بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار المجلد 58

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.

عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 58: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.

عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].

مظهر: ج - عينة.

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].

ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).

ملاحظة: فهرس.

محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-

عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق

ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح

تصنيف ديوي: 297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946

ص: 1

تتمة كتاب السماء و العالم

تتمة أبواب الإنسان و الروح و البدن و أجزائه و قواهما و أحوالهما

باب 42 حقیقة النفس و الروح و أحوالهما

اشارة

الآیات:

الإسراء: وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا(1)

الزمر: اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِكُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَكَّرُونَ (2)

الواقعة: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَ أَنْتُمْ حِینَئِذٍ تَنْظُرُونَ (3)

الملك: الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَیاةَ لِیَبْلُوَكُمْ أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا(4)

تفسیر:

وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قال الطبرسی روّح اللّٰه روحه اختلف فی الروح المسئول عنه علی أقوال أحدها أنهم سألوه عن الروح الذی فی بدن الإنسان ما هو و لم یجبهم و سأله عن ذلك قوم من الیهود عن ابن مسعود و ابن عباس و جماعة و اختاره الجبائی و علی هذا فإنما عدل النبی صلی اللّٰه علیه و آله عن جوابهم لعلمه بأن ذلك أدعی لهم إلی الصلاح فی الدین و لأنهم كانوا بسؤالهم متعنتین لا مستفیدین فلو صدر


1- 1. الإسراء: 85.
2- 2. الزمر: 42.
3- 3. الواقعة: 83.
4- 4. الملك: 2.

الجواب لازدادوا عنادا و قیل إن الیهود قالت لقریش (1) سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فلیس بنبی و إن لم یجبكم فهو نبی فإنا نجد فی كتبنا ذلك فأمر اللّٰه سبحانه بالعدول عن جوابهم و أن یكلمهم (2) فی معرفة الروح إلی ما فی عقولهم لیكون ذلك علما علی صدقه و دلالة لنبوته.

و ثانیها أنهم سألوه عن الروح أ هی مخلوقة محدثة أم لیست كذلك فقال سبحانه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی أی من فعله و خلقه و كان هذا جوابا لهم عما سألوه عنه بعینه و علی هذا فیجوز أن یكون الروح الذی سألوه عنه هو الذی به قوام الجسد علی قول ابن عباس و غیره أم جبرئیل علی قول الحسن و قتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان یسبح اللّٰه تعالی بجمیع ذلك علی ما روی عن علی علیه السلام أم عیسی علیه السلام فإنه سمی بالروح.

و ثالثها أن المشركین سألوه عن الروح الذی هو القرآن كیف یلقاك به الملك و كیف صار معجزا و كیف صار نظمه و ترتیبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب و الأشعار و قد سمی اللّٰه سبحانه القرآن روحا فی قوله وَ كَذلِكَ أَوْحَیْنا إِلَیْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا(3) فقال سبحانه قل یا محمد إن الروح الذی هو القرآن من أمر ربی أنزله علی دلالة علی نبوتی و لیس من فعل المخلوقین و لا مما یدخل فی إمكانهم و علی هذا فقد وقع الجواب أیضا موقعه و أما علی القول الأول فیكون معنی قوله الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی هو الأمر الذی یعلمه ربی و لم یطلع علیه أحدا. و اختلف العلماء فی مهیّة الروح فقیل إنه جسم رقیق هوائی متردد فی مخارق الحیوان و هو مذهب أكثر المتكلمین و اختاره المرتضی قدس اللّٰه روحه و قیل هو جسم هوائی علی بنیة حیوانیة فی كل جزء منه حیاة عن علی بن عیسی قال فلكل حیوان روح و بدن إلا أن منهم من الأغلب علیه الروح و منهم من الأغلب

ص: 2


1- 1. فی المجمع: لكفار قریش.
2- 2. فیه: و یكلهم.
3- 3. الشوری: 52.

علیه البدن و قیل إن الروح عرض ثم اختلف فیه فقیل هو الحیاة التی یتهیأ بها المحل لوجود العلم و القدرة و الاختیار و هو مذهب الشیخ المفید أبی عبد اللّٰه محمد بن محمد بن النعمان رضی اللّٰه عنه و البلخی و جماعة من المعتزلة البغدادیین و قیل هو معنی فی القلب عن الأسواری و قیل إن الروح الإنسان و هو الحی المكلف عن ابن الإخشید و النظام.

و قال بعض العلماء إن اللّٰه خلق الروح من ستة أشیاء من جوهر النور و الطیب و البقاء و الحیاة و العلم و العلو أ لا تری أنه ما دام فی الجسد كان الجسد نورانیا یبصر بالعینین و یسمع بالأذنین و یكون طیبا فإذا خرج من الجسد نتن البدن و یكون باقیا فإذا فارقه الروح بلی و فنی و یكون حیا و بخروجه یصیر میتا و یكن عالما فإذا خرج منه الروح لم یعلم شیئا و یكون علویا لطیفا توجد به الحیاة بدلالة قوله تعالی فی صفة الشهداء بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ فَرِحِینَ (1) و أجسادهم قد بلیت فی التراب.

و قوله وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا قیل هو خطاب للنبی صلی اللّٰه علیه و آله و غیره إذ لم یبین له الروح و معناه و ما أوتیتم من العلم المنصوص علیه إلا قلیلا أی شیئا یسیرا لأن غیر المنصوص علیه أكثر فإن معلومات اللّٰه تعالی لا نهایة لها و قیل خطاب للیهود الذین سألوه فقالت الیهود عند ذلك كیف و قد أعطانا اللّٰه التوراة فقال التوراة فی علم اللّٰه قلیل (2).

و قال الرازی للمفسرین فی الروح المذكورة فی هذه الآیة أقوال و أظهرها أن المراد منه الروح الذی هو سبب الحیاة ثم ذكر روایة سؤال الیهود و إبهام النبی صلی اللّٰه علیه و آله قصة الروح و زیفها بوجوه ضعیفة ثم قال بل المختار عندنا أنهم سألوه عن الروح و أنه صلی اللّٰه علیه و آله أجابهم عنه علی أحسن الوجوه و تقریره أن المذكور فی الآیة أنهم سألوه عن الروح و السؤال عنه یقع علی وجوه كثیرة أحدها أن یقال ماهیة الروح أ هو

ص: 3


1- 1. آل عمران: 170.
2- 2. مجمع البیان: ج 6، ص 347 و 438.

متحیز أو حال فی المتحیز أو موجود غیر متحیز و لا حال فی المتحیز و ثانیها أن یقال الأرواح قدیمة أو حادثة و ثالثها أن یقال الأرواح هل تبقی بعد موت الأجساد أو تفنی و رابعها أن یقال ما هی حقیقة سعادة الأرواح و شقاوتها.

و بالجملة فالمباحث المتعلقة بالروح كثیرة و قوله وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ لیس فیه ما یدل علی أنهم عن أی هذه المسائل سألوا إلا أن جوابه تعالی لا یلیق إلا بمسألتین من المسائل التی ذكرناها إحداهما السؤال عن ماهیة الروح و الثانیة عن قدمها و حدوثها.

أما البحث الأول فهو أنهم قالوا ما حقیقة الروح و ماهیته أ هو عبارة عن أجسام موجودة فی داخل هذا البدن متولدة من امتزاج الطبائع و الأخلاط أو عبارة عن نفس هذا المزاج و التركیب أو هو عبارة عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام أو هو عبارة عن موجود مغایر لهذه الأجسام و لهذه الأعراض فأجاب اللّٰه عنه بأنه موجود مغایر لهذه الأجسام و لهذه الأعراض و ذلك لأن هذه الأجسام و هذه الأعراض أشیاء تحدث من امتزاج الأخلاط و العناصر و أما الروح فإنه لیس كذلك بل هو جوهر بسیط مجرد لا یحدث إلا بمحدث قوله كن فیكون فقالوا لم كان شیئا مغایرا لهذه الأجسام و لهذه الأعراض فأجاب اللّٰه بأنه موجود یحدث بأمر اللّٰه و تكوینه و تأثیره فی إفادة الحیاة لهذا الجسد و لا یلزم من عدم العلم بحقیقته المخصوصة نفیه فإن أكثر حقائق الأشیاء و ماهیاتها مجهولة و لم یلزم من كونها مجهولة نفیها و هذا هو المراد بقوله وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا و أما البحث الثانی فهو أن لفظ الأمر قد جاء بمعنی الفعل قال تعالی وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ و قال لَمَّا جاءَ أَمْرُنا أی فعلنا فقوله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی من فعل ربی و هذا الجواب یدل علی أنهم سألوا أن الروح قدیمة أو حادثة فقال بل هی حادثة و إنما حصلت بفعل اللّٰه و تكوینه و إیجاده ثم احتج علی حدوث الروح بقوله وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا بمعنی أن الأرواح فی مبدإ الفطرة تكون خالیة عن العلوم ثم تحصل فیها المعارف و العلوم فهی لا تزال تكون فی التغیر من حال

ص: 4

إلی حال و فی التبدیل من نقصان إلی كمال و التغیر و التبدل من أمارات الحدوث فقوله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی یدل علی أنهم سألوا أن الروح هل هی حادثة أم لا فأجاب بأنها حادثة واقعة بتخلیق اللّٰه و تكوینه ثم استدل علی حدوث الأرواح بتغیرها من حال إلی حال فهذا ما نقوله فی هذا الباب و اللّٰه أعلم بالصواب (1)

أقول: ثم ذكر الأقوال الأخری فی تفسیر الروح فی هذه الآیة فمنها أنه القرآن كما مر و منها أنه ملك من الملائكة هو أعظمهم قدرا و قوة و هو المراد من قوله تعالی یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا(2)

وَ نَقَلُوا عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَلَكٌ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ وَجْهٍ وَ لِكُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ لِكُلِّ لِسَانٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةٍ یُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَی بِتِلْكَ اللُّغَاتِ كُلِّهَا وَ یَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ تَسْبِیحَةٍ مَلَكاً یَطِیرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ قَالُوا وَ لَمْ یَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقاً أَعْظَمَ مِنَ الرُّوحِ غَیْرَ الْعَرْشِ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ یَبْتَلِعُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَ الْأَرَضِینَ السَّبْعَ بِلُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ.

ثم اعترض علی هذا الوجه و علی الروایة بوجوه سخیفة ثم ذكر من الوجوه أنه جبرئیل علیه السلام و وجها رابعا عن مجاهد أنه خلق لیسوا بالملائكة علی صورة بنی آدم یأكلون و لهم أید و أرجل و رءوس و قال أبو صالح یشبهون الناس و لیسوا بالناس و لم أجد فی القرآن و لا فی الأخبار الصحیحة شیئا یمكن التمسّك به فی إثبات هذا القول.

ثم قال فی شرح مذاهب الناس فی حقیقة الإنسان اعلم أن العلم الضروری حاصل بأن هاهنا شیئا إلیه یشیر الإنسان بقوله أنا و إذا قال الإنسان علمت و فهمت و أبصرت و سمعت و ذقت و شممت و لمست و غضبت فالمشار إلیه لكل أحد بقوله أنا إما أن یكون جسما أو عرضا أو مجموع الجسم و العرض أو ما تركب (3)

من الجسم و العرض و ذلك الشی ء الثالث فهذا ضبط معقول أما القسم الأول و هو أن یقال الإنسان جسم فذلك الجسم إما أن یكون هو هذه البنیة أو جسما داخلا فی هذه

ص: 5


1- 1. مفاتیح الغیب: ج 21، ص 37- 38( ملخصا).
2- 2. النبأ: 38.
3- 3. فی المصدر: أو شیئا مغایرا للجسم و العرض أو من ذلك الشی ء الثالث.

البنیة أو جسما خارجا عنها أما القائلون بأن الإنسان عبارة عن هذه البنیة المحسوسة و هذا الهیكل المجسم المحسوس فإذا أبطلنا كون الإنسان عبارة عن هذا الجسم و أبطلنا كون الإنسان محسوسا فقد بطل كلامهم بالكلیة.

و الذی یدل علی أنه لا یمكن أن یكون الإنسان عبارة عن هذا الجسم وجوه الأول أن العلم البدیهیّ حاصل بأن أجزاء هذه الجثّة متبدّلة بالزیادة و النقصان تارة بحسب النمو و الذبول و تارة بحسب السمن و الهزال و العلم الضروریّ حاصل بأن المتبدّل المتغیّر مغایر للثابت الباقی و یحصل من مجموع هذه المقدمات الثلاث العلم القطعیّ بأنه لیس عبارة عن مجموع هذه الجثّة.

الثانی أن الإنسان حال ما یكون مشتغل الفكر متوجّه الهمّة نحو أمر مخصوص فإنه فی تلك الحالة غیر غافل عن نفسه المعینة بدلیل أنه فی تلك الحالة قد یقول غضبت و اشتهیت و سمعت كلامك و أبصرت وجهك و تاء الضمیر كنایة عن نفسه المخصوصة فهو فی تلك الحالة عالم بنفسه المخصوصة و غافل عن جملة بدنه و عن كل واحد من أعضائه و أبعاضه.

الثالث أن كل أحد یحكم بصریح عقله بإضافة كل واحد من هذه الأعضاء إلی نفسه فیقول رأسی و عینی و یدی و رجلی و لسانی و قلبی و بدنی و المضاف غیر المضاف إلیه فوجب أن یكون الشی ء الذی هو الإنسان مغایرا لجملة هذا البدن و لكل واحد من هذه الأعضاء فإن قالوا فقد یقول نفسی و ذاتی فیضیف النفس و الذات إلی نفسه فیلزم أن نفس الشی ء و ذاته مغایرة لنفسه و ذاته و ذلك محال قلنا قد یراد بنفس الشی ء و ذاته هذا البدن المخصوص و قد یراد بنفس الشی ء و ذاته الحقیقة المخصوصة التی إلیها یشیر كل أحد بقوله أنا فإذا قال نفسی و ذاتی كان المراد منه البدن و عندنا أنه مغایر لجوهر الإنسان.

الرابع أن كل دلیل یدلّ علی أن الإنسان یمتنع أن یكون جسما فهو أیضا یدلّ علی أنه یمتنع أن یكون عبارة عن هذا الجسم و سیأتی تقریر تلك الدلائل.

الخامس أن الإنسان قد یكون حیّا حال ما یكون البدن میّتا فوجب

ص: 6

كون الإنسان مغایرا لهذا البدن و الدلیل علی صحّة ما ذكرناه قوله تعالی وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ (1) فهذا النصّ صریح فی أن أولئك المقتولین أحیاء و الحسّ یدل علی أن هذا الجسد میّتة.

السادس أن قوله تعالی النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها غُدُوًّا وَ عَشِیًّا(2) و قوله أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً(3) یدلّ علی أن الإنسان حیّ بعد الموت

وَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ صلی اللّٰه علیه و آله: الْأَنْبِیَاءُ لَا یَمُوتُونَ وَ لَكِنْ یُنْقَلُونَ مِنْ دَارٍ إِلَی دَارٍ.

وَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ صلی اللّٰه علیه و آله: الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِیَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّیرَانِ.

وَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ صلی اللّٰه علیه و آله: مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِیَامَتُهُ.

و أن كل هذه النصوص یدلّ علی أن الإنسان حیّ یبقی بعد موت الجسد و بدیهة العقل و الفطرة شاهدتان بأن هذا الجسد میّت و لو جوزنا كونه حیّا كان یجوز مثله فی جمیع الجمادات و ذلك عین السفسطة و إذا ثبت أن الإنسان حیّ ما كان الجسد میّتا لزم أن الإنسان شی ء غیر هذا الجسد.

السابع قَوْلُهُ صلی اللّٰه علیه و آله فِی خُطْبَةٍ طَوِیلَةٍ لَهُ: حَتَّی إِذَا حُمِلَ الْمَیِّتُ عَلَی نَعْشِهِ رَفْرَفَ رُوحُهُ فَوْقَ النَّعْشِ وَ یَقُولُ یَا أَهْلِی وَ یَا وُلْدِی لَا تَلْعَبَنَّ بِكُمُ الدُّنْیَا كَمَا لَعِبَتْ بِی جَمَعْتُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَ مِنْ غَیْرِ حِلِّهِ فَالْمَهْنَأُ(4) لِغَیْرِی وَ التَّبِعَةُ عَلَیَّ فَاحْذَرُوا مِثْلَ مَا حَلَّ بِی.

وجه الاستدلال أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله صرح بأن حال كون الجسد محمولا علی النعش بقی هناك شی ء ینادی و یقول یا أهلی و یا ولدی جمعت المال من حله و غیر حله و معلوم أن الذی كان الأهل أهلا له و كان الولد ولدا له و كان جامعا للمال من الحرام و الحلال و الذی بقی فی ربقته الوبال لیس إلا ذلك الإنسان فهذا تصریح بأن فی الوقت الذی كان الجسد میتا محمولا علی النعش كان ذلك الإنسان حیا باقیا فاهما و ذلك تصریح بأن الإنسان شی ء مغایر لهذا الجسد و الهیكل.

ص: 7


1- 1. آل عمران: 165.
2- 2. غافر: 46.
3- 3. نوح: 25.
4- 4. فی المصدر: فالغنی.

الثامن قوله تعالی یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِی إِلی رَبِّكِ راضِیَةً مَرْضِیَّةً(1) و الخطاب بقوله ارْجِعِی إنما یتوجه إلیها حال الموت فدل هذا علی أن الشی ء الذی یرجع إلی اللّٰه بعد موت الجسد یكون راضیا مرضیا عند اللّٰه و الذی یكون راضیا مرضیا لیس إلا الإنسان فهذا یدل علی أن الإنسان بقی حیا بعد موت الجسد و الحی غیر المیت فالإنسان مغایر لهذا الجسد.

التاسع قوله تعالی حَتَّی إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا یُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَی اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ (2) أثبت كونهم مردودین إلی اللّٰه الذی هو مولاهم الحق عند كون الجسد میتا فوجب أن یكون ذلك المردود إلی اللّٰه مغایرا لذلك الجسد المیت.

العاشر تری جمیع فرق الدنیا من الهند و الروم و العرب و العجم و جمیع أرباب الملل و النحل من الیهود و النصاری و المجوس و المسلمین و سائر فرق العالم و طوائفهم یتصدقون عن موتاهم و یدعون لهم بالخیر و یذهبون إلی زیاراتهم و لو لا أنهم بعد موت الجسد بقوا أحیاء لكان التصدق لهم عبثا و لكان الدعاء لهم عبثا و لكان الذهاب إلی زیارتهم عبثا فإطباق الكل علی هذه الصدقة و الدعاء و الزیارة یدل علی أن فطرتهم الأصلیة السلیمة شاهدة بأن الإنسان شی ء غیر هذا الجسد و أن ذلك الشی ء لا یموت بموت هذا الجسد.

الحادی عشر أن كثیرا من الناس یری أباه و ابنه فی المنام و یقول له اذهب إلی الموضع الفلانی فإن فیه ذهبا دفنته لك و قد یراه فیوصیه بقضاء دین عنه ثم عند الیقظة إذا فتش عنه كان كما رآه فی النوم من غیر تفاوت و لو لا أن الإنسان باق حی بعد الموت لما كان كذلك و لما دل هذا الدلیل علی أن الإنسان حی بعد الموت و دل الحس علی أن الجسد میت كان الإنسان مغایرا لهذا الجسد.

الثانی عشر أن الإنسان إذا ضاع عضو من أعضائه مثل أن تقطع یداه و رجلاه

ص: 8


1- 1. الفجر: 27- 28.
2- 2. الأنعام: 61- 62.

و تقلع عیناه و تقطع أذناه إلی غیرها من الأعضاء فإن ذلك الإنسان یجد من قلبه و عقله أنه هو عین ذلك الإنسان من غیر تفاوت البتة حتی أنه یقول أنا ذلك الإنسان الذی كنت موجودا قبل ذلك إلا أنهم قطعوا یدی و رجلی و ذلك برهان یقینی علی أن ذلك الإنسان شی ء مغایر لهذه الأعضاء و الأبعاض و ذلك یبطل قول من یقول الإنسان عبارة عن هذه البنیة المخصوصة.

الثالث عشر أن القرآن و الأحادیث یدلان علی أن جماعة من الیهود قد مسخهم اللّٰه و جعلهم فی صورة القردة و الخنازیر فنقول ذلك الإنسان هل بقی حال ذلك المسخ أو لم یبق فإن لم یبق كان هذا إماتة لذلك الإنسان و خلق خنزیر أو قردة و لیس هذا من المسخ فی شی ء و إن قلنا إن ذلك الإنسان بقی حال حصول ذلك المسخ فنقول فعلی هذا التقدیر الإنسان باق و تلك البنیة و ذلك الهیكل غیر باق فوجب أن یكون ذلك الإنسان شیئا مغایرا لتلك البنیة.

الرابع عشر أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كان یری جبرئیل فی صورة دحیة الكلبی و كان یری إبلیس فی صورة الشیخ النجدی فهنا بنیة الإنسان و هیكله و شكله حاصل مع أن الحقیقة(1) الإنسانیة غیر حاصلة و هذا یدل علی أن الإنسان لیس عبارة عن هذه البنیة و هذا الهیكل.

الخامس عشر أن الزانی یزنی بفرجه و یضرب علی ظهره فوجب أن یكون الإنسان شیئا آخر سوی الفرج و سوی الظهر و یقال إن ذلك الشی ء یستعمل الفرج فی عمل و الظهر فی عمل آخر فیكون الملتذ و المتألم هو ذلك الشی ء إلا أنه یحصل اللذة بواسطة ذلك العضو و یتألم بواسطة الضرب علی هذا العضو السادس عشر أنی إذا تكلمت مع زید و قلت له افعل كذا و لا تفعل كذا فالمخاطب بهذا الخطاب و المأمور و المنهی لیس هو جبهة زید و لا حدقته و لا أنفه و لا فمه و لا شی ء من أعضائه بعینه فوجب أن یكون المأمور و المنهی و المخاطب شیئا مغایرا لهذه الأعضاء و ذلك یدل علی أن ذلك المأمور و المنهی غیر هذا الجسد فإن قالوا

ص: 9


1- 1. فی المصدر: حقیقة الإنسان.

لم لا یجوز أن یكون المأمور و المنهی جملة هذا البدن لا شی ء من أجزائه و أبعاضه قلنا توجیه التكلیف إلی الجملة إنما یصح لو كانت الجملة فاهمة عالمة فنقول لو كانت الجملة عالمة فإما أن یقوم بمجموع البدن علم واحد أو یقوم بكل واحد من أجزاء البدن علم علی حده و الأول یقتضی قیام العرض الواحد بالمحال الكثیرة و هو محال و الثانی یقتضی أن یكون كل واحد من أجزاء البدن عالما فاهما علی سبیل الاستقلال و قد بینا أن العلم الضروری حاصل بأن الجزء المعین من البدن لیس عالما فاهما مدركا بالاستقلال فسقط هذا السؤال.

السابع عشر الإنسان یجب أن یكون عالما و العلم لا یحصل إلا فی القلب فیلزم أن یكون الإنسان عبارة عن الشی ء الموجود فی القلب و إذا ثبت هذا بطل القول بأن الإنسان عبارة عن هذا الهیكل و هذه الجثة إنما قلنا إن الإنسان یجب أن یكون عالما لأنه فاعل مختار و الفاعل المختار هو الذی یفعل بواسطة القصد إلی تكوینه و هما مشروطان بالعلم لأن ما لا یكون متصورا امتنع القصد إلی تكوینه فثبت أن الإنسان یجب أن یكون عالما بالأشیاء و إنما قلنا إن العلم لا یوجد إلا فی القلب للبرهان و القرآن أما البرهان فلأنا نجد العلم الضروری بأنا نجد علومنا من ناحیة القلب و أما القرآن فآیات نحو قوله تعالی لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِها(1) و قوله كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ (2) و قوله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ عَلی قَلْبِكَ (3) و إذا ثبت أن الإنسان یجب أن یكون عالما و ثبت أن العلم لیس إلا فی القلب ثبت أن الإنسان شی ء فی القلب أو شی ء له تعلق بالقلب و علی التقدیرین فإنه بطل قول من یقول إن الإنسان هو هذا الجسد و هذا الهیكل.

و أما البحث الثانی و هو بیان أن الإنسان غیر محسوس هو أن حقیقة الإنسان شی ء مغایر للسطح و اللون و كل ما هو مرئی فهو إما السطح و إما اللون و هما مقدمتان

ص: 10


1- 1. الأعراف: 178.
2- 2. المجادلة: 22.
3- 3. الشعراء: 193- 194.

قطعیتان ینتج هذا القیاس أن حقیقة الإنسان غیر مرئیة و لا محسوسة و هذا برهان یقینی.

ثم قال فی شرح مذاهب القائلین بأن الإنسان جسم موجود فی داخل البدن اعلم أن الأجسام الموجودة فی هذا العالم السفلی إما أن یكون أحد العناصر الأربعة أو ما یكون متولدا من امتزاجها و یمتنع أن یحصل فی البدن الإنسانی جسم عنصری خالص بل لا بد و أن یكون الحاصل جسما متولدا من امتزاجات هذه الأربعة فنقول أما الجسم الذی تغلب علیه الأرضیة فهو الأعضاء الصلبة الكثیفة كالعظم و العصب و الوتر و الرباط و الشحم و اللحم و الجلد و لم یقل أحد من العقلاء الذین قالوا إن الإنسان شی ء مغایر لهذا الجسد بأنه عبارة عن عضو معین من هذه الأعضاء و ذلك لأن هذه الأعضاء كثیفة ثقیلة ظلمانیة فلا جرم لم یقل أحد من العقلاء بأن الإنسان عبارة عن أحد هذه الأعضاء و أما الجسم الذی تغلب علیه المائیة فهو الأخلاط الأربعة و لم یقع (1) فی شی ء منها أنه الإنسان إلا فی الدم فإن فیهم من قال إنه لروح بدلیل أنه إذا خرج لزمه الموت أما الجسم الذی تغلب علیه الهوائیة و الناریة فهی الأرواح و هی نوعان أحدهما أجسام هوائیة مخلوطة بالحرارة الغریزیة متولدة إما فی القلب أو فی الدماغ و قالوا إنها هی الروح الإنسانی ثم إنهم اختلفوا فمنهم من یقول الإنسان هو الروح الذی فی القلب و منهم من یقول إنه جزء لا یتجزأ فی الدماغ و منهم من یقول الروح عبارة عن أجزاء ناریة مختلطة بهذه الأرواح القلبیة و الدماغیة و تلك الأجزاء الناریة هی المسماة بالحرارة الغریزیة و هی الإنسان و من الناس من یقول الروح عبارة عن أجسام نورانیة سماویة لطیفة الجوهر علی طبیعة ضوء الشمس و هی لا تقبل التحلل و التبدل و لا التفرق و التمزق فإذا تكون البدن و تم استعداده و هو المراد بقوله فَإِذا سَوَّیْتُهُ نفذت تلك الأجسام الشریفة السماویة الإلهیة فی داخل أعضاء البدن نفاذ النار فی الفحم و نفاذ دهن السمسم فی

ص: 11


1- 1. فی المصدر: و لم یقل أحد فی ....

السمسم و نفاذ ماء الورد فی جسم الورد و نفاذ تلك الأجسام (1) السماویة فی جوهر البدن هو المراد بقوله وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی (2) ثم إن البدن ما دام یبقی سلیما قابلا لنفاذ تلك الأجسام الشریفة فیه بقی حیا فإذا تولد فی البدن أخلاط غلیظة منعت تلك الأخلاط الغلیظة من سریان تلك الأجسام الشریفة فانفصلت عن هذا البدن فحینئذ یعرض الموت فهذا مذهب قوی و قول شریف یجب التأمل فیه فإنه شدید المطابقة لما ورد فی الكتب الإلهیة من أحوال الموت و الحیاة فهذا تفصیل مذاهب القائلین بأن الإنسان جسم موجود فی داخل البدن و أما أن الإنسان جسم موجود خارج البدن فلا أعرف أحدا ذهب إلی هذا القول.

و أما القسم الثانی و هو أن یقال الإنسان عرض حال فی البدن فهذا لا یقوله عاقل لأنه من المعلوم بالضرورة أن الإنسان جوهر لأنه موصوف بالعلم و القدرة و التدبیر و التصرف و كل من كان هذا شأنه كان جوهرا و الجوهر لا یكون عرضا بل الذی یمكن أن یقال له عاقل هو الإنسان (3)

بشرط أن یكون موصوفا بأعضاء مخصوصة و علی هذا التقدیر فللناس فیه أقوال القول الأول أن العناصر الأربعة إذا امتزجت و انكسرت سورة كل واحد منها بسورة أخری حصلت كیفیة معتدلة هی المزاج و مراتب هذا المزاج غیر متناهیة فبعضها هی الإنسانیة و بعضها هی الفرسیة فالإنسان عبارة عن أجسام موصوفة بكیفیات مخصوصة متولدة عن امتزاجات أجزاء العناصر بمقدار مخصوص و هذا قول جمهور الأطباء و منكری بقاء النفس و من المعتزلة قول أبی الحسین البصری.

و القول الثانی أن الإنسان عبارة عن أجزاء مخصوصة بشرط كونها موصوفة بصفة الحیاة و العلم و القدرة و الحیاة عرض قائم بالجسم و هؤلاء أنكروا الروح و النفس

ص: 12


1- 1. فی بعض النسخ« الاجزاء».
2- 2. الحجر: 29، ص: 72.
3- 3. كذا فی نسخ الكتاب، و فی المصدر« بل الذی یمكن ان یقول به كل عاقل هو ان الإنسان یشترط ...».

و قالوا لیس هاهنا إلا أجسام مؤتلفة موصوفة بصفة الحیاة و بهذه الأعراض المخصوصة و هی الحیاة و العلم و القدرة و هذا مذهب أكثر شیوخ المعتزلة.

و القول الثالث أن الإنسان عبارة عن أجسام مخصوصة بأشكال مخصوصة و بشرط أن تكون أیضا موصوفة بالحیاة و العلم و القدرة و الإنسان إنما یمتاز عن سائر الحیوانات بشكل جسده و هیئة أعضائه و أجزائه إلا أن هذا مشكل فإن الملائكة قد یتشبهون بصور الناس فهنا صورة الإنسان حاصلة مع عدم الإنسانیة و فی صورة المسخ معنی الإنسانیة حاصلة مع أن هذه الصورة غیر حاصلة فقد بطل اعتبار هذا الشكل و الصورة فی حصول معنی الإنسانیة طردا و عكسا.

أما القسم الثالث و هو أن یقال الإنسان موجود لیس بجسم و لا جسمانی و هذا قول أكثر الإلهیین من الفلاسفة القائلین ببقاء النفس المثبتین للنفس معادا روحانیا و ثوابا و عقابا روحانیا ذهب إلیه جماعة من علماء المسلمین مثل الشیخ أبی القاسم الراغب الأصفهانی و الشیخ أبی حامد الغزالی و من قدماء المعتزلة معمر بن عباد السلمی و من الشیعة الملقب عندهم بالشیخ المفید و من الكرامیة جماعة.

و اعلم أن القائلین بإثبات النفس فریقان الأول و هم المحققون منهم قالوا الإنسان عبارة عن هذا الجوهر المخصوص و هذا البدن آلته و منزله و مركبه و علی هذا التقدیر فالإنسان غیر موجود فی داخل العالم و لا فی خارجه و غیر متصل بالعالم و لا منفصل عنه و لكنه متعلق بالبدن تعلق التدبیر و التصرف كما أن إله العالم لا تعلق له بالعالم إلا علی سبیل التصرف و التدبیر.

و الفریق الثانی الذین قالوا النفس إذا تعلقت بالبدن اتحدت بالبدن فصارت النفس عین البدن و البدن عین النفس و مجموعهما عند الاتحاد هو الإنسان فإذا جاء وقت الموت بطل هذا الاتحاد و بقیت النفس و فسد البدن فهذا جملة مذاهب الناس فی الإنسان

و كان ثابت بن قرة یثبت النفس و یقول إنها متعلقة بأجسام سماویة نورانیة لطیفة غیر قابلة للكون و الفساد و التفرق و التمزق و أن تلك الأجسام تكون ساریة فی البدن و هن موجودات فی داخل البدن (1)

و أما أن

ص: 13


1- 1. مفاتیح الغیب: ج 21، ص 45.

الإنسان جسم موجود خارج البدن فلا أعرف أحدا ذهب إلی ذلك أقول ثم ذكر حججا عقلیة طویلة الذیل علی إثبات النفس و مغایرتها للبدن.

منها أن النفس واحدة و متی كانت واحدة وجب أن تكون مغایرة لهذا البدن و لكل واحد من أجزائه أما كونها واحدة فتارة ادعی البداهة فیه و تارة استدل علیه بوجوه منها أنا إذا فرضنا جوهرین مستقلین یكون كل واحد منهما مستقلا بفعله الخاص امتنع أن یصیر اشتغال أحدهما بفعله الخاص به مانعا لاشتغال الآخر بفعله الخاص به و إذا ثبت هذا فنقول لو كان محل الإدراك و الفكر جوهرا و محل الغضب جوهرا آخر و محل الشهوة جوهرا ثالثا وجب أن لا یكون اشتغال القوة الغضبیة بفعلها مانعا للقوة الشهوانیة من الاشتغال بفعلها و لا بالعكس لكن التالی باطل فإن اشتغال الإنسان بالشهوة و انصبابه إلیها یمنعه من الاشتغال بالغضب و الانصباب إلیه و بالعكس فعلمنا أن هذه الأمور الثلاثة لیست مبادئ مستقلة بل هی صفات مختلفة لجوهر واحد فلا جرم كان اشتغال ذلك الجوهر بأحد هذه الأفعال عائقا له عن الاشتغال بالفعل الآخر.

و منها أن حقیقة الحیوان أنه جسم ذو نفس حساسة متحركة بالإرادة فالنفس لا یمكنها أن تتحرك بالإرادة إلا عند حصول الداعی و لا معنی للداعی إلا الشعور بخیر یرغب فی جذبه أو بشر یرغب فی دفعه و هذا یقتضی أن یكون المتحرك بالإرادة هو بعینه مدركا للخیر و الشر و الملذ و الموذی و النافع و الضار فثبت بما ذكرنا أن النفس الإنسانیة شی ء واحد و ثبت أن ذلك الشی ء هو المبصر و السامع و الشامّ و الذائق و اللامس و المتخیل و المتفكر و المتذكر و المشتهی و الغاضب و هو الموصوف بجمیع الإدراكات لكل المدركات و هو الموصوف بجمیع الأفعال الاختیاریة و الحركات الإرادیة.

ثم قال و أما المقدمة الثانیة فهی فی بیان أنه لما كانت النفس شیئا واحدا وجب أن لا یكون النفس هذا البدن و لا شیئا من أجزائه و أما امتناع كونها جملة هذا البدن فتقریره أنا نعلم بالضرورة أن القوة الباصرة غیر ساریة فی كل البدن

ص: 14

و كذا القوة السامعة و كذا سائر القوی كالتخیل و التذكر و التفكر و العلم بأن هذه القوی غیر ساریة فی جملة أجزاء البدن علم بدیهی بل هو من أقوی العلوم البدیهیة و أما بیان أنه یمتنع أن یكون النفس جزءا من أجزاء البدن فإنا نعلم بالضرورة أنه لیس فی البدن جزء واحد هو بعینه موصوف بالإبصار و السماع و الفكر و الذكر بل الذی یتبادر إلی الخاطر أن الإبصار مخصوص بالعین لا بسائر الأعضاء و السماع مخصوص بالأذن لا بسائر الأعضاء و الصوت مخصوص بالحلق لا بسائر الأعضاء و كذلك القول فی سائر الإدراكات و سائر الأفعال فأما أن یقال إنه حصل فی البدن جزء واحد موصوف بكل هذه الإدراكات و كل هذه الأفعال

فالعلم الضروری حاصل أنه لیس الأمر كذلك فثبت بما ذكرناه أن النفس الإنسانیة شی ء واحد موصوف بجملة هذه الإدراكات و بجملة هذه الأفعال و ثبت بالبدیهة أن جملة البدن لیست كذلك و ثبت أیضا أن شیئا من أجزاء البدن لیس كذلك فحینئذ یحصل الیقین بأن النفس شی ء مغایر لهذا البدن و لكل واحد من أجزائه و هو المطلوب.

و لنقرر هذا البرهان بعبارة أخری نقول إنا نعلم بالضرورة أنا إذا أبصرنا شیئا عرفناه و إذا عرفناه اشتهیناه و إذا اشتهیناه حركنا أبداننا إلی القرب منه فوجب القطع بأن الذی أبصر هو الذی عرف و أن الذی عرف هو الذی اشتهی و أن الذی اشتهی هو الذی حرك إلی القرب منه فیلزم القطع بأن المبصر لذلك الشی ء و العارف به و المشتهی إلیه و المحرك إلی القرب منه شی ء واحد إذ لو كان المبصر شیئا و العارف شیئا ثانیا و المشتهی شیئا ثالثا و المحرك شیئا رابعا لكان الذی أبصر لم یعرف و الذی عرف لم یشته و الذی اشتهی لم یحرك لكن من المعلوم أن كون شی ء مبصرا لشی ء لا یقتضی صیرورة شی ء آخر عالما بذلك الشی ء و كذلك القول فی سائر المراتب و أیضا فإنا نعلم بالضرورة أن الرائی للمرئیات أنا و أنی لما رأیتها عرفتها و لما عرفتها اشتهیتها و لما اشتهیتها طلبتها و حركت الأعضاء إلی القرب منها و نعلم أیضا بالضرورة أن الموصوف بهذه الرؤیة و بهذا العلم و بهذه الشهوة و بهذا التحریك أنا لا غیری و أیضا العقلاء قالوا الحیوان لا بد و أن یكون حساسا متحركا بالإرادة

ص: 15

فإن لم یحس بشی ء لم یشعر بكونه ملائما و بكونه منافرا و إذا لم یشعر بذلك امتنع كونه مریدا للجذب أو الدفع فثبت أن الشی ء الذی یكون متحركا بالإرادة فإنه بعینه یجب أن یكون حساسا فثبت أن المدرك لجمیع المدركات بجمیع أنواع الإدراكات و أن المباشر لجمیع التحریكات الاختیاریة شی ء واحد.

و أیضا فإنا إذا تكلمنا بكلام لقصد تفهیم الغیر معانی تلك الكلمات فقد عقلناها و أردنا تعریف غیرنا تلك المعانی و لما حصلت هذه الإرادة فی قلوبنا حاولنا إدخال تلك الحروف و الأصوات فی الوجود لنتوسل بها إلی تعریف غیرنا تلك المعانی.

إذا ثبت هذا فنقول إن كان محل العلم و الإرادة و محل تلك الحروف و الأصوات جسما واحدا لزم أن یقال إن محل العلوم و الإرادات هو الحنجرة و اللّٰهاة و اللسان و معلوم أنه لیس كذلك و إن قلنا إن محل العلوم و الإرادات هو القلب لزم أن یكون محل الصوت هو القلب أیضا و ذلك باطل أیضا بالضرورة و إن قلنا إن محل الكلام هو الحنجرة و اللّٰهاة و اللسان و محل العلوم و الإرادات هو القلب و محل القدرة هو الأعصاب و الأوتار و العضلات كنا قد وزعنا هذه الأمور علی هذه الأعضاء المختلفة لكنا أبطلنا ذلك و بینا أن المدرك لجمیع الإدراكات و الإرادات و المحرك لجمیع الأعضاء بجمیع أنواع التحریكات یجب أن یكون شیئا واحدا فلم یبق إلا أن یقال محل الإدراك و القدرة علی التحریك شی ء سوی هذا البدن و سوی أجزاء هذا البدن و أن هذه الأعضاء جاریة مجری الآلات و الأدوات فكما أن النجار یفعل أفعالا مختلفة بواسطة آلات مختلفة فكذلك النفس تبصر بالعین و تسمع بالأذن و تتفكر بالدماغ و تعقل بالقلب فهذه الأعضاء آلات النفس و أدوات لها و ذات النفس جوهر مغایر لها مفارق عنها بالذات متعلق بها تعلق التصرف و التدبیر و هذا البرهان برهان شریف یقینی فی هذا المطلوب و باللّٰه التوفیق.

و منها أنه لو كان الإنسان عبارة عن هذا الجسد لكان إما أن یقوم بكل واحد من الأجزاء حیاة و علم و قدرة علی حدة أو یقوم بجمیع الأجزاء حیاة و علم و قدرة واحدة و القسمان باطلان أما الأول فلأنه یقتضی كون كل واحد من أجزاء الجسد حیا

ص: 16

عالما قادرا علی سبیل الاستقلال فوجب أن لا یكون الإنسان الواحد حیوانا واحدا بل أحیاء عالمین قادرین و حینئذ لا یبقی فرق بین الإنسان الواحد و بین أشخاص كثیرین من الناس ربط بعضهم بالبعض بالسلسلة لكنا نعلم بالضرورة فساد هذا الكلام لأنی أجد ذاتی ذاتا واحدة و حیوانا لا حیوانات كثیرین و أیضا فبتقدیر أن یكون كل واحد من أجزاء هذا الجسد حیوانا واحدا علی حدة فحینئذ لا یكون لكل واحد منها خبر عن حال صاحبه فلا یمتنع أن یرید هذا الجزء أن یتحرك إلی هذا الجانب و یرید الجزء الآخر أن یتحرك إلی الجانب الآخر فحینئذ یقع التدافع بین أجزاء بدن الإنسان الواحد كما یقع بین الشخصین و فساد ذلك معلوم بالبدیهة و أما الثانی فلأنه یقتضی قیام الصفة الواحدة بالمحال الكثیرة و ذلك معلوم البطلان بالضرورة مع أنه یعود المحذور السابق أیضا.

و منها أنا لما تأملنا فی أحوال النفس رأینا أحوالها بالضد من أحوال الجسم و ذلك یدل علی أن النفس لیست جسما و تقریر هذه المنافاة من وجوه الأول أن كل جسم حصلت فیه صورة فإنه لا یقبل صورة أخری من جنس الصورة الأولی إلا بعد زوال الصورة الأولی عنه زوالا تاما مثاله أن البصر إذا حصل فیه شكل التثلیث امتنع أن یحصل فیه شكل التربیع و التدویر إلا بعد زوال الشكل الأول عنه ثم إنا وجدنا الحال فی قبول النفس لصور المعقولات بالضد من ذلك فإن النفس التی لم تقبل صورة عقلیة البتة یعسر قبولها لشی ء من الصور العقلیة فإذا قبلت صورة واحدة كان قبولها للصورة الثانیة أسهل و إذا قبلت الصورة الثانیة صار قبولها للصورة الثالثة أسهل ثم إن النفس لا تزال تقبل صورة بعد صورة من غیر أن تضعف البتة بل كلما كان قبولها للصور أكثر كان قبولها للصور الآتیة بعد ذلك أسهل و أسرع و لهذا السبب یزداد الإنسان فهما و إدراكا كلما ازداد تخریجا و ارتیاضا للعلوم فثبت أن قبول النفس للصورة العقلیة علی خلاف قبول الجسم للصورة و ذلك یوهم أن النفس لیست بجسم.

و الثانی أن المواظبة علی الأفكار الدقیقة لها أثر فی النفس و أثر فی البدن أما

ص: 17

أثرها فی النفس فهو تأثیرها فی إخراج النفس عن القوة إلی الفعل فی التعقلات و الإدراكات و كلما كانت الأفكار أكثر كان حصول هذه الأحوال أكمل و ذلك غایة كمالها و نهایة شرفها و جلالتها و أما أثرها فی البدن فهو أنها توجب استیلاء الیبس علی البدن و استیلاء الذبول علیه و هذه الحالة لو استمرت لانتهت إلی المالیخولیا و موت البدن (1)

فثبت بما ذكرنا أن هذه الأفكار توجب حیاة النفس و شرفها و توجب نقصان البدن و موته فلو كانت النفس هی البدن لصار الشی ء الواحد بالنسبة إلی الشی ء الواحد سببا لكماله و نقصانه معا و لحیاته و موته معا و إنه محال.

و الثالث أنا شاهدنا أنه ربما كان بدن الإنسان ضعیفا نحیفا فإذا لاح نور من الأنوار القدسیة و تجلی له سر من أسرار عالم الغیب حصل لذلك الإنسان جرأة عظیمة و سلطنة قویة و لم یعبأ بحضور أكبر السلاطین و لم یقم له وزنا و لو لا أن النفس شی ء سوی البدن و النفس إنما تحیا و تبقی بغیر ما به یقوی البدن و یحیا لما كان الأمر كذلك.

و الرابع أن أصحاب الریاضات و المجاهدات كلما أمعنوا فی قهر القوی البدنیة و تجویع الجسد قویت قواهم الروحانیة و أشرقت أسرارهم بالمعارف الإلهیة و كلما أمعن الإنسان فی الأكل و الشرب و قضاء الشهوات الجسدانیة صار كالبهیمة و بقی محروما عن آثار النظر و العقل و الفهم و المعرفة(2)

و لو لا أن النفس غیر البدن لما كان الأمر كذلك.

و الخامس أنا نری النفس تفعل أفاعیلها بآلات بدنیة فإنها تبصر بالعین و تسمع بالأذن و تأخذ بالید و تمشی بالرجل أما إذا آل الأمر إلی التعقل و الإدراك فإنها مستقلة بذاتها فی هذا الفعل من غیر إعانة شی ء من الآلات و لذلك فإن الإنسان یمكنه أن لا یبصر شیئا إذا غمض عینه و أن لا یسمع شیئا إذا سد أذنیه و لا یمكنه البتة أن یزیل عن قلبه العلم بما كان عالما به فعلمنا أن النفس

ص: 18


1- 1. فی المصدر: و سوق الموت.
2- 2. فی المصدر: عن آثار النطق و العقل و المعرفة.

غنیة بذاتها فی العلوم و المعارف عن شی ء من الآلات البدنیة فهذه الوجوه أمارات قویة فی أن النفس لیست بجسم.

ثم ذكر فی إثبات أن النفس لیست بجسم وجوها من الدلائل السمعیة الأول قوله تعالی وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ (1) و معلوم أن أحدا من العقلاء لا ینسی هذا الهیكل المشاهد فدل ذلك علی أن النفس التی ینساها الإنسان عند فرط الجهل شی ء آخر غیر هذا البدن.

الثانی قوله تعالی أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ و هذا صریح فی أن النفس غیر هذا الجسد.

الثالث أنه تعالی ذكر مراتب الخلقة الجسمانیة فقال وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ إلی قوله فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً و لا شك أن جمیع هذه المراتب اختلافات واقعة فی الأحوال الجسمانیة ثم إنه تعالی لما أراد أن یذكر نفخ الروح قال ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ و هذا تصریح بأن ما یتعلق بالروح جنس مغایر لما سبق ذكره من التغیرات الواقعة فی الأحوال الجسمانیة و ذلك یدل علی أن الروح شی ء مغایر للبدن.

فإن قالوا هذه الآیة حجة علیكم لأنه تعالی قال وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ و كلمة من للتبعیض و هذا یدل علی أن الإنسان بعض من أبعاض الطین قلنا كلمة من أصلها لابتداء الغایة كقولك خرجت من البصرة إلی الكوفة فقوله تعالی وَ لَقَدْ خَلَقْنَا

الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ یقتضی أن یكون ابتداء تخلیق الإنسان حاصلا من هذه السلالة و نحن نقول بموجبه لأنه تعالی یسوی المزاج أولا ثم ینفخ فیه الروح فیكون ابتداء تخلیقه من سلالة.

الرابع قوله فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی میز تعالی بین التسویة و بین نفخ الروح فالتسویة عبارة عن تخلیق الأبعاض و الأعضاء ثم أضاف الروح إلی نفسه بقوله مِنْ رُوحِی دل ذلك علی أن جوهر الروح شی ء مغایر لجوهر الجسد.

ص: 19


1- 1. الحشر: 19.

الخامس قوله تعالی وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها و هذه الآیة صریحة فی وجود النفس موصوفة بالإدراك و التحریك معا لأن الإلهام عبارة عن الإدراك و أما الفجور و التقوی فهو فعل و هذه الآیة صریحة فی أن الإنسان شی ء واحد و هو موصوف بالإدراك و التحریك و هو موصوف أیضا بفعل الفجور تارة و فعل التقوی أخری و معلوم أن جملة البدن غیر موصوف بهذین الوصفین و لیس فی البدن عضو واحد موصوف بهذین الوصفین فلا بد من إثبات جوهر واحد یكون موصوفا بكل هذه الأمور.

السادس قوله تعالی إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِیهِ فَجَعَلْناهُ سَمِیعاً بَصِیراً فهذا تصریح بأن الإنسان شی ء واحد و ذلك الشی ء الواحد هو المبتلی بالتكالیف الإلهیة و الأمور الربانیة و هو الموصوف بالسمع و البصر و مجموع البدن لیس كذلك و لیس عضو من أعضاء البدن كذلك فالنفس شی ء مغایر جملة البدن و مغایر(1)

أجزاء البدن و هو الموصوف بهذه الصفات.

و اعلم أن الأحادیث الواردة فی صفة الأرواح قبل تعلقها بالأجساد و بعد انفصالها من الأجساد كثیرة و كل ذلك یدل علی أن النفس غیر هذا الجسد و العجب ممن یقرأ هذه الآیات الكثیرة و یروی هذه الأخبار الكثیرة ثم یقول توفی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ما كان یعرف ما الروح و هذا من العجائب.

ثم استدل بهذه الآیة التی بصدد تفسیرها علی هذا المذهب و تقریره أن الروح لو كان جسما منتقلا من حالة إلی حالة و من صفة إلی صفة لكان مساویا للبدن فی كونه متولدا من أجسام اتصفت بصفات مخصوصة بعد أن كانت موصوفة بصفات أخر فإذا سئل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عن الروح وجب أن یبین أنه جسم كان كذا ثم صار كذا و كذا حتی صار روحا مثل ما ذكر فی كیفیة تولد البدن أنه كان نطفة ثم علقة ثم مضغة فلما لم یقل ذلك بل قال إنه من أمر ربی بمعنی أنه لا یحدث و لا یدخل فی الوجود إلا لأجل أن اللّٰه تعالی قال له كُنْ فَیَكُونُ دل ذلك علی أنه جوهر لیس

ص: 20


1- 1. كذا، و فی المصدر: مغایر لجملة البدن و مغایر لاجزاء ....

من جنس الأجسام بل هو جوهر قدسی مجرد و اعلم أن أكثر العارفین الكاملین من أصحاب الریاضات و أصحاب المكاشفات و المشاهدات مصرون علی هذا القول جازمون بهذا المذهب.

ثم قال و احتج المنكرون بوجوه الحجة الأولی لو كانت مساویة لذات اللّٰه تعالی فی كونه لیس بجسم و لا عرض لكان مساویا له فی تمام الماهیة و ذلك محال.

الثانیة قوله تعالی قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ إلی قوله ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ و هذا تصریح بأن الإنسان شی ء مخلوق من نطفة و أنه یموت و یدخل القبر ثم أنه تعالی یخرجه من القبر و لو لم یكن الإنسان عبارة عن هذه الجثة لم تكن الأحوال المذكورة فی هذه الآیة صحیحة.

الثالثة قوله تعالی وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً إلی قوله یُرْزَقُونَ فَرِحِینَ و هذا یدل علی أن الروح جسم لأن الارتزاق و الفرح من صفات الأجسام.

و الجواب عن الأول أن المساواة فی أنه لیس بمتحیز و لا حال فی المتحیز مساواة فی صفات سلبیة و المساواة فی الصفات السلبیة لا توجب المماثلة و اعلم أن جماعة من الجهال یظنون أنه لما كان الروح موجودا لیس بمتحیز و لا حال فی المتحیز وجب أن یكون مثلا للإله أو جزءا من الإله و ذلك جهل فاحش و غلط قبیح و تحقیقه ما ذكرنا من أن المساواة فی السلوب لو أوجبت المماثلة لوجب القول باستواء كل المختلفات فإن كل ماهیتین مختلفتین لا بد و أن یشتركا فی سلب كل ما عداهما عنهما.

و الجواب عن الثانی أنه لما كان الإنسان فی العرف و الظاهر عبارة عن هذه الجثة أطلق علیه اسم الإنسان و أیضا فلقائل أن یقول هب أنا نجعل اسم الإنسان عبارة عن هذه الجثة إلا أنا قد دللنا علی أن محل العلم و القدرة لیس هو هذه الجثة.

ص: 21

و الجواب عن الثالث أن الرزق المذكور فی الآیة محمول علی ما یقوی حالهم و یكمل كمالهم و هو معرفة اللّٰه و محبته بل نقول هذا من أدل الدلائل علی صحة قولنا لأن أبدانهم قد بلیت تحت التراب و اللّٰه تعالی یقول إن أرواحهم تأوی إلی قنادیل معلقة تحت العرش فهذا یدل علی أن الروح غیر البدن (1)

و قال فی قوله سبحانه نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ عَلی قَلْبِكَ فیه قولان الأول أنه إنما قال عَلی قَلْبِكَ و إن كان إنما أنزله علیه لیؤكد به أن ذلك المنزل محفوظ و المرسول (2)

متمكن فی قلبه لا یجوز علیه التغیر فیوثق علیه بالإنذار الواقع مع (3)

الذی بین اللّٰه تعالی أنه المقصود و لذلك قال لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ الثانی أن القلب هو المخاطب فی الحقیقة لأنه موضع التمییز و الاختیار و أما سائر الأعضاء فمسخرة له و الدلیل علیه القرآن و الحدیث و المعقول أما القرآن فآیات إحداها فی سورة البقرة نَزَّلَهُ عَلی قَلْبِكَ (4) و قال هاهنا نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ عَلی قَلْبِكَ و قال إِنَّ فِی ذلِكَ لَذِكْری لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (5) و ثانیها أن استحقاق الجزاء لیس إلا علی ما فی القلب من المساعی فقال لا یُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِی أَیْمانِكُمْ وَ

لكِنْ یُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (6) و قال لَنْ یَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ یَنالُهُ التَّقْوی مِنْكُمْ (7) و التقوی فی القلب لأنه تعالی قال أُولئِكَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوی (8) و قال تعالی وَ حُصِّلَ ما فِی الصُّدُورِ(9) و ثالثها قوله حكایة عن

ص: 22


1- 1. مفاتیح الغیب: ج 21، ص 53.
2- 2. فی المصدر: للرسول.
3- 3. فیه: منه.
4- 4. البقرة: 97.
5- 5. ق: 37.
6- 6. البقرة: 225.
7- 7. الحجّ: 37.
8- 8. الحجرات: 3.
9- 9. العادیات: 10.

أهل النار لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِی أَصْحابِ السَّعِیرِ(1) و معلوم أن العقل فی القلب و السمع منفذ إلیه و قال إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا(2) و معلوم أن السمع و البصر لا یستفاد منهما إلا ما یؤدیانه إلی القلب فكان السؤال عنهما فی الحقیقة سؤالا عن القلب و قال یَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْیُنِ وَ ما تُخْفِی الصُّدُورُ(3) و لم تخن الأعین إلا بما تضمر القلوب عند التحدیق بها و رابعها قوله وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِیلًا ما تَشْكُرُونَ (4) فخص هذه الثلاثة بإلزام الحجة و استدعاء الشكر علیها و قد قلنا لا طائل فی السمع و الأبصار إلا بما یؤدیانه إلی القلوب لیكون القلب هو القاضی و المتحكم علیه و قال تعالی وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِیما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِیهِ وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً فَما أَغْنی عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَیْ ءٍ(5) فجعل هذه الثلاثة تمام ما ألزمهم من حجة و المقصود من ذلك هو الفؤاد القاضی فیما یؤدی إلیه السمع و البصر.

وَ أَمَّا الْحَدِیثُ فَمَا رَوَی النُّعْمَانُ بْنُ بَشِیرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ: أَلَا وَ إِنَّ فِی الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَ إِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَ هِیَ الْقَلْبُ.

و أما المعقول فوجوه أحدها أن القلب إذا غشی علیه فلو قطع سائر الأعضاء لم یحصل الشعور به و إذا أفاق القلب فإنه یشعر بجمیع ما ینزل بالأعضاء من الآفات فدل ذلك علی أن الأعضاء تبع للقلب و لذلك فإن القلب إذا فرح أو حزن فإنه یتغیر حال الأعضاء عند ذلك و كذا القول فی سائر الأعراض النفسانیة.

و ثانیها أن القلب منبع المشیئات الباعثة علی الأفعال الصادرة من سائر الأعضاء و إذا كانت المشیئات مبادئ الأفعال و منبعها هو القلب فالأمر المطلق هو القلب.

ص: 23


1- 1. الملك: 10.
2- 2. الإسراء: 36.
3- 3. غافر: 19.
4- 4. السجدة: 19.
5- 5. الأحقاف: 26.

و ثالثها أن معدن العقل هو القلب و إذا كان كذلك كان الآمر المطلق هو القلب أما المقدمة الأولی ففیها النزاع فإن طائفة من القدماء ذهبوا إلی أن معدن العقل هو الدماغ و الذی یدل علی قولنا وجوه الأول قوله تعالی أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ یَعْقِلُونَ بِها(1) و قوله لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِها(2) و قوله إِنَّ فِی ذلِكَ لَذِكْری لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (3) أی عقل أطلق علی العقل لما أنه معدن له.

الثانی أنه تعالی أضاف أضداد العقل إلی القلب فقال فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (4) خَتَمَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ (5) وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَیْها بِكُفْرِهِمْ (6) یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِی قُلُوبِهِمْ (7) یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ (8) كَلَّا بَلْ رانَ عَلی قُلُوبِهِمْ (9) أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها(10) فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ(11) فدلت هذه الآیات علی أن موضع الجهل و الغفلة هو القلب فوجب أن یكون موضع العقل و الفهم أیضا هو القلب.

الثالث أنا إذا جربنا أنفسنا وجدنا علومنا حاصلة فی ناحیة القلب و لذلك فإن الواحد منا إذا أمعن فی الفكر و الرویة أحس من قلبه ضیقا و ضجرا حتی كأنه یتألم بذلك و كل ذلك یدل علی أن موضع العقل هو القلب و إذا ثبت ذلك وجب أن یكون المكلف هو القلب لأن التكلیف مشروط بالعقل و الفهم.

ص: 24


1- 1. الحجّ: 46.
2- 2. الأعراف: 178.
3- 3. ق: 37.
4- 4. البقرة: 10.
5- 5. البقرة: 7.
6- 6. البقرة: 88.
7- 7. التوبة: 65.
8- 8. آل عمران: 167.
9- 9. المطففین: 14.
10- 10. محمّد: 24.
11- 11. الحجّ: 46.

الرابع أن القلب هو أول الأعضاء تكونا و آخرها موتا و قد ثبت ذلك بالتشریح و لأنه متمكن فی الصدر الذی هو الأوسط فی الجسد و من شأن الملوك المحتاجین إلی الخدم أن یكونوا فی وسط المملكة لتكتنفهم الحواشی من الجوانب لیكونوا أبعد من الآفات.

و احتج من قال العقل فی الدماغ بوجوه أحدها أن الحواس التی هی الآلات للإدراك نافذة إلی الدماغ دون القلب و ثانیها أن الأعضاء(1) التی هی آلات الحركات الاختیاریة نافذة من الدماغ دون القلب و ثالثها أن الآفة إذا دخلت فی الدماغ اختل العقل و

رابعها أن فی العرف كل من أرید وصفه بقلة العقل یقال إنه خفیف الدماغ خفیف العقل (2) و خامسها أن العقل أشرف فیكون مكانها أشرف و الأعلی هو الأشرف و ذلك هو الدماغ لا القلب فوجب أن یكون محل العقل الدماغ لا القلب.

و الجواب عن الأول لم لا یجوز أن یقال الحواس تؤدی آثارها إلی الدماغ ثم إن الدماغ یؤدی تلك الآثار إلی القلب و الدماغ آلة قریبة للقلب (3) و الحواس آلة بعیدة و الحس یخدم الدماغ و الدماغ یخدم القلب و تحقیقه أنا ندرك من أنفسنا أنا إذا عقلنا أن الأمر الفلانی یجب فعله أو یجب تركه فإن الأعضاء تتحرك عند ذلك و نحن (4)

عند التعقلات نحس من جانب الدماغ.

و عن الثانی أنه لا یبعد أن یتأدی الأثر من القلب إلی الدماغ ثم الدماغ یحرك الأعضاء بواسطة الأعصاب النابتة منه.

و عن الثالث لا یبعد أن تكون سلامة الدماغ شرطا لوصول تأثیر القلب إلی سائر الأعضاء.

ص: 25


1- 1. كذا، و فی المصدر« الأعصاب» و هو الصواب.
2- 2. فی المصدر: خفیف الرأس.
3- 3. للعقل( خ).
4- 4. كذا، و فی المصدر« و نحن نجد التعقلات من جانب القلب لا من جانب الدماغ.

و عن الرابع أن ذلك العرف إنما كان لأن القلب إنما یعتدل مزاجه بما یستمده من الدماغ من برودته فإذا لحق الدماغ خروج عن الاعتدال خرج القلب عن الاعتدال أیضا إما لزیادة حرارته عن القدر الواجب أو لنقصان حرارته عن ذلك القدر فحینئذ یختل العقل.

و عن الخامس أنه لو صح ما قالوه لوجب أن یكون موضع القلب هو القحف (1) و لما بطل ذلك ثبت فساد قولهم (2)

انتهی.

و أقول بعد تسلیم مقدمات دلائله و عدم التعرض لتزییفها و منعها إنما تدل علی أن الروح غیر البدن و أجزائه و الحواس الظاهرة و الباطنة و لا تدل علی تجردها لم لا یجوز أن تكون جسما لطیفا من عالم الملكوت تتعلق بالبدن أو تدخله و تخرج عند الموت و تبقی محفوظة إلی النشور كما سنحققه إن شاء اللّٰه تعالی. قوله تعالی اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها قال الطبرسی قدس اللّٰه سره أی یقبضها إلیه وقت موتها و انقضاء آجالها و المعنی حین موت أبدانها و أجسادها علی حذف المضاف وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها أی یتوفی الأنفس التی لم تمت فی منامها و التی تتوفی عند النوم هی النفس التی یكون بها العقل و التمییز فهی التی تفارق النائم فلا یعقل و التی تتوفی عند الموت هی نفس الحیاة التی إذا زالت زال معها النفس و النائم یتنفس فالفرق بین قبض النوم و قبض الموت أن قبض النوم یضاد الیقظ و قبض الموت یضاد الحیاة و قبض النوم یكون الروح معه و قبض الموت یخرج الروح من البدن فَیُمْسِكُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ إلی یوم القیامة وَ یُرْسِلُ الْأُخْری یعنی الأنفس التی لم یقض علی موتها یرید نفس النائم

إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی قد سمی لموته إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ أی دلالات واضحات علی توحید اللّٰه و كمال قدرته لِقَوْمٍ یَتَفَكَّرُونَ فی الأدلة إذ لا یقدر علی قبض النفوس تارة بالنوم و تارة بالموت غیر اللّٰه تعالی قال ابن عباس فی بنی آدم نفس و

ص: 26


1- 1. القحف- بكسر القاف-: عظیم فوق الدماغ.
2- 2. مفاتیح الغیب: ج 23، ص 166- 168.

روح و بینهما مثل شعاع الشمس فالنفس التی بها العقل و التمییز و الروح التی بها النفس و التحریك فإذا نام قبض اللّٰه نفسه و لم یقبض روحه و إذا مات قبض اللّٰه نفسه و روحه و یؤیده

مَا رَوَاهُ الْعَیَّاشِیُّ بِالْإِسْنَادِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ أَبِی الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ یَنَامُ إِلَّا عَرَجَتْ نَفْسُهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ بَقِیَتْ رُوحُهُ فِی بَدَنِهِ وَ صَارَ بَیْنَهُمَا سَبَبٌ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِی قَبْضِ الْأَرْوَاحِ أَجَابَتِ الرُّوحُ وَ النَّفْسُ (1) وَ إِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِی رَدِّ الرُّوحِ أَجَابَتِ النَّفْسُ وَ الرُّوحُ وَ هُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَمَهْمَا رَأَتْ فِی مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ فَهُوَ مِمَّا لَهُ تَأْوِیلٌ وَ مَا رَأَتْ فِیمَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ فَهُوَ مِمَّا یُخَیِّلُهُ الشَّیْطَانُ وَ لَا تَأْوِیلَ لَهُ (2).

و قال الرازی النفس الإنسانیة عبارة عن جوهر مشرق روحانی إذا تعلّق بالبدن حصل ضوؤه فی جمیع الأعضاء و هو الحیاة فنقول إن وقت الموت ینقطع تعلّقه عن ظاهر البدن و عن باطنه و ذلك هو الموت و أما فی وقت النوم فإنه ینقطع تعلّقه عن ظاهر البدن فثبت أن النوم و الموت من جنس واحد إلا أن الموت انقطاع تامّ كامل و النوم انقطاع ناقص من بعض الوجوه إذا ثبت هذا ظهر أن القادر العالم القدیم الحكیم دبر تعلّق جوهر النفس بالبدن علی ثلاثة أوجه أحدها أن یقع ضوء النفس علی جمیع أجزاء البدن ظاهره و باطنه و ذلك هو الیقظة و ثانیها أن ینقطع ضوء النفس عن البدن بالكلیة و هو الموت و ثالثها أن ینقطع ضوء النفس عن ظاهر البدن دون باطنه و هو النوم (3).

فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قال الطبرسی رحمه اللّٰه أی فهلا إذا بلغت النفس الحلقوم عند الموت وَ أَنْتُمْ یا أهل المیّت حِینَئِذٍ تَنْظُرُونَ أی ترون تلك الحال و

ص: 27


1- 1. كذا، و الظاهر زیادة الواو فی الموضعین: فالصواب« أجابت الروح النفس ... أجابت النفس الروح».
2- 2. مجمع البیان: ج 8، ص 500- 501.
3- 3. مفاتیح الغیب: ج 26، ص 284.

قد صار إلی أن تخرج نفسه و قیل معناه تنظرون لا یمكنكم الدفع و لا تملكون شیئا(1).

الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَیاةَ قال الرازی قالوا الحیاة هی الصفة التی یكون الموصوف بها بحیث یصح أن یعلم و یقدر و اختلفوا فی الموت فقال قوم إنه عبارة عن عدم هذه الصفة و قال أصحابنا إنه صفة وجودیة مضادة للحیاة و احتجوا بهذه الآیة لأن العدم لا یكون مخلوقا(2).

«1»- مَعَانِی الْأَخْبَارِ، قَالَ حَدَّثَنِی غَیْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِیدِ الطَّائِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی كَیْفَ هَذَا النَّفْخُ فَقَالَ إِنَّ الرُّوحَ مُتَحَرِّكٌ كَالرِّیحِ وَ إِنَّمَا سُمِّیَ رُوحاً لِأَنَّهُ اشْتُقَّ اسْمُهُ مِنَ الرِّیحِ وَ إِنَّمَا أَخْرَجَهُ عَلَی لَفْظَةِ الرِّیحِ لِأَنَّ الرُّوحَ مُجَانِسٌ لِلرِّیحِ (3) وَ إِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَی نَفْسِهِ لِأَنَّهُ اصْطَفَاهُ عَلَی سَائِرِ الْأَرْوَاحِ كَمَا اصْطَفَی بَیْتاً مِنَ الْبُیُوتِ فَقَالَ بَیْتِی وَ قَالَ لِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ خَلِیلِی وَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ وَ كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مُحْدَثٌ مَرْبُوبٌ مُدَبَّرٌ(4).

الكافی، عن محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن القاسم بن العروة: مثله (5)

الاحتجاج، عن محمد بن مسلم: مثله (6) بیان لعل إخراجه علی لفظة الریح كما فی الكافی عبارة عن التعبیر عن إیجاده

ص: 28


1- 1. مجمع البیان: ج 9، ص 227.
2- 2. مفاتیح الغیب: ج 30، ص 54.
3- 3. فی الكافی: الأرواح مجانسة الریح.
4- 4. معانی الأخبار: 17.
5- 5. الكافی: ج 1، ص 131.
6- 6. الاحتجاج: 176.

فی البدن بالنفخ فیه لمناسبة الروح للریح و مجانسته إیاه و اعلم أن الروح قد تطلق علی النفس الناطقة التی تزعم الحكماء أنها مجردة و هی محل العلوم و الكمالات و مدبرة للبدن و قد تطلق علی الروح الحیوانی و هو البخار اللطیف المنبعث من القلب الساری فی جمیع الجسد و هذا الخبر و أمثاله یحتملهما و إن كانت بالأخیرة بعضها أنسب و قیل الروح و إن لم تكن فی أصل جوهرها من هذا العالم إلا أن لها مظاهر و مجالی فی الجسد و أول مظهر لها فیه بخار لطیف دخانی شبیه فی لطافته و اعتداله بالجرم السماوی و یقال له الروح الحیوانی و هو مستوی الروح الربانی الذی هو من عالم الأمر و مركبه و مطیة قواه فعبر ع عن الروح بمظهره تقریبا إلی الأفهام لأنها قاصرة عن فهم حقیقته كما أشیر إلیه بقوله تعالی قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا و لأن مظهره هذا هو المنفوخ دون أصله.

و قال البیضاوی فَإِذا سَوَّیْتُهُ عدلت خلقه و هیأته لنفخ الروح وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی حتی جری آثاره فی تجاویف أعصابه (1) فحیی و أصل النفخ إجراء الریح فی تجویف جسم آخر و لما كان الروح یتعلق أولا بالبخار اللطیف المنبعث من القلب و تفیض علیه القوة الحیوانیة فیسری حاملا لها فی تجاویف الشرایین إلی أعماق البدن جعل تعلقه نفخا(2).

و قال النیسابوری النفخ إجراء الریح فی تجاویف جسم آخر فمن زعم أن الروح جسم لطیف كالهواء سار فی البدن فمعناه ظاهر و من قال إنه جوهر مجرد غیر متحیز و لا حال فی متحیز فمعنی النفخ عنده تهیئة البدن لأجل تعلق النفس الناطقة به قال جار اللّٰه لیس ثم نفخ و لا منفوخ و إنما هو تمثیل لتحصیل ما یحیا به فیه و لا خلاف فی أن الإضافة فی قوله رُوحِی للتشریف و التكریم مثل ناقَةَ اللَّهِ و بیت اللّٰه

ص: 29


1- 1. فی المصدر: أعضائه.
2- 2. أنوار التنزیل: ج 1، ص 648.

و قال الرازی قوله تعالی فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی یدل علی أن تخلیق البشر لا یتم إلا بأمرین التسویة أولا ثم نفخ الروح ثانیا و هذا حق لأن الإنسان مركب من جسد و نفس أما الجسد فإنه یتولد من المنی و المنی إنما یتولد من دم الطمث و هو إنما یتولد من الأخلاط و هی إنما تتولد من الأركان الأربعة فلا بد فی حصول هذه التسویة من رعایة المدة التی فی مثلها یحصل ذلك المزاج الذی لأجله یحصل الاستعداد لقبول النفس الناطقة فأما النفس فإلیها الإشارة بقوله وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی و لما أضاف الروح إلی نفسه دل علی أنه جوهر شریف علوی قدسی و ذهبت الحلولیة إلی أن كلمة من تدل علی التبعیض و هذا یوهم أن الروح جزء من أجزاء اللّٰه و هذا فی غایة الفساد لأن كل ما له جزء فهو مركب و ممكن الوجود لذاته و محدث و أما كیفیة نفخ الروح فاعلم أن الأقوی أن جوهر النفس عبارة عن أجرام شفافة نورانیة علویة العنصر قدسیة الجواهر و هی تسری فی هذا البدن سریان الضوء فی الهواء و النار فی الفحم فهذا القدر معلوم أما كیفیة ذلك النفخ فمما لا یعلمه إلا اللّٰه تعالی (1).

«2»- قُرْبُ الْإِسْنَادِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِیَادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام: أَنَّ رُوحَ آدَمَ علیه السلام لَمَّا أُمِرَتْ أَنْ تَدْخُلَ فِیهِ كَرِهَتْهُ فَأَمَرَهَا أَنْ تَدْخُلَ كَرْهاً وَ تَخْرُجَ كَرْهاً(2).

بیان: لا یبعد أن یكون المعنی أن الروح لما كانت من عالم الملكوت و هی لا تناسب البدن فلما خلقها اللّٰه خلقا تحتاج فی تصرفها و أعمالها و ترقیاتها إلی البدن فكأنها تعلقت به كرها فلما أنست به و نسیت ما كانت علیه صعبت علیها مفارقتها للبدن أو أنه لما كانت محتاجة إلی البدن و رأته ضائعة مختلة لا یمكنها إعمالها فیما ترید فارقته كرها.

ص: 30


1- 1. بماء علی تكامل النفس بالحركة الجوهریة إلی مرتبة التجرد یمكن أن یكون التعبیر بالنفخ إشارة إلی تكونها التدریجی.
2- 2. قرب الإسناد: 53.

«3»- الْعِلَلُ، وَ الْخِصَالُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی الْیَقْطِینِیِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ یَحْیَی عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: لَا یَنَامُ الرَّجُلُ (1) وَ هُوَ جُنُبٌ وَ لَا یَنَامُ إِلَّا عَلَی

طَهُورٍ فَإِنْ لَمْ یَجِدِ الْمَاءَ فَلْیَتَیَمَّمْ بِالصَّعِیدِ فَإِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ تُرْفَعُ إِلَی اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی فَیَقْبَلُهَا وَ یُبَارِكُ عَلَیْهَا فَإِنْ كَانَ أَجَلُهَا قَدْ حَضَرَ جَعَلَهَا فِی كُنُوزِ(2)

رَحْمَتِهِ وَ إِنْ لَمْ یَكُنْ أَجَلُهَا قَدْ حَضَرَ بَعَثَ بِهَا مَعَ أُمَنَائِهِ مِنْ مَلَائِكَتِهِ فَیَرُدُّونَهَا فِی جَسَدِهَا(3).

«4»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ یَزِیدَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ زَكَرِیَّا بْنِ یَحْیَی عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْعِبَادَ إِذَا نَامُوا خَرَجَتْ أَرْوَاحُهُمْ إِلَی السَّمَاءِ فَمَا رَأَتِ الرُّوحُ فِی السَّمَاءِ فَهُوَ الْحَقُّ وَ مَا رَأَتْ فِی الْهَوَاءِ فَهُوَ الْأَضْغَاثُ أَلَا وَ إِنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ (4) فَإِذَا كَانَتِ الرُّوحُ فِی السَّمَاءِ تَعَارَفَتْ

ص: 31


1- 1. فی العلل: المسلم.
2- 2. فی العلل: مكنون.
3- 3. الخصال: 175، العلل: ج 1، ص 279.
4- 4. توجد هذه الجملة« الأرواح جنود- الخ-» فی عدة من روایاتنا، و رویت بطرق عامیّة عن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سیأتی نقلها عن الشهاب تحت الرقم( 50) و قد ذكر فی بیانها وجوه مختلفة غیر مستندة إلی ظاهر اللفظ. و الذی یظهر بالتأمل فی نفس الروایة امور: ( الف) ان الأرواح جنود لا جند واحد، فهی فی صفوف مختلفة كل صف یشتمل علی عدة ارواح( ب) ان التعارف و التناكر فی الأرواح یرتبطان بتجندها فی جنود مختلفة، و لا سیما بالنظر الی لفظة الفاء فی الروایة.( ج) ان الائتلاف و الاختلاف واقعان فی هذا العالم الجسمانی و باعتبار تعلقها بالابدان كما ان التعارف و التناكر المتفرعین علی التجند فی الجنود یتصف بهما الأرواح مع قطع النظر عن تعلقها بالابدان، و یؤیده بل یدلّ علیه ذیل هذه الروایة كما انه یؤیده أیضا ما ورد فی شأن صدور الروایة النبویّة كما سیجی ء نقلها عن« الضوء». و یتحصل من هذه الأمور ان للأرواح وعاء تكون هی فی ذلك الوعاء مصطفة فی صفوف. مختلفة، و اصطفاف عدة من الأرواح فی صف واحد یوجب معرفة بعضها لبعض كما ان الاختلاف فی الصفوف یلازم التناكر و عدم التعارف و من هذا التعارف و التناكر ینشأ الائتلاف و الاختلاف فی هذا العالم فمنشأ التعارف هو الاصطفاف فی صف واحد و بعبارة اخری هو اتّحاد مرتبة الوجود او تقارب المراتب، كما ان منشأ التناكر هو الاختلاف فی الصف و بعبارة اخری هو اختلاف مرتبة الوجود او تباعد المراتب. ثمّ ان الظاهر من قوله« الأرواح جنود.» انها بالفعل تكون فی الصفوف المختلفة لا انها كانت فی الماضی كذلك، فالظاهر منها- الذی یوجبه حمل اللفظ مادة و هیئة علی المعنی الحقیقی- انها مع كونها متعلقة بالابدان لها وعاء آخر تكون هی فی ذلك الوعاء مصطفة فی صفوف مختلفة، و هذا لا یستقیم الا علی القول بتجردها فان الاجسام اللطیفة المفروضة بعد حلولها فی الأبدان لا یتصور لها اصطفاف و تعارف حقیقیان.

وَ تَبَاغَضَتْ فَإِذَا تَعَارَفَتْ فِی السَّمَاءِ تَعَارَفَتْ فِی الْأَرْضِ وَ إِذَا تَبَاغَضَتْ فِی السَّمَاءِ تَبَاغَضَتْ فِی الْأَرْضِ (1).

«5»- التَّوْحِیدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السِّنَانِیِّ وَ غَیْرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الْبَرْمَكِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ عُبَیْسِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِیمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فِی قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ خَلْقاً وَ خَلَقَ رُوحاً ثُمَّ أَمَرَ مَلَكاً فَنَفَخَ فِیهِ فَلَیْسَتْ بِالَّتِی نَقَصَتْ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ شَیْئاً هِیَ مِنْ قُدْرَتِهِ (2).

«6»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ وَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَیْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ النَّوْفَلِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ علیه السلام الْمُؤْمِنُ یَرَی الرُّؤْیَا فَتَكُونُ كَمَا رَآهَا وَ رُبَّمَا رَأَی الرُّؤْیَا فَلَا تَكُونُ شَیْئاً فَقَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا نَامَ خَرَجَتْ مِنْ رُوحِهِ حَرَكَةٌ مَمْدُودَةٌ صَاعِدَةٌ إِلَی السَّمَاءِ فَكُلُّ مَا رَآهُ رُوحُ الْمُؤْمِنِ فِی مَلَكُوتِ السَّمَاءِ فِی مَوْضِعِ التَّقْدِیرِ وَ التَّدْبِیرِ فَهُوَ الْحَقُّ وَ كُلُّ مَا رَآهُ فِی الْأَرْضِ فَهُوَ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ فَقُلْتُ لَهُ وَ تَصْعَدُ رُوحُ

ص: 32


1- 1. الأمالی: 88.
2- 2. التوحید: 113.

الْمُؤْمِنِ إِلَی السَّمَاءِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ حَتَّی لَا یَبْقَی (1)

شَیْ ءٌ فِی بَدَنِهِ فَقَالَ لَا لَوْ خَرَجَتْ كُلُّهَا حَتَّی لَا یَبْقَی مِنْهَا(2) شَیْ ءٌ إِذاً لَمَاتَ قُلْتُ فَكَیْفَ تَخْرُجُ (3) فَقَالَ أَ مَا تَرَی الشَّمْسَ فِی السَّمَاءِ فِی مَوْضِعِهَا وَ ضَوْؤُهَا وَ شُعَاعُهَا فِی الْأَرْضِ فَكَذَلِكَ الرُّوحُ أَصْلُهَا فِی الْبَدَنِ وَ حَرَكَتُهَا مَمْدُودَةٌ(4).

بیان: فقه هذه الأخبار موقوف علی تحقیق حقیقة الروح و قد مضی بعض القول فیها و سیأتی تمامه إن شاء اللّٰه.

«7»- الْإِحْتِجَاجُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ: أَنَّهُ سَأَلَ الصَّادِقَ علیه السلام قَالَ فَأَخْبِرْنِی عَمَّنْ قَالَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ قَالُوا ذَلِكَ وَ بِأَیِّ حُجَّةٍ قَامُوا عَلَی مَذَاهِبِهِمْ قَالَ إِنَّ أَصْحَابَ التَّنَاسُخِ قَدْ خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْهَاجَ الدِّینِ وَ زَیَّنُوا لِأَنْفُسِهِمُ الضَّلَالاتِ وَ أَمْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ فِی الشَّهَوَاتِ وَ زَعَمُوا أَنَّ السَّمَاءَ خَاوِیَةٌ مَا فِیهَا شَیْ ءٌ مِمَّا یُوصَفُ وَ أَنَّ مُدَبِّرَ هَذَا الْعَالَمِ فِی صُورَةِ الْمَخْلُوقِینَ بِحُجَّةِ مَنْ رَوَی أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَی صُورَتِهِ وَ أَنَّهُ لَا جَنَّةَ وَ لَا نَارَ وَ لَا بَعْثَ وَ لَا نُشُورَ وَ الْقِیَامَةُ عِنْدَهُمْ خُرُوجُ الرُّوحِ مِنْ قَالَبِهِ وَ وُلُوجُهُ فِی قَالَبٍ آخَرَ إِنْ كَانَ مُحْسِناً فِی الْقَالَبِ الْأَوَّلِ أُعِیدَ فِی قَالَبٍ أَفْضَلَ مِنْهُ حُسْناً فِی أَعْلَی دَرَجَةِ الدُّنْیَا وَ إِنْ كَانَ مُسِیئاً أَوْ غَیْرَ عَارِفٍ صَارَ فِی بَعْضِ الدَّوَابِّ الْمُتْعَبَةِ فِی الدُّنْیَا أَوْ هَوَامَّ مُشَوَّهَةِ الْخِلْقَةِ وَ لَیْسَ عَلَیْهِمْ صَوْمٌ وَ لَا صَلَاةٌ وَ لَا شَیْ ءٌ مِنَ الْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَیْهِمْ مَعْرِفَتُهُ وَ كُلُّ شَیْ ءٍ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْیَا مُبَاحٌ لَهُمْ مِنْ فُرُوجِ النِّسَاءِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَ الْبَنَاتِ وَ الْخَالاتِ وَ ذَوَاتِ الْبُعُولَةِ وَ كَذَلِكَ الْمَیْتَةُ وَ الْخَمْرُ وَ الدَّمُ فَاسْتَقْبَحَ مَقَالَتَهُمْ كُلُّ الْفِرَقِ وَ لَعَنَهُمْ كُلُّ الْأُمَمِ فَلَمَّا سُئِلُوا الْحُجَّةَ زَاغُوا وَ حَادُوا فَكَذَّبَ مَقَالَتَهُمُ التَّوْرَاةُ وَ لَعَنَهُمُ الْفُرْقَانُ وَ زَعَمُوا مَعَ ذَلِكَ أَنَّ إِلَهَهُمْ یَنْتَقِلُ مِنْ قَالَبٍ إِلَی قَالَبٍ وَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْأَزَلِیَّةَ هِیَ الَّتِی

ص: 33


1- 1. فی المصدر: لا یبقی منه شی ء.
2- 2. فیه: منه.
3- 3. فیه: یخرج.
4- 4. الأمالی: 88.

كَانَتْ فِی آدَمَ ثُمَّ هَلُمَّ جَرّاً إِلَی یَوْمِنَا هَذَا فِی وَاحِدٍ بَعْدَ آخَرَ فَإِذَا كَانَ الْخَالِقُ فِی صُورَةِ الْمَخْلُوقِ فَبِمَا یُسْتَدَلُّ عَلَی أَنَّ أَحَدَهُمَا خَالِقُ صَاحِبِهِ وَ قَالُوا إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ وُلْدِ آدَمَ كُلُّ مَنْ صَارَ فِی أَعْلَی دَرَجَةِ دِینِهِمْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلَةِ الِامْتِحَانِ وَ التَّصْفِیَةِ فَهُوَ مَلَكٌ فَطَوْراً تَخَالُهُمْ نَصَارَی فِی أَشْیَاءَ وَ طَوْراً دَهْرِیَّةً یَقُولُونَ إِنَّ الْأَشْیَاءَ عَلَی غَیْرِ الْحَقِیقَةِ فَقَدْ كَانَ یَجِبُ عَلَیْهِمْ أَنْ لَا یَأْكُلُوا شَیْئاً مِنَ اللُّحْمَانِ لِأَنَّ الدَّوَابَّ عِنْدَهُمْ كُلَّهَا مِنْ وُلْدِ آدَمَ حُوِّلُوا فِی صُوَرِهِمْ فَلَا یَجُوزُ أَكْلُ لُحُومِ الْقُرُبَاتِ (1)

وَ سَاقَ الْحَدِیثَ الطَّوِیلَ إِلَی أَنْ قَالَ أَخْبِرْنِی عَنِ السِّرَاجِ إِذَا انْطَفَأَ أَیْنَ یَذْهَبُ نُورُهُ قَالَ یَذْهَبُ فَلَا یَعُودُ قَالَ فَمَا أَنْكَرْتَ أَنْ یَكُونَ الْإِنْسَانُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا مَاتَ وَ فَارَقَ الرُّوحُ الْبَدَنَ لَمْ یَرْجِعْ إِلَیْهِ أَبَداً كَمَا لَا یَرْجِعُ ضَوْءُ السِّرَاجِ إِلَیْهِ أَبَداً إِذَا انْطَفَأَ قَالَ لَمْ تُصِبِ الْقِیَاسَ إِنَّ النَّارَ فِی الْأَجْسَامِ كَامِنَةٌ وَ الْأَجْسَامَ قَائِمَةٌ بِأَعْیَانِهَا كَالْحَجَرِ وَ الْحَدِیدِ فَإِذَا ضُرِبَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ سَطَعَتْ (2)

مِنْ بَیْنِهِمَا نَارٌ یُقْتَبَسُ مِنْهَا سِرَاجٌ لَهُ الضَّوْءُ فَالنَّارُ ثَابِتَةٌ فِی أَجْسَامِهَا وَ الضَّوْءُ ذَاهِبٌ وَ الرُّوحُ جِسْمٌ رَقِیقٌ قَدْ أُلْبِسَ قَالَباً كَثِیفاً وَ لَیْسَ بِمَنْزِلَةِ السِّرَاجِ الَّذِی ذَكَرْتَ إِنَّ الَّذِی خَلَقَ فِی الرَّحِمِ جَنِیناً مِنْ مَاءٍ صَافٍ وَ رَكَّبَ فِیهِ ضُرُوباً مُخْتَلِفَةً مِنْ عُرُوقٍ وَ عَصَبٍ وَ أَسْنَانٍ وَ شَعْرٍ وَ عِظَامٍ وَ غَیْرِ ذَلِكَ هُوَ یُحْیِیهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَ یُعِیدُهُ بَعْدَ فَنَائِهِ قَالَ فَأَیْنَ الرُّوحُ قَالَ فِی بَطْنِ الْأَرْضِ حَیْثُ مَصْرَعِ الْبَدَنِ إِلَی وَقْتِ الْبَعْثِ قَالَ فَمَنْ صُلِبَ أَیْنَ رُوحُهُ قَالَ فِی كَفِّ الْمَلَكِ الَّذِی قَبَضَهَا حَتَّی یُودِعَهَا الْأَرْضَ قَالَ فَأَخْبِرْنِی عَنِ الرُّوحِ أَ غَیْرُ الدَّمِ قَالَ نَعَمْ الرُّوحُ عَلَی مَا وَصَفْتُ لَكَ مَادَّتُهُ مِنَ الدَّمِ وَ مِنَ الدَّمِ رُطُوبَةُ الْجِسْمِ وَ صَفَاءُ اللَّوْنِ وَ حُسْنُ الصَّوْتِ وَ كَثْرَةُ الضَّحِكِ فَإِذَا جَمَدَ الدَّمُ فَارَقَ الرُّوحُ الْبَدَنَ قَالَ فَهَلْ یُوصَفُ بِخِفَّةٍ وَ ثِقَلٍ وَ وَزْنٍ قَالَ الرُّوحُ بِمَنْزِلَةِ الرِّیحِ فِی الزِّقِّ إِذَا نُفِخَتْ فِیهِ امْتَلَأَ الزِّقُّ مِنْهَا فَلَا یَزِیدُ فِی وَزْنِ الزِّقِّ وُلُوجُهَا فِیهِ وَ لَا یَنْقُصُهَا خُرُوجُهَا مِنْهُ كَذَلِكَ الرُّوحُ لَیْسَ لَهَا ثِقَلٌ وَ لَا وَزْنٌ

ص: 34


1- 1. الاحتجاج: 188.
2- 2. فی المصدر: سقطت.

قَالَ فَأَخْبِرْنِی مَا جَوْهَرُ الرِّیحِ (1) قَالَ الرِّیحُ هَوَاءٌ إِذَا تَحَرَّكَ سُمِّیَ رِیحاً فَإِذَا سَكَنَ سُمِّیَ هَوَاءً وَ بِهِ قِوَامُ الدُّنْیَا وَ لَوْ كُفَّ الرِّیحُ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ لَفَسَدَ كُلُّ شَیْ ءٍ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ وَ نَتُنَ وَ ذَلِكَ أَنَّ الرِّیحَ بِمَنْزِلَةِ الْمِرْوَحَةِ تَذُبُّ وَ تَدْفَعُ الْفَسَادَ عَنْ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ تُطَیِّبُهُ فَهِیَ بِمَنْزِلَةِ الرُّوحِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْبَدَنِ نَتُنَ الْبَدَنُ وَ تَغَیَّرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ قَالَ أَ فَیَتَلَاشَی الرُّوحُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ قَالَبِهِ أَمْ هُوَ بَاقٍ قَالَ بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَی وَقْتِ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبْطُلُ الْأَشْیَاءُ وَ تَفْنَی فَلَا حِسَّ وَ لَا مَحْسُوسَ ثُمَّ أُعِیدَتِ الْأَشْیَاءُ كَمَا بَدَأَهَا مُدَبِّرُهَا وَ ذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ یَسْبُتُ فِیهَا الْخَلْقُ وَ ذَلِكَ بَیْنَ النَّفْخَتَیْنِ قَالَ وَ أَنَّی لَهُ بِالْبَعْثِ وَ الْبَدَنُ قَدْ بَلِیَ وَ الْأَعْضَاءُ قَدْ تَفَرَّقَتْ فَعُضْوٌ بِبَلْدَةٍ تَأْكُلُهَا سِبَاعُهَا وَ عُضْوٌ بِأُخْرَی تُمَزِّقُهُ هَوَامُّهَا وَ عُضْوٌ قَدْ صَارَ تُرَاباً بُنِیَ بِهِ مَعَ الطِّینِ حَائِطٌ قَالَ إِنَّ الَّذِی أَنْشَأَهُ مِنْ غَیْرِ شَیْ ءٍ وَ صَوَّرَهُ عَلَی غَیْرِ مِثَالٍ كَانَ سَبَقَ إِلَیْهِ قَادِرٌ أَنْ یُعِیدَهُ كَمَا بَدَأَهُ قَالَ أَوْضِحْ لِی ذَلِكَ قَالَ إِنَّ الرُّوحَ مُقِیمَةٌ فِی مَكَانِهَا

رُوحُ الْمُحْسِنِ فِی ضِیَاءٍ وَ فُسْحَةٍ وَ رُوحُ الْمُسِی ءِ فِی ضِیقٍ وَ ظُلْمَةٍ وَ الْبَدَنُ یَصِیرُ تُرَاباً كَمَا مِنْهُ خُلِقَ وَ مَا تَقْذِفُ بِهِ السِّبَاعُ وَ الْهَوَامُّ مِنْ أَجْوَافِهَا مِمَّا أَكَلَتْهُ وَ مَزَّقَتْهُ كُلُّ ذَلِكَ فِی التُّرَابِ مَحْفُوظٌ عِنْدَ مَنْ لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِی ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَ یَعْلَمُ عَدَدَ الْأَشْیَاءِ وَ وَزْنَهَا وَ إِنَّ تُرَابَ الرُّوحَانِیِّینَ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ فِی التُّرَابِ فَإِذَا كَانَ حِینَ الْبَعْثِ مُطِرَتِ الْأَرْضُ مَطَرَ النُّشُورِ فَتَرْبُو الْأَرْضُ ثُمَّ تُمْخَضُ مَخْضَ السِّقَاءِ فَیَصِیرُ تُرَابُ الْبَشَرِ كَمَصِیرِ الذَّهَبِ مِنَ التُّرَابِ إِذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ وَ الزَّبَدِ مِنَ اللَّبَنِ إِذَا مُخِضَ فَیَجْتَمِعُ تُرَابُ كُلِّ قَالَبٍ فَیُنْقَلُ بِإِذْنِ اللَّهِ الْقَادِرِ إِلَی حَیْثُ الرُّوحِ فَتَعُودُ الصُّوَرُ بِإِذْنِ الْمُصَوِّرِ كَهَیْئَتِهَا وَ تَلِجُ الرُّوحُ فِیهَا فَإِذَا قَدِ اسْتَوَی لَا یُنْكِرُ مِنْ نَفْسِهِ شَیْئاً(2).

بیان: من فروج النساء أی الأجانب غیر ذات البعولة و ظاهر الخبر أن الروح جسم لطیف و أوله بعض القائلین بالتجرد بتأویلات ستأتی الإشارة إلی بعضها

ص: 35


1- 1. عن جوهر الروح( خ).
2- 2. الاحتجاج: 191- 192.

و كذا أولوا

مَا رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: فِی وَصْفِ الرُّوحِ أَنَّهُ قَالَ وَ بِهَا یُؤْمَرُ الْبَدَنُ وَ یُنْهَی وَ یُثَابُ وَ یُعَاقَبُ وَ قَدْ تُفَارِقُهُ وَ یُلْبِسُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ غَیْرَهُ كَمَا تَقْتَضِیهِ حِكْمَتُهُ.

و قال بعضهم قوله علیه السلام و قد تفارقه و یلبسها اللّٰه غیره صریح فی أنها مجردة عن البدن مستقلة و أنه لیس المراد بها الروح البخاریة قال و أما إطلاق الجسم علیه فلأن نشأة الملكوت أیضا جسمانیة من حیث الصورة و إن لم تكن مادیة.

«8»- الْعِلَلُ، وَ الْعُیُونُ، عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیَرِیِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَطَّارِ وَ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ جَمِیعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِی هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ قَاسِمٍ الْجَعْفَرِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الثَّانِی علیه السلام قَالَ: أَقْبَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام ذَاتَ یَوْمٍ وَ مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ علیه السلام وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ مُتَّكِئٌ عَلَی یَدِ سَلْمَانَ وَ دَخَلَ مَسْجِدَ الْحَرَامِ (1)

إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَیْئَةِ وَ اللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَرَدَّ عَلَیْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِی بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا أَقْضِی عَلَیْهِمْ أَنَّهُمْ لَیْسُوا مَأْمُونِینَ فِی دُنْیَاهُمْ وَ لَا فِی آخِرَتِهِمْ وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَی عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام سَلْنِی عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ أَخْبِرْنِی عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَیْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ وَ عَنِ الرَّجُلِ كَیْفَ یَذْكُرُ وَ یَنْسَی وَ عَنِ الرَّجُلِ كَیْفَ یُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ فَالْتَفَتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِلَی أَبِی مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ علیه السلام فَقَالَ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ فَقَالَ علیه السلام أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْإِنْسَانِ إِذَا نَامَ أَیْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ فَإِنَّ رُوحَهُ مُتَعَلِّقَةٌ(2) بِالرِّیحِ وَ الرِّیحُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْهَوَاءِ إِلَی وَقْتِ مَا یَتَحَرَّكُ صَاحِبُهَا لِلْیَقَظَةِ فَإِنْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ

بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَی صَاحِبِهَا جَذَبَتْ تِلْكَ الرُّوحُ الرِّیحَ وَ جَذَبَتْ تِلْكَ الرِّیحُ الْهَوَاءَ فَرَجَعَتِ الرُّوحُ فَاسْتَكَنَتْ (3) فِی بَدَنِ صَاحِبِهَا فَإِنْ لَمْ یَأْذَنِ اللَّهُ عَزَّ

ص: 36


1- 1. فی العلل و الاحتجاج: فجلس.
2- 2. فی العلل« معلقة» فی الموضعین.
3- 3. فی العیون« فاسكنت» و فی الاحتجاج« فسكنت».

وَ جَلَّ بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَی صَاحِبِهَا جَذَبَ الْهَوَاءُ الرِّیحَ فَجَذَبَتِ الرِّیحُ الرُّوحَ فَلَمْ تُرَدَّ عَلَی صَاحِبِهَا إِلَی وَقْتِ مَا یُبْعَثُ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ الذُّكْرِ وَ النِّسْیَانِ فَإِنَّ قَلْبَ الرَّجُلِ فِی حُقٍّ وَ عَلَی الْحُقِّ طَبَقٌ فَإِنْ صَلَّی الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَاةً تَامَّةً انْكَشَفَ ذَلِكَ الطَّبَقُ عَنْ ذَلِكَ الْحُقِّ فَأَضَاءَ الْقَلْبُ وَ ذَكَرَ الرَّجُلُ مَا كَانَ نَسِیَ وَ إِنْ هُوَ لَمْ یُصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ- أَوْ نَقَصَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَیْهِمْ انْطَبَقَ ذَلِكَ الطَّبَقُ عَلَی ذَلِكَ الْحُقِّ فَأَظْلَمَ الْقَلْبُ وَ نَسِیَ الرَّجُلُ مَا كَانَ ذَكَرَهُ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ الْمَوْلُودِ(1) الَّذِی یُشْبِهُ أَعْمَامَهُ وَ أَخْوَالَهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَی أَهْلَهُ فَجَامَعَهَا بِقَلْبٍ سَاكِنٍ وَ عُرُوقٍ هَادِئَةٍ وَ بَدَنٍ غَیْرِ مُضْطَرِبٍ فَاسْتَكَنَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فِی جَوْفِ الرَّحِمِ خَرَجَ الْوَلَدُ یُشْبِهُ أَبَاهُ وَ أُمَّهُ وَ إِنْ هُوَ أَتَاهَا بِقَلْبٍ غَیْرِ سَاكِنٍ وَ عُرُوقٍ غَیْرِ هَادِئَةٍ وَ بَدَنٍ مُضْطَرِبٍ اضْطَرَبَتِ النُّطْفَةُ(2)

فَوَقَعَتْ فِی حَالِ اضْطِرَابِهَا عَلَی بَعْضِ الْعُرُوقِ فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَی عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الْأَعْمَامِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَعْمَامَهُ وَ إِنْ وَقَعَتْ عَلَی عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الْأَخْوَالِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ (3)

وَ رَسُولُهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِیُّ رَسُولِهِ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِیُّهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ أَشَارَ إِلَی الْحَسَنِ علیه السلام وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ وَصِیُّ أَبِیكَ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَكَ وَ أَشْهَدُ عَلَی عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَیْنِ بَعْدَهُ وَ أَشْهَدُ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ وَ أَشْهَدُ عَلَی جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ وَ أَشْهَدُ عَلَی مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ أَشْهَدُ عَلَی عَلِیِّ بْنِ

ص: 37


1- 1. فی العلل: الرجل الذی یشبه ولده اعمامه.
2- 2. فی العلل: اضطربت تلك النطفة فی جوف تلك الرحم فوقعت علی عرق من العروق فان.
3- 3. فی المصادر الثلاثة: رسول اللّٰه.

مُوسَی أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ وَ أَشْهَدُ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی وَ أَشْهَدُ عَلَی عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ وَ أَشْهَدُ عَلَی الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ أَشْهَدُ عَلَی رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ (1)

بْنِ عَلِیٍّ لَا یُسَمَّی وَ لَا یُكَنَّی حَتَّی یَظْهَرَ أَمْرُهُ فَیَمْلَؤُهَا(2) عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ وَ السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ قَامَ وَ مَضَی فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَا أَبَا مُحَمَّدٍ اتَّبِعْهُ فَانْظُرْ أَیْنَ یَقْصِدُ فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ علیه السلام فِی أَثَرِهِ قَالَ فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَمَا دَرَیْتُ أَیْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَرَجَعْتُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ تَعْرِفُهُ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ أَعْلَمُ فَقَالَ هُوَ الْخَضِرُ(3).

الإحتجاج، مرسلا: مثله (4)

المحاسن، عن أبیه عن داود بن القاسم: مثله (5)

بیان: فإن روحه متعلقة بالریح یحتمل أن یكون المراد بالروح الروح الحیوانیة و بالریح النفس و بالهواء الهواء الخارج المنجذب بالنفس و أن یكون المراد بالروح النفس مجردة كانت أم مادیة و بالریح الروح الحیوانیة لشباهتها بالریح فی لطافتها و تحركها و نفوذها فی مجاری البدن و بالهواء النفس و الحق جمع حقة بالضم فیهما و هی وعاء من خشب و لعل الجمعیة هنا لاشتمال القلب الصنوبری علی تجاویف و أغشیة أو لاشتمال محله علیها أو هی باعتبار الإفراط و الحق مخفف حقة و الطبق محركة غطاء كل شی ء و لا یبعد أن یكون الكلام مبنیا علی الاستعارة و التمثیل فإن الصلاة علی محمد و آل محمد لما كانت سببا للقرب من المبدإ و استعداد النفس لإفاضة العلوم علیها فكان الشواغل النفسانیة الموجبة للبعد عن الحق

ص: 38


1- 1. فی العلل: الحسین.
2- 2. فی الاحتجاج: فیملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
3- 3. علل الشرائع: ج 1، ص 90- 92، العیون: ج 1، 65- 68.
4- 4. الاحتجاج: 142- 143.
5- 5. المحاسن: 332.

تعالی طبق علیها فتصیر الصلاة سببا لكشفه و تنوّر القلب و استعداده لفیض الحق إما بإفاضة الصورة ثانیة أو باستردادها من الخزانة.

«9»- تَفْسِیرُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام قَالَ: أَقْبَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَوْماً وَ یَدُهُ عَلَی عَاتِقِ سَلْمَانَ مَعَهُ الْحَسَنُ علیه السلام حَتَّی دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا جَلَسَ جَاءَ رَجُلٌ عَلَیْهِ بُرْدٌ حَسَنٌ فَسَلَّمَ وَ جَلَسَ بَیْنَ یَدَیْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسَائِلَ فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَ (1) مِنْهَا عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ نَالُوا مِنْكَ وَ أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَیْرِكَ وَ إِنْ لَمْ تُجِبْنِی (2) عَنْهَا عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ الْقَوْمَ شَرَعٌ سَوَاءٌ فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام سَلِ ابْنِی هَذَا یَعْنِی الْحَسَنَ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ بِوَجْهِهِ عَلَی الْحَسَنِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ یَا بُنَیَّ أَخْبِرْنِی عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَیْنَ یَكُونُ رُوحُهُ وَ عَنِ الرَّجُلِ یَسْمَعُ الشَّیْ ءَ فَیَذْكُرُهُ دَهْراً ثُمَّ یَنْسَاهُ فِی وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَیْهِ كَیْفَ هَذَا وَ أَخْبِرْنِی عَنِ الرَّجُلِ یَلِدُ لَهُ الْأَوْلَادُ مِنْهُمْ مَنْ یُشْبِهُ أَبَاهُ وَ عُمُومَتَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یُشْبِهُ أُمَّهُ وَ أَخْوَالَهُ فَكَیْفَ هَذَا فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ علیه السلام نَعَمْ أَمَّا الرَّجُلُ إِذَا نَامَ فَإِنَّ رُوحَهُ یَخْرُجُ مِثْلَ شُعَاعِ الشَّمْسِ فَیَتَعَلَّقُ بِالرِّیحِ وَ الرِّیحُ بِالْهَوَاءِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ جَذَبَ الْهَوَاءُ الرِّیحَ وَ جَذَبَ الرِّیحُ الرُّوحَ فَرَجَعَتْ إِلَی الْبَدَنِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَقْبِضَهَا جَذَبَ الْهَوَاءُ الرِّیحَ وَ جَذَبَ الرِّیحُ الرُّوحَ فَقَبَضَهَا(3) وَ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِی یَنْسَی الشَّیْ ءَ ثُمَّ یَذْكُرُهُ فَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا عَلَی رَأْسِ فُؤَادِهِ حُقَّةٌ مَفْتُوحَةُ الرَّأْسِ فَإِذَا سَمِعَ الشَّیْ ءَ وَقَعَ فِیهَا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَنْسَاهَا طَبَّقَ عَلَیْهَا وَ إِذَا أَرَادَ أَنْ یَذْكُرَهُ فَتَحَهَا وَ هَذَا دَلِیلُ الْإِلَهِیَّةِ وَ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِی یَلِدُ لَهُ الْأَوْلَادُ

فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْوَلَدَ یُشْبِهُ أَبَاهُ وَ عُمُومَتَهُ وَ إِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ یُشْبِهُ أُمَّهُ وَ أَخْوَالَهُ (4)

فَالْتَفَتَ الرَّجُلُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا وَ أَشْهَدُ

ص: 39


1- 1. فی المصدر: خرجت.
2- 2. فیه: لم تخرج منها.
3- 3. فی المصدر: فیقبضها إلیه.
4- 4. فیه: خئولته.

أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (1) وَ لَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِیُّ مُحَمَّدٍ وَ خَلِیفَتُهُ فِی أُمَّتِهِ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ حَقّاً وَ أَنَّ الْحَسَنَ الْقَائِمُ بِأَمْرِكَ وَ أَنَّ الْحُسَیْنَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِهِ بِأَمْرِهِ وَ أَنَّ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ الْقَائِمُ بِأَمْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ وَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَ مُوسَی بْنَ جَعْفَرٍ وَ عَلِیَّ بْنَ مُوسَی وَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ وَ عَلِیَّ بْنَ مُحَمَّدٍ وَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِیٍّ وَ وَصِیَّ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ الْمُنْتَظَرُ الَّذِی یَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ثُمَّ قَامَ وَ خَرَجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لِلْحَسَنِ هَذَا أَخِی الْخَضِرُ(2).

بیان: و هذا دلیل الإلهیة أی كون الذكر و النسیان بید اللّٰه و من قبله دلیل علی وجود الصانع كما قال أمیر المؤمنین علیه السلام عرفت اللّٰه بفسخ العزائم و فی بعض النسخ الإلهامیة أی العلوم الإلهامیة فإنه إذا كان الذكر من قبله تعالی فالعلوم كلها منه و یجوز أن یلهم من یشاء من عباده ما یشاء و الأول أظهر.

«10»- التَّوْحِیدُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ السَّكْرَانِیِ (3)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِیَّا الْجَوْهَرِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: إِنَّ لِلْجِسْمِ سِتَّةَ أَحْوَالٍ الصِّحَّةَ وَ الْمَرَضَ وَ الْمَوْتَ وَ الْحَیَاةَ وَ النَّوْمَ وَ الْیَقَظَةَ وَ كَذَلِكَ الرُّوحُ فَحَیَاتُهَا عِلْمُهَا وَ مَوْتُهَا جَهْلُهَا وَ مَرَضُهَا شَكُّهَا وَ صِحَّتُهَا یَقِینُهَا وَ نَوْمُهَا غَفْلَتُهَا وَ یَقَظَتُهَا حِفْظُهَا(4).

«11»- مُنْتَخَبُ الْبَصَائِرِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ وَ مُوسَی بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَثَلُ رُوحِ الْمُؤْمِنِ وَ بَدَنِهِ كَجَوْهَرَةٍ فِی صُنْدُوقٍ إِذَا أُخْرِجَتِ (5) الْجَوْهَرَةُ مِنْهُ طُرِحَ الصُّنْدُوقُ وَ لَمْ یُعْبَأْ بِهِ وَ قَالَ إِنَّ الْأَرْوَاحَ

ص: 40


1- 1. فی المصدر و بعض نسخ الكتاب: عبده و رسوله.
2- 2. تفسیر القمّیّ: 405- 406.
3- 3. فی المصدر و بعض نسخ الكتاب« السكری» و فی بعضها« السكران» و لم نجد له ذكرا فی كتب الرجال.
4- 4. التوحید: 219.
5- 5. فی البصائر: خرجت.

لَا تُمَازِجُ الْبَدَنَ وَ لَا تُوَاكِلُهُ (1) وَ إِنَّمَا هِیَ كِلَلٌ (2)

لِلْبَدَنِ مُحِیطَةٌ بِهِ.

البصائر، عن بعض أصحابنا عن المفضل: مثله (3)

بیان: استدل بآخر هذه الروایة علی تجرد الروح إذ لم یقل أحد بكونها جسما خارجا من البدن و یمكن أن یكون هذا بیان حالها بعد الموت فإن أول الخبر ظاهره الدخول.

«12»- الْمَنَاقِبُ لِابْنِ شَهْرَآشُوبَ،: سَأَلَ أَبَا بَكْرٍ نَصْرَانِیَّانِ مَا الْفَرْقُ بَیْنَ الْحُبِّ وَ الْبُغْضِ وَ مَعْدِنُهُمَا وَاحِدٌ وَ مَا الْفَرْقُ بَیْنَ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةِ وَ الرُّؤْیَا الْكَاذِبَةِ وَ مَعْدِنُهُمَا وَاحِدٌ فَأَشَارَ إِلَی عُمَرَ فَلَمَّا سَأَلَاهُ أَشَارَ إِلَی عَلِیٍّ فَلَمَّا سَأَلَاهُ عَنِ الْحُبِّ وَ الْبُغْضِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَأَسْكَنَهَا الْهَوَاءَ فَمَهْمَا تَعَارَفَ هُنَاكَ ائْتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَهْمَا تَنَاكَرَ هُنَاكَ اخْتَلَفَ هَاهُنَا ثُمَّ سَأَلَاهُ عَنِ الْحِفْظِ وَ النِّسْیَانِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی خَلَقَ ابْنَ آدَمَ وَ جَعَلَ لِقَلْبِهِ غَاشِیَةً فَمَهْمَا مَرَّ بِالْقَلْبِ وَ الْغَاشِیَةُ مُنْفَتِحَةٌ حَفِظَ وَ أَحْصَی وَ مَهْمَا مَرَّ بِالْقَلْبِ وَ الْغَاشِیَةُ مُنْطَبِقَةٌ لَمْ یَحْفَظْ وَ لَمْ یُحْصِ ثُمَّ سَأَلَاهُ عَنِ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةِ وَ الرُّؤْیَا الْكَاذِبَةِ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی خَلَقَ الرُّوحَ وَ جَعَلَ لَهَا سُلْطَاناً فَسُلْطَانُهَا النَّفْسُ فَإِذَا نَامَ الْعَبْدُ خَرَجَ الرُّوحُ وَ بَقِیَ سُلْطَانُهُ فَیَمُرُّ بِهِ جِیلٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ جِیلٌ مِنَ الْجِنِّ فَمَهْمَا كَانَ مِنَ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةِ فَمِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ مَهْمَا كَانَ مِنَ الرُّؤْیَا الْكَاذِبَةِ فَمِنَ الْجِنِّ فَأَسْلَمَا عَلَی یَدَیْهِ وَ قُتِلَا مَعَهُ یَوْمَ صِفِّینَ (4).

بیان: یحتمل أن تكون الغاشیة كنایة عما یعرض القلب من الخیالات الفاسدة و التعلقات الباطلة لأنها شاغلة للنفس عن إدراك العلوم و المعارف كما ینبغی و عن حفظها كما مر و المراد بالنفس هنا إما الروح البخاریة الحیوانیة و بالروح النفس الناطقة فالمراد بقوله سلطانها السلطان المنسوب من قبلها علی البدن و أنها مسلطة علی

ص: 41


1- 1. فی البصائر: لا تداخله.
2- 2. فیه: كالكلل.
3- 3. بصائر الدرجات: 463.
4- 4. المناقب، ج 2، ص 357،.

الروح من جهة أن تعلقها بالبدن مشروطة(1) بها و تابعة لها فإذا زالت الحیوانیة انقطع تعلق الناطقة أو خرجت عن البدن و یحتمل العكس فالمراد بخروج الروح خروجها من الأعضاء الظاهرة و میلها إلی الباطن و تسلط الناطقة علی الحیوانیة ظاهر لكونها المدبرة للبدن و جمیع أجزائه و التفریع فی قوله علیه السلام فیمر به علی الوجهین ظاهر فإنه لبقاء السلطان فی البدن لم تذهب الحیاة بالكلیة و بقیت الحواس الباطنة مدركة فإلهام الملائكة و وساوس الشیاطین أیضا باقیة.

«13»- الْعَیَّاشِیُّ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی قَالَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَ اللَّهُ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ(2).

بیان: یمكن حمل الخبر علی الروح الإنسانی و إن كان ظاهره الملك أو خلق أعظم منه كما مر.

«14»- الْعَیَّاشِیُّ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا علیهما السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی قَالَ (3)

الَّتِی فِی الدَّوَابِّ وَ النَّاسِ قُلْتُ وَ مَا هِیَ قَالَ هِیَ مِنَ الْمَلَكُوتِ مِنَ الْقُدْرَةِ(4).

«15»- وَ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِیلَ وَ مِیكَائِیلَ وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ یُفَقِّهُهُمْ وَ هُوَ مِنَ الْمَلَكُوتِ.

«16»- الْمَنَاقِبُ، یُونُسُ فِی حَدِیثِهِ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لِمَ یَمِیلُ الْقَلْبُ إِلَی الْخُضْرَةِ أَكْثَرَ مِمَّا یَمِیلُ إِلَی غَیْرِهَا قَالَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی خَلَقَ الْقَلْبَ أَخْضَرَ وَ مِنْ شَأْنِ الشَّیْ ءِ أَنْ یَمِیلَ إِلَی شَكْلِهِ (5).

ص: 42


1- 1. كذا، و الصواب: مشروط بها و تابع لها.
2- 2. تفسیر العیّاشیّ: ج 2، ص 316.
3- 3. فی المصدر: ما الروح؟ قال.
4- 4. تفسیر العیّاشیّ: ج 2، ص 317.
5- 5. المناقب: ج 4، ص 256.

«17»- جَامِعُ الْأَخْبَارِ،: سَأَلَ أَبُو بَصِیرٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام الرَّجُلُ نَائِمٌ هُنَا وَ الْمَرْأَةُ النَّائِمَةُ یَرَیَانِ أَنَّهُمَا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ أَرْوَاحُهُمَا خَارِجٌ (1)

مِنْ أَبْدَانِهِمَا قَالَ لَا یَا أَبَا بَصِیرٍ فَإِنَّ الرُّوحَ إِذَا فَارَقَتِ الْبَدَنَ لَمْ تَعُدْ إِلَیْهِ غَیْرَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ عَیْنِ الشَّمْسِ هِیَ مُرَكَّبَةٌ(2) فِی السَّمَاءِ فِی كَبِدِهَا وَ شُعَاعُهَا فِی الدُّنْیَا.

«18»- عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْعِبَادَ إِذَا نَامُوا خَرَجَتْ أَرْوَاحُهُمْ إِلَی السَّمَاءِ الدُّنْیَا فَمَا رَأَتِ الرُّوحُ فِی السَّمَاءِ الدُّنْیَا فَهُوَ الْحَقُّ وَ مَا رَأَتْ فِی الْهَوَاءِ فَهُوَ الْأَضْغَاثُ.

«19»- رُوِیَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا نَامَ فَإِنَّ رُوحَ الْحَیَوَانِ بَاقِیَةٌ فِی الْبَدَنِ وَ الَّذِی یَخْرُجُ مِنْهُ رُوحُ الْعَقْلِ فَقَالَ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْأَسْلَمِیُّ یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها إِلَی قَوْلِهِ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی أَ فَلَیْسَ تُرَی الْأَرْوَاحُ كُلُّهَا تَصِیرُ إِلَیْهِ عِنْدَ مَنَامِهَا فَیُمْسِكُ مَا یَشَاءُ وَ یُرْسِلُ مَا یَشَاءُ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام إِنَّمَا یَصِیرُ إِلَیْهِ أَرْوَاحُ الْعُقُولِ فَأَمَّا أَرْوَاحُ الْحَیَاةِ فَإِنَّهَا فِی الْأَبْدَانِ لَا یَخْرُجُ إِلَّا بِالْمَوْتِ وَ لَكِنَّهُ إِذَا قَضَی عَلَی نَفْسٍ الْمَوْتَ قَبَضَ الرُّوحَ الَّذِی فِیهِ الْعَقْلُ وَ لَوْ كَانَتْ رُوحُ الْحَیَاةِ خَارِجَةً لَكَانَ

بَدَناً مُلْقًی لَا یَتَحَرَّكُ وَ لَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ لِهَذَا مَثَلًا فِی كِتَابِهِ فِی أَصْحَابِ الْكَهْفِ حَیْثُ قَالَ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ أَ فَلَا تَرَی أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِیهِمْ بِالْحَرَكَاتِ.

توضیح: الظاهر أن الروح التی فی خبر أبی بصیر المراد بها روح الحیاة أو المراد بالخروج فی الأخبار الأخر إعراضها عن البدن و توجهها إلی عالمها الأصلیة و هی عالم الملكوت كما یظهر من التمثیل بالشمس قوله علیه السلام و لكنه إذا قضی أی بالنوم و كأن فیه سقطا.

«20»- الْكَافِی، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی نَهْشَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلَی عِلِّیِّینَ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِیعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ وَ خَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ

ص: 43


1- 1. كذا.
2- 2. مركوزة( خ).

فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِی إِلَیْنَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا مِنْهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِی عِلِّیِّینَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّیُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ یَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (1) وَ خَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّینٍ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِیعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ وَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِی إِلَیْهِمْ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّینٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ (2).

بیان: اختلف المفسرون فی تفسیر علیین فقیل إنها مراتب عالیة محفوفة بالجلالة و قیل السماء السابعة و قیل سدرة المنتهی و قیل الجنة و قیل أعلی مراتبها و قیل لوح من زبرجد أخضر معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فیه و السجین الأرض السابعة أو أسفل منها أو جب فی جهنم و المراد أن كتابة أعمالهم أو ما یكتب منها فی علیین أی فی دفتر أعمالهم أو المراد أن دفتر أعمالهم فی تلك الأمكنة الشریفة و علی الأخیر فیه حذف مضاف أی و ما أدراك ما كتاب علیین و أما الاستشهاد بالآیتین فی الخبر فیحتمل وجهین أحدهما أن دفتر أعمالهم موضوع فی مكان أخذت منه طینتهم و ثانیهما أن یكون علی تفسیره علیه السلام المراد بالكتاب الروح لأن الروح هو الكتاب الذی فیه علوم المقربین و معارفهم و جهالات المضلین و خرافاتهم.

«21»- الْكَافِی، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِی یَحْیَی الْوَاسِطِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ عِلِّیِّینَ وَ خَلَقَ أَرْوَاحَنَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ وَ خَلَقَ أَرْوَاحَ شِیعَتِنَا مِنْ عِلِّیِّینَ وَ خَلَقَ أَجْسَادَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْقَرَابَةُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَیْنَا(3).

بیان: خلقنا أی أبداننا من فوق ذلك أی أعلی علیین من دون ذلك أی أدنی علیین فمن أجل ذلك أی من أجل كون أبداننا و أرواحنا مخلوقة

ص: 44


1- 1. المطففین: 18- 21.
2- 2. المطففین: 7- 9، الكافی: ج 1، ص 390.
3- 3. الكافی: ج 1، ص 389.

من علیین و كون أرواحهم و أجسادهم أیضا مخلوقة من علیین و یحتمل أن یكون المراد بقوله من فوق ذلك من مكان أرفع من علیین و بقوله من دون ذلك من مكان أسفل من علیین فالقرابة من حیث كون أرواحنا و أبدانهم من علیین قوله تحن أی تهوی كما قال تعالی فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ (1).

«22»- الْكَافِی، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی بْنِ عُبَیْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ إِسْحَاقَ الزَّعْفَرَانِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ ثُمَّ صَوَّرَ خَلْقَنَا مِنْ طِینَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ(2)

فَأَسْكَنَ ذَلِكَ النُّورَ فِیهِ فَكُنَّا نَحْنُ خَلْقاً وَ بَشَراً نُورَانِیِّینَ لَمْ یُجْعَلْ لِأَحَدٍ فِی مِثْلِ الَّذِی خُلِقْنَا(3)

نَصِیبٌ وَ خَلَقَ أَرْوَاحَ شِیعَتِنَا مِنْ طِینَتِنَا وَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ طِینَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ الطِّینَةِ وَ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لِأَحَدٍ فِی مِثْلِ الَّذِی خَلَقَهُمْ مِنْهُ نَصِیباً إِلَّا لِلْأَنْبِیَاءِ فَلِذَلِكَ صِرْنَا نَحْنُ وَ هُمُ النَّاسَ وَ سَائِرُ(4)

النَّاسِ هَمَجٌ لِلنَّارِ وَ إِلَی النَّارِ(5).

توضیح: إن اللّٰه خلقنا أی أرواحنا من نور عظمته أی من نور یدل علی كمال عظمته و قدرته ثم صور خلقنا أی خلق لنا أجسادا مثالیة شبیهة بالأجساد الأصیلة فهی صور خلقهم و أمثلته فیدل علی أن لهم أجسادا مثالیة قبل تعلق أرواحهم المقدسة بأبدانهم المطهرة و بعد مفارقتها إیاه بل معها أیضا كما أن لنا بعد موتنا أجسادا مثالیة تتعلق أرواحنا بها كما مر فی كتاب المعاد بل یمكن أن تكون أجسادنا المثالیة أیضا كذلك و یكون ما نری فی المنام فیها كما هو رأی جماعة و من فسر التصویر فی هذا الخبر بتصویر الأجساد الأصیلة فقد أبعد فكنا خلقا و بشرا

ص: 45


1- 1. إبراهیم: 37.
2- 2. فی المصدر: مكنونة من تحت العرش.
3- 3. فیه: خلقنا منه.
4- 4. فی المصدر: و صار سائر.
5- 5. الكافی: ج 1، ص 389.

نورانیین فالخلق للروح و البشر للجسد المثالی فإنه بصورة البشر و كونهما نورانیین بناء علی كونهما جسمین لطیفین منورین من عالم الملكوت بناء علی كون الروح جسما و علی القول بتجردها كنایة عن خلوه عن الظلمة الهیولائیة و قبوله للأنوار القدسیة و الإفاضات الربانیة فی مثل الذی خلقنا أی خلق أرواحنا منه من طینتنا أی طینة أجسادنا و الخبر یدل علی فضلهم علی الأنبیاء علیهم السلام بل یومئ إلی مساواة شیعتهم لهم و المراد بالناس أولا الناس بحقیقة الإنسانیة و ثانیا ما یطلق علیه الإنسان فی العرف العام و

الهمج محركة ذباب صغیر كالبعوض یسقط علی وجوه الأغنام و الحمیر و لعله علیه السلام شبههم بهم لازدحامهم دفعة علی كل ناعق و براحهم (1) عنه بأدنی سبب للنار أی خلقوا لها و اللام للعاقبة و إلی النار أی مصیرهم إلیها.

«23»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ سَلَمَةَ بْنِ خَطَّابٍ وَ غَیْرِهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَطِیَّةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ رِئَابٍ رَفَعَهُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ نَهَراً دُونَ عَرْشِهِ وَ دُونَ النَّهَرِ الَّذِی دُونَ عَرْشِهِ نُورٌ نَوَّرَهُ وَ إِنَّ فِی حَافَتَیِ النَّهَرِ رُوحَیْنِ مَخْلُوقَیْنِ رُوحُ الْقُدُسِ وَ رُوحٌ مِنْ أَمْرِهِ وَ إِنَّ لِلَّهِ عَشْرَ طِینَاتٍ خَمْسَةً مِنَ الْجَنَّةِ وَ خَمْسَةً مِنَ الْأَرْضِ فَفَسَّرَ الْجِنَانَ وَ فَسَّرَ الْأَرْضَ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ نَبِیٍّ وَ لَا مَلَكٍ مِنْ بَعْدِهِ جَبَلَهُ إِلَّا نَفَخَ فِیهِ مِنْ إِحْدَی الرُّوحَیْنِ وَ جَعَلَ النَّبِیَّ مِنْ إِحْدَی الطِّینَتَیْنِ قُلْتُ لِأَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ علیه السلام مَا الْجَبْلُ فَقَالَ الْخَلْقُ غَیْرُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَنَا مِنَ الْعَشْرِ طِینَاتٍ وَ نَفَخَ فِینَا مِنَ الرُّوحَیْنِ جَمِیعاً فَأَطْیَبَ بِهَا طِیباً.

وَ رَوَی غَیْرُهُ عَنْ أَبِی الصَّامِتِ قَالَ: طِینُ الْجِنَانِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَ جَنَّةُ الْمَأْوَی وَ النَّعِیمُ (2) وَ الْفِرْدَوْسُ وَ الْخُلْدُ وَ طِینُ الْأَرْضِ مَكَّةُ وَ الْمَدِینَةُ وَ الْكُوفَةُ وَ بَیْتُ الْمَقْدِسِ وَ الْحَیْرُ(3).

ص: 46


1- 1. فی بعض النسخ« برائهم».
2- 2. فی المصدر: و جنة النعیم.
3- 3. فیه« و الحائر». الكافی: ج 1، ص 389.

