و قال ابن أبی الحدید(2) همام هو همام بن شریح بن یزید بن مرة و كان من شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام و أولیائه و كان ناسكا عابدا و تثاقله عن جوابه لأنه علم أن المصلحة فی تأخیر الجواب و كأنه حضر المجلس من لا یحب علیه السلام أن یجیب و هو حاضر و لعله بتثاقله علیه السلام یشتد شوق همام إلی سماع الموعظة و لعله من باب تأخیر البیان إلی وقت الحاجة لا عن وقت الحاجة.

و قال ابن میثم (3)

تثاقله علیه السلام لخوفه علی همام كما یدل علیه قوله علیه السلام أما و اللّٰه لقد كنت أخافها علیه و أقول هذا أظهر.

اتق اللّٰه و أحسن أی لیس علیك أن تعرف صفات المتقین علی التفصیل و لعل الأصلح لك القناعة بما تعرفه مجملا من صفاتهم و مراعاة التقوی و الإحسان و كأن المراد بالتقوی الاجتناب عما نهی اللّٰه عنه و بالإحسان فعل ما أمر اللّٰه به

ص: 317


1- 1. نهج البلاغة ج 1 ص 419 ط عبده مصر، تحت الرقم 191 من الخطب.
2- 2. شرح النهج لابن أبی الحدید ط مصر ج 2 ص 547.
3- 3. شرح النهج لابن میثم ص 364.

فالكلمة جامعة لصفات المتقین و فضائلهم.

حتی عزم علیه عزمت علی فلان أقسمت علیه و عزمت علی الأمر أی قطعت علیه و أردت فعله حتما فالضمیر فی علیه یحتمل عوده إلیه علیه السلام و إلی ما سأله من الوصف علی التفصیل و الأول أظهر و روایة الصدوق تعینه (1).

و التعرض للغناء و الأمن (2)

لدفع توهم أن مدح المتقین و الترغیب فی الطاعة و التخویف من المعصیة لانتفاعه سبحانه و دفع المضرة عنه و لیس المعنی أن أفعال اللّٰه سبحانه لیست معللة بالأغراض كما زعمه الحكماء بل إشارة إلی ما ذكره المتكلمون من أن الغرض لا یعود إلیه سبحانه بل إلی العباد لأنه أراد أن یثیبهم فی الآخرة و الثواب هو النفع المقارن للتعظیم و الإجلال و فعله لمن لا یستحق أصلا قبیح عقلا فلذا كلفهم و بعث إلیهم الرسل و وعدهم و أوعدهم و عرضهم للمثوبات الدائمة الجلیلة و تفصیل ذلك فی كتب الكلام.

و المعایش بالیاء جمع معیشة و هی ما یعاش به أو فیه و ما یكون به الحیاة قال اللّٰه تعالی نَحْنُ قَسَمْنا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا(3) و مواضع الخلق مراتبهم قال اللّٰه تعالی وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ (4) و هی إشارة إلی الدرجات الدنیویة

كالغناء و الفقر و الصحة و المرض أو الدینیة لاختلاف استعداداتهم و قابلیاتهم فی العلم و العمل أو الأعم منهما و هو أظهر و التفریع یؤید الأخیرین.

منطقهم الصواب المنطق النطق أی لا یقولون إلا حقا و یحترزون عن الكذب و الفحش و الغیبة و سائر الأقاویل الباطلة و قیل أی لا یتكلمون إلا فی مقام التكلم كذكر اللّٰه تعالی و إظهار حق و إبطال باطل و كأن الابتداء

ص: 318


1- 1. حیث قال: فقال همام: یا أمیر المؤمنین أسألك بالذی أكرمك بما خصك إلخ و الروایة فی الأمالی ص 340 المجلس: 84 كما سیأتی.
2- 2. یعنی فی قوله علیه السلام: خلقهم غنیا عن طاعتهم آمنا من معصیتهم إلخ.
3- 3. الزخرف: 32.
4- 4. الزخرف: 32.

بالمنطق لكون النفع و الضرر فی القول أكثر فی الأغلب من أعمال سائر الجوارح.

و الملبس بفتح الباء ما یلبس و الاقتصاد التوسط بین طرفی الإفراط و التفریط و المعنی أنهم لا یلبسون ما یلحقهم بدرجة المترفین و لا ما یلحقهم بأهل الخسة و الدناءة أو یصیر سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب المتصوفین أو المعنی أن الاقتصاد فی الأقوال و الأفعال صار شعارا لهم محیطا بهم كاللباس للإنسان كما مر.

و مشیهم التواضع أی لا یمشون مشی المختالین و المتكبرین كما قال عز و جل وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً(1) الآیة أو المراد أن سیرتهم و سلوكهم بین الخلق أو فی سبیل اللّٰه بالتواضع و التذلل غضوا أبصارهم غض فلان طرفه كمد أی خفضه و كذلك غض من صوته و كل شی ء كففته فقد غضضته.

و وقفت كضربت أی دمت قائما و وقفته أنا وقفا أی فعلت به ما وقف و وقفت الرجل عن الشی ء وقفا أی منعته عنه و وقفت الدار وقفا أی حبستها فی سبیل اللّٰه و المراد الاقتصار علی استماع العلم النافع و فیه إیماء إلی ذم الإصغاء إلی القصص الكاذبة بل و كثیر من الصادقة كما سیأتی إن شاء اللّٰه.

و الرخاء بالفتح سعة العیش قال القطب الراوندی رحمه اللّٰه یعنی أن المتقین یتعبون أبدانهم فی الطاعات فیطیبون نفسا بتلك المشقة التی یحتملونها مثل طیب قلب الذی نزلت نفسه فی الرخاء و لا بد من تقدیر مضاف لأن تشبیه الجمع بالواحد لا یصح أی كل واحد منهم إذا نزل فی البلاء یكون كالرجل الذی نزلت نفسه فی الرخاء و نحوه قوله تعالی مَثَلُ الَّذِینَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِی یَنْعِقُ (2) قال و یجوز أن یكون الذی بمعنی ما المصدریة كقوله تعالی وَ خُضْتُمْ كَالَّذِی خاضُوا(3) أی نزوله فی البلاء كنزوله فی الرخاء

ص: 319


1- 1. الإسراء: 37.
2- 2. البقرة: 171.
3- 3. براءة: 70.

و قال ابن میثم یحتمل أن یكون المراد بالذی الذین فحذف النون كما فی قوله تعالی و خُضْتُمْ كَالَّذِی خاضُوا و قال ابن أبی الحدید(1) موضع كالذی نصب لأنه صفة مصدر محذوف و المراد كالنزول الذی و قد حذف العائد إلیه و هو الهاء فی نزلته كقولك ضربت الذی ضربت أی ضربت الذی ضربته و تقدیر الكلام نزلت أنفسهم منهم فی حال البلاء نزولا كالنزول الذی نزلته منهم فی حال الرخاء.

و قال الكیدری قدس سره نزلت أنفسهم إلخ لأنهم كسروا سورة الشهوة البهیمیة و طیبوا عن أنفسهم نفسا و وقفوا أشباحهم و أرواحهم علی مرضاة اللّٰه و حبسوها فی سبیله فلا مطمح لهم إلی ما فیه نصیب أنفسهم بل جل عنایتهم مصروفة إلی تحصیل ما خلقوا لأجله من إعداد زاد المعاد و الإقبال بكل الوجوه علی عبادة رب العباد و التفاتهم إلی الأبدان یكون علی طریق الطبع كالتفات سالك البادیة للحج الحقیقی إلی رعی الجمل و علموا یقینا أن ما أصابهم من الكد فی الطریق و إن كان عظیما فإنه كلا شی ء فی جنب ما یصلون به إلیه من لقاء المحبوب و نیل المطلوب فالمحن عندهم كالملح و البلیة كالنعم.

و قوله كالذی نظیر قوله تعالی وَ خُضْتُمْ كَالَّذِی خاضُوا(2) و بیت الحماسة عسی الأیام أن یرجعن یوما كالذی كانوا أی نزلت فی البلاء كالنزول الذی نزلت فی الرخاء انتهی.

و المراد بالبلاء المرض و الضیق و نحوهما أو الأعم من احتمال المشقة أیضا و لیس مخصوصا به و طیب قلوبهم للرضا بقضاء اللّٰه كما فی المجالس (3) فصغر ما دونه فی أعینهم فی اختلاف التعبیر دلالة علی أن الخالق تمكن فی قلوبهم بخلاف ما دونه فلم یتجاوز أعینهم.

ص: 320


1- 1. راجع ج 2: ص 548- 549. ط مصر.
2- 2. براءة: 70.
3- 3. حیث قال: نزلت أنفسهم منهم فی البلاء كالتی نزلت منهم فی الرخاء، رضی منهم عن اللّٰه بالقضاء.

فهم و الجنة قال الراوندی رحمه اللّٰه الواو بمعنی مع و قال ابن أبی الحدید بنصب الجنة و قد روی بالرفع علی أنه معطوف علی هم و الأول أحسن و قوله كمن قد رآها و قوله فهم فیها منعمون إما كلاهما لقوة الإیمان و الیقین أو لشدة الخوف و الرجاء أو الرؤیة إشارة إلی قوة الیقین و التنعم و العذاب أی شدة الرجاء و الخوف و هما أیضا من فروع الیقین و اختار الوالد قدس سره الأخیر و قال الكیدری أی حصل لهم من العلوم الیقینیة ما یجری مجری الضروریة كما قال علیه السلام لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ یَقِیناً و روی و الجنة بالنصب فیكون الواو بمعنی مع و یكون خبر المبتدإ الكاف فی كمن رآها.

قلوبهم محزونة حزن قلوبهم للخوف من العقاب لاحتمال التقصیر و عدم شرائط القبول كما قال عز و جل وَ الَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلی رَبِّهِمْ راجِعُونَ (1) و الأمن من شرورهم لأنهم لا یهمون بظلم أحد كما ورد فی الخبر الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ یَدِهِ و قیل لأن أفعالهم حسنة فی الواقع و إن كانت سیئة فی الظاهر و هو بعید.

نحیفة أی مهزولة لكثرة الصیام و السهر و الریاضات أو للخوف أو لهما و خفة حاجاتهم لقلة الرغبة فی الدنیا و ترك اتباع الهوی و قصر الأمل و قناعتهم بما رزقهم اللّٰه.

و العفة كف النفس عن المحرمات بل عن الشبهات و المكروهات أیضا و جملة أعقبتهم صفة للأیام و تجارة عطف بیان للراحة أو بدل منه أو منصوب علی المدح أو علی الحال أو علی تقدیر فعل أی اتجروا تجارة.

قال الراوندی رحمه اللّٰه نصب المصدر مع حذف فعله كثیر فی الكلام و ربح الرجل فی تجارته كعلم و یسند إلی التجارة مجازا قال تعالی فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ (2) و قال الأزهری ربح الرجل فی تجارته أی صادف سوقا ذات ربح و أربحت

ص: 321


1- 1. المؤمنون: 60.
2- 2. البقرة: 16.

الرجل أرباحا أعطیته ربحا فالتجارة المربحة كأنها تعطی ربحا أو هی الرابحة من أفعل بمعنی فعل.

و قال الكیدری تجارة انتصابه علی المصدر من معنی الكلام السابق لأن مضمون قوله صبروا أیاما إلخ یدل علی أنهم اتجروا بذلك أو یكون منصوبا بفعل مضمر یفسره ما بعده أی یسر لهم ربهم تجارة أو علی المدح أو التخصیص أی أعنی تجارة أو أخص تجارة و جعلها بدلا من راحة علی ما زعم صاحب المنهاج لیس بالقوی لأن التجارة المربحة لیست بنفس الراحة و إنما صبرهم المستعقب لتلك الراحة هی التجارة انتهی.

أرادتهم الدنیا أی أقبلت إلیهم من الوجوه المذمومة أو مطلقا و تمكنوا من تحصیلها بكسب المال و الجاه فلم یقبلوها و لم یسعوا فی تحصیلها و قیل و یحتمل أن یراد أهل الدنیا و أسره كضربه أی شده و حبسه و الفدیة زخارف الدنیا و ملاذها التی سلموها إلی الدنیا بالترك و الإعراض عنها.

أقول: و نقل الكیدری قدس سره روایة تمثل الدنیا لأمیر المؤمنین علیه السلام و إعراضه عنها كما سننقلها عنه فی باب ذم الدنیا ثم قال فهذا معنی قوله علیه السلام أرادتهم الدنیا و لم یریدوها و إذا تدبرت الخلال المذكورة فی هذه الخطبة وجدت أمیر المؤمنین علیه السلام هو الموصوف بها كلها و قد أوردت هذه الأبیات و أمثالها فی أنوار العقول من أشعار وصی الرسول.

فأما أسرها إیاهم فلأن أرواح الأولیاء قدسیة و مقامها فی العالم الجسد أی علی خلاف مقتضی طبیعتها فهی غریبة فی هذا العالم و صغوها بالكلیة إلی عالمها فهی أسیرة هنا من حیث الغربة و عدم الملاءمة فدائما یستعد و یتهیأ للسفر الحقیقی و یزیل المثبطات و یرفعها من البین و ذلك فداؤها.

أما اللیل فی بعض النسخ بالنصب علی حذف حرف الجر أی أما حالهم فی اللیل فالمقصود تفصیل حالهم فی اللیل و النهار و فی بعض النسخ بالرفع فالغرض تفصیل حال لیلهم و نهارهم و الصف ترتیب الجمع علی صف و صف القدمین

ص: 322

وضعهما فی الصلاة بحیث یتحاذی الإبهامان و یتساوی البعد بین الصدر و العقب.

و فی بعض النسخ تالون مكان تالین یرتلونه أی القرآن و روی یرتلونها فالضمیر لأجزاء القرآن وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلًا أی أحسن تألیفه

وَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام: أَنَّهُ حِفْظُ الْوُقُوفِ وَ أَدَاءُ الْحُرُوفِ.

و هو جامع لما یعتبره القراء.

و الحزن الهم و حزنه الأمر كنصر أی جعله حزینا و حزن كعلم أی صار حزینا و حزنه تحزینا جعل فیه حزنا و فی أكثر النسخ علی التفعیل و فی بعضها كینصرون و تحزین النفوس بآیات الوعید ظاهر و أما آیات الوعد فللخوف من الحرمان و عدم الاستعداد.

و ثار الغبار إذا سطع و هاج و ثار القطا إذا نهضت من موضعها و أثار الغبار و استثاره هیجه و لعل المراد بالدواء العلم و بالداء الجهل و استثارة العلم بالتدبر و التذكر قال فی النهایة فی الحدیث أثیروا القرآن فإن فیه علم الأولین و الآخرین و یحتمل أن یراد استثارة العلم الكامنة فی النفس علی حسب الاستعداد و الكمال بالتدبر و التفكر و التذكر.

و قال الوالد قدس سره المراد أنهم یداوون بآیات الخوف داء الرجاء الغالب الذی كاد أن یبلغ حد الاغترار و الأمن لمكر اللّٰه و بآیات الرجاء داء الخوف إذا قرب من القنوط و بما یستكمل الیقین داء الشبهة و بالعبر داء القسوة و بما ینفر عن الدنیا و المیل إلیها داء الرغبة فیها و نحو ذلك.

و ركن إلی الشی ء كنصر كما فی النسخ و كعلم أیضا أی مال و سكن و التطلع إلی الشی ء الاستشراف له و الانتظار لوروده و نصب الشی ء رفعه و أن یستقبل به شی ء و الكلمة منصوبة علی الظرفیة أی ظنوا أنها فیما نصب بین أیدیهم و فی بعض النسخ مرفوعة علی أنها خبر أن.

و قال الكیدری و تطلعت نفوسهم إلیها أی كادت تطلع شموس نفوسهم من أفق عوالم أبدانهم فتصعد إلی العالم العلوی شوقا إلی ما وعدوا به فی تلك

ص: 323

الآیات من أخائر الذخائر و عظائم الكرائم و انتصاب نصب أعینهم علی الظرف أی فی موضع یقابل أعینهم و یجوز فیه الرفع.

و قال الراوندی رحمه اللّٰه الظن هنا بمعنی الیقین قال تعالی أَ لا یَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (1) أی أیقنوا أن الجنة معدة لهم بین أیدیهم و قال ابن أبی الحدید و یمكن أن یكون علی حقیقته.

و صغی إلیه كرضی أی مال و أصغی سمعه إلیه أی أماله و زفیر النار صوت توقدها و الزفیر أیضا إخراج النفس بعد مدة فالمراد زفیر أهل جهنم و الشهیق تردد البكاء فی الصدر مع سماع الصوت من الحلق و شهیق الحمار صوته و كونهما فی أصول الآذان كنایة عن تمكنها فی الآذان.

حانون أوساطهم حنی ظهره یحنیه و یحنوه أی عطفه فانحنی و حنوهم علی أوساطهم وصف لحال ركوعهم و الافتراش البسط علی الأرض و هو وصف لحال سجودهم.

قال الكیدری فهم حانون أی منعطفون للركوع و حنی قد جاء متعدیا و لازما و تعدیته أكثر فیكون تقدیره حانون ظهورهم علی أوساطهم.

یطلبون إلی اللّٰه أی یسألونه راغبین و متوجهین إلیه و فك الرقبة كمد أی أعتقها و الأسیر خلصه و أما النهار بالنصب و الرفع كما تقدم قال الكیدری أما النهار انتصابه علی الظرفیة و تعلقه بما بعده من الصفات كحلماء و غیره و حلماء خبر مبتدإ محذوف أی فهم حلماء فی النهار و یجوز فیه الرفع علی تقدیر أما النهار فهم حلماء فیه فیكون مبتدأ و الجملة بعده خبره و فیها ضمیر مقدر یعود إلیه و الحلماء ذوو الأناة أو العقلاء و بری السهم یبریه أی نحته و القداح جمع قدح بالكسر فیهما و هو السهم قبل أن یراش و ینصل و هو كنایة عن نحافة البدن و ضعف الجسد أو زوال الآمال و المطالب الدنیویة.

و خولط فلان فی عقله إذا اختل عقله و صار مجنونا و خالطه أی مازجه

ص: 324


1- 1. المطففین: 4.

و قال الراوندی و غیره المعنی یظن الناظر بهم الجنون و ما بهم من جنة بل مازج قلوبهم أمر عظیم و هو الخوف فتولهوا لأجله و قیل و لقد خالطهم أی صار سببا لجنونهم الذی یظنه الناظر أمر عظیم هو الخوف.

و قال الكیدری قد براهم الخوف أی أنضاهم و أنحفهم خولطوا أی خالط عقولهم جنون.

و الاستكثار عد الشی ء كثیرا و اتهمت فلانا أی ظننت فیه ما نسب إلیه و اتهمته فی قوله أی شككت فی صدقه و الاسم التهمة كرطبة و السكون لغة و أصل التاء واو و المراد أنهم یظنون بأنفسهم التقصیر أو المیل إلی الدنیا أو عدم الإخلاص فی النیة أو الأعم أو یشكون فی شأنها و نیاتها و یخافون أن یكون مقصودها فی العبادات الرئاء و السمعة و أن تجرها العبادة إلی العجب فلا یعتمدون علیها.

و الإشفاق الخوف و إشفاقهم من السیئات و إن تابوا منها لاحتمال عدم قبول توبتهم و من الحسنات لاحتمال عدم القبول لاختلال بعض الشرائط و شوب النیة أو للأعمال السیئة و قد قال اللّٰه عز و جل إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ (1) إذا زكی أحدهم التزكیة المدح و خوفهم من الوقوع فی العجب و الاتكال علی العمل و سؤال عدم المؤاخذة لذلك و یحتمل أن یكون كنایة عن عدم الرضا بما یقولون و التبری من التزكیة و ظن البراءة بالنفس فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم اللّٰه.

و اجعلنی أفضل مما یظنون أی وفقنی لدرجة فوق ما یظنون بی من حسن العمل و القبول.

و قال ابن أبی الحدید قد قاله لقوم مر علیهم و هم مختلفون فی أمره فمنهم الحامد له و منهم الذام فقال علیه السلام اللّٰهم إن كان ما یقوله الذامون

ص: 325


1- 1. المائدة: 27.

حقا فلا تؤاخذنی به و إن كان ما یقوله الحامدون حقا فاجعلنی أفضل مما یظنون فمن علامة أحدهم أنك تری له فی بعض النسخ لهم فالضمیر راجع إلی معنی أحدهم و القوة فی الدین أن لا یتطرق إلی الإیمان الشك و الشبهات و إلی الأعمال الوساوس و الخطرات أو أن لا یدرك العزم فی الأمور الدینیة ونی و لا فتور للوم و غیره قال تعالی یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (1) و الحزم بالفتح ضبط الأمر و الأخذ فیه بالثقة و الحذر من فواته و كأن المعنی أنه لا یصیر حزمه سببا لخشونته بل مع الحزم یداری الخلق و یلاینهم.

و القصد التوسط بین طرفی الإفراط و التفریط و ترك الإسراف و التقتیر أی یقتصد فی حال الغنی أو فی تحصیل الغنی أو فی الإنفاق مع غنی النفس و التجمل التزین و تكلف الجمیل و إظهاره و التجمل فی الفاقة سلوك مسلك الأغنیاء و المتجملین فی حال الفقر و ذلك بترك الشكوی إلی الخلق و الابتهاج بما أعطی اللّٰه و إظهار الغنی عن الخلق أو التجمل و التزین فی الفاقة بما أمكن و عدم إظهار الفاقة للناس إلا ما لا یمكن ستره أو زائدا علی ما هو الواقع كالفقراء الطامعین فیما فی أیدی الناس.

و الصبر فی الشدة الصبر علی شدة الفقر أو العبادة أو المصائب أو الأعم و الطلب فی الحلال الكسب من غیر الطرق التی نهی عنها و النشاط بالفتح طیب النفس للعمل و غیره و الهدی الرشاد و الدلالة أی ینشط لهدایة الناس أو لاهتدائه فی نفسه و التحرج التأثم و المعنی جعل الطمع حرجا و عده إثما و عیبا.

و قال ابن أبی الحدید حرف الجر فی بعض هذه المواضع یتعلق بالظاهر

ص: 326


1- 1. المائدة: 54.

فیكون موضعه نصبا بالمفعولیة و فی بعضها یتعلق بمحذوف فیكون موضعه أیضا نصبا علی الصفة ففی قوله فی دین یتعلق بالظاهر أی قوة یقال فلان قوی فی كذا و علی كذا و فی لین یتعلق بمحذوف أی حزما كائنا فی لین و فی یقین و فی علم یتعلق بالظاهر و فی بمعنی علی كقوله تعالی وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ (1) و فی غنی یتعلق بمحذوف و فی عبادة یحتمل الأمرین و فی فاقة بمحذوف و فی شدة یحتمل الأمرین و فی حلال یتعلق بالظاهر و فی بمعنی اللام و فی هدی یحتملهما و عن طمع بالظاهر.

و الوجل الخوف و خوفهم من التقصیر فی العمل كما أو كیفا أو من عذاب اللّٰه إشارة إلی قوله سبحانه یُؤْتُونَ ما آتَوْا الآیة(2) و الهم أول العزم و ما قصده الإنسان و أضمره فی نفسه و كأن تخصیص الشكر بالمساء لأن الرزق و إفاضة النعم و الفوز بالمكاسب یكون فی الیوم غالبا و تخصیص الذكر بالصباح لأن الشواغل عن الذكر فی الیوم أكثر و كل یوم كأنه وقت استئناف العمل.

