بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار المجلد 54

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.

عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 54: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.

عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].

مظهر: ج - عينة.

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].

ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).

ملاحظة: فهرس.

محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-

عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق

ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح

تصنيف ديوي: 297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946

ص: 1

كتاب السماء و العالم

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

و به ثقتی الحمد لله خالق الأرضین و السماوات و سامك المسموكات و داحی المدحوات و مخرج عباده إلی النور من الظلمات مزوج الآباء العلویة(1) أمهات السفلیات و مثمر الموالید من أرحام الأسطقسات (2) و مظهر الأنواع المتوالدة و المتولدة من مشایم القابلیات و الصلاة علی أشرف الخلائق و البریات و عین أعیان المكونات (3) و أفضل نتائج الآباء و الأمهات محمد المصطفی و أهل بیته الأقدسین الذین بهم جرت جمیع النعم علی الكائنات و بنورهم یهتدی إلی مناهج السعادات و بذكر شفاعتهم یشفی غلیل صدور أرباب الجرائم و السیئات.

أما بعد فیقول أفقر العباد إلی عفو ربه الغافر محمد بن محمد تقی المدعو بباقر رزقهما اللّٰه السعادة فی الیوم الآخر و ثبت أقدامهما فی المزالق و المعاثر(4) هذا هو المجلد الرابع عشر من كتاب بحار الأنوار المسمی بكتاب السماء و العالم لاشتماله علی كشف الغطاء عن غوامض أسرار الآیات و الروایات المتعلقة بخلق اللوح و القلم و العرش و الكرسی و الحجب و السرادقات و السماوات و أصناف الملائكة و الكواكب و النجوم و صفاتها و أحكامها و آثارها و الأرضین و العناصر و الموالید من


1- 1. العلویات( خ ل).
2- 2. الاسطقس: لغة یونانیة معناها بالعربیة الأصل، و فی اصطلاح الفلاسفة الطبیعیین أبسط أجزاء المركب.
3- 3. المكنونات( خ ل).
4- 4. المزالق و المعاثر: المواضع التی تزل فیها الاقدام.

المعادن و النباتات و الحیوانات و خواصها و حلها و حرمتها و صیدها و ذبحها و منافع الأدویة و الثمار و الحشائش و العقاقیر و خواصها و فوائدها و أحوال الإنسان و النفس و الروح و تشریح الأبدان و علم الطب و أحوال البقاع و البلدان و الأصقاع و سائر ما یتعلق بتلك الأعیان و هذا مما لم یسبقنی إلیه أحد من علمائنا و المخالفین و أرجو بفضله سبحانه أن یكون مما تقر به أعین المؤمنین و یسخن (1)

عیون المنافقین و الملحدین و أستمد المعونة فی ذلك من ربی جل شأنه ثم من موالی الأكرمین و حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ.

أبواب كلیات أحوال العالم و ما یتعلق بالسماویات

باب 1 حدوث العالم و بدء خلقه و كیفیته و بعض كلیات الأمور

اشارة

باب 1 حدوث العالم و بدء خلقه و كیفیته و بعض كلیات الأمور(2)

الآیات:

البقرة: هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَكُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیمٌ (3)

الأنعام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ(4)

الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ (5)

ص: 2


1- 1. سخنت عینه( بكسر الخاء المعجمة) یسخن( بفتحها): نقیض« قرت» و أسخن عینه و سخنها: أبكاه.
2- 2. الأحوال( خ ل).
3- 3. البقرة: 29.
4- 4. الأنعام: 1.
5- 5. الأعراف: 54.

یونس: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الْأَمْرَ(1)

هود: وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ لِیَبْلُوَكُمْ أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا(2)

الكهف: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً(3)

الأنبیاء: أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍّ أَ فَلا یُؤْمِنُونَ (4)

الفرقان: الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِیراً(5)

التنزیل: اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ (6)

فصلت: قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِینَ وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِیها وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِینَ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ وَ أَوْحی فِی كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ وَ حِفْظاً ذلِكَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ (7)

ص: 3


1- 1. یونس: 3.
2- 2. هود: 7.
3- 3. الكهف: 51.
4- 4. الأنبیاء: 30.
5- 5. الفرقان: 59.
6- 6. الم السجدة: 4.
7- 7. فصّلت: 9- 12.

ق: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (1)

الحدید: هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ (2)

النازعات: أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَیْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها وَ الْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ (3)

الأعلی: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَی الَّذِی خَلَقَ فَسَوَّی وَ الَّذِی قَدَّرَ فَهَدی (4)

تفسیر:

هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَكُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً امتنان علی العباد بخلق ما یتوقف علیه بقاؤهم و یتم به معاشهم و معنی لَكُمْ لأجلكم و انتفاعكم فی دنیاكم باستعمالكم بها فی مصالح أبدانكم بوسط أو غیر وسط و فی دینكم بالاستدلال و الاعتبار و التعرف بما یلائمها من لذات الآخرة و آلامها و هذا مما یستدل به علی إباحة جمیع الأشیاء إلا ما أخرجه الدلیل و ما یعم كل ما فی الأرض لا الأرض إلا إذا أرید به جهة السفل كما یراد بالسماء جهة العلو جَمِیعاً حال عن الموصول الثانی ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ(5) أی قصد إلیها بإرادته من قولهم استوی إلیه

ص: 4


1- 1. ق: 38.
2- 2. الحدید: 4.
3- 3. النازعات: 27- 33.
4- 4. الأعلی: 1- 3.
5- 5. قال الراغب فی مفرداته: سماء كل شی ء أعلاه، قال الشاعر فی وصف فرس: و أحمر كالدیباج أما سماؤه***فریا و أمّا أرضه فمحول و سمی المطر سماء لخروجه منها، و سمی النبات سماء إمّا لكونه من المطر الذی هو سماء و إمّا لارتفاعه عن الأرض. و السماء المقابل للأرض مؤنث و قد یذكر، و یستعمل للواحد و الجمع لقوله« ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ» و قد یقال فی جمعها« سماوات» قال:« خَلْقِ السَّماواتِ*؛ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ»* و قال« السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ» فذكر و قال:« إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» و« إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ» فأنث( انتهی ملخصا).

إذا قصده قصدا مستویا من غیر أن یلوی علی شی ء و قیل استوی أی استولی و ملك قال الشاعر

قد استوی بشر علی العراق***من غیر سیف و دم مهراق

و المراد بالسماء الأجرام العلویة أو(1)

جهات العلو كما قیل.

فَسَوَّاهُنَ أی عدلهن و خلقهن مصونة من العوج و الفطور و قیل هن ضمیر السماء إن فسرت بالأجرام لأنها جمع أو فی معنی الجمع و إلا فمبهم یفسره ما بعده كقولهم ربه رجلا سَبْعَ سَماواتٍ بدل أو تفسیر و السبع لا ینافی التسع التی أثبتوها أصحاب الأرصاد إذ الثامن و التاسع مسمیان فی لسان الشرع بالكرسی و العرش (2) وَ هُوَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیمٌ قیل فیه تعلیل كأنه قال و لكونه

عالما بتلك الأشیاء كلها خلق ما خلق علی هذا النمط الأكمل و الوجه الأنفع و الاستدلال بأن من كان فعله علی هذا النسق العجیب و الترتیب الأنیق كان علیما و تدل الآیة علی حدوث السماوات بل الأرض أیضا كما سیأتی بیانه.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أخبر بأنه تعالی حقیق بالحمد

ص: 5


1- 1. أی( خ ل).
2- 2. غیر خفی أن هذا التطبیق مبنی علی الفرضیة البطلمیوسیة فی الهیئة و هی كون الافلاك الكلیة تسعة و فیه جهات من الاشكال: الأولی- أن عدد الافلاك بناء علی تلك الفرضیة تسعة و السماوات سبع بالنص غیر القابل للتأویل، و تطبیق الثامن علی الكرسیّ و العرش قول من غیر دلیل، بل الدلیل علی خلافه كما سیجی ء فی معنی العرش و الكرسیّ. الثانیة- أن القرآن یجعل الكواكب كلها مصابیح للسماء الدنیا( و هی السماء الأولی ظاهرا) لا مثبتا فیها و لا فی غیرها من السماوات بل یصرح بأنها تسبح فی الفلك، و أمّا علی الفرض المذكور فمحل الثوابت هو الفلك الثامن و محل كل من السیارات التی ینحصر عددها فی السبع علی الفرض فلك من الافلاك المحویة و كلها مركوزة فی الافلاك یستحیل علیها الانتقال و تغیر الوضع إلّا بتبع الافلاك. الثالثة- أن الفلك بمعناه المصطلح فی الهیئة القدیمة لا أثر منها فی الخارج و قد استدلّ علیه علماء الهیئة الحدیثة بدلائل متعدّدة. إلی غیر ذلك.

و نبه علی أنه المستحق له علی هذه النعم الجسام حمد أو لم یحمد لیكون حجة علی الذین هُمْ بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ و جمع السماوات دون الأرض و هی مثلهن لأن طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار و الحركات و قدمها لشرفها و علو مكانها وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ أی أنشأهما و الفرق بین خلق و جعل الذی له مفعول واحد أن خلق فیه معنی التقدیر و جعل فیه معنی التضمین و لذلك عبر عن إحداث النور و الظلمة بالجعل تنبیها علی أنهما لا یقومان بأنفسهما كما زعمت الثنویة و جمع الظلمات لكثرة أسبابها و الأجرام الحاملة لها أو لأن المراد بالظلمة الضلال و بالنور الهدی و الهدی واحد و الضلال متعدد و تقدیمها لتقدم الأعدام علی الملكات.

فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ المشهور أن المراد بالأیام هنا مقدار أیام الدنیا و

روی عن ابن عباس: أنها من أیام الآخرة كل یوم منها أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.

أقول: و بمثل هذا الخبر لا یمكن صرف الآیة عن ظاهرها ثم إنه سبحانه إنما خلق فی هذه المدة مع أنه كان قادرا علی خلقها فی طرفة عین إما لعبرة من خلقها من الملائكة إذ الاعتبار فی التدریج أكثر كما ورد فی الخبر أو لیعلم بذلك أنها صادرة من قادر مختار عالم بالمصالح و وجوه الأحكام إذ لو حصلت من مطبوع أو موجب لحصلت فی حالة واحدة أو لیعلم الناس التأنی فی الأمور و عدم الاستعجال فیها

كَمَا رُوِیَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: وَ لَوْ شَاءَ أَنْ یَخْلُقَهَا فِی أَقَلَّ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ لَخَلَقَ وَ لَكِنَّهُ جَعَلَ الْأَنَاءَ(1) وَ الْمُدَارَاةَ مِثَالًا لِأُمَنَائِهِ وَ إِیجَاباً لِلْحُجَّةِ عَلَی خَلْقِهِ.

و أورد هنا إشكال و هو أن الیوم إنما یحصل بحركة الشمس و طلوعها و غروبها فما معنی الیوم هاهنا و یمكن أن یجاب بوجوه.

الأول أن مناط تمایز الأیام و تقدرها إنما هو حركة الفلك الأعلی دون السماوات السبع و المخلوق فی الأیام المتمایزة إنما هو السماوات السبع و

ص: 6


1- 1. الاناء: بفتح الهمزة اسم من الابناء أی الابطاء و التأخیر.

الأرض و ما بینهما دون ما فوقهما و لا یلزم من ذلك الخلأ لتقدم الماء الذی خلق منه الجمیع علی الجمیع. الثانی أن المراد بالأیام الأوقات كقوله تعالی وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ (1) الثالث أن المراد فی مقدار ستة أیام و مرجع الجمیع إلی واحد إذ قبل وجود الشمس لا یتصور یوم حقیقة فالمراد إما مقدار من الزمان مطلقا أو مقدار حركة الشمس هذا القدر و علی التقدیرین إما مبنی علی كون الزمان أمرا موهوما منتزعا من بقائه سبحانه أو من أول الأجسام المخلوقة كالماء أو من الأرواح المخلوقة قبل الأجسام علی القول به أو من الملائكة كما هو ظاهر الخبر الآتی و إما بالقول بخلق فلك متحرك قبل ذلك بناء علی القول بوجود الزمان و أنه مقدار حركة الفلك فإن التجدد و التقضی و التصرم الذی هو منشأ تحقق الزمان عندهم فی الجمیع متصور(2).

ص: 7


1- 1. الأنفال: 16.
2- 2. یقع الكلام فی قوله تعالی« خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ»* تارة فی معنی السماوات و ماهیتها، و اخری فی معنی الأیّام المذكورة و كیفیة تصویرها حین خلق السماوات و الأرض، و ثالثة فی معنی الخلق و كیفیة وقوعه فی برهة من الزمان. اما السماوات فالظاهر من الآیات الكریمة و الروایات الشریفة انها اجسام لطیفة خلقت من مادة سماها القرآن« دخانا» قال تعالی: ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ- إلی أن قال- فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ» لكن قد یستعمل السماء بمعنی الموجود العالی سواء كان علوه حسیا او غیر حسی كما ورد فی صعود الاعمال الی السماء و نزول الأرزاق منها الی غیر ذلك، و لعلّ قوله تعالی« وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً» أیضا من هذا القبیل. ثمّ الظاهر أنّه كان قبل خلق السماوات و الأرض شی ء سماه القرآن« ماء» و انه مادة جمیع الاجسام، قال تعالی« خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ» و یؤید ذلك كله روایات كثیرة ستطلع علیها من قریب. و الظاهر ان أصل السماء خلق قبل الأرض لكن فتقها و تسویتها سبعا وقع بعده، قال تعالی« خَلَقَ لَكُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ» كما ان الظاهر ان دحو الأرض كان بعد تسویة السماوات، قال تعالی« وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» و أیضا الظاهر ان الكواكب كلها و لا أقل من المرئیة منها تحت. السماء الأولی، قال تعالی« وَ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ» و قال تعالی« إِنَّا زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِزِینَةٍ الْكَواكِبِ». و اما الأیّام فالمتیقن انه لم یكن قبل خلق الأرض یوم بمعناه المشهور، اعنی ما یحصل من حركة الأرض الوضعیة، لان هذا المعنی انما یمكن فرضه بعد وجود ارض متحركة: فالمراد بها اما ساعات مساویة لها، او مقادیر اخری من الزمان اعتبرت أیاما بعنایة، كما یطلق الایام علی السنین و الاعوام بل علی القرون و الاحقاب و هو استعمال شائع. و علی أی تقدیر فان قیل بوجود الزمان قبل خلق السماوات و الأرض فلا بدّ من الالتزام بوجود جسم متحرك بحركة جوهریة او عرضیة قبلها- و قد مر استظهار وجود الماء عندئذ- و الا فمعنی وقوع خلق السماوات و الأرض فی تلك الأزمنة مقارنته لها، و یكفی فی المقارنة كونها بحركتها راسمة للزمان. و أمّا القول بان الزمان امر موهوم منتزع من بقاء ذات الباری سبحانه فان أرید ان ذاته تعالی منشأ لانتزاعه ففیه مضافا الی انه ینافی مخلوقیته ان الزمان امر سیال متصرم و حقیقته التجدد و التغیر و ما هذا شانه یستحیل انتزاعه ممّا لا سبیل للتغیر إلیه بوجه، و كذلك القول بانتزاعه من الملائكة أو الأرواح، الا أن یقال بكونها اجساما قابلة للحركة فتصیر كسائر الاجسام فی صحة انتزاع الزمان من حركتها فتأمل. و ان أرید انه امر موهوم لا اثر منه فی الخارج اصلا فلا یمكن اناطة الأبحاث الحقیقیة كبحث القدم و الحدوث الزمانیین و غیره من الأبحاث الهامة: مع انه بناء علیه لا یبقی فرق حقیقی بین الحوادث الماضیة و الآتیة! و سیأتی الكلام فیه. و اما الكلام فی وقوع الخلق مقارنا للایام الستة فالذی یظهر من الآیات الشریفة ان المراد بالخلق لیس هو الاحداث الدفعی بل المراد الایجاد التدریجی، قال تعالی« هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ»* و قال« خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ» و قال« وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِیها وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ» و الظاهر أنّه لیس المراد بهذه الأربعة أیّاما اخری غیر الیومین الاولین، و الا لما بقی لخلق السماوات شی ء من ستة أیّام، و هو تعالی یقول بعید هنا« فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ» فخلق الأرض و اكمالها الی ان تستعد لوجود الرواسی و تهیئة الاقوات كل ذلك وقع فی أربعة أیام، الا أن یقال بتداخل أیّام خلق السماوات فی أیام خلق الأرض و وقوع خلق السماوات مقارنا لیومین من أیّام خلق الأرض و كیف كان فیشبه ان یكون المراد بالایام التی خلقت فیها الأرض الادوار التی مرت علیها من حین احداثها الی ان صارت علی حالها هذه و استعدت لنشوء الموجود الحی فیها، فینطبق علی ما ذكره علماء« الجیولوجیا» فی ادوار الأرض بعض الانطباق. و أن یكون المراد بالیومین اللذین خلق فیهما السماوات الدورتین اللتین مرتا علیها أعنی الدورة التی كانت مرتتقة غیر متمیزة، و الدورة التی فتقت و سویت سبع سماوات متمیزة. و سیأتی نقلا عن تفسیر القمّیّ ان المراد باربعة أیّام الفصول الأربعة لانها التی یخرج اللّٰه تعالی فیها اقوات الناس و البهائم و سائر الحیوانات و اللّٰه العالم.

و قال بعض الصوفیة للزمان المادی زمان مجرد كالنفس للجسد و للمكان

ص: 8

المادی مكان مجرد و هما عارضان للمجردات و لا یمكن فهمه و خارج عن طور العقل كسائر خیالاتهم و أقوالهم.

و علی أی حال هذه الآیة و ما سیأتی من أشباهها تدل علی حدوث السماوات و الأرض و ما بینهما لأن الحادث فی الیوم الأخیر مثلا مسبوق بخمسة أیام فیكون متناهی البقاء منقطع الوجود فی جهة الماضی و الموجود فی الیوم الأول زمان وجوده أزید علی الأخیر بقدر متناه فالجمیع متناهی الوجود حادث فیرد علی الحكماء كون الزمان أیضا حادثا متناهیا لأنه عندهم مقدار حركة الفلك و أما ما ذكره الرازی فی تفسیره (1) من أن المراد بستة أیام ستة أحوال (2) و ذلك لأن السماء و الأرض و ما بینهما ثلاثة أشیاء و لكل واحد منهما ذات و صفة فنظرا(3)

إلی خلقة(4) ذات السماء حالة و إلی (5)

خلقة(6)

صفاتها أخری و نظرا(7) إلی خلقة(8)

ذات الأرض و إلی صفاتها كذلك و نظرا(9) إلی ذوات ما بینها و إلی صفاتها أخری (10) فهی ستة أشیاء فی ستة أحوال و إنما ذكر الأیام لأن الإنسان إذا رأی (11) إلی الخلق رآه فعلا و الفعل ظرفه الزمان و الأیام أشهر الأزمنة و إلا فقبل السماوات لم

یكن لیل و لا نهار و هذا مثل ما یقول القائل لغیره إن یوما ولدت فیه كان یوما مباركا و قد یجوز أن یكون ولد ذلك لیلا(12)

و لا یخرج عن مراده لأن المراد الزمان (13) الذی هو ظرف

ص: 9


1- 1. مفاتیح الغیب، ج 6 ص 751 فی تفسیر سورة السجدة.
2- 2. فی نظر الناظرین( كذا فی مفاتیح الغیب).
3- 3. فنظر( نسخة).
4- 4. خلقة( خ ل).
5- 5. و نظرا الی خلقه( كذا فی المصدر).
6- 6. خلقة( خ ل).
7- 7. فنظر( نسخة).
8- 8. خلقة( خ ل).
9- 9. فنظر( نسخة).
10- 10. صفاتها كذلك( فی المصدر).
11- 11. اذا نظر( مفاتیح الغیب).
12- 12. أن یكون ذلك قد ولد لیلا( المصدر).
13- 13. هو الزمان( المصدر).

ولادته فهو تكلف بعید مستغنی عنه و ما ذكرنا أقرب إلی لفظ الآیة الكریمة و أوفق بالمراد و سیأتی معانی (1)

العرش و استوی (2) علیه.

وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ قال البیضاوی (3) أی قبل خلقهما لم یكن حائل بینهما لا أنه كان موضوعا علی متن الماء و استدل به علی إمكان الخلاء و أن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم و قیل كان الماء علی متن الریح و اللّٰه أعلم بذلك انتهی و قال الطبرسی (4) و فی هذا دلالة علی أن العرش و الماء كانا موجودین قبل خلق السماوات و الأرض و كان الماء قائما بقدرة اللّٰه علی غیر موضع قرار بل كان اللّٰه یمسكه بكمال قدرته و فی ذلك أعظم الاعتبار لأهل الإنكار و قیل المراد(5) بقوله عَرْشُهُ بناؤه یدل علیه وَ مِمَّا یَعْرِشُونَ أی یبنون فالمعنی (6)

و كان بناؤه علی الماء فإن البناء علی الماء أبدع و أعجب عن أبی مسلم انتهی.

و قال الرازی فی تفسیره (7)

قال كعب خلق اللّٰه تعالی یاقوتة خضراء ثم نظر إلیها بالهیبة فصارت ماء یرتعد ثم خلق الریح فجعل الماء علی متنها ثم وضع العرش علی الماء قال أبو بكر الأصم و معنی قوله وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ كقولهم السماء علی الأرض و لیس ذلك علی سبیل كون أحدهما ملتصقا بالآخر و كیف كانت الواقعة یدل (8)

علی أن العرش و الماء كانا قبل السماوات و الأرض قالت المعتزلة و فی الآیة دلالة علی وجود الملائكة قبل خلقهما لأنه لا یجوز أن

ص: 10


1- 1. فی نسخة: بیان العرش.
2- 2. و الاستواء( خ ل).
3- 3. أنوار التنزیل، ج 1 س هود ی 7.
4- 4. مجمع البیان، ج 5، سورة هود و لیس فیه لفظة الواو.
5- 5. ان المراد( خ ل).
6- 6. و المعنی( خ ل).
7- 7. مفاتیح الغیب ج 5 ص 57 فی تفسیر سورة هود.
8- 8. فذلك یدل( مفاتیح الغیب للرازیّ).

یخلق ذلك و لا أحد ینتفع بالعرش و الماء انتهی.

و فی بعض الأخبار: أن المراد حمل علمه و دینه الماء.

و ربما یؤول من قال بالهیولی الماء بها.

لِیَبْلُوَكُمْ أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أی خلقهن لحكمة بالغة و هی أن یجعلها مساكن لعباده و ینعم علیهم فیها بفنون النعم و یكلفهم و یعرضهم لثواب الآخرة و لما أشبه ذلك اختبار المختبر قال لِیَبْلُوَكُمْ أی لیفعل بكم ما یفعل المبتلی لأحوالكم كیف تعملون

وَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: لَیْسَ یَعْنِی أَكْثَرُكُمْ عَمَلًا وَ لَكِنْ أَصْوَبُكُمْ عَمَلًا وَ إِنَّمَا الْإِصَابَةُ خَشْیَةُ اللَّهِ وَ النِّیَّةُ الصَّادِقَةُ.

ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قال الطبرسی رحمه اللّٰه (1) أی ما أحضرت إبلیس و ذریته خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم مستعینا بهم علی ذلك و لا استعنت ببعضهم علی خلق بعض و هذا إخبار عن كمال قدرته و استغنائه عن الأنصار و الأعوان و یدل علیه قوله وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً أی الشیاطین الذین یضلون الناس أعوانا یعضدوننی علیه و كثیرا ما یستعمل العضد بمعنی العون (2)

و قیل المعنی أنكم اتبعتم الشیاطین كما یتبع من یكون عنده علم لا ینال إلا من جهته و أنا ما أطلعتهم علی خلق السماوات (3) و لا علی خلق أنفسهم و لم أعطهم العلم بأنه كیف یخلق الأشیاء فمن أین یتبعونهم و قیل معناه ما أحضرت مشركی العرب و هؤلاء الكفار خلق السماوات و الأرض و لا بعضهم خلق بعض بل لم یكونوا موجودین فخلقتهم فمن أین قالوا إن الملائكة بنات اللّٰه و من أین ادعوا ذلك انتهی.

و زاد الرازی وجهین آخرین (4)

أحدهما أن الضمیر عائد إلی الكفار

ص: 11


1- 1. مجمع البیان ج 6 ص 476 فی تفسیر سورة الكهف ی 51.
2- 2. و انما وحده هنا لوفاق الفواصل( مجمع البیان).
3- 3. و الأرض( مجمع البیان).
4- 4. نقل عن مفاتیح الغیب، ج 5 ص 729 فی تفسیر سورة الكهف ملخصا.

الذین قالوا له صلی اللّٰه علیه و آله إن لم تطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء فلا نؤمن بك فكأنه تعالی قال إن هؤلاء الذین أتوا بهذا الاقتراح الفاسد و التعنت الباطل ما كانوا شركائی فی خلق العالم و تدبیر الدنیا و الآخرة بل هم كسائر الخلق فلم أقدموا علی هذا الاقتراح و نظیره إن من اقترح علیك اقتراحات عظیمة فإنك تقول له لست بسلطان البلد و لا وزیر الملك حتی نقبل منك هذه الاقتراحات.

و ثانیهما أن یكون المراد هؤلاء الكفار أیضا و یكون المعنی أنتم جاهلون بما جری به القلم من أحوال السعادة و الشقاوة فكیف یمكنكم أن تحكموا لأنفسكم بالرفعة و الكمال و العلو و لغیركم بالذل و الدناءة انتهی.

وَ رَوَی الْعَیَّاشِیُّ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ(1)

الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِأَبِی جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآیَةَ بِعَیْنِهِمَا.

وَ فِی الْكَافِی (2)، عَنِ الْجَوَادِ علیه السلام: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَمْ یَزَلْ مُتَفَرِّداً بِوَحْدَانِیَّتِهِ ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْرٍ ثُمَّ خَلَقَ جَمِیعَ الْأَشْیَاءِ فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا وَ أَجْرَی طَاعَتَهُمْ عَلَیْهَا وَ فَوَّضَ أَمْرَهَا(3) إِلَیْهِمْ الْخَبَرَ. و هذا الخبر صریح فی حدوث جمیع أجزاء العالم.

أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ كَفَرُوا قال الطبرسی رحمه اللّٰه استفهام یراد به التقریع (4) و المعنی أ و لم یعلموا أن اللّٰه سبحانه (5) الذی یفعل هذه الأشیاء و لا یقدر علیها غیره فهو الإله المستحق للعبادة دون غیره أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما تقدیرها كانتا ذواتی رتق (6) و المعنی كانتا ملتزقتین منسدتین ففصلنا

ص: 12


1- 1. أعن( خ ل).
2- 2. ج 1 ص 440 من الطبعة الحدیثة.
3- 3. فی المصدر: امورها.
4- 4. التقریع: التعنیف و العتاب الشدید.
5- 5. فی المصدر: أنه سبحانه.
6- 6. فی المصدر: تقدیره، كانتا ذواتی رتق فجعلناهما ذواتی فتق.

بینهما بالهواء عن ابن عباس و غیره (1) و قیل كانت السماوات مرتتقة مطبقة ففتقناها سبع سماوات و كانت الأرض كذلك ففتقناها سبع أرضین عن مجاهد و السدی و قیل كانت السماء رتقا لا تمطر و الأرض رتقا لا تنبت ففتقنا السماء بالمطر و الأرض بالنبات عن عكرمة و عطیة و ابن زید و هو المروی عن أبی جعفر و أبی عبد اللّٰه علیهما السلام (2). انتهی.

و قال الرازی الرؤیة إما بمعنی الإبصار أو العلم و الأول مشكل لأن القوم ما رأوهما و لقوله تعالی ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و الثانی أیضا مشكل لأن (3)

الأجسام قابلة للرتق و الفتق فی أنفسها فالحكم علیها بالرتق أولا و بالفتق ثانیا لا سبیل إلیه إلا السمع و المناظرة مع الكفار المنكرین للرسالة فكیف یجوز مثل هذا الاستدلال و دفع الإشكال بعد اختیار الثانی بوجوه.

أحدها أنا نثبت نبوة محمد صلی اللّٰه علیه و آله بسائر المعجزات ثم نستدل بقوله ثم نجعلهما دلیلا علی حصول المصالح فی العالم و انتفاء الفساد عنه و ثانیها أن نحمل الرتق و الفتق علی إمكانهما و العقل یدل علیه لأن الأجسام یصح علیها الاجتماع و الافتراق فاختصاصها بالاجتماع دون الافتراق أو بالعكس یستدعی مخصصا و ثالثها أن الیهود و النصاری كانوا عالمین بذلك فإنه جاء فی التوراة أن اللّٰه تعالی خلق جوهرة ثم نظر إلیها بعین الهیبة فصارت ماء ثم خلق السماوات و الأرض و فتق بینهما و كان بین عبدة الأوثان و بین الیهود نوع صداقة بسبب الاشتراك فی عداوة محمد صلی اللّٰه علیه و آله فاحتج اللّٰه تعالی علیهم بهذه الحجة بناء علی أنهم یقبلون قول الیهود فی ذلك.

ثم قال اختلف المفسرون فی المراد من الرتق و الفتق علی أقوال أحدها و ذكر الوجه الأول من وجوه الطبرسی ثم قال هذا القول یوجب أن خلق

ص: 13


1- 1. فی المصدر: عن ابن عبّاس و الضحّاك و عطاء و قتادة.
2- 2. مجمع البیان، ج 7 ص 45.
3- 3. فی بعض النسخ: لان القوم ما رأوا الاجسام القابلة.

الأرض مقدم علی خلق السماء لأنه تعالی لما فصل بینهما ترك الأرض حیث هی و أصعد الأجزاء السماویة قال كعب خلق اللّٰه السماوات و الأرضین ملتصقتین ثم خلق ریحا توسطهما ففتقتا بها ثم ذكر الثانی و الثالث و رجح الثالث بقوله تعالی وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ و بقوله سبحانه وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍ ثم قال و رابعها قول أبی مسلم الأصفهانی قال یجوز أن یراد بالفتق الإیجاد و الإظهار كقوله فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فأخبر عن الإیجاد بلفظ الفتق و عن الحال قبل الإیجاد بلفظ الرتق.

أقول: و تحقیقه أن العدم نفی محض فلیس فیه ذوات متمیزة و أعیان متباینة بل كأنه أمر واحد متصل متشابه فإذا وجدت الحقائق فعند الوجود و التكوین یتمیز بعضها عن بعض فبهذا الطریق جعل الرتق مجازا عن العدم و الفتق عن الوجود. و خامسها أن اللیل سابق علی النهار بقوله وَ آیَةٌ لَهُمُ اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فكانت السماوات و الأرض مظلمة ففتقهما اللّٰه بإظهار النهار المبصرة انتهی (1).

و أقول سیأتی فی الأخبار ما یؤید الوجه الثالث و یومئ بعض خطب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الثانی كما ستعرف

وَ رَوَی الْكُلَیْنِیُّ فِی الرَّوْضَةِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِ (2)

ص: 14


1- 1. مفاتیح الغیب، ج 6 ص 144( نقل عنه ملخصا).
2- 2. فی المصدر:« عن الحسن بن محبوب عن أبی حمزة ثابت بن دینار الثمالی، و أبو منصور عن أبی الربیع» ... و الحسن بن محبوب السراد و یقال الزراد مولی بجیلة كوفیّ ثقة جلیل القدر من أصحاب الكاظم و الرضا علیهما السلام و روی عن ستین رجلا من أصحاب أبی عبد اللّٰه علیه السلام مات- رحمه اللّٰه- سنة( 224) و كان من ابناء خمس و سبعین سنة. و أبو حمزة الثمالی ثابت بن دینار ثقة من خیار أصحابنا و معتمدیهم لقی علیّ بن الحسین و ابا جعفر و أبا عبد اللّٰه و ابا الحسن علیهم السلام و روی عنهم و مات- رحمه اللّٰه- سنة( 150) و كان ابن محبوب عندئذ صبیا یرضع و علی هذا فروایته عنه إمّا بالوجادة أو بالواسطة.

قَالَ: سَأَلَ نَافِعٌ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَهْبَطَ(1)

آدَمَ إِلَی الْأَرْضِ وَ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقاً لَا تَمْطُرُ شَیْئاً وَ كَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقاً لَا تُنْبِتُ شَیْئاً فَلَمَّا تَابَ (2)

اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی آدَمَ علیه السلام أَمَرَ السَّمَاءَ فَتَقَطَّرَتْ بِالْغَمَامِ ثُمَّ أَمَرَهَا فَأَرْخَتْ عزالاها(3)

[عَزَالِیَهَا] ثُمَّ أَمَرَ الْأَرْضَ فَأَنْبَتَتِ الْأَشْجَارَ وَ أَثْمَرَتِ الثِّمَارَ وَ تَفَهَّقَتْ بِالْأَنْهَارِ فَكَانَ ذَلِكَ رَتْقَهَا وَ هَذَا فَتْقَهَا فَقَالَ نَافِعٌ صَدَقْتَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ.

و هذا یدل علی الثالث.

وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍ قال الطبرسی أی و أحیینا بالماء الذی ننزله من السماء كل شی ء حی و قیل و خلقنا من النطفة كل مخلوق (4) و الأول أصح

وَ رَوَی الْعَیَّاشِیُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُلْوَانَ (5) قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ طَعْمِ الْمَاءِ فَقَالَ (6)

سَلْ تَفَقُّهاً وَ لَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً(7)

طَعْمُ الْمَاءِ طَعْمُ الْحَیَاةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍ.

و قیل معناه و جعلنا من الماء حیاة كل ذی روح و نماء كل نام فیدخل فیه الحیوان و النبات و الأشجار عن أبی مسلم (8).

أَ فَلا یُؤْمِنُونَ أی أ فلا یصدقون بالقرآن و بما یشاهدون من الدلیل و البرهان الرَّحْمنُ قیل خبر للذی إن جعلته مبتدأ و لمحذوف إن جعلته صفة

ص: 15


1- 1. فی المصدر: لما أهبط.
2- 2. فی المصدر: فلما أن تاب.
3- 3. و فی نسخة« عزالیها» و العزالی بالالف الأخیرة و العزالی بالیاء الخفیفة جمع« العزلاء» بفتح العین المهملة و سكون الزای و هو مصب الماء من القربة و نحوها، و أرخت عزالیها أی أمطرت بشدة.
4- 4. فی المصدر: كل مخلوق حی، عن أبی العالیة.
5- 5. كذا فی المصدر و فی بعض النسخ« الحسن بن علوان».
6- 6. فی المصدر: فقال له.
7- 7. تعنته: طلب زلته و مشقته، و تعنت علیه فی السؤال: سأله علی وجه التلبیس علیه.
8- 8. مجمع البیان، ج 7، ص 45.

للحی أو بدل من المستكن فی اسْتَوی و قرئ بالجر صفة للحی فَسْئَلْ بِهِ خَبِیراً أی فاسأل عما ذكر من الخلق و الاستواء عالما یخبرك بحقیقته و هو اللّٰه تعالی أو جبرئیل أو من وجده فی الكتب المتقدمة لیصدقك فیه و قیل الضمیر للرحمن و المعنی إن أنكروا إطلاقه علی اللّٰه فاسأل عنه من یخبرك من أهل الكتاب لیعرفوا ما یرادفه فی كتبهم و علی هذا یجوز أن یكون الرحمن

مبتدأ و الخبر ما بعده و السؤال كما یعدی بعن لتضمنه معنی التفتیش یعدی بالباء لتضمنه معنی الاعتناء و قیل إنه صلة خبیرا قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ قال البیضاوی أی مقدار یومین أو بنوبتین و خلق فی كل نوبة ما خلق فی أسرع ما یكون و لعل المراد بالأرض ما فی جهة السفل من الأجرام البسیطة و من خلقها فی یومین أنه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا صارت لها أنواعا و كفرهم به إلحادهم فی ذاته و صفاته وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً و لا یصح أن یكون له ند ذلِكَ الذی خلق الأرض فی یومین رَبُّ الْعالَمِینَ خالق جمیع ما وجد من الممكنات و مربیها وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ استئناف غیر معطوف علی خلق للفصل بما هو خارج عن الصلة مِنْ فَوْقِها مرتفعة علیها لیظهر للنظار ما فیها من وجوه الاستبصار و تكون منافعها معرضة للطلاب (1).

أقول: و قال الرازی إذ لو جعلت تحتها لأوهم ذلك أنها أساطین تمسكها فجعلها فوقها لیری الإنسان أن الأرض و الجبال أثقال علی أثقال و كلها مفتقرة إلی ممسك و حافظ و لیس ذلك إلا اللّٰه سبحانه (2).

وَ بارَكَ فِیها قال البیضاوی أی و أكثر خیرها بأن خلق فیها أنواع النبات و الحیوانات وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها أی أقوات أهلها بأن عین لكل نوع ما یصلحه و یعیش به أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من

ص: 16


1- 1. أنوار التنزیل، ج 2، ص 384.
2- 2. مفاتیح الغیب، ج 7، ص 353. نقل عنه ملخصا.

أقطارها و قرئ وَ قَسَّمَ فِیهَا أَقْوَاتَهَا فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ أی فی تتمة أربعة أیام كقولك سرت من البصرة إلی بغداد فی عشر(1)

و إلی الكوفة فی خمس عشرة(2) و لعله قال ذلك و لم یقل فی یومین للإشعار باتصالهما للیومین (3) الأولین و التصریح علی الفذلكة(4).

أقول: و قد یحمل علی أن المراد أربعة أوقات و هی التی یخرج اللّٰه فیها أقوات العالم من الناس و البهائم و الطیر و حشرات الأرض و ما فی البر و البحر من الخلق من الثمار و النبات و الشجر و ما یكون فیه معاش الحیوان كله و هی الربیع و الصیف و الخریف و الشتاء و لا یخفی بعده عن السیاق.

سَواءً أی استوت سواء بمعنی استواء و الجملة صفة أیام و یدل علیه قراءة یعقوب بالجر و قیل حال من الضمیر فی أَقْواتَها أو فی فِیها و قرئ بالرفع علی هی سواء للسائلین متعلق بمحذوف تقدیره هذا الحصر للسائلین عن مدة خلق الأرض و ما فیها أو بمقدر أی قدر فیها الأقوات للطالبین.

ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ قصد نحوها من قولهم استوی إلی مكان كذا إذا توجه إلیه توجها لا یلوی علی غیره وَ هِیَ دُخانٌ قال البیضاوی أی أمر ظلمانی و لعله أراد به مادتها و الأجزاء(5)

المتصغرة التی ركبت منها(6) و قال الطبرسی قال ابن عباس كانت بخار الأرض و قیل معناه ثم استوی أمره إلی السماء(7)

و قال الرازی و ذكر صاحب الأثر أنه كان عرش اللّٰه علی الماء

ص: 17


1- 1. فی المصدر: فی عشرة.
2- 2. فی المصدر: فی خمسة عشر.
3- 3. فی المصدر: بالیومین.
4- 4. أنوار التنزیل، ج 2، ص 384.
5- 5. فی المصدر: أو الاجزاء.
6- 6. أنوار التنزیل، ج 2، ص 385.
7- 7. مجمع البیان، ج 9، ص 6.

منذ(1)

خلق السماوات و الأرض فأحدث اللّٰه فی ذلك الماء سخونة فارتفع منه زبد و دخان (2)

فبقی علی وجه الماء فخلق اللّٰه تعالی فیه (3) الیبوسة و أحدث منه الأرض و أما الدخان فارتفع و علا فخلق اللّٰه منه السماوات و اعلم أن هذه القصة غیر موجودة فی القرآن فإن دل علیها دلیل صحیح قبلت (4) و إلا فلا و هذه القصة مذكورة فی أول الكتاب الذی تزعم الیهود أنه التوراة و فیه أنه تعالی خلق السماء من أجزاء مظلمة و هذا هو المعقول لأنا(5) قد دللنا فی المعقولات علی أن الظلمة لیست كیفیة وجودیة بل هی عبارة عن عدم النور(6)

فاللّٰه سبحانه لما خلق الأجزاء التی لا تتجزی فقبل أن یخلق فیها كیفیة الضوء كانت مظلمة عدیمة النور ثم إذ ركبها(7) و جعلها سماوات و كواكب و شمسا و قمرا و أحدث صفة الضوء فیها فحینئذ صارت مستنیرة فثبت أن تلك الأجزاء حین قصد اللّٰه تعالی أن یخلق منها السماوات و الشمس و القمر كانت مظلمة فصح تسمیتها بالدخان لأنه لا معنی للدخان إلا أجزاء متفرقة غیر متواصلة عدیمة النور(8).

فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا قال البیضاوی أی بما خلقت فیكما من التأثیر و التأثر و أبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة و الكائنات المتنوعة أو ائتیا فی الوجود علی أن الخلق السابق بمعنی التقدیر أو الترتیب للرتبة أو الإخبار أو إتیان السماء بحدوثها و إتیان الأرض أن تصیر مدحوة أو لیأت كل منكما الأخری فی حدوث ما أرید تولیده منكما و یؤیده قراءة آتیا من المؤاتاة أی

ص: 18


1- 1. فی المصدر: قبل خلق.
2- 2. فی المصدر: أما الزبد فبقی.
3- 3. فی المصدر: منه الیبوسة.
4- 4. فی المصدر: قبل.
5- 5. فی المصدر: لانه.
6- 6. و الدلیل مذكور فی المصدر.
7- 7. فی المصدر: لما ركبها.
8- 8. مفاتیح الغیب، ج 7، ص 385.

لیوافق كل واحدة منكما أختها فیما أردت منكما طَوْعاً أَوْ كَرْهاً شئتما ذلك أو أبیتما أو المراد إظهار كمال قدرته و وجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع و الكره لهما و هما مصدران وقعا موقع الحال قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ أی منقادین بالذات و الأظهر أن المراد

تصویر تأثیر قدرته فیهما و تأثرهما بالذات عنها و تمثیلها(1) بأمر المطاع و إجابة المطیع الطائع كقوله كُنْ فَیَكُونُ و ما قیل إنه تعالی خاطبهما و أقدرهما علی الجواب إنما یتصور علی الوجه الأول و الأخیر و إنما قال طائِعِینَ علی المعنی باعتبار كونهما مخاطبتین كقوله تعالی ساجِدِینَ و قال الطبرسی قدس سره قال ابن عباس أتت السماء بما فیها من الشمس و القمر و النجوم و أتت الأرض بما فیها من الأنهار و الأشجار و الثمار و لیس هناك أمر بالقول حقیقة(2)

و لا جواب لذلك القول بل أخبر(3) سبحانه عن اختراعه السماوات و الأرض و إنشائه لهما من غیر تعذر و لا كلفة و لا مشقة بمنزلة ما یقال (4)

افعل فیفعل من غیر تلبث و لا توقف و لا تأن (5)

فعبر عن ذلك بالأمر و الطاعة و هو كقوله إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ و إنما قال أَتَیْنا طائِعِینَ و لم یقل طائعتین لأن المعنی أتینا بمن فینا من العقلاء(6)

فغلب حكم العقلاء و قیل إنه لما خوطبن خطاب من یعقل جمعن جمع من یعقل كما قال وَ كُلٌّ فِی فَلَكٍ یَسْبَحُونَ (7) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ قال البیضاوی أی فخلقهن خلقا إبداعیا و أتقن

ص: 19


1- 1. فی المصدر: و تمثیلهما.
2- 2. فی المصدر: علی الحقیقة.
3- 3. فی المصدر: بل أخبر اللّٰه.
4- 4. فی المصدر: ما یقال للمأمور.
5- 5. فی المصدر: لیس لفظة« و لا تأن».
6- 6. فی المصدر: عن قطرب.
7- 7. مجمع البیان، ج 9 ص 6.

أمرهن و الضمیر للسماء علی المعنی (1) أو مبهم و سَبْعَ سَماواتٍ حال علی الأول و تمییز علی الثانی فِی یَوْمَیْنِ قیل خلق السماوات یوم الخمیس و الشمس و القمر و النجوم یوم الجمعة وَ أَوْحی فِی كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها شأنها و ما یتأتی منها بأن حملها علیه اختیارا أو طبعا و قیل أوحی إلی أهلها بأوامره وَ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ فإن الكواكب كلها تری كأنها تتلألأ علیها وَ حِفْظاً أی و حفظناها من الآفات أو من المسترقة حفظا و قیل مفعول له علی المعنی كأنه قال خصصنا السماء الدنیا بمصابیح زینة و حفظا ذلِكَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ البالغ فی القدرة و العلم.

وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ قال الطبرسی أی تعب و نصب أكذب اللّٰه تعالی بهذا الیهود فإنهم قالوا استراح اللّٰه یوم السبت فلذلك لا نعمل فیه شیئا(2).

و قال الرازی فی تفسیره قال بعض المفسرین المراد من الآیة الرد علی الیهود حیث قالوا بدأ اللّٰه خلق العالم یوم الأحد و فرغ منه فی ستة أیام آخرها یوم الجمعة و استراح یوم السبت و استوی (3)

علی عرشه فقال تعالی وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ رادا(4)

علیهم و

الظاهر أن المراد الرد علی المشرك أی ما تعبنا بالخلق الأول حتی لا نقدر علی الإعادة ثانیا و أما ما قاله الیهود و نقلوه من التوراة فهو إما تحریف منهم أو لم یعلموا تأویله و ذلك لأن الأحد و الإثنین أزمنة متمیزة بعضها عن بعض فلو كان خلق السماوات ابتداء یوم الأحد لكان الزمان متحققا قبل الأجسام و الزمان لا ینفك عن الأجسام فیكون قبل الأجسام (5)

أجسام أخر

ص: 20


1- 1. أی كانت المناسب صیغة التثنیة و لما كان فی كل منهما كثرة اعتبر جانب المعنی، و انما جمع علی صیغة جمع العقلاء باعتبار جعلهما مخاطبتین( منه).
2- 2. مجمع البیان، ج 9، ص 150.
3- 3. فی المصدر: استلقی.
4- 4. فی المصدر: ردا.
5- 5. فی المصدر: قبل خلق الاجسام.

فیلزم القول بقدم العالم و هو مذهب الفلاسفة انتهی (1).

و أقول تعیین تلك الأیام موجودة فی الأخبار المعتبرة كما ستعرف و ما توهم من لزوم قدم العالم خطأ كما عرفت سابقا أنه یمكن تصحیحه بوجوه متعددة شی ء منها لا یستلزم ذلك و أما تعیین الأیام فیمكن أن تقدر الأزمنة بحیث تكون بعد خلق الشمس و حركة الأفلاك و تعیین الأیام تلك الأزمان الماضیة موافقة لهذه الأیام الستة بحیث إذا كانت الشمس متحركة فیها كانت تلك الأیام بعینها فتأمل.

أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً قال البیضاوی أی أصعب خلقا أَمِ السَّماءُ ثم بین كیف خلقها و قال (2) بَناها ثم بین البناء فقال رَفَعَ سَمْكَها أی جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها الذاهب فی العلو رفیعا فَسَوَّاها أی فعدلها أو جعلها(3)

مستویة أو فتممها بما به یتم (4) كمالها من الكواكب و التداویر و غیرها(5) من قولهم سوی فلان أمره إذا أصلحه وَ أَغْطَشَ لَیْلَها أی أظلمه منقول من غطش اللیل إذا أظلم و أضاف (6)

إلیها لأنه یحدث بحركتها وَ أَخْرَجَ ضُحاها أی و أبرز ضوء شمسها كقوله تعالی وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها یرید النهار وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها بسطها و مهدها للسكنی أَخْرَجَ مِنْها ماءَها بتفجیر العیون وَ مَرْعاها أی و رعیها و هو فی الأصل لمواضع الرعی (7) و تجرید الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بیان للدحو وَ الْجِبالَ أَرْساها أی أثبتها مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ تمتیعا لكم و لمواشیكم (8).

ص: 21


1- 1. مفاتیح الغیب، ج 7 ص 644.
2- 2. فی المصدر: فقال.
3- 3. فی بعض النسخ: فجعلها.
4- 4. فی المصدر: بما یتم به.
5- 5. فی المصدر: و غیرهما.
6- 6. فی المصدر: و إنّما أضاف.
7- 7. فی المصدر: لموضع الرعی.
8- 8. أنوار التنزیل، ج 2: ص 644.

الَّذِی خَلَقَ فَسَوَّی أی خلق كل شی ء فسوی خلقه بأن جعل له ما به یتأتی كماله و یتم معاشه وَ الَّذِی قَدَّرَ أی قدر أجناس الأشیاء و أنواعها و أشخاصها و مقادیرها و صفاتها و أفعالها و آجالها فَهَدی فوجهه إلی أفعاله طبعا أو اختیارا بخلق المیول و الإلهامات و نصب الدلائل و إنزال الآیات.

تحقیق فی دفع شبهة

اعلم أن بعض الملاحدة أوردوا تناقضا بین آیات سورتی البقرة و السجدة و بین آیات سورة النازعات حیث زعموا أن الأولة تدل علی تقدم خلق الأرض علی السماء و الأخیرة علی العكس و أجیب عنه بوجوه.

أحدها أن خلق الأرض قبل السماء إلا أن دحوها متأخر عن خلق السماء و استشكل بوجهین الأول أن الأرض جسم عظیم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحیة فإذا كانت التدحیة متأخرة عن خلق السماء كان خلقها لا محالة أیضا متأخرا عن خلق السماء. و الثانی أن الآیة الأولی تدل علی أن خلق الأرض و خلق كل ما فیها مقدم علی خلق السماء و خلق الأشیاء فی الأرض لا یكون إلا بعد ما كانت مدحوة و أجیب عن الأول بأنا لا نسلم امتناع انفكاك خلق الأرض عن دحوها و المناقشة فی إطلاق خلق الأرض علی إیجادها غیر مدحوة مناقشة لفظیة و عن الثانی بأن قوله تعالی وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها یقتضی تقدم خلق السماء علی دحو الأرض و لا یقتضی تقدم تسویة السماء علی دحو الأرض فجاز أن تكون تسویة السماء متأخرة عن دحو الأرض فیكون خلق الأرض قبل السماء و خلق السماء قبل دحو الأرض و دحو الأرض قبل تسویة السماء فارتفع التنافی و یرد علیه أن الآیة الثالثة تقتضی تقدم تسویة السماء علی دحو الأرض و الثانیة تقتضی تقدم خلق الأرض بما فیها علی تسویتها سبع سماوات و خلق ما فی الأرض قبل دحوها مستبعد و یمكن أن یجاب بأن المراد بالخلق فی الأولی التقدیر و هو شائع فی العرف و اللغة أو بأن المراد بخلق ما فی الأرض خلق موادها كما أن خلق

ص: 22

الأرض قبل دحوها عبارة عن مثل ذلك فتكون تسویة السماء متقدمة علی دحو الأرض كما هو ظاهر الآیة الثالثة أو بأن یفرق بین تسویتها المذكورة فی الثالثة و بین تسویتها سبع سماوات كما فی الأولی و حینئذ فتسویتها مطلقا متقدمة علی دحو الأرض و تسویتها سبعا متأخرة عنه و لعل هذا أوفق فی الجمع أو بأن یقال الفاء فی قوله تعالی فَسَوَّاها بمعنی ثم و المشار إلیه بذلك فی قوله تعالی وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها هو بناء السماء و خلقها لا مجموع ما ذكر قبله أو بأن یقال كلمة ثم فی الأولی للترتیب الذكری و تقدیم خلق ما فی الأرض فی معرض الامتنان لمزید الاختصاص فیكون خلق ما فی الأرض بعد دحوها كما هو الظاهر و تسویة السماء متقدمة علیه و علی دحو الأرض كما هو ظاهر الآیة الثالثة لكن هذا لا یخلو من نوع (1)

منافرة لظاهر الآیة الثانیة و قد أوردنا بعض التوجیهات لها فی شرح بعض الأخبار الآتیة.

و قال البیضاوی كلمة ثم فی آیتی البقرة و السجدة لتفاوت (2) ما بین الخلقین و فضل خلق السماء علی خلق الأرض كقوله تعالی ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا لا للتراخی فی المدة(3) فإنه یخالف ظاهر قوله تعالی وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فإنه یدل علی تأخر دحو الأرض المتقدم علی خلق ما فیها عن خلق السماء و تسویتها إلا أن یستأنف بدحیها مقدرا لنصب الأرض فعلا آخر دل علیه أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً مثل تعرف الأرض و تدبر أمرها بعد ذلك لكنه خلاف الظاهر(4) انتهی.

و الوجه الثانی مما قد أجیب به عن أصل الإشكال أن یقال كلمة بعد فی الآیة الثالثة لیست للتأخر الزمانی إنما هو علی جهة تعداد النعم و الإذكار

ص: 23


1- 1. فی بعض النسخ: عن نوع.
2- 2. فی المصدر: لعله لتفاوت.
3- 3. فی المصدر: فی الوقت.
4- 4. أنوار التنزیل ج، 1 ص 62.

لها كما یقول القائل أ لیس قد أعطیتك و فعلت بك كذا و كذا و بعد ذلك خلطتك و ربما یكون بعض ما تقدم فی اللفظ متأخرا بحسب الزمان لأنه لم یكن الغرض الإخبار عن الأوقات و الأزمنة بل المراد ذكر النعم و التنبیه علیها و ربما اقتضت الحال إیراد الكلام علی هذا الوجه.

و الثالث ما ذكره الرازی و هو أن لا یكون معنی دَحاها مجرد البسط بل یكون المراد أنه بسطها بسطا مهیأ لنبات الأقوات و هذا هو الذی بینه بقوله أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها و ذلك لأن (1)

الاستعداد لا یحصل للأرض إلا بعد وجود السماء فإن الأرض كالأم و السماء كالأب و ما لم یحصلا لم یتولد أولاد المعادن و النبات و الحیوان.

و الرابع ما ذكره أیضا و هو أن یكون قوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ أی مع ذلك كقوله عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِیمٍ أی مع ذلك و كقولك للرجل أنت كذا و كذا ثم أنت بعدها كذا لا ترید(2)

الترتیب و قال تعالی فَكُّ رَقَبَةٍ إلی قوله ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا و المعنی و كان و هذا تقریر ما نقل عن ابن عباس و غیره قالوا فی قوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أی مع میاده دحاها(3).

أقول: و هذا قریب من الثانی ثم المشهور أن خلق الأرض قبل خلق السماء و هو الأظهر و قیل بالعكس نقل الواحدی فی البسیط عن مقاتل أنه قال خلق اللّٰه السماء قبل الأرض و تأویل قوله ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ ثم كان قد استوی وَ هِیَ دُخانٌ قبل أن یخلق الأرض فأضمر فیه كان كما قال تعالی قالُوا إِنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ معناه إن یكن سرق.

و قال الرازی المختار عندی أن یقال خلق السماء مقدم علی خلق الأرض

ص: 24


1- 1. فی المصدر: لان هذا الاستعداد.
2- 2. فی المصدر: لا ترید به الترتیب.
3- 3. مفاتیح الغیب، ج 8، ص 465( نقل عنه ملخصا).

بقی أن یقال كیف تأویل هذه الآیة یعنی آیة السجدة فنقول الخلق لیس عبارة عن التكوین و الإیجاد و الدلیل علیه قوله تعالی إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ فلو كان الخلق عبارة عن الإیجاد و التكوین لصار معنی الآیة أوجده من تراب ثم قال له كن فیكون و هذا محال لأنه یلزم أنه تعالی قد قال لشی ء وجد كن و إذا ثبت هذا فنقول قوله خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ معناه أنه قضی بحدوثها فی یومین و قضاء اللّٰه بأنه سیحدث كذا فی مدة كذا لا یقتضی حدوث ذلك الشی ء فی الحال فقضاء اللّٰه بحدوث الأرض فی یومین مقدم علی إحداث السماء و لا یلزم منه تقدم إحداث الأرض علی إحداث السماء(1)

انتهی و لا یخفی ما فیه و ستطلع علی حقیقة الأمر فی ضمن شرح الأخبار إن شاء اللّٰه تعالی.

الأخبار

«1»- نهج، [نهج البلاغة] قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی خُطْبَةٍ لَهُ: الْمَعْرُوفُ (2)

مِنْ غَیْرِ رُؤْیَةٍ وَ الْخَالِقُ مِنْ غَیْرِ رَوِیَّةٍ الَّذِی لَمْ یَزَلْ قَائِماً دَائِماً إِذْ لَا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَ لَا حُجُبٌ ذَاتُ أَرْتَاجٍ وَ لَا لَیْلٌ دَاجٍ وَ لَا بَحْرٌ سَاجٍ وَ لَا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ وَ لَا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ وَ لَا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ وَ لَا خَلْقٌ ذُو اعْتِمَادٍ ذَلِكَ مُبْتَدِعُ الْخَلْقِ وَ وَارِثُهُ وَ إِلَهُ الْخَلْقِ وَ رَازِقُهُ (3).

بیان: من غیر رویة أی تفكر لأنه یستلزم الجهل السابق و حدوث أمر فیه لم یكن و الاستكمال بعد النقص الذی لم یزل قائما أی بذاته أو بأحوال الخلق و قد مر مرارا دائما أی باقیا بذاته من غیر علة ذات أبراج أی بروج أو كواكب نیرة و الحجب جمع الحجاب و المراد هنا ما سیأتی من الحجب النورانیة التی تحت العرش أو السماوات عبر عنها بلفظین و الأرتاج فی بعض

ص: 25


1- 1. مفاتیح الغیب، ج 7، ص 358( نقل عنه ملخصا).
2- 2. فی المصدر: الحمد للّٰه المعروف.
3- 3. نهج البلاغة: 158.

النسخ بكسر الهمزة مصدر أرتج الباب أی أغلقه و فی بعضها بالفتح جمع رتج بالتحریك أو رتاج بالكسر و الأول الباب العظیم و الثانی الباب المغلق أو الذی علیه باب صغیر و الداجی المظلم و الساجی الساكن و الفجاج جمع الفج بالفتح و هو الطریق الواسع بین الجبلین و المهاد بالكسر الفراش و اعتمدت علی الشی ء اتكأت علیه و كل حی یعتمد علی رجله فی المشی و علی غیرها و یمكن أن یراد به القوة و التصرف و أبدعت الشی ء و ابتدعته أی استخرجته و أحدثته و الابتداع الخلق علی غیر مثال و وراثة أی الباقی بعد فنائهم و المالك لما ملكوا ظاهرا و لا یخفی صراحته فی حدوث العالم.

«2»- النهج، [نهج البلاغة] قَالَ علیه السلام: الْأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ أَوَّلٍ وَ الْآخِرِ بَعْدَ كُلِّ آخِرٍ(1).

بیان: الغرض إثبات الأولیة و الآخریة الحقیقیتین له سبحانه و ظاهر الأول حدوث ما سواه و استدل بالثانی علی ما ذهب إلیه كثیر من المتكلمین من انعدام العالم بأسره قبل قیام الساعة و یمكن أن یكون الآخریة باعتبار أن كل ما عداه فی التغیر و التحول من حال إلی حال كما ورد فی الروایة و قیل أولیته بحسب الخارج و آخریته بحسب الذهن أو الآخر فی سلسلة الافتقار لاحتیاج الكل إلیه سبحانه (2).

ص: 26


1- 1. نهج البلاغة: 194.
2- 2. الاولیة و الآخریة و صفان اضافیان، فإذا قویس شی ء إلی آخر وجد بعده وصف بالاولیة، و إذا قویس إلی شی ء وجد قبله وصف بالآخریة. و للتقدم و التأخر أقسام مذكورة فی محلها و قد اختلف القول فی تقدم الواجب علی الممكنات، فقیل: إن تقدمه زمانی، و قیل: علی، و قیل، سرمدی إلی غیر ذلك. لكن التقدّم الزمانی بمعناه المصطلح- و هو وقوع المتقدم مقارنا لجزء من الزمان متقدم علی الجزء الذی وقع المتأخر مقارنا له- مما یستحیل فی حقّ الحق سبحانه و تقدس لتعالیه عن مقارنة الزمان و مقایسته بالحدثان. علی أنّه یستلزم قدم الزمان و هو كر علی ما فر منه. و أمّا تفسیر التقدّم الزمانی بأن الواجب كان فی زمان لم یكن شی ء، و تتمیمه بأن. الزمان أمر موهوم منتزع عن ذاته، مما لا یجدی شیئا و لا یسمن و لا یغنی من جوع. لان الزمان إن كان أمرا موهوما فلا یمكن تأثیره فی الواقعیات و إناطة البحث الحقیقی به، غایة الامر تسمیته تعالی بالقدیم الزمانی تسمیة لیس وراءه حقیقة و لا تجاوز حدّ الاسم و الوهم و إن كان أمرا واقعیا فلا یمكن انتزاعه من ذات البارئ سبحانه و إلّا لتطرق التغیر و الحدوث إلیها. و أمّا آخریة الواجب فقیل بالآخریة الزمانیة بمعنی أنّه یفنی كل شی ء إلّا الواجب تعالی فیكون زمان لیس فیه غیره سبحانه و لما كان ظاهر هذا القول مخالفا لظواهر الكتاب و السنة من أبدیة نشأة الآخرة و خلود أهلها فسر بفناء الموجودات قبل قیام الساعة! و لقائل أن یقول: هل یكون عند فناء جمیع الموجودات زمان أولا؟ فان كان فلا یكون الواجب آخرا بالنسبة إلی نفس الزمان، و إلّا فلا یكون آخرا زمانیا، علی أنّه تعالی یكون علی هذا آخرا بالنسبة إلی الموجودات قبل قیام الساءة لا بعده و له توال فاسدة اخری. و حقّ القول أن الواجب تعالی محیط بجمیع العوالم، مهیمن علی كافة الموجودات، و یكون وجوده أوسع و أرفع من كل الوجودات، بل هی بأسرها ظل وجوده و شعاع نوره تبارك و تعالی و لیس لها استقلال أصلا، فلیس بین الوجودات الامكانیة و بین وجوده السرمدی الواجب المحیط الغیر المتناهی بل فوق ما لا یتناهی بما لا یتناهی نسبة، فأین المتناهی من غیر المتناهی؟ و ما للتراب و ربّ الارباب؟! فكلما قویس وجود إمكانی إلی وجوده المتعالی كان من بین یدیه و من خلفه، و من فوقه و من تحته، و من كل جهة من جهاته، و كل شأن من شئونه محدودا محاطا بوجوده تبارك و تعالی. فاذا لوحظ الجهة السابقة علی الموجودات كان سبحانه هو الأول، و إذا لوحظ الجهة اللاحقة كان هو الآخر، و إذا لوحظ ظاهرها كان هو الباطن، و إذا لوحظ باطنها كان هو الظاهر« هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیمٌ»« أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ مُحِیطٌ».

«3»- النهج، [نهج البلاغة] قَالَ علیه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَی وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَی أَزَلِیَّتِهِ (1).

وَ مِنْهُ (2)

قَالَ علیه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ وَ سَاطِحِ الْمِهَادِ وَ مُسِیلِ الْوِهَادِ وَ مُخْصِبِ النِّجَادِ لَیْسَ لِأَوَّلِیَّتِهِ ابْتِدَاءٌ وَ لَا لِأَزَلِیَّتِهِ انْقِضَاءٌ هُوَ الْأَوَّلُ لَمْ یَزَلْ وَ الْبَاقِی بِلَا أَجَلٍ إِلَی قَوْلِهِ علیه السلام قَبْلَ كُلِّ غَایَةٍ وَ مُدَّةٍ وَ كُلِّ إِحْصَاءٍ وَ عِدَّةٍ إِلَی قَوْلِهِ علیه السلام لَمْ یَخْلُقِ الْأَشْیَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِیَّةٍ وَ لَا مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِیَّةٍ(3) بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ وَ صَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ (4).

ص: 27


1- 1. نهج البلاغة، ج 1، ص 274.
2- 2. فی بعض النسخ: و فی خطبة.
3- 3. سیأتی من المؤلّف فی بیان الخطبة أن فی بعض النسخ« بدیة».
4- 4. نهج البلاغة، ج 1، ص 300.

بیان: الساطح الباسط و المسیل المجری و الوهاد جمع وهدة و هی الأرض المنخفضة و أخصب اللّٰه الأرض أی جعلها كثیرة العشب و الكلأ و النجاد بالكسر جمع نجد بالفتح و هو المرتفع من الأرض و لا لأزلیته انقضاء أی فی جانب الأبد أی أزلیته أزلیة مقرونة بالأبدیة و یمكن أن یكون إشارة إلی أن الأزلیة تستلزم الأبدیة إذ ما ثبت قدمه امتنع عدمه أو فی جانب الأزل إذا رجع الوهم إلیه و لا یخفی دلالة تلك الفقرات علی اختصاص الأزلیة به و حدوث ما سواه إذ ذكر الصفات المشتركة بینه و بین خلقه لا یناسب مقام المدح.

ثم صرح علیه السلام بذلك بقوله لم یخلق الأشیاء من أصول أزلیة ردا علی ما زعمته الحكماء من الهیولی القدیمة و نحو ذلك و الأبد بالتحریك الدهر و الدائم و القدیم الأزلی كما ذكره فی القاموس و قیل الزمان الطویل الذی لیس بمحدود و الظاهر أنه تأكید و تفسیر للفقرة الأولی و یحتمل أن یكون المراد الأمثلة التی یخلق اللّٰه تعالی الأشیاء علی حذوها و فی بعض النسخ بدیة و البدی كرضی الأول من أوائل سابقة علی إیجادها(1).

ص: 28


1- 1. الازلیة و القدم مترادفان، و معناهما كون الموجود بحیث لا یسبقه عدم، فان أضیف إلی العدم الذاتی سمی قدما ذاتیا، و إن اضیف إلی العدم الزمانی سمی قدما زمانیا و حیث إن الزمان مقدار الحركة، و الحركة تختص بالاجسام، فإذا لم یكن جسم لم یكن زمان، و كل شی ء غیر جسمانی فانه خارج عن حیطة الزمان البتة، فلو وجد شی ء مجرد عن المادة كان لا محالة غیر محدود بالزمان. و حیث إن الجسم لا ینفك عن الحركة- بناء علی القول بالحركة الجوهریة- فكلما فرض جسم كان حادثا زمانیا. و الواجب تعالی قدیم أزلیّ ذاتا بمعنی كون الوجود عین ذاته و استحالة العدم علیه بوجه و زمانا بمعنی كونه خارجا عن ظرف الزمان و منزها عن مقارنته لا بمعنی كونه مقارنا لزمان غیر متناه من جهة البدء و أمّا ما سواه فعلی القول بوجود المجردات المحضة و الموجودات النوریة العالیة فانها أیضا غیر مقیدة بالزمان لكنها لا تشارك الواجب تعالی فی الازلیة الذاتیة. و أمّا المادة أعنی الهیولی الأولی فلیست من الموجودات المتحصلة، و تحصلها إنّما یكون بالصور، و لا شی ء من الصور الجسمانیة بقدیم لما ذكرنا. نعم علی القول بقدم الصور الفلكیة كما یراه بعض الفلاسفة تكون مادتها أیضا قدیمة لكنها علی كل حال لیست موجودة قبل الأشیاء و لا أصلا أزلیا للكائنات.

«4»- شَرْحُ النَّهْجِ لِلْكَیْدُرِیِّ، وَرَدَ فِی الْخَبَرِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَمَّا أَرَادَ خَلْقَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ خَلَقَ جَوْهَراً أَخْضَرَ ثُمَّ ذَوَّبَهُ فَصَارَ مَاءً مُضْطَرِباً ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُ بُخَاراً كَالدُّخَانِ فَخَلَقَ (1)

مِنْهُ السَّمَاءَ كَمَا قَالَ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ ثُمَّ فَتَقَ تِلْكَ السَّمَاءَ فَجَعَلَهَا سَبْعاً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ زَبَداً فَخَلَقَ مِنْهُ أَرْضَ مَكَّةَ ثُمَّ بَسَطَ الْأَرْضَ كُلَّهَا مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ وَ لِذَلِكَ تُسَمَّی مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَی لِأَنَّهَا أَصْلُ جَمِیعِ الْأَرْضِ ثُمَّ شَقَّ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ سَبْعَ أَرَضِینَ وَ جَعَلَ بَیْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَ سَمَاءٍ مَسِیرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَ كَذَلِكَ بَیْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَ أَرْضٍ وَ كَذَلِكَ بَیْنَ هَذِهِ السَّمَاءِ وَ هَذِهِ الْأَرْضِ ثُمَّ بَعَثَ مَلَكاً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ حَتَّی نَقَلَ الْأَرْضَ عَلَی مَنْكِبِهِ وَ عُنُقِهِ وَ مَدَّ الْیَدَیْنِ فَبَلَغَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَی الْمَشْرِقِ وَ الْأُخْرَی إِلَی الْمَغْرِبِ ثُمَّ بَعَثَ لِقَرَارِ قَدَمِ ذَلِكَ الْمَلَكِ بَقَرَةً مِنَ الْجَنَّةِ كَانَ لَهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ قَرْنٍ وَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ رِجْلٍ وَ یَدٍ وَ بَعَثَ یَاقُوتاً مِنَ الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَی حَتَّی یُوضَعَ بَیْنَ سَنَامِ تِلْكَ الْبَقَرَةِ وَ أُذُنِهَا فَاسْتَقَرَّ قَدَمَا ذَلِكَ الْمَلَكِ عَلَی السَّنَامِ وَ الْیَاقُوتِ وَ إِنَّ قُرُونَ تِلْكَ الْبَقَرَةِ لَمُرْتَفِعَةٌ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَی تَحْتِ الْعَرْشِ وَ إِنَّ مَنَاخِرَ أُنُوفِهَا بِإِزَاءِ الْأَرْضِ فَإِذَا

تَنَفَّسَتِ الْبَقَرَةُ مَدَّ الْبَحْرُ وَ إِذَا قَبَضَتْ أَنْفَاسَهَا جَزَرَ الْبَحْرُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ خَلَقَ لِقَرَارِ قَوَائِمِ تِلْكَ الْبَقَرَةِ صَخْرَةً وَ هِیَ الَّتِی حَكَی اللَّهُ عَنْ لُقْمَانَ فِی قَوْلِهِ فَتَكُنْ فِی صَخْرَةٍ فَیَزِیدُ مِقْدَارُ سَعَةِ تِلْكَ الصَّخْرَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ عَلَی مِقْدَارِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَ سَبْعِ أَرَضِینَ ثُمَّ خَلَقَ حُوتاً وَ هُوَ الَّذِی أَقْسَمَ اللَّهُ فَقَالَ ن وَ الْقَلَمِ وَ النُّونُ الْحُوتُ وَ أَمَرَ تَعَالَی بِوَضْعِ تِلْكَ الصَّخْرَةِ عَلَی ظَهْرِ ذَلِكَ الْحُوتِ وَ جَعَلَ ذَلِكَ الْحُوتَ فِی الْمَاءِ وَ أَمْسَكَ الْمَاءَ عَلَی الرِّیحِ وَ یَحْفَظُ اللَّهُ الرِّیحَ بِقُدْرَتِهِ.

«5»- النَّهْجُ، [نهج البلاغة] وَ الْإِحْتِجَاجُ، فِی خُطْبَةٍ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: الدَّالِّ عَلَی قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ وَ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَی وُجُودِهِ إِلَی قَوْلِهِ علیه السلام مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْأَشْیَاءِ عَلَی أَزَلِیَّتِهِ (2).

ص: 29


1- 1. فی بعض النسخ: و خلق.
2- 2. نهج البلاغة، ج 1، ص 350. الاحتجاج، ص 107.

«6»- وَ فِی خُطْبَةٍ أُخْرَی مَشْهُورَةٍ: لَا تَصْحَبُهُ الْأَوْقَاتُ وَ لَا تَرْفِدُهُ (1) الْأَدَوَاتُ سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ وَ الْعَدَمَ وُجُودُهُ وَ الِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ إِلَی قَوْلِهِ علیه السلام لَا یَجْرِی عَلَیْهِ السُّكُونُ وَ الْحَرَكَةُ وَ كَیْفَ یَجْرِی عَلَیْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ وَ یَعُودُ فِیهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ وَ یَحْدُثُ فِیهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ وَ لَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ وَ لَامْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ إِلَی قَوْلِهِ علیه السلام یَقُولُ لَمَّا(2)

أَرَادَ كَوْنَهُ كُنْ فَیَكُونُ لَا بِصَوْتٍ یَقْرَعُ وَ لَا نِدَاءٍ(3)

یُسْمَعُ وَ إِنَّمَا كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَ مَثَّلَهُ لَمْ یَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ كَائِناً وَ لَوْ كَانَ قَدِیماً لَكَانَ إِلَهاً ثَانِیاً لَا یُقَالُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ یَكُنْ فَتَجْرِیَ عَلَیْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَاتُ وَ لَا یَكُونُ بَیْنَهَا وَ بَیْنَهُ فَصْلٌ وَ لَا لَهُ عَلَیْهَا فَضْلٌ فَیَسْتَوِیَ الصَّانِعُ وَ الْمَصْنُوعُ وَ یَتَكَافَأَ الْمُبْتَدِعُ وَ الْبَدِیعُ خَلَقَ الْخَلَائِقَ عَلَی غَیْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَیْرِهِ وَ لَمْ یَسْتَعِنْ عَلَی خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ أَنْشَأَ الْأَرْضَ فَأَمْسَكَهَا مِنْ غَیْرِ اشْتِغَالٍ وَ أَرْسَاهَا عَلَی غَیْرِ قَرَارٍ وَ أَقَامَهَا بِغَیْرِ قَوَائِمَ وَ رَفَعَهَا بِغَیْرِ دَعَائِمَ وَ حَصَّنَهَا مِنَ الْأَوَدِ وَ الِاعْوِجَاجِ وَ مَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَ الِانْفِرَاجِ أَرْسَی أَوْتَادَهَا وَ ضَرَبَ أَسْدَادَهَا وَ اسْتَفَاضَ عُیُونَهَا وَ خَدَّ أَوْدِیَتَهَا فَلَمْ یَهِنْ مَا بَنَاهُ وَ لَا ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ إِلَی قَوْلِهِ علیه السلام هُوَ الْمُفْنِی لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا حَتَّی یَصِیرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا وَ لَیْسَ فَنَاءُ الدُّنْیَا بَعْدَ ابْتِدَائِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا وَ اخْتِرَاعِهَا إِلَی قَوْلِهِ علیه السلام وَ إِنَّهُ (4) سُبْحَانَهُ یَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْیَا وَحْدَهُ لَا شَیْ ءَ مَعَهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا كَذَلِكَ یَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا بِلَا وَقْتٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ لَا حِینٍ وَ لَا زَمَانٍ عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الْآجَالُ وَ الْأَوْقَاتُ وَ زَالَتِ السِّنُونَ وَ السَّاعَاتُ فَلَا شَیْ ءَ إِلَّا الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الَّذِی إِلَیْهِ مَصِیرُ جَمِیعِ الْأُمُورِ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا وَ بِغَیْرِ امْتِنَاعٍ مِنْهَا كَانَ فَنَاؤُهَا وَ لَوْ قَدَرَتْ عَلَی الِامْتِنَاعِ لَدَامَ بَقَاؤُهَا لَمْ یَتَكَاءَدْهُ صُنْعُ شَیْ ءٍ

ص: 30


1- 1. فی بعض النسخ: و لا تردفه.
2- 2. فی المصدر: لمن أراد.
3- 3. فی المصدر: بنداء.
4- 4. فی المصدر: و إن اللّٰه.

مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ وَ لَمْ یَؤُدْهُ مِنْهَا خَلْقُ مَا بَرَأَهُ وَ خَلَقَهُ (1)

وَ لَمْ یُكَوِّنْهَا لِتَشْدِیدِ سُلْطَانٍ وَ لَا لِخَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَ نُقْصَانٍ وَ لَا لِلِاسْتِعَانَةِ بِهَا عَلَی نِدٍّ مُكَاثِرٍ وَ لَا لِلِاحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ وَ لَا لِلِازْدِیَادِ بِهَا فِی مُلْكِهِ وَ لَا لِمُكَاثَرَةِ شَرِیكٍ فِی شِرْكِهِ وَ لَا لِوَحْشَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ یَسْتَأْنِسَ إِلَیْهَا ثُمَّ هُوَ یُفْنِیهَا بَعْدَ تَكْوِینِهَا لَا لِسَأْمٍ دَخَلَ عَلَیْهِ فِی تَصْرِیفِهَا وَ تَدْبِیرِهَا وَ لَا لِرَاحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَیْهِ وَ لَا لِثِقَلِ شَیْ ءٍ مِنْهَا عَلَیْهِ لَمْ یُمِلَّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَیَدْعُوَهُ إِلَی سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ وَ أَمْسَكَهَا بِأَمْرِهِ وَ أَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ ثُمَّ یُعِیدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَیْهَا وَ لَا اسْتِعَانَةٍ بِشَیْ ءٍ مِنْهَا عَلَیْهَا وَ لَا لِانْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ إِلَی حَالِ اسْتِئْنَاسٍ وَ لَا مِنْ حَالِ جَهْلٍ وَ عَمًی إِلَی عِلْمٍ (2) وَ الْتِمَاسٍ وَ لَا مِنْ فَقْرٍ وَ حَاجَةٍ إِلَی غِنًی وَ كَثْرَةٍ وَ لَا مِنْ ذُلٍّ وَ ضَعَةٍ إِلَی عِزٍّ وَ قُدْرَةٍ(3).

إیضاح: الدال علی قدمه بحدوث خلقه فیه و فیما بعده دلالة علی أن علة الفاقة إلی المؤثر الحدوث و أنه لا یعقل التأثیر فی الأزلی القدیم (4) و كذا

ص: 31


1- 1. فی المصدر: ما خلقه و برأه.
2- 2. فی المصدر: إلی حال علم.
3- 3. نهج البلاغة: ج 1، ص 354.
4- 4. الحدوث و القدم قد یستعملان بمعنی المسبوقیة بالعدم الذاتی و مقابلها، و قد یستعملان بمعنی المسبوقیة بالعدم الزمانی و مقابلها فان كان المراد بهما فی كلامه علیه السلام المعنی الأول كان المعنی أن العالم لمكان إمكانه یدلّ علی وجود الواجب. و ان كان المراد بالحدوث الحدوث الزمانی و بالقدم، القدم الذاتی كان المعنی أن الحدوث الزمانی فی الزمانیات دلیل علی وجود الواجب، و ذلك لان الحدوث تغیر و التغیر یختص بالممكن و الممكن یحتاج إلی الواجب، و أیضا الحادث مسبوق بالعدم و كل ما كان كذلك أمكن عدمه فاحتاج فی الوجود إلی الواجب، و إن كان المراد بهما الحدوث و القدم الزمانیین كان المعنی أن الحدوث الزمانی فی الزمانیات یدلّ علی كون الواجب قدیما غیر مقید بالزمان و ذلك لان الحدوث نقص و محدودیة و وجود الواجب تام و فوق التمام فلا یتصف به. و إن كان المراد بالحدوث، الحدوث الذاتی و بالقدم، القدم الزمانی كان المعنی أن إمكان الخلق یدلّ علی قدم الواجب و عدم تقیده بالزمان لكنه فی غایة البعد و علی الاولین فكلامه علیه السلام ناظر إلی إثبات الواجب و علی الآخرین. فناظر إلی إثبات قدمه و علی كل حال فلا یستفاد من كلامه علیه السلام أن ما یحتاج إلی العلة ینحصر فی الحادث الزمانی بحیث لو فرض ممكن غیر حادث زمانا لم یحتج إلی الواجب فتأمل. و أمّا تحقیق القول فی أن ملاك الاحتیاج إلی العلة هل هو الحدوث أو الإمكان فله محل آخر. و أمّا النكتة فی جعله علیه السلام« الدال» صفة له سبحانه لا لخلقه مع أن الظاهر أن الخلق یدل بحدوثه علی قدم الواجب فهی أن الذی یدلّ الناس إلی الحق حقیقة هو الحق سبحانه كما فی الدعاء المأثور« و أنت دللتنی علیك و دعوتنی إلیك» و یدلّ علی ذلك روایات كثیرة و أدعیة مأثورة و وجوه عقلیة یضیق المجال عن ذكرها.

قوله مستشهد بحدوث الأشیاء علی أزلیته.

لا تصحبه الأوقات یحتمل وجهین أحدهما نفی المصاحبة علی الدوام بل وجوده سابق علی الأزمان كالزمانیات (1)

كما قال سبق الأوقات كونه و ثانیهما نفی الزمانیة عنه سبحانه مطلقا كما ذهب إلیه الحكماء من أن الزمان نسبة المتغیر إلی المتغیر و لا یكون

فیما لا تغیر فیه أصلا فالمراد بسبق كونه علی الأوقات عدم لحوقها له و امتناع مقارنته سبحانه لها و ربما یؤید ذلك بقوله علیه السلام و كیف یجری علیه ما هو أجراه فإنه علیه السلام استدل علی عدم جریان السكون و الحركة علیه بأنه موجدهما فلا یكونان من صفاته الكمالیة لأن الفعل لا یكون كمالا للفاعل و اتصافه بهما لا علی وجه الكمال یوجب التغیر أو النقص و هذا جار فی الزمان أیضا.

و كذا قوله و یعود فیه ما هو أبداه أی أظهره فقیل المعنی أنه سبحانه أظهر الحركة و السكون فكانا متأخرین عنه ذاتا فلو كانا من صفاته لزم أن یعود المتأخر و یصیر متقدما لأن صفاته سبحانه عین ذاته فلا یجوز خلوه عنها فی مرتبة الإظهار و الإیجاد و یحدث فیه ما هو أحدثه لأن الشی ء لا یكون فاعلا و قابلا لشی ء واحد أو لما مر من لزوم الاستكمال بغیره و النقص فی ذاته.

ص: 32


1- 1. یعنی أن الزمانیات تصحب الزمان ما دامت موجودة لكن وجود الواجب غیر مقارن للزمان دائما، لانه تعالی كان موجودا و لم یكن زمان فلما خلق الزمان صار مقارنا له، و أما الحكماء فینفون مقارنته سبحانه للزمان مطلقا، لان الزمان أمر تدریجی لا یقارنه إلّا ما شأنه الحركة و التغیر و هو الجسم لا غیر، و دلالة كلامه علیه السلام علی مقالتهم لا غبار علیه.

إذا لتفاوتت ذاته أی حصل الاختلاف و التغیر فی ذاته و لتجزأ كنهه أی كانت حقیقته ذات أجزاء و أبعاض لأن الحركة و السكون مستلزمان للتحیز المستلزم للجسمیة أو لكان فیه ما به بالقوة و ما به بالفعل و لامتنع من الأزل معناه أی ذاته المقصودة من أسمائه الحسنی و الامتناع من الأزل للجسمیة و حدوث ما لا ینفك عن الحركة و السكون لا بصوت یقرع أی یقرع الأسماع و القرع الدق و فی بعض النسخ علی بناء المجهول أی یحصل من قرع شی ء.

و مثله أی أقامه و قیل البارئ تعالی مثل القرآن لجبرئیل علیه السلام بالكتابة فی اللوح و یقال مثلته بین یدی أی أحضرته فلما كان اللّٰه تعالی فعل القرآن واضحا بینا كأن قد مثله للمكلفین انتهی و الظاهر أن المراد أن قوله كن فیكون لیس المراد به الكلام الحقیقی الذی له صوت بل كنایة عن تعلق الإرادة و تمثیل لحصول الأشیاء بمحض إرادته بلا تأخر و لا توقف علی أمر.

و لو كان قدیما لكان إلها ثانیا هذا صریح فی أن الإمكان لا یجامع القدم و أن الإیجاد إنما یكون لما هو مسبوق بالعدم (1)

فالقول بتعدد القدماء مع القول بإمكان بعضها قول بالنقیضین فتجری علی المعلوم (2)

و فی بعض النسخ علی المجهول علیه الصفات المحدثات فی أكثر النسخ الصفات معرفة باللام فالمحدثات صفة له و فی بعضها بدون اللام علی الإضافة و هو أنسب أی لو كان محدثا لجرت علیه صفات الأجسام المحدثة فلم یكن بینه و بینها فرق.

و الفصل القطع و الحاجز بین الشیئین و المبتدع فی بعض النسخ علی صیغة الفاعل و فی بعضها علی صیغة المفعول فعلی الأول البدیع بمعنی المبدع علی بناء المفعول و علی الثانی بمعنی المبدع علی بناء الفاعل.

علی غیر مثال خلا أی مضی و سبق من غیر اشتغال أی لم یشغله إمساكها

ص: 33


1- 1. كلامه علیه السلام صریح فی أن القدم یلازم الالوهیة و لا یجامع الإمكان، لكنه لیس بصریح فی أن المراد به القدم الزمانی فان كانت هناك قرینة عقلیة وجب حمله علی القدم الذاتی.
2- 2. یعنی أن لفظة« تجری» فی كلامه علی صیغة المعلوم أی المبنی للفاعل.

عن غیره من الأمور و أرساها أی أثبتها علی غیر قرار أی مقر یتمكن علیه بل قامت بأمره لا علی شی ء بغیر قوائم أی لا كدابة تقوم بقوائمها و الدعامة بالكسر عماد البیت الذی یقوم علیه و حصنه تحصینا أی جعله منیعا و الأود بالتحریك الاعوجاج و العطف للتفسیر و التهافت التساقط قطعة قطعة أوتادها أی جبالها التی هی للأرض بمنزلة الأوتاد و ضرب أسدادها السد بالفتح و بالضم الجبل و الحاجز بین الشیئین و قیل بالضم ما كان مخلوقا لله تعالی و بالفتح ما كان من فعلنا و ضرب الأسداد نصبها یقال ضربت الخیمة أی نصبتها أو تعیینها كضرب الخراج و لعل المعنی خلق الجبال فیها و الأنهار التی هی كالحدود لها لیتمیز بعضها عن بعض علی حسب اقتضاء الحكمة الكاملة و قال الجوهری السد أیضا واحد السدود و هی السحائب السود عن أبی زید.

و استفاض عیونها أی جعلها فائضة جاریة و خد أودیتها أی شقها و منه الأخدود أی الحفرات المستطیلة فی الأرض حتی یصیر موجودها كمفقودها لعل المراد بالمفقود ما لم یوجد أصلا أی حتی یصیر كأن لم یكن و یحتمل أن تكون الكاف زائدة و قوله علیه السلام كما كان قبل ابتدائها إلی آخر الكلام صریح فی حدوث ما سوی اللّٰه تعالی و ظاهره نفی الزمان أیضا قبل العالم و عدم زمانیته سبحانه إلی أن یحمل علی الأزمنة المعینة من اللیالی و الأیام و الشهور و السنین و یدل علی فناء جمیع أجزاء الدنیا بعد الوجود و هذا أیضا ینافی القدم لأنهم أطبقوا علی أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه و أقاموا علیه البراهین العقلیة.

لم یتكاءده فی أكثر النسخ علی صیغة التفاعل (1)

و فی بعضها علی صیغة التفعل (2) و كلاهما بمعنی نفی المشقة و فی بعض النسخ لم یتكاره علی صیغة التفاعل من الكره یقال فعل الأمر علی تكره و تكاره أی علی تسخط و عدم الرضا به و الغرض أنه سبحانه لم یكن مجبورا مكرها فی خلق الأشیاء.

ص: 34


1- 1. أی بالالف و تشدید الدال.
2- 2. أی بالهمزة المشددة و تخفیف الدال.

و آده الأمر یؤده أثقله و برأه أی خلقه و تشدید السلطان إحكام السلطنة و حفظها عن تطرق الخلل فیها و الند بالكسر المثل قالوا و لا یكون الند إلا مخالفا و المكاثرة المغالبة بالكثرة و الضد بالكسر النظیر و الكفو و قیل مثل الشی ء و خلافه و هو من الأضداد و الثور بالفتح الهیجان و الوثب و ثاوره أی واثبه و الشرك بالكسر الاسم من شركته كعلمت فی البیع و المیراث شركه و فی النسخ فی شركة بالتاء موضع الضمیر و الاستئناس اتخاذ الأنیس ضد الاستیحاش و السأم بالتحریك الملال و التصریف التغییر و تحویل الشی ء من حال إلی حال و من وجه إلی وجه و الثقل بالكسر كما فی بعض النسخ و كعنب كما فی بعضها ضد الخفة و لم یمله علی صیغة الإفعال أی لم یجعله سئما و فی بعض النسخ و لا یمله و ذكر السرعة لأن الإفناء لا یستدعی زمانا طویلا إذا كان عن قدرة كاملة أو لأنه إذا كان عن ملالة من البقاء یكون بسرعة. و أتقنها أحكمها و الالتماس الطلب و المراد طلب علم مجهول و الضعة بالفتح كما فی النسخ و بالكسر انحطاط الدرجة ضد الرفعة و الضمیر فی قوله علیه السلام یعیدها راجع إلی الدنیا كالضمائر السابقة و جوز بعض شارحی النهج عودها إلی الأمور فی قوله علیه السلام إلیه مصیر جمیع الأمور و علی أی حال ظاهره انعدام جمیع المخلوقات حتی الأرواح و الملائكة ثم عودها فیدل علی جواز إعادة المعدوم و قد سبق الكلام فیه فی المجلد الثالث.

«7»- التَّوْحِیدُ، وَ الْعُیُونُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی الْقَاسِمِ عَنْ أَبِی سُمَیْنَةَ(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِیِّ عَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: هُوَ أَیَّنَ

ص: 35


1- 1. هو محمّد بن علی الصیرفی الكوفیّ ضعیف مرمی بالكذب و فساد الاعتقاد، و الظاهر اتّحاده مع محمّد بن علیّ بن إبراهیم بن موسی أبی جعفر القرشیّ و محمّد بن علیّ بن إبراهیم الكوفیّ كما یؤیده تتبع الأسانید، و إن كان تكرار العنوان فی كتب الرجال ربما یوهم التعدّد.

الْأَیْنَ كَانَ وَ لَا أَیْنَ وَ هُوَ كَیَّفَ الْكَیْفَ كَانَ وَ لَا كَیْفَ (1) الْخَبَرَ.

«8»- الْإِحْتِجَاجُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی قَالَ: سَأَلَنِی أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ إِلَی أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ وَ سَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَكَانَ فِیمَا سَأَلَهُ أَخْبِرْنِی جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ لِمُوسَی وَ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَی أَنْ قَالَ فَمَا تَقُولُ فِی الْكُتُبِ فَقَالَ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِیلُ وَ الزَّبُورُ وَ الْفُرْقَانُ وَ كُلُّ كِتَابٍ أُنْزِلَ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ لِلْعَالَمِینَ نُوراً وَ هُدًی وَ هِیَ كُلُّهَا مُحْدَثَةٌ وَ هِیَ غَیْرُ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ فَهَلْ یَفْنَی فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَی أَنَّ مَا سِوَی اللَّهِ فَانٍ وَ مَا سِوَی اللَّهِ فِعْلُ اللَّهِ وَ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِیلُ وَ الزَّبُورُ وَ الْفُرْقَانُ فِعْلُ اللَّهِ أَ لَمْ تَسْمَعِ النَّاسَ یَقُولُونَ رَبُّ الْقُرْآنِ وَ أَنَّ الْقُرْآنَ یَقُولُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَا رَبِّ هَذَا فُلَانٌ وَ هُوَ أَعْرَفُ بِهِ قَدْ أَظْمَأْتُ نَهَارَهُ وَ أَسْهَرْتُ لَیْلَهُ فَشَفِّعْنِی فِیهِ وَ كَذَلِكَ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِیلُ وَ الزَّبُورُ كُلُّهَا مُحْدَثَةٌ مَرْبُوبَةٌ أَحْدَثَهَا مَنْ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ هُدًی لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُنَّ لَمْ یَزَلْنَ فَقَدْ أَظْهَرَ أَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِأَوَّلِ قَدِیمٍ وَ لَا وَاحِدٍ وَ أَنَّ الْكَلَامَ لَمْ یَزَلْ مَعَهُ وَ لَیْسَ لَهُ بَدْءٌ وَ لَیْسَ بِإِلَهٍ (2).

بیان: و لیس له بدء أی لیس للكلام علة لأن القدیم لا یكون مصنوعا و لیس بإله أی و الحال أنه لیس بإله فكیف لم یحتج إلی الصانع أو الصانع یلزم أن لا یكون إلها لوجود الشریك معه فی القدم و فی بعض النسخ و لیس بإله له أی یلزم أن لا یكون اللّٰه إلها للكلام لكونه معه دائما.

«9»- المهج، [مهج الدعوات] بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی حَبِیبَةَ وَ خَلِیلِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَیْرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ: عَلَّمَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَذَا الدُّعَاءَ وَ ذَكَرَ لَهُ فَضْلًا كَثِیراً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِینُ الْمُدَبِّرُ بِلَا وَزِیرٍ وَ لَا خَلْقٍ مِنْ عِبَادِهِ یَسْتَشِیرُ الْأَوَّلُ غَیْرُ مَصْرُوفٍ وَ الْبَاقِی بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ الْعَظِیمُ الرُّبُوبِیَّةُ نُورُ

ص: 36


1- 1. العیون: ص 131، ح 28: التوحید، ص 178، ح 3.
2- 2. الاحتجاج، ص 220، احتجاج أبی الحسن الرضا علیه السلام ابا قرة المحدث.

السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ وَ فَاطِرُهُمَا وَ مُبْتَدِعُهُمَا بِغَیْرِ عَمَدٍ خَلَقَهُمَا فَاسْتَقَرَّتِ الْأَرَضُونَ بِأَوْتَادِهَا فَوْقَ الْمَاءِ ثُمَّ عَلَا رَبُّنَا فِی السَّماواتِ الْعُلی الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّری إِلَی قَوْلِهِ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ كُنْتَ إِذْ لَمْ تَكُنْ سَمَاءٌ مَبْنِیَّةٌ وَ لَا أَرْضٌ مَدْحِیَّةٌ وَ لَا شَمْسٌ مُضِیئَةٌ وَ لَا لَیْلٌ مُظْلِمٌ وَ لَا نَهَارٌ مُضِی ءٌ وَ لَا بَحْرٌ لُجِّیٌّ وَ لَا جَبَلٌ رَاسٍ وَ لَا نَجْمٌ سَارٍ وَ لَا قَمَرٌ مُنِیرٌ وَ لَا رِیحٌ تَهُبُّ وَ لَا سَحَابٌ یَسْكُبُ وَ لَا بَرْقٌ یَلْمَعُ وَ لَا رُوحٌ تَتَنَفَّسُ وَ لَا طَائِرٌ یَطِیرُ وَ لَا نَارٌ تَتَوَقَّدُ وَ لَا مَاءٌ یَطَّرِدُ كُنْتَ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ كَوَّنْتَ كُلَّ شَیْ ءٍ وَ ابْتَدَعْتَ كُلَّ شَیْ ءٍ إِلَی آخِرِ الدُّعَاءِ.

«10»- وَ مِنْهُ، بِأَسَانِیدَ ذَكَرَهَا إِلَی ابْنِ عَبَّاسٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: فِی الدُّعَاءِ الْیَمَانِیِّ الْمَعْرُوفِ وَ أَنْتَ الْجَبَّارُ الْقُدُّوسُ الَّذِی لَمْ تَزَلْ أَزَلِیّاً دَائِماً فِی الْغُیُوبِ وَحْدَكَ لَیْسَ فِیهَا غَیْرُكَ وَ لَمْ یَكُنْ لَهَا سِوَاكَ.

«11»- وَ مِنْهُ،: فِی دُعَاءٍ عَلَّمَهُ جَبْرَئِیلُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِمَا الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الْكَائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ الْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَیْ ءٍ وَ الْكَائِنُ بَعْدَ فَنَاءِ كُلِّ شَیْ ءٍ.

«12»- التَّوْحِیدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی (2) عَنْ سُلَیْمَانَ الْجَعْفَرِیِّ قَالَ قَالَ الرِّضَا علیه السلام: الْمَشِیَّةُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَزَلْ مُرِیداً شَائِیاً فَلَیْسَ بِمُوَحِّدٍ(3).

بیان: لعل الشرك باعتبار أنه إذا كانت الإرادة و المشیة أزلیتین فالمراد و المشی ء أیضا یكونان أزلیین و لا یعقل التأثیر فی القدیم فیكون إلها ثانیا كما مر مرارا أو أنهما لما لم یكونا عین الذات فكونهما دائما معه سبحانه یوجب إلهین

ص: 37


1- 1. هو محمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید أبو جعفر المتوفّی سنة 343 شیخ القمیین و فقیههم ثقة جلیل القدر عظیم المنزلة.
2- 2. فی المصدر: محمّد بن عیسی بن عبید.
3- 3. التوحید، باب صفات الافعال، ص 93.

آخرین بتقریب ما مر(1) و یؤید الأول مَا رَوَاهُ فِی التَّوْحِیدِ أَیْضاً عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَیْدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ مُرِیداً فَقَالَ إِنَّ الْمُرِیدَ لَا یَكُونُ إِلَّا لِمُرَادٍ مَعَهُ بَلْ لَمْ یَزَلْ عَالِماً قَادِراً ثُمَّ أَرَادَ.

«13»- التَّوْحِیدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سَأَلَ الْجَاثَلِیقُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَخْبِرْنِی عَنِ الرَّبِّ أَ فِی الدُّنْیَا هُوَ أَوْ فِی الْآخِرَةِ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لَمْ یَزَلْ رَبُّنَا قَبْلَ الدُّنْیَا(2) هُوَ مُدَبِّرُ الدُّنْیَا وَ عَالِمٌ بِالْآخِرَةِ(3).

«14»- وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی كَانَ قَبْلَ أَنْ یَكُونَ كَانَ لَمْ یُوجَدْ لِوَصْفِهِ كَانَ ثُمَّ قَالَ كَانَ إِذْ لَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ وَ لَمْ یَنْطِقْ فِیهِ نَاطِقٌ فَكَانَ إِذْ لَا كَانَ (4).

«15»- النهج، [نهج البلاغة]: مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ علیه السلام وَ كَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ وَ بَدِیعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ یَبَساً جَامِداً ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ وَ قَامَتْ عَلَی حَدِّهِ یَحْمِلُهَا(5) الْأَخْضَرُ الْمُثْعَنْجِرُ وَ الْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ قَدْ ذَلَّ لِأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِهَیْبَتِهِ وَ وَقَفَ الْجَارِی مِنْهُ لِخَشْیَتِهِ وَ جَبَلَ جَلَامِیدَهَا وَ نُشُوزَ مُتُونِهَا وَ أَطْوَادَهَا فَأَرْسَاهَا

ص: 38


1- 1. المشیة و الإرادة من صفات الافعال كما نطقت به روایات كثیرة، و الصفات الفعلیة ما ینتزع من نفس الافعال و لا یوصف الواجب تعالی بها من حیث ذاته مع قطع النظر عن الافعال التی تصدر عنه و لا قبل صدورها. فلیست أفعالا خارجیة حتّی تكون ممكنة لا استقلال لها، و لا صفات ذاتیة حتّی تكون عین ذات الواجب غیر زائدة علیها بل هی عناوین انتزاعیة فمن قال بأزلیتها و وجودها قبل تحقّق الافعال لزمه القول بكونها موجودات حقیقیة خارجیة، و حیث إنها لا تكون ممكنة و لا عین ذات الواجب لزم كونها واجبات مستقلة، كما تقول الأشاعرة فی الصفات الذاتیة فالقول بأزلیتها یستلزم القول بتعدّد الاله، و ذلك قوله علیه السلام« فمن زعم أن اللّٰه لم یزل مریدا شائیا فلیس بموحد».
2- 2. فی المصدر: و لا یزال أبدا.
3- 3. التوحید: باب الرحمن علی العرش استوی، ص، 232.
4- 4. التوحید: 28. و سیأتی الحدیث مسندا تحت الرقم 19.
5- 5. فی المصدر: و أرسی أرضا یحملها.

فِی مَرَاسِیهَا وَ أَلْزَمَهَا قَرَارَتَهَا(1) فَمَضَتْ رُءُوسُهَا فِی الْهَوَاءِ وَ رَسَتْ أُصُولُهَا فِی الْمَاءِ فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا عَنْ سُهُولِهَا وَ أَسَاخَ قَوَاعِدَهَا فِی مُتُونِ أَقْطَارِهَا وَ مَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا فَأَشْهَقَ قِلَالَهَا وَ أَطَالَ أَنْشَازَهَا وَ جَعَلَهَا لِلْأَرْضِ عِمَاداً وَ أَرَزَّهَا فِیهَا أَوْتَاداً فَسَكَنَتْ عَلَی حَرَكَتِهَا(2) مِنْ أَنْ تَمِیدَ بِأَهْلِهَا أَوْ تَسِیخَ بِحِمْلِهَا أَوْ تَزُولَ عَنْ مَوَاضِعِهَا فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِیَاهِهَا وَ أَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً وَ بَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّیٍّ رَاكِدٍ لَا یَجْرِی وَ قَائِمٍ لَا یَسْرِی تُكَرْكِرُهُ الرِّیَاحُ الْعَوَاصِفُ وَ تَمْخُضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ إِنَّ فِی ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ یَخْشی (3).

بیان: الاقتدار علی الشی ء القدرة علیه و الجبروت فعلوت من الجبر و هو القهر و البدیع بمعنی المبدع بالفتح و اللطیف الدقیق و زخر البحر كمنع أی تملأ و ارتفع و المتراكم المجتمع بعضه فوق بعض و تقاصف البحر تزاحمت أمواجه و قال ابن أبی الحدید الیبس بالتحریك المكان یكون رطبا ثم یبس قال اللّٰه تعالی فاضرب لهم طریقا فی البحر یبسا و الیبس بالسكون الیابس خلقة یقال حطب یبس و هكذا یقول أهل اللغة و فیه كلام لأن الحطب لیس یابسا خلقة بل كان رطبا من قبل و الأصوب أن یقال لا تكون هذه اللفظة محركة إلا فی المكان خاصة انتهی و الجامد ضد الذائب و المراد بالیبس الجامد الأرض و الفطر بالفتح الخلق و الإنشاء و الأطباق بالفتح جمع طبق بالتحریك و هو غطاء كل شی ء و الطبق أیضا من كل شی ء ما ساواه و قوله علیه السلام ففتقها إشارة

إلی قوله تعالی أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما و قد مرت الوجوه فی تفسیرها و هذا مما یؤید بعضها فتذكر و یدل علی حدوث السماوات و كونها أولی (4) طبقات منفصلة فی الحقیقة متصلة فی الصورة

ص: 39


1- 1. فی المصدر: قراراتها.
2- 2. فی بعض النسخ: عن حركتها.
3- 3. نهج البلاغة، ج 1، ص 426.
4- 4. فی بعض النسخ: أولا.

بعضها فوق بعض ففتقها و فرقها و باعد بعضها عن بعض فحصلت سبع سماوات متمیزات بینها أفضیة للملائكة.

و الاستمساك الاحتباس و الاعتصام و الغرض عدم تفرقها كان بعضها معتصم ببعض و قیامها علی حده كنایة عن وقوفها علی ما حده لها من المكان و المقدار و الشكل و الهیئة و النهایات و الطبائع و عدم خروجها عن تلك و الضمیر فی حده راجع إلی اللّٰه أو إلی الیبس.

و قال الكیدری و الأخضر الماء و العرب تصفه بالخضرة و المثعنجر علی صیغة اسم الفاعل كما فی النسخ السائل من ماء أو دمع و بفتح الجیم وسط البحر و لیس فی البحر ما یشبهه ذكره الفیروزآبادی و قال الجزری

فی حدیث علی علیه السلام: یحملها الأخضر المثعنجر.

هو أكثر موضع فی البحر ماء و المیم و النون زائدتان و

مِنْهُ حَدِیثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِذَا عِلْمِی بِالْقُرْآنِ فِی عِلْمِ عَلِیٍّ كَالْقَرَارَةِ فِی الْمُثْعَنْجِرِ.

القرارة الغدیر الصغیر.

و القمقام بالفتح كما فی النسخ و قد یضم البحر و یكون بمعنی السید و الأمر العظیم و العدد الكثیر و المسخر فی بعض النسخ بالخاء المعجمة و فی بعضها بالجیم فی القاموس سجر النهر ملأه و تسجیر الماء تفجیره و الضمیر فی قوله علیه السلام منه راجع إلی ماء البحر أو إلی الیبس الجامد فیكون الدخان الذی خلق منه السماوات مرتفعا منه و فی استمسكت إلی الأطباق أو إلی ما یرجع إلیه الضمیر فی یحملها و هو الیبس الجامد(1) و التأنیث لأن المراد به الأرض.

و أذعن له أی خضع و انقاد و الجاری منه أی السائل بالطبع فوقوفه عدم جریانه طبعا بإرادته سبحانه أو السائل منه قبل إرادته و أمره بالجمود و یحتمل

ص: 40


1- 1. هذا إذا لم یكن لفظة الأرض فی الكلام، و أمّا علی نسخة المصدر« و أرسی أرضا یحملها» فلا شبهة فی رجوع الضمیر إلی الأرض.

أن تكون الضمائر فی ذل و أذعن و وقف راجعة إلی الأخضر أو القمقام و هو أنسب بتذكیر الضمیر و الجریان.

و جبل كنصر و ضرب أی خلق و الجلمد بالفتح و الجلمود بالضم الحجر العظیم الصلب و النشز بالفتح المكان المرتفع و الجمع نشوز بالضم و المتن ما صلب من الأرض و ارتفع و الطود بالفتح الجبل أو العظیم منه و الضمائر راجعة إلی الأرض المعبر عنها بالیبس الجامد و أرساها أی أثبتها فی مراسیها أی فی مواضعها المعینة بمقتضی الحكم الإلهیة و القرارة موضع القرار و رست أی ثبتت و فی بعض النسخ رسبت یقال رسب كنصر إذا ذهب إلی أسفل و إذا ثبت و یقال نهد ثدی الجاریة كمنع و نصر أی كعب و أشرف و السهل من الأرض ضد الحزن و ساخت قوائمه فی الأرض تسوخ و تسیخ أی دخلت فیها و غابت و أساخها غیبها و قواعد البیت أساسه و القطر بالضم الناحیة أی غیب قواعد الجبال فی متون نواحی الأرض و قیل أی فی جوانب أقطارها و النصب بالفتح و یحرك العلم المنصوب و بالضم و بضمتین كل ما جعل علما و كل ما عبد من دون اللّٰه و المراد بالأنصاب الجبال و بمواضعها الأمكنة الصالحة للجبال بمقتضی الحكمة و القلال بالكسر جمع قلة بالضم و هی أعلی الجبل أو أعلی كل شی ء و الشاهق المرتفع أی جعل قلالها مرتفعة و إطالة الأنشاز مؤكدة لها و العماد بالكسر الخشبة التی یقوم علیها البیت و الأبنیة الرفیعة و الظاهر أن المراد بجعلها للأرض عمادا ما یستفاد من الفقرة التالیة و قیل المراد جعلها مواضع رفیعة فی الأرض و أرز بتقدیم المهملة كنصر و ضرب و علم أی ثبت و أرز بتشدید المعجمة أی أثبت و فی أكثر النسخ بالتخفیف و فتح العین و فی بعضها بالتشدید قال فی النهایة فی كلام علی علیه السلام أرزها فیها أوتادا.

أی أثبتها إن كانت الزای مخففة فهی من أرزت الشجرة تأرز إذا أثبت فی الأرض و إن كانت مشددة فهی من أرزت الجرادة إذا أدخلت ذنبها فی الأرض لتلقی فیها بیضها و رززت الشی ء فی الأرض رزا أثبتته فیها و حینئذ تكون الهمزة زائدة

ص: 41

انتهی و قیل و روی آرز بالمد من قولهم شجرة آرزة أی ثابتة فی الأرض.

فسكنت علی حركتها أی حال حركتها التی هی من شأنها لأنها محمولة علی سائل متموج كما قیل أو علی أثر حركتها بتموج الماء من أن تمید أی تتحرك و تضطرب أو تسیخ بحملها أی تغوص بالماء مع ما علیها قال ابن أبی الحدید لو تحركت الأرض فإما أن تتحرك علی مركزها أو لا و الأول هو المراد بقوله علیه السلام تمید بأهلها و الثانی ینقسم إلی أن تنزل إلی تحت و هو المراد بقوله علیه السلام تسیخ بحملها و أن لا تنزل إلی تحت و هو المراد بقوله تزول عن مواضعها انتهی.

و یحتمل أن یراد بقوله علیه السلام تمید بأهلها تحركها و اضطرابها بدون الغوص فی الماء كما یكون عند الزلزلة و بسوخها بحملها حركتها علی وجه یغوص أهلها فی الماء سواء كانت علی المركز أم لا فتكون الباء للتعدیة و بزوالها عن مواضعها خراب قطعاتها بالریاح و السیول أو بتفرق القطعات و انفصال بعضها عن بعض فإن الجبال كالعروق الساریة فیها تضبطها عن التفرق كما سیأتی و یؤیده إیراد المواضع بلفظ الجمع.

و صیغة فعلان بالتحریك فی المصدر تدل علی الاضطراب و التقلب و التنقل كالمیدان و النزوان و الخفقان و لعل المراد بهذا الموجان ما كان غامرا للأرض أو أكثرها و إمساكها بخلق الجبال التی تقدم فی الكلام و رطوبة أكنافها أی جوانبها لمیدانها قبل

خلق الجبال و المهاد بالكسر الفراش و الموضع یهیأ للصبی و یوطأ و الفراش ما یبسط و اللجة بالضم معظم الماء و ركد كنصر أی ثبت و سكن و سری عرق الشجر كرمی أی دب تحت الأرض.

و قال الجوهری الكركرة تصریف الریاح (1)

السحاب إذا جمعته بعد تفرق و قال باتت تكركره الجنوب و أصله تكرره من التكریر(2)

و كركرته عنی

ص: 42


1- 1. فی الصحاح: الریح.
2- 2. فی الصحاح: و كركرت بالدجاجة: صحت بها و كركرته عنی ...

أی دفعته و رددته.

و الریاح العواصف الشدیدة الهبوب و مخض اللبن یمخضه مثلثة أی أخذ زبده و فی النسخ الفتح و الضم و الغمام جمع غمامة و هی السحابة البیضاء أو الأعم و ذرف الدمع كضرب أی سال و ذرف عینه أی سال دمعها و ذرف العین دمعها أی أسالها و من یخشی العلماء كما قال سبحانه إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و یحتمل أن یكون التخصیص لأجل أن عدم الخشیة یوجب عدم المبالاة بالعبر و الالتفات إلیها.

«16»- الْعِلَلُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنِی وَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ علیهم السلام قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الدُّنْیَا بِسَبْعَةِ آلَافِ عَامٍ قُلْتُ فَأَیْنَ كُنْتُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُدَّامَ الْعَرْشِ نُسَبِّحُ اللَّهَ وَ نُحَمِّدُهُ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُمَجِّدُهُ قُلْتُ عَلَی أَیِّ مِثَالٍ قَالَ أَشْبَاحِ نُورٍ(1)

الْخَبَرَ.

«17»- التَّوْحِیدُ، وَ الْعُیُونُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْكَاتِبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِیَادٍ الْقُلْزُمِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی زِیَادٍ الْجَدِّیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَلَوِیِّ عَنِ الرِّضَا علیه السلام فِی خُطْبَتِهِ الطَّوِیلَةِ: قَالَ أَوَّلُ عِبَادَةِ اللَّهِ مَعْرِفَتُهُ وَ أَصْلُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَوْحِیدُهُ وَ نِظَامُ تَوْحِیدِ اللَّهِ نَفْیُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ الْعُقُولِ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ وَ مَوْصُوفٍ مَخْلُوقٌ وَ شَهَادَةِ كُلِّ مَخْلُوقٍ أَنَّ لَهُ خَالِقاً لَیْسَ بِصِفَةٍ وَ لَا مَوْصُوفٍ وَ شَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ وَ مَوْصُوفٍ بِالاقْتِرَانِ وَ شَهَادَةِ الِاقْتِرَانِ بِالْحَدَثِ (2) وَ شَهَادَةِ الْحَدَثِ (3)

بِالامْتِنَاعِ مِنَ الْأَزَلِ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الْحَدَثِ (4)

إِلَی قَوْلِهِ سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ وَ الْعَدَمَ وُجُودُهُ وَ الِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ إِلَی قَوْلِهِ فَفَرَّقَ بِهَا بَیْنَ قَبْلٍ وَ بَعْدٍ لِیُعْلَمَ أَنْ لَا قَبْلَ لَهُ وَ لَا

بَعْدَ إِلَی قَوْلِهِ مُخْبِرَةً بِتَوْقِیتِهَا أَنْ لَا وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا إِلَی قَوْلِهِ لَهُ مَعْنَی الرُّبُوبِیَّةِ إِذْ لَا مَرْبُوبَ وَ حَقِیقَةُ الْإِلَهِیَّةِ إِذْ لَا مَأْلُوهَ وَ مَعْنَی الْعَالِمِ إِذْ(5) لَا مَعْلُومَ وَ مَعْنَی الْخَالِقِ إِذْ(6)

ص: 43


1- 1. علل الشرائع: ج 1، ص 198 و سیأتی أیضا تحت الرقم( 133).
2- 2. فی العیون: الحدوث.
3- 3. فی العیون: الحدوث.
4- 4. فی العیون: الحدوث.
5- 5. فی العیون: و لا معلوم.
6- 6. فی العیون: و لیس.

لَا مَخْلُوقَ وَ تَأْوِیلُ السَّمْعِ وَ لَا مَسْمُوعَ لَیْسَ مُنْذُ خَلَقَ اسْتَحَقَّ مَعْنَی الْخَالِقِ (1)

وَ لَا بِإِحْدَاثِهِ الْبَرَایَا اسْتَفَادَ مَعْنَی البرائیة [الْبَارِئِیَّةِ] كَیْفَ وَ لَا تَغِیبُهُ (2) مُذْ وَ لَا تُدْنِیهِ قَدْ وَ لَا تَحْجُبُهُ لَعَلَّ وَ لَا یُوَقِّتُهُ (3)

مَتَی وَ لَا تَشْمَلُهُ حِینٌ وَ لَا تُقَارِنُهُ (4)

مَعَ إِلَی قَوْلِهِ فَكُلُّ مَا فِی الْخَلْقِ لَا یُوجَدُ فِی خَالِقِهِ وَ كُلُّ مَا یُمْكِنُ فِیهِ یَمْتَنِعُ مِنْ (5)

صَانِعِهِ لَا تَجْرِی عَلَیْهِ الْحَرَكَةُ وَ السُّكُونُ وَ كَیْفَ یَجْرِی عَلَیْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ أَوْ یَعُودُ إِلَیْهِ (6)

مَا هُوَ ابْتَدَاهُ إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ وَ لَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ وَ لَامْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ إِلَی قَوْلِهِ لَیْسَ فِی مُحَالِ الْقَوْلِ حُجَّةٌ وَ لَا فِی الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ جَوَابٌ وَ لَا فِی مَعْنَاهُ لِلَّهِ (7) تَعْظِیمٌ وَ لَا فِی إِبَانَتِهِ عَنِ الْخَلْقِ ضَیْمٌ إِلَّا بِامْتِنَاعِ الْأَزَلِیِّ أَنْ یُثَنَّی وَ لِمَا(8) لَا بَدْءَ لَهُ أَنْ یَبْدَأَ(9) إِلَی آخِرِ الْخُطْبَةِ.

الْإِحْتِجَاجُ، مُرْسَلَةً(10): مِثْلَهُ.

مَجَالِسُ ابْنِ الشَّیْخِ، عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْمُفِیدِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْیَرِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَیْدٍ

ص: 44


1- 1. قال المؤلّف- رحمه اللّٰه- فی بیان هذه الفقرة( ج 4، ص 241) ما هذا لفظه: إذا الخالقیة التی هی كماله هی القدرة علی خلق كل ما علم أنّه أصلح، و نفس الخلق من آثار تلك الصفة الكمالیة و لا یتوقف كماله علیه« انتهی» یعنی بذلك أن المراد بالخالقیة لیس التی من الصفات الفعلیة بل التی من الصفات الكمالیة الذاتیة و هی القدرة علی الخلق لا عنوان الخالق فتبصر و قس علیه البرائیة و ما ضاهاها.
2- 2. فی العیون: و لا توقته.
3- 3.«: فی العیون: و لا تشمله.
4- 4. فی العیون: و لا تقاربه.
5- 5. فی العیون: فی صانعه.
6- 6. فی العیون: فیه.
7- 7. فی بعض النسخ: له.
8- 8. فی التوحید: و لا بدا له أن یبدو و فی بعض النسخ« و ما لا بدء.» و هو الأظهر.
9- 9. التوحید: ص 15 العیون: ص 150.
10- 10. الاحتجاج: باب احتجاج الرضا علیه السلام ص 217.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَیْدٍ الطَّبَرِیِّ عَنِ الرِّضَا علیه السلام: مِثْلَهُ.

مَجَالِسُ الْمُفِیدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ: مِثْلَهُ.

بیان: قد مر شرح الخطبة فی كتاب التوحید و قد دلت علی تنافی الحدوث أی المعلولیة و الأزلیة و تأویل الأزلیة بوجوب الوجود مع بعده یجعل الكلام خالیا عن الفائدة و دلالة سائر الفقرات ظاهرة كما فصلناه سابقا و ظاهر أكثر الفقرات نفی الزمانیة عنه سبحانه و كذا قوله علیه السلام إلا بالامتناع الأزلی أن یثنی یدل علی امتناع تعدد القدماء و كذا الفقرة التالیة لها.

«18»- التَّوْحِیدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الصَّفَّارِ وَ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی وَ الْهَیْثَمِ بْنِ أَبِی مَسْرُوقٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ كُلِّهِمْ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِی الْمِقْدَامِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی بَعْضِ خُطَبِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی كَانَ فِی أَزَلِیَّتِهِ (1)

وَحْدَانِیّاً إِلَی قَوْلِهِ ابْتَدَأَ مَا ابْتَدَعَ وَ أَنْشَأَ مَا خَلَقَ عَلَی غَیْرِ مِثَالٍ كَانَ سَبَقَ لِشَیْ ءٍ مِمَّا خَلَقَ رَبُّنَا الْقَدِیمُ بِلُطْفِ رُبُوبِیَّتِهِ وَ بِعِلْمِ خُبْرِهِ فَتَقَ وَ بِإِحْكَامِ قُدْرَتِهِ خَلَقَ جَمِیعَ مَا خَلَقَ (2) الْخَبَرَ.

«19»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِیِّ عَنْ مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِیرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام أَنَّهُ كَانَ یَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی كَانَ قَبْلَ أَنْ یَكُونَ كَانَ لَمْ یُوجَدْ لِوَصْفِهِ كَانَ بَلْ كَانَ أَوَّلًا(3)

كَائِناً لَمْ یُكَوِّنْهُ مُكَوِّنٌ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَلْ كَوَّنَ الْأَشْیَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا فَكَانَتْ كَمَا كَوَّنَهَا عَلِمَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ كَانَ إِذْ لَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ وَ لَمْ یَنْطِقْ فِیهِ نَاطِقٌ فَكَانَ إِذْ لَا كَانَ (4).

ص: 45


1- 1. فی بعض النسخ: أولیته.
2- 2. التوحید: ص 20.
3- 3. فی نسخة: أزلا.
4- 4. التوحید: ص 28. و قد مر مقطعا تحت الرقم 14.

«20»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ(1) بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ(2)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ الْعَمِّیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ فِی الرُّبُوبِیَّةِ الْعُظْمَی وَ الْإِلَهِیَّةِ الْكُبْرَی لَا یُكَوِّنُ الشَّیْ ءَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ إِلَّا اللَّهُ وَ لَا یَنْقُلُ الشَّیْ ءَ مِنْ جَوْهَرِیَّتِهِ إِلَی جَوْهَرٍ آخَرَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَا یَنْقُلُ الشَّیْ ءَ مِنَ الْوُجُودِ إِلَی الْعَدَمِ إِلَّا اللَّهُ (3).

«21»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الطَّالَقَانِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْعَدَوِیِّ عَنِ الْهَیْثَمِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّمَّانِیِّ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام النَّاسَ فِی مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا مِنْ شَیْ ءٍ كَانَ وَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ كَوَّنَ مَا كَانَ (4)

مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْأَشْیَاءِ عَلَی أَزَلِیَّتِهِ وَ بِفُطُورِهَا عَلَی قِدْمَتِهِ (5) الْخُطْبَةَ.

«22»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ (6) قَالَ: قُلْتُ أَ رَأَیْتَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ أَ لَیْسَ كَانَ فِی عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَی قَالَ فَقَالَ بَلَی قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ (7).

«23»- وَ مِنْهُ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِسْمَاعِیلَ وَ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ جَمِیعاً عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام هَلْ یَكُونُ الْیَوْمَ شَیْ ءٌ لَمْ یَكُنْ فِی عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ لَا بَلْ كَانَ فِی عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ یُنْشِئَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ (8).

ص: 46


1- 1. فی المصدر: أحمد بن إدریس، و هو الصحیح.
2- 2. كذا فی نسخ الكتاب و المصدر، لكن الظاهر أنّه مصحف« أحمد بن بشیر» لروایة سهل بن زیاد عنه.
3- 3. التوحید: ص 32.
4- 4. فی المصدر: ما قد كان.
5- 5. التوحید: ص 33.
6- 6. فی المصدر: عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام قال: قلت له.
7- 7. التوحید: 85.
8- 8. التوحید: ص 85.

«24»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ (1) الْعَالِمُ بِالْأَشْیَاءِ قَبْلَ كَوْنِ الْأَشْیَاءِ إِلَی قَوْلِهِ فَلَمْ یَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عِلْمُهُ سَابِقاً لِلْأَشْیَاءِ قَدِیماً قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَهَا فَتَبَارَكَ رَبُّنَا وَ تَعَالَی عُلُوّاً كَبِیراً خَلَقَ الْأَشْیَاءَ وَ عِلْمُهُ بِهَا سَابِقٌ لَهَا كَمَا شَاءَ كَذَلِكَ لَمْ یَزَلْ رَبُّنَا عَلِیماً سَمِیعاً بَصِیراً(2).

«25»- وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَ كَانَ یَعْلَمُ الْمَكَانَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْمَكَانَ أَمْ عَلِمَهُ عِنْدَ مَا خَلَقَهُ وَ بَعْدَ مَا خَلَقَهُ فَقَالَ تَعَالَی اللَّهُ بَلْ لَمْ یَزَلْ عَالِماً بِالْمَكَانِ قَبْلَ تَكْوِینِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ مَا كَوَّنَهُ وَ كَذَلِكَ عِلْمُهُ بِجَمِیعِ الْأَشْیَاءِ كَعِلْمِهِ بِالْمَكَانِ (3).

«26»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الْبَرْمَكِیِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا علیه السلام إِنَّ قَوْماً یَقُولُونَ إِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یَزَلْ عَالِماً بِعِلْمٍ وَ قَادِراً بِقُدْرَةٍ وَ حَیّاً بِحَیَاةٍ وَ قَدِیماً بِقِدَمٍ وَ سَمِیعاً بِسَمْعٍ وَ بَصِیراً بِبَصَرٍ فَقَالَ علیه السلام مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَ دَانَ بِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَی وَ لَیْسَ مِنْ وَلَایَتِنَا عَلَی شَیْ ءٍ(4).

«27»- الْعُیُونُ، وَ التَّوْحِیدُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الْفَقِیهِ الْقُمِّیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْأَنْصَارِیِّ قَالَ حَدَّثَنِی مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِیَ (5) قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ الصَّابِی لِلرِّضَا علیه السلام أَخْبِرْنِی

ص: 47


1- 1. فی المصدر: إن اللّٰه تعالی هو العالم.
2- 2. التوحید: 86.
3- 3. التوحید: ص 86.
4- 4. التوحید: ص 88.
5- 5. هذا الاسم مشترك بین« الحسن بن محمّد بن سهل النوفلیّ» الذی ضعفه النجاشیّ و بین الحسن بن محمّد بن الفضل بن یعقوب بن سعید بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب،. الثقة الجلیل، و للعلامة البهبهانی كلام فی تنقیح المقال( ج 1 ص 308) حاصله: أن الظاهر اتّحاد الحسن بن محمّد بن الفضل النوفلیّ المذكور مع الحسین بن محمّد بن الفضل النوفلیّ و أن الصحیح هو الحسن مكبرا و الشاهد علیه تصریح النجاشیّ بأن الحسن بن محمّد بن الفضل روی عن الرضا علیه السلام نسخة و بأن الحسین بن محمّد بن الفضل صنف مجالس الرضا علیه السلام مع أهل الأدیان. و كذا الظاهر اتّحاد الحسن بن محمّد بن الفضل مع الحسن بن محمّد بن سهل النوفلیّ و أن« سهل» مصحف« سعید» أو اسم جده الآتی و الشاهد علیه روایة الحسن بن محمّد ابن جمهور العمی مجالس الرضا علیه السلام عنهما( انتهی) لكن یحتمل كون الحسین أخا الحسن لعدم تصریح النجاشیّ بكون الحسن مصنف الكتاب بل قال، روی عن الرضا علیه السلام. نسخة و أمّا احتمال اتّحاد الحسن بن محمّد بن الفضل مع الحسن بن محمّد بن سهل فقوی جدا و الظاهر أن الراوی عن الحسن بن محمّد النوفلیّ فی هذه الروایة هو الحسن بن محمّد بن جمهور العمی.

عَنِ الْكَائِنِ الْأَوَّلِ وَ عَمَّا خَلَقَ قَالَ علیه السلام سَأَلْتَ فَافْهَمْ أَمَّا الْوَاحِدُ فَلَمْ یَزَلْ وَاحِداً كَائِناً لَا شَیْ ءَ مَعَهُ بِلَا حُدُودٍ وَ لَا أَعْرَاضٍ وَ لَا یَزَالُ كَذَلِكَ ثُمَّ خَلَقَ خَلْقاً مُبْتَدِعاً مُخْتَلِفاً بِأَعْرَاضٍ وَ حُدُودٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا فِی شَیْ ءٍ أَقَامَهُ وَ لَا فِی شَیْ ءٍ حَدَّهُ وَ لَا عَلَی شَیْ ءٍ حَذَاهُ (1) وَ مَثَّلَهُ (2)

لَهُ فَجَعَلَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الْخَلْقِ صَفْوَةً وَ غَیْرَ صَفْوَةٍ وَ اخْتِلَافاً وَ ائْتِلَافاً وَ أَلْوَاناً وَ ذَوْقاً وَ طَعْماً لَا لِحَاجَةٍ كَانَتْ مِنْهُ إِلَی ذَلِكَ وَ لَا لِفَضْلِ مَنْزِلَةٍ لَمْ یَبْلُغْهَا إِلَّا بِهِ وَ لَا رَأَی لِنَفْسِهِ فِیمَا خَلَقَ زِیَادَةً وَ لَا نَقْصاً(3)

تَعْقِلُ هَذَا یَا عِمْرَانُ قَالَ نَعَمْ وَ اللَّهِ یَا سَیِّدِی قَالَ علیه السلام وَ اعْلَمْ یَا عِمْرَانُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَلَقَ مَا خَلَقَ لِحَاجَةٍ لَمْ یَخْلُقْ إِلَّا مَنْ یَسْتَعِینُ بِهِ عَلَی حَاجَتِهِ وَ لَكَانَ یَنْبَغِی أَنْ یَخْلُقَ أَضْعَافَ مَا خَلَقَ لِأَنَّ الْأَعْوَانَ كُلَّمَا كَثُرُوا كَانَ صَاحِبُهُمْ أَقْوَی وَ الْحَاجَةُ یَا عِمْرَانُ لَا تَسَعُهَا(4)

لِأَنَّهُ لَمْ یُحْدِثْ مِنَ الْخَلْقِ شَیْئاً إِلَّا حَدَثَتْ فِیهِ (5)

حَاجَةٌ أُخْرَی وَ لِذَلِكَ أَقُولُ

ص: 48


1- 1. فی بعض النسخ: حاذاء.
2- 2. فی التوحید: مثله.
3- 3. فی التوحید: و لا نقصانا.
4- 4. فی نسخة: لا یسعها.
5- 5. منه( خ ل).

لَمْ یَخْلُقِ الْخَلْقَ لِحَاجَةٍ وَ لَكِنْ نَقَّلَ بِالْخَلْقِ بِالْحَوَائِجِ بَعْضَهُمْ إِلَی بَعْضٍ وَ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ بِلَا حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَی مَنْ فَضَّلَ وَ لَا نَقِمَةٍ مِنْهُ عَلَی مَنْ أَذَلَّ فَلِهَذَا خَلَقَ (1)

قَالَ عِمْرَانُ یَا سَیِّدِی أَ لَا تُخْبِرُنِی عَنْ حُدُودِ خَلْقِهِ كَیْفَ هِیَ وَ مَا مَعَانِیهَا وَ عَلَی كَمْ نَوْعٍ تَكُونُ (2)

قَالَ قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمْ إِنَّ حُدُودَ خَلْقِهِ عَلَی سِتَّةِ أَنْوَاعٍ مَلْمُوسٍ وَ مَوْزُونٍ وَ مَنْظُورٍ إِلَیْهِ وَ مَا لَا وَزْنَ لَهُ وَ مَا لَا ذَوْقَ (3)

لَهُ وَ هُوَ الرُّوحُ وَ مِنْهَا مَنْظُورٌ إِلَیْهِ وَ لَیْسَ لَهُ وَزْنٌ وَ لَا لَمْسٌ وَ لَا حِسٌّ وَ لَا لَوْنٌ (4) وَ التَّقْدِیرُ وَ الْأَعْرَاضُ وَ الصُّوَرُ وَ الطُّولُ وَ الْعَرْضُ وَ مِنْهَا الْعَمَلُ وَ الْحَرَكَاتُ الَّتِی تَصْنَعُ (5) الْأَشْیَاءَ وَ تَعْمَلُهَا وَ تُغَیِّرُهَا مِنْ حَالٍ إِلَی حَالٍ وَ تَزِیدُهَا وَ تَنْقُصُهَا وَ أَمَّا الْأَعْمَالُ وَ الْحَرَكَاتُ فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ لِأَنَّهُ (6)

لَا وَقْتَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَا یُحْتَاجُ إِلَیْهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الشَّیْ ءِ انْطَلَقَ بِالْحَرَكَةِ وَ بَقِیَ الْأَثَرُ وَ یَجْرِی مَجْرَی الْكَلَامِ الَّذِی یَذْهَبُ وَ یَبْقَی أَثَرُهُ قَالَ لَهُ عِمْرَانُ یَا سَیِّدِی أَ لَا تُخْبِرُنِی عَنِ الْخَالِقِ إِذَا كَانَ وَاحِداً لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ وَ لَا شَیْ ءَ مَعَهُ أَ لَیْسَ قَدْ تَغَیَّرَ بِخَلْقِهِ الْخَلْقَ قَالَ لَهُ الرِّضَا علیه السلام لَمْ یَتَغَیَّرْ عَزَّ وَ جَلَّ بِخَلْقِ الْخَلْقِ وَ لَكِنَّ الْخَلْقَ یَتَغَیَّرُ بِتَغْیِیرِهِ (7)

قَالَ عِمْرَانُ یَا سَیِّدِی أَ لَا تُخْبِرُنِی عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هَلْ یُوَحَّدُ بِحَقِیقَةٍ أَوْ یُوَحَّدُ بِوَصْفٍ قَالَ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ الْمُبْدِئَ الْوَاحِدَ الْكَائِنَ الْأَوَّلَ لَمْ یَزَلْ وَاحِداً لَا شَیْ ءَ مَعَهُ فَرْداً لَا ثَانِیَ مَعَهُ لَا مَعْلُوماً وَ لَا مَجْهُولًا وَ لَا مُحْكَماً وَ لَا مُتَشَابِهاً وَ لَا

ص: 49


1- 1. من هنا اسقط شطر من الحدیث.
2- 2. فی المصدر: یتكون.
3- 3. فی نسخة« لا لون له» و هو الأظهر.
4- 4. فی التوحید: و لا لون و لا ذوق.
5- 5. فی نسخة: فیها الأشیاء.
6- 6. فی التوحید: لانها.
7- 7. قد اسقط هنا أیضا شطر من الحدیث.

مَذْكُوراً وَ لَا مَنْسِیّاً وَ لَا شَیْئاً یَقَعُ عَلَیْهِ اسْمُ شَیْ ءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ(1)

وَ لَا مِنْ وَقْتٍ كَانَ وَ لَا إِلَی وَقْتٍ یَكُونُ وَ لَا بِشَیْ ءٍ قَامَ وَ لَا إِلَی شَیْ ءٍ یَقُومُ وَ لَا إِلَی شَیْ ءٍ اسْتَنَدَ وَ لَا فِی شَیْ ءٍ اسْتَكَنَّ وَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْخَلْقِ إِذْ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ وَ مَا أَوْقَعَتْ (2) عَلَیْهِ مِنَ الْكُلِّ فَهِیَ صِفَاتٌ مُحْدَثَةٌ وَ تَرْجَمَةٌ یَفْهَمُ بِهَا مَنْ فَهِمَ وَ اعْلَمْ أَنَّ الْإِبْدَاعَ وَ الْمَشِیَّةَ وَ الْإِرَادَةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَ أَسْمَاؤُهَا ثَلَاثَةٌ وَ كَانَ أَوَّلُ إِبْدَاعِهِ وَ إِرَادَتِهِ وَ مَشِیَّتِهِ الْحُرُوفَ الَّتِی جَعَلَهَا أَصْلًا لِكُلِّ شَیْ ءٍ وَ دَلِیلًا عَلَی كُلِّ مُدْرَكٍ وَ فَاصِلًا لِكُلِّ مُشْكِلٍ وَ بِتِلْكَ الْحُرُوفِ تَفْرِیقُ (3) كُلِّ شَیْ ءٍ مِنِ اسْمِ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَفْعُولٍ أَوْ مَعْنًی أَوْ غَیْرِ مَعْنًی وَ عَلَیْهَا اجْتَمَعَتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا وَ لَمْ یَجْعَلْ لِلْحُرُوفِ فِی إِبْدَاعِهِ

لَهَا مَعْنًی أَوْ غَیْرَ مَعْنًی وَ عَلَیْهَا اجْتَمَعَتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا وَ لَمْ یَجْعَلْ لِلْحُرُوفِ فِی إِبْدَاعِهِ لَهَا مَعْنًی غَیْرَ أَنْفُسِهَا بِتَنَاهٍ (4)

وَ لَا وُجُودَ لَهَا لِأَنَّهَا مُبْدَعَةٌ بِالْإِبْدَاعِ وَ النُّورُ فِی هَذَا الْوَضْعِ (5) أَوَّلُ فِعْلِ اللَّهِ الَّذِی هُوَ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْحُرُوفُ هِیَ الْمَفْعُولُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ وَ هِیَ الْحُرُوفُ الَّتِی عَلَیْهَا الْكَلَامُ وَ الْعِبَارَاتُ كُلُّهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَّمَهَا خَلْقَهُ وَ هِیَ ثَلَاثَةٌ وَ ثَلَاثُونَ حَرْفاً فَمِنْهَا ثَمَانِیَةٌ وَ عِشْرُونَ حَرْفاً تَدُلُّ عَلَی اللُّغَاتِ الْعَرَبِیَّةِ وَ مِنَ الثَّمَانِیَةِ وَ الْعِشْرِینَ اثْنَانِ وَ عِشْرُونَ حَرْفاً تَدُلُّ عَلَی اللُّغَاتِ السُّرْیَانِیَّةِ وَ الْعِبْرَانِیَّةِ وَ مِنْهَا خَمْسَةُ أَحْرُفٍ مُتَحَرِّفَةٌ فِی سَائِرِ اللُّغَاتِ مِنَ الْعَجَمِ لِأَقَالِیمِ (6) اللُّغَاتِ كُلِّهَا وَ هِیَ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ تَحَرَّفَتْ مِنَ الثَّمَانِیَةِ وَ الْعِشْرِینَ الْحُرُوفِ مِنَ اللُّغَاتِ فَصَارَتِ الْحُرُوفُ ثَلَاثَةً وَ ثَلَاثِینَ حَرْفاً فَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْمُخْتَلِفَةُ فَبِحُجَجٍ (7) لَا یَجُوزُ ذِكْرُهَا أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ جَعَلَ الْحُرُوفَ

ص: 50


1- 1. فی التوحید: من الأشیاء غیره.
2- 2. فی التوحید: و ما اوقع علیه من المثل.
3- 3. فی نسخة: تفرق.
4- 4. فی المصدرین: یتناهی.
5- 5. فی بعض النسخ و كذا فی التوحید« الموضع».
6- 6. فی العیون: و الأقالیم و اللغات.
7- 7. النسخ هاهنا فی غایة الاختلاف و سیأتی الإشارة إلیه من العلامة المؤلّف- رحمه اللّٰه.

بَعْدَ إِحْصَائِهَا وَ إِحْكَامِ عِدَّتِهَا فِعْلًا مِنْهُ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ كُنْ فَیَكُونُ وَ كُنْ مِنْهُ صُنْعٌ وَ مَا یَكُونُ بِهِ الْمَصْنُوعُ فَالْخَلْقُ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْإِبْدَاعُ لَا وَزْنَ لَهُ وَ لَا حَرَكَةَ وَ لَا سَمْعَ وَ لَا لَوْنَ وَ لَا حِسَّ وَ الْخَلْقُ الثَّانِی الْحُرُوفُ لَا وَزْنَ لَهَا وَ لَا لَوْنَ وَ هِیَ مَسْمُوعَةٌ مَوْصُوفَةٌ(1)

غَیْرُ مَنْظُورٍ إِلَیْهَا وَ الْخَلْقُ الثَّالِثُ مَا كَانَ مِنَ الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا مَحْسُوساً مَلْمُوساً ذَا ذَوْقٍ مَنْظُوراً إِلَیْهِ وَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی سَابِقٌ لِلْإِبْدَاعِ لِأَنَّهُ لَیْسَ قَبْلَهُ عَزَّ وَ جَلَّ شَیْ ءٌ وَ لَا كَانَ مَعَهُ شَیْ ءٌ وَ الْإِبْدَاعُ سَابِقٌ لِلْحُرُوفِ وَ الْحُرُوفُ لَا تَدُلُّ عَلَی غَیْرِ أَنْفُسِهَا(2)

قَالَ الْمَأْمُونُ وَ كَیْفَ لَا تَدُلُّ عَلَی غَیْرِ أَنْفُسِهَا(3)

قَالَ الرِّضَا علیه السلام لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا یَجْمَعُ مِنْهَا شَیْئاً لِغَیْرِ مَعْنًی أَبَداً فَإِذَا أَلَّفَ مِنْهَا أَحْرُفاً أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ یُؤَلِّفْهَا لِغَیْرِ(4) مَعْنًی وَ لَمْ یَكُ (5)

إِلَّا لِمَعْنًی مُحْدَثٍ لَمْ یَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ شَیْئاً قَالَ عِمْرَانُ فَكَیْفَ لَنَا مَعْرِفَةُ ذَلِكَ قَالَ الرِّضَا علیه السلام أَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَوَجْهُ ذَلِكَ وَ بَیَانُهُ (6) أَنَّكَ تَذْكُرُ الْحُرُوفَ إِذَا لَمْ تُرِدْ بِهَا غَیْرَ نَفْسِهَا ذَكَرْتَهَا فَرْداً فَقُلْتَ أ ب ت ث ج ح خ حَتَّی تَأْتِیَ عَلَی آخِرِهَا فَلَمْ تَجِدْ لَهَا مَعْنًی غَیْرَ أَنْفُسِهَا فَإِذَا أَلَّفْتَهَا وَ جَمَعْتَ مِنْهَا أَحْرُفاً وَ جَعَلْتَهَا اسْماً وَ صِفَةً لِمَعْنَی مَا طَلَبْتَ وَ وَجْهِ مَا عَنَیْتَ كَانَتْ دَلِیلَةً عَلَی مَعَانِیهَا دَاعِیَةً إِلَی الْمَوْصُوفِ بِهَا أَ فَهِمْتَهُ قَالَ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ یَا سَیِّدِی أَ لَا تُخْبِرُنِی عَنِ الْإِبْدَاعِ أَ خَلْقٌ هُوَ أَمْ غَیْرُ خَلْقٍ قَالَ الرِّضَا علیه السلام بَلْ خَلْقٌ سَاكِنٌ لَا یُدْرَكُ بِالسُّكُونِ وَ إِنَّمَا صَارَ خَلْقاً لِأَنَّهُ شَیْ ءٌ مُحْدَثٌ وَ اللَّهُ الَّذِی أَحْدَثَهُ فَصَارَ

ص: 51


1- 1. فی التوحید: موضوعة.
2- 2. نفسها( خ ل).
3- 3. نفسها( خ ل).
4- 4. فی العیون: بغیر.
5- 5. فی بعض النسخ: و لم تكن.
6- 6. فی بعض النسخ: بابه.