بیان: دون عرشه أی عنده نوره ماض من التفعیل و المستتر فیه راجع إلی النور و البارز إلی النهر أو العرش أو المستتر إلی اللّٰه و البارز إلی النور مبالغة فی إضاءته و لمعانه و فی البصائر نور من نوره و كأنه أصوب أی من الأنوار التی خلقها اللّٰه سبحانه و حافتا النهر بالتخفیف جانباه مخلوقین إبطال لقول النصاری إن عیسی روح اللّٰه غیر مخلوق روح القدس أی هما روح القدس و روح من أمره أی الروح الذی قال اللّٰه فیه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی و ستأتی الأقوال فیه و ظاهر الخبر إما الروح الإنسانی أو الروح الذی یؤید اللّٰه به الأئمة علیهم السلام ففسر الجنان الظاهر أنه كلام ابن رئاب و الضمیر المستتر لأمیر المؤمنین علیه السلام و قیل لأبی الحسن علیه السلام و التفسیر إشارة إلی ما ذكر بعده فی خبر أبی الصامت ثم قال أی أمیر المؤمنین علیه السلام و لا ملك بالتحریك و قد یقرؤها(1)

بكسر اللام أی إمام كما قال تعالی وَ آتَیْناهُمْ مُلْكاً عَظِیماً و هو بعید و جملة من بعده جبله نعت ملك و ضمیر بعده لنبی و ضمیر جبله للملك إشارة إلی أن النبی أفضل من الملك فالمراد بالبعدیة ما هی بحسب الرتبة و جعل النبی إنما لم یذكر الملك هنا لذكره سابقا و قیل لأنه لیس للملك جسد مثل جسد الإنسان قوله ما الجبل هو بفتح الجیم و سكون الباء سؤال عن مصدر الفعل المتقدم و هو كلام ابن رئاب ففسره ع بالخلق و الأظهر عندی أن غیرنا تتمة الكلام السابق علی الاستثناء المنقطع و اعتراض السؤال و الجواب بین الكلام قبل تمامه و لیس تتمة لتفسیر الجبل كما توهمه الأكثر.

قال الشیخ البهائی قدس سره یعنی مادة بدننا لا تمسی جبلة بل طینة لأنها خلق من العشر طینات انتهی قال الفیروزآبادی الجبلة مثلثة و محركة و كطمرة الخلقة و الطبیعة و ككتاب الجسد و البدن و جبلهم اللّٰه یجبل و یجبل خلقهم و علی الشی ء طبعه و جبره كأجبله انتهی.

و أطیب بها صیغة التعجب و طیبا منصوب علی الاختصاص و فی بعض

ص: 47


1- 1. فی بعض النسخ« یقرأ».

نسخ البصائر طینا بالنون فالنصب علی التمیز أی ما أطیبها من طینة و روی غیره كأنه كلام ابن عطیة و یحتمل بعض أصحاب الكتب قبله و ضمیر غیره لابن رئاب و أبو الصامت راوی الباقر و الصادق علیهما السلام و الظاهر أنه رواه عن أحدهما و الحیر حائر الحسین علیه السلام و قال بعضهم كأنه ع شبه علم الأنبیاء علیهم السلام بالنهر لمناسبة ما بینهما فی كون أحدهما مادة حیاة الروح و الآخر مادة حیاة الجسم و عبر عنه بالنور لإضاءته و عبر عن علم من دونهم من العلماء بنور النور لأنه من شعاع ذلك النور و كما أن حافتی النهر یحفظان الماء فی النهر و یحیطان به فیجری إلی مستقره كذلك الروحان یحفظان العلم و یحیطان به لیجری إلی مستقره و هو قلب النبی أو الوصی و الطینات الجنانیة كأنها من الملكوت و الأرضیة من الملك فإن من مزجهما خلق أبدان نبینا صلی اللّٰه علیه و آله و الأوصیاء علیهم السلام من أهل البیت بخلاف سائر الأنبیاء و الملائكة فإنهم خلقوا من إحدی الطینتین كما أن لهم إحدی الروحین خاصة.

«24»- الْكَافِی، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ (1)

عَنْ سَدِیرٍ الصَّیْرَفِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ یُكْرَهُ الْمُؤْمِنُ عَلَی قَبْضِ رُوحِهِ قَالَ لَا وَ اللَّهِ إِنَّهُ إِذَا أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِ رُوحِهِ جَزِعَ عِنْدَ ذَلِكَ فَیَقُولُ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ یَا وَلِیَّ اللَّهِ لَا تَجْزَعْ فَوَ الَّذِی بَعَثَ مُحَمَّداً لَأَنَا أَبَرُّ بِكَ وَ أَشْفَقُ عَلَیْكَ مِنْ وَالِدٍ رَحِیمٍ لَوْ حَضَرَكَ افْتَحْ عَیْنَیْكَ فَانْظُرْ قَالَ یَتَمَثَّلُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّیَّتِهِمْ علیهم السلام فَیُقَالُ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ الْأَئِمَّةُ علیهم السلام رُفَقَاؤُكَ قَالَ فَیَفْتَحُ عَیْنَیْهِ فَیَنْظُرُ فَیُنَادِی رُوحَهُ مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْعِزَّةِ فَیَقُولُ یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إِلَی مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ ارْجِعِی إِلی رَبِّكِ راضِیَةً بِالْوَلَایَةِ مَرْضِیَّةً بِالثَّوَابِ فَادْخُلِی فِی عِبادِی یَعْنِی مُحَمَّداً وَ أَهْلَ بَیْتِهِ وَ ادْخُلِی جَنَّتِی فَمَا شَیْ ءٌ أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنِ اسْتِلَالِ رُوحِهِ وَ اللُّحُوقِ بِالْمُنَادِی (2).

ص: 48


1- 1. فی المصدر: عن أبیه عن سدیر.
2- 2. الكافی: ج 3، ص 127.

«25»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِذَا حِیلَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْكَلَامِ أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ یَمِینِهِ وَ الْآخَرُ عَنْ یَسَارِهِ فَیَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ أَمَّا مَا كُنْتَ تَرْجُو فَهُوَ ذَا أَمَامَكَ وَ أَمَّا مَا كُنْتَ تَخَافُ فَقَدْ أَمِنْتَ مِنْهُ ثُمَّ یُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَی الْجَنَّةِ فَیَقُولُ هَذَا مَنْزِلُكَ مِنَ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ رَدَدْنَاكَ إِلَی الدُّنْیَا وَ لَكَ فِیهَا ذَهَبٌ وَ فِضَّةٌ فَیَقُولُ لَا حَاجَةَ لِی فِی الدُّنْیَا وَ سَاقَ إِلَی قَوْلِهِ فَإِذَا خَرَجَتِ النَّفْسُ مِنَ الْجَسَدِ فَیُعْرَضُ عَلَیْهَا كَمَا عُرِضَ عَلَیْهِ وَ هِیَ فِی الْجَسَدِ فَیَخْتَارُ الْآخِرَةَ فَیُغَسِّلُهُ فِیمَنْ یُغَسِّلُهُ وَ یُقَلِّبُهُ فِیمَنْ یُقَلِّبُهُ فَإِذَا أُدْرِجَ فِی أَكْفَانِهِ وَ وُضِعَ عَلَی

سَرِیرِهِ خَرَجَتْ رُوحُهُ تَمْشِی بَیْنَ أَیْدِی الْقَوْمِ قُدُماً وَ تَلْقَاهُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِینَ یُسَلِّمُونَ عَلَیْهِ وَ یُبَشِّرُونَهُ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنَ النَّعِیمِ فَإِذَا وُضِعَ فِی قَبْرِهِ رُدَّ إِلَیْهِ الرُّوحُ إِلَی وَرِكَیْهِ ثُمَّ یُسْأَلُ عَمَّا یَعْلَمُ فَإِذَا جَاءَ بِمَا یَعْلَمُ فُتِحَ لَهُ ذَلِكَ الْبَابُ الَّذِی أَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَیَدْخُلُ عَلَیْهِ مِنْ نُورِهَا(1) وَ بَرْدِهَا وَ طِیبِ رِیحِهَا الْحَدِیثَ (2).

«26»- وَ مِنْهُ، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ آیَةَ الْمُؤْمِنِ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بِبَیَاضِ (3)

وَجْهِهِ أَشَدَّ مِنْ بَیَاضِ لَوْنِهِ وَ یَرْشَحُ جَبِینُهُ وَ یَسِیلُ مِنْ عَیْنَیْهِ كَهَیْئَةِ الدُّمُوعِ فَیَكُونُ ذَلِكَ خُرُوجَ نَفْسِهِ وَ إِنَّ الْكَافِرَ تَخْرُجُ نَفْسُهُ سَیْلًا(4) مِنْ شِدْقِهِ كَزَبَدِ الْبَعِیرِ أَوْ كَمَا تَخْرُجُ نَفْسُ الْبَعِیرِ(5).

«27»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنِ السَّكُونِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: یَا عَلِیُّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ لِقَبْضِ

ص: 49


1- 1. فی المصدر: وضوئها.
2- 2. الكافی: ج 3، ص 129.
3- 3. فیه: یبیاض.
4- 4. فی الكافی: سلا.
5- 5. الكافی: ج 3، ص 134.

رُوحِ الْكَافِرِ نَزَلَ وَ مَعَهُ سَفُّودٌ مِنْ نَارٍ فَیَنْزِعُ رُوحَهُ فَیَصِیحُ جَهَنَّمُ الْحَدِیثَ (1).

«28»- الْفَقِیهُ، قَالَ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: إِذَا قُبِضَتِ الرُّوحُ فَهِیَ مُظِلَّةٌ فَوْقَ الْجَسَدِ رُوحُ الْمُؤْمِنِ وَ غَیْرُهُ یَنْظُرُ إِلَی كُلِّ شَیْ ءٍ یُصْنَعُ بِهِ فَإِذَا كُفِّنَ وَ وُضِعَ عَلَی السَّرِیرِ وَ حُمِلَ عَلَی أَعْنَاقِ الرِّجَالِ عَادَتِ الرُّوحُ إِلَیْهِ فَدَخَلَتْ فِیهِ فَیُمَدُّ لَهُ فِی بَصَرِهِ فَیَنْظُرُ إِلَی مَوْضِعِهِ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ مِنَ النَّارِ فَیُنَادِی بِأَعْلَی صَوْتِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَجِّلُونِی عَجِّلُونِی وَ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ رُدُّونِی رُدُّونِی وَ هُوَ یَعْلَمُ كُلَّ شَیْ ءٍ یُصْنَعُ بِهِ وَ یَسْمَعُ الْكَلَامَ (2).

«29»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ یَرْوُونَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِینَ فِی حَوَاصِلِ طُیُورٍ خُضْرٍ حَوْلَ الْعَرْشِ فَقَالَ لَا الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَی اللَّهِ مِنْ أَنْ یُجْعَلَ رُوحُهُ فِی حَوْصَلَةِ طَیْرٍ لَكِنْ فِی أَبْدَانٍ كَأَبْدَانِهِمْ (3).

«30»- وَ مِنْهُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ یُونُسَ بْنِ ظَبْیَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: فَإِذَا قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَیَّرَ تِلْكَ الرُّوحَ فِی قَالَبٍ كَقَالَبِهِ فِی الدُّنْیَا فَیَأْكُلُونَ وَ یَشْرَبُونَ فَإِذَا قَدِمَ عَلَیْهِمُ الْقَادِمُ عَرَفُوهُ بِتِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِی كَانَتْ فِی الدُّنْیَا(4).

«31»- وَ مِنْهُ، بِسَنَدٍ مُوَثَّقٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّا نَتَحَدَّثُ عَنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِینَ أَنَّهَا فِی حَوَاصِلِ طُیُورٍ خُضْرٍ تَرْعَی فِی الْجَنَّةِ وَ تَأْوِی إِلَی قَنَادِیلَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَقَالَ لَا إِذاً مَا هِیَ فِی حَوَاصِلِ طَیْرٍ قُلْتُ فَأَیْنَ هِیَ قَالَ فِی رَوْضَةٍ كَهَیْئَةِ الْأَجْسَادِ فِی الْجَنَّةِ(5).

«32»- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْهُ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْأَرْوَاحَ فِی صِفَةِ الْأَجْسَادِ

ص: 50


1- 1. المصدر: ج 3، 253.
2- 2. الفقیه: 51.
3- 3. الكافی: ج 3، ص 244.
4- 4. الكافی: ج 3، ص 245.
5- 5. الكافی: ج 3، ص 245.

فِی شَجَرٍ فِی الْجَنَّةِ تَعَارَفُ وَ تَسَاءَلُ (1).

«33»- وَ مِنْهُ، بِسَنَدٍ صَحِیحٍ عَنْ ضُرَیْسٍ الْكُنَاسِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ جَنَّةً خَلَقَهَا اللَّهُ فِی الْمَغْرِبِ وَ مَاءُ فُرَاتِكُمْ هَذِهِ یَخْرُجُ مِنْهَا وَ إِلَیْهَا تَخْرُجُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ حُفَرِهِمْ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ فَتَسْقُطُ عَلَی ثِمَارِهَا وَ تَأْكُلُ مِنْهَا وَ تَتَنَعَّمُ فِیهَا وَ تَتَلَاقَی وَ تَتَعَارَفُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ هَاجَتْ مِنَ الْجَنَّةِ فَكَانَتْ فِی الْهَوَاءِ فِیمَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ تَطِیرُ ذَاهِبَةً وَ جَائِیَةً وَ تَعْهَدُ حُفَرَهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَ تَتَلَاقَی فِی الْهَوَاءِ وَ تَتَعَارَفُ قَالَ وَ إِنَّ لِلَّهِ نَاراً فِی الْمَشْرِقِ خَلَقَهَا لِیُسْكِنَهَا أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ وَ یَأْكُلُونَ مِنْ زَقُّومِهَا وَ یَشْرَبُونَ مِنْ حَمِیمِهَا لَیْلَهُمْ فَإِذَا طَلَعَتِ الْفَجْرُ هَاجَتْ إِلَی وَادٍ بِالْیَمَنِ یُقَالُ لَهُ بَرَهُوتُ أَشَدَّ حَرّاً مِنْ نِیرَانِ الدُّنْیَا كَانُوا فِیهَا یَتَلَاقَوْنَ وَ یَتَعَارَفُونَ فَإِذَا كَانَ الْمَسَاءُ عَادُوا إِلَی النَّارِ فَهُمْ كَذَلِكَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ الْحَدِیثَ (2).

«34»- وَ مِنْهُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِیِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِلَی الظَّهْرِ فَوَقَفَ بِوَادِی السَّلَامِ كَأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِأَقْوَامٍ فَقُمْتُ بِقِیَامِهِ حَتَّی أَعْیَیْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّی مَلِلْتُ ثُمَّ قُمْتُ حَتَّی نَالَنِی مِثْلُ مَا نَالَنِی أَوَّلًا ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّی مَلِلْتُ ثُمَّ قُمْتُ وَ جَمَعْتُ رِدَائِی فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی قَدْ أَشْفَقْتُ عَلَیْكَ مِنْ طُولِ الْقِیَامِ فَرَاحَةَ سَاعَةٍ ثُمَّ طَرَحْتُ الرِّدَاءَ لِیَجْلِسَ عَلَیْهِ فَقَالَ لِی یَا حَبَّةُ إِنْ هُوَ إِلَّا مُحَادَثَةُ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤَانَسَتُهُ قَالَ قُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ قَالَ نَعَمْ وَ لَوْ كُشِفَ لَكَ لَرَأَیْتَهُمْ حَلَقاً حَلَقاً مُحْتَبِینَ یَتَحَادَثُونَ فَقُلْتُ أَجْسَامٌ أَمْ أَرْوَاحٌ فَقَالَ أَرْوَاحٌ وَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ یَمُوتُ فِی بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلَّا قِیلَ لِرُوحِهِ الْحَقِی بِوَادِی السَّلَامِ وَ إِنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ (3).

«35»- الْمَحَاسِنُ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ذَكَرَ الْأَرْوَاحَ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ یَلْتَقُونَ فَقُلْتُ یَلْتَقُونَ

ص: 51


1- 1. الكافی: ج 3، ص 244.
2- 2. المصدر: ج 3، ص 247.
3- 3. المصدر: ج 3، ص 243.

قَالَ یَلْتَقُونَ وَ یَتَسَاءَلُونَ وَ یَتَعَارَفُونَ حَتَّی إِذَا رَأَیْتَهُ قُلْتَ فُلَانٌ (1).

«36»- الْفَقِیهُ، بِسَنَدِهِ الصَّحِیحِ عَنِ الْحَلَبِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَرْفَعُ إِلَی إِبْرَاهِیمَ وَ سَارَةَ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِینَ یُغَذُّونَهُمْ بِشَجَرٍ فِی الْجَنَّةِ لَهَا أَخْلَافٌ كَأَخْلَافِ الْبَقَرِ فِی قَصْرٍ مِنْ دُرٍّ فَإِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ أُلْبِسُوا وَ طُیِّبُوا وَ هُدُوا إِلَی آبَائِهِمْ فَهُمْ مُلُوكٌ فِی الْجَنَّةِ مَعَ آبَائِهِمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ (2).

«37»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَخِیهِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ بْنِ بَزِیعٍ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ بَلَغَنِی أَنَّ یَوْمَ الْجُمُعَةِ أَقْصَرُ الْأَیَّامِ قَالَ كَذَلِكَ هُوَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ كَیْفَ ذَلِكَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَجْمَعُ أَرْوَاحَ الْمُشْرِكِینَ تَحْتَ عَیْنِ الشَّمْسِ فَإِذَا رَكَدَتِ الشَّمْسُ عَذَّبَ اللَّهُ أَرْوَاحَ الْمُشْرِكِینَ بِرُكُودِ الشَّمْسِ سَاعَةً فَإِذَا كَانَ یَوْمُ الْجُمُعَةِ لَا یَكُونُ لِلشَّمْسِ رُكُودٌ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ لِفَضْلِ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَلَا یَكُونُ لِلشَّمْسِ رُكُودٌ(3).

«38»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَیَزُورُ أَهْلَهُ فَیَرَی مَا یُحِبُّ وَ یُسْتَرُ عَنْهُ مَا یَكْرَهُ وَ إِنَّ الْكَافِرَ لَیَزُورُ أَهْلَهُ فَیَرَی مَا یَكْرَهُ وَ یُسْتَرُ عَنْهُ مَا یُحِبُّ قَالَ وَ فِیهِمْ (4) مَنْ یَزُورُ كُلَّ جُمْعَةٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَزُورُ عَلَی قَدْرِ عَمَلِهِ (5).

«39»- وَ مِنْهُ، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَیِّتِ یَزُورُ أَهْلَهُ قَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ فِی كَمْ یَزُورُ قَالَ فِی الْجُمْعَةِ وَ فِی الشَّهْرِ وَ فِی السَّنَةِ عَلَی قَدْرِ مَنْزِلَتِهِ فَقُلْتُ فِی أَیِّ صُورَةٍ یَأْتِیهِمْ قَالَ فِی صُورَةِ طَائِرٍ لَطِیفٍ یَسْقُطُ عَلَی جُدُرِهِمْ وَ یُشْرِفُ عَلَیْهِمْ فَإِنْ رَآهُمْ بِخَیْرٍ

ص: 52


1- 1. المحاسن: 178.
2- 2. الفقیه: 439، و الآیة فی سورة الطور: 21.
3- 3. الكافی: ج 3، ص 416.
4- 4. فی المصدر: منهم.
5- 5. الكافی: ج 3 ص 230.

فَرِحَ وَ إِنْ رَآهُمْ بِشَرٍّ وَ حَاجَةٍ حَزِنَ وَ اغْتَمَ (1).

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی عَنْ إِسْحَاقَ قَالَ: قُلْتُ فِی أَیِّ صُورَةٍ قَالَ فِی صُورَةِ الْعُصْفُورِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ (2).

أقول: قد أوردت أمثال هذه الأخبار مشروحة فی كتاب المعاد و إنما أوردت قلیلا منها هاهنا لدلالتها علی حقیقة الروح و النفس و أحوالهما.

«40»- دَعَوَاتُ الرَّاوَنْدِیِّ، رُوِیَ: أَنَّ فِی الْعَرْشِ تِمْثَالًا لِكُلِّ عَبْدٍ فَإِذَا اشْتَغَلَ الْعَبْدُ بِالْعِبَادَةِ رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ تِمْثَالَهُ وَ إِذَا اشْتَغَلَ بِالْمَعْصِیَةِ أَمَرَ اللَّهُ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ حَتَّی یَحْجُبُوهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ لِئَلَّا تَرَاهُ الْمَلَائِكَةُ فَذَلِكَ مَعْنَی قَوْلِهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِیلَ وَ سَتَرَ الْقَبِیحَ.

بیان: ربما یستدل به علی أن الجسد المثالی موجود فی حال الحیاة أیضا.

«41»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ(3) عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِی حَمَّادٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ كَرَّامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْوَزَغِ فَقَالَ رِجْسٌ وَ هُوَ مَسْخٌ كُلُّهُ فَإِذَا قَتَلْتَهُ فَاغْتَسِلْ وَ قَالَ إِنَّ أَبِی كَانَ قَاعِداً فِی الْحِجْرِ وَ مَعَهُ رَجُلٌ یُحَدِّثُهُ فَإِذَا هُوَ بِوَزَغٍ یُوَلْوِلُ بِلِسَانِهِ فَقَالَ أَبِی لِلرَّجُلِ أَ تَدْرِی مَا یَقُولُ هَذَا الْوَزَغُ فَقَالَ لَا عِلْمَ لِی بِمَا یَقُولُ قَالَ فَإِنَّهُ یَقُولُ وَ اللَّهِ لَئِنْ ذَكَرْتُمْ عُثْمَانَ بِشَتِیمَةٍ لَأَشْتِمَنَّ عَلِیّاً حَتَّی یَقُومَ مِنْ هَاهُنَا قَالَ وَ قَالَ أَبِی لَیْسَ یَمُوتُ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ مَیِّتٌ إِلَّا مُسِخَ وَزَغاً قَالَ وَ قَالَ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ لَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ مُسِخَ وَزَغاً فَذَهَبَ مِنْ بَیْنِ یَدَیْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَ كَانَ عِنْدَهُ وُلْدُهُ فَلَمَّا أَنْ فَقَدُوهُ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَیْهِمْ فَلَمْ یَدْرُوا كَیْفَ یَصْنَعُونَ ثُمَّ اجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ عَلَی أَنْ یَأْخُذُوا جِذْعاً فَیَصْنَعُوهُ كَهَیْئَةِ الرَّجُلِ قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَ أَلْبَسُوا الْجِذْعَ دِرْعَ حَدِیدٍ ثُمَّ أَلْقَوْهُ (4) فِی الْأَكْفَانِ فَلَمْ یَطَّلِعْ عَلَیْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا

ص: 53


1- 1. الكافی: ج 3، ص 230.
2- 2. المصدر: ج 3 231.
3- 3. الظاهر أنّه علیّ بن محمّد بن إبراهیم بن أبان الكلینی المعروف بعلان، و هو ثقة، لكن الروایة مجهولة بعبد اللّٰه بن طلحة.
4- 4. فی المصدر« لفوه» و هو الصواب.

أَنَا وَ وُلْدُهُ (1).

بیان: المشهور استحباب ذلك الغسل و استندوا فی ذلك إلی روایة مرسلة رواها الصدوق فی الفقیه و قیل إن العلة فی ذلك أنه یخرج من ذنوبه فیغتسل كغسل التوبة و قال المحقق فی المعتبر و عندی أن ما ذكره ابن بابویه لیس بحجة و ما ذكره المعلل لیس طائلا. أقول كأنهم غفلوا عن هذا الخبر إذ لم یذكروه فی مقام الاحتجاج و إن كان مجهولا یولول أی یصوت و الشتیمة الاسم من

الشتم إلا مسخ وزغا إما بمسخه قبل موته أو بتعلق روحه بجسد مثالی علی صورة الوزغ و هما لیسا تناسخا كما مر و سیأتی أو بتغییر جسده الأصلی إلی تلك الصورة كما هو ظاهر آخر الخبر لكن یشكل تعلق الروح به قبل الرجعة و البعث و یمكن أن یكون قد ذهب بجسده إلی الجحیم أو أحرق و تصور لهم جسده المثالی و إلباس الجذع درع الحدید لیصیر ثقیلا أو لأنه إن مسه أحد فوق الكفن لا یحس بأنه خشب.

«42»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِی الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ ع قَالَ: وَ اللَّهِ مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ شِیعَتِنَا یَنَامُ إِلَّا أَصْعَدَ اللَّهُ رُوحَهُ إِلَی السَّمَاءِ فَیُبَارِكُ (2) عَلَیْهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَی عَلَیْهَا أَجَلُهَا(3) جَعَلَهَا فِی كُنُوزِ رَحْمَتِهِ وَ فِی رِیَاضِ جَنَّتِهِ وَ فِی ظِلِّ عَرْشِهِ وَ إِنْ كَانَ أَجَلُهَا مُتَأَخِّراً بَعَثَ بِهَا مَعَ أَمَنَتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِیَرُدَّهَا إِلَی الْجَسَدِ الَّذِی خَرَجَتْ مِنْهُ لِتَسْكُنَ فِیهِ الْحَدِیثَ (4).

مجالس الصدوق، عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن الحسین بن الحسن بن أبان عن الحسین بن سعید عن محمد بن أبی عمیر عن علی بن أبی حمزة

ص: 54


1- 1. روضة الكافی: 232.
2- 2. هذه الجملة( فیبارك علیها) غیر موجودة فی المجالس.
3- 3. الضمائر كلها فی المجالس علی صیغة المذكر.
4- 4. روضة الكافی: 213.

عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّٰه عن أبیه علیهما السلام: مثله (1).

«43»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ یَحْیَی عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ قَالَ لِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ سَاقَ الْحَدِیثَ إِلَی أَنْ قَالَ: یَا عَلِیُّ إِنَّ أَرْوَاحَ شِیعَتِكَ لَتَصْعَدُ إِلَی السَّمَاءِ فِی رُقَادِهِمْ وَ وَفَاتِهِمْ فَتَنْظُرُ الْمَلَائِكَةُ إِلَیْهَا كَمَا یَنْظُرُ النَّاسُ إِلَی الْهِلَالِ شَوْقاً إِلَیْهِمْ وَ لِمَا یَرَوْنَ مَنْزِلَتَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ (2)

الْخَبَرَ.

«44»- الْفَقِیهُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ الْحَذَّاءِ وَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام: فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ فَقَالَ لَعَلَّكَ تَرَی أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ یَكُونُوا یَنَامُونَ فَقُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ لَا بُدَّ لِهَذَا الْبَدَنِ أَنْ تُرِیحَهُ حَتَّی تَخْرُجَ نَفْسُهُ فَإِذَا خَرَجَ النَّفْسُ اسْتَرَاحَ الْبَدَنُ وَ رَجَعَتِ الرُّوحُ فِیهِ وَ فِیهِ قُوَّةٌ عَلَی الْعَمَلِ الْحَدِیثَ (3).

بیان: قال بعض المحققین الفرق بین الموت و النوم أن فی الموت ینقطع تعلق النفس الناطقة و فی النوم یبطل تصرفها فالمراد من خروج النفس الناطقة هنا بطلان تصرفها فی البدن و المراد من الروح هذا الجسم البخاری اللطیف الذی یكون من لطافة الأغذیة و بخاراتها و له مدخل عظیم فی نظام البدن.

«45»- فِی رِسَالَةِ الْإِهْلِیلَجَةِ الَّتِی كَتَبَ الصَّادِقُ علیه السلام إِلَی الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَ ذَكَرَ فِیهَا احْتِجَاجَهُ فِی إِثْبَاتِ الصَّانِعِ تَعَالَی عَلَی الطَّبِیبِ الْهِنْدِیِّ قَالَ علیه السلام: قُلْتُ أَ فَتُقِرُّ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ أَمْ قَدْ بَقِیَ فِی نَفْسِكَ شَیْ ءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ إِنِّی مِنْ ذَلِكَ عَلَی حَدِّ وُقُوفٍ مَا أَتَخَلَّصُ إِلَی أَمْرٍ یَنْفُذُ لِی فِیهِ الْأَمْرُ قُلْتُ أَمَّا إِذَا أَبَیْتَ إِلَّا الْجَهَالَةَ وَ زَعَمْتَ أَنَّ الْأَشْیَاءَ لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِالْحَوَاسِّ فَإِنِّی أُخْبِرُكَ أَنَّهُ لَیْسَ لِلْحَوَاسِّ دَلَالَةٌ عَلَی الْأَشْیَاءِ وَ لَا فِیهَا مَعْرِفَةٌ إِلَّا بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ دَلِیلُهَا وَ مُعَرِّفُهَا الْأَشْیَاءُ الَّتِی تَدَّعِی أَنَّ الْقَلْبَ لَا یَعْرِفُهَا إِلَّا بِهَا فَقَالَ أَمَّا إِذَا نَطَقْتَ بِهَذَا فَمَا أَقْبَلُ مِنْكَ إِلَّا بِالتَّخْلِیصِ وَ التَّفَحُّصِ مِنْهُ

ص: 55


1- 1. المجالس: 373.
2- 2. المجالس: 336.
3- 3. الفقیه: 127.

بِإِیضَاحٍ وَ بَیَانٍ وَ حُجَّةٍ وَ بُرْهَانٍ قُلْتُ فَأَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ رُبَّمَا ذَهَبَتِ الْحَوَاسُّ أَوْ بَعْضُهَا وَ دَبَّرَ الْقَلْبُ لِلْأَشْیَاءِ الَّتِی فِیهَا الْمَضَرَّةُ وَ الْمَنْفَعَةُ مِنَ الْأُمُورِ الْعَلَانِیَةِ وَ الْخَفِیَّةِ فَأَمَرَ بِهَا وَ نَهَی فَنَفَذَ فِیهَا أَمْرُهُ وَ صَحَّ فِیهَا قَضَاؤُهُ قَالَ إِنَّكَ تَقُولُ فِی هَذَا قَوْلًا یُشْبِهُ الْحُجَّةَ وَ لَكِنِّی أُحِبُّ أَنْ تُوضِحَهُ لِی غَیْرَ هَذَا الْإِیضَاحِ قُلْتُ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ یَبْقَی بَعْدَ ذَهَابِ الْحَوَاسِّ قَالَ نَعَمْ وَ لَكِنْ یَبْقَی بِغَیْرِ دَلِیلٍ عَلَی الْأَشْیَاءِ الَّتِی تَدُلُّ عَلَیْهَا الْحَوَاسُّ قُلْتُ فَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الطِّفْلَ تَضَعُهُ أُمُّهُ مُضْغَةً لَیْسَ تَدُلُّهُ الْحَوَاسُّ عَلَی شَیْ ءٍ یُسْمَعُ وَ لَا یُبْصَرُ وَ لَا یُذَاقُ وَ لَا یُلْمَسُ وَ لَا یُشَمُّ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَأَیَّةُ الْحَوَاسِّ دَلَّتْهُ عَلَی طَلَبِ اللَّبَنِ إِذَا جَاعَ وَ الضَّحِكِ بَعْدَ الْبُكَاءِ إِذَا رَوِیَ مِنَ اللَّبَنِ وَ أَیُّ حَوَاسِّ سِبَاعِ الطَّیْرِ وَ لَاقِطِ الْحَبِّ مِنْهَا دَلَّهَا عَلَی أَنْ تُلْقِیَ بَیْنَ أَفْرَاخِهَا اللَّحْمَ وَ الْحَبَّ فَتَأْوِیَ سِبَاعُهَا إِلَی اللَّحْمِ وَ الْآخَرُونَ إِلَی الْحَبِّ وَ أَخْبِرْنِی عَنْ فِرَاخِ طَیْرِ الْمَاءِ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ فِرَاخَ طَیْرِ الْمَاءِ إِذَا طُرِحَتْ فِیهِ سَبَحَتْ وَ إِذَا طُرِحَتْ فِیهِ فِرَاخُ طَیْرِ الْبَرِّ غَرِقَتْ وَ الْحَوَاسُّ وَاحِدَةٌ فَكَیْفَ انْتَفَعَ بِالْحَوَاسِّ طَیْرُ الْمَاءِ وَ أَعَانَتْهُ عَلَی السِّبَاحَةِ وَ لَمْ یَنْتَفِعْ طَیْرُ الْبَرِّ فِی الْمَاءِ بِحَوَاسِّهَا وَ مَا بَالُ طَیْرِ الْبَرِّ إِذَا غَمَسْتَهَا فِی الْمَاءِ سَاعَةً مَاتَتْ وَ إِذَا أَمْسَكْتَ طَیْرَ الْمَاءِ سَاعَةً مَاتَتْ فَلَا أَرَی الْحَوَاسَّ فِی هَذَا إِلَّا مُنْكَسِراً عَلَیْكَ وَ لَا یَنْبَغِی ذَلِكَ أَنْ یَكُونَ إِلَّا مِنْ مُدَبِّرٍ حَكِیمٍ جَعَلَ لِلْمَاءِ خَلْقاً وَ لِلْبَرِّ خَلْقاً أَمْ أَخْبِرْنِی مَا بَالُ الذَّرَّةِ الَّتِی لَا تُعَایِنُ الْمَاءَ قَطُّ تُطْرَحُ فِی الْمَاءِ فَتَسْبَحُ وَ تُلْقَی الْإِنْسَانُ ابْنُ خَمْسِینَ سَنَةً مِنْ أَقْوَی الرِّجَالِ وَ أَعْقَلِهِمْ لَمْ تَتَعَلَّمِ السِّبَاحَةَ فَیَغْرَقُ كَیْفَ لَمْ یَدُلَّهُ عَقْلُهُ وَ لُبُّهُ وَ تَجَارِبُهُ وَ بَصَرُهُ بِالْأَشْیَاءِ مَعَ اجْتِمَاعِ حَوَاسِّهِ وَ صِحَّتِهَا أَنْ یُدْرِكَ ذَلِكَ بِحَوَاسِّهِ كَمَا أَدْرَكَتْهُ الذَّرَّةُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِنَّمَا یُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْقَلْبَ الَّذِی هُوَ مَعْدِنُ الْعَقْلِ فِی الصَّبِیِّ الَّذِی وَصَفْتُ وَ غَیْرِهِ مِمَّا سَمِعْتَ مِنَ الْحَیَوَانِ هُوَ الَّذِی یَهِیجُ الصَّبِیَّ إِلَی طَلَبِ الرَّضَاعِ وَ الطَّیْرَ اللَّاقِطَ عَلَی لَقْطِ الْحَبِّ وَ السِّبَاعَ عَلَی ابْتِلَاعِ اللَّحْمِ

ص: 56

قَالَ لَسْتُ أَجِدُ الْقَلْبَ یَعْلَمُ شَیْئاً إِلَّا بِالْحَوَاسِّ قُلْتُ أَمَّا إِذَا أَبَیْتَ إِلَّا النُّزُوعَ إِلَی الْحَوَاسِّ فَإِنَّا نَقْبَلُ نُزُوعَكَ إِلَیْهَا بَعْدَ رَفْضِكَ لَهَا وَ نُجِیبُكَ فِی الْحَوَاسِّ حَتَّی یَتَقَرَّرَ عِنْدَكَ أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْیَاءِ إِلَّا الظَّاهِرَ مِمَّا هُوَ دُونَ الرَّبِّ الْأَعْلَی سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی فَأَمَّا مَا یَخْفَی وَ لَا یَظْهَرُ فَلَسْتَ تَعْرِفُهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ خَالِقَ الْحَوَاسِّ جَعَلَ لَهَا قَلْباً احْتَجَّ بِهِ عَلَی الْعِبَادِ وَ جَعَلَ الْحَوَاسَّ الدَّلَالاتِ عَلَی الظَّاهِرِ

الَّذِی یُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَی الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فَنَظَرَتِ الْعَیْنُ إِلَی خَلْقٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَدَلَّتِ الْقَلْبَ عَلَی مَا عَایَنَتْ وَ تَفَكَّرَ الْقَلْبُ حِینَ دَلَّتْهُ الْعَیْنُ عَلَی مَا عَایَنَتْ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ وَ ارْتِفَاعِهَا فِی الْهَوَاءِ بِغَیْرِ عَمَدٍ یُرَی وَ لَا دَعَائِمَ تُمْسِكُهَا لَا تُؤَخَّرُ مَرَّةً فَتَنْكَشِطَ وَ لَا تُقَدَّمُ أُخْرَی فَتَزُولَ وَ لَا تَهْبِطُ مَرَّةً فَتَدْنُوَ وَ لَا تَرْتَفِعُ أُخْرَی فَتَنْأَی لَا تَتَغَیَّرُ لِطُولِ الْأَمَلِ (1)

وَ لَا تَخْلُقُ لِاخْتِلَافِ اللَّیَالِی وَ الْأَیَّامِ وَ لَا یَتَدَاعَی مِنْهَا نَاحِیَةٌ وَ لَا یَنْهَارُ مِنْهَا طَرَفٌ مَعَ مَا عَایَنَتْ مِنَ النُّجُومِ الْجَارِیَةِ السَّبْعَةِ الْمُخْتَلِفَةِ بِمَسِیرِهَا لِدَوَرَانِ الْفَلَكِ وَ تَنَقُّلِهَا فِی الْبُرُوجِ یَوْماً بَعْدَ یَوْمٍ وَ شَهْراً بَعْدَ شَهْرٍ وَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ مِنْهَا السَّرِیعُ وَ مِنْهَا الْبَطِی ءُ وَ مِنْهَا الْمُعْتَدِلُ السَّیْرِ ثُمَّ رُجُوعِهَا وَ اسْتِقَامَتِهَا وَ أَخْذِهَا عَرْضاً وَ طُولًا وَ خُنُوسِهَا عِنْدَ الشَّمْسِ وَ هِیَ مُشْرِقَةٌ وَ ظُهُورِهَا إِذَا غَرَبَتْ وَ جَرْیِ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ فِی الْبُرُوجِ دَائِبَیْنِ لَا یَتَغَیَّرَانِ فِی أَزْمِنَتِهِمَا وَ أَوْقَاتِهِمَا یَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ یَعْرِفُ بِحِسَابٍ مَوْضُوعٍ وَ أَمْرٍ مَعْلُومٍ بِحِكْمَتِهِ یَعْرِفُ ذَوُو الْأَلْبَابِ أَنَّهَا لَیْسَتْ مِنْ حِكْمَةِ الْإِنْسِ وَ لَا تَفْتِیشِ الْأَوْهَامِ وَ لَا تَقْلِیبِ التَّفَكُّرِ فَعَرَفَ الْقَلْبُ حِینَ دَلَّتْهُ الْعَیْنُ عَلَی مَا عَایَنَتْ أَنَّ لِذَلِكَ الْخَلْقِ وَ التَّدْبِیرِ وَ الْأَمْرِ الْعَجِیبِ صَانِعاً یُمْسِكُ السَّمَاءَ الْمُنْطَبِقَةَ أَنْ تَهْوِیَ إِلَی الْأَرْضِ وَ أَنَّ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ وَ النُّجُومَ فِیهَا خَالِقُ السَّمَاءِ ثُمَّ نَظَرَتِ الْعَیْنُ إِلَی مَا اسْتَقَلَّهَا مِنَ الْأَرْضِ فَدَلَّتِ الْقَلْبَ عَلَی (2)

مَا عَایَنَتْ فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِعَقْلِهِ أَنَّ مُمْسِكَ الْأَرْضِ الْمُمَهَّدَةِ أَنْ تَزُولَ أَوْ تَهْوِیَ فِی الْهَوَاءِ أَوْ هُوَ یَرَی الرِّیشَةَ تُرْمَی بِهَا فَتَسْقُطُ مَكَانَهَا وَ هِیَ فِی الْخِفَّةِ عَلَی مَا هِیَ عَلَیْهِ هُوَ الَّذِی یُمْسِكُ السَّمَاءَ الَّتِی فَوْقَهَا وَ أَنَّهُ لَوْ لَا ذَلِكَ لَخَسَفَتْ بِمَا عَلَیْهَا مِنْ ثِقَلِهَا وَ ثِقَلِ الْجِبَالِ وَ الْأَنَامِ وَ الْأَشْجَارِ وَ الْبُحُورِ وَ الرِّمَالِ فَعَرَفَ الْقَلْبُ

ص: 57


1- 1. الأجل خ.
2- 2. إلی خ.

بِدَلَالَةِ الْعَیْنِ أَنَّ مُدَبِّرَ الْأَرْضِ هُوَ مُدَبِّرُ السَّمَاءِ ثُمَّ سَمِعَتِ الْأُذُنُ صَوْتَ الرِّیَاحِ الشَّدِیدَةِ الْعَاصِفَةِ وَ اللَّیِّنَةِ الطَّیِّبَةِ وَ عَایَنَتِ الْعَیْنُ مَا یُقْلَعُ مِنْ عِظَامِ الشَّجَرِ وَ یُهْدَمُ مِنْ وَثِیقِ الْبُنْیَانِ وَ تُسْفِی مِنْ ثِقَالِ الرِّمَالِ تُخَلِّی مِنْهَا نَاحِیَةً وَ تَصُبُّهَا فِی أُخْرَی بِلَا سَائِقٍ تُبْصِرُهُ الْعَیْنُ وَ لَا تَسْمَعُهُ الْأُذُنُ وَ لَا یُدْرَكُ بِشَیْ ءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ وَ لَیْسَتْ مُجَسَّدَةً تُلْمَسُ وَ لَا مَحْدُودَةً تُعَایَنُ فَلَمْ تَزِدِ الْعَیْنُ وَ الْأُذُنُ وَ سَائِرُ الْحَوَاسِّ عَلَی أَنْ دَلَّتِ الْقَلْبُ أَنَّ لَهَا صَانِعاً وَ ذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ یُفَكِّرُ بِالْعَقْلِ الَّذِی فِیهِ فَیَعْرِفُ أَنَّ الرِّیحَ لَمْ تَتَحَرَّكْ مِنْ تِلْقَائِهَا وَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هِیَ الْمُحَرِّكَةَ لَمْ یَكْفُفْ عَنِ التَّحَرُّكِ وَ لَمْ تَهْدِمْ طَائِفَةً وَ تُعْفِی أُخْرَی وَ لَمْ تَقْلَعْ شَجَرَةً وَ تَدَعُ أُخْرَی إِلَی جَنْبِهَا وَ لَمْ تَصُبَّ أَرْضاً وَ تَنْصَرِفُ عَنْ أُخْرَی فَلَمَّا تَفَكَّرَ الْقَلْبُ فِی أَمْرِ الرِّیحِ عَلِمَ أَنَّ لَهَا مُحَرِّكاً هُوَ الَّذِی یَسُوقُهَا حَیْثُ یَشَاءُ وَ یُسْكِنُهَا إِذَا شَاءَ وَ یُصِیبُ بِهَا مَنْ یَشَاءُ وَ یَصْرِفُهَا عَمَّنْ یَشَاءُ فَلَمَّا نَظَرَ الْقَلْبُ إِلَی ذَلِكَ وَجَدَهَا مُتَّصِلَةً بِالسَّمَاءِ وَ مَا فِیهَا مِنَ الْآیَاتِ فَعَرَفَ أَنَّ الْمُدَبِّرَ الْقَادِرَ عَلَی أَنْ یُمْسِكَ الْأَرْضَ وَ السَّمَاءَ هُوَ خَالِقُ الرِّیحِ وَ مُحَرِّكُهَا إِذَا شَاءَ وَ مُمْسِكُهَا كَیْفَ شَاءَ وَ مُسَلِّطُهَا عَلَی مَنْ یَشَاءُ وَ كَذَلِكَ دَلَّتِ الْعَیْنُ وَ الْأُذُنُ الْقَلْبَ عَلَی هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ وَ عَرَفَ ذَلِكَ بِغَیْرِهِمَا مِنْ حَوَاسِّهِ حِینَ حَرَّكَتْهُ فَلَمَّا دَلَّ الْحَوَاسُّ عَلَی تَحْرِیكِ هَذَا الْخَلْقِ الْعَظِیمِ مِنَ الْأَرْضِ فِی غِلَظِهَا وَ ثِقَلِهَا وَ طُولِهَا وَ عَرْضِهَا وَ مَا عَلَیْهَا مِنْ ثِقَلِ الْجِبَالِ وَ الْمِیَاهِ وَ الْأَنَامِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ وَ إِنَّمَا یَتَحَرَّكُ فِی نَاحِیَةٍ وَ لَمْ یَتَحَرَّكْ فِی نَاحِیَةٍ أُخْرَی وَ هِیَ مُلْتَحِمَةٌ جَسَداً وَاحِداً وَ خَلْقاً مُتَّصِلًا بِلَا فَصْلٍ وَ لَا وَصْلٍ تَهْدِمُ نَاحِیَةً وَ تَخْسِفُ بِهَا وَ تُسَلِّمُ أُخْرَی فَعِنْدَهَا عَرَفَ الْقَلْبُ أَنَّ مُحَرِّكَ مَا حُرِّكَ مِنْهَا هُوَ مُمْسِكُ مَا أُمْسِكَ مِنْهَا وَ هُوَ مُحَرِّكُ الرِّیحِ وَ مُمْسِكُهَا وَ هُوَ مُدَبِّرُ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَیْنَهُمَا وَ أَنَّ الْأَرْضَ لَوْ كَانَتْ هِیَ الْمُتَزَلْزِلَةَ لِنَفْسِهَا لَمَا تَزَلْزَلَتْ وَ لَمَا تَحَرَّكَتْ وَ لَكِنَّهُ الَّذِی دَبَّرَهَا وَ خَلَقَهَا حَرَّكَ مِنْهَا

مَا شَاءَ ثُمَّ نَظَرَ الْعَیْنُ إِلَی الْعَظِیمِ مِنَ الْآیَاتِ مِنَ السَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الدُّخَانِ لَا جَسَدَ لَهُ یَلْمِسُ بِشَیْ ءٍ مِنَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ یَتَخَلَّلُ الشَّجَرَةَ فَلَا یُحَرِّكُ مِنْهَا شَیْئاً وَ لَا یَهْصِرُ مِنْهَا غُصْناً وَ لَا یُعَلَّقُ مِنْهَا بِشَیْ ءٍ یَعْتَرِضُ الرُّكْبَانَ فَیَحُولُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ ظُلْمَتِهِ وَ كَثَافَتِهِ وَ یَحْتَمِلُ مِنْ

ص: 58

ثِقَلِ الْمَاءِ وَ كَثْرَتِهِ مَا لَا یَقْدِرُ عَلَی صِفَتِهِ مَعَ مَا فِیهِ مِنَ الصَّوَاعِقِ الصَّادِعَةِ وَ الْبُرُوقِ اللَّامِعَةِ وَ الرَّعْدِ وَ الثَّلْجِ وَ الْبَرْدِ وَ الْجَلِیدِ مَا لَا تَبْلُغُ الْأَوْهَامُ صِفَتَهُ وَ لَا تَهْتَدِی الْقُلُوبُ إِلَی كُنْهِ عَجَائِبِهِ فَیَخْرُجُ مُسْتَقِلًّا فِی الْهَوَاءِ یَجْتَمِعُ بَعْدَ تَفَرُّقِهِ وَ یَلْتَحِمُ بَعْدَ تَزَایُلِهِ تُفَرِّقُهُ الرِّیَاحُ مِنَ الْجِهَاتِ كُلِّهَا إِلَی حَیْثُ تَسُوقُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ رَبِّهَا یَسْفُلُ مَرَّةً وَ یَعْلُو أُخْرَی مُتَمَسِّكٌ بِمَا فِیهِ مِنَ الْمَاءِ الْكَثِیرِ الَّذِی إِذَا أَزْجَاهُ صَارَتْ مِنْهُ الْبُحُورُ یَمُرُّ عَلَی الْأَرَاضِی الْكَثِیرَةِ وَ الْبُلْدَانِ الْمُتَنَائِیَةِ لَا تَنْقُصُ مِنْهُ نُقْطَةٌ حَتَّی یَنْتَهِیَ إِلَی مَا لَا یُحْصَی مِنَ الْفَرَاسِخِ فَیُرْسِلُ مَا فِیهِ قَطْرَةً بَعْدَ قَطْرَةٍ وَ سَیْلًا بَعْدَ سَیْلٍ مُتَتَابِعٌ عَلَی رِسْلِهِ حَتَّی یَنْقَعَ الْبِرَكُ وَ تَمْتَلِئَ الْفِجَاجُ وَ تَعْتَلِیَ الْأَوْدِیَةُ بِالسُّیُولِ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ غَاصَّةً بِسُیُولِهَا مُصَمَّخَةَ الْآذَانِ لِدَوِیِّهَا وَ هَدِیرِهَا فَتَحْیَا بِهَا الْأَرْضُ الْمَیِّتَةُ فَتُصْبِحُ مُخْضَرَّةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُغْبَرَّةً وَ مَعِیشَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُجْدِبَةً قَدْ كَسَبَتْ أَلْوَاناً مِنْ نَبَاتٍ عُشْبٍ نَاضِرَةً زَاهِرَةً مُزَیَّنَةً مَعَاشاً لِلنَّاسِ وَ الْأَنْعَامِ فَإِذَا أَفْرَغَ الْغَمَامُ مَاءَهُ أَقْلَعَ وَ تَفَرَّقَ وَ ذَهَبَ حَیْثُ لَا یُعَایَنُ وَ لَا یُدْرَی أَیْنَ تَوَارَی فَأَدَّتِ الْعَیْنُ ذَلِكَ إِلَی الْقَلْبِ أَنَّ ذَلِكَ السَّحَابَ لَوْ كَانَ بِغَیْرِ مُدَبِّرٍ وَ كَانَ مَا وَصَفْتُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مَا احْتَمَلَ نِصْفَ ذَلِكَ مِنَ الثِّقَلِ مِنَ الْمَاءِ وَ إِنْ كَانَ هُوَ الَّذِی یُرْسِلُهُ لَمَا احْتَمَلَهُ أَلْفَیْ فَرْسَخٍ أَوْ أَكْثَرَ وَ لَأَرْسَلَهُ فِیمَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ وَ لَمَا أَرْسَلَهُ قَطْرَةً بَعْدَ قَطْرَةٍ بَلْ كَانَ یُرْسِلُهُ إِرْسَالًا فَكَانَ یَهْدِمُ الْبُنْیَانَ وَ یُفْسِدُ النَّبَاتَ وَ لَمَا جَازَ إِلَی بَلَدٍ وَ تَرَكَ آخَرَ دُونَهُ فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِالْأَعْلَامِ الْمُنِیرَةِ الْوَاضِحَةِ أَنَّ مُدَبِّرَ الْأُمُورِ وَاحِدٌ وَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَیْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَكَانَ فِی طُولِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَ الْأَبَدِ وَ الدَّهْرِ اخْتِلَافٌ فِی التَّدْبِیرِ وَ تَنَاقُضٌ فِی الْأُمُورِ وَ لَتَأَخَّرَ بَعْضٌ وَ تَقَدَّمَ بَعْضٌ وَ لَكَانَ تَسَفَّلَ بَعْضُ مَا قَدْ عَلَا وَ لَعَلَا بَعْضُ مَا قَدْ سَفَلَ وَ لَطَلَعَ شَیْ ءٌ وَ غَابَ فَتَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ أَوْ تَقَدَّمَ مَا قَبْلَهُ فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِذَلِكَ أَنَّ مُدَبِّرَ الْأَشْیَاءِ مَا غَابَ مِنْهَا وَ مَا ظَهَرَ هُوَ اللَّهُ الْأَوَّلُ خَالِقُ السَّمَاءِ وَ مُمْسِكُهَا وَ فَارِشُ الْأَرْضِ وَ دَاحِیهَا وَ صَانِعُ مَا بَیْنَ ذَلِكَ مِمَّا عَدَدْنَا وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ یُحْصَ وَ كَذَلِكَ عَایَنَتِ الْعَیْنُ اخْتِلَافَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ دَائِبَیْنِ جَدِیدَیْنِ لَا یَبْلَیَانِ فِی طُولِ كَرِّهِمَا وَ لَا یَتَغَیَّرَانِ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمَا وَ لَا یَنْقُصَانِ عَنْ حَالِهِمَا النَّهَارُ فِی نُورِهِ وَ ضِیَائِهِ وَ اللَّیْلُ فِی سَوَادِهِ وَ ظُلْمَتِهِ یَلِجُ أَحَدُهَمَا فِی الْآخَرِ حَتَّی یَنْتَهِیَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَی غَایَةٍ-

ص: 59

مَحْدُودَةٍ مَعْرُوفَةٍ فِی الطُّولِ وَ الْقِصَرِ عَلَی مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَ مَجْرًی وَاحِدٍ مَعَ سُكُونِ مَنْ یَسْكُنُ فِی اللَّیْلِ وَ انْتِشَارِ مَنْ یَنْتَشِرُ فِی النَّهَارِ وَ انْتِشَارِ مَنْ یَنْتَشِرُ فِی اللَّیْلِ وَ سُكُونِ مَنْ یَسْكُنُ فِی النَّهَارِ ثُمَّ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ وَ حُلُولِ أَحَدِهِمَا بِعَقِبِ الْآخَرِ حَتَّی تَكُونَ الْحَرُّ بَرْداً وَ الْبَرْدُ حَرّاً فِی وَقْتِهِ وَ إِبَّانِهِ فَكُلُّ هَذَا مِمَّا یَسْتَدِلُّ بِهِ الْقَلْبُ عَلَی الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی فَعَرَفَ الْقَلْبُ بِعَقْلِهِ أَنَّ مُدَبِّرَ هَذِهِ الْأَشْیَاءِ هُوَ الْوَاحِدُ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ الَّذِی لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ وَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ آلِهَةٌ مَعَهُ سُبْحَانَهُ لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَ لَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ وَ لَفَسَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَی صَاحِبِهِ وَ كَذَلِكَ سَمِعَتِ الْأُذُنُ مَا أَنْزَلَ الْمُدَبِّرُ مِنَ الْكُتُبِ تَصْدِیقاً لِمَا أَدْرَكَتْهُ الْقُلُوبُ بِعُقُولِهَا وَ تَوْفِیقِ اللَّهِ إِیَّاهَا وَ مَا قَالَهُ مَنْ عَرَفَهُ كُنْهَ مَعْرِفَتِهِ بِلَا وَلَدٍ وَ لَا صَاحِبَةٍ وَ لَا شَرِیكٍ فَأَدَّتِ الْأُذُنُ مَا سَمِعَتْ مِنَ اللِّسَانِ بِمَقَالَةِ الْأَنْبِیَاءِ إِلَی الْقَلْبِ فَقَالَ قَدْ أَتَیْتَنِی مِنْ أَبْوَابٍ لَطِیفَةٍ بِمَا لَمْ یَأْتِنِی بِهِ أَحَدٌ غَیْرُكَ إِلَّا أَنَّهُ لَا یَمْنَعُنِی مِنْ تَرْكِ مَا فِی یَدِی إِلَّا الْإِیضَاحُ وَ الْحُجَّةُ الْقَوِیَّةُ بِمَا وَصَفْتَ لِی وَ فَسَّرْتَ وَ قُلْتُ أَمَّا إِذَا حَجَبْتَ عَنِ الْجَوَابِ وَ اخْتَلَفَ مِنْكَ الْمَقَالُ فَسَیَأْتِیكَ مِنَ الدَّلَالَةِ

مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ خَاصَّةً مَا یَسْتَبِینُ لَكَ أَنَّ الْحَوَاسَّ لَا تَعْرِفُ شَیْئاً إِلَّا بِالْقَلْبِ فَهَلْ رَأَیْتَ فِی الْمَنَامِ أَنَّكَ تَأْكُلُ وَ تَشْرَبُ حَتَّی وَصَلَتْ لَذَّةُ ذَلِكَ إِلَی قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ رَأَیْتَ أَنَّكَ تَضْحَكُ وَ تَبْكِی وَ تَجُولُ فِی الْبُلْدَانِ الَّتِی لَمْ تَرَهَا وَ الَّتِی قَدْ رَأَیْتَهَا حَتَّی تَعْلَمَ مَعَالِمَ مَا رَأَیْتَ مِنْهَا قَالَ نَعَمْ مَا لَا أُحْصِی قُلْتُ فَهَلْ رَأَیْتَ أَحَداً مِنْ أَقَارِبِكَ مِنْ أَخٍ أَوْ أَبٍ أَوْ ذِی رَحِمٍ قَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّی تَعْلَمَهُ وَ تَعْرِفَهُ كَمَعْرِفَتِكَ إِیَّاهُ قَبْلَ أَنْ یَمُوتَ قَالَ أَكْثَرُ مِنَ الْكَثِیرِ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی أَیُّ حَوَاسِّكَ أَدْرَكَ هَذِهِ الْأَشْیَاءَ فِی مَنَامِكَ حَتَّی دَلَّتْ قَلْبَكَ عَلَی مُعَایَنَةِ الْمَوْتَی وَ كَلَامِهِمْ وَ أَكْلِ طَعَامِهِمْ وَ الْجَوَلَانِ فِی الْبُلْدَانِ وَ الضَّحِكِ وَ الْبُكَاءِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ قَالَ مَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ لَكَ أَیُّ حَوَاسِّی أَدْرَكَ ذَلِكَ أَوْ شَیْئاً مِنْهُ وَ كَیْفَ تُدْرِكُ وَ هِیَ بِمَنْزِلَةِ الْمَیِّتِ لَا تَسْمَعُ وَ لَا تُبْصِرُ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی حَیْثُ اسْتَیْقَظْتَ أَ لَسْتَ قَدْ ذَكَرْتَ الَّذِی رَأَیْتَ فِی مَنَامِكَ تَحْفَظُهُ وَ تَقُصُّهُ بَعْدَ یَقَظَتِكَ عَلَی إِخْوَانِكَ لَا تَنْسَی مِنْهُ حَرْفاً قَالَ إِنَّهُ كَمَا تَقُولُ وَ رُبَّمَا رَأَیْتُ الشَّیْ ءَ فِی مَنَامِی ثُمَّ لَا أُمْسِی حَتَّی أَرَاهُ فِی یَقَظَتِی كَمَا

ص: 60

رَأَیْتُهُ فِی مَنَامِی قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی أَیُّ حَوَاسِّكَ قَرَّرَتْ عِلْمَ ذَلِكَ فِی قَلْبِكَ حَتَّی ذَكَرْتَهُ بَعْدَ مَا اسْتَیْقَظْتَ قَالَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا دَخَلَتْ فِیهِ الْحَوَاسُّ قُلْتُ أَ فَلَیْسَ یَنْبَغِی لَكَ أَنْ تَعْلَمَ حَیْثُ بَطَلَتِ الْحَوَاسُّ فِی هَذَا أَنَّ الَّذِی عَایَنَ تِلْكَ الْأَشْیَاءَ وَ حَفِظَهَا فِی مَنَامِكَ قَلْبُكَ الَّذِی جَعَلَ اللَّهُ فِیهِ الْعَقْلَ الَّذِی احْتَجَّ بِهِ عَلَی الْعِبَادِ قَالَ إِنَّ الَّذِی رَأَیْتُ فِی مَنَامِی لَیْسَ بِشَیْ ءٍ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّرَابِ الَّذِی یُعَایِنُهُ صَاحِبُهُ وَ یَنْظُرُ إِلَیْهِ لَا یَشُكُّ أَنَّهُ مَاءٌ فَإِذَا انْتَهَی إِلَی مَكَانِهِ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً فَمَا رَأَیْتُ فِی مَنَامِی فَبِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ قُلْتُ كَیْفَ شَبَّهْتَ السَّرَابَ بِمَا رَأَیْتَ فِی مَنَامِكَ مِنْ أَكْلِكَ الطَّعَامَ الْحُلْوَ وَ الْحَامِضَ وَ مَا رَأَیْتَ مِنَ الْفَرَحِ وَ الْحَزَنِ قَالَ لِأَنَّ السَّرَابَ حَیْثُ انْتَهَیْتُ إِلَی مَوْضِعِهِ صَارَ لَا شَیْ ءَ وَ كَذَلِكَ صَارَ مَا رَأَیْتُ فِی مَنَامِی حِینَ انْتَبَهْتُ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی إِنْ أَتَیْتُكَ بِأَمْرٍ وَجَدْتَ لَذَّتَهُ فِی مَنَامِكَ وَ خَفَقَ لِذَلِكَ قَلْبُكَ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَی مَا وَصَفْتُ لَكَ قَالَ بَلَی قُلْتُ فَأَخْبِرْنِی هَلِ احْتَلَمْتَ قَطُّ حَتَّی قَضَیْتَ فِی امْرَأَةٍ نَهْمَتَكَ (1)

عَرَفْتَهَا أَمْ لَمْ تَعْرِفْهَا قَالَ بَلَی مَا لَا أُحْصِیهِ قُلْتُ أَ لَسْتَ وَجَدْتَ لِذَلِكَ لَذَّةً عَلَی قَدْرِ لَذَّتِكَ فِی یَقَظَتِكَ فَتَنْتَبِهُ وَ قَدْ أَنْزَلْتَ الشَّهْوَةَ حَتَّی یَخْرُجُ مِنْكَ بِقَدْرِ مَا یَخْرُجُ فِی الْیَقَظَةِ هَذَا كَسْرٌ بِحُجَّتِكَ فِی السَّرَابِ قَالَ مَا یَرَی الْمُحْتَلِمُ فِی مَنَامِهِ شَیْئاً إِلَّا مَا كَانَتْ حَوَاسُّهُ دَلَّتْ عَلَیْهِ فِی الْیَقَظَةِ قُلْتُ مَا زِدْتَ عَلَی أَنْ قَوَّیْتَ مَقَالَتِی وَ زَعَمْتَ أَنَّ الْقَلْبَ یَعْقِلُ الْأَشْیَاءَ وَ یَعْرِفُهَا بَعْدَ ذَهَابِ الْحَوَاسِّ وَ مَوْتِهَا فَكَیْفَ أَنْكَرْتَ أَنَّ الْقَلْبَ یَعْرِفُ الْأَشْیَاءَ وَ هُوَ یَقْظَانُ مُجْتَمِعَةٌ لَهُ حَوَاسُّهُ وَ مَا الَّذِی عَرَّفَهُ إِیَّاهَا بَعْدَ مَوْتِ الْحَوَاسِّ وَ هُوَ لَا یَسْمَعُ وَ لَا یُبْصِرُ وَ لَكُنْتَ حَقِیقاً أَنْ لَا تُنْكِرَ لَهُ الْمَعْرِفَةَ وَ حَوَاسُّهُ حَیَّةٌ مُجْتَمِعَةٌ إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّهُ یَنْظُرُ إِلَی الِامْرَأَةِ بَعْدَ ذَهَابِ حَوَاسِّهِ حَتَّی نَكَحَهَا وَ أَصَابَ لَذَّتَهُ مِنْهَا فَیَنْبَغِی لِمَنْ یَعْقِلُ حَیْثُ وَصَفَ الْقَلْبَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَشْیَاءِ وَ الْحَوَاسُّ ذَاهِبَةٌ أَنْ یَعْرِفَ أَنَّ الْقَلْبَ مُدَبِّرُ الْحَوَاسِّ وَ مَلِكُهَا وَ رَأْسُهَا وَ الْقَاضِی عَلَیْهَا فَإِنَّهُ مَا جَهِلَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَیْ ءٍ فَمَا یَجْهَلُ أَنَّ الْیَدَ لَا تَقْدِرُ عَلَی الْعَیْنِ أَنْ تَقْلَعَهَا وَ لَا عَلَی اللِّسَانِ أَنْ تَقْطَعَهُ وَ أَنَّهُ لَیْسَ یَقْدِرُ شَیْ ءٌ مِنَ الْحَوَاسِ

ص: 61


1- 1. أی شهوتك.

أَنْ یَفْعَلَ بِشَیْ ءٍ مِنَ الْجَسَدِ شَیْئاً بِغَیْرِ إِذْنِ الْقَلْبِ وَ دَلَالَتِهِ وَ تَدْبِیرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی جَعَلَ الْقَلْبَ مُدَبِّراً لِلْجَسَدِ بِهِ یَسْمَعُ وَ بِهِ یُبْصِرُ وَ هُوَ الْقَاضِی وَ الْأَمِیرُ عَلَیْهِ لَا یَتَقَدَّمُ الْجَسَدُ إِنْ هُوَ تَأَخَّرَ وَ لَا یَتَأَخَّرُ إِنْ هُوَ تَقَدَّمَ وَ بِهِ سَمِعَتِ الْحَوَاسُّ وَ أَبْصَرَتْ إِنْ أَمَرَهَا ائْتَمَرَتْ وَ إِنْ نَهَاهَا انْتَهَتْ وَ بِهِ یَنْزِلُ الْفَرَحُ وَ الْحَزَنُ وَ بِهِ یَنْزِلُ الْأَلَمُ إِنْ فَسَدَ شَیْ ءٌ مِنَ الْحَوَاسِّ بَقِیَ عَلَی حَالِهِ وَ إِنْ فَسَدَ الْقَلْبُ ذَهَبَ جَمِیعُهَا حَتَّی لَا یَسْمَعُ وَ لَا یُبْصِرُ قَالَ لَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّكَ لَا تَتَخَلَّصُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَ قَدْ جِئْتَ بِشَیْ ءٍ لَا أَقْدِرُ عَلَی رَدِّهِ قُلْتُ وَ أَنَا أُعْطِیكَ تَصَادِیقَ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ وَ مَا رَأَیْتَ فِی مَنَامِكَ فِی مَجْلِسِكَ السَّاعَةَ قَالَ افْعَلْ فَإِنِّی قَدْ تَحَیَّرْتُ فِی هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ أَخْبِرْنِی هَلْ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ تَقْدِیرِ شَیْ ءٍ وَ تَأْمُرُ بِهِ إِذَا أَحْكَمْتَ تَقْدِیرَهُ فِی ظَنِّكَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ أَشْرَكْتَ قَلْبَكَ فِی ذَلِكَ الْفِكْرِ شَیْئاً مِنْ حَوَاسِّكَ قَالَ لَا قُلْتُ أَ فَلَا تَعْلَمُ أَنَّ الَّذِی أَخْبَرَكَ بِهِ قَلْبُكَ حَقٌّ قَالَ الْیَقِینُ هُوَ فَزِدْنِی مَا یُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّی وَ یُزِیلُ الشُّبْهَةَ مِنْ قَلْبِی.

أقول: قد عرفت أن القلب یطلق فی لسان الشرع فی الآیات و الأخبار علی النفس الناطقة و لما كان السائل منكرا لإدراك ما سوی الحواس الظاهرة نبهه علیه السلام علی خطائه بمدركات الحواس الباطنة التی هی من آلات النفس و قد مر شرح الفقرات و تمام الحدیث فی كتاب التوحید.

«46»- الدُّرُّ الْمَنْثُورُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ الْآیَةَ قَالَ نَفْسٌ وَ رُوحٌ بَیْنَهُمَا مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ فَیَتَوَفَّی اللَّهُ النَّفْسَ فِی مَنَامِهِ وَ یَدَعُ الرُّوحَ فِی جَوْفِهِ یَتَقَلَّبُ وَ یَعِیشُ فَإِنْ بَدَا لِلَّهِ أَنْ یَقْبِضَهُ قَبَضَ الرُّوحَ فَمَاتَ وَ إِنْ أَخَّرَ أَجَلَهُ رَدَّ النَّفْسَ إِلَی مَكَانِهَا مِنْ جَوْفِهِ (1).

«47»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ الْآیَةَ قَالَ كُلُّ نَفْسٍ لَهَا سَبَبٌ تَجْرِی فِیهِ فَإِذَا قَضَی عَلَیْهَا الْمَوْتُ نَامَتْ حَتَّی یَنْقَطِعَ السَّبَبُ وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ تُتْرَكُ (2).

ص: 62


1- 1. الدّر المنثور: ج 5، ص 329.
2- 2. الدّر المنثور: ج 5، ص 329.

«48»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی الْآیَةِ قَالَ سَبَبٌ مَمْدُودٌ(1)

مَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ فَأَرْوَاحُ الْمَوْتَی وَ أَرْوَاحُ الْأَحْیَاءِ تَأْوِی إِلَی ذَلِكَ السَّبَبِ فَتَعَلَّقُ النَّفْسُ الْمَیِّتَةُ بِالنَّفْسِ الْحَیَّةِ فَإِذَا أُذِنَ لِهَذِهِ الْحَیَّةِ بِالانْصِرَافِ إِلَی جَسَدِهَا تَسْتَكْمِلُ رِزْقَهَا أُمْسِكَتِ النَّفْسُ الْمَیِّتَةُ وَ أُرْسِلَتِ الْأُخْرَی (2).

«49»- وَ عَنْ جُحَیْفَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی سَفَرِهِ الَّذِی نَامُوا فِیهِ حَتَّی طَلَعَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَرَدَّ اللَّهُ إِلَیْكُمْ أَرْوَاحَكُمْ (3).

«50»- شِهَابُ الْأَخْبَارِ، قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.

ضوء الشهاب هذا الحدیث مما تسكب فیه العبرات و لا تؤمن فی تفسیره العثرات و أنا مورد فیه بقدر ما رزقنی اللّٰه تعالی من العلم به فأقول إن أصل كلمة روح موضوع للطیب و الطهارة فتسمی روح الإنسان روحا و الملائكة المطهرون أرواحا و روح القدس جبرئیل علیه السلام و الروح اسم ملك آخر قال تعالی یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا و عیسی علیه السلام روح اللّٰه و النسبة إلی الملائكة و الجن روحانی بالضم و هم الروحانیون و یقال لكل ذی روح روحانی قاله أبو عبیدة و الروح الراحة و مكان روحانی طیب و الریح واحدة الریاح و الأرواح أصلها روح فقلبت الواو یاء لمكان كسرة الراء و الراح و الریاح بفتح الراء الخمر و روح و ریحان أی رحمة و رزق و الروح و النسیم و الریحان المشموم و من ذلك الروح التی یحیا بها الإنسان سمیت بذلك لطهارتها و طیبها فی الخلقة و فی مبدإ التكوین و قال أصحاب الأصول الروح النفس المتردد فی مخارق الحی و علی ذلك قال الشاعر:

فقلت له ارفعها إلیك و أحیها***بروحك و اجعلها له قبة(4) قدرا.

ص: 63


1- 1. فی المصدر: ممدود بین السماء و الأرض.
2- 2. الدّر المنثور: ج 5، ص 329.
3- 3. الدّر المنثور: ج 5، ص 329.
4- 4. فی بعض النسخ« لها قتبة».

و ما یقوله قوم من أن الأرواح قائمة بالأجساد و أنها كانت قبل الأجساد بكذا و كذا عاما و أنها غیر داخلة فی الأجساد و لا خارجة منها و أنها تفنی إلی غیر ذلك فنحن مستغنون عن ذكره فیما نحن بصدده و كتب الأصول و الجدل أولی بذكر ذلك فقال بعض من تكلم فی هذا الحدیث إنه علی حذف المضاف و التقدیر ذوو الأرواح و هذا قریب المأخذ و عند جماعة من محققی أصحاب الأصول أنه یجوز عقلا أن یكون اللّٰه تعالی إذا استشهد الشهید أو توفی النبی أو الصالح من بنی آدم ینتزع من جسده أجزاء بقدر ما تحل الحیاة التی كانت الجملة بها حیة فیها فیردها إلی تلك الأجزاء فتصیر حیا و إن كانت جثة صغیرة فیرفعه إلی حیث شاء فإنه لا اعتبار فی الحی بالجثة و ظاهر الكتاب یشهد بصحة ذلك حیث یقول تعالی وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ إلی قوله تعالی وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ (1) و

فِی الْحَدِیثِ: أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِی أَجْوَافِ طَیْرٍ خُضْرٍ تَعَلَّقُ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ثُمَّ تَأْوِی إِلَی قَنَادِیلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ.

و هذا الحدیث مما یعضد هذه المقالة فعلی هذا تتعارف هذه الأجساد اللطیفة بعد موت صاحبها كما كانت فی دار الدنیا تعرف بعضها بعضا فتتباشر فتأتلف و بالعكس. و

رَوَتْ عَائِشَةُ فِی سَبَبِ هَذَا الْحَدِیثِ: أَنَّ مُخَنَّثاً قَدِمَ الْمَدِینَةَ فَنَزَلَ عَلَی مُخَنَّثٍ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَعْلَمَ أَنَّهُ مُخَنَّثٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ الْحَدِیثَ.

وَ رُوِیَ عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَتَشَامُّ كَمَا تَشَامُّ الْخَیْلُ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ فَلَوْ أَنَّ مُؤْمِناً جَاءَ إِلَی مَجْلِسٍ فِیهِ مِائَةُ مُنَافِقٍ لَیْسَ فِیهِمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَاحِدٌ لَجَاءَ حَتَّی یَجْلِسَ إِلَیْهِ.

أو كما قال

وَ رُوِیَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ بِمَكَّةَ تَدْخُلُ عَلَی نِسَاءِ قُرَیْشٍ تُضْحِكُهُنَّ فَلَمَّا هَاجَرْتُ إِلَی الْمَدِینَةِ دَخَلَتِ الْمَدِینَةَ فَدَخَلَتْ عَلَیَّ قُلْتُ فُلَانَةُ مَا أَقْدَمَكِ قَالَتْ إِلَیْكُنَّ قُلْتُ فَأَیْنَ نَزَلْتِ قَالَتْ عَلَی فُلَانَةَ امْرَأَةٍ مُضْحِكَةٍ بِالْمَدِینَةِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَتْ فُلَانَةُ الْمُضْحِكَةُ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله فَعَلَی مَنْ نَزَلَتْ قُلْتُ عَلَی فُلَانَةَ قَالَ

ص: 64


1- 1. آل عمران: 169،.

الْمُضْحِكَةِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ الْحَدِیثَ.

و فی كلام بعضهم الروح نقاب أی یعلم بالأشیاء و هذه كنایة عن العلم و الفطنة و الذكاء و المعرفة و الدهاء و العرب تعبر بالروح عن الحیاة و اللّٰه الموفق.

و أقول إن تحقیق أمر الروح عسیر و لا یعلم حقیقة ذلك إلا من خلقه و أوجده و ركبه وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا و لو أراد اللّٰه تعالی أن یعلم حقیقته و ماهیته بكنهه لأعلمناه و قال وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی فقال حتی نسكت عما أسكت اللّٰه عنه و قد أوردت بعض ما سمعت فیه و علمت و أنت محكم فانظر فیه و احكم و التوقف فیه فرض من لا فرض له و اللّٰه أعلم و أحكم ثم رسوله صلی اللّٰه علیه و آله و فائدة الحدیث إعلام أن الجنس إلی الجنس أمیل و إلیه أسوق و أشوق و التعارف مما یجر الائتلاف و بالعكس و راویة الحدیث عائشة.

«51»- شِهَابُ الْأَخْبَارِ، قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله: النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ.

الضوء المعدن مستقر الجوهر من قولك عدن بالمكان إذا أقام فیه و منه جَنَّاتُ عَدْنٍ أی إقامة و الذهب الجسد المعروف الذی ذهب الناس فیه و القطعة ذهبة و ذهب الرجل إذا رأی القطعة الكبیرة من الذهب فی المعدن فدهش و الفضة أحد الثمنین و هو أحد الأجساد أیضا فیقول صلی اللّٰه علیه و آله الناس متفاوتون كتفاوت المعادن متفاضلون كتفاضل الجواهر المجلوبة منها فمنها الذهب و الفضة و النحاس و الحدید و الأسرب و الرصاص و الزرنیخ و الفیروزج و غیر ذلك و كان الغرض النبوی أن یعلمك أن الناس متفاوتون أمثال الفلز و الخرز لیسوا بأمثال و إن كانوا من جنس واحد و مورد هذا الحدیث علی العكس من مورد الحدیث الذی قبله یعنی قوله صلی اللّٰه علیه و آله الناس كأسنان المشط فكأنه صلی اللّٰه علیه و آله یقول إذا صادفت أحدا فتعرف أحواله و تجسس أفعاله و أقواله فإن كان صالحا فعلیك به فهو من المعدن النفیس فإن كان طالحا فالهرب الهرب منه فهو من المعدن الخسیس و فائدة الحدیث الإعلام بتفاوت الناس علی أنهم بنو الرجل و راوی الحدیث أبو هریرة

و تمام الحدیث: خیارهم فی الجاهلیة خیارهم

ص: 65

فی الإسلام إذا فقهوا.

یعنی أن الخیار منهم فی الجاهلیة إذا تفقهوا فهم الخیار فی الإسلام و اللّٰه أعلم.

بیان: قال الطیبیّ هو تشبیه بلیغ فكمعادن الذهب تأكید أو مجاز عن التفاوت أی الناس متفاوتون فی النسب بالشرف و الضعة كتفاوت المعدن فی الذهب و الفضة و ما دونهما و تفاوتهم فی الإسلام بالقبول لفیض اللّٰه بحسب العلم و الحكمة علی مراتب و عدم قبوله و قید إذا فقهوا یفید أن الإیمان یرفع تفاوت الجاهلیة فإذا تحلی (1) بالعلم استجلب النسب الأصلی فیجتمع شرف النسب و الحسب و فیه أن الوضیع العالم أرفع من الشریف الجاهل.

«52»- الشِّهَابُ،: النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَجِدُ فِیهَا رَاحِلَةً وَاحِدَةً.

الضوء الناس أصله أناس فخفف و لیس الألف و اللام عوضا من الهمزة المحذوفة لأنهما تجتمعان مع الهمزة كقوله

إن المنایا یطلعن علی الأناس الآمنینا

و الناس بن مضر بن نزار اسم قیس عیلان و الإبل البعران الكثیرة و لا واحد له من لفظه و أبل الوحشی یأبل أبولا و أبل یأبل إبلا اجتزأ عن الماء شبهت بالإبل فی الصبر عن الماء و تأبل الرجل عن امرأته إذا ترك مقاربتها و رجل آبل و أبل حسن القیام علی إبله و إبل مأبلة أی مجموعة و الراحلة البعیر الذی یصلح للارتحال و راحله عاونه علی رحلته و المعنی و اللّٰه أعلم أنه ذم للناس و أنه قلما یقع فیهم من هو كامل فی بابه و قال أبو عبید یعنی أنهم متساوون لیس لأحد منهم فضل علی أحد فی النسب و لكنهم أشباه و أمثال كإبل مائة لیس فیها راحلة تتبین فیها و تتمیز منها بالتمام و حسن المنظر و الراحلة عند العرب تكون الجمل النجیب و الناقة النجیبة یختارها الرجل لمركبه و دخول الهاء فی الراحلة للمبالغة كما تقول رجل داهیة و راویة للشعر و علامة و نسابة و یقال إنها إنما سمیت راحلة لأنها ترحل كما قال تعالی فِی عِیشَةٍ راضِیَةٍ أی مرضیة و كما قال تعالی مِنْ ماءٍ دافِقٍ أی مدفوق قال و یقال لفلان إبل إذا كانت له مائة من الإبل و إبلان

ص: 66


1- 1. تجلی( خ).

إذا كانت له مائتان و یقال للمائة منها هنیدة معرفة لا تنصرف و قال أبو سلیمان الخطابی یقال للمائتین هنید بغیر هاء و العهدة علیه و قال ابن قتیبة الراحلة هی التی یختارها الرجل لمركبه و رحله علی النجابة و تمام الخلق و حسن المنظر فإذا كانت فی جماعة الإبل عرفت یقول الناس متساوون لیس لأحد منهم فضل فی النسب و لكنهم أشباه كإبل مائة لیس فیها راحلة و قد خطأه

أبو منصور الأزهری لفظا و معنی أما اللفظة فمن حیث جعل الناقة هی الراحلة قال و لیس الجمل عنده راحلة و الراحلة عند العرب تكون الجمل النجیب و الناقة النجیبة و أما المعنی أنه یعز فیهم الكامل الفاضل زهدا فی الدنیا و رغبة فی الآخرة هذا معنی كلام الأزهری و فائدة الحدیث ذم الناس و أن الكامل فیهم قلما یوجد و راوی الحدیث عبد اللّٰه بن عمر.

بیان: قال فی النهایة یعنی أن المرضی المنتجب من الناس فی عزة وجوده كالنجیب من الإبل القوی علی الأحمال و الأسفار الذی لا یوجد فی كثیر من الإبل قال الأزهری الذی عندی فیه أن اللّٰه تعالی ذم الدنیا و حذر العباد سوء مغبتها(1) و ضرب لهم فیها الأمثال لیعتبروا و یحذروا و كان النبی صلی اللّٰه علیه و آله یحذرهم ما حذرهم اللّٰه و یزهدهم فیها فرغب أصحابه بعده فیها تنافسوا علیها حتی كان الزهد فی النادر القلیل منهم.

فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: تَجِدُونَ النَّاسَ مِنْ بَعْدِی كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَیْسَ فِیهَا رَاحِلَةٌ.

أی أن الكامل فی الزهد فی الدنیا و الرغبة فی الآخرة قلیل كقلة الراحلة فی الإبل و الراحلة هی البعیر القوی علی الأسفار و الأحمال النجیب التام الخلق الحسن المنظر و یقع علی الذكر و الأنثی و الهاء فیه للمبالغة انتهی و قال الكرمانی و قیل أی الناس فی أحكام الدین سواء لا فضل فیها لشریف علی مشروف و لا لرفیع علی وضیع كإبل لا راحلة فیها و هی التی ترحل لتركب أی كلها تصلح للجمل لا للركوب.

أقول: قد مر بعض الأخبار المناسبة لهذا الباب فی أبواب المعاد و أبواب خلق أرواح النبی صلی اللّٰه علیه و آله و الأئمة علیهم السلام و سیأتی بعضها فی الأبواب الآتیة إن شاء اللّٰه تعالی.

ص: 67


1- 1. أی عاقبتها.
تذییل و تفصیل فی بیان أقوال الحكماء و الصوفیة و المتكلمین من الخاصة و العامة فی حقیقة النفس و الروح ثم بیان ما ظهر من الآیات و الأخبار فی ذلك.
اشارة

قال شارح المقاصد فی بیان آراء الحكماء و المتكلمین فی النفس لما عرفت أن الجوهر المجرد إن تعلق بالبدن تعلق التدبیر و التصرف فنفس و إلا فعقل و قد یطلق لفظ النفس علی ما لیس بمجرد بل مادی كالنفس النباتیة التی هی مبدأ أفاعیله من التغذیة و التنمیة و التولید و النفس الحیوانیة التی هی مبدأ الحس و الحركة الإرادیة و یجعل النفس الأرضیة اسما لها و النفس الناطقة الإنسانیة فیفسر بأنها كمال أول لجسم طبیعی إلی ذی حیاة بالقوة ثم قال مقتضی قواعدهم أی الفلاسفة أن یكون فی الإنسان نفس هی مبدأ تعقل الكلیات و أخری مبدأ الحركات و الإحساسات و أخری مبدأ التغذیة و التنمیة و تولید المثل (1)

لكن ذكر فی شرح الإشارات و غیره أن لیس الأمر كذلك بل المركبات منها ما له صورة معدنیة یقتصر فعلها علی حفظ المواد المجتمعة من الأسطقسات المتضادة بكیفیاتها المتداعیة إلی الانفكاك لاختلاف میولها إلی أمكنتها المختلفة و منها ما له صورة تسمی نفسا

نباتیة یصدر عنها مع الحفظ المذكور جمع أجزاء أخر من الأسطقسات و إضافتها إلی مواد المركب و صرفها فی وجوه التغذیة و الإنماء و التولید و منها ما له صورة تسمی نفسا حیوانیة یصدر عنها مع الأفعال النباتیة و الحفظ المذكور الحس و الحركة الإرادیة و منها ما له نفس مجردة یصدر عنها مع الأفعال السابقة كلها النطق و ما یتبعه.

ثم قال و لما یثبت عند المتكلمین اختلاف أنواع الأجسام و استناد الآثار إلیها لیحتاج إلی فصول منوعة و مباد مختلفة بنوا إثبات النفس علی الأدلة السمعیة

ص: 68


1- 1. غایة ما تقتضیه قواعد الفلسفة اثبات مبادئ لهذه الافاعیل، لكن هذا لا ینافی اتّحاد جمیع هذه المبادی بالنفس اتّحاد المراتب الناقصة بالكاملة، فقد اثبتوا ان النفس فی وحدتها كل القوی و اقاموا علیها براهین مذكورة فی محالها.

و التنبهات العقلیة مثل أن البدن و أعضاءه الظاهرة و الباطنة دائما فی التبدل و التحلل و النفس بحالها و أن الإنسان الصحیح العقل قد یغفل عن البدن و أجزائه و لا یغفل بحال عن وجود ذاته و أنه قد یرید ما یمانعه البدن مثل الحركة إلی العلو.

و بالجملة قد اختلف كلمة الفریقین فی حقیقة النفس فقیل هی النار الساریة فی الهیكل المحسوس و قیل الهواء و قیل الماء و قیل العناصر الأربعة و المحبة و الغلبة أی الشهوة و الغضب و قیل الأخلاط الأربعة و قیل الدم و قیل نفس كل شخص مزاجه الخاص و قیل جزء لا یتجزأ فی القلب و كثیر من المتكلمین علی أنها الأجزاء الأصلیة الباقیة من أول العمر إلی آخره و كأن هذا مراد من قال هی هذا الهیكل المخصوص و البنیة المحسوسة أی التی من شأنها أن یحس بها و جمهورهم علی أنه جسم مخالف بالماهیة للجسم الذی یتولد منه الأعضاء نورانی علوی خفیف حی لذاته نافذ فی جواهر الأعضاء سار فیها سریان ماء الورد فی الورد و النار فی الفحم لا یتطرق إلیه تبدل و لا انحلال بقاؤه فی الأعضاء حیاة و انتقاله عنها إلی عالم الأرواح موت و قیل إنها أجسام لطیفة متكونة فی القلب ساریة فی الأعضاء من طریق الشرایین أی العروق الضاربة أو متكونة فی الدماغ نافذة فی الأعصاب الثابتة منه إلی جملة البدن.

و اختار المحققون من الفلاسفة و أهل الإسلام (1)

إلی أنها جوهر مجرد فی ذاته متعلق بالبدن تعلق التدبیر و التصرف و متعلقه أولا هو ما ذكره المتكلمون من الروح القلبی المتكون فی جوفه الأیسر من بخار الأغذیة و لطیفه و یفیده قوة بها یسری فی جمیع البدن فیفید كل عضو قوة بها یتم نفعه من القوی المذكورة فیما سبق احتج القائلون بأنها من قبیل الأجسام بوجوه الأول أن المدرك للكلیات أعنی النفس هو بعینه المدرك للجزئیات لأنا نحكم بالكلی علی الجزئی كقولنا هذه الحرارة حرارة و الحاكم بین الشیئین لا بد أن یتصورهما و المدرك للجزئیات جسم لأنا نعلم بالضرورة أنا إذا لمسنا النار كان المدرك لحرارتها هو العضو اللامس

ص: 69


1- 1. كذا، و الظاهر زیادة لفظة« الی».

و لأن غیر الإنسان من الحیوانات یدرك الجزئیات مع أن الاتفاق علی أنا لا نثبت لها نفوسا مجردة.

و رد بأنا لا نسلم أن المدرك لهذه الحرارة هو العضو اللامس بل النفس بواسطته و نحن لا ننازع فی أن المدرك للكلیات و الجزئیات هو النفس لكن للكلیات بالذات و للجزئیات بالآلات و إذا لم نجعل العضو مدركا أصلا لا یلزم أن یكون الإدراك مرتین و الإنسان مدركین علی ما قیل.

و یمكن دفعه بأنه یستلزم إما إثبات النفوس المجردة للحیوانات الأخر و إما جعل إحساساتها للقوی و الأعضاء و إحساسات الإنسان للنفس بواسطتها مع القطع بعدم التفاوت (1).

الثانی أن كل واحد منا یعلم قطعا أن المشار إلیه بأنا و هو النفس یتصف بأنه حاضر هناك و قائم و قاعد و ماش و واقف و نحو ذلك من خواص الأجسام و المتصف بخاصة الجسم جسم و قریب من ذلك ما یقال إن للبدن إدراكات هی بعینها إدراكات المشار إلیه بأنا أعنی النفس مثل إدراك حرارة النار و برودة الجمد و حلاوة العسل و غیر ذلك من المحسوسات فلو كانت النفس مجردة أو مغایرة للبدن امتنع أن تكون صفتها غیر صفته.

و الجواب أن المشار إلیه بأنا و إن كان هو النفس علی الحقیقة لكن كثیرا ما یشار به إلی البدن أیضا لشدة ما بینهما من التعلق فحیث یوصف بخواص الأجسام

ص: 70


1- 1. ثبوت مرتبة من التجرد لنفوس سائر الحیوانات مثل ما تثبت لنفوس الاطفال مما لا ینفیه برهان إن لم یكن ممّا یثبته: و اما دعوی القطع بعدم الفرق بین ادراك الإنسان و سائر الحیوانات فغیر مقبولة، فان القطع لو حصل فانما یحصل بمشابهة مبادئ الاحساس فی جمیع الحیوانات، و اما عدم اتّحاد بعض هذه المبادی بمبدإ أقوی و أكمل فی بعضها- و هو لنفس الناطقة فی الإنسان- فمما لا یسمع دعوی القطع فیه. و الافعال الصادرة من الإنسان كلها مستندة الی النفس، و منها ما یشترك بینها و بین النبات، فهل یصحّ دعوی القطع بعدم التفاوت بین الافعال المشتركة بینهما؟.

كالقیام و القعود و كإدراك المحسوسات عند من یجعل المدرك نفس الأعضاء و القوی لا النفس بواسطتها فالمراد به البدن و لیس معنی هذا الكلام أنها لشدة تعلقها بالبدن و استغراقها فی أحواله یغفل فیحكم علیها بما هو من خواص الأجسام كما فهمه صاحب الصحائف لیلزم كونها فی غایة الغفلة.

الثالث أنها لو كانت مجردة لكانت نسبتها إلی جمیع البدن علی السواء فلم یتعلق ببدن دون آخر و علی تقدیر التعلق جاز أن ینتقل من بدن إلی بدن آخر و حینئذ لم یصح الحكم بأن زیدا الآن هو الذی كان بالأمس.

و رد بأنا لا نسلم أن نسبتها إلی الكل علی السواء بل لكل نفس بدن لا یلیق بمزاجه و اعتداله إلا لتلك النفس الفائضة علیه بحسب استعداده الحاصل باعتداله الخا صلی اللّٰه علیه و آله (1).

الرابع النصوص الظاهرة من الكتاب و السنة تدل علی أنها تبقی بعد خراب البدن و تتصف بما هو من خواص الأجسام كالدخول فی النار و عرضها علیها و كالترفرف حول الجنازة و ككونها فی قنادیل من نور أو فی جوف طیور خضر و أمثال ذلك و لا خفاء

فی احتمال التأویل و كونها علی طریق التمثیل و لهذا تمسك بها القائلون بتجرد النفوس زعما منهم أن مجرد مغایرتها للبدن یفید ذلك.

و قد یستدل بأنه لا دلیل علی تجردها فیجب أن لا تكون مجردة لأن الشی ء إنما یثبت بدلیل و هو مع ابتنائه علی القاعدة الواهیة معارض بأنه لا دلیل علی كونها جسما أو جسمانیا فیجب أن لا یكون كذلك.

ثم قال و احتج القائلون بتجرد النفس بوجوه الأول أنها تكون محلا لأمور یمتنع حلولها فی المادیات و كل ما هو كذلك یكون مجردا بالضرورة أما بیان كونها محلا لأمور هذا شأنها فلأنها تتعقلها و قد سبق أن التعقل إنما یكون بحلول الصورة و انطباع المثال و المادی لا یكون

ص: 71


1- 1. هذا بناء علی تجرد النفس منذ أول وجودها، و أمّا بناء علی تجردها بالحركة الجوهریة و اتّحادها بالبدن فالجواب یصیر أوضح بكثیر.

صورة لغیر المادی و مثالا له. و أما بیان تلك الأمور و امتناع حلولها فی المادة فهو أن من جملة معقولاتها الواجب و إن لم تعقله بالكنه و الجواهر المجردة و إن لم نقل بوجودها فی الخارج إذ ربما تعقل المعنی فتحكم علیه بأنه موجود أو لیس بموجود و لا خفاء فی امتناع حلول صورة المجرد فی المادی.

و منها المعانی الكلیة التی لا تمنع نفس صورها(1)

الشركة كالإنسانیة المتناولة لزید و عمرو فإنها یمتنع اختصاصها بشی ء من المقادیر و الأوضاع و الكیفیات و غیر ذلك مما لا ینفك عنه الشی ء المادی فی الخارج بل یجب تجردها عن جمیع ذلك و إلا لم تكن متناولة لما لیس له ذلك و الحاصل أن الحلول فی المادة یستلزم الاختصاص بشی ء من المقادیر و الأوضاع و الكیفیات و الكلیة تنافی ذلك فلو لم تكن النفس مجردة لم تكن محلا للصورة الكلیة عاقلة لها و اللازم باطل.

و منها المعانی التی لا تقبل الانقسام كالوجود و الوحدة و النقطة و غیر ذلك و إلا لكان كل معقول مركبا من أجزاء غیر متناهیة بالفعل و هو محال و مع ذلك فالمطلوب و هو وجود ما لا ینقسم حاصل لأن الكثرة عبارة عن الوحدات و إذا كان من المعقولات ما هو واحد غیر منقسم لزم أن یكون محله العاقل له غیر جسم بل مجردا لأن الجسم و الجسمانی منقسم و انقسام المحل مستلزم لانقسام الحال فیما یكون الحلول لذات المحل كحلول السواد و الحركة و المقدار فی الجسم لا لطبیعة تلحقه كحلول النقطة فی الخط لتناهیه و كحلول الشكل فی السطح لكونه ذا نهایة أو أكثر و كحلول المحاذاة فی الجسم من حیث وجود جسم آخر علی وضع ما منه و كحلول الوحدة فی الأجزاء من حیث هی مجموع.

و منها المعانی التی لا یمكن اجتماعها إلا فی المجردات دون الجسم كالضدین و كعدة من الصور و الأشكال فإنه لا تزاحم بینها فی التعقل بل یتصورها و یحكم فیما بینها بامتناع الاجتماع فی محل واحد من المواد الخارجیة حكما ضروریا و هذا الوجه

ص: 72


1- 1. تصورها( ظ).

من الاحتجاج یمكن أن یجعل وجوها أربعة بأن یقال لو كانت النفس جسما لما كانت عاقلة للمجردات أو للكلیات أو للبسائط أو للمتمانعین.

و الجواب أن مبنی هذا الاحتجاج علی مقدمات غیر مسلمة عند الخصم منها أن تعقل الشی ء یكون بحلول صورة فی العاقل لا بمجرد إضافة بین العاقل و المعقول و منها أن النفس لو لم تكن مجردة لكانت منقسمة و لم یجز أن یكون جوهرا وضعیا غیر منقسم كالجزء الذی لا یتجزی و منها أن الشی ء إذا كان مجردا كانت صورته الإدراكیة مجردة یمتنع حلولها فی المادی و لم یجز أن تكون حاله فی جسم عاقل لكنها إذا وجدت فی الخارج كانت ذلك الشی ء المجرد و منها أن صورة الشی ء إذا اختصت بوضع و مقدار و كیفیة بحلولها فی جسم كذلك كان الشی ء أیضا مختصا بذلك و لم یجز أن یكون فی ذاته غیر مختص بشی ء من الأوضاع و الكیفیات و المقادیر و منها أن الشی ء إذا لم یقبل الانقسام كانت صورته الحاصلة فی العاقل كذلك و لم یجز أن تكون منقسمة بانقسام المحل العاقل مع كون الشی ء غیر منقسم لذاته و لا لحلوله فی منقسم و منها أن الشیئین إذا كانا بحیث یمتنع اجتماعهما فی محل كالسواد و البیاض كانت الصورتان الحاصلتان منهما فی الجوهر العاقل كذلك و قد سبق أن صورة الشی ء قد تخالفه فی كثیر من الأحكام و منها أن اجتماعهما فی العاقل لا یجوز أن یكون بقیام كل منهما بجزء منه و منها أن انقسام المحل یستلزم انقسام الحال فیه لذاته لیمتنع حلول البسیط فی العاقل الجسمانی المنقسم البتة بناء علی نفی الجزء الذی لا یتجزی و لا یخفی أن بعض هذه المقدمات مما قامت علیه الحجة أقول ثم ذكر حججا أخری لهم أعرضنا عنها و عن أجوبتها حذرا من الإطناب (1).

و قال شارح المواقف مذاهب المنكرین لتجرد النفس الناطقة كثیرة لكن المشهور منها تسعة

ص: 73


1- 1. ذكر الحكماء لاثبات تجرد النفس عشرة براهین اخری، فعلی من أراد الاطلاع علیها الرجوع الی كتبهم المفصلة لا سیما الاسفار الأربعة.

الأول لابن الراوندی أنه جزء لا یتجزی فی القلب بدلیل عدم الانقسام مع نفی المجردات الممكنة.

الثانی للنظام أنه أجزاء هی أجسام لطیفة ساریة فی البدن سریان ماء الورد فی الورد باقیة من أول العمر إلی آخره لا یتطرق إلیها تحلل و تبدل حتی إذا قطع جزء من البدن انقبض ما فیه من تلك الأجزاء إلی سائر الأعضاء إنما المتحلل و المتبدل من البدن فضل ینضم إلیه و ینفصل عنه إذ كل أحد یعلم أنه باق من أول عمره إلی آخره و لا شك أن المتبدل لیس كذلك.

الثالث أنه قوة فی الدماغ و قیل فی القلب. الرابع أنه ثلاث قوی إحداها فی القلب و هی الحیوانیة و الثانیة فی الكبد و هی النباتیة و الثالثة فی الدماغ و هی النفسانیة.

الخامس أنه الهیكل المخصوص و هو المختار عند جمهور المتكلمین.

السادس أنها الأخلاط الأربعة المعتدلة كما و كیفا.

السابع أنه اعتدال المزاج النوعی.

الثامن أنه الدم المعتدل إذ بكثرته و اعتداله تقوی الحیاة و بالعكس.

التاسع أنه الهواء إذ بانقطاعها طرفة عین تنقطع الحیاة فالبدن بمنزلة الزق المنفوخ فیه.

ثم قال و اعلم أن شیئا من ذلك لم یقم علیه دلیل و ما ذكروه لا یصلح للتعویل علیه ثم قال تعلق النفس بالبدن لیس تعلقا ضعیفا یسهل زواله بأدنی سبب مع بقاء المتعلق بحاله كتعلق الجسم بمكانه و إلا تمكنت النفس من مفارقة البدن بمجرد المشیئة من غیر حاجة إلی أمر آخر و لیس أیضا تعلقا فی غایة القوة بحیث إذا زال التعلق بطل المتعلق مثل تعلق الأعراض و الصور المادیة بمحالها لما عرفت من أنها مجردة بذاتها غنیة عما یحل فیه بل هو تعلق متوسط بین بین كتعلق الصانع بالآلات التی یحتاج إلیها فی أفعاله المختلفة و من ثم قیل هو تعلق العاشق بالمعشوق عشقا جلیا إلهامیا فلا ینقطع ما دام البدن صالحا لأن یتعلق به النفس أ لا تری أنه

ص: 74

تحبه و لا تمله مع طول الصحبة و تكره مفارقته و ذلك لتوقف كمالاتها و لذاتها العقلیة و الحسیة علیه فإنها فی مبدإ خلقتها خالیة عن الصفات الفاضلة كلها فاحتاجت إلی آلات تعینها علی اكتساب تلك الكمالات و إلی أن تكون تلك الآلات مختلفة فیكون لها بحسب كل آلة فعل خاص حتی إذا حاولت فعلا خاصا كالإبصار مثلا التفتت إلی العین فتقوی بها علی الإبصار التام و كذا الحال فی سائر الأفعال و لو اتحدت الآلة لاختلطت الأفعال و لم یحصل لها شی ء منها علی الكمال و إذا حصلت لها الإحساسات توصلت منها إلی الإدراكات الكلیة و نالت حظها من العلوم و الأخلاق المرضیة و ترقت إلی لذاتها العقلیة بعد احتظائها باللذات الحسیة فتعلقها بالبدن علی وجه التدبیر كتعلق العاشق فی القوة بل أقوی منه بكثیر و إنما تتعلق من البدن أولا بالروح القلبی المتكون فی جوفه الأیسر من بخار الغذاء و لطیفه فإن القلب له تجویف فی جانبه الأیسر یجذب إلیه لطیف الدم فیبخره بحرارته المفرطة فذلك البخار هو المسمی بالروح عند الأطباء و عرف كونه أول متعلق للنفس بأن شد الأعصاب یبطل قوی الحس و الحركة عما وراء موضع الشد و لا یبطلهما مما یلی جهة الدماغ و أیضا التجارب الطبیة تشهد بذلك و تفید النفس الروح بواسطة التعلق قوة بها یسری الروح إلی جمیع البدن فیفید الروح الحامل لتلك القوة كل عضو قوة بها یتم نفعه من القوی التی فصلناها فیما قبل و هذا كله عندنا للقادر المختار ابتداء و لا حاجة إلی إثبات القوی كما مر مرارا انتهی.

و قال المحقق القاسانی فی روض الجنان اعلم أن المذاهب فی حقیقة النفس كما هی الدائرة فی الألسنة و المذكورة فی الكتب المشهورة أربعة عشر مذهبا الأول هذا الهیكل المحسوس المعبر عنه بالبدن.

الثانی أنها القلب أعنی العضو الصنوبری اللحمانی المخصوص.

الثالث أنها الدماغ.

الرابع أنها أجزاء لا تتجزی فی القلب و هو مذهب النظام و متابعیه.

الخامس أنها الأجزاء الأصلیة المتولدة من المنی.

ص: 75

السادس أنها المزاج.

السابع أنها الروح الحیوانی و یقرب منه ما قیل إنها جسم لطیف سار فی البدن سریان الماء فی الورد و الدهن فی السمسم.

الثامن أنها الماء.

التاسع أنها النار و الحرارة الغریزیة.

العاشر أنها النفس.

الحادی عشر أنها هی الواجب تعالی عما یقول الظالمون علوا كبیرا.

الثانی عشر أنها الأركان الأربعة.

الثالث عشر أنها صورة نوعیة قائمة بمادة البدن و هو مذهب الطبیعیین.

الرابع عشر أنها جوهر مجرد عن المادة الجسمیة و عوارض الجسم لها تعلق بالبدن تعلق التدبیر و التصرف و الموت إنما هو قطع هذا التعلق و هذا هو مذهب الحكماء الإلهیین و أكابر الصوفیة و الإشراقیین و علیه استقر رأی المحققین المتكلمین كالرازی و الغزالی و المحقق الطوسی و غیرهم من الأعلام و هو الذی أشارت إلیه الكتب السماویة و انطوت علیه الأنباء النبویة و قادت علیه الأمارات الحدسیة و المكاشفات الذوقیة انتهی.

و قال فی الصحائف الإلهیة النفس إما أن یكون جسما أو جسمانیا أو لا هذا و لا ذاك فإن كان جسما فإما أن یكون هذا الهیكل المحسوس و مال إلیه كثیر من المتكلمین و هو ضعیف و إما أن یكون جسما داخلا فیه و فیه عشر أقوال الأول قول أفلوطرخس أنه النار الساریة فیه لأن خاصیة النار الإشراق و الحركة و خاصیة النفس الحركة و الإدراك و الإدراك إشراق و یتأید بقول الأطباء مدبر البدن الحرارة الغریزیة.

الثانی قول دیوجامس أنه الهواء لأنه لطیف نافذ فی المنافذ الضیقة قابل للأشكال المختلفة و یحرك الجسم الذی هو فیه كالزق المنفوخ فیه و النفس كذلك فالنفس الهواء.

ص: 76

الثالث قول ثالیس الملطی أنه الماء لأن الماء سبب النمو و النشوء و النفس كذلك و هذه الوجوه ضعیفة لأنها مركبة من موجبتین فی الشكل الثانی.

الرابع قول أنباذقلس أنه العناصر الأربعة و المحبة و الغلبة.

الخامس قول طائفة من الطبیعیین أنه الأخلاط الأربعة لأن بقاءها بكیفیاتها و كمیاتها المخصوصة سبب لبقاء الحیاة بالدوران و هو ضعیف إذ الدوران لا یفید الیقین.

السادس أنه الدم لأنه أشرف الأخلاط.

السابع أنه أجسام لطیفة حیة لذواتها ساریة فی الأعضاء و الأخلاط لا یتطرق إلیها انحلال و تبدل و بقاؤها فیها هو الحیاة و انفصالها عنها هو الموت.

الثامن أنه أجسام لطیفة متكونة فی البطن یشوب القلب و ینفذ من الشرایین إلی جملة البدن.

التاسع أنه أرواح متكونة فی الدماغ تصلح لقبول قوی الحس و الحركة تنفذ فی الأعصاب إلی جملة البدن.

العاشر أنه أجزاء أصلیة باقیة من أول العمر إلی آخره و هو اختیار محققی المتكلمین.

و إن كان جسمانیا ففیها أقوال الأول أنه المزاج و هو قول أكثر الأطباء.

الثانی أنه صفة للحیاة.

الثالث أنه الشكل و التخطیط.

الرابع أنه تناسب الأركان و الأخلاط.

و إن لم یكن جسما و لا جسمانیا فهو إما متحیز و هو قول ابن الراوندی لأنه قال إنه جزء لا یتجزی فی القلب أو غیر متحیز و هو قول جمهور الفلاسفة و معمر من قدماء المعتزلة و أكثر الإمامیة و الغزالی و الراغب و ذهب فرفوریوس إلی اتحاد النفس بالبدن.

ص: 77

ثم قال بعد إیراد بعض الدلائل و الأجوبة من الجانبین فالحق أنها جوهر لطیف نورانی مدرك للجزئیات و الكلیات حاصل فی البدن متصرف فیه غنی عن الاغتذاء بری ء عن التحلل و النماء و لم یبعد أن یبقی مثل هذا الجوهر بعد فناء البدن و یلتذ بما یلائمه

و یتألم بما یباینه هذا تحقیق ما تحقق عندی من حقیقة النفس انتهی و قال الصدوق رضی اللّٰه عنه فی رسالة العقائد اعتقادنا فی النفوس أنها الأرواح التی بها الحیاة و أنها الخلق الأول

لِقَوْلِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: أَوَّلُ مَا أَبْدَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی هِیَ النُّفُوسُ الْمُقَدَّسَةُ الْمُطَهَّرَةُ فَأَنْطَقَهَا بِتَوْحِیدِهِ ثُمَّ خَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ سَائِرَ خَلْقِهِ.

و اعتقادنا فیها أنها خلقت للبقاء و لم تخلق للفناء

لِقَوْلِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: مَا خُلِقْتُمْ لِلْفَنَاءِ بَلْ خُلِقْتُمْ لِلْبَقَاءِ وَ إِنَّمَا تُنْقَلُونَ مِنْ دَارٍ إِلَی دَارٍ.

و أنها فی الأرض غریبة و فی الأبدان مسجونة و اعتقادنا فیها أنها إذا فارقت الأبدان فهی باقیة منها منعمة و منها معذبة إلی أن یردها اللّٰه عز و جل بقدرته إلی أبدانها

وَ قَالَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ لِلْحَوَارِیِّینَ: بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَا یَصْعَدُ إِلَی السَّمَاءِ إِلَّا مَا نَزَلَ مِنْهَا.

و قال اللّٰه جل ثناؤه وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَی الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ (1) فما لم ترفع منها إلی الملكوت بقی هو فی الهاویة و ذلك لأن الجنة درجات و النار دركات و قال اللّٰه عز و جل تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَیْهِ (2) و قال عز و جل إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ فِی مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِیكٍ مُقْتَدِرٍ(3) و قال اللّٰه تعالی وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ فَرِحِینَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ یَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ (4) و قال اللّٰه تعالی وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ یُقْتَلُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْیاءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ (5)

وَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله:

ص: 78


1- 1. الأعراف: 176.
2- 2. المعارج: 4.
3- 3. القمر: 54- 55.
4- 4. آل عمران: 169- 170.
5- 5. البقرة: 154.

الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.

وَ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی آخَی بَیْنَ الْأَرْوَاحِ فِی الْأَظِلَّةِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْأَبْدَانَ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَلَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ لَوَرِثَ الْأَخُ الَّذِی آخَی بَیْنَهُمَا فِی الْأَظِلَّةِ وَ لَمْ یَرِثِ الْأَخُ مِنَ الْوِلَادَةِ.

وَ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: إِنَّ الْأَرْوَاحَ لَتَلْتَقِی فِی الْهَوَاءِ فَتَتَعَارَفُ وَ تَسَاءَلُ فَإِذَا أَقْبَلَ رُوحٌ مِنَ الْأَرْضِ قَالَتِ الْأَرْوَاحُ دَعُوهُ فَقَدْ أَفْلَتَ مِنْ هَوْلٍ عَظِیمٍ ثُمَّ سَأَلُوهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ فَكُلَّمَا قَالَ قَدْ بَقِیَ رَجَوْهُ أَنْ یَلْحَقَ بِهِمْ وَ كُلَّمَا قَالَ قَدْ مَاتَ قَالُوا هَوَی هَوَی.

ثم قال قدس سره و الاعتقاد فی الروح أنه لیس من جنس البدن فإنه خلق آخر لقوله تعالی ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ (1) و اعتقادنا فی الأنبیاء و الرسل و الأئمة علیهم السلام أن فیهم خمسة أرواح روح القدس و روح الإیمان و روح القوة و روح الشهوة و روح المدرج و فی المؤمنین أربعة أرواح روح الإیمان و روح القوة و روح الشهوة و روح المدرج و فی الكافرین و البهائم ثلاثة أرواح روح القوة و روح الشهوة و روح المدرج و أما قوله تعالی یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی (2) فإنه خلق أعظم من جبرئیل و میكائیل كان مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و مع الأئمة علیهم السلام و هو من الملكوت.

و قال الشیخ المفید نور اللّٰه ضریحه فی شرحه علی العقائد كلام أبی جعفر فی النفس و الروح علی مذهب الحدس دون التحقیق و لو اقتصر علی الأخبار و لم یتعاط ذكر معانیها كان أسلم له من الدخول فی باب یضیق عنه سلوكه ثم قال رحمه اللّٰه النفس عبارة عن معان أحدها ذات الشی ء و الآخر الدم السائل و الآخر النفس الذی هو الهواء و الرابع هو الهوی و میل الطبع فأما شاهد المعنی الأول فهو قولهم هذا نفس الشی ء أی ذاته و عینه و شاهد الثانی قولهم كلما كانت النفس سائلة فحكمه كذا و كذا و شاهد الثالث قولهم فلان هلكت نفسه إذا انقطع نفسه و لم یبق

ص: 79


1- 1. المؤمنون: 14.
2- 2. الإسراء، 85.

فی جسمه هواء یخرج من حواسه و شاهد الرابع قول اللّٰه تعالی إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ(1) یعنی الهوی داع إلی القبیح و قد یعبر عن النفس بالنقم قال اللّٰه تعالی وَ یُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ (2) یرید نقمته و عقابه فأما الروح فعبارة عن معان أحدها الحیاة و الثانی القرآن و الثالث ملك من ملائكة اللّٰه تعالی و الرابع جبرئیل علیه السلام فشاهد الأول قولهم كل ذی روح فحكمه كذا یریدون كل ذی حیاة و قولهم فیمن مات قد خرجت منه الروح یعنون الحیاة و قولهم فی الجنین صورة لم یلجه الروح یریدون لم تلجه الحیاة و شاهد الثانی قوله تعالی وَ كَذلِكَ أَوْحَیْنا إِلَیْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا(3) یعنی القرآن و شاهد الثالث قوله یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ الآیة(4) و شاهد الرابع قوله تعالی قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ (5) یعنی جبرئیل علیه السلام و أما ما ذكره أبو جعفر و رواه أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد

بألفی عام فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف فهو حدیث من (6)

أحادیث الآحاد و خبر من طرق الأفراد و له وجه غیر ما ظنه من لا علم له بحقائق الأشیاء و هو أن اللّٰه تعالی خلق الملائكة قبل البشر بألفی عام فما تعارف منها قبل خلق البشر ائتلف عند خلق البشر و ما لم یتعارف منها إذ ذاك اختلف بعد خلق البشر و لیس الأمر كما ظنه أصحاب التناسخ و دخلت الشبهة فیه علی حشویة الشیعة فتوهموا أن الذوات الفعالة المأمورة المنهیة كانت مخلوقة فی الذر و تتعارف و تعقل و تفهم و تنطق ثم خلق اللّٰه لها أجسادا من بعد ذلك فركبها فیها و لو كان ذلك كذلك لكنا نعرف نحن ما كنا علیه و إذا ذكرنا به ذكرناه و لا یخفی علینا الحال فیه أ لا تری أن من نشأ ببلد من البلاد فأقام فیه حولا ثم انتقل إلی غیره لم یذهب عنه علم ذلك و إن خفی

ص: 80


1- 1. یوسف: 53.
2- 2. آل عمران: 28- 30.
3- 3. الشوری: 52.
4- 4. النبأ: 38.
5- 5. النحل: 102.
6- 6. الأحادیث( ظ).

علیه لسهوه عنه فیذكر به ذكره و لو لا أن الأمر كذلك لجاز أن یولد منا إنسان ببغداد و ینشأ بها و یقیم عشرین سنة فیها ثم ینتقل إلی مصر آخر فینسی حاله ببغداد و لا یذكر منها شیئا و إن ذكر به و عدد علیه علامات حاله و مكانه و نشوئه و هذا ما لا یذهب إلیه عاقل و الذی صرح به أبو جعفر رحمه اللّٰه فی معنی الروح و النفس هو قول التناسخیة بعینه من غیر أن یعلم أنه قولهم فالجنایة بذلك علی نفسه و غیره عظیمة فأما ما ذكره من أن الأنفس باقیة فعبارة مذمومة و لفظ یضاد ألفاظ القرآن قال اللّٰه تعالی كُلُّ مَنْ عَلَیْها فانٍ وَ یَبْقی وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ (1) و الذی حكاه من ذلك و توهمه هو مذهب كثیر من الفلاسفة الملحدین الذین زعموا أن الأنفس لا یلحقها الكون و الفساد و أنها باقیة و إنما تفنی و تفسد الأجسام المركبة و إلی هذا ذهب بعض أصحاب التناسخ و زعموا أن الأنفس لم تزل تتكرر فی الصور و الهیاكل لم تحدث و لم تفن و لن تعدم و أنها باقیة غیر فانیة و هذا من أخبث قول و أبعده من الصواب و ما دونه فی الشناعة و الفساد شنع به الناصبة علی الشیعة و نسبوهم به إلی الزندقة و لو عرف مثبته ما فیه لما تعرض له لكن أصحابنا المتعلقین بالأخبار أصحاب سلامة و بعد ذهن و قلة فطنة یمرون علی وجوههم فیما سمعوه من الأحادیث و لا ینظرون فی سندها و لا یفرقون بین حقها و باطلها و لا یفهمون ما یدخل علیهم فی إثباتها و لا یحصلون معانی ما یطلقونه منها.

و الذی ثبت من الحدیث فی هذا الباب أن الأرواح بعد موت الأجساد علی ضربین منها ما ینقل إلی الثواب و العقاب و منها ما یبطل فلا یشعر بثواب و لا عقاب

وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام مَا ذَكَرْنَا فِی هَذَا الْمَعْنَی وَ بَیَّنَّاهُ: وَ سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ فِی هَذِهِ الدَّارِ أَیْنَ تَكُونُ رُوحُهُ فَقَالَ مَنْ مَاتَ وَ هُوَ مَاحِضٌ لِلْإِیمَانِ مَحْضاً أَوْ مَاحِضٌ لِلْكُفْرِ مَحْضاً نُقِلَتْ رُوحُهُ مِنْ هَیْكَلِهِ إِلَی مِثْلِهِ فِی الصُّورَةِ وَ جُوزِیَ بِأَعْمَالِهِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَإِذَا بَعَثَ اللَّهُ مَنْ فِی الْقُبُورِ أَنْشَأَ جِسْمَهُ وَ رَدَّ رُوحَهُ إِلَی جَسَدِهِ وَ حَشَرَهُ لِیُوَفِّیَهُ أَعْمَالَهُ فَالْمُؤْمِنُ یَنْتَقِلُ رُوحُهُ مِنْ جَسَدِهِ إِلَی مِثْلِ جَسَدِهِ فِی الصُّورَةِ فَیُجْعَلُ فِی جِنَانٍ مِنْ جِنَانِ اللَّهِ یَتَنَعَّمُ

ص: 81


1- 1. الرحمن: 26- 27.

فِیهَا إِلَی یَوْمِ الْمَآبِ وَ الْكَافِرُ یَنْتَقِلُ رُوحُهُ مِنْ جَسَدِهِ إِلَی مِثْلِهِ بِعَیْنِهِ وَ یُجْعَلُ فِی النَّارِ فَیُعَذَّبُ بِهَا إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

و شاهد ذلك فی المؤمن قوله تعالی قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِی رَبِّی (1) و شاهد ما ذكرناه فی الكافر قوله تعالی النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها غُدُوًّا وَ عَشِیًّا(2) فأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعد موته و قد أدخل الجنة یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ و أخبر أن كافرا یعذب بعد موته غُدُوًّا وَ عَشِیًّا و یوم یقوم الساعة یخلد فی النار.

و الضرب الآخر من یلهی عنه و یعدم نفسه عند فساد جسمه فلا یشعر بشی ء حتی یبعث و هو من لم یمحض الإیمان محضا و لا الكفر محضا و قد بین اللّٰه ذلك عند قوله إِذْ یَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِیقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا یَوْماً(3) فبین أن قوما عند الحشر لا یعلمون مقدار لبثهم فی القبور حتی یظن بعضهم أن ذلك كان عشرا و یظن بعضهم أن ذلك كان یوما و لیس یجوز أن یكون ذلك من وصف من عذب إلی بعثه و نعم إلی بعثه لأن من لم یزل منعما أو معذبا لا یجهل علیه حاله فیما عومل به و لا یلتبس علیه الأمر فی بقائه بعد وفاته

وَ قَدْ رُوِیَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا یُسْأَلُ فِی قَبْرِهِ مَنْ مَحَضَ الْإِیمَانَ مَحْضاً أَوْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً فَأَمَّا مَا سِوَی هَذَیْنِ فَإِنَّهُ یُلْهَی عَنْهُ.

وَ قَالَ: فِی الرَّجْعَةِ إِنَّمَا یَرْجِعُ إِلَی الدُّنْیَا عِنْدَ قِیَامِ الْقَائِمِ مَنْ مَحَضَ الْإِیمَانَ أَوْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً فَأَمَّا مَا سِوَی هَذَیْنِ فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ إِلَی یَوْمِ الْمَآبِ.

و قد اختلف أصحابنا فیمن ینعم و یعذب بعد موته فقال بعضهم المعذب و المنعم هو الروح التی توجه إلیها الأمر و النهی و التكلیف سموها جوهرا و قال آخرون بل الروح الحیاة جعلت فی جسد كجسده فی دار الدنیا و كلا الأمرین یجوزان فی العقل و الأظهر عندی قول من قال إنها الجوهر المخاطب و هو الذی

ص: 82


1- 1. یس: 26- 27.
2- 2. المؤمن: 46.
3- 3. طه: 104.

یسمیه الفلاسفة البسیط و قد جاء فی الحدیث أن الأنبیاء(1) خاصة و الأئمة من بعده ینقلون بأجسادهم و أرواحهم من الأرض إلی السماء فیتنعمون فی أجسادهم التی كانوا فیها عند مقامهم فی الدنیا و هذا خاص لحجج اللّٰه دون من سواهم من الناس

وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّی عَلَیَّ مِنْ عِنْدِ قَبْرِی سَمِعْتُهُ وَ مَنْ صَلَّی عَلَیَّ مِنْ بَعِیدٍ بُلِّغْتُهُ.

وَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: مَنْ صَلَّی عَلَیَّ مَرَّةً صَلَّیْتُ عَلَیْهِ عَشْراً وَ مَنْ صَلَّی عَلَیَّ عَشْراً صَلَّیْتُ عَلَیْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ فَلْیُكْثِرِ امْرُؤٌ مِنْكُمُ الصَّلَاةَ عَلَیَّ أَوْ فَلْیُقِلَّ.

فبین أنه صلی اللّٰه علیه و آله بعد خروجه من الدنیا یسمع الصلاة علیه و لا یكون كذلك إلا و هو حی عند اللّٰه تعالی و كذلك أئمة الهدی یسمعون سلام المسلم علیهم من قرب و یبلغهم سلامه من بعد و بذلك جاءت الآثار الصادقة عنهم و قد قال وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ الآیة(2) إلی آخر ما مر فی كتاب المعاد أقول و قد تكلمنا علیه هناك فلا نعیده و قال المفید قدس اللّٰه روحه فی كتاب المسائل القول فی تنعم أصحاب القبور و تعذیبهم علی أی شی ء یكون الثواب لهم و العقاب و من أی وجه یصل إلیهم ذلك و كیف تكون صورهم فی تلك الأحوال.

و أقول إن اللّٰه تعالی یجعل لهم أجساما كأجسامهم فی دار الدنیا ینعم مؤمنیهم فیها و یعذب كفارهم و فساقهم فیها دون أجسامهم التی فی القبور یشاهدها الناظرون تتفرق و تندرس و تبلی علی مرور الأوقات و ینالهم ذلك فی غیر أماكنهم من القبور و هذا یستمر علی مذهبی فی النفس و معنی الإنسان المكلف عندی و هو الشی ء المحدث القائم بنفسه الخارج عن صفات الجواهر و الأعراض و مضی به روایات عن الصادقین من آل محمد علیهم السلام و لست أعرف لمتكلم من الإمامیة قبلی فیه مذهبا فأحكمه و لا أعلم بینی و بین فقهاء الإمامیة و أصحاب الحدیث فیه اختلافا.

و قال السید المرتضی رضی اللّٰه عنه فی أجوبة المسائل العكبریة حین سئل عن

ص: 83


1- 1. كذا، و الظاهر ان الصواب« نبیّنا» بقرینة قوله« من بعده».
2- 2. آل عمران: 169.

قول اللّٰه تعالی وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ (1) و قال فهل یكون الرزق لغیر جسم و ما صورة هذه الحیاة فإنا مجمعون علی أن الجواهر لا تتلاشی فما الفرق حینئذ فی الحیاة بین المؤمن و الكافر فأجاب قدس اللّٰه لطیفه أن الرزق لا یكون عندنا إلا للحیوان و الحیوان عندنا لیسوا بأجسام بل ذوات أخرجوا فی هذه الدار إلی الأجساد و تعذر علیهم كثیر من الأفعال إلا بها و صارت آلتهم فی الأفعال الأجساد فإن أغنوا عنها بعد الوفاة جاز أن یرزقوا مع عدمها رزقا تحصل لهم اللذات و إن ردوا إلیها كان الرزق لهم حینئذ بحسبه فی الدنیا علی السواء.

فأما قوله ما صورة هذه الحیاة فالحیاة لا صورة لها لأنها عرض من الأعراض و هی تقوم بالذات الفعال دون الأجساد التی تقوم بها حیاة النمو دون الحیاة التی هی شرط فی العلم و القدرة و نحوهما من الأعراض.

و قوله إنا مجمعون علی أن الجواهر لا تتلاشی فلیس ذلك كما ظن و لو كان الأمر فیه ما توهم لامتنع أن یوجد الحیاة لبعض الجواهر و یرفع عن بعض كما یوجد حیاة النمو لبعض الأجساد و یرفع عن بعض علی الاتفاق و لو قلنا إن الحیاة بعد النقلة من

هذه الدار یعم أهل الكفر و الإیمان لم یفسد ذلك علینا أصلا فی الدین فكانت الحیاة لأهل الإیمان شرطا فی وصول اللذات إلیهم و الحیاة لأهل الكفر شرطا فی وصول الآلام إلیهم بالعقاب.

و قال رضی اللّٰه عنه فی أجوبة المسائل التی وردت علیه من الری حین سئل عن الروح الصحیح عندنا أن الروح عبارة عن الهواء المتردد فی مخارق الحی منا الذی لا یثبت كونه حیا إلا مع تردده و لهذا لا یسمی ما یتردد فی مخارق الجماد روحا فالروح جسم علی هذه القاعدة. أقول

وَ قَدْ رَوَی بَعْضُ الصُّوفِیَّةِ فِی كُتُبِهِمْ عَنْ كُمَیْلِ بْنِ زِیَادٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ

ص: 84


1- 1. آل عمران: 169.

مَوْلَانَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیّاً علیه السلام فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أُرِیدُ أَنْ تُعَرِّفَنِی نَفْسِی قَالَ یَا كُمَیْلُ وَ أَیَّ الْأَنْفُسِ تُرِیدُ أَنْ أُعَرِّفَكَ قُلْتُ یَا مَوْلَایَ هَلْ هِیَ إِلَّا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ قَالَ یَا كُمَیْلُ إِنَّمَا هِیَ أَرْبَعَةٌ النَّامِیَةُ النَّبَاتِیَّةُ وَ الْحِسِّیَّةُ الْحَیَوَانِیَّةُ وَ النَّاطِقَةُ الْقُدْسِیَّةُ وَ الْكُلِّیَّةُ الْإِلَهِیَّةُ وَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ خَمْسُ قُوًی وَ خَاصِیَّتَانِ فَالنَّامِیَةُ النَّبَاتِیَّةُ لَهَا خَمْسُ قُوًی مَاسِكَةٌ وَ جَاذِبَةٌ وَ هَاضِمَةٌ وَ دَافِعَةٌ وَ مُرَبِّیَةٌ وَ لَهَا خَاصِیَّتَانِ الزِّیَادَةُ وَ النُّقْصَانُ وَ انْبِعَاثُهَا مِنَ الْكَبِدِ وَ الْحِسِّیَّةُ الْحَیَوَانِیَّةُ لَهَا خَمْسُ قُوًی سَمْعٌ وَ بَصَرٌ وَ شَمٌّ وَ ذَوْقٌ وَ لَمْسٌ وَ لَهَا خَاصِیَّتَانِ الرِّضَا وَ الْغَضَبُ وَ انْبِعَاثُهَا مِنَ الْقَلْبِ وَ النَّاطِقَةُ الْقُدْسِیَّةُ لَهَا خَمْسُ قُوًی فِكْرٌ وَ ذِكْرٌ وَ عِلْمٌ وَ حِلْمٌ وَ نَبَاهَةٌ وَ لَیْسَ لَهَا انْبِعَاثٌ وَ هِیَ أَشْبَهُ الْأَشْیَاءِ بِالنُّفُوسِ الْفَلَكِیَّةِ وَ لَهَا خَاصِیَّتَانِ النَّزَاهَةُ وَ الْحِكْمَةُ وَ الْكُلِّیَّةُ الْإِلَهِیَّةُ لَهَا خَمْسُ قُوًی بَهَاءٌ فِی فَنَاءٍ وَ نَعِیمٌ فِی شَقَاءٍ وَ عِزٌّ فِی ذُلٍّ وَ فَقْرٌ فِی غَنَاءٍ وَ صَبْرٌ فِی بَلَاءٍ وَ لَهَا خَاصِیَّتَانِ الرِّضَا وَ التَّسْلِیمُ وَ هَذِهِ الَّتِی مَبْدَؤُهَا مِنَ اللَّهِ وَ إِلَیْهِ تَعُودُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی (1) وَ قَالَ تَعَالَی یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِی إِلی رَبِّكِ راضِیَةً(2) وَ الْعَقْلُ فِی وَسَطِ الْكُلِّ.