و الحذر و الفرح ككتف صفتان من الحذر و الفرح بالتحریك و المراد بالفضل و الرحمة التوفیق و الهدایة أو ما یشمل النعم الدنیویة و هذا الفرح یعود إلی الشكر و قال بعض الشارحین لیس المقصود تخصیص البیات بالحذر و الصباح بالفرح بل كما یقول أحدنا یمسی و یصبح حذرا فرحا و كذلك تخصیص الشكر بالمساء و الذكر بالصباح و یحتمل أن لا یكون مقصودا.

و الصعب نقیض الذلول و استصعبت علی فلان دابته أی صعبت و استصعبت علیه نفسه أی لم تطعه فی العبادات المكروهة للنفس و ترك المعاصی لأن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم اللّٰه.

ص: 327


1- 1. طه: 71.
2- 2. المؤمنون: 60.

و لم یعطها سؤلها فیما تحب أی لم یطاوع النفس فیما تریده من هذا الأمر الذی استصعبت علیه أو فی غیره من اللذات لتنقاد و تترك الاستصعاب إذ إطاعة النفس فی لذاتها توجب طغیانها و قوتها فی الباطل و بعدها عن اللّٰه و لذا تری القوة علی العبادة فی المرتاضین و من أنحلتهم العبادة أكثر منها فی الأقویاء و المترفین بالنعم.

و قرت عین فلان و أقر اللّٰه عینه كفر و عض أی سر و فرح و معناه أبرد اللّٰه دمعة عینه لأن دمعة الفرح و السرور باردة و دمعة الحزن حارة و قیل معنی أقر اللّٰه عینك بلغك أمنیتك حتی ترضی نفسك و تسكن عینك فلا تستشرف إلی غیره و قیل معناه أبرد اللّٰه عینك بأن ینقطع بكاؤها و قرة عین كل أحد مأموله و منتهی رضاه.

و ما لا یزول ما عند اللّٰه و الدار الآخرة و ما لا یبقی الدنیا و زخارفها یمزج الحلم بالعلم أی یحلم للعلم بفضله لا لضعف النفس و عدم المبالاة بما قیل له أو فعل به أو لا یطیش فی المحاورات و المباحثات مع أنه یقول عن علم و قیل المراد بالحلم العقل أی یتعلم عن تفكر و تدبر و لا یعتمد علی الظنون و الآراء الواهیة أو یتفكر فیما علم و یحفظه حتی یتمكن فی قلبه و القول بالعمل أی إذا أمر الناس بمعروف أو نهاهم عن منكر عمل به أو یفی بالوعد أو یقرن الإیمان بالأعمال الصالحة أو یجمع بین القول الجمیل و الفعل الحسن.

و النزر و المنزور القلیل و الأكل كعنق الحظ من الدنیا و فی بعض النسخ أكله بالفتح أی لا یمتلئ من الطعام لأنه من أسباب الكسل عن العبادة و كثرة النوم و الحرز الموضع الحصین و حرز حریز كحصن حصین و حرزه كنصره حفظه و المراد عدم إهماله فی أمر دینه و عدم تطرق الخلل إلیه و المأمول المرجو.

إن كان فی الغافلین لعل الغرض من القرینتین أنه لا یزال ذاكرا لله سواء كان مع الغافلین أو مع الذاكرین أما إذا كان فی الغافلین فیذكر اللّٰه

ص: 328

بقلبه أو بلسانه أیضا فیصیر سببا لذكرهم أیضا فیكتب أنه فی الذاكرین.

و قوله علیه السلام لم یكتب من الغافلین كأنه تفنن فی العبارة أو المعنی أنه لیس ذكره بمحض اللسان لیكتب من الغافلین بل قلبه أیضا مشغول بذكره تعالی.

و الغالب فی الصلة و القطع الاستعمال فی الرحم و قد یستعملان فی الأعم أیضا.

و بعیدا عود إلی السیاق السابق و الجمل معترضة أو حال عن فاعل یصل و قد یعبر بالبعد عن العدم و كذلك الغیبة و الحضور و الإقبال و الإدبار و یحتمل القلة فإن التقوی غیر العصمة و یمكن أن یراد بالإقبال الازدیاد و بالإدبار الانتقاص أی لا یزال یسعی فیزداد خیره و ینتقص شره.

و قال الوالد رحمه اللّٰه یمكن أن یراد بالمعروف و المنكر الإحسان و الإساءة إلی الخلق.

و الزلازل الشدائد و الوقور فعول من الوقار بالفتح و هو الحلم و الرزانة و الرخاء سعة العیش و الحیف الجور و الظلم و المراد بالإثم المیل عن الحق و الغرض أنه لا یترك الحق للعداوة و المحبة إذا كان حاكما أو لا یجور علی العدو و لا یساعد المحب بما یخرج عن الحق.

لا یضیع ما استحفظ أی ما أودع عنده من الأموال و الأسرار و التضییع فی الأول بالخیانة و التفریط و فی الثانیة بالإذاعة و الإفشاء و یحتمل شموله لما استحفظه اللّٰه من دینه و كتابه و لا ینسی ما ذكر أی ما أمر بتذكره من آیات اللّٰه و عبره و أمثاله أو الأعم منها و من أحكام اللّٰه و الموت و المصیر إلی اللّٰه و أهوال الآخرة.

و النبز بالتحریك اللقب قیل و كثر فیما كان ذما و المنابزة و التنابز التعایر و التداعی بالألقاب و المضارة الإضرار و الجار المجاور فی السكنی و من آجرته من أن یظلم و شمت كفرح شماتة بالفتح أی فرح ببلیة العدو لا یدخل فی الباطل أی فی مجالس الفسق و اللّٰهو و الفساد أو المراد عدم ارتكاب الباطل و كذا

ص: 329

الخروج من الحق أی من مجالسه أو عدم ترك الحق.

لم یغمه صمته لعلمه بمفاسد الكلام و عدم التذاذه بالباطل من القول أو لاشتغال قلبه حین الصمت بذكر اللّٰه لم یعل صوته أی لا یشتد صوته أو یكتفی بالتبسم إذ الخروج عنه یكون غالبا بالضحك بالصوت العالی و الواسطة نادرة و أراح الناس لاشتغاله بنفسه و الزهد خلاف الرغبة و كثیرا ما یستعمل فی عدم الرغبة فی الدنیا و النزاهة بالفتح التباعد عن كل قدر و مكروه و إنما كان تباعده زهدا و نزاهة لأنه إنما یرغب عن أهل الدنیا و أهل الباطل و قیل نزاهة عن تدنس العرض.

و الخدیعة ككریهة الاسم من خدعه أی ختله و أراد به المكروه من حیث لا یعلم و صعق كسمع أی غشی علیه من صوت شدید سمعه أو من غیره و ربما مات منه كانت نفسه فیها أی مات بها و یحتمل أن یراد بالصعقة الصیحة كما هو الغالب فی هذا المقام و یراد بكون نفسه فیها خروج روحه بخروجها و ویح كلمة رحمة و یستعمل فی التعجب كما مر مرارا و التلطف فی مثل هذا المقام من قبیل الإحسان إلی من أساء و قد مر الكلام فی هذا المقام و فی بعض ما تقدم فی شرح روایة الكافی (1)

فلا نعیده.

و أقول روی فی تحف العقول أیضا مثله (2).

و أقول لما سلك قدوة المحققین ابن میثم البحرانی فی شرح هذا الحدیث مسلكا آخر أردت إیراده لیطلع الناظر فی كتابنا علی أكثر ما قیل فی ذلك فأوردته.

قال قدس سره وصف علیه السلام المتقین بالوصف المجمل فقال فالمتقون فیها هم أهل الفضائل أی الذین استجمعوا الفضائل المتعلقة بإصلاح قوتی العلم و العمل ثم شرع فی تفصیل تلك الفضائل و نسقها.

فالأولی الصواب فی القول و هو فضیلة العدل المتعلقة باللسان و حاصله

ص: 330


1- 1. بل سیجی ء فی آخر الباب.
2- 2. تحف العقول: 154- 158 ط اسلامیة.

أن لا یسكت عما ینبغی أن یقال فیكون مفرطا و لا یقول ما ینبغی أن یسكت عنه فیكون مفرطا بل یضع كلا من الكلام فی موضعه اللائق به و هو أخص من الصدق لجواز أن یصدق الإنسان فیما لا ینبغی من القول.

الثانیة و ملبسهم الاقتصاد و هو فضیلة العدل فی الملبوس فلا یلبس ما یلحقه بدرجة المترفین و لا یلحقه بأهل الخسة و الدناءة مما یخرج به عن عرف الزاهدین فی الدنیا.

الثالثة مشی التواضع و التواضع ملكة تحت العفة یعود إلی العدل بین رذیلتی المهانة و الكبر و مشی التواضع مستلزم للسكون و الوقار.

الرابعة غض الأبصار عما حرم اللّٰه و هو ثمرة العفة.

الخامسة وقوفهم أسماعهم علی سماع العلم النافع و هو فضیلة العدل فی قوة السمع و العلوم النافعة ما هو كمال القوة النظریة من العلم الإلهی و ما یناسبه و ما هو كمال للقوة العملیة و هی الحكمة العملیة.

السادسة نزول أنفسهم منهم فی البلاء كنزولها فی الرخاء أی لا تقنط من بلاء ینزل بها و لا تبطر برخاء یصیبها بل مقامها فی الحالین مقام الشكر و الذی صفة مصدر محذوف و الضمیر العائد إلیه محذوف أیضا و التقدیر نزلت كالنزول الذی نزلته فی الرخاء و یحتمل أن یكون المراد بالذی الذین فحذف النون كما فی قوله تعالی كَالَّذِی خاضُوا(1) و یكون المقصود تشبیههم حال نزول أنفسهم منهم فی البلاء بالذی نزلت أنفسهم منهم فی الرخاء و المعنی واحد.

السابعة غلبة الشوق إلی ثواب اللّٰه و الخوف من عقابه علی نفوسهم إلی غایة أن أرواحهم لا تستقر فی أجسادهم من ذلك لو لا الآجال التی كتبت لهم و هذا الشوق و الخوف إذا بلغ إلی حد الملكة فإنه یستلزم دوام الجد فی العمل و الإعراض عن الدنیا و مبدؤهما تصور عظمة الخالق و بقدر ذلك یكون تصور عظمة وعده و وعیده و بحسب قوة ذلك التصور یكون قوة الخوف و الرجاء

ص: 331


1- 1. براءة: 70.

و هما بابان عظیمان للجنة.

الثامنة عظم الخالق فی أنفسهم و ذلك بحسب الجواذب الإلهیة إلی الاستغراق فی محبته و معرفته و بحسب تفاوت تصور عظمته تعالی یكون تصورهم لأصغریة ما دونه و نسبته إلیه فی أعین بصائرهم.

و قوله فهم و الجنة كمن قد رآها إلی قوله معذبون إشارة إلی أن العارف و إن كان فی الدنیا بجسده فهو فی مشاهدته بعین بصیرته لأحوال الجنة و سعادتها و أحوال النار و شقاوتها كالذین شاهدوا الجنة بعین حسهم و تنعموا فیها و كالذین شاهدوا

النار و عذبوا فیها و هی مرتبة عین الیقین فبحسب هذه المرتبة كانت شدة شوقهم إلی الجنة و شدة خوفهم من النار التاسعة حزن قلوبهم و ذلك ثمرة الخوف الغالب.

العاشرة كونهم مأمونی الشرور و ذلك أن مبدأ الشرور محبة الدنیا و أباطیلها و العارفون بمعزل عن ذلك.

الحادیة عشر نحافة أجسادهم و مبدأ ذلك كثرة الصیام و السهر و جشوبة المطعم و خشونة الملبس و هجر الملاذ الدنیویة.

الثانیة عشر خفة حاجاتهم و ذلك لاقتصارهم من حوائج الدنیا علی القدر الضروری من ملبس و مأكل و لا أخف من هذه الحاجة.

الثالثة عشر عفة أنفسهم و ملكة العفة فضیلة القوة الشهویة و هی الوسط بین رذیلتی خمود الشهوة و الفجور.

الرابعة عشر الصبر علی المكاره أیام حیاتهم من ترك الملاذ الدنیویة و احتمال أذی الخلق و قد عرفت أن الصبر مقاومة النفس الأمارة بالسوء لئلا ینقاد إلی قبائح اللذات و إنما ذكر قصر مدة الصبر و استعقابه للراحة الطویلة ترغیبا فیه و تلك الراحة بالسعادة فی الجنة كما قال تعالی وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِیراً(1) الآیة و قوله تجارة مربحة استعار لفظ التجارة لأعمالهم الصالحة

ص: 332


1- 1. الإنسان: 12.

و امتثال أوامر اللّٰه و وجه المشابهة كونهم متعوضین بمتاع الدنیا و بحركاتهم فی العبادة متاع الآخرة و رشح بلفظ الربح لأفضلیة متاع الآخرة و زیادته فی النفاسة علی ما تركوه و ظاهر أن ذلك بتیسیر اللّٰه لأسبابه و إعدادهم له بالجواذب الإلهیة.

الخامسة عشر عدم إرادتهم للدنیا مع إرادتها لهم و هو إشارة إلی الزهد الحقیقی و هو ملكة تحت العفة و كنی بإرادتها لهم عن كونهم أهلا لأن یكونوا فیها رءوسا و أشرافا كقضاة و وزراء و نحو ذلك و كونها بمعرض أن تصل إلیهم لو أرادوها و یحتمل أن یرید أرادهم أهل الدنیا فحذف المضاف.

السادسة عشر افتداء من أسرته لنفسه منها و هو إشارة إلی من تركها و زهد فیها بعد الانهماك فیها و الاستمتاع بها ففك بذلك الترك و الإعراض و التمرن علی طاعة اللّٰه أغلال الهیئات الردیة المتلبسة منها عن عنقه و لفظ الأسر استعارة فی تمكن تلك الهیئات من نفوسهم و لفظ الفدیة استعارة لتبدیل ذلك الاستمتاع بها بالإعراض عنها و المواظبة علی طاعة اللّٰه و إنما عطف بالواو فی قوله و لم یریدوها و بالفاء فی قوله ففدوا لأن زهد الإنسان فی الدنیا كما یكون متأخرا عن إقبالها علیه كذلك قد یكون متقدما علیه لقوله صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَنْ جَعَلَ الْآخِرَةَ أَكْبَرَ هَمِّهِ جَمَعَ اللَّهُ عَلَیْهِ هَمَّهُ وَ أَتَتْهُ الدُّنْیَا وَ هِیَ رَاغِمَةٌ فلم یحسن العطف هنا بالفاء و أما الفدیة فلما لم یكن إلا بعد الأسر لا جرم عطفها بالفاء.

السابعة عشر كونهم صافین أقدامهم باللیل یتلون القرآن و یرتلونه إلی قوله آذانهم و ذلك إشارة إلی تطویع نفوسهم الأمارة بالسوء بالعبادات و شرح لكیفیة استیثارهم للقرآن العزیز فی تلاوته و غایة ترتیلهم له بفهم مقاصده و تحزینهم لأنفسهم به عند ذكر الوعیدات من جملة استیثارهم لدواء دائهم و لما كان داؤهم هو الجهل و سائر الرذائل العملیة كان دواء الجهل بالعلم و دواء كل رذیلة الحصول علی الفضیلة المضادة لها فهم بتلاوة القرآن یستثیرون بالتحزین الخوف عن وعید اللّٰه المضاد للانهماك فی الدنیا و داؤه العلم الذی هو دواء الجهل و كذلك كل فضیلة حث القرآن علیها فهی دواء لما یضادها من الرذائل و باقی الكلام شرح

ص: 333

لكیفیة التحزین و التشویق.

و قوله فهم حانون علی أوساطهم ذكر لكیفیة ركوعهم و قوله مفترشون لجباههم إلی قوله أقدامهم إشارة إلی كیفیة سجودهم و ذكر الأعظم السبعة و قوله یطلبون إلی قوله رقابهم إشارة إلی غایتهم من عبادتهم تلك.

الثامنة عشر من صفاتهم بالنهار كونهم حكماء و أراد الحكمة الشرعیة و ما فیها من كمال القوة العلمیة و العملیة لكونها المتعارفة بین الصحابة و التابعین و روی حلماء و الحلم فضیلة تحت ملكة الشجاعة هی الوسط بین رذیلتی المهانة و الإفراط فی الغضب و إنما خص اللیل بالصلاة لكونها أولی بها من النهار.

التاسعة عشر كونهم علماء و أراد كمال القوة النظریة بالعلم النظری و هو معرفة الصانع و صفاته.

العشرون كونهم أبرارا و البر یعود إلی العفیف لمقابلته الفاجر.

الحادیة و العشرون كونهم أتقیاء و المراد بالتقوی هاهنا الخوف من اللّٰه و قد مر ذكر العفة و الخوف و إنما كررهما هنا فی عداد صفاتهم بالنهار و ذكرها هناك فی صفاتهم المطلقة و قوله و قد براهم الخوف إلی قوله عظیم شرح لفعل الخوف الغالب بهم و إنما یفعل الخوف ذلك لاشتغال النفس المدبرة للبدن به عن النظر فی صلاح البدن و وقوف القوة الشهویة و الغاذیة عن أداء بدل ما یتحلل و شبه بری الخوف لهم ببری القداح و وجه التشبیه شدة النحافة و یتبع ذلك تغیر السحنات (1) و الضعف عن الانفعالات النفسانیة من الخوف و الحزن حتی یحسبهم الناظر مرضی و إن لم یكن بهم مرض.

و یقول قد خولطوا و ذلك إشارة إلی ما یعرض لبعض العارفین عند اتصال نفسه بالملإ الأعلی و اشتغالها عن تدبیر البدن و ضبط حركاته أن یتكلم بكلام خارج عن المتعارف یستبشع بین أهل الشریعة الظاهرة فینسب ذلك منه إلی الاختلاط

ص: 334


1- 1. السحنة- بالتحریك- الهیئة و اللون، و لین البشرة و النعمة.

و الجنون و تارة إلی الكفر و الخروج عن الدین و قوله و لقد خالطهم أمر عظیم هو اشتغال أسرارهم بملاحظة جلال اللّٰه و مطالعة أنوار الملإ الأعلی.

الثانیة و العشرون كونهم لا یرضون من أعمالهم القلیل إلی قوله الكبیر و ذلك لتصورهم شرف غایتهم المقصودة بأعمالهم و قوله فهم لأنفسهم متهمون إلی قوله ما لا یعلمون فتهمتهم لأنفسهم و خوفهم من أعمالهم یعود إلی شكهم فیما یحكم به أوهامهم من حسن عبادتهم و كونها مقبولة أو واقعة علی الوجه المطلوب الموصل إلی اللّٰه تعالی فإن هذا الوهم یكون مبدأ للعجب بالعبادة و التقاصر عن الازدیاد عن العمل و التشكك فی ذلك و تهمة النفس بانقیادها فی ذلك الحكم للنفس الأمارة یستلزم خوفها أن یكون تلك الأعمال قاصرة عن الوجه المطلوب و غیر واقعة علیه و ذلك باعث علی العمل و كاسر للعجب به و قد عرفت أن العجب من المهلكات

كَمَا قَالَ علیه السلام: ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَ هَوًی مُتَّبَعٌ وَ إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ.

و كذلك خوفهم من تزكیة الناس لهم هو الدواء لما ینشأ من تلك التزكیة من الكبر و العجب بما یزكون به فیكون جواب أحدهم عند تزكیته أنی أعلم بنفسی من غیری إلی آخره.

ثم شرع علیه السلام بعد ذلك فی علاماتهم التی بجملتها یعرف أحدهم و الصفات السابقة و إن كان كثیر منها مما یخص أحدهم و یعرف به إلا أن بعضها قد یدخله الریاء فلا یدل علی التقوی الحقة فجمعها هاهنا و نسقها.

فالأولی القوة فی الدین و ذلك أن یقاوم فی دینه الوسواس الخناس و لا یدخل فیه خداع الناس و هذا إنما یكون فی الدین العالم.

الثانیة الحزم فی الأمور الدنیویة و الدینیة و التثبت فیها ممزوجا باللین للخلق و عدم الفضاضة علیهم كما فی المثل لا تكن حلوا فتسترط و لا مرا فتلفظ(1)

ص: 335


1- 1. ذكره الجوهریّ فی« سرط»( الصحاح ص 1130) و لفظه: لا تكن حلوا فتسترط و لا مرا فتعقی» و تعقی بمعنی تلفظ من قولهم: أعقیت الشی ء: إذا أزلته من فیك لمرارته كما یقال: أشكیت الرجل: إذا أزلته عما یشكوه. و هكذا ذكره المیدانی فی مجمع الامثال تحت الرقم 3604 ج 2 ص 232: و قال: الاستراط: الابتلاع، و الاعقاء: أن تشتد مرارة الشی ء حتّی یلفظ لمرارته و بعضهم یروی« فتعقی» بوزن فتسترط و الصواب كسر القاف: یقال: أعقی الشی ء، و المعنی لا تتجاوز الحد فی المرارة فترمی، و لا فی الحلاء فتبلع، أی كن متوسطا.

و هی فضیلة العدل فی المعاملة مع الخلق و قد علمت أن اللین قد یكون للتواضع المطلوب بقوله وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (1) و قد یكون من مهانة و ضعف یقین و الأول هو المطلوب و هو المقارن للحزم فی الدین و مصالح النفس و الثانی رذیلة و لا یمكن معه الحزم لانفعال المهین عن كل جاذب.

الثالثة الإیمان فی الیقین و لما كان الإیمان عبارة عن التصدیق بالصانع و بما وردت به الشریعة و كان ذلك التصدیق قابلا للشدة و الضعف فتارة یكون عن التقلید و هو الاعتقاد المطابق لا لموجب و تارة یكون عن العلم و هو الاعتقاد المطابق لموجب هو الدلیل و تارة عن العلم به مع العلم بأنه لا یكون إلا كذلك و هو علم الیقین و محققو السالكین لا یقفون عند هذه المرتبة بل یطلبون بعین الیقین بالمشاهدة بعد طرح حجب الدنیا و الإعراض عنها أراد أن علمهم علم الیقین لا یتطرق إلیه احتمال.

الرابعة الحرص فی العلم و الازدیاد منه.

الخامسة مزج العلم و هو فضیلة القوة الملكیة بالحلم و هو من فضائل القوة السبعیة.

السادسة القصد فی الغنی و هو فضیلة العدل فی استعمال متاع الدنیا و حذف الفضول عن قدر الضرورة.

السابعة الخشوع فی العبادة و هو من ثمرة الفكر فی جلال المعبود و ملاحظة عظمته الذی هو روح العبادة.

ص: 336


1- 1. الشعراء: 115.

الثامنة التجمل فی الفاقة و ذلك بترك الشكوی إلی الخلق و الطلب منهم و إظهار الغنی عنهم و ینشأ عن القناعة و الرضا و علو الهمة و یعین علی ذلك ملاحظة الوعد العاجل و ما أعد للمتقین.