خَلْقاً لَهُ وَ إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ خَلْقُهُ لَا ثَالِثَ بَیْنَهُمَا وَ لَا ثَالِثَ غَیْرُهُمَا فَمَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یَعْدُ أَنْ یَكُونَ خَلْقَهُ وَ قَدْ یَكُونُ الْخَلْقُ سَاكِناً وَ مُتَحَرِّكاً وَ مُخْتَلِفاً وَ مُؤْتَلِفاً وَ مَعْلُوماً وَ مُتَشَابِهاً وَ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَیْهِ حَدٌّ فَهُوَ خَلْقُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا أَوْجَدَتْكَ الْحَوَاسُّ فَهُوَ مَعْنًی مُدْرَكٌ لِلْحَوَاسِّ وَ كُلَّ حَاسَّةٍ تَدُلُّ عَلَی مَا جَعَلَ (1) اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهَا فِی إِدْرَاكِهَا وَ الْفَهْمَ مِنَ الْقَلْبِ بِجَمِیعِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِی هُوَ قَائِمٌ بِغَیْرِ تَقْدِیرٍ وَ لَا تَحْدِیدٍ خَلَقَ خَلْقاً مُقَدَّراً بِتَحْدِیدٍ وَ تَقْدِیرٍ وَ كَانَ الَّذِی خَلَقَ خَلْقَیْنِ اثْنَیْنِ التَّقْدِیرَ وَ الْمُقَدَّرَ وَ لَیْسَ فِی (2)

وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْنٌ وَ لَا وَزْنٌ وَ لَا ذَوْقٌ فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا یُدْرَكُ بِالْآخَرِ وَ جَعَلَهُمَا مُدْرَكَیْنِ بِنَفْسِهِمَا وَ لَمْ یَخْلُقْ شَیْئاً فَرْداً قَائِماً بِنَفْسِهِ دُونَ غَیْرِهِ لِلَّذِی أَرَادَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَی نَفْسِهِ وَ إِثْبَاتِ وُجُودِهِ فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی فَرْدٌ وَاحِدٌ لَا ثَانِیَ مَعَهُ یُقِیمُهُ وَ لَا یَعْضُدُهُ وَ لَا یَكُنُّهُ (3) وَ الْخَلْقُ یُمْسِكُ بَعْضُهُ بَعْضاً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ مَشِیَّتِهِ وَ إِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِی هَذَا الْبَابِ حَتَّی تَاهُوا وَ تَحَیَّرُوا وَ طَلَبُوا الْخَلَاصَ مِنَ الظُّلْمَةِ بِالظُّلْمَةِ فِی وَصْفِهِمُ اللَّهَ بِصِفَةِ أَنْفُسِهِمْ فَازْدَادُوا مِنَ الْحَقِّ بُعْداً وَ لَوْ وَصَفُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِصِفَاتِهِ وَ وَصَفُوا الْمَخْلُوقِینَ بِصِفَاتِهِمْ لَقَالُوا بِالْفَهْمِ وَ الْیَقِینِ وَ لَمَا اخْتَلَفُوا فَلَمَّا طَلَبُوا مِنْ ذَلِكَ مَا تَحَیَّرُوا فِیهِ ارْتَبَكُوا وَ اللَّهُ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (4) تَمَامَ الْخَبَرِ.

بیان: لا فی شی ء أقامه (5)

أی فی مادة قدیمة كما زعمته الفلاسفة و مثله

ص: 52


1- 1. فی بعض النسخ: خلق.
2- 2. فی العیون: فی كل واحد.
3- 3. فی التوحید: و لا یمسكه.
4- 4. التوحید: ص 318. العیون، ج 1، ص 169.
5- 5. ظاهر كلامه علیه السلام أن اللّٰه تعالی حین خلق المخلوق الأول لم یقمه فی شی ء أی لم یجعله فی مكان و لا موضوع و لا محل، لانه لم یكن عندئذ شی ء آخر حتّی یقوم فیه، و یلزم من ذلك أن لا یكون المخلوق الأول أمرا مادیا، و إلّا لاحتاج إلی مكان أو محل لا محالة. و أما حدیث قدم المادة فقد مر منا أنّها لیست أمرا متحصلا حتّی یقال: هل هی قدیمة أو حادثة زمانا؟ و تحصلها إنّما یكون بالصور، و الصور الجسمانیة حادثة زمانا عند الكل الا الصور الفلكیة، فانها علی فرض وجودها غیر حادثة زمانا عند بعض الفلاسفة فتدبر.

له أی مثل أولا ذلك الشی ء للشی ء الكائن ثم خلق الكائن علی حذوه كما هو شأن المخلوقین و یحتمل أن یكون ضمیر له راجعا إلی الصانع تعالی و الحاجة یا عمران لا یسعها أی لا یسع خلق الحاجة و لا یدفعها لأن كل من خلق لو كان علی وجه الاحتجاج لكان یحتاج لحفظه و تربیته و رزقه و دفع الشرور عنه إلی أضعافه و هكذا علی ستة أنواع لعل الأول ما یكون ملموسا و موزونا و منظورا إلیه.

و الثانی ما لا تكون له تلك الأوصاف كالروح و إنما عبر عنه بما لا ذوق له اكتفاء ببعض صفاته و فی بعض النسخ و ما لا لون له و هو الروح و هو أظهر للمقابلة. و الثالث ما یكون منظورا إلیه و لا یكون ملموسا و لا محسوسا و لا موزونا و لا لون له

كالهواء و السماء فالمراد بكونه منظورا إلیه أنه یظهر للنظر بآثاره و قد یری و لا لون له بالذات أو یراد به الجن و الملك و أشباههما و الظاهر أن قوله و لا لون زید من النساخ. و الرابع التقدیر و یدخل فیه الصور و الطول و العرض.

و الخامس الأعراض القارة المدركة بالحواس كاللون و الضوء و هو الذی عبر عنه بالأعراض. و السادس الأعراض غیر القارة كالأعمال و الحركات التی تذهب هی و تبقی آثارها و یمكن تصویر التقسیم بوجوه أخر تركناها لمن تفكر فیه.

هل یوحد بحقیقة بالحاء المهملة المشددة أی هل یتأتی توحیده مع تعقل كنه حقیقته أو إنما(1) یوحد مع تعقله بوجه من وجوهه و صفة من صفاته و فی بعض النسخ بالجیم من الوجدان أی یعرف و هو أظهر فأجاب علیه السلام بأنه سبحانه یعرف بالوجوه التی هی محدثة فی أذهاننا و هی مغایرة لحقیقته تعالی و ما ذكره أولا لبیان أنه قدیم أزلی و القدیم یخالف المحدثات فی الحقیقة و كل شی ء غیره فهو حادث و قوله علیه السلام لا معلوما تفصیل و تعمیم للثانی أی لیس معه غیره لا معلوم و لا مجهول و المراد بالمحكم ما یعلم حقیقته و بالمتشابه ضده و یحتمل أن یكون إشارة إلی نفی قول من قال بقدم القرآن فإن المحكم و المتشابه

ص: 53


1- 1. فی بعض النسخ: و إنّما.

یطلق (1)

علی آیاته و لم یجعل للحروف فی إبداعه لها معنی أی إنما خلق الحروف المفردة التی لیس لها موضوع غیر أنفسها و لم یجعل لها وضعا و لا معنی ینتهی إلیه و یوجد و یعرف بذلك الحرف و یحتمل أن یكون المراد بالمعنی الصفة أی أول ما خلقها كان غیر موصوف بمعنی و صفة ینتهی إلیها و یوجد لأنها كانت مبدعة بمحض الإبداع و لم یكن هناك شی ء غیر الإبداع و الحروف حتی یكون معنی للحروف أو صفة لها و المراد بالنور الوجود إذ به تظهر الأشیاء كما تظهر الموجودات للحس بالنور و الإبداع هو الإیجاد و بالإیجاد تصیر الأشیاء موجودة فالإبداع هو التأثیر و الحروف هی الأثر موجودة بالتأثیر و بعبارة أخری الحروف محل التأثیر و عبر عنه بالمفعول و الفعل و الأثر هو الوجود.

فأما الخمسة المختلفة فبحجج كذا فی أكثر النسخ أی إنما حدثت بأسباب و علل من انحراف لهجات الخلق و اختلاف منطقهم لا ینبغی ذكرها و فی بعضها فبحح بالحاءین من البحة و هی الغلظة فی الصوت و الأظهر أنه علیه السلام ذكر تلك الحروف فاشتبه علی الرواة و صحفوها فالخمسة الگاف فی قولهم بگو أی تكلم و الچیم المنقوطة بثلاث نقاط كما فی قولهم چه میگوئی و الژاء فی قولهم ژاله و الپاء فی قولهم پیاده و پیاله و التاء فی الهندیة ثم ركب الحروف و أوجد الأشیاء(2)

و جعلها فعلا منه كما قال إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ فكن صنع و إیجاد للأشیاء و ما یوجد به هو المصنوع فأول صادر عنه تعالی هو الإیجاد و هو معنی لا وزن له و لا حركة و لیس بمسموع و لا ملون و لا محسوس و الخلق الثانی یعنی الحروف غیر موزون و لا ملون لكنها مسموعة موصوفة و لا یمكن إبصارها و الخلق الثالث و هو ما وجد بهذه الحروف من السماوات و الأرضین و غیرهما هی محسوسة ملموسة مذوقة مبصرة فاللّٰه مقدم بوجوده

ص: 54


1- 1. فی بعض النسخ: یطلقان.
2- 2. فی نسخة: بها الأشیاء.

علی الإبداع الذی هو الخلق الأول لأنه لیس شی ء قبله حتی یسبقه أیضا إبداع و لا كان شی ء دائما معه و الإبداع متقدم علی الحروف لوجودها به و معنی كون الحروف غیر دالة علی معنی غیر نفسها هو أن الحروف المفردة إنما وضعت للتركیب و لیس لها معنی تدل علیه إلا بعد التركیب قوله علیه السلام بل خلق ساكن أی نسبة و إضافة بین العلة و المعلول فكأنه ساكن فیهما أو عرض قائم بمحل لا یمكنه مفارقته و قوله لا یدركه بالسكون أی أمر إضافی اعتباری ینتزعه العقل و لا یشار إلیه فی الخارج و لا یدرك بالحواس و إن كان ما یتعلق به من المحسوسات و إنما قلنا إنه خلق لأن هذه النسبة و التأثیر غیره تعالی و هو محدث و لا یمكن نفی الوجود عنه رأسا لأنه شی ء حادث بعد أن لم یكن فله خروج عن كتم العدم و دخول فی نحو من أنحاء الوجود و كل محدث معلول فلا یتوهم أنه خلق یحتاج إلی تأثیر آخر و هكذا حتی یلزم التسلسل بل لیس فی الحقیقة إلا الرب و مخلوقه الذی أوجده و الإیجاد معنی صار سببا لوجود المعلول بتأثیره تعالی فكل شی ء خلقه اللّٰه لم یعد و لم یتجاوز أن یصدق علیه إن اللّٰه خلقه فهذا هو معنی الإبداع لا غیر و هذا المعنی یقع علیه حد و كل ما یقع علیه حد فهو خلق اللّٰه أو یقال أشار بقوله و اللّٰه الذی أحدثه إلی رفع توهم أنه مع كونه موجودا حادثا لا یجوز أن یستند إلیه تعالی لأنه حینئذ یجب أن یتعلق به إبداع آخر و هكذا إلی غیر نهایة و استناد كل من هذه السلسلة موقوف علی استناد سابقة فلا یحصل إلا بعد تحقق الأمور الغیر المتناهیة و هو محال فكذا الموقوف علیه فأثبت علیه السلام أولا استناده إلیه تعالی من جهة أن الحادث بتبعیة حادث آخر فی مرتبته من محدث لا یتصور أن یكون مستندا إلی غیره ثم أیده ثانیا بنفی ثالث بینهما صالح لأن یستند إلیه كما هو المفروض ثم أكده ثالثا بنفی ثالث صالح لذلك مطلقا بناء علی أن الكلام فی مطلق الإبداع و من أفراده الإبداع الأول الذی لا یتصور تقدم شی ء علیه سوی اللّٰه تعالی فسائر

ص: 55

أفراده كذلك لعدم الفرق ضرورة ثم أوثقه رابعا بدفع توهم بعید هو أن یكون مستندا إلیه و لا یكون مخلوقا له بالإشارة إلی أن الاستناد و كل ما یعبر به عن هذا المعنی یرجع إلی معنی الخلق فلا یمكن أن یكون خلقه فتجاوز عن كونه مخلوقا له ثم أحكمه خامسا بدفع شبهة لزوم التسلسل بالفرق بین حقائق الموجودات و تفاوت مراتبها فی المقتضیات و عدم جواز قیاس بعضها علی بعض فی جمیع الحالات لیسهل به التصدیق بجواز أن یكون حكم الموجودات الرابطیة مخالفا لحكم الموجودات الحقیقیة فلا یلزم من ثبوت إبداع لها ثبوته للرابطیة أیضا كما اشتهر أن الإرادة لیس لها إرادة أخری فلا یلزم التسلسل و یمكن أن یحمل علی الإشارة إلی دفع مثل هذا التسلسل باعتبار الفرق المذكور

مَا رُوِیَ فِی الْكَافِی عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْمَشِیَّةَ بِنَفْسِهَا ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْیَاءَ بِالْمَشِیَّةِ(1).

ثم أفاد علیه السلام سادسا ضابطة و علامة لمعرفة خلقه تعالی تتمیما للمقصود و تأكیدا لصحته بأن كل ما لوجوده حد لم یكن قبله موجودا فلا بد له من أن یكون مخلوقا له تعالی لثبوت الإمكان و لزوم الاحتیاج.

قوله علیه السلام و كان الذی خلق خلقین اثنین لعله إشارة إلی الخلق الأول و هی الحروف ففی خلقتها یخلق شیئان حرف و تحدید و تقدیر قائم به و لیس شی ء من الحروف و العرض القائم به ذا لون و وزن و ذوق و جعل أحدهما یدرك بالآخر أی الحروف تعرف بالحدود القائمة بها فیعرف بأنه شی ء محدود و المعنی أنه لو لم یكن محدودا لم یكن مدركا بالحواس و جعل الحرف و حده كلیهما مدركین بنفسهما لا بآثارهما فإن الأمور المحسوسة إنما تدرك بأنفسها لا بآثارها و لم یخلق شیئا فردا عن الحدود و التقدیرات قائما بنفسه دون غیره أی من غیر أن یخلق معه غیره كالحدود لأنه أراد أن یكون حروفا و أصواتا دالة علی نفسه و إثبات وجوده و ما یكون دالا علی المعانی هادیا للناس إلی المعرفة لا یكون

ص: 56


1- 1. أصول الكافی: 1 ص 110.

إلا محسوسا و كل محسوس یكون محدودا و المعنی أنه أراد أن یكون محدودا لیدل بكونه علی هذه الحالة علی إمكانه و افتقاره إلی الصانع فیكون بوجوده بنفسه دالا علی الصانع لا باعتبار مدلوله و یحتمل أن یكون المراد بالتقدیر أولا الإبداع أیضا و المحدث إنما یدرك و یظهر بالإبداع و فی كل خلق یحدث شیئان مبدع و إبداع متعلق به لكن فی تطبیق ما بعده علیه یحتاج إلی نوع عنایة تظهر بالتأمل الصادق و قد سبق الخبر بتمامه مع شرحه فی المجلد الرابع و إنما أوردنا هنا ما یناسب المقام.

«28»- الْعُیُونُ، وَ التَّوْحِیدُ، بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِیِّ: فِی خَبَرٍ طَوِیلٍ یَذْكُرُ فِیهِ مُنَاظَرَةَ الرِّضَا علیه السلام مَعَ سُلَیْمَانَ الْمَرْوَزِیِّ قَالَ سُلَیْمَانُ فَإِنَّهُ لَمْ یَزَلْ مُرِیداً قَالَ علیه السلام یَا سُلَیْمَانُ فَإِرَادَتُهُ غَیْرُهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ أَثْبَتَّ مَعَهُ شَیْئاً غَیْرَهُ لَمْ یَزَلْ قَالَ سُلَیْمَانُ مَا أَثْبَتُّ فَقَالَ علیه السلام هِیَ مُحْدَثَةٌ یَا سُلَیْمَانُ فَإِنَّ الشَّیْ ءَ إِذَا لَمْ یَكُنْ أَزَلِیّاً كَانَ مُحْدَثاً وَ إِذَا لَمْ یَكُنْ مُحْدَثاً كَانَ أَزَلِیّاً وَ جَرَی الْمُنَاظَرَةُ إِلَی أَنْ قَالَ علیه السلام أَ لَا تُخْبِرُنِی عَنِ الْإِرَادَةِ فِعْلٌ هِیَ أَمْ غَیْرُ فِعْلٍ قَالَ بَلْ هِیَ فِعْلٌ قَالَ فَهِیَ مُحْدَثَةٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ كُلَّهُ مُحْدَثٌ قَالَ لَیْسَتْ بِفِعْلٍ قَالَ فَمَعَهُ غَیْرُهُ لَمْ یَزَلْ قَالَ سُلَیْمَانُ إِنَّهَا مَصْنُوعَةٌ قَالَ فَهِیَ مُحْدَثَةٌ وَ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَی أَنْ قَالَ قَالَ سُلَیْمَانُ إِنَّمَا عَنَیْتُ أَنَّهَا فِعْلٌ مِنَ اللَّهِ لَمْ یَزَلْ قَالَ علیه السلام أَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا لَمْ یَزَلْ لَا یَكُونُ مَفْعُولًا وَ قَدِیماً حَدِیثاً فِی حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ یُحِرْ جَوَاباً ثُمَّ أَعَادَ الْكَلَامَ إِلَی أَنْ قَالَ علیه السلام إِنَّ مَا لَمْ یَزَلْ لَا یَكُونُ مَفْعُولًا قَالَ سُلَیْمَانُ لَیْسَ الْأَشْیَاءُ إِرَادَةً وَ لَمْ یُرِدْ شَیْئاً قَالَ علیه السلام وُسْوِسْتَ یَا سُلَیْمَانُ فَقَدْ فَعَلَ وَ خَلَقَ مَا لَمْ یُرِدْ خَلْقَهُ وَ فِعْلَهُ وَ هَذِهِ صِفَةُ مَا لَا یَدْرِی مَا فَعَلَ تَعَالَی اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَ الْكَلَامَ إِلَی أَنْ قَالَ علیه السلام فَالْإِرَادَةُ مُحْدَثَةٌ وَ إِلَّا فَمَعَهُ غَیْرُهُ (1).

الإحتجاج، مرسلا: مثله (2)

ص: 57


1- 1. العیون: ج 1، ص 183. التوحید: ص 323.
2- 2. الاحتجاج: ص 218.

حكم علیه السلام فی هذا الخبر مرارا بأنه لا یكون قدیم سوی اللّٰه و أنه لا یعقل التأثیر بالإرادة و الاختیار فی شی ء لم یزل معه (1).

«29»- الْعُیُونُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ الْهَاشِمِیِّ عَنْ فُرَاتِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْكُوفِیِ (2)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِیٍّ الْهَمْدَانِیِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِیِّ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَرْوَاحُنَا فَأَنْطَقَهَا بِتَوْحِیدِهِ وَ تَحْمِیدِهِ ثُمَّ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ(3) الْخَبَرَ.

«30»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ (4) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ

ص: 58


1- 1. یستفاد من الروایة كون الإرادة صفة حادثة فعلیة لا أزلیة ذاتیة، كما یستفاد من أمثالها من الروایات التی وردت فی باب المشیة و الإرادة، و قد مر نظیرتها تحت الرقم- 12 من هذا الباب و أوضحناها بما كان یقتضیه المقام و بناء علی هذا فذات البارئ من حیث هی لا تتصف بالمشیة و الإرادة بل ینتزع من أفعاله عنوان المراد لها و المرید لفاعلها فتأثیره تعالی فی الموجودات لیس بحدوث إرادة فی ذاته فضلا عن كونها سابقة علی الفعل و كون الفعل متأخرا عنها زمانا. و ان اطلقت هنالك إرادة كانت لا محالة بمعنی العلم بالاصلح و هو مقدم علی كافة الافعال كتقدم ذاته سبحانه علیها و قد بینا فی ما مضی أن تقدم البارئ علی الممكنات لیس من قبیل تقدم الزمانیات بعضها علی بعض. و أمّا استحالة قدم ما سوی اللّٰه فقد مر الكلام فیه و سیأتی أیضا بوجه أبسط و اللّٰه الهادی.
2- 2. فی المصدر: فرات بن إبراهیم بن فرات الكوفیّ. و هو من مشایخ الشیخ أبی الحسن علی بن بابویه، و قد أكثر الصدوق- ره- فی كتبه الروایة عنه بواسطة الحسن بن محمّد بن سعید الهاشمی و هو یروی عن الحسن بن سعید غالبا، و یروی عن محمّد بن أحمد بن علی الهمدانیّ أیضا. و لفرات تفسیر بلسان الاخبار جلها فی شأن الأئمّة الاطهار، یعد فی عداد تفسیری العیّاشیّ و علی بن إبراهیم القمّیّ و ظاهر صاحب الوسائل و العلّامة المجلسیّ- ره- اعتمادهما علیه، كما أن ذلك ظاهر الصدوق و غیره.
3- 3. العیون: ج 1، ص 262.
4- 4. فی المصدر: عنه عن عبد اللّٰه بن سنان، و الضمیر راجع إلی ابن محبوب بدلیل الروایة السابقة علیها و هو الحسن بن محبوب الثقة الجلیل. و أمّا علی نسخ البحار، فان كان. المراد بابن محبوب« الحسن بن محبوب» كما هو الظاهر فلا یروی عنه محمّد بن یحیی بلا واسطة و إن كان المراد به« محمّد بن علیّ بن محبوب الثقة» فلا یروی عن عبد اللّٰه بن سنان بلا واسطة و الصحیح ما فی المصدر یعنی: محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب إلخ.

قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَیْرَ یَوْمَ الْأَحَدِ وَ مَا كَانَ لِیَخْلُقَ الشَّرَّ قَبْلَ الْخَیْرِ وَ فِی یَوْمِ الْأَحَدِ وَ الْإِثْنَیْنِ خَلَقَ الْأَرَضِینَ وَ خَلَقَ أَقْوَاتَهَا فِی یَوْمِ الثَّلَاثَاءِ وَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ فِی یَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَ یَوْمِ الْخَمِیسِ وَ خَلَقَ أَقْوَاتَهَا یَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ (1).

الْعَیَّاشِیُّ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ: مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ فِیهِ وَ خَلَقَ یَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ السَّمَاوَاتِ وَ خَلَقَ یَوْمَ الْخَمِیسِ أَقْوَاتَهَا وَ الْجُمُعَةِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ فَلِذَلِكَ أَمْسَكَتِ الْیَهُودُ یَوْمَ السَّبْتِ.

بیان: و ما كان لیخلق الشر قبل الخیر لعل الغرض أنه سبحانه ابتدأ خلق الجمیع یوم الأحد إذ خیریته تعالی تقتضی أن لا یقدم خلق الشر علی خلق الخیر و ابتداء خلق الخیر كان یوم الأحد فلم یخلق قبله شی ء أصلا ثم اعلم أن مدلول هذا الخبر ینافی ما مر من الآیات الكریمة و ظواهرها من جهتین الأولی أن ظاهر الآیة أن خلق أقوات الأرض و تقدیرها كان فی یومین و الخبر یدل علی أنه خلق أقوات الأرض فی یوم و أقوات السماء فی یوم و الثانیة أن ظاهر الآیة تقدم یومی خلق الأقوات علی یومی

خلق السماوات و الخبر یدل علی تأخر أحد یومی خلق الأقوات عنهما و یمكن أن یجاب عن الأولی بأن المراد بخلق أقوات السماء خلق أسباب أقوات أهل الأرض الكائنة فی السماء من المطر و الثلج و الألواح التی یقدر فیها الأقوات و الملائكة الموكلین بها و یؤیده أن لیس لأهل السماء قوت و طعام و شراب ففی یوم واحد قدر الأسباب الأرضیة لأقوات أهل الأرض و فی یوم آخر قدر الأسباب السماویة لها و فی الآیة نسبهما إلی الأرض لكونهما

ص: 59


1- 1. روضة الكافی: ص 145.
2- 2. قول اللّٰه عزّ و جلّ.( نسخة).

لأهلها و فی الخبر فصل ذلك لبیان اختلاف موضع التقدیرین و عن الثانیة بنحو مما ذكره البیضاوی بأن لا تكون لفظة ثم للترتیب و التراخی فی المدة.

و من غرائب ما سنح لی أنی لما كتبت شرح هذا الخبر اضطجعت فرأیت فیما یری النائم إنی أتفكر فی هذه الآیة فخطر ببالی فی تلك الحالة أنه یحتمل أن یكون المراد بأربعة أیام تمامها لا تتمتها و یكون خلق السماوات أیضا من جملة تقدیر أرزاق أهل الأرض فإنها من جملة الأسباب و محال بعض الأسباب كالملائكة العاملة و الألواح المنقوشة و الشمس و القمر و النجوم المؤثرة بكیفیاتها كالحرارة و البرودة فی الثمار و النباتات و تكون لفظة ثم فی قوله تعالی ثُمَّ اسْتَوی للترتیب فی الأخبار لتفصیل ذلك الإجمال بأن یومین من تلك الأربعة كانا مصروفین فی خلق السماوات و الآخرین فی خلق سائر الأسباب و لو لا أنه سنح لی فی هذه الحال لم أجسر علی إثبات هذا الاحتمال و إن لم یقصر عما ذكره المفسرون و به یندفع الإشكالان و أما روایة العیاشی فالظاهر أن فیها تصحیفا و تحریفا و لا تستقیم علی وجه.

«31»- تَفْسِیرُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ،: قُلْ لَهُمْ یَا مُحَمَّدُ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ وَ مَعْنَی یَوْمَیْنِ أَیْ وَقْتَیْنِ ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ وَ انْقِضَاؤُهُ وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِیها وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها أَیْ لَا تَزُولُ وَ تَبْقَی (1) فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِینَ یَعْنِی فِی أَرْبَعَةِ أَوْقَاتٍ وَ هِیَ الَّتِی یُخْرِجُ اللَّهُ فِیهَا أَقْوَاتَ الْعَالَمِ مِنَ النَّاسِ وَ الْبَهَائِمِ وَ الطَّیْرِ وَ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ وَ مَا فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ مِنَ الْخَلْقِ وَ الثِّمَارِ(2)

وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرِ وَ مَا یَكُونُ فِیهِ مَعَایِشُ (3)

الْحَیَوَانِ كُلِّهِ وَ هُوَ الرَّبِیعُ وَ الصَّیْفُ وَ الْخَرِیفُ وَ الشِّتَاءُ فَفِی الشِّتَاءِ یُرْسِلُ اللَّهُ الرِّیَاحَ وَ الْأَمْطَارَ وَ الْأَنْدَاءَ وَ الطُّلُولَ مِنَ السَّمَاءِ فَیُلْقِحُ الشَّجَرَ وَ یَسْقِی الْأَرْضَ وَ الشَّجَرَ وَ هُوَ وَقْتٌ بَارِدٌ ثُمَّ یَجِی ءُ بَعْدَهُ الرَّبِیعُ وَ هُوَ

ص: 60


1- 1. فی المصدر: لا یزول و لا یفنی.
2- 2. فی المصدر: و من الثمار.
3- 3. فی المصدر: معاش.

وَقْتٌ مُعْتَدِلٌ حَارٌّ وَ بَارِدٌ فَیُخْرِجُ الشَّجَرُ ثِمَارَهُ وَ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا فَیَكُونُ أَخْضَرَ ضَعِیفاً ثُمَّ یَجِی ءُ مِنْ بَعْدِهِ وَقْتُ الصَّیْفِ وَ هُوَ حَارٌّ فَیَنْضَجُ الثِّمَارُ وَ یُصْلَبُ (1)

الْحُبُوبُ الَّتِی هِیَ أَقْوَاتُ الْعِبَادِ وَ جَمِیعِ الْحَیَوَانِ ثُمَّ یَجِی ءُ مِنْ بَعْدِهِ وَقْتُ الْخَرِیفِ فَیُطَیِّبُهُ وَ یُبَرِّدُهُ وَ لَوْ كَانَ الْوَقْتُ كُلُّهُ شَیْئاً وَاحِداً لَمْ یَخْرُجِ النَّبَاتُ مِنَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَقْتُ كُلُّهُ رَبِیعاً لَمْ تَنْضَجِ (2)

الثِّمَارُ وَ لَمْ تَبْلُغِ الْحُبُوبُ وَ لَوْ كَانَ الْوَقْتُ كُلُّهُ صَیْفاً لَاحْتَرَقَ كُلُّ شَیْ ءٍ فِی الْأَرْضِ وَ لَمْ یَكُنْ لِلْحَیَوَانِ مَعَاشٌ وَ لَا قُوتٌ وَ لَوْ كَانَ الْوَقْتُ كُلُّهُ خَرِیفاً لَمْ یَتَقَدَّمْهُ شَیْ ءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ یَتَقَوَّتُ بِهِ الْعَالَمُ فَجَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَقْوَاتَ فِی هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَوْقَاتِ فِی الشِّتَاءِ وَ الرَّبِیعِ وَ الصَّیْفِ وَ الْخَرِیفِ وَ قَامَ بِهِ الْعَالَمُ وَ اسْتَوَی وَ بَقِیَ وَ سَمَّی اللَّهُ هَذِهِ الْأَوْقَاتَ أَیَّاماً سَواءً لِلسَّائِلِینَ یَعْنِی الْمُحْتَاجِینَ لِأَنَّ كُلَّ مُحْتَاجٍ سَائِلٌ وَ فِی الْعَالَمِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ مَنْ لَا یَسْأَلُ وَ لَا یَقْدِرُ عَلَیْهِ مِنَ الْحَیَوَانِ كَثِیرٌ فَهُمْ سَائِلُونَ وَ إِنْ لَمْ یَسْأَلُوا وَ قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ أَیْ دَبَّرَ وَ خَلَقَ وَ قَدْ سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام عَمَّنْ (3) كَلَّمَ اللَّهُ لَا مِنَ الْجِنِّ وَ لَا مِنَ الْإِنْسِ فَقَالَ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ فِی قَوْلِهِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ فَقَضاهُنَ أَیْ خَلَقَهُنَ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ یَعْنِی فِی وَقْتَیْنِ ابْتِدَاءً وَ انْقِضَاءً وَ أَوْحی فِی كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها فَهَذَا وَحْیُ تَقْدِیرٍ وَ تَدْبِیرٍ(4).

بیان: هذا التأویل للآیة أقرب مما مر و لعله من بطون الآیة و لا ینافی ظاهرها قوله أی لا تزول و تبقی أی المراد بالتقدیر التقدیر الدائمی و یحتمل أن یكون تفسیر بارَكَ فِیها قوله و إن لم یسألوا أی هم سائلون بلسان افتقارهم و اضطرارهم الرب سبحانه بسمع فیضه و فضله و رحمانیته و لسان الحال أبلغ من لسان المقال.

ص: 61


1- 1. فی المصدر: فتنضج الثمار و تصلب.
2- 2. فی المصدر: لما تنضج.
3- 3. فی المصدر: عما.
4- 4. تفسیر علیّ بن إبراهیم: ص 590.

«32»- التَّوْحِیدُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ رَفَعَ الْحَدِیثَ إِلَی ابْنِ أَبِی الْعَوْجَاءِ حِینَ كَلَّمَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَادَ إِلَیْهِ فِی الْیَوْمِ الثَّانِی ثُمَّ فِی الْیَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ: مَا الدَّلِیلُ عَلَی حُدُوثِ الْأَجْسَامِ فَقَالَ إِنِّی مَا وَجَدْتُ شَیْئاً صَغِیراً وَ لَا كَبِیراً إِلَّا وَ إِذَا ضُمَّ إِلَیْهِ مِثْلُهُ صَارَ أَكْبَرَ وَ فِی ذَلِكَ زَوَالٌ وَ انْتِقَالٌ عَنِ الْحَالَةِ الْأُولَی وَ لَوْ كَانَ قَدِیماً مَا زَالَ وَ لَا حَالَ لِأَنَّ الَّذِی یَزُولُ وَ یَحُولُ یَجُوزُ أَنْ یُوجَدَ وَ یَبْطُلَ فَیَكُونُ بِوُجُودِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ دُخُولٌ (1)

فِی الْحَدَثِ (2) وَ فِی كَوْنِهِ فِی الْأَزَلِ دُخُولُهُ فِی الْقِدَمِ (3) وَ لَنْ تَجْتَمِعَ صِفَةُ الْأَزَلِ وَ الْعَدَمِ فِی شَیْ ءٍ وَاحِدٍ فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِیمِ هَبْكَ عَلِمْتُ فِی جَرْیِ الْحَالَتَیْنِ وَ الزَّمَانَیْنِ مَا ذَكَرْتَ وَ اسْتَدْلَلْتَ عَلَی حُدُوثِهِا فَلَوْ بَقِیَتِ الْأَشْیَاءُ عَلَی صِغَرِهَا مِنْ أَیْنَ كَانَ لَكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلَی حَدَثِهَا(4)

فَقَالَ الْعَالِمُ علیه السلام إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَی هَذَا الْعَالَمِ الْمَصْنُوعِ (5)

فَلَوْ رَفَعْنَاهُ وَ وَضَعْنَا عَالَماً آخَرَ كَانَ لَا شَیْ ءَ أَدَلُّ عَلَی الْحَدَثِ مِنْ رَفْعِنَا إِیَّاهُ وَ وَضْعِنَا غَیْرَهُ وَ لَكِنْ أُجِیبُكَ مِنْ حَیْثُ قَدَرْتَ أَنْ تُلْزِمَنَا وَ نَقُولُ

إِنَّ الْأَشْیَاءَ لَوْ دَامَتْ عَلَی صِغَرِهَا لَكَانَ فِی الْوَهْمِ أَنَّهُ مَتَی مَا ضُمَّ شَیْ ءٌ إِلَی مِثْلِهِ كَانَ أَكْبَرَ وَ فِی جَوَازِ التَّغْیِیرِ عَلَیْهِ خُرُوجُهُ مِنَ الْقِدَمِ كَمَا أَنَّ فِی تَغْیِیرِهِ دُخُولُهُ فِی الْحَدَثِ لَیْسَ لَكَ وَرَاءَهُ شَیْ ءٌ یَا عَبْدَ الْكَرِیمِ فَانْقَطَعَ وَ خَزِیَ (6).

الكافی، و الإحتجاج (7)

مرفوعا: مثله

وَ فِی الْإِحْتِجَاجِ: وَ لَنْ تَجْتَمِعَ صِفَةُ الْحُدُوثِ وَ الْقِدَمِ فِی شَیْ ءٍ.

بیان: قد مر الخبر بطوله و شرحه فی كتاب التوحید و فیه إجمال و یحتمل أن یراد فیه بكل من الحدوث و القدم الذاتی أو الزمانی فإن كان المراد الأول كان الغرض

ص: 62


1- 1. دخوله( خ ل).
2- 2. الحدوث( خ ل).
3- 3. فی المصدر: و فی كونه فی الأولی دخوله فی العدم.
4- 4. فی المصدر: علی حدوثها.
5- 5. فی المصدر: الموضوع.
6- 6. التوحید: ص 216.
7- 7. الكافی: ج 1، ص 76. الاحتجاج: 183.

إثبات أن الأجسام ممكنة الوجود مصنوعة معلولة تحتاج إلی صانع یصنعها و یوجدها و علی الثانی یكون مبنیا علی ما سبق فی الأخبار الكثیرة أن كل قدیم لا یكون إلا واجبا بالذات و المعلول لا یكون إلا حادثا بالزمان و هو أظهر و هكذا فهمه الصدوق و أورده فی باب حدوث العالم و عقبه بالدلائل المشهورة عند المتكلمین علی الحدوث و قیل حاصل استدلاله علیه السلام إما راجع إلی دلیل المتكلمین من أن عدم الانفكاك من الحوادث یستلزم الحدوث و إما إلی أنه لا یخلو إما أن یكون بعض تلك الأحوال الزائلة المتغیرة قدیما أو یكون كلها حوادث و هما محالان أما الأول فلما تقرر عندهم أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه و أما الثانی فلاستحالة التسلسل فی الأمور المتعاقبة و الأول أظهر(1).

«33»- الْكَافِی، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِیمِ الْحَسَنِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أَ وَ لَمْ یَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ وَ لَمْ یَكُ شَیْئاً قَالَ فَقَالَ لَا مُقَدَّراً وَ لَا مُكَوَّناً قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَكُنْ شَیْئاً مَذْكُوراً قَالَ كَانَ مُقَدَّراً غَیْرَ مَذْكُورٍ(2).

ص: 63


1- 1. یظهر بالتأمل فی الروایة، أن الإمام علیه السلام یستدل بتغیر العالم و أخیرا بامكان تغیره علی حدوثه یعنی أنّه یمكن عدمه، و هو معنی الحدوث الذاتی و هو أول الاحتمالین المذكورین فی كلام العلامة المؤلّف- رضوان اللّٰه علیه- فأمعن النظر فی قوله علیه السلام« لان الذی یزول و یحول یجوز أن یوجد أو یبطل» و فی قوله« و فی جواز التغییر علیه خروجه من القدم» فان إمكان التغیر لا یثبت عدمه فی زمان ما حتّی یثبت الحدوث الزمانی، و إنّما یثبت إمكان عدمه ذاتا و هو الحدوث الذاتی. و لسنا نعنی بهذا أن العالم لیس بحادث زمانی، كلا! و إنّما نعنی أن المراد بهذا الكلام إثبات الصانع و حدوث ما سواه ذاتا. و ربما یظهر من هنا أن المراد بالحدوث و القدم فی سائر الروایات التی تجری هذا المجری الحدوث و القدم الذاتیان، و لكن حیث كان یصعب تفكیك الذاتیین من الزمانیین علی افهام العامّة بل علی كثیر من أهل البحث و النظر جری كلامهم علیهم الصلاة و السلام مجری یحتمل الوجهین فتأمل جیدا.
2- 2. الكافی: ج 1، 147.

بیان: یدل ظاهرا علی حدوث نوع الإنسان.

«34»- تَفْسِیرُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ،: سُمِّیَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَی لِأَنَّهَا أَوَّلُ بُقْعَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنَ الْأَرْضِ لِقَوْلِهِ إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَكَّةَ مُبارَكاً(1).

«35»- الْعِلَلُ، وَ الْعُیُونُ،: سَأَلَ الشَّامِیُّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لِمَ سُمِّیَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَی قَالَ علیه السلام لِأَنَّ الْأَرْضَ دُحِیَتْ مِنْ تَحْتِهَا وَ سَأَلَ عَنْ أَوَّلِ بُقْعَةٍ بُسِطَتْ مِنَ الْأَرْضِ أَیَّامَ الطُّوفَانِ فَقَالَ لَهُ مَوْضِعُ الْكَعْبَةِ وَ كَانَتْ زَبَرْجَدَةً خَضْرَاءَ(2).

بیان: لعل المراد بأیام الطوفان أیام تموج الماء و اضطرابه قبل خلق الأرض.

«36»- إِرْشَادُ الْقُلُوبِ،: سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لِمَ سُمِّیَتْ مَكَّةُ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ مَكَّ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا أَیْ دَحَاهَا.

«37»- مَجَالِسُ الصَّدُوقِ، وَ التَّوْحِیدُ، وَ كَنْزُ الْكَرَاجُكِیِّ، وَ الْإِحْتِجَاجُ (3)

بِأَسَانِیدِهِمْ: فِی مُنَاظَرَةِ الصَّادِقِ علیه السلام لِابْنِ أَبِی الْعَوْجَاءِ قَالَ علیه السلام هَذَا بَیْتٌ اسْتَعْبَدَ اللَّهُ بِهِ خَلْقَهُ (4)

إِلَی قَوْلِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ قَبْلَ دَحْوِ الْأَرْضِ بِأَلْفَیْ عَامٍ.

«38»- الْعِلَلُ، وَ الْعُیُونُ، فِی عِلَلِ ابْنِ سِنَانٍ عَنِ الرِّضَا علیه السلام: عِلَّةُ وَضْعِ الْبَیْتِ وَسَطَ الْأَرْضِ أَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِی مِنْ تَحْتِهِ دُحِیَتِ الْأَرْضُ وَ كُلُّ رِیحٍ تَهُبُّ فِی الدُّنْیَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الرُّكْنِ الشَّامِیِّ وَ هِیَ أَوَّلُ بُقْعَةٍ وُضِعَتْ فِی الْأَرْضِ لِأَنَّهَا الْوَسَطُ لِیَكُونَ الْفَرْضُ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ (5)

فِی ذَلِكَ سَوَاءً(6).

«39»- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی وَ أَحْمَدَ بْنِ

ص: 64


1- 1. تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ: ص 595.
2- 2. العیون: ج 1، ص 241.
3- 3. التوحید: ص 180. الاحتجاج: ص 182.
4- 4. فی الاحتجاج: عباده.
5- 5. فی المصدرین: لاهل الشرق و الغرب سواء.
6- 6. العلل: ج 2، ص 82. العیون: ج 2، ص 90.

إِدْرِیسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَشْعَرِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍ (1)

عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: إِنَّ خَلْقَ الْبَیْتِ قَبْلَ الْأَرْضِ (2)

ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِ فَدَحَاهَا مِنْ تَحْتِهِ (3).

الكافی، عن محمد بن یحیی عن محمد بن أحمد عن الحسن بن علی عن عدة من أصحابنا عن الثمالی: مثله.

«40»- الْعَیَّاشِیُّ، عَنِ الْحَلَبِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّهُ وُجِدَ فِی حَجَرٍ مِنْ حَجَرَاتِ الْبَیْتِ مَكْتُوباً إِنِّی أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ خَلَقْتُهَا یَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ یَوْمَ خَلَقْتُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ حَفَفْتُهُمَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حَفِیفاً.

«41»- الْكَافِی، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی وَ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَدِیدِ عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَا مُحَمَّدُ إِنِّی خَلَقْتُكَ وَ عَلِیّاً نُوراً یَعْنِی رُوحاً بِلَا بَدَنٍ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَاوَاتِی وَ أَرْضِی وَ عَرْشِی وَ بَحْرِی الْخَبَرَ(4).

«42»- وَ عَنْهُ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُعَلَّی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام فَأَجْرَیْتُ اخْتِلَافَ الشِّیعَةِ فَقَالَ

ص: 65


1- 1. هو الحسن بن علیّ بن فضال التیملی مولی تیم اللّٰه بن ثعلبة، كوفیّ، روی عن الرضا علیه السلام و كان خصیصا به ثقة فی روایاته، و كان فطحیا مشهورا بذلك حتّی حضره الموت فمات و قد قال بالحق. قال النجاشیّ( ص: 28) مات سنة 224. و یروی عنه جماعة منهم موسی بن عمر و لم یذكر فی جملتهم محمّد بن أحمد بن یحیی، نعم فی موضع من الاستبصار« محمّد بن أحمد بن یحیی عن موسی بن عمر عن ابن فضال» و هو الحسن بن علیّ بن فضال. فكأن فی هذا السند إرسالا. و یؤیده أن محمّد بن أحمد بن یحیی الأشعریّ راویه علی و محمّد ابنی الحسن بن علیّ بن فضال، فیشبه أن یكون روایة محمّد بن أحمد الأشعریّ عن الحسن بن فضال بواسطة ابنیه او بواسطة اخری- و اللّٰه اعلم-
2- 2. فی المصدر: قبل الخلق.
3- 3. العلل: ج 2، ص 85.
4- 4. الكافی: ج 1، ص 440.

یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَمْ یَزَلْ مُتَفَرِّداً بِوَحْدَانِیَّتِهِ ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ أَجْمَعِینَ فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْرٍ ثُمَّ خَلَقَ جَمِیعَ الْأَشْیَاءِ فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا وَ أَجْرَی طَاعَتَهُمْ عَلَیْهَا(1)

الْحَدِیثَ.

بیان: لم یزل متفردا بوحدانیته أی متفردا بأنه متوحد لا شی ء معه أو الباء للسببیة أی متفردا بسبب أنه كان واحدا من جمیع الوجوه و ما كان كذلك فهو واجب بالذات فیجوز علیه القدم بخلاف غیره فإن القدم ینافی التكثر و الإمكان الذی هو لازمه فأشهدهم خلقها أی كانوا حاضرین عند خلقها عالمین بكیفیته و لذا قال تعالی فی شأن إبلیس و ذریته و أتباعه ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ

وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ بعد قوله أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِی إشارة إلی أن المستحق للولایة و المتابعة من كان شاهدا خلق الأشیاء عالما بحقائقها و كیفیاتها و صفاتها و الغیوب الكامنة فیها و المستنبطة منها.

«43»- التَّوْحِیدُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَسَدِیِ (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الْبَرْمَكِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِی سُمَیْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ زَیْدِ بْنِ جُبَیْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الشَّامِ إِلَی أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فَقَالَ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ أَجِدْ أَحَداً یُفَسِّرُهَا لِی وَ قَدْ سَأَلْتُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ كُلُّ صِنْفٍ غَیْرَ مَا قَالَ الْآخَرُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام وَ مَا ذَلِكَ فَقَالَ أَسْأَلُكَ مَا أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ سَأَلْتُهُ قَالَ الْقُدْرَةُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الْعِلْمُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الرُّوحُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام مَا قَالُوا شَیْئاً أُخْبِرُكَ أَنَّ اللَّهَ عَلَا ذِكْرُهُ كَانَ وَ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ عَزِیزاً وَ لَا

ص: 66


1- 1. قد مر الحدیث عنه مرسلا فی تفسیر آیة« ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ ....».
2- 2. فی المصدر: عن محمّد بن أبی عبد اللّٰه الكوفیّ. قال النجاشیّ( ص: 289) محمّد ابن جعفر بن محمّد بن عون الأسدی أبو الحسین الكوفیّ ساكن الری یقال له« محمّد بن أبی عبد اللّٰه» كان ثقة صحیح الحدیث، إلّا أنّه روی عن الضعفاء و كان یقول بالجبر و التشبیه- إلی أن قال، مات أبو الحسین محمّد بن جعفر لیلة الخمیس لعشر خلون من جمادی الأولی سنة 312.

عِزَّ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ عِزِّهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ وَ كَانَ خَالِقاً وَ لَا مَخْلُوقَ (1)

فَأَوَّلُ شَیْ ءٍ خَلَقَهُ مِنْ خَلْقِهِ الشَّیْ ءُ الَّذِی جَمِیعُ الْأَشْیَاءِ مِنْهُ وَ هُوَ الْمَاءُ فَقَالَ السَّائِلُ فَالشَّیْ ءَ خَلَقَهُ مِنْ شَیْ ءٍ أَوْ مِنْ لَا شَیْ ءَ فَقَالَ خَلَقَ الشَّیْ ءَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ كَانَ قَبْلَهُ وَ لَوْ خَلَقَ الشَّیْ ءَ مِنْ شَیْ ءٍ إِذاً لَمْ یَكُنْ لَهُ انْقِطَاعٌ أَبَداً وَ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ إِذاً وَ مَعَهُ شَیْ ءٌ وَ لَكِنْ كَانَ اللَّهُ وَ لَا شَیْ ءَ مَعَهُ فَخَلَقَ الشَّیْ ءَ الَّذِی جَمِیعُ الْأَشْیَاءِ مِنْهُ وَ هُوَ الْمَاءُ(2).

بیان: قوله فإن بعض من سألته قال القدرة لعل هذا القائل زعم أن صفاته تعالی زائدة علی ذاته مخلوقة له كما ذهب إلیه جماعة من العامة و سیأتی بروایة الكلینی القدر فلعله توهم أن تقدیره تعالی جوهر أو یكون مراده بالقدرة اللوح الذی أثبت اللّٰه تعالی فیه تقدیرات الأمور و كذا القول بأن أول المخلوقات العلم مبنی علی القول بمخلوقیة الصفات و فی الكافی مكانه القلم و هو موافق لبعض ما سیأتی من الأخبار و سنذكر وجه الجمع بینها و بین غیرها قوله علیه السلام لأنه كان قبل عزه لعل المراد أنه كان غالبا و عزیزا قبل أن یظهر عزه و غلبته علی الأشیاء بخلقها و لذا قال رَبِّ الْعِزَّةِ إذ فعلیة العزة و ظهورها مسبب عنه و المعنی و لا عز لغیره فالمراد بالعزة فی الآیة عزة المخلوقات و فی الكافی و لا أحد كان قبل عزه و ذلك قوله أی لم یكن أحد قبل عزه یكون عزه به و استدل علیه بقوله رَبِّ الْعِزَّةِ إذ هو یدل علی أنه سبحانه سبب كل

ص: 67


1- 1. قد نقلنا فی ذیل الحدیث 17 فی معنی كونه تعالی خالقا اذ لا مخلوق من المؤلّف رحمه اللّٰه أن المراد بالخالقیة قبل الخلق القدرة علی خلق كل ما علم أنّه أصلح و السرّ فیه أن الصفات الفعلیة خارجة عن الذات و متأخرة عنها لكن ملاكاتها موجودة فیها و متحدة بها فكذا المراد بكونه عزیزا و لا عزّ أنّه كان واجدا لما هو ملاك العزة و هو الكمالات الذاتیة. و أمّا هذا المفهوم الانتزاعی فلیس عین ذات البارئ و لذا استشهد علیه السلام بقوله تعالی« رَبِّ الْعِزَّةِ» فان المربوب و هو العز غیر الرب و متأخر عنه.
2- 2. التوحید: ص 32.

عزة فلو كان عزه بغیره كان ذلك الغیر رَبِّ الْعِزَّةِ و هذا الخبر نص صریح فی الحدوث و لا یقبل التأویل بوجه.

«44»- الْإِحْتِجَاجُ، وَ تَفْسِیرُ الْإِمَامِ أَبِی مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِیِّ، عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ: احْتَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی الدَّهْرِیَّةِ فَقَالَ مَا الَّذِی دَعَاكُمْ إِلَی الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَشْیَاءَ لَا بَدْءَ لَهَا وَ هِیَ دَائِمَةٌ لَمْ تَزَلْ وَ لَا تَزَالُ فَقَالُوا لِأَنَّا لَا نَحْكُمُ إِلَّا بِمَا شَاهَدْنَا(1)

وَ لَمْ نَجِدْ لِلْأَشْیَاءِ حَدَثاً فَحَكَمْنَا بِأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ وَ لَمْ نَجِدْ لَهَا انْقِضَاءً وَ فَنَاءً فَحَكَمْنَا بِأَنَّهَا لَا تَزَالُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ فَوَجَدْتُمْ لَهَا قِدَماً أَمْ وَجَدْتُمْ لَهَا بَقَاءً أَبَداً(2) فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّكُمْ وَجَدْتُمْ ذَلِكَ أَ نَهَضْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا عَلَی هَیْئَتِكُمْ وَ عُقُولِكُمْ بِلَا نِهَایَةٍ وَ لَا تَزَالُونَ كَذَلِكَ وَ لَئِنْ قُلْتُمْ هَذَا دَفَعْتُمُ الْعِیَانَ وَ كَذَّبَكُمُ الْعَالَمُونَ الَّذِینَ یُشَاهِدُونَكُمْ قَالُوا بَلْ لَمْ نُشَاهِدْ لَهَا قِدَماً وَ لَا بَقَاءً أَبَدَ الْآبِدِینَ (3) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلِمَ صِرْتُمْ بِأَنْ تَحْكُمُوا بِالْبَقَاءِ وَ الْقِدَمِ (4)

لِأَنَّكُمْ لَمْ تُشَاهِدُوا حُدُوثَهَا وَ انْقِضَاءَهَا أَوْلَی مِنْ تَارِكِ التَّمَیُّزِ لَهَا مِثْلُكُمْ یَحْكُمُ لَهَا بِالْحُدُوثِ وَ الِانْقِضَاءِ وَ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ یُشَاهِدْ لَهَا قِدَماً وَ لَا بَقَاءً أَبَدَ الْأَبَدِ(5) أَ وَ لَسْتُمْ تُشَاهِدُونَ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ وَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ أَ تَرَوْنَهُمَا لَمْ یَزَالا وَ لَا یَزَالانِ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ أَ فَیَجُوزُ عِنْدَكُمُ اجْتِمَاعُ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ فَقَالُوا لَا فَقَالَ صلی اللّٰه علیه وآله فَإِذَنْ یَنْقَطِعُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ فَیَسْبِقُ أَحَدُهُمَا وَ یَكُونُ الثَّانِی جَارِیاً بَعْدَهُ قَالُوا كَذَلِكَ هُوَ فَقَالَ قَدْ حَكَمْتُمْ بِحُدُوثِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لَیْلٍ وَ نَهَارٍ وَ لَمْ تُشَاهِدُوهُمَا فَلَا تُنْكِرُوا اللَّهَ قَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ صلی اللّٰه علیه وآله أَ تَقُولُونَ مَا قَبْلَكُمْ مِنَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ مُتَنَاهٍ أَمْ غَیْرُ مُتَنَاهٍ فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّهُ غَیْرُ مُتَنَاهٍ فَقَدْ وَصَلَ إِلَیْكُمْ آخِرٌ بِلَا نِهَایَةٍ لِأَوَّلِهِ وَ إِنْ قُلْتُمْ إِنَّهُ مُتَنَاهٍ فَقَدْ كَانَ وَ لَا شَیْ ءَ مِنْهُمَا قَالُوا

ص: 68


1- 1. فی المصدر: بما نشاهد.
2- 2. فی المصدر: أبد الابد.
3- 3. فی المصدر: أبد الابد.
4- 4. فی المصدر: بالقدم و البقاء دائما.
5- 5. فی المصدر: أبدا.

نَعَمْ قَالَ لَهُمْ أَ قُلْتُمْ إِنَّ الْعَالَمَ قَدِیمٌ لَیْسَ بِمُحْدَثٍ (1) وَ أَنْتُمْ عَارِفُونَ بِمَعْنَی مَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ وَ بِمَعْنَی مَا جَحَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَهَذَا الَّذِی نُشَاهِدُهُ (2)

مِنَ الْأَشْیَاءِ بَعْضُهَا إِلَی بَعْضٍ یَفْتَقِرُ لِأَنَّهُ لَا قِوَامَ لِلْبَعْضِ إِلَّا بِمَا یَتَّصِلُ إِلَیْهِ (3)

كَمَا تَرَی (4) الْبِنَاءَ مُحْتَاجاً بَعْضُ أَجْزَائِهِ إِلَی بَعْضٍ وَ إِلَّا لَمْ یَتَّسِقْ وَ لَمْ یَسْتَحْكِمْ وَ كَذَلِكَ سَائِرُ مَا نَرَی (5) قَالَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُحْتَاجُ بَعْضُهُ إِلَی بَعْضٍ لِقُوَّتِهِ وَ

تَمَامِهِ هُوَ الْقَدِیمَ فَأَخْبِرُونِی أَنْ لَوْ كَانَ مُحْدَثاً كَیْفَ كَانَ یَكُونُ وَ كَیْفَ إِذاً كَانَتْ تَكُونُ صِفَتُهُ قَالَ فَبُهِتُوا وَ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا یَجِدُونَ لِلْمُحْدَثِ صِفَةً یَصِفُونَهُ بِهَا إِلَّا وَ هِیَ مَوْجُودَةٌ فِی هَذَا الَّذِی زَعَمُوا أَنَّهُ قَدِیمٌ فَوَجَمُوا وَ قَالُوا سَنَنْظُرُ فِی أَمْرِنَا(6) الْخَبَرَ.

بیان: ذهبت الدهریة إلی أن العالم قدیم زمانی (7)

و قالوا إن الأشیاء دائمة الوجود لم تزل و لا تزال بل بعضهم أنكروا الحوادث الیومیة أیضا و ذهبوا إلی الكمون و البروز لتصحیح قدم الحوادث الیومیة و أنكروا وجود ما لم تدركه الحواس الخمس و لذا أنكروا وجود الصانع لعدم إدراك الحواس له تعالی و قالوا وجود الموجودات من الطبائع المتعاقبة لا إلی نهایة إذا تقرر هذا فاعلم أن الظاهر أن المطلوب أولا إثبات الحدوث الزمانی فإن الظاهر من البدء البدء الزمانی و یؤیده قوله و هی دائمة لم تزل و لا تزال.

و قوله أ فوجدتم إلی قوله أ تقولون ما قبلكم من اللیل و النهار إبطال

ص: 69


1- 1. فی المصدر: غیر محدث.
2- 2. فی المصدر: تشاهدونه.
3- 3. فی المصدر: به.
4- 4. فی بعض النسخ: تری.
5- 5. فی بعض النسخ:« ما ترون» و فی بعضها« ما یری».
6- 6. الاحتجاج: 10.
7- 7. بل إلی أنّه قدیم ذاتی.

إنكارهم (1)

وجود ما لا تدركه الحواس و إثبات لوجود الإیمان بالغیب عند قیام البرهان و ذلك لأنهم یحكمون بالقدم و بتقدم اللیل و النهار فی الأزمنة الماضیة و عدم اجتماعهما فیها مع أنهم لم یشاهدوا شیئا من ذلك فیلزمهم أن یعترفوا بوجود ما یغیب عن حواسهم و یحتمل أن یكون إلی قوله أ و لستم تشاهدون اللیل و النهار إثباتا للحدوث الزمانی جدلا بأنهم كما یحكمون بالقدم لعدم مشاهدة الحدوث یلزمهم أن یحكموا بالحدوث لأنهم لم یشاهدوا القدم و البقیة لإثبات الإیمان بالغیب أو البقیة لإثبات الحدوث بالدلیل المشهور عند المتكلمین من عدم الانفكاك عن الحوادث أو أن الحكم بحدوث كل لیل و نهار یكفی لاحتیاجها إلی الصانع و لا ینفع قدم الطبیعة و من قوله أ تقولون ما قبلكم إلی قوله علیه السلام أ قلتم إثبات لانقطاع اللیل و النهار من جهة الماضی لاستحالة ما لا نهایة له و هو انقطاع الزمان و یلزم منه انقطاع الحركات و حدوث الأجسام و الأعراض القائمة بها و من قوله أ قلتم إثبات لإمكان العالم المستلزم لوجود الصانع تعالی شأنه.

و یحتمل أن یكون صلی اللّٰه علیه وآله تدرج فی الاحتجاج فنزلهم أولا عن مرتبة الإنكار إلی الشك ثم أخذ فی الاحتجاج فمن قوله أ تقولون إلی آخر الكلام یحتمل أن یكون دلیلا واحدا حاصله أنه لا یخلو من أن یكون الزمان متناهیا أو غیر متناه و علی الأول لا بد للأشیاء لحدوثها من صانع فقوله فقد كان و لا شی ء منهما أی كان الصانع قبل وجود شی ء منهما ثم أبطل الثانی بأنكم إنما حكمتم بقدمها لئلا یحتاج إلی صانع و العقل یحكم بأن ما یوجب الحكم فی الحادث بالحاجة إلی الصانع یحكم فی القدیم أیضا و یحتمل أن یكون إلی آخر الكلام دلیلین و قد فصلنا الكلام فیه فی المجلد الرابع فلا نعید هنا و دلالته علی الحدوث علی كل الوجوه ظاهرة.

«45»- تَفْسِیرُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ،: وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ وَ ذَلِكَ فِی مَبْدَإِ الْخَلْقِ أَنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ

ص: 70


1- 1. فی بعض النسخ: لانكارهم.

الْهَوَاءَ ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ فَأَمَرَهُ أَنْ یَجْرِیَ فَقَالَ یَا رَبِّ بِمَا أَجْرِی فَقَالَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ ثُمَّ خَلَقَ الظُّلْمَةَ مِنَ الْهَوَاءِ وَ خَلَقَ النُّورَ مِنَ الْهَوَاءِ وَ خَلَقَ الْمَاءَ مِنَ الْهَوَاءِ وَ خَلَقَ الْعَرْشَ مِنَ الْهَوَاءِ وَ خَلَقَ الْعَقِیمَ مِنَ الْهَوَاءِ وَ هُوَ الرِّیحُ الشَّدِیدَةُ وَ خَلَقَ النَّارَ مِنَ الْهَوَاءِ وَ خَلَقَ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ الَّتِی خُلِقَتْ مِنَ الْهَوَاءِ فَسَلَّطَ الْعَقِیمَ عَلَی الْمَاءِ فَضَرَبَتْهُ فَأَكْثَرَتِ الْمَوْجَ وَ الزَّبَدَ وَ جَعَلَ یَثُورُ دُخَانُهُ فِی الْهَوَاءِ فَلَمَّا بَلَغَ الْوَقْتُ الَّذِی أَرَادَ قَالَ لِلزَّبَدِ اجْمُدْ فَجَمَدَ فَقَالَ لِلْمَوْجِ اجْمُدْ فَجَمَدَ فَجَعَلَ الزَّبَدَ أَرْضاً وَ جَعَلَ الْمَوْجَ جِبِالًا رَوَاسِیَ لِلْأَرْضِ فَلَمَّا أَجْمَدَهُمَا قَالَ لِلرُّوحِ وَ الْقُدْرَةِ سَوِّیَا عَرْشِی عَلَی السَّمَاءِ فَسَوَّیَا عَرْشَهُ عَلَی السَّمَاءِ(1) وَ قَالَ لِلدُّخَانِ اجْمُدْ فَجَمَدَ ثُمَّ قَالَ لَهُ ازْفِرْ فَزَفَرَ فَنَادَاهَا وَ الْأَرْضَ جَمِیعاً ائْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ فَلَمَّا أَخَذَ فِی رِزْقِ خَلْقِهِ خَلَقَ السَّمَاءَ وَ جَنَّاتِهَا وَ الْمَلَائِكَةَ یَوْمَ الْخَمِیسِ وَ خَلَقَ الْأَرْضَ یَوْمَ الْأَحَدِ وَ خَلَقَ دَوَابَّ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ یَوْمَ الْإِثْنَیْنِ وَ هُمَا الْیَوْمَانِ اللَّذَانِ یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ وَ خَلَقَ الشَّجَرَ وَ نَبَاتَ الْأَرْضِ وَ أَنْهَارَهَا وَ مَا فِیهَا وَ الْهَوَامَّ فِی یَوْمِ الثَّلَاثَاءِ وَ خَلَقَ الْجَانَّ وَ هُوَ أَبُو الْجِنِّ یَوْمَ السَّبْتِ وَ خَلَقَ الطَّیْرَ فِی یَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَ خَلَقَ آدَمَ فِی سِتِّ سَاعَاتٍ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَفِی هَذِهِ السِّتَّةِ أَیَّامٍ (2) خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما(3).

بیان: یوم السبت لیس فی بعض النسخ و هو أظهر و علی تقدیره و إن كان خلاف المشهور یمكن أن لا یكون الجمعة محسوبا فی الستة لتأخره عن خلق العالم أو لم یحسب خلق الجان من خلق العالم بأن المراد بالعالم ما یشاهد و یری و یكون ذكر الملائكة استطرادا لشرفهم أو یكون بناء الحساب علی التلفیق بأن یكون ابتداء الخلق من ظهر یوم السبت و انتهاؤه عند ظهر یوم الجمعة فیكون ستة

ص: 71


1- 1. فی بعض النسخ« علی الماء» فی الموضعین، و هو الأظهر.
2- 2. فی بعض النسخ: الستة الایام.
3- 3. تفسیر علیّ بن إبراهیم: ص 297.

أیام علی حساب أهل النجوم و یؤیده قوله فی ست ساعات و علی التقادیر لا یخلو عن غرابة و سیأتی بعض القول فی ذلك.

«46»- التَّفْسِیرُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ عَنْ أَبِی بَكْرٍ الْحَضْرَمِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: خَرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَاجّاً وَ مَعَهُ الْأَبْرَشُ الْكَلْبِیُّ فَلَقِیَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ هِشَامٌ لِلْأَبْرَشِ تَعْرِفُ هَذَا قَالَ لَا قَالَ هَذَا الَّذِی تَزْعُمُ الشِّیعَةُ أَنَّهُ نَبِیٌّ مِنْ كَثْرَةِ عِلْمِهِ فَقَالَ الْأَبْرَشُ لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ(1)

لَا یُجِیبُنِی فِیهَا إِلَّا نَبِیٌّ أَوْ وَصِیُّ نَبِیٍّ فَقَالَ هِشَامٌ لِلْأَبْرَشِ وَدِدْتُ أَنَّكَ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَلَقِیَ الْأَبْرَشُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ

كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فَمَا كَانَ رَتْقُهُمَا وَ مَا كَانَ (2)

فَتْقُهُمَا فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَا أَبْرَشُ هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ وَ الْمَاءُ عَلَی الْهَوَاءِ وَ الْهَوَاءُ لَا یُحَدُّ وَ لَمْ یَكُنْ یَوْمَئِذٍ خَلْقٌ غَیْرُهُمَا وَ الْمَاءُ یَوْمَئِذٍ عَذْبٌ فُرَاتٌ فَلَمَّا أَرَادَ(3)

أَنْ یَخْلُقَ الْأَرْضَ أَمَرَ الرِّیَاحَ فَضَرَبَتِ الْمَاءَ حَتَّی صَارَ مَوْجاً ثُمَّ أَزْبَدَ فَصَارَ زَبَداً وَاحِداً فَجَمَعَهُ فِی مَوْضِعِ الْبَیْتِ ثُمَّ جَعَلَهُ جَبَلًا مِنْ زَبَدٍ ثُمَّ دَحَی الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَی إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَكَّةَ مُبارَكاً ثُمَّ مَكَثَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی مَا شَاءَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاءَ أَمَرَ الرِّیَاحَ فَضَرَبَتِ الْبُحُورَ حَتَّی أَزْبَدَتْهَا فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ وَ الزَّبَدِ مِنْ وَسَطِهِ دُخَانٌ سَاطِعٌ مِنْ غَیْرِ نَارٍ فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاءَ فَجَعَلَ فِیهَا الْبُرُوجَ وَ النُّجُومَ وَ مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ أَجْرَاهَا فِی الْفَلَكِ وَ كَانَتِ السَّمَاءُ خَضْرَاءَ عَلَی لَوْنِ الْمَاءِ الْعَذْبِ الْأَخْضَرِ(4) وَ كَانَتِ الْأَرْضُ خَضْرَاءَ(5) عَلَی لَوْنِ الْمَاءِ

ص: 72


1- 1. فی المصدر: مسائل.
2- 2. فی المصدر:« بما كان» فی الموضعین.
3- 3. فی المصدر: أراد اللّٰه.
4- 4. فی المصدر: علی لون الماء الاخضر.
5- 5. فی المصدر: غبراء علی لون الماء العذب.

وَ كَانَتَا مَرْتُوقَتَیْنِ لَیْسَ لَهُمَا أَبْوَابٌ وَ لَمْ یَكُنْ لِلْأَرْضِ أَبْوَابٌ وَ هُوَ النَّبْتُ وَ لَمْ تُمْطِرِ(1) السَّمَاءُ عَلَیْهَا فَتُنْبِتَ فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَ فَتَقَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فَقَالَ الْأَبْرَشُ وَ اللَّهِ مَا حَدَّثَنِی بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِیثِ أَحَدٌ قَطُّ أَعِدْ عَلَیَّ فَأَعَادَ عَلَیْهِ وَ كَانَ الْأَبْرَشُ مُلْحِداً فَقَالَ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ نَبِیٍّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (2).

«47»- وَ مِنْهُ،: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ قَالَ فِی سِتَّةِ أَوْقَاتٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی (3) الْعَرْشِ (4) أَیْ عَلَا عَلَی الْعَرْشِ.

بیان: تأویل الأیام بالأوقات إما لعدم خلق اللیل و النهار بعد فأول الیوم بمقداره أو المراد بالیوم النوبة و المرة فیكون خلق كل منها فی أسرع الأزمنة و عبر عنه بالیوم مجازا كما قیل.

«48»- الْعُیُونُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلِیٍّ الْبَصْرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْوَاعِظِ(5) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَامِرٍ الطَّائِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ: كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام فِی جَامِعِ الْكُوفَةِ إِذْ قَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ أَخْبِرْنِی عَنْ أَوَّلِ مَا خَلَقَ اللَّهُ قَالَ خَلَقَ النُّورَ قَالَ فَمِمَّ خُلِقَتِ (6)

السَّمَاوَاتُ قَالَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ قَالَ فَمِمَّ خُلِقَتِ الْأَرْضُ قَالَ مِنْ زَبَدِ الْمَاءِ قَالَ فَمِمَّ خُلِقَتِ الْجِبَالُ قَالَ مِنَ الْأَمْوَاجِ الْخَبَرَ(7).

ص: 73


1- 1. فی المصدر: لم تقطر.
2- 2. تفسیر علیّ بن إبراهیم: ص 427 و سیأتی فی باب السحاب و المطر بعینه تحت الرقم( 1).
3- 3. فی المصدر: علا بقدرته علی العرش.
4- 4. تفسیر علیّ بن إبراهیم: ص 219.
5- 5. فی المصدر: محمّد بن عبد اللّٰه بن أحمد بن جبلة الواعظ و لم نجد ذكره فی كتب الرجال و كذا محمّد بن عمرو البصری الذی روی عنه.
6- 6. فی بعض النسخ: خلق.
7- 7. العیون: ج 1 ص 240.

بیان: یمكن أن یكون المراد بالنور نور النبی و الأئمة علیهم السلام كما ورد فی أكثر الأخبار.

«49»- التَّوْحِیدُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ عَنِ الْعَلَّانِ (1)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: اعْلَمْ عَلَّمَكَ اللَّهُ الْخَیْرَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی قَدِیمٌ وَ الْقِدَمُ صِفَةٌ دَلَّتِ (2)

الْعَاقِلَ عَلَی أَنَّهُ لَا شَیْ ءَ قَبْلَهُ وَ لَا شَیْ ءَ مَعَهُ فِی دَیْمُومَتِهِ (3) فَقَدْ بَانَ لَنَا بِإِقْرَارِ الْعَامَّةِ(4) مُعْجِزَةُ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَا شَیْ ءَ قَبْلَ اللَّهِ وَ لَا شَیْ ءَ مَعَ اللَّهِ فِی بَقَائِهِ وَ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ شَیْ ءٌ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ شَیْ ءٌ فِی بَقَائِهِ لَمْ یَجُزْ أَنْ یَكُونَ خَالِقاً لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ یَزَلْ مَعَهُ فَكَیْفَ یَكُونُ خَالِقاً لِمَنْ لَمْ یَزَلْ مَعَهُ وَ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ شَیْ ءٌ كَانَ الْأَوَّلَ ذَلِكَ الشَّیْ ءُ لَا هَذَا وَ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَی بِأَنْ یَكُونَ خَالِقاً لِلثَّانِی (5).

الكافی، عن علی بن محمد مرسلا عن أبی الحسن الرضا علیه السلام: مثله (6) بیان هذا الخبر صریح فی الحدوث و معلل و قد مر شرحه فی كتاب التوحید.

«50»- التَّوْحِیدُ، وَ الْعُیُونُ، عَنْ تَمِیمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَحْمَدَ

ص: 74


1- 1. العلان:- بفتح العین المهملة و تشدید اللام، و حكی عن الشهید الثانی تخفیفه علی بن محمّد بن إبراهیم بن أبان الرازیّ الكلینی و یكنی أبا الحسن ثقة عین له كتاب اخبار القائم عجل اللّٰه فرجه و كان استأذن الصاحب فی الحجّ فخرج« توقف عنه فی هذه السنة» فخالف فقتل بطریق مكّة.
2- 2. فی الكافی: صفته التی دلت.
3- 3. فی التوحید و الكافی: دیمومیته.
4- 4. فی التوحید و الكافی: مع معجزة الصفة.
5- 5. فی الكافی« خالقا للاول» و فی التوحید ص 125« خالقا للاول الثانی».
6- 6. الكافی: ج 1، ص 120.

عَلِیٍّ الْأَنْصَارِیِ (1) عَنْ أَبِی الصَّلْتِ الْهَرَوِیِّ قَالَ: سَأَلَ الْمَأْمُونُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِیَّ بْنَ مُوسَی الرِّضَا علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ لِیَبْلُوَكُمْ أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْعَرْشَ وَ الْمَاءَ وَ الْمَلَائِكَةَ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَدِلُّ بِأَنْفُسِهَا وَ بِالْعَرْشِ وَ الْمَاءِ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ جَعَلَ عَرْشَهُ عَلَی الْمَاءِ لِیُظْهِرَ بِذَلِكَ قُدْرَتَهُ لِلْمَلَائِكَةِ فَتَعْلَمَ (2) أَنَّهُ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ ثُمَّ رَفَعَ الْعَرْشَ بِقُدْرَتِهِ وَ نَقَلَهُ فَجَعَلَهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ثُمَ (3) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ هُوَ مُسْتَوْلٍ عَلَی عَرْشِهِ وَ كَانَ قَادِراً عَلَی أَنْ یَخْلُقَهَا فِی طَرْفَةِ عَیْنٍ وَ لَكِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَهَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ لِیُظْهِرَ لِلْمَلَائِكَةِ مَا یَخْلُقُهُ مِنْهَا شَیْئاً بَعْدَ شَیْ ءٍ فَتَسْتَدِلَ (4)

بِحُدُوثِ مَا یَحْدُثُ (5) عَلَی اللَّهِ تَعَالَی ذِكْرُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَ لَمْ یَخْلُقِ اللَّهُ الْعَرْشَ لِحَاجَةٍ بِهِ إِلَیْهِ لِأَنَّهُ غَنِیٌّ عَنِ الْعَرْشِ وَ عَنْ جَمِیعِ مَا خَلَقَ لَا یُوصَفُ بِالْكَوْنِ عَلَی الْعَرْشِ لِأَنَّهُ لَیْسَ بِجِسْمٍ (6)

تَعَالَی عَنْ صِفَةِ خَلْقِهِ عُلُوّاً كَبِیراً وَ أَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ لِیَبْلُوَكُمْ أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَإِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ لِیَبْلُوَهُمْ بِتَكْلِیفِ طَاعَتِهِ وَ عِبَادَتِهِ لَا عَلَی سَبِیلِ الِامْتِحَانِ وَ التَّجْرِبَةِ لِأَنَّهُ لَمْ یَزَلْ عَلِیماً بِكُلِّ شَیْ ءٍ

ص: 75


1- 1. هو أحمد بن علیّ بن مهدیّ بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمّد بن علی الرقی الأنصاریّ قال الشیخ فی رجاله: سمع منه التلعكبری بمصر سنة أربعین و ثلاثمائة عن أبیه عن الرضا علیه السلام و له منه اجازة( انتهی) و قال فی التعلیقة، إن كونه شیخ الاجازة یشیر إلی الوثاقة( انتهی) و روایته بواسطة أبیه عن الرضا علیه السلام تدلّ علی إمكان روایته عن أبی الصلت بلا واسطة و ان لم یذكر فی كتب الرجال فی من یروی عنه.
2- 2. فی التوحید: فیعلمون.
3- 3. فی التوحید: و خلق.
4- 4. فی التوحید: و یستدل.
5- 5. فی نسخة مخطوطة: ما یحدث اللّٰه.
6- 6. فی التوحید: تعالی اللّٰه.

فَقَالَ الْمَأْمُونُ فَرَّجْتَ عَنِّی یَا أَبَا الْحَسَنِ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ (1).

«51»- الْعِلَلُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السَّیَّارِیِ (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرَانَ الْكُوفِیِّ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِیرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ اللَّیْثِیِّ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام یَا إِبْرَاهِیمُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَمْ یَزَلْ عَالِماً(3) خَلَقَ الْأَشْیَاءَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْأَشْیَاءَ مِنْ شَیْ ءٍ فَقَدْ كَفَرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الشَّیْ ءُ الَّذِی خَلَقَ مِنْهُ الْأَشْیَاءَ قَدِیماً مَعَهُ فِی أَزَلِیَّتِهِ وَ هُوِیَّتِهِ كَانَ ذَلِكَ (4) أَزَلِیّاً بَلْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْأَشْیَاءَ كُلَّهَا لَا مِنْ شَیْ ءٍ فَكَانَ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَرْضاً

طَیِّبَةً ثُمَّ فَجَّرَ مِنْهَا مَاءً عَذْباً زُلَالًا فَعَرَضَ عَلَیْهِ (5) وَلَایَتَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَقَبِلَهَا(6) فَأَجْرَی ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَیْهَا سَبْعَةَ أَیَّامٍ حَتَّی طَبَّقَهَا وَ عَمَّهَا ثُمَّ نَضَبَ (7)

ذَلِكَ الْمَاءُ عَنْهَا فَأَخَذَ مِنْ صَفْوَةِ ذَلِكَ الطِّینِ طِیناً فَجَعَلَهُ طِینَ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام ثُمَّ أَخَذَ ثَقَلَ ذَلِكَ الطِّینِ فَخَلَقَ مِنْهُ شِیعَتَنَا الْخَبَرَ(8).

«52»- الْعِلَلُ، فِی خَبَرِ ابْنِ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ أَوَّلِ یَوْمٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمُ الْأَحَدِ قَالَ وَ لِمَ سُمِّیَ یَوْمَ الْأَحَدِ قَالَ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مَحْدُودٌ قَالَ فَالْإِثْنَیْنِ قَالَ هُوَ الْیَوْمُ الثَّانِی مِنَ الدُّنْیَا قَالَ فَالثَّلَاثَاءَ قَالَ الثَّالِثُ مِنَ الدُّنْیَا قَالَ فَالْأَرْبِعَاءَ قَالَ الْیَوْمُ الرَّابِعُ مِنَ الدُّنْیَا قَالَ فَالْخَمِیسَ قَالَ هُوَ یَوْمٌ خَامِسٌ مِنَ الدُّنْیَا وَ هُوَ یَوْمٌ أَنِیسٌ لُعِنَ فِیهِ إِبْلِیسُ وَ رُفِعَ فِیهِ إِدْرِیسُ قَالَ فَالْجُمُعَةَ

ص: 76


1- 1. التوحید: ص 236.
2- 2. كذا فی نسخ البحار، و فی المصدر: محمّد بن أحمد، عن أحمد بن محمّد السیاری. و هو الصحیح، لعدم ذكر« محمّد بن أحمد السیاری» فی كتب الرجال.
3- 3. فی المصدر: عالما قدیما.
4- 4. فی المصدر: ذلك الشی ء.
5- 5. فی المصدر: علیها.
6- 6. فی المصدر: فقبلتها.
7- 7. نضب عنه الماء نضوبا- بالضاد المعجمة-: انحسر و انفرج و نزح و نشف.
8- 8. العلل، ج 2 ص 295.

قَالَ هُوَ یَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ یَوْمٌ مَشْهُودٌ وَ یَوْمُ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ قَالَ فَالسَّبْتَ قَالَ یَوْمٌ مَسْبُوتٌ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِی الْقُرْآنِ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ فَمِنَ الْأَحَدِ إِلَی الْجُمُعَةِ سِتَّةُ أَیَّامٍ وَ السَّبْتُ مُعَطَّلٌ الْخَبَرَ(1).

بیان: قال فی القاموس السبت الراحة و القطع و قال فی النهایة قیل سمی یوم السبت لأن اللّٰه تعالی خلق العالم فی ستة أیام آخرها الجمعة و انقطع العمل فسمی یوم السابع یوم السبت.

«53»- الْإِحْتِجَاجُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلَ الزِّنْدِیقُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ مِنْ أَیِّ شَیْ ءٍ خَلَقَ اللَّهُ الْأَشْیَاءَ قَالَ علیه السلام مِنْ لَا شَیْ ءَ قَالَ فَكَیْفَ یَجِی ءُ مِنْ لَا شَیْ ءَ شَیْ ءٌ قَالَ علیه السلام إِنَّ الْأَشْیَاءَ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ خُلِقَتْ مِنْ شَیْ ءٍ أَوْ مِنْ غَیْرِ شَیْ ءٍ فَإِنْ كَانَ خُلِقَتْ مِنْ شَیْ ءٍ كَانَ مَعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّیْ ءَ قَدِیمٌ وَ الْقَدِیمُ لَا یَكُونُ حَدِیثاً وَ لَا یَفْنَی وَ لَا یَتَغَیَّرُ وَ لَا یَخْلُو ذَلِكَ الشَّیْ ءُ مِنْ أَنْ یَكُونَ جَوْهَراً وَاحِداً وَ لَوْناً وَاحِداً فَمِنْ أَیْنَ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَلْوَانُ الْمُخْتَلِفَةُ وَ الْجَوَاهِرُ الْكَثِیرَةُ الْمَوْجُودَةُ فِی هَذَا الْعَالَمِ مِنْ ضُرُوبٍ شَتَّی وَ مِنْ أَیْنَ جَاءَ الْمَوْتُ إِنْ كَانَ الشَّیْ ءُ الَّذِی أُنْشِئَتْ مِنْهُ الْأَشْیَاءُ حَیّاً وَ(2)

مِنْ أَیْنَ جَاءَتِ الْحَیَاةُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّیْ ءُ مَیِّتاً وَ لَا یَجُوزُ أَنْ یَكُونَ مِنْ حَیٍّ وَ مَیِّتٍ قَدِیمَیْنِ لَمْ یَزَالا لِأَنَّ الْحَیَّ لَا یَجِی ءُ مِنْهُ مَیِّتٌ وَ هُوَ لَمْ یَزَلْ حَیّاً وَ لَا یَجُوزُ أَیْضاً أَنْ یَكُونَ الْمَیِّتُ قَدِیماً لَمْ یَزَلْ بِمَا

نَسَبُوا(3)

مِنَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْمَیِّتَ لَا قُدْرَةَ لَهُ فَلَا بَقَاءَ(4)

قَالَ فَمِنْ أَیْنَ قَالُوا إِنَّ الْأَشْیَاءَ أَزَلِیَّةٌ قَالَ هَذِهِ مَقَالَةُ قَوْمٍ جَحَدُوا مُدَبِّرَ الْأَشْیَاءِ فَكَذَّبُوا الرُّسُلَ وَ مَقَالَتَهُمْ وَ الْأَنْبِیَاءَ وَ مَا أَنْبَئُوا عَنْهُ

ص: 77


1- 1. العلل: ج 2، 156.
2- 2. فی المصدر: أو.
3- 3. فی المصدر: لما هو به من الموت.
4- 4. فی المصدر: و لا بقاء.

وَ سَمَّوْا كُتُبَهُمْ أَسَاطِیرَ الْأَوَّلِینَ (1) وَ وَضَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ دِیناً بِرَأْیِهِمْ (2) وَ اسْتِحْسَانِهِمْ إِنَّ الْأَشْیَاءَ تَدُلُّ عَلَی حُدُوثِهِا مِنْ دَوَرَانِ الْفَلَكِ بِمَا فِیهِ وَ هِیَ سَبْعَةُ أَفْلَاكٍ وَ تَحَرُّكِ الْأَرْضِ وَ مَنْ عَلَیْهَا وَ انْقِلَابِ الْأَزْمِنَةِ وَ اخْتِلَافِ الْوَقْتِ وَ الْحَوَادِثِ الَّتِی تَحْدُثُ فِی الْعَالَمِ مِنْ زِیَادَةٍ وَ نُقْصَانٍ وَ مَوْتٍ وَ بَلَاءٍ(3)

وَ اضْطِرَارِ النَّفْسِ إِلَی الْقَرَارِ(4)

بِأَنَّ لَهَا صَانِعاً وَ مُدَبِّراً أَ مَا تَرَی الْحُلْوَ یَصِیرُ حَامِضاً وَ الْعَذْبَ مُرّاً وَ الْجَدِیدَ بَالِیاً وَ كُلٌّ إِلَی تَغَیُّرٍ وَ فَنَاءٍ وَ سَاقَ الْحَدِیثَ إِلَی أَنْ قَالَ قَالَ الزِّنْدِیقُ وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَزَلْ وَ مَعَهُ طِینَةٌ مُؤْذِیَةٌ فَلَمْ یَسْتَطِعِ التَّفَصِّیَ مِنْهَا إِلَّا بِامْتِزَاجِهِ بِهَا وَ دُخُولِهِ فِیهَا فَمِنْ تِلْكَ الطِّینَةِ خَلَقَ الْأَشْیَاءَ قَالَ علیه السلام سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْجَزَ إِلَهاً یُوصَفُ بِالْقُدْرَةِ لَا یَسْتَطِیعُ التَّفَصِّیَ مِنَ الطِّینَةِ إِنْ كَانَتِ الطِّینَةُ حَیَّةً أَزَلِیَّةً فَكَانَا إِلَهَیْنِ قَدِیمَیْنِ فَامْتَزَجَا وَ دَبَّرَا الْعَالَمَ مِنْ أَنْفُسِهِمَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمِنْ أَیْنَ جَاءَ الْمَوْتُ وَ الْفَنَاءُ وَ إِنْ كَانَتِ الطِّینَةُ مَیِّتَةً فَلَا بَقَاءَ لِلْمَیِّتِ مَعَ الْأَزَلِیِّ الْقَدِیمِ وَ الْمَیِّتُ لَا یَجِی ءُ(5)

مِنْهُ حَیٌّ هَذِهِ مَقَالَةُ الدَّیَصَانِیَّةِ أَشَدِّ الزَّنَادِقَةِ قَوْلًا ثُمَّ قَالَ علیه السلام فِی مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ لَوْ كَانَتْ قَدِیمَةً أَزَلِیَّةً لَمْ تَتَغَیَّرْ مِنْ حَالٍ إِلَی حَالٍ وَ إِنَّ الْأَزَلِیَّ لَا تُغَیِّرُهُ الْأَیَّامُ وَ لَا یَأْتِی عَلَیْهِ الْفَنَاءُ(6).

بیان: و القدیم لا یكون حدیثا أی ما یكون وجوده أزلیا لا یكون محدثا معلولا فیكون الواجب الوجود بذاته فلا یعتریه التغیر و الفناء و قد نسب إلی بعض الحكماء أنه قال المبدع الأول هو مبدع الصور فقط دون الهیولی فإنها

ص: 78


1- 1. لیس فی المصدر لفظة« الاولین».
2- 2. فی المصدر: بآرائهم.
3- 3. فی المصدر: و بلی.
4- 4. فی بعض النسخ« إلی الإقرار» و علیه فقوله« و اضطرار النفس» معطوف علی قوله« حدوثها» أی الأشیاء تدلّ علی اضطرار النفس الی الإقرار بان لها صانعا.
5- 5. فی بعض النسخ: لا یحیی.
6- 6. الاحتجاج: 184، 188.

لم تزل مع المبدع فأنكر علیه سائر الحكماء و قالوا إن الهیولی لو كانت أزلیة قدیمة لما قبلت الصور و لما تغیرت من حال إلی حال و لما قبلت فعل غیرها إذ الأزلی لا یتغیر.

و قوله علیه السلام فمن أین جاءت هذه الألوان المختلفة لعله مبنی علی ما زعموا من أن كل حادث لا بد له من منشإ و مبدإ یشاكله و یناسبه فی الذات و الصفات فألزمه علیه السلام بحسب معتقده أو المراد أن الاحتیاج إلی المادة إن كان لعجز الصانع تعالی عن إحداث شی ء لم یكن فلا بد من وجود الأشیاء بصفاتها فی المادة حتی یخرجها منها و هذا محال لاستلزامه كون المادة ذات حقائق متباینة و اتصافها بصفات متضادة و إن قلتم إنها مشتملة علی بعضها فقد حكمتم بإحداث بعضها من غیر مادة فلیكن الجمیع كذلك و إن قلتم إن جوهر(1) المادة یتبدل جواهر أخر و أعراضها أعراضا أخری فقد حكمتم بفناء ما هو أزلی و هذا محال و بحدوث شی ء آخر من غیر شی ء و هو مستلزم للمطلوب.

و أما ما ذكره علیه السلام فی الحیاة و الموت فیرجع إلی ما ذكرنا و ملخصه أنه إما أن تكون مادة الكل حیة بذاتها أو میتة بذاتها أو تكون الأشیاء من أصلین أحدهما حی بذاته و الآخر میت و هذا أیضا یحتمل وجهین أحدهما أن یكون كل شی ء مأخوذا من كل من الحی و المیت و الثانی أن یكون الحی مأخوذا من الحی و المیت من المیت فأبطل علیه السلام الأول بأنه لو حصل المیت بذاته عن الحی بذاته یلزم زوال الحیاة الأزلیة من هذا الجزء من المادة و قد مر امتناعه أو تبدل الحقیقة الذی یحكم العقل ضرورة بامتناعه و لو قیل بإعدام الحی و إنشاء المیت فیلزم المفسدة الأولی مع الإقرار بالمدعی و هو حدوث الشی ء لا من شی ء و بهذا یبطل الثانی و كذا الثالث لأن الجزء الحی من المادة یجری فیه ما سبق إذا حصل منه میت و أشار إلیه بقوله لأن الحی لا یجی ء(2) منه میت و أشار

ص: 79


1- 1. فی بعض النسخ: جوهرا آخر.
2- 2. فی بعض النسخ: لا یحیی.

إلی الرابع بقوله و لا یجوز أن یكون المیت قدیما و به یبطل الثانی و الثالث أیضا و تقریره أن الأزلی لا بد أن یكون واجب الوجود بذاته كاملا بذاته لشهادة العقول بأن الاحتیاج و النقص من شواهد الإمكان المحوج إلی المؤثر و الموجد فلا یكون الأزلی میتا و ربما یحمل الحی فی هذا الخبر علی الموجود و المیت علی الاعتباری المعدوم و الظاهر أن أكثر الكلام مبنی علی مقدمات موضوعة مسلمة عند الخصم و قد مر الخبر بتمامه و شرحه فی الجملة فی المجلد الرابع.

«54»- التَّوْحِیدُ، عَنْ أَبِیهِ وَ ابْنِ عُبْدُوسٍ عَنْ أَبِی قُتَیْبَةَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ قَالَ قَالَ مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ علیهما السلام: هُوَ الْأَوَّلُ الَّذِی لَا شَیْ ءَ قَبْلَهُ وَ الْآخِرُ الَّذِی لَا شَیْ ءَ بَعْدَهُ وَ هُوَ الْقَدِیمُ وَ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ تَعَالَی عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِینَ عُلُوّاً كَبِیراً(1).

«55»- وَ مِنْهُ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ الْكِنْدِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِیِ (2) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَیْدٍ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ(3) عَنْ صَالِحِ بْنِ سُبَیْعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَوْسٍ (4) عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی خُطْبَةٍ طَوِیلَةٍ: لَمْ یَخْلُقِ الْأَشْیَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِیَّةٍ وَ لَا مِنْ أَوَائِلَ كَانَتْ قَبْلَهُ بَدِیَّةٍ(5)

بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ وَ أَتْقَنَ خَلْقَهُ وَ صَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ الْخَبَرَ(6).

«56»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَطَّارِ عَنِ

ص: 80


1- 1. التوحید: ص 29.
2- 2. بفتح اللام نسبة إلی« بلی» كرضی قبیلة من أهل مصر كما صرّح به الشیخ فی الفهرست أو من قضاعة كما قال غیره.
3- 3. فی المصدر« عبد اللّٰه بن العلاء» و الظاهر أنّه الصحیح لعدم ذكر« عبید اللّٰه بن العلاء» فی التراجم.
4- 4. فی المصدر: عن أبی المعتمر مسلم بن أوس.
5- 5. فی المصدر: أبدیة.
6- 6. التوحید: ص 40.

الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ(1)

عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ظُهَیْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُوَیْنٍ (2) الْعَبْدِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ كَانَ یَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی كَانَ إِذْ لَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ غَیْرُهُ وَ كَوَّنَ الْأَشْیَاءَ فَكَانَتْ كَمَا كَوَّنَهَا وَ عَلِمَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ (3).

«57»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَهْزِیَارَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام فِی دُعَاءٍ یَا ذَا الَّذِی كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ ثُمَّ خَلَقَ كُلَّ شَیْ ءٍ الْخَبَرَ(4).

«58»- وَ مِنْهُ، عَنِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الصَّقْرِ بْنِ دُلَفَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الثَّالِثِ علیه السلام قَالَ: یَا ابْنَ دُلَفَ (5)

إِنَّ الْجِسْمَ مُحْدَثٌ وَ اللَّهُ مُحْدِثُهُ وَ مُجَسِّمُهُ الْخَبَرَ(6).

«59»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الصَّیْرَفِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فِی كَلَامٍ یَصِفُ فِیهِ الْبَارِئَ تَعَالَی كَذَلِكَ لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ أَبَدَ الْآبِدِینَ وَ كَذَلِكَ كَانَ إِذْ لَمْ تَكُنْ أَرْضٌ وَ لَا سَمَاءٌ وَ لَا لَیْلٌ وَ لَا نَهَارٌ وَ لَا شَمْسٌ وَ لَا قَمَرٌ وَ لَا نُجُومٌ وَ لَا سَحَابٌ

ص: 81


1- 1. محمّد بن اورمة أبو جعفر القمّیّ له كتب مثل كتب الحسین بن سعید، رماه القمیون بالغلو و غمزوا علیه حتّی دس علیه من یفتك به فوجدوه یصلی من اول اللیل إلی آخره فوقفوا عنه و حكی انه ورد توقیع من أبی الحسن الثالث إلی أهل قم فی براءته ممّا قذف به. قال فی الخلاصة و قد یقال« ابن أرومة» بتقدیم الراء.
2- 2. فی المصدر: عبد اللّٰه بن جون.
3- 3. التوحید: ص 38.
4- 4. التوحید: ص 22.
5- 5. كذا فی نسخ البحار و المصدر، و الظاهر أنّه الصقر بن أبی دلف الكرخی من شیعة الامام الهادی علیه السلام بسرمن رأی، و لعلّ لفظة« أبی» سقطت من قلم النسّاخ و اللّٰه العالم.
6- 6. التوحید: ص 61.

وَ لَا مَطَرٌ وَ لَا رِیَاحٌ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَحَبَّ أَنْ یَخْلُقَ خَلْقاً یُعَظِّمُونَ عَظَمَتَهُ وَ یُكَبِّرُونَ كِبْرِیَاءَهُ وَ یُجِلُّونَ جَلَالَهُ فَقَالَ كُونَا ظِلَّیْنِ فَكَانَا(1).

أقول: تمام الخبر فی باب جوامع التوحید.

«60»- وَ مِنْهُ، عَنْ مَاجِیلَوَیْهِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَانَ وَ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ الْخَبَرَ(2).

«61»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: كَانَ وَ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ وَ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ (3)

عَالِماً بِمَا كَوَّنَ فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ مَا كَوَّنَهُ (4).

«62»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَسَدِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أَبِی هَاشِمٍ الْجَعْفَرِیِ (5)

قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَخْبِرْنِی عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَهُ أَسْمَاءٌ وَ صِفَاتٌ فِی كِتَابِهِ فَأَسْمَاؤُهُ وَ صِفَاتُهُ هِیَ هُوَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام إِنَّ لِهَذَا الْكَلَامِ وَجْهَیْنِ إِنْ كُنْتَ تَقُولُ هِیَ هُوَ أَنَّهُ (6) ذُو عَدَدٍ وَ كَثْرَةٍ فَتَعَالَی اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَ إِنْ كُنْتَ تَقُولُ لَمْ تَزَلْ هَذِهِ الصِّفَاتُ وَ الْأَسْمَاءُ فَإِنَّ لَمْ تَزَلْ یَحْتَمِلُ مَعْنَیَیْنِ فَإِنْ قُلْتَ لَمْ تَزَلْ

ص: 82


1- 1. التوحید: ص 80.
2- 2. التوحید: ص 89.
3- 3. فی المصدر: كان اللّٰه و لا شی ء غیره و لم یزل عالما.
4- 4. التوحید: ص 92.
5- 5. هو داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد اللّٰه بن جعفر بن أبی طالب ثقة شریف القدر عظیم المنزلة عند الأئمّة علیهم السلام و قد أدرك الرضا و الجواد و الهادی و العسكریّ و صاحب الامر صلوات اللّٰه علیهم و روی عن كلهم.
6- 6. فی الكافی: أی أنه.

عِنْدَهُ فِی عِلْمِهِ وَ هُوَ مُسْتَحِقُّهَا فَنَعَمْ وَ إِنْ كُنْتَ تَقُولُ لَمْ تَزَلْ تَصْوِیرُهَا وَ هِجَاؤُهَا وَ تَقْطِیعُ حُرُوفِهَا فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ یَكُونَ مَعَهُ شَیْ ءٌ غَیْرُهُ بَلْ كَانَ اللَّهُ وَ لَا خَلْقَ ثُمَّ خَلَقَهَا وَسِیلَةً بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ یَتَضَرَّعُونَ بِهَا إِلَیْهِ وَ یَعْبُدُونَهُ وَ هِیَ ذِكْرُهُ وَ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ لَا ذِكْرَ وَ الْمَذْكُورُ بِالذِّكْرِ هُوَ اللَّهُ الْقَدِیمُ الَّذِی لَمْ یَزَلْ وَ الْأَسْمَاءُ وَ الصِّفَاتُ مَخْلُوقَاتٌ وَ الْمَعْنِیُّ بِهَا هُوَ اللَّهُ الْخَبَرَ(1).

الإحتجاج، عن الجعفری: مثله (2)

الكافی، عن محمد بن أبی عبد اللّٰه رفعه إلی أبی هاشم الجعفری: مثله (3)

أقول: قد مر شرحه فی كتاب التوحید و دلالته علی المدعی صریحة.

«63»- التَّوْحِیدُ، وَ الْكَافِی،: رُوِیَ أَنَّهُ سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَیْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ سَمَاءً وَ أَرْضاً فَقَالَ علیه السلام أَیْنَ سُؤَالٌ عَنْ مَكَانٍ وَ كَانَ اللَّهُ وَ لَا مَكَانَ (4).

«64»- الْإِحْتِجَاجُ،: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ علیهما السلام عَنِ التَّوْحِیدِ فَقِیلَ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَیْ ءَ مَعَهُ ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْیَاءَ بَدِیعاً وَ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَحْسَنَ (5) الْأَسْمَاءِ أَوْ لَمْ تَزَلِ الْأَسْمَاءُ وَ الْحُرُوفُ مَعَهُ قَدِیمَةً فَكَتَبَ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ مَوْجُوداً ثُمَّ كَوَّنَ مَا أَرَادَ الْخَبَرَ(6).

«65»- التَّوْحِیدُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ عَنِ الْكُلَیْنِیِّ رَفَعَهُ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ أَبِی الْعَوْجَاءِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ مَا الدَّلِیلُ عَلَی حُدُوثِ (7)

الْأَجْسَامِ فَقَالَ إِنِّی مَا وَجَدْتُ شَیْئاً صَغِیراً وَ لَا كَبِیراً إِلَّا وَ إِذَا ضُمَّ إِلَیْهِ مِثْلُهُ صَارَ أَكْبَرَ وَ فِی ذَلِكَ

ص: 83


1- 1. التوحید: ص 130.
2- 2. الاحتجاج: ص 244.
3- 3. الكافی: ج 1، ص 116.
4- 4. التوحید: ص 115، الكافی: ج 1، ص 90.
5- 5. فی المصدر: لنفسه الأسماء.
6- 6. الاحتجاج: 249.
7- 7. فی المصدر: حدث.

زَوَالٌ وَ انْتِقَالٌ عَنِ الْحَالَةِ الْأُولَی وَ لَوْ كَانَ قَدِیماً مَا زَالَ وَ لَا حَالَ لِأَنَّ الَّذِی یَزُولُ وَ یَحُولُ یَجُوزُ أَنْ یُوجَدَ وَ یَبْطُلَ فَیَكُونُ بِوُجُودِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ دُخُولٌ فِی الْحَدَثِ وَ فِی كَوْنِهِ فِی الْأُولَی دُخُولُهُ فِی الْعَدَمِ وَ لَنْ تَجْتَمِعَ صِفَةُ الْأَزَلِ وَ الْعَدَمِ فِی شَیْ ءٍ وَاحِدٍ الْخَبَرَ(1).

«66»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی نَجْرَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِیمِ قَالَ: كَتَبْتُ عَلَی یَدَیْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْیَنَ (2)

إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِی الْقُرْآنِ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَیْرُ مَخْلُوقٍ وَ قَالَ آخَرُونَ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَكَتَبَ علیه السلام الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ مُحْدَثٌ غَیْرُ مَخْلُوقٍ وَ غَیْرُ أَزَلِیٍّ مَعَ اللَّهِ تَعَالَی ذِكْرُهُ وَ تَعَالَی عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِیراً كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَا شَیْ ءَ غَیْرَ اللَّهِ مَعْرُوفٌ وَ لَا مَجْهُولٌ وَ كَانَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَا مُتَكَلِّمَ وَ لَا مُرِیدَ وَ لَا مُتَحَرِّكَ وَ لَا فَاعِلَ جَلَّ وَ عَزَّ رَبُّنَا فَجَمِیعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ مُحْدَثَةٌ عِنْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَزَّ وَ جَلَّ رَبُّنَا وَ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَیْرُ مَخْلُوقٍ فِیهِ خَبَرُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ خَبَرُ مَا یَكُونُ بَعْدَكُمْ أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَی مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ص (3).

قال الصدوق رحمه اللّٰه معنی قوله علیه السلام غیر مخلوق غیر مكذوب و لا یعنی به أنه غیر محدث لأنه قد قال محدث غیر مخلوق و غیر أزلی مع اللّٰه تعالی ذكره و إنما منعنا من إطلاق المخلوق علیه لأن المخلوق فی اللغة قد یكون مكذوبا

ص: 84


1- 1. التوحید: ص 216. و قد مر الحدیث بتمامه مع شرحه تحت الرقم 32.
2- 2. عبد الملك بن أعین الشیبانی الكوفیّ تابعی أخو زرارة بن أعین و والد ضریس مات فی حیاة أبی عبد اللّٰه علیه السلام و یذكر فی عداد أصحاب الباقر و الصادق علیهما السلام كان مستقیما دعا له أبو عبد اللّٰه علیه السلام و اجتهد فی الدعاء و الترحم علیه. روی الكشّیّ عن زرارة أن أبا عبد اللّٰه علیه السلام قال بعد موت عبد الملك، اللّٰهمّ إن أبا الضریس كنا عنده خیرتك من خلقك فصیره فی ثقل محمّد صلواتك علیه و آله یوم القیامة. ثم قال علیه السلام سبحان اللّٰه! أین مثل أبی الضریس؟ لم یأت بعد!.
3- 3. التوحید: ص 159.

و یقال كلام مخلوق أی مكذوب قال اللّٰه تبارك و تعالی إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً أی كذبا.

أقول: الظاهر أن فیه نوعا من التقیة أو الاتقاء لامتناع المخالفین من إطلاق هذا اللفظ علی القرآن أشد الامتناع.

«67»- قِصَصُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَی الصَّدُوقِ عَنْ أَبِیهِ وَ ابْنِ الْوَلِیدِ مَعاً عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ (1) عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِی الْمِقْدَامِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْأَرَضِینَ خَلَقَهَا قَبْلَ السَّمَاوَاتِ.

أقول: تمامه فی باب العوالم.

«68»- الْبَصَائِرُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ سَدِیرٍ قَالَ: سَأَلَ حُمْرَانُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بَدِیعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قَالَ علیه السلام إِنَّ اللَّهَ ابْتَدَعَ الْأَشْیَاءَ كُلَّهَا عَلَی غَیْرِ مِثَالٍ كَانَ وَ ابْتَدَعَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ یَكُنْ قَبْلَهُنَّ سَمَاوَاتٌ وَ لَا أَرَضُونَ أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَی كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ.

العیاشی، عن حمران: مثله.

«69»- ثَوَابُ الْأَعْمَالِ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی الْعَلَاءِ عَنْ أَبِی خَالِدٍ الصَّیْقَلِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَی مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَخَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَ سَبْعَ أَرَضِینَ وَ أَشْیَاءَ فَلَمَّا رَأَی الْأَشْیَاءَ قَدِ انْقَادَتْ لَهُ قَالَ مَنْ مِثْلِی فَأَرْسَلَ اللَّهُ

ص: 85


1- 1. هو الحسن بن محبوب لا« محمّد بن علیّ بن محبوب» لروایته عن عمرو بن أبی المقدام و روایة محمّد بن الحسین عنه، و محمّد بن علیّ بن محبوب لا یروی عن« عمرو» بلا واسطة، و محمّد بن الحسین روایة الحسن بن محبوب.

عَزَّ وَ جَلَّ نُوَیْرَةً مِنْ نَارٍ قَالَ (1) وَ مَا نُوَیْرَةٌ(2)

مِنْ نَارٍ قَالَ نَارٌ بِمِثْلِ (3) أَنْمُلَةٍ قَالَ فَاسْتَقْبَلَهَا بِجَمِیعِ مَا خَلَقَ فَتَخَلَّلَتْ (4)

لِذَلِكَ حَتَّی وَصَلَتْ إِلَیْهِ لَمَّا أَنْ أدخله (5)

[دَخَلَهُ] الْعُجْبُ (6).

المحاسن، عن أبیه عن ابن سنان: مثله.

«70»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَانَ وَ لَیْسَ شَیْ ءٌ غَیْرُهُ نُوراً لَا ظَلَامَ فِیهِ وَ صِدْقاً لَا كَذِبَ فِیهِ وَ عِلْماً لَا جَهْلَ فِیهِ وَ حَیَاةً لَا مَوْتَ فِیهِ وَ كَذَلِكَ (7) لَا یَزَالُ أَبَداً(8).

«71»- الْعَیَّاشِیُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ وَ الْمَاءُ عَلَی الْهَوَاءِ وَ الْهَوَاءُ لَا یَجْرِی وَ لَمْ یَكُنْ غَیْرُ الْمَاءِ خَلْقٌ وَ الْمَاءُ یَوْمَئِذٍ عَذْبٌ فُرَاتٌ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ الْأَرْضَ أَمَرَ الرِّیَاحَ الْأَرْبَعَ فَضَرَبْنَ الْمَاءَ حَتَّی صَارَ مَوْجاً ثُمَّ أَزْبَدَ زَبَدَةً وَاحِدَةً فَجَمَعَهُ فِی مَوْضِعِ الْبَیْتِ فَأَمَرَ اللَّهُ فَصَارَ جَبَلًا مِنْ زَبَدٍ ثُمَّ دَحَی الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدیً لِلْعالَمِینَ.

«72»- وَ مِنْهُ، عَنْ عِیسَی بْنِ أَبِی حَمْزَةَ(9) قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام

ص: 86


1- 1. فی ثواب الأعمال، قلت.
2- 2. فی المحاسن: و ما النویرة.
3- 3. فی المحاسن: مثل الانملة.
4- 4. فی المحاسن:« فتخبل» و الظاهر أنّه تصحیف.
5- 5. فی ثواب الأعمال: فاستقبلها بجمیع ما خلق حتّی وصلت إلیه لما دخله العجب.
6- 6. ثواب الأعمال: ص 242، المحاسن: ص 123.
7- 7. فی المصدر: و كذلك هو الیوم و كذلك.
8- 8. المحاسن: ص 242.
9- 9. كذا فی جمیع النسخ، لكن الظاهر ان الصحیح« عیسی بن حمزة» لعدم ذكر عیسی. ابن أبی حمزة فی التراجم، و هو عیسی بن حمزة بن حمزة المدائنی: عده الشیخ تارة من اصحاب الباقر و اخری من أصحاب الصادق علیهما السلام قال النجاشیّ( ص: 226) عیسی بن حمزة المدائنی الثقفی روی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام و قال فی تنقیح المقال( ج 2، ص 359) ما حاصله انه امامی إلّا أن حاله مجهول لكن یمكن الوثوق بروایته لما روی فی الفقیه فی باب ما یأخذ الأب من مال ابنه قال: روی عن عیسی الثقفی- و كان ساحرا یأتیه الناس فیأخذ علی ذلك الاجر- قال فحججت فلقیت أبا عبد اللّٰه علیه السلام بمنی فقلت: جعلت فداك انا رجل و كانت بضاعتی السحر و كنت آخذ علیه الاجر و من اللّٰه عزّ و جلّ علی بلقائك و قد تبت إلی اللّٰه، فهل لی فی شی ء منه؟ فقال: حل و لا تعقد. فان توبته تكشف عن دیانته و لا أقل من كون توبته بمنزلة المدح فیكون الرجل من الحسان.

جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ النَّاسَ یَزْعُمُونَ أَنَّ الدُّنْیَا عُمُرَهَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ فَقَالَ لَیْسَ كَمَا یَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَهَا خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ فَتَرَكَهَا قَاعاً قَفْراً خَاوِیَةً عَشَرَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ بَدَا لِلَّهِ بَدَاءٌ فَخَلَقَ فِیهَا خَلْقاً لَیْسَ مِنَ الْجِنِّ وَ لَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ لَا مِنَ الْإِنْسِ وَ قَدَّرَ لَهُمْ عَشَرَةَ آلَافِ عَامٍ فَلَمَّا قَرُبَتْ آجَالُهُمْ أَفْسَدُوا فِیهَا فَدَمَّرَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ تَدْمِیراً ثُمَّ تَرَكَهَا قَاعاً قَفْراً خَاوِیَةً عَشَرَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ خَلَقَ فِیهَا الْجِنَّ وَ قَدَّرَ لَهُمْ عَشَرَةَ آلَافِ عَامٍ فِیهَا فَلَمَّا قَرُبَتْ آجَالُهُمْ أَفْسَدُوا فِیهَا وَ سَفَكُوا الدِّمَاءَ وَ هُوَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِكُ الدِّماءَ كَمَا سَفَكَتْ بَنُو الْجَانِّ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ بَدَا لِلَّهِ فَخَلَقَ آدَمَ وَ قَرَّرَ(1) لَهُ عَشَرَةَ آلَافٍ وَ قَدْ مَضَی مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةُ آلَافِ عَامٍ وَ مِائَتَانِ وَ أَنْتُمْ فِی آخِرِ الزَّمَانِ.

«73»- تَفْسِیرُ الْإِمَامِ، قَالَ علیه السلام قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا خَلَقَ الْمَاءَ فَجَعَلَ عَرْشَهُ عَلَیْهِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ یَعْنِی وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ

ص: 87


1- 1. فی بعض النسخ« فتبحز الماء» و فی بعضها« ففجر البحر».

الرِّیَاحَ عَلَی الْمَاءِ فَتَفَجَّرَ الْمَاءُ مِنْ أَمْوَاجِهِ فَارْتَفَعَ عَنْهُ الدُّخَانُ وَ عَلَا فَوْقَ الزَّبَدِ فَخَلَقَ مِنْ دُخَانِهِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فَخَلَقَ مِنْ زَبَدِهِ الْأَرَضِینَ السَّبْعَ فَبَسَطَ الْأَرْضَ عَلَی الْمَاءِ وَ جَعَلَ الْمَاءَ عَلَی الصَّفَا وَ الصَّفَا عَلَی الْحُوتِ وَ الْحُوتَ عَلَی الثَّوْرِ وَ الثَّوْرَ عَلَی الصَّخْرَةِ الَّتِی ذَكَرَهَا لُقْمَانُ لِابْنِهِ فَقَالَ یا بُنَیَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِی صَخْرَةٍ أَوْ فِی السَّماواتِ أَوْ فِی الْأَرْضِ یَأْتِ بِهَا وَ الصَّخْرَةَ عَلَی الثَّرَی وَ لَا یَعْلَمُ مَا تَحْتَ الثَّرَی إِلَّا اللَّهُ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ دَحَاهَا مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ بَسَطَهَا عَلَی الْمَاءِ فَأَحَاطَتْ بِكُلِّ شَیْ ءٍ فَفَخَرَتِ الْأَرْضُ وَ قَالَتْ أَحَطْتُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ فَمَنْ یَغْلِبُنِی وَ كَانَ فِی كُلِّ أُذُنٍ مِنْ آذَانِ الْحُوتِ سِلْسِلَةٌ مِنْ ذَهَبٍ مَقْرُونَةُ الطَّرَفِ بِالْعَرْشِ فَأَمَرَ اللَّهُ الْحُوتَ فَتَحَرَّكَتْ (1)

فَتَكَفَّأَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا كَمَا تَكَفَّأُ السَّفِینَةُ عَلَی مَتْنِ الْمَاءِ قَدِ اشْتَدَّتْ أَمْوَاجُهُ وَ لَمْ تَسْتَطِعِ الْأَرْضُ الِامْتِنَاعَ فَفَخَرَ الْحُوتُ وَ قَالَ غَلَبْتُ الْأَرْضَ الَّتِی أَحَاطَتْ بِكُلِّ شَیْ ءٍ فَمَنْ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْجِبَالَ فَأَرْسَاهَا وَ ثَقَّلَ الْأَرْضَ بِهَا فَلَمْ یَسْتَطِعِ الْحُوتُ أَنْ یَتَحَرَّكَ فَفَخَرَتِ الْجِبَالُ وَ قَالَتْ غَلَبْتُ الْحُوتَ الَّذِی غَلَبَ الْأَرْضَ فَمَنْ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْحَدِیدَ فَقُطِعَتْ بِهِ الْجِبَالُ وَ لَمْ یَكُنْ عِنْدَهَا دِفَاعٌ وَ لَا امْتِنَاعٌ فَفَخَرَ الْحَدِیدُ وَ قَالَ غَلَبْتُ الْجِبَالَ الَّتِی غَلَبَتِ الْحُوتَ فَمَنْ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ النَّارَ فَأَلَانَتِ الْحَدِیدَ وَ فَرَّقَتْ أَجْزَاءَهُ وَ لَمْ یَكُنْ عِنْدَ الْحَدِیدِ دِفَاعٌ وَ لَا امْتِنَاعٌ فَفَخَرَتِ النَّارُ

وَ قَالَتْ غَلَبْتُ الْحَدِیدَ الَّذِی غَلَبَ الْجِبَالَ فَمَنْ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْمَاءَ فَأَطْفَأَ النَّارَ وَ لَمْ یَكُنْ عِنْدَهَا دِفَاعٌ وَ لَا امْتِنَاعٌ فَفَخَرَ الْمَاءُ وَ قَالَ غَلَبْتُ النَّارَ الَّتِی غَلَبَتِ الْحَدِیدَ فَمَنْ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الرِّیحَ (2)

فَأَیْبَسَتِ الْمَاءَ فَفَخَرَتِ الرِّیحُ وَ قَالَتْ غَلَبْتُ الْمَاءَ الَّذِی غَلَبَ النَّارَ فَمَنْ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْإِنْسَانَ فَصَرَفَ الرِّیَاحَ (3) عَنْ مَجَارِیهَا بِالْبُنْیَانِ فَفَخَرَ الْإِنْسَانُ وَ قَالَ غَلَبْتُ الرِّیحَ الَّتِی

ص: 88


1- 1. فی بعض النسخ« فتحرك» و فیها اثبتت الافعال الآتیة المسندة إلی ضمیر الحوت مذكرة أما التذكیر فظاهر و أمّا التأنیث فباعتبار أن معناه« السمكة».
2- 2. فی النسخة« قال: غلبت فأیبست الماء» و هو حشو( ب).
3- 3. فی بعض النسخ: الریح.

غَلَبَتِ الْمَاءَ فَمَنْ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَلَكَ الْمَوْتِ فَأَمَاتَ الْإِنْسَانَ فَفَخَرَ مَلَكُ الْمَوْتِ وَ قَالَ غَلَبْتُ الْإِنْسَانَ الَّذِی غَلَبَ الرِّیحَ فَمَنْ یَغْلِبُنِی فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَا الْقَهَّارُ الْغَلَّابُ الْوَهَّابُ أَغْلِبُكَ وَ أَغْلِبُ كُلَّ شَیْ ءٍ فَذَلِكَ قَوْلُهُ إِلَیْهِ یُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ.

«74»- الْعَیَّاشِیُّ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ فَالسَّنَةُ تَنْقُصُ سِتَّةَ أَیَّامِ.

بیان: لعل المعنی أن مقتضی ظاهر الحال كان تساوی الشهور و كون كلها ثلاثین یوما فأسقط اللّٰه الستة عن الشهور و جعل حركة القمر بحیث تصیر السنة القمریة ثلاثمائة و أربعة و خمسین یوما و لذا تطلق السنة فی عرف الشرع و عرف العرب علی الثلاثمائة و الستین مع أنه لا یوافق حركة الشمس و لا حركة القمر و اللّٰه یعلم.

«75»- الْعَیَّاشِیُّ، عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ خَلَقَ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ لِتَدْبِیرِ الْأُمُورِ.

وَ مِنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ وَ الْمَاءُ عَلَی الْهَوَاءِ وَ الْهَوَاءُ لَا یَجْرِی.

«76»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْعِجْلِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَیَّ شَیْ ءٍ كَانَ مَوْضِعُ الْبَیْتِ حَیْثُ كَانَ الْمَاءُ فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ قَالَ كَانَتْ مَهَاةً بَیْضَاءَ یَعْنِی دُرَّةً.

«77»- الْمَنَاقِبُ،: سَأَلَ ضِبَاعٌ (1)

الْهِنْدِیُّ مَا أَصْلُ الْمَاءِ قَالَ علیه السلام أَصْلُ الْمَاءِ مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ (2).

بیان: أی خشیة اللّٰه صار سببا لذوبان الدرة و صیرورتها ماء كما سیأتی.

ص: 89


1- 1. كذا و فی المصدر: صباح بن نصر الهندی.
2- 2. المناقب: ج 4، ص 354.

«78»- تَنْبِیهُ الْخَاطِرِ، لِلْوَرَّامِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَوَّلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ خَلَقَ نُوراً(1) ابْتَدَعَهُ مِنْ غَیْرِ شَیْ ءٍ ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ ظُلْمَةً وَ كَانَ قَدِیراً أَنْ یَخْلُقَ الظُّلْمَةَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ كَمَا خَلَقَ النُّورَ مِنْ غَیْرِ شَیْ ءٍ ثُمَّ خَلَقَ مِنَ الظُّلْمَةِ نُوراً وَ خَلَقَ مِنَ النُّورِ یَاقُوتَةً غِلَظُهَا كَغِلَظِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَ سَبْعِ أَرَضِینَ ثُمَّ زَجَرَ الْیَاقُوتَةَ فَمَاعَتْ لِهَیْبَتِهِ فَصَارَتْ مَاءً مُرْتَعِداً وَ لَا یَزَالُ مُرْتَعِداً إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ مِنْ نُورِهِ وَ جَعَلَهُ عَلَی الْمَاءِ وَ لِلْعَرْشِ عَشَرَةُ آلَافِ لِسَانٍ یُسَبِّحُ اللَّهَ كُلُّ لِسَانٍ مِنْهَا بِعَشَرَةِ آلَافِ لُغَةٍ لَیْسَ فِیهَا لُغَةٌ تُشْبِهُ الْأُخْرَی وَ كَانَ الْعَرْشُ عَلَی الْمَاءِ مِنْ دُونِ حُجُبِ (2)

الضَّبَابِ (3).

«79»- تَفْسِیرُ الْفُرَاتِ، عَنْ عُبَیْدِ بْنِ كَثِیرٍ مُعَنْعَناً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام قَالَ: شَهِدْتُ أَبِی (4) عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ عِنْدَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَ كَانَ رَجُلًا قَدْ قَرَأَ التَّوْرَاةَ وَ كُتُبَ الْأَنْبِیَاءِ علیهم السلام فَقَالَ لَهُ عُمَرُ یَا كَعْبُ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ بَنِی إِسْرَائِیلَ بَعْدَ مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ علیه السلام قَالَ كَانَ أَعْلَمُ بَنِی إِسْرَائِیلَ بَعْدَ مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ یُوشَعَ بْنَ نُونٍ وَ كَانَ وَصِیَّ مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ بَعْدَهُ (5) وَ كَذَلِكَ كُلُّ نَبِیٍّ خَلَا مِنْ بَعْدِ(6) مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ كَانَ لَهُ وَصِیٌّ یَقُومُ فِی أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَمَنْ وَصِیُّ نَبِیِّنَا وَ عَالِمُنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ وَ عَلِیٌّ سَاكِتٌ لَا یَتَكَلَّمُ فَقَالَ كَعْبٌ مَهْلًا(7) فَإِنَّ السُّكُوتَ عَنْ هَذَا أَفْضَلُ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا خَطَا(8)

بِالصَّلَاحِ فَقَدَّمَهُ الْمُسْلِمُونَ لِصَلَاحِهِ وَ لَمْ یَكُنْ بِوَصِیٍّ فَإِنَّ مُوسَی بْنَ عِمْرَانَ لَمَّا تُوُفِّیَ أَوْصَی إِلَی

ص: 90


1- 1. فی المصدر: إنّه عزّ و جلّ خلق نورا.
2- 2. فی بعض النسخ« من دونه حجب الضباب» و فی المصدر« و من دونه حجب الضباب».
3- 3. تنبیه الخاطر: ج 2، ص 5- 6.
4- 4. فی المصدر: مع أبی.
5- 5. فی المصدر: وصی موسی من بعده.
6- 6. فی المصدر: من قبل موسی و من بعده.
7- 7. فی المصدر: مهلا یا عمر.
8- 8. فی بعض النسخ« حظا» و كلاهما بمعنی.

یُوشَعَ بْنِ نُونٍ فَقَبِلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ وَ أَنْكَرَتْ فَضْلَهُ طَائِفَةٌ وَ هِیَ (1)

الَّتِی ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَی فِی الْقُرْآنِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلی عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِینَ (2) وَ كَذَلِكَ الْأَنْبِیَاءُ السَّالِفَةُ وَ الْأُمَمُ الْخَالِیَةُ لَمْ یَكُنْ نَبِیٌّ إِلَّا وَ قَدْ كَانَ لَهُ وَصِیٌّ یَحْسُدُهُ قَوْمُهُ وَ یَدْفَعُونَ فَضْلَهُ فَقَالَ وَیْحَكَ یَا كَعْبُ فَمَنْ تَرَی وَصِیَّ نَبِیِّنَا قَالَ كَعْبٌ مَعْرُوفٌ فِی جَمِیعِ كُتُبِ

الْأَنْبِیَاءِ وَ الْكُتُبِ الْمُنْزَلَةِ مِنَ السَّمَاءِ عَلِیٌّ أَخُو النَّبِیِّ الْعَرَبِیِّ علیه السلام یُعِینُهُ عَلَی أَمْرِهِ وَ یُوَازِرُهُ عَلَی مَنْ نَاوَاهُ وَ لَهُ زَوْجَةٌ مُبَارَكَةٌ وَ لَهُ مِنْهَا ابْنَانِ یَقْتُلُهُمَا أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ یَحْسُدُونَ (3) وَصِیَّهُ كَمَا حَسَدَتِ الْأُمَمُ أَوْصِیَاءَ أَنْبِیَائِهَا فَیَدْفَعُونَهُ عَنْ حَقِّهِ وَ یَقْتُلُونَ مِنْ وُلْدِهِ بَعْدَهُ (4) كَحَسَدِ(5)

الْأُمَمِ الْمَاضِیَةِ وَ قَالَ فَأُفْحِمَ عِنْدَهَا وَ قَالَ (6):

یَا كَعْبُ لَئِنْ صَدَقْتَ فِی كِتَابِ اللَّهِ الْمُنْزَلِ قَلِیلًا فَقَدْ كَذَبْتَ كَثِیراً فَقَالَ كَعْبٌ وَ اللَّهِ مَا كَذَبْتُ فِی كِتَابِ اللَّهِ قَطُّ وَ لَكِنْ سَأَلْتَنِی عَنْ أَمْرٍ لَمْ یَكُنْ لِی بُدٌّ مِنْ تَفْسِیرِهِ وَ الْجَوَابِ فِیهِ فَإِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّ أَعْلَمَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام بَعْدَ نَبِیِّهَا(7)

لِأَنِّی لَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ شَیْ ءٍ إِلَّا وَجَدْتُ عِنْدَهُ كلما(8)

[عِلْماً] تُصَدِّقُهُ بِهِ التَّوْرَاةُ وَ جَمِیعُ كُتُبِ الْأَنْبِیَاءِ علیهم السلام فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اسْكُتْ یَا ابْنَ الْیَهُودِیِ (9)

فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَكَثِیرُ التَّخَرُّصِ (10)

بِكَذِبٍ (11) فَقَالَ كَعْبٌ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنِّی كَذَبْتُ فِی شَیْ ءٍ مِنْ

ص: 91


1- 1. فی بعض النسخ: فهی.
2- 2. الصف: 14.
3- 3. فی بعض النسخ: و یحسد.
4- 4. فی بعض النسخ: ولده من بعده و كذا فی المصدر.
5- 5. فی بعض النسخ: كحذو.
6- 6. فی بعض النسخ: قال: فأفحم عمر و فی المصدر: قال فأفحم عمر عندها و قال له.
7- 7. فی بعض النسخ: نبیّنا.
8- 8. فی المصدر: علما.
9- 9. فی المصدر: یا ابن الیهودیة.
10- 10. فی بعض النسخ: لكثیر التحرص.
11- 11. فی المصدر: لكثیر التخرص و الكذب.

كِتَابِ اللَّهِ مُنْذُ جَرَی لِلَّهِ عَلَیَّ الْحُكْمُ وَ لَئِنْ شِئْتَ لَأُلْقِیَنَّ عَلَیْكَ شَیْئاً مِنْ عِلْمِ التَّوْرَاةِ فَإِنْ فَهِمْتَهُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَ إِنْ فَهِمَ فَهُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ هَاتِ بَعْضَ هَنَاتِكَ فَقَالَ كَعْبٌ أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ فَأَیْنَ كَانَتِ الْأَرْضُ وَ أَیْنَ كَانَتِ السَّمَاءُ وَ أَیْنَ كَانَ جَمِیعُ خَلْقِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَ مَنْ یَعْلَمُ غَیْبَ (1) اللَّهِ مِنَّا إِلَّا مَا سَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْ نَبِیِّنَا قَالَ وَ لَكِنْ إِخَالُ أَبَا حَسَنٍ لَوْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَشَرَحَهُ بِمِثْلِ مَا قَرَأْنَاهُ فِی التَّوْرَاةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَدُونَكَ إِذاً اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ قَالَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلِیٌّ علیه السلام عَلَی عُمَرَ وَ أَصْحَابِهِ (2) أَرَادُوا إِسْقَاطَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام فَقَالَ كَعْبٌ یَا أَبَا الْحَسَنِ أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَی فِی كِتَابِهِ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ لِیَبْلُوَكُمْ أَیُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام نَعَمْ كَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ حِینَ لَا أَرْضٌ مَدْحِیَّةٌ وَ لَا سَمَاءٌ مَبْنِیَّةٌ وَ لَا صَوْتٌ یُسْمَعُ وَ لَا عَیْنٌ تَنْبُعُ وَ لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِیٌّ مُرْسَلٌ وَ لَا نَجْمٌ یَسْرِی وَ لَا قَمَرٌ یَجْرِی وَ لَا شَمْسٌ تُضِی ءُ وَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ غَیْرُ مُسْتَوْحِشٍ إِلَی أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ یُمَجِّدُ نَفْسَهُ وَ یُقَدِّسُهَا كَمَا شَاءَ أَنْ یَكُونَ كَانَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ فَضَرَبَ بِأَمْوَاجِ الْبُحُورِ فَثَارَ مِنْهَا مِثْلُ الدُّخَانِ كَأَعْظَمِ مَا یَكُونُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَبَنَی بِهَا سَمَاءً رَتْقاً ثُمَّ دَحَا(3) الْأَرْضَ مِنْ

مَوْضِعِ (4)

الْكَعْبَةِ وَ هِیَ وَسَطُ الْأَرْضِ فَطَبَقَتْ إِلَی الْبِحَارِ ثُمَّ فَتَقَهَا بِالْبُنْیَانِ وَ جَعَلَهَا سَبْعاً بَعْدَ إِذْ كَانَتْ وَاحِدَةً ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِی أَنْشَأَهُ مِنْ تِلْكَ الْبُحُورِ فَجَعَلَهَا سَبْعاً طِبَاقاً بِكَلِمَتِهِ الَّتِی لَا یَعْلَمُهَا غَیْرُهُ وَ جَعَلَ فِی كُلِّ سَمَاءٍ سَاكِناً مِنَ الْمَلَائِكَةِ خَلَقَهُمْ مَعْصُومِینَ مِنْ نُورٍ مِنْ بُحُورٍ عَذْبَةٍ وَ هُوَ(5)

بَحْرُ الرَّحْمَةِ وَ جَعَلَ طَعَامَهُمُ التَّسْبِیحَ وَ التَّهْلِیلَ وَ التَّقْدِیسَ فَلَمَّا قَضَی أَمْرَهُ

ص: 92


1- 1. فی المصدر: بغیب اللّٰه.
2- 2. فی المصدر:« فلما دخل علی عمر أصحابه» و الظاهر أنّه الصحیح.
3- 3. فی المصدر: ثم انشق.
4- 4. فی بعض النسخ: فی موضع.
5- 5. و هی( خ).

وَ خَلْقَهُ اسْتَوَی عَلَی مُلْكِهِ فَمُدِحَ كَمَا یَنْبَغِی لَهُ أَنْ یُحْمَدَ ثُمَّ قَدَّرَ مُلْكَهُ فَجَعَلَ فِی كُلِّ سَمَاءٍ شُهُباً مُعَلَّقَةً(1)

كَوَاكِبَ كَتَعْلِیقِ الْقَنَادِیلِ مِنَ الْمَسَاجِدِ لَا یُحْصِیهَا(2)

غَیْرُهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی وَ النَّجْمُ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ كَأَكْبَرِ مَدِینَةٍ فِی الْأَرْضِ ثُمَّ خَلَقَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ فَجَعَلَهُمَا شَمْسَیْنِ فَلَوْ تَرَكَهُمَا تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَمَا كَانَ ابْتَدَأَهُمَا فِی أَوَّلِ مَرَّةٍ لَمْ یُعْرَفْ خِلْقَةُ اللَّیْلِ مِنَ النَّهَارِ وَ لَا عُرِفَ الشَّهْرُ وَ لَا السَّنَةُ وَ لَا عُرِفَ الشِّتَاءُ مِنَ الصَّیْفِ وَ لَا عُرِفَ الرَّبِیعُ مِنَ الْخَرِیفِ وَ لَا عَلِمَ أَصْحَابُ الدَّیْنِ مَتَی یَحُلُّ دَیْنُهُمْ وَ لَا عَلِمَ الْعَامِلُ مَتَی یَتَصَرَّفُ (3)

فِی مَعِیشَتِهِ وَ مَتَی یَسْكُنُ لِرَاحَةِ بَدَنِهِ فَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لِرَأْفَتِهِ بِعِبَادِهِ نَظَرَ(4)

لَهُمْ فَبَعَثَ جَبْرَئِیلَ علیه السلام إِلَی إِحْدَی الشَّمْسَیْنِ فَمَسَحَ بِهَا جَنَاحَهُ فَأَذْهَبَ مِنْهَا الشُّعَاعَ وَ النُّورَ وَ تَرَكَ فِیهَا الضَّوْءَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهارَ آیَتَیْنِ فَمَحَوْنا آیَةَ اللَّیْلِ وَ جَعَلْنا آیَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَیْ ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِیلًا وَ جَعَلَهُمَا یَجْرِیَانِ فِی الْفَلَكِ وَ الْفَلَكُ بَحْرٌ(5) فِیمَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ مُسْتَطِیلٌ فِی السَّمَاءِ اسْتِطَالَتُهُ ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ یَجْرِی فِی غَمْرَةِ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَی عَجَلَةٍ یَقُودُهُمَا(6) ثَلَاثُمِائَةِ مَلَكٍ بِیَدِ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهَا عُرْوَةٌ یَجُرُّونَهَا فِی غَمْرَةِ ذَلِكَ الْبَحْرِ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّهْلِیلِ وَ التَّسْبِیحِ وَ التَّقْدِیسِ لَوْ بَرَزَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ غَمْرِ ذَلِكَ الْبَحْرِ لَاحْتَرَقَ كُلُّ شَیْ ءٍ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّی الْجِبَالُ وَ الصُّخُورُ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ ءٍ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ وَ النُّجُومَ وَ الْفَلَكَ وَ جَعَلَ الْأَرَضِینَ عَلَی ظَهْرِ حُوتٍ (7) أَثْقَلَهَا فَاضْطَرَبَتْ فَأَثْبَتَهَا بِالْجِبَالِ فَلَمَّا اسْتَكْمَلَ خَلْقَ مَا فِی السَّمَاوَاتِ

ص: 93


1- 1. فی بعض النسخ: معلقة الكواكب.
2- 2. ما لا یحصیها( خ).
3- 3. فی المصدر: ینصرف.
4- 4. فی المصدر: أرأف بعباده و انظر.
5- 5. فی المخطوط: یجری.
6- 6. فی المصدر: یقوده.
7- 7. فی المصدر: الحوت.

وَ الْأَرْضُ یَوْمَئِذٍ خَالِیَةٌ لَیْسَ فِیهَا أَحَدٌ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ فَبَعَثَ اللَّهُ جَبْرَئِیلَ علیه السلام فَأَخَذَ مِنْ أَدِیمِ الْأَرْضِ قَبْضَةً فَعَجَنَهُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ وَ الْمَالِحِ (1)

وَ رَكَّبَ فِیهِ الطَّبَائِعَ قَبْلَ أَنْ یَنْفُخَ فِیهِ الرُّوحَ فَخَلَقَهُ مِنْ أَدِیمِ الْأَرْضِ فَلِذَلِكَ سُمِّیَ آدَمَ لِأَنَّهُ لَمَّا عُجِنَ بِالْمَاءِ اسْتَأْدَمَ فَطَرَحَهُ فِی الْجَبْلِ كَالْجَبْلِ الْعَظِیمِ وَ كَانَ إِبْلِیسُ یَوْمَئِذٍ خَازِناً عَلَی السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ یَدْخُلُ فِی مَنْخِرِ آدَمَ ثُمَّ یَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ ثُمَّ یَضْرِبُ بِیَدِهِ عَلَی بَطْنِهِ فَیَقُولُ لِأَیِّ أَمْرٍ خُلِقْتَ لَئِنْ جُعِلْتَ فَوْقِی لَا أَطَعْتُكَ وَ إِنْ جُعِلْتَ أَسْفَلَ مِنِّی لَا أُعِینُكَ فَمَكَثَ فِی الْجَنَّةِ أَلْفَ سَنَةٍ مَا بَیْنَ خَلْقِهِ إِلَی أَنْ یُنْفَخَ فِیهِ الرُّوحُ فَخَلَقَهُ مِنْ مَاءٍ وَ طِینٍ وَ نُورٍ وَ ظُلْمَةٍ وَ رِیحٍ وَ نُورٍ مِنْ نُورِ اللَّهِ فَأَمَّا النُّورُ فَیُورِثُهُ الْإِیمَانَ وَ أَمَّا الظُّلْمَةُ فَیُورِثُهُ الْكُفْرَ وَ الضَّلَالَةَ وَ أَمَّا الطِّینُ فَیُورِثُهُ الرِّعْدَةَ وَ الضَّعْفَ وَ الِاقْشِعْرَارَ(2) عِنْدَ إِصَابَةِ الْمَاءِ فَیُنْعَتُ (3) بِهِ عَلَی أَرْبَعِ الطَّبَائِعِ عَلَی الدَّمِ وَ الْبَلْغَمِ وَ الْمِرَارِ وَ الرِّیحِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَ وَ لا یَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ یَكُ شَیْئاً قَالَ فَقَالَ كَعْبٌ یَا عُمَرُ بِاللَّهِ أَ تَعْلَمُ كَعِلْمِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ لَا فَقَالَ كَعْبٌ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام وَصِیُّ الْأَنْبِیَاءِ وَ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِیَاءِ علیهم السلام وَ عَلِیٌّ خَاتَمُ الْأَوْصِیَاءِ وَ لَیْسَ عَلَی الْأَرْضِ الْیَوْمَ مَنْفُوسَةٌ إِلَّا وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ أَعْلَمُ مِنْهُ وَ اللَّهِ مَا ذَكَرَ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ الْمَلَائِكَةِ شَیْئاً إِلَّا وَ قَدْ قَرَأْتُهُ فِی التَّوْرَاةِ كَمَا قَرَأَ قَالَ فَمَا رُئِیَ عُمَرُ غَضِبَ قَطُّ مِثْلَ غَضَبِهِ ذَلِكَ الْیَوْمَ (4).

بیان: الخرص الكذب و القول بالظن و التخرص الافتراء بعض

ص: 94


1- 1. فی المصدر: و الماء المالح.
2- 2. فی المصدر: القشعریرة-
3- 3. فی المصدر: فینبعث.
4- 4. تفسیر فرات: 65.

هناتك أی شرورك أو كلماتك العجیبة و لكن إخال بكسر الهمزة و قد تفتح أی أظن ثم فتقها بالبنیان لعل المراد جعل الفرج بین قطعاتها فصارت كالبنیان أو جعل فیها البناء و العمارة فقسمت بالأقالیم علی قول و الجبل بالفتح الساحة و كان فی الخبر تصحیفات و هو مشتمل علی رموز و لعلنا نتكلم فی بعض أجزائه فی موضع یناسبه.