أقول: هذه الاصطلاحات لم تكد توجد فی الأخبار المعتبرة المتداولة و هی شبیهة بأضغاث أحلام الصوفیة و قال بعضهم فی شرح هذا الخبر النفسان الأولیان فی كلامه علیه السلام مختصان بالجهة الحیوانیة التی هی محل اللذة و الألم فی الدنیا و الآخرة و الأخیرتان بالجهة الإنسانیة و هما سعیدة فی النشأتین و سمیا الأخیرة فإنها لا حظ لها من الشقاء لأنها لیست من عالم الشقاء بل هی منفوخة من روح اللّٰه فلا یتطرق إلیها ألم هناك من وجه و لیست هی موجودة فی أكثر الناس بل ربما لم یبلغ من ألوف كثیرة واحد إلیها و كذلك الأعضاء و الجوارح بمعزل عن اللذة و الألم أ لا تری إلی المریض إذا نام و هو حی و الحس عنده موجود و الجرح الذی یتألم به فی یقظته موجود فی العضو و مع هذا لا یجد ألما لأن الواجد للألم قد صرف وجهه عن عالم الشهادة

ص: 85


1- 1. الحجر: 29.
2- 2. الفجر: 27- 28.

إلی البرزخ فما عنده خیر فإذا استیقظ المریض أی رجع إلی عالم الشهادة و نزل منزل الحواس قامت به الأوجاع و الآلام فإن كان فی البرزخ فی ألم كما فی رؤیا مفزعة مولمة أو فی لذة كما فی رؤیا حسنة ملذة انتقل منه الألم و اللذة حیث انتقل و كذلك حاله فی الآخرة انتهی.

و قال العلامة الحلی نور اللّٰه مرقده فی كتاب معارج الفهم اختلف الناس فی حقیقة النفس ما هی و تحریر الأقوال الممكنة فیها أن النفس إما أن تكون جوهرا أو عرضا أو مركبا منهما و إن كانت جوهرا فإما أن تكون متحیزة أو غیر متحیزة و إن كانت متحیزة فإما أن تكون منقسمة أو لا تكون و قد صار إلی كل من هذه الأقوال قائل و المشهور مذهبان أحدهما أن النفس جوهر مجرد لیس بجسم و لا حال فی الجسم و هو مدبر لهذا البدن و هو قول جمهور الحكماء و مأثور عن شیخنا المفید و بنی نوبخت من أصحابنا و الثانی أنها جوهر أصلیة فی هذا البدن حاصلة فیه من أول العمر إلی آخره لا یتطرق إلیها التغیر و لا الزیادة و لا النقصان و عند المعتزلة عبارة عن الهیكل المشاهد المحسوس و هاهنا مذاهب أخری منها أن النفس هو اللّٰه تعالی و منها أنها هی المزاج و منها أنها النفس و منها أنها النار و منها أنها الهواء و غیر ذلك من المذاهب السخیفة انتهی.

و قال المحقق الطوسی قدس اللّٰه روحه فی التجرید هی جوهر مجرد و قال العلامة رفع اللّٰه مقامه فی شرحه اختلف الناس فی ماهیة النفس و أنها هل هی جوهر أم لا و القائلون بأنها جوهر اختلفوا فی أنها هل هی مجردة أم لا و المشهور عند الأوائل و جماعة من المتكلمین كبنی نوبخت من الإمامیة و المفید منهم و الغزالی من الآشاعرة أنها جوهر مجرد لیس بجسم و لا جسمانی و هو الذی اختاره المصنف انتهی.

و قال المحقق الطوسی رحمه اللّٰه أیضا فی كتاب الفصول الذی یشیر إلیه الإنسان حال قوله أنا لو كان عرضا لاحتاج إلی محل یتصف به لكن لا یتصف بالإنسان شی ء بالضرورة بل یتصف هو بأوصاف هی غیره فیكون جوهرا و لو كان

ص: 86

هو البدن أو شی ء من جوارحه لم یتصف بالعلم لكنه یتصف به الضرورة فیكون جوهرا عالما و البدن و سائر الجوارح آلاته فی أفعاله و نحن نسمیه هاهنا الروح انتهی.

و توقف رحمه اللّٰه فی رسالة قواعد العقائد و اكتفی بذكر الأقوال حیث قال المسألة الثانیة فی أقوال الناس فی حقیقة الإنسان و أنها أی شی ء هی اختلفوا فی حقیقة فبعضهم قالوا إن الإنسان هو الهیكل المشاهد و بعضهم قالوا هو أجزاء أصلیة داخلیة فی تركیب الإنسان لا یزید بالنمو و لا ینقص بالذبول و قال النظام هو جسم لطیف فی داخل الإنسان سار فی أعضائه فإذا قطع منه عضو تقلص ما فیه إلی باقی ذلك الجسم و إذا قطع بحیث انقطع ذلك الجسم مات الإنسان و قال ابن الراوندی هو جوهر لا یتجزی فی القلب و بعضهم قالوا هو الأخلاط الأربعة و بعضهم قالوا هو الروح و هو جوهر مركب من بخاریة الأخلاط و لطیفها مسكنه الأعضاء الرئیسة التی هی القلب و الدماغ و الكبد و منها ینفذ الروح فی العروق و الأعصاب إلی سائر الأعضاء و جمیع ذلك جواهر جسمانیة و بعضهم قالوا هو المزاج المعتدل الإنسانی و بعضهم قالوا تخاطیط الأعضاء و تشكیل الإنسان الذی لا

یتغیر من أول عمره إلی آخره و بعضهم قالوا العرض المسمی بالحیاة و جمیع ذلك أعراض و الحكماء و جمع من (1)

المحققین من غیرهم قالوا إنه جوهر غیر جسمانی لا یمكن أن یشار إلیه إشارة حسیة و هذه هی المذاهب و بعضها ظاهر الفساد انتهی.

و قال الشیخ السدید المفید طیب اللّٰه تربته حین سأله السائل فی المسائل الرؤیة ما قوله أدام اللّٰه تعالی علوه فی الأرواح و مائیتها و حقیقة كیفیاتها(2) و ما لها عند مفارقتها الأجساد و هی حیاة النمو و قبول الغذاء و الحیاة التی فی الذوات الفعالة هی معنی أم لا الجواب أن الأرواح عندنا هی أعراض لا بقاء لها و إنما عبد اللّٰه (3)

تعالی منها الحی حالا بحال فإذا قطع امتداد المحیی بها جاءت (4)

الموت الذی هو ضد

ص: 87


1- 1. جمیع المحققین( خ).
2- 2. كیفیتها( خ).
3- 3. كذا، و الظاهر« یمد».
4- 4. كذا، و الصواب« جاء».

الحیاة و لم یكن للأرواح وجود فإذا أحیا اللّٰه تعالی الأموات ابتدأ فیهم الحیاة التی هی الروح و الحیاة التی فی الذوات الفعالة هی معنی یصحح العلم و القدرة و هی شرط فی كون العالم عالما و القادر قادرا و لیست من نوع الحیاة التی تكون (1).

ثم قال قدس سره حین سأل السائل ما قوله حرس اللّٰه تعالی عزه فی الإنسان أ هو هذا الشخص المرئی المدرك علی ما یذكره أصحاب أبی هاشم أم جزء حال فی القلب حساس دراك كما یحكی عن أبی بكر بن الأخشاد و الجواب أن الإنسان هو ما ذكره بنو نوبخت و قد حكی عن هشام بن الحكم و الأخبار عن موالینا ع تدل علی ما أذهب إلیه و هی شی ء قائم بنفسه لا حجم له و لا حیز لا یصح علیه التركیب و لا الحركة و السكون و لا الاجتماع و لا الافتراق و هو الشی ء الذی كانت تسمیه الحكماء الأوائل الجوهر البسیط و كذلك كل حی فعال محدث فهو جوهر بسیط و لیس كما قال الجبائی و ابنه و أصحابهما إنه جملة مؤلفة و لا كما قال ابن الأخشاد إنه جسم متخلخل فی الجملة الظاهرة و لا كما قال الأعوازی إنه جزء لا یتجزی و قوله (2)

فیه قول معمر من المعتزلة و بنی نوبخت من الشیعة علی ما قدمت ذكره و هو شی ء یحتمل العلم و القدرة و الحیاة و الإرادة و الكراهة و البغض و الحب قائم بنفسه محتاج فی أفعاله إلی الآلة التی هی الجسد و الوصف له بأنه حی یصح علیه القول بأنه عالم قادر و لیس الوصف له بالحیاة كالوصف للأجساد بالحیاة حسب ما قدمناه و قد یعبر عنه بالروح و علی هذا المعنی جاءت الأخبار أن الروح إذا فارقت الجسد نعمت و عذبت و المراد الإنسان الذی هو الجوهر البسیط یسمی الروح و علیه الثواب و العقاب و إلیه یوجه الأمر و النهی و الوعد و الوعید و قد دل القرآن علی ذلك بقوله یا أَیُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِیمِ الَّذِی خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ

ص: 88


1- 1. كذا.
2- 2. فی بعض النسخ« و فیه».

فِی أَیِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (1) فأخبر تعالی أنه غیر الصورة و أنه مركب فیها و لو كان الإنسان هو الصورة لم یكن لقوله تعالی فِی أَیِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ معنی لأن المركب فی الشی ء غیر الشی ء المركب فیه و محال أن تكون الصورة مركبة فی نفسها و عینها لما ذكرناه و قد قال سبحانه فی مؤمن آل یس (2) قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِی رَبِّی (3) فأخبر أنه حی ناطق منعم و إن كان جسمه علی ظهر الأرض أو فی بطنها و قال تعالی وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ فَرِحِینَ (4) فأخبر أنهم أحیاء و إن كانت أجسادهم علی وجه الأرض مواتا لا حیاة فیها

وَ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِینَ علیهم السلام أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا فَارَقَتْ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِینَ أَجْسَادَهُمْ أَسْكَنَهَا اللَّهُ تَعَالَی فِی مِثْلِ أَجْسَادِهِمُ الَّتِی فَارَقُوهَا فَیُنَعِّمُهُمْ فِی جَنَّةٍ وَ أَنْكَرُوا مَا ادَّعَتْهُ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّهَا تَسْكُنُ فِی حَوَاصِلِ الطُّیُورِ الْخُضْرِ وَ قَالُوا الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَی اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.

و لنا علی المذهب الذی وصفناه أدلة عقلیة لا یطعن المخالف فیها و نظائر لما ذكرناه من الأدلة السمعیة و باللّٰه أستعین انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه.

و قال الغزالی فی الأربعین الروح هی نفسك و حقیقتك و هی أخفی الأشیاء علیك و أعنی بنفسك روحك التی هی خاصة الإنسان المضافة إلی اللّٰه تعالی بقوله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی (5) و قوله وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی (6) دون الروح الجسمانی اللطیف الذی هو حامل قوة الحس و الحركة التی تنبعث من القلب و تنتشر فی جملة البدن فی تجویف العروق و الضوارب فیفیض منها نور حس البصر علی العین و نور السمع علی الأذن و كذلك سائر القوی و الحركات و الحواس كما یفیض من السراج

ص: 89


1- 1. الانفطار: 6- 8.
2- 2. كذا.
3- 3. یس: 26- 27.
4- 4. آل عمران: 169.
5- 5. الإسراء: 85.
6- 6. الحجر: 29.

نور علی حیطان البیت إذا أدیر فی جوانبه فإن هذه الروح تتشارك البهائم فیها و تنمحق بالموت لأنه بخار اعتدل نضجه عند اعتدال مزاج الأخلاط فإذا انحل المزاج بطل كما یبطل النور الفائض من السراج عند إطفاء السراج بانقطاع الدهن عنه أو بالنفخ فیه و انقطاع الغذاء عن الحیوان یفسد هذه الروح لأن الغذاء له كالدهن للسراج و القتل له كالنفخ فی السراج و هذه الروح هی التی یتصرف فی تقویمها و تعدیلها علم الطب و لا تحمل هذه الروح المعرفة و الأمانة بل الحامل للأمانة الروح الخاصة للإنسان و نعنی بالأمانة تقلد عهدة التكلیف بأن تعرض لخطر الثواب و العقاب بالطاعة و المعصیة.

و هذه الروح لا تفنی و لا تموت بل تبقی بعد الموت إما فی نعیم و سعادة أو فی جحیم و شقاوة فإنه محل المعرفة و التراب لا یأكل محل المعرفة و الإیمان أصلا و قد نطقت به الأخبار و شهدت له شواهد الاستبصار و لم یأذن الشارع فی تحقیق صفته إلی أن قال و هذه الروح لا تفنی و لا تموت بل یتبدل بالموت حالها فقط و لا یتبدل منزلها و القبر فی حقها إما روضة من ریاض

الجنة أو حفرة من حفر النار إذ لم یكن لها مع البدن علاقة سوی استعمالها للبدن أو اقتناصها أوائل المعرفة بواسطة شبكة الحواس فالبدن آلتها و مركبها و شبكتها و بطلان الآلة و الشبكة و المركب لا یوجب بطلان الصائد نعم إن بطلت الشبكة بعد الفراغ من الصید فبطلانها غنیمة إذ یتخلص من حمله و ثقله و لذا

قَالَ علیه السلام: تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ.

و إن بطلت الشبكة قبل الصید عظمت فیه الحسرة و الندامة و الألم و لذلك یقول المقصر رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَكْتُ (1) كَلَّا بل من كان ألف الشبكة و أحبها و تعلق قلبه بحسن صورتها و صنعتها و ما یتعلق بسببها كان له من العذاب ضعفین (2) أحدهما حسرة فوات الصید الذی لا یقتنص إلا بشبكة البدن و الثانی زوال الشبكة مع تعلق القلب بها و إلفه لها و هذا مبدأ من مبادئ معرفة عذاب القبر انتهی.

ص: 90


1- 1. المؤمنون: 101.
2- 2. ضعفان، ظ.

أقول: لما كانت رسالة الباب المفتوح إلی ما قیل فی النفس و الروح للشیخ الفاضل الرضی علی بن یونس العاملی روح اللّٰه روحه جمة الفوائد كثیرة العوائد مشتملة علی جل ما قیل فی هذا الباب من غیر إسهاب و إطناب أوردت هاهنا جمیعها و هی هذه.

الحمد لله الذی خلق النفوس و حجب حقیقتها عنا فإن العین تبصر غیرها و یتعذر إدراك نفسها منها فأوجب ذلك خبط العلماء فیها و لم یصل أكثرهم بدقیق الفكر إلیها و قد قال العالم الربانی الذی أوجب اللّٰه حقه من عرف نفسه فقد عرف ربه أشار بامتناع معرفة نفسه مع قربه إلی امتناع الإحاطة بكنه ربه و ما قیل فی تفسیره من عرفها بالمخلوقیة عرفه بالخالقیة لا یدفع ما قصدناه و لا یمتنع ما ذكرناه إذ معرفتها بصفة حدوثها لا یستلزم معرفة عینها فإن معرفتها لیست ضروریا بلا خلاف لوجود الخلاف فیها و لا كسبیة لامتناع صدق الجنس و الفصل علیها بل الاعتراف بالعجز عن وجدانها أسهل من الفحص عن كنهها و برهانها و الإنسان ضعیف القوة محدود الجملة معلومه أقل من مظنونه و تخمینه أكثر من یقینه لكن من كان نظره أعلی و نقده أجلی و نوره أصنع و فكره أشیع كان من الشك أنجی و من الشبهة أنأی و ثاقب بصره الأسنی إلی النفس أدنی و هذا الإنسان الضعیف الصغیر فیه ذلك البسیط اللطیف جزء یسیر فكیف یدرك بجزء منه كله و یقبل منه جمیعه و هذا یتعذر أن یكون معلوما و یبعد و إن لم یكن معدوما بل یكفی أن یعلم أنها قوة إلهیة مسببة واسطة بین الطبیعة المصرفة و العناصر المركبة المثیر لها الطالع علیها السائغ فیها الممتزج بها فالإنسان ذو طبیعة لآثارها البادیة فی بدنه و ذو نفس لآثارها الظاهرة فی مطلبه و مأربه و ذو عقل لتمیزه و غضبه و شكه و یقینه و ها أنا ذا واضع لك فی هذا المختصر المسمی بالباب المفتوح إلی ما قیل فی النفس و الروح ما بلغنی من أقاویل الأوائل و ما أوردوا من الشبهات و الدلائل راج من واهب المواهب الإشارة إلی مأخذ تلك المذاهب مورد ما حضرنی من دخل فیها.

ص: 91

فهنا مقصدان.

الأول فی النفس
مقدمة

اسم النفس مشترك بالاشتراك اللفظی بین معان منها ذات الشی ء فعل ذلك بنفسه و منها الأنفة لیس لفلان نفس و منها الإرادة نفس فلان فی كذا و منها العین قال ابن القیس

یتقی أهلها النفوس علیها***فعلی نحرها الرقی و التمیم

و منها مقدار دبغة من الدباغ تقول أعطنی نفسا أی قدر ما أدبغ به مرة و منها العیب إنی لا أعلم نفس فلان أی عیبه و منها العقوبة وَ یُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ و منها ما یفوت الحیاة بفواته كنفس الحیوان كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ و هذه هی المبحوث عنها المختلف فیها.

و اعلم أن الاحتمالات التی اقتضاها التقسیم بمناسبة إما جوهر مادی أو جوهر مجرد أو مادی و عرض أو مجرد و عرض أو مادی و مجرد و عرض.

المذهب الأول الجوهر المادی

قال به جماعة المعتزلة و كثیر من المتكلمین ثم اختلفوا علی مذاهب ذهب جمهور المسلمین إلی أنه مجموع الهیكل المحسوس و هذا كما تری لیس هو جوهر فقط بل مضاف إلیه عرض لأن الجسم كذلك و اختاره القزوینی قال لإجماع أهل اللغة أنهم عند إطلاق نفسه یشیرون إلیه و اتفاق الأمة علی وقوع الإدراكات بالبصر علیه و نصوص القرآن أیضا واردة فیه مثل إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ و أنه هو الذی یمات و یقبر فی قوله ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ فمن یخرج عن هذه النصوص إلی غیر مدلولاتها كیف یكون مسلما و قد أجمعت الأمة علی أن من رأی هذه البنیة و حلف أنه ما رأی إنسانا حنث و لكن اختلف فی أن الإنسان هل هو هذه الجملة أو شی ء له هذه الجملة أو شی ء له هذه الجملة قال الأقرب الثانی و الفائدة فی الملك إذا جاء فیها فإنه لیس بإنسان و كذلك المصور لها من خشب و غیره

ص: 92

و إنما جری اسم الإنسان علی الهیكل تبعا لذلك الشی ء الذی له الهیكل آدم و أولاده و هذا الذی قربه مخالف لما صوره.

و قال شارح النظم أطبق العقلاء علی بطلان هذا القول لأن مقطوع الید باق و یمتنع بقاء الماهیة عند عدم جزئها و لأنها دائما تتحلل و تستخلف فالفائت له ثواب و علیه عقاب فإن حشرت كلها لزم المحال و إن لم تحشر لزم الظلم و الإضلال ذهب أهل هذا التقسیم إلی أنه بعض الهیكل ثم اختلفوا علی أقوال.

قال ابن الراوندی إنه جزء فی القلب قال النظام إنه أجزاء لطیفة فی القلب و كأنهما نظرا إلی أن الإنسان إذا رجع إلی نفسه وجد قلبه محل ذكره فظناها ذلك و هو خطأ لعدم إنتاج الشكل الثانی من الموجبتین قال الأطباء إنه الروح الذی فی القلب من الجانب الأیسر نظرا إلی أن جانب الإنسان الأیسر أخطر من الأیمن و هو ضعیف لجواز كون محله غیر القلب و سلامة القلب شرط فیه قال بعضهم إنه الدم لفوات الحیاة بفواته و علیه قول السموأل تسیل علی حد الضباة نفوسنا قلنا لا یلزم من عدم شی ء عند عدم آخر اتحادهما كالجوهر و العرض و لا حجة فی الشعر لاحتماله المجاز و قیل هو الأخلاط بشرط أن یكون لكل واحد منها قدر معین و مأخذ هذا و جوابه قریب مما سلف.

قال بعض الفلاسفة إنه الجزء الناری لأن خاصة النار الإشراق و الحركة و خاصة النفس الإدراك و الحركة و الإدراك من جنس الإشراق و لذلك قالت الأطباء إن مدبر هذا البدن الحرارة الغریزیة قلنا لا یلزم من الاشتراك فی الخاصة الاشتراك فی ذی الخاصة فإن العناصر مع اختلاف ماهیاتها تشترك فی كیفیاتها.

قال الباقلانی هو الجزء الهوائی و هو النفس المتردد فی المخارق و أنه متی انقطع انقطعت الحیاة فالنفس هو النفس قلنا قد أسلفنا أن التلازم لا یستلزم الاتحاد.

قیل هو الجزء المائی لأنه سبب النمو فالنفس كذلك قلنا و هذا من

ص: 93

موجبتین فی الشكل الثانی فهو عقیم و لا ینحصر النمو فی الماء فإنه یوجد فی الشمس و الهواء.

قیل هو أجزاء لطیفة ساریة فی البدن كسریان الدهن فی السمسم و ماء الورد فی ورقه قلنا هذا مجرد خیال خال عن دلیل.

قال النظام و ابن الإخشید إنه الروح الدماغی الصالح لقبول الحس و الكفر و الحفظ و الذكر و هو الحی المكلف الفاعل للأفعال و هو مركب من بخاریة الأخلاط و لطیفها و مسكنه الأعضاء الرئیسة التی هی القلب و الدماغ و الكبد و ما ینفذ فی العروق و الأعصاب إلی سائر الأعضاء قلنا قد علمنا أن الأذن هی السامعة و العین هی الباصرة و البدن راكع و ساجد فكیف یقال الفاعل غیرها و لم حد الزانی و لم قتل المرتد إذا كان هو غیر هذا المشاهد.

قال النظام أیضا إنه جزء لطیف داخل البدن سار فی أعضائه فإذا قطع منه عضو تقلص ذلك اللطیف فإذا قطع اللطیف معه مات الإنسان و هذا نظر إلی فقد الحیاة بفقدانه و قد عرفت ضعفه.

قال هشام بن الحكم هو جسم لطیف یختص بالقلب و سماه نورا و إن الجسد موات و إن الروح هو الحی الفعال المدرك و قد عرفت مأخذه و ضعفه مما سلف.

قال ابن الإخشید أیضا إنه جسم منبث فی الجملة و فیه ما فیما قبله.

قالت الصوفیة إنه جسم لطیف كهیئة الإنسان ملبس كالثوب علی الجسد و كأنهم نظروا إلی الأفعال الصادرة عنه و إلی أنه إذا قطع بعضه لم یمت فجعلوه شیئا ملازما للجملة و هذا خرص محض.

قالت الثنویة هو جوهران ممتزجان أحدهما خیر هو من النور و الآخر شر هو من الظلمة بناء منهم علی قدم هذین و تدبیرهما و قد عرفت بطلان مبناه فی الكلام.

قالت المرقونیة إنه ثلاثة جواهر نور و ظلمة و ثالث بینهما و هو الفاعل دونهما.

ص: 94

قالت الصابئة هو الحواس الخمس لأنه شاعر و هذه مشاعر و هو من موجبتین فی الثانی و یلزمهم أنه متی ذهب بعضها ذهب الإنسان لبطلان المركب ببطلان جزئه و الحس یكذبه.

قال قوم من الدهریة هو الطبائع الأربع فهذا الضرب من الاختلاف كان إنسانا قال بعض الدهریة هو الطبائع الأربع و خامس آخر هو المنطق و التمییز و الفعل.

قال بعض أصحاب الهیولی هو الجوهر الحی الناطق و هو فی هذا الجوهر شی ء لیس بمماس و لا مباین و هو المدبر له.

قالت الملكائیة من النصاری هو النفس و العقل و الجرم.

قال معمر هو عین من الأعیان لا یجوز علیه الانتقال و لا یجوز له محل و لا مكان یدبر هذا العالم و یحركه و لا یجوز إدراكه و رؤیته فقد قیل إنه جعل الإنسان بمثابة القدیم غیر أنه لما سئل كیف یختص تدبیره بهذا البدن دون غیره دهش و قال إنه مدبر لسائر أبدان العالم و هذه صفة الإله سبحانه فزعم حینئذ أنه ربه و هذا هو الذی عناه شارح نظم البراهین بقوله و قیل إن النفس هو الإله قالوا یجوز كون النفس مختلفة بالحقیقة و الأبدان مختلفة بالمزاج فتعلق كل نفس بما یناسبها من المزاج قلنا الأبدان الإنسانیة قریبة المزاج و ربما اتحد أكثرها فی المزاج فیلزم أن یتعلق بالجمیع (1)

و هذه الأقوال لإدراكها مأخذ إلا أنها عند تحریر المبحث منها ما یرجع إلی الجوهر المجرد و منها ما یرجع إلی الأجزاء الأصلیة.

قال أكثر المحققین كأبی الحسین البصری و جمال الدین الحلی و كمال الدین البحرانی و سالم بن عزیزة السوراوی إن الإنسان أجزاء أصلیة فی البدن باقیة من أول العمر إلی آخره لا یجوز علیها التبدل و التغیر لا مجموع البدن لأنه دائما فی التبدل و الاستخلاف مع بقاء النفس و الباقی غیر الزائل و لو كان هو جملة البدن

ص: 95


1- 1. بالجمع( خ).

لزم الظلم حیث إن المعدوم منه لا یمكن إعادته لما عرفت من امتناع إعادة المعدوم فلا یصل إلیه ما یستحقه و لأنا متی استحضرنا العلوم وجدناها فی ناحیة صدورنا فلو كان محل علومنا شی ء خارج عن شی ء من أجسامنا لزم قیام صفاتنا بغیرنا و لأن الإنسان لو كان مجردا كما قیل لزم أن لا یعلم الإنسان الآخر لأنه لو علم الإنسان الآخر علم ذلك المجرد و هو ظاهر البطلان و لأنا نعلم هذا الإنسان و الإنسان المطلق جزء منه فلو لم نعلم الجزء لم نعلم الكل و ینعكس إلی أنا لما علمنا الكل علمنا الجزء و المجرد لا یعلم فلیس بجزء و لأنا ندرك الألم بأجسامنا عند تقریبنا إلی النار مثلا و نحكم علیها به و المحكوم علیه هو الإنسان فهو معلوم و المجرد غیر معلوم.

قالوا الإنسان یدرك الكلیات لامتناع حصر الكل الذی لا ینحصر فی الجسم المنحصر فیكون هو المجرد قلنا إن العلم لیس صورة حالة فی العالم و إنما هو الوصول إلی المعلوم و النظر إلیه و لا نسلم له أن العلم بالكل كلی إنما الكلی فی الحقیقة هو المعلوم و إن أطلق علیه فبالمجاز لأن عروض جمیع الأفراد مستحیلة علی القوة العقلیة و إنما یحصل لها لقیامها بالجسم بعوارض محصورة لأنها صور جزئیة فی نفس جزئیة موصوفة بالحدوث فی وقت مخصوص و إذا كانت فی النفس بهذه العوارض فهی لیست كلیة.

قالوا القوة العقلیة تقوی من الأفعال علی ما لا یتناهی و الجسمیة لا تقوی علی ما لا یتناهی أنتج من الشكل الثانی القوة العقلیة لیست جسمیة قلنا لا نسلم أن القوة العقلیة تقوی علی فعل فضلا عن أن یقوی علی ما لا یتناهی لأن تعلقها بالمعقول عندكم حصول صورة فیها و ذلك انفعال لا فعل و لو سلمنا أصل قوتها منعنا عدم تناهیها لأنكم إن أردتم أنها تقوی فی الوقت الواحد علی ما لا یتناهی منعناه فإنا نجد فی أنفسنا تعذر ذلك علینا و إن أردتم بعدم النهایة أنه ما من وقت إلا و یمكننا أن نفعل فیه فالقوة الجسمیة تقوی لذلك إذ ما من آن یفرض إلا و یمكن أو یجب أن یحصل لها فیه فعل فیقوی علی ما لا یتناهی فتكون القوة العاقلة جسمیة.

قالوا لو قویت الجسمیة علی ما لا یتناهی و كان جزؤها یقوی علی ما لا یتناهی

ص: 96

ساوی الجزء الكل و إن قوی علی ما یتناهی تناهی الكل لأن نسبة الكل إلی الجزء معلومة فیكون نسبة تأثیره إلی تأثیر الجزء معلومة و نسبة تأثیر الجزء متناهیة فنسبة تأثیر الكل متناهیة قلنا لا یلزم من كون تأثیر الجزء أقل تناهیه فإن الجزء المؤثر الدائم الأثر له تأثیر دائم و لا یلزم من دوامه مساواته الكل لأن له تأثیرا دائما لكنه ضعیف قلیل لأنه واقف علی حد.

قال جمهور الفلاسفة و معمر بن عباد السلمی من قدماء المعتزلة و الغزالی و أبو القاسم الراغب و الشیخ المفید و بنو نوبخت و الأسواری و نصیر الدین الطوسی إنه جوهر مجرد عن المكان و الجهة و المحل متعلق بالبدن تعلق العاشق بمعشوقه و الملك بمدینته و یفعل أفعاله بواسطته و إن النفس تدرك حقائق الموجودات و جواز الجائزات و استحالة المستحیلات و إن النفس الفلكیة تفیض علی الأشخاص كالشمس تدخل عند طلوعها كل كوة بل قال الغزالی لا هو داخل البدن و لا خارج عنه و لا متصل به و لا منفصل عنه لأن مصحح ذلك الجسمیة و التحیز المنفیان عنه كما أن الجماد لا عالم و لا جاهل لنفی المصحح عنه و هو الحیاة قال و من نفاه نفاه لغلبة العامیة علی طبعه و لهذا إن الكرامیة و الحنبلیة جعلوا الإله جسما موجودا إذ لم یعقلوا إلا جسما یشار إلیه و من ترقی عن ذلك قلیلا نفی الجسمیة و لم یطق ینظر فی عوارضها فأثبت الجهة لله سبحانه فإذا منعوا ذلك فی صفات اللّٰه كیف یجیزونه فی غیره قالوا لو تجرد شی ء شاركه القدیم فی أخص صفاته فیشاركه فی ذاته قلنا نمنع كون التجرد أخص الصفات بل كونه قیوما لقیامه بذاته و قیام غیره به احتجوا علی إثبات المجرد بأن هنا معلومات بسیطة كالوحدة و النقطة فالعلم بها بسیط إذ لو تركب فإن تعلق جزؤه به أجمع ساوی الجزء الكل و لزم وجود العلم قبل وجوده و إن تعلق ببعضه لزم تركب ما فرض بساطته و إن لم یتعلق بشی ء ظهر أنه لیس بعلم إذ الكلام فی باقی الأجزاء كالكلام فیه فعند الجمع بینهما إن لم تحصل هیئة جدیدة كان العلم المفروض محض ما لیس بعلم و إن حصلت الهیئة المفروضة علما فإن كانت من الجزءین فالتركیب فی فاعلهما و إن حصلت عندهما قائمة بهما فالتركیب

ص: 97

فی قابلهما لا فیهما إذ لو كانت مركبة عاد الكلام فی أجزائها فمحل هذه المفروضة علما هو النفس و هی بسیطة لأنها لو تركبت فإن حل العلم البسیط فی مجموعها انقسم العلم إذ الحال فی أحد الجزءین غیر الحال فی الآخر و لو كان هو الحال فی الآخر لزم حلول العرض الواحد فی محلین و إن حل فی أحد الجزءین فإن كان هو النفس فالمطلوب و إن كان هو جزؤها فالجزء الآخر خال منه فلزم أن نعلم شیئا و نجهله فی وقت واحد فظهر أن المحل و هو النفس بسیط و لا شی ء من الجسم و الجسمانی ببسیط ینتج من الشكل الثانی أن محل العلم لیس بجسم و لا جسمانی.

و الجواب أما المقدمة الأولی و هی أن هنا معلوما بسیطا فمسلم أما الباقیات فممنوعات أما الثانیة فلأن الجزء یجوز مساواته للكل فی التعلق و إن لم یساوه فی الحقیقة كالأدلة المتواترة علی شی ء واحد و إن واحدها تعلق بما تعلق به مجموعها و فیه نظر لأن الجزء الثانی من العلم إن زاد المعلوم به انكشافا تعلق بغیر ما تعلق به الأول و إن لم یزد كان وجوده مثل عدمه و الأصوب فی المنع أن قولهم إن لم یتعلق الجزء بشی ء ظهر أنه لیس بعلم فعند الجمع إن لم یحصل هیئة كان المفروض علما محض ما لیس بعلم و إن حصلت منه إلخ نفی كل مركب فیقال فی الحیوان مثلا لیس بمركب لأن جزأه إما حیوان فیتقدم الحیوان علی نفسه و ساوی الجزء الكل أو لیس بحیوان فبعد الجمع بالجزء الآخر إن لم تحصل هیئة كان الحیوان محض ما لیس بحیوان و إن حصلت فهی بسیطة لأنه لو كان لها جزء عاد التقسیم المذكور فیكون التركیب فی فاعلها أو قابلها لا فیها و لیس لهم عن هذه المعارضة مذهب و أما الثالثة و هو أنه یلزم من بساطة الحال بساطة المحل فلأنا لا نسلم أن العلم علی هیئة الحلول و الصورة و إنما هو إدراك و وصول و نظر إلی المعلوم و لو سلم لم یلزم من بساطة الحال بساطة المحل فإن النقطة و الوحدة موجودتان فی الجسم المركب نعم إنما یلزم ذلك إذا كان الحلول علی نعت السریان و لم یقم علی السریان فی محل النزاع برهان.

و یلزم مما قالوا كون النفس جسما أو جسمانیة لأنها تعلم المركب فی صورة

ص: 98

المركبة مركبة فیلزم كون محلها مركبا لامتناع حلول المركب فی البسیط و هذه معارضة أخری لا محیص عنها و أما الرابعة فنمنع انقسام كل جسم و جسمانی لما ثبت فی الكلام جواهر لا تقبل الانقسام.

المذهب الثانی أنها عرض

فذهب جالینوس إلی أنه المزاج الذی هو اعتدال الأركان و هذا نظر إلی فوات الحیاة بفواته و قد سلف جوابه.

و قیل إنه تشكیل البدن و تخطیطه و هذا قول سخیف جدا منقوض بمقطوع الید مثلا فإن فوات تخطیطها یلزم منه عدم النفس لعدم الكل بعدم الجزء.

و قیل إنه الحیاة و هذا مأخوذ من التلازم بینهما و قد عرفت أنه لا یوجب الاتحاد.

و قیل إنه النسبة الواقعة بین الأركان فی الكمیات و الكیفیات.

أما تركبه من الجسم و المجرد أو من العرض و المجرد أو من الجسم و العرض و المجرد فقال سدید الدین محفوظ لا أعلم به قائلا إلا أن تفسیر الفلاسفة لحقیقة الإنسان بأنه الحیوان الناطق یقتضی كون الإنسان عبارة عن البدن و النفس معا لأن الحیاة جنس حلته أعراض و الناطق هو النفس فعلی هذا یكون الإنسان مركبا من هذه تركیبا ثلاثیا و هذا مذهب تاسع و عشرون.

و الثلاثون قال بشر بن معتمر و هشام النوطی إنه الجسم و الروح الذی هو الحیاة و إنهما الفاعلان للأفعال و علی هذا قیل فی الإنسان نفس و روح فإذا نام خرجت نفسه و إذا مات خرجتا معا و هذا یؤدی إلی أن النفس و الروح غیر الإنسان.

خاتمة

قَوْلُهُ علیه السلام: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ.

قال بعض العلماء الروح لطیفة لاهوتیة فی صفة ناسوتیة دالة من عشرة أوجه علی وحدانیة ربانیة 1 لما حركت الهیكل و دبرته علمنا أنه لا بد للعالم من محرك و مدبر.

2 دلت وحدتها علی وحدته.

ص: 99

3 دل تحریكها للجسد علی قدرته.

4 دل اطلاعها علی ما فی الجسد علی علمه.

5 دل استواؤها إلی الأعضاء علی استوائه إلی خلقه.

6 دل تقدمها علیه و بقاؤها بعده علی أزله و أبده.

7 دل عدم العلم بكیفیتها علی عدم الإحاطة به.

8 دل عدم العلم بمحلها من الجسد علی عدم أینیته.

9 دل عدم مسها علی امتناع مسه.

10 دل عدم إبصارها علی استحالة رؤیته.

المقصد الثانی الروح
اشارة

فزعمت الفلاسفة أن فی البدن أرواحا و أنفسا یعبرون عنها بالقوی منها الروح الطبیعی التی یشترك فیها جمیع الأجساد النامیة و محلها الكبد و منها الروح الحیوانی و هی التی یشترك فیها الحیوانات و محلها من الإنسان القلب و منها النفسانی و هی من فیض النفس الناطقة أو العقل و محلها الدماغ و هی المدبرة للبدن و عندنا أن هذه الأرواح معان یخلقها اللّٰه تعالی فی هذه المحال ثم أثبتوا قوی أخر فی المعدة الماسكة و الهاضمة و الجاذبة و الدافعة و عندنا أیضا أنها معان و لیست جواهر لتماثل الجواهر و لو كان بعض الجواهر روحا لنفسه لكان كل جوهر كذلك فیستغنی كل جزء عن أن یكون له روح غیر نفسه فبطل بذلك كون روح الجسد من نفسه.

إن قالوا الروح الباقی عرض و اعترض فی الروح الأول قلنا فلم لا یجوز أن یكون روح هذا الجسد الظاهر عرضا هو الحیاة و اللّٰه خالق الموت و الحیاة فإن كانت جوهرا و الموت عرض امتنع أن یبطل حكمها لأن العرض لا یضاد الجوهر و عند معظم أهل الفلاسفة و الطب أن الروح من بخار الدم تتصاعد فتبقی ببقائها.

ص: 100

و اعلم أن اسم الروح مشترك باللفظ بین عشر معان ا الوحی ب جبرئیل ج عیسی د الاسم الأعظم ه ملك عظیم الجثة و الرحمة ز الراحة ح الإنجیل ط القرآن ی الحیاة أو سببها.

و قال الباقلانی و الأسفرانی و ابن كیال و غیرهم أن الروح هی الحیاة و هی عرض خاص و لیست شیئا من بقیة الأعراض المعتدلة و المحسوسة لجواز زوالها مع بقاء الروح.

إن قیل فكیف یكون الروح هو الحیاة و اللّٰه له حیاة و لیس له روح قلنا أسماء اللّٰه تعالی سبحانه توقیفیة لا تبلغ من الآراء فإن اللّٰه تعالی علیم و لا یسمی داریا و لا شاعرا و لا فقیها و لا فهیما و اللّٰه تعالی قادر مبین و لا یسمی شجاعا و لا مستطیعا.

إن قیل كیف یكون الروح هو الحیاة و فی الأخبار أن الأرواح تنتقل إلی علیین و إلی سجین و إلی قنادیل تحت العرش و إلی حواصل طیر خضر و الحیاة لا تنتقل.

قلنا یجوز أن تنتقل أجزاء أحیاء و تسمی أرواحا لأنها محال الروح و هی الحیاة تسمیة للمحل باسم معنی فیه كما یسمی المسجد صلاة فی قوله تعالی لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری (1) أو نقول المنتقل أمثال الأرواح یخلقها اللّٰه و تسمی أرواحا نورانیة إن كانت قائمة بذوات المطیعین طیبة تصلی علیها الملائكة و ظلمانیة منتنة إن كانت قائمة بذوات المسیئین تلعنها الملائكة مثل ما ورد فی الأخبار تصعد صلاة المحسن طیبة مضیئة و صلاة المسی ء منتنة مظلمة و إن سورة البقرة و آل عمران تأتیان كأنهما غمامتان و اللّٰه تبعث الأیام علی هیئتها و تبعث یوم الجمعة أزهر و أنه یؤتی بكبش أملح فیذبح و یقال هذا الموت و أن الأعمال توزن و إنما هی أمثلة یخلقها اللّٰه.

إن قیل إن اللّٰه وصف النفس التی هی الروح بالإرسال و الإمساك فی قوله

ص: 101


1- 1. النساء: 42.

تعالی یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ الآیة(1) و الحیاة لا توصف بذلك.

قلنا قد سلف أن النفس یقال علی معان منها الروح و منها العقل و التمییز و هذان هما المراد من قوله یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ الآیة و أطلق علی النائم لعدم الدفع و النفع و منه سمی اللّٰه الكفار أمواتا فی قوله إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی (2) لعدم النفع.

إن قیل فی الحدیث أن الأرواح جنود فی الهواء و الحیاة لا تكون فی الهواء.

قلنا محمول علی الذریة التی خرجت من آدم و فی هذا نظر لمخالفة ظاهر الآیة إذ فیها وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ (3) أو أن الأرواح هنا القلوب لأن التعارف و التساكن (4)

فیها.

إن قیل فی الحدیث خلق اللّٰه الأرواح قبل الأجساد و لا یصح ذلك فی الحیاة.

قلنا لا یعلم صحته أو المراد بالأرواح الملائكة فإن جبرئیل روح و الملك العظیم الجثة روح و الروحانیون صنف منهم أیضا.

و الظاهر من كلام أبی الحسن و جماعة أن الروح أجسام لطیفة فقیل لیست معینة و قال الجوینی هی ماسكة الأجسام المحسوسة أجری اللّٰه العادة باستمرار الحیاة ما استمرت و كان ابن فورك یقول هو ما یجری فی تجاویف الأعضاء و لهذا جوز أبو منصور البغدادی قیام الحیاة بالشعر إذ لا یشترط فی محلها التجویف و لم یجوز قیام الروح لاشتراط التجویف و لیس فی الشعر تجویف و استدلوا علی كونها جسما بوصف اللّٰه لها ببلوغ الحلقوم و بالإرسال و بالرجوع و بالفزع و بقوله من نام علی وضوء یؤذن لروحه

أن تسجد عند العرش و علی هذا اختلف فی تكلیفها فقیل لیست مكلفة و قیل بل مكلفة بأفعال غیر أفعال البدن المحبة و ضدها و أن له

ص: 102


1- 1. الزمر: 42.
2- 2. النمل: 80.
3- 3. الأعراف: 171.
4- 4. التناكر( ظ).

حیاة و أفعالها اقتناء الأفعال (1) الحمیدة و اجتناب الذمیمة و أوردوا فی ذلك ما أورده الخیری فی تفسیره قوله تعالی یَوْمَ تَأْتِی كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها(2) أن النفس و الروح یجیئان بین یدی اللّٰه فیختصمان فتقول النفس كنت كالثوب لم أقترف ذنبا ما لم تدخل فیّ و یقول الروح كنت مخلوقا قبلك بدهور و لم أدر ما الذنب إلی أن دخلت فیك فیمثل اللّٰه لهما أعمی و مقعدا و كرما علی الجدار و یأمرهما بالاقتطاف فیقول الأعمی لا أبصر و یقول المقعد لا أمشی فیقول له اركب الأعمی و اقتطف فیقول هذا مثالكما فكما صار العنب بكما مقطوفا صار الذنب بكما معروفا و من قال الروح هی الحیاة قال المراد بالروح فی هذا القول القلب لأنه به حیاة الجسد و قد روی فی حلیة الأولیاء عن سلمان رضی اللّٰه عنه أنه قال مثل القلب و الجسد مثل الأعمی و المقعد قال المقعد أری ثمرة و لا أستطیع القیام فاحملنی فحمله فأكل و أطعمه و هذا أولی لأن فعل الجسد إنما یكون طاعة و معصیة بعزیمة القلب و لهذا

قَالَ علیه السلام: إِنَّ فِی الْجِسْمِ (3) لَمُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُهُ وَ إِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُهُ وَ هِیَ الْقَلْبُ.

تذنیب

قوله تعالی یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی (4) إن قیل كیف أبهم اللّٰه الجواب قلنا فیه وجوه.

ا قال الكتابیون للمشركین اسألوا محمدا عنه فإن توقف فیه فهو نبی فسألوه فأجاب بذلك و قوله وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا عنی الیهود قالوا أوتینا التوراة و فیها علم كل شی ء.

ب كان قصدهم بالسؤال تخجیل النبی صلی اللّٰه علیه و آله فإن الروح لما قیل علی معان

ص: 103


1- 1. الأخلاق( خ).
2- 2. النحل: 111.
3- 3. الجسد( خ).
4- 4. الإسراء: 85.

مختلفة كما سلف حتی لو أجاب بواحد منها قالوا ما نرید هذا فأبهموا السؤال فأبهم الجواب بما ینطبق علی الجمیع بأنه من أمر اللّٰه أی أنه أحدثه بقوله كن أو هو من شأنه و خلقه.

ج عن ابن عباس أنهم سألوا عن جبرئیل لأنهم كانوا یدعون معاداته.

د

عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام: أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنِ الْمَلَكِ الْعَظِیمِ الْجُثَّةِ.

ه لو أرید الروح التی فی البدن لم یكن فی الآیة دلیل علی أنه لا یعلمها إلا اللّٰه.

هذا آخر ما وجدنا من الرسالة و لن نتكلم علی ما فیها إحالة علی أفهام الناظرین فخذ منها ما صفا و دع ما كدر.

تتمة

أقول: بعد ما أحطت خبرا بما قیل فی هذا الباب من الأقوال المتشتتة و الآراء المتخالفة و بعض دلائلهم علیها لا یخفی علیك أنه لم یقم دلیل عقلی علی التجرد و لا علی المادیة و ظواهر الآیات و الأخبار تدل علی تجسم الروح و النفس و إن كان بعضها قابلا للتأویل و ما استدلوا به علی التجرد لا یدل دلالة صریحة علیه و إن كان فی بعضها إیماء إلیه فما یحكم به بعضهم من تكفیر القائل بالتجرد إفراط و تحكم كیف و قد قال به جماعة من علماء الإمامیة و نحاریرهم و جزم القائلین بالتجرد أیضا بمحض شبهات ضعیفة مع أن ظواهر الآیات و الأخبار تنفیه أیضا جرأة و تفریط فالأمر مردد بین أن یكون جسما لطیفا نورانیا ملكوتیا داخلا فی البدن تقبضه الملائكة عند الموت و تبقی معذبا أو منعما بنفسه أو بجسد مثالی یتعلق به كما مر فی الأخبار أو یلهی عنه إلی أن ینفخ فی الصور كما فی المستضعفین و لا استبعاد فی أن یخلق اللّٰه جسما لطیفا یبقیه أزمنة متطاولة كما یقول المسلمون فی الملائكة و الجن و یمكن أن یری فی بعض الأحوال بنفسه أو بجسده المثالی و لا یری فی بعض الأحوال بنفسه أو بجسده بقدرة اللّٰه سبحانه أو یكون مجردا یتعلق بعد قطع تعلقه عن جسده الأصلی بجسد مثالی و یكون قبض الروح و بلوغها الحلقوم و أمثال ذلك تجوزا عن

ص: 104

قطع تعلقها أو أجری علیها أحكام ما تعلقت أولا به و هو الروح الحیوانی البخاری مجازا.

ثم الظاهر من الأخبار أن النفس الإنسانی غیر الروح الحیوانی و غیر سائر أجزاء البدن المعروفة و أما كونها جسما لطیفا خارجا من البدن محیطا به أو متعلقا به فهو بعید و لم یقل به أحد و إن كان یستفاد من ظواهر بعض الأخبار كما عرفت.

و قد یستدل علی بطلان القول بوجود مجرد سوی اللّٰه بقوله سبحانه لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ(1) و هو ضعیف إذ یمكن أن یكون تجرده سبحانه مباینا لتجرد غیره كما تقول فی السمع و البصر و القدرة و غیرها.

و قد یستدل علی نفیه بما سبق من الأخبار الدالة علی أن الوحدة مختصة به تعالی و أن غیره سبحانه متجزئ كخبر فتح بن یزید

عَنْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام وَ قَالَ فِی آخِرِهِ: وَ الْإِنْسَانُ وَاحِدٌ فِی الِاسْمِ لَا وَاحِدٌ فِی الْمَعْنَی وَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ هُوَ وَاحِدٌ لَا وَاحِدَ غَیْرُهُ وَ لَا اخْتِلَافَ فِیهِ وَ لَا تَفَاوُتَ وَ لَا زِیَادَةَ وَ لَا نُقْصَانَ وَ أَمَّا الْإِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ الْمَصْنُوعُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ جَوَاهِرَ شَتَّی غَیْرَ أَنَّهُ بِالاجْتِمَاعِ شَیْ ءٌ وَاحِدٌ.

وَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ: وَ لَكِنَّهُ الْقَدِیمُ فِی ذَاتِهِ وَ مَا سِوَی الْوَاحِدِ مُتَجَزِّئٌ وَ اللَّهُ الْوَاحِدُ لَا مُتَجَزِّئٌ وَ لَا مُتَوَهَّمٌ بِالْقِلَّةِ وَ الْكَثْرَةِ وَ كُلُّ مُتَجَزِّئٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ بِالْقِلَّةِ وَ الْكَثْرَةِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ دَالٌّ عَلَی خَالِقٍ لَهُ.

وَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: لَا تشبه [تُشْبِهُهُ] صُورَةٌ وَ لَا یُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ وَ لَا یُقَاسُ بِالنَّاسِ قَرِیبٌ فِی بُعْدِهِ بَعِیدٌ فِی قُرْبِهِ فَوْقَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَا یُقَالُ شَیْ ءٌ فَوْقَهُ أَمَامَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَا یُقَالُ لَهُ أَمَامٌ دَاخِلٌ فِی الْأَشْیَاءِ لَا كَشَیْ ءٍ دَاخِلٍ وَ خَارِجٌ مِنَ الْأَشْیَاءِ لَا كَشَیْ ءٍ خَارِجٍ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هَكَذَا وَ لَا هَكَذَا غَیْرُهُ.

فإن هذه الأخبار و غیرها مما مر فی كتاب التوحید تدل علی اختصاص تلك الصفات باللّٰه تعالی و علی القول بوجود مجرد سوی اللّٰه كانت مشتركة مع اللّٰه سبحانه فیها لا سیما فی العقول التی ینفون عنها التغیر و التبدل و لا یخلو من قوة لكن

ص: 105


1- 1. الشوری: 11.

للكلام فیه مجال و اللّٰه یعلم حقائق الأمور و حججه علیهم السلام.

و أقول لما انتهی الكلام فی هذا الباب إلی بعض الإطناب لكونه من أهم المطالب و أقصی المآرب فلا بأس بأن نذكر بعض المطالب المهمة من أحوال النفس و شئونها فی فوائد.

الأولی فی بیان اتحاد حقیقة النفوس البشریة بالنوع قال نصیر الملة و الدین رحمه اللّٰه فی التجرید و دخولها تحت حد واحد یقتضی وحدتها و قال العلامة رفع اللّٰه مقامه اختلف الناس فی ذلك فذهب الأكثر إلی أن النفوس البشریة متحدة فی النوع متكثرة بالشخص و هو مذهب أرسطو و ذهب جماعة من القدماء إلی أنها مختلفة بالنوع و احتج المصنف علی وحدتها بأنها یشملها حد واحد و الأمور المختلفة یستحیل اجتماعها تحت حد واحد و عندی فی هذا نظر و قال شارح المقاصد ذهب جمع من قدماء الفلاسفة إلی أن النفوس الحیوانیة و الإنسانیة متماثلة متحدة الماهیة و اختلاف الأفعال و الإدراكات عائد إلی اختلاف الآلات و هذا لازم علی القائلین بأنها أجسام و الأجسام متماثلة إذ لا تختلف إلا بالعوارض و أما القائلون بأن النفوس الإنسانیة مجردة فذهب الجمهور منهم إلی أنها متحدة الماهیة و إنما تختلف فی الصفات و الملكات و اختلاف الأمزجة و الأدوات و ذهب بعضهم إلی أنها مختلفة بالماهیة بمعنی أنها جنس تحته أنواع مختلفة تحت كل نوع أفراد متحدة الماهیة متناسبة الأحوال بحسب ما یقتضیه الروح العلوی المسمی بالطباع التام لذلك النوع و یشبه أن یكون قَوْلُهُ علیه السلام: النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ.

وَ قَوْلُهُ علیه السلام: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.

إشارة إلی هذا و ذكر الإمام فی المطالب العالیة أن هذا المذهب هو المختار عندنا.

و أما بمعنی أن یكون كل فرد منها مخالفا بالماهیة لسائر الأفراد حتی لا یشترك منهم اثنان فی الحقیقة فلم یقل به قائل تصریحا كذا ذكره أبو البركات فی المعتبر.

ص: 106

احتج الجمهور بأن ما یعقل من النفس و یجعل لها حدا معنی واحد مثل الجوهر المجرد المتعلق بالبدن و الحد تمام الماهیة و هذا ضعیف لأن مجرد التحدید بحد واحد لا یوجب الوحدة النوعیة إذ المعانی الجنسیة أیضا كذلك كقولنا الحیوان جسم حساس متحرك بالإرادة و إن ادعی أن هذا مقول فی جواب السؤال بما هو عن أی فرد و أی طائفة تفرض فهو ممنوع بل ربما یحتاج إلی ضم ممیز جوهری و قد یحتج بأنها مشاركة فی كونها نفوسا بشریة فلو تخالفت بفصول ممیزة لكانت من المركبات دون المجردات و الجواب بعد تسلیم كون النفسیة من الذاتیات دون العرضیات أن التركیب العقلی من الجنس و الفصل لا ینافی التجرد و لا یستلزم الجسمیة.

و احتج الآخرون بأن اختلاف النفوس فی صفاتها لو لم یكن لاختلاف ماهیاتها بل لاختلاف الأمزجة و الأحوال البدنیة و الأسباب الخارجیة لكانت الأشخاص المتقاربة جدا فی أحوال البدن و الأسباب الخارجة متقاربة البتة فی الملكات و الأخلاق من الرحمة و القسوة و الكرم و البخل و العفة و الفجور و بالعكس و اللازم باطل إذ كثیرا ما یوجد الأمر بخلاف ذلك بل ربما یوجد الإنسان الواحد یبدل مزاجه جدا و هو علی غریزته الأولی و لا خفاء فی أن هذا من الإقناعیات الضعیفة لجواز أن یكون ذلك لأسباب أخر لا نطلع علی تفاصیلها.

الثانیة تساوی الأرواح و الأبدان قال شارح المقاصد كل نفس یعلم بالضرورة أن لیس معها فی هذا البدن نفس أخری تدبر أمره و أن لیس لها تدبیر و تصرف فی بدن آخر فالنفس مع البدن علی التساوی لیس لبدن واحد إلا نفس واحدة و لا تتعلق نفس واحدة إلا ببدن واحد أما علی سبیل الاجتماع فظاهر و أما علی سبیل التبادل و الانتقال من بدن إلی آخر فلوجوه.

الأول أن النفس المتعلقة بهذا البدن لو كانت منتقلة إلیه من بدن آخر لزم أن یتذكر شیئا من أحوال ذلك البدن لأن العلم و الحفظ و التذكر من الصفات القائمة بجوهرها الذی لا یختلف باختلاف أحوال البدن و اللازم باطل قطعا.

ص: 107

الثانی أنها لو تعلقت بعد مفارقة هذا البدن ببدن آخر لزم أن یكون عدد الأبدان الهالكة مساویا لعدد الأبدان الحادثة لئلا یلزم تعطل بعض النفوس أو اجتماع عدة منها علی التعلق ببدن واحد أو تعلق واحدة منها بأبدان كثیرة معا لكنا نعلم قطعا بأنه قد یهلك فی مثل الطوفان العام أبدان كثیرة لا یحدث مثلها إلا فی أعصار متطاولة.

الثالث أنه لو انتقل نفس إلی بدن لزم أن یجتمع فیه نفسان منتقلة و حادثة لأن حدوث النفس عن العلة القدیمة یتوقف علی حصول الاستعداد فی القابل أعنی البدن و ذلك بحصول المزاج الصالح و عند حصول الاستعداد فی القابل یجب حدوث النفس لما تقرر من لزوم وجود المعلول عند تمام العلة.

لا یقال لا بد مع ذلك من عدم المانع و لعل تعلق المنتقلة مانع و تكون لها الأولویة فی المنع لما لها من الكمال.

لأنا نقول لا دخل للكمال فی اقتضاء التعلق بل ربما یكون الأمر بالعكس فإذن لیس منع الانتقال للحدوث أولی من منع الحدوث للانتقال.

و اعترض علی الوجوه الثلاثة بعد تسلیم مقدماتها بأنها إنما تدل علی أن النفس بعد مفارقه البدن لا تنتقل إلی بدن آخر إنسانی و لا یدل علی أنها لا تنتقل إلی حیوان آخر من البهائم و السباع و غیرهما علی ما جوزه بعض التناسخیة و سماه مسخا و لا إلی نبات علی ما جوزه بعضهم و سماه فسخا و لا إلی جماد علی ما جوزه آخر و سماه رسخا و لا إلی جرم سماوی علی ما یراه بعض الفلاسفة.

و إنما قلنا بعد تسلیم المقدمات لأنه ربما یعترض علی الوجه الأول بمنع لزوم التذكر و إنما یلزم لو لم یكن التعلق بذلك البدن شرطا و الاستغراق فی تدبیر البدن الآخر مانعا أو طول العهد منسیا و علی الثانی بمنع لزوم التساوی و إنما یلزم لو كان التعلق ببدن آخر لازما البتة و علی الفور و أما إذا كان جائزا أو لازما و لو بعد حین فلا لجواز أن لا ینتقل نفوس الهالكین الكثیرین أو ینتقل بعد حدوث الأبدان الكثیرة و ما توهم من التعطیل مع أنه لا حجة علی بطلانه فلیس بلازم لأن

ص: 108

الابتهاج بالكمالات أو التألم بالجهالات شغل و علی الثالث بأنه مبنی علی حدوث النفس و كون المزاج مع الفاعل تمام العلة بحیث لا مانع أصلا و الكل فی حیز المنع ثم قال و لیس للتناسخیة دلیل یعتد به و غایة ما تمسكوا به فی إثبات التناسخ علی الإطلاق أی انتقال النفس بعد المفارقة إلی جسم آخر إنسانی أو غیره وجوه. الأول أنها لو لم تتعلق لكانت معطلة و لا تعطیل فی الوجود و كلتا المقدمتین ممنوعة.

الثانی أنها مجبولة علی الاستكمال و الاستكمال لا یكون إلا بالتعلق لأن ذلك شأن النفوس و إلا كانت عقلا لا نفسا و رد بأنه ربما كان الشی ء طالبا لكماله و لا یحصل لزوال الأسباب و الآلات بحیث لا یحصل لها البدن.

الثالث أنها قدیمة فتكون متناهیة العدد لامتناع وجود ما لا یتناهی بالفعل بخلاف ما لا یتناهی من الحوادث كالحركات و الأوضاع و ما یستند إلیها فإنها إنما تكون علی سبیل التعاقب دون الاجتماع و الأبدان مطلقا بل الأبدان الإنسانیة خاصة غیر متناهیة لأنها من الحوادث المتعاقبة المستندة إلی ما لا یتناهی من الدورات الفلكیة و أوضاعها فلو لم یتعلق كل نفس إلا ببدن واحد لزم توزع ما یتناهی علی ما لا یتناهی و هو محال بالضرورة.

و رد بمنع قدم النفوس و منع لزوم تناهی القدماء لو ثبت فإن الأدلة إنما تمت فیما له وضع و ترتیب و منع لا تناهی الأبدان و عللها و منع لزوم أن یتعلق بكل بدن نفس و إن أرید الأبدان التی صارت إنسانا بالفعل اقتصر علی منع لا تناهیها.

ثم قال و قد یتوهم أن من شریعتنا القول بالتناسخ فإن مسخ أهل المائدة قردة و خنازیر رد لنفوسهم إلی أبدان حیوانات أخر و المعاد الجسمانی رد لنفوس الكل إلی أبدان أخر إنسانیة للقطع بأن الأبدان المحشورة لا تكون الأبدان الهالكة بعینها لتبدل الصور و الأشكال بلا نزاع.

و الجواب أن المتنازع هو أن النفوس بعد مفارقتها الأبدان تتعلق فی الدنیا

ص: 109

بأبدان أخر للتدبیر و التصرف و الاكتساب لا أن تتبدل صور الأبدان كما فی المسخ أو أن تجتمع أجزاؤها الأصلیة بعد التفرق فترد إلیها النفوس كما فی المعادن علی الإطلاق و كما فی إحیاء عیسی علیه السلام بعض الأشخاص.

و قال السید المرتضی رضی اللّٰه عنه حین سأله سائل تأول سیدنا أدام اللّٰه نعماءه ما ورد فی المسوخ مثل الدب و القرد و الفیل و الخنزیر و ما شاكل ذلك علی أنها كانت علی خلق جمیلة غیر منفور عنها ثم جعلت هذه الصور المسیئة علی سبیل التنفیر عنها و الزیادة فی الصد عن الانتفاع بها و قال لأن بعض الأحیاء لا یجوز أن یصیر حیا آخر غیره إذا أرید بالمسخ هذا فهو باطل و إن أرید غیره نظرنا فیه فما جواب من سأل عند سماع هذا عن الأخبار الواردة عن النبی و الأئمة علیهم السلام بأن اللّٰه تعالی یمسخ قوما من هذه الأمة قبل یوم القیامة كما مسخ فی الأمم المتقدمة و هی كثیرة لا یمكن الإطالة بحصرها فی كتاب و قد سلم الشیخ المفید رضی اللّٰه عنه صحتها و ضمن ذلك الكتاب الذی وسمه بالتمهید و أحال القول بالتناسخ و ذكر أن الأخبار المعول علیها لم ترد إلا بأن اللّٰه تعالی یمسخ قوما قبل یوم القیامة و قد روی النعمانی كثیرا من ذلك یحتمل النسخ و المسخ معا فمما رواه مَا أَوْرَدَهُ فِی كِتَابِ التَّسَلِّی وَ التَّقَوِی وَ أَسْنَدَهُ إِلَی الصَّادِقِ علیه السلام حَدِیثٌ طَوِیلٌ یَقُولُ فِی آخِرِهِ: وَ إِذَا احْتُضِرَ الْكَافِرُ حَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیٌّ علیه السلام وَ جَبْرَئِیلُ وَ مَلَكُ الْمَوْتِ علیهما السلام فَیَدْنُو إِلَیْهِ عَلِیٌّ علیه السلام فَیَقُولُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا كَانَ یُبْغِضُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَأَبْغِضْهُ فَیَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ یَا جَبْرَئِیلُ إِنَّ هَذَا كَانَ یُبْغِضُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهْلَ بَیْتِ رَسُولِهِ فَأَبْغِضْهُ فَیَقُولُ جَبْرَئِیلُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ إِنَّ هَذَا كَانَ یُبْغِضُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهْلَ بَیْتِهِ فَأَبْغِضْهُ وَ اعْنُفْ بِهِ فَیَدْنُو مِنْهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَیَقُولُ یَا عَبْدَ اللَّهِ أَخَذْتَ فَكَاكَ رَقَبَتِكَ أَخَذْتَ أَمَانَ بَرَاءَتِكَ تَمَسَّكْتَ بِالْعِصْمَةِ الْكُبْرَی فِی دَارِ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا فَیَقُولُ وَ مَا هِیَ فَیَقُولُ وَلَایَةُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام فَیَقُولُ مَا أَعْرِفُهَا وَ لَا أَعْتَقِدُ بِهَا فَیَقُولُ لَهُ جَبْرَئِیلُ یَا عَدُوَّ اللَّهِ وَ مَا كُنْتَ تَعْتَقِدُ فَیَقُولُ كَذَا وَ كَذَا فَیَقُولُ لَهُ جَبْرَئِیلُ أَبْشِرْ یَا عَدُوَّ اللَّهِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَ عَذَابِهِ فِی النَّارِ وَ أَمَّا مَا كُنْتَ تَرْجُو فَقَدْ فَاتَكَ وَ أَمَّا الَّذِی كُنْتَ تَخَافُهُ فَقَدْ نَزَلَ بِكَ ثُمَّ یَسُلُ

ص: 110

نَفْسَهُ سَلًّا عَنِیفاً ثُمَّ یُوَكَّلُ بِرُوحِهِ مِائَةُ شَیْطَانٍ كُلُّهُمْ یَبْصُقُ فِی وَجْهِهِ وَ یَتَأَذَّی بِرِیحِهِ فَإِذَا وُضِعَ فِی قَبْرِهِ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ یَدْخُلُ عَلَیْهِ (1)

مِنْ فَوْحِ رِیحِهَا وَ لَهَبِهَا ثُمَّ إِنَّهُ یُؤْتَی بِرُوحِهِ إِلَی جِبَالِ بَرَهُوتَ ثُمَّ إِنَّهُ یَصِیرُ فِی الْمُرَكَّبَاتِ حَتَّی إِنَّهُ یَصِیرُ فِی دُودَةٍ بَعْدَ أَنْ یَجْرِیَ فِی كُلِّ مَسْخٍ مَسْخُوطٍ عَلَیْهِ حَتَّی یَقُومَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَیَبْعَثُهُ اللَّهُ لِیَضْرِبَ عُنُقَهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (2) وَ اللَّهِ لَقَدْ أُتِیَ بِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ بَعْدَ مَا قُتِلَ وَ إِنَّهُ لَفِی صُورَةِ قِرْدٍ فِی عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ فَجَعَلَ یَعْرِفُ أَهْلَ الدَّارِ وَ هُمْ لَا یَعْرِفُونَهُ وَ اللَّهِ لَا یَذْهَبُ الدُّنْیَا حَتَّی یُمْسَخَ عَدُوُّنَا مَسْخاً ظَاهِراً حَتَّی إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَیُمْسَخُ فِی حَیَاتِهِ قِرْداً أَوْ خِنْزِیراً وَ مِنْ وَرَائِهِمْ عَذَابٌ غَلِیظٌ وَ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِیراً.

و الأخبار فی هذا المعنی كثیرة قد جازت عن حد الآحاد فإن استحال النسخ و عولنا علی أنه ألحق بها و دلس (3)

فیها و أضیف إلیها فما ذا یحیل المسخ و قد صرح به فیها و فی قوله هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَیْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِیرَ(4) و قوله فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ (5) و قوله وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلی مَكانَتِهِمْ (6) و الأخبار ناطقة بأن معنی هذا المسخ هو إحالة التغییر عن بنیة الإنسانیة إلی ما سواها

وَ فِی الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ عَنْ حُذَیْفَةَ أَنَّهُ كَانَ یَقُولُ: أَ رَأَیْتُمْ لَوْ قُلْتُ لَكُمْ إِنَّهُ یَكُونُ فِیكُمْ قِرَدَةٌ وَ خَنَازِیرُ أَ كُنْتُمْ مُصَدِّقِیَّ فَقَالَ رَجُلٌ یَكُونُ فِینَا قِرَدَةٌ وَ خَنَازِیرُ قَالَ وَ مَا یُؤْمِنُكَ مِنْ ذَلِكَ لَا أُمَّ لَكَ.

و هذا تصریح بالمسخ و قد تواتر الأخبار بما یفید أن معناه تغییر الهیئة و الصورة و فی الأحادیث أن رجلا قال لأمیر المؤمنین علیه السلام

ص: 111


1- 1. إلیه( خ).
2- 2. غافر: 11.
3- 3. دس( ظ).
4- 4. المائدة: 63.
5- 5. البقرة: 65.
6- 6. یس: 67.

و قد حكم علیه بحكم و اللّٰه ما حكمت بالحق فقال له اخسأ كلبا و إن الأثواب تطایرت عنه و صار كلبا یمصع (1)

بذنبه و إذا جاز أن یجعل اللّٰه جل و عز الجماد حیوانا فمن ذا الذی یحیل جعل حیوان فی صورة حیوان آخر.

فأجاب قدس سره اعلم أنا لم نحل المسخ و إنما أحلنا أن یصیر الحی الذی كان إنسانا الحی الذی كان قردا أو خنزیرا و المسخ أن یغیر صورة الحی الذی كان إنسانا یصیر بهیمة لا أنه یتغیر صورته إلی صورة البهیمة و الأصل فی المسخ قوله تعالی كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ (2) و قوله تعالی وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِیرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ (3) و قد تأول قوم من المفسرین آیات القرآن التی فی

ظاهرها المسخ علی أن المراد بها أنا حكمنا بنجاستهم و خسة منزلتهم و إیضاع أقدارهم لما كفروا و خالفوا فجروا بذلك مجری القرود التی لها هذه الأحكام كما یقول أحدنا لغیره ناظرت فلانا و أقمت علیه الحجة حتی مسخته كلبا علی هذا المعنی و قال آخرون بل أراد بالمسخ أن اللّٰه تعالی غیر صورهم و جعلهم علی صور القرود علی سبیل العقوبة لهم و التنفیر عنهم و ذلك جائز مقدور لا مانع له و هو أشبه بالظاهر و أمر علیه و التأویل الأول ترك الظاهر و إنما تترك الظواهر لضرورة و لیست هاهنا.

فإن قیل فكیف یكون ما ذكرتم عقوبة قلنا هذه الخلقة إذا ابتدئت لم تكن عقوبة و إذا غیر الحی المخلوق علی الخلقة التامة الجمیلة إلیها كان ذلك عقوبة لأن تغیر الحال إلی ما ذكرناه یقتضی الغم و الحسرة.

فإن قیل فیجب أن یكون مع تغیر الصورة ناسا قردة و ذلك متناف قلنا متی تغیرت صورة الإنسان إلی صورة القرد لم یكن فی تلك الحال إنسانا بل كان إنسانا مع البنیة الأولی و استحق الوصف بأنه قرد لما صار علی صورته و إن كان الحی واحدا فی الحالین لم یتغیر و یجب فیمن مسخ قردا علی سبیل العقوبة له أن یذمه مع تغیر

ص: 112


1- 1. مصع بذنبه- كفتح-: حركه.
2- 2. البقرة: 65.
3- 3. المائدة: 63.

الصورة علی ما كان منه من القبائح لأن تغیر الهیئة و الصورة لا یوجب الخروج عن استحقاق الذم كما لا یخرج المهزول إذا سمن عما كان یستحقه من الذم و كذا السمین إذا هزل فإن قیل فیقولون إن هؤلاء الممسوخین تناسلوا و إن القردة فی أزماننا هذه من نسل أولئك قلنا لیس یمتنع أن یتناسلوا بعد أن مسخوا لكن الإجماع حاصل علی أنه لیس شی ء من البهائم من أولاد آدم و لو لا هذا الإجماع لجوزنا ما ذكر و علی هذه الجملة التی قررناها لا ینكر صحة الأخبار الواردة من طرقنا بالمسخ لأنها كلها یتضمن وقوع ذلك علی من یستحق العقوبة و الذم من الأعداء و المخالفین.

فإن قیل أ فتجوزون أنه یغیر اللّٰه تعالی صورة حیوان جمیلة إلی صورة أخری غیر جمیلة بل مشوهة منفور عنها أم لا تجوزون قلنا إنما أجزنا فی الأول ذلك علی سبیل العقوبة لصاحب هذه الخلقة التی كانت جمیلة ثم تغیرت لأنه یغتم بذلك و یتأسف و هذا الغرض لا یتم فی الحیوان التی (1)

لیس بمكلف فتغییر صورهم عبث فإن كان فی ذلك غرض یحسن لمثله جاز انتهی.

و ظاهر كلامه رحمه اللّٰه أولا و آخرا أنه عند المسخ یخرج عن حقیقة الإنسانیة و یدخل فی نوع آخر و فیه نظر و الحق أن امتیاز نوع الإنسان إذا كان بهذا الهیكل المخصوص و هذا الشكل و التخطیط و الهیئة فلا یكون هذا إنسانا بل قردة(2) و خنزیرا و إن كان امتیازه بالروح المجرد أو الساری فی البدن كما هو الأصوب كانت الإنسانیة باقیة غیر ذاهبة و كان إنسانا فی صورة حیوان و لم یخرج من نوع الإنسان و لم یدخل فی نوع آخر

وَ قَدْ رُوِیَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام: أَنَّ الْفِرْقَةَ الْمُعْتَزِلَةَ عَنْ أَهْلِ السَّبْتِ لَمَّا دَخَلُوا قَرْیَتَهُمْ بَعْدَ مَسْخِهِمْ عَرَفَتِ الْقِرَدَةُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْإِنْسِ وَ لَمْ یَعْرِفِ الْإِنْسُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْقِرَدَةِ فَقَالَ الْقَوْمُ لِلْقِرَدَةِ أَ لَمْ نَنْهَكُمْ.

وَ فِی تَفْسِیرِ الْعَسْكَرِیِّ علیه السلام: فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ كُلَّهُمْ قِرَدَةً وَ بَقِیَ بَابُ الْمَدِینَةِ مُغْلَقاً لَا یَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَ لَا یَدْخُلُ إِلَیْهِمْ أَحَدٌ وَ تَسَامَعَ

ص: 113


1- 1. كذا، و الصواب« الذی».
2- 2. كذا، و الصواب« قردا».

بِذَلِكَ أَهْلُ الْقُرَی فَقَصَدُوهُمْ وَ تَسَنَّمُوا حِیطَانَ الْبَلَدِ فَاطَّلَعُوا عَلَیْهِمْ فَإِذَا كُلُّهُمْ رِجَالُهُمْ وَ نِسَاؤُهُمْ قِرَدَةٌ یَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِی بَعْضٍ یَعْرِفُ هَؤُلَاءِ النَّاظِرُونَ مَعَارِفَهُمْ وَ قَرَابَاتِهِمْ وَ خُلَطَاءَهُمْ یَقُولُ الْمُطَّلِعُ لِبَعْضِهِمْ أَنْتَ فُلَانٌ أَنْتَ فُلَانٌ فَتَدْمَعُ عَیْنَیْهِ وَ یُومِئُ بِرَأْسِهِ أَیْ نَعَمْ.

فهذان الخبران یدلان علی أنهم لم یتخلعوا من الإنسانیة و كان فیهم العقل و الشعور إلا أنهم كانوا لا یقدرون علی التكلم.

قال النیسابوری فی قوله سبحانه كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ (1) عن مجاهد أنه مسخ قلوبهم بمعنی الطبع و الختم لا أنه مسخ صورهم و هو مثل قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ یَحْمِلُ أَسْفاراً(2).

و احتج بأن الإنسان هو هذا الهیكل المحسوس فإذا أبطله و خلق مكانه تركیب القرد رجع حاصل المسخ إلی إعدام الأعراض التی باعتبارها كان ذلك الجسم إنسانا و إیجاد أعراض أخر باعتبارها صار قردا و أیضا لو جوزنا ذلك لم نؤمن فی كل ما نراه قردا و كلبا أنه كان إنسانا عاقلا و ذلك شك فی المشاهدات.

و أجیب بأن الإنسان لیس هذا الهیكل لتبدله بالسمن و الهزال فهو أمر وراء ذلك إما جسمانی سار فی جمیع البدن أو جزء فی جانب من البدن كقلب أو دماغ أو مجرد كما تقوله الفلاسفة و علی التقادیر فلا امتناع فی بقاء ذلك الشی ء مع تطرق التغیر إلی هذا الهیكل و هذا هو المسخ و بهذا التأویل یجوز فی الملك الذی تكون جثته فی غایة العظم أن یدخل حجرة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و لأنه لم یتغیر منهم إلا الخلقة و الصورة و العقل و الفهم باق فإنهم یعرفون ما نالهم بشؤم المعصیة من تغیر الخلقة و تشویه الصورة و عدم القدرة علی النطق و سائر الخواص الإنسانیة فیتألمون بذلك و یتعذبون ثم أولئك القرود بقوا أو أفناهم اللّٰه و إن بقوا فهذه القرود التی فی زماننا من نسلهم أم لا الكل سائر(3)

عقلا إلا أن الروایة عن ابن عباس أنهم

ص: 114


1- 1. البقرة: 65.
2- 2. الجمعة: 5.
3- 3. سائغ( ظ).

ما مكثوا إلا ثلاثة أیام ثم هلكوا انتهی.

و أقول قد ورد فی أخبارنا أیضا موافقا لما روی عن ابن عباس كما فی تفسیر العسكری علیه السلام كانوا كذلك ثلاثة أیام ثم بعث اللّٰه علیهم ریحا و مطرا فجر بهم إلی البحر و ما بقی مسخ بعد ثلاثة أیام و أما التی ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هی أشباهها لا هی بأعیانها و لا من نسلها.

وَ رَوَی الصَّدُوقُ فِی الْعِلَلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِینَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِی السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ قَالَ إِنَّ أُولَئِكَ مُسِخُوا ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ ثُمَّ مَاتُوا وَ لَمْ یَتَنَاسَلُوا وَ إِنَّ الْقِرَدَةَ الْیَوْمَ مِثْلُ أُولَئِكَ وَ كَذَلِكَ الْخِنْزِیرُ وَ سَائِرُ الْمُسُوخِ مَا وُجِدَ مِنْهَا الْیَوْمَ مِنْ شَیْ ءٍ فَهُوَ مِثْلُهُ لَا یَحِلُّ أَنْ یُؤْكَلَ لَحْمُهُ (1)

الْخَبَرَ.

وَ رَوَی فِی الْعُیُونِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: سَمِعْتُ الْمَأْمُونَ یَسْأَلُ الرِّضَا علیه السلام عَمَّا یَرْوِیهِ النَّاسُ مِنْ أَمْرِ الزُّهْرَةِ وَ أَنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً فُتِنَ بِهَا هَارُوتُ وَ مَارُوتُ وَ مَا یَرْوُونَهُ مِنْ أَمْرِ سُهَیْلٍ أَنَّهُ كَانَ عَشَّاراً بِالْیَمَنِ فَقَالَ علیه السلام كَذَبُوا فِی قَوْلِهِمْ إِنَّهُمَا كَوْكَبَانِ وَ إِنَّهُمَا كَانَتَا دَابَّتَیْنِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ فَغَلِطَ النَّاسُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمَا الْكَوْكَبَانِ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِیَمْسَخَ أَعْدَاءَهُ أَنْوَاراً مُضِیئَةً ثُمَّ یُبْقِیَهُمَا مَا بَقِیَتِ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ وَ إِنَّ الْمُسُوخَ لَمْ یَبْقَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَیَّامٍ حَتَّی مَاتَتْ وَ مَا تَنَاسَلَ مِنْهَا شَیْ ءٌ وَ مَا عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ الْیَوْمَ مَسْخٌ وَ إِنَّ الَّتِی وَقَعَتْ عَلَیْهَا اسْمُ الْمُسُوخِیَّةِ مِثْلَ الْقِرْدِ وَ الْخِنْزِیرِ وَ الدُّبِّ وَ أَشْبَاهِهَا إِنَّمَا هِیَ مِثْلُ مَا مَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی صُوَرِهَا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ بِإِنْكَارِهِمْ تَوْحِیدَ اللَّهِ وَ تَكْذِیبِهِمْ رُسُلَهُ الْخَبَرَ(2).

أقول: فقد ثبت بهذه الأخبار أن هذه الحیوانات لیست من نسل هؤلاء المسوخ و لا من نوعهم و إنما هی علی صورهم و قد عرفت أن المسخ لیس تناسخا لأن الروح لم ینتقل إلی بدن آخر و إنما تغیرت صورة البدن و أما التناسخ بمعنی انتقال

ص: 115


1- 1. لم نجد الروایة بعینها فی العلل، و یوجد ما هو قریب المضمون بها فی: ج 2، ص 170.
2- 2. العیون ج 1 ص 271.

الروح من بدن إلی بدن غیر الأبدان المثالیة فمما أجمع علی نفیه جمیع المسلمین و أما الأخبار الشاذة الواردة فی ذلك فیشكل التعلق بظواهرها كالخبر الذی أورده السائل فهی إما مؤولة بالمسخ أو بتصور الأجساد المثالیة بتلك الصور كما ذكرنا سابقا و أما فی الأجساد المثالیة فقد تقدم القول فیها فی كتاب المعاد و اللّٰه الهادی إلی الرشاد.

قال شارح المقاصد القول بالتناسخ فی الجملة محكی عن كثیر من الفلاسفة إلا أنه حكایة لا تعضدها شبهة فضلا عن حجة و مع ذلك فالنصوص القاطعة من الكتاب و السنة ناطقة بخلافها و ذلك أنهم ینكرون المعاد الجسمانی أعنی حشر الأجساد و كون الجنة و النار داری ثواب و عقاب و لذات و آلام حسیة و یجعلون المعاد عبارة عن مفارقة النفوس الأبدان و الجنة عن ابتهاجها بكمالاتها و النار عن تعلقها بأبدان حیوانات أخر یناسبها فیما اكتسب من الأخلاق و تمكنت فیها من الهیئات معذبة بما یلقی فیها من الذل و الهوان مثلا تتعلق نفس الحریص بالخنزیر و السارق بالفار و المعجب بالطاوس و الشریر بالكلب و یكون لها تدریج فی ذلك بحسب الأنواع و الأشخاص أی ینزل من بدن إلی بدن هو أدنی فی تلك الهیئة المناسبة مثلا یبتدئ نفس الحریص من التعلق ببدن الخنزیر ثم إلی ما دونه فی ذلك حتی ینتهی إلی النمل ثم یتصل بعالم العقول عند زوال تلك الهیئة بالكلیة.

ثم إن من المنتمین من التناسخیة إلی دین الإسلام یروجون هذا الرأی بالعبارات المهذبة و الاستعارات المستعذبة و یصرفون به إلیه بعض الآیات الواردة فی أصحاب العقوبات اجتراء علی اللّٰه و افتراء علی ما هو دأب الملاحدة و الزنادقة و من یجری مجراهم من الغاوین المغوین الذین هم شیاطین الإنس الذین یوحون إلی العوام و القاصرین من المحصلین زخرف القول غرورا.

فمن جملة ذلك ما قالوا فی قوله تعالی كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ أی بالفساد بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَیْرَها(1) أی بالكون و فی قوله تعالی كُلَّما أَرادُوا أَنْ یَخْرُجُوا مِنْها(2)

ص: 116


1- 1. النساء: 55.
2- 2. الحجّ: 22.

أی من دركات جهنم التی هی أبدان الحیوانات و كذا فی قوله فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (1) و قوله تعالی رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (2) و فی قوله تعالی وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ الآیة(3)

معناه أنهم كانوا مثلكم فی الخلق و العلوم و المعایش و الصناعات فانتقلوا إلی أبدان هذه الحیوانات و فی قوله تعالی كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ (4) أی بعد المفارقة و فی قوله تعالی وَ نَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَلی وُجُوهِهِمْ (5) أی علی صور الحیوانات المتنكسة الرءوس إلی غیر ذلك من الآیات و من نظر فی كتب التفسیر بل فی سیاق الآیات لا یخفی علیه فساد هذه الهذیانات.

و جوز بعض الفلاسفة تعلق النفوس المفارقة ببعض الأجرام السماویة للاستكمال و بعضهم علی أن نفوس الكاملین تتصل بعالم المجردات و نفوس المتوسطین تتخلص إلی عالم المثل المعلقة فی مظاهر الأجرام العلویة علی اختلاف مراتبهم فی ذلك و نفوس الأشقیاء إلی هذا العالم فی مظاهر الظلمانیات فی الصور المستكرهة بحسب اختلاف مراتبهم فی الشقاوة فیبقی بعضهم فی تلك الظلمات أبدا لكون الشقاوة فی الغایة و بعضهم ینتقل بالتدریج إلی عالم الأنوار المجردة.

الثالثة أن النفس لا تفنی بفناء البدن قال فی شرح المقاصد فناء البدن لا یوجب فناء النفس المغایرة له مجردة كانت أو مادیة أی جسما حالا فیه لأن كونها مدبرة له متصرفة فیه لا یقتضی فناءها بفنائه لكن مجرد ذلك لا یدل علی كونها باقیة البتة فلهذا احتیج فی ذلك إلی دلیل و هو عندنا النصوص من الكتاب و السنة و إجماع الأمة و هی من الكثرة و الظهور بحیث لا یفتقر إلی الذكر و قد أورد الإمام فی المطالب العالیة من الشواهد العقلیة و النقلیة فی هذا الباب ما یفضی ذكره إلی الإطناب و أما الفلاسفة فزعموا أنه یمتنع فناء النفس

ص: 117


1- 1. المؤمن: 11.
2- 2. المؤمنون: 107.
3- 3. الأنعام: 38.
4- 4. البقرة: 65.
5- 5. الإسراء: 97.

أقول: ثم ذكر بعض دلائلهم علی ذلك لا حاجة بنا إلی إیرادها.

الرابعة فی كیفیة تعقل النفس و إدراكها قال فی التجرید و تعقل بذاتها و تدرك بالآلات و قال شارح المقاصد لا نزاع فی أن مدرك الكلیات من الإنسان هو النفس و أما مدرك الجزئیات علی وجه كونها جزئیات فعندنا النفس و عند الفلاسفة الحواس (1) ثم قال بعد إیراد الحجج من الجانبین لما كان إدراك الجزئیات مشروطا عند الفلاسفة بحصول الصورة فی الآلات فعند مفارقة النفس و بطلان الآلات لا تبقی مدركة للجزئیات ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط و عندنا لما لم تكن الآلات شرطا فی إدراك الجزئیات إما لأنه لیس بحصول الصورة لا فی النفس و لا فی الحس و إما لأنه لا یمتنع ارتسام صورة الجزئی فی النفس بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه یكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئیة و اطلاع علی بعض جزئیات أحوال الأحیاء سیما الذین كان بینهم و بین المیت تعارف فی الدنیا و لهذا ینتفع بزیارة القبور و الاستعانة بنفوس الأخیار من الأموات فی استنزال الخیرات و استدفاع الملمات فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا ما بالبدن و بالتربة التی دفنت فیها فإذا زار الحی تلك التربة و توجهت تلقاءه نفس المیت حصل بین النفسین علاقات و إفاضات.

الخامسة فی كمالات النفس و مراتبها قال فی شرح المقاصد قد سبق أن لفظ القوة كما یطلق علی مبدإ التغییر و الفعل فكذا یطلق علی مبدإ التغیر و الانفعال فقوة النفس باعتبار تأثرها عما فوقها من المبادئ للاستكمال بالعلوم و الإدراكات یسمی عقلا نظریا و باعتبار تأثیرها فی البدن لتكمیل جوهره و إن كان ذلك أیضا عائدا إلی

ص: 118


1- 1. ذهب المشاءون إلی أن النفس تدرك الجزئیات بتوسط الحواس الظاهرة و الباطنة و ذهب شیخ الاشراق إلی أن حصول الاوضاع و الإضافات الخاصّة بین الحواس و المحسوسات شروط لادراك النفس لمدركاتها الجزئیة المحسوسة فی عالم المثال، و ذهب صدر المتألهین إلی أن للنفس مرتبة مثالیة تدرك الجزئیات المحسوسة فیها، و الحواس إنّما هی آلات لادراك المحسوسات المادیة و معدات تعد النفس لادراكها فی عالمها المثالی، و اما الجزئیات المتخیلة و الموجودة فی عالم المثال الأعظم فتدركها بنفسها من دون حاجة إلی آلة و تبعه علی ذلك أتباع مدرسته و أصحاب الحكمة المتعالیة. و علیه یصحّ ادراك النفس للجزئیات بعد مفارقة البدن أیضا.

تكمیل النفس من جهة أن البدن آلة لها فی تحصیل العلم و العمل یسمی عقلا عملیا و المشهور أن مراتب النفس أربع لأنه إما كمال و إما استعداد نحو الكمال قوی أو متوسط أو ضعیف فالضعیف و هو محض قابلیة النفس للإدراكات یسمی عقلا هیولانیا تشبیها بالهیولی الأولی الخالیة فی نفسها عن جمیع الصور القابلة لها بمنزلة قوة الطفل للكتابة و المتوسط و هو استعدادها لتحصیل النظریات بعد حصول الضروریات تسمی عقلا بالملكة لما حصل لها من ملكة الانتقال إلی النظریات بمنزلة الشخص المستعد لتعلم الكتابة و تختلف مراتب الناس فی ذلك اختلافا عظیما بحسب اختلاف درجات الاستعدادات و القوی و هو الاقتدار علی استحضار النظریات متی شاءت من غیر افتقار إلی كسب جدید لكونها مكتسبة مخزونة تحضر بمجرد الالتفات بمنزلة القادر علی الكتابة حین لا یكتب و له أن یكتب متی شاء و یسمی عقلا بالفعل لشدة قربه من الفعل و أما الكمال فهو أن یحصل النظریات مشاهدة بمنزلة الكاتب حین یكتب و یسمی عقلا مستفادا أی من خارج هو العقل الفعال الذی یخرج نفوسنا من القوة إلی الفعل فیما له من الكمالات و نسبته إلینا نسبة الشمس إلی أبصارنا و تختلف عبارات القوم فی أن المذكورات أسام لهذه الاستعدادات و الكمال أو للنفس باعتبار اتصافها بها أو لقوی فی النفس هی مبادئها مثلا یقال تارة إن العقل الهیولانی هو استعداد النفس لقبول

العلوم الضروریة و تارة إنها قوة استعدادیة أو قوة من شأنها الاستعداد المحض و تارة إنه النفس فی مبدإ الفطرة من حیث قابلیتها للعلوم و كذا فی البواقی و ربما یقال إن العقل بالملكة هو حصول الضروریات من حیث یتأدی إلی النظریات.

و قال ابن سینا هو صورة المعقولات الأولی و تتبعها القوة علی كسب غیرها بمنزلة الضوء للإبصار و المستفاد هو المعقولات المكتسبة عند حصولها بالفعل.

و قال فی كتاب المبدإ و المعاد إن العقل بالفعل و العقل المستفاد واحد بالذات مختلف بالاعتبار فإنه من جهة تحصیله للنظریات عقل بالفعل و من جهة حصولها

ص: 119

فیه بالفعل عقل مستفاد و ربما قیل هو عقل بالفعل بالقیاس إلی ذاته و مستفاد بالقیاس إلی فاعله.

و اختلفوا أیضا فی أن المعتبر فی المستفاد هو حصول النظریات الممكنة للنفس بحیث لا یغیب أصلا حتی قالوا إنه آخر المراتب البشریة و أول منازل الملكیة و أنه یمتنع أو یستبعد جدا ما دامت النفس متعلقة بالبدن أو مجرد الحضور حتی یكون قبل العقل بالفعل بحسب الوجود علی ما صرح به الإمام و إن كان بحسب الشرف هو الغایة و الرئیس المطلق الذی یخدمه سائر القوی الإنسانیة و الحیوانیة و النباتیة و لا یخفی أن هذا أشبه بما اتفقوا علیه من حصر المراتب فی الأربع نعم حضور الكل بحیث لا یغیب أصلا هو كمال مرتبة المستفاد.

ثم قال أما العملی فهو قوة بها یتمكن الإنسان من استنباط الصناعات و التصرفات فی موضوعاتها التی هی بمنزلة المواد كالخشب للنجار و تمیز مصالحه التی یجب الإتیان بها من المفاسد التی یجب الاجتناب عنها لینتظم بذلك أمر معاشه و معاده و بالجملة هی مبدأ حركة بدن الإنسان إلی الأفاعیل الجزئیة الخاصة بالرؤیة علی مقتضی آراء تخصها صلاحیته و لها نسبة إلی القوة النزوعیة و منها یتولد الضحك و الخجل و البكاء و نحوها و نسبة إلی الحواس الباطنة و هی استعمالها فی استخراج أمور مصلحة و صناعات و غیرها و نسبة إلی القوة النظریة و هی أن أفاعیله أعنی أعماله الاختیاریة تنبعث عن آراء جزئیة تستند إلی آراء كلیة تستنبط من مقدمات أولیة أو تجربیة أو ذائعة أو ظنیة تحكم بها القوة النظریة مثلا یستنبط من قولنا بذل الدرهم جمیل و الفعل الجمیل ینبغی أن یصدر عنا ینتج أن بذل الدرهم ینبغی أن یصدر عنا ثم یحكم بأن هذا الدرهم ینبغی أن أبذله لهذا المستحق فینبعث من ذلك شوق و إرادة إلی بذله فتقدم القوة المحركة علی دفعه إلی المستحق.

ثم قال و كمال القوة النظریة معرفة أعیان الموجودات و أحوالها و أحكامها كما هی أی علی الوجه الذی هی علیه فی نفس الأمر بقدر الطاقة البشریة و سمی حكمة نظریة و كمال القوة العملیة القیام بالأمور علی ما ینبغی أی علی الوجه الذی

ص: 120

یرتضیه العقل الصحیح بقدر الطاقة البشریة و سمی حكمة عملیة و فسروا الحكمة علی ما یشمل القسمین بأنها خروج النفس من القوة إلی الفعل فی كمالها الممكن علما و عملا إلا أنه لما كثر الخلاف و فشا الباطل و الضلال فی شأن الكمال و فی كون الأشیاء

كما هی و الأمور علی ما ینبغی لزم الاقتداء فی ذلك بمن ثبت بالمعجزات الباهرة أنهم علی هدی من اللّٰه تعالی و كانت الحكمة الحقیقیة هی الشریعة لكن لا بمعنی مجرد الأحكام العملیة بل بمعنی معرفة النفس ما لها و ما علیها و العمل بها علی ما ذهب إلیه أهل التحقیق من أن المشار إلیها فی قوله وَ مَنْ یُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً كَثِیراً(1) هو الفقه و أنه اسم للعلم و العمل جمیعا.

و قد تقسم الحكمة المفسرة بمعرفة الأشیاء كما هی إلی النظریة العملیة لأنها إن كانت علما بالأصول المتعلقة بقدرتنا و اختیارنا فعملیة و غایتها العمل و تحصیل الخیر و إلا فنظریة و غایتها إدراك الحق و كل منهما ینقسم بالقسمة الأولیة إلی ثلاثة أقسام فالنظریة إلی الإلهی و الریاضی و الطبیعی و العملیة إلی علم الأخلاق و علم تدبیر المنزل و علم سیاسة المدینة لأن النظریة إن كان علما بأحوال الموجودات من حیث یتعلق بالمادة تصورا و قواما فهی العلم الطبیعی و إن كان من حیث یتعلق بها قواما لا تصورا فالریاضی كالبحث عن الخطوط و السطوح و غیرهما مما یفتقر إلی المادة فی الوجود لا فی التصور و إن كان من حیث لا یتعلق بها لا قواما و لا تصورا فالإلهی و یسمی العلم الأعلی و علم ما بعد الطبیعة كالبحث عن الواجب و المجردات و ما یتعلق بذلك.

و الحكمة العملیة إن تعلقت بآراء ینتظم بها حال الشخص و ذكاء نفسه فالحكمة الخلقیة و إلا فإن تعلقت بانتظام المشاركة الإنسانیة الخاصة فالحكمة المنزلیة و العامة فالحكمة المدنیة و السیاسة.

ثم قال للإنسان قوة شهویة هی مبدأ جذب المنافع و دفع المضار من المآكل و المشارب و غیرها و تسمی القوة البهیمیة و النفس الأمارة و قوة غضبیة هی

ص: 121


1- 1. البقرة: 269.

مبدأ الإقدام علی الأهوال و الشوق إلی التسلط و الترفع و تسمی السبعیة و النفس اللوامة و قوة نطقیة هی مبدأ إدراك الحقائق و الشوق إلی النظر فی العواقب لیتمیز بین المصالح و المفاسد و یحدث من اعتدال حركة الأولی العفة و هی أن تكون تصرفات البهیمیة علی وفق اقتضاء النطقیة لیسلم عن أن تستعبدها الهوی و تستخدمها اللذات و لها طرف إفراط هی الخلاعة و الفجور أی الوقوع فی ازدیاد اللذات علی ما لا ینبغی و طرف تفریط هی الخمود أی السكون عن طلب ما رخص فیه العقل و الشرع من اللذات إیثارا لا خلقة و من اعتدال حركة السبعیة الشجاعة و هی انقیادها للنطقیة لیكون إقدامها علی حسب الرویة من غیر اضطراب فی الأمور الهائلة و لها طرف إفراط هو التهور أی الإقدام علی ما لا ینبغی و تفریط و هو الجبن أی الحذر عما لا ینبغی و من اعتدال حركة النطقیة و هی معرفة الحقائق علی ما هی علیه بقدر الاستطاعة و طرف إفراطها الجربزة و هی استعمال الفكر فیما لا ینبغی و طرف تفریطها الغباوة و هی تعطیل الفكر بالإرادة و الوقوف علی اكتساب العلوم فالأوساط فضائل و الأطراف رذائل و إذا امتزجت الفضائل حصل من اجتماعها حالة متشابهة هی العدالة فأصول الفضائل العفة و الشجاعة و الحكمة و العدالة و لكل منها شعب و فروع مذكورة فی كتب الأخلاق و كذا الرذائل الستة انتهی.

تتمیم

قال الرازی فی المطالب العالیة فی تعدید خواص النفس الإنسانیة و نحن نذكر منها عشرة القسم الأول من الخواص النطق و فیه أبحاث.

الأول أن الإنسان الواحد لو لم یكن فی الوجود إلا هو و إلا الأمور الموجودة فی الطبیعة لهلك أو ساءت معیشته بل الإنسان محتاج إلی أمور أزید مما فی الطبیعة مثل الغذاء المعمول فإن الأغذیة الطبیعیة لا یلائم الإنسان و الملابس أیضا لا یصلح للإنسان إلا بعد صیرورتها صناعیة فكذلك یحتاج الإنسان إلی جملة من الصناعات حتی تنتظم أسباب معیشته و الإنسان الواحد لا یمكنه القیام بمجموع تلك الصناعات

ص: 122

بل لا بد من المشاركة حتی یخبز هذا لذاك و ینسج ذاك لهذا فلهذه الأسباب احتاج الإنسان إلی أن تكون له قدرة علی أن یعرف الآخر الذی هو شریكه ما فی نفسه بعلامة وضعیة و هی أقسام فالأول أصلحها و أشرفها الأصوات المركبة و السبب فی شرفها أن بدن الإنسان لا یتم و لا یكمل إلا بالقلب الذی هو معدن الحرارة الغریزیة و لا بد من وصول النسیم البارد إلیه ساعة فساعة حتی یبقی علی اعتداله و لا یحترق فخلقت آلات فی بدنه بحیث یقدر الإنسان علی استدخال النسیم البارد فی قلبه فإذا مكث ذلك النسیم لحظة تسخن و فسد فوجب إخراجه فالصانع الحكیم جعل النفس الخارج سببا لحدوث الصوت فلا جرم سهل تحصیل الصوت بهذا الطریق ثم إن ذلك الصوت سهل تقطیعه فی المحابس المختلفة فحصلت هیئات مخصوصة بسبب تقطیع ذلك الصوت فی تلك المحابس و تلك الهیئات المخصوصة هی الحروف فحصلت الحروف و الأصوات بهذا الطریق ثم تركب الحروف فحصلت الكلمات بهذا الطریق ثم جعلوا كل كلمة مخصوصة معرفة لمعنی مخصوص فلا جرم صار تعریف المعانی المخصوصة بهذا الطریق فی غایة السهولة من وجوه الأول أن إدخالها فی الوجود فی غایة السهولة و الثانی أن تكون الكلمات الكثیرة الواقعة فی مقابلة المعلومات الكثیرة فی غایة السهولة و الثالث أن عند الحاجة إلی التعریف تدخل فی الوجود و عند الاستغناء عن ذكرها تعدم لأن الأصوات لا تبقی.

و القسم الثانی من طرق التعریف الإشارة و النطق أفضل بوجوه الأول أن الإشارة إنما تكون إلی موجود حاضر عند المشیر محسوس و أما النطق فإنه یتناول المعدوم و یتناول ما لا یصح الإشارة إلیه و یتناول ما یصح الإشارة إلیه أیضا و الثانی أن الإشارة عبارة عن تحریك الحدقة إلی جانب معین فالإشارة نوع واحد أو نوعان فلا یصح لتعریف الأشیاء المختلفة بخلاف النطق فإن الأصوات و الحروف البسیطة و المركبة كثیرة و الثالث أنه إذا أشار إلی شی ء فذلك الشی ء ذات قامت به صفات كثیرة فلا یعرف بسبب تلك الإشارة أن المراد تعریف الذات وحدها أو الصفة الفلانیة

ص: 123

أو الصفة الثانیة أو الثالثة أو الرابعة أو المجموع و أما النطق فإنه واف بتعرف كل واحدة من هذه الأحوال بعینها.

و القسم الثالث الكتابة و ظاهر أن المئونة فی إدخالها فی الوجود صعبة و مع ذلك فإنها مفرعة علی النطق و ذلك لأنا لو افتقرنا إلی أن نضع لتعریف كل معنی من المعانی البسیطة و المركبة نقشا لافتقرنا إلی حفظ نقوش غیر متناهیة و ذلك غیر ممكن فدبروا فیه طریقا لطیفا و هو أنهم وضعوا بإزاء كل واحد من الحروف النطقیة البسیطة نقشا خاصا ثم جعلوا النقوش المركبة فی مقابلة الحروف المركبة فسهلت المئونة فی الكتابة بهذا الطریق إلا أن علی هذا التقدیر صارت الكتابة مفرعة علی النطق إلا أنه حصل فی الكتابة منفعة عظیمة و هی أن عقل الإنسان الواحد لا یفی باستنباط العلوم الكثیرة فالإنسان الواحد إذا استنبط مقدارا من العلم و أثبته فی الكتاب بواسطة الكتابة فإذا جاء بعده إنسان آخر و وقف علیه قدر علی استنباط أشیاء أخر زائدة علی ذلك الأول فظهر أن العلوم إنما كثرت بإعانة الكتابة

فَلِهَذَا قَالَ علیه السلام: قَیِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ.

فهذا بیان حقیقة النطق و الإشارة و الكتابة.

البحث الثانی مما یتعلق بهذا الباب أن المشهور أنه یقال فی حد الإنسان إنه حیوان ناطق فقال بعضهم إن هذا التعریف باطل طردا و عكسا أما الطرد فلأن بعض الحیوانات قد تنطق و أما العكس فهو بعض الناس لا ینطق فأجیب عنه بأن المراد منه النطق العقلی و لم یذكروا لهذا النطق العقلی تفسیرا ملخصا فنقول الحیوان نوعان منه ما إذا عرف شیئا فإنه لا یقدر علی أن یعرف غیره حال نفسه مثل البهائم و غیرها فإنها إذا وجدت من نفسها أحوالا مخصوصة لا تقدر علی أن تعرف غیرها تلك الأحوال و أما الإنسان فإذا وجد من نفسه حالة مخصوصة قدر علی أن یعرف غیره تلك الحالة الموجودة فی نفسه فالناطق الذی جعل فصلا مقوما هو هذا المعنی و السبب فیه أن أكمل طرق التعریف هو النطق فعبر عن هذه القدرة بأكمل الطرق الدالة علیها و بهذا التقریر فإن تلك السؤال لا یتوجه و اللّٰه أعلم بالصواب.

ص: 124

البحث الثالث أن هذه الألفاظ و الكلمات لها أسماء كثیرة فالأول اللفظ و فیه وجهان أحدهما أن هذه الألفاظ إنما تولد بسبب أن ذلك الإنسان لفظ ذلك الهواء من حلقه فلما كان سبب حدوث هذه الأصوات هو لفظ ذلك الهواء لا جرم سمیت باللفظ و الثانی أن تلك المعانی كانت كامنة فی قلب ذلك الإنسان فلما ذكر هذه الألفاظ صارت تلك المعانی الكامنة معلومة فكأن ذلك الإنسان لفظها من الداخل إلی الخارج.

و الاسم الثانی الكلام و اشتقاق هذه اللفظة من الكلم و هو الجرح و السبب أن الإنسان إذا سمع تلك اللفظة تأثر جسمه بسماعها و تأثر عقله بفهم معناها فلهذا السبب سمی بالكلمة.

و الاسم الثالث العبارة و هی مأخوذة من العبور و المجاوزة و فیه وجهان الأول أن ذلك النفس لما خرج منه فكأن جاوزه و عبر علیه الثانی أن ذلك المعنی عبر من القائل إلی فهم المستمع.

الاسم الرابع القول و هذا التركیب یفید الشدة و القوة و لا شك أن تلك اللفظة لها قوة إما لسبب خروجها إلی الخارج و إما لسبب أنها تقوی علی التأثر فی السمع و علی التأثیر فی العقل و اللّٰه أعلم.

النوع الثانی من خواص الإنسان قدرته علی استنباط الصنائع العجیبة و لهذه القدرة مبدأ و آلة أما المبدأ فهو الخیال القادر علی تركیب الصور بعضها ببعض و أما الآلة فهی الیدان و قد سماهما الحكیم أرسطاطالیس الآلة المباحة و سنذكر هذه اللفظة فی علم التشریح إن شاء اللّٰه و قد یحصل ما یشبه هذه الحالة للحیوانات الأخر كالنحل فی بناء البیوت المسدسة إلا أن ذلك لا یصدر من استنباط و قیاس بل إلهام و تسخیر و لذلك لا یختلف و لا یتنوع هكذا قاله الشیخ و هو منقوض بالحركة الفلكیة و سنفرد لهذا البحث فصلا علی الاستقصاء.

النوع الثالث من خواص الإنسان الأعراض النفسانیة المختلفة و هی علی أقسام فأحدها أنه إذا رأی شیئا لم یعرف سببه حصلت حالة مخصوصة فی نفسه مسماة

ص: 125

بالتعجب و ثانیها أنه إذا أحس بحصول الملائم حصلت حالة مخصوصة و تتبعها أحوال جسمانیة و هی تمدد فی عضلات الوجه مع أصوات مخصوصة و هی الضحك فإن أحس بحصول المنافی و الموذی حزن فانعصر دم قلبه فی الداخل فینعصر أیضا دماغه و تنفصل عنه قطرة من الماء و تخرج من العین و هی البكاء و ثالثها أن الإنسان إذا اعتقد فی غیره أنه اعتقد فیه أنه أقدم علی شی ء من القبائح حصلت حالة مخصوصة تسمی بالخجالة و رابعها أنه إذا اعتقد فی فعل مخصوص أنه قبیح فامتنع عنه لقبحه حصلت حالة مخصوصة هی الحیاء و بالجملة فاستقصاء القول فی تعدید الأحوال النفسانیة مذكور فی باب الكیفیات النفسانیة و النوع الرابع من خواص الإنسان الحكم بحسن بعض الأشیاء و قبح بعضها إما لأن صریح العقل یوجب ذلك عند من یقول به و إما لأجل أن المصلحة الحاصلة بسبب المشاركة الإنسانیة اقتضت تقریرها لتبقی مصالح العالم مرعیة و أما سائر الحیوانات فإنها إن تركت بعض الأشیاء مثل الأسد فإنه لا یفترس صاحبه فلیس ذلك مشابها للحالة الحاصلة للإنسان بل هیئة أخری لأن كل حیوان فهو یحب بالطبع كل من ینفعه فلهذا السبب الشخص الذی أطعمه محبوب عنده فیصیر ذلك مانعا له عن افتراسه.

النوع الخامس من خواص الإنسان تذكر الأمور الماضیة و قیل إن هذه الحالة لا تحصل لسائر الحیوانات و الجزم فی هذا الباب بالنفی و الإثبات مشكل و النوع السادس الفكر و الرویة و هذا الفكر علی قسمین أحدهما أن یتفكر لأجل أن یعرف حاله و هذا النوع من الفكر ممكن فی الماضی و المستقبل و الحاضر و النوع الثانی التفكر فی كیفیة إیجاده و تكوینه و هذا النوع من الفكر لا یمكن فی الواجب و الممتنع و إنما یمكن فی الممكن ثم لا یمكن فی الممكن الماضی و الحاضر و إنما یمكن فی الممكن المستقبل و إذا حكمت هذه القوة تبع حكمها حصول الإرادة الجازمة و یتبعها تأثیر القوة و القدرة فی تحریك البدن و هل لشی ء من الحیوانات شی ء من الكیفیات المشهور إنكاره و فیه موضع بحث فإنها راغبة فی

ص: 126

كل ما یكون لذیذا عندها نافرة عن كل ما یكون مولما عندها فوجب أن یتقرر عندها أن كل لذیذ مطلوب و أن كل مولم مكروه فأجیب عنه بأن رغبتها إنما یكون فی هذا اللذیذ فكل لذیذ حضر عنده فإنه یرغب فیه من حیث إنه ذلك الشی ء فأما أن یعتقد أن كل لذیذ فهو مطلوب فهذا لیس عنده.

و اعلم أن الحكم فی هذه الأشیاء بالنفی و الإثبات حكم علی الغیب و العلم بها لیس إلا لله العلی العلیم و اللّٰه أعلم.

الفصل الثانی و العشرون فی بیان أن اللذات العقلیة أشرف و أكمل من اللذات الحسیة اعلم أن الغالب علی الطباع العامیة أن أقوی اللذات و أكمل السعادات لذة المطعم و المنكح و لذلك فإن جمهور الناس لا یعبدون اللّٰه إلا لیجدوا المطاعم اللذیذة فی الآخرة و إلا لیجدوا المناكح الشهیة هناك و هذا القول مردود عند المحققین من أهل الحكمة و أرباب الریاضة و یدل علیه وجوه.

الحجة الأولی لو كانت سعادة الإنسان متعلقة بقضاء الشهوة و إمضاء الغضب لكان الحیوان الذی یكون أقوی فی هذا الباب من الإنسان أشرف منه لكن الجمل أكثر أكلا من الناس و الذئب أقوی فی الإیذاء من الإنسان و العصفور أقوی علی السفاد من الإنسان فوجب كون هذه الأشیاء أشرف من الإنسان لكن التالی معلوم البطلان بالضرورة فوجب الجزم بأن سعادة الإنسان غیر متعلقة بهذه الأمور.

الحجة الثانیة كل شی ء یكون سببا لحصول السعادة و الكمال فكلما كان ذلك الشی ء أكثر حصولا كانت السعادة و الكمال أكثر حصولا فلو كان قضاء شهوة البطن و الفرج سببا لكمال حال الإنسان و لسعادته لكان الإنسان كلما أكثر اشتغالا بقضاء شهوة البطن و الفرج و أكثر استغراقا فیه كان أعلی درجة و أكمل فضیلة لكن التالی باطل لأن الإنسان الذی جعل عمره وقفا علی الأكل و الشرب و البعال یعد من البهیمة و یقضی علیه بالدناءة و الخساسة و كل ذلك یدل علی أن الاشتغال بقضاء هاتین الشهوتین لیس من باب السعادات و الكمالات بل من باب دفع الحاجات و الآفات.

الحجة الثالثة أن الإنسان یشاركه فی لذة الأكل و الشرب جمیع الحیوانات

ص: 127

الخسیسة فإنه كما أن الإنسان یلتذ بأكل السكر فكذلك الجعل یلتذ بتناول السرقین فلو كانت هذه اللذات البدنیة هی السعادة الكبری للإنسان لوجب أن لا یكون للإنسان فضیلة علی هذه الحیوانات الخسیسة بل نزید و نقول لو كانت سعادة الإنسان متعلقة بهذه اللذات الخسیسة لوجب أن یكون الإنسان أخس الحیوانات و التالی باطل فالمقدم مثله و بیان وجه الملازمة أن الحیوانات الخسیسة مشاركة للإنسان فی هذه اللذات الخسیسة البدنیة إلا أن الإنسان یتنغص علیه المطالب بسبب العقل فإن العقل سمی عقلا لكونه عقالا له و حبسا له عن أكثر ما یشتهیه و یمیل طبعه إلیه فإذا كان التقدیر أن كمال السعادة لیس إلا فی هذه اللذات الخسیسة ثم بینا أن هذه اللذات الخسیسة حاصلة علی سبیل الكمال و التمام للبهائم و السباع من غیر معارض و مدافع و هی حاصلة للإنسان مع المنازع القوی و المعارض الكامل وجب أن یكون الإنسان أخس الحیوانات و لما كان هذا معلوم الفساد بالبدیهة ثبت أن هذه اللذات الخسیسة لیست موجبة للبهجة و السعادة.

الحجة الرابعة أن هذه اللذات الخسیسة إذا بحث عنها فهی فی الحقیقة لیست لذات بل حاصلها یرجع إلی دفع الألم و الدلیل علیه أن الإنسان كلما كان أكثر جوعا كان التذاذه بالأكل أكمل و كلما كان ألم الجوع أقل كان الالتذاذ بالأكل أقل و أیضا إذا طال عهد الإنسان بالوقاع و اجتمع المنی الكثیر فی أوعیة المنی حصلت فی تلك الأوعیة دغدغة شدیدة و تمدد و ثقل و كلما كانت هذه الأحوال الموذیة أكثر كانت اللذة الحاصلة عند اندفاع ذلك المنی أقوی و لهذا السبب فإن لذة الوقاع فی حق من طال عهده بالوقاع یكون أكمل منها فی حق من قرب عهده به فثبت أن هذه الأحوال التی یظن أنها لذات جسمانیة فهی فی الحقیقة لیست إلا دفع الألم و هكذا القول فی اللذة الحاصلة بسبب لبس الثیاب فإنه لا حاصل لتلك اللذة إلا دفع ألم الحر و البرد و إذا ثبت أنه لا حاصل لهذه اللذات إلا دفع الآلام فنقول ظهر أنه لیس فیها سعادة لأن الحالة السابقة هی حصول الألم و الحالة الحاضرة عدم الألم و هذا العدم كان حاصلا عند العدم الأصلی فثبت أن هذه الأحوال لیست

ص: 128

سعادات و لا كمالات البتة.

الحجة الخامسة أن الإنسان من حیث یأكل و یشرب و یجامع و یؤذی یشاركه سائر الحیوانات و إنما یمتاز عنها بالإنسانیة و هی مانعة من تكمیل تلك الأحوال و موجبة لنقصانها و تقلیلها فلو كانت هذه الأحوال عین السعادة لكان الإنسان من حیث إنه إنسان ناقصا شقیا خسیسا و لما حكمت البدیهة بفساد هذا التالی ثبت فساد المقدم.

الحجة السادسة أن العلم الضروری حاصل بأن بهجة الملائكة و سعادتهم أكمل و أشرف من بهجة الحمار و سعادته و من بهجة الدیدان و الذباب و سائر الحیوانات و الحشرات ثم لا نزاع أن الملائكة لیس لها هذه اللذات فلو كانت السعادة القصوی لیست إلا هذه اللذات لزم كون هذه الحیوانات الخسیسة أعلی حالا و أكمل درجة من الملائكة المقربین و لما كان هذا التالی باطلا كان المقدم مثله بل هاهنا ما هو أعلی و أقوی مما ذكرناه و هو أنه لا نسبة لكمال واجب الوجود و جلاله و شرفه و عزته إلی أحوال غیره مع أن هذه اللذات الحسیة ممتنعة علیه فثبت أن الكمال و الشرف قد یحصلان سوی هذه اللذات الجسمیة فإن قالوا ذلك الكمال لأجل حصول الإلهیة و ذلك فی حق الخلق محال فنقول لا نزاع أن حصول الإلهیة فی حق الخلق محال إلا

أَنَّهُ قَالَ علیه السلام: تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ.

و الفلاسفة قالوا الفلسفة عبارة عن التشبه بالإله بقدر الطاقة البشریة فیجب علیه أن یعرف تفسیر هذا التخلق و هذا التشبه و معلوم أنه لا معنی لهما إلا تقلیل الحاجات و إضافة الخیرات و الحسنات لا بالاستكثار من اللذات و الشهوات.

الحجة السابعة أن هؤلاء الذین حكموا بأن سعادة الإنسان لیس إلا فی تحصیل هذه اللذات البدنیة و الراحات الجسمانیة إذا رأوا إنسانا أعرض عن طلبها مثل أن یكون مواظبا للصوم مكتفیا بما جاءت الأرض عظم اعتقادهم فیه و زعموا أنه لیس من جنس الإنسان بل من زمرة الملائكة و یعدون أنفسهم بالنسبة إلیه أشقیاء أراذل و إذا رأوا إنسانا مستغرق الفكر و الهمة فی طلب الأكل و الشرب و الوقاع مصروف الهمة إلی تحصیل أسباب هذه الأحوال معرضا عن العلم و الزهد و العبادة قضوا بالبهیمیة

ص: 129

و الخزی و النكال و لو لا أنه تقرر فی عقولهم أن الاشتغال بتحصیل هذه اللذات الجسدانیة نقص و دناءة و أن الترفع عن الالتفات إلیها كمال و سعادة لما كان الأمر علی ما ذكرنا و لكان یجب أن یحكموا علی المعرض عن تحصیل هذه اللذات بالخزی و النكال و علی المستغرق فیها بالسعادة و الكمال و فساد التالی یدل علی فساد المقدم.

الحجة الثامنة كل شی ء یكون فی نفسه كمالا و سعادة وجب أن لا یستحیا من إظهاره بل یجب أن یفتخر بإظهاره و یتبجح بفعله و نحن نعلم بالضرورة أن أحدا من العقلاء لا یفتخر بكثرة الأكل و لا بكثرة المباشرة و لا بكونه مستغرق الوقت و الزمان فی هذه الأعمال و أیضا فالعاقل لا یقدر علی الوقاع إلا فی الخلوة فأما عند حضور الناس فإن أحدا من العقلاء لا یجد فی نفسه تجویز الإقدام علیه و ذلك یدل علی أنه تقرر فی عقول الخلق أنه فعل خسیس و عمل قبیح فیجب إخفاؤه عن العیون و أیضا فقد جرت عادة السفهاء بأنه لا یشتم بعضهم بعضا إلا بذكر ألفاظ الوقاع و ذلك یدل علی أنه مرتبة خسیسة و درجة قبیحة و أیضا لو أن واحدا من السفهاء أخذ یحكی عند حضور الجمع العظیم فلانا كیف یواقع زوجته فإن ذلك الرجل یستحیی من ذلك الكلام و یتأذی من ذلك القائل و كل هذا یدل علی أن ذلك الفعل لیس من الكمالات و السعادات بل هو عمل باطل و فعل قبیح.

الحجة التاسعة كل فرس و حمار كان میله إلی الأكل و الشرب و الإیذاء أكثر و كان قبوله للریاضة أقل كان قیمته أقل و كل حیوان كان أقل رغبة فی الأكل و الشرب و كان أسرع قبولا للریاضة كانت قیمته أكثر أ لا تری أن الفرس الذی یقبل الریاضة فی الكر و الفر و العدو الشدید فإنه یشتری بثمن رفیع و كل فرس لا یقبل هذه الریاضة یوضع علی ظهره الإكاف و یسوی بینه و بین الحمار و لا یشتری إلا بثمن قلیل فلما كانت الحیوانات التی هی غیر ناطقة لا تظهر فضائلها بسبب الأكل و الشرب و الوقاع بل بسبب تقلیلها و بسبب قبول الأدب و حسن الخدمة لمولاه فما ظنك بالحیوان الناطق العاقل.

الحجة العاشرة أن سكان أطراف الأرض لما لم تكمل عقولهم و معارفهم و

ص: 130

أخلاقهم لا جرم كانوا فی غایة الخسة و الدناءة أ لا تری أن سكان الإقلیم السابع و هم الصقالبة لما قل نصیبهم من المعارف الحقیقیة و الأخلاق الفاضلة فلا جرم تقرر فی عقول العقلاء خسة درجاتهم و دناءة مراتبهم و أما سكان وسط المعمور لما فازوا بالمعارف الحقیقیة و الأخلاق الفاضلة لا جرم أقر كل أحد بأنهم أفضل طوائف البشر و أكملهم و ذلك یدل علی أن فضیلة الإنسان و كماله لا یظهر إلا بالعلوم الحقیقیة و الأخلاق الفاضلة.

باب 43 فی خلق الأرواح قبل الأجساد و علة تعلقها بها و بعض شئونها من ائتلافها و اختلافها و حبها و بغضها و غیر ذلك من أحوالها

«1»- الْبَصَائِرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِیرٍ عَنْ آدَمَ أَبِی الْحُسَیْنِ (1)

عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی لَأُحِبُّكَ فَقَالَ كَذَبْتَ فَقَالَ الرَّجُلُ سُبْحَانَ اللَّهِ كَأَنَّكَ تَعْرِفُ مَا فِی قَلْبِی فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ عَامٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَیْنَا فَأَیْنَ كُنْتَ لَمْ أَرَكَ (2).

«2»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی هَاشِمٍ عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِی عُمَیْرٍ(3)

عَنْ عُمَارَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُحِبُّكَ فَسَأَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ

ص: 131


1- 1. فی المصدر: أبی الحسن.
2- 2. البصائر: 87.
3- 3. كذا فی جمیع النسخ، و الظاهر أنّه« سلام بن أبی عمرة» لعدم ذكر« سلام بن أبی عمیر» فی كتب الرجال، و اما عمارة فلم نعرف أنّه من هو، و من المعلوم انه غیر عمارة بن أبی سلامة الهمدانیّ شهید الطف، و علی فرض كونه إیّاه فلا یمكن روایة سلام عنه بلا واسطة، و كیف كان فلا تخلو الروایة عن ضعف او ارسال كسابقتها و لاحقاتها.

إِنَّ الْأَرْوَاحَ خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ عَامٍ ثُمَّ أُسْكِنَتِ الْهَوَاءَ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ثَمَّ ائْتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا ثَمَّ اخْتَلَفَ هَاهُنَا وَ إِنَّ رُوحِی أَنْكَرَ رُوحَكَ (1).

«3»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی مُحَمَّدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَی عَنْ یُونُسَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُحِبُّكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام وَ اللَّهِ مَا تُحِبُّنِی فَغَضِبَ الرَّجُلُ فَقَالَ كَأَنَّكَ وَ اللَّهِ تُخْبِرُنِی مَا فِی نَفْسِی قَالَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السلام لَا وَ لَكِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَلَمْ أَرَ رُوحَكَ فِیهَا(2).

«4»- الْكَشِّیُّ، وَجَدْتُ فِی كِتَابِ جَبْرَئِیلَ بْنِ أَحْمَدَ بِخَطِّهِ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ عِیسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ (3) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْهَیْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَیْمُونِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَیْ عَامٍ ثُمَّ أَسْكَنَهَا الْهَوَاءَ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ثَمَّ ائْتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَا تَنَاكَرَ ثَمَّ اخْتَلَفَ هَاهُنَا.

أقول: قد أوردنا أمثال هذه الأخبار فی باب إخبار أمیر المؤمنین علیه السلام بشهادته و باب أنهم علیهم السلام یعرفون الناس بحقیقة الإیمان و النفاق و باب أنهم المتوسمون.

«5»- الْبَصَائِرُ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَیُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ (4)

عَامٍ فَلَمَّا رَكَّبَ الْأَرْوَاحَ فِی أَبْدَانِهَا كَتَبَ بَیْنَ أَعْیُنِهِمْ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ وَ مَا هُمْ بِهِ مُبْتَلَوْنَ (5)

وَ

ص: 132


1- 1. البصائر: 88.
2- 2. المصدر: 88.
3- 3. مشترك بین جماعة من الضعفاء و المجهولین كعبد اللّٰه بن عبد الرحمن، و فی بعض النسخ« أبی عبد اللّٰه بن عبد الرحمن».
4- 4. فی تفسیر الفرات: بألف.
5- 5. فیه: مبتلین بقدر اذن فأرة.

مَا هُمْ عَلَیْهِ مِنْ سَیِّئِ أَعْمَالِهِمْ وَ حَسَنِهَا فِی قَدْرِ أُذُنِ الْفَأْرَةِ ثُمَّ أَنْزَلَ بِذَلِكَ قُرْآناً عَلَی نَبِیِّهِ فَقَالَ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ (1) وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هُوَ الْمُتَوَسِّمَ وَ أَنَا بَعْدَهُ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّیَّتِی هُمُ الْمُتَوَسِّمُونَ (2).

تفسیر الفرات، عن أحمد بن یحیی معنعنا عن أبی جعفر علیه السلام: مثله (3).

«6»- الْعِلَلُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الْبَرْمَكِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ أَبِی أَیُّوبَ الْخَرَّازِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لِأَیِّ عِلَّةٍ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْأَرْوَاحَ فِی الْأَبْدَانِ بَعْدَ كَوْنِهَا فِی مَلَكُوتِهِ الْأَعْلَی فِی أَرْفَعِ مَحَلٍّ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی عَلِمَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ فِی شَرَفِهَا وَ عُلُوِّهَا مَتَی مَا تُرِكَتْ عَلَی حَالِهَا نَزَعَ أَكْثَرُهَا إِلَی دَعْوَی الرُّبُوبِیَّةِ دُونَهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَجَعَلَهَا بِقُدْرَتِهِ فِی الْأَبْدَانِ الَّتِی قَدَّرَ لَهَا فِی ابْتِدَاءِ التَّقْدِیرِ نَظَراً لَهَا وَ رَحْمَةً بِهَا وَ أَحْوَجَ بَعْضَهَا إِلَی بَعْضٍ وَ عَلَّقَ بَعْضَهَا عَلَی بَعْضٍ وَ رَفَعَ بَعْضَهَا عَلَی بَعْضٍ وَ رَفَعَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ وَ كَفَی (4)

بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَ بَعَثَ إِلَیْهِمْ رُسُلَهُ وَ اتَّخَذَ عَلَیْهِمْ حُجَجَهُ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ یَأْمُرُونَ بِتَعَاطِی الْعُبُودِیَّةِ وَ التَّوَاضُعِ لِمَعْبُودِهِمْ بِالْأَنْوَاعِ الَّتِی تَعَبَّدَهُمْ بِهَا وَ نَصَبَ لَهُمْ عُقُوبَاتٍ فِی الْعَاجِلِ وَ عُقُوبَاتٍ فِی الْآجِلِ وَ مَثُوبَاتٍ فِی الْعَاجِلِ وَ مَثُوبَاتٍ فِی الْآجِلِ لِیُرَغِّبَهُمْ بِذَلِكَ فِی الْخَیْرِ وَ یُزَهِّدَهُمْ فِی الشَّرِّ وَ لِیُذِلَّهُمْ (5)

بِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَ الْمَكَاسِبِ فَیَعْلَمُوا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ بِهَا مَرْبُوبُونَ وَ عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ وَ یُقْبِلُوا عَلَی عِبَادَتِهِ فَیَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ نَعِیمَ الْأَبَدِ وَ جَنَّةَ الْخُلْدِ وَ یَأْمَنُوا مِنَ النُزُوعِ إِلَی مَا لَیْسَ لَهُمْ بِحَقٍّ ثُمَّ قَالَ علیه السلام یَا ابْنَ الْفَضْلِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَحْسَنُ نَظَراً لِعِبَادِهِ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ أَ لَا تَرَی أَنَّكَ لَا تَرَی فِیهِمْ إِلَّا مُحِبّاً لِلْعُلُوِّ عَلَی غَیْرِهِ حَتَّی إِنَّهُ یَكُونُ مِنْهُمْ

ص: 133


1- 1. الحجر: 75.
2- 2. البصائر: 356.
3- 3. تفسیر الفرات: 81.
4- 4. كفأ( ظ).
5- 5. فی بعض النسخ« لیدلهم» بالدال المهملة.