التاسعة و كذلك الصبر فی الشدة.

العاشرة الطلب فی الحلال و ینشأ عن العفة.

الحادیة عشر النشاط فی الهدی و سلوك سبیل اللّٰه و ینشأ عن قوة الاعتقاد فیما وعد المتقون و تصور شرف الغایة.

الثانیة عشر عمل الصالحات علی وجل أی من أن یكون علی غیر الوجه اللائق فلا یقبل كما روی عن زین العابدین علیه السلام أنه كان فی التلبیة و هو علی راحلته و خر مغشیا علیه فلما أفاق قیل له فی ذلك فقال خَشْیَةَ أَنْ یَقُولَ لِی لَا لَبَّیْكَ وَ لَا سَعْدَیْكَ.

الثالثة عشر أن یكون همهم عند المساء الشكر علی ما رزقوا بالنهار و ما لم یرزقوا و یصبحوا و همهم الذكر لله لیذكرهم اللّٰه فیرزقهم من الكمالات النفسانیة و البدنیة كما قال تعالی فَاذْكُرُونِی أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِی وَ لا تَكْفُرُونِ (1) الرابعة عشر أن یبیت حذرا و یصبح فرحا و قوله حذرا إلی قوله الرحمة تفسیر للمحذور و ما به الفرح و لیس مقصوده تخصیص البیات بالحذر و الصباح بالفرح بل كما یقول أحدنا یمسی فلان و یصبح حذرا فرحا و كذلك تخصیصه الشكر بالمساء و الذكر بالصباح یحتمل أن لا یكون مقصودا.

الخامسة عشر إن استصعبت إلی قوله تحب إشارة إلی مقاومته لنفسه الأمارة بالسوء عند استصعابها علیه و قهره لها علی ما تكره و عدم متابعته لها فی میولها الطبیعیة و محابها.

السادسة عشر أن یری قرة عینه فیما لا یزول أی من الكمالات النفسانیة الباقیة كالعلم و الحكمة و مكارم الأخلاق المستلزمة للذات الباقیة و السعادة

ص: 337


1- 1. البقرة: 152.

الدائمیة و قرة عینه كنایة عن لذته و ابتهاجه لاستلزامهما لقرار العین و بردها برؤیة المطلوب و زهادته فیما لا یبقی من متاع الدنیا السابعة عشر أن یمزج العلم بالحلم فلا یجهل و یطیش و القول بالعمل فلا یقول ما لا یفعل فلا یأمر بمعروف فیقف دونه و لا ینهی عن منكر ثم یفعله و لا یعد فیخلف فیدخل فی مقت اللّٰه كما قال تعالی كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (1) الثامنة عشر قصر أمله و قربه و ذلك لكثرة ذكر الموت و الوصول إلی اللّٰه.

التاسعة عشر قلة زلله و قد عرفت أن زلل العارفین یكون من باب ترك الأولی لأن صدور الخیرات عنهم صار ملكة و الجواذب فیهم إلی الزلل و الخطیئات نادرة تكون لضرورة منهم أو سهو و لا شك فی قلته.

العشرون خشوع قلبه عن تصور عظمة المعبود.

الحادیة و العشرون قناعة نفسه و ینشأ عن ملاحظة حكمة اللّٰه فی قدرته و قسمته الأرزاق و یعین علیها تصور فوائدها الحاضرة و غایتها فی الآخرة.

الثانیة و العشرون قلة أكله و ذلك لما یتصور فی البطنة من ذهاب الفطنة و زوال الرقة و حدوث القسوة و الكسل عن العمل.

الثالثة و العشرون سهولة أمره أی لا یتكلف لأحد و لا یكلف أحدا.

الرابعة و العشرون حرز دینه فلا یهمل منه شیئا و لا یطرق إلیه خللا.

الخامسة و العشرون موت شهوته و لفظ الموت مستعار لخمود شهوته عما حرم علیه و یعود إلی العفة.

السادسة و العشرون كظم غیظه و هو من فضائل القوة الغضبیة.

السابعة و العشرون كونه مأمول الخیر و ذلك لأكثریة خیریته مأمون الشرور و ذلك لعلم الخلق بعدم قصده للشرور.

الثامنة و العشرون قوله إن كان من الغافلین إلی قوله الغافلین أی إن رآه

ص: 338


1- 1. الصف: 3.

الناس فی أعداد الغافلین عن ذكر اللّٰه لتركه الذكر باللسان كتب عند اللّٰه من الذاكرین لاشتغال قلبه بالذكر و إن تركه بلسانه و إن كان من الذاكرین بلسانه بینهم فظاهر أنه لا یكتب من الغافلین و لذكر اللّٰه ممادح كثیرة و هو باب عظیم من أبواب الجنة و الاتصال بجناب اللّٰه و قد أشرنا إلی فضیلته و أسراره.

التاسعة و العشرون عفوه عمن ظلمه و العفو فضیلة تحت الشجاعة و خص من ظلمه لیتحقق عفوه مع قوة الداعی إلی الانتقام.

الثلاثون و یعطی من حرمه و هی فضیلة تحت السخاء.

الحادیة و الثلاثون و یصل من قطعه و المواصلة فضیلة تحت العفة.

الثانیة و الثلاثون بعد فحشه و أراد ببعد الفحش عنه أنه قلما یخرج فی أقواله إلی ما لا ینبغی.

الثالثة و الثلاثون لینه فی القول عند محاورات الناس و وعظهم و معاملتهم و هو من أجزاء التواضع.

الرابعة و الثلاثون غیبة منكره و حضور معروفه و ذلك للزومه حدود اللّٰه.

الخامسة و الثلاثون إقبال خیره و إدبار شره و هو كقوله الخیر منه مأمول و الشر منه مأمون و یحتمل بإقبال خیره أخذه فی الازدیاد من الطاعة و تشمیره فیها و بقدر ذلك یكون إدباره عن الشر لأن من استقبل أمرا و سعی فیه بعد عما یضاده و أدبر عنه.

السادسة و الثلاثون وقاره فی الزلازل و كنی بها عن الأمور العظام و الفتن الكبار المستلزمة لاضطراب القلوب و أحوال الناس و الوقار ملكة تحت الشجاعة.

السابعة و الثلاثون كثرة صبره فی المكاره و ذلك عن ثباته و علو همته عن أحوال الدنیا.

الثامنة و الثلاثون كثرة شكره فی الرخاء و ذلك لمحبته المنعم الأول جلت قدرته فیزداد شكره فی رخائه و إن قل.

التاسعة و الثلاثون كونه لا یحیف علی من یبغض و هو سلب للحیف و الظلم

ص: 339

مع قیام الداعی إلیهما و هو البغض لمن یتمكن من حیفه و ظلمه.

الأربعون كونه لا یأثم فیمن یحب و هو سلب لرذیلة الفجور عنه باتباع الهوی فیمن یحب إما بإعطائه ما لا یستحق أو دفع ما یستحق علیه عنه كما یفعله قضاة السوء و أمراء الجور فالمتقی لا یأثم بشی ء من ذلك مع قیام الداعی إلیه و هو المحبة لمن یحبه بل یكون علی فضیلة العدل فی الكل علی السواء.

الحادیة و الأربعون اعترافه بالحق قبل أن یشهد علیه و ذلك لتحرزه فی دینه من الكذب إذ الشهادة إنما یحتاج إلیها مع إنكار الحق و ذلك كذب.

الثانیة و الأربعون كونه لا یضیع أماناته و لا یفرط فیما استحفظه اللّٰه من دینه و كتابه و ذلك لورعه و لزوم حدود اللّٰه.

الثالثة و الأربعون و لا ینسی ما ذكر من آیات اللّٰه و عبره و أمثاله و لا یترك العمل بها و ذلك لمداومة ملاحظتها و كثرة إخطارها بباله و العمل بها لعنایته المطلوبة منه.

الرابعة و الأربعون و لا ینابز بالألقاب و ذلك لملاحظته النهی فی الذكر الحكیم وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ (1) و لسر ذلك النهی و هو كون ذلك مستلزما لإثارة الفتن و التباغض بین الناس و الفرقة المضادة لمطلوب الشارع.

الخامسة و الأربعون و لا یضار بالجار لملاحظة وصیة اللّٰه تعالی به وَ الْجارِ ذِی الْقُرْبی وَ الْجارِ الْجُنُبِ (2) و وصیة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی المرفوع إلیه أوصانی ربی بالجار حتی ظننت أنه یورثه و لغایة ذلك و هی الألفة و الاتحاد فی الدین.

السادسة و الأربعون و لا یشمت بالمصائب و ذلك لعلمه بأسرار القدر و ملاحظته لأسباب المصائب و أنه فی معرض أن تصیبه فیتصور أمثالها فی نفسه فلا یفرح بنزولها علی غیره.

السابعة و الأربعون أنه لا یدخل فی الباطل و لا یخرج عن الحق أی لا یدخل

ص: 340


1- 1. الحجرات: 11.
2- 2. النساء: 36.

فیما یبعد عن اللّٰه تعالی من باطل الدنیا و لا یخرج عما یقرب إلیه من مطالبه الحقة و ذلك لتصور شرف غایته.

الثامنة و الأربعون كونه لا یغمه صمته لوضعه كلا من الصمت و الكلام فی موضعه و إنما یستلزم الغم الصمت عما ینبغی من القول و هو صمت فی غیر موضعه.

التاسعة و الأربعون كونه لا یعلو ضحكه و ذلك لغلبة ذكر الموت و ما بعده علی قلبه و مما نقل من صفات الرسول صلی اللّٰه علیه و آله كان أكثر ضحكه التبسم و قد یفتر أحیانا و لم یكن من أهل القهقهة و الكركرة و هما كیفیتان للضحك.

الخمسون صبره فی البغی علیه إلی غایة انتقام اللّٰه له و ذلك منه نظرا إلی ثمرة الصبر إلی الوعد الكریم ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیْهِ لَیَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ (1) الآیة و قوله وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ (2) الحادیة و الخمسون كون نفسه منه فی عناء أی نفسه الأمارة بالسوء لمقاومته لها و قهرها و مراقبته إیاها و الناس من أذاه فی راحة لذلك.

الثانیة و الخمسون كون بعده عمن تباعد عنه لزهده فیما فی أیدی الناس و نزاهته عنه لا عن كبر و تعظم علیهم و كذلك دنوه ممن دنا منه عن لین و رحمة منه لهم لا لمكر بهم و خدیعة لهم عن بعض المطالب كما هو عادة الخبیث المكار و هذه الصفات و العلامات قد یتداخل بعضها و لكن تورد بعبارة أخری أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانیا مركبة مع غیرها(3).

«51»- لی، [الأمالی للصدوق] ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ الْهَاشِمِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ: قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام یُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ وَ كَانَ عَابِداً فَقَالَ لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صِفْ لِیَ الْمُتَّقِینَ حَتَّی كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْهِمْ فَتَثَاقَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ وَیْحَكَ یَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَ أَحْسِنْ فَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا

ص: 341


1- 1. الحجّ: 60.
2- 2. النحل: 126.
3- 3. شرح النهج لابن میثم البحرانیّ ص 364- 369.

وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

فَقَالَ هَمَّامٌ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِی أَكْرَمَكَ بِمَا خَصَّكَ بِهِ وَ حَبَاكَ وَ فَضَّلَكَ بِمَا آتَاكَ وَ أَعْطَاكَ لَمَّا وَصَفْتَهُمْ لِی فَقَامَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ قَائِماً عَلَی قَدَمَیْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی النَّبِیِّ وَ آلِهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ حَیْثُ خَلَقَهُمْ غَنِیّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً لِمَعْصِیَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِیَةُ مَنْ عَصَاهُ مِنْهُمْ وَ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْهُمْ وَ قَسَمَ بَیْنَهُمْ مَعَایِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ فِی الدُّنْیَا مَوَاضِعَهُمْ وَ إِنَّمَا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ وَ حَوَّاءَ علیهما السلام مِنَ الْجَنَّةِ عُقُوبَةً لِمَا صَنَعَا حَیْثُ نَهَاهُمَا فَخَالَفَاهُ وَ أَمَرَهُمَا فَعَصَیَاهُ فَالْمُتَّقُونَ فِیهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَ مَشْیُهُمُ التَّوَاضُعُ خَشَعُوا لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِالطَّاعَةِ فَتَهَبَّوْا(1) فَهُمْ غَاضُّونَ أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَاقِفِینَ أَسْمَاعَهُمْ عَلَی الْعِلْمِ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِی الْبَلَاءِ كَالَّتِی نُزِّلَتْ مِنْهُمْ فِی الرَّخَاءِ رِضاً مِنْهُمْ عَنِ اللَّهِ بِالْقَضَاءِ وَ لَوْ لَا الْآجَالُ الَّتِی كُتِبَتْ عَلَیْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَیْنٍ شَوْقاً إِلَی الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِی أَنْفُسِهِمْ وَ وُضِعَ مَا دُونَهُ فِی أَعْیُنِهِمْ فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ كَمَنْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُتَّكِئُونَ وَ هُمْ وَ الدَّارُ كَمَنْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِیفَةٌ وَ حَوَائِجُهُمْ خَفِیفَةٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِیفَةٌ وَ مَئُونَتُهُمْ مِنَ الدُّنْیَا عَظِیمَةٌ صَبَرُوا أَیَّاماً قِصَاراً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِیلَةً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ یَسَّرَهَا لَهُمْ رَبٌّ كَرِیمٌ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْیَا فَلَمْ یُرِیدُوهَا وَ طَلَبَتْهُمْ فَأَعْجَزُوهَا أَمَّا اللَّیْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِینَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ یُرَتِّلُونَهُ

تَرْتِیلًا یُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ یَسْتَتِرُونَ بِهِ (2)

وَ یَهِیجُ أَحْزَانُهُمْ بُكَاءً عَلَی ذُنُوبِهِمْ وَ وَجَعِ كُلُومِ جِرَاحِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآیَةٍ فِیهَا تَخْوِیفٌ أَصْغَوْا إِلَیْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَ أَبْصَارَهُمْ فَاقْشَعَرَّتْ مِنْهَا

ص: 342


1- 1. فبهتوا خ ل.
2- 2. فیستنیرون خ ل، فیستثیرون خ ل، فیستبشرون خ ل.

جُلُودُهُمْ وَ وَجِلَتِ مِنْهَا قُلُوبُهُمْ فَظَنُّوا أَنَّ صَهِیلَ جَهَنَّمَ وَ زَفِیرَهَا وَ شَهِیقَهَا فِی أُصُولِ آذَانِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآیَةٍ فِیهَا تَشْوِیقٌ رَكَنُوا إِلَیْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَیْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْیُنِهِمْ جَاثِینَ عَلَی أَوْسَاطِهِمْ یُمَجِّدُونَ جَبَّاراً عَظِیماً مُفْتَرِشِینَ جِبَاهَهُمْ وَ أَكُفَّهُمْ وَ رُكَبَهُمْ وَ أَطْرَافَ أَقْدَامِهِمْ تَجْرِی دُمُوعُهُمْ عَلَی خُدُودِهِمْ یَجْأَرُونَ إِلَی اللَّهِ فِی فَكَاكِ رِقَابِهِمْ أَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِیَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ فَهُمْ أَمْثَالُ الْقِدَاحِ یَنْظُرُ إِلَیْهِمُ النَّاظِرُ فَیَحْسَبُهُمْ مَرْضَی وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ یَقُولُ قَدْ خُولِطُوا فَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِیمٌ إِذَا فَكَّرُوا فِی عَظَمَةِ اللَّهِ وَ شِدَّةِ سُلْطَانِهِ مَعَ مَا یُخَالِطُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَ أَهْوَالِ الْقِیَامَةِ فَزَّعَ ذَلِكَ قُلُوبَهُمْ فَطَاشَتْ حُلُومُهُمْ وَ ذَهَلَتْ عُقُولُهُمْ فَإِذَا اسْتَقَامُوا(1)

بَادَرُوا إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِالْأَعْمَالِ الزَّكِیَّةِ لَا یَرْضَوْنَ لِلَّهِ بِالْقَلِیلِ وَ لَا یَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الْجَزِیلَ فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِنْ زُكِّیَ أَحَدُهُمْ خَافَ مَا یَقُولُونَ وَ یَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا لَا یَعْلَمُونَ وَ قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِی مِنْ غَیْرِی وَ رَبِّی أَعْلَمُ مِنِّی بِنَفْسِی اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِی بِمَا یَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِی خَیْراً مِمَّا یَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِی مَا لَا یَعْلَمُونَ فَإِنَّكَ عَلَامُ الْغُیُوبِ وَ سَاتِرُ الْعُیُوبِ وَ مِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَی لَهُ قُوَّةً فِی دِینٍ وَ حَزْماً فِی لِینٍ وَ إِیمَاناً فِی یَقِینٍ وَ حِرْصاً عَلَی الْعِلْمِ وَ فَهْماً فِی فِقْهٍ وَ عِلْماً فِی حِلْمٍ وَ كَسْباً فِی رِفْقٍ وَ شَفَقَةً فِی نَفَقَةٍ وَ قَصْداً فِی غِنًی وَ خُشُوعاً فِی عِبَادَةٍ وَ تَجَمُّلًا فِی فَاقَةٍ وَ صَبْراً فِی شِدَّةٍ وَ رَحْمَةً لِلْمَجْهُودِ وَ إِعْطَاءً فِی حَقٍّ وَ رِفْقاً فِی كَسْبٍ وَ طَلَباً لِلْحَلَالِ وَ نَشَاطاً فِی الْهُدَی وَ تَحَرُّجاً عَنِ الطَّمَعِ وَ بِرّاً فِی اسْتِقَامَةٍ وَ إِغْمَاضاً عِنْدَ شَهْوَةٍ: لَا یَغُرُّهُ ثَنَاءُ مَنْ جَهِلَهُ وَ لَا یَدَعُ إِحْصَاءَ مَا عَلِمَهُ مُسْتَبْطِئاً لِنَفْسِهِ فِی الْعَمَلِ یَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَ هُوَ عَلَی وَجَلٍ یُمْسِی وَ هَمُّهُ الشُّكْرُ وَ یُصْبِحُ وَ شُغْلُهُ

ص: 343


1- 1. استفاقوا خ ل.

الذِّكْرُ یَبِیتُ حَذِراً وَ یُصْبِحُ فَرِحاً حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ فَرِحاً لِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ الرَّحْمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ لَمْ یُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِیمَا فِیهِ مَضَرَّتُهُ فَفَرَحُهُ فِیمَا یُخَلَّدُ وَ یَدُومُ وَ قُرَّةُ عَیْنِهِ فِیمَا لَا یَزُولُ وَ رَغْبَتُهُ فِیمَا یَبْقَی وَ زَهَادَتُهُ فِیمَا یَفْنَی یَمْزُجُ الْعِلْمَ بِالْحِلْمِ وَ یَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعَقْلِ تَرَاهُ بَعِیداً كَسَلُهُ دَائِماً نَشَاطُهُ قَرِیباً أَمَلُهُ قَلِیلًا زَلَلُهُ مُتَوَقِّعاً أَجَلَهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ ذَاكِراً رَبَّهُ خَائِفاً ذَنْبَهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مُتَغَیِّباً جَهْلُهُ سَهْلًا أَمْرُهُ حَرِیزاً لِدِینِهِ مَیِّتَةً شَهْوَتُهُ كَاظِماً غَیْظَهُ صَافِیاً خُلُقُهُ آمِناً مِنْهُ جَارُهُ ضَعِیفاً كِبْرُهُ مَتِیناً صَبْرُهُ كَثِیراً ذِكْرُهُ مُحْكَماً أَمْرُهُ لَا یُحَدِّثُ بِمَا یُؤْتَمَنُ عَلَیْهِ الْأَصْدِقَاءَ وَ لَا یَكْتُمُ شَهَادَتَهُ الْأَعْدَاءَ وَ لَا یَعْمَلُ شَیْئاً مِنَ الْحَقِّ رِئَاءً وَ لَا یَتْرُكُهُ

حَیَاءً الْخَیْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ إِنْ كَانَ مِنَ الْغَافِلِینَ (1)

كُتِبَ مِنَ الذَّاكِرِینَ وَ إِنْ كَانَ مِنَ الذَّاكِرِینَ (2)

لَمْ یُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِینَ یَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ یُعْطِی مَنْ حَرَمَهُ وَ یَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ وَ لَا یَعْزُبُ حِلْمُهُ وَ لَا یَعْجَلُ فِیمَا یُرِیبُهُ وَ یَصْفَحُ عَمَّا قَدْ تَبَیَّنَ لَهُ بَعِیداً جَهْلُهُ لَیِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مَكْرُهُ قَرِیباً مَعْرُوفُهُ صَادِقاً قَوْلُهُ حَسَناً فِعْلُهُ مُقْبِلًا خَیْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ فَهُوَ فِی الزَّلَازِلِ وَقُورٌ وَ فِی الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَ فِی الرَّخَاءِ شَكُورٌ وَ لَا یَحِیفُ عَلَی مَنْ یُبْغِضُ وَ لَا یَأْثَمُ فِیمَنْ یُحِبُّ وَ لَا یَدَّعِی مَا لَیْسَ لَهُ وَ لَا یَجْحَدُ حَقّاً عَلَیْهِ یَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ یُشْهَدَ عَلَیْهِ لَا یُضِیعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَ لَا یَتَنَابَزُ بِالْأَلْقَابِ لَا یَبْغِی عَلَی أَحَدٍ وَ لَا یَهُمُّ بِالْحَسَدِ وَ لَا یُضِرُّ بِالْجَارِ وَ لَا یَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ سَرِیعٌ لِلصَّوَابِ مُؤَدٍّ لِلْأَمَانَاتِ بَطِی ءٌ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ یَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَی عَنِ الْمُنْكَرِ لَا یَدْخُلُ فِی الْأُمُورِ بِجَهْلٍ وَ لَا یَخْرُجُ عَنِ الْحَقِّ بِعَجْزٍ إِنْ صَمَتَ لَمْ یَغُمَّهُ الصَّمْتُ وَ إِنْ نَطَقَ لَمْ یَقُلْ خَطَأً وَ إِنْ ضَحِكَ لَمْ یَعْدُ صَوْتُهُ سَمْعَهُ قَانِعاً بِالَّذِی قُدِّرَ لَهُ لَا یَجْمَحُ بِهِ الْغَیْظُ وَ لَا یَغْلِبُهُ الْهَوَی وَ لَا یَقْهَرُهُ الشُّحُ

ص: 344


1- 1. فی الغافلین خ.
2- 2. فی الذاكرین خ.

