بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الأطهار المجلد 30

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.

عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 30: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.

عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].

مظهر: ج - عينة.

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].

ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).

ملاحظة: فهرس.

محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-

عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق

ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح

تصنيف ديوي: 297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946

ص: 1

اشارة

ص: 1

ص: 2

بِحَارُالاَنوَار

الجَامِعَةُ لِدُرَرِ اَخبَارِ الاَئِمَّةِ الاَطهَارِ

تألیف

العَلَم العَلَّامَة الحُجَّة فَخر الامَّة المَولَی

الشَیخ مُحَمَّد بَاقِر المَجلِسی

«قدّس سرّه»

الجزء التاسع و العشرون

تحقیق

الشیخ عبدالزهراء العلوی

دارالرضا

بیروت-لبنان

ص: 3

ص: 4

قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ ..... فِی حَدِیثٍ:

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! إِنِّی عَاجِزٌ بِبَدَنِی عَنْ نُصْرَتِكُمْ وَ لَسْتُ أَمْلِكُ إِلَّا الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَ اللَّعْنَ [عَلَیْهِمْ] ، فَكَیْفَ حَالِی؟

فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ أَنَّهُ قَالَ:

مَنْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فَلَعَنَ فِی خَلَوَاتِهِ أَعْدَاءَنَا بَلَّغَ اللَّهُ صَوْتَهُ جَمِیعَ الْأَمْلَاكِ مِنَ الثَّرَی إِلَی الْعَرْشِ، فَكُلَّمَا لَعَنَ هَذَا الرَّجُلُ أَعْدَاءَنَا لَعْناً سَاعَدُوهُ وَ لَعَنُوا مَنْ یَلْعَنُهُ ثُمَّ ثَنَّوْا، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی عَبْدِكَ هَذَا الَّذِی قَدْ بَذَلَ مَا فِی وُسْعِهِ وَ لَوْ قَدَرَ عَلَی أَكْثَرَ مِنْهُ لَفَعَلَ، فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَكُمْ وَ سَمِعْتُ نِدَاءَكُمْ، وَ صَلَّیْتُ عَلَی رُوحِهِ فِی الْأَرْوَاحِ، وَ جَعَلْتُهُ عِنْدِی مِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الْأَخْیارِ.

بحار الأنوار: 27- 222- 223 حدیث 11 تفسیر الإمام العسكری (علیه السلام): 16 و 17

ص: 5

عَنِ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَنْ خَالَفَكُمْ وَ إِنْ عَبَدَ وَ اجْتَهَدَ مَنْسُوبٌ إِلَی هَذِهِ الْآیَةِ:

وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلی ناراً حامِیَةً.

تفسیر القمی: 723 بحار الأنوار: 8- 356 روضة الكافی: 160.

ثواب الأعمال: 200.

ص: 6

تتمة كتاب الفتن و المحن

[16] باب آخر فیما كتب علیه السلام إلی أصحابه فی ذلك تصریحا و تلویحا

«1»-قَالَ السَّیِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی كِتَابِ كَشْفِ الْمَحَجَّةِ لِثَمَرَةِ الْمُهْجَةِ (1): قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ یَعْقُوبَ فِی كِتَابِ الرَّسَائِلِ: عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ، بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: كَتَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ كِتَاباً بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ النَّهْرَوَانِ وَ أَمَرَ أَنْ یُقْرَأَ عَلَی النَّاسِ، وَ ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوهُ عَنْ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ، فَغَضِبَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَالَ: قَدْ تَفَرَّغْتُمْ لِلسُّؤَالِ عَمَّا لَا یَعْنِیكُمْ، وَ هَذِهِ مِصْرُ قَدِ انْفَتَحَتْ، وَ قَتَلَ مُعَاوِیَةُ بْنُ خَدِیجٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَكْرٍ، فَیَا لَهَا مِنْ مُصِیبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا مُصِیبَتِی بِمُحَمَّدٍ! فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا كَبَعْضِ بَنِیَّ، سُبْحَانَ اللَّهِ! بَیْنَا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ نَغْلِبَ الْقَوْمَ عَلَی مَا فِی أَیْدِیهِمْ إِذْ غَلَبُونَا عَلَی مَا فِی أَیْدِینَا، وَ أَنَا كَاتِبٌ لَكُمْ كِتَاباً فِیهِ تَصْرِیحُ مَا سَأَلْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی.

فَدَعَا كَاتِبَهُ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِی رَافِعٍ فَقَالَ لَهُ: أَدْخِلْ عَلَیَّ عَشَرَةً مِنْ ثِقَاتِی، فَقَالَ: سَمِّهِمْ لِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، فَقَالَ: أَدْخِلْ أَصْبَغَ بْنَ نُبَاتَةَ وَ أَبَا الطُّفَیْلِ عَامِرَ

ص: 7


1- كشف المحجّة لثمرة المهجة: 173- 189- طبعة النّجف- باختلاف یسیر. [235- 269 مركز النّشر].

بْنَ وَاثِلَةَ (1) الْكِنَانِیَّ، وَ زِرَّ بْنَ حُبَیْشٍ الْأَسَدِیَّ، وَ جُوَیْرِیَةَ (2) بْنَ مُسْهِرٍ الْعَبْدِیَّ، وَ خَنْدَقَ (3) بْنَ زُهَیْرٍ الْأَسَدِیَّ، وَ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ (4) الْهَمْدَانِیَّ، وَ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرَ الْهَمْدَانِیَّ، وَ مَصَابِیحَ (5) النَّخَعِیَّ، وَ (6) عَلْقَمَةَ بْنَ قَیْسٍ، وَ كُمَیْلَ بْنَ زِیَادٍ، وَ عُمَیْرَ بْنَ زُرَارَةَ، فَدَخَلُوا إِلَیْهِ (7)، فَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا هَذَا الْكِتَابَ وَ لْیَقْرَأْهُ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ وَ أَنْتُمْ شُهُودٌ كُلَّ یَوْمِ جُمُعَةٍ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ عَلَیْكُمْ فَأَنْصِفُوهُ بِكِتَابِ اللَّهِ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی شِیعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُسْلِمِینَ، فَإِنَّ اللَّهَ یَقُولُ: وَ إِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لَإِبْراهِیمَ (8) وَ هُوَ اسْمٌ شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی الْكِتَابِ وَ أَنْتُمْ شِیعَةُ النَّبِیِّ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَمَا أَنَّ مِنْ شِیعَتِهِ إِبْرَاهِیمَ (9) اسْمٌ غَیْرُ مُخْتَصٍّ، وَ أَمْرٌ غَیْرُ مُبْتَدَعٍ، وَ سَلَامٌ عَلَیْكُمْ، وَ اللَّهُ هُوَ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ أَوْلِیَاءَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِینِ، الْحَاكِمُ عَلَیْهِمْ بِعَدْلِهِ، بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَنْتُمْ مَعَاشِرَ الْعَرَبِ عَلَی شَرِّ حَالٍ، یغذوا [یَغْذُو] أَحَدُكُمْ كَلْبَهُ (10)، وَ یَقْتُلُ وَلَدَهُ، وَ یُغِیرُ عَلَی غَیْرِهِ، فَیَرْجِعُ وَ قَدْ أُغِیرَ عَلَیْهِ، تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَ الْهَبِیدَ (11) وَ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ، مُنِیخُونَ (12) عَلَی أَحْجَارٍ خَشِنٍ وَ أَوْثَانٍ مُضِلَّةٍ، تَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْجَشِبَ، وَ تَشْرَبُونَ

ص: 8


1- فی المصدر: وائلة.
2- فی ك: حویریة.
3- فی المصدر: خندف.
4- فی ك: مضراب.
5- فی المصدر: مصباح و هو خلاف الظّاهر، فراجع.
6- شطب علی الواو فی ك، و هو الظّاهر. انظر: تنقیح المقال 2- 259.
7- فی كشف المحجّة: علیه، بدلا من: إلیه.
8- الصّافّات: 83.
9- فی المصدر: كما أنّ محمّدا من شیعة إبراهیم.
10- فی س: كلیة. و فی المصدر: یغدوا أحدكم كلبه.
11- فی المصدر: الهبیدة، و سیذكرهما المصنّف فی بیانه.
12- قال فی القاموس 1- 272: تنوّخ الجمل النّاقة: أبركها للسّفاد. كأناخها فاستناخت، و تنوّخت. أی یجعلون أنفسهم خاضعین علی أحجار خشن و أوثان مضلّة، كنایة عن عبادتهم للأصنام و الأوثان.

الْمَاءَ الْآجِنَ، تُسَافِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَ یَسْبِی بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَ قَدْ خَصَّ اللَّهُ قُرَیْشاً بِثَلَاثِ آیَاتٍ وَ عَمَّ الْعَرَبَ بِآیَةٍ، فَأَمَّا الْآیَاتُ اللَّوَاتِی فِی قُرَیْشٍ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَی:

وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَ أَیَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (1)، وَ الثَّانِیَةُ:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِكُونَ بِی شَیْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (2)، وَ الثَّالِثَةُ: قَوْلُ قُرَیْشٍ لِنَبِیِّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حِینَ دَعَاهُمْ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ الْهِجْرَةِ: وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدی مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَی: أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَیْ ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (3)، وَ أَمَّا الْآیَةُ الَّتِی عَمَّ بِهَا الْعَرَبَ فَهُوَ قَوْلُهُ (4): وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آیاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (5)، فَیَا لَهَا نِعْمَةً مَا أَعْظَمَهَا إِنْ لَمْ تَخْرُجُوا مِنْهَا إِلَی غَیْرِهَا، وَ یَا لَهَا مُصِیبَةً (6)مَا أَعْظَمَهَا إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِهَا وَ تَرْغَبُوا عَنْهَا، فَمَضَی نَبِیُّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ، فَیَا لَهَا مُصِیبَةً خَصَّتِ الْأَقْرَبِینَ وَ عَمَّتِ الْمُؤْمِنِینَ لَمْ تُصَابُوا بِمِثْلِهَا وَ لَنْ تُعَایِنُوا بَعْدَهَا مِثْلَهَا، فَمَضَی لِسَبِیلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ تَرَكَ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ

ص: 9


1- الأنفال: 26.
2- النّور: 55.
3- القصص: 57.
4- فی المصدر: قوله تعالی.
5- آل عمران: 103.
6- فی كشف المحجّة: من مصیبة.

بَیْتِهِ إِمَامَیْنِ لَا یَخْتَلِفَانِ، وَ أَخَوَیْنِ لَا یَتَخَاذَلَانِ، وَ مُجْتَمِعَیْنِ لَا یَفْتَرِقَانِ، وَ لَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ نَبِیَّهُ (1) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لَأَنَا أَوْلَی بِالنَّاسِ (2) مِنِّی بِقَمِیصِی هَذَا، وَ مَا أَلْقَی فِی رُوعِی، وَ لَا عَرَضَ فِی رَأْیِی أَنْ وَجِّهِ النَّاسَ إِلَی غَیْرِهِ، فَلَمَّا أَبْطَئُوا عَنِّی بِالْوَلَایَةِ لِهِمَمِهِمْ، وَ تَثَبَّطَ (3) الْأَنْصَارُ- وَ هُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ وَ كَتِیبَةُ الْإِسْلَامِ- قَالُوا: أَمَّا إِذَا لَمْ تُسَلِّمُوهَا لِعَلِیٍّ فَصَاحِبُنَا (4) أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَیْرِی (5)، فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِی إِلَی مَنْ أَشْكُو؟

فَإِمَّا أَنْ یَكُونَ الْأَنْصَارُ ظَلَمَتْ حَقَّهَا، وَ إِمَّا أَنْ یَكُونُوا ظَلَمُونِی حَقِّی، بَلْ حَقِّیَ الْمَأْخُوذُ وَ أَنَا الْمَظْلُومُ.

فَقَالَ قَائِلُ قُرَیْشٍ: إِنَّ نَبِیَّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ، فَدَفَعُوا الْأَنْصَارَ عَنْ دَعْوَتِهَا وَ مَنَعُونِی حَقِّی مِنْهَا، فَأَتَانِی رَهْطٌ یَعْرِضُونَ عَلَیَّ النَّصْرَ، مِنْهُمُ ابْنَا (6) سَعِیدٍ، وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِیُّ، وَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ، وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِیُّ، وَ الزُّبَیْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَ الْبَرَاءُ بْنُ الْعَازِبُ.

فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ عِنْدِی مِنْ نَبِیِّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَهْداً وَ لَهُ (7) إِلَیَّ (8) وَصِیَّةً لَسْتُ أُخَالِفُ عَمَّا أَمَرَنِی بِهِ، فَوَ اللَّهِ لَوْ خَزَمُونِی (9) بِأَنْفِی لَأَقْرَرْتُ لِلَّهِ تَعَالَی سَمْعاً وَ طَاعَةً، فَلَمَّا رَأَیْتُ النَّاسَ قَدِ انْثَالُوا عَلَی أَبِی بَكْرٍ لِلْبَیْعَةِ أَمْسَكْتُ یَدِی وَ ظَنَنْتُ أَنِّی أَوْلَی وَ أَحَقُّ بِمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْهُ وَ مِنْ غَیْرِهِ، وَ قَدْ كَانَ نَبِیُّ اللَّهِ أَمَرَ أُسَامَةَ بْنَ زَیْدٍ عَلَی جَیْشٍ وَ جَعَلَهُمَا فِی جَیْشِهِ، وَ مَا زَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 10


1- فی المصدر: محمّدا نبیّه ص.
2- جاءت العبارة فی المصدر: أولی النّاس به ..
3- فی ك: نبثط، و هو خلاف الظّاهر. و فی المصدر: و تثبیط.
4- الكلمة فی مطبوع البحار مشوّشة، و ما أثبتناه من المصدر، و نسخة بدل فی ك.
5- فی المصدر: أحقّ لها حقّ غیره.
6- جاء فی المصدر: أبناء، بدلا من: ابنا- بالتّثنیة-.
7- لا توجد: عهدا و له، فی المصدر.
8- فی س: إلیه، بدلا من: إلیّ.
9- فی المصدر: خرمونی .. كما مرّ.

وَ آلِهِ إِلَی أَنْ فَاضَتْ نَفْسُهُ یَقُولُ: أَنْفِذُوا جَیْشَ أُسَامَةَ (1)، فَمَضَی جَیْشُهُ إِلَی الشَّامِ حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی أَذْرِعَاتٍ (2) فَلَقِیَ جَمْعاً (3) مِنَ الرُّومِ فَهَزَمُوهُمْ (4) وَ غَنَّمَهُمُ اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ، فَلَمَّا رَأَیْتُ رَاجِعَةً مِنَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ (5) الْإِسْلَامِ تَدْعُو إِلَی مَحْوِ دِینِ مُحَمَّدٍ وَ مِلَّةِ إِبْرَاهِیمَ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ خَشِیتُ إِنْ أَنَا لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ أَرَی فِیهِ ثَلْماً وَ هَدْماً تَكُ الْمُصِیبَةُ عَلَیَّ فِیهِ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَایَةِ أُمُورِكُمُ الَّتِی إِنَّمَا هِیَ مَتَاعُ أَیَّامٍ قَلَائِلَ ثُمَّ تَزُولُ وَ تَنْقَشِعُ كَمَا یَزُولُ وَ یَنْقَشِعُ (6) السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ مَعَ الْقَوْمِ فِی تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّی زَهَقَ الْبَاطِلُ وَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ هِیَ الْعُلْیَا وَ إِنْ زَعَمَ (7) الْكَافِرُونَ.

وَ لَقَدْ كَانَ سَعْدٌ لَمَّا رَأَی النَّاسَ یُبَایِعُونَ أَبَا بَكْرٍ نَادَی: أَیُّهَا النَّاسُ! إِنِّی وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتُهَا حَتَّی رَأَیْتُكُمْ تَصْرِفُونَهَا عَنْ عَلِیٍّ، وَ لَا أُبَایِعُكُمْ حَتَّی یُبَایِعَ عَلِیٌّ، وَ لَعَلِّی لَا أَفْعَلُ وَ إِنْ بَایَعَ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَ أَتَی حَوْرَانَ (8) وَ أَقَامَ فِی خَانٍ (9) حَتَّی هَلَكَ وَ لَمْ یُبَایِعْ.

وَ قَامَ فَرْوَةُ بْنُ عُمَرَ الْأَنْصَارِیُّ- وَ كَانَ یَقُودُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ

ص: 11


1- قوله علیه السّلام: أنفذوا جیش أسامة، كرّر فی المصدر.
2- قال فی القاموس 3- 23: و أذرعات- بكسر الرّاء و تفتح- بلدة بالشّام. و انظر: مراصد الاطّلاع 1- 47، و معجم البلدان: 1- 130- 131، و غیرهما. قال فی المراصد: أذرعات- بالفتح، ثمّ السّكون، و كسر الرّاء، و عین مهملة و ألف و تاء- بلد فی طرف الشّام، و تجاوز أرض البلقاء.
3- فی المصدر: جیشا، و هی نسخة بدل فی المطبوع من البحار.
4- جاءت نسخة فی ك: فهزمهم.
5- فی المصدر: من، بدلا من: عن.
6- فی كشف المحجّة: و تتقشّع كما یزول و یتقشّع ..
7- كذا، و لعلّه: رغم.
8- قال فی القاموس 2- 15: حوّارون- بفتح الحاء مشدّدة الواو- بلد، و الحوراء: موضع قرب المدینة، و هو مرفأ سفن مصر، و ماء لبنی نبهان. و انظر معجم البلدان 2- 613، و مراصد الاطّلاع 1- 534.
9- خ. ل: عنان. جاء علی مطبوع البحار.

فَرَسَیْنِ وَ یَصْرِمُ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ (1) فَیَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَی الْمَسَاكِینِ- فَنَادَی: یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ! أَخْبِرُونِی هَلْ (2) فِیكُمْ رَجُلٌ تَحِلُّ لَهُ الْخِلَافَةُ وَ فِیهِ مَا فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ؟!.

فَقَالَ قَیْسُ بْنُ مَخْزَمَةَ الزهوی (3): لَیْسَ فِینَا مَنْ فِیهِ مَا فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

فَقَالَ لَهُ: صَدَقْتَ، فَهَلْ فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَا لَیْسَ فِی أَحَدٍ مِنْكُمْ؟. قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَمَا یَصُدُّكُمْ عَنْهُ؟. قَالَ: إِجْمَاعُ (4) النَّاسِ عَلَی أَبِی بَكْرٍ. قَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ أَحْیَیْتُمْ (5) سُنَّتَكُمْ لَقَدْ أَخْطَأْتُمْ سُنَّةَ نَبِیِّكُمْ، وَ لَوْ جَعَلْتُمُوهَا فِی أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّكُمْ لَأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. فَوُلِّیَ أَبُو بَكْرٍ فَقَارَبَ وَ اقْتَصَدَ فَصَحِبْتُهُ مُنَاصِحاً، وَ أَطَعْتُهُ فِیمَا أَطَاعَ اللَّهَ فِیهِ جَاهِداً، حَتَّی إِذَا احْتُضِرَ، قُلْتُ فِی نَفْسِی:

لَیْسَ یَعْدِلُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنِّی، وَ لَوْ لَا خَاصَّةٌ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عُمَرَ وَ أَمْرٌ كَانَا رَضِیَاهُ بَیْنَهُمَا، لَظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا یَعْدِلُهُ عَنِّی وَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِبُرَیْدَةَ الْأَسْلَمِیِّ حِینَ بَعَثَنِی وَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ إِلَی الْیَمَنِ وَ قَالَ: إِذَا افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَی حِیَالِهِ، وَ إِذَا اجْتَمَعْتُمَا فَعَلِیٌّ عَلَیْكُمْ جَمِیعاً، فأغزنا (6) وَ أَصَبْنَا سَبْیاً فِیهِمْ خُوَیْلَةُ (7) بِنْتُ جَعْفَرٍ جَارِ الصَّفَا- وَ إِنَّمَا سُمِّیَ جَارَ الصَّفَا مِنْ حُسْنِهِ- فَأَخَذْتُ الْحَنَفِیَّةَ (8) خَوْلَةَ وَ اغْتَنَمَهَا خَالِدٌ مِنِّی، وَ بَعَثَ بُرَیْدَةَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مُحَرِّشاً عَلَیَّ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَخْذِی خَوْلَةَ، فَقَالَ: یَا بُرَیْدَةُ! حَظُّهُ فِی الْخُمُسِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ، إِنَّهُ وَلِیُّكُمْ بَعْدِی، سَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، وَ هَذَا بُرَیْدَةُ حَیٌّ لَمْ یَمُتْ، فَهَلْ

ص: 12


1- فی المصدر: و یصرع الفساد و یشتری تمر .. و الصّرم- لغة- هو: القطع، كما فی القاموس 4- 139.
2- لا توجد: هل، فی ك.
3- فی المصدر: الزّهریّ، و هی نسخة جاءت فی ك.
4- فی كشف المحجّة: اجتماع.
5- فی المصدر و نسخة مصحّحة خ صحّحه جاءت علی مطبوع البحار: أصبتم.
6- فی المصدر: فغزونا.
7- فی كشف المحجّة: خولة، و هی نسخة فی س.
8- فی المصدر: الخیفة.

بَعْدَ هَذَا مَقَالٌ لِقَائِلٍ؟!.

فَبَایَعَ عُمَرَ دُونَ الْمَشُورَةِ فَكَانَ مَرَضِیَّ السِّیرَةِ (1) مِنَ النَّاسِ عِنْدَهُمْ، حَتَّی إِذَا احْتُضِرَ قُلْتُ فِی نَفْسِی: لَیْسَ یَعْدِلُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنِّی، لِلَّذِی قَدْ رَأَی مِنِّی فِی الْمَوَاطِنِ، وَ سَمِعَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَجَعَلَنِی سَادِسَ سِتَّةٍ وَ أَمَرَ صُهَیْباً أَنْ یُصَلِّیَ بِالنَّاسِ، وَ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ زَیْدَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِیَّ فَقَالَ لَهُ: كُنْ فِی خَمْسِینَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِكَ فَاقْتُلْ مَنْ أَبَی أَنْ یَرْضَی مِنْ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ، فَالْعَجَبُ مِنِ اخْتِلَافِ (2) الْقَوْمِ إِذْ زَعَمُوا أَنَّ أَبِی بَكْرٍ (3) اسْتَخْلَفَهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا حَقّاً لَمْ یَخْفَ عَلَی الْأَنْصَارِ فَبَایَعَهُ النَّاسُ عَلَی الشُّورَی، ثُمَّ جَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ بِرَأْیِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ جَعَلَهَا عُمَرُ بِرَأْیِهِ شُورَی بَیْنَ سِتَّةٍ، فَهَذَا الْعَجَبُ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ، وَ الدَّلِیلُ عَلَی مَا لَا أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ قَوْلُ (4) هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ الَّذِینَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَكَیْفَ یَأْمُرُ بِقَتْلِ قَوْمٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَسُولُهُ؟!. إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ (5) عَجِیبٌ، وَ لَمْ یَكُونُوا لِوِلَایَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَكْرَهَ مِنْهُمْ لِوِلَایَتِی! كَانُوا یَسْمَعُونَ وَ أَنَا أُحَاجُّ أَبَا بَكْرٍ وَ أَنَا أَقُولُ: یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ! أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ، مَا كَانَ مِنْكُمْ مَنْ یَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَ یَعْرِفُ السُّنَّةَ، وَ یَدِینُ دِینَ الْحَقِّ (6)، وَ إِنَّمَا حُجَّتِی أَنِّی وَلِیُّ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ دُونِ قُرَیْشٍ، أَنَّ نَبِیَّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِعِتْقِ (7) الرِّقَابِ مِنَ النَّارِ، وَ أَعْتَقَهَا مِنَ الرِّقِّ، فَكَانَ لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَلَاءُ هَذِهِ

ص: 13


1- الشّورة، بدلا من: السّیرة، نسخة جاءت فی ك.
2- نسخة فی س: خلاف.
3- كذا فی مطبوع البحار و المصدر، و الصّحیح: أنّ أبا بكر.
4- فی س نسخة: قوله.
5- فی س: لأمر.
6- فی المصدر: دین اللّٰه الحقّ.
7- فی كشف المحجّة: یعتق.

الْأُمَّةِ، وَ كَانَ لِی بَعْدَهُ مَا كَانَ لَهُ، فَمَا جَازَ لِقُرَیْشٍ مِنْ فَضْلِهَا عَلَیْهَا بِالنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جَازَ لِبَنِی هَاشِمٍ عَلَی قُرَیْشٍ، وَ جَازَ لِی عَلَی بَنِی هَاشِمٍ، بِقَوْلِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْمَ غَدِیرِ خُمٍّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِیٌّ مَوْلَاهُ (1)، إِلَّا أَنْ تَدَّعِیَ قُرَیْشٌ فَضْلَهَا عَلَی الْعَرَبِ بِغَیْرِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَإِنْ شَاءُوا فَلْیَقُولُوا ذَلِكَ، فَخَشِیَ الْقَوْمُ إِنْ أَنَا وُلِّیتُ عَلَیْهِمْ أَنْ آخُذَ بِأَنْفَاسِهِمْ، وَ أَعْتَرِضَ فِی حُلُوقِهِمْ، وَ لَا یَكُونَ لَهُمْ فِی الْأَمْرِ نَصِیبٌ، فَأَجْمَعُوا عَلَی إِجْمَاعِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّی صَرَفُوا الْوِلَایَةَ عَنِّی إِلَی عُثْمَانَ رَجَاءَ أَنْ یَنَالُوهَا وَ یَتَدَاوَلُوهَا فِیمَا بَیْنَهُمْ، فَبَیْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَی مُنَادٍ لَا یُدْرَی مَنْ هُوَ- وَ أَظُنُّهُ جِنِّیّاً- فَأَسْمَعَ أَهْلَ الْمَدِینَةِ لَیْلَةَ بَایَعُوا عُثْمَانَ فَقَالَ:

یَا نَاعِیَ الْإِسْلَامِ قُمْ فَانْعَهُ*** قَدْ مَاتَ عُرْفٌ وَ بَدَا مُنْكَرٌ

مَا لِقُرَیْشٍ لَا عَلَا كَعْبُهَا*** مَنْ قَدَّمُوا الْیَوْمَ وَ مَنْ أَخَّرُوا

إِنَّ عَلِیّاً هُوَ أَوْلَی بِهِ*** مِنْهُ فَوَلُّوهُ وَ لَا تُنْكِرُوا

فَكَانَ لَهُمْ فِی ذَلِكَ عِبْرَةٌ، وَ لَوْ لَا أَنَّ الْعَامَّةَ قَدْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهُ، فَدَعَوْنِی إِلَی بِیعَةِ عُثْمَانَ فَبَایَعْتُ مُسْتَكْرِهاً، وَ صَبَرْتُ مُحْتَسِباً، وَ عَلَّمْتُ أَهْلَ الْقُنُوتِ أَنْ یَقُولُوا (2): اللَّهُمَّ لَكَ أَخْلَصَتِ الْقُلُوبُ، وَ إِلَیْكَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ، وَ أَنْتَ دُعِیتَ بِالْأَلْسُنِ، وَ إِلَیْكَ تُحُوكِمَ فِی الْأَعْمَالِ، فَ افْتَحْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَیْكَ غَیْبَةَ نَبِیِّنَا، وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا، وَ هَوَانَنَا عَلَی النَّاسِ، وَ شِدَّةَ الزَّمَانِ، وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ بِنَا، اللَّهُمَّ فَفَرِّجْ ذَلِكَ بِعَدْلٍ تُظْهِرُهُ، وَ سُلْطَانِ حَقٍّ تَعْرِفُهُ.

فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ! إِنَّكَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ لَحَرِیصٌ؟!.

فَقُلْتُ: لَسْتُ عَلَیْهِ حَرِیصاً، وَ (3) إِنَّمَا أَطْلُبُ مِیرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 14


1- مرّت مصادر الحدیث مفصّلا، و انظر جملة منها فی الغدیر 1- 222- 240 و غیره.
2- فی س: أن یقول.
3- لا توجد الواو فی المصدر.

عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ حَقَّهُ، وَ إِنَّ وَلَاءَ أُمَّتِهِ لِی مِنْ بَعْدِهِ، وَ أَنْتُمْ أَحْرَصُ عَلَیْهِ مِنِّی إِذْ تَحُولُونَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ، وَ تَصْرِفُونَ (1) وَجْهِی دُونَهُ بِالسَّیْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیكَ عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی وَ أَضَاعُوا (2) أَیَّامِی، وَ دَفَعُوا حَقِّی، وَ صَغَّرُوا (3) قَدْرِی وَ عَظِیمَ مَنْزِلَتِیَ، وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی حَقّاً كُنْتُ أَوْلَی بِهِ مِنْهُمْ، فَاسْتَلَبُونِیهِ.

ثُمَّ قَالَ: اصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً، وَ ایْمُ اللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعُوا أَنْ یَدْفَعُوا قَرَابَتِی كَمَا قَطَعُوا سَبَبِی فَعَلُوا، وَ لَكِنَّهُمْ لَا یَجِدُونَ إِلَی ذَلِكَ سَبِیلًا، إِنَّمَا حَقِّی عَلَی هَذِهِ الْأُمَّةِ كَرَجُلٍ لَهُ حَقٌّ عَلَی قَوْمٍ إِلَی أَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَحْسَنُوا وَ عَجَّلُوا لَهُ حَقَّهُ قَبِلَهُ حَامِداً، وَ إِنْ أَخَّرُوهُ إِلَی أَجَلِهِ أَخَذَهُ غَیْرَ حَامِدٍ، وَ لَیْسَ یُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِیرِ حَقِّهِ، إِنَّمَا یُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَیْسَ لَهُ، وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَهِدَ إِلَیَّ عَهْداً فَقَالَ: یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ! لَكَ وِلَایَتِی (4) فَإِنْ وَلَّوْكَ فِی عَافِیَةٍ وَ رَجَعُوا عَلَیْكَ (5) بِالرِّضَا فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ، وَ إِنِ اخْتَلَفُوا عَلَیْكَ فَدَعْهُمْ وَ مَا هُمْ فِیهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَیَجْعَلُ لَكَ (6) مَخْرَجاً، فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ لِی رَافِدٌ وَ لَا مَعِی مُسَاعِدٌ إِلَّا أَهْلُ بَیْتِی، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْهَلَاكِ، وَ لَوْ كَانَ (7) بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَمِّی حَمْزَةُ وَ أَخِی جَعْفَرٌ لَمْ أُبَایِعْ كَرْهاً (8)، وَ لَكِنَّنِی مُنِیتُ بِرَجُلَیْنِ حَدِیثَیْ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، الْعَبَّاسِ (9) وَ عَقِیلٍ، فَضَنِنْتُ بِأَهْلِ بَیْتِی عَنِ الْهَلَاكِ، فَأَغْضَیْتُ عَیْنِی عَلَی الْقَذَی، وَ تَجَرَّعْتُ

ص: 15


1- تضربون: نسخة فی ك.
2- فی نسخة فی ك: و أذاعوا.
3- فی س: و حرّوا. قال فی القاموس 4- 316: و حری- كرمی-: نقص.
4- فی المصدر: ولاء أمّتی. و هی نسخة فی مطبوع البحار.
5- فی كشف المحجّة: و أجمعوا علیك.
6- لا توجد: لك، فی س.
7- فی المصدر: و لو كان لی.
8- مكرها: نسخة فی ك.
9- فی ك نسخة: عبّاس.

رِیقِی عَلَی الشَّجَا، وَ صَبَرْتُ عَلَی أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ، وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ حَزِّ (1) الشِّفَارِ (2)

وَ أَمَّا أَمْرُ عُثْمَانَ فَكَأَنَّهُ عُلِمَ مِنَ الْقُرُونِ الْأُولَی عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی فِی كِتابٍ لا یَضِلُّ رَبِّی وَ لا یَنْسی (3) خَذَلَهُ أَهْلُ بَدْرٍ وَ قَتَلَهُ أَهْلُ مِصْرَ، وَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُ وَ لَا نَهَیْتُ وَ لَوْ أَنَّنِی (4) أَمَرْتُ كُنْتُ قَاتِلًا، وَ لَوْ أَنِّی (5) نَهَیْتُ كُنْتُ نَاصِراً، وَ كَانَ الْأَمْرُ لَا یَنْفَعُ فِیهِ الْعِیَانُ وَ لَا یَشْفِی فِیهِ (6) الْخَبَرُ، غَیْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یَقُولَ خَذَلَهُ (7) مَنْ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ، وَ لَا یَسْتَطِیعُ مَنْ خَذَلَهُ أَنْ یَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنِّی، وَ أَنَا جَامِعٌ أَمْرَهُ: اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ، وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ، وَ اللَّهُ یَحْكُمُ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُ (8)، وَ اللَّهِ مَا یَلْزَمُنِی فِی دَمِ عُثْمَانَ ثُلْمَةٌ (9) مَا كُنْتُ إِلَّا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِینَ الْمُهَاجِرِینَ فِی بَیْتِی فَلَمَّا قَتَلْتُمُوهُ أَتَیْتُمُونِی تُبَایِعُونِّی، فَأَبَیْتُ عَلَیْكُمْ وَ أَبَیْتُمْ عَلَیَّ، فَقَبَضْتُ یَدِی فَبَسَطْتُمُوهَا، وَ بَسَطْتُهَا فَمَدَدْتُمُوهَا، ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَیَّ تَدَاكَّ الْإِبِلِ الْهِیمِ (10) عَلَی حِیَاضِهَا یَوْمَ وُرُودِهَا، حَتَّی ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ قَاتِلِی، وَ أَنَّ بَعْضَكُمْ قَاتِلٌ لِبَعْضٍ، حَتَّی

ص: 16


1- فی ك نسخة: جزّ، و جاء فی حاشیتها: جزّ الشّعر و الحشیش جزّا و جزّة حسنة فهو مجزوز، و حزیز: قطعه، قاموس. انظر: القاموس 2- 168 و فیه: جزیز، بدلا من: حزیز.
2- جاء فی حاشیة ك: شفر العین: حرف الجفن الّذی ینبت علیه الهدب، قال ابن قتیبة: و العامّة یجعل أشفار العین الشّفر و هو غلط، و إنّما الأشفار حروف العین الّتی ینبت علیه الشّعر، و الشّفر: الهدب، و الجمع أشفار، مثل قفل و أقفال، و شفر كلّ شی ء: حرفه. مصباح المنیر. انظر المصباح المنیر 1- 383، و فیه: تجعل، بدلا من یجعل، و ینبت علیها الشّعر و الشّعر، بدلا من: ینبت علیه الشّعر و الشّفر.
3- طه: 52.
4- فی مطبوع البحار خ. ل: أنّی.
5- فی المصدر: أنّنی.
6- فی المصدر: منه، و هی نسخة فی ك.
7- فی المصدر: هو خذله.
8- فی كشف المحجّة: بیننا و بینه.
9- فی المصدر: تهمة، و هی نسخة فی ك.
10- أی العطاش.

انْقَطَعَتِ النَّعْلُ، وَ سَقَطَ الرِّدَاءُ، وَ وُطِئَ الضَّعِیفُ، وَ بَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَیْعَتِهِمْ إِیَّایَ أَنْ حُمِلَ إِلَیْهَا الصَّغِیرُ وَ هَدَجَ (1) إِلَیْهَا الْكَبِیرُ، وَ تَحَامَلَ إِلَیْهَا الْعَلِیلُ، وَ حَسَرَتْ لَهَا الْكِعَابُ (2)

فَقَالُوا: بَایِعْنَا عَلَی مَا بُویِعَ عَلَیْهِ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، فَإِنَّا لَا نَجِدُ غَیْرَكَ وَ لَا نَرْضَی إِلَّا بِكَ، فَبَایِعْنَا لَا نَفْتَرِقُ وَ لَا نَخْتَلِفُ، فَبَایَعْتُكُمْ عَلَی كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ دَعَوْتُ النَّاسَ إِلَی بَیْعَتِی، فَمَنْ بَایَعَنِی طَائِعاً قَبِلْتُ مِنْهُ، وَ مَنْ أَبَی تَرَكْتُهُ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَایَعَنِی طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ، فَقَالا: نُبَایِعُكَ عَلَی أَنَّا شُرَكَاؤُكَ فِی الْأَمْرِ. فَقُلْتُ: لَا، وَ لَكِنَّكُمَا شُرَكَائِی فِی الْقُوَّةِ، وَ عَوْنَایَ فِی الْعَجْزِ. فَبَایَعَانِی عَلَی هَذَا الْأَمْرِ وَ لَوْ أَبَیَا لَمْ أُكْرِهْهُمَا كَمَا لَمْ أُكْرِهْ غَیْرَهُمَا، وَ كَانَ طَلْحَةُ یَرْجُو الْیَمَنَ وَ الزُّبَیْرُ یَرْجُو الْعِرَاقَ، فَلَمَّا عَلِمَا أَنِّی غَیْرُ مُوَلِّیهِمَا اسْتَأْذَنَانِی لِلْعُمْرَةِ یُرِیدَانِ الْغَدْرَ، فَأَتَیَا عَائِشَةَ (3) وَ اسْتَخَفَّاهَا مَعَ كُلِّ شَیْ ءٍ فِی نَفْسِهَا عَلَیَّ، وَ النِّسَاءُ نَوَاقِصُ الْإِیمَانِ، نَوَاقِصُ الْعُقُولِ، نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ، فَأَمَّا نُقْصَانُ إِیمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَ الصِّیَامِ فِی أَیَّامِ حَیْضِهِنَّ، وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَلَا شَهَادَةَ لَهُنَّ إِلَّا فِی الدَّیْنِ وَ شَهَادَةُ امْرَأَتَیْنِ بِرَجُلٍ، وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِیثُهُنَّ عَلَی الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِیثِ الرِّجَالِ، وَ قَادَهُمَا عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ إِلَی الْبَصْرَةِ، وَ ضَمِنَ لَهُمَا الْأَمْوَالَ وَ الرِّجَالَ، فَبَیْنَمَا هُمَا یَقُودَانِهَا إِذْ (4) هِیَ تَقُودُهُمَا، فَاتَّخَذَاهَا فِئَةً یُقَاتِلَانِ دُونَهَا (5)، فَأَیُّ خَطِیئَةٍ أَعْظَمُ مِمَّا أَتَیَا إِخْرَاجِهِمَا زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ بَیْتِهَا، فَكَشَفَا عَنْهَا حِجَاباً سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَیْهَا، وَ صَانَا حَلَائِلَهُمَا فِی بُیُوتِهِمَا وَ لَا أَنْصَفَا اللَّهَ وَ لَا رَسُولَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمَا،

ص: 17


1- قال فی القاموس 1- 212: الهدجان- محرّكة- و كغراب: مشیة الشّیخ، و قد هدج یهدج و هو هدّاج.
2- فی المصدر: الكعبات.
3- فی المصدر: فأتبعا عائشة.
4- فی ك نسخة: أو، بدلا من: إذ.
5- دونهما. نسخة فی ك.

ثَلَاثُ خِصَالٍ مَرْجِعُهَا عَلَی النَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْیُكُمْ عَلی أَنْفُسِكُمْ (1)، وَ قَالَ: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ (2)، وَ قَالَ: لا یَحِیقُ الْمَكْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (3) فَقَدْ بَغَیَا عَلَیَّ، وَ نَكَثَا بَیْعَتِی، وَ مَكَرَا بِی (4)، فَمُنِیتُ بِأَطْوَعِ النَّاسِ فِی النَّاسِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِی بَكْرٍ، وَ بِأَشْجَعِ (5)النَّاسِ الزُّبَیْرِ، وَ بِأَخْصَمِ النَّاسِ طَلْحَةَ، وَ أَعَانَهُمْ عَلَیَّ یَعْلَی بْنُ مُنَبِّهٍ بِأَصْوُعِ (6) الدَّنَانِیرِ، وَ اللَّهِ لَئِنِ اسْتَقَامَ أَمْرِی لَأَجْعَلَنَّ مَالَهُ فَیْئاً لِلْمُسْلِمِینَ، ثُمَّ أَتَوُا الْبَصْرَةَ وَ أَهْلُهَا مُجْتَمِعُونَ عَلَی بَیْعَتِی وَ طَاعَتِی، وَ بِهَا شِیعَتِی خُزَّانُ بَیْتِ مَالِ اللَّهِ وَ مَالِ الْمُسْلِمِینَ، فَدَعَوُا النَّاسَ إِلَی مَعْصِیَتِی وَ إِلَی نَقْضِ بَیْعَتِی (7)، فَمَنْ أَطَاعَهُمْ أَكْفَرُوهُ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ قَتَلُوهُ، فَنَاجَزَهُمْ حَكِیمُ بْنُ جَبَلَةَ فَقَتَلُوهَا (8) فِی سَبْعِینَ رَجُلًا مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ مُخْبِتِیهِمْ یُسَمَّوْنَ: الْمُثْفَنِینَ، كَأَنَّ رَاحَ أَكُفِّهِمْ ثَفِنَاتُ الْإِبِلِ، وَ أَبَی أَنْ یُبَایِعَهُمْ یَزِیدُ بْنُ الْحَارِثِ الْیَشْكُرِیُّ، فَقَالَ: اتَّقِیَا اللَّهَ! إِنَّ أَوَّلَكُمْ قَادَنَا إِلَی الْجَنَّةِ فَلَا یَقُودُنَا آخِرُكُمْ إِلَی النَّارِ، فَلَا تُكَلِّفُونَا أَنْ نُصَدِّقَ الْمُدَّعِیَ وَ نَقْضِیَ عَلَی الْغَائِبِ، أَمَّا یَمِینِی فَشَغَلَهَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ بِبَیْعَتِی إِیَّاهُ، وَ هَذِهِ شِمَالِی فَارِغَةٌ فَخُذَاهَا إِنْ شِئْتُمَا، فَخُنِقَ حَتَّی مَاتَ، وَ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِیمٍ التَّمِیمِیُّ فَقَالَ: یَا طَلْحَةُ! هَلْ تَعْرِفُ هَذَا (9) الْكِتَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا كِتَابِی إِلَیْكَ. قَالَ: هَلْ تَدْرِی مَا فِیهِ؟ قَالَ: اقْرَأْهُ عَلَیَّ، فَإِذَا فِیهِ عَیْبُ عُثْمَانَ وَ دُعَاؤُهُ إِلَی قَتْلِهِ، فَسَیَّرَهُ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَ أَخَذُوا عَلَی عَامِلِی عُثْمَانَ

ص: 18


1- یونس: 23.
2- الفتح: 10.
3- الفاطر: 43.
4- فی المصدر: و مكرانی.
5- فی ك نسخة: أشجع، و فی نسخة صحیحة: أنجع، و فی نسخة علی س: أفجع.
6- فی المصدر: بأصواع.
7- فی المصدر زیادة: و طاعتی.
8- فی المصدر: فقتلوه .. و هو الظّاهر.
9- فی كشف المحجّة: من یعرف هذا ..

بْنِ حُنَیْفٍ الْأَنْصَارِیِّ غَدْراً فَمَثَّلُوا بِهِ كُلَّ الْمُثْلَةِ، وَ نَتَفُوا كُلَّ شَعْرَةٍ فِی رَأْسِهِ وَ وَجْهِهِ، وَ قَتَلُوا شِیعَتِی، طَائِفَةً صَبْراً، وَ طَائِفَةً غَدْراً، وَ طَائِفَةٌ عَضُّوا بِأَسْیَافِهِمْ حَتَّی لَقُوا اللَّهَ، فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ یَقْتُلُوا مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِداً لَحَلَّ لِی بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَ دِمَاءُ ذَلِكَ الْجَیْشِ لِرِضَاهُمْ بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ، دَعْ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا أَكْثَرَ مِنَ الْعِدَّةِ الَّتِی قَدْ دَخَلُوا بِهَا عَلَیْهِمْ، وَ قَدْ أَدَالَ اللَّهُ مِنْهُمْ (1) فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ، فَأَمَّا طَلْحَةُ فَرَمَاهُ مَرْوَانُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَ أَمَّا الزُّبَیْرُ فَذَكَّرْتُهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّكَ تُقَاتِلُ عَلِیّاً (علیه السلام) وَ أَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ (2)، وَ أَمَّا عَائِشَةُ فَإِنَّهَا كَانَ نَهَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْ مَسِیرِهَا فَعَضَّتْ (3) یَدَیْهَا نَادِمَةً عَلَی مَا كَانَ مِنْهَا. وَ قَدْ كَانَ طَلْحَةُ لَمَّا نَزَلَ ذَا قَارٍ (4) قَامَ خَطِیباً فَقَالَ: یَا أَیُّهَا النَّاسُ! إِنَّا أَخْطَأْنَا فِی عُثْمَانَ خَطِیئَةً مَا یُخْرِجُنَا مِنْهَا إِلَّا الطَّلَبُ بِدَمِهِ، وَ عَلِیٌّ قَاتِلُهُ، وَ عَلَیْهِ دَمُهُ. وَ قَدْ نَزَلَ دارن (5) مَعَ شُكَّاكِ الْیَمَنِ وَ نَصَارَی رَبِیعَةَ وَ مُنَافِقِی مُضَرَ، فَلَمَّا بَلَغَنِی قَوْلُهُ وَ قَوْلٌ كَانَ عَنِ الزُّبَیْرِ فِیهِ (6)، بَعَثْتُ إِلَیْهِمَا أُنَاشِدُهُمَا بِحَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (7) مَا أَتَیْتُمَانِی وَ أَهْلُ مِصْرَ مُحَاصِرُو عُثْمَانَ، فَقُلْتُمَا:

اذْهَبْ بِنَا إِلَی هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّا لَا نَسْتَطِیعُ قَتْلَهُ إِلَّا بِكَ، لِمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ سَیَّرَ أَبَا ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَ فَتَقَ عَمَّاراً، وَ آوَی الْحَكَمَ بْنَ أَبِی الْعَاصِ- وَ قَدْ طَرَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 19


1- قال فی الصّحاح 4- 1700: و أدالنا اللّٰه من عدوّنا من الدّولة، و الإدالة: الغلبة، یقال: اللّٰهمّ أدلنی علی فلان و انصرنی علیه. و فی المصدر: أزال اللّٰه منهم.
2- و هی روایة مشهورة من الطّریقین. انظر بعض مصادرها فی الغدیر 3- 191 و غیره.
3- فی ك: فغضّت، قال فی القاموس 2- 337: عضضته و علیه- كسمع و منع- عضّا و عضیضا: أمسكته بأسنانی أو بلسانی. و قال: بعد صفحة: غضّ طرفه ..: خفضه، و احتمل المكروه. أقول: لا یخفی مناسبة الأوّل و بعد الثّانی.
4- ذو قار: ماء لبكر .. قاله فی مراصد الاطّلاع 3- 1055- 1056. و انظر: معجم البلدان 4- 293- 295.
5- لم نجد لهذه البلدة فی معجم البلدان و مراصد الاطّلاع ذكرا، و لیس فی الأسماء المقاربة لها ما یناسب المقام، و لعلّ النّون زائدة، فتدبّر، أو لعلّها: دارا.
6- فی المصدر: قبیح، بدلا من: فیه.
7- فی كشف المحجّة: بحقّ محمّد و آله.

عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ- وَ اسْتَعْمَلَ الْفَاسِقَ عَلَی كِتَابِ اللَّهِ الْوَلِیدَ بْنَ عُقْبَةَ، وَ سَلَّطَ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْعُذْرِیَّ (1) عَلَی كِتَابِ اللَّهِ یُمَزِّقُ وَ یَخْرِقُ، فَقُلْتُ: كُلَّ هَذَا قَدْ عَلِمْتُ وَ لَا أَرَی قَتْلَهُ یَوْمِی هَذَا، وَ أَوْشَكَ سِقَاؤُهُ أَنْ یُخْرِجَ الْمَخْضُ زُبْدَتَهُ، فَأَقَرَّا بِمَا قُلْتُ. وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا: إِنَّكُمَا تَطْلُبَانِ بِدَمِ عُثْمَانَ فَهَذَانِ ابْنَاهُ عَمْرٌو (2) وَ سَعِیدٌ فَخَلُّوا عَنْهُمَا یَطْلُبَانِ دَمَ أَبِیهِمَا، مَتَی كَانَتْ أَسَدٌ وَ تَیْمٌ أَوْلِیَاءُ بَنِی أُمَیَّةَ؟! فَانْقَطَعَا عِنْدَ ذَلِكَ.

فَقَامَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَیْنٍ الْخُزَاعِیُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ الَّذِی جَاءَتْ عَنْهُ (3) الْأَحَادِیثُ- وَ قَالَ: یَا هَذَانِ لَا تَخْرُجَانِ (4) بِبَیْعَتِكُمَا مِنْ طَاعَةِ عَلِیٍّ، وَ لَا تَحْمِلَانَا عَلَی نَقْضِ بَیْعَتِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّهِ رِضًا، أَ مَا وَسِعَتْكُمَا بُیُوتُكُمَا حَتَّی أَتَیْتُمَا بِأُمِّ الْمُؤْمِنِینَ؟! فَالْعَجَبُ لِاخْتِلَافِهَا إِیَّاكُمَا، وَ مَسِیرِهَا مَعَكُمَا، فَكُفَّا عَنَّا أَنْفُسَكُمَا، وَ ارْجِعَا مِنْ حَیْثُ جِئْتُمَا، فَلَسْنَا عَبِیدَ مَنْ غَلَبَ، وَ لَا أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ، فَهَمَّا بِهِ ثُمَّ كَفَّا عَنْهُ، وَ كَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ شَكَّتْ فِی مَسِیرِهَا وَ تَعَاظَمَتِ (5) الْقِتَالَ، فَدَعَتْ كَاتِبَهَا عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ النُّمَیْرِیَّ فَقَالَتْ: اكْتُبْ، مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِی بَكْرٍ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ: هَذَا أَمْرٌ لَا یَجْرِی بِهِ الْقَلَمُ، قَالَتْ: وَ لِمَ؟! قَالَ: لِأَنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فِی الْإِسْلَامِ أَوَّلٌ، وَ لَهُ بِذَلِكَ الْبَدَاءُ فِی الْكِتَابِ. فَقَالَتِ: اكْتُبْ، إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِی بَكْرٍ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّی لَسْتُ أَجْهَلُ قَرَابَتَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ لَا قَدَمَكَ فِی الْإِسْلَامِ، وَ لَا غِنَاكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ مُصْلِحَةً بَیْنَ بَنِیَّ لَا أُرِیدُ حَرْبَكَ إِنْ كَفَفْتَ عَنْ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ .. فِی كَلَامٍ لَهَا كَثِیرٍ، فَلَمْ أُجِبْهَا بِحَرْفٍ، وَ أَخَّرْتُ جَوَابَهَا لِقِتَالِهَا، فَلَمَّا قَضَی اللَّهُ لِیَ الْحُسْنَی سِرْتُ إِلَی الْكُوفَةِ وَ اسْتَخْلَفْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَی

ص: 20


1- فی ك: الغدریّ.
2- فی ك نسخة: عمر- بدون واو ..
3- فی المصدر: فیه، بدلا من: عنه.
4- فی كشف المحجّة: لا تخرجانا .. و هو الظّاهر.
5- فی ك: جاءت نسخة هی فی المصدر: تعاضمها.

الْبَصْرَةِ، فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَ قَدِ اتَّسَقَتْ (1) لِیَ الْوُجُوهُ كُلُّهَا إِلَّا الشَّامُ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ الْحُجَّةَ، وَ أَقْضِیَ الْعُذْرَ، وَ أَخَذْتُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَی: وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِیانَةً فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلی سَواءٍ (2)، فَبَعَثْتُ جَرِیرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَی مُعَاوِیَةَ مُعْذِراً إِلَیْهِ، مُتَّخِذاً لِلْحُجَّةِ عَلَیْهِ، فَرَدَّ كِتَابِی، وَ جَحَدَ حَقِّی، وَ دَفَعَ بَیْعَتِی، وَ بَعَثَ إِلَیَّ أَنِ ابْعَثْ إِلَیَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَبَعَثْتُ إِلَیْهِ: مَا أَنْتَ وَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ؟! أَوْلَادُهُ أَوْلَی بِهِ، فَادْخُلْ أَنْتَ وَ هُمْ فِی طَاعَتِی ثُمَّ خَاصِمُوا إِلَیَّ (3) الْقَوْمَ لِأَحْمِلَكُمْ وَ إِیَّاهُمْ عَلَی كِتَابِ اللَّهِ، وَ إِلَّا فَهَذِهِ خُدْعَةُ الصَّبِیِّ عَنْ رَضَاعِ الْمَلِیِّ، فَلَمَّا یَئِسَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ بَعَثَ إِلَیَّ أَنِ اجْعَلِ الشَّامَ لِی حَیَاتَكَ، فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَادِثَةٌ عَنِ الْمَوْتِ لَمْ یَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَیَّ طَاعَةٌ، وَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ یَخْلَعَ طَاعَتِی مِنْ عُنُقِهِ (4)فَأَبَیْتُ عَلَیْهِ.

فَبَعَثَ إِلَیَّ: أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا الْحُكَّامَ عَلَی أَهْلِ الشَّامِ فَلَمَّا قَتَلُوا (5) عُثْمَانَ صَارَ أَهْلُ الشَّامِ الْحُكَّامَ عَلَی أَهْلِ الْحِجَازِ، فَبَعَثْتُ إِلَیْهِ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَسَمِّ لِی رَجُلًا مِنْ قُرَیْشِ الشَّامِ تَحِلُّ لَهُ الْخِلَافَةُ، وَ یُقْبَلُ فِی الشُّورَی فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ سَمَّیْتُ لَكَ مِنْ قُرَیْشِ الْحِجَازِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الْخِلَافَةُ، وَ یُقْبَلُ فِی الشُّورَی، وَ نَظَرْتُ إِلَی أَهْلِ الشَّامِ فَإِذَا هُمْ بَقِیَّةُ الْأَحْزَابِ فَرَاشُ نَارٍ وَ ذُبَابُ (6) طَمَعٍ تَجْمَعُ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ مِمَّنْ یَنْبَغِی لَهُ أَنْ یُؤَدَّبَ وَ یُحْمَلُ عَلَی السُّنَّةِ، لَیْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ لَا الْأَنْصَارِ وَ لَا التَّابِعِینَ بِإِحْسَانٍ، فَدَعَوْتُهُمْ إِلَی الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ فَأَبَوْا إِلَّا فِرَاقِی وَ شِقَاقِی، ثُمَّ نَهَضُوا فِی وَجْهِ الْمُسْلِمِینَ، یَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ، وَ یَشْجُرُونَهُمْ بِالرِّمَاحِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَهَضْتُ إِلَیْهِمْ، فَلَمَّا عَضَّتْهُمُ السِّلَاحُ، وَ وَجَدُوا أَلَمَ الْجِرَاحِ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ فَدَعَوْكُمْ (7) إِلَی مَا فِیهَا،

ص: 21


1- فی س: اتّسعت.
2- الأنفال: 58، و ذكر فی المصدر ذیل الآیة أیضا و هو: «إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْخائِنِینَ».
3- لا توجد: إلیّ، فی المصدر.
4- فی ك: عن عنقه ..
5- فی ك: فلمّا قتل ..
6- فی المصدر: و ذئاب، و فی س: ذو ذئاب.
7- فی المصدر: یدعوكم.