لَمَنْ قَدْ نَزَعَ إِلَی دَعْوَی الرُّبُوبِیَّةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ (1)

نَزَعَ إِلَی دَعْوَی النُّبُوَّةِ بِغَیْرِ حَقِّهَا وَ مِنْهُمْ مَنْ (2)

نَزَعَ إِلَی دَعْوَی الْإِمَامَةِ بِغَیْرِ حَقِّهَا وَ ذَلِكَ مَعَ مَا یَرَوْنَ فِی أَنْفُسِهِمْ مِنَ النَّقْصِ وَ الْعَجْزِ وَ الضَّعْفِ وَ الْمَهَانَةِ وَ الْحَاجَةِ وَ الْفَقْرِ وَ الْآلَامِ وَ الْمُنَاوَبَةِ عَلَیْهِمْ وَ الْمَوْتِ الْغَالِبِ لَهُمْ وَ الْقَاهِرِ لِجَمِیعِهِمْ یَا ابْنَ الْفَضْلِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یَفْعَلُ بِعِبَادِهِ إِلَّا الْأَصْلَحَ لَهُمْ وَ لا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئاً وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (3).

بیان: فی القاموس نزع إلی أهله نزاعا و نزاعة و نزوعا بالضم اشتاق و فی المصباح نزع إلی الشی ء نزاعا ذهب إلیه و المناوبة علیهم أی إنزال المصائب علیهم بالنوبة نوعا بعد نوع أو معاقبتهم بذلك قال فی القاموس النوب نزول الأمر كالنوبة و النوبة الدولة و ناوبه عاقبه و یحتمل أن یكون المنادبة بالدال من الندبة و النوحة.

«7»- الْإِخْتِصَاصُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِیفٍ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی وَ اللَّهِ لَأُحِبُّكَ فِی اللَّهِ وَ أُحِبُّكَ فِی السِّرِّ كَمَا أُحِبُّكَ فِی الْعَلَانِیَةِ وَ أَدِینُ اللَّهَ بِوَلَایَتِكَ فِی السِّرِّ كَمَا أَدِینُ بِهَا فِی الْعَلَانِیَةِ وَ بِیَدِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عُودٌ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ ثُمَّ نَكَتَ بِالْعُودِ سَاعَةً فِی الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَیْهِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَدَّثَنِی بِأَلْفِ حَدِیثٍ لِكُلِّ حَدِیثٍ أَلْفُ بَابٍ وَ إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِینَ تَلْتَقِی فِی الْهَوَاءِ فَتَشَمُّ وَ تَتَعَارَفُ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ بِحَقِّ اللَّهِ لَقَدْ كَذَبْتَ فَمَا أَعْرِفُ فِی الْوُجُوهِ (4)

وَجْهَكَ وَ لَا اسْمَكَ فِی الْأَسْمَاءِ ثُمَّ دَخَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی لَأُحِبُّكَ (5)

فِی اللَّهِ وَ أُحِبُّكَ فِی السِّرِّ كَمَا أُحِبُّكَ فِی الْعَلَانِیَةِ قَالَ فَنَكَتَ الثَّانِیَةَ

ص: 134


1- 1. فی المصدر: من قد نزع.
2- 2. فی المصدر: من قد نزع.
3- 3. العلل: ج 1، ص 15 و 16.
4- 4. فی المصدر: وجهك فی الوجوه.
5- 5. لیس فی المصدر هذه الجملة« لاحبك فی اللّٰه».

بِعُودِهِ فِی الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ الْأَرْضَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ صَدَقْتَ إِنَّ طِینَتَنَا طِینَةٌ مَخْزُونَةٌ أَخَذَ اللَّهُ مِیثَاقَهَا مِنْ صُلْبِ آدَمَ فَلَمْ یَشِذَّ مِنْهَا شَاذٌّ وَ لَا یَدْخُلْ فِیهَا دَاخِلٌ مِنْ غَیْرِهَا اذْهَبْ فَاتَّخِذْ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ یَا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ اللَّهِ الْفَقْرُ أَسْرَعُ إِلَی مُحِبِّینَا مِنَ السَّیْلِ إِلَی بَطْنِ الْوَادِی (1).

بیان: فی النهایة شاممت فلانا إذا قاربته و عرفت ما عنده بالاختبار و الكشف و هی مفاعلة من الشم كأنك تشم ما عنده و یشم ما عندك لتعملا بمقتضی ذلك

وَ قَالَ فِی حَدِیثِ عَلِیٍّ علیه السلام: مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَلْیُعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً.

أی لیزهد فی الدنیا و لیصبر علی الفقر و القلة الحدیث و الجلباب الإزار و الرداء و قیل هو كالمقنعة تغطی به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها و جمعه جلابیب كنی به عن الصبر لأنه یستر عن الفقر كما یستر الجلباب البدن و قیل إنما كنی بالجلباب عن اشتماله بالفقر أی فلیلبس إزار الفقر و یكون منه علی حالة تعمه و تشتمله لأن الغناء من أحوال أهل الدنیا و لا یتهیأ الجمع بین حب الدنیا و حب أهل البیت.

«8»- الْعِلَلُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، قَالَ: الْعِلَّةُ فِی خَلْقِ الْأَرْوَاحِ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ عَامٍ قَالَ إِنَّمَا عَنَی بِهِ أَنَّ الْأَرْوَاحَ خُلِقَتْ قَبْلَ آدَمَ بِأَلْفَیْ عَامٍ.

«9»- كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّی الْحَضْرَمِیِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَیْحٍ الْحَضْرَمِیِّ عَنْ حُمَیْدِ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا عِنْدَ اللَّهِ ائْتَلَفَ فِی الْأَرْضِ وَ مَا تَنَاكَرَ عِنْدَ اللَّهِ اخْتَلَفَ فِی الْأَرْضِ.

«9»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ بُكَیْرِ بْنِ أَعْیَنَ قَالَ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِیثَاقَ شِیعَتِنَا بِالْوَلَایَةِ لَنَا وَ هُمْ ذَرٌّ یَوْمَ أَخَذَ الْمِیثَاقَ عَلَی الذَّرِّ بِالْإِقْرَارِ(2)

بِالرُّبُوبِیَّةِ وَ لِمُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله بِالنُّبُوَّةِ وَ عَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی مُحَمَّدٍ أُمَّتَهُ فِی الطِّینِ وَ هُمْ أَظِلَّةٌ وَ خَلَقَهُمْ مِنَ الطِّینَةِ الَّتِی خَلَقَ مِنْهَا آدَمَ

ص: 135


1- 1. الاختصاص: 311.
2- 2. فی المصدر: له بالربوبیة.

وَ خَلَقَ اللَّهُ أَرْوَاحَ شِیعَتِنَا قَبْلَ أَبْدَانِهِمْ بِأَلْفَیْ عَامٍ عَرَضَهُمْ عَلَیْهِ وَ عَرَّفَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ وَ عَرَّفَهُمْ عَلِیّاً وَ نَحْنُ نَعْرِفُهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ (1).

بیان: فی الطین أی حین كان النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی الطین أو الأمة أو هما معا و هو أظهر و المراد قبل خلق الجسد و عرضهم علیه أی علی اللّٰه أو علی النبی فی لحن القول إشارة إلی قوله تعالی وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ (2) قال البیضاوی لحن القول أسلوبه و إمالته إلی جهة تعریض و توریة منه قیل للمخطئ لاحن لأنه یعدل الكلام عن الصواب (3).

«11»- مَعَانِی الْأَخْبَارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَیْثَمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ یَحْیَی بْنِ زَكَرِیَّا عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ تَمِیمِ بْنِ بُهْلُولٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَجَعَلَ أَعْلَاهَا وَ أَشْرَفَهَا أَرْوَاحَ مُحَمَّدٍ وَ عَلِیٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ وَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ علیهم السلام فَعَرَضَهَا عَلَی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَغَشِیَهَا نُورُهُمْ (4) الْحَدِیثَ.

«12»- الْبَصَائِرُ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی مُحَمَّدٍ الْمَشْهَدِیِّ مِنْ آلِ رَجَاءٍ الْبَجَلِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَا وَ اللَّهِ لَأُحِبُّكَ فَقَالَ لَهُ كَذَبْتَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَأَسْكَنَهَا الْهَوَاءَ ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَیْنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَوَ اللَّهِ مَا مِنْهَا رُوحٌ إِلَّا وَ قَدْ عَرَفْنَا بَدَنَهُ فَوَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُكَ فِیهَا فَأَیْنَ كُنْتَ (5) الْخَبَرَ.

«13»- الْبَصَائِرُ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ قَالَ: بَیْنَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ جَالِسٌ فِی مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَ قَدِ احْتَبَی بِسَیْفِهِ

ص: 136


1- 1. الكافی: ج 1، ص 437.
2- 2. محمّد: 30.
3- 3. أنوار التنزیل: ج 2، ص 439.
4- 4. معانی الأخبار: 108.
5- 5. البصائر: 87.

وَ أَلْقَی تُرْسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْتَعْدِی عَلَی زَوْجِهَا فَقَضَی لِلزَّوْجِ عَلَیْهَا فَغَضِبَتْ فَقَالَتْ وَ اللَّهِ مَا هُوَ كَمَا قَضَیْتَ وَ اللَّهِ مَا تَقْضِی بِالسَّوِیَّةِ وَ لَا تَعْدِلُ فِی الرَّعِیَّةِ وَ لَا قَضِیَّتُكَ عِنْدَ اللَّهِ بِالْمَرْضِیَّةِ قَالَ فَغَضِبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَنَظَرَ إِلَیْهَا مَلِیّاً ثُمَّ قَالَ كَذَبْتِ یَا جَرِیَّةُ یَا بَذِیَّةُ یَا سَلْسَعُ یَا سَلْفَعُ یَا الَّتِی لَا تَحِیضُ مِثْلَ النِّسَاءِ قَالَ فَوَلَّتْ هَارِبَةً وَ هِیَ تَقُولُ وَیْلِی وَیْلِی فَتَبِعَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَیْثٍ فَقَالَ یَا أَمَةَ اللَّهِ قَدِ اسْتَقْبَلْتِ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ بِكَلَامٍ سَرَرْتِنِی بِهِ ثُمَّ نَزَغَكِ بِكَلِمَةٍ فَوَلَّیْتِ مِنْهُ هَارِبَةً تُوَلْوِلِینَ قَالَ فَقَالَتْ یَا هَذَا ابْنُ أَبِی طَالِبٍ أَخْبَرَنِی (1) بِالْحَقِّ وَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ حَیْضاً كَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ قَالَ فَرَجَعَ عَمْرُو بْنُ حُرَیْثٍ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ لَهُ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ مَا هَذَا التَّكَهُّنُ قَالَ وَیْلَكَ یَا ابْنَ حُرَیْثٍ لَیْسَ مِنِّی هَذَا كِهَانَةً إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ (2)

بِأَلْفَیْ عَامٍ ثُمَّ كَتَبَ بَیْنَ أَعْیُنِهَا مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ ثُمَّ أَنْزَلَ بِذَلِكَ قُرْآناً عَلَی مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ (3) فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ الْمُتَوَسِّمِینَ وَ أَنَا بَعْدَهُ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّیَّتِی مِنْهُمْ (4).

وَ مِنْهُ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَیُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام: مِثْلَهُ إِلَی قَوْلِهِ یَا عَمْرُو وَیْلَكَ إِنَّهَا لَیْسَتْ بِالْكِهَانَةِ وَ لَكِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَلَمَّا رَكَّبَ الْأَرْوَاحَ فِی أَبْدَانِهَا كَتَبَ بَیْنَ

أَعْیُنِهِمْ مُؤْمِنٌ (5)

أَمْ كَافِرٌ وَ مَا هُمْ بِهِ مُبْتَلَوْنَ وَ مَا هُمْ عَلَیْهِ مِنْ شَرِّ(6)

أَعْمَالِهِمْ وَ حَسَنَتِهِ فِی قَدْرِ أُذُنِ الْفَأْرَةِ ثُمَّ أَنْزَلَ بِذَلِكَ قُرْآناً عَلَی نَبِیِّهِ فَقَالَ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هُوَ الْمُتَوَسِّمَ ثُمَّ أَنَا [مِنْ بَعْدِهِ وَ الْأَئِمَّةُ] مِنْ ذُرِّیَّتِی مِنْ

ص: 137


1- 1. فی المصدر: أخبرنی و اللّٰه بما هو فیّ، لا و اللّٰه ما رأیت ....
2- 2. الاجساد( خ).
3- 3. الحجر: 75.
4- 4. البصائر: 356.
5- 5. فی الاختصاص: كافر و مؤمن و ما هم مبتلین و ما هم علیه من سیئ عملهم و حسنه ...
6- 6. فی البصائر: سیئ.

بَعْدِی هُمُ الْمُتَوَسِّمُونَ فَلَمَّا تَأَمَّلْتُهَا عَرَفْتُ مَا هِیَ (1)

عَلَیْهَا بِسِیمَاهَا(2).

- الإختصاص، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب و إبراهیم بن هاشم عن عمرو بن عثمان: مثله (3).

«14»- الْبَصَائِرُ، عَنْ أَبِی مُحَمَّدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَی عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مَهْزِیَارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَبِی الْبِلَادِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ سَاقَ الْحَدِیثَ إِلَی أَنْ قَالَ قَالَ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَأَسْكَنَهَا الْهَوَاءَ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا هُنَالِكَ ائْتَلَفَ فِی الدُّنْیَا وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا هُنَاكَ اخْتَلَفَ فِی الدُّنْیَا وَ إِنَّ رُوحِی لَا تَعْرِفُ رُوحَكَ (4)

الْخَبَرَ.

«15»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ (5) أَمَا وَ اللَّهِ أُحِبُّكَ وَ أَتَوَلَّاكَ فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام مَا أَنْتَ كَمَا قُلْتَ وَیْلَكَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ عَامٍ عَرَضَ عَلَیْنَا الْمُحِبَّ لَنَا فَوَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ رُوحَكَ فِیمَنْ عَرَضَ عَلَیْنَا فَأَیْنَ كُنْتَ فَسَكَتَ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ وَ لَمْ یُرَاجِعْهُ (6).

«16»- وَ مِنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِیسَی بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِیمِ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: بَیْنَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی مَسْجِدِ الْكُوفَةِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُحِبُّكَ قَالَ مَا تَفْعَلُ قَالَ

ص: 138


1- 1. فیه: عرفت ما فیها و ما هی علیه.
2- 2. البصائر: 354.
3- 3. الاختصاص: 308.
4- 4. البصائر: 88- 89.
5- 5. فی بعض النسخ و فی المصدر: أنا.
6- 6. البصائر: 87.

بَلَی وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَالَ وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا تُحِبُّنِی فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی أَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنِّی أُحِبُّكَ وَ أَنْتَ تَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا أُحِبُّكَ وَ اللَّهِ كَأَنَّكَ تُخْبِرُنِی أَنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا فِی نَفْسِی قَالَ فَغَضِبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ إِنَّمَا كَانَ الْحَدِیثُ الْعَظِیمُ یَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَ الْغَضَبِ قَالَ فَرَفَعَ یَدَهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ كَیْفَ یَكُونُ ذَلِكَ وَ هُوَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَیْ عَامٍ ثُمَّ عَرَضَ عَلَیْنَا الْمُحِبَّ مِنَ الْمُبْغِضِ فَوَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُكَ فِیمَنْ أَحَبَّ فَأَیْنَ كُنْتَ (1).

بیان: ما تفعل أی ما تحب أو ما تعمل بمقتضاه أو للاستفهام أی أیّ شی ء تقصد بإظهار الحب فیكون تعریضا بالنفی و الأول أظهر.

«17»- الْعِلَلُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِیمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی یَعْفُورٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا فِی الْمِیثَاقِ ائْتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا فِی الْمِیثَاقِ اخْتَلَفَ هَاهُنَا وَ الْمِیثَاقُ هُوَ فِی هَذَا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ(2)

الْخَبَرَ.

«18»- وَ مِنْهُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِیرٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْعَلَا عَنْ حَبِیبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الثِّقَةُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَخَذَ مِیثَاقَ الْعِبَادِ وَ هُمْ أَظِلَّةٌ قَبْلَ الْمِیلَادِ فَمَا تَعَارَفَ مِنَ الْأَرْوَاحِ ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ (3).

«19»- وَ مِنْهُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ حَبِیبٍ عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا تَقُولُ فِی الْأَرْوَاحِ أَنَّهَا جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ قَالَ فَقُلْتُ إِنَّا نَقُولُ ذَلِكَ قَالَ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَخَذَ عَلَی (4)

الْعِبَادِ

ص: 139


1- 1. البصائر: 87- 88.
2- 2. العلل: ج 2، ص 111.
3- 3. المصدر: ج 1، ص 80.
4- 4. فی المصدر: من.

مِیثَاقَهُمْ وَ هُمْ أَظِلَّةٌ قَبْلَ الْمِیلَادِ وَ هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ إِلَی آخِرِ الْآیَةِ(1)

قَالَ فَمَنْ أَقَرَّ لَهُ یَوْمَئِذٍ جَاءَتْ أُلْفَتُهُ هَاهُنَا وَ مَنْ أَنْكَرَهُ یَوْمَئِذٍ جَاءَ خِلَافُهُ هَاهُنَا(2).

بیان: قال فی النهایة فیه الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف (3)

مجندة أی مجموعة كما یقال ألوف مؤلفة و قناطیر مقنطرة و معناه الإخبار عن مبدإ كون الأرواح و تقدمها علی الأجساد أی أنها خلقت أول خلقها علی قسمین من ائتلاف و اختلاف كالجنود المجموعة إذا تقابلت و تواجهت و معنی تقابل الأرواح ما جعلها اللّٰه علیه من السعادة و الشقاوة و الأخلاق فی مبدإ الخلق یقول إن الأجساد التی فیها الأرواح تلتقی فی الدنیا فتأتلف و تختلف علی حسب ما خلقت علیه و لهذا تری الخیّر یحب الأخیار و یمیل إلیهم و الشریر یحب الأشرار و یمیل إلیهم انتهی.

و قال الكرمانی فی شرح البخاری أی خلقت مجتمعة ثم فرقت فی أجسامها فمن وافق الصفة ألفه و من باعد نافره و قال الخطابی خلقت قبلها فكانت تلتقی فلما التبست بها تعارفت بالذكر الأول فصار كل إنما یعرف و ینكر علی ما سبق له من العهد و قال النووی مجندة أی جموع مجتمعة و أنواع مختلفة و تعارفها لأمر جعلها اللّٰه علیه و قیل موافقة صفاتها و تناسبها فی شیمها و قال الطیبی الفاء فی فما تعارف تدل علی تقدم اشتباك فی الأزل ثم تفرق فیما لا یزال أزمنة متطاولة ثم ائتلاف بعد تناكر كمن فقد أنیسه ثم اتصل به فلزمه و أنس به و إن لم یسبق له اختلاط معه اشمأز منه و دل التشبیه بالجنود علی أن ذلك الاجتماع فی الأزل كان لأمر عظیم من فتح بلاد و قهر أعداء و دل علی أن أحد الحزبین حزب اللّٰه و الآخر

ص: 140


1- 1. الأعراف: 171.
2- 2. العلل: ج 1، ص 80.
3- 3. قد مر منا بیان موجز فی شرح الحدیث فی ذیل الروایة الرابعة من الباب السابق فراجع.

حزب الشیطان و هذا التعارف إلهامات من اللّٰه من غیر إشعار منهم بالسابقة انتهی و قد مر كلام قطب الدین الراوندی رحمه اللّٰه فی هذا الخبر.

اعلم أن ما تقدم من الأخبار المعتبرة فی هذا الباب و ما أسلفناه فی أبواب بدء خلق الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و الأئمة علیهم السلام و هی قریبة من التواتر دلت علی تقادم (1) خلق الأرواح علی الأجساد و ما ذكروه من الأدلة علی حدوث الأرواح عند خلق الأبدان مدخولة لا یمكن رد تلك الروایات لأجلها(2).

ص: 141


1- 1. تقدم( خ).
2- 2. الكلام حول روایات خلق الأرواح قبل الأبدان یقع فی جهات: ( الف) فی صدورها: هل تكون مقطوعة الصدور أو لا؟ و علی فرض عدم القطع بصدورها هل یوجد دلیل علی وجوب التعبد بها أولا( ب) فی دلالتها، هل تدلّ دلالة صریحة علی تقدم وجود الأرواح علی أبدانها خارجا بالتقدم الزمانی أولا( ج) فی توافقها مع الأدلة العقلیّة. فنقول: أما من الجهة الأولی فهی غیر بالغة حدّ التواتر، فلا یحصل القطع بصدورها عادة و ادلة حجیة الخبر الواحد قاصرة عن غیر ما یتعلق بالاحكام الفرعیة العملیة، فلا یوجد دلیل علی وجوب التعبد بها. و أمّا من الجهة الثانیة فلا ریب فی ظهورها فی ذلك فی حدّ نفسها و إن لم یبلغ إلی مرتبة النصّ. و قد أول الشیخ المفید- علی ما یأتی حكایته عنه- الخلق بالتقدیر، كما أنه یمكن حملها علی نوع من التمثیل و الاستعارة إذا وجد دلیل قطعی معارض لمدلولها. و أما من الجهة الثالثة فقد دار البحث بین الفلاسفة حول حدوث النفس و قدمها، و ذهب أصحاب مدرسة صدر المتألهین إلی انها تحدث بحدوث البدن غیر بالغة حدّ التجرد العقلی متحركة نحوه، و لا مجال لذكر أدلتهم و نقدها هاهنا. و هناك أمر یتعلق بمعرفة شئون النفس یستعصی علی الاذهان المتوغلة فی المادیات، و لعل إجادة التأمل فیه یعین علی حل العویصة و هو أن النفس و إن كانت أمرا متعلقا بالمادة بل ناشئا عنها و متحدا بها و بهذا الاعتبار صح مقایستها بالحوادث و اتصافها بالمقارنة و التقدّم و التأخر زمانا إلّا أنّها حین ما تدخل فی حظیرة التجرد تجد نفسها محیطة بالبدن من ناحیة البدن و النهایة و أن شعاعها یمتد إلی ما قبل حدوث البدن كما انه یمتد إلی ما بعد انحلاله. فالذی ینظر إلی جوهرها المجرد من فوق عالم الطبیعة یجدها خارجة عن وعاء الزمان محیطة به، و إذا قایسها. إلی ظاهرة مادیة واقعة فی ظرف الزمان كالبدن یجدها موجودة معها و قبلها و بعدها، فیصح له أن یحكم بتقدم وجودها علی وجود البدن مع أن من ینظر إلیها من نافذة عالم المادة و یعتبرها أمرا متعلقا بالبدن بل مرتبة كاملة له انتهی إلیها بالحركة الجوهریة و بهذا الاعتبار یسمیها نفسا، یحكم بحدوثها عند حدوث البدن و حصول التجرد لها بعد ذلك و لا منافاة بین النظرین، و بهذا یمكن الجمع بین القولین. و ممّا ینبغی الالتفات إلیه أن فی تقدم خلق الأرواح علی الأبدان بألفی عام- علی حد التعبیر الوارد فی الروایات- لم یعتبر كل روح إلی بدنه بحیث یكون خلق كل روح قبل خلق بدنه بألفی عام كامل لا أزید و لا أنقص و الا لزم عدم وجود جمیع الأرواح فی زمن علیّ علیه السلام فضلا عما قبله، ضرورة حدوث كثیر من الأبدان بعد زمنه بآلاف سنة و لا یبعد أن یكون ذكر الالفین لاجل التكثیر، و تثنیة الالف للاشارة الی التقدّم العقلی و المثالی.

«20»- الْكَافِی، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام یَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عِتْرَتَهُ الْهُدَاةَ الْمُهْتَدِینَ فَكَانُوا أَشْبَاحَ نُورٍ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ قُلْتُ وَ مَا الْأَشْبَاحُ قَالَ ظِلُّ النُّورِ أَبْدَانٌ نُورِیَّةٌ بِلَا أَرْوَاحٍ وَ كَانَ مُؤَیَّداً بِرُوحٍ وَاحِدٍ وَ هِیَ رُوحُ الْقُدُسِ (2)

فَبِهِ كَانَ یَعْبُدُ اللَّهَ وَ عِتْرَتُهُ [وَ] لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ حُلَمَاءَ عُلَمَاءَ بَرَرَةً أَصْفِیَاءَ یَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ السُّجُودِ وَ التَّسْبِیحِ وَ التَّهْلِیلِ وَ یُصَلُّونَ الصَّلَاةَ وَ یَحُجُّونَ وَ یَصُومُونَ (3).

بیان: أول منصوب بالظرفیة و المهتدین صفة و كونه مفعول الهداة بعید فكانوا أشباح نور الإضافة إما بیانیة أی أشباحا هی أنوار و الأشباح جمع الشبح بالتحریك و هو سواد الإنسان أو غیره تراه من بعید فالمراد إما الأجساد المثالیة فالمراد بقوله بلا أرواح بلا أرواح الحیوانیة أو الروح مجردا كان أو جسما

ص: 142


1- 1. فی المصدر« الحسین[ عن محمد] بن عبد اللّٰه» و هو مصحف، و الصواب ما فی نسخ الكتاب كما أثبتناه، و هو الحسین بن محمّد بن عامر بن أبی بكر الأشعریّ الثقة و یروی عن عمه« عبد اللّٰه بن عامر» و عن غیره.
2- 2. فیه( خ).
3- 3. الكافی: ج 1، ص 442.

لطیفا فیستقیم أیضا لأن الأرواح ما لم تتعلق بالأبدان فهی مستقلة بنفسها أرواح من جهة و أجساد من جهة فهی أبدان نورانیة لم تتعلق بها أرواح أخر و علی هذا فظل النور أیضا إضافته للبیان أو لامیة و المراد بالنور نور ذاته تعالی فإنها من آثار ذلك النور الأقدس و ظلاله و المعنی دقیق و ربما یؤول النور بالعقل الفعال علی طریقة الفلاسفة.

و كان مؤیدا بروح واحد أی فی عالم الأرواح أو فی عالم الأجساد و الأول أظهر و لذلك أی لتأیدهم بذلك الروح فی أول الفطرة الروحانیة خلقهم فی الفطرة الجسمانیة حلماء علماء إلخ و یصلون كأنه تأكید لما مر أو المراد بقوله خلقهم خلقهم فی عالم الأرواح أی كانوا یعبدون اللّٰه فی هذا العالم و كانوا فیه علماء بخلاف سائر الأرواح لتأیدهم حینئذ بروح القدس فقوله علیه السلام و یصلون أی فی عالم الأجساد فلا تكرار.

أقول: قد مرت أخبار كثیرة فی ذلك فی باب حدوث العالم.

قال شارح المقاصد النفوس الإنسانیة سواء جعلناها مجردة أو مادیة حادثة عندنا لكونها أثر القادر المختار و إنما الكلام فی أن حدوثها قبل البدن لقوله صلی اللّٰه علیه و آله خلق اللّٰه الأرواح قبل الأجساد بألفی عام أو بعده لقوله تعالی بعد ذكر أطوار البدن ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ(1) إشارة إلی إفاضة النفس و لا دلالة فی الحدیث مع كونه خبر واحد علی أن المراد بالأرواح النفوس البشریة أو الجوهر(2) العلویة و لا فی الآیة علی أن المراد إحداث النفس أو إحداث تعلقها بالبدن و أما الفلاسفة فمنهم من جعلها قدیمة و ذهب أرسطو و شیعته إلی أنها حادثة ثم ذكر دلائل الطرفین و اعترض علیها بوجوه أعرضنا عن ذكرها.

ص: 143


1- 1. المؤمنون: 14.
2- 2. كذا فی بعض النسخ، و فی بعضها« الجوهریة العلویة» و الظاهر ان الصواب« الجواهر العلویة».

و قال الشیخ المفید قدس اللّٰه نفسه فی أجوبة المسائل الرویة(1) فأما الخبر بأن اللّٰه تعالی خلق الأرواح قبل الأجساد بألفی عام فهو من أخبار الآحاد و قد روته العامة كما روته الخاصة و لیس هو مع ذلك مما یقطع علی اللّٰه بصحته و إن ثبت القول فالمعنی فیه أن اللّٰه تعالی قدر الأرواح فی علمه قبل اختراع الأجساد و اخترع الأجساد و اخترع لها الأرواح فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدیر فی العلم كما قدمناه و لیس بخلق لذواتها كما وصفناه و الخلق لها بالإحداث و الاختراع بعد خلق الأجسام و الصور التی تدبرها الأرواح و لو لا أن ذلك كذلك لكانت الأرواح تقوم بأنفسها و لا تحتاج إلی آلات تعلقها و لكنا نعرف ما سلف لنا من الأرواح قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد و هذا محال لا خفاء بفساده و أما الحدیث بأن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف فالمعنی فیه أن الأرواح التی هی الجواهر البسائط تتناصر بالجنس و تتخاذل بالعوارض فما تعارف منها باتفاق الرأی و الهوی ائتلف و ما تناكر منها بمباینة فی الرأی و الهوی اختلف و هذا موجود حسا و مشاهد و لیس المراد بذلك أن ما تعارف منها فی الذر ائتلف كما ذهبت إلیه الحشویة كما بیناه من أنه لا علم للإنسان بحال كان علیها قبل ظهوره فی هذا العالم و لو ذكر بكل شی ء ما ذكر ذلك فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ما شرحناه و اللّٰه الموفق للصواب انتهی.

و أقول قیام الأرواح بأنفسها أو تعلقها بالأجساد المثالیة ثم تعلقها بالأجساد العنصریة مما لا دلیل علی امتناعه و أما عدم تذكر الأحوال السابقة فلعله لتقلبها فی الأطوار المختلفة أو لعدم القوی البدنیة أو كون تلك القوی قائمة بما فارقته من الأجساد المثالیة أو لإذهاب اللّٰه تعالی تذكر هذه الأمور عنها لنوع من المصلحة كما ورد أن الذكر و النسیان من صنعه تعالی مع أن الإنسان لا یتذكر كثیرا من أحوال الطفولیة و الولادة و التأویل الذی ذكره للحدیث فی غایة البعد لا سیما مع الإضافات الواردة فی الأخبار المتقدمة.

ص: 144


1- 1. السرویة( خ).

«21»- الْعِلَلُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ یَحْیَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنِّی رُبَّمَا حَزِنْتُ فَلَا أَعْرِفُ فِی أَهْلٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا وَلَدٍ وَ رُبَّمَا فَرِحْتُ فَلَا أَعْرِفُ فِی أَهْلٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا وَلَدٍ فَقَالَ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَ مَعَهُ مَلَكٌ وَ شَیْطَانٌ فَإِذَا كَانَ فَرَحُهُ كَانَ (1) دُنُوُّ الْمَلَكِ مِنْهُ وَ إِذَا كَانَ حَزَنُهُ كَانَ (2) دُنُوُّ الشَّیْطَانِ مِنْهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی الشَّیْطانُ یَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ یَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ یَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ (3).

بیان: لعل المراد أن هذا لهم من أجل وساوس الشیطان و أمانیه فی أمور الدنیا الفانیة و إن لم یتفطن به الإنسان فیظن أنه لا سبب له أو یكون غرض السائل فوت الأهل و المال و الولد فی الماضی فلا ینافی الهم للتفكر فیها لأجل ما یستقبل أو المراد أنه لما كان شأن الشیطان ذلك یصیر محض دنوه سببا للهم و فی الملك بعكس ذلك فی الوجهین.

«22»- الْعِلَلُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَطَّارِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَدْیَنَ مِنْ وُلْدِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَشْتَرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ مَعِی رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّی لَأَغْتَمُّ وَ أَحْزَنُ مِنْ غَیْرِ أَنْ أَعْرِفَ لِذَلِكَ سَبَباً فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ ذَلِكَ الْحَزَنَ وَ الْفَرَحَ یَصِلُ إِلَیْكُمْ مِنَّا لِأَنَّا إِذَا دَخَلَ عَلَیْنَا حُزْنٌ أَوْ سُرُورٌ كَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا عَلَیْكُمْ وَ لِأَنَّا وَ إِیَّاكُمْ مِنْ نُورِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَجَعَلَنَا وَ طِینَتَنَا وَ طِینَتَكُمْ وَاحِدَةً وَ لَوْ تُرِكَتْ طِینَتُكُمْ كَمَا أُخِذَتْ لَكُنَّا وَ أَنْتُمْ سَوَاءً وَ لَكِنْ مُزِجَتْ طِینَتُكُمْ بِطِیْنَةِ أَعْدَائِكُمْ فَلَوْ لَا ذَلِكَ مَا أَذْنَبْتُمْ ذَنْباً أَبَداً قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَتَعُودُ(4) طِینَتُنَا وَ نُورُنَا كَمَا بُدِئَ فَقَالَ إِی وَ اللَّهِ یَا عَبْدَ اللَّهِ أَخْبِرْنِی عَنْ هَذَا الشُّعَاعِ

ص: 145


1- 1. فی المصدر كان من دنو.
2- 2. فی المصدر كان من دنو.
3- 3. العلل: ج 1، ص 87، و الآیة فی سورة البقرة: 268.
4- 4. فی المصدر: أ فتعود.

الزَّاخِرِ مِنَ الْقُرْصِ إِذَا طَلَعَ أَ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ أَوْ بَائِنٌ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ بَلْ هُوَ بَائِنٌ مِنْهُ فَقَالَ أَ فَلَیْسَ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ وَ سَقَطَ الْقُرْصُ عَادَ إِلَیْهِ فَاتَّصَلَ بِهِ كَمَا بَدَأَ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ فَقَالَ كَذَلِكَ وَ اللَّهِ شِیعَتُنَا مِنْ نُورِ اللَّهِ خُلِقُوا وَ إِلَیْهِ یَعُودُونَ وَ اللَّهِ إِنَّكُمْ لَمُلْحَقُونَ بِنَا یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ إِنَّا لَنَشْفَعُ فَنُشَفَّعُ وَ وَ اللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَشْفَعُونَ فَتُشَفَّعُونَ وَ مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ إِلَّا وَ سَتُرْفَعُ لَهُ نَارٌ عَنْ شِمَالِهِ وَ جَنَّةٌ عَنْ یَمِینِهِ فَیُدْخِلُ أَحِبَّاءَهُ الْجَنَّةَ وَ أَعْدَاءَهُ النَّارَ(1).

بیان: یا عبد اللّٰه لیس هذا اسم أبی بصیر فإن المشهور بهذا اللقب اثنان أحدهما لیث المرادی و الآخر یحیی بن القاسم و لیس كنیة واحد منهما أبا عبد اللّٰه حتی یمكن أن یقال كان أبا عبد اللّٰه فسقط أبا من النساخ و لكن كنیتهما أبو محمد فالظاهر أن أبا بصیر هذا لیس شیئا منهما بل هو عبد اللّٰه بن محمد الأسدی الكوفی المكنی بأبی بصیر كما ذكره الشیخ فی الرجال و إن كان ذكره فی أصحاب الباقر ع لأنه كثیرا ما یذكر الرجل فی أصحاب إمام ثم یذكره فی أصحاب إمام آخر و كثیرا ما یكتفی بأحدهما و لو كان أحد المشهورین یمكن أن یكون المراد المركب الإضافی لا التسمیة و قد شاع النداء بهذا عند الضجر فی عرف العرب و العجم و فی القاموس زخر البحر كمنع طما و تملأ و الوادی مد جدا و ارتفع و الشی ء ملأه و القوم جاشوا لنفیر أو حرب و القدر و الحرب جاشتا و النبات طال و الرجل بما عنده فخر انتهی و أكثر المعانی مناسبة و فی بعض النسخ بالجیم و لا یستقیم إلا بتكلف.

قوله عاد إلیه كأنه علی المجاز كما أن فی المشبه أیضا كذلك فإن الظاهر عود الضمیر فی (2)

إلیه إلی اللّٰه و یحتمل عوده إلی النور و المراد بنور اللّٰه النور المشرق و المكرم الذی اصطفاه و خلقه و لا یبعد أن یكون المراد أنوار الأئمة علیهم السلام كما قال علیه السلام إنكم لملحقون بنا أو المراد بنور اللّٰه رحمته و التشفیع قبول الشفاعة.

ص: 146


1- 1. العلل: ج 1: ص 87.
2- 2. من( خ).

«23»- الْمَحَاسِنُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ قَالَ: تَنَفَّسْتُ بَیْنَ یَدَیْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام ثُمَّ قُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَهْتَمُّ مِنْ غَیْرِ مُصِیبَةٍ تُصِیبُنِی أَوْ أَمْرٍ نَزَلَ (1) بِی حَتَّی تَعْرِفُ (2)

ذَلِكَ أَهْلِی فِی وَجْهِی وَ یَعْرِفُهُ صَدِیقِی قَالَ نَعَمْ یَا جَابِرُ قُلْتُ وَ مِمَّ ذَلِكَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ وَ مَا تَصْنَعُ بِذَلِكَ قُلْتُ أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَهُ فَقَالَ یَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ طِینَةِ الْجِنَانِ وَ أَجْرَی فِیهِمْ مِنْ رِیحِ رُوحِهِ فَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لِأَبِیهِ وَ أُمِّهِ فَإِذَا أَصَابَ تِلْكَ الْأَرْوَاحَ فِی بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ شَیْ ءٌ حَزِنَتْ عَلَیْهِ الْأَرْوَاحُ لِأَنَّهَا مِنْهُ (3).

بیان: تنفست أی تأوهت و فی الكافی تقبضت بمعنی الانبساط كما سیأتی من ریح روحه بالضم أی من رحمة ذاته أو نسیم روحه الذی اصطفاه كما مر أو بالفتح أی رحمته كما ورد فی خبر آخر و أجری فیهم من روح رحمته و یؤید الأول بعض الأخبار لأبیه و أمه لأن الطینة بمنزلة الأم و الروح بمنزلة الأب و هما متحدان نوعا أو صنفا فیهما.

«24»- الْكَافِی، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَیُّوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ قَالَ: تَقَبَّضْتُ بَیْنَ یَدَیْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ رُبَّمَا حَزِنْتُ مِنْ غَیْرِ مُصِیبَةٍ تُصِیبُنِی أَوْ أَلَمٍ (4) یَنْزِلُ بِی حَتَّی یَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْلِی فِی وَجْهِی وَ صَدِیقِی فَقَالَ نَعَمْ یَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ طِینَةِ الْجِنَانِ وَ أَجْرَی فِیهِمْ مِنْ رِیحِ رُوحِهِ فَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لِأَبِیهِ وَ أُمِّهِ فَإِذَا أَصَابَ رُوحاً مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ فِی بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ حُزْنٌ حَزِنَتْ هَذِهِ لِأَنَّهَا مِنْهَا(5).

ص: 147


1- 1. فی المصدر: ینزل.
2- 2. فیه: یعرف.
3- 3. المحاسن: 133.
4- 4. فی المصدر و بعض نسخ الكتاب: أمر.
5- 5. الكافی: ج 2، ص 166.

«25»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی وَ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِنِ اشْتَكَی شَیْئاً مِنْهُ وَجَدَ أَلَمَ ذَلِكَ فِی سَائِرِ جَسَدِهِ وَ أَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ وَ إِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لَأَشَدُّ اتِّصَالًا بِرُوحِ اللَّهِ مِنِ اتِّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا(1).

الإختصاص، عنه علیه السلام مرسلا: مثله (2)

تبیین: قوله علیه السلام كالجسد الواحد كأنه علیه السلام ترقی عن الأخوة إلی الاتحاد أو بین أن إخوتهم لیست مثل سائر الأخوات بل هم بمنزلة أعضاء جسد واحد تعلق بها روح واحد فكما أنه بتألم عضو واحد تتألم و تتعطل سائر الأعضاء فكذا بتألم واحد من المؤمنین یحزن و یتألم سائرهم كما مر فقوله علیه السلام كالجسد الواحد تقدیره كعضوی جسد واحد و قوله إن اشتكی ظاهره أنه بیان لحال المشبه به و الضمیران المستتران فیه و فی وجد راجعان إلی المرء و الإنسان أو الروح الذی یدل علیه الجسد و ضمیر منه للجسد و ضمیر أرواحهما لشی ء و سائر الجسد و الجمعیة باعتبار جمعیة السائر أو من إطلاق الجمع علی التثنیة مجازا و فی الإختصاص و أن روحهما و هو أظهر و المراد بالروح الواحد إن كان الروح الحیوانیة فمن للتبعیض و إن كان النفس الناطقة فمن للتعلیل فإن روحهما الروح الحیوانیة هذا إذا كان قوله و أرواحهما من تتمة بیان المشبه به و یحتمل تعلقه بالمشبه فالضمیر للأخوین المذكورین فی أول الخبر و الغرض إما بیان شدة اتصال الروحین كأنهما روح واحدة أو أن روحیهما من روح واحدة هی روح الأئمة علیهم السلام و هو نور اللّٰه كما مر فی خبر أبی بصیر الذی هو كالشرح لهذا الخبر و یحتمل أن یكون إن اشتكی أیضا لبیان حال المشبه لاتضاح وجه الشبه و علی التقادیر المراد بروح اللّٰه أیضا الروح التی اصطفاها اللّٰه و جعلها فی الأئمة علیهم السلام كما مر فی قوله تعالی

ص: 148


1- 1. الكافی: ج 2، ص 166.
2- 2. الاختصاص: 32.

وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی و یحتمل أن یكون المراد بروحه ذاته سبحانه إشارة إلی شدة ارتباط أرواح المقربین و المحبین من الشیعة المخلصین بجناب الحق تعالی حیث لا یغفلون عن ربهم ساعة و یفیض علیهم منه سبحانه آنا فآنا و ساعة فساعة العلم و الحكم و الكمالات و الهدایات بل الإرادة(1) أیضا لتخلیهم عن إرادتهم و تفویضهم جمیع أمورهم إلی ربهم كما قال فیهم وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ (2)

وَ قَالَ فِی الْحَدِیثِ الْقُدْسِیِّ: فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ وَ بَصَرَهُ وَ یَدَهُ وَ رِجْلَهُ وَ لِسَانَهُ.

و سیأتی تمام القول فیه فی محله إن شاء اللّٰه تعالی بحسب فهمی و اللّٰه الموفق.

«26»- قُرْبُ الْإِسْنَادِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِیَادٍ قَالَ سَمِعْتُ جَعْفَراً علیه السلام: وَ سُئِلَ هَلْ یَكُونُ أَنْ یُحِبَّ الرَّجُلُ الشَّیْ ءَ وَ لَمْ یَرَهُ قَالَ نَعَمْ فَقِیلَ لَهُ مِثْلُ أَیِّ شَیْ ءٍ فَقَالَ مِثْلُ اللَّوْنِ مِنَ الطَّعَامِ یُوصَفُ لِلْإِنْسَانِ وَ لَمْ یَأْكُلْهُ فَیُحِبُّهُ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ یُحِبُّ الشَّیْ ءَ یَذْكُرُ لِأَصْحَابِهِ وَ مَا لَكَ أَكْثَرُ مِمَّا تَدَعُ.

بیان: لعل المعنی إذا تفكرت فی أمثلة ذلك كان ما لك منها أكثر مما تتركه كنایة عن كثرة أمثلة ذلك و ظهورها و یمكن أن یكون تصحیف تسمع و یمكن أن یكون غرض السائل السؤال عن حب المؤمن أخاه من غیر سابقة كما فی سائر الأخبار.

«27»- مَجَالِسُ الشَّیْخِ، عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نَهِیكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ حُمَیْدِ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام جَمَعَ بَنِیهِ فَأَوْصَاهُمْ ثُمَّ قَالَ یَا بَنِیَّ إِنَّ الْقُلُوبَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ تَتَلَاحَظُ بِالْمَوَدَّةِ وَ تَتَنَاجَی بِهَا وَ كَذَلِكَ هِیَ فِی الْبُغْضِ فَإِذَا أَحْبَبْتُمُ الرَّجُلَ مِنْ غَیْرِ خَیْرٍ سَبَقَ مِنْهُ إِلَیْكُمْ فَارْجُوهُ وَ إِذَا أَبْغَضْتُمُ الرَّجُلَ مِنْ غَیْرِ سُوءٍ سَبَقَ مِنْهُ إِلَیْكُمْ فَاحْذَرُوهُ.

«28»- مَجَالِسُ ابْنِ الشَّیْخِ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حَنَانِ

ص: 149


1- 1. فی نسختین مخطوطتین: الارادات.
2- 2. التكویر: 29.

بْنِ سَدِیرٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنِّی لَأَلْقَی الرَّجُلَ لَمْ أَرَهُ وَ لَمْ یَرَنِی فِیمَا مَضَی قَبْلَ یَوْمِهِ ذَلِكَ فَأُحِبُّهُ حُبّاً شَدِیداً فَإِذَا كَلَّمْتُهُ وَجَدْتُهُ لِی مِثْلَ مَا أَنَا عَلَیْهِ لَهُ وَ یُخْبِرُنِی أَنَّهُ یَجِدُ لِی مِثْلَ الَّذِی أَجِدُ لَهُ فَقَالَ صَدَقْتَ یَا سَدِیرُ إِنَّ ائْتِلَافَ قُلُوبِ الْأَبْرَارِ إِذَا الْتَقَوْا وَ إِنْ لَمْ یُظْهِرُوا التَّوَدُّدَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَسُرْعَةِ اخْتِلَاطِ قَطْرِ الْمَاءِ عَلَی مِیَاهِ الْأَنْهَارِ وَ إِنَّ بُعْدَ ائْتِلَافِ قُلُوبِ الْفُجَّارِ إِذَا الْتَقَوْا وَ إِنْ أَظْهَرُوا التَّوَدُّدَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَبُعْدِ الْبَهَائِمِ مِنَ التَّعَاطُفِ وَ إِنْ طَالَ اعْتِلَافُهَا عَلَی مِزْوَدٍ وَاحِدٍ.

بیان: المزود كمنبر وعاء الزاد.

«29»- الشِّهَابُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ فِی تَوَادِّهِمْ وَ تَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَی بَعْضُهُ تَدَاعَی سَائِرُهُ بِالسَّهَرِ وَ الْحُمَّی.

«30»- وَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ رِیشَةٍ بِأَرْضٍ تُقَلِّبُهَا الرِّیَاحُ.

الضوء یقال تداعت الحیطان إذا تهادمت أو تهیأت للسقوط بأن تمیل أو تتهور یَقُولُ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُونَ مُتَّحِدُونَ مُتَآزِرُونَ مُتَضَافِرُونَ كَأَنَّهُمْ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ.

وَ لِذَلِكَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ بِمَنْزِلَةِ الْبُنْیَانِ یَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً. وَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله: الْمُؤْمِنُونَ یَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَی مَنْ سِوَاهُمْ.

شبه علیه السلام المؤمنین فی اتحادهم و موازرتهم بالجسد المجتمع من آلات و أعضاء إذا اشتكی بعضه كانت الجملة ألمة سقیمة مساهرة محمومة لاتصال بعضه ببعض و لأن الألم هو الجملة و هو فی حكم الجزء الواحد بسبب الحیاة التی هی كالمسمار یضم أجزاءها و ینتظمها و لفظ الحدیث خبر و تشبیه و المعنی أمر یأمرهم به أن یتوادوا و یتحابوا و یرحم بعضهم بعضا و فائدة الحدیث الأمر بالتناصر و التعاون و راوی الحدیث النعمان بن بشیر و قال رحمه اللّٰه فی الحدیث الثانی و روی بأرض فلاة شبه علیه السلام القلب بریشة ساقطة بأرض عراء لا حاجز بها و لا مانع فالریح تطیرها هنا و ثم و ذلك للاعتقادات و الأحوال التی یتقلب لها و لسرعة انقلابه و قلة ثبوته و دوامه علی حالة واحدة و قد قیل إنما سمی قلبا لتقلبه و فائدة الحدیث إعلام أن القلب سریع الانقلاب لا یبقی علی وجه واحد و راوی الحدیث أنس بن مالك.

ص: 150

باب 44 حقیقة الرؤیا و تعبیرها و فضل الرؤیا الصادقة و علتها و علة الكاذبة

اشارة

الآیات:

یونس: الَّذِینَ آمَنُوا وَ كانُوا یَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ لا تَبْدِیلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (1)

یوسف: إِذْ قالَ یُوسُفُ لِأَبِیهِ یا أَبَتِ إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِینَ قالَ یا بُنَیَّ لا تَقْصُصْ رُؤْیاكَ عَلی إِخْوَتِكَ إلی قوله تعالی وَ كَذلِكَ یَجْتَبِیكَ رَبُّكَ وَ یُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ (2) و قال تعالی وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ (3) و قال تعالی وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَیانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّی أَرانِی أَعْصِرُ خَمْراً وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّی أَرانِی أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِی خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِیلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ قالَ لا یَأْتِیكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِیلِهِ قَبْلَ أَنْ یَأْتِیَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّی إلی قوله یا صاحِبَیِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَیَسْقِی رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَیُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّیْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِیَ الْأَمْرُ الَّذِی فِیهِ تَسْتَفْتِیانِ إلی قوله تعالی قالَ الْمَلِكُ إِنِّی أَری سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ یابِساتٍ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی رُءْیایَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْیا تَعْبُرُونَ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِیلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِینَ وَ قالَ الَّذِی نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِیلِهِ فَأَرْسِلُونِ یُوسُفُ أَیُّهَا الصِّدِّیقُ أَفْتِنا فِی سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ یابِساتٍ

ص: 151


1- 1. یونس: 64.
2- 2. یوسف: 8.
3- 3. یوسف: 23.

لَعَلِّی أَرْجِعُ إِلَی النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَعْلَمُونَ قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ یَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِیهِ یُغاثُ النَّاسُ وَ فِیهِ یَعْصِرُونَ (1)

الإسراء: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ (2)

الروم: وَ مِنْ آیاتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ (3)

الصافات: قالَ یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُكَ (4)

الفتح: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِ (5)

المجادلة: إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ لِیَحْزُنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَیْسَ بِضارِّهِمْ شَیْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (6)

النبأ: وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً(7)

تفسیر:

الَّذِینَ آمَنُوا أی بجمیع ما یجب الإیمان به وَ كانُوا یَتَّقُونَ مع ذلك معاصیه لَهُمُ الْبُشْری قال الطبرسی رحمه اللّٰه قیل فیه أقوال أحدها أن البشری فی الحیاة الدنیا هی ما بشرهم اللّٰه تعالی به فی القرآن علی الأعمال الصالحة و ثانیها أن البشارة فی الحیاة الدنیا بشارة الملائكة للمؤمنین عند موتهم ب أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی كُنْتُمْ تُوعَدُونَ و ثالثها أنها فی الدنیا الرؤیا الصالحة یراها المؤمن لنفسه أو تری له و فی القیامة إلی أن یدخلوا الجنة یبشرونهم بها حالا بعد حال و هو المروی عن أبی جعفر علیه السلام و روی ذلك فی حدیث مرفوعا عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله (8).

لا تَقْصُصْ رُؤْیاكَ قال البیضاوی الرؤیا كالرؤیة غیر أنها مختصة بما یكون فی

ص: 152


1- 1. یوسف: 36- 51.
2- 2. الإسراء: 60.
3- 3. الروم: 23.
4- 4. الصافّات: 102.
5- 5. الفتح: 27.
6- 6. المجادلة: 10.
7- 7. النبأ: 9.
8- 8. مجمع البیان: ج 5، ص 120.

النوم و فرق بینهما بحرف التأنیث كالقربة و القربی و هی انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخیلة إلی الحس المشترك و الصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بینهما من التناسب عند فراغها(1) من تدبیر البدن أدنی فراغ فتتصور بما فیها مما یلیق من المعانی الحاصلة هناك ثم إن المتخیلة تحاكیه بصورة تناسبه فترسلها إلی الحس المشترك فتصیر مشاهدة ثم إن كانت شدیدة المناسبة لذلك المعنی بحیث لا یكون التفاوت إلا بالكلیة و الجزئیة استغنت الرؤیا عن التعبیر و إلا احتاجت إلیه.

مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ أی من تعبیر الرؤیا لأنها أحادیث الملك إن كانت صادقة و أحادیث النفس و الشیطان إن كانت كاذبة أو من تأویل غوامض كتب اللّٰه و سنن الأنبیاء و كلمات الحكماء(2).

و قال الطبرسی رحمه اللّٰه قیل إنه كان بین رؤیاه و بین مصیر أبیه و إخوته إلی مصر أربعون سنة عن ابن عباس و أكثر المفسرین و قیل ثمانون عن الحسن (3) و قال النیسابوری قال علماء التعبیر إن الرؤیا الردیة یظهر أثرها عن قریب لكیلا یبقی المؤمن فی الحزن و الغم و الرؤیا الجیدة یبطئ تأثیرها لتكون بهجة المؤمن أدوم.

قالَ أَحَدُهُما إِنِّی أَرانِی أَعْصِرُ خَمْراً قال الطبرسی رحمه اللّٰه هو من رؤیا المنام كان یوسف علیه السلام لما دخل السجن قال لأهله إنی أعبر الرؤیا فقال أحد العبدین و هو الساقی رأیت أصل حبلة علیها ثلاثة عناقید من عنب فجنیتها و عصرتها فی كأس الملك و سقیته إیاها و قال صاحب الطعام إنی رأیت كأن فوق رأسی ثلاث سلال فیها الخبز و أنواع الأطعمة و سباع الطیر تنهش منه نَبِّئْنا بِتَأْوِیلِهِ أی أخبرنا بتعبیره و ما یئول إلیه أمره قالَ لا یَأْتِیكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ فی منامكما إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِیلِهِ فی الیقظة قبل أن یأتیكما التأویل أَمَّا أَحَدُكُما فَیَسْقِی رَبَّهُ خَمْراً روی أنه قال

ص: 153


1- 1. كذا فی المصدر، و فی بعض نسخ الكتاب« فراغه».
2- 2. أنوار التنزیل: ج 1 ص 585.
3- 3. مجمع البیان: ج 5، ص 209.

أما العناقید الثلاثة فإنها ثلاثة أیام تبقی فی السجن ثم یخرجك الملك فی یوم الرابع و تعود إلی ما كنت علیه و الرب المالك وَ أَمَّا الْآخَرُ أی صاحب الطعام روی أنه قال بئس ما رأیت أما السلاسل الثلاث فإنها ثلاثة أیام تبقی فی السجن فیخرجك الملك فیصلبك فتأكل الطیر من رأسك فقال عند ذلك ما رأیت شیئا و كنت ألعب فقال یوسف قُضِیَ الْأَمْرُ الَّذِی فِیهِ تَسْتَفْتِیانِ أی فرغ من الأمر الذی تسألان و تطلبان معرفته و ما قلته لكما فإنه نازل بكما و هو كائن لا محالة(1).

وَ قالَ الْمَلِكُ قال النیسابوری لما دنا فرج یوسف أراه اللّٰه فی المنام سبع بقرات سمان خرجن من نهر یابس و سبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان و رأی سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها و سبعا أخر یابسات قد استحصدت و أدركت فالتوت الیابسات علی الخضر حتی غلبن علیها فاضطرب الملك بسببه لأن فطرته قد شهدت بأن استیلاء الضعیف علی القوی منذر بنوع من أنواع الشر إلا أنه لم یعرف تفصیله فجمع الكهنة و المعبرین و قال یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی رُءْیایَ ثم إنه تعالی إذا أراد أمرا هیأ أسبابه فأعجز اللّٰه أولئك الملأ عن جواب المسألة و عماه علیهم حتی قالوا إنها أَضْغاثُ أَحْلامٍ و نفوا عن أنفسهم كونهم عالمین بتأویلها.

و اعلم أنه سبحانه خلق جوهر النفس الناطقة بحیث یمكنها الصعود إلی عالم الأفلاك و مطالعة اللوح المحفوظ و المانع لها من ذلك هو اشتغالها بتدبیر البدن و ما یرد علیها من طریق الحواس و فی وقت النوم تقل تلك الشواغل فتقوی النفس علی تلك المطالعة فإذا وقفت النفس علی حالة من تلك الأحوال فإن بقیت فی الخیال كما شوهدت لم تحتج إلی التأویل و إن نزلت آثار مخصوصة مناسبة للإدراك الروحانی إلی عالم الخیال فهناك یفتقر إلی المعبر ثم منها ما هی متسقة منتظمة یسهل علی المعبر الانتقال من تلك المتخیلات إلی الحقائق الروحانیات و منها ما تكون مختلطة مضطربة لا یضبط تحلیلها و تركیبها لتشویش وقع فی ترتیبها و تألیفها فهی المسماة بالأضغاث و بالحقیقة الأضغاث ما یكون مبدؤها تشویش القوة المتخیلة لفساد وقع فی القوی البدنیة

ص: 154


1- 1. مجمع البیان: ج 5، ص 232- 235( ملخصا).

و لورود أمر غریب علیه من خارج لكن القسم المذكور قد تعد من الأضغاث من حیث إنها أعیت المعبر عن تأویلها انتهی وَ قالَ الَّذِی نَجا مِنْهُما قال البیضاوی أی من صاحبی السجن و هو الشرابی وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ و تذكر یوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة أو(1) مدة طویلة فَأَرْسِلُونِ إلی من عنده علمه أو إلی السجن لَعَلِّی أَرْجِعُ إِلَی النَّاسِ أی إلی الملك و من عنده لَعَلَّهُمْ یَعْلَمُونَ تأویله أو فضلك و مكانك دَأَباً أی علی عادتكم المستمرة و انتصابه علی الحال بمعنی دائبین أو المصدر بإضمار فعله أی تدأبون دأبا و تكون الجملة حالا فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ لئلا یأكله السوس إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ فی تلك السنین ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ یَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ أی یأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن فنسب (2) إلیهن علی المجاز تطبیقا بین المعبر و المعبر به إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ أی تحرزون لبذور الزراعة فِیهِ یُغاثُ النَّاسُ أی یمطرون من الغیث أو یغاثون من القحط من الغوث وَ فِیهِ یَعْصِرُونَ ما یعصر كالعنب و الزیتون لكثرة الثمار و قیل یحلبون الضروع (3).

وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا قیل المراد رؤیة العین و الأكثر علی أنه رؤیة المنام و قال الطبرسی رحمه اللّٰه روی عن ابن عباس أنها رؤیا نوم رآها أنه سیدخل مكة و هو بالمدینة فقصدها فصده المشركون فی الحدیبیة عن دخولها حتی شك قوم و دخلت علیهم الشبهة فقالوا یا رسول اللّٰه أ لیس قد أخبرتنا أنا ندخل المسجد الحرام آمنین فقال أ و قلت لكم إنكم تدخلونها العام قالوا لا فقال لندخلنها إن شاء اللّٰه و رجع ثم دخل مكة فی العام القابل فنزل لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِ (4) و قیل رأی صلی اللّٰه علیه و آله فی منامه أن قرودا تصعد منبره و تنزل فساءه ذلك و اغتم به فلم (5)

ص: 155


1- 1. فی المصدر: أی.
2- 2. فی المصدر: فأسند.
3- 3. أنوار التنزیل: ج 1، ص 597- 598.
4- 4. الفتح: 27.
5- 5. فی المجمع: فلم یسمع بعد ذلك ضاحكا حتّی مات.

یر بعد ذلك ضاحكا حتی توفی (1).

أقول: و قد مرت أخبار كثیرة فی ذلك و قال الرازی قال سعید بن المسیب رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بنی أمیة ینزون علی منبره نزو القردة فساءه ذلك و هذا قول ابن عباس فی روایة عطا.

وَ مِنْ آیاتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ أی منامكم فی الزمانین لاستراحة القوی النفسانیة و قوة القوی الطبیعیة و طلب معاشكم فیهما أو منامكم باللیل و ابتغاؤكم بالنهار فلف و ضم بین الزمانین و الفعلین بعاطفین إشعارا بأن كلا من الزمانین و إن اختص بأحدهما فهو صالح للآخر عند الحاجة و یؤیده سائر الآیات الواردة فیه.

إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ یدل علی أن نوم الأنبیاء علیهم السلام بمنزلة الوحی و كذا الآیة التالیة إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ قال الطبرسی رحمه اللّٰه یعنی نجوی المنافقین و الكفار بما یسوء المؤمنین و یغمهم من وساوس الشیطان و بدعائه و إغوائه و قیل المراد بها أحلام المنام التی یراها الإنسان فی منامه و یحزنه (2).

أقول: سیأتی ذلك فی الروایة وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً قال السید المرتضی رحمه اللّٰه إن سأل سائل عن قوله تعالی وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً فقال إذا كان المراد بالسبات هو النوم فكأنه قال و جعلنا نومكم نوما و هذا مما لا فائدة فیه الجواب قلنا فی هذه الآیة وجوه منها أن یكون المراد بالسبات الراحة و الدعة و قد قال قوم إن اجتماع الخلق كان فی یوم الجمعة و الفراغ منه فی یوم السبت فسمی الیوم بالسبت للفراغ الذی كان فیه و لأن اللّٰه تعالی أمر بنی إسرائیل فیه بالاستراحة من الأعمال قیل و أصل السبات التمدد یقال سبتت المرأة شعرها إذا حلته من العقص و أرسلته قال الشاعر:

و إن سبتته مال جثلا كأنه*** سدی واهلات من نواسج خثعما

أراد إن أرسلته و منها أن یكون المراد بذلك القطع و السبت أیضا الحلق

ص: 156


1- 1. مجمع البیان: ج 6، ص 424.
2- 2. مجمع البیان: ج 9، ص 251.

یقال سبت شعره إذا حلقه و هو یرجع إلی معنی القطع و النعال السبتیة التی لا شعر علیها.

قال عنترة:

بطل كأن ثیابه فی سرحة***یحذی نعال السبت لیس بتوأم

و یقال لكل أرض مرتفعة منقطعة مما حولها سبتاء و جمعها سباتی فیكون المعنی علی هذا الجواب جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم و تصرفكم و منها أن یكون المراد بذلك أنا جعلنا نومكم سباتا لیس بموت لأن النائم قد یفقد من علومه و قصوده و أحواله أشیاء كثیرة یفقدها المیت فأراد سبحانه أن یمتن علینا بأن جعل نومنا الذی یضاهی فیه بعض أحوالنا أحوال المیت لیس بموت علی الحقیقة و لا یخرج لنا عن الحیاة و الإدراك فجعل التأكید بذكر المصدر قائما مقام نفی الموت و سادا مسد قوله و جعلنا نومكم لیس بموت و یمكن فی الآیة وجه آخر لم یذكر فیها هو أن السبات لیس هو كل نوم و إنما هو من صفات النوم إذا وقع علی بعض الوجوه و السبات هو النوم الممتد الطویل السكون و لهذا یقال فیمن وصف بكثرة النوم إنه مسبوت و به سبات و لا یقال ذلك فی كل نائم و إذا كان الأمر علی هذا لم یجر قوله تعالی وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً مجری أن یقول و جعلنا نومكم نوما و الوجه فی الامتنان علینا بأن جعل نومنا ممتدا طویلا ظاهر و هو لما فی ذلك لنا من المنفعة و الراحة لأن التهویم و النوم الغرار لا یكسبان شیئا من الراحة بل یصحبهما فی الأكثر القلق و الانزعاج و الهموم هی التی تقلل النوم و تنزره و فراغ القلب و رخاء البال تكون معهما غزارة النوم و امتداده و هذا واضح.

قال السید قدس اللّٰه روحه وجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنباری یطعن علی الجواب الذی ذكرناه أولا و یقول إن ابن قتیبة أخطأ فی اعتماده لأن الراحة لا یقال لها سبات و لا یقال سبت الرجل بمعنی استراح و أراح و یعتمد علی الجواب الذی ثنینا بذكره و یقول فی ما استشهد به ابن قتیبة من قوله سبتت المرأة شعرها إن معناه أیضا القطع لأن ذلك إنما یكون بإزالة الشداد الذی كان مجموعا به

ص: 157

و قطعه و المقدار الذی ذكره ابن الأنباری لا یقدح فی جواب ابن قتیبة لأنه لا ینكر أن یكون السبات هو الراحة و الدعة إذا كانتا عن نوم و إن لم توصف كل راحة بأنها سبات و یكون هذا الاسم یخص الراحة إذا كانت علی هذا الوجه و لهذا نظائر كثیرة فی الأسماء و إذا أمكن ذلك لم یكن فی امتناع قولهم سبت الرجل بمعنی استراح فی كل موضع دلالة علی أن السبات لا یكون اسما للراحة عند النوم و الذی یبقی علی ابن قتیبة أن یبین أن السبات هو الراحة و الدعة و یستشهد علی ذلك بشعر أو لغة فإن البیت الذی ذكره یمكن أن یكون المراد به القطع دون التمدد و الاسترسال.

فإن قیل فما الفرق بین جواب ابن قتیبة و جوابكم الذی ذكرتموه أخیرا قلنا الفرق بینهما بین لأن ابن قتیبة جعل السبات نفسه راحة و جعله عبارة عنها و أخذ یستشهد علی ذلك بالتمدد دون غیره و نحن جعلنا السبات نفسه من صفات النوم و الراحة واقعة عنده للامتداد و طول السكون فیه فلا یلزمنا أن نقول سبت الرجل بمعنی استراح لأن الشی ء لا یسمی بما یقع عنده حقیقة و الاستراحة تقع علی جوابنا عند السبات و لیس السبات إیاها بعینها علی أن فی الجواب الذی اختاره ابن الأنباری ضربا من الكلام لأن السبت و إن كان القطع علی ما ذكره فلم یسمع فیه البناء الذی ذكره و هو السبات و یحتاج فی إثبات مثل هذا البناء إلی سمع عن أهل اللغة و قد كان یجب أن یورد من أی وجه إذا كان السبت هو القطع جاز أن یقال سبات علی هذا المعنی و لم نره فعل ذلك (1).

«1»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنْ عِیسَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنِ الرَّجُلِ یَنَامُ فَیَرَی الرُّؤْیَا فَرُبَّمَا كَانَتْ حَقّاً وَ رُبَّمَا كَانَتْ بَاطِلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ مَا مِنْ عَبْدٍ یَنَامُ إِلَّا عُرِجَ بِرُوحِهِ إِلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ فَمَا رَأَی عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِینَ فَهُوَ حَقٌّ ثُمَّ إِذَا أَمَرَ اللَّهُ الْعَزِیزُ الْجَبَّارُ بِرَدِّ رُوحِهِ إِلَی جَسَدِهِ فَصَارَتِ الرُّوحُ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ فَمَا

ص: 158


1- 1. الغرر و الدر ج 1 ص 337- 340.

رَأَتْهُ فَهُوَ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ (1).

«2»- وَ مِنْهُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنْ مُحَسِّنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ لِإِبْلِیسَ شَیْطَاناً یُقَالُ لَهُ هُزَعُ یَمْلَأُ الْمَشْرِقَ وَ الْمَغْرِبَ فِی كُلِّ لَیْلَةٍ یَأْتِی النَّاسَ فِی الْمَنَامِ (2).

«3»- قُرْبُ الْإِسْنَادِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِیَادٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَنْ رَأَی أَنَّهُ فِی الْحَرَمِ وَ كَانَ خَائِفاً أَمِنَ.

«4»- تَفْسِیرُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ،: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ قَالَ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا الرُّؤْیَا الْحَسَنَةُ یَرَاهَا الْمُؤْمِنُ وَ فِی الْآخِرَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ (3).

«5»- الْمَحَاسِنُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ دَاوُدَ عَنْ أَخِیهِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعَثَنِی إِنْسَانٌ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام زَعَمَ أَنَّهُ یَفْزَعُ فِی مَنَامِهِ مِنِ امْرَأَةٍ تَأْتِیهِ قَالَ فَصِحْتُ حَتَّی سَمِعَ الْجِیرَانُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام اذْهَبْ فَقُلْ إِنَّكَ لَا تُؤَدِّی الزَّكَاةَ قَالَ بَلَی وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُؤَدِّیهَا فَقَالَ قُلْ لَهُ إِنْ كُنْتَ تُؤَدِّیهَا لَا تُؤَدِّیهَا إِلَی أَهْلِهَا(4).

«6»- الْخَرَائِجُ، رُوِیَ أَنَّ أَبَا عُمَارَةَ الْمَعْرُوفَ بِالطَّیَّانِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام رَأَیْتُ فِی النَّوْمِ كَأَنَّ مَعِی قَنَاةً قَالَ كَانَ فِیهَا زُجٌّ قُلْتُ لَا قَالَ لَوْ رَأَیْتَ فِیهَا زُجّاً لَوُلِدَ(5)

لَكَ غُلَامٌ لَكِنَّهُ (6) تُولَدُ جَارِیَةٌ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ كَمْ فِی الْقَنَاةِ مِنْ كَعْبٍ قُلْتُ اثْنَا عَشَرَ كَعْباً قَالَ تَلِدُ الْجَارِیَةُ اثْنَیْ عَشَرَ بِنْتاً.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِیثِ الْعَبَّاسَ بْنَ الْوَلِیدِ فَقَالَ: أَنَا مِنْ

ص: 159


1- 1. الأمالی: 89.
2- 2. الأمالی: 89. و زاد:« و لهذا یری الاضغاث».
3- 3. تفسیر القمّیّ: 289.
4- 4. المحاسن: 87.
5- 5. یولد( خ).
6- 6. لكن( خ).

وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَ لِی إِحْدَی عَشْرَةَ خَالَةً وَ أَبُو عُمَارَةَ جَدِّی.

«7»- الْمَنَاقِبُ، عَنْ یَاسِرٍ الْخَادِمِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام رَأَیْتُ فِی النَّوْمِ كَأَنَّ قَفَصاً فِیهِ سَبْعَ عَشْرَةَ قَارُورَةً إِذْ وَقَعَ الْقَفَصُ فَتَكَسَّرَتِ الْقَوَارِیرُ فَقَالَ إِنْ صَدَقَتْ رُؤْیَاكَ یَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی یَمْلِكُ سَبْعَةَ عَشَرَ یَوْماً ثُمَّ یَمُوتُ فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بِالْكُوفَةِ مَعَ أَبِی السَّرَایَا فَمَكَثَ سَبْعَةَ عَشَرَ یَوْماً ثُمَّ مَاتَ (1).

الكافی، عن الحسین عن أحمد بن هلال عن یاسر: مثله (2)

بیان: إن صدقت رؤیاك أی لم تكن من أضغاث الأحلام التی لا تعبیر لها أو لم تكذب فی نقلها و الأول أظهر و محمد بن إبراهیم هو طباطبا بایعه أولا أبو السرایا و خرج و لما مات بایع محمد بن زید و قال الطبری فی تاریخه كان اسم أبی السرایا سری بن منصور و كان من أولاد هانی بن قبیصة الذی عصی علی كسری أَبَرْوِیزَ و كان أبو السرایا من أمراء المأمون ثم عصی فی الكوفة علی أمیر العراق و بایع محمد بن محمد بن زید بن علی بن الحسین علیه السلام ثم أرسل إلیه حسن بن سهل أمیر العراق جندا فقاتلوه و أسر و قتل.

«8»- الْكَشِّیُّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی قَالَ قَالَ لِی یَاسِرٌ الْخَادِمُ: إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الثَّانِیَ علیه السلام أَصْبَحَ فِی بَعْضِ الْأَیَّامِ قَالَ فَقَالَ لِی رَأَیْتُ الْبَارِحَةَ مَوْلًی لِعَلِیِّ بْنِ یَقْطِینٍ وَ بَیْنَ عَیْنَیْهِ غُرَّةٌ بَیْضَاءُ فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ عَلَی الدِّینِ.

«9»- دَعَوَاتُ الرَّاوَنْدِیِّ، حَدَّثَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَیَّاشٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ رَأَیْتُكَ فِی النَّوْمِ كَأَنِّی أَقُولُ لَكَ كَمْ بَقِیَ مِنْ أَجَلِی فَقُلْتَ لِی بِیَدِكَ هَكَذَا وَ أَوْمَأَ إِلَی خَمْسٍ وَ قَدْ شَغَلَ ذَلِكَ قَلْبِی فَقَالَ علیه السلام إِنَّكَ سَأَلْتَنِی عَنْ شَیْ ءٍ لَا یَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ هِیَ خَمْسٌ تَفَرَّدَ اللَّهُ بِهَا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ ما فِی الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِی

ص: 160


1- 1. المناقب: ج 4، ص 352.
2- 2. روضة الكافی: 275.

نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ(1).

بیان: قال الطبرسی رحمه اللّٰه

جَاءَ فِی الْحَدِیثِ: أَنَّ مَفَاتِیحَ الْغَیْبِ خَمْسٌ لَا یَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ وَ قَرَأَ هَذِهِ الْآیَةَ.

وَ قَدْ رُوِیَ عَنْ أَئِمَّةِ الْهُدَی: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْیَاءَ الْخَمْسَةَ لَا یَعْلَمُهَا عَلَی التَّفْصِیلِ وَ التَّحْقِیقِ غَیْرُهُ تَعَالَی (2).

أقول: هذا لا ینافی ما أخبروا علیهم السلام به من هذه الأشیاء علی سبیل الإعجاز لأنه كان بالوحی و الإلهام و كان عدم الإخبار فی هذا المقام لعدم وصول الخبر من اللّٰه تعالی إلیه فی تلك الواقعة أو لمصلحة و قد مر القول فیه فی كتاب الإمامة.

«10»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ رَأَیْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ عَلَی رَأْسِی دُونَ جَسَدِی فَقَالَ تَنَالُ أَمْراً جَسِیماً وَ نُوراً سَاطِعاً وَ دِیناً شَامِلًا فَلَوْ غَطَّتْكَ لَانْغَمَسْتَ فِیهِ وَ لَكِنَّهَا غَطَّتْ

رَأْسَكَ أَ مَا قَرَأْتَ فَلَمَّا رَأَی الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّی (3) فَلَمَّا أَفَلَتْ تَبَرَّأَ مِنْهَا إِبْرَاهِیمُ علیه السلام قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّ الشَّمْسَ خَلِیفَةٌ أَوْ مَلِكٌ فَقَالَ مَا أَرَاكَ تَنَالُ الْخِلَافَةَ وَ لَمْ یَكُنْ فِی آبَائِكَ وَ أَجْدَادِكَ مَلِكٌ وَ أَیُّ خِلَافَةٍ وَ مُلُوكِیَّةٍ أَكْثَرُ(4) مِنَ الدِّینِ وَ النُّورِ تَرْجُو بِهِ دُخُولَ الْجَنَّةِ إِنَّهُمْ یَغْلَطُونَ فَقُلْتُ (5)

صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ (6).

بیان: بازِغَةً أی طالعة و لعل استشهاده علیه السلام كان بأن إبراهیم علیه السلام بعد رؤیة الشمس و اختلاف أحوالها اهتدی أو أظهر الاهتداء و هدی قومه إلی التوحید فطلوع الشمس علی رأسك علامة لاهتدائك إلی الدین القویم أو بأن الشمس لما

ص: 161


1- 1. لقمان: 34.
2- 2. مجمع البیان: ج 8، ص 324.
3- 3. الأنعام: 78.
4- 4. فی المصدر: أكبر.
5- 5. فی بعض النسخ و المصدر: قلت.
6- 6. روضة الكافی: 291- 292.

كان فی عالم المحسوسات أضوأ الأنوار حتی إن إبراهیم علیه السلام قال لموافقة قومه و إتمام الحجة علیهم هذا رَبِّی لغلبة نورها و ظهورها و وصفها بالكبر ثم تبرأ منها لتغیر أحوالها الدالة علی إمكانها و حدوثها و فی الرؤیا تتمثل الأمور المعنویة بالأمور المحسوسة المناسبة لها فینبغی أن یكون هذا النور أضوأ الأنوار المعنویة فلیس إلا الدین الحق و الأول أظهر لفظا و الثانی معنی قوله علیه السلام و لم یكن فی آبائك یظهر منه أن تعبیر الرؤیا یختلف باختلاف الأشخاص و یحتمل أن یكون الغرض بیان خطإ أصل تعبیرهم بأن ذلك غیر محتمل لا أنه لا یستقیم فی خصوص تلك المادة.

«11»- الْكَافِی، بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ: عَنْ رَجُلٍ رَأَی كَأَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ عَلَی قَدَمَیْهِ دُونَ جَسَدِهِ قَالَ علیه السلام مَالٌ یَنَالُهُ مِنْ نَبَاتِ (1)

الْأَرْضِ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَمْرٍ یَطَؤُهُ بِقَدَمَیْهِ وَ یَتَّسِعُ فِیهِ وَ هُوَ حَلَالٌ إِلَّا أَنَّهُ یَكُدُّ فِیهِ كَمَا كَدَّ آدَمُ علیه السلام(2).

«12»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الصَّائِغِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ عِنْدَهُ أَبُو حَنِیفَةَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ رَأَیْتُ رُؤْیَا عَجِیبَةً فَقَالَ یَا ابْنَ مُسْلِمٍ هَاتِهَا فَإِنَّ الْعَالِمَ بِهَا جَالِسٌ وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَی أَبِی حَنِیفَةَ قَالَ فَقُلْتُ رَأَیْتُ كَأَنِّی دَخَلْتُ دَارِی وَ إِذَا أَهْلِی قَدْ خَرَجَتْ عَلَیَّ فَكَسَرَتْ جَوْزاً كَثِیراً وَ نَثَرَتْهُ عَلَیَّ فَتَعَجَّبْتُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْیَا فَقَالَ أَبُو حَنِیفَةَ أَنْتَ رَجُلٌ تُخَاصِمُ وَ تُجَادِلُ لِئَاماً فِی مَوَارِیثِ أَهْلِكَ فَبَعْدَ نَصَبٍ شَدِیدٍ تَنَالُ حَاجَتَكَ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَصَبْتَ وَ اللَّهِ یَا أَبَا حَنِیفَةَ قَالَ ثُمَّ خَرَجَ أَبُو حَنِیفَةَ مِنْ عِنْدِهِ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّی كَرِهْتُ تَعْبِیرَ هَذَا النَّاصِبِ فَقَالَ یَا ابْنَ مُسْلِمٍ لَا یَسُؤْكَ اللَّهُ فَمَا یُوَاطِئُ تَعْبِیرُهُمْ تَعْبِیرَنَا وَ لَا تَعْبِیرُنَا تَعْبِیرَهُمْ وَ لَیْسَ التَّعْبِیرُ كَمَا عَبَّرَهُ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَوْلُكَ أَصَبْتَ وَ تَحْلِفُ عَلَیْهِ وَ هُوَ مُخْطِئٌ قَالَ نَعَمْ حَلَفْتُ عَلَیْهِ أَنَّهُ أَصَابَ الْخَطَاءَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ فَمَا تَأْوِیلُهَا قَالَ یَا ابْنَ مُسْلِمٍ

ص: 162


1- 1. فی المصدر: نبات من الأرض.
2- 2. روضة الكافی: 275.

إِنَّكَ تَتَمَتَّعُ بِامْرَأَةٍ فَتَعْلَمُ بِهَا أَهْلُكَ فَتَخْرِقُ (1)

عَلَیْكَ ثِیَاباً جُدُداً فَإِنَّ الْقِشْرَ كِسْوَةُ اللُّبِّ قَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ بَیْنَ تَعْبِیرِهِ وَ تَصْحِیحِ الرُّؤْیَا إِلَّا صَبِیحَةُ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا كَانَ غَدَاةُ الْجُمُعَةِ أَنَا جَالِسٌ بِالْبَابِ إِذْ مَرَّتْ بِی جَارِیَةٌ فَأَمَرْتُ غُلَامِی فَرَدَّهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا دَارِی فَتَمَتَّعْتُ بِهَا فَأَحَسَّتْ بِی وَ بِهَا أَهْلِی فَدَخَلَتْ عَلَیْنَا الْبَیْتَ فَبَادَرَتِ الْجَارِیَةُ نَحْوَ الْبَابِ فَبَقِیتُ أَنَا فَمَزَّقَتْ عَلَیَّ ثِیَاباً جُدُداً كُنْتُ أَلْبَسُهَا فِی الْأَعْیَادِ وَ جَاءَ مُوسَی الزَّوَّارُ الْعَطَّارُ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَأَیْتُ رُؤْیَا هَالَتْنِی رَأَیْتُ صِهْراً لِی مَیِّتاً وَ قَدْ عَانَقَنِی وَ قَدْ خِفْتُ أَنْ یَكُونَ الْأَجَلُ قَدِ اقْتَرَبَ فَقَالَ یَا مُوسَی تَوَقَّعِ الْمَوْتَ صَبَاحاً وَ مَسَاءً فَإِنَّهُ مُلَاقِینَا وَ مُعَانَقَةُ الْأَمْوَاتِ لِلْأَحْیَاءِ أَطْوَلُ لِأَعْمَارِهِمْ فَمَا كَانَ اسْمُ صِهْرِكَ قَالَ حُسَیْنٌ فَقَالَ أَمَا إِنَّ رُؤْیَاكَ تَدُلُّ عَلَی بَقَائِكَ وَ زِیَارَتِكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَانَقَ سَمِیَّ الْحُسَیْنِ علیه السلام یَزُورُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی وَ ذَكَرَ إِسْمَاعِیلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِیُّ قَالَ أَتَی إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام رَجُلٌ فَقَالَ (2) یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَأَیْتُ فِی مَنَامِی كَأَنِّی خَارِجٌ مِنْ مَدِینَةِ الْكُوفَةِ فِی مَوْضِعٍ أَعْرِفُهُ وَ كَأَنَّ شَیْخاً(3) مِنْ خَشَبٍ أَوْ رَجُلًا مَنْحُوتاً مِنْ خَشَبٍ عَلَی فَرَسٍ مِنْ خَشَبٍ یُلَوِّحُ بِسَیْفِهِ وَ أَنَا أُشَاهِدُهُ فَزِعاً مَذْعُوراً مَرْعُوباً فَقَالَ علیه السلام أَنْتَ رَجُلٌ تُرِیدُ اغْتِیَالَ رَجُلٍ فِی مَعِیشَتِهِ فَاتَّقِ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَكَ ثُمَّ یُمِیتُكَ فَقَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أُوتِیتَ عِلْماً وَ اسْتَنْبَطْتَهُ مِنْ مَعْدِنِهِ أُخْبِرُكَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ عَمَّا قَدْ فَسَّرْتَ لِی إِنَّ رَجُلًا مِنْ جِیرَانِی جَاءَنِی وَ عَرَضَ عَلَیَّ ضَیْعَتَهُ فَهَمَمْتُ أَنْ أَمْلِكَهَا بِوَكْسٍ (4)

كَثِیرٍ لِمَا عَرَفْتُ أَنَّهُ لَیْسَ لَهَا طَالِبٌ غَیْرِی فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ صَاحِبُكَ یَتَوَلَّانَا وَ یَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّنَا فَقَالَ نَعَمْ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَجُلٌ جَیِّدُ الْبَصِیرَةِ مُسْتَحْكِمُ الدِّینِ وَ أَنَا

ص: 163


1- 1. فی المصدر: فتمزق.
2- 2. فی المصدر: فقال له.
3- 3. فیه: شبحا.
4- 4. الوكس: النقص.

تَائِبٌ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِلَیْكَ مِمَّا هَمَمْتُ بِهِ وَ نَوَیْتُهُ فَأَخْبِرْنِی یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَوْ كَانَ نَاصِبِیّاً(1)

حَلَّ لِیَ اغْتِیَالُهُ فَقَالَ أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَكَ وَ أَرَادَ مِنْكَ النَّصِیحَةَ وَ لَوْ إِلَی قَاتِلِ الْحُسَیْنِ علیه السلام(2).

بیان: الظاهر أن الراوی عن الزوار و القرشی هو محمد بن مسلم و یحتمل الإرسال من الكلینی قوله أو رجلا كأن التردید من الراوی و یقال لوّح بسیفه علی بناء التفعیل أی لمع به.

«13»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام یَقُولُ: الرُّؤْیَا عَلَی مَا تُعَبَّرُ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا رَوَی أَنَّ رُؤْیَا الْمَلِكِ كَانَتْ أَضْغَاثَ أَحْلَامٍ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام إِنَّ امْرَأَةً رَأَتْ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّ

جِذْعَ بَیْتِهَا انْكَسَرَ(3)

فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَصَّتْ عَلَیْهِ الرُّؤْیَا فَقَالَ لَهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَقْدَمُ زَوْجُكِ وَ یَأْتِی وَ هُوَ صَالِحٌ وَ قَدْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِباً فَقَدِمَ كَمَا قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا غَیْبَةً أُخْرَی فَرَأَتْ فِی الْمَنَامِ كَأَنَّ جِذْعَ بَیْتِهَا قَدِ انْكَسَرَ(4) فَأَتَتِ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَصَّتْ عَلَیْهِ الرُّؤْیَا فَقَالَ لَهَا یَقْدَمُ زَوْجُكِ وَ یَأْتِی صَالِحاً فَقَدِمَ عَلَی مَا قَالَ ثُمَّ غَابَ زَوْجُهَا ثَالِثَةً فَرَأَتْ فِی مَنَامِهَا أَنَّ جِذْعَ بَیْتِهَا قَدِ انْكَسَرَ فَلَقِیَتْ رَجُلًا أَعْسَرَ فَقَصَّتْ عَلَیْهِ الرُّؤْیَا فَقَالَ لَهَا الرَّجُلُ السَّوْءُ یَمُوتُ زَوْجُكِ فَبَلَغَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله (5) فَقَالَ أَلَّا كَانَ عَبَّرَ لَهَا خَیْراً(6).

توضیح: أضغاث أحلام أی لم تكن لها حقیقة و إنما وقعت كذلك لتعبیر یوسف علیه السلام و إنما أورد الراوی تلك الروایة تأییدا لما ذكره قوله صلی اللّٰه علیه و آله یقدم

ص: 164


1- 1. فیه: ناصبا.
2- 2. روضة الكافی: 293.
3- 3. فی المصدر: قد انكسر.
4- 4. فی بعض النسخ« انكسرت» فی المواضع الثلاثة.
5- 5. فی المصدر: قال: فبلغ ذلك النبیّ.
6- 6. روضة الكافی: 335.

زوجك لعله صلی اللّٰه علیه و آله عبر انكسار أسطوانة بیتها بفوات ما كان لها من التمكن و التصرف فی غیبته و قال الفیروزآبادی یوم عسر و عسیر و أعسر شدید أو شؤم و أعسر یسر یعمل بیدیه جمیعا فإن عمل بالشمال فهو أعسر و المراد هنا الشوم أو من یعمل بالیسار فإنه أیضا مشوم و یظهر من أخبار المخالفین أن هذا الأعسر كان أبا بكر و لعله صلی اللّٰه علیه و آله لم یصرح باسمه تقیة قال فی النهایة فیه إن امرأة أتت النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقالت رأیت كأن جائز بیتی انكسر فقال یرد اللّٰه غائبك فرجع زوجها ثم غاب فرأت مثل ذلك فأتت النبی صلی اللّٰه علیه و آله فلم تجده و وجدت أبا بكر فأخبرته فقال یموت زوجك فذكرت ذلك لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال هل قصصتها علی أحد قالت نعم قال هو كما قیل لك الجائز الخشبة التی توضع علیها أطراف العوارض فی سقف البیت و الجمع أجوزة.

«14»- الْكَافِی، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَیْدٍ عَنِ الْحَلَبِیِّ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: رَأَیْتُ كَأَنِّی عَلَی رَأْسِ جَبَلٍ وَ النَّاسُ یَصْعَدُونَ إِلَیْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّی إِذَا كَثُرُوا عَلَیْهِ تَطَاوَلَ بِهِمْ فِی السَّمَاءِ وَ جَعَلَ النَّاسُ یَتَسَاقَطُونَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّی لَمْ یَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا عِصَابَةٌ یَسِیرَةٌ فَفُعِلَ ذَلِكَ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِی كُلِّ ذَلِكَ یَتَسَاقَطُ عَنْهُ النَّاسُ وَ تَبْقَی تِلْكَ الْعِصَابَةُ أَمَا إِنَّ قَیْسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ فِی تِلْكَ الْعِصَابَةِ فَمَا مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا نَحْواً مِنْ خَمْسٍ حَتَّی هَلَكَ (1).

بیان: كأن تأویل الرؤیا الفتن التی حدثت بعده صلوات اللّٰه علیه فی الشیعة فارتدوا.

و أقول و روی الكشی عن حمدویه بن نصیر عن محمد بن عیسی عن النضر مثله و فیه أما إن میسر بن عبد العزیز و عبد اللّٰه بن عجلان فی تلك العصابة فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من سنتین حتی هلك علیه السلام و قیس غیر مذكور فی كتب الرجال.

«15»- الْمَحَاسِنُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَمِیلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ قَالَ

ص: 165


1- 1. روضة الكافی: 182- 183.

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّ الْمُؤْمِنِینَ إِذَا أَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ صَعِدَ(1)

اللَّهُ بِأَرْوَاحِهِمْ إِلَیْهِ فَمَنْ قَضَی عَلَیْهِ بِالْمَوْتِ جَعَلَهُ فِی رِیَاضِ الْجَنَّةِ بِنُورِ(2) رَحْمَتِهِ وَ نُورِ عِزَّتِهِ وَ إِنْ لَمْ یُقَدِّرْ عَلَیْهِ الْمَوْتَ بَعَثَ بِهَا مَعَ أُمَنَائِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَی الْأَبْدَانِ الَّتِی هِیَ فِیهَا(3).

«16»- الْعَیَّاشِیُّ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: رَأَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام فِی النَّوْمِ كَأَنَّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ علیهما السلام ذُبِحَا أَوْ قُتِلَا فَأَحْزَنَهَا ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رُؤْیَا فَتَمَثَّلَتْ بَیْنَ یَدَیْهِ قَالَ أَنْتِ أَرَیْتِ فَاطِمَةَ هَذَا الْبَلَاءَ قَالَتْ لَا فَقَالَ یَا أَضْغَاثُ وَ أَنْتِ أَرَیْتِ فَاطِمَةَ هَذَا الْبَلَاءَ قَالَتْ نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا(4) أَرَدْتِ بِذَلِكِ قَالَتْ أَرَدْتُ (5) أُحْزِنُهَا فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله لِفَاطِمَةَ علیها السلام اسْمَعِی لَیْسَ هَذَا بِشَیْ ءٍ(6).

بیان: كأن خطابه صلی اللّٰه علیه و آله كان لملك الرؤیا و شیطان الأضغاث لقوله سبحانه إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ أو تمثل بإعجازه صلی اللّٰه علیه و آله لكل منهما مثال و تعلق به روح فسأله و مثل هذا التسلط الذی یذهب أثره سریعا من الشیطان و لم یوجب معصیة علی المعصومین علیهم السلام لم یدل دلیل علی نفیه و لا ینافیه قوله تعالی إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَكَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ (7) و قد مر بعض القول فیه فی كتاب النبوة و سیأتی أیضا إن شاء اللّٰه تعالی.

«17»- فَرَجُ الْمَهْمُومِ، نَقْلًا مِنْ كِتَابِ تَعْبِیرِ الرُّؤْیَا لِلْكُلَیْنِیِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: قَوْمٌ یَقُولُونَ النُّجُومُ أَصَحُّ مِنَ الرُّؤْیَا وَ ذَلِكَ (8)

كَانَتْ صَحِیحَةً حِینَ لَمْ یُرَدَّ الشَّمْسُ عَلَی یُوشَعَ بْنِ نُونٍ وَ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الشَّمْسَ عَلَیْهِمَا ضَلَّ فِیهِمَا عُلَمَاءُ النُّجُومِ فَمِنْهُمْ مُصِیبٌ وَ مِنْهُمْ مُخْطِئٌ.

«18»- الْبَصَائِرُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ بُكَیْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام مَنِ الرَّسُولُ وَ مَنِ النَّبِیُّ وَ مَنِ الْمُحَدَّثُ فَقَالَ الرَّسُولُ الَّذِی یَأْتِیهِ

ص: 166


1- 1. فی المصدر: أصعد.
2- 2. فیه: فی كنوز رحمته.
3- 3. المحاسن: 178.
4- 4. فی المصدر: فما اردت.
5- 5. فیه: اردت أن أحزنها.
6- 6. تفسیر العیّاشیّ: ج 2، ص 172.
7- 7. الحجر: 41.
8- 8. كذا.

جَبْرَئِیلُ فَیُكَلِّمُهُ قُبُلًا فَیَرَاهُ كَمَا یَرَی أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ الَّذِی یُكَلِّمُهُ فَهَذَا الرَّسُولُ وَ النَّبِیُّ الَّذِی یُؤْتَی فِی النَّوْمِ نَحْوَ رُؤْیَا إِبْرَاهِیمَ وَ نَحْوَ مَا كَانَ یَأْخُذُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ السُّبَاتِ إِذَا أَتَاهُ جَبْرَئِیلُ فِی النَّوْمِ فَهَكَذَا النَّبِیُّ وَ مِنْهُمْ مَنْ تُجْمَعُ (1) لَهُ الرِّسَالَةُ وَ النُّبُوَّةُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَسُولًا نَبِیّاً یَأْتِیهِ جَبْرَئِیلُ قُبُلًا فَیُكَلِّمُهُ وَ یَرَاهُ وَ یَأْتِیهِ فِی النَّوْمِ وَ أَمَّا الْمُحَدَّثُ فَهُوَ الَّذِی یَسْمَعُ كَلَامَ الْمَلَكِ فَیُحَدِّثُهُ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَرَاهُ وَ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَأْتِیَهُ فِی النَّوْمِ (2).

أقول: قد مضی مثله بأسانید جمة فی كتاب النبوة و كتاب الإمامة و غیرهما.

«19»- الْإِخْتِصَاصُ، قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ عَلَی مَعْصِیَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَیْراً أَرَاهُ فِی مَنَامِهِ رُؤْیَا تُرَوِّعُهُ فَیَنْزَجِرُ بِهَا عَنْ تِلْكَ الْمَعْصِیَةِ وَ إِنَّ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ(3).

«20»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِی الْفَرَجِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ أَبِی الْمَغْرَاءِ عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیهما السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَی اللَّهِ حَاجَةٌ وَ أَرَادَ أَنْ یَرَانَا وَ أَنْ یَعْرِفَ مَوْضِعَهُ فَلْیَغْتَسِلْ ثَلَاثَةَ لَیَالٍ یُنَاجِی بِنَا فَإِنَّهُ یَرَانَا وَ یُغْفَرُ لَهُ بِنَا وَ لَا یَخْفَی عَلَیْهِ مَوْضِعُهُ قُلْتُ سَیِّدِی فَإِنَّ رَجُلًا رَآكَ فِی الْمَنَامِ وَ هُوَ یَشْرَبُ النَّبِیذَ قَالَ لَیْسَ النَّبِیذُ یُفْسِدُ عَلَیْهِ دِینَهُ إِنَّمَا یُفْسِدُ عَلَیْهِ تَرْكُنَا وَ تَخَلُّفُهُ عَنَّا(4) الْخَبَرَ.

«21»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ نَاتَانَةَ(5)

عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ الْكَرْخِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام إِنَّ رَجُلًا رَأَی رَبَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِی مَنَامِهِ فَمَا یَكُونُ ذَلِكَ فَقَالَ ذَلِكَ

ص: 167


1- 1. فی البصائر: یجتمع.
2- 2. بصائر الدرجات: 371.
3- 3. الاختصاص: 241.
4- 4. المصدر: 90.
5- 5. بالنون أولا و آخرا و التاء فی الوسط كما حكی فی التعلیقة عن جده المجلسیّ الأول- ره- و قیل فی ضبطه وجوه اخری.

رَجُلٌ لَا دِینَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُرَی فِی الْیَقَظَةِ وَ لَا فِی الْمَنَامِ وَ لَا فِی الدُّنْیَا وَ لَا فِی الْآخِرَةِ(1).

«22»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَدِیدٍ عَنْ جَمِیلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا ع قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ یَوْماً كَئِیباً حَزِیناً فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السلام مَا لِی أَرَاكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ كَئِیباً حَزِیناً فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَیْفَ لَا أَكُونُ كَذَلِكَ وَ قَدْ رَأَیْتُ فِی لَیْلَتِی هَذِهِ أَنَّ بَنِی تَیْمٍ وَ بَنِی عَدِیٍّ وَ بَنِی أُمَیَّةَ یَصْعَدُونَ مِنْبَرِی هَذَا یَرُدُّونَ النَّاسَ عَنِ الْإِسْلَامِ الْقَهْقَرَی فَقُلْتُ یَا رَبِّ فِی حَیَاتِی أَوْ بَعْدَ مَوْتِی فَقَالَ بَعْدَ مَوْتِكَ (2).

«23»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِیدِ وَ مُحَسِّنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ یُونُسَ بْنِ یَعْقُوبَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عِیسَی الْقَمَّاطِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: رَأَی (3)

رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَنِی أُمَیَّةَ یَصْعَدُونَ عَلَی مِنْبَرِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ یُضِلُّونَ النَّاسَ عَنِ الصِّرَاطِ الْقَهْقَرَی فَأَصْبَحَ كَئِیباً حَزِیناً قَالَ فَهَبَطَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ ع فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِی أَرَاكَ كَئِیباً حَزِیناً قَالَ یَا جَبْرَئِیلُ إِنِّی رَأَیْتُ بَنِی أُمَیَّةَ فِی لَیْلَتِی هَذِهِ یَصْعَدُونَ مِنْبَرِی مِنْ بَعْدِی یُضِلُّونَ النَّاسَ عَنِ الصِّرَاطِ الْقَهْقَرَی فَقَالَ وَ الَّذِی بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِیّاً إِنَّ هَذَا شَیْ ءٌ مَا اطَّلَعْتُ عَلَیْهِ فَعَرَجَ إِلَی السَّمَاءِ فَلَمْ یَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ عَلَیْهِ بِآیٍ مِنَ الْقُرْآنِ یُؤْنِسُهُ بِهَا قَالَ أَ فَرَأَیْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِینَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا یُوعَدُونَ ما أَغْنی عَنْهُمْ ما كانُوا یُمَتَّعُونَ وَ أَنْزَلَ عَلَیْهِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَیْلَةُ الْقَدْرِ لَیْلَةُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَیْلَةَ الْقَدْرِ لِنَبِیِّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْراً مِنْ أَلْفِ شَهْرِ مُلْكِ بَنِی أُمَیَّةَ(4).

ص: 168


1- 1. البصائر: 363.
2- 2. روضة الكافی: 345.
3- 3. فی أكثر النسخ: أری.
4- 4. لم نجد الروایة بعینها فی الكافی، و فی الروضة( ص 222) روایة تتحد معها مضمونا و تفترق عنها فی مواضع من السند و المتن، اما السند فهی عن سهل بن زیاد عن. محمّد بن عبد الحمید عن یونس الخ، و أمّا المتن فتبتدأ هكذا: قال سمعت أبا عبد اللّٰه علیه السلام یقول هبط جبرئیل علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كئیب حزین و لعله وقع سهو فی ذكر المصدر.

«24»- كِتَابُ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مُعَاوِیَةَ وَ سَاقَ الْحَدِیثَ إِلَی أَنْ قَالَ قُلْتُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآیَةِ وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ (1) فَقَالَ إِنِّی رَأَیْتُ اثْنَیْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ یَصْعَدُونَ مِنْبَرِی وَ یَنْزِلُونَ یَرُدُّونَ أُمَّتِی عَلَی أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَی فِیهِمْ رَجُلَانِ مِنْ حَیَّیْنِ مِنْ قُرَیْشٍ مُخْتَلِفَیْنِ وَ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ وَ سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحَكَمِ بْنِ الْعَاصِ إِذَا بَلَغُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا جَعَلُوا كِتَابَ اللَّهِ دَخَلًا وَ عِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا الْحَدِیثَ.

«25»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِی نَصْرٍ عَنِ ابْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام الْفَرْقُ مِنَ السُّنَّةِ قَالَ لَا قُلْتُ هَلْ فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَیْفَ (2)

ذَلِكَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ صُدَّ عَنِ الْبَیْتِ وَ قَدْ كَانَ سَاقَ الْهَدْیَ وَ أَحْرَمَ أَرَاهُ اللَّهُ الرُّؤْیَا الَّتِی أَخْبَرَ اللَّهُ فِی كِتَابِهِ إِذْ یَقُولُ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ مُحَلِّقِینَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِینَ (3) فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ سَیَفِی لَهُ بِمَا أَرَاهُ فَمِنْ ثَمَّ وَفَّرَ ذَلِكَ الشَّعْرَ الَّذِی

كَانَ عَلَی رَأْسِهِ حِینَ أَحْرَمَ انْتِظَاراً لِحَلْقِهِ فِی الْحَرَمِ حَیْثُ وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَمَّا حَلَقَهُ لَمْ یُعِدْ تَوْفِیرَ(4) الشَّعْرِ وَ لَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِهِ (5).

ص: 169


1- 1. الإسراء: 60.
2- 2. فی المصدر: كیف فرق رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و لیس من السنة؟ قال: من أصابه ما أصاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یفرق كما فرق رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقد أصاب سنة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الا فلا قلت له: كیف ذلك؟.
3- 3. الفتح: 27.
4- 4. فی المصدر: فی توفیر.
5- 5. الكافی: ج 6، ص 486.

«26»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی خُرُوجِهِ إِلَی صِفِّینَ فَلَمَّا نَزَلَ نَیْنَوَی وَ هُوَ بِشَطِّ الْفُرَاتِ تَوَضَّأَ وَ صَلَّی ثُمَّ نَعَسَ فَانْتَبَهَ فَقَالَ رَأَیْتُ فِی مَنَامِی كَأَنِّی بِرِجَالٍ قَدْ نَزَلُوا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُمْ أَعْلَامٌ بِیضٌ قَدْ تَقَلَّدُوا سُیُوفَهُمْ وَ هِیَ بِیضٌ تَلْمَعُ وَ قَدْ خَطُّوا حَوْلَ هَذِهِ الْأَرْضِ خَطَّةً ثُمَّ رَأَیْتُ كَأَنَّ هَذِهِ النَّخِیلَ قَدْ ضَرَبَتْ بِأَغْصَانِهَا الْأَرْضَ یَضْطَرِبُ بِدَمٍ عَبِیطٍ وَ كَأَنِّی بِالْحُسَیْنِ فَرْخِی وَ مُضْغَتِی وَ مُخِّی قَدْ غَرِقَ فِیهِ یَسْتَغِیثُ فَلَا یُغَاثُ وَ كَأَنَّ الرِّجَالَ الْبِیضَ قَدْ نَزَلُوا مِنَ السَّمَاءِ یُنَادُونَهُ وَ یَقُولُونَ صَبْراً آلَ الرَّسُولِ فَإِنَّكُمْ تُقْتَلُونَ عَلَی أَیْدِی شِرَارِ النَّاسِ وَ هَذِهِ الْجَنَّةُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِلَیْكَ مُشْتَاقَةٌ ثُمَّ یُعَزُّونَنِی (1)

وَ یَقُولُونَ یَا أَبَا الْحَسَنِ أَبْشِرْ فَقَدْ أَقَرَّ اللَّهُ (2)

عَیْنَكَ بِهِ یَوْمَ یَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِینَ ثُمَّ انْتَبَهْتُ هَكَذَا وَ الَّذِی نَفْسُ عَلِیٍّ بِیَدِهِ لَقَدْ نَبَّأَنِیَ الصَّادِقُ الْمُصَدَّقُ أَبُو الْقَاسِمِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنِّی سَأَرَاهَا فِی خُرُوجِی إِلَی أَهْلِ الْبَغْیِ عَلَیْنَا وَ هَذِهِ أَرْضُ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ یُدْفَنُ فِیهَا الْحُسَیْنُ وَ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ وُلْدِی وَ وُلْدِ فَاطِمَةَ(3)

وَ الْحَدِیثُ مُخْتَصَرٌ.

«27»- الْمَكَارِمُ، رُوِیَ أَنَّ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ علیه السلام قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو اللَّهَ سَنَةً عَقِیبَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ یُعَلِّمَنِیَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فَإِنِّی (4)

ذَاتَ یَوْمٍ قَدْ صَلَّیْتُ الْفَجْرَ فَغَلَبَتْنِی عَیْنَایَ وَ أَنَا قَاعِدٌ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ قَائِمٍ بَیْنَ یَدَیَّ یَقُولُ لِی سَأَلْتَ اللَّهَ تَعَالَی أَنْ یُعَلِّمَكَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ قال (5)

[قُلْتُ] نَعَمْ قَالَ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ اللَّهِ اللَّهِ اللَّهِ اللَّهِ (6) الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا دَعَوْتُ بِهَا لِشَیْ ءٍ إِلَّا رَأَیْتُ نُجْحَهُ (7).

ص: 170


1- 1. یعزونی( خ).
2- 2. فی الأمالی: اقر اللّٰه به عینك یوم القیامة.
3- 3. الأمالی: 356.
4- 4. فی المصدر: فبینا أنا ذات.
5- 5. فی المصدر« قلت» و هو الصواب.
6- 6. فی المصدر تكرر لفظة الجلالة خمس مرّات.
7- 7. مكارم الأخلاق: 408.

أقول: قد مر رؤیا عبد المطلب فی بشارة النبی صلی اللّٰه علیه و آله أنه رأی أن شجرة قد نبتت علی ظهره قد نال رأسها السماء و ضربت بأغصانها الشرق و الغرب و أن نورا یزهر منها أعظم من نور الشمس و أن العرب و العجم ساجدة لها و هی كل یوم تزداد عظما و نورا و أن رهطا من قریش یریدون قطعها فإذا دنوا منها یأخذهم شاب من أحسن الناس وجها و یكسر ظهورهم و یقلع أعینهم فقالت الكاهنة لئن صدقت لیخرجن من صلبك ولد یملك الشرق و الغرب و ینبأ فی الناس و قد مر أیضا رؤیاه فی حفر زمزم و السیوف

و هی طویلة و قد مرت منامات آمنة فی ولادة النبی صلی اللّٰه علیه و آله و مضی رؤیا العباس فی بشارة النبی صلی اللّٰه علیه و آله أنه رأی أنه خرج من منخر عبد اللّٰه بن عبد المطلب طائر أبیض فطار و بلغ المشرق و المغرب ثم رجع حتی سقط علی بیت الكعبة فسجدت له قریش كلها فصار نورا بین السماء و الأرض و امتد حتی بلغ المشرق و المغرب فقالت كاهنة بنی مخزوم یا عباس لئن صدقت رؤیاك لیخرجن من صلبه ولد یصیر أهل المشرق و المغرب تبعا له و تقدم فی غزوة بدر أن عاتكة بنت عبد المطلب رأت أن راكبا قد دخل مكة ینادی ثلاث مرات یا آل عدی یا آل فهر اغدوا إلی مصارعكم فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قریش إلا أصابته منه فلذة و كان وادی مكة قد صار من أسفله دما فوافی زمزم بعد ثلاث و نادی فیهم أدركوا العیر فكانت غزوة بدر

وَ مَرَّ: فِی وِلَادَةِ الْحُسَیْنِ علیه السلام أَنَّ أُمَّ أَیْمَنَ قَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَیْتُ فِی لَیْلَتِی هَذِهِ كَأَنَّ بَعْضَ أَعْضَائِكَ مُلْقًی فِی بَیْتِی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَلِدُ فَاطِمَةُ الْحُسَیْنَ فَتُرَبِّینَهُ وَ تَلُفِّینَهُ فَیَكُونُ بَعْضُ أَعْضَائِی فِی بَیْتِكَ.

و تقدم أیضا أن امرأة حنظلة بن أبی عامر الراهب رأت فی المنام كأن السماء انفرجت فوقع فیها حنظلة ثم انضمت فذهب حنظلة إلی أحد فاستشهد و تقدم أیضا منامات غریبة من بخت نصر منها أنه رأی فی المنام كأن ملائكة السماء هبطت إلی الأرض أفواجا إلی الجب الذی حبس فیه دانیال علیه السلام مسلمین علیه یبشرونه بالفرج فندم علی ما فعل و أخرجه من الجب و منها أنه رأی فی نومه كأن رأسه من حدید و رجلیه من نحاس و صدره من ذهب فعبرها دانیال بأنه یذهب ملكه و یقتل بعد ثلاث

ص: 171

یقتله رجل من ولد فارس فكان كذلك و رأی المؤبدان فی ولادة النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی المنام إبلا صعابا یقود خیلا عرابا.

«28»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ فِی بَنِی إِسْرَائِیلَ رَجُلٌ فَدَعَا اللَّهَ أَنْ یَرْزُقَهُ غُلَاماً ثَلَاثَ سِنِینَ فَلَمَّا رَأَی أَنَّ اللَّهَ لَا یُجِیبُهُ قَالَ یَا رَبِّ أَ بَعِیدٌ أَنَا مِنْكَ فَلَا تَسْمَعُنِی أَمْ قَرِیبٌ أَنْتَ مِنِّی فَلَا تُجِیبُنِی قَالَ فَأَتَاهُ آتٍ فِی مَنَامِهِ فَقَالَ إِنَّكَ تَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِینَ بِلِسَانٍ بَذِیٍّ وَ قَلْبٍ عَاتٍ غَیْرِ تَقِیٍّ وَ نِیَّةٍ غَیْرِ صَادِقَةٍ فَأَقْلِعْ عَنْ بَذَائِكَ وَ لْیَتَّقِ اللَّهَ قَلْبُكَ وَ لْتَحْسُنْ نِیَّتُكَ قَالَ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَوُلِدَ لَهُ الْغُلَامُ (1).

«29»- مَجَالِسُ الشَّیْخِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِیَّةَ قَالَ: كَانَ أَبِی یَنَالُ مِنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام فَأُتِیَ فِی الْمَنَامِ فَقِیلَ لَهُ أَنْتَ السَّابُّ عَلِیّاً فَحَنِقَ حَتَّی أَحْدَثَ فِی فِرَاشِهِ ثَلَاثاً.

«30»- قِصَصُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ طِرْبَالٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا أَمَرَ الْمَلِكُ بِحَبْسِ یُوسُفَ علیه السلام فِی السِّجْنِ أَلْهَمَهُ اللَّهُ تَأْوِیلَ الرُّؤْیَا فَكَانَ یُعَبِّرُ لِأَهْلِ السِّجْنِ رُؤْیَاهُمْ.

«31»- مَجَالِسُ ابْنِ الشَّیْخِ، عَنْ وَالِدِهِ عَنِ ابْنِ مَخْلَدٍ عَنْ أَبِی عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ قَبِیصَةَ عَنْ سُفْیَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِیرِینَ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكْذِبْ رُؤْیَا الْمُؤْمِنِ وَ أَصْدَقُهُمْ رُؤْیَا أَصْدَقُهُمْ حَدِیثاً.

بیان: هذه الروایة رواها من طرق المخالفین قال فی النهایة فیه إذا تقارب الزمان و فی روایة اقترب الزمان لم تكد رؤیا المؤمن تكذب أراد اقتراب الساعة و قیل اعتدال اللیل و النهار و تكون الرؤیا فیه صحیحة لاعتدال الزمان و اقترب افتعل من القرب و تقارب تفاعل منه و یقال للشی ء إذا ولی و أدبر تقارب و منه حدیث المهدی یتقارب الزمان حتی تكون السنة كالشهر انتهی.

ص: 172


1- 1. الكافی: ج 2، ص 324.

و قال الخطابی فی أعلام الحدیث قوله إذا اقترب الزمان فیه قولان أحدهما أن یكون معناه تقارب زمان اللیل و النهار وقت استوائهما أیام الربیع و ذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالبا و كذلك هو فی الخریف و المعبرون یقولون أصدق الرؤیا ما كان وقت اعتدال اللیل و النهار و إدراك الثمار و ینعها و الوجه الآخر أن اقتراب الزمان انتهاء مدة إذا دنا قیام الساعة.

و أصدقهم رؤیا قال النووی فی شرح الصحیح ظاهره الإطلاق و قید القاضی بآخر الزمان عند انقطاع العلم بموت العلماء و الصالحین فجعله اللّٰه جابرا و منبها لهم و الأول أظهر لأن غیر الصادق فی حدیثه یتطرق الخلل إلی رؤیاه و حكایته إیاها.

«32»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام یَقُولُ: رُبَّمَا رَأَیْتُ الرُّؤْیَا فَأُعَبِّرُهَا وَ الرُّؤْیَا عَلَی مَا تُعَبَّرُ(1).

بیان: قال فی النهایة فیه الرؤیا لأول عابر یقال عبرت الرؤیا أعبرها عبرا و عبرتها تعبیرا إذا أولتها و فسرتها و خبرت بآخر ما یئول إلیه أمرها یقال هو عابر الرؤیا و عابر للرؤیا و هذه اللام تسمی لام التعقیب لأنها عقبت الإضافة و العابر الناظر فی الشی ء و المعبر المستدل بالشی ء علی الشی ء و منه الحدیث للرؤیا كنی و أسماء فكنوها بكناها و اعتبروها بأسمائها و منه حدیث ابن سیرین كان یقول إنی أعتبر الحدیث المعنی فیه أنه یعبر الرؤیا علی الحدیث و یعتبر به كما یعتبرها بالقرآن فی تأویلها مثل أن یعبر الغراب بالرجل الفاسق و الضلع بالمرأة لأن النبی صلی اللّٰه علیه و آله سمی الغراب فاسقا و جعل المرأة كالضلع و نحو ذلك من الكنی و الأسماء انتهی قوله علیه السلام علی ما تعبر أی تقع موافقة لما عبرت به.

«33»- الْكَافِی، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ وَ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَقُولُ: إِنَّ رُؤْیَا الْمُؤْمِنِ تُرَفُّ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ

ص: 173


1- 1. روضة الكافی: 335.

عَلَی رَأْسِ صَاحِبِهَا حَتَّی یُعَبِّرَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ یُعَبِّرَهَا لَهُ مِثْلُهُ فَإِذَا عُبِّرَتْ لَزِمَتِ الْأَرْضَ فَلَا تَقُصُّوا رُؤْیَاكُمْ إِلَّا عَلَی مَنْ یَعْقِلُ (1).

بیان: فی القاموس رف الطائر أی بسط جناحیه كرفرف و الرفرفة تحریك الظلیم جناحیه حول الشی ء یرید أن یقع علیه انتهی و فی تشبیه الرؤیا بالطیر و إثبات الرفرفة و ترشیحه بالقص الذی هو قطع الجناح و بلزوم الأرض لطائف لا تخفی و فی النهایة فی حدیث الرؤیا لا تقصها إلا علی واد یقال قصصت الرؤیا علی فلان إذا أخبرته بها أقصها قصا و القص البیان.

«34»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الرُّؤْیَا لَا تُقَصُّ إِلَّا عَلَی مُؤْمِنٍ خَلَا مِنَ الْحَسَدِ وَ الْبَغْیِ (2).

بیان: إنما اشترط علیه السلام ذلك لئلا یتعمد المعبر تعبیرها بالسوء حسدا و بغیا أقول

رَوَی الْبَغَوِیُّ فِی شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَی النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله رَجُلٌ وَ هُوَ یَخْطُبُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَیْتُ فِیمَا یَرَی النَّائِمُ الْبَارِحَةَ كَأَنَّ عُنُقِی ضُرِبَتْ فَسَقَطَ رَأْسِی فَاتَّبَعْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَعَدْتُهُ مَكَانَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا لَعِبَ الشَّیْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِی مَنَامِهِ فَلَا یُحَدِّثَنَّ بِهِ النَّاسَ.

و عَنْ أَبِی سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أَرَی الرُّؤْیَا فَیُهِمُّنِی حَتَّی سَمِعْتُ أَبِی قَتَادَةَ یَقُولُ كُنْتُ أَرَی الرُّؤْیَا فَیُمْرِضُنِی حَتَّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ الرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا رَأَی أَحَدُكُمْ مَا یُحِبُّ فَلَا یُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ یُحِبُّ وَ إِذَا رَأَی مَا یَكْرَهُ فَلَا یُحَدِّثْ بِهِ وَ لْیَنْقُلْ (3) عَنْ یَسَارِهِ وَ لْیَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ وَ مِنْ شَرِّ مَا رَأَی فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ.

ثم قال فیه إرشاد للمستعبر لموضع رؤیاه فإن رأی ما یكره لا یحدث به حتی لا یستقبله فی تعبیرها ما یزداد به هما فإن رأی ما یحبه فلا یحدث به إلا من یحبه لأنه لا یأمن ممن لا یحبه أن یعبره حسدا علی غیر وجهه فیغمه أو یكیده بأمر كما أخبر اللّٰه تعالی عن یعقوب حین قص علیه یوسف رؤیاه

ص: 174


1- 1. الروضة: 336.
2- 2. الروضة: 336.
3- 3. و لیتفل ظ.

لا تَقْصُصْ رُؤْیاكَ عَلی إِخْوَتِكَ فَیَكِیدُوا لَكَ كَیْداً

وَ رُوِیَ عَنْ أَبِی رَزِینٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الرُّؤْیَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ وَ هِیَ عَلَی رِجْلِ طَائِرٍ فَإِذَا حَدَّثْتَ بِهَا وَقَعَتْ وَ أَحْسَبُهُ قَالَ لَا تُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا حَبِیباً أَوْ لَبِیباً.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: الرُّؤْیَا عَلَی رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ یُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ قَالَ وَ أَحْسَبُهُ قَالَ وَ لَا تَقُصَّهَا إِلَّا عَلَی وَادٍّ أَوْ ذِی رَأْیٍ.

الواد لا یحب أن یستقبلك فی تفسیرها إلا بما تحب و إن لم یكن عالما بالعبارة لم یعجل لك بما یغمك و أما ذو الرأی فمعناه ذو العلم بعبارتها فهو یخبرك بحقیقة تفسیرها أو بأقرب مما تعلم منها و لعله أن یكون فی تفسیرها موعظة یردعك عن قبیح ما أنت علیه أو یكون فیها بشری فتشكر اللّٰه علیها قال و روی أبو أیوب مرسلا أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال إن الرؤیا یقع علی ما عبر و مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ینتظر متی یضعها و إذا رأی أحدكم رؤیا فلا یحدث بها إلا ناصحا أو عالما انتهی.

و قال فی النهایة فیه الرؤیا لأول عابر و هی علی رجل طائر لأول عابر أی إذا عبرها بر صادق عالم بأصولها و فروعها و اجتهد فیها وقعت له دون غیره ممن فسرها بعده و هی علی رجل طائر أی أنها علی رجل قدر جار و قضاء ماض من خیر أو شر و إن ذلك هو الذی قسمه اللّٰه تعالی لصاحبها من قولهم اقتسموا دارا فطار سهم فلان فی ناحیتها أی وقع سهمه و خرج و كل حركة من كلمة أو شی ء یجری لك فهو طائر و المراد أن الرؤیا هی التی یعبرها المعبر الأول فكأنها كانت علی رجل طائر فسقطت و وقعت حیث عبرت كما یسقط الذی یكون علی رجل الطائر بأدنی حركة.

«35»- غَوَالِی اللَّئَالِی، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: بَیْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذَا أُتِیتُ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّی إِنِّی لَأَرَی الرِّیَّ یَخْرُجُ مِنْ بَیْنِ أَظَافِیرِی قَالُوا بِمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعِلْمِ.

بیان: قال فی فتح الباری و فی روایة من أطرافی و یحتمل أن یكون بصر به و هو الظاهر و أن یكون علمه و یؤید الأول ما فی روایة أخری فشربت منه حتی

ص: 175

رأیته یجری فی عروقی بین الجلد و اللحم علی أنه محتمل أیضا و قال فی حدیث أبی هریرة اللبن فی المنام فطرة و فی روایة أبی بكرة من رأی أنه یشرب لبنا فهو الفطرة و فی حدیث الإسراء حین أتی بقدح خمر و قدح لبن فأخذ اللبن فقال له جبرئیل أخذت الفطرة و قال إن من الرؤیا ما یدل علی الماضی و الحال و المستقبل و هذه أولت علی الماضی فإن رؤیاه هذه تمثیل بأمر قد وقع لأن الذی أعطیه من العلم كان قد حصل له قال و ذكر الدینوری أن اللبن المذكور فیها یختص بالإبل و أنه لشاربه مال حلال و علم و حكمة قال و لبن البقر خصب السنة و مال حلال و فطرة و لبن السباع غیر محمود إلا أن لبن اللبؤة(1)

مال مع عداوة لذی أمر.

«36»- جَامِعُ الْأَخْبَارِ، فِی كِتَابِ التَّعْبِیرِ عَنِ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام: أَنَّ رُؤْیَا الْمُؤْمِنِ صَحِیحَةٌ لِأَنَّ نَفْسَهُ طَیِّبَةٌ وَ یَقِینَهُ صَحِیحٌ وَ تَخْرُجُ فَتَتَلَقَّی مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَهِیَ وَحْیٌ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْجَبَّارِ وَ قَالَ علیه السلام انْقَطَعَ الْوَحْیُ وَ بَقِیَ الْمُبَشِّرَاتُ أَلَا وَ هِیَ نَوْمُ الصَّالِحِینَ وَ الصَّالِحَاتِ وَ لَقَدْ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ جَدِّی عَنْ أَبِیهِ علیه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ مَنْ رَآنِی فِی مَنَامِهِ فَقَدْ رَآنِی فَإِنَّ الشَّیْطَانَ لَا یَتَمَثَّلُ فِی صُورَتِی وَ لَا فِی صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْصِیَائِی وَ لَا فِی صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ شِیعَتِهِمْ وَ إِنَّ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ.

«37»- كَمَالُ الدِّینِ، یُرْوَی فِی الْأَخْبَارِ الصَّحِیحَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا علیهم السلام: أَنَّ مَنْ رَأَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَوْ أَحَداً مِنَ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام(2) قَدْ دَخَلَ مَدِینَةً أَوْ قَرْیَةً فِی مَنَامِهِ فَإِنَّهُ أَمْنٌ لِأَهْلِ الْمَدِینَةِ أَوِ الْقَرْیَةِ مِمَّا یَخَافُونَ وَ یَحْذَرُونَ وَ بُلُوغٌ لِمَا یَأْمُلُونَ وَ یَرْجُونَ.

«38»- الْفَقِیهُ، قَالَ: أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِیَةِ لَهُ جِسْمٌ وَ جَمَالٌ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ كانُوا یَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ(3) فَقَالَ أَمَّا قَوْلُهُ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا فَهِیَ

ص: 176


1- 1. اللبؤة: انثی الأسد.
2- 2. صلوات اللّٰه علیهم( خ).
3- 3. یونس: 63- 64.

الرُّؤْیَا الْحَسَنَةُ یَرَاهَا الْمُؤْمِنُ فَیُبَشَّرُ بِهَا فِی دُنْیَاهُ وَ أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ فِی الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا بِشَارَةُ الْمُؤْمِنِ (1) عِنْدَ الْمَوْتِ یُبَشَّرُ بِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ وَ لِمَنْ یَحْمِلُكَ إِلَی قَبْرِكَ (2).

«39»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا(3)

أَصْبَحَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ مِنْ مُبَشِّرَاتٍ یَعْنِی بِهِ الرُّؤْیَا(4).

بیان: روت العامة أیضا هذه الروایة بإسنادهم عن أبی هریرة قال سمعت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقول لم یبق من النبوة إلا المبشرات قالوا و ما المبشرات قال الرؤیا الصالحة.

«40»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: رَأْیُ الْمُؤْمِنِ وَ رُؤْیَاهُ فِی آخِرِ الزَّمَانِ عَلَی سَبْعِینَ جُزْءاً مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ(5).

بیان: لما غیب اللّٰه تعالی فی آخر الزمان عن الناس حجتهم تفضل علیهم و أعطاهم رأیا فی استنباط الأحكام الشرعیة مما وصل إلیهم من أئمتهم علیهم السلام و لما حجب عنهم الوحی و خزانه أعطاهم الرؤیا الصادقة أزید مما كان لغیرهم لیظهر علیهم بعض الحوادث قبل حدوثها و قیل إنما یكون هذا فی زمان القائم علیه السلام علی سبعین جزءا لعل المراد أن للنبوة أجزاء كثیرة سبعون منها من قبل الرأی أی الاستنباط الیقینی لا الاجتهاد و التظنی و الرؤیا الصادقة فهذا المعنی الحاصل لأهل آخر الزمان علی نحو تلك السبعین

و مشابه لها و إن كان فی النبی أقوی و یحتمل أن یكون المعنی علی نحو بعض أجزاء السبعین كما ورد أن الرؤیا الصادقة جزء من سبعین

ص: 177


1- 1. فی المصدر: للمؤمن.
2- 2. الفقیه: 32.
3- 3. فی المصدر: كان إذا ....
4- 4. روضة الكافی: 90.
5- 5. روضة الكافی: 90.