وَ لَا یَطْمَعُ فِیمَا لَیْسَ لَهُ یُخَالِطُ النَّاسَ لِیَعْلَمَ وَ یَصْمُتُ لِیَسْلَمَ وَ یَسْأَلُ لِیَفْهَمَ وَ یَبْحَثُ لِیَعْلَمَ لَا یُنْصِتُ لِلْخَیْرِ لِیَفْخَرَ بِهِ وَ لَا یَتَكَلَّمُ بِهِ لِیَتَجَبَّرَ عَلَی مَنْ سِوَاهُ إِنْ بُغِیَ عَلَیْهِ صَبَرَ حَتَّی یَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی یَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ بُعْدُ مَنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ بِغَضٍّ وَ نَزَاهَةٍ وَ دُنُوُّ مَنْ دَنَا مِنْهُ لِینٌ وَ رَحْمَةٌ(1)

فَلَیْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَ لَا عَظَمَةٍ وَ لَا دُنُوُّهُ لِخَدِیعَةٍ وَ لَا خِلَابَةٍ بَلْ یَقْتَدِی بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَیْرِ فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ خَلْفَهُ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ قَالَ فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِیهَا فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَیْهِ وَ أَمَرَ بِهِ فَجُهِّزَ وَ صَلَّی عَلَیْهِ وَ قَالَ هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا فَقَالَ قَائِلٌ فَمَا بَالُكَ أَنْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ وَیْلَكَ إِنَّ لِكُلٍّ أَجَلًا لَنْ یَعْدُوَهُ وَ سَبَباً لَا یُجَاوِزُهُ فَمَهْلًا لَا تَعُدْ فَإِنَّهُ إِنَّمَا نَفَثَ هَذَا الْقَوْلَ عَلَی لِسَانِكَ الشَّیْطَانُ (2).

كتاب سلیم بن قیس،: مثله توضیح إنما كررنا ذكر هذه الخطبة الشریفة لئلا یفوت عن الناظر فی الكتاب الفوائد التی اختصت كل روایة بها مع أنها المسك كلما كررته یتضوع.

بما خصك به من قرابة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و الاختصاص به و حباك أی أعطاك من الوصایة و الخلافة بما آتاك من السوابق و المناقب و أعطاك من العلم و القرب و مكارم الأخلاق و یحتمل التعمیم و التأكید.

و لما إیجابیة أی أسألك فی جمیع الأحوال إلا حال الوصف و هو حصول المطلوب و قد مر الكلام فی تأویل معصیة آدم و حواء علیهما السلام و ذكرها لبیان

ص: 345


1- 1. بعده عمن تباعد عنه زهد و نزاهة، و دنوه ممن دنا منه لین و رحمة، خ ل.
2- 2. أمالی الصدوق ص 340 المجلس: 84.

فضیلة التقوی و ذم خلافها و بیان سبب حصول بنی آدم فی الدنیا و احتیاجهم إلی المعایش و اختلافهم فی المنازل الدینیة و المراتب الدنیویة و حصول الشهوات فیهم و ترقیهم فی الكمالات لذلك.

فتهبوا أی نفضوا أیدیهم عن الدنیا و تفرغوا للآخرة فی النهایة یقال جاء یتهبی إذا جاء فارغا ینفض یدیه.

و یحتمل أن یكون من هب فقلب الثانی (1)

أی انتبهوا من نوم الغفلة و أسرعوا فی الطاعة أو بلیت أبدانهم لكثرة العبادة فی القاموس الهب الانتباه من النوم و نشاط كل سائر و سرعته و تهبب الثوب بلی و فی بعض النسخ فبهتوا أی تحیروا فی ملاحظة عظمة اللّٰه سبحانه أو یحسبهم الناس كذلك كما سیأتی.

و وضع ما دونه علی بناء المفعول أی ذل و حط قدره أو علی بناء المعلوم ككرم یقال فی حسبه ضعة أی انحطاط و لؤم و خسة و قد وضع ككرم و وضعه غیره كذا فی القاموس و فی بعض النسخ و صغر و مئونتهم من الدنیا عظیمة المئونة الثقل و القوت و التعب و الشدة.

قال الجوهری (2)

المئونة یهمز و لا یهمز و هی فعولة و قال الفراء هی مفعلة من الأین و هو التعب و الشدة و یقال هو مفعلة من الأون و هو الخرج و العدل لأنه ثقل علی الإنسان قال الخلیل و لو كان مفعلة لكان مئینة مثل معیشة و عند الأخفش یجوز أن تكون مفعلة انتهی.

و أقول تحتمل هذه الفقرة وجوها الأول أن یكون المعنی أن تعبهم و مشقتهم بسبب ترك الدنیا و مجاهدة النفس فی الإعراض عنها عظیمة.

الثانی أن یكون المعنی أن الرزق مضیق علیهم لإعراضهم عن الحرام و الشبهة و مكسب الحلال قلیل مع أن أولیاء اللّٰه غالبا مبتلون بالفقر فالعظیمة

ص: 346


1- 1. فان القیاس كان أن یقال: فتهببوا.
2- 2. الصحاح: 2198.

بمعنی الشدة أو المئونة بمعنی التعب.

الثالث أن یراد أن ما یحصل لهم من القوت فی الدنیا یعدونه عظیما و یشكرونه و إن كان قلیلا.

الرابع أنهم لكثرة توسعهم علی العیال و ذوی الأرحام و الفقراء مئونتهم كثیرة.

الخامس أن یكون المعنی أن بلیتهم بسبب معاشرة الخلق و كثرة الأعادی و قلة من یؤنسهم و یوافقهم فی الطریقة عظیمة.

السادس ما ذكره الوالد قدس سره أن المراد بمؤنتهم ما یكسبونه لزاد الآخرة من الطاعات و القربات و الصدقات أی یأخذون حظا عظیما من الدنیا للآخرة.

و یحتمل وجوها أخر و كأنه لخفاء معناها أسقطها فی النهج و فیما سیأتی فی باب صفات الشیعة و معونتهم فی الإسلام عظیمة و هو أظهر.

و طلبتهم فأعجزوها أی عن أن تصل إلیهم و تدركهم و یستترون به أی یخفونه عن الناس خوفا من الرئاء و فی بعض النسخ و یستبشرون به أی یفرحون بالحزن أو بالتلاوة شكرا لما وفقهم اللّٰه لذلك و یهیج أحزانهم كأنه علی بناء التفعیل و بكاء فاعله و أحزانهم مفعوله و وجع عطف علی بكاء أو علی بناء المجرد و أحزانهم فاعله و بكاء منصوب علی العلة و وجع عطف علی ذنوبهم و الكلوم كعلوم جمع الكلام بالفتح و هو الجرح و الجراح جمع جراحة بالكسر فیهما و الإضافة للتأكید أو الجراح مصدر أی الجراحات التی حدثت من جراحاتهم لأنفسهم بالذنوب و المعاصی.

و فی النهایة فیه ملأ اللّٰه مسامعه هی جمع مسمع و هو آلة السمع أو جمع سمع علی غیر قیاس كمشابه و ملامح و المسمع بالفتح خرقها انتهی و أبصارهم بالنصب عطف علی مسامع أی أبصار قلوبهم أو بالجر عطفا علی قلوبهم فالأبصار بمعنی البصائر و الصهیل صوت الفرس شبه به صوت توقد النار لرفعته و شدته.

ص: 347

جاثین علی أوساطهم الغالب فی الجثو أن یطلق علی الجلوس علی الركبتین و قد یطلق علی القیام علی أطراف الأصابع و المراد هنا إما الجلوس علی وجه الخضوع و النسبة إلی الأوساط علی المجاز أو القیام كذلك أو الركوع بتضمین معنی الانحناء فی القاموس جثا كدعا و رمی جثوا و جثیا بضمهما جلس علی ركبتیه أو قام علی أطراف أصابعه و أجثاه غیره و هو جاث و فی بعض نسخ حانین كما فی سائر الروایات و هو أظهر.

و فی القاموس مجده عظمه و أثنی علیه و قال جأر كمنع جأرا و جؤارا رفع صوته بالدعاء و تضرع و استغاث فزع علی بناء التفعیل و الإشارة إلی التفكر طاشت أی اضطربت و تحیرت فی القاموس الطیش النزق و الخفة طاش یطیش طیشا و ذهاب العقل و جواز السهم الهدف و قال الحلم بالكسر الأناة و العقل و الجمع أحلام و حلوم.

فإذا استقاموا أی استقامت أحوالهم و ذهبت عنهم تلك الدهشة و فی بعض النسخ استفاقوا و هو أنسب فی القاموس أفاق من مرضه رجعت الصحة إلیه أو رجع إلی الصحة كاستفاق.

بالأعمال الزكیة أی الطاهرة من الریاء و ما یفسد العمل أو النامیة و الجزیل الكثیر و العظیم و فهما فی فقه الفقه بالكسر العلم بالشی ء و الفهم له و الفطنة و غلب علی علم الدین لشرفه ذكره الفیروزآبادی فالمعنی أن له فهما فی علوم الدین أو یفهم ما یتفقه و لا یكتفی بظاهر التعلم و كسبا فی رفق أی یكسب المال و لا یبالغ فیه و هو الإجمال فی الطلب و یحتمل كسب العلم

أیضا فالرفق عدم المجادلة و السفاهة و شفقة فی نفقة الشفقة المبالغة فی النصح و الخوف فالمعنی أن له شفقة علی المؤمنین مع الإنفاق علیهم أو أنه یخاف فی النفقة أن تكون إسرافا أو یكون مكسبها حراما.

و فی النهایة یقال جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة و جهد الناس فهم مجهودون إذا أجدبوا و رفقا فی كسب كأنه تأكید مع تفنن فی العبارة أو فی

ص: 348

الأول المقصود بالذات الكسب و فی الثانی الرفق أو فی الأول المراد كسب العلم و فی الثانی كسب المال أو الرفق فی أحدهما اللطف مع المعاملین و فی الآخر عدم المبالغة فی الطلب و لا یبعد أن یكون كسبا فی الأول تصحیف كیسا كما سیأتی.

و برا فی استقامة أی مع استقامة فی الدین أو من غیر تقتیر و تبذیر أو مداوما علیه أو یضعه فی مواضعه و البر إما بر الوالدین أو الأعم و الأخیر أظهر و إغماضا عند شهوة أی یغمض عینه عن الحرام مع شهوته للنظر و یحتمل أن یكون الإغماض كنایة عن الترك لما سیأتی فی بعض انتهاء مكانه.

ما علمه أی من سیئاته بل یحصیها و یعدها علی نفسه و فی بعض النسخ إحصاء علمه مستبطئا لنفسه أی یعدها بطیئة عن الأعمال الصالحة مقصرة فیها و یمزج الحلم بالعقل أی یحلم فیما یحكم العقل بحسنه فیه الأصدقاء فكیف الأعداء الأعداء فكیف الأصدقاء(1) و لا یتركه حیاء لأنه لا حیاء فی الحق و فی القاموس العزوب الغیبة یعزب و یعزب و الذهاب و لا یعجل فیما یریبه أی لا یعجل فی أمر له شك فی أنه یجوز له الدخول فیه أم لا حتی یستیقن ذلك أو إذا شك فی صدور خیانة أو ضرر عن غیره لا یعجل فی انتقامه حتی یتیقن ذلك و هذا أنسب بما بعده.

قال فی النهایة الریب الشك و قیل هو الشك مع التهمة یقال رابنی الشی ء و أرابنی بمعنی شككنی و قیل أرابنی فی كذا أی شككنی و أوهمنی الریبة فیه فإذا استیقنته قلت رابنی بغیر ألف و منه الحدیث دع ما یریبك إلی ما لا یریبك یروی بفتح الیاء و ضمها.

و یصفح عما قد تبین له أی من إساءة الناس و ضررهم و فی القاموس

ص: 349


1- 1. یعنی أنه« لا یحدث بما یؤتمن علیه الاصدقاء» فكیف الاعداء« و لا یكتم شهادته الاعداء» فكیف الاصدقاء.

بغی علیه یبغی بغیا علا و ظلم و عدل عن الحق و استطال بعجزه أی بضعف النیة و فتور العزم.

و فی القاموس جمح الفرس كمنع اعتز فارسه و غلبه لیسلم أی من شرور اللسان أو شرور الناس و البحث التفتیش و المراد أن إعادته السؤال لحسن الفهم و مزید العلم لا للمراء و إظهار الفضل.

بعد من تباعد إضافة إلی المفعول و كذا دنو من دنا منه.

«52»- نهج، [نهج البلاغة]: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی بَعْضِ خُطَبِهِ یَا أَیُّهَا النَّاسُ طُوبَی لِمَنْ شَغَلَهُ عَیْبُهُ عَنْ عُیُوبِ النَّاسِ وَ طُوبَی لِمَنْ لَزِمَ بَیْتَهُ وَ أَكَلَ قُوتَهُ وَ اشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَ بَكَی عَلَی خَطِیئَتِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِی شُغُلٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ(1).

بیان: لمن لزم بیته أی لم یخرج منه لتهییج شر و لیس المراد ترك الخروج لطلب الرزق أو للعبادة كالجهاد و عیادة المرضی و تشییع الجنائز و قضاء حوائج المؤمنین و نحوها أو هو مختص ببعض أزمنة الفتن و أكل قوته أی اكتفی بما قدر اللّٰه له من قوته و لم یطلب أكثر من ذلك و لم یشترك فی قوت غیره.

«53»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِی الْعَبَّاسِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَةٌ وَ سَاءَتْهُ سَیِّئَةٌ فَهُوَ مُؤْمِنٌ (2).

بیان: حسنة أی حسنة نفسه أو أعم من أن یكون من نفسه أو من غیره و یؤید الأول أن فی بعض النسخ حسنته و سیئته كما سیأتی و السرور بالحسنة لا یستلزم العجب فإنه یمكن أن یكون عند نفسه مقصرا فی الطاعة لكن یسر بأن لم یتركها رأسا و كان هذا أولی منازل الإیمان مع أن السرور الواقعی بالحسنة یستلزم السعی فی الإتیان بكل حسنة و المساءة الواقعیة بالسیئة تستلزم التنفر من كل سیئة و الاهتمام بتركها و هذان من كمال الإیمان.

«54»- كِتَابُ زَیْدٍ الزَّرَّادِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام نَخْشَی أَنْ

ص: 350


1- 1. نهج البلاغة ج 1 ص 353 الخطبة ص 174.
2- 2. الكافی ج 2 ص 232.

لَا نَكُونَ مُؤْمِنِینَ قَالَ وَ لِمَ ذَاكَ فَقُلْتُ وَ ذَلِكَ أَنَّا لَا نَجِدُ فِینَا مَنْ یَكُونُ أَخُوهُ عِنْدَهُ آثَرَ مِنْ دِرْهَمِهِ وَ دِینَارِهِ وَ نَجِدُ الدِّینَارَ وَ الدِّرْهَمَ آثَرَ عِنْدَنَا مِنْ أَخٍ قَدْ جَمَعَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ مُوَالاةُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لیه السلام قَالَ كَلَّا إِنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ وَ لَكِنْ لَا تُكْمِلُونَ إِیمَانَكُمْ حَتَّی یَخْرُجَ قَائِمُنَا فَعِنْدَهَا یَجْمَعُ اللَّهُ أَحْلَامَكُمْ فَتَكُونُونَ مُؤْمِنِینَ كَامِلِینَ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ فِی الْأَرْضِ مُؤْمِنُونَ كَامِلُونَ إِذاً لَرَفَعَنَا اللَّهُ إِلَیْهِ وَ أَنْكَرْتُمُ الْأَرْضَ وَ أَنْكَرْتُمُ السَّمَاءَ بَلْ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ إِنَّ فِی الْأَرْضِ فِی أَطْرَافِهَا مُؤْمِنِینَ مَا قَدْرُ الدُّنْیَا كُلِّهَا عِنْدَهُمْ تَعْدِلُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَ لَوْ أَنَّ الدُّنْیَا بِجَمِیعِ مَا فِیهَا وَ عَلَیْهَا ذَهَبَةٌ حَمْرَاءُ عَلَی عُنُقِ أَحَدِهِمْ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ عُنُقِهِ مَا شَعَرَ بِهَا أَیُّ شَیْ ءٍ كَانَ عَلَی عُنُقِهِ وَ لَا أَیُّ شَیْ ءٍ سَقَطَ مِنْهَا لِهَوَانِهَا عَلَیْهِمْ فَهُمُ الْخَفِیُّ عَیْشُهُمْ الْمُنْتَقِلَةُ دِیَارُهُمْ مِنْ أَرْضٍ إِلَی أَرْضٍ الْخَمِیصَةُ بُطُونُهُمْ مِنَ الصِّیَامِ الذُّبْلَةُ شِفَاهُهُمْ مِنَ التَّسْبِیحِ الْعُمْشُ الْعُیُونِ مِنَ الْبُكَاءِ الصُّفْرُ الْوُجُوهُ مِنَ السَّهَرِ فَذَلِكَ سِیمَاهُمْ مَثَلًا ضَرَبَهُ اللَّهُ فِی الْإِنْجِیلِ لَهُمْ وَ فِی التَّوْرَاةِ وَ الْفُرْقَانِ وَ الزَّبُورِ وَ الصُّحُفِ الْأُولَی وَصَفَهُمْ فَقَالَ سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ

فِی الْإِنْجِیلِ (1) عَنَی بِذَلِكَ صُفْرَةَ وُجُوهِهِمْ مِنْ سَهَرِ اللَّیْلِ هُمُ الْبَرَرَةُ بِالْإِخْوَانِ فِی حَالِ الْعُسْرِ وَ الْیُسْرِ الْمُؤْثِرُونَ عَلَی أَنْفُسِهِمْ فِی حَالِ الْعُسْرِ كَذَلِكَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ وَ یُؤْثِرُونَ عَلی أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (2) فَازُوا وَ اللَّهِ وَ أَفْلَحُوا إِنْ رَأَوْا مُؤْمِناً أَكْرَمُوهُ وَ إِنْ رَأَوْا مُنَافِقاً هَجَرُوهُ إِذَا جَنَّهُمُ اللَّیْلُ اتَّخَذُوا أَرْضَ اللَّهِ فِرَاشاً وَ التُّرَابَ وِسَاداً وَ اسْتَقْبَلُوا بِجِبَاهِهِمُ الْأَرْضَ یَتَضَرَّعُونَ إِلَی رَبِّهِمْ فِی فَكَاكِ رِقَابِهِمْ مِنَ النَّارِ فَإِذَا أَصْبَحُوا اخْتَلَطُوا بِالنَّاسِ لَا یُشَارُ إِلَیْهِمْ بِالْأَصَابِعِ

ص: 351


1- 1. الفتح: 29.
2- 2. الحشر: 9.

تَنَكَّبُوا الطُّرُقَ وَ اتَّخَذُوا الْمَاءَ طِیباً وَ طَهُوراً أَنْفُسُهُمْ مَتْعُوبَةٌ وَ أَبْدَانُهُمْ مَكْدُودَةٌ وَ النَّاسُ مِنْهُمْ فِی رَاحَةٍ فَهُمْ عِنْدَ النَّاسِ شِرَارُ الْخَلْقِ وَ عِنْدَ اللَّهِ خِیَارُ الْخَلْقِ إِنْ حَدَّثُوا لَمْ یُصَدَّقُوا وَ إِنْ خَطَبُوا لَمْ یُزَوَّجُوا وَ إِنْ شَهِدُوا لَمْ یُعْرَفُوا وَ إِنْ غَابُوا لَمْ یُفْقَدُوا قُلُوبُهُمْ خَائِفَةٌ وَجِلَةٌ مِنَ اللَّهِ أَلْسِنَتُهُمْ مَسْجُونَةٌ وَ صُدُورُهُمْ وِعَاءٌ لِسِرِّ اللَّهِ إِنْ وَجَدُوا لَهُ أَهْلًا نَبَذُوهُ إِلَیْهِ نَبْذاً وَ إِنْ لَمْ یَجِدُوا لَهُ أَهْلًا أَلْقَوْا عَلَی أَلْسِنَتِهِمْ أَقْفَالًا غَیَّبُوا مَفَاتِیحَهَا وَ جَعَلُوا عَلَی أَفْوَاهِهِمْ أَوْكِیَةً صُلَّبٌ صِلَابٌ أَصْلَبُ مِنَ الْجِبَالِ لَا یُنْحَتُ مِنْهُمْ شَیْ ءٌ خُزَّانُ الْعِلْمِ وَ مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ وَ تُبَّاعُ النَّبِیِّینَ وَ الصِّدِّیقِینَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِینَ أَكْیَاسٌ یَحْسَبُهُمُ الْمُنَافِقُ خُرْساً عُمْیاً بُلْهاً وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ خَرَسٍ وَ لَا عَمًی وَ لَا بَلَهٍ إِنَّهُمْ لَأَكْیَاسٌ فُصَحَاءُ عُلَمَاءُ حُلَمَاءُ حُكَمَاءُ أَتْقِیَاءُ بَرَرَةٌ صَفْوَةُ اللَّهِ أَسْكَتَهُمُ الْخَشْیَةُ لِلَّهِ وَ أَعْیَتْهُمْ أَلْسِنَتُهُمْ خَوْفاً مِنَ اللَّهِ وَ كِتْمَاناً لِسِرِّهِ وَا شَوْقَاهْ إِلَی مُجَالَسَتِهِمْ وَ مُحَادَثَتِهِمْ یَا كَرْبَاهْ لِفَقْدِهِمْ وَ یَا كَشْفَ كَرْبَاهْ لِمُجَالَسَتِهِمْ اطْلُبُوهُمْ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ اقْتَبَسْتُمْ مِنْ نُورِهِمْ اهْتَدَیْتُمْ وَ فُزْتُمْ بِهِمْ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ هُمْ أَعَزُّ فِی النَّاسِ مِنَ الْكِبْرِیتِ الْأَحْمَرِ حِلْیَتُهُمْ طُولُ السُّكُوتِ وَ كِتْمَانُ السِّرِّ وَ الصَّلَاةُ وَ الزَّكَاةُ وَ الْحَجُّ وَ الصَّوْمُ وَ الْمُوَاسَاةُ لِلْإِخْوَانِ فِی حَالِ الْیُسْرِ وَ الْعُسْرِ فَذَلِكَ حِلْیَتُهُمْ وَ مَحَبَّتُهُمْ یَا طُوبی لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ هُمْ وَارِثُو الْفِرْدَوْسِ خَالِدِینَ فِیهَا وَ مَثَلُهُمْ فِی أَهْلِ الْجِنَانِ مَثَلُ الْفِرْدَوْسِ فِی الْجِنَانِ وَ هُمُ الْمَطْلُوبُونَ فِی النَّارِ الْمَحْبُورُونَ فِی الْجِنَانِ فَذَلِكَ قَوْلُ أَهْلِ النَّارِ ما لَنا لا نَری رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ(1) فَهُمْ أَشْرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ فَیَرْفَعُ اللَّهُ مَنَازِلَهُمْ حَتَّی یَرَوْنَهُمْ فَیَكُونُ ذَلِكَ حَسْرَةً لَهُمْ فِی النَّارِ فَیَقُولُونَ یا لَیْتَنا نُرَدُّ(2) فَنَكُونَ مِثْلَهُمْ فَلَقَدْ كَانُوا هُمُ الْأَخْیَارَ وَ كُنَّا نَحْنُ الْأَشْرَارَ فَذَلِكَ حَسْرَةٌ لِأَهْلِ النَّارِ.

بیان: إنكار الأرض و السماء أن یشاهدوا فیهما آثارا غریبة لم یروا فیهما

ص: 352


1- 1. ص: 62.
2- 2. الأنعام: 27.