فَأَنْبَأْتُكُمْ أَنَّهُمْ لَیْسُوا بِأَهْلِ دِینٍ وَ لَا قُرْآنٍ وَ إِنَّمَا رَفَعُوهَا مَكِیدَةً (1) وَ خَدِیعَةً، فَامْضُوا لِقِتَالِهِمْ، فَقُلْتُمُ: اقْبَلْ مِنْهُمْ وَ اكففت [اكْفُفْ] عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَجَابُوا إِلَی مَا فِی الْقُرْآنِ جَامَعُونَا (2) عَلَی مَا نَحْنُ عَلَیْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَقَبِلْتُ مِنْهُمْ وَ كَفَفْتُ عَنْهُمْ، فَكَانَ الصُّلْحُ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ عَلَی رَجُلَیْنِ حَكَمَیْنِ لِیُحْیِیَا مَا أَحْیَاهُ الْقُرْآنُ وَ یُمِیتَا مَا أَمَاتَهُ الْقُرْآنُ، فَاخْتَلَفَ رَأْیُهُمَا وَ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا، فَنَبَذَا مَا فِی الْكِتَابِ وَ خَالَفَا مَا فِی الْقُرْآنِ وَ كَانَا أَهْلَهُ، ثُمَّ إِنَّ طَائِفَةً اعْتَزَلَتْ فَتَرَكْنَاهُمْ مَا تَرَكُونَا حَتَّی إِذَا عَاثُوا فِی الْأَرْضِ یُفْسِدُونَ وَ یَقْتُلُونَ، وَ كَانَ فِیمَنْ قَتَلُوهُ أَهْلُ مِیرَةٍ مِنْ بَنِی أَسَدٍ، وَ قَتَلُوا خَبَّابَ (3) بْنَ الْأَرَتِّ (4) وَ ابْنَهُ وَ أُمَّ وَلَدِهِ، وَ الْحَارِثَ بْنَ مُرَّةَ الْعَبْدِیَّ، فَبَعَثْتُ إِلَیْهِمْ دَاعِیاً، فَقُلْتُ: ادْفَعُوا إِلَیْنَا قَتَلَةَ إِخْوَانِنَا، فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَتُهُمْ، ثُمَّ شَدَّتْ عَلَیْنَا خَیْلُهُمْ وَ رِجَالُهُمْ فَصَرَعَهُمُ اللَّهُ مَصَارِعَ الظَّالِمِینَ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَمْضُوا مِنْ فَوْرِكُمْ ذَلِكَ إِلَی عَدُوِّكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَلَّتْ سُیُوفُنَا، وَ نَصَلَتْ أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا، وَ عَادَ أَكْثَرُهَا قَصِیداً (5) فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ وَ لْنَقْصِدْ (6) بِأَحْسَنِ عُدَّتِنَا، وَ إِذَا نَحْنُ رَجَعْنَا زِدْنَا فِی مُقَاتَلَتِنَا عِدَّةَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا حَتَّی إِذَا أَظْلَلْتُمْ (7) عَلَی النُّخَیْلَةِ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَلْزَمُوا مُعَسْكَرَكُمْ، وَ أَنْ

ص: 22


1- فی كشف المحجّة: رفعوا بها مكیدة.
2- فی المصدر: إن حاجّونا.
3- جاء فی حاشیة ك ما یلی: خبّاب- بالخاء المعجمة و الباءین الموحّدتین بینهما ألف- ابن الأرتّ بالألف و الرّاء المهملة و التّاء الفوقانیّة المشدّدة- مات قبل الفتنة، ترحّم علیه علیّ علیه السّلام فقال: یرحم اللّٰه خبّابا لقد أسلم راغبا، و هاجر طائعا، و عاش مجاهدا، و الأرتّ من فی كلامه رنّة و هی عجمة لا تغیّر الكلام. مجمع. انظر: مجمع البحرین 2- 48.
4- فی ك نسخة: الأرب، و لعلّها غلط أو تصحیف، إذ لا یعرف بهذا الاسم. و فی المصدر: الخبّاب و ابنه و ..
5- فی المصدر: قصیرا. و نسخة جاءت فی ك: قعیدا، و اللّفظة مشوّشة فی س و لعلّها: قصدا أو قعیدا. و انظر ما جاء فی بیانه طاب ثراه.
6- فی المصدر: و لنستعدّ.
7- نسخة فی س: ظللتم، و هی كذلك فی المصدر، و هی سهو لما سیأتی فی بیانه، و قد جاءت علی بناء التّفعیل و الإفعال، فلاحظ.

تَضُمُّوا إِلَیْهِ نَوَاصِیَكُمْ، وَ أَنْ تُوَطِّنُوا عَلَی الْجِهَادِ نُفُوسَكُمْ، وَ لَا تُكْثِرُوا زِیَارَةَ أَبْنَائِكُمْ (1)وَ لَا (2) نِسَائِكُمْ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ مُصَابِرُوهَا وَ أَهْلَ التَّشْهِیرِ (3) فِیهَا، وَ الَّذِینَ لَا یَتَوَجَّدُونَ مِنْ سَهَرِ لَیْلِهِمْ، وَ لَا ظَمَإِ نَهَارِهِمْ، وَ لَا فِقْدَانِ أَوْلَادِهِمْ وَ لَا نِسَائِهِمْ، وَ أَقَامَتْ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ مُعَدَّةٌ وَ طَائِفَةٌ دَخَلَتِ الْمِصْرَ عَاصِیَةً، فَلَا مَنْ دَخَلَ الْمِصْرَ عَادَ إِلَیَّ، وَ لَا مَنْ أَقَامَ مِنْكُمْ ثَبَتَ مَعِی وَ لَا صَبَرَ، فَلَقَدْ رَأَیْتُنِی (4) وَ مَا فِی عَسْكَرِی مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَلَمَّا رَأَیْتُ مَا أَنْتُمْ عَلَیْهِ دَخَلْتُ عَلَیْكُمْ فَمَا قُدِّرَ لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مَعِی إِلَی یَوْمِكُمْ هَذَا، لِلَّهِ أَبُوكُمْ (5) أَ لَا تَرَوْنَ أَیُّ مِصْرٍ (6)قَدِ افْتُتِحَتْ؟

وَ أَیُّ (7) أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ؟ وَ أَیُّ (8) مَسَالِحِكُمْ (9) تُرْقَی؟ وَ أَیُّ (10) بِلَادِكُمْ تُغْزَی؟

وَ أَنْتُمْ ذَوُو عَدَدٍ جَمٍّ وَ شَوْكَةٍ شَدِیدَةٍ (11)، وَ أُولُو بَأْسٍ قَدْ كَانَ مَخُوفاً، لِلَّهِ أَنْتُمْ! أَیْنَ تَذْهَبُونَ؟ وَ أَنَّی تُؤْفَكُونَ؟.

أَلَا إِنَّ الْقَوْمَ جَدُّوا وَ تَآسَوْا (12) وَ تَنَاصَرُوا، وَ إِنَّكُمْ أَبَیْتُمْ وَ وَنَیْتُمْ وَ تَخَاذَلْتُمْ

ص: 23


1- فی س: أبیاتكم.
2- لا توجد فی المصدر كلمة: لا.
3- فی المصدر: أهل التّشمیر، و لعلّ ما فی س یقرأ كذلك.
4- رابتنی، بدلا من: رأیتنی فی المصدر.
5- قال فی مجمع البحرین 1- 17: فی الحدیث: للّٰه أبوك، قیل: الأصل فیه أنّه إذا أضیف شی ء إلی عظیم اكتسی عظما كبیت اللّٰه، فإذا وجد من الولد ما یحسن موقعه قیل: للّٰه أبوك للمدح و التّعجّب .. أی للّٰه أبوك خالصا حیث أتی بمثلك .. و قیل: هو تهزّؤ، و قیل: تعجّب منهم و لیس بدعاء.
6- فی المصدر: إلی مصر .. و هو الظّاهر.
7- إلی، بدلا من: أیّ فی المصدر.
8- إلی، بدلا من: أیّ فی المصدر.
9- كذا، و سیأتی فی بیانه- قدّس سرّه- أنّها بالصّاد، و جعل كونها بالسّین نسخة.
10- إلی، بدلا من: أیّ فی المصدر.
11- فی ك نسخة: جدیدة.
12- فی المصدر: و بؤسوا.

وَ تَغَاشَشْتُمْ، مَا أَنْتُمْ إِنْ بَقِیتُمْ عَلَی ذَلِكَ سُعَدَاءَ، فَأَنْبِهُوا (1)

رَحِمَكُمُ اللَّهُ- نَائِمَكُمْ، وَ تَحَرَّوْا (2) لِحَرْبِ عَدُوِّكُمْ، فَقَدْ أَبْدَتِ الرَّغْوَةُ عَنِ الصَّرِیحِ، وَ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِی عَیْنَیْنِ، فَانْتَبِهُوا (3) إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ الطُّلَقَاءَ وَ أَبْنَاءَ الطُّلَقَاءِ وَ أَهْلَ الْجَفَاءِ، وَ مَنْ أَسْلَمَ كَرْهاً، وَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنِفاً، وَ لِلْإِسْلَامِ كُلِّهِ حَرْباً، أَعْدَاءَ السُّنَّةِ وَ الْقُرْآنِ، وَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَ الْأَحْدَاثِ، وَ مَنْ كَانَتْ نِكَایَتُهُ تُتَّقَی (4) وَ كَانَ عَلَی الْإِسْلَامِ وَ أَهْلِهِ مَخُوفاً، وَ أَكَلَةَ الرِّشَا، وَ عَبِیدَ الدُّنْیَا، وَ لَقَدْ أُنْهِیَ إِلَیَّ أَنَّ ابْنَ النَّابِغَةِ لَمْ یُبَایِعْ مُعَاوِیَةَ حَتَّی شَرَطَ لَهُ أَنْ یُؤْتِیَهُ أَتِیَّةً هِیَ أَعْظَمُ مِمَّا فِی یَدَیْهِ مِنْ سُلْطَانِهِ، فَصَغُرَتْ یَدُ هَذَا الْبَائِعِ دِینَهُ بِالدُّنْیَا، وَ خَزِیَتْ أَمَانَةُ هَذَا الْمُشْتَرِی بِنُصْرَةِ فَاسِقٍ غَادِرٍ بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِینَ، وَ أَیُّ سَهْمٍ لِهَذَا الْمُشْتَرِی (5) وَ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَ ضُرِبَ حَدّاً فِی الْإِسْلَامِ، وَ كُلُّكُمْ یَعْرِفُهُ بِالْفَسَادِ فِی الدُّنْیَا (6)، وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ یَدْخُلْ فِی الْإِسْلَامِ وَ أَهْلِهِ حَتَّی رُضِخَ لَهُ (7) عَلَیْهِ رَضِیخَةٌ، فَهَؤُلَاءِ قَادَةُ الْقَوْمِ، وَ مَنْ تَرَكْتُ لَكُمْ ذِكْرَ مَسَاوِیهِ أَكْثَرُ وَ أَبْوَرُ (8)، وَ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُمْ بِأَعْیَانِهِمْ وَ أَسْمَائِهِمْ كَانُوا عَلَی الْإِسْلَامِ ضِدّاً، وَ لِنَبِیِّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَرْباً، وَ لِلشَّیْطَانِ حِزْباً، لَمْ یَتَقَدَّمْ إِیمَانُهُمْ، وَ لَمْ یَحْدُثْ نِفَاقُهُمْ، وَ هَؤُلَاءِ الَّذِینَ لَوْ وُلُّوا عَلَیْكُمْ لَأَظْهَرُوا فِیكُمُ الْفَخْرَ وَ التَّكَبُّرَ وَ التَّسَلُّطَ بِالْجَبَرِیَّةِ وَ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ، وَ أَنْتُمْ عَلَی مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ تَوَاكُلٍ وَ تَخَاذُلٍ خَیْرٌ مِنْهُمْ وَ أَهْدَی سَبِیلًا، مِنْكُمُ الْفُقَهَاءُ وَ الْعُلَمَاءُ وَ الْفُهَمَاءُ وَ حَمَلَةُ الْكِتَابِ وَ الْمُتَهَجِّدُونَ بِالْأَسْحَارِ، أَ لَا تَسْخَطُونَ وَ تَنْقِمُونَ أَنْ یُنَازِعَكُمُ الْوَلَایَةَ السُّفَهَاءُ الْبُطَاةُ عَنِ الْإِسْلَامِ

ص: 24


1- فی مطبوع البحار: فانتبهوا.
2- فی المصدر: و تحرّزوا.
3- فی س: فانبهوا.
4- فی ك: تبقی.
5- هنا زیادة جاءت فی المصدر: بنصرة فاسق غادر.
6- فی المصدر: فی الدّین، و هی نسخة جاءت علی حاشیة ك.
7- لا توجد: له فی المصدر.
8- فی كشف المحجّة: و أنور.

الْجُفَاةُ فِیهِ؟! اسْمَعُوا قَوْلِی- یَهْدِكُمُ اللَّهُ- إِذَا قُلْتُ، وَ أَطِیعُوا أَمْرِی إِذَا أَمَرْتُ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ أَطَعْتُمُونِی لَا تَغْوُوا، وَ إِنْ عَصَیْتُمُونِی لَا تَرْشُدُوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلَّا أَنْ یُهْدی فَما لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ (1)، وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی لِنَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (2)، فَالْهَادِی (3) مِنْ بَعْدِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ هَادٍ لِأُمَّتِهِ عَلَی مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَمَنْ عَسَی أَنْ یَكُونَ الْهَادِیَ إِلَّا الَّذِی دَعَاكُمْ إِلَی الْحَقِّ وَ قَادَكُمْ إِلَی الْهُدَی، خُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا (4)، وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا، فَقَدْ شُبَّتْ وَ أُوْقِدَتْ نَارُهَا، وَ تَجَرَّدَ لَكُمُ الْفَاسِقُونَ لِكَیْلَا یُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ* وَ یَغْزُوا عِبَادَ اللَّهِ، أَلَا إِنَّهُ لَیْسَ أَوْلِیَاءُ الشَّیْطَانِ مِنْ أَهْلِ الطَّمَعِ وَ الْجَفَاءِ أَوْلَی بِالْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ وَ الإخباث (5) فِی طَاعَةِ رَبِّهِمْ وَ مُنَاصَحَةِ إِمَامِهِمْ، إِنِّی وَ اللَّهِ لَوْ لَقِیتُهُمْ وَحْدِی وَ هُمْ (6) أَهْلُ الْأَرْضِ مَا اسْتَوْحَشْتُ مِنْهُمْ وَ لَا بَالَیْتُ، وَ لَكِنْ أَسَفٌ یَرِینِی (7)، وَ جَزَعٌ یَعْتَرِینِی مِنْ أَنْ یَلِیَ هَذِهِ الْأُمَّةَ فُجَّارُهَا وَ سُفَهَاؤُهَا فَیَتَّخِذُونَ (8) مَالَ اللَّهِ دُوَلًا، وَ كِتَابَ اللَّهِ (9) دَغَلًا، وَ الْفَاسِقِینَ حِزْباً، وَ الصَّالِحِینَ حَرْباً، وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ لَا ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْنِیبَكُمْ وَ تَحْرِیصَهُمْ (10) وَ تَرَكْتُكُمْ إِذَا (11) أَبَیْتُمْ حَتَّی أَلْقَاهُمْ مَتَی حُمَّ لِی لِقَاؤُهُمْ،

ص: 25


1- یونس: 35.
2- الرّعد: 7.
3- فی س: فالهاد- بلا یاء- و هو سهو.
4- قال فی القاموس 1- 37: الأهبة- بالضّمّ-: العدّة.
5- كذا، و الظّاهر: الإخبات، و تقرأ ما فی س: الأجنات، و هی تحتمل أن تكون جمع الجنت، و هی بمعنی الأصل، كما فی القاموس 1- 163.
6- فی ك نسخة: لهم.
7- فی المصدر: یریبنی، و هی نسخة فی ك.
8- فی كشف المحجّة: یتّخذون.
9- فی المصدر: و كتابه.
10- فی كشف المحجّة: و تحریضكم .. و هو الظّاهر.
11- فی المصدر: و لتركتكم إذا. و فی س: إذ.

فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَعَلَی الْحَقِّ، وَ إِنَّنِی لِلشَّهَادَةِ لَمُحِبٌّ، وَ إِنِّی إِلَی لِقَاءِ اللَّهِ رَبِّی لَمُشْتَاقٌ، وَ لِحُسْنِ ثَوَابِهِ مُنْتَظِرٌ (1)، إِنِّی نَافَرْتُكُمْ (2) فَ انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ (3) وَ لَا تَثَّاقَلُوا فِی الْأَرْضِ فَتَعْمَوْا (4) بِالذُّلِّ، وَ تُقِرُّوا بِالْخَسْفِ، وَ یَكُونَ نَصِیبُكُمُ الْأَخْسَرَ (5)، إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْیَقْظَانُ الْأَرِقُ إِنْ نَامَ لَمْ تَنَمْ عَیْنُهُ، وَ مَنْ ضَعُفَ أُوذِیَ، وَ مَنْ كَرِهَ الْجِهَادَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ كَانَ الْمَغْبُونَ الْمَهِینَ، إِنِّی لَكُمُ الْیَوْمَ عَلَی مَا كُنْتُ عَلَیْهِ أَمْسِ وَ لَسْتُمْ لِی عَلَی مَا كُنْتُمْ عَلَیْهِ، مَنْ تَكُونُوا نَاصِرِیهِ أَخَذَ بِالسَّهْمِ الْأَخْیَبِ، وَ اللَّهِ لَوْ نَصَرْتُمُ اللَّهَ لَنَصَرَكُمْ (6)وَ ثَبَّتَ (7) أَقْدَامَكُمْ، إِنَّهُ حَقٌّ عَلَی اللَّهِ أَنْ یَنْصُرَ مَنْ نَصَرَهُ وَ یَخْذُلَ مَنْ خَذَلَهُ، أَ تَرَوْنَ الْغَلَبَةَ لِمَنْ صَبَرَ بِغَیْرِ نَصْرٍ وَ قَدْ یَكُونُ الصَّبْرُ جُبْناً وَ یَكُونُ حَمِیَّةً، وَ إِنَّمَا الصَّبْرُ بِالنَّصْرِ (8) وَ الْوُرُودُ بِالصَّدْرِ (9)، وَ الْبَرْقُ بِالْمَطَرِ.

اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا وَ إِیَّاهُمْ عَلَی الْهُدَی، وَ زَهِّدْنَا وَ إِیَّاهُمْ فِی الدُّنْیَا، وَ اجْعَلِ الْآخِرَةَ خَیْراً لَنَا مِنَ الْأُولَی..

تبیین:

الشَّغْبُ- بالتّسكین (10)

تهییجُ الشَّرِّ (11).

ص: 26


1- فی كشف المحجّة: لمنتظر.
2- فی المصدر: نافر بكم، و هی نسخة فی ك.
3- التّوبة: 41.
4- فی ك نسخة: فتغمّوا.
5- فی المصدر: الخسران.
6- نسخة فی ك: لینصركم.
7- نسخة فی ك: یثبّت.
8- خ. ل: النّصر بالصّبر، كذا فی حاشیة ك، و هو الظّاهر.
9- خ. ل: بالصّدور، جاءت علی مطبوع البحار.
10- لا توجد: بالتسكین، فی س.
11- ذكره فی مجمع البحرین 2- 91، و الصحاح 1- 157.

و قال الجوهری: العِلْهِزُ- بالكسر-: طعامٌ كانوا یَتَّخِذُونَهُ مِنَ الدَّمِ و وَبَرِ البعیرِ فِی سِنِی المَجَاعَةِ (1).

و قال: الهَبِیدُ: حَبُّ الحَنْظَلِ (2).

و الجَشِبُ- بكسر الشّین- الغَلِیظُ (3).

و الآجِنُ: المُتَغَیِّرُ (4).

و الرُّوعُ- بالضم-: القَلْبُ و العقلُ (5)، و لعلّه كنایة عن أنّه لم یكن مظنّة أن یفعلوا ذلك لما اجتمع له من النصوص و الفواضل و السوابق، لأنّه علیه السلام كان یعلم وقوع تلك الأمور و یخبر بها قبل وقوعها.

و یقال (6): خَزَمْتُ البعیرَ بِالْخِزَامَةِ و هی حلقةٌ من شعرٍ تُجْعَلُ فی وَتْرَةِ أَنْفِهِ یُشَدُّ فیها (7) الزِّمَامُ و یقال لكلّ مثقوبٍ: مخزومٌ، ذكره الجوهری (8).

و قال: انْثَالَ علیه النّاسُ من كُلِّ وجهٍ: انْصَبُّوا (9).

قوله علیه السلام: و ظننت .. أی علمت، كما ورد كثیرا فی الآیات بهذا المعنی (10)، أو المعنی: إنّی ظننت أنّ الناس یروننی أولی و أحقّ و یعاونوننی علی

ص: 27


1- الصحاح 3- 887، و انظر: لسان العرب 3- 431.
2- الصحاح 2- 554، و مثله فی لسان العرب 5- 381، و غیره.
3- نصّ علیه فی لسان العرب 1- 266، و الصحاح 1- 99.
4- قاله فی الصحاح 5- 2067، و فی القاموس 4- 195: الآجن: الماء المتغیّر الطعم و اللون.
5- كما فی الصحاح 3- 1223، و لسان العرب 8- 137.
6- لا یوجد: یقال، فی المصدر.
7- فی ك نسخة: یشدّ بها.
8- كما جاء فی الصحاح 5- 1911، و مثله فی لسان العرب 12- 174- 175 باختلاف یسیر فی اللفظ.
9- قاله فی لسان العرب 11- 95، و الصحاح 4- 1649، و غیرهما.
10- كما لو أسند إلی الأنبیاء مثلا كقوله تعالی فی سورة الأنبیاء: 87: «وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ ..»، أو فی سورة ص: 24: «وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ ..»، أو سورة الحاقّة: 22: «إِنِّی ظَنَنْتُ أَنِّی مُلاقٍ حِسابِیَهْ ..»، و غیرها.

منازعتهم.

و قوله علیه السلام: تقارب .. أی لم یبالغ فی معاندة الحقّ بعد غصب الخلافة حیلة و خدیعة، لأنّه كان یستقبل تارة و یعتذر إلیه علیه السلام أخری، و یرجع إلیه فی الأمور لیتمشّی أمره، و یظهر للناس أنّه إنّما ولی الأمر لصلاح المسلمین.

قال فی النهایة: فیه سَدِّدُوا و قَارِبُوا .. أی اقتصدوا فی الأمور كلِّها، و اتْرُكُوا الغُلُوَّ فیها و التّقصیرَ، یقال: قَارَبَ فلانٌ فی أُمُورِهِ: إذا اقْتَصَدَ (1).

قوله علیه السّلام: لو لا خاصّة .. أی محبّة أو خلطة خاصّة.

و التَّحْرِیشُ: الإِغْرَاءُ بَیْنَ القومِ (2).

و هذا الخبر یدلّ علی أنّ خولة إنّما سبیت فی حیاة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فلا تبقی للمخالفین فیها شبهة، و قد مرّ الكلام فیه (3) و سیأتی (4).

و النَّعْیُ: خَبَرُ المَوْتِ (5).

و قوله علیه السّلام: لَا عَلَا كَعْبُهَا .. جملة دعائیّة. قال فی النهایة: .. فِی حَدِیثِ قَیْلَةَ: و اللّٰه لا یزال كَعْبُكَ عالیاً .. هو دعاءٌ لَهَا بالشّرفِ و العُلُوِّ (6).

قوله علیه السلام: و أَضَاعُوا أَیَّامِی .. أی ضیّعوا (7) و لم یلتفتوا إلی أیّامی (8) المشهورة التی نصرتُ فیها الدین و وقیت فیها المسلمین، و فی بعض النسخ:

ص: 28


1- كما جاء فی النهایة 4- 33، و لسان العرب 1- 669، و القاموس 3- 296.
2- صرّح بذلك فی مجمع البحرین 4- 133، و الصحاح 3- 1001، و غیرهما.
3- بحار الأنوار: 22- 181 و 192- 193.
4- بحار الأنوار 42- 84- 87 و 99. و لاحظ: 41- 303 و 326.
5- ذكره فی الصحاح 6- 2512، و مجمع البحرین 1- 418.
6- قاله فی النهایة: 4- 179، و لسان العرب 1- 719.
7- نصّ علیه فی الصحاح 3- 1252، و قریب منه فی القاموس 3- 58.
8- فی س: أیّام.

بالذال المعجمة مِنَ الإِذَاعَةِ بمعنی الإفشاءِ (1)، فالمراد بالأیّام أیّام (2) مظلومیّته علیه السلام، و لعلّه تصحیف، و الظاهر: و اكفئوا إنائی أو أصغوا إنائی كما مرّ (3).

قوله علیه السلام: فكأنّه علم .. إشارة إلی ما ذكره تعالی فی قصّة فرعون إنّه قال لموسی علیه السلام: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولی (4)، و المشهور فی تفسیره أنّه سئل عن حالهم بعد موتهم من السعادة و الشقاوة، فقال موسی: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی فِی كِتابٍ لا یَضِلُّ رَبِّی وَ لا یَنْسی (5) أی إنّه غیب لا یعلمه إلّا اللّٰه، و إنّما أنا عبد ملك لا أعلم منه إلّا ما أخبرنی به (6)، فمراده علیه السلام هنا أنّ أمر عثمان فی الآخرة و ما ترتّب علی أعماله الشنیعة فی علمه تعالی و هو أعلم بذلك، و إنّما عبّر كذلك للمصلحة، أو المعنی أنّ أمره كان شبیها بأمور وقعت علی القرون الأولی كقارون.

قوله علیه السلام: لا ینفع فیه العیان .. لعلّ المعنی أنّ أمره كان أمرا مشتبها علی من عاین الأمر و علی من سمع الخبر فلا یدری (7) كیف وقع، أو اشتبه علی أكثر الناس إنّه هل كان قتله حقّا أو باطلا.

و الثُّلْمَةُ- بالضم-: الخَلَلُ فی الحائط و غیره (8)

قوله علیه السّلام: فئة یقاتلان دونها .. لعلّ المراد بها هنا المرجع، مِنْ فَاءَ إِذَا رَجَعَ (9)، و لا یبعد أن یكون قُبَّة- بالقاف و الباء الموحّدة المشدّدة أو بالقاف

ص: 29


1- كذا ذكره فی القاموس 3- 24، و الصحاح 3- 1211، و غیرهما.
2- لا توجد: أیّام، فی س.
3- كما مرّ ذلك قریبا: .
4- طه: 51.
5- طه: 52.
6- لا توجد: به فی س.
7- خ. ل: و لا یدری.
8- صرّح بذلك فی مجمع البحرین 6- 25، و الصحاح 5- 1881.
9- قال به فی مجمع البحرین 1- 333، و الصحاح 1- 63، و غیرهما.

و النون المشدّدة- و هی بالضم (1)

الجَبَلُ الصَّغیرُ و قُلَّةُ الجبلِ، و المنفردُ المستطیلُ فی السّماء أو الجَبَلُ السّهلُ المُسْتَوِی المنبسطُ علی الأرضِ (2).

و قوله علیه السلام: ثلاث خصال .. استئناف كلام.

قوله علیه السلام: بأطوع الناس .. أی إنّها لقلّة عقلها كانت تطیع الناس فی كلّ باطل، أو علی بناء المفعول .. أی كان الناس یطیعونها فی كلّ ما ترید، و الأول أظهر لفظا، و الثانی معنی.

و الأنجع: الأنفع، و الذی أثر كلامه أكثر، أو تدبیره أوفر، قال فی القاموس: نَجَعَ الطّعامُ- كَمَنَعَ- نُجُوعاً (3): هَنَأَ أَكْلُهُ، و العَلَفُ فی الدَّابَّةِ و الوَعْظُ و الخطابُ فیه: دخل فَأَثَّرَ كَأَنْجَعَ .. و انْتَجَعَ: طَلَبَ الكلأَ فی موضعه، و فلاناً:

أتاه طالبا معروفه (4)، و فی بعض النسخ: و بأشجع الناس.

و المُنَاجَزَةُ فی الحَرْبِ: المُبَادَرَةُ و المُقَاتَلَةُ (5).

و الرَّاحُ- جمعُ الرَّاحَةِ- و هی الكَفُّ (6)، و لعلّ المراد بها هنا بطونها.

و الثَّفِنَةُ- بكسر الفاء: واحدة ثَفِنَات البعیرِ- و هی ما یَقَعُ علی الأرض من أعضائه إذا استناخ و غَلُظَ كالرُّكْبَتَیْنِ و غیرِهِمَا (7).