جزءا من النبوة و قد روت العامة بأسانید

عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: الرُّؤْیَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ.

قال البغوی فی شرح السنة أراد تحقیق أمر الرؤیا و تأكیده و إنما كانت جزءا من النبوة فی حق الأنبیاء دون غیرهم قال عبید بن عمیر رؤیا الأنبیاء وحی و قرأ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ الآیة و قیل إنها جزء من أجزاء علم النبوة و علم النبوة باق و النبوة غیر باقیة أو أراد به أنها كالنبوة فی الحكم بالصحة كما قال صلی اللّٰه علیه و آله الهدی الصالح و السمت الصالح و الاقتصاد جزء من خمسة و عشرین جزءا من النبوة أی هذه الخصال فی الحسن و الاستحباب كجزء من أجزاء النبوة و هذه الخلال جزء من شمائل الأنبیاء و جزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا فیها بهم لا أنها حقیقة نبوة لأن النبوة لا تتجزی و لا نبوة بعد محمد صلی اللّٰه علیه و آله و هو معنی قوله علیه السلام ذهبت النبوة و بقیت المبشرات الرؤیا الصالحة یراها المسلم أو یری له و قیل معنی قوله جزء من ستة و أربعین أن مدة الوحی علی رسول اللّٰه من حین بدأ إلی أن فارق الدنیا كان ثلاثا و عشرین سنة و كان ستة أشهر منها فی أول الأمر یوحی إلیه فی النوم و هو نصف سنة فكانت مدة وحیه فی النوم جزء من ستة و أربعین جزءا من أیام الوحی انتهی.

و قال الجزری فی النهایة الجزء القطعة و النصیب من الشی ء و منه الحدیث الرؤیا الصالحة جزء من ستة و أربعین جزءا من النبوة و إنما خص هذا العدد لأن عمر النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی أكثر الروایات الصحیحة كان ثلاثا و ستین سنة و كانت مدة نبوته منها ثلاثا و عشرین سنة لأنه بعث عند استیفاء الأربعین و كان فی أول العمر یری الوحی فی المنام و دام كذلك نصف سنة ثم رأی الملك فی الیقظة فإذا نسب مدة الوحی فی النوم و هی نصف سنة إلی مدة نبوته و هی ثلاث و عشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة و عشرین جزءا و ذلك جزء واحد من ستة و أربعین جزءا و قد تعاضدت الروایات فی أحادیث الرؤیا بهذا العدد و جاء فی بعضها من خمسة و أربعین جزءا و وجه ذلك أن عمره لم یكن قد استكمل ثلاثا و ستین و مات فی أثناء السنة الثالثة و الستین و نسبة نصف السنة إلی اثنتین و عشرین سنة و بعض الأخری نسبة جزء من خمسة و أربعین و فی

ص: 178

بعض الروایات جزء من أربعین و یكون محمولا علی من روی أن عمره كان ستین سنة فیكون نسبة نصف سنة إلی عشرین سنة كنسبة جزء إلی أربعین انتهی.

و قال الخطابی فی أعلام الحدیث هذا و إن كان وجها قد یحتمله الحساب و العدد فإن أول ما یجب من الشرط فیه أن یثبت ما قاله من ذلك بخبر أو روایة و لم نسمع فیه خبرا و لا ذكر قائل هذه المقالة فی ما بلغنی عنه فی ذلك أثرا فهو كأنه ظن و حسبان و الظن لا یغنی من الحق شیئا و لئن كانت هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة علی ما ذهب إلیه من هذه القسمة لقد كان یجب أن یلحق بها سائر الأوقات التی كان یوحی إلیه فی منامه فی تضاعیف أیام حیاته و أن تلتقط و تلفق و تزداد فی أصل الحساب و إذا صرنا إلی أصل هذه القضیة بطلت هذه القسمة و سقط هذا الحساب من أصله و قد ثبت عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی عدة أحادیث من روایات كثیرة أنه كان یری الرؤیا المختلفة فی أمور الشریعة و مهمات أسباب الدین فیقصها علی أصحابه فكان یقول لهم إذا أصبح من رأی منكم رؤیا فیقصونها علیه و قال لهم یوم أحد رأیت فی سیفی ثلمة و رأیت كأنی مردف كبشا فتأولت ثلمة السیف أنه یصاب فی أصحابه و أنه یقتل كبش القوم ثم ذكر رؤیا كثیرة فقال و هذه كلها بعد الهجرة و أعلی هذه كلها ما نطق به الكتاب من رؤیا الفتح فی قوله جل و عز لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا بِالْحَقِ الآیة(1)

و قوله وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ الآیة(2) فدل ما ذكرناه من هذا و ما تركناه من هذا الباب علی ضعف هذا التأویل و نقول إن هذا الحدیث صحیح و جملة ما فیه حق و لیس كل ما یخفی علینا علته لا تلزمنا حجته و قد نری أعداد ركعات الصلوات و أیام الصیام و رمی الجمار محصورة فی حساب معلوم و لیس یمكننا أن نصل من علمها إلی أمر یوجب حصرها تحت هذه الأعداد دون ما هو أكثر منها أو أقل فلم یكن ذهابنا عن معرفة ذلك قادحا فی موجب الاعتقاد منا فی اللازم من أمرها و معنی الحدیث تحقیق أمر الرؤیا و أنها مما كان الأنبیاء یثبتونه و یحققونه و أنها كانت جزءا

ص: 179


1- 1. الفتح: 27.
2- 2. الإسراء: 60.

من أجزاء الذی كان یأتیهم و الأنباء التی كان ینزل بها الوحی علیهم انتهی.

و قال بعض شراح البخاری الرؤیا جزء من النبوة أی فی حق الأنبیاء فإنهم یوحی إلیهم فی المنام و قیل الرؤیا تأتی علی وفق النبوة لا أنها جزء باق منها و قیل هی من الأنباء أی أنباء صدق من اللّٰه لا كذب فیه و لا حرج فی الأخذ بظاهره فإن أجزاء النبوة لا تكون نبوة فلا ینافی حینئذ ذهبت (1)

النبوة ثم رؤیا الكافر قد یصدق لكن لا یكون جزءا منها إذ المراد الرؤیا الصالحة من المؤمن الصالح جزء منها.

و قال النووی فی شرح صحیح مسلم وجّه الطبری اختلاف الروایات فی عدد ما هو جزء منه باختلاف حال الرائی بالصلاح و الفسق و قیل باعتبار الخفی و الجلی من الرؤیا و قیل إن للمنامات شبها بما حصل له و میز به من النبوة بجزء من ستة و أربعین.

«41»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا قَالَ هِیَ الرُّؤْیَا الْحَسَنَةُ یَرَی الْمُؤْمِنُ فَیُبَشَّرُ بِهَا فِی دُنْیَاهُ (2).

بیان: روی فی شرح السنة بإسناده عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عن قوله تعالی لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا قال هی الرؤیا الصالحة یراها المؤمن أو یری له و لا تنافی بینه و بین ما ورد فی بعض الأخبار أنها هی البشارة عند الموت لاحتمال شمولها لهما.

«42»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِی خَلَفٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الرُّؤْیَا عَلَی ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ بِشَارَةٍ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ وَ تَحْذِیرٍ مِنَ الشَّیْطَانِ وَ أَضْغَاثِ أَحْلَامٍ (3).

ص: 180


1- 1. كذا.
2- 2. روضة الكافی: 90.
3- 3. روضة الكافی: 90.

بیان: لعل المراد بتحذیر الشیطان أنه یحذر و یخوف عن ارتكاب الأعمال الصالحة أو المراد به الأحلام الهائلة المخوفة و الظاهر أنه تصحیف تحزین لآیة النجوی و قوله لِیَحْزُنَ الَّذِینَ آمَنُوا و لروایة محمد بن الأشعث الآتیة

وَ لِمَا رَوَاهُ فِی شَرْحِ السُّنَّةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ لَمْ یَكَدْ رُؤْیَا الْمُؤْمِنِ یَكْذِبُ وَ أَصْدَقُهُمْ رُؤْیَا أَصْدَقُهُمْ حَدِیثاً وَ الرُّؤْیَا ثَلَاثَةٌ رُؤْیَا بُشْرَی مِنَ اللَّهِ وَ رُؤْیَا مِمَّا یُحَدِّثُ بِهِ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَ رُؤْیَا مِنْ تَحْزِینِ الشَّیْطَانِ فَإِذَا رَأَی أَحَدُكُمْ مَا یَكْرَهُ فَلَا یُحَدِّثْ بِهِ وَ لْیَقُمْ وَ لْیُصَلِّ وَ الْقَیْدُ فِی الْمَنَامِ ثَبَاتٌ فِی الدِّینِ وَ الْغُلُّ أَكْرَهُهُ.

ثم قال قوله و القید ثبات فی الدین لأن القید یمنع عن النهوض و التقلب و كذلك الورع یمنعه مما لا یوافق الدین و هذا إذا كان مقیدا فی مسجد أو سبیل الخیر و إن رآه مسافر فهو إقامة عن السفر و كذلك إذا رأی دابته مقیدة و إن رآه مریض أو محبوس طال مرضه و حبسه أو مكروب طال كربه و الغل كفر لقوله تعالی غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا إِنَّا جَعَلْنا فِی أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا(1) و قد یكون بخلا قال تعالی وَ لا تَجْعَلْ یَدَكَ مَغْلُولَةً إِلی عُنُقِكَ (2) و قد یكون كفّا عن المعاصی إذا كان فی الرؤیا ما یدل علی الصلاح بأن یری ذلك لرجل صالح.

«43»- مَجَالِسُ ابْنِ الشَّیْخِ، عَنْ وَالِدِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِیِ (3) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِیٍّ عَنِ الرِّضَا عَنْ عَلِیٍّ علیهم السلام قَالَ: رُؤْیَا الْأَنْبِیَاءِ وَحْیٌ.

«44»- وَ مِنْهُ، عَنْ وَالِدِهِ عَنْ أَبِی الْقَاسِمِ بْنِ شِبْلٍ عَنْ ظَفْرِ بْنِ حُمْدُونٍ عَنْ

ص: 181


1- 1. یس: 8.
2- 2. الإسراء: 29.
3- 3. فی بعض النسخ« الحسینی» و الظاهر ان الصواب ما أثبتناه موافقا لبعض النسخ المخطوطة، و هو علیّ بن محمّد الحسنی الخجندی نزیل الری، و لم نجد ذكرا من« الحسینی» فی كتب الرجال.

إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی وَ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ یَزِیدَ بْنِ إِسْحَاقَ شَعِرٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ مِنَّا لَمَنْ یُنْكَتُ فِی قَلْبِهِ وَ إِنَّ مِنَّا لَمَنْ یُؤْتَی فِی مَنَامِهِ وَ إِنَّ مِنَّا لَمَنْ یَسْمَعُ الصَّوْتَ مِثْلَ صَوْتِ السِّلْسِلَةِ فِی الطَّشْتِ (1) وَ إِنَّ مِنَّا لَمَنْ یَأْتِیهِ صُورَةٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِیلَ وَ مِیكَائِیلَ علیهما السلام.

«45»- الْمَكَارِمُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَثِیرَ الرُّؤْیَا وَ لَا یَرَی رُؤْیَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ.

«46»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْبَغْدَادِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَی عَنْ مُرَیْسَةَ بِنْتِ مُوسَی بْنِ یُونُسَ عَنْ صَفِیَّةَ بِنْتِ یُونُسَ عَنْ بَهْجَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ خَالِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام عَنْ مَقْتَلِ الْحُسَیْنِ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ أَبِیهِ وَ سَاقَ الْحَدِیثَ الطَّوِیلَ فِی قِصَّةِ كَرْبَلَاءَ وَ سَفَرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ إِلَی الْعِرَاقِ إِلَی أَنْ قَالَ فَهَمَّ بِالْخُرُوجِ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ إِلَی أَرْضِ الْعِرَاقِ فَلَمَّا أَقْبَلَ اللَّیْلُ رَاحَ إِلَی مَسْجِدِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله لِیُوَدِّعَ الْقَبْرَ فَقَامَ یُصَلِّی فَأَطَالَ فَنَعَسَ وَ هُوَ سَاجِدٌ فَجَاءَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ فِی مَنَامِهِ فَأَخَذَ الْحُسَیْنَ علیه السلام وَ ضَمَّهُ إِلَی صَدْرِهِ وَ جَعَلَ یُقَبِّلُ عَیْنَیْهِ وَ یَقُولُ بِأَبِی أَنْتَ كَأَنِّی أَرَاكَ مُرَمَّلًا بِدَمِكَ بَیْنَ عِصَابَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ یَرْجُونَ شَفَاعَتِی مَا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ یَا بُنَیَّ إِنَّكَ قَادِمٌ عَلَی أَبِیكَ وَ أُمِّكَ وَ أَخِیكَ وَ هُمْ مُشْتَاقُونَ إِلَیْكَ وَ إِنَّ لَكَ فِی الْجَنَّةِ دَرَجَاتٍ لَا تَنَالُهَا إِلَّا بِالشَّهَادَةِ فَانْتَبَهَ الْحُسَیْنُ علیه السلام مِنْ نَوْمِهِ بَاكِیاً فَأَتَی أَهْلَ بَیْتِهِ فَأَخْبَرَهُمْ بِالرُّؤْیَا وَ وَدَّعَهُمْ وَ سَاقَ إِلَی أَنْ قَالَ ثُمَّ سَارَ حَتَّی نَزَلَ الْعُذَیْبَ فَقَالَ فِیهَا قَائِلَةَ الظَّهِیرَةِ ثُمَّ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ بَاكِیاً فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ مَا یُبْكِیكَ یَا أَبَهْ فَقَالَ یَا بُنَیَّ إِنَّهَا سَاعَةٌ لَا تَكْذِبُ الرُّؤْیَا فِیهَا وَ إِنَّهُ عَرَضَ لِی فِی مَنَامِی عَارِضٌ فَقَالَ تُسْرِعُونَ السَّیْرَ وَ الْمَنَایَا تَسِیرُ بِكُمْ إِلَی الْجَنَّةِ الْحَدِیثَ.

«47»- ثَوَابُ الْأَعْمَالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ

ص: 182


1- 1. فی بعض النسخ« الطست» بالمهملة.

یَعْقُوبَ بْنِ یَزِیدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُثَنَّی عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَدَ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ثَلَاثَةٌ یُعَذَّبُونَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً مِنَ الْحَیَوَانِ حَتَّی یَنْفُخَ فِیهَا وَ لَیْسَ بِنَافِخٍ فِیهَا وَ الَّذِی یَكْذِبُ فِی مَنَامِهِ یُعَذَّبُ حَتَّی یَعْقِدَ بَیْنَ شَعِیرَتَیْنِ وَ لَیْسَ بِعَاقِدِهِمَا وَ الْمُسْتَمِعُ مِنْ قَوْمٍ وَ هُمْ لَهُ كَارِهُونَ یُصَبُّ فِی أُذُنَیْهِ الْآنُكُ وَ هُوَ الْأُسْرُبُّ.

«48»- الْكَافِی، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی نَصْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَجُلًا كَانَ عَلَی أَمْیَالٍ مِنَ الْمَدِینَةِ فَرَأَی فِی مَنَامِهِ فَقِیلَ لَهُ انْطَلِقْ فَصَلِّ عَلَی أَبِی جَعْفَرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ فِی الْبَقِیعِ فَجَاءَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام قَدْ تُوُفِّیَ (1).

«49»- تَوْحِیدُ الْمُفَضَّلِ،: فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی الْأَحْلَامِ كَیْفَ دَبَّرَ الْأَمْرَ فِیهَا فَمَزَجَ صَادِقَهَا بِكَاذِبِهَا فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا تَصْدُقُ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَنْبِیَاءَ وَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا تَكْذِبُ لَمْ یَكُنْ فِیهَا مَنْفَعَةٌ بَلْ كَانَتْ فَضْلًا لَا مَعْنَی لَهُ فَصَارَتْ تَصْدُقُ أَحْیَاناً فَیَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ فِی مَصْلَحَةٍ یَهْتَدِی لَهَا أَوْ مَضَرَّةٍ یَتَحَذَّرُ(2) مِنْهَا وَ تَكْذِبُ كَثِیراً لِئَلَّا یَعْتَمِدَ عَلَیْهَا كُلَّ الِاعْتِمَادِ.

«50»- مَنَاقِبُ الْخُوَارِزْمِیِّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ فِی اللَّیْلَةِ الَّتِی حُوصِرَ فِیهَا الْحُسَیْنُ علیه السلام خَفَقَ بِرَأْسِهِ خَفْقَةً ثُمَّ اسْتَیْقَظَ فَقَالَ رَأَیْتُ فِی مَنَامِی السَّاعَةَ كَأَنَّ كِلَاباً قَدْ شَدَّتْ عَلَیَّ لِتَنْهَشَنِی وَ فِیهَا كَلْبٌ أَبْقَعُ (3) رَأَیْتُهُ أَشَدَّهَا عَلَیَّ وَ أَظُنُّ أَنَّ الَّذِی یَتَوَلَّی قَتْلِی رَجُلٌ أَبْرَصُ مِنْ بَیْنِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْخَبَرَ.

«51»- دَعَوَاتُ الرَّاوَنْدِیِّ،: حَدَّثَ أَبُو عُمَرَ الْقَاضِی أَنَّ أَبَا یُوسُفَ اعْتَلَّ فَقَالَ لَیْلَةً رَأَیْتُ قَائِلًا یَقُولُ كُلْ لَا وَ اشْرَبْ لَا فَإِنَّكَ تَبْرَأُ فَأَرْسَلْنَا إِلَی أَبِی عَلِیٍّ الْخَیَّاطِ فَقَالَ مَا سَمِعْتُ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا وَ الْمَنَامَاتُ تُعَبَّرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَ الْحَدِیثِ فَأَنْظِرُونِی حَتَّی

ص: 183


1- 1. الروضة: 183.
2- 2. یتحرز( خ).
3- 3. أی فیه سواد و بیاض.

أُفَكِّرَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَنَا فَقَالَ مَرَرْتُ الْبَارِحَةَ عَلَی هَذِهِ الْآیَةِ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَیْتُونَةٍ لا شَرْقِیَّةٍ وَ لا غَرْبِیَّةٍ فَنَظَرْتُ إِلَی لَا یَتَرَدَّدُ فِیهَا وَ هِیَ شَجَرَةُ الزَّیْتُونِ اسْقُوهُ زَیْتاً وَ أَطْعِمُوهُ زَیْتاً قَالَ فَفَعَلْنَا هَذَا فَكَانَ سَبَبَ عَافِیَتِهِ.

«52»- وَ عَنْ سَمُرَةَ(1) بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِمَّا یُكْثِرُ أَنْ یَقُولَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ رَأَی مِنْكُمْ أَحَدٌ رُؤْیَا فَیَقُصُّ عَلَیْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ یَقُصَّ وَ إِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ إِنَّهُ أَتَانِی اللَّیْلَةَ آتِیَانِ فَقَالا لِیَ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ فَأَخْرَجَانِی إِلَی الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَأَتَیْنَا عَلَی رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَ إِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَیْهِ بِصَخْرَةٍ فَإِذَا هُوَ یَهْوِی بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَیُثْلَغُ (2) رَأْسُهُ فَیَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَاهُنَا فَیَتْبَعُ الْحَجَرَ فَیَأْخُذُهُ فَلَا یَرْجِعُ إِلَیْهِ حَتَّی یَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ یَعُودُ عَلَیْهِ فَیَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِی الْمَرَّةِ الْأُولَی قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالا لِی انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَیْنَا عَلَی رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَ إِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَیْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِیدٍ وَ إِذَا هُوَ یَأْتِی أَحَدَ شِقَّیْ

وَجْهِهِ فَیُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَی قَفَاهُ وَ مَنْخِرَهُ إِلَی قَفَاهُ وَ عَیْنَهُ إِلَی قَفَاهُ ثُمَّ یَتَحَوَّلُ إِلَی الْجَانِبِ الْآخَرِ فَیَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِی الْجَانِبِ الْأَوَّلِ فَمَا یَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّی یَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ یَعُودُ عَلَیْهِ فَیَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِی الْمَرَّةِ الْأُولَی قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالا لِی انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَیْنَا عَلَی مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِیهِ لَغَطٌ(3)

وَ أَصْوَاتٌ فَاطَّلَعْنَا فِیهِ فَإِذَا فِیهِ رِجَالٌ وَ نِسَاءٌ عُرَاةٌ فَإِذَا هُمْ یَأْتِیهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا-(4) قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ قَالا لِی انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَیْنَا عَلَی

ص: 184


1- 1. سمرة- بفتح السین المهملة و ضم المیم- ابن جندب بن هلال الفزاری صاحب القضیة المعروفة مع الأنصاریّ، كان والیا علی البصرة من قبل زیاد بن أبیه، فقتل فی أیّام امارته- و هی ستة أشهر- ثمانیة آلاف رجل من الشیعة، و عن ابن أبی الحدید انه عاش حتّی حضر مقتل الحسین علیه السلام و كان من شرطة ابن زیاد، و كان أیّام مسیر الحسین علیه السلام إلی العراق یحرض الناس علی الخروج إلی قتاله.
2- 2. أی یشدخ رأسه و یكسره.
3- 3. اللغط- بفتحتین-: أصوات مبهمة لا تفهم.
4- 4. أی أحدثوا ضوضاء، و هو أصوات الناس فی الحرب و الازدحام.

نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلَ الدَّمِ وَ إِذَا فِی النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ یَسْبَحُ وَ إِذَا عَلَی شَاطِئِ النَّهَرِ رَجُلٌ عِنْدَهُ حِجَارَةٌ كَثِیرَةٌ وَ إِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ یَسْبَحُ مَا یَسْبَحُ ثُمَّ یَأْتِی الَّذِی قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَیَفْغَرُ(1) لَهُ فَاهُ فَیُلْقِمُهُ حَجَراً فَیَنْطَلِقُ فَیَسْبَحُ ثُمَّ یَرْجِعُ إِلَیْهِ وَ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَیْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَراً قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ قَالا لِی انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَیْنَا عَلَی رَجُلٍ كَرِیهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَ إِذَا هُوَ عِنْدَهُ نَارٌ لَهُ یَحُشُّهَا وَ یَسْعَی حَوْلَهَا قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا فَقَالا لِی انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَیْنَا عَلَی رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِیهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِیعِ وَ إِذَا بَیْنَ ظَهْرَیِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِیلٌ لَا أَكَادُ أَرَی رَأْسَهُ طُولًا فِی السَّمَاءِ وَ إِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ مَا رَأَیْتُهُمْ قَطُّ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ قَالا لِی انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَیْنَا إِلَی رَوْضَةٍ عَظِیمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَ لَا أَحْسَنَ قَالا لِیَ ارْقَ فِیهَا فَارْتَقَیْنَا فِیهَا فَانْتَهَیْنَا إِلَی مَدِینَةٍ مَبْنِیَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَ لَبِنِ فِضَّةٍ فَأَتَیْنَا بَابَ الْمَدِینَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِیهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَ شَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالا لَهُمُ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِی ذَلِكَ النَّهَرِ فَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ یَجْرِی كَانَ مَاءُهُ الْمَحْضَ فِی الْبَیَاضِ فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِیهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَیْنَا فَذَهَبَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِی أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالا لِی هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَ هُنَاكَ مَنْزِلُكَ فَسَمَا بَصَرِی صُعُداً فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَیْضَاءِ قَالا لِی هَذَا مَنْزِلُكَ قُلْتُ لَهُمَا بَارَكَ اللَّهُ فِیكُمَا ذَرَانِی أَدْخُلْهُ قَالا أَمَّا الْآنَ فَلَا وَ أَنْتَ دَاخِلُهُ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّی رَأَیْتُ مُنْذُ اللَّیْلَةِ عَجَباً فَمَا هَذَا الَّذِی رَأَیْتُ قَالا لِی أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِی أَتَیْتَ عَلَیْهِ فَیُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ یَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَیَرْفُضُهُ وَ یَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ یُفْعَلُ بِهِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِی أَتَیْتَ عَلَیْهِ یُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَی قَفَاهُ وَ مَنْخِرَهُ إِلَی قَفَاهُ وَ عَیْنَهُ إِلَی قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ یَغْدُو مِنْ بَیْتِهِ فَیَكْذِبُ الْكَذِبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ فَیُصْنَعُ بِهِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ أَمَّا الرِّجَالُ وَ النِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِینَ فِی مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَ الزَّوَانِی وَ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِی أَتَیْتَ عَلَیْهِ یَسْبَحُ فِی النَّهَرِ وَ یُلْقَمُ الْحِجَارَةَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا وَ أَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِیهُ الْمَرْآةِ الَّذِی عِنْدَهُ النَّارُ یَحُشُّهَا

ص: 185


1- 1. فغرفاه: فتحه.

فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وَ أَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِیلُ الَّذِی فِی الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِیمُ علیه السلام وَ أَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِینَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَی الْفِطْرَةِ وَ أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِینَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَ شَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِیحٌ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَیِّئاً تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ أَنَا جَبْرَئِیلُ وَ هَذَا مِیكَائِیلُ.

تبیین: أقول هذه الروایة رواها الخطابی فی كتاب أعلام الدین و زاد بعد قوله مات علی الفطرة قال فقال بعض المسلمین یا رسول اللّٰه و أولاد المشركین فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أولاد المشركین و قال الجزری فی النهایة الثلغ الشدخ و هو ضربك الشی ء الرطب بالشی ء الیابس حتی یتشدخ و منه حدیث الرؤیا و إذا هو یهوی بالصخرة فیثلغ بها رأسه و قال فی حدیث الرؤیا فیتدهدی الحجر فیتبعه فیأخذه أی یتدحرج یقال دهدیت الحجر و دهدهته و قال الكلوب بالتشدید حدیدة معوجة الرأس و قال فیشرشر شدقه أی یشقه و یقطعه و الشدق طرف الفم و قال اللغط صوت و ضجة لا یفهم معناه و قال ضوضوا أی ضجوا و استغاثوا و الضوضاة أصوات الناس و غلبتهم (1)

و هی مصدر و قال فیفغر فاه أی یفتحه و قال كریه المرآة أی قبیح المنظر یقال رجل حسن المنظر و المرآة و حسن فی مرآة العین و هی مفعلة من الرؤیة و قال یحشها أی یوقدها یقال حششت النار أحشها إذا ألهبتها و أضرمتها و قال علی روضة معتمة أی وافیة النبات طویلة انتهی.

و قال الخطابی یعنی كافیة النبات و العمیم الطویل من النبات كقول الأعشی

مؤزر بعمیم النبت مكتهل

و یقال جاریة عمیمة أی طویلة القد و فی النهایة المحض فی اللغة اللبن الخالص غیر مشوب بشی ء و قال الربابة بالفتح السحابة التی ركب بعضها بعضا و قال الخطابی و أما قوله صلی اللّٰه علیه و آله و أولاد المشركین فظاهره أنه ألحقهم بأولاد المسلمین فی حكم الآخرة و إن كان قد حكم بحكم آبائهم فی الدنیا و ذلك أنه سئل عن ذراری المشركین فقال هم من آبائهم و للناس فیهم اختلاف

ص: 186


1- 1. كذا فی نسخ الكتاب، و الصواب« جلبتهم»، و الجلبة: الضجة و اختلاط أصوات الناس.

و عامة أهل السنة علی أن حكمهم حكم آبائهم فی الكفر و قد ذهبت طائفة منهم إلی أنهم فی الآخرة من أهل الجنة و قد رویت آثار عن نفر من الصحابة و احتجوا لهذه المقالة

بِحَدِیثِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: كُلُّ مَوْلُودٍ یُولَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ یُهَوِّدَانِهِ وَ یُنَصِّرَانِهِ وَ یُمَجِّسَانِهِ.

و احتجوا بقول اللّٰه عز و جل وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَیِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (1) و احتجوا بقول اللّٰه عز و جل یَطُوفُ عَلَیْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (2) قال بعض أهل التفسیر إنهم أطفال الكفار و احتجوا لذلك بأن اسم الولدان یشتق من الولادة و لا ولادة فی الجنة فكانوا هم الذین نالتهم الولادة فی الدنیا و روی عن بعضهم أنهم إن كانوا سبیا و خدما للمسلمین فی الدنیا فهم كذلك خدم لهم فی الجنة.

«53»- تَفْسِیرُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ،: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآیَةِ أَنَّ فَاطِمَةَ علیها السلام رَأَتْ فِی مَنَامِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَمَّ أَنْ یَخْرُجَ هُوَ وَ فَاطِمَةُ وَ عَلِیٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ علیهم السلام مِنَ الْمَدِینَةِ فَخَرَجُوا حَتَّی جَاوَزُوا مِنْ حِیطَانِ الْمَدِینَةِ فَتَعَرَّضَ لَهُمْ طَرِیقَانِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَاتَ الْیَمِینِ حَتَّی انْتَهَی بِهِمْ إِلَی مَوْضِعٍ فِیهِ نَخْلٌ وَ مَاءٌ فَاشْتَرَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شَاةً كَبْرَاءَ وَ هِیَ الَّتِی فِی إِحْدَی أُذُنَیْهَا نُقَطٌ بِیضٌ فَأَمَرَ بِذَبْحِهَا فَلَمَّا أَكَلُوا مَاتُوا فِی مَكَانِهِمْ فَانْتَبَهَتْ فَاطِمَةُ بَاكِیَةً ذَعِرَةً فَلَمْ تُخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِحِمَارٍ فَأَرْكَبَ عَلَیْهِ فَاطِمَةَ علیها السلام وَ أَمَرَ أَنْ یَخْرُجَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ علیه السلام مِنَ الْمَدِینَةِ كَمَا رَأَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام فِی نَوْمِهَا فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ حِیطَانِ الْمَدِینَةِ عَرَضَ لَهُ (3) طَرِیقَانِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ الْیَمِینِ كَمَا رَأَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی مَوْضِعٍ فِیهِ نَخْلٌ وَ مَاءٌ فَاشْتَرَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شَاةً كَبْرَاءَ كَمَا رَأَتْ فَاطِمَةُ فَأَمَرَ بِذَبْحِهَا فَذُبِحَتْ وَ شُوِیَتْ فَلَمَّا أَرَادُوا أَكْلَهَا قَامَتْ فَاطِمَةُ وَ تَنَحَّتْ نَاحِیَةً مِنْهُمْ تَبْكِی مَخَافَةَ أَنْ یَمُوتُوا فَطَلَبَهَا

ص: 187


1- 1. التكویر: 9- 10.
2- 2. الواقعة: 17.
3- 3. فی المصدر: لهم.

رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی وَقَعَ (1)

عَلَیْهَا وَ هِیَ تَبْكِی فَقَالَ مَا شَأْنُكِ یَا بُنَیَّةِ قَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی رَأَیْتُ كَذَا وَ كَذَا فِی نَوْمِی وَ قَدْ فَعَلْتَ أَنْتَ كَمَا(2) رَأَیْتُهُ فَتَنَحَّیْتُ عَنْكُمْ فَلَا أَرَاكُمْ (3) تَمُوتُونَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَصَلَّی رَكْعَتَیْنِ ثُمَّ نَاجَی رَبَّهُ فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ هَذَا شَیْطَانٌ یقول (4)

[یُقَالُ] لَهُ الدِّهَارُ(5) وَ هُوَ الَّذِی أَرَی فَاطِمَةَ هَذِهِ الرُّؤْیَا وَ یُؤْذِی الْمُؤْمِنِینَ فِی نَوْمِهِمْ مَا یَغْتَمُّونَ بِهِ فَأَمَرَ جَبْرَئِیلُ فَجَاءَ بِهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ أَنْتَ أَرَیْتَ فَاطِمَةَ هَذِهِ الرُّؤْیَا فَقَالَ نَعَمْ یَا مُحَمَّدُ فَبَزَقَ (6) عَلَیْهِ ثَلَاثَ بَزَقَاتٍ فَشَجَّهُ فِی ثَلَاثِ مَوَاضِعَ ثُمَّ قَالَ جَبْرَئِیلُ لِمُحَمَّدٍ قُلْ یَا مُحَمَّدُ إِذَا رَأَیْتَ فِی مَنَامِكَ شَیْئاً تَكْرَهُهُ أَوْ رَأَی أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَلْیَقُلْ

أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ وَ أَنْبِیَاؤُهُ (7)

الْمُرْسَلُونَ وَ عِبَادُهُ الصَّالِحُونَ مِنْ شَرِّ مَا رَأَیْتُ وَ مِنْ (8)

رُؤْیَایَ وَ تَقْرَأُ الْحَمْدَ وَ الْمُعَوِّذَتَیْنِ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ تَتْفُلُ عَنْ یَسَارِكِ ثَلَاثَ تَفَلَاتٍ فَإِنَّهُ لَا یَضُرُّهُ مَا رَأَی (9) وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی رَسُولِهِ إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ الْآیَةَ(10).

بیان: ما رأیت الكبراء بهذا المعنی فیما عندنا من كتب اللغة و تعرض الشیطان لفاطمة علیها السلام و كون منامها المضاهی للوحی شیطانیا و إن كان بعیدا لكن باعتبار عدم بقاء الشبهة و زوالها سریعا و ترتب المعجز من الرسول صلی اللّٰه علیه و آله فی ذلك و المنفعة المستمرة للأمة ببركتها یقل الاستبعاد و الحدیث مشهور و متكرر فی الأصول و اللّٰه یعلم.

«54»- الْبَصَائِرُ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَانٍ الْوَاقِفِیِ (11)

قَالَ: كَانَ لِی ابْنُ عَمٍّ یُقَالُ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ كَانَ زَاهِداً وَ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَ كَانَ یَلْقَاهُ السُّلْطَانُ وَ رُبَّمَا اسْتَقْبَلَ السُّلْطَانَ بِالْكَلَامِ الصَّعْبِ یَعِظُهُ وَ یَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ

ص: 188


1- 1. وقف( خ).
2- 2. فی المصدر: كل ما رأیته.
3- 3. فیه: لان لا أراكم.
4- 4. كذا.
5- 5. الزها( خ).
6- 6. فی المصدر: فبصق علیه ثلاث بصقات.
7- 7. و أنبیاء اللّٰه( خ).
8- 8. فیه: من رؤیا ....
9- 9. فیه فأنزل ....
10- 10. تفسیر القمّیّ: 668- 669.
11- 11. فی بعض النسخ: الرافقی.

وَ كَانَ السُّلْطَانُ یَحْتَمِلُ لَهُ ذَلِكَ لِصَلَاحِهِ فَلَمْ یَزَلْ هَذِهِ حَالَهُ حَتَّی كَانَ یَوْماً دَخَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَی علیه السلام الْمَسْجِدَ فَرَآهُ فَدَنَا إِلَیْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ یَا بَا عَلِیٍّ مَا أَحَبَّ إِلَیَّ مَا أَنْتَ فِیهِ وَ أَسَرَّنِی بِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَیْسَتْ بِكَ مَعْرِفَةٌ فَاذْهَبْ فَاطْلُبِ الْمَعْرِفَةَ قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الْمَعْرِفَةُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ وَ تَفَقَّهْ وَ اطْلُبِ الْحَدِیثَ قَالَ عَمَّنْ قَالَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَ عَنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِینَةِ ثُمَّ اعْرِضِ الْحَدِیثَ عَلَیَّ قَالَ فَذَهَبَ فَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَرَأَهُ عَلَیْهِ فَأَسْقَطَهُ كُلَّهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ اذْهَبْ وَ اطْلُبِ الْمَعْرِفَةَ وَ كَانَ الرَّجُلُ مَعْنِیّاً بِدِینِهِ فَلَمْ یَزَلْ یَتَرَصَّدُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام حَتَّی خَرَجَ إِلَی ضَیْعَةٍ لَهُ فَتَبِعَهُ وَ لَحِقَهُ فِی الطَّرِیقِ فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّی أَحْتَجُّ عَلَیْكَ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ فَدُلَّنِی عَلَی الْمَعْرِفَةِ قَالَ فَأَخْبَرَهُ بِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ قَالَ لَهُ كَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخْبَرَهُ بِأَمْرِ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ فَقَبِلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ كَانَ بَعْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَیْنُ حَتَّی انْتَهَی إِلَی نَفْسِهِ علیه السلام ثُمَّ سَكَتَ قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَنْ هُوَ الْیَوْمَ قَالَ إِنْ أَخْبَرْتُكَ تَقْبَلُ قَالَ بَلَی جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ أَنَا هُوَ قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَشَیْ ءٌ أَسْتَدِلُّ بِهِ قَالَ اذْهَبْ إِلَی تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَ أَشَارَ إِلَی أُمِّ غَیْلَانَ فَقُلْ لَهَا یَقُولُ لَكِ مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ أَقْبِلِی قَالَ فَأَتَیْتُهَا قَالَ فَرَأَیْتُهَا وَ اللَّهِ تَجُبُّ الْأَرْضَ جُبُوباً حَتَّی وَقَفَتْ بَیْنَ یَدَیْهِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَیْهَا فَرَجَعَتْ قَالَ فَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ لَزِمَ السُّكُوتَ فَكَانَ لَا یَرَاهُ أَحَدٌ یَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَ كَانَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ یَرَی الرُّؤْیَا الْحَسَنَةَ وَ تُرَی لَهُ ثُمَّ انْقَطَعَتْ عَنْهُ الرُّؤْیَا فَرَأَی لَیْلَةً أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِیمَا یَرَی النَّائِمُ فَشَكَا إِلَیْهِ انْقِطَاعَ الرُّؤْیَا فَقَالَ لَا تَغْتَمَّ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا رَسَخَ فِی الْإِیمَانِ رُفِعَ عَنْهُ الرُّؤْیَا.

بیان: الجب القطع.

«55»- الْكَافِی، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (1) علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْأَحْلَامَ لَمْ تَكُنْ فِی مَا مَضَی فِی أَوَّلِ الْخَلْقِ وَ إِنَّمَا حَدَثَتْ فَقُلْتُ وَ مَا الْعِلَّةُ فِی ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ بَعَثَ رَسُولًا إِلَی أَهْلِ زَمَانِهِ فَدَعَاهُمْ إِلَی عِبَادَةِ اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ فَقَالُوا إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا

ص: 189


1- 1. لیس فی المصدر لفظة« الأول».

فَوَ اللَّهِ مَا أَنْتَ بِأَكْثَرِنَا مَالًا وَ لَا بِأَعَزِّنَا عَشِیرَةً فَقَالَ إِنْ أَطَعْتُمُونِی أَدْخَلَكُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَ إِنْ عَصَیْتُمُونِی أَدْخَلَكُمُ اللَّهُ النَّارَ فَقَالُوا وَ مَا الْجَنَّةُ وَ مَا النَّارُ فَوَصَفَ لَهُمْ ذَلِكَ فَقَالُوا مَتَی نَصِیرُ إِلَی ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا مِتُّمْ فَقَالُوا لَقَدْ رَأَیْنَا أَمْوَاتَنَا صَارُوا عِظَاماً وَ رُفَاتاً فَازْدَادُوا لَهُ تَكْذِیباً وَ بِهِ اسْتِخْفَافاً فَأَحْدَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِیهِمُ الْأَحْلَامَ فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا رَأَوْا وَ مَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَرَادَ أَنْ یَحْتَجَّ عَلَیْكُمْ بِهَذَا هَكَذَا تَكُونُ أَرْوَاحُكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَ إِنْ بُلِیَتْ أَبْدَانُكُمْ تَصِیرُ الْأَرْوَاحُ إِلَی عِقَابٍ حَتَّی تُبْعَثَ الْأَبْدَانُ (1).

بیان: الرفات كل ما دق و كسر و ما أنكروا من ذلك أی استغرابهم من ذلك أو ما أصابوا من المنكر و العذاب فی النوم أو ما أنكروا أولا من عذاب البرزخ و الأول أظهر هكذا تكون أرواحكم كما أن فی النوم تتألم أرواحكم بما لم یظهر أثره علی أجسادكم و لا یطلع من ینظر إلیكم علیه كذلك نعیم البرزخ و عذابه و قد مر الكلام فیه فی كتاب المعاد.

«56»- الدُّرَّةُ الْبَاهِرَةُ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِیُّ علیه السلام: مَنْ (2)

أَكْثَرَ الْمَنَامَ رَأَی الْأَحْلَامَ.

بیان: قال مؤلفه قدس سره الظاهر أنه علیه السلام یعنی أن طلب الدنیا كالنوم و ما یصیر منها كالحلم انتهی.

و أقول یتحمل أن یكون المعنی أن كثرة الغفلة عن ذكر اللّٰه و عن الموت و أمور الآخرة موجبة للأمانی الباطلة و الخیالات الفاسدة التی هی كأضغاث الأحلام و لا یلتفت إلیها الكرام مع أن الحمل علی ظاهره أظهر و أصوب بحمل الأحلام علی الفاسدة منها كما ورد أن الحلم من الشیطان.

«57»- كِتَابُ الْغَایَاتِ لِجَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُمِّیِّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: خِیَارُكُمْ أُولُو النُّهَی قِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَنْ أُولُو النُّهَی فَقَالَ أُولُو النُّهَی أُولُو الْأَحْلَامِ الصَّادِقَةِ.

ص: 190


1- 1. روضة الكافی: 90.
2- 2. فی بعض النسخ« فی».

«58»- كِتَابُ التَّبْصِرَةِ لِعَلِیِّ بْنِ بَابَوَیْهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ مُوسَی بْنِ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الرُّؤْیَا ثَلَاثَةٌ بُشْرَی مِنَ اللَّهِ وَ تَحْزِینٌ مِنَ الشَّیْطَانِ وَ الَّذِی یُحَدِّثُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فَیَرَاهُ فِی مَنَامِهِ وَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله الرُّؤْیَا مِنَ اللَّهِ وَ الْحُلُمُ مِنَ الشَّیْطَانِ.

«59»- كِتَابُ الْمُؤْمِنِ لِلْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: رَأْیُ الْمُؤْمِنِ وَ رُؤْیَاهُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یُعْطَی عَلَی الثُّلُثِ (1).

بیان: و منهم من یعطی لعل المعنی أن بعض الكمّل من المؤمنین یكون رأیه و رؤیاه ثلثا من أجزاء النبوة.

«60»- الدُّرُّ الْمَنْثُورُ، مِنْ عِدَّةِ كُتُبٍ بِأَسَانِیدَ عَنْ أَبِی الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ قَالَ هِیَ الرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ یَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَی لَهُ فَهِیَ بُشْرَاهُ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَ بُشْرَاهُ فِی الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ(2).

و روی مثله بأسانید عن عبادة بن الصامت و أبی هریرة و جابر بن عبد اللّٰه و غیرهم.

«61»- وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا قَالَ الرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ یُبَشَّرُ بِهَا الْمُؤْمِنُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ فَمَنْ رَأَی ذَلِكَ فَلْیُخْبِرْ بِهَا وَادّاً وَ مَنْ رَأَی سِوَی ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّیْطَانِ لِیَحْزُنَهُ فَلْیَنْفِثْ عَنْ یَسَارِهِ ثَلَاثاً وَ لَا یُخْبِرْ بِهَا أَحَداً(3).

«62»- وَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَی رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِیَةِ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ الَّذِینَ آمَنُوا وَ كانُوا یَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَّا قَوْلُهُ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا فَهِیَ الرُّؤْیَا الْحَسَنَةُ تُرَی لِلْمُؤْمِنِ فَیُبَشَّرُ بِهَا فِی دُنْیَاهُ وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ فِی

ص: 191


1- 1. یحتمل أن یقرأ« الثلاث» و كذا فی بیان المؤلّف- ره.
2- 2. الدّر المنثور: ج 3، ص 311.
3- 3. الدّر المنثور: ج 3، ص 311.

الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا بِشَارَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ وَ لِمَنْ یَحْمِلُكَ إِلَی قَبْرِكَ (1).

«63»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا قَالَ هِیَ الرُّؤْیَا الْحَسَنَةُ یَرَاهَا الْمُسْلِمُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ (2).

«64»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: أَلَا إِنَّهُ لَمْ یَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ یَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَی لَهُ (3).

«65»- وَ عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: لَا نُبُوَّةَ بَعْدِی إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ(4).

«66»- وَ عَنْ أَبِی قَتَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ بُشْرَی مِنَ اللَّهِ وَ هِیَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ(5).

«67»- وَ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْیَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَ أَصْدَقُهُمْ رُؤْیَا أَصْدَقُهُمْ حَدِیثاً وَ رُؤْیَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ وَ الرُّؤْیَا ثَلَاثٌ فَالرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ بُشْرَی مِنَ اللَّهِ وَ الرُّؤْیَا مِنْ تَحْزِینِ الشَّیْطَانِ وَ الرُّؤْیَا مِمَّا یُحَدِّثُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَ إِذَا رَأَی أَحَدُكُمْ مَا یَكْرَهُ فَلْیَقُمْ وَ لْیَتْفُلْ وَ لَا یُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ وَ أُحِبُّ الْقَیْدَ فِی النَّوْمِ وَ أَكْرَهُ الْغُلَّ الْقَیْدُ ثَبَاتٌ فِی الدِّینِ فَإِنْ رَأَی أَحَدُكُمْ رُؤْیَا تُعْجِبُهُ فَلْیَقُصَّهَا إِنْ شَاءَ وَ إِنْ رَأَی شَیْئاً یَكْرَهُهُ فَلَا یَقُصَّهُ عَلَی أَحَدٍ وَ لْیَقُمْ یُصَلِّی (6).

«68»- وَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: رُؤْیَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ(7).

و عن أنس: مثله.

«69»- وَ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِذَا رَأَی أَحَدُكُمُ الرُّؤْیَا یُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِیَ مِنَ اللَّهِ فَلْیَحْمَدِ اللَّهَ عَلَیْهَا وَ لْیُحَدِّثْ بِهَا وَ إِذَا رَأَی غَیْرَهُ مِمَّا یَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِیَ مِنَ الشَّیْطَانِ فَلْیَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَ لَا یَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ (8).

«70»- وَ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ أَیْضاً عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: الرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ(9).

ص: 192


1- 1. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.
2- 2. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.
3- 3. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.
4- 4. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.
5- 5. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.
6- 6. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.
7- 7. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.
8- 8. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.
9- 9. الدّر المنثور: ج 3، ص 312.

«71»- وَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا قَالَ هِیَ الرُّؤْیَا الصَّالِحَةُ یَرَاهَا الْمُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ أَوْ تُرَی لَهُ وَ هُوَ كَلَامٌ یُكَلِّمُ بِهِ رَبُّكَ عَبْدَهُ فِی الْمَنَامِ (1).

«72»- وَ عَنْ أَبِی قَتَادَةَ قَالَ: الرُّؤْیَا مِنَ اللَّهِ وَ الْحُلُمُ مِنَ الشَّیْطَانِ فَإِذَا رَأَی أَحَدُكُمْ شَیْئاً یَكْرَهُهُ فَلْیَنْفِثْ عَنْ یَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ لْیَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ (2).

«73»- وَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: الرُّؤْیَا عَلَی ثَلَاثَةٍ مِنْهَا تَخْوِیفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ لِیَحْزُنَ بِهِ ابْنَ آدَمَ وَ مِنْهَا الْأَمْرُ یُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ فِی الْیَقَظَةِ فَیَرَاهُ فِی الْمَنَامِ وَ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ(3).

«74»- وَ عَنْ سُلَیْمِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: الْعَجَبُ مِنْ رُؤْیَا الرَّجُلِ أَنَّهُ یَبِیتُ فَیَرَی الشَّیْ ءَ لَمْ یَخْطُرْ لَهُ عَلَی بَالٍ فَیَكُونُ رُؤْیَاهُ كَأَخْذٍ بِالْیَدِ وَ یَرَی الرَّجُلُ الرُّؤْیَا فَلَا یَكُونُ رُؤْیَاهُ شَیْئاً فَقَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع أَ فَلَا أُخْبِرُكَ بِذَلِكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ اللَّهَ یَقُولُ اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِكُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی فَاللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ كُلَّهَا فَمَا رَأَتْ وَ هِیَ عِنْدَهُ فِی السَّمَاءِ فَهِیَ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةُ وَ مَا رَأَتْ إِذَا أُرْسِلَتْ إِلَی أَجْسَادِهَا تَلَقَّتْهَا الشَّیَاطِینُ فِی الْهَوَاءِ فَكَذَبَتْهَا وَ أَخْبَرَتْهَا بِالْأَبَاطِیلِ فَكُذِبَتْ فِیهَا فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ (4).

بیان: فلینفث أی فلیتفل تفلا خفیفا و إن لم یخرج معه شی ء من البزاق.

«75»- الْكَافِی، عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَیْدٍ عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِی مَنْصُورٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةُ وَ الْكَاذِبَةُ مَخْرَجُهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَالَ صَدَقْتَ أَمَّا الْكَاذِبَةُ الْمُخْتَلِفَةُ فَإِنَّ الرَّجُلَ یَرَاهَا فِی أَوَّلِ لَیْلَةٍ فِی سُلْطَانِ الْمَرَدَةِ الْفَسَقَةِ وَ إِنَّمَا هِیَ شَیْ ءٌ

ص: 193


1- 1. المصدر: ج 3، ص 313.
2- 2. المصدر: ج 3، ص 313.
3- 3. الدّر المنثور: ج 3، ص 313.
4- 4. المصدر: ج 5: ص 329.

یُخَیَّلُ إِلَی الرَّجُلِ وَ هِیَ كَاذِبَةٌ مُخَالِفَةٌ لَا خَیْرَ فِیهَا وَ أَمَّا الصَّادِقَةُ إِذَا رَآهَا بَعْدَ الثُّلُثَیْنِ مِنَ اللَّیْلِ مَعَ حُلُولِ الْمَلَائِكَةِ وَ ذَلِكَ قَبْلَ السَّحَرِ فَهِیَ صَادِقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ (1)

إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا أَنْ یَكُونَ جُنُباً أَوْ یَكُونَ (2)

عَلَی غَیْرِ طُهْرٍ أَوْ لَمْ یَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَقِیقَةَ ذِكْرِهِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ وَ تُبْطِئُ عَلَی صَاحِبِهَا(3).

بیان: قوله مخرجهما من موضع واحد لعل المراد أن ارتسامهما فی محل واحد أو أن علتهما معا الارتسام لكن علة الارتسام فیهما مختلفة و قیل یعنی كلیهما صورة علمیة یخلقها اللّٰه تعالی فی قلب عباده بأسباب روحانیة أو شیطانیة أو طبیعیة قوله علیه السلام فی سلطان المردة الفسقة أی فی أول اللیل یستولی علی الإنسان شهوات ما رآه فی النهار و كثرت فی ذهنه الصور الخیالیة و اختلطت بعضها ببعض و بسبب كثرة مزاولة الأمور الدنیویة بعد عن ربه و غلبت علیه القوی النفسانیة و الطبیعیة فبسبب هذه الأمور تبعد عنه ملائكة الرحمن و تستولی علیه جنود الشیطان فإذا كان وقت السحر سكنت قواه و زالت عنه ما اعتراه من الخیالات الشهوانیة فأقبل علیه مولاه بالفضل و الإحسان و أرسل علیه ملائكته لیدفعوا عنه أحزاب الشیطان فلذا أمره اللّٰه تعالی فی ذلك الوقت بعبادته و مناجاته و قال إِنَّ ناشِئَةَ اللَّیْلِ هِیَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِیلًا(4) فما یراه فی الحالة الأولی فهو من التسویلات و التخییلات الشیطانیة و من الوساوس النفسانیة و ما یراه فی الحالة الثانیة فهو من الإفاضات الرحمانیة بتوسط الملائكة الروحانیة ثم ذكر علیه السلام علة تخلف بعض الرؤیا مع كونها فی السحر فقال إنه إما بسبب جنابة أو حدث أو غفلة عن ذكر اللّٰه تعالی فإنها توجب البعد عن اللّٰه و استیلاء الشیطان.

و قال فی شرح السنة قال أرباب التعبیر رؤیا اللیل أقوی من رؤیا النهار و

ص: 194


1- 1. فی المصدر: لا تخلف.
2- 2. فیه: أو ینام علی غیر طهور و لم یذكر.
3- 3. روضة الكافی: 91.
4- 4. المزّمّل: 6.

أصدق ساعات الرؤیا وقت السحر و روی عن أبی سعید قال أصدق الرؤیا بالأسحار.

و قال ابن حجر فی فتح الباری ذكر الدینوری أن رؤیا أول اللیل یبطئ تأویلها و من النصف الثانی یسرع و إن أسرعها تأویلا وقت السحر و لا سیما عند طلوع الفجر و عن جعفر الصادق علیه السلام أسرعها تأویلا رؤیا القیلولة.

تفصیل و تبیین
اشارة

لما كان أمر الرؤیا و صدقها و كذبها مما اختلفت فیه أقاویل الناس (1) فلا بأس

ص: 195


1- 1. مسألة الرؤیا من غوامض المسائل النفسیة، و قد بقیت بعد جهات منها فی قید الإبهام. و لنبدأ بالاشارة إلی جوانب بینة منها لعلها تساعد علی توضیح بعض جوانبها الأخری. فنقول: لا ریب ان النائم عند ما یری شیئا من المنامات تحصل له إدراكات من غیر طرق الحواس الظاهرة و تسمیة تلك الادراكات بالخیالات لا تخرجها عن واقعها، فان الخیال حتّی الفاسد الباطل منه له حصول فی الذهن و وجود علمی للنفس، و إنّما فساده و بطلانه من ناحیة عدم انطباقه علی الخارج. و لا ریب فی حكایة كثیر من المنامات عن وقوع أشیاء فی الخارج فی ما مضی أو ما یأتی مع عدم سبیل للرائی حتّی فی حال یقظته إلی الاطلاع علی شی ء منها: و هی أكثر من ان یمكن حملها علی الصدقة و الاتفاق، و خاصّة منامات الأنبیاء و الأولیاء المشتملة علی الوحی و الالهام كما أنّه لا ریب فی ان كثیرا منها تمثلات ذهنیة لامیال و آمال و تركیبات و تحلیلات لما اختزن من الصور فی خزانة الخیال. و هذه النوع الأخیر من الرؤیا- و إن انقسم إلی اقسام مختلفة- یرجع إلی بروز ما كمن فی النفس إلی ساحة الحواس الباطنة و ادراك النفس لها بتوسیط تلك الحواس مرة اخری. و معرفة علل هذا الافاعیل النفسیة و مدی ارتباطها بالحالات البدنیة و الروحیة رهینة لتجارب كثیرة لا یزال علماء النفس مشتغلین بها. اما النوع الأول منه فلا یمكن تعلیله بأمثال تلك العلل فحسب كما لا یخفی. و بعبارة اخری حصول هذا النوع من الادراكات للنفس لیس معلولا لحالات فسیولوجیة أو ظاهرات بسیكولوجیة معینة. فأی حاله بدنیة أو نفسیة توجب العلم بوجود كنز علی مقدار معین فی مكان خاصّ أو بحدوث حادثة مشخصة فی زمان خاصّ فی المستقبل؟! و ما هو الذی یمكن أن یجعل وجه الربط بین الظاهرات الجسمیة و الروحیة فی الإنسان و بین العلم بقضایا عازبة عن ذهنه بموضوعاتها و محمولاتها؟! فهذه المعلومات لیست ممّا یستقل به النفس من الإدراك بصرف النظر عما هو خارج عن ذاتها رأسا و الغیر الذی یمكن أن یشارك النفس فی حصول هذه الادراكات لها بوجه. إما أن یكون أمرا عقلیا محضا، أو مثالیا برزخیا، و لا یكون أمرا مادیا البتة، للقطع بعدم حصول ارتباط مادی بین الإنسان و بین موجود مادی آخر ممّا یقع تحت الحواس فی حال النوم بحیث یمكن إسناد تلك العلوم إلیه بوجه. فعلی فرض جعل المشارك للنفس امرا عقلیا یصیر الرؤیا اتصالا للنفس بموجود عقلی فی المنام و تمثل ما تستفید منه حسب استعدادها بصور جزئیة فی عالمها المثالی. و ان شئت قلت: فی ساحة الحواس الباطنة و لوح الذهن و علی فرض جعل المشارك أمرا مثالیا بصیر الرؤیا إشرافا للنفس علی عالم المثال و مشاهدة أمور هناك مباشرة. و كلاهما ممّا یصحّ فرضه عقلا، و لا ینفیه دلیل شرعی، بل یوجد فی الاخبار ما یؤیدهما بل یدل علیهما، فعلیك باجادة التدبر فیها. و سیأتی فی المتن أقوال عدة من العلماء و الباحثین تعرف مواقع النظر فیها ممّا تلونا علیك، فلا نتصدی لنقدها بالتفصیل حذرا من التطویل.

أن نذكر هاهنا بعض أقوال المتكلمین و الحكماء ثم نبین ما ظهر لنا فیه من أخبار أئمة الأنام علیهم السلام.

فأما الحكماء فقد بنوا ذلك علی ما أسسوه من انطباع صور الجزئیات فی النفوس المنطبعة الفلكیة و صور الكلیات فی العقول المجردة و قالوا إن النفس فی حالة النوم قد تتصل بتلك المبادئ العالیة فتحصل لها بعض العلوم الحقة الواقعة فهذه هی الرؤیا الصادقة و قد یركب المتخیلة بعض الصور المخزونة فی الخیال ببعض فهذه هی الرؤیا الكاذبة و قال بعضهم إن للنفوس الإنسانیة اطلاعا علی الغیب فی حال المنام و لیس أحد من الناس إلا و قد جرب ذلك من نفسه تجارب أوجبته التصدیق و لیس ذلك بسبب الفكر فإن الفكر فی حال الیقظة التی هو فیها أمكن یقصر عن تحصیل مثل ذلك فكیف فی حال النوم بل بسبب أن النفوس الإنسانیة لها مناسبة الجنسیة إلی المبادئ العالیة المنتقشة بجمیع ما كان و ما سیكون و ما هو كائن فی الحال و لها أن تتصل بها اتصالا روحانیا و أن تنتقش بما هو مرتسم فیها لأن اشتغال النفس ببعض أفاعیلها یمنعها عن الاشتغال بغیر تلك الأفاعیل و لیس لنا سبیل إلی إزالة عوائق النفس بالكلیة عن الانتقاش بما فی المبادئ العالیة لأن أحد العائقین هو اشتغال النفس بالبدن و لا یمكن لنا إزالة هذا العائق بالكلیة ما دام البدن صالحا لتدبیرها إلا أنه قد یسكن

ص: 196

أحد الشاغلین فی حالة النوم فإن الروح ینتشر إلی ظاهر البدن بواسطة الشرایین و ینصب إلی الحواس الظاهرة حالة الانتشار و یحصل الإدراك بها و هذه الحالة هی الیقظة فتشتغل النفس بتلك الإدراكات فإذا انخنس الروح إلی الباطن تعطلت هذه الحواس و هذه الحالة هی النوم و بتعطلها یخف إحدی شواغل النفس عن الاتصال بالمبادئ العالیة و الانتقاش ببعض ما فیها فیتصل حینئذ بتلك المبادئ اتصالا روحانیا و یرتسم فی النفس بعض ما انتقش فی تلك المبادئ مما استعدت هی لأن تكون منتقشة به كالمرایا إذا حوذی بعضها ببعض و القوة المتخیلة جبلت محاكیه لما یرد علیها فتحاكی تلك المعانی المنتقشة فی النفس بصور جزئیة مناسبة لها ثم تصیر تلك الصور الجزئیة فی الحس المشترك فتصیر مشاهدة و هذه هی الرؤیا الصادقة.

ثم إن الصور التی تركبها القوة المتخیلة إن كانت شدیدة المناسبة لتلك المعانی المنطبعة فی النفس حتی لا یكون بین المعانی التی أدركتها النفس و بین الصور التی ركبتها القوة المتخیلة تفاوت إلا فی الكلیة و الجزئیة كانت الرؤیا غنیة عن التعبیر و إن لم تكن

شدیدة المناسبة إلا أنه مع ذلك تكون بینهما مناسبة بوجه ما كانت الرؤیا محتاجة إلی التعبیر و هو أن یرجع من الصورة التی فی الخیال إلی المعنی الذی صورته المتخیلة بتلك الصورة و أما إذا لم تكن بین المعنی الذی أدركته النفس و بین الصورة التی ركبتها القوة المتخیلة مناسبة أصلا لكثرة انتقالات المتخیلة من صورة إلی صورة لا تناسب المعنی الذی أدركته النفس أصلا فهذه الرؤیا من قبیل أضغاث الأحلام و لهذا قالوا لا اعتماد علی رؤیا الشاعر و الكاذب لأن قوتهما المتخیلة قد تعودت الانتقالات الكاذبة الباطلة انتهی.

و لا یخفی أن هذا رجم بالغیب و تقول بالظن و الریب و لم یستند إلی دلیل و برهان و لا إلی مشاهدة و عیان و لا إلی وحی إلهی مع ابتنائه علی إثبات العقول المجردة و النفوس الفلكیة المنطبعة و هما مما نفتهما الشریعة المقدسة كما تقرر فی محله.

و قال الرازی فی المطالب العالیة فی بیان طریقة الفلاسفة فی كیفیة صدور

ص: 197

المعجزات و الكرامات عن الأنبیاء و الأولیاء قالوا قد عرفت أن انطباع الصور فی الحس المشترك علی وجهین أحدهما أن الحواس الظاهرة إذا أخذت صور المحسوسات الموجودة فی الخارج و أدتها إلی الحس المشترك فحینئذ تنطبع فی الحس المشترك و تصیر مشاهدة له و الثانی أن القوة المتخیلة التی من شأنها تركیب الصور بعضها بالبعض إذا ركبت صورة فإن تلك الصورة قد تنطبع فی الحس المشترك و متی حصل الانطباع وجب أن تصیر مشاهدة و ذلك لأن فی القسم الأول إنما صارت تلك الصورة مشاهدة لأجل أن تلك الصور انطبعت فی الحس المشترك لا لأجل أنها وردت علیه من الخارج و إذا كان كذلك وجب أیضا فی الصور المنحدرة علیه من جانب المتخیلة أن تصیر مشاهدة و مثال الحس المشترك المرآة فإن كل صورة تنطبع فیها من أی جانب كان صارت مشاهدة فكذلك الصور المنطبعة فی الحس المشترك إذا انطبعت فیه من أی جانب كان وجب أن تصیر محسوسة إذا عرفت هذا فنقول الصور التی تشاهدها الأبرار و الكهنة و النائمون و الممرورون لیست موجودة فی الخارج فإنها لو كانت موجودة فی الخارج لوجب أن یراها كل من كان سلیم الحس بناء علی أنه متی كانت الحاسة سلیمة و كان الشی ء الحاضر بحیث تصح رؤیته و لم یحصل القرب القریب و البعد البعید و اللطافة و الصغر و حصلت المقابلة فعند حضور هذه الشرائط یكون الإدراك و الإبصار واجبا إذ لو جاز أن لا یحصل الإدراك عند حضور هذه الشرائط لجاز أن یصیر عندنا جبال عظیمة و أصوات هائلة و لا نراها و لا نسمعها و معلوم أن تجویزه یوجب الجهالات العظیمة فثبت بهذا أن تلك الصور غیر موجودة فی الخارج فیجب الجزم بأن ورودها علی الحس المشترك إنما كان من الداخل و هو أن القوة المتخیلة ركبت تلك الصور فانحدرت إلی الحس المشترك فصارت مرئیة و قد كان الواجب أن تحصل هذه الحاصلة أبدا إلا أن العائق عنه أمران الأول أن الحس المشترك إذا حصلت فیه الصور المأخوذة من الخارج لم یتسع للصور التی یركبها المتخیلة فحینئذ تصیر الصور التی یركبها المتخیلة بحیث لا یمكن انطباعها فی الحس المشترك و الثانی أن القوة

ص: 198

العاقلة تكون مسلطة علی القوة المتخیلة فیمنعها عن تركیب تلك الصور. إذا عرفت هذا فنقول إنه إذا انتفی الشاغلان معا أو أحدهما فإنه یحصل ذلك التلویح و ذاك التشبیح أما فی وقت النوم فقد زال أحد الشاغلین و هو الحس الظاهر فلا ینتقل من

الحواس الظاهرة إلی الحس المشترك شی ء من الصور فیبقی لوح الحس المشترك خالیا عن النقوش الخارجیة فیستعد لقبول الصور التی تركبها المتخیلة فتنحدر تلك الصورة من المتخیلة إلی لوح الحس المشترك فتصیر محسوسة.

و أما فی وقت المرض فإن النفس تصیر مشغولة بتدبیر البدن فلا تتفرغ لمنع القوة المتخیلة من تركیب تلك الصور فحینئذ تقوی القوة المتخیلة علی عملها و إذا قویت علی هذا العمل عصت الحس المشترك عن قبول الصور الخارجیة فوردت علیه هذه الصور فتصیر مشاهدة محسوسة و الصور الهائلة التی تصیر مشاهدة فی حالة الخوف فهی من هذا الباب فإن الخوف المستولی علی النفس یصدها عن تأدیب المتخیلة فلا جرم تقدر المتخیلة علی رسم صورها فی الحس المشترك كصورة الغول و غیرها و كذلك قد یستولی علی النفوس الضعیفة العقل قوی أخری كشهوة شی ء فتشتد تلك الشهوة حتی تغلب العقل فالمتخیلة تركب صورة ذلك المشتهی و تنطبع تلك الصورة فی لوح الحس المشترك فتصیر محسوسة.

إذا عرفت هذا فنقول إنه یتفرع علیه أشیاء كثیرة الفرع الأول فی سبب المنامات الصادقة و الكاذبة اعلم أن الصور التی تركبها المتخیلة قد تكون كاذبة و قد تكون صادقة أما الكاذبة فوقوعها علی ثلاثة أوجه الأول أن الإنسان إذا أحس بشی ء و بقیت صورة ذلك المحسوس فی خزانة الخیال فعند النوم ترتسم تلك الصورة فی الحس المشترك فتصیر مشاهدة محسوسة و الثانی أن القوة المفكرة إذا ألفت صورة ارتسمت تلك الصورة فی الخیال ثم وقت النوم تنتقل تلك إلی الحس المشترك فتصیر محسوسة كما أن الإنسان إذا تفكر فی الانتقال من بلد إلی بلد و حصل فی خاطره شی ء أو خوف عن شی ء فإنه یری تلك الأحوال فی النوم و الثالث أن مزاج الروح الحامل للقوة المفكرة إذا تغیر فإنه تتغیر أحوال القوة

ص: 199

المفكرة و لهذا السبب فإن الذی یمیل مزاجه إلی الحرارة یری فی النوم النیران و الحریق و الدخان و من مال مزاجه إلی البرودة یری الثلوج و من مال مزاجه إلی الرطوبة یری الأمطار و من مال مزاجه إلی الیبوسة یری التراب و الألوان المظلمة فهذه الأنواع الثلاثة لا عبرة بها البتة بل هی من قبیل أضغاث الأحلام.

و أما الرؤیا الصادقة فالكلام فی ذكر سببها متفرع علی مقدمتین إحداهما أن جمیع الأمور الكائنة فی هذا العالم الأسفل مما كان و مما سیكون و مما هو كائن موجود فی علم البارئ تعالی و علم الملائكة العقلیة و النفوس السماویة و الثانیة أن النفس الناطقة من شأنها أن تتصل بتلك المبادئ و تنتقش فیها الصور المنتقشة فی تلك المبادئ و عدم حصول هذا المعنی لیس لأجل البخل من تلك المبادئ أو لأجل أن النفس الناطقة غیر قابلة لتلك الصور بل لأجل أن استغراق النفس فی تدبیر البدن صار مانعا من ذلك الاتصال العام.

إذا عرفت هذا فنقول النفس إذا حصل لها أدنی فراغ من تدبیر البدن اتصلت بطباعها بتلك المبادئ فینطبع فیها بعض تلك الصور الحاضرة عند تلك المبادئ و هو الصور التی هی ألیق بتلك النفس و معلوم أن ألیق الأحوال بها ما یتعلق بأحوال ذلك الإنسان و بأصحابه و بأهل بلده و إقلیمه و أما إن كان ذلك الإنسان منجذب الهمة إلی تحصیل علوم المعقولات لاحت له منها أشیاء و من كانت همته مصالح الناس رآها ثم إذا انطبعت تلك الصور فی جوهر النفس الناطقة أخذت المتخیلة التی من طباعها محاكاة

الأمور فی حكایة تلك الصور المنطبعة فی النفس بصور جزئیة یناسبها(1) ثم إن تلك الصور تنطبع فی الحس المشترك فتصیر مشاهدة فهذا هو سبب الرؤیا فی المنام ثم إن تلك الصور التی ركبتها المتخیلة لأجل تلك المعانی قد تكون شدیدة المناسبة لتلك المعانی فتكون هذه الرؤیا غنیة عن التعبیر و قد لا تكون كذلك إلا أنها أیضا مناسبة لتلك المعانی من بعض الوجوه و هاهنا تحتاج هذه المنامات إلی التعبیر و فائدة التعبیر التحلیل بالعكس یعنی أن یرجع المعبر من

ص: 200


1- 1. تناسبها( ظ).

هذه الصور الحاضرة فی الخیال إلی تلك المعانی و القسم الثالث أن لا تكون هذه الصور مناسبة لتلك المعانی البتة و ذلك یكون لأحد وجهین أحدهما أن یكون حدوث هذا الخیال الغریب إنما كان لوجه واحد من الوجوه الثلاثة المذكورة فی سبب أضغاث الأحلام و الثانی أن یكون ذلك لأجل أن القوة المتخیلة ركبت لأجل ذلك المعنی صورة ثم ركبت لأجل تلك الصورة صورة ثانیة و للثانیة ثالثة و أمعنت فی هذه الانتقالات فانتهت بالأخرة إلی صورة لا تناسب المعنی التی أدركته النفس أولا البتة و حینئذ یصیر هذا القسم أیضا من باب أضغاث الأحلام و لهذا السبب قیل إنه لا اعتماد علی رؤیا الكاذب و الشاعر لأن القوة المتخیلة منهما قد عودت الانتقالات الكاذبة الباطلة و اللّٰه أعلم.

الفرع الثانی فی كیفیة الإخبار عن الغیب اعلم أن النفس الناطقة إذا كانت كاملة القوة وافیة فی الوصول إلی الجوانب العالیة و السافلة و تكون فی القوة بحیث لا یصیر اشتغالها بتدبیر البدن عائقا لها عن الاتصال بالمبادئ المفارقة ثم اتفق أیضا أن كانت قوته (1)

الفكریة قویة قادرة علی انتزاع لوح الحس المشترك عن الحواس الظاهرة فحینئذ لا یبعد أن یقع لمثل هذه النفس فی حال الیقظة مثل ما یقع للنائمین من الاتصال بالمبادئ المفارقة فحینئذ یرتسم عن بعض تلك المفارقات صور تدل علی وقائع هذا العالم فی جوهر النفس الناطقة ثم إن القوة لأجل قوتها تركب صورة مناسبة لها ثم تنحدر تلك الصورة إلی لوح الحس المشترك فتصیر مشاهدة و عند هذه الحال یسمع ذلك الإنسان كلاما منظوما من هاتف و قد یشاهد منظرا فی أكمل هیئة و أجل صورة تخاطبه تلك الصورة بما یهمه من أحوال من یتصل به ثم إن كانت هذه الصورة المحسوسة منطبقة علی تلك المعانی التی أدركتها النفس الناطقة كان ذلك وحیا صریحا و إن كانت الصورة الخیالیة مخالفة لذلك المعنی العقلی من بعض الوجوه كان ذلك وحیا محتاجا إلی التأویل و الصارف للقوة المتخیلة عن هذا التغییر و التبدیل أمران

ص: 201


1- 1. كذا، و الظاهر« قوتها».

الأول أن الصورة المنطبقة(1)

فی النفس الناطقة الفائضة من جانب المبادئ العالیة لما فاضت علی غایة الجلاء و الوضوح صارت تلك القوة مانعة للخیال عن التصرف فیها كما أن الصور المحسوسة المأخوذة من الخارج إذا كانت فی غایة القوة فحینئذ یقوی علی منع القوة المتخیلة من التصرف فی تلك الصورة بالتغییر و التبدیل.

النوع الثانی أن النفوس التی لیس لها من القوة ما یقوی علی الاتصال بعالم الغیب فی حال الیقظة فربما استعانت فی حال الیقظة بما یدهش الحس و یحیر الخیال كما یستعین بعضهم بشد حثیث و بعضهم بتأمل شی ء شفاف أو برق لامع یورث البصر ارتعاشا فإن كل ذلك مما یدهش الخیال فیستعد النفس بسبب حیرتها و انقطاعها فی تلك اللحظة عن تدبیر البدن لانتهاز فرصة إدراك الغیب و الشرط فی هذا أن یكون ذلك الإنسان ضعیف العقل مصدقا لكل ما یحكی له من مسیس الجن مثل الصبیان و النسوان و البله فهؤلاء إذا ضعفت حواسهم و كانت أوهامهم شدیدة الانجذاب إلی مطلوب معین فحینئذ یقع لنفوسهم التفات فی تلك اللحظة إلی عالم الغیب و یتأمل ذلك المطلوب فتارة یسمع خطابا و یظن أنه جنی و تارة تتراءی له صور مشاهدة فیظن أنها من إخوان الجن فیلقی إلیه من الغیب ما ینطق به فی أثناء الغشی فیأخذه السامعون و یبنون علیه تدابیرهم فی مهماتهم فهذا ما قرره الشیخ الرئیس فی هذا الباب.

و اعلم أن الأصل فی جملة هذه التفاریع أمران الأول أن یقال هذه الصور التی تشاهدها الأنبیاء و الأولیاء و غیرهم لیست موجودة فی الخارج لأنها لو كانت موجودة فی الخارج لوجب أن یدركها كل من كان له سلیم الحس إذ لو جوزنا أن لا یحصل الإدراك مع حصول هذه الشرائط لجاز أن تكون بحضرتنا جبال و رعود و نحن لا نراها و لا نسمعها و ذلك یوجب السفسطة و لا یخفی أن الجهالات التی ألزمتموها علی هذا القول هی علی قولكم ألزم و ذلك لأنا لو جوزنا أن یری الإنسان صورا و یشاهدها و یتكلم معها و یسمع أصواتها و یری

ص: 202


1- 1. المنطبعة( ظ).

أشكالها ثم إنها لا تكون موجودة البتة فی الخارج جاز أیضا فی كل هذه الأشیاء التی نراها و نسمعها من صور الناس و الجبال و البحار و أصوات الرعود أن لا یكون لشی ء منها وجود فی الخارج بل یكون محض الخیالات و محض الصور المرتسمة فی الحس المشترك و معلوم أن القول به محض السفسطة بل نقول هذا فی البعد عن الحق و الغوص فی الجهالة أشد من الأول لأن علی القول الذی نقول نحن جازمون بأن كل ما رأیناه فهو موجود حق إلا أنه یلزمنا تجویز أن یكون قد حضر عندنا أشیاء و نحن لا نراها و تجویز هذا لا یوجب الشك فی وجود ما رأیناه و سمعناه أما علی القول الذی یقولونه فإنه یلزم وقوع الشك فی وجود كل صورة رأیناها و كل صوت سمعناه و ذلك هو الجهالة التامة و السفسطة الكاملة فثبت أن القول الذی اخترتموه فی غایة الفساد.

فإن قالوا إن حصول هذه الحالة لحصول أحوال منها أن یكون كامل النفس قوی العقل كما فی حق الأنبیاء و الأولیاء فإذا لم یحصل شی ء من هذه الأحوال و كان الإنسان باقیا علی مقتضی المزاج المعتدل لم یحصل شی ء من هذه الأحوال فحینئذ یحصل القطع بوجود هذه الأشیاء فی الخارج فنقول فی الجواب إن بالطریق الذی ذكرتم ظهر أنه لا یمتنع أن یحس الإنسان بوجود صور مع أنها لا تكون موجودة أصلا و إذا ظهر جواز هذا المعنی فنحن إنما یمكننا انتفاء هذه الحالة إذا دللنا علی أن الأسباب الموجبة لحصول هذه الحالة محصورة فی كذا و كذا و نقیم علی هذا الحصر برهانا یقینیا ثم نبین فی المقام الثانی أنها بأسرها منتفیة زائدة بالبرهان الیقینی ثم نبین فی المقام الثالث أن الممكن حال بقائه لا یستغنی عن السبب فإن (1) بتقدیر أن یكون الأمر كذلك لم یلزم من زوال تلك الأسباب زوال هذه الحالة ثم علی تقدیر إقامة البراهین القاطعة الجازمة علی صحة هذه المقدمات یصیر

جزمنا بحصول هذه المحسوسات فی الخارج موقوفا علی إثبات هذه المقدمات النظریة الغامضة و الموقوف علی النظری الغامض أولی أن یكون نظریا غامضا و حینئذ تبطل هذه العلوم المستفادة

ص: 203


1- 1. فانه( ظ).

من الحواس بطلانا كلیا فثبت أن القول الذی ذكرتموه قول باطل یوجب التزام السفسطة.

و اعلم أن الذی حمل هؤلاء الفلاسفة علی ذكر هذه العلل و الأسباب إطباقهم علی إنكار الملائكة و علی إنكار الجن و قد بینا فی كتاب الأرواح أنه لیس لهم شبهة و لا خیال یدل علی نفی هذه الأشیاء و إذا كان أصل هذه الأقوال نفی الملائكة و الجن و قد عرفت أنه لیس لهم فیه دلیل و فرعه مما یوجب القول بالسفسطة كان هذا القول فی غایة الفساد و البطلان فهذا تمام الكلام فی هذا الأصل. و أما الأصل الثانی فهو أن هذه الكلمات متفرعة علی إثبات إدراك الحواس الباطنة و نحن قد بینا بالبرهان القاهر القاطع أن المدرك لجمیع الإدراكات هو النفس الناطقة و أن القول بتوزیع الإدراكات علی قوی متفرقة قول باطل و كلام فاسد فثبت بهذه البیانات أن كلامهم فی غایة الضعف و الفساد.

و الحق أن هذا الباب یحتمل وجوها كثیرة فأحدها أنا بینا أن النفوس الناطقة أنواع كثیرة ذو طوائف مختلفة و لكل طائفة منها روح فلكی كلی هو العلة لوجودها و هو المتكفل بإصلاح أحوالها و ذلك الروح الفلكی كالأصل و المعدن و الینبوع بالنسبة إلیها و سمیناه بالطباع التام فلا یمتنع أن یكون الذی یراها فی المنامات و فی الیقظة أخری و علی سبیل الإلهامات ثالثا هو ذلك الطباع التام و لا یمتنع كون ذلك الطباع التام قادرا علی أن یتشكل بأشكال مختلفة بحسب جسم مخصوص هوائی فی جمیع أعماله و ثانیها أن تثبت طوائف الملائكة و طوائف الجن و نحكم بكونها قادرة علی أن تأتی بأعمال مخصوصة عندها یظهرون للبشر و علی أعمال أخری عندها یحتجبون عن البشر فهذا ما نقوله فی هذا الباب انتهی.

و قال فی المواقف و شرحه و أما الرؤیا فخیال باطل عند المتكلمین أی جمهورهم أما عند المعتزلة فلفقد شرائط الإدراك حالة النوم من المقابلة و إثبات الشعاع و توسط الهواء الشفاف و البنیة المخصوصة و انتفاء الحجاب إلی غیر ذلك من الشرائط المعتبرة فی الإدراكات فما یراه النائم لیس من الإدراكات فی شی ء بل هو من قبیل الخیالات

ص: 204

الفاسدة و الأوهام الباطلة و أما عند الأصحاب إذ لم یشترطوا فی الإدراك شیئا من ذلك فلأنه خلاف العادة أی لم تجر عادته تعالی بخلق الإدراكات فی الشخص و هو نائم و لأن النوم ضد للإدراك فلا یجامعه فلا یكون الرؤیا إدراكا حقیقة بل هو من قبیل الخیال الباطل.

و قال الأستاذ أبو إسحاق إنه إدراك حق بلا شبهه إذ لا فرق بین ما یجده النائم من نفسه فی نومه من إبصار المبصرات و سمع المسموعات (1) و ذوق و غیرها من الإدراكات و بین ما یجده الیقظان فی إدراكاته فلو جاز التشكیك فیه لجاز التشكیك فیما

یجده الیقظان و لزم السفسطة و القدح فی الأمور المعلومة حقیقتها بالبدیهة و لم یخالف الأستاد فی كون النوم ضدا للإدراك لكنه زعم أن الإدراك یقوم بجزء من أجزاء الإنسان غیر ما یقوم به النوم من أجزائه فلا یلزم اجتماع الضدین فی محل واحد أقول ثم ذكر ما زعمته الفلاسفة فی ذلك نحوا مما مر و قال بعض المحققین من الحكماء و الصوفیة الجامعین بزعمهم بین الشرع و الحكمة سبب الرؤیا انخناس الروح البخاری من الظاهر إلی الباطن بأسباب شتی مثل طلب الاستراحة عن كثرة الحركة و میل الاشتغال بتأثیره فی الباطن لینفتح السد و لهذا یغلب النوم عند امتلاء المعدة و مثل أن یكون الروح قلیلا ناقصا فلا یفی بالظاهر و الباطن جمیعا و لزیادته و نقصانه أسباب طبیة مذكورة فی كتب الأطباء فإذا انخنس الروح إلی الباطن و ركدت الحواس بسبب من الأسباب بقیت النفس فارغة عن شغل الحواس لأنها لا تزال مشغولة بالتفكر فیما تورده الحواس علیها فإذا وجدت فرصة الفراغ و ارتفعت عنها الموانع فإن كانت عالیة معتادة بالصدق أو مائلة إلی العالم الروحانی العقلی متوجهة إلی الحق مطهرة عن النقائص معرضة عن الشواغل البدنیة متصفة بالمحامد أو غیر ذلك مما جب تنویرها و تقویتها و قدرتها علی خرق العالم الحسی من الإتیان بالطاعات و العبادات و استعمال القوی و الآلات بموجب الأوامر الإلهیة و حفظ الاعتدال بین طرفی الإفراط و التفریط فیها و دوام الوضوء و الذكر خصوصا من أول

ص: 205


1- 1. فی أكثر النسخ« للمسموعات».

اللیل إلی وقت النوم و صحة البدن و اعتدال مزاجه الشخصی و الدماغی اتصلت بالجواهر الروحانیة الشریفة التی فیها نقوش جمیع الموجودات كلیة و جزئیة المسماة بالكتاب المبین و أم الكتاب فانتقشت بما فیها من صور الأشیاء لا سیما ما ناسب أغراضها و یكون مهما لها فإن النفس بمنزلة مرآة ینطبع فیها كل ما قابلها من مرآة أخری عند حصول الأسباب و ارتفاع الحجاب بینهما و الحجاب هاهنا اشتغال النفس بما تورده الحواس فإذا ارتفع ظهر فیها من تلك المرائی ما یناسبها و یحاذیها فإن كانت تلك الصور جزئیة و بقیت فی النفس بحفظ الحافظة إیاها علی وجهها و لم تتصرف فیه القوة المتخیلة الحاكیة للأشیاء بمثلها فتصدق هذه الرؤیا و لا تحتاج إلی التعبیر و إن كانت المتخیلة غالبة و إدراك النفس للصورة ضعیفا صارت المتخیلة بطبعها إلی تبدیل ما رأته النفس بمثال كتبدیل العلم باللبن و تبدیل العدو بالحیة و تبدیل الملك بالبحر و الجبل إلی غیر ذلك و ذلك لما دریت أن لكل معنی صورة فی نشأة غیر صورته فی النشأة الأخری و أن النشآت متطابقة.

نقل أن رجلا جاء إلی ابن سیرین و قال رأیت كأن فی یدی خاتما أختم به أفواه الرجال و فروج النساء فقال إنك مؤذن تؤذن فی شهر رمضان قبل الفجر فقال صدقت و جاء آخر فقال كأنی صببت الزیت فی الزیتون فقال إن كانت تحتك جاریة اشتریتها ففتش عن حالها فإنها أمك لأن الزیتون أصل الزیت فهو رد إلی الأصل فنظر فإذا جاریته كانت أمه و قد سبیت فی صغره و قال آخر له كأنی أعلق الدر فی أعناق الخنازیر فقال كأنك تعلم الحكمة غیر أهلها و كان كما قال.

و ربما تبدل المتخیلة الأشیاء المرئیة فی النوم بما یشابهها و یناسبها مناسبة ما أو ما یضادها كما من رأی أنه ولد له ابن فتولد له بنت و بالعكس و هذه الرؤیا تحتاج إلی مزید تصرف فی تعبیره فیحلل بالعكس أی یرجع من الصور الخیالیة الجزئیة إلی المعانی النفسانیة الكلیة و ربما لم تكن انتقالات المتخیلة مضبوطة بنوع مخصوص فانشعبت وجوه التعبیر فصار مختلفا بالأشخاص و الأحوال و الصناعات و فصول السنة و صحة النائم و مرضه و صاحب التعبیر لا ینال إلا بضرب من الحدس و یغلط فیه كثیرا للالتباس

ص: 206

و إن كانت النفس سفلیة متعلقة بالدنیا منهمكة فی الشهوات حریصة علی المخالفات مستعملة للمتخیلة فی التخیلات الفاسدة و غیر ذلك مما یوجب الظلمة و ازدیاد الحجب أو سوء مزاج الدماغ فلا تتصل بالجواهر الروحانیة بمجرد ذلك فتفعل باختراعها بقوتها المتخیلة فی مملكتها و عالمها الباطنی صورا و أشخاصا جسمانیة بعضها مطابقة لما یوجد فی الخارج و بعضها خرافات لا أصل لها فی شی ء من العوالم بل هو من دعابات المتخیلة و اضطراباتها التی لا تفتر عنها فی أكثر الأحوال ثم انتقلت منها و حاكتها بأمور أخری فی النوم فبقیت مشغولة بمحاكاتها كما تبقی مشغولة بالحواس فی الیقظة و خصوصا إذا كانت ضعیفة منفعلة عن آثار القوی و هی أضغاث الأحلام و لمحاكاتها أسباب من أحوال البدن و مزاجه فإن غلبت علی مزاجه الصفراء حاكاها بالأشیاء الصفر و إن كان فیه الحرارة حاكاها بالنار و الحمام الحار و إن غلبت البرودة حاكاها بالثلج و الشتاء و نظائرهما و إن غلبت السوداء حاكاها بالأشیاء السود و الأمور الهائلة قال بعض العلماء و إنما حصلت صورة النار مثلا فی التخیل عند غلبة الحرارة لأن الحرارة التی فی موضع تتعدی إلی المجاور لها كما یتعدی نور الشمس إلی الأجسام بمعنی أنه سیكون سببا لحدوثه إذ خلقت الأشیاء موجودة وجودا فائضا بأمثاله علی غیره و القوة المتخیلة منطبعة فی الجسم الحار فیتأثر به تأثرا یلیق بطبعها لأن كل شی ء قابل یتأثر من شی ء فإنما یتأثر منه بشی ء یناسب جوهر هذا القابل و طبعه فالمتخیلة لیست بجسم حتی تقبل نفس الحرارة فتقبل من الحرارة ما فی طبعها القبول و هو صورة الحار فهذا هو السبب فیه.

ثم قال و الاتصال بالجواهر الروحانیة كما یكون فی المنام فكذلك قد یكون فی الیقظة أیضا كما أن الاختراعات الخیالیة تكون فی الحالتین و ذلك لأن رفع الحجاب بین مرآة النفس و ذلك العالم كما یكون فی المنام فكذلك قد یكون بأسباب أخر مثل صفاء النفس بسبب أصل الفطرة و مثل انزعاج النفس و انزجارها عن هذا العالم بسبب ما یكدرها و ینق صلی اللّٰه علیه و آله (1)

عیشها الدنیاوی من المؤلمات و المنفرات فیتوجه

ص: 207


1- 1. ینغص( ظ).

إلی عالمها هربا من هذه الأمور الموحشة فیرتفع الحجاب بینها و بین عالمها و مثل الریاضات العلمیة و العملیة التی توجب المكاشفات الصوریة و المعنویة أی ظهور الحوادث و الحقائق و مثل الموت الإرادی الذی یكون للأولیاء و مثل الموت الطبیعی الذی یوجب كشف الغطاء للجمیع سواء كانوا سعداء أو أشقیاء و مثل ما لو غلب علی المزاج الیبوسة و الحرارة و قل الروح البخاری حتی صرفت النفس لغلبة السوداء و قلة الروح عن موارد الحواس فیكون مع فتح العین و سائر أبواب الحواس كالمبهوت الغافل الغائب عما یری و یسمع و ذلك لضعف خروج الروح إلی الظاهر فهذا أیضا لا یستحیل أن ینكشف لنفسه من الجواهر الروحانیة شی ء من الغیب فیحدث به و یجری علی لسانه فكأنه أیضا غافل عما یحدث به و هذا یوجد فی بعض المجانین و المصروعین و بعض الكهنة فیحدثون بما یكون موافقا لما سیكون.

ثم ما تتلقاه النفس فی الیقظة علی وجهین فإن كانت النفس قویة وافیة بضبط الجوانب لا تشغلها المشاعر السفلیة عن المدارك العالیة و تكون متخیلتها قویة علی استخلاص الحس المشترك عن مشاهدة الظواهر إلی مشاهدة ما یراها فی الباطن فلا یبعد أن

یقع لها ما یقع للنائم من غیر تفاوت فمنه ما هو وحی صریح لا یفتقر إلی التأویل و منه ما لیس كذلك فیفتقر إلیه أو یكون شبیها بالمنامات التی هی أضغاث أحلام إن أمعنت المتخیلة فی الانتقال و المحاكات و إن لم یكن كذلك فلا یخلو إما أن یستعین بما یقع للحس دهشة و للخیال حیرة أو لا بل كانت لضعف طبیعی فی الحواس أو مرض طار فالأول كفعل المستنطقین المشغلین للصبیان و النساء ذوات المدارك الضعیفة بأمور مترقرقة أو بأشیاء ملطخة سود مدهشة محیرة للحس مرعشة للبصر برجرجتها أو شفیفها و كاستعانة بعض المتصوفة و المتكهنة برقص و تصفیق و تطریب فكل هذه موهنة للحواس مخلة بها و ربما یستعینون أیضا بالإبهام بالعزائم و بأدعیة غیر مفهومة الألفاظ یوجب الترهیب بالحس (1)

إذا استنطقوا غیرهم و الثانی كما للمصروعین و الممرورین و من فی قواه ضعف و فی دماغه رطوبة قابلة و قد یجتمع الشیئان ضعف

ص: 208


1- 1. بالجن( خ).

الفائق (1)

و قوة النفس بتطریب و غیره كالكثیر من المرتاضین من أولی الكد و هذا حسن و ما للكهنة و الممرورین نقص أو ضلال أو تعطیل للقوی كما خلقت لأجله و أما الفضلاء فریاضاتهم و علومهم مرموزة مكتومة عن المحجوبین.

و قال الكراجكی رحمه اللّٰه فی كتاب كنز الفوائد وجدت لشیخنا المفید رضی اللّٰه عنه فی بعض كتبه أن الكلام فی باب رؤیا المنامات عزیز و تهاون أهل النظر به شدید و البلیة بذلك عظیمة و صدق القول فیه أصل جلیل و الرؤیا فی المنام یكون من أربع جهات أحدها حدیث النفس بالشی ء و الفكر فیه حتی یحصل كالمنطبع فی النفس فیتخیل إلی النائم ذلك بعینه و أشكاله و نتائجه و هذا معروف بالاعتبار.

الجهة الثانیة من الطباع و ما یكون من قهر بعضها لبعض فیضطرب له المزاج و یتخیل لصاحبه ما یلائم ذلك الطبع الغالب من مأكول و مشروب و مرئی و ملبوس و مبهج و مزعج قد تری تأثیر الطبع الغالب فی الیقظة و الشاهد حتی أن من غلب علیه الصفراء یصعب علیه الصعود إلی المكان العالی یتخیل له من وقوعه منه و یناله من الهلع و الزمع ما لا ینال غیره و من غلبت علیه السوداء یتخیل له أنه قد صعد فی الهواء و ناجته الملائكة و یظن صحة ذلك حتی إنه ربما اعتقد فی نفسه النبوة و أن الوحی یأتیه من السماء و ما أشبه ذلك.

و الجهة الثالثة ألطاف من اللّٰه عز و جل لبعض خلقه من تنبیه و تیسیر و إعذار و إنذار فیلقی فی روعه ما ینتج له تخییلات أمور تدعوه إلی الطاعة و الشكر علی النعمة و تزجره عن المعصیة و تخوفه الآخرة و یحصل له بها مصلحة و زیادة فائدة و فكر یحدث له معرفة.

و الجهة الرابعة أسباب من الشیطان و وسوسة یفعلها للإنسان یذكره بها أمورا تحزنه و أسبابا تغمه فیما لا یناله أو یدعوه إلی ارتكاب محظور یكون فیه عطبه أو تخیل شبهة فی دینه یكون منها هلاكه و ذلك مختص بمن عدم التوفیق

ص: 209


1- 1. العائق( خ).

لعصیانه و كثرة تفریطه فی طاعات اللّٰه سبحانه و لن ینجو من باطل المنامات و أحلامها إلا الأنبیاء و الأئمة علیهم السلام و من رسخ فی العلم من الصالحین.

و قد كان شیخی رضی اللّٰه عنه قال لی إن كل من كثر علمه و اتسع فهمه قلت مناماته فإن رأی مع ذلك مناما و كان جسمه من العوارض سلیما فلا یكون منامه إلا حقا یرید بسلامة الجسم عدم الأمراض المهیجة للطباع و غلبة بعضها علی ما تقدم به البیان و السكران أیضا لا یصح منامه و كذلك الممتلئ من الطعام لأنه كالسكران و لذلك قیل إن المنامات قل ما یصح فی لیالی شهر رمضان فأما منامات الأنبیاء علیهم السلام فلا تكون إلا صادقة و هی وحی فی الحقیقة و منامات الأئمة علیهم السلام جاریة مجری الوحی و إن لم تسم وحیا و لا تكون قط إلا حقا و صدقا و إذا صح منام المؤمن فإنه من قبل اللّٰه تعالی كما ذكرناه

وَ قَدْ جَاءَ فِی الْحَدِیثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: رُؤْیَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَ سَبْعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ.

وَ رُوِیَ عَنْهُ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: رُؤْیَا الْمُؤْمِنِ تَجْرِی مَجْرَی كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عِنْدَهُ.

فأما وسوسة شیاطین الجن فقد ورد السمع بذكرها قال اللّٰه تعالی مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِی یُوَسْوِسُ فِی صُدُورِ النَّاسِ (1) و قال وَ إِنَّ الشَّیاطِینَ لَیُوحُونَ إِلی أَوْلِیائِهِمْ لِیُجادِلُوكُمْ (2) و قال شَیاطِینَ (3) الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ یُوحِی بَعْضُهُمْ إِلی بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً(4) و ورد السمع به فلا طریق إلی دفعه.

فأما كیفیة وسوسة الجنی للإنسی فهو أن الجن أجسام رقاق لطاف فیصح أن یتوصل أحدهم برقة جسمه و لطافته إلی غایة سمع الإنسان و نهایته فیوقع فیه كلاما یلبس علیه إذا سمعه و یشتبه علیه بخواطره لأنه لا یرد علیه ورود المحسوسات من ظاهر جوارحه و یصح أن یفعل هذا بالنائم و الیقظان جمیعا و لیس هو فی العقل

ص: 210


1- 1. الناس: 4- 6.
2- 2. الأنعام: 121.
3- 3. صدرها:« وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوًّا شَیاطِینَ» الخ.
4- 4. الأنعام: 112.

مستحیلا.

رَوَی جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: بَیْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَخْطُبُ إِذْ قَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی رَأَیْتُ كَأَنَّ رَأْسِی قَدْ قُطِعَ وَ هُوَ یَتَدَحْرَجُ وَ أَنَا أَتْبَعُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا تُحَدِّثْ بِلَعِبِ الشَّیْطَانِ بِكَ ثُمَّ قَالَ إِذَا لَعِبَ الشَّیْطَانُ أَحَدَكُمْ (1)

فِی مَنَامِهِ فَلَا یُحَدِّثَنَّ بِهِ أَحَداً.

و أما رؤیة الإنسان للنبی صلی اللّٰه علیه و آله أو لأحد الأئمة علیهم السلام فی المنام فإن ذلك عندی علی ثلاثة أقسام قسم أقطع علی صحته و قسم أقطع علی بطلانه و قسم أجوز فیه الصحة و البطلان فلا أقطع فیه علی حال فأما الذی أقطع علی صحته فهو كل منام رأی فیه النبی صلی اللّٰه علیه و آله أو أحد الأئمة علیهم السلام و هو الفاعل لطاعة أو آمر بها و ناه عن معصیة(2) أو مبین لقبحها و قائل لحق أو داع إلیه و زاجر عن باطل أو ذام لمن هو علیه و أما الذی أقطع علی بطلانه فهو كل ما كان ضد ذلك لعلمنا أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله و الإمام علیه السلام صاحبا حق و صاحب الحق بعید عن الباطل و أما الذی أجوز فیه الصحة و البطلان فهو المنام الذی یری فیه النبی و الإمام علیه السلام و لیس هو آمرا و لا ناهیا و لا علی حال یختص بالدیانات مثل أن یراه راكبا أو ماشیا أو جالسا و نحو ذلك و أما الخبر الذی

یُرْوَی عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ رَآنِی فَقَدْ رَآنِی فَإِنَّ الشَّیْطَانَ لَا یَتَشَبَّهُ بِی.

فإنه إذا كان المراد به المنام یحمل علی التخصیص دون أن یكون فی كل حال و یكون المراد به القسم الأول من الثلاثة الأقسام لأن الشیطان لا یتشبه بالنبی صلی اللّٰه علیه و آله فی شی ء من الحق و الطاعات و أما مَا رُوِیَ عَنْهُ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ رَآنِی نَائِماً رَآنِی یَقْظَانَ.

فإنه یحتمل وجهین أحدهما أن یكون المراد به رؤیة المنام و یكون خاصا كالخبر الأول علی القسم الذی قدمناه و الثانی أن یكون أراد به رؤیة الیقظة دون المنام و یكون قوله نائما حالا للنبی و لیست حالا لمن رآه فكأنه قال من رآنی و أنا نائم فكأنما رآنی و أنا منتبه و الفائدة فی هذا المقال أن یعلمهم بأنه یدرك فی الحالتین إدراكا واحدا فیمنعهم ذلك إذا حضروا عنده و هو نائم

ص: 211


1- 1. بأحدكم( ظ).
2- 2. فی أكثر النسخ« معصیته».

أن یفیضوا فیما لا یحسن أن یذكروه بحضرته و هو منتبه

وَ قَدْ رُوِیَ عَنْهُ علیه السلام: أَنَّهُ غَفَا ثُمَّ قَامَ یُصَلِّی مِنْ غَیْرِ تَجْدِیدِ وُضُوءٍ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّی لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ تَنَامُ عَیْنَایَ وَ لَا یَنَامُ قَلْبِی.

و جمیع هذه الروایات أخبار آحاد فإن سلمت فعلی هذا المنهاج و قد كان شیخی رحمه اللّٰه یقول إذا جاز من بشر أن یدعی فی الیقظة أنه إله كفرعون و من جری مجراه مع قلة حیلة البشر و زوال اللبس فی الیقظة فما المانع من أن یدعی إبلیس عند النائم بوسوسة له أنه نبی مع تمكن إبلیس مما لا یتمكن منه البشر و كثرة اللبس المعترض فی المنام و مما یوضح لك أن من المنامات التی یتخیل للإنسان أنه قد رأی فیها رسول اللّٰه و الأئمة منها ما هو حق و منها ما هو باطل أنك تری الشیعی یقول رأیت فی

المنام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و معه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام و هو یأمرنی بالاقتداء به دون غیره و یعلمنی أنه خلیفته من بعده و أن أبا بكر و عمر و عثمان ظالموه و أعداؤه و ینهانی عن موالاتهم و یأمرنی بالبراءة منهم و نحو ذلك مما یختص بمذهب الشیعة ثم یری الناصبی یقول رأیت رسول اللّٰه فی النوم و معه أبو بكر و عمر و عثمان و هو یأمرنی بمحبتهم و ینهانی عن بغضهم و یعلمنی أنهم أصحابه فی الدنیا و الآخرة و أنهم معه فی الجنة و نحو ذلك مما یختص بمذهب الناصبیة فنعلم لا محالة أن أحد المنامین حق و الآخر باطل فأولی الأشیاء أن یكون الحق منهما ما ثبت الدلیل فی الیقظة علی صحة ما تضمنه و الباطل ما أوضحت الحجة عن فساده و بطلانه و لیس یمكن الشیعی أن یقول للناصبی إنك كذبت فی قولك إنك رأیت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لأنه یقدر أن یقول له مثل هذا بعینه و قد شاهدنا ناصبیا یتشیع و أخبرنا فی حال تشیعه بأنه یری منامات بالضد مما كان یراه فی حال نصبه فبان بذلك أن أحد المنامین باطل و أنه من نتیجة حدیث النفس أو من وسوسة إبلیس و نحو ذلك و أن المنام الصحیحة(1) هو لطف من اللّٰه تعالی بعبده علی المعنی المتقدم

ص: 212


1- 1. كذا.

وصفه و قولنا فی المنام الصحیح إن الإنسان رأی فی نومه النبی صلی اللّٰه علیه و آله إنما معناه أنه كان قد رآه و لیس المراد به التحقق فی اتصال شعاع بصره بجسد النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أی بصر یدرك به فی حال نومه و إنما هی معانی تصورت و فی نفسه تخیل له فیها أمر لطف اللّٰه تعالی له به قام مقام العلم و لیس هذا بمناف للخبر الذی روی من قوله من رآنی فقد رآنی لأن معناه فكأنما رآنی و لیس یغلط فی هذا المكان إلا من لیس له من عقله اعتبار قال المازری من العامة فی شرح قول النبی الرؤیا من اللّٰه و الحلم من الشیطان مذهب أهل السنة فی حقیقة الرؤیا أن اللّٰه تعالی یخلق فی قلب النائم اعتقادات كما یخلقها فی قلب الیقظان و هو سبحانه و تعالی یَفْعَلُ ما یَشاءُ لا یمنعه النوم و الیقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما علی أمور أخر یخلقها فی ثانی الحال أو كان قد خلقها فإذا خلق فی قلب النائم الطیران و لیس بطائر فأكثر ما فیه أنه اعتقد أمرا علی خلاف ما هو فیكون ذلك الاعتقاد علما علی غیره كما یكون خلق اللّٰه تعالی الغیم علما علی المطر و الجمیع خلق اللّٰه تعالی و لكن یخلق الرؤیا و الاعتقادات التی جعلها علما علی ما یسر بغیر حضرة الشیطان و خلق ما هو علم علی ما یضر بحضرة الشیطان فنسب إلی الشیطان مجازا لحضوره عندها و إن كان لا فعل له حقیقة.

و قال البغوی فی شرح السنة لیس كل ما یراه الإنسان صحیحا و یجوز تعبیره بل الصحیح ما كان من اللّٰه یأتیك به ملك الرؤیا من نسخة أم الكتاب و ما سوی ذلك أضغاث أحلام لا تأویل لها و هی علی أنواع قد تكون من فعل الشیطان یلعب بالإنسان أو یریه ما یحزنه و له مكاید یحزن بها بنی آدم كما قال تعالی إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ لِیَحْزُنَ الَّذِینَ آمَنُوا و من لعب الشیطان به الاحتلام الذی یوجب الغسل فلا یكون له تأویل و قد یكون من حدیث النفس كما یكون فی أمر أو حرفة یری نفسه فی ذلك الأمر و العاشق یری معشوقه و نحوه و قد یكون من مزاج الطبیعة كمن غلب علیه الدم یری الفصد و الحجامة و الحمرة و الرعاف و الریاحین و المزامیر و النشاط و نحوه و من غلب علیه الصفراء یری النار و

ص: 213

الشمع و السراج و الأشیاء الصفر و الطیران فی الهواء و نحوه و من غلب علیه السوداء یری الظلمة و السواد و الأشیاء السود و صید الوحش و الأحوال و الأموات و القبور و المواضع الخربة و كونه فی مضیق لا منفذ له أو تحت ثقل و نحوه و من غلب علیه البلغم یری البیاض و المیاه و الأنداء و الثلج و الوحل فلا تأویل لشی ء منها.

و قال السید المرتضی رحمه اللّٰه فی كتاب الغرر و الدرر فی جواب سائل سأله ما القول فی المنامات أ صحیحة هی أم باطلة و مِن فعل مَن هی و ما وجه صحتها فی الأكثر و ما وجه الإنزال عند رؤیة المباشرة فی المنام و إن كان فیها صحیح و باطل فما السبیل إلی تمییز أحدهما من الآخر.

الجواب اعلم أن النائم غیر كامل العقل لأن النوم ضرب من السهو و السهو ینفی العلوم و لهذا یعتقد النائم الاعتقادات الباطلة لنقصان عقله و فقد علومه و جمیع المنامات إنما هی اعتقادات یبتدئها(1)

النائم فی نفسه و لا یجوز أن تكون من فعل غیره فیه لأن من عداه من المحدثین سواء كانوا بشرا أو ملائكة أو جنا أجسام و الجسم لا یقدر أن یفعل فی غیره اعتقادا ابتداء بل و لا شیئا من الأجناس علی هذا الوجه و إنما یفعل ذلك فی نفسه علی سبیل الابتداء و إنما قلنا إنه لا یفعل فی غیره جنس الاعتقادات متولدا لأن الذی یعدی الفعل من محل القدرة إلی غیرها من الأسباب إنما هو الاعتمادات و لیس فی جنس الاعتمادات ما یولد الاعتقادات و لهذا لو اعتمد أحدنا علی قلب غیره الدهر الطویل ما تولد فیه شی ء من الاعتقادات و قد بین ذلك و شرح فی مواضع كثیرة و القدیم تعالی هو القادر أن یفعل فی قلوبنا ابتداء من غیر سبب أجناس الاعتقادات و لا یجوز أن یفعل فی قلب النائم اعتقادا لأن أكثر اعتقادات النائم جهل و یتأول الشی ء علی خلاف ما هو به لأنه یعتقد أنه یری و یمشی و أنه راكب و علی صفات كثیرة و كل ذلك علی خلاف ما هو به و هو تعالی لا یفعل الجهل فلم یبق إلا أن الاعتقادات كلها من جهة النائم و قد ذكر فی المقالات أن المعروف بصالح قبة كان یذهب إلی أن ما یراه النائم فی منامه علی الحقیقة و هذا جهل منه

ص: 214


1- 1. فی أكثر النسخ« یبتدئ بها».

یضاهی جهل السوفسطائیة لأن النائم یری أن رأسه مقطوع و أنه قد مات و أنه قد صعد إلی السماء و نحن نعلم ضرورة خلاف ذلك كله و إذا جاز عند صالح هذا أن یعتقد الیقظان فی السراب أنه ماء و فی المردی (1) إذا كان فی الماء أنه مكسور و هو علی الحقیقة صحیح لضرب من الشبهة و اللبس فألا جاز ذلك فی النائم و هو من الكمال أبعد و من النقص أقرب.

و ینبغی أن یقسم ما یتخیل النائم أنه یراه إلی أقسام ثلاثة منها ما یكون من غیر سبب یقتضیه و لا داع یدعو إلیه اعتقادا مبتدأ و منها ما یكون من وسواس الشیطان یفعل فی داخل سمعه كلاما خفیا یتضمن أشیاء مخصوصة فیعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنه یراه فقد نجد كثیرا من النیام یسمعون حدیث من یتحدث بالقرب منها فیعتقدون أنهم یرون ذلك الحدیث فی منامهم و منها ما یكون سببه و الداعی إلیه خاطرا یفعله اللّٰه تعالی أو یأمر بعض الملائكة بفعله و معنی هذا الخاطر أن یكون كلاما یفعل فی داخل السمع فیعتقد النائم أیضا أنه ما یتضمن ذلك الكلام و المنامات الداعیة إلی الخیر و الصلاح فی الدین یجب أن تكون إلی هذا الوجه مصروفة كما أنما یقتضی الشر منها الأولی أن تكون إلی وسواس الشیطان مصروفة و قد یجوز علی هذا فی ما یراه النائم

فی منامه ثم یصح ذلك حتی یراه فی یقظته علی حد ما یراه فی منامه و فی كل منام یصح تأویله أن یكون سبب صحته أن اللّٰه تعالی یفعل كلاما فی سمعه لضرب من المصلحة بأن شیئا یكون أو قد كان علی بعض الصفات فیعتقد النائم أن الذی یسمعه هو یراه فإذا صح تأویله علی ما یراه فما ذكرناه إن لم یكن مما یجوز أن تتفق فیه الصحة اتفاقا فإن فی المنامات ما یجوز أن یصح بالاتفاق و ما یضیق فیه مجال نسبته إلی الاتفاق فهذا الذی ذكرناه یمكن أن یكون وجها فیه.

فإن قیل أ لیس قد قال أبو علی الجبائی فی بعض كلامه فی المنامات إن الطبائع لا یجوز أن تكون مؤثرة فیها لأن الطبائع لا یجوز علی المذاهب الصحیحة أن تؤثر فی شی ء و إنه غیر ممتنع مع ذلك أن یكون بعض المآكل یكثر عندها المنامات بالعادة كما أن فیها ما یكثر عنده بالعادة تخییل الإنسان و هو مستیقظ ما لا

ص: 215


1- 1. خشبة یدفع بها الملاح السفینة.

أصل له قلنا قد قال ذلك أبو علی و هو خطأ لأن تأثیرات المآكل بمجری العادة علی المذاهب الصحیحة إذا لم تكن مضافة إلی الطبائع فهو من فعل اللّٰه تعالی فكیف نضیف التخیل الباطل و الاعتقاد الفاسد إلی فعل اللّٰه تعالی فأما المستیقظ الذی استشهد به فالكلام فیه و الكلام فی النائم واحد و لا یجوز أن نضیف التخیل الباطل إلی فعل اللّٰه تعالی فی نائم و لا یقظان فأما ما یتخیل من الفاسد و هو غیر نائم فلا بد من أن یكون ناقص العقل فی الحال و فاقد التمییز بسهو و ما یجری مجراه فیبتدئ اعتقاد الأصل له كما قلناه فی النائم.

فإن قیل فما قولكم فی منامات الأنبیاء علیهم السلام و ما السبب فی صحتها حتی عد ما یرونه فی المنام مضاهیا لما یسمعونه من الوحی.

قلنا الأخبار الواردة بهذا الجنس غیر مقطوع علی صحتها و لا هی مما توجب العلم و قد یمكن أن یكون اللّٰه تعالی أعلم النبی بوحی یسمعه من الملك علی الوجه الموجب للعلم أنی سأریك فی منامك فی وقت كذا ما یجب أن تعمل علیه فیقطع علی صحته من هذا الوجه لا بمجرد رؤیته له فی المنام و علی هذا الوجه یحمل منام إبراهیم علیه السلام فی ذبح ابنه و لو لا ما أشرنا إلیه كیف كان یقطع إبراهیم علیه السلام بأنه متعبد بذبح ولده.

فإن قیل فما تأویل ما یروی عنه علیه السلام من قوله من رآنی فقد رآنی فإن الشیطان لا یتخیل بی و قد علمنا أن المحق و المبطل و المؤمن و الكافر قد یرون النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی النوم و یخبر كل واحد منهم عنه بضد ما یخبر به الآخر فكیف یكون رائیا له فی الحقیقة مع هذا.

قلنا هذا خبر واحد ضعیف من أضعف أخبار الآحاد و لا معول علی مثل ذلك علی أنه یمكن مع تسلیم صحته أن یكون المراد به من رآنی فی الیقظة فقد رآنی علی الحقیقة لأن الشیطان لا یتمثل بی للیقظان فقد قیل إن الشیطان ربما تمثلت بصورة البشر و هذا التشبیه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر لأنه قال من رآنی فقد رآنی فأثبت غیره رائیا له و نفسه مرئیة و فی النوم لا رائی له فی الحقیقة و لا

ص: 216

مرئی و إنما ذلك فی الیقظة و لو حملناه علی النوم لكان تقدیر الكلام من اعتقد أنه یرانی فی منامه و إن كان غیر راء له علی الحقیقة فهو فی الحكم كأنه قد رآنی و هذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر و تبدیل لصیغته و هذا الذی رتبناه فی المنامات و قسمناه أسد تحقیقا من كل شی ء قیل فی أسباب المنامات و ما سطر فی ذلك معروف غیر محصل و لا محقق فأما ما یهذی إلیه الفلاسفة فی هذا الباب فهو مما یضحك الثكلی لأنهم ینسبون ما صح من المنامات لما أعیتهم الحیل فی ذكر سببه إلی أن النفس اطلعت إلی عالمها فأشرفت علی ما یكون و هذا الذی یذهبون إلیه فی حقیقة النفس غیر مفهوم و لا مضبوط فكیف إذا أضیف (1) إلیه الاطلاع علی عالمها و ما هذا الاطلاع و إلی أی شی ء یشیرون بعالم النفس و لم یجب أن تعرف الكائنات عند هذا الاطلاع فكل هذا زخرفة و مخرقة و تهاویل لا یتحصل منها شی ء و قول صالح قبة مع أنه تجاهل محض أقرب إلی أن یكون مفهوما من قول الفلاسفة لأن صالحا ادعی أن النائم یری علی الحقیقة ما لیس یراه فلم یشر إلی أمر غیر معقول و لا مفهوم بل ادعی ما لیس بصحیح و إن كان مفهوما و هؤلاء عولوا علی ما لا یفهم مع الاجتهاد و لا یعقل مع قوة التأمل و الفرق بینهما واضح.

فأما سبب الإنزال فیجب أن یبنی علی شی ء یحقق سبب الإنزال فی الیقظة مع الجماع لیس هذا مما یهذی به أصحاب الطبائع لأنا قد بینا فی غیر موضع أن الطبع لا أصل له و أن الإحالة فیه علی سراب لا یتحصل و إنما سبب الإنزال أن اللّٰه تعالی أجری العادة بأن یخرج هذا الماء من الظهر عند اعتقاد النائم أنه یجامع و إن كان هذا الاعتقاد باطلا(2) انتهی كلامه قدس اللّٰه روحه.

و لنكتف بذكر هذه الأقوال و لا نشتغل بنقدها و تفصیلها و لا بردها و تحصیلها لأن ذلك مما یؤدی إلی التطویل الخارج عن المقصود فی الكتاب و لنذكر ما ظهر لنا فی هذا الباب من الأخبار المنتمیة إلی الأئمة الأخیار علیهم السلام فهو أن الرؤیا تستند إلی أمور شتی.

ص: 217


1- 1. فی أكثر النسخ« ضیف».
2- 2. الأمالی ج 2 ص 392- 395.

فمنها أن للروح فی حالة النوم حركة إلی السماء إما بنفسها بناء علی تجسمها كما هو الظاهر من الأخبار أو بتعلقها بجسد مثالی إن قلنا به فی حال الحیاة أیضا بأن یكون للروح جسدان أصلی و مثالی یشتد تعلقها فی حال الیقظة بهذا الجسد الأصلی و یضعف تعلقها بالآخر و ینعكس الأمر فی حال النوم أو بتوجهها و إقبالها إلی عالم الأرواح بعد ضعف تعلقها بالجسد بنفسها من غیر جسد مثالی و علی تقدیر التجسم أیضا یحتمل ذلك كما یومئ إلیه بعض الأخبار بأن یكون حركتها كنایة عن إعراضها عن هذا الجسد و إقبالها إلی عالم آخر و توجهها إلی نشأة أخری و بعد حركتها بأی معنی كانت تری أشیاء فی الملكوت الأعلی و تطالع بعض الألواح التی أثبتت فیها التقدیرات فإن كان لها صفاء و لعینها ضیاء یری الأشیاء كما أثبتت فلا تحتاج رؤیاه إلی تعبیر و إن استدلت علی عین قلبه أغطیة أرماد التعلقات الجسمانیة و الشهوات النفسانیة فیری الأشیاء بصور شبیهة لها كما أن ضعیف البصر و مؤف العین یری الأشیاء علی غیر ما هی علیه و العارف بعلته (1)

یعرف أن هذه الصورة المشبهة التی اشتبهت علیه صورة لأی شی ء فهذا شأن المعبر العارف بداء كل شخص و علته و یمكن أیضا أن یظهر اللّٰه علیه الأشیاء فی تلك الحالة بصور یناسبها لمصالح كثیرة كما أن الإنسان قد یری المال فی نوم بصورة حیة و قد یری الدراهم بصورة عذرة لیعرف أنهما یضران و هما

مستقذران واقعا فینبغی أن یتحرز عنهما و یجتنبهما و قد تری فی الهواء أشیاء فهی الرؤیا الكاذبة التی لا حقیقة لها و یحتمل أن یكون المراد بما یراه فی الهواء ما أنس به من الأمور المألوفة و الشهوات و الخیالات الباطلة و قد مضی ما یدل علی هذین النوعین فی روایة محمد بن القاسم و روایة معاویة بن عمار و غیرهما.

و منها ما هو بسبب إفاضة اللّٰه تعالی علیه فی منامه إما بتوسط الملائكة أو بدونه كما یومئ إلیه خبر أبی بصیر و سعد بن أبی خلف.

و منها ما هو بسبب وسواس الشیطان و استیلائه علیه بسبب المعاصی التی عملها فی الیقظة أو الطاعات التی تركها فیها أو الكثافات و النجاسات الظاهریة و الباطنیة التی

ص: 218


1- 1. بعقله( خ).

لوث نفسه بها كما مر فی روایة هزع و روایة تارك الزكاة و غیرهما و تدل علیه آیة النجوی علی بعض الوجوه.

و منها ما هو بسبب ما بقی فی ذهنه من الخیالات الواهیة و الأمور الباطلة و یومئ إلیه خبر ابن أبی خلف و غیره.

و أما ما وراء ذلك مما سبق ذكره و إن كان بعضها محتملا و یمكن تطبیق الآیات و الأخبار علیه لكن لم یدل علیه دلیل و التجویز و الإمكان لا یقومان مقام البرهان مع أنه لیس من الأمور التی یجب تحقیقها و الإذعان بكیفیتها.

خاتمة

نورد فیها بعض ما ذكره أرباب التعبیر و التأویل و إن لم یكن لأكثرها مأخذ یصلح للتعویل.

قال بعضهم السحاب حكمة فمن ركبه علا فی الحكمة و إن أصاب منها شیئا أصاب حكمة و إن خالطه و لم یصب شیئا خالط الحكماء فإن كان فی السحاب سواد أو ظلمة أو ریاح أو شی ء من هیئته العذاب فهو عذاب و إن كان فیه غیث فهو رحمة و السمن و العسل قد یكون مالا فی التأویل و قد یكون علما و حكمة روی أن رجلا سأل ابن سیرین قال رأیت كأنی ألعق عسلا من جام من جوهر فقال اتق اللّٰه و عاود القرآن فقد قرأته ثم نسیته.

و العلو إلی السماء رفعة قال تعالی وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِیًّا(1) و من رأی أنه صعد السماء و دخلها نال شرفا و ذكرا و شهادة.

و الطیران فی الهواء عزم سفر أو نیل شرف و قال بعضهم من رأی أنه یطیر فإن كان إلی جهة السماء من غیر تعریج ناله ضرر و إن غاب فی السماء و لم یرجع مات و إن رجع أفاق من مرضه و إن كان یطیر عرضا سافر و نال رفعة بقدر طیرانه و إن كان بجناح فهو مال و سلطان یسافر فی كنفه و إن كان بغیر جناح دل علی التعزیر فی ما

ص: 219


1- 1. مریم: 57.

یدخل (1)

فیه و قالوا إن الطیران للشرار دلیل ردی و الحبل العهد و الأمان لقوله تعالی وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً(2) و اعلم أن التأویل قد یكون بدلالة كتاب أو سنة أو من الأمثال السائرة بین الناس و قد یقع التأویل علی الأسماء و المعانی و قد یقع علی الضد فالتأویل بدلالة القرآن كالحبل یعبر بالعهد كما مر و السفینة بالنجاة قال تعالی فَأَنْجَیْناهُ وَ أَصْحابَ السَّفِینَةِ(3) و الخشبة بالنفاق لقوله تعالی كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ(4) و الحجارة بالقسوة لقوله تعالی أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً(5) و المرض بالنفاق لقوله فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (6) و الماء بالفتنة فی حال لقوله لَأَسْقَیْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ (7) و أكل اللحم النی بالغیبة لقوله أَ یُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ یَأْكُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً(8) و دخول الملك محلة أو بلدا أو دارا یصغر عن قدره و ینكر دخول مثله مثلها یعبر بمصیبة و ذل ینال أهله لقوله إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوها(9) و البیض بالنساء لقوله كَأَنَّهُنَّ بَیْضٌ مَكْنُونٌ (10) و كذلك اللباس لقوله هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ (11) و استفتاح الباب بالدعاء لقوله إِنْ تَسْتَفْتِحُوا(12) أی تدعوا.

و التأویل بدلالة الحدیث كالغراب بالرجل الفاسق لأن النبی صلی اللّٰه علیه و آله سماه فاسقا و الفأرة بالمرأة الفاسقة لأنه صلی اللّٰه علیه و آله سماه فویسقة و الضلع بالمرأة

لِقَوْلِهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ.

و القواریر بالنساء

لِقَوْلِهِ صلی اللّٰه علیه و آله: رُوَیْدَكَ سَوْقاً بِالْقَوَارِیرِ.

و التأویل بالأمثال كالصائغ بالكذاب لقولهم أكذب الناس الصواغون و حفر الحفرة بالمكر لقولهم من حفر حفرة لأخیه وقع فیها قال تعالی وَ لا یَحِیقُ

ص: 220


1- 1. یدخله فیه( خ).
2- 2. آل عمران: 103.
3- 3. العنكبوت: 15.
4- 4. المنافقون: 4.
5- 5. البقرة: 74.
6- 6. البقرة: 10.
7- 7. الجن: 16.
8- 8. الحجرات: 12.
9- 9. النمل: 34.
10- 10. الصافّات: 49.
11- 11. البقرة: 187.
12- 12. الأنفال: 19.

الْمَكْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (1) و الحاطب بالنمام لقولهم لمن نم و وشی إنه یحطب علیه و فسروا قوله حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (2) بالنمیمة و طول الید بصنائع المعروف لقولهم فلان أطول یدا من فلان و یعبر الرمی بالحجارة و السهم بالقذف لقولهم رمی فلانا بفاحشة قال اللّٰه تعالی وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ (3) و غسل الید بالیأس عما یؤمل (4) لقولهم غسلت یدی عنك و التأویل بالأسامی كمن رأی من یسمی راشدا یعبر بالرشد و سالما بالسلامة

وَ رُوِیَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: رَأَیْتُ ذَاتَ لَیْلَةٍ فِیمَا یَرَی النَّائِمُ كَأَنَّا فِی دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ فَأُتِینَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابٍ فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِی الدُّنْیَا وَ الْعَافِیَةَ فِی الْآخِرَةِ وَ أَنَّ دِینَنَا قَدْ طَابَ.

و قال ابن سیرین نوی التمر نیة السفر و قد یعبر السفرجل بالسفر إذا لم یكن فی الرؤیا ما یدل علی المرض و السوسن بالسوء لأن أوله سوء إذا عدل به مما ینسب إلیه فی التأویل.

و التأویل بالمعنی كالأترج یعبر بالنفاق لمخالفة باطنه ظاهره إذا لم یكن فی الرؤیا ما یدل علی المال و كالورد و النرجس بقلة البقاء إن عدل به عما نسب إلیه لسرعة ذهابه و الآس بالبقاء لأنه یدوم روی أن امرأة بالأهواز رأت كأن زوجها ناولها نرجسا و ناول ضرتها آسا فقال المعبر یطلقك و یتمسك بضرتك أ ما سمعت قول الشاعر

لیس للنرجس عهد إنما العهد للآس.

و أما التأویل بالضد فكما أن الخوف یعبر بالأمن لقوله وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً(5) و الأمن بالخوف و البكاء بالفرح إذا لم یكن معه رنة و الضحك بالحزن إلا أن یكون تبسما و الطاعون بالحرب و الحرب بالطاعون و العجلة بالندم و الندم بالعجلة و العشق بالجنون و الجنون بالعشق و النكاح بالتجارة و التجارة بالنكاح و الحجامة بكتبة الصك و الصك بالحجامة و التحول عن المنزل بالسفر

ص: 221


1- 1. فاطر: 43.
2- 2. المسد: 4.
3- 3. النور: 4.
4- 4. یأمل( خ).
5- 5. النور: 55.

و السفر بالتحول عن المنزل و من هنا أن العطش خیر من الری و الفقر من الغنی و المضروب و المجروح و المقذوف أحسن حالا من الفاعل.

و قد یتغیر بالزیادة و النقصان كالبكاء إنه فرح و إن كان معه صوت و رنة فمصیبة و فی الضحك إنه حزن فإن كان تبسما فصالح و فی الجوز مال مكنون فإن سمعت له قعقعة فهو خصومة و الدهن فی الرأس زینة فإن سال عن الوجه فهو غم و الزعفران ثناء حسن فإن ظهر له لون فهو مرض أو هم و المریض یخرج من منزله و لا یتكلم فهو موته فإن تكلم برأ و الفأر نساء فإن اختلفت ألوانها إلی البیض و السود فهی الأیام و اللیالی و السمك نساء فإذا عرف عددها فإن كثر فغنیمة.