قبل ذلك فهم الخفی عیشهم أی یعیشون مختفین من الناس للخوف منهم أو لعدم موافقة طریقتهم لهم و كذا الانتقال من أرض إلی أخری لذلك تنكبوا الطرق أی عدلوا عن الطرق العامرة لئلا یعرفهم الناس أو عن طرقهم و مسالكهم و أطوارهم و اتخذوا الماء أی اكتفوا بالماء لتطییب أبدانهم بالغسل و الغسل من غیر استعمال للطیب متعوبة أی یتعبونها فی الطاعات و ترك الشهوات مكدودة أی یحملون أبدانهم علی الكد و المبالغة فی الطاعات و تحمل الشدائد فی القاموس الكد الشدة و الإلحاح فی الطلب و كده و اكتده طلب منه الكد لم یصدقوا علی بناء المفعول من التفعیل أی لا یصدقهم الناس لسوء ظنهم بهم و حقارتهم فی أعینهم لم یفتقدوا أی لا یطلبهم الناس عند غیبتهم لعدم معرفتهم أو لعدم الاعتناء بشأنهم و فی بعض النسخ لم یفقدوا و الأول أظهر.

فی القاموس تفقده طلبه عند غیبته و مات غیر فقید و لا حمید و غیر مفقود غیر مكترث لفقدانه.

مسجونة أی محبوسة كنایة عن قلة الكلام غیبوا مفاتیحها كنایة عن امتناعهم عن إفشاء الأسرار جدا كأن علیها أقفالا كثیرة لم تحضر مفاتیحها فیكلفوا فتحها ثم أكد علیه السلام ذلك بقوله و جعلوا علی أفواههم أوكیة و الأوكیة جمع الوكاء بالكسر و هو الخیط الذی یشد به رأس الكیس و نحوه شبه أفواههم بكیس أو قربة شد رأسها فلا یخرج منها شی ء قال فی النهایة الوكاء الخیط الذی یشد به الصرة و الكیس و غیرهما فیه أنه كان یوكی بین الصفا و المروة سعیا أی لا یتكلم كأنه أوكی فاه فلم ینطق.

صلب بضمتین أو كسكر جمع الصلب و كذا الصلاب بالكسر تأكیدا أی هم فی غایة الصلابة فی الدین لا ینحت أی لا یبری و لا ینقص من دینهم شی ء قال تعالی وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً(1) یحسبهم المنافق خرسا بالضم جمع أخرس لقلة كلامهم فی الباطل و حفظهم

ص: 353


1- 1. الشعراء: 149.

للأسرار عمیا لقلة نظرهم إلی المحرمات و إلی الدنیا و زینتها و تغافلهم عما یرون من أهلها و البله بالضم جمع الأبله و هو الذی لا عقل له و أعیتهم ألسنتهم كأن المعنی أن ألسنتهم لا تطاوعهم فی الكلام للخوف فكأنها أعیتهم.

«55»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ الَّذِی إِذَا غَضِبَ لَمْ یُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنْ حَقٍّ وَ إِذَا رَضِیَ لَمْ یُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِی بَاطِلٍ وَ إِذَا قَدَرَ لَمْ یَأْخُذْ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ (1).

بیان: لم یخرجه غضبه من حق بأن یحكم علی من غضب علیه بغیر حق أو یظلمه أو یكتم شهادة له عنده و إذا رضی أی عن أحد لم یدخله رضاه عنه فی باطل بأن یشهد زورا أو یحكم له باطلا أو یحمیه فی أن لا یعطی الحق اللازم علیه و أشباه ذلك و قوله مما له فی بعض النسخ بوصل من بما فاللام مفتوحة و فی بعضها بالفصل فاللام مكسورة.

«56»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: یَا سُلَیْمَانُ أَ تَدْرِی مَنِ الْمُسْلِمُ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ

الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ یَدِهِ ثُمَّ قَالَ وَ تَدْرِی مَنِ الْمُؤْمِنُ قَالَ قُلْتُ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ مَنِ ائْتَمَنَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَی أَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ الْمُسْلِمُ حَرَامٌ عَلَی الْمُسْلِمِ أَنْ یَظْلِمَهُ أَوْ یَخْذُلَهُ أَوْ یَدْفَعَهُ دَفْعَةً تُعَنِّتُهُ (2).

توضیح: المسلم أی المسلم الكامل الذی یحق أن یسمی مسلما و كذا المؤمن و قیل الغرض بیان المناسبة بین المعنی اللغوی و الاصطلاحی و یكفی لذلك اتصاف كمل أفراد كل منهما بما ذكر و لا یخذله أی لا یترك نصرته مع القدرة علیها أو یدفعه دفعة تعنته أی إذا لم یقدر علی نصرته یجب علیه أن یعتذر منه و یرده برد جمیل و لا یدفعه دفعة تلقیه تلك فی العنت و المشقة و یحتمل أن یكون كنایة عن مطلق الضرر الفاحش و قیل یدفعه عن خیر و یرده إلی شر یوجب عنته.

ص: 354


1- 1. الكافی ج 2: 233.
2- 2. الكافی ج 2 ص 234.

و فی المصباح دفعته دفعا نحیته و دافعته عن حقه ماطلته و الدفعة بالفتح المرة و بالضم اسم لما یدفع بمرة و فی القاموس العنت محركة الفساد و الإثم و الهلاك و دخول المشقة علی الإنسان و أعنته غیره و لقاء الشدة و الزنا و الوهی و الانكسار و اكتساب المأثم و عنته تعنیتا شدد علیه و ألزمه ما یصعب علیه أداؤه (1).

«57»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی أَیُّوبَ عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ الَّذِی إِذَا رَضِیَ لَمْ یُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِی إِثْمٍ وَ لَا بَاطِلٍ وَ إِذَا سَخِطَ لَمْ یُخْرِجْهُ سَخَطُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَ الَّذِی إِذَا قَدَرَ لَمْ یُخْرِجْهُ قُدْرَتُهُ إِلَی التَّعَدِّی إِلَی مَا لَیْسَ لَهُ بِحَقٍ (2).

ل، [الخصال] عن ابن المتوكل عن الحمیری عن ابن عیسی عن ابن محبوب: مثله (3) بیان المراد بالباطل ما لا فائدة فیه إلی ما لیس له بحق أی یأخذ زائدا عن حقه.

«58»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی الْبَخْتَرِیِّ رَفَعَهُ قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: الْمُؤْمِنُونَ هَیْنُونَ لَیْنُونَ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ إِنْ قِیدَ انْقَادَ وَ إِنْ أُنِیخَ عَلَی صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ (4).

تبیین: أبو البختری وهب بن وهب القرشی عامی ضعیف و هو راوی الصادق علیه السلام و تزوج بأمه فالظاهر كون ضمیر سمعته راجعا إلی الصادق علیه السلام فالمراد بالرفع نسبة الحدیث إلیه علیه السلام و یحتمل أن یكون الرفع إلی أمیر المؤمنین علیه السلام و ضمیر سمعته للرسول صلی اللّٰه علیه و آله فإن دأب هذا الراوی لكونه عامیا رفع الحدیث

ص: 355


1- 1. القاموس ج 1 ص 153.
2- 2. الكافی ج 2 ص 234.
3- 3. الخصال ج 1 ص 52.
4- 4. الكافی ج 2 ص 234.

یقول عن جعفر عن أبیه عن آبائه عن علی علیهم السلام و یؤیده أن الحدیث نبوی روته العامة أیضا عنه صلی اللّٰه علیه و آله.

قال فی النهایة فیه المسلمون هینون لینون هما تخفیف الهین و اللین قال ابن الأعرابی العرب تمدح بالهین و اللین مخففین و تذم بهما مثقلین و هین فیعل من الهون و هی السكینة و الوقار و السهولة فعینه واو و شی ء هین و هین أی سهل.

و قال فی أنف فیه المؤمنون هینون لینون كالجمل الأنف أی المأنوف و هو الذی عقر الخشاش أنفه فهو لا یمتنع علی قائده للوجع الذی به و قیل الأنف الذلول یقال أنف البعیر یأنف أنفا فهو أنف إذا اشتكی أنفه من الخشاش و كان الأصل أن یقال مأنوف لأنه مفعول به كما یقال مصدور و مبطون للذی یشتكی صدره و بطنه و إنما جاء هذا شاذا و یروی كالجمل الآنف بالمد و هو بمعناه انتهی.

إن قید صفة للمشبه به أو المشبه و إن أنیخ علی صخرة كنایة عن نهایة انقیاده فی الأمور المشروعة و عدم استصعابه فیها قال الجوهری أنخت الجمل فاستناخ أبركته فبرك انتهی.

و قیل إنما شبه بالجمل لا بالناقة إشارة إلی أن المؤمن قادر علی الامتناع و لكن له مانع عظیم من الإیمان و أحكامه تمنعه عن ذلك.

أقول: و فی بعض النسخ الألف باللام من الألفة و الأول أظهر.

وَ أَقُولُ رُوِیَ فِی شِهَابِ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُونَ هَیْنُونَ لَیْنُونَ.

و قال فی الضوء الهون السكینة و الوقار قال تعالی یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً(1) و الهون مصدر هان علیه الشی ء و شی ء هین علی فیعل أی سهل و هین مخفف منه و الجمع أهوناء و قوم هینون لینون و الهون بالضم الهوان و یقال خذ أمرك بالهون و الهوینا أی بالرفق و اللین و الهوینا تصغیر الهونی و الهونی تأنیث الأهون كالكبری تأنیث الأكبر.

ص: 356


1- 1. الفرقان: 63.

و قال ابن الأعرابی تمدح بالهین و اللین مخففا و تذم بالهین و اللین مثقلا و قال غیره هما جمیعا واحد و الأصل التثقیل و تركیب ه و ن فی كلام العرب علی وجهین أحدهما تذلل الإنسان فی نفسه بما لا غضاضة فیه و هو مما یمدح فیه كما قال یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً و الآخر أن یكون من التسخیر و الإذلال و الإهانة كقوله تعالی فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ (1) و لا یبعد أن یكون الهاوون من هذا لأنه یهون به الصلاب الشداد و هو عربی صحیح و لا یجوز هاون.

فوصف علیه السلام المؤمنین بأنهم هینون لینون و المعنی أمر یأمرهم بالهون و لین الجانب و دماثة الأخلاق و سكون الریح و الهدوء و خفض الجناح و تمام الحدیث مثل الجمل الأنف إن قدته انقاد و إن أنخته استناخ و الأنف البعیر الذی یشتكی أنفه یقال أنف البعیر فهو أنف مثل تعب فهو تعب و قیل الأنف المأنوف الذی عقر الخشاش أنفه فهو لا یمتنع علی قائده لما یجده من الوجع و قیل الأنف الذلول و أنخت الجمل فاستناخ أی أبركته فبرك.

وَ قَالَ علیه السلام: حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَی الْهَیْنِ اللَّیْنِ السَّهْلِ الْقَرِیبِ.

و قال سعید بن عبد الرحمن الزبیدی یعجبنی من القراء كل سهل طلق مضحاك فأما من تلقاه ببشر و یلقاك بعبوس یمن علیك بعمله فلا كثر اللّٰه فی المسلمین مثله.

وَ قَالَ علیه السلام: إِنَّ مِنَ الصَّدَقَةِ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَی النَّاسِ بِوَجْهٍ طَلِیقٍ.

و فائدة الحدیث الحث علی الأخلاق الحسنة و الأخذ بالجمیل و راوی الحدیث ابن عمر.

«60»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنِ السَّكُونِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ثَلَاثَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْمُؤْمِنِ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَ مَنْ یُحِبُّ وَ مَنْ یَكْرَهُ (2).

ص: 357


1- 1. فصّلت: 17.
2- 2. الكافی ج 2 ص 235.

بیان: العلم باللّٰه أی بالربوبیة و صفاته الكمالیة فیؤمن به و من یحب أی یحبه اللّٰه من النبی و الأئمة علیهم السلام و أتباعهم فیوالیهم و یتابعهم أو من یحبه المؤمن و یلزمه محبته و من یكره أی یكرهه اللّٰه فیبغضه و لا یوالیه أو من یجب أن یكرهه.

و ربما یقرأ الفعلان علی بناء المجهول و هذه الثلاثة أصل الإیمان و عمدته.

«61»- كا، [الكافی] عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنْ أَبِی إِبْرَاهِیمَ الْأَعْجَمِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ حَلِیمٌ لَا یَجْهَلُ وَ إِنْ جُهِلَ عَلَیْهِ یَحْلُمُ وَ لَا یَظْلِمُ وَ إِنْ ظُلِمَ غَفَرَ وَ لَا یَبْخَلُ وَ إِنْ بُخِلَ عَلَیْهِ صَبَرَ(1).

بیان: لا یبخل فی بعض النسخ بالنون و الجیم (2)

و هو الطعن و الشق و نجل الناس شارهم و تناجلوا تنازعوا أی إن طعنه أحد و سفه علیه صبر و لم یقابله بمثله.

«62»- كا، [الكافی] عَنْ أَبِی عَلِیٍّ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِی كَهْمَشٍ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: أَ لَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ مَنِ ائْتَمَنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَی أَنْفُسِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ أَ لَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْمُسْلِمِ مَنْ

سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ یَدِهِ وَ الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّیِّئَاتِ وَ تَرَكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ الْمُؤْمِنُ حَرَامٌ عَلَی الْمُؤْمِنِ أَنْ یَظْلِمَهُ أَوْ یَخْذُلَهُ أَوْ یَغْتَابَهُ أَوْ یَدْفَعَهُ دَفْعَةً(3).

بیان: المهاجر من هجر السیئات أی لیس المهاجر الذی مدحه اللّٰه مقصورا علی من هاجر من مكة إلی المدینة قبل الفتح أو هاجر من البدو إلی المدینة أو هاجر من بلاد الكفر عند خوف الجور و الفساد و عدم التمكن من إظهار شعائر الإسلام كما قیل فی قوله تعالی یا عِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِی واسِعَةٌ فَإِیَّایَ

ص: 358


1- 1. المصدر ج 2 ص 235.
2- 2. أی« لا ینجل».
3- 3. المصدر نفسه.

فَاعْبُدُونِ (1) و هذه هی المعانی المشهورة له بل یشمل من هجر السیئات لأن فضل الهجرة بالمعانی المذكورة إنما هو للبعد عن الكفر و المعاصی و لذا لا فضل لمن هجر منافقا أو كافرا كالمنافقین الغاصبین لحقوق أئمة الدین فإنه لا فضل لهم و لا یعدون من المهاجرین فمن هجر الكفر و السیئات و الجهل و الضلال مشاركون معهم فی الفضل و الكمال.

و یحتمل أن یكون المراد أن المهاجرین بالمعانی المذكورة إنما یستحقون هذا الاسم إذا هجروا السیئات علی سیاق سائر الفقرات.

قال فی النهایة الهجرة فی الأصل اسم من الهجر ضد الوصل و قد هجره هجرا و هجرانا ثم غلب علی الخروج من أرض إلی أرض و ترك الأولی للثانیة یقال منه هاجر مهاجرة و الهجرة هجرتان إحداهما التی وعد اللّٰه علیها الجنة فی قوله إِنَّ اللَّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ(2) فكان الرجل یأتی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و یدع أهله و ماله لا یرجع فی شی ء منه و ینقطع بنفسه إلی مهاجره فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدینة و انقطعت الهجرة و الهجرة الثانیة من هاجر من الأعراب و غزا مع المسلمین و لم یفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولی فهو مهاجر و لیس بداخل فی فضل من هاجر تلك الهجرة و هو المراد بقوله لا تنقطع الهجرة حتی تنقطع التوبة فهذا وجه الجمع بین الحدیثین و فیه هاجروا و لا تهجروا أی أخلصوا الهجرة لله و لا تتشبهوا بالمهاجرین علی غیر صحة منكم انتهی.

و قال الراغب (3)

المهاجرة فی الأصل مصارمة الغیر و متاركته من قوله وَ الَّذِینَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا(4) و أمثاله فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلی

ص: 359


1- 1. العنكبوت: 56.
2- 2. براءة: 111.
3- 3. مفردات غریب القرآن ص 537.
4- 4. البقرة: 218.

دار الإیمان كما هاجر من مكة إلی المدینة و قیل یقتضی ذلك ترك الشهوات و الأخلاق الذمیمة و الخطایا و قوله إِنِّی مُهاجِرٌ إِلی رَبِّی (1) أی تارك لقومی و ذاهب إلیه و كذا المجاهدة تقتضی مع مجاهدة العدی مجاهدة النفس

كَمَا رُوِیَ فِی الْخَبَرِ: رَجَعْتُمْ مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَی الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ وَ هُوَ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ.

«63»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ السِّنْدِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام قَالَ: صَلَّی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام الْفَجْرَ ثُمَّ لَمْ یَزَلْ فِی مَوْضِعِهِ حَتَّی صَارَتِ الشَّمْسُ عَلَی قِیدِ رُمْحٍ وَ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَاماً یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِیاماً یُخَالِفُونَ بَیْنَ جِبَاهِهِمْ وَ رُكَبِهِمْ كَأَنَّ زَفِیرَ النَّارِ فِی آذَانِهِمْ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ عِنْدَهُمْ مَادُوا كَمَا یَمِیدُ الشَّجَرُ كَأَنَّمَا الْقَوْمُ بَاتُوا غَافِلِینَ قَالَ ثُمَّ قَامَ فَمَا رُئِیَ ضَاحِكاً حَتَّی قُبِضَ علیه السلام (2).

بیان: القید بالكسر القدر فی النهایة یقال بینی و بینه قید رمح و قاد رمح أی قدر رمح یخالفون بین جباههم و ركبهم أی یضعون جباههم علی التراب خلف ركبهم یأتون بأحدهما عقیب الآخر و هو قریب من المراوحة التی وردت فی غیره و قیل أی یجعلون التفاوت بین جلوسهم و سجودهم فكان سجودهم أطول من جلوسهم.

ثم اعلم أن الركب یحتمل أن یكون المراد به الجلوس كما فهمه الأكثر أو الركوع لوضع الید علیه أو القیام لكون الاعتماد علیه و الأخیر أوفق بما مر كأن زفیر النار فی آذانهم إشارة إلی سبب تمرنهم بالطاعات و إحیاء اللیالی بالعبادات و هو كون علمهم بأحوال الجنة و النار فی مرتبة عین الیقین و الزفیر صوت توقد النار.

مادوا أی اضطربوا و تحركوا و اقشعروا من الخوف و هو تلمیح إلی

ص: 360


1- 1. العنكبوت: 26.
2- 2. الكافی ج 2 ص 236.

قوله سبحانه إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (1) فی القاموس ماد یمید میدا و میدانا تحرك و السراب اضطرب كأنما القوم كأن المراد بالقوم الجماعة الحاضرون أو أهل زمانه فی هذا الوقت أی لعدم اهتمامهم فی أمور الآخرة و اشتغالهم بالدنیا كأنهم باتوا غافلین و فی بعض النسخ ماتوا أی كأنهم بسبب غفلتهم أموات غیر أحیاء و یحتمل أن یكون المراد بالقوم الذین ذكر أوصافهم أی كانوا إذا ذكر اللّٰه عندهم مادوا من الخوف كأنهم باتوا غافلین و لم یعبدوا اللّٰه فی اللیل و یؤید الأول ما سیأتی فی روایة المفید.

«64»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ كَانَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ علیهما السلام یَقُولُ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِكَمَالِ دِینِ الْمُسْلِمِ تَرْكُهُ الْكَلَامَ فِیمَا لَا یَعْنِیهِ وَ قِلَّةُ مِرَائِهِ وَ حِلْمُهُ وَ صَبْرُهُ وَ حُسْنُ خُلُقِهِ (2).

توضیح: إن المعرفة أی سبب المعرفة و ما یوجبها أو الحمل علی المبالغة فی السببیة فیما لا یعنیه أی فیما لا یهمه و لا ینفعه و قلة مرائه أی مجادلته فی المسائل الدینیة و غیرها و قیل هو المجادلة و الاعتراض علی كلام الغیر من غیر غرض دینی و حلمه أی تحمله و صبره علی ما یصیبه من الغیر أو عقله و صبره عند البلاء.

«65»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِیَّةَ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام قَالَ: مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ الْإِنْفَاقُ عَلَی قَدْرِ الْإِقْتَارِ وَ التَّوَسُّعُ عَلَی قَدْرِ التَّوَسُّعِ وَ إِنْصَافُ النَّاسِ وَ ابْتِدَاؤُهُ إِیَّاهُمْ بِالسَّلَامِ عَلَیْهِمْ (3).

بیان: الإنفاق علی قدر الإقتار أی الإنفاق بالتقتیر علی قدر الإقتار من

ص: 361


1- 1. الأنفال: 2.
2- 2. الكافی ج 2 ص 240.
3- 3. الكافی ج 2: 241.

اللّٰه و الحاصل أنه یقتر علی أهله و عیاله بقدر ما قتر اللّٰه علیه و یوسع علیهم بقدر ما وسع اللّٰه علیه و قیل الإنفاق هنا الافتقار كما فی القاموس قال أنفق افتقر أی یعامل معاملة الفقراء.

«66»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ أَصْلَبُ مِنَ الْجَبَلِ تَسْتَقِلُّ مِنْهُ وَ الْمُؤْمِنُ لَا یُسْتَقَلُّ مِنْ دِینِهِ شَیْ ءٌ(1).

بیان: الجبل یستقل منه من القلة أی ینقص و یؤخذ منه بعضه بالفأس و المعول و نحوهما و المؤمن لا ینقص من دینه شی ء بالشكوك و الشبهات.

«66»- كا، [الكافی] عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِیرٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ حَسَنُ الْمَعُونَةِ خَفِیفُ الْمَئُونَةِ جَیِّدُ التَّدْبِیرِ لِمَعِیشَتِهِ لَا یُلْسَعُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَیْنِ (2).

بیان: فی المصباح العون الظهیر علی الأمر و استعان به فأعانه و قد یتعدی بنفسه فیقال استعانه و الاسم المعونة و المعانة أیضا بالفتح و وزن المعونة مفعلة بضم العین و بعضهم یجعل المیم أصلیة و یقول هی مأخوذة من الماعون و یقول هی فعولة و المئونة الثقل و فی القاموس القوت و الحاصل أنه یعین الناس كثیرا و یكتفی لنفسه بقلیل من القوت و اللباس و أشباههما.

و فی القاموس المعیشة التی تعیش بها من المطعم و المشرب و ما یكون به الحیاة و ما یعاش به أو فیه و الجمع معایش.

و فی النهایة فیه لا یلسع المؤمن من جحر مرتین و فی روایة لا یلدغ اللسع و اللدغ سواء و الجحر ثقب الحیة و هو استعارة هاهنا أی لا یدهی المؤمن من جهة واحدة مرتین فإنه بالأولی یعتبر و قال الخطابی یروی بضم العین و كسرها فالضم علی وجه الخبر و معناه أن المؤمن هو الكیس الحازم الذی لا یؤتی

ص: 362


1- 1. المصدر ج 2 ص 241.
2- 2. المصدر نفسه.