قوله علیه السلام: الفاسق علی كتاب اللّٰه .. أی الذی سمّاه اللّٰه فی كتابه

ص: 30


1- أی القنّة.
2- كما جاء فی القاموس 4- 261، و لسان العرب 13- 348.
3- لا توجد: نجوعا فی س.
4- كما جاء فی القاموس 3- 87، و مثله معنی فی لسان العرب 8- 347- 348، و غیره.
5- قال فی القاموس 2- 193: المناجزة: المقاتلة .. و المحاجزة قبل المناجزة .. أی المسالمة قبل المعالجة فی القتال. و قال فی النهایة 5- 21: المناجزة فی الحرب: المبارزة .. لأناجزنّك .. أی لأقاتلنّك و أخاصمنّك. و قال فی الصحاح 3- 898: و المناجزة فی الحرب: المبارزة و المقاتلة. و علیه فیحتمل قویا أن یكون الصحیح: المبارزة و المقاتلة.
6- كذا صرّح به فی القاموس 1- 224، و الصحاح 1- 368، و نظائرهما.
7- نصّ بذلك فی الصحاح 5- 2088، و نظیره فی النهایة 1- 215- 216.

فاسقا، فی قوله تعالی: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً .. (1) كما مرّ مرارا.

و عُرْفُطَة- بضم العین و سكون الراء و ضم الفاء (2)

و العذری .. نسبة إلی جدّته العلیا: عذرة بن سعد.

قوله علیه السلام: و أوشك سقاءه .. لعلّه مثل.

و الْمَخْضُ: تحریكُ السّقاء الّذی فیه اللّبن لیخرج ما فیه من الزّبد (3)، و المعنی أنّه یفعل بنفسه ما یحصل به المقصود، أو یفعل هؤلاء فیه ما یغنی عن فعل غیرهم.

قولها: و لا قَدَمَكَ .. أی تَقَدُّمَكَ فی الإِسْلامِ و سَبْقَكَ، ذكره الجزری (4).

و الغَنَا- بالفتح- النَّفْعُ: و یقال ما یُغْنِی عنك هذا .. أی ما یجدی عنك و ما ینفعك (5). و فی بعض النسخ بالعین المهملة و هو التعب، و الأوّل أظهر.

قوله تعالی: مِنْ قَوْمٍ. أی معاهدین خِیانَةً. أی نقض (6) عهد بأمارات تلوح لك فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ. أی فاطرح إلیهم (7) عهدهم عَلی سَواءٍ (8) ..

أی علی عدل (9) و طریق قصد فی العداوة، و لا تناجزهم الحرب فإنّه یكون خیانة منك، أو علی سواء فی الخوف أو العلم بنقض العهد، و هو فی موضع الحال من النابذ علی الوجه الأول .. أی ثابتا علی طریق سوی، أو من (10) المنبوذ إلیهم، أو

ص: 31


1- السجدة: 18.
2- كما قاله فی القاموس 2- 373، و لسان العرب 7- 350، و هی علم هنا.
3- ذكره فی النهایة 5- 306، و انظر: لسان العرب 7- 230، و تاج العروس 5- 83، و غیرهما.
4- قاله فی النهایة 4- 25 و 26، و قارن بتاج العروس 9- 19.
5- صرّح به فی مجمع البحرین 1- 320، و انظر: الصحاح 6- 2449، و المصباح المنیر 2- 126.
6- فی س: نقص.
7- كما جاء فی مجمع البحرین 3- 189، و القاموس 1- 359، و غیرهما.
8- الأنفال: 58.
9- نصّ علیه فی مجمع البحرین 1- 234، و قریب منه فی القاموس 4- 345.
10- فی المصدر زیادة: أو منه، قبل أو من.

منهما علی غیره، ذكره البیضاوی (1)

قوله علیه السلام: عن رضاع الملی .. فی الروایات الأخر: خدع الصبیّ عن اللبن، و لعلّه هنا عن الرضاع الملی .. أی عن رضاع یتملأ الصبیّ منه (2)، و لعلّه- علی ما فی النسخ- المراد به رضاع اللبن الملی، أو الطفل الملی.

و الفَراش- بالفتح-: الطَّیْرُ الّذی یُلْقِی نَفْسَهُ فی ضَوْءِ السِّرَاجِ (3).

قوله علیه السلام: مِنْ كُلِّ أَوْبٍ .. أی مِنْ جِهَةٍ (4)، و فی بعض النسخ:

أَدَبٍ- بالدال المهملة- و هو الظَّرْفُ (5).

و قال الفیروزآبادی: نَضَحَ فُلَاناً بِالنَّبْلِ: رَمَاهُ (6)و قال: شَجَرَهُ (7) بِالرُّمْحِ: طَعَنَهُ (8).

قوله علیه السلام: وَ كَانَا أَهْلَهُ .. أی كانا أهلًا لمخالفة القرآن، و لم یكن مستبعدا منهما.

و عَثَا یَعْثُو عَثْواً: أَفْسَدَ (9)

و قال فی النهایة: یُقَالُ نَصَلَ السَّهْمُ: إِذَا خَرَجَ مِنْهُ النَّصْلُ، و نَصَلَ أیضا-: إِذَا ثَبَتَ نَصْلُهُ فی الشَّیْ ءِ .. فَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ (10).

ص: 32


1- تفسیر البیضاوی 1- 388- بدون أی التفسیریة بعد الآیات-.
2- بمعنی یستمع الصبیّ منه، و لعلّ مراده- طاب ثراه- كونه رضاعا فی مدّة طویلة یستمتع الصبیّ فیها من اللبن، و ذلك لأن الملیّ بمعنی الحین الطویل، و المدّة الطویلة التی لا حدّ لها، كما نصّ علیه غیر واحد كما فی مجمع البحرین 1- 367 و غیره.
3- كما جاء فی النهایة 3- 430، و لسان العرب 6- 330، و غیرهما.
4- ذكره فی القاموس 1- 37، و انظر: لسان العرب 1- 220، و غیره.
5- قاله فی القاموس 1- 36، و مثله فی لسان العرب 1- 206.
6- صرّح به فی لسان العرب 2- 620، و القاموس 1- 253، و غیرهما.
7- فی س: شحره- بالحاء المهملة- و لا معنی لها.
8- قاله فی القاموس 2- 56، و نظیره فی لسان العرب 4- 396.
9- كما صرّح به فی مجمع البحرین 1- 282 و القاموس 4- 359، و غیرهما.
10- قاله فی النهایة 5- 67، و مثله فی لسان العرب 11- 662.

قوله علیه السلام: وَ عَادَ أَكْثَرُهَا قَصْداً .. قال فی القاموس: رُمْحٌ قَصِدٌ كَكَتِفٍ- و قَصِیدٌ و أَقْصَادٌ: مُتَكَسِّرٌ (1) انتهی. و فی بعض النسخ: و عَادَ أَكْثَرُنَا قَعِیداً .. أی قاعداً عن الحرب عاجزاً، و القَعِیدُ: الْجَرَادُ لَمْ یَسْتَوِ جَنَاحُهُ (2)، و لعلّه تصحیف.

قوله علیه السلام: ظَلَّلْتُمْ علی النخیلة .. علی بناء التفعیل، و فی بعض النسخ علی الإفعال .. أی أشرفتم، یقال: أَظَلَّكَ فُلَانٌ: إذا دَنَا منك كأنّه أَلْقَی علیك ظِلَّهُ (3) فَضُمِّنَ معنی الإشراف، و یقال: ظَلِلْتُ أَعْمَلُ كذا- بالكسر-: إذا عملته بالنّهار (4)، فیمكن أن یقرأ علی بناء المجرّد، لكن فیه تكلّف.

قوله علیه السلام: نواصیكم .. أی تطیعوا إمامكم فی لزوم معسكركم، فإنّ الأخذ بالناصیة كنایة عن الإطاعة، و فی بعض النسخ: قواصیكم .. أی تدعوا إلی حضور معسكركم الفرق القاصیة البعیدة عنكم، و لعلّه أظهر.

قوله علیه السلام: و إلی مصالحكم تُرْقَی .. أی تُصْعَدُ (5) و ترفع من بینكم، أو من المهموز مِنْ رَقَأَ الدَّمْعُ إِذَا سَكَنَ (6)، و لا یبعد أن یكون بالزاء مهموزا من الرزء (7) بمعنی النّقص فَخُفِّفَ، و فی بعض النسخ إلی مَسَالِحِكُمْ- بالسین- ..

أی ثُغُورِكُمْ (8) و هو الصواب .. أی یرقی العدوّ علیها.

ص: 33


1- القاموس 1- 327، و نظیره فی لسان العرب 3- 355، و غیره.
2- كما صرّح به فی الصحاح 2- 526، و قاله فی القاموس 1- 328.
3- جاء فی الصحاح 5- 1756، و لسان العرب 11- 418، و غیرهما.
4- ذكره فی مجمع البحرین 5- 415، و الصحاح 5- 1756، و غیرهما.
5- كما صرّح به فی مجمع البحرین 1- 194، و القاموس 4- 336، و غیرهما.
6- ذكره صاحب الصحاح فیه 1- 53، و القاموس 1- 16.
7- فی حاشیة ك حاشیة غیر معلمة لعلّ محلها هنا، و هی: یقال: ما رزئته- بالكسر-: ما نقصته، و ارتزأ: انتقص. قاموس. القاموس المحیط 1- 16 باختلاف یسیر.
8- قاله فی مجمع البحرین 2- 374، و القاموس 1- 229، و غیرهما.

قوله علیه السلام: تَآسَوْا .. أی اقْتَدَی بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فی التَّعَاوُنِ و الجِدِّ (1)، و فی بعض النسخ: بَؤُسُوا- بضم الهمزة- من البَأْسِ- بمعنی الشِّدَّةِ فی الحربِ (2).

قوله علیه السلام: فَقَدْ أَبْدَتِ (3) الرغوة (4) .. هذا مَثَلٌ سائرٌ یُضْرَبُ لِظُهُورِ الحقِّ (5).

ص: 34


1- قال فی الصحاح 6- 2268، و القاموس 4- 299 ما نصّه: تآسوا .. أی آسی بعضهم بعضا و آساه بماله مواساة .. أی جعله فیه أسوة. و لعلّ ما فی المتن یرجع إلی ما ذكرناه، فتدبّر.
2- كما جاء فی القاموس 2- 199، و الصحاح 3- 906- 907، و غیرهما.
3- فی س: أبدب. و جاء فی حاشیة ك تعلیقة غیر معلمة، لعلها هنا، و هی: أبدی: لازم و متعدّ، یقال: أبدیت فی منطقك .. أی جرت، فیكون المعنی بدأ الصریح عن الرغوة، و یجوز أن یكون متعدّیا أو المفعول محذوف .. أی أبدی الصریح نفسه، و هذا المثل لعبید اللّٰه بن زیاد قاله لهانی بن عروة المرادی، و كان مسلم بن عقیل بن أبی طالب قد استخفی عنده أیّام بعثه الحسین بن علی علیهما السلام، فلمّا عرف مكانه عبید اللّٰه أرسل إلی هانی فسأله فكتمه فتوعّده و خوّفه، فقال هانی: هو عندی، فعندها قال عبید اللّٰه: أبدی الصریح عن الرغوة .. أی وضح الأمر و بان. قال فضلة شعرا: أ لم تسل الفوارس یوم غول*** بنضلة و هو موتور مشیح رأوه فازدروه و هو حرّ*** و ینفع أهله الرجل القبیح و لم یخشوا مصالته علیهم ***و تحت الرغوة اللبن الصریح و معنی البیت: رأونی فازدرونی لدمامتی فلمّا كشفوا عنّی وجدوا غیر ما رأوا ظاهرا، یضرب عند انكشاف الأمر و ظهوره. أقول: هذا ما ذكره المیدانی فی مجمع الأمثال 1- 103 بألفاظ مقاربة.
4- جاء فی حاشیة ك تعلیقة غیر معلمة ظاهرها هنا، و هی: و الرغوة فیها ثلاث لغات: رغوة و رغوة و رغوة، و حكی الكسر فیها اللحیانیّ و غیره، و هو زبد اللّبن، و فی المثل: یسرّ حسوا فی ارتغاء، یضرب لمن یظهر أمرا و یرید غیره. الصحاح. أقول: انظر: مجمع الأمثال للمیدانی 2- 416، و المستقصی 2- 412، و فرائد اللئالی 2- 366، و العبارة كلّها جاءت فی الصحاح 6- 2360. و مثلها فی لسان العرب 14- 330 إلّا أنّه لیست فیه الجملة المعترضة، أعنی و حكی الكسر .. إلی آخره.
5- كما جاء فی كتب الأمثال كمجمع الأمثال 1- 103، و فرائد اللئالی 1- 84، و غیرهما.

قال الزمخشری فی المُسْتَقْصَی (1): أَبْدَی الصَّرِیحُ عَنِ الرَّغْوَةِ هذا من مقلوب (2) الكلام، و أصله أَبْدَتِ الرَّغْوَةُ عن الصّریحِ، كقوله و تحتَ الرَّغْوَةِ اللَّبَنُ الصریحُ. قال (3)عُبَیْدُ اللّٰه بنُ زیادٍ لِهَانِئِ بنِ عُرْوَةَ حین سَأَلَ (4) عن مسلم بن عقیل (5)

و كان متواریاً عنه- فَجَحَدَ ثمّ أَقَرَّ، یُضْرَبُ فی ظهور كَامِنِ الأَمْرِ.

قوله: أَنِفاً- كَكَتِف أو كَصَاحِب- و لعلّه من الأَنَفَةِ بمعنی الاستنكاف (6) و التّكبّر، و الأظهر أَلْباً- باللام و الباء- بقرینة حَرْباً، یقال: هم علیه ألب- بالفتح و الكسر- أی مجتمعون علیه بالظّلم و العداوة، و التّألیب: التّحریص و الإفساد، و الأَلْبُ- بالفتح-: التّدبیر علی العدوّ من حیث لا یعلم و الطّرد الشّدید (7)، و الأَلْبُ و الحربُ كثیراً ما یُذْكَرَانِ معاً، و علی التقدیرین لا بدّ من تجوز فی اللام.

و قال الجوهری (8): شَبَبْتُ النَّارَ و الحربَ أَشُبُّهَا شَبّاً و شُبُوباً: إذا أَوْقَدْتُهُمَا.

قوله علیه السلام: و لكن أسفٌ یَبْرِینِی .. أی یَهْزُلُنِی، مِنْ بَرَیْتُ السَّهْمَ (9) أو یَنْبَرِینِی مِنْ انْبَرَی لَهُ أی اعْتَرَضَ (10)، أو یَرِینِی مِنْ وَرَی الْقَیْحُ جَوْفَهُ: أَفْسَدَهُ، و فلانٌ فلاناً أَصَابَ رِئَتَهُ (11)، أو یُرِیبُنِی مِنْ أَرْبَیْتُهُ .. أی زِدْتُهُ (12) یعنی یزیدنی همّا،

ص: 35


1- المستقصی 1- 15.
2- فی س: مغلوب- بالغین المعجمة- و هو خلاف الظاهر.
3- فی المستقصی: قاله.
4- فی المصدر: سأله.
5- فی المستقصی: مسلم بن عقیل بن أبی طالب.
6- كما جاء فی القاموس 3- 119، و الصحاح 4- 1333، و غیرهما.
7- ذكره فی لسان العرب 1- 215- 216، و القاموس 1- 37.
8- الصحاح 1- 151، و نظیره فی لسان العرب 1- 481، و فیهما: أوقدتها.
9- قال فی القاموس 4- 303: و براه السفر یبریه بریا: هزله. و قال فی الصحاح 6- 2280: و بریت 3 القلم بریا و بریت البعیر أیضا: إذا حسرته و أذهبت لحمه.
10- كما جاء فی الصحاح 6- 2280، و القاموس 4- 303، و غیرهما.
11- ذكره فی القاموس 4- 399، و تاج العروس 10- 388.
12- نصّ علیه فی النهایة 2- 192، و لسان العرب 7- 305، و غیرهما.

و كانت نسخ المنقول منه تحتمل الجمیع.

و الدُّوَلُ- جمع دُولَةٍ- بالضم-: هو ما یُتَدَاوَلُ من المالِ، فیكون لقوم دون قوم (1)

و كتاب اللّٰه دَغَلًا .. أی یخدعون النّاس به (2). و الدَّغَلُ- بالتحریك-:

الفساد و الشَّرُّ و المَكْرُ (3).

و حُمَّ لَهُ كذا- علی المجهول- قُدِّرَ (4).

و الخَسْفُ: الذُّلُّ و المَشَقَّةُ و النُّقصانُ (5).

و الأَرَقُ: السَّهَرُ، و قَدْ أَرِقْتُ- بالكسر- .. أی سَهَرْتُ .. فَأَنَا أَرِقٌ، ذكره الجوهری (6).

قوله: بغیر نصر .. أی من اللّٰه تعالی، فینبغی أن یكون الصبر للّٰه تعالی، فإنّ الصبر قد یكون لأجل الجبن عن الفرار و للحمیّة، و یمكن أن یقرأ بالبصر بالباء- .. أی بالعلم أو البصیرة.

قوله علیه السلام: و إنّما الصبر بالنصر .. أی ما قرن الصبر إلّا بالنصر، و فی بعض النسخ بالعكس، و هو ظاهر. و یؤیّد الأول الفقرتان اللّتان بعدهما، فإنّ المراد بهما أنّ الورود علی الماء مقرون بالصدور. و الصَّدْرُ- بالفتح (7)

الرُّجُوعُ،

ص: 36


1- 1 قاله فی النهایة 2- 140، و مقارب له فی تاج العروس 7- 326.
2- صرّح به فی لسان العرب 11- 245، و النهایة 2- 123.
3- قال فی مجمع البحرین 5- 372: دغل السریرة: خبثها و مكرها و خدیعتها. و قال فی الصحاح 4- 1697: الدّغل- بالتحریك-: الفساد، مثل الدّخل، و قال فی صفحة: 1696 منه: و الدّخل: العیب و الریبة .. و كذلك الدّخل- بالتحریك- دخلا بینكم .. أی مكرا و خدیعة.
4- كما جاء فی القاموس 4- 100، و الصحاح 5- 1904، و غیرهما.
5- قاله فی الصحاح 4- 1250، و لسان العرب 9- 68.
6- صرّح به فی الصحاح فی اللغة 4- 1445، و لسان العرب 10- 4، و غیرهما.
7- سقطت: بالفتح، عن س.

و بالتّحریك الاسمُ مِنْهُ (1)

و البرق مقرون بالمطر .. و یمكن أن یقرأ بالبصر هنا- أیضا بالباء-، فتفطّن.

و قد مرّ تفسیر بعض الفقرات و سیأتی شرح بعضها فیما نقلناه و سننقل من خطبه علیه السلام.

«2»-وَ رَوَی السَّیِّدُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَعْقُوبَ الْكُلَیْنِیِّ مِمَّا رَوَاهُ فِی كِتَابِ الرَّسَائِلِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ غَیْرِهِمَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِیدِ الصَّیْرَفِیِّ، عَنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ سِنَانِ بْنِ ظَرِیفٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: كَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَكْتُبُ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ إِلَی (3) أَكَابِرِ أَصْحَابِهِ، وَ فِیهَا كَلَامٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ، إِلَی الْمُقَرَّبِینَ فِی الْأَظِلَّةِ، الْمُمْتَحَنِینَ بِالْبَلِیَّةِ، الْمُسَارِعِینَ فِی الطَّاعَةِ، الْمُنْشَئِینَ (4) فِی الْكَرَّةِ، تَحِیَّةٌ مِنَّا إِلَیْكُمْ، سَلَامٌ عَلَیْكُمْ، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ نُورَ الْبَصِیرَةِ رُوحُ الْحَیَاةِ الَّذِی لَا یَنْفَعُ إِیمَانٌ إِلَّا بِهِ مَعَ اتِّبَاعِ (5) كَلِمَةِ اللَّهِ وَ التَّصْدِیقِ بِهَا، فَالْكَلِمَةُ مِنَ الرُّوحِ، وَ الرُّوحُ مِنَ النُّورِ، وَ النُّورُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، فَبِأَیْدِیكُمْ سَبَبٌ وَصَلَ إِلَیْكُمْ مِنَّا نِعْمَةٌ (6) مِنَ اللَّهِ لَا تَعْقِلُونَ (7) شُكْرَهَا،

ص: 37


1- ذكره فی القاموس 2- 68، و مجمع البحرین 3- 363، و غیرهما.
2- كشف المحجّة لثمرة المهجة: 189- 193، باختلاف یسیر.
3- فی المصدر: إلی بعض ..
4- المنشرین: نسخة فی ك. و فی المصدر: المستیقنین بی الكرّة.
5- فی ك نسخة: اتّباعه.
6- فی المصدر: و إتیان نعمة من ..
7- فی كشف المحجّة: لا تغفلون ..

خَصَّكُمْ بِهَا وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَهَا وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (1)إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ أَنْ لَنْ یَحُلَّ عَقْدَهُ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَتَسَارَعُوا إِلَی وَفَاءِ الْعَهْدِ (2)، وَ امْكُثُوا (3)فِی طَلَبِ الْفَضْلِ، فَإِنَّ الدُّنْیَا عَرَضٌ حَاضِرٌ یَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَ الْفَاجِرُ، وَ إِنَّ الْآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ (4)یَقْضِی فِیهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، أَلَا وَ إِنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَدْ (5)وَقَعَ لِسَبْعٍ بَقِینَ مِنْ صَفَرٍ، تَسِیرُ فِیهَا الْجُنُودُ، یَهْلِكُ (6)فِیهَا الْبَطَلُ الْجَحُودُ، خُیُولُهَا عِرَابٌ، وَ فُرْسَانُهَا حِرَابٌ (7)، وَ نَحْنُ بِذَلِكَ وَاقِفُونَ (8)، وَ لِمَا ذَكَرْنَا مُنْتَظِرُونَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ لِیَنْبُتَ الْعُشْبُ، وَ یَجْنِی الثَّمَرَ، دَعَانِی إِلَی الْكِتَابِ إِلَیْكُمُ اسْتِنْقَاذُكُمْ مِنَ الْعَمَی، وَ إِرْشَادُكُمْ بَابَ الْهُدَی، فَاسْلُكُوا سَبِیلَ السَّلَامَةِ، فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْكَرَامَةِ، اصْطَفَی اللَّهُ مَنْهَجَهُ، وَ بَیَّنَ حُجَجَهُ (9)، وَ أَرَّفَ أُرَفَهُ (10)، وَ وَصَفَهُ وَ حَدَّهُ وَ جَعَلَهُ نَصّاً (11)كَمَا وَصَفَهُ (12)، إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ یَأْتِیهِ مَلَكَانِ أَحَدُهُمَا مُنْكَرٌ

ص: 38


1- العنكبوت: 43.
2- فی حاشیة ك جملة لم یعلّم علیها و لعلّ محلّها هنا و هی: إتیان الواجبات، و فیها نسخة: الواجبتان، و سیذكرهما المصنّف رحمه اللّٰه فی بیانه.
3- فی س و نسخة جاءت فی ك: و اكمشوا. و هی بمعنی شمّروا و جدّوا فی الطّلب كما جاء فی مجمع البحرین 4- 153.
4- فی ك نسخة: معاوق. قال فی مفردات الرّاغب: 353: العائق: الصّارف عمّا یراد من خیر، و منه عوائق الدّهر، یقال: عاقه و عوّقه و اعتاقه، قال: قد یعلم اللّٰه المعوّقین .. أی المثبّطین الصّارفین عن طریق الخیر. و المعنی المناسب للمقام .. أی وعد غیر حاضر یصرف النّاس عن الدّنیا.
5- لا توجد: قد فی المصدر.
6- فی ك: و یهلك.
7- فی المصدر: أحزاب.
8- فی كشف المحجّة: واثقون، و هی نسخة فی ك.
9- فی س: حجبه.
10- فی المصدر: و أزف أزفة.
11- فی ك نسخة: رصّا.
12- هنا سقط جاء فی المصدر: قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم.

وَ الْآخَرُ نَكِیرٌ، فَأَوَّلُ مَا یَسْأَلَانِهِ عَنْ رَبِّهِ، وَ عَنْ نَبِیِّهِ، وَ عَنْ وَلِیِّهِ، فَإِنْ أَجَابَ نَجَا وَ إِنْ تَحَیَّرَ عَذَّبَاهُ.

فَقَالَ قَائِلٌ: فَمَا حَالُ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ، وَ عَرَفَ نَبِیَّهُ، وَ لَمْ یَعْرِفْ وَلِیَّهُ؟. فَقَالَ: ذَلِكَ مُذَبْذَبٌ لا إِلی هؤُلاءِ وَ لا إِلی هؤُلاءِ قِیلَ: فَمَنِ الْوَلِیُّ یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)؟. فَقَالَ: وَلِیُّكُمْ فِی هَذَا الزَّمَانِ أَنَا، وَ مِنْ بَعْدِی وَصِیِّی، وَ مِنْ بَعْدِ وَصِیِّی لِكُلِّ زَمَانٍ حُجَجُ اللَّهِ كَیْمَا تَقُولُوا كَمَا قَالَ الضُّلَّالُ قَبْلَكُمْ حَیْثُ (1)فَارَقَهُمْ (2)نَبِیُّهُمْ: رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آیاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزی (3)، وَ إِنَّمَا كَانَ تَمَامُ ضَلَالَتِهِمْ جَهَالَتَهُمْ بِالْآیَاتِ وَ هُمُ الْأَوْصِیَاءُ (4)فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِیِّ وَ مَنِ اهْتَدی (5)وَ إِنَّمَا كَانَ تَرَبُّصَهُمْ أَنْ قَالُوا: نَحْنُ فِی سَعَةٍ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَوْصِیَاءِ حَتَّی یُعْلِنَ إِمَامٌ (6)عِلْمَهُ، فَالْأَوْصِیَاءُ قُوَّامٌ عَلَیْكُمْ (7)بَیْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، لَا یَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ، وَ لَا یَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ، لِأَنَّهُمْ عُرَفَاءُ الْعِبَادِ عَرَّفَهُمُ اللَّهُ إِیَّاهُمْ عِنْدَ أَخْذِ الْمَوَاثِیقِ عَلَیْهِمْ بِالطَّاعَةِ لَهُمْ، فَوَصَفَهُمْ فِی كِتَابِهِ فَقَالَ جَلَّ وَ عَزَّ: وَ عَلَی الْأَعْرافِ رِجالٌ یَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِیماهُمْ (8)وَ هُمُ الشُّهَدَاءُ عَلَی النَّاسِ، وَ النَّبِیُّونَ شُهَدَاءُ لَهُمْ بِأَخْذِهِ (9)لَهُمْ مَوَاثِیقَ الْعِبَادِ بِالطَّاعَةِ، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

فَكَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلی هؤُلاءِ شَهِیداً یَوْمَئِذٍ یَوَدُّ الَّذِینَ

ص: 39


1- فی ك نسخة: حین، و لا توجد حیث و لا حین فی المصدر.
2- فی المصدر: من قبلكم فارقهم.
3- طه: 134.
4- فی المصدر: و فهم الأوصیاء.
5- طه: 134.
6- جاءت كلمة: الإمام فی المصدر بالألف و اللّام.
7- فی ك: علیك.
8- الأعراف: 46.
9- نسخة فی ك: بأخذهم.

كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّی بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا یَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِیثاً (1) .