و قد یتغیر التأویل عن أصله باختلاف حال الرائی كالغل فی النوم مكروه و هو فی حق الرجل الصالح قبض الید عن الشر و قال ابن سیرین نقول فی الرجل یخطب علی المنبر یصیب سلطانا فإن لم یكن من أهله یصلب و سأل رجل ابن سیرین عن الأذان فقال الحج و سأله آخر فأول بقطع السرقة و قال رأیت الأول فی سیماء حسنة فتأولت وَ أَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِ (1) و لم أرض هیئة الثانی فأولت ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (2)

و قد یری فیصیبه عین ما رأی حقیقة من ولایة أو حج أو قدوم غائب أو خیر أو نكبة و قد رأی النبی صلی اللّٰه علیه و آله عام الفتح فكان كذلك قال تعالی لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْیا(3) و روی الزهری عن ابن خزیمة بن ثابت عن عمه أن خزیمة رأی أنه سجد علی جبهة النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأخبره فاضطجع له و قال صدق رؤیاك فسجد علی جبهته و قد یری فی المنام الشی ء فیكون لولده أو قریبه أو سمیه فقد أری [رأی] النبی صلی اللّٰه علیه و آله متابعة أبی جهل معه فكان لابنه عكرمة فلما أسلم قال صلی اللّٰه علیه و آله هو هذا و رأی لأسید بن العاص ولایة مكة فكان لابنه عتاب ولاه النبی صلی اللّٰه علیه و آله مكة و روی البخاری بإسناده عن ابن سیرین عن قیس بن عباد قال كنت جالسا فی مسجد المدینة فی ناس فیهم بعض أصحاب النبی صلی اللّٰه علیه و آله فدخل

ص: 222


1- 1. الحجّ: 27.
2- 2. یوسف: 70.
3- 3. الفتح: 27.

رجل علی (1)

وجهه أثر الخشوع فقال بعض القوم هذا رجل من أهل الجنة فصلی ركعتین تجوز فیهما ثم خرج و تبعته فقلت له إنك حین دخلت المسجد قالوا هذا من أهل الجنة قال و اللّٰه ما ینبغی لأحد أن یقول ما لا یعلم و سأحدثك بم ذاك رأیت رؤیا علی عهد النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقصصتها علیه رأیت كأنی فی روضة ذكر من سعتها و خضرتها فی وسطها عمود من حدید أسفله فی الأرض و أعلاه فی السماء و أعلاه عروة فقیل لی ارقه قلت لا أستطیع فأتانی منصف فرفع ثیابی من خلفی فرقیت حتی كنت فی أعلاها فأخذت بالعروة فقیل استمسك فاستیقظت و إنها لفی یدی فقصصتها علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقال تلك الروضة الإسلام و ذلك العمود عمود الإسلام و تلك العروة العروة الوثقی فأنت علی الإسلام حتی تموت و الرجل عبد اللّٰه بن سلام.

قال فی النهایة فی الحدیث تجوزوا فی الصلاة أی خففوها و أسرعوا بها و قیل إنه من الجواز القطع و السیر و قال المنصف بكسر المیم الخادم و قد یفتح.

و قال فی شرح السنة من رأی فی النوم أنه قد صعد السماء فدخلها نال شرفا و ذكرا و نال الشهادة فإن رأی نفسه فیها لا یدری متی صعد إلیها فهو شرف معجل و شهادة مؤجلة و الشمس ملك عظیم و من رأی فیها من تغیر أو كسوف فهو حدث بالملك من هم أو مرض أو نحوه و القمر وزیر الملك فی التأویل و الزهرة امرأته و عطارد كاتبه و المریخ صاحب حربه و زحل صاحب عذابه و المشتری صاحب ماله و سائر النجوم العظام أشراف الناس و إنما یكون القمر وزیرا ما رئی فی السماء فإن رآه عنده أو فی حجره أو فی بیته تزوج زوجا یغلب ضوؤه رجلا كان أو امرأة و كانت الشمس فی تأویل رؤیا یوسف أباه و القمر أمه أو خالته و الكواكب الأحد عشر إخوته كما قال تعالی وَ رَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَی الْعَرْشِ الآیة(2)

و كان رؤیاه فی صباه فظهر تأویلها بعد أربعین سنة و یقال بعد ثمانین سنة. و روی أن ابن سیرین رأی فی المنام كأن الجوزاء تقدمت الثریا فأخذ فی

ص: 223


1- 1. فی( خ).
2- 2. یوسف: 100.

الوصیة و قال یموت الحسن و أموت بعده و هو أشرف منی و سأل رجل ابن سیرین فقال رأیت كأنی أطیر بین السماء و الأرض فقال أنت رجل كثیر المنی و قالوا من رأی القیامة قد قامت فی موضع فإن العدل یبسط فی ذلك المكان فإن كانوا مظلومین نصروا و إن كانوا ظالمین انتقم منهم لأنه العدل و یوم القیامة یوم الفصل و العدل قال تعالی وَ نَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَةِ(1) و من رأی دخل الجنة فهو البشری من اللّٰه بالجنة فإن أكل شیئا من ثمارها أو أصابها فهو خیر یناله فی دینه و دنیاه و علم ینتفع به فإن أعطاها غیره ینتفع بعلمه غیره و دخول جهنم إنذار للعاصی لیتوب فإن رأی أنه تناول شیئا من طعامها أو شرابها فهو خلاف أعمال البر منه أو علم یصیر علیه وبالا و الغسل و الوضوء بالماء البارد توبة و شفاء من المرض و خروج من الحبس و قضاء للدین و أمن من الخوف غیر أن الغسل أقوی من الوضوء قال تعالی لأیوب ع هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ (2) فلما اغتسل خرج من المكاره و الغسل و الوضوء بالماء المسخن همّ أو مرض و الأذان حج لقوله تعالی وَ أَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِ (3) و ربما كان سلطانا فی الدین و قوة و الصلاة فی النوم استقامة الرأی فی الدین و السنة إذا كانت إلی الكعبة و الإمامة رئاسة و ولایة إن استقامت قبلته و تمت صلاته و الركوع توبة لقوله تعالی خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ (4) و السجود قربة لقوله تعالی وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ (5) و إن صلی منحرفا عن سمت القبلة شرقا أو غربا فانحراف عن السنة فإن جعلها وراء ظهره فهو نبذه الإسلام لقوله تعالی فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ (6) فإن رأی أنه لا یعرف القبلة فهو حیرة منه فی الدین و من رأی نفسه فوق الكعبة فلا دین له و الكعبة الإمام العادل فمن أم الكعبة فقد أم الإمام و المسجد الجامع هو السلطان و من رأی نفسه بالكعبة أو یأتی بشی ء من المناسك فهو صلاح فی دینه بقدر عمله و دخول الحرم أمن لقوله وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً(7)

ص: 224


1- 1. الأنبیاء: 47.
2- 2. ص: 42.
3- 3. الحجّ: 27.
4- 4. ص: 24.
5- 5. العلق: 20.
6- 6. آل عمران: 185.
7- 7. آل عمران: 91.

و الأضحیة فك الرقبة فمن ضحی و كان عبدا أعتق و إن كان أسیرا نجا أو خائفا أمن أو مدیونا قضی دینه أو مریضا شفاه اللّٰه أو صرورة حج.

و قال من رأی فی المنام أنه تزوج امرأة عاینها أو عرفها أو نسبت إلیه أصاب سلطانا و إن تزوج امرأة لم یعاینها و لم یعرفها و لم تنسب إلیه إلا أنه یسمی عروسا فهو موته أو یقتل إنسانا و من طلق امرأة عزل عن سلطنته و من تزوج امرأة میتة ظفر بأمر میت و من رأی أنه نكح امرأة من محارمها یصل رحمها و من أصاب زانیة أصاب دنیا حراما فإن رآه رجل من الصالحین أصاب علما فإن رأت امرأة أنها تزوجت أصابت خیرا فإن رأت أن زانیا نكحها فهو نقصان مالها و تشتت أمرها.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: رَأَیْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِینَةِ حَتَّی نَزَلَتْ مَهْیَعَةَ فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِینَةِ نُقِلَ إِلَی مَهْیَعَةَ وَ هِیَ الْجُحْفَةُ.

و قال أصحاب التعبیر الرجل المعروف فی النوم هو ذلك الرجل أو سمیه أو نظیره و المجهول إن كان شابا فهو عدو و إن كان شیخا فهو جدة و المرأة العجوزة المجهولة هی الدنیا فإن كانت ذات هیئة و سمت حسن كانت حلالا و إن كانت علی غیر سمت الإسلام كانت دنیا حراما و إن كانت شعثة قبیحة فلا دین و لا دنیا و المرأة سنة و الجاریة خیر و الصبی هم و المرأة الزانیة هی الدنیا لطالب الدنیا و علم لأهل الصلاح و العلم و الخصیان هم الملائكة إذا رآهم فی سمت حسن و سأل رجل ابن سیرین فقال رأیت فی النوم صبیا فی حجری یصیح فقال اتق اللّٰه و لا تضرب بالعود.

فأما الأعضاء فرأس الرجل رئیسه و الوجه جاهه و الشیب وقاره و طول الشعر هم إلا أن یكون ممن یلبس السلاح (1)

فهو له زینة و حلق الرأس كفارة الذنوب إن كان فی حرم أو أیام موسم و إن كان مدیونا أو فی كرب ففرج و إن لم یكن

ص: 225


1- 1. الصلاح( خ).

شیئا منها فهو هتك أو عزل رئیسه و طول اللحیة فوق القدر دین أو هم و خضاب الرأس و اللحیة تغطیة أمر و شعر الشارب و الإبط زیادة مكروهه (1) و نقصانه محمود و الأذن امرأة الرجل و ابنته و السمع و البصر دینه و الصوت صیته فی الناس و ما حدث عن شی ء منه كان ذلك فیما ینسب إلیه و العین دین فإن رأی أنه أعمی ضل عن الإسلام و إن رأی أنه أعور ذهب نصف دینه أو أصاب إثما عظیما و الرمد حدث فی الدین و أشفار العین وقایة الدین و كذا الاكتحال و الجبهة و الأنف من الجاه و الفم مفتاح

أمره و خاتمته و القلب القائم بأمره و مدبره و اللسان ترجمانه و المبلغ عنه و قد یكون حجته و قطعه انقطاع حجته فی المنازعة و قد یكون اللسان ذكره قال تعالی وَ اجْعَلْ لِی لِسانَ صِدْقٍ فِی الْآخِرِینَ (2) و قطع اللسان للنساء محمود یدل علی الستر و الحیاء و الأسنان أهل البیت و القرابات لتقاربها و تلاصقها و الثنایا أقربهم و الأبعد منها أبعدهم و العلیا رجال القرابة و السفلی نساؤها و ما حدث فیها من حسن أو فساد أو كلال ففی القرابة فإن رأی أن أسنانه سقطت فصارت فی یده تكثر نساء أهله فإن سقطت و ذهبت فهو موتهم قبله و العنق موضع الأمانة و الدین و ضعفه عجز عن احتمال الأمانة و الدین و العضد أخ أو ولد قد أدرك و الید أخ و قطعها موته و قد یؤول طول الید بصنائع المعروف و إذا نسبت الید إلی الأخ كانت الأصابع أولادا لأخ و إذا انفردت الأصابع عن ذكر الید فهی الصلوات الخمس و نقصانها حدث فی الصلاة فالإبهام الصبح و السبابة الظهر و الوسطی العصر و البنصر المغرب و الخنصر العشاء و الصدر حلم الرجل و احتماله و الثدی البنت و البطن و الأمعاء مال و ولد فإن رأی ظهور شی ء من أمعائه من جوفه فهو ظهور ماله و الكبد كنز و فی الحدیث یخرج الأرض أفلاذ كبدها أی كنوزها و كذلك الدماغ و المخ و الأضلاع النساء لأن المرأة خلقت من ضلع و الظهر سند الرجل و قوته و من المملوك سیده و

ص: 226


1- 1. فی بعض النسخ« زیادته مكروهة».
2- 2. الشعراء: 84.

الصلب القوة و قد یكون الولد لأن الولد یخرج منه و الذكر ذكره و قد یكون ولده و الخصیتان الأعداء فإن رأی قطعهما ظفر به أعداؤه فإن (1) عظمتا كان منیعا و قد یكون انقطاع الخصیتین انقطاع إناث الولد و الفخذ عشیرة الرجل و قومه و الركبة موضع كده و نصبه فی المعیشة و القروح و البثر و الجراح و الورم فی البدن و الجنون و الجذام كلها مال و البرص مال و كسوة

وَ رُوِیَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَأَلَ عَنْ وَرَقَةَ فَقَالَتْ خَدِیجَةُ إِنَّهُ قَدْ صَدَّقَكَ وَ لَكِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَأَیْتُهُ (2)

فِی الْمَنَامِ وَ عَلَیْهِ ثِیَابٌ بِیضٌ وَ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَكَانَ عَلَیْهِ لِبَاسٌ غَیْرُ ذَلِكَ.

قال المعبرون القمیص علی الرجل دینه علی لسان صاحب الشرع و قد یعبر القمیص بشأنه فی مكسبه و معیشته و ما رأی فی قمیصه صفاقة أو خرق أو وسخ فهو صلاح معیشته أو فساده و السراویل جاریة أعجمیة و الإزار امرأة و أفضل الثیاب ما كان جدیدا صفیقا واسعا و البیاض فی الثیاب جمال فی الدین و الدنیا و الحمرة فی الثیاب صالحة للنساء و تكره للرجال إلا أن تكون فی ملحفة أو إزار أو فراش فهو حینئذ سرور و فرح و الصفرة فی الثیاب مرض و الخضرة حیاة فی الدین لأنها لباس أهل الجنة و السواد سود(3) و سلطان لمن یلبس السواد فی الیقظة و لمن لا یلبسها مكروه و الصوف مال كثیر و البرد من القطن یجمع خیر الدین و الدنیا و أجود البرود الحبرة فإن كان البرد من إبریشم فهو مال حرام و فساد من الدین و القطن و الكتان و الشعر و الوبر كلها مال و العمامة ولایة و الفراش امرأة حرة أو أمة و الوسائد و المرافق و المقادم و المنادیل خدم و السریر سلطان إذا كان ممن یصلح لذلك و إلا فهو شهرة.

و یقال المرأة فضیحة و الستور علی الأبواب هم و حزن و النعل امرأة و خمار

ص: 227


1- 1. و إن( خ).
2- 2. فی أكثر النسخ« اریته».
3- 3. سودد( خ).

المرأة زوجها فإن لم یكن لها زوج فولیها.

وَ رُوِیَ عَنْ أُمِّ الْعَلَا الْأَنْصَارِیَّةِ قَالَتْ: رَأَیْتُ فِی النَّوْمِ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَیْناً تَجْرِی فَقَصَصْتُهَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ ذَاكَ عِلْمُهُ (1).

و قال أصحاب التعبیر الساقیة التی لا یغرق فی مثلها حیاة طیبة و البحر الملك الأعظم فإن استقی منه ماء أصاب من الملك مالا و النهر رجل یقدر(2) عظمته و الماء الصافی إذا شرب خیر و حیاة طیبة و إن كان كدرا أصابه مرض و شرب الماء المسخن و دخول الحمام هم و مرض و الماء الراكد أضعف فی التأویل من الجاری و المطر غیاث و رحمة إن كان عاما و إن كان خاصا فی موضع فهو أوجاع یكون (3) فی ذلك الموضع و الطین و الوحل و الماء الكدر هم و حزن و السیل عدو یتسلط و الثلج و البرد و الجلید هم و عذاب إلا أن یكون الثلج قلیلا فی موضعه و حینه فیكون خصبا لأهل ذلك الموضع و السباحة احتباس أمر و المشی علی الماء قوة نفس و من غمره الماء أصابه هم غالب و الغرق فیه إذا لم یمت غرق فی أمر الدنیا و انفجار العیون من الدار و الحائط و حیث ینكر انفجارها هم و حزن و مصیبة بقدر قوة العین و الخمر مال حرام فإن سكر منها أصاب معه سلطانا و السكر من غیر الشراب خوف و من اعتصر خمرا خدم السلطان و أخصب و جرت علی یده أمور عظام قال تعالی إِنِّی أَرانِی أَعْصِرُ خَمْراً(4) فأوله یوسف بأنه یسقی ربه خمرا و شرب اللبن فطرة و هو یكون مالا حلالا

وَ قَدْ وَرَدَ فِی الْخَبَرِ: أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله أَوَّلَ اللَّبَنَ بِالْعِلْمِ.

و روی أن امرأة رأت فی المنام أنها كانت تحلب حیة فسألت ابن سیرین فقال هذه یدخل علیها أهل الأهواء.

اللبن فطرة و الحیة عدو و لیست من الفطرة فی شی ء و الأشجار رجال أحوالهم

ص: 228


1- 1. فی بعض النسخ« عمله» و هو أظهر.
2- 2. فی بعض النسخ« بقدر».
3- 3. كذا.
4- 4. یوسف: 36.

كأحوال الشجر فی الطبع و النفع و طیب الریح فمن رأی شجرا أو أصاب شیئا من ثمره أصاب من رجل فی مثل حال ذلك الشجر و النخل رجل شریف و التمر مال و شجر الجوز رجل أعجمی شحیح و الجوز نفسه مال مكنون و شجرة السدر رجل شریف و شجرة الزیتون رجل مبارك نفاع و ثمر الزیتون هم و حزن و الكرم و البستان امرأة و العنب الأبیض فی وقته غضارة

الدنیا و خیرها و فی غیر وقته مال یناله قبل وقته الذی یرجوه و الأشجار العظام التی لا ثمر لها كالدلب و الصنوبر إن رأی فهو رجل ضخم بعید الصوت قلیل الخیر و المال و الشجرة ذات الشوك رجل صعب المرام و الصفر من الثمار مثل المشمش و الكمثری و الزعرور الأصفر و نحوها أمراض و الحامض منها هم و حزن و الحبوب كلها مال و الحشیش مال و الزرع عمله فی دینه أو دنیاه و الثوم و البصل و الجزر و الشلجم هم و حزن و الریاحین كلها بكاء و حزن إلا ما یری منها ثابتا فی موضعه من غیر أن یمسه و هو یجد ریحه.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ وَ غَیْرُهُ مِنَ الْمُخَالِفِینَ بِإِسْنَادِهِمْ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: رَأَیْتُ فِی الْمَنَامِ أَنِّی أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَی أَرْضٍ لَهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهْلِی إِلَی أَنَّهَا الْیَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِیَ الْمَدِینَةُ یَثْرِبُ وَ رَأَیْتُ فِی رُؤْیَایَ هَذِهِ أَنِّی هَزَزْتُ سَیْفاً فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِیبُ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَی فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَ اجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَأَیْتُ أَیْضاً فِیهَا بَقَراً وَ اللَّهِ (1) خَیْرٌ فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ أُحُدٍ وَ إِذَا الْخَیْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَیْرِ بَعْدُ وَ ثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِی أَتَانَا اللَّهُ بَعْدَ یَوْمِ بَدْرٍ.

قال فی النهایة وهل إلی الشی ء بالفتح یهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمه إلیه انتهی و ضبطه النووی بالتحریك و قال الوهل بالتحریك معناه الوهم و الاعتقاد و سائر اللغویین علی الأول.

وَ رَوَوْا أَیْضاً عَنْ جَابِرٍ فِی خَبَرِ غَزْوَةِ أُحُدٍ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: رَأَیْتُ كَأَنِّی فِی دِرْعٍ حَصِینَةٍ وَ رَأَیْتُ بَقَراً تُنْحَرُ فَأَوَّلْتُ الدِّرْعَ الْحَصِینَةَ بِالْمَدِینَةِ وَ الْبَقَرَ بَقَرَةً وَ اللَّهِ

ص: 229


1- 1. كذا فی جمیع النسخ، و لعله سقط منه شی ء.

خَیْرٌ. وَ أَوَّلُوا ذَبْحَ الْبَقَرَةِ بِالْمُسْلِمِینَ الَّذِینَ اسْتُشْهِدُوا یَوْمَ أُحُدٍ.

قال ابن حجر هذه اللفظة الأخیرة هی بفتح الموحدة و سكون القاف مصدر بقره بقرا و منهم من ضبطها بفتح النون و الفاء.

و قال أهل التعبیر السیف سلطان فی المنام و إن رآه قد رفعه فوق رأسه نال سلطانا مشهورا و إن لم یكن ممن ینبغی له فهو ولد و كذلك كل من أعطی سكینا أو رمحا أو قوسا لیس معه سلاح فهو ولد و إن كان معه سلاح فهو سلطان و ما حدث فی السیف من انكسار أو ثلمة أو كدورة فهو حدث فیما ینسب السیف إلیه و إن رأی أنه سل سیفا من غمد ولدت امرأته غلاما فإن انكسر السیف فی الغمد مات الولد فإن انكسر الغمد دون السیف ماتت الأم و سلم الولد و الرمی عن القوس نفوذ كتبه فی السلطان (1) بالأمر و النهی و انكسار القوس مصیبة و البقر سنون فإن كانت سمانا كانت مخاصب و إن كانت عجافا كانت مجادب كما فی تأویل یوسف علیه السلام و من ركب ثورا أصاب مالا من عمل السلطان أو استمكن من عامل و إن رأی ثورا من العوامل ذبح و قسم

لحمه فهو موت عامل و قسمة تركته فإن كان من غیر العوامل كان رجلا ضخما و البعیر رجل ضخم و الناقة امرأة و ما رأی أنه راكب بعیر مجهول سافر و إن نزل عنه مرض و إن دخل جماعة من الإبل أرضا دخلها عدو و ربما كان أوجاعا و من رأی أنه یرعی غنما سودا فهو أناس من أناس العرب و إن كانت بیضا فمن العجم

وَ رُوِیَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: رَأَیْتُ غَنَماً كَثِیرَةً سُوداً دَخَلَ فِیهَا غَنَمٌ كَثِیرٌ بِیضٌ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعَجَمُ یُشَارِكُونَكُمْ فِی دِینِكُمْ وَ أَنْسَابِكُمْ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِیمَانُ مُعَلَّقاً بِالثُّرَیَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنَ الْعَجَمِ فَأَسْعَدُهُمْ بِهِ فَارِسُ.

و الكبش رجل ضخم و النعجة امرأة شریفة و العنز یجری مجری النعجة إذا كان فی الرؤیا ما یدل علی المرأة إلا أن العنز دون النعجة فی الشرف و الحسب و قد یجری مجری النعجة(2) فی كونها سنة مخصبة إن كانت سمینة و مجدبة إن كانت عجافا

ص: 230


1- 1. فی بعض النسخ: فی سلطانه.
2- 2. البقر( ظ).

و الفرس عز و سلطان و الأنثی امرأة شریفة و البغل سفر و الحمار جد الرجل الذی یسعی به فمن رأی أنه ذبح حماره لیأكل من لحمه أصاب مالا یجده و الفیل سلطان أعجمی فإن ركبه فی أرض حرب كانت الدبرة علی أصحاب الفیل قال تعالی أَ لَمْ تَرَ كَیْفَ فَعَلَ رَبُّكَ و من أصاب حمار وحش أو وعلا و صغیره (1) أنه یرید أكله یصیب غنیمة و من رأی أنه راكب حمار وحش یصرفه كیف شاء فهو راكب معصیة أو یفارق رأی الجماعة و الأسد عدو قاهر و الخنزیر رجل دنی شدید الشوكة و الضبع امرأة قبیحة سوء و الدب عدو دنی أحمق و الذئب سلطان غشوم أو لص ضعیف كذاب و الثعلب كثیر الاختلاف فمن رأی أنه ینازعه خاصم ذا قرابة و إن طلب ثعلبا أصابه وجع و إن طلبه ثعلب أصابه فزع و من رأی ثعلبا یهرب منه فهو عزیمة یراوغه و من أصاب ثعلبا أصاب امرأة یحبها حبا ضعیفا و ابن آوی كالثعلب و أضعف و السنور لص و ابن عرس فی معناه و أضعف و الكلب عدو دنی غیر مبالغ فی العداوة و القرد عدو ملعون و الحیة عدو مكاتم للعداوة و العقرب عدو ضعیف لا تجاوز عداوته لسانه و كذلك سائر الهوام أعداء علی منازلهم و ذو السم أبلغ و النسر و العقاب سلطان قوی و الحدأة ملك خامل الذكر شدید الشوكة و البازی سلطان غشوم و الصقر قریب منه و الغراب إنسان فاسق كذوب و العقعق إنسان لا عهد له و لا حفاظ و لا دین و الطاوس الذكر ملك أعجمی و الأنثی امرأة حسناء أعجمیة و الحمامة امرأة أو خادمة و الفاختة امرأة غیر آلفة و الدجاج خدم و الدیك رجل أعجمی من نسل الملوك.

قال عمر رأیت أن دیكا نقر بی نقرتین فأولت أن رجلا من العجم سیقتلنی فقتله أبو لؤلؤة و العصفور رجل صخاب (2)

دنی و البلبل غلام صغیر و الببغاء ولد یناغی و الخفاش عابد مجتهد و الزرزور صاحب أسفار و الهدهد كاتب یتعاطی دقیق العلم و لا دین له و الثناء علیه قبیح لنتن ریحه و الزنابیر و الذباب سفلة الناس و غوغاؤهم

ص: 231


1- 1. ضمیره( خ).
2- 2. الصخاب: الشدید الصیاح.

و النحلة إنسان كسوب عظیم الخطر و البركة و طیر الماء أفضل الطیر فی التأویل لأنها أكثرها ریشا و أقلها غائلة و لها سلطانان فی البر و الماء و السمك الطری الكبار إذا كثر عددها مال و غنیمة و صغارها هموم كالصبیان و من أصاب سمكة طریة أو سمكتین أصاب امرأة أو امرأتین فإن أصاب فی بطنها لؤلؤة أصاب منها غلاما و الضفدع إنسان عابد مجتهد فإن كثر من الضفادع فعذاب و الجراد جند و الجنود إذا دخلوا موضعا فهو خراب

وَ رَوَی مُسْلِمٌ وَ الْبُخَارِیُّ فِی صَحِیحَیْهِمَا بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ بَیْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِیتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِی یَدَیَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبَّرَا عَلَیَّ وَ أَهَمَّانِی فَأُوحِیَ إِلَیَّ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَیْنِ الَّذَیْنِ أَنَا بَیْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَ صَاحِبَ الْیَمَامَةِ.

وَ فِی رِوَایَةِ التِّرْمِذِیِّ قَالَ: رَأَیْتُ فِی الْمَنَامِ كَأَنَّ فِی یَدَیَّ سِوَارَیْنِ فَأَوَّلْتُهُمَا كَاذِبَیْنِ یَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِی یُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُسَیْلَمَةُ صَاحِبُ الْیَمَامَةِ وَ الْعَبْسِیُّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ.

و قال علماء التعبیر من رأی علیه سوارین من ذهب أصابه ضیق فی ذات یده و من الفضة خیر من الذهب فإن رأی علیه خلخالا من ذهب أو فضة أصابه حبس أو خوف أو قید و لیس یصلح للرجال فی المنام من الحلی إلا القلادة و التاج و العقد و القرط و الخاتم و للنساء كله زینة و القلادة ولایة و أمانة و اللؤلؤ المنظوم كلام اللّٰه أو من كلام البر و إن كان منثورا فهو ولد و غلمان و ربما كان اللؤلؤ جاریة أو امرأة و القرط زینة و جمال و الخاتم إذا كان معروف الصیاغة و النقش سلطان صاحبه فإن أعطی خاتما فتختم به ملك شیئا و ربما كان الخاتم امرأة و مالا أو ولدا.

و فص الخاتم وجه ما یعبر الخاتم به و إن كان الخاتم من ذهب كان ما نسب إلیه حراما فإن رأی حلقته انكسرت و سقطت و بقی الفص ذهب سلطانه و بقی الذكر و الجمال و من رأی أنه أصاب ذهبا یصیبه غرم و یذهب ماله فإن كان الذهب معمولا من إناء أو نحوه كان أضعف فی التأویل و الدراهم مختلفة التأویل علی اختلاف الطبائع فمنهم من یراها فی المنام فیصیبها فی الیقظة و منهم من یعبرها بالكلام فإن كانت بیضا فهی كلام حسن و إن كانت ردیة فكلام سوء و منهم من

ص: 232

لا یوافقه شی ء منهما و الدراهم فی الجملة خیر من الدنانیر فقد یكون الدینار الواحد و الدرهم الواحد یكون ولدا صغیرا.

انتهی ما أخرجناه من كتبهم المعتبرة عندهم و لا یعتمد علی أكثرها لابتنائها علی مناسبات خفیة و أوهام ردیة و الأخبار التی رووها أكثرها غیر ثابتة و قد جرت التجربة فی كثیر منها علی خلاف ما ذكروه فكثیرا ما رأینا ماء صافیا فأصبنا علما و دخلنا بستانا أخضر فأصبنا معرفة و وجدنا الحیة دنیا كما شبه أمیر المؤمنین علیه السلام الدنیا بها فإنها لین لمسها و فی جوفها السم الناقع یهوی إلیها الصبی الجاهل و یهرب منها الفطن العاقل و كثیرا ما تری العذرة فی المنام یقع علی الإنسان أو یتلوث یده بها فیصیب مالا و سقوط الأسنان العلیا لموت أقارب الأب و السفلی لأقارب الأم و كسر الظهر لفوت الأخ.

كَمَا قَالَ سَیِّدُ الشُّهَدَاءِ علیه السلام: حِینَ اسْتُشْهِدَ الْعَبَّاسُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ الْآنَ انْكَسَرَ ظَهْرِی.

و كثیرا ما یری الإنسان أنه یدخل الحمام فیوفق لزیارة أحد الأئمة علیهم السلام فإنها موجبة لتطهیر الأرواح عن لوث الخطایا و الذنوب كالحمام لتطهیر الأجساد و تناثر النجوم لكثرة فوت العلماء و لذا سموا ابتداء الغیبة الكبری سنة تناثر النجوم لفوت كثیر من أكابر العلماء فیها كالكلینی و علی بن بابویه و السمری آخر السفراء و غیرهم رضی اللّٰه عنهم.

ثم إنها تختلف كثیرا باختلاف الأشخاص و الأحوال و الأزمان و لذا كان هذا العلم من معجزات الأنبیاء و الأولیاء(1)علیهم السلام و لیس لغیرهم من ذلك إلا حظ یسیر لا یُسْمِنُ وَ لا یُغْنِی مِنْ جُوعٍ و أما أضغاث الأحلام الناشئة من الأغذیة الردیة و الأخلاط البدنیة فهی كثیرة معلومة بالتجارب و لقد أتی رجل والدی قدس سره فزعا مهموما و قال رأیت اللیلة أسدا أبیض فی عنقه حیة سوداء یحملان علی و یریدان قتلی فقال والدی رحمه اللّٰه لعلك أكلت البارحة طعام الأقط مع رب الرمان قال نعم قال لا بأس علیك الطعامان المؤذیان صورا لك فی المنام و أمثال ذلك كثیرة جربها كل إنسان من نفسه و اللّٰه ولی التوفیق.

ص: 233


1- 1. فی بعض النسخ: الأوصیاء.

باب 45 آخر فی رؤیة النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أوصیائه ع و سائر الأنبیاء و الأولیاء فی المنام

«1»- الْعُیُونُ، وَ الْمَجَالِسُ، لِلصَّدُوقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الطَّالَقَانِیِّ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام: قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْمَنَامِ كَأَنَّهُ یَقُولُ لِی كَیْفَ أَنْتُمْ إِذَا دُفِنَ فِی أَرْضِكُمْ بَعْضِی (1)

وَ اسْتُحْفِظْتُمْ وَدِیعَتِی وَ غُیِّبَ فِی تُرَابِكُمْ (2)

نَجْمِی فَقَالَ لَهُ الرِّضَا علیه السلام أَنَا الْمَدْفُونُ فِی أَرْضِكُمْ وَ أَنَا بَضْعَةٌ مِنْ نَبِیِّكُمْ وَ أَنَا الْوَدِیعَةُ وَ النَّجْمُ أَلَا فَمَنْ زَارَنِی وَ هُوَ یَعْرِفُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی مِنْ حَقِّی وَ طَاعَتِی فَأَنَا وَ آبَائِی شُفَعَاؤُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ مَنْ كُنَّا شُفَعَاءَهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ نَجَا وَ لَوْ كَانَ عَلَیْهِ مِثْلُ وِزْرِ الثَّقَلَیْنِ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ لَقَدْ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ جَدِّی عَنْ أَبِیهِ علیهم السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ مَنْ رَآنِی (3)

فِی مَنَامِهِ فَقَدْ رَآنِی (4) لِأَنَّ الشَّیْطَانَ لَا یَتَمَثَّلُ فِی صُورَتِی وَ لَا فِی صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْصِیَائِی وَ لَا فِی صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ شِیعَتِهِمْ وَ إِنَّ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ(5).

تبیان یدل الخبر علی عدم تمثل الشیطان فی المنام بصورة النبی صلی اللّٰه علیه و آله و الأئمة بل بصورة شیعتهم أیضا و لعله محمول علی خلص شیعتهم كسلمان و أبی ذر و المقداد و أضرابهم و قد روی المخالفون أیضا مثله بأسانید عن ابن (6)

عمر و أبی

ص: 234


1- 1. فی المجالس: بضعتی.
2- 2. فی بعض النسخ و فی المصدرین: ثراكم.
3- 3. فی العیون: زارنی.
4- 4. فی العیون: زارنی.
5- 5. العیون: ج 2، ص 257. الأمالی: 39.
6- 6. فی أكثر النسخ: أبی عمر.

هریرة و ابن مسعود و جابر و أبی سعید و أبی قتادة عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله بروایة أبی داود و البخاری و مسلم و الترمذی بألفاظ مختلفة منها من رآنی فی المنام فكأنما رآنی فی الیقظة و لا یتمثل الشیطان بی و منها من رآنی فی المنام فقد رآنی فإن الشیطان لا یتمثل بی و منها من رآنی فی النوم فقد رآنی فإنه لا ینبغی للشیطان أن یتمثل فی صورتی و فی روایة أن یتشبه بی و منها من رآنی فقد رأی الحق فإن الشیطان لا یتراءی بی.

و قال فی النهایة الحق ضد الباطل و منه الحدیث من رآنی فقد رأی الحق أی رؤیا صادقة لیست من أضغاث الأحلام و قیل فقد رآنی حقیقة غیر مشتبه انتهی.

و اعلم أن العلماء اختلفوا فی أن المراد رؤیتهم علیهم السلام فی صورهم الأصلیة أو بأی صورة كانت و لا یخفی أن ظاهر حدیث الرضا علیه السلام التعمیم لأن الرائی لم یكن رأی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و لم یسأله ع فی أی صورة رأیته و حمله علی أنه علیه السلام علم أنه رآه بصورته الأصلیة بعید عن السیاق فإن من رأی أحدا من الأئمة علیهم السلام فی المنام لم یحصل له علم فی المنام بأنه رآه و یقال فی العرف و اللغة إنه رآهم و إن رأی الشخص الواحد بصور مختلفة فیقال رآه بصورة فلان و لا یعدون هذا الكلام من المتناقض.

و العامة أیضا اختلفوا فی ذلك فمنهم من قال المراد رؤیته صلی اللّٰه علیه و آله بصورته الأصلیة و أیدوه عن ابن سیرین أنه إذا قص علیه رجل أنه رأی النبی صلی اللّٰه علیه و آله قال صف لی الذی رأیته فإن وصف له صفة لا یعرفها قال لم تره و بعضهم قال بالتعمیم و أیده بما رووه عن أبی هریرة قال قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من رآنی فی المنام فقد رآنی فإنی أری فی كل صورة.

و قال القرطبی اختلف فی معنی الحدیث فقال قوم هو علی ظاهره فمن رآه فی النوم رأی حقیقته كمن رآه فی الیقظة سواء قال و هذا قول یدرك فساده بأوائل العقول و یلزم علیه أن لا یراه أحد إلا علی صورته التی مات علیها و أن لا یراه رائیان فی آن

ص: 235

واحد فی مكانین و أن یحیا(1)

الآن و یخرج من قبره و یمشی فی الأسواق و یخاطب الناس و یخاطبونه و یلزم من ذلك أن یخلو قبره عن جسده فلا یبقی فیه منه شی ء و یزار مجرد القبر و یسلم علی غائب لأنه جائز أن یری فی اللیل و النهار مع اتصال الأوقات علی حقیقته فی غیر قبره و هذه جهالات لا یلتزمها من له أدنی مسكة من العقل (2)

و قالت طائفة معناه أن من رآه علی صورته التی كان علیها و یلزم منه أن من رآه علی غیر صفته أن یكون رؤیاه من الأضغاث و من المعلوم أنه یری فی النوم علی حالة تخالف حاله فی الدنیا من الأحوال اللائقة و تقع تلك الرؤیا حقا كما لو رأی امتلاء دارا(3)

[دار] بجسمه مثلا فإنه یدل علی امتلاء تلك الدار بالخیر و لو تمكن الشیطان من التمثل بشی ء مما كان علیه أو ینسب إلیه لعارض عموم قوله فإن الشیطان لا یتمثل بی فالأولی تنزه رؤیاه و كذا رؤیا شی ء منه أو مما ینسب إلیه عن ذلك فهو أبلغ فی الحرمة و ألیق بالعصمة كما عصم من الشیطان فی یقظته قال و الصحیح فی تأویل هذا الحدیث أن مقصوده أن رؤیته فی كل حالة لیست باطلة و لا أضغاث أحلام بل

هی حق فی نفسها و لو رأی علی غیر صورته فتصور تلك الصورة لیس من الشیطان بل هو من قبل اللّٰه قال و هذا قول القاضی أبی بكر و غیره و یؤیده قوله فقد رأی الحق أی رأی الحق الذی قصد إعلام الرائی فیه فإن كانت علی ظاهرها و إلا سعی فی تأویلها و لا یهمل أمرها لأنها إما بشری بخیر أو إنذار من شر و إما تنبیه علی حكم ینفع له فی دینه أو دنیاه.

و قال الغزالی لا یرید أنه رأی بل رأی مثالا صار آلة یتأدی بها معنی فی نفسی إلیه و صار واسطة بینی و بینه فی تعریف الحق إیاه بل البدن فی الیقظة أیضا لیس إلا آلة النفس و الحق أن ما یراه حقیقة روحه المقدس صلی اللّٰه علیه و آله و یعلم الرائی كونه صلی اللّٰه علیه و آله بخلق علم لا غیر.

ص: 236


1- 1. فی أكثر النسخ: یجی ء.
2- 2. عقل( خ).
3- 3. دار( ظ).

و قال الكرمانی فی شرح البخاری فقد رآنی أی رؤیته لیست أضغاث أحلام و لا تخییلات الشیطان كما روی فقد رأی الحق ثم الرؤیة بخلق اللّٰه لا یشترط فیها مواجهة و لا مقابلة فإن قیل كثیرا ما یری علی خلاف صفته و یراه شخصان فی حالة فی مكانین قلت ذلك ظن الرائی أنه كذلك و قد یظن الظان بعض الخیالات مرئیا لكونه مرتبطا بما یراه عادة فذاته الشریفة هی مرئیة قطعا لا خیال فیه و لا ظن فإن قلت الجزاء هو الشرط قلت أراد لازمه أی فلیستبشر فإنه رآنی و قال الطیبی اتحاد الشرط و الجزاء یدل علی المبالغة أی رأی حقیقتی علی كمالها قال و قال القاضی لعله مقید بما رآه علی صفته فإن خالف كان رؤیا تأویل رؤیا حقیقة و هو ضعیف انتهی كلماتهم الواهیة.

و الظاهر أنها لیست رؤیة بالحقیقة و إنما هو بحصول الصورة فی الحس المشترك أو غیره بقدرة اللّٰه تعالی و الغرض من هذه العبارة بیان حقیقة الرؤیا و أنها من اللّٰه لا من الشیطان و هذا المعنی هو الشائع فی مثل هذه العبارة كأن یقول رجل من أراد أن یرانی فلیر فلانا أو من رأی فلانا فقد رآنی أو من وصل فلانا فقد وصلنی فإن كل هذه محمولة علی التجوز و المبالغة و لم یرد بها معناها حقیقة.

و أما التأویل الذی ذكره المفید قدس اللّٰه روحه فیما نقلنا عنه فی الباب السابق فلا یخفی بعده مع أنه غیر محتمل فی خبر الرضا علیه السلام أصلا بل فی بعض ألفاظ الروایات العامیة أیضا بقی الكلام فی أنه هل یكون حجة فی الأحكام الشرعیة فیه إشكال فإنه

قَدْ وَرَدَ بِأَسَانِیدَ صَحِیحَةٍ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: فِی حَدِیثِ الْأَذَانِ أَنَّ دِینَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَعَزُّ مِنْ أَنْ یُرَی فِی النَّوْمِ.

و یمكن أن یقال المراد أنه لا یثبت أصل شرعیة الأحكام بالنوم بل إنما هی بالوحی الجلی و مع ذلك ینبغی أن یخص بنوم غیر الأنبیاء و الأئمة علیهم السلام لما مر أن نومهم بمنزلة الوحی لكن هذه الأخبار لیست بصریحة فی وجوب العمل به إذ لعله مع العلم بكونه منهم علیهم السلام لم یجب العمل به إذ مناط الأحكام الشرعیة العلوم الظاهرة كما أن النبی و الأئمة علیهم السلام كانوا یعرفون كفر

ص: 237

المنافقین و فسق الفاسقین و نجاسة أكثر الأشیاء لكن الظاهر أنهم لم یكونوا مأمورین بالعمل بهذا العلم بل كانوا یستندون فی تلك الأحكام إلی الأمور الظاهرة من المشاهدة و سماع البینة مع أن الظاهر أن هذا من مسائل الأصول و لا بد فیه من العلم و لا

یثبت بأخبار الآحاد المفیدة للظن و أیضا ما یری فی المنام قد یحتاج إلی تعبیر و تأویل فلعل ما رآه مما له تعبیر و هو لا یعرفه و إن لم یكن من قبیل الأضغاث.

و لقد سأل السید مهنا بن سنان العلامة الحلی قدس اللّٰه روحه ما یقول سیدنا فیمن رأی فی منامه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أو بعض الأئمة علیهم السلام و هو یأمره بشی ء و ینهاه عن شی ء هل یجب علیه امتثال ما أمره به أو اجتناب ما نهاه عنه أم لا یجب ذلك مع ما صح عن سیدنا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أنه قال من رآنی فی منامه فقد رآنی فإن الشیطان لم یتمثل بی و غیر ذلك من الأحادیث.

و ما قولكم لو كان ما أمر به أو نهی عنه علی خلاف ما فی أیدی الناس من ظاهر الشریعة هل بین الحالین فرق أم لا أفتنا فی ذلك مبینا جعل اللّٰه كل صعب علیك هینا.

فأجاب نور اللّٰه ضریحه أما ما یخالف الظاهر فلا ینبغی المصیر إلیه و أما ما یوافق الظاهر فالأولی المتابعة من غیر وجوب لأن رؤیته ع لا یعطی وجوب الاتباع فی المنام انتهی.

و قال البغوی فی شرح السنة رؤیة النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی المنام حق و كذلك جمیع الأنبیاء و الملائكة و كذلك الشمس و القمر و النجوم المضیئة و السحاب الذی فیه الغیث و من رأی نزول الملائكة بمكان فهو نصرة لأهله إن كانوا فی كرب و جدب و كذلك رؤیة الأنبیاء و من رأی ملكا یكلمه ببر أو عظة أو بصلة أو یبشره فهو شرف فی الدنیا و شهادة فی العاقبة و رؤیة الأنبیاء كالملائكة إلا فی الشهادة لأن الأنبیاء كانوا یخالطون الناس كما قال إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّكَ لا یَسْتَكْبِرُونَ (1) الآیة و قال فی

ص: 238


1- 1. الأعراف: 206.

الشهداء وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ (1) و رؤیة النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی مكان سعة لأهله إن كانوا فی ضیق و نصرة إن كانوا فی ظلم و كذلك الصحابة و التابعین لهم بإحسان و رؤیة أهل الدین بركة و خیر علی قدر منازلهم فی الدین و من رأی النبی كثیرا فی المنام لم یزل خفیف الحال مقلا فی دنیا(2)

من غیر حاجة فادحة و لا خذلان قال النبی صلی اللّٰه علیه و آله إن الفقر أسرع إلی من یحبنی من السیل إلی منتهاه و رؤیة الإمام إصابة خیر و شرف.

«2»- قُرْبُ الْإِسْنَادِ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ حُكَیْمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ بِنْتِ إِلْیَاسَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام بِخُرَاسَانَ رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْتَزَمْتُهُ (3).

«3»- وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْهُ علیه السلام قَالَ: قَالَ لِیَ ابْتِدَاءً إِنَّ أَبِی كَانَ عِنْدِیَ الْبَارِحَةَ قُلْتُ أَبُوكَ قَالَ أَبِی قُلْتُ أَبُوكَ قَالَ فِی الْمَنَامِ إِنَّ جَعْفَراً كَانَ یَجِی ءُ إِلَی أَبِی فَیَقُولُ یَا بُنَیَّ افْعَلْ كَذَا یَا بُنَیَّ افْعَلْ كَذَا قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَیْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لِی یَا حَسَنُ إِنَّ مَنَامَنَا وَ یَقَظَتَنَا وَاحِدَةٌ(4).

«4»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی (5)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سُوَیْدٍ القلا [الْقَلَّاءِ] عَنْ بَشِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنِّی رَأَیْتُ فِی الْمَنَامِ أَنِّی قُلْتُ لَكَ إِنَّ الْقِتَالَ مَعَ غَیْرِ الْإِمَامِ الْمُفْتَرَضِ الطَّاعَةِ حَرَامٌ مِثْلَ الْمَیْتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحْمِ الْخِنْزِیرِ فَقُلْتَ لِی نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام هُوَ كَذَلِكَ (6).

«5»- تَفْسِیرُ الْفُرَاتِ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ عُمَرَ الْقُرَشِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُمَرَ الْجَعْفَرِیِّ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: كُنْتُ أُدْمِنُ الْحَجَّ فَأَمُرُّ عَلَی عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیه السلام فَأُسَلِّمُ عَلَیْهِ فَدَخَلْتُ (7)

ص: 239


1- 1. الحدید: 19.
2- 2. دنیاه( ظ).
3- 3. قرب الإسناد: 203. و فیه: رایت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله هاهنا و التزمته.
4- 4. المصدر: 202.
5- 5. فی الكافی: محمّد بن الحسن الطاطری، عمن ذكره، عن علیّ بن النعمان، عن سوید القلانسی- الخ-
6- 6. الكافی: ج 5، ص 23. و فیه: هو كذلك، هو كذلك.
7- 7. فی المصدر: ففی بعض حججی غدا علینا علیّ بن الحسین علیهما السلام و وجهه مشرق فقال: جاءنی رسول اللّٰه ....

فِی بَعْضِ حِجَجِی عَلَیْهِ فَقَالَ رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی لَیْلَتِی هَذِهِ حَتَّی أَخَذَ بِیَدِی فَأَدْخَلَنِیَ الْجَنَّةَ فَزَوَّجَنِی حَوْرَاءَ فَوَاقَعْتُهَا فَعَلِقَتْ فَصَاحَ بِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ سَمِّ الْمَوْلُودَ مِنْهَا زَیْداً قَالَ فَمَا قُمْنَا(1)

مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حَتَّی أَرْسَلَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِی عُبَیْدٍ هَدِیَّةً إِلَی عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیه السلام شَرَاهَا بِثَلَاثِینَ أَلْفاً فَلَمَّا رَأَیْنَا إِشْعَافَهُ بِهَا تَفَرَّقْنَا مِنَ الْمَجْلِسِ فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجَجْتُ وَ مَرَرْتُ عَلَی عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ لِأُسَلِّمَ عَلَیْهِ فَخَرَجَ بِزَیْدٍ عَلَی كَتِفِهِ الْأَیْسَرِ وَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَ هُوَ یَتْلُو هَذِهِ الْآیَةَ وَ یُومِئُ بِیَدِهِ إِلَی زَیْدٍ وَ هُوَ یَقُولُ هذا تَأْوِیلُ رُءْیایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّی حَقًّا.

«6»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرَانَ النَّقَّاشِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْدِ الْهَمْدَانِیِّ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رُشَیْدٍ عَنْ عَمِّهِ سَعِیدِ بْنِ خُثَیْمٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ: حَجَجْتُ فَأَتَیْتُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ علیهما السلام فَقَالَ یَا حَمْزَةُ أَ لَا أُحَدِّثُكَ عَنْ رُؤْیَا رَأَیْتُهَا رَأَیْتُ كَأَنِّی أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَأُوتِیتُ بِحَوْرَاءَ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهَا فَبَیْنَا أَنَا مُتَّكِئٌ عَلَی أَرِیكَتِی إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا یَقُولُ یَا عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ لِیَهْنِئْكَ زَیْدٌ لِیَهْنِئْكَ زَیْدٌ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ ثُمَّ حَجَجْتُ بَعْدَهُ فَأَتَیْتُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ فَقَرَعْتُ الْبَابَ فَفُتِحَ لِی وَ دَخَلْتُ فَإِذَا هُوَ حَامِلٌ زَیْداً عَلَی یَدِهِ أَوْ قَالَ حَامِلًا غُلَاماً عَلَی یَدِهِ فَقَالَ لِی یَا أَبَا حَمْزَةَ هذا تَأْوِیلُ رُءْیایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّی حَقًّا(2).

«7»- كِتَابُ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ، قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَا قَالَ لَكَ أَبُوكَ حِینَ دَعَانَا رَجُلًا رَجُلًا فَقَالَ أَمَّا أَدْنَی شَهَادَتِی فَإِنَّهُ قَالَ إِنْ بَایَعُوا أَصْلَعَ بَنِی هَاشِمٍ حَمَلَهُمْ عَلَی الْمَحَجَّةِ الْبَیْضَاءِ وَ أَقَامَهُمْ عَلَی كِتَابِ رَبِّهِمْ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِمْ ثُمَّ قَالَ یَا ابْنَ عُمَرَ فَمَا قُلْتَ أَنْتَ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ فَمَا یَمْنَعُكَ أَنْ تَسْتَخْلِفَهُ قَالَ فَمَا رَدَّ عَلَیْكَ قَالَ وَ رَدَّ عَلَیَّ شَیْئاً أَكْتُمُهُ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أَخْبَرَنِی بِهِ لَیْلَةَ مَاتَ أَبُوكَ فِی مَنَامِی وَ مَنْ رَأَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَدْ رَآهُ فِی الْیَقَظَةِ قَالَ فَمَا أَخْبَرَكَ قَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ یَا ابْنَ عُمَرَ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ لَتُصَدِّقَنَ

ص: 240


1- 1. فی المصدر:
2- 2. الأمالی: 202.

قَالَ أَوْ أَسْكُتُ قَالَ فَإِنَّهُ قَالَ لَكَ حِینَ قُلْتَ لَهُ فَمَا یَمْنَعُكَ أَنْ تَسْتَخْلِفَهُ قَالَ الصَّحِیفَةُ الَّتِی كَتَبْنَاهَا بَیْنَنَا وَ الْعَهْدُ فِی الْكَعْبَةِ فِی حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَسَكَتَ ابْنُ عُمَرَ وَ قَالَ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا أَمْسَكْتَ عَنِّی الْخَبَرَ.

«8»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَزْدِیِّ: وَ سَاقَ قِصَّةَ وَفَاةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَ أَبِی بَكْرٍ إِلَی أَنْ قَالَ دَعَا بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ وَ قَالَ هَذَا مُحَمَّدٌ وَ عَلِیٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا یُبَشِّرَانِی بِالنَّارِ بِیَدِهِ الصَّحِیفَةُ الَّتِی تَعَاهَدْنَا عَلَیْهَا فِی الْكَعْبَةِ وَ هُوَ یَقُولُ لَقَدْ وَفَیْتَ بِهَا فَظَاهَرْتَ عَلَی وَلِیِّ اللَّهِ [أَنْتَ] وَ أَصْحَابُكَ فَأَبْشِرْ بِالنَّارِ فِی أَسْفَلِ السَّافِلِینَ قَالَ سُلَیْمٌ فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ فَمَنْ تَرَی حَدَّثَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ بِمَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ یَرَاهُ فِی مَنَامِهِ كُلَّ لَیْلَةٍ وَ حَدِیثُهُ إِیَّاهُ فِی الْمَنَامِ مِثْلُ حَدِیثِهِ إِیَّاهُ فِی الْیَقَظَةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ مَنْ رَآنِی فِی الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِی فَإِنَّ الشَّیْطَانَ لَا یَتَمَثَّلُ بِی فِی نَوْمٍ وَ لَا یَقَظَةٍ وَ لَا بِأَحَدٍ مِنْ أَوْصِیَائِی إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ قَالَ سُلَیْمٌ فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام فَقُلْتُ سَمِعْتُ أَنَا أَیْضاً كَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ فَلَعَلَّ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَدَّثَهُ قَالَ أَوْ ذَاكَ وَ سَاقَهُ إِلَی أَنْ قَالَ سُلَیْمٌ فَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَكْرٍ بِمِصْرَ وَ عَزَّیْنَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع حَدَّثْتُهُ بِمَا حَدَّثَنِی بِهِ مُحَمَّدٌ وَ خَبَّرْتُهُ بِمَا خَبَّرَنِی بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ قَالَ صَدَقَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَا إِنَّهُ شَهِیدٌ یُرْزَقُ الْحَدِیثَ.

«9»- مَجَالِسُ ابْنِ الشَّیْخِ، عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْمُفِیدِ عَنِ الصَّدُوقِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَمَّنْ سَمِعَ حَنَانَ بْنَ سَدِیرٍ الصَّیْرَفِیَّ قَالَ سَمِعْتُ أَبِی یَقُولُ: رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِیمَا یَرَی النَّائِمُ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ طَبَقٌ مُغَطًّی بِمِنْدِیلٍ فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَ سَلَّمْتُ عَلَیْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ كَشَفَ الْمِنْدِیلَ عَنِ الطَّبَقِ فَإِذَا فِیهِ رُطَبٌ فَجَعَلَ یَأْكُلُ مِنْهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ نَاوِلْنِی رُطَبَةً فَنَاوَلَنِی وَاحِدَةً فَأَكَلْتُهَا ثُمَّ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ نَاوِلْنِی أُخْرَی فَنَاوَلَنِیهَا فَأَكَلْتُهَا فَجَعَلْتُ كُلَّمَا أَكَلْتُ وَاحِدَةً سَأَلْتُهُ أُخْرَی حَتَّی أَعْطَانِی ثَمَانِیَةَ رُطَبَاتٍ فَأَكَلْتُهَا ثُمَّ طَلَبْتُ مِنْهُ أُخْرَی فَقَالَ لِی حَسْبُكَ قَالَ فَانْتَبَهْتُ مِنْ مَنَامِی فَلَمَّا كَانَ مِنَ

ص: 241

الْغَدِ دَخَلْتُ عَلَی جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ علیه السلام وَ بَیْنَ یَدَیْهِ طَبَقٌ مُغَطًّی بِمِنْدِیلٍ كَأَنَّهُ الَّذِی رَأَیْتُهُ فِی الْمَنَامِ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَلَّمْتُ عَلَیْهِ فَرَدَّ عَلَیَّ السَّلَامَ ثُمَّ كَشَفَ الطَّبَقَ فَإِذَا فِیهِ رُطَبٌ فَجَعَلَ یَأْكُلُ مِنْهُ فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ وَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ نَاوِلْنِی رُطَبَةً فَنَاوَلَنِی فَأَكَلْتُهَا ثُمَّ طَلَبْتُ أُخْرَی حَتَّی أَكَلْتُ ثَمَانِیَ رُطَبَاتٍ ثُمَّ طَلَبْتُ مِنْهُ أُخْرَی فَقَالَ لِی لَوْ زَادَكَ جَدِّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَزِدْنَاكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ عَارِفٍ بِمَا كَانَ.

«10»- وَ مِنْهُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَلْمَانَ: فِی أَجْوِبَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَنْ مَسَائِلِ الْجَاثَلِیقِ وَ سَاقَ إِلَی أَنْ طَلَبَ الْجَاثَلِیقُ مِنْهُ علیه السلام الْمُعْجِزَ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ خَرَجْتَ أَیُّهَا النَّصْرَانِیُّ مِنْ مُسْتَقَرِّكَ مُضْمِراً خِلَافَ مَا أَظْهَرْتَ الْآنَ مِنَ الطَّلَبِ وَ الِاسْتِرْشَادِ فَأُرِیتَ فِی مَنَامِكَ مَقَامِی وَ حُدِّثْتَ فِیهِ كَلَامِی وَ حُذِّرْتَ فِیهِ مِنْ خِلَافِی وَ أُمِرْتَ فِیهِ بِاتِّبَاعِی قَالَ صَدَقْتَ وَ اللَّهِ الَّذِی بَعَثَ الْمَسِیحَ مَا اطَّلَعَ عَلَی مَا أَخْبَرْتَنِی بِهِ غَیْرُ اللَّهِ تَعَالَی ثُمَّ أَسْلَمَ وَ أَسْلَمَ الَّذِینَ كَانُوا مَعَهُ.

أقول: قد مر فی أبواب معجزات الأئمة علیهم السلام أخبار كثیرة فی ذلك تركناها مخافة الإطناب و التكرار و ستأتی رؤیا أم داود فی باب عمل الاستفتاح.

«11»- التَّوْحِیدُ لِلصَّدُوقِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: رَأَیْتُ الْخَضِرَ علیه السلام(1) قَبْلَ بَدْرٍ بِلَیْلَةٍ فَقُلْتُ لَهُ عَلِّمْنِی شَیْئاً أُنْصَرْ بِهِ عَلَی الْأَعْدَاءِ فَقَالَ (2) یَا هُوَ یَا مَنْ لَا هُوَ إِلَّا هُوَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَصَصْتُهَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا عَلِیُّ عُلِّمْتَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ وَ كَانَ عَلَی لِسَانِی یَوْمَ بَدْرٍ(3) الْخَبَرَ.

«12»- مَجَالِسُ ابْنِ الشَّیْخِ، عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ حَشِیشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِیثَمٍ عَنْ یَحْیَی بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ الْحِمَّانِیِّ عَنْ

ص: 242


1- 1. فی المصدر: فی المنام.
2- 2. فیه: قل یا هو ....
3- 3. التوحید: 49.

أَبِی بَكْرِ بْنِ عَیَّاشٍ قَالَ: إِنِّی رَأَیْتُ فِی مَنَامِی حِینَ وَجَّهَ مُوسَی بْنُ عِیسَی إِلَی قَبْرِ الْحُسَیْنِ علیه السلام مَنْ كَرَبَهُ وَ كَرَبَ جَمِیعَ أَرْضِ الْحَائِرِ وَ زَرَعَ الزَّرْعَ فِیهَا كَأَنِّی خَرَجْتُ إِلَی قَوْمِی بَنِی غَاضِرَةَ فَلَمَّا صِرْتُ بِقَنْطَرَةِ الْكُوفَةِ اعْتَرَضَتْنِی خَنَازِیرُ عَشَرَةٌ تُرِیدُنِی فَأَغَاثَنِیَ اللَّهُ بِرَجُلٍ كُنْتُ أَعْرِفُهُ مِنْ بَنِی أَسَدٍ فَدَفَعَهَا عَنِّی فَمَضَیْتُ لِوَجْهِی فَلَمَّا صِرْتُ إِلَی شَاهِی ضَلَلْتُ الطَّرِیقَ فَرَأَیْتُ هُنَاكَ عَجُوزاً فَقَالَتْ لِی أَیْنَ تُرِیدُ أَیُّهَا الشَّیْخُ قُلْتُ أُرِیدُ الْغَاضِرِیَّةَ قَالَتْ لِی تَنْظُرُ هَذَا الْوَادِیَ فَإِنَّكَ إِذَا أَتَیْتَ إِلَی آخِرِهِ اتَّضَحَ لَكَ الطَّرِیقُ فَمَضَیْتُ وَ فَعَلْتُ ذَلِكَ فَلَمَّا صِرْتُ إِلَی نَیْنَوَی إِذَا أَنَا بِشَیْخٍ كَبِیرٍ جَالِسٌ هُنَاكَ فَقُلْتُ مِنْ أَیْنَ أَنْتَ أَیُّهَا الشَّیْخُ فَقَالَ لِی أَنَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْیَةِ فَقُلْتُ كَمْ تَعُدُّ مِنَ السِّنِینَ قَالَ مَا أَحْفَظُ مَا مَرَّ مِنْ سِنِّی وَ عُمُرِی وَ لَكِنْ أَبْعَدُ ذِكْرِی أَنِّی رَأَیْتُ الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ علیهما السلام وَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَ مَنْ تَبِعَهُ یُمْنَعُونَ الْمَاءَ الَّذِی تَرَاهُ وَ لَا تُمْنَعُ الْكِلَابُ وَ لَا الْوُحُوشُ شُرْبَهُ فَاسْتَفْظَعْتُ ذَلِكَ وَ قُلْتُ لَهُ وَیْحَكَ أَنْتَ رَأَیْتَ هَذَا قَالَ إِی وَ الَّذِی سَمَكَ السَّمَاءَ لَقَدْ رَأَیْتُ هَذَا أَیُّهَا الشَّیْخُ وَ عَایَنْتُهُ وَ إِنَّكَ وَ أَصْحَابَكَ الَّذِینَ تُعِینُونَ عَلَی مَا قَدْ رَأَیْنَا مِمَّا أَقْرَحَ عُیُونَ الْمُسْلِمِینَ إِنْ كَانَ فِی الدُّنْیَا مُسْلِمٌ فَقُلْتُ وَیْحَكَ وَ مَا هُوَ قَالَ حَیْثُ لَمْ تُنْكِرُوا مَا أَجْرَی سُلْطَانُكُمْ إِلَیْهِ قُلْتُ وَ مَا جَرَی قَالَ أَ یُكْرَبُ قَبْرُ ابْنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یُحْرَثُ أَرْضُهُ قُلْتُ وَ أَیْنَ الْقَبْرُ قَالَ هَا هُوَ ذَا أَنْتَ وَاقِفٌ فِی أَرْضِهِ وَ أَمَّا الْقَبْرُ فَقَدْ عَمِیَ عَنْ أَنْ یُعْرَفَ مَوْضِعُهُ قَالَ ابْنُ عَیَّاشٍ وَ مَا كُنْتُ رَأَیْتُ الْقَبْرَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَطُّ وَ لَا أَتَیْتُهُ فِی طُولِ عُمُرِی فَقُلْتُ مَنْ لِی بِمَعْرِفَتِهِ فَمَضَی مَعِیَ الشَّیْخُ حَتَّی وَقَفَ بِی عَلَی حَیْرٍ لَهُ بَابٌ وَ آذِنٌ وَ إِذَا جَمَاعَةٌ كَثِیرَةٌ عَلَی الْبَابِ فَقُلْتُ لِلْآذِنِ أُرِیدُ الدُّخُولَ عَلَی ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَا تَقْدِرُ عَلَی الْوُصُولِ فِی هَذَا الْوَقْتِ قُلْتُ وَ لِمَ قَالَ هَذَا وَقْتُ زِیَارَةِ إِبْرَاهِیمَ خَلِیلِ اللَّهِ وَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَعَهُمَا جَبْرَئِیلُ وَ مِیكَائِیلُ فِی رَعِیلٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَثِیرٍ قَالَ ابْنُ عَیَّاشٍ فَانْتَبَهْتُ وَ قَدْ دَخَلَنِی رَوْعٌ شَدِیدٌ وَ حُزْنٌ وَ كَآبَةٌ وَ مَضَتْ بِیَ الْأَیَّامُ حَتَّی كِدْتُ أَنْ أَنْسَی الْمَنَامَ ثُمَّ اضْطُرِرْتُ إِلَی الْخُرُوجِ إِلَی بَنِی غَاضِرَةَ لِدَیْنٍ

ص: 243

كَانَ لِی عَلَی رَجُلٍ مِنْهُمْ فَخَرَجْتُ وَ أَنَا لَا أَذْكُرُ الْحَدِیثَ حَتَّی صِرْتُ بِقَنْطَرَةِ الْكُوفَةِ وَ لَقِیَنِی عَشَرَةٌ مِنَ اللُّصُوصِ فَحِینَ رَأَیْتُهُمْ ذَكَرْتُ الْحَدِیثَ وَ رَعَبْتُ مِنْ خَشْیَتِی لَهُمْ فَقَالُوا لِی أَلْقِ مَا مَعَكَ وَ انْجُ بِنَفْسِكَ وَ كَانَ مَعِی نُفَیْقَةٌ فَقُلْتُ وَیْحَكُمْ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَیَّاشٍ وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ فِی طَلَبِ دَیْنٍ لِی وَ اللَّهِ لَا تَقْطَعُونِی عَنْ طَلَبِ دَیْنِی وَ تَصَرُّفَاتِی فِی نَفَقَتِی فَإِنِّی شَدِیدُ الْإِضَافَةِ فَنَادَی رَجُلٌ مِنْهُمْ مَوْلَایَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ لَا تَعَرَّضْ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِبَعْضِ فِتْیَانِهِمْ كُنْ مَعَهُ حَتَّی تَصِیرَ بِهِ إِلَی الطَّرِیقِ الْأَیْمَنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلْتُ أَتَذَكَّرُ مَا رَأَیْتُهُ فِی الْمَنَامِ وَ أَتَعَجَّبُ مِنْ تَأْوِیلِ الْخَنَازِیرِ حَتَّی صِرْتُ إِلَی نَیْنَوَی فَرَأَیْتُ وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الشَّیْخَ الَّذِی كُنْتُ رَأَیْتُهُ فِی مَنَامِی بِصُورَتِهِ وَ هَیْئَتِهِ رَأَیْتُهُ فِی الْیَقَظَةِ كَمَا رَأَیْتُهُ فِی الْمَنَامِ سَوَاءً فَحِینَ رَأَیْتُهُ ذَكَرْتُ الْأَمْرَ وَ الرُّؤْیَا فَقُلْتُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا كَانَ هَذَا إِلَّا وَحْیاً(1)

ثُمَّ سَأَلْتُهُ كَمَسْأَلَتِی إِیَّاهُ فِی الْمَنَامِ فَأَجَابَنِی بِمَا كَانَ أَجَابَنِی ثُمَّ قَالَ لِی امْضِ بِنَا فَمَضَیْتُ فَوَقَفْتُ مَعَهُ عَلَی الْمَوْضِعِ وَ هُوَ مَكْرُوبٌ فَلَمْ یَفُتْنِی شَیْ ءٌ مِنْ مَنَامِی إِلَّا الْآذِنُ وَ الْحَیْرُ فَإِنِّی لَمْ أَرَ حَیْراً وَ لَمْ أَرَ آذِناً ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ أَبَا حُصَیْنٍ حَدَّثَنِی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ مَنْ رَآنِی فِی الْمَنَامِ فَإِیَّایَ رَأَی فَإِنَّ الشَّیْطَانَ لَا یَتَشَبَّهُ بِی تَمَامَ الْخَبَرَ.

بیان: تقول كرب الأرض إذا قلبتها للحرث و الرعیل القطعة من الخیل و الإضافة الضیافة.

أقول: و قد مضت أخبار كثیرة من هذا الباب فی أبواب معجزات الأئمة و معجزات ضرائحهم المقدسة.

ص: 244


1- 1. فی أكثر النسخ« وصیا» و الظاهر أنّه تصحیف.

باب 46 قوی النفس و مشاعرها من الحواس الظاهرة و الباطنة و سائر القوی البدنیة

اشارة

الآیات:

البقرة: خَتَمَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (1)

النحل: وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (2)

المؤمنون: وَ هُوَ الَّذِی أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِیلًا ما تَشْكُرُونَ (3)

الروم: وَ مِنْ آیاتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْعالِمِینَ (4)

تفسیر:

خَتَمَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ قال النیسابوری القلب تارة یراد به اللحم الصنوبری المودع فی التجویف الأیسر من

الصدر و هو محل الروح الحیوانی الذی هو منشأ الحس و الحركة و ینبعث منه إلی سائر الأعضاء بتوسط الأوردة و الشرایین و یراد به تارة اللطیفة الربانیة التی بها یكون الإنسان إنسانا و بها یستعد لامتثال الأوامر و النواهی و القیام بموجب (5) التكلیف إِنَّ فِی ذلِكَ لَذِكْری لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (6) و هی من عالم الأمر الذی لا یتوقف وجوده علی مادة و مدة بعد إرادة موجده

ص: 245


1- 1. البقرة: 7.
2- 2. النحل: 78.
3- 3. المؤمنون: 78.
4- 4. الروم: 22.
5- 5. بمواجب( خ).
6- 6. ق: 37.

إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ (1) كما أن البدن بل اللحم الصنوبری من عالم الخلق و هو نقیض ذلك أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ(2) و قد یعبر عنها بالنفس الناطقة وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها(3) و بالروح قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی (4) وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی (5) ثم قال بعد تفسیر السمع و البصر و الحق عندی أن نسبة البصر إلی العین نسبة البصیرة إلی القلب و لكل من القلب و العین نور أما نور العین فمنطبع فیها لأنه من عالم الخلق فهو نور جزئی و مدركه فی ذلك النور و لكل منهما بل لكل فرد منهما حد ینتهی إلیه بحسب شدته و ضعفه و یتدرج فی الضعف بحسب تباعد المرئی حتی لا یدركه أو یدركه أصغر مما هو علیه انتهی.

أقول: و قد مضی تفسیر الختم و تأویله فی كتاب العدل.

لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً قال الزمخشری هو فی موضع الحال أی غیر عالمین شیئا من حق المنعم الذی خلقكم فی البطون و سواكم ثم أخرجكم من الضیق إلی السعة وَ جَعَلَ لَكُمُ معناه و ركب فیكم هذه الأشیاء آلات لإزالة الجهل الذی ولدتم علیه و اجتلاب العلم و العمل به من شكر المنعم و عبادته و القیام بحقوقه و الترقی إلی ما یسعدكم.

و قال النیسابوری اعلم أن جمهور الحكماء زعموا أن الإنسان فی مبدإ فطرته خال عن المعارف و العلوم إلا أنه تعالی خلق السمع و البصر و الفؤاد و سائر القوی المدركة حتی ارتسم فی خیاله بسبب كثرة ورود المحسوسات علیه حقائق تلك الماهیات و حضرت صورها فی ذهنه ثم إن مجرد حضور تلك الحقائق إن كان كافیا فی جزم الذهن بثبوت بعضها لبعض أو انتفاء بعضها عن بعض فتلك الأحكام علوم بدیهیة و إن لم یكن

ص: 246


1- 1. یس: 82 و الآیة كانت فی المتن بجمیع نسخه هكذا: إنّما أمرنا لشی ء إذا اردناه ان نقول له كن فیكون.
2- 2. الأعراف: 54.
3- 3. الشمس: 7- 8.
4- 4. الإسراء: 85.
5- 5. ص 72، الجر: 29.

كذلك بل كانت متوقفة علی علوم سابقة علیها و لا محالة تنتهی إلی البدیهیات قطعا للدور أو التسلسل فهی علوم كسبیة فظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف فی النفوس الإنسانیة هو أنه تعالی أعطی الحواس و القوی الداركة للصور الجزئیة و عندی أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هی التی ینبغی أن تسمی بالبدیهیات و إنما لا یظهر آثارها علیها حتی إذا قوی و ترقی ظهرت آثارها شیئا فشیئا و قد برهنا علی هذه المعانی فی كتبنا الحكمیة فالمراد بقوله لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً أنه لا یظهر أثر العلم علیهم ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة و الباطنة یكتسب سائر العلوم و معنی لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أن تصرفوا كل آلة فی ما خلق لأجله و لیس الواو للترتیب حتی یلزم من عطف جعل علی أخرج أن یكون جعل السمع و البصر و الأفئدة متأخرا عن الإخراج من البطن.

وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ قال الرازی لما أشار إلی دلائل الأنفس و الآفاق ذكر ما هو من صفات الأنفس بالاختلاف الذی بین ألوان الإنسان فإن واحدا منهم مع كثرة عددهم و صغر حجمهم خدودهم و قدودهم لا تشتبه بغیرهم و الثانی اختلاف كلامهم فإن عربیین هما أخوان إذا تكلما بلغة واحدة یعرف أحدهما من الآخر حتی أن من یكون محجوبا عنهما لا یبصرهما یقول هنا صوت فلان و فیه حكمة بالغة و ذلك لأن الإنسان یحتاج إلی التمییز بین الأشخاص لیعرف صاحب الحق من غیره و العدو من الصدیق لیحترز قبل وصول العدو إلیه و لیقبل علی الصدیق (1) قبل أن یفوته الإقبال علیه و ذلك قد یكون بالبصر فخلق اختلاف الصور و قد یكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات و أما اللمس و الشم و الذوق فلا یفید فائدة فی معرفة العدو و الصدیق فلا یقع بها التمییز(2)

و من الناس من قال إن المراد اختلاف اللغات كالعربیة و الفارسیة و الرومیة و غیرها و الأول أصح انتهی.

و علی الثانی المراد أنه علم كل صنف لغته أو ألهمه وضعها و أقدره علیها.

ص: 247


1- 1. فی أكثر النسخ« لیحترز قبل ...» و هو خطأ من النسّاخ ظاهر.
2- 2. فی أكثر النسخ« التمیز».

الأخبار.

«1»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مَرَّارٍ عَنْ یُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ یُونُسَ بْنِ یَعْقُوبَ قَالَ: كَانَ عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ علیه السلام جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِیهِمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْیَنَ وَ مُؤْمِنُ الطَّاقِ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ الطَّیَّارُ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِیهِمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ هُوَ شَابٌّ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَا هِشَامُ قَالَ لَبَّیْكَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أَ لَا تُحَدِّثُنِی كَیْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَیْدٍ وَ كَیْفَ سَأَلْتَهُ قَالَ هِشَامٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّی أُجِلُّكَ وَ أَسْتَحْیِیكَ وَ لَا یَعْمَلُ لِسَانِی بَیْنَ یَدَیْكَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَیْ ءٍ فَافْعَلُوا(1) قَالَ هِشَامٌ بَلَغَنِی مَا كَانَ فِیهِ عَمْرُو بْنُ عُبَیْدٍ وَ جُلُوسُهُ فِی مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ وَ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَیَّ فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ وَ دَخَلْتُ الْبَصْرَةَ فِی یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَتَیْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِیرَةٍ وَ إِذَا أَنَا بِعَمْرِو بْنِ عُبَیْدٍ عَلَیْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مُتَّزِرٌ بِهَا مِنْ صُوفٍ وَ شَمْلَةٌ مُرْتَدٍ بِهَا(2)

فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ فَأَفْرَجُوا لِی ثُمَّ قَعَدْتُ فِی آخِرِ الْقَوْمِ

عَلَی رُكْبَتَیَّ ثُمَّ قُلْتُ أَیُّهَا الْعَالِمُ أَنَا رَجُلٌ غَرِیبٌ تَأْذَنُ لِی فَأَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْتُ لَهُ أَ لَكَ عَیْنٌ قَالَ یَا بُنَیَّ أَیُّ شَیْ ءٍ هَذَا مِنَ السُّؤَالِ فَقُلْتُ هَكَذَا مَسْأَلَتِی فَقَالَ یَا بُنَیَّ سَلْ وَ إِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ قُلْتُ أَجِبْنِی فِیهَا قَالَ فَقَالَ لِی سَلْ قُلْتُ أَ لَكَ عَیْنٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَمَا تَرَی بِهَا قَالَ الْأَلْوَانَ وَ الْأَشْخَاصَ قَالَ قُلْتُ (3)

فَلَكَ أَنْفٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَتَشَمَّمُ بِهَا الرَّائِحَةَ قَالَ قُلْتُ أَ لَكَ فَمٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْتُ وَ مَا(4)

تَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَعْرِفُ بِهِ طَعْمَ الْأَشْیَاءِ قَالَ قُلْتُ أَ لَكَ لِسَانٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ مَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ قُلْتُ أَ لَكَ أُذُنٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ مَا تَصْنَعُ بِهَا قَالَ أَسْمَعُ بِهَا الْأَصْوَاتَ قَالَ قُلْتُ

ص: 248


1- 1. فی المصدر: فافعلوه.
2- 2. زاد فیه: و الناس یسألونه.
3- 3.؟؟؟؟: أ لك.
4- 4. فما( خ).

أَ لَكَ یَدٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ مَا تَصْنَعُ بِهَا قَالَ أَبْطِشُ بِهَا قَالَ قُلْتُ أَ لَكَ قَلْبٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ مَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ أُمَیِّزُ كُلَّ مَا وَرَدَ عَلَی هَذِهِ الْجَوَارِحِ قَالَ قُلْتُ أَ فَلَیْسَ فِی هَذِهِ الْجَوَارِحِ غِنًی عَنِ الْقَلْبِ قَالَ لَا قُلْتُ وَ كَیْفَ ذَلِكَ وَ هِیَ صَحِیحَةٌ سَلِیمَةٌ قَالَ یَا بُنَیَّ إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِی شَیْ ءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ أَوْ سَمِعَتْهُ أَوْ لَمَسَتْهُ رَدَّتْهُ إِلَی الْقَلْبِ فَیُیْقِنُ الْیَقِینَ وَ یُبْطِلُ الشَّكَّ قَالَ فَقُلْتُ إِنَّمَا أَقَامَ اللَّهُ الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْتُ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَلْبِ وَ إِلَّا لَمْ تَسْتَقِمِ الْجَوَارِحُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقُلْتُ یَا أَبَا مَرْوَانَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی ذِكْرُهُ لَمْ یَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتَّی جَعَلَ لَهَا إِمَاماً یُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِیحَ وَ یُیْقِنُ مَا شَكَّ فِیهِ وَ یَتْرُكُ هَذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِی حَیْرَتِهِمْ وَ شَكِّهِمْ وَ اخْتِلَافِهِمْ لَا یُقِیمُ لَهُمْ إِمَاماً یَرُدُّونَ إِلَیْهِ شَكَّهُمْ وَ حَیْرَتَهُمْ وَ یُقِیمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِلَیْهِ حَیْرَتَكَ وَ شَكَّكَ قَالَ فَسَكَتَ وَ لَمْ یَقُلْ شَیْئاً قَالَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَیَّ فَقَالَ أَنْتَ هِشَامٌ فَقُلْتُ لَا فَقَالَ لِی أَ جَالَسْتَهُ فَقُلْتُ لَا قَالَ فَمِنْ أَیْنَ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ فَأَنْتَ إِذاً هُوَ قَالَ ثُمَّ ضَمَّنِی إِلَیْهِ وَ أَقْعَدَنِی فِی مَجْلِسِهِ وَ مَا نَطَقَ حَتَّی قُمْتُ فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقُ علیه السلام ثُمَّ قَالَ یَا هِشَامُ مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا قَالَ قُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ جَرَی عَلَی لِسَانِی قَالَ یَا هِشَامُ هَذَا وَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ فِی صُحُفِ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی (1).

«2»- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی الْبَرْقِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَمِعْتُهُ یَقُولُ لِرَجُلٍ اعْلَمْ یَا فُلَانُ إِنَّ مَنْزِلَةَ الْقَلْبِ (2)

مِنَ الْجَسَدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ مِنَ النَّاسِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةِ عَلَیْهِمْ أَ لَا تَرَی أَنَّ جَمِیعَ جَوَارِحِ الْجَسَدِ شُرَطٌ لِلْقَلْبِ وَ تَرَاجِمَةٌ لَهُ مُؤَدِّیَةٌ عَنْهُ الْأُذُنَانِ وَ الْعَیْنَانِ وَ الْأَنْفُ (3)

وَ الْیَدَانِ وَ الرِّجْلَانِ وَ الْفَرْجُ فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا هَمَّ بِالنَّظَرِ فَتَحَ الرَّجُلُ عَیْنَیْهِ وَ إِذَا هَمَّ بِالاسْتِمَاعِ حَرَّكَ أُذُنَیْهِ وَ فَتَحَ

ص: 249


1- 1. الأمالی: 351- 352.
2- 2. فی بعض النسخ« و الجسد» و الصواب ما أثبتناه موافقا لنسخ اخری و للمصدر.
3- 3. زاد فی المصدر:« و الفم».

مَسَامِعَهُ فَسَمِعَ وَ إِذَا هَمَّ الْقَلْبُ بِالشَّمِّ اسْتَنْشَقَ بِأَنْفِهِ فَأَدَّی تِلْكَ الرَّائِحَةَ إِلَی الْقَلْبِ وَ إِذَا هَمَّ بِالنُّطْقِ تَكَلَّمَ بِاللِّسَانِ وَ إِذَا هَمَّ بِالْحَرَكَةِ سَعَتِ الرِّجْلَانِ وَ إِذَا هَمَّ بِالشَّهْوَةِ تَحَرَّكَ الذَّكَرُ فَهَذِهِ كُلُّهَا مُؤَدِّیَةٌ عَنِ الْقَلْبِ بِالتَّحْرِیكِ وَ كَذَا یَنْبَغِی لِلْإِمَامِ أَنْ یُطَاعَ لِلْأَمْرِ مِنْهُ (1).

بیان: قال فی القاموس الشرطة بالضم واحد الشرط كصرد و هم أول كتیبة تشهد الحرب و تتهیأ للموت و طائفة من أعوان الولاة.

«3»- التَّوْحِیدُ، وَ الْخِصَالُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِیِّ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِیِّ عَنْ سُفْیَانَ بْنِ عُیَیْنَةَ عَنِ الزُّهْرِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیه السلام فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ یَقُولُ فِیهِ: أَلَا إِنَّ لِلْعَبْدِ أَرْبَعَ أَعْیُنٍ عَیْنَانِ یُبْصِرُ بِهِمَا أَمْرَ دِینِهِ وَ دُنْیَاهُ وَ عَیْنَانِ یُبْصِرُ بِهِمَا أَمْرَ آخِرَتِهِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَیْراً فَتَحَ لَهُ الْعَیْنَیْنِ اللَّتَیْنِ فِی قَلْبِهِ فَأَبْصَرَ بِهِمَا الْغَیْبَ وَ أَمْرَ آخِرَتِهِ وَ إِذَا أَرَادَ بِهِ غَیْرَ ذَلِكَ تَرَكَ الْقَلْبَ بِمَا فِیهِ (2).

أقول: أوردت الأخبار فی أحوال القلب و صلاحه و فساده و كذا أحوال النفس و درجاتها فی الصلاح و الفساد فی أبواب مكارم الأخلاق من كتاب الكفر و الإیمان.

«4»- الْمَنَاقِبُ لِابْنِ شَهْرَآشُوبَ،: مِمَّا أَجَابَ الرِّضَا علیه السلام بِحَضْرَةِ الْمَأْمُونِ لِضُبَاعِ بْنِ نَصْرٍ الْهِنْدِیِّ وَ عِمْرَانَ الصَّابِی عَنْ مَسَائِلِهِمَا قَالَ عِمْرَانُ الْعَیْنُ نُورٌ مُرَكَّبَةٌ أَمِ الرُّوحُ تُبْصِرُ الْأَشْیَاءَ مِنْ مَنْظَرِهَا قَالَ علیه السلام الْعَیْنُ شَحْمَةٌ وَ هُوَ الْبَیَاضُ وَ السَّوَادُ وَ النَّظَرُ لِلرُّوحِ دَلِیلُهُ أَنَّكَ تَنْظُرُ فِیهِ فَتَرَی صُورَتَكَ فِی وَسَطِهِ وَ الْإِنْسَانُ لَا یَرَی صُورَتَهُ إِلَّا فِی مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ ضِبَاعٌ فَإِذَا عَمِیَتِ الْعَیْنُ كَیْفَ صَارَتِ الرُّوحُ قَائِمَةً وَ النَّظَرُ ذَاهِبٌ قَالَ كَالشَّمْسِ طَالِعَةً یَغْشَاهَا الظَّلَامُ قَالا(3)

أَیْنَ تَذْهَبُ الرُّوحُ قَالَ أَیْنَ یَذْهَبُ الضَّوْءُ الطَّالِعُ مِنَ الْكُوَّةِ فِی الْبَیْتِ إِذَا سُدَّتِ الْكُوَّةُ قَالَ أَوْضِحْ لِی

ص: 250


1- 1. علل الشرائع: ج 1، ص 103.
2- 2. الخصال: 112.
3- 3. فی المصدر: قال.

ذَلِكَ قَالَ الرُّوحُ مَسْكَنُهَا فِی الدِّمَاغِ وَ شُعَاعُهَا مُنْبَثٌّ فِی الْجَسَدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ دَارَتُهَا فِی السَّمَاءِ وَ شُعَاعُهَا مُنْبَسِطٌ عَلَی الْأَرْضِ فَإِذَا غَابَتِ الدَّارَةُ فَلَا شَمْسَ وَ إِذَا قُطِعَتِ الرَّأْسُ فَلَا رُوحَ (1).

بیان: نور مركبة أی مدرك ركب فی هذا العضو و هو یدرك المبصرات أم المدرك الروح و هذا منظره و اختار علیه السلام الثانی و یدل علی أن المدرك النفس و هذه آلاتها كما مر أنه المشهور و یحتمل أن یكون المراد به الروح الحیوانی بأن یكون المراد أن المدرك هو الروح الذی فی العین لا نفس الضوء(2)

فلا ینفی المذهب الآخر كما یومئ إلیه قوله الروح مسكنها فی الدماغ و هو یدل علی

أن محل الروح و منشأه الدماغ كما قیل و كان النزاع لفظی و المراد هنا الروح النفسانی النازل من الدماغ بتوسط الأعصاب إلی جمیع البدن و منشأ الجمیع القلب.

قال بعض المحققین خلق اللّٰه سبحانه بلطیف صنعه جرما حارا لطیفا نورانیا شفافا یسمی بالروح البخاری و جعله مركبا للنفس و قواها و كرسیا لملائكتها حیا بحیاتها باقیا بتعلقها به فانیا برحلتها عنه لا كسائر الأجرام التی تزول عنها الحیاة و هی باقیة و به حیاة البدن من الواهب بواسطة النفس فكل موضع یفیض علیه من سلطان نوره یحیا و إلا فیموت و اعتبر بالسدد فلو لا أن قوة الحس و الحركة قائمة بهذا الجسم اللطیف لما كانت السدد یمنعها و قد یخدر العضو بالسدة بحیث لا یتألم بجرح و ضرب و ربما ینقطع فتبطل الحیاة منه و لو لا أنه شدید اللطافة لما نفذ فی شباك العصب و من أخذ بعض عروقه یحس بجری جسم لطیف حار فیه و تراجعه عنه و هذا هو الروح و منبعه القلب الصنوبری و منه یتوزع علی الأعضاء العالیة و السافلة من البدن فما یصعد إلی معدن الدماغ علی أیدی خوادم الشرایین معتدلا بتبریده فائضا إلی الأعضاء المدركة المتحركة منبثا فی جمیع البدن یسمی روحا نفسانیا و ما یسفل منه إلی الكبد بأیدی سفراء الأوردة الذی هو مبدأ

ص: 251


1- 1. المناقب: ج 4، ص 353.
2- 2. العضو خ.

القوی النباتیة منبثا فی أعراق البدن یسمی روحا طبیعیا انتهی.

قوله دلیله أنك تنظر فیه كأن الغرض التنبیه علی أن هذا العضو بنفسه لیس شاعرا لشی ء لأنه مثل سائر الأجسام الصقیلة التی یری فیها الوجه كالماء و المرآة فكما أنها لیست مدركة لما ینطبع فیها فكذا العین و غیرها من المشاعر أو دفع (1) لتوهم كون الانطباع دلیلا علی كونها شاعرة فیكون سندا للمنع.

قوله دارتها أی جرمها المستدیر فی القاموس الدار المحل یجمع البناء و العرصة كالدارة و بالهاء ما أحاط بالشی ء كالدائرة و من الرمل ما استدار منه و هالة القمر و فی المصباح الدارة دارة القمر و غیره سمیت بذلك لاستدارتها انتهی و الرأس مذكر و تأنیث الفعل كأنه لاشتماله علی الأعضاء الكثیرة إن لم یكن من تصحیف النساخ.

«5»- التَّوْحِیدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی إِسْحَاقَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الدَّیَصَانِیَّ أَتَی هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ فَقَالَ لَهُ: أَ لَكَ رَبٌّ فَقَالَ بَلَی قَالَ قَادِرٌ قَالَ بَلَی (2)

قَادِرٌ قَاهِرٌ قَالَ یَقْدِرُ أَنْ یُدْخِلَ الدُّنْیَا كُلَّهَا فِی الْبَیْضَةِ لَا تَكْبُرُ(3) الْبَیْضَةُ وَ لَا تَصْغُرُ الدُّنْیَا فَقَالَ هِشَامٌ النَّظِرَةَ فَقَالَ لَهُ قَدْ أَنْظَرْتُكَ حَوْلًا ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُ فَرَكِبَ هِشَامٌ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَتَانِی عَبْدُ اللَّهِ الدَّیَصَانِیُّ بِمَسْأَلَةٍ لَیْسَ الْمُعَوَّلُ فِیهَا إِلَّا عَلَی اللَّهِ وَ عَلَیْكَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَمَّا ذَا سَأَلَكَ فَقَالَ قَالَ لِی كَیْتَ وَ كَیْتَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَا هِشَامُ كَمْ حَوَاسُّكَ قَالَ خَمْسٌ فَقَالَ أَیُّهَا أَصْغَرُ فَقَالَ

النَّاظِرُ قَالَ وَ كَمْ قَدْرُ النَّاظِرِ قَالَ مِثْلُ الْعَدَسَةِ أَوْ أَقَلُّ مِنْهَا فَقَالَ یَا هِشَامُ فَانْظُرْ أَمَامَكَ وَ فَوْقَكَ وَ أَخْبِرْنِی بِمَا تَرَی فَقَالَ أَرَی سَمَاءً وَ أَرْضاً وَ دُوراً وَ قُصُوراً وَ تُرَاباً وَ جِبَالًا وَ أَنْهَاراً فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ الَّذِی قَدَرَ أَنْ یُدْخِلَ

ص: 252


1- 1. رفع خ.
2- 2. فی المصدر: نعم.
3- 3. فی المصدر« لا یكبر فی البیضة» و الصواب ما فی المتن.

الَّذِی تَرَاهُ الْعَدَسَةَ(1) أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا قَادِرٌ أَنْ یُدْخِلَ الدُّنْیَا كُلَّهَا الْبَیْضَةَ وَ لَا تَصْغُرُ الدُّنْیَا وَ لَا تَكْبُرُ الْبَیْضَةُ فَانْكَبَّ هِشَامٌ عَلَیْهِ وَ قَبَّلَ یَدَیْهِ وَ رَأْسَهُ وَ رِجْلَیْهِ وَ قَالَ حَسْبِی یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَانْصَرَفَ إِلَی مَنْزِلِهِ وَ غَدَا عَلَیْهِ الدَّیَصَانِیُّ فَقَالَ لَهُ یَا هِشَامُ إِنِّی جِئْتُكَ مُسَلِّماً وَ لَمْ أَجِئْكَ مُتَقَاضِیاً لِلْجَوَابِ فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ مُتَقَاضِیاً فَهَاكَ الْجَوَابَ (2)

الْخَبَرَ.

تبیین: أقول فی حل هذا الخبر وجوه أوردتها فی كتاب التوحید و علی التقادیر یدل علی أن الإبصار بالانطباع و علی بعض الوجوه المتقدمة یحتمل أن یكون إقناعیا مبنیا علی المقدمة المشهورة بین الجمهور أن الرؤیة بدخول صور المرئیات فی العضو البصری فلا ینافی كون الإبصار حقیقة بخروج الشعاع.

«6»- الْإِخْتِصَاصُ، قَالَ الْعَالِمُ علیه السلام: خَلَقَ اللَّهُ عَالَمَیْنِ مُتَّصِلَیْنِ فَعَالَمٌ عِلْوِیٌّ وَ عَالَمٌ سِفْلِیٌّ وَ رَكَّبَ الْعَالَمَیْنِ جَمِیعاً فِی ابْنِ آدَمَ وَ خَلَقَهُ كریا(3)

[كُرَوِیّاً] مُدَوَّراً فَخَلَقَ اللَّهُ رَأْسَ ابْنِ آدَمَ كَقُبَّةِ الْفَلَكِ وَ شَعْرَهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ وَ عَیْنَیْهِ كَالشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ مَنْخِرَیْهِ كَالشِّمَالِ وَ الْجَنُوبِ وَ أُذُنَیْهِ كَالْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ جَعَلَ لَمْحَهُ كَالْبَرْقِ وَ كَلَامَهُ كَالرَّعْدِ وَ مَشْیَهُ كَسَیْرِ الْكَوَاكِبِ وَ قُعُودَهُ كَشَرَفِهَا وَ غَفْوَهُ كَهُبُوطِهَا وَ مَوْتَهُ كَاحْتِرَاقِهَا وَ خَلَقَ فِی ظَهْرِهِ أَرْبَعاً وَ عِشْرِینَ فِقْرَةً كَعَدَدِ سَاعَاتِ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ خَلَقَ لَهُ ثَلَاثِینَ مِعًی كَعَدَدِ الْهِلَالِ ثَلَاثِینَ یَوْماً وَ خَلَقَ لَهُ اثْنَیْ عَشَرَ وِصْلًا(4)

كَعَدَدِ السَّنَةِ اثْنَیْ عَشَرَ شَهْراً وَ خَلَقَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ عِرْقاً كَعَدَدِ السَّنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَ سِتِّینَ یَوْماً وَ خَلَقَ لَهُ سَبْعَمِائَةِ عَصَبَةٍ وَ اثْنَیْ عَشَرَ عُضْواً وَ هُوَ مِقْدَارُ مَا یُقِیمُ الْجَنِینَ فِی بَطْنِ أُمِّهِ وَ عَجَّنَهُ مِنْ مِیَاهٍ أَرْبَعَةٍ فَخَلَقَ الْمَالِحَ فِی عَیْنَیْهِ فَهُمَا لَا یَذُوبَانِ فِی الْحَرِّ وَ لَا یَجْمُدَانِ فِی الْبَرْدِ وَ خَلَقَ الْمُرَّ فِی أُذُنَیْهِ لِكَیْ لَا تَقْرَبَهُمَا الْهَوَامُّ وَ خَلَقَ الْمَنِیَّ فِی ظَهْرِهِ لِكَیْلَا یَعْتَرِیَهُ الْفَسَادُ وَ خَلَقَ

ص: 253


1- 1. فیه: العدس.
2- 2. التوحید: 75.
3- 3. فی المصدر: كرویا.
4- 4. من هنا الی« و اثنی عشر» غیر موجود فی المصدر.

الْعَذْبَ فِی لِسَانِهِ (1) لِیَجِدَ طَعْمَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ خَلَقَهُ بِنَفْسٍ وَ جَسَدٍ وَ رُوحٍ فَرُوحُهُ الَّتِی لَا تُفَارِقُهُ إِلَّا بِفِرَاقِ الدُّنْیَا وَ نَفْسُهُ الَّتِی تُرِیهِ (2)

الْأَحْلَامَ وَ الْمَنَامَاتِ وَ جِسْمُهُ هُوَ الَّذِی یَبْلَی وَ یَرْجِعُ إِلَی التُّرَابِ (3).

بیان: و غفوه أی نومه و فی بعض النسخ فقره و كأنه تصحیف و هو مقدار ما یقیم أی الاثنا عشر فإن أكثر الحمل اثنا عشر شهرا علی الأشهر و كأن الروح هو الحیوانی و النفس هی الناطقة.

«7»- تُحَفُ الْعُقُولِ،: سَأَلَ یَحْیَی بْنُ أَكْثَمَ عَنْ قَوْلِ عَلِیٍّ علیه السلام إِنَّ الْخُنْثَی یُوَرَّثُ مِنَ الْمَبَالِ وَ قَالَ فَمَنْ یَنْظُرُ إِذَا بَالَ إِلَیْهِ مَعَ أَنَّهُ عَسَی أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً وَ قَدْ نَظَرَ إِلَیْهَا الرِّجَالُ أَوْ عَسَی أَنْ یَكُونَ رَجُلًا وَ قَدْ نَظَرَتْ إِلَیْهِ النِّسَاءُ وَ هَذَا مَا لَا یَحِلُّ فَأَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ الثَّالِثُ علیه السلام إِنَّ قَوْلَ عَلِیٍّ علیه السلام حَقٌّ وَ یَنْظُرُ قَوْمٌ عُدُولٌ یَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِرْآةً وَ تَقُومُ الْخُنْثَی خَلْفَهُمْ عُرْیَانَةً فَیَنْظُرُونَ فِی الْمَرَایَا فَیَرَوْنَ الشَّبَحَ فَیَحْكُمُونَ عَلَیْهِ (4).

بیان: ظاهره أن الرؤیة بالانطباع لا بخروج الشعاع لقوله ع فیرون الشبح و لأنه إذا كان بخروج الشعاع فلا ینفع النظر فی المرآة لأن المرئی حینئذ هو الفرج أیضا و یمكن الجواب بوجهین.

الأول أن مبنی الأحكام الشرعیة الحقائق العرفیة و اللغویة لا الدقائق الحكمیة و من رأی امرأة فی الماء لا یقال لغة و لا عرفا أنه رآها و إنما یقال رأی صورتها و شبحها و النصوص الدالة علی تحریم النظر إلی العورة إنما تدل علی تحریم الرؤیة المتعارفة و شمولها لهذا النوع من الرؤیة غیر معلوم فیمكن أن یكون كلامه علیه السلام مبنیا علی ذلك لا علی كون الرؤیة بالانطباع و یكون قوله فیرون الشبح

ص: 254


1- 1. فی المصدر: فشهد آدم أن لا إله إلّا اللّٰه فخلقه بنفس- الخ-
2- 2. فیه: یری بها الاحلام.
3- 3. الاختصاص: 142- 143.
4- 4. تحف العقول: السؤال فی ص 477، و الجواب فی ص 480.

مبنیا علی ما یحكم به أهل العرف و ذكره لبیان أن مثل تلك الرؤیة لا تسمی رؤیة حقیقیة(1)

لا عرفا و لا لغة.

و الثانی أنه یحتمل أن یكون الحكم مبنیا علی الضرورة و یجوز فی حال الضرورة ما لا یجوز فی غیرها فیجوز النظر إلی العورة كنظر الطبیب و القابلة و أمثالهما و لما كان هذا النوع من الرؤیة أخف شناعة و أقل مفسدة اختاره علیه السلام لدفع الضرورة هناك بها فلا یدل علی الجواز عند فقد الضرورة و علی الانطباع و الأول أظهر و مع ذلك لا یمكن دفع كون ظاهر الخبر الانطباع و سنتكلم فی أصل الحكم فی موضعه إن شاء اللّٰه تعالی.

«8»- تَوْحِیدُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام: فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی الْأَفْعَالِ الَّتِی جُعِلَتْ فِی الْإِنْسَانِ مِنَ الطَّعْمِ وَ النَّوْمِ وَ الْجِمَاعِ وَ مَا دُبِّرَ فِیهَا فَإِنَّهُ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِی الطِّبَاعِ نَفْسِهِ مُحَرِّكٌ یَقْتَضِیهِ وَ یَسْتَحِثُّ بِهِ فَالْجُوعُ یَقْتَضِی الطَّعْمَ الَّذِی بِهِ حَیَاةُ الْبَدَنِ وَ قِوَامُهُ وَ الْكَرَی (2)

یَقْتَضِی النَّوْمَ الَّذِی فِیهِ رَاحَةُ الْبَدَنِ وَ إِجْمَامُ قُوَاهُ وَ الشَّبَقُ یَقْتَضِی الْجِمَاعَ الَّذِی فِیهِ دَوَامُ النَّسْلِ وَ بَقَاؤُهُ وَ لَوْ كَانَ الْإِنْسَانُ إِنَّمَا یَصِیرُ إِلَی أَكْلِ الطَّعَامِ لِمَعْرِفَتِهِ بِحَاجَةِ بَدَنِهِ إِلَیْهِ وَ لَمْ یَجِدْ مِنْ طِبَاعِهِ شَیْئاً یَضْطَرُّهُ إِلَی ذَلِكَ كَانَ خَلِیقاً أَنْ یَتَوَانَی عَنْهُ أَحْیَاناً بِالتَّثَقُّلِ وَ الْكَسَلِ حَتَّی یَنْحَلَّ بَدَنُهُ فَیَهْلِكَ كَمَا یَحْتَاجُ الْوَاحِدُ إِلَی الدَّوَاءِ لِشَیْ ءٍ مِمَّا یَصْلُحُ بِهِ بَدَنُهُ فَیُدَافِعُ بِهِ حَتَّی یُؤَدِّیَهُ ذَلِكَ إِلَی الْمَرَضِ وَ الْمَوْتِ وَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ إِنَّمَا یَصِیرُ إِلَی النَّوْمِ بِالتَّفَكُّرِ فِی حَاجَتِهِ إِلَی رَاحَةِ الْبَدَنِ وَ إِجْمَامِ قُوَاهُ كَانَ عَسَی أَنْ یَتَثَاقَلَ عَنْ ذَلِكَ فَیَدْفَعَهُ حَتَّی یُنْهَكَ بَدَنُهُ وَ لَوْ كَانَ إِنَّمَا یَتَحَرَّكُ لِلْجِمَاعِ بِالرَّغْبَةِ فِی الْوَلَدِ كَانَ غَیْرَ بَعِیدٍ أَنْ یَفْتُرَ عَنْهُ حَتَّی یَقِلَّ النَّسْلُ أَوْ یَنْقَطِعَ فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا یَرْغَبُ فِی الْوَلَدِ وَ لَا یَحْفِلُ (3) بِهِ فَانْظُرْ كَیْفَ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الَّتِی بِهَا قِوَامُ الْإِنْسَانِ وَ صَلَاحُهُ مُحَرِّكٌ مِنْ نَفْسِ الطَّبْعِ یُحَرِّكُهُ كَذَلِكَ وَ یَحْدُوهُ عَلَیْهِ

ص: 255


1- 1. حقیقة( خ).
2- 2. الكری- بفتحتین-: النعاس.
3- 3. أی لا یبالی و لا یهتم به. و فی نسخة« لا یحتمل به» و فی أخری« و لا بمجفل به».

وَ اعْلَمْ أَنَّ فِی الْإِنْسَانِ قُوًی أَرْبَعاً قُوَّةً جَاذِبَةً تَقْبَلُ الْغِذَاءَ وَ تُورِدُهُ عَلَی الْمَعِدَةِ وَ قُوَّةً مُمْسِكَةً تَحْبِسُ الطَّعَامَ حَتَّی تَفْعَلَ فِیهِ الطَّبِیعَةُ فِعْلَهَا وَ قُوَّةً هَاضِمَةً وَ هِیَ الَّتِی تَطْبُخُهُ وَ تَسْتَخْرِجُ صَفْوَهُ وَ تَبُثُّهُ فِی الْبَدَنِ وَ قُوَّةً دَافِعَةً تَدْفَعُهُ وَ تَحْدُرُ الثُّفْلَ الْفَاضِلَ بَعْدَ أَخْذِ الْهَاضِمَةِ حَاجَتَهَا فَفَكِّرْ فِی تَقْدِیرِ هَذِهِ الْقُوَی الْأَرْبَعِ الَّتِی فِی الْبَدَنِ وَ أَفْعَالِهَا وَ تَقْدِیرِهَا لِلْحَاجَةِ إِلَیْهَا وَ الْإِرْبِ فِیهَا وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ الْحِكْمَةِ وَ لَوْ لَا الْجَاذِبَةُ كَیْفَ یَتَحَرَّكُ الْإِنْسَانُ لِطَلَبِ الْغِذَاءِ الَّتِی بِهَا قِوَامُ الْبَدَنِ وَ لَوْ لَا الْمَاسِكَةُ كَیْفَ كَانَ یَلْبَثُ الطَّعَامُ فِی الْجَوْفِ حَتَّی تَهْضِمَهُ الْمَعِدَةُ وَ لَوْ لَا الْهَاضِمَةُ كَیْفَ كَانَ یَنْطَبِخُ مِنْهُ حَتَّی یَخْلُصَ مِنْهُ الصَّفْوُ الَّذِی یَغْذُو الْبَدَنَ وَ یَسُدُّ خُلَلَهُ وَ لَوْ لَا الدَّافِعَةُ كَیْفَ كَانَ الثُّفْلُ الَّذِی تُخَلِّفُهُ الْهَاضِمَةُ یَنْدَفِعُ وَ یَخْرُجُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا أَ فَلَا تَرَی كَیْفَ وَكَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِلَطِیفِ صُنْعِهِ وَ حُسْنِ تَقْدِیرِهِ هَذِهِ الْقُوَی بِالْبَدَنِ وَ الْقِیَامِ بِمَا فِیهِ صَلَاحُهُ وَ سَأُمَثِّلُ فِی ذَلِكَ مِثَالًا إِنَّ الْبَدَنَ بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْمَلِكِ وَ لَهُ فِیهَا حَشَمٌ وَ صِبْیَةٌ(1) وَ قُوَّامٌ مُوَكَّلُونَ بِالدَّارِ فَوَاحِدٌ لِإِفْضَاءِ(2) حَوَائِجِ الْحَشَمِ وَ إِیرَادِهَا عَلَیْهِمْ وَ آخَرُ لِقَبْضِ مَا یَرِدُ وَ خَزْنِهِ إِلَی أَنْ یُعَالَجَ وَ یُهَیَّأَ وَ آخَرُ لِعِلَاجِ ذَلِكَ وَ تَهْیِئَتِهِ وَ تَفْرِیقِهِ وَ آخَرُ لِتَنْظِیفِ مَا فِی الدَّارِ مِنَ الْأَقْذَارِ وَ إِخْرَاجِهِ مِنْهَا فَالْمَلِكُ هُوَ الْخَلَّاقُ الْحَكِیمُ مَلِكُ الْعَالَمِینَ وَ الدَّارُ هِیَ الْبَدَنُ وَ الْحَشَمُ هِیَ الْأَعْضَاءُ وَ الْقُوَّامُ هِیَ هَذِهِ الْقُوَی الْأَرْبَعُ وَ لَعَلَّكَ تَرَی ذِكْرَنَا هَذِهِ الْقُوَی الْأَرْبَعَ وَ أَفْعَالَهَا بَعْدَ الَّذِی وَصَفْتُ فَضْلًا وَ تَزْدَاداً وَ لَیْسَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْقُوَی عَلَی الْجِهَةِ الَّتِی ذُكِرَتْ فِی كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ وَ لَا قَوْلُنَا فِیهِ كَقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوهَا عَلَی مَا یُحْتَاجُ إِلَیْهِ فِی صِنَاعَةِ الطِّبِّ وَ تَصْحِیحِ الْأَبْدَانِ وَ ذَكَرْنَاهَا عَلَی مَا یُحْتَاجُ فِی صَلَاحِ الدِّینِ وَ شِفَاءِ النُّفُوسِ مِنَ الْغَیِّ كَالَّذِی أَوْضَحْتُهُ بِالْوَصْفِ الثَّانِی وَ الْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ الْحِكْمَةِ فِیهَا تَأَمَّلْ یَا مُفَضَّلُ هَذِهِ الْقُوَی الَّتِی فِی النَّفْسِ وَ مَوْقِعَهَا مِنَ الْإِنْسَانِ أَعْنِی الْفِكْرَ وَ الْوَهْمَ وَ الْعَقْلَ وَ الْحِفْظَ وَ غَیْرَ ذَلِكَ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ نُقِصَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَذِهِ الْخِلَالِ الْحِفْظَ وَحْدَهُ

ص: 256


1- 1. الصبیة- بالتثلیث: جمع الصبی.
2- 2. فی بعض النسخ« لا قضاء» و هو تصحیف.

كَیْفَ كَانَتْ تَكُونُ حَالُهُ وَ كَمْ مِنْ خَلَلٍ كَانَ یَدْخُلُ عَلَیْهِ فِی أُمُورِهِ وَ مَعَاشِهِ وَ تَجَارُبِهِ إِذَا لَمْ یَحْفَظْ مَا لَهُ وَ عَلَیْهِ وَ مَا أَخَذَهُ وَ مَا أَعْطَی وَ مَا رَأَی وَ مَا سَمِعَ وَ مَا قَالَ وَ مَا قِیلَ لَهُ وَ لَمْ یَذْكُرْ مَنْ أَحْسَنَ إِلَیْهِ مِمَّنْ أَسَاءَهُ وَ مَا نَفَعَهُ مِمَّا ضَرَّهُ ثُمَّ كَانَ لَا یَهْتَدِی لِطَرِیقٍ لَوْ سَلَكَهُ مَا لَا یُحْصَی وَ لَا یَحْفَظُ عِلْماً وَ لَوْ دَرَسَهُ عُمُرَهُ وَ لَا یَعْتَقِدُ دِیناً وَ لَا یَنْتَفِعُ بِتَجْرِبَةٍ وَ لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یَعْتَبِرَ شَیْئاً عَلَی مَا مَضَی بَلْ كَانَ حَقِیقاً أَنْ یَنْسَلِخَ مِنَ الْإِنْسَانِیَّةِ أَصْلًا فَانْظُرْ إِلَی النِّعْمَةِ عَلَی الْإِنْسَانِ فِی هَذِهِ الْخِلَالِ أَوْ كَیْفَ مَوْقِعُ الْوَاحِدَةِ مِنْهَا دُونَ الْجَمِیعِ وَ أَعْظَمُ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَی الْإِنْسَانِ فِی الْحِفْظِ النِّعْمَةُ فِی النِّسْیَانِ فَإِنَّهُ لَوْ لَا النِّسْیَانُ لَمَا سَلَا أَحَدٌ عَنْ مُصِیبَةٍ وَ لَا انْقَضَتْ لَهُ حَسْرَةٌ وَ لَا مَاتَ لَهُ حِقْدٌ وَ لَا اسْتَمْتَعَ بِشَیْ ءٍ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْیَا مَعَ تَذَكُّرِ الْآفَاتِ وَ لَا رَجَاءُ غَفْلَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ وَ لَا فَتْرَةٌ مِنْ حَاسِدٍ أَ فَلَا تَرَی كَیْفَ جُعِلَ فِی الْإِنْسَانِ الْحِفْظُ وَ النِّسْیَانُ وَ هُمَا مُخْتَلِفَانِ مُتَضَادَّانِ جُعِلَ لَهُ فِی كُلٍّ مِنْهُمَا ضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَ مَا عَسَی أَنْ یَقُولَ الَّذِینَ قَسَّمُوا الْأَشْیَاءَ بَیْنَ خَالِقَیْنِ مُتَضَادَّیْنِ فِی هَذِهِ الْأَشْیَاءِ الْمُتَضَادَّةِ الْمُتَبَایِنَةِ وَ قَدْ تَرَاهَا تَجْمَعُ عَلَی مَا فِیهِ الصَّلَاحُ وَ الْمَنْفَعَةُ انْظُرْ یَا مُفَضَّلُ إِلَی مَا خُصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ دُونَ جَمِیعِ الْحَیَوَانِ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ الْجَلِیلِ قَدْرُهُ الْعَظِیمِ غَنَاؤُهُ أَعْنِی الْحَیَاءَ فَلَوْلَاهُ لَمْ یُقْرَ ضَیْفٌ وَ لَمْ یُوفَ بِالْعِدَاتِ وَ لَمْ تُقْضَ الْحَوَائِجُ وَ لَمْ یُتَحَرَّ الْجَمِیلُ وَ لَمْ یُتَنَكَّبِ الْقَبِیحُ فِی شَیْ ءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ حَتَّی إِنَّ كَثِیراً مِنَ الْأُمُورِ الْمُفْتَرَضَةِ أَیْضاً إِنَّمَا یُفْعَلُ لِلْحَیَاءِ فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ [مَنْ] لَوْ لَا الْحَیَاءُ لَمْ یَرْعَ حَقَّ وَالِدَیْهِ وَ لَمْ یَصِلْ ذَا رَحِمٍ وَ لَمْ یُؤَدِّ أَمَانَةً وَ لَمْ یَعِفَّ عَنْ فَاحِشَةٍ أَ فَلَا تَرَی كَیْفَ وُفِّیَ الْإِنْسَانُ جَمِیعَ الْخِلَالِ الَّتِی فِیهَا صَلَاحُهُ وَ تَمَامُ أَمْرِهِ تَأَمَّلْ یَا مُفَضَّلُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ بِهِ عَلَی الْإِنْسَانِ مِنْ هَذَا النُّطْقِ الَّذِی یُعَبِّرُ بِهِ عَمَّا فِی ضَمِیرِهِ وَ مَا یَخْطُرُ بِقَلْبِهِ وَ یُنْتِجُهُ فِكْرُهُ وَ بِهِ یَفْهَمُ مِنْ غَیْرِهِ مَا فِی نَفْسِهِ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِی لَا تُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهَا بِشَیْ ءٍ وَ لَا تَفْهَمُ عَنْ مُخْبِرٍ شَیْئاً وَ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ الَّتِی بِهَا تُقَیَّدُ أَخْبَارُ الْمَاضِینَ لِلْبَاقِینَ وَ أَخْبَارُ الْبَاقِینَ لِلْآتِینَ وَ بِهَا تُخَلَّدُ الْكُتُبُ فِی الْعُلُومِ وَ الْآدَابِ وَ غَیْرِهَا وَ بِهَا یَحْفَظُ الْإِنْسَانُ ذِكْرَ مَا یَجْرِی بَیْنَهُ وَ بَیْنَ غَیْرِهِ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ وَ الْحِسَابِ وَ لَوْلَاهُ لَانْقَطَعَ أَخْبَارُ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ

ص: 257

عَنْ بَعْضٍ وَ أَخْبَارُ الْغَائِبِینَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَ دَرَسَتِ الْعُلُومُ وَ ضَاعَتِ الْآدَابُ وَ عَظُمَ مَا یَدْخُلُ عَلَی النَّاسِ مِنَ الْخَلَلِ فِی أُمُورِهِمْ وَ مُعَامَلَاتِهِمْ وَ مَا یَحْتَاجُونَ إِلَی النَّظَرِ فِیهِ مِنْ أَمْرِ دِینِهِمْ وَ مَا رُوِیَ لَهُمْ مِمَّا لَا یَسَعُهُمْ جَهْلُهُ وَ لَعَلَّكَ تَظُنُّ أَنَّهَا مِمَّا یُخْلَصُ إِلَیْهِ بِالْحِیلَةِ وَ الْفِطْنَةِ وَ لَیْسَتْ مِمَّا أُعْطِیَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ خَلْقِهِ وَ طِبَاعِهِ وَ كَذَلِكَ الْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ شَیْ ءٌ یَصْطَلِحُ عَلَیْهِ النَّاسُ فَیَجْرِی بَیْنَهُمْ وَ لِهَذَا صَارَ یَخْتَلِفُ فِی الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَلْسُنٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ كَكِتَابَةِ الْعَرَبِیِّ وَ السُّرْیَانِیِّ وَ الْعِبْرَانِیِّ وَ الرُّومِیِّ وَ غَیْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْكِتَابَةِ الَّتِی هِیَ مُتَفَرِّقَةٌ فِی الْأُمَمِ إِنَّمَا اصْطَلَحُوا عَلَیْهَا كَمَا اصْطَلَحُوا عَلَی الْكَلَامِ فَیُقَالُ لِمَنِ ادَّعَی ذَلِكَ إِنَّ الْإِنْسَانَ وَ إِنْ كَانَ لَهُ فِی الْأَمْرَیْنِ جَمِیعاً فِعْلٌ أَوْ حِیلَةٌ فَإِنَّ الشَّیْ ءَ الَّذِی یَبْلُغُ بِهِ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَ الْحِیلَةَ عَطِیَّةٌ وَ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ فِی خَلْقِهِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ یَكُنْ لَهُ لِسَانٌ مُهَیَّأٌ لِلْكَلَامِ وَ ذِهْنٌ یَهْتَدِی بِهِ لِلْأُمُورِ لَمْ یَكُنْ لِیَتَكَلَّمَ أَبَداً وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ لَهُ كَفٌّ مُهَیَّأَةٌ وَ أَصَابِعُ لِلْكِتَابَةِ لَمْ یَكُنْ لِیَكْتُبَ أَبَداً وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِی لَا كَلَامَ لَهَا وَ لَا كِتَابَةَ فَأَصْلُ ذَلِكَ فِطْرَةُ الْبَارِئِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَی خَلْقِهِ فَمَنْ شَكَرَ أُثِیبَ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعَالَمِینَ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی مَا أُعْطِیَ الْإِنْسَانُ عِلْمَهُ وَ مَا مُنِعَ فَإِنَّهُ أُعْطِیَ عِلْمَ جَمِیعِ مَا فِیهِ صَلَاحُ دِینِهِ وَ دُنْیَاهُ فَمِمَّا فِیهِ صَلَاحُ دِینِهِ مَعْرِفَةُ الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بِالدَّلَائِلِ وَ الشَّوَاهِدِ الْقَائِمَةِ فِی الْخَلْقِ وَ مَعْرِفَةُ الْوَاجِبِ عَلَیْهِ مِنَ

الْعَدْلِ عَلَی النَّاسِ كَافَّةً وَ بِرِّ الْوَالِدَیْنِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ مُوَاسَاةِ أَهْلِ الْخُلَّةِ وَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تُوجِبُ مَعْرِفَتَهُ وَ الْإِقْرَارُ وَ الِاعْتِرَافُ بِهِ فِی الطَّبْعِ وَ الْفِطْرَةِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ مُوَافِقَةٍ أَوْ مُخَالِفَةٍ وَ كَذَلِكَ أُعْطِیَ عِلْمَ مَا فِیهِ صَلَاحُ دُنْیَاهُ كَالزِّرَاعَةِ وَ الْغِرَاسِ وَ اسْتِخْرَاجِ الْأَرَضِینَ وَ اقْتِنَاءِ الْأَغْنَامِ وَ الْأَنْعَامِ وَ اسْتِنْبَاطِ الْمِیَاهِ وَ مَعْرِفَةِ الْعَقَاقِیرِ الَّتِی یُسْتَشْفَی بِهَا مِنْ ضُرُوبِ الْأَسْقَامِ وَ الْمَعَادِنِ الَّتِی یُسْتَخْرَجُ مِنْهَا أَنْوَاعُ الْجَوَاهِرِ وَ رُكُوبِ السُّفُنِ وَ الْغَوْصِ فِی الْبَحْرِ وَ ضُرُوبِ الْحِیَلِ فِی صَیْدِ الْوَحْشِ وَ الطَّیْرِ وَ الْحِیتَانِ وَ التَّصَرُّفِ فِی الصِّنَاعَاتِ وَ وُجُوهِ الْمَتَاجِرِ وَ الْمَكَاسِبِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ مِمَّا یَطُولُ شَرْحُهُ وَ یَكْثُرُ تَعْدَادُهُ مِمَّا فِیهِ صَلَاحُ أَمْرِهِ فِی هَذِهِ الدَّارِ فَأُعْطِیَ عِلْمَ مَا یَصْلُحُ بِهِ دِینُهُ وَ دُنْیَاهُ وَ مُنِعَ مَا سِوَی ذَلِكَ مِمَّا لَیْسَ فِیهِ

ص: 258

شَأْنُهُ وَ لَا طَاقَتُهُ أَنْ یَعْلَمَ كَعِلْمِ الْغَیْبِ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ وَ بَعْضِ مَا قَدْ كَانَ أَیْضاً كَعِلْمِ مَا فَوْقَ السَّمَاءِ وَ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ وَ مَا فِی لُجَجِ الْبِحَارِ وَ أَقْطَارِ الْعَالَمِ وَ مَا فِی قُلُوبِ النَّاسِ وَ مَا فِی الْأَرْحَامِ وَ أَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا حُجِبَ عَلَی النَّاسِ عِلْمُهُ وَ قَدِ ادَّعَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ هَذِهِ الْأُمُورَ فَأَبْطَلَ دَعْوَاهُمْ مَا یَبِینُ مِنْ خَطَئِهُمْ فِی مَا یَقْضُونَ عَلَیْهِ وَ یَحْكُمُونَ بِهِ فِی مَا ادَّعَوْا عِلْمَهُ فَانْظُرْ كَیْفَ أُعْطِیَ الْإِنْسَانُ عِلْمَ جَمِیعِ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ لِدِینِهِ وَ دُنْیَاهُ وَ حُجِبَ عَنْهُ مَا سِوَی ذَلِكَ لِیَعْرِفَ قَدْرَهُ وَ نَقْصَهُ وَ كِلَا الْأَمْرَیْنِ فِیهَا صَلَاحُهُ تَأَمَّلِ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ مَا سُتِرَ عَنِ الْإِنْسَانِ عِلْمُهُ مِنْ مُدَّةِ حَیَاتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ عَرَفَ مِقْدَارَ عُمُرِهِ وَ كَانَ قَصِیرَ الْعُمُرِ لَمْ یَتَهَنَّأْ بِالْعَیْشِ مَعَ تَرَقُّبِ الْمَوْتِ وَ تَوَقُّعِهِ لِوَقْتٍ قَدْ عَرَفَهُ بَلْ كَانَ یَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدْ فَنِیَ مَالُهُ أَوْ قَارَبَ الْفَنَاءَ فَقَدِ اسْتَشْعَرَ الْفَقْرَ وَ الْوَجَلَ مِنْ فَنَاءِ مَالِهِ وَ خَوْفِ الْفَقْرِ عَلَی أَنَّ الَّذِی یَدْخُلُ عَلَی الْإِنْسَانِ مِنْ فَنَاءِ الْعُمُرِ أَعْظَمُ مِمَّا یَدْخُلُ عَلَیْهِ مِنْ فَنَاءِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْ یَقِلُّ مَالُهُ یَأْمُلُ أَنْ یَسْتَخْلِفَ مِنْهُ فَیَسْكُنُ إِلَی ذَلِكَ وَ مَنْ أَیْقَنَ بِفَنَاءِ الْعُمُرِ اسْتَحْكَمَ عَلَیْهِ الْیَأْسُ وَ إِنْ كَانَ طَوِیلَ الْعُمُرِ ثُمَّ عَرَفَ ذَلِكَ وَثِقَ بِالْبَقَاءِ وَ انْهَمَكَ فِی اللَّذَّاتِ وَ الْمَعَاصِی وَ عَمِلَ عَلَی أَنَّهُ یَبْلُغُ مِنْ ذَلِكَ شَهْوَتَهُ ثُمَّ یَتُوبُ فِی آخِرِ عُمُرِهِ وَ هَذَا مَذْهَبٌ لَا یَرْضَاهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ وَ لَا یَقْبَلُهُ أَ لَا تَرَی لَوْ أَنَّ عَبْداً لَكَ عَمِلَ عَلَی أَنَّهُ یُسْخِطُكَ سَنَةً وَ یُرْضِیكَ یَوْماً أَوْ شَهْراً لَمْ تَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَ لَمْ یَحُلَّ عِنْدَكَ مَحَلَّ الْعَبْدِ الصَّالِحِ دُونَ أَنْ یُضْمِرَ طَاعَتَكَ وَ نُصْحَكَ فِی كُلِّ الْأُمُورِ فِی كُلِّ الْأَوْقَاتِ عَلَی تَصَرُّفِ الْحَالاتِ فَإِنْ قُلْتَ أَ وَ لَیْسَ قَدْ یُقِیمُ الْإِنْسَانُ عَلَی الْمَعْصِیَةِ حِیناً ثُمَّ یَتُوبُ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ شَیْ ءٌ یَكُونُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِغَلَبَةِ الشَّهَوَاتِ لَهُ لو [وَ] تَرْكِهِ مُخَالَفَتَهَا مِنْ غَیْرِ أَنْ یُقَدِّرَهَا فِی نَفْسِهِ وَ یَبْنِیَ عَلَیْهِ أَمْرَهُ فَیَصْفَحُ اللَّهُ عَنْهُ وَ یَتَفَضَّلُ عَلَیْهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَأَمَّا مَنْ قَدَّرَ أَمْرَهُ عَلَی أَنْ یَعْصِیَ مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ یَتُوبَ آخِرَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا یُحَاوِلُ خَدِیعَةَ مَنْ لَا یُخَادَعُ بِأَنْ یَتَسَلَّفَ التَّلَذُّذَ فِی الْعَاجِلِ وَ یَعِدَ وَ یُمَنِّیَ نَفْسَهُ التَّوْبَةَ فِی الْآجِلِ وَ لِأَنَّهُ لَا یَفِی بِمَا یَعِدُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ النُزُوعَ مِنَ التَّرَفُّهِ وَ التَّلَذُّذِ وَ مُعَانَاةَ التَّوْبَةِ وَ لَا سِیَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ وَ ضَعْفِ الْبَدَنِ أَمْرٌ صَعْبٌ وَ لَا یُؤْمَنُ عَلَی الْإِنْسَانِ مَعَ مُدَافَعَتِهِ بِالتَّوْبَةِ أَنْ

ص: 259

یُرْهِقَهُ الْمَوْتُ فَیَخْرُجَ مِنَ الدُّنْیَا غَیْرَ تَائِبٍ كَمَا قَدْ یَكُونُ عَلَی الْوَاحِدِ دَیْنٌ إِلَی أَجَلٍ وَ قَدْ یَقْدِرُ عَلَی قَضَائِهِ فَلَا یَزَالُ یُدَافِعُ بِذَلِكَ حَتَّی یَحِلَّ الْأَجَلُ وَ قَدْ نَفِدَ الْمَالُ فَیَبْقَی الدَّیْنُ قَائِماً عَلَیْهِ فَكَانَ خَیْرَ الْإِنْسَانِ أَنْ یُسْتَرَ عَنْهُ مَبْلَغُ عُمُرِهِ فَیَكُونَ طُولَ عُمُرِهِ یَتَرَقَّبُ الْمَوْتَ فَیَتْرُكَ الْمَعَاصِیَ وَ یُؤْثِرَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَإِنْ قُلْتَ وَ هَا هُوَ الْآنَ قَدْ سُتِرَ عَنْهُ مِقْدَارُ حَیَاتِهِ وَ صَارَ یَتَرَقَّبُ الْمَوْتَ فِی كُلِّ سَاعَةٍ یُقَارِفُ الْفَوَاحِشَ وَ یَنْتَهِكُ الْمَحَارِمَ قُلْنَا إِنَّ وَجْهَ التَّدْبِیرِ فِی هَذَا الْبَابِ هُوَ الَّذِی جَرَی عَلَیْهِ الْأَمْرُ فِیهِ فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ مَعَ ذَلِكَ لَا یَرْعَوِی وَ لَا یَنْصَرِفُ عَنِ الْمَسَاوِی فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مَرَحِهِ وَ مِنْ قَسَاوَةِ قَلْبِهِ لَا مِنْ خَطَإٍ فِی التَّدْبِیرِ كَمَا أَنَّ الطَّبِیبَ قَدْ یَصِفُ لِلْمَرِیضِ

مَا یَنْتَفِعُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَرِیضُ مُخَالِفاً لِقَوْلِ الطَّبِیبِ لَا یَعْمَلُ بِمَا یَأْمُرُهُ وَ لَا یَنْتَهِی عَمَّا یَنْهَاهُ عَنْهُ لَمْ (1)

یَنْتَفِعْ بِصِفَتِهِ وَ لَمْ یَكُنِ الْإِسَاءَةُ فِی ذَلِكَ الطَّبِیبِ بَلْ لِلْمَرِیضِ حَیْثُ لَمْ یَقْبَلْ مِنْهُ وَ لَئِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ مَعَ تَرَقُّبِهِ لِلْمَوْتِ كُلَّ سَاعَةٍ لَا یَمْتَنِعُ عَنِ الْمَعَاصِی فَإِنَّهُ لَوْ وَثِقَ بِطُولِ الْبَقَاءِ كَانَ أَحْرَی بِأَنْ یَخْرُجَ إِلَی الْكَبَائِرِ الْقَطْعِیَّةِ(2) فَتَرَقُّبُ الْمَوْتِ عَلَی كُلِّ حَالٍ خَیْرٌ لَهُ مِنَ الثِّقَةِ بِالْبَقَاءِ ثُمَّ إِنَّ تَرَقُّبَ الْمَوْتِ وَ إِنْ كَانَ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ یَلْهَوْنَ عَنْهُ وَ لَا یَتَّعِظُونَ بِهِ فَقَدْ یَتَّعِظُ بِهِ صِنْفٌ آخَرُ مِنْهُمْ وَ یَنْزِعُونَ عَنِ الْمَعَاصِی وَ یُؤْثِرُونَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَ یَجُودُونَ بِالْأَمْوَالِ وَ الْعَقَائِلِ النَّفْسِیَّةِ فِی الصَّدَقَةِ عَلَی الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِینِ فَلَمْ یَكُنْ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ یُحْرَمَ هَؤُلَاءِ الِانْتِفَاعَ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ لِتَضْیِیعِ أُولَئِكَ حَظَّهُمْ مِنْهَا.