«80»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّیِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ فَقَالَ مَا یَقُولُونَ (1) قُلْتُ یَقُولُونَ إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَی الْمَاءِ وَ الرَّبُّ فَوْقَهُ فَقَالَ كَذَبُوا مَنْ زَعَمَ هَذَا فَقَدْ صَیَّرَ اللَّهَ مَحْمُولًا وَ وَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ (2) وَ لَزِمَهُ أَنَّ الشَّیْ ءَ الَّذِی یَحْمِلُهُ أَقْوَی مِنْهُ قُلْتُ بَیِّنْ لِی جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ حَمَّلَ دِینَهُ وَ عِلْمَهُ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ أَوْ سَمَاءٌ أَوْ جِنٌّ أَوْ إِنْسٌ أَوْ شَمْسٌ أَوْ قَمَرٌ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ نَثَرَهُمْ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْأَئِمَّةُ علیهم السلام فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا فَحَمَّلَهُمُ الْعِلْمَ وَ الدِّینَ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ هَؤُلَاءِ حَمَلَةُ دِینِی وَ عِلْمِی وَ أُمَنَائِی فِی خَلْقِی وَ هُمُ الْمَسْئُولُونَ ثُمَّ قَالَ لِبَنِی آدَمَ أَقِرُّوا لِلَّهِ بِالرُّبُوبِیَّةِ وَ لِهَؤُلَاءِ النَّفَرِ بِالْوَلَایَةِ وَ الطَّاعَةِ فَقَالُوا نَعَمْ رَبَّنَا أَقْرَرْنَا فَقَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ اشْهَدُوا فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ شَهِدْنَا عَلَی أَنْ لَا یَقُولُوا غَداً إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ أَوْ یَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ یَا دَاوُدُ وَلَایَتُنَا مُؤَكَّدَةٌ عَلَیْهِمْ فِی الْمِیثَاقِ (3).

التوحید، عن علی بن أحمد الدقاق عن محمد بن أبی عبد اللّٰه الكوفی عن

ص: 95


1- 1. فی التوحید: فقال لی ما یقولون فی ذلك.
2- 2. فی التوحید: المخلوقین.
3- 3. الكافی: ج 1، ص: 132.

محمد بن إسماعیل البرمكی عن جزعان (1) بن نصر الكندی عن سهل: مثله بیان ظاهره أن اللّٰه سبحانه أعطی الماء حالة صار قابلا لحمل دینه و علمه و یحتمل أن یكون المعنی أنه لما كان الماء أول المخلوقات و كان اللّٰه تعالی جعله قابلا لأن یخرج منه خلقا یكونون قابلین لعلمه و دینه و كان یهیئ أسباب خروجهم منه فكأنه حمل دینه و علمه الماء و من یسلك مسلك الحكماء قد یؤول الماء بالعقل و قد یؤوله بالهیولی و نحن من ذلك بمعزل بفضله تعالی.

«81»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَطِیَّةَ(2)

قَالَ: جَاءَ إِلَی أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ یَا أَبَا جَعْفَرٍ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَدْ أَعْیَتْ عَلَیَّ أَنْ أَجِدَ أَحَداً یُفَسِّرُهَا وَ قَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شَیْئاً غَیْرَ الَّذِی قَالَ الصِّنْفُ الْآخَرُ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام مَا ذَاكَ قَالَ فَإِنِّی أَسْأَلُكَ عَنْ أَوَّلِ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ سَأَلْتُهُ قَالَ الْقَدَرُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الْقَلَمُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الرُّوحُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مَا قَالُوا شَیْئاً أُخْبِرُكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَانَ وَ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ وَ كَانَ عَزِیزاً وَ لَا أَحَدَ كَانَ قَبْلَ عِزِّهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ وَ كَانَ الْخَالِقُ قَبْلَ الْمَخْلُوقِ وَ لَوْ كَانَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ الشَّیْ ءَ مِنَ الشَّیْ ءِ إِذاً لَمْ یَكُنْ لَهُ انْقِطَاعٌ أَبَداً وَ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ إِذاً وَ مَعَهُ شَیْ ءٌ لَیْسَ هُوَ یَتَقَدَّمُهُ وَ لَكِنَّهُ كَانَ إِذْ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ وَ خَلَقَ الشَّیْ ءَ الَّذِی جَمِیعُ

ص: 96


1- 1. فی المصدر: جذعان بن أبی نصر الكندی.
2- 2. هو محمّد بن عطیة الحناط الكوفیّ أخو الحسن و جعفر، قال النجاشیّ عند ترجمة اخیه الحسن، الحسن بن عطیة الحناط كوفیّ، مولی، ثقة، و اخواه أیضا، و كلهم یروون عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام و ظاهره وثاقة محمّد و جعفر أیضا. لكن فی روایته عن ابی جعفر بلا واسطة اشكال، لانه روی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام و هو صغیر كما صرّح به النجاشیّ، فكأن فی السند ارسالا. و یؤیده أنّه لم یذكر روایته فی سائر كتب الرجال أیضا إلّا عن الصادق علیه السلام.

الْأَشْیَاءِ مِنْهُ وَ هُوَ الْمَاءُ الَّذِی خَلَقَ الْأَشْیَاءَ مِنْهُ فَجَعَلَ نَسَبَ كُلِّ شَیْ ءٍ إِلَی الْمَاءِ وَ لَمْ یَجْعَلْ لِلْمَاءِ نَسَباً یُضَافُ إِلَیْهِ وَ خَلَقَ الرِّیحَ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ سَلَّطَ الرِّیحَ عَلَی الْمَاءِ فَشَقَّقَتِ الرِّیحُ مَتْنَ الْمَاءِ حَتَّی ثَارَ مِنَ الْمَاءِ زَبَدٌ عَلَی قَدْرِ مَا شَاءَ أَنْ یَثُورَ فَخَلَقَ مِنْ ذَلِكَ الزَّبَدِ أَرْضاً بَیْضَاءَ نَقِیَّةً لَیْسَ فِیهَا صَدْعٌ وَ لَا ثَقْبٌ (1) وَ لَا صُعُودٌ وَ لَا هُبُوطٌ وَ لَا شَجَرَةٌ ثُمَّ طَوَاهَا فَوَضَعَهَا فَوْقَ الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ مِنَ الْمَاءِ فَشَقَّقَتِ النَّارُ مَتْنَ الْمَاءِ حَتَّی ثَارَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانٌ عَلَی قَدْرِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ یَثُورَ فَخَلَقَ مِنْ ذَلِكَ الدُّخَانِ سَمَاءً صَافِیَةً نَقِیَّةً لَیْسَ فِیهَا صَدْعٌ وَ لَا نَقْبٌ (2) وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَیْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها قَالَ وَ لَا شَمْسٌ وَ لَا قَمَرٌ وَ لَا نُجُومٌ وَ لَا سَحَابٌ ثُمَّ طَوَاهَا فَوَضَعَهَا فَوْقَ الْأَرْضِ ثُمَّ نَسَبَ الْخَلِیقَتَیْنِ فَرَفَعَ السَّمَاءَ قَبْلَ الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها یَقُولُ بَسَطَهَا قَالَ فَقَالَ لَهُ الشَّامِیُّ یَا أَبَا جَعْفَرٍ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام فَلَعَلَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُمَا كَانَتَا رَتْقاً مُلْتَزِقَتَیْنِ مُلْتَصِقَتَیْنِ فَفُتِقَتْ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَی فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ فَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ كانَتا رَتْقاً یَقُولُ كَانَتِ السَّمَاءُ رَتْقاً لَا تُنْزِلُ الْمَطَرَ وَ كَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقاً لَا تُنْبِتُ الْحَبَّ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی الْخَلْقَ وَ بَثَّ فِیها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَ الْأَرْضَ بِنَبَاتِ الْحَبِّ فَقَالَ الشَّامِیُّ أَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْبِیَاءِ وَ أَنَّ عِلْمَكَ عِلْمُهُمْ (3).

توضیح: قوله علیه السلام و لو كان أول ما خلق أی لو كان كما تزعمه الحكماء كل حادث مسبوقا بمادة فلا یتحقق شی ء یكون أول الأشیاء من الحوادث فیلزم وجود قدیم سوی اللّٰه تعالی و هو محال فجعل نسب كل شی ء إلی الماء أی

ص: 97


1- 1. نقب( خ).
2- 2. ثقب( خ).
3- 3. روضة الكافی: 94.

بأن خلق جمیعها منه لا بقوله وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍ لأنه ظاهرا مختص بذوی الحیاة إلا أن یقال المراد بكل شی ء هنا أیضا ذوو الحیاة أو یقال انتساب ذوی الحیاة إلیه مستلزم لانتساب غیرهم أیضا من العناصر لأنها جزء الحیوان ثم نسب الخلیقتین أی رتبهما فی الوضع و جعل إحداهما فوق الأخری أو بین نسبة خلقهما فی كتابه بقوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فبین أن دحو الأرض بعد رفع السماء.

«82»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِینٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ الْحَجَّالِ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام كَانَ كُلُّ شَیْ ءٍ مَاءً وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ فَأَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ الْمَاءَ فَاضْطَرَمَ نَاراً ثُمَّ أَمَرَ النَّارَ فَخَمَدَتْ فَارْتَفَعَ مِنْ خُمُودِهَا دُخَانٌ فَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ مِنْ ذَلِكَ الدُّخَانِ وَ خَلَقَ الْأَرْضَ مِنَ الرَّمَادِ ثُمَّ اخْتَصَمَ الْمَاءُ وَ النَّارُ وَ الرِّیحُ فَقَالَ الْمَاءُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ وَ قَالَ الرِّیحُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ(1)

وَ قَالَتِ النَّارُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ فَأَوْحَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَی الرِّیحِ أَنْتِ جُنْدِیَ الْأَكْبَرُ.

بیان: و خلق الأرض من الرماد لعل المراد بقیة الأرض التی حصلت بعد الدحو و یحتمل أیضا أن یكون الزبد المذكور فی الأخبار الأخر مادة بعیدة للأرض بأن یكون الرماد تكون من الزبد و من الرماد تكونت الأرض أو یكون الرماد أحد أجزاء الأرض مزج بالزبد فجمد الزبد بذلك المزج و تصلب.

«83»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِیرِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ النَّارَ وَ خَلَقَ الطَّاعَةَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْمَعْصِیَةَ وَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ قَبْلَ الْغَضَبِ وَ خَلَقَ الْخَیْرَ قَبْلَ الشَّرِّ وَ خَلَقَ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ وَ خَلَقَ الْحَیَاةَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَ خَلَقَ الشَّمْسَ قَبْلَ الْقَمَرِ وَ خَلَقَ النُّورَ قَبْلَ (2) أَنْ یَخْلُقَ الظُّلْمَةَ(3).

ص: 98


1- 1. روضة الكافی: 95 و 153.
2- 2. فی المصدر: قبل الظلمة.
3- 3. روضة الكافی: 145.

بیان: لعل المراد بخلق الطاعة تقدیرها بل الظاهر فی الأكثر ذلك و الخلق بمعنی التقدیر شائع و المراد بخلق الشر خلق ما یترتب علیه شر ظاهرا و إن كان خیره غالبا و وجوده صلاحا.

«84»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله: مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلْقاً إِلَّا وَ قَدْ أَمَّرَ عَلَیْهِ آخَرَ یَغْلِبُهُ فِیهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَمَّا خَلَقَ السَّحَابَ (1)

السُّفْلَی فَخَرَتْ وَ زَخَرَتْ (2) وَ قَالَتْ أَیُّ شَیْ ءٍ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ الْأَرْضَ فَسَطَحَهَا عَلَی ظَهْرِهَا فَذَلَّتْ ثُمَّ إِنَّ الْأَرْضَ فَخَرَتْ وَ قَالَتْ أَیُّ شَیْ ءٍ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَأَثْبَتَهَا عَلَی ظَهْرِهَا أَوْتَاداً مِنْ أَنْ تَمِیدَ بِمَا عَلَیْهَا فَذَلَّتِ الْأَرْضُ وَ اسْتَقَرَّتْ ثُمَّ إِنَّ الْجِبَالَ فَخَرَتْ عَلَی الْأَرْضِ فَشَمَخَتْ وَ اسْتَطَالَتْ وَ قَالَتْ أَیُّ شَیْ ءٍ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ الْحَدِیدَ فَقَطَعَهَا فَقَرَّتِ الْجِبَالُ وَ ذَلَّتْ ثُمَّ إِنَّ الْحَدِیدَ فَخَرَ عَلَی الْجِبَالِ وَ قَالَ أَیُّ شَیْ ءٍ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ النَّارَ فَأَذَابَتِ الْحَدِیدَ فَذَلَّ الْحَدِیدُ ثُمَّ إِنَّ النَّارَ زَفَرَتْ وَ شَهَقَتْ وَ فَخَرَتْ وَ قَالَتْ أَیُّ شَیْ ءٍ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ الْمَاءَ فَأَطْفَأَهَا فَذَلَّتِ النَّارُ ثُمَّ إِنَّ الْمَاءَ فَخَرَ وَ زَخَرَ وَ قَالَ أَیُّ شَیْ ءٍ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ الرِّیحَ فَحَرَّكَتْ أَمْوَاجَهُ وَ أَثَارَتْ مَا فِی قَعْرِهِ وَ حَبَسَتْهُ عَنْ مَجَارِیهِ فَذَلَّ الْمَاءُ ثُمَّ إِنَّ الرِّیحَ فَخَرَتْ وَ عَصَفَتْ وَ لَوَّحَتْ (3)

أَذْیَالَهَا وَ قَالَتْ أَیُّ شَیْ ءٍ یَغْلِبُنِی فَخَلَقَ الْإِنْسَانَ فَبَنَی وَ احْتَالَ وَ اتَّخَذَ مَا یَسْتَتِرُ بِهِ مِنَ الرِّیحِ وَ غَیْرِهَا فَذَلَّتِ الرِّیحُ ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَانَ طَغَی وَ قَالَ مَنْ أَشَدُّ مِنِّی قُوَّةً فَخَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْمَوْتَ فَقَهَرَهُ فَذَلَّ الْإِنْسَانُ ثُمَّ إِنَّ الْمَوْتَ فَخَرَ فِی نَفْسِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَا تَفْخَرْ فَإِنِّی ذَابِحُكَ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ لَا أُحْیِیكَ أَبَداً فَتُرْجَی وَ تُخَافُ (4)

وَ قَالَ أَیْضاً وَ الْحِلْمُ یَغْلِبُ الْغَضَبَ

ص: 99


1- 1. فی المصدر: البحار السفلی.
2- 2. فی المخطوط: زحزحت.
3- 3. فی المصدر: و أرخت أذیالها.
4- 4. فی المصدر: أو تخاف.

وَ الرَّحْمَةُ تَغْلِبُ السَّخَطَ وَ الصَّدَقَةُ تَغْلِبُ الْخَطِیئَةَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا یَغْلِبُ غَیْرَهُ (1).

إیضاح: فی القاموس زخر البحر كمنع زخرا و زخورا و تزخر طما و تملأ و الوادی مد جدا و ارتفع و النبات طال و الرجل بما عنده فخر انتهی (2) و الظاهر أن هذه الجمل جرت علی سبیل الاستعارة التمثیلیة لبیان أن سوی الحق تعالی مقهور مغلوب عن غیره و اللّٰه سبحانه هو الغالب القاهر لجمیع ما سواه و أنه سبحانه بحكمته دفع فی الدنیا عادیة كل شی ء بشی ء لیستقیم للناس التعیش فیها و المیل الحركة و الاضطراب.

و قال الجوهری الزفیر اغتراق (3)

النفس للشدة و الزفیر أول صوت الحمار و الشهیق آخره (4)

و قال الفیروزآبادی زفر النار سمع لتوقدها صوت (5)

قوله علیه السلام إن الماء فخر لعل المراد بالماء هاهنا المیاه التی استكنت فی الأرض و خلقت علی وجهها و لذا قید الماء فی أول الخبر بالبحار السفلی و غلبة الأرض إنما هی علیها دون المیاه الظاهرة فلا ینافی تأخر خلق هذا الماء عن كثیر من الأشیاء تقدم خلق أصل الماء و حقیقته علی غیره من سائر الأشیاء.

قوله و عصفت أی اشتدت و لوحت أذیالها أی رفعتها و حركتها تبخترا و تكبرا و هذا من أحسن الاستعارات فترجی أو تخاف أی لا أحییك فتكون حیاتك رجاء لأهل النار و خوفا لأهل الجنة و ذبح الموت لعل المراد به ذبح شی ء یسمی بهذا الاسم لیعرف الفریقان رفع الموت عنهما عیانا إن لم نقل بتجسم الأعراض فی تلك النشأة و یحتمل أن یكون هذا أیضا علی الاستعارة التمثیلیة.

ص: 100


1- 1. روضة الكافی: 148.
2- 2. القاموس: ج 2، ص: 38.
3- 3. كذا فی المصدر، و فی بعض نسخ الكتاب« اغتراف» بالفاء.
4- 4. الصحاح: ج 2، ص 670 و زاد: لان الزفیر ادخال النفس و الشهیق إخراجه.
5- 5. القاموس: ج 2، ص 39.

«85»- الْإِخْتِصَاصُ،: قَالَ یُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ یَوْماً لِمُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیه السلام أَیْنَ كَانَ رَبُّكَ حَیْثُ لَا سَمَاءٌ مَبْنِیَّةٌ وَ لَا أَرْضٌ مَدْحِیَّةٌ قَالَ كَانَ نُوراً فِی نُورٍ وَ نُوراً عَلَی نُورٍ خَلَقَ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ مَاءً مُنْكَدِراً فَخَلَقَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ ظُلْمَةً فَكَانَ عَرْشُهُ عَلَی تِلْكَ الظُّلْمَةِ قَالَ إِنَّمَا سَأَلْتُكَ عَنِ الْمَكَانِ قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُ أَیْنَ فَأَیْنَ هُوَ الْمَكَانُ قَالَ وَصَفْتَ فَأَجَدْتَ (1)

إِنَّمَا سَأَلْتُكَ عَنِ الْمَكَانِ الْمَوْجُودِ الْمَعْرُوفِ قَالَ كَانَ فِی عِلْمِهِ لِعِلْمِهِ فَقَصُرَ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ عِلْمِهِ قَالَ إِنَّمَا سَأَلْتُكَ عَنِ الْمَكَانِ قَالَ یَا لُكَعُ أَ لَیْسَ قَدْ أَجَبْتُكَ أَنَّهُ كَانَ فِی عِلْمِهِ لِعِلْمِهِ فَقَصُرَ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ عِلْمِهِ.

«86»- سَعْدُ السُّعُودِ، لِلسَّیِّدِ بْنِ طَاوُسٍ قَالَ: وَجَدْتُ فِی صُحُفِ إِدْرِیسَ علیه السلام مِنْ نُسْخَةٍ عَتِیقَةٍ أَوَّلُ یَوْمٍ خَلَقَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ یَوْمُ الْأَحَدِ ثُمَّ كَانَ صَبَاحُ یَوْمِ الْإِثْنَیْنِ فَجَمَعَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ الْبِحَارَ حَوْلَ الْأَرْضِ وَ جَعَلَهَا أَرْبَعَةَ بِحَارٍ الْفُرَاتَ وَ النِّیلَ وَ سَیْحَانَ وَ جَیْحَانَ ثُمَّ

كَانَ مَسَاءُ لَیْلَةِ الثَّلَاثَاءِ فَجَاءَ اللَّیْلُ بِظُلْمَتِهِ وَ وَحْشَتِهِ ثُمَّ كَانَ صَبَاحُ یَوْمِ الثَّلَاثَاءِ فَخَلَقَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ شَرَحَ ذَلِكَ وَ مَا بَعْدَهُ شَرْحاً طَوِیلًا وَ قَالَ ثُمَّ كَانَ مَسَاءُ لَیْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ فَخَلَقَ اللَّهُ أَلْفَ أَلْفِ صِنْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْهُمْ عَلَی خَلْقِ الْغَمَامِ وَ مِنْهُمْ عَلَی خَلْقِ النَّارِ مُتَفَاوِتِینَ فِی الْخَلْقِ وَ الْأَجْنَاسِ ثُمَّ كَانَ صَبَاحُ یَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَخَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْمَاءِ أَصْنَافَ الْبَهَائِمِ وَ الطَّیْرِ وَ جَعَلَ لَهُنَّ رِزْقاً فِی الْأَرْضِ وَ خَلَقَ النَّارَ الْعِظَامَ وَ أَجْنَاسَ الْهَوَامِّ ثُمَّ كَانَ مَسَاءُ لَیْلَةِ الْخَمِیسِ فَمَیَّزَ اللَّهُ سِبَاعَ الدَّوَابِّ وَ سِبَاعَ الطَّیْرِ ثُمَّ كَانَ صَبَاحُ یَوْمِ الْخَمِیسِ فَخَلَقَ اللَّهُ ثَمَانَ جِنَانٍ وَ جَعَلَ كُلَّ بَابِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِلَی بَعْضٍ ثُمَّ كَانَ مَسَاءُ لَیْلَةِ الْجُمُعَةِ فَخَلَقَ اللَّهُ النُّورَ الزَّهْرَاءَ وَ فَتَحَ اللَّهُ مِائَةَ بَابِ رَحْمَةٍ فِی كُلِّ بَابٍ جُزْءٌ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ وَكَّلَ بِكُلِّ بَابٍ أَلْفاً مِنْ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَ جَعَلَ رَئِیسَهُمْ كُلِّهِمْ مِیكَائِیلَ فَجَعَلَ آخِرَهَا بَاباً لِجَمِیعِ الْخَلَائِقِ یَتَرَاحَمُونَ بِهِ بَیْنَهُمْ ثُمَّ كَانَ صَبَاحُ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَتَحَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِالْغَیْثِ وَ أَهَبَّ الرِّیَاحَ

ص: 101


1- 1. فأوجدت( خ).

وَ أَنْشَأَ السَّحَابَ وَ أَرْسَلَ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ لِلْأَرْضِ تَأْمُرُ السَّحَابَ تُمْطِرُ عَلَی الْأَرْضِ وَ زَهَرَتِ (1) الْأَرْضُ بِنَبَاتِهَا وَ ازْدَادَتْ حُسْناً وَ بَهْجَةً وَ غَشِیَ الْمَلَائِكَةَ النُّورُ وَ سَمَّی اللَّهُ یَوْمَ الْجُمُعَةِ لِذَلِكَ یَوْمَ أَزْهَرَ وَ یَوْمَ الْمَزِیدِ وَ قَالَ اللَّهُ قَدْ جَعَلْتُ یَوْمَ الْجُمُعَةِ أَكْرَمَ الْأَیَّامِ كُلِّهَا وَ أَحَبَّهَا إِلَیَّ ثُمَّ ذَكَرَ شَرْحاً جَلِیلًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ عَرَّفَهَا اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ أَنَّهُ یَخْلُقُ مِنْهَا خَلْقاً فَمِنْهُمْ مَنْ یُطِیعُهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَعْصِیهِ فَاقْشَعَرَّتِ الْأَرْضُ وَ اسْتَعْفَتِ اللَّهَ وَ سَأَلَتْهُ أَنْ لَا یَأْخُذَ مِنْهَا مَنْ یَعْصِیهِ وَ یُدْخِلَهُ النَّارَ وَ إِنَّ جَبْرَئِیلَ أَتَاهَا لِیَأْخُذَ عَنْهَا طِینَةَ آدَمَ فَسَأَلَتْهُ بِعِزَّةِ اللَّهِ أَنْ لَا یَأْخُذَ مِنْهَا شَیْئاً حَتَّی تَتَضَرَّعَ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی وَ تَضَرَّعَتْ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَی بِالانْصِرَافِ عَنْهَا فَأَمَرَ اللَّهُ مِیكَائِیلَ علیه السلام فَاقْشَعَرَّتْ وَ سَأَلَتْ وَ تَضَرَّعَتْ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَی بِالانْصِرَافِ عَنْهَا فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَی إِسْرَافِیلَ بِذَلِكَ فَاقْشَعَرَّتْ وَ سَأَلَتْ وَ تَضَرَّعَتْ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَی بِالانْصِرَافِ عَنْهَا فَأَمَرَ عِزْرَائِیلَ فَاقْشَعَرَّتْ وَ سَأَلَتْ وَ تَضَرَّعَتْ فَقَالَ قَدْ أَمَرَنِی رَبِّی بِأَمْرٍ أَنَا مَاضٍ لَهُ سَرَّكِ ذَاكِ (2)

أَمْ سَاءَكِ فَقَبَضَ مِنْهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ثُمَّ صَعِدَ بِهَا إِلَی مَوْقِفِهِ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ كَمَا وُلِّیتَ قَبْضَهَا مِنَ الْأَرْضِ وَ هِیَ كَارِهَةٌ كَذَلِكَ تَلِی قَبْضَ أَرْوَاحِ كُلِّ مَنْ عَلَیْهَا وَ كُلِّ مَا قَضَیْتُ عَلَیْهِ الْمَوْتَ مِنَ الْیَوْمِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَلَمَّا غَابَتْ شَمْسُ یَوْمِ الْجُمُعَةِ خَلَقَ اللَّهُ النُّعَاسَ فَغَشَّاهُ دَوَابَّ الْأَرْضِ وَ جَعَلَ النَّوْمَ سُبَاتاً وَ سَمَّی اللَّیْلَةَ لِذَلِكَ لَیْلَةَ السَّبْتِ وَ قَالَ أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَالِقُ كُلِّ شَیْ ءٍ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّری فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ مِنْ شَهْرِ نَیْسَانَ وَ هُوَ أَوَّلُ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الدُّنْیَا وَ جَعَلْتُ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ وَ جَعَلْتُ النَّهَارَ نُشُوراً وَ مَعَاشاً وَ جَعَلْتُ اللَّیْلَ لِبَاساً وَ سَكَناً ثُمَّ كَانَ صَبَاحُ یَوْمِ السَّبْتِ فَمَیَّزَ اللَّهُ لُغَاتِ الْكَلَامِ فَسَبَّحَ جَمِیعُ الْخَلَائِقِ لِعِزَّةِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فَتَمَّ خَلْقُ اللَّهِ وَ تَمَّ أَمْرُهُ فِی اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ ثُمَّ كَانَ صَبَاحُ یَوْمِ الْأَحَدِ الثَّانِی الْیَوْمِ الثَّامِنِ مِنَ الدُّنْیَا فَأَمَرَ اللَّهُ مَلَكاً فَعَجَنَ طِینَةَ آدَمَ فَخَلَطَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ ثُمَّ خَمَّرَهَا

ص: 102


1- 1. فی المخطوطة: تزهرت.
2- 2. ذلك( خ).

أَرْبَعِینَ سَنَةً ثُمَّ جَعَلَهَا لَازِباً(1) ثُمَّ جَعَلَهَا حَمَأً مَسْنُوناً أَرْبَعِینَ سَنَةً ثُمَّ جَعَلَهَا صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ أَرْبَعِینَ سَنَةً ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ بَعْدَ عِشْرِینَ وَ مِائَةِ سَنَةٍ مُذْ خُمِّرَ طِینَةُ آدَمَ إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ فِی الصُّحُفِ مَا هَذَا لَفْظُهُ فَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَی صُورَتِهِ الَّتِی صَوَّرَهَا فِی اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ یَقُولُ عَلِیُّ بْنُ مُوسَی بْنِ طَاوُسٍ فَأَسْقَطَ بَعْضُ الْمُسْلِمِینَ بَعْضَ هَذَا الْكَلَامِ وَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَی صُورَتِهِ فَاعْتَقَدَ التَّجْسِیمَ فَاحْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَی تَأْوِیلَاتِ الْحَدِیثِ وَ لَوْ نَقَلَهُ بِتَمَامِهِ اسْتُغْنِیَ عَنِ التَّأْوِیلِ بِتَصْدِیقٍ (2)

وَ شَهِدَ الْعَقْلُ الْمُسْتَقِیمُ وَ قَالَ فِی الصُّحُفِ ثُمَّ جَعَلَهَا جَسَداً مُلْقًی عَلَی طَرِیقِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِی تَصْعَدُ فِیهِ إِلَی السَّمَاءِ أَرْبَعِینَ سَنَةً ثُمَّ ذَكَرَ تَنَاسُلَ الْجِنِّ وَ فَسَادَهُمْ وَ هَرَبَ إِبْلِیسَ مِنْهُمْ إِلَی اللَّهِ وَ سُؤَالَهُ أَنْ یَكُونَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَ إِجَابَةَ سُؤَالِهِ وَ مَا وَقَعَ مِنَ الْجِنِّ حَتَّی أَمَرَ اللَّهُ إِبْلِیسَ أَنْ یَنْزِلَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ لِطَرْدِ الْجِنِّ فَنَزَلَ وَ طَرَدَهُمْ عَنِ الْأَرْضِ الَّتِی أَفْسَدُوا فِیهَا وَ شَرَحَ كَیْفِیَّةَ خَلْقِ الرُّوحِ فِی أَعْضَاءِ آدَمَ وَ اسْتِوَائِهِ جَالِساً وَ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا لَهُ إِلَّا إِبْلِیسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَلَمْ یَسْجُدْ لَهُ فَعَطَسَ آدَمُ فَقَالَ اللَّهُ یَا آدَمُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ قَالَ اللَّهُ یَرْحَمُكَ اللَّهُ لِهَذَا خَلَقْتُكَ لِتُوَحِّدَنِی وَ تَعْبُدَنِی وَ تُحَمِّدَنِی وَ تُؤْمِنَ بِی وَ لَا تَكْفُرَ بِی وَ لَا تُشْرِكَ بِی شَیْئاً.

«87»- أَقُولُ قَدْ مَرَّ تَمَامُهُ فِی كِتَابِ النُّبُوَّةِ وَ كِتَابِ الْغَیْبَةِ وَ وَجَدْتُ فِی بَعْضِ الْكُتُبِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام فِی كَلَامٍ لَهُ: فَالْزَمْ مَا أَجْمَعَ عَلَیْهِ أَهْلُ الصَّفَاءِ وَ النَّقَاءِ مِنْ أُصُولِ الدِّینِ وَ حَقَائِقِ الْیَقِینِ وَ الرِّضَا وَ التَّسْلِیمِ وَ لَا تَدْخُلْ فِی اخْتِلَافِ الْخَلْقِ فَیَصْعُبَ عَلَیْكَ وَ قَدِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ الْمُخْتَارَةُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ أَنَّهُ

ص: 103


1- 1. هذه الجملة أعنی« ثم جعلها لازبا» غیر موجودة فی النسخة المخطوطة.
2- 2. كذا.

عَدَلَ فِی حُكْمِهِ وَ یَفْعَلُ ما یَشاءُ وَ یَحْكُمُ ما یُرِیدُ وَ لَا یُقَالُ لَهُ فِی شَیْ ءٍ مِنْ صِفَتِهِ لِمَ وَ لَا كَانَ وَ لَا یَكُونُ شَیْ ءٌ إِلَّا بِمَشِیَّتِهِ وَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَی مَا یَشَاءُ صَادِقٌ فِی وَعْدِهِ وَ وَعِیدِهِ وَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ وَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْكَوْنِ وَ الْمَكَانِ وَ الزَّمَانِ وَ أَنَّ إِحْدَاثَهُ وَ إِفْنَاءَهُ غَیْرَهُ سَوَاءٌ مَا ازْدَادَ هُوَ بِإِحْدَاثِهِ عِلْماً وَ لَا یَنْقُصُ بِفَنَائِهِ مُلْكُهُ عَزَّ سُلْطَانُهُ وَ جَلَّ سُبْحَانَهُ فَمَنْ أَوْرَدَ عَلَیْكَ مَا یَنْقُضُ هَذَا الْأَصْلَ فَلَا تَقْبَلْهُ الْخَبَرَ.

«88»- الْأَخْبَارُ الْمُسَلْسَلَاتُ، لِجَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُمِّیِ (1)

قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ وَ شَبَّكَ بِیَدِی قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی عَتَّابُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَتَّابٍ أَبُو الْقَاسِمِ قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ بِبَغْدَادَ وَ قَالَ لَنَا شَبَّكَ بِیَدِی مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ الْعِرَاقِیُّ قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی إِسْمَاعِیلُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی عَبْدُ الْكَرِیمِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی إِبْرَاهِیمُ بْنُ أَبِی یَحْیَی قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی

صَفْوَانُ بْنُ سُلَیْمَانَ قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی أَیُّوبُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی أَبُو هُرَیْرَةَ قَالَ شَبَّكَ بِیَدِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ یَوْمَ السَّبْتِ وَ الْجِبَالَ یَوْمَ الْأَحَدِ وَ الْبَحْرَ یَوْمَ الْإِثْنَیْنِ وَ الْمَكْرُوهَ یَوْمَ الثَّلَاثَاءِ وَ النُّورَ یَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَ الدَّوَابَّ یَوْمَ الْخَمِیسِ وَ آدَمَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ.

أقول: الحدیث ضعیف مخالف للمشهور و سائر الأخبار فلا یعول علیه.

«89»- كِتَابُ زَیْدٍ النَّرْسِیِّ، عَنْ عُبَیْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِذَا أَمَاتَ اللَّهُ أَهْلَ الْأَرْضِ لَبِثَ مِثْلَ مَا كَانَ الْخَلْقُ وَ مِثْلَ مَا أَمَاتَهُمْ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَ

ص: 104


1- 1. هو الشیخ النبیل أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علی القمّیّ نزیل الری، قال فی روضات الجنّات: هو من قدماء المحدثین الأعیان، قریبا من عصر المفید أو فی عصره، یروی عن الصفوانی و الصدوق و له تصنیفات منها كتاب« ادب الامام و المأموم»- إلی أن قال- و كتاب مسلسلات الاخبار و قد جمع فی المسلسلات ما وقع فی جمیع طبقات اسناده لفظة خاصّة إلی أن اتصل بالمعصوم. ثم قال: و السیّد ابن طاوس یروی عن كتبه فی كتاب الاقبال و غیره و هذا ممّا یؤید الوثوق علیها. و روی عن بعض كتبه الشهید الثانی فی شرح الإرشاد ایضا( انتهی) و اما رجال هذا السند فجلهم عامی أو مجهول.

أَمَاتَ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْیَا ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ مَا أَمَاتَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ الدُّنْیَا وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ أَهْلَ السَّمَاءِ الثَّانِیَةِ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ مَا أَمَاتَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ الدُّنْیَا وَ السَّمَاءِ الثَّانِیَةِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ أَهْلَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ مَا أَمَاتَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ الدُّنْیَا وَ السَّمَاءِ الثَّانِیَةِ وَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ أَهْلَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ مَا أَمَاتَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْیَا وَ السَّمَاءِ الثَّانِیَةِ وَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ أَهْلَ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْأَرْضَ وَ مِثْلَ مَا أَمَاتَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْیَا وَ الثَّانِیَةِ وَ الثَّالِثَةِ وَ الرَّابِعَةِ وَ الْخَامِسَةِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ أَهْلَ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ مَا أَمَاتَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْیَا وَ الثَّانِیَةِ وَ الثَّالِثَةِ وَ الرَّابِعَةِ وَ الْخَامِسَةِ وَ السَّادِسَةِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ أَهْلَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ مَا أَمَاتَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ إِلَی السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ أَمَاتَ مِیكَائِیلَ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثُمَّ أَمَاتَ جَبْرَئِیلَ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثُمَّ أَمَاتَ إِسْرَافِیلَ ثُمَّ لَبِثَ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثُمَّ أَمَاتَ مَلَكَ الْمَوْتِ قَالَ ثُمَّ یَقُولُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لِمَنِ الْمُلْكُ الْیَوْمَ فَیَرُدُّ عَلَی نَفْسِهِ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أَیْنَ الْجَبَّارُونَ أَیْنَ الَّذِینَ ادَّعَوْا مَعِی إِلَهاً أَیْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ وَ نَحْوَ هَذَا ثُمَّ یَلْبَثُ مِثْلَ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ وَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَ أَضْعَافَ ذَلِكَ ثُمَّ یَبْعَثُ الْخَلْقَ أَوْ یَنْفُخُ فِی الصُّورِ قَالَ عُبَیْدُ بْنُ زُرَارَةَ فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَائِنٌ طَوَّلْتَ ذَلِكَ فَقَالَ أَ رَأَیْتَ مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ أَطْوَلُ أَوْ ذَا قَالَ قُلْتُ ذَا قَالَ فَهَلْ عَلِمْتَ بِهِ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَكَذَلِكَ هَذَا.

بیان: الخبر صریح فی الحدوث و قوله قلت ذا الظاهر أنه إشارة إلی المدة

ص: 105

قبل خلق الخلق و یدل علی الزمان الموهوم (1).

«90»- النهج، [نهج البلاغة] رَوَی مَسْعَدَةُ بْنُ صَدَقَةَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیٌّ علیه السلام بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَی مِنْبَرِ الْكُوفَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صِفْ لَنَا رَبَّنَا لِنَزْدَادَ لَهُ حُبّاً وَ بِهِ مَعْرِفَةً فَغَضِبَ علیه السلام وَ نَادَی الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَیْهِ حَتَّی غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ هُوَ مُغْضَبٌ مُتَغَیِّرُ اللَّوْنِ فَحَمِدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ صَلَّی عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یَفِرُهُ (2) الْمَنْعُ وَ لَا یُكْدِیهِ الْإِعْطَاءُ وَ الْجُودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَ كُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلَاهُ وَ هُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وَ عَوَائِدِ الْمَزِیدِ وَ الْقِسَمِ عِیَالُهُ الْخَلَائِقُ (3)

ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ وَ نَهَجَ سَبِیلَ الرَّاغِبِینَ إِلَیْهِ وَ الطَّالِبِینَ مَا لَدَیْهِ وَ لَیْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ یُسْأَلْ الْأَوَّلُ الَّذِی لَمْ یَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَیَكُونَ شَیْ ءٌ قَبْلَهُ وَ الْآخِرُ الَّذِی لَیْسَ لَهُ بَعْدٌ فَیَكُونَ شَیْ ءٌ بَعْدَهُ وَ الرَّادِعُ (4) أَنَاسِیَّ الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ مَا اخْتَلَفَ عَلَیْهِ دَهْرٌ فَتَخْتَلِفَ مِنْهُ الْحَالُ وَ لَا كَانَ فِی مَكَانٍ فَیَجُوزَ عَلَیْهِ الِانْتِقَالُ وَ لَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ وَ ضَحِكَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ مِنْ فِلِزِّ اللُّجَیْنِ وَ الْعِقْیَانِ وَ نُثَارَةِ الدُّرِّ وَ حَصِیدِ الْمَرْجَانِ مَا أَثَّرَ ذَلِكَ فِی جُودِهِ وَ لَا أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ وَ لَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ

ص: 106


1- 1. ان كان المراد بالخلق جمیع ما سوی اللّٰه فلا ریب أنّه لم یكن قبله شی ء سوی اللّٰه تعالی لا زمان و لا مكان و لا أی شی ء فرض حتّی یقایس به الأزمنة الطویلة فی الغایة، و لا یتوهم عندئذ شی ء اصلا( و اطلاق« عند» و« اذ» من ضیق العبارة) علی أن مقایسة الامر الحقیقی بالموهوم غیر صحیح كما لا یخفی و ان كان المراد بالخلق أهل السماوات و الأرض دون نفسها و ما وراءها فیمكن تصویر الزمان الحقیقی قبل خلق أهل السماوات و الأرض و لا یحتاج الی فرض الزمان الموهوم. و للروایة معنی دقیق یطلب من محله.
2- 2. فی المخطوطة: لا یعزه المنع و فی المصدر: لا یفره المنع و الجمود.
3- 3. فی المصدر: الخلق.
4- 4. فی بعض النسخ: فالرادع.

الْإِنْعَامِ مَا لَا تُنْفِدُهُ مَطَالِبُ الْأَنَامِ لِأَنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِی لَا یَغِیضُهُ سُؤَالُ السَّائِلِینَ وَ لَا یُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّینَ فَانْظُرْ أَیُّهَا السَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَیْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَأْتَمَّ بِهِ وَ اسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَایَتِهِ وَ مَا كَلَّفَكَ الشَّیْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَیْسَ فِی الْكِتَابِ عَلَیْكَ فَرْضُهُ وَ لَا فِی سُنَّةِ النَّبِیِّ وَ أَئِمَّةِ الْهُدَی أَثَرُهُ فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَی اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَی حَقِّ اللَّهِ عَلَیْكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِینَ فِی الْعِلْمِ هُمُ الَّذِینَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُیُوبِ الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِیرَهُ مِنَ الْغَیْبِ الْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اللَّهُ تَعَالَی اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ یُحِیطُوا بِهِ عِلْماً وَ سَمَّی تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِیمَا لَمْ یُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً فَاقْتَصِرْ عَلَی ذَلِكَ فَلَا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَی قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِینَ هُوَ الْقَادِرُ الَّذِی إِذَا ارْتَمَتِ الْأَوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ وَ حَاوَلَ الْفِكْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرِ الْوَسَاوِسِ (1) أَنْ یَقَعَ عَلَیْهِ مِنْ عَمِیقَاتِ (2) غُیُوبِ مَلَكُوتِهِ وَ تَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَیْهِ لِتَجْرِیَ فِی كَیْفِیَّةِ صِفَاتِهِ وَ غَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِی حَیْثُ لَا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَالَ عِلْمَ ذَاتِهِ رَدَعَهَا وَ هِیَ تَجُوبُ مَهَاوِیَ سُدَفِ الْغُیُوبِ مُتَخَلِّصَةً إِلَیْهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی

فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا یُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ وَ لَا تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِی الرَّوِیَّاتِ خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِیرِ جَلَالِ عِزَّتِه الَّذِی ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَی غَیْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ وَ لَا مِقْدَارٍ احْتَذَی عَلَیْهِ مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ وَ أَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ وَ عَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ وَ اعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَی أَنْ یُقِیمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ (3) مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِیَامِ الْحُجَّةِ عَلَی مَعْرِفَتِهِ وَ ظَهَرَتْ فِی الْبَدَائِعِ الَّتِی أَحْدَثَهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ وَ أَعْلَامُ حِكْمَتِهِ فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَ دَلِیلًا عَلَیْهِ وَ إِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِیرِ نَاطِقَةٌ وَ دَلَالَتُهُ عَلَی الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ فَأَشْهَدُ(4)

أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَایُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ وَ تَلَاحُمِ حِقَاقِ

ص: 107


1- 1. سیأتی من المؤلّف- رحمه اللّٰه- أنه روی، من خطرات الوساوس.
2- 2. فی بعض النسخ و كذا فی المصدر: فی عمیقات.
3- 3. فی المصدر: قدرته.
4- 4. فی المصدر: و أشهد. و هكذا فیما یأتی.

مَفَاصِلِهِمُ الْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبِیرِ حِكْمَتِكَ لَمْ یَعْقِدْ غَیْبَ ضَمِیرِهِ عَلَی مَعْرِفَتِكَ وَ لَمْ یُبَاشِرْ قَلْبَهُ الْیَقِینُ بِأَنَّهُ لَا نِدَّ لَكَ وَ كَأَنَّهُ لَمْ یَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِینَ مِنَ الْمَتْبُوعِینَ إِذْ یَقُولُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ إِذْ نُسَوِّیكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ وَ نَحَلُوكَ حِلْیَةَ الْمَخْلُوقِینَ بِأَوْهَامِهِمْ وَ جَزَّءُوكَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ وَ قَدَّرُوكَ عَلَی الْخِلْقَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقُوَی بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَیْ ءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ وَ الْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آیَاتِكَ وَ نَطَقَتْ بِهِ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَیِّنَاتِكَ وَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِی لَمْ یَتَنَاهَ فِی الْعُقُولِ فَیَكُونَ فِی مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَیَّفاً وَ لَا فِی رَوِیَّاتِ خَوَاطِرِهَا مَحْدُوداً(1) مُصَرَّفاً- وَ مِنْهَا: قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِیرَهُ وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِیرَهُ وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ یَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ فَلَمْ یَقْصُرْ(2) دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَی غَایَتِهِ وَ لَمْ یَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِیِّ عَلَی إِرَادَتِهِ وَ كَیْفَ وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشِیَّتِهِ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الْأَشْیَاءِ بِلَا رَوِیَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَیْهَا وَ لَا قَرِیحَةِ غَرِیزَةٍ أَضْمَرَ عَلَیْهَا وَ لَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ وَ لَا شَرِیكٍ أَعَانَهُ عَلَی ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ فَتَمَّ خَلْقُهُ وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ وَ أَجَابَ إِلَی دَعْوَتِهِ وَ لَمْ یَعْتَرِضْ دُونَهُ رَیْثُ الْمُبْطِئِ وَ لَا أَنَاةُ الْمُتَلَكِّئِ فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْیَاءِ أَوَدَهَا وَ نَهَجَ حُدُودَهَا(3) وَ لَاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَیْنَ مُتَضَادِّهَا وَ وَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِی الْحُدُودِ وَ الْأَقْدَارِ وَ الْغَرَائِزِ وَ الْهَیْئَاتِ بَدَایَا خَلَائِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا وَ فَطَرَهَا عَلَی مَا أَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا- مِنْهَا فِی صِفَةِ السَّمَاءِ: وَ نَظَمَ بِلَا تَعْلِیقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا وَ لَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا وَ شَجَّ بَیْنَهَا وَ بَیْنَ أَزْوَاجِهَا وَ ذَلَّلَ لِلْهَابِطِینَ بِأَمْرِهِ وَ الصَّاعِدِینَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا(4)

وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِیَ دُخَانٌ فَالْتَحَمَتْ عُرَی أَشْرَاجِهَا وَ فَتَقَ

ص: 108


1- 1. فی المصدر: فتكون محدودا.
2- 2. فی المصدر و كذا فی بعض النسخ: فلم یقصر.
3- 3. فی النسخة المخطوطة: جددها.
4- 4. فی بعض النسخ: معارجها.

بَعْدَ الِارْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا وَ أَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَی نِقَابِهَا وَ أَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فِی خَرْقِ (1)

الْهَوَاءِ بَائِدَةً [رَائِدَةً] وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آیَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا وَ قَمَرَهَا آیَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَیْلِهَا وَ أَجْرَاهُمَا(2)

فِی مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا وَ قَدَّرَ مَسِیرَهُمَا(3)

فِی مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا لِیُمَیِّزَ بَیْنَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ بِهِمَا وَ لِیُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِینَ وَ الْحِسَابُ بِمَقَادِیرِهَا ثُمَّ عَلَّقَ فِی جَوِّهَا فَلَكَهَا وَ نَاطَ بِهَا زِینَتَهَا مِنْ خَفِیَّاتِ دَرَارِیِّهَا وَ مَصَابِیحِ كَوَاكِبِهَا وَ رَمَی مُسْتَرِقِی السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا وَ أَجْرَاهَا عَلَی إِذْلَالِ تَسْخِیرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا وَ مَسِیرِ سَائِرِهَا وَ هُبُوطِهَا وَ صُعُودِهَا وَ نُحُوسِهَا وَ سُعُودِهَا- مِنْهَا فِی صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ علیهم السلام: ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ وَ عِمَارَةِ الصَّفِیحِ الْأَعْلَی مِنْ مَلَكُوتِهِ خَلْقاً بَدِیعاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ مَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا وَ حَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا وَ بَیْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِینَ مِنْهُمْ فِی حَظَائِرِ الْقُدُسِ وَ سُتُرَاتِ الْحُجُبِ وَ سُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ وَ وَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجِیجِ الَّذِی تَسْتَكُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَی حُدُودِهَا أَنْشَأَهُمْ عَلَی صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ أُولِی أَجْنِحَةٍ تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِهِ لَا یَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِی الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ (4)

وَ لَا یَدَّعُونَ أَنَّهُمْ یَخْلُقُونَ شَیْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ جَعَلَهُمُ فِیمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَی وَحْیِهِ وَ حَمَّلَهُمْ إِلَی الْمُرْسَلِینَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَ نَهْیِهِ وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَیْبِ الشُّبُهَاتِ فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِیلِ مَرْضَاتِهِ وَ أَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ(5) وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِینَةِ وَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا إِلَی تَمَاجِیدِهِ وَ نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَی

ص: 109


1- 1. فی المصدر: فی خراق.
2- 2. فی بعض النسخ و كذا فی المصدر: فأجراهما.
3- 3. فی المصدر: سیرهما.
4- 4. فی المصدر: صنعته.
5- 5. فی المخطوطة: بفوائد امره.

أَعْلَامِ تَوْحِیدِهِ لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الْآثَامِ وَ لَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّیَالِی وَ الْأَیَّامِ وَ لَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِیمَةَ إِیمَانِهِمْ وَ لَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَی مَعَاقِدِ یَقِینِهِمْ وَ لَا قَدَحَتْ قَادِحَةُ الْإِحَنِ فِیمَا بَیْنَهُمْ وَ لَا سَلَبَتْهُمُ الْحَیْرَةُ مَا لَاقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ وَ سَكَنَ بِعَظَمَتِهِ (1)

وَ هَیْبَةِ جَلَالِهِ (2) فِی أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ وَ لَمْ تَطْمَعْ فِیهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَیْنِهَا(3)

عَلَی فِكْرِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِی خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ (4)

وَ فِی عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ وَ فِی قُتْرَةِ الظَّلَامِ الْأَیْهَمِ وَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الْأَرْضِ السُّفْلَی فَهِیَ كَرَایَاتٍ بِیضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِی مَخَارِقِ الْهَوَاءِ وَ تَحْتَهَا رِیحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَی حَیْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِیَةِ قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ (5) أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ وَ وَسَّلَتْ حَقَائِقُ الْإِیمَانِ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ وَ قَطَعَهُمُ الْإِیقَانُ بِهِ إِلَی الْوَلَهِ إِلَیْهِ وَ لَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَی مَا عِنْدَ غَیْرِهِ قَدْ ذَاقُوا حَلَاوَةَ

مَعْرِفَتِهِ وَ شَرِبُوا مِنْ كَأْسِ الرَّوِیَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَ تَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَیْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِیجَةُ خِیفَتِهِ فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ وَ لَمْ یُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَیْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ وَ لَا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِیمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ وَ لَمْ یَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَیَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ وَ لَا تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ الْإِجْلَالِ نَصِیباً فِی تَعْظِیمِ حَسَنَاتِهِمْ وَ لَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِیهِمْ عَلَی طُولِ دُءُوبِهِمْ وَ لَمْ تَغِضْ (6)

رَغَبَاتُهُمْ فَیُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلَاتُ أَلْسِنَتِهِمْ وَ لَا مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْخَیْرِ(7) إِلَیْهِ أَصْوَاتُهُمْ وَ لَمْ تَخْتَلِفْ

ص: 110


1- 1. فی بعض النسخ: من عظمته.
2- 2. فی بعض النسخ: و كذا فی المصدر: جلالته.
3- 3. فی بعض النسخ: بریبها.
4- 4. الدلح: بالحاء المهملة و زان عنق جمع« دلوح» أی كثیر الماء، و یحتمل ان یكون بتشدید اللام المفتوحة كركع جمع« دالح».
5- 5. فی المخطوطة: قد استفزعتهم.
6- 6. فی المخطوطة: لم تفض.
7- 7. فی بعض النسخ: بهمس الحنین.

فِی مَقَاوِمِ الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ وَ لَمْ یَثْنُوا إِلَی رَاحَةِ التَّقْصِیرِ فِی أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ وَ لَا تَعْدُوا عَلَی عَزِیمَةِ جِدِّهِمْ بَلَادَةُ الْغَفَلَاتِ وَ لَا تَنْتَضِلُ فِی هِمَمِهِمْ (1)

خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ قَدِ اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِیرَةً لِیَوْمِ فَاقَتِهِمْ وَ یَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَی الْمَخْلُوقِینَ بِرَغْبَتِهِمْ لَا یَقْطَعُونَ أَمَدَ غَایَةِ عِبَادَتِهِ وَ لَا یَرْجِعُ بِهِمُ الِاسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ إِلَّا إِلَی مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَیْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ فَیَنُوا فِی جِدِّهِمْ وَ لَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَیُؤْثِرُوا وَشِیكَ السَّعْیِ عَلَی اجْتِهَادِهِمْ وَ لَمْ یَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَی مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَ لَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ وَ لَمْ یَخْتَلِفُوا فِی رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّیْطَانِ عَلَیْهِمْ وَ لَمْ یُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ وَ لَا تَوَلَّاهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ وَ لَا شَعَّبَتْهُمْ (2)

مَصَارِفُ الرِّیَبِ وَ لَا اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْیَافُ الْهِمَمِ فَهُمْ أُسَرَاءُ إِیمَانٍ لَمْ یَفُكَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَیْغٌ وَ لَا عُدُولٌ وَ لَا وَنًی وَ لَا فُتُورٌ وَ لَیْسَ فِی أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلَّا وَ عَلَیْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ یَزْدَادُونَ عَلَی طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً وَ تَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِی قُلُوبِهِمْ عِظَماً- وَ مِنْهَا فِی صِفَةِ الْأَرْضِ وَ دَحْوِهَا عَلَی الْمَاءِ: كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَی مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ وَ لُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ تَلْتَطِمُ أَوَاذِیُّ أَمْوَاجِهَا وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا وَ تَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِیَاجِهَا فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلَاطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا وَ سَكَنَ هَیْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِیاً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَیْهِ بِكَوَاهِلِهَا فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ سَاجِیاً مَقْهُوراً وَ فِی حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِیراً وَ سَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِی لُجَّةِ تَیَّارِهِ وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَ اعْتِلَائِهِ وَ شُمُوخِ أَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ وَ كَعَمَتْهُ عَلَی كِظَّةِ جَرْیَتِهِ فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ (3)

وَ لَبَدَ بَعْدَ زَیَفَانِ وَثَبَاتِهِ فَلَمَّا سَكَنَ هَیْجُ (4)

الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا وَ حَمَلَ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ الْبُذَّخِ (5)

ص: 111


1- 1. فی بعض النسخ: همهم.
2- 2. فی بعض النسخ: و لا تشعبتهم.
3- 3. فی المخطوطة: خرقاته.
4- 4. فی المصدر: هیاج.
5- 5. فی المصدر: الشمخ البذخ.

عَلَی أَكْنَافِهَا فَجَّرَ یَنَابِیعَ الْعُیُونِ مِنْ عَرَانِینِ أُنُوفِهَا وَ فَرَّقَهَا فِی سُهُوبِ بِیدِهَا وَ أَخَادِیدِهَا وَ عَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِیَاتِ مِنْ جَلَامِیدِهَا وَ ذَوَاتِ الشَّنَاخِیبِ الشُّمِّ مِنْ صَیَاخِیدِهَا فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَیَدَانِ بِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِی قِطَعِ أَدِیمِهَا وَ تَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فِی جَوْبَاتِ خَیَاشِیمِهَا وَ رُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِینَ وَ جَرَاثِیمِهَا وَ فَسَحَ بَیْنَ الْجَوِّ وَ بَیْنَهَا وَ أَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا(1) وَ أَخْرَجَ إِلَیْهَا أَهْلَهَا عَلَی تَمَامِ مَرَافِقِهَا ثُمَّ لَمْ یَدَعْ جُرُزَ الْأَرْضِ الَّتِی تَقْصُرُ مِیَاهُ الْعُیُونِ عَنْ رَوَابِیهَا وَ لَا تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِیعَةً إِلَی بُلُوغِهَا حَتَّی أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْیِی مَوَاتَهَا وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ وَ تَبَایُنِ قَزَعِهِ حَتَّی إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ الْمُزْنِ فِیهِ وَ الْتَمَعَ بَرْقُهُ فِی كُفَفِهِ وَ لَمْ یَنَمْ وَمِیضُهُ فِی كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ وَ مُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً قَدْ أَسَفَّ هَیْدَبُهُ تمر به [تَمْرِیهِ] الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِیبِهِ وَ دُفَعَ شَآبِیبِهِ فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَیْهَا وَ بَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ العب [الْعِبْ ءِ] الْمَحْمُولِ عَلَیْهَا أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هوامل (2) [هَوَامِدِ] الْأَرْضِ النَّبَاتَ وَ مِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ فَهِیَ تَبْهَجُ بِزِینَةِ رِیَاضِهَا وَ تَزْدَهِی بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ ربط [رَیْطِ] أَزَاهِیرِهَا وَ حِلْیَةِ مَا شُمِّطَتْ (3) بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا وَ جَعَلَ ذَلِكَ بَلَاغاً لِلْأَنَامِ وَ رِزْقاً لِلْأَنْعَامِ وَ خَرَقَ الْفِجَاجَ فِی آفَاقِهَا وَ أَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِكِینَ عَلَی جَوَادِّ طُرُقِهَا فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ وَ أَنْفَذَ أَمْرَهُ اخْتَارَ آدَمَ علیه السلام خِیَرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ وَ أَسْكَنَ (4)

جَنَّتَهُ وَ أَرْغَدَ فِیهَا أُكُلَهُ وَ أَوْعَزَ إِلَیْهِ فِیمَا نَهَاهُ عَنْهُ وَ أَعْلَمَهُ أَنَّ فِی الْإِقْدَامِ عَلَیْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِیَتِهِ وَ الْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ فَأَقْدَمَ عَلَی مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِیَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ وَ لِیُقِیمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَی عِبَادِهِ وَ لَمْ یُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا یُؤَكِّدُ عَلَیْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِیَّتِهِ وَ یَصِلُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَی أَلْسُنِ الْخِیَرَةِ

ص: 112


1- 1. لساكنیها( خ).
2- 2. فی بعض النسخ:« هوامد الأرض» و هو الأظهر.
3- 3. فی المصدر: سمطت. و سیأتی من المؤلّف رحمه اللّٰه ذكر النسختین و بیان معناهما.
4- 4. فی بعض النسخ: أسكنه.

مِنْ أَنْبِیَائِهِ وَ مُتَحَمِّلِی وَدَائِعِ رِسَالاتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّی تَمَّتْ بِنَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله حُجَّتُهُ وَ بَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ وَ قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا وَ قَسَّمَهَا عَلَی الضِّیقِ وَ السَّعَةِ فَعَدَلَ فِیهَا لِیَبْتَلِیَ مَنْ أَرَادَ بِمَیْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا وَ لِیَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَ الصَّبْرَ مِنْ غَنِیِّهَا وَ فَقِیرِهَا ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِیلَ فَاقَتِهَا وَ بِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ آفَتِهَا وَ بِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا وَ خَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ قرانها [أَقْرَانِهَا(1)]

عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِینَ وَ نَجْوَی الْمُتَخَافِتِینَ وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ وَ عُقَدِ عَزِیمَاتِ الْیَقِینِ وَ مَسَارِقِ إِیمَاضِ الْجُفُونِ وَ مَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَافُ الْقُلُوبِ (2)

وَ غَیَابَاتُ الْغُیُوبِ وَ مَا أَصْغَتْ لِاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ وَ مَصَایِفُ الذَّرِّ وَ مَشَاتِی الْهَوَامِّ وَ رَجْعِ الْحَنِینِ مِنَ الْمُولَهَاتِ وَ هَمْسِ الْأَقْدَامِ وَ مُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلَائِجِ غُلُفِ الْأَكْمَامِ وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِیرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِیَتِهَا وَ مُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَیْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِیَتِهَا وَ مَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ وَ مَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ وَ نَاشِئَةِ الْغُیُومِ وَ مُتَلَاحِمِهَا وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ وَ

مُتَرَاكِمِهَا وَ مَا تَسْفِی (3) الْأَعَاصِیرُ بِذُیُولِهَا وَ تَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُیُولِهَا وَ عَوْمِ نبات [بَنَاتِ] الْأَرْضِ فِی كُثْبَانِ الرِّمَالِ وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَی شَنَاخِیبِ الْجِبَالِ وَ تَغْرِیدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِی دَیَاجِیرِ الْأَوْكَارِ وَ مَا أَوْعَتْهُ الْأَصْدَافُ وَ حَضَنَتْ عَلَیْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ وَ مَا غَشِیَتْهُ سُدْفَةُ لَیْلٍ أَوْ ذَرَّ عَلَیْهِ شَارِقُ نَهَارٍ وَ مَا اعْتَقَبَتْ عَلَیْهِ أَطْبَاقُ الدَّیَاجِیرِ وَ سُبُحَاتُ النُّورِ وَ أَثَرِ كُلِّ خُطْوَةٍ وَ حِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ وَ رَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ وَ تَحْرِیكِ كُلِّ شَفَةٍ وَ مُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ وَ هَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ وَ مَا عَلَیْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ أَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَ مُضْغَةٍ أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَ سُلَالَةٍ لَمْ تَلْحَقْهُ فِی ذَلِكَ كُلْفَةٌ وَ لَا اعْتَرَضَتْهُ فِی حِفْظِ

ص: 113


1- 1. فی المخطوطة و المصدر: اقرانها.
2- 2. فی المصدر: أكنان القلوب.
3- 3. فی بعض النسخ: تسقی.

مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ وَ لَا اعْتَوَرَتْهُ فِی تَنْفِیذِ الْأُمُورِ وَ تَدَابِیرِ الْمَخْلُوقِینَ مَلَالَةٌ وَ لَا فَتْرَةٌ بَلْ نَفَذَ فِیهِمْ عِلْمُهُ وَ أَحْصَاهُمْ عَدُّهُ وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ مَعَ تَقْصِیرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِیلِ وَ التَّعَدُّدِ(1) الْكَثِیرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَیْرُ مَأْمُولٍ (2) وَ إِنْ تُرْجَ فَخَیْرُ مَرْجُوٍّ(3) اللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِی لِسَاناً فِیمَا لَا أَمْدَحُ بِهِ غَیْرَكَ وَ لَا أُثْنِی بِهِ عَلَی أَحَدٍ سِوَاكَ وَ لَا أُوَجِّهُهُ إِلَی مَعَادِنِ الْخَیْبَةِ وَ مَوَاضِعِ الرِّیبَةِ وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِی عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِیِّینَ وَ الثَّنَاءِ عَلَی الْمَرْبُوبِینَ الْمَخْلُوقِینَ اللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلَی مَنْ أَثْنَی عَلَیْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِیلًا عَلَی ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِیدِ الَّذِی هُوَ لَكَ وَ لَمْ یَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَ الْمَمَادِحِ غَیْرَكَ وَ بِی فَاقَةٌ إِلَیْكَ لَا یَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُكَ وَ لَا یَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلَّا مَنُّكَ وَ جُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِی هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَیْدِی إِلَی مَنْ سِوَاكَ إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ(4).

التوحید، عن علی بن أحمد الدقاق عن محمد بن جعفر الأسدی عن محمد بن إسماعیل البرمكی عن علی بن العباس عن إسماعیل بن مهران عن إسماعیل بن الحق الجهنی عن فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام: مثله مع اختصار و قد مر فی كتاب التوحید(5).

ص: 114


1- 1. فی المصدر: التعداد.
2- 2. فی المصدر: فخیر مؤمل و إن ترج فأكرم مرجو.
3- 3. یظهر من شرح المؤلّف- رحمه اللّٰه- لهذه الفقرة فی بیانه الآتی ان هناك لفظة« اكرم» لكن النسخ خالیة منها إلّا نسخة المصدر و هی هكذا« و ان ترج فاكرم مرجو» فیحتمل ان نسخة المؤلّف أیضا كانت مثله او كانت هكذا« ان تؤمل فاكرم مأمول و ان ترج فخیر مرجو».
4- 4. نهج البلاغة: 160- 181.
5- 5. التوحید: 23.

بیان: قد مضی شرح أكثر أجزاء هذه الخطبة فی كتاب التوحید و لعل غضبه علیه السلام لعلمه بأن غرض السائل وصفه سبحانه بصفات الأجسام أو لأنه سأل بیان كنه حقیقته سبحانه أو وصفه بصفات أرفع و أبلغ مما نطق به الكتاب و الآثار لزعمه أنه لا یكفی فی معرفته سبحانه و یؤید كلا من الوجوه بعض الفقرات و جامعةً منصوبة علی الحالیة أی علیكم الصلاةُ علی رفع الصلاة كما حكی أو احضروا الصلاةَ علی نصبها جامعةً لكل الناس و ربما یقرأ برفعهما علی الابتداء و الخبریة و هذا النداء كان شائعا فی الخطوب الجلیلة و إن كان أصله للصلاة.

لا یفره أی لا یكثره المنع (1)

أی ترك العطاء و لا یكدیه الإعطاء أی لا یجعله قلیل الخیر مبطئا فیه یقال كدت الأرض إذا أبطأ نباتها و أكدی

ص: 115


1- 1. قوله علیه الصلاة و السلام« لا یفره المنع» أی لا یكثره ترك إلا عطاه و لا یزید فی ملكه« و لا یكدیه الاعطاء» أی لا یفقره و لا ینتقص من ملكه« اذ كل معط منتقص سواه و كل مانع مذموم ما خلاه» حسن الاعطاء و الجود و قبح المنع و البخل من احكام العقل العملی، و ملاك الحكم أنّه یری الإنسان محتاجا الی بنی نوعه مفتقرا الی التعاون و التعاضد معهم حتّی یسعد فی حیاته و یبلغ غایة مناه، فلكل فرد من افراد المجتمع قدم فی تشكیله، و أثر فی ابقائه، و حقّ علی زملائه، و حقّ علیهم جمیعا ان یتحفظوا علی الاجتماع، و یراقبوا ثغوره، و یذبوا عن حدوده فحق علی الأغنیاء المثرین ان یبذلوا علی الفقراء المعدمین و لا یدعوهم مفتقرین حتّی یهلكوا و یفقد المجتمع بعض اعضائه فینتقض الغرض و یخیب المسعی. و من الواضح عدم وجود هذا الملاك فی الحق سبحانه لتعالیه عن الحاجة، و ترفعه عن النقصان، و تنزهه عن الغرض الزائد علی الذات، لكن حیث إن له تعالی مطلق الكمال و الجمال و له الأسماء الحسنی و الصفات العلیا كان ذاته المتعالیة و صفاته الجمیلة الغیر الزائدة علیها مقتضیة لصدور الافعال الحسنة و كان كل افعاله لا محالة حسنة جمیلة، لكن لیس للعقل أن یحكم علیه بوجوب فعل الخیر و ترك الشر الا بمعنی ادراكه لاقتضاء ذاته سبحانه لهما، و علی هذا فلو صدر عنه سبحانه منع أیضا كان حسنا لانه لیس لاحد علیه تعالی حقّ حتّی یحسن اعطاؤه و یقبح منعه و لا یسأل عما یفعل و هم یسألون. و هذا هو المراد بقول الامام الثامن علیه السلام« فهو الجواد ان أعطی و هو الجواد ان منع لانه ان أعطی عبدا اعطاه ما لیس له و ان منعه منعه ما لیس له».

فلان الأرض إذا جعلها كادیة أو لا ترده كثرة العطاء عن عادته فیه من قولهم أكدیت الرجل عن الشی ء أی رددته عنه ذكره الجوهری و قال الكدیة الأرض الصلبة و أكدی الحافر إذا بلغ الكدیة فلا یمكنه أن یحفر و أكدی الرجل إذا قل خیره و انتقص یكون متعدیا و لازما كنقص و هذا فی النسخ علی بناء المفعول و التعلیل بالجملتین باللف و النشر المرتب أو المشوش لمطابقة الإعطاء و المنع فی كل منهما و علی التقدیرین التعلیل فی الأولی ظاهر و الفقرة الثانیة لیست فی نسخ التوحید و هو الصواب و علی تقدیرها ففی أصل الجملة و التعلیل بها معا إشكال أما الأول فلأنه إن أرید بالمنع ما كان مستحسنا أو الأعم فكیف یصح الحكم بكونه مذموما و إن أرید به ما لم یكن مستحسنا فلا یستقیم الاستثناء.

و یمكن أن یجاب باختیار الثانی من الأول أی الأعم و یقال المراد بالمذموم من أمكن أن یلحقه الذم فیصیر حاصل الكلام أن كل مانع غیره یمكن أن یلحقه الذم بخلافه سبحانه فإنه لا یحتمل أن یلحقه بالمنع ذم أو یقال المانع لا یصدق علی غیره تعالی إلا إذا بخل بما افترض علیه و إذا أطلق علیه سبحانه یراد به مقابل المعطی و المراد بالعنوان المعنی الشامل لهما

وَ یَدُلُّ عَلَیْهِ مَا مَرَّ مَرْوِیّاً عَنِ الرِّضَا علیه السلام: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجَوَادِ فَقَالَ علیه السلام إِنَّ لِكَلَامِكَ وَجْهَیْنِ فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْمَخْلُوقِ فَإِنَّ الْجَوَادَ هُوَ الَّذِی یُؤَدِّی مَا افْتَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَیْهِ وَ الْبَخِیلَ هُوَ الَّذِی یَبْخَلُ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ إِنْ أَرَدْتَ الْخَالِقَ فَهُوَ الْجَوَادُ إِنْ أَعْطَی وَ هُوَ الْجَوَادُ إِنْ مَنَعَ لِأَنَّهُ إِنْ أَعْطَی عَبْداً أَعْطَاهُ مَا لَیْسَ لَهُ وَ إِنْ مَنَعَهُ مَنَعَهُ مَا لَیْسَ لَهُ.

و أما الثانی فیحتمل أن تكون جملة مستقلة غیر داخلة تحت التعلیل مسوقة لرفع توهم ینشأ من التعلیل بعدم الانتقاص بالإعطاء فإن لمتوهم أن یقول إذا لم ینقص من خزائنه شی ء بالإعطاء فیجب أن لا یتصف بالمنع أصلا و لو اتصف به لكان مذموما مع أن من أسمائه تعالی المانع فرد ذلك الوهم بأن منعه سبحانه

ص: 116

لیس للانتقاص بالإعطاء بل لقبح الإعطاء و عدم اقتضاء المصلحة له و مثل ذلك المنع لا یستتبع الذم و استحقاقه و لو حملت علی التعلیل فیمكن أن یكون من قبیل الاستدلال بعدم المعلول علی عدم العلة فإن الوفور بالمنع أو إكداء الإعطاء(1)

علة للبخل التابع للخوف من الفاقة و هو علة لترتب الذم من حیث إنه نقص أو لاقتضائه المنع و رد السائل و نفی الذم یدل علی عدم الوفور أو الإكداء المدعی فی الجملتین المتقدمتین.

المنان بفوائد النعم المن یكون بمعنی الإنعام و بمعنی تعدید النعم و الأول هنا أظهر و ربما یحمل علی الثانی فإن منه سبحانه حسن و إن كان فی المخلوق صفة ذم و الفائدة الزیادة تحصل للإنسان من مال أو غیره و العائد المعروف و العطف و قیل عوائد المزید و القسم معتادهما و المزید الزیادة و لعل المراد به ما لا یتوهم فیه استحقاق العبد و القسم جمع القسمة و هی الاسم من قسمه كضربه و قسمه بالتشدید أی جزأه و عیال الرجال بالكسر أهل بیته و من یمونهم جمع عیل و جمعه عیائل.

ضمن أرزاقهم أی كفلها و قدر أقواتهم أی جعل لكل منهم من القوت قدرا تقتضیه الحكمة و المصلحة و نهج سبیل الراغبین إلیه نهجت الطریق أبنته و أوضحته و نهج السبیل لصلاح المعاد كما أن ضمان الأرزاق لصلاح المعاش و یحتمل الأعم لیس بما سئل إلخ عدم الفرق بینهما بالنظر إلی الجود لا ینافی الحث علی السؤال لأنه من معدات السائل لاستحقاق الإنعام لأن نسبته سبحانه إلی الخلق علی السواء و إن استحق السائل ما لا یستحقه (2) غیره بخلاف المخلوقین فإن السؤال یهیج جودهم بالطبع مع قطع النظر عن الاستعداد.

الأول الذی لم یكن له قبل فیكون شی ء قبله قیل وجوده سبحانه لیس بزمانی فلا یطلق علیه القبلیة و البعدیة كما یطلق علی الزمانیات فمعناه الأول

ص: 117


1- 1. أو الاكداء بالاعطاء( ظ).
2- 2. فی بعض النسخ: ما لم یستحقه.

الذی لا یصدق علیه القبلیة لیمكن أن یكون شی ء ما قبله و الآخر الذی لا یصدق علیه البعدیة الزمانیة لیمكن أن یكون شی ء ما بعده و قد یحمل علی وجه آخر و هو أنه لم یكن سبقه عدم فیقال إنه مسبوق بشی ء من الأشیاء إما المؤثر فیه أو الزمان المقدم علیه و إنه لیس بذات یمكن فناؤها و عدمها فیكون بعده شی ء من الأشیاء إما الزمان أو غیره و یمكن أن یكون المراد بالقبل الزمان المتقدم سواء كان أمرا موجودا أو موهوما و بالشی ء موجودا من الموجودات أی لیس قبله زمان حتی یتصور تقدم موجود علیه و كذا بقاء موجود بعده و الرادع أناسی الأبصار عن أن تناله أو تدركه الأناسی بالتشدید جمع إنسان و إنسان العین المثال

الذی یری فی السواد و لا یجمع علی أناس كما یجمع الإنسان بمعنی البشر علیه و قیل الأناسی جمع إنسان العین مشدد و الآخر یشدد و یخفف و قرئ أناسی كثیرا بالتخفیف و ردعها أی منعها كنایة عن عدم إمكان إحساسها له لأنه سبحانه لیس بجسم و لا جسمانی و لا فی جهة و نلت الشی ء أصبته و أدركته أی تبعته فلحقته و المراد بالنیل الإدراك التام و بالإدراك غیره و یحتمل العكس و أن یكون العطف لتغایر اللفظین أو یكون إشارة إلی جهتین لامتناع الرؤیة فالنیل إشارة إلی استلزام كونه ذا جهة و جسمانیا و الإدراك إلی أنه یستلزم وجود كنه ذاته فی الأذهان و هو ممتنع كما أشرنا إلیه فی كتاب التوحید.

ما اختلف علیه دهر ظاهره نفی الزمانیة عنه تعالی و یحتمل أن یراد به جریانه علی خلاف مراده أحیانا و علی وفق إرادته أحیانا حتی یلحقه ما یلحق الخلق من الشدة و الرخاء و النعم و البؤس و الصحة و السقم و نحو ذلك.

و لو وهب ما تنفست استعار التنفس هنا لإبراز المعادن ما یخرج منهما كما یخرج الهواء من تنفس الحیوان و ضحكت عنه أی تفتحت و انشقت حتی ظهر و یقال للطلع حین تنشق الضحك بفتح الضاد و قد مر بیان لطف تلك التشبیهات.

و الفلز بكسر الفاء و اللام و تشدید الزای الجواهر المعدنیة كالذهب و

ص: 118

الفضة و فی الصحاح ما ینقیه (1)

الكیر مما یذاب من جواهر الأرض و اللجین مصغرا الفضة و العقیان بالكسر الذهب الخالص و نثرت الشی ء كنصرت رمیته متفرقا و نثارة الدر بالضم ما تناثر منه و الدر جمع درة و هی اللؤلؤة العظیمة أو مطلقا و حصد الزرع قطعه بالمنجل و الحصید المحصود و المراد بالمرجان إما صغار اللؤلؤ و وصفه بالحصید(2)

لعله یناسب ما تذكره التجار أن الصدف كثیرا ما یغرز عرقه فی أرض البحر فیحصده الغواصون و لذا قیل إنه حیوان یشبه النبات و قال بعض شارحی النهج كأن المراد المتبدد من المرجان كما یتبدد الحب المحصود و یجوز أن یعنی المحكم من قولهم شی ء مستحصد أی مستحكم قال و یروی و حصباء المرجان و الحصباء الحصی و قال قوم هو البسد یعنی الحجر الأحمر و أنفده أی أفناه و ذخائر الإنعام ما بقی عنده من نعمه الجسام بعد العطایا المفروضة و المطالب جمع المطلب بمعنی المصدر لا یغیضه جاء متعدیا كما جاء لازما و لا یبخله أی لا یجعله بخیلا و یقال أیضا بخله تبخیلا إذا رماه بالبخل و روی علی صیغة الإفعال أی لا یجده بخیلا و التعلیل بقوله لأنه الجواد إما للجملة الشرطیة بتوالیها فالوجه فی التعلیل بنفی التبخیل ظاهر إذ لو أثر العطاء المفروض فی جوده لبخله الإلحاح فإنه فی الحقیقة منع (3)

التأثیر فی الجود فنفیه یدل علی نفیه و إما لبقاء ما لا ینفده المطالب فوجه التعلیل أن العادة قد جرت بلحوق البخل لمن ینفد ما عنده بالطلب و إن أمكن عقلا عدمه بأن یسمح بكل ما عنده فنفی التبخیل یدل علی نفی الإنفاد.

ص: 119


1- 1. فی النسخة المطبوعة بمصر« ینفیه» و ما فی المتن أظهر،« و الكیر» كما نقل فی الصحاح عن أبی عمرو هو كیر الحداد و هو زق او جلد غلیظ ذو حافات و فی القاموس: الفلز: بكسر الفاء و اللام و شد الزای و كهجف و عتل نحاس أبیض تجعل منه القدور المفرغة، أو خبث الحدید، أو الحجارة، أو جواهر الأرض كلها أو ما ینفیه الكیر من كل ما یذاب منها إلخ.
2- 2. فی بعض النسخ: بالحصد.
3- 3. فی المخطوطة: معنی التأثیر.

فانظر أیها السائل إلخ الایتمام الاقتداء و الأثر بالتحریك نقل الحدیث و روایته و وكل الأمر إلیه وكلا و وكولا سلمه و تركه و یدل علی المنع من الخوض فی صفاته سبحانه و من البحث عما لم یرد منها فی الكتاب و السنة.

و اعلم أن الراسخین فی العلم إلی آخره الراسخ فی العلم الثابت فیه و اقتحم المنزل أی دخله بغتة و من غیر رویة و السدد جمع سدة و هی باب الدار و ضرب الباب نصبه و دون الشی ء ما قرب منه قبل الوصول إلیه و المتعمق فی الأمر الذی یبالغ فیه و یطلب أقصی غایته و قدر الشی ء مبلغه و تقدیره أن تجعل له قدرا و تقیسه بشی ء و المعنی لا تقس عظمة اللّٰه بمقیاس عقلك و مقداره و الظاهر أن المراد بإقرار الراسخین فی العلم و مدحهم ما تضمنه قوله سبحانه فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ إلی قوله وَ ما یَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ فإقرارهم قولهم آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و مدح اللّٰه تعالی إیاهم ذكر كلامهم المتضمن للإیمان و التسلیم فی مقام المدح أو تسمیة ترك تعمقهم رسوخا فی العلم فالعطف فی قوله و سمی للتفسیر أو الإشارة إلی أنهم أولو الألباب بقوله وَ ما یَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ و حینئذ فالمراد بالمتشابه ما یشمل كنه ذاته و صفاته سبحانه مما استأثر اللّٰه بعلمه و علی هذا فمحل الوقف فی الآیة إِلَّا اللَّهُ كما هو المشهور بین المفسرین و القراء فتفید اختصاص علم المتشابه (1)

به سبحانه و قوله وَ الرَّاسِخُونَ مبتدأ و یَقُولُونَ خبره و هو بظاهره مناف

ص: 120


1- 1. بل تفید اختصاص العلم بتأویل القرآن به سبحانه فتأمل فی قوله« وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلَّا اللَّهُ» و الضمیر فی قوله« تَأْوِیلِهِ» راجع الی« الْكِتابَ» و لا ینافی علمهم علیهم السلام بمتشابهات القرآن، بل لا ینافی علمهم بتأویله فان ظاهر الآیة و ان كان الانحصار لكنه لا یأبی عن الاستثناء، كما ان ظاهر بعض الآیات اختصاص علم الغیب به سبحانه لكنه تعالی استثنی عنه من ارتضی من رسول فی قوله« عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ» و دلیل علمهم بتأویل القرآن قوله تعالی« لا یَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» و إن أردت توضیح ما ذكر فراجع الی تفسیر« المیزان» سورة آل عمران.

لما دلت علیه الأخبار المستفیضة من أنهم علیهم السلام یعلمون ما تشابه من القرآن كما مر فی كتاب الإمامة و علی هذا فالوقف علی الْعِلْمِ و إلیه ذهب أیضا جماعة من المفسرین فقوله یَقُولُونَ حال من الراسخین أو استئناف موضح لحالهم و یمكن الجمع بینها بوجوه الأول أن یكون ما ذكره علیه السلام هنا مبنیا علی ما اشتهر بین المخالفین إلزاما علیهم.

الثانی أن یكون للآیة ظهر و بطن أحدها أن یكون المراد بالمتشابه مثل العلم بكنه الواجب و ما استأثر اللّٰه عز و جل بعلمه من صفاته و كنه ذاته و أمثال ذلك مما تفرد سبحانه بعلمه و إلیه یشیر ظاهر هذا الكلام و ثانیهما أن یراد به ما علم الراسخون فی العلم تأویله و إلیه أشیر فی سائر الأخبار فیكون القارئ مخیرا فی الوقف علی كل من الموضعین الثالث ما قیل إنه یمكن حمل حكایة قول الراسخین علی اعترافهم و تسلیمهم قبل أن یعلمهم اللّٰه تأویل ما تشابه من القرآن فكأنه سبحانه بین أنهم لما آمنوا بجملة ما أنزل من المحكمات و المتشابهات و لم یتبعوا ما تشابه منه كالذین فی قلوبهم زیغ بالتعلق بالظاهر أو بتأویل باطل فآتاهم اللّٰه علم التأویل و ضمهم إلی نفسه فی الاستثناء و الاستئناف فی قوة رفع الاستبعاد عن مشاركتهم له تعالی فی ذلك العلم

و بیان أنهم إنما استحقوا إفاضة ذلك العلم باعترافهم بالجهل و قصورهم عن الإحاطة بالمتشابهات من تلقاء أنفسهم و إن علموا التأویل بتعلیم إلهی

وَ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ علیه السلام: أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ بِبَعْضِ الْغُیُوبِ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أُعْطِیتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عِلْمَ الْغَیْبِ فَقَالَ علیه السلام لَیْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَیْبٍ وَ إِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِی عِلْمٍ.

و قد مر بعض الكلام فیه فی كتاب التوحید.

إذا ارتمت یقال ارتمی القوم إذا تراموا بالنبال و الأوهام خطرات القلب و فی اصطلاح المتكلمین إحدی القوی الباطنة شبه علیه السلام جولان الأفكار و تعارضها بالترامی و المنقطع موضع الانقطاع و یحتمل المصدر و حاولت

ص: 121

الشی ء أردته و الخطر بالتسكین مصدر خطر له خاطر أی عرض فی قلبه و روی من خطرات الوساوس و الوسوسة حدیث النفس و الشیطان بما لا خیر فیه و لا نفع و الاسم الوسواس.

و الملكوت العز و السلطان و تولهت إلیه أی اشتد عشقها و حنت إلیه و الوله بالتحریك التحیر و ذهاب العقل من حزن أو فرح لتجری فی كیفیة صفاته أی لتجد مجری و مسلكا فی ذلك و غمض الشی ء بالفتح و الضم أی خفی مأخذه و الغامض من الكلام خلاف الواضح و مداخل العقول طرق الفكر و فاعل تنال ضمیر العقول أی إذا دقت و غمضت طرق العقول و وصلت إلی حد لا تبلغ الصفات لدقة تلك الطرق و خفائها أو إذا دقت و انتهت العقول إلی أنها لا تعتبر مع ملاحظة الحق صفة من صفاته كما قیل طالبة بذلك أن تصل إلی علم ذاته و فی بعض النسخ علم ذلك و الأول أظهر.

ردعها الردع الرد و الكف و الجملة جزاء للشرط السابق و الضمیر المنصوب راجع إلی الأوهام أو غیرها مما سبق و هی تجوب أی تقطع و الواو للحال و المهاوی جمع مهواة و هی الحفرة أو ما بین الجبلین و المراد هنا المهلكة و السدف جمع سدفة و هی القطعة من اللیل المظلم و یطلق علی الضیاء أیضا و خلصته تخلیصا نحیته فتخلص فقوله متخلصة إلیه أی متوجهة إلیه بكلیتها متنحیة عن غیره و جبهه كمنعه أی ضرب جبهته فرده و الجور العدول عن الطریق و الاعتساف قطع المسافة علی غیر جادة معلومة و المراد بجور اعتسافها شدة جولانها فی ذلك المسلك الذی لا جادة له و لا یفضی إلی المقصود و الخاطرة المنفیة(1)

ما یكون مطابقا للواقع.

ص: 122


1- 1. التی نفیت بقوله علیه السلام« و لا تخطر ببال أولی الرویات خاطرة ...» و مراده- رحمه اللّٰه- أنه ربما یخطر بالبال خواطر من تقدیر جلاله تبارك و تعالی لكنها لیست مطابقة للواقع فلا تخطر خاطرة مطابقة للواقع ببال أولی الرویات من تقدیر الجلال و اكتناه سائر صفاته سبحانه.

الذی ابتدع الخلق الابتداء الإنشاء و الإحداث و مثال الشی ء بالكسر صورته و صفته و مقداره و امتثله أی تبعه و لم یتجاوز عنه و احتذی علیه أی اقتدی به و قوله من خالق متعلق بمحذوف و هو صفة لمقدار أو لمثال أیضا كناشئ و المراد بنفی امتثال المثال أنه لم یمثل لنفسه مثالا قبل شروعه فی خلق العالم لیخلق العالم علی هیئته و بنفی احتذاء المقدار أنه لم یقتد بخالق كان قبله فالظرف صفة للمقدار فقط و یحتمل أن یكون الثانی كالتأكید للأول فالظرف صفة للمثال و المقدار معا و یكون المراد بالأول نفی الاقتداء بالغیر فی التصویر و بالثانی فی التقدیر أو یكون المراد بالمثال ما یرتسم فی الخیال من صورة المصنوع و هیئته و لم یكن علی حذو فعل فاعل آخر لتنزهه عن الصور و الخواطر فالظرف صفة لمقدار و وصف الخالق بالمعبود لأنه من لوازمه أو لأنه لو كان كذلك لكان هو المعبود.

و المساك بالكسر ما یمسك به و فیه دلالة علی احتیاج الباقی فی بقائه إلی المؤثر و قوله ما دلنا مفعول ثان لأرانا و اضطرار قیام الحجة عبارة عن إفادتها العلم القطعی بعد تحقق الشروط و ارتفاع الموانع و الظرف فی قوله علی معرفته متعلق بقوله دلنا و أعلام الحكمة ما یدل علیها و الضمیر فی قوله فحجته یحتمل عوده إلی الخلق الصامت كالضمیر فی دلالته أو إلی اللّٰه سبحانه فأشهد و فی بعض النسخ بالواو بتباین المشبه به فی الحقیقة هو الخلق و إنما أدخل الباء علی التباین تنبیها علی وجه الخطإ فی التشبیه و التلاحم التلاصق و الحقاق بالكسر جمع حقة بالضم و هی فی الأصل وعاء من خشب و حقاق المفاصل النقر التی ترتكز فیها العظام و احتجابها استتارها بالجلد و اللحم و قوله لتدبیر متعلق بالمحتجبة أی المستورة للتدبیر الذی اقتضته الحكمة قیل و من حكمة احتجابها أنها لو خلقت ظاهرة لیبست رباطاتها فیتعذر تصرف الحیوان و كانت معرضة للآفات أو بالتباین و التلاحم. و قال بعض شارحی النهج و من روی

ص: 123

المحتجة أراد أنها كالمستدل (1) علی التدبیر الحكمی من لدنه سبحانه و العقد الشد و فاعل الفعل الموصول المشبه و غیب منصوب علی المفعولیة و هو كل ما غاب و الضمیر اسم من أضمرت فی نفسی شیئا أو إضافة الغیب إلی الضمیر من إضافة الصفة إلی الموصوف و المراد بغیب الضمیر حقیقة عقیدته و باطنها لا ما یظهره منها لغیره أو یظهر له بحسب توهمه و فی بعض النسخ لم یعتقد علی صیغة المجهول و غیب بالرفع و المباشرة لمس البشرة و الفاعل الیقین و فی بعض النسخ قلبه بالرفع علی أنه الفاعل و الیقین بالنصب و الأول الأظهر و الند المثل و إن فی الآیة مخففة من المثقلة و یظهر من كلامه علیه السلام أن التسویة فی الآیة یشمل هذا التشبیه و لا یخص التسویة فی استحقاق العبادة كذب العادلون بك أی المسوون بك غیرك و نحلوك أی أعطوك حلیة المخلوقین أی صفاتهم و التعبیر بالنحلة و الحلیة لزعم هؤلاء أنها كمال له عز و جل و جزءوك أی أثبتوا لك أجزاء و خواطرهم ما یخطر ببالهم من الأوهام الفاسدة و قدروك علی الخلقة أی جعلوا لك قدرا فی العظمة المعنویة كقدر الخلق فأثبتوا لك صفاتهم و قرائح عقولهم ما یستنبطونه بآرائهم و القریحة فی الأصل أول ما یستنبط من البئر و محكمات الآیات نصوص الكتاب و شواهد الحجج الأدلة العقلیة و نطقها دلالتها القطعیة أو الشواهد الهداة المبینون للحجج التی هی الأدلة و كأنه ضمن النطق معنی الكشف فعدی بعن و إضافة الحجج إلی البینات للمبالغة.

لم یتناه فی العقول أی لم تقدرك العقول بالنهایة و الكنه بحیث لا تكون لك صفة وراء ما أدركته أو لم تحط بك العقول فتكون محدودا متناهیا فیها و مهب الفكر هبوبها و لعله علیه السلام شبه الحركات الفكریة بهبوب الریاح و الأفكار بما تجمعها و تذروها من الحشائش إشعارا بضعفها و سفالة ما یحصل منها

ص: 124


1- 1. فی بعض النسخ: كالمستدلة.

و قیل التناهی فی العقل هو أن یدرك العقل الشی ء مرسما فی القوی الجزئیة و هی مهاب الفكر التی ترتسم فیها الصور و تزول كالریح الهابة تمر بشی ء و قیل مهاب الفكر جهاتها و رویات الخواطر ما یخطر بالبال بالنظر و الفكر و المحدود المحاط بالحدود و المراد بالحدود ما یلزم الإحاطة التامة أو الصفات و الكیفیات التی لا یتعداها المعلوم و المصرف القابل للتغیر و الحركة أو المحكوم علیه بالتجزئة و التحلیل و التركیب.

قدر ما خلق فأحكم تقدیره أی جعل لكل شی ء مقدارا مخصوصا بحسب الحكمة أو هیأ كل شی ء لما أراد منه من الخصائص و الأفعال أو قدره للبقاء إلی أجل معلوم فأحكم أی أتقن و التدبیر فی الأمر النظر إلی ما تئول إلیه عاقبته فألطف تدبیره أی أعمل فیه تدبیرات دقیقة لطیفة أو كانت تدبیراته مقرونة باللطف و الرفق و الرحمة علی عباده و وجهه لوجهته أی جعل كلا منها مهیأة و میسرة لما خلق له كالحبوب للأكل و الدواب للركوب و كل صنف من الإنسان لأمر من الأمور المصلحة للنظام و یحتمل أن یكون إشارة إلی أمكنتها و الأول أعم و أظهر و الوجهة بالكسر الناحیة و كل أمر استقبلته و قصر السهم عن الهدف إذا لم یبلغه و قصرت عن الشی ء أی عجزت عنه و استصعب الأمر علینا أی صعب و الصعب غیر المنقاد و مضی الشی ء مضیا و مضوا أی نفذ و لم یمتنع و صدر كعقد رجع و انصرف كرجوع الشاربة عن الماء و المسافرین عن مقصدهم و لما كانت الأمور لإمكانها محتاجة فی الوجود إلی مشیته فكأنما توجهت إلیها فرجعت فائزة بمقصدها و المشیة الإرادة و أصلها المشیئة بالهمز.

آل إلیها أی رجع و الغریزة الطبیعة(1)

و قریحة الغریزة ما یستنبطه الذهن و قیل قوة الفكر للعقل أضمر علیها أی أخفاه فی نفسه محتویا علیها و التجربة الاختبار مرة بعد أخری و یقال أفدته مالا أی أعطیته

ص: 125


1- 1. فی بعض النسخ: الطبع.

و أفدت منه مالا أخذته و حكی الجوهری عن أبی زید أفدت المال أعطیته غیری و أفدته استفدته (1)

و ابتداع الخلائق إحداثها فتم خلقه یمكن أن یراد بالخلق المعنی المصدری و یكون الضمیر راجعا إلیه سبحانه كالضمیر فی طاعته و دعوته أو إلی ما خلق المذكور سابقا و علی الأول یكون فی أذعن و أجاب راجعین إلی الخلق علی الاستخدام أو إلی ما خلق و یمكن أن یراد به المخلوق و تمام مخلوقاته بإفاضته علیها ما یلیق بها و تستعد له و إذعان ما خلق لطاعته و إجابته إلی دعوته إما بمعنی استعداده لما خلق له أو تهیئه لنفوذ تقدیراته و إرادته سبحانه فیه و فیه إشارة إلی قوله تعالی أَتَیْنا طائِعِینَ (2) و ربما تحمل أمثالها علی

ظاهره بناء علی أن لكل مخلوق شعورا كما هو ظاهر قوله تعالی وَ إِنْ مِنْ شَیْ ءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ (3) و اعترض الشی ء دون الشی ء أی حال بینه و بینه و دونه أی قبل الوصول إلیه و الضمیر فی دونه أیضا راجع إلیه سبحانه و یحتمل أن یكون راجعا إلی مصدر أذعن و أجاب و الریث البطوء و الأناة كفتاه الاسم من تأنی فی الأمر أی تمكث و لم یعجل و تلكأ توقف و أبطأ.

فأقام من الأشیاء أودها الأود بالتحریك الاعوجاج و إقامته إعداد كل شی ء لما ینبغی له أو دفع المفاسد التی تقتضیها الأشیاء لو خلیت و طباعها و نهج أی أوضح و حد الشی ء منتهاه و أصل الحد المنع و الفصل بین الشیئین و نهج الحدود قیل إیضاحه لكل شی ء غایته و تیسیرها له أو المعنی جعل لكل شخص و نوع مشخصا و ممیزا واضحا یمتاز به عن غیره فإن من أعاظم (4)

المصالح و أعزها

ص: 126


1- 1. الصحاح: ج 1 ص 518.
2- 2. فصّلت: 11.
3- 3. الإسراء: 44.
4- 4. فی بعض النسخ« من أعظم» و هو الأظهر.

امتیاز الأنواع و الأشخاص بعضها عن بعض أقول و یحتمل أن یكون المراد بالحدود حدود أمكنتها كمكان العناصر فإن لكل منها حدا لا تتجاوزه و لعله أنسب بما بعده.

و لاءم أی جمع بین متضاداتها كجمع العناصر المتباینة فی الكیفیات و الصفات لحصول المزاج و كالألفة بین الروح و البدن.

و وصل أسباب قرائنها السبب فی الأصل الحبل و یقال لكل ما یتوصل به إلی شی ء و القرینة فعیلة بمعنی مفعولة و قرائن الأشیاء ما اقترن منها بعضها ببعض و وصل أسبابها ملزوم لاتصالها و قال ابن میثم القرائن النفوس المقرونة بالأبدان و اعتدال المزاج بسبب بقاء الروح أی وصل أسباب أنفسها بتعدیل أمزجتها و المراد بالأجناس هنا أعم مما هو مصطلح المنطقیین و كذا المراد بالحدود غیر ما هو المعروف عندهم و إن كان المقام لا یأباهما.

و الغرائز الطبائع و القوی النفسانیة و البدایا جمع بدایة و هی الحالة العجیبة یقال أبدأ الرجل إذا أتی بالأمر المعجب و البدیئة أیضا الحالة المبتدأة المبتكرة أی عجائب مخلوقات أو مخلوقات مبتدأة بلا اقتفاء مثال و هو خبر مبتدأ محذوف أی هی بدایا و الفطر الابتداء و الاختراع و الابتداع كالتفسیر له و نظم أی جمع و ألف بلا تعلیق أی من غیر أن یعلق بعضها ببعض بخیط أو نحوه و رهوات فرجها الرهوة المكان المرتفع و المنخفض أیضا فنظمها تسویتها

و قال فی النهایة فی حدیث علی (1)

و نظم رهوات فرجها.

أی المواضع المنفتحة منها(2)

و هو مأخوذ من قولهم رها رجلیه رهوا أی فتح و فیه دلالة علی أن السماء كانت ذات فرج و صدوع فنظمها سبحانه و هو مناسب لما مر من أن مادتها الدخان المرتفع من الماء إذ مثل ذلك تكون قطعا و ذات فرج

ص: 127


1- 1. فی المصدر: و فی حدیث علی رضی اللّٰه عنه یصف السماء ....
2- 2. النهایة: ج 2، ص 116.

و أول بعض الشارحین بتباین أجزاء المركب لو لا التركیب و التألیف أو بالفواصل التی كانت بین السماوات لو لا أن الصانع خلقها أكرا(1) متماسة و إنما اضطره إلی ذلك الاعتقاد بقواعد الفلاسفة و تقلیدهم.

و ملاحمة الصدوع إلصاق الأجزاء ذوات الصدوع بعضها ببعض و إضافة الصدوع إلی الانفراج من إضافة الخاص إلی العام و وشج بالتشدید أی شبك و الضمیر فی بینها راجع إلی ما یرجع إلیه الضمائر السابقة.

و قال ابن میثم المراد بأزواجها نفوسها التی هی الملائكة السماویة بمعنی قرائنها و كل قرین زوج أی ربط ما بینها و بین نفوسها بقبول كل جرم سماوی لنفسها التی لا یقبلها غیره.

و أقول القول بكون السماوات حیوانات ذوات نفوس مخالف للمشهور بین أهل الإسلام بل نقل السید المرتضی رضی اللّٰه عنه إجماع المسلمین علی أن الأفلاك لا شعور لها و لا إرادة بل هی أجسام جمادیة یحركها خالقها(2)

و یمكن أن یراد

ص: 128


1- 1. الاكر- بضم الهمزة و فتح الكاف- جمع« كرة» و هی كل جسم مستدیر.
2- 2. البحث عن الافلاك و ماهیتها بحث هیوی اختلف فیه اقوال قدماء الهیویین من یونان و المتأخرین من علماء اروبا: و فیه فرضیة مشهورة من بطلمیوس و هو من أقدم فلكیی یونان و هی ان الافلاك كرات یحتوی بعضها علی بعض منها كلیة و منها جزئیة و ان الافلاك الكلیة تسعة و زعم أن لها احكاما یختص بها من بین الاجسام، منها استحالة الخرق و الالتئام، و احكام اخری لا یسع ذكرها المقام و قد ابطلها علماء الهیئة الحدیثة، و هدموا اساسها، و نقضوا حدودها، و خرقوا كلیها و جزئیها و كیف كان فالبحث عن هذه المسألة شأن العالم الهیوی. لا الفقیه و الاصولی و المحدث و المنطقی، و لیس الاعتقاد بوجود هذه الافلاك او عدمها من أصول الدین او فروعه، و لا مما ورد فی كتاب اللّٰه او سنة رسوله، اللّٰهمّ الا ما ذكر فی القرآن الكریم و الأحادیث الشریفة من السماوات و الأرض و الكواكب و النجوم و ان كل كوكب یسبح فی فلك الی غیر ذلك لكن لا یجد المتتبع الخبیر من كتاب اللّٰه آیة و لا ممّا صدر عن معادن علم اللّٰه روایة تدلّ علی اثبات الافلاك البطلمیوسیة و تصدیق ما یستلزمه تلك الفرضیة ان لم یجد ما یكذبها و یبطلها! و دعوی الإجماع من المسلمین فی مثل المسألة كما تری: و ان فرض اجماع المسلمین فی زمان او فی جمیع الأزمنة. علی امر لیس من دینهم، و لا من واجب اعتقادهم، و لا ممّا یرتبط بافعالهم فأی دلیل علی حجته؟ و من أین یمكن القول بوجوب اتباعه و الاعتقاد بمعقده؟! هذا حال أصل الافلاك! فما تری فی البحث عن كونها ذوات نفوس مدركة او جمادات فاقدة للشعور و الإرادة؟ و غیر خفی ان دعوی الإجماع علی أحد طرفی المسألة ممنوعة، و حجیته علی فرض وجوده غیر مسلمة، بل لا ینبغی الشك فی عدم حجیته.

بالأزواج الملائكة الموكلون بها أو القاطنون فیها أو المراد أشباهها من الكواكب و الأفلاك الجزئیة و یمكن حمل الفقرات السابقة أیضا علی هذین الوجهین الأخیرین و یمكن أن یكون المراد بأزواجها أشباهها فی الجسمیة و الإمكان من الأرضیات و یناسب ما جری علی الألسن من تشبیه العلویات بالآباء و السفلیات بالأمهات.

و ذلل للهابطین یقال ذلل البعیر أی جعله ذلولا و هو ضد الصعب الذی لا ینقاد من الذل بالكسر و هو اللین و الحزونة خلاف السهولة و المعراج السلم و المصعد و نداء السماء إشارة إلی ما مر من قوله سبحانه فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً(1) فالتحمت عری أشراجها التحمت أی التزقت و التأمت و عری العیبة هی الحلق التی تضم بعضها إلی بعض و تشد و تقفل و الشرج بفتحتین عری العیبة و الجمع أشراج و قیل قد تطلق الأشراج علی حروف العیبة التی تخاط و لعل هذا الالتحام كنایة عن تمام خلقها و فیضان الصور السماویة علیها.

و فتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها فتق الثوب فتقا نقضت خیاطته حتی انفصل بعضه عن بعض و رتقت الفتق رتقا أی سددته فارتتق و الأبواب الصامتة و المصمتة المغلقة منها و فتق صوامت الأبواب إما كنایة عن إیجاد الأبواب فیها و خرقها بعد ما كانت رتقا لا باب فیها أو فتح الأبواب المخلوقة فیها حین إیجادها و هذه الأبواب هی التی منها عروج الملائكة و هبوطها و صعود أعمال العباد و أدعیتهم

ص: 129


1- 1. فصّلت: 11.

و أرواحهم كما قال تعالی لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ(1) و التی (2)

تنزل منها الأمطار كما أشار إلیه بقوله فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ(3) و أقام رصدا هو بالتحریك جمع راصد كخدم و خادم أو اسم جمع كما قیل و یكون مصدرا كالرصد بالفتح و الراصد القاعد علی الطریق منتظرا لغیره للاستلاب أو المنع و المرصاد الطریق و المكان یرصد فیه العدو و أرصدت له أعددت و الثواقب التی تثقب الشیاطین أو الهواء أو یثقب الجو بضوئها و النقاب بالكسر جمع نقب بالفتح و هو الثقب و الخرق و المراد إقامة الشهب الثواقب لطرد الشیاطین عن استراق السمع كما أشار إلیه سبحانه بقوله وَ أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ یَسْتَمِعِ الْآنَ یَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً(4) و لا صراحة فیه بكون ذلك المنع مقارنا لإیجاد السماء حتی ینافی ما دل علی حدوثها و یحتمل تخلل الرخصة بین المنعین أیضا.

و أمسكها من أن تمور أی تموج و تضطرب و الخرق یكون بمعنی الثقب فی الحائط و الشق فی الثوب و غیره و هو فی الأصل مصدر خرقته إذا قطعته و مزقته و یكون بمعنی القفر و الأرض الواسعة تنخرق فیها الریاح أی تهب و تشتد و الهواء یقال للجسم الذی هو أحد العناصر و یقال لكل خال هواء كما قال سبحانه وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ(5) أی خالیة من العقل أو الخیر و المراد بالمور فی خرق الهواء أما الحركة الطبیعیة أو القسریة فی الفواصل التی تحدث بحركتها فی الجسم الذی هو أحد العناصر إذ لا دلیل علی

انحصاره فی الذی بین السماء و الأرض أو حركتها فی المكان الخالی الموهوم أو الموجود طبعا أو قسرا أو حركة أجزائها فیما بین السماء

ص: 130


1- 1. الأعراف: 40.
2- 2. فی المخطوط: أو التی.
3- 3. القمر: 11.
4- 4. الجن: 9.
5- 5. إبراهیم: 43.

و الأرض و الأید بالفتح القوة و الظرف متعلق بالإمساك و الاستسلام الانقیاد و یحتمل أن یكون الأمر كنایة عن تعلق الإرادة كما مر.

آیة مبصرة الآیة العلامة و المبصر المدرك بالبصر و فسرت المبصرة فی قوله تعالی وَ جَعَلْنا آیَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً بالبینة الواضحة و بالمضیئة التی یبصر بها و بالمبصرة للناس من أبصرته فبصر و بالمبصر أهله كقولهم أجبن الرجل إذا كان أهله جبناء و المحو إذهاب الأثر و طمس النور و فسر محو القمر بكونه مظلما فی نفسه غیر مضی ء بذاته كالشمس و بنقصان نوره بالنظر(1)

إلی الشمس و بنقصان (2) نوره شیئا فشیئا إلی المحاق.

وَ رُوِیَ: أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَنِ اللَّطْخَةِ الَّتِی فِی وَجْهِ الْقَمَرِ فَقَالَ ذَاكَ مَحْوُ آیَةِ اللَّیْلِ.

و یمكن أن یكون لها مدخل فی نقصان ضوء القمر من لیلها قیل من لابتداء الغایة أو لبیان الجنس و یتعلق بممحوة أو یجعل و قیل أراد من آیات لیلها.

و المنقل فی الأصل الطریق فی الجبل و المدرج المسلك و درج أی مشی و الدرج بالتحریك الطریق و درجیهما فی بعض النسخ علی لفظ التثنیة و فی بعضها مفرد و مناقلهما و مدارجهما منازلهما و بروجهما و الظاهر أن التمییز و العلم غایتان لمجموع الأفعال السابقة فیكون إشارة إلی قوله تعالی وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهارَ آیَتَیْنِ فَمَحَوْنا آیَةَ اللَّیْلِ وَ جَعَلْنا آیَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ (3) و إلی قوله عز و جل هُوَ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیاءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ (4) و یحتمل

ص: 131


1- 1. فی بعض النسخ: بالنسبة.
2- 2. فی المخطوط: بنقص.
3- 3. الإسراء: 12.
4- 4. یونس: 5.

أن یكون التمییز غایة للأول و العلم غایة للأخیر أو الأخیرین فیكون نشرا علی ترتیب اللف و ظاهر كلامه علیه السلام تفسیر الآیتین المفردتین فی الآیة الأولی بالشمس و القمر لا باللیل و النهار و إن كان المراد بالآیتین أولا اللیل و النهار و قیل المراد جعلناهما ذوی آیتین فتكون الشمس و القمر مقصودین بهما فی الموضعین و المراد بالحساب حساب الأعمار و الآجال التی یحتاج إلیه الناس فی أمور دینهم و دنیاهم و مقادیرهما مقادیر سیرهما و تفاوت أحوالهما. ثم علق فی جوها فلكها الظاهر أن كلمة ثم هنا

للترتیب الذكری و لعل المعنی أنه أقر فلكها فی مكانه من الجو بقدرته و لا ینافی نفی التعلیق فی نظم الأجزاء كما سبق و الجو الفضاء الواسع أو ما بین السماء و الأرض و الفلك بالتحریك مدار النجوم و قیل أراد بالفلك دائرة معدل النهار و قیل أراد به الجنس و هو أجسامها المستدیرة التی یصدق علیها هذا الاسم و قیل الفلك هنا عبارة عن السماء الدنیا فیكون علی وفق قوله سبحانه إِنَّا زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِزِینَةٍ الْكَواكِبِ (1) و التوجیه مشترك و علی المشهور من عدم كون جمیعها فی السماء الدنیا لعل الأظهر أن یراد بالفلك ما ارتكز فیه كوكب یتحرك بحركته و بالجو الفضاء الواسع الموهوم أو الموجود الذی هو مكان الفلك و وجه إضافته إلیها واضح فإن الفلك من جملتها و كذا إضافة الفلك إلیها و یحتمل حینئذ أن یراد بفلكها المحیط المحرك لجملتها و یمكن علی طریقة الاستخدام أو بدونه أن یراد بضمیر السماء الذی أحاط بجمیع ما ارتكزت فیه الكواكب المدیر لها فكون فلكها فی جوها ظاهر أو یراد بالسماء الأفلاك الكلیة و بالفلك الأفلاك الجزئیة الواقعة فی جوفها و فی بعض النسخ علق فی جوها فلكا بدون الضمیر و هو یناسب كون الكواكب كلها فی فلك واحد.

و ناط أی علق و الدراری جمع دری و هو المضی ء و كأنه نسب إلی

ص: 132


1- 1. الصافّات: 6.

الدر تشبیها به لصفائه و قال الفراء الكوكب الدری عند العرب هو العظیم المقدار و قیل هو أحد الكواكب السبعة السیارة و فی النهایة الكواكب الخمسة السیارة و لا یخفی أن وصف الدراری بالخفیات ینافی القولین ظاهرا و استراق السمع الاستماع مختفیا بثواقب شهبها أی بشهبها الثاقبة تلمیحا إلی قوله سبحانه إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِینٌ (1) و قوله إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (2) و الأذلال جمع ذل بالكسر یقال أمور اللّٰه جاریة أذلالها بالنصب و علی أذلالها أی مجاریها و یقال دعه علی أذلاله أی علی حاله و ثبات الثوابت بالنسبة إلی سیر السیارات و المراد بالهبوط إما مقابل الشرف كما هو مصطلح المنجمین أو التوجه إلی حضیض الحامل أو التدبیر أو التوجه إلی الغروب فإنه الهبوط حسا و یقابله الصعود و النحوس ضد السعود ثم خلق الظاهر أن كلمة ثم هنا للترتیب الحقیقی و سیأتی بعض الأخبار الدالة علی تقدم خلق الملائكة علی السماوات و یمكن الجمع بالتخصیص هاهنا بسكان السماوات الذین لا یفارقونها و عمارة المنزل جعله آهلا ضد الخراب الذی لا أهل له و الصفیح السطح و وجه كل شی ء عریض و الصفیح أیضا اسم من أسماء السماء و المراد هنا سطح كل سماء و یقابله الصفیح الأسفل و هو الأرض أو فوق السماء السابعة أو فوق الكرسی و الملكوت كرهبوت العز و السلطان و الفروج الأماكن الخالیة و الفج الطریق الواسع بین الجبلین و حشوت الوسادة بالقطن جعلتها مملوة منه و الفتق الشق و الجو الفضاء الواسع و ما بین السماء و الأرض و هذا الكلام صریح فی عدم تلاصق السماوات و فی تجسم الملائكة و أن ما بین السماوات مملوة منهم و به تندفع شبهة لزوم الخلإ كما ستعرف و الفجوة الفرجة و الموضع المتسع بین الشیئین و زجل المسبحین صوتهم

ص: 133


1- 1. الحجر: 18.
2- 2. الصافّات: 10.

الرفیع العالی و الحظیرة فی الأصل الموضع الذی یحاط علیه لتأوی إلیه الغنم و الإبل یقیها الحر و البرد و الریح و القدس بالضم و بضمتین الطهر اسم و مصدر و السترات بضمتین جمع سترة بالضم و هو ما یستتر به كالستارة و الحجاب ما احتجب به و السرادق الذی یمد فوق صحن البیت من الكرسف و المجد الشرف و العظمة و الرجیج الزلزلة و الاضطراب و منه رجیج البحر.

تستك منه الأسماع أی تصم و فسروا السبحات بالنور و البهاء و الجلال و العظمة و قیل سبحات الوجه محاسنه لأنك إذا رأیت الوجه الحسن قلت سبحان اللّٰه و لعل المراد بها الأنوار التی تحجب بها الأبصار و یعبر عنها بالحجب و ردعه كمنعه كفه و رده و الخاسئ من الكلاب و غیرها المبعد لا یترك أن یدنو من الناس یقال خسأت الكلب أی طردته و أبعدته و الضمیر فی حدودها راجع إلی السحاب و قیل أی تقف الأبصار حیث تنتهی قوتها لأن قوتها متناهیة فإذا بلغت حدودها وقفت.

أولی أجنحة تسبح جلال عزته إشارة إلی قوله تعالی أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ (1) و تسبح فی أكثر النسخ بالتشدید من التسبیح و هو التنزیه و التقدیس من النقائص و الجلال العظمة و العزة القوة و الشدة و الغلبة و الجملة صفة لأولی أجنحة و فی بعض النسخ تسبح بالتخفیف من السباحة و خلال بالخاء المعجمة المكسورة و هو وسط الشی ء أو جمع خلل بالتحریك و هو الفرجة بین الشیئین و فی بعضها خلال بحار عزته و لعل المراد بسباحتهم سیرهم فی أطباق السماوات و فوقها أو عروجهم و نزولهم لأداء الرسالات و غیرها أو سیرهم فی مراتب القرب بالعبادة و التسبیح.

لا ینتحلون انتحل الشی ء و تنحله إذا ادعاه لنفسه و هو لغیره أی لا یدعون الربوبیة لأنفسهم كما یدعیها البشر لهم و لأنفسهم فتكون هذه الفقرة

ص: 134


1- 1. فاطر: 1.

لنفی ادعاء الاستبداد و الثانیة لنفی ادعاء المشاركة أو الأولی لنفی ادعائهم الخالقیة فیما لهم مدخل فی وجوده بأمره تعالی و الثانیة لنفی ذلك فیما خلقه اللّٰه سبحانه بمجرد أمره و إرادته مكرمون بالتخفیف من الإكرام و قرئ بالتشدید من التكریم و اللام فی قوله بالقول عوض عن المضاف إلیه أی لا یسبقون اللّٰه بقولهم بل هم تابع (1)

لقوله سبحانه كما أن علمهم تابع لأمره.

جعلهم فیما هنالك لعله مخصوص ببعض الملائكة كما قال عز و جل اللَّهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا(2) و یكفی للنسبة إلی الجمیع كون بعضهم كذلك و ما هنالك عبارة عن مراتب الملائكة أو الأشغال و الأمور المفوضة إلیهم أو عن أربابها و أصحابها و فی قوله حملهم تضمین معنی البعث أو الإرسال و نحوه و عصمهم هذا یشمل جمیعهم و الریب الشك أو التهمة و الزیغ العدول عن الحق و المرضاة ضد السخط و الإمداد الإعانة و التقویة و الفائدة ما استفدته من طریفة مال أو علم أو غیرهما و المعونة مفعلة بضم العین من استعان به فأعانه و قیل المیم أصلیة مأخوذة من الماعون و لعل المعنی تأییدهم بأسباب الطاعات و القربات و المعارف و الألطاف الصارفة لهم عن المعاصی.

و أشعر قلوبهم أی ألزمهم (3)

مأخوذ من الشعار و هو ما یلبس تحت الدثار و قیل من الشعور بمعنی الإدراك یقال أشعره الأمر و به أی أعلمه و التواضع التخاشع و التذلل و أخبت الرجل خضع لله و خشع قلبه و السكینة الطمأنینة و الوقار و الرزانة و المهابة و الحاصل عدم انفكاكهم عن الخوف و الخشوع و الذلل بضمتین جمع ذلول ضد الصعب و مجده أثنی علیه و عظمه و الجمع للدلالة علی الأنواع و فتح الأبواب كنایة عن إلهامها و تسهیلها علیهم لعدم معارضة

ص: 135


1- 1. كذا.
2- 2. الحجّ: 75.
3- 3. فی بعض النسخ« ألزمها» و هو الأظهر.

شیطان أو نفس أمارة بالسوء بل خلقهم خلقة یلتذون بها كما ورد أن شرابهم التسبیح و طعامهم التقدیس و المنار جمع المنارة و هی العلامة و أصله النور و لذا أنثت الواضحة و الأعلام جمع علم بالتحریك و هو الجبل الطویل أو ما یعلم به الشی ء و نصب المنار لهم علی الأعلام عبارة عن غایة ظهورها لعدم معارضته الشكوك و الشبهات التی تكون للبشر و لوفور الدلائل لهم لقربهم من ساحة عزه و ملكوته و مشاهدتهم ما یخفی علینا من آثار ملكه و جبروته و المؤصرات المثقلات و عدمها لعصمتهم و عدم خلق الشهوات فیهم.

و رحل البعیر و ارتحله حط علیه الرحل و هو مركب للبعیر

16 و فی الحدیث ارتحلنی ابنی الحسن.

أی جعلنی كالراحلة و ركب علی ظهری و الارتحال أیضا الإزعاج و الإشخاص و العقبة بالضم النوبة و الجمع عقب كغرفة و غرف و العقبة اللیل و النهار لأنهما یتعاقبان قیل أی لم یؤثر فیهم ارتحال اللیالی و الأیام كما یؤثر ارتحال الإنسان البعیر فی ظهره حملا علی الوجه الأول و علی الثانی فالمعنی لم یزعجهم تعاقب اللیالی و الأیام و لم یوجب رحیلهم عن دارهم و الغرض تنزیههم عما یعرض للبشر من ضعف القوی أو القرب من الموت بكرور الأزمنة و النوازع فی بعض النسخ بالعین المهملة من نزع فی القوس إذا جذبها و مدها و نوازع الشكوك الشبهات و قیل أی شهواتها و النازعة المحركة و فی بعضها بالغین المعجمة كما فی النهایة من نزغ الشیطان بین القوم أی أفسد و یقال نزغه الشیطان أی وسوس إلیه و العزیمة ما وكدت رأیك و عزمك علیه و المعترك موضع القتال و الاعتراك الازدحام و الظن یكون بمعنی الاعتقاد الراجح غیر الجازم و بمعنی الشك و یطلق علی ما یشملهما و لعل الأخیر هنا أظهر و معقد الشی ء موضع شده یقال عقدت الحبل و البیع و العهد و یكون مصدرا و الحاصل نفی تطرق الشبه و الشكوك إلی عقائدهم الیقینیة.

ص: 136

و لا قدحت یقال قدح بالزند كمنع أی رام الإیراء(1) به و هو استخراج النار و ربما یحمل علی القدح بمعنی الطعن و هو بعید و الإحن جمع إحنة و هی الحقد و الغضب أی لا یثیر الغضب و العداوات الكامنة فتنة فیما بینهم و الحیرة عدم الاهتداء إلی وجه الصواب و لاق الشی ء بغیره أی لزق و منه اللیقة للصوق المداد بها و الغرض نفی الحیرة عنهم فی عقائدهم و یحتمل أن یكون

المراد بالحیرة الوله لشدة الحب و كمال المعرفة كما سیأتی و فی الصحیفة السجادیة و لا یغفلون عن الوله إلیك فالمعنی أن شدة ولههم لا توجب نقصا فی معرفتهم و غفلة عن ملاحظة العظمة و الجلال كما فی البشر و أثناء الشی ء تضاعیفه و جاء فی أثناء الأمر أی فی خلاله جمع ثنی بالكسر.

فتقترع فی بعض النسخ بالقاف من الاقتراع بمعنی ضرب القرعة و الاختبار فالغرض نفی تناوب الوساوس و تواردها علیهم و فی بعضها بالفاء من فرعه أی علاه و الأول أنسب بالطمع و الرین بالنون كما فی بعض النسخ الطبع و الدنس و التغطیة و ران ذنبه علی قلبه رینا أی غلب و فی بعضها بالباء الموحدة و الفكرة إعمال النظر فی الشی ء منهم أی من مطلق الملائكة و الغمام و الغمائم جمع الغمامة و هی السحابة و الدلح جمع الدالح و هو الثقیل من السحاب لكثرة مائه و الدلح أن یمشی البعیر بالحمل و قد أثقله و الشامخ من الجبال المرتفع العالی و القترة بالضم بیت الصائد الذی یتستر به عند تصیده من جص و نحوه و یجمع علی قتر مثل غرفة و غرف و یطلق علی حلقة الدرع و الكوة النافذة و الظلام ذهاب النور و الأیهم الذی لا یهتدی فیه و منه فلاة یهماء قیل هذا النوع من الملائكة خزان المطر و زواجر السحاب و لعله شامل لمشبعی (2) الثلج و البرد و الهابطین مع قطر المطر إذا نزل و إن كان السحاب مكانهم قبل النزول و الموكلون (3)

ص: 137


1- 1. من« ورت النار رویا» اذا اتقدت.
2- 2. فی المخطوطة: لمشیعی.
3- 3. كذا فی بعض النسخ و الصحیح« الموكلین» و كذا« الساكنین».

بالجبال للحفظ و سائر المصالح و الساكنون فی الظلمات لهدایة الخلق و حفظهم أو غیر ذلك.

و أقول یحتمل أن یكون المراد تشبیههم فی لطافة الجسم بالسحاب و فی عظم الخلقة بالجبال و فی السواد بالظلمة بل هو عندی أظهر.

و تخوم الأرض بضم التاء معالمها و حدودها و هی جمع تخوم بالضم أیضا و قیل واحدها تخم بالضم و الفتح و قیل التخم حد الأرض و الجمع تخوم نحو فلس و فلوس و قال ابن الأعرابی و ابن السكیت الواحد تخوم و الجمع تخم مثل رسول و رسل و فی النسخ بالضم و الرایة علم الجیش و مخارق المواضع التی تمكنت فیها تلك الرایات بخرق الهواء و الریح الهفافة الطیبة الساكنة و قیل أی لیست بمضطربة فتموج تلك الرایات بل هی ساكنة تحبسها حیث انتهت.

و قد استفرغتهم أشغال عبادته أی جعلتهم فارغین عن غیرها و حقائق الإیمان العقائد الیقینیة التی تحق أن تسمی إیمانا أو البراهین الموجبة له و فی بعض النسخ وسلت بالسین المشددة یقال وسل إلی اللّٰه توسیلا و توسل أی عمل عملا تقرب به إلیه و قطعهم الإیقان به أی صرفهم عما سوی الوله و وجههم إلیه و هو فی الأصل التحیر من شدة الوجد أو ذهاب العقل و المراد عدم الالتفات إلی غیره سبحانه و الرغبة الإرادة و السؤال و الطلب و الحرص علی الشی ء و الطمع فیه و المعنی أن رغباتهم و طلباتهم مقصورة علی ما عنده سبحانه من قربه و ثوابه و كرامته و لعل الضمائر فی تلك الفقرات راجعة إلی مطلق الملائكة كالفقرات الآتیة و الباء فی قوله علیه السلام بالكأس إما للاستعانة أو بمعنی من و ربما یضمن فی الشرب معنی الالتذاذ لیتعدی بالیاء و الكأس الإناء

یشرب فیه أو ما دام الشراب فیه و هی مؤنثة و الرویة المرویة التی تزیل العطش و سویداء القلب و سوداؤه حبته و الوشیجة فی الأصل عرق الشجرة یقال وشجت

ص: 138

العروق و الأغصان أی اشتبكت و حنیت الشی ء أی عطفته و أنفد الشی ء أفناه و مادة التضرع ما یدعو إلیه و أطلق عن الأسیر إذا حل أسره و الربقة بالكسر فی الأصل عروة فی حبل تجعل فی عنق البهیمة أو یدها تمسكها و عدم نفاد مادة التضرع فیهم لعدم تطرق النقص إلی علمهم بعظمة اللّٰه و بحاجتهم إلیه و عدم الشواغل لهم عن ذلك و عدم انتهاء مراتب العرفان و القرب الداعیین لهم إلی التضرع و العبادة و مع ذلك لا یتطرق الضعف إلی قواهم فبقدر صعودهم فی مدارج الطاعة یزاد قربهم و كلما ازداد قربهم تضاعف علمهم بعظمته سبحانه كما سیأتی الإشارة إلیه و یقال تولاه أی اتخذه ولیا و تولی الأمر أی تقلده و عدم تولی الإعجاب كنایة عن عدم الاستیلاء و الإعجاب استعظام ما یعده الإنسان فضیلة لنفسه و یقال أعجب زید بنفسه علی البناء للمفعول إذا ترفع و سر بفضائله و أعجبنی حسن زید إذا عجبت منه و استكثره عده كثیرا و ما سلف منهم طاعاتهم السالفة و الاستكانة الذل و الخضوع و استكانة الإجلال خضوعهم الناشئ عن ملاحظة جلال اللّٰه و عظمته و الفترة مرة من الفتور و هو السكون بعد حدة و اللین بعد شدة و دأب فی أمره كمنع دءوبا جد و تعب و غاض الماء غیضا و مغاضا قل و نقص و المناجاة المخاطبة سرا و أسلة اللسان طرفه و مستدقه و الهمس الصوت الخفی و الجوار كغراب رفع الصوت بالدعاء و التضرع أی لیست لهم أشغال خارجة عن العبادة فتكون لأجلها أصواتهم المرتفعة خافیة ساكنة و فی بعض النسخ بهمس الخیر و فی بعضها بهمس الحنین و توجیههما لا یخلو من تكلف و مقاوم الطاعة صفوف العبادة جمع مقام و عدم اختلاف المناكب عبارة عن عدم تقدم بعضهم علی بعض أو عدم انحرافهم و ثنیت الشی ء ثنیا عطفته أثناه أی كفه و ثنیته أیضا صرفته إلی حاجته و راحة التقصیر الراحة الحاصلة بإقلال العبادة أو تركها بعد التعب و عدا علیه أی قهره و ظلمه و التبلد ضد التجلد و التحیر و بلد الرجل بلادة فهو بلید أی غیر ذكی و لا فطن و انتضل القوم

ص: 139

و تناضلوا إذا رموا للسبق و الهمة ما هم به من أمر لیفعل و خدائع الشهوات وساوسها الصارفة عن العبادة و انتضالها تواردها و تتابعها و الفاقة الفقر و الحاجة و یوم فاقتهم یوم قبض أرواحهم كما یظهر من بعض الأخبار و لا یبعد أن یكون لهم نوع من الثواب علی طاعتهم بازدیاد القرب و إفاضة المعارف و ذكره سبحانه لهم و تعظیمه إیاهم و غیر ذلك فیكون إشارة إلی یوم جزائهم و یمموه أی قصدوه و الانقطاع إلی أحد صرف الوجه عن غیره و التوجه (1) إلیه و الضمیر فی رغبتهم إما راجع إلی الملائكة كضمیر فاقتهم أو إلی الخلق أو إلیهما علی التنازع.

و الأمد المنتهی و قد یكون بمعنی امتداد المسافة و یرجع یكون لازما و متعدیا تقول رجع زید و رجعته أنا و اهتر فلان بكذا و استهتر فهو مهتر به و مستهتر علی بناء المفعول أی مولع به لا یتحدث بغیره و لا یفعل غیره و المادة الزیادة المتصلة و كل ما أعنت به قوما فی حرب أو غیره فهو مادة لهم و لعل المراد هنا بها المعین و المقوی و كلمة من فی قوله من قلوبهم ابتدائیة أی إلی مواد ناشئة من قلوبهم غیر منقطعة و فی قوله من رجائه بیانیة فالمراد الخوف و الرجاء الباعثان لهم علی لزوم الطاعة و یحتمل أن تكون الأولی بیانیة أو ابتدائیة و الثانیة صلة للانقطاع و الغرض إثبات دوام خوفهم و رجائهم الواجبین لعدم انفكاكهم عن الطاعة بل لزیادتها كما یشعر به لفظ المواد و السبب كل ما یتوصل به إلی غیره و الشفقة الخوف و الونی الضعف و الفتور و لم تأسرهم أی لم تجعلهم أسراء و الإیثار الاختیار و الوشیك القریب و السریع و المعنی لیسوا مأمورین فی ربقة الطمع حتی یختاروا السعی القریب فی تحصیل المطموع فی الدنیا الفانیة علی اجتهادهم الطویل فی تحصیل السعادة الباقیة كما هو شأن البشر.

و استعظام العمل العجب المنهی عنه و نسخ الشی ء إزالته و إبطاله و تغییره

ص: 140


1- 1. فی المخطوطة: التوجیه.

و المراد بالرجاء هنا ما تجاوز الحد المطلوب منه و یعبر عنه بالاغترار و شفقات الوجل تارات الخوف و مراته لم یختلفوا فی ربهم أی فی الإثبات و النفی أو فی التعیین أو فی الصفات كالتجرد و التجسم و كیفیة العلم و غیر ذلك و قیل أی فی استحقاق كمال العبادة و یقال استحوذ علیه أی استولی و هو مما جاء علی الأصل من غیر إعلال و التقاطع التعادی و ترك البر و الإحسان و تولیت الأمر أی قمت به و تولیت فلانا اتخذته ولیا أی محبا و ناصرا و الغل الحقد و الشعبة من كل شی ء الطائفة منهم و شعبتهم أی فرقتهم و فی بعض النسخ تشعبتهم علی التفعل و الأول أظهر و الریب جمع ریبة بالكسر و هو الشك أو هو مع التهمة و مصارفها وجوهها و طرقها من الأمور الباطلة التی تنصرف إلیها الأذهان عن الشبه أو وجوه انصراف الأذهان عن الحق بالشبه أو الشكوك و الشبه أنفسها و اقتسموا المال بینهم أی تقاسموه و أخیاف الهمم مختلفها و أصله من الخیف بالتحریك و هو زرقة إحدی العینین و سواد الأخری فی الفرس و غیره و منه قیل لإخوة الأم أخیاف لأن آباءهم شتی و الهمة بالكسر ما عزمت علیه لتفعله و قیل أول العزم و الغرض نفی الاختلاف بینهم و التعادی و التفرق بعروض الشكوك و اختلاف العزائم أو نفی الاختلاف عنهم و بیان أنهم فرقة واحدة لبراءتهم عن الریبة و اختلاف الهمم.

و الزیغ الجور و العدول عن الحق و فی التفریع دلالة علی أن الصفات السابقة من فروع الإیمان أو لوازمه و الطبق محركة فی الأصل الشی ء علی مقدار الشی ء مطبقا له من جمیع جوانبه كالغطاء له و منه الحمی المطبقة و الجنون المطبق و السماوات أطباق لأن كل سماء طبق لما تحتها و الإهاب ككتاب الجلد و الحافد المسرع و الخفیف فی العمل و یجمع علی حفد بالتحریك و یطلق علی الخدم لإسراعهم فی الخدمة و العزة القوة و الغلبة و العظم كعنب خلاف الصغر مصدر عظم و فی بعض النسخ بالضم و هو اسم من تعظم

ص: 141

أی تكبر و دحوها علی الماء أی بسطها و كبس الرجل رأسه فی قمیصه إذا أدخله فیه و كبس البئر و النهر طمهما بالتراب و ملأهما قال بعض شارحی النهج كبس الأرض أی أدخلها الماء بقوة و اعتماد شدید و مور الأمواج أی تحركها و اضطرابها و استفحل الأمر أی تفاقم و اشتد و قیل أمواج مستفحلة أی هائجة هیجان الفحول و قیل أی صائلة و اللجة بالضم معظم الماء و منه بحر لجی و زخر البحر مد و كثر ماؤه و ارتفعت أمواجه و اللطم ضرب الخد بالكف مفتوحة و التطمت الأمواج و تلاطمت ضرب بعضها بعضا و الأذی بالمد و التشدید الموج الشدید و الجمع أواذی و الصفق الضرب یسمع له صوت و الصفق الرد و

اصطفقت الأمواج أی ضرب بعضها بعضا و ردها و التقاذف الترامی بقوة و الثبج بتقدیم الثاء المثلثة علی الباء الموحدة و ثبج البحر بالتحریك معظمه و وسطه و قیل أصله ما بین الكاهل إلی الظهر و المراد أعالی الأمواج و الرغاء بالضم صوت الإبل و الزبد بالتحریك الذی یعلو السیل و قیل زبدا منصوب بمقدر أی ترغو قاذفة زبدا. و أقول الظاهر أن ترغو من الرغوة مثلثة و هی الزبد یعلو الشی ء عند غلیانه یقال رغی اللبن أی صارت له رغوة ففیه تجرید و لا ینافیه التشبیه بالفحل و الفحل الذكر من كل حیوان و أكثر ما یستعمل فی الإبل و هاج الفحل ثار و اشتهی الضراب و خضع أی ذل و جماح الماء غلیانه من جمح الفرس إذا غلب فارسه و لم یملكه و هیج الماء ثورانه و فورته و الارتماء الترامی و التقاذف و ارتماء الماء تلاطمه و أصل الوطء الدوس بالقدم و الكلكل الصدر و ذل أی صار ذلیلا أو ذلولا ضد الصعب و فی بعض النسخ كل أی عرض له الكلال من كل السیف إذا لم یقطع و المستخذی بغیر همز كما فی النسخ الخاضع و المنقاد و قد یهمز علی الأصل و تمعكت مستعار من تمعكت الدابة أی تمرغت فی التراب و الكاهل ما بین الكتفین فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجیا الاصطخاب افتعال من الصخب و هو كثرة الصیاح و اضطراب الأصوات و الساجی الساكن و الحكمة محركة

ص: 142

حدیدة فی اللجام و تكون علی حنك الفرس تمنعه عن مخالفة راكبه.

ثم إنه أورد هنا(1)

إشكال و هو أن كلامه علیه السلام یشعر بأن هیجان الماء و غلیانه و موجه سكن بوضع الأرض علیه و هذا خلاف ما نشاهده و یقتضیه العقل لأن الماء الساكن إذا جعل فیه جسم ثقیل اضطرب و تموج و صعد علوا فكیف الماء المتموج یسكن بطرح الجسم الثقیل فیه.

و أجیب بأن الماء إذا كان تموجه من قبل ریح هائجة جاز أن یسكن هیجانه بجسم یحول بینه و بین تلك الریح و لذلك إذا جعلنا فی الإناء ماء و روحنا بمروحة فإنه یتحرك فإن جعلنا علی سطح الماء جسما یملأ حافات الإناء و روحناه بالمروحة فإن الماء لا یتحرك لأن ذلك الجسم قد حال بین الهواء المجتلب بالمروحة و بین سطح الماء فمن الجائز أن یكون الماء فی الأول هائجا لأجل ریح محركة له فإذا وضعت الأرض علیه حال بین سطح الماء و بین تلك الریح و سیأتی فی كلامه علیه السلام ذكر هذه الریح حیث قال اعتقم مهبها إلی آخر ما سیأتی و الأولی أن یقال إن غرضه علیه السلام لیس نفی التموج مطلقا بل نفی التموج الشدید الذی كان للماء إذ حمله سبحانه علی متن الریح العاصفة و الزعزع القاصفة بقدرته الكاملة و أنشأ ریحا لمخضه مخض السقاء فكانت كرة الماء تندفق من جمیع الجوانب و ترد الریح أوله علی آخره و ساجیه علی مائره كما سیأتی فی كلامه علیه السلام ثم لما كبس الأرض بحیث لم یحط الماء بجمیعها فلا ریب فی انقطاع الهبوب و التمویج (2) من ذلك الجانب المماس للأرض من الماء و أیضا لما منعت الأرض سیلان الماء من ذلك الجانب إذ لیست الأرض كالهواء المنفتق المتحرك الذی كان ینتهی إلیه ذلك الحد من الماء كان ذلك أیضا من أسباب ضعف التموج و قلة التلاطم و أیضا لما تفرقت كرة الماء فی أطراف الأرض و مال الماء بطبعه إلی المواضع المنخفضة من الأرض و صار البحر الواحد المجتمع بحارا متعددة و إن اتصل بعضها ببعض و أحاطت السواحل بأطراف

ص: 143


1- 1. فی بعض النسخ: هاهنا.
2- 2. فی المخطوطة« التموج» و هو الأظهر.

البحار بحیث منعت الهبوب إلا من جهة السطح الظاهر سكنت الفورة الشدیدة بذلك التفرق و قلة التعمق و انقطاع الهبوب فكل ذلك من أسباب السكون الذی أشار إلیه علیه السلام.

و أقول مما یبین ذلك أنه إذا فرضنا حوضا یكون فرسخا فی فرسخ و قدرنا بناء عمارة عظیمة فی وسطه فلا ریب فی أنه یقل بذلك أمواجه و كلما وصل موج من جانب من الجوانب إلیه یرتدع و یرجع ثم إن هذه الوجوه إنما تبدی جریا علی قواعد الطبیعیین و خیالاتهم الواهیة و إلا فبعد ما ذكره علیه السلام لا حاجة لنا إلی إبداء وجه بل یمكن أن یكون لخلق الأرض و كبسها فی الماء نوع آخر من التأثیر فی سكونه لا تحیط به عقولنا الضعیفة.

و قال ابن میثم مقتضی الكلام أن اللّٰه تعالی خلق الماء قبل الأرض و سكن بها مستفحل أمواجه و هذا مما شهد به البرهان العقلی فإن الماء لما كان حاویا لأكثر الأرض كان سطحه الباطن المماس لسطحه الظاهر مكانا لها و ظاهر أن للمكان تقدما طبیعیا باعتبار ما علی المتمكن فیه و إن كان اللفظ یعطی تقدم خلق الماء علی خلق الأرض تقدما زمانیا كما هو المقبول عند السامعین انتهی.

و لا یخفی بعد أمثال تلك التأویلات الباردة فی تلك العبارات الظاهرة الدلالة علی التقدم و الحدوث الزمانیین كما ستعرف إن شاء اللّٰه تعالی.