وَ كَذَلِكَ (2) أَوْحَی اللَّهُ إِلَی آدَمَ: أَنْ یَا آدَمُ! قَدِ انْقَضَتْ مُدَّتُكَ، وَ قُضِیَتْ نُبُوَّتُكَ، وَ اسْتَكْمَلَتْ أَیَّامُكَ، وَ حَضَرَ أَجَلُكَ، فَخُذِ النُّبُوَّةَ وَ مِیرَاثَ النُّبُوَّةِ وَ اسْمَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ فَادْفَعْهُ إِلَی ابْنِكَ: هِبَةِ اللَّهِ، فَإِنِّی لَمْ أَدَعِ الْأَرْضَ بِغَیْرِ عَلَمٍ یُعْرَفُ، فَلَمْ تَزَلِ (3) الْأَنْبِیَاءُ وَ الْأَوْصِیَاءُ یَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ حَتَّی انْتَهَی الْأَمْرُ إِلَیَّ، وَ أَنَا أَدْفَعُ ذَلِكَ إِلَی عَلِیٍّ وَصِیِّی، وَ هُوَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی، وَ إِنَّ عَلِیّاً یُورَثُ وُلْدُهُ حَیُّهُمْ عَنْ مَیِّتِهِمْ، فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ یَدْخُلَ جَنَّةَ رَبِّهِ فَلْیَتَوَلَّ عَلِیّاً وَ الْأَوْصِیَاءَ مِنْ بَعْدِهِ، وَ لْیُسْلِمْ لِفَضْلِهِمْ، فَإِنَّهُمُ الْهُدَاةُ بَعْدِی، أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فَهْمِی وَ عِلْمِی، فَهُمْ عِتْرَتِی مِنْ لَحْمِی وَ دَمِی، أَشْكُو إِلَی اللَّهِ عَدُوَّهُمْ وَ الْمُنْكِرَ لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَ الْقَاطِعَ عَنْهُمْ صِلَتِی، فَنَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ (4) شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرَّحْمَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، فَمَثَلُ أَهْلِ بَیْتِی فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ سَفِینَةِ نُوحٍ (علیه السلام) مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ (5) ، وَ مَثَلِ بَابِ حِطَّةٍ فِی بَنِی إِسْرَائِیلَ مَنْ دَخَلَهُ غُفِرَ لَهُ، فَأَیُّمَا (6) رَایَةٍ خَرَجَتْ لَیْسَتْ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی فَهِیَ الدَّجَّالِیَّةُ، إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِدِینِهِ أَقْوَاماً انْتَجَبَهُمْ لِلْقِیَامِ عَلَیْهِ وَ النَّصْرِ لَهُ، طَهَّرَهُمْ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، وَ أَوْحَی إِلَیْهِمْ (7) مُفْتَرَضَ الْقُرْآنِ، وَ الْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ فِی مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا، إِنَّ اللَّهَ خَصَّكُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ، وَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْتَعُ (8) سَلَامَةٍ، وَ أَجْمَعُ كَرَامَةٍ، اصْطَفَی اللَّهُ مَنْهَجَهُ،

ص: 40


1- النّساء: 41- 42
2- فی نسخة جاءت علی حاشیة (ك): و لذلك.
3- فی المصدر: فلم یزل
4- فی كشف المحجّة: أهل بیت
5- حدیث السّفینة سبق، و قد ذكرنا له جملة مصادر، و جاء بألفاظ مختلفة. انظر: الغدیر 10- 280 و ما بعدها و غیره
6- نسخة فی (ك): فإنما
7- فی (س): إلیه.
8- فی المصدر و نسخة فی (ك): أمنع

وَ وَصَفَهُ وَ وَصَفَ أَخْلَاقَهُ، وَ وَصَلَ أَطْنَابَهُ مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُكْمٍ (1) ، ذِی حَلَاوَةٍ وَ مَرَارَةٍ، فَمَنْ طَهَّرَ (2) بَاطِنَهُ رَأَی عَجَائِبَ مَنَاظِرِهِ فِی مَوَارِدِهِ وَ مَصَادِرِهِ، وَ مَنْ فَطَنَ لِمَا بَطَنَ (3) رَأَی مَكْنُونَ الْفِطَنِ (4) وَ عَجَائِبَ الْأَمْثَالِ وَ السُّنَنِ، فَظَاهِرُهُ أَنِیقٌ (5) ، وَ بَاطِنُهُ عَمِیقٌ، وَ لَا تَفْنَی (6) غَرَائِبُهُ، وَ لَا تَنْقَضِی عَجَائِبُهُ، فِیهِ مَفَاتِیحُ الْكَلَامِ، وَ مَصَابِیحُ الظَّلَامِ، لَا یُفْتَحُ الْخَیْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِحِهِ، وَ لَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِیحِهِ، فِیهِ تَفْصِیلٌ وَ تَوْصِیلٌ، وَ بَیَانُ الِاسْمَیْنِ الْأَعْلَیْنِ اللَّذَیْنِ جُمِعَا فَاجْتَمَعَا، لَا یَصْلُحَانِ إِلَّا مَعاً، یُسَمَّیَانِ فَیَفْتَرِقَانِ، وَ یُوصَلَانِ فَیَجْتَمِعَانِ، تَمَامُهُمَا فِی تَمَامِ أَحَدِهِمَا، حَوَالَیْهَا (7) نُجُومٌ، وَ عَلَی نُجُومِهَا نُجُومٌ، لِیَحْمِیَ حَمَاهُ، وَ یَرْعَی مَرْعَاهُ، وَ فِی الْقُرْآنِ تِبْیَانُهُ وَ بَیَانُهُ (8) وَ حُدُودُهُ وَ أَرْكَانُهُ، وَ مَوَاضِعُ مَقَادِیرِهِ، وَ وَزْنُ مِیزَانِهِ، مِیزَانِ الْعَدْلِ، وَ حُكْمِ الْفَصْلِ، إِنَّ دُعَاةَ (9) الدِّینِ فَرَّقُوا بَیْنَ الشَّكِّ وَ الْیَقِینِ، وَ جَاءُوا بِالْحَقِّ، بَنَوْا لِلْإِسْلَامِ (10) بُنْیَاناً فَأَسَّسُوا لَهُ أَسَاساً وَ أَرْكَاناً، وَ جَاءُوا عَلَی ذَلِكَ شُهُوداً بِعَلَامَاتٍ وَ أَمَارَاتٍ، فِیهَا كَفْیُ الْمُكَتَفِی، وَ شِفَاءُ الْمُشْتَفِی (11) ، یَحْمَوْنَ (12) حَمَاهُ، وَ یَرْعَوْنَ مَرْعَاهُ، وَ یَصُونُونَ مَصُونَهُ، وَ یُفَجِّرُونَ عُیُونَهُ، بِحُبِّ اللَّهِ وَ بِرِّهِ وَ تَعْظِیمِ أَمْرِهِ وَ ذِكْرِهِ بِمَا یُحِبُّ أَنْ یُذْكَرَ بِهِ، یَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلَایَةِ، وَ یَتَنَازَعُونَ بِحُسْنِ الرِّعَایَةِ،

ص: 41


1- فی المصدر: حلم، و هی نسخة فی (ك).
2- فی كشف المحجّة: ظهر.
3- هنا زیادة فی المصدر و هی: لما فطر
4- فی (ك) نسخة: مكتوم الفتن
5- الأنیق: المعجب، كما ذكره فی مجمع البحرین 5- 136
6- و لا تغنی: نسخة جاءت فی (ك).
7- نسخة فی (ك): علیهما
8- لا یوجد فی المصدر: و بیانه.
9- فی كشف المحجّة: رعاة.
10- فی المصدر: الإسلام
11- فی المصدر: المستشفی
12- فی طبعة (ك): یحومون

وَ یَتَسَاقَوْنَ (1) بِكَأْسٍ رَوِیَّةٍ، وَ یَتَلَاقَوْنَ بِحُسْنِ التَّحِیَّةِ، وَ أَخْلَاقٍ سَنِیَّةٍ، قُوَّامٌ عُلَمَاءُ أُمَنَاءُ (2) ، لَا یَسُوقُ (3) فِیهِمُ الرِّیبَةُ، وَ لَا تَشْرَعُ (4) فِیهِمُ الْغِیبَةُ، فَمَنِ اسْتَبْطَنَ مِنْ ذَلِكَ شَیْئاً اسْتَبْطَنَ خُلْقاً سَنِیّاً (5) ، فَطُوبَی لِذِی قَلْبٍ سَلِیمٍ أَطَاعَ مَنْ یَهْدِیهِ، وَ اجْتَنَبَ مَنْ یُرْدِیهِ، وَ یَدْخُلُ مَدْخَلَ كَرَامَةٍ، وَ یَنَالُ سَبِیلَ سَلَامَةٍ، تَبْصِرَةً لِمَنْ بَصَّرَهُ، وَ طَاعَةً لِمَنْ یَهْدِیهِ (6) إِلَی أَفْضَلِ الدَّلَالَةِ، وَ كَشْفَاً لِغَطَاءِ (7) الْجَهَالَةِ الْمُضِلَّةِ الْمُهْلِكَةِ، وَ مَنْ أَرَادَ بَعْدَ هَذَا فَلْیُظْهِرْ بِالْهُدَی (8) دِینَهُ، فَإِنَّ الْهُدَی لَا تُغْلَقُ أَبْوَابُهُ (9) ، وَ قَدْ فُتِحَتْ أَسْبَابُهُ بِبُرْهَانٍ وَ بَیَانٍ، لِامْرِئٍ (10) اسْتَنْصَحَ وَ قَبِلَ نَصِیحَةَ مَنْ نَصَحَ بِخُضُوعٍ وَ حُسْنِ خُشُوعٍ، فَلْیَقْبَلِ امْرُؤٌ بِقَبُولِهَا، وَ لْیَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا، وَ السَّلَامُ..

توضیح: إلی المقرّبین فی الأظلّة .. أی الذین قربوا إلی اللّٰه أو (11) إلینا فی عالم الظلال و عالم الأرواح قبل حلولها الأجساد، و فی بعض النسخ: المقرّین ..

أی أقرّوا بإمامتنا فی عالم الأرواح عند المیثاق.

قوله علیه السلام: المنشئین .. و فی بعض النسخ: المنشرین .. أی الذین

ص: 42


1- نسخة: یتناسقون، و نسخة أخری: یتراشفون، جاءتا فی (ك)، و سیتعرّض لهما المصنّف- فی بیانه طاب ثراه
2- فی المصدر: علماء و أوصیاء
3- نسخة فی (ك): یسوغ
4- نسخة فی (ك): لا تسرع
5- فی كشف المحجّة: سیّئا
6- فی المصدر: لمن أطاع یهدیه
7- فی كشف المحجّة: و كشف غطاء
8- فی المصدر: بالمهدیّ
9- فی المصدر: فإنّ المهدیّ لا یغلق بابه
10- كذا، و فی كشف المحجّة: لأمر
11- خ. ل: و، بدلا من: أو.

ینشرهم اللّٰه و یبعثهم و ینشئهم بعد موتهم فی الرجعة، أی هذا كتاب إلی المقرّبین، و (تحیة) حال، أو خبر ثان، أو خبر مبتدإ محذوف یفسره قوله: سلام علیكم، أو (سلام) مبتدأ و (تحیة) خبره، و فی الأخیر بعد.

و قوله علیه السلام: كلمة اللّٰه .. مبتدأ، و قوله: مع اتّباعه .. خبره، و الضمیر راجع إلی الروح أو النور، أو الضمیر راجع إلی المؤمن بقرینة المقام، و كلمة (اللّٰه) مفعول المصدر، و یؤیّده أنّ فی بعض النسخ: مع اتّباع .. فیكون حال [كذا] عن الضمیر المجرور.

و الحاصل، أنّ نور البصیرة- و هی الولایة و معرفة الأئمّة (علیهم السلام) - یصیر سببا لتعلّق روح الإیمان، و بروح الإیمان یحصل و یكمل التوحید الخالص المقبول، و النور هو الذی مثّل اللّٰه تعالی به نوره فی القرآن المجید فی آیة النور (1) ، و السبب الذی بأیدی الشیعة أیضا الولایة التی هی سبب التقرّب إلی اللّٰه و النجاة من عقابه، أو حججها و براهینها، أو علومهم و معارفهم التی علموها موالیهم، و الأحكام (2) و الشرائع خاصّة، فإنّها الوسیلة إلی التقرّب إلیه تعالی و إلی حججه علیهم السلام، و یؤیّده ما فی بعض النسخ و هو قوله: إتیان الواجبات .. و فی بعضها: إتیان واجبتان [كذا] [واجبتین] - أی الكتاب و أهل البیت علیهم السلام- و إنّما أتی بصیغة المفرد أوّلا و ثانیا لارتباطهما بل اتّحادهما حقیقة، و (نعمة) بدل أو عطف بیان للسبب، أو خبر الضمیر الراجع إلیه.

قوله علیه السلام: أن لن یحلّ عقده .. لعلّ المراد عقد الإمامة .. أی لیس للناس أن یحلّوا عقدا و بیعة عقده اللّٰه تعالی لی فی زمن الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، و فی بعض النسخ: عقده الأهواء .. أی لا یحلّ ما عقده اللّٰه تعالی لأحد آراء الناس و أهوائهم.

ص: 43


1- النور: 35.
2- فی (س): بالأحكام

و قوله علیه السلام: كما قد وقع .. لعلّه إشارة إلی الصلح و الرضا بالحكمین، أو إلی بعض غزوات الصفین (1) ، فعلی الأول سیر الجنود إشارة إلی قتال الخوارج، و علی الثانی إلی ما أراد علیه السلام من الرجوع إلی قتال معاویة.

و الحِرَابُ: مصدرٌ كالمُحَارَبَةِ، و جمع حَرْبَة (2) ، و فیها هنا تجوز، و یمكن أن یقرأ بالضمّ و التشدید جمع حَارِبٍ، و فی بعض النسخ: أَحْزَاب .. أی أحزاب الشرك الذین حاربوا الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

و الأُرَفٌ، كَغُرَفٍ جمع: أُرْفَةٍ- بالضم-، و هی الحدّ بین الأرضین، و أَرَّفَ علی الأرض تأریفاً جعل لها حدودا و قسمها (3) .

و نصّ الشی ء: أظهره (4) .

و فی بعض النسخ: رَصّاً- بالراء- من قولهم: رَصَّ البناء رصّاً: إذا لصق بعضه ببعض (5) .

قوله علیه السلام: حیّهم (6) .. أی یرث حیّهم (7) .

و المراد بالاسمین الأعلین: كلمتا التوحید، أو القرآن و أهل البیت علیهم السلام، و المراد بالنجوم أوّلا الأئمّة، و ثانیا الدلائل الدالّة علی إمامتهم.

قوله علیه السلام: لیحیی حماه .. الضمیر راجع إلی الإسلام، و حماه ما حرّمه اللّٰه فیه، و مرعاه ما أحلّه، و میزان العدل بیان للمیزان، و حكم الفصل الحكم الذی یفصل بین الحقّ و الباطل، و یقال: كَفْیُكَ مِنْ رَجُلٍ- مثلثة حَسْبُكَ (8) .

ص: 44


1- كذا، و لعلّه من باب إضافة المظروف إلی ظرفه، أی غزوات من الصفین
2- كما جاء فی القاموس 1- 53، و لسان العرب 1- 303، و غیرهما
3- قاله فی لسان العرب 9- 4، و القاموس 3- 117.
4- ذكره فی تاج العروس 4- 440، و القاموس 2- 319، و غیرهما
5- صرّح به فی الصحاح 3- 1041، و لسان العرب 7- 40.
6- فی (س): حبّهم
7- فی (س): حبّهم
8- كما جاء فی القاموس 4- 383، و تاج العروس 10- 316 و غیرهما

و قوله: یحبّ (1) اللّٰه .. إما متعلّق بیفجرون، أو به و بما قبله علی التنازع، أو بقوله: یتواصلون.

قوله: و یتساقون .. تَفَاعُلٌ مِنَ السَّقْیِ. و فی بعض النسخ: یَتَنَاسَقُونَ ..

أی یَتَتَابَعُونَ (2) ، و فی بعضها: یَتَرَاشَفُونَ من قولهم رَشَفَ الْمَاءَ: مَصَّهُ (3) .

أقول: و كانت النسخ التی عندنا سقیمة فصحّحناها علی ما تیسّر من اجتماعها، و عسی أن تیسر نسخة أخری أقرب إلی الصحّة، و باللّٰه التوفیق.

ص: 45


1- فی (س): بجب، و الظاهر بحبّ- بالحاء المهملة-.
2- قال فی القاموس 3- 285: و ناسق بینهما: تابع، و تناسقت الأشیاء و انتسقت و تنسّقت بعضها إلی بعض بمعنی. و قال فی النهایة 5- 48: ناسق بمعنی تابع
3- صرّح بذلك فی القاموس 3- 144، و لسان العرب 9- 119.

ص: 46

[17] باب احتجاج الحسین علیه السلام علی عمر و هو علی المنبر

«1»-ج (1): رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ یَخْطُبُ النَّاسَ عَلَی مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَذَكَرَ فِی خُطْبَتِهِ أَنَّهُ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ لَهُ الْحُسَیْنُ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ نَاحِیَةِ الْمَسْجِدِ: انْزِلْ أَیُّهَا الْكَذَّابُ عَنْ مِنْبَرِ أَبِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، لَا مِنْبَرِ(2) أَبِیكَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَمِنْبَرُ أَبِیكَ لَعَمْرِی یَا حُسَیْنُ! لَا مِنْبَرُ أَبِی، مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا (3)؟ أَبُوكَ (4) عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ؟.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَیْنُ: إِنْ أُطِعْ أَبِی فِیمَا أَمَرَنِی فَلَعَمْرِی إِنَّهُ لَهَادٍ وَ أَنَا مُهْتَدٍ بِهِ، وَ لَهُ فِی رِقَابِ النَّاسِ الْبَیْعَةُ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَی لَا یُنْكِرُهَا أَحَدٌ إِلَّا جَاحِدٌ بِالْكِتَابِ، قَدْ عَرَفَهَا النَّاسُ بِقُلُوبِهِمْ وَ أَنْكَرُوهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَ وَیْلٌ لِلْمُنْكِرِینَ حَقَّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ (علیهم السلام) ، مَا ذَا یَلْقَاهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ إِدَامَةِ الْغَضَبِ وَ شِدَّةِ الْعَذَابِ؟!.

ص: 47


1- الاحتجاج 2- 292 [طبعة النّجف 2- 13- 15] تحت عنوان: احتجاج الحسین بن علیّ علیهما السّلام علی عمر ..
2- فی س: إلی منبر .. و هو الظّاهر.
3- إلی هنا ورد فی تاریخ ابن عساكر 4- 321، و فیه: من أمرك بهذا. و حكاه عنه فی الغدیر 7- 126.
4- لا توجد: أبوك، فی س.

فَقَالَ (1) عُمَرُ: یَا حُسَیْنُ! مَنْ أَنْكَرَ حَقَّ أَبِیكَ فَعَلَیْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ! أَمَّرَنَا النَّاسُ فَتَأَمَّرْنَا، وَ لَوْ أَمَّرُوا أَبَاكَ لَأَطَعْنَا. فَقَالَ لَهُ الْحُسَیْنُ (علیه السلام): یَا ابْنَ الْخَطَّابِ! فَأَیُّ النَّاسِ أَمَّرَكَ عَلَی نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ تُؤَمِّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَی نَفْسِكَ لِیُؤَمِّرَكَ عَلَی النَّاسِ بِلَا حُجَّةٍ مِنْ نَبِیٍّ وَ لَا رِضًی مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؟! فَرِضَاكُمْ كَانَ لِمُحَمَّدٍ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ رِضًی، أَوْ رِضَی أَهْلِهِ كَانَ لَهُ سَخَطاً؟! أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَنْ لِلِّسَانِ مَقَالًا یَطُولُ تَصْدِیقُهُ، وَ فِعْلًا یُعِینُهُ الْمُؤْمِنُونَ لَمَا تَخَطَّیْتَ رِقَابَ آلِ مُحَمَّدٍ (صلی اللّٰه علیه و آله)، تَرْقَی مِنْبَرَهُمْ وَ صِرْتَ الْحَاكِمَ عَلَیْهِمْ بِكِتَابٍ نَزَلَ فِیهِمْ، لَا تَعْرِفُ مُعْجَمَهُ، وَ لَا تَدْرِی تَأْوِیلَهُ إِلَّا سَمَاعَ الْآذَانِ، الْمُخْطِئُ وَ الْمُصِیبُ (2) عِنْدَكَ سَوَاءٌ، فَجَزَاكَ اللَّهُ جَزَاكَ، وَ سَأَلَكَ عَمَّا أَحْدَثْتَ سُؤَالًا حَفِیّاً.

قَالَ: فَنَزَلَ عُمَرُ مُغْضَباً وَ مَشَی مَعَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّی أَتَی بَابَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ (3): یَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا لَقِیتُ مِنِ (4) ابْنِكَ الْحُسَیْنِ؟! یُجْهِرُنَا بِصَوْتٍ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ یُحَرِّضُ عَلَیَّ الطَّغَامَ وَ أَهْلَ الْمَدِینَةِ؟!.

فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مِثْلُ (5) الْحُسَیْنِ ابْنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَسْتَحِثُّ (6) بِمَنْ لَا حُكْمَ لَهُ، أَوْ یَقُولُ بِالطَّغَامِ عَلَی أَهْلِ دِینِهِ، أَمَا وَ اللَّهِ مَا نِلْتَ مَا نِلْتَ (7) إِلَّا بِالطَّغَامِ، فَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّضَ الطَّغَامَ!.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَهْلًا یَا أَبَا مُحَمَّدٍ! فَإِنَّكَ لَنْ تَكُونَ قَرِیبَ الْغَضَبِ، وَ لَا لَئِیمَ الْحَسَبِ، وَ لَا فِیكَ عُرُوقٌ مِنَ السُّودَانِ، اسْمَعْ كَلَامِی، وَ لَا

ص: 48


1- فی ك: فقال له.
2- وضع علی كلمة: المصیب فی المطبوع من البحار رمز نسخة بدل، و هی موجودة فی المصدر.
3- فی ك: فقال له.
4- فی الاحتجاج: ما لقیت الیوم من .
5- فی المصدر: علی مثل ..
6- فی الاحتجاج: یشخب، بدلا من: یستحثّ.
7- لا توجد: ما نلت، الثّانیة فی المصدر. و فی ك: تحت ما الأولی .. أی نافیة، و تحت ما الثّانیة .. أی موصولة.

تَعْجَلْ بِالْكَلَامِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّهُمَا لَیَهُمَّانِ فِی أَنْفُسِهِمَا بِمَا لَا یُرَی بِغَیْرِ الْخِلَافَةِ. فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: هُمَا أَقْرَبُ نَسَباً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ أَبِیهِمَا (1) أَمَا فَأَرْضِهِمَا- یَا ابْنَ الْخَطَّابِ- بِحَقِّهِمَا یَرْضَ عَنْكَ مَنْ بَعْدَهُمَا. قَالَ: وَ مَا رِضَاهُمَا یَا أَبَا الْحَسَنِ؟ قَالَ: رِضَاهُمَا الرَّجْعَةُ عَنِ الْخَطِیئَةِ، وَ التَّقِیَّةُ عَنِ الْمَعْصِیَةِ بِالتَّوْبَةِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَدِّبْ- یَا أَبَا الْحَسَنِ- ابْنَكَ أَنْ لَا یَتَعَاطَی السَّلَاطِینَ الَّذِینَ هُمُ الْحُكَمَاءُ (2) فِی الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَا أُؤَدِّبُ أَهْلَ الْمَعَاصِی عَلَی مَعَاصِیهِمْ، وَ مَنْ أَخَافُ عَلَیْهِ الزَّلَّةَ وَ الْهَلَكَةَ، فَأَمَّا مَنْ وَلَدَهُ (3) رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) لَا یَحُلُّ (4) أَدَبُهُ، فَإِنَّهُ یَنْتَقِلُ (5) إِلَی أَدَبٍ خَیْرٍ لَهُ مِنْهُ، أَمَا فَأَرْضِهِمَا یَا ابْنَ الْخَطَّابِ!.

قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ فَاسْتَقْبَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (6): یَا أَبَا حَفْصٍ! مَا صَنَعْتَ وَ قَدْ (7) طَالَتْ بِكُمَا الْحُجَّةُ؟. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:

وَ هَلْ حُجَّةٌ مَعَ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ شِبْلَیْهِ؟!. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: یَا ابْنَ الْخَطَّابِ! هُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الْأَسْمَنُونَ وَ النَّاسُ عِجَافٌ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَعُدُّ (8) مَا صِرْتَ إِلَیْهِ فَخْراً فَخَرْتَ بِهِ، أَ بِحُمْقِكَ (9)؟. فَقَبَضَ عُثْمَانُ عَلَی مَجَامِعِ ثِیَابِهِ ثُمَّ جَذَبَهُ وَ رَدَّهُ، ثُمَّ قَالَ (10): یَا ابْنَ الْخَطَّابِ! كَأَنَّكَ تُنْكِرُ مَا أَقُولُ. فَدَخَلَ بَیْنَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ

ص: 49


1- فی الاحتجاج: من أن یهمّا، بدلا من: من أبیهما.
2- فی ك نسخة: الحكّام.
3- فی الاحتجاج: والده ..
4- فی المصدر: و نحله أدبه، و فی نسخة فی ك: لا یخلّ ..
5- فی الاحتجاج: لا ینتقل.
6- فی ك: عبد الرّحمن بن عوف.
7- فی المصدر: فقد.
8- فی ك: أعذ.
9- لا توجد همزة الاستفهام فی المصدر.
10- فی الاحتجاج: نبذ به، و ردّه ثمّ قال له ..

وَ فَرَّقَ بَیْنَهُمَا، وَ افْتَرَقَ الْقَوْمُ (1).

بیان: قوله علیه السلام: إلّا سماع الآذان .. أی لا تعرف معنی الكتاب إلّا بما تسمعه الآذان من الناس، و فی بعض النسخ: الفعلان- بصیغة الغیبة- أی لا یمكن معرفة الكتاب و تأویله إلّا (2) بالسماع ممّن ینتهی عمله إلی الوحی الإلهی.

و الحفاوة و الحفایة (3) و الإحفاء: الاستقصاء فی السّؤال (4).

و التحریض علی القتال: الحثّ (5) و التّرغیب و التّحریض علیه.

و الطَّغامُ: الأَرَاذِلُ (6).

قوله: لیهمّان .. أی یقصدان أمرا لا یحصل إلّا بالخلافة، فأجاب علیه السلام بأنّ الخلافة غیر بعید منهما، فإنّ أباهما خلیفة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و هما أقرب نسبا به صلّی اللّٰه علیه و آله منه.

قوله علیه السلام: فإنّه ینتقل .. أی یترقّی بنفسه فی الآداب الحسنة من غیر تأدیب، و یحتمل الاستفهام الإنكاری، و یؤیّده أنّ فی بعض النسخ: ویحك! أ أؤدّبه؟! فإنّه ینتقل ..

و السمن .. كنایة عن وفور المال و الشرف، كما أنّ العجف .. كنایة عن

ص: 50


1- و تجد نظائر هذه الاحتجاجات من ریحانتی رسول اللّٰه و سیّدی شباب أهل الجنّة سلام اللّٰه علیهما كثیرة. انظر كتب العامّة: الرّیاض النّضرة 1- 139، الصّواعق المحرقة: 108، تاریخ الخلفاء للسّیوطیّ: 4، كنز العمّال 3- 132، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2- 17، و غیرها.
2- فی س: أی، بدلا من: إلّا.
3- و قال فی القاموس 4- 318: و حفی به- كرضی- حفاوة و یكسر و حفایة- بالكسر- و تحفایة فهو حاف و حفیّ- كغنیّ- و تحفّی، و احتفی: بالغ فی إكرامه و أظهر السرور و الفرح، و أكثر السؤال عن حاله.
4- كما فی مجمع البحرین 1- 104، و النهایة 1- 410، و غیرهما.
5- قاله فی القاموس 2- 327، و انظر: الصحاح 3- 1070.
6- ذكره فی النهایة 3- 128، و الصحاح 5- 1975، و غیرهما.

عدمهما و قلّتهما.

«2»-كشف (1): عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ، عَنْ أَبِیهِ، أَنَّ الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ أَتَی عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- وَ هُوَ عَلَی الْمِنْبَرِ یَوْمَ الْجُمُعَةِ- فَقَالَ لَهُ: انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِی. فَبَكَی عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقْتَ یَا بُنَیَّ، مِنْبَرُ أَبِیكَ لَا مِنْبَرُ أَبِی! فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا هُوَ وَ اللَّهِ عَنْ رَأْیِی. فَقَالَ: صَدَقْتَ! وَ اللَّهِ مَا اتَّهَمْتُكَ (2) یَا أَبَا الْحَسَنِ، ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَأَخَذَهُ فَأَجْلَسَهُ إِلَی جَانِبِهِ عَلَی الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ النَّاسَ- وَ هُوَ جَالِسٌ عَلَی الْمِنْبَرِ مَعَهُ (3)

، ثُمَّ قَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ! سَمِعْتُ نَبِیَّكُمْ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ:

احْفَظُونِی فِی عِتْرَتِی وَ ذُرِّیَّتِی، فَمَنْ حَفِظَنِی فِیهِمْ حَفِظَهُ اللَّهُ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی مَنْ آذَانِی فِیهِمْ. ثَلَاثاً.