تذنیب

و لنذكر بعض ما ذكره الحكماء فی تحقیق القوی البدنیة الإنسانیة لتوقف فهم الآیات و الأخبار علیها فی الجملة و اشتمالها علی الحكم الربانیة.

قالوا الحیوان جسم مركب مختص من بین المركبات بالنفس الحیوانیة لكون مزاجه أقرب إلی الاعتدال جدا من النباتات و المعادن فبعد أن یستوفی درجة

ص: 260


1- 1. فی بعض النسخ: و لم ینتفع بصفته فلم یكن.
2- 2. الفظیعة( خ).

الجماد و النبات یقبل صورة أشرف من صورتهما و عرفوا النفس الحیوانیة بأنها كمال أول لجسم طبیعی آلی من جهة ما یدرك الجزئیات و یتحرك بالإرادة و لها قوتان مدركة و محركة أما المدركة فهی إما فی الظاهر أو فی الباطن أما التی فی الظاهر فهی خمس بحكم الاستقراء و قیل لأن الطبیعة لا تنتقل من درجة الحیوانیة إلی درجة فوقها إلا و قد استكملت جمیع ما فی تلك المرتبة فلو كان فی الإمكان حس آخر لكان حاصلا للإنسان فلما لم یحصل علمنا أن الحواس منحصرة فی الخمس.

فمنها السمع و هو قوة مودعة فی العصب المفروش فی مقعر الصماخ و یتوقف علی وصول الهواء المنضغط بین القارع و المقروع و(1)

القالع و المقلوع مع مقاومة المتكیف بكیفیة الصوت المعلول لتموج ذلك الهواء إلی الصماخ و لیس مرادهم بوصوله ما هو المتبادر منه بل إن ذلك الهواء بتموجه یموج الهواء المجاور له و یكفیه بالصوت ثم یتموج المجاور لهذا المجاور و هكذا إلی أن یتموج الهواء الراكد فی الصماخ و قیل لا ینحصر المتوسط فی الهواء بل كل جسم سیال كالماء أیضا.

و منها البصر و هو قوة مودعة فی ملتقی العصبتین المجوفتین النابتتین من غور البطنین المقدمین من الدماغ یتیامن النابت منهما یسارا و یتیاسر النابت منهما یمینا فیلتقیان و یصیر تجویفهما واحدا ثم ینعطف النابت منهما یمینا إلی الحدقة الیمنی و النابت منهما یسارا إلی الحدقة الیسری و یسمی الملتقی بمجمع النور.

و الفلاسفة اختلفوا فی كیفیة الإبصار فالطبیعیون منهم ذهبوا إلی أنه بانطباع شبح المرئی فی جزء من الرطوبة الجلیدیة التی هی بمنزلة البرد و الجمد فی الصقالة المرآتیة فإذا قابلها متلون مستنیر انطبع مثل صورته فیها كما ینطبع صورة الإنسان فی المرآة لا بأن ینفصل من المتلون شی ء و یمیل إلی العین بل بأن یحدث مثل صورته فی عین الناظر و یكون استعداد حصوله بالمقابلة المخصوصة مع توسط الهواء المشف.

ص: 261


1- 1. أو( خ).

و الریاضیون ذهبوا إلی أنه بخروج الشعاع من العین علی هیئة مخروط رأسه عند العین و قاعدته عند المرئی ثم اختلفوا فی أن ذلك المخروط مصمت أو مؤتلف من خطوط مجتمعة فی الجانب الذی یلی الرأس متفرقة فی الجانب الذی یلی القاعدة و قال بعضهم بأن الخارج من العین خط واحد مستقیم لكن یثبت طرفه الذی یلی العین و یضطرب طرفه الأخری علی المرئی فیتخیل منه هیئة مخروط.

و الإشراقیون قالوا لا شعاع و لا انطباع و إنما الإبصار مقابلة المستنیر للعضو الباصر الذی فیه رطوبة صقیلة فإذا وجدت هذه الشروط مع زوال المانع یقع للنفس علم حضوری إشراقی علی المبصر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جلیة لكن المشهور من آراء الفلاسفة الانطباع و الشعاع.

تمسك الأولون بوجوه أحدها و هو العمدة أن العین جسم صقیل نورانی و كل جسم كذلك إذا قابله كثیف ملون انطبع فیه شبحه كالمرآة أما الكبری فظاهر و أما الصغری فلما نشاهد من النور فی الظلمة إذا حك المنتبه من النوم عینه و لأن الإنسان إذا نظر نحو أنفه قد یری علیه دائرة مثل الضیاء و إذا انتبه من النوم قد یبصر ما قرب منه ثم یفقده و ذلك لامتلاء العین من النور و إن غمضنا إحدی العینین اتسع مثقب العین الأخری فیعلم أنه یملؤه جوهر نوری و لو لا انصباب أجسام نورانیة من الدماغ إلی العین لكان تجویف العصبتین عدیم الفائدة.

و ثانیها أن الإحساس بسائر الحواس لیس لأجل خروج شی ء من المحسوس بل لأجل أن یأتیها صورة المحسوس فكذا حكم الإبصار.

و ثالثها أن كون رؤیة الأشیاء الكبیرة من البعید صغیرة لضیق زاویة الرؤیة لا یتأتی إلا مع القول بكون موضع الرؤیة هو الزاویة كما هو رأی أصحاب الانطباع لا القاعدة علی ما هو رأی القائلین بخروج الشعاع فإنها لا تتفاوت.

و رابعها أن من حدق النظر إلی الشمس ثم انصرف عنها یبقی فی عینه صورتها زمانا و ذلك یوجب ما قلناه.

و خامسها أن الممرورین یرون صورا مخصوصة لا وجود لها فی الخارج فإذن

ص: 262

حصولها فی البصر.

و أجیب عن الأول بأنه بعد تمامه لا یفید إلا انطباع الشبح و أما كون الإبصار به فلا و عن الثانی أنه تمثیل بلا جامع و عن الثالث بأن كون العلة ما ذكرتم غیر مسلم كیف و أصحاب الشعاع یذكرون له وجها آخر و عن الرابع بأن الصورة غیر باقیة فی الباصرة بل فی الخیال و أین أحدهما من الآخر و عن الخامس أنه إنما یدل علی إثبات الانطباع فی هذا النحو من الرؤیة التی هی من قبیل الرؤیا و مشاهدة الأمور الغائبة عن الأبصار بوقوع أشباحها فی الخیال و لا یدل علی أن الإبصار للموجودات فی الخارج بالانطباع و قیاس أحدهما علی الآخر غیر ملتفت إلیه فی العلوم.

و تمسك القائلون بالشعاع أیضا بوجوه أحدها أن من قل شعاع بصره كان إدراكه للقریب أصح من إدراكه للبعید لتفرق الشعاع فی (1)

البعید و من كثر شعاع بصره مع غلظه كان إدراكه للبعید أصح لأن الحركة فی المسافة البعیدة تفید رقة و صفاء و لو كان الإبصار بالانطباع لما تفاوت الحال.

و ثانیها أن الأجهر یبصر باللیل دون النهار لأن شعاع بصره لقلته یتخلل نهارا شعاع الشمس فلا یبصر و یجتمع لیلا فیقوی علی الإبصار و الأعمش بالعكس لأن شعاع بصره لغلظه لا یقوی علی الإبصار إلا إذا أفادته الشمس رقة و صفاء.

و ثالثها أن الإنسان إذا نظر إلی ورقة و رآها كلها لم یظهر له إلا السطر الذی یحدق نحوه البصر و ما ذاك إلا بسبب أن مسقط سهم مخروط الشعاع أصح إدراكا.

و رابعها أن الإنسان یری فی الظلمة كأن نورا انفصل عن عینه و أشرق علی أنفه و إذا غمض عینه علی السراج یری كأن خطوطا شعاعیة اتصلت بین عینیه و السراج.

و الجواب عن الكل أنها لا تدل علی المطلوب أعنی كون الإبصار بخروج الشعاع بل علی أن فی العین نورا و نحن لا ننكر أن فی آلات الإبصار أجساما شعاعیة مضیئة تسمی بالروح الباصرة و إن أنكرها محمد بن زكریا زعما أن النور لا یوجد إلا فی النار

ص: 263


1- 1. للبعید( خ).

و فی الكواكب و أما الأجسام الكثیفة و ما فی بواطنها فالأولی بها الظلمة و كیف یعقل داخل الدماغ مع تسترها بالحجب جسم نورانی أما ابن سینا فقد اعترف بذلك لأن جالینوس لما احتج ببعض الشبه التی مر ذكرها علی خروج الشعاع من العین و أجاب عنه بأن ذلك یدل علی وجود الشعاع فی العین و لا نزاع فیه لكن قلتم إن ذلك الشعاع یخرج فحینئذ نقول آلة الإبصار جسم نورانی فی الجلیدیة یرتسم منه بین العین و المرئی مخروط وهمی یتعلق إدراك النفس بذلك المرئی من جهة زاویته التی عند الجلیدیة و تشتد حركته عند رؤیة البعید فیتخلل لطیفها فیفتقر إلی تلطیف إذا غلظ و تكثیف إذا لطف و رق فوق ما ینبغی و یحدث منها فی المقابل القابل أشعة و أضواء یكون قوتها فی مسقط السهم مما یحاذی مركز العین الذی هو بمنزلة الزاویة للمخروط الوهمی و لشدة استنارته یكون ما یری منه أظهر و إدراكه أقوی و أكمل و یشبه أن یكون هذا مراد القائلین بخروج الشعاع تجوزا منهم علی ما صرح به الشیخ و إلا فهو باطل قطعا أما إذا أرید حقیقة الشعاع الذی هو من قبیل الأعراض فظاهر و إن أرید جسم

شعاعی یتحرك من العین إلی المرئی فلأنا قاطعون بأنه یمتنع أن یخرج من العین جسم ینبسط فی لحظة علی نصف كرة العالم ثم إذا طبق الجفن عاد إلیها أو انعدم ثم إذا فتح خرج مثله و هكذا و أن یتحرك الجسم الشعاعی من دون قاسر أو إرادة إلی جمیع الجهات و أن ینفذ فی الأفلاك و یخرقها لیری الكواكب و أن لا یتشوش لهبوب الریاح و لا یتصل بغیر المقابل كما فی الأصوات حیث یمیلها الریاح إلی الجهات و لأنه یلزم أن لا یری القمر مثل الثوابت بل بزمان یناسب التفاوت بینهما و لیس كذلك بل یری الأفلاك بما فیها من الكواكب دفعة ثم إن للقائلین بالشعاع مذهبا آخر و هو أن المشف الذی بین البصر و المرئی یتكیف بكیفیة الشعاع الذی فی البصر و یصیر بذلك آلة للإبصار و یرد علیه المفاسد المتقدمة مع زیادة.

و قال صاحب المقاصد الحق أن الإبصار بمحض خلق اللّٰه تعالی عند فتح العین. ثم اعلم أنه یعرض فی الرؤیة أمور غریبة قد یستدل ببعضها علی أحد المذهبین

ص: 264

منها اختلاف الأقدار بسبب تفاوت الأبعاد و السبب فیه علی كلا المذهبین اختلاف زاویة مركز الجلیدیة انفراجا و حدة فإنه إذا قابل المبصر البصر توهمنا خطین مستقیمین واصلین بین مركز الجلیدیة و طرفی المبصر فیحصل زاویة البتة عند مركز الجلیدیة فكلما كانت تلك الزاویة أعظم یری المرئی أصغر و لا یخفی علی المتدرب أن قرب المرئی سبب لعظم تلك الزاویة و بعده سبب لصغرها أو بزیادة القرب یزید عظمها و بزیادة البعد یزید صغرها فالخطوط التی هی أضلاع الزوایا موجودة عند الریاضیین موهومة عند المشاءین و كل من أصحاب المذهبین جعل هذا مؤیدا لمذهبه و له وجه و إن كان بمذهب المشاءین أنسب.

و قال بعض المحققین قد قرر الحكماء عن آخرهم أن تفاوت أقدار المبصرات بتفاوت أقدار الزاویة المذكورة و یتبع تفاوت إحداهما تفاوت الأخری علی نسبتها من غیر انثلام فی اتساق النسبة و بنوا علیه علم المناظر و غیره من معظمات المسائل و فیه شبهة و هو أنا إذا قربنا جسما صغیرا طوله مثل طول البصر أو أزید بقلیل كالإصبع من البصر بحیث یصل إلی رءوس شعر الجفن فیری بزاویة عظیمة جدا و یحجب الجبل العظیم جدا فزاویته أعظم من زاویة الجبل فیجب أن یری أعظم مع أن الأمر بخلافه ضرورة و الجواب أنه فی الرؤیة أعظم إلا أنه یعلم بحكم العقل أنه صغیر جدا و رئی عظیما بسبب كمال قربه انتهی.

و منها رؤیة المرئیات فی المرایا و الأجسام الصقیلة و اختلف فی سببه و تفرق آراؤهم إلی مذاهب أربعة الأول مذهب أصحاب الشعاع حیث ذهبوا إلی أنه بانعكاس الخطوط الشعاعیة و تفصیله أنا نعلم تجربة أن الشعاع ینعكس من الجسم الصقیل كما ینعكس شعاع الشمس من الماء إلی الجدار و من المرآة إلی مقابلها فإذا وقع شعاع البصر علی المرآة مثلا ینعكس منها إلی جسم آخر وضعه من المرآة وضع المرآة من البصر علی وجه تتساوی زاویتا الشعاع و الانعكاس فإذا قابلت المرآة وجه المبصر و كان سهم المخروط الشعاعی عمودا علی سطح المرآة وجب انعكاس ذلك الخط العمود من سمته بعینه إلی مركز الجلیدیة إذ لو انعكس إلی غیره لزم تساوی زاویة قائمة مع زاویة

ص: 265

حادة و انعكست الخطوط القریبة منه إلی باقی أجزاء الوجه فیری الوجه و إذا كانت المرآة غیر مقابلة للبصر علی الوجه المذكور لم ینعكس الشعاع إلیه بل إلی جسم آخر من شأنه أن تتساوی به الزاویتان المذكورتان فالمرئی فی المرآة إنما هو الأمر الخارجی لكن لما رئی بالشعاع الذی رئی به المرآة یظن أنه فی المرآة و لیس موجودا فی المرآة و إذا كان الوجه قریبا من المرآة و الخطوط المنعكسة قصیرة یظن أن صورة المرئی قریبة من سطح المرآة و إذا كان الوجه بعیدا عنها و الخطوط المنعكسة طویلة یظن الصورة غائرة فیها و أورد علیه وجوه من الإیراد المذكورة فی محالها.

الثانی مذهب أصحاب الانطباع و توضیحه أنه كما أن القوة الباصرة بحیث إذا قابلت جسما ملونا مضیئا ارتسمت صورته فیها فكذلك هی بحیث إذا قابلت جسما صقیلا ارتسمت صورتها فی الباصرة مع صورة مقابل ذلك الجسم الصقیل و ترتسم فی جزء ارتسمت فیه صورة المرآة و شرط الانعكاس عندهم أیضا ما مر من كون الجسم المقابل من المرآة مثل مقابلة المرآة للمبصر بحیث تتساوی زاویتا الشعاع و الانعكاس من الخطوط الشعاعیة الموهومة المفروضة المستقیمة.

الثالث مذهب سخیف ضعیف و هو أن الصورة ینطبع فی المرآة.

الرابع مذهب أفلاطون و من سبقه و تبعه من الإشراقیین حیث أثبتوا عالما آخر سوی هذا العالم الجسمانی الذی هو المحدد للجهات مع ما فیه من الأجرام الفلكیة و الأجسام العنصریة و هو عالم متوسط بینه و بین عالم المجردات العقلیة الصرفة المنزهة عن المقدار و الحیز و الجهة و الشكل فإن أشخاص هذا العالم صور مثالیة و أشباح برزخیة مجردة عن الطبائع و المواد نورانیة یسمی ذلك العالم عالم المثال و قالوا إن الصور المرئیة فی المرایا و غیرها من الأجسام الصقیلة و الصور المتخیلة و أمثالها صور موجودة قائمة بنفسها إذ لو كانت الصور فی المرآة لما اختلفت رؤیة الشی ء باختلاف مواضع نظرنا إلیها و لو كانت فی الهواء لم یمكن أن تری لأن الهواء شفاف لم یمكن أن یری و كذا ما حل فیه و لیست هی صورتك بعینها بأن ینعكس الشعاع من المرآة إلیك لبطلان القول بالشعاع لوجوه مذكورة فی كتب

ص: 266

القوم و لا فی القوة الباصرة أو غیرها من القوی البدنیة لوجوه ذكروها فهی صور جسمانیة موجودة فی عالم آخر متوسط بین عالمی الحس و العقل یسمی بعالم المثال و هی قائمة بذاتها معلقة لا فی محل و لا فی مكان لها مظاهر كالمرآة فی الصور المرئیة المرآتیة و الخیال فی الصور الخیالیة و وافقهم الصوفیة فی إثبات هذا العالم و قد مرت الإشارة إلیه.

قال القیصری فی شرح الفصوص اعلم أن العالم المثالی هو عالم روحانی من جوهر نورانی شبیه بالجوهر الجسمانی فی كونه محسوسا مقداریا و بالجوهر المجرد العقلی فی كونه نورانیا و لیس بجسم مركب مادی و لا جوهر مجرد عقلی لأنه برزخ و حد فاصل بینهما و كل ما هو برزخ بین الشیئین لا بد و أن یكون غیرهما بل له جهتان یشبه بكل منهما ما یناسب عالمه اللّٰهم إلا أن یقال أنه جسم نوری فی غایة ما یمكن من اللطافة فیكون حدا فاصلا بین الجواهر المجردة اللطیفة و بین الجواهر الجسمانیة الكثیفة و إن كان بعض هذه الأجسام ألطف من البعض كالسماوات بالنسبة إلی غیرهما انتهی.

و منها رؤیة الشی ء شیئین كما فی الأحول و فی من مد طرف عینه أو غمض إصبعه فی طرف من العین فإنه یری كل شی ء اثنین و اختلفت الآراء فی تعلیله و لنذكر منها مذهبین الأول مذهب أصحاب الشعاع فإنهم یقولون إنه یخرج من كل عین مخروط شعاعی له سهم فإن وقع السهمان علی موضع واحد من المرئی یری شیئا واحدا و إن اختلف موقعاهما یری اثنین الثانی مذهب أصحاب الانطباع و مداره علی مقدمة و هی أن القوة البصریة قائمة بالروح الحیوانی المصبوب فی العصبتین المجوفتین النابتتین من مقدم الدماغ المتقاطعتین و عند التقاطع یتحد التجویفان و هناك مجمع النور فإذا قابل البصر المبصر انطبعت صورته فی الجلیدیتین و لا یكفی ذلك فی الإبصار و إلا لرئی الشی ء الواحد شیئین بل یحب أن تتأدی صورة أخری مثل تلك الصورة إلی مجمع النور فتحصل الإبصار ثم إن هذا الروح الذی فی مجمع النور یؤدی صورة المرئی إلی الحس المشترك و هناك یتم كمال الإبصار

ص: 267

ثم بعده هذه المقدمة نقول إن لإدراك الشی ء الواحد اثنین أربعة أسباب الأول انتقال الآلة المؤدیة للشبح الذی فی الجلیدیة إلی ملتقی العصبتین فلا یتأدی الشبحان إلی موضع واحد بل ینتهی كل إلی جزء آخر من الروح الباصرة لأن خطی الشبحین لم ینفذا نفوذا من شأنه أن یتقاطعا عند ملتقی العصبتین و إذا اختص كل بجزء آخر من الروح الباصرة فكأنهما شبحان لشیئین و لأنه یختلف موضع الشبح فی الروح الباصرة یری الاثنین فی الاثنین.

الثانی حركة الروح الباصرة التی فی الملتقی و تموجها یمینا و یسارا حتی یتقدم مركزها المرسوم له فی الطبع إلی جهتی الجلیدیتین أخذا متموجا مضطربا فیرتسم فیه الشبح قبل تقاطع المخروطین فینطبع من الشی ء الواحد شبحان و یری كشیئین مفترقین و هذا مثل ارتسام شبح الشمس فی الماء الساكن الراكد مرة واحدة و فی الماء المتوج متكررا.

الثالث اضطراب روح الباصرة التی فی مقدم الدماغ و حركته قداما إلی صوب ملتقی العصبتین و خلفا إلی الحس المشترك فإذا نظر فی تلك الحالة إلی المرئی انطبع شبحه فی جزء من الروح الحاصل فی مركزه الذی له وضع مخصوص بالقیاس إلی ذلك المرئی فإذا تحرك ذلك الجزء و وقع جزء آخر فی موضعه فلا جرم انطبع شبحه فی ذلك الجزء أیضا و لم یزل بعد عن الجزء الأول فتجتمع هناك صورتان و یری شیئان و لمثل هذا السبب یری الشی ء السریع الحركة إلی جانبین كشیئین لأنه قبل انمحاء صورته عن الحس المشترك و هو فی جانب یراه البصر فی جانب آخر فتتوافی (1)

إدراكاته فی الجانبین معا و من هذا القبیل رؤیة القطرة النازلة خطا مستقیما و الشعلة الجوالة دائرة و نظیر الحركة الدوریة لصاحب الدوار فإنه لسبب من الأسباب الطبیة(2) یتحرك الروح الذی فی تجویف مقدم الدماغ علی الدور فحینئذ إن انطبعت فیه صورة تزول بسرعة لتحركه كزوال الضوء عن أجزاء الكرة المقابلة

ص: 268


1- 1. فتتواخی( خ).
2- 2. الطبیعیة( ظ).

للكوة التی تشرق منها الشمس علی الكرة إذا دارت الكرة لكن قبل زوالها عن ذلك الجزء تحصل صورة فی الجزء الذی حصل مكانه فیظن أن المرئی یدور حول نفسه و ما ذلك إلا لحركة الرائی.

الرابع اضطراب یعرض للثقبة العنبیة فإن الطبقة العنبیة سهلة الحركة إلی هیئة تتسع بها الثقبة تارة و تضیق أخری تارة إلی خارج و تارة إلی داخل فإن تحرك إلی خارج یعرض للثقبة اتساع و إن تحرك إلی داخل یعرض لها تضیق فإن ضاقت یری الشی ء أكبر و إن اتسعت یری أصغر فیری المرئی أولا غیر المرئی ثانیا خصوصا إذا تمثلت قبل انمحاء الأول فیری اثنین و فی حال ضیق الثقبة یتكاثف الروح البصری و النور الشعاعی فیری أكبر كما یری الشی ء فی البخار أعظم و فی حال السعة یتلطف الروح و یتخلخل و یرق فیری أصغر.

و منها انعطاف الشعاع و بیان ذلك أن الخطوط الشعاعیة التی هی علی سطح المخروط تنفذ علی الاستقامة إلی طرفی المرئی إذا كان الشفاف المتوسط متشابه الغلظ و الرقة فإن فرض هناك تفاوت بأن یكون مما یلی الرائی هواء و مما یلی المرئی ماء أو بخارا فإن تلك الخطوط إذا وصلت إلی ذلك الماء مثلا انعطفت و مالت إلی سهم المخروط ثم وصلت إلی طرفی المرئی و لو انعكس الفرض مالت الخطوط إلی خلاف جانب السهم و من لوازم الانعطاف رؤیة الشی ء فی الماء و البخار أعظم مما یری فی الهواء فإن العنبة تری فی الماء كالإجاصة و الكوكب یری فی الأفق أعظم مما یری فی وسط السماء و ذلك لأن الخطوط إذا انعطفت و مالت إلی جانب السهم تكون زاویة رأس المخروط أعظم منها إذا نفذت الخطوط علی الاستقامة لأنه یجب أن تتباعد الخطوط بحیث إذا انعطفت و مالت إلی السهم وصلت إلی طرفی المرئی فیكون المرئی بها أعظم من المرئی بالأخری.

و منها رؤیة الشجر علی الشط منتكسا و ذلك لأن الخطوط الشعاعیة المنعكسة من سطح الماء إلی الشجر إنما تنعكس إلیه علی هیئة أوتار الآلة الحدباء المسماة بالفارسیة چنگ فإذا كان الشجر علی الطرف الآخر من الماء انعكس الشعاع

ص: 269

إلی رأس الشجر من موضع أقرب من الرائی و إلی ما تحت رأسه من موضع أبعد منه و هكذا و إذا كان الشجر علی طرف الرائی كان الأمر فی الانعكاس علی عكس ما ذكر أ لا تری أنك إذا سترت سطح الماء من جانبك یستر عنك رأس الشجر فی الصورة الأولی و قاعدتها فی الصورة الثانیة فیكون الخط الشعاعی المنعكس إلی رأس الشجر أطول من جمیع تلك الخطوط المنعكسة إلی ما دونه و یكون ما هو أقرب منه أطول مما هو أبعد منه علی الترتیب حتی یكون أقصرها هو المنعكس إلی قاعدة الشجرة و ذلك لتساوی زاویتی الشعاع و الانعكاس.

و لنفرض خط ا ب عرض النهر و خط ج ب الشجر القائم علی شطه و ه الحدقة و نفرض علی ا ب نقطتی د و و علی ج ب ح و ط فإذا خرج من ه خط شعاعی إلی و و آخر إلی د وجب أن ینعكس الأول إلی نقطة ط مثلا فتكون الزاویة الشعاعیة أعنی زاویة ه و ا كالزاویة الانعكاسیة أعنی زاویة ط و ب و أن ینعكس الآخر إلی نقطة ح و تتساوی أیضا شعاعیة ه د ا و انعكاسیة ح د ب.

ثم إن النفس لا تدرك الانعكاس لتعودها فی رؤیة المرئیات بنفوذ الشعاع علی الاستقامة فتحسب الشعاع المنعكس نافذا فی الماء و لا نفوذ حینئذ هناك إذ ربما لا یكون الماء عمیقا بقدر طول الشجر فیحسب لذلك أن رأس الشجر أكثر نزولا فی الماء لكون الشعاع المنعكس إلیه أطول و كذا الحال فی باقی الأجزاء علی الترتیب فتراه كأنه منتكس تحت سطح الماء.

و منها الشامة و هی قوة منبثة فی زائدتی مقدم الدماغ الشبیهتین بحلمتی الثدی تدرك الروائح بتوسط الهواء المتكیف بكیفیة ذی الرائحة و قیل بتبخر أجزاء

ص: 270

لطیفة من ذی الرائحة تختلط بالهواء و تصل معه إلی الخیشوم و قیل بفعل ذی الرائحة فی الشامة من غیر استحالة فی الهواء و لا تبخر و انفصال أجزاء و رد الثانی بأن القلیل من المسك یشم علی طول الأزمنة و كثرة الأمكنة من غیر نقصان فی وزنه و حجمه و الثالث بأن المسك قد یذهب به إلی مسافة بعیدة و یحرق و یفنی بالكلیة مع أن رائحته تدرك فی الهواء الأول أزمنة متطاولة و یؤید ذلك ما حكی أرسطو أن الرخمة(1)

قد انتقلت من مسافة مائتی فرسخ برائحة جیفة من حرب وقع بین الیونانیین و دلهم علی انتقالها من تلك المسافة عدم كون الرخمة فی تلك الأرض إلا فی نحو من هذا الحد من المسافة و قد یقال لعل المتحلل منه أجزاء صغار جدا تختلط بجمیع تلك الأجزاء الهوائیة و الاستبعاد غیر كاف فی المباحث العلمیة علی أن الشیخ اعترض علیه فی الشفاء بقوله یجوز أن یكون إدراكها للجیف بالباصرة حین هی محلقة فی الجو العالی.

و منها الذائقة و هی قوة منبثة فی العصب المفروش علی جرم اللسان و هی تالیة للامسة إذ منفعتها أیضا فی الفعل الذی به یتقوم البدن و هی تشهیة الغذاء و اختیاره و بالجملة یتمكن به علی جذب الملائم و دفع المنافر من المطعومات كما أن اللامسة یتمكن بها علی مثل ذلك من الملموسات و هی توافق اللامسة فی الاحتیاج إلی الملامسة و تفارقها فی أن نفس ملامسة المطعوم لا یؤدی الطعم كما أن نفس ملامسة الحار تؤدی الحرارة بل تفتقر إلی توسط الرطوبة اللعابیة المنبعثة عن الآلة التی تسمی الملعبة و یشترط أن تكون هذه الرطوبة خالیة عن مثل طعم المطعوم و ضده بل عن غیر ما یؤدی طعم المذوق كما هو إلی الذائقة فإن المریض إذا تكیف لعابه بطعم الخلط الغالب علیه لا یدرك طعوم الأشیاء المأكولة و المشروبة إلا مشوبة بذلك الطعوم فإن الممرور إنما یجد طعم العسل مرا.

و اختلفوا فی أن توسطها إما بأن یخالطها أجزاء لطیفة من ذی الطعم ثم تغوص هذه الرطوبة معها فی جرم اللسان إلی الذائقة فالمحسوس حینئذ هو كیفیة ذی الطعم

ص: 271


1- 1. الرخمة- بالتحریك- طائر من الجوارح العظیمة الجثة.

و تكون الرطوبة واسطة لتسهل وصول جوهر المحسوس الحامل للكیفیة إلی الحاسة أو بأن یتكیف نفس الرطوبة بالطعم بسبب المجاورة فتغوص وحدها فیكون المحسوس كیفیتها و علی التقدیرین لا واسطة بین الذائقة و محسوسها حقیقة بخلاف الإبصار

المحتاج إلی توسط الجسم الشفاف و منها اللامسة و هی منبثة فی البدن كله من شأنها إدراك الحرارة و البرودة و الرطوبة و الیبوسة و نحو ذلك بأن ینفعل عنها العضو اللامس عند الملامسة بحكم الاستقراء قال الشیخ أول الحواس الذی یصیر به الحیوان حیوانا هو اللمس فإنه كما أن للنبات قوة غاذیة یجوز أن یفقد سائر القوی دونها كذلك حال اللامسة للحیوان لأن صلاح مزاجه من الكیفیات الملموسة و فساده باختلالها و الحس طلیعة للنفس فیجب أن یكون الطلیعة الأولی هو ما یدل علی ما منع به الفساد و یحفظ به الصلاح و أن یكون قبل الطلائع التی تدل علی أمور تتعلق ببعضها منفعة خارجة عن القوام و مضرة خارجة عن الفساد و الذوق و إن كان دالا علی الشی ء الذی به یستبقی الحیاة من المطعومات فقد یجوز أن یبقی الحیوان بدونه لإرشاد الحواس الأخر علی الغذاء الموافق و اجتناب المضار و لیس شی ء منها یعین علی أن الهواء محرق أو مجمد و لشدة الاحتیاج إلیه كان بمعونة الأعصاب ساریا فی جمیع الأعضاء إلا ما یكون عدم الحس أنفع له كالكبد و الطحال و الكلیة لئلا تتأذی بما یلاقیها من الحاد اللذاع فإن الكبد مولد للصفراء و السوداء و الطحال و الكلیة مصبان لما فیه لذع و كالرئة فإنها دائمة الحركة فتتألم باصطكاك بعضها ببعض و كالعظام فإنها أساس البدن و دعامة الحركات فلو أحست لتألمت بالضغط و المزاحمة و بما یرد علیها من المصاكات.

ثم إن الجمهور ذهبوا إلی أن اللامسة قوة واحدة بها یدرك جمیع الملموسات كسائر الحواس فإن اختلاف المدركات لا یوجب اختلاف الإدراكات لیستدل بذلك علی تعدد مبادئها و ذهب كثیر من المحققین و منهم الشیخ إلی أنها قوی متعددة بناء علی ما مهدوه فی تكثیر القوی من أن القوة الواحدة لا یصدر عنها أكثر من واحد

ص: 272

فقالوا هاهنا ملموسات مختلفة الأجناس متضادة الأجناس فلا بد لها من قوی مدركة مختلفة تحكم بالتضاد بینها فأثبتوا لكل ضدین منها قوة واحدة هی الحاكمة بین الحرارة و البرودة و الحاكمة بین الرطوبة و الیبوسة و الحاكمة بین الخشونة و الملاسة و الحاكمة بین اللین و الصلابة و منهم من زاد الحاكمة بین الثقل و الخفة قالوا و یجوز أن یكون لهذه القوی بأسرها آلة واحدة مشتركة بینها و أن یكون هناك فی الآلات انقسام غیر محسوس فلذا توهم اتحاد القوی.

و یرد علیه أن المدرك بالحس هو المتضادان كالحرارة و البرودة دون التضاد فإنه من المعانی المدركة بالعقل أو الوهم و إذا جاز إدراك قوة واحدة للضدین فقد صدر عنها اثنان فلم لا یجوز أن یصدر عنها ما هو أكثر من ذلك و أیضا فإن الطعوم و الروائح و الألوان أجناس مختلفة متضادة مع اتحاد القوی المدركة لها و كون التضاد فی ما بین الملموسات أكثر و أقوی لا یجدی نفعا.

و أما الحواس الباطنة فهی أیضا خمس عندهم بشهادة الاستقراء.

الأول الحس المشترك و یسمی بالیونانیة بنطاسیا أی لوح النفس و هی قوة مرتبة فی مقدم التجویف الأول من التجاویف الثلاثة التی فی الدماغ تقبل جمیع الصور المنطبعة فی الحواس الظاهرة بالتأدی إلیها من طریق الحواس فهو كحوض ینصب فیه أنهار خمسة و استدلوا علی وجوده بوجوه.

الأول أنا نشاهد القطرة النازلة خطا مستقیما و النقطة الدائرة بسرعة خطا مستدیرا و لیس ارتسامها(1)

فی البصر إذ لا یرتسم فیه إلا المقابل و هو القطرة و النقطة فإذن ارتسامها(2)

إنما یكون فی قوة أخری غیر البصر حصل فیها الارتسامات المتتالیة بعضها ببعض فیشاهد خطا.

الثانی أنا نحكم ببعض المحسوسات الظاهرة علی بعض كالحكم بأن هذا الأبیض هو هذا الحلو و هذا الأصفر هو هذا الحار و كل من الحواس الظاهرة

ص: 273


1- 1. ارتسامهما( خ).
2- 2. ارتسامهما( خ).

لا یحضر عندها إلا نوع مدركاتها فلا بد من قوة یحضر عندها جمیع الأنواع لیصح الحكم بینها.

الثالث أن المبرسم أی من به المرض المسمی بذات الجنب إذا قوی مرضه و تعطلت حواسه الظاهرة بغلبة المرض یری أشیاء لا تحقق لها فی الخارج علی سبیل المشاهدة دون التخیل فإنه قد یری سباعا و أشخاصا حاضرة عنده و لا یراها أحد ممن سلم حواسه و لیست هذه الصور مرتسمة فی بصره إذ لا یرتسم فیه إلا ما هو موجود مقابل إیاه و لما كان إدراكها كإدراك ما یرتسم من الخارج بلا فرق عند المدرك دل ذلك أیضا علی أن الإبصار إنما هو بالحس المشترك و لما كان الإبصار بارتسام الصورة فی الحس المشترك لم یتمیز الحال عند المدرك بین أن یرد علیه الصورة من الخارج كما هو الغالب و بین أن ترد علیه من داخل كما فی المبرسم فإنه لما اشتغل نفسه بمزاولة المرض بحیث تعطلت حواسه الظاهرة استولت المتخیلة و نقشت فی لوح الحس المشترك صورا كانت مخزونة فی الخیال و صورا ركبتها من الصور المخزونة علی طریق انتقاشها فیه من الخارج و لما لم یكن لها شعور بانتقاشها فیه من داخل لم یفرق بینها و بین الصور المنتقشة فیه من خارج فیحسب الأشیاء التی هذه صورها موجودة فی الخارج حاضرة عنده كما فی الصحة بلا فرق.

و اعترض علی الأول بأنه یجوز أن یكون اتصال الارتسام فی الباصرة بأن یرتسم المقابل الآخر قبل أن یزول المرتسم قبله بسرعة لحوق الثانی و قوة ارتسام الأول فیكونان معا قیل و هذا مكابرة للقطع بأنه لا ارتسام فی البصر عند زوال المقابلة.

و علی الثانی بأنه لا یلزم من عدم كون الارتسام فی الباصرة كونه فی قوة أخری جسمانیة لجواز أن یكون فی النفس أ لا تری أنا نحكم بالكلی علی الجزئی كحكمنا بأن زیدا إنسان مع القطع بأن مدرك الكلی هو النفس و یجوز أن یكون حضورهما عند النفس و حكمها بینهما لارتسامهما فی آلتین كما أن الحكم بین الكلی و الجزئی تكون لارتسام الكلی فی النفس و الجزئی فی الآلة.

ص: 274

و علی الثالث أنه لا یلزم من ذلك وجود حس مشترك غایة الأمر أن لا تكفی الحواس الظاهرة لمشاهدة الصور حالتی الغیبة و الحضور بل یكون لكل حس ظاهر حس باطن.

الثانی الخیال و هی قوة مرتبة فی مؤخر التجویف الأول من الدماغ بحسب المشهور و عند المحققین الروح المصوب فی التجویف الأول آلة للحس المشترك و الخیال إلا أن المشاهدة اختص بما فی مقدمه و التخیل بما فی مؤخره و هو یحفظ جمیع صور المحسوسات و یمثلها بعد الغیبة عن الحواس المختصة و الحس المشترك و هی خزانة الحس المشترك لبقاء الصور المحسوسة فیها بعد زوالها عنه و إنما جعلت خزانة للحس المشترك مع أن مدركات جمیع الحواس الظاهرة تختزن فیها لأن الحواس الظاهرة لا تدرك شیئا بسبب الاختزان بالخیال بل بإحساس جدید من خارج فیفوت معنی الخزانة بالقیاس إلیها بخلاف الحس المشترك فإنا إذا شاهدنا صورة فی الیقظة أو النوم ثم ذهلنا عنها ثم شاهدناها مرة أخری نحكم علیها بأنها هی التی شاهدناها قبل ذلك فلو لم تكن الصور محفوظة لم یكن هذا الحكم كما لو صارت منسیة و إنما احتیج إلی الحفظ لئلا یختل نظام العالم و لا یشتبه الضار بالنافع إذا لم یعلم أنه المبصر أو لا و ینفسد المعاملات و غیرها.

و الدلیل علی مغایرتها للحس المشترك وجهان أحدهما أن قوة القبول غیر قوة الحفظ فرب قابل النقش كالماء لم یحفظ لوجود رطوبة فیه هی شرط سرعة القبول و عدم الیبس الذی هو شرط الحفظ و ثانیهما أن استحضار الصور و الذهول عنها من غیر نسیان و النسیان یوجب تغایر القوتین لیكون الاستحضار حصول الصورة فیهما و الذهول حصولها فی أحدهما دون الأخری و النسیان زوالها عنهما و اعترض علیهما بوجوه و أجابوا منها و هی مذكورة فی محالها.

و احتج الرازی علی إبطال الخیال بأن من طاف فی العالم و رأی البلاد و الأشخاص الغیر المعدودة فلو انطبقت صورها فی الروح الدماغی فإما أن یحصل جمیع تلك الصور فی محل واحد فیلزم الاختلاط و عدم التمایز و إما أن یكون لكل صورة

ص: 275

محل فیلزم ارتسام صورة فی غایة العظم فی جزء فی غایة الصغر.

و أجیب بأنه قیاس للصور علی الأعیان و هو باطل فإنه لا استحالة و لا استبعاد فی توارد الصور علی محل واحد مع تمایزها و لا فی ارتسام صورة العظیم فی المحل الصغیر و إنما ذلك فی الأعیان الحالة فی محالها حلول العرض فی الموضوع أو الجسم فی المكان الثالث الوهم و هی القوة المدركة للمعانی الجزئیة الموجودة فی المحسوسات كالعداوة المعینة من زید و قید بذلك لأن مدرك العداوة الكلیة هو النفس و المراد بالمعانی ما لا یدرك بالحواس الظاهرة فیقابل الصور أعنی ما یدرك بها فإدراك تلك المعانی دلیل علی وجود قوة بها إدراكها و كونها مما لم یتأد من الحواس دلیل علی مغایرتها للحس المشترك و كونها جزئیة دلیل علی مغایرتها للنفس الناطقة بناء علی أنها لا تدرك الجزئیات بالذات هذا مع وجودها فی الحیوانات العجم كإدراك الشاة معنی فی الذئب بقی الكلام فی أن القوة الواحدة لما جاز أن تكون آلة لإدراك أنواع المحسوسات لم لا یجوز أن تكون آلة لإدراك معانیها أیضا.

و أما إثبات ذلك بأنهم جعلوا من أحكام الوهم ما إذا رأینا شیئا أصفر فحكمنا بأنه عسل و حلو فیكون الوهم مدركا للحلاوة و الصفرة و العسل جمیعا لیصح الحكم و بأن مدرك عداوة الشخص مدرك له ضرورة فضعیف لأن الحاكم حقیقة هو النفس فیكون المجموع من الصور و المعانی حاضرا عندها بواسطة الآلات كل منها بآلتها الخاصة و لا یلزم كون محل الصور و المعانی قوة واحدة لكن یشكل بأن مثل هذا الحكم قد یكون للحیوانات العجم التی لا یعلم وجود النفس الناطقة لها كذا ذكره فی شرح المقاصد.

و قد یستدل علی وجودها بأن فی الإنسان شیئا ینازع عقله فی قضایاه كما یخاف الانفراد بمیت یقتضی عقله الأمن منه و ربما یغلب التخویف علی التأمین فهو قوة باطنیة غیر عقله و قیل محل هذه القوة التجویف الأوسط من الدماغ و آلتها الدماغ كله لأنها الرئیس المطلق فی الحیوان و مستخدمة سائر القوی

ص: 276

الحیوانیة التی مصدر أكثر أفاعیلها الروح الدماغی فیكون كل الدماغ آلة لكن الأخص بها التجویف الأوسط لاستخدامها المتخیلة و محلها مؤخر ذلك التجویف و لا یستلزم كون الشی ء آلة القوة كونه محلا لها لیلزم توارد القوی علی محل واحد كما توهم.

الرابع الحافظة و هی للوهم كالخیال للحس المشترك و وجه تغایرهما(1) أن قوة القبول غیر قوة الحفظ و الحافظة للمعانی غیر الحافظة للصور و الكلام فیه كالكلام فی ما تقدم و یسمیها قوم ذاكرة إذ بها الذكر أعنی ملاحظة المحفوظ بعد الذهول و متذكرة إذ بها التذكر أی الاحتیال لاستعراض الصور بعد ما اندرست و محلها أول التجویف الآخر من الدماغ.

و الخامس المتخیلة المركبة للصور المحسوسة و المعانی الجزئیة المتعلقة بها بعضها مع بعض و المفصلة بعضها عن بعض تركیب الصورة بالصورة كما فی قولك صاحب هذا اللون المخصوص له هذا الطعم المخصوص و تركیب المعنی بالمعنی كما فی قولك ما له هذه العداوة له هذه النفرة و تركیب الصورة بالمعنی كما فی قولك صاحب هذه الصداقة له هذا اللون و تفصیل الصورة عن الصورة كما فی قولك هذا اللون لیس هذا الطعم و قس علی هذا و قال بعضهم هی مرتبة فی مقدم التجویف الأوسط من الدماغ من شأنها تركیب بعض ما فی الخیال أو الحافظة من الصور و المعانی مع بعض و تفصیل بعضها عن بعض فتجمع أجزاء أنواع مختلفة كجعلها حیوانا من رأس إنسان و عنق جمل و ظهر نمر و یفرق أجزاء نوع واحد كإنسان بلا رأس و لا یسكن عن فعلها دائما لا نوما و لا یقظة و هی المحاكیة للمدركات و الهیئات المزاجیة و تنتقل إلی الضد و الشبیه فما فی القوی الباطنة أشد شیطنة منها لیس من شأنها أن یكون عملها منتظما بل النفس هی التی تستعملها علی أی نظام أرادت فتسمی عند استعمال النفس إیاها بواسطة الوهم بالمتخیلة و عند استعمالها إیاها بواسطة القوة

ص: 277


1- 1. تغایرها( خ).

العقلیة بالمفكرة بها تستنبط العلوم و الصناعات و تقتنص الحدود الوسطی باستعراض ما فی الحافظة.

خاتمة

قال بعض المحققین قد علم بالتشریح أن للدماغ بطونا ثلاثة أعظمها البطن المقدم و أصغرها البطن الأوسط و هو كمنفذ من البطن المقدم إلی البطن المؤخر فآلة الحس المشترك هو الروح المصبوب فی مقدم البطن المقدم و آلة الخیال هو الروح المصبوب فی مؤخره و لما كان الوهم سلطان القوی الحسیة و مستخدما لسائر القوی الحیوانیة كان الدماغ كله آلة له و إن كان له اختصاص بآخر التجویف الأوسط و آلة المتصرفة مقدم التجویف الأوسط و آلة الحافظة مقدم التجویف الأخیر و أما مؤخر هذا التجویف فلم یودع فیه شی ء من هذه القوی إذ لا حارس هناك من الحواس الظاهرة فلو أودع فیه شی ء من هذه القوی لكثر فیه المصادمات الموجبة لاختلال القوة.

قال المحقق الشریف فانظر إلی حكمة البارئ حیث قدم ما یدرك به الصور الجزئیة و وضع تحته ما یحفظها و أخر ما یدرك به المعانی المنتزعة من تلك الصور و قرنه بما یحفظها و أقعد المتصرف فیهما بینهما فسبحانه جلت قدرته و عظمت حكمته انتهی.

و هو إشارة إلی ما قیل فی تعیین محال تلك القوی بطریق الحكمة و الغایة من أن الحس المشترك ینبغی أن یكون فی مقدم الدماغ لیكون قریبا من الحواس الظاهرة فیكون التأدی إلیه سهلا و الخیال خلفه لأن خزانة الشی ء ینبغی أن یكون كذلك ثم ینبغی أن یكون الوهم بقرب الخیال لیكون الصور الجزئیة بحذاء معانیها الجزئیة و الحافظة بعده لأنها خزانته و المتخیلة فی الوسط لتكون قریبة من الصور و المعانی فیمكنها الأخذ منهما(1) بسهولة.

و أما القوی المحركة فعندهم تنقسم إلی فاعلة و باعثة أما الباعثة المسماة

ص: 278


1- 1. منها( خ).

بالشوقیة فهی القوة التی إذا ارتسمت فی الخیال صورة مطلوبة أو مهروبة عنها حملت القوة الفاعلة علی تحریك آلات الحركة و الشوقیة ذات شعبتین شهویة و غضبیة لأنها إن حملت الفاعلة علی تحریك یطلب بها الأشیاء المتخیلة التی اعتقد أنها نافعة سواء كانت ضارة بحسب الواقع أو نافعة طلبا لحصول اللذة تسمی قوة شهوانیة و إن حملت القوة الشوقیة القوی المباشرة علی تحریك یدفع به الشی ء المتخیل ضارا كان بحسب الواقع أو مفیدا دفعا علی سبیل الغلبة تسمی قوة غضبیة.

و أما الفاعلة المباشرة للتحریك فهی التی من شأنها أن تعد العضلات للتحریك و كیفیة ذلك الإعداد منها أن تبسط العضل بإرخاء الأعصاب إلی خلاف جهة مبدئها لینبسط العضو المتحرك أی یزداد طولا و ینتقص عرضا أو تقبضه بتمدید الأعصاب إلی جهة مبدئها لینقبض العضو المتحرك أی یزداد عرضا و ینتقص طولا.

ثم اعلم أن للحركات الاختیاریة مبادئ مترتبة أبعدها القوی المدركة التی هی الخیال أو الوهم فی الحیوان و العقل بتوسطهما فی الإنسان و فی الفلك بزعمهم و تلیها القوة الشوقیة و هی الرئیسة فی القوة المحركة الفاعلة كما أن الوهم رئیسه فی القوی المدركة

و بعد الشوقیة و قبل الفاعلة قوة أخری هی مبدأ العزم و الإجماع المسماة بالإرادة و الكراهة و هی التی تصمم بعد التردد فی الفعل و الترك عند وجود ما یترجح به أحد طرفیهما المتساوی نسبتهما إلی القادر علیهما.

و یدل علی مغایرة الشوق للإدراك تحقق الإدراك بدونه و علی مغایرة الشوق للإجماع أنه قد یكون شوق (1)

و لا إرادة و قیل إنه لا تغایر بینهما إلا بالشدة و الضعف فإن الشوق قد یكون ضعیفا ثم یقوی فیصیر عزما فالعزم كمال الشوق و ما قیل من أنه قد یحصل كمال الشوق بدون الإرادة كما فی المحرمات للزاهد المغلوب للشهوة فغیر مسلم بل الشوق العقلی فیه إلی جانب الترك أقوی من المیل الشهوی إلی خلافه و یدل علی مغایرة الفاعلة لسائر المبادئ كون الإنسان المشتاق العازم غیر قادر علی التحریك و كون القادر علی ذلك غیر مشتاق

ص: 279


1- 1. فی بعض النسخ« شوقا» و الصواب ما فی المتن.

و قال الشیخ المفید قدس اللّٰه روحه فی كتاب المسائل الحس كله مماسة ما تحس به المحسوس و اتصال به أو بما یتصل به أو بما ینفصل منه أو بما یتصل بما ینفصل منه و ذلك كالبصر فإن شعاعه لا بد من أن یتصل بالمبصر أو بما ینفصل منه أو بما یتصل بما ینفصل منه و لو كان یحس به بغیر اتصال لما ضر الساتر و الحاجز و لما ضرت الظلمة و لكان وجود ذلك و عدمه فی وقوع العلم سواء فإن قال قائل أ فیتصل شعاع البصر بالمشتری و زحل علی بعدهما قیل له لا لكنه یتصل بالشعاع المنفصل منهما فیصیران كالشی ء الواحد لتجانسهما و تشاكلهما.

و أما الصوت فإنه إذا حدث فی أول الهواء الذی یلی الأجسام المصطكة و كذا فی ما یلیه من الهواء مثله ثم كذلك إلی أن یتولد فی الهواء الذی یلی الصماخ فیدركه السامع و مما یدل علی ذلك أن القصار یضرب الثوب علی الحجر فتری مماسة الثوب للحجر و یصل الصوت بعد ذلك فهذا دال علی ما قلناه من أنه یتولد فی هواء بعد هواء إلی أن یتولد فی الهواء الذی یلی الصماخ.

و أما الرائحة فإنه ینفصل من الجسم ذی الرائحة أجزاء لطاف و تتفرق فی الهواء فما صار منه فی الخیشوم الذی یقرب من موضع ذی الرائحة أدركه.

و أما الذوق فإنه إدراك ما ینحل من الجسم فیمازج رطوبة اللسان و اللّٰهوات و لذلك لا یوجد طعم ما لا ینحل منه الشی ء كالیواقیت و الزجاج و نحوهما و الطعم و الرائحة لا خلاف فی أنهما لا یكونان إلا بمماسة و اللمس فی الحقیقة هو طلب الشی ء لیشعر به و حقیقته الشعور و هذه جملة علی اعتقادنا و أبی القاسم البلخی و جمهور أهل العدل و أبو هاشم الجبائی یخالف فی مواضع منها.

و أقول قال الحكماء أیضا للنفس الناطقة قوی تشارك بها الحیوان الأعجم و النبات و قوی أخری أخص یحصل بها الإدراك للجزئی و هی قوی تشارك بها الحیوان الأعجم دون النبات و هی الحواس الخمس الظاهرة و الخمس الباطنة و لها قوة أخری أخص من الأولیین لأنها تختص بالإنسان و هی قوة یحصل بها الإدراك للكلی.

ص: 280

فأما القوی التی تشارك بها النبات و الحیوان الأعجم فأصولها ثلاثة اثنتان لأجل الشخص و هما الغاذیة و النامیة و واحدة لأجل النوع و هی المولدة و هذه القوی الثلاثة تسمی نباتیة لا لاختصاص النبات بها بل لانحصار قواه فیها و تسمی طبیعیة أیضا.

فأما الغاذیة فهی التی تحیل الغذاء إلی مشاكلة المغتذی و یتم فعلها بأفعال جزئیة ثلاثة أحدها تحصیل جوهر البدل و هی الدم و الخلط الذی هو بالقوة القریبة من الفعل و بالإلزاق و هو أن یلصق ذلك الحاصل بالعضو و یجعله جزءا منه و بالتشبیه بالعضو المغتذی حتی فی قوامه و لونه و قد تخل بكل واحد من هذه الأفعال الثلاثة أما الأول فكما فی علة تسمی أطروقیا و هی عدم الغذاء و أما الثانی فكما فی الاستسقاء اللحمی و أما الثالث فكما فی البرص و البهق فإن البدل و الإلصاق موجودان فیهما و التشبیه غیر موجود فهذه الأفعال الثلاثة لا بد و أن تكون بقوی ثلاث لكن القوة الغاذیة هی مجموعها أو قوة أخری هی تستخدم كل واحدة منها و القوة التی یصدر منها التشبیه یسمونها مغیرة ثانیة و هی واحدة بالجنس فی الإنسان و غیره من المركبات التی لها أجزاء و أعضاء مختلفة بالحقیقة بمنزلة الأعضاء و تختلف بالنوع إذ فی كل عضو منها قوة تغیر الغذاء إلی تشبیه مخالف لتشبیه قوة أخری.

و أما النامیة فهی التی تداخل الغذاء بین أجزاء المغتذی فیزید فی الأقطار الثلاثة بنسبة طبیعیة بأن یزید فی الأعضاء الأصلیة أعنی ما یتولد عن المنی كالعظم و العصب و الرباط و غیرها و بذلك یظهر الفرق بین النمو و السمن فإن السمن إنما هو زیادة فی الأعضاء المتولدة من الدم كاللحم و الشحم و السمین لا فی الأعضاء الأصلیة و بقولنا بنسبة طبیعیة یخرج الورم فإنه لیس علی نسبة طبیعیة بل خارج عن المجری الطبیعی.

و أما المولدة فالمراد بها قوتان فوحدتهما اعتباریة كما فی الغاذیة إحداهما ما یجعل فضلة الهضم الرابع منیا و هذه القوة فعلها فی الأنثیین لأن ذلك الدم

ص: 281

یصیر منیا فیها و ثانیهما ما یهیئ كل جزء من المنی من الذكر و الأنثی فی الرحم بعضو مخصوص بأن یجعل بعضه مستعدا للعظمیة و بعضه مستعدا للعصبیة و بعضه للرباطیة إلی غیر ذلك و هذه القوة تسمی المغیرة الأولی و فعلها إنما یكون حال كون المنی فی الرحم لیصادف ذلك فعل القوة المصورة لأنها تعد مواد الأعضاء و المصورة تلبسها صورها الخاصة بها.

و إنما احتیج إلی هذه القوی أما إلی الغاذیة فلأن بقاء البدن بدون الغذاء محال لأن البدن إنما یمكن تكونه من جسم رطب لیكون قابلا للتشكیل و التمدید و لا بد من حرارة عاقدة منضجة محللة للفضول یلزمها لا محالة أن تحلل الرطوبة و یعینها علی ذلك الهواء الخارجی و الحركات البدنیة و النفسانیة فلو لا أن الغذاء یخلف بدل ما یتحلل منه لم یمكن بقاؤه مدة تمام التكون فضلا عما بعد ذلك و لیس یوجد فی الخارج جسم إذا مس جسد الإنسان استحال بطبیعته فلا بد إذن من أن یكون للنفس قوة من شأنها أن تحیل الوارد إلی مشابهة جوهر أعضاء البدن لیخلف بذلك بدل ما یتحلل منه و هی القوة الغاذیة.

و أما إلی المولدة فلما ثبت من أن الموت ضروری و حدوث الإنسان بالتولد مما یندر وجوده فوجب أن یكون للنفس قوة تفصل من المادة التی تحصلها الغاذیة ما بعده مادة لشخص آخر و لما كانت المادة المنفصلة أقل من المقدار الواجب لشخص كامل جعلت النفس ذات قوة تضیف من المادة التی تحصلها الغاذیة شیئا فشیئا إلی المادة المفصولة فیزید بها مقدارها فی الأقطار علی تناسب طبیعی یلیق بأشخاص ذلك النوع إلی أن یتم الشخص.

و تخدم الغاذیة قوی أربع هی الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة أما الاحتیاج إلی الجاذبة فظاهر لأن الغذاء لا یمكن أن یصل بنفسه إلی جمیع الأعضاء لأنه لا یخلو إما أن یكون ثقیلا فلا یصل إلی الأعضاء العالیة و إما أن یكون خفیفا فلا یصل إلی الأعضاء السافلة و وجودها فی بعض الأعضاء معلوم بالحس فإن المنتكس إذا اشتدت حاجته إلی الغذاء یجده ینجذب من فمه إلی المعدة من غیر

ص: 282

إرادته بل مع إرادة إمساكه فی فمه و أیضا إن الحلو یخرج بالقی ء بعد غیره و إن تناوله أولا و ما ذلك إلا بجذب المعدة اللذیذ إلی قعرها و أیضا الرحم إذا كانت خالیة عن الفضول بعیدة العهد من الجماع یحس الإنسان وقت الجماع أن إحلیله ینجذب إلی الداخل.

و أما إلی الماسكة فلأن الغذاء لا بد فیه من الاستحالة حتی یصیر شبیها بجوهر المغتذی و الاستحالة حركة و كل حركة فی زمان فلا بد من زمان فی مثله یستحیل الغذاء إلی جوهر المغتذی و لأن الخلط جسم رطب سیال استحال أن یقف بنفسه زمانا فلا بد من قاسر یقسره علی الوقوف و ذلك القاسر هو الماسكة و وجودها فی بعض الأعضاء معلوم بالحس فإن أرباب التشریح قالوا إذا شرحنا الحیوان حال ما تناول الغذاء وجدنا معدته محتویة علی الغذاء بحیث لا یمكن أن یسیل من ذلك الغذاء شی ء و أیضا قالوا إذا شققنا بطن الحامل من تحت السرة وجدنا رحمها منضمة انضماما شدیدا بحیث لا یسع أن یدخل فیها طرف المیل و أیضا فإن المنی إذا استقر فی الرحم لا ینزل عنها مع ثقله.

و أما إلی الهاضمة فلأن إحالة القوة المغیرة إنما یكون لما هو متقارب الاستعداد للصورة العضویة و إنما یكون ذلك بعد فعل القوة التی تجعله متقارب الاستعداد و تلك هی القوة الهاضمة.

و مراتب الهضم أربع أولها فی المعدة فإن الغذاء یصیر فیها كیلوسا أی جوهرا شبیها بماء الكشك الثخین إما بمخالطة المشروب و ذلك فی أكثر الحیوانات و إما بلا مخالطة المشروب كما فی جوارح الصید و ابتداء ذلك الهضم فی الفم و لهذا كانت الحنطة الممضوغة تفعل فی إنضاج الدمامیل ما لا تفعله المطبوخة و لا المدقوقة المخلوطة باللعاب و ثانیها فی الكبد فإن الكیلوس إذا تم انهضامه فی المعدة انجذبت لطائفه بالعروق المسماة بالماساریقا إلی الكبد و تداخلت فی العروق المتصغرة المتضائلة المنتشرة فی جمیع أجزاء الكبد بحیث یلاقی الكبد بكلیته الكیلوس فینهضم هناك انهضاما ثانیا و تنخلع صورته النوعیة الغذائیة و یستحیل إلی الأخلاط و یسمی

ص: 283

كیموسا و ابتداء هذا الهضم فی الماساریقا و ثالثها فی العروق و ابتداؤه من حین صعود الخلط فی العرق العظیم الطالع من حدبة الكبد و رابعها فی الأعضاء و ابتداؤه من حین ما ترشح الدم من فوهات العروق.

و أما إلی الدافعة فلأنه لیس غذاء یصیر بتمامه جزءا من المغتذی بل یفضل منه ما یضیق المكان و یمنع ما یرد من الغذاء عن الوصول إلی الأعضاء و یوجب ثقل البدن بل یفسد و یفسد فلا بد من قوة تدفع تلك الفضلات و وجودها ظاهر عند الحس فی حال التبرز و القی ء و إراقة البول.

و قد تتضاعف هذه القوی لبعض الأعضاء كما للمعدة فإن فیها الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة بالنسبة إلی غذاء جمیع البدن و فیها أیضا هذه القوی بالنسبة إلی ما تغتذی (1)

به خاصة.

ثم اعلم أن الحكماء عدوا من القوی المولدة القوة المصورة و أنكرها جماعة منهم المحقق الطوسی قدس سره و الفخر الرازی و الغزالی و غیرهم قال فی المقاصد المولدة هی قوة شأنها تحصیل البزر(2)

و تفصیله إلی أجزاء مختلفة و هیئات مناسبة و ذلك بأن یفرز جزءا من الغذاء بعد الهضم التام لیصیر مبدأ لشخص آخر من نوع المغتذی أو جنسه ثم یفصل ما فیه من الكیفیات المزاجیة فیمزجها تمزیجات بحسب عضو عضو ثم یفیده بعد الاستحالات الصور و القوی و الأعراض الحاصلة للنوع الذی انفصل عنه البزر أو لجنسه كما فی البغل و المحققون علی أن هذه الأفعال مستندة إلی قوی ثلاث بینوا حالها علی ما عرفت فی الإنسان و كثیر من الحیوانات الأولی التی تجذب الدم إلی الأنثیین و تتصرف فیه إلی أن یصیر منیا و هی لا تفارق الأنثیین و تخص باسم المحصلة.

ص: 284


1- 1. فی أكثر النسخ« تقتضی» و هو تصحیف.
2- 2. البرز- بالباء المكسورة و الزای المعجمة الساكنة ثمّ الراء المهملة: ما یبذر من الحبوب.

و الثانیة التی تتصرف فی المنی فتفصل كیفیاتها المزاجیة و تمزجها تمزیجات بحسب عضو عضو فتعین للعصب مثلا مزاجا خاصا و للشریان مزاجا خاصا و للعظم مزاجا خاصا و بالجملة تعد مواد الأعضاء و تخص هذه باسم المفصلة و المغیرة الأولی تمییزا عن المغیرة التی هی من جملة الغاذیة.

و الثالثة التی تفید تمییز الأجزاء و تشكیلها علی مقادیرها و أوضاع بعضها عن بعض و كیفیاتها و بالجملة تلبس كل عضو صورته الخاصة به یستكمل وجود الأعضاء و هذه تخص باسم المصورة و فعلها إنما یكون فی الرحم انتهی.

و قال المحقق الطوسی قدس سره و المصورة عندی باطلة لاستحالة صدور هذه الأفعال المحكمة المركبة عن قوة بسیطة لیس لها شعور أصلا انتهی.

و الغزالی بالغ فی ذلك حتی أبطل القوی مطلقا و ادعی أن الأفعال المنسوبة إلی القوی صادرة عن ملائكة موكلة بهذه الأفعال تفعلها بالشعور و الاختیار كما هو ظاهر النصوص الواردة فی هذا الباب.

و قال الشارح القوشجی بعد إیراد الكلام المتقدم یرد علیه أنا لا نسلم أن المصورة قوة واحدة بسیطة لم لا یجوز أن تكون وحدتها بالجنس كما أن المغیرة واحدة بالجنس مختلفة بالنوع و لو سلم فلم لا یجوز أن یكون صدور هذه الأفعال عنها بحسب استعداد المادة فإن المنی إنما یحصل من فضلة الهضم الرابع فی الأعضاء ففضلة هضم كل عضو إنما تستعد لصورة ذلك العضو.

لكن الإنصاف أن تلك الأفعال المتقنة المحكمة علی النظام المشاهد من الصور العجیبة و الأشكال الغریبة و النقوش المؤتلفة و الألوان المختلفة و ما روعی فیها من حكم و مصالح لقد تحیرت فیها الأوهام و عجزت عن إدراكها العقول و الأفهام قد بلغ المدون منها كما علم فی علم التشریح و منافع خلقة الناس خمسة آلاف مع أن ما لم یعلم منها أكثر مما قد علم كما لا یخفی علی ذی حدس كامل كما لا یكاد یذعن العقل بصدورها عن القوة التی سموها مصورة و إن فرضنا كونها مركبة و المواد

ص: 285

مختلفة بل یحكم بأن أمثال تلك الأمور لا یمكن أن تصدر إلا عن حكیم علیم خبیر قدیر.

ثم أطال الكلام فی الاعتراض علی دلائلهم فی إثبات تلك القوی و تعددها تركناها مخافة الإطناب و الإسهاب.

باب 47 ما به قوام بدن الإنسان و أجزائه و تشریح أعضائه و منافعها و ما یترتب علیها من أحوال النفس

«1»- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ (1) بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْبَرَاوِذِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ سُفْیَانَ (2)

السَّمَرْقَنْدِیِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِیدٍ التِّرْمِذِیِّ عَنْ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّهُ وُجِدَ فِی التَّوْرَاةِ صِفَةُ خَلْقِ آدَمَ علیه السلام حِینَ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ابْتَدَعَهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی إِنِّی خَلَقْتُ آدَمَ وَ رَكَّبْتُ جَسَدَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْیَاءَ ثُمَّ جَعَلْتُهَا وِرَاثَةً فِی وُلْدِهِ تَنْمِی فِی أَجْسَادِهِمْ وَ یَنْمُونَ عَلَیْهَا إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ رَكَّبْتُ جَسَدَهُ حِینَ خَلَقْتُهُ مِنْ رَطْبٍ وَ یَابِسٍ وَ سُخْنٍ وَ بَارِدٍ وَ ذَلِكَ أَنِّی خَلَقْتُهُ مِنْ تُرَابٍ وَ مَاءٍ ثُمَّ جَعَلْتُ فِیهِ نَفْساً وَ رُوحاً فَیُبُوسَةُ كُلِّ جَسَدٍ مِنْ قِبَلِ التُّرَابِ وَ رُطُوبَتُهُ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ وَ حَرَارَتُهُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ وَ بُرُودَتُهُ مِنْ قِبَلِ الرُّوحِ ثُمَّ خَلَقْتُ فِی الْجَسَدِ بَعْدَ هَذَا الْخَلْقِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ وَ هُنَّ مِلَاكُ الْجَسَدِ وَ قِوَامُهُ بِإِذْنِی لَا یَقُومُ الْجَسَدُ إِلَّا بِهِنَّ وَ لَا تَقُومُ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ إِلَّا بِالْأُخْرَی مِنْهَا الْمِرَّةُ السَّوْدَاءُ وَ الْمِرَّةُ الصَّفْرَاءُ وَ الدَّمُ وَ الْبَلْغَمُ ثُمَّ أَسْكَنَ بَعْضَ هَذَا الْخَلْقِ فِی بَعْضٍ فَجَعَلَ مَسْكَنَ الْیُبُوسَةِ فِی الْمِرَّةِ

ص: 286


1- 1. فی المصدر« محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان المرواذی» و لم نجد له ذكرا فی كتب الرجال من العامّة و الخاصّة.
2- 2. فی المصدر و بعض نسخ الكتاب سفین.

السَّوْدَاءِ وَ مَسْكَنَ الرُّطُوبَةِ فِی الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ وَ مَسْكَنَ الْحَرَارَةِ فِی الدَّمِ وَ مَسْكَنَ الْبُرُودَةِ فِی الْبَلْغَمِ فَأَیُّمَا جَسَدٍ اعْتَدَلَتْ بِهِ (1) هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعُ الَّتِی جَعَلْتُهَا مِلَاكَهُ وَ قِوَامَهُ وَ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعاً لَا تَزِیدُ وَ لَا تَنْقُصُ كَمُلَتْ صِحَّتُهُ وَ اعْتَدَلَ بُنْیَانُهُ فَإِنْ زَادَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ عَلَیْهِنَّ فَقَهَرَتْهُنَّ وَ مَالَتْ بِهِنَّ [وَ] دَخَلَ عَلَی الْبَدَنِ السُّقْمُ مِنْ نَاحِیَتِهَا بِقَدْرِ مَا زَادَتْ وَ إِذَا كَانَتْ نَاقِصَةً نقل (2)

[تَقِلُ] عَنْهُنَّ حَتَّی تَضْعُفَ مِنْ طَاقَتِهِنَّ وَ تَعْجِزَ عَنْ مُقَارَنَتِهِنَ (3) وَ جَعَلَ عَقْلَهُ فِی دِمَاغِهِ وَ شَرَهَهُ (4) فِی كُلْیَتِهِ وَ غَضَبَهُ فِی كَبِدِهِ وَ صَرَامَتَهُ (5) فِی قَلْبِهِ وَ رَغْبَتَهُ فِی رِئَتِهِ وَ ضَحِكَهُ فِی طِحَالِهِ وَ فَرَحَهُ وَ حَزَنَهُ وَ كَرْبَهُ فِی وَجْهِهِ وَ جَعَلَ فِیهِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ مَفْصَلًا قَالَ وَهْبٌ فَالطَّبِیبُ الْعَالِمُ بِالدَّاءِ وَ الدَّوَاءِ یَعْلَمُ مِنْ حَیْثُ یَأْتِی السُّقْمُ مِنْ قِبَلِ زِیَادَةٍ تَكُونُ فِی إِحْدَی هَذِهِ الْفِطَرِ(6)

الْأَرْبَعِ أَوْ نُقْصَانٍ مِنْهَا وَ یَعْلَمُ الدَّوَاءَ الَّذِی بِهِ یُعَالِجُهُنَّ فَیَزِیدُ فِی النَّاقِصَةِ مِنْهُنَّ أَوْ یَنْقُصُ مِنَ الزَّائِدَةِ حَتَّی یَسْتَقِیمَ الْجَسَدُ عَلَی فِطْرَتِهِ وَ یَعْتَدِلَ الشَّیْ ءُ بِأَقْرَانِهِ ثُمَّ تَصِیرُ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ الَّتِی رَكَّبَ عَلَیْهَا الْجَسَدَ فِطَراً عَلَیْهِ تُبْنَی أَخْلَاقُ بَنِی آدَمَ وَ بِهَا تُوصَفُ فَمِنَ التُّرَابِ الْعَزْمُ وَ مِنَ الْمَاءِ اللِّینُ وَ مِنَ الْحَرَارَةِ الْحِدَّةُ وَ مِنَ الْبُرُودَةِ الْأَنَاةُ فَإِنْ مَالَتْ بِهِ الْیُبُوسَةُ كَانَ عَزْمُهُ الْقَسْوَةَ وَ إِنْ مَالَتْ بِهِ الرُّطُوبَةُ كَانَتْ لِینُهُ مَهَانَةً وَ إِنْ مَالَتْ بِهِ الْحَرَارَةُ كَانَتْ حِدَّتُهُ طَیْشاً وَ سَفَهاً وَ إِنْ مَالَتْ بِهِ الْبُرُودَةُ كَانَتْ أَنَاتُهُ رَیْباً وَ بَلَداً فَإِنِ اعْتَدَلَتْ أَخْلَاقُهُ وَ كُنَّ سَوَاءً وَ اسْتَقَامَتْ فِطْرَتُهُ كَانَ حَازِماً فِی أَمْرِهِ لَیِّناً فِی عَزْمِهِ حَادّاً فِی لِینِهِ مُتَأَنِّیاً فِی حِدَّتِهِ لَا یَغْلِبُهُ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَ لَا یَمِیلُ بِهِ مِنْ أَیِّهَا شَاءَ اسْتَكْثَرَ

ص: 287


1- 1. فیه( خ).
2- 2. فی المصدر: تقل.
3- 3. مقاومتهن( خ).
4- 4. فی بعض النسخ« و شره» و فی بعضها« و سوءه فی طینته».
5- 5. شرهه( خ).
6- 6. فی أكثر النسخ« الفطرة».

وَ مِنْ أَیِّهَا شَاءَ أَقَلَّ وَ مِنْ أَیِّهَا شَاءَ عَدَلَ وَ یَعْلَمُ كُلُّ خُلُقٍ مِنْهَا إِذَا عَلَا عَلَیْهِ بِأَیِّ شَیْ ءٍ یَمْزُجُهُ وَ یُقَوِّمُهُ فَأَخْلَاقُهُ كُلُّهَا مُعْتَدِلَةٌ كَمَا یَجِبُ أَنْ یَكُونَ فَمِنَ التُّرَابِ قَسْوَتُهُ وَ بُخْلُهُ وَ حَصْرُهُ وَ فَظَاظَتُهُ وَ بُرْمُهُ وَ شُحُّهُ وَ بَأْسُهُ وَ قُنُوطُهُ وَ عَزْمُهُ وَ إِصْرَارُهُ وَ مِنَ الْمَاءِ كَرَمُهُ وَ مَعْرُوفُهُ (1)

وَ تَوَسُّعُهُ وَ سُهُولَتُهُ وَ تَوَسُّلُهُ (2)

وَ قُرْبُهُ وَ قَبُولُهُ وَ رَجَاؤُهُ وَ اسْتِبْشَارُهُ فَإِذَا خَافَ ذُو الْعَقْلِ أَنْ یَغْلِبَ عَلَیْهِ أَخْلَاقُ التُّرَابِ وَ یَمِیلَ بِهِ أَلْزَمَ كُلَّ خُلُقٍ مِنْهَا خُلُقاً مِنْ أَخْلَاقِ الْمَاءِ یَمْزُجُهُ بِهِ بِلِینِهِ یُلْزِمُ الْقَسْوَةَ اللِّینَ وَ الْحَصْرَ التَّوَسُّعَ وَ الْبُخْلَ الْعَطَاءَ وَ الْفَظَاظَةَ الْكَرَمَ وَ الْبَرَمَ التَّرَسُّلَ (3)

وَ الشُّحَّ السَّمَاحَ وَ الْیَأْسَ الرَّجَاءَ وَ الْقُنُوطَ الِاسْتِبْشَارَ وَ الْعَزْمَ الْقَبُولَ وَ الْإِصْرَارَ الْقُرْبَ ثُمَّ مِنَ النَّفْسِ حِدَّتُهُ وَ خِفَّتُهُ وَ شَهْوَتُهُ وَ لَهْوُهُ وَ لَعِبُهُ وَ ضَحِكُهُ وَ سَفَهُهُ وَ خِدَاعُهُ وَ عُنْفُهُ وَ خَوْفُهُ وَ مِنَ الرُّوحِ حِلْمُهُ وَ وَقَارُهُ وَ عَفَافُهُ وَ حَیَاؤُهُ وَ بَهَاؤُهُ

وَ فَهْمُهُ وَ كَرَمُهُ وَ صِدْقُهُ وَ رِفْقُهُ وَ كِبْرُهُ وَ إِذَا خَافَ ذُو الْعَقْلِ أَنْ تَغْلِبَ عَلَیْهِ أَخْلَاقُ النَّفْسِ وَ تَمِیلَ بِهِ أَلْزَمَ كُلَّ خُلُقٍ مِنْهَا خُلُقاً مِنْ أَخْلَاقِ الرُّوحِ یُقَوِّمُهُ بِهِ یُلْزِمُ الْحِدَّةَ الْحِلْمَ وَ الْخِفَّةَ الْوَقَارَ وَ الشَّهْوَةَ الْعَفَافَ وَ اللَّعِبَ الْحَیَاءَ وَ الضَّحِكَ الْفَهْمَ وَ السَّفَهَ الْكَرَمَ وَ الْخِدَاعَ الصِّدْقَ وَ الْعُنْفَ الرِّفْقَ وَ الْخَوْفَ الصَّبْرَ ثُمَّ بِالنَّفْسِ سَمِعَ ابْنُ آدَمَ وَ أَبْصَرَ وَ أَكَلَ وَ شَرِبَ وَ قَامَ وَ قَعَدَ وَ ضَحِكَ وَ بَكَی وَ فَرِحَ وَ حَزِنَ وَ بِالرُّوحِ عَرَفَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ وَ الرُّشْدَ مِنَ الْغَیِّ وَ الصَّوَابَ مِنَ الْخَطَاءِ وَ بِهِ عَلِمَ وَ تَعَلَّمَ وَ حَكَمَ وَ عَقَلَ وَ اسْتَحْیَا وَ تَكَرَّمَ وَ تَفَقَّهَ وَ تَفَهَّمَ وَ تَحَذَّرَ وَ تَقَدَّمَ ثُمَّ یَقْرِنُ إِلَی أَخْلَاقِهِ عَشَرَةَ خِصَالٍ أُخْرَی الْإِیمَانَ وَ الْحِلْمَ وَ الْعَقْلَ وَ الْعِلْمَ وَ الْعَمَلَ وَ اللِّینَ وَ الْوَرَعَ وَ الصِّدْقَ وَ الصَّبْرَ وَ الرِّفْقَ فَفِی هَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْعَشْرِ جَمِیعُ الدِّینِ كُلِّهِ وَ لِكُلِّ خُلُقٍ مِنْهَا عَدُوٌّ فَعَدُوُّ الْإِیمَانِ الْكُفْرُ وَ عَدُوُّ الْحِلْمِ الْحُمْقُ وَ عَدُوُّ الْعَقْلِ الْغَیُّ وَ عَدُوُّ الْعِلْمِ الْجَهْلُ وَ عَدُوُّ الْعَمَلِ الْكَسَلُ وَ عَدُوُّ اللِّینِ الْعَجَلَةُ وَ عَدُوُّ الْوَرَعِ الْفُجُورُ

ص: 288


1- 1. معرفته« خ».
2- 2. ترسله« ظ».
3- 3. التوسل« ظ».

وَ عَدُوُّ الصِّدْقِ الْكَذِبُ وَ عَدُوُّ الصَّبْرِ الْجَزَعُ وَ عَدُوُّ الرِّفْقِ الْعُنْفُ فَإِذَا وَهَنَ الْإِیمَانُ تَسَلَّطَ عَلَیْهِ الْكُفْرُ وَ تَعَبَّدَهُ وَ حَالَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ كُلِّ شَیْ ءٍ یَرْجُو مَنْفَعَتَهُ وَ إِذَا صَلُبَ الْإِیمَانُ وَهَنَ لَهُ الْكُفْرُ وَ تَعَبَّدَ وَ اسْتَكَانَ وَ اعْتَرَفَ الْإِیمَانَ وَ إِذَا ضَعُفَ الْحِلْمُ عَلَا الْحُمْقُ وَ حَاطَهُ وَ ذَبْذَبَهُ وَ أَلْبَسَهُ الْهَوَانَ بَعْدَ الْكَرَامَةِ وَ إِذَا اسْتَقَامَ الْحِلْمُ فَضَحَ الْحُمْقَ وَ تَبَیَّنَ عَوْرَتَهُ وَ أَبْدَی سَوْأَتَهُ وَ كَشَفَ سِتْرَهُ وَ أَكْثَرَ مَذَمَّتَهُ فَإِذَا اسْتَقَامَ اللِّینُ تَكَرَّمَ مِنَ الْخِفَّةِ وَ الْعَجَلَةِ وَ اطَّرَدَتِ الْحِدَّةُ وَ ظَهَرَ الْوَقَارُ وَ الْعَفَافُ وَ عُرِفَتِ السَّكِینَةُ وَ إِذَا ضَعُفَ الْوَرَعُ تَسَلَّطَ عَلَیْهِ الْفُجُورُ وَ ظَهَرَ الْإِثْمُ وَ تَبَیَّنَ الْعُدْوَانُ وَ كَثُرَ الظُّلْمُ وَ نَزَلَ الْحُمْقُ وَ عُمِلَ بِالْبَاطِلِ وَ إِذَا ضَعُفَ الصِّدْقُ كَثُرَ الْكَذِبُ وَ فَشَتِ الْفِرْیَةُ وَ جَاءَ الْإِفْكُ بِكُلِّ وَجْهِ الْبُهْتَانِ (1) وَ إِذَا حَصَلَ الصِّدْقُ اخْتَسَأَ الْكَذِبُ وَ ذَلَّ وَ صَمَتَ لِلْإِفْكِ (2)

وَ أُمِیتَتِ (3) الْفِرْیَةُ وَ أُهِینَ الْبُهْتَانُ وَ دَنَا الْبِرُّ وَ اقْتَرَبَ الْخَیْرُ وَ طُرِدَتِ الشِّرَّةُ وَ إِذَا وَهَنَ الصَّبْرُ وَهَنَ الدِّینُ وَ كَثُرَ الْحُزْنُ وَ رَهِقَ الْجَزَعُ وَ أُمِیتَتِ الْحَسَنَةُ وَ ذَهَبَ الْأَجْرُ وَ إِذَا صَلُبَ الصَّبْرُ خَلَصَ الدِّینُ وَ ذَهَبَ الْحُزْنُ وَ أُخِّرَ الْجَزَعُ وَ أُحْیِیَتِ الْحَسَنَةُ وَ عَظُمَ الْأَجْرُ وَ تَبَیَّنَ الْحَزْمُ وَ ذَهَبَ الْوَهْنُ وَ إِذَا تُرِكَ الرِّفْقُ ظَهَرَ الْغِشُّ وَ جَاءَتِ الْفَظَاظَةُ وَ اشْتَدَّتِ الْغِلْظَةُ وَ كَثُرَ(4) الْغَشْمُ وَ تُرِكَ الْعَدْلُ وَ فَشَا الْمُنْكَرُ وَ تُرِكَ الْمَعْرُوفُ وَ ظَهَرَ السَّفَهُ وَ رُفِضَ الْحِلْمُ (5) وَ ذَهَبَ الْعَقْلُ وَ تُرِكَ الْعِلْمُ وَ فَتَرَ الْعَمَلُ وَ مَاتَ اللِّینُ وَ ضَعُفَ الصَّبْرُ وَ غُلِبَ الْوَرَعُ وَ وَهَنَ الصِّدْقُ وَ بَطَلَ تَعَبُّدُ أَهْلِ الْإِیمَانِ فَمِنْ أَخْلَاقِ الْعَقْلِ عَشَرَةُ أَخْلَاقٍ صَالِحَةٍ الْحِلْمُ وَ الْعِلْمُ وَ الرُّشْدُ وَ الْعَفَافُ وَ الصِّیَانَةُ وَ الْحَیَاءُ وَ الرَّزَانَةُ وَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَی الْخَیْرِ وَ كَرَاهَةُ الشَّرِّ وَ طَاعَةُ النَّاصِحِ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَخْلَاقٍ صَالِحَةٍ ثُمَّ یَتَشَعَّبُ (6)

كُلُّ خُلُقٍ مِنْهَا عَشْرَ خِصَالٍ فَالْحِلْمُ یَتَشَعَّبُ مِنْهُ حُسْنُ الْعَوَاقِبِ وَ الْمَحْمَدَةُ فِی النَّاسِ وَ تَشَرُّفُ الْمَنْزِلَةِ وَ السَّلْبُ عَنِ السَّفِلَةِ وَ رُكُوبُ

ص: 289


1- 1. فی المصدر: و البهتان.
2- 2. فی المصدر« الافك» و هو الظاهر.
3- 3. و امیت( خ).
4- 4. فی جمیع النسخ« و كسر» و هو تصحیف.
5- 5. فی المصدر« الحكم» و الظاهر أنّه تصحیف.
6- 6. فی المصدر« من كل» و هو الصواب.

الْجَمِیلِ وَ صُحْبَةُ الْأَبْرَارِ وَ الِارْتِدَاعُ (1) عَنِ الضَّیْعَةِ(2)

وَ الِارْتِفَاعُ عَنِ الخَسَاسَةِ وَ شُهْرَةُ(3)

اللِّینِ وَ الْقُرْبُ مِنْ مَعَالِی الدَّرَجَاتِ وَ یَتَشَعَّبُ مِنَ الْعِلْمِ الشَّرَفُ وَ إِنْ كَانَ دَنِیّاً وَ الْعِزُّ وَ إِنْ كَانَ مَهِیناً وَ الْغِنَی وَ إِنْ كَانَ فَقِیراً وَ الْقُوَّةُ وَ إِنْ كَانَ ضَعِیفاً وَ النَّیْلُ وَ إِنْ كَانَ حَقِیراً وَ الْقُرْبُ وَ إِنْ كَانَ قَصِیّاً وَ الْجُودُ وَ إِنْ كَانَ بَخِیلًا وَ الْحَیَاءُ وَ إِنْ كَانَ صَلِفاً وَ الْمَهَابَةُ وَ إِنْ كَانَ وَضِیعاً وَ السَّلَامَةُ وَ إِنْ كَانَ سَفِیهاً وَ یَتَشَعَّبُ مِنَ الرُّشْدِ السَّدَادُ وَ الْهُدَی وَ الْبِرُّ وَ التَّقْوَی وَ الْعِبَادَةُ وَ الْقَصْدُ وَ الِاقْتِصَادُ وَ الْقَنَاعَةُ وَ الْكَرَمُ وَ الصِّدْقُ وَ یَتَشَعَّبُ مِنَ الْعَفَافِ الْكِفَایَةُ(4)

وَ الِاسْتِكَانَةُ وَ الْمُصَادَقَةُ وَ الْمُرَاقَبَةُ وَ الصَّبْرُ وَ النَّصْرُ وَ الْیَقِینُ وَ الرِّضَا وَ الرَّاحَةُ وَ التَّسْلِیمُ وَ یَتَشَعَّبُ مِنَ الصِّیَانَةِ الْكَفُّ وَ الْوَرَعُ وَ حُسْنُ الثَّنَاءِ وَ التَّزْكِیَةُ وَ الْمُرُوءَةُ وَ الْكَرَمُ وَ الْغِبْطَةُ وَ السُّرُورُ وَ الْمَنَالَةُ وَ التَّفَكُّرُ وَ یَتَشَعَّبُ مِنَ الْحَیَاءِ اللِّینُ وَ الرَّأْفَةُ وَ الرَّحْمَةُ وَ الْمُدَاوَمَةُ وَ الْبَشَاشَةُ وَ الْمُطَاوَعَةُ وَ ذُلُّ النَّفْسِ وَ النُّهَی وَ الْوَرَعُ وَ حُسْنُ الْخُلُقِ وَ یَتَشَعَّبُ مِنَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَی الْخَیْرِ الصَّلَاحُ وَ الِاقْتِدَارُ وَ الْعِزُّ وَ الْإِخْبَاتُ وَ الْإِنَابَةُ وَ السُّؤْدُدُ وَ الْأَمْنُ وَ الرِّضَا فِی النَّاسِ وَ حُسْنُ الْعَاقِبَةِ وَ یَتَشَعَّبُ مِنْ كَرَاهَةِ الشَّرِّ حُسْنُ الْأَمَانَةِ وَ تَرْكُ الْخِیَانَةِ وَ اجْتِنَابُ السُّوءِ وَ تَحْصِینُ الْفَرْجِ وَ صِدْقُ اللِّسَانِ وَ التَّوَاضُعُ وَ التَّضَرُّعُ لِمَنْ هُوَ فَوْقَهُ وَ الْإِنْصَافُ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَ حُسْنُ الْجِوَارِ وَ مُجَانَبَةُ إِخْوَانِ السَّوْءِ وَ یَتَشَعَّبُ مِنَ الرَّزَانَةِ التَّوَقُّرُ وَ السُّكُونُ وَ التَّأَنِّی وَ الْعِلْمُ وَ التَّمْكِینُ وَ الْحُظْوَةُ وَ الْمَحَبَّةُ وَ الْفَلَحُ (5) وَ الزِّكَایَةُ وَ الْإِنَابَةُ وَ یَتَشَعَّبُ مِنْ طَاعَةِ النَّاصِحِ زِیَادَةُ الْعَقْلِ وَ كَمَالُ اللُّبِّ وَ مَحْمَدَةُ النَّاسِ وَ الِامْتِعَاضُ مِنَ اللَّوْمِ وَ الْبُعْدُ مِنَ الْبَطْشِ وَ اسْتِصْلَاحُ الْحَالِ وَ مُرَاقَبَةُ مَا هُوَ نَازِلٌ وَ الِاسْتِعْدَادُ لِلْعَدُوِّ وَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَی الْمِنْهَاجِ وَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَی الرَّشَادِ فَهَذِهِ مِائَةُ خَصْلَةٍ مِنْ أَخْلَاقِ الْعَاقِلِ (6).

بیان: الصرامة بالصاد المهملة الشجاعة و الحدة و العزم و فی بعض النسخ

ص: 290


1- 1. فی بعض النسخ« و الارتداد».
2- 2. فی المصدر« الضعة».
3- 3. و شهوة( خ).
4- 4. الكفاف( خ).
5- 5. فی المصدر، الفلج.
6- 6. علل الشرائع: ج 1، ص 104- 108.

بالمعجمة من ضرم كفرح اشتد جوعه أو من ضرم علیه احتد غضبا فی وجهه أی تظهر فیه و فی القاموس التبلد التجلد بلد ككرم و فرح فهو بلید و أبلد و قال الحصر كالنصر و الضرب التضییق و بالتحریك ضیق الصدر و البخل و العی فی المنطق و قال الفظ الغلیظ الجانب السیئ الخلق القاسی الخشن الكلام فظ بین الفظاظة و الفظاظ بالكسر.

قوله یلزم القسوة اللین إلخ أی یختار الوسط بینهما و یكسر سورة(1) كل منهما بالآخر و هی العدالة المطلوبة فی الأخلاق أو یستعمل كلا منها فی موقعه كما قال تعالی فی وصف أمیر المؤمنین علیه السلام و أضرابه أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْكافِرِینَ و هو التخلق بأخلاق رب العالمین كما قال سبحانه نَبِّئْ عِبادِی أَنِّی أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِیمُ وَ أَنَّ عَذابِی هُوَ الْعَذابُ الْأَلِیمُ و البرم التوسل أی التقرب إلی الناس أو إلی اللّٰه بالصبر علی أخلاق الناس و لعله كان بالراء و هو الاستئناس فإنه أنسب و العزم بالقبول أی إذا عزم فی أمر فنصحه صادق یقبل منه و الإصرار القرب أی من اللّٰه بالتوبة أو الأعم قوله و كبره أی علی أعداء الدین و الظاهر صبره كما یظهر من قوله و الخوف الصبر و یحتمل أن یكون التصحیف فی ما سیأتی و یكون المراد بالكبر الشجاعة لمقابلة الخوف.

ثم الظاهر أن المراد بالنفس فی هذا الحدیث الروح الحیوانی و بالروح الناطقة و نسبة البرد إلیها لأنه یلزم تعلقها تحرك النفس الذی یحصل البرد بسببه و تقدم أی إلی الخیر و السعادة و الكمال و فی القاموس الذبذبة تردد الشی ء المعلق فی الهواء و حمایة الجوار و الأهل و إیذاء الخلق و التحریك و قال تكرم عنه تنزه و قال الطرد الإبعاد و قال خسأ الكلب طرده و صمت للإفك أی عنه و شرّة الشباب بالكسر نشاطه و الرزانة الوقار و الارتداع الانزجار و لا یبعد أن یكون مكان الضیعة الضعة كما مر فی كتاب العقل و فی القاموس الصلف بالتحریك التكلم بما یكرهه صاحبك

ص: 291


1- 1. فی بعض النسخ« سورة فی كل».

و التمدح بما لیس عندك أو مجاوزة حد الظرف و الادعاء فوق ذلك تكبرا انتهی و المنالة لعل المراد بها الدرجة التی تنال بها أشرف المقاصد من القرب و الفوز و السعادة من النیل الإصابة و الإخبات الخشوع و الخضوع للرب تعالی و الحظوة بالضم و الكسر المكانة و المنزلة و الفلح بالمهملة محركة و الفلاح الفوز و النجاة و البقاء فی الخیر و بالمعجمة بالفتح الظفر و الفوز و الاسم بالضم و الزكایة النمو و الطهارة و فی بعض النسخ الركانة بالراء المهملة و النون و هی العلو و الرفعة و الوقار و لعله أصوب و فی القاموس معض من الأمر كفرح غضب و شق علیه فهو ماعض و معض و أمعضه و معضه تمعیضا فامتعض.

أقول: إنما لم نعط شرح هذا الخبر حقه لأنه من الأخبار العامیة المنسوبة إلی أهل الكتاب و قد مر قریب منه فی كتاب العقل و شرحناه هناك بما ینفع فی هذا المقام.

«2»- الْخِصَالُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَشْعَرِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَیْنِ اللُّؤْلُؤِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِیِّ عَنْ سَعِیدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ دُرُسْتَ عَنْ أَبِی الْأَصْبَغِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: بُنِیَ الْجَسَدُ عَلَی أَرْبَعَةِ أَشْیَاءَ الرُّوحِ وَ الْعَقْلِ وَ الدَّمِ وَ النَّفْسِ فَإِذَا خَرَجَ الرُّوحُ تَبِعَهُ الْعَقْلُ فَإِذَا(1)

رَأَی الرُّوحُ شَیْئاً حَفِظَهُ عَلَیْهِ الْعَقْلُ وَ بَقِیَ الدَّمُ وَ النَّفْسُ (2).

بیان: كأن المراد بالروح النفس الناطقة و بالعقل الحالات و الصفات الحالة فیها و لا بد لها منها فی العلوم و الإدراكات فإذا فارق الروح البدن تبعتها تلك الأحوال لأنها فی البرزخ لا تفارقها العلوم و المعارف بل تترقی فیها كما یظهر من الأخبار و بالنفس الروح الحیوانیة فهی مع الدم الحامل لها تبقیان فی البدن و تضمحلان و قوله فإذا رأی الروح أی بعد مفارقة(3)

البدن و الرؤیة بمعنی العلم أو بعین الجسد المثالی.

ص: 292


1- 1. فی المصدر: و إذا.
2- 2. الخصال: 106.
3- 3. بل الظاهر أن المراد ما تراه الروح فی حال الرؤیا، و المراد ببقاء النفس بقاؤها فی البدن حال النوم.

«3»- الْخِصَالُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قِوَامُ الْإِنْسَانِ وَ بَقَاؤُهُ بِأَرْبَعَةٍ بِالنَّارِ وَ النُّورِ وَ الرِّیحِ وَ الْمَاءِ فَبِالنَّارِ یَأْكُلُ وَ یَشْرَبُ وَ بِالنُّورِ یُبْصِرُ وَ یَعْقِلُ وَ بِالرِّیحِ یَسْمَعُ وَ یَشَمُّ وَ بِالْمَاءِ یَجِدُ لَذَّةَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ فَلَوْ لَا النَّارُ فِی مَعِدَتِهِ لَمَا هَضَمَتِ الطَّعَامَ وَ الشَّرَابَ وَ لَوْ لَا النُّورُ فِی بَصَرِهِ لَمَا أَبْصَرَ وَ لَا عَقَلَ وَ لَوْ لَا الرِّیحُ لَمَا الْتَهَبَتْ نَارُ الْمَعِدَةِ وَ لَوْ لَا الْمَاءُ لَمْ یَجِدْ لَذَّةَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنِ النِّیرَانِ فَقَالَ النِّیرَانُ أَرْبَعَةٌ نَارٌ تَأْكُلُ وَ تَشْرَبُ وَ نَارٌ تَأْكُلُ وَ لَا تَشْرَبُ وَ نَارٌ تَشْرَبُ وَ لَا تَأْكُلُ وَ نَارٌ لَا تَأْكُلُ وَ لَا تَشْرَبُ فَالنَّارُ الَّتِی تَأْكُلُ وَ تَشْرَبُ فَنَارُ ابْنِ آدَمَ وَ جَمِیعِ الْحَیَوَانِ وَ الَّتِی تَأْكُلُ وَ لَا تَشْرَبُ فَنَارُ الْوَقُودِ وَ الَّتِی تَشْرَبُ وَ لَا تَأْكُلُ فَنَارُ الشَّجَرَةِ وَ الَّتِی لَا تَأْكُلُ وَ لَا تَشْرَبُ فَنَارُ الْقَدَّاحَةِ وَ الْحُبَاحِبِ (1).

بیان: فبالنار یأكل و یشرب أی بالحرارة الغریزیة التی تتولد من النار و یسمونها نار اللّٰه و المراد بالنور إما نور البصر أو الأعم منه و من سائر القوی و المشاعر فإن النور ما یصیر سببا لظهور الأشیاء كما عرفت مرارا و بالریح یسمع و یشم لأن الهواء حامل للصوت و الكیفیات المشمومة و بالماء یجد لذة الطعام و الشراب أی الماء الذی فی الفم فإنه الموصل للكیفیات المذوقة إلی الذائقة كما مر فلو لا النار فی معدته أی الحرارة المفرطة فنار ابن آدم أی الحرارة الغریزیة فإنها الداعیة إلی الأكل و الشرب و تحیل المأكول و المشروب فنار الوقود أی النیران التی توقدها الناس فإنها تأكل الحطب و كل ما تقع فیه أی تحیلها و تكسرها و لا تشرب لأن الماء غالبا یطفئها و التی تشرب و لا تأكل فنار الشجرة أی النار التی توری من الشجر الأخضر كما مر فی تفسیر قوله تعالی الَّذِی جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فإنها تشرب الماء الذی (2) یسقی الشجر و لا تأكل أی لا یحیل شیئا ترد(3) علیه بحرارتها

ص: 293


1- 1. الخصال، 106.
2- 2. فی جمیع نسخ الكتاب، التی.
3- 3. یرد علیها( ظ).

و قد مر الكلام فیها و فی القاموس قدح بالزند رام الإیراء به كاقتدح و المقدح و القداح و المقداح حدیدته و القداح و القداحة حجره و قال الجوهری الحباحب اسم رجل بخیل كان لا یوقد إلا نارا ضعیفة مخافة الضیفان فضربوا بها المثل حتی قالوا نار

الحباحب لما تقدحه الخیل بحوافرها انتهی و لعل المعنی أنها لما كانت تخرج من بین الحدید و الحجر و لا ینفذ الماء فیهما و لا یحیلان شیئا فكأنهما لا تأكل و لا تشرب و قد مر الكلام فیه من باب النار.

«4»- الْعُیُونُ، عَنْ هَانِی بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْعَبْدِیِّ عَنْ أَبِیهِ بِإِسْنَادِهِ رَفَعَهُ أَنَّ مُوسَی بْنَ جَعْفَرٍ علیهما السلام دَخَلَ عَلَی الرَّشِیدِ فَقَالَ لَهُ الرَّشِیدُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِی عَنِ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ فَقَالَ مُوسَی علیه السلام: أَمَّا الرِّیحُ فَإِنَّهُ مَلِكٌ یُدَارَی وَ أَمَّا الدَّمُ فَإِنَّهُ عَبْدٌ عَارِمٌ (1) وَ رُبَّمَا قَتَلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ وَ أَمَّا الْبَلْغَمُ فَإِنَّهُ خَصِمٌ جَدِلٌ إِنْ سَدَدْتَهُ مِنْ جَانِبٍ انْفَتَحَ مِنْ آخَرَ وَ أَمَّا الْمِرَّةُ فَإِنَّهَا أَرْضٌ إِذَا اهْتَزَّتْ رَجَفَتْ بِمَا فَوْقَهَا فَقَالَ لَهُ هَارُونُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ تُنْفِقُ عَلَی النَّاسِ مِنْ كُنُوزِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ (2).

بیان: یحتمل أن یكون المراد بالریح المرة الصفراء لحدتها و لطافتها و سرعة تأثیرها فینبغی أن یداری لئلا تغلب و تهلك أو المراد بها الروح الحیوانیة و بالمرة الصفراء و السوداء معا فإنه تطلق علیهما المرة فیكون اصطلاحا آخر فی الطبائع و تقسیما آخر لها و العارم سیئ الخلق الشدید یقال عرم الصبی علینا أی أشر و مرح أو بطر أو فسد(3)

و لعل المعنی أنه خادم للبدن نافع له لكن ربما كانت غلبته سببا للهلاك فینبغی أن یصلح و یكون الإنسان علی حذر منه فإنه خصم جدل كنایة عن بطء علاجه و عدم اندفاعه بسهولة إذا اهتزت أی غلبت و تحركت رجفت بما فوقها كما فی حمی النائبة من الغب و الربع و غیرهما فإنها تزلزل البدن و تحركها و رأیت مثل هذا الكلام فی كتب الأطباء و الحكماء الأقدمین.

ص: 294


1- 1. فی المصدر« غارم» بالمعجمة، و الظاهر أنّه تصحیف.
2- 2. العیون، ج 1، ص 81.
3- 3. أفسد( خ).

«5»- الْعُیُونُ، وَ الْعِلَلُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِیِّ عَنْ غَیْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِی طَاهِرِ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: الطَّبَائِعُ أَرْبَعٌ فَمِنْهُنَّ الْبَلْغَمُ وَ هُوَ خَصِمٌ جَدِلٌ وَ مِنْهُنَّ الدَّمُ وَ هُوَ عَبْدٌ وَ رُبَّمَا قَتَلَ الْعَبْدُ سَیِّدَهُ وَ مِنْهُنَّ الرِّیحُ وَ هُوَ(1) مَلِكٌ یُدَارَی وَ مِنْهُنَّ الْمِرَّةُ وَ هَیْهَاتَ وَ هَیْهَاتَ هِیَ الْأَرْضُ إِذَا ارْتَجَّتْ ارْتَجَّتْ بِمَا عَلَیْهَا(2).

«6»- الْعِلَلُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِیِّ عَنْ مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِیِّ عَنْ عَمِّهِ الْحُسَیْنِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ أَبِی زِیَادٍ السَّكُونِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِنَّمَا صَارَ الْإِنْسَانُ یَأْكُلُ وَ یَشْرَبُ بِالنَّارِ وَ یُبْصِرُ وَ یَعْمَلُ (3)

بِالنُّورِ وَ یَسْمَعُ وَ یَشَمُّ بِالرِّیحِ وَ یَجِدُ لَذَّةَ(4)

الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ بِالْمَاءِ وَ یَتَحَرَّكُ بِالرُّوحِ وَ لَوْ لَا أَنَّ النَّارَ فِی مَعِدَتِهِ مَا هُضِمَتْ أَوْ قَالَ حُطِمَتِ الطَّعَامُ وَ الشَّرَابُ فِی جَوْفِهِ وَ لَوْ لَا الرِّیحُ مَا الْتَهَبَتْ نَارُ الْمَعِدَةِ وَ لَا خَرَجَ الثُّفْلُ مِنْ بَطْنِهِ وَ لَوْ لَا الرُّوحُ مَا تَحَرَّكَ وَ لَا جَاءَ وَ لَا ذَهَبَ وَ لَوْ

لَا بَرْدُ الْمَاءِ لَاحْتَرَقَهُ (5)

نَارُ الْمَعِدَةِ وَ لَوْ لَا النُّورُ مَا أَبْصَرَ وَ لَا عَقَلَ فَالطِّینُ صُورَتُهُ وَ الْعَظْمُ فِی جَسَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرِ فِی الْأَرْضِ وَ الدَّمُ فِی جَسَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ فِی الْأَرْضِ وَ لَا قِوَامَ لِلْأَرْضِ إِلَّا بِالْمَاءِ وَ لَا قِوَامَ لِجَسَدِ الْإِنْسَانِ إِلَّا بِالدَّمِ وَ الْمُخُّ دَسَمُ الدَّمِ وَ زُبْدُهُ فَهَكَذَا(6)

الْإِنْسَانُ خُلِقَ مِنْ شَأْنِ الدُّنْیَا وَ شَأْنِ الْآخِرَةِ فَإِذَا جَمَعَ اللَّهُ بَیْنَهُمَا صَارَتْ حَیَاتُهُ فِی الْأَرْضِ لِأَنَّهُ نَزَلَ مِنْ شَأْنِ السَّمَاءِ إِلَی الدُّنْیَا فَإِذَا فَرَّقَ اللَّهُ بَیْنَهُمَا صَارَتْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ الْمَوْتَ تَرُدُّ شَأْنَ الْأُخْرَی (7)

إِلَی السَّمَاءِ فَالْحَیَاةُ فِی الْأَرْضِ وَ الْمَوْتُ فِی السَّمَاءِ

ص: 295


1- 1. فی المصدر: هی.
2- 2. العلل: ج 1، ص 100.
3- 3. یعقل( ظ).
4- 4. فی المصدر: طعم.
5- 5. فی المصدر:« لا حرقته» و هو الصواب.
6- 6. فكذا( خ).
7- 7. فی بعض النسخ« الآخرة».

وَ ذَلِكَ أَنَّهُ یُفَرَّقُ بَیْنَ الْأَرْوَاحِ وَ الْجَسَدِ فَرُدَّتِ الرُّوحُ وَ النُّورُ إِلَی الْقُدْرَةِ(1) الْأُولَی وَ تُرِكَ الْجَسَدُ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الدُّنْیَا وَ إِنَّمَا فَسَدَ الْجَسَدُ فِی الدُّنْیَا لِأَنَّ الرِّیحَ تُنَشِّفُ الْمَاءَ فَیَیْبَسُ فَیَبْقَی الطِّینُ فَیَصِیرُ رُفَاتاً وَ یَبْلَی وَ یَرْجِعُ كُلٌّ إِلَی جَوْهَرِهِ الْأَوَّلِ وَ تَحَرَّكَتِ الرُّوحُ بِالنَّفْسِ حَرَكَتَهَا مِنَ الرِّیحِ فَمَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ فَهُوَ نُورٌ مُؤَیَّدٌ بِالْعَقْلِ وَ مَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْكَافِرِ فَهُوَ نَارٌ مُؤَیَّدٌ بِالنَّكْرَاءِ فَهَذِهِ صُورَةُ نَارٍ وَ هَذِهِ صُورَةُ نُورٍ وَ الْمَوْتُ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِینَ وَ نَقِمَةٌ(2) عَلَی الْكَافِرِینَ وَ لِلَّهِ عُقُوبَتَانِ إِحْدَاهُمَا مِنْ أَمْرِ الرُّوحِ وَ الْأُخْرَی تَسْلِیطُ بَعْضِ النَّاسِ عَلَی بَعْضٍ فَمَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرُّوحِ فَهُوَ السُّقْمُ وَ الْفَقْرُ وَ مَا كَانَ مِنْ تَسْلِیطٍ فَهُوَ النَّقِمَةُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ كَذلِكَ نُوَلِّی بَعْضَ الظَّالِمِینَ بَعْضاً بِما كانُوا یَكْسِبُونَ (3) مِنَ الذُّنُوبِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَنْبِ الرُّوحِ مِنْ ذَلِكَ سُقْمٌ وَ فَقْرٌ وَ مَا كَانَ مِنْ تَسْلِیطٍ فَهُوَ النَّقِمَةُ وَ كُلُّ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِ عُقُوبَةٌ لَهُ فِی الدُّنْیَا وَ عَذَابٌ لَهُ فِیهَا وَ أَمَّا الْكَافِرُ فَنَقِمَةٌ عَلَیْهِ فِی الدُّنْیَا وَ سُوءُ الْعَذَابِ فِی الْآخِرَةِ وَ لَا یَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِذَنْبٍ وَ الذَّنْبُ مِنَ الشَّهْوَةِ وَ هِیَ مِنَ الْمُؤْمِنِ خَطَأٌ وَ نِسْیَانٌ وَ أَنْ یَكُونَ مُسْتَكْرَهاً وَ مَا لَا یُطِیقُ وَ مَا كَانَ فِی الْكَافِرِ فَعَمْدٌ وَ جُحُودٌ وَ اعْتِدَاءٌ وَ حَسَدٌ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ (4).

بیان: أو قال التردید من الراوی و الحطم الكسر و لو لا الریح أی التی تدخل المعدة مع الطعام و الشراب أو المتولدة فی المعدة أو الالتهاب من الأولی و خروج الثفل من الثانیة كما ذكر الأطباء أن الریاح المتولدة فیها تعین علی إحدار الثفل فالطین صورته أی مادته التی تقبل صورته و قال الفیروزآبادی و تستعمل الصورة بمعنی النوع و الصفة خلق من شأن الدنیا أی البدن و شأن الآخرة أی الروح فإذا جمع اللّٰه بینهما أی بین النشأتین صارت حیاته فی الأرض أی تعلقت روحه السماویة

ص: 296


1- 1. القدس( خ).
2- 2. نقمته( خ).
3- 3. سورة الأنعام، الآیة 129.
4- 4. العلل: ج 1، ص 101 102، و الآیة فی سورة البقرة: 109.

بالجسد الأرضی فتدخل فیه علی الجسمیة أو تظهر آثارها فی الأرض بتوسط البدن علی التجرد ترد شأن الآخرة أی الروح إلی السماء فالحیاة فی الأرض أی بسبب كون الروح أو تعلقها فی الأرض و الموت فی السماء أی بسبب عروج الروح إلی السماء أو الروح فی حال الحیاة فی الأرض و بعد الموت فی السماء فردت الروح و النور إلی القدرة الأولی أی إلی عالم الأرواح التی هی أولی مخلوقاته تعالی و فی بعض النسخ إلی القدس الأولی أی إلی عوالم القدس الأولی و یرجع كل أی من العناصر إلی جوهره الأول قبل الامتزاج أو كل من الروح و البدن إلی الجوهر الأول و تحركت الروح بالنفس كأن المراد بالروح هنا الحیوانیة و بالنفس الناطقة أی عند الموت تتحرك الروح إلی السماء بسبب حركة النفس أو قطع تعلقها كحركة الروح فی حال الحیاة فی البدن من الریح التی هی النفس أو المراد حركتها فی حال الحیاة أی الروح الحیوانیة إنما تتحرك و تجری فی مجاری البدن بسبب النفس حركتها التی بسبب الریح و التنفس (1) و یمكن أن یقرأ بالنفس بالتحریك أی حركة الروح الحیوانیة تابعة للنفس كما أن النفس و تحركه تابع للریح فیرتكب تأویل فی تأنیث الضمیر كالأنفاس و نحوه و علی هذا یحتمل وجها آخر بأن یكون المراد خروج الحیوانیة بالنفس و خروجه كحركة الروح بالریح إلی السماء بعد خروجها و الروح فی قوله فردت الروح یمكن أیضا حملها علی الحیوانیة فالمراد بالنور الناطقة و یدل علیه قوله فهو نور مؤید بالعقل و إذا حملناها علی الناطقة فالمراد بالنور كمالاتها و علمها و إدراكاتها و الأول فی أكثر أجزاء الخبر أظهر و النكراء بالفتح الحیل و الخداع و الفطنة فی الباطل قال فی القاموس النكر و النكارة و النكراء و النكر بالضم الدهاء و الفتنة و المنكر و قد مر فی الحدیث أنها شبهة(2)

بالعقل و لیست به.

قوله إحداهما من الروح أی ما یصیب روحه من الآلام الجسمانیة و الروحانیة

ص: 297


1- 1. النفس( خ).
2- 2. شبیهة( ظ).

بلا توسط أحد و الأخری ما یصیبه بسبب تسلط الغیر علیه فهو النقمة أی ینتقم اللّٰه منه بغیره و عقوبة المؤمن منحصرة فیهما و أما الكافر فیجتمع علیه عقاب الدنیا و عذاب الآخرة و یحتمل أن تكون أن مخففة و كان المعنی إنما یفعله باستكراه الشهوة و عدم طاقته لمقاومتها لعسر تركها علیه لا بسبب اختیاره و خروجه عن التكلیف و أما الكافر فیفعلها عمدا و اعتداء و استهانة بأمر اللّٰه و نهیه كما ورد فی خبر آخر فإذا وقع الاستخفاف فهو الكفر.

حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ الآیة فی سورة البقرة هكذا وَدَّ كَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ یَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِیمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً قال البیضاوی علة ود مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ یجوز أن یتعلق بود أی تمنوا ذلك من عند أنفسهم و تشهیهم لا من قبل التدین و المیل مع الحق أو بحسدا أی حسدا بالغا منبعثا من أصل نفوسهم (1)

انتهی و ظاهر الخبر أن الاستشهاد بقوله مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ أی باختیارهم لا باستكراه و اضطرار و خطإ و نسیان فیدل علی أن المؤمن لا یرتكب المعصیة إلا علی أحد هذه الوجوه فالمراد بالمؤمن الكامل و هو الذی لا یخاف علیه العذاب فی الآخرة و علی ما أولنا یشمل غیره أیضا و لا یخفی ما فی الخبر من التشویش و كأنه من

الرواة و هو مع ذلك مشتمل علی رموز خفیة و أسرار غیبیة و حكم ربانیة و حقائق إیمانیة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَی السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِیدٌ.

«7»- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِی الْمِقْدَامِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی (2)

عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَمَّا أَحَبَّ أَنْ یَخْلُقَ خَلْقاً بِیَدِهِ وَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا مَضَی مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ فِی الْأَرْضِ سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ قَالَ وَ لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ اللَّهِ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ لِلَّذِی أَرَادَ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ التَّقْدِیرِ لِمَا هُوَ مُكَوِّنُهُ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ عِلْمِهِ لَمَّا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَشَطَ عَنْ أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ انْظُرُوا إِلَی أَهْلِ

ص: 298


1- 1. أنوار التنزیل: ج 1 ص 106.
2- 2. فی المصدر: عن أبی جعفر علیه السلام.

الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِی مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ فَلَمَّا رَأَوْا مَا یَعْمَلُونَ فِیهَا مِنَ الْمَعَاصِی وَ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَیْهِمْ وَ غَضِبُوا لِلَّهِ وَ أَسِفُوا عَلَی أَهْلِ الْأَرْضِ وَ لَمْ یَمْلِكُوا غَضَبَهُمْ أَنْ قَالُوا یَا رَبِّ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْقَادِرُ الْجَبَّارُ(1) الْقَاهِرُ الْعَظِیمُ الشَّأْنِ وَ هَذَا خَلْقُكَ الضَّعِیفُ الذَّلِیلُ فِی أَرْضِكَ یَتَقَلَّبُ (2)

فِی قَبْضَتِكَ وَ یَعِیشُونَ بِرِزْقِكَ وَ یَسْتَمْتِعُونَ بِعَافِیَتِكَ وَ هُمْ یَعْصُونَكَ بِمِثْلِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ لَا تَأْسَفُ وَ لَا تَغْضَبُ وَ لَا تَنْتَقِمُ لِنَفْسِكَ لِمَا تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَ تَرَی وَ قَدْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَیْنَا وَ أَكْبَرْنَاهُ فِیكَ فَلَمَّا سَمِعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً لِی عَلَیْهِمْ فَیَكُونُ حَجَّةً لِی عَلَیْهِمْ فِی أَرْضِی عَلَی خَلْقِی فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ سُبْحَانَكَ أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قَالُوا(3)

فَاجْعَلْهُ مِنَّا فَإِنَّا لَا نُفْسِدُ فِی الْأَرْضِ وَ لَا نَسْفِكُ الدِّمَاءَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ یَا مَلَائِكَتِی إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أَخْلُقَ خَلْقاً بِیَدِی أَجْعَلُ ذُرِّیَّتَهُ أَنْبِیَاءَ مُرْسَلِینَ وَ عِبَاداً صَالِحِینَ وَ أَئِمَّةً مُهْتَدِینَ أَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِی عَلَی خَلْقِی فِی أَرْضِی یَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعَاصِیَ (4) وَ یُنْذِرُونَهُمْ عَذَابِی وَ یَهْدُونَهُمْ إِلَی طَاعَتِی وَ یَسْلُكُونَ بِهِمْ طَرِیقَ سَبِیلِی وَ أَجْعَلُهُمْ حُجَّةً لِی عُذْراً أَوْ نُذْراً وَ أُبِینُ (5)

النَّسْنَاسَ مِنْ أَرْضِی فَأُطَهِّرُهَا مِنْهُمْ وَ أَنْقُلُ مَرَدَةَ الْجِنِّ الْعُصَاةَ عَنْ بَرِیَّتِی وَ خَلْقِی وَ خِیَرَتِی وَ أُسْكِنُهُمْ فِی الْهَوَاءِ وَ فِی أَقْطَارِ الْأَرْضِ لَا یُجَاوِرُونَ نَسْلَ خَلْقِی وَ أَجْعَلُ بَیْنَ الْجِنِّ وَ بَیْنَ خَلْقِی حِجَاباً وَ لَا یَرَی نَسْلُ خَلْقِی الْجِنَّ وَ لَا یُؤَانِسُونَهُمْ وَ لَا یُخَالِطُونَهُمْ فَمَنْ (6)

عَصَانِی مِنْ نَسْلِ خَلْقِیَ الَّذِینَ اصْطَفَیْتُهُمْ لِنَفْسِی أَسْكَنْتُهُمْ مَسَاكِنَ الْعُصَاةِ وَ أَوْرَدْتُهُمْ مَوَارِدَهُمْ وَ لَا أُبَالِی

ص: 299


1- 1. المختار( خ).
2- 2. فی المصدر: یتقلبون.
3- 3. فی المصدر: و قالوا.
4- 4. فیه: المعاصی.
5- 5. سیأتی فی البیان عن بعض النسخ« ابیر» و عن بعضها« ابید».
6- 6. زاد فی المصدر: و لا یجالسونهم.

فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ یَا رَبَّنَا افْعَلْ مَا شِئْتَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِیمُ (1) الْحَكِیمُ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ وَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ تَقَدَّمَ (2)

إِلَی الْمَلَائِكَةِ فِی آدَمَ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَخْلُقَهُ احْتِجَاجاً مِنْهُ عَلَیْهِمْ قَالَ فَاغْتَرَفَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی غُرْفَةً مِنَ الْمَاءِ الْعَذْبِ الْفُرَاتِ فَصَلْصَلَهَا فَجَمَدَتْ ثُمَّ قَالَ لَهَا مِنْكِ أَخْلُقُ النَّبِیِّینَ وَ الْمُرْسَلِینَ وَ عِبَادِیَ الصَّالِحِینَ وَ الْأَئِمَّةَ الْمُهْتَدِینَ الدُّعَاةَ إِلَی الْجَنَّةِ وَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ لَا أُبَالِی وَ لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ یَعْنِی بِذَلِكَ خَلْقَهُ أَنَّهُ سَیَسْأَلُهُمْ ثُمَّ اغْتَرَفَ غُرْفَةً مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ الْأُجَاجِ فَصَلْصَلَهَا فَجَمَدَتْ ثُمَّ قَالَ لَهَا مِنْكِ أَخْلُقُ الْجَبَّارِینَ وَ الْفَرَاعِنَةَ وَ الْعُتَاةَ(3) إِخْوَانَ الشَّیَاطِینِ وَ الدُّعَاةَ إِلَی النَّارِ یَوْمَ (4) الْقِیَامَةِ وَ أَتْبَاعَهُمْ وَ لَا أُبَالِی وَ لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ قَالَ وَ شَرَطَ فِی ذَلِكَ الْبَدَاءَ وَ لَمْ یَشْتَرِطْ فِی أَصْحَابِ الْیَمِینِ الْبَدَاءَ ثُمَّ خَلَطَ الْمَاءَیْنِ فَصَلْصَلَهُمَا ثُمَّ أَلْقَاهُمَا قُدَّامَ عَرْشِهِ وَ هُمَا ثُلَّةٌ مِنْ طِینٍ ثُمَّ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ الْأَرْبَعَةَ الشِّمَالَ وَ الدَّبُورَ وَ الصَّبَا وَ الْجَنُوبَ أَنْ جَوِّلُوا عَلَی هَذِهِ السُّلَالَةِ(5)

الطِّینِ وَ أَبْرِءُوهَا وَ أَنْشِئُوهَا(6)

ثُمَّ جَزِّءُوهَا وَ فَصِّلُوهَا وَ أَجْرُوا فِیهَا(7)

الطَّبَائِعَ الْأَرْبَعَةَ الرِّیحَ وَ الْمِرَّةَ وَ الدَّمَ وَ الْبَلْغَمَ قَالَ فَجَالَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَیْهَا وَ هِیَ الشِّمَالُ وَ الصَّبَا وَ الْجَنُوبُ وَ الدَّبُورُ فَأَجْرَوْا فِیهَا الطَّبَائِعَ الْأَرْبَعَةَ قَالَ وَ الرِّیحُ فِی الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ فِی الْبَدَنِ مِنْ نَاحِیَةِ الشِّمَالِ قَالَ وَ الْبَلْغَمُ فِی الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ فِی الْبَدَنِ مِنْ نَاحِیَةِ الصَّبَا قَالَ وَ الْمِرَّةُ فِی الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ فِی الْبَدَنِ مِنْ نَاحِیَةِ الدَّبُورِ قَالَ وَ الدَّمُ فِی الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ فِی الْبَدَنِ مِنْ نَاحِیَةِ الْجَنُوبِ قَالَ فَاسْتَقَلَّتِ النَّسَمَةُ وَ كَمَلَ الْبَدَنُ قَالَ فَلَزِمَهُ

ص: 300


1- 1. العلی( خ).
2- 2. تقدمة( خ).
3- 3. فی المصدر: و اخوان.
4- 4. فیه: الی یوم القیامة.
5- 5. فیه: الثلة.
6- 6. فیه: و انسموها.
7- 7. فیه: و أجروا إلیها.

مِنْ نَاحِیَةِ الرِّیحِ حُبُّ الْحَیَاةِ وَ طُولُ الْأَمَلِ وَ الْحِرْصُ وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِیَةِ الْبَلْغَمِ حُبُّ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ اللِّینُ وَ الرِّفْقُ وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِیَةِ الْمِرَّةِ الْغَضَبُ وَ السَّفَهُ وَ الشَّیْطَنَةُ وَ التَّجَبُّرُ وَ التَّمَرُّدُ وَ الْعَجَلَةُ وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِیَةِ الدَّمِ حُبُّ النِّسَاءِ وَ اللَّذَّاتِ وَ رُكُوبُ الْمَحَارِمِ وَ الشَّهَوَاتِ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِی جَابِرٌ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ وَجَدْنَاهُ فِی كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ عَلِیٍّ علیه السلام(1).

تفسیر علی بن إبراهیم، عن أبیه عن ابن محبوب عن عمرو بن أبی المقدام عن ثابت الحداد عن جابر الجعفی عن أبی جعفر علیه السلام: مثله بأدنی تغییر و قد أوردناه بلفظ التفسیر فی باب خلق آدم علیه السلام(2)

بیان: لما هو مكونه متعلق بالتقدیر و التدبیر علی التنازع و علمه معطوف علی الذی أو علی شأن اللّٰه أو علمه بصیغة الماضی عطفا علی هو مكونه و لما أراد بالتشدید تأكید لقوله لما أحب لبعد العهد بین الشرط و الجزاء و قال الجوهری كشطت الجل عن ظهر الفرس و الغطاء عن الشی ء إذا كشفته عنه و فی المصباح أسف غضب وزنا و معنی أن قالوا أی إلی أن قالوا و أن لیس فی التفسیر و فیه یتقلبون و هو أظهر و ما هنا لرعایة إفراد لفظ الخلق و فیه خلیفة یكون حجة لی فی أرضی علی خلقی بیدی أی بقدرتی و أبین النسناس أی أخرجهم و فی بعض النسخ أبیر أی أهلك و فی التفسیر أبید بمعناه و المردة جمع المارد و هو العاتی و فی الصحاح الصلصال الطین الحر خلط بالرمل فصار یتصلصل إذا جف و الحمأ الطین الأسود و المسنون المتغیر المنتن و قال ثلة البئر ما أخرج من ترابها و الثلة بالضم الجماعة من الناس انتهی و فی التفسیر سلالة من طین و سلالة الشی ء ما استل منه أن جولوا من الجولان و فی التفسیر أن یجولوا و ابروها من البری بمعنی النحت أو بالهمز أی اجعلوها مستعدة لأن أبرأها و أنشئها مجازا و البر التراب و یمكن

ص: 301


1- 1. العلل: ج 1، ص 98- 100.
2- 2. تفسیر القمّیّ: 31.

أن یكون من التأبیر و فی القاموس أبر النخل و الزرع كأبره أصلحه و لعل المراد بالریح المرة الصفراء و بالمرة السوداء كما مر أو بالعكس أو المراد بالریح الروح الحیوانی و بالمرة المرتان و فی التفسیر الصغیر لعلی بن إبراهیم و أجروا فیها الطبائع الأربع المرتین و الدم و البلغم إلی قوله فالدم من ناحیة الصبا و البلغم من ناحیة الشمال و المرة الصفراء من ناحیة الجنوب و المرة السوداء من ناحیة الدبور.