من جهة الغفلة فیخدع مرة بعد مرة و هو لا یفطن لذلك و لا یشعر به و المراد به الخداع فی أمر الدین لا أمر الدنیا و أما الكسر فعلی وجه النهی أی لا یخدعن المؤمن و لا یؤتین من ناحیة الغفلة فیقع فی مكروه أو شر و هو لا یشعر به و لیكن فطنا حذرا و هذا التأویل یصلح أن یكون لأمر الدین و الدنیا معا انتهی.

و أقول روی مسلم فی صحیحه مثل هذا الخبر(1)

و ذكر فی إكمال الإكمال هذین الوجهین اللذین ذكرهما فی النهایة ثم قال و ذكر عیاض هذین الوجهین و رجح الخبر بأن سبب قوله صلی اللّٰه علیه و آله هذا أن أبا عزة الشاعر أخا مصعب بن عمیر كان أسر یوم بدر فسأل النبی صلی اللّٰه علیه و آله أن یمن علیه ففعل و عاهده أن لا یحرض علیه و لا یهجوه فلما لحق بأهله عاد إلی ما كان علیه فأسر یوم أحد فسأله أیضا أن یمن علیه فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله هذا الكلام البلیغ الجامع الذی لم یسبق إلیه و فیه تنبیه عظیم علی أنه إذا رأی الأذی من جهة لا یعود إلیها ثانیة(2).

و قال الآبی رجح الخطابی النهی بعد ذكر الوجهین و كأنه لم یبلغه أی الخطابی سبب قوله صلی اللّٰه علیه و آله هذا الكلام و لو بلغه لم یحمله علی النهی.

و أجاب الطیبی بأنه و إن بلغه السبب فلا یبعد النهی بل هو أولی من الخبر و ذلك أنه صلی اللّٰه علیه و آله لما دعته نفسه الزكیة الكریمة إلی الحلم و الصفح جرد

ص: 363


1- 1. أخرجه فی مشكاة المصابیح: 429، و قال متفق علیه.
2- 2. قال ابن هشام فی السیرة ج 2 ص 104 قال أبو عبیدة: و أخذ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی جهة ذلك- یعنی حمراء الأسد- قبل رجوعه الی المدینة معاویة بن المغیرة بن أبی العاص ابن أمیّة بن عبد شمس و هو جد عبد الملك بن مروان أبو أمه عائشة بنت معاویة، و أبا عزة الجمحی، و كان رسول اللّٰه« ص» أسره ببدر ثمّ من علیه. فقال: یا رسول اللّٰه أقلنی! فقال رسول اللّٰه« ص»: و اللّٰه لا تمسح عارضیك بمكّة بعدها و تقول: خدعت محمّدا مرتین، اضرب عنقه یا زبیر فضرب عنقه. قال ابن هشام: و بلغنی عن سعید بن المسیب أنّه قال: قال له رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: ان المؤمن لا یلدغ من جحر مرتین، اضرب عنقه یا عاصم بن ثابت، فضرب عنقه.

من نفسه مؤمنا حازما فطنا و نهاه أن ینخدع لهذا المتمرد الخائن و كان مقام الغضب لله تعالی فأبی إلا الانتقام من أعداء اللّٰه لأن الانتقام منهم مطلوب و التجرید أحد ألقاب البدیع و محسناته.

و بیان أنه أولی أنه إذا حمل علی الخبر تفوت دلالة الحدیث علی طلبه الانتقام.

«68»- ل، [الخصال] عَنِ ابْنِ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعَیْبٍ عَنِ الْجَازِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ: لَا یُؤْمَنُ رَجُلٌ فِیهِ الشُّحُّ وَ الْحَسَدُ وَ الْجُبْنُ وَ لَا یَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَاناً وَ لَا حَرِیصاً وَ لَا شَحِیحاً(1).

صفات الشیعة، للصدوق بإسناده عنه علیه السلام: مثله (2).

«69»- ل، [الخصال] عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ حُمَیْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ثَلَاثُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِیهِ اسْتَكْمَلَ خِصَالَ الْإِیمَانِ مَنْ صَبَرَ عَلَی الظُّلْمِ وَ كَظَمَ غَیْظَهُ وَ احْتَسَبَ وَ عَفَا وَ غَفَرَ كَانَ مِمَّنْ یُدْخِلُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْجَنَّةَ بِغَیْرِ حِسَابٍ وَ یُشَفِّعُهُ فِی مِثْلِ رَبِیعَةَ وَ مُضَرَ(3).

بیان: كأن قوله و احتسب تتمة للخصلة الثانیة أو تمهید للثالثة و الاحتساب طلب الأجر و كون فعله مقرونا بالقربة و یحتمل أن یكون هو الخصلة الثانیة و قوله و كظم غیظه تتمة للأولی فالمراد بالاحتساب المبادرة إلی الأعمال الصالحة.

قال فی النهایة فیه من صام رمضان إیمانا و احتسابا أی طلبا لوجه اللّٰه و ثوابه و الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد و إنما قیل لمن ینوی وجه اللّٰه احتسبه لأن له حینئذ أن یعتد عمله فجعل فی حال مباشرة الفعل كأنه معتد به و الاحتساب

ص: 364


1- 1. الخصال ج 1 ص 41.
2- 2. صفات الشیعة ص 182.
3- 3. الخصال ج 1 ص 51.

فی الأعمال الصالحات و عند المكروهات هو البدار إلی طلب الأجر و تحصیله بالتسلیم و الصبر أو باستعمال أنواع البر و القیام بها علی الوجه المرسوم فیها طلبا للثواب المرجو منها انتهی. و ربیعة و مضر قبیلتان عظیمتان (1).

«70»- كا، [الكافی] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاهِرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ یَحْیَی عَنْ قُثَمَ أَبِی قَتَادَةَ الْحَرَّانِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ یُونُسَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَامَ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ وَ كَانَ عَابِداً نَاسِكاً مُجْتَهِداً إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ هُوَ یَخْطُبُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صِفْ لَنَا صِفَةَ الْمُؤْمِنِ كَأَنَّنَا نَنْظُرُ إِلَیْهِ فَقَالَ یَا هَمَّامُ الْمُؤْمِنُ هُوَ الْكَیِّسُ الْفَطِنُ بِشْرُهُ فِی وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِی قَلْبِهِ أَوْسَعُ شَیْ ءٍ صَدْراً وَ أَذَلُّ شَیْ ءٍ نَفْساً زَاجِرٌ عَنْ كُلِّ فَانٍ حَاضٌّ عَلَی كُلِّ حَسَنٍ لَا حَقُودٌ وَ لَا حَسُودٌ وَ لَا وَثَّابٌ وَ لَا سَبَّابٌ وَ لَا عَیَّابٌ وَ لَا مُغْتَابٌ یَكْرَهُ الرِّفْعَةَ وَ یَشْنَأُ السُّمْعَةَ طَوِیلُ الْغَمِّ بَعِیدُ الْهَمِّ كَثِیرُ الصَّمْتِ وَقُورٌ ذَكُورٌ صَبُورٌ شَكُورٌ مَغْمُومٌ بِفِكْرِهِ مَسْرُورٌ بِفَقْرِهِ سَهْلُ الْخَلِیقَةِ لَیِّنُ الْعَرِیكَةِ رَصِینُ الْوَفَا قَلِیلُ الْأَذَی لَا مُتَأَفِّكٌ وَ لَا مُتَهَتِّكٌ إِنْ ضَحِكَ لَمْ یَخْرَقْ وَ إِنْ غَضِبَ لَمْ یَنْزَقْ ضِحْكُهُ تَبَسُّمٌ وَ اسْتِفْهَامُهُ تَعَلُّمٌ وَ مُرَاجَعَتُهُ تَفَهُّمٌ كَثِیرٌ عِلْمُهُ عَظِیمٌ حِلْمُهُ كَثِیرُ الرَّحْمَةِ لَا یَنْجَلُ وَ لَا یَعْجَلُ وَ لَا یَضْجَرُ وَ لَا یَبْطَرُ وَ لَا یَحِیفُ فِی حُكْمِهِ وَ لَا یَجُورُ فِی عِلْمِهِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَ مُكَادَحَتُهُ أَحْلَی مِنَ الشَّهْدِ لَا جَشِعٌ وَ لَا هَلِعٌ وَ لَا عَنِفٌ وَ لَا صَلِفٌ وَ لَا مُتَكَلِّفٌ وَ لَا مُتَعَمِّقٌ جَمِیلُ الْمُنَازَعَةِ كَرِیمُ الْمُرَاجَعَةِ عَدْلٌ إِنْ غَضِبَ رَفِیقٌ إِنْ طَلَبَ لَا یَتَهَوَّرُ وَ لَا یَتَهَتَّكُ وَ لَا یَتَجَبَّرُ خَالِصُ الْوُدِّ وَثِیقُ الْعَهْدِ وَفِیُّ الْعَقْدِ شَفِیقٌ وَصُولٌ حَلِیمٌ حَمُولٌ قَلِیلُ الْفُضُولِ رَاضٍ عَنِ اللَّهِ

ص: 365


1- 1. هما ربیعة و مضر ابنا نزار بن معد بن عدنان بطنان عظیمان فیهما قبائل عظام و بطون و أفخاذ یضرب المثل بهما للكثرة قال ابن عبد البر فی الانباء: 96: أن العرب و جمیع أهل العلم بالنسب أجمعوا علی أن اللباب و الصریح من ولد إسماعیل بن إبراهیم علیهما السلام ربیعة و مضر ابنا نزار بن معد بن عدنان، لا خلاف فی ذلك.

عَزَّ وَ جَلَّ مُخَالِفٌ لِهَوَاهُ لَا یَغْلُظُ عَلَی مَنْ دُونَهُ وَ لَا یَخُوضُ فِیمَا لَا یَعْنِیهِ نَاصِرٌ لِلدِّینِ مُحَامٍ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ كَهْفٌ لِلْمُسْلِمِینَ لَا یَخْرِقُ الثَّنَاءُ سَمْعَهُ وَ لَا یَنْكِی الطَّمَعُ قَلْبَهُ وَ لَا یَصْرِفُ اللَّعِبُ حُكْمَهُ وَ لَا یُطْلِعُ الْجَاهِلَ عِلْمَهُ قَوَّالٌ عَمَّالٌ عَالِمٌ حَازِمٌ لَا بِفَحَّاشٍ وَ لَا بِطَیَّاشٍ وَصُولٌ فِی غَیْرِ عُنْفٍ بَذُولٌ فِی غَیْرِ سَرَفٍ وَ لَا بِخَتَّالٍ وَ لَا بِغَدَّارٍ وَ لَا یَقْتَفِی أَثَراً وَ لَا یُخِیفُ بَشَراً رَفِیقٌ بِالْخَلْقِ سَاعٍ فِی الْأَرْضِ عَوْنٌ لِلضَّعِیفِ غَوْثٌ لِلْمَلْهُوفِ لَا یَهْتِكُ سِتْراً وَ لَا یَكْشِفُ سِرّاً كَثِیرُ الْبَلْوَی قَلِیلُ الشَّكْوَی إِنْ رَأَی خَیْراً ذَكَرَهُ وَ إِنْ عَایَنَ شَرّاً سَتَرَهُ یَسْتُرُ الْعَیْبَ وَ یَحْفَظُ الْغَیْبَ وَ یُقِیلُ الْعَثْرَةَ وَ یَغْفِرُ الزَّلَّةَ لَا یَطَّلِعُ عَلَی نُصْحٍ فَیَذَرَهُ وَ لَا یَدَعُ جُنْحَ حَیْفٍ فَیُصْلِحَهُ أَمِینٌ رَصِینٌ تَقِیٌّ نَقِیٌّ زَكِیٌّ رَضِیٌّ یَقْبَلُ الْعُذْرَ وَ یُجْمِلُ الذِّكْرَ وَ یُحْسِنُ بِالنَّاسِ الظَّنَّ وَ یَتَّهِمُ عَلَی الْغَیْبِ نَفْسَهُ یُحِبُّ فِی اللَّهِ بِفِقْهٍ وَ عِلْمٍ وَ یَقْطَعُ فِی اللَّهِ بِحَزْمٍ وَ عَزْمٍ لَا یَخْرَقُ بِهِ فَرَحٌ وَ لَا یَطِیشُ بِهِ مَرَحٌ مُذَكِّرٌ لِلْعَالِمِ مُعَلِّمٌ لِلْجَاهِلِ لَا یُتَوَقَّعُ لَهُ بَائِقَةٌ وَ لَا یُخَافُ لَهُ غَائِلَةٌ كُلُّ سَعْیٍ أَخْلَصُ عِنْدَهُ مِنْ سَعْیِهِ وَ كُلُّ نَفْسٍ أَصْلَحُ عِنْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ عَالِمٌ بِعَیْبِهِ شَاغِلٌ بِغَمِّهِ لَا یَثِقُ بِغَیْرِ رَبِّهِ قَرِیبٌ وَحِیدٌ حَزِینٌ یُحِبُّ فِی اللَّهِ وَ یُجَاهِدُ فِی اللَّهِ لِیَتَّبِعَ رِضَاهُ وَ لَا یَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَ لَا یُوَالِی فِی سَخَطِ رَبِّهِ مُجَالِسٌ لِأَهْلِ الْفَقْرِ مُصَادِقٌ لِأَهْلِ الصِّدْقِ مُؤَازِرٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ عَوْنٌ لِلْغَرِیبِ أَبٌ لِلْیَتِیمِ بَعْلٌ لِلْأَرْمَلَةِ حَفِیٌّ بِأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ مَرْجُوٌّ لِكُلِّ كَرِیهَةٍ مَأْمُولٌ لِكُلِّ شِدَّةٍ هَشَّاشٌ بَشَّاشٌ لَا بِعَبَّاسٍ وَ لَا بِجَسَّاسٍ صَلِیبٌ كَظَّامٌ بَسَّامٌ دَقِیقُ النَّظَرِ عَظِیمُ الْحَذَرِ(1) لَا یَبْخَلُ وَ إِنْ بُخِلَ عَلَیْهِ صَبَرَ عَقَلَ فَاسْتَحْیَا وَ قَنِعَ فَاسْتَغْنَی حَیَاؤُهُ یَعْلُو شَهْوَتَهُ وَ وُدُّهُ یَعْلُو حَسَدَهُ وَ عَفْوُهُ یَعْلُو حِقْدَهُ لَا یَنْطِقُ بِغَیْرِ صَوَابٍ وَ لَا یَلْبَسُ إِلَّا الِاقْتِصَادَ مَشْیُهُ التَّوَاضُعُ خَاضِعٌ لِرَبِّهِ بِطَاعَتِهِ رَاضٍ عَنْهُ فِی كُلِّ حَالاتِهِ نِیَّتُهُ خَالِصَةٌ أَعْمَالُهُ لَیْسَ فِیهَا غِشٌّ وَ لَا خَدِیعَةٌ نَظَرُهُ عِبْرَةٌ وَ سُكُوتُهُ فِكْرَةٌ وَ كَلَامُهُ حِكْمَةٌ مُنَاصِحاً مُتَبَاذِلًا مُتَوَاخِیاً نَاصِحٌ فِی

ص: 366


1- 1. لا یجهل و ان جهل علیه یحلم خ.

السِّرِّ وَ الْعَلَانِیَةِ لَا یَهْجُرُ أَخَاهُ وَ لَا یَغْتَابُهُ وَ لَا یَمْكُرُ بِهِ وَ لَا یَأْسَفُ عَلَی مَا فَاتَهُ وَ لَا یَحْزَنُ عَلَی مَا أَصَابَهُ وَ لَا یَرْجُو مَا لَا یَجُوزُ لَهُ الرَّجَاءُ وَ لَا یَفْشَلُ فِی الشِّدَّةِ وَ لَا یَبْطَرُ فِی الرَّخَاءِ یَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَ الْعَقْلَ بِالصَّبْرِ تَرَاهُ بَعِیداً كَسَلُهُ دَائِماً نَشَاطُهُ قَرِیباً أَمَلُهُ قَلِیلًا زَلَلُهُ مُتَوَقِّعاً لِأَجَلِهِ خَاشِعاً قَلْبُهُ ذَاكِراً رَبَّهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنْفِیّاً جَهْلُهُ سَهْلًا أَمْرُهُ حَزِیناً لِذَنْبِهِ مَیِّتَةً شَهْوَتُهُ كَظُوماً غَیْظَهُ صَافِیاً خُلُقُهُ آمِناً مِنْهُ جَارُهُ ضَعِیفاً كِبْرُهُ قَانِعاً بِالَّذِی قُدِّرَ لَهُ مَتِیناً صَبْرُهُ مُحْكَماً أَمْرُهُ كَثِیراً ذِكْرُهُ یُخَالِطُ النَّاسَ لِیَعْلَمَ وَ یَصْمُتُ لِیَسْلَمَ وَ یَسْأَلُ لِیَفْهَمَ وَ یَتَّجِرُ لِیَغْنَمَ لَا یُنْصِتُ لِلْخَیْرِ لِیَفْخَرَ بِهِ (1) وَ لَا یَتَكَلَّمُ لِیَتَجَبَّرَ بِهِ عَلَی مَنْ سِوَاهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لآِخِرَتِهِ فَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ إِنْ بُغِیَ عَلَیْهِ صَبَرَ حَتَّی یَكُونَ اللَّهُ الَّذِی یَنْتَصِرُ لَهُ بُعْدُهُ مِمَّنْ تَبَاعَدَ مِنْهُ بُغْضٌ وَ نَزَاهَةٌ وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِینٌ وَ رَحْمَةٌ لَیْسَ تَبَاعُدُهُ تَكَبُّراً وَ لَا عَظَمَةً وَ لَا دُنُوُّهُ خَدِیعَةً وَ لَا خِلَابَةً بَلْ یَقْتَدِی بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَیْرِ فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ قَالَ فَصَاحَ هَمَّامٌ صَیْحَةً ثُمَّ وَقَعَ مَغْشِیّاً عَلَیْهِ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَیْهِ وَ قَالَ هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَمَا بَالُكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- فَقَالَ إِنَّ لِكُلٍّ أَجَلًا لَنْ یَعْدُوَهُ وَ سَبَباً لَا یُجَاوِزُهُ فَمَهْلًا لَا تُعِدْ فَإِنَّمَا نَفَثَ عَلَی لِسَانِكَ شَیْطَانٌ (2).

بیان: سیأتی (3)

روایة همام نقلا عن نهج البلاغة و مجالس الصدوق باختلاف كثیر و فیه أنه قال صف لی المتقین و یمكن أن یكون سأل عن صفات المؤمنین

ص: 367


1- 1. لا ینصب للخیر لیفجر به. خ.
2- 2. الكافی ج 2 ص 226- 330.
3- 3. بل قد مر تحت الرقم 50 و الظاهر أن المصنّف رضوان اللّٰه علیه بعد ما أخرج حدیث الكافی هذا و فسر لغاته و مضامینه، أراد أن یلحق حدیث الهمام من النهج و الأمالی بعد ذلك مع ما كتب رحمه اللّٰه فی تفسیر لغاته فاشتبه علی النسّاخ و ألحقوه قبل ذلك، فلا یخلو الباب عن تكرار.

و المتقین معا فاكتفی فی بعض الروایات بذكر الأولی و فی بعضها بذكر الثانیة.

و همام بفتح الهاء و تشدید المیم و فی القاموس الهمام كغراب الملك العظیم الهمة و السید الشجاع السخی و كشداد بن الحارث و ابن زید و ابن مالك صحابیون.

و ما ذكر فی الروایتین من تثاقله علیه السلام فی الجواب أنسب بقوله علیه السلام فی آخر الخبر لقد كنت أخافها علیه و فی القاموس النسك مثلثة و بضمتین العبادة و كل حق لله عز و جل و قیل المراد هنا المواظب علی العبادة و المجتهد المبالغ فی العبادة فی القاموس جهد كمنع جد كاجتهد و قال الكیس خلاف الحمق و قال الفطنة بالكسر الحذق.

و أقول الكیس كسید و الفطن بفتح الفاء و كسر الطاء و تعریف الخبر باللام و توسیط الضمیر للحصر و التأكید كأن الفرق بینهما أن الكیاسة ما كان خلقة و الفطنة ما یحصل بالتجارب أو الأول ما كان فی الكلیات و الثانی ما كان فی الجزئیات و یحتمل التأكید.

و فی القاموس البشر بالكسر الطلاقة أوسع شی ء صدرا كنایة عن كثرة العلم أو وفور الحلم و أذل شی ء نفسا أی لا یترفع و لا یطلب الرفعة و یتواضع للناس و یری نفسه أخس من كل أحد و قیل أی صارت نفسه الأمارة ذلیلة لروحه المقدسة و صارت مخالفته للنفس شعاره فعلی الثانی من الذل بالكسر و هو السهولة و الانقیاد و علی الأول من الذل بالضم بمعنی المضلة و الهوان.

زاجرا أی نفسه أو غیره أو الأعم منهما عن كل فان أی عن جمیع الأمور الدنیویة فإنها فی معرض الفناء و الحض الترغیب و التحریص و هذا أیضا یحتمل النفس و الغیر و الأعم و الحقد إمساك العداوة و البغض فی القلب و الحقود الكثیر الحقد و قیل لا للمبالغة فی النفی لا لنفی المبالغة كما قیل فی قوله

ص: 368

تعالی وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ(1) فلا یلزم ثبوت أصل الفعل و كذا فی البواقی و یحتمل أن یكون إشارة إلی أن النادر منها لا ینافی الإیمان.

و لا وثاب أی لا یثب فی وجوه الناس بالمنازعة و المعارضة و فی القاموس رفع ككرم رفعة بالكسر شرف و علا قدره و قال شنأه كمنعه و سمعه شنأ و یثلث و شنأة و شنآنا أبغضه و قال الجوهری تقول فعله رئاء و سمعة أی لیراه الناس و یسمعوا به طویل الغم أی لما یستقبله من سكرات الموت و أحوال القبر و أهوال الآخرة بعید الهم إما تأكید للفقرة السابقة فإن الغم و الهم متقاربان أی یهتم للأمور البعیدة عنه من أمور الآخرة أو المراد بالهم القصد أی هو عالی الهمة لا یرضی بالدون من الدنیا الفانیة أو لا یرضی من السعادات الباقیة و الكمالات النفسانیة بأدانیها بل یطلب معالیها و قیل أی یتفكر فی العواقب فی القاموس الهم الحزن و الجمع هموم و ما هم به فی نفسه و الهمة بالكسر و یفتح ما هم به من أمر لیفعل.

كثیر الصمت أی عما لا یعنیه وقور أی ذو وقار و رزانة لا یستعجل فی الأمور و لا یبادر فی الغضب و لا تجره الشهوات إلی ما لا ینبغی فعله فی القاموس الوقار كسحاب الرزانة و رجل وقار و وقور و وقر كندس (2)

ذكور كثیر الذكر لله و لما ینفعه فی الآخرة صبور عند البلاء شكور عند الرخاء.