و سكنت الأرض مدحوة أی مبسوطة و لا ینافی الكرویة و قیل هو من الدحو بمعنی القذف و الرمی و اللجة معظم الماء كما مر و التیار الموج و قیل أعظم الموج و لجته أعمقه و النخوة الافتخار و التعظم و الأنفة و الحمیة و البأو الرفعة و التعظم و الكبر و الاعتلاء التیه و الترفع و شمخ بأنفه أی تكبر من شمخ الجبل إذا ارتفع و السمو العلو و غلواء الشباب أوله و شرته و الغرض بیان سكون الأرض فی الماء المتلاطم و منعها إیاه عن تموجه و هیجانه و كعمت البعیر أی شددت فمه إذا هاج بالكعام ككتاب و هو شی ء یجعل فی فیه و الكظة بالكسر ما یعتری الممتلئ من الطعام و الجریة

ص: 144

بالكسر حالة الجریان أو مصدر و كظة الجریة ما یشاهد من الماء الكثیر فی جریانه من الثقل و همدت الریح سكنت و همود النار خمودها و نزق الفرس كسمع و نصر و ضرب نزقا و نزوقا نزا و وثب و النزقات دفعاته و نزق الغدیر امتلأ إلی رأسه و علی هذا فالهمود بمعنی الغور و الأول أظهر و الزیفان بالتحریك التبختر فی المشی من زاف البعیر یزیف إذا تبختر و فی بعض النسخ و لبد بعد زیفان و ثباته یقال لبد بالأرض كنصر إذا لزمها و أقام و منه اللبد ككتف لمن لا یبرح منزله و لا یطلب معاشا و یروی و لبد بعد زفیان بتقدیم الفاء علی الیاء و هو شدة هبوب الریح یقال زفت الریح السحاب إذا طردته و الزفیان بالفتح القوس السریعة الإرسال للسهم و الوثبة الطفرة و هیج الماء ثورانه و فورته و أكنافها أی جوانبها و نواحیها و شواهق الجبال عوالیها و الباذخ العالی و الینبوع ما انفجر من الأرض من الماء و لعله اعتبر فیه الجریان بالفعل فیكون من إضافة الخاص إلی العام أو التكریر للمبالغة و قیل الینبوع الجدول الكثیر الماء فلا یحتاج إلی تكلف و عرنین الأنف أوله تحت مجتمع الحاجبین و الظاهر أن ضمیر أنوفها راجع إلی الأرض كالضمائر السابقة و اللاحقة و استعار لفظ العرنین و الأنف لأعالی رءوس الجبال و إنما خص الجبال

بتفجر العیون منها لأن العیون أكثر ما یتفجر من الجبال و الأماكن المرتفعة و أثر القدرة فیها أظهر و نفعها أتم و السهب الفلاة البعیدة الأكناف و الأطراف و البید بالكسر جمع بیداء و هی الفلاة التی یبید سالكها أی یهلكه و الأخادید جمع أخدود و هو الشق فی الأرض و المراد بأخادیدها مجاری الأنهار و لعل تعدیل الحركات بالراسیات أی الجبال الثابتات جعلها عدیلا للحركات بحیث لا تغلبه أسباب الحركة فیستفاد سكونها فالباء صلة لا سببیة أو المعنی سوی الحركات فی الجهات أی جعل المیول متساویة بالجبال فسكنت لعدم المرجح فالباء سببیة و یحتمل أن یكون المراد أنه جعلها بالجبال بحیث قد تتحرك للزلازل و قد لا تتحرك و لم یجعل الحركة

ص: 145

غالبة علی السكون مع احتمال كونها دائما متحركة بحركة ضعیفة غیر محسوسة و من ذهب إلی استناد الحركة السریعة إلی الأرض لا یحتاج إلی تكلف و الجلامید جمع جلمد و جلمود أی الصخور و الشناخیب جمع شنخوب بالضم أی رءوس الجبال العالیة و الشم المرتفعة العالیة و الصیاخید جمع صیخود و هی الصخرة الشدیدة و المیدان بالتحریك التحرك و الاضطراب و رسب فی الماء كنصر و كرم رسوبا ذهب سفلا و جبل راسب أی ثابت و القطع كعنب جمع قطعة بالكسر و هی الطائفة من الشی ء و یروی بسكون الطاء و هو طنفسة الرحل قیل كأنه جعل الأرض ناقة و جعل لها قطعا و جعل الجبال فی ذلك القطع و الأدیم الجلد المدبوغ و أدیم السماء و الأرض ما ظهر منهما و رسوب الجبال فی قطع أدیمها دخولها فی أعماقها.

و التغلغل الدخول و السرب بالتحریك بیت فی الأرض لا منفذ له یقال تسرب الوحش و انسرب فی جحره أی دخل و الجوبة الحفرة و الفرجة و الخیشوم أقصی الأنف و السهل من الأرض ضد الحزن و جرثومة الشی ء بالضم أصله و قیل التراب المجتمع فی أصول الشجر و هو أنسب و لعل المراد بجراثیمها المواضع المرتفعة منها و مفاد الكلام أن الأرض كانت متحركة مضطربة قبل خلق الجبال فسكنت بها و ظاهره أن لنفوذ الجبال فی أعماق الأرض و ظهورها و ارتفاعها عن الأرض كلیهما مدخلا فی سكونها و قد مر بعض القول فی ذلك فی كتاب التوحید و سیأتی بعضه فی الأبواب الآتیة إن شاء اللّٰه.

و فسح له كمنع أی وسع و لعل فی الكلام تقدیر مضاف أی بین منتهی الجو و بینها أو المراد بالجو منتهاه أعنی السطح المقعر للسماء و المتنسم موضع التنسم و هو طلب النسیم و استنشاقه و فائدته ترویح القلب حتی لا یتأذی بغلبة الحرارة و مرافق الدار ما یستعین به أهلها و یحتاج إلیه فی التعیش و إخراج أهل الأرض علی تمام مرافقها إیجادهم و إسكانهم فیها بعد تهیئة ما یصلحهم بمعاشهم و التزود إلی معادهم و الجرز بضمتین الأرض التی لا نبات بها و لا ماء و

ص: 146

الرابیة ما ارتفع من الأرض و كذلك الربوة بالضم (1) و الجدول كجعفر النهر الصغیر و الذریعة الوسیلة و ناشئة السحاب أول ما ینشأ منه أی یبتدئ ظهوره و یقال نشأت السحاب (2) إذا ارتفعت و الغمام جمع الغمامة(3) بالفتح فیهما و هی السحابة البیضاء و اللمع كصرد جمع لمعة بالضم و هی فی الأصل قطعة من النبت إذا أخذت فی الیبس كأنها تلمع و تضی ء من بین سائر البقاع و القزع جمع قزعة بالتحریك فیهما و هی القطعة من الغیم و تباین القزع تباعدها و المخض بالفتح تحریك السقاء(4)

الذی فیه اللبن لیخرج زبده و تمخضت أی تحركت و اللجة معظم الماء و المزن جمع المزنة بالضم فیهما و هی الغیم و قیل السحابة البیضاء و ضمیر فیه راجع إلی المزن أی تحركت فیه اللجة المستودعة فیه و استعدت للنزول و التمع البرق و لمع أی أضاء و كففه حواشیه و جوانبه و طرف كل شی ء كفة بالضم و عن الأصمعی كل ما استطال كحاشیة الثوب و الرمل فهو كفة بالضم و كل ما استدار ككفة المیزان فهو كفة بالكسر و یجوز فیه الفتح و ومیض البرق لمعانه و لم ینم أی لم ینقطع و لم یفتر و الكنهور كسفرجل قطع من السحاب كالجبال و قیل المتراكم منه و الرباب كسحاب الأبیض منه و قیل السحاب الذی تراه كأنه دون السحاب و قد یكون أسود و قد یكون أبیض جمع ربابة و المتراكم و المرتكم المجتمع و قیل المیم بدل من الباء كأنه ركب بعضه بعضا و السح الصب و السیلان من فوق و المتدارك من الدرك بالتحریك و هو اللحاق یقال تدارك القوم إذا لحق آخرهم أولهم و أسف الطائر إذا دنا من الأرض و هیدبه ما تهدب منه أی تدلی كما تتدلی هدب العین و مری الناقة یمریها أی مسح ضرعها حتی در لبنها

ص: 147


1- 1. بل بالتثلیث.
2- 2. فی المخطوطة: السحابة.
3- 3. فی بعض النسخ: غمامة.
4- 4. السقاء بكسر السین و تخفیف القاف-: وعاء من الجلد للماء و اللبن.

و عدی هاهنا إلی مفعولین و روی تمری بدون الضمیر و الجنوب بالفتح الریح مهبها من مطلع سهیل إلی مطلع الثریا و هی أدر للمطر و الدرر كعنب جمع درة بالكسر أی الصب و الاندفاق و قیل الدرر الدار كقوله تعالی قَیِّماً أی قائما و الهضب المطر و یجمع علی أهضاب ثم علی أهاضیب كقول و أقوال و أقاویل و الدفعة من المطر بالضم ما انصب مرة و الشآبیب جمع شؤبوب و هو ما ینزل من المطر دفعة بشدة و البرك الصدر و البوانی قوائم الناقة و أركان البنیة و قال بعض شراح النهج بوانیها بفتح النون تثنیة بوان علی فعال بكسر الفاء و هی عمود الخیمة و الجمع بون و من روی بوانیها أراد لواصقها من قولهم قوس بانیة إذا التصقت بالوتر و الروایة الأولی أصح انتهی و فی النسخ القدیمة المصححة علی صیغة الجمع و فی النهایة فسر البوانی علی أركان البنیة و فی القاموس بقوائم الناقة و علی التقادیر الإضافة لأدنی ملابسة و فی الكلام تشبیه السحاب بالناقة المحمول علیها و الخیمة التی جر عمودها و البعاع كسحاب ثقل السحاب من المطر و استقلت أی نهضت و ارتفعت و استقلت به حملته و رفعته و العب ء الحمل و الثقل بكسر الجمیع و الهوامد من الأرض التی لا نبات بها و الزعر بالتحریك قلة الشعر فی الرأس یقال رجل أزعر و الأزعر الموضع القلیل النبات و الجمع زعر بالضم كأحمر و حمر و المراد هاهنا القلیلة(1)

النبات من الجبال تشبیها بالرءوس القلیلة الشعر و العشب بالضم الكلأ الرطب و بهج كمنع و فرح و سر و قال بعض الشراح من رواه بضم الهاء أراد یحسن و یملح من البهجة أی الحسن و الروضة من العشب الموضع الذی یستنقع فیه الماء و استراض الماء أی استنقع و تزدهی أی تتكبر و تفتخر افتعال من

الزهو و هو الكبر و الفخر و الریط جمع ریطة بالفتح فیهما كل ملاءة لیست بلفقین أی قطعتین كلها نسج واحد و قطعة واحدة و قیل كل ثوب رقیق لین و الأزاهیر جمع أزهار جمع زهرة بالفتح و هی النبات و نوره و قیل الأصفر

ص: 148


1- 1. فی المخطوطة: القلیل.

منه و أصل الزهرة الحسن و البهجة و الحلیة بالكسر ما یتزین به من مصوغ الذهب و الفضة و المعدنیات ما سمطت به أی أعلقت (1) علی بناء المجهول من التفعیل و فی بعض النسخ الصحیحة بالشین المعجمة و الشمیط من النبات ما خالط سواده النور الأبیض و أصله الشمط بالتحریك و هو بیاض الرأس یخالط سواده و النضارة الحسن و الطراوة و النور بالفتح الزهر أو الأبیض منه و البلاغ بالفتح ما یتبلغ به و یتوسل إلی الشی ء المطلوب و الفج الطریق الواسع بین الجبلین و الفجاج جمعه و خرقها خلقها علی الهیئة المخصوصة و الآفاق النواحی و المنار جمع منارة و هی العلامة و المراد هاهنا(2) ما یهتدی به السالكون من الجبال و التلال أو النجوم و الأول هنا أظهر و الجادة وسط الطریق و معظمه و مهد الشی ء وسعه و بسطه و مهد الأمر سواه و أصلحه و لعل المراد هنا إتمام خلق الأرض علی ما تقتضیه المصلحة فی نظام أمور ساكنیها و قیل یحتمل أن یراد بتمهید الأرض جعلها مهادا أی فراشا كما قال جل و علا أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً(3) أو جعلها مهدا أی مستقرا كالمهد للصبی كما قال سبحانه الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً(4) و إنفاذ الأمر إمضاؤه و إجراؤه و الخیرة كعنبة المختار و الجبلة بكسر الجیم و الباء و تشدید اللام الخلقة و الطبیعة و قیل فی قوله تعالی وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِینَ (5) أی ذوی الجبلة و یحتمل أن یكون من قبیل الخلق بمعنی المخلوق و قیل الجبلة الجماعة من الناس و المراد بأول الجبلة أول شخص من نوع الإنسان ردا علی من قال بقدم الأنواع المتوالدة و أرغد اللّٰه عیشه أی

ص: 149


1- 1. فی بعض النسخ: علقت.
2- 2. فی المخطوطة: هنا.
3- 3. النبأ: 6.
4- 4. طه: 53.
5- 5. الشعراء: 184.

جعله واسعا طیبا و الأكل بضمتین الرزق و الحظ قال اللّٰه تعالی وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَیْثُ شِئْتُما و أوعزت إلی فلان فی فعل أو ترك أی تقدمت و المراد النهی عن الأكل من الشجرة و خاطر بنفسه و ماله أی أشفاهما علی خطر و ألقاهما فی مهلكة و الضمیر فی منزلته راجع إلی آدم و یحتمل رجوعه إلیه سبحانه كضمیر معصیته علی الظاهر.

قوله علیه السلام موافاة قال ابن أبی الحدید لا یجوز أن ینتصب لأنه مفعول له لیكون عذرا و علة للفعل بل علی المصدریة المحضة كأنه قال فوافی بالمعصیة موافاة و طابق بها سابق العلم مطابقة فأهبطه بعد التوبة هو صریح فی أن الإهباط كان بعد التوبة فما یظهر

من كثیر من الآیات و الأخبار من عكس ذلك لعله محمول علی التوبة الكاملة أو علی القبول و یقال بتأخره عن التوبة و قد تقدم تأویل تلك المعصیة و أضرابها فی المجلد الخامس.

مما یؤكد علیهم لعل التعبیر بلفظ التأكید لكون معرفة الرب سبحانه فطریة أو لوضوح آیات الصنع فی الدلالة علی الخالق جل ذكره أو للأمرین و قال فی المغرب تعهد الضیعة و تعاهدها أتاها و أصلحها و حقیقته جدد العهد بها و القرن أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران فكأنه المقدار الذی یقترن فیه أهل ذلك الزمان فی أعمارهم و أحوالهم فقیل أربعون سنة و قیل ثمانون سنة و قیل مائة و قال الزجاج الذی عندی و اللّٰه أعلم أن القرن أهل كل مدة كان فیها نبی أو طبقة من أهل العلم سواء قلت السنون أو كثرت و مقطع الشی ء آخره كأنه قطع من هناك و عذر اللّٰه ما بین للمكلفین من الأعذار فی عقوبته لهم إن عصوه و نذره ما أنذرهم به من الحوادث و من أنذره علی لسانه من الرسل كذا قیل و قیل هما مصدران بمعنی الإعذار و الإنذار و المراد ختم الرسالة بنبینا صلی اللّٰه علیه و آله.

و قدر الأرزاق لما كان المتبادر من القسمة البسط علی التساوی بین ما

ص: 150

أراده بذكر الكثیر و القلیل ثم لما كان ذلك موهما للجور دفع الوهم بذكر العدل و نبه علی وجه الحكمة بذكر الابتلاء و الاختبار و روی فعدل بالتشدید و التعدیل التقویم و المآل واحد و الابتلاء الامتحان و المیسور و المعسور مصدران بمعنی العسر و الیسر كالمفتون بمعنی الفتنة و یمتنع عند سیبویه مجی ء المصدر علی مفعول قال المیسور الزمان الذی یوسر فیه و الاختبار فیه سبحانه صورته و غنیها و فقیرها نشر علی ترتیب اللف علی الظاهر و الضمیر فیهما إلی الأرزاق و فی الإضافة توسع و یحتمل عوده إلی الأشخاص المفهوم من المقام أو إلی الدنیا أو إلی الأرض و لعل إحداهما أنسب ببعض الضمائر الآتیة. و العقابیل جمع عقبول و عقبولة بالضم و هی قروح صغار تخرج بالشفة غب الحمی و بقایا المرض و فی تشبیه الفاقة و هی الفقر و الحاجة و آثارها(1)

بالعقابیل من اللطف ما لا یخفی لكونها مما یقبح فی المنظر و تخرج فی العضو الذی لا یتیسر سترها عن الناس و تشتمل علی فوائد خفیة و كذلك الفقر و ما یتبعه و أیضا تكون غالبا بعد التلذذ بالنعم و طوارق الآفات متجددات المصائب و ما یأتی منها بغتة من الطروق و هو الإتیان باللیل و الفرج جمع فرجة و هی التفصی من الهم و فرجة الحائط أیضا و الفرح السرور و النشاط و الغصة بالضم ما اعترض فی الحلق و النزح بالتحریك الهم و الهلاك و الانقطاع أیضا و الأجل محركة مدة الشی ء و غایة الوقت فی الموت و حلول الدین و تعلیق الإطالة و التقصیر علی الأول واضح و أما التقدیم و التأخیر فیمكن أن یكون باعتبار أن لكل مدة غایة و حینئذ یرجع التقدیم إلی التقصیر و الإطالة إلی التأخیر و یكون العطف للتفسیر تأكیدا و یحتمل أن یكون المراد بالتقدیم جعل بعض الأعمار سابقا علی بعض و تقدیم بعض الأمم علی بعض مثلا فیكون تأسیسا و یمكن أن یراد بتقدیم الآجال قطع بعض الأعمار لبعض الأسباب كقطع الرحم مثلا كما ورد فی الأخبار و بتأخیرها

ص: 151


1- 1. فی بعض النسخ: أو آثارها.

مدها لبعض الأسباب فیعود الضمیر فی قدمها و أخرها إلی الآجال بالمعنی الثانی علی وجه الاستخدام أو نوع من التجوز فی التعلیق كما مر و السبب فی الأصل الحبل یتوسل به إلی الماء و نحوه ثم توسعوا فیه و اتصال أسباب الآجال أی أسباب انقضائها أو أسباب نفسها(1)

علی المعنی الثانی بالموت (2) واضح و یحتمل أن تكون الأسباب عبارة عن الآجال بالمعنی الأول.

و خالجا أی جاذبا و الشطن بالتحریك الحبل و أشطان الآجال التی یجذبها الموت هی الأعمار شبهت بالأشطان لطولها و امتدادها و المرائر جمع مریر و مریرة و هی الحبال المفتولة علی أكثر من طاق ذكره فی النهایة و قیل الحبال الشدیدة الفتل و قیل الطول الدقاق منها و الأقران جمع قرن بالتحریك و هو فی الأصل حبل یجمع به البعیران و لعل المراد بمرائر أقران الآجال الأعمار التی یرجی امتدادها لقوة المزاج و البنیة و نحو ذلك و كلمة من فی قوله من ضمائر المضمرین بیانیة و الضمائر الصور الذهنیة المكنونة فی المدارك و النجوی اسم یقام مقام المصدر و هو المسارة و الخواطر ما یخطر فی القلب من تدبیر أمر و نحو ذلك و رجم الظنون كل ما یسبق إلیه الظن من غیر برهان أو مسارعته و الحدیث المرجم الذی لا یدری أ حق هو أم باطل و عقدة كل شی ء بالضم الموضع الذی عقد منه و أحكم و مسارق العیون النظرات الخفیة كأنها تسترق النظر لإخفائها و أومضت المرأة إذا سارقت النظر و أومض البرق إذا لمع خفیفا و لم یعترض فی نواحی الغیم و الجفن بالفتح غطاء العین من أعلی و أسفل و جمعه جفون و أجفن و أجفان و المقصود إحاطة علمه سبحانه بكل معلوم جزئی و كلی ردا علی من قصر علمه علی البعض كالكلیات و الأكنان و الأكنة جمع الكن بالكسر و هو اسم لكل ما یستتر فیه الإنسان لدفع الحر و البرد من الأبنیة و نحوها و ستر

ص: 152


1- 1. فی المخطوطة: انفسها.
2- 2. الجار و المجرور متعلق بقوله« اتصال».

كل شی ء و وقاؤه كما قال تعالی وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً(1) و قال ابن أبی الحدید و یروی أكنة القلوب و هی غلفها و أغطیتها و قال اللّٰه تعالی وَ جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ (2) و غیابة البئر قعره و أصغی أی استمع و أصغی إلیه أی مال بسمعه نحوه و استراق السمع الاستماع فی خفیة و صاخ و أصاخ له أی استمع و مصائخ الأسماع خروقها التی یستمع بها و الذر صغار النمل و مصایفها المواضع التی تصیف فیها أی تقیم فیها بالصیف و مشاتی الهوام مواضع إقامتها بالشتاء و الهامة كل ذات سم یقتل و ما لا یقتل فهو السامة كالعقرب و قد یقع الهوام علی ما یدب من الحیوان كالحشرات و الحنین شدة البكاء و صوت الطرب عن حزن أو فرح و رجعه ترجیعه و تردیده و قیل أصل الحنین ترجیع الناقة صوتها أثر ولدها و المولهات النوق و كل أنثی حیل بینها و بین أولادها و فی بعض النسخ الموالهات و أصل الوله زوال العقل و التحیر من شدة الوجد و الهمس أخفی ما یكون من صوت القدم أو كل صوت خفی و المنفسح موضع السعة و منفسح الثمرة موضع نموها فی الأكمام و یروی متفسخ بالخاء المعجمة و تشدید السین و التاء مصدرا من تفسخت الثمرة إذا انقطعت و الولیجة الدخیلة و البطانة. و قال ابن أبی الحدید الولائج المواضع الساترة و الواحد(3) ولیجة و هی كالكهف یستتر فیها المارة من مطر أو غیره و الغلف بضمة(4) و بضمتین جمع غلاف ككتاب و

یوجد فی النسخ علی الوجهین و الكم بالكسر وعاء الطلع و غطاء النور و جمعه أكمام و أكمة و كمام و كلمة من علی ما فی الأصل بیانیة أو تبعیضیة و علی الروایة صلة أو بیانیة و المنقمع علی زنة المفعول من باب الانفعال موضع

ص: 153


1- 1. النحل: 81.
2- 2. الأنعام: 25.
3- 3. فی المخطوطة: الواحدة.
4- 4. فی بعض النسخ: أو ضمتین.

الاختفاء كما فی أكثر النسخ و فی بعضها من باب التفعل بمعناه و الغیران جمع غار و هو ما ینحت فی الجبل شبه المغارة فإذا اتسع قیل كهف و قیل الغار الجحر یأوی إلیه الوحش أو كل مطمئن فی الأرض أو المنخفض من الجبل. و البعوض البق و قیل صغارها و الواحدة بهاء(1)

و مختبأ البعوض موضع اختفائه و السوق جمع ساق و الألحیة جمع اللحاء ككساء و هو قشر الشجر و غرزه فی الأرض كضربه أدخله و ثبته و مغرز الأوراق موضع وصلها و الأفنان جمع فنن بالتحریك و هو الغصن و الحط الحدر من علو إلی سفل و الأمشاج قیل مفرد و قیل جمع مشج بالفتح أو بالتحریك أو مشیج علی فعیل أی المختلط قیل فی قوله تعالی مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ (2) أی أخلاط من الطبائع من الحرارة و البرودة و الرطوبة و الیبوسة و قیل من الأجزاء المختلفة فی الاستعداد و قیل أمشاج أی أطوار طورا نطفة و طورا علقة و هكذا و قیل أی أخلاط من ماء الرجل و ماء المرأة و سیأتی الكلام فیه و كلامه علیه السلام یؤید بعض الوجوه الأولة كما لا یخفی.

و المسارب المواضع التی ینسرب فیه المنی أی یسیل أو ینسرب فیها المنی أی یختفی من قولهم انسرب الوحشی إذا دخل فی جحره و اختفی أو مجاری المنی من السرب بمعنی الطریق و المراد أوعیتها من الأصلاب أو مجاریها و تفسیر المسارب بالأخلاط التی یتولد منها المنی كما احتمله ابن میثم بعید و المراد بمحط الأمشاج مقر النطفة من الرحم أو من الأصلاب علی بعض الوجوه فی المسارب فتكون كلمة من تبعیضیة و لعل الأول أظهر.

و الناشئة من السحاب أول ما ینشأ منه و لم یتكامل اجتماعه أو المرتفع منه و متلاحم الغیوم ما التصق منها بعضها ببعض و الدرور السیلان و القطر بالفتح

ص: 154


1- 1. یعنی یزاد فی آخرها هاء فیقال« بعوضة».
2- 2. الدهر: 2.

المطر و الواحدة قطرة و السحائب جمع سحابة و متراكمها المجتمع المتكاثف منها و فی بعض النسخ و تراكمها.

و سفت الریح التراب تسفیه أی ذرته و رمت به أو حملته و الأعاصیر جمع الإعصار و هو بالكسر الریح التی تهب صاعدا من الأرض نحو السماء كالعمود و قیل التی فیها نار و قیل التی فیها العصار و هو الغبار الشدید و ذیولها أطرافها التی تجرها علی الأرض و لطف الاستعارة ظاهر و عفت الریح الأثر إذا طمسته و محته و عفی الأثر إذا انمحی یتعدی و لا یتعدی و العوم السباحة و سیر السفینة و الإبل و بنات الأرض بتقدیم الباء علی ما فی أكثر النسخ الحشرات و الهوام التی تكون فی الرمال و غیرها كاللحكة و العصابة و غیرهما و حركتها فی الرمال لعدم استقرارها تشبه السباحة و فی بعض النسخ بتقدیم النون فالمراد حركة عروقها فی الرمال كأرجل السابحین و أیدیهم فی الماء و الكثبان بالضم جمع الكثیب و هو التل من الرمل و المستقر موضع

الاستقرار و یحتمل المصدر. و ذروة الشی ء بالضم و الكسر أعلاه و غرد الطائر كفرح و غرد تغریدا رفع صوته و طرب به و ذوات المنطق من الطیور ما له صوت و غناء كان غیره أبكم لا یقدر علی المنطق و الدیاجیر جمع دیجور و هو الظلام و المظلم و الإضافة علی الثانی من إضافة الخاص إلی العام و الوكر بالفتح عش الطائر و ما أوعته الأصداف أی ما حفظته و جمعته من اللئالئ و الحضن بالكسر ما دون الإبط إلی الكشح أو الصدر أو العضدان و ما بینهما و حضن الصبی كنصر جعله فی حضنه و ما حضنته الأمواج العنبر و المسك و غیرهما و ما غشیته أی غطته و السدفة بالضم الظلمة و ذرت الشمس أی طلعت و شرقت الشمس و أشرقت أی أضاءت و ما اعتقبت أی تعاقبت و جاءت واحدة بعد أخری و الأطباق جمع طبق بالتحریك و هو غطاء كل شی ء و تارات (1) الظلمة تستر الأشیاء كالأغطیة و سبحات النور مرآته و سبحات وجه

ص: 155


1- 1. فی بعض النسخ: دثارات.

اللّٰه أنواره. و قال ابن أبی الحدید لیس یعنی بالسبحات هاهنا ما یعنی به فی قوله سبحات وجه ربنا لأنه هناك بمعنی الجلالة و هاهنا بمعنی ما یسبح علیه النور أی یجری من سبح الفرس و هو جریه و المتعاقبان النور و الظلمة أی ما تغطیه ظلمة بعد نور و نور بعد ظلمة و یحتمل أن یراد تعاقب أفراد كل منهما و أثر القدم علامته التی تبقی فی الأرض و الخطوة المشیة و الحس الصوت الخفی و رجع الكلمة ما ترجع به من الكلام إلی نفسك و تردده فی فكرك أو جواب الكلمة أو تردید الصوت و ترجیعه عند التلفظ بالكلمة أو إرجاع النفس للتلفظ بكلمة بعد الوقف علی كلمة و الرجع یكون لازما و متعدیا و النسمة محركة الإنسان أو كل دابة فیها روح و مستقر النسمة إما الصلب أو الرحم أو القبر أو مكانه فی الدنیا أو فی الآخرة أو الأعم و مثقال الذرة وزنها لا المثقال المعروف كما قال تعالی إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ (1)و الهمهمة الصوت الخفی أو تردید الصوت فی الحلق أو تردد الصوت فی الصدر من الهم كل نفس هامة أی ذات همة تعزم علی أمر و الوصف للتعمیم و ما علیها أی علی الأرض بقرینة المقام كقوله تعالی كُلُّ مَنْ عَلَیْها فانٍ (2)و النطفة ماء الرجل و الماء الصافی قل أو كثر و یطلق علی قلیل ماء فی دلو أو قربة و الأول أظهر فی المقام و قرارتها موضعها الذی تستقر فیه و أصل القرارة المطمئن من الأرض یستقر فیه ماء المطر و جمعها القرار و نقاعة كل شی ء بالضم الماء الذی ینقع فیه. و قال الشراح النقاعة نقرة یجتمع فیها الدم و المضغة بالضم القطعة من اللحم قدر ما یمضغ و ناشئة الخلق الصورة ینشئها سبحانه فی البدن أو الروح التی ینفخها فیه و السلالة بالضم ما استل و استخرج من شی ء و فی الكلام إشارة إلی قوله سبحانه وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ إلی قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ (3)

ص: 156


1- 1 النساء: 40.
2- 2 الرحمن: 26.
3- 3 المؤمنون: 14.

ثم الغرض من ذكره هذه الأشیاء التنصیص علی عموم علمه سبحانه مع الإشارة إلی أصناف خلقه و أنواع بریته و عجائب ربوبیته فإن الدلیل علی علمه بها خلقه لها و حفظه و تربیته لكل منها و إظهار بدائع الحكمة فی كل صفة من أوصافها و حال من أحوالها كما قال سبحانه أَ لا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ(1) لم یلحقه فی ذلك المشار إلیه إما العلم بالجزئیات المذكورة و إما خلق الإشارة المذكورة قبل تفصیل المعلومات أو فیها أیضا كما قلنا إن الغرض لیس محض تعلق العلق بها كلفة أی مشقة و لا اعترضته أی منعته و العارضة ما یستقبلك من شی ء یمنعك عن مسیرك و لا اعتورته قیل اعتورته أحاطت به و فی اللغة اعتوروا الشی ء أی تداولوه و تناوبوه و فی تنفیذ الأمور أی إجرائها و إمضائها و التدبیر النظر فی عاقبة الأمر أو الفعل عن رویة و المراد هنا إمضاء الأمور علی وفق المصلحة و العلم بالعواقب و الملالة السأمة و الضجر و فتر عن العمل انكسر حدته و لان بعد شدته بل نفذ فیهم علمه أی أحاط علمه بظواهرهم و بواطنهم و فی بعض النسخ نفذهم علی الحذف و الإیصال و العد مصدر عددته و فی بعض النسخ عدده و غمرهم أی غطاهم و سترهم و شملهم فضله و كنه الشی ء نهایته و حقیقته و الوصف الجمیل ذكر الفضائل و التعداد بالفتح مصدر للمبالغة و التكثیر و قال الكوفیون أصله التفعیل الذی یفید المبالغة قلبت یاؤه ألفا و بالكسر شاذ و الأمل ضد الیأس و خیر خبر مبتدإ محذوف و كذلك أكرم و البسط النشر و التوسیع و كلمة فی إما زائدة أو للظرفیة المجازیة و المفعول محذوف أی بسطت لی القدرة أو الكلام فیما لا أمدح به غیرك و الغرض شكره سبحانه علی فضیلة البلاغة و العلم به سبحانه و مدائحه و التوفیق علی قصر المدح علی اللّٰه جل شأنه و الخیبة الحرمان و المخلوقون هم معادنها لأن عطایاهم قلیلة فانیة مع أنهم لا یعطون غالبا و هم مواضع الریبة أی التهمة و الشك لعدم الوثوق بإعطائهم و عدم الاعتماد علیهم فی رعایة مصلحة فی المنع و اللّٰه سبحانه لا یمنع إلا لمصلحة

ص: 157


1- 1. الملك: 14.

تعود إلی السائل و یدخر مع ذلك له أضعاف ما سأل فی الدار الباقیة.

و المثوبة الثواب و الجزاء المكافأة علی الشی ء و العارفة الإحسان دلیلا علی ذخائر الرحمة أی هادیا إلی أسبابها بالتوفیق و التأیید و ذخائر الرحمة عظائم العطایا و أصل الذخیرة المختار من كل شی ء أو ما یعده الرجل لیوم حاجته و هذا مقام اسم مكان و یحتمل المصدر و المحمدة بفتح العین و كسرها مصدر حمده كسمعه و الفاقة الفقر و الجبر فی الأصل إصلاح العظم المكسور و المسكنة الخضوع و الذلة و قلة المال و سوء الحال و نعشه رفعه و الخلة بالفتح الفقر و الحاجة و ضمیرا مسكنتها و خلتها راجعان إلی الفاقة و فی الإضافة توسع و المن العطاء و مد الأیدی كنایة عن الطلب و إظهار الحاجة و القدیر مبالغة فی القادر.

و إنما بسطنا الكلام بعض البسط فی شرح هذه الخطبة لكونها من جلائل الخطب و ذكرنا جمیعها لذلك و لكون أكثرها متعلقا بمطالب هذا المجلد و تفریقها علی الأبواب كان یوجب تفویت نظام البلاغة و كمالها كما فوت السید رحمه اللّٰه كثیرا من فوائد الخطبة باختصارها و اختیارها و أما دلالتها علی حدوث السماء و الأرض و الملائكة و غیر ذلك فغیر خفی علی المتأمل فیها.

«91»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَیُّوبَ الْأَشْعَرِیِّ عَنْ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِیِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَیْلٍ (1)

ص: 158


1- 1. فی نسخ البحار« مسلمة بن كهیل» لكن الصحیح« سلمة بن كهیل» كما فی المصدر و« كهیل» بالضم و زان« زبیر» و قد اختلفوا فی ان المسمی بهذا الاسم واحد أو اثنان او أكثر فاعتبره« ابن داود» ثلاثة رجال، و عده الشیخ تارة بهذا العنوان من أصحاب امیر المؤمنین علیه السلام و اخری من أصحاب الباقر علیه السلام و ثالثة من أصحاب السجّاد علیه السلام مضیفا إلیه قوله« ابو یحیی الحضرمی الكوفیّ» و رابعة من أصحاب الصادق علیه السلام مضیفا الیه قوله« ابن الحصین أبو یحیی الحضرمی الكوفیّ تابعی» و عند صاحب« جامع الرواة» رجلان احدهما من خواص أمیر المؤمنین علیه السلام و الآخر من عاصر السجّاد و الباقر و الصادق. علیهم السلام و هو من التبریة( و هم الذین قالوا بامامة أبی بكر و عمر و علی و من خرج بالسیف من ولد علیّ علیه السلام) و استظهره أیضا فی تنقیح المقال( ج 2، ص 51) و قال: الأول من الحسان و الثانی غیر موثوق به فیندرج فی الضعفاء، و كیف كان فالذی فی هذا السند غیر صاحب علیّ علیه السلام بشهادة روایة« عمرو بن شمر» عنه و اللّٰه العالم.

عَنْ أَبِی الْهَیْثَمِ بْنِ التَّیِّهَانِ: أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِینَةِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كَانَ حَیّاً بِلَا كَیْفٍ وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كَانَ إِلَی قَوْلِهِ وَ لَا قَوِیَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ شَیْئاً وَ لَا كَانَ ضَعِیفاً قَبْلَ أَنْ یُكَوِّنَ شَیْئاً وَ لَا كَانَ مُسْتَوْحِشاً قَبْلَ أَنْ یَبْتَدِعَ شَیْئاً وَ لَا یُشْبِهُ شَیْئاً وَ لَا كَانَ خِلْواً مِنَ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ وَ لَا یَكُونُ خِلْواً مِنْهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ كَانَ إِلَهاً حَیّاً بِلَا حَیَاةٍ وَ مَالِكاً قَبْلَ أَنْ یَكُونَ یُنْشِئُ شَیْئاً وَ مَالِكاً بَعْدَ إِنْشَائِهِ لِلْكَوْنِ (1).

و منه عن محمد بن یحیی عن أحمد بن موسی عن الحسین بن سعید عن القاسم بن محمد عن علی بن أبی حمزة عن أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام: مثله (2)

التوحید، عن أحمد بن محمد بن یحیی عن أبیه: مثله (3) بیان و لم یكن له كان ظاهره نفی الزمان عنه

تعالی و إن احتمل أن یكون كان اسما بمعنی الكون علی لغة من یقلب الواو و الیاء الساكنین أیضا مع انفتاح ما قبلهما ألفا ثم لا یخفی دلالة سائر الفقرات علی حدوث ما سواه سبحانه قوله و لا كان خلوا من الملك قبل إنشائه الملك یكون بمعنی السلطنة و بمعنی المملكة فیحتمل أن یكون المراد عند ذكره أولا و عند إرجاع الضمیر إلیه ثانیا هو المعنی الأول أو فی الأول الأول و فی الثانی الثانی علی طریقة الاستخدام و یكون الضمیر راجعا إلی اللّٰه بالإضافة إلی الفاعل و لا یلائم الأخیر الفقرة التالیة.

«92»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

ص: 159


1- 1. روضة الكافی: 31.
2- 2. الكافی، ج 1، 88.
3- 3. التوحید: 113.

النُّعْمَانِ (1)

أَوْ غَیْرِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَوْمَ الْجُمُعَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَهْلِ الْحَمْدِ وَ وَلِیِّهِ وَ مُنْتَهَی الْحَمْدِ وَ مَحَلِّهِ الْبَدِی ءِ الْبَدِیعِ إِلَی قَوْلِهِ الَّذِی كَانَ فِی أَوَّلِیَّتِهِ مُتَقَادِماً وَ فِی دَیْمُومِیَّتِهِ مُتَسَیْطِراً خَضَعَ الْخَلَائِقُ لِوَحْدَانِیَّتِهِ وَ رُبُوبِیَّتِهِ وَ قَدِیمِ أَزَلِیَّتِهِ وَ دَانُوا لِدَوَامِ أَبَدِیَّتِهِ (2).

بیان: المتسیطر المتسلط.

«93»- الْكَافِی، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی نَصْرٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْمَوْصِلِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: جَاءَ حِبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَتَی كَانَ رَبُّكَ فَقَالَ لَهُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَ مَتَی لَمْ یَكُنْ حَتَّی یُقَالَ مَتَی كَانَ كَانَ رَبِّی قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ وَ بَعْدَ الْبَعْدِ بِلَا بَعْدٍ وَ لَا غَایَةٍ وَ لَا مُنْتَهَی لِغَایَتِهِ انْقَطَعَتِ الْغَایَاتُ عِنْدَهُ فَهُوَ مُنْتَهَی كُلِّ غَایَةٍ(3).

«94»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام كَانَ اللَّهُ (4) وَ لَا شَیْ ءَ قَالَ نَعَمْ كَانَ وَ لَا شَیْ ءَ قُلْتُ فَأَیْنَ كَانَ یَكُونُ قَالَ وَ كَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَی جَالِساً وَ قَالَ أَحَلْتَ یَا زُرَارَةُ وَ سَأَلْتَ عَنِ الْمَكَانِ إِذْ لَا مَكَانَ (5).

ص: 160


1- 1. هو محمّد بن علیّ بن النعمان بن أبی طریفة البجلیّ مولی الاحول أبو جعفر كوفیّ صیرفی( النجاشیّ: 249) یعد من أصحاب الصادق و الكاظم، ثقة جلیل، یلقب بمؤمن الطاق و صاحب الطاق و یلقبه المخالفون« شیطان الطاق» كان دكانه فی طاق المحامل بالكوفة. و كان له مع أبی حنیفة حكایات كثیرة منها انه قال له یوما یا أبا جعفر تقول بالرجعة؟ فقال له نعم. قال: أقرضنی من كیسك خمسمائة دینار فإذا عدت انا و انت رددتها إلیك! فقال له فی الحال: ارید ضمینا یضمن لی انك تعود إنسانا، فانی اخاف ان تعود قردا فلا أتمكن من استرجاع ما اخذت منی!.
2- 2. روضة الكافی: 173.
3- 3. الكافی: ج 1، ص 89.
4- 4. فی المصدر: أ كان اللّٰه.
5- 5. الكافی: ج 1، ص 90.

بیان: أحلت أی تكلمت بالمحال.

«95»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَیْدٍ قَالَ: جِئْتُ إِلَی الرِّضَا علیه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ التَّوْحِیدِ فَأَمْلَی عَلَیَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ الْأَشْیَاءِ إِنْشَاءً وَ مُبْتَدِعِهَا ابْتِدَاءً(1) بِقُدْرَتِهِ وَ حِكْمَتِهِ لَا مِنْ شَیْ ءٍ فَیَبْطُلَ الِاخْتِرَاعُ وَ لَا لِعِلَّةٍ فَلَا یَصِحَّ الِابْتِدَاعُ الْخَبَرَ(2).

العلل، عن محمد بن علی ماجیلویه عن محمد بن یحیی العطار عن سهل: مثله (3)

التوحید، عن محمد بن الحسن عن الصفار عن سهل: مثله (4).

«96»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّیَالِسِیِّ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ: لَمْ یَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ رَبَّنَا وَ الْعِلْمُ ذَاتُهُ وَ لَا مَعْلُومَ وَ السَّمْعُ ذَاتُهُ وَ لَا مَسْمُوعَ وَ الْبَصَرُ ذَاتُهُ وَ لَا مُبْصَرَ وَ الْقُدْرَةُ ذَاتُهُ وَ لَا مَقْدُورَ فَلَمَّا أَحْدَثَ الْأَشْیَاءَ وَقَعَ الْعِلْمُ (5) مِنْهُ عَلَی الْمَعْلُومِ وَ السَّمْعُ عَلَی الْمَسْمُوعِ وَ الْبَصَرُ عَلَی الْمُبْصَرِ وَ الْقُدْرَةُ عَلَی الْمَقْدُورِ قَالَ قُلْتُ فَلَمْ یَزَلِ اللَّهُ مُتَحَرِّكاً قَالَ فَقَالَ تَعَالَی اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ إِنَّ الْحَرَكَةَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ بِالْفِعْلِ قَالَ قُلْتُ فَلَمْ یَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّماً قَالَ فَقَالَ إِنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ لَیْسَتْ بِأَزَلِیَّةٍ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَا مُتَكَلِّمَ (6).

التوحید، عن محمد بن علی ماجیلویه عن علی بن إبراهیم: مثله (7).

«97»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ

ص: 161


1- 1. فی المصدر: ابتداعا.
2- 2. الكافی: ج 1، ص 105.
3- 3. العلل. ج 1، ص 9.
4- 4. التوحید: 57.
5- 5. فی المصدر: و كان.
6- 6. الكافی: ج 1، ص 107.
7- 7. التوحید: 88.

هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: كَانَ اللَّهُ وَ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ وَ لَمْ یَزَلْ عَالِماً فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ (1).

«98»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ أَیُّوبَ بْنِ (2) نُوحٍ: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَی أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام یَسْأَلُهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَ كَانَ یَعْلَمُ الْأَشْیَاءَ قَبْلَ أَنْ خَلَقَ الْأَشْیَاءَ وَ كَوَّنَهَا أَوْ لَمْ یَعْلَمْ ذَلِكَ حَتَّی خَلَقَهَا وَ أَرَادَ خَلْقَهَا وَ تَكْوِینَهَا فَعَلِمَ مَا خَلَقَ عِنْدَ مَا خَلَقَ وَ مَا(3) كَوَّنَ عِنْدَ مَا كَوَّنَ فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ علیه السلام لَمْ یَزَلِ اللَّهُ عَالِماً بِالْأَشْیَاءِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْأَشْیَاءَ كَعِلْمِهِ بِالْأَشْیَاءِ بَعْدَ مَا خَلَقَ الْأَشْیَاءَ(4).

التوحید، عن أحمد بن محمد بن یحیی عن أبیه: مثله (5).

«99»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَی الرَّجُلِ (6)

علیه السلام أَسْأَلُهُ أَنَّ مَوَالِیَكَ اخْتَلَفُوا فِی الْعِلْمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ عَالِماً قَبْلَ فِعْلِ الْأَشْیَاءِ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا نَقُولُ لَمْ یَزَلْ عَالِماً لِأَنَّ مَعْنَی یَعْلَمُ یَفْعَلُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعِلْمَ فَقَدْ أَثْبَتْنَا فِی الْأَزَلِ مَعَهُ شَیْئاً فَإِنْ رَأَیْتَ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ أَنْ تُعَلِّمَنِی مِنْ ذَلِكَ مَا أَقِفُ عَلَیْهِ وَ لَا أَجُوزُهُ فَكَتَبَ علیه السلام بِخَطِّهِ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ تَعَالَی عَالِماً تَبَارَكَ وَ تَعَالَی ذِكْرُهُ (7).

بیان: قد مر شرح هذا الخبر و یدل زائدا علی ما سبق فی الأخبار علی أنه كان معلوما عند الأصحاب أنه لا یجوز أن یكون شی ء مع اللّٰه فی الأزل و لما توهموا

ص: 162


1- 1. الكافی: ج 1، ص 107.
2- 2. من أصحاب الهادی علیه السلام ثقة روی عنه سعد بن عبد اللّٰه بلا واسطة و بواسطة محمّد بن عیسی بن عبید.
3- 3. فی التوحید: فعلم ما خلق و ما كون ....
4- 4. الكافی: ج 1، ص 107.
5- 5. التوحید: 92. و فی المصدر: أحمد بن محمّد بن یحیی عن سعد بن عبد اللّٰه عن ایوب بن نوح. و لا بأس به، لان أحمد بن محمّد بن یحیی یروی عن سعد بلا واسطة و بواسطة أبیه.
6- 6. الظاهر ان المراد به الحسن بن علیّ العسكریّ علیهما السلام.
7- 7. الكافی: ج 1، ص 107.

أن العلم یستلزم حصول صورة نفوا العلم فی الأزل لئلا یكون معه تعالی غیره قیاسا علی الشاهد فلم یتعرض علیه السلام لإبطال توهمهم و أثبت العلم القدیم له تعالی و بالجملة هذه الأخبار صریحة فی أن المخلوقات كلها مسبوقة بعدم یعلمها سبحانه فی حال عدمها.

«100»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِیرٍ عَنْ فُضَیْلِ سُكَّرَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنْ رَأَیْتَ أَنْ تُعَلِّمَنِی هَلْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ وَجْهُهُ (1) یَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ أَنَّهُ

وَحْدَهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ مَوَالِیكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ كَانَ یَعْلَمُ (2) قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ شَیْئاً مِنْ خَلْقِهِ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا مَعْنَی یَعْلَمُ یَفْعَلُ فَهُوَ الْیَوْمَ یَعْلَمُ أَنَّهُ لَا غَیْرُهُ قَبْلَ فِعْلِ الْأَشْیَاءِ فَقَالُوا(3)

إِنْ أَثْبَتْنَا أَنَّهُ لَمْ یَزَلْ عَالِماً بِأَنَّهُ لَا غَیْرُهُ فَقَدْ أَثْبَتْنَا مَعَهُ غَیْرَهُ فِی أَزَلِیَّتِهِ فَإِنْ رَأَیْتَ یَا سَیِّدِی أَنْ تُعَلِّمَنِی مَا لَا أَعْدُوهُ إِلَی غَیْرِهِ فَكَتَبَ مَا زَالَ اللَّهُ عَالِماً تَبَارَكَ وَ تَعَالَی ذِكْرُهُ (4).

التوحید، عن أحمد بن محمد بن یحیی العطار عن أبیه: مثله (5).

«101»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَیْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَیْدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ مُرِیداً قَالَ إِنَّ الْمُرِیدَ لَا یَكُونُ إِلَّا لِمُرَادٍ مَعَهُ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ عَالِماً قَادِراً ثُمَّ أَرَادَ(6).

«102»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ مُوسَی بْنِ عَمْرٍو وَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ

ص: 163


1- 1. فی التوحید: جل ذكره.
2- 2. فی التوحید: قد كان یعلم تبارك و تعالی انه وحده.
3- 3. فی التوحید: و قالوا.
4- 4. الكافی: ج 1، ص 108.
5- 5. التوحید: 92.
6- 6. الكافی: ج 1، ص 109، و قد نقل المؤلّف- رحمه اللّٰه- الروایة فی ضمن بیان الحدیث الرقم 12 عن التوحید عن عاصم بن حمید عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام.

الرِّضَا علیه السلام هَلْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَارِفاً بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ یَرَاهَا وَ یَسْمَعُهَا قَالَ مَا كَانَ (1)

مُحْتَاجاً إِلَی ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ یَكُنْ یَسْأَلُهَا وَ لَا یَطْلُبُ مِنْهَا هُوَ نَفْسُهُ وَ نَفْسُهُ هُوَ قُدْرَتُهُ نَافِذَةٌ فَلَیْسَ (2)

یَحْتَاجُ (3) أَنْ یُسَمِّیَ نَفْسَهُ لَكِنِ (4) اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَسْمَاءً لِغَیْرِهِ یَدْعُوهُ بِهَا الْخَبَرَ(5).

التوحید، و العیون، و معانی الأخبار، عن أبیه عن أحمد بن إدریس: مثله.

«103»- الْكَافِی، مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ جَمِیعاً رَفَعَاهُ إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَامَ خَطِیباً فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الْمُتَفَرِّدِ الَّذِی لَا مِنْ شَیْ ءٍ كَانَ وَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ خَلَقَ مَا كَانَ إِلَی قَوْلِهِ وَ لَمْ یَتَكَأَّدْهُ صُنْعُ شَیْ ءٍ كَانَ إِنَّمَا قَالَ

لِمَا شَاءَ(6)

كُنْ فَكَانَ ابْتَدَعَ مَا خَلَقَ بِلَا مِثَالٍ سَبَقَ وَ لَا تَعَبٍ وَ لَا نَصَبٍ وَ كُلُّ صَانِعِ شَیْ ءٍ فَمِنْ شَیْ ءٍ صَنَعَ وَ اللَّهُ لَا مِنْ شَیْ ءٍ صَنَعَ مَا خَلَقَ وَ كُلُّ عَالِمٍ فَمِنْ بَعْدِ جَهْلٍ تَعَلَّمَ وَ اللَّهُ لَمْ یَجْهَلْ وَ لَمْ یَتَعَلَّمْ أَحَاطَ بِالْأَشْیَاءِ عِلْماً قَبْلَ كَوْنِهَا فَلَمْ یَزْدَدْ بِكَوْنِهَا عِلْماً عِلْمُهُ قَبْلَ أَنْ یُكَوِّنَهَا كَعِلْمِهِ بِهَا(7) بَعْدَ تَكْوِینِهَا إِلَی قَوْلِهِ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الْمُبِیدُ لِلْأَبَدِ وَ الْوَارِثُ لِلْأَمَدِ الَّذِی لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ وَحْدَانِیّاً أَزَلِیّاً قَبْلَ بَدْءِ الدُّهُورِ وَ بَعْدَ صُرُوفِ (8) الْأُمُورِ الْخَبَرَ(9).

ثم قال الكلینی رحمه اللّٰه هذه الخطبة من مشهورات خطبه علیه السلام حتی لقد ابتذلها

ص: 164


1- 1. فی التوحید: ما كان اللّٰه.
2- 2. فی التوحید: و لیس.
3- 3. فی العیون: إلی أن یسمی.
4- 4. كذا فی التوحید، و فی الكافی و العیون و معانی الأخبار: و لكنه.
5- 5. الكافی: ج 1، 113، التوحید: 129، العیون، ج 1، 129، معانی الأخبار: ص 2.
6- 6. فی التوحید: لما شاء أن یكون كن ....
7- 7. فی الكافی و التوحید: كعلمه بعد.
8- 8. فی التوحید: صرف.
9- 9. الكافی: ج 1، 134.

العامة و هی كافیة لمن طلب علم التوحید إذا تدبرها و فهم ما فیها إلی أن قال أ لا ترون إلی قوله لا من شی ء كان و لا من شی ء خلق ما كان فنفی بقوله لا من شی ء كان معنی الحدوث و كیف أوقع علی ما خلقه (1) صفة الخلق و الاختراع بلا أصل و لا مثال نفیا لقول من قال إن الأشیاء كلها محدثة بعضها من بعض و إبطالا لقول الثنویة الذین زعموا أنه لا یحدث شیئا إلا من أصل و لا یدبر إلا باحتذاء المثال فدفع علیه السلام بقوله لا من شی ء خلق ما كان جمیع حجج الثنویة و شبههم لأن أكثر ما تعتمد الثنویة فی حدوث العالم أن یقولوا لا یخلو من أن یكون الخالق خلق الأشیاء من شی ء أو من لا شی ء فقولهم من شی ء خطأ و قولهم من لا شی ء مناقضة و إحالة لأن من یوجب شیئا و لا شی ء ینفیه فأخرج أمیر المؤمنین علیه السلام هذه اللفظة علی أبلغ الألفاظ و أصحها و قال علیه السلام لا من شی ء خلق ما كان فنفی من إذ كانت توجب شیئا و نفی الشی ء إذ كان كل شی ء مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق كما قالت الثنویة إنه خلق من أصل قدیم فلا یكون تدبیر إلا باحتذاء مثال.

التوحید، عن علی بن أحمد الدقاق عن محمد الأسدی و أحمد بن یحیی بن زكریا القطان عن بكر بن عبد اللّٰه بن حبیب عن تمیم بن بهلول عن أبیه عن أبی معاویة عن الحصین بن عبد الرحمن عن أبیه و عن أحمد بن محمد بن الصقر عن محمد بن العباس بن بسام عن سعید بن محمد البصری عن عمرة بنت أوس (2)

عن الحصین بن عبد الرحمن عن أبیه عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام: مثله (3).

«104»- الْكَافِی، وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ رَفَعَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لِذِعْلِبٍ إِنَّ رَبِّی لَطِیفُ اللَّطَافَةِ لَا یُوصَفُ بِاللُّطْفِ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ لَا یُقَالُ شَیْ ءٌ قَبْلَهُ إِلَی قَوْلِهِ لَا تَحْوِیهِ الْأَمَاكِنُ وَ لَا تَضَمَّنُهُ الْأَوْقَاتُ إِلَی قَوْلِهِ

ص: 165


1- 1. فی الكافی: علی ما أحدثه.
2- 2. فی المصدر: بنت أویس.
3- 3. التوحید: 18.

سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ وَ الْعَدَمَ وُجُودُهُ وَ الِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ إِلَی قَوْلِهِ فَفَرَّقَ بَیْنَ قَبْلٍ وَ بَعْدٍ لِیُعْلَمَ أَنْ لَا قَبْلَ لَهُ وَ لَا بَعْدَ لَهُ وَ شَاهَدَهُ بِغَرَائِزِهَا أَنْ لَا غَرِیزَةَ لِمُغْرِزِهَا مُخْبِرَةً بِتَوْقِیتِهَا أَنْ لَا وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا حَجَبَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ لِیُعْلَمَ أَنْ لَا حِجَابَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ كَانَ رَبّاً إِذْ لَا مَرْبُوبَ وَ إِلَهاً إِذْ لَا مَأْلُوهَ وَ عَالِماً إِذْ لَا مَعْلُومَ وَ سَمِیعاً إِذْ لَا مَسْمُوعَ (1).

بیان: ظاهر قوله علیه السلام ففرق بین قبل و بعد أنه سبحانه لیس بزمانی أصلا و یحتمل أن یكون المعنی جعل حدوث كل شی ء منوطا بوقت لیعلم أنه لا ابتداء لوجوده أو جعل الأشیاء بعضها علة لبعض لیعلم أن لا علة له و هما بعیدان و الأخیر أبعد و كذا قوله أن لا وقت لموقتها ظاهره نفی الزمان و إن احتمل الوجه الثانی و كذا قوله أولا لا تضمنه الأوقات یدل علی ذلك و إن احتمل أن یراد به لم یكن قبله و بعده زمان فیكون قد تضمنه و قد مر الكلام فی قوله سبق الأوقات كونه و دلالة سائر الفقرات علی حدوث ما سواه سبحانه ظاهرة.

«105»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ شَبَابٍ الصَّیْرَفِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ قُتَیْبَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام النَّاسَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُلْهِمِ عِبَادَهُ حَمْدَهُ وَ فَاطِرِهِمْ عَلَی مَعْرِفَةِ رُبُوبِیَّتِهِ الدَّالِّ عَلَی وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ وَ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَی أَزَلِهِ إِلَی قَوْلِهِ وَ لَا أَمَدَ لِكَوْنِهِ وَ لَا غَایَةَ لِبَقَائِهِ (2).

«106»- قَالَ وَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَیْنِ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ فَتْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَی بَنِی هَاشِمٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَی أَبِی إِبْرَاهِیمَ علیه السلام أَسْأَلُهُ عَنْ شَیْ ءٍ مِنَ التَّوْحِیدِ فَكَتَبَ إِلَیَّ بِخَطِّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُلْهِمِ عِبَادَهُ حَمْدَهُ وَ ذَكَرَ مِثْلَ مَا رَوَاهُ سَهْلٌ إِلَی قَوْلِهِ أَوَّلُ الدِّیَانَةِ مَعْرِفَتُهُ وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ تَوْحِیدُهُ وَ كَمَالُ تَوْحِیدِهِ نَفْیُ الصِّفَاتِ عَنْهُ بِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَیْرُ الْمَوْصُوفِ وَ شَهَادَةِ الْمَوْصُوفِ أَنَّهُ غَیْرُ الصِّفَةِ وَ شَهَادَتِهِمَا جَمِیعاً بِالتَّثْنِیَةِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُ الْأَزَلُ إِلَی قَوْلِهِ عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومَ وَ خَالِقٌ إِذْ لَا مَخْلُوقَ

ص: 166


1- 1. الكافی: ج 1، ص 138.
2- 2. الكافی، ج 1، ص 139.

وَ رَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبَ وَ كَذَلِكَ یُوصَفُ رَبُّنَا وَ فَوْقَ مَا یَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ (1).

التوحید، عن علی بن أحمد الدقاق عن محمد بن جعفر الأسدی عن محمد بن إسماعیل البرمكی عن علی بن عباس عن جعفر بن محمد الأشعری عن فتح بن یزید الجرجانی (2) عن الرضا علیه السلام: مثله (3).

«107»- الْكَافِی، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ(4) وَ غَیْرِهِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ السَّبِیعِیِّ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یَمُوتُ وَ لَا تَنْقَضِی عَجَائِبُهُ لِأَنَّهُ كُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ مِنْ إِحْدَاثِ بَدِیعٍ لَمْ یَكُنْ إِلَی قَوْلِهِ لَیْسَتْ لَهُ فِی أَوَّلِیَّتِهِ نِهَایَةٌ وَ لَا لِآخِرِیَّتِهِ حَدٌّ وَ لَا غَایَةٌ الَّذِی لَمْ یَسْبِقْهُ وَقْتٌ وَ لَمْ یَتَقَدَّمْهُ زَمَانٌ إِلَی قَوْلِهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَا قَبْلَ لَهُ وَ الْآخِرِ بَعْدَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَا بَعْدَ لَهُ إِلَی قَوْلِهِ أَتْقَنَ مَا أَرَادَ خَلْقَهُ مِنَ الْأَشْبَاحِ (5)

كُلِّهَا لَا بِمِثَالٍ (6) سَبَقَ إِلَیْهِ وَ لَا لُغُوبٍ دَخَلَ عَلَیْهِ فِی خَلْقِ مَا خَلَقَ لَدَیْهِ ابْتَدَأَ مَا

ص: 167


1- 1. الكافی: ج 1، ص 140.
2- 2. فتح بن یزید أبو عبد اللّٰه الجرجانی عده الشیخ تارة من أصحاب الهادی علیه السلام و اخری ممن لم یرو عنهم علیهم السلام و روی الكلینی- ره- عدة روایات عنه عن ابی الحسن الرضا علیه السلام و لذلك انكر بعضهم روایته عن الهادی و نسب السهو الی قلم الشیخ- ره- لكن روی فی كشف الغمّة عنه عن الهادی علیه السلام و قال فی التعلیقة یظهر من بعض الروایات غایة اخلاصه لابی الحسن و هو الهادی علی ما نقله فی كشف الغمّة و فی موضعین من الروایة قال له« یرحمك اللّٰه» و فی الروایة انه توهم ربوبیة الأئمّة علیهم السلام فنهاه أبو الحسن علیه السلام و قال بالامامة( انتهی).
3- 3. التوحید: 26.
4- 4. فی المصدر« عن النصر» و أحمد بن النضر أبو الحسن الجعفی مولی كوفیّ ثقة، و اما النضر فالمسمی به كثیر لكن لم نجد روایة البرقی عن أحدهم سوی« النضر بن سوید الصیرفی الكوفیّ الثقة» و اللّٰه العالم.
5- 5. فی بعض النسخ و كذا فی التوحید: الأشیاء.
6- 6. فی التوحید، بلا مثال.

أَرَادَ ابْتِدَاءَهُ وَ أَنْشَأَ مَا أَرَادَ إِنْشَاءَهُ عَلَی مَا أَرَادَ(1)

مِنَ الثَّقَلَیْنِ (2) لِیَعْرِفُوا(3)

بِذَلِكَ رُبُوبِیَّتَهُ الْخُطْبَةَ(4).

التوحید، عن أبیه عن سعد بن عبد اللّٰه عن أحمد بن محمد بن خالد: مثله (5).

«108»- تَفْسِیرُ الْفُرَاتِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِیِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَبِیصَةَ الْجُعْفِیِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی الصَّادِقِ علیه السلام وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ فَسَلَّمْتُ وَ جَلَسْتُ وَ قُلْتُ أَیْنَ كُنْتُمْ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ اللَّهُ سَمَاءً مَبْنِیَّةً وَ أَرْضاً مَدْحِیَّةً أَوْ ظُلْمَةً أَوْ نُوراً(6) قَالَ یَا قَبِیصَةُ كُنَّا أَشْبَاحَ نُورٍ حَوْلَ الْعَرْشِ نُسَبِّحُ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ یُخْلَقَ آدَمُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ الْخَبَرَ(7).

«109»- كِتَابُ تَأْوِیلِ الْآیَاتِ، نُقِلَ مِنْ كِتَابِ الْمِعْرَاجِ لِلصَّدُوقِ رحمه اللّٰه بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُخَاطِبُ عَلِیّاً علیه السلام یَا عَلِیُّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَانَ وَ لَا شَیْ ءَ مَعَهُ فَخَلَقَنِی وَ خَلَقَكَ زَوْجَیْنِ (8) مِنْ نُورِ جَلَالِهِ فَكُنَّا أَمَامَ عَرْشِ رَبِّ الْعَالَمِینَ نُسَبِّحُ اللَّهَ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُحَمِّدُهُ وَ نُهَلِّلُهُ وَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ الْخَبَرَ.

«110»- كِتَابُ الْمُقْتَضَبِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ رحمه اللّٰه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: یَا سَلْمَانُ خَلَقَنِیَ اللَّهُ مِنْ صَفَاءِ نُورِهِ فَدَعَانِی فَأَطَعْتُهُ فَخَلَقَ (9)

مِنْ نُورِی عَلِیّاً فَدَعَاهُ فَأَطَاعَهُ فَخَلَقَ مِنْ نُورِی وَ نُورِ عَلِیٍّ فَاطِمَةَ فَدَعَاهَا فَأَطَاعَتْهُ فَخَلَقَ مِنِّی وَ مِنْ

ص: 168


1- 1. فی التوحید: اراده.
2- 2. فی الكافی: الثقلین من الجن و الانس لتعرفوا.
3- 3. فی التوحید: لتعرف.
4- 4. الكافی: ج 1، ص 141.
5- 5. التوحید: 13.
6- 6. فی المخطوطة، و نورا.
7- 7. تفسیر فرات الكوفیّ: 207.
8- 8. فی بعض النسخ: روحین.
9- 9. فی بعض النسخ« و خلق» فی المواضع الثلاثة.

عَلِیٍّ وَ مِنْ فَاطِمَةَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ فَدَعَاهُمَا فَأَطَاعَاهُ ثُمَّ خَلَقَ مِنْ نُورِ الْحُسَیْنِ تِسْعَةَ أَئِمَّةٍ فَدَعَاهُمْ فَأَطَاعُوهُ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ اللَّهُ سَمَاءً مَبْنِیَّةً أَوْ أَرْضاً مَدْحِیَّةً أَوْ هَوَاءً أَوْ مَاءً أَوْ مَلَكاً أَوْ بَشَراً وَ كُنَّا بِعِلْمِهِ أَنْوَاراً نُسَبِّحُهُ وَ نَسْمَعُ لَهُ وَ نُطِیعُ الْخَبَرَ.

الإختصاص، بإسناده إلی سلمان: مثله.

«111»- كِتَابُ رِیَاضِ الْجِنَانِ، لِفَضْلِ اللَّهِ الْفَارِسِیِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: خَلَقَنَا اللَّهُ نَحْنُ حَیْثُ لَا سَمَاءٌ مَبْنِیَّةٌ وَ لَا أَرْضٌ مَدْحِیَّةٌ وَ لَا عَرْشٌ وَ لَا جَنَّةٌ وَ لَا نَارٌ كُنَّا نُسَبِّحُهُ الْخَبَرَ.

«112»- وَ بِإِسْنَادِهِ إِلَی جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ: یَا جَابِرُ كَانَ اللَّهُ وَ لَا شَیْ ءَ غَیْرُهُ وَ لَا مَعْلُومَ وَ لَا مَجْهُولَ فَأَوَّلُ مَا ابْتَدَأَ مِنْ خَلْقٍ خَلَقَهُ أَنْ خَلَقَ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله وَ خَلَقَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ مَعَهُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ فَأَوْقَفَنَا أَظِلَّةً خَضْرَاءَ بَیْنَ یَدَیْهِ حَیْثُ لَا سَمَاءٌ وَ لَا أَرْضٌ وَ لَا مَكَانٌ وَ لَا لَیْلٌ وَ لَا نَهَارٌ وَ لَا شَمْسٌ وَ لَا قَمَرٌ یَفْصِلُ نُورُنَا مِنْ نُورِ رَبِّنَا كَشُعَاعِ الشَّمْسِ مِنَ الشَّمْسِ نُسَبِّحُ اللَّهَ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُحَمِّدُهُ وَ نَعْبُدُهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ ثُمَّ بَدَا لِلَّهِ أَنْ یَخْلُقَ الْمَكَانَ فَخَلَقَهُ (1)

وَ كَتَبَ عَلَی الْمَكَانِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ وَصِیُّهُ بِهِ أَیَّدْتُهُ وَ نَصَرْتُهُ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ الْعَرْشَ فَكَتَبَ عَلَی سُرَادِقَاتِ الْعَرْشِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ فَكَتَبَ

عَلَی أَطْرَافِهَا مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ فَكَتَبَ عَلَیْهِمَا مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ فَأَسْكَنَهُمُ (2) السَّمَاءَ ثُمَّ خَلَقَ الْهَوَاءَ فَكَتَبَ عَلَیْهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ خَلَقَ الْجِنَّ فَأَسْكَنَهُمُ الْهَوَاءَ ثُمَّ خَلَقَ الْأَرْضَ فَكَتَبَ عَلَی أَطْرَافِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَبِذَلِكَ یَا جَابِرُ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ بِغَیْرِ عَمَدٍ وَ ثَبَتَتِ الْأَرْضُ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ أَدِیمِ الْأَرْضِ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِیثَ الطَّوِیلَ إِلَی قَوْلِهِ فَنَحْنُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ وَ أَوَّلُ خَلْقٍ عَبَدَ اللَّهَ وَ سَبَّحَهُ وَ نَحْنُ سَبَبُ الْخَلْقِ وَ سَبَبُ تَسْبِیحِهِمْ وَ عِبَادَتِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الْآدَمِیِّینَ تَمَامَ الْخَبَرِ.

ص: 169


1- 1. یستفاد من هذه الروایة أن خلق نورهم علیهم السلام كان قبل خلق المكان و لو كان محتاجا إلی المكان لزم خلق المكان قبله أو معه، و الغنی عن المكان مجرد فافهم.
2- 2. فی بعض النسخ« و أسكنهم» فی الموضعین.

«113»- وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ: أَنَّهُ سَأَلَ الصَّادِقَ علیه السلام مَا كُنْتُمْ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ قَالَ كُنَّا أَنْوَاراً حَوْلَ الْعَرْشِ نُسَبِّحُ اللَّهَ وَ نُقَدِّسُهُ حَتَّی خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلَائِكَةَ الْخَبَرَ.

«114»- وَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَ عَلِیٌّ نُوراً بَیْنَ یَدَیِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ عَرْشَهُ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ.

«115»- وَ بِإِسْنَادِهِ إِلَی الصَّدُوقِ وَ بِإِسْنَادِهِ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ نُورَ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله قَبْلَ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ وَ خَلَقَ مَعَهُ اثْنَیْ عَشَرَ حِجَاباً.

«116»- وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَوَّلُ شَیْ ءٍ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَی مَا هُوَ فَقَالَ نُورُ نَبِیِّكَ یَا جَابِرُ خَلَقَهُ اللَّهُ ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ كُلَّ خَیْرٍ الْخَبَرَ بِطُولِهِ.

«117»- وَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِی فَفَتَقَ مِنْهُ نُورَ عَلِیٍّ ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ وَ اللَّوْحَ وَ الشَّمْسَ وَ ضَوْءَ النَّهَارِ وَ نُورَ الْأَبْصَارِ وَ الْعَقْلَ وَ الْمَعْرِفَةَ الْخَبَرَ(1).

ص: 170


1- 1. یجد الغائص فی بحار الاخبار و الآثار روایات جمة تدلّ علی اختلاف تعبیراتها علی ان اللّٰه تبارك و تعالی خلق قبل خلق جمیع الخلائق خلقا فی غایة الشرافة و نهایة الكرامة هو الواسطة بینها و بین سائر الممكنات بل السبب لخلق سائر المخلوقات اذ لم یكن مكان و لا زمان و لا عرش و لا فرش، و لا سماء و لا ارض، و لا أی شی ء فرض، و لازم ذلك كونه امرا مجردا عن نقائص المادة و منزها عن غواشی الطبیعة و متبرئا عن الزمان و المكان، و لذا عبر عنه غالبا بالنور، لكونه الطف و اشرف ما ندرك من الاجسام و الجسمانیات، و من المعلوم احتیاج النور الحسی الی الزمان و المكان سواء كان جوهرا او عرضا: و ذلك النور ارفع منه بكثیر، و له تعلق بالرسول الخاتم و آله الكرام علیهم الصلاة و السلام و إن لم نكن نحن معاشر المتوغلین فی المادة و المخلدین إلی ارض الطبیعة ندرك حقیقة تعلقه بهم و اتّحاده معهم و حیث انه منزه من المادة و لوازمها من التحیز و التغیر و غیرهما فلا محالة لا یمكن تقدیره بزمان و لا تقییده بمكان و لا تحدیده بای حدّ جسمانی غیر حده الماهوی الامكانی، و اما تحدید تقدم وجوده علی وجود سائر. الممكنات بالسنین و الدهور فلیس علی حدّ تقدیر الزمانیات بها، و لذا تری بین التحدیدات المذكورة فی المقام اختلافات كثیرة لا تكاد تجد اثنین متفقین فیها، فأجل النظر فی ما نقل فی هذا الباب عن النبیّ و ائمة أهل البیت علیهم السلام سابقا و لاحقا و ما نقل فی كتاب الإمامة و اللّٰه هو الموفق.

«118»- كِتَابُ الْوَصِیَّةِ لِلْمَسْعُودِیِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ: خَطَبَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی تَوَحَّدَ بِصُنْعِ الْأَشْیَاءِ وَ فَطَرَ أَجْنَاسَ الْبَرَایَا عَلَی غَیْرِ أَصْلٍ وَ لَا مِثَالٍ سَبَقَهُ فِی إِنْشَائِهَا وَ لَا أَعَانَهُ مُعِینٌ عَلَی ابْتِدَائِهَا بَلِ ابْتَدَعَهَا بِلُطْفِ قُدْرَتِهِ فَامْتَثَلَتْ بِمَشِیَّتِهِ (1)

خَاضِعَةً ذَلِیلَةً مُسْتَحْدِثَةً لِأَمْرِهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الدَّائِمِ بِغَیْرِ حَدٍّ وَ لَا أَمَدٍ وَ لَا زَوَالٍ وَ لَا نَفَادٍ وَ كَذَلِكَ لَمْ یَزَلْ وَ لَا یَزَالُ لَا تُغَیِّرُهُ الْأَزْمِنَةُ وَ لَا تُحِیطُ بِهِ الْأَمْكِنَةُ وَ لَا تَبْلُغُ صِفَاتِهِ الْأَلْسِنَةُ وَ لَا یَأْخُذُهُ نَوْمٌ وَ لَا سِنَةٌ لَمْ تَرَهُ الْعُیُونُ فَتُخْبِرَ عَنْهُ بِرُؤْیَةٍ وَ لَمْ تَهْجُمْ عَلَیْهِ الْعُقُولُ فَتَوَهَّمَ كُنْهَ صِفَتِهِ وَ لَمْ تَدْرِ كَیْفَ هُوَ إِلَّا بِمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ لَیْسَ لِقَضَائِهِ مَرَدٌّ وَ لَا لِقَوْلِهِ مُكَذِّبٌ ابْتَدَعَ الْأَشْیَاءَ بِغَیْرِ تَفَكُّرٍ وَ لَا مُعِینٍ وَ لَا ظَهِیرٍ وَ لَا وَزِیرٍ فَطَرَهَا بِقُدْرَتِهِ وَ صَیَّرَهَا إِلَی مَشِیَّتِهِ فَصَاغَ (2) أَشْبَاحَهَا وَ بَرَأَ أَرْوَاحَهَا وَ اسْتَنْبَطَ أَجْنَاسَهَا خَلْقاً مَبْرُوءاً مَذْرُوءاً فِی أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ لَمْ یَأْتِ بِشَیْ ءٍ عَلَی غَیْرِ مَا أَرَادَ أَنْ یَأْتِیَ عَلَیْهِ لِیُرِیَ عِبَادَهُ آیَاتِ جَلَالِهِ وَ آلَائِهِ فَسُبْحَانَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِیماً اللَّهُمَّ فَمَنْ جَهِلَ فَضْلَ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله فَإِنِّی مُقِرٌّ بِأَنَّكَ لَا سَطَحْتَ أَرْضاً وَ لَا بَرَأْتَ خَلْقاً حَتَّی أَحْكَمْتَ خَلْقَهُ مِنْ نُورٍ سَبَقْتَ بِهِ السُّلَالَةَ وَ أَنْشَأْتَ لَهُ آدَمَ جَزْماً فأدعته [فَأَوْدَعْتَهُ] مِنْهُ قَرَاراً مَكِیناً وَ مُسْتَوْدَعاً مَأْمُوناً إِلَی آخِرِ الْخُطْبَةِ الطَّوِیلَةِ.

«119»- الْكَافِی، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ(3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ:

ص: 171


1- 1. فی بعض النسخ: فی مشیته.
2- 2. فی بعض النسخ: و صاغ.
3- 3. هو عمر بن محمّد بن عبد الرحمن بن أذینة- بضم الهمزة و فتح الذال المعجمة و تقدیم الیاء علی النون- قال الكشّیّ: قال حمدویه: سمعت أشیاخی منهم العبیدی و غیره ان. ابن أذینة كوفیّ هرب من المهدی و مات بالیمن و لذلك لم یرو عنه كثیر، و یقال اسمه« محمّد بن عمر بن أذینة» غلب علیه اسم ابیه و هو كوفیّ مولی عبد القیس( انتهی) و عده الشیخ تارة من اصحاب الصادق و اخری من أصحاب الكاظم علیهما السلام و یوجد له الروایة عنهما و لا شبهة فی وثاقته و لا غمز لاحد فیه.

الْمَشِیَّةُ مُحْدَثَةٌ(1).

بیان: إذا كانت المشیة محدثة و جمیع الأشیاء موجودة بالمشیة فهی أولی بالحدوث.

«120»- الْمُتَهَجِّدُ،: فِی دُعَاءِ یَوْمِ الْأَحَدِ أَنْتَ اللَّهُ الْحَیُّ الْأَوَّلُ الْكَائِنُ قَبْلَ جَمِیعِ الْأُمُورِ وَ الْمُكَوِّنُ لَهَا بِقُدْرَتِكَ وَ الْعَالِمُ بِمَصَادِرِهَا كَیْفَ تَكُونُ أَنْتَ الَّذِی سَمَوْتَ بِعَرْشِكَ فِی الْهَوَاءِ لِعُلُوِّ مَكَانِكَ وَ سَدَدْتَ الْأَبْصَارَ عَنْهُ بِتَلَأْلُؤِ نُورِكَ وَ احْتَجَبْتَ عَنْهُمْ بِعَظِیمِ مُلْكِكَ وَ تَوَحَّدْتَ فَوْقَ عَرْشِكَ بِقَهْرِكَ وَ سُلْطَانِكَ ثُمَّ دَعَوْتَ السَّمَاوَاتِ إِلَی طَاعَةِ أَمْرِكَ فَأَجَبْنَ مُذْعِنَاتٍ إِلَی دَعْوَتِكَ وَ اسْتَقَرَّتْ عَلَی غَیْرِ عَمَدٍ مِنْ خِیفَتِكَ وَ زَیَّنْتَهَا لِلنَّاظِرِینَ وَ أَسْكَنْتَهَا الْعِبَادَ الْمُسَبِّحِینَ وَ فَتَقْتَ الْأَرَضِینَ فَسَطَحْتَهَا لِمَنْ فِیهَا مِهَاداً وَ أَرْسَیْتَهَا بِالْجِبَالِ

أَوْتَاداً فَرَسَخَ سَخَنُهَا فِی الثَّرَی وَ عَلَتْ ذُرَاهَا فِی الْهَوَاءِ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَی الرَّوَاسِی الشَّامِخَاتِ وَ زَیَّنْتَهَا بِالنَّبَاتِ وَ خَفَّفْتَ عَنْهَا بِالْأَحْیَاءِ وَ الْأَمْوَاتِ إِلَی آخِرِ الدُّعَاءِ.

121 وَ فِی دُعَاءِ لَیْلَةِ الْإِثْنَیْنِ وَ عَلَوْتَ بِعَرْشِكَ عَلَی الْعَالَمِینَ وَ أَعْمَرْتَ سَمَاوَاتِكَ بِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِینَ وَ عَلَّمْتَ تَسْبِیحَكَ الْأَوَّلِینَ وَ الْآخِرِینَ وَ انْقَادَتْ لَكَ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا(2) وَ حَفِظْتَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ بِمَقَالِیدِهِمَا وَ أَذْعَنَتْ لَكَ بِالطَّاعَةِ وَ مَنْ فَوْقِهَا وَ أَبَتْ حَمْلَ الْأَمَانَةِ مِنْ شَفَقَتِهَا وَ قَامَتْ بِكَلِمَاتِكَ فِی قَرَارِهَا وَ اسْتَقَامَ (3)

ص: 172


1- 1. الكافی: ج 1، ص 110. و یعنی بكونها محدثة انها لست من الصفات الذاتیة التی هی عین ذات البارئ بل من الصفات الفعلیة التی تنتزع من مقام الفعل، و قد مر شطر من الكلام فی المشیة و الإرادة.
2- 2. بأزمتهما( خ).
3- 3. فی المخطوطة: و استقر.

الْبَحْرَانِ مَكَانَهُمَا وَ اخْتَلَفَ اللَّیْلُ وَ النَّهَارُ كَمَا أَمَرْتَهُمَا وَ أَحْصَیْتَ كُلَّ شَیْ ءٍ مِنْهُمَا عَدَداً وَ أَحَطْتَ بِهِمَا عِلْماً خَالِقَ الْخَلْقِ وَ مُصْطَفِیَهُ وَ مُهَیْمِنَهُ وَ مُنْشِئَهُ وَ بَارِئَهُ وَ ذَارِئَهُ أَنْتَ كُنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِیكَ لَكَ إِلَهاً وَاحِداً وَ كَانَ عَرْشُكَ عَلَی الْمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ وَ لَا سَمَاءٌ وَ لَا شَیْ ءٌ مِمَّا خَلَقْتَ فِیهِمَا(1) بِعِزَّتِكَ كُنْتَ تُدْعَی بَدِیعاً مُبْتَدِعاً كَیْنُوناً كَائِناً مُكَوِّناً كَمَا سَمَّیْتَ نَفْسَكَ ابْتَدَأْتَ الْخَلْقَ بِعَظَمَتِكَ وَ دَبَّرْتَ أُمُورَهُمْ بِعِلْمِكَ إِلَی آخِرِ الدُّعَاءِ.

122 وَ فِی دُعَاءِ لَیْلَةِ الثَّلَاثَاءِ یَجُولُ (2) حَوْلَ أَرْكَانِ عَرْشِكَ النُّورُ وَ الْوَقَارُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ كَانَ عَرْشُكَ عَلَی الْمَاءِ وَ كُرْسِیُّكَ یَتَوَقَّدُ نُوراً وَ سُرَادِقُكَ سُرَادِقُ النُّورِ وَ الْعَظَمَةِ وَ الْإِكْلِیلُ الْمُحِیطُ بِهِ هَیْكَلُ السُّلْطَانِ وَ الْعِزَّةِ وَ الْمِدْحَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ إِلَی آخِرِ الدُّعَاءِ.

123 وَ فِی دُعَاءِ لَیْلَةِ الْخَمِیسِ خَلَقْتَ خَلْقَكَ فَكُلُّ مَشِیَّتِكَ أَتَتْكَ بِلَا لُغُوبٍ وَ كَانَ عَرْشُكَ عَلَی الْمَاءِ وَ الظُّلْمَةُ عَلَی الْهَوَاءِ وَ الْمَلَائِكَةُ یَحْمِلُونَ عَرْشَكَ عَرْشَ النُّورِ وَ الْكَرَامَةِ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِكَ إِلَی قَوْلِهِ كُنْتَ قَبْلَ جَمِیعِ خَلْقِكَ.

«124»- الْإِقْبَالُ،: فِی دُعَاءِ لَیْلَةِ إِحْدَی وَ عِشْرِینَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُدَبِّرُ الْأُمُورِ وَ مُصَرِّفُ الدُّهُورِ وَ خَالِقُ الْأَشْیَاءِ جَمِیعاً(3)

بِحِكْمَتِهِ دَالَّةً عَلَی أَزَلِیَّتِهِ وَ قِدَمِهِ الدُّعَاءَ(4).

125 وَ فِی وَدَاعِ شَهْرِ رَمَضَانَ نَقْلًا مِنْ كُتُبِ الدَّعَوَاتِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یُدْرِكُ الْعُلَمَاءُ عِلْمَهُ إِلَی قَوْلِهِ خَلَقَ خَلْقَهُ مِنْ غَیْرِ أَصْلٍ وَ لَا مِثَالٍ بِلَا تَعَبٍ وَ لَا نَصَبٍ وَ لَا تَعْلِیمٍ وَ رَفَعَ السَّمَاوَاتِ الْمَوْطُودَاتِ بِلَا أَصْحَابٍ وَ لَا أَعْوَانٍ وَ بَسَطَ الْأَرْضَ عَلَی الْمَاءِ(5) بِغَیْرِ

ص: 173


1- 1. فی المخطوطة: فیها.
2- 2. فی المخطوطة: یحول.
3- 3. فی المصدر: جمیعها.
4- 4. الإقبال: 196.
5- 5. فی المصدر: علی الهواء.

أَرْكَانٍ عَلِمَ بِغَیْرِ تَعْلِیمٍ وَ خَلَقَ بِلَا مِثَالٍ عِلْمُهُ بِخَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ یُكَوِّنَهُمْ كَعِلْمِهِ بِهِمْ بَعْدَ تَكْوِینِهِ لَهُمْ إِلَی قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی كَانَ إِذْ لَمْ تَكُنْ أَرْضٌ مَدْحِیَّةٌ وَ لَا سَمَاءٌ مَبْنِیَّةٌ وَ لَا جِبَالٌ مُرْسِیَةٌ وَ لَا شَمْسٌ تَجْرِی وَ لَا قَمَرٌ یَسْرِی وَ لَا لَیْلٌ یُدْجَی وَ لَا نَهَارٌ یُضْحَی إِلَی آخِرِ الدُّعَاءِ(1).

«126»- وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ التَّلَّعُكْبَرِیِّ بِإِسْنَادِهِ إِلَی أیامن (2) [إِیَاسِ] بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فِی دُعَاءِ یَوْمِ عَرَفَةَ أَنْتَ الْكَائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ الْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَیْ ءٍ إِلَی قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ حِینَ لَا شَمْسٌ تُضِی ءُ وَ لَا قَمَرٌ یَسْرِی وَ لَا بَحْرٌ یَجْرِی وَ لَا رِیَاحٌ تَذْرِی وَ لَا سَمَاءٌ مَبْنِیَّةٌ وَ لَا أَرْضٌ مَدْحِیَّةٌ وَ لَا لَیْلٌ یُجَنُّ وَ لَا نَهَارٌ یُكَنُّ وَ لَا عَیْنٌ تَنْبُعُ وَ لَا صَوْتٌ یُسْمَعُ وَ لَا جَبَلٌ مُرْسَی وَ لَا سَحَابٌ مُنْشَأٌ وَ لَا إِنْسٌ مَبْرُوءٌ وَ لَا جِنٌّ مَذْرُوءٌ وَ لَا مَلَكٌ كَرِیمٌ وَ لَا شَیْطَانٌ رَجِیمٌ وَ لَا ظِلٌّ مَمْدُودٌ وَ لَا شَیْ ءٌ مَعْدُودٌ(3).

وَ فِی دُعَاءٍ آخَرَ لِیَوْمِ عَرَفَةَ: وَ لَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَ شَیْئاً مِنْ خَلْقِكَ وَ عَلَی بَدْءِ مَا خَلَقْتَ إِلَی انْقِضَاءِ خَلْقِكَ (4).

«128»- وَ فِی دُعَاءِ الْأَضْحَی بِرِوَایَةٍ مُرْسَلَةٍ: وَ أَنْتَ الْبَدِیعُ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ(5).

بیان: و لا نهار یكن بضم الیاء و كسر الكاف أی یدعو إلی الكن لحرارة الشمس فی الصحاح كننت الشی ء سترته و صنته من الشمس أو بفتح الكاف أی یستر بظلمة اللیل أو بفتح الیاء و كسر الكاف أی یستر الناس بضوئه كأنه لباس لهم لإحاطته بهم و الكنة بالكسر البیاض أیضا أو بتخفیف النون من الوكن و هو السیر الشدید أو من وكن الطائر ببیضه یكنه أی حضنه و لا یخلو أكثرها من بعد.

ص: 174


1- 1. الإقبال: 256.
2- 2. فی المصدر« أیاس بن سلمة الاكوع عن أبیه» و لم نجد له ذكرا فی كتب التراجم.
3- 3. الإقبال: 271.
4- 4. الإقبال: 403.
5- 5. فی المصدر: فانك بدیع لم یكن قبلك شی ء( 433).

«129»- الْبَلَدُ الْأَمِینُ،: مِنْ أَدْعِیَةِ الْأُسْبُوعِ لِلسَّجَّادِ علیه السلام الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْأَشْیَاءِ وَ الْأَحْیَاءِ.

«130»- وَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا مِنْ شَیْ ءٍ كَانَ وَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ كَوَّنَ مَا كَانَ مُسْتَشْهَداً(1) بِحُدُوثِ الْأَشْیَاءِ عَلَی أَزَلِیَّتِهِ وَ بِفُطُورِهَا عَلَی قِدْمَتِهِ كَفَی بِإِتْقَانِ الصُّنْعِ لَهُ آیَةً وَ بِحُدُوثِ الْفِطَرِ عَلَیْهِ قِدْمَةً.

«131»- وَ فِی دُعَاءِ لَیْلَةِ السَّبْتِ الْأَوَّلُ الْكَائِنُ وَ لَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ یُعَایَنْ شَیْ ءٌ مِنْ مُلْكِكَ إِلَی قَوْلِهِ خَلَقْتَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَ بِنَاءً فَسَوَّیْتَ السَّمَاءَ مَنْزِلًا رَضِیتَهُ لِجَلَالِكَ وَ وَقَارِكَ وَ عِزَّتِكَ وَ سُلْطَانِكَ ثُمَّ جَعَلْتَ فِیهَا كُرْسِیَّكَ وَ عَرْشَكَ إِلَی قَوْلِهِ وَ أَنْتَ اللَّهُ الْحَیُّ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ(2)

وَ الْقَدِیمُ قَبْلَ كُلِّ قَدِیمٍ.

«132»- المهج، [مهج الدعوات] وَ الْبَلَدُ، عَنِ الْكَاظِمِ علیه السلام: كُنْتَ إِذْ لَمْ تَكُنْ شَیْ ءٌ وَ كَانَ عَرْشُكَ عَلَی الْمَاءِ إِذْ لَا سَمَاءٌ مَبْنِیَّةٌ وَ لَا أَرْضٌ مَدْحِیَّةٌ وَ لَا شَمْسٌ تُضِی ءُ وَ لَا قَمَرٌ یَجْرِی وَ لَا كَوْكَبٌ دُرِّیٌّ وَ لَا نَجْمٌ یَسْرِی وَ لَا سَحَابَةٌ مُنْشَأَةٌ وَ لَا دین [دُنْیَا] مَعْلُومَةٌ وَ لَا آخِرَةٌ مَفْهُومَةٌ وَ تَبْقَی وَحْدَكَ كَمَا كُنْتَ وَحْدَكَ عَلِمْتَ مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ یَكُونَ.

«133»- الْخِصَالُ، وَ مَعَانِی الْأَخْبَارِ، بِإِسْنَادِهِ الْمُتَّصِلِ إِلَی سُفْیَانَ الثَّوْرِیِّ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیهم السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ نُورَ مُحَمَّدٍ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ الْعَرْشَ وَ الْكُرْسِیَّ وَ اللَّوْحَ وَ الْقَلَمَ وَ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ وَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ وَ نُوحاً وَ إِبْرَاهِیمَ وَ إِسْمَاعِیلَ وَ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ مُوسَی وَ عِیسَی وَ دَاوُدَ وَ سُلَیْمَانَ وَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْأَنْبِیَاءَ كُلَّهُمْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ وَ أَرْبَعٍ وَ عِشْرِینَ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ(3).

«134»- الْعِلَلُ، لِلصَّدُوقِ بِإِسْنَادِهِ إِلَی مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنِی وَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الدُّنْیَا بِسَبْعَةِ

ص: 175


1- 1. فی المخطوطة: مستشهد.
2- 2. فی بعض النسخ« كل حی» و هو الأظهر.
3- 3. معانی الأخبار: 306.

آلَافِ عَامٍ قُلْتُ فَأَیْنَ كُنْتُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُدَّامَ الْعَرْشِ نُسَبِّحُ اللَّهَ وَ نُحَمِّدُهُ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُمَجِّدُهُ قُلْتُ عَلَی أَیِّ مِثَالٍ قَالَ أَشْبَاحِ نُورٍ الْخَبَرَ(1).

«135»- تَفْسِیرُ فُرَاتِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی ذَرٍّ ره: فِی خَبَرٍ طَوِیلٍ فِی وَصْفِ الْمِعْرَاجِ سَاقَهُ إِلَی أَنْ قَالَ قُلْتُ یَا مَلَائِكَةَ رَبِّی هَلْ تَعْرِفُونَّا حَقَّ مَعْرِفَتِنَا فَقَالُوا یَا نَبِیَّ اللَّهِ وَ كَیْفَ لَا نَعْرِفُكُمْ وَ أَنْتُمْ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ (2)

خَلَقَكُمْ أَشْبَاحَ نُورٍ مِنْ نُورِهِ وَ جَعَلَ لَكُمْ مَقَاعِدَ فِی مَلَكُوتِ سُلْطَانِهِ وَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مَبْنِیَّةً وَ الْأَرْضُ مَدْحِیَّةً ثُمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ (3) فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ رَفَعَ الْعَرْشَ إِلَی السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَوَی عَلَی عَرْشِهِ وَ أَنْتُمْ أَمَامَ عَرْشِهِ تُسَبِّحُونَ وَ تُقَدِّسُونَ وَ تُكَبِّرُونَ ثُمَّ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ بَدْوِ مَا أَرَادَ مِنْ أَنْوَارٍ شَتَّی الْخَبَرَ(4).

«136»- النهج، [نهج البلاغة]: فَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ علیه السلام یَذْكُرُ فِیهِ ابْتِدَاءَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ (5)

وَ الْأَرْضِ وَ خَلْقَ آدَمَ علیه السلام الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا یَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ وَ لَا یُحْصِی نِعَمَهُ (6)

الْعَادُّونَ وَ لَا یُؤَدِّی حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ الَّذِی لَا یُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَ لَا یَنَالُهُ غَوْصُ الْفِتَنِ الَّذِی لَیْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَ لَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَ لَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَ لَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ نَشَرَ الرِّیَاحَ بِرَحْمَتِهِ وَ وَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَیَدَانَ أَرْضِهِ أَوَّلُ الدِّینِ مَعْرِفَتُهُ وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِیقُ بِهِ وَ كَمَالُ التَّصْدِیقِ بِهِ تَوْحِیدُهُ وَ كَمَالُ تَوْحِیدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْیُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَیْرُ الْمَوْصُوفِ وَ شَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَیْرُ الصِّفَةِ فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَ مَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ وَ مَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَ مَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَ مَنْ (7)

ص: 176


1- 1. قد مر الحدیث بعینه تحت الرقم( 16).
2- 2. فی المصدر: أول خلق اللّٰه.
3- 3. فی المصدر: و الأرضین.
4- 4. تفسیر فرات: 134.
5- 5. فی المصدر: السماء.
6- 6. فی المصدر: نعماءه.
7- 7. فی المصدر: و من جهله فقد أشار إلیه و من أشار ...

أَشَارَ إِلَیْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَ مَنْ قَالَ فِیمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَ مَنْ قَالَ عَلَامَ فَقَدْ أَخْلَی مِنْهُ كَائِنٌ لَا عَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ مَعَ كُلِّ شَیْ ءٍ لَا بِمُقَارَنَةٍ وَ غَیْرُ كُلِ (1)

شَیْ ءٍ لَا بِمُزَایَلَةٍ فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَی الْحَرَكَاتِ وَ الْآلَةِ بَصِیرٌ إِذْ لَا مَنْظُورَ إِلَیْهِ مِنْ خَلْقِهِ مُتَوَحِّدٌ إِذْ لَا سَكَنَ یَسْتَأْنِسُ بِهِ وَ لَا یَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَ ابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً بِلَا رَوِیَّةٍ أَجَالَهَا وَ لَا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا وَ لَا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا وَ لَا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِیهَا أَحَالَ الْأَشْیَاءَ لِأَوْقَاتِهَا وَ لَاءَمَ بَیْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا وَ غَرَّزَ غَرَائِزَهَا وَ أَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا وَ مُحِیطاً بِحُدُودِهَا وَ انْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَ أَحْنَائِهَا ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَ شَقَّ الْأَرْجَاءِ وَ سَكَائِكَ الْهَوَاءِ فَأَجْرَی (2)

فِیهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَیَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَی مَتْنِ الرِّیحِ الْعَاصِفَةِ وَ الزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَ سَلَّطَهَا عَلَی شَدِّهِ وَ قَرَنَهَا عَلَی حَدِّهِ الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِیقٌ وَ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِیقٌ (3)

ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِیحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَ أَدَامَ مُرَبَّهَا وَ أَعْصَفَ مَجْرَاهَا

وَ أَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِیقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ وَ إِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ وَ عَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ تَرُدُّ أَوَّلَهُ عَلَی آخِرِهِ وَ سَاجِیَهُ عَلَی مَائِرِهِ حَتَّی عَبَّ عُبَابُهُ وَ رَمَی بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِی هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَ جَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّی مِنْهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً وَ عُلْیَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ سَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَیْرِ عَمَدٍ یَدْعَمُهَا وَ لَا دِسَارٍ یَنْتَظِمُهَا ثُمَّ زَیَّنَهَا بِزِینَةِ الْكَوَاكِبِ وَ ضِیَاءِ الثَّوَاقِبِ فَأَجْرَی فِیهَا سِرَاجاً مُسْتَطِیراً وَ قَمَراً مُنِیراً فِی فَلَكٍ دَائِرٍ وَ سَقْفٍ سَائِرٍ وَ رَقِیمٍ مَائِرٍ ثُمَّ فَتَقَ مَا بَیْنَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَی فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِكَتِهِ مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا یَرْكَعُونَ وَ رُكُوعٌ لَا یَنْتَصِبُونَ وَ صَافُّونَ لَا یَتَزَایَلُونَ وَ مُسَبِّحُونَ لَا یَسْأَمُونَ لَا یَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُیُونِ (4) وَ لَا سَهْوُ الْعُقُولِ وَ لَا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ وَ لَا غَفْلَةُ النِّسْیَانِ

ص: 177


1- 1. و بائن عن كل شی ء( خ).
2- 2. فی المصدر: فأجاز.
3- 3. كذا فی المصدر و هو الصحیح ظاهرا: و فی المخطوطة« رقیق» و فی أخری« دقیق».
4- 4. فی المصدر: العین.

وَ مِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَی وَحْیِهِ وَ أَلْسِنَةٌ إِلَی رُسُلِهِ وَ مُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَ أَمْرِهِ وَ مِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَ السَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ وَ مِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِی الْأَرَضِینَ السُّفْلَی أَقْدَامُهُمْ وَ الْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْیَا أَعْنَاقُهُمْ وَ الْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ وَ الْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ (1) نَاكِسَةٌ دُونَهُمْ (2)

أَبْصَارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ مَضْرُوبَةٌ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَ أَسْتَارُ الْقُدْرَةِ لَا یَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِیرِ وَ لَا یُجْرُونَ عَلَیْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِینَ وَ لَا یَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ وَ لَا یُشِیرُونَ إِلَیْهِ بِالنَّظَائِرِ(3).

مطالب السئول، لابن طلحة: مثله بأدنی تغییر قد مضی شرح أكثر فقرات هذه الخطبة فی كتاب التوحید و نشیر هنا إلی بعض ما یناسب المقام المدحة بالكسر الحالة التی تكون المادح علیها فی مدحه و الإضافة للاختصاص الخاص أی المدحة اللائقة بعزة جلاله و لعل المراد عجز جمیع القائلین و إن اجتمعوا و الاجتهاد السعی البلیغ فی العبادة و ظاهر قوله و لا وقت معدود و لا أجل ممدود نفی الزمان مطلقا عنه تعالی كالمكان و یمكن حملهما علی الأزمنة المعدودة المتناهیة و لعل الأول للماضی و الثانی للمستقبل و الفطر الابتداء و الاختراع و أصله الشق و نشر الریاح بسطها و كل ما جاء فی القرآن بلفظ الریاح فهو للرحمة و ما ورد فی العذاب فهو بلفظ المفرد و لعله إشارة إلی قلة العذاب و سعة الرحمة و یمكن أن یراد بالرحمة هذا المطر كما قال سبحانه وَ هُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ (4) و قرئ بالباء و النون و قیل زعمت العرب أن السحاب لا تلقح إلا من ریاح مختلفة فیمكن أن یكون المراد بالنشر ذلك و قال الفراء النشر من الریاح الطیبة اللینة التی تنشئ السحاب

ص: 178


1- 1. فی المخطوطة: اكنافهم.
2- 2. فی بعض النسخ« دونه» و هو الظاهر.
3- 3. نهج البلاغة: ج 1، ص 14- 20.
4- 4. الأعراف: 56.

و التعمیم أولی لأن ریاح الرحمة كثیرة منها اللواقح و مهیجة السحب الماطرة و الحابسة لها بین السماء و الأرض و العاصرة لها حتی تمطر و المجریة للجواری فی البحار و غیرها و وتد الشی ء بالتخفیف (1) أی جعله محكما مثبتا بالوتد و الصخور جمع الصخرة و هی الحجر العظیم الصلب و المیدان بالتحریك التحرك و الاضطراب و قد مر تحقیق ذلك و سیأتی بعضه.

و كمال الإخلاص له نفی الصفات عنه لعل مناسبة الإخلاص لنفی الصفات أن الإخلاص فی العبادة بالنظر إلی عامة الخلق هو أن لا یقصدوا فی عبادتهم غیره تعالی من المخلوقین و بالنظر إلی الخواص أن یعرفوا اللّٰه بحسب وسعهم و طاقتهم بالوحدانیة ثم یعبدونه (2) فمن عبد اللّٰه وحده بزعمه و زعم أن له صفات زائدة فلم یعبد إلها واحدا بل آلهة كثیرة بل لم یعبد اللّٰه أصلا

«16»- كَمَا مَرَّ فِی الْخَبَرِ: مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنَی فَقَدْ كَفَرَ وَ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَ الْمَعْنَی فَقَدْ أَشْرَكَ وَ مَنْ عَبَدَ الْمَعْنَی بِإِیقَاعِ الْأَسْمَاءِ عَلَیْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِی وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فَعَقَدَ عَلَیْهِ قَلْبَهُ وَ نَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِی سِرِّ أَمْرِهِ وَ عَلَانِیَتِهِ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ حَقّاً.

و قال ابن میثم المراد بالمعرفة المعرفة التامة التی هی غایة العارف فی مراتب السلوك و أولیتها فی العقل لكونها علة غائیة و بین الترتیب بأن المعرفة تزاد بالعبادة و تلقی الأوامر بالقبول فیستعد السالك أولا بسببها للتصدیق بوجوده یقینا ثم لتوحیده ثم للإخلاص له ثم لنفی ما عداه عنه فیغرق فی تیار بحار العظمة و كل مرتبة كمال لما قبلها إلی أن تتم المعرفة المطلوبة له بحسب ما فی وسعه و بكمال المعرفة یتم الدین و ینتهی السفر إلی اللّٰه تعالی و ما ذكرنا أنسب كما لا یخفی.

كائن لا عن حدوث موجود لا عن عدم ظاهره الاختصاص به سبحانه و حدوث ما سواه و كذا قوله علیه السلام متوحد إذ لا سكن یستأنس به یدل علی حدوث العالم و الإنشاء الخلق و الفرق بینه و بین الابتداء بأن الإنشاء كالخلق أعم

ص: 179


1- 1. و التشدید.
2- 2. فی بعض النسخ: ثم یعبدوه.

من الابتداء قال تعالی خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ (1) و الابتداء الخلق من غیر سبق مادة و مثال و إن لم یفهم هذا الفرق من اللغة لحسن التقابل حینئذ و إن أمكن التأكید و همامة النفس اهتمامها بالأمور و قصدها إلیها و الاضطراب الحركة و الحركة فی الهمامة الانتقال من رأی إلی رأی أو من قصد أمر إلی قصد أمر آخر بحصول صورة و فی بعض النسخ و لا همة نفس بالكسر.

أحال الأشیاء لأوقاتها فی أكثر النسخ بالحاء المهملة إما من الإحالة بمعنی التحویل أی نقل كلا منها إلی وقتها فاللام بمعنی إلی و التعلیل كما قیل بعید و إما من قولهم حال فی متن فرسه أی وثب فعدی بالهمزة أی أقر الأشیاء فی أوقاتها كمن أحال غیره علی فرسه كما قیل و لا یخفی بعده و لعله بمعنی الحوالة المعروفة أظهر و فی بعض النسخ الصحیحة بالجیم كأنه سبحانه حرك الأشیاء و رددها فی العدم حتی حضر وقتها و فی الإحتجاج أجل بالجیم المشددة أی أخر و لاءم بین مختلفاتها أی جعلها ملتئمة مؤتلفة كما ألف بین العناصر المتخالفة فی الطباع و بین النفوس و الأبدان و غرز غرائزها و ألزمها أسناخها الغریزة الخلق و الطبیعة و السنخ بكسر السین و سكون النون الأصل و فی بعض النسخ أشباحها جمع الشبح محركة أی أشخاصها و تغریز الغرائز إیجادها

أو تخصیص كل بغریزة خاصة لها(2)

أو من تغریز العود فی الأرض لیثمر علی ما قیل و الضمیر المنصوب فی ألزمها راجع إلی الأشیاء كالسوابق و المعنی (3) جعلها بحیث لا یفارقها أصولها أو جعل الأشخاص لازمة للكلیات علی النسخة الأخیرة أو راجع إلی الغرائز أی جعل كل ذی غریزة أو كل شخص بحیث لا تفارقه غریزته غالبا أو مطلقا عالما بها قبل ابتدائها العامل فی عالما و ما بعدها إما ألزم أو الأفعال

ص: 180


1- 1. الرحمن: 14.
2- 2. فی بعض النسخ: بها.
3- 3. فی بعض النسخ: فالمعنی.

الثلاثة الأخیرة علی الترتیب أو الأربعة أو العامل فی الجمیع قوله أنشأ و ابتدأ بقرینة قوله قبل ابتدائها.

محیطا بحدودها و انتهائها لعل المراد بالحدود الأطراف و التشخصات (1) أو الحدود الذهنیة و بالانتهاء الانتهاء اللازم للمحدود(2) أو انقطاع الوجود عارفا بقرائنها أی ما یقترن بها علی وجه التركیب أو المجاورة أو العروض و أحنائها هی جمع حنو أی الجانب و أحناء الوادی معاطفه و یدل علی جواز إطلاق العارف علیه سبحانه و منعه بعضهم ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء و شق الأرجاء و سكائك الهواء الفتق بالفتح الشق و الجو ما بین السماء و الأرض و قیل الفضاء الواسع و الأرجاء جمع الرجا مقصورا و هی الناحیة و السكاك و السكاكة بضمهما الهواء الملاقی عنان السماء(3)

و قال فی النهایة السكاك و السكاكة الجو و هو ما بین السماء و الأرض

وَ مِنْهُ حَدِیثُ عَلِیٍّ علیه السلام: شَقَّ الْأَرْجَاءِ وَ سَكَائِكَ الْهَوَاءِ.

و سكائك جمع سكاكة كذؤابة و ذوائب و الهواء بالمد ما بین السماء و الأرض و یقال كل خال هواء و منه قوله تعالی وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ(4) و كلمة ثم هنا إما للترتیب الذكری و التدرج فی الكلام یكون لوجوه منها الانتقال من الإجمال إلی التفصیل و منها الاهتمام بتقدیم المؤخر أو المقارن لوجه آخر و یستعمل الفاء أیضا كذلك كما مر مرارا و إما بمعنی الواو المفیدة لمطلق الجمع كما قیل فی قوله تعالی ثُمَّ اهْتَدی (5) و علی التقدیرین لا ینافی كون الماء أول المخلوقات كما سیأتی و المراد بفتق الأجواء إیجاد الأجسام فی الأمكنة الخالیة بناء علی وجود المكان بمعنی البعد و جواز الخلاء أو المراد

ص: 181


1- 1. فی بعض النسخ: أو التشخصات.
2- 2. فی بعض النسخ: للحدود.
3- 3. عنان السماء- بالفتح-: ما ارتفع منها أو ما بدا للناظر.
4- 4. إبراهیم: 43.
5- 5. طه: 82.

بالجو البعد الموهوم أو أحد العناصر بناء علی تقدم خلق الهواء كما هو الظاهر مما سنورده من تفسیر علی بن إبراهیم و هذا الكلام لا تصریح فیه بالصادر الأول و سیأتی الكلام فیه إن شاء اللّٰه و قوله و شق الأرجاء كالتفسیر لفتق الأجواء أو المراد بالأرجاء الأمكنة و الأفضیة و بالأجواء عنصر الهواء و قوله و سكائك الهواء بالنصب كما فی كثیر من النسخ معطوف علی فتق الأجواء أی أنشأ سبحانه سكائك الهواء و الجر كما فی بعض النسخ أظهر عطفا علی الأجواء أی أنشأ فتق سكائك الهواء قال ابن میثم فإن قلت إن الأجواء و الأرجاء و سكائك الهواء أمور عدمیة فكیف تصح نسبتها إلی الإنشاء عن القدرة قلت إن هذه الأشیاء عبارة عن الخلاء و الأحیاز و الخلاف فی أن الخلاء و الحیز و المكان هل هی أمور وجودیة أو عدمیة مشهور فإن كانت وجودیة كانت نسبتها إلی القدرة ظاهرة و یكون معنی فتقها و شقها شق العدم عنها و إن كانت عدمیة كان معنی فتقها و شقها و نسبتها إلی القدرة تقدیرها و جعلها أحیازا للماء و مقرا لها لأنه لما كان تمیزها عن مطلق الهواء و الخلاء بإیجاد اللّٰه فیها الماء صار تعینها بسبب قدرته تعالی فتصح نسبتها إلی إنشائه فكان سبحانه شقها و فتقها بحصول الجسم فیها.

وَ رُوِیَ: أَنَّ زُرَارَةَ وَ هِشَاماً اخْتَلَفَا فِی الْهَوَاءِ أَ هُوَ مَخْلُوقٌ أَمْ لَا فَرَفَعَ بَعْضُ مَوَالِی جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام إِلَیْهِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ إِنِّی مُتَحَیِّرٌ وَ أَرَی أَصْحَابَنَا یَخْتَلِفُونَ فِیهِ فَقَالَ علیه السلام لَیْسَ هَذَا بِخِلَافٍ یُؤَدِّی إِلَی الْكُفْرِ وَ الضَّلَالِ.

و اعلم أنه علیه السلام إنما أعرض عن بیان ذلك لأن أولیاء اللّٰه الموكلین بإیضاح سبله و تثبیت خلقه علی صراطه المستقیم لا یلتفتون بالذات إلا إلی أحد أمرین أحدهما ما یؤدی إلی الهدی أداء ظاهرا واضحا و الثانی ما یصرف عن الضلال و یرد إلی سواء السبیل.

و بیان أن الهواء مخلوق أو غیر مخلوق لا یفید كثیر فائدة فی أمر المعاد فلا یكون الجهل به مما یضر فی ذلك فكان تركه (1)

و الاشتغال بما هو أهم منه أولی (2).

ص: 182


1- 1. ترك بیانه( خ).
2- 2. انتهی كلام ابن میثم رحمه اللّٰه.

فأجری فیها ماء متلاطما تیاره متراكما زخاره اللطم فی الأصل الضرب علی الوجه بباطن الراحة و تلاطمت الأمواج ضرب بعضها بعضا كأنه یلطمه و التیار موج البحر و لجته و تراكم الشی ء اجتمع و زخر البحر مد و كثر ماؤه و ارتفعت أمواجه أی أنه سبحانه خلق الماء المتلاطم الزخار فی الأمواج و خلاه و طبعه أولا فجری فی الهواء ثم أمر الریح برده و شده كما یدل علیه قوله علیه السلام بعد ذلك حتی تظهر قدرته.

حمله علی متن الریح العاصفة و الزعزع القاصفة المتن من كل شی ء ما ظهر منه و المتن من الأرض ما ارتفع منه و صلب و عصفت الریح اشتد هبوبها و الزعزعة تحریك الشی ء لیقلعه و یزیله و ریح زعزع و زعازع أی یزعزع الأشیاء و قصفه كضربه قصفا كسره و قصف الرعد و غیره اشتد صوته أی جعل الریح حال قصفها(1) حاملة له فكان متحركا بحركتها أو جعل الریح التی من شأنها العصف و القصف و هذه الریح غیر الهواء المذكور أولا كما سیأتی

فِی قَوْلِ الصَّادِقِ علیه السلام: فِی جَوَابِ الزِّنْدِیقِ الرِّیحُ عَلَی الْهَوَاءِ وَ الْهَوَاءُ تُمْسِكُهُ الْقُدْرَةُ.

فیمكن أن تكون مقدمة فی الخلق علیه أو متأخرة عنه أو مقارنة له و یمكن أن یكون المراد بها ما تحرك منه كما هو المشهور(2).

فأمرها برده و سلطها علی شده و قرنها إلی حده أی أمر الریح أن تحفظ الماء و ترده بالمنع عن الجری الذی سبقت الإشارة إلیه بقوله فأجری فیها ماء فكان قبل الرد قد خلی و طبعه أی عن الجری الذی یقتضیه طبعه و قواها علی ضبطه كالشی ء المشدود و جعلها مقرونة إلی انتهائه محیطة به و لعل المراد بالأمر هنا الأمر التكوینی كما فی قوله كُنْ فَیَكُونُ (3) و قوله كُونُوا قِرَدَةً(4)

ص: 183


1- 1. فی بعض النسخ: عصفها.
2- 2. و حینئذ فالمراد بكونها علی الهواء عروضها له.
3- 3. یس: 81.
4- 4. البقرة: 65.

قال الكیدری قوله فأمرها مجاز لأن الحكیم لا یأمر الجماد به الهواء من تحتها فتیق و الماء من فوقها دفیق أی الهواء الذی هو محل الریح مفتوق أی مفتوح منبسط من تحت الریح الحاملة للماء و الماء دفیق من فوقها أی مصبوب مندفق و الغرض أنه سبحانه بقدرته ضبط الماء المصبوب بالریح الحاملة له كما ضبط الریح بالهواء المنبسط و هو موضع العجب.

ثم أنشأ سبحانه ریحا اعتقم مهبها و أدام مربها الظاهر أن هذه الریح غیر ما جعلها اللّٰه محلا للماء بل هی مخلوقة من الماء كما سیأتی فی الروایة و الاعتقام أن تحفر البئر فإذا قربت من الماء احتفرت بئرا صغیرا بقدر ما تجد طعم الماء فإن كان عذبا حفرت بقیتها و یكون اعتقم بمعنی صار عقیما و منه الرِّیحَ الْعَقِیمَ و فی العین الاعتقام الدخول فی الأمر و قال ابن میثم تبعا للكیدری الاعتقام الشد و العقد و لم نجده فی كتب اللغة و المهب مصدر بمعنی الهبوب أو اسم مكان و علی الأول فی الإسناد توسع و رب یأتی بمعنی جمع و زاد و لزم و أقام قیل المعنی أن اللّٰه تعالی أرسلها بمقدار مخصوص تقتضیه الحكمة و لم یرسلها مطلقا بل جعل مهبها ضیقا كما یحتفر البئر الصغیر فی الكبیر و قیل المعنی جعلها عقیمة لا تلقح و هذا إنما یصح لو كان الاعتقام بهذا المعنی متعدیا أو كان مهبها مرفوعا و فی النسخ منصوب و قیل و روی أعقم فیصح و یحتمل أن یكون بمعنی شد مهبها و عقده علی ما تقتضیه الحكمة و المصلحة و قیل علی تقدیر كون اعتقم بالتاء المراد أنه أخلی مهبها من العوائق و أنه أرسلها بحیث لا یعرف مهبها من مربها و هو كما تری و معنی إدامة مربها جعلها ملازمة لتحریك الماء و إدامة هبوبها و فی بعض النسخ مدبها بالدال أی جریها.

و أعصف مجراها أی جریانها أو أسند إلی المحل مجازا و أبعد منشأها أی أنشأها من مبدإ بعید و لعله أدخل فی شدتها و المنشأ فی بعض النسخ بالهمزة علی الأصل و فی بعضها بالألف للازدواج فأمرها بتصفیق الماء الزخار الصفق الضرب الذی یسمع له صوت و التصفیق أیضا كذلك لكن مع شدة و إثارة

ص: 184

موج البحار أی تهییجه فمخضته مخض السقاء المخض تحریك السقاء الذی فیه اللبن لیخرج زبده عصفها بالفضاء أی عصفا شدیدا لأن العصف بالفضاء یكون أشد لعدم المانع و الساجی الساكن و المائر المتحرك یقال مار الشی ء مورا أی تحرك و جاء و ذهب و به فسر قوله تعالی یَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً(1) و قال الضحاك أی تموج موجا و العباب بالضم معظم الماء و كثرته و ارتفاعه و عب عبابه أی ارتفع و عب النبت إذا طال و ركام الماء بالضم ما تراكم منه و اجتمع بعضه فوق بعض.

فرفعه فی هواء منفتق أی رفع اللّٰه ذلك الزبد بأن جعل بعضه دخانا فی هواء مفتوق مفتوح بخلق ما خلق سابقا أو برفع ذلك الدخان و فی جو منفهق و الانفهاق الاتساع و الانفتاح قال ابن میثم إن القرآن الكریم نطق بأن السماء تكونت من الدخان و كلامه علیه السلام ناطق بأنها تكونت من الزبد و ما ورد فی الخبر أن ذلك الزبد هو الذی تكونت منه الأرض فلا بد من بیان وجه الجمع بین هذه الإشارات فنقول وجه الجمع بین كلامه علیه السلام و بین لفظ القرآن الكریم ما ذكره

الباقر علیه السلام و هو قوله فخرج من ذلك الموج و الزبد دخان ساطع من وسطه من غیر نار فخلق منه السماء.

و لا شك أن القرآن الكریم لا یرید بلفظ الدخان حقیقته لأن ذلك إنما یكون عن النار و اتفق المفسرون علی أن هذا الدخان لم یكن عن نار بل عن تنفس الماء و تبخیره بسبب تموجه فهو إذا استعارة للبخار الصاعد من الماء و إذا كان كذلك فنقول إن كلامه علیه السلام مطابق للفظ القرآن الكریم و ذلك أن الزبد بخار یتصاعد علی وجه الماء عن حرارة حركته إلا أنه ما دامت الكثافة غالبة علیه و هو باق علی وجه الماء لم ینفصل فإنه یخص باسم الزبد و ما لطف و غلب علیه الأجزاء الهوائیة فانفصل خص باسم البخار و إذا كان الزبد بخارا و البخار هو المراد بالدخان فی القرآن الكریم كان مقصده

ص: 185


1- 1. الطور: 9.

و مقصد القرآن واحدا فكان البخار المنفصل هو الذی تكونت عنه الأرض و هو الزبد و أما وجه المشابهة بین الدخان و البخار الذی صحت لأجله استعارة لفظه له فهو أمران أحدهما حسی و هو الصورة المشاهدة من الدخان و البخار حتی لا یكاد یفرق بینهما فی الحس البصری و الثانی معنوی و هو كون البخار أجزاء مائیة خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حرارة الحركة كما أن الدخان كذلك و لكن عن حرارة النار فإن الدخان أیضا أجزاء مائیة انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حر النار فكان الاختلاف بینهما لیس إلا بالسبب فلذلك صح استعارة اسم أحدهما للآخر و باللّٰه التوفیق (1).

جعل سفلاهن موجا مكفوفا و علیاهن سقفا محفوظا و سمكا مرفوعا الكف المنع و السقف معروف و قال الجوهری و غیره السقف اسم للسماء و المعروف هاهنا أنسب و سمك البیت سقفه و سمك اللّٰه السماء سمكا رفعها و المسموكات السماوات أی جعل السماء السفلی موجا ممنوعا من السیلان إما بإمساكه بقدرته أو بأن خلق تحته و حوله جسما جامدا یمنعه عن الانتشار و السیلان أو بأن أجمدها بعد ما كانت سیالة و ظاهر هذا الكلام و غیره من الأخبار اختصاص الحكم بالسماء الدنیا قال الكیدری رحمه اللّٰه شبه السماء الدنیا بالموج لصفائها و ارتفاعها أو أراد أنها كانت فی الأول موجا ثم عقدها و المكفوف الممنوع من السقوط و قال

ابن میثم شبهها بالموج فی الارتفاع و اللون الموهوم و قیل شبهت به لارتعاد الكواكب حسا و لعل المراد بحفظ العلیا إمساكها عن النقص و الهدم و السقوط و الخرق إلا بأمره سبحانه و قال أكثر الشارحین أی عن الشیاطین و هو لا یناسب العلیا بل السفلی و یناسب أن یكون المراد بقوله تعالی وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً(2) السماء العلیا و یخطر بالبال وجه آخر و هو أن یكون المراد أنه تعالی جعل الجهة السفلی من كل من السماوات مواجة متحركة واقعا

ص: 186


1- 1. انتهی كلام ابن میثم رحمه اللّٰه.
2- 2. الأنبیاء: 32.

أو فی النظر و الجهة العلیا منها سقفا محفوظا تستقر علیه الملائكة و لا یمكن للشیاطین خرقها فیكون ضمیر زینها و سائر الضمائر راجعة إلی المجموع فیناسب الآیة المتقدمة و هو قوله سبحانه وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَیْطانٍ مارِدٍ(1) و قد یمر بالخاطر وجه آخر یناسب قواعد الهیئة و هو أنه علیه السلام شبه السماء الدنیا بالموج المكفوف لكون الحركة الخاصة للقمر أسرع من جمیع الكواكب فكأنه دائما فی الموج و مع ذلك لا تسقط و وصف العلیا بالمحفوظیة لأنه أبطأها بالحركة الخاصة فكأنها محفوظة ثابتة و علی الطریقة السابقة یمكن أن یكون المراد بالسفلی من كل منها خوارج مراكزها و تداویرها و بالعلیا منها ممثلاتها فالأول مواجة لسرعة حركتها و البواقی محفوظة لبطئها لكن هذان الوجهان بعیدان عن لسان الشرع و مقاصد أهله و الوجه الأول مما أبدعنا لا یخلو من قوة و لطافة.

بغیر عمد یدعمها و لا دسار ینظمها العمد بالتحریك جمع كثرة لعمود البیت و كذا العمد بضمتین و جمع القلة أعمدة و قال الخلیل فی العین العمد بضمتین جمع عماد و الأعمدة جمع عمود من حدید أو خشب و یظهر من تذكیر الفعل أنه من أسماء الجمع و الدعم بالفتح أن یمیل الشی ء فتدعمه بدعام كما تدعم عروش الكرم و نحوه لیصیر له مساكا و الدعامة الخشبة التی یدعم بها و فی أكثر النسخ علی بناء المجرد مفتوحة العین و هو أظهر و فی بعضها یدعمها بتشدید الدال علی بناء الافتعال من الادعام بمعنی الاتكاء و الدسار بالكسر المسمار و جمعه دسر و نظم اللؤلؤ جمعه فی السلك و فی بعض النسخ ینتظمها و هو أیضا جاء متعدیا و الضمیران المنصوبان راجعان إلی السماوات أو إلی العلیا أو إلی السفلی بقرینة قوله ثم زینها بزینة الكواكب حیث إن الظاهر إرجاع الضمیر فیه إلی السفلی لیكون أوفق بقوله تعالی إِنَّا زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِزِینَةٍ الْكَواكِبِ (2) لكنه بعید لفظا و إرجاع الضمیر إلی

ص: 187


1- 1. الصافّات: 7.
2- 2. الصافّات: 6.

الجمیع أظهر و تزیین البعض تزیین للجمیع و هذا مما یقرب الوجه الذی ذكرنا أولا و الزینة إما مصدر أو اسم ما(1)

یزان به كاللیقة لما یلاق به أی یصلح به المداد قال فی الكشاف قوله تعالی بِزِینَةٍ الْكَواكِبِ یحتملهما فعلی الأول إما من إضافة المصدر إلی الفاعل بأن تكون الكواكب مزینة للأفلاك أو إلی المفعول بأن زین اللّٰه الكواكب و حسنها لأنها إنما زینت السماء لحسنها فی

أنفسها و علی الثانی فأضافتها إلی الكواكب بیانیة(2) و تنوین الزینة كما قرئت الآیة به لیس موجودا فی النسخ و زینة الكواكب للسماء إما لضوئها أو للأشكال الحاصلة منها كالثریا و الجوزاء و نحوهما أو باختلاف أوضاعها بحركتها أو لرؤیة الناس إیاها مضیئة فی اللیلة الظلماء أو للجمیع و قوله تعالی بِمَصابِیحَ فی موضع آخر مما یؤید بعض الوجوه و سیأتی القول فی محال الكواكب فی محله.

و ضیاء الثواقب المراد بها إما الكواكب فیكون كالتفسیر لزینة الكواكب و الكواكب ثواقب أی مضیئة كأنها تثقب الظلمة بضوئها أو الشهب التی ترمی بها الشیاطین فتثقب الهواء بحركتها و الظلمة بنورها فأجری فیها سراجا مستطیرا و قمرا منیرا و فی بعض النسخ و أجری بالواو و المراد بالسراج الشمس كما قال تعالی سِراجاً وَ قَمَراً(3) مُنِیراً قیل لما كان اللیل عبارة عن ظل الأرض و كانت الشمس سببا لزواله كان شبیها بالسراج فی ارتفاع الظلمة به و المستطیر المنتشر الضوء و استطار تفرق و سطح و أنار الشی ء و استنار أی أضاء و قیل ما بالذات من النور ضوء و ما بالعرض نور كما قال سبحانه هُوَ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیاءً وَ الْقَمَرَ نُوراً(4) و قیل لأن النور أضعف من الضوء و الاحتمالات

ص: 188


1- 1. فی بعض النسخ: لما یزان.
2- 2. انتهی كلام الزمخشریّ.
3- 3. الفرقان: 61.
4- 4. یونس: 5.

فی الضمائر السابقة جاریة هنا و إن كان الأظهر عند الأكثر رجوعه إلی السفلی.

فی فلك دائر الظرف إما بدل عن فیها فیفید حركة السفلی أو العلیا أو الجمیع علی تقادیر إرجاع الضمیر بالحركة الیومیة أو الخاصة أو الأعم و إما فی موضع حال عن المنصوبین فیمكن أن یكون المراد بالفلك الدائر الأفلاك الجزئیة و الفلك بالتحریك كل شی ء دائر و منه فلكة المغزل بالتسكین و یقال فلك ثدی المرأة تفلیكا إذا استدار. و سقف سائر و رقیم مائر الرقیم فی الأصل الكتاب فعیل بمعنی مفعول قال ابن الأثیر منه

حدیث علی رضی اللّٰه عنه فی صفة السماء سقف سائر و رقیم مائر.

یرید به وشی السماء بالنجوم و المائر المتحرك و لیس هذا بالمور الذی قال اللّٰه تعالی یَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً(1) و هاتان الفقرتان أیضا تدلان علی حركة السماء لكن لا تنافی حركة الكواكب بنفسها أیضا كما هو ظاهر الآیة.

ثم فتق ما بین السماوات العلی فملأهن أطوارا من ملائكته الظاهر أن كلمة ثم للترتیب المعنوی فیكون فتق السماوات بعد خلق الشمس و القمر بل بعد جعلها سبعا و خلق الكواكب فیه و یحتمل أن یكون للترتیب الذكری و الظاهر أن المراد بفتقها فصل بعضها عن بعض فیؤید بعض محتملات الآیة كما أشرنا إلیه سابقا و یدل علی بطلان ما ذهبت الفلاسفة(2)

إلیه من تماس الأفلاك و

عدم الفصل بینها بهواء و نحوه و الأطوار جمع طور بالفتح و هو فی الأصل التارة قال اللّٰه تعالی وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً(3) قیل أی طورا نطفة و طورا علقة و طورا مضغة و قیل أی حالا بعد حال و قیل أی خلقكم مختلفین فی الصفات أغنیاء و فقراء و زمنی (4) و أصحاء و لعل الأخیر هنا أنسب و لو كانت

ص: 189


1- 1. الطور: 9.
2- 2. یعنی الفلكیین.
3- 3. نوح: 14.
4- 4. الزمنی- و زان مرضی- جمع« الزمین» و هو المبتلی بالزمانة و هی آفة تتعطل بها القوی.

الملائكة مخلوقة قبل السماوات كما هو ظاهر بعض الأخبار الآتیة فقبل فتقها كانوا فی مكان آخر یعلمه اللّٰه (1).

منهم سجود لا یركعون و ركوع لا ینتصبون و صافون لا یتزایلون و مسبحون لا یسأمون السجود و الركوع هنا جمع ساجد و راكع و فاعل الصفة یجمع علی فعول إذا جاء مصدره علیه أیضا و الانتصاب القیام و الصف ترتیب الجمع علی خط كالصف فی الصلاة و الحرب و قال أبو عبیدة كل شی ء بین السماء و الأرض لم یضم قطریه فهو صاف و منه قوله تعالی وَ الطَّیْرُ صَافَّاتٍ (2) أی نشرت أجنحتها و بالوجهین فسر قوله تعالی وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا(3) و التزایل التباین و التفارق و السأمة الملالة و الضجر.

لا یغشاهم نوم العیون و لا سهو العقول و لا فترة الأبدان و لا غفلة النسیان غشیه كعلمه إذا جاءه أی لا یعرضهم و الفترة الانكسار و الضعف و ظاهر الكلام اختصاص الأوصاف بهذا الصنف و یمكن أن یكون التخصیص بها جمیعا أو ببعضها لأمر آخر غیر الاختصاص و منهم أمناء علی وحیه الوحی فی الأصل أن یلقی الإنسان إلی صاحبه شیئا بالاستتار و الإخفاء و یكون بمعنی الكتابة و الإشارة و الرسالة و ألسنة إلی رسله أی رسلا إلیهم كما قال تعالی اللَّهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا(4) و مختلفون بقضائه أی (5) مقتضیاته كما یأتون به فی لیلة القدر و غیرها و أمره أی أحكامه أو الأمور المقدرة كما قال تعالی بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ(6) فالأحكام داخلة فی السابقتین و یمكن تخصیص الأخیر بغیر الوحی

ص: 190


1- 1. هذا علی فرض وجود مكان غیر السماوات و الأرض و أمّا علی فرض عدمه كما لا یبعد استظهاره من الآیات و الروایات فلا محیص عن الالتزام بتجرد الملائكة.
2- 2. النور: 41.
3- 3. الصافّات: 1.
4- 4. الحجّ: 75.
5- 5. فی بعض النسخ: و مقضیاته.
6- 6. القدر: 4.

أی یختلفون لتمشیة قضائه و أمره (1) و تسبیب أسبابهما.

و منهم الحفظة لعباده لعل المراد غیر الحافظین علیهم الذین ذكرهم اللّٰه فی قوله وَ إِنَّ عَلَیْكُمْ لَحافِظِینَ كِراماً كاتِبِینَ (2) بل من ذكرهم بقوله سبحانه لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (3) و یمكن أن یكون المراد فی كلامه الكاتبین للأعمال بتقدیر مضاف و ربما یفهم من بعض الأخبار اتحاد الصنفین و السدنة لأبواب الجنان هم المتولون لأمور الجنان و فتح أبوابها و أغلاقها و أصل السدانة فی الكعبة و بیت الأصنام.

و منهم الثابتة فی الأرضین السفلی أقدامهم و فی بعض النسخ فی الأرض أقدامهم و هو أظهر و الجمع علی الأول إما باعتبار القطعات و البقاع أو لأن كلا من الأرضین السبع موضع قدم بعضهم و الوصف علی الأول بالقیاس علی (4)

سائر الطبقات و علی الثانی بالقیاس إلی السماء و المارقة أی الخارجة یقال مرق السهم من الرمیة إذا خرج من الجانب الآخر من السماء العلیا أی السابعة أعناقهم و الخارجة من الأقطار أی من جوانب الأرض أو جوانب السماء أركانهم أی جوارحهم فهذا بیان لضخامتهم و عرضهم و المناسبة لقوائم العرش أكتافهم لعل المراد بالمناسبة القرب و الشباهة فی العظم و یمكن أن یراد بها التماس فالمراد بهم حملة العرش ناكسة دونه أی دون العرش أبصارهم و الناكس المطأطئ رأسه و فی إسناده إلی الأبصار دلالة علی عدم التفاتهم فی النكس یمینا و شمالا متلفعون تحته بأجنحتهم اللفاع ثوب یجلل به الجسد كله كساء كان أو غیره و تلفع بالثوب إذا اشتمل به و بین من دونهم أی سائر الملائكة أو البشر أو الجن أو الأعم و فی بعض النسخ ناكسة و مضروبة و متلفعین بنصب الجمیع.

ص: 191


1- 1. فی بعض النسخ: قضاء و أمر.
2- 2. الانفطار: 10- 11.
3- 3. الرعد: 11.
4- 4. إلی( خ).

لا یتوهمون ربهم بالتصویر أی بأن یثبتوا لله صورة و الغرض تقدیس الملائكة عن إثباتهم لوازم الجسمیة و الإمكان له سبحانه و التعریض و التوبیخ للمشبهین من البشر و النظائر جمع نظیرة و هی المثل و الشبه فی الأشكال و الأخلاق و الأفعال و النظیر المثل فی كل شی ء و فی بعض النسخ بالنواظر أی بالأبصار أی لا یجوزون علیه الرؤیة و فی بعضها بالمواطن أی الأمكنة.

«137»- النهج، [نهج البلاغة]: فِی وَصِیَّةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لِلْحَسَنِ علیهما السلام قَالَ وَ لَكِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَ(1) لَا یُضَادُّهُ فِی مُلْكِهِ أَحَدٌ وَ لَا یَزُولُ أَبَداً وَ لَمْ یَزَلْ أَوَّلًا(2)

قَبْلَ الْأَشْیَاءِ بِلَا أَوَّلِیَّةٍ وَ آخِراً(3)

بَعْدَ الْأَشْیَاءِ بِلَا نِهَایَةٍ(4).

«138»- تَأْوِیلُ الْآیَاتِ الظَّاهِرَةِ، نَقْلًا مِنْ كِتَابِ الْوَاحِدَةِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَجَلِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حُمَیْدٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَحَدٌ وَاحِدٌ تَفَرَّدَ فِی وَحْدَانِیَّتِهِ ثُمَّ

تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فَصَارَتْ نُوراً ثُمَّ خَلَقَ بِذَلِكَ (5) النُّورِ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله وَ خَلَقَنِی وَ ذُرِّیَّتِی ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فَصَارَتْ رُوحاً فَأَسْكَنَهُ اللَّهُ فِی ذَلِكَ النُّورِ وَ أَسْكَنَهُ فِی أَبْدَانِنَا فَنَحْنُ رُوحُ اللَّهِ وَ كَلِمَاتُهُ وَ بِنَا احْتَجَبَ عَنْ خَلْقِهِ فَمَا زِلْنَا فِی ظُلَّةٍ خَضْرَاءَ حَیْثُ لَا شَمْسٌ وَ لَا قَمَرٌ وَ لَا لَیْلٌ وَ لَا نَهَارٌ وَ لَا عَیْنٌ تَطْرِفُ نَعْبُدُهُ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُمَجِّدُهُ وَ نُسَبِّحُهُ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ الْخَبَرَ.

«139»- مِصْبَاحُ الْأَنْوَارِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنِی وَ خَلَقَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ حِینَ لَا سَمَاءٌ مَبْنِیَّةٌ وَ لَا أَرْضٌ مَدْحِیَّةٌ وَ لَا ظُلْمَةٌ وَ لَا نُورٌ وَ لَا شَمْسٌ وَ لَا قَمَرٌ وَ لَا نَارٌ فَقَالَ الْعَبَّاسُ

ص: 192


1- 1. فی المصدر: لا یضاده.
2- 2. فی المصدر: أول.
3- 3. فی المصدر: آخر.
4- 4. نهج البلاغة: ج 2، ص 44.
5- 5. فی بعض النسخ: من ذلك.

فَكَیْفَ كَانَ بَدْءُ خَلْقِكُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ یَا عَمِّ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَنَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فَخَلَقَ (1)

مِنْهَا نُوراً ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أُخْرَی فَخَلَقَ مِنْهَا رُوحاً ثُمَّ خَلَطَ النُّورَ بِالرُّوحِ فَخَلَقَنِی وَ خَلَقَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ فَكُنَّا نُسَبِّحُهُ حِینَ لَا تَسْبِیحَ وَ نُقَدِّسُهُ حِینَ لَا تَقْدِیسَ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَی أَنْ یُنْشِئَ خَلْقَهُ (2) فَتَقَ نُورِی فَخَلَقَ مِنْهُ الْعَرْشَ فَالْعَرْشُ مِنْ نُورِی وَ نُورِی مِنْ نُورِ اللَّهِ وَ نُورِی أَفْضَلُ مِنَ الْعَرْشِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ أَخِی عَلِیٍّ فَخَلَقَ مِنْهُ الْمَلَائِكَةَ فَالْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورِ عَلِیٍّ وَ نُورُ عَلِیٍّ مِنْ نُورِ اللَّهِ وَ عَلِیٌّ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ ابْنَتِی فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فَالسَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ مِنْ نُورِ ابْنَتِی فَاطِمَةَ وَ نُورُ ابْنَتِی فَاطِمَةَ مِنْ نُورِ اللَّهِ وَ ابْنَتِی فَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ وَلَدِیَ الْحَسَنِ وَ خَلَقَ مِنْهُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ فَالشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ مِنْ نُورِ وَلَدِیَ الْحَسَنِ وَ نُورُ الْحَسَنِ مِنْ نُورِ اللَّهِ وَ الْحَسَنُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ وَلَدِیَ الْحُسَیْنِ فَخَلَقَ مِنْهُ الْجَنَّةَ وَ الْحُورَ الْعِینَ فَالْجَنَّةُ وَ الْحُورُ الْعِینُ مِنْ نُورِ وَلَدِیَ الْحُسَیْنِ وَ نُورُ وَلَدِیَ الْحُسَیْنِ مِنْ نُورِ اللَّهِ وَ وَلَدِیَ الْحُسَیْنُ أَفْضَلُ مِنْ نُورِ الْجَنَّةِ وَ الْحُورِ الْعِینِ الْخَبَرَ.

«140»- الْكَافِی، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ حُسَیْنِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (4) عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَدِیدٍ عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَا مُحَمَّدُ إِنِّی خَلَقْتُكَ وَ عَلِیّاً نُوراً یَعْنِی رُوحاً بِلَا بَدَنٍ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَاوَاتِی وَ أَرْضِی وَ عَرْشِی وَ بَحْرِی فَلَمْ تَزَلْ تُهَلِّلُنِی وَ تُمَجِّدُنِی ثُمَ

ص: 193


1- 1. فی بعض النسخ: خلق.
2- 2. فی المخطوطة: خلقا.
3- 3. فی المصدر: الحسین بن عبد اللّٰه.
4- 4. فی المصدر« محمّد بن عبد الرحمن» و الظاهران ما فی نسخ البحار هو الصحیح و هو محمّد بن عبد اللّٰه بن زرارة بن أعین قال فی جامع الرواة( ج 2- ص 141) و العلامة- رحمه اللّٰه قد وثق روایة هو فی طریقها( انتهی) و نقل فی تنقیح المقال( ج 3- ص 143) انه أوصی بجمیع ماله الی ابی الحسن علیه السلام فقبضه و ترحم علیه.

جَمَعْتُ رُوحَیْكُمَا فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً فَكَانَتْ تُمَجِّدُنِی وَ تُقَدِّسُنِی وَ تُهَلِّلُنِی ثُمَّ قَسَمْتُهَا ثِنْتَیْنِ وَ قَسَمْتُ الثِّنْتَیْنِ ثِنْتَیْنِ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً مُحَمَّدٌ وَاحِدٌ وَ عَلِیٌّ وَاحِدٌ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ ثِنْتَانِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورٍ ابْتَدَأَهَا رُوحاً بِلَا بَدَنٍ ثُمَّ مَسَحَنَا بِیَمِینِهِ فَأَفْضَی نُورَهُ فِینَا(1).

بیان: بلا بدن أی أصلا(2)

أو بلا بدن عنصری بل بدن مثالی و ظاهره تجسم الروح (3)

و ربما یؤول الخلق هنا بالتقدیر قبل أن أخلق بحسب الزمان الموهوم و قیل بحسب الرتبة تهللنی بلسان الجسد المثالی (4) أو بلسان الحال ثم جمعت روحیكما كأن المراد جعل مادة بدنهما فی صلب آدم علیه السلام فكانت تمجدنی أی بنفسها أو بتوسط الطینات المقدسات ثم قسمتها ثنتین أی فی عبد المطلب إلی عبد اللّٰه و أبی طالب ثم قسم الثنتین بعد انتقالها إلی علی و فاطمة ثنتین أی فی الحسنین كما تدل علیه أخبار كثیرة و قال بعض المحدثین من الأمور المعلومة أن جعل المجردین واحدا ممتنع و كذلك قسمة المجرد فینبغی حمل الروح هنا علی آلة جسمانیة نورانیة منزهة عن الكثافة البدنیة و قال بعض الأفاضل المراد بخلق الروحین بلا بدن خلقهما مجردین و بجمعهما و جعلهما واحدة جمعهما فی بدن مثالی نورانی لاهوتی و بتقسیمهما تفریقهما و جعل كل واحد منهما فی بدن شهودی جسمانی و استحالة تعلق الروحین ببدن

ص: 194


1- 1. الكافی: ج 1، ص 440.
2- 2. یعنی أعمّ من العنصری و المثالی و هو الظاهر.
3- 3. منشأ الاستظهار خفی جدا.
4- 4. علی فرض وجود بدن مثالی هناك و هو خلاف الظاهر كما مرّ و كأنّ المؤلّف رحمه اللّٰه رأی الملازمة بین التهلیل و التمجید و بین وجود لسان جسمانی أعمّ من المثالی و العنصری و لیس كذلك فان للروح أیضا تهلیلا و تمجیدا بحسب حاله و یطلب توضیحه من محله علی أن الظاهر أن تفسیر النور بالروح انما هو لدفع توهم كونه من الأنوار الجسمانیة فلیس المراد بالروح النفس المتعلقة بالبدن بل ما یقابل الجسم مطلقا فتأمل.