«8»- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ (1) قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: عِرْفَانُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ أَنْ یَعْرِفَهَا بِأَرْبَعِ طَبَائِعَ وَ أَرْبَعِ دَعَائِمَ وَ أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ وَ طَبَائِعُهُ الدَّمُ وَ الْمِرَّةُ وَ الرِّیحُ وَ الْبَلْغَمُ وَ دَعَائِمُهُ الْعَقْلُ وَ مِنَ الْعَقْلِ الْفِطْنَةُ وَ الْفَهْمُ وَ الْحِفْظُ وَ الْعِلْمُ وَ أَرْكَانُهُ النُّورُ وَ النَّارُ وَ الرُّوحُ وَ الْمَاءُ فَأَبْصَرَ وَ سَمِعَ وَ عَقَلَ بِالنُّورِ وَ أَكَلَ وَ شَرِبَ بِالنَّارِ وَ جَامَعَ وَ تَحَرَّكَ بِالرُّوحِ وَ وَجَدَ طَعْمَ الذَّوْقِ وَ الطُّعْمِ بِالْمَاءِ فَهَذَا تَأْسِیسُ صُورَتِهِ فَإِذَا كَانَ عَالِماً حَافِظاً ذَكِیّاً فَطِناً فَهِماً عَرَفَ فِی مَا هُوَ وَ مِنْ أَیْنَ تَأْتِیهِ الْأَشْیَاءُ وَ لِأَیِّ شَیْ ءٍ هُوَ هَاهُنَا وَ لِمَا هُوَ(2)

صَائِرٌ بِإِخْلَاصِ الْوَحْدَانِیَّةِ وَ الْإِقْرَارِ بِالطَّاعَةِ وَ قَدْ جَرَی فِیهِ النَّفْسُ وَ هِیَ حَارَّةٌ وَ تَجْرِی فِیهِ وَ هِیَ بَارِدَةٌ فَإِذَا حَلَّتْ بِهِ الْحَرَارَةُ أَشِرَ وَ بَطِرَ وَ ارْتَاحَ وَ قَتَلَ وَ سَرَقَ وَ نَصَحَ (3) وَ اسْتَبْشَرَ وَ فَجَرَ وَ زَنَی وَ اهْتَزَّ وَ بَذَخَ وَ إِذَا كَانَتْ بَارِدَةً اهْتَمَّ وَ حَزِنَ وَ اسْتَكَانَ وَ ذَبَلَ وَ نَسِیَ وَ أَیِسَ فَهِیَ الْعَوَارِضُ الَّتِی تَكُونُ مِنْهَا(4) الْأَسْقَامُ فَإِنَّهُ سَبِیلُهَا وَ لَا یَكُونُ أَوَّلُ ذَلِكَ إِلَّا لِخَطِیئَةٍ عَمِلَهَا فَیُوَافِقُ ذَلِكَ مَأْكَلٌ أَوْ مَشْرَبٌ فِی

إِحْدَی سَاعَاتٍ لَا تَكُونُ تِلْكَ السَّاعَةُ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الْمَأْكَلِ وَ الْمَشْرَبِ بِحَالِ الْخَطِیئَةِ فَیَسْتَوْجِبُ الْأَلَمَ مِنْ أَلْوَانِ الْأَسْقَامِ وَ قَالَ جَوَارِحُ الْإِنْسَانِ وَ عُرُوقُهُ وَ أَعْضَاؤُهُ جُنُودٌ لِلَّهِ (5)

ص: 302


1- 1. فی المصدر: یرفعه.
2- 2. و الی ما( خ).
3- 3. فی المصدر:« و بهج» و هو الظاهر.
4- 4. فیه و فی بعض نسخ الكتاب: فیها.
5- 5. جنود اللّٰه( خ).

مُجَنَّدَةٌ عَلَیْهِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ سُقْماً سَلَّطَهَا عَلَیْهِ فَأَسْقَمَهُ مِنْ حَیْثُ یُرِیدُ بِهِ ذَلِكَ السُّقْمَ (1).

بیان: قوله و الفهم عطف علی العقل أو عد العقل أربعا باعتبار شعبه و الأول أظهر و قال الراغب فی مفرداته النور الضوء المنتشر الذی یعین علی الإبصار و ذلك ضربان دنیوی و أخروی فالدنیوی ضربان ضرب معقول بعین البصیرة و هو ما انتشر من الأمور الإلهیة كنور العقل و نور القرآن و محسوس بعین البصر و هو ما انتشر من الأجسام النیرة كالقمر و النجوم و النیران فمن النور الإلهی قوله عز و جل قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِینٌ (2) و قال وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ (3) و قال وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا(4) و قال فَهُوَ عَلی نُورٍ مِنْ رَبِّهِ (5) و قال نُورٌ عَلی نُورٍ یَهْدِی اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ یَشاءُ(6) ثم قال و من النور الأخروی قوله یَسْعی نُورُهُمْ بَیْنَ أَیْدِیهِمْ (7) و قوله انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ (8) و سمی اللّٰه نفسه نورا فقال اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (9) انتهی.

عرف فی ما هو أی فناء الدنیا و دناءتها و أحوال نفسه و ضعفه و عجزه و من أین تأتیه الأشیاء أی یؤمن بالقضاء و القدر و یعلم أسباب الخیر و الشر و السعادة و الشقاوة و لأی شی ء هو هاهنا أی فی الدنیا للمعرفة و الطاعة و إلی ما هو صائر من الآخرة و قوله بإخلاص الطاعة إما حال عن فاعل عرف أی متلبسا به أو متعلق بصائر أی یعلم أن مصیره إلی الجنة إذا أخلص الوحدانیة أو متعلق بالمعرفة علة لها

ص: 303


1- 1. العلل: ج 1، ص 102- 103.
2- 2. المائدة: 15.
3- 3. الأنعام: 122.
4- 4. الشوری: 52.
5- 5. الزمر: 22.
6- 6. النور: 35.
7- 7. الحدید: 12.
8- 8. الحدید: 13.
9- 9. النور: 35.

و الارتیاح النشاط و البذخ الكبر بذخ كفرح و ذبل ذوی و ضمر(1) بحال الخطیئة أی تلك الموافقة بسبب الخطیئة و قال الجوهری الجند الأنصار و الأعوان و فلان جنّد الجنود.

«9»- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی الْبَرْقِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَمِعْتُهُ یَقُولُ لِرَجُلٍ اعْلَمْ یَا فُلَانُ إِنَّ مَنْزِلَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْجَسَدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ مِنَ النَّاسِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةِ عَلَیْهِمْ أَ لَا تَرَی أَنَّ جَمِیعَ جَوَارِحِ الْجَسَدِ شُرَطٌ لِلْقَلْبِ وَ تَرَاجِمَةٌ لَهُ مُؤَدِّیَةٌ عَنْهُ الْأُذُنَانِ وَ الْعَیْنَانِ وَ الْأَنْفُ وَ الْفَمُ وَ الْیَدَانِ وَ الرِّجْلَانِ وَ الْفَرْجُ فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا هَمَّ بِالنَّظَرِ فَتَحَ الرَّجُلُ عَیْنَیْهِ وَ إِذَا هَمَّ بِالاسْتِمَاعِ حَرَّكَ أُذُنَیْهِ وَ فَتَحَ مَسَامِعَهُ فَسَمِعَ وَ إِذَا هَمَّ الْقَلْبُ بِالشَّمِّ اسْتَنْشَقَ بِأَنْفِهِ فَأَدَّی تِلْكَ الرَّائِحَةَ إِلَی الْقَلْبِ وَ إِذَا هَمَّ بِالنُّطْقِ تَكَلَّمَ بِاللِّسَانِ (2)

وَ إِذَا هَمَّ بِالْحَرَكَةِ سَعَتِ الرِّجْلَانِ وَ إِذَا هَمَّ بِالشَّهْوَةِ تَحَرَّكَ الذَّكَرُ فَهَذِهِ كُلُّهَا مُؤَدِّیَةٌ عَنِ الْقَلْبِ بِالتَّحْرِیكِ وَ كَذَلِكَ یَنْبَغِی الإمام (3) [لِلْإِمَامِ] أَنْ یُطَاعَ لِلْأَمْرِ مِنْهُ (4).

بیان: الشرط كصرد طائفة من أعوان الولاة.

«10»- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی نَصْرٍ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ الْغِلْظَةَ فِی الْكَبِدِ وَ الْحَیَاءَ فِی الرِّیحِ وَ الْعَقْلَ مَسْكَنُهُ الْقَلْبُ (5).

«11»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِی نَصْرٍ وَ الْحَسَنِ بْنِ

ص: 304


1- 1. ذوی- كضرب و فرح- ذویا: نشف ماؤه، و ضمر- كنصر و كرم-: هزل.
2- 2. زاد فی المصدر: و إذا هم بالبطش عملت الیدان.
3- 3. فیه: للامام.
4- 4. العلل: ج 1، ص 103.
5- 5. المصدر: ج 1، ص 101.

فَضَّالٍ عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْحَزْمُ فِی الْقَلْبِ وَ الرَّحْمَةُ وَ الْغِلْظَةُ(1) فِی الْكَبِدِ وَ الْحَیَاءُ فِی الرِّئَةِ وَ فِی حَدِیثٍ آخَرَ لِأَبِی جَمِیلَةَ الْعَقْلُ مَسْكَنُهُ فِی الْقَلْبِ (2).

بیان: الحزم ضبط الأمر و الأخذ فیه بالثقة و نسبته إلی القلب إما لأن المراد بالقلب النفس و هو ظاهر و إما لأن لقوة القلب مدخلا فی حسن التدبیر و الرحمة و الغلظة منسوبتان إلی الأخلاط المتولدة فی الكبد فلذا نسبهما(3) إلیه و یحتمل أن یكون لبعض

صفاته مدخلا(4)

فیهما كما هو المعروف بین الناس و كذا الرئة و لا یبعد أن یكون الریح فی الخبر السابق تصحیف الرئة لاتحاد الراوی و علی تقدیر صحته المراد المرة السوداء أو الصفراء و الأول أنسب.

«12»- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَ الْحَدِیثَ قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ طِینَةَ آدَمَ أَمَرَ الرِّیَاحَ الْأَرْبَعَ فَجَرَتْ عَلَیْهَا فَأَخَذَتْ مِنْ كُلِّ رِیحٍ طَبِیعَتَهَا(5).

«13»- النُّصُوصُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَی عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ بَزِیعٍ عَنْ یَحْیَی بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ هَاشِمٍ الْبَرِیدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی صِغَرِهِ عِنْدَ أَبِیهِ علیه السلام یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَیْنَ الضَّحِكُ قَالَ یَا مُحَمَّدُ الْعَقْلُ مِنَ الْقَلْبِ وَ الْحُزْنُ مِنَ الْكَبِدِ وَ النَّفَسُ مِنَ الرِّئَةِ وَ الضَّحِكُ مِنَ الطِّحَالِ فَقُمْتُ وَ قَبَّلْتُ رَأْسَهُ.

«14»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ قَالَ سَمِعْتُ

ص: 305


1- 1. الغضب( خ).
2- 2. روضة الكافی: 190.
3- 3. نسبتهما( خ).
4- 4. كذا فی جمیع النسخ، و الصواب« مدخل».
5- 5. العلل: ج 1، ص 101.

أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام یَقُولُ: طَبَائِعُ الْجِسْمِ عَلَی أَرْبَعَةٍ فَمِنْهَا الْهَوَاءُ الَّذِی لَا تَحْیَا(1) النَّفْسُ إِلَّا بِهِ وَ بِنَسِیمِهِ وَ یُخْرِجُ مَا فِی الْجِسْمِ مِنْ دَاءٍ وَ عُفُونَةٍ وَ الْأَرْضُ الَّتِی قَدْ تُوَلِّدُ الْیُبْسَ وَ الْحَرَارَةَ وَ الطَّعَامُ وَ مِنْهُ یَتَوَلَّدُ الدَّمُ أَ لَا یری (2) [تَرَی] أَنَّهُ یَصِیرُ إِلَی الْمَعِدَةِ فَیُغَذِّیهِ حَتَّی یَلِینَ ثُمَّ یَصْفُو فَیَأْخُذُ(3)

الطَّبِیعَةُ صَفْوَهُ دَماً ثُمَّ یَنْحَدِرُ الثُّفْلُ وَ الْمَاءُ وَ هُوَ یُوَلِّدُ الْبَلْغَمَ (4).

بیان: طبائع الجسم علی أربعة أی مبنی طبائع جسد الإنسان و صلاحها علی أربعة أشیاء و یحتمل أن یكون المراد بالطبائع ما له مدخل فی قوام البدن و إن كان خارجا عنه فالمراد أنها علی أربعة أقسام و یخرج ما فی الجسم یدل علی أن لتحرك النفس مدخلا فی دفع الأدواء و رفع العفونات عن الجسد كما هو الظاهر و الأرض أی الثانیة منها الأرض و هی تولد الیبس بطبعها و الحرارة بانعكاس أشعة الشمس و الكواكب عنها فلها مدخل فی تولد المرة الصفراء و المرة السوداء و الطعام هذا هو الثالثة و إنما نسب الدم فقط إلیها لأنها أدخل فی قوام البدن من سائر الأخلاط مع عدم مدخلیة الأشیاء الخارجة كثیرا فیها و الماء هو الرابعة و مدخلیتها فی تولد البلغم ظاهرة.

«15»- الْإِخْتِصَاصُ، عَنِ الْمُعَلَّی بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا یَرْفَعُهُ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِیسُ فَقَالَ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ وَ لَوْ عَلِمَ إِبْلِیسُ مَا خَلَقَ اللَّهُ (5) فِی آدَمَ لَمْ یَفْتَخِرْ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ(6) وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنَ النَّارِ وَ خَلَقَ الْجِنَّ صِنْفاً مِنَ الْجَانِّ مِنَ الرِّیحِ وَ خَلَقَ الْجِنَ (7) صِنْفاً مِنَ الْجِنِّ مِنَ الْمَاءِ وَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ صَفْحَةِ الطِّینِ ثُمَّ أَجْرَی فِی آدَمَ النُّورَ

ص: 306


1- 1. لا تجی ء( خ).
2- 2. فی المصدر: أ لا تری.
3- 3. فیه: فتأخذ.
4- 4. روضة الكافی: 230.
5- 5. فی المصدر: ما جعل.
6- 6. فی المصدر: من النور.
7- 7. كذا و فی المصدر، و خلق صنفا.

وَ النَّارَ وَ الرِّیحَ وَ الْمَاءَ فَبِالنُّورِ أَبْصَرَ وَ عَقَلَ وَ فَهِمَ وَ بِالنَّارِ أَكَلَ وَ شَرِبَ وَ لَوْ لَا أَنَّ النَّارَ فِی الْمَعِدَةِ لَمْ یَطْحَنِ الْمَعِدَةُ الطَّعَامَ وَ لَوْ لَا أَنَّ الرِّیحَ فِی جَوْفِ آدَمَ تُلَهِّبُ نَارَ الْمَعِدَةِ لَمْ تَلْتَهِبْ وَ لَوْ لَا أَنَّ الْمَاءَ فِی جَوْفِ ابْنِ آدَمَ یُطْفِئُ حَرَّ نَارِ الْمَعِدَةِ لَأَحْرَقَتِ النَّارُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ فَجَمَعَ اللَّهُ ذَلِكَ فِی آدَمَ الْخَمْسَ الْخِصَالِ (1)

وَ كَانَتْ فِی إِبْلِیسَ خَصْلَةٌ فَافْتَخَرَ بِهَا(2).

«16»- نهج، [نهج البلاغة] قَالَ علیه السلام: اعْجَبُوا لِهَذَا الْإِنْسَانِ یَنْظُرُ بِشَحْمٍ وَ یَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ وَ یَسْمَعُ بِعَظْمٍ وَ یَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ (3).

«17»- الْعِلَلُ، لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ رَفَعَهُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَوْتِ مِمَّا هُوَ وَ مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ هُوَ فَقَالَ هُوَ مِنَ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ الَّتِی هِیَ مُرَكَّبَةٌ فِی الْإِنْسَانِ وَ هِیَ الْمِرَّتَانِ وَ الدَّمُ وَ الرِّیحُ فَإِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ نُزِعْنَ هَذِهِ الطَّبَائِعُ مِنَ الْإِنْسَانِ فَیُخْلَقُ مِنْهَا الْمَوْتُ فَیُؤْتَی بِهِ فِی صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ أَیْ أَغْبَرَ فَیُذْبَحُ بَیْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ فَلَا یَكُونُ فِی الْإِنْسَانِ هَذِهِ الطَّبَائِعُ الْأَرْبَعُ فَلَا یَمُوتُ أَبَداً.

«18»- الْخِصَالُ، وَ الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الطَّالَقَانِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْعَدَوِیِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَیْبٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الرَّبِیعِ صَاحِبِ الْمَنْصُورِ قَالَ: حَضَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَجْلِسَ الْمَنْصُورِ یَوْماً وَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْهِنْدِ یَقْرَأُ كُتُبَ الطِّبِّ فَجَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یُنْصِتُ لِقِرَاءَتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ الْهِنْدِیُّ قَالَ لَهُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَ تُرِیدُ مِمَّا مَعِی شَیْئاً قَالَ لَا فَإِنَّ مَعِی مَا هُوَ خَیْرٌ مِمَّا مَعَكَ قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ أُدَاوِی الْحَارَّ بِالْبَارِدِ وَ الْبَارِدَ بِالْحَارِّ وَ الرَّطْبَ بِالْیَابِسِ وَ الْیَابِسَ بِالرَّطْبِ وَ أَرُدُّ الْأَمْرَ كُلَّهُ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَسْتَعْمِلُ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَعِدَةَ بَیْتُ الدَّاءِ وَ أَنَّ الْحِمْیَةَ هِیَ الدَّوَاءُ وَ أُعَوِّدُ الْبَدَنَ مَا اعْتَادَ فَقَالَ الْهِنْدِیُّ وَ هَلِ الطِّبُّ إِلَّا هَذَا فَقَالَ الصَّادِقُ علیه السلام أَ فَتَرَانِی مِنْ كُتُبِ

ص: 307


1- 1. خصال( خ).
2- 2. الاختصاص: 109، و فیه: فافتخر بها علی آدم علیه السلام.
3- 3. نهج البلاغة الرقم 7 من الحكم.

الطِّبِّ أَخَذْتُ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا أَخَذْتُ إِلَّا عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَأَخْبِرْنِی أَنَا أَعْلَمُ بِالطِّبِّ أَمْ أَنْتَ قَالَ الْهِنْدِیُّ لَا بَلْ أَنَا قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام فَأَسْأَلُكَ شَیْئاً قَالَ سَلْ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام أَخْبِرْنِی یَا هِنْدِیُّ لِمَ كَانَ فِی الرَّأْسِ شُئُونٌ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ الشَّعْرُ عَلَیْهِ مِنْ فَوْقُ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ خَلَتِ الْجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَ لَهَا تَخَاطِیطُ(1) وَ أَسَارِیرُ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَ الْحَاجِبَانِ مِنْ فَوْقِ الْعَیْنَیْنِ (2)

قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ الْعَیْنَانِ كَاللَّوْزَتَیْنِ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ الْأَنْفُ (3) بَیْنَهُمَا قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَ ثَقْبُ الْأَنْفِ فِی أَسْفَلِهِ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَتِ الشَّفَةُ وَ الشَّارِبُ مِنْ فَوْقِ الْفَمِ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ احْتَدَّ السِّنُّ وَ عَرُضَ الضِّرْسُ وَ طَالَ (4)

النَّابُ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَتِ اللِّحْیَةُ لِلرِّجَالِ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ خَلَتِ الْكَفَّانِ مِنَ الشَّعْرِ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ خَلَا الظُّفُرُ وَ الشَّعْرُ مِنَ الْحَیَاةِ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَ الْقَلْبُ كَحَبِّ الصَّنَوْبَرِ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَتِ الرِّئَةُ قِطْعَتَیْنِ وَ جُعِلَ حَرَكَتُهَا فِی مَوْضِعِهَا قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَتِ الْكَبِدُ حَدْبَاءَ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَتِ الْكُلْیَةُ كَحَبِّ اللُّوبِیَا قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ طَیُّ الرُّكْبَةِ إِلَی خَلْفٍ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَالَ فَلِمَ انْخَصَرَتِ (5) الْقَدَمُ قَالَ لَا أَعْلَمُ.

فَقَالَ الصَّادِقُ علیه السلام لَكِنِّی أَعْلَمُ قَالَ فَأَجِبْ فَقَالَ الصَّادِقُ علیه السلام كَانَ فِی الرَّأْسِ شُئُونٌ لِأَنَّ الْمُجَوَّفَ إِذَا كَانَ بِلَا فَصْلٍ أَسْرَعَ إِلَیْهِ الصُّدَاعُ (6) فَإِذَا جُعِلَ ذَا فُصُولٍ كَانَ الصُّدَاعُ (7) مِنْهُ أَبْعَدَ وَ جُعِلَ الشَّعْرُ مِنْ فَوْقِهِ لِیُوصِلَ بِوُصُولِهِ الْأَدْهَانَ إِلَی الدِّمَاغِ وَ

ص: 308


1- 1. تخطیط( خ).
2- 2. فوق العین( خ).
3- 3. فی ما بینهما( خ).
4- 4. أطال( خ).
5- 5. فی العلل تخصرت.
6- 6. فی العلل و الخصال: الصدع.
7- 7. فی العلل و الخصال: الصدع.

یُخْرِجَ بِأَطْرَافِهِ الْبُخَارَ مِنْهُ وَ یَرُدَّ(1) الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ الْوَارِدَیْنِ عَلَیْهِ وَ خَلَتِ الْجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ لِأَنَّهَا مَصَبُّ النُّورِ إِلَی الْعَیْنَیْنِ وَ جُعِلَ فِیهَا التَّخَاطِیطُ(2)

وَ الْأَسَارِیرُ لِیُحْبَسَ الْعَرَقُ الْوَارِدُ مِنَ الرَّأْسِ عَنِ الْعَیْنِ قَدْرَ مَا یُمِیطُهُ الْإِنْسَانُ عَنْ (3)

نَفْسِهِ كَالْأَنْهَارِ فِی الْأَرْضِ الَّتِی تَحْبِسُ الْمِیَاهَ وَ جُعِلَ الْحَاجِبَانِ مِنْ فَوْقِ الْعَیْنَیْنِ لِیَرُدَّا(4)

عَلَیْهِمَا مِنَ النُّورِ قَدْرَ الْكِفَایَةِ أَ لَا تَرَی یَا هِنْدِیُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَهُ النُّورُ جَعَلَ یَدَهُ عَلَی عَیْنَیْهِ لِیَرُدَّ عَلَیْهِمَا قَدْرَ كِفَایَتِهِمَا مِنْهُ وَ جُعِلَ الْأَنْفُ فِی مَا بَیْنَهُمَا لِیُقْسَمَ النُّورُ قِسْمَیْنِ إِلَی كُلِّ عَیْنٍ سَوَاءً وَ كَانَتِ الْعَیْنُ

كَاللَّوْزَةِ لِیَجْرِیَ فِیهَا الْمِیلُ بِالدَّوَاءِ وَ یَخْرُجَ مِنْهَا الدَّاءُ وَ لَوْ كَانَتْ مُرَبَّعَةً أَوْ مُدَوَّرَةً مَا جَرَی فِیهَا الْمِیلُ وَ مَا وَصَلَ إِلَیْهَا دَوَاءٌ وَ لَا خَرَجَ مِنْهَا دَاءٌ وَ جُعِلَ ثَقْبُ الْأَنْفِ فِی أَسْفَلِهِ لِیَنْزِلَ مِنْهُ الْأَدْوَاءُ الْمُنْحَدِرَةُ مِنَ الدِّمَاغِ وَ یَصْعَدَ(5) فِیهَا الْأَرَایِیحُ (6)

إِلَی الْمَشَامِّ وَ لَوْ كَانَ فِی أَعْلَاهُ لَمَا نَزَلَ دَاءٌ وَ لَا وَجَدَ رَائِحَةً وَ جُعِلَ الشَّارِبُ وَ الشَّفَةُ فَوْقَ الْفَمِ لِحَبْسِ مَا یَنْزِلُ مِنَ الدِّمَاغِ عَنِ الْفَمِ لِئَلَّا یَتَنَغَّصَ عَلَی الْإِنْسَانِ طَعَامُهُ وَ شَرَابُهُ فَیُمِیطَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ جُعِلَتِ اللِّحْیَةُ لِلرِّجَالِ لِیُسْتَغْنَی بِهَا عَنِ الْكَشْفِ فِی الْمَنْظَرِ وَ یُعْلَمَ بِهَا الذَّكَرُ مِنَ (7) الْأُنْثَی وَ جُعِلَ السِّنُّ حَادّاً لِأَنَّ بِهِ یَقَعُ الْعَضُّ وَ جُعِلَ الضِّرْسُ عَرِیضاً لِأَنَّ بِهِ یَقَعُ الطَّحْنُ وَ الْمَضْغُ وَ كَانَ النَّابُ طَوِیلًا لِیَشُدَّ(8)

الْأَضْرَاسَ وَ الْأَسْنَانَ كَالْأُسْطُوَانَةِ فِی الْبِنَاءِ وَ خَلَا الْكَفَّانِ مِنَ الشَّعْرِ لِأَنَّ بِهِمَا یَقَعُ اللَّمْسُ فَلَوْ كَانَ بِهِمَا شَعْرٌ مَا دَرَی الْإِنْسَانُ مَا یُقَابِلُهُ وَ یَلْمِسُهُ وَ خَلَا الشَّعْرُ وَ الظُّفُرُ مِنَ الْحَیَاةِ لِأَنَّ طُولَهُمَا سَمِجٌ یَقْبُحُ وَ قَصَّهُمَا حَسَنٌ فَلَوْ كَانَ فِیهِمَا حَیَاةٌ لَأَلِمَ الْإِنْسَانُ لِقَصِّهِمَا وَ كَانَ (9) الْقَلْبُ كَحَبِّ الصَّنَوْبَرِ لِأَنَّهُ مُنَكَّسٌ فَجُعِلَ

ص: 309


1- 1. فی العلل: و یرد عنه الحر.
2- 2. التخطیط( خ).
3- 3. من نفسه( خ).
4- 4. فی العلل:« لیوردا» و فی الخصال:« لیرد».
5- 5. فی العلل و تصعد فیها الروائح.
6- 6. الاریاح( خ).
7- 7. و الأنثی( خ).
8- 8. فی الخصال:« لیشید» و فی بعض النسخ« لیسند».
9- 9. و جعل( خ).

رَأْسُهُ دَقِیقاً لِیَدْخُلَ فِی الرِّئَةِ فَیَتَرَوَّحَ عَنْهُ بِبَرْدِهَا لِئَلَّا یَشِیطَ الدِّمَاغُ بِحَرِّهِ وَ جُعِلَتِ الرِّئَةُ قِطْعَتَیْنِ لِیَدْخُلَ بَیْنَ مَضَاغِطِهَا(1) فَتَرَوَّحَ عَنْهُ بِحَرَكَتِهَا وَ كَانَتِ الْكَبِدُ حَدْبَاءَ لِتُثَقِّلَ الْمَعِدَةَ وَ تَقَعَ جَمِیعُهَا عَلَیْهَا فَتَعْصِرَهَا فَیَخْرُجَ مَا فِیهَا مِنَ الْبُخَارِ وَ جُعِلَتِ الْكُلْیَةُ كَحَبِّ اللُّوبِیَا لِأَنَّ عَلَیْهَا مَصَبَّ الْمَنِیِّ نُقْطَةً بَعْدَ نُقْطَةٍ فَلَوْ كَانَتْ مُرَبَّعَةً أَوْ مُدَوَّرَةً لَاحْتَبَسَتِ النُّقْطَةُ الْأُولَی الثَّانِیَةَ فَلَا یَلْتَذُّ بِخُرُوجِهَا الْحَیُّ إِذِ الْمَنِیُّ یَنْزِلُ مِنْ فِقَارِ الظَّهْرِ إِلَی الْكُلْیَةِ فَهِیَ كَالدُّودَةِ تَنْقَبِضُ وَ تَنْبَسِطُ تَرْمِیهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا إِلَی الْمَثَانَةِ كَالْبُنْدُقَةِ مِنَ الْقَوْسِ وَ جُعِلَ طَیُّ الرُّكْبَةِ إِلَی خَلْفٍ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ یَمْشِی إِلَی مَا بَیْنَ یَدَیْهِ فَتَعْتَدِلُ الْحَرَكَاتُ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَسَقَطَ فِی الْمَشْیِ وَ جُعِلَتِ الْقَدَمُ مُتَخَصِّرَةً لِأَنَّ الشَّیْ ءَ إِذَا وَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ جَمِیعُهُ ثَقُلَ ثِقْلَ حَجَرِ الرَّحَی إِذَا كَانَ عَلَی حَرْفِهِ دَفَعَهُ الصَّبِیُّ وَ إِذَا وَقَعَ عَلَی وَجْهِهِ صَعُبَ ثِقْلُهُ عَلَی الرَّجُلِ فَقَالَ الْهِنْدِیُّ مِنْ أَیْنَ لَكَ هَذَا الْعِلْمُ فَقَالَ علیه السلام أَخَذْتُهُ عَنْ آبَائِی علیهم السلام عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ جَبْرَئِیلَ علیه السلام عَنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ جَلَّ جَلَالُهُ الَّذِی خَلَقَ الْأَجْسَادَ وَ الْأَرْوَاحَ (2)

فَقَالَ الْهِنْدِیُّ صَدَقْتَ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ عَبْدُهُ وَ أَنَّكَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِكَ (3).

بیان: قال فی القاموس المعدة ككلمة و بالكسر موضع الطعام و قال الجوهری الشأن واحد الشئون و هی مواصل قبائل الرأس و ملتقاها و منها تجی ء الدموع و قال السرر أیضا واحد أسرار الكف و الجبهة و هی خطوطها و جمع الجمع أساریر و الذی یظهر

من كلام اللغویین أن السن و الضرس مترادفان و یظهر من إطلاقات الأخبار و غیرها اختصاص السن بالمقادیم الحداد و الضرس بالمآخیر العراض و فی المصباح حدب الإنسان من باب تعب إذا خرج ظهره و ارتفع عن الاستواء و الرجل أحدب و المرأة حدباء و قال الجوهری رجل مخصر القدمین إذا كانت قدمه تمس الأرض من مقدمها

ص: 310


1- 1. مساقطها( خ).
2- 2. فی العلل و الخصال: الاجسام.
3- 3. العلل: ج 1، ص 92- 95: الخصال 98- 100.

و عقبها و تخوی (1)

أخمصها مع دقة فیه قوله علیه السلام لیوصل بوصوله أی بسبب وصول الشعر إلی الدماغ تصل إلیه الأدهان أو هو جمع الوصل إلی منابته و أصوله و لا یبعد أن یكون فی الأصل بأصوله فصحف بقرینة مقابلة أطرافه قوله علیه السلام لأنها مصب النور و ذلك لأن طول الشعر من الجانب الأعلی إلیهما و أكثر الأنوار السماویة ترد من الجهة العلیا أو أن الأعصاب التی ترد منها الروح إلیهما فی باطن الجبهة و مع نبات الشعر تصل منابتها إلی تلك الأعصاب فتمنع ورود الروح التی هی محل النور أو أنه مزاج الروح الحامل للنور حار رطب و الشعر یتولد من المواد الباردة الیابسة فلا یتوافقان و الأول أظهر و یقال ماطه یمیطه و أماطه أی نحاه و أبعده و فی القاموس الریح معروف و الجمع أرواح و أریاح و ریاح و ریح كعنب و جمع الجمع أراویح و أراییح قوله علیه السلام فیمیطه عن نفسه أی فیحتاج إلی أن یمیط ما ینزل من الدماغ فی أثناء الأكل و الشرب عن نفسه أو فیمیط الشارب و الشفة ما ینزل عنه و هو بعید لیستغنی بها عن الكشف أی عن كشف العورة لاستعلام كونه ذكرا أم أنثی و قوله فی المنظر متعلق بقوله یستغنی لا بالكشف لیشد الأضراس و فی بعض النسخ لیسند و فی المصباح السند بفتحتین ما استندت إلیه من حائط و غیره یقال أسندته إلی الشی ء فسند هو انتهی و علی التقدیرین لعل وجه كونه سندا من بین سائر الأسنان أنه لطوله یمنع وقوع الأسنان بعضه علی بعض فی بعض الأحوال كما أن الأسطوانة تمنع السقف من السقوط أو أنها لطولها و قوتها تكون أثبت من غیرها فتمنعها من التزلزل و السقوط لاتصالها كالأسطوانة التی تنصب فی الأرض و یجعل بینها التخاتج فتمسكها و یؤیده أن هذا السن یسقط غالبا بعد سائرها فهو أقوی منها و أثبت.

ما یقابله كأنه كان یعامله فصحف مع أن أكثر ما یلمس یكون مقابلا لیدخل أی القلب بین مضاغطها أی بین قطعتی الرئة فتروح أی الرئة عنه أی القلب و فی القاموس شاط یشیط شیطا احترق و فلان هلك انتهی و استعیرت

ص: 311


1- 1. یخوی( خ).

النقطة هنا للشی ء القلیل و القطرة و الاحتباس یكون لازما و متعدیا إلی الثانیة أی منضمة إلیها و هذا موافق لما مر من مذهب جالینوس فی ذلك و كأنه كان مكان المثانة الأنثیین لأنهم لم یذكروا مرور المنی علی المثانة كما عرفت إلا أن یكون المراد رمیه قریبا من المثانة كما مر و قال الشیخ فی القانون فی ذكر أوعیة المنی و هذه الأوعیة تصعد أولا ثم تتصل برقبة المثانة أسفل من مجری البول مع أن أكثر ما ذكره مبنی علی الظن و التخمین فإن صح الخبر و ضبطه كان قولهم فی ذلك باطلا قوله علیه السلام یمشی إلی ما بین یدیه أی یمیل فی المشی إلی قدامه فلو كان طی الركبة من القدام لانثنی أیضا من هذا الجانب فیسقط قوله إذا وقع علی الأرض جمیعه و ذلك لامتناع الخلأ لأنه إذا لم یكن بین السطحین هواء أصلا و انطبقتا لم یكن رفع أحدهما عن الآخر فیرتفعان

معا و لو كان بینهما هواء قلیل یرتفع لكن یعسر(1) لتوقفه علی تخلخل هذا الهواء و دخول الهواء من خارج أیضا فتخصر القدم یوجب وجود هواء كثیر تحت القدم فإذا رفع القدم یدخل تحت ما لصق بالأرض من قدام القدم و عقبه الهواء من الأطراف بسرعة و سهولة فلا یعسر رفعه.

«19»- الْعِلَلُ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الدَّارِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ سُفْیَانَ الْحَرِیرِیِّ عَنْ مُعَاذٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ یَحْیَی الْعَامِرِیِّ عَنِ ابْنِ أَبِی لَیْلَی قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ مَعِی نُعْمَانُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَنِ الَّذِی مَعَكَ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَهُ نَظَرٌ وَ نَفَاذُ(2)

رَأْیٍ یُقَالُ لَهُ نُعْمَانُ (3) قَالَ فَلَعَلَّ هَذَا

ص: 312


1- 1. یتعسر( خ).
2- 2. فی المصدر: و نقاد و رأی.
3- 3. یعنی أبا حنیفة، و هو نعمان بن ثابت بن مرزبان مولی تیم اللّٰه، و انحرافه عن الإمام الصّادق مشهور بین الفریقین، ینسب إلیه مكتب الرأی و القیاس، قال الغزالی: فأما ابو حنیفة فقد قلب الشریعة ظهر البطن و شوش مسلكها و غیر نظامها و أردف جمیع قواعد الشریعة بأصل هدم به شرع محمّد المصطفی( ص) و من فعل شیئا من هذا مستحلا كفر و من فعل غیر مستحل فسق، ثمّ جری فی الطعن علیه بما لا یسع ذكره المجال من اراده راجع كتابه المسمی« المنخول فی الأصول»، و قد ألف شیخنا المفید- ره- رسالة فی مخالفته لنصوص كتاب اللّٰه و سنة رسوله من باب الطهارة إلی الدیات.

الَّذِی یَقِیسُ الْأَشْیَاءَ بِرَأْیِهِ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ یَا نُعْمَانُ هَلْ تُحْسِنُ أَنْ تَقِیسَ رَأْسَكَ فَقَالَ لَا فَقَالَ مَا أَرَاكَ تُحْسِنُ شَیْئاً وَ لَا فَرْضَكَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ غَیْرِكَ فَهَلْ عَرَفْتَ كَلِمَةً أَوَّلُهَا كُفْرٌ وَ آخِرُهَا إِیمَانٌ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ عَرَفْتَ مَا الْمُلُوحَةُ فِی الْعَیْنَیْنِ وَ الْمَرَارَةُ فِی الْأُذُنَیْنِ وَ الْبُرُودَةُ فِی الْمَنْخِرَیْنِ وَ الْعُذُوبَةُ فِی الشَّفَتَیْنِ قَالَ لَا قَالَ ابْنُ أَبِی لَیْلَی فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَسِّرْ لَنَا جَمِیعَ مَا وَصَفْتَ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ آبَائِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ عَیْنَیِ ابْنِ آدَمَ مِنْ شَحْمَتَیْنِ فَجَعَلَ فِیهِمَا الْمُلُوحَةَ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَذَابَتَا فَالْمُلُوحَةُ تَلْفِظُ مَا یَقَعُ فِی الْعَیْنِ مِنَ الْقَذَی وَ جَعَلَ الْمَرَارَةَ فِی الْأُذُنَیْنِ حِجَاباً مِنَ الدِّمَاغِ فَلَیْسَ مِنْ دَابَّةٍ تَقَعُ فِیهِ إِلَّا الْتَمَسَتِ الْخُرُوجَ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَوَصَلَتْ إِلَی الدِّمَاغِ وَ جُعِلَتِ الْعُذُوبَةُ فِی الشَّفَتَیْنِ مَنّاً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی ابْنِ آدَمَ یَجِدُ(1)

بِذَلِكَ عُذُوبَةَ الرِّیقِ وَ طَعْمَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ جَعَلَ الْبُرُودَةَ فِی الْمَنْخِرَیْنِ لِئَلَّا تَدَعَ فِی الرَّأْسِ شَیْئاً إِلَّا أَخْرَجَتْهُ قُلْتُ فَمَا الْكَلِمَةُ الَّتِی أَوَّلُهَا كُفْرٌ وَ آخِرُهَا إِیمَانٌ قَالَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوَّلُهَا كُفْرٌ وَ آخِرُهَا إِیمَانٌ ثُمَّ قَالَ یَا نُعْمَانُ إِیَّاكَ وَ الْقِیَاسَ فَقَدْ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ آبَائِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَاسَ شَیْئاً بِشَیْ ءٍ قَرَنَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَعَ إِبْلِیسَ فِی النَّارِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَاسَ عَلَی رَبِّهِ فَدَعِ الرَّأْیَ وَ الْقِیَاسَ فَإِنَّ الدِّینَ لَمْ یُوضَعْ بِالْقِیَاسِ وَ(2)

بِالرَّأْیِ (3).

بیان: أقول قد مرت أخبار كثیرة فی هذا المعنی فی باب البدع و المقاییس و فی بعضها جعل الأذنین مرتین لئلا یدخلها شی ء إلا مات لو لا ذلك لقتل ابن آدم الهوام و جعل الشفتین عذبتین لیجد ابن آدم طعم الحلو و المر و جعل العینین مالحتین لأنهما

شحمتان و لو لا ملوحتهما لذابتا و جعل الأنف باردا سائلا لئلا یدع فی الرأس داء إلا أخرجه و لو لا ذلك لثقل الدماغ و تدود و فی بعضها و جعل الماء فی المنخرین

ص: 313


1- 1. فی المصدر: فیجد.
2- 2. فیه: و لا بالرأی.
3- 3. العلل: ج 1، ص 86.

لیصعد منه النفس و ینزل و یجد منه الریح الطیبة من الخبیثة قوله علیه السلام و لا فرضك أی ما أراك تحسن ما افترض اللّٰه علیك إلا إذا أخذته من غیرك و قوله فالملوحة تلفظ علة أخری و جعل البرودة أی الماء البارد فإن السیلان علة لإخراج ما فی الرأس لا البرودة(1)

و هی علة لعدم سیلان الدماغ كما أشیر إلیه فی الخبر الآخر.

«20»- الْعِلَلُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الْبَرْمَكِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقُلْتُ مَا الْعِلَّةُ فِی بَطْنِ الرَّاحَةِ لَا یَنْبُتُ فِیهِ الشَّعْرُ وَ یَنْبُتُ فِی ظَاهِرِهَا فَقَالَ لِعِلَّتَیْنِ أَمَّا إِحْدَاهُمَا فَلِأَنَّ النَّاسَ یَعْلَمُونَ الْأَرْضَ الَّتِی تُدَاسُ وَ یُكْثِرُ عَلَیْهَا الْمَشْیُ لَا تُنْبِتُ شَیْئاً وَ الْعِلَّةُ الْأُخْرَی لِأَنَّهَا جُعِلَتْ مِنَ الْأَبْوَابِ الَّتِی تُلَاقِی الْأَشْیَاءَ فَتُرِكَتْ لَا یَنْبُتُ عَلَیْهَا الشَّعْرُ لِتَجِدَ مَسَّ اللَّیِّنِ وَ الْخَشِنِ وَ لَا یَحْجُبَهَا الشَّعْرُ عَنْ وُجُودِ الْأَشْیَاءِ وَ لَا یَكُونُ بَقَاءُ الْخَلْقِ إِلَّا عَلَی ذَلِكَ (2).

بیان: الأرض التی تداس كأنه علة لعدم نبات الشعر بعد الكبر لا ابتداء و الدوس الوطء بالرجل من الأبواب التی تلاقی الأشیاء أی من أسباب العلم التی تدرك بها الأشیاء بالملاقاة أو من الأعضاء التی تلاقی الأشیاء كثیرا عن وجود الأشیاء أی وجدان كیفیاتها فی القاموس وجد المطلوب كوعد وجدا و وجودا و وجدانا و إجدانا بكسرهما أدركه.

«21»- الْعِلَلُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ عِیسَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِیِّ رَفَعَهُ قَالَ: دَخَلَ أَبُو حَنِیفَةَ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ یَا أَبَا حَنِیفَةَ(3) بَلَغَنِی أَنَّكَ تَقِیسُ قَالَ نَعَمْ أَنَا أَقِیسُ فَقَالَ وَیْلَكَ لَا تَقِسْ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِیسُ قَالَ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ قَاسَ

ص: 314


1- 1. لعل المراد أن البرودة هی التی بسببها تتقطر الابخرة المتصاعدة إلی الدماغ فتسیل من المنخرین.
2- 2. العلل: ج 1 ص 95.
3- 3. یا أبا حنیفة( خ).

مَا بَیْنَ النَّارِ وَ الطِّینِ وَ لَوْ قَاسَ نُورِیَّةَ آدَمَ بِنُورِ النَّارِ عَرَفَ فَضْلَ مَا بَیْنَ النُّورَیْنِ وَ صَفَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَی الْآخَرِ وَ لَكِنْ قِسْ لِی رَأْسَكَ مَعَ جَسَدِكَ أَخْبِرْنِی عَنْ أُذُنَیْكَ مَا لَهُمَا مُرَّتَانِ وَ عَنْ عَیْنَیْكَ مَا لَهُمَا مَالِحَتَانِ وَ عَنْ شَفَتَیْكَ مَا لَهُمَا عَذْبَتَانِ وَ عَنْ أَنْفِكَ مَا لَهُ بَارِدٌ فَقَالَ لَا أَدْرِی فَقَالَ لَهُ أَنْتَ لَا تُحْسِنُ (1) تَقِیسُ رَأْسَكَ تَقِیسُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ فَقَالَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِی كَیْفَ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ

اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَ الْأُذُنَیْنِ مُرَّتَیْنِ لِئَلَّا یَدْخُلَهُمَا شَیْ ءٌ إِلَّا مَاتَ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَقَتَلَتِ الدَّوَابُّ ابْنَ آدَمَ وَ جَعَلَ الْعَیْنَیْنِ مَالِحَتَیْنِ لِأَنَّهَا شَحْمَتَانِ وَ لَوْ لَا مُلُوحَتُهُمَا لَذَابَتَا وَ جَعَلَ الشَّفَتَیْنِ عَذْبَتَیْنِ لِیَجِدَ ابْنُ آدَمَ طَعْمَ الْحُلْوِ وَ الْمُرِّ وَ جَعَلَ الْأَنْفَ بَارِداً سَائِلًا لِئَلَّا یَدَعَ فِی الرَّأْسِ دَاءً إِلَّا أَخْرَجَهُ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَثَقُلَ الدِّمَاغُ وَ تَدَوَّدَ.

وَ قَالَ الْبَرْقِیُّ وَ رَوَی بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ قَالَ فِی الْأُذُنَیْنِ لِامْتِنَاعِهِمَا مِنَ الْعِلَاجِ وَ قَالَ فِی مَوْضِعِ ذِكْرِ الشَّفَتَیْنِ الرِّیقَ فَإِنَّمَا عَذُبَ الرِّیقُ لِیُمَیَّزَ بِهِ بَیْنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ قَالَ فِی ذِكْرِ الْأَنْفِ لَوْ لَا بَرْدُ مَاءِ(2) الْأَنْفِ وَ إِمْسَاكُهُ الدِّمَاغَ لَسَالَ الدِّمَاغُ مِنْ حَرَارَتِهِ (3).

وَ مِنْهُ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَقِیلِیِّ عَنْ عِیسَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِیِّ رَفَعَ الْحَدِیثَ وَ ذَكَرَ: مِثْلَهُ إِلَی قَوْلِهِ وَ تَدَوَّدَ(4).

بیان: و تدود أی تولد فیه الدود لامتناعهما من العلاج أی لتكونا بطبعهما آبیتین (5) ممتنعتین عن أن تعالج الدواب فیهما بعد دخولهما بل تموت أو تخرج أو لأنهما لكونهما غائرتین فی الرأس یشكل علاجهما إذا لذعتهما هامة أو دابة فینفذ السم سریعا إلی الدماغ فیهلك.

ص: 315


1- 1. فی المصدر: لا تحسن أن تقیس رأسك، فكیف تقیس الحلال و الحرام؟.
2- 2. ما فی الانف( خ).
3- 3. العلل: ج 1، ص 82.
4- 4. المصدر: 81.
5- 5. فی نسخ الكتاب: آیتین.

«22»- الْمَنَاقِبُ،: مِمَّا أَجَابَ الرِّضَا علیه السلام بِحَضْرَةِ الْمَأْمُونِ لِضُبَاعِ بْنِ نَصْرٍ الْهِنْدِیِّ وَ عِمْرَانَ الصَّابِی عَنْ مَسَائِلِهِمَا قَالا فَمَا بَالُ الرَّجُلِ یَلْتَحِی دُونَ الْمَرْأَةِ قَالَ علیه السلام زَیَّنَ اللَّهُ الرِّجَالَ بِاللِّحَی وَ جَعَلَهَا فَصْلًا یُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَی الرِّجَالِ (1)

وَ النِّسَاءِ(2).

«23»- مَجَالِسُ الشَّیْخِ، عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُوسَوِیِّ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ (3) بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نَهِیكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ سَبْرَةَ بْنِ یَعْقُوبَ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی ابْنِ آدَمَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتُّونَ عِرْقاً مِنْهَا مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ مُتَحَرِّكَةٌ وَ مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ سَاكِنَةٌ فَلَوْ سَكَنَ الْمُتَحَرِّكُ لَمْ یَبْقَ الْإِنْسَانُ وَ لَوْ تَحَرَّكَ السَّاكِنُ لَهَلَكَ الْإِنْسَانُ الْخَبَرَ.

المكارم، عن علی علیه السلام عنه صلی اللّٰه علیه و آله: مثله (4).

«24»- الْعِلَلُ، لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ: الْعِلَّةُ فِی زِیَادَةِ ضِلْعِ الْمَرْأَةِ عَلَی ضِلْعِ الرَّجُلِ لِمَكَانِ الْجَنِینِ كَیْ یَتَّسِعَ جَوْفُهَا لِلْوَلَدِ.

«25»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْأَنْبَارِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَحْمَدُ اللَّهَ فِی كُلِّ یَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ مَرَّةً عَدَدَ عُرُوقِ الْجَسَدِ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ كَثِیراً عَلَی كُلِّ حَالٍ (5).

«26»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ وَ حُمَیْدِ بْنِ زِیَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِیعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِیثَمِیِّ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ شُعَیْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ فِی ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ عِرْقاً مِنْهَا مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ مُتَحَرِّكَةٌ

ص: 316


1- 1. من النساء.
2- 2. المناقب: ج 4، ص 354.
3- 3. كذا ذكره النجاشیّ، و عن الفاضل الجزائریّ فی الحاوی أن ضبطه مصغرا سهو إن لم یكن رجلا آخر، و احتمل بعضهم كونه مسمی باسمین.
4- 4. المكارم: 357.
5- 5. الكافی: ج 2، ص 503.

وَ مِنْهَا مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ سَاكِنَةٌ فَلَوْ سَكَنَ الْمُتَحَرِّكُ لَمْ یَنَمْ وَ لَوْ تَحَرَّكَ السَّاكِنُ لَمْ یَنَمْ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا أَصْبَحَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ كَثِیراً عَلَی كُلِّ حَالٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ مَرَّةً وَ إِذَا أَمْسَی قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ (1).

العلل، عن أبیه عن سعد بن عبد اللّٰه عن یعقوب بن یزید عن المیثمی: مثله (2).

«27»- الْمَنَاقِبُ لِابْنِ شَهْرَآشُوبَ، عَنْ سَالِمٍ الضَّرِیرِ: أَنَّ نَصْرَانِیّاً سَأَلَ (3)

الصَّادِقَ علیه السلام عَنْ أَسْرَارِ الطِّبِّ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ تَفْصِیلِ الْجِسْمِ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَی اثْنَیْ عَشَرَ وَصْلًا وَ عَلَی مِائَتَیْنِ وَ ثَمَانِیَةٍ وَ أَرْبَعِینَ عَظْماً وَ عَلَی ثَلَاثِمِائَةٍ وَ سِتِّینَ عِرْقاً فَالْعُرُوقُ هِیَ الَّتِی تَسْقِی الْجَسَدَ كُلَّهُ وَ الْعِظَامُ تُمْسِكُهَا وَ اللَّحْمُ یُمْسِكُ الْعِظَامَ وَ الْعَصَبُ یُمْسِكُ اللَّحْمَ وَ جَعَلَ فِی یَدَیْهِ اثْنَیْنِ وَ ثَمَانِینَ عَظْماً فِی كُلِّ یَدٍ أَحَدٌ وَ أَرْبَعُونَ عَظْماً مِنْهَا فِی كَفِّهِ خَمْسَةٌ وَ ثَلَاثُونَ عَظْماً وَ فِی سَاعِدِهِ اثْنَانِ وَ فِی عَضُدِهِ وَاحِدٌ وَ فِی كَتِفِهِ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ أَحَدٌ وَ أَرْبَعُونَ عَظْماً وَ كَذَلِكَ فِی الْأُخْرَی وَ فِی رِجْلِهِ ثَلَاثَةٌ وَ أَرْبَعُونَ عَظْماً مِنْهَا فِی قَدَمِهِ خَمْسَةٌ وَ ثَلَاثُونَ عَظْماً وَ فِی سَاقِهِ اثْنَانِ وَ فِی رُكْبَتِهِ ثَلَاثَةٌ وَ فِی فَخِذِهِ وَاحِدٌ وَ فِی وَرِكِهِ اثْنَانِ وَ كَذَلِكَ فِی الْأُخْرَی وَ فِی صُلْبِهِ ثَمَانِیَ عَشْرَةَ فَقَارَةً وَ فِی كُلِّ وَاحِدٍ(4)

مِنْ جَنْبَیْهِ تِسْعَةُ أَضْلَاعٍ وَ فِی وَقَصَتِهِ (5)

ثَمَانِیَةٌ وَ فِی رَأْسِهِ سِتَّةٌ وَ ثَلَاثُونَ عَظْماً وَ فِی فِیهِ ثَمَانِیَةٌ وَ عِشْرُونَ أَوِ اثْنَانِ وَ ثَلَاثُونَ عَظْماً(6).

تبیین: یمكن أن یكون المراد وصل الأعضاء العظیمة بعضها ببعض كالرأس و العنق العضدین و الساعدین و الوركین مع الفخذین و الساقین و الأضلاع من الیمین و الأضلاع

ص: 317


1- 1. الكافی: ج 2، ص 503.
2- 2. العلل: ج 2، ص 42.
3- 3. فی المصدر: سأل الصادق علیه السلام عن تفصیل.
4- 4. واحدة( خ).
5- 5. فی المصدر: و فی عنقه.
6- 6. المناقب: ج 4، ص 256.

من الشمال و كأن المراد بالوقصة العنق قال الفیروزآبادی وقص عنقه كوعد كسرها و الوقص بالتحریك قصر العنق انتهی فعدها ثمانیة باعتبار ضم بعض فقرات الظهر إلیها لقربها منها و انحنائها و یحتمل أن یكون فی الأصل و فی وقیصته و هی عظام وسط الظهر و هی علی المشهور سبعة فتكون الثمانیة بضم الترقوة إلیها و فی بعض النسخ فی أول الخبر و ستة و أربعین عظما و هو تصحیف لأنه لا یستقیم الحساب و الأسنان غیر داخلة فی عدد العظام فیدل علی أنها لیست بعظم و قد اختلف الأطباء فی ذلك اختلافا عظیما فمنهم من ذهب إلی أنها عظم و قیل هو عصب و قیل عضو مركب.

و ظاهر الأخبار أنها نوع آخر غیر العظم و العصب لأنهم علیهم السلام عدوها فی ما لا تحله الحیاة من الحیوان مقابلا للقرن و العظم و الظلف و الحافر و غیرها و هو لا ینافی المذهب الأخیر كثیرا و ظاهر الأخبار أنه لا حس لها و لم تحلها الحیاة كما ذهب إلیه بعض الأطباء و قال بعضهم لها حس قال فی القانون لیس لشی ء من العظام حس البتة إلا للأسنان فإن جالینوس قال بل التجربة تشهد أن لها حسا أعینت به بقوة تأتیها من الدماغ لیمیز أیضا بین الحار و البارد و قال القرشی قال جالینوس لیس بشی ء(1) من العظام حس إلا للأسنان لأن قوة الحس تأتیها فی عصب لین و هذا عجب فإنه كیف جعل لینا و هو مخالط للعظام و ینبغی أن یكون شبیها بجرمها فیكون صلبا لئلا تتضرر بمماستها و قال بقی هاهنا بحث و هو أن الأسنان عظام أو لیس بعظام و قد شنع جالینوس علی من لا یجعلها عظاما و جعلهم سوفسطائیة و استدل علی أنها عظام بما هو عین السفسطة و ذلك لأنه قال ما هذا معناه لأنها لو لم تكن عظاما لكانت إما أن تكون عروقا أو شرایین أو لحما أو عصبا و معلوم أنها لیست كذلك و هذا غیر لازم فإن القائلین بأنها لیست بعظام یجعلونها من الأعضاء المؤلفة لا من هذه المفردة و یستدلون علی تركیبها بما یشاهد فیها من الشظایا و تلك رباطیة و عصبیة قالوا و هذا یوجد فی أسنان الحیوانات الكبار ظاهرا.

ص: 318


1- 1. لشی ء( خ).

و قوله علیه السلام و فی فیه ثمانیة و عشرون أی فی بدء الإنبات ثم ینبت فی قریب من العشرین أربعة أخری تسمی أسنان الحلم بالكسر بمعنی العقل أو بالضم بمعنی الاحتلام یعنی البلوغ و لذا قال علیه السلام بعده و اثنان و ثلاثون و یحتمل أن یكون باعتبار اختلافها فی الأشخاص قال فی القانون الأسنان اثنتان و ثلاثون سنا و ربما عدمت النواجد منها فی بعض الناس و هی الأربعة الطرفانیة فكانت ثمانی و عشرین سنا فمن الأسنان ثنیتان و رباعیتان من فوق و مثلهما من أسفل للقطع و نابان من فوق و نابان من تحت للكسر و أضراس للطحن فی كل جانب فوقانی و سفلانی أربعة أو خمسة فكل ذلك اثنتان و ثلاثون سنا أو ثمانی و عشرون و النواجد تنبت فی الأكثر فی وسط زمان النمو و هو بعد البلوغ إلی الوقف و ذلك أن الوقوف قریب من ثلاثین سنة و لذلك تسمی أسنان الحلم.

«28»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَزْرَمِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً فِی أَصْلَابِهِمْ أَرْحَامٌ كَأَرْحَامِ النِّسَاءِ قَالَ فَسُئِلَ فَمَا لَهُمْ لَا یَحْمِلُونَ فَقَالَ إِنَّهَا مَنْكُوسَةٌ وَ لَهُمْ فِی أَدْبَارِهِمْ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْجَمَلِ أَوِ الْبَعِیرِ فَإِذَا هَاجَتْ هَاجُوا وَ إِذَا سَكَنَتْ سَكَنُوا(1).

«29»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ رِفَاعَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَا تَقُولُ فِی رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا فَنَقَصَ بَعْضَ نَفَسِهِ بِأَیِّ شَیْ ءٍ یُعْرَفُ ذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ بِالسَّاعَاتِ قُلْتُ وَ كَیْفَ السَّاعَاتُ (2) قَالَ إِنَّ النَّفَسَ یَطْلُعُ الْفَجْرُ وَ هُوَ فِی الشِّقِّ الْأَیْمَنِ مِنَ الْأَنْفِ فَإِذَا مَضَتِ السَّاعَةُ صَارَ إِلَی الشِّقِّ الْأَیْسَرِ فَتَنْظُرُ(3)

مَا بَیْنَ نَفَسِكَ وَ نَفَسِهِ ثُمَّ یُحْسَبُ فَیُؤْخَذُ بِحِسَابِ ذَلِكَ مِنْهُ (4).

ص: 319


1- 1. الكافی: ج 5، ص 549.
2- 2. فی المصدر: و كیف بالساعات، قال: فان ....
3- 3. فیه: فتنتظر ما بین نفسك و نفسه ثمّ یحتسب فیؤخذ ....
4- 4. الكافی: ج 7، ص 324.

بیان: كأن المراد به أنه فی أول الیوم یكون النفس فی الشق الأیمن أكثر و لعل هذا إنما ذكر استطرادا فإن استعلام عدد النفس لا یتوقف علیه و لم أر من عمل به سوی الشیخ یحیی بن سعید فی جامعه و قال العلامة رحمه اللّٰه فی التحریر فی انقطاع النفس الدیة و فی بعضه بحسب ما یراه.

«30»- التَّهْذِیبُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ بَدْرٍ لَا تُوَارُوا إِلَّا كَمِیشاً یَعْنِی بِهِ مَنْ كَانَ ذَكَرُهُ صَغِیراً وَ قَالَ لَا یَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِی كِرَامِ النَّاسِ.

«31»- تَوْحِیدُ الْمُفَضَّلِ،: فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ كَیْفَ جُعِلَتْ آلَاتُ الْجِمَاعِ فِی الذَّكَرِ وَ الْأُنْثَی جَمِیعاً عَلَی مَا یُشَاكِلُ ذَلِكَ فَجُعِلَ لِلذَّكَرِ آلَةٌ نَاشِرَةٌ تَمْتَدُّ حَتَّی تَصِلَ النُّطْفَةُ إِلَی الرَّحِمِ إِذْ كَانَ مُحْتَاجاً إِلَی أَنْ یَقْذِفَ مَاءَهُ فِی (1) غَیْرِهِ وَ خُلِقَ لِلْأُنْثَی وِعَاءٌ قَعِرٌ لِیَشْتَمِلَ عَلَی الْمَاءَیْنِ جَمِیعاً وَ یَحْتَمِلَ الْوَلَدَ وَ یَتَّسِعَ لَهُ وَ یَصُونَهُ حَتَّی یَسْتَحْكِمَ أَ لَیْسَ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِیرِ حَكِیمٍ لَطِیفٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِكُونَ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی أَعْضَاءِ الْبَدَنِ أَجْمَعَ وَ تَدْبِیرِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْإِرْبِ فَالْیَدَانِ لِلْعِلَاجِ وَ الرِّجْلَانِ لِلسَّعْیِ وَ الْعَیْنَانِ لِلِاهْتِدَاءِ وَ الْفَمُ لِلِاغْتِذَاءِ وَ الْمَعِدَةُ لِلْهَضْمِ وَ الْكَبِدُ لِلتَّخْلِیصِ وَ الْمَنَافِذُ لِتَنْفِیذِ الْفُضُولِ وَ الْأَوْعِیَةُ لِحَمْلِهَا وَ الْفَرْجُ لِإِقَامَةِ النَّسْلِ وَ كَذَلِكَ جَمِیعُ الْأَعْضَاءِ إِذَا تَأَمَّلْتَهَا وَ أَعْمَلْتَ فِكْرَكَ فِیهَا وَ نَظَرَكَ وَجَدْتَ كُلَّ شَیْ ءٍ مِنْهَا قَدْ قُدِّرَ لِشَیْ ءٍ عَلَی صَوَابٍ وَ حِكْمَةٍ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ یَا مَوْلَایَ إِنَّ قَوْماً یَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الطَّبِیعَةِ فَقَالَ سَلْهُمْ عَنْ هَذِهِ الطَّبِیعَةِ أَ هِیَ شَیْ ءٌ لَهُ عِلْمٌ وَ قُدْرَةٌ عَلَی مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ أَمْ لَیْسَتْ كَذَلِكَ

فَإِنْ أَوْجَبُوا لَهَا الْعِلْمَ وَ الْقُدْرَةَ فَمَا یَمْنَعُهُمْ مِنْ إِثْبَاتِ الْخَالِقِ فَإِنَّ هَذِهِ صِفَتُهُ (2) وَ إِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا تَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ لَا عَمْدٍ وَ كَانَ فِی أَفْعَالِهَا مَا قَدْ تَرَاهُ (3) مِنَ

ص: 320


1- 1. الی غیره( خ).
2- 2. صنعته( خ).
3- 3. تراد( خ).

الصَّوَابِ وَ الْحِكْمَةِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لِلْخَالِقِ الْحَكِیمِ وَ أَنَّ الَّذِی سَمَّوْهُ طَبِیعَةً هُوَ سُنَّةٌ فِی خَلْقِهِ الْجَارِیَةُ عَلَی مَا أَجْرَاهَا عَلَیْهِ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی وُصُولِ الْغِذَاءِ إِلَی الْبَدَنِ وَ مَا فِیهِ مِنَ التَّدْبِیرِ فَإِنَّ الطَّعَامَ یَصِیرُ إِلَی الْمَعِدَةِ فَتَطْبُخُهُ وَ تَبْعَثُ بِصَفْوِهِ إِلَی الْكَبِدِ فِی (1)

عُرُوقٍ رِقَاقٍ وَاشِجَةٍ بَیْنَهُمَا قَدْ جُعِلَتْ كَالْمُصَفِّی لِلْغِذَاءِ لِكَیْلَا یَصِلَ إِلَی الْكَبِدِ مِنْهُ شَیْ ءٌ فَیَنْكَاهَا وَ ذَلِكَ أَنَّ الْكَبِدَ رَقِیقَةٌ لَا تَحْتَمِلُ الْعُنْفَ ثُمَّ إِنَّ الْكَبِدَ ثَقِیلَةٌ فَیَسْتَحِیلُ بِلُطْفِ التَّدْبِیرِ دَماً وَ یَنْفُذُ إِلَی الْبَدَنِ كُلِّهِ فِی مَجَارِیَ مُهَیَّأَةٍ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَارِی الَّتِی تُهَیَّأُ لِلْمَاءِ حَتَّی یَطَّرِدَ إِلَی (2) الْأَرْضِ كُلِّهَا وَ یَنْفُذُ مَا یَخْرُجُ مِنْهُ مِنَ الْخَبَثِ وَ الْفُضُولِ إِلَی مَغَایِضَ (3)

قَدْ أُعِدَّتْ لِذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ جَرَی إِلَی الْمَرَارَةِ وَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ السَّوْدَاءِ جَرَی إِلَی الطِّحَالِ وَ مَا كَانَ مِنَ الْبِلَّةِ وَ الرُّطُوبَةِ جَرَی إِلَی الْمَثَانَةِ فَتَأَمَّلْ حِكْمَةَ التَّدْبِیرِ فِی تَرْكِیبِ الْبَدَنِ وَ وَضْعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْهُ مَوَاضِعَهَا وَ إِعْدَادِ هَذِهِ الْأَوْعِیَةِ فِیهِ لِتَحْمِلَ تِلْكَ الْفُضُولَ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ فِی الْبَدَنِ فَتُسْقِمَهُ وَ تَنْهَكَهُ فَتَبَارَكَ مَنْ أَحْسَنَ التَّقْدِیرَ وَ أَحْكَمَ التَّدْبِیرَ وَ لَهُ الْحَمْدُ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَ مُسْتَحِقُّهُ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ صِفْ نُشُوءَ الْأَبْدَانِ وَ نُمُوَّهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ حَتَّی تَبْلُغَ التَّمَامَ وَ الْكَمَالَ فَقَالَ علیه السلام أَوَّلُ ذَلِكَ تَصْوِیرُ الْجَنِینِ فِی الرَّحِمِ حَیْثُ لَا تَرَاهُ عَیْنٌ وَ لَا تَنَالُهُ یَدٌ وَ یُدَبِّرُهُ حَتَّی یَخْرُجَ سَوِیّاً مُسْتَوْفِیاً جَمِیعُ مَا فِیهِ قِوَامُهُ وَ صَلَاحُهُ مِنَ الْأَحْشَاءِ وَ الْجَوَارِحِ وَ الْعَوَامِلِ إِلَی مَا فِی تَرْكِیبِ أَعْضَائِهِ مِنَ الْعِظَامِ وَ اللَّحْمِ وَ الشَّحْمِ وَ الْمُخِّ وَ الْعَصَبِ وَ الْعُرُوقِ وَ الْغَضَارِیفِ فَإِذَا خَرَجَ إِلَی الْعَالَمِ تَرَاهُ كَیْفَ یَنْمِی بِجَمِیعِ أَعْضَائِهِ وَ هُوَ ثَابِتٌ عَلَی شَكْلِهِ وَ هَیْئَتِهِ لَا تَتَزَایَدُ وَ لَا تَنْقُصُ إِلَی أَنْ یَبْلُغَ أَشُدَّهُ إِنْ مُدَّ فِی عُمُرِهِ أَوْ یَسْتَوْفِی مُدَّتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ هَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ لَطِیفِ التَّدْبِیرِ وَ الْحِكْمَةِ یَا مُفَضَّلُ انْظُرْ إِلَی مَا خُصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ فِی خَلْقِهِ تَشْرِیفاً وَ تَفْضِیلًا عَلَی الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ

ص: 321


1- 1. و عروق دقاق( خ).
2- 2. فی( خ).
3- 3. جمع« مغیض» المكان الذی یغیض فیه الماء، و فی بعض النسخ« مفائض» أی المجاری.

خُلِقَ یَنْتَصِبُ قَائِماً وَ یَسْتَوِی جَالِساً لِیَسْتَقْبِلَ الْأَشْیَاءَ بِیَدَیْهِ وَ جَوَارِحِهِ وَ یُمْكِنَهُ الْعِلَاجُ وَ الْعَمَلُ بِهِمَا فَلَوْ كَانَ مَكْبُوباً عَلَی وَجْهِهِ كَذَاتِ الْأَرْبَعِ لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ یَعْمَلَ شَیْئاً مِنَ الْأَعْمَالِ انْظُرِ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ إِلَی هَذِهِ الْحَوَاسِّ الَّتِی خُصَّ بِهَا الْإِنْسَانُ فِی خَلْقِهِ وَ شُرِّفَ بِهَا عَلَی غَیْرِهِ كَیْفَ جُعِلَتِ الْعَیْنَانِ فِی الرَّأْسِ كَالْمَصَابِیحِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ لِیَتَمَكَّنَ مِنَ مُطَالَعَةِ الْأَشْیَاءِ وَ لَمْ تُجْعَلْ فِی الْأَعْضَاءِ الَّتِی

تَحْتَهُنَّ كَالْیَدَیْنِ وَ الرِّجْلَیْنِ فَتَعْرِضَهَا الْآفَاتُ وَ تُصِیبَهَا مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ وَ الْحَرَكَةِ مَا یُعَلِّلُهَا وَ یُؤَثِّرُ فِیهَا وَ یَنْقُصُ مِنْهَا وَ لَا فِی الْأَعْضَاءِ الَّتِی وَسَطَ الْبَدَنِ كَالْبَطْنِ وَ الظَّهْرِ فَیَعْسُرَ تَقَلُّبُهَا وَ اطِّلَاعُهَا نَحْوَ الْأَشْیَاءِ فَلَمَّا لَمْ یَكُنْ لَهَا فِی شَیْ ءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مَوْضِعٌ كَانَ الرَّأْسُ أَسْنَی الْمَوَاضِعِ لِلْحَوَاسِّ وَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمَعَةِ لَهَا فَجُعِلَ الْحَوَاسُّ خَمْساً تَلْقَی خَمْساً لِكَیْلَا یَفُوتَهَا شَیْ ءٌ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ فَخُلِقَ الْبَصَرُ لِیُدْرِكَ الْأَلْوَانَ فَلَوْ كَانَتِ الْأَلْوَانُ وَ لَمْ یَكُنْ بَصَرٌ یُدْرِكُهَا لَمْ یَكُنْ فِیهَا مَنْفَعَةٌ وَ خُلِقَ السَّمْعُ لِیُدْرِكَ الْأَصْوَاتَ فَلَوْ كَانَتِ الْأَصْوَاتُ وَ لَمْ یَكُنْ سَمْعٌ یُدْرِكُهَا لَمْ یَكُنْ فِیهَا إِرْبٌ وَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْحَوَاسِّ ثُمَّ هَذَا یَرْجِعُ مُتَكَافِئاً فَلَوْ كَانَ بصرا [بَصَرٌ] وَ لَمْ یَكُنْ ألوانا [أَلْوَانٌ] لَمَا كَانَ لِلْبَصَرِ مَعْنًی وَ لَوْ كَانَ سَمْعٌ وَ لَمْ یَكُنْ أَصْوَاتٌ لَمْ یَكُنْ لِلسَّمْعِ مَوْضِعٌ فَانْظُرْ كَیْفَ قَدَّرَ بَعْضَهَا یَلْقَی بَعْضاً فَجَعَلَ لِكُلِّ حَاسَّةٍ مَحْسُوساً یَعْمَلُ فِیهِ وَ لِكُلِّ مَحْسُوسٍ حَاسَّةً تُدْرِكُهُ وَ مَعَ هَذَا فَقَدْ جُعِلَتْ أَشْیَاءُ مُتَوَسِّطَةٌ بَیْنَ الْحَوَاسِّ وَ الْمَحْسُوسَاتِ لَا یَتِمُّ الْحَوَاسُّ إِلَّا بِهَا كَمِثْلِ الضِّیَاءِ وَ الْهَوَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ یَكُنْ ضِیَاءٌ یُظْهِرُ اللَّوْنَ لِلْبَصَرِ لَمْ یَكُنِ الْبَصَرُ یُدْرِكُ اللَّوْنَ وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ هَوَاءٌ یُؤَدِّی الصَّوْتَ إِلَی السَّمْعِ لَمْ یَكُنِ السَّمْعُ یُدْرِكُ الصَّوْتَ فَهَلْ یَخْفَی عَلَی مَنْ صَحَّ نَظَرُهُ وَ أَعْمَلَ فِكْرَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الَّذِی وَصَفْتُ مِنْ تَهْیِئَةِ الْحَوَاسِّ وَ الْمَحْسُوسَاتِ بَعْضُهَا یَلْقَی بَعْضاً وَ تَهْیِئَةِ أَشْیَاءَ أُخَرَ بِهَا تَتِمُّ الْحَوَاسُّ لَا یَكُونُ إِلَّا بِعَمْدٍ وَ تَقْدِیرٍ مِنْ لَطِیفٍ خَبِیرٍ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی مَنْ عَدِمَ الْبَصَرَ مِنَ النَّاسِ وَ مَا یَنَالُهُ مِنَ الْخَلَلِ فِی أُمُورِهِ فَإِنَّهُ لَا یَعْرِفُ مَوْضِعَ قَدَمِهِ وَ لَا یُبْصِرُ مَا بَیْنَ یَدَیْهِ فَلَا یُفَرِّقُ بَیْنَ الْأَلْوَانِ وَ بَیْنَ الْمَنْظَرِ الْحَسَنِ وَ الْقَبِیحِ وَ لَا یَرَی حُفْرَةً إِنْ هَجَمَ عَلَیْهَا وَ لَا عَدُوّاً إِنْ أَهْوَی إِلَیْهِ بِسَیْفٍ وَ لَا یَكُونُ لَهُ

ص: 322

سَبِیلٌ إِلَی أَنْ یَعْمَلَ شَیْئاً مِنْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ مِثْلَ الْكِتَابَةِ وَ التِّجَارَةِ وَ الصِّیَاغَةِ حَتَّی إِنَّهُ لَوْ لَا نَفَاذُ ذِهْنِهِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ الْمُلْقَی وَ كَذَلِكَ مَنْ عَدِمَ السَّمْعَ یَخْتَلُّ فِی أُمُورٍ كَثِیرَةٍ فَإِنَّهُ یَفْقِدُ رَوْحَ الْمُخَاطَبَةِ وَ الْمُحَاوَرَةِ وَ یَعْدَمُ لَذَّةَ الْأَصْوَاتِ وَ اللُّحُونِ الشَّجِیَّةِ [وَ] الْمُطْرِبَةِ وَ یُعَظِّمُ الْمَئُونَةَ عَلَی النَّاسِ فِی مُحَاوَرَتِهِ حَتَّی یَتَبَرَّمُوا(1)

بِهِ وَ لَا یَسْمَعُ شَیْئاً مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ وَ أَحَادِیثِهِمْ حَتَّی یَكُونُ كَالْغَائِبِ وَ هُوَ شَاهِدٌ أَوْ كَالْمَیِّتِ وَ هُوَ حَیٌّ فَأَمَّا مَنْ عَدِمَ الْعَقْلَ فَإِنَّهُ یَلْحَقُ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ بَلْ یَجْهَلُ كَثِیراً مِمَّا یَهْتَدِی إِلَیْهِ الْبَهَائِمُ أَ فَلَا تَرَی كَیْفَ صَارَتِ الْجَوَارِحُ وَ الْعَقْلُ وَ سَائِرُ الْخِلَالِ الَّتِی بِهَا صَلَاحُ الْإِنْسَانِ وَ الَّتِی لَوْ فَقَدَ مِنْهَا شَیْئاً لَعَظُمَ مَا یَنَالُهُ فِی ذَلِكَ مِنَ الْخَلَلِ یُوَافِی خَلْقَهُ عَلَی التَّمَامِ حَتَّی لَا یَفْقِدَ شَیْئاً مِنْهَا فَلِمَ كَانَ كَذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُ خُلِقَ بِعِلْمٍ وَ تَقْدِیرٍ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ فَلِمَ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ یَفْقِدُ شَیْئاً مِنْ هَذِهِ الْجَوَارِحِ فَیَنَالُهُ فِی ذَلِكَ مِثْلُ مَا وَصَفْتَهُ یَا مَوْلَایَ قَالَ علیه السلام ذَلِكَ لِلتَّأْدِیبِ وَ الْمَوْعِظَةِ لِمَنْ یَحِلُّ ذَلِكَ بِهِ وَ لِغَیْرِهِ بِسَبَبِهِ كَمَا قَدْ یُؤَدِّبُ الْمُلُوكُ النَّاسَ لِلتَّنْكِیلِ وَ الْمَوْعِظَةِ فَلَا یُنْكَرُ ذَلِكَ عَلَیْهِمْ بَلْ یُحْمَدُ مِنْ رَأْیِهِمْ وَ یُصَوَّبُ مِنْ تَدْبِیرِهِمْ ثُمَّ إِنَّ لِلَّذِینَ تَنْزِلُ بِهِمْ هَذِهِ الْبَلَایَا مِنَ الثَّوَابِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِنْ شَكَرُوا وَ أَنَابُوا لَمَا(2) یَسْتَصْغِرُونَ مَعَهُ مَا یَنَالُهُمْ مِنْهَا حَتَّی إِنَّهُمْ لَوْ خُیِّرُوا بَعْدَ الْمَوْتِ لَاخْتَارُوا أَنْ یُرَدُّوا إِلَی الْبَلَایَا لِیَزْدَادُوا مِنَ الثَّوَابِ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی الْأَعْضَاءِ الَّتِی خُلِقَتْ أَفْرَاداً وَ أَزْوَاجاً وَ مَا فِی ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ التَّقْدِیرِ وَ الصَّوَابِ فِی التَّدْبِیرِ فَالرَّأْسُ مِمَّا خُلِقَ فَرْداً وَ لَمْ یَكُنْ لِلْإِنْسَانِ صَلَاحٌ فِی أَنْ یَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَ لَا تَرَی أَنَّهُ لَوْ أُضِیفَ إِلَی رَأْسِ الْإِنْسَانِ رَأْسٌ آخَرُ لَكَانَ ثِقْلًا عَلَیْهِ مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ إِلَیْهِ لِأَنَّ الْحَوَاسَّ الَّتِی یَحْتَاجُ إِلَیْهَا مُجْتَمِعَةٌ فِی رَأْسٍ وَاحِدٍ ثُمَّ كَانَ الْإِنْسَانُ یَنْقَسِمُ قِسْمَیْنِ لَوْ كَانَ لَهُ رَأْسَانِ فَإِنْ تَكَلَّمَ مِنْ أَحَدِهِمَا كَانَ الْآخَرُ مُعَطَّلًا لَا إِرْبَ فِیهِ وَ لَا حَاجَةَ إِلَیْهِ وَ إِنْ تَكَلَّمَ مِنْهُمَا جَمِیعاً بِكَلَامٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَدُهُمَا فَضْلًا لَا یُحْتَاجُ إِلَیْهِ وَ إِنْ تَكَلَّمَ بِأَحَدِهِمَا بِغَیْرِ الَّذِی تَكَلَّمَ بِهِ مِنَ الْآخَرِ لَمْ یَدْرِ السَّامِعُ بِأَیِ

ص: 323


1- 1. أی یتضجروا.
2- 2. ما( خ).

ذَلِكَ یَأْخُذُ وَ كَانَ أَشْبَاهُ هَذَا مِنَ الِاخْتِلَاطِ وَ الْیَدَانِ مِمَّا خُلِقَ أَزْوَاجاً وَ لَمْ یَكُنْ لِلْإِنْسَانِ خَیْرٌ فِی أَنْ یَكُونَ لَهُ یَدٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ یُخِلُّ بِهِ فِی مَا یَحْتَاجُ إِلَی مُعَالَجَتِهِ مِنَ الْأَشْیَاءِ أَ لَا تَرَی أَنَّ النَّجَّارَ وَ الْبَنَّاءَ لَوْ شَلَّتْ إِحْدَی یَدَیْهِ لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یُعَالِجَ صِنَاعَتَهُ وَ إِنْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ لَمْ یُحْكِمْهُ وَ لَمْ یَبْلُغْ مِنْهُ مَا یَبْلُغُهُ إِذَا كَانَتْ لَهُ یَدَانِ یَتَعَاوَنَانِ عَلَی الْعَمَلِ أَطِلِ الْفِكْرَ یَا مُفَضَّلُ فِی الصَّوْتِ وَ الْكَلَامِ وَ تَهْیِئَةِ آلَاتِهِ فِی الْأَسْنَانِ فَالْحَنْجَرَةُ كَالْأُنْبُوبَةِ(1) لِخُرُوجِ الصَّوْتِ وَ اللِّسَانُ وَ الشَّفَتَانِ وَ الْأَسْنَانُ لِصِیَاغَةِ الْحُرُوفِ وَ النَّغْمِ أَ لَا تَرَی أَنَّ مَنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ لَمْ یُقِمِ السِّینَ وَ مَنْ سَقَطَتْ شَفَتُهُ لَمْ یُصَحِّحِ الْفَاءَ وَ مَنْ ثَقُلَ لِسَانُهُ لَمْ یُفْصِحِ الرَّاءَ وَ أَشْبَهُ شَیْ ءٍ بِذَلِكَ الْمِزْمَارُ الْأَعْظَمُ فَالْحَنْجَرَةُ یُشْبِهُ (2) قَصَبَةَ الْمِزْمَارِ وَ الرِّئَةُ یُشْبِهُ (3) الزِّقَّ الَّذِی یُنْفَخُ فِیهِ لِتَدْخُلَ الرِّیحُ وَ الْعَضَلَاتُ الَّتِی تَقْبِضُ عَلَی الرِّئَةِ لِیَخْرُجَ الصَّوْتُ كَالْأَصَابِعِ الَّتِی تَقْبِضُ عَلَی الزِّقِّ حَتَّی تَجْرِیَ (4) الرِّیحُ فِی الْمِزْمَارِ وَ الشَّفَتَانِ وَ الْأَسْنَانُ الَّتِی تَصُوغُ الصَّوْتَ حُرُوفاً وَ نَغْماً كَالْأَصَابِعِ الَّتِی تَخْتَلِفُ فِی فَمِ الْمِزْمَارِ فَتَصُوغُ صَفِیرَهُ أَلْحَاناً غَیْرَ أَنَّهُ وَ إِنْ كَانَ مَخْرَجُ الصَّوْتِ یُشْبِهُ الْمِزْمَارَ بِالدَّلَالَةِ وَ التَّعْرِیفِ فَإِنَّ الْمِزْمَارَ بِالْحَقِیقَةِ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِمَخْرَجِ الصَّوْتِ قَدْ أَنْبَأْتُكَ بِمَا فِی الْأَعْضَاءِ مِنَ الْغِنَاءِ فِی صَنْعَةِ الْكَلَامِ وَ إِقَامَةِ الْحُرُوفِ وَ فِیهَا مَعَ الَّذِی ذَكَرْتُ لَكَ مَآرِبُ أُخْرَی فَالْحَنْجَرَةُ لِیُسْلَكَ فِیهَا هَذَا النَّسِیمُ إِلَی الرِّئَةِ فَتَرَوَّحَ عَنِ الْفُؤَادِ بِالنَّفَسِ الدَّائِمِ الْمُتَتَابِعِ الَّذِی لَوْ حَبَسَ شَیْئاً یَسِیراً لَهَلَكَ الْإِنْسَانُ وَ بِاللِّسَانِ تُذَاقُ الطُّعُومُ فَیُمَیَّزُ بَیْنَهَا وَ یُعْرَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا حُلْوُهَا مِنْ مُرِّهَا وَ حَامِضُهَا مِنْ مُزِّهَا وَ مَالِحُهَا مِنْ عَذْبِهَا وَ طَیِّبُهَا مِنْ خَبِیثِهَا وَ فِیهِ مَعَ ذَلِكَ مَعُونَةٌ عَلَی إِسَاغَةِ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ الْأَسْنَانُ تَمْضَغُ الطَّعَامَ حَتَّی یَلِینَ وَ یَسْهُلَ إِسَاغَتُهُ وَ هِیَ مَعَ ذَلِكَ

ص: 324


1- 1. الانبوبة- كالارجوزة-: ما بین العقدتین من القصب أو الرمح، و أنابیب الرئة مخارج النفس منها.
2- 2. تشبه( ظ).
3- 3. تشبه( ظ).
4- 4. تخرج( خ).

كَالسَّنَدِ لِلشَّفَتَیْنِ تُمْسِكُهُمَا وَ تَدْعَمُهُمَا مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِأَنَّكَ تَرَی مَنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ مُسْتَرْخِیَ الشَّفَةِ وَ مُضْطَرِبَهَا وَ بِالشَّفَتَیْنِ یُتَرَشَّفُ الشَّرَابُ حَتَّی یَكُونَ الَّذِی یَصِلُ إِلَی الْجَوْفِ مِنْهُ بِقَصْدٍ وَ قَدَرٍ لَا یَثُجُ (1)

ثَجّاً فَیَغَصَّ بِهِ الشَّارِبُ أَوْ یَنْكَأَ فِی الْجَوْفِ ثُمَّ هُمَا بَعْدَ ذَلِكَ كَالْبَابِ الْمُطْبَقِ عَلَی الْفَمِ یَفْتَحُهُمَا الْإِنْسَانُ إِذَا شَاءَ وَ یُطْبِقُهُمَا إِذَا شَاءَ فَفِی مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذَا بَیَانُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ یَتَصَرَّفُ وَ یَنْقَسِمُ إِلَی وُجُوهٍ مِنَ الْمَنَافِعِ كَمَا تَتَصَرَّفُ الْأَدَاةُ الْوَاحِدَةُ فِی أَعْمَالٍ شَتَّی وَ ذَلِكَ كَالْفَأْسِ یُسْتَعْمَلُ فِی النِّجَارَةِ وَ الْحَفْرِ وَ غَیْرِهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ لَوْ رَأَیْتَ الدِّمَاغَ إِذَا كُشِفَ عَنْهُ لَرَأَیْتَهُ قَدْ لُفَّ بِحُجُبٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ لِتَصُونَهُ مِنَ الْأَعْرَاضِ

وَ تُمْسِكَهُ فَلَا یَضْطَرِبَ وَ لَرَأَیْتَ عَلَیْهِ الْجُمْجُمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَیْضَةِ كَیْمَا یَفُتَّهُ هَدُّ الصَّدْمَةِ(2) وَ الصَّكَّةِ(3)

الَّتِی رُبَّمَا وَقَعَتْ فِی الرَّأْسِ ثُمَّ قَدْ جُلِّلَتِ الْجُمْجُمَةُ بِالشَّعْرِ حَتَّی صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْوِ لِلرَّأْسِ تَسْتُرُهُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ فَمَنْ حَصَّنَ الدِّمَاغَ هَذَا التَّحْصِینَ إِلَّا الَّذِی خَلَقَهُ وَ جَعَلَهُ یَنْبُوعَ الْحِسِّ وَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْحِیطَةِ وَ الصِّیَانَةِ لِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ مِنَ الْبَدَنِ وَ ارْتِفَاعِ دَرَجَتِهِ وَ خَطَرِ مَرْتَبَتِهِ تَأَمَّلْ یَا مُفَضَّلُ الْجَفْنُ عَلَی الْعَیْنِ كَیْفَ جُعِلَ كَالْغِشَاءِ وَ الْأَشْفَارُ كَالْأَشْرَاجِ وَ أَوْلَجَهَا فِی هَذَا الْغَارِ وَ أَظَلَّهَا بِالْحِجَابِ وَ مَا عَلَیْهِ مِنَ الشَّعْرِ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ مَنْ غَیَّبَ الْفُؤَادَ فِی جَوْفِ الصَّدْرِ وَ كَسَاهُ الْمِدْرَعَةَ الَّتِی هِیَ غِشَاؤُهُ وَ حَصَّنَهُ بِالْجَوَانِحِ وَ مَا عَلَیْهَا مِنَ اللَّحْمِ وَ الْعَصَبِ لِئَلَّا یَصِلَ إِلَیْهِ مَا یَنْكَؤُهُ مَنْ جَعَلَ فِی الْحَلْقِ مَنْفَذَیْنِ أَحَدُهُمَا لِمَخْرَجِ الصَّوْتِ وَ هُوَ الْحُلْقُومُ الْمُتَّصِلُ بِالرِّئَةِ وَ الْآخَرُ مَنْفَذٌ لِلْغِذَاءِ وَ هُوَ الْمَرِی ءُ الْمُتَّصِلُ بِالْمَعِدَةِ الْمُوصِلُ الْغِذَاءَ إِلَیْهَا وَ جَعَلَ عَلَی الْحُلْقُومِ طَبَقاً یَمْنَعُ الطَّعَامَ أَنْ یَصِلَ إِلَی الرِّئَةِ فَیَقْتُلَ مَنْ جَعَلَ الرِّئَةَ مِرْوَحَةَ الْفُؤَادِ لَا تَفْتُرُ وَ لَا تُخِلُّ لِكَیْلَا

ص: 325


1- 1. ثج الماء: سال.
2- 2. حد( خ)-
3- 3. الصكة: الضربة الشدیدة، و اللطمة.

تَتَحَیَّزَ الْحَرَارَةُ فِی الْفُؤَادِ فَتُؤَدِّیَ إِلَی التَّلَفِ مَنْ جَعَلَ لِمَنَافِذِ الْبَوْلِ وَ الْغَائِطِ أَشْرَاجاً تَضْبِطُهُمَا لِئَلَّا یَجْرِیَا جَرَیَاناً دَائِماً فَیَفْسُدَ عَلَی الْإِنْسَانِ عَیْشُهُ فَكَمْ عَسَی أَنْ یُحْصِیَ الْمُحْصِی مِنْ هَذَا بَلِ الَّذِی لَا یُحْصَی مِنْهُ وَ لَا یَعْلَمُهُ النَّاسُ أَكْثَرُ مَنْ جَعَلَ الْمَعِدَةَ عَصَبَانِیَّةً شَدِیدَةً وَ قَدَّرَهَا لِهَضْمِ الطَّعَامِ الْغَلِیظِ وَ مَنْ جَعَلَ الْكَبِدَ رَقِیقَةً نَاعِمَةً لِقَبُولِ الصَّفْوِ اللَّطِیفِ مِنَ الْغِذَاءِ وَ لِتَهْضِمَ وَ تَعْمَلَ مَا هُوَ أَلْطَفُ مِنْ عَمَلِ الْمَعِدَةِ إِلَّا اللَّهُ الْقَادِرُ أَ تَرَی مِنَ الْإِهْمَالِ یَأْتِی بِشَیْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ كَلَّا بَلْ هُوَ تَدْبِیرٌ مِنْ مُدَبِّرٍ حَكِیمٍ قَادِرٍ عَلِیمٍ بِالْأَشْیَاءِ قَبْلَ خَلْقِهِ إِیَّاهَا لَا یُعْجِزُهُ شَیْ ءٌ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ لِمَ صَارَ الْمُخُّ الرَّقِیقُ مُحَصَّناً فِی أَنَابِیبِ الْعِظَامِ هَلْ ذَلِكَ إِلَّا لِیَحْفَظَهُ وَ یَصُونَهُ لِمَ صَارَ الدَّمُ السَّائِلُ مَحْصُوراً فِی الْعُرُوقِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ فِی الظُّرُوفِ إِلَّا لِتَضْبِطَهُ فَلَا یُفِیضَ لِمَ صَارَتِ (1)

الْأَظْفَارُ عَلَی أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إِلَّا وِقَایَةً لَهَا وَ مَعُونَةً عَلَی الْعَمَلِ لِمَ صَارَ دَاخِلُ الْأُذُنِ مُلْتَوِیاً كَهَیْئَةِ اللَّوْلَبِ (2) إِلَّا لِیَطَّرِدَ فِیهِ الصَّوْتُ حَتَّی یَنْتَهِیَ إِلَی السَّمْعِ وَ لِیَكْسِرَ حُمَةَ الرِّیحِ فَلَا یَنْكَأَ فِی السَّمْعِ لِمَ حَمَلَ الْإِنْسَانُ عَلَی فَخِذَیْهِ وَ أَلْیَتَیْهِ هَذَا اللَّحْمَ إِلَّا لِیَقِیَهُ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا یَتَأَلَّمَ مِنَ الْجُلُوسِ عَلَیْهَا كَمَا یَأْلَمُ مَنْ نَحَلَ جِسْمُهُ وَ قَلَّ لَحْمُهُ إِذَا لَمْ یَكُنْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْأَرْضِ حَائِلٌ یُوَقِّیهِ صَلَابَتَهَا مَنْ جَعَلَ الْإِنْسَانَ ذَكَراً وَ أُنْثَی إِلَّا مَنْ خَلَقَهُ مُتَنَاسِلًا وَ مَنْ خَلَقَهُ مُتَنَاسِلًا إِلَّا مَنْ خَلَقَهُ مُؤَمِّلًا وَ مَنْ أَعْطَاهُ آلَاتِ الْعَمَلِ إِلَّا مَنْ خَلَقَهُ عَامِلًا وَ مَنْ خَلَقَهُ عَامِلًا إِلَّا مَنْ جَعَلَهُ مُحْتَاجاً وَ مَنْ جَعَلَهُ مُحْتَاجاً إِلَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِالْحَاجَةِ وَ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْحَاجَةِ إِلَّا مَنْ تَوَكَّلَ بِتَقْوِیمِهِ مَنْ خَصَّهُ بِالْفَهْمِ إِلَّا مَنْ أَوْجَبَ لَهُ الْجَزَاءَ مَنْ وَهَبَ لَهُ الْحِیلَةَ إِلَّا مَنْ مَلَّكَهُ الْحَوْلَ وَ مَنْ مَلَّكَهُ الْحَوْلَ إِلَّا مَنْ أَلْزَمَهُ الْحُجَّةَ مَنْ یَكْفِیهِ مَا لَا تَبْلُغُهُ حِیلَتُهُ إِلَّا مَنْ لَمْ یَبْلُغْ (3) مَدَی شُكْرِهِ فَكِّرْ

ص: 326


1- 1. صار الاظفار( خ).
2- 2. اللولب آلة من خشب او حدید ذات دوائر ناتئة- و هو الذكر- أو داخلة- و هو الأنثی و فی أكثر نسخ الكتاب« الكوكب» و الظاهر أنّه تصحیف، و یمكن أن یكون بمعنی المحبس أو ینبوع البئر.
3- 3. لا یبلغ( خ).

وَ تَدَبَّرْ مَا وَصَفْتُهُ هَلْ تَجِدُ الْإِهْمَالَ عَلَی هَذَا النِّظَامِ وَ التَّرْتِیبِ تَبَارَكَ اللَّهُ عَمَّا یَصِفُونَ أَصِفُ لَكَ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ الْفُؤَادَ اعْلَمْ أَنَّ فِیهِ ثُقَباً مُوَجَّهَةً نَحْوَ الثُقَبِ الَّتِی فِی الرِّئَةِ تُرَوِّحُ عَنِ الْفُؤَادِ حَتَّی لَوِ اخْتَلَفَتْ تِلْكَ الثُّقَبُ فَتَزَایَلَ (1)

بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ لَمَا وَصَلَ الرَّوْحُ إِلَی الْفُؤَادِ وَ لَهَلَكَ الْإِنْسَانُ فَیَسْتَجِیزُ ذُو فِكْرٍ وَ رَوِیَّةٍ أَنْ یَزْعُمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا یَكُونُ بِالْإِهْمَالِ وَ لَا یَجِدُ شَاهِداً مِنْ نَفْسِهِ یَنْزِعُهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لَوْ رَأَیْتَ فَرْداً مِنْ مِصْرَاعَیْنِ فِیهِ كَلُّوبٌ (2)

أَ كُنْتَ تَتَوَهَّمُ أَنَّهُ جُعِلَ كَذَلِكَ بِلَا مَعْنًی بَلْ كُنْتَ تَعْلَمُ ضَرُورَةً أَنَّهُ مَصْنُوعٌ یَلْقَی فَرْداً آخَرَ فَتُبْرِزُهُ لِیَكُونَ فِی اجْتِمَاعِهِمَا ضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَ هَكَذَا تَجِدُ الذَّكَرَ مِنَ الْحَیَوَانِ كَأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ زَوْجٍ مُهَیَّأٌ(3)

مِنْ فَرْدٍ أُنْثَی فَیَلْتَقِیَانِ لِمَا فِیهِ مِنْ دَوَامِ النَّسْلِ وَ بَقَائِهِ فَتَبّاً وَ خَیْبَةً وَ تَعْساً لِمُنْتَحِلِی الْفَلْسَفَةِ كَیْفَ عَمِیَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْخِلْقَةِ الْعَجِیبَةِ حَتَّی أَنْكَرُوا التَّدْبِیرَ وَ الْعَمْدَ فِیهَا لَوْ كَانَ فَرْجُ الرَّجُلِ مُسْتَرْخِیاً كَیْفَ كَانَ یَصِلُ إِلَی قَعْرِ الرَّحِمِ حَتَّی یُفْرِغَ النُّطْفَةَ فِیهِ وَ لَوْ كَانَ مُنْعَظاً أَبَداً كَیْفَ كَانَ الرَّجُلُ یَتَقَلَّبُ فِی الْفِرَاشِ وَ یَمْشِی بَیْنَ النَّاسِ وَ شَیْ ءٌ شَاخِصٌ أَمَامَهُ ثُمَّ یَكُونُ فِی ذَلِكَ مَعَ قُبْحِ الْمَنْظَرِ تَحْرِیكُ الشَّهْوَةِ فِی كُلِّ وَقْتٍ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ جَمِیعاً فَقَدَّرَ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ أَنْ یَكُونَ أَكْثَرَ ذَلِكَ لَا یَبْدُو لِلْبَصَرِ فِی كُلِّ وَقْتٍ وَ لَا یَكُونُ عَلَی الرِّجَالِ مِنْهُ مَئُونَةٌ بَلْ جَعَلَ فِیهِ الْقُوَّةَ عَلَی الِانْتِصَابِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَی ذَلِكَ لِمَا قَدَّرَ أَنْ یَكُونَ فِیهِ مِنْ دَوَامِ النَّسْلِ وَ بَقَائِهِ اعْتَبِرِ الْآنَ یَا مُفَضَّلُ بِعِظَمِ النِّعْمَةِ عَلَی الْإِنْسَانِ فِی مَطْعَمِهِ وَ مَشْرَبِهِ وَ تَسْهِیلِ خُرُوجِ الْأَذَی أَ لَیْسَ مِنْ حُسْنِ التَّقْدِیرِ فِی بِنَاءِ الدَّارِ أَنْ یَكُونَ الْخَلَاءُ فِی أَسْتَرِ مَوْضِعٍ فِیهَا فَهَكَذَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَنْفَذَ الْمُهَیَّأَ لِلْخَلَاءِ مِنَ الْإِنْسَانِ فِی أَسْتَرِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَلَمْ یَجْعَلْهُ بَارِزاً مِنْ خَلْقِهِ وَ لَا نَاشِراً مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ بَلْ هُوَ مُغَیَّبٌ فِی مَوْضِعٍ غَامِضٍ مِنَ الْبَدَنِ مَسْتُورٌ مَحْجُوبٌ یَلْتَقِی

ص: 327


1- 1. و تزایل( خ).
2- 2. الكلوب: خشبة فی رأسها عقافة منها او من حدید.
3- 3. مهنأ( خ).

عَلَیْهِ الْفَخِذَانِ وَ تَحْجُبُهُ الْأَلْیَتَانِ بِمَا عَلَیْهِمَا مِنَ اللَّحْمِ فَیُوَارِیَانِهِ فَإِذَا احْتَاجَ الْإِنْسَانُ إِلَی الْخَلَاءِ وَ جَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ أَلْفَی ذَلِكَ الْمَنْفَذَ مِنْهُ مُنْصَبّاً مُهَیَّأً لِانْحِدَارِ الثُّفْلِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ مَنْ تَظَاهَرَتْ آلَاؤُهُ وَ لَا تُحْصَی نَعْمَاؤُهُ فَكِّرْ یَا مُفَضَّلُ فِی هَذِهِ الْطَوَاحِنِ الَّتِی جُعِلَتْ لِلْإِنْسَانِ فَبَعْضُهَا حُدَادٌ لِقَطْعِ الطَّعَامِ وَ قَرْضِهِ وَ بَعْضُهَا عُرَاضٌ لِمَضْغِهِ وَ رَضِّهِ فَلَمْ یَنْقُصْ وَاحِدٌ(1)

مِنَ الصِّفَتَیْنِ إِذْ كَانَ مُحْتَاجاً إِلَیْهِمَا جَمِیعاً تَأَمَّلْ وَ اعْتَبِرْ بِحُسْنِ التَّدْبِیرِ فِی خَلْقِ الشَّعْرِ وَ الْأَظْفَارِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مِمَّا یَطُولُ وَ یَكْثُرُ حَتَّی یُحْتَاجُ إِلَی تَخْفِیفِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا جُعِلَا عَدِیمَیِ الْحِسِّ لِئَلَّا یُؤْلِمَ الْإِنْسَانَ الْأَخْذُ مِنْهُمَا وَ لَوْ كَانَ قَصُّ الشَّعْرِ وَ تَقْلِیمُ الْأَظْفَارِ مِمَّا یُوجَدُ لَهُ مَسُّ ذَلِكَ لَكَانَ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ بَیْنَ مَكْرُوهَیْنِ إِمَّا أَنْ یَدَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّی یَطُولَ فَیَتَثَقَّلَ عَلَیْهِ وَ إِمَّا أَنْ یُخَفِّفَهُ بِوَجَعٍ وَ أَلَمٍ یَتَأَلَّمُ مِنْهُ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ فَلِمَ لَمْ یَجْعَلْ ذَلِكَ خِلْقَةً لَا تَزِیدُ فَیَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إِلَی النُّقْصَانِ مِنْهُ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی فِی ذَلِكَ عَلَی الْعَبْدِ نِعَماً لَا یَعْرِفُهَا

فَیَحْمَدَ عَلَیْهَا اعْلَمْ أَنَّ آلَامَ الْبَدَنِ وَ أَدْوَاءَهُ تَخْرُجُ بِخُرُوجِ الشَّعْرِ فِی مَسَامِّهِ وَ بِخُرُوجِ الْأَظْفَارِ مِنْ أَنَامِلِهَا وَ لِذَلِكَ أُمِرَ الْإِنْسَانُ بِالنُّورَةِ وَ حَلْقِ الرَّأْسِ وَ قَصِّ الْأَظْفَارِ فِی كُلِّ أُسْبُوعٍ لِیُسْرِعَ الشَّعْرُ وَ الْأَظْفَارُ فِی النَّبَاتِ فَتَخْرُجَ الْآلَامُ وَ الْأَدْوَاءُ بِخُرُوجِهِمَا وَ إِذَا طَالا تَحَیَّزَا وَ قَلَّ خُرُوجُهُمَا فَاحْتُبِسَتِ الْآلَامُ وَ الْأَدْوَاءُ فِی الْبَدَنِ فَأَحْدَثَتْ عِلَلًا وَ أَوْجَاعاً وَ مَنَعَ مَعَ ذَلِكَ الشَّعْرَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِی یُضِرُّ بِالْإِنْسَانِ وَ یُحْدِثُ عَلَیْهِ الْفَسَادَ وَ الضَّرَرَ لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ فِی الْعَیْنِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَعْمَی الْبَصَرُ وَ لَوْ نَبَتَ فِی الْفَمِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیُنَغِّصُ عَلَی الْإِنْسَانِ طَعَامَهُ وَ شَرَابَهُ وَ لَوْ نَبَتَ فِی بَاطِنِ الْكَفِّ أَ لَمْ یَكُنْ سَیَعُوقُهُ عَنْ صِحَّةِ اللَّمْسِ وَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَ لَوْ نَبَتَ فِی فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَ عَلَی ذَكَرِ الرَّجُلِ أَ لَمْ یَكُنْ سَیُفْسِدُ عَلَیْهِمَا لَذَّةَ الْجِمَاعِ فَانْظُرْ كَیْفَ تَنَكَّبَ الشَّعْرُ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لِمَا فِی ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ ثُمَّ لَیْسَ هَذَا فِی الْإِنْسَانِ فَقَطْ بَلْ تَجِدُهُ فِی الْبَهَائِمِ وَ السِّبَاعِ وَ سَائِرِ الْمُتَنَاسِلَاتِ فَإِنَّكَ تَرَی أَجْسَامَهُنَّ مُجَلَّلَةً بِالشَّعْرِ وَ تَرَی هَذِهِ

ص: 328


1- 1. واحدا( خ).

الْمَوَاضِعَ خَالِیَةً مِنْهُ لِهَذَا السَّبَبِ بِعَیْنِهِ فَتَأَمَّلِ الْخِلْقَةَ كَیْفَ تَتَحَرَّزُ وُجُوهَ الْخَطَاءِ وَ الْمَضَرَّةِ وَ تَأْتِی بِالصَّوَابِ وَ الْمَنْفَعَةِ إِنَّ الْمَنَّانِیَّةَ(1) وَ أَشْبَاهَهُمْ حِینَ اجْتَهَدُوا فِی عَیْبِ الْخِلْقَةِ وَ الْعَمْدِ عَابُوا الشَّعْرَ النَّابِتَ عَلَی الرَّكَبِ وَ الْإِبْطَیْنِ وَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ رُطُوبَةٍ تَنْصَبُّ إِلَی هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَیَنْبُتُ فِیهَا الشَّعْرُ كَمَا یَنْبُتُ الْعُشْبُ فِی مُسْتَنْقَعِ الْمِیَاهِ أَ فَلَا تَرَی إِلَی هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَسْتَرُ وَ أَهْیَأُ لِقَبُولِ تِلْكَ الْفَضْلَةِ مِنْ غَیْرِهَا ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ تُعَدُّ مِمَّا یَحْمِلُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَئُونَةِ هَذَا الْبَدَنِ وَ تَكَالِیفِهِ لِمَا لَهُ فِی ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنَّ اهْتِمَامَهُ بِتَنْظِیفِ بَدَنِهِ وَ أَخْذِ مَا یَعْلُوهُ مِنَ الشَّعْرِ مِمَّا یَكْسِرُ بِهِ شِرَّتَهُ وَ یَكُفُّ عَادِیَتَهُ وَ یَشْغَلُهُ عَنْ بَعْضِ مَا یُخْرِجُهُ إِلَیْهِ الْفَرَاغُ مِنَ الْأَشَرِ وَ الْبِطَالَةِ تَأَمَّلِ الرِّیقَ وَ مَا فِیهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ جُعِلَ یَجْرِی جَرَیَاناً دَائِماً إِلَی الْفَمِ لِیَبُلَّ الْحَلْقَ وَ اللَّهَوَاتِ فَلَا یَجِفَّ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَوْ جُعِلَتْ كَذَلِكَ كَانَ فِیهِ هَلَاكُ الْإِنْسَانِ ثُمَّ كَانَ لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یُسِیغَ طَعَاماً إِذَا لَمْ یَكُنْ فِی الْفَمِ بِلَّةٌ تُنْفِذُهُ تَشْهَدُ بِذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ وَ اعْلَمْ أَنَّ الرُّطُوبَةَ مَطِیَّةُ الْغِذَاءِ وَ قَدْ تَجْرِی مِنْ هَذِهِ الْبِلَّةِ إِلَی مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْمِرَّةِ فَیَكُونُ فِی ذَلِكَ صَلَاحٌ تَامٌّ لِلْإِنْسَانِ وَ لَوْ یَبِسَتِ الْمِرَّةُ لَهَلَكَ الْإِنْسَانُ وَ لَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ جَهَلَةِ الْمُتَكَلِّمِینَ وَ ضَعَفَةِ الْمُتَفَلْسِفِینَ بِقِلَّةِ التَّمْیِیزِ وَ قُصُورِ الْعِلْمِ لَوْ كَانَ بَطْنُ الْإِنْسَانِ كَهَیْئَةِ الْقَبَاءِ یَفْتَحُهُ الطَّبِیبُ إِذَا شَاءَ فَیُعَایِنُ مَا فِیهِ وَ یُدْخِلُ یَدَهُ فَیُعَالِجُ مَا أَرَادَ عِلَاجَهُ أَ لَمْ یَكُنْ أَصْلَحَ مِنْ أَنْ یَكُونَ مُصْمَتاً مَحْجُوباً عَنِ الْبَصَرِ وَ الْیَدِ لَا یُعْرَفُ مَا فِیهِ إِلَّا بِدَلَالاتٍ غَامِضَةٍ كَمِثْلِ النَّظَرِ إِلَی الْبَوْلِ وَ حِسِّ الْعِرْقِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا یَكْثُرُ فِیهِ الْغَلَطُ وَ الشُّبْهَةُ حَتَّی رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَباً لِلْمَوْتِ فَلَوْ عَلِمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ هَكَذَا كَانَ أَوَّلَ مَا فِیهِ أَنَّهُ كَانَ یَسْقُطُ عَنِ الْإِنْسَانِ الْوَجَلُ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَ الْمَوْتِ وَ كَانَ یَسْتَشْعِرُ الْبَقَاءَ وَ یَغْتَرُّ بِالسَّلَامَةِ فَیُخْرِجُهُ ذَلِكَ إِلَی الْعُتُوِّ وَ الْأَشَرِ ثُمَّ كَانَتِ الرُّطُوبَاتُ الَّتِی فِی الْبَطْنِ تَتَرَشَّحُ وَ تَتَحَلَّبُ فَیُفْسِدُ عَلَی الْإِنْسَانِ مَقْعَدَهُ وَ مَرْقَدَهُ وَ ثِیَابَ بِذْلَتِهِ وَ زِینَتِهِ بَلْ كَانَ یُفْسِدُ عَلَیْهِ عَیْشَهُ

ص: 329


1- 1. فی بعض النسخ« المنابیة» بتقدیم الموحدة التحتانیة علی المثناة الفوقانیة، و فی بعضها« المانویة».

ثُمَّ إِنَّ الْمَعِدَةَ وَ الْكَبِدَ وَ الْفُؤَادَ إِنَّمَا تَفْعَلُ أَفْعَالَهَا بِالْحَرَارَةِ الْغَرِیزِیَّةِ الَّتِی جَعَلَهَا اللَّهُ مُحْتَبَسَةً فِی الْجَوْفِ فَلَوْ كَانَ فِی الْبَطْنِ فَرْجٌ یَنْفَتِحُ حَتَّی یَصِلَ الْبَصَرُ إِلَی رُؤْیَتِهِ وَ الْیَدُ إِلَی عِلَاجِهِ لَوَصَلَ بَرْدُ الْهَوَاءِ إِلَی الْجَوْفِ فَمَازَجَ الْحَرَارَةَ الْغَرِیزِیَّةَ وَ بَطَلَ عَمَلُ الْأَحْشَاءِ فَكَانَ فِی ذَلِكَ هَلَاكُ الْإِنْسَانِ أَ فَلَا تَرَی أَنَّ كُلَّ مَا تَذْهَبُ إِلَیْهِ الْأَوْهَامُ سِوَی مَا جَاءَتْ بِهِ الْخِلْقَةُ خَطَأٌ وَ خَطَلٌ.

أقول: قد مر شرح الجمیع فی كتاب التوحید من أراد ذلك فلیرجع إلیه (1).

«32»- الدُّرُّ الْمَنْثُورُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ كَمَا شَاءَ وَ بِمَا شَاءَ(2)

فَكَانَ كَذَلِكَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ خَلَقَ مِنَ التُّرَابِ وَ الْمَاءِ فَمِنْهُ لَحْمُهُ وَ دَمُهُ وَ شَعْرُهُ وَ عِظَامُهُ وَ جَسَدُهُ فَهَذَا(3) بَدْءُ الْخَلْقِ الَّذِی خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ ابْنَ آدَمَ ثُمَّ جُعِلَتْ فِیهِ النَّفْسُ فَبِهَا یَقُومُ وَ یَقْعُدُ وَ یَسْمَعُ وَ یُبْصِرُ وَ یَعْلَمُ مَا تَعْلَمُ الدَّوَابُّ وَ یَتَّقِی مَا تَتَّقِی ثُمَّ جُعِلَتْ فِیهِ الرُّوحُ فَبِهِ عَرَفَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ وَ الرُّشْدَ مِنَ الْغَیِّ وَ بِهِ حَذِرَ وَ تَقَدَّمَ وَ اسْتَتَرَ وَ تَعَلَّمَ وَ دَبَّرَ الْأُمُورَ كُلَّهَا فَمِنَ التُّرَابِ یُبُوسَتُهُ وَ مِنَ الْمَاءِ رُطُوبَتُهُ فَهَذَا بَدْءُ الْخَلْقِ الَّذِی خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ ابْنَ آدَمَ كَمَا أَحَبَّ أَنْ یَكُونَ ثُمَّ جَعَلَ فِیهِ مِنْ هَذِهِ الْفِطَرِ الْأَرْبَعِ أَنْوَاعاً مِنَ الْخَلْقِ (4)

فِی جَسَدِ ابْنِ آدَمَ فَهِیَ قِوَامُ جَسَدِهِ وَ مِلَاكُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ هِیَ الْمِرَّةُ السَّوْدَاءُ وَ الْمِرَّةُ الصَّفْرَاءُ وَ الدَّمُ وَ الْبَلْغَمُ فَیُبُوسَتُهُ وَ حَرَارَتُهُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ وَ مَسْكَنُهَا فِی الدَّمِ وَ رُطُوبَتُهُ وَ بُرُودَتُهُ مِنْ قِبَلِ الرُّوحِ وَ مَسْكَنُهُ (5)

فِی الْبَلْغَمِ فَإِذَا اعْتَدَلَتْ هَذِهِ الْفِطَرُ فِی الْجَسَدِ فَكَانَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعٌ كَانَ جِلْداً(6) كَامِلًا وَ جِسْماً صَحِیحاً وَ إِنْ كَثُرَ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَی صَاحِبِهِ عَلَاهَا وَ قَهَرَهَا وَ أُدْخِلَ (7) عَلَیْهَا السُّقْمُ مِنْ نَاحِیَتِهِ وَ إِنْ قَلَّ عَنْهَا وَاحِدٌ(8)

مِنْهَا غَلَبَتْ عَلَیْهِ وَ قَهَرَتْهُ وَ مَالَتْ بِهِ فَضَعُفَ عَنْ قُوَّتِهَا وَ عَجَزَ عَنْ طَاقَتِهَا

ص: 330


1- 1. راجع الجزء الثالث من هذه الطبعة، الصفحة 66- 78.
2- 2. فی المصدر: مما شاء.
3- 3. فیه: فذلك.
4- 4. فیه: أنواعا من الخلق أربعة فی ....
5- 5. مسكنها( خ).
6- 6. فی المصدر: جسدا.
7- 7. دخل( خ).
8- 8. فیه: و اخذ عنها.

وَ أُدْخِلَ عَلَیْهَا السُّقْمُ مِنْ نَاحِیَتِهِ فَالطَّبِیبُ الْعَالِمُ بِالدَّاءِ وَ الدَّوَاءِ یَعْلَمُ مِنَ الْجَسَدِ حَیْثُ أَتَی سُقْمُهُ أَ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ مِنْ زِیَادَةٍ(1).

«33»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَی إِلَی دَاوُدَ أَنْ یَسْأَلَ سُلَیْمَانَ عَنْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً فَإِنْ أَجَابَ وَرَّثَهُ الْعِلْمَ وَ النُّبُوَّةَ قَالَ أَخْبِرْنِی یَا بُنَیَّ أَیْنَ مَوْضِعُ الْعَقْلِ مِنْكَ قَالَ الدِّمَاغُ قَالَ أَیْنَ مَوْضِعُ الْحَیَاءِ مِنْكَ قَالَ الْعَیْنَانِ قَالَ أَیْنَ مَوْضِعُ الْبَاطِلِ مِنْكَ قَالَ الْأُذُنَانِ قَالَ أَیْنَ بَابُ الْخَطِیئَةِ مِنْكَ قَالَ اللِّسَانُ قَالَ أَیْنَ طَرِیقُ الرِّیحِ مِنْكَ قَالَ الْمَنْخِرَانِ قَالَ أَیْنَ مَوْضِعُ الْأَدَبِ وَ الْبَیَانِ مِنْكَ قَالَ الْكُلْوَتَانِ

قَالَ أَیْنَ بَابُ الْفَظَاظَةِ وَ الْغِلْظَةِ مِنْكَ قَالَ الْكَبِدُ قَالَ أَیْنَ بَیْتُ الرِّیحِ مِنْكَ قَالَ الرِّئَةُ قَالَ أَیْنَ بَابُ الْفَرَحِ مِنْكَ قَالَ الطِّحَالُ قَالَ أَیْنَ بَابُ الْكَسْبِ مِنْكَ قَالَ الْیَدَانِ قَالَ أَیْنَ بَابُ النَّصْبِ مِنْكَ قَالَ الرِّجْلَانِ قَالَ أَیْنَ بَابُ الشَّهْوَةِ مِنْكَ قَالَ الْفَرْجُ قَالَ أَیْنَ بَابُ الذُّرِّیَّةِ مِنْكَ قَالَ الصُّلْبُ قَالَ أَیْنَ بَابُ الْعِلْمِ وَ الْفَهْمِ وَ الْحِكْمَةِ قَالَ الْقَلْبُ إِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَ إِذْ فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ ذَلِكَ كُلُّهُ.

كلمة المصحّح

بسمه تعالی إلی هنا تمّ الجزء الخامس من المجلّد الرابع عشر كتاب السماء و العالم من بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار و هو الجزء الثامن و الخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة البهیّة النفیسة. و قد قابلناه علی النسخة الّتی نمقّها الفاضل الخبیر الشیخ محمّد تقیّ الیزدیّ بما فیها من التعلیق و اللّٰه ولیّ التوفیق.

محمّد الباقر البهبودی

ص: 331


1- 1. الدّر المنثور: ج 5، ص 17.

مراجع التصحیح و التخریج و التعلیق

قوبل هذا الجزء بعدّة نسخ مطبوعة و مخطوطة، منها النسخة المطبوعة بطهران سنة (1305) المعروفة بطبعة أمین الضرب، و منها النسخة المطبوعة بتبریر و منها النسخة المخطوطة النفیسة لمكتبة صاحب الفضیلة السیّد جلال الدین الأرمویّ الشهیر ب «المحدّث» و اعتمدنا فی التخریج و التصحیح و التعلیق علی كتب كثیرة نسرد بعض أسامیها:

«1»- القرآن الكریم.

«2»- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی المطبوع سنة 1311 فی ایران

«3»- تفسیر فرات الكوفیّ المطبوع سنة 1354 فی النجف

«4»- تفسیر مجمع البیان المطبوع سنة 1373 فی طهران

«5»- تفسیر أنوار التنزیل للقاضی البیضاویّ المطبوع سنة 1285 فی استانبول

«6»- تفسیر مفاتیح الغیب للفخر الرازیّ المطبوع سنة 1294 فی استانبول

«7»- الاحتجاج للطبرسیّ المطبوع سنة 1350 فی النجف

«8»- اصول الكافی للكلینی المطبوع سنة- فی طهران

«9»- الاقبال للسیّد بن طاوس المطبوع سنة 1312 فی طهران

«10»- تنبیه الخواطر لورّام بن أبی فراس المطبوع سنة- فی طهران

«11»- التوحید للصدوق المطبوع سنة 1375 فی طهران

«12»- ثواب الأعمال للصدوق المطبوع سنة 1375 فی طهران

«13»- الخصال الأعمال للصدوق المطبوع سنة 1374 فی طهران

«14»- الدرّ المنثور للسیوطیّ

«15»- روضة الكافی للكلینی المطبوع سنة 1374 فی طهران

ص: 332

«16»- علل الشرائع الصدوق المطبوع سنة 1378 فی قم

«17»- عیون الأخبار للصدوق المطبوع سنة 1377 فی قم

«18»- فروع الكافی للكلینی المطبوع سنة- فی-

«19»- المحاسن للبرقیّ المطبوع سنة 1371 فی طهران

«20»- معانی الاخبار للصدوق المطبوع سنة 1379 فی طهران

«21»- مناقب آل أبی طالب لابن شهرآشوب المطبوع سنة 1378 فی قم

«22»- من لا یحضره الفقیه للصدوق المطبوع سنة 1376 فی طهران

«23»- نهج البلاغة للشریف الرضی المطبوع سنة- فی مصر

«24»- اسد الغایة لعزّ الدین ابن الأثیر المطبوع سنة- فی طهران

«25»- تنقیح المقال للشیخ عبد اللّٰه المامقانی المطبوع سنة 1350 فی النجف

«26»- تهذیب الاسماء و اللغات للحافظ محیی الدین بن شرف النوری المطبوع فی مصر

«27»- جامع الرواة للاردبیلی المطبوع سنة 1331 فی طهران

«28»- خلاصة تذهیب الكمال للحافظ الخزرجی المطبوع سنة 132 فی مصر

«29»- رجال النجاشی المطبوع-- فی طهران

«30»- روضات الجنات للمیرزا محمّد باقر الموسوی المطبوع سنة 1367 فی طهران

«31»- الكنی و الألغاب للمحدّث القمی المطبوع-- فی صیدا

«32»- لسان المیزان لابن حجر العسقلانی المطبوع-- فی حیدرآباد الدكن

«33»- الرواشح السماویة للسید محمّد باقر الحسینی الشهیر بالداماد المطبوع سنة 1311 فی ایران

«34»- القبسات للسید محمّد باقر الحسینی الشهیر بالداماد المطبوع سنة 1315 فی ایران

«35»- رسالة مذهب ارسطاطا لیس للسید محمّد باقر الحسینی الشهیر بالداماد المطبوعة بهامش القبسات

«36»- اثولوجیا المنسوب إلی ارسطاطا لیس المطبوعة بهامش القبسات

ص: 333

«37»- رسالة الحدوث لصدر المتألهین المطبوع سنة 1302 فی ایران

«38»- الشفاء للشیخ الرئیس ابی علی بن سینا المطبوع سنة 1303 فی ایران

«39»- شرح التجرید تألیف المحقق الطوسی للعلامة الحلّیّ المطبوع سنة 1367 فی قم

«40»- عین الیقین للمولی محسن الفیض الكاشانی المطبوع سنة 1313 فی طهران

«41»- مروج الذهب للمسعودی المطبوع سنة 1346 فی مصر

«42»- القاموس لمحیط للفیروزآبادی المطبوع سنة 1332 فی مصر

«43»- الصحاح للجوهریّ المطبوع سنة 1377 فی مصر

«44»- النهایة لمجد الدین ابن الاثیر المطبوع سنة 1311 فی مصر

ص: 334

فهرس ما فی هذا الجزء من الأبواب

الموضوع/ الصفحه

«42»- باب حقیقة النفس و الروح و أحوالهما 131- 1

«43»- باب آخر فی خلق الأرواح قبل الأجساد و علّة تعلّقها بها و بعض شئونها من ائتلافها و اختلافها و حبّها و بغضها و غیر ذلك من أحوالها 150- 131

«44»- باب حقیقة الرؤیا و تعبیرها و فضل الرؤیا الصادقة و علّتها و علّة الكاذبة 233- 151

«45»- باب آخر فی رؤیة النبی صّلی الّله علیه و آله و أوصیائه علیهم السلام و سائر الأنبیاء و الأولیاء فی المنام 244- 234

«46»- باب قوی النفس و مشاعرها من الحواسّ الظاهرة و الباطنة و سائر القوی البدنیة 286- 245

«47»- باب ما به قوام بدن الإنسان و أجزائه و تشریح أعضائه و منافعها و ما یترتّب علیها من أحوال النفس 331- 286

ص: 335

ص: 336

رموز الكتاب

ب: لقرب الإسناد.

بشا: لبشارة المصطفی.

تم: لفلاح السائل.

ثو: لثواب الأعمال.

ج: للإحتجاج.

جا: لمجالس المفید.

جش: لفهرست النجاشیّ.

جع: لجامع الأخبار.

جم: لجمال الأسبوع.

جُنة: للجُنة.

حة: لفرحة الغریّ.

ختص: لكتاب الإختصاص.

خص: لمنتخب البصائر.

د: للعَدَد.

سر: للسرائر.

سن: للمحاسن.

شا: للإرشاد.

شف: لكشف الیقین.

شی: لتفسیر العیاشیّ

ص: لقصص الأنبیاء.

صا: للإستبصار.

صبا: لمصباح الزائر.

صح: لصحیفة الرضا علیه السلام

ضا: لفقه الرضا علیه السلام

ضوء: لضوء الشهاب.

ضه: لروضة الواعظین.

ط: للصراط المستقیم.

طا: لأمان الأخطار.

طب: لطبّ الأئمة.

ع: لعلل الشرائع.

عا: لدعائم الإسلام.

عد: للعقائد.

عدة: للعُدة.

عم: لإعلام الوری.

عین: للعیون و المحاسن.

غر: للغرر و الدرر.

غط: لغیبة الشیخ.

غو: لغوالی اللئالی.

ف: لتحف العقول.

فتح: لفتح الأبواب.

فر: لتفسیر فرات بن إبراهیم.

فس: لتفسیر علیّ بن إبراهیم.

فض: لكتاب الروضة.

ق: للكتاب العتیق الغرویّ

قب: لمناقب ابن شهر آشوب.

قبس: لقبس المصباح.

قضا: لقضاء الحقوق.

قل: لإقبال الأعمال.

قیة: للدُروع.

ك: لإكمال الدین.

كا: للكافی.

كش: لرجال الكشیّ.

كشف: لكشف الغمّة.

كف: لمصباح الكفعمیّ.

كنز: لكنز جامع الفوائد و تأویل الآیات الظاهرة معا.

ل: للخصال.

لد: للبلد الأمین.

لی: لأمالی الصدوق.

م: لتفسیر الإمام العسكریّ علیه السلام

ما: لأمالی الطوسیّ.

محص: للتمحیص.

مد: للعُمدة.

مص: لمصباح الشریعة.

مصبا: للمصباحین.

مع: لمعانی الأخبار.

مكا: لمكارم الأخلاق.

مل: لكامل الزیارة.

منها: للمنهاج.

مهج: لمهج الدعوات.

ن: لعیون أخبار الرضا علیه السلام

نبه: لتنبیه الخاطر.

نجم: لكتاب النجوم.

نص: للكفایة.

نهج: لنهج البلاغة.

نی: لغیبة النعمانیّ.

هد: للهدایة.

یب: للتهذیب.

یج: للخرائج.

ید: للتوحید.

یر: لبصائر الدرجات.

یف: للطرائف.

یل: للفضائل.

ین: لكتابی الحسین بن سعید او لكتابه و النوادر.

یه: لمن لا یحضره الفقیه.

ص: 337

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.