مغموم بفكره أی بسبب فكره فی أمور الآخرة مسرور بفقره لعلمه بقلة خطره و یسر الحساب فی الآخرة و قلة تكالیف اللّٰه فیه سهل الخلیقة أی لیس فی طبعه خشونة و غلظة و قیل أی سریع الانقیاد للحق و فی القاموس الخلیقة الطبیعة قال اللّٰه تعالی وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (3) لین العریكة هی قریبة من الفقرة السابقة مؤكدة لها فی القاموس العریكة كسفینة النفس و رجل لین العریكة سلس الخلق منكسر النخوة و فی النهایة فی صفته

ص: 369


1- 1. ق: 29.
2- 2. القاموس ج 2 ص 156.
3- 3. آل عمران: 159.

صلی اللّٰه علیه و آله أصدق الناس لهجة و ألینهم عریكة العریكة الطبیعة یقال فلان لین العریكة إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قلیل الخلاف و النفور.

رصین الوقار بالراء و الصاد المهملتین و ما فی بعض نسخ الكافی بالضاد المعجمة تصحیف أی محكم الوفاء بعهود اللّٰه و عهود الخلق فی القاموس رصنه أكمله و أرصنه أحكمه و قد رصن ككرم و كأمیر المحكم الثابت و الحفی بحاجة صاحبه قلیل الأذی إنما ذكر القلة و لم ینف الأذی رأسا لأن الإیذاء قد یكون حسنا بل واجبا كما فی الأمر بالمعروف و النهی عن المنكر و جهاد الكفار و قیل إنما قال ذلك لأنه یؤذی نفسه و لا یخفی بعده لا متأفك كأنه مبالغة فی الإفك بمعنی الكذب أی لا یكذب كثیرا أو المعنی لا یكذب علی الناس و فی بعض النسخ لا مستأفك أی لا یكذب علی الناس فیكذبوا علیه فكأنه طلب منهم الإفك و قیل المتأفك من لا یبالی أن ینسب إلیه الإفك و لا متهتك أی لیس قلیل الحیاء لا یبالی أن یهتك ستره أو لا یهتك ستر الناس فی القاموس هتك الستر و غیره یهتكه فانهتك و تهتك جذبه فقطعه من موضعه أو شق منه جزءا فبدا ما وراءه و رجل منهتك و متهتك و مستهتك لا یبالی أن یهتك ستره.

إن ضحك لم یخرق أی لا یبالغ فیه حتی ینتهی إلی الخرق و السفه بل یقتصر علی التبسم كما سیأتی فی القاموس الخرق بالضم و بالتحریك ضد الرفق و أن لا یحسن الرجل العمل و التصرف فی الأمور و الحمق و قیل هو من الخرق بمعنی الشق أی لم یشق فاه و لم یفتحه كثیرا.

و إن غضب لم ینزق فی القاموس نزق الفرس كسمع و نصر و ضرب نزقا و نزوقا نزا أو تقدم خفة و وثب و أنزقه و نزقه غیره و كفرح و ضرب طاش و خف عند الغضب ضحكه تبسم فی القاموس بسم یبسم بسما و ابتسم و تبسم و هو أقل الضحك و أحسنه و فی المصباح بسم بسما من باب ضرب ضحك قلیلا من غیر صوت و ابتسم و تبسم كذلك.

و استفهامه تعلم أی للتعلم لا لإظهار العلم و مراجعته أی معاودته فی السؤال

ص: 370

تفهم أی لطلب الفهم لا للمجادلة كثیر الرحمة أی ترحمه علی العباد كثیر لا یبخل بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة كیعلم و یكرم و ربما یقرأ بالنون ثم الجیم من النجل و هو الرمی بالشی ء أی لا یرمی بالكلام من غیر رویة و هو تصحیف (1).

و لا یعجل أی فی الكلام و العمل و لا یضجر فی القاموس ضجر منه و به كفرح و تضجر تبرم و فی الصحاح الضجر القلق من الغم و قال البطر الأشر و هو شدة المرح و قد بطر بالكسر یبطر و البطر أیضا الحیرة و الدهش و فی القاموس البطر محركة النشاط و الأشر و قلة احتمال النعمة و الدهش و الحیرة و الطغیان بالنعمة و كراهة الشی ء من غیر أن یستحق الكراهة فعل الكل كفرح و قال الحیف الجور و الظلم.

و لا یجور فی علمه أی لا یظلم أحدا بسبب علمه أو لا یظهر خلاف ما یعلم و ربما یقرأ یجوز بالزای أی لا یتجاوز عن العلم الضروری إلی غیره نفسه أصلب من الصلد أی من الحجر الصلب كنایة عن شدة تحمله للمشاق أو عن عدم عدوله عن الحق و تزلزله فیه بالشبهات و عدم میله إلی الدنیا بالشهوات و فی القاموس الصلد و یكسر الصلب الأملس.

و مكادحته أحلی من الشهد فی القاموس كدح فی العمل كمنع سعی و عمل لنفسه خیرا أو شرا و كد و وجهه خدش أو عمل به ما یشینه ككدحه أو أفسده و لعیاله كسب كاكتدح و فی الصحاح الكدح العمل و السعی و الخدش و الكسب یقال هو یكدح فی كذا أی یكد و قوله تعالی إِنَّكَ كادِحٌ إِلی رَبِّكَ كَدْحاً(2) أی تسعی انتهی و الشهد العسل و قیل المكادحة هنا المنازعة أی منازعته لرفعة فیها أحلی من العسل و كأنه أخذه من الكدح بمعنی الخدش و العض استعیر هنا لمطلق المنازعة فی النهایة كل أثر من خدش أو عض فهو كدح.

و أقول یحتمل أن یكون المعنی أن سعیه فی تحصیل المعیشة و الأمور الدنیویة لمساهلته فیها حسن لطیف و قیل الكدح الكد و السعی و حلاوة مكادحته

ص: 371


1- 1. لكنه الانسب بالسجع.
2- 2. الانشقاق: 6.

لحلاوة ثمرتها فإن التعب فی سبیل المحبوب راحة.

لا جشع فی القاموس الجشع محركة أشد الحرص و أسوؤه و أن تأخذ نصیبك و تطمع فی نصیب غیرك و قد جشع كفرح فهو جشع و قال الهلع محركة أفحش الجزع و كصرد الحریص و الهلوع من یجزع و یفزع من الشر و یحرص و یشح علی المال أو الضجور لا یصبر علی المصائب و قال العنف مثلثة العین ضد الرفق و قال الصلف بالتحریك قلة نماء الطعام و بركته و أن لا تحظی المرأة عند زوجها و التكلم بما یكرهه صاحبك و التمدح بما لیس عندك أو مجاوزة قدر الظرف و الادعاء فوق ذلك تكبرا و هو صلف ككتف و أقول أكثر المعانی مناسبة.

و قال المتكلف العریض لما لا یعنیه و نحوه قال الجوهری و قال تكلفت الشی ء تجشمته أی ارتكبته علی مشقة و لا متعمق أی لا یتعمق و لا یبالغ فی الأمور الدنیویة و قیل لا یطول الكلام و لا یسعی فی تحسینه لإظهار الكمال قال فی القاموس عمق النظر فی الأمور بالغ و تعمق فی كلامه تنطع و قال تنطع فی الكلام تعمق و غالی و تأنق و یحتمل أن یكون المراد عدم التعمق فی المعارف الإلهیة فإنه أیضا ممنوع لقصور العقول عن الوصول إلیها لما مر فی كتاب التوحید بسند صحیح قال سئل علی بن الحسین عن التوحید فقال إن اللّٰه عز و جل علم أنه یكون فی آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل اللّٰه تعالی قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و الآیات من سورة الحدید إلی قوله عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فمن رام وراء ذلك فقد هلك (1).

جمیل المنازعة أی إن احتاج إلی منازعة یأتی بها علی أحسن الوجوه كریم المراجعة قد مر أن مراجعته فی السؤال تفهم و هنا یصفها بالكرم أی یأتی بها فی غایة الملاینة و حسن الأدب و قیل المراد بالمراجعة هنا الرجوع عن الذنب أو السهو أو الخطاء

عدل إن غضب أی لا یصیر غضبه سببا لجوره علی من غضب علیه رفیق إن طلب أی إن طلب شیئا من أحد یطلبه برفق سواء كان له عنده حق أم لا و یمكن أن یقرأ علی بناء المجهول أی إن طلب أحد رفاقته یصاحبه

ص: 372


1- 1. راجع ج 3 ص 263 و 264 من هذه الطبعة.

برفق أو إن طلب أحد منه حقه یجیبه برفق.

لا یتهور التهور الإفراط فی الشجاعة و هو مذموم قال فی القاموس تهور الرجل وقع فی الأمر بقلة مبالاة و لا یتهتك قد مر ذلك فهو تأكید أو المراد هنا هتك ستر الغیر فیكون تأسیسا لكن لا یساعده اللغة كما عرفت و لا یتجبر أی لا یتكبر علی الغیر أو لا یعد نفسه كبیرا خالص الود أی محبته خالصة لله أو مخصوصة باللّٰه أو محبته خالصة لكل من یوده غیر مخلوطة بالخدیعة و النفاق و كأن هذا أظهر وثیق العهد أی عهده مع اللّٰه و مع الخلق محكم.

وفی العقد أی یفی بما یصدر عنه من العقود الشرعیة كما قال سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(1) علی بعض الوجوه قال فی مجمع البیان اختلف فی هذه العقود علی أقوال أحدها أن المراد بها العهود التی كان أهل الجاهلیة عاهد بعضهم بعضا فیها علی النصرة و المؤازرة و المظاهرة علی من حاول ظلمهم أو بغاهم سوءا و ذلك هو معنی الحلف.

و ثانیها أنها العهود التی أخذ اللّٰه سبحانه علی عباده بالإیمان به و الطاعة فیما أحل لهم أو حرم علیهم.

و ثالثها أن المراد بها العقود التی یتعاقدها الناس بینهم و یعقدها المرء علی نفسه كعقد الأیمان و عقد النكاح و عقد العهد و عقد البیع و عقد الحلف.

و رابعها أن ذلك أمر من اللّٰه سبحانه لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به میثاقهم من العمل بما فی كتبهم من تصدیق نبینا صلی اللّٰه علیه و آله و ما جاء به من عند اللّٰه و أقوی هذه الأقوال عن ابن عباس أن المراد بها عقود اللّٰه التی أوجبها علی العباد فی الحلال و الحرام و الفرائض و الحدود و یدخل فی ذلك جمیع الأقوال الأخر فیجب الوفاء بجمیع ذلك إلا ما كان عقدا فی المعاونة علی أمر قبیح انتهی (2).

ص: 373


1- 1. المائدة: 1.
2- 2. مجمع البیان ج 3 ص 151 و 152.

و العلماء مدارهم فی الاستدلال علی لزوم العقود بهذه الآیة و قد یحمل العقد فی هذا الخبر علی الاعتقاد.

و فی القاموس الشفق حرص الناصح علی صلاح المنصوح و هو مشفق و شفیق و حاصله أنه ناصح و مشفق علی المؤمنین و قیل خائف من اللّٰه و الأول أظهر وصول للرحم أو الأعم منهم و من سائر المؤمنین و الحلم الأناة و العقل كما فی القاموس و قال

الراغب الحلم ضبط النفس و الطبع عن هیجان الغضب و جمعه أحلام قال اللّٰه تعالی أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا قیل معناه عقولهم و لیس الحلم فی الحقیقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل (1).

خمول فی أكثر النسخ بالخاء المعجمة و فی بعضها بالحاء المهملة فعلی الأول المعنی أنه خامل الذكر غیر مشهور بین الناس و كأنه محمول علی أنه لا یحب الشهرة و لا یسعی فیها لا أن الشهرة مطلقا مذمومة فی القاموس خمل ذكره و صوته خمولا خفی و أخمله اللّٰه فهو خامل ساقط لا نباهة له و علی الثانی إما المراد به الحلم تأكیدا أو المراد بالحلیم العاقل أو أنه یتحمل المشاق للمؤمنین و الأول أظهر فی القاموس حمل عنه حلم فهو حمول ذو حلم.

قلیل الفضول الفضول جمع الفضل و هی الزوائد من القول و الفعل فی القاموس الفضل ضد النقص و الجمع فضول و الفضولی بالضم المشتغل بما لا یعنیه مخالف لهواه أی لما تشتهیه نفسه مخالفا للحق قال الراغب (2)

الهوی میل النفس إلی الشهوة و یقال ذلك للنفس المائلة إلی الشهوة و قیل سمی بذلك لأنه یهوی بصاحبه فی الدنیا إلی كل داهیة و فی الآخرة إلی الهاویة و قد عظم اللّٰه ذم اتباع الهوی فقال أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ (3) و قال وَ لا تَتَّبِعِ

ص: 374


1- 1. مفردات غریب القرآن ص 129.
2- 2. المفردات ص 548.
3- 3. الجاثیة: 23.

الْهَوی فَیُضِلَّكَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ (1) وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً(2) وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِی جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ (3) و قال وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ (4) وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ (5) وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَیْرِ هُدیً مِنَ اللَّهِ (6) انتهی.

لا یغلظ علی بناء الإفعال یقال أغلظ له فی القول أی خشن أو علی بناء التفعیل أو علی بناء المجرد ككرم قال فی المصباح غلظ الرجل اشتد فهو غلیظ و فیه غلظة أی غیر لین و لا سلس و أغلظ له فی القول إغلاظا و غلظت علیه فی الیمین تغلیظا شددت علیه و أكدت.

علی من دونه دینا أو دنیا أو الأعم و لا یخوض أی لا یدخل فیما لا یعنیه أی لا یهمه فی القاموس عناه الأمر یعنیه و یعنوه عنایة و عنایة أهمه و اعتنی به اهتم ناصر للدین أصوله و فروعه قولا و فعلا محام عن المؤمنین أی یدفع الضرر عنهم فی

القاموس حامیت عنه محاماة و حماء منعت عنه كهف للمسلمین فی القاموس الكهف الوزر و الملجأ لا یخرق الثناء سمعته كأن المراد بالخرق الشق و عدمه كنایة عن عدم التأثیر فیه كأنه لم یسمعه و ما قیل من أنه علی بناء الإفعال أی لا یصیر سمعه ذا خرق و حمق فلا یخفی بعده.

و لا ینكی الطمع قلبه أی لا یؤثر فی قلبه و لا یستقر فیه و فیه إشعار بأن الطمع یورث جراحة القلب جراحة لا تبرأ فی القاموس نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فندیت و قال فی المعتل نكی العدو و فیه نكایة قتل و جرح و القرحة نكأها

ص: 375


1- 1. ص: 26.
2- 2. الكهف: 28.
3- 3. الجاثیة: 18.
4- 4. البقرة: 120.
5- 5. المائدة: 77.
6- 6. القصص: 50.

أقول: فهنا یمكن أن یقرأ مهموزا و غیر مهموز. و لا یصرف اللعب حكمه أی حكمته و المعنی لا یلتفت إلی اللعب لحكمته كما قال تعالی وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً(1) أو المعنی أن الأمور الدنیویة لا تصیر سببا لتغییر حكمه كما قال تعالی وَ ما هذِهِ الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ (2) و لا یطلع الجاهل علمه لا یطلع علی بناء الإفعال و المراد بالجاهل المخالفون أی یتقی منهم أو ضعفاء العقول فالمراد بالعلم ما لا یستطیعون فهمه كما مر قوال أی كثیر القول لما یحسن قوله عمال كثیر الفعل و العمل بما یقوله عالم قیل هو ناظر إلی قوله قوال و حازم ناظر إلی قوله عمال و الحزم رعایة العواقب و فی القاموس الحزم ضبط الأمر و الأخذ فیه بالثقة لا بفحاش فی القاموس الفحش عدوان الجواب و قال الراغب الفحش و الفحشاء و الفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال و الأقوال.

و فی القاموس الطیش النزق و الخفة طاش یطیش فهو طائش و طیاش و ذهاب العقل و الطیاش من لا یقصد وجها واحدا.

وصول فی غیر عنف كأن فی بمعنی مع أی یعاشر الأرحام و المؤمنین و یحسن إلیهم بحیث لا یصیر سببا للثقل علیهم أو وصله دائم غیر مشوب بعنف أو یصلهم بالمال و لا یعنف علیهم عند العطاء و لا یؤذیهم بالقول و الفعل.

بذول فی غیر سرف أی یبذل المال مع غیر إسراف و لا بختار و فی بعض النسخ و لا بختال فی القاموس الختر الغدر و الخدیعة أو أقبح الغدر و هو خاتر و ختار و قال ختله یختله و یختله ختلا و ختلانا خدعه و الذئب الصید تخفی له فهو خاتل و ختول و خاتله خادعه و تخاتلوا تخادعوا لا یقتفی أثرا أی لا یتبع عیوب الناس أو لا یتبع أثر من لا یعلم حقیقة.

ص: 376


1- 1. الفرقان: 72.
2- 2. العنكبوت: 64.

و لا یحیف بشرا بالحاء المهملة و فی بعض النسخ بالمعجمة فعلی الأول هو من الحیف الجور و الظلم و علی الثانی من الإخافة ساع فی الأرض أی لقضاء حوائج المؤمنین و عیادة مرضاهم و شهود جنائزهم و هدایتهم و إرشادهم.

و الغوث اسم من الإغاثة و هی النصرة و أغاثهم اللّٰه برحمته كشف اللّٰه شدتهم و فی القاموس لهف كفرح حزن و تحسر كتلهف علیه و الملهوف و اللّٰهیف و اللّٰهفان و اللاهف المظلوم المضطر یستغیث و یتحسر انتهی.

و هتك الستر إفشاء العیوب و لا یكشف سرا أی سر نفسه أو سر غیره أو الأعم و الشكوی الشكایة إن رأی خیرا بالنسبة إلیه أو مطلقا ذكره عند الناس و إن عاین شرا بالنسبة إلیه أو مطلقا ستره عن الناس و حفظ الغیب أن یكون فی غیبة أخیه مراعیا لحرمته كرعایته عند حضوره.

و یقیل العثرة أصل الإقالة هو أن یبیع الإنسان من آخر شیئا فیندم المشتری فیستقیل البائع أی یطلب عنه فسخ البیع فیقیله أی یقبل ذلك منه فیتركه ثم یستعمل ذلك فی أن یفعل أحد بغیره ما یستحق تأدیبا أو ضررا فیعتذر منه و یطلب العفو فیعفو عنه كأنه وقع بینهما معاوضة فتتاركا و منه قولهم أقال اللّٰه عثرته.

و غفر الزلة أیضا قریب من ذلك یقال أرض مزلة تزل فیه الأقدام و زل فی منطقه أو فعله یزل من باب ضرب زلة أخطأ و یمكن أن تكون الثانیة تأكیدا أو تكون إحداهما محمولة علی ما یفعل به و الأخری علی الخطاء الذی صدر منه من غیر أن یصل ضرره إلیه أو تكون إحداهما محمولة علی العمد و الأخری علی الخطإ أو إحداهما علی القول و الأخری علی الفعل أو إحداهما علی نقض العهد و الوعد و الأخری علی غیره.

لا یطلع علی نصح فیذره لا یطلع بالتشدید علی بناء الافتعال أی إذا اطلع علی نصح لأخیه لا یتركه بل یذكره له و لا یدع جنح حیف فیصلحه فی القاموس الجنح بالكسر الجانب و الكنف و الناحیة و من اللیل الطائفة منه و یضم و قال الحیف الجور و الظلم و الحاصل أنه لا یدع شیئا من الظلم یقع منه أو من غیره علی

ص: 377

أحد بل یصلحه أو لا یصدر منه شی ء من الظلم فیحتاج إلی أن یصلحه و فی بعض النسخ جنف بالجیم و النون و هو محركة المیل و الجور.

أمین یأتمنه الناس علی مالهم و عرضهم رصین بالصاد المهملة و تقدم و فی بعض النسخ بالضاد المعجمة و فی القاموس المرضون شبه المنضود من حجارة و نحوها یضم بعضها إلی بعض فی بناء و غیره تقی عن المعاصی نقی عن ذمائم الأخلاق أو مختار یقال انتقاه أی اختاره زكی أی طاهر من العیوب أو تام فی الكمالات أو صالح فی القاموس زكا یزكو زكاء نما كأزكی و زكاه اللّٰه و أزكاه و الرجل صلح و تنعم فهو زكی من أزكیاء و فی بعض النسخ بالذال أی یدرك المطالب العلیة من المبادی الخفیة بسهولة رضی أی راض عن اللّٰه و عن الخلق أو مرضی عندهما كما قال تعالی وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا(1) أی مرضیا عندك قولا و فعلا.

و یجمل الذكر علی بناء الإفعال أی یذكرهم بالجمیل و یتهم علی العیب نفسه بالعین المهملة و فی بعض النسخ بالمعجمة أی یتهم نفسه غائبا عن الناس لا كالمرائی الذی یظهر ذلك عند الناس و لیس كذلك أو یتهم نفسه علی ما یغیب عن الناس من عیوبه الباطنة الخفیة.

یحب فی اللّٰه بفقه و علم أی یحب فی اللّٰه و لله من یعلم أنه محبوب لله و یلزم محبته لا كالجهال الذین یحبون أعداء اللّٰه لزعمهم أنهم أولیاء اللّٰه كالمخالفین و یقطع فی اللّٰه بحزم و عزم أی یقطع من أعداء اللّٰه بحزم و رعایة للعاقبة فإنه قد تلزم مواصلتهم ظاهرا للتقیة و هو عازم علی قطعهم لا كمن یصل یوما و یقطع یوما.

لا یخرق به فرح یخرق كیحسن و الباء للتعدیة أی لا یصیر الفرح سببا لخرقه و سفهه قال فی المصباح الفرح یستعمل فی معان أحدها الأشر و البطر و علیه قوله تعالی إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْفَرِحِینَ (2) و الثانی الرضا و علیه قوله تعالی

ص: 378


1- 1. مریم: 7.
2- 2. القصص: 76.

كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ (1) و الثالث السرور و علیه قوله تعالی فَرِحِینَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (2) و یقال فرح بشجاعته و بنعمة اللّٰه علیه و بمصیبة عدوه فهذا الفرح لذة القلب بنیل ما یشتهی.

و لا یطیش به مرح أی لا یصیر شدة فرحه سببا لنزقه و خفته و ذهاب عقله أو عدوله عن الحق و میله إلی الباطل فی القاموس الطیش جواز السهم الهدف و أطاشه أماله عن الهدف و قال مرح كفرح أشر و بطر و اختال و نشط و تبختر و قال الجوهری المرح شدة الفرح و النشاط.

مذكر العالم الآخرة أو مسائل الدین لا یتوقع له بائقة أی لا یخاف أن یصدر منه داهیة و شر فی القاموس توقع الأمر انتظر كونه و قال البائقة الداهیة و باق جاء بالشر و الخصومات و قال الجوهری فلان قلیل الغائلة و المغالة أی الشر الكسائی الغوائل الدواهی.

كل سعی أخلص عنده من سعیه أی لحسن ظنه بالناس و اتهامه لنفسه سعی كل أحد فی الطاعات أخلص عنده من سعیه و قریب منه الفقرة التالیة و قوله عالم بعیبه كالدلیل علیها شاغل بغمه أی غمه لآخرته شغله عن أن یلتفت إلی عیوب الناس أو إلی الدنیا و لذاتها.