واحد إنما هی فی الأبدان الشهودیة لا فی الأبدان المثالیة اللاهوتیة انتهی (1).

و إطلاق المسح و الیمین هنا علی الاستعارة إذ مرید اللطف بغیره یمسحه بیمینه أو الیمین كنایة عن الرحمة كما حققنا فی قولهم علیهم السلام و الخیر فی یدیك أنه یمكن أن یكون المعنی أن النفع و الضر الصادرین منك كلیهما حكمة و مصلحة و رحمة فالنفع منسوب إلی الیمین و الضر إلی الشمال فأفضی نوره فینا أی أوصله إلینا أو وصل إلینا و قیل اتسع فینا قال فی المصباح الفضاء بالمد

المكان الواسع و فضا المكان فضوا من باب قعد اتسع فهو فضاء و أفضی الرجل بیده إلی الأرض مسها بباطن راحته قال ابن فارس و غیره و أفضی إلی امرأة باشرها و جامعها و أفضیت إلی الشی ء وصلت إلیه و السر أعلمته به انتهی و النور العلم و سائر الكمالات.

«141»- الْكَافِی، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُعَلَّی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام فَأَجْرَیْتُ اخْتِلَافَ الشِّیعَةِ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَمْ یَزَلْ مُتَفَرِّداً بِوَحْدَانِیَّتِهِ ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْرٍ ثُمَّ خَلَقَ جَمِیعَ الْأَشْیَاءِ فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا وَ أَجْرَی طَاعَتَهُمْ عَلَیْهَا

ص: 195


1- 1. و انت تری ما فی هذه الوجوه من التكلف، و الذی یظهر بالتأمل فی الروایة مع ملاحظة سائر الروایات الواردة فی الباب ان المراد بقوله« خلقتك و علیا نورا» انه تعالی خلقهما خلقا غیر جسمانی و كانا عندئذ نورا واحدا لا نورین مستقلین، فانظر الی موضع قوله« نورا» و قوله بعده« فلم تزل تهللنی» و لم یقل« نورین» و« فلم تزولا تهللاننی ...» و علی هذا فلفظة« ثم» للترتیب الذكری، و معنی الروایة: انی خلقتكما نورا روحانیا و جعلتكما فی تلك المرتبة واحدا، و بهذا یجمع بین هذه الروایة و الروایات الواردة فی ان اللّٰه خلق نور محمّد و خلق منه نور علی فتدبر، و اما حدیث الجمع و التقسیم و استحالتهما فی المجردات فحمله علی الاستعارة أولی من حمل الروح علی الآلة الجسمانیة او جمع الروحین فی بدن مثالی مع أن دعوی إمكان تعلق الروحین ببدن مثالی واحد و وجود بدن مثالی هناك ممنوعتان و المقام لا یقتضی بسط الكلام.

وَ فَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَیْهِمْ فَهُمْ یُحِلُّونَ مَا یَشَاءُونَ وَ یُحَرِّمُونَ مَا یَشَاءُونَ وَ لَنْ یَشَاءُوا إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی ثُمَّ قَالَ یَا مُحَمَّدُ هَذِهِ الدِّیَانَةُ الَّتِی مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مُحِقَ وَ مَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ خُذْهَا إِلَیْكَ یَا مُحَمَّدُ(1).

«142»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام كَیْفَ كُنْتُمْ حَیْثُ كُنْتُمْ فِی الْأَظِلَّةِ فَقَالَ یَا مُفَضَّلُ كُنَّا عِنْدَ رَبِّنَا لَیْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَیْرُنَا فِی ظُلَّةٍ خَضْرَاءَ نُسَبِّحُهُ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُهَلِّلُهُ وَ نُمَجِّدُهُ وَ لَا مِنْ (2) مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ لَا ذِی رُوحٍ غَیْرِنَا حَتَّی بَدَا لَهُ فِی خَلْقِ الْأَشْیَاءِ فَخَلَقَ مَا شَاءَ كَیْفَ شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ غَیْرِهِمْ ثُمَّ أَنْهَی عِلْمَ ذَلِكَ إِلَیْنَا(3).

بیان: فی الأظلة أی فی عالم الأرواح أو المثال أو الذر كنا عند ربنا أی مقربین لدیه سبحانه بالقرب المعنوی أو كنا فی علمه (4)

و ملحوظین بعنایته فی ظلة خضراء الظلة بالضم ما یستظل به و شی ء كالصفة یستتر به من الحر و البرد ذكره الفیروزآبادی (5) و كأن المراد ظلال العرش قبل خلق السماوات و الأرض و قیل أی فی نور أخضر و المراد تعلقهم بذلك العالم لا كونهم فیه و یحتمل أن یكون كنایة عن معرفة الرب سبحانه كما سیأتی فی باب العرش إن شاء اللّٰه أی كانوا مغمورین فی أنوار معرفته تعالی مشعوفین به إذ لم یكن موجود غیره و غیرهم حتی بدا له فی خلق الأشیاء أی أراد خلقه ثم أنهی أی أبلغ و أوصل علم ذلك أی حقائق تلك المخلوقات و أحكامها إلینا.

«143»- الْكَافِی، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّغِیرِ عَنْ مُحَمَّدِ

ص: 196


1- 1. الكافی: ج 1، ص 440.
2- 2. فی بعض النسخ و كذا فی المصدر، و ما من.
3- 3. الكافی: ج 1، ص 441.
4- 4. هذا الاحتمال فی غایة السقوط.
5- 5. القاموس: ج 4، ص 10.

بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْجَعْفَرِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیهما السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ إِذْ لَا كَانَ فَخَلَقَ الْكَانَ وَ الْمَكَانَ وَ خَلَقَ نُورَ الْأَنْوَارِ الَّذِی نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ وَ أَجْرَی فِیهِ مِنْ نُورِهِ الَّذِی نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ وَ هُوَ النُّورُ الَّذِی خَلَقَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً فَلَمْ یَزَالا نُورَیْنِ أَوَّلَیْنِ إِذْ لَا شَیْ ءَ كَوَّنَ قَبْلَهُمَا فَلَمْ یَزَالا یَجْرِیَانِ طَاهِرَیْنِ مُطَهَّرَیْنِ فِی الْأَصْلَابِ الطَّاهِرَةِ حَتَّی افْتَرَقَا فِی أَطْهَرِ طَاهِرِینَ فِی عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِی طَالِبٍ (1).

بیان: إذ لا كان یعنی لم یكن شی ء من الممكنات و كأنه مصدر بمعنی الكائن كالقیل و القال و لعل المراد بنور الأنوار أولا نور النبی صلی اللّٰه علیه و آله إذ هو منور أرواح الخلائق بالعلوم و الكمالات و الهدایات و المعارف بل سبب لوجود الموجودات و علة غائیة لها و أجری فیه أی فی نور الأنوار من نوره الذی نورت منه الأنوار أی نور ذاته سبحانه من إفاضاته و هدایاته التی نورت منها الأنوار كلها حتی نور الأنوار المذكور أولا و هو النور أی نور الأنوار المذكور أولا إذ لا شی ء كون قبلهما أی قبل نورهما الذی خلقا منه أو سوی ذلك النور أولا شی ء من ذوات الأرواح أطهر طاهرین أی فی زمانهما.

«144»- الْكَافِی، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِیسَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام یَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عِتْرَتَهُ الْهُدَاةَ الْمُهْتَدِینَ فَكَانُوا أَشْبَاحَ نُورٍ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ قُلْتُ وَ مَا الْأَشْبَاحُ قَالَ ظِلُّ النُّورِ أَبْدَانٌ نُورَانِیَّةٌ بِلَا أَرْوَاحٍ وَ كَانَ مُؤَیَّداً بِنُورٍ وَاحِدٍ(2) وَ هِیَ رُوحُ الْقُدُسِ (3) فَبِهِ كَانَ یَعْبُدُ اللَّهَ

ص: 197


1- 1. الكافی: ج 1، ص 441.
2- 2. فی المصدر: بروح واحدة.
3- 3. الظاهران ما یضاهی هذه الروایة فی التعبیر بالاشباح و الاظلة ناظر الی مرتبة اخری. من الوجود غیر المرتبة المذكورة فی سائر الروایات فانها تدلّ علی ان اول ما خلق اللّٰه نور واحد بسیط هو نور النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و هو بعینه نور عترته و ذلك النور كان بین یدی اللّٰه یسبح و یهلل، و لم یفرض عندئذ شبح و ظل و بدن و عرش و زمان و مكان و لا ای شی ء آخر، لكن هذه الروایة تدلّ علی وجود روح القدس قبل وجودهم و تأیدهم بها فالمراد بالاولیة هاهنا الاولیة الاضافیة دون الحقیقیة و كذا ما ورد فی روایات اخری من كونهم حینئذ حول العرش او فی الظلال الی غیر ذلك ممّا یدلّ علی وجود شی ء آخر غیر نورهم.

وَ عِتْرَتُهُ وَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ حُلَمَاءَ عُلَمَاءَ بَرَرَةً أَصْفِیَاءَ یَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ السُّجُودِ وَ التَّسْبِیحِ وَ التَّهْلِیلِ وَ یُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ وَ یَحُجُّونَ وَ یَصُومُونَ (1).

أقول: قد مضی شرح تلك الأخبار و ما یضاهیها فی المجلد السادس و السابع و التاسع و الأخبار الدالة علی أن أول الموجودات أرواحهم علیهم السلام كثیرة و یمكن الاستدلال بها علی حدوث الجمیع بانضمام ما سیأتی من الأخبار الدالة علی أن الفاصلة بین خلق الأرواح و الأجساد بزمان متناه إذ الزائد علی المتناهی بزمان متناه یكون لا محالة متناهیا.

«145»- وَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْبَكْرِیُ (2) أُسْتَاذُ الشَّهِیدِ الثَّانِی رحمه اللّٰه فِی كِتَابِ الْأَنْوَارِ رُوِیَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ اللَّهُ وَ لَا شَیْ ءَ مَعَهُ فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ نُورُ حَبِیبِهِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله قَبْلَ خَلْقِ الْمَاءِ وَ الْعَرْشِ وَ الْكُرْسِیِّ وَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّوْحِ وَ الْقَلَمِ وَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ وَ الْمَلَائِكَةِ وَ آدَمَ وَ حَوَّاءَ بِأَرْبَعَةٍ وَ عِشْرِینَ وَ أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ عَامٍ فَلَمَّا خَلَقَ

ص: 198


1- 1. الكافی: ج 1، ص 442.
2- 2. هو الشیخ الجلیل أحمد بن عبد اللّٰه بن محمّد البكری صاحب كتاب الأنوار فی مولد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و كتاب مقتل أمیر المؤمنین علیه السلام و كتاب وفاة فاطمة الزهراء علیها السلام أحد مشایخ الشهید الثانی، سمع علیه بمصر جملة من الكتب فی الفقه و التفسیر و بعض شرحه علی المنهاج، كان كثیر الأبهة و المهابة عند العوام و الدولة، و كان إذا حج یجاور سنة و یقیم بمصر سنة، و یحج و معه من الكتب عدة احمال. توفی رحمه اللّٰه سنة ثلاث و خمسین و تسعمائة بمصر، و كان یوم موته یوما عظیما لكثرة الجمع، و دفن بجانب قبر الشافعی، و بنوا علیه قبة عظیمة.

اللَّهُ تَعَالَی نُورَ نَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله بَقِیَ أَلْفَ عَامٍ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَاقِفاً یُسَبِّحُهُ وَ یُحَمِّدُهُ وَ الْحَقُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَنْظُرُ إِلَیْهِ وَ یَقُولُ یَا عَبْدِی أَنْتَ الْمُرَادُ وَ الْمُرِیدُ وَ أَنْتَ خِیَرَتِی مِنْ خَلْقِی وَ عِزَّتِی وَ جَلَالِی لَوْلَاكَ مَا خَلَقْتُ الْأَفْلَاكَ مَنْ أَحَبَّكَ أَحْبَبْتُهُ وَ مَنْ أَبْغَضَكَ أَبْغَضْتُهُ فَتَلَأْلَأَ نُورُهُ وَ ارْتَفَعَ شُعَاعُهُ فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ اثْنَیْ عَشَرَ حِجَاباً أَوَّلُهَا حِجَابُ الْقُدْرَةِ ثُمَّ حِجَابُ الْعَظَمَةِ ثُمَّ حِجَابُ الْعِزَّةِ ثُمَّ حِجَابُ الْهَیْبَةِ ثُمَّ حِجَابُ الْجَبَرُوتِ ثُمَّ حِجَابُ الرَّحْمَةِ ثُمَّ حِجَابُ النُّبُوَّةِ ثُمَّ حِجَابُ الْكِبْرِیَاءِ ثُمَّ حِجَابُ الْمَنْزِلَةِ ثُمَّ حِجَابُ الرِّفْعَةِ ثُمَّ حِجَابُ السَّعَادَةِ ثُمَّ حِجَابُ الشَّفَاعَةِ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَمَرَ نُورَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَدْخُلَ فِی حِجَابِ الْقُدْرَةِ فَدَخَلَ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ الْعَلِیِّ الْأَعْلَی وَ بَقِیَ عَلَی ذَلِكَ اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ یَدْخُلَ فِی حِجَابِ الْعَظَمَةِ فَدَخَلَ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ عَالِمِ السِّرِّ وَ أَخْفَی أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ الْعِزَّةِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْمَنَّانِ عَشَرَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ الْهَیْبَةِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ غَنِیٌّ لَا یَفْتَقِرُ تِسْعَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ الْجَبَرُوتِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ الْكَرِیمِ الْأَكْرَمِ ثَمَانِیَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ الرَّحْمَةِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ سَبْعَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ النُّبُوَّةِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ سِتَّةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ الْكِبْرِیَاءِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ الْعَظِیمِ الْأَعْظَمِ خَمْسَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ الْمَنْزِلَةِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ الْعَلِیمِ الْكَرِیمِ أَرْبَعَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ الرِّفْعَةِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ ذِی الْمُلْكِ وَ الْمَلَكُوتِ ثَلَاثَةَ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ السَّعَادَةِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ مَنْ یُزِیلُ الْأَشْیَاءَ وَ لَا یَزُولُ أَلْفَیْ عَامٍ ثُمَّ دَخَلَ فِی حِجَابِ الشَّفَاعَةِ وَ هُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ بِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِیمِ أَلْفَ عَامٍ قَالَ الْإِمَامُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی خَلَقَ مِنْ نُورِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله عِشْرِینَ بَحْراً مِنْ نُورٍ فِی كُلِّ بَحْرٍ عُلُومٌ لَا یَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَی

ص: 199

ثُمَّ قَالَ لِنُورِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله انْزِلْ فِی بَحْرِ الْعِزِّ فَنَزَلَ ثُمَّ فِی بَحْرِ الصَّبْرِ ثُمَّ فِی بَحْرِ الْخُشُوعِ ثُمَّ فِی بَحْرِ التَّوَاضُعِ ثُمَّ فِی بَحْرِ الرِّضَا ثُمَّ فِی بَحْرِ الْوَفَاءِ ثُمَّ فِی بَحْرِ الْحِلْمِ ثُمَّ فِی بَحْرِ التُّقَی ثُمَّ فِی بَحْرِ الْخَشْیَةِ ثُمَّ فِی بَحْرِ الْإِنَابَةِ ثُمَّ فِی بَحْرِ الْعَمَلِ ثُمَّ فِی بَحْرِ الْمَزِیدِ ثُمَّ فِی بَحْرِ الْهُدَی ثُمَّ فِی بَحْرِ الصِّیَانَةِ ثُمَّ فِی بَحْرِ الْحَیَاءِ حَتَّی تَقَلَّبَ فِی عِشْرِینَ بَحْراً فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ آخِرِ الْأَبْحُرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی یَا حَبِیبِی وَ یَا سَیِّدَ رُسُلِی وَ یَا أَوَّلَ مَخْلُوقَاتِی وَ یَا آخِرَ رُسُلِی أَنْتَ الشَّفِیعُ یَوْمَ الْمَحْشَرِ فَخَرَّ النُّورُ سَاجِداً ثُمَّ قَالَ (1) فَقَطَرَتْ مِنْهُ قَطَرَاتٌ كَانَ عَدَدُهَا مِائَةَ أَلْفٍ وَ أَرْبَعَةً وَ عِشْرِینَ أَلْفَ قَطْرَةٍ فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَی مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ نُورِهِ نَبِیّاً مِنَ الْأَنْبِیَاءِ فَلَمَّا تَكَامَلَتِ الْأَنْوَارُ صَارَتْ تَطُوفُ حَوْلَ نُورِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله كَمَا تَطُوفُ الْحُجَّاجُ حَوْلَ بَیْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَ هُمْ یُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَ یُحَمِّدُونَهُ وَ یَقُولُونَ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ عَالِمٌ لَا یَجْهَلُ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ عَلِیمٌ (2)

لَا یَعْجَلُ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ غَنِیٌّ لَا یَفْتَقِرُ فَنَادَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَی تَعْرِفُونَ مَنْ أَنَا فَسَبَقَ نُورُ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله قَبْلَ الْأَنْوَارِ وَ نَادَی أَنْتَ اللَّهُ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِیكَ لَكَ رَبُّ الْأَرْبَابِ وَ مَلِكُ الْمُلُوكِ فَإِذَا بِالنِّدَاءِ مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ أَنْتَ صَفِیِّی وَ أَنْتَ حَبِیبِی وَ أَنْتَ خَیْرُ خَلْقِی أُمَّتُكَ خَیْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ثُمَّ خَلَقَ مِنْ نُورِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله جَوْهَرَةً وَ قَسَمَهَا قِسْمَیْنِ فَنَظَرَ إِلَی الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِعَیْنِ الْهَیْبَةِ فَصَارَ مَاءً عَذْباً وَ نَظَرَ إِلَی الْقِسْمِ الثَّانِی بِعَیْنِ الشَّفَقَةِ فَخَلَقَ مِنْهُ الْعَرْشَ فَاسْتَوَی عَلَی وَجْهِ الْمَاءِ فَخَلَقَ الْكُرْسِیَّ مِنْ نُورِ الْعَرْشِ وَ خَلَقَ مِنْ نُورِ الْكُرْسِیِّ اللَّوْحَ وَ خَلَقَ مِنْ نُورِ اللَّوْحِ الْقَلَمَ وَ قَالَ لَهُ اكْتُبْ تَوْحِیدِی فَبَقِیَ الْقَلَمُ أَلْفَ عَامٍ سَكْرَانَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَی فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ اكْتُبْ قَالَ یَا رَبِّ وَ مَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمَّا سَمِعَ الْقَلَمُ اسْمَ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله خَرَّ سَاجِداً وَ قَالَ سُبْحَانَ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ سُبْحَانَ الْعَظِیمِ الْأَعْظَمِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ

ص: 200


1- 1. فی بعض النسخ: ثم قام.
2- 2. فی المخطوطة« حلیم» و هو الأظهر.

وَ كَتَبَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ یَا رَبِّ وَ مَنْ مُحَمَّدٌ الَّذِی قَرَنْتَ اسْمَهُ بِاسْمِكَ وَ ذِكْرَهُ بِذِكْرِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی لَهُ یَا قَلَمُ فَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُكَ وَ لَا خَلَقْتُ خَلْقِی إِلَّا لِأَجْلِهِ فَهُوَ بَشِیرٌ وَ نَذِیرٌ وَ سِرَاجٌ مُنِیرٌ وَ شَفِیعٌ وَ حَبِیبٌ فَعِنْدَ ذَلِكَ انْشَقَّ الْقَلَمُ مِنْ حَلَاوَةِ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ قَالَ الْقَلَمُ السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ عَلَیْكَ السَّلَامُ مِنِّی وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ فَلِأَجْلِ هَذَا صَارَ السَّلَامُ سُنَّةً وَ الرَّدُّ فَرِیضَةً ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی اكْتُبْ قَضَائِی وَ قَدَرِی وَ مَا أَنَا خَالِقُهُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ مَلَائِكَةً یُصَلُّونَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِأُمَّتِهِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَی مِنْ نُورِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله الْجَنَّةَ وَ زَیَّنَهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْیَاءَ التَّعْظِیمِ وَ الْجَلَالَةِ وَ السَّخَاءِ وَ الْأَمَانَةِ وَ جَعَلَهَا لِأَوْلِیَائِهِ وَ أَهْلِ طَاعَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَی بَاقِی الْجَوْهَرَةِ بِعَیْنِ الْهَیْبَةِ فَذَابَتْ فَخَلَقَ مِنْ دُخَانِهَا السَّمَاوَاتِ وَ مِنْ زَبَدِهَا الْأَرَضِینَ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی الْأَرْضَ صَارَتْ تَمُوجُ بِأَهْلِهَا كَالسَّفِینَةِ فَخَلَقَ اللَّهُ الْجِبَالَ فَأَرْسَاهَا بِهَا ثُمَّ خَلَقَ مَلَكاً مِنْ أَعْظَمِ مَا یَكُونُ فِی الْقُوَّةِ فَدَخَلَ تَحْتَ الْأَرْضِ ثُمَّ لَمْ یَكُنْ لِقَدَمَیِ الْمَلَكِ قَرَارٌ فَخَلَقَ اللَّهُ صَخْرَةً عَظِیمَةً وَ جَعَلَهَا تَحْتَ قَدَمَیِ الْمَلَكِ ثُمَّ لَمْ یَكُنْ لِلصَّخْرَةِ قَرَارٌ فَخَلَقَ لَهَا ثَوْراً عَظِیماً لَمْ یَقْدِرْ أَحَدٌ یَنْظُرُ إِلَیْهِ لِعِظَمِ خِلْقَتِهِ وَ بَرِیقِ عُیُونِهِ حَتَّی لَوْ وُضِعَتِ الْبِحَارُ كُلُّهَا فِی إِحْدَی مَنْخِرَیْهِ مَا كَانَتْ إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ مُلْقَاةٍ فِی أَرْضِ فَلَاةٍ فَدَخَلَ الثَّوْرُ تَحْتَ الصَّخْرَةِ وَ حَمَلَهَا عَلَی ظَهْرِهِ وَ قُرُونِهِ وَ اسْمُ ذَلِكَ الثَّوْرِ لهوتا ثُمَّ لَمْ یَكُنْ لِذَلِكَ الثَّوْرِ قَرَارٌ فَخَلَقَ اللَّهُ لَهُ حُوتاً عَظِیماً وَ اسْمُ ذَلِكَ الْحُوتِ بهموت فَدَخَلَ الْحُوتُ تَحْتَ قَدَمَیِ الثَّوْرِ فَاسْتَقَرَّ الثَّوْرُ عَلَی ظَهْرِ الْحُوتِ فَالْأَرْضُ كُلُّهَا عَلَی كَاهِلِ الْمَلَكِ وَ الْمَلَكُ عَلَی الصَّخْرَةِ وَ الصَّخْرَةُ عَلَی الثَّوْرِ وَ الثَّوْرُ

عَلَی الْحُوتِ وَ الْحُوتُ عَلَی الْمَاءِ وَ الْمَاءُ عَلَی الْهَوَاءِ وَ الْهَوَاءُ عَلَی الظُّلْمَةِ ثُمَّ انْقَطَعَ عِلْمُ الْخَلَائِقِ عَمَّا تَحْتَ الظُّلْمَةِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَی الْعَرْشَ مِنْ ضِیَاءَیْنِ أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ وَ الثَّانِی الْعَدْلُ ثُمَّ أَمَرَ الضِّیَاءَیْنِ فَانْتَفَسَا بِنَفَسَیْنِ فَخَلَقَ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْیَاءَ الْعَقْلَ وَ الْحِلْمَ وَ الْعِلْمَ وَ السَّخَاءَ

ص: 201

ثُمَّ خَلَقَ مِنَ الْعَقْلِ الْخَوْفَ وَ خَلَقَ مِنَ الْعِلْمِ الرِّضَا وَ مِنَ الْحِلْمِ الْمَوَدَّةَ وَ مِنَ السَّخَاءِ الْمَحَبَّةَ ثُمَّ عَجَنَ هَذِهِ الْأَشْیَاءَ فِی طِینَةِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ خَلَقَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ خَلَقَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ وَ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ وَ الضِّیَاءَ وَ الظَّلَامَ وَ سَائِرَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ نُورِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا تَكَامَلَتِ الْأَنْوَارُ سَكَنَ نُورُ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله تَحْتَ الْعَرْشِ ثَلَاثَةً وَ سَبْعِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ انْتَقَلَ نُورُهُ إِلَی الْجَنَّةِ فَبَقِیَ سَبْعِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَی سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی فَبَقِیَ سَبْعِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ انْتَقَلَ نُورُهُ إِلَی السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ثُمَّ إِلَی السَّمَاءِ السَّادِسَةِ ثُمَّ إِلَی السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ ثُمَّ إِلَی السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ثُمَّ إِلَی السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ إِلَی السَّمَاءِ الثَّانِیَةِ ثُمَّ إِلَی السَّمَاءِ الدُّنْیَا فَبَقِیَ نُورُهُ فِی السَّمَاءِ الدُّنْیَا إِلَی أَنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ علیه السلام إِلَی آخِرِ مَا مَرَّ فِی الْمُجَلَّدِ السَّادِسِ.

«146»- كِتَابُ أَبِی سَعِیدٍ عَبَّادٍ الْعُصْفُرِیِ (1)، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِی الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ علیهما السلامیَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ فَأَقَامَهُمْ أَشْبَاحاً فِی ضِیَاءِ نُورِهِ یَعْبُدُونَهُ قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ یُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَ یُقَدِّسُونَهُ وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله

«147»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ أَرْضَ كَرْبَلَاءَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ أَرْضَ الْكَعْبَةِ بِأَرْبَعَةٍ وَ عِشْرِینَ أَلْفَ عَامٍ وَ قَدَّسَهَا وَ بَارَكَ عَلَیْهَا فَمَا زَالَتْ قَبْلَ خَلْقِ اللَّهِ الْخَلْقَ مُقَدَّسَةً مُبَارَكَةً وَ لَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّی یَجْعَلَهَا اللَّهُ

ص: 202


1- 1. العصفری نسبة إلی العصفر- و زان برثن- نبات یصبغ به، قال النجاشیّ( ص:225): عباد أبو سعید العصفری كوفیّ، كان أبو عبد اللّٰه الحسین بن عبید اللّٰه- رحمه اللّٰه یقول: سمعت أصحابنا یقولون: إن عبادا هذا هو عباد بن یعقوب( انتهی) و جزم به المحدث النوریّ- رحمه اللّٰه- فی خاتمة المستدركات، و كیف كان فلم ینص علیه بمدح او قدح، نعم نقل فی تنقیح المقال( ج 2، ص 120) عن السیّد صدر الدین فی تعلیقه علی منتهی المقال انه قال: انی نظرت فی كتاب عباد هذا و هو تسعة عشر حدیثا كلها نقیة و أكثرها تدلّ علی تشیعه و لم أر فیها شیئا ینكر.

أَفْضَلَ أَرْضٍ فِی الْجَنَّةِ وَ أَفْضَلَ مَنْزِلٍ وَ مَسْكَنٍ یُسْكِنُ اللَّهُ فِیهِ أَوْلِیَاءَهُ فِی الْجَنَّةِ.

و منه عن رجل عن أبی الجارود(1)

عن علی بن الحسین علیهما السلام: مثله.

«147»- الْكَافِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْعِجْلِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَیَّ شَیْ ءٍ كَانَ مَوْضِعُ الْبَیْتِ حَیْثُ كَانَ الْمَاءُ فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ قَالَ كَانَتْ مَهَاةً بَیْضَاءَ یَعْنِی دُرَّةً(2).

بیان: قال الجوهری المهاة بالفتح البلور(3).

«148»- الْكَافِی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ صَالِحٍ اللَّفَائِفِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ دَحَا الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ إِلَی مِنًی ثُمَّ دَحَاهَا مِنْ مِنًی إِلَی عَرَفَاتٍ ثُمَّ دَحَاهَا مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَی مِنًی فَالْأَرْضُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَ عَرَفَاتٌ مِنْ مِنًی وَ مِنًی مِنَ الْكَعْبَةِ(4).

بیان: قوله ثم دحاها من عرفات إلی منی أی دحا السطح الظاهر من الأرض من عرفات إلی منتهاها ثم ردها من تحت الأرض لحصول الكرویة إلی منی و لم یذكر علیه السلام كیفیة إتمامه لظهوره أو المعنی أنه ردها من جهة التحت إلی الجانب الآخر ثم إلی الكعبة ثم تمم أطراف الكرة من جهة الفوق إلی منی لیتم كلها و أما ما تكلف بعض أفاضل المعاصرین حیث قرأ منی أخیرا بفتح المیم بمعنی قدر أی إلی آخر ما قدره اللّٰه من منتهی الأرض فلا یخفی علیك بعده.

ص: 203


1- 1. هو زیاد بن المنذر الهمدانیّ الخارفی: كان من علماء الزیدیة رئیس الجارودیة منهم و كان اعمی: قال ابن الغضائری: حدیثه فی حدیث أصحابنا أكثر منه فی الزیدیة و بالجملة فالرجل ضعیف عند الاصحاب و سماه أبو جعفر علیه السلام« سرحوبا» و هو اسم شیطان اعمی یسكن البحر. و أورد الكشّیّ فی رجاله عدة روایات تدلّ علی ذمه.
2- 2. فروع الكافی( الطبعة القدیمة) كتاب الحجّ، الباب الثالث: ح 1، ص 216.
3- 3. فی المصدر( ص 2499): المهاة بالفتح أیضا البلورة.
4- 4. فروع الكافی: ص 116، ب 3، ح 3.

«150»- الْكَافِی، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ عَنْ أَبِی زُرَارَةَ التَّمِیمِیِّ عَنْ أَبِی حَسَّانَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ یَخْلُقَ الْأَرْضَ أَمَرَ الرِّیَاحَ فَضَرَبْنَ وَجْهَ الْمَاءِ حَتَّی صَارَ مَوْجاً ثُمَّ أَزْبَدَ فَصَارَ زَبَداً وَاحِداً فَجَمَعَهُ فِی مَوْضِعِ الْبَیْتِ ثُمَّ جَعَلَهُ جَبَلًا مِنْ زَبَدٍ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَكَّةَ مُبارَكاً(1).

و رواه أیضا عن سیف بن عمیرة عن أبی بكر الحضرمی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام: مثله (2).

«151»- الدُّرُّ الْمَنْثُورُ، لِلسَّیُوطِیِّ بِأَسَانِیدَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ فَلَمَّا خَلَقَ الْأَرْضَ ثَارَ مِنْهَا دُخَانٌ فَذَلِكَ قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ یَقُولُ خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْضُهُنَّ فَوْقَ بَعْضٍ وَ سَبْعَ أَرَضِینَ بَعْضُهُنَّ تَحْتَ بَعْضٍ (3).

«152»- وَ مِنْهُ، أَیْضاً بِعِدَّةِ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَكُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ وَ لَمْ یَخْلُقْ شَیْئاً قَبْلَ الْمَاءِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَاناً فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ(4)

فَسَمَی عَلَیْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءً ثُمَّ أَیْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضاً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِینَ فِی یَوْمَیْنِ فِی الْأَحَدِ وَ الْإِثْنَیْنِ فَجَعَلَ (5) الْأَرْضَ عَلَی الْحُوتِ

ص: 204


1- 1. آل عمران: 96.
2- 2. فروع الكافی( الطبعة القدیمة): ص 116، ب 3، ح 7.
3- 3. الدّر المنثور: ج 1، ص 42- 43.
4- 4. فی المصدر: فوق الماء فسماه سماء.
5- 5. فی المصدر: فخلق الأرض.

وَ هُوَ الَّذِی ذَكَرَهُ فِی قَوْلِهِ ن وَ الْقَلَمِ وَ الْحُوتَ فِی الْمَاءِ(1)

عَلَی صَفَاةٍ وَ الصَّفَاةَ عَلَی (2) مَلَكٍ وَ الْمَلَكَ عَلَی صَخْرَةٍ وَ الصَّخْرَةَ عَلَی (3) الرِّیحِ وَ هِیَ الصَّخْرَةُ الَّتِی ذَكَرَهَا لُقْمَانُ لَیْسَتْ فِی السَّمَاءِ وَ لَا فِی الْأَرْضِ فَتَحَرَّكَ الْحُوتُ فَاضْطَرَبَ فَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ فَأَرْسَی عَلَیْهَا الْجِبَالَ فَقَرَّتْ (4) فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ جَعَلَ لَها رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِكُمْ وَ خَلَقَ الْجِبَالَ فِیهَا وَ أَقْوَاتَ أَهْلِهَا وَ شَجَرَهَا وَ مَا یَنْبَغِی لَهَا فِی یَوْمَیْنِ فِی الثَّلَاثَاءِ وَ الْأَرْبِعَاءِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ إِلَی قَوْلِهِ وَ بارَكَ فِیها یَقُولُ أَنْبَتَ فِیهَا شَجَرَهَا وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها وَ أَهْلَهَا(5) فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِینَ یَقُولُ مَنْ سَأَلَ فَهَكَذَا الْأَمْرُ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ فَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَانُ مِنْ تَنَفُّسِ الْمَاءِ حِینَ تَنَفَّسَ فَجَعَلَهَا سَمَاءً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ فِی الْخَمِیسِ وَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِیهِ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَوْحی فِی كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها قَالَ خَلَقَ فِی كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الْخَلْقِ الَّذِی فِیهَا مِنَ الْبِحَارِ وَ الْجِبَالِ الْبَرَدِ مَا لَا یُعْلَمُ ثُمَّ زَیَّنَ السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِالْكَوَاكِبِ فَجَعَلَهَا زِینَةً وَ حِفْظاً مِنَ الشَّیَاطِینِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ (6).

«153»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ یَعْنِی صَعِدَ أَمْرُهُ إِلَی السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَ یَعْنِی خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ قَالَ أَجْرَی النَّارَ عَلَی الْمَاءِ فَبَخَرَ الْبَحْرُ فَصَعِدَ فِی الْهَوَاءِ فَجَعَلَ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ (7).

ص: 205


1- 1. فی المصدر: و الماء علی ظهر صفاة.
2- 2. فی المصدر: علی ظهر ملك.
3- 3. فی المصدر: فی الریح.
4- 4. فی المصدر: فالجبال تفتخر علی الأرض فذلك ....
5- 5. فی المصدر: و یقول لأهلها.
6- 6. الدّر المنثور: ج 1، ص 43.
7- 7. الدّر المنثور: ج 1، ص 43.

«154»- وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَخْلُقَ الْأَشْیَاءَ إِذْ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ وَ إِذْ لَا أَرْضَ وَ لَا سَمَاءَ خَلَقَ الرِّیحَ فَسَلَّطَهَا عَلَی الْمَاءِ حَتَّی اضْطَرَبَتْ أَمْوَاجُهُ وَ أَثَارَ رُكَامُهُ فَأَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَاناً وَ طِیناً وَ زَبَداً فَأَمَرَ الدُّخَانَ فَعَلَا وَ سَمَا وَ نَمَا فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ وَ خَلَقَ مِنَ الطِّینِ الْأَرَضِینَ وَ خَلَقَ مِنَ الزَّبَدِ الْجِبَالَ (1).

«155»- وَ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ: أَخَذَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِیَدِی فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ یَوْمَ السَّبْتِ وَ خَلَقَ فِیهَا الْجِبَالَ یَوْمَ الْأَحَدِ وَ خَلَقَ الشَّجَرَ یَوْمَ الْإِثْنَیْنِ وَ خَلَقَ الْمَكْرُوهَ یَوْمَ الثَّلَاثَاءِ وَ خَلَقَ النُّورَ یَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَ بَثَّ فِیهَا الدَّوَابَّ یَوْمَ الْخَمِیسِ وَ خَلَقَ آدَمَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ(2).

«156»- وَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: دُحِیَتِ الْأَرْضُ مِنْ مَكَّةَ وَ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَطُوفُ بِالْبَیْتِ وَ هِیَ أَوَّلُ (3)

مَنْ طَافَ بِهِ وَ هِیَ الْأَرْضُ الَّتِی قَالَ اللَّهُ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً(4).

«157»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَضَعَ الْبَیْتَ عَلَی الْمَاءِ عَلَی أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الدُّنْیَا بِأَلْفَیْ عَامٍ ثُمَّ دُحِیَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِ الْبَیْتِ (5).

«158»- وَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ مَوْضِعَ الْبَیْتِ الْحَرَامِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَخْلُقَ شَیْئاً مِنَ الْأَرْضِ بِأَلْفَیْ سَنَةٍ وَ أَرْكَانُهُ فِی الْأَرْضِ السَّابِعَةِ(6).

«159»- وَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ(7)

قَالَ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ غُثَاءً عَلَی الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ

ص: 206


1- 1. الدّر المنثور: ج 1: ص 43.
2- 2. الدّر المنثور: ج 1: ص 43.
3- 3. فی بعض النسخ و كذا فی المصدر: فهی.
4- 4. الدّر المنثور: ج 1، 46.
5- 5. الدّر المنثور: ج 1، ص 127.
6- 6. الدّر المنثور: ج 1، ص 127.
7- 7. بالحاء المهملة. جمع« حبر» و هو عالم أهل الكتاب، كان منحرفا عن علیّ علیه السلام و روی ان أمیر المؤمنین علیه السلام قال: انه كذاب. و له مخاصمة مع أبی ذرّ فی مجلس عثمان فی مسألة احراز بیت المال، فقال له أبو ذر: یا ابن الیهودیة تعلمنا دیننا؟!.

اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ بِأَرْبَعِینَ سَنَةً وَ مِنْهَا دُحِیَتِ الْأَرْضُ.

«160»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْعَرْشُ عَلَی الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ بَعَثَ اللَّهُ رِیحاً هَفَّافَةً فَصَفَقَتِ الرِّیحُ الْمَاءَ فَأَبْرَزَتْ عَنْ خَشَفَةٍ فِی مَوْضِعِ الْبَیْتِ كَأَنَّهَا قُبَّةٌ فَدَحَا اللَّهُ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا فَمَادَتْ ثُمَّ مَادَتْ فَأَوْتَدَهَا اللَّهُ بِالْجِبَالِ فَكَانَ أَوَّلَ جَبَلٍ وُضِعَ فِیهَا أَبُو قُبَیْسٍ فَلِذَلِكَ سُمِّیَتْ أُمَّ الْقُرَی.

«161»- وَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: بَدَأَ اللَّهُ (1) بِخَلْقِ الْعَرْشِ وَ الْمَاءِ وَ الْهَوَاءِ وَ خُلِقَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْمَاءِ وَ كَانَ بَدْءُ الْخَلْقِ یَوْمَ الْأَحَدِ وَ جَمْعُ (2) الْخَلْقِ یَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ تَهَوَّدَتِ الْیَهُودُ یَوْمَ السَّبْتِ وَ یَوْمٌ مِنَ السِّتَّةِ أَیَّامٍ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (3).

«162»- وَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَیْنَهُمَا یَوْمَ الْأَحَدِ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ یَوْمَ الْجُمُعَةِ فِی ثَلَاثِ سَاعَاتٍ فَخَلَقَ فِی سَاعَةٍ مِنْهَا الشُّمُوسَ كَیْ یَرْغَبَ النَّاسُ إِلَی رَبِّهِمْ فِی الدُّعَاءِ وَ الْمَسْأَلَةِ(4).

163 وَ كَتَبَ یَزِیدُ بْنُ (5)

مُسْلِمٍ إِلَی جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ یَسْأَلُهُ عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ الْعَرْشُ وَ الْمَاءُ وَ الْقَلَمُ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ (6).

«164»- وَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَیْنِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: كَانَ اللَّهُ قَبْلَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ وَ كَتَبَ فِی اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ذِكْرَ كُلِّ شَیْ ءٍ(7) الْخَبَرَ.

«165»- وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِیرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ بِخَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ وَ عَرْشُهُ (8) عَلَی الْماءِ(9).

ص: 207


1- 1. فی المصدر: بدء الخلق.
2- 2. فی المصدر: و یوم الاثنین و الثلثاء و الاربعاء و الخمیس و جمیع الخلق فی یوم الجمعة.
3- 3. الدّر المنثور: ج 3، ص 91.
4- 4. الدّر المنثور: ج 3، ص 91.
5- 5. فی المصدر« یزید بن أبی سلم» و لیس لهما ذكر فی تراجم الخاصّة و العامّة.
6- 6. الدّر المنثور: ج 3، ص 91.
7- 7. الدّر المنثور: ج 3، ص 91.
8- 8. فی المصدر: و كان عرشه علی الماء.
9- 9. الدّر المنثور: ج 3، ص 321.

«166»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ عَلَی أَیِّ شَیْ ءٍ كَانَ الْمَاءُ قَالَ عَلَی مَتْنِ الرِّیحِ (1).

«167»- وَ عَنْ مُجَاهِدٍ: فِی قَوْلِهِ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ شَیْئاً(2).

«168»- وَ عَنِ الرَّبِیعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ فَلَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ قَسَّمَ ذَلِكَ الْمَاءَ قِسْمَیْنِ فَجَعَلَ نِصْفاً تَحْتَ الْعَرْشِ وَ هُوَ الْبَحْرُ الْمَسْجُورُ فَلَا تَقْطُرُ مِنْهُ قَطْرَةٌ حَتَّی یُنْفَخَ فِی الصُّورِ فَیَنْزِلَ (3).

«169»- وَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ اللَّیْلِ كَانَ قَبْلُ أَمِ النَّهَارُ قَالَ اللَّیْلُ ثُمَّ قَرَأَ أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فَهَلْ تَعْلَمُونَ كَانَ بَیْنَهُمَا إِلَّا ظُلْمَةٌ(4).

«170»- وَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی قَوْلِهِ وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍ قَالَ كُلَّ شَیْ ءٍ خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ(5).

«171»- وَ عَنْ وَهْبٍ قَالَ قَالَ عُزَیْرٌ: رَبِّ أَمَرْتَ الْمَاءَ فَجَمَدَ فِی وَسَطِ الْهَوَاءِ فَجَعَلْتَ مِنْهُ سَبْعاً وَ سَمَّیْتَهُ السَّمَاوَاتِ ثُمَّ أَمَرْتَ الْمَاءَ یَنْفَتِقُ عَنِ التُّرَابِ وَ أَمَرْتَ التُّرَابَ أَنْ یَتَمَیَّزَ مِنَ الْمَاءِ فَكَانَ كَذَلِكَ فَسَمَّیْتَ جَمِیعَ ذَلِكَ الْأَرَضِینَ وَ جَمِیعَ الْمَاءِ الْبِحَارَ ثُمَّ خَلَقْتَ مِنَ الْمَاءِ أَعْمَی أَعْیُنٍ بَصَّرْتَهُ (6)

وَ مِنْهَا أَصَمَّ آذَانٍ أَسْمَعْتَهُ وَ مِنْهَا مَیِّتَ أَنْفُسٍ أَحْیَیْتَهُ خَلَقْتَ ذَلِكَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَا عَیْشُهُ الْمَاءُ وَ مِنْهَا مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَی الْمَاءِ خَلْقاً مُخْتَلِفاً فِی الْأَجْسَامِ وَ الْأَلْوَانِ جَنَّسْتَهُ أَجْنَاساً وَ زَوَّجْتَهُ أَزْوَاجاً وَ خَلَقْتَ أَصْنَافاً وَ أَلْهَمْتَهُ الَّذِی خَلَقْتَهُ ثُمَّ خَلَقْتَ مِنَ التُّرَابِ وَ الْمَاءِ دَوَابَّ الْأَرْضِ وَ مَاشِیَتَهَا وَ سِبَاعَهَا فَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی رِجْلَیْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی أَرْبَعٍ وَ مِنْهُمُ الْعَظِیمُ وَ الصَّغِیرُ(7)

ثُمَّ زَرَعْتَ فِی

ص: 208


1- 1. الدّر المنثور: ج 3، ص 322.
2- 2. الدّر المنثور: ج 3، ص 322.
3- 3. الدّر المنثور: ج 3، ص 322.
4- 4. الدّر المنثور: ج 3، ص 322.
5- 5. الدّر المنثور: ج 4، ص 317.
6- 6. فی المخطوطة: أبصرته.
7- 7. فی المصدر: ثم وعظته بكتابك و حكمتك ثمّ قضیت علیه الموت لا محالة ثمّ انت تعیده كما بدأته و قال عزیر: اللّٰهمّ بكلمتك خلقت جمیع خلقك فاتی علی مشیئتك ثمّ زرعت فی أرضك ... و سیأتی ما سقط هناك بعد أسطر.

أَرْضِكَ كُلَّ نَبَاتٍ فِیهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَ تُرَابٍ وَاحِدٍ وَ تُسْقَی بِمَاءٍ وَاحِدٍ فَجَاءَ عَلَی مَشِیئَتِكَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَ لَوْنُهُ وَ رِیحُهُ وَ طَعْمُهُ مِنْهُ الْحُلْوُ وَ مِنْهُ الْحَامِضُ وَ الْمُرُّ وَ الطَّیِّبُ رِیحُهُ وَ الْمُنْتِنُ وَ الْقَبِیحُ وَ الْحَسَنُ وَ قَالَ عُزَیْرٌ یَا رَبِّ إِنَّمَا نَحْنُ خَلْقُكَ وَ عَمَلُ یَدِكَ (1) خَلَقْتَ أَجْسَادَنَا فِی أَرْحَامِ أُمَّهَاتِنَا وَ صَوَّرْتَنَا كَیْفَ تَشَاءُ بِقُدْرَتِكَ جَعَلْتَ لَنَا أَرْكَاناً وَ جَعَلْتَ فِیهَا عِظَاماً وَ شَقَقْتَ (2)

لَنَا أَسْمَاعاً وَ أَبْصَاراً ثُمَّ جَعَلْتَ لَهَا(3)

فِی تِلْكَ الظُّلْمَةِ نُوراً وَ فِی ذَلِكَ الضِّیقِ سَعَةً وَ فِی ذَلِكَ الْغَمِّ رُوحاً ثُمَّ هَیَّأْتَ لَهَا مِنْ فَضْلِكَ رِزْقاً یُقَوِّیهِ عَلَی مَشِیئَتِكَ ثُمَّ وَعَظْتَهُ بِكِتَابِكَ وَ حِكْمَتِكَ ثُمَّ قَضَیْتَ عَلَیْهِ الْمَوْتَ لَا مَحَالَةَ ثُمَّ أَنْتَ تُعِیدُهُ كَمَا بَدَأْتَهُ قَالَ عُزَیْرٌ اللَّهُمَّ بِكَلِمَتِكَ

خَلَقْتَ جَمِیعَ خَلْقِكَ فَأَتَی عَلَی مَشِیَّتِكَ لَمْ تَأَنَّ فِی ذَلِكَ مَئُونَةً وَ لَمْ تَنْصَبْ (4) فِیهِ نَصَباً كَانَ عَرْشُكَ عَلَی الْمَاءِ وَ الظُّلْمَةُ عَلَی الْهَوَاءِ وَ الْمَلَائِكَةُ یَحْمِلُونَ عَرْشَكَ وَ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِكَ وَ الْخَلْقُ مُطِیعٌ لَكَ خَاشِعٌ مِنْ خَوْفِكَ لَا یُرَی فِیهِ نُورٌ إِلَّا نُورُكَ وَ لَا یُسْمَعُ فِیهِ صَوْتٌ إِلَّا سمعك [صَوْتُكَ] ثُمَّ فَتَحْتَ خِزَانَةَ النُّورِ وَ طَرِیقَ الظُّلْمَةِ فَكَانَا لَیْلًا وَ نَهَاراً یَخْتَلِفَانِ بِأَمْرِكَ (5).

«172»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْیَهُودَ أَتَتِ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَأَلَتْهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ یَوْمَ الْأَحَدِ وَ الْإِثْنَیْنِ وَ خَلَقَ الْجِبَالَ وَ مَا فِیهِنَّ مِنْ مَنَافِعَ یَوْمَ الثَّلَاثَاءِ وَ خَلَقَ یَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الشَّجَرَ وَ الْمَاءَ وَ الْمَدَائِنَ وَ الْعُمْرَانَ وَ الْخَرَابَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ تَعَالَی قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ إِلَی قَوْلِهِ فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِینَ وَ خَلَقَ یَوْمَ الْخَمِیسِ السَّمَاءَ وَ خَلَقَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ النُّجُومَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ الْمَلَائِكَةَ إِلَی ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِینَ مِنْهُ

ص: 209


1- 1. فی المصدر: یدیك.
2- 2. فی المصدر: و فتقت.
3- 3. فی المصدر: لنا.
4- 4. فی المصدر: و لم تعی منه نصبا.
5- 5. الدّر المنثور: ج 5، ص 6.

فَخَلَقَ فِی أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ (1) الْآجَالَ حِینَ یَمُوتُ مَنْ مَاتَ وَ فِی الثَّانِیَةِ أَلْقَی الْآفَةَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ مِمَّا یُنْتَفَعُ بِهِ وَ فِی الثَّالِثَةِ خَلَقَ آدَمَ وَ أَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ وَ أَمَرَ إِبْلِیسَ بِالسُّجُودِ لَهُ وَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا فِی آخِرِ سَاعَةٍ قَالَتِ الْیَهُودُ ثُمَّ مَا ذَا یَا مُحَمَّدُ قَالَ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ قَالُوا قَدْ أَصَبْتَ لَوْ أَتْمَمْتَ قَالُوا ثُمَّ اسْتَرَاحَ فَغَضِبَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله غَضَباً شَدِیداً فَنَزَلَ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ (2).

«173»- وَ عَنِ ابْنِ جَرِیحٍ: فِی قَوْلِهِ وَ بارَكَ فِیها قَالَ كُلُّ شَیْ ءٍ فِیهِ مَنْفَعَةٌ لِابْنِ آدَمَ فَهُوَ مُبَارَكٌ (3).

«174»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها قَالَ شَقَّ الْأَنْهَارَ وَ غَرَسَ الْأَشْجَارَ وَ وَضَعَ الْجِبَالَ وَ أَجْرَی الْبِحَارَ وَ جَعَلَ فِی هَذِهِ مَا لَیْسَ فِی هَذِهِ وَ فِی هَذِهِ مَا لَیْسَ فِی هَذِهِ (4).

«175»- وَ عَنْ عِكْرِمَةَ: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها قَالَ قَدَّرَ فِی كُلِّ أَرْضٍ شَیْئاً لَا یَصْلُحُ فِی غَیْرِهَا(5).

«176»- وَ عَنِ ابْنِ جُبَیْرٍ قَالَ: مَعَاشَهَا(6).

«177»- وَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَرْزَاقَهَا(7).

«178»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ مِنْ دُخَانٍ ثُمَّ ابْتَدَأَ خَلْقَ الْأَرْضِ یَوْمَ الْأَحَدِ وَ یَوْمَ الْإِثْنَیْنِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ ثُمَّ قَدَّرَ فِیهَا أَقْوَاتَهَا فِی یَوْمِ الثَّلَاثَاءِ وَ یَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِینَ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ فَسَمَكَهَا وَ زَیَّنَهَا بِالنُّجُومِ وَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ أَجْرَاهُمَا فِی فَلَكِهِمَا وَ خَلَقَ فِیهَا مَا شَاءَ مِنْ

ص: 210


1- 1. فی المصدر: الثلاثة.
2- 2. ق: 38 و 39. و الخبر فی الدّر المنثور: ج 5، ص 360.
3- 3. الدّر المنثور: ج 5، ص 360.
4- 4. الدّر المنثور: ج 5، ص 360.
5- 5. الدّر المنثور: ج 5، ص 360.
6- 6. الدّر المنثور: ج 5، ص 360.
7- 7. الدّر المنثور: ج 5، ص 361.

خَلْقِهِ وَ مَلَائِكَتِهِ فِی یَوْمِ الْخَمِیسِ وَ یَوْمِ الْجُمُعَةِ وَ خَلَقَ الْجَنَّةَ فِی یَوْمِ الْجُمُعَةِ وَ خَلَقَ آدَمَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ سَبَتَ كُلُّ شَیْ ءٍ یَوْمَ السَّبْتِ فَعَظَّمَتِ الْیَهُودُ یَوْمَ السَّبْتِ لِأَنَّهُ سَبَتَ فِیهِ كُلُّ شَیْ ءٍ وَ عَظَّمَتِ النَّصَارَی یَوْمَ الْأَحَدِ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِیهِ خَلْقَ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ عَظَّمَ الْمُسْلِمُونَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ اللَّهَ فَرَغَ فِیهِ مِنْ خَلْقِهِ وَ خَلَقَ فِی الْجَنَّةِ رَحْمَتَهُ وَ خَلَقَ فِیهِ آدَمَ وَ فِیهِ هَبَطَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَی الْأَرْضِ وَ فِیهِ قُبِلَتْ فِی الْأَرْضِ تَوْبَتُهُ وَ هُوَ أَعْظَمُهَا(1).

«179»- وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ الْخَلْقَ وَ خَلَقَ الْأَرَضِینَ (2)

یَوْمَ الْأَحَدِ وَ الْإِثْنَیْنِ وَ خَلَقَ الْأَقْوَاتَ وَ الرَّوَاسِیَ فِی یَوْمِ الثَّلَاثَاءِ وَ الْأَرْبِعَاءِ وَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ فِی الْخَمِیسِ وَ الْجُمُعَةِ إِلَی صَلَاةِ الْعَصْرِ وَ خَلَقَ فِیهَا(3)

آدَمَ فِی تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِی لَا یُوَافِقُهَا عَبْدٌ(4)

فِی صَلَاةٍ یَدْعُو رَبَّهُ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ فَهِیَ مَا بَیْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَی أَنْ تَغِیبَ الشَّمْسُ (5).

«180»- وَ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ الْیَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه وآله مَا یَوْمُ الْأَحَدِ قَالَ فِیهِ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَ كَبَسَهَا قَالُوا الْإِثْنَیْنِ قَالَ خَلَقَ فِیهِ وَ فِی الثَّلَاثَاءِ الْجِبَالَ وَ الْمَاءَ وَ كَذَا وَ كَذَا وَ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالُوا فَیَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ قَالَ الْأَقْوَاتَ قَالُوا فَیَوْمُ الْخَمِیسِ قَالَ فِیهِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ قَالُوا یَوْمُ الْجُمُعَةِ قَالَ خَلَقَ فِی سَاعَتَیْنِ الْمَلَائِكَةَ وَ فِی سَاعَتَیْنِ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ وَ فِی سَاعَتَیْنِ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ الْكَوَاكِبَ وَ فِی سَاعَتَیْنِ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ قَالُوا السَّبْتُ وَ ذَكَرُوا الرَّاحَةَ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (6).

و عن ابن عباس أیضا: نحوه.

ص: 211


1- 1. الدّر المنثور: ج 5، ص 361.
2- 2. فی المصدر: الأرض.
3- 3. فی المصدر: و خلق آدم.
4- 4. فی المصدر: عبد یدعو ربّه.
5- 5. الدّر المنثور: ج 5، ص 361.
6- 6. الدّر المنثور: ج 5، ص 361.

«181»- وَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ فِی سِتَّةِ أَیَّامِ أَوَّلُهُنَّ یَوْمُ الْأَحَدِ وَ الْإِثْنَیْنِ وَ الثَّلَاثَاءِ وَ الْأَرْبِعَاءِ وَ الْخَمِیسِ وَ الْجُمُعَةِ.

«182»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَ قَالَ لِلسَّمَاءِ أَخْرِجِی شَمْسَكِ وَ قَمَرَكِ وَ نُجُومَكِ وَ لِلْأَرْضِ شَقِّقِی أَنْهَارَكِ وَ أَخْرِجِی ثِمَارَكِ فَقَالَتَا أَتَیْنَا طَائِعَیْنِ (1).

«183»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ آیَتَانِ فِی كِتَابِ اللَّهِ تُخَالِفُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَی فَقَالَ إِنَّمَا أَتَیْتُ مِنْ قِبَلِ رَأْیِكَ اقْرَأْ قَالَ قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ حَتَّی بَلَغَ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ قَوْلُهُ وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاءَ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ مَا خَلَقَ السَّمَاءَ وَ إِنَّمَا قَوْلُهُ دَحاها بَسَطَهَا(2).

بیان: فی النهایة فیه (3)

كانت الكعبة خشعة علی الماء فدحیت منها الأرض الخشعة أكمة لاطئة بالأرض و الجمع خشع قیل هو(4) ما غلبت علیه السهولة أی لیس بحجر و لا طین و یروی خشفة بالخاء و الفاء و قال الخطابی الخشفة واحدة الخشف و هی الحجارة تنبت فی الأرض نباتا(5).

«184»- مُرُوجُ الذَّهَبِ، لِلْمَسْعُودِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیهم السلام (6) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حِینَ شَاءَ تَقْدِیرَ الْخَلِیقَةِ وَ ذَرْءَ الْبَرِیَّةِ وَ إِبْدَاعَ الْمُبْدَعَاتِ نَصَبَ الْخَلْقَ فِی صُوَرٍ كَالْهَبَاءِ(7)

قَبْلَ دَحْوِ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ السَّمَاءَ وَ هُوَ فِی

ص: 212


1- 1. الدّر المنثور: ج 5، ص 361.
2- 2. الدّر المنثور: ج 6، ص 313.
3- 3. یعنی فی كتاب ابی عبید الهروی.
4- 4. كذا فی المصدر، و فی بعض نسخ البحار« هی».
5- 5. النهایة، ج 1، ص 295 و زاد: و تروی بالحاء المهملة و بالعین بدل الفاء.
6- 6. فی المصدر: روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام.
7- 7. فی بعض النسخ: الهیآت.

انْفِرَادِ مَلَكُوتِهِ وَ تَوَحُّدِ جَبَرُوتِهِ فَأَتَاحَ نُوراً مِنْ نُورِهِ فَلَمَعَ وَ قَبَساً(1)

مِنْ ضِیَائِهِ فَسَطَعَ ثُمَّ اجْتَمَعَ النُّورُ فِی وَسَطِ تِلْكَ الصُّوَرِ الْخَفِیَّةِ فَوَافَقَ ذَلِكَ صُورَةَ نَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ أَنْتَ الْمُخْتَارُ الْمُنْتَخَبُ وَ عِنْدَكَ أَسْتَوْدِعُ نُورِی وَ كُنُوزَ هِدَایَتِی وَ مِنْ

أَجْلِكَ أُسَطِّحُ الْبَطْحَاءَ وَ أَرْفَعُ السَّمَاءَ(2) وَ أَمْزِجُ الْمَاءَ وَ أَجْعَلُ الثَّوَابَ وَ الْعَذَابَ (3) وَ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ وَ أَنْصِبُ أَهْلَ بَیْتِكَ بِالْهِدَایَةِ(4) وَ أُوتِیهِمْ مِنْ مَكْنُونِ عِلْمِی مَا لَا یَخْفَی (5) عَلَیْهِمْ دَقِیقٌ وَ لَا یَغِیبُهُمْ (6) خَفِیٌّ وَ أَجْعَلُهُمْ حُجَّةً عَلَی بَرِیَّتِی وَ الْمُنَبَّهِینَ عَلَی عِلْمِی (7)

وَ وَحْدَانِیَّتِی ثُمَّ أَخَذَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الشَّهَادَةَ لِلرُّبُوبِیَّةِ وَ الْإِخْلَاصَ لِلْوَحْدَانِیَّةِ فَبَعْدَ(8)

أَخْذِ مَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ شَاءَ بِبَصَائِرِ الْخَلْقِ انْتِخَابَ (9)

مُحَمَّدٍ وَ أَرَاهُمْ أَنَّ الْهِدَایَةَ مَعَهُ وَ النُّورَ لَهُ وَ الْإِمَامَةَ فِی أَهْلِهِ (10) تَقْدِیماً لِسُنَّةِ الْعَدْلِ وَ لِیَكُونَ الْإِعْذَارُ مُتَقَدِّماً ثُمَّ أَخْفَی اللَّهُ الْخَلِیقَةَ فِی غَیْبِهِ وَ غَیَّبَهَا فِی مَكْنُونِ عِلْمِهِ ثُمَّ نَصَبَ الْعَوَالِمَ وَ بَسَطَ الزَّمَانَ وَ مَرَجَ الْمَاءَ وَ أَثَارَ الزَّبَدَ وَ أَهَاجَ الدُّخَانَ فَطَفَا عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ وَ سَطَحَ (11)

الْأَرْضَ عَلَی ظَهْرِ الْمَاءِ ثُمَّ اسْتَجَابَهُمَا إِلَی الطَّاعَةِ فَأَذْعَنَتَا بِالاسْتِجَابَةِ ثُمَّ أَنْشَأَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ أَنْوَارِ نُبُوَّةٍ قَدِ ابْتَدَعَهَا وَ أَنْوَارٍ اخْتَرَعَهَا وَ قَرَنَ بِتَوْحِیدِهِ نُبُوَّةَ نَبِیِّهِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله فَشَهَرَتْ نُبُوَّتُهُ فِی السَّمَاءِ قَبْلَ بِعْثَتِهِ

ص: 213


1- 1. فی المصدر: و نزع قبسا.
2- 2. فی المصدر: أموج الماء و أرفع السماء.
3- 3. فی المصدر: العقاب.
4- 4. فی المصدر: للهدایة.
5- 5. فی المصدر: ما لا یشكل.
6- 6. فی المخطوطة: لا یعییهم.
7- 7. فی المصدر: علی قدرتی.
8- 8. فی المصدر: فقبل اخذ ما اخذ جل شأنه.
9- 9. فی المصدر: انتخب محمّدا و آله.
10- 10. فی المصدر: فی آله.
11- 11. فی المصدر: فسطح.

فِی الْأَرْضِ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَبَانَ لَهُ فَضْلَهُ لِلْمَلَائِكَةِ وَ أَرَاهُمْ مَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ سَابِقِ الْعِلْمِ مِنْ حَیْثُ عَرَّفَهُمُ عِنْدَ اسْتِنْبَائِهِ إِیَّاهُ أَسْمَاءَ الْأَشْیَاءِ فَجَعَلَ اللَّهُ آدَمَ مِحْرَاباً وَ كَعْبَةً وَ قِبْلَةً(1) أَسْجَدَ إِلَیْهَا الْأَنْوَارَ وَ الرُّوحَانِیِّینَ وَ الْأَبْرَارَ ثُمَّ نَبَّهَ آدَمَ عَلَی مُسْتَوْدَعِهِ وَ كَشَفَ لَهُ خَطَرَ مَا ائْتَمَنَهُ عَلَی أَنْ سَمَّاهُ (2)

إِمَاماً عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ فَكَانَ حَظُّ آدَمَ مِنَ الْخَبَرِ إِنْبَاءَهُ وَ نُطْقَهُ بِمُسْتَوْدَعِ نُورِنَا وَ لَمْ یَزَلِ اللَّهُ تَعَالَی یَخْبَأُ النُّورَ تَحْتَ الزَّمَانِ إِلَی أَنْ فَصَلَ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَاهِرِ الْقَنَوَاتِ (3) فَدَعَا النَّاسَ ظَاهِراً وَ بَاطِناً وَ نَدَبَهُمْ سِرّاً وَ إِعْلَاناً وَ اسْتَدْعَی التَّنْبِیهَ عَلَی الْعَهْدِ الَّذِی قَدَّمَهُ إِلَی الذَّرِّ قَبْلَ النَّسْلِ وَ مَنْ وَافَقَهُ قَبَسَ (4) مِنْ مِصْبَاحِ النُّورِ الْمُتَقَدِّمِ اهْتَدَی إِلَی سِرِّهِ وَ اسْتَبَانَ وَاضِحَ أَمْرِهِ وَ مَنْ أَلْبَسَتْهُ الْغَفْلَةُ اسْتَحَقَّ السَّخْطَةَ لَمْ یَهْتَدِ إِلَی ذَلِكَ ثُمَّ انْتَقَلَ النُّورُ إِلَی غَرَائِزِنَا وَ لَمَعَ مَعَ أَئِمَّتِنَا(5)

فَنَحْنُ أَنْوَارُ السَّمَاءِ وَ أَنْوَارُ الْأَرْضِ فِینَا النَّجَاةُ وَ مِنَّا مَكْنُونُ الْعِلْمِ وَ إِلَیْنَا مَصِیرُ الْأُمُورِ وَ بِنَا تَقْطَعُ الْحُجَجُ وَ مِنَّا خَاتَمُ (6)

الْأَئِمَّةِ وَ مُنْقِذُ الْأُمَّةِ وَ غَایَةُ النُّورِ وَ مَصْدَرُ الْأُمُورِ فَنَحْنُ أَفْضَلُ الْمَخْلُوقِینَ وَ أَكْمَلُ الْمَوْجُودِینَ (7)

وَ حُجَجُ رَبِّ الْعَالَمِینَ فَلْتَهْنَأِ(8)

النِّعْمَةَ مَنْ تَمَسَّكَ بِوَلَایَتِنَا وَ قَبَضَ عُرْوَتَنَا(9).

بیان: أمزج الماء أی أخلطه بغیره فأخلق منه المركبات و یمكن أن یكون بالراء المهملة كقوله تعالی مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ (10) أی حلاهما [خلاهما] ببصائر الخلق أی لأن

ص: 214


1- 1. فی المصدر: و بابا و قبلة.
2- 2. فی المصدر: و كشف له عن خطر ما ائتمنه علیه بعد ما سماه.
3- 3. فی المصدر: فی ظاهر الفترات.
4- 4. فی المصدر: فمن وافقه و اقتبس.
5- 5. فی بعض النسخ:« من ائمتنا» و فی المصدر« فی ائمتنا».
6- 6. و بمهدینا تقطن الحجج خاتم الأئمّة.
7- 7. فی المصدر: اشرف الموحدین.
8- 8. فی المصدر: فلیهنأ بالنعمة.
9- 9. مروج الذهب، ج 1. 17 و 18.
10- 10. الرحمن: 19.

یجعلهم ذوی بصائر أو ملتبسا ببصائرهم و علمهم و القنوات جمع قناة و قال الجوهری قناة الظهر التی تنتظم الفقار(1) انتهی و الإبلاس بمعنی الحیرة أو الیأس لازم و استعمل هنا متعدیا و الظاهر أن فیه تصحیفا كما فی كثیر من الفقرات الأخر.

«185»- الْكَافِی، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَلَقَ الدُّنْیَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اخْتَزَلَهَا عَنْ أَیَّامِ السَّنَةِ فَالسَّنَةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ أَرْبَعٌ (2)

وَ خَمْسُونَ یَوْماً شَعْبَانُ لَا یَتِمُّ أَبَداً وَ رَمَضَانُ لَا یَنْقُصُ وَ اللَّهِ أَبَداً وَ لَا تَكُونُ فَرِیضَةٌ نَاقِصَةً إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ شَوَّالٌ تِسْعَةٌ وَ عِشْرُونَ یَوْماً وَ ذُو الْقَعْدَةِ ثَلَاثُونَ یَوْماً لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ واعَدْنا مُوسی ثَلاثِینَ لَیْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِیقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِینَ لَیْلَةً وَ ذُو الْحِجَّةِ تِسْعَةٌ وَ عِشْرُونَ یَوْماً وَ الْمُحَرَّمُ ثَلَاثُونَ یَوْماً ثُمَّ الشُّهُورُ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْرٌ تَامٌّ وَ شَهْرٌ نَاقِصٌ (3)

الْخَبَرَ.

«186»- الْفَقِیهُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَعْقُوبَ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ أَبِیهِ (4)

عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنَّ النَّاسَ یَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا صَامَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ تِسْعَةً وَ عِشْرِینَ یَوْماً أَكْثَرُ مِمَّا صَامَ ثَلَاثِینَ قَالَ كَذَبُوا مَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا تَامّاً وَ لَا تَكُونُ الْفَرَائِضُ نَاقِصَةً إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّنَةَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ یَوْماً وَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ فَحَجَزَهَا مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَ سِتِّینَ یَوْماً فَالسَّنَةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ أَرْبَعَةٌ وَ خَمْسُونَ یَوْماً وَ شَهْرُ رَمَضَانَ ثَلَاثُونَ یَوْماً لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ الْكَامِلُ تَامٌّ وَ شَوَّالٌ تِسْعَةٌ وَ عِشْرُونَ یَوْماً وَ ذُو الْقَعْدَةِ ثَلَاثُونَ یَوْماً لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ واعَدْنا مُوسی ثَلاثِینَ لَیْلَةً فَالشَّهْرُ هَكَذَا ثُمَّ هَكَذَا أَیْ

ص: 215


1- 1. الصحاح: 2468.
2- 2. فی المصدر: أربعة.
3- 3. فروع الكافی( الطبعة القدیمة): كتاب الصوم، ب 7، ح 3، ص 184.
4- 4. فی المصدر: فی روایة حذیفة بن محمّد بن إسماعیل بن بزیع عن محمّد بن یعقوب ابن شعیب إلخ.

شَهْرٌ تَامٌّ وَ شَهْرٌ نَاقِصٌ وَ شَهْرُ رَمَضَانَ لَا یَنْقُصُ أَبَداً وَ شَعْبَانُ لَا یَتِمُّ أَبَداً(1).

تبیین: قال بعض المحققین فی علة تخصیص الستة أیام بخلق العالم ما حاصله أن أفعاله سبحانه مبنیة علی الحكم و المصالح و أن حكمته اقتضت أن تكون أفعاله بالنسبة إلی مخلوقاته علی قسمین قسم یصدر عنه فی كل آن إرادة دفعیة بدون توقفه علی مادة أو مدة و قسم لا یصدر عنه إلا بعد مدة أجری عادته بحصول استعداد مادته له فی تلك المدة علی سبیل التدریج و أن خلق الماء الذی جعله مادة لسائر الأجسام و الجسمانیات و ما یشبهه من القسم الأول و خلق السماوات و الأرضین و ما فی حكمهما من القسم الثانی و هذا حكم أطبق علیه جمیع الملیین و كثیر من قدماء الفلاسفة فما ذكره المفسرون من أن معنی خلق السماوات و الأرض إبداعهما لا من شی ء لیس بشی ء و یدل علیه خطب أمیر المؤمنین علیه السلام و غیرها ثم إن القسم الثانی یستدعی بالنسبة إلی كل مخلوق قدرا معینا من الزمان كما یرشد إلیه تتبع الأزمنة المعینة التی جرت عادته تعالی أن یخلق فیها أصناف النباتات من موادها العنصریة و أنواع الحیوانات من مواد نطفها فی أرحام أمهاتها فعلی ذلك خلق السماوات و الأرض من مادتها التی هی الماء بعد خصوص القدر المذكور من الزمان إنما هو من هذا القبیل و أما خصوص الحكمة الداعیة إلی إجراء عادته بخلق تلك الأمور من موادها علی التدریج ثم تقدیر قدر خاص و زمان محدود لكل منها فلا مطمع فی معرفته فإنه من أسرار القضاء و القدر التی لا یمكن أن یحیط بها عقل البشر و لذلك كتم عنا بل عن بعض المقربین و المرسلین بل سد علینا و علیهم باب الفحص و التفتیش بالنهی الصریح الدال علیه كثیر من القرآن و الخبر.

ثم إن الیوم عبارة عن زمان تمام دورة للشمس بحركتها السریعة العادیة الموسومة بالیومیة فكیف یتصور أن یكون خلق السماوات الحاملة للشمس و غیرها من الكواكب فی عدة من الزمان المذكور و هل لا یكون تكون الدائر فی زمان

ص: 216


1- 1. من لا یحضره الفقیه، ص 196، ح 4.

دورته مستلزما للدور المستحیل بالضرورة فقد ذكر ابن العربی فیما(1) سماه بالفتوحات إن الیوم و زمان دورة للفلك الأطلس فلا یكون منوطا بالشمس و لا بالسماوات السبع إنما المنوط بها اللیل و النهار و هما غیر الیوم و فیه أنه اصطلاح مبنی علی

أصول الفلسفة تأبی عنه اللغة و العرف المبنی علیهما لسان الشریعة و لظهور ذلك أطبق المفسرون علی تأویله إما بحمل تلك الأیام علی زمان مساو لقدر زمانها و إما بحملها علی أوقات أو مرات متعددة بعدتها حتی یكون معنی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ مثلا خلقها فی مرتین مرة خلق أصلها و مرة تمییز بعض أجزائها عن بعض و كذلك فی السماوات و غیرها و لا یخفی أن شیئا من التأویلین و لا سیما الثانی لا یلائم تعیین خصوص یوم من أیام الأسبوع لخلق كل منها فی الروایات و ذلك ظاهر جدا و أیضا یستبعد العقل جدا أن لا یمكن خلق الإنسان مثلا من نطفته عادة فی أقل من ستة أشهر و یكون خلق السماوات و الأرض و ما بینهما فی ستة أیام مع أن الحال كما قال تعالی لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ و أیضا إخباره تعالی بخصوص قدر زمان لا بد له من نكتة أقل ما فی الباب أن یكون من جهة قلته أو كثرته دخیلا فی المطلوب و لا یناسب شی ء منهما هاهنا إذ لو كان لأجل معرفة العباد أنه تعالی قادر علی خلق مثل السماوات و الأرض فی هذه المدة القلیلة فمعلوم أن ذلك لیس له

ص: 217


1- 1. هو أبو عبد اللّٰه محیی الدین محمّد بن علیّ بن محمّد الحاتمی الطائی الاندلسی المكی الشامیّ صاحب كتاب الفتوحات، برع فی علم التصوف و لقی جماعة من العلماء و المتعبدین و الناس فیه علی ثلاث طوائف، طائفة یعدونه من اكابر الأولیاء العارفین منهم الفیروزآبادی صاحب القاموس و الشعرانی، و طائفة یكفرونه و ینسبونه إلی الالحاد منهم التفتازانی و المولی علی القارئ، و طائفة یعتقدون ولایته و یحرمون النظر فی كتبه منهم جلال الدین السیوطی. و له مصنّفات كثیرة، و أعظم كتبه و آخرها تألیفا« الفتوحات المكیة» توفّی سنة( 638) بعد وفاة الشیخ عبد القادر بثمان و سبعین، و قبره بصالحیة دمشق مزار مشهور و من اشعاره: رأیت ولائی آل طه وسیلة***علی رغم أهل البعد یورثنی القربی فما طلب المبعوث اجرا علی الهدی***بتبلیغه إلّا المودة فی القربی

وقع فی هذا المطلوب بعد الإخبار بأمثال أن أمره إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ و لو كان للامتنان علیهم بأن خلقه فی تلك المدة المدیدة كان لأجل تدبیر ما یحتاجون إلیه فی أمور معاشهم و معادهم فظاهر أن قدر ستة أیام لا یصلح لهذا المقصود فالوجه أن یفسر الیوم هاهنا و العلم عند اللّٰه و أهله بما فسره اللّٰه تعالی تارة بقوله وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (1) و تارة بقوله فِی یَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (2) و أخری بقوله فِی یَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ(3) فإن القرآن یفسر بعضه بعضا و قد یعبر عن الأول بالیوم الربانی و عن الثانی بیوم اللّٰه فعلی كل تقدیر یكون ملائما لما نسب من خلق كل منها إلی یوم من الأسبوع فی الروایات و یتم ما یقصر عنه عند حمله علی الیوم الدنیوی من معنی الامتنان المقصود له تعالی فی كثیر من أمثال تلك الآیات و لعل حمله علی الأول فیما نحن فیه أنسب و أقرب فتصویره علی ذلك أن كل امتداد سواء كان قار الذات كالجسم أو غیر قار الذات كالزمان ینبغی أن یقدر له أجزاء و لكل جزء منه أجزاء و هكذا إلی ما یحتاج التعبیر عن قدر معین منها للتفهیم بدون كلفة و ذلك كتقدیر الفلك بالبروج و المنازل و الدرجات و تقدیر الزمان بالسنین و الشهور و الأیام و الساعات و علی هذا لا بعد فی أن الحكمة الإلهیة كانت اقتضت أن یقدر للزمان المتقدم علی زمان الدنیا بل للزمان المتأخر عن زمانها أیضا بأمثال ما قدره لزمانها من السنین إلی الساعات لكن مع رعایة نوع مناسبة لهذه الأجزاء إلی المقدر بها فكما أن المناسب لزمان الدنیا أن

یكون كل یوم منه بقدر دورة للشمس یجوز أن یكون المناسب للزمان المتقدم أن یكون كل یوم منه بقدر ألف سنة من زمان الدنیا و للزمان المتأخر أن یكون مساویا لخمسین ألف سنة منه فیكون ما أخبرنا به فی الآیتین الأولیین حال الزمان المتقدم و فی

ص: 218


1- 1. الحجّ: 47.
2- 2. السجدة: 5.
3- 3. المعارج، 4.

الثالثة حال الزمان المتأخر فلا بعد فیما یلوح من بعض الإشارات المأثورة من أنه تعالی كان قدر للزمان المتقدم أسابیع و سمی الأول من أیامها بالأحد و الثانی بالإثنین و هكذا إلی السبت و كذلك قدر له شهورا تامة كل منها ثلاثون یوما سمی أولها بالمحرم أو رمضان علی اختلاف الروایات فی أول شهور السنة و ثانیها بصفر أو شوال و هكذا إلی ذی الحجة أو شعبان و علی كل تقدیر كان المجموع سنة كاملة موافقة لثلاثمائة و ستین یوما ثم جعل أیام أسابیعنا و شهورنا موافقة لأیام تلك الأسابیع و الشهور فی المبدإ و العدة و التسمیة و قد یساعد علیه ما فی سورة التوبة من قوله تعالی إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِی كِتابِ اللَّهِ یَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (1) فتستقیم بذلك أمثال ما روی أنه تعالی خلق الأرض و السماء فی یوم الأحد أو خلق الملائكة فی یوم الجمعة فلا یتوجه إشكال وجوب تأخر أصل الیوم فضلا عن خصوص الأحد عن خلق السماوات و الأرض و لا إشكال لزوم خلق الملائكة فیما تأخر عن المتأخر عنه من السماوات و الأرض علی ما مر فی حدیث الرضا علیه السلام و تستقیم به أیضا أمثال ما روی أن دحو الأرض كان فی لیلة خمس و عشرین من ذی القعدة بدون استبعاد و انقباض للعقل من جهة أن تقدم امتیاز تلك الشهور بعضها عن بعض و انضباطها بتلك الأسامی علی دحو الأرض و ما یتبعه من خلق الإنس بل الجن أیضا خلاف العادة.

ثم إنه یلوح مما ذكره صاحب الملل و النحل بقوله قد اجتمعت الیهود علی أن اللّٰه تعالی لما فرغ من خلق الأرض استوی علی عرشه مستلقیا علی قفاه واضعا إحدی رجلیه علی الأخری فقالت فرقة منهم إن الستة الأیام هی الستة آلاف سنة ف إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ و بالسیر القمری و ذلك ما مضی من لدن آدم علیه السلام إلی یومنا هذا و به یتم الخلق ثم إذا بلغ الخلق إلی النهایة ابتدأ الأمر و من ابتداء الأمر یكون الاستواء علی العرش و الفراغ من

ص: 219


1- 1. التوبة: 36.

الخلق و لیس ذلك أمرا كان و مضی بل هو فی المستقبل إذا عددنا الأیام بالألوف انتهی إن بعضا من الكتب السماویة كالتوراة كان متضمنا للإشارة إلی أن المراد بالأیام المخلوقة فیها السماوات و الأرض هو الأیام الربانیة و لكن الیهود لم یتفطنوا بكونها سابقة علی زمان الدنیا و تعمدوا فی تحریفها عن موضعها بتطبیقها علی بعض أزمنة الدنیا تصحیحا لما سولته لهم أنفسهم من أن شریعة موسی علیه السلام هی أول أوامره و شروعه فی التكلیف حتی لا یلزمهم الإقرار بنسخ شریعة سابقة مستلزم لإمكان وقوع مثله علی شریعتهم أیضا فافهم و یظهر مما ذكره محمد بن جریر الطبری فی أول تاریخه أن حمل تلك الأیام علی الأیام الربانیة أمر مقرر بین أهل الإسلام أیضا من قدیم الأیام فإذا تأملت فی مدارج ما صورناه و بیناه یظهر لك أن السماوات و الأرض و ما بینهما المعبر عنها بالدنیا بمنزلة شخص مخلوق من نطفة هی الماء علی طبق حصول استعداداته بالتدریج كما جرت به عادته تعالی فی مدة مدیدة هی علی حسابنا ستة آلاف سنة قمریة موافقة لستة أیام من الأیام الربانیة فبعد تمام هذه المدة التی هی بمنزلة زمان

الحمل لها تولدت كاملة بطالع السرطان و الكواكب فی شرفها و حینئذ أخذت الشمس و القمر فی حركتهما المقدرة لهما المنوطة بهما اللیل و النهار و ذلك كان فی یوم الجمعة كما مر وجهه و كان أیضا سادس شهر محرم الحرام أو رمضان المبارك عند ما مضت ثلاث ساعات و اثنتا عشرة دقیقة من نهاره و لا ینافی ذلك ما

وَرَدَ فِی حَدِیثِ الرِّضَا علیه السلام: أَنَّهُ كَانَتِ الشَّمْسُ عِنْدَ كَیْنُونَتِهَا فِی وَسَطِ السَّمَاءِ.

لأنه علیه السلام فی صدد تصویر وضع نهار أیام الدنیا حینئذ لا الأیام الربانیة و ما نحن فیه مبنی علیها فلا یلزم الموافقة هذا هو مبدأ عمر الدنیا و أما مبدأ خلقها من نطفتها فمقدم علیه بقدر ما عرفت من زمان حملها فكان مبدأ أول یوم الأحد من تلك الأیام غرة أحد الشهرین و لا شك بما نصب لنا من الدلالات الیقینیة أن لها أمدا ممدودا و أجلا محدودا و یقرب احتمال أنه تعالی كان قدر لجملة زمانها من مبدإ خلقها إلی حلول أجلها سنة كاملة من السنین الربانیة فجعل ستة أیام منها بإزاء خلقها و الباقیة

ص: 220

و هی ثلاثمائة و أربعة و خمسون یوما بإزاء عمرها و إنها كما مر مساویة لثلاثمائة و أربعة و خمسین ألف سنة من السنین القمریة الدنیویة یلوح ذلك من جملة روایات و عدة إشارات من الصادقین علیهم السلام.

منها

مَا رُوِیَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی فَضْلِ الْجِهَادِ وَ تَوَابِعِهِ: أَنَّ رِبَاطَ یَوْمٍ فِی سَبِیلِ اللَّهِ خَیْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الرَّجُلِ فِی أَهْلِهِ سَنَةً ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ یَوْماً كُلَّ یَوْمٍ أَلْفَ سَنَةٍ.

فإن الذكی یتفطن من الخصوصیة المذكورة فیها لكل من السنة و الیوم بأن المراد بهما غیر السنة و الیوم الدنیویین إذ لا سنة فی الدنیا بهذا العدد من الأیام فإنه لا یوافق شیئا من الشمسیة و القمریة المعتبرتین فیها و لا یوم من أیام الدنیا موافقا لذلك الامتداد من الزمان فیظن أن هذا التعبیر كنایة عن نهایة ما یتصور للرجل من العبادة و هو تمام زمان الدنیا.

و منها ما رواه الصدوق فی الفقیه و الكلینی فی الكافی ثم أورد الروایتین فقال وجه دلالة الحدیثین علی ما ذكرنا أن السنة الأولی فیه و هی المختزلة عنها الأیام الستة یجب أن تحمل علی السنة الربانیة لأن شیئا من السنة الشمسیة و القمریة الدنیویتین لم یخلق ثلاثمائة و ستین یوما كما تقرر فی موضعه و لأنه لو حملت علی الدنیویة فإما أن تحمل الأیام الستة أیضا علی الأیام الدنیویة فغایة ما یلزم من اختزالها عنها أن تكون السنة الأولی من سنی عمر الدنیا ثلاثمائة و أربعة و خمسین یوما فلا یلزم هذا النقصان فی جمیع السنین و إما أن تحمل علی الأیام الربانیة فلا یتصور الاختزال المذكور حینئذ فإن یوما من تلك الأیام كألف سنة من تلك السنین فتحقق أن المراد بتلك السنة السنة الربانیة علی وفق ما بینا أن المراد بالأیام الستة الأیام الربانیة و أما السنة الثانیة فی الحدیثین فیجب أن تحمل علی السنة الدنیویة المستتبعة لنقصان بعض شهورها و هو ظاهر فعلی هذا ما یفهم منه من تفرع النقصان فی تلك السنة و شهورها علی الاختزال المذكور یدل علی أنه لو لم یختزل الأیام الستة المذكورة عن رأس السنة الربانیة المذكورة بل وقع خلق الدنیا فی زمان خارج عن تلك السنة متصل بها لكانت أیام السنة الدنیویة

ص: 221

ثلاثمائة و ستین و كذا یدل علی أن الأیام المختزلة لو كانت عشرة مثلا لكانت أیام السنة الدنیویة ثلاثمائة و خمسین و علی هذا القیاس فیظهر بذلك أنه مبنی علی أن الحكمة الإلهیة اقتضت مساواة الأیام الباقیة بعد الاختزال من السنة الربانیة مع أیام كل سنة من السنین الدنیویة فیتفطن الذكی من لزوم تلك السماوات بین هاتین الأیامین أنهما منسوبتان إلی شی ء واحد فكما أن أیام السنة الدنیویة منسوبة إلی الدنیا و محسوبة من عمرها كذلك الأیام الباقیة المذكورة منسوبة إلیها لأجل عمرها و یؤیده انتساب الأیام السنة المختزلة أیضا إلیها لأجل خلقها فتبین من مدارج ما قررنا سر هذا الاختزال و كونه علی النحو المذكور أیضا فإنه لو لم یقع أو وقع لا علی النحو المذكور لكان یزید ألف سنة من سنی الدنیا علی یوم من الأیام الربانیة أو ینقص عنها و هو خلاف ما أخبرنا اللّٰه تعالی به من مساواتهما المبنیة علی حكمته و مصلحته بلا شبهة.

ثم لیعلم أن كون السنة الدنیویة القمریة ثلاثمائة و أربعة و خمسین یوما مبنی علی ما تعارف من إسقاط الكسر الناقص عن النصف فی الحساب مساهلة فلا ینافی كونها فی الحقیقة زائدة علیه بثمانی ساعات مستویة و ثمان و أربعین دقیقة علی ما هو المضبوط بالأرصاد فعلی ذلك تكون بقیة السنة الربانیة التی بإزاء عمر الدنیا أیضا زائدة بمثل تلك الساعات و الدقائق بحكم المساواة المذكورة فیلزم من هذه الجهة أن یكون أیام (1)

الستة المختزلة لخلق الدنیا ناقصة عنها أیضا بالقدر المذكور لئلا یلزم زیادة مجموعهما علی ثلاثمائة و ستین و قد أشرنا فی تصویر زمان حمل الدنیا إلی هذه الدقیقة فتذكر.

انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه و لقد أحسن و أجاد و حقق و أفاد فی إبداء هذا الوجه الوجیه مع تأیده بما ذكر و بغیره من الأخبار المتقدمة عن مجاهد و غیره و بما رواه الصدوق رحمه اللّٰه فی الفقیه و غیره فی علة الصلوات الخمس عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله حَیْثُ قَالَ: وَ أَمَّا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَهِیَ السَّاعَةُ الَّتِی تَابَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِیهَا

ص: 222


1- 1. الایام( ظ).

عَلَی آدَمَ وَ كَانَ بَیْنَ مَا أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ وَ بَیْنَ مَا تَابَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهِ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ أَیَّامِ الدُّنْیَا وَ فِی أَیَّامِ الْآخِرَةِ یَوْمٌ كَأَلْفِ سَنَةٍ مَا بَیْنَ الْعَصْرِ إِلَی الْعِشَاءِ.

و قد أوردت مثله بأسانید فی المجلد الخامس و بما

رواه السیوطی فی الدر المنثور عن عكرمة قال سأل رجل ابن عباس ما هؤلاء الآیات فِی یَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ(1) و یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَی الْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ(2) و یَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ یُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ

وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (3) قال یوم القیامة حساب خمسین ألف سنة و خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ كل یوم ألف سنة و یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَی الْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ و ذلك (4)

مقدار السیر.

و عن عكرمة فِی یَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ قال هی الدنیا أولها إلی آخرها یوم مقداره خمسون ألف سنة.

لكن فیما زیف به بعض الوجوه الأخر نظر إذ بناء تحقیقه علی تحقق الزمان الموهوم قبل خلق العالم و إن كان تقدیره و قسمته بالأیام و الساعات فیمكن أن یقال بعد خلق الكواكب و حركاتها و تعیین اللیالی و الأیام و الشهور و الأسابیع یمكن الرجوع القهقری و تعیین جمیع ذلك فی الأزمنة الماضیة تقدیرا و تكلف التقدیر مشترك بین الوجهین مع أن هذا الوجه أوفق بظواهر أكثر الآیات و الأخبار و أما أن الستة الأیام لا یكون مبالغة فی جانب القلة إذا حملت علی أیام الدنیا فلیس كذلك بل فی خلق السماوات و الأرض مع وفور عظمتهما و اشتمالهما علی أنواع الحكم الدقیقة و المصالح الأنیقة مما یدل علی غایة القدرة و العلم و الحكمة و أما أنه كان یمكن خلقهما فی أقل من ذلك الزمان فبین الرضا علیه السلام الحكمة فی ذلك فلعله سبحانه جمع بین الأمرین أی عدم الخلق دفعة و قلة الزمان رعایة للأمرین معا و سائر ما ذكره قدس سره إما محض

ص: 223


1- 1. المعارج: 4.
2- 2. السجدة: 5.
3- 3. الحجّ: 47.
4- 4. فی المخطوطة: قال ذلك.

استبعاد أو مقایسة بعض المخلوقات ببعض و كلاهما مما لا وقع له فی هذا المقام.

و أما الاختزال فیمكن أن یكون غرضه علیه السلام الإشارة إلی علة شیوع هذا الاصطلاح أی إطلاق السنة فی عرف الشرع و العرف العام علی ثلاثمائة و ستین مع أنها لا توافق السنة الشمسیة و لا القمریة بأنها مطابقة للسنة الأولی من خلق العالم إذا حسبت من ابتداء الخلق و أما السنة القمریة فهی مبنیة علی حركة القمر بعد وجوده و الستة المتقدمة المصروفة فی خلق العالم مختزلة منها و سیأتی لذلك مزید تحقیق فی محله إن شاء اللّٰه تعالی.

ثم اعلم أنه قد تكلم كثیر من الناس من الفرق المتشتتة فی قدر زمان عمر الدنیا فأكثر الیهود بل سائر أهل الكتاب مالوا إلی تقلیله بأمور خطابیة لا ترتضیها العقول السلیمة و جمهور الهنود بالغوا فی تكثیره بخیالات حسابیة تتنفر عنها الطبائع المستقیمة و أما مشاهیر قدماء الحكماء و جماهیر عظماء الأحكامیین فقد توسطوا فی ذلك و لكن تفرقوا إلی أقوال شتی و حكی أبو معشر البلخی فی كتابه المسمی بسر الأسرار عن بعض أهل هند أن الدور الأصغر ثلاثمائة و ستون سنة و الأوسط ثلاثة آلاف و ستمائة سنة و الأكبر ثلاثمائة و ستون ألف سنة و لعل المراد بالدور الأكبر زمان عمر الدنیا و بالسنة السنة الشمسیة فیطابق ما اعتمد علیه جمع من أعلام المنجمین من قول حكماء فارس و بابل أن سنی عمر العالم ثلاثمائة و ستون ألف سنة شمسیة كل سنة ثلاثمائة و خمسة و ستون یوما و خمس عشرة دقیقة و اثنتان و ثلاثون ثانیة و أربع و عشرون ثالثة و مستندهم فی ذلك علی نقل أبو معشر من (1)

أهل فارس أن الكواكب السبعة فی أول خلق الدنیا كانت مجتمعة فی أول الحمل و یكون اجتماعها فی آخر زمان

بقائها فی آخر الحوت و زمان ما بینهما ثلاثمائة و ستون ألف سنة من تلك السنین و أما مستندهم فی الاجتماع المذكور علی نحو ما تصوروه فی المقامین فغیر معلوم.

ثم اعلم أن هذه الخیالات و الروایات و إن لم یكن مبتنیة علی أصل متین

ص: 224


1- 1. عن( خ).

لكنها مما یرفع استبعادات الأوهام عن الأخبار الواردة فی الرجعة و طول امتداداتها فإنها أیضا داخلة فی زمان عمر الدنیا فإذا حسبت تلك الأزمان مع ما ورد فی بعض الأخبار من أزمنة كون غیر آدم و أولاده فی الأرض یصیر قریبا مما ذكر بعض هؤلاء الجماعة و بالجملة كل من الأمرین مما یصلح أن یصیر سببا لرفع الاستبعاد عن الآخر ثم إن بعض المتصدین لحل هذا الخبر سلك مسلكا أوحش و أغرب حیث قال السنة فی العرف تطلق علی الشمسیة التی هی عبارة عن عود الشمس بحركتها الخاصة لها إلی الوضع الذی فرض أولا كأول الحمل مثلا الذی یتساوی عند حلولها فیه زمان اللیل و النهار تقریبا بعد أن كان اللیل أطول فی معظم المعمورة و علی القمریة التی هی عبارة عن عود القمر إلی وضعه المفروض أولا مع الشمس فی سمت الحركة اثنتا عشرة مرة كل مرة تسمی شهرا و قد علم بالتجربة و الرصد أن زمان الأولی یكون ثلاثمائة و خمسة و ستین یوما و كسرا من یوم و زمان الثانیة ثلاثمائة و أربعة و خمسین یوما و كسرا و لو فرض فارض كون الشمس أسرع حركة بحیث تتم دورتها فی ثلاثمائة و ستین بلا زیادة و نقصان و القمر بحاله یكون مقدار السنة القمریة أیضا ثلاثمائة و ستین یوما كل شهر ثلاثون یوما كما لا یخفی علی المحاسب و حینئذ لم یكن اختلاف بین السنة القمریة و الشمسیة لكن قد جعل اللّٰه سبحانه زمان الشمسیة أكثر من ذلك بقریب من ستة أیام و زمان القمریة أنقص بنحو ذلك لمصالح تعود إلی مخلوقاته فی السماوات و الأرضین ینتظم بها النظام الأكمل الذی لا یعلم كنهه إلا هو فلعل هذا هو المراد من جعل السنة ثلاثمائة و ستین و حجز الستة الأیام عنها بل لا ینقبض العقل من أن یكون المراد بخلق السماوات و الأرض فی ستة أیام ذلك أعنی علی اختلاف نظام لحركة السماویات خصوصا النیرین اللذین قدرت بهما الشهور و الأعوام و اللیالی و الأیام و غیر ذلك من مصالح الأنام قدر ذلك الاختلاف ستة أیام فی كل سنة فلیتفكر جدا فی ذلك انتهی.

ص: 225

و أورد علیه بوجوه الأول أن كون سرعة الشمس علی الوجه المذكور مستلزمة لكون السنة القمریة أیضا ثلاثمائة و ستین یوما إنما یكون حقا إذا كان زیادة أیام الشمسیة علی ثلاثمائة و ستین موافقة لنقصان أیام القمریة عنه حقیقة و لیس كذلك فإن الأول لا یزید علی خمسة أیام و ربع یوم فی شی ء من الأرصاد المتداولة و الثانی یزید علی خمسة أیام و خمسة أثمان یوم بالاتفاق فأقل ما به التفاوت یزید علی تسع ساعات فالصواب أن تفرض سرعتها بقدر نصف التفاوت بین زمانی السنتین حتی یتساویا و یرتفع التفاوت عما بینهما بالكلیة كما هو المقصور و ما یلزم حینئذ من عدم بلوغ شی ء منهما إلی السنتین حقیقة بل یكون أقل منه بنحو خمس ساعات فالأمر فیه سهل فإنه لا ینافی إطلاق الستین علیه عرفا.

الثانی أن كون السنة ثلاثمائة و ستین یوما فی الحدیث إخبار عن الواقع سواء حمل الخلق علی معنی الإیجاد أو التقدیر و علی ما ذكره أمر فرضی لا وقوع له أصلا.

الثالث أن المراد بالأیام المختزلة عن أیام السنة إذا كان هذه الأیام فكیف یتصور أن یكون بعضها لأجل الأرض و بعضها لأجل السماء كما یظهر من بعض الآیات بل غایة ما یتصور أن یكون لها مدخل فی النظام المقصود بالنسبة إلی الجمیع.

الرابع أن هذا المعنی لهذه الأیام لا یوافق شیئا من الروایات الدالة علی تعیین یوم من أیام الأسبوع لخلق كل من المخلوقات المذكورة.

«187»- مَجْمَعُ الْبَیَانِ، نَقْلًا مِنْ تَفْسِیرِ الْعَیَّاشِیِّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: كُنْتُ بِخُرَاسَانَ حَیْثُ اجْتَمَعَ الرِّضَا علیه السلام وَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ وَ الْمَأْمُونُ فِی الْإِیوَانِ الْحِیرِیِّ بِمَرْوَ فَوُضِعَتِ الْمَائِدَةُ فَقَالَ الرِّضَا علیه السلام إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ سَأَلَنِی بِالْمَدِینَةِ فَقَالَ النَّهَارُ خُلِقَ قَبْلُ أَمِ اللَّیْلُ فَمَا عِنْدَكُمْ قَالَ فَأَدَارُوا الْكَلَامَ وَ لَمْ یَكُنْ عِنْدَهُمْ فِی ذَلِكَ شَیْ ءٌ فَقَالَ الْفَضْلُ لِلرِّضَا علیه السلام أَخْبِرْنَا بِهَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ قَالَ نَعَمْ مِنَ الْقُرْآنِ أَمْ مِنَ الْحِسَابِ قَالَ لَهُ الْفَضْلُ مِنْ جِهَةِ

ص: 226

الْحِسَابِ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ یَا فَضْلُ أَنَّ طَالِعَ الدُّنْیَا السَّرَطَانُ وَ الْكَوَاكِبُ فِی مَوَاضِعِ شَرَفِهَا فَزُحَلُ فِی الْمِیزَانِ وَ الْمُشْتَرِی فِی السَّرَطَانِ وَ الشَّمْسُ فِی الْحَمَلِ وَ الْقَمَرُ فِی الثَّوْرِ وَ ذَلِكَ (1)

یَدُلُّ عَلَی كَیْنُونَةِ الشَّمْسِ فِی الْحَمَلِ مِنَ (2)

الْعَاشِرِ مِنَ الطَّالِعِ فِی وَسَطِ السَّمَاءِ فَالنَّهَارُ خُلِقَ قَبْلَ اللَّیْلِ وَ أَمَّا فِی الْقُرْآنِ فَهُوَ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی لَا الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ(3) أَیْ قَدْ سَبَقَهُ النَّهَارُ.

كتاب النجوم، للسید بن طاوس بأسانیده عن محمد بن إبراهیم النعمانی عن محمد بن همام عن محمد بن موسی بن عبید عن إبراهیم بن أحمد الیقطینی عن ابن ذی العلمین: مثله (4)

و بأسانیده إلی كتاب الواحدة لابن جمهور العمی بإسناده: مثله اعلم أنه أورد علی هذا الخبر إشكالات الأول أن الظلمة التی تحصل منها اللیل عدم النور الذی یحصل منه النهار و عدم الحادث مقدم علی وجوده.

و الجواب أن الظلمة لیست عدما مطلقا بل عدم ملكة إذ هی عدم النور عما من شأنه أن یكون نیرا و مثله یمكن أن یكون مقدما و مؤخرا و الحاصل هنا أن أول خلق العالم هل كان نهارا أم لیلا.

الثانی أن عند خلق الشمس لا بد أن یكون فی بعض الأرض لیلا و فی بعضها نهارا فلا تقدم لأحدهما علی الآخر.

و الجواب أن السؤال عن معظم المعمورة هل كان الزمان فیها لیلا أم نهارا فلا ینافی وجود اللیل فیما یقاطرها.

الثالث ما المراد بطالع الدنیا فإن كل نقطة من نقاط الأرض لها طالع و

ص: 227


1- 1. فی المصدر: فذلك.
2- 2. فی المخطوطة: فی العاشر.
3- 3. یس: 40.
4- 4. لم نجد ترجمة رجال السند فی شی ء من تراجم العامّة و الخاصّة.

كل نقطة من نقاط منطقة البروج طالع أفق من الآفاق.

و الجواب أنه یمكن أن یكون المراد بطالع الدنیا طالع قبة الأرض أی موضع من الربع المسكون فی وسط خط الإستواء یكون طوله من جانب المغرب علی المشهور أو المشرق علی رأی أهل الهند تسعین درجة و قد تطلق علی موضع من الأرض یكون طوله نصف طول المعمورة منها أعنی تسعین درجة و عرضه نصف أرض المعمورة منها أی ثلاثا و ثلاثین درجة تخمینا و من خواص القبة أنه إذا وصلت الشمس فیها إلی نصف النهار كانت طالعة علی جمیع بقاع الربع المسكون نهارا فظهرت النكتة فی التخصیص و یمكن أن یكون الطالع هنا بالقیاس إلی الكعبة لأنها وسط الأرض خلقا و شرعا و شرفا.

الرابع كون الكواكب فی مواضع شرفها لا یستقیم علی قواعد المنجمین و اصطلاحاتهم إذ عطارد شرفه عندهم فی السنبلة و شرف الشمس فی الحمل و لا یبعد عطارد عن الشمس بهذا المقدار و لقد خبط الطبری (1)

و غیره فی ذلك فحكموا بكون عطارد أیضا حینئذ فی الدرجة الخامسة عشر من السنبلة نقلا من جماهیر الحكماء.

و الجواب أنه علیه السلام یمكن أن یكون بنی ذلك علی ما هو المقرر عنده لا ما زعمه المنجمون فی شرف عطارد أو یقال إن عطارد مستثنی من ذلك و أحال ذلك علی ما هو المعلوم عندهم أو یقال المراد بالكواكب الأربعة المفصلة اعتمادا علی ذكرها بعده.

الخامس أن المقرر فی كتب الأحكام فی بحث القرانات أن السبعة كانت مجتمعة فی أول الحمل و لو فرض أنهم أخطئوا فی ذلك كان علی الفضل و سائر الحضار المتدربین فی صنعة النجوم أن یسألوا عن ذلك و یراجعوا فیه و لم ینقل منهم ذلك.

و الجواب أنهم لیسوا متفقین فی ذلك كما یظهر من الطبری و غیره فلعل

ص: 228


1- 1. فی المخطوطة: و لقد خبط الطبریّ فی تاریخه.

الفضل و غیره ممن حضر المجلس كان یسلك هذا المسلك و ربما یقال لعل الراوی سها أو خبط فی فهم كلامه علیه السلام و كان ما قاله علیه السلام هو أن الكواكب كانت مع الشمس فی شرفها و الضمیر فی شرفها كان للشمس لا للكواكب فاشتبه علیه و زعم أن الضمیر للكواكب ففصل كما تری.

و أقول علی ما ذكرنا لا حاجة إلی تحریف الحدیث و نسبة السهو إلی الراوی و ما ذكروه لیس مستندا إلی حجة و أكثر أقاویلهم فی أمثال ذلك مستندة إلی أوهام فاسدة و خیالات واهیة كما لا یخفی علی من تتبع زبرهم.

قال أبو ریحان (1)

فیما عندنا من تاریخه فی سیاق ذكر ذلك و بكل واحد من الأدوار تجتمع الكواكب فی أول الحمل بدءا و عودا و لكنه فی أوقات مختلفة فلو حكم علی أن الكواكب مخلوقة فی أول الحمل فی ذلك الوقت أو علی أن اجتماعها فیه هو أول العالم أو آخره لتعرف دعواه تلك عن البینة و إن كان داخلا فی الإمكان و لكن مثل هذه القضایا لا تقبل إلا بحجة واضحة أو مخبر عن الأوائل و المبادی موثوق بقوله متقرر فی النفس صحة اتصال الوحی و التأیید به فإن

ص: 229


1- 1. ابو ریحان محمّد بن أحمد البیرونی الخوارزمی الحكیم، الریاضی، الطبیب، المنجم المعروف، كان فلیسوفا عالما بالفلسفة الیونانیة و فروعها و فلسفة الهنود، و برع فی علم الریاضیات و الفلك، بل قیل انه أشهر علماء النجوم و الریاضیات من المسلمین، كان معاصرا لابن سینا و كان بینهما مراسلات و ابحاث، كان اصله من« بیرون» بلد فی السند و سافر الی بلاد الهند أربعین سنة اطلع فیها علی علوم الهنود و اقام مدة فی« خوارزم» و كان أكثر اشتغاله فی النجوم و الریاضیات و التاریخ، و خلف مؤلّفات نفیسة منها« الآثار الباقیة عن القرون الخالیة» فی التاریخ الفه لشمس المعالی قابوس حكی انه كان مكبا علی تحصیل العلوم متفننا فی التصنیف لا یكاد یفارق یده القلم و عینه النظر و قلبه الفكر، و كان مشتغلا فی جمیع أیّام السنة الا یوم النیروز و المهرجان. و حكی عن الشیخ صلاح الدین الصفدی انه قال: كان أبو ریحان البیرونی حسن المعاشرة، لطیف المحاضرة، خلیعا فی الفاظه، عفیفا فی أحواله لم یأت الزمان بمثله علما و فهما. توفّی سنة( 430) تقریبا.

من الممكن أن تكون هذه الأجسام (1) متفرقة غیر مجتمعة وقت إبداع المبدع لها و إحداثه إیاها و لها هذه الحركات التی أوجب الحساب اجتماعها فی نقطة واحدة فی تلك المدة انتهی.

السادس أن الاستدلال بالآیة لا یتم إذ یمكن أن یحمل قوله تعالی وَ لَا اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ علی أن اللیل لا یأتی قبل وقته المقرر و زمانه المقدر كما أن الشمس لا تطلع قبل أوانها و كل من اللیل و النهار لا یأتی أحدهما قبل تمام الآخر كما سیأتی بیانه فی تفسیر الآیة.

و الجواب أنه علیه السلام بنی الاستدلال علی ما علم من مراده تعالی فی الآیة و كان علیه السلام عندهم مأمونا مصدقا فی ذلك.

السابع أن ما تقدم نقلا من السیوطی عن ابن عباس ینافی ذلك حیث حكم بتقدم اللیل علی النهار و ما ینقل عن التوراة موافقا لذلك أیضا ینافیه.

و الجواب أن حدیث ابن عباس لا یعارض به كلام الإمام علیه السلام المنقول من الأصول المعتبرة و كذا نقل التوراة لم یثبت و لو ثبت فأكثرها محرفة لا یعتمد علیها و ربما یجاب بأن حدوث النور إنما هو بعد الظلمة فالظلمة مقدمة علی النور لكن طالع خلق الدنیا یعنی طالع دحو الأرض كان هو السرطان و الشمس حینئذ فی الحمل فی العاشر علی ما ذكره الإمام علیه السلام فأول الأوقات فی دحو الأرض هو الظهر و لذا سمیت صلاة الظهر بالصلاة الأولی كما سمیت بالوسطی أیضا عند كثیر من العلماء و إنما فسر طالع الدنیا بطالع دحو الأرض لأن خلق الأرض مقدم علی خلق السماء لكن دحوها مؤخر جمعا بین الآیات انتهی.

و أقول یمكن حمله علی ابتداء خلق الكواكب فإن حصول النهار إنما هو عنده و الحاصل أنه تم خلق أجزاء الدنیا حین كون السرطان علی الأفق الشرقی بالنسبة إلی قبة الأرض فإذا رجعت علی توالی البروج و عددت ستة من تحت الأرض و ثلاثة من فوقها كان العاشر و هو الحمل علی سمت الرأس فإذا كانت الشمس فیه یكون

ص: 230


1- 1. فی المخطوطة: الاجرام.

بالنسبة إلی أكثر المعمورة نهارا كما عرفت فالنهار فی أول الخلق بالنسبة إلی المعمورة التی هی مسكن أشرف الخلق مقدم علی اللیل ثم إنه یحتمل أن یكون ذكر هذه المصطلحات التی لم تجر عادتهم علیهم السلام بذكرها و إجراء الكلام علی قواعد النجوم التی نفوها و زیفوها كما ستعلم إن شاء اللّٰه إلزاما علی الفضل المشهور فی تلك الصناعة و إظهارا لعلمهم علیهم السلام بجمیع العلوم و الاصطلاحات و قد یقال إن تلك الكواكب لما كانت فی ابتداء خلق العالم فی مواضع مخصوصة مضبوطة عند أهل العلم أخذا عن الأنبیاء و الحجج علیهم السلام فبعد ما أخذ المنجمون بعض ذلك عنهم زعموا أنها لتلك الخصوصیة كانت أحسن مواضع تلك الكواكب فسموها شرفا لها ثم سموا المواضع التی تقابلها هبوطا لها توهما منهم أنها عند كونها فیها هابطة من تلك المنزلة و الشرف جدا و أما ما فات منهم أخذه عن أهل العلم كموضع عطارد مثلا عینوه من عند أنفسهم بخیالات شعریة مذكورة فی كتبهم.

ثم إن بعض الناس توهموا أن هذا الحدیث مؤید لكون الیوم من الزوال إلی مثله كما اعتبره المنجمون لسهولة الحساب و لا یخفی وهنه علی أولی الألباب و بعد اللتیا و التی فدلالة الحدیث علی حدوث أكثر ما یزعمه الحكماء قدیما من أجزاء العالم بین لا یحتاج إلی البیان.

«188»- كِتَابُ الْمُحْتَضَرِ، لِلْحَسَنِ بْنِ سُلَیْمَانَ مِمَّا رَوَاهُ مِنْ كِتَابِ الْخُطَبِ لِعَبْدِ الْعَزِیزِ بْنِ یَحْیَی الْجَلُودِیِّ قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ سَلُونِی فَإِنِّی لَا أُسْأَلُ عَنْ شَیْ ءٍ دُونَ الْعَرْشِ إِلَّا أَجَبْتُ فِیهِ لَا یَقُولُهَا بَعْدِی إِلَّا جَاهِلٌ مُدَّعٍ أَوْ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ جَانِبِ (1) مَسْجِدِهِ فِی عُنُقِهِ كِتَابٌ كَأَنَّهُ مُصْحَفٌ وَ هُوَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ (2)

طِوَالٌ جَعْدُ الشَّعْرِ كَأَنَّهُ مِنْ مُهَوِّدَةِ الْعَرَبِ فَقَالَ رَافِعاً صَوْتَهُ لِعَلِیٍّ أَیُّهَا الْمُدَّعِی مَا لَا یَعْلَمُ وَ الْمُقَلِّدُ مَا لَا یَفْهَمُ أَنَا السَّائِلُ فَأَجِبْ فَوَثَبَ بِهِ أَصْحَابُ عَلِیٍّ وَ شِیعَتُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِیَةٍ فَهَمُّوا بِهِ فَنَهَرَهُمْ عَلِیٌّ علیه السلام فَقَالَ لَهُمْ دَعُوهُ وَ لَا تَعْجَلُوهُ فَإِنَّ الطَّیْشَ

ص: 231


1- 1. فی بعض النسخ: من مجلسه.
2- 2. الادم هو الاسمر، و الضرب- بسكون الراء- أی الخفیف الظریف.

لَا تَقُومُ بِهِ حُجَجُ اللَّهِ وَ لَا بِهِ تَظْهَرُ بَرَاهِینُ اللَّهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی الرَّجُلِ وَ قَالَ لَهُ سَلْ بِكُلِّ لِسَانِكَ وَ مَا فِی جَوَانِحِكَ فَإِنِّی أُجِیبُكَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَا تَعْتَلِجُ عَلَیْهِ الشُّكُوكُ وَ لَا یُهَیِّجُهُ وَسَنٌ فَقَالَ الرَّجُلُ كَمْ بَیْنَ الْمَغْرِبِ وَ الْمَشْرِقِ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام مَسَافَةُ الْهَوَاءِ قَالَ وَ مَا مَسَافَةُ الْهَوَاءِ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام دَوَرَانُ الْفَلَكِ قَالَ الرَّجُلُ وَ مَا قَدْرُ دَوَرَانِ الْفَلَكِ قَالَ مَسِیرَةُ یَوْمٍ لِلشَّمْسِ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ قَالَ فَمَتَی

الْقِیَامَةُ قَالَ عَلَی قَدْرِ قُصُورِ الْمَنِیَّةِ(1) وَ بُلُوغِ الْأَجَلِ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ فَكَمْ عُمُرُ الدُّنْیَا قَالَ عَلِیٌّ یُقَالُ سَبْعَةُ آلَافٍ ثُمَّ لَا تَحْدِیدَ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ فَأَیْنَ بَكَّةُ مِنْ مَكَّةَ قَالَ عَلِیٌّ مَكَّةُ مِنْ أَكْنَافِ الْحَرَمِ وَ بَكَّةُ مَوْضِعُ الْبَیْتِ قَالَ فَلِمَ سُمِّیَتْ مَكَّةُ مَكَّةَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ مَكَّ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا قَالَ فَلِمَ سُمِّیَتْ بَكَّةَ قَالَ لِأَنَّهَا بَكَّتْ رِقَابَ الْجَبَّارِینَ وَ عُیُونَ الْمُذْنِبِینَ قَالَ صَدَقْتَ وَ أَیْنَ كَانَ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ عَرْشَهُ قَالَ عَلِیٌّ سُبْحَانَ مَنْ لَا تُدْرِكُ كُنْهَ صِفَتِهِ حَمَلَةُ الْعَرْشِ عَلَی قُرْبِ زُمَرَاتِهِمْ مِنْ كَرَاسِیِّ كَرَامَتِهِ وَ لَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ أَنْوَارِ سُبُحَاتِ جَلَالِهِ وَیْحَكَ لَا یُقَالُ أَیْنَ وَ لَا ثَمَّ وَ لَا فِیمَ وَ لَا لِمَ وَ لَا أَنَّی وَ لَا حَیْثُ وَ لَا كَیْفَ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ فَكَمْ مِقْدَارُ مَا لَبَّثَ اللَّهُ عَرْشَهُ عَلَی الْمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَخْلُقَ الْأَرْضَ وَ السَّمَاءَ قَالَ أَ تُحْسِنُ أَنْ تَحْسُبَ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَعَلَّكَ لَا تُحْسِنُ قَالَ بَلَی إِنِّی لَأُحْسِنُ أَنْ أَحْسُبَ قَالَ عَلِیٌّ أَ فَرَأَیْتَ لَوْ كَانَ صُبَّ خَرْدَلٌ فِی الْأَرْضِ حَتَّی سَدَّ الْهَوَاءَ وَ مَا بَیْنَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ ثُمَّ أُذِنَ لِمِثْلِكَ عَلَی ضَعْفِكَ أَنْ تَنْقُلَهُ حَبَّةً حَبَّةً مِنْ مِقْدَارِ الْمَشْرِقِ إِلَی الْمَغْرِبِ ثُمَّ مُدَّ فِی عُمُرِكَ وَ أُعْطِیتَ الْقُوَّةَ عَلَی ذَلِكَ حَتَّی تَنْقُلَهُ وَ أَحْصَیْتَهُ لَكَانَ ذَلِكَ أَیْسَرَ مِنْ إِحْصَاءِ عَدَدِ أَعْوَامِ مَا لَبِثَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَخْلُقَ الْأَرْضَ وَ السَّمَاءَ وَ إِنَّمَا وَصَفْتُ لَكَ بِبَعْضِ عُشْرِ عَشِیرِ الْعَشِیرِ مِنْ جُزْءِ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ الْقَلِیلِ فِی التَّحْدِیدِ قَالَ فَحَرَّكَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ وَ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ.

بیان: و الضرب بسكون الراء الرجل الخفیف اللحم علی مسافة

ص: 232


1- 1. عند حضور المنیة( خ).

الهواء هذه التبهیمات فی الأجوبة للتنبیه علی عدم تكلف ما لم یؤمر الناس بعلمه و أنه لا فائدة للإنسان فی علم حقائق الموجودات و مقادیرها كما تضیع الفلاسفة فیها أعمارهم علی قرب زمراتهم أی جماعاتهم.

تفهیم و تتمیم نفعه عمیم بعون اللّٰه الواهب الكریم.
اشارة

اعلم أن المقصود الأصلی من هذا الباب أعنی حدوث العالم لما كان من أعظم الأصول الإسلامیة لا سیما الفرقة الناجیة الإمامیة و كان فی قدیم الزمان لا ینسب القول بالقدم إلا إلی الدهریة و الملاحدة و الفلاسفة المنكرین لجمیع الأدیان و لذا لم یورد الكلینی رحمه اللّٰه و بعض المحدثین لذلك بابا مفردا فی كتبهم بل أوردوا فی باب حدوث العالم أخبار إثبات الصانع تعالی اتكالا علی أن بعد الإقرار بالحق جل و علا لا مجال للقول بالقدم لاتفاق أرباب الملل علیه (1).

ص: 233


1- 1. قال الفیض رضوان اللّٰه علیه فی كتاب عین الیقین( ص 407) ما هذا لفظه: حدوث العالم بمعنی افتقاره إلی الصانع و مسبوقیته بالعدم فی الجملة أی الأعمّ من العدم الزمانی من ضروریات الدین و علیه اجماع المسلمین- إلی ان قال- ما یظهر من التتبع لكلمات السلف من علماء الدین ان الواجب اعتقاده انما هو افتقار العالم إلی الصانع و مسبوقیته بالعدم فی الجملة خاصّة، و أن إطلاق حدوث العالم راجع إلیه، و أن الغرض من اثباته الرد علی الدهریة و الطبیعیین المنكرین للصانع الزاعمین لقدم العالم و وجوب وجوده خذلهم اللّٰه و لذلك كلما سئل العلماء عن البرهان علی ذلك اخذوا یستدلون علی اثبات الصانع و لیس فی كلامهم عن الزمان حرف اصلا إلّا إشارات علی الحدوث الزمانی بالمعنی الغامض الذی نثبته و ترمیزات إلیه- إلی ان قال- و لو لا مخافة التطویل لنقلنا عباراتهم حتّی یتبین صدق ما ذكرنا. ثمّ ذكر كلام أبی عبد اللّٰه علیه السلام لابن أبی العوجاء فی حدوث الاجسام و بیان الصدوق رحمه اللّٰه فی ذیله فراجع و سیأتی من الشیخ المحقق أبی الفتح الكراجكیّ ان القول بثبوت زمان بین الحق تعالی و بین أفعاله مناقض للقول بالحدوث، و كذا یأتی نقل تصریح أستاده علم الهدی بأن اللّٰه تعالی خلق اول الحوادث من غیر زمان فتأمل حقه.

و فی قریب من عصرنا لما ولع الناس بمطالعة كتب المتفلسفین و رغبوا عن الخوض فی الكتاب و السنة و أخبار أئمة الدین و صار بعد العهد عن أعصارهم علیهم السلام سببا لهجر آثارهم و طمس أنوارهم و اختلطت الحقائق الشرعیة بالمصطلحات الفلسفیة صارت هذه المسألة معترك الآراء و مصطدم الأهواء فمال كثیر من المتسمین بالعلم المنتحلین للدین إلی شبهات المضلین و روجوها بین المسلمین فضلوا و أضلوا و طعنوا علی اتباع الشریعة حتی ملوا و قلوا. حتی أن بعض المعاصرین (1) منهم یمضغون بألسنتهم و یسودون الأوراق بأقلامهم أن لیس فی الحدوث إلا خبر واحد هو كان اللّٰه و لم یكن معه شی ء ثم یؤولونه بما یوافق آراءهم الفاسدة فلذا أوردت فی هذا الباب أكثر الآیات و الأخبار المزیحة للشك و الارتیاب و قفیتها بمقاصد أنیقة و مباحث دقیقة تأتی بنیان شبههم من قواعدها و تهزم جنود شكوكهم من مراصدها تشییدا لقواعد الدین و تجنبا من مساخط رب العالمین كما

رُوِیَ عَنْ سَیِّدِ الْمُرْسَلِینَ صلی اللّٰه علیه و آله: إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِی أُمَّتِی فَلْیُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ وَ إِلَّا فَعَلَیْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ.

المقصد الأول فی بیان معانی الحدوث و القدم

المشهور أن للحدوث معنیین الذاتی و الزمانی و المستفاد من كلام الشیخ أن معنی الحدوث هو المسبوقیة بالعدم إما بالذات لا بالزمان و هو الحدوث الذاتی و إما بالزمان و هو الحدوث الزمانی و هو المتبادر(2)

من لفظ الحدوث

ص: 234


1- 1. فی المخطوطة: القاصرین.
2- 2. كأن الجملة الأخیرة أعنی قوله« و هو المتبادر ...» من كلام المؤلّف- رحمه اللّٰه- لانا لم نجدها فی شی ء من كلمات الشیخ فی الشفاء و الاشارات و النجاة و التعلیقات، علی انها غیر مشابهة لكلامه كما یعرفه العریف بلحن قوله. و لعله استفاد ذلك من كلامه فی الشفاء حیث قال( ص، 526):« فان اطلق اسم الحدث علی كل ما له ایس بعد لیس كان كل معلول. حادثا، و ان لم یكن یطلق بل كان شرط المحدث ان یوجد زمان و وقت كان قبله فبطل بمجیئه بعده اذ یكون بعدیته لا یكون مع القبلیة موجودة بل یكون ممائزة فی الوجود لأنّها زمانیة فلا یكون كل معلول محدثا بل المعلول الذی یسبق وجوده زمان و یسبق وجوده لا محالة حركة و تغیر كما علمت و نحن لا نناقش فی الأسماء- إلی ان قال- فان كان وجوده بعد لیس مطلق كان صدوره عن العلة ذلك الصدور إبداعا و یكون أفضل انحاء اعطاه الوجود لان العدم یكون قد منع البتة و سلط علیه الوجود» إلی آخره.

إذ المتبادر منه أنه لم یكن موجودا فوجد.

و أورد علیه أن تقدم العدم علی الوجود بالذات لا معنی له إذ التقدم بالذات مخصوص عندهم بالتقدم بالعلیة فتقدم العدم بالعلیة علی الوجود یستلزم اجتماع النقیضین (1).

ص: 235


1- 1. اعلم ان السبق بالذات عند المتكلّمین هو سبق اجزاء الزمان بعضها علی بعض، و عند الحكماء معنی عام یطلق علی السبق بالطبع و بالماهیة و بالعلیة، و مسبوقیة الحادث الذاتی بالعدم او بالغیر- علی اختلاف التعریفین- لیس علی شی ء من هذین الاصطلاحین بل هو اصطلاح خاص فی مقابل الحادث الزمانی، توضیح ذلك انهم عرفوا الحادث بالمسبوق بالعدم او بالغیر و المآل واحد لان المراد بالغیر أعمّ من العلة و العدم، ثمّ قسموه الی ما هو مسبوق بالعدم المجامع أی ما یكون ذاته بذاته غیر واجدة للوجود فیكون فی مرتبة ذاته خالیة عن الوجود و سموه بالحادث الذاتی، و إلی ما هو مسبوق بالعدم المقابل ای ما یكون موجودا فی زمان لم یكن موجودا قبله فیكون مسبوقا بعدمه الغیر المجامع لوجوده و سموه بالحادث الزمانی، فالسبق هاهنا بحسب الخارج و هناك بحسب نفس الامر، و مرتبة نفس الامر اوسع من مرتبة نفس الماهیة من حیث هی هی قال الشیخ فی الهیات النجاة، و اعلم انه كما ان الشی ء قد یكون محدثا بحسب الزمان كذلك قد یكون محدثا بحسب الذات فان المحدث هو الكائن بعد ما لم یكن، و البعدیة كالقبلیة قد تكون بالزمان و قد تكون بالذات- ثم قال- فیكون لكل معلول فی ذاته اولا انه لیس، ثمّ عرض عن العلة و ثانیا انه ایس، فیكون كل معلول محدثا أی مستفیدا لوجوده من غیره بعد ما له فی ذاته انه لا یكون موجودا فیكون كل معلول فی ذاته محدثا، فان كان مثلا فی جمیع الزمان موجودا مستفیدا لذلك الوجود عن موجد فهو محدث لان وجوده من بعد لا وجوده بعدیة بالذات( انتهی موضع الحاجة) فتبیّن بما ذكرنا ان منشأ هذا الاشكال هو الخلط بین الاصطلاحین و حاصل الجواب ان معنی تقدم العدم علی الوجود فی الحادث الذاتی كون ذاته بذاته خالیة عن الوجود و هو تقدم ما بالذات علی ما بالغیر لا التقدّم الذاتی الذی یستعمل فی تقدم العلة علی المعلول و تقدم الجنس و الفصل علی النوع و غیرها.

و قال المحقق الطوسی رحمه اللّٰه الحدوث هو المسبوقیة بالغیر و ذلك الغیر إن كان هو العلة فهو الحدوث الذاتی و إن كان عدما فهو الحدوث الزمانی.

و یرد علیه أیضا ما یرد علی الأول لأن ذات المعلول یصدق علیها أنها لیست بموجودة فی مرتبة ذات العلة ثم وجد المعلول بعد ذلك السلب لوجوب تقدم وجود العلة علی وجود المعلول و لا یتصور فی تقدم سلب وجود المعلول علی وجوده إلا التقدم الذاتی المنحصر فی التقدم بالعلیة فیعود الإشكال و للقوم فی هذا المقام اعتراضات و أجوبة لا یناسب مقصودنا من هذا الكتاب إیرادها و أكثرها مذكورة فی حواشی المحقق الدوانی و غیره علی الشرح الجدید للتجرید و بالجملة إطلاق الحدوث علیه محض اصطلاح لهم لا یساعده لغة و لا عرف و إنما مرجعه الأحقیة أو إلی ترتب وجود المعلول علی وجود العلة إذ العقل یحكم بأنه وجد فوجد.

و أثبت السید الداماد رحمه اللّٰه قسما ثالثا و هو الحدوث الدهری حیث قال إن أنحاء العدم للممكن ثلاثة الأول العدم الذی هو اللیس المطلق فی مرتبة الذات و هو لكل ممكن موجود حین وجوده الثانی العدم المتكمم و هو لكل حادث زمانی قبل زمان وجوده الثالث العدم الصریح الدهری قبل الوجود قبلیة غیر متكممة و لیس شی ء من العدمین الأولین هو العدم المقابل للوجود أما الأول فلأنه یجامع الوجود فی الواقع و یسبقه بحسب الذات سبقا ذاتیا و أما الثانی فلأنه ممایز لزمان الوجود و من شرائط التناقض فی الزمانیات وحدة الزمان فإذا إنما المقابل للوجود العدم الصریح الذی لا یتصور فیه حد و حد و لن یتمیز فیه حال (1)

و حال ثم

حقق فی ذلك تحقیقا طویلا و حاصل كلامه أن أثبت للموجودات وعاءین آخرین سوی الزمان و هو الدهر و السرمد و قال نسبة المتغیر إلی المتغیر ظرفها الزمان و نسبة الثابت إلی المتغیر ظرفها الدهر و نسبة الثابت إلی الثابت ظرفها السرمد.

و نقل علی ذلك شواهد كثیرة من الحكماء فمن ذلك قول الشیخ فی التعلیقات حیث قال

ص: 236


1- 1. و لاجل ذاك أعنی كون الحادث الدهری فقط مسبوقا بالعدم الصریح جعل الحدوث الدهری احق أنواع الحدوث بهذا الاسم.

تعلیق العقل یدرك ثلاثة أكوان أحدها الكون فی الزمان و هو متی الأشیاء المتغیرة التی یكون لها مبدأ و منتهی و یكون مبدؤه غیر منتهاه بل یكون مقتضیا و یكون دائما فی السیلان و فی تقضی حال و تجدد حال الثانی كون مع الزمان و یسمی الدهر و هذا الكون محیط بالزمان و هو كون الفلك مع الزمان و الزمان فی ذلك الكون لأنه ینشأ من حركة الفلك و هو نسبة الثابت إلی المتغیر إلا أن الوهم لا یمكنه إدراكه لأنه رأی كل شی ء فی زمان و رأی كل شی ء یدخله كان و یكون و الماضی و الحاضر و المستقبل و رأی لكل شی ء متی إما ماضیا أو حاضرا أو مستقبلا الثالث كون الثابت مع الثابت و یسمی السرمد و هو محیط بالدهر.

تعلیق الوهم یثبت لكل شی ء متی و محال أن یكون للزمان نفسه متی.

تعلیق ما یكون فی الشی ء فإنه یكون محاطا بذلك الشی ء فهو یتغیر بتغیر ذلك الشی ء فالشی ء الذی یكون فی الزمان یتغیر بتغیر الزمان و یلحقه جمیع أعراض الزمان و یتغیر(1)

علیه أوقاته فیكون هذا الوقت الذی یكون مثلا مبدأ كونه أو مبدأ فعله غیر ذلك الوقت الذی هو آخره لأن زمانه یفوت و یلحق و ما یكون مع الشی ء فلا یتغیر بتغیره و لا تتناوله أعراضه تعلیق الدهر وعاء الزمان لأنه محیط به.

و بین فی الشفاء أیضا هذا المعنی ثم قال و لا یتوهم فی الدهر و لا فی السرمد امتداد و إلا لكان مقدارا للحركة ثم الزمان كمعلول الدهر و الدهر كمعلول السرمد و قال أیضا فی الشفاء إنه لا یكون فی الزمان إلا الحركات و المتحركات أما الحركة فذلك لها من تلقاء جوهرها و أما المتحرك فمن تلقاء الحركة و أما سائر الأمور فإنها لیست فی زمان و إن كانت مع الزمان فإن العالم مع الخردلة و لیست فی الخردلة إلی آخر ما قال و استحسن ذلك المحقق الطوسی رحمه اللّٰه و السید الشریف و غیرهما.

و اعلم أن ما نحن بصدد إثباته لا یتوقف علی تحقیق هذه الأمور فإن الذی

ص: 237


1- 1. یعتور( خ).

ثبت بإجماع أهل الملل و النصوص المتواترة هو أن جمیع ما سوی الحق تعالی أزمنة وجوده فی جانب الأزل متناهیة و فی (1) وجوده ابتداء و الأزلیة و عدم انتهاء الوجود مخصوص بالرب سبحانه سواء كان قبل الحوادث زمان موهوم أو دهر كما ستعرف إن شاء اللّٰه تعالی.

المقصد الثانی فی تحقیق الأقوال فی ذلك

اعلم أنه لا خلاف بین المسلمین بل جمیع أرباب الملل فی أن ما سوی الرب سبحانه و صفاته الكمالیة كله حادث بالمعنی الذی ذكرنا و لوجوده ابتداء بل عد من ضروریات الدین قال السید الداماد فی القبسات علیه إجماع جمیع الأنبیاء و الأوصیاء(2).

و قال صاحب الملل و النحل فی كتاب نهایة الأقدام و صححه المحقق الطوسی ره (3) مذهب أهل الحق من الملل كلها أن العالم محدث مخلوق له أول أحدثه البارئ تعالی و أبدعه بعد أن لم یكن و كان اللّٰه و لم یكن معه شی ء

ص: 238


1- 1. فی المخطوطة« لوجوده» و هو الأظهر.
2- 2. ادعی السیّد رضوان اللّٰه علیه اجماع السفراء السانین الشارعین من الأنبیاء و المرسلین و الأوصیاء المعصومین علی كون ما فی عوالم الخلق و الامر و اقلیمی الغیب و الشهادة حادثا بالحدوث الذاتی و الدهری، فراجع كلامه فی القبسات( ص: 19) و الإنصاف ان دعوی الإجماع علی هذه الخصوصیات فی غیر محله، و أن الإجماع من أهل الملل انما هو علی الحدوث الملازم للامكان و بعبارة اخری الإجماع علی كون العالم بأسره مخلوقا، فمن رأی الملازمة بین المخلوقیة و بین الحدوث الزمانی ادعی الإجماع علی الحدوث الزمانی و من رأی الملازمة بینها و بین الحدوث الذاتی فقط أو مع الحدوث الدهری ادعی الإجماع علیه فتدبّر جیدا.
3- 3. أی صحح محقق الطوسیّ نقل صاحب الملل و النحل، قال فی القبسات بعد نقل هذا الكلام عن الشهرستانی فی« نهایة الاقدام»: و نقل( یعنی الشهرستانی) مثل ذلك فی كتاب المصارعة مع الشیخ الرئیس) و استصح نقله خاتم المحققین( یعنی نصیر الدین الطوسیّ) فی« مصارع المصارع».

و وافقهم علی ذلك جمع من أساطین الحكمة و قدماء الفلاسفة مثل ثالیس و انكساغورس و انكسیمایس من أهل ملطیة و مثل فیثاغورس و أنباذقلس و سقراط و أفلاطون من أهل آثینیة و یونان و جماعة من الشعراء و الأوائل و النساك و إنما القول بقدم العالم و أزلیة الحركات بعد إثبات الصانع و القول بالعلة الأولی إنما ظهر بعد أرسطاطالیس لأنه خالف القدماء صریحا و أبدع هذه المقالة علی قیاسات ظنها حجة و برهانا و صرح القول فیه من كان من تلامذته مثل الإسكندر الأفرودیسی و ثامسطیوس و فرفوریوس و صنف برقلس المنتسب إلی أفلاطون فی هذه المسألة كتابا أورد فیه هذه الشبه (1).

و قال السید الداماد رحمه اللّٰه من النقل الذائع الصحیح المتواتر أن أفلاطون و الستة الباقین من الأساطین و غیرهم من القدماء علی حدوث عالمی الأمر و الخلق بجمیع أجزائه و أرسطو و تلامذته علی قدمه (2)

انتهی لكن الظاهر أنه كان مذهب أفلاطون حدوث الزمانیات فقط لاشتهار القول بقدم النفوس و البعد المجرد عنه (3) و قال السید رحمه اللّٰه فی القبسات القول بقدم العالم نوع شرك و قال فی

ص: 239


1- 1. نقل فی القبسات الكلام الأخیر أعنی من قوله« و إنّما القول بقدم العالم ...» الخ عن كتاب الملل و النحل.
2- 2. القبسات: 17. نقله بالمعنی:
3- 3. هذا یؤید قول السیّد الداماد- ره- ان محط النزاع هو الحدوث الدهری لا الحدوث الزمانی، قال بعد نقل قول افلاطون و ارسطو ما هذا لفظه: فلا یصحّ ان یعنی بهما القدم و الحدوث الذاتیان بتة و لا ان یتوهم ان حریم النزاع هو الحدوث الزمانی، اما یشعر أن من العالم المبحوث عن حدوثه نفس الزمان- إلی أن قال- فكیف یظن بافلاطن و سقراط و من فی مرتبتهما من افاخم الفلاسفة و أئمتهم انهم ینسبون الحدوث الزمانی للعالم الأكبر و یقولون ان نفس الزمان و محله و حامل محله و الجواهر المفارقة مسبوقة الوجود بالزمان و حاصلة الذات فی الزمان و لیس یتفوه بذلك من فی دائرة العقلاء و المحصلین؟! و قال فی رسالة« مذهب ارسطاطالیس» بعد كلام له: و لا یزیغ عن السبیل و لا یذهب الی القول بحدوث الكل حدثا زمانیا كیانیا فی زمان او آن عن عدم ممتد لا الی بدایة الا فریق من المهوشین فی الدورة الیونانیة و جماهیر المتكلفین فی الملّة الإسلامیة.

موضع آخر منه أنه إلحاد.

و قال الصدوق رحمه اللّٰه فی كتاب التوحید الدلیل علی أن اللّٰه عز و جل عالم قادر حی لنفسه لا بعلم و قدرة و حیاة هو غیره أنه لو كان عالما بعلم لم یخل علمه من أحد أمرین إما أن یكون قدیما أو حادثا فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غیر عالم و هذا من صفات النقص و كل منقوص محدث بما قدمناه و إن كان قدیما یجب (1) أن یكون غیر اللّٰه عز و جل قدیما و هذا كفر بالإجماع (2) و قال رحمه اللّٰه فی سیاق إبطال مذاهب الثنویة فأما ما ذهب إلیه مانی و ابن دیصان من خرافاتهما فی الامتزاج و دانت به المجوس من حماقاتها فی أهرمن ففاسد بما به یفسد قدم الأجسام (3)

و قد عقد فی هذا الكتاب بابا لإثبات الحدوث و أورد فیه الدلائل المشهورة التی سنشیر إلی بعضها و لم نوردها مخافة الإطناب و التكرار و قال فیما قال لأن المحدث هو ما كان بعد أن لم یكن و القدیم هو الموجود لم یزل (4)

و قال فی آخر الكلام هذه أدلة التوحید الموافقة للكتاب و الآثار الصحیحة عن النبی و الأئمة علیهم السلام (5).

و قال السید المرتضی نقلا عن شیخه المفید رفع اللّٰه شأنهما فی الرد علی أبی هاشم فی القول بالحال فقال فی أثناء كلامه و كره أن یثبت الحال شیئا فتكون موجودة أو معدومة و متی كانت موجودة لزمه علی أصله و أصولنا جمیعا أنها لا تخلو من القدم أو الحدوث و لیس یمكنه الإخبار عنها بالقدم لیخرج بذلك عن التوحید و یصیر بذلك أسوأ حالا من أصحاب الصفات و ساق الكلام إلی أن قال و القول بالهیولی و قدم الطینة أعذر من هؤلاء القوم إن كان لهم عذر و لا عذر للجمیع فیما

ص: 240


1- 1. فی المصدر: وجب.
2- 2. التوحید: 156.
3- 3. التوحید: 194.
4- 4. التوحید: 222.
5- 5. التوحید: 223.

ارتكبوا من الضلال لأنهم یقولون إن الهیولی هو أصل العالم و إنه لم یزل قدیما و اللّٰه تعالی محدث كما یحدث الصائغ من السبیكة خاتما و الناسج من الغزل ثوبا و النجار من الشجر لوحا إلی آخر ما رد(1) علیهم.

و نقل العلامة رحمه اللّٰه فی المختلف عن الشیخ المفید كلاما یدل علی أن القول بالقدم لیس من مذاهب الملیین حیث قال و أما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه لأن جمهورهم توحد الصانع فی الأزل و منهم من یجعل معه هیولی فی القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل و یعتقدون فی الفلك و ما فیه الحیاة و النطق و أنه المدبر لما فی هذا العالم و الدال علیه و عظموا الكواكب و عبدوها من دون اللّٰه عز و جل و سماها بعضهم ملائكة و جعلها بعضهم آلهة و بنوا لها بیوتا للعبادات و هؤلاء علی طریق القیاس إلی مشركی العرب و عباد الأوثان أقرب من المجوس إلی آخر ما قال مما یؤید ما ذكرنا.

و شیخ الطائفة قدس اللّٰه لطیفه عقد فی كتاب الاقتصاد فصلا فی أن اللّٰه تعالی واحد لا ثانی له فی القدم و أقام الدلائل علی ذلك إلی أن قال فإذا ثبت ذلك بطل إثبات قدیمین و إذا بطل وجود قدیمین بطل قول الثنویة القائلین بالنور و الظلمة و بطل قول المجوس القائلین باللّٰه و الشیطان و بطل قول النصاری القائلین بالتثلیث علی أن قول الثنویة یبطل من حیث دللنا علی حدوث الأجسام (2) و أثبت حدوث

ص: 241


1- 1. أورد( ظ) اقول: كون الموجودات المادیة مخلوقة من المواد امر یصدقه الكتاب و السنة، و النصوص علی خلق الإنسان من الطین و السماوات و الأرض من الدخان و الماء و كذا سائر الأشیاء كثیرة جدا لا تكاد تخفی علی من نظر فی القرآن الكریم و الروایات الشریفة و الفرق بین خلق اللّٰه تعالی شیئا من مادة و بین تسویة النجّار بابا من الخشب و صنع الصائغ خاتما من الذهب ان اللّٰه تعالی یفیض الصور علی المواد المستعدة و الإنسان یعد المواد لقبول الصور، مضافا إلی ان اعداده أیضا باذن اللّٰه تعالی و اقداره علیه. و اما الهیولی الأولی فقد مر الكلام فیها فی ما مضی فراجع.
2- 2. كلام الشیخ قدّس سرّه كما تری یؤید كلام الفیض- رضوان اللّٰه علیه- المتقدم ذكره. فی ذیل الصفحة( 223) فتدبر، و قریب منه كلام الشیخ الكراجكیّ حیث نسب قدم العالم إلی الدهریة القائلین بعدم تناهی افراد الإنسان و الحیوان من جهة البدء، لكنهم غیر قائلین بالصانع الحكیم و لعله- رحمه اللّٰه- ألحق بهم من یقول بقدم الطبائع الكلیة و عدم تناهی افرادها فی البدایة و النهایة و ان قال بالصانع الحكیم أیضا، و سیأتی كلام له صریح فی ان الزمان فعل من افعال اللّٰه و انه لیس بین الواجب تعالی و اول الافعال زمان أصلا، بل القول بثبوت زمان عندئذ یناقض القول بالحدوث. و هو یفسر قوله هاهنا« ان اللّٰه موجود قبل الافعال» بأن تلك القبلیة لیست هی القبلیة الزمانیة المقتضیة لوجود زمان قبل الخلق فتأمل.

الأجسام بالدلائل المشهورة عند المتكلمین.

و السید المرتضی رحمه اللّٰه فی كتاب الغرر أورد دلائل علی إبطال القول بالهیولی القدیمة.

و قال الشیخ المحقق أبو الفتح الكراجكی (1)

تلمیذ السید المرتضی قدس اللّٰه نفسهما فی كتاب كنز الفوائد اعلم أیدك اللّٰه أن من الملاحدة فریقا یثبتون الحوادث و محدثها و یقولون إنه لا أول لوجودها و لا ابتداء لها و یزعمون أن اللّٰه سبحانه لم یزل یفعل و لا یزال كذلك و أن أفعاله لا أول لها و لا آخر فقد خالفونا فی قولهم إن الأفعال لا أول لها إذ كنا نعتقد أن اللّٰه تعالی ابتدأها و أنه موجود قبلها و وافقونا بقولهم إنه لا آخر لها لأنهم و إن ذهبوا فی ذلك إلی بقاء الدنیا علی ما هی علیه و استمرار الأفعال فیها و إنه لا آخر لها فإنا نذهب فی دوام الأفعال إلی وجه آخر و هو تقضی أمر الدنیا و انتقال الحكم إلی الآخرة و استمرار الأفعال فیها من نعیم أهل الجنة الذی لا ینقطع عن

ص: 242


1- 1. هو أبو الفتح محمّد بن علیّ بن عثمان الكراجكیّ شیخ فقیه جلیل یعبر عنه الشهید كثیرا ما فی كتبه بالعلامة مع تعبیره عن العلّامة الحلّیّ- ره- بالفاضل. ترجمه صاحب المستدرك و ذكر مؤلّفاته و مشایخه منهم الشیخ المفید و السیّد المرتضی و سلار بن عبد العزیز الدیلمیّ. و كتابه« كنز الفوائد» من الكتب المشهورة، و قد اخذ منه جل من أتی بعده. توفی- رحمه اللّٰه- كما عن تاریخ الیافعی- سنة( 449) و الكراجكیّ- بالكاف المفتوحة و الراء المهملة و الجیم المضمومة- نسبة إلی« كراجك» قریة علی باب واسط.

أهلها و عذاب النار الذی لا ینقضی عن المخلدین فیها فأفعال اللّٰه عز و جل من هذا الوجه لا آخر لها و هؤلاء أیدك اللّٰه هم الدهریة القائلون بأن الدهر سرمدی لا أول له و لا آخر و أن كل حركة تحرك بها الفلك فقد تحرك قبلها بحركة قبلها حركة من غیر نهایة و سیتحرك بعدها بحركة بعدها حركة لا إلی غایة و أنه لا یوم إلا و قد كان قبله لیلة و لا لیلة إلا و قد كان قبلها یوم و لا إنسان تكون إلا من نطفة و لا نطفة تكونت إلا من إنسان و لا طائر إلا من بیضة و لا بیضة إلا من طائر و لا شجرة إلا من حبة و لا حبة إلا من شجرة و أن هذه الحوادث لم تزل تتعاقب و لا تزال كذلك لیس للماضی منها بدایة و لا للمستقبل منها نهایة و هی مع ذلك صنعة لصانع لم یتقدمها و حكمة من حكیم لم یوجد قبلها و أن الصنعة و الصانع قدیمان لم یزالا تعالی اللّٰه الذی لا قدیم سواه و له الحمد علی ما أسداه من معرفة الحق و أولاه و أنا بعون اللّٰه أورد لك طرفا من الأدلة علی بطلان ما ادعاه الملحدون و فساد ما انتحله الدهریون.

أقول: ثم أورد رحمه اللّٰه أدلة شافیة و أجوبة وافیة و تحقیقات متینة و إلزامات رزینة سیأتی بعضها فی محله و لم نوردها هنا لأنا سنذكرها بوجه أخصر ثم ذكر مناظرته مع بعض القائلین بالقدم و أنه كتب ذلك إلی الشریف المرتضی رحمه اللّٰه و ذكر الجواب الذی أورده السید فی ذلك فمن أراد الاطلاع علی جمیع ذلك فلیرجع إلی ذلك الكتاب.

و قال السید المرتضی رحمه اللّٰه فی جواب سؤال ورد علیه فی آیة التطهیر قال السائل و إذا كانت أشباحهم قدیمة و هم فی الأصل طاهرون فأی رجس أذهب عنهم فقال السید فی تضاعیف جوابه و أما القول بأن أشباحهم علیهم السلام قدیمة فهو منكر لا یطلق و القدیم فی الحقیقة هو اللّٰه تعالی الواحد الذی لم یزل و كل ما سواه محدث مصنوع مبتدأ له أول إلی آخر ما قال ره. ثم قال مسألة اعترض فلسفی فقال إذا قلتم إن اللّٰه وحده لا شی ء كان معه فالأشیاء المحدثة من أی شی ء كانت فقلنا لهم مبتدعة لا من شی ء فقال أحدثها معا أو فی

ص: 243

زمان بعد زمان فقال فإن قلتم معا فأوجدناكم (1) أنها لم تكن معا و أنها أحدثت شیئا بعد شی ء و إن قلتم أحدثها فی زمان بعد زمان فقد صار له شریك.

و الجواب عن ذلك أن اللّٰه تعالی لم یزل واحدا لا شی ء معه و لا ثانی له و ابتدأ ما أحدثه من غیر زمان (2)

و لیس یجب إذا أحدث بعد الأول حوادث أن یحدثها فی زمان و لو جعل لها زمانا لما وجب بذلك قدم الزمان إذ الزمان حركات الفلك و ما

یقوم مقامها مما هو مقدارها فی التوقیت فمن أین یجب عند هذا الفیلسوف أن یكون الزمان قدیما إذا لم یوجد الأشیاء ضربة واحدة لو لا أنه لا یعقل معنی الزمان إلی آخر ما أفاد فی هذا المقام.

و قال المحقق الطوسی طیب اللّٰه روحه القدوسی فی التجرید و لا قدیم سوی اللّٰه تعالی (3) و قال فیه وجود العالم بعد عدمه ینفی الإیجاب و قال رحمه اللّٰه ص: 244


1- 1. فی بعض النسخ: أوجدناكم.
2- 2. هذا كما تری تصریح من السیّد- ره- بان الصادر الأول احدث من غیر زمان فهو غیر مسبوق بعدم زمانی، بل یمكن حدوث حوادث بعده أیضا من غیر أنّ تحدث فی زمان و لا ینفك عن تجرد الجمیع أو الأول خاصّة. و هذا ممّا یؤید أن الحدوث الذی كان دائرا فی السنة العلماء و وقع علیه الإجماع من أهل الملل لیس بمعنی وقوع العالم فی جزء من الزمان و مسبوقیته بعدم زمانی كما یدعیه جمهور المتكلّمین بل لا یلزم منه كون جمیع العالم زمانیا أیضا الا ان یراد به العالم الجسمانی فتبصر و هذا المعنی هو الذی یستفاد من الروایات الشریفة لا سیما مما ورد فی خلق نور النبیّ و الأئمّة علیهم السلام و قد مر شطر منها فی هذا الكتاب فراجع، و سیأتی نقل المؤلّف- ره- كلمات ثلة من أعاظم الاصحاب فی هذا المعنی و ارتضائه إیّاه فانتظر.
3- 3. ینبغی لتحصیل مرامه من هذا الكلام النظر فی ما افاده فی معنی الحدوث و القدم فالیك نص ما ذكره فی التجرید، قال: و الموجودان اخذ غیر مسبوق بالغیر فقدیم و الا فحادث، ثم قال: و القدم و الحدوث الحقیقیان لا یعتبر فیهما الزمان و الا تسلسل. و قال: الحدوث الذاتی متحقّق، ثمّ قال، و لا قدیم سوی اللّٰه تعالی. هذا كلامه علی اجماله و نقول: الحادث الزمانی كما عرفت ما یكون مسبوقا بعدم زمانی، و اثبات الحدوث بهذا المعنی للعالم مستلزم للتسلسل كما اشار إلیه، إذ من جملة العالم نفس الزمان و حدوثه بهذا المعنی یحتاج الی زمان آخر و هكذا الی غیر النهایة. فالتزم جمهور المتكلّمین تصحیحا لذلك و لما قالوا فی القدیم انه مقارن لزمان غیره متناه بان الزمان امر منتزع من ذات البارئ سبحانه. و هذا مضافا الی عدم صحته. فی نفسه لا یدفع الاشكال، اما فساده فی نفسه فلانهم ان أرادوا بكون الزمان منتزعا من ذات البارئ سبحانه انه موجود حقیقی ممكن و مع ذلك ینتزع من الباری تعالی فهو واضح السخافة علی انه غیر مسبوق بعدم زمانی، و ان أرادوا به انه امر موهوم كما صرّح به بعضهم ففیه انه یستلزم الغاء كل تقدیم و تأخر زمانی من رأس، و عدم فرق بین الحوادث الماضیة و الآتیة و هو سفسطة ظاهرة. و اما عدم دفعه للاشكال فلان العدم الزمانی انما یتصور فی ما شأنه الوقوع فی ظرف الزمان و إذا فرض نفس الزمان كذلك یجب فرض زمان آخر یقع هذا الزمان فی بعض اجزاء ذلك و هكذا فیبقی محذور التسلسل بحاله سواء قلنا بان الزمان امر منتزع أو لم نقل. و لذا الغی المحقق الطوسیّ قدّس سرّه القدوسی اعتبار الزمان فی الحدوث و القدم مستدلا باستلزامه التسلسل. فان اراد عدم اعتباره فی مفهومهما لشمولهما للذاتی و الدهری أیضا كان معناه عدم انحصارهما فی الزمانی حتّی یلزم التسلسل علی القول بحدوث نفس الزمان، و ان أراد عدم اعتباره فی الزمانیین كان ذلك اعراضا عما التزم به المتكلمون فی القدیم من مقارنته للزمان الغیر المتناهی و فی الحادث من مسبوقیته بزمان خال عن وجوده، و كان حاصله انه یكفی فی القدیم الزمانی كونه خارجا عن ظرف الزمان و یجوز فی الحادث الزمانی كونه غیر مسبوق بزمان بشرط أن یكون زمانا أو زمانیا. اذا عرفت هذا فاعلم انه لیس المراد بقوله« لا قدیم سوی اللّٰه تعالی» انه تعالی مقارن لزمان غیر متناه من جهة البدء و ما سواه مقارن لزمان متناه بدءا و هذا ظاهر ممّا ذكرنا فالمراد به اما انحصار القدم الذاتی بالبارئ سبحانه و هو ضروری، او نفی القدم المرادف للسرمدیة عن غیره و هو ملازم لاثبات الحدوث الدهری لما سوی اللّٰه تعالی. و اما نفی القدم بمعنی الخروج عن ظرف الزمان عن غیره سبحانه و هو ملازم لاثبات الحدوث الزمانی بالمعنی الأخیر للعالم، لكنه لا یتم الا مع انكار الجواهر المجردة او الحاق العالم العقلی بالصقع الربوبی كما فعله صدر المتألهین رحمة اللّٰه علیه.

فی كتاب الفصول أصل قد ثبت أن وجود الممكن من غیره فحال إیجاده لا یكون موجودا لاستحالة إیجاد الموجود فیكون معدوما فوجود الممكن مسبوق بعدمه و هذا الوجود(1)

یسمی حدوثا و الموجود محدثا فكل ما سوی الواجب من الموجودات محدث و استحالة الحوادث لا إلی أول كما یقوله الفلسفی لا یحتاج إلی بیان طائل

ص: 245


1- 1. الوجه( خ).

بعد ثبوت إمكانها المقتضی لحدوثها(1). ثم قال مقدمة كل مؤثر إما أن یكون أثره تابعا للقدرة و الداعی أو لا یكون بل یكون مقتضی ذاته و الأول یسمی قادرا و الثانی موجبا و أثر القادر مسبوق بالعدم (2)

لأن الداعی لا یدعو إلا إلی المعدوم و أثر الموجب یقارنه فی الزمان إذ لو تأخر عنه لكان وجوده فی زمان دون آخر فإن لم یتوقف علی أمر غیر ما فرض مؤثرا تاما كان ترجیحا من غیر مرجح و إن توقف لم یكن المؤثر تاما و قد فرض تاما و هذا خلف ثم قال نتیجة الواجب المؤثر فی الممكنات قادر إذ لو كان موجبا لكانت الممكنات قدیمة(3)

و اللازم باطل لما تقدم فالملزوم مثله.

و سئل السید مهنان بن سنان العلامة الحلی رحمه اللّٰه فی جملة مسائله ما یقول سیدنا فی المثبتین الذین قالوا إن الجواهر و الأعراض لیست بفعل الفاعل و إن

ص: 246


1- 1. الحدوث الذی یقتضیه إمكان الحوادث هو الذاتی، و قد صرّح فی التجرید بجواز استناد الممكن القدیم( علی فرض وجوده) الی المؤثر، و لازمه عدم الملازمة بین الإمكان و الحدوث الزمانی، الا انه استشكل فیه بانه مستلزم لایجاب المؤثر، و سیأتی الكلام فیه.
2- 2. استحالة انفكاك المعلول من العلة قریب من البداهة و قد استدلّ به المحقق الطوسیّ نفسه فی كتبه الكلامیة و الحكمیة غیر مرة. و لا فرق فیه بین العلة الموجبة و المختارة لتساوی الملاك فیهما، و اما انفكاك الحوادث عن الحق تعالی فلیس من اجل كونه تعالی مختارا أو لعدم كونه علة بل لجهة اخری یضیق المجال عن ذكرها و سیأتی الإشارة إلیها. و اما ان الداعی لا یدعو الا الی المعدوم فبعد حمل الداعی فی مورد الواجب تبارك و تعالی علی الغرض الغیر الزائد علی الذات نقول، ان أراد بالمعدوم ما یكون بذاته غیر موجود فلا یثبت به تأخر الاثر عن المؤثر المختار زمانا، و ان أراد به المعدوم فی زمان فممنوع لان من الاثر ما لا یكون زمانیا و لیس من شأنه ان یقارن الزمان، و التأخر الزمانی انما یتصور فی ما یقع فی ظرف الزمان، فكیف یحكم مطلقا بوجوب تأخر الاثر عن المؤثر القادر زمانا؟ و اماما ذكره فی التجرید من استحالة استناد الممكن القدیم الی المؤثر المختار ففیه ان حقیقة الاختیار كون الفاعل بحیث ان شاء فعل و ان شاء لم یفعل و صدق الشرطیة لا یتوقف علی فعلیة الطرفین فلقائل أن یقول: یمكن أن یكون الواجب قد شاء ان یخلق خلقا فی الازل و فعل باختیاره.
3- 3. لكن قدم الممكن لا یستلزم ایجاب المؤثر لما عرفت.

الجوهر جوهر فی العدم كما هو جوهر فی الوجود فهل یكون هذا الاعتقاد الفاسد موجبا لتكفیرهم و عدم قبول إیمانهم و أفعالهم الصالحة و قبول شهادتهم و مناكحتهم أم لا یكون موجبا لشی ء من ذلك و أی شی ء یكون حكمهم فی الدنیا فأجاب رحمه اللّٰه بأنه لا شك فی رداءة هذه المقالة و بطلان كلها لكن لا توجب تكفیرهم و لا عدم قبول إیمانهم و أفعالهم الصالحة و لا رد شهادتهم و لا تحریم مناكحتهم و حكمهم فی الدنیا و الآخرة حكم المؤمنین لأن الموجب للتكفیر هو اعتقاد قدم الجوهر و هم لا یقولون بذلك لأن القدیم یشترط فیه الوجود و هم لا یقولون بوجوده فی الأزل لكن حصلت لهم شبهة فی الفرق بین الوجود و الثبوت و جعلوا الثبوت أعم من الوجود و أكثر مشایخ المتكلمین من المعتزلة و الأشاعرة مثبتون فكیف یجوز تكفیرهم.

ثم قال السید رحمه اللّٰه ما یقول سیدنا فیمن یعتقد التوحید و العدل و لكنه یقول بقدم العالم ما یكون حكمه فی الدنیا و الآخرة فأجاب رحمه اللّٰه من اعتقد قدم العالم فهو كافر بلا خلاف لأن الفارق بین المسلم و الكافر ذلك و حكمه فی الآخرة حكم باقی الكفار بالإجماع و الشیخ الجلیل أبو الصلاح الحلبی صرح فی تقریب المعارف بالحدوث و أقام الدلائل علیه و كذا السید الكبیر ابن زهرة(1)

فی

كتاب غنیة النزوع أورد الدلائل علی ذلك و قال النوبختی رحمه اللّٰه فی كتاب الیاقوت الأجسام حادثة لأنها إذا اختصت بجهة فهی إما للنفس و یلزم منه عدم الانتقال أو لغیره و هو إما موجب أو مختار و المختار قولنا و الموجب یبطل ببطلان التسلسل و لأنها لا تخلو من

ص: 247


1- 1. هو السیّد أبو المكارم حمزة بن علیّ بن زهرة الحسینی الاسحاقی الحلبیّ المعروف بالشریف الطاهر، هو و أبوه و جده و أخوه أبو القاسم عبد اللّٰه بن علی صاحب« التجرید» فی الفقه و ابنه محمّد بن عبد اللّٰه كلهم من اكابر فقهائنا، و بیتهم بیت جلیل بحلب، قال فی القاموس« و بنو زهرة شیعة بحلب» له مصنّفات كثیرة فی الإمامة و الفقه و النحو و غیر ذلك، منها« غنیة النزوع الی علمی الأصول و الفروع» و« قبس الأنوار فی نصرة العترة الاطهار» توفی- رحمه اللّٰه سنة( 585) فی سن أربع و سبعین و قبره بحلب بسفح جبل جوشن عند مشهد السقط.

الأعراض الحادثة لعدمها المعلوم و القدیم لا یعدم لأنه واجب الوجود إذ لو كان وجوده جائزا لكان إما بالمختار و قد فرضناه قدیما أو بالموجب و یلزم منه استمرار الوجود فالمقصود أیضا حاصل.

و قال العلامة رحمه اللّٰه فی شرحه هذه المسألة من أعظم المسائل فی هذا العلم و مدار مسائله كلها علیها و هی المعركة العظیمة بین المسلمین و خصومهم و اعلم أن الناس اختلفوا فی ذلك اختلافا عظیما و ضبط أقوالهم أن العالم إما محدث الذات و الصفات و هو قول المسلمین كافة و النصاری و الیهود و المجوس و إما أن یكون قدیم الذات و الصفات و هو قول أرسطو و ثاوفرطیس و ثامیطوس و أبی نصر و أبی علی بن سینا فإنهم جعلوا السماوات قدیمة بذاتها و صفاتها إلا الحركات و الأوضاع فإنها قدیمة بنوعها بمعنی أن كل حادث مسبوق بمثله إلی ما لا یتناهی و إما أن یكون قدیم الذات محدث الصفات و هو مذهب انكساغورس و فیثاغورس و سقراط و الثنویة و لهم اختلافات كثیرة لا تلیق بهذا المختصر و إما أن یكون محدث الذات قدیم الصفات و ذلك مما لم یقل به أحد لاستحالته و توقف جالینوس فی الجمیع.

أقول: ثم ساق رحمه اللّٰه الكلام فی الدلائل المذكورة فی المتن و قال رحمه اللّٰه فی شرح التجرید مثل ذلك و نسب القول بالحدوث إلی جمیع أرباب الملل و قال رحمه اللّٰه فی كتاب نهایة المرام فی علم الكلام قد اتفق المسلمون كافة علی نفی قدیم غیر اللّٰه تعالی و غیر صفاته و ذهبت الإمامیة إلی أن القدیم هو اللّٰه تعالی لا غیر و قال فیه أیضا القسمة العقلیة منحصرة فی أقسام أربعة.

الأول أن یكون العالم محدث الذات و الصفات و هو مذهب المسلمین و غیرهم من أرباب الملل و بعض قدماء الحكماء.

الثانی أن یكون قدیم الذات و الصفات و هو قول أرسطو و جماعة من القدماء و من المتأخرین قول أبی نصر الفارابی و الرئیس قالوا السماوات قدیمة بذواتها و صفاتها إلا الحركات و الأوضاع فإنها قدیمة بنوعها لا بشخصها و العناصر الهیولی

ص: 248

منها قدیمة بشخصها و صورها الجسمیة قدیمة بنوعها لا بشخصها و الصور النوعیة قدیمة بجنسها لا بنوعها و لا بشخصها.

الثالث أن یكون قدیم الذات محدثة(1)

الصفات و هو قول من تقدم أرسطو بالزمان كثالیس الملطی و انكساغورس و فیثاغورس و سقراط و جمیع الثنویة كالمانویة و الدیصانیة و المرقوبیة و الماهانیة ثم هؤلاء افترقوا فرقتین فذهب بعضهم إلی أن تلك الذات القدیمة كانت جسما ثم اختلف هؤلاء فزعم ثالیس أنه الماء لأنه قابل لكل الصور و زعم أنه إذا انجمد صار أرضا و إذا لطف صار هواء و من صفق الماء تكونت النار و من النار تكون الدخان و من الدخان تكونت السماء و یقال أنه أخذه من التوراة لأنه جاء فی السفر الأول منه أن اللّٰه تعالی خلق جوهرا فنظر نظر الهیبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء ثم ارتفع بخار كالدخان فخلق منه السماوات و ظهر علی وجه الماء زبد فخلق منه الأرض ثم أرساها بالجبال. و أما انكسیمایس فإنه زعم أن ذلك الجسم هو الهواء و النار تكونت من لطافته و الماء و الأرض من كثافته و تكونت الأشیاء عنها بالتلطیف و قال آخرون إنه البخار و تكون الهواء و النار عنه بالتلطیف و الماء و الأرض بالتكثیف و ذهب أنوفلیطیس أنه النار و كونت الأشیاء عنها بالتكاثف و حكی أیضا أنه زعم أن الأشیاء إنما انتظمت بالبخت و جوهر البخت هو نظر عقلی ینفذ فی الجوهر الكلی و أما انكساغورس فإنه قال ذلك الجسم هو الخلیط الذی لا نهایة له و هو أجسام غیر متناهیة و فیه من كل نوع أجزاء صغیرة مثلا فیه أجزاء علی طبیعة الخبز و أجزاء علی طبیعة اللحم فإذا اجتمع من تلك الأجزاء شی ء كثیر فصار بحیث یحس و یری ظن أنه حدث و هذا القائل بنی مذهبه علی إنكار المزاج و الاستحالة و قال بالكمون و الظهور و زعم بعض هؤلاء أن ذلك الخلیط كان ساكنا فی الأزل ثم إن اللّٰه تعالی حركه فتكون منه هذا العالم. و ذهب ذیمقراطیس إلی أن أصل العالم أجزاء كثیرة كریة الشكل قابلة للقسمة الوهمیة دون

ص: 249


1- 1. المحدث( خ).

القسمة الانفكاكیة متحركة لذاتها حركات دائمة ثم اتفق فی تلك الأجزاء أن تصادمت علی وجه خاص فحصل من تصادمها علی ذلك الوجه هذا العالم علی هذا الشكل فحدثت السماوات و العناصر ثم حدثت من الحركات السماویة امتزاجات هذه العناصر و منها هذه المركبات و نقل الشیخ فی الشفاء عنه أنه قال إن هذه الأجزاء إنما تتخالف بالشكل و إن جوهرها جوهر واحد بالطبع و إنما تصدر عنها أفعال مختلفة لأجل الأشكال المختلفة و قالت الثنویة أصل العالم هو النور و الظلمة و الفرقة الثانیة الذین قالوا أصل العالم لیس بجسم و هم فریقان.

الأول الجرمانیة و هم الذین أثبتوا القدماء الخمسة البارئ تعالی و النفس و الهیولی و الدهر و الخلاء قالوا البارئ تعالی فی غایة التمام فی العلم و الحكمة لا یعرض له سهو و لا غفلة و یفیض عنه العقل كفیض النور عن القرص و هو یعلم الأشیاء علما تاما و أما النفس فإنه یفیض عنه الحیاة فیض النور عن القرص لكنها جاهلة لا تعلم الأشیاء ما لم تمارسها و كان البارئ تعالی عالما بأن النفس تستمیل إلی التعلق بالهیولی و تعشقها و تطلب اللذة الجسمیة و تكره مفارقة الأجساد و تنسی نفسها و لما كان من شأن البارئ تعالی الحكمة التامة عمد إلی الهیولی بعد تعلق النفس بها فركبها ضروبا من التركیب مثل السماوات و العناصر و ركب أجسام الحیوانات علی الوجه الأكمل و الذی بقی فیها من الفساد غیر ممكن الزوال. ثم إن اللّٰه تعالی أفاض علی النفس عقلا و إدراكا و صار ذلك سببا لتذكرها عالمها و سببا لعلمها بأنها لا تنفك عن الآلام ما دامت فی العالم الهیولانی و إذا عرفت النفس هذا و عرفت أن لها فی عالمها اللذات الخالیة عن الألم اشتاقت إلی ذلك العالم و عرجت بعد المفارقة و بقیت هناك أبد الآباد فی نهایة البهجة و السعادة قالوا و بهذا الطریق زالت الشبهات الدائرة بین الفلاسفة القائلین بالقدم و بین المتكلمین القائلین بالحدث.

الفریق الثانی أصحاب فیثاغورس و هم الذین قالوا المبادئ هی الأعداد المتولدة من الوحدات لأن قوام المركبات بالبسائط و هی أمور كل واحد منها واحد فی نفسه ثم تلك الأمور إما أن تكون لها جهات وراء كونها وحدات أو لا

ص: 250

یكون فإن كان الأول كانت مركبة لأن هناك تلك الماهیة مع تلك الوحدة و كلامنا لیس فی المركبات بل فی مبادئها و إن كان الثانی كان مجرد وحدات و هی لا بد و أن تكون مستقلة بأنفسها و إلا لكانت مفتقرة إلی الغیر فیكون ذلك الغیر أقدم منها و كلامنا فی المبادئ المطلقة و هذا خلف فإذن الوحدات أمور قائمة بأنفسها فإن عرض الوضع للوحدة صارت نقطة و إن اجتمعت نقطتان حصل الخط فإن اجتمع خطان حصل السطح فإن اجتمع سطحان حصل الجسم فظهر أن مبدأ الأجسام الوحدات و نقل أیضا عنه أن الوحدة تنقسم إلی وحدة بالذات غیر مستفادة من الغیر و هو الذی لا تقابلها الكثرة و هو المبدأ الأول و إلی وحدة مستفادة من الغیر و هی مبدأ الكثرة و لیست بداخلة فیها بل یقابلها الكثرة ثم یتألف منها الأعداد و هی مبادئ الموجودات و إنما اختلف (1)

الموجودات فی طبائعها لاختلاف الأعداد بخواصها.

الرابع أن یكون العالم قدیم الصفات محدث الذات و هو محال لم یقل به أحد لقضاء الضرورة ببطلانه و أما جالینوس فإنه كان متوقفا فی الكل انتهی.

و إنما أوردنا هذه المذاهب السخیفة لیعلم أن أساطین الحكماء تمسكوا بهذه الخرافات و تفوهوا بها و یتبعهم أصحابهم و یعظمونهم و إذا سمعوا من أصحاب الشریعة شیئا مما أخذوه من كتاب اللّٰه و كلام سید المرسلین و الأئمة الراشدین علیهم السلام ینكرون و یستهزءون قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَكُونَ (2).

ص: 251


1- 1. فی المخطوطة: اختلفت.
2- 2. نقل صدر المتألهین فی خاتمة رسالته التی صنعها فی حدوث العالم كلمات ثلة من قدماء الفلاسفة، و حملها علی الرمز و الإشارة، كما هو دأبه فی جمیع المباحث، و مقتضی حسن ظنه بهم، لاعتقاده أنهم اخذوا الحكمة من الأنبیاء و الأولیاء علیهم السلام كإدریس و داود و سلیمان و لقمان و غیرهم، و انما لم یصرحوا بالمطالب خوفا من وقوعها فی أیدی الجهال، و حرصا علی كتمان العلم عن غیر أهله و تقیة من السلاطین و الجبابرة الذین كانوا ینكرون هذه الحقائق، و اللّٰه اعلم بالحقائق. و قد مر حكایة صاحب الملل و النحل القول بالحدوث عن ثالیس و انكساغورس و انكسیمایس و فیثاغورس و انباذقلس و سقراط و افلاطون و تصحیح المحقق الطوسیّ- ره- لنقله. نعم نقل عن ثالیس ان أصل العالم الجسمانی هو الماء، و عن انكسیمایس انه الهواء، و عن ذیمقراطیس انه الاجزاء التی لا تتجزأ و هكذا، لكنها لا تنافی القول بالحدوث، كما ان ظاهر القرآن الشریف و الاخبار المتظافرة أن أصل العالم الجسمانی هو الماء كما مرّ الكلام فیه فی اوائل هذا الكتاب، و أمّا أن المراد بالماء هل هو هذا الجسم المركب من اكسیجین و ایدرجین أو شی ء آخر شبیه به فمما لا سبیل إلی تعیینه.

و قال المحقق الدوانی فی أنموذجه و قد خالف فی الحدوث الفلاسفة أهل الملل الثلاث فإن أهلها مجمعون علی حدوثه بل لم یشذ من الحكم بحدوثه من أهل الملل مطلقا إلا بعض المجوس و أما الفلاسفة فالمشهور أنهم مجمعون علی قدمه علی التفصیل الآتی و نقل عن أفلاطون القول بحدوثه و قد أوله بعضهم بالحدوث الذاتی ثم قال فنقول ذهب أهل الملل الثلاث إلی أن العالم ما سوی اللّٰه تعالی و صفاته من الجواهر و الأعراض حادث أی كائن بعد أن لم یكن بعدیة حقیقة لا بالذات فقط بمعنی أنها فی

حد ذاتها لا تستحق الوجود فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات كما تقوله الفلاسفة و یسمونه الحدوث الذاتی علی ما فی تقریر هذا الحدوث علی وجه یظهر به تأخر الوجود عن العدم من بحث دقیق أوردناه فی حاشیة شرح التجرید. و ذهب جمهور الفلاسفة إلی أن العقول و الأجرام الفلكیة و نفوسها قدیمة و مطلق حركاتها و أوضاعها و تخیلاتها أیضا قدیمة فإنها لم تخل قط عن حركة و وضع و تخیل لجزئیات الحركة و بعضهم یثبتون لها بسبب استخراج الأوضاع الممكنة من القوة إلی الفعل و حدوث مناسبة لها بمبدئها الكامل من جمیع الوجوه كمالات تفیض علی نفوسها من المبادئ لكن محققیهم علی ما ذكره أبو نصر و أبو علی فی تعلیقاتهما نقلا عن أرسطاطالیس ذهبوا إلی أن المطلوب لها نفس الحركة و بها یتم التشبه بمبادئها فإنها بالفعل من حیث الذات و سائر الصفات إلا ما یتعلق بالحركة من الأوضاع الجزئیة فإنها لا تحتمل الثبات بالشخص فاستحفظ نوعها تتمیما للتشبه بالمبادئ التی هی بالفعل من جمیع الوجوه و لما كان التشبه لازما للحركة جعلها الغایة المطلوبة باعتبار اللازم

ص: 252

و العنصریات بموادها و مطلق صورها الجسمیة و النوعیة و مطلق أعراضها قدیمة عندهم لأن مذهبهم أنه بالفك تنعدم الصورة الواحدة و تحدث الاثنتان و باتصال المنفصل تنعدم الاثنتان و تحدث واحدة نعم الإشراقیون منهم علی بقاء الصورة الجسمیة مع طریان الانفصال و الاتصال و أما النفوس الناطقة الإنسانیة فبعضهم قائل بقدمها و ربما ینقل عن أفلاطون و هذا مخالف لما ینقل عنه من حدوث العالم و المشاءون منهم و معظم من عداهم علی حدوثها و قال نحوا من ذلك فی كتاب شرح العقائد العضدیة و قال فیه المتبادر من الحدوث الوجود بعد أن لم یكن بعدیة زمانیة و الحدوث الذاتی مجرد اصطلاح من الفلاسفة و قال و المخالف فی هذا الحكم الفلاسفة فإن أرسطاطالیس و أتباعه ذهبوا إلی قدم العقول و النفوس الفلكیة و الأجسام الفلكیة بموادها و صورها الجسمیة و النوعیة و أشكالها و أضوائها و العنصریات بموادها و مطلق صورها الجسمیة لا أشخاصها و صورها النوعیة قیل بجنسها فإن صور خصوصیات أنواعها لا یجب أن تكون قدیمة و الظاهر من كلامهم قدمها بأنواعها ثم قال و نقل عن جالینوس التوقف و لذلك لم یعد من الفلاسفة لتوقفه فیما هو من أصول الحكمة عندهم انتهی.

و لنكتف بما أوردنا من كلام القوم فی ذلك و إیراد جمیعها أو أكثرها یوجب تطویلا بلا طائل و یستنبط مما أوردنا أحد الدلائل علی الحدوث فإنه ثبت بنقل المخالف و المؤالف اتفاق جمیع أرباب الملل مع تباین أهوائهم و تضاد آرائهم علی هذا الأمر و كلهم یدعون وصول ذلك عن صاحب الشرع إلیهم و هذا مما یورث العلم العادی بكون ذلك صادرا عن صاحب الشریعة مأخوذا عنه و لیس هذا مثل سائر الإجماعات المنقولة التی لا یعلم المراد منها و تنتهی إلی واحد و تبعه الآخرون و لا یخفی الفرق بینهما علی ذی مسكة من العقل و الإنصاف

ص: 253

المقصد الثالث فی كیفیة الاستدلال بما تقدم من النصوص

فأقول إذا أمعنت النظر فیما قدمناه و سلكت مسلك الإنصاف و نزلت عن مطیة التعنت و الاعتساف حصل لك القطع من الآیات المتظافرة و الأخبار المتواترة الواردة بأسالیب مختلفة و عبارات متفننة من اشتمالها علی بیانات شافیة و أدلة وافیة بالحدوث

بالمعنی الذی أسلفناه و من تتبع كلام العرب و موارد استعمالاتهم و كتب اللغة یعلم أن الإیجاد و الإحداث و الخلق و الفطر و الإبداع و الاختراع و الصنع و الإبداء لا تطلق إلا علی الإیجاد بعد العدم.

قال المحقق الطوسی رحمه اللّٰه فی شرح الإشارات إن أهل اللغة فسروا الفعل بإحداث شی ء و قال أیضا الصنع إیجاد شی ء مسبوق بالعدم و فی اللغة الإبداع الإحداث و منه البدعة لمحدثات الأمور و فسروا الخلق بإبداع شی ء بلا مثال سابق و قال ابن سینا فی رسالة الحدود الإبداع اسم مشترك لمفهومین أحدهما تأییس شی ء لا عن شی ء و لا بواسطة شی ء و المفهوم الثانی أن یكون للشی ء وجود مطلق عن سبب بلا متوسط و له فی ذاته أن یكون موجودا و قد أفقد الذی فی ذاته إفقادا تاما.

و نقل فی الملل و النحل عن ثالیس الملطی أنه قال الإبداع هو تأییس ما لیس بأیس فإذا كان مؤیس الأیسات فالتأییس لا من شی ء متقادم انتهی.

و من تتبع الآیات و الأخبار لا یبقی له ریب فی ذلك كقوله لا من شی ء فیبطل الاختراع و لا لعلة فلا یصح الابتداع مع أنه قد وقع التصریح بالحدوث بالمعنی المعهود فی أكثر النصوص المتقدمة بحیث لا یقبل التأویل و بانضمام الجمیع بعضها مع بعض یحصل القطع بالمراد و لذا ورد أكثر المطالب الأصولیة الاعتقادیة كالمعاد الجسمانی و إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام و أمثالهما فی كلام صاحب الشریعة بعبارات مختلفة و أسالیب شتی لیحصل الجزم بالمراد من جمیعها مع أنها

ص: 254

اشتملت علی أدلة مجملة من تأمل فیها یحصل له القطع بالمقصود أ لا تری إلی قولهم علیه السلام فی مواضع لو كان الكلام قدیما لكان إلها ثانیا و قولهم و كیف یكون خالقا لمن لم یزل معه إشارة إلی أن الجعل لا یتصور للقدیم لأن تأثیر العلة إما إفاضة أصل الوجود و إما إفادة بقاء الوجود و استمرار الجعل الأول و الأول هی العلة الموجدة و الثانی هی المبقیة و الموجود الدائمی محال أن تكون له علة موجدة كما تحكم به الفطرة السلیمة سواء كان بالاختیار أو بالإیجاب لكن الأول أوضح و أظهر.

و مما ینبه علیه أن فی الحوادث المشاهدة فی الآن الأول تأثیر العلة هو إفاضة أصل الوجود و فی كل آن بعده من آنات زمان الوجود تأثیر العلة هو إبقاء الوجود و استمرار الجعل الأول و لو كان ممكن دائمی الوجود فكل آن یفرض من آنات زمان وجوده الغیر المتناهی فی طرف الماضی فهو آن البقاء و استمرار الوجود و لا یتحقق آن إفاضة أصل الوجود فجمیع زمان الوجود هو زمان البقاء و لا یتحقق آن و لا زمان للإیجاد و أصل الوجود قطعا(1).

فنقول فی توجیه الملازمة فی الخبر الأول لو كان الكلام الذی هو فعله تعالی قدیما دائمی الوجود لزم أن لا یحتاج إلی علة أصلا أما الموجدة فلما مر و أما المبقیة فلأنها فرع الموجدة فلو انتفی الأول انتفی الثانی بطریق أولی و المستغنی عن العلة أصلا هو الواجب الوجود فیكون إلها ثانیا و هو خلاف المفروض أیضا لأن المفروض أنه كلام الواجب و فعله سبحانه و مثله یجری فی الخبر الثانی.

وَ یُؤَیِّدُهُ مَا رُوِیَ فِی الْكَافِی وَ غَیْرِهِ فِی حَدِیثِ الْفُرْجَةِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: حَیْثُ قَالَ لِلزِّنْدِیقِ ثُمَّ یَلْزَمُكَ إِنِ ادَّعَیْتَ اثْنَیْنِ فُرْجَةٌ مَا بَیْنَهُمَا حَتَّی یَكُونَا اثْنَیْنِ فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثاً بَیْنَهُمَا قَدِیماً مَعَهُمَا فَیَلْزَمُكَ ثَلَاثَةٌ الْخَبَرَ(2).

حیث حكم علی الفرجة

ص: 255


1- 1. من الواضح اختصاص هذا البیان بما هو واقع فی ظرف الزمان دون نفسه و ما هو خارج عنه.
2- 2. الكافی: ج 1، ص 81.

من جهة القدم بكونه إلها ثالثا واجب الوجود.

إذا تقرر هذا فاعلم أن علة الحاجة إلی المؤثر حینئذ یمكن أن تكون هی الإمكان لأن مصداق مفهوم الإمكان حینئذ منحصر فی الحوادث و الفرد المفروض أنه قدیم لا یصدق علیه الإمكان فی نفس الأمر بل من أفراد الممتنع لاستلزامه التسلسل المستحیل مطلقا كما سیجی ء و الممتنع بالذات قد یكون مركبا كالمجموع المركب من الضدین و النقیضین و یمكن أن تكون علة الحاجة إلی المؤثر هی الحدوث أو الإمكان بشرط الحدوث و قد ذهب إلی كل منها جماعة و أحد الأخیرین هو الظاهر من أكثر الأخبار كما أومأنا إلیه فی بعضها(1)

و منها حدیث الرضا علیه السلام فی علة خلق السماوات و الأرض فی ستة أیام.

و یدل علیه مَا رُوِیَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ فَقَالَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا الدَّلِیلُ عَلَی حُدُوثِ الْعَالَمِ قَالَ إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ كُنْتَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُكَوِّنْ نَفْسَكَ وَ لَا كَوَّنَكَ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ.

فإن الظاهر أن مراد السائل من حدوث العالم إثبات الصانع بناء علی التلازم بینهما بقرینة الجواب و استدل علیه السلام بوجود المخاطب بعد عدمه أی حدوثه الزمانی علی الصانع تعالی (2).

و من الدلائل علی الحدوث ما یدل علی أولیته تعالی فإن الأولیة

ص: 256


1- 1. لم نجد فی الاخبار الشریفة ما یدلّ علی المدعی، و قد عرفت عدم دلالة ما تمسك به لذلك فراجع.
2- 2. لا شك انه علیه السلام استدلّ من طریق حدوث المخاطب الثابت بالوجدان علی وجود الصانع، لكن من الممكن أن یكون قد استدلّ بالحدوث علی الإمكان و بالإمكان علی وجود الصانع، و اكتفی بذكر الحدوث لوضوح الملازمة بینه و بین الإمكان، فلا یثبت به العكس أعنی ملازمة الإمكان مع الحدوث ایضا، و علی هذا فلا یستفاد منه ان ملاك الاحتیاج إلی المؤثر هو الحدوث او الإمكان بشرط الحدوث كما لا یخفی علی انه قد ثبت فی محله بالبرهان القطعی ان الملاك مجرد الإمكان لا غیر، و صرّح به المحقق الطوسیّ فی التجرید، و لو فرض وجود ما ظاهره خلاف ذلك لوجب صرفه عن ظاهره.

مفسرة بأنه سبحانه قبل كل شی ء(1).

و منها الآیات و الأخبار الدالة علی فناء جمیع الموجودات و قد مر بعضها هنا و بعضها فی المجلد الثالث و ذلك بضم مقدمة مسلمة عند القائلین بالقدم و هی أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه (2).

وَ قَدْ رُوِیَ فِی الْإِحْتِجَاجِ: فِی حَدِیثِ الزِّنْدِیقِ الَّذِی سَأَلَ الصَّادِقَ علیه السلام عَنْ مَسَائِلَ أَنَّهُ قَالَ فَیَتَلَاشَی (3) الرُّوحُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ قَالَبِهِ أَمْ هُوَ بَاقٍ قَالَ علیه السلام بَلْ بَاقٍ إِلَی وَقْتِ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبْطُلُ الْأَشْیَاءُ وَ تَفْنَی فَلَا حِسٌّ یَبْقَی وَ لَا مَحْسُوسٌ ثُمَّ أُعِیدَتِ الْأَشْیَاءُ كَمَا بَدَأَهَا یُدَبِّرُهَا(4)

وَ ذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ یَثْبُتُ فِیهَا الْخَلْقُ وَ ذَلِكَ بَیْنَ النَّفْخَتَیْنِ (5).

و یدل علی حدوث السماوات الآیات و الأخبار الدالة علی انشقاقها و انفطارها و طیها و انتشار الكواكب منها بما مر من التقریب و قد مضی جمیع ذلك فی المجلد الثالث.

و منها الآیات و الأخبار الدالة علی خلق السماوات و الأرض فی ستة أیام

ص: 257


1- 1. قد عرفت معنی الاولیة و الآخریة فی اوائل الكتاب و استحالة كون تقدمه سبحانه علی العالم زمانیا فراجع.
2- 2. لو ثبت باخبار الصادقین ان العالم الجسمانی بجمیع اجزائه و توابعه یفنی قبل قیام الساعة حتّی انه لا یبقی نفس الزمان أیضا لكان ذلك دلیلا علی حدوثه، لكن اثباته لا یخلو عن اشكال، و ممّا یشعر بعدمه تعیین الوقت لذلك فی الروایات، فیشهد بوجود الزمان حینئذ و هو غیره تعالی بالضرورة، و ربما یجد المتتبع شواهد اخری، منها استثناء من شاء اللّٰه عن حكم نفخ الصور، قال تعالی« وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ»( الزمر: 68) علی ان ظاهر الآیة صعق أهل السماوات و الأرض لافناء جمیع الموجودات. و البحث طویل الذیل و لا مجال للتوسع فیه، و اللبیب لا یحتاج إلی التنبیه علی أن عدم دلاك هذه الأدلة غیر ملازم للقول بقدم العالم، فللحدوث برهان آخر مذكور فی محله.
3- 3. فی المصدر: أ فتتلاشی.
4- 4. فی المصدر: مدبرها.
5- 5. الاحتجاج: 192.

لأن الحادث فی الیوم الأخیر مسبوق بخمسة أیام فیكون منقطع الوجود فی الماضی و الموجود فی الیوم الأول زمان وجوده أزید علی زمان الأخیر بقدر متناه فالجمیع متناهی الوجود حادث فیكون الزمان الموجود الذی یثبتونه أیضا متناهیا لأنه عندهم مقدار حركة الفلك (1)

و قد مر تأویل الأیام و كیفیة تقدیرها فی تفسیر الآیات.

و إذا أحطت خبرا بما نقلنا من الآیات و الأخبار المتواترة الصریحة فهل یجترئ عاقل استشم رائحة من الدین أن یعرض عن جمیع ذلك و ینبذها وراء ظهره تقلیدا للفلاسفة و اتكالا علی شبهاتهم الكاسدة و مذاهبهم الفاسدة و ستعرف أنها أوهن من بیت العنكبوت بفضل الحی الذی لا یموت.

قال المحقق الدوانی فی أنموذجه بعد ما تكلم فی شبهاتهم لا یذهب علیك أنه إذا ظهر الخلل فی دلائل قدم العالم و ثبت بالتواتر و إخبار الأنبیاء الذین هم أصول البرایا و إجماع أهل الملل علی ذلك و قد نطق به الوحی الإلهی علی وجه لا یقبل التأویل إلا بوجه بعید تتنفر عنه الطبائع السلیمة و الأذهان المستقیمة فلا محیص عن اتباع الأنبیاء فی ذلك و الأخذ بقولهم كیف و أساطین الفلاسفة ینسبون أنفسهم إلیهم و ینسبون أصول مقالاتهم علی ما یزعمون أنها مأخوذة منهم فإذن (2) تقلید هؤلاء الأعاظم الذین اصطفاهم اللّٰه تعالی و بعثهم لتكمیل العباد و الإرشاد إلی صلاح المعاش و المعاد و قد أذعن لكلامهم الفلاسفة أولی و أحری من تقلید الفلاسفة الذین هم معترفون برجحان الأنبیاء علیهم السلام علیهم و یتبركون بالانتساب إلیهم و من العجب العجاب أن بعض المتفلسفة یتمادون فی غیهم و یقولون إن كلام الأنبیاء مؤول و لم یریدوا به ظاهره مع أنا نعلم أنه قد نطق القرآن المجید فی أكثر المطالب

ص: 258


1- 1. هذا بناء علی كون الفلك راسما للزمان، و أمّا علی جواز ارتسام الزمان بحركة كل جسم فیحتاج إلی اثبات حدوث جمیع الاجسام و منها الماء الذی هو مادة خلق الأرض و الدخان الذی هو مادة السماوات.
2- 2. فی المخطوطة: فان.

الاعتقادیة بوجه لا یقبل التأویل أصلا كما قال الإمام الرازی لا یمكن الجمع بین الإیمان بما جاء به النبی صلی اللّٰه علیه و آله و إنكار الحشر الجسمانی فإنه قد ورد من القرآن المجید التصریح به بحیث لا یقبل التأویل أصلا.

و أقول لا یمكن الجمع بین قدم العالم و الحشر الجسمانی أیضا لأن النفوس الناطقة لو كانت غیر متناهیة علی ما هو مقتضی القول بقدم العالم (1) امتنع الحشر الجسمانی علیهم لأنه لا بد فی حشرهم جمیعا من أبدان غیر متناهیة و أمكنة غیر متناهیة و قد ثبت أن الأبعاد متناهیة ثم التأویلات التی یتمحلونها فی كلام الأنبیاء عسی أن یتأتی مثلها فی كلام الفلاسفة بل أكثر تلك التأویلات من قبیل المكابرات للسوفسطائیة فإنا نعلم قطعا أن المراد من هذه الألفاظ الواردة فی الكتاب و السنة هی معانیها المتعارفة عند أهل اللسان فإنا كما لا نشك فی أن من یخاطبنا بالاستفسار عن مسألة الجزء الذی لا یتجزأ لا یرید بذلك الاستفسار عن حال زید مثلا فی قیامه و قعوده كذلك لا نشك فی أن المراد بقوله تعالی قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ هو هذه المعانی الظاهرة لا معنی آخر من أحوال المعاد الروحانی الذی یقول به الفلاسفة و بالجملة فنصوص الكتاب یجب الحمل علی ظاهرها و التجاوز عن هذا النهج غی و ضلال و التزامه طریق أهل الكمال انتهی.

و لقد أحسن و أجاد لكن ما یظهر من كلامه من أن النصوص الواردة فی الحدوث قابلة للتأویل البعید لیس كذلك بل إن كان بعضها قابلا فالمجموع یفید القطع بالمقصود و لعله إنما قال ذلك لعدم اطلاعه علی نصوص أئمة الهدی علیهم السلام أو لعدم اعتقاده بها كما هو ظاهر حاله و إن أشعر بالتدین بالحق فی بعض المواضع.

و أما منافاة القول بالقدم مع الحشر الجسمانی فإنما یتم لو ذهبوا إلی عدم تناهی

ص: 259


1- 1. لا ملازمة بین القول بقدم العالم و بین القول بقدم النوع الانسانی كما لا یخفی، نعم ظاهر ما حكی عن بعض قدماء الفلاسفة قدم جمیع الانواع و انكار الحشر الجسمانی.

عدد النفوس و وجوب تعلق كل واحدة بالأبدان لا علی سبیل التناسخ كما ذهب إلیه أرسطو و من تأخر عنه أما لو قیل بقدمها و حدوث تعلقها بالأبدان كما ذهب إلیه أفلاطون و من تبعه فإنه ذهب إلی قدم النفس وحدها و حدوث سائر العالم و تناهی الأبدان أو قیل بجواز تعلق نفس واحدة بأبدان كثیرة غیر متناهیة علی سبیل التناسخ و أن فی المعاد یرجع النفس مع بدن واحد فلا یتم أصلا.

نعم القول بقدم النفوس البشریة بالنوع و حدوثها بحدوث الأبدان علی سبیل التعاقب و عدم تناهیها كما ذهب إلیه المشاءون علی ما نقل عنهم المتأخرون مما لا یجتمع مع التصدیق بما جاء به النبی صلی اللّٰه علیه و آله بل الأنبیاء علیهم السلام من وجوه أخر أیضا.

الأول التصدیق بوجود آدم و حواء علی ما نطق به القرآن و السنة المتواترة مشروحا.

الثانی أنهم ذهبوا إلی قدم هیولی العناصر بالشخص و تعاقب صور غیر متناهیة علیها فلا بد لهم من القول بتكون أبدان غیر متناهیة من حصص تلك الهیولی و تعلق صور نفوس غیر متناهیة بكل حصة منها و عندهم أیضا أنه لا یمكن اجتماع صورتین فی حصة من تلك الهیولی دفعة فیلزمهم اجتماع نفوس غیر متناهیة فی بدن واحد إن اعترفوا بالمعاد الجسمانی إلی غیر ذلك من المفاسد تركناها روما للاختصار.

المقصد الرابع فی ذكر نبذ من الدلائل العقلیة علی هذا المقصد و إن كان خارجا عن مقصود الكتاب تشییدا لهذا المقصد من كل باب و إن أفضی إلی بعض الإطناب

و هو مشتمل علی مطالب.

المطلب الأول فی إبطال التسلسل مطلقا(1)

و هو مفتقر إلی تمهید مقدمات.

ص: 260


1- 1. هذا البحث من الأبحاث الفلسفیة، و قد استوفی بما لا مزید علیه فی الكتب الحكمیة لا سیما فی كتب صدر المتألهین فراجع.

الأولی ما ذكره السید رحمه اللّٰه فی القبسات و هو أن الحكم المستوعب الشمول لكل واحد إذا صح علی جمیع تقادیر الوجود لكل من الآحاد(1) منفردا كان عن غیره أو ملحوظا علی الاجتماع كان سحب (2) ذیله علی المجموع الجملی أیضا من غیر امتراء و إن اختص بكل واحد واحد بشرط الانفراد كان حكم الجملة غیر حكم الآحاد(3).

فإنه إذا كان سلسلة فرد منها أبیض فالجملة أیضا أبیض و إذا كان لكل جزء مقدار فللكل أیضا كذلك إلی غیر ذلك من الأمثلة المنبهة علی المطلب و إذا كان فرد متناهیا لم یلزم أن یكون المجموع متناهیا و إذا كان كل جزء من الأجزاء لا یتجزأ غیر منقسم لا یكون الكل غیر منقسم و إذا كان كل فرد من أفراد السلسلة واجبا بالذات لا یلزم أن تكون الجملة واجبا بالذات لأن فی تلك للانفراد مدخلا و تأثیرا.

الثانیة ما أشار إلیه المحقق الدوانی و غیره و هی أن العقل قد یحكم علی الإجمال حكما كلیا بالبدیهة أو الحدس علی كل فرد و علی كل جملة سواء كانت متناهیة أو غیر متناهیة و إن كان لو لاحظ التفصیل ابتداء توقف فی بعض الأفراد و الجمل كما یحكم العقل مجملا بأن كل موجد یجب أن یتقدم علی الموجد من غیر تفصیل بین موجد نفسه و موجد غیره ثم یثبت به أن الماهیة لا یجوز أن تكون علة لوجودها و هذا جار فی جمیع كبریات الشكل الأول بالنسبة إلی الأصغر انتهی.

و بهذا یمكن تتمیم البرهان السلمی بأن كل بعد من الأبعاد المفروضة فیه یجب أن یوجد فیما فوقه فكذا الكل الغیر المتناهی.

الثالثة اعلم أن من النسب و الإضافات ما هی فرع اعتبار العقل و انتزاعه

ص: 261


1- 1. فی المصدر: من الآحاد مطلقا.
2- 2. فی المصدر: ینسحب.
3- 3. انتهی كلام السیّد فی القبسات، ص، 155.

حتی لو لم یعتبرها العقل لم یتحقق فی نفس الأمر أصلا و ذلك إنما یكون إذا كان الموصوف أو الاتصاف و النسبة و الإضافة اعتباریا محضا یتوقف تحققه علی اعتبار العقل و فرضه و منه العدد إذا كان معروضه غیر موجود(1) فإن العدد عرض لا یتحقق إلا بتحقق معروضه و هو المعدود و منه وجود الوجود و لزوم اللزوم و هكذا لأن الموصوف و المنتزع عنه فیهما لا یتحقق إلا بعد الانتزاع و توجه العقل إلیه قصدا و بالذات فإن الموصوف لا یتحقق إلا بهذا و منه النسب الاعتباریة المحضة و الانطباقات الحاصلة بین آحاد السلسلتین إذا كانت باعتبار هذه الوجوه كانت اعتباریة محضة تنقطع بانقطاع الاعتبار و من الاتصافات و النسب ما لیست كذلك و لا یتوقف علی اعتبار و فرض بل هی متحققة فی الواقع بدون فرض فارض مثل لوازم الماهیة و الاتصافات الخارجیة و النفس الأمریة فإنا نجزم بدیهة أن العدد موصوف بالزوجیة أو الفردیة و السماء موصوفة بالفوقیة بالنسبة إلی الأرض و الأب بالأبوة و الابن بالبنوة و إن لم یفرض العقل بل انتزاع العقل تابع لما هو متحقق فی الواقع و إلا صح انتزاع كل أمر من كل شی ء و المنبهات علیه كثیرة لا تخفی فظهر أن انتزاع العقل و صحة حكمه تابع و فرع للواقع و لیس لفرض العقل

مدخل فی صحة هذه الأمور و تحققها و هذا القدر كاف فی دفع الاعتراضات الواردة علی البراهین الآتیة و لنشرع فی إیراد البراهین علی وجه الاختصار و إن كانت مذكورة فی كتب القوم.

الأول برهان التطبیق (2)

و هو أم البراهین و له تقریرات.

الأول لو تسلسلت أمور مترتبة إلی غیر نهایة بأی وجه من وجوه الترتیب

ص: 262


1- 1. یعنی به مفهوم العدد، و الا فحقیقته كم منفصل موجود فی الخارج مع قطع النظر عن اعتبار العقل.
2- 2. قال السیّد الداماد فی القبسات( ص: 156): فأما السبیل التطبیقی فلا ثقة بجدواه و لا تعویل علی برهانیته، بل إن فیه تدلیسا مغالطیا ... الخ و حیث ان البحث خارج عن مقصد الكتاب، و انما أورد طردا للباب، فالصفح عن النقض و الإبرام أقرب إلی الصواب، و من اراد الاستیفاء فعلیه بكتاب الاسفار.

اتفق كالترتیب الوضعی (1)

و الطبعی أو بالعلیة أو بالزمان و سواء كانت عددا أو زمانا أو كما قارا أو معدودا أو حركة أو حوادث متعاقبة فنفرض من حد معین منها علی سبیل التصاعد مثلا سلسلة غیر متناهیة و من الذی من فوق الأخیر أیضا سلسلة أخری و لا شك فی أنه یتحقق هناك جملتان إحداهما جزء للأخری و لا فی أن الأول من إحداهما منطبق علی الأول من الأخری و الثانی علی الثانی فی نفس الأمر و هكذا حتی یستغرق التطبیق كل فرد فرد بحیث لا یشذ فرد فإن كان فی الواقع بإزاء كل واحد من الناقصة واحد من الزائدة لزم تساوی الكل و الجزء و هو محال أو لا یكون فقد وجد فی الزائدة جزء لا یكون بإزائه من الناقصة شی ء فتتناهی الناقصة أولا و یلزم تناهی الزائدة أیضا لأن زیادتها بقدر متناه هو ما بین المبدأین و قد فرضناهما غیر متناهیین و هذا خلف.

و اعلم أنه لا حاجة فی التطبیق إلی جذب السلسلة الناقصة أو رفع التامة و تحریكهما عن موضعهما حتی تحصل نسبة المحاذاة بین آحاد أجزاء السلسلتین و یحصل التطبیق باعتبار هذه النسبة بل النسب الكثیرة فی الواقع متحققة بین كل واحد من آحاد إحدی السلسلتین مع آحاد السلسلة الأخری بلا تعمل من العقل فإنه للأول من السلسلة التامة نسبة إلی الأول من الناقصة و هو الخامس من السلسلة الأولی بعد إسقاط أربعة من أولها و للثانی من الأولی إلی السادس من الثانیة و للثالث من الأولی إلی السابع من الثانیة تلك النسبة بعینها و هكذا فی جمیع آحاد السلسلتین علی التوالی حتی یستغرق و كذا الأول من السلسلتین موصوف بالأولیة و الثانی بالثانویة و الثالث بالثالثیة و هكذا و باعتبار كل من تلك النسب و المعانی تنطبق السلسلتان فی الواقع كل جزء علی نظیره علی التوالی و لما كان أول الناقصة منطبقا علی أول الزائدة و تالیها علی تالیها و هكذا علی التوالی كل علی نظیره حتی یستغرق الكل و لا یمكن فوات جزء من البین لترتب الجملتین و اتساقهما فلا بد أن یتحقق فی الزائدة جزء لا یوجد فی الناقصة نظیره و إلا لتساوی الجزء و الكل

ص: 263


1- 1. أو( خ).

فیلزم انقطاع الناقصة و زیادة الزائدة بقدر متناه.

و اعترض علی هذا الدلیل بالنقض بمراتب العدد و كل متناه بمعنی لا یقف كأجزاء الجسم و مثل اللزوم و لزوم اللزوم و هكذا و الإمكان و نظائرهما فإن الدلیل یجری فیها.

و الجواب أن غیر المتناهی اللایقفی یستحیل وجود جمیع أفراده بالفعل لاستحالة وجود غیر المتناهی بل لأن حقیقة اللایقفیة تقتضی ذلك فإنه لو خرج جمیع أفرادها إلی الفعل و لو كانت غیر متناهیة یقف ما فرضنا أنه لا یقف و یلزم فی أجزاء الجسم الجزء الذی لا یتجزأ و فی المراتب العددیة أن لا یتصور فوقه عدد آخر و هو خلاف البدیهة بل مفهوم الجمیع و مفهوم اللایقف متنافیان كما قرروه فی موضعه.

إذا تقرر هذا فنقول لعله یكون وجود جمیع الأفراد خارجا و ذهنا مستحیلا نعم یمكن ملاحظتها إجمالا فی ضمن الوصف العنوانی فلا یجری فیه البرهان و إنما یتم النقض لو ثبت أن جمیع مراتب الأعداد المستحیلة الخروج إلی الفعل موجودة مفصلا مرتبا فی الواقع.

و إن أورد النقض بتحققها فی علمه سبحانه فالجواب أن علمه سبحانه مجهول الكیفیة لا تمكن الإحاطة به و أنه مخالف بالنوع لعلومنا و إنما یتم النقض لو ثبت تحقق جمیع شرائط البرهان فی علمه تعالی و فی المعلومات باعتبار تحققه فی هذا النحو من العلم و هو ممنوع و فی خبر سلیمان المروزی فی البداء إیماء إلی حل هذه الشبهة لمن فهمه و قد مر فی المجلد الثانی و الرابع.

الثانی لو كانت الأمور الغیر المتناهیة ممكنة لأمكن وقوع كل واحد من إحدی السلسلتین بإزاء واحد من الأخری علی سبیل الاستغراق إلی آخر الدلیل و هذا التقریر جار فی غیر المرتبة أیضا لكنه فی المرتبة المتسقة أظهر و منع الإمكان الذاتی مكابرة و كیف یتوقف الذكی فی أن القادر الذی أوجده أولا مرتبا یمكنه أن یوجده مرة أخری مرتبا منطبقا و أن یرتب الغیر المرتبة

ص: 264

و إنكاره تحكم و منعه مكابرة.

الثالث ما قرره المحقق الطوسی و هذبه الفاضل الدوانی و لا یرد علیه الشی ء من الإیرادات المشهورة و یكون الانطباق فیه انطباقا برهانیا لا مجال لتشكیك الوهم فیه و تقع فیه الزیادة و النقصان فی الجهة التی فرض فیها عدم التناهی و هو أن یقال تلك السلسلة المرتبة علل و معلولات بلا نهایة فی جانب التصاعد مثلا و ما خلا المعلول الأخیر علل غیر متناهیة باعتبار و معلولات غیر متناهیة باعتبار فالمعلول الأخیر مبدأ لسلسلة المعلولیة و الذی فوقه مبدأ لسلسلة العلیة فإذا فرضنا تطبیقهما بحیث ینطبق كل معلول علی علته وجب أن تزید سلسلة المعلولیة علی سلسلة العلیة بواحد من جانب التصاعد ضرورة أن كل علة فرضت لها معلولیة و هی بهذا الاعتبار داخلة فی سلسلة المعلول و المعلول الأخیر داخل فی جانب المبدإ فی سلسلة المعلول دون العلة فلما لم تكن تلك الزائدة بعد التطبیق من جانب المبدإ كانت فی الجانب الآخر لا محالة لامتناع كونها فی الوسط لاتساق النظام فیلزم الانقطاع و أن یوجد معلول بدون علة سابقة علیه تأمل فإنه دقیق و یجری هذا الدلیل فی غیر سلسلة العلل و المعلولیة من الجمل

المترتبة(1)

فإن كل جملة فإن آحادها موصوفة فی الواقع بالسابقیة و المسبوقیة بأی نوع كان من السبق و بغیرها من النسب الواقعیة المتضایفة البرهان الثانی برهان التضایف و تقریره لو تسلسلت العلل إلی غیر نهایة لزم زیادة عدد المعلولیة علی عدد العلیة و التالی باطل بیان الملازمة أن آحاد السلسلة ما عدا المعلول الأخیر لها علیه و معلولیة فیتكافی عددهما و یتساوی فیما سواه و بقیت معلولیة المعلول الأخیر زائدا فیزید عدد المعلولیات الحاصلة فی السلسلة علی عدد العلیات الواقعة فیها بواحد و هذا الدلیل یجری فی كل سلسلة یتحقق فیها الإضافة فی كل فرد منها فی الواقع لا بحسب اختراع العقل و جریانه فی المقادیر المتصلة مشكل فإن إثبات إضافة فی كل حد من الحدود المفروضة فیها فی الواقع

ص: 265


1- 1. المرتبة( خ).

مشكل اللّٰهم إلا أن یقال كل جزء من أجزاء المقدار المتصل متصف فی الواقع لا بمجرد الفرض بصفات حقیقیة یتصف باعتبارها بالتقدم و التأخر بحسب الوضع و هما متضایفان حقیقیان و یؤید ذلك أنهم قد صرحوا بأن أجزاء الأجسام موجودة فی الواقع بوجود الكل و لیست القسمة إیجاد للجزءین من كتم العدم بل تمییز و تعیین حد بین الجزءین الموجودین فیه و فیه أنه یلزم انتهاء أجزاء الجسم و یلزم الجزء الذی لا یتجزأ ثم اعلم أن هذا البرهان فی التسلسل فی أحد الجانبین فقط ظاهر و أما فی التسلسل فی الجانبین فقد یتوهم عدم جریانه فیه و دفعه أنا إذا أخذنا معلولا معینا ثم تصاعدنا أو تسافلنا یجب أن یكون المتضایفان الواقعان فی تلك السلسلة متساویین و یتم الدلیل ضرورة أن مضایف العلیة الواقعة فی تلك القطعة هو المعلولیة الواقعة فیها لا ما یقع فیما تحت القطعة من الأفراد مثلا إذا كان زید علة لعمرو و عمرو لبكر فمضایف معلولیة عمرو هو علیة زید لا غیر بل الاثنان منها علی التوالی متضایفان تتحقق بینهما إضافة شخصیة لا تتحقق فی غیرهما فالمضایف للمعلول الأخیر المأخوذ فی تلك القطعة هی علیة القرینة التی فوقها لا غیر فافهم و الاعتراضات الواردة علی هذا الدلیل من اعتباریة المتضایفین و غیرها مدفوعة بما مهدنا من المقدمات بعد التأمل فلا نطیل الكلام بالتعرض لدفعها.

البرهان الثالث ما أبداه بعض الأزكیاء من المعاصرین و سماه برهان العدد و المعدود و هو عندی متین و تقریره أنه لو تحققت أمور غیر متناهیة سواء كانت مجتمعة فی الوجود أو لا و سواء كانت مترتبة أم لا تحقق لها عدد لأن حقیقة العدد هی مجموع الوحدات و لا ریب فی تحقق الوحدات و تحقق مجموعها فی السلسلة فتعرض العدد للجملة لا محالة إذ لا حقیقة للعدد إلا مبلغ تكرار الوحدات و یظهر من التأمل فی المقدمات ذلك المطلوب أیضا كما لا یخفی و كل مرتبة یمكن فرضها من مراتب الأعداد علی سبیل الاستغراق الشمولی فهی متناهیة لأنه یمكن فرض مرتبة أخری فوقها و إلا لزم أن تقف مراتب العدد و هو خلاف

ص: 266

البدیهة بل هی محصورة بین حاصرین أحدهما الوحدة و الآخر تلك المرتبة المفروضة أخیرا فالمعدود أیضا و هو مجموع السلسلة الغیر المتناهیة أیضا متناهیة لأنه لا یمكن أن یعرض للمجموع بحیث لا یشذ منه فرد إلا مرتبة واحدة من مراتب العدد من جهة واحدة و كل مرتبة یمكن فرضها فهی متناهیة كما مر نعم لو أمكن فرض جمیع المراتب اللایقفیة للعدد و أمكن تصور خروج جمیع المراتب اللایقفیة إلی الفعل و أمكن عروض أكثر من مرتبة واحدة للعدد للجملة الواحدة من جهة واحدة أمكن

عروض العدد الغیر المتناهی لهذه الجملة لكنه محال لأنه لا یمكن أخذ المجموع من الأمور اللایقفیة و لا یتصور خروج الجمیع إلی الفعل و لو علی سبیل التعاقب و إلا لزم أن یقف و هذا خلف و قد التزمه النظام فی أجزاء الجسم بل نقول مفهوم اللایقفیة و مفهوم المجموع متنافیان كما قرر فی محله.

و هذا البرهان واضح المقدمات یجری فی المجتمعة و المتعاقبة و المترتبة و غیر المترتبة بلا تأمل و كذا جریان برهانی التطبیق و التضایف ظاهر بعد الرجوع فی المقدمات الممهدة و النظر الجمیل فی التقریرات السابقة و ذهب المحقق الطوسی رحمه اللّٰه فی التجرید إلی جریان التطبیق و التضایف فیها و قال فی نقد المحصل بعد تزییف أدلة المتكلمین علی إبطال التسلسل فی المتعاقبة فهذا حاصل كلامهم فی هذا الموضع و أنا أقول إن كل حادث موصوف بكونه سابقا علی ما بعده و لاحقا بما قبله و الاعتباران مختلفان فإذا اعتبرنا الحوادث الماضیة المبتدئة من الآن تارة من حیث كل واحد منهما سابق و تارة من حیث هو بعینه لاحق كانت السوابق و اللواحق المتباینتان بالاعتبار متطابقتین فی الوجود لا نحتاج فی تطابقهما إلی توهم تطبیق و مع ذلك یجب كون السوابق أكثر من اللواحق فی الجانب الذی وقع النزاع فیه فإذن اللواحق متناهیة فی الماضی لوجوب انقطاعها قبل انقطاع السوابق و السوابق زائدة علیها بمقدار متناه فتكون متناهیة أیضا انتهی.

و اعترض علیه بأن فی التطبیق لا بد من وجود الآحاد علی نحو التعدد و الامتیاز أما فی الخارج فلیس و أما فی الذهن فكذلك لعجز الذهن عن ذلك و

ص: 267

كذا لا یمكن للعقل تحصیل الامتیاز و وجود كل واحد فی الأوقات السابقة علی زمان التطبیق لا یفید لأنه یرجع إلی تطبیق المعدوم فإن الوجود ضروری عند التطبیق و أیضا لا بد فی الانطباق من وجود مجموع الآحاد و ذلك المجموع لا یمكن وجودها لأن ذلك المجموع لم یكن موجودا قبل الحادث الأخیر و بعده لم یبق شی ء منه موجودا و القول بوجودها فی مجموع الأوقات علی سبیل التدریج كالحركة القطعیة یدفعه أن وجود الكل فی جمیع الأوقات علی هذا النحو یستلزم وجود الكل بدون شی ء من أجزائه و فیه بحث إذ یكفی لوجود هذا الكل وجود أجزائه فی أجزاء زمان الكل انتهی.

و التحقیق أن الموجود قد یوجد فی ظرف الزمان و هو الدفعیات و قد یوجد فی نفس الزمان و هو التدریجیات و الأمر التدریجی مجموعها موجودة فی مجموع زمان وجودها علی سبیل الانطباق و لیس المجموع موجودا فی أبعاض الزمان و لا فی آن من الآنات فإن سئل الحركة فی الیوم هل هی موجودة فی آن من آنات الیوم المفروض أو شی ء من ساعاته فالجواب أنها لیست بموجودة أصلا بل فی مجموع الیومین و قد بین ذلك بوجه شاف فی مظانه و انطباق الحوادث المتعاقبة الزمانیة بعضها علی بعض من قبیل الثانی فالتطبیق موجود فی كل زمان لا فی آن فآن و الانطباق حكمه حكم المنطبقین كانطباق الحركة علی الزمان و انطباق الحركة علی المسافة و هذا ظاهر أ لا تری أن الكرة المدحرجة علی سطح مستو تنطبق دائرة من محیط الكرة علی المسافة جزما و انطباقها لا یمكن أن یكون فی آن لأنه لا یمكن التماس بین المستدیر و المستوی إلا بنقطة فظهر أن انطباقهما تدریجی

فی كل الزمان أ و لا تعلم أن الحركة و الزمان متطابقان تدریجا فی كل زمان الحركة و لو لم ینطبق الزمان علی الحركة لم یكن مقدارا لها سواء كانا موجودین فی الخارج أو لا(1).

ص: 268


1- 1. وجه ما ذكره رحمه اللّٰه فی انطباق الحركة علی الزمان و كذا انطباق دائرة من الكرة المدحرجة علی خطّ من السطح المستوی تدریجا أنّه لیس للحركة و الزمان أجزاء موجودة بالفعل. حتی ینطبق بعضها علی بعض بل للكل وجود واحد فینطبق الكل علی الكل، لكن لا یمكن إسراؤه الی الحوادث المتعاقبة، لان لكل منها وجودا بالفعل منحازا عن وجود الآخر إلّا أن یفرض حادث ممتد تدریجی واحد فتأمل.

و یمكن الجواب أیضا علی القول بعدم وجود الزمانیات بأنه لا شك أن الآحاد المتعاقبة من إحدی السلسلتین منطبقة فی الواقع علی آحاد السلسلة الأخری اللتین كانتا هما معا فی الوجود فی أزمنة وجودهما و إن لم یكونا موجودین حال حكمنا و وجودهما حال الحكم غیر لازم فی جریان البرهان بل وجودهما حین الانطباق و لیس من قبیل تطبیق المعدوم علی المعدوم بل من قبیل الحكم بانطباق المعدوم فی حال الحكم علی المعدوم الموجودین معا فی حال الانطباق و ذلك مثل سائر الأحكام الصادقة علی الأمور الماضیة.

و قیل أیضا إن التطبیق یتوقف علی الترتیب و هو یتوقف علی تحقق أوصاف و نسب و إضافات یسلكها فی سلك الترتیب و فی المتعاقبة لا یوجد ذلك فإن فیما عدا الحادث الأخیر لا یوجد شی ء من طرفی النسبة و فی الحادث الأخیر لا یوجد إلا طرف واحد فلا یتحقق النسبة أیضا ضرورة أنها فرع المنتسبین.

فإن قلت لعل الاتصاف فی الذهن كما قالوا فی اتصاف أجزاء الزمان بالتقدم و التأخر.

قلت لما كانت الحوادث لا نهایة لها فلا یمكن التفصیل فی الأذهان و المبادئ العالیة و الوجود الإجمالی غیر كاف لعدم الامتیاز فیه انتهی.

و الجواب أنه یجزم العقل بأن حوادث زمان الطوفان فی الخارج قبل حوادث زمان البعثة و قبل الحادث الیومی بلا ریب و لا یتفرع علی اعتبار العقل كیف و هم معترفون بأن الحادث المتقدم علة معدة للحادث المتأخر بالعلیة و المعلولیة الخارجیة فإن العلة ما لم توجد فی الخارج من حیث إنها علة لم یوجد المعلول فی الخارج و هما متضایفان فظهر أن النسبة بالعلیة و المعلولیة متحققة بین المعلول و العلة المعدة و وجودها السابق و عدمها علة فتحققت النسبة بین

ص: 269

المعدوم و الموجود و الحق أن طرفی النسبة لا یمكن أن یكونا معدومین بالعدم المطلق و إذا تحققا نوع تحقق لم یجتمعا(1) فی الوجود فإن العقل یجوز تحقق النسبة بینهما و لم ینقبض عنه (2) و من تصور حقیقة وجود الأعراض التدریجیة تصور كیفیة النسبة بین أجزائها المتعاقبة و قل استبعاده و أذعن بها.

ثم إن النسبة بالتقدم و التأخر بین أجزاء الزمان فی الواقع من غیر فرعیة و لا اعتبار العقل و تصوره و اتصافها بالصفات الثبوتیة و الحكم بالأحكام النفس الأمریة بل الخارجیة المستلزمة لثبوت المثبت له فی الواقع مما لا یشك فیه أحد و لیس من الأحكام المتفرعة علی اعتبار العقل الحاصلة بعد فرضه و لیس بحاصل بالفعل إلا بعد الفرض فإنه لو كان كذلك لكان حكم العقل بأن هذا الجزء متقدم و ذاك متأخر فی الخارج من الأحكام الكاذبة لأنه فی الخارج لیس كذلك فی الحقیقة(3) أ لا تری أنه یصح الحكم علی الدورات الغیر المتناهیة من الحركة و الزمان بالتقدم و التأخر و القسمة و الانتزاع الإجمالی غیر كاف لاتصاف كل جزء جزء بالتقدم و التأخر و التفصیل یعجز عنه العقل عندهم فكیف تكون هذه الاتصافات بعد فرض الأجزاء كما ذهبوا إلیه.

و قد ذهب بعض المحققین فی جواب شك من قال لم اتصف هذا الجزء من الزمان بالتأخر و ذاك بالتقدم إلی أن هذه الاتصافات مستندة إلی هویات

ص: 270


1- 1. و إن لم یجتمعا( ظ).
2- 2. ان أرید بكفایة تحققهما نوعا من التحقّق أنّه یكفی فی الاتصاف تحققهما فی الذهن دون الخارج فهو خاصّ بالاتصاف الذهنی، و الكلام فی الاتصاف الخارجی، و ان أرید كفایة نوع من التحقّق فی الخارج فهو عین الاجتماع فی الوجود، اذ لا معنی لاجتماعهما فی الوجود إلا تحققهما معا فی الخارج. و أمّا الإضافة المتحققة بین العلة المعدة و المعلول فهی إضافة مقولیة بین هذین العنوانین لا الوجودین الخارجیین، فیكفی تصورهما فی الذهن لتحققها.
3- 3. بناء علی عدم تحقّق أجزاء الزمان فی الخارج تحققا فعلیا بل بالقوة القریبة من الفعل، فالحكم بتقدم بعض الاجزاء علی البعض فی الخارج انما هو بلحاظ قرب قوتها من الفعلیة و إلّا فلا موضوع لهذه القضیة الخارجیة بحسب الحقیقة فتأمل.

الأجزاء و تشخصاتها الحاصلة لها فكما أنه لا یصح السؤال بأن زیدا لم صار زیدا و عمرا عمرا لا یصح السؤال بأنه لم صار أمس أمس و الیوم الیوم (1)

و ذهبوا أیضا إلی أن اختلاف أجزاء الفلك بالقطب و المنطقة مستند إلی هویة الأجزاء لیس بفرض فارض (2) بل موجودة فیه حقیقة لكن الأجزاء و هویاتها موجودة بوجود الكل بوجود واحد و كما أن أجزاء الجسم و تشخصاتها موجودة بوجود الجسم و بوجود قار كذلك أجزاء الزمان و الحركة موجودة بوجود الكل بوجود تدریجی بلا تفاوت و المناقشة فی هذه ناشئة من عدم تصور الوجود التدریجی كما ینبغی فلا ینافی اتصال الزمان و الحركة إذا كانت موجودة بوجود واحد فإن هذا النوع من الاختلاف لا یستلزم القسمة بالفعل و الانفصال بعد الاتحاد بوجود الكل.

ثم إنهم قاطبة صرحوا بأن الصفة لا یجب تحققها فی ظرف الاتصاف و المحكوم به لا یجب وجوده فی الحكم (3)

مع أنه نسبة و ذهبوا أیضا إلی تساوی نسبة الممكن إلی طرفی الوجود و العدم و إلی صحة الاتصاف بنحو العمی من الأمور العدمیة فی الخارج إلی غیر ذلك من النظائر(4)

و لا یخفی أنه یمكن إجراء جمیع

ص: 271


1- 1. الاستشهاد بهذا الكلام انما هو من جهة تقریر هذا المحقق تقدم بعض اجزاء الزمان علی الآخر، و إلّا فأصل الكلام أجنبی عما نحن فیه.
2- 2. الفارض( خ).
3- 3. ظرف الحكم( ظ).
4- 4. النسبة امر رابط بین الشیئین لا استقلال له فی نفسه و لذا یستحیل تحققه مع عدم تحقّق الطرفین معا، فان كانت النسبة حاكیة عن اتّحاد الطرفین فی الخارج نحو اتّحاد وجب وجود الطرفین فی الخارج، و إلّا كفی تحققهما فی الذهن، و هذا ممّا لم یختلف فیه اثنان من الحكماء و أمّا ما نسبه الیهم من عدم وجوب تحقّق الصفة و المحكوم به فی ظرف الاتصاف و الحكم فوجه الصحیح انه لا یجب فی الاتصافات الذهنیة وجود الصفة و المحمول فی الخارج حین الحكم، و هذا لا یفید شیئا لاثبات مرامه، و اما الحكم بتساوی نسبة الممكن إلی الوجود و العدم فهو من الاحكام النفس الامریة لا الخارجیة و اما العمی فهو عدم ملكة و هو امر عدمی لا عدم، و التوضیح یقتضی مجالا أوسع.

ما ذكرنا فی جریان هذا الدلیل فی المتعاقبة فی جریان سائر البراهین فیها فلا نطیل الكلام بالتعرض لخصوص كل منها.

البرهان الرابع ما أورده الشیخ الكراجكی فی الكنز بعد ما أورد برهان التطبیق بوجه مختصر أنیق قال دلیل آخر علی تناهی ما مضی و هو أنه قد مضت أیام و لیالی وقفنا الیوم عند آخرها فلا یخلو أن تكون الأیام أكثر عددا من اللیالی أو اللیالی من الأیام أو یكونا فی العدد سواء فإن كانت الأیام أكثر من اللیالی تناهی اللیالی لأنها أقل منها و اقتضی ذلك تناهی الأیام أیضا لبطلان اتصالها قبل اللیالی بغیر لیالی بینها فوجب علی هذا الوجه تناهیهما معا و إن كانت اللیالی أكثر من الأیام كان الحكم فیهما نظیر ما قدمنا من تناهی الأول فتتناهی الأیام لزیادة اللیالی علیها و یقتضی ذلك تناهی اللیالی أیضا لما مر فیلزم تناهیهما معا و إن كانت الأیام و اللیالی فی العدد سواء كانا بمجموعهما أكثر عددا من أحدهما بانفراده و هذا یشهد بتناهیهما إذ لو كان كل واحد منهما فی نفسه غیر متناه ما تصورت العقول عددا أكثر منه و قد علمنا أن الأیام مع اللیالی جمیعا أكثر عددا من أحدهما و هذا موضح عن تناهیهما و بهذا الدلیل نعلم أیضا تناهی جمیع ما مضی من الحركات و السكنات و من الاجتماعات و الافتراقات و من الطیور و البیض و الشجر و الحب و ما یجری مجری ذلك (1) انتهی ثم اعلم أنه یمكن إبطال ما ادعوه من التسلسل فی الأمور المتعاقبة بل فی غیر المرتبة أیضا بوجوه أخری نذكر بعضها.

الأول أنهم قالوا بالحوادث الغیر المتناهیة التی كل سابق منها علة معدة للاحق علی سبیل الاستغراق و أن إیجاد الواجب تعالی لكل منها مشروط بالسابق تحقیقا للإعداد و تصحیحا لارتباط الحادث بالقدیم و أنه تعالی لیس بموجب تام لواحد منها إذا تقرر هذا فنقول لو تسلسلت المعدات علی ما ذهبوا إلیه لا إلی نهایة لزم أن یكون وجوب كل واحد منها وجوبا شرطیا بمعنی أنه یجب كل

ص: 272


1- 1. یرد علی هذا البرهان و البرهان السابق ما یرد علی برهان التطبیق فأجد التأمل.

منها بشرط وجوب سابقة و لا ینتهی إلی الوجوب القطعی البت الذی یكون تعالی موجبا له لذاته بدون شرط لأنه عندهم أنه تعالی لیس بموجب تام لكل واحد من المعدات بل الحوادث مطلقا و تأثیره تعالی فی كل منها موقوف علی تأثیره فی معد سابق علیه لا إلی نهایة فوجوب كل منها وجوب شرطی لا یجب حتی یجب سابقه و الوجوب الشرطی غیر كاف لتحقق واحد منها فإنه بمنزلة قضایا شرطیة غیر متناهیة مقدم كل لاحق تال لسابقه فإنه ما لم ینته إلی وضع مقدم لم ینتج شیئا و لو توقف تأثیر الواجب فی كل حادث و إیجاده إیاه علی إیجاد حادث آخر و لم تجب لذاتها تلك الإیجادات لكان یجوز للواجب ترك إیجاد الحوادث بالكلیة و ما لم یمتنع هذا الاحتمال فی نفس الأمر لم یجب واحد منها فی الواقع لأن وجوب كل حادث إنما هو بشرط إیجاد حادث آخر و هكذا الكلام فی ترك الإیجاد رأسا و ما لم یمتنع جمیع أنحاء ارتفاعاته و عدماته فی الواقع لم یجب وجوده (1).

و توهم بعضهم أنه لا یمكن ارتفاعه ارتفاع جمیع الحوادث لاستلزامه ارتفاع الطبیعة القدیمة المستندة بلا شرط إلی الواجب تعالی شأنه و هو مردود بأنه لا یعقل استناد

ص: 273


1- 1. حاصل هذا الوجه أنّه بناء علی كون كل حادث مسبوقا بمعد و كون المعد مسبوقا بآخر و هكذا الی غیر النهایة یلزم عدم وجود حادث لا یتوقف علی معد أصلا، فكلما فرض حادث كان مسبوقا بمعدات متسلسلة غیر متناهیة و یتوقف وجوب وجود هذا الحادث علیها، فاذن لیس شی ء لا یتوقف علی أمر سوی الواجب، فیلزم اولا كون وجوب الوجود للحوادث شرطیا و الوجوب الشرطی لا یوجب التحقّق فی الخارج، و ثانیا جواز ترك الایجاد بالكلیة علی الواجب، لانه لیس شی ء من الحوادث بنفسه مستعدا لقبول الوجود من الواجب بل بشرط وجود حادث قبله، فله ان یترك الایجاد رأسا و الجواب عن الأول انه بعد فرض وجود الشرط یصیر الوجوب فعلیا، و التعلیق غیر موجود فی الخارج بل الذی هو فی الخارج و یحكی عنه بالقضیة الشرطیة هو نحو من الارتباط الوجودی، ففی قولنا« ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود» لا یوجب اشتراط وجود النهار بطلوع الشمس وجوب وجود النهار، لكن مع فرض طلوع الشمس لا محیص عن وجوب وجوده و الخصم یفرض وجود الحوادث الغیر المتناهیة و معه یصیر وجوب الحادث فعلیا. و ان سئل عن حاله قبل وجود تلك المعدات اجاب بانه لا یمكن فرض حادث لا یكون قبله حوادث غیر متناهیة فكلما فرض حادث فی زمان كانت قبله حوادث و ازمنة غیر متناهیة و لیست قبلها قبلیة زمانیة و عن الثانی بمنع الملازمة و منع بطلان التالی و هو واضح.

الطبیعة بلا شرط إلی الواجب جل شأنه لأن الطبیعة عندهم إذا كانت ذاتیة لما تحتها فإنما هی مجعولة بجعل ما هی ذاتیة له جعلا واحدا و لا یمكن تعلق جعل علی حدة بالطبیعة الكلیة قطعا و جعل كل فرد من أفراد الطبیعة عندهم إنما هو بشرط سبق معد نعم لو تحقق تأثیر منفرد فی الطبیعة وراء التأثیر فی الأفراد لوجب أن یكون التأثیر من الواجب فیها إما ابتداء أو بواسطة قدیمة و تأثیر الواجب فی القدیم بلا واسطة و شرط أو بواسطة قدیمة إنما هو منشأ استحالة انعدام القدیم عندهم فظهر أن سلسلة الحوادث یجب أن تنتهی إلی حادث یجب وجوده عن الواجب بلا شرط معد فتنقطع سلسلة الحوادث به لأنه لا یجوز تقدم شرط أو معد من الحوادث علیه و كذا یمكن إجراء كثیر من براهین إثبات الواجب التی لا یتوقف علی إبطال الدور و التسلسل هنا بأدنی تصرف لا یخفی علی الفطن اللبیب فإن تأثیر الواجب تعالی عندهم فی كل حادث یتوقف علی معد و وجود الواجب مع عدم

المعد فی حكم قوة(1)

فرض عدمه تعالی و العیاذ باللّٰه فی عدم التأثیر(2)

و العلة التامة عندهم هو الواجب مع المعد و مجموع المركب من الواجب و الممكن ممكن فالعلل التامة لجمیع الحوادث الغیر المتناهیة ممكنات فكما لا ینفع التزام التسلسل فی مسألة إثبات الواجب لا ینفع التزامه هنا أیضا إذ الأدلة الدالة علی إثبات الواجب بدون التمسك بإبطال التسلسل یجری هنا أیضا بأدنی تفاوت.

الثانی أن نقول علی تقدیر تسلسل الحوادث علی سبیل التعاقب یلزم أن یتقدم علی كل حادث من الحوادث علی سبیل الاستغراق عدم أزلی لحادث حادث و الحادث الأول و الثانی یجتمعان فی العدم إذ یوجد فی الواقع مرتبة من المراتب

ص: 274


1- 1. كذا، و الظاهر ان أحد اللفظین كان فی بعض النسخ بدلا عن الآخر فاثبتا معا فی المتن.
2- 2. الشرائط التی یتوقف علیها وجود المعلول منها ما هو شرط فعل الفاعل و منها ما هو شرط قبول القابل، و الذی ینافی تمامیة الفاعل فی الفاعلیة هو القسم الأوّل و هو منفی عن الواجب تبارك و تعالی عند جمیع الحكماء، و القسم الثانی راجع إلی نقص المعلول و عدم استعداده لقبول الفیض علی كل تقدیر. و بهذا یظهر وجه الخلل فی كلامه رحمه اللّٰه.

كانا معدومین فیها و اجتمع معهما عدم الحادث الثالث ضرورة أن عدم كل حادث أزلی و أن عدم الحادث المتأخر و إن كان أطول امتدادا من الحادث المتقدم إلا أن الكل متحقق فی ظرف الزمان إذ طبیعة الزمان أزلیة عندهم و الأعدام كلها أزلیة فلا بد من اجتماعها قطعا فی زمان ما و یجتمع مع هذه الأعدام الثلاث عدم الحادث الرابع و هكذا علی ترتیب الآحاد علی التوالی فإما أن یستغرق هذا الاجتماع إعدام جمیع الآحاد فیكون جمیع الحوادث معدوما فی مرتبة ما من المراتب الواقعیة فتأخر جمیع الحوادث عن تلك المرتبة الواقعیة و یكون الجمیع معدوما فی تلك المرتبة فیكون لها مبدأ و انقطاع و هو المطلوب (1)

و إن لم یستغرق فینتهی إلی حادث معین لا یجتمع عدمه مع عدم ما قبله من الحوادث إما لأن هذا الحادث لا یسبقه عدمه فیكون قدیما بالشخص و إما لأن الحادث الذی قبله لا یسبقه عدم أزلی فیكون ذلك قدیما ضرورة أنه لو تقدمهما عدم أزلی یجب اجتماعهما مع ما تأخر عنهما فتنقطع سلسلة الحوادث علی أی تقدیر.

لا یقال كل جملة متناهیة یجتمع فی العدم و یتحقق عدم سابق علی الجمیع و أما جملة الحوادث الغیر المتناهیة فلا.

لأنا نقول قد بینا أن هذا الحكم مستغرق لجمیع الآحاد علی التوالی و قد مر فی المقدمات الممهدة أن أمثال هذه الأحكام علی كل فرد تسری إلی الجملة فلا مجال لهذا التوهم (2).

ص: 275


1- 1. ان أرید باثبات العدم الازلی لكل حادث حادث عدم وجود كل واحد من الحوادث فی زمان غیر متناه من جهة البدء فلا یمكن فرض ذلك فی الجمیع، لانه لیس قبل الجمیع زمان لا متناه و لا غیر متناه، لان الزمان أیضا من الجمیع، كیف و هو مقدار الحركة و الحركة تختص بالحوادث، و ان أرید بالعدم الازلی للكل عدمه فی وعاء آخر غیر الزمان فلا یثبت به الحدوث الزمانی لسلسلة الحوادث.
2- 2. سریان حكم الفرد إلی الجمیع إنّما هو فی ما إذا كان ملاك الحكم الثابت لكل فرد موجودا فی الجمیع بعینه، لكن حكم المسبوقیة بالعدم الازلی بمعنی العدم المقارن للزمان الغیر المتناهی انما یثبت لكل واحدة من الحوادث بلحاظ مسبوقیتها بحوادث غیر متناهیة، فإذا اعتبرنا جمیع الحوادث بحیث لا یشذ منها شی ء لم یمكن تصور هذا الملاك فیه، لان الجمیع غیر مسبوق بحوادث غیر متناهیة إذ لا حادث آخر وراء الجمیع فافهم و اعرف به الخلل فی التقریرات الآتیة.

و لك أن تقول هاهنا سلسلتان إحداهما سلسلة وجودات الحوادث و الأخری سلسلة عدماتها فإذا أخذنا مجموع الوجودات بحیث لا یشذ عنها فرد و كذا العدمات فلا شك أن جملة العدمات بحیث لا یشذ فرد متقدمة علی جملة الوجودات لتقدم كل فرد منها علی نظیره و عدیله و مثل هذا الحكم یسری من الآحاد إلی الجملة و لأن جملة العدمات لما كان كل فرد منها أزلیا(1)

و جملة الحوادث حادثة و تقدم الأزلی علی الحادث ضروریة و لا شبهة فی إمكان أخذ المجموع بحیث لا یشذ فإنه لیس من قبیل الجملة اللایقفیة التی لا یمكن فیها أخذ المجموع بحیث لا یشذ و قد أخذوا جملة الممكنات فی دلیل إثبات الواجب فیكون ممكنا فلا یكون فی تلك المرتبة شی ء من الحوادث و هو الانقطاع.

و لنا أیضا أن نقول یتقدم علی كل حادث عدم أزلی هو عدم لهذا الحادث و ینعدم معه جمیع ما بعده من الحوادث التی هو معد لها و سبق هذا العدم یستوعب جمیع آحاد سلسلة الحوادث و حكم الآحاد یسری إلی الجملة فیلزم عدم مجموع الحوادث رأسا و انقطاعها أو نقول مجموع الحوادث واحد شخصی لأن كل جزء منه واحد شخصی و حادث أیضا لأن جمیع أجزائه حادث فیلزم الانقطاع و نقول أیضا السلسلة المذكورة معدات عندهم و المعد یعتبر وجوده و عدمه فی المعلول المتأخر و كلاهما سابق علیه فنأخذ سلسلة العدمات اللاحقة السابقة علی وجود المعلولات و نقول إما أن یستغرق سبق كل فرد من العدمات لكل فرد من وجودات الحوادث النظیر علی النظیر فیلزم تقدم جملة سلسلة العدمات إذا أخذنا بحیث لا یشذ منها شی ء علی سلسلة وجودات الحوادث و هو یستلزم الانقطاع و تقدم عدم اللاحق علی الموجود و هذا خلف و إن لم یستغرق فینتهی إلی فرد لا یسبقه عدم المعد فتنقطع سلسلة المعدات.

و علی هذه التقریرات لا یتوجه ما قیل إن الأزل لیس وقتا محدودا تجتمع فیه العدمات و غیرها بل مرجعه إلی أن قبل كل حادث حادث إلی غیر نهایة

ص: 276


1- 1. فی بعض النسخ: فالجملة أزلیة.

و هكذا عدم الحوادث و لا محذور فیه لأن اجتماع العدم الأزلی الغیر المتناهی فی الماضی فی زمان مع عدم تناهی الزمان عندهم مع مثله بالغا ما بلغ سواء كانت الأعدام متناهیة أم لا بدیهی و لا یلزمنا تعیین زمان معین للأزل و كذا ما قیل و إن تحقق فی الأزل عدم الحوادث لكنه عدم كل حادث مقرون بوجود حادث تقدم علی ذلك الحادث أبدا فلا یتحقق وقت ینتهی (1)

فیه جمیع الموجودات و یبقی صرف العدم و هذا مع أنه مدفوع بما قررنا لو تم فهو فساد آخر نشأ من عدم تناهی الحوادث إذ جمیع المفاسد التی ذكرنا إنما نشأت من الحوادث إلی غیر نهایة.

و یمكن أن یقال أیضا إن الحادث الیومی مسبوق بعدم معده و بعدم معد معده و هكذا إلی غیر نهایة و عدم المعد البعید بواسطة أطول امتدادا من عدم المعد القریب و المعد البعید بواسطتین أطول منهما و المعد الأبعد بثلاث وسائط أطول من الثلاثة و كلما

تمتد سلسلة المعدات تتزاید امتداد الأعدام اللاحقة للمعدات فلو ذهبت السلسلة إلی غیر نهایة لزم أن یمتد العدم اللاحق لا إلی نهایة مع أنه عدم لاحق مسبوق بوجود المعد و استحالته ظاهرة و هذا برهان لطیف قوی لا یرد علیه ما یرد علی برهان السلم لأن جمیع الأعدام الغیر المتناهیة جزء للعلة التامة للحادث الیومی مجتمعة و وجودات المعدات متحققة فی الواقع متمایزة بخلاف برهان السلم لأن ازدیاد الانفراج هنا علی سبیل اللایقف و موقوف علی فرض النقاط فی الساقین.

الثالث قال بعض المحققین إن الأمور الغیر المتناهیة مطلقا یستلزم الأمور الغیر المتناهیة المترتبة و یلزم منه تناهی النفوس و حدوثها علی بعض الوجوه كما سلف بیانه أن المجموع متوقف علی المجموع إذا أسقط منه واحد و ذلك المجموع علی مجموع أقل منه بواحد و هكذا إلی غیر نهایة فیجری التطبیق و التضایف بین المجموعات الغیر المتناهیة إذ هی أمور موجودة مترتبة.

ص: 277


1- 1. فی بعض النسخ: ینتفی.
المقصد الخامس فی دفع بعض شبه الفلاسفة الدائرة علی ألسنة المنافقین و المشككین القاطعین لطریق الطالبین للحق و الیقین

و فیه مراصد.

المرصد الأول قالوا إذا لاحظنا الواجب تعالی شأنه فی طرف و جمیع ما عداه بحیث لا یشذ منها شی ء فی طرف آخر فحینئذ إما أن یكون الواجب سبحانه علة تامة لشی ء ما أو لا و بعبارة أخری جمیع ما لا بد منه فی وجود شی ء ما سواء كان ذلك الشی ء الإرادة الزائدة أو غیرها إما ذاته تعالی أو لا و علی الأول یكون ذلك الشی ء معه دائما فی الأزل لاستحالة تخلف المعلول عن العلة التامة و علی الثانی یستحیل وجود شی ء ما أبدا لاستحالة التغیر فی ذاته تعالی و بعبارة أخری و بوجه أبسط و هو أن یقال ذات الواجب تعالی إما أن یستجمع جمیع شرائط التأثیر فی الأزل أو لا و علی الأول یلزم قدم الأول (1)

بالضرورة لامتناع التخلف عن الموجب التام و علی الثانی توقف وجود الأثر و هو العالم علی شرط حادث و ننقل الكلام إلیه حتی یلزم التسلسل.

أما علی سبیل الاجتماع و هو باطل بما مر و أیضا نقول إذا أخذنا مجموع تلك الشروط بحیث لا یشذ عنها شرط فإما أن یتوقف وجودها علی شرط آخر غیر ذات الواجب تعالی خارج عن مجموع الشروط فلم یكن ما فرضناه جمیعا جمیعا و هذا خلف أو لا یتوقف فیكون الذات وحده مستقلا بإیجاد ذلك المجموع فأما أن یكون اجتماعها فی آن حدوث الأثر فیلزم إما حدوث الواجب بالذات و إما تخلف الشروط عن موجبها التام و كلاهما محالان أو یكون اجتماعها فی الأزل فیلزم قدم أشخاص غیر متناهیة من العالم هی الشروط بل و المشروط وجوده بها أیضا و إلا لزم تخلف المشروط عن موجبه التام و هو الواجب مع جمیعها إذ المفروض عدم شرط خارج عن المجموع أو علی سبیل تعاقب تلك الشروط إما فی الحدوث

ص: 278


1- 1. الاثر( ح).

مع اجتماعها فی البقاء فتجتمع فی آن الحدوث أمور غیر متناهیة مترتبة موجودة و تجری فیها براهین إبطال التسلسل بالاتفاق علی أنه یلزم حینئذ قدم نوع الفعل و طبیعته و هو مطلوب فی الجملة و إما علی سبیل تعاقبها حدوثا و بقاء بأن لا یجتمع اثنان

منها فی الوجود فی زمان و لا فی آن فتكون طبیعة العالم قدیمة محفوظة بتعاقب تلك الأفراد الغیر المتناهیة و تلك الأمور إنما یكون تعاقبها علی مادة قدیمة فیلزم أیضا قدم شخص هو المادة و لكونها لا تنفك عن الصورة یكون الجسم قدیما أیضا أو یقال لا یجوز وجود الشرائط علی التعاقب أیضا فإن الفاعل لما توقف تأثیره فی كل من الشرائط علی شرط آخر فهو فی حد ذاته متساوی النسبة إلی طرفی الإیجاد و تركه فیتساوی فرض وجوده بحیث لا یوجد منه شی ء من تلك الشروط أصلا و فرض وجوده موجدا له فلا یترجح أحد الطرفین علی الآخر إلا لأمر خارج و ننقل الكلام إلیه حتی یظهر أنه یجب أن یكون بین البارئ تعالی و الحوادث توسط أمر واحد ذاتا تتكثر إضافاته و نسبه فیكون قدیما بالذات و حادثا بالإضافة و هو الحركة فأوجبوا وجود حركة قدیمة بل وجود جسم قدیم هو المتحرك بتلك الحركة و ادعوا أنها حركة الفلك الأعظم فیكون قدیما و كذا ما فی جوفه لامتناع الخلاء و لأن الحركة الواحدة البسیطة كما لا تختلف ذاتها لا تختلف إعداداتها للمادة الواحدة لتشابه أجزائها فی الحقیقة و أثبتوا حركات مختلفة و أفلاكا كثیرة یحصل من اجتماعها و اختلافها سرعة و بطء و جهة و أوضاع مختلفة من المقارنات و المقابلات و التربیعات و التسدیسات و التثلیثات و غیر ذلك فتنتظم بها سلسلة الحوادث عندهم.

و هذه الشبهة بتلك التقریرات أقوی شكوكهم و للتفصی عنها طرق الطریق الأول ما هو المشهور بین المتكلمین و هو أن یقال إنهم یقولون بقدم العالم لزعمهم لزوم توسط أمر ذی جهتی استمرار و تجدد بین الحادث الیومی و القدیم لئلا یلزم التخلف عن العلة التامة و نحن نقول إنه الزمان و لا یلزم القدم لكونه أمرا اعتباریا انتزاعیا و أدلة وجوده مدخولة و لا نقول بانتزاعه من

ص: 279

موجود ممكن حتی یلزم القدم أیضا بل هو منتزع من بقائه تعالی فكما أنهم یصححون ربط الحادث بالقدیم بالحركة و الزمان كذلك نصححه أیضا بالزمان و كون الزمان مقدار حركة الفلك ممنوع بل نعلم بدیهة أنه إذا لم یتحرك الفلك مثلا یتوهم هذا الامتداد المسمی بالزمان و القول بأنه لعله من بدیهة الوهم لا یصغی إلیه (1).

ثم إن الزمان و إن كان وهمیا فمعلوم أنه لیس وهمیا اختراعیا بل وهمیا نفس أمری و مثل هذا الوهمی یصح أن یكون منشأ للأمور الموجودة فی الخارج لا بأن یكون فاعلا لها بل دخیلا فیها مع أن محققی الفلاسفة وافقونا علی كون الزمان الممتد المتصل أمرا انتزاعیا مرتسما فی الخیال و خالفونا فیما هو منشأ لانتزاعه فقالوا بوجود أمر قدیم سرمدی فی الخارج لا امتداد له و لا

تقدر و اعتقدوا أن له جهتی استمرار و تنقل كالحركة التوسطیة و سموه بالآن السیال و زعموا أن ذلك الأمر یفعل باستمراره و سیلانه فی الخیال أمرا ممتدا متصلا غیر قار الأجزاء فی الوجود

ص: 280


1- 1. الأمور التی لها حظ من الوجود و نحو تحقّق فی الخارج سواء فرض هناك مدرك أم لا هی الأمور الحقیقیة كالماء و الهواء و الأرض و غیرها، و لا فرق فیها بین ما یدرك بالحواس كالمبصرات و المسموعات و ما لا یدرك كذات البارئ تبارك و تعالی، و تنقسم الی الواجب و الممكن، و الممكن الی الجوهر و الا عراض التسعة و منها الكم و هو منفصل و متصل و المتصل قار و غیر قار و الكم المتصل غیر القار هو الزمان. إذا عرفت هذا فاعلم ان قوله« نعلم بدیهة انه إذا لم یتحرك الفلك مثلا اصلا یتوهم هذا الامتداد المسمی بالزمان.» ان أراد به انه یمكن وجود الزمان مع عدم وجود جسم أعمّ من الفلك و غیره فممنوع و دعوی البداهة كما تری. كیف و الزمان كما عرفت عرص لا یقوم الا بجوهر، و ذات البارئ سبحانه اعلی و ارفع و اجل و امنع من ان یصیر موضوعا لعرض او محلا لحال، أو یدركه عقل أو یناله و هم! و من هنا تعرف ما فی القول بانتزاع الزمان من ذاته تعالی و تقدس، و ان أراد به عدم انحصار راسم الزمان فی حركة الفلك الوضعیة فله وجه لكنه لا یلائم الالتزام بانتزاعه من بقائه تعالی. و ان أراد انه لا یتمكن الوهم من ادراك موجود خارج عن ظرف الزمان فیتوهم امتدادا یسمی بالزمان فانا لا ننكر عجز الوهم عن ذلك، لكن التوهم غیر إدراك الواقع فالوهم لا یدرك ما هو خارج عن ظرف المكان أیضا فهل یمكن القول بعدم تحقّق موجود خارج عن ظرف المكان؟!.

الفرضی الخارجی أو فی حدوث الارتسام كالحركة بمعنی القطع و سموه بالزمان بمعنی القطع كل ذلك من غیر ضرورة و لا برهان یدل علی ذلك الأمر البسیط فی الخارج فإن الشیخ لم یزد فی الشفاء علی تحریر الدعوی و إعادته بعبارات متكررة فی فصول شتی و لا نقل عن السابقین علیه دلیل فی هذا الباب و اقتفی المقلدون أثرهم بحسن الظن بهم و لیت شعری إذا قنعوا بالتقلید فلم لم یقلدوا من قلدهم اللّٰه تقلیده و تصدیقه علی أن العقل المستقیم ینقبض عن وجود ذلك الأمر فی الخارج بل یمكن إبطاله أیضا بوجوه لیس هذا مقام إیرادها مع أنه علی هذا القول یرد علیهم ما یرد علینا.

و ما قیل من أن الزمان الموهوم لا تمایز بین أجزائه و طلب الترجیح فیما بینها غیر معقول مدفوع بما مر من أنه و إن لم یكن موجودا لكنه من الأمور الواقعیة التی یحكم العقل علیها بتلك الأحكام حكما واقعیا مع أنه لو كان وهمیا محضا لا یترتب علیه حكم لا یتحقق التخلف أیضا إذا لم یتخلل زمان بین العلة و أول المعلولات أصلا حتی یسأل عن الترجیح بین أجزائه فیلزم الترجیح بلا مرجح و الامتداد المتوهم محض اختراع الوهم حینئذ.

و حاصل الجواب حینئذ أنا نختار أنه لیس فی الأزل مستجمعا لشرائط التأثیر قوله توقف علی شرط حادث قلنا هو تمام قطعة من الزمان یتوقف علیها وجود العالم و یرتبط به الحادث بالقدیم علی نحو ما التزمه الفلاسفة فی الحركة إلا أن توسیط الحركة یستدعی قدم الحركة التوسطیة السرمدیة بل قدم المتحرك بها بل سائر الأجسام علی ما عرفت و فی هذا المسلك لا یلزم شی ء من ذلك لأن الزمان و إن كان من الأمور المتحققة فی نفس الأمر لكنه لیس من الموجودات الخارجیة و لا مما ینتزع من حركة أو جسم حتی یلزم من تحققه فی الأزل قدمه أو قدم منشإ انتزاعه بل إنما ینتزع من ذات الأول تعالی و ما قیل من أن حقیقة الزمان هی التقضی و الاستمرار الممتد فلو كان انتزاعیا لكان منتزعا مما یناسبه و یشابه مهیته كالحركة القطعیة التی هی أمر تدریجی متصل غیر قار

ص: 281

و وجود الواجب سبحانه أمر ثابت لا یتصور فیه شائبة تدریج و انقسام فأی مناسبة بینه و بین ما ینتزع منه فجوابه أن ما ادعیت من لزوم تحقق المناسبة بین كل انتزاعی و منشإ انتزاعه حكم غیر بین و لا مبین و لئن سلمنا لزومه فهو لا ینحصر فیما نفهمه من الزمان من معنی التجدد و الاتصال و لعله تتحقق مناسبة ما بینهما من جهة أخری خفیة عن إدراكنا و عدم الوجدان لا یعطی العدم أ لا تری أن أكثر الانتزاعیات كالزوجیة و الفردیة و الفوقیة و التحتیة و غیرها ینتزع من محالها و لا یحكم وجداننا بتحقق مناسبات تفصیلیة بین كل منتزع و ما ینتزع منه و ذلك إما لعدم لزوم تحققها فی الواقع أو لعدم اطلاعنا علی تفاصیلها و أیا ما

كان فلیكن الأمر فیما نحن بصدده كذلك علی أنه یرد مثل ذلك علی الفلاسفة أیضا إذ الزمان و الحركة بمعنی القطع منتزعان عندهم من الآن السیال و الحركة التوسطیة مع مباینتهما فیما ذكره المورد من الأوصاف (1).

ص: 282


1- 1. لا ریب فی عدم ثبوت واسطة بین الوجود و العدم و لا احتمله أحد من الخاصّة، و هذا لعمری من الواضحات بل البدیهیات، و ان تفوه بعض متكلمی العامّة بثبوت الواسطة و قال بالاحوال و الثابتات! و كیف كان فلا یظن بالمؤلّف- رحمه اللّٰه- مخالفته لجمیع الاصحاب، و موافقته للمعتزلة فی هذا الباب، فمعنی ما ذكره من كون الأمور الانتزاعیة غیر موجودة فی الخارج و لا معدومة صرفة انها عناوین ذهنیة یتوسل بها إلی درك الحقائق الخارجیة، فهی موجودة فی الذهن معدومة فی الخارج و لا تتعدی حدّ الذهن ابدا و لیست كالماهیات الحقیقیة التی تتحد فی الخارج مع الوجود الخارجی و فی الذهن مع الوجود الذهنی لكن لها منا شی ء انتزاع حقیقیة خارجیة متناسبة معها، و لا یمكن انتزاع عنوان من شی ء الا لاجل تلك المناسبة و الا لامكن انتزاع كل شی ء من كل شی ء، و كذا لا یمكن للعقل انتزاع عنوان من شی ء لا یدرك مناسبته لذلك العنوان لان الانتزاع فعل العقل و العقل انما یفعل ما یدرك، فلا یكفی فرض مناسبة خفیة عن ادراكه و هو بمكان من الوضوح، و علی هذا فلو فرض كون الزمان امرا انتزاعیا فلا محیص عن الالتزام بادراك العقل مناسبته مع منشأ انتزاعه، و المعنی الذی یحكی عنه لفظة« الزمان» هو أمر تدریجی لا یكاد یوجد جزءان منه معا، فهل له مناسبة الا مع الحركة التی هی أیضا كذلك؟ و هل له مناسبة مع ذات البارئ سبحانه التی لا یتطرق إلیها تغیر و تدرج، و نقص و قصور، و زوال و دثور؟ سبحان اللّٰه عما یصفون. و سیأتی من المؤلّف- ره- الاستظهار من روایات كثیرة جدا ان اللّٰه تعالی غیر مقارن للزمان اصلا، و ان الزمان من المقادیر، و ان حدوث العالم لیس بمعنی سبق زمان علیه.

و كذا ما قیل من أن اتصافه تعالی بالبقاء یتوقف علی تحقق زمان إذ المفهوم منه وجود أمر فی آن مسبوق بوجود ذلك الأمر فی آن آخر یتقدمه فلو كان الزمان منتزعا من الذات المتصفة بالبقاء لزم الدور مدفوع بأن هذه العبارة صدرت منهم مسامحة و اتكالا علی وضوح الأمر بل المنشأ لانتزاع الزمان هو وجوده سبحانه الذی یمتنع علیه طریان العدم بمدخلیة هذا الوصف و ظاهر أن هذا الوصف ثابت له سبحانه فی ذاته من غیر توقف علی اعتبار بقاء أو زمان أو غیر ذلك لأن هذا الوصف من لوازم الوجود الذاتی الذی هو عین ذاته أو أمر لا یحتاج ثبوته للذات إلی أمر سوی الذات و مجرد الاستلزام بین الوصف المذكور و البقاء غیر كاف فیما المعترض بصدده كما لا یخفی فإن انتزاع البقاء بالمعنی المذكور عن الذات متأخر عن ثبوت هذا الوصف بل عن انتزاع الزمان أیضا.

و أورد علیه أیضا أنه لو كان منتزعا منه سبحانه لكان صفة له كما هو شأن سائر ما ینتزع منه كالعلم و الإرادة و القدرة و الخلق و غیر ذلك من المعانی المصدریة و التالی باطل لأنه سبحانه لا یتصف بالزمان لا بالحمل مواطاة و هو ظاهر و لا اشتقاقا لأنه لیس بزمانی كما أنه لیس بمكانی كما تشهد به العقول السلیمة و النصوص الواردة عن الصادقین علیهم السلام.

و أجیب عنه أولا بأنا لا نسلم أن كل ما ینتزع من شی ء یجب أن یكون صفة له لأن مناط كون شی ء صفة لشی ء هو وجود العلاقة الناعتیة بینهما و كون انتزاع شی ء من شی ء مطلقا مستلزما لوجود تلك العلاقة غیر بین و لا مبین و من تصدی له فعلیه البیان (1) و أما ثانیا فلأنا لو سلمنا ذلك نقول ما ورد من النصوص من أنه لیس بزمانی و لا مكانی معناه أنه كما لا یحیط به مكان حتی یكون ظرفا له مشتملا علیه كذلك لا یحیط به زمان حتی یتقدم علیه جزء من ذلك الزمان أو یتأخر عنه جزء آخر منه فیكون وجوده مقارنا لحد خاص من الزمان مسبوقا بحد آخر منه خال عن وجوده فیكون ذلك الحد ماضیا بالنسبة إلی وجوده الحق

ص: 283


1- 1. قد عرفت لزوم العلاقة بین العنوان المنتزع و منشأ الانتزاع فی البیان السابق.

و سابقا علی حد آخر كذلك حتی یكون مستقبلا بالقیاس إلیه (1) و أما مقارنة الحق القدیم للزمان و تحققه معه فی نفس الأمر من الأزل إلی الأبد فلا شك فی صحته و وقوعه و یكفی فی اتصافه تعالی بالزمانی تحقق المعنی الثانی و لیس لمفهوم لفظ الزمانی لغة و لا اصطلاحا اختصاص بما یقارنه الزمان علی النحو الأول و أما اتصافه سبحانه بالمكانی فإنه إنما منع لأنه لم یتحقق المقارنة بین ذاته تعالی و بین المكان بشی ء من المعنیین لا بمعنی إحاطة المكان به و لا بمعنی مقارنة وجوده لوجوده أزلا و أبدا و لا شك أن اتصافه سبحانه بالزمانی بهذا المعنی مما لا ینكره العقل و لا النقل بل ما ورد فی النصوص من توصیفه بالباقی و الدائم و السرمدی و الأزلی و الأبدی مما یشهد بصدقه و یؤذن بأن النصوص الدالة علی نفی اتصافه بالزمانی إنما المراد بها نفی إحاطة الزمان بوجوده الحق علی ما هو شأنه مع المتغیرات الحادثة فی حد منه دون حد أو أنه لا یتقدر وجوده سبحانه باللیل و النهار و الشهور و السنین.

الطریق الثانی بناء الجواب علی عدم كونه سبحانه زمانیا كما أومأنا إلیه سابقا و علیه شواهد كثیرة من الأخبار أشرنا إلی بعضها فی مواضعها و قد مر كثیر منها فی كتاب التوحید نحو مَا رَوَاهُ الصَّدُوقُ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُوصَفُ بِزَمَانٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ لَا حَرَكَةٍ وَ لَا انْتِقَالٍ وَ لَا سُكُونٍ بَلْ هُوَ خَالِقُ الزَّمَانِ وَ الْمَكَانِ وَ الْحَرَكَةِ وَ السُّكُونِ تَعَالَی عَمَّا یَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِیراً.

وَ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِی إِبْرَاهِیمَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَمْ یَزَلْ بِلَا زَمَانٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ هُوَ

ص: 284


1- 1. لسائل أن یسأل: هل تجوزون أنتم هذا التأول فی نفی المكانیة عنه تعالی بأن یقال: معنی كونه تعالی غیر مكانی أنّه لا یقارن مكانا أوسع من ذاته فیبقی بعض أجزاء المكان خالیا فیعتبر مكان سابق علی ذاته؟ و لا حقّ لذاته! و إن لم تجوزوا و لن تجوزوا فما المصحح له فی نفی الزمانیة عنه سبحانه و دعوی ظهور النصوص فی كونه تعالی مقارنا لزمان أزلیّ أبدی كدعوی ظهورها فی كونه سبحانه مقارنا لمكان غیر متناه من كل طرف و الحل أن معنی هذه الروایات إحاطته تعالی بكل شی ء إحاطة لا یشذ عن دائرتها أی شی ء، و ان بلغ من الامتداد و الوساعة الی حیث یعجز الوهم عن نیله لا مقارنته للزمان الغیر المتناهی من جهة البدء و النهایة او للمكان الغیر المتناهی من كل جهة.

الْآنَ كَمَا كَانَ الْخَبَرَ.

وَ فِی خَبَرٍ آخَرَ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا یُوصَفُ بِمَكَانٍ وَ لَا یَجْرِی عَلَیْهِ زَمَانٌ.

وَ فِی الْكَافِی وَ غَیْرِهِ فِی أَخْبَارٍ كَثِیرَةٍ: وَ اللَّهُ لَا یُوصَفُ بِخَلْقِهِ.

وَ رُوِیَ عَنْ سَیِّدِ الشُّهَدَاءِ علیه السلام فِی بَعْضِ خُطَبِهِ: لَیْسَ عَنِ الدَّهْرِ قِدَمُهُ.

إذ الظاهر أن المراد أن قدمه سبحانه لیس قدما زمانیا ینشأ من مقارنة الزمان أبدا و قد مر

قَوْلُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: الَّذِی لَیْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَ لَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ وَ لَا نَعْتٌ مَحْدُودٌ.

وَ فِی النَّهْجِ: لَمْ یَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالًا فَیَكُونَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ یَكُونَ آخِراً وَ یَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ یَكُونَ بَاطِناً.

و قد مر

قَوْلُهُ علیه السلام: لَا تَصْحَبُهُ الْأَوْقَاتُ وَ قَوْلُهُ علیه السلام مَا اخْتَلَفَ عَلَیْهِ دَهْرٌ فَیَخْتَلِفَ مِنْهُ الْحَالُ وَ قَوْلُهُ علیه السلام لَیْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَ لَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَ لَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَ لَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ.

وَ فِی التَّوْحِیدِ عَنِ الْكَاظِمِ علیه السلام: أَنَّ اللَّهَ لَا یُوصَفُ بِزَمَانٍ وَ لَا مَكَانٍ.

وَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: لَمْ یَخْتَلِفْ عَلَیْهِ حُقْبُ اللَّیَالِی وَ الْأَیَّامِ.

وَ عَنْهُ علیه السلام: لَا یَزَالُ وَحْدَانِیّاً أَزَلِیّاً قَبْلَ بَدْوِ الدُّهُورِ وَ بَعْدَ صَرْفِ الْأُمُورِ.

وَ قَدْ مَرَّ أَیْضاً قَوْلُهُ علیه السلام: إِنَّهُ یَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْیَا وَحْدَهُ لَا شَیْ ءَ مَعَهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا كَذَلِكَ یَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا بِلَا وَقْتٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ لَا حِینٍ وَ لَا زَمَانٍ.

وَ قَدْ مَرَّ أَیْضاً فِی حَدِیثِ ذِعْلِبٍ: لَا تَضْمَنُهُ الْأَوْقَاتُ إِلَی قَوْلِهِ مُخْبِرَةً بِتَوْقِیتِهَا أَنْ لَا وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا وَ فِی خُطْبَةٍ أُخْرَی سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ وَ الِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ إِلَی قَوْلِهِ كَیْفَ یَجْرِی عَلَیْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ وَ فِی خُطْبَةٍ أُخْرَی لَا یُقَالُ لَهُ مَتَی وَ لَا یُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِحَتَّی.

وَ قَدْ مَرَّ فِی خُطْبَةِ الرِّضَا علیه السلام: لَا تَصْحَبُهُ الْأَوْقَاتُ إِلَی قَوْلِهِ فَفَرَّقَ بِهَا بَیْنَ قَبْلٍ وَ بَعْدٍ لِیُعْلَمَ أَنْ لَا قَبْلَ لَهُ وَ لَا بَعْدَ إِلَی قَوْلِهِ مُخْبِرَةً بِتَوْقِیتِهَا أَنْ لَا وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا إِلَی قَوْلِهِ وَ لَا تُوَقِّتُهُ مَتَی وَ لَا تَشْمَلُهُ حِینَ وَ لَا تُقَارِنُهُ مَعَ إِلَی قَوْلِهِ فَكُلُّ مَا فِی الْخَلْقِ لَا یُوجَدُ فِی خَالِقِهِ وَ كُلُّ مَا یُمْكِنُ فِیهِ یَمْتَنِعُ مِنْ صَانِعِهِ وَ لَا تَجْرِی عَلَیْهِ الْحَرَكَةُ وَ السُّكُونُ وَ كَیْفَ یَجْرِی عَلَیْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ وَ یَعُودُ فِیهِ مَا هُوَ ابْتَدَأَهُ.

وَ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام: لَمْ یَكُنْ لَهُ كَانَ.

و أمثال هذه كثیرة قد مر أكثرها و ظاهر الجمیع بل صریح بعضها نفی كونه سبحانه زمانیا و كذا یدل

ص: 285

علی ذلك ما ینفی عنه سبحانه المقادیر(1) فإن الظاهر أن الزمان أیضا من المقادیر و كذا ما یدل علی استحالة التغیر و تجدد الحال علیه تعالی فما یدل علی خلاف ذلك مثل قوله تعالی كُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ (2) و قوله خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ (3) و أمثال ذلك مما مر بعضها فیمكن حملها علی ضیق العبارة فإن أهل اللغة لا یفهمون التجرد من الزمان و وضعوا الألفاظ للمعانی المتعارفة بینهم و إما لتفهیم عامة الناس فإن تصور التجرد عن الزمان صعب یحتاج إلی لطف قریحة و إما أن یكون من قبیل قوله تعالی هُوَ مَعَكُمْ أَیْنَ ما كُنْتُمْ (4) و یكون المعیة مع الزمان كالمعیة مع المكان بل المكانیات و إما أن یقال المنفی عنه تعالی هو الزمان بالذات و المثبت هو الزمان بالعرض كما یفهم من كلام السید الشریف فی معنی السرمد و إما أن یكون من قبیل نفی الزمان و إثبات الثمرة كما فی سائر الصفات فإن الآلة منتفیة و ثمرة السمع و البصر و غیرهما ثابتة و كذا مبدأ اشتقاق الرحمة و الغضب و اللطف و غیرها منتفیة و ثمراتها ثابتة فالزمان منفی عنه تعالی و ثمرته ثابتة من توصیف أفعاله سبحانه بأوصاف الزمانیات من التعاقب و الترتیب و وقوعه فی الیوم دون أمس إلی غیر ذلك إما فی الأفعال فی أنفسها أو بالنسبة إلینا بلا تغیر فی ذاته تعالی و تجدد و تصرم بالنسبة إلیه سبحانه و كون بعضها بالفعل و بعضها بالقوة له تعالی و لا استبعاد فیه فإن جمیع الأمور الإلهیة غریبة عجیبة لا تدركها الأبصار(5)

و لا یخطر ببال أولی الرویات خاطرة من تقدیر جلاله و لا یصل إلیه ألباب البشر بالتفكیر بل ترجع خاسئة حسیرة و نهایة علم الراسخین

ص: 286


1- 1. هذا اعتراف منه- رحمه اللّٰه- بأن الزمان مقدار كما ذكرنا سابقا انه كم متصل غیر قار، و كونه مقدارا یساوق كونه امرا حقیقیا، فان الأمور الحقیقیة لا تنحصر فی الجواهر ذات الابعاد، فانا لا نشك فی وجود السواد و البیاض فی الخارج حقیقة و هما من الاعراض، و كونه امرا حقیقیا ینافی كونه أمرا موهوما فتأمل.
2- 2. الرحمن: 29.
3- 3. الأعراف: 54.
4- 4. الحدید: 4.
5- 5. فی بعض النسخ: الافكار.

فی العلم الاعتراف بالعجز عن إدراك حقیقتها و كیفیتها فلیس لدوامه سبحانه امتداد و طول یمكن انطباقه علی الزمان حقیقة كبقاء الممكنات المنطبقة علی قطعة من الزمان بل اللّٰه تعالی فوق ما یصفه الواصفون و لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ و یؤید بعض هذه الوجوه

مَا رَوَاهُ الْكُلَیْنِیُّ وَ الصَّدُوقُ فِی الْكَافِی وَ الْمَجَالِسِ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: أَنَّهُ قَالَ فِی خُطْبَةِ الْوَسِیلَةِ إِنْ قِیلَ كَانَ فَعَلَی تَأْوِیلِ أَزَلِیَّةِ الْوُجُودِ وَ إِنْ قِیلَ لَمْ یَزَلْ فَعَلَی تَأْوِیلِ نَفْیِ الْعَدَمِ.

وَ فِی الْكَافِی فِی خُطْبَةٍ لَهُ علیه السلام: أَزَلُهُ نُهْیَةٌ لِمَجَاوِلِ الْأَفْكَارِ وَ دَوَامُهُ رَدْعٌ لِطَامِحَاتِ الْعُقُولِ قَدْ حَسَرَ كُنْهُهُ نَوَافِذَ الْأَبْصَارِ وَ قَمَعَ وُجُودُهُ جَوَائِلَ الْأَوْهَامِ.

و النهیة بضم النون و سكون الهاء اسم من نهاه ضد أمره و المجاول جمع مجول بفتح المیم و هو مكان الجولان أو زمانه و الجوائل جمع جائلة من الجولان.

و اعلم أن عقل العقلاء فی هذه المسألة متحیر فكثیر من المحققین أثبتوا له سبحانه زمانا و قالوا إنه موهوم (1)

انتزاعی نفس أمری ینتزع من بقائه سبحانه كما عرفت و أكثر الحكماء و المحققین ذهبوا إلی استحالة عروض الزمان و متی للواجب تعالی و للعقول المجردة فی الذات و الفعل التی كمالاتها بالفعل علی زعم الحكماء و قال أرسطو فی أثولوجیا الشی ء الزمان لا یكون إلا فی الزمان الذی وافق أن یكون فیه فأما الفاعل الأول (2)

فقد كان لأنه لیس هناك زمان فإن الشی ء الملاقی فی الزمان المستقبل قائم هناك فلا محالة أنه هناك یكون موجودا قائما كما سیكون فی المستقبل (3)

فالأشیاء إذن عند البارئ جل ذكره كاملة تامة زمانیة كانت أو غیر زمانیة و هی عنده دائما و كذلك كانت عنده أولا كما تكون عنده أخیرا(4)

و قال الأشیاء هناك دائم لا یتغیر بل علی حال واحد.

ص: 287


1- 1. مفهوم( خ).
2- 2. فی المصدر: و أمّا فی الفاعل الأول.
3- 3. فی المصدر: فان كان هذا هكذا فالشی ء اذن الكائن فی المستقبل هو هناك موجود قائم لا یحتاج فی تمامه و كماله هناك الی أحد الأشیاء البتة فالاشیاء ....
4- 4. هامش القبسات: 218.

و قال أیضا لا ینبغی لسامع قول الفیلسوف یعنی شیخه أفلاطون أن ینظر إلی لفظه فیتوهم علیه أنه قال إن البارئ خلق الخلق فی زمان فإنه (1) إنما اضطر الأولون إلی ذكر زمان فی بدء الخلق لأنهم أرادوا وصف كون الأشیاء فاضطروا أن یدخلوا الزمان فی وصفهم الكون و فی وصف الخلیقة التی لم تكن فی زمان البتة لأن المرء إذا أراد أن یبین العلة اضطر إلی ذكر الزمان لأنه لا بد للعلة أن تكون قبل المعلول فیتوهم المتوهم أن القبلیة هی الزمان و لیس ذلك كذلك (2) انتهی.

و قیل و لعله لهذا الوجه وقعت الألفاظ الموهمة للزمان فی كلام الشارع.

أقول: و كذلك صرح الشیخ بأنه تعالی لیس بزمانی فی تعلیقاته و الشفاء كما مر بعض كلماته و الفارابی فی الفصوص و التعلیقات و شیخ الإشراق و العلامة الشیرازی و شارح التلویحات و فخر الدین الرازی و المحقق الدوانی.

و قال المحقق الطوسی رحمه اللّٰه فی نقد المحصل و أما البارئ تعالی و كل ما هو علة الزمان أو شرط وجوده فلا یكون فی الزمان و لا معه إلا فی التوهم حیث یقیسها الوهم إلی الزمانیات و العقل كما یأبی عن إطلاق التقدم المكانی كذلك یأبی عن إطلاق التقدم الزمانی بل ینبغی أن یقال إن للبارئ تعالی تقدما خارجا عن القسمین و إن كان الوهم عاجزا عن فهمه و قال أیضا فی جواب الأسئلة القونویة لما نفوا عنه الكون فی المكان جعلوا نسبة جمیع الأماكن إلیه نسبة واحدة متساویة و لما نفوا عنه الكون فی الزمان جعلوا نسبة جمیع الأزمنة حالها و ماضیها و مستقبلها إلیه نسبة واحدة متساویة.

و قال رحمه اللّٰه فی شرح رسالة العلم أزلیته تعالی إثبات سابقیة له علی غیره و نفی المسبوقیة عنه و من تعرض للزمان أو الدهر أو السرمد فی بیان الأزلیة فقد ساوق معه غیره فی الوجود انتهی و اعلم أن تسلیم الحكماء لهذا الأصل بل تجویز العقل علی

ص: 288


1- 1. فی المصدر فانه و إن توهم ذلك علیه فی الفاظه و كلامه فانه انما لفظ بذلك إرادة أن یتبع عادة الاولین فانه ....
2- 2. هامش القبسات: 177. و كانه- رحمه اللّٰه- نقل مخلصا.

سبیل الاحتمال كاف لحل بعض شبهاتهم علی الحدوث و قیل و مما یدل من جهة العقل علی استحالة عروض الزمان له تعالی أن الزمان حقیقته تجدد شی ء و تقضی شی ء و تصرمه و هذا ظاهر عند العقل و مبین مشروحا فی الكتب و تجدد شی ء و انقضاء شی ء آخر محال علی اللّٰه تعالی كما یدل علیه العقل و النقل انتهی.

و إذا تمهد هذا مع ما نقلنا سالفا من تحقیق الدهر و السرمد نقول فی دفع شبههم علی تقدیر الحدوث لا نسلم لزوم التخلف عن العلة التامة و إنما یتصور التخلف لو كانت العلة زمانیة و وجدت العلة فی زمان و لم یوجد المعلول معه فی ذلك الزمان و هنا لعل العلة أو العلة و المعلول كلیهما لم یكونا زمانیین أما العلة فقد مر و أما المعلول فالكلام فی الصادر الأول و هناك لم یوجد زمان و زمانی أصلا و لا شی ء إلا الواحد القهار و بالجملة إذا كانت العلة و المعلول كلاهما زمانیین یجب أن یجمعهما آن أو زمان و إلا فلا و نظیره التخلف المكانی فإنه لو كانا مكانیین یتصور الاجتماع و الافتراق و المماسة و اللامماسة و أما إذا لم یكن أحدهما أو كلاهما مكانیین لم یتصور أمثال هذه الأمور و كذا إنما یتصور الترجیح بلا مرجح إذا كان تحقق زمان وقع أمر فی جزء منه دون جزء و صدر المعلول من العلة مرة و لم یصدر مرة أخری و قبل خالق العالم الزمان و الزمانیات معدومة مطلقا و نفی صرف لا یجری فیه أمثال هذه الأوهام الكاذبة المخترعة الناشئة من الألفة بالزمان و المكان و لعله یذهب بعض الأوهام إلی أن العالم لم وجد فی المكان الذی فیه الآن و لم یوجد فوقه أو تحته أو غیرهما من الجهات إلی غیر ذلك من الأوهام و الخیالات الواهیة و الواجب جل شأنه مقدس عن أمثال هذه الأمور و لا یبلغ إلی كنه عظمته و جلاله عقل عاقل و ذهن ذاهن و لا یحوم حول كبریائه فكر مخلوق و ما قیل إنا نجزم بأن بعض الأمور مقدم علی بعض و أن بعضها مع بعض و لو لم یكن الامتداد كذلك بل و لو لم یكن فلك و لا حركة و لا لیل و لا نهار فممنوع و مثل هذا ما یقال فی الامتداد المكانی إنا نجزم بتقدم بعض الحدود علی البعض بالتقدم و التأخر الوضعی و الرتبی و لو لم یكن جسم و متمكن و به یثبتون البعد الموهوم الغیر المتناهی الذی هو الخلاء و لعل توهم هذین الامتدادین مما یحكم به الوهم

ص: 289

علی الإلف و العادة و لا أصل لهما أصلا فصاحب هذا المسلك یقول بأن الزمان و الحركات و سلسلة الحوادث كلها متناهیة فی طرف الماضی و أن جمیع الممكنات ینتهی فی جهة الماضی فی الخارج إلی عدم مطلق و لا شی ء بحت لا امتداد فیه و لا تكمم و لا تدریج و لا قاریة و لا سیلان و قبل ابتداء الموجودات لا شی ء إلا الواحد القهار و قوله ینتهی الموجودات إلی عدم مطلق و كذا قوله قبل ابتداء الموجودات لا شی ء محض من ضیق العبارة و لا تتصور القبلیة و الانتهاء إلی العدم حقیقة و نظیر تناهی الزمان و الامتداد الغیر القار تناهی المكان و الأبعاد القارة فإن الأبعاد القارة و الأمكنة تنتهی إلی العدم المطلق للأبعاد و الجسمانیات و لا یتصور وراء آخر الأجسام بعد و لا فضاء لا بعد موجود و لا موهوم حتی أنه لو مد أحد یده فیه لا یتحرك یده و لا یلج فیه لا لوجود جسم لا یمكن خرقه و لا لمصادم یمنعها بل للعدم المطلق للبعد و الفضاء

وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ عَدِّ أَجْسَامِ الْعَالَمِ: وَ لَا وَرَاءَ ذَلِكَ سَعَةٌ وَ لَا ضِیقٌ وَ لَا شَیْ ءٌ یُتَوَهَّمُ.

فكذا الحال فی انقطاع الزمان و جمیع الموجودات الممكنة فی جهة الماضی لا یتصور فیه امتداد أصلا لا موجود كما زعم الحكماء و لا موهوم كما توهمه المتكلمون فلا یمكن فیه حركات كما استدل به الحكماء علی عدم تناهی الزمان بل لا شی ء مطلق و عدم صرف و لما ألف الناس بالأبعاد القارة و جسم خلف جسم تعسر تصور عدمه علی بعض المتكلمین و ذهب إلی الأبعاد الموهومة الغیر المتناهیة و قال بالخلاء و كذا لما شاهدوا موجودا قبل موجود و زمانا قبل زمان صعب علیهم تصور اللاشی ء المحض فذهب طائفة من الحكماء إلی لا تناهی الزمان الموجود و طائفة من المتكلمین إلی لا تناهی الزمان الموهوم و لكن تصور اللازمان المطلق أصعب من تصور اللامكان و یحتاج إلی زیادة دقة و لطف قریحة.

و أقول و هذا الجواب فی غایة المتانة و اختاره السید المرتضی و الشیخ الكراجكی و غیرهما قال السید فی جواب شبهة القائل بالقدم فی تضاعیف كلامه غیر أن الصانع القدیم یجب أن تتقدم صنعته بما إذا قدرناه أوقاتا و أزمانا كانت

ص: 290

غیر متناهیة و لا محصورة فدل علی أنه لا یقول بقدم الزمان بل یقدره و یفرضه و قد مضی تصریحه رضی اللّٰه عنه بحدوث الزمان و أنه سبحانه ابتدأ ما أحدثه من غیر زمان و أن الزمان مقدار حركة(1)

الفلك فی المقصد الثانی.

و قال الكراجكی اعلم أن الملحدة لما لم تجد حیلة تدفع بها وجوب تقدم الصانع علی الصنعة قالت إنه متقدم علیها تقدم رتبة لا تقدم زمان فیجب أن نطالبهم بمعنی تقدم الرتبة و قد سمعنا قوما منهم یقولون إن معنی ذلك أنه الفعال فیها و المدبر لها فسألناهم هل یدافع ذلك عنها حقیقة الحدث فعادوا إلی الكلام الأول من أن كل واحد من أجزاء الصنعة محدث فأعدنا علیهم ما سلف حتی لزمهم الإقرار بحدث الكل و طالبناهم بحقیقة المحدث و القدیم فلم یجدوا مهربا من القول بتقدم القدیم فی الوجود علی المحدث التقدم المفهوم المعلوم الذی یكون أحدهما به موجودا و الآخر معدوما و لسنا نقول إن هذا التقدم موجب للزمان لأن الزمان أحد الأفعال و اللّٰه تعالی متقدم لجمیع الأفعال و لیس أیضا من شرط التقدم و التأخر فی الوجود أن یكون ذلك فی زمان لأن الزمان نفسه قد یتقدم بعضه علی بعض و لا یقال إن ذلك مقتض لزمان آخر و الكلام فی هذا الموضع جلیل و من فهم الحق فیه سقطت عنه شبه كثیرة.