قریب فی أكثر النسخ بالقاف أی قریب من اللّٰه أو قریب عن الناس لا یتكبر علیهم أو من فهم المسائل و الاطلاع علی الأسرار قال فی النهایة فیه اتقوا قراب المؤمن فإنه ینظر بنور اللّٰه و روی قرابة المؤمن یعنی فراسته و ظنه الذی هو قریب من العلم و التحقق لصدق حدسه و إصابته انتهی.

و أقول كونه مأخوذا منه لیس بقریب و الأظهر غریب بالغین كما فی بعض النسخ أی لا یجد مثله فهو بین الناس غریب و لذا یعیش فردا لا یأنس بأحد قال فی النهایة فیه إن الإسلام بدا غریبا و سیعود كما بدا فطوبی للغرباء أی أنه كان

ص: 379


1- 1. الروم: 32.
2- 2. آل عمران: 170.

فی أول أمره كالغریب الوحید الذی لا أهل له عنده لقلة المسلمین یومئذ و سیعود غریبا كما كان أی یقل المسلمون فی آخر الزمان فیصیرون كالغرباء فطوبی للغرباء أی الجنة لأولئك المسلمین الذین كانوا فی أول الإسلام و یكونون فی آخره و إنما خصهم بها لصبرهم علی أذی الكفار أولا و آخرا و لزومهم دین الإسلام انتهی.

وحید أی یصبر علی الوحدة أو فرید لا مثل له حزین لضلالة الناس و قلة أهل الحق لا ینتقم لنفسه بنفسه بل یصبر حتی ینتقم اللّٰه له فی الدنیا أو فی الآخرة و لا یوالی فی سخط ربه أی لیس موالاته لمعاصی اللّٰه و فی القاموس الصداقة المحبة و المصادقة و الصداق المخالة كالتصادق و الموازرة و المعاونة.

عون أی معاون للغریب النائی عن بلده أو للقرباء من أهل الحق كما ورد أن المؤمن غریب أب للیتیم أی كالأب له و كذا البعل و فی الصحاح الأرملة المرأة التی لا زوج لها و فی القاموس امرأة رملة محتاجة أو مسكینة و الجمع أرامل و أراملة و الأرمل العزب و هی بهاء أو لا یقال للعزبة الموسرة أرملة.

حفی بأهل المسكنة قال الراغب الحفی البر اللطیف فی قوله عز ذكره إِنَّهُ كانَ بِی حَفِیًّا(1) و یقال حفیت بفلان و تحفیت به إذا عنیت بإكرامه و الحفی العالم بالشی ء.

مرجو لكل كریهة أی یرجی لرفع كل كریهة و یأمله الناس لدفع كل شدة و لو بالدعاء إن لم تمكنه الإعانة الظاهرة و فی القاموس الكریهة الحرب أو الشدة فی الحرب و النازلة و قیل المرجو أقرب إلی الوقوع من المأمول.

هشاش بشاش قال الجوهری الهشاشة الارتیاح و الخفة للمعروف و قد هششت بفلان بالكسر أهش هشاشة إذا خففت إلیه و ارتحت له و رجل هش بش و قال البشاشة طلاقة الوجه و رجل هش بش أی طلق الوجه لا بعباس أی كثیر العبوس و لا بجساس أی لا كثیر التجسس لعیوب الناس

ص: 380


1- 1. مریم: 47 راجع المفردات: 125.

صلیب أی متصلب شدید فی أمور الدین كظام یكظم الغیظ كثیرا یقال كظم غیظه أی رده و حبسه بسام أی كثیر التبسم دقیق النظر أی نافذ الفكر فی دقائق الأمور عظیم الحذر عن الدنیا و مهالكها و فتنها لا یبخل بمنع حقوق الناس واجباتها و مندوباتها و إن بخل علیه بمنع حقوقه صبر.

عقل أی فهم قبح المعاصی فاستحیا من ارتكابها أو عقل أن اللّٰه مطلع علیه فی جمیع أحواله فاستحیا من أن یعصیه و قنع بما أعطاه اللّٰه فاستغنی عن الطلب من المخلوقین حیاؤه من اللّٰه و من الخلق یعلو شهوته فیمنعه عن اتباع الشهوات النفسانیة و وده للمؤمنین یعلو حسده أی یمنعه عن أن یحسدهم علی ما أعطاهم اللّٰه و عفوه عن زلات إخوانه و ما أصابه منهم من الأذی یعلو حقده علیهم.

و لا یلبس إلا الاقتصاد أی یقتصد و یتوسط فی لباسه فلا یلبس ما یلحقه بدرجة المسرفین و المترفین و لا ما یلحقه بأهل الخسة و الدناءة فإن اللّٰه یحب أن یری أثر نعمته علی خلقه أو یصیر سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب المتصوفة و یحتمل أن یكون المراد جعله الاقتصاد فی جمیع أموره شعارا و دثارا علی الاستعارة.

و مشیه التواضع أی لا یختال فی مشیه و قیل هو العدل بین رذیلتی المهانة و الكبر.

و أقول یحتمل أن یكون المراد مسلكه و طریقته التواضع.

بطاعته أی بأن یطیعه أو بسبب طاعته فی كل حالاته أی من الشدة و الرخاء و النعمة و البلاء خالصة أی لله سبحانه لیس فیها غش لله أو للخلق أو الأعم فی القاموس غشه لم یمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر و الغش بالكسر الاسم منه.

نظره إلی المخلوقات عبرة و استدلال علی وجود الخالق و علمه و قدرته و لطفه و حكمته و إلی الدنیا عبرة بفنائها و انقضائها و سكوته فكرة أی تفكر فی عظمة اللّٰه و قدرته و فناء الدنیا و عواقب أموره و الحمل فی تلك الفقرات للمبالغة

ص: 381

فی السببیة فإن النظر سبب للعبرة و السكوت سبب للفكرة مناصحا نصبه و أختیه علی الحال مما أضیف إلیه المبتدأ علی القول بجوازه و قیل نصبها علی الاختصاص أی ینصح أخاه و یقبل منه النصح متباذلا أی یبذل أخاه من المال و العلم و یقبل منه متواخیا أی یواخی مع خلص المؤمنین لله و فی اللّٰه.

ناصحا فی السر و العلانیة أی ینصح فی السر إن اقتضته المصلحة و فی العلانیة إن اقتضته الحكمة أو المراد بالسر القلب و بالعلانیة اللسان إشارة إلی أن نصحه غیر مشوب بالخدعة.

لا یهجر أخاه الهجر ضد الوصل أی لا یترك صحبته و لا یأسف علی ما فاته أی من النعم فی القاموس الأسف محركة أشد الحزن أسف كفرح و علیه غضب و لا یحزن علی ما أصابه أی من البلاء و لا یرجو ما لا یجوز له الرجاء كان یرجو البقاء فی الدنیا أو درجة الأنبیاء و الأوصیاء أو الأمور الدنیویة كالمناصب الباطلة.

و لا یفشل فی الشدة أی لا یكسل فی العبادة فی حال الشدة أو لا یضطرب و لا یجبن فیها بل یصبر أو یقدم علی دفعها بالجهاد و نحوه فی القاموس فشل كفرح فهو فشل كسل و ضعف و تراخی و جبن یمزج العلم بالحلم أی بالعفو و كظم الغیظ أو

العقل و الأول أظهر لأن العلم یصیر غالبا سببا للتكبر و الترفع و ترك الحلم و المزج الخلط و الفعل كنصر و العقل بالصبر أی مع وفور عقله یصبر علی جهل الجهال أو یصبر علی المصائب لقوة عقله و قیل أی مع عقله و فهمه أحوال الخلائق یصبر علیها.

تراه بعیدا كسله أی فی العبادات دائما نشاطه أی رغبته فی الطاعات فی القاموس نشط كسمع نشاطا طابت نفسه للعمل و غیره قریبا أمله أی لا یأمل ما یبعد حصوله من أمور الدنیا أو لا یأمل ما یتوقف حصوله علی عمر طویل بل یعد موته قریبا و الحاصل أنه لیس له طول الأمل أو لا یؤخر ما یریده من الطاعة و لا یسوف فیها قلیلا زلله لتیقظه و أخذه بالحائطة لدینه متوقعا لأجله أی

ص: 382

منتظرا له یعده قریبا منه خاشعا قلبه أی خاضعا منقادا لأمر اللّٰه متذكرا له خائفا منه سبحانه قانعة نفسه بما أعطاه ربه منفیا جهله لوفور علمه سهلا أمره أی هو خفیف المئونة أو یصفح عن السفهاء و لا یصر علی الانتقام منهم و قیل أی لا یتكلف لأحد و لا یكلف أحدا.

میتة شهوته أی هو عفیف النفس صافیا خلقه عن الغلظ و الخشونة محكما أمره أی أمر دینه أو الأعم لیسلم أی من آفات اللسان و یتجر لیغنم أی لیحصل الغنیمة و الربح لا للفخر و الحرص علی جمع الأموال و الذخیرة أو المراد بالغنیمة الفوائد الأخرویة أی یتجر لینفق ما یحصل له فی سبیل اللّٰه فتحصل له الغنائم الأخرویة كذا أفاده الوالد رحمه اللّٰه أو المراد بالتجارة أیضا التجارة الأخرویة كما قال تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلی تِجارَةٍ تُنْجِیكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (1) لا ینصت للخیر لیفخر به أی لا یسكت مستمعا لقول الخیر لینقله فی مجلس آخر فیفخر به فی القاموس نصت ینصت و أنصت و انتصت سكت و أنصته و له سكت له و استمع لحدیثه و أنصته أسكته و فی بعض النسخ لا ینصب للخیر لیفجر به أی لا یقبل المنصب الشرعی لیفجر به و یحكم بالفجور و یرتشی و یقضی بالباطل و لا یتكلم أی بالخیر.

نفسه منه فی عناء لریاضتها فی الطاعات و الناس منه فی راحة و فسر هذا بقوله أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه لأن شغله بأمر نفسه یشغله عن التعرض لغیره و ربما یفرق بین الفقرات بأن المراد بالفقرتین الأولیین أن نفسه الأمارة منه فی عناء و تعب لمنعها عن هواها و زجرها عن مشتهاها فصار الناس منه فی راحة لأن المداومة علی الطاعات و الریاضات تصیر النفس سلیمة حلیمة غیر مائلة إلی المعارضات الذی ینتصر له أی ینتقم له.

ص: 383


1- 1. الصف: 11.

بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة أی إنما یبعد عن الكفار و الفساق للبغض فی اللّٰه و النزاهة و البعد عن أعمالهم و أفعالهم و النزاهة بالفتح التباعد عن كل قذر و مكروه و دنوه ممن دنا منه من المؤمنین لین و رحمة أی ملاینة و ملاطفة و ترحم و لا

عظمة أی تجبرا و عد النفس عظیما و قیل المراد بها العظمة الواقعیة و فی القاموس خلبه كنصره خلبا و خلابا و خلابة بكسرهما خدعه بل یقتدی أی فی هذا البعد و الدنو.

أقول: هذه الصفات قد یتداخل بعضها فی بعض و لكن تورد بعبارة أخری أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانیة مركبة مع غیرها و هذا النوع من التكرار فی الخطب و المواعظ مطلوب لمزید التذكار.

ثم وقع مغشیا علیه كأن المراد به أنه مات من غشیته كما سیأتی (1) فی روایة النهج هكذا تصنع المواعظ البالغة هكذا فی محل النصب نائب للمفعول المطلق لقوله تصنع و التقدیم للحصر و المشار إلیه نوع من التأثیر صار فی همام سبب موته بأهلها أی بمن تؤثر فیه و یتدبرها و یفهمها كما ینبغی.

فما بالك یا أمیر المؤمنین أی ما حالك حیث لم یفعل العلم بتلك الصفات أو ذكرها أو سماعك من الرسول صلی اللّٰه علیه و آله ما فعل بهمام أو لم أتیت بتلك الموعظة مع خوفك علیه فعلی الأول الجواب یحتمل وجوها الأول أن المشار إلیه بهكذا التأثیر الكامل و صیرورته فی همام سبب موته لضعف نفسه و قلة حوصلته و عدم اتصافه ببعض تلك الصفات لا یستلزم صیرورته سببا للموت فی كل أحد لا سیما فیه صلوات اللّٰه علیه.

الثانی ما ذكره بعض المحققین و هو أنه أجابه علیه السلام بالإشارة إلی السبب البعید و هو الأجل المحتوم به القضاء الإلهی و هو جواب مقنع للسامع مع أنه حق و صدق و أما السبب القریب الفرق بینه و بین همام و نحوه لقوة نفسه القدسیة علی قبول الواردات الإلهیة و تعوده بها و بلوغ ریاضته حد السكینة عند ورود أكثرها و ضعف

ص: 384


1- 1. بل مر تحت الرقم 50 ص 271.

نفس همام عما ورد علیه من خوف اللّٰه و رجائه و أیضا فإنه علیه السلام كان متصفا بهذه الصفات لم یفقدها حتی یتحسر علی فقدها.

قیل و لم یجب علیه السلام بمثل هذا الجواب لاستلزامه تفضیل نفسه أو لقصور فهم السائل و هذا قریب من الأول لكن الأول أظهر لأنه علیه السلام أشار إلی الفرق إجمالا بأن الآجال منوطة بالأسباب و الأسباب فی المواد مختلفة فیمكن أن یؤثر فی بعض المواد و لا یؤثر فی بعضها.

الثالث أن یكون المعنی أن قولنا هكذا تصنع المواعظ علی تقدیر كون هكذا إشارة إلی الموت لیس كلیا بل المراد أنه قد تصنع ذلك إذا صادف قلة ظرف سامعه أو غیر ذلك و لیس سببا مستقلا للموت بالنسبة إلی أهلها فإن لكل أحد أجلا منوطا بأسباب و دواعی و مصالح و الوجوه الثلاثة متقاربة.

و قیل یمكن أن یكون كلام السائل مبنیا علی أن هكذا إشارة إلی الإماتة و حاصل الجواب حینئذ التنبیه علی بطلان هذا التوهم و أن المشار إلیه التأثیر الكامل كما مر.

و علی الثانی حاصل الجواب أنی لم أكن أعلم أنه یفعل به ما فعل و الخوف یحصل بمحض الاحتمال و محض الاحتمال لا یكفی لترك بیان ما أمر اللّٰه ببیانه كما قال ابن میثم.

إن قیل كیف جاز منه علیه السلام أن یجیبه مع غلبة ظنه بهلاكه و هو كالطبیب یعطی كلا من المرضی بحسب احتمال طبیعته من الدواء قلت إنه لم یكن یغلب علی ظنه إلا الصعقة عن الوجد الشدید فأما أن تلك الصعقة فیها موته فلم یكن مظنونا له انتهی.

أقول: و یحتمل أن یكون المراد أن هذا كان أجلا مقدرا له و لا یمكن الفرار من الأجل المقدر بترك ما أمر اللّٰه به كما قال تعالی قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ (1) علی بعض التفاسیر

ص: 385


1- 1. آل عمران: 154.

و یمكن أن یجوز له علیه السلام ذلك مع العلم بموته لعهد من الرسول صلی اللّٰه علیه و آله فیشبه قصة الغلام و صاحب موسی علیه السلام.

و سببا لا یجاوزه الضمیر راجع إلی السبب و قال الجوهری المهل بالتحریك التؤدة و أمهله أنظره و تمهل فی أمره أی اتأد و قولهم مهلا یا رجل و كذلك للاثنین و الجمع و المؤنث و هی موحدة بمعنی أمهل (1)

و قال النفث شبیه بالنفخ و هو أقل من التفل.

أقول: و ربما یتوهم التنافی بین ما تضمن هذا الخبر من صیحة همام عند سماع الموعظة و بین ما سیأتی فی كتاب القرآن من ذم أبی جعفر علیه السلام قوما إذا ذكروا شیئا من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم (2)

و یمكن أن یجاب بأن عروض ذلك نادرا لا ینافی ذمه علیه السلام قوما كان دأبهم ذلك و كانوا متعمدین لفعله رئاء و سمعة كالصوفیة.

ص: 386


1- 1. الصحاح ص 1822.
2- 2. تراه فی الكافی ج 2 ص 616 باب فیمن یظهر الغشیة عند قراءة القرآن.

كلمة المحقّق

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحیم

الحمد لله و الصلاة و السلام علی رسول اللّٰه محمّد و آله أمناء اللّٰه.

و بعد: فمن سعادتی الخالدة و الشكر لواهبها و منعمها أن وفّقنی اللّٰه العزیز لخدمة الدین القویم و الخوض فی تراثه الذهبیّ القیّم تحقیقاً لآثار الوحی و الرسالة و تصحیحها و تبریزها بصورة تناسب أدنی شأنها و شأنها أن تكتب بالتبر علی ألواح الزبرجد.

و فی مقدّمتها هذا الموسوعة الكبری بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار الباحث عن المعارف الإسلامیّة الدائرة بین المسلمین فلله المنّ و الشكر علی توفیقه لذلك.

و هذا الجزء الذی نقدّمها إلی القرّاء الكرام هو الجزء الأوّل من المجلّد الخامس عشر فی بیان الإسلام و الإیمان و شرائطهما و صفات المؤمنین و المتّقین من مكارم الاخلاق و محاسن الأعراق و بیان معانی الكفر و النفاق و موجباتها و علائم الكفار و المنافقین و مقابح خصالهم و مذامّ خلالهم إلی غیر ذلك من المباحث النافعة الكثیرة التی ستمرّ علیكم فی طیّ أجزائها.

و قد اعتمدنا فی تصحیح أحادیثها و تحقیقها علی النسخة المصحّحة المشهورة بكمبانیّ بعد تخریج أحادیثه من المصادر و تعیین موضع النصّ منها إلّا فی المصادر المخطوطة.

نرجو من اللّٰه العزیز أن یوفّقنا لإتمام ذلك و یعیننا فی إخراج سائر أجزائه متوالیا متواترا و أن یعصمنا عن الزلل و الخطاء إنّه ولیّ العصمة و التوفیق.

محمد الباقر البهبودی

ص: 387

كلمة المصحّح

بسمه تعالی

إلی هنا انتهی الجزء الأول من المجلّد الخامس عشر و هو الجزء الرابع و الستّون حسب تجزئتنا یحتوی علی أربعة عشر باباً

و لقد بذلنا الجهد فی تصحیحنا فخرج بعون اللّٰه و مشیّته نقیّا من الأغلاط إلّا نزرا زهیدا زاغ منه البصر و حسر عنه النظر الّلهمّ ما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شریك لك فوفّقنا لأقرب من هذا رشداً.

السیّد إبراهیم المیانجی محمّد الباقر البهبودی

ص: 388

فهرس ما فی هذا الجزء من الأبواب

عناوین الأبواب/ رقم الصفحة

أبواب الإیمان و الإسلام و التشیّع و معانیها و فضلها و صفاتها

«1»- باب فضل الإیمان و جمل شرائطه 73- 2

«2»- باب أنّ المؤمن ینظر بنور اللّٰه و أن اللّٰه خلقه من نوره 79- 73

«3»- باب طینة المؤمن و خروجه من الكافر و بالعكس و بعض أخبار المیثاق زائدا علی ما تقدّم فی كتاب التوحید و العدل 129- 77

«4»- باب فطرة اللّٰه سبحانه و صبغته 142- 130

«5»- باب فیما یدفع اللّٰه بالمؤمن 144- 143

«6»- باب حقوق المؤمن علی اللّٰه عزّ و جلّ و ما ضمن اللّٰه تعالی له 146- 145

«7»- باب الرضا بموهبة الإیمان و أنّه من أعظم النعم و ما أخذ اللّٰه علی المؤمن من الصبر علی ما یلحقه من الأذی 157- 147

«8»- باب قلّة عدد المؤمنین و أنه ینبغی أن لا یستوحشوا لقلتهم و أنس المؤمنین بعضهم ببعض 169- 157

«9»- باب أصناف الناس فی الإیمان 181- 169

«10»- باب لزوم البیعة و كیفیّتها و ذم نكثها 188- 181

«11»- باب آخر فی أنّ المؤمن صنفان 196- 189

«12»- باب شدّة ابتلاء المؤمن و علّته و فضل البلاء 259- 196

«13»- باب أنّ المؤمن مكفّر 261- 259

«14»- باب علامات المؤمن و صفاته 386- 261

ص: 389

ص: 390

رموز الكتاب

ب: لقرب الإسناد.

بشا: لبشارة المصطفی.

تم: لفلاح السائل.

ثو: لثواب الأعمال.

ج: للإحتجاج.

جا: لمجالس المفید.

جش: لفهرست النجاشیّ.

جع: لجامع الأخبار.

جم: لجمال الأسبوع.

جُنة: للجُنة.

حة: لفرحة الغریّ.

ختص: لكتاب الإختصاص.

خص: لمنتخب البصائر.

د: للعَدَد.

سر: للسرائر.

سن: للمحاسن.

شا: للإرشاد.

شف: لكشف الیقین.

شی: لتفسیر العیاشیّ

ص: لقصص الأنبیاء.

صا: للإستبصار.

صبا: لمصباح الزائر.

صح: لصحیفة الرضا علیه السلام

ضا: لفقه الرضا علیه السلام

ضوء: لضوء الشهاب.

ضه: لروضة الواعظین.

ط: للصراط المستقیم.

طا: لأمان الأخطار.

طب: لطبّ الأئمة.

ع: لعلل الشرائع.

عا: لدعائم الإسلام.

عد: للعقائد.

عدة: للعُدة.

عم: لإعلام الوری.

عین: للعیون و المحاسن.

غر: للغرر و الدرر.

غط: لغیبة الشیخ.

غو: لغوالی اللئالی.

ف: لتحف العقول.

فتح: لفتح الأبواب.

فر: لتفسیر فرات بن إبراهیم.

فس: لتفسیر علیّ بن إبراهیم.

فض: لكتاب الروضة.

ق: للكتاب العتیق الغرویّ

قب: لمناقب ابن شهر آشوب.

قبس: لقبس المصباح.

قضا: لقضاء الحقوق.

قل: لإقبال الأعمال.

قیة: للدُروع.

ك: لإكمال الدین.

كا: للكافی.

كش: لرجال الكشیّ.

كشف: لكشف الغمّة.

كف: لمصباح الكفعمیّ.

كنز: لكنز جامع الفوائد و تأویل الآیات الظاهرة معا.

ل: للخصال.

لد: للبلد الأمین.

لی: لأمالی الصدوق.

م: لتفسیر الإمام العسكریّ علیه السلام

ما: لأمالی الطوسیّ.

محص: للتمحیص.

مد: للعُمدة.

مص: لمصباح الشریعة.

مصبا: للمصباحین.

مع: لمعانی الأخبار.

مكا: لمكارم الأخلاق.

مل: لكامل الزیارة.

منها: للمنهاج.

مهج: لمهج الدعوات.

ن: لعیون أخبار الرضا علیه السلام

نبه: لتنبیه الخاطر.

نجم: لكتاب النجوم.

نص: للكفایة.

نهج: لنهج البلاغة.

نی: لغیبة النعمانیّ.

هد: للهدایة.

یب: للتهذیب.

یج: للخرائج.

ید: للتوحید.

یر: لبصائر الدرجات.

یف: للطرائف.

یل: للفضائل.

ین: لكتابی الحسین بن سعید او لكتابه و النوادر.

یه: لمن لا یحضره الفقیه.

ص: 391

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.