و قال رحمه اللّٰه بعد إیراد جواب السید عن شبهة القائل بالقدم و جمیع ما تضمنه من إطلاق القول بأن بین القدیم و أول المحدثات أوقاتا لا أول لها فإنما المراد به تقدیر أوقات دون أن یكون القصد أوقاتا فی الحقیقة لأن الأوقات أفعال و قد ثبت أن للأفعال أولا فلو قلنا إن بین القدیم و أول الأفعال أوقاتا فی الحقیقة لناقضناه و دخلنا فی مذهب خصمنا نعوذ باللّٰه من القول بهذا ثم قال و قال بعض أهل العلم لا ینبغی أن نقول بین القدیم و بین المحدث لأن هذه اللفظة إنما تقع بین شیئین محدودین و القدیم لا أول له و الواجب أن نقول إن وجود القدیم لم یكن عن عدم و ساق الكلام إلی أن قال و لسنا نرید بذلك

ص: 291


1- 1. حركات( خ).

أنه كان قبل أن فعل مدة یزید امتدادها لأن هذا هو الحدوث و التجدد و هو معنی الزمان و الحركة فإن قال قائل إنه لا یثبت فی الأوهام إلا هذا الامتداد قیل له لیس بحیث یجب إذا ثبت فی الوهم أن یكون صحیحا أ لیس عندكم أنه لیس خارج العالم خلاء و ذلك غیر متوهم و ساق إلی أن قال ثم یقال لهم أ رأیتم لو قال لكم قائل لیس یثبت فی وهمی موجود لیس فی جهة فیجب أن یكون البارئ جل و عز فی جهة أ لیس یكون الجواب أن یقال إنما یثبت ذلك فی الوهم متی فرضتموه جسما فأما متی فرضتموه غیر جسم و لا متحیز فإنه لا یثبت ذلك فی الوهم فهكذا یكون جوابنا لكم قال ثم قال هذا المتكلم فإن قالوا إذا لم تثبتوا مدة مدیدة قبل الفعل فقد قلتم إن البارئ سبحانه لم یتقدم فعله قیل بل نقول إنه یتقدم علی معنی أن وجوده قارن عدم فعله ثم قارن وجود فعله و قولنا ثم یترتب علی عدم الفعل لا غیره.

أقول: و تكلم فی ذلك كثیرا إلی أن قال و هذه الطریقة التی حكیتها هی عندی قاطعة لمادة الشبهة كافیة فی إثبات الحجة علی المدل بها و هی مطابقة لاختیار أبی القاسم البلخی لأنه لا یطلق القول بأن بین القدیم و أول المحدثات مدة و یقول إنه قبلها بمعنی أنه كان موجودا ثم وجدت و هو معنی ما ذكره هذا المتكلم فی قوله إن وجوده قارن عدم فعله ثم قارن وجود فعله فهو علی هذا الوجه قبل أفعاله ثم قال و اعلم أیدك اللّٰه أن العبارات فی هذه المواضع تضیق عن المعانی و تدعو الضرورة إلی النطق بما عهد و وجد فی الشاهد و إن لم یكن المراد حقیقته فی المتعارف و یجوز ذلك إذا كان مؤدیا لحقیقة المعنی إلی النفس كقولنا قبل و بعد و كان و ثم فلیس المعهود فی الشاهد استعمال هذه الألفاظ إلا فی الأوقات و المدد فإذا قلنا إن اللّٰه تعالی كان قبل خلقه ثم أوجد خلقه فلیس هذا التقدیم و التأخیر مفیدا لأوقات و مدد و قد یتقدم الأوقات بعضها علی بعض بأنفسها من غیر أن یكون لها أوقات أخر و كذلك ما یطلق به اللفظ من قولنا إن وجود اللّٰه قبل

ص: 292

وجود خلقه فلیس الوجود فی الحقیقة معنی غیر الموجود و إنما هو اتساع فی القول و المعنی مفهوم معقول (1)

انتهی.

و قال الشیخ المفید رحمه اللّٰه فی كتاب المقالات الوقت هو ما جعله الموقت وقتا للشی ء و لیس هو بحادث مخصوص و الزمان اسم یقع علی حركات الفلك فلذلك لم یكن الفعل محتاجا فی وجوده إلی وقت و لا زمان و علی هذا القول سائر الموحدین انتهی.

و إنما أوردت كلام هؤلاء الأجلاء لئلا یتوهم أن هذا القول مستحدث مخالف لمذهب الإمامیة و لم یقل به القدماء بل الظاهر من كلام أكثر القدماء ذلك و اللّٰه یعلم حقیقة الحال.

الطریق الثالث أن إمكان وجود المعلول معتبر و هو من شرائط قبول المعلول للوجود لا من شرائط تمامیة الفاعل فی التأثیر لكونه من متممات ذات المعلول المفتقر إلی المؤثر و یجوز أن یكون بعض أنحاء الوجود بالنسبة إلی مهیة واحدة ممكنا دائما و بعض

آخر ممتنعا بالذات دائما كما بین فی محله و مثل هذا لا یستلزم تغییرا أصلا لا من طرف العلة و لا من طرف المعلول حتی نطلب له سببا بل أبدا هذا النحو من الوجود ممكن و ذاك ممتنع إذا تقرر هذا فنقول لعل الوجود الدائمی لا تقبله الماهیة الممكنة أصلا و قد مر من الأخبار و المؤیدات العقلیة ما یؤكده و سیظهر تأیید آخر من جواب النقض علی دلیلهم و بالجملة یجب علیهم إثبات أن الممكن یقبل الوجود الأزلی حتی یتم دلیلهم و دونه خرط القتاد.

الطریق الرابع النقض بالحوادث الیومیة فإنا نقول لو كان الواجب

ص: 293


1- 1. كلام هذا المحقق الجلیل و كذا كلام استاذه المتقدم ذكره و كذا كلام الشیخ المفید رحمهم اللّٰه و سائر كلمات أساطین العلم و أعاظم العلماء تدلّ علی أن الحدوث المجمع علیه لیس ما یدعیه جمهور المتكلّمین من كون العالم واقعا فی جزء من الزمان و وجود زمان غیر متناه قبل خلق العالم، بل صریح كلام الكراجكیّ أن القول بوجود زمان بین الحق تعالی و أول الافعال مناقض للقول بالحدوث، فتدبر جیدا.

تعالی فی طرف و جمیع ما عداه بحیث لا یشذ منها شی ء فی طرف آخر فإما أن یكون ذاته تعالی وحده علة تامة لشی ء ما أو لا یكون و علی الأول یلزم قدم شی ء ما و علی الثانی یلزم أن لا یوجد شی ء أبدا ثم نأخذ الصادر الأول معه تعالی و نقول الواجب مع هذا الصادر إما أن یكونا علة تامة لشی ء ما مما عداهما أو لا و یلزم قدم الصادر الثانی و هكذا فی الصادر الثالث و الرابع حتی ینتهی إلی الحادث الیومی و لا ینفعهم توسط الزمان و الحركة و الاستعداد.

قال المحقق الدوانی فی بحث إعادة المعدوم إذا اقتضی ذات الشی ء فی الأزل وجوده فیما لا یزال یلزم كونه موجودا فی الأزل فیما لا یزال و یلزم اجتماع أجزاء الزمان انتهی و تفصیله أنه إذا أخذنا من العلة الأولی ثم لاحظنا الأشیاء علی سبیل التنازل فلا بد من أن تنتهی نوبة الإیجاد إلی الزمان و الحركة لأنهما من جملة الممكنات فلا بد من أن یكونا فی سلسلة المعلولات و لا شك فی أن كل مرتبة منها علة تامة للاحقها و قدیمة عندهم فعلة الزمان و الحركة تامة مستقلة بلا مشاركة حادث أصلا فیلزم انقطاعهما و اجتماع أجزائهما و قدم جمیع الحوادث لأن العلة إذا كانت علة لجمیع أجزائهما فظاهر و أما إذا لم تكن بل تكون علة لجزء ما منهما ثم یكون ذلك الجزء معدا لجزء آخر و هكذا فلأن ذلك الجزء و إن كان قصیرا جدا فهو قابل للقسمة إلی أجزاء بعضها متقدم و بعضها متأخر فیلزم اجتماع أجزاء هذا الجزء فیلزم (1) من اجتماع هذا الجزء اجتماع أجزاء الجزء الذی یلیه و هكذا و أنت خبیر بأن الأخذ من الحادث الیومی علی سبیل التصاعد و القول بأن كل سابق معد للاحقه إلی غیر نهایة تدلیس محض.

و تمسك بعضهم لدفع هذا الإشكال بالحركة التوسطیة و الآن السیال لأنهما ذات جهتین الاستمرار و التجدد فمن جهة الاستمرار صدرتا عن القدیم و من جهة التجدد صارتا واسطتین فی صدور الحادث عن القدیم و فیه أنه لو تم هذا

ص: 294


1- 1. و یلزم( خ).

لزم إمكان حدوث جمیع أجزاء العالم بهذا الوجه فلا یلزم القدم الشخصی فی شی ء من أجزاء العالم و هو خلاف مذهبهم مع أنه لنا أن ننقل الكلام إلی جهة التجدد فإن كانت موجودة فی الواقع فیعود الكلام السابق بعینه و إذا لم تكن موجودة فلا یمكن أن یصیر واسطة.

و قال الغزالی ردا لجوابهم إن هذه الحركة مبدأ للحوادث إما من حیث إنها مستمرة أو من حیث إنها متجددة فإن كان من حیث إنها مستمرة فكیف صدر من مستمر متشابه الأجزاء شی ء فی بعض الأحوال دون بعض و إن كانت من حیث إنها متجددة فما سبب تجددها فی أنفسها فتحتاج (1)

إلی سبب آخر و یتسلسل و اعترض علیه بأن هذا التسلسل عندهم جائز لعدم وجوب اجتماع الآحاد هاهنا.

و قال المحقق الدوانی فی شرح العقائد فی دفعه إن التجدد عبارة عن انقضاء شی ء و حدوث شی ء آخر فإذا عدم جزء من الحركة فلا بد لعدمه من علة حادثة و تلك العلة إما أمر موجود أو عدم أمر أو بعضها موجود و بعضها عدم أمر موجود و علی الأول ننقل الكلام إلی علة ذلك الأمر و هكذا حتی یلزم التسلسل فی الأمور الموجودة المجتمعة المترتبة و علی الثانی فیكون ذلك العدم عدم جزء من أجزاء علة وجوده ضرورة أن ما لا یكون وجوده علة لوجود أمر لا یكون عدمه علة لعدمه فیلزم التسلسل فی الموجودات التی هذه الأعدام أعدام لها و علی الثالث لا بد أن یكون أحد القسمین من الأمور الموجودة و تلك الأعدام أو كلاهما غیر متناه و علی الوجهین یلزم التسلسل فی الأمور الموجودة المترتبة المجتمعة و الحاصل أنه یلزم التسلسل فی الأمور الموجودة المترتبة المجتمعة إما فی حال وجوده السابق أو حال عدمه اللاحق لأن عدمه إن كان بسبب أمر موجود أو عدمه بسبب عدم یستلزم حدوث أمر موجود كعدم عدم المانع المستلزم لوجود المانع یلزم التسلسل فی الموجودات المترتبة المجتمعة الحادثة فی حال عدمه و إن كان بسبب عدم أمر موجود لا یستلزم أمرا موجودا لزم التسلسل المذكور وقت وجود ذلك

ص: 295


1- 1. فنحتاج( خ).

الحادث و قس علیه الشق الثالث.

فإن قلت علی تقدیر أن یكون عدم كل جزء مستندا إلی عدم عدم المانع المستلزم لوجود المانع لا یلزم الترتیب بین تلك الموانع حتی یلزم التسلسل المستحیل بل لا یلزم اجتماع تلك الموانع فی الوجود أیضا لجواز أن یكون حدوثها و لو فی آن كافیا فی انتفاء ما هی مانعة عنه.

قلت تلك الموانع متعاقبة فی الحدوث فإن اجتمعت فی الوجود لزم التسلسل المستحیل لأن آحادها مترتبة فی الحدوث و بحسب الزمان و مجتمعة فی الوجود فیجری فیه التطبیق و لا یقدح فیه عدم ترتبها بحسب الذات كما لا یخفی علی ذی فطرة سلیمة فإنا نأخذ السلسلة المبتدأة من الحادث فی الیوم و نطبقها علی السلسلة المبتدأة من الحادث بالأمس و نسوق البرهان و إن لم تجتمع فی الوجود نقلنا الكلام إلی علة عدمها حتی یلزم التسلسل المستحیل فی الموجودات الحادثة وقت عدمها أو وقت وجودها فإن علة عدم كل مانع إما عدم عدم المانع المستلزم لوجود المانع أو عدم جزء من أجزاء علته و علی الأول یلزم وجود الموانع المترتبة فی الحدوث الغیر المتناهیة و علی الثانی یلزم أن یكون تحقق ذلك المانع موقوفا علی أمور موجودة غیر متناهیة مترتبة فیلزم التسلسل المستحیل فی أسباب وجوده انتهی.

و أنت خبیر بأنه علی سبیل المماشاة مع الحكماء و إلا فقد بیناه و بین هو نفسه أیضا ببعض الوجوه التی ذكرنا أن التسلسل مطلقا محال سواء كانت متعاقبة أو مجتمعة فظهر أن لا مخلص للحكماء إلا بالتزام أن إمكان نحو الوجود معتبر فی جانب المعلول و لا یضر فی تمامیة العلة فلما استحال اجتماع أجزاء الحركة و الزمان لكونهما غیر قارین وقع التخلف و صارا واسطتین بین العلة القدیمة و المعلول الحادث و هو بعینه الجواب عن أصل الدلیل و الحاصل أنهم بأی وجه یسندون الحادث إلی القدیم فلنا أن نسند جمیع العالم إلی الواجب تعالی بلا فرق.

و قد یقرر النقض بعبارة أخری و هی أنه یرد علی ما قرروه من كون

ص: 296

الحادث الیومی مرتبطا بالأزلی بسبب توسط أمر شخصی له جهتا استمرار و تجدد و هو الحركة التوسطیة السرمدیة إذ هی باعتبار استمرارها تصدر عن القدیم و باعتبار تجدد ذاتها تكون سببا للحادث أنه حینئذ تكون العلة التامة لوجود الحادث أمرا تدریجیا واقعا فی زمان غیر متناه من جانب الأزل و یكون الحادث الذی هو معلوله موجودا فی الآن الذی هو طرف لذلك الزمان و ما هذا إلا تخلفا للمعلول عن علته التامة إذ لا معنی للتخلف إلا كون ظرف وجود المعلول مغایرا لظرف وجود العلة فقد وقعوا فیما هربوا عنه من لزوم التخلف.

و أجیب عنه بأن التخلف المستحیل هو ما استلزم الترجیح بلا مرجح و ذلك إنما یتصور بأن یتخلل زمان بین وجود العلة و وجود معلوله إذ حینئذ یتوجه السؤال بأنه لم لم یوجد المعلول فی جزء آخر من ذلك الزمان المتخلل و وجد فی الحد الذی وجد فیه مع أن الإیجاب الحاصل من العلة متساوی النسبة إلی الزمانین و فیما نحن فیه لیس كذلك إذ لم یتخلل بین وجودی العلة و المعلول زمان بل كان وجود المعلول فی آن هو طرف لزمان وجود العلة و حینئذ لم یتوجه لا بأن یقال لم لم یوجد المعلول فی حد آخر غیر ما وجد فیه بكون ذلك الحد بعد زمان وجود العلة لانتفاء زمان متخلل یفرض فیه حد بینهما و لا بأن یقال لم لم یوجد المعلول فی آن قبل الآن الذی هو الطرف من آنات زمان وجود العلة إذ فی شی ء من تلك الآنات لم تخرج العلة التدریجیة بتمامها من القوة إلی الفعل و وجود المعلول یتوقف علی تمامها قیل و بهذا الجواب و إن اندفع المحذور المذكور فیما إذا كان المعلول آنیا و علته زمانیة لكن لا تنحسم مادة الإشكال فی المعلول الذی هو تدریجی بیان ذلك أن الواسطة التدریجیة التی قرروها مشتملة علی أجزاء تحلیلیة و قطعات یحكم العقل علی كل منها بالكون بعد أن لم یكن فلا بد فیها من القول بكون كل سابقة من القطعات شرطا لوجود اللاحقة حتی یصح ارتباطها بالقدیم و كون تلك القطعات غیر موجودة علی سبیل الجزئیة بالفعل لا یقدح فیما قلنا كما تشهد

ص: 297

به الفطرة السلیمة علی أن كتب الفلاسفة مملوءة بما یصرح بذلك و لا شك أن الجواب المذكور لا ینفع بدفع التخلف هاهنا إذ یتوجه أن یقال إن القطعة السابقة إذا وجدت بتمامها فی مجموع زمان و كانت تمامها علة موجبة للاحقه فلم لم توجد اللاحقة فی الآن الذی هو طرف لذلك الزمان أو لم یقع فی نفس الزمان الذی هو ظرف لوجود علتها حتی تكون القطعتان من الحركة التی إحداهما علة و الأخری معلولة متطابقتین فی الزمان متوافقتین فی الأخذ و الترك فإنه كما أن العلة زمانیة الوجود فكذلك

معلولها و كما أن العلة لم تخرج من القوة إلی الفعل فی شی ء من الآنات المفروضة فی زمان وجوده فكذلك المعلول فكما أنه إذا انقضی مجموع ذلك الزمان تم وجود العلة فی مجموعها صح كون مجموعها كذلك بلا تقدم للعلة علی المعلول بالزمان و إذا لم یقع المعلول كذلك بل وجد فی مجموع زمان آخر یتصل بالأول لم یكن ذلك إلا تخلفا.

و الجواب بأنه لو وجدت القطعة اللاحقة علی أحد الوجهین اللذین ذكرتهما لزم كون الحركة قار الذات و ماهیة الحركة لا تحتمل هذا النحو من الوجود فلم یكن ما فرضته حركة حركة و بأن الاحتمال الثانی یستلزم اجتماع المثلین فی محل واحد هو المتحرك و هو محال علی ما بین فی محله (1).

مدفوع بأن ما یدفع التخلف المستحیل الذی حقیقته تحقق ظرفین فی نفس الأمر یتصور وجود المعلول فی كل منهما و یكون تمامیة العلة و شرائطها و إیجابها متحققة فیهما بلا تفاوت و یكون مع ذلك وجود المعلول واقعا فی أحدهما علی سبیل الترجیح من غیر مرجح هو الجواب إما بانحصار الظرف فی واحد كالمعلول الآنی الواقع فی طرف زمان العلة أو ببیان مرجح مختص بأحد الطرفین حتی تكون العلة فی أحدهما لم تتم و لم توجب بعد و تمت فی الآخر و استجمعت شرائط التأثیر فخص وجود المعلول بالثانی لیس إلا.

و لا شك فی أن الجوابین المذكورین لا یفیدان شیئا من هاتین الإفادتین

ص: 298


1- 1. فی المخطوطة: فی موضعه.

بل لیس حاصلهما إلا أن عدم وقوع تخلف المحال لما استلزم محالا آخر هو اجتماع المثلین أو انقلاب ماهیة الحركة فلا محالة وقع التخلف و أنت خبیر بأن استلزام عدم التخلف للمحالین المذكورین لا یصیر رافعا لوصف الاستحالة عن التخلف الممتنع فی بداهة العقول و لا مجوزا لوقوعه بل حاصل هذا الكلام فی الحقیقة لیس إلا مغالطة ألزمت كون الواقع ظرفا لأحد المحالات إما المحالین المذكورین أو التخلف و لا محیص عن هذا الإشكال إلا بأن یقال القطعة اللاحقة كما توقف وجودها علی السابقة توقف علی أمر آخر هو الأجزاء التحلیلیة المفروضة فی نفس اللاحقة كهذا النصف و ذاك النصف منها و بذلك یظهر أنه لا یمكن وجود اللاحقة فی نفس زمان السابقة لتوقف اللاحقة حینئذ علی أجزاء لم یشرع بعد فی الخروج من القوة إلی الفعل أصلا و فیه بعد كلام و الأصل ما قدمناه من أن عذر الاستحالة مشترك كما عرفت و هذا الوجه الأخیر أیضا یمكن إجراؤه فی الزمان الموهوم كما عرفت.

الطریق الخامس ما ذكره المحقق الدوانی و هو اختیار أنه لم یكن جمیع ما لا بد منه فی وجوده متحققا فی الأزل إذ من جملته تعلق الإرادة بوجوده فی الأزل و لم تتعلق الإرادة بوجوده فی الأزل بل بوجوده فیما لا یزال من الأوقات الآتیة لحكمة و مصلحة و لا یرد أن التعلق الأزلی بوجوده إما أن یكون متمما للعلة أم لا و علی الأول یلزم وجوده فی الأزل لامتناع التخلف و علی الثانی یحتاج المعلول إلی أمر آخر سوی هذا التعلق و هو خلاف المفروض علی أنا ننقل الكلام إلی هذا الأمر لأنا نقول القدرة تؤثر علی وفق الإرادة و قد تعلقت الإرادة بوجوده فی وقت معین فلا یوجد إلا فیه.

فإن قیل لا بد من اختیار أحد شقی التردید الذی أوردناه.

قلنا إن أردتم أنه متمم لعلة وجوده فی الأزل فنختار أنه لیس كذلك و إن أردتم أنه متمم لعلة وجوده فیما لا یزال فنختار أنه كذلك و لا یلزم أزلیته و لا احتیاجه إلی أمر آخر كما أن الفاعل المختار إذا أراد إیجاد جسم ما علی

ص: 299

صفة معینة كالطول مثلا أو القصر یوجد المعلول بهذه الصفة فكذا هاهنا لما تعلق إرادة الفاعل المختار بوجود الحادث لم یتصور إلا كونه حادثا و الحاصل أن المعلول إنما یوجد بإرادة الفاعل المختار علی النحو الذی تعلق به إرادته سواء كان مقارنا لوجوده أو متأخرا عنه.

و قد یقال إن الأزل فوق الزمان و معنی كون الشی ء أزلیا أن یكون سابقا علی الزمان فالواجب تعالی لما كان متعالیا عن الزمان لا یوصف بكونه فی الزمان كما لا یوصف بكونه فی المكان فلا شی ء غیره فی الأزل و إنما یوجد ما یوجد حسب ما تعلقت به الإرادة الأزلیة من تخصیصها الأزلی بأوقاتها و الزمان من جملة الممكنات و قد تعلقت الإرادة الأزلیة بوجوده المتناهی و لیس اللّٰه تعالی متقدما علیه بالزمان إذ الواجب تعالی لیس بزمانی حتی یقال أنه متقدم علی غیره بالزمان.

فإن قیل لا شبهة فی أن الإرادة القدیمة بذاتها لیست كافیة فی وجود الممكن و علی فرض أن تكون كافیة یلزم قدم الممكن فلا بد من تعلقها و حینئذ لا یخلو هذا التعلق من أن یكون حادثا أو قدیما و علی الأول یلزم التسلسل لأنا ننقل الكلام إلی سبب هذا التعلق حتی یلزم التسلسل و علی الثانی قدم الممكن الذی تعلقت به الإرادة.

فقد أجیب عنه تارة بأن التعلق أمر عدمی فلا یحتاج إلی أمر یخصصه بوقت دون وقت و لئن سلم فالتسلسل فی الأمور الاعتباریة و هی التعلقات غیر ممتنع و أنت تعلم أن اختصاص كل صفة سواء كانت وجودیة أو عدمیة بوقت یحتاج إلی مخصص بالبدیهة و أما التسلسل فی التعلقات بأن یكون مخصص تعلق الإرادة بذلك الوقت تعلق الإرادة بتعلق الإرادة فی ذلك الوقت و هكذا حتی تكون إرادة وجود الممكن فی ذلك الوقت لأنه أراد إرادة وجوده فی ذلك الوقت و أراد إرادة إرادة وجوده فی ذلك الوقت لأنه أراد إرادة تلك الإرادة و هكذا فیتسلسل تعلقات الإرادة من جانب المبدأ و ینتهی من الجانب الآخر إلی إرادة ذلك الممكن و حینئذ تكون

ص: 300

الحال كما تقول به الفلاسفة من تعاقب الاستعدادات الغیر المتناهیة حتی ینتهی إلی الاستعداد القریب الذی یلی المعلول فقد قیل علیه أنه باطل مع قطع النظر عن جریان التطبیق فیه لأنه یلزم انحصار الأمور الغیر المتناهیة بین حاصرین و هما نفس الإرادة و تعلقها الذی یلی الممكن.

أقول: و أنت تعلم أنه لا انحصار هنا بین حاصرین أصلا بل ذات الإرادة محفوظة فی جمیع المراتب و تتوارد علیها تعلقات مترتبة غیر متناهیة علی نحو تعاقب الاستعدادات الغیر المتناهیة علی المادة فلیست الإرادة و لا المرید طرف السلسلة كما لیست المادة طرف السلسلة فالقول بالانحصار هنا وهم ظاهر الفساد و إن ظهر عن بعض من یعقد علیه الأنامل بالاعتقاد انتهی.

و أورد علیه إیرادات لا طائل فی إیرادها و هی مع أجوبتها مذكورة فی كتب القوم.

الطریق السادس ما ذكره المحقق الطوسی رحمه اللّٰه فی التجرید و هو أن التخلف عن العلة التامة إنما یستحیل إذا أمكن وجود ظرفین یمكن تحقق المعلول فی كل منهما و مع ذلك خص وجود المعلول بالأخیر منهما من غیر تفاوت فی أجزاء العلة و شرائط إیجابها بالنسبة إلی الوقتین و هاهنا لیس كذلك إذ الوقت من جملة أجزاء العالم فلا وقت قبل حدوث العالم حتی یسأل عن حدود ذلك الوقت و أنه لم لم یقع المعلول فی تلك الحدود و وقع فیما وقع فیه و لما كان هذا الوجه بعد التحقیق یرجع مآله إلی ما حررنا فی الطریق الثانی لم نتعرض لبسط القول فیه.

المرصد الثانی دفع شبهة أخری لهم و هی أن العالم ممكن و إمكان وجوده أزلی إذ لو كان ممتنعا فی الأزل و صار ممكنا لزم الانقلاب المحال و إذا أمكن وجوده فی الأزل و البارئ تعالی قادر كامل فی تأثیره جواد محض لا یفید إلا ما ینبغی لا لعوض و لا لغرض فما أوجد العالم إلا لجوده الذی هو مقتضی ذاته فوجب أن یوجد العالم أزلا

ص: 301

و الجواب أن یقال ما أردت بقولك و البارئ تعالی قادر كامل فی تأثیره إن أردت أنه لا نقص فی ذاته و صفاته الكمالیة كقدرته و علمه و إرادته و فی اقتضاء ذاته القدیمة إفاضة الخیر و الجود فذلك مسلم و لا یلزم منه وجوب إیجاد العالم أزلا لجواز توقف الإیجاد علی شرط یقتضیه العلم بالأصلح و إن أردت به أن الفاعل فی الأزل مستجمع لشرائط التأثیر فهو ممنوع و السند ما مر و الحاصل أن مقتضی كونه كاملا جوادا فی ذاته أن لا ینفك عن ذاته إفادة ما ینبغی و لا نسلم أن وجود العالم فی الأزل كذلك إذ ما ینبغی عبارة عما هو أصلح بالنظام بحسب علمه القدیم و الأصلح إنما هو وجود العالم فیما لا یزال.

و قال بعض المحققین فی الجواب عن هذه الشبهة إنها مبنیة علی استلزام أزلیة الإمكان إمكان الأزلیة و هو ممنوع فإن معنی الأول استمرار إمكان الشی ء و جواز وجوده و معنی الثانی جواز أن یوجد الشی ء وجودا مستمرا أزلا و أبدا و ظاهر أن استلزام الأول للثانی لیس مما لا یطلب له دلیل و استدل علیه بأنه إذا استمر الإمكان أزلا لم یكن فی ذاته مانع من الوجود فی شی ء من أجزاء الأزل فعدم منعه أمر مستمر فی جمیع أجزاء الأزل فإذا نظر إلی ذاته جاز له الاتصاف بالوجود فی كل جزء منها لا بدلا فقط بل و معا أیضا و هو إمكان اتصافه بالوجود المستمر الأزلی فأزلیة الإمكان استلزمت إمكان الأزلیة و فیه نظر إذ قوله و معا أیضا ممنوع بل و قوله جاز له الاتصاف بالوجود فی كل جزء منها أیضا ممنوع فإن الآنیات یمتنع وجودها فی الزمان و أیضا ما ذكره منقوض بالحركة التوسطیة الآخذة من مبدإ معین فإنها ممكنة أزلا و لا یمكن لها الوجود أزلا لوجود مبدإ لها فرضا انتهی.

و أقول و یظهر من أجوبة سائر الشبه أجوبة أخری لهذه الشبهة تركناها للمتأمل الفطن المرصد الثالث دفع الشبهة التی أوردها صاحب المحاكمات و هی أنه لا یجوز أن یكون فعله تعالی معدوما ثم یوجد إذ العدم الصریح لا تمییز فیه حتی

ص: 302

یكون إمساك الفاعل من إیجاده فی بعض الأحوال أولی من إیجاده فی بعض و حتی یكون الصدور من الفاعل فی بعض الأحوال أولی من صدوره فی بعض بل لو كان صدوره واجبا كان فی جمیع الأحوال أولا صدوره كان فی جمیع الأحوال فیلزم إما قدم الفعل أو عدمه بالمرة و هذا بالحقیقة رد علی من قال إنما حدث فی الوقت لأنه كان أصلح لوجوده أو كان ممكنا فیه و تقیید العدم بالصریح احتراز عن العدم الحادث المسبوق بالمادة انتهی كلامه.

و الجواب أنه لا شك أن جمیع المعلولات قدیمها و حدیثها معدوم مطلق فی مرتبة وجود العلة فكیف تعلق الجعل بالممكنات دون الممتنعات و كیف تعلق بالقدیم و هو معدوم مطلق فی هذه المرتبة و كیف تعلق الجعل بالقدیم و لم یتعلق بالحوادث إلا بعد مدة غیر متناهیة فالحق أن التمیز العلمی فی علمه تعالی كاف فی الجمیع و إن كانت فی الخارج معدومة صرفة فهو سبحانه یعلم فی ذاته الجمیع ممكنها و ممتنعها مطلقا أو علی بعض أنحاء الوجود و یرید ما أراد منها علی الوجه الذی تقتضیه الحكمة و المصلحة و تؤثر القدرة علی وفق الإرادة فیوجد العالم علی النظام الذی وجد بلا تغیر فی ذاته و صفاته الذاتیة و إنما التغیر و التفاوت فیما عداه بالإمكان و الامتناع و التقدم و التأخر و الصغر و الكبر إلی غیر ذلك من وجوه التفاوت و لا یمكن للعقول إدراك كنه تأثیراته و إیجاداته تعالی شأنه كما یستفاد من الخطب و الأخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام و السؤال بأنه لم لم یخلق العالم قبل هذا أو بعد ذاك أو فوق الفضاء الذی هو الآن فیه أو تحته أو یمینه أو یساره أو قدامه أو خلفه أو أصغر أو أكبر أو المواد بحیث تقبل الاستعدادات علی نحو آخر فهو من هذر السؤال و قد ظهر الفرق بین أزلیة الإمكان و إمكان الأزلیة و أن الإمكان الذاتی من متممات ذات المعلول المحتاج و من مصححات المعلولیة و مكملات الاحتیاج إلی العلة علی سبیل لوازم الماهیة المعلولیة و ذاتیاتها و لیس ملحوظا فی طرف العلة التامة المفتقرة إلیها و قد مر ما یمكن استنباط أجوبة أخری منه لهذه الشبهة فتفطن.

ص: 303

المرصد الرابع دفع شبهة أخری لهم و هی أن الزمان لو كان حادثا لكان معدوما قبل وجوده قبلیة انفكاكیة لا یجامع بحسبها القبل البعد فی الواقع و هذه القبلیة معروضها بالذات أجزاء الزمان بعضها بالنسبة إلی بعض و لا یوصف بها ما عدا الزمان إلا بالعرض من جهة مقارنة الزمان فإذن یلزم وجود الزمان علی تقدیر عدمه و هذا خلف و یمكن بمثل هذا البیان إثبات امتناع العدم اللاحق علی الزمان فثبت سرمدیته.

و مما ینبه أن هذا البیان مغالطة هو أن الزمان إما أن یكون مستندا إلی الواجب بلا واسطة فیكون هو الصادر الأول و هو خلاف معتقدهم و إما أن یكون بواسطة علة ممكنة و لا شك أن هذه العلة ممكنة لذاتها و بالنسبة إلی الزمان الذی هو معلولها لأن بالمعلول لا تجب العلة و لا یصیر منشأ لوجوب علته فظهر أن علة الزمان ممكنة بالذات و بالنسبة إلی الزمان أیضا و عدم الممكن بالوصف المذكور لا یلزم من فرضه محال أصلا فإذا فرضنا انعدام علة الزمان فإما أن یبقی الزمان موجودا بلا علة مبقیة و هو محال لأن علة الحاجة إلی المؤثر عندهم هو إمكان المعلول وحده و إما أن ینعدم الزمان أیضا و هو محال عندهم و اقتضاه هذا

الدلیل فإن مذهبهم أن العدم بعد الوجود محال بالذات علی الزمان و إنما الممكن بالنظر إلی الزمان هو العدم رأسا و ابتداء و أما العدم بعد الوجود فلا یجوزونه و یصرحون بامتناعه بالذات.

و الجواب عن أصل الدلیل أنا لا نسلم أن العدم الصرف الذی صورناه قبل العالم یمكن أن یتصف بشی ء كیف و هو نفی صرف و لا شی ء محض فی الواقع نعم بعد وجود العالم و تحقق الموجودات ربما یمكن سریان بعض هذه الأحكام إلی العدم و لو سلم فلا نسلم أن منشأ استحالة اجتماعه مع الوجود اللاحق هو اتصافه بالسبق بل یجوز أن یكون لأنهما متقابلان بالإیجاب و السلب و لأجل هذا التقابل لا یجتمعان و لو سلم فلا نسلم أن مثل هذا السبق لا یعرض إلا للزمان و دون إثباته خرط القتاد و غایة ما لزم من دلیلهم علی تقدیر تسلیمه أن هذا النوع

ص: 304

من السبق یعرض للزمان بالذات و أما إثبات أنه لا یعرض لغیر الزمان إلا بواسطة فلا سبیل لهم إلیه.

و المشهور بین المتكلمین فی جواب هذا الدلیل إثبات قسم آخر للسبق سموه بالسبق بالذات و هو فی مقام المنع حسن و إن أرید إثباته فمشكل قال المحقق الطوسی رحمه اللّٰه فی قواعد العقائد التقدم یكون بالذات كتقدم الموجد علی ما یوجد أو بالطبع كتقدم الواحد علی الاثنین أو بالزمان كتقدم الماضی علی الحاضر أو بالشرف كتقدم العالم (1) علی المتعلم أو بالوضع كتقدم الأقرب إلی مبدإ علی الأبعد و المتكلمون یزیدون علی ذلك التقدم بالرتبة كتقدم الأمس علی الیوم.

و قال الرازی فی الأربعین إنا نثبت نوعا آخر من التقدم وراء هذه الأقسام الخمسة و الدلیل علیه أنا ببدیهة العقل نعلم أن الأمس متقدم علی الیوم و لیس تقدما بالعلیة و لا بالذات و لا بالشرف و لا بالمكان و لا یمكن أن یكون تقدما بالزمان و إلا لزم أن یكون ذلك الزمان حاصلا فی زمان آخر ثم الكلام فی الزمان الثانی كما فی الأول فیفضی إلی أن تحصل أزمنة لا نهایة لها دفعة واحدة و یكون كل منها ظرفا للآخر و ذلك محال فهو تقدم خارج عن هذه الأقسام فنقول تقدم عدم العالم علی وجوده و تقدم وجود اللّٰه علی وجود العالم یكون علی هذا الوجه و یزول الإشكال انتهی.

و أقول لهم شبهة واهیة أخری یظهر جوابها للمتأمل فیما أوردناه و أنت بعد ما أحطت خبرا بما حققناه و تركت تقلید السادة و الكبراء و التمسك بالشكوك و الأهواء لا أظنك تستریب فی قوة دلائل الحدوث و ضعف شبه القدم و لو لم تكن أقوی فلا ریب فی أنها متعارضة فلو كانت متكافئة أیضا كیف تجترئ علی مخالفة الكتب السماویة و الأخبار المتواترة النبویة و الآثار المتظافرة المأثورة عن الأئمة الهادیة و العترة الطاهرة الذین هم معادن الحكمة و الوحی

ص: 305


1- 1. المعلم( خ).

و الإلهام و بعثهم اللّٰه لتكمیل الأنعام لشبه واهیة اعترف مبدؤها بضعفها حیث قال الشیخ و أرسطو إنها مسألة جدلیة الطرفین فیا إخوان الدین و خلان الیقین إن لم یغلب علی قلوبكم الرین فافتحوا العین و ارفعوا العناد من البین و انظروا بأبصار مكحولة

بالإنصاف مشفیة من رمد التعصب و الاعتساف فتكونوا فی أصول الدین من أصحاب الیقین و تدخلوا فی حزب الأنبیاء و الأوصیاء و الصدیقین و لا تعتمدوا علی أصولكم و لا تتكلموا علی عقولكم لا سیما فی المقاصد الدینیة و المطالب الإلهیة فإن بدیهة العقل كثیرا ما تشتبه ببدیهة الوهم و المألوفات الطبیعیة بالأمور الیقینیة و المنطق لا یفی بتصحیح مواد الأقیسة و زن أفكارك بمیزان الشرع المبین و مقیاس الدین المتین و ما تحقق صدوره عن الأئمة الراسخین صلوات اللّٰه علیهم أجمعین لئلا تكون من الهالكین.

تكملة

اعلم أن العلماء اختلفوا فی أول المخلوقات و اختلف الأخبار أیضا فی ذلك فالحكماء یقولون أول المخلوقات العقل الأول ثم العقل الأول خلق العقل الثانی و الفلك الأول و هكذا إلی أن انتهی إلی العقل العاشر فهو خلق الفلك التاسع و هیولی العناصر و جماعة منهم یقول بأن تلك العقول وسائط لإیجاده تعالی و لا مؤثر فی الوجود إلا اللّٰه و كل ذلك مخالف لما ظهر و تبین من الآیات و الأخبار و أجمع علیه الملیون (1).

ص: 306


1- 1. العقول العشرة فرضیة فرضها المشاءون لتصحیح صدور الكثیر من الواحد و هی مبتنیة علی وجود الافلاك التسعة و كونها ذوات نفوس مریدة و لا برهان علی شی ء منها، لكن لا مجال لانكار العالم العقلی فی الجملة، و قد اشبع الكلام فی اثباته فی الكتب الحكمیة لا سیما فی الحكمة المتعالیة، فلنشر هاهنا إلی ما یستفاد من الاخبار الشریفة فنقول: الروایات التی وردت فی تعیین اول ما خلق اللّٰه تعالی علی صنفین: منها ما هو صریح فی تعیین جسم ما كالماء مثلا، و منها ما یتشابه المراد منه فی بدء الامر هل هو جسم أو غیر جسم؟. مثل ما ورد فی كونه نور النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله او العقل او القلم لكن فیها ما یفسر سائر الروایات و یوضحها كما ورد فی ان نور النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله خلق قبل خلق المكان، و قد اسلفنا ان تنزهه عن لوازم المادة من الزمان و المكان دلیل تجرده عنها، و التجرد لا ینفك عن العقل كما ثبت فی محله و فی الروایات إشارات الی تجرد العقل و القلم أیضا و لعلنا نوفق للتنبیه علیها ان شاء اللّٰه تعالی فالجمع بین ما یدلّ علی كون اول ما خلق اللّٰه نور النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أو العقل أو القلم و بین ما یدلّ علی كونه الماء مثلا بحمل الأول علی اول المجردات و الثانی علی اول المادیات و أمّا الجمع بین ما یدلّ علی كونه نور النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و بین ما یدلّ علی كونه العقل أو القلم فان قیل بوحدة الجمیع او كونها مراتب حقیقة واحدة فواضح و إلّا فحمل الاولیة علی الاضافیة دون الحقیقیة. و قد مر تصریح ثلة من أساطین العلم و الحكمة علی كون خلق المحلوق الأول قبل خلق الزمان بل علی جواز وجود موجودات كثیرة قبل وجود الزمان، و قد أشرنا عند ذكر كلامهم إلی ان ذلك لا ینفك عن تجرد الصادر الأول او كل ما وجد بلا زمان فتذكر.

و أما غیرهم فقیل أولها الماء كما یدل علیه أكثر الأخبار المتقدمة و نقلنا ذلك سابقا عن ثالیس الملطی و رأیت فی كتاب علل الأشیاء المنسوب إلی بلیناس الحكیم أنه قال إن الخالق تبارك و تعالی كان قبل الخلق و أراد أن یخلق الخلق فقال لیكن كذا و كذا فكانت هذه الكلمة علة الخلق و سائر المخلوقات معلول و كلام اللّٰه عز و جل أعلی و أعظم و أجل من أن یكون شیئا تدركه الحواس لأنه لیس بطبیعة و لا جوهر و لا حار و لا بارد و لا رطب و لا یابس ثم قال بعده إن أول ما حدث بعد كلام اللّٰه تعالی الفعل فدل بالفعل علی الحركة و دل بالحركة علی الحرارة ثم لما نقصت الحرارة جاء السكون عند فنائها فدل بالسكون علی البرد ثم ذكر بعد ذلك أن طبائع العناصر الأربعة أنما كانت من هاتین القوتین أعنی الحر و البرد قال و ذلك أن الحرارة حدث منها اللین و من البرودة الیبس فكانت أربع قوی مفردات فامتزج بعضها ببعض فحدث من امتزاجها الطبائع و كانت هذه الكیفیات قائمة

ص: 307

بأنفسها غیر مركبة فمن امتزاج الحرارة و الیبس حصلت النار و من الرطوبة و البرد حدث الماء و من الحرارة و الرطوبة حدث الهواء و من امتزاج البرد و الیبس حصلت الأرض ثم قال إن الحرارة لما حركت طبیعة الماء و الأرض تحرك الماء للطفه عن ثقل الأرض و انقلب ما أصابه من الحر فصار بخارا لطیفا هوائیا رقیقا روحانیا و هو أول دخان طلع من أسفل الماء و امتزج بالهواء فسما إلی العلو لخفته و لطافته و بلغ الغایة فی صعوده علی قدر قوته و نفرته من الحرارة ثم وقف فكان منه الفلك الأعلی و هو فلك زحل ثم حركت النار الماء أیضا فطلع منه دخان هو أقل لطفا مما صعد أولا و أضعف فلما صار بخارا سما إلی العلو بجوهره و لطافته و لم یبلغ فلك زحل لقلة لطافته عما قبله فكان منه الفلك الثانی و هو فلك المشتری و هكذا بین طلوع الدخان مرة مرة و تكون الأفلاك الخمسة الباقیة عنه ثم قال و الأفلاك السبعة بعضها فی جوف بعض و بین كل فلكین منها هواء واسع مملوء أجزاء لا تتحرك.

و نقل صاحب الملل و النحل عن فلوطرخیس أیضا من الحكماء القدماء أنه قال أصل المركبات هو الماء فإذا تخلخل صافیا وجدت النار و إذا تخلخل و فیه بعض الثقل صار هواء و إذا تكاثف تكاثفا مبسوطا بالغا صار أرضا و قد مر نقلا من التوراة أن مبدأ الخلق جوهر خلقه اللّٰه ثم نظر إلیه نظر الهیبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء إلی آخر ما مر و قریب منه ما رواه العامة عن كعب أنه قال إن اللّٰه خلق یاقوتة خضراء ثم نظر إلیها بالهیبة فصارت ماء یرتعد ثم خلق الریح فجعل الماء علی متنها ثم وضع العرش علی الماء كما قال تعالی وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ و قیل أول المخلوقات الهواء كما دل علیه ما ذكره علی بن إبراهیم فی تفسیره و الظاهر أنه أخذ من خبر لكن لا تعارض به الأخبار الكثیرة المسندة و مع صحته یمكن الجمع بحمل أولیة الماء علی التقدم الإضافی بالنسبة إلی الأجسام المشاهدة المحسوسة التی یدركها جمیع الخلق فإن الهواء لیس منها و

ص: 308

لذا أنكر وجوده جماعة.

و قیل أول المخلوقات النار كما مر و قد مر فی بعض الأخبار أن أول ما خلق اللّٰه النور و فی بعضها نور النبی صلی اللّٰه علیه و آله و فی بعضها نوره مع أنوار الأئمة علیهم السلام و

فِی بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْعَامِّیَّةِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: أَوَلُّ مَا خَلَقَ اللَّهُ رُوحِی.

فیمكن أن یكون المراد بالجمیع واحدا و یكون خلق الأرواح قبل خلق الماء و سائر الأجسام و تكون أولیة الماء بالنسبة إلی العناصر و الأفلاك فإن بعض الأخبار یدل علی تقدم خلق الملائكة علی خلق العناصر و الأفلاك كما مر و دلت الأخبار الكثیرة علی تقدم خلق أرواحهم و أنوارهم علیهم السلام علی كل شی ء.

وَ رَوَی الْكُلَیْنِیُّ وَ غَیْرُهُ بِأَسَانِیدِهِمُ الْكَثِیرَةِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَقْلَ وَ هُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ مِنَ الرُّوحَانِیِّینَ عَنْ یَمِینِ الْعَرْشِ مِنْ نُورِهِ الْخَبَرَ(1).

و هذا لا یدل علی تقدم العقل علی جمیع الموجودات بل علی خلق الروحانیین و یمكن أن یكون خلقها متأخرا عن خلق الماء و الهواء و أما خبر أول ما خلق اللّٰه العقل فلم أجده فی طرقنا و إنما هو فی طرق العامة و علی تقدیره یمكن أن یراد به نفس الرسول صلی اللّٰه علیه و آله لأنه أحد إطلاقات العقل علی أنه یمكن حمل العقل علی التقدیر فی بعض تلك الأخبار كما هو أحد معانیه و كذا حدیث أول ما خلق اللّٰه القلم یمكن حمله علی الأولیة الإضافیة بالنسبة إلی جنسه من الملائكة أو بعض المخلوقات كما یدل علیه خبر عبد الرحیم القصیر الآتی فی بابه.

فائدة جلیلة

اعلم أنه أورد إشكال فی آیات سورة السجدة حیث ظاهرها كون خلق السماوات و الأرض و ما بینهما فی ثمانیة أیام مع أن سائر الآیات تدل علی خلقها فی ستة أیام و الثانی ظاهر و الأول لأنه قال سبحانه أولا خَلَقَ الْأَرْضَ

ص: 309


1- 1. الكافی: ج 1، ص 21.

فِی یَوْمَیْنِ و قال بعده وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِیها وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ و قال بعد ذلك فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ (1) فیصیر المجموع ثمانیة و یمكن التفصی عن ذلك بوجوه.

الأول ما مر و هو المشهور بین المفسرین أن المراد بقوله أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ فی تتمة أربعة أیام بأن یكون خلق الأرض فی یومین منها و تقدیر الأقوات فیها أو هو مع جعل الرواسی من فوقها و البركة فیها فی یومین آخرین و یؤیده كثیر من الأخبار المتقدمة.

الثانی ما ذكره بعض الأفاضل ممن كان فی عصرنا رحمه اللّٰه فی شرحه علی الكافی أن أربعة أیام مخصوصة بخلق ما علی الأرض أولها بخلق الرواسی و الثانی بخلق البركة و الثالث و الرابع بخلق الأقوات التی هی عبارة عن خلق الماء و المرعی المذكورین فی سورة النازعات بقوله تعالی أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها(2) و أن الیومین اللذین خلق فیهما الأرض متحدان مع ما خلق فیهما السماوات إلا أن الخلق فی الیوم الأول متعلق بأصل السماوات و الأرض و فی الیوم الثانی بتمییز بعض أجزائهما عن بعض فیصدق أن السماوات مخلوقة فی یومین و الأرض فی یومین و لا تزید أیام خلق المجموع علی الستة.

الثالث ما ذكرناه فی تأویل خبر الكافی بأن یكون یوما خلق السماوات داخلین فی الأربعة فتذكر.

الرابع ما ذكره بعض المحققین من المعاصرین و هو أن یكون الأیام الأربعة بل الیومان الأخیران أیضا فی سورة السجدة غیر الأیام الستة التی فی سائر السور و یؤیده تغییر الأسلوب بإیراد لفظ الخلق فی سائر الآیات و لفظ الجعل و البركة و التقدیر و القضاء سبعا فی السجدة و یؤیده لفظ ما بَیْنَهُما فی آیات سور الفرقان و التنزیل و ق فإنه سواء كان خلق الأرض و بعض ما علیها فی أربعة

ص: 310


1- 1. فصّلت: 12.
2- 2. النازعات: 31.

أیام و خلق السماوات فی یومین أو خلق ما علی الأرض فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ و خلق السماوات و الأرض فی یومین كما فی التأویلین السابقین لا یبقی لخلق ما بین السماوات و الأرض كالهواء و ما فیها من كائنات الجو وقت فینبغی أن یحمل علی أن خلق السماوات فی یومین و خلق الأرض فی یومین غیرهما و خلق ما بینهما فی یومین غیر الأربعة فیبلغ ستة كما هو ظاهر الآیات فتتم فی هذه الستة ما ذكره تعالی فی سورة النازعات بقوله أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَیْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها(1) فیكون كل ما ذكره فیها متصلا به بقوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها وَ الْجِبالَ أَرْساها(2) فی یوم آخر أو أیام أخر غیر الستة المذكورة و یؤیده ما روی أن دحو الأرض كان بعد خلقها بألفی سنة فعلی ذلك لا یبعد أن یكون خلق ما سوی المذكورات كتقدیر الأقوات و سائر المخلوقات التی لا تعد و لا تحصی فی أیام أخر كیف و ما فی السماوات كالملائكة و ما فی تحت الأرض كالصخرة و الدیك و الحوت و غیرها المذكورات فی حدیث زینب العطارة غیر السماوات و الأرض و ما بینهما كما یرشد إلیه التسبیح المأثور المشهور سبحان اللّٰه رب السماوات السبع و رب الأرضین السبع و ما فیهن و ما بینهن و ما تحتهن فیكون خلقها فی غیر الستة المذكورة فلا حاجة إلی تكلف لإدخال زمان تقدیر الأقوات و جعل الرواسی مثلا فی زمان خلق السماوات و الأرض و ما بینهما حتی لا یزید زمان خلق المجموع علی ستة أیام و أما الروایات التی أرید بها التأویل فحملها علی أن یكون المراد بها التعیین النوعی فی أیام خلق كل من المذكورات فیها فلا ینافی أن یكون خلق الأشجار مثلا فی أربعاء و المیاه فی أربعاء أخری و كذا خلق الشمس و القمر مثلا فی جمعة و كل من النجوم و الملائكة و آدم علیه السلام فی جمعات أخر فلا یلزم الاتحاد الشخصی و لا التوالی فی تلك الأیام كیف و لو لم تحمل علی ذلك لما أمكن الجمع بینها و بین

ص: 311


1- 1. النازعات: 29.
2- 2. النازعات: 32.

ما مر من الرضا علیه السلام من أن خلق العرش و الماء و الملائكة قبل خلق السماوات و الأرض و كذا بینها و بین ما لا ریب فیه لأحد من أن خلق الملائكة و الجان قبل خلق آدم علیه السلام بدهور طویلة. و أما المنظومة المشهورة المنسوبة إلی أمیر المؤمنین علیه السلام من قوله:

لنعم الیوم یوم السبت حقا***لصید إن أردت بلا امتراء

و فی الأحد البناء لأن فیه***تبدی اللّٰه فی خلق السماء

حیث صرح فیها بأن خلق السماء فی یوم الأحد فیمكن أن یجمع بینها و بین الروایات الدالة علی أن خلقها فی یوم الخمیس بكون أصل خلقها فی أحد ذینك الیومین و تمییز بعضها عن بعض فی الیوم الآخر و مما یلائم هذا الجمع وقوع السماء بلفظ المفرد فی المنظومة و بلفظ الجمع فی الروایات و إدراج لفظ الابتداء فی المنظومة دون الروایات فیسهل بما ذكرنا طریق الجمع بین الروایات المتعارضة الظواهر فی هذا الباب.

و لنختم الكلام بذكر أقوال بعض من یعول علی قوله من قدماء المؤرخین لیعلم اتفاق جمیع فرق المسلمین علی الحدوث قال المسعودی رحمه اللّٰه و كان من علماء الإمامیة فی كتاب مروج الذهب اتفق أهل الملة جمیعا من أهل الإسلام علی أن اللّٰه خلق الأشیاء علی غیر مثال و ابتدعها من غیر أصل ثم

رُوِیَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ غَیْرِهِ: أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْمَاءُ فَكَانَ عَرْشُهُ عَلَیْهِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاءَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَاناً فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ فَسُمِّیَ السَّمَاءَ ثُمَّ أَیْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضاً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِینَ فِی یَوْمَیْنِ فِی الْأَحَدِ وَ الْإِثْنَیْنِ وَ خَلَقَ الْأَرْضَ عَلَی حُوتٍ وَ الْحُوتُ هُوَ الَّذِی ذَكَرَهُ اللَّهُ فِی كِتَابِهِ ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ وَ الْحُوتُ وَ الْمَاءُ عَلَی الصَّفَا وَ الصَّفَا عَلَی ظَهْرِ مَلَكٍ وَ الْمَلَكُ عَلَی صَخْرَةٍ وَ الصَّخْرَةُ عَلَی الرِّیحِ وَ هِیَ الصَّخْرَةُ الَّتِی فِی الْقُرْآنِ فَتَكُنْ فِی صَخْرَةٍ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ فَأَرْسَی اللَّهُ عَلَیْهَا الْجِبَالَ فَقَرَّتْ كَمَا قَالَ تَعَالَی أَنْ تَمِیدَ بِكُمْ وَ خَلَقَ الْجِبَالَ فِیهَا وَ خَلَقَ أَقْوَاتَ أَهْلِهَا وَ شَجَرَهَا وَ مَا یَنْبَغِی لَهَا فِی

ص: 312

یَوْمَیْنِ فِی یَوْمِ الثَّلَاثَاءِ وَ یَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَی أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ إِلَی قَوْلِهِ ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ فَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَانُ مِنْ نَفْسِ الْمَاءِ حِینَ تَنَفَّسَ فَجَعَلَهَا سَمَاءً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا وَ جَعَلَهَا سَبْعاً فِی یَوْمَیْنِ فِی یَوْمِ الْخَمِیسِ وَ یَوْمِ الْجُمُعَةِ وَ إِنَّمَا سُمِّیَ بِالْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ جُمِعَ فِیهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَی وَ أَوْحی فِی كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها أَیْ وَ جَعَلَ فِی كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الْبِحَارِ(1) وَ جِبَالِ الْبَرَدِ.

ثم قال و ما ذكرنا من الأخبار عن بدء الخلیقة هو ما جاءت به الشریعة و نقله الخلف عن السلف و الباقی عن الماضی عبرنا عنهم علی ما نقل إلینا من ألفاظهم و وجدنا فی كتبهم من شهادة الدلائل بحدوث العالم و إیضاحها بكونه و لم نعرض لوصف قول من وافق ذلك و انقاد إلیه من الملل القائلین بالحدوث و لا الرد علی من سواهم ممن خالف ذلك و قال بالقدم لذكرنا ذلك فیما سلف من كتبنا و تقدم من تصانیفنا انتهی (2).

و قد ذكر أبو ریحان البیرونی فی تاریخه مدة عمر الدنیا و ابتداء وجودها عن جماعة من المنجمین و الحكماء و قطع لها بالابتداء و استدل علیه فلا نطیل الكلام بإیرادها.

و قال ابن الأثیر فی الكامل

صَحَّ فِی الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِیمَا رَوَاهُ عَنْهُ عِبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّهُ سَمِعَهُ یَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَی فِی تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ.

و روی نحو ذلك عن ابن عباس و قال محمد بن إسحاق أول ما خلق اللّٰه تعالی النور و الظلمة فجعل الظلمة لیلا أسود و جعل النهار نورا(3)

مضیئا و الأول أصح و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی كَانَ عَرْشُهُ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ شَیْئاً فَكَانَ أَوَلُّ مَا خَلَقَ الْقَلَمَ فَجَرَی بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ قَالَ ثُمَّ خَلَقَ بَعْدَ الْقَلَمِ الْغَمَامَ وَ قِیلَ ثُمَّ اللَّوْحَ ثُمَّ الْغَمَامَ.

ص: 313


1- 1. فی المخطوطة: و البخار.
2- 2. مروج الذهب: ج 1 ص 15- 17.
3- 3. فی بعض النسخ: و جعل النور نهارا.

ثم اختلف فیما خلق بعد الغمام فروی الضحاك عن ابن عباس أول ما خلق اللّٰه العرش فاستوی علیه.

و قال آخرون خلق اللّٰه الماء قبل العرش ثم خلق العرش فوضعه علی الماء و هو قول أبی صالح عن ابن عباس و قول ابن مسعود و وهب بن منبه (1).

و قیل إن الذی خلق بعد القلم الكرسی ثم العرش ثم الهواء ثم الظلمات ثم الماء فوضع عرشه علیه و قال و قول من قال

إن الماء خلق قبل العرش أولی بالصواب لحدیث ابن أبی (2) رزین عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله.

و قد قیل إن الماء كان علی متن الریح حین خلق العرش.

قاله ابن جبیر عن ابن عباس فإن كان كذلك فقد خلقا قبل العرش و قال ضمرة إن اللّٰه خلق القلم قبل أن یخلق شیئا بألف عام و اختلفوا أیضا فی الیوم الذی ابتدأ اللّٰه فیه خلق السماوات و الأرض فقال عبد اللّٰه بن سلام و كعب و الضحاك و مجاهد ابتدأ الخلق یوم الأحد و قال محمد بن إسحاق ابتدأ الخلق یوم السبت و كذلك قال أبو هریرة و اختلفوا أیضا فیما خلق فی كل یوم فقال ابن سلام إن اللّٰه تعالی بدأ الخلق یوم الأحد فخلق الأرضین یوم الأحد و الإثنین و خلق الأقوات و الرواسی فی الثلاثاء و الأربعاء و خلق السماوات فی الخمیس و الجمعة و فرغ فی آخر ساعة من الجمعة فخلق

ص: 314


1- 1. وهب بن منبه- بتقدیم النون علی الباء الموحدة و الهاء الأخیرة- ذكر فی تراجم العامّة مقرونا بالثناء و التوثیق، قال الحافظ صفی الدین الخزرجی فی خلاصة تذهیب الكمال( ص 359)، وهب بن منبه بن كامل الأبناوی الصنعانی أبو عبد اللّٰه الاخباری عن ابن عبّاس و جابر و ابی سعید- إلی ان قال- وثقه النسائی، قال مسلم بن خالد: لبث وهب أربعین سنة لم یرقد علی فراشه، قتله یوسف بن عمر سنة عشر و مائة( انتهی) و عن مختصر الذهبی: وهب ابن منبه الصنعانی أخو همام، عن ابن عبّاس و ابن عمر، اخباری: علامة، قاض، صدوق، صاحب كتاب، مات سنة أربعة عشر و مائة( انتهی) لكن الامر فی رجال الخاصّة بالعكس، نقل عن الشیخ و النجاشیّ ان القمیین استثنوه من رجال« نوادر الحكمة» و قال فی تنقیح المقال( ج 3 ص 281) من راجع كتابه فی قصص الأنبیاء عرف أنّه كتاب لا ینطبق علی أصول الشیعة و عقائدها فی الأنبیاء و یتبین سر استثنائه من رجال« نوادر الحكمة»( انتهی).
2- 2. فی بعض النسخ: أبی رزین.

فیها آدم علیه السلام فتلك الساعة التی تقوم فیها الساعة و مثله قال ابن مسعود و ابن عباس من روایة أبی صالح عنه إلا أنهما لم یذكرا خلق آدم و لا الساعة

و قال ابن عباس من روایة علی بن أبی طلحة عنه إن اللّٰه خلق الأرض بأقواتها من غیر أن یدحوها ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ثم دحا الأرض بعد ذلك فذلك قوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها. و هذا القول عندی هو الصواب.

و قال ابن عباس أیضا من روایة عكرمة عنه إن اللّٰه وضع البیت علی الماء علی أربعة أركان قبل أن یخلق الدنیا بألفی عام ثم دحیت الأرض من تحت البیت.

و مثله قال ابن عمر. رَوَاهُ السُّدِّیُّ عَنْ أَبِی الصَّالِحِ وَ عَنْ أَبِی مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ أَبِی مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَكُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ وَ لَمْ یَخْلُقْ شَیْئاً غَیْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَاناً فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ فَسَمَا عَلَیْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءً ثُمَّ أَیْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضاً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَ سَبْعَ أَرَضِینَ فِی یَوْمَیْنِ یَوْمَ الْأُحُدِ وَ یَوْمَ الْإِثْنَیْنِ فَخَلَقَ الْأَرْضَ عَلَی حُوتٍ وَ الْحُوتُ النُّونُ الَّذِی ذَكَرَهُ اللَّهُ فِی الْقُرْآنِ ن وَ الْقَلَمِ وَ الْحُوتُ فِی الْمَاءِ وَ الْمَاءُ عَلَی ظَهْرِ صَفَاةٍ وَ الصَّفَاةُ عَلَی ظَهْرِ مَلَكٍ وَ الْمَلَكُ عَلَی صَخْرَةٍ وَ الصَّخْرَةُ فِی الرِّیحِ وَ هِیَ الصَّخْرَةُ الَّتِی ذَكَرَهَا لُقْمَانُ لَیْسَتْ فِی السَّمَاءِ وَ لَا فِی الْأَرْضِ فَتَحَرَّكَ الْحُوتُ وَ اضْطَرَبَتْ وَ تَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ فَأَرْسَی عَلَیْهَا الْجِبَالَ فَقَرَّتْ وَ الْجِبَالُ تَفْخَرُ عَلَی الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ.

وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ الضَّحَّاكُ وَ مُجَاهِدٌ وَ كَعْبٌ وَ غَیْرُهُمْ: كُلُّ یَوْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَیَّامِ السِّتَّةِ الَّتِی خَلَقَ اللَّهُ فِیهَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ كَأَلْفِ سَنَةٍ.

انتهی.

و كلام سائر المؤرخین جار هذا المجری و لا جدوی فی إیرادها

ص: 315

باب 2 العوالم و من كان فی الأرض قبل خلق آدم علیه السلام و من یكون فیها بعد انقضاء القیامة و أحوال جابلقا و جابرسا

اشارة

الآیات:

الفاتحة: رَبِّ الْعالَمِینَ

الأعراف: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ (1) و قال تعالی وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ (2)

تفسیر:

جمع العالمین یومئ إلی تعدد العوالم كما سیأتی و إن أول بأن الجمعیة باعتبار ما تحته من الأجناس المختلفة وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ قال الطبرسی رحمه اللّٰه أی جماعة یَهْدُونَ بِالْحَقِ أی یدعون إلی الحق و یرشدون إلیه وَ بِهِ یَعْدِلُونَ أی و بالحق یحكمون و یعدلون فی حكمهم و اختلف فی هذه الأمة من هم علی أقوال.

أحدها

أنهم قوم من وراء الصین بینهم و بین الصین واد جار من الرمل لم یغیروا و لم یبدلوا عن ابن عباس و السدی و الربیع و الضحاك و عطاء و هو المروی عن أبی جعفر علیه السلام قالوا و لیس لأحد منهم مال دون صاحبه یمطرون باللیل و یضحون بالنهار و یزرعون لا یصل إلیهم منا أحد و لا منهم إلینا و هم علی الحق.

قال ابن جریح بلغنی أن بنی إسرائیل لما قتلوا أنبیاءهم و كفروا و كانوا اثنی عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا و اعتذروا و سألوا اللّٰه أن یفرق بینهم و بینهم ففتح اللّٰه لهم نفقا من الأرض فساروا فیه سنة و نصف سنة حتی خرجوا من وراء الصین فهم هناك حنفاء مسلمین یستقبلون قبلتنا.

و قیل إن جبرئیل

ص: 316


1- 1. الأعراف: 158.
2- 2. الأعراف: 180.

انطلق بالنبی لیلة المعراج إلیهم فقرأ علیهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة فآمنوا به و صدقوه و أمرهم أن یقیموا مكانهم و یتركوا السبت و أمرهم بالصلاة و الزكاة و لم یكن نزلت فریضة غیرهما ففعلوا.

قال ابن عباس و ذلك قوله وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِی إِسْرائِیلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِیفاً(1) یعنی عیسی ابن مریم یخرجون معه

و روی أصحابنا أنهم یخرجون مع قائم آل محمد صلی اللّٰه علیه و آله.

و روی أن ذا القرنین رآهم فقال لو أمرت بالمقام لسرنی أن أقیم بین أظهركم.

و ثانیها أنهم قوم من بنی إسرائیل تمسكوا بالحق و بشریعة موسی علیه السلام فی وقت ضلالة القوم و قتلهم أنبیاءهم و كان ذلك قبل نسخ شریعتهم بشریعة عیسی علیه السلام فیكون تقدیر الآیة و من قوم موسی أمة كانوا یهدون بالحق عن الجبائی.

و ثالثها أنهم الذین آمنوا بالنبی صلی اللّٰه علیه و آله مثل عبد اللّٰه بن سلام و ابن صوریا و غیرهما

وَ فِی حَدِیثِ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ وَ الْحَكَمِ بْنِ ظَهِیرٍ: أَنَّ مُوسَی لَمَّا أَخَذَ الْأَلْوَاحَ قَالَ رَبِّ إِنِّی أَجِدُ فِی الْأَلْوَاحِ (2)

أُمَّةً هِیَ خَیْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِی قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ رَبِّ إِنِّی أَجِدُ فِی الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ فِی الْخَلْقِ السَّابِقُونَ فِی دُخُولِ الْجَنَّةِ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِی قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ(3) قَالَ رَبِّ إِنِّی أَجِدُ فِی الْأَلْوَاحِ أَنَّهُ كُتُبُهُمْ فِی صُدُورِهِمْ یَقْرَءُونَهَا فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِی قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ رَبِّ إِنِّی أَجِدُ فِی الْأَلْوَاحِ أُمَّةً إِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ ثُمَّ لَمْ یَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَ إِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَ إِنْ هَمَّ بِسَیِّئَةٍ وَ لَمْ یَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَیْهِ وَ إِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَیْهِ سَیِّئَةٌ وَاحِدَةٌ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِی قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ رَبِّ إِنِّی أَجِدُ فِی

ص: 317


1- 1. الإسراء: 104.
2- 2. فی المصدر: لاجد.
3- 3. هذه القطعة من المكالمة لم توجد فی المصدر.

الْأَلْوَاحِ أُمَّةً یُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَ الْكِتَابِ الْآخِرِ وَ یُقَاتِلُونَ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِی قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ رَبِّ إِنِّی أَجِدُ فِی الْأَلْوَاحِ أُمَّةً هُمُ الشَّافِعُونَ وَ هُمُ الْمَشْفُوعُ لَهُمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِی قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ قَالَ مُوسَی علیه السلام رَبِّ اجْعَلْنِی مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ.

قال أبو حمزة فأعطی موسی آیتین لم یعطوها یعنی أمة أحمد قال اللّٰه یا مُوسی إِنِّی اصْطَفَیْتُكَ عَلَی النَّاسِ بِرِسالاتِی وَ بِكَلامِی (1) قال وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ قال فرضی موسی كل الرضا.

وَ فِی حَدِیثِ غَیْرِ أَبِی حَمْزَةَ قَالَ: إِنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا قَرَأَ وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ (2) قَالَ هَذِهِ لَكُمْ وَ قَدْ أُعْطِیَ (3) قَوْمُ مُوسَی مِثْلَهَا انْتَهَی (4).

و أما الآیة الثانیة فالمشهور أنها لهذه الأمة و دلت الأخبار الكثیرة علی أن المراد بهم الأئمة و شیعتهم كما مر فی كتاب الإمامة

وَ قَالَ الطَّبْرِسِیُّ رحمه اللّٰه قَالَ الرَّبِیعُ بْنُ أَنَسٍ: قَرَأَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله هَذِهِ الْآیَةَ فَقَالَ إِنَّ مِنْ أُمَّتِی قَوْماً عَلَی الْحَقِّ حَتَّی یَنْزِلَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ.

وَ رَوَی الْعَیَّاشِیُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَی ثَلَاثٍ وَ سَبْعِینَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِی النَّارِ إِلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ فَهَذِهِ الَّتِی تَنْجُو.

وَ رُوِیَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیهما السلام أَنَّهَما قَالا: نَحْنُ هُمْ انْتَهَی (5).

و أقول: قَالَ الرَّازِیُّ فِی تَفْسِیرِهِ رُوِیَ: أَنَّ بَنِی آدَمَ عُشْرُ الْجِنِّ وَ الْجِنُّ وَ بَنُو آدَمَ عُشْرُ حَیَوَانَاتِ الْبَرِّ وَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عُشْرُ الطُّیُورِ وَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عُشْرُ

ص: 318


1- 1. الأعراف: 144.
2- 2. الأعراف: 181.
3- 3. فی المصدر: و قد أعطی اللّٰه.
4- 4. مجمع البیان: ج 4، ص 489.
5- 5. مجمع البیان: ج 4، ص 503.

حَیَوَانَاتِ الْبَحْرِ وَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عُشْرُ مَلَائِكَةِ الْأَرْضِ الْمُوَكَّلِینَ بِهَا وَ كُلُّ هَؤُلَاءِ عُشْرُ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الدُّنْیَا وَ كُلُّ هَؤُلَاءِ عُشْرُ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الثَّانِیَةِ وَ عَلَی هَذَا التَّرْتِیبِ إِلَی السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ثُمَّ الْكُلُّ فِی مُقَابَلَةِ مَلَائِكَةِ الْكُرْسِیِّ نَزْرٌ قَلِیلٌ ثُمَّ كُلُّ هَؤُلَاءِ عُشْرُ مَلَائِكَةِ سُرَادِقِ وَاحِدٍ(1)

مِنْ سُرَادِقَاتِ الْعَرْشِ الَّتِی عَدَدُهَا سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ طُولُ كُلِّ سُرَادِقٍ وَ عَرْضُهُ وَ سَمْكُهُ إِذَا قُوبِلَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ وَ مَا فِیهِمَا وَ مَا بَیْنَهُمَا(2)

فَإِنَّهَا كُلُّهَا تَكُونُ شَیْئاً یَسِیراً وَ قَدْراً صَغِیراً وَ مَا مِنْ مِقْدَارِ مَوْضِعِ قَدَمٍ إِلَّا وَ فِیهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ قَائِمٌ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِیحِ وَ التَّقْدِیسِ ثُمَّ كُلُّ هَؤُلَاءِ فِی مُقَابَلَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِینَ یَحُومُونَ حَوْلَ الْعَرْشِ كَالْقَطْرَةِ فِی الْبَحْرِ وَ لَا یَعْرِفُ (3) عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَعَ هَؤُلَاءِ مَلَائِكَةُ اللَّوْحِ الَّذِینَ هُمْ أَشْیَاعُ إِسْرَافِیلَ علیه السلام وَ الْمَلَائِكَةُ الَّذِینَ هُمْ جُنُودُ جَبْرَئِیلَ علیه السلام وَ هُمْ كُلُّهُمْ

سَامِعُونَ مُطِیعُونَ لَا یَفْتُرُونَ مُشْتَغِلُونَ بِعِبَادَتِهِ سُبْحَانَهُ رِطَابُ الْأَلْسِنَةِ بِذِكْرِهِ وَ تَعْظِیمِهِ یَتَسَابَقُونَ فِی ذَلِكَ مُنْذُ(4)

خَلَقَهُمْ لَا یَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ آنَاءَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ لَا یَسْأَمُونَ لَا تُحْصَی أَجْنَاسُهُمْ وَ لَا مُدَّةُ أَعْمَارِهِمْ وَ لَا كَیْفِیَّةُ عِبَادَاتِهِمْ (5) وَ هَذَا تَحْقِیقُ حَقِیقَةِ مَلَكُوتِهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَی مَا قَالَ وَ ما یَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ(6).

«1»- الْخِصَالُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ: لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِی الْأَرْضِ مُنْذُ خَلَقَهَا سَبْعَةَ عَالَمِینَ لَیْسَ هُمْ مِنْ وُلْدِ آدَمَ خَلَقَهُمْ مِنْ أَدِیمِ الْأَرْضِ فَأَسْكَنَهُمْ فِیهَا

ص: 319


1- 1. فی بعض النسخ: السرادق الواحد.
2- 2. فی المصدر: و ما فیها و ما بینها.
3- 3. فی المصدر: و لا یعلم.
4- 4. فی المصدر: مذ.
5- 5. فی المصدر و لا یحصی اجناسهم و لا مدة اعمارهم و لا كیفیة عبادتهم إلّا اللّٰه تعالی.
6- 6. المدّثّر: 31، مفاتیح الغیب: ج 1، ص 378.

وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ مَعَ عَالَمِهِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ آدَمَ أَبَا الْبَشَرِ(1) وَ خَلَقَ ذُرِّیَّتَهُ مِنْهُ وَ لَا وَ اللَّهِ مَا خَلَتِ الْجَنَّةُ مِنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِینَ مُنْذُ خَلَقَهَا وَ لَا خَلَتِ النَّارُ مِنْ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ وَ الْعُصَاةِ مُنْذُ خَلَقَهَا عَزَّ وَ جَلَّ لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ وَ صَیَّرَ اللَّهُ أَبْدَانَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَعَ أَرْوَاحِهِمْ فِی الْجَنَّةِ وَ صَیَّرَ أَبْدَانَ أَهْلِ النَّارِ مَعَ أَرْوَاحِهِمْ فِی النَّارِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَا یُعْبَدُ فِی بِلَادِهِ وَ لَا یَخْلُقُ خَلْقاً یَعْبُدُونَهُ وَ یُوَحِّدُونَهُ بَلَی وَ اللَّهِ لَیَخْلُقَنَّ اللَّهُ خَلْقاً مِنْ غَیْرِ فُحُولَةٍ وَ لَا إِنَاثٍ یَعْبُدُونَهُ وَ یُوَحِّدُونَهُ وَ یُعَظِّمُونَهُ وَ یَخْلُقُ لَهُمْ أَرْضاً تَحْمِلُهُمْ وَ سَمَاءً تُظِلُّهُمْ أَ لَیْسَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ أَ فَعَیِینا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِی لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِیدٍ(2).

العیاشی، عن محمد: مثله.

«2»- الْخِصَالُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ (3)

عَبْدِ الصَّمَدِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِی عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْعِبَادِیُّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ عَالَمٍ كُلُّ عَالَمٍ مِنْهُمْ أَكْبَرُ مِنْ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَ سَبْعِ أَرَضِینَ مَا یَرَی عَالَمٌ مِنْهُمْ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَالَماً غَیْرَهُمْ وَ إِنِّی الْحُجَّةُ عَلَیْهِمُ (4).

ص: 320


1- 1. فی المصدر: أبا هذا البشر.
2- 2. الخصال: 11.
3- 3. فی المصدر:« الحسن بن علیّ بن أبی عثمان» و كلاهما واحد، قال النجاشیّ( 48) الحسن بن أبی عثمان الملقب« سجادة» أبو محمّد كوفیّ ضعفه أصحابنا( انتهی) و قال الكشّیّ: علی السجّادة لعنة اللّٰه و لعنة اللاعنین و الملائكة و الناس أجمعین فلقد كان من العلیانیة الذین یقعون فی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لیس لهم فی الإسلام نصیب( انتهی) و« سجاده» بكسر السین و سمع ضمها- كما فی الاساس- بعدها جیم: مقدار ما یضع الرجل وجهه فی سجوده- كما فی النهایة- و لعلّ تلقیبه بها لالتزامه بها، عده الشیخ تارة من أصحاب الجواد و اخری من أصحاب الهادی علیهما السلام.
4- 4. الخصال: 172.

منتخب البصائر، لسعد بن عبد اللّٰه عن الحسن بن عبد الصمد: إلی آخر السند- و عن محمد بن سنان عن المفضل عنه علیه السلام: مثله.

«3»- التَّوْحِیدُ، وَ الْخِصَالُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أَ فَعَیِینا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِی لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِیدٍ فَقَالَ یَا جَابِرُ تَأْوِیلُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَفْنَی هَذَا الْخَلْقَ وَ هَذَا الْعَالَمَ وَ سَكَنَ (1)

أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ جَدَّدَ(2)

اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَالَماً غَیْرَ هَذَا الْعَالَمِ وَ جَدَّدَ عَالَماً(3)

مِنْ غَیْرِ فُحُولَةٍ وَ لَا إِنَاثٍ یَعْبُدُونَهُ وَ یُوَحِّدُونَهُ وَ یَخْلُقُ (4)

لَهُمْ أَرْضاً غَیْرَ هَذِهِ الْأَرْضِ تَحْمِلُهُمْ وَ سَمَاءً غَیْرَ هَذِهِ السَّمَاءِ تُظِلُّهُمْ لَعَلَّكَ تَرَی أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّمَا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ الْوَاحِدَ أَوْ تَرَی أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یَخْلُقْ بَشَراً غَیْرَكُمْ بَلَی وَ اللَّهِ لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَلْفَ أَلْفِ عَالَمٍ وَ أَلْفَ أَلْفِ آدَمٍ وَ أَنْتَ (5)

فِی آخِرِ تِلْكَ الْعَوَالِمِ وَ أُولَئِكَ الْآدَمِیِّینَ (6).

بیان: قوله عز و جل أَ فَعَیِینا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ المشهور أن هذه الآیة لإثبات البعث و هو المراد بالخلق الجدید قال الطبرسی رحمه اللّٰه أی أ فعجزنا حین خلقناهم أولا و لم یكونوا شیئا فكیف نعجز عن بعثهم و إعادتهم بَلْ هُمْ فِی لَبْسٍ أی فی ضلال و شك من إعادة الخلق جدید(7).

و الصوفیة حملوه علی تجدد الأمثال الذی قالوا به مخالفین لسائر العقلاء و المتدینین و لعل التأویل الوارد فی الخبر من بطون الآیة و الجمع بینه و بین ما

ص: 321


1- 1. فی الخصال: و اسكن.
2- 2. فی الخصال: أو جد اللّٰه.
3- 3. فی التوحید: خلقا.
4- 4. فی بعض النسخ و فی الخصال: و خلق.
5- 5. فی المصدرین: انت.
6- 6. التوحید: 200، الخصال: 180.
7- 7. مجمع البیان، ج 9، ص 144.

سبق یمكن بأن یكون الأول محمولا علی الأجناس و هذا علی أنواع العوالم و علی أی حال هذه الأخبار تدل علی حدوث العالم لا علی قدمه كما توهمه بعض القائلین به إذ الزمان المعدود بالكثرة لا یصیر غیر متناه.

«4»- تَفْسِیرُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْغَنِیِّ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ مُوسَی بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ جَرِیجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ رَبِّ الْعالَمِینَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ ثَلَاثَمِائَةِ عَالَمٍ وَ بِضْعَةَ عَشَرَ عَالَماً خَلْفَ قَافٍ وَ خَلْفَ الْبِحَارِ السَّبْعَةِ لَمْ یَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَیْنٍ قَطُّ وَ لَمْ یَعْرِفُوا آدَمَ وَ لَا وُلْدَهُ كُلُّ عَالَمٍ مِنْهُمْ یَزِیدُ مِنْ (1)

ثَلَاثِمِائَةٍ وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِثْلَ آدَمَ وَ مَا وَلَدَ فَذَلِكَ (2)

قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ (3).

«5»- قِصَصُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَی الصَّدُوقِ عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ مَعاً عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِی الْمِقْدَامِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام هَلْ كَانَ فِی الْأَرْضِ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَی یَعْبُدُونَ اللَّهَ قَبْلَ آدَمَ وَ ذُرِّیَّتِهِ فَقَالَ نَعَمْ قَدْ كَانَ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ یُقَدِّسُونَ اللَّهَ وَ یُسَبِّحُونَهُ وَ یُعَظِّمُونَهُ بِاللَّیْلِ وَ النَّهَارِ لا یَفْتُرُونَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا خَلَقَ الْأَرَضِینَ خَلَقَهَا قَبْلَ السَّمَاوَاتِ ثُمَّ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ رُوحَانِیِّینَ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ یَطِیرُونَ بِهَا حَیْثُ یَشَاءُ اللَّهُ فَأَسْكَنَهُمْ فِیمَا بَیْنَ أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ یُقَدِّسُونَهُ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ وَ اصْطَفَی مِنْهُمْ إِسْرَافِیلَ وَ مِیكَائِیلَ وَ جَبْرَئِیلَ ثُمَّ خَلَقَ عَزَّ وَ جَلَّ فِی الْأَرْضِ الْجِنَّ رُوحَانِیِّینَ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ فَخَلَقَهُمْ دُونَ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَ حَفِظَهُمْ أَنْ یَبْلُغُوا مَبْلَغَ الْمَلَائِكَةِ فِی الطَّیَرَانِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ فَأَسْكَنَهُمْ فِیمَا بَیْنَ أَطْبَاقِ الْأَرَضِینَ السَّبْعِ وَ فَوْقَهُنَّ یُقَدِّسُونَ اللَّهَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لا یَفْتُرُونَ ثُمَّ خَلَقَ خَلْقاً دُونَهُمْ لَهُمْ أَبْدَانٌ وَ أَرْوَاحٌ بِغَیْرِ أَجْنِحَةٍ یَأْكُلُونَ وَ یَشْرَبُونَ

ص: 322


1- 1. فی المصدر: عن.
2- 2. فی المصدر: و ذلك.
3- 3. تفسیر القمّیّ: 715.

نَسْنَاسٌ أَشْبَاهُ خَلْقِهِمْ وَ لَیْسُوا بِإِنْسٍ وَ أَسْكَنَهُمْ أَوْسَاطَ الْأَرْضِ عَلَی ظَهْرِ الْأَرْضِ مَعَ الْجِنِّ یُقَدِّسُونَ اللَّهَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لا یَفْتُرُونَ قَالَ وَ كَانَ الْجِنُّ تَطِیرُ فِی السَّمَاءِ فَتَلْقَی الْمَلَائِكَةَ فِی السَّمَاوَاتِ فَیُسَلِّمُونَ عَلَیْهِمْ وَ یَزُورُونَهُمْ وَ یَسْتَرِیحُونَ إِلَیْهِمْ وَ یَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمُ الْخَبَرَ ثُمَّ إِنَّ طَائِفَةً مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ الَّذِینَ خَلَقَهُمُ اللَّهُ وَ أَسْكَنَهُمْ أَوْسَاطَ الْأَرْضِ مَعَ الْجِنِّ تَمَرَّدُوا وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ فَمَرَحُوا وَ بَغَوْا فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ عَلَا بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ فِی الْعُتُوِّ عَلَی اللَّهِ تَعَالَی (1) حَتَّی سَفَكُوا الدِّمَاءَ فِیمَا بَیْنَهُمْ وَ أَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَ جَحَدُوا رُبُوبِیَّةَ اللَّهِ تَعَالَی قَالَ وَ أَقَامَتِ الطَّائِفَةُ الْمُطِیعُونَ مِنَ الْجِنِّ عَلَی رِضْوَانِ اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ وَ بَایَنُوا الطَّائِفَتَیْنِ مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ الَّذِینَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَی قَالَ فَحَطَّ اللَّهُ أَجْنِحَةَ الطَّائِفَةِ مِنَ الْجِنِّ الَّذِینَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ تَمَرَّدُوا فَكَانُوا لَا یَقْدِرُونَ

عَلَی الطَّیَرَانِ إِلَی السَّمَاءِ وَ إِلَی مُلَاقَاةِ الْمَلَائِكَةِ لَمَّا ارْتَكَبُوا مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْمَعَاصِی قَالَ وَ كَانَتِ الطَّائِفَةُ الْمُطِیعَةُ لِأَمْرِ اللَّهِ مِنَ الْجِنِّ تَطِیرُ إِلَی السَّمَاءِ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ عَلَی مَا كَانَتْ عَلَیْهِ وَ كَانَ إِبْلِیسُ وَ اسْمُهُ الْحَارِثُ یُظْهِرُ لِلْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ مِنَ الطَّائِفَةِ الْمُطِیعَةِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَی خَلْقاً عَلَی خِلَافِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَ عَلَی خِلَافِ خَلْقِ الْجِنِّ وَ عَلَی خِلَافِ خَلْقِ النَّسْنَاسِ یَدِبُّونَ كَمَا یَدِبُّ الْهَوَامُّ فِی الْأَرْضِ یَأْكُلُونَ وَ یَشْرَبُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ مِنْ مَرَاعِی الْأَرْضِ كُلُّهُمْ ذُكْرَانٌ لَیْسَ فِیهِمْ إِنَاثٌ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ فِیهِمْ شَهْوَةَ النِّسَاءِ وَ لَا حُبَّ الْأَوْلَادِ وَ لَا الْحِرْصَ وَ لَا طُولَ الْأَمَلِ وَ لَا لَذَّةَ عَیْشٍ لَا یُلْبِسُهُمُ اللَّیْلُ وَ لَا یَغْشَاهُمُ النَّهَارُ وَ لَیْسُوا بِبَهَائِمَ وَ لَا هَوَامَّ لِبَاسُهُمْ وَرَقُ الشَّجَرِ وَ شُرْبُهُمْ مِنَ الْعُیُونِ الْغِزَارِ وَ الْأَدْوِیَةِ الْكِبَارِ ثُمَّ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَیْنِ فَجَعَلَ فِرْقَةً خَلْفَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ مِنْ وَرَاءِ الْبَحْرِ فَكَوَّنَ لَهُمْ مَدِینَةً أَنْشَأَهَا تُسَمَّی جَابَرْسَا طُولُهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَرْسَخٍ فِی اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ فَرْسَخٍ وَ كَوَّنَ عَلَیْهَا سُوراً مِنْ حَدِیدٍ یَقْطَعُ الْأَرْضَ إِلَی السَّمَاءِ ثُمَّ أَسْكَنَهُمْ فِیهَا وَ أَسْكَنَ الْفِرْقَةَ الْأُخْرَی خَلْفَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ مِنْ وَرَاءِ الْبَحْرِ وَ كَوَّنَ لَهُمْ مَدِینَةً أَنْشَأَهَا تُسَمَّی جَابَلْقَا

ص: 323


1- 1. فی المخطوطة: حیث.

طُولُهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَرْسَخٍ فِی اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ فَرْسَخٍ وَ كَوَّنَ لَهُمْ سُوراً مِنْ حَدِیدٍ یَقْطَعُ إِلَی السَّمَاءِ فَأَسْكَنَ الْفِرْقَةَ الْأُخْرَی فِیهَا لَا یَعْلَمُ أَهْلُ جَابَرْسَا بِمَوْضِعِ أَهْلِ جَابَلْقَا وَ لَا یَعْلَمُ أَهْلُ جَابَلْقَا بِمَوْضِعِ أَهْلِ جَابَرْسَا وَ لَا یَعْلَمُ بِهِمْ أَهْلُ أَوْسَاطِ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ فَكَانَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ عَلَی أَهْلِ أَوْسَاطِ الْأَرَضِینَ مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ فَیَنْتَفِعُونَ بِحَرِّهَا وَ یَسْتَضِیئُونَ بِنُورِهَا ثُمَّ تَغْرُبُ فِی عَیْنٍ حَمِئَةٍ فَلَا یَعْلَمُ بِهَا أَهْلُ جَابَلْقَا إِذَا غَرَبَتْ وَ لَا یَعْلَمُ بِهَا أَهْلُ جَابَرْسَا إِذَا طَلَعَتْ لِأَنَّهَا تَطْلُعُ مِنْ دُونِ جَابَرْسَا وَ تَغْرُبُ مِنْ دُونِ جَابَلْقَا فَقِیلَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَكَیْفَ یُبْصِرُونَ وَ یَحْیَوْنَ وَ كَیْفَ یَأْكُلُونَ وَ یَشْرَبُونَ وَ لَیْسَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَیْهِمْ فَقَالَ إِنَّهُمْ یَسْتَضِیئُونَ بِنُورِ اللَّهِ فَهُمْ فِی أَشَدِّ ضَوْءٍ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ وَ لَا یَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی خَلَقَ شَمْساً وَ لَا قَمَراً وَ لَا نُجُوماً وَ لَا كَوَاكِبَ وَ لَا یَعْرِفُونَ شَیْئاً غَیْرَهُ فَقِیلَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَأَیْنَ إِبْلِیسُ عَنْهُمْ قَالَ لَا یَعْرِفُونَ إِبْلِیسَ وَ لَا سَمِعُوا بِذِكْرِهِ لَا یَعْرِفُونَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ لَمْ یَكْتَسِبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ خَطِیئَةً وَ لَمْ یَقْتَرِفْ إِثْماً لَا یَسْقُمُونَ وَ لَا یَهْرَمُونَ وَ لَا یَمُوتُونَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ یَعْبُدُونَ اللَّهَ لا یَفْتُرُونَ اللَّیْلُ وَ النَّهَارُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ وَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَنْ یَخْلُقَ خَلْقاً وَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا مَضَی لِلْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ فَلَمَّا كَانَ مِنْ خَلْقِ (1)

اللَّهِ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ لِلَّذِی أَرَادَ مِنَ التَّدْبِیرِ وَ التَّقْدِیرِ فِیمَا هُوَ مُكَوِّنُهُ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ كَشَطَ عَنْ أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ انْظُرُوا إِلَی أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِی مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ هَلْ تَرْضَوْنَ أَعْمَالَهُمْ وَ طَاعَتَهُمْ لِی فَاطَّلَعَتْ (2) وَ رَأَوْا مَا یَعْمَلُونَ فِیهَا مِنَ الْمَعَاصِی وَ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ أَعْظَمُوا ذَلِكَ وَ غَضِبُوا لِلَّهِ وَ أَسِفُوا عَلَی أَهْلِ الْأَرْضِ وَ لَمْ یَمْلِكُوا غَضَبَهُمْ وَ قَالُوا یَا رَبَّنَا أَنْتَ الْعَزِیزُ الْجَبَّارُ الْقَاهِرُ الْعَظِیمُ الشَّأْنِ وَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ خَلْقُكَ الضَّعِیفُ الذَّلِیلُ فِی أَرْضِكَ كُلُّهُمْ یَتَقَلَّبُونَ فِی قَبْضَتِكَ وَ یَعِیشُونَ بِرِزْقِكَ وَ یَتَمَتَّعُونَ بِعَافِیَتِكَ وَ هُمْ یَعْصُونَكَ

ص: 324


1- 1. شأن( خ).
2- 2. فی المخطوطة: فلما اطلعوا.

بِمِثْلِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ لَا تَغْضَبُ وَ لَا تَنْتَقِمُ مِنْهُمْ لِنَفْسِكَ بِمَا تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَ تَرَی وَ قَدْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَیْنَا وَ أَكْبَرْنَاهُ فِیكَ قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَی مَقَالَةَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً فَیَكُونُ حُجَّتِی عَلَی خَلْقِی فِی أَرْضِی فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ سُبْحَانَكَ رَبَّنَا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَی یَا مَلَائِكَتِی إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ إِنِّی أَخْلُقُ خَلْقاً بِیَدِی وَ أَجْعَلُ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ أَنْبِیَاءَ وَ مُرْسَلِینَ وَ عِبَاداً صَالِحِینَ وَ أَئِمَّةً مُهْتَدِینَ وَ أَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِی عَلَی خَلْقِی فِی أَرْضِی یَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِیَتِی وَ یُنْذِرُونَهُمْ مِنْ عَذَابِی وَ یَهْدُونَهُمْ إِلَی طَاعَتِی وَ یَسْلُكُونَ بِهِمْ طَرِیقَ سَبِیلِی أَجْعَلُهُمْ حُجَّةً لِی عُذْراً أَوْ نُذْراً وَ أَنْفِی الشَّیَاطِینَ مِنْ أَرْضِی وَ أُطَهِّرُهَا مِنْهُمْ فَأُسْكِنُهُمْ فِی الْهَوَاءِ وَ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَ فِی الْفَیَافِی فَلَا یَرَاهُمْ خَلْقِی (1) وَ لَا یَرَوْنَ شَخْصَهُمْ وَ لَا یُجَالِسُونَهُمْ وَ لَا یُخَالِطُونَهُمْ وَ لَا یُؤَاكِلُونَهُمْ وَ لَا یُشَارِبُونَهُمْ وَ أُنَفِّرُ مَرَدَةَ الْجِنِّ الْعُصَاةِ مِنْ نَسْلِ بَرِیَّتِی وَ خَلْقِی وَ خِیَرَتِی فَلَا یُجَاوِرُونَ خَلْقِی وَ أَجْعَلُ بَیْنَ خَلْقِی وَ بَیْنَ الْجَانِّ حِجَاباً فَلَا یَرَی خَلْقِی (2)

شَخْصَ الْجِنِّ وَ لَا یُجَالِسُونَهُمْ وَ لَا یُشَارِبُونَهُمْ وَ لَا یَتَهَجَّمُونَ تَهَجُّمَهُمْ وَ مَنْ عَصَانِی مِنْ نَسْلِ خَلْقِیَ الَّذِی عَظَّمْتُهُ وَ اصْطَفَیْتُهُ لِغَیْبِی أُسْكِنُهُمْ مَسَاكِنَ الْعُصَاةِ وَ أُورِدُهُمْ مَوْرِدَهُمْ وَ لَا أُبَالِی فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِیمُ الْحَكِیمُ فَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ قَالَ وَ كَانَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَقْدِمَةً لِلْمَلَائِكَةِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَهُ احْتِجَاجاً مِنْهُ عَلَیْهِمْ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِیُغَیِّرَ مَا بِقَوْمٍ إِلَّا بَعْدَ الْحُجَّةِ عُذْراً أَوْ نُذْراً فَأَمَرَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَاغْتَرَفَ غُرْفَةً بِیَمِینِهِ فَصَلْصَلَهَا فِی كَفِّهِ فَجَمَدَتْ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْكَ أَخْلُقُ.

إیضاح: أشباه خلقهم أی بالإنس أو بعضهم ببعض أو بالإضافة أی أشباه خلق الجن فمرحوا بالحاء المهملة یقال مرح كفرح أی أشر و بطر

ص: 325


1- 1. فی المخطوطة: نسل خلقی.
2- 2. فی المخطوطة: نسل خلقی.

و اختال و نشط تبخترا(1)

أو بالجیم و المرج بالتحریك الفساد و القلق و الاختلاط و الاضطراب و الفعل كفرح أیضا لا یلبسهم اللیل لعل المعنی أنهم لم یكونوا یحتاجون فی اللیل إلی ستر و فی النهار إلی غشاء و ستر أو أنهم لما لم تطلع علیهم الشمس لا لیل عندهم و لا نهار(2)

و یظهر من هذا الخبر أن جابلقا و جابرسا خارجان من هذا العالم خلق السماء الرابعة بل السابعة علی المشهور و أهلهما صنف من الملائكة أو شبیه بهم و اختصر الراوندی الخبر و تمامه مر بسند آخر فی المجلد الخامس.

«6»- الْبَصَائِرُ، عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ یَزِیدَ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ(3) عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَبِی

ص: 326


1- 1. فی أكثر النسخ: و تبختر.
2- 2. بل الثانی متعین.
3- 3. هو محمّد بن زیاد بن عیسی أبو أحمد الأزدیّ من موالی المهلب بن أبی صفرة، و قیل مولی بنی أمیّة و الأول أصح، بغدادیّ الأصل و المقام، كان أوثق الناس عند الخاصّة و العامّة و أنسكهم نسكا و أورعهم و اعبدهم، و كان من أصحاب الإجماع، جلیل القدر، عظیم الشأن. قال الفضل بن شاذان: دخلت العراق فرأیت أحدا یعاتب صاحبه و یقول له: أنت رجل علیك عیال و تحتاج ان تكسب علیهم؟ و ما آمن أن تذهب عیناك لطول سجودك، فلما أكثر علیه قال: اكثرت علی، ویحك لو ذهبت عین أحد من السجود لذهبت عین ابن أبی عمیر، ما ظنك برجل یسجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما یرفع رأسه الا عند زوال الشمس! كان متمولا ربّ خمسمائة الف درهم، روی الكشّیّ انه ضرب مائة و عشرین خشبة امام هارون، و تولی ضربه السندی بن شاهك علی التشیع، و حبس فأدی مائة و أحد و عشرین الف درهم حتّی خلی عنه. و أیضا اخذه المامون و حبسه، و أصابه من الجهد و الضیق امر عظیم و أخذ المأمون كل شی ء كان له و ذلك بعد موت الرضا علیه السلام قیل انه كان فی الحبس أربع سنین، و روی المفید( ره) فی الاختصاص انه حبس سبع عشر سنین، و فی حال استتاره و كونه فی الحبس دفنت أخته كتبه فهلكت الكتب، و قیل: تركها فی غرفة فسال علیها المطر فحدث من حفظه و ممّا كان سلف له فی ایدی الناس، فلهذا تسكن الاصحاب الی مراسیله، قال المحقق الداماد فی الرواشح السماویة( ص: 67) مراسیل محمّد بن أبی عمیر تعد فی حكم المسانید، إلی أن قال: كان یروی ما یرویه باسانید صحیحة، فلما ذهبت كتبه ارسل روایاته التی كانت هی من المضبوط المعلوم المسند عنده بسند صحیح، فمراسیله فی الحقیقة مسانید معلومة الاتصال( انتهی) قال النجاشیّ( ص: 250) لقی أبا الحسن موسی علیه السلام و سمع منه أحادیث- إلی أن قال- و روی عن الرضا علیه السلام( انتهی) و قیل انه ادرك أبا الحسن موسی علیه السلام و لم یرو عنه و روی عن الرضا و الجواد علیهما السلام و استظهر فی« جامع الرواة» انه ادرك أربعة من الأئمّة: الصادق: و الكاظم و الرضا و الجواد علیهم السلام و أیده بتأییدات یطول ذكرها.

عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَرْفَعُ الْحَدِیثَ إِلَی الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَدِینَتَیْنِ إِحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَ الْأُخْرَی بِالْمَغْرِبِ عَلَیْهِمَا سُورَانِ مِنْ حَدِیدٍ وَ عَلَی كُلِّ مَدِینَةٍ أَلْفُ أَلْفِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ فِیهَا سَبْعِینَ (1)

أَلْفَ أَلْفِ لُغَةٍ یَتَكَلَّمُ كُلٌّ لُغَةً بِخِلَافِ لُغَةِ صَاحِبِهِ وَ أَنَا أَعْرِفُ جَمِیعَ اللُّغَاتِ وَ مَا فِیهِمَا وَ مَا بَیْنَهُمَا وَ مَا عَلَیْهِمَا حُجَّةٌ غَیْرِی وَ الْحُسَیْنِ أَخِی (2).

و منه عن أحمد بن الحسین عن أبیه بهذا الإسناد: مثله.

«7»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّی عَنْ أَبِیهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَیْدٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ كَذلِكَ نُرِی إِبْراهِیمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قَالَ فَكُنْتُ مُطْرِقاً إِلَی الْأَرْضِ فَرَفَعَ یَدَهُ إِلَی فَوْقٍ ثُمَّ قَالَ لِیَ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِی فَنَظَرْتُ إِلَی السَّقْفِ قَدِ انْفَجَرَ حَتَّی خَلَصَ بَصَرِی إِلَی نُورٍ سَاطِعٍ حَارَ بَصَرِی دُونَهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ لِی رَأَی إِبْرَاهِیمُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ هَكَذَا قَالَ لِی أَطْرِقْ فَأَطْرَقْتُ ثُمَّ قَالَ لِیَ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِی فَإِذَا السَّقْفُ عَلَی حَالِهِ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ بِیَدِی وَ قَامَ وَ أَخْرَجَنِی مِنَ الْبَیْتِ الَّذِی كُنْتُ فِیهِ وَ أَدْخَلَنِی بَیْتاً آخَرَ فَخَلَعَ ثِیَابَهُ الَّتِی كَانَتْ عَلَیْهِ وَ لَبِسَ ثِیَاباً غَیْرَهَا ثُمَّ قَالَ لِی غُضَّ بَصَرَكَ فَغَضَضْتُ بَصَرِی وَ قَالَ لِی لَا تَفْتَحْ عَیْنَكَ فَلَبِثْتُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لِی أَ تَدْرِی أَیْنَ أَنْتَ قُلْتُ لَا جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ لِی فِی الظُّلْمَةِ الَّتِی سَلَكَهَا ذُو الْقَرْنَیْنِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ تَأْذَنُ لِی أَنْ أَفْتَحَ عَیْنِی فَقَالَ لِیَ افْتَحْ فَإِنَّكَ لَا تَرَی شَیْئاً فَفَتَحْتُ عَیْنِی فَإِذَا أَنَا فِی ظُلْمَةٍ لَا أُبْصِرُ فِیهَا مَوْضِعَ قَدَمِی ثُمَّ سَارَ قَلِیلًا وَ وَقَفَ فَقَالَ لِی هَلْ تَدْرِی أَیْنَ أَنْتَ قُلْتُ لَا قَالَ أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَی عَیْنِ الْحَیَاةِ الَّتِی

شَرِبَ مِنْهَا الْخَضِرُ وَ خَرَجْنَا مِنْ ذَلِكَ الْعَالَمِ إِلَی عَالَمٍ آخَرَ فَسَلَكْنَا فِیهِ فَرَأَیْنَا كَهَیْئَةِ عَالَمِنَا فِی بِنَائِهِ وَ مَسَاكِنِهِ وَ أَهْلِهِ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَی عَالَمٍ ثَالِثٍ كَهَیْئَةِ الْأَوَّلِ

ص: 327


1- 1. سبعون( ط).
2- 2. رواه فی الكافی( ج 1، ص 462) عن أحمد بن محمّد و محمّد بن یحیی، عن محمّد الحسین، عن یعقوب بن یزید، عن ابن أبی عمیر عن رجاله.

وَ الثَّانِی حَتَّی وَرَدْنَا خَمْسَةَ عَوَالِمَ قَالَ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ مَلَكُوتُ الْأَرْضِ وَ لَمْ یَرَهَا إِبْرَاهِیمُ وَ إِنَّمَا رَأَی مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَ هِیَ اثْنَا عَشَرَ عَالَماً كُلُّ عَالَمٍ كَهَیْئَةِ مَا رَأَیْتَ كُلَّمَا مَضَی مِنَّا إِمَامٌ سَكَنَ أَحَدَ هَذِهِ الْعَوَالِمَ حَتَّی یَكُونَ آخِرُهُمُ الْقَائِمَ فِی عَالَمِنَا الَّذِی نَحْنُ سَاكِنُوهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ لِی غُضَّ بَصَرَكَ فَغَضَضْتُ بَصَرِی ثُمَّ أَخَذَ بِیَدِی فَإِذَا نَحْنُ فِی الْبَیْتِ الَّذِی خَرَجْنَا مِنْهُ فَنَزَعَ تِلْكَ الثِّیَابَ وَ لَبِسَ الثِّیَابَ الَّتِی كَانَتْ عَلَیْهِ وَ عُدْنَا إِلَی مَجْلِسِنَا فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ كَمْ مَضَی مِنَ النَّهَارِ قَالَ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ.

بیان: و لم یرها إبراهیم أی كلها أو فی وقت الاحتجاج علی قومه و رآها بعدا و كأن فی قراءتهم علیهم السلام و الأرض بالنصب.

«8»- الْبَصَائِرُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْكُوفِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ فَإِذَا بَحْرٌ فِیهِ سُفُنٌ مِنْ فِضَّةٍ فَرَكِبَ وَ رَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّی انْتَهَی إِلَی مَوْضِعٍ فِیهِ خِیَامٌ مِنْ فِضَّةٍ فَدَخَلَهَا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ رَأَیْتَ الْخَیْمَةَ الَّتِی دَخَلْتُهَا أَوَّلًا فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ تِلْكَ خَیْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْأُخْرَی خَیْمَةُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ الثَّالِثَةُ خَیْمَةُ فَاطِمَةَ وَ الرَّابِعَةُ خَیْمَةُ خَدِیجَةَ(1) وَ الْخَامِسَةُ خَیْمَةُ الْحَسَنِ وَ السَّادِسَةُ خَیْمَةُ الْحُسَیْنِ وَ السَّابِعَةُ خَیْمَةُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ وَ الثَّامِنَةُ خَیْمَةُ أَبِی وَ التَّاسِعَةُ خَیْمَتِی وَ لَیْسَ أَحَدٌ مِنَّا یَمُوتُ إِلَّا وَ لَهُ خَیْمَةٌ یَسْكُنُ فِیهَا.

«9»- وَ مِنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَجَّالِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَیْنِ اللُّؤْلُؤِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ سَدِیرٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: یَا أَبَا الْفَضْلِ إِنِّی لَأَعْرِفُ رَجُلًا مِنَ الْمَدِینَةِ أُخِذَ قَبْلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِهَا إِلَی الْفِئَةِ الَّتِی قَالَ اللَّهُ وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ لِمُشَاجَرَةٍ كَانَتْ فِیمَا بَیْنَهُمْ فَأَصْلَحَ بَیْنَهُمْ.

«10»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مُوسَی عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ

ص: 328


1- 1. خدیجة( خ).

عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِیٍّ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَی عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام فَقَالَ لَهُ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا مُنَجِّمٌ قَالَ فَأَنْتَ عَرَّافٌ قَالَ فَنَظَرَ إِلَیْهِ ثُمَّ قَالَ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَی رَجُلٍ قَدِمَ مُذْ دَخَلْتَ عَلَیْنَا فِی أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَالَماً كُلُّ عَالَمٍ أَكْبَرُ مِنَ الدُّنْیَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ یَتَحَرَّكْ مِنْ مَكَانِهِ قَالَ مَنْ هُوَ قَالَ أَنَا وَ إِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِمَا أَكَلْتَ وَ ادَّخَرْتَ فِی بَیْتِكَ.

«11»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیهم السلام قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ بَلْدَةً خَلْفَ الْمَغْرِبِ یُقَالُ لَهَا جَابَلْقَا وَ فِی جَابَلْقَا سَبْعُونَ أَلْفَ أُمَّةٍ لَیْسَ مِنْهَا أُمَّةٌ إِلَّا مِثْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَمَا عَصَوُا اللَّهَ طَرْفَةَ عَیْنٍ فَمَا یَعْمَلُونَ عَمَلًا وَ لَا یَقُولُونَ قَوْلًا إِلَّا الدُّعَاءَ عَلَی الْأَوَّلَیْنِ (1) وَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا وَ الْوَلَایَةَ لِأَهْلِ بَیْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله

«12»- وَ مِنْهُ، عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْجَرِیرِیِّ عَنْ أَبِی عِمْرَانَ الْأَرْمَنِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْجَارُودِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرَاءِ أَرْضِكُمْ هَذِهِ أَرْضاً بَیْضَاءَ ضَوْؤُهَا مِنْهَا فِیهَا خَلْقٌ یَعْبُدُونَ اللَّهَ لَا یُشْرِكُونَ بِهِ شَیْئاً یَتَبَرَّءُونَ مِنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.

«13»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَی عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِیمِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرَاءِ عَیْنِ شَمْسِكُمْ هَذِهِ أَرْبَعِینَ عَیْنَ شَمْسٍ فِیهَا خَلْقٌ كَثِیرٌ وَ إِنَّ مِنْ وَرَاءِ قَمَرِكُمْ أَرْبَعِینَ قَمَراً فِیهَا خَلْقٌ كَثِیرٌ لَا یَدْرُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ أَمْ لَمْ یَخْلُقْهُ أُلْهِمُوا إِلْهَاماً لَعْنَةَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.

«14»- وَ مِنْهُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ سَمَاعَةَ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سَمَاعَةَ یَرْفَعُهُ إِلَی الْحَسَنِ وَ أَبِی الْجَارُودِ وَ ذَكَرَاهُ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْهَمْدَانِیِّ قَالَ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ علیهما السلام: إِنَّ لِلَّهِ مَدِینَةً فِی الْمَشْرِقِ وَ مَدِینَةً فِی الْمَغْرِبِ عَلَی كُلِّ وَاحِدٍ سُورٌ مِنْ حَدِیدٍ فِی كُلِّ سُورٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مِصْرَاعٍ یَدْخُلُ

ص: 329


1- 1. یعنی الجبت و الطاغوت.

مِنْ كُلِّ مِصْرَاعٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةِ آدَمِیٍّ لَیْسَ مِنْهَا لُغَةٌ إِلَّا مُخَالِفُ الْأُخْرَی وَ مَا مِنْهَا لُغَةٌ إِلَّا وَ قَدْ عَلِمْنَاهَا وَ مَا فِیهِمَا وَ مَا بَیْنَهُمَا ابْنُ نَبِیٍّ غَیْرِی وَ غَیْرُ أَخِی وَ أَنَا الْحُجَّةُ عَلَیْهِمْ.

«15»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الزَّیَّاتِ (1)

عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّهْقَانِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ خَلْفَ هَذَا النِّطَاقِ زَبَرْجَدَةً خَضْرَاءَ فَمِنْ خُضْرَتِهَا اخْضَرَّتِ السَّمَاءُ قَالَ قُلْتُ وَ مَا النِّطَاقُ قَالَ الْحِجَابُ وَ لِلَّهِ وَرَاءَ ذَلِكَ سَبْعُونَ أَلْفَ عَالَمٍ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ كُلُّهُمْ یَلْعَنُ فُلَاناً وَ فُلَاناً.

بیان: لعل المراد بالنطاق الجبال المحسوسة لنا و بالزبرجدة جبل قاف أو المراد بالنطاق ذلك الجبل و الزبرجدة خلفه و یحتمل علی بعد السماء قال فی

النهایة فی حدیث العباس یمدح النبی صلی اللّٰه علیه و آله

حتی احتوی بیتك المهیمن من*** خندف علیاء تحتها النطق.

النطق جمع نطاق و هی أعراض من جبال بعضها فوق بعض أی نواح و أوساط منها شبهت بالنطق التی تشد بها أوساط الناس (2)

انتهی و فی بعض الكتب النطاف بالفاء جمع نطفة و هی الماء الصافی أی خلف البحار فتفسیرها بالحجاب لأنها موانع من الوصول إلی ما وراءها لكنه بعید.

أقول: أوردنا أخبارا كثیرة من هذا الباب فی كتاب الحجة فی باب أنهم الحجة علی جمیع العوالم.

«16»- جَامِعُ الْأَخْبَارِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ مُوسَی سَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَ جَلَ

ص: 330


1- 1. الظاهر أنّه مصحف« علی بن الریان» كما روی فی الكافی( ج 2، ص 494) عن أحمد بن الحسین عن علیّ بن الریان عن عبید اللّٰه بن عبد اللّٰه الدهقان، و هو علیّ بن الریان بن الصلت الأشعریّ القمّیّ الثقة، عده الشیخ- ره- من أصحاب الهادی علیه السلام و وكلائه، و ذكر فی الفهرست ان له مع اخیه« محمد» كتابا مشتركا بینهما.
2- 2. النهایة، ج 4، ص 154.

أَنْ یُعَرِّفَهُ بَدْءَ الدُّنْیَا مُنْذُ كَمْ خُلِقَتْ فَأَوْحَی اللَّهُ تَعَالَی إِلَی مُوسَی تَسْأَلُنِی عَنْ غَوَامِضِ عِلْمِی فَقَالَ یَا رَبِّ أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَ ذَلِكَ فَقَالَ یَا مُوسَی خَلَقْتُ الدُّنْیَا مُنْذُ مِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ عَامٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَ كَانَتْ خَرَاباً خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ بَدَأْتُ فِی عِمَارَتِهَا فَعَمَرْتُهَا خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ خَلَقْتُ فِیهَا خَلْقاً عَلَی مِثَالِ الْبَقَرِ یَأْكُلُونَ رِزْقِی وَ یَعْبُدُونَ غَیْرِی خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ أَمَتُّهُمْ كُلَّهُمْ فِی سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ خَرَّبْتُ الدُّنْیَا خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ بَدَأْتُ فِی عِمَارَتِهَا فَمَكَثَتْ عَامِرَةً خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ خَلَقْتُ فِیهَا بَحْراً فَمَكَثَ الْبَحْرُ خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ لَا شَیْ ءٌ مَجَّاجاً مِنَ الدُّنْیَا یَشْرَبُ ثُمَّ خَلَقْتُ دَابَّةً وَ سَلَّطْتُهَا عَلَی ذَلِكَ الْبَحْرِ فَشَرِبَتْهُ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ ثُمَّ خَلَقْتُ خَلْقاً أَصْغَرَ مِنَ الزُّنْبُورِ وَ أَكْبَرَ مِنَ الْبَقِّ فَسَلَّطْتُ ذَلِكَ الْخَلْقَ عَلَی هَذِهِ الدَّابَّةِ فَلَدَغَهَا وَ قَتَلَهَا فَمَكَثَتِ الدُّنْیَا خَرَاباً خَمْسِینَ أَلْفَ عاما [عَامٍ] ثُمَّ بَدَأْتُ فِی عِمَارَتِهَا فَمَكَثَتْ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ جَعَلْتُ الدُّنْیَا كُلَّهَا آجَامَ الْقَصَبِ وَ خَلَقْتُ السَّلَاحِفَ وَ سَلَّطْتُهَا عَلَیْهَا فَأَكَلَتْهَا حَتَّی لَمْ یَبْقَ شَیْ ءٌ ثُمَّ أَهْلَكْتُهَا فِی سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَكَثَتِ الدُّنْیَا خَرَاباً خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ بَدَأْتُ فِی عِمَارَتِهَا فَمَكَثَتْ عَامِرَةً خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ خَلَقْتُ ثَلَاثِینَ آدم آدَماً ثَلَاثِینَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ آدَمٍ إِلَی آدَمٍ أَلْفُ سَنَةٍ فَأَفْنَیْتُهُمْ كُلَّهُمْ بِقَضَائِی وَ قَدَرِی ثُمَّ خَلَقْتُ فِیهَا خَمْسِینَ أَلْفَ أَلْفِ مَدِینَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ الْبَیْضَاءِ وَ خَلَقْتُ فِی كُلِّ مَدِینَةٍ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفِ قَصْرٍ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ فَمَلَأْتُ الْمُدُنَ خَرْدَلًا عِنْدَ الْهَوَاءِ یَوْمَئِذٍ أَلَذَّ مِنَ الشَّهْدِ وَ أَحْلَی مِنَ الْعَسَلِ وَ أَبْیَضَ مِنَ الثَّلْجِ ثُمَّ خَلَقْتُ طَیْراً وَاحِداً أَعْمَی وَ جَعَلْتُ طَعَامَهُ فِی كُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ حَبَّةً مِنَ الْخَرْدَلِ

أَكَلَهَا حَتَّی فَنِیَتْ ثُمَّ خَرَّبْتُهَا فَمَكَثَتْ خَرَاباً خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ بَدَأْتُ فِی عِمَارَتِهَا فَمَكَثَتْ عَامِرَةً خَمْسِینَ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ خَلَقْتُ أَبَاكَ آدَمَ علیه السلام بِیَدِی یَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ وَ لَمْ أَخْلُقْ مِنَ الطِّینِ غَیْرَهُ وَ أَخْرَجْتُ مِنْ صُلْبِهِ النَّبِیَّ مُحَمَّداً(1).

بیان: هذه من روایات المخالفین أوردها صاحب الجامع فأوردتها و لم أعتمد علیها.

ص: 331


1- 1. هذه الروایة أشبه بالقصص التخیلیة، و الاعراض عن الشرح و التوجیه لها أولی: علی أنها مرسلة لا تعویل علیها.

«17»- كِتَابُ مُنْتَخَبِ الْبَصَائِرِ، وَ كِتَابُ الْمُحْتَضَرِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی وَ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی الْیَقْطِینِیِّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ(1)

عَنْ فَضَالَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَیْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ مِیرَاثِ الْعِلْمِ مَا مَبْلَغُهُ أَ جَوَامِعُ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ أَمْ تَفْسِیرُ كُلِّ شَیْ ءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِی نَتَكَلَّمُ فِیهَا فَقَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَدِینَتَیْنِ مَدِینَةً بِالْمَشْرِقِ وَ مَدِینَةً بِالْمَغْرِبِ فِیهِمَا قَوْمٌ لَا یَعْرِفُونَ إِبْلِیسَ وَ لَا یَعْلَمُونَ بِخَلْقِ إِبْلِیسَ نَلْقَاهُمْ فِی كُلِّ حِینٍ فَیَسْأَلُونَّا عَمَّا یَحْتَاجُونَ إِلَیْهِ وَ یَسْأَلُونَّا عَنِ الدُّعَاءِ فَنُعَلِّمُهُمْ وَ یَسْأَلُونَّا عَنْ قَائِمِنَا مَتَی یَظْهَرُ وَ فِیهِمْ عِبَادَةٌ وَ اجْتِهَادٌ شَدِیدٌ وَ لِمَدِینَتِهِمْ أَبْوَابٌ مَا بَیْنَ الْمِصْرَاعِ إِلَی الْمِصْرَاعِ مِائَةُ فَرْسَخٍ لَهُمْ تَقْدِیسٌ وَ تَمْجِیدٌ وَ دُعَاءٌ وَ اجْتِهَادٌ شَدِیدٌ لَوْ رَأَیْتُمُوهُمْ لَاحْتَقَرْتُمْ عَمَلَكُمْ یُصَلِّی الرَّجُلُ مِنْهُمْ شَهْراً لَا یَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ سَجْدَتِهِ طَعَامُهُمُ التَّسْبِیحُ وَ لِبَاسُهُمُ الْوَرَقُ وَ وُجُوهُهُمْ مُشْرِقَةٌ بِالنُّورِ إِذَا رَأَوْا مِنَّا وَاحِداً لَحَسُوهُ وَ اجْتَمَعُوا إِلَیْهِ وَ أَخَذُوا مِنْ أَثَرِهِ مِنَ الْأَرْضِ یَتَبَرَّكُونَ بِهِ لَهُمْ دَوِیٌّ إِذَا صَلَّوْا كَأَشَدَّ مِنْ دَوِیِّ الرِّیحِ الْعَاصِفِ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ لَمْ یَضَعُوا السِّلَاحَ مُنْذُ كَانُوا یَنْتَظِرُونَ قَائِمَنَا یَدْعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ یُرِیَهُمْ إِیَّاهُ وَ عُمُرُ أَحَدِهِمْ أَلْفُ سَنَةٍ إِذَا رَأَیْتَهُمْ رَأَیْتَ الْخُشُوعَ وَ الِاسْتِكَانَةَ وَ طَلَبَ مَا یُقَرِّبُهُمْ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا احْتَبَسْنَا عَنْهُمْ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سَخَطٍ یَتَعَاهَدُونَ أَوْقَاتَنَا الَّتِی نَأْتِیهِمْ

ص: 332


1- 1. الحسین بن سعید بن حماد بن مهران مولی علیّ بن الحسین علیهما السلام- أبو محمّد الأهوازی الثقة، روی عن الرضا و الجواد و الهادی علیهم السلام اصله كوفیّ و انتقل مع أخیه الحسن الی الأهواز ثمّ تحول الی قم فنزل علی الحسن بن ابان و توفی بها، و عن النجاشیّ انه قال، قال لی أبو الحسن البغدادیّ السورائی البزاز، قال لنا الحسین بن یزید السورائی، كل شی ء تراه« الحسین بن سعید عن فضالة» فهو غلط، انما هو« الحسین عن اخیه الحسن عن فضالة» لان الحسین لم یلق فضالة و ان أخاه الحسن تفرد بفضالة دون الحسین- انتهی- لكن ذكر فی جامع الرواة( ج 2، ص 3) موارد كثیرة من التهذیبین و الفقیه تربو علی عشرین موردا فیها روایة الحسین بن سعید عن فضالة، ثمّ قال: و مع هذه الكثرة بعید غایة البعد حمل روایته عن فضالة علی الغلط: و قال فی تنقیح المقال بعد نقل كلام الأردبیلیّ: و هو كلام موجه متین، ثمّ ذكران الشیخ الطوسیّ- ره- ممن تحقّق عنده خطأ السورائی. و اللّٰه العالم.

فِیهَا لا یَسْأَمُونَ وَ لا یَفْتُرُونَ یَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَمَا عَلَّمْنَاهُمْ وَ إِنَّ فِیمَا نُعَلِّمُهُمْ مَا لَوْ تُلِیَ عَلَی النَّاسِ لَكَفَرُوا بِهِ وَ لَأَنْكَرُوهُ یَسْأَلُونَّا عَنِ الشَّیْ ءِ إِذَا وَرَدَ عَلَیْهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ لَا یَعْرِفُونَهُ فَإِذَا أَخْبَرْنَاهُمْ بِهِ انْشَرَحَتْ صُدُورُهُمْ لِمَا یَسْتَمِعُونَ مِنَّا وَ سَأَلُوا لَنَا طُولَ الْبَقَاءِ وَ أَنْ لَا یَفْقِدُونَا وَ یَعْلَمُونَ أَنَّ الْمِنَّةَ مِنَ اللَّهِ عَلَیْهِمْ فِیمَا نُعَلِّمُهُمْ عَظِیمَةٌ وَ لَهُمْ خَرْجَةٌ مَعَ الْإِمَامِ إِذَا قَامَ یَسْبِقُونَ فِیهَا أَصْحَابَ السِّلَاحِ وَ یَدْعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ یَجْعَلَهُمْ مِمَّنْ یَنْتَصِرُ بِهِمْ لِدِینِهِ فِیهِمْ كُهُولٌ وَ شُبَّانٌ إِذَا رَأَی شَابٌّ مِنْهُمُ الْكَهْلَ جَلَسَ بَیْنَ یَدَیْهِ جِلْسَةَ الْعَبْدِ لَا یَقُومُ حَتَّی یَأْمُرَهُ لَهُمْ طَرِیقٌ هُمْ أَعْلَمُ بِهِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَی حَیْثُ یُرِیدُ الْإِمَامُ علیه السلام فَإِذَا أَمَرَهُمُ الْإِمَامُ بِأَمْرٍ قَامُوا عَلَیْهِ أَبَداً حَتَّی یَكُونَ هُوَ الَّذِی یَأْمُرُهُمْ بِغَیْرِهِ لَوْ أَنَّهُمْ وَرَدُوا عَلَی مَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ مِنَ الْخَلْقِ لَأَفْنَوْهُمْ فِی سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا یَخْتَلُّ فِیهِمُ الْحَدِیدُ لَهُمْ سُیُوفٌ مِنْ حَدِیدٍ غَیْرِ هَذَا الْحَدِیدِ لَوْ ضَرَبَ أَحَدُهُمْ بِسَیْفِهِ جَبَلًا لَقَدَّهُ حَتَّی یَفْصِلَهُ وَ یَغْزُو بِهِمُ الْإِمَامُ علیه السلام الْهِنْدَ وَ الدَّیْلَمَ وَ الْكُرْدَ وَ الرُّومَ وَ بَرْبَرَ وَ فَارِسَ وَ بَیْنَ جَابَرْسَا إِلَی جَابَلْقَا وَ هُمَا مَدِینَتَانِ وَاحِدَةٌ بِالْمَشْرِقِ وَ وَاحِدَةٌ بِالْمَغْرِبِ لَا یَأْتُونَ عَلَی أَهْلِ دِینٍ إِلَّا دَعَوْهُمْ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ الْإِقْرَارِ بِمُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ التَّوْحِیدِ وَ وَلَایَتِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَمَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ وَ دَخَلَ فِی الْإِسْلَامِ تَرَكُوهُ وَ أَمَّرُوا عَلَیْهِ أَمِیراً مِنْهُمْ وَ مَنْ لَمْ یُجِبْ وَ لَمْ یُقِرَّ بِمُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَمْ یُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وَ لَمْ یُسْلِمْ قَتَلُوهُ حَتَّی لَا یَبْقَی بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ مَا دُونَ الْجَبَلِ أَحَدٌ إِلَّا آمَنَ.

«18»- الْبَصَائِرُ، لِلصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ بِسْطَامَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَیْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ یَزِیدَ عَنْ هِشَامٍ الْجَوَالِیقِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَدِینَةً خَلْفَ الْبَحْرِ سَعَتُهَا مَسِیرَةُ أَرْبَعِینَ یَوْماً لِلشَّمْسِ فِیهَا قَوْمٌ لَمْ یَعْصُوا اللَّهَ قَطُّ وَ لَا یَعْرِفُونَ إِبْلِیسَ إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ.

بیان: كان حدیث محمد بن مسلم حدیثان سقط من الراوی أو الناسخ آخر

ص: 333

الأول و أول الثانی

وَ آخِرُ الْأَوَّلِ مَا تَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَدِ فِی كِتَابِ (1) الْإِمَامَةِ حَیْثُ قَالَ: مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِی یَتَكَلَّمُ فِیهَا النَّاسُ مِنَ الطَّلَاقِ وَ الْفَرَائِضِ فَقَالَ إِنَّ عَلِیّاً علیه السلام كَتَبَ الْعِلْمَ كُلَّهُ الْقَضَاءَ وَ الْفَرَائِضَ فَلَوْ ظَهَرَ أَمْرُنَا فَلَمْ یَكُنْ شَیْ ءٌ إِلَّا وَ فِیهِ سُنَّةٌ نَمْضِیهَا.

و صدر الثانی ما ذكرناه بروایة الصفار.

و اللحس أخذ الشی ء باللسان و لعل المراد به هنا بیان اهتمامهم فی أخذ العلم كأنهم یریدون أن یأخذوا جمیع علمه كما أن من یلحس القصعة یأخذ جمیع ما فیه و فی بعض النسخ لحبسوه أی للاستفادة قوله لا یختل فیهم الحدید أی لا ینفذ إما افتعال من قولهم اختله بالرمح أی نفذه و انتظمه و تخلله به طعنة أثر أخری أو من الختل بمعنی الخدیعة مجازا و فی بعض النسخ لا یحتك من الحك أی لا یعمل فیهم شیئا قلیلا و فی بعضها لا یحیك بالیاء من حاك السیف أی أثر و هو أظهر و المراد بالجبل هو المحیط بالدنیا.

«19»- مُنْتَخَبُ الْبَصَائِرِ، عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ أَبِی الْهَیْثَمِ خَالِدٍ الْأَرْمَنِیِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَدِینَةً بِالْمَشْرِقِ اسْمُهَا جَابَلْقَا لَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ بَیْنَ كُلِّ بَابٍ إِلَی صَاحِبِهِ مَسِیرَةُ فَرْسَخٍ عَلَی كُلِّ بَابٍ بُرْجٌ فِیهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ یَهْلُبُونَ الْخَیْلَ وَ یَشْحَذُونَ السُّیُوفَ وَ السِّلَاحَ یَنْتَظِرُونَ قِیَامَ قَائِمِنَا وَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِالْمَغْرِبِ مَدِینَةً یُقَالُ لَهَا جَابَرْسَا لَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ بَیْنَ كُلِّ بَابٍ إِلَی صَاحِبِهِ

مَسِیرَةُ فَرْسَخٍ عَلَی كُلِّ بَابٍ بُرْجٌ فِیهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ یَهْلُبُونَ الْخَیْلَ وَ یَشْحَذُونَ السِّلَاحَ وَ السُّیُوفَ یَنْتَظِرُونَ قَائِمَنَا وَ أَنَا الْحُجَّةُ عَلَیْهِمْ.

بیان: الهلب بالضم ما غلظ من شعر أو شعر الذنب و هَلَبَهُ نتف هُلْبَهُ كَهَلَّبَهُ و یقال شحذ السكین كمنع أی أحدها كأشحذها.

«20»- الْكَافِی، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُعَلَّی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

ص: 334


1- 1. فی بعض النسخ: فی باب الإمامة.

عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَنِ الْخَلْقِ فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ أَلْفاً وَ مِائَتَیْنِ فِی الْبَرِّ وَ أَلْفاً وَ مِائَتَیْنِ فِی الْبَحْرِ وَ أَجْنَاسُ بَنِی آدَمَ سَبْعُونَ جِنْساً وَ النَّاسُ وُلْدُ آدَمَ مَا خَلَا یَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ (1).

«21»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ قَالَ: قَالَ لِی أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام لَیْلَةً وَ أَنَا عِنْدَهُ وَ نَظَرَ إِلَی السَّمَاءِ فَقَالَ یَا أَبَا حَمْزَةَ هَذِهِ قُبَّةُ أَبِینَا آدَمَ علیه السلام وَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ سِوَاهَا تِسْعاً وَ ثَلَاثِینَ قُبَّةً فِیهَا خَلْقٌ مَا عَصَوُا اللَّهَ طَرْفَةَ عَیْنٍ (2).

«22»- وَ مِنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِی یَحْیَی الْوَاسِطِیِّ عَنْ عَجْلَانَ بْنِ صَالِحٍ (3) قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذِهِ قُبَّةُ آدَمَ قَالَ نَعَمْ وَ لِلَّهِ قِبَابٌ كَثِیرَةٌ أَلَا إِنَّ خَلْفَ مَغْرِبِكُمْ هَذَا تِسْعَةٌ وَ ثَلَاثُونَ مَغْرِباً أَرْضاً بَیْضَاءَ مَمْلُوَّةً خَلْقاً یَسْتَضِیئُونَ بِنُورِهِ لَمْ یَعْصُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ طَرْفَةَ عَیْنٍ مَا یَدْرُونَ خُلِقَ آدَمُ أَمْ لَمْ یُخْلَقْ یَبْرَءُونَ مِنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ (4).

«23»- الْخَرَائِجُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی بْنِ عُبَیْدٍ عَنْ زَكَرِیَّا الْمُؤْمِنِ عَنْ حَسَّانَ الْجَمَّالِ عَنْ أَبِی دَاوُدَ السَّبِیعِیِّ عَنْ بُرَیْدَةَ الْأَسْلَمِیِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ

ص: 335


1- 1. روضة الكافی: 220.
2- 2. روضة الكافی: 231.
3- 3. كذا فی نسخ البحار و فی المصدر« عجلان أبو صالح» و ذكر الأردبیلیّ- رحمه اللّٰه فی جامع الرواة« عجلان بن صالح» و أشار الی روایته هذه ثمّ قال: لا یبعد كونه عجلان ابا صالح الواسطی المتقدم ذكره( انتهی) و عد الشیخ- ره- عجلان ابا صالح من أصحاب الصادق علیه السلام و ذكره ثلاث مرّات قائلا فی الأولی« عجلان أبو صالح الخباز الواسطی مولی بنی تیم اللّٰه» و فی الثانیة« عجلان أبو صالح السكونی الأزرق الكوفیّ» و فی الثالثة« عجلان أبو صالح المدائنی» لكن یحتمل قویا اتّحاد الجمیع، و أمّا اختلاف النسب كالكوفیّ و المدائنی فیمكن حمله علی انه كان كوفیا ثمّ انتقل إلی« مدائن» و هكذا او بالعكس، و كیف كان فالكشّیّ- رحمه اللّٰه روی عن ابن فضال ان عجلان ابا صالح ثقة و ان أبا عبد اللّٰه علیه السلام قال له: یا عجلان كأنی انظر إلیك الی جنبی و الناس یعرضون علی.
4- 4. روضة الكافی: 231.

صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: یَا عَلِیُّ إِنَّ اللَّهَ أَشْهَدَكَ مَعِی سَبْعَةَ مَوَاطِنَ فَذَكَرَهَا حَتَّی الْمَوْطِنَ الثَّانِیَ فَقَالَ أَتَانِی جَبْرَئِیلُ فَأَسْرَی بِی إِلَی السَّمَاءِ فَقَالَ أَیْنَ أَخُوكَ فَقُلْتُ أَوْدَعْتُهُ خَلْفِی فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ یَأْتِیَكَ بِهِ فَدَعَوْتُ اللَّهَ فَإِذَا أَنْتَ مَعِی وَ كُشِطَ لِی عَنِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَ الْأَرَضِینَ السَّبْعِ حَتَّی رَأَیْتُ سُكَّانَهَا وَ عُمَّارَهَا وَ مَوْضِعَ كُلِّ مَلَكٍ فِیهَا فَلَمْ أَرَ مِنْ ذَلِكَ شَیْئاً إِلَّا وَ قَدْ رَأَیْتُهُ.

«24»- أَقُولُ رَوَی الْبُرْسِیُّ فِی مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ عَنِ الثُّمَالِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً وَ الطَّیِّبِینَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِمَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ وَ أَقَامَهُمْ أَشْبَاحاً قَبْلَ الْمَخْلُوقَاتِ ثُمَّ قَالَ أَ تَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَخْلُقْ خَلْقاً سِوَاكُمْ بَلَی وَ اللَّهِ لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ أَلْفَ أَلْفِ آدَمٍ وَ أَلْفَ أَلْفِ عَالَمٍ وَ أَنْتَ وَ اللَّهِ فِی آخِرِ تِلْكَ الْعَوَالِمِ.

«25»- وَ رُوِیَ مِنْ كِتَابِ الْوَاحِدَةِ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: أَنَّ لِلَّهِ مَدِینَتَیْنِ إِحْدَاهُمَا بِالْمَغْرِبِ وَ الْأُخْرَی بِالْمَشْرِقِ یُقَالُ لَهُمَا جَابَلْقَا وَ جَابَرْسَا طُولُ كُلِّ مَدِینَةٍ مِنْهُمَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَرْسَخٍ فِی كُلِّ فَرْسَخٍ بَابٌ یَدْخُلُونَ فِی كُلِّ یَوْمٍ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَ یَخْرُجُ مِنْهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَ لَا یَعُودُونَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ لَا یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَ لَا إِبْلِیسَ وَ لَا شَمْسَ وَ لَا قَمَرَ هُمْ وَ اللَّهِ أَطْوَعُ لَنَا مِنْكُمْ یَأْتُونَّا بِالْفَاكِهَةِ فِی غَیْرِ أَوَانِهَا مُوَكَّلَیْنِ بِلَعْنَةِ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ قَارُونَ.

«26»- وَ رُوِیَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرَاءِ قَافٍ عَالَماً لَا یَصِلُ إِلَیْهِ أَحَدٌ غَیْرِی وَ أَنَا الْمُحِیطُ بِمَا وَرَاءَهُ وَ عِلْمِی بِهِ كَعِلْمِی بِدُنْیَاكُمْ هَذِهِ وَ أَنَا الْحَفِیظُ الشَّهِیدُ عَلَیْهَا وَ لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَجُوبُ الدُّنْیَا بِأَسْرِهَا وَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَ الْأَرَضِینَ فِی أَقَلَّ مِنْ طَرْفَةِ عَیْنٍ لَفَعَلْتُ لِمَا عِنْدِی مِنَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَ أَنَا الْآیَةُ الْعُظْمَی وَ الْمُعْجِزُ الْبَاهِرُ.

«27»- وَ رُوِیَ أَیْضاً قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام ذَاتَ یَوْمٍ آهِ لَوْ أَجِدُ لَهُ حَمَلَةً قَالَ فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ فِی عُنُقِهِ كِتَابٌ فَقَالَ رَافِعاً صَوْتَهُ أَیُّهَا الْمُدَّعِی مَا لَا یَعْلَمُ وَ الْمُتَقَلِّدُ مَا لَا یَفْهَمُ إِنِّی سَائِلُكَ فَأَجِبْ قَالَ فَوَثَبَ إِلَیْهِ أَصْحَابُ عَلِیٍّ علیه السلام لِیَقْتُلُوهُ فَقَالَ

ص: 336

لَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام دَعُوهُ لِأَنَّ حُجَجَ اللَّهِ لَا تَقُومُ بِالطَّیْشِ وَ لَا بِالْبَاطِلِ تَظْهَرُ بَرَاهِینُ اللَّهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی الرَّجُلِ وَ قَالَ سَلْ بِكُلِّ لِسَانِكَ فَإِنِّی مُجِیبٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ كَمْ بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ مَسَافَةُ الْهَوَاءِ قَالَ فَكَمْ (1)

مَسَافَةُ الْهَوَاءِ قَالَ دَوَرَانُ الْفَلَكِ فَقَالَ كَمْ دَوَرَانُ الْفَلَكِ قَالَ مَسِیرَةُ یَوْمٍ لِلشَّمْسِ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ فَمَتَی الْقِیَامَةُ قَالَ عِنْدَ حُضُورِ الْمَنِیَّةِ وَ بُلُوغِ الْأَجَلِ قَالَ صَدَقْتَ فَكَمْ عُمُرُ الدُّنْیَا قَالَ یُقَالُ سَبْعَةُ آلَافٍ ثُمَّ لَا تَحْدِیدَ قَالَ صَدَقْتَ فَأَیْنَ مَكَّةُ مِنْ بَكَّةَ قَالَ مَكَّةُ أَكْنَافُ الْحَرَمِ وَ بَكَّةُ مَكَانُ الْبَیْتِ قَالَ وَ لِمَ سُمِّیَتْ مَكَّةُ مَكَّةَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ مَكَّ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا أَیْ دَحَاهَا قَالَ فَلِمَ سُمِّیَتْ بَكَّةَ قَالَ لِأَنَّهَا بَكَّتْ عُیُونَ الْجَبَّارِینَ وَ الْمُذْنِبِینَ (2)

قَالَ صَدَقْتَ قَالَ وَ أَیْنَ كَانَ اللَّهُ قَبْلَ خَلْقِ عَرْشِهِ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام سُبْحَانَ مَنْ لَا یُدْرِكُ كُنْهَ صِفَتِهِ حَمَلَةُ عَرْشِهِ عَلَی قُرْبِ زُمَرَاتِهِمْ مِنْ كَرَاسِیِّ كَرَامَتِهِ وَ لَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ أَنْوَارِ سُبُحَاتِ جَلَالِهِ وَیْحَكَ لَا یُقَالُ لِمَ وَ لَا كَیْفَ وَ لَا أَیْنَ وَ لَا مَتَی وَ لَا بِمَ وَ لَا مِمَ (3)

وَ لَا حَیْثُ وَ لَا أَنَّی فَقَالَ الرَّجُلُ صَدَقْتَ فَكَمْ مِقْدَارُ مَا لَبَّثَ الْعَرْشَ عَلَی الْمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ فَقَالَ أَ تُحْسِنُ أَنْ تَحْسُبَ فَقَالَ نَعَمْ (4)

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَ فَرَأَیْتَ لَوْ صُبَّتْ فِی الْأَرْضِ خَرْدَلٌ حَتَّی سَدَّ الْهَوَاءَ وَ مَلَأَ مَا بَیْنَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ ثُمَّ أُذِنَ لَكَ عَلَی ضَعْفِكَ أَنْ تَنْقُلَهُ حَبَّةً حَبَّةً مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَی الْمَغْرِبِ ثُمَّ مُدَّ لَكَ فِی الْعُمُرِ حَتَّی نَقَلْتَهُ وَ أَحْصَیْتَهُ لَكَانَ ذَلِكَ أَیْسَرُ مِنْ إِحْصَاءِ مَا لَبَّثَ الْعَرْشَ عَلَی الْمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ وَ إِنَّمَا وَصَفْتُ لَكَ جُزْءاً مِنْ عُشْرِ عَشِیرِ مَا لَبَّثَ الْعَرْشَ عَلَی الْمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ وَ إِنَّمَا وَصَفْتُ لَكَ جُزْءاً مِنْ عُشْرِ عَشِیرٍ مِنْ جُزْءٍ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ التَّقْلِیلِ فِی التَّحْدِیدِ قَالَ فَحَرَّكَ الرَّجُلُ

ص: 337


1- 1. و كم( خ).
2- 2. فی المخطوطة: بكت عیون المذنبین و رقاب الجبارین.
3- 3. فی بعض النسخ: و لا فیم و لا أنی.
4- 4. فی المخطوطة: فقال: لعلك لا تحسن، فقال: بلی.

رَأْسَهُ وَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ.

«28»- الْمُحْتَضَرُ، بِإِسْنَادِهِ قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَقَالَ سَلُونِی فَإِنِّی لَا أُسْأَلُ عَنْ شَیْ ءٍ دُونَ الْعَرْشِ إِلَّا أَجَبْتُ فِیهِ لَا یَقُولُهَا بَعْدِی إِلَّا جَاهِلٌ مُدَّعٍ أَوْ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ فَقَامَ رَجُلٌ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.

«29»- وَ قَالَ الْبُرْسِیُّ رَوَی الرَّازِیُّ فِی كِتَابِهِ الْمُسَمَّی بِمَفَاتِیحِ الْغَیْبِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: لَیْلَةَ أُسْرِیَ بِی إِلَی السَّمَاءِ رَأَیْتُ فِی السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مَیَادِینَ كَمَیَادِینِ أَرْضِكُمْ هَذِهِ وَ رَأَیْتُ أَفْوَاجاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ یَطِیرُونَ لَا یَقِفُ هَؤُلَاءِ لِهَؤُلَاءِ وَ لَا هَؤُلَاءِ لِهَؤُلَاءِ قَالَ فَقُلْتُ لِجَبْرَئِیلَ مَنْ هَؤُلَاءِ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ فَقُلْتُ مِنْ أَیْنَ جَاءُوا فَقَالَ لَا أَعْلَمُ فَقُلْتُ وَ أَیْنَ یَمْضُونَ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ فَقُلْتُ سَلْهُمْ فَقَالَ لَا أَقْدِرُ وَ لَكِنْ سَلْهُمْ أَنْتَ یَا حَبِیبَ اللَّهِ قَالَ فَاعْتَرَضْتُ مَلَكاً مِنْهُمْ فَقُلْتُ لَهُ مَا اسْمُكَ فَقَالَ كَیْكَائِیلُ فَقُلْتُ مِنْ أَیْنَ أَتَیْتَ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ فَقُلْتُ وَ أَیْنَ تَمْضِی فَقَالَ لَا أَعْلَمُ فَقُلْتُ وَ كَمْ لَكَ فِی السَّیْرِ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ غَیْرَ أَنِّی یَا حَبِیبَ اللَّهِ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَخْلُقُ فِی كُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ كَوْكَباً وَ قَدْ رَأَیْتُ سِتَّةَ آلَافِ كَوْكَبٍ خُلِقْنَ وَ أَنَا فِی السَّیْرِ.

«30»- النُّجُومُ، قَالَ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ مُؤَلِّفُ كِتَابِ الْأَنْبِیَاءِ وَ الْأَوْصِیَاءِ رُوِیَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَی عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ علیهما السلام وَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالَ لَهُ مِمَّنِ الرَّجُلُ قَالَ أَنَا مُنَجِّمٌ قَائِفٌ عَرَّافٌ فَنَظَرَ إِلَیْهِ ثُمَّ قَالَ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَی رَجُلٍ قَدْ مَرَّ مُنْذُ یَوْمَ دَخَلْتَ عَلَیْنَا فِی أَرْبَعَةِ آلَافِ عَالَمٍ قَالَ مَنْ هُوَ قَالَ أَمَّا الرَّجُلُ فَلَا أَذْكُرُهُ وَ لَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِمَا أَكَلْتَ وَ ادَّخَرْتَ فِی بَیْتِكَ قَالَ نَبِّئْنِی قَالَ أَكَلْتَ فِی هَذَا الْیَوْمِ حَیْساً فَأَمَّا فِی بَیْتِكَ فَعِشْرُونَ دِینَاراً مِنْهَا ثَلَاثَةُ دَنَانِیرَ وَازِنَةٌ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الْحُجَّةُ الْعُظْمَی وَ الْمَثَلُ الْأَعْلی وَ كَلِمَةُ التَّقْوَی فَقَالَ لَهُ وَ أَنْتَ صِدِّیقٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَكَ بِالْإِیمَانِ وَ أَثْبَتَ.

بیان: أراد بالرجل نفسه علیه السلام و الحیس تمر ینزع نواه و یدق مع أقط و یعجنان بالسمن ثم یدلك بالید حتی یبقی كالترید و الوازنة الكاملة الوزن أو

ص: 338

الصحیحة الوزن التی توزن بها غیرها قال فی المصباح المنیر وزن الشی ء نفسه ثقل فهو وازن.

«31»- أَقُولُ وَجَدْتُ فِی كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ فِی نَوَادِرِ الْمُعْجِزَاتِ بِإِسْنَادِهِ إِلَی الصَّدُوقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِیَّا عَنْ أَبِی الْمُعَافَا عَنْ وَكِیعٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ نَحْنُ نَذْكُرُ شَیْئاً مِنْ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِیَاءِ فَقُلْتُ لَهُ یَا سَیِّدِی أُحِبُّ أَنْ تُرِیَنِی نَاقَةَ ثَمُودَ وَ شَیْئاً مِنْ مُعْجِزَاتِكَ قَالَ أَفْعَلُ ثُمَّ وَثَبَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَ خَرَجَ إِلَیَّ وَ تَحْتَهُ فَرَسٌ أَدْهَمُ وَ عَلَیْهِ قَبَاءٌ أَبْیَضُ وَ قَلَنْسُوَةٌ بَیْضَاءُ وَ نَادَی یَا قَنْبَرُ أَخْرِجْ إِلَیَّ ذَلِكَ الْفَرَسَ فَأَخْرَجَ فَرَساً أَغَرَّ أَدْهَمَ فَقَالَ لِیَ ارْكَبْ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَلْمَانُ فَرَكِبْتُهُ فَإِذَا لَهُ جَنَاحَانِ مُلْتَصِقَانِ إِلَی جَنْبِهِ فَصَاحَ بِهِ الْإِمَامُ فَتَحَلَّقَ فِی الْهَوَاءِ وَ كُنْتُ أَسْمَعُ خَفِیقَ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ تَحْتَ الْعَرْشِ ثُمَّ خَطَرْنَا عَلَی سَاحِلِ بَحْرٍ عَجَّاجٍ مُغْطَمِطِ الْأَمْوَاجِ فَنَظَرَ إِلَیْهِ الْإِمَامُ شَزْراً فَسَكَنَ الْبَحْرُ فَقُلْتُ یَا سَیِّدِی سَكَنَ الْبَحْرُ مِنْ غَلَیَانِهِ مِنْ نَظَرِكَ إِلَیْهِ فَقَالَ یَا سَلْمَانُ حَسِبَنِی أَنِّی آمُرُ فِیهِ بِأَمْرٍ ثُمَّ قَبَضَ عَلَی یَدِی وَ سَارَ عَلَی وَجْهِ الْمَاءِ وَ الْفَرَسَانِ یَتْبَعَانِنَا لَا یَقُودُهُمَا أَحَدٌ فَوَ اللَّهِ مَا ابْتَلَّتْ أَقْدَامُنَا وَ لَا حَوَافِرُ الْخَیْلِ فَعَبَرْنَا ذَلِكَ الْبَحْرَ وَ وَقَعْنَا(1) إِلَی جَزِیرَةٍ كَثِیرَةِ الْأَشْجَارِ وَ الْأَثْمَارِ وَ الْأَطْیَارِ وَ الْأَنْهَارِ وَ إِذَا شَجَرَةٌ عَظِیمَةٌ بِلَا ثَمَرٍ بَلْ وَرْدٍ وَ زَهْرٍ فَهَزَّهَا بِقَضِیبٍ كَانَ فِی یَدِهِ فَانْشَقَّتْ وَ خَرَجَ مِنْهَا نَاقَةٌ طُولُهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعاً وَ عَرْضُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً خَلْفَهَا فَصِیلٌ فَقَالَ لِیَ ادْنُ مِنْهَا وَ اشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا فَدَنَوْتُ وَ شَرِبْتُ حَتَّی رَوِیتُ وَ كَانَ أَعْذَبَ مِنَ الشَّهْدِ وَ أَلْیَنَ مِنَ الزُّبْدِ وَ قَدِ اكْتَفَیْتُ قَالَ هَذَا حَسَنٌ قُلْتُ حَسَنٌ یَا سَیِّدِی قَالَ تُرِیدُ أَنْ أُرِیَكَ أَحْسَنَ مِنْهَا فَقُلْتُ نَعَمْ یَا سَیِّدِی قَالَ یَا سَلْمَانُ نَادِ اخْرُجِی یَا حَسْنَاءُ فَنَادَیْتُ فَخَرَجَتْ نَاقَةٌ طُولُهَا مِائَةٌ وَ عِشْرُونَ ذِرَاعاً وَ عَرْضُهَا سِتُّونَ ذِرَاعاً مِنَ الْیَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَ زِمَامُهَا مِنَ الْیَاقُوتِ الْأَصْفَرِ وَ جَنْبُهَا الْأَیْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ وَ جَنْبُهَا الْأَیْسَرُ مِنَ الْفِضَّةِ وَ ضَرْعُهَا مِنَ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فَقَالَ یَا سَلْمَانُ

ص: 339


1- 1. فی المخطوطة: دفعنا.

اشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا قَالَ سَلْمَانُ فَالْتَقَمْتُ الضَّرْعَ فَإِذَا هِیَ تَحْلُبُ عَسَلًا صَافِیاً مَحْضاً فَقُلْتُ یَا سَیِّدِی هَذِهِ لِمَنْ قَالَ هَذِهِ لَكَ وَ لِسَائِرِ الشِّیعَةِ مِنْ أَوْلِیَائِی ثُمَّ قَالَ لَهَا ارْجِعِی فَرَجَعَتْ مِنَ الْوَقْتِ وَ سَارَ بِی فِی تِلْكَ الْجَزِیرَةِ حَتَّی وَرَدَ بِی إِلَی شَجَرَةٍ عَظِیمَةٍ وَ فِی أَصْلِهَا مَائِدَةٌ عَظِیمَةٌ عَلَیْهَا طَعَامٌ تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ وَ إِذَا بِطَائِرٍ فِی صُورَةِ النَّسْرِ الْعَظِیمِ قَالَ فَوَثَبَ ذَلِكَ الطَّیْرُ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ وَ رَجَعَ إِلَی مَوْضِعِهِ فَقُلْتُ یَا سَیِّدِی مَا هَذِهِ الْمَائِدَةُ قَالَ هَذِهِ مَائِدَةٌ مَنْصُوبَةٌ فِی هَذَا الْمَوْضِعِ لِلشِّیعَةِ مِنْ مَوَالِیَّ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الطَّائِرُ فَقَالَ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا فَقُلْتُ وَحْدَهُ یَا سَیِّدِی فَقَالَ یَجْتَازُ بِهِ الْخَضِرُ فِی كُلِّ یَوْمٍ مَرَّةً ثُمَّ قَبَضَ عَلَی یَدِی فَسَارَ بِی إِلَی بَحْرٍ ثَانٍ فَعَبَرْنَا وَ إِذَا بِجَزِیرَةٍ عَظِیمَةٍ فِیهَا قَصْرٌ لَبِنَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَ لَبِنَةٌ مِنَ الْفِضَّةِ الْبَیْضَاءِ وَ شُرَفُهُ الْعَقِیقُ الْأَصْفَرُ وَ عَلَی كُلِّ رُكْنٍ مِنَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ صِنْفاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَجَلَسَ الْإِمَامُ عَلَی ذَلِكَ الرُّكْنِ وَ أَقْبَلَتِ الْمَلَائِكَةُ تَأْتِی وَ تُسَلِّمُ عَلَیْهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَی مَوَاضِعِهِمْ قَالَ سَلْمَانُ ثُمَّ دَخَلَ علیه السلام إِلَی الْقَصْرِ فَإِذَا فِیهِ أَشْجَارٌ وَ أَنْهَارٌ وَ أَطْیَارٌ وَ أَلْوَانُ النَّبَاتِ فَجَعَلَ الْإِمَامُ یَمْشِی فِیهِ حَتَّی وَصَلَ إِلَی آخِرِهِ فَوَقَفَ عَلَی بِرْكَةٍ كَانَتْ فِی الْبُسْتَانِ ثُمَّ صَعِدَ إِلَی سَطْحِهِ فَإِذَا كَرَاسِیُّ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ فَجَلَسَ عَلَیْهِ وَ أَشْرَفْنَا مِنْهُ فَإِذَا بَحْرٌ أَسْوَدُ

یُغَطْمِطُ بِأَمْوَاجِهِ كَالْجِبَالِ الرَّاسِیَاتِ فَنَظَرَ إِلَیْهِ شَزْراً فَسَكَنَ مِنْ غَلَیَانِهِ حَتَّی كَانَ كَالْمَذِیبِ (1)

فَقُلْتُ یَا سَیِّدِی سَكَنَ الْبَحْرُ مِنْ غَلَیَانِهِ لَمَّا نَظَرْتَ إِلَیْهِ قَالَ حَسِبَنِی أَنِّی آمُرُ فِیهِ بِأَمْرٍ أَ تَدْرِی یَا سَلْمَانُ أَیُّ بَحْرٍ هَذَا فَقُلْتُ لَا یَا سَیِّدِی فَقَالَ هَذَا الْبَحْرُ الَّذِی غَرِقَ فِیهِ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ إِنَّ الْمَدِینَةَ حُمِلَتْ عَلَی مَعَاقِلِ جَنَاحِ جَبْرَئِیلَ ثُمَّ رَمَی بِهَا فِی هَذَا الْبَحْرِ فَهَوِیَتْ لَا تَبْلُغُ قَرَارَهُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَقُلْتُ یَا سَیِّدِی هَلْ سِرْنَا فَرْسَخَیْنِ فَقَالَ یَا سَلْمَانُ لَقَدْ سِرْتَ خَمْسِینَ أَلْفَ فَرْسَخٍ وَ دُرْتَ حَوْلَ الدُّنْیَا عِشْرِینَ مَرَّةً فَقُلْتُ یَا سَیِّدِی فَكَیْفَ (2)

هَذَا فَقَالَ یَا سَلْمَانُ إِذَا كَانَ ذُو الْقَرْنَیْنِ طَافَ

ص: 340


1- 1. كالمذنب( خ).
2- 2. و كیف( خ).

شَرْقَهَا وَ غَرْبَهَا وَ بَلَغَ إِلَی سَدِّ یَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ فَأَنَّی یَتَعَذَّرُ عَلَیَّ وَ أَنَا أَخُو سَیِّدِ الْمُرْسَلِینَ وَ أَمِینُ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَ حُجَّتُهُ عَلَی خَلْقِهِ أَجْمَعِینَ یَا سَلْمَانُ أَ مَا قَرَأْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَی حَیْثُ قَالَ (1) عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ (2) فَقُلْتُ بَلَی یَا سَیِّدِی فَقَالَ یَا سَلْمَانُ أَنَا الْمُرْتَضِی مِنَ الرَّسُولِ الَّذِی أَظْهَرَهُ عَلَی غَیْبِهِ أَنَا الْعَالِمُ الرَّبَّانِیُّ أَنَا الَّذِی هَوَّنَ اللَّهُ عَلَیَّ الشَّدَائِدَ وَ طَوَی لِیَ الْبَعِیدَ قَالَ سَلْمَانُ فَسَمِعْتُ صَائِحاً یَصِیحُ فِی السَّمَاءِ نَسْمَعُ الصَّوْتَ وَ لَا نَرَی الشَّخْصَ یَقُولُ صَدَقْتَ صَدَقْتَ أَنْتَ الصَّادِقُ الْمُصَدَّقُ ثُمَّ وَثَبَ فَرَكِبَ الْفَرَسَ وَ رَكِبْتُ مَعَهُ وَ صَاحَ بِهِ فَتَحَلَّقَ فِی الْهَوَاءِ ثُمَّ حَضَرْنَا بِأَرْضِ الْكُوفَةِ هَذَا وَ مَا مَضَی مِنَ اللَّیْلِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ فَقَالَ یَا سَلْمَانُ الْوَیْلُ ثُمَّ الْوَیْلُ عَلَی مَنْ لَا یَعْرِفُنَا حَقَّ مَعْرِفَتِنَا وَ أَنْكَرَ وَلَایَتَنَا یَا سَلْمَانُ أَیُّمَا أَفْضَلُ مُحَمَّدٌ أَمْ سُلَیْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قُلْتُ بَلْ مُحَمَّدٌ فَقَالَ یَا سَلْمَانُ فَهَذَا آصَفُ بْنُ بَرْخِیَا قَدَرَ أَنْ یَحْمِلَ عَرْشَ بِلْقِیسَ مِنَ الْیَمَنِ إِلَی بَیْتِ الْمَقْدِسِ فِی طَرْفَةِ عَیْنٍ وَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ وَ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ وَ عِنْدِی عِلْمُ مِائَةِ أَلْفِ كِتَابٍ وَ أَرْبَعَةٍ وَ عِشْرِینَ أَلْفَ كِتَابٍ أَنْزَلَ مِنْهَا عَلَی شِیثِ بْنِ آدَمَ خَمْسِینَ صَحِیفَةً وَ عَلَی إِدْرِیسَ ثَلَاثِینَ صَحِیفَةً وَ عَلَی إِبْرَاهِیمَ عِشْرِینَ صَحِیفَةً وَ التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِیلَ وَ الزَّبُورَ فَقُلْتُ صَدَقْتَ یَا سَیِّدِی قَالَ الْإِمَامُ علیه السلام اعْلَمْ یَا سَلْمَانُ أَنَّ الشَّاكَّ فِی أُمُورِنَا وَ عُلُومِنَا كَالْمُمْتَرِی فِی مَعْرِفَتِنَا وَ حُقُوقِنَا وَ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَلَایَتَنَا فِی كِتَابِهِ وَ بَیَّنَ فِیهِ مَا أَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهِ وَ هُوَ غَیْرُ مَكْشُوفٍ.

بیان: قال فی النهایة كان یخطر فی مشیته أی یتمایل و یمشی مشیة المعجب (3) انتهی و الغطمطة اضطراب أمواج البحر و الشزر نظر الغضبان بمؤخر العین و أقول الخبر فی غایة الغرابة و لا أعتمد علیه لعدم كونه مأخوذا من أصل معتبر و إن نسب إلی الصدوق ره.

ص: 341


1- 1. یقول( خ).
2- 2. الجن: 26- 27.
3- 3. النهایة: ج 1، ص 302.

«32»- الْبَصَائِرُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَعْدَانَ (1)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِیِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام حَیْثُ دَخَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْیَمَنِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ یَا یَمَانِیُّ أَ فِیكُمْ عُلَمَاءُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَیُّ شَیْ ءٍ یَبْلُغُ مِنْ عِلْمِ عُلَمَائِكُمْ قَالَ إِنَّهُ لَیَسِیرُ فِی لَیْلَةٍ وَاحِدَةٍ مَسِیرَةَ شَهْرَیْنِ یَزْجُرُ الطَّیْرَ وَ یَقْفُو الْآثَارَ فَقَالَ لَهُ فَعَالِمُ الْمَدِینَةِ أَعْلَمُ مِنْ عَالِمِكُمْ قَالَ فَأَیُّ شَیْ ءٍ یَبْلُغُ مِنْ عِلْمِ عَالِمِكُمْ بِالْمَدِینَةِ قَالَ إِنَّهُ یَسِیرُ فِی صَبَاحٍ وَاحِدٍ مَسِیرَ سَنَةٍ كَالشَّمْسِ إِذَا أُمِرَتْ إِنَّهَا الْیَوْمَ غَیْرُ مَأْمُورَةٍ وَ لَكِنْ إِذَا أُمِرَتْ تَقْطَعُ اثْنَیْ عَشَرَ شَمْساً وَ اثْنَیْ عَشَرَ قَمَراً وَ اثْنَیْ عَشَرَ مَشْرِقاً وَ اثْنَیْ عَشَرَ مَغْرِباً وَ اثْنَیْ عَشَرَ بَرّاً وَ اثْنَیْ عَشَرَ بَحْراً وَ اثْنَیْ عَشَرَ عَالَماً قَالَ فَمَا بَقِیَ فِی یَدَیِ الْیَمَانِیِّ فَمَا دَرَی مَا یَقُولُ وَ كَفَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام.

بیان: لعل المراد بسیر الیمانی مسیرة شهرین الحكم بحسب النجوم فی لیلة واحدة علی قدر مسیرة شهرین من البلاد و أهلها و یؤیده أن فی

الاحتجاج هكذا إن عالمهم لیزجر الطیر و یقفو الأثر فی ساعة واحدة مسیرة شهر للراكب المحث.

و لعل المراد بقفو الأثر الحكم بأوضاع النجوم و حركاتها و بزجر الطیر ما كان بین العرب من الاستدلال بحركات الطیور و أصواتها علی الحوادث.

«33»- الْبَصَائِرُ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ أَحْمَدَ(2) عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ

ص: 342


1- 1. كذا فی نسخ البحار، و الظاهر أنّه مصحف« موسی بن سعدان» لان« علی بن سعدان» كما قال الشیخ- ره- من أصحاب الصادق علیه السلام و لم یذكر فی كتب الرجال روایة له، و عبد اللّٰه بن القاسم الذی روی عنه ابن سعدان هذه الروایة من أصحاب الكاظم علیه السلام و محمّد بن الحسین الراوی عن ابن سعدان من أصحاب الجواد و الهادی و العسكریّ علیهم السلام و هو یروی عن موسی بن سعدان كثیرا كما انه یروی عن عبد اللّٰه بن القاسم كثیرا و كیف كان فعلی ابن سعدان مجهول و موسی بن سعدان ضعیف كما قال النجاشیّ( ص 317) و قال العلامة فی الخلاصة: فی مذهبه غلو.
2- 2. فی المخطوطة: الحسن بن أحمد.

بَقَّاحٍ (1)

عَنِ ابْنِ جَبَلَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لِی حَوْضٌ مَا بَیْنَ بُصْرَی إِلَی صَنْعَاءَ أَ تُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ قُلْتُ نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ فَأَخَذَ بِیَدِی وَ أَخْرَجَنِی إِلَی ظَهْرِ الْمَدِینَةِ ثُمَّ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ فَنَظَرْتُ إِلَی نَهَرٍ یَجْرِی لَا یُدْرَكُ حَافَتَاهُ إِلَّا الْمَوْضِعُ الَّذِی أَنَا فِیهِ قَائِمٌ فَإِنَّهُ شَبِیهٌ بِالْجَزِیرَةِ فَكُنْتُ أَنَا وَ هُوَ وُقُوفاً فَنَظَرْتُ إِلَی نَهَرٍ جَانِبُهُ مَاءٌ أَبْیَضُ مِنَ الثَّلْجِ وَ مِنْ جَانِبِهِ هَذَا لَبَنٌ أَبْیَضُ مِنَ الثَّلْجِ وَ فِی وسط [وَسَطِهِ] خَمْرٌ أَحْسَنُ مِنَ الْیَاقُوتِ فَمَا رَأَیْتُ شَیْئاً أَحْسَنَ مِنْ تِلْكَ الْخَمْرِ بَیْنَ اللَّبَنِ وَ الْمَاءِ فَقُلْتُ

لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ أَیْنَ یَخْرُجُ هَذَا وَ مَا مَجْرَاهُ فَقَالَ هَذِهِ الْعُیُونُ الَّتِی ذَكَرَهَا اللَّهُ فِی كِتَابِهِ أَنْهَارٌ فِی الْجَنَّةِ عَیْنٌ مِنْ مَاءٍ وَ عَیْنٌ مِنْ لَبَنٍ وَ عَیْنٌ مِنْ خَمْرٍ تَجْرِی فِی هَذَا النَّهَرِ وَ رَأَیْتُ حَافَتَهُ عَلَیْهِ شَجَرٌ فِیهِنَّ حُورٌ مُعَلَّقَاتٌ بِرُءُوسِهِنَّ شَعْرٌ مَا رَأَیْتُ شَیْئاً أَحْسَنَ مِنْهُنَّ وَ بِأَیْدِیهِنَّ آنِیَةٌ مَا رَأَیْتُ آنِیَةً أَحْسَنَ مِنْهَا لَیْسَتْ مِنْ آنِیَةِ الدُّنْیَا فَدَنَا مِنْ إِحْدَاهُنَّ فَأَوْمَأَ بِیَدِهِ لِتَسْقِیَهُ فَنَظَرْتُ إِلَیْهَا وَ قَدْ مَالَتْ لِتَغْرِفَ مِنَ النَّهَرِ فَمَالَ الشَّجَرُ مَعَهَا فَاغْتَرَفَتْ فَمَالَتِ الشَّجَرَةُ مَعَهَا ثُمَّ نَاوَلَتْهُ فَنَاوَلَنِی فَشَرِبْتُ فَمَا رَأَیْتُ شَرَاباً كَانَ أَلْیَنَ مِنْهُ وَ لَا أَلَذَّ مِنْهُ وَ كَانَتْ رَائِحَتُهُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ فَنَظَرْتُ فِی الْكَأْسِ فَإِذَا فِیهِ ثَلَاثَةُ أَلْوَانٍ مِنَ الشَّرَابِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا رَأَیْتُ كَالْیَوْمِ قَطُّ وَ لَا كُنْتُ أَرَی أَنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا فَقَالَ لِی هَذَا أَقَلُّ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِشِیعَتِنَا إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا تُوُفِّیَ صَارَتْ رُوحُهُ إِلَی هَذَا النَّهَرِ وَ رَعَتْ فِی رِیَاضِهِ وَ شَرِبَتْ مِنْ شَرَابِهِ وَ إِنَّ عَدُوَّنَا إِذَا تُوُفِّیَ صَارَتْ رُوحُهُ إِلَی وَادِی بَرَهُوتَ فَأُخْلِدَتْ فِی عَذَابِهِ وَ أُطْعِمَتْ مِنْ زَقُّومِهِ وَ أُسْقِیَتْ مِنْ حَمِیمِهِ فَاسْتَعِیذُوا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِی.

«34»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی خَالِدٍ وَ أَبِی سَلَّامٍ عَنْ

ص: 343


1- 1. الحسن بن علیّ بن بقاح- بفتح الباء الموحدة و شد القاف و الحاء المهملة الأخیرة كوفیّ ثقة مشهور صحیح الحدیث روی عن أصحاب أبی عبد اللّٰه علیه السلام له كتاب النوادر( النجاشیّ: 31) و ابن جبلة هو عبد اللّٰه بن جبلة- بفتح الثلاثة- بن حنان بن الحرّ الكنانیّ ابو محمّد عربی ثقة روی عن أبیه عن جده و مات سنة( 219)( النجاشیّ: 160).

سَوْرَةَ(1)

عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَا الْقَرْنَیْنِ قَدْ خُیِّرَ بَیْنَ السَّحَابَیْنِ فَاخْتَارَ الذَّلُولَ ذُخِرَ لِصَاحِبِكُمُ الصَّعْبُ قَالَ قُلْتُ وَ مَا الصَّعْبُ قَالَ مَا كَانَ مِنْ سَحَابٍ فِیهِ رَعْدٌ وَ صَاعِقَةٌ أَوْ بَرْقٌ فَصَاحِبُكُمْ یَرْكَبُهُ أَمَا إِنَّهُ سَیَرْكَبُ السَّحَابَ وَ یَرْقَی فِی الْأَسْبَابِ أَسْبَابِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَ الْأَرَضِینَ السَّبْعِ خَمْسٌ عَوَامِرُ وَ اثْنَتَانِ خَرَابَانِ.

«35»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ عَلِیّاً علیه السلام مَلَكَ مَا فِی الْأَرْضِ وَ مَا تَحْتَهَا فَعُرِضَتْ لَهُ السَّحَابَانِ الصَّعْبُ وَ الذَّلُولُ فَاخْتَارَ الصَّعْبَ وَ كَانَ فِی الصَّعْبِ مُلْكُ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ وَ فِی الذَّلُولِ مُلْكُ مَا فَوْقَ الْأَرْضِ وَ اخْتَارَ الصَّعْبَ عَلَی الذَّلُولَ فَدَارَتْ بِهِ سَبْعَ أَرَضِینَ فَوُجِدَ ثَلَاثٌ خَرَابٌ وَ أَرْبَعٌ عَوَامِرُ.

«36»- مِنْ بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِ الْقُدَمَاءِ مِنَ (2) الْقَاضِی أَبِی الْحَسَنِ الطَّبَرِیِّ عَنْ سَعِیدِ بْنِ یُونُسَ الْمَقْدِسِیِّ عَنِ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِصِ بْنِ أَبِی سَعِیدٍ عَنْ وَهْبٍ الْجَمَّالِ عَنْ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ وَهْبٍ الرَّائِدِیِّ عَنْ یُونُسَ بْنِ مَیْسَرَةَ عَنِ الشَّیْخِ الْمُعْتَمِرِ الرَّقِّیِّ رَفَعَهُ إِلَی أَبِی جَعْفَرٍ مِیثَمٍ التَّمَّارِ قَالَ: كُنْتُ بَیْنَ یَدَیْ مَوْلَایَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِذْ دَخَلَ غُلَامٌ وَ جَلَسَ فِی وَسْطِ الْمُسْلِمِینَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَحْكَامِ نَهَضَ إِلَیْهِ الْغُلَامُ وَ قَالَ یَا أَبَا تُرَابٍ أَنَا إِلَیْكَ رَسُولٌ جِئْتُكَ بِرِسَالَةٍ تُزَعْزِعُ لَهَا الْجِبَالُ مِنْ رَجُلٍ حَفِظَ كِتَابَ اللَّهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَی آخِرِهِ وَ عَلِمَ عِلْمَ الْقَضَایَا وَ الْأَحْكَامَ وَ هُوَ أَبْلَغُ مِنْكَ فِی الْكَلَامِ وَ أَحَقُّ مِنْكَ بِهَذَا الْمَقَامِ فَاسْتَعِدَّ لِلْجَوَابِ وَ لَا تُزَخْرِفِ الْمَقَالَ فَلَاحَ الْغَضَبُ فِی وَجْهِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ قَالَ لِعَمَّارٍ ارْكَبْ جَمَلَكَ وَ طُفْ فِی قَبَائِلِ الْكُوفَةِ وَ قُلْ لَهُمْ أَجِیبُوا عَلِیّاً لِیَعْرِفُوا الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلَ

ص: 344


1- 1. هو سورة( بفتح السین) بن كلیب( وزان زبیر) بن معاویة الأسدی الكوفیّ من اصحاب الباقر و الصادق علیهما السلام روی الكشّیّ( ره) روایة تدلّ علی حسن حاله مضافا الی روایة« جمیل بن دراج» عنه و هو من أصحاب الإجماع.
2- 2. فی بعض النسخ: عن القاضی.

وَ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ وَ الصِّحَّةَ وَ السُّقْمَ فَرَكِبَ عَمَّارٌ فَمَا كَانَ إِلَّا هُنَیْهَةً حَتَّی رَأَیْتُ الْعَرَبَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی إِنْ كانَتْ إِلَّا صَیْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلی رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ (1) فَضَاقَ جَامِعُ الْكُوفَةِ وَ تَكَاثَفَ النَّاسُ تَكَاثُفَ الْجَرَادِ عَلَی الزَّرْعِ الْغَضِّ فِی أَوَانِهِ وَ نَهَضَ (2) الْعَالِمُ الْأَرْوَعُ وَ الْبَطَلُ الْأَنْزَعُ وَ رَقِیَ فِی الْمِنْبَرِ وَ رَاقَی ثُمَّ تَنَحْنَحَ فَسَكَتَ جَمِیعُ مَنْ فِی الْجَامِعِ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ مَنْ سَمِعَ فَوَعَی أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ یَزْعُمُ أَنَّهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ اللَّهِ لَا یَكُونُ الْإِمَامُ إِمَاماً حَتَّی یُحْیِیَ الْمَوْتَی أَوْ یُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ مَطَراً أَوْ یَأْتِیَ بِمَا یُشَاكِلُ ذَلِكَ مِمَّا یَعْجِزُ عَنْهُ غَیْرُهُ وَ فِیكُمْ مَنْ یَعْلَمُ أَنِّی الْآیَةُ الْبَاقِیَةُ وَ الْكَلِمَةُ التَّامَّةُ وَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَ لَقَدْ أَرْسَلَ إِلَیَّ مُعَاوِیَةُ جَاهِلًا مِنْ جَاهِلِیَّةِ الْعَرَبِ عَجْرَفَ فِی مَقَالِهِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَوْ شِئْتُ لَطَحَنْتُ عِظَامَهُ طَحْناً وَ نَسَفْتُ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهِ نَسْفاً وَ خَسَفْتُهَا عَلَیْهِ خَسْفاً إِلَّا أَنَّ احْتِمَالَ الْجَاهِلِ صَدَقَةٌ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَشَارَ بِیَدِهِ إِلَی الْجَوِّ فَدَمْدَمَ وَ أَقْبَلَتْ غَمَامَةٌ وَ عَلَتْ سَحَابَةٌ وَ سَمِعْنَا مِنْهَا نِدَاءً یَقُولُ السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ یَا سَیِّدَ الْوَصِیِّینَ وَ یَا إِمَامَ الْمُتَّقِینَ وَ یَا غِیَاثَ الْمُسْتَغِیثِینَ وَ یَا كَنْزَ الْمَسَاكِینِ وَ مَعْدِنَ الرَّاغِبِینَ وَ أَشَارَ إِلَی السَّحَابَةِ فَدَنَتْ قَالَ مِیثَمٌ فَرَأَیْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ قَدْ أَخَذَتْهُمُ السَّكْرَةُ فَرَفَعَ رِجْلَهُ وَ رَكِبَ السَّحَابَةَ وَ قَالَ لِعَمَّارٍ ارْكَبْ مَعِی وَ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها فَرَكِبَ عَمَّارٌ وَ غَابَا عَنْ أَعْیُنِنَا فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ أَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ حَتَّی أَظَلَّتْ جَامِعَ الْكُوفَةِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا مَوْلَایَ جَالِسٌ عَلَی دَكَّةِ الْقَضَاءِ وَ عَمَّارٌ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ النَّاسُ حَافُّونَ بِهِ ثُمَّ قَامَ وَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ أَخَذَ بِالْخُطْبَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالشِّقْشِقِیَّةِ فَلَمَّا فَرَغَ اضْطَرَبَ النَّاسُ وَ قَالُوا فِیهِ أَقَاوِیلَ مُخْتَلِفَةً فَمِنْهُمْ مَنْ زَادَهُ اللَّهُ إِیمَاناً وَ یَقِیناً وَ مِنْهُمْ مَنْ زَادَهُ كُفْراً وَ طُغْیَاناً قَالَ عَمَّارٌ قَدْ طَارَتْ بِنَا السَّحَابَةُ فِی الْجَوِّ فَمَا كَانَ هُنَیْهَةً حَتَّی أَشْرَفْنَا عَلَی بَلَدٍ كَبِیرٍ حَوَالَیْهَا أَشْجَارٌ وَ أَنْهَارٌ فَنَزَلَتْ بِنَا السَّحَابَةُ وَ إِذَا نَحْنُ فِی مَدِینَةٍ كَبِیرَةٍ وَ

ص: 345


1- 1. یس: 51.
2- 2. فنهض( خ).

النَّاسُ یَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ غَیْرِ الْعَرَبِیَّةِ فَاجْتَمَعُوا عَلَیْهِ وَ لَاذُوا بِهِ فَوَعَظَهُمْ وَ أَنْذَرَهُمْ بِمِثْلِ كَلَامِهِمْ ثُمَّ قَالَ یَا عَمَّارُ ارْكَبْ فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِی فَأَدْرَكْنَا جَامِعَ الْكُوفَةِ ثُمَّ قَالَ لِی یَا عَمَّارُ تَعْرِفُ الْبَلْدَةَ الَّتِی كُنْتَ فِیهَا قُلْتُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَ رَسُولُهُ وَ وَلِیُّهُ قَالَ كُنَّا فِی الْجَزِیرَةِ السَّابِعَةِ مِنَ الصِّینِ أَخْطُبُ كَمَا رَأَیْتَنِی إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَرْسَلَ رَسُولَهُ إِلَی كَافَّةِ النَّاسِ وَ عَلَیْهِ أَنْ یَدْعُوَهُمْ وَ یَهْدِیَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْهُمْ إِلَی الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ وَ اشْكُرْ مَا أَوْلَیْتُكَ مِنْ نِعْمَةٍ وَ اكْتُمْ مِنْ غَیْرِ أَهْلِهِ فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَی أَلْطَافاً خَفِیَّةً فِی خَلْقِهِ لَا یَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَ مَنِ ارْتَضَی مِنْ رَسُولٍ ثُمَّ قَالُوا أَعْطَاكَ اللَّهُ هَذِهِ الْقُدْرَةَ الْبَاهِرَةَ وَ أَنْتَ تَسْتَنْهِضُ النَّاسَ لِقِتَالِ مُعَاوِیَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَبَّدَهُمْ بِمُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ وَ الْمُنَافِقِینَ وَ النَّاكِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ وَ اللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَمَدَدْتُ یَدِی هَذِهِ الْقَصِیرَةَ فِی أَرْضِكُمْ هَذِهِ الطَّوِیلَةِ وَ ضَرَبْتُ بِهَا صَدْرَ مُعَاوِیَةَ بِالشَّامِ وَ أَجْذِبُ بِهَا مِنْ شَارِبِهِ أَوْ قَالَ مِنْ لِحْیَتِهِ فَمَدَّ یَدَهُ وَ رَدَّهَا وَ فِیهَا شَعَرَاتٌ كَثِیرَةٌ فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ وَصَلَ الْخَبَرُ بَعْدَ مُدَّةٍ أَنَّ مُعَاوِیَةَ سَقَطَ مِنْ سَرِیرِهِ فِی الْیَوْمِ الَّذِی كَانَ علیه السلام مَدَّ یَدَهُ وَ غُشِیَ عَلَیْهِ ثُمَّ أَفَاقَ وَ افْتُقِدَ مِنْ شَارِبِهِ وَ لِحْیَتِهِ شَعَرَاتٌ.

بیان: الأروع من الرجال الذی یعجبك حسنه و العجرفة الخرق و قلة المبالاة و یقال دمدم علیه أی كلمه مغضبا.

«37»- كِتَابُ الْحُسَیْنِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: تَقُولُ الْجَنَّةُ یَا رَبِّ مَلَأْتَ النَّارَ كَمَا وَعَدْتَهَا فَامْلَأْنِی كَمَا وَعَدْتَنِی قَالَ فَیَخْلُقُ اللَّهُ خَلْقاً یَوْمَئِذٍ فَیُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام طُوبَی لَهُمْ لَمْ یَرَوْا أَهْوَالَ الدُّنْیَا وَ لَا غُمُومَهَا.

«38»- الدُّرُّ الْمَنْثُورُ، عَنِ ابْنِ جُرَیْجٍ: فِی قَوْلِهِ وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ الْآیَةَ قَالَ بَلَغَنِی أَنَّ بَنِی إِسْرَائِیلَ لَمَّا قَتَلُوا أَنْبِیَاءَهُمْ وَ كَفَرُوا وَ كَانُوا اثْنَیْ عَشَرَ سِبْطاً تَبَرَّأَ سِبْطٌ مِنْهُمْ مِمَّا صَنَعُوا وَ اعْتَذَرُوا وَ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ یُفَرِّقَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُمْ فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ نَفَقاً فِی الْأَرْضِ فَسَارُوا فِیهِ حَتَّی خَرَجُوا مِنْ وَرَاءِ الصِّینِ فَهُمْ هُنَالِكَ حُنَفَاءَ مُسْلِمِینَ یَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا قَالَ ابْنُ جُرَیْجٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِی إِسْرائِیلَ

ص: 346

اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِیفاً(1) وَ وَعْدُ الْآخِرَةِ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَارُوا فِی السَّرَبِ سَنَةً وَ نِصْفاً(2).

«39»- وَ عَنْ مُقَاتِلٍ قَالَ: إِنَّ مِمَّا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ عَایَنَ لَیْلَةَ الْمِعْرَاجِ قَوْمَ مُوسَی الَّذِینَ مِنْ وَرَاءِ الصِّینِ وَ ذَلِكَ أَنَّ بَنِی إِسْرَائِیلَ حِینَ عَمِلُوا بِالْمَعَاصِی وَ قَتَلُوا الَّذِینَ یَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ دَعَوْا رَبَّهُمْ وَ هُمْ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَقَالُوا اللَّهُمَّ أَخْرِجْنَا مِنْ بَیْنِ أَظْهُرِهِمْ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ فَجَعَلَ سَرَباً فِی الْأَرْضِ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ (3)

وَ جَعَلَ مَعَهُمْ نَهَراً یَجْرِی وَ جَعَلَ لَهُمْ مِصْبَاحاً مِنْ نُورٍ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ فَسَارُوا فِیهِ سَنَةً وَ نِصْفاً وَ ذَلِكَ مِنْ بَیْتِ الْمَقْدِسِ إِلَی مَجْلِسِهِمُ الَّذِی هُمْ فِیهِ فَأَخْرَجَهُمُ اللَّهُ إِلَی الْأَرْضِ تَجْتَمِعُ فِیهَا الْهَوَامُّ وَ الْبَهَائِمُ وَ السِّبَاعُ مُخْتَلِطِینَ بِهَا لَیْسَتْ فِیهَا ذُنُوبٌ وَ لَا مَعَاصٍ فَأَتَاهُمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله تِلْكَ اللَّیْلَةَ وَ مَعَهُ جَبْرَئِیلُ فَآمَنُوا بِهِ وَ صَدَّقُوهُ وَ عَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ وَ قَالُوا إِنَّ مُوسَی قَدْ بَشَّرَهُمْ بِهِ (4).

«40»- وَ عَنِ السُّدِّیِّ: فِی قَوْلِهِ وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ قَالَ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ نَهَرٌ مِنْ سَهْلٍ یَعْنِی مِنْ رَمْلٍ یَجْرِی (5).

«41»- وَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هُمُ الَّذِینَ قَالَ اللَّهُ وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِ یَعْنِی سِبْطاً مِنْ أَسْبَاطِ بَنِی إِسْرَائِیلَ یَوْمَ الْمَلْحَمَةِ الْعُظْمَی یَنْصُرُونَ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ (6).

«42»- وَ عَنِ الشَّعْبِیِّ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً مِنْ وَرَاءِ الْأَنْدُلُسِ لَا یَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ عَصَاهُ مَخْلُوقٌ رَضْرَاضُهُمُ (7) الدُّرُّ وَ الْیَاقُوتُ وَ جِبَالُهُمُ الذَّهَبُ وَ الْفِضَّةُ لَا یَزْرَعُونَ وَ لَا یَحْصُدُونَ وَ لَا یَعْمَلُونَ عَمَلًا لَهُمْ شَجَرٌ عَلَی أَبْوَابِهِمْ لَهَا أَوْرَاقٌ عِرَاضٌ هِیَ لَبُوسُهُمْ

ص: 347


1- 1. الإسراء: 104.
2- 2. الدّر المنثور: ج 3، ص 136.
3- 3. فی المخطوطة« فیه» و كذا فی المصدر.
4- 4. الدّر المنثور: ج 3، ص 136.
5- 5. الدّر المنثور: ج 3، ص 136.
6- 6. الدّر المنثور: ج 3، ص 136.
7- 7. الرضراض: ما صغر و دق من الحصی.

وَ لَهُمْ شَجَرٌ عَلَی أَبْوَابِهِمْ لَهَا ثَمَرٌ فَمِنْهَا یَأْكُلُونَ (1).

«43»- وَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْكُوفَةِ قَالَ: قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَصَدَ نَحْوَهُمْ فَسَكَتُوا فَقَالَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ قَالُوا نَظَرْنَا إِلَی الشَّمْسِ فَتَفَكَّرْنَا فِیهَا مِنْ أَیْنَ تَجِی ءُ وَ أَیْنَ تَذْهَبُ وَ تَفَكَّرْنَا فِی خَلْقِ اللَّهِ فَقَالَ كَذَلِكَ فَافْعَلُوا وَ تَفَكَّرُوا فِی خَلْقِ اللَّهِ وَ لَا تَفَكَّرُوا فِی اللَّهِ فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَی وَرَاءَ الْمَغْرِبِ أَرْضاً بَیْضَاءَ بَیَاضُهَا وَ نُورُهَا مَسِیرَةَ الشَّمْسِ أَرْبَعِینَ یَوْماً فِیهَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ یَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَیْنٍ قِیلَ یَا نَبِیَّ اللَّهِ مِنْ وُلْدِ آدَمَ هُمْ قَالَ مَا یَدْرُونَ خُلِقَ آدَمُ أَمْ لَمْ یُخْلَقْ قِیلَ یَا نَبِیَّ اللَّهِ فَأَیْنَ إِبْلِیسُ عَنْهُمْ قَالَ مَا یَدْرُونَ خُلِقَ إِبْلِیسُ أَمْ لَمْ یُخْلَقْ.

«44»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَیْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ نَحْنُ فِی الْمَسْجِدِ حَلَقٌ حَلَقٌ فَقَالَ لَنَا فِیمَ أَنْتُمْ قُلْنَا نَتَفَكَّرُ فِی الشَّمْسِ كَیْفَ طَلَعَتْ وَ كَیْفَ غَرَبَتْ قَالَ أَحْسَنْتُمْ كُونُوا هَكَذَا تَفَكَّرُوا فِی الْمَخْلُوقِ وَ لَا تَفَكَّرُوا فِی الْخَالِقِ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مَا شَاءَ لِمَا شَاءَ وَ تَعَجَّبُونَ مِنْ ذَلِكَ إِنَّ مِنْ وَرَاءِ قَافٍ سَبْعَ بِحَارٍ كُلُّ بِحَارٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ سَبْعُ أَرَضِینَ یُضِی ءُ نُورُهَا لِأَهْلِهَا وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ سَبْعِینَ أَلْفَ أُمَّةٍ خُلِقُوا عَلَی أَمْثَالِ الطَّیْرِ هُوَ وَ فَرْخُهُ فِی الْهَوَاءِ لَا یَفْتُرُونَ عَنْ تَسْبِیحَةٍ وَاحِدَةٍ وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ سَبْعِینَ أَلْفَ أُمَّةٍ خُلِقُوا مِنْ رِیحٍ فَطَعَامُهُمْ رِیحٌ وَ شَرَابُهُمْ رِیحٌ وَ ثِیَابُهُمْ مِنْ رِیحٍ وَ آنِیَتُهُمْ مِنْ رِیحٍ وَ دَوَابُّهُمْ مِنْ رِیحٍ لَا تَسْتَقِرُّ حَوَافِرُ دَوَابِّهِمْ إِلَی الْأَرْضِ إِلَی قِیَامِ السَّاعَةِ أَعْیُنُهُمْ فِی صُدُورِهِمْ یَنَامُ أَحَدُهُمْ نَوْمَةً وَاحِدَةً یَنْتَبِهُ وَ رِزْقُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ظِلُّ الْعَرْشِ وَ فِی ظِلِّ الْعَرْشِ سَبْعُونَ أَلْفَ أُمَّةٍ مَا یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَ لَا وُلْدَ آدَمَ وَ لَا إِبْلِیسَ وَ لَا وُلْدَ إِبْلِیسَ وَ هُوَ قَوْلُهُ وَ یَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (2).

«45»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ قَالَ الْأَنَامُ الْخَلْقُ وَ هُمْ أَلْفُ أُمَّةٍ سِتُّمِائَةٍ فِی الْبَحْرِ وَ أَرْبَعُمِائَةٍ فِی الْبَرِّ(3).

ص: 348


1- 1. الدّر المنثور: ج 3، ص 136.
2- 2. النحل: 8.
3- 3. الدّر المنثور: ج 6، 141.

أقول: أوردت أخبارا كثیرة من هذا الباب فی المجلد السابع فی باب أنهم الحجة علی جمیع العوالم و جمیع المخلوقات.

«46»- وَ رَوَی الْكَفْعَمِیُّ وَ الْبُرْسِیُّ فِی فَضْلِ الدُّعَاءِ الْمَعْرُوفِ بِالْجَوْشَنِ الْكَبِیرِ بِإِسْنَادَیْهِمَا عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: أَنَّهُ قَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ وَ الَّذِی بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِیّاً إِنَّ خَلْفَ الْمَغْرِبِ أَرْضاً بَیْضَاءَ فِیهَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ یَعْبُدُونَهُ وَ لَا یَعْصُونَهُ وَ قَدْ تَمَزَّقَتْ لُحُومُهُمْ وَ وُجُوهُهُمْ مِنَ الْبُكَاءِ فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِمْ لِمَ تَبْكُونَ وَ لَمْ تَعْصُونِی طَرْفَةَ عَیْنٍ قَالَ نَخْشَی أَنْ یَغْضَبَ اللَّهُ عَلَیْنَا وَ یُعَذِّبَنَا بِالنَّارِ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَیْسَ هُنَاكَ إِبْلِیسُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ بَنِی آدَمَ فَقَالَ وَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالْحَقِّ نَبِیّاً مَا یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَ لَا إِبْلِیسَ وَ لَا یُحْصِی عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ وَ مَسِیرُ الشَّمْسِ فِی بِلَادِهِمْ أَرْبَعُونَ یَوْماً لَا یَأْكُلُونَ وَ لَا یَشْرَبُونَ (1)

الْخَبَرَ.

تذنیب

اعلم أن الأخبار الواردة فی هذا الباب غریبة و بعضها غیر معتبرة الأسانید كروایات البرسی و جامع الأخبار و المأخوذ من الكتاب القدیم و بعضها معتبرة مأخوذة من أصول القدماء و لیس ما تتضمنها بعیدا من قدرة اللّٰه تعالی (2)

ص: 349


1- 1. قد حاول بعض علماء العصر تطبیق هذه الأرض علی الكوكبة المكتشفة اخیرا المسماة ب« فلكان» بتقریب انها لمكان قربها من الشمس انور الكواكب و لذا وصف بانها بیضاء، و لما كانت تدور حول الشمس فی عشرین یوما و كل یوم مشتمل علی نهار و لیلة و كثیرا ما یطلق الیوم علی النهار فقط صح أن یقال انها تدور حول الشمس أربعین یوما و انت خبیر بأن الروایة تأبی عن هذه التكلفات و التعسفات كل الآباء، فان ظاهر قوله« مسیر الشمس فی بلادهم أربعون یوما» ان الیوم فی بلادهم یساوی أربعین یوما فی بلادنا لا أن السنة فیها تساوی أربعین یوما، علی ان هذه الكوكبة أشد حرارتها غیر قابلة لنشوء موجود حی فیها الا أن یكون المراد باهلها الملائكة بقرینة قوله« لا یأكلون و لا یشربون» فتأمل.
2- 2. الاخبار الموردة فی هذا الباب مع قطع النظر عن ضعافها التی لا یوثق بصدورها لا تجری جمیعا مجری واحدا فی المضمون و الدلالة، و التعرض لكل واحد منها علی حدة و التدقیق فی ما یشتمل علیه من الدقائق و تحقیق ما تشیر إلیه من الحقائق یؤدی إلی تطویل ممل لكن. لا بأس بالاشارة الی مهام ما یستفاد منها و هی امور: الأول: ان خلق اللّٰه تبارك و تعالی لا ینحصر فی ابینا آدم و ذریته، فقد خلق قبله خلائق كثیرة و سیخلق بعد انقراضهم ایضا، قال علیه السلام« أو تری ان اللّٰه عزّ و جلّ لم یخلق بشرا غیركم؟ بلی و اللّٰه لقد خلق اللّٰه تبارك و تعالی ألف ألف عالم و ألف ألف آدم» و قال علیه السلام« لعلكم ترون أنّه إذا كان یوم القیامة ... لا یعبد فی بلاده و لا یخلق خلقا یعبدونه و یوحدونه؟ ...» إلی غیر ذلك. الثانی: ان وراء هذه المنظومة الشمسیة المشتملة علی شمس و ارض و كواكب و اقمار منظومات شمسیة اخری مشتملة علی شموس و كواكب و اقمار كثیرة و أن لها أهلین فی الجملة قال علیه السلام« ان وراء عین شمسكم هذه أربعین عین شمس: و ان وراء قمركم أربعین قمرا» و قال علیه السلام لما نظر إلی السماء« هذه قبة ابینا آدم و ان للّٰه عزّ و جلّ سواها تسعة و ثلاثین قمة فیها خلق ما عصوا اللّٰه طرفة عین» و غیر خفی علی اللبیب المتأمل ان اظهار هذا المعنی فی عصر لم یكن یتوهم أحد ذلك و لا یقبله لو لا تسلیمه لائمة الدین و أهل بیت العصمة و الیقین كاشف عن اعتماد القائلین علی مبدإ علمی الهی، و اخذهم من منبع غزیر ربانی، و إلّا فمن كان یجترئ علی التفوه بان عیر الشمس التی كان بزعم انها مركوزة فی الفلك الرابع و القمر الذی كان یزعم انه مركوز فی الفلك الأول تكون شموس و اقمار اخری؟ و هذا لعمر الحق من أعظم الكرامات، و ادل الدلائل علی امامة أهل البیت علیهم السلام، و قد كان هذا العلم مخزونا فی كتب الشیعة مكنونا عند اهله حتی كشف التجارب العلمیة و المكبرات العظیمة النقاب عن وجهه و الغطاء عن سره. الثالث: أن وراء هذا العالم المادی عوالم اخری تغیب عن حواسنا، و لا تنالها علومنا المتعارفة، و هی محیطة بهذا العالم نحو احاطة، و باطنة فیه نحو بطون، و خارجة عنه نحو خروج و قد أراها اللّٰه بعض اولیائه و عباده الصالحین و هو علی ما یشاء قدیر. قال زین العابدین علیه السلام للمنجم:« هل أدلك علی رجل قد مر مذ دخلت علینا فی اربع عشر عالما كل عالم أكبر من الدنیا ثلاث مرّات لم یتحرك من مكانه؟!» فان المرور فی تلك العوالم الكبیرة فی زمن یسیر فی الغایة مع عدم التحرك من المكان إنّما یتصور بغیر هذا البدن المادی الذی لا یمكن أن یسیر إلّا بالحركة و الانتقال، و فی عوالم خارجة من عالم المادة، مطلقة من قیودها و حدودها و قال الصادق علیه السلام فی بیان حال أهل المدینتین« و طعامهم التسبیح» فان ذلك لیس من شأن الموجود المادی، و یمكن أن یكون حدیث اراءة الملكوت لجابر و حدیث خیام. رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم و أهل بیته علیهم السلام و ما ضاهاهما أیضا ناظرة إلی هذه العوالم و اللّٰه أعلم. و بالجملة یستفاد من هذه الروایات ان تلك العوالم اشرف و ألطف من عالم المادة و إن لم تخل عن المقادیر و العوارض الجسمانیة مطلقا، فتنطبق علی عالم المثال، لكن لا یوجب ذلك اثبات جمیع الخواص التی یأتی نقلها عن شارح المقاصد لها، فان جلها لا یخلو عن مناقشة كظهور الصور المثالیة فی المرآة و ادراكها عند غلبة الخوف و الأمراض، فان ما یصحّ من ذلك إنّما هو من خواص المثال الأصغر الذی هو من مراتب النفس الانسانیة و الكلام فی العوالم الخارجیة و ما یجی ء من طعن العلامة المؤلّف- رحمه اللّٰه- علی هذا القول انما هو للالتزام بهذه الخصوصیات و الا فهو لا ینكر الموجود المثالی رأسا، كیف و قد اذعن بصراحة روایات كثیرة فی اثباته، و به صحح كثیرا من المسائل الاعتقادیة كما أشار الی بعضها فی ذیل هذا الباب.

و جابلقا و جابرسا ذكرهما اللغویون علی وجه آخر قال الفیروزآبادی جابلص بفتح الباء و اللام أو سكونها بلد بالمغرب و لیس وراءه إنسی

ص: 350

و جابلق بلد بالمشرق (1)

انتهی و یقال إن فیهما أو فی إحداهما أصحاب القائم علیه السلام و الصوفیة و المتألهون من الحكماء أولوا أكثر هذه الأخبار بعالم المثال قال شارح المقاصد ذهب بعض المتألهین من الحكماء و نسب إلی القدماء أن بین عالمی المحسوس و المعقول واسطة تسمی عالم المثل لیس فی تجرد المجردات و لا فی مخالطة المادیات و فیه لكل موجود من المجردات و الأجسام و الأعراض و الحركات و السكنات و الأوضاع و الهیئات و الطعوم و الروائح مثال قائم بذاته معلق لا فی مادة و محل یظهر للحس بمعونة مظهر كالمرآة و الخیال و الماء و الهواء و نحو ذلك و قد ینتقل من مظهر إلی مظهر و قد یبطل كما إذا فسدت المرآة و الخیال أو زالت المقابلة أو التخیل و بالجملة هو عالم عظیم الفسحة غیر متناه یحذو حذو العالم الحسی فی دوام حركة أفلاكه المثالیة و قبول عناصره و مركباته آثار حركات أفلاكه و إشراقات العالم العقلی و هذا ما قال الأقدمون أن فی الوجود عالما مقداریا غیر العالم الحسی لا یتناهی عجائبه و لا تحصی مدنه و من جملة تلك المدن جابلقا و جابرسا و هما مدینتان عظیمتان لكل منهما ألف باب لا یحصی ما فیها من الخلائق و من هذا عالم یكون فیه الملائكة

ص: 351


1- 1. القاموس: ج 2، ص 297، و ج 3، ص 217.

و الجن و الشیاطین و الغیلان لكونها من قبیل المثل أو النفوس الناطقة المفارقة الظاهرة فیها و به یظهر المجردات فی صور مختلفة بالحسن و القبح و اللطافة و الكثافة و غیر ذلك بحسب استعداد القابل و الفاعل و علیه بنوا أمر المعاد الجسمانی فإن البدن المثالی الذی یتصرف فیه النفس حكمه حكم البدن الحسی فی أن له جمیع الحواس الظاهرة و الباطنة فیلتذ(1)

و یتألم باللذات و الآلام الجسمانیة و أیضا تكون من الصور المعلقة نورانیة فیها نعیم السعداء و ظلمانیة فیها عذاب الأشقیاء و كذا أمر المنامات و كثیر من الإدراكات فإن جمیع ما یری فی المنام أو التخیل فی الیقظة بل نشاهد فی الأمراض و عند غلبة الخوف و نحو ذلك من الصور

المقداریة التی لا تحقق لها فی عالم الحس كلها من عالم المثل و كذا كثیر من الغرائب و خوارق العادات كما یحكی عن بعض الأولیاء أنه مع إقامته ببلدته كان من حاضری المسجد الحرام أیام الحج و أنه ظهر من بعض جدران البیت أو خرج من بیت مسدود الأبواب و الكواء و أنه أحضر بعض الأشخاص و الثمار أو غیر ذلك من مسافة بعیدة جدا فی زمان قریبة إلی غیر ذلك و القائلون بهذا العالم منهم من یدعی ثبوته بالمكاشفة و التجارب الصحیحة و منهم من یحتج بأن ما یشاهد من تلك الصور الجزئیة لیست عدما صرفا و لا من عالم المادیات و هو ظاهر و لا من عالم العقل لكونها ذوات مقدار و لا مرتسمة فی الأجزاء الدماغیة لامتناع ارتسام الكبیر فی الصغیر و لما كانت الدعوی عالیة و الشبه واهیه كما سبق لم یلتفت إلیه المحققون من الحكماء و المتكلمین انتهی.

و نقل بعضهم عن المعلم الأول فی الرد علی من قال إن العالم الجسمانی أكثر من واحد و قد قالت متألهو الحكماء كهرمس و أنباذقلس و فیثاغورس و أفلاطون و غیرهم من الأفاضل القدماء إن فی الوجود عوالم أخری ذوات مقادیر غیر هذا العالم الذی نحن فیه و غیر النفس و العقل و فیها العجائب و الغرائب و فیها من البلاد و العباد و الأنهار و البحار و الأشجار و الصور الملیحة و القبیحة

ص: 352


1- 1. فیتلذذ( خ).

ما لا یتناهی و یقع هذا العالم فی الإقلیم الثامن الذی فیه جابلقا و جابرسا و هو إقلیم ذات العجائب و هی فی وسط ترتیب العوالم و لهذا العالم أفقان الأول و هو ألطف من الفلك الأقصی الذی نحن فیه و هو یقع (1) من إدراك الحواس و الأفق الأعلی یلی النفس الناطقة و هو أكثف منها و الطبقات المختلفة الأنواع من اللطیفة و الكثیفة و المتلذذة و المبهجة و المولمة و المزعجة لا یتناهی بینهما و لا بد لك من المرور علیه و قد یشاهد هذا العالم بعض الكهنة و السحرة و أهل العلوم الروحانیة فعلیك بالإیمان بها و إیاك و الإنكار.

و قال أرسطو فی أثولوجیا من وراء هذا العالم سماء و أرض و بحر و حیوان و نبات و ناس سماویون و كل من فی هذا العالم الجسمانی و لیس هناك شی ء أرضی و الروحانیون الذی هناك ملائمون للإنس الذی هناك لا ینفر بعضهم عن بعض و كل واحد لا ینفر عن صاحبه و لا یضاده بل یستریح إلیه.

و قال صاحب الفتوحات فی كل خلق اللّٰه تعالی عوالم یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لا یَفْتُرُونَ و خلق اللّٰه من جملة عوالمها عالما علی صورنا إذا أبصرها العارف یشاهد نفسه فیها و قد أشار إلی ذلك

عبد اللّٰه بن عباس فیما روی عنه فی حدیث هذه الكعبة و أنها بیت واحد من أربعة عشر بیتا و أن فی كل أرض من الأرضین السبع خلقا مثلنا حتی أن فیهم ابن عباس مثلی.

و صدقت هذه الروایة عند أهل الكشف و كل منها حی ناطق و هی باقیة لا تفنی و لا تتبدل و إذا دخلها العارفون إنما یدخلون بأرواحهم لا بأجسامهم فیتركون هیاكلهم فی هذه الأرض الدنیا و یتجردون و فیها مدائن لا تحصی و بعضها تسمی مدائن النور لا یدخلها من العارفین إلا كل مصطفی مختار و كل حدیث و آیة وردت عندنا مما صرفها العقل من ظاهرها وجدناها علی ظاهرها فی هذه الأرض و كل جسد یتشكل فیه الروحانی من ملك و جن و كل صورة یری الإنسان فیها نفسه فی النوم فمن أجساد هذه الأرض انتهی.

ص: 353


1- 1. یقطع( خ).

و أقول ما أشبه هذه المزخرفات بالخرافات و الخیالات الواهیة و الأوهام الفاسدة و لا یتوقف تصحیح شی ء مما ذكروه علی القول بهذا المذهب السخیف و بسط القول فیه یؤدی إلی الإطناب و أما الأجساد المثالیة التی قلنا بها فلیس من هذا القبیل كما عرفت تحقیقه فی المجلد الثالث و أكثر أخبار هذا الباب یمكن حملها علی ظواهرها إذ لم یدر أحد سوی الأنبیاء و الأوصیاء ما حول جمیع العوالم حتی یحكم بعدمها و ما قاله الحكماء و الریاضیون فی ذلك فهو علی الخرص و التخمین و اللّٰه الهادی إلی الحق المبین

تنبیه

قد یستدل علی ثبوت عالم المثال بِمَا رَوَاهُ الشَّیْخُ الْبَهَائِیُّ رحمه اللّٰه فِی كِتَابِ مِفْتَاحِ الْفَلَاحِ عِنْدَ تَأْوِیلِ مَا وَرَدَ فِی دُعَاءِ التَّعْقِیبِ یَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِیلَ وَ سَتَرَ الْقَبِیحَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ لَهُ مِثَالٌ فِی الْعَرْشِ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ وَ نَحْوِهِمَا فَعَلَ مِثَالُهُ مِثْلَ فِعْلِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَرَاهُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْعَرْشِ وَ یُصَلُّونَ (1)

وَ یَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَ إِذَا اشْتَغَلَ الْعَبْدُ بِمَعْصِیَةٍ أَرْخَی اللَّهُ تَعَالَی عَلَی مِثَالِهِ سِتْراً لِئَلَّا تَطَّلِعَ الْمَلَائِكَةُ عَلَیْهَا فَهَذَا تَأْوِیلُ یَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِیلَ وَ سَتَرَ الْقَبِیحَ.

انتهی.

و أقول و إن أمكن تأویله (2) علی ما ذكروه لكن لیس فیه دلالة علی الخصوصیات التی أثبتوها و لا علی عمومها فی كل شی ء و كذا الكلام فیما ورد من كون صورة أمیر المؤمنین و الحسنین علیهم السلام و رؤیة الرسول صلی اللّٰه علیه و آله و آدم علیه السلام أشباح الأئمة علیهم السلام عن یمین العرش و أمثال ذلك كثیرة و الكلام فی الجمیع واحد و نحن لا ننكر وجود الأجسام المثالیة و تعلق الأرواح بها بعد الموت بل نثبتها لدلالة الأحادیث المعتبرة الصریحة علیها بل لا یبعد عندی وجودها قبل الموت أیضا فتتعلق

ص: 354


1- 1. فی المخطوطة: فیصلون.
2- 2. فی المخطوطة: تطبیقه.

بها الأرواح فی حال النوم و شبهه من الأحوال التی یضعف تعلقها بالأجساد الأصلیة فیسیر بها فی عوالم الملك و الملكوت و لا أستبعد فی الأرواح القویة تعلقها بالأجساد المثالیة الكثیرة و تصرفها فی جمیعها فی حالة واحدة فلا یستبعد حضورهم فی آن واحد عند جمع كثیر من المحتضرین و غیرهم لكن علی وجه لا ینافی القواعد العقلیة و القوانین الشرعیة و هذا المقام لا یسع لبسط القول فیها و بعض العقول القاصرة عن درك الحقائق الخفیة ربما لم یحتملها فلذا طویناها علی غرها و اللّٰه الموفق لنیل غوامض الدقائق و سرها

باب 3 أنه لم سمیت الدنیا دنیا و الآخرة آخرة

«1»- الْعِلَلُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ (1) مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَعْقُوبَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ رَفَعَهُ قَالَ: أَتَی عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام یَهُودِیٌّ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَكَانَ فِیمَا یَسْأَلُهُ (2) لِمَ سُمِّیَتِ الدُّنْیَا دُنْیَا وَ لِمَ سُمِّیَتِ الْآخِرَةُ آخِرَةً فَقَالَ علیه السلام إِنَّمَا سُمِّیَتِ الدُّنْیَا دُنْیَا لِأَنَّهَا أَدْنَی مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ سُمِّیَتِ الْآخِرَةُ آخِرَةً لِأَنَّ فِیهَا الْجَزَاءَ وَ الثَّوَابَ (3).

ص: 355


1- 1. الظاهر أنّه علیّ بن أحمد الدقاق، و روی الصدوق- ره- فی التوحید و غیره من كتبه عنه و عن علیّ بن أحمد بن محمّد، و عن علیّ بن أحمد بن محمّد بن عمران، و فی الفقیه عن علیّ بن أحمد بن موسی الدقاق، و فی كمال الدین( 177) عن علیّ بن أحمد بن محمّد بن موسی بن عمران و الظاهر اتّحاد الجمیع، قال الوحید- ره- الظاهر ان علیّ بن أحمد بن محمّد بن عمران من مشایخ الصدوق و هو علیّ بن أحمد بن موسی الدقاق، و قال فی تنقیح المقال: لم اقف علی روایة الصدوق عمن سماه( یعنی الوحید) و اتّحاد علیّ بن أحمد بن موسی مع علیّ بن أحمد بن محمّد بن عمران بعید جدا( انتهی) لكن روایته عن أحمد بن محمّد بن عمران كثیرة فی التوحید و سائر كتبه و ما رواه فی كمال الدین یقرب ما استبعده و یؤید ما استظهره الوحید رحمهما اللّٰه بل ما استظهرنا من اتّحاد الجمیع و اللّٰه العالم.
2- 2. فی المخطوطة: فی ما سأله.
3- 3. علل الشرائع: ج 1، ص 2.

«2»- وَ مِنْهُ،: فِیمَا سَأَلَ یَزِیدُ بْنُ سَلَّامٍ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله سَأَلَهُ عَنِ الدُّنْیَا لِمَ سُمِّیَتِ الدُّنْیَا قَالَ لِأَنَّ الدُّنْیَا دَنِیَّةٌ خُلِقَتْ مِنْ دُونِ الْآخِرَةِ وَ لَوْ خُلِقَتْ مَعَ الْآخِرَةِ لَمْ یَفْنَ أَهْلُهَا كَمَا لَا یَفْنَی أَهْلُ الْآخِرَةِ قَالَ فَأَخْبِرْنِی لِمَ سُمِّیَتِ الْآخِرَةُ آخِرَةً قَالَ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ تَجِی ءُ مِنْ بَعْدِ الدُّنْیَا لَا تُوصَفُ سِنِینُهَا وَ لَا تُحْصَی أَیَّامُهَا وَ لَا یَمُوتُ سُكَّانُهَا(1) الْخَبَرَ.

بیان: قوله فی الخبر الأول لأنها أدنی من كل شی ء أی أقرب بحسب المكان أو بحسب الزمان أو أخس و أرذل علی وفق الخبر الثانی و قوله لأن فیها الجزاء لعله بیان لملزوم العلة أی لما كان فیها الجزاء و الجزاء متأخر عن العمل فلذا جعلت بعد الدنیا و سمیت بذلك قال اللّٰه عز و جل یَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنی (2) یعنی الدنیا من الدنو بمعنی القرب و قال سبحانه وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی (3) و بالجملة الأدنی و الدنیا یصرفان علی وجوه فتارة یعبر به عن الأقل فیقابل بالأكثر و الأكبر و تارة عن الأرذل

و الأحقر فیقابل بالأعلی و الأفضل و تارة عن الأقرب فیقابل بالأقصی و تارة عن الأولی فیقابل بالآخرة و بجمیع ذلك ورد التنزیل علی بعض الوجوه و قال الجزری الدنیا اسم لهذه الحیاة لبعد الآخرة عنها.

ص: 356


1- 1. علل الشرائع ج 2، ص 156.
2- 2. الأعراف: 169.
3- 3. الرعد: 21.

باب 4 القلم و اللوح المحفوظ و الكتاب المبین و الإمام المبین و أم الكتاب

الآیات:

هود: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ إِلَّا عَلَی اللَّهِ رِزْقُها وَ یَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِی كِتابٍ مُبِینٍ (1)

طه: قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی فِی كِتابٍ لا یَضِلُّ رَبِّی وَ لا یَنْسی (2)

الحج: أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِی كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ(3)

النمل: وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِی كِتابٍ مُبِینٍ (4)

سبأ: لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلَّا فِی كِتابٍ مُبِینٍ (5)

فاطر: وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِی كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ(6)

یس: وَ كُلَّ شَیْ ءٍ أَحْصَیْناهُ فِی إِمامٍ مُبِینٍ (7)

الزخرف: وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْكِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَكِیمٌ (8)

ص: 357


1- 1. هود: 6.
2- 2. طه: 52.
3- 3. الحجّ: 70.
4- 4. النمل: 75.
5- 5. سبأ: 3.
6- 6. فاطر: 11.
7- 7. یس: 12.
8- 8. الزخرف: 4.

ق: وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِیظٌ(1)

الطور: وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ فِی رَقٍّ مَنْشُورٍ(2)

الحدید: ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِی كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ لِكَیْلا تَأْسَوْا عَلی ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (3)

القلم: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ (4)

النبأ: وَ كُلَّ شَیْ ءٍ أَحْصَیْناهُ كِتاباً(5)

البروج: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِیدٌ فِی لَوْحٍ مَحْفُوظٍ(6)

تفسیر:

قال الطبرسی رحمه اللّٰه : كُلٌّ فِی كِتابٍ مُبِینٍ هذا إخبار منه سبحانه أن جمیع ذلك مكتوب فی كتاب ظاهر و هو اللوح المحفوظ و إنما أثبت ذلك مع أنه عالم لذاته لا یعزب عن علمه شی ء من مخلوقاته لما فیه من اللطف للملائكة أو لمن یخبر بذلك (7).

و قال رحمه اللّٰه فی قوله سبحانه عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی أی أعمالهم محفوظة عند اللّٰه یجازیهم بها و التقدیر علم أعمالهم عند ربی فِی كِتابٍ یعنی اللوح المحفوظ و المعنی أن أعمالهم مكتوبة مثبتة علیهم و قیل المراد بالكتاب ما تكتبه الملائكة لا یَضِلُّ رَبِّی أی لا یذهب علیه شی ء و قیل أی لا یخطئ ربی وَ لا یَنْسی من النسیان أو بمعنی الترك (8).

و قال الرازی فی قوله تعالی إِنَّ ذلِكَ فِی كِتابٍ فی الكتاب قولان أحدهما و هو قول أبی مسلم إن معنی الكتاب الحفظ و الضبط و الشد یقال كتبت

ص: 358


1- 1. ق: 4.
2- 2. الطور: 2- 3.
3- 3. الحدید: 22.
4- 4. القلم: 1.
5- 5. النبأ: 29.
6- 6. البروج: 21- 22.
7- 7. مجمع البیان: ج 5، ص 144.
8- 8. مجمع البیان: ج 7، ص 13.

المزادة(1)

إذا خرزتها فحفظت بذلك ما فیها و معنی الكتاب بین الناس حفظ ما یتعاملون به فالمراد من قوله إِنَّ ذلِكَ فِی كِتابٍ أنه محفوظ عنده.

و الثانی و هو قول الجمهور إن كل ما یحدثه اللّٰه فی السماوات و الأرض كتبه (2) فی اللوح المحفوظ و هذا أولی لأن القول الأول و إن كان صحیحا نظرا إلی الاشتقاق و لكن الواجب حمل اللفظ علی المتعارف و معلوم أن الكتاب هو ما تكتب فیه الأمور فكان حمله علیه أولی فإن قیل یوهم ذلك أن علمه مستفاد من الكتاب و أیضا فأی فائدة فی ذلك الكتاب فالجواب عن الأول أن كتبه تلك الأشیاء فی ذلك الكتاب مع كونها مطابقة للموجودات من أدل الدلائل علی أنه سبحانه غنی فی علمه عن ذلك الكتاب و عن الثانی أن الملائكة ینظرون فیه ثم یرون الحوادث داخلة فی الوجود علی وفقه فصار ذلك دلیلا لهم زائدا علی كونه سبحانه عالما بكل المعلومات و أما قوله إِنَّ ذلِكَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ فمعناه أن كتبه جملة الحوادث مع أنها من الغیب مما یتعذر علی الخلق لكنها بحیث متی أرادها اللّٰه تعالی كانت یعبر عن ذلك بأنه یسیر و إن كان هذا الوصف لا یستعمل إلا فینا من حیث تسهل و تصعب علینا الأمور و یتعالی (3) اللّٰه عن ذلك (4).

و قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله سبحانه وَ ما مِنْ غائِبَةٍ أی خصلة غائبة فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ یعنی جمیع ما أخفاه عن خلقه و غیبه عنهم إِلَّا فِی كِتابٍ مُبِینٍ أی إلا و هو مبین فی اللوح المحفوظ(5).

لا یَعْزُبُ عَنْهُ أی لا یفوته إِلَّا فِی كِتابٍ مُبِینٍ یعنی اللوح المحفوظ(6)

ص: 359


1- 1. المزادة- بفتح المیم-: ما یوضع فیه الزاد، و خرزها- بالخاء المعجمة ثمّ الراء المهملة ثمّ الزای المعجمة-: شدها و إحكامها. و فی المصدر: كتبت المزادة اكتبها.
2- 2. فی المصدر: فقد كتبه.
3- 3. فی المصدر: تعالی.
4- 4. مفاتیح الغیب، ج 6، ص 259.
5- 5. مجمع البیان: ج 7، ص 232.
6- 6. مجمع البیان: ج 8 ص 377.

و فی قوله وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ أی لا یمد فی عمر معمر وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ أی من عمر ذلك المعمر بانقضاء الأوقات علیه و قیل معناه و لا ینقص من عمر غیر ذلك المعمر و قیل هو ما یعلمه اللّٰه إن فلانا لو أطاع لبقی إلی وقت كذا و إذا عصی نقص عمره فلا یبقی إِلَّا فِی كِتابٍ أی إلا و ذلك مثبت فی اللوح المحفوظ(1) و قال وَ كُلَّ شَیْ ءٍ أَحْصَیْناهُ أی أحصینا و عددنا كل شی ء من الحوادث فی كتاب ظاهر و هو اللوح المحفوظ و قیل أراد به صحائف الأعمال (2).

أقول: و قد ورد فی كثیر من الأخبار أن المراد بالإمام المبین أمیر المؤمنین علیه السلام كما مر.

وَ إِنَّهُ أی القرآن فِی أُمِّ الْكِتابِ فی اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماویة لَدَیْنا لَعَلِیٌ رفیع الشأن حَكِیمٌ ذو حكمة بالغة كذا قیل و فی كثیر من الأخبار أن الضمیر راجع إلی أمیر المؤمنین علیه السلام و المراد بأم الكتاب السورة الفاتحة فإنه علیه السلام مكتوب فیها فی قوله تعالی اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ قالوا الصراط المستقیم هو أمیر المؤمنین علیه السلام و معرفته و طریقته.

وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِیظٌ قال الطبرسی رحمه اللّٰه أی حافظ لعدتهم و أسمائهم و هو اللوح المحفوظ و قیل أی محفوظ عن البلی و الدروس و هو كتاب الحفظة(3).

وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ أی مكتوب فِی رَقٍّ مَنْشُورٍ و هو الكتاب الذی كتبه اللّٰه لملائكته فی السماء یقرءون فیه ما كان و ما یكون و قیل هو القرآن مكتوب عند اللّٰه فی اللوح (4)

و هو الرق المنشور و قیل هو صحائف الأعمال و قیل هو التوراة و قیل إنه القرآن یكتبه المؤمنون فی رق و ینشرونه لقراءته و الرق ما یكتب فیه (5).

ص: 360


1- 1. مجمع البیان: ج 8 ص 403.
2- 2. مجمع البیان: ج 8 ص 418.
3- 3. مجمع البیان: ج 9 ص 141.
4- 4. فی المصدر: فی اللوح المحفوظ.
5- 5. مجمع البیان: ج 9 ص 163.

و فی قوله تعالی ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الْأَرْضِ مثل قحط المطر و قلة النبات و نقص الثمرات وَ لا فِی أَنْفُسِكُمْ من الأمراض و الثكل بالأولاد إِلَّا فِی كِتابٍ أی إلا و هو مثبت (1) فی اللوح المحفوظ قبل أن یخلق الأنفس لِكَیْلا تَأْسَوْا عَلی ما فاتَكُمْ أی فعلنا ذلك لكی لا تحزنوا علی ما یفوتكم من نعم الدنیا وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ أی بما أعطاكم اللّٰه منها و الذی یوجب نفی الأسی و الفرح من هذین أن الإنسان إذا علم أن ما فات منها ضمن اللّٰه تعالی العوض علیه فی الآخرة فلا ینبغی أن یحزن لذلك و إذا علم أن ما ناله منها كلف الشكر علیه و الحقوق الواجبة فیه فلا ینبغی أن یفرح به و أیضا إذا علم أن شیئا منها لا یبقی فلا ینبغی أن یهتم له بل یجب أن یهتم لأمر الآخرة التی تدوم و لا تبید(2).

و قال البیضاوی مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها أی نخلقها و الضمیر للمصیبة أو للأرض أو للأنفس و قال فی قوله لِكَیْلا تَأْسَوْا فإن من علم أن الكل مقدر هان علیه الأمر و فیه إشعار بأن فواتها یلحقها إذا خلیت و طباعها و أما حصولها و بقاؤها فلا بد لهما من سبب یوجدها و یبقیها و المراد منه نفی الأسی المانع من التسلیم لأمر اللّٰه و الفرح الموجب للبطر و الاختیال و لذلك عقبه بقوله وَ اللَّهُ لا یُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ(3) انتهی.

و قال الطبرسی رحمه اللّٰه اختلف فی معنی نون فقیل هو اسم من أسماء السورة و قیل هو الحوت الذی علیه الأرضون عن ابن عباس و غیره و قیل هو حرف من حروف الرحمن فی روایة أخری عن ابن عباس و قیل هو الدواة عن الحسن و غیره و قیل هو لوح من نور وَ رُوِیَ مَرْفُوعاً إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: هُوَ نَهَرٌ فِی الْجَنَّةِ قَالَ اللَّهُ لَهُ كُنْ مِدَاداً فَجَمَدَ وَ كَانَ أَبْیَضَ مِنَ اللَّبَنِ وَ أَحْلَی مِنَ الشَّهْدِ ثُمَّ قَالَ لِلْقَلَمِ اكْتُبْ فَكَتَبَ الْقَلَمُ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ

ص: 361


1- 1. فی المصدر: یعنی إلّا و هو مثبت مذكور فی اللوح المحفوظ.
2- 2. مجمع البیان: ج 9 ص 240.
3- 3. أنوار التنزیل: ج 2، ص 499.

عن أبی جعفر الباقر علیه السلام.

و قیل المراد به الحوت فی البحر و هو من آیات اللّٰه تعالی إذ خلقه من الماء فإذا فارق الماء مات كما أن حیوان البر إذا خالط الماء مات و القلم هو الذی یكتب به أقسم اللّٰه تعالی به لمنافع الخلق إذ هو أحد لسانی الإنسان یؤدی عنه ما فی جنانه و یبلغ البعید عنه ما یبلغ القریب بلسانه و به یحفظ أحكام الدین و به تستقیم أمور العالمین و قد قیل إن البیان بیانان بیان اللسان و بیان

البنان و بیان اللسان تدرسه الأعوام و بیان الأقلام باق علی مر الأیام وَ ما یَسْطُرُونَ و ما تكتبه الملائكة مما یوحی إلیهم و ما یكتبونه من أعمال بنی آدم و قیل ما مصدریة(1)

انتهی.

و قال الرازی و القلم فیه وجهان أحدهما أن المقسم به هو هذا الجنس و هو واقع علی كل قلم فی السماء و فی الأرض كما قال وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (2) الثانی أن المقسم به هو القلم المعهود و الذی جاء فی الخبر أول ما خلق اللّٰه القلم قال ابن عباس أول ما خلق اللّٰه القلم ثم قال اكتب ما هو كائن إلی یوم القیامة قال و هو قلم من نور طوله كما بین السماء و الأرض

و روی مجاهد عنه قال إن أول ما خلق اللّٰه القلم فقال اكتب القدر فكتب ما هو كائن إلی یوم القیامة و إنما یجری الناس علی أمر قد فرغ منه.

قال القاضی هذا الخبر یجب حمله علی المجاز لأن القلم الذی هو آلة مخصوصة فی الكتابة لا یجوز أن یكون حیا عاقلا(3)

فیؤمر و ینهی فإن الجمع بین كونه حیوانا مكلفا و بین كونه آلة الكتابة محال قال بل المراد أنه تعالی أجراه بكل ما یكون و هو كقوله فَإِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ (4) فإنه لیس هناك أمر

ص: 362


1- 1. مجمع البیان: ج 10 ص 332.
2- 2. العلق: 4.
3- 3. بناء علی كون القلم مجردا عن المادة یندفع هذا الاشكال لان التجرد لا ینفك عن العقل و الحیاة فافهم.
4- 4. البقرة: 117.

و لا تكلیف بل هو مجرد نفاذ القدرة فی المقدور من غیر منازعة و لا مدافعة و من الناس من زعم أن القلم المذكور هاهنا هو العقل و أنه شی ء كالأصل لجمیع المخلوقات قالوا و الدلیل علیه أنه روی فی الأخبار أنه أول ما خلق اللّٰه و فی خبر آخر أن أول ما خلق اللّٰه العقل.

و فی خبر آخر أول ما خلق اللّٰه جوهرة فنظر إلیها بعین الهیبة فذابت.

إلی آخر ما مر قالوا فهذه الأخبار مجموعها تدل علی أن العقل و القلم و تلك الجوهرة التی هی أصل المخلوقات شی ء واحد و إلا لتناقض (1) انتهی.

أقول: و یمكن الجمع بوجوه أخری كما مر.

وَ كُلَّ شَیْ ءٍ أَحْصَیْناهُ كِتاباً قال البیضاوی كتابا مصدر لأحصیناه فإن الإحصاء و الكتبة مشاركان (2)

فی معنی الضبط أو لفعله المقدر أو حال بمعنی مكتوبا فی اللوح أو صحف الحفظة(3).

فِی لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قال الرازی أی محفوظ عن أن یمسه إلا المطهرون أو عن اطلاع الخلق علیه سوی الملائكة المقربین أو عن یجری فیه تغییر و تبدیل ثم قال قال بعض المتكلمین إن اللوح شی ء یلوح للملائكة فیقرءونه فلما(4)

كانت الأخبار و الآثار واردة بذلك وجب التصدیق به (5)

انتهی.

و أقول ما ورد فی الكتاب و السنة من أمثال ذلك لا یجوز تأویله و التصرف فیه بمحض استبعاد الوهم بلا برهان و حجة و نص معارض یدعو إلی ذلك و ما ورد فی بعض الأخبار

أن اللوح و القلم ملكان.

لا ینافی ظاهره كما لا یخفی و یظهر من الأخبار أن لله عز و جل لوحین اللوح المحفوظ و هو لا یتغیر و لوح المحو و الإثبات و فیه یكون البداء كما مر تحقیقه فی بابه و یومئ إلیه قوله سبحانه

ص: 363


1- 1. فی المصدر: و إلّا حصل التناقض. مفاتیح الغیب: ج 8، ص 260.
2- 2. فی المصدر: یتشاركان.
3- 3. أنوار التنزیل: ج 2، ص 589.
4- 4. فی المخطوطة: و لما.
5- 5. مفاتیح الغیب: ج 8، ص 528.

یَمْحُوا اللَّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (1) و ذكر الرازی فی المحو و الإثبات وجوها إلی أن قال الثامن أنه فی الأرزاق و المحن و المصائب یثبتها فی الكتاب ثم یزیلها بالدعاء و الصدقة ثم قال و أما أُمِّ الْكِتابِ فالمراد أصل الكتاب و العرب تسمی كل ما یجری مجری الأصل أما(2)

و منه أم الرأس للدماغ و أم القری لمكة فكذلك أم الكتاب هو الذی یكون أصلا لجمیع الكتب و فیه قولان الأول أن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ و جمیع حوادث العالم العلوی و السفلی مثبت فیه عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: كَانَ اللَّهُ وَ لَا شَیْ ءَ(3) ثُمَّ خَلَقَ اللَّوْحَ وَ أَثْبَتَ فِیهِ جَمِیعَ أَحْوَالِ الْخَلْقِ (4) إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

و علی هذا التقدیر عند اللّٰه كتابان أحدهما الكتاب الذی تكتبه الملائكة علی الخلق و ذلك الكتاب محل المحو و الإثبات و الكتاب الثانی اللوح المحفوظ و هو الكتاب المشتمل علی تعیین نفس جمیع الأحوال العلویة و السفلیة و هو الباقی

رَوَی أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی فِی ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِینَ مِنَ اللَّیْلِ یَنْظُرُ فِی الْكِتَابِ الَّذِی لَا یَنْظُرُ فِیهِ أَحَدٌ غَیْرُهُ فَیَمْحُو مَا یَشَاءُ وَ یُثْبِتُ مَا یَشَاءُ.

و القول الثانی أن أم الكتاب هو علم اللّٰه فإنه تعالی عالم بجمیع المعلومات من الموجودات و المعدومات و المعلومات و إن تغیرت إلا أن علم اللّٰه تعالی بها باق منزه عن التغییر فالمراد بأم الكتاب هو ذاك (5)

انتهی. و قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی تضاعیف الأقوال فی ذلك الرابع أنه عام فی كل شی ء فیمحو من الرزق و یزید فیه و من الأجل و یمحو(6)

السعادة و الشقاوة و روی عكرمة

ص: 364


1- 1. الرعد: 39.
2- 2. فی المصدر: مجری الأصل للشی ء اما له.
3- 3. فی المصدر: و لا شی ء معه.
4- 4. فی المصدر: أحوال جمیع الخلق.
5- 5. مفاتیح الغیب: ج 5، ص 309.
6- 6. فی المصدر: فیمحو.

عن ابن عباس قال هما كتابان كتاب سوی أم الكتاب یمحو اللّٰه منه ما یشاء و یثبت و أم الكتاب لا یغیر منه شی ء و رواه عمران بن حصین عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله ثم قال و أم الكتاب هو اللوح المحفوظ الذی لا یغیر و لا یبدل.

لأن الكتب المنزلة انتسخت منه فالمحو و الإثبات إنما یقع فی الكتب المنتسخة لا فی أصل الكتاب عن أكثر المفسرین و قیل سمی أم الكتاب لأنه الأصل الذی كتب فیه أولا سیكون كذا و كذا لكل ما یكون فإذا وقع كتب أنه قد كان ما قیل إنه سیكون و الوجه فی ذلك ما فیه من المصلحة و الاعتبار لمن تفكر فیه من الملائكة الذین یشاهدونه إذا قابلوا ما یكون بما هو مكتوب فیه و علموا أن ما یحدث علی كثرته قد أحصاه اللّٰه و علمه قبل أن یكون مع أن ذلك أهول فی الصدور و أعظم فی النفوس حتی كان من تصوره و تفكر فیه مشاهد له (1)

انتهی.

و اعلم أن للحكماء فی تلك الأبواب خرافات تنتهی إلی المحالات ثم إلی الزندقة و الخروج عن مذاهب أرباب الدیانات و ردوا فی لباس التأویل أكثر الآیات و الروایات و إن زعموا تطبیقها علیها بأنواع التمحلات فبعضهم یقول القلم هو العقل الأول و جمیع صور الأشیاء حاصلة فیه علی وجه بسیط عقلی مقدس عن شائبة كثرة و تفصیل و هو صورة القضاء الإلهی و هو بهذا الاعتبار یسمی بأم الكتاب و منه ینتقش فی ألواح النفوس الكلیة السماویة كما ینتسخ بالقلم فی اللوح صور معلومة مضبوطة منوطة بعللها و أسبابها علی وجه كلی و هو قدره تعالی و من هذه النفوس الكلیة ینتقش فی قواها المنطبعة الخیالیة نقوش جزئیة متشكلة بأشكال و هیئات معینة علی طبق ما یظهر فی الخارج و هذا العالم هو لوح القدر كما أن عالم النفوس الكلیة هو لوح القضاء و كل منهما بهذا الاعتبار كتاب مبین إلا أن الأول محفوظ من المحو و الإثبات و الثانی كتاب المحو و الإثبات و فیه یكون البداء لأن القوی المنطبعة الفلكیة لم تحط بتفاصیل ما سیقع من الأمور دفعة واحدة لعدم تناهیها بل إنما ینتقش فیها الحوادث شیئا فشیئا و

ص: 365


1- 1. مجمع البیان: ج 5، ص 298.

جملة فجملة مع أسبابها و عللها علی نهج مستمر و نظام مستقر فإن ما یحدث فی عالم الكون و الفساد إنما هو من لوازم حركات الأفلاك و نتائج بركاتها فمتی یعلم أن كلما كان كذا كان كذا و مهما حصل العلم بأسباب حدوث أمر ما فی هذا العالم حكمت بوقوعه فیه فینتقش فیها ذلك الحكم و ربما تأخر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث علی خلاف ما یوجبه بقیة الأسباب لو لا ذلك السبب و لم یحصل لها العلم بذلك السبب بعد لعدم اطلاعها علی سبب ذلك السبب ثم لما جاء أوانه و اطلعت علیه حكمت بخلاف الحكم الأول یمحو عنها نقش الحكم السابق و یثبت الحكم الآخر و لما كان أسباب هذا التخیل ینتهی إلیه سبحانه نسب البداء إلیها مع إحاطة علمه سبحانه بالكلیات و الجزئیات جمیعا أزلا و أبدا.

«1»- تَفْسِیرُ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَكَتَبَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ(1).

«2»- وَ مِنْهُ،: فِی قَوْلِهِ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِیدٌ فِی لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قَالَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ لَهُ طَرَفَانِ طَرَفٌ عَلَی یَمِینِ الْعَرْشِ وَ طَرَفٌ عَلَی جَبْهَةِ إِسْرَافِیلَ فَإِذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ جَلَّ ذِكْرُهُ بِالْوَحْیِ ضَرَبَ اللَّوْحُ جَبِینَ إِسْرَافِیلَ فَنَظَرَ فِی اللَّوْحِ فَیُوحِی بِمَا فِی اللَّوْحِ إِلَی جَبْرَئِیلَ (2).

«3»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحِیمِ الْقَصِیرِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ ن وَ الْقَلَمِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقَلَمَ مِنْ شَجَرَةٍ فِی الْجَنَّةِ یُقَالُ لَهَا الْخُلْدُ ثُمَّ قَالَ لِنَهَرٍ فِی الْجَنَّةِ كُنْ مِدَاداً فَجَمَدَ النَّهَرُ وَ كَانَ أَشَدَّ بَیَاضاً مِنَ الثَّلْجِ وَ أَحْلَی مِنَ الشَّهْدِ ثُمَّ قَالَ لِلْقَلَمِ اكْتُبْ قَالَ یَا رَبِّ مَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَكَتَبَ الْقَلَمُ فِی رَقٍّ أَشَدَّ بَیَاضاً مِنَ الْفِضَّةِ وَ أَصْفَی مِنَ الْیَاقُوتِ ثُمَّ طَوَاهُ فَجَعَلَهُ فِی رُكْنِ الْعَرْشِ ثُمَّ خَتَمَ عَلَی

ص: 366


1- 1. تفسیر القمّیّ: 536.
2- 2. تفسیر القمّیّ: 720.

فَمِ الْقَلَمِ فَلَمْ یَنْطِقْ بَعْدُ وَ لَا یَنْطِقُ أَبَداً فَهُوَ الْكِتَابُ الْمَكْنُونُ الَّذِی مِنْهُ النُّسَخُ كُلُّهَا أَ وَ لَسْتُمْ عَرَباً فَكَیْفَ لَا تَعْرِفُونَ مَعْنَی الْكَلَامِ وَ أَحَدُكُمْ یَقُولُ لِصَاحِبِهِ انْسَخْ ذَلِكَ الْكِتَابَ أَ وَ لَیْسَ إِنَّمَا یُنْسَخُ مِنْ كِتَابٍ آخَرَ(1)

مِنَ الْأَصْلِ وَ هُوَ قَوْلُهُ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (2).

بیان: هذا یدل علی أن أولیة خلق القلم إضافیة لسبق خلق الجنة علیه (3).

«4»- الْعِلَلُ، قَالَ حَدَّثَنَا عَلِیُّ بْنُ حَبَشِیِّ بْنِ قُونِیٍّ فِیمَا كَتَبَ إِلَیَّ عَنْ حُمَیْدِ(4)

بْنِ زِیَادٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ یَحْیَی بْنِ أَبِی الْعَلَاءِ الرَّازِیِّ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ وَ أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِإِبْلِیسَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وَ أَخْبِرْنِی عَنْ هَذَا الْبَیْتِ كَیْفَ صَارَ فَرِیضَةً عَلَی الْخَلْقِ أَنْ یَأْتُوهُ قَالَ فَالْتَفَتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِلَیْهِ وَ قَالَ مَا سَأَلَنِی عَنْ مَسْأَلَتِكَ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً ضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالُوا یَا رَبِّ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ جَاعِلًا فِی أَرْضِكَ خَلِیفَةً فَاجْعَلْهُ مِنَّا مَنْ یَعْمَلُ فِی خَلْقِكَ بِطَاعَتِكَ فَرَدَّ عَلَیْهِمْ إِنِّی

ص: 367


1- 1. فی المصدر: اخذ من الأصل.
2- 2. تفسیر القمّیّ: 960.
3- 3. الظاهر ممّا یأتی عن الصادق علیه السلام فی روایة سفیان الثوری عنه أن ذكر كیفیة خلق اللوح و القلم من نهر الخلد یجری مجری المثل، و حقیقة الامر انهما ملكان، و لا یبعد استظهار ذلك من كل ما یدلّ علی كونهما ملكین. و ربما یؤید ذلك ما یدلّ علی تأخر خلق الجنة عن خلق القلم فتأمل.
4- 4. هكذا فی نسخ البحار، و فی المصدر« جمیل بن زیاد» و الظاهر ان نسخة البحار هو الصحیح، لكثرة روایة« حمید بن زیاد» عن القاسم بن إسماعیل القرشیّ و وجود روایة« علی بن حبشی» عنه، و هو حمید بن زیاد بن حماد بن حماد بن زیاد الدهقان أبو القاسم كوفیّ سكن« سوراء» و انتقل الی« نینوی» كان ثقة واقفا وجها فیهم، سمع الكتب و صنف كتاب الجامع فی أنواع الشرائع، توفّی سنة عشر و ثلاثمائة.

أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ فَظَنَّتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ ذَلِكَ سَخَطٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهِمْ فَلَاذُوا بِالْعَرْشِ یَطُوفُونَ بِهِ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُمْ بِبَیْتٍ مِنْ مَرْمَرٍ سَقْفُهُ یَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ وَ أَسَاطِینُهُ الزَّبَرْجَدُ یَدْخُلُهُ كُلَّ یَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا یَدْخُلُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ وَ یَوْمُ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ فَیَمُوتُ إِبْلِیسُ مَا بَیْنَ النَّفْخَةِ الْأُولَی وَ الثَّانِیَةِ وَ أَمَّا ن فَكَانَ نَهَراً فِی الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَیَاضاً مِنَ الثَّلْجِ وَ أَحْلَی مِنَ الْعَسَلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ كُنْ مِدَاداً فَكَانَ مِدَاداً ثُمَّ أَخَذَ شَجَرَةً فَغَرَسَهَا بِیَدِهِ ثُمَّ قَالَ وَ الْیَدُ الْقُوَّةُ وَ لَیْسَ بِحَیْثُ تَذْهَبُ إِلَیْهِ الْمُشَبِّهَةُ ثُمَّ قَالَ لَهَا كُونِی قَلَماً ثُمَّ قَالَ لَهُ اكْتُبْ فَقَالَ یَا رَبِّ وَ مَا أَكْتُبُ قَالَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ خَتَمَ عَلَیْهِ وَ قَالَ لَا تَنْطِقَنَّ إِلَی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (1).

«5»- مَعَانِی الْأَخْبَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الزَّنْجَانِیِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْمَاءٍ عَنْ جُوَیْرَةَ عَنْ سُفْیَانَ الثَّوْرِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام عَنْ ن فَقَالَ هُوَ نَهَرٌ فِی الْجَنَّةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ اجْمُدْ فَجَمَدَ فَصَارَ مِدَاداً ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْقَلَمِ اكْتُبْ فَسَطَرَ الْقَلَمُ فِی اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَالْمِدَادُ مِدَادٌ مِنْ نُورٍ وَ الْقَلَمُ قَلَمٌ مِنْ نُورٍ وَ اللَّوْحُ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ قَالَ سُفْیَانُ فَقُلْتُ لَهُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بَیِّنْ لِی أَمْرَ اللَّوْحِ وَ الْقَلَمِ وَ الْمِدَادِ فَضْلَ بَیَانٍ وَ عَلِّمْنِی مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَقَالَ یَا ابْنَ سَعِیدٍ لَوْ لَا أَنَّكَ أَهْلٌ لِلْجَوَابِ مَا أَجَبْتُكَ فَنُونٌ مَلَكٌ یُؤَدِّی إِلَی الْقَلَمِ وَ هُوَ مَلَكٌ وَ الْقَلَمُ یُؤَدِّی إِلَی اللَّوْحِ وَ هُوَ مَلَكٌ وَ اللَّوْحُ یُؤَدِّی إِلَی إِسْرَافِیلَ وَ إِسْرَافِیلُ یُؤَدِّی إِلَی مِیكَائِیلَ وَ مِیكَائِیلُ یُؤَدِّی إِلَی جَبْرَئِیلَ وَ جَبْرَئِیلُ یُؤَدِّی إِلَی الْأَنْبِیَاءِ وَ الرُّسُلِ قَالَ ثُمَّ قَالَ لِی قُمْ یَا سُفْیَانُ فَلَا آمَنُ عَلَیْكَ (2).

«6»- وَ مِنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِیسَی بْنِ أَبِی مَرْیَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَرْزَمِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَاتِمٍ الْمِنْقَرِیِ

ص: 368


1- 1. علل الشرائع: ج 2 ص 87.
2- 2. معانی الأخبار: 23.

عَنْ إِبْرَاهِیمَ الْكَرْخِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ علیهما السلام عَنِ اللَّوْحِ وَ الْقَلَمِ فَقَالَ هُمَا مَلَكَانِ (1).

«7»- الْعَیَّاشِیُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ قَالَ ن نَهَرٌ فِی الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَیَاضاً مِنَ اللَّبَنِ قَالَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَجَرَی بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَ مَا یَكُونُ فَهُوَ بَیْنَ یَدَیْهِ مَوْضُوعٌ مَا شَاءَ مِنْهُ زَادَ فِیهِ وَ مَا شَاءَ نَقَصَ مِنْهُ وَ مَا شَاءَ كَانَ وَ مَا شَاءَ لَا یَكُونُ.

أقول: تمامه فی باب الطواف.

«8»- الْإِخْتِصَاصُ،: سَأَلَ ابْنُ سَلَامٍ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ ن وَ الْقَلَمِ قَالَ النُّونُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وَ الْقَلَمُ نُورٌ سَاطِعٌ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ قَالَ صَدَقْتَ یَا مُحَمَّدُ فَأَخْبِرْنِی مَا طُولُهُ وَ مَا عَرْضُهُ وَ مَا مِدَادُهُ وَ أَیْنَ مَجْرَاهُ قَالَ طُولُ الْقَلَمِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَ عَرْضُهُ مَسِیرَةَ ثَمَانِینَ سَنَةٍ لَهُ ثَمَانُونَ سِنّاً یَخْرُجُ الْمِدَادُ مِنْ بَیْنِ أَسْنَانِهِ یَجْرِی فِی اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَ سُلْطَانِهِ قَالَ صَدَقْتَ یَا مُحَمَّدُ فَأَخْبِرْنِی عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِمَّا هُوَ قَالَ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ أَجْوَافُهُ اللُّؤْلُؤُ بِطَانَتُهُ الرَّحْمَةُ قَالَ صَدَقْتَ یَا مُحَمَّدُ قَالَ فَأَخْبِرْنِی كَمْ لَحْظَةً لِرَبِّ الْعَالَمِینَ فِی اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِی كُلِّ یَوْمٍ وَ لَیْلَةٍ قَالَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتُّونَ لَحْظَةً.

«9»- الْعِلَلُ، عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَطَّارِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ دَاوُدَ الْیَعْقُوبِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُقَاتِلٍ عَمَّنْ سَمِعَ زُرَارَةَ یَقُولُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ بَدْءِ النَّسْلِ مِنْ آدَمَ فَقَالَ فِیمَا قَالَ لَمْ یَخْتَلِفْ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَ لَا فُقَهَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ الْقَلَمَ فَجَرَی عَلَی اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَلْفَیْ عَامٍ وَ أَنَّ كُتُبَ اللَّهِ كُلَّهَا فِیمَا جَرَی فِیهِ الْقَلَمُ هَذِهِ الْكُتُبُ الْمَشْهُورَةُ فِی هَذَا الْعَالَمِ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِیلُ وَ الزَّبُورُ وَ الْقُرْآنُ (2)

أَنْزَلَهَا اللَّهُ مِنَ (3) اللَّوْحِ

ص: 369


1- 1. معانی الأخبار: 30.
2- 2. فی المصدر: الفرقان.
3- 3. فی المصدر: عن.

الْمَحْفُوظِ عَلَی رُسُلِهِ الْخَبَرَ(1).

«10»- عَقَائِدُ الصَّدُوقِ،: اعْتِقَادُنَا فِی اللَّوْحِ وَ الْقَلَمِ أَنَّهُمَا مَلَكَانِ.

أقول: قال الشیخ المفید رحمه اللّٰه اللوح كتاب اللّٰه كتب فیه ما یكون إلی یوم القیامة و هو قوله تعالی وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصَّالِحُونَ فاللوح هو الذكر و القلم هو الشی ء الذی أحدث اللّٰه به الكتاب فی اللوح و جعل اللوح أصلا لتعرف الملائكة منه ما یكون فإذا أراد اللّٰه تعالی أن یطلع الملائكة علی غیب له أو یرسلهم إلی الأنبیاء بذلك أمرهم بالاطلاع فی اللوح فحفظوا منه ما یؤدونه إلی من أرسلوا إلیه و عرفوا منه ما یعملون و لقد جاءت بذلك آثار عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله و عن الأئمة علیهم السلام فأما من ذهب إلی أن اللوح و القلم ملكان فقد أبعد بذلك و نأی عن الحق إذ الملائكة لا تسمی ألواحا و لا أقلاما و لا یعرف فی اللغة اسم ملك و لا بشر لوح و لا قلم.

بیان: الصدوق رحمه اللّٰه تبع فیما ذكره الروایة فلا اعتراض علیه مع أنه لا تنافی بین ما ذكر المفید و بین ذلك إذ یمكن كونهما ملكین و مع ذلك یكون أحدهما آلة النقش و الآخر منقوشا فیه و یحتمل أیضا أن یكون المراد بكونهما ملكین كون حاملیهما ملكین مجازا و لعل الإیمان بمثل ذلك علی الإجمال أسلم من الخطإ و الضلال.

«11»- الْعَقَائِدُ لِلصَّدُوقِ،: اعْتِقَادُنَا فِی نُزُولِ الْوَحْیِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّ بَیْنَ عَیْنَیْ إِسْرَافِیلَ لَوْحاً فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ یَتَكَلَّمَ بِالْوَحْیِ ضَرَبَ اللَّهُ ذَلِكَ اللَّوْحَ جَبِینَ إِسْرَافِیلَ فَیَنْظُرُ فِیهِ فَیَقْرَأُ مَا فِیهِ فَیُلْقِیهِ إِلَی مِیكَائِیلَ وَ یُلْقِیهِ مِیكَائِیلُ إِلَی جَبْرَئِیلَ فَیُلْقِیهِ جَبْرَئِیلُ إِلَی الْأَنْبِیَاءِ.

«12»- الدُّرُّ الْمَنْثُورُ، عَنْ أَبِی نُعَیْمٍ فِی الْحِلْیَةِ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام مَرْفُوعاً قَالَ: الْكُرْسِیُّ لُؤْلُؤٌ وَ الْقَلَمُ لُؤْلُؤٌ وَ طُولُ الْقَلَمِ سَبْعُمِائَةِ سَنَةٍ وَ طُولُ الْكُرْسِیِّ حَیْثُ

ص: 370


1- 1. علل الشرائع: ج 1، ص 18.

لَا یَعْلَمُهُ إِلَّا الْعَالِمُونَ (1).

«13»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ ءٍ الْقَلَمُ فَأَمَرَهُ أَنْ یَكْتُبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ الْكِتَابُ عِنْدَهُ ثُمَّ قَرَأَ وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْكِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَكِیمٌ (2).

«14»- وَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ یَا أَبَا جَعْفَرٍ مَا بَدْءُ خَلْقِ هَذَا الرُّكْنِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ قَالَ لِبَنِی آدَمَ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی فَأَقَرُّوا وَ أَجْرَی نَهَراً أَحْلَی مِنَ الْعَسَلِ وَ أَلْیَنَ مِنَ الزُّبْدِ ثُمَّ أَمَرَ الْقَلَمَ فَاسْتَمَدَّ مِنْ ذَلِكَ النَّهَرِ فَكَتَبَ إِقْرَارَهُمْ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ ثُمَّ أَلْقَمَ ذَلِكَ الْكِتَابَ هَذَا الْحَجَرَ فَهَذَا الِاسْتِلَامُ الَّذِی تَرَی إِنَّمَا هُوَ بَیْعَةٌ عَلَی إِقْرَارِهِمُ الَّذِی كَانُوا أَقَرُّوا بِهِ (3).

«15»- وَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَاباً قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ هُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ الْخَلْقُ مُنْتَهُونَ إِلَی مَا فِی ذَلِكَ الْكِتَابِ وَ تَصْدِیقُ ذَلِكَ فِی كِتَابِ اللَّهِ وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْكِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَكِیمٌ.

«16»- وَ عَنِ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ: فِی أُمِّ الْكِتَابِ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ وُكِّلَ بِمَا(4)

فِیهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ یَحْفَظُونَ فَوُكِّلَ جَبْرَئِیلُ بِالْوَحْیِ یَنْزِلُ بِهِ إِلَی الرُّسُلِ وَ بِالْهَلَاكِ إِذَا أَرَادَ أَنْ یُهْلِكَ قَوْماً كَانَ صَاحِبَ ذَلِكَ وَ وُكِّلَ أَیْضاً بِالنَّصْرِ فِی الْحُرُوبِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یَنْصُرَ وَ وُكِّلَ مِیكَائِیلُ بِالْقَطْرِ أَنْ یَحْفَظَهُ وَ وُكِّلَ بِنَبَاتِ الْأَرْضِ أَنْ یَحْفَظَهُ وَ وُكِّلَ مَلَكُ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ فَإِذَا ذَهَبَتِ الدُّنْیَا جَمَعَ بَیْنَ حِفْظِهِمْ وَ حِفْظِ أُمِّ الْكِتَابِ فَوَجَدَهُمَا(5)

سَوَاءً(6).

ص: 371


1- 1. الدّر المنثور: ج 1، ص 328.
2- 2. الدّر المنثور: ج 6، ص 13.
3- 3. الدّر المنثور: ج 3، ص 144.
4- 4. فی المصدر: و وكل ثلاثة.
5- 5. فی المصدر: فوجدوه.
6- 6. الدّر المنثور: ج 6، ص 13.

«17»- وَ عَنِ ابْنِ جُرَیْجٍ: فِی قَوْلِهِ وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْكِتابِ قَالَ الذِّكْرُ الْحَكِیمُ فِیهِ كُلُّ شَیْ ءٍ كَانَ وَ كُلُّ شَیْ ءٍ یَكُونُ وَ مَا نَزَلَ مِنْ كِتَابٍ فَمِنْهُ (1).

«18»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآیَةِ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَقَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ وَ هِیَ الدَّوَاةُ ثُمَّ خَلَقَ الْأَلْوَاحَ فَكَتَبَ الدُّنْیَا وَ مَا یَكُونُ فِیهَا حَتَّی تَفْنَی مِنْ خَلْقٍ مَخْلُوقٍ وَ عَمَلٍ مَعْمُولٍ مِنْ بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ(2)

وَ مَا كَانَ مِنْ رِزْقٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ وَ مَا كَانَ مِنْ رَطْبٍ وَ یَابِسٍ ثُمَّ أَلْزَمَ كُلَّ شَیْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ شَأْنَهُ دُخُولُهُ فِی الدُّنْیَا مَتَی وَ بَقَاؤُهُ فِیهَا كَمْ وَ إِلَی كَمْ یَفْنَی ثُمَّ وَكَّلَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ الْمَلَائِكَةَ وَ وَكَّلَ بِالْخَلْقِ مَلَائِكَةً فَتَأْتِی مَلَائِكَةُ الْخَلْقِ إِلَی مَلَائِكَةِ ذَلِكَ الْكِتَابِ فَیَنْسَخُونَ (3)

مَا یَكُونُ فِی كُلِّ یَوْمٍ وَ لَیْلَةٍ مَقْسُومٌ عَلَی مَا وُكِّلُوا بِهِ ثُمَّ یَأْتُونَ إِلَی النَّاسِ فَیَحْفَظُونَهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَ یَسْتَبْقُونَهُمْ (4)

إِلَی مَا فِی أَیْدِیهِمْ مِنْ تِلْكَ النُّسَخِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا كُنَّا نَرَی هَذَا أَ تَكْتُبُ الْمَلَائِكَةُ فِی كُلِّ یَوْمٍ وَ لَیْلَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَ لَسْتُمْ قَوْماً عَرَباً إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ هَلْ یُسْتَنْسَخُ الشَّیْ ءُ إِلَّا مِنْ كِتَابٍ (5).

«19»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله: فِی قَوْلِهِ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قَالَ هِیَ أَعْمَالُ أَهْلِ الدُّنْیَا الْحَسَنَاتُ وَ السَّیِّئَاتُ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ غَدَاةٍ وَ عَشِیَّةٍ مَا یُصِیبُ الْإِنْسَانُ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ أَوِ اللَّیْلَةِ الَّذِی یُقْتَلُ وَ الَّذِی یُغْرَقُ وَ الَّذِی یَقَعُ مِنْ فَوْقِ بَیْتٍ وَ الَّذِی یَتَرَدَّی مِنْ فَوْقِ جَبَلٍ وَ الَّذِی یَقَعُ فِی بِئْرٍ وَ الَّذِی یُحْرَقُ بِالنَّارِ فَیَحْفَظُونَ عَلَیْهِ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِذَا كَانَ الْعَشِیُّ صَعِدُوا بِهِ إِلَی السَّمَاءِ فَیَجِدُونَهُ كَمَا فِی السَّمَاءِ مَكْتُوباً فِی الذِّكْرِ الْحَكِیمِ (6).

وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَتَبَ فِی الذِّكْرِ عِنْدَهُ كُلَّ شَیْ ءٍ هُوَ كَائِنٌ ثُمَّ بَعَثَ

ص: 372


1- 1. الدّر المنثور: ج 6 ص 13.
2- 2. فی المصدر: أو فاجر.
3- 3. فی المصدر: فیستنسخون.
4- 4. فی المصدر: فیسوقونهم.
5- 5. الدّر المنثور: ج 6، ص 36.
6- 6. الدّر المنثور: ج 6، ص 37.

الْحَفَظَةَ عَلَی آدَمَ وَ ذُرِّیَّتِهِ فَالْحَفَظَةُ یَنْسَخُونَ مِنَ الذِّكْرِ مَا یَعْمَلُ الْعِبَادُ ثُمَّ قَرَأَ هذا كِتابُنا یَنْطِقُ عَلَیْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (1).

«20»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَی عَلَیْهِ ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ فَأَمَرَهُ لِیَجْرِیَ بِأَمْرِهِ وَ عِظَمُ الْقَلَمِ مَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ فَقَالَ الْقَلَمُ بِمَا أَجْرِی یَا رَبِّ قَالَ بِمَا أَنَا خَالِقٌ وَ كَائِنٌ فِی خَلْقِی مِنْ قَطْرٍ أَوْ نَبَاتٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ أَثَرٍ یَعْنِی بِهِ الْعَمَلَ أَوْ رِزْقٍ أَوْ أَجَلٍ فَجَرَی الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَأَثْبَتَهُ اللَّهُ فِی الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ عِنْدَهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَإِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ مَلَائِكَةً یَسْتَنْسِخُونَ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ كُلَّ عَامٍ فِی رَمَضَانَ لَیْلَةَ الْقَدْرِ مَا یَكُونُ فِی الْأَرْضِ مِنْ حَدَثٍ إِلَی مِثْلِهَا مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ فَیُعَارِضُونَ بِهِ حَفَظَةَ اللَّهِ مِنَ الْعِبَادِ(2)

كُلَّ عَشِیَّةِ خَمِیسٍ فَیَجِدُونَ مَا رَفَعَ الْحَفَظَةُ مُوَافِقاً لِمَا فِی كِتَابِهِمْ ذَلِكَ لَیْسَ فِیهِ زِیَادَةٌ وَ لَا نُقْصَانٌ وَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّا كُلَّ شَیْ ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِكُلِّ شَیْ ءٍ مَا یُشَاكِلُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَ مَا یُصْلِحُهُ مِنْ رِزْقِهِ وَ خَلَقَ الْبَعِیرَ خَلْقاً لَا یَصْلُحُ شَیْ ءٌ مِنْ خَلْقِهِ عَلَی غَیْرِهِ مِنَ الدَّوَابِّ وَ كَذَلِكَ كُلُّ شَیْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَ خَلَقَ لِدَوَابِّ الْبَرِّ وَ طَیْرِهَا مِنَ الرِّزْقِ مَا یُصْلِحُهَا فِی الْبَرِّ وَ خَلَقَ لِدَوَابِّ الْبَحْرِ وَ طَیْرِهَا مِنَ الرِّزْقِ مَا یُصْلِحُهَا فِی الْبَحْرِ فَلِذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّا كُلَّ شَیْ ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ(3).

«21»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَتَصَوَّرَ قَلَماً مِنْ نُورٍ فَقِیلَ لَهُ اجْرِ فِی اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَالَ یَا رَبِّ بِمَا ذَا قَالَ بِمَا یَكُونُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ وَكَّلَ بِالْخَلْقِ حَفَظَةً یَحْفَظُونَ عَلَیْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فَلَمَّا قَامَتِ الْقِیَامَةُ عُرِضَتْ عَلَیْهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَ قِیلَ هذا كِتابُنا یَنْطِقُ عَلَیْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ عُرِضَ بِالْكِتَابَیْنِ فَكَانَا سَوَاءً(4).

ص: 373


1- 1. الدّر المنثور: ج 6، ص 37.
2- 2. فی المخطوطة: علی العباد.
3- 3. الدّر المنثور: ج.
4- 4. الدّر المنثور: ج.

«22»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی كُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ قَالَ إِنَّ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ لَوْحاً مَحْفُوظاً مِنْ دُرَّةٍ بَیْضَاءَ دَفَّتَاهُ مِنْ یَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ قَلَمُهُ نُورٌ وَ كِتَابُهُ نُورٌ وَ عَرْضُهُ مَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ یَنْظُرُ فِیهِ كُلَّ یَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ نَظْرَةً یَخْلُقُ فِی كُلِّ نَظْرَةٍ وَ یَرْزُقُ وَ یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ یُعِزُّ وَ یُذِلُّ وَ یَفُكُ (1)

وَ یَفْعَلُ مَا یَشَاءُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ كُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ (2).

«23»- وَ عَنِ الرَّبِیعِ بْنِ أَنَسٍ: فِی قَوْلِهِ تَعَالَی إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِیمٌ فِی كِتابٍ مَكْنُونٍ قَالَ الْقُرْآنُ الْكَرِیمُ هُوَ الْقُرْآنُ وَ الْكِتَابُ الْمَكْنُونُ هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ لا یَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قَالَ الْمَلَائِكَةُ هُمُ الْمُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ (3).

«24»- وَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَی بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی الْأَبَدِ(4).

«25»- وَ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ قَالَ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ وَ قَلَمٌ مِنْ نُورٍ یَجْرِی بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ(5).

«26»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ النُّونَ وَ هِیَ الدَّوَاةُ وَ خَلَقَ الْقَلَمَ فَقَالَ اكْتُبْ قَالَ وَ مَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ(6).

وَ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: النُّونُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وَ الْقَلَمُ مِنْ نُورٍ سَاطِعٍ (7).

«27»- وَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَیْ ءٍ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ وَ هِیَ الدَّوَاةُ ثُمَّ قَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ وَ مَا أَكْتُبُ قَالَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی

ص: 374


1- 1. فی المصدر: و یغل و یفك.
2- 2. الدّر المنثور: ج 6، ص 143.
3- 3. الدّر المنثور: ج 6، ص 162.
4- 4. الدّر المنثور: ج 6، ص 250.
5- 5. الدّر المنثور: ج 6، ص 250.
6- 6. الدّر المنثور: ج 6، ص 250.
7- 7. الدّر المنثور: ج 6، ص 250.

یَوْمِ الْقِیَامَةِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ أَجَلٍ فَكَتَبَ مَا یَكُونُ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ ثُمَّ خَتَمَ عَلَی فَمِ الْقَلَمِ فَلَمْ یَنْطِقْ وَ لَا یَنْطِقُ (1) إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ فَقَالَ وَ عِزَّتِی لَأُكَمِّلَنَّكَ فِیمَنْ أَحْبَبْتُ وَ لَأَنْقُصَنَّكَ فِیمَنْ أَبْغَضْتُ (2).

«28»- وَ عَنْ قَتَادَةَ وَ الْحَسَنِ قَالَ: النُّونُ الدَّوَاةُ(3).

«29»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی الْآیَةِ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ اجْرِ فَجَرَی بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ ثُمَّ خَلَقَ الْحُوتَ وَ هِیَ النُّونُ فَكَبَسَ عَلَیْهَا الْأَرْضَ ثُمَّ قَالَ ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ (4).

«30»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِی قَوْلِهِ لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ لَوْحٌ وَاحِدٌ فِیهِ الذِّكْرُ وَ أَنَّ ذَلِكَ اللَّوْحَ مِنْ نُورٍ وَ أَنَّهُ مَسِیرَةَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ.

«31»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ كَمَسِیرَةِ مِائَةِ عَامٍ فَقَالَ لِلْقَلَمِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ الْخَلْقَ اكْتُبْ عِلْمِی فِی خَلْقِی فَجَرَی بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

«32»- وَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ لِلَّهِ لَوْحاً مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ جَعَلَهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَ كَتَبَ فِیهِ إِنِّی أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ بَضْعَةَ(5) عَشَرَ وَ ثَلَاثَمِائَةِ خَلْقٍ مَنْ جَاءَ مَعَ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ(6).

«33»- وَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: إِنَّ بَیْنَ یَدَیِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَلَوْحاً فِیهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ خَمْسَ عَشْرَةَ شَرِیعَةً یَقُولُ الرَّحْمَنُ وَ عِزَّتِی وَ جَلَالِی لَا یَجِیئُنِی عَبْدٌ مِنْ عِبَادِی لَا یُشْرِكُ بِی شَیْئاً فِیهِ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ إِلَّا أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ(7).

ص: 375


1- 1. فی بعض النسخ« فلا ینطق الی یوم القیامة».
2- 2. الدّر المنثور: ج 6، ص 250.
3- 3. الدّر المنثور: ج 6، ص 250.
4- 4. الدّر المنثور: ج 6، ص 250.
5- 5. فی المصدر: خلقت ثلاثمائة و بضعة عشر خلقا من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه دخل الجنة.
6- 6. الدّر المنثور: ج 6 ص 335.
7- 7. الدّر المنثور: ج 6، ص 335.

«34»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله: خَلَقَ اللَّهُ لَوْحاً مِنْ دُرَّةٍ بَیْضَاءَ دَفَّتَاهُ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ كِتَابُهُ مِنْ نُورٍ یَلْحَظُ إِلَیْهِ فِی كُلِّ یَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ لَحْظَةً یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ یَخْلُقُ وَ یَرْزُقُ وَ یُعِزُّ وَ یُذِلُّ وَ یَفْعَلُ مَا یَشَاءُ(1).

ص: 376


1- 1. الدّر المنثور: ج 6، ص 335 أقول: الروایات فی كون خلق القلم قبل خلق العالم كثیرة جدا یوثق بصدور بعضها إجمالا، و قد ذكرنا مرارا ان من العالم الزمان و المكان و انه ان وجد شی ء قبلهما كان غنیا عنهما، و لیس إلّا ما هو مجرد عن شوائب المادة و نقائصها و یؤید ذلك ما ورد فی كون القلم و اللوح ملكین فتفطن، و لعلّ السر فی التعبیر عنهما بالنور هو تنزههما عن ظلمات المادة و غواشی الطبیعة كما ذكرنا فی نور النبیّ و الأئمّة علیهم الصلاة و السلام و علی هذا فعلة عدم التصریح بالتجرد عن المادة و الاقتصار علی الرمز و الإشارة فی أمثال هذه الروایات هی الشفقة علی عامة الناس لقصور فهم الاكثر عن درك حقیقته بل عن تصوره أیضا و اللّٰه العالم و كیف كان فالتصدیق الاجمالی بما ورد عن النبیّ و عترته المعصومین علیهم الصلاة و السلام فی أمثال هذه المقامات أقرب إلی السلامة و أبعد عن الخطاء و الزلة و اللّٰه الهادی.

كلمة المحقّق

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحیم

أحمدك اللّٰهمّ علی أن وفّقتنی للغوص فی بحار الأنوار، و اقتناء درر الحكم و لآلی الأخبار، و اصلّی و اسلّم علی رسولك المختار، و آله المصطفین الأخیار المجتبین الأطهار، معادن العلم و ینابیع الحكمة و مصادر الآثار.

أقتصر من حمدك بالاعتراف بالعجز عن اكتناه وصفك، و إحصاء نعمك، و من شكر أولیائك أولیاء النعمة بالتطأمّن تجاه مقامهم المنیع، و مكانهم الرفیع استحیاء من القصور عن إیفاء حقّهم، و خجلا من التقصیر فی أداء شكرهم، و إجلالا لشأنهم عندك، و إكبار لقربهم منك. أنت كما أثنیت علی نفسك و أولیاؤك كما أثنیت علیهم، فصلّ علیهم صلاة كثیرة دائمة لا تنبغی إلّا لهم، و لا یعلم مبلغها غیرك.

و بعد من الواجب علینا بنصّ فتیا العقل، و بما تواتر علیه من النقل، شكر المنعم و إیفاء الحقّ. و لعمر الحقّ من أعظم الناس حقّا علینا معاشر المسلمین و أكبرهم إحسانا إلینا العلماء العظام و المحدّثون الكبار، حیث بذلوا جهیداهم و أفرغوا طاقتهم و مقدرتهم لحفظ سنن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و آثار الأئمّة من أهل بیته علیهم السّلام و نشر علومهم و حكمهم و إبقائها لنا و لمن أراد اللّٰه أن یستخلفه من بعدهم، فجزاهم اللّٰه عنّا و عن كافّة أهل الإسلام خیر الجزاء، و أجزل لهم الأجر و العطاء.

و من فطاحل العلماء و جهابذتهم، و فحول المحدّثین و عباقرتهم، مولانا شیخ الإسلام محمّد باقر المجلسیّ رضوان اللّٰه علیه و له من تلك الفضیلة حظّ وافر و علیه منّا و من قاطبة الشیعة ثناء عاطر، و شكر متواتر.

ص: 377

و قد كابد رحمه اللّٰه من المشقّة و التعب، و قاسی من العناء و النصب، فی الجمع و التألیف، و النظم و الترصیف، ما جاز حدّ البیان، و أعجز القلم و اللسان و لیس یخفی ذلك علی من تأمّل فی آثاره النفیسة البهیّة، و نظر فی كتبه الثمینة القیّمة، و سبر غور تآلیفه الضخمة الفخمة فعلینا و علی كلّ من اقتطف من ثمار آثاره، و سبح فی أجواء بحاره، و ارتشف من مناهل موسوعاته إجمال الثناء علیه إعظاما لشأنه، و إكثار الدعاء له إیفاء لحقّه. قدّس اللّٰه سرّه، و رفع شأنه، و أعلی مقامه.

و لقد بذلنا غایة مجهودنا فی تصحیح هذا الجزء من كتابه المسمّی «بحار الأنوار» متنا و سندا، و تخریجه، و التعلیق علیه بما یوضح جدده، و یقیم صدده أداء لبعض حقّه، و شكرا لما أنعم المولی تعالی علینا من ولایة أولیائه، و لما یسّر لنا من الاستضاءة بأنوارهم و الاستفادة من علومهم.

و لست أنسی الثناء علی من و ازرنی و ساهمنی فی هذا المشروع من إخوانی الأماجد، لا سیّما علی زمیلی الثقة الفاضل البارع «الشیخ عبد الكریم النیّریّ البروجردیّ» حیث عاضدنی بتصحیح الأسانید، و ترجمة بعض الرجال، و علی الفاضل المتتبّع الذكیّ، «السیّد جعفر الحسنی الیزدیّ» و علی سائر إخوانی الّذین ساعدونی فی التخریج و المقابلة بالنسخ و المصادر، و أسأل اللّٰه الكریم أن یدیم توفیقنا جمیعا و یزیدنا من فضله، إنّه ذو فضل عظیم.

قم المشرفة: محمد تقی الیزدی 12/ شعبان المعظم 1379

ص: 378

مراجع التصحیح و التخریج و التعلیق

قوبل هذا الجزء بعدّة نسخ مطبوعة و مخطوطة، منها النسخة المطبوعة بطهران سنة (1305) المعروفة بطبعة أمین الضرب، و منها النسخة المطبوعة بتبریر و منها النسخة المخطوطة النفیسة لمكتبة صاحب الفضیلة السیّد جلال الدین الأرمویّ الشهیر ب «المحدّث» و اعتمدنا فی التخریج و التصحیح و التعلیق علی كتب كثیرة نسرد بعض أسامیها:

«1»- القرآن الكریم.

«2»- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی المطبوع سنة 1311 فی ایران

«3»- تفسیر فرات الكوفیّ المطبوع سنة 1354 فی النجف

«4»- تفسیر مجمع البیان المطبوع سنة 1373 فی طهران

«5»- تفسیر أنوار التنزیل للقاضی البیضاویّ المطبوع سنة 1285 فی استانبول

«6»- تفسیر مفاتیح الغیب للفخر الرازیّ المطبوع سنة 1294 فی استانبول

«7»- الاحتجاج للطبرسیّ المطبوع سنة 1350 فی النجف

«8»- اصول الكافی للكلینی المطبوع سنة- فی طهران

«9»- الاقبال للسیّد بن طاوس المطبوع سنة 1312 فی طهران

«10»- تنبیه الخواطر لورّام بن أبی فراس المطبوع سنة- فی طهران

«11»- التوحید للصدوق المطبوع سنة 1375 فی طهران

«12»- ثواب الأعمال للصدوق المطبوع سنة 1375 فی طهران

«13»- الخصال الأعمال للصدوق المطبوع سنة 1374 فی طهران

«14»- الدرّ المنثور للسیوطیّ

«15»- روضة الكافی للكلینی المطبوع سنة 1374 فی طهران

ص: 379

«16»- علل الشرائع الصدوق المطبوع سنة 1378 فی قم

«17»- عیون الأخبار للصدوق المطبوع سنة 1377 فی قم

«18»- فروع الكافی للكلینی المطبوع سنة- فی-

«19»- المحاسن للبرقیّ المطبوع سنة 1371 فی طهران

«20»- معانی الاخبار للصدوق المطبوع سنة 1379 فی طهران

«21»- مناقب آل أبی طالب لابن شهرآشوب المطبوع سنة 1378 فی قم

«22»- من لا یحضره الفقیه للصدوق المطبوع سنة 1376 فی طهران

«23»- نهج البلاغة للشریف الرضی المطبوع سنة- فی مصر

«24»- اسد الغایة لعزّ الدین ابن الأثیر المطبوع سنة- فی طهران

«25»- تنقیح المقال للشیخ عبد اللّٰه المامقانی المطبوع سنة 1350 فی النجف

«26»- تهذیب الاسماء و اللغات للحافظ محیی الدین بن شرف النوری المطبوع فی مصر

«27»- جامع الرواة للاردبیلی المطبوع سنة 1331 فی طهران

«28»- خلاصة تذهیب الكمال للحافظ الخزرجی المطبوع سنة 132 فی مصر

«29»- رجال النجاشی المطبوع-- فی طهران

«30»- روضات الجنات للمیرزا محمّد باقر الموسوی المطبوع سنة 1367 فی طهران

«31»- الكنی و الألغاب للمحدّث القمی المطبوع-- فی صیدا

«32»- لسان المیزان لابن حجر العسقلانی المطبوع-- فی حیدرآباد الدكن

«33»- الرواشح السماویة للسید محمّد باقر الحسینی الشهیر بالداماد المطبوع سنة 1311 فی ایران

«34»- القبسات للسید محمّد باقر الحسینی الشهیر بالداماد المطبوع سنة 1315 فی ایران

«35»- رسالة مذهب ارسطاطا لیس للسید محمّد باقر الحسینی الشهیر بالداماد المطبوعة بهامش القبسات

«36»- اثولوجیا المنسوب إلی ارسطاطا لیس المطبوعة بهامش القبسات

ص: 380

«37»- رسالة الحدوث لصدر المتألهین المطبوع سنة 1302 فی ایران

«38»- الشفاء للشیخ الرئیس ابی علی بن سینا المطبوع سنة 1303 فی ایران

«39»- شرح التجرید تألیف المحقق الطوسی للعلامة الحلّیّ المطبوع سنة 1367 فی قم

«40»- عین الیقین للمولی محسن الفیض الكاشانی المطبوع سنة 1313 فی طهران

«41»- مروج الذهب للمسعودی المطبوع سنة 1346 فی مصر

«42»- القاموس لمحیط للفیروزآبادی المطبوع سنة 1332 فی مصر

«43»- الصحاح للجوهریّ المطبوع سنة 1377 فی مصر

«44»- النهایة لمجد الدین ابن الاثیر المطبوع سنة 1311 فی مصر

ص: 381

كلمة المصحّح

بسمه تعالی إلی هنا تمّ الجزء الأوّل من المجلّد الرابع عشر كتاب السماء و العالم من بحار الأنوار و هو الجزء الرابع و الخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة البهیّة.

و قد قابلناه علی النسخة الّتی صحّحها الفاضل الخبیر الشیخ محمّد تقیّ الیزدیّ بما فیها من التعلیق و التنمیق و اللّٰه ولیّ التوفیق.

محمد الباقر البهبودی

ص: 382

فهرس ما فی هذا الجزء من الأبواب

الموضوع/ الصفحه

أبواب كلیّات أحوال العالم و ما یتعلق بالسماویات

«1»- باب حدوث العالم و بدء خلقه و كیفیته و بعض كلیات الأمور 315- 2

الآیات و تفسیرها: 24

الأخبار و الخطب: 25- 216

تبیین: فی علة تخصیص الستة أیام بخلق العالم و معنی الأیام و السنة و الأسبوع فی خلق اللّٰه: 216- 233

تفهیم و تتمیم فیما یتعلق بهذا الباب:

المقصد الأول فی بیان معانی الحدوث و القدم 234

المقصد الثانی فی تحقیق الأقوال فی ذلك 238

المقصد الثالث فی كیفیّة الاستدلال بما تقدّم من النصوص 254

المقصد الرابع فی ذكر نبذ من الدلائل العقلیة علی هذا المقصد 260

المقصد الخامس فی دفع بعض شبه الفلاسفة

المرصد الأول 278 المرصد الثانی 301

المرصد الثالث 302 المرصد الرابع 304

تكملة فی بیان أول المخلوقات 306

فائدة جلیلة فی رفع الاشكال عن آیات سورة السجدة 309

«2»- باب العوالم و من كان فی الأرض قبل خلق آدم علیه السلام و من یكون فیها بعد انقضاء القیامة و أحوال جابلقا و جابلسا 355- 316

«3»- باب أنّه لم سمّیت الدنیا دنیا و الآخرة آخرة 356- 355

«4»- باب القلم و اللوح المحفوظ و الكتاب المبین و الإمام المبین و أمّ الكتاب 376- 357

ص: 383

ص: 384

رموز الكتاب

ب: لقرب الإسناد.

بشا: لبشارة المصطفی.

تم: لفلاح السائل.

ثو: لثواب الأعمال.

ج: للإحتجاج.

جا: لمجالس المفید.

جش: لفهرست النجاشیّ.

جع: لجامع الأخبار.

جم: لجمال الأسبوع.

جُنة: للجُنة.

حة: لفرحة الغریّ.

ختص: لكتاب الإختصاص.

خص: لمنتخب البصائر.

د: للعَدَد.

سر: للسرائر.

سن: للمحاسن.

شا: للإرشاد.

شف: لكشف الیقین.

شی: لتفسیر العیاشیّ

ص: لقصص الأنبیاء.

صا: للإستبصار.

صبا: لمصباح الزائر.

صح: لصحیفة الرضا علیه السلام

ضا: لفقه الرضا علیه السلام

ضوء: لضوء الشهاب.

ضه: لروضة الواعظین.

ط: للصراط المستقیم.

طا: لأمان الأخطار.

طب: لطبّ الأئمة.

ع: لعلل الشرائع.

عا: لدعائم الإسلام.

عد: للعقائد.

عدة: للعُدة.

عم: لإعلام الوری.

عین: للعیون و المحاسن.

غر: للغرر و الدرر.

غط: لغیبة الشیخ.

غو: لغوالی اللئالی.

ف: لتحف العقول.

فتح: لفتح الأبواب.

فر: لتفسیر فرات بن إبراهیم.

فس: لتفسیر علیّ بن إبراهیم.

فض: لكتاب الروضة.

ق: للكتاب العتیق الغرویّ

قب: لمناقب ابن شهر آشوب.

قبس: لقبس المصباح.

قضا: لقضاء الحقوق.

قل: لإقبال الأعمال.

قیة: للدُروع.

ك: لإكمال الدین.

كا: للكافی.

كش: لرجال الكشیّ.

كشف: لكشف الغمّة.

كف: لمصباح الكفعمیّ.

كنز: لكنز جامع الفوائد و تأویل الآیات الظاهرة معا.

ل: للخصال.

لد: للبلد الأمین.

لی: لأمالی الصدوق.

م: لتفسیر الإمام العسكریّ علیه السلام

ما: لأمالی الطوسیّ.

محص: للتمحیص.

مد: للعُمدة.

مص: لمصباح الشریعة.

مصبا: للمصباحین.

مع: لمعانی الأخبار.

مكا: لمكارم الأخلاق.

مل: لكامل الزیارة.

منها: للمنهاج.

مهج: لمهج الدعوات.

ن: لعیون أخبار الرضا علیه السلام

نبه: لتنبیه الخاطر.

نجم: لكتاب النجوم.

نص: للكفایة.

نهج: لنهج البلاغة.

نی: لغیبة النعمانیّ.

هد: للهدایة.

یب: للتهذیب.

یج: للخرائج.

ید: للتوحید.

یر: لبصائر الدرجات.

یف: للطرائف.

یل: للفضائل.

ین: لكتابی الحسین بن سعید او لكتابه و النوادر.

یه: لمن لا یحضره الفقیه.

ص: 385

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.