«3»-ما (4): - ابْنُ الصَّلْتِ، عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی الضَّرِیرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِیَّا الْمَكِّیِّ، عَنْ كَثِیرِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ زَیْدٍ .. مِثْلَهُ.

ص: 51


1- كشف الغمّة فی معرفة الأئمّة 1- 552 [المطبعة العلمیة قم: 1- 416].
2- فی المصدر: ما أتّهمك .. و نظیر ما فی المتن فی أمالی الشّیخ.
3- فی ك: و هو جالس معه علی المنبر .. و هی موافقة لما فی الأمالی.
4- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 2- 313- 314، و حكاه عنه فی معالم الزّلفی 59. أقول: ما فی الأمالی عین ما فی الكشف متنا لا إسنادا، و فیه: عن كثیر، عن زید بن علیّ، عن أبیه .. و ما قبل كثیر لم نجده هناك، فراجع.

ص: 52

[18] باب فی ذكر ما كان من حیرة الناس بعد وفاة الرسول...

صلّی اللّٰه علیه و آله و رجوعهم إلی أمیر المؤمنین علیه السلام*

و قد أوردنا كثیرا من ذلك فی أبواب الاحتجاج (1) و نورد هاهنا أمثالها بأسانید أخری لمناسبتها لهذا الكتاب أیضا، و لكونها مشتملة علی تغییرات و زیادات.

«1»-إِرْشَادُ الْقُلُوبِ (2): بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ مَرْفُوعاً إِلَی سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ مِنَ الْبَلَاءِ الْعَظِیمِ الَّذِی ابْتَلَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ قُرَیْشاً بَعْدَ نَبِیِّهَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِیُعَرِّفَهَا أَنْفُسَهَا وَ یَجْرَحَ (3) شَهَادَتَهَا عَلَی مَا ادَّعَتْهُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ

ص: 53


1- فی مطبوع البحار: الاحتجات، و لعلّه: الاحتجاجات. انظر: بحار الأنوار، المجلد العاشر، فی احتجاجاتهم علیهم السلام فی فروع و مسائل مختلفة.
2- إرشاد القلوب 2- 92- 108 [2- 299- 315] فی كلامه مع الجاثلیق. و قد ذكرنا أكثر الاختلافات بین المصدر و المتن مع عدم تثبّتنا من صحّة هذه الطّبعة لكثرة ما فیها من أغلاط.
3- فی المصدر: و تخرج ..

صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَ دَحَضَ حُجَّتَهَا، وَ كَشَفَ غِطَاءَ (1) مَا أَسَرَّتْ فِی قُلُوبِهَا، وَ أَخْرَجَتْ ضَغَائِنَهَا لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَجْمَعِینَ وَ أَزَالَتْهُمْ عَنْ إِمَامَتِهِمْ، وَ مِیرَاثِ كِتَابِ اللَّهِ فِیهِمْ، مَا عَظُمَتْ خَطِیئَتُهُ، وَ شَمَلَتْ فَضِیحَتُهُ، وَ وَضَحَتْ هِدَایَةُ اللَّهِ فِیهِ لِأَهْلِ (2) دَعْوَتِهِ وَ وَرَثَةِ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَنَارَتْ (3) بِهِ قُلُوبُ أَوْلِیَائِهِمْ، وَ غَمَرَهُمْ نَفْعُهُ وَ أَصَابَهُمْ بَرَكَاتُهُ: أَنَّ (4) مَلِكَ الرُّومِ لَمَّا بَلَغَهُ وَفَاةُ (5) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ خَبَرُ أُمَّتِهِ وَ اخْتِلَافِهِمْ فِی الِاخْتِیَارِ عَلَیْهِمْ، وَ تَرْكِهِمْ سَبِیلَ هِدَایَتِهِمْ، وَ ادِّعَائِهِمْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ لَمْ یُوصِ إِلَی أَحَدٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ إِهْمَالَهُ إِیَّاهُمْ یَخْتَارُوا (6) لِأَنْفُسِهِمْ، وَ تَوْلِیَتِهِمُ الْأَمْرَ بَعْدَهُ الْأَبَاعِدَ مِنْ قَوْمِهِ، وَ صَرْفِ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ وَرَثَتِهِ وَ قَرَابَتِهِ (7)، دَعَا عُلَمَاءَ بَلَدِهِ وَ اسْتَفْتَاهُمْ (8) فَنَاظَرَهُمْ فِی الْأَمْرِ الَّذِی ادَّعَتْهُ قُرَیْشٌ بَعْدَ نَبِیِّهَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ فِیمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَأَجَابُوهُ بِجَوَابَاتٍ مِنْ حُجَجِهِمْ عَلَی أَنَّهُ (9)مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَسَأَلَ أَهْلُ مَدِینَتِهِ أَنْ یُوَجِّهَهُمْ إِلَی الْمَدِینَةِ لِمُنَاظَرَتِهِمْ وَ الِاحْتِجَاجِ عَلَیْهِمْ، فَأَمَرَ الْجَاثَلِیقَ أَنْ یَخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ أَسَاقِفَتِهِ، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ مِائَةَ رَجُلٍ، فَخَرَجُوا یَقْدُمُهُمْ جَاثَلِیقٌ لَهُمْ قَدْ أَقَرَّتِ الْعُلَمَاءُ لَهُ جَمِیعاً بِالْفَضْلِ وَ الْعِلْمِ، مُتَبَحِّراً (10) فِی عِلْمِهِ یُخْرِجُ الْكَلَامَ مِنْ تَأْوِیلِهِ، وَ یَرُدُّ كُلَّ فَرْعٍ

ص: 54


1- لا توجد فی المصدر: و كشف غطاء.
2- لا توجد: لأهل، فی المصدر.
3- فی المصدر: و أثارت.
4- زیادة فی المصدر قبل كلمة أنّ، و هی: و عمّهم نفعه و أضاء به برهانه أنّ ..
5- فی إرشاد القلوب: خبر وفاة ..
6- فی إرشاد القلوب: حتّی یختاروا.
7- فی المصدر: و ذرّیّته و أقربائه.
8- فی إرشاد القلوب و نسخة جاءت علی ك: و أساقفتهم.
9- فی ك: أمّة.
10- فی ك: متجرّئا.

إِلَی أَصْلِهِ، لَیْسَ بِالْخُرْقِ (1) وَ لَا بِالنَّزِقِ (2) وَ لَا بِالْبَلِیدِ وَ الرِّعْدِیدِ (3)، وَ لَا النَّكِلِ (4) وَ لَا الْفَشِلِ یَنْصِتُ لِمَنْ یَتَكَلَّمُ، وَ یُجِیبُ إِذَا سُئِلَ، وَ یَصْبِرُ إِذَا مُنِعَ، فَقَدِمَ الْمَدِینَةَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ خِیَارِ (5) أَصْحَابِهِ حَتَّی نَزَلَ الْقَوْمُ عَنْ رَوَاحِلِهِمْ، فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَدِینَةِ عَمَّنْ أَوْصَی إِلَیْهِ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ فَدَلُّوهُ عَلَی أَبِی بَكْرٍ، فَأَتَوْا مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ، فَدَخَلُوا، عَلَی أَبِی بَكْرٍ وَ هُوَ فِی حَشَدَةٍ (6) مِنْ قُرَیْشٍ فِیهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ وَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَ أَنَا فِی الْقَوْمِ (7)، فَوَقَفُوا عَلَیْهِ فَقَالَ زَعِیمُ الْقَوْمِ: السَّلَامُ عَلَیْكُمْ .. فَرَدُّوا عَلَیْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ:

أَرْشِدُونَا إِلَی الْقَائِمِ مَقَامَ نَبِیِّكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ مِنَ الرُّومِ، وَ إِنَّا عَلَی دِینِ الْمَسِیحِ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، فَقَدِمْنَا (8) لَمَّا بَلَغَنَا وَفَاةُ نَبِیِّكُمْ وَ اخْتِلَافُكُمْ نَسْأَلُ (9)عَنْ صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَ نَسْتَرْشِدُ لِدِینِنَا، وَ نَتَعَرَّفُ (10) دِینَكُمْ، فَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ دِینِنَا دَخَلْنَا فِیهِ وَ سَلَّمْنَا وَ قَبِلْنَا الرُّشْدَ مِنْكُمْ طَوْعاً وَ أَجَبْنَاكُمْ إِلَی دَعْوَةِ نَبِیِّكُمْ (صلی اللّٰه علیه و آله)، وَ إِنْ یَكُنْ عَلَی

ص: 55


1- الحمق و ضعف العقل، كذا جاء فی حاشیة ك. أقول: قال فی النّهایة 2- 16: الخرق- بالضّمّ-: الجهل و الحمق.
2- جاء فی ك كذا: نزق- كفرح و ضرب-: طاش و حفّ عند الغضب. قاموس. انظر: القاموس 3- 285. و فی المصدر: البزق. قال فی القاموس 3- 213: بزق: بسق، و الأرض: بذرها، و الشّمس: بزغت.
3- فسّره فی حاشیة ك ب: الجبان، قاله فی القاموس 1- 295. و فی المصدر: الرّعید.
4- نكل عن العدوّ و عن الیمین ینكل- بالضّمّ-: أی جبن، و النّاكل: الجبان الضّعیف. صحاح. كذا جاء فی حاشیة ك. انظر: الصّحاح 5- 1835.
5- فی المصدر: أخبار قومه- بالباء الموحّدة-، و الظّاهر: أخیار، أو أحبار.
6- فی حاشیة ك عبارة و هی: عندی حشد من النّاس: أی جماعة. صحاح. انظر: صحاح اللّغة 2- 2465، و فیه: حسك. كما فی الإرشاد. قال فی القاموس 3- 298: الحسك: الحقد و العداوة، و حسك: غضب.
7- فی إرشاد القلوب: و باقی القوم، بدلا من: و أنا فی القوم.
8- فی المصدر: قدمنا.
9- فی س: لنسأل.
10- فی المصدر: نتعرّض.

خِلَافِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَ جَاءَ بِهِ عِیسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ رَجَعْنَا إِلَی دَیْنِ الْمَسِیحِ فَإِنَّ عِنْدَهُ مِنْ عَهْدٍ رَأَیْنَا فِیهِ أَنْبِیَاءَهُ (1) وَ رُسُلَهُ دَلَالَةً وَ نُوراً وَاضِحاً، فَأَیُّكُمْ صَاحِبُ الْأَمْرِ بَعْدَ نَبِیِّكُمْ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: هَذَا صَاحِبُنَا (2) وَ وَلِیُّ الْأَمْرِ بَعْدَ نَبِیِّنَا.

قَالَ الْجَاثَلِیقُ: هُوَ هَذَا الشَّیْخُ؟!.

فَقَالَ (3): نَعَمْ.

فَقَالَ: یَا شَیْخُ (4)! أَنْتَ الْقَائِمُ الْوَصِیُّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی أُمَّتِهِ؟

وَ أَنْتَ الْعَالِمُ الْمُسْتَغْنِی بِعِلْمِكَ مِمَّا عَلَّمَكَ (5) نَبِیُّكَ مِنْ أَمْرِ الْأُمَّةِ وَ مَا تَحْتَاجُ إِلَیْهِ؟.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، مَا أَنَا بِوَصِیٍّ.

قَالَ لَهُ: فَمَا أَنْتَ؟! قَالَ عُمَرُ: هَذَا خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ.

قَالَ النَّصْرَانِیُّ: أَنْتَ خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ اسْتَخْلَفَكَ فِی أُمَّتِهِ؟.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا.

قَالَ: فَمَا هَذَا الِاسْمُ الَّذِی ابْتَدَعْتُمُوهُ وَ ادَّعَیْتُمُوهُ بَعْدَ نَبِیِّكُمْ؟!. فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَا كُتُبَ الْأَنْبِیَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ فَوَجَدْنَا الْخِلَافَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِنَبِیٍّ مِنْ أَنْبِیَاءِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَی جَعَلَ آدَمَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَی أَهْلِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ، وَ نَوَّهَ (6) بِاسْمِ دَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: یا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ (7)

ص: 56


1- فی المصدر: ربّنا فی أنبیائه. و هی نسخة فی مطبوع البحار.
2- فی إرشاد القلوب زیادة: هذا صاحب أمر نبیّنا بعده قالوا: هذا صاحبنا.
3- فی المصدر: فقالوا.
4- فی المصدر: أیّها الشّیخ ..
5- لا توجد فی المصدر: ممّا علّمك.
6- نوّهه و به: دعاه و رفعه، قاله فی القاموس 4- 294.
7- سورة ص: 26.

كَیْفَ تَسَمَّیْتُمْ (1) بِهَذَا الِاسْمِ؟ وَ مَنْ سَمَّاكَ بِهِ؟ أَ نَبِیُّكَ سَمَّاكَ بِهِ؟.

قَالَ: لَا، وَ لَكِنْ تَرَاضَوُا النَّاسُ فَوَلَّوْنِی وَ اسْتَخْلَفُونِی.

فَقَالَ: أَنْتَ خَلِیفَةُ قَوْمِكَ لَا نَبِیِّكَ (2)، وَ قَدْ قُلْتَ إِنَّ النَّبِیَّ لَمْ یُوصِ إِلَیْكَ، وَ قَدْ وَجَدْنَا فِی كُتُبٍ مِنْ (3) سُنَنِ الْأَنْبِیَاءِ، أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَبْعَثْ نَبِیّاً إِلَّا وَ لَهُ وَصِیٌّ یُوصِی إِلَیْهِ (4)، وَ یَحْتَاجُ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَی عِلْمِهِ وَ هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُمْ، وَ قَدْ زَعَمْتَ أَنَّهُ لَمْ یُوصِ كَمَا أَوْصَتِ الْأَنْبِیَاءُ، وَ ادَّعَیْتَ أَشْیَاءَ لَسْتَ بِأَهْلِهَا، وَ مَا أَرَاكُمْ إِلَّا وَ قَدْ دَفَعْتُمْ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ وَ قَدْ أَبْطَلْتُمْ سُنَنَ الْأَنْبِیَاءِ فِی قَوْمِهِمْ.

قَالَ: فَالْتَفَتَ (5) الْجَاثَلِیقُ إِلَی أَصْحَابِهِ وَ قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ یَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّداً لَمْ یَأْتِهِمْ بِالنُّبُوَّةِ وَ إِنَّمَا كَانَ أَمْرُهُ بِالْغَلَبَةِ، وَ لَوْ كَانَ نَبِیّاً لَأَوْصَی كَمَا أَوْصَتِ الْأَنْبِیَاءُ، وَ خَلَّفَ فِیهِمْ كَمَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِیَاءُ مِنَ الْمِیرَاثِ وَ الْعِلْمِ، وَ لَسْنَا نَجِدُ عِنْدَ الْقَوْمِ أَثَرَ ذَلِكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ كَالْأَسَدِ، فَقَالَ: یَا شَیْخُ! أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَقْرَرْتَ أَنَّ مُحَمَّداً (6) لَمْ یُوصِ إِلَیْكَ وَ لَا اسْتَخْلَفَكَ وَ إِنَّمَا تَرَاضَوُا النَّاسُ بِكَ، وَ لَوْ رَضِیَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِرِضَی (7) الْخَلْقِ وَ اتِّبَاعِهِمْ لِهَوَاهُمْ وَ اخْتِیَارِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ مَا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ، وَ آتَاهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ لِیُبَیِّنُوا لِلنَّاسِ مَا یَأْتُونَ وَ یَذَرُونَ وَ مَا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ: لِئَلَّا یَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ (8) فَقَدْ دَفَعْتُمُ النَّبِیِّینَ عَنْ رِسَالاتِهِمْ، وَ اسْتَغْنَیْتُمْ بِالْجَهْلِ مِنِ اخْتِیَارِ النَّاسِ عَنِ اخْتِیَارِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الرُّسُلَ لِلْعِبَادِ، وَ اخْتِیَارِ الرُّسُلِ لِأُمَّتِهِمْ، وَ نَرَاكُمْ تُعَظِّمُونَ بِذَلِكَ الْفِرْیَةَ عَلَی اللَّهِ عَزَّ

ص: 57


1- فی المصدر: فكیف تسمّیت ..
2- فی المصدر: لا خلیفة نبیّك.
3- لا توجد: كتب من، فی المصدر.
4- فی إرشاد القلوب: یوصی به الیوم.
5- فی المصدر: ثمّ التفت.
6- فی المصدر: محمّدا النّبیّ.
7- فی إرشاد القلوب: لرضی.
8- النّساء: 165.

وَ جَلَّ وَ عَلَی نَبِیِّكُمْ، وَ لَا تَرْضَوْنَ إِلَّا أَنْ تَتَسَمَّوْا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْخِلَافَةِ، وَ هَذَا لَا یَحِلُّ إِلَّا لِنَبِیٍّ أَوْ وَصِیِّ نَبِیٍّ، وَ إِنَّمَا تَصِحُّ الْحُجَّةُ لَكُمْ بِتَأْكِیدِكُمُ النُّبُوَّةَ لِنَبِیِّكُمْ وَ أَخْذِكُمْ بِسُنَنِ الْأَنْبِیَاءِ فِی هُدَاهُمْ، وَ قَدْ تَغَلَّبْتُمْ فَلَا بُدَّ لَنَا أَنْ نَحْتَجَّ عَلَیْكُمْ فِیمَا ادَّعَیْتُمْ حَتَّی نَعْرِفَ سَبِیلَ مَا تَدْعُونَ إِلَیْهِ، وَ نَعْرِفَ الْحَقَّ فِیكُمْ بَعْدَ نَبِیِّكُمْ، أَ صَوَابٌ مَا فَعَلْتُمْ بِإِیمَانٍ أَمْ كَفَرْتُمْ بِجَهْلٍ (1)؟.

ثُمَّ قَالَ: یَا شَیْخُ! أَجِبْ.

قَالَ: فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی أَبِی عُبَیْدَةَ لِیُجِیبَ عَنْهُ، فَلَمْ یُحِرْ جَوَاباً، ثُمَّ الْتَفَتَ الْجَاثَلِیقُ إِلَی أَصْحَابِهِ فَقَالَ: بِنَاءُ الْقَوْمِ عَلَی غَیْرِ أَسَاسٍ وَ لَا أَرَی لَهُمْ حُجَّةً، أَ فَهِمْتُمْ؟.

قَالُوا: بَلَی.

ثُمَّ قَالَ لِأَبِی بَكْرٍ: یَا شَیْخُ! أَسْأَلُكَ؟.

قَالَ: سَلْ.

قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنِّی وَ عَنْكَ مَا (2) أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ، وَ مَا أَنَا عِنْدَ اللَّهِ (3)؟.

قَالَ: أَمَّا أَنَا فَعِنْدَ نَفْسِی مُؤْمِنٌ، وَ مَا أَدْرِی مَا أَنَا عِنْدَ اللَّهِ فِیمَا بَعْدُ، وَ أَمَّا أَنْتَ فَعِنْدِی كَافِرٌ، وَ مَا (4) أَدْرِی مَا أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ؟.

قَالَ الْجَاثَلِیقُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ مَنَّیْتَ نَفْسَكَ الْكُفْرَ بَعْدَ الْإِیمَانِ، وَ جَهِلْتَ مَقَامَكَ فِی إِیمَانِكَ، أَ مُحِقٌّ أَنْتَ فِیهِ أَمْ مُبْطِلٌ، وَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَنَّیْتَنِی الْإِیمَانَ بَعْدَ الْكُفْرِ، فَمَا أَحْسَنَ حَالِی وَ أَسْوَأَ (5) حَالَكَ عِنْدَ نَفْسِكَ، إِذْ كُنْتَ لَا تُوقِنُ بِمَا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَدْ شَهِدْتَ لِی بِالْفَوْزِ وَ النَّجَاةِ، وَ شَهِدْتَ لِنَفْسِكَ بِالْهَلَاكِ وَ الْكُفْرِ.

ص: 58


1- فی المصدر: بإیمان أو بجهل و كفرتم ..
2- فی ك: و ما.
3- لا توجد: عند اللّٰه .. فی المصدر.
4- فی ك: و لا، بدلا من: و ما، و فی المصدر: و لا أدری ما أدری قال: ..
5- فی المصدر: ما أسوأ ..

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی أَصْحَابِهِ فَقَالَ: طِیبُوا نَفْساً (1) فَقَدْ شَهِدَ لَكُمْ بِالنَّجَاةِ بَعْدَ الْكُفْرِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَقَالَ: یَا شَیْخُ! أَیْنَ مَكَانُكَ السَّاعَةَ مِنَ الْجَنَّةِ إِذَا ادَّعَیْتَ الْإِیمَانَ، وَ أَیْنَ مَكَانِی مِنَ النَّارِ؟!.

قَالَ: فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی عُمَرَ وَ أبو [أَبِی] عُبَیْدَةَ مَرَّةً أُخْرَی لِیُجِیبَا عَنْهُ، فَلَمْ یَنْطِقْ أَحَدُهُمَا (2)

قَالَ: ثُمَّ قَالَ: مَا أَدْرِی أَیْنَ مَكَانِی وَ مَا حَالِی عِنْدَ اللَّهِ؟.

قَالَ الْجَاثَلِیقُ: یَا هَذَا! أَخْبِرْنِی كَیْفَ اسْتَجَزْتَ لِنَفْسِكَ أَنْ تَجْلِسَ فِی هَذَا الْمَجْلِسِ وَ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَی عِلْمِ غَیْرِكَ؟ فَهَلْ فِی أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (3) مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ؟.

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: مَا أَعْلَمُكَ وَ إِیَّاهُمْ إِلَّا وَ قَدْ حَمَّلُوكَ أَمْراً عَظِیماً، وَ سَفِهُوا بِتَقْدِیمِهِمْ إِیَّاكَ عَلَی مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِی هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ یَعْجِزُ عَمَّا سَأَلْتُكَ كَعَجْزِكَ فَأَنْتَ وَ هُوَ وَاحِدٌ فِی دَعْوَاكُمْ، فَأَرَی نَبِیَّكُمْ إِنْ كَانَ نَبِیّاً فَقَدْ ضَیَّعَ عِلْمَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَهْدَهُ وَ مِیثَاقَهُ الَّذِی أَخَذَهُ عَلَی النَّبِیِّینَ مِنْ قَبْلِهِ فِی إِقَامَةِ الْأَوْصِیَاءِ لِأُمَّتِهِمْ حَیْثُ لَمْ یُقِمْ وَصِیّاً لِیَتَفَرَّغُوا (4) إِلَیْهِ فِیمَا (5) تَتَنَازَعُونَ (6) فِی أَمْرِ دِینِكُمْ، فَدُلُّونِی عَلَی هَذَا الَّذِی هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، فَعَسَاهُ فِی الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْكَ فِی (7) مُحَاوَرَةٍ وَ جَوَابٍ وَ بَیَانٍ وَ مَا یُحْتَاجُ إِلَیْهِ مِنْ أَثَرِ النُّبُوَّةِ وَ سُنَنِ الْأَنْبِیَاءِ، وَ لَقَدْ ظَلَمَكَ الْقَوْمُ وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فِیكَ.

قَالَ سَلْمَانُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ: فَلَمَّا رَأَیْتُ مَا نَزَلَ بِالْقَوْمِ مِنَ الْبَهْتِ وَ الْحَیْرَةِ وَ الذُّلِ

ص: 59


1- فی المصدر: أنفسكم.
2- فی إرشاد القلوب: أحد منهما قال إنّه قال: ..
3- فی المصدر: نبیّكم، بدلا من: محمّد.
4- فی ك: لتفزعوا.
5- فی المصدر: لأمّتهم لیفزعوا إلیهم فیما ..
6- فی المصدر: یتنازعون. و هی نسخة فی مطبوع البحار.
7- فی إرشاد القلوب: فی العلم أقلّ منكم فی ..

وَ الصَّغَارِ، وَ مَا حَلَّ بِدِینِ مُحَمَّدٍ (صلی اللّٰه علیه و آله)، وَ مَا نَزَلَ بِالْقَوْمِ مِنَ الْحُزْنِ، نَهَضْتُ- لَا أَعْقِلُ أَیْنَ أَضَعَ قَدَمِی- إِلَی بَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَدَقَقْتُ عَلَیْهِ الْبَابَ، فَخَرَجَ وَ هُوَ (1) یَقُولُ: مَا دَهَاكَ یَا سَلْمَانُ؟!. قَالَ: قُلْتُ: هَلَكَ دِینُ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (2)، وَ هَلَكَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ ظَهَرَ أَهْلُ الْكُفْرِ عَلَی دِینِهِ وَ أَصْحَابِهِ بِالْحُجَّةِ، فَأَدْرِكْ- یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ!- دِینَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ الْقَوْمُ قَدْ وَرَدَ عَلَیْهِمْ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ وَ لَا بُدَّ وَ لَا حِیلَةَ، وَ أَنْتَ الْیَوْمَ مُفَرِّجُ كَرْبِهَا، وَ كَاشِفُ بَلْوَاهَا، وَ صَاحِبُ مِیسَمِهَا (3) وَ تَاجُهَا، وَ مِصْبَاحُ ظُلَمِهَا، وَ مِفْتَاحُ مُبْهَمِهَا.

قَالَ: فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ (4) مَا ذَاكَ؟.

قَالَ: قُلْتُ: قَدْ قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ مَلِكِ الرُّومِ فِی مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ مِنْ قَوْمِهِمْ (5) یَقْدُمُهُمْ جَاثَلِیقٌ لَهُمْ (6) لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، یُورِدُ الْكَلَامَ عَلَی مَعَانِیهِ، وَ یَصْرِفُهُ عَلَی تَأْوِیلِهِ (7)، وَ یُؤَكِّدُ حُجَّتَهُ وَ یُحْكِمُ ابْتِدَاءَهُ، لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَ حُجَّتِهِ وَ لَا سُرْعَةِ جَوَابِهِ مِنْ كُنُوزِ عِلْمِهِ، فَأَتَی أَبَا بَكْرٍ- وَ هُوَ فِی جَمَاعَةٍ- فَسَأَلَهُ عَنْ مَقَامِهِ وَ وَصِیَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَبْطَلَ دَعْوَاهُ (8) بِالْخِلَافَةِ، وَ غَلَبَهُمْ بِادِّعَائِهِمْ تَخْلِیفَهُمْ مَقَامَهُ، فَأَوْرَدَ عَلَی أَبِی بَكْرٍ مَسْأَلَةً أَخْرَجَهُ بِهَا عَنْ إِیمَانِهِ، وَ أَلْزَمَهُ الْكُفْرَ وَ الشَّكَّ فِی دِینِهِ، فَعَلَتْهُمْ لِذَلِكَ (9) ذِلَّةٌ وَ خُضُوعٌ وَ حَیْرَةٌ، فَأَدْرِكْ- یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- دِینَ مُحَمَّدٍ،

ص: 60


1- لا توجد: و هو، فی س.
2- فی المصدر: هلك دین اللّٰه و ..
3- المیسم- بكسر المیم-: أثر الحسن، قاله فی القاموس 4- 186.
4- وضع فی مطبوع البحار علی حرف الواو رمز نسخة بدل.
5- فی المصدر: من أشراف قومهم.
6- لا توجد: لهم، فی المصدر.
7- فی س: علی ما تأویله.
8- فی إرشاد القلوب: دعواهم.
9- فی المصدر: فی ذلك.

فَقَدْ وَرَدَ عَلَیْهِمْ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ (1).

فَنَهَضَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَعِی حَتَّی أَتَیْنَا الْقَوْمَ وَ قَدْ أُلْبِسُوا الذِّلَّةَ وَ الْمَهَانَةَ وَ الصَّغَارَ وَ الْحَیْرَةَ، فَسَلَّمَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: یَا نَصْرَانِیٌّ! أَقْبِلْ عَلَیَّ بِوَجْهِكَ وَ اقْصِدْنِی بِمَسَائِلِكَ (2) فَعِنْدِی جَوَابُ مَا یَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَیْهِ فِیمَا یَأْتُونَ وَ یَذَرُونَ، وَ بِاللَّهِ التَّوْفِیقُ.

قَالَ: فَتَحَوَّلَ النَّصْرَانِیُّ إِلَیْهِ، وَ قَالَ: یَا شَابُّ! إِنَّا وَجَدْنَا فِی كِتَابِ الْأَنْبِیَاءِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَبْعَثْ نَبِیّاً قَطُّ إِلَّا وَ كَانَ لَهُ وصیا [كَذَا] [وَصِیٌ] یَقُومُ مَقَامَهُ، وَ قَدْ بَلَغَنَا اخْتِلَافٌ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فِی مَقَامِ نُبُوَّتِهِ، وَ ادِّعَاءُ قُرَیْشٍ عَلَی الْأَنْصَارِ وَ ادِّعَاءُ الْأَنْصَارِ عَلَی قُرَیْشٍ، وَ اخْتِیَارُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ، فَأَقْدَمَنَا مَلِكُنَا وَفْداً، وَ قَدِ اخْتَارَنَا لِنَبْحَثَ عَنْ دِینِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ نَعْرِفَ سُنَنَ الْأَنْبِیَاءِ فِیهِ (3) وَ الِاسْتِمَاعَ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِینَ ادَّعَوْا مَقَامَهُ، أَ حَقٌّ ذَلِكَ أَمْ بَاطِلٌ؟ قَدْ كَذَبُوا عَلَیْهِ كَمَا كَذَبَتِ الْأُمَمُ بَعْدَ أَنْبِیَائِهَا عَلَی نَبِیِّهَا، وَ دَفَعَتِ الْأَوْصِیَاءَ عَنْ حَقِّهَا، فَإِنَّا وَجَدْنَا قَوْمَ مُوسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ بَعْدَهُ عَكَفُوا عَلَی الْعِجْلِ وَ دَفَعُوا هَارُونَ عَنْ وَصِیَّتِهِ، وَ اخْتَارُوا مَا أَنْتُمْ عَلَیْهِ، وَ كَذَلِكَ: سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلًا (4)، فَقَدِمْنَا فَأَرْشَدَنَا (5) الْقَوْمُ إِلَی هَذَا الشَّیْخِ، فَادَّعَی مَقَامَهُ وَ الْأَمْرَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَسَأَلْنَا عَنِ الْوَصِیَّةِ إِلَیْهِ عَنْ نَبِیِّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) (6)؟ فَلَمْ یَعْرِفْهَا، وَ سَأَلْنَاهُ عَنْ قَرَابَتِهِ مِنْهُ إِذْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ فِی إِبْرَاهِیمَ (7) عَلَیْهِ السَّلَامُ فِیمَا سَبَقَتْ فِی الذُّرِّیَّةِ فِی إِمَامَتِهِ أَنَّهُ لَا یَنَالُهَا إِلَّا (8) ذُرِّیَّةٌ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ،

ص: 61


1- لا توجد: به، فی المصدر.
2- فی المصدر: بحاجتك، بدلا من: بمسائلك.
3- لا توجد: فیه، فی المصدر.
4- الأحزاب: 62.
5- فی ك نسخة بدل: و أرشدنا، و فی المصدر: و أرشدونا إلی هذا ..
6- فی المصدر: من نبیّه.
7- فی المصدر: إذا كانت الدّعوة من إبراهیم.
8- هنا سقط، و جاءت العبارة فی المصدر هكذا: .. فی الذّرّیّة إنّی جاعلك للنّاس إماما، قال و من ذرّیّتی قال: لا ینال عهدی الظّالمون [كذا]، و إنّ الإمامة لا ینالها إلّا ..

وَ لَا یَنَالُهَا إِلَّا مُصْطَفًی مُطَهَّرٌ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَتَبَیَّنَ السُّنَّةَ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِیُّونَ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، وَ اخْتِلَافَ الْأُمَّةِ عَلَی الْوَصِیِّ كَمَا اخْتَلَفَتْ عَلَی مَنْ مَضَی مِنَ الْأَوْصِیَاءِ، وَ مَعْرِفَةَ الْعِتْرَةِ فِیهِمْ؟، فَإِنْ وَجَدْنَا لِهَذَا الرَّسُولِ وَصِیّاً وَ قَائِماً بَعْدَهُ وَ عِنْدَهُ عِلْمُ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ النَّاسُ، وَ یُجِیبُ بِجَوَابَاتٍ بَیِّنَةٍ، وَ یُخْبِرُ عَنْ أَسْبَابِ الْبَلَایَا وَ الْمَنَایَا وَ فَصْلِ الْخِطَابِ وَ الْأَنْسَابِ، وَ مَا یَهْبِطُ مِنَ الْعِلْمِ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ فِی كُلِّ سَنَةٍ، وَ مَا یَنْزِلُ (1) بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَی الْأَوْصِیَاءِ صَدَّقْنَا بِنُبُوَّتِهِ، وَ أَجَبْنَا دَعْوَتَهُ، وَ اقْتَدَیْنَا بِوَصِیَّتِهِ، وَ آمَنَّا بِهِ وَ بِكِتَابِهِ (2)، وَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ، وَ إِنْ یَكُنْ غَیْرَ ذَلِكَ رَجَعْنَا إِلَی دِینِنَا وَ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّداً (3) لَمْ یُبْعَثْ، وَ قَدْ سَأَلْنَا هَذَا الشَّیْخَ فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ تَصْحِیحَ نُبُوَّةِ (4) مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ إِنَّمَا ادَّعَوْا لَهُ وَ كَانَ جَبَّاراً (5) غَلَبَ عَلَی قَوْمِهِ بِالْقَهْرِ، وَ مَلَكَهُمْ وَ لَمْ یَكُنْ عِنْدَهُ أَثَرُ النُّبُوَّةِ، وَ لَا مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِیَاءُ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَبْلَهُ، وَ أَنَّهُ مَضَی وَ تَرَكَهُمْ بُهْماً یَغْلِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَ رَدَّهُمْ جَاهِلِیَّةً جَهْلَاءَ مِثْلَ مَا كَانُوا یَخْتَارُونَ بِآرَائِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ .. أَیَّ دِینٍ أَحَبُّوا، وَ أَیَّ مَلِكٍ أَرَادُوا، وَ أَخْرَجُوا مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ سَبِیلِ الْأَنْبِیَاءِ، وَ جَهَّلُوهُ فِی رِسَالَتِهِ، وَ دَفَعُوا وَصِیَّتَهُ (6)، وَ زَعَمُوا أَنَّ الْجَاهِلَ یَقُومُ مَقَامَ الْعَالِمِ، وَ فِی ذَلِكَ هَلَاكُ الْحَرْثِ وَ النَّسْلِ وَ ظُهُورُ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ، وَ حَاشَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ یَبْعَثَ نَبِیّاً إِلَّا مُطَهَّراً مُسَدَّداً مُصْطَفًی عَلَی الْعَالَمِینَ، وَ إِنَّ الْعَالِمَ أَمِیرٌ عَلَی الْجَاهِلِ أَبَداً إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ فَقَالَ الَّذِی إِلَی جَنْبِهِ: هَذَا خَلِیفَةُ رَسُولِ

ص: 62


1- فی ك: و ما یتنزّل. و فی المصدر: و ما تنزّل.
2- فی المصدر: و اقتدینا بوصیّه و أمنائه و بكتابه.
3- فی إرشاد القلوب: و أنّ أحمد.
4- فی المصدر: النّبوّة نبوّة.
5- فی الإرشاد: و إنّما ادّعی أنّه كان جبّارا.
6- فی س: وصیّه.

اللَّهِ. فَقُلْتُ: إِنَّ (1) هَذَا الِاسْمَ لَا نَعْرِفُهُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِیِّ إِلَّا أَنْ یَكُونَ لُغَةً مِنَ اللُّغَاتِ (2)، فَأَمَّا الْخِلَافَةُ فَلَا تَصْلُحُ إِلَّا لِآدَمَ وَ دَاوُدَ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، وَ السُّنَّةُ فِیهَا لِلْأَنْبِیَاءِ وَ الْأَوْصِیَاءِ، وَ إِنَّكُمْ لَتُعَظِّمُونَ الْفِرْیَةَ (3) عَلَی اللَّهِ وَ عَلَی رَسُولِهِ، فَانْتَفَی مِنَ الْعِلْمِ، وَ اعْتَذَرَ مِنَ الِاسْمِ، وَ قَالَ: إِنَّمَا تَرَاضَوُا النَّاسُ بِی فَسَمَّوْنِی خَلِیفَةً، وَ فِی الْأُمَّةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّی، فَاكْتَفَیْنَا بِمَا حَكَمَ عَلَی نَفْسِهِ وَ عَلَی مَنِ اخْتَارَهُ، فَقَدِمْتُ مُسْتَرْشِداً وَ بَاحِثاً عَنِ الْحَقِّ، فَإِنْ وَضَحَ لِی اتَّبَعْتُهُ (4) وَ لَمْ تَأْخُذْنِی فِی اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَهَلْ عِنْدَكَ أَیُّهَا الشَّابُّ شِفَاءٌ لِمَا فِی صُدُورِنَا (5)؟.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: بَلَی! عِنْدِی شِفَاءٌ لِصُدُورِكُمْ، وَ ضِیَاءٌ لِقُلُوبِكُمْ، وَ شَرْحٌ لِمَا أَنْتُمْ عَلَیْهِ، وَ بَیَانٌ لَا یَخْتَلِجُكُمُ الشَّكٌّ مَعَهُ، وَ إِخْبَارٌ عَنْ أُمُورِكُمْ، وَ بُرْهَانٌ لِدَلَالَتِكُمْ، فَأَقْبِلْ عَلَیَّ (6) بِوَجْهِكَ، وَ فَرِّغْ لِی مَسَامِعَ قَلْبِكَ، وَ أَحْضِرْنِی ذِهْنَكَ، وَ عِ مَا أَقُولُ لَكَ: إِنَّ اللَّهَ بِمَنِّهِ وَ طَوْلِهِ وَ فَضْلِهِ- لَهُ الْحَمْدُ كَثِیراً دَائِماً- قَدْ صَدَّقَ وَعْدَهُ، وَ أَعَزَّ دِینَهُ، وَ نَصَرَ مُحَمَّداً عَبْدَهُ وَ رَسُولَهُ، وَ هَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَ لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ، إِنَّهُ (7) تَبَارَكَ وَ تَعَالَی اخْتَصَّ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ اصْطَفَاهُ وَ هَدَاهُ، وَ انْتَجَبَهُ لِرِسَالَتِهِ إِلَی النَّاسِ كَافَّةً بِرَحْمَتِهِ، وَ إِلَی الثَّقَلَیْنِ بِرَأْفَتِهِ، وَ فَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَی أَهْلِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ (8)، وَ جَعَلَهُ إِمَاماً لِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَ خَاتَماً لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخَلْقِ، وَ وَرَّثَهُ مَوَارِیثَ الْأَنْبِیَاءِ، وَ أَعْطَاهُ مَقَالِیدَ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ،

ص: 63


1- فی ك: وضع رمز نسخة بدل علی كلمة: إنّ.
2- فی المصدر: من لغات العرب.
3- فی ك: القربة، و لا معنی لها هنا.
4- فی إرشاد القلوب: أتّبعه.
5- فی س: الصّدور.
6- فی المصدر: إلیّ، بدلا من: علیّ.
7- لا توجد: إنّه، فی المصدر.
8- فی الإرشاد: و أهل الأرض.

وَ اتَّخَذَهُ نَبِیّاً وَ رَسُولًا وَ حَبِیباً وَ إِمَاماً، وَ دَفَعَهُ (1) إِلَیْهِ، وَ قَرَّبَهُ یَمِینَ (2) عَرْشِهِ بِحَیْثُ لَا یَبْلُغُهُ (3) مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِیٌّ مُرْسَلٌ، فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِ فِی وَحْیِهِ مَا أَوْحَی (4) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأی (5)، وَ أَنْزَلَ عَلَامَاتِهِ عَلَی الْأَنْبِیَاءِ، وَ أَخَذَ مِیثَاقَهُمْ: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (6).

قَالَ: ثُمَّ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلی ذلِكُمْ إِصْرِی قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ (7) (8) وَ قَالَ: یَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِی كانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) فَمَا مَضَی صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَتَّی أَتَمَّ اللَّهُ مَقَامَهُ، وَ أَعْطَاهُ وَسِیلَتَهُ، وَ رَفَعَ لَهُ دَرَجَتَهُ، فَلَنْ یُذْكَرَ اللَّهُ تَعَالَی (10) إِلَّا كَانَ مَعَهُ مَقْرُوناً، وَ فَرَضَ دِینَهُ، وَ وَصَلَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ، فَقَالَ:

مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (11)» وَ قَالَ: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (12) فَأَبْلَغَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ رِسَالَتَهُ، وَ أَوْضَحَ بُرْهَانَ وَلَایَتِهِ، وَ أَحْكَمَ آیَاتِهِ، وَ شَرَّعَ شَرَائِعَهُ وَ أَحْكَامَهُ، وَ دَلَّهُمْ عَلَی سَبِیلِ نَجَاتِهِمْ، وَ بَابِ هِدَایَتِهِ

ص: 64


1- فی المصدر: رفعه. و هی نسخة فی مطبوع البحار.
2- فی الإرشاد: عن یمین.
3- فی المصدر: لم یبلغه.
4- لا توجد: ما أوحی، فی المصدر.
5- النّجم: 11.
6- آل عمران: 81.
7- لا توجد: قال، فی س. و فی المصدر: ثمّ قال للأنبیاء.
8- آل عمران: 81.
9- الأعراف: 157.
10- فی المصدر: عزّ و جلّ، بدلا من: تعالی.
11- النّساء: 80.
12- الحشر: 7.

وَ حِكْمَتِهِ، وَ كَذَلِكَ بَشَّرَ بِهِ النَّبِیُّونَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِمْ قَبْلَهُ، وَ بَشَّرَ بِهِ عِیسَی رُوحُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ إِذْ یَقُولُ فِی الْإِنْجِیلِ: أَحْمَدُ الْعَرَبِیُّ النَّبِیُّ الْأُمِّیُّ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ وَ الْقَضِیبِ، وَ أَقَامَ لِأُمَّتِهِ وَصِیَّهُ فِیهِمْ، وَ عَیْبَةَ عِلْمِهِ، وَ مَوْضِعَ سِرِّهِ، وَ مُحْكَمَ آیَاتِ كِتَابِهِ، وَ تَالِیَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، وَ بَابَ حِطَّتِهِ، وَ وَارِثَ كِتَابِهِ، وَ خَلَّفَهُ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فِیهِمْ، وَ أَخَذَ فِیهِمُ الْحُجَّةَ (1)، فَقَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: قَدْ خَلَّفْتُ فِیكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا (2)، كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی، وَ هُمَا الثَّقَلَانِ: كِتَابُ اللَّهِ الثَّقَلُ الْأَكْبَرُ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَی الْأَرْضِ سَبَبُ بِأَیْدِیكُمْ وَ سَبَبٌ بِیَدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ إِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ، فَلَا تَقَدَّمُوهُمْ فَتَمْرُقُوا (3) وَ لَا تَأْخُذُوا عَنْ غَیْرِهِمْ فَتَعْطَبُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَ أَنَا وَصِیُّهُ وَ الْقَائِمُ بِتَأْوِیلِ كِتَابِهِ، وَ الْعَارِفُ بِحَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ، وَ بِمُحْكَمِهِ وَ مُتَشَابِهِهِ، وَ نَاسِخِهِ وَ مَنْسُوخِهِ، وَ أَمْثَالِهِ وَ عِبَرِهِ وَ تَصَارِیفِهِ، وَ عِنْدِی عِلْمُ مَا یَحْتَاجُ (4)إِلَیْهِ أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَ كُلُّ قَائِمٍ وَ مُلْتَوٍ (5)، وَ عِنْدِی عِلْمُ الْبَلَایَا وَ الْمَنَایَا وَ الْوَصَایَا وَ الْأَنْسَابِ وَ فَصْلِ الْخِطَابِ، وَ مَوْلِدِ الْإِسْلَامِ، وَ مَوْلِدِ الْكُفْرِ، وَ صَاحِبِ الْكَرَّاتِ، وَ دُولَةِ الدُّوَلِ، فَاسْأَلْنِی عَمَّا یَكُونُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ عَمَّا كَانَ عَلَی عَهْدِ عِیسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی، وَ عَنْ كُلِّ وَصِیٍّ، وَ كُلِّ فِئَةٍ تَضِلُّ مِائَةً وَ تَهْدِی مِائَةً، وَ عَنْ سَائِقِهَا وَ قَائِدِهَا وَ نَاعِقِهَا إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، وَ كُلِّ آیَةٍ نَزَلَتْ فِی كِتَابِ اللَّهِ فِی لَیْلٍ نَزَلَتْ أَمْ نَهَارٍ (6)، وَ عَنِ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الْقُرْآنِ (7) الْعَظِیمِ، فَإِنَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمْ یَكْتُمْنِی مِنْ عِلْمِهِ شَیْئاً وَ لَا مَا تَحْتَاجُ إِلَیْهِ الْأُمَمُ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِیلِ، وَ أَصْنَافَ الْمُلْحِدِینَ وَ أَحْوَالَ

ص: 65


1- فی المصدر: بالحجّة.
2- فی المصدر: لن تضلّوا أبدا.
3- فی إرشاد القلوب: فلا تتقدّموهم فتمزّقوا ..
4- فی المصدر: تحتاج.
5- 8قال فی القاموس 4- 387: لوی القدح و الرّمل- كرضی- لوی فهو لو: اعوجّ، كالتوی.
6- فی المصدر: أم فی نهار.
7- خ. ل: الفرقان، جاءت علی مطبوع البحار.

الْمُخَالِفِینَ، وَ أَدْیَانَ الْمُخْتَلِفِینَ، وَ كَانَ (1) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ خَاتَمَ النَّبِیِّینَ بَعْدَهُمْ، وَ عَلَیْهِمْ فُرِضَتْ طَاعَتُهُ وَ الْإِیمَانُ بِهِ وَ النُّصْرَةُ لَهُ، تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكْتُوباً فِی التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الزَّبُورِ، وَ فِی الصُّحُفِ الْأُولی صُحُفِ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی (2)، وَ لَمْ یَكُنْ لِیُضَیِّعَ عَهْدَ اللَّهِ (3) فِی خَلْقِهِ وَ یَتْرُكَ الْأُمَّةَ قَائِهِینَ (4) بَعْدَهُ، وَ كَیْفَ یَكُونُ ذَلِكَ وَ قَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ بِالرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْعَفْوِ وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ إِقَامَةِ الْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِیمِ؟!.

وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَی إِلَیْهِ كَمَا أَوْحَی (5) إِلی نُوحٍ وَ النَّبِیِّینَ مِنْ بَعْدِهِ، وَ كَمَا أَوْحَی إِلَی مُوسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ عِیسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ فَصَدَّقَ اللَّهَ وَ بَلَّغَ رِسَالَتَهُ وَ أَنَا عَلَی ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِینَ، وَ قَدْ (6) قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی: فَكَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلی هؤُلاءِ شَهِیداً (7) وَ قَالَ: وَ كَفی بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (8) وَ قَدْ صَدَّقَهُ اللَّهُ وَ أَعْطَاهُ الْوَسِیلَةَ إِلَیْهِ وَ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَقَالَ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ (9)، فَنَحْنُ الصَّادِقُونَ (10)، وَ أَنَا أَخُوهُ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ، وَ الشَّاهِدُ مِنْهُ عَلَیْهِمْ بَعْدَهُ، وَ أَنَا وَسِیلَتُهُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أُمَّتِهِ (11)، وَ أَنَا وَ وُلْدِی وَرَثَتُهُ، وَ أَنَا وَ هُمْ كَسَفِینَةِ

ص: 66


1- فی المصدر: إذ كان.
2- الأعلی: 18- 19.
3- فی الإرشاد زیادة: عزّ و جلّ بعد لفظ الجلالة.
4- كذا، و جاءت نسخة بدل فی مطبوع البحار: تائهین، و هو الظاهر. و فی المصدر: تاهین. و لم نجد معنی مناسبا لغة لما أثبتناه متنا.
5- لا یوجد فی المصدر: إلیه كما أوحی.
6- لا توجد: قد، فی ك.
7- النساء: 41.
8- الرعد: 43.
9- التّوبة: 119.
10- فی المصدر: فنحن و اللّٰه الصّادقون.
11- فی س: و بین اللّٰه.

نُوحٍ فِی قَوْمِهِ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ، وَ أَنَا وَ هُمْ كَبَابِ حِطَّةٍ فِی بَنِی إِسْرَائِیلَ، وَ أَنَا (1) بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدَهُ، وَ أَنَا الشَّاهِدُ مِنْهُ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ، وَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یُعْرَضُ (2) طَاعَتِی وَ مَحَبَّتِی بَیْنَ (3) أَهْلِ الْإِیمَانِ وَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَ أَهْلِ النِّفَاقِ، فَمَنْ أَحَبَّنِی كَانَ مُؤْمِناً، وَ مَنْ أَبْغَضَنِی كَانَ كَافِراً، وَ اللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَ لَا كُذِبْتُ وَ لَا كُذِّبَ بِی (4)، وَ لَا ضَلَلْتُ وَ لَا ضُلَّ بِی، وَ إِنِّی لَعَلَی (5) بَیِّنَةٍ بَیَّنَهَا رَبِّی عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَبَیَّنَهَا لِی، فَاسْأَلُونِی عَمَّا كَانَ وَ عَمَّا یَكُونُ (6) وَ عَمَّا هُوَ كَائِنٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

قَالَ: فَالْتَفَتَ الْجَاثَلِیقُ إِلَی أَصْحَابِهِ وَ قَالَ: هَذَا هُوَ (7) وَ اللَّهِ النَّاطِقُ بِالْعِلْمِ وَ الْقُدْرَةِ، الْفَاتِقُ (8)الرَّاتِقُ، وَ نَرْجُو مِنَ اللَّهِ تَعَالَی أَنْ نَكُونَ صَادَفْنَا (9) حَظَّنَا، وَ نُورَ هِدَایَتِنَا، وَ هَذِهِ وَ اللَّهِ حُجَجُ الْأَوْصِیَاءِ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ عَلَی قَوْمِهِمْ.

قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَقَالَ: كَیْفَ عَدَلَ بِكَ الْقَوْمُ عَنْ قَصْدِهِمْ إِیَّاكَ، وَ ادَّعَوْا مَا أَنْتَ أَوْلَی بِهِ مِنْهُمْ؟! أَلَا وَ قَدْ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ، قَصَّرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ (10) وَ مَا ضَرَّ ذَلِكَ الْأَوْصِیَاءَ مَعَ مَا أَغْنَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَ اسْتِحْقَاقِ مَقَامَاتِ رُسُلِهِ، فَأَخْبِرْنِی- أَیُّهَا الْعَالِمُ الْحَكِیمُ- عَنِّی وَ عَنْكَ مَا (11)

ص: 67


1- فی الإرشاد: و أنا منه.
2- فی المصدر: و فرض.
3- جاء فی الإرشاد: علی، بدلا من: بین.
4- لا یوجد فی المصدر: و لا كذبت و لا كذّب بی.
5- فی المصدر: و إنّی علی.
6- فی المطبوع وضع علی: عمّا یكون، نسخة بدل، و لا توجد فی المصدر.
7- فی المصدر لا توجد: هو.
8- فی س: الفائق. و فی المصدر: الفاتن، بدلا من: الفاتق.
9- فی إرشاد القلوب: أن یكون قد صادقنا.
10- فی المصدر: فضربوا أنفسهم.
11- فی المصدر: أیّها الحكیم عنّی و أنت ما ..

أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ؟ وَ مَا أَنَا عِنْدَ اللَّهِ؟.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا أَنَا فَعِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مُؤْمِنٌ وَ عِنْدَ نَفْسِی مُؤْمِنٌ مُتَیَقِّنٌ (1) بِفَضْلِهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ هِدَایَتِهِ وَ نِعَمِهِ عَلَیَّ، وَ كَذَلِكَ أَخَذَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ (2)مِیثَاقِی عَلَی الْإِیمَانِ وَ هَدَانِی لِمَعْرِفَتِهِ (3)لَا أَشُكُّ فِی ذَلِكَ وَ لَا أَرْتَابُ، وَ لَمْ أَزَلْ عَلَی مَا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَی (4) عَلَیَّ مِنَ الْمِیثَاقِ، وَ لَمْ أُبَدِّلْ وَ لَمْ أُغَیِّرْ وَ ذَلِكَ بِمَنِّ اللَّهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ صُنْعِهِ، أَنَا فِی الْجَنَّةِ لَا أَشُكُّ فِی ذَلِكَ وَ لَا أَرْتَابُ (5) لَمْ أَزَلْ عَلَی مَا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَی (6) عَلَیَّ مِنَ الْمِیثَاقِ، فَإِنَّ الشَّكَّ شِرْكٌ لِمَا أَعْطَانِیَ اللَّهُ مِنَ الْیَقِینِ وَ الْبَیِّنَةِ، وَ أَمَّا أَنْتَ فَعِنْدَ اللَّهِ كَافِرٌ بِجُحُودِكَ الْمِیثَاقَ وَ الْإِقْرَارَ الَّذِی أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَیْكَ بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ وَ بُلُوغِكَ الْعَقْلَ وَ مَعْرِفَةَ التَّمْیِیزِ (7) لِلْجَیِّدِ وَ الرَّدِی ءِ وَ الْخَیْرِ وَ الشَّرِّ، وَ إِقْرَارَكَ بِالرُّسُلِ، وَ جُحُودِكَ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِی الْإِنْجِیلِ مِنْ أَخْبَارِ النَّبِیِّینَ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ مَا دُمْتَ عَلَی هَذِهِ الْحَالَةِ، كُنْتَ فِی النَّارِ لَا مَحَالَةَ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِی عَنْ مَكَانِی مِنَ النَّارِ وَ مَكَانِكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَمْ أَدْخُلْهَا فَأَعْرِفَ مَكَانِی مِنَ الْجَنَّةِ وَ مَكَانَكَ مِنَ النَّارِ، وَ لَكِنْ أُعَرِّفُكَ ذَلِكَ (8)مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِالْحَقِّ، وَ أَنْزَلَ عَلَیْهِ كِتَاباً: لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ

ص: 68


1- فی الإرشاد: عزّ و جلّ و عند نفسی مؤمن مستیقن.
2- فی المصدر: اللّٰه عزّ و جلّ.
3- جاءت زیادة: و لا أرتاب، فی المصدر.
4- لا توجد كلمة: تعالی، فی س و المصدر، و فیه: ما أخذه اللّٰه علیّ ..
5- وضع فی طبعتی البحار علی قوله: و لم أزل .. إلی هنا ما یوهم كونه نسخة بدل، و ظاهره التّكرار، فراجع.
6- فی المصدر: عزّ و جلّ، بدلا من: تعالی.
7- فی الإرشاد: و المعرفة و التّمییز .. و هو الظّاهر. «8»-فی المصدر: أعرف ذلك.
8- فی المصدر: أعرف ذلك.

وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَكِیمٍ حَمِیدٍ (1) أَحْكَمَ فِیهِ جَمِیعَ عِلْمِهِ، وَ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنِ الْجَنَّةِ بِدَرَجَاتِهَا وَ مَنَازِلِهَا، وَ قَسَّمَ اللَّهُ (2)جَلَّ جَلَالُهُ الْجِنَانَ بَیْنَ خَلْقِهِ لِكُلِّ عَامِلٍ مِنْهُمْ ثَوَاباً مِنْهَا، وَ أَحَلَّهُمْ عَلَی قَدْرِ فَضَائِلِهِمْ فِی الْأَعْمَالِ وَ الْإِیمَانِ، فَصَدَّقَنَا اللَّهُ وَ عَرَّفَنَا مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ، وَ كَذَلِكَ (3) مَنَازِلَ الْفُجَّارِ، وَ مَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِی النَّارِ، وَ قَالَ: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (4)فَمَنْ مَاتَ عَلَی كُفْرِهِ وَ فُسُوقِهِ وَ شِرْكِهِ وَ نِفَاقِهِ وَ ظُلْمِهِ فَ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (5)، وَ قَدْ قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ: إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ (6) وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ هُوَ الْمُتَوَسِّمَ، وَ أَنَا وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّیَّتِیَ الْمُتَوَسِّمُونَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

قَالَ: فَالْتَفَتَ الْجَاثَلِیقُ إِلَی أَصْحَابِهِ وَ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ إِرَادَتَكُمْ وَ أَرْجُو أَنْ تَظْفَرُوا بِالْحَقِّ الَّذِی طَلَبْنَا، إِلَّا أَنَّهُ (7) قَدْ نَصَبْتُ لَهُ مَسَائِلَ فَإِنْ أَجَابَنِی عَنْهَا نَظَرْنَا فِی أَمْرِنَا وَ قَبِلْتُ مِنْهُ.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَإِنْ أَجَبْتُكَ عَمَّا تَسْأَلُنِی عَنْهُ- وَ فِیهِ تِبْیَانٌ وَ بُرْهَانٌ وَاضِحٌ لَا تَجِدُ لَهُ مَدْفَعاً وَ لَا مِنْ قَبُولِهِ بُدّاً أَنْ (8)

تَدْخُلَ فِی دِینِنَا؟

قَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُ عَلَیْكَ رَاعٍ وَ (9) كَفِیلٌ، إِذَا وَضَحَ لَكَ الْحَقُّ وَ عَرَفْتَ الْهُدَی أَنْ تَدْخُلَ فِی دِینِنَا أَنْتَ وَ أَصْحَابُكَ؟.

قَالَ الْجَاثَلِیقُ: نَعَمْ، لَكَ اللَّهُ عَلَیَّ رَاعٍ وَ (10) كَفِیلٌ أَنِّی أَفْعَلُ ذَلِكَ.

ص: 69


1- فصّلت: 42.
2- اللّٰه، وضع علیها رمز نسخة بدل فی ك.
3- لا توجد: منازل الأبرار، و كذلك فی المصدر.
4- الحجر: 44.
5- الحجر: 44.
6- الحجر: 75.
7- فی المصدر: إلّا أنّی .. و هو الظّاهر.
8- لا توجد: أن، فی المصدر، و هو أولی.
9- لا توجد الواو فی المصدر.
10- لا توجد الواو فی المصدر.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَخُذْ عَلَی أَصْحَابِكَ الْوَفَاءَ.

قَالَ: فَأَخَذَ عَلَیْهِمُ الْعَهْدَ.

ثُمَّ قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: سَلْ عَمَّا أَحْبَبْتَ.

قَالَ: خَبِّرْنِی عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (1) أَ حَمَلَ الْعَرْشَ أَمِ الْعَرْشُ یَحْمِلُهُ؟.

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُ حَامِلُ الْعَرْشِ وَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا فِیهِمَا وَ مَا بَیْنَهُمَا، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَی: إِنَّ اللَّهَ یُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِیماً غَفُوراً (2).

قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: وَ یَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمانِیَةٌ (3) فَكَیْفَ ذَلِكَ؟ وَ قُلْتَ إِنَّهُ یَحْمِلُ الْعَرْشَ وَ السَّمَاوَاتِ (4)وَ الْأَرْضَ؟.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ الْعَرْشَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی مِنْ أَنْوَارٍ أَرْبَعَةٍ:

نُورٍ أَحْمَرَ- احْمَرَّتْ مِنْهُ الْحُمْرَةُ-، وَ نُورٍ أَخْضَرَ- اخْضَرَّتْ مِنْهُ الْخُضْرَةُ-، وَ نُورٍ أَصْفَرَ- اصْفَرَّتْ مِنْهُ الصُّفْرَةُ-، وَ نُورٍ أَبْیَضَ- ابْیَضَّ (5) مِنْهُ الْبَیَاضُ- وَ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِی حَمَّلَهُ اللَّهُ الْحَمَلَةَ، وَ ذَلِكَ نُورٌ مِنْ عَظَمَتِهِ، فَبِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ ابْیَضَّتْ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِینَ، وَ بِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ عَادَاهُ الْجَاهِلُونَ، وَ بِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ ابْتَغَی مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ- مِنْ جَمِیعِ خَلَائِقِهِ- إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ بِالْأَعْمَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَ الْأَدْیَانِ الْمُتَشَتِّتَةِ (6)، وَ كُلُّ مَحْمُولٍ یَحْمِلُهُ اللَّهُ بِنُورِهِ وَ عَظَمَتِهِ (7) وَ قُدْرَتِهِ لَا یَسْتَطِیعُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا* وَ لَا مَوْتاً وَ لا حَیاةً وَ لا نُشُوراً، وَ كُلُّ شَیْ ءٍ مَحْمُولٌ (8) وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْمُمْسِكُ لَهُمَا أَنْ تَزُولا، وَ الْمُحِیطُ بِهِمَا

ص: 70


1- فی المصدر: جلّ و علا.
2- فاطر: 41.
3- الحاقّة: 17.
4- لا توجد: و السّماوات، فی المصدر.
5- فی ك: ابیضّت.
6- فی س: المنشأة، و هی نسخة فی ك.
7- فی المصدر: نوره و نور عظمته.
8- فی إرشاد القلوب: محمل.

وَ بِمَا فِیهِمَا مِنْ شَیْ ءٍ، وَ هُوَ حَیَاةُ كُلِّ شَیْ ءٍ (1) وَ نُورُ كُلِّ شَیْ ءٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِیراً (2).

قَالَ: فَأَخْبِرْنِی عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَیْنَ هُوَ؟.

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: هُوَ هَاهُنَا .. وَ هَاهُنَا .. وَ هَاهُنَا .. وَ هَاهُنَا (3) ..، وَ هُوَ فَوْقُ (4)وَ تَحْتُ وَ مُحِیطٌ بِنَا وَ مَعَنَا، وَ هُوَ قَوْلُهُ (5): ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنی مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما كانُوا ثُمَّ یُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ (6)، وَ الْكُرْسِیُّ مُحِیطٌ بِالسَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ:

وَ لا یَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ (7) فَ الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ هُمُ الْعُلَمَاءُ، وَ هُمُ الَّذِینَ حَمَّلَهُمُ اللَّهُ عِلْمَهُ، وَ لَیْسَ یَخْرُجُ عَنْ (8) هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ شَیْ ءٌ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی مَلَكُوتِهِ، وَ هُوَ الْمَلَكُوتُ الَّذِی أَرَاهُ اللَّهُ أَصْفِیَاءَهُ، وَ أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلِیلَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: وَ كَذلِكَ نُرِی إِبْراهِیمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِیَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ (9) فَكَیْفَ یَحْمِلُهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ (10) وَ بِحَیَاتِهِ حَیِیَتْ قُلُوبُهُمْ، وَ بِنُورِهِ اهْتَدَوْا إِلَی مَعْرِفَتِهِ وَ انْقَادُوا (11)؟!.

قَالَ: فَالْتَفَتَ الْجَاثَلِیقُ إِلَی أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ- وَ اللَّهِ- الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ

ص: 71


1- فی المصدر زیادة: سبحانه.
2- الأسراء: 43. و فی الإرشاد و س: سبحانه و تعالی عمّا یقول الظّالمون .. فلا تصبح آیة.
3- فی ك ذكر: هاهنا، ثلاث مرّات.
4- فی ك وضع علی: و هو فوق، رمز نسخة بدل.
5- فی المصدر زیادة: تعالی.
6- المجادلة: 7. و فی المصدر زیادة: إنّ اللّٰه بكلّ شی ء علیم.
7- البقرة: 255.
8- فی المصدر: من، بدلا من: عن.
9- الأنعام: 75.
10- فی المصدر: و كیف یحمل عرش اللّٰه ..
11- لا توجد: و انقادوا، فی المصدر.

اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی لِسَانِ الْمَسِیحِ وَ النَّبِیِّینَ وَ الْأَوْصِیَاءِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ.

قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنِ الْجَنَّةِ فِی الدُّنْیَا (1) هِیَ أَمْ فِی الْآخِرَةِ؟ وَ أَیْنَ الْآخِرَةُ وَ الدُّنْیَا؟.

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: الدُّنْیَا فِی الْآخِرَةِ، وَ الْآخِرَةُ مُحِیطَةٌ بِالدُّنْیَا، إِذَا [إِذْ] كَانَتِ النُّقْلَةُ مِنَ الْحَیَاةِ إِلَی الْمَوْتِ ظَاهِرَةً، كَانَتِ (2) الْآخِرَةُ هِیَ دَارَ الْحَیَوَانِ لَوْ كانُوا یَعْلَمُونَ، وَ ذَلِكَ أَنَّ الدُّنْیَا نُقْلَةٌ وَ الْآخِرَةَ حَیَاةٌ وَ مُقَامٌ مَثَلُ ذَلِكَ النَّائِمُ، وَ ذَلِكَ أَنَّ الْجِسْمَ یَنَامُ وَ الرُّوحَ لَا تَنَامُ، وَ الْبَدَنَ یَمُوتُ وَ الرُّوحَ لَا تَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ:

وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِیَ الْحَیَوانُ لَوْ كانُوا یَعْلَمُونَ (3) وَ الدُّنْیَا رَسْمُ الْآخِرَةِ، وَ الْآخِرَةُ رَسْمُ الدُّنْیَا، وَ لَیْسَ الدُّنْیَا الْآخِرَةَ وَ لَا الْآخِرَةُ الدُّنْیَا، إِذَا فَارَقَ الرُّوحُ الْجِسْمَ یَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ (4)مِنْهُمَا إِلَی مَا مِنْهُ بَدَأَ، وَ مَا مِنْهُ خُلِقَ، وَ كَذَلِكَ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ فِی الدُّنْیَا مَوْجُودَةٌ وَ فِی الْآخِرَةِ مَوْجُودَةٌ (5)، لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا مَاتَ صَارَ فِی دَارٍ مِنَ الْأَرْضِ، إِمَّا (6) رَوْضَةٍ مِنْ رِیَاضِ الْجَنَّةِ، وَ إِمَّا بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ النَّارِ، وَ رُوحُهُ إِلَی إِحْدَی دَارَیْنِ: إِمَّا فِی دَارِ نَعِیمٍ مُقِیمٍ لَا مَوْتَ فِیهَا، وَ إِمَّا فِی دَارِ عَذَابٍ أَلِیمٍ لَا یَمُوتُ فِیهَا، وَ الرَّسْمُ لِمَنْ عَقَلَ مَوْجُودٌ وَاضِحٌ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْیَقِینِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِیمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَیْنَ الْیَقِینِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ یَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِیمِ (7)، وَ عَنِ (8) الْكُفَّارِ فَقَالَ إِنَّهُمْ: كانَتْ أَعْیُنُهُمْ فِی غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِی

ص: 72


1- فی ك نسخة بدل: هی فی الدّنیا أم .. و فی المصدر: هل فی الدّنیا ..
2- فی المصدر: و كانت.
3- العنكبوت: 64.
4- وضع علی كلمة واحد رمز نسخة بدل فی ك.
5- لا توجد: موجودة- الثّانیة- فی المصدر.
6- فی س زیادة: روحة فی.
7- التّكاثر: 5- 8.
8- خ. ل: عنّی.

وَ كانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً (1) (2) وَ لَوْ عَلِمَ الْإِنْسَانُ عِلْمَ (3) مَا هُوَ فِیهِ مَاتَ حُبّاً (4) مِنَ الْمَوْتِ، وَ مَنْ نَجَا فَبِفَضْلِ الْیَقِینِ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِكُونَ (5) (6)، فَإِذَا طُوِیَتِ السَّمَاوَاتُ وَ قُبِضَتِ الْأَرْضُ، فَأَیْنَ تَكُونُ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ وَ هُمَا (7) فِیهِمَا؟. قَالَ: فَدَعَا بِدَوَاةٍ وَ قِرْطَاسٍ ثُمَّ كَتَبَ فِیهِ: الْجَنَّةَ وَ النَّارَ، ثُمَّ دَرَجَ الْقِرْطَاسَ وَ دَفَعَهُ إِلَی النَّصْرَانِیِّ، وَ قَالَ لَهُ: أَ لَیْسَ قَدْ طَوَیْتُ هَذَا الْقِرْطَاسَ؟ قَالَ:

نَعَمْ. قَالَ: فَافْتَحْهُ (8) .. فَفَتَحْتُهُ قَالَ: هَلْ تَرَی آیَةَ النَّارِ وَ آیَةَ الْجَنَّةِ أَ مَحَاهُمَا الْقِرْطَاسُ (9)؟. قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَكَذَا فِی (10) قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَی إِذَا طُوِیَتِ السَّمَاوَاتُ وَ قُبِضَتِ الْأَرْضُ لَمْ تَبْطُلِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ كَمَا لَمْ تُبْطِلْ طَیُّ هَذَا الْكِتَابِ آیَةَ الْجَنَّةِ وَ آیَةَ النَّارِ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَی: كُلُّ شَیْ ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (11) مَا هَذَا الْوَجْهُ؟، وَ كَیْفَ هُوَ؟، وَ أَیْنَ یُؤْتَی؟، وَ مَا دَلِیلُنَا عَلَیْهِ؟.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا غُلَامُ! عَلَیَّ بِحَطَبٍ وَ نَارٍ، فَأَتَی بِحَطَبٍ وَ نَارٍ وَ أَمَرَ

ص: 73


1- فی المصدر: و عن الكافرین، فقال إنّهم كانوا فی شغل عن ذكری و كانوا ..
2- الكهف: 101.
3- لا توجد: علم، فی المصدر، و هو الظّاهر.
4- فی س، و نسخة فی ك: حیّا، و فی المصدر: مات خوفا، و هو الظّاهر.
5- جاءت العبارة فی المصدر باختلاف، و هی: .. عن قوله تعالی جلّ ثناؤه: «یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ» جمیعا و هو خلط بین الآیتین.
6- الزمر: 67.
7- لا توجد: و هما، فی المصدر.
8- هنا سقط كلمة: قال .. جاءت فی المصدر.
9- فی المصدر: طیّ القرطاس .. و هو الظّاهر.
10- فی ك وضع علی: فی، رمز نسخة بدل.
11- القصص: 88.

أَنْ تُضْرَمَ، فَلَمَّا اسْتَوْقَدَتْ وَ اشْتَعَلَتْ، قَالَ لَهُ: یَا نَصْرَانِیُّ هَلْ تَجِدُ لِهَذِهِ النَّارِ وَجْهاً دُونَ وَجْهٍ؟. قَالَ: لَا، حَیْثُمَا أَتَیْتُهَا فَهُوَ (1) وَجْهٌ.

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ النَّارُ الْمَخْلُوقَةُ الْمُدَبَّرَةُ فِی ضَعْفِهَا وَ سُرْعَةِ زَوَالِهَا لَا تَجِدُ لَهَا وَجْهاً فَكَیْفَ مَنْ خَلَقَ هَذِهِ النَّارَ وَ جَمِیعُ مَا فِی مَلَكُوتِهِ مِنْ شَیْ ءٍ أَجَابَهُ؟ كَیْفَ (2) یُوصَفُ بِوَجْهٍ أَوْ یُحَدُّ بِحَدٍّ، أَوْ یُدْرَكُ بِبَصَرٍ، أَوْ یُحِیطُ بِهِ عَقْلٌ، أَوْ یَضْبِطُهُ وَهْمٌ، وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (3).

قَالَ الْجَاثَلِیقُ: صَدَقْتَ أَیُّهَا الْوَصِیُّ الْعَلِیمُ (4) الْحَكِیمُ الرَّفِیقُ الْهَادِی، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِیراً وَ نَذِیراً*، وَ أَنَّكَ وَصِیُّهُ وَ صَدِیقُهُ وَ دَلِیلُهُ وَ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَ أَمِینُهُ عَلَی أَهْلِ بَیْتِهِ وَ وَلِیُّ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ بَعْدِهِ، مَنْ أَحَبَّكَ وَ تَوَلَّاكَ هَدَیْتَهُ وَ نَوَّرْتَ قَلْبَهُ وَ أَغْنَیْتَهُ (5) وَ كَفَیْتَهُ وَ شَفَیْتَهُ، وَ مَنْ تَوَلَّی عَنْكَ وَ عَدَلَ عَنْ سَبِیلِكَ ضَلَّ (6) وَ غُبِنَ عَنْ حَظِّهِ وَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَیْرِ هُدًی مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ كَفَی هُدَاكَ وَ نُورُكَ هَادِیاً وَ كَافِیاً وَ شَافِیاً.

قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ الْجَاثَلِیقُ إِلَی الْقَوْمِ فَقَالَ: یَا هَؤُلَاءِ! قَدْ أَصَبْتُمْ أُمْنِیَّتَكُمْ وَ أَخْطَأْتُمْ سُنَّةَ نَبِیِّكُمْ، فَاتَّبِعُوهُ تَهْتَدُوا وَ تَرْشُدُوا، فَمَا دَعَاكُمْ إِلَی مَا فَعَلْتُمْ؟! مَا أَعْرِفُ لَكُمْ عُذْراً بَعْدَ آیَاتِ اللَّهِ وَ الْحُجَّةِ عَلَیْكُمْ، أَشْهَدُ (7) أَنَّهَا سُنَّةُ اللَّهِ فِی (8) الَّذِینَ خَلَوْا

ص: 74


1- فی المصدر: حیث ما لقیتها فهو ..
2- لا یوجد فی المصدر: أجابه كیف .. و هو الظّاهر.
3- الشوری: 11.
4- فی المصدر: العلیّ، بدلا من: العلیم.
5- فی حاشیة ك كلمة: و عیبته، كتب بعدها كلمة: صح، و لم یعلم علیها، و لم ترد فی س، و فی المصدر: أعنته، و لعلّ الكلمة فی ك: عیینة و ..
6- فی س وضع علی كلمة: ضلّ، رمز نسخة بدل. و لا توجد فی المصدر.
7- لا توجد: أشهد فی المصدر.
8- لا توجد: اللّٰه فی .. فی المصدر.

مِنْ قَبْلِكُمْ (1) وَ لا تَبْدِیلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ، وَ قَدْ قَضَی عَزَّ وَ جَلَّ الِاخْتِلَافَ عَلَی الْأُمَمِ، الِاسْتِبْدَالَ بِأَوْصِیَائِهِمْ بَعْدَ أَنْبِیَائِهِمْ، وَ مَا الْعَجَبُ إِلَّا مِنْكُمْ بَعْدَ مَا شَاهَدْتُمْ؟! فَمَا هَذِهِ الْقُلُوبُ الْقَاسِیَةُ، وَ الْحَسَدُ الظَّاهِرُ، وَ الضِّغْنُ وَ الْإِفْكُ الْمُبِینُ؟!.

قَالَ: وَ أَسْلَمَ النَّصْرَانِیُّ وَ مَنْ مَعَهُ (2) وَ شَهِدُوا لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالْوَصِیَّةِ وَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِالْحَقِّ وَ النُّبُوَّةِ، وَ أَنَّهُ الْمَوْصُوفُ الْمَنْعُوتُ فِی التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِیلِ، ثُمَّ خَرَجُوا مُنْصَرِفِینَ إِلَی مَلِكِهِمْ لِیَرُدُّوا عَلَیْهِ (3) مَا عَایَنُوا وَ مَا سَمِعُوا.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَوْضَحَ بُرْهَانَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَعَزَّ دِینَهُ وَ نَصَرَهُ، وَ صَدَّقَ رَسُولَهُ وَ أَظْهَرَهُ عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ.

قَالَ: فَتَبَاشَرَ (4) الْقَوْمُ بِحُجَجِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ بَیَانِ مَا أَخْرَجَهُ إِلَیْهِمْ، فَانْكَشَفَتْ (5) عَنْهُمُ الذِّلَّةُ، وَ قَالُوا: جَزَاكَ اللَّهُ یَا أَبَا الْحَسَنِ (6) فِی مَقَامِكَ بِحَقِّ نَبِیِّكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا وَ كَأَنَّ الْحَاضِرِینَ لَمْ یَسْمَعُوا شَیْئاً مِمَّا فَهِمَهُ الْقَوْمُ وَ (7) الَّذِینَ هُمْ عِنْدَهُمْ أَبَداً، وَ قَدْ نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ قَالَ سَلْمَانُ الْخَیْرِ: فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ وَ تَفَرَّقَ النَّاسُ وَ أَرَادُوا الرَّحِیلَ أَتَوْا عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ مُسَلِّمِینَ عَلَیْهِ وَ یَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَی لَهُ (8) وَ اسْتَأْذَنُوا، فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَجَلَسُوا، فَقَالَ الْجَاثَلِیقُ: یَا وَصِیَّ مُحَمَّدٍ وَ أَبَا ذُرِّیَّتِهِ! مَا نَرَی الْأُمَّةَ

ص: 75


1- فی إرشاد القلوب: من قبل.
2- فی المصدر: و من كان معه ..
3- ففی الإرشاد: إلیه، بدلا من: علیه.
4- فی ك نسخة بدل: فتباشروا.
5- فی المصدر: و كشف.
6- فی إرشاد القلوب: أحسن اللّٰه جزاك یا أبا الحسن ..
7- لا توجد الواو، فی المصدر.
8- فی المصدر: و یدعون له.

إِلَّا هَالِكَةً (1)كَهَلَاكِ مَنْ مَضَی مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ مِنْ قَوْمِ مُوسَی وَ تَرْكِهِمْ مُوسَی (2) وَ عُكُوفِهِمْ عَلَی أَمْرِ (3) السَّامِرِیِّ، وَ إِنَّا وَجَدْنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ عَدُوًّا شَیاطِینَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ یُفْسِدَانِ عَلَی النَّبِیِّ دِینَهُ، وَ یُهْلِكَانِ أُمَّتَهُ، وَ یَدْفَعَانِ وَصِیَّهُ، وَ یَدَّعِیَانِ الْأَمْرَ بَعْدَهُ، وَ قَدْ أَرَانَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَا وَعَدَ الصَّادِقِینَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِهَلَاكِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، وَ بَیَّنَ لَنَا سَبِیلَكَ وَ سَبِیلَهُمْ، وَ بَصَّرَنَا مَا أَعْمَاهُمْ عَنْهُ، وَ نَحْنُ أَوْلِیَاؤُكَ وَ عَلَی دِینِكَ وَ عَلَی طَاعَتِكَ، فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ، إِنْ أَحْبَبْتَ أَقَمْنَا مَعَكَ وَ نَصَرْنَاكَ عَلَی عَدُوِّكَ، وَ إِنْ أَمَرْتَنَا بِالْمَسِیرِ سِرْنَا وَ إِلَی مَا صَرَفْتَنَا إِلَیْهِ صِرْنَا (4) وَ قَدْ نوی (5) صَبْرَكَ عَلَی مَا ارْتُكِبَ مِنْكَ، وَ كَذَلِكَ شِیَمُ الْأَوْصِیَاءِ وَ سُنَّتُهُمْ بَعْدَ نَبِیِّهِمْ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ نَبِیِّكَ عَهْدٌ فِیمَا أَنْتَ فِیهِ وَ هُمْ؟.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: نَعَمْ، وَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِی لَعَهْداً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِمَّا هُمْ صَائِرُونَ إِلَیْهِ، وَ مَا هُمْ عَامِلُونَ، وَ كَیْفَ یَخْفَی عَلَیَّ أَمْرُ أُمَّتِهِ وَ أَنَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی، وَ بِمَنْزِلَةِ شَمْعُونَ مِنْ عِیسَی؟! أَ وَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ وَصِیَّ عِیسَی شَمْعُونَ بْنَ حَمُّونَ الصَّفَا- ابْنَ خَالِهِ- اخْتَلَفَتْ عَلَیْهِ أُمَّةُ عِیسَی (علیه السلام) وَ افْتَرَقُوا أَرْبَعَ فِرَقٍ، وَ افْتَرَقَتِ الْأَرْبَعُ فِرَقٍ (6) عَلَی اثنین [اثْنَتَیْنِ] وَ سَبْعِینَ فِرْقَةً، كُلُّهَا هَالِكَةٌ إِلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ (7)؟ وَ كَذَلِكَ أُمَّةُ مُوسَی (علیه السلام) افْتَرَقَتْ عَلَی اثنین [اثْنَتَیْنِ] وَ سَبْعِینَ (8) فِرْقَةً،

ص: 76


1- فی المصدر: هلكت.
2- خ. ل: هارون، و هی كذلك فی المصدر، و هو الظّاهر.
3- وضع فی ك علی: أمر، رمز نسخة بدل.
4- فی المصدر: صرفنا.
5- قال فی النّهایة 5- 132: و من ینو الدّنیا تعجزه .. أی من یسع لها یخب، یقال: نویت الشّی ء: إذا جددت فی طلبه، و النّوی: البعد. و قال فی الصّحاح 6- 2156: نویت نیّة و نواة .. أی عزمت. و فی المصدر: و قد نری.
6- لا توجد: فرق، فی المصدر.
7- لا توجد: واحدة، فی المصدر.
8- فی إرشاد القلوب: إحدی و سبعین .. و هو الظّاهر ..

كُلُّهَا هَالِكَةٌ إِلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ (1)، وَ قَدْ عَهِدَ إِلَیَّ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّ أُمَّتَهُ یَفْتَرِقُونَ عَلَی ثَلَاثٍ وَ سَبْعِینَ فِرْقَةً، ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِرْقَةً تَدَّعِی مَحَبَّتَنَا وَ مَوَدَّتَنَا (2) كُلُّهُمْ هَالِكَةٌ إِلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ (3)، وَ إِنِّی لَعَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی، وَ إِنِّی عَالِمٌ بِمَا یَصِیرُ الْقَوْمُ إِلَیْهِ، وَ لَهُمْ مُدَّةٌ وَ أَجَلٌ مَعْدُودٌ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ: وَ إِنْ أَدْرِی لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلی حِینٍ (4) وَ قَدْ صَبَرَ (5) عَلَیْهِمُ الْقَلِیلَ لِمَا هُوَ بَالِغُ أَمْرِهِ وَ قَدَرُهُ الْمَحْتُومُ فِیهِمْ (6)، وَ ذَكَرَ نِفَاقَهُمْ وَ حَسَدَهُمْ وَ (7) أَنَّهُ سَیُخْرِجُ أَضْغَانَهُمْ وَ یُبَیِّنُ مَرَضَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ فِرَاقِ نَبِیِّهِمْ (8) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِی قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (9) أَیْ تَعْلَمُونَ (10) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آیاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِینَ (11) فَقَدْ (12)عَفَا اللَّهُ عَنِ الْقَلِیلِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَ وَعَدَنِی أَنْ یُظْهِرَنِی عَلَی أَهْلِ الْفِتْنَةِ وَ یردوا [یَرُدَّ] الْأَمْرَ إِلَیَّ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُبْطِلُونَ، وَ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی الْمُصَالَحَةِ وَ الْمُهَادَنَةِ عَلَی أَنْ لَا تُحْدِثُوا وَ لَا تَأْوُوا مُحْدِثاً، فَلَكُمُ الْوَفَاءُ عَلَی (13)

ص: 77


1- لا توجد فی المصدر: واحدة ..
2- فی المصدر: تدّعی مودّتنا.
3- فی إرشاد القلوب لا توجد: واحدة.
4- الأنبیاء: 111.
5- فی المصدر: صبرت.
6- فی س: فیه.
7- لا توجد الواو فی المصدر.
8- فی س: بینهم.
9- التوبة: 64.
10- فی المصدر: أی تعقلون.
11- التوبة: 65.
12- فی س: قد.
13- لا توجد فی المصدر: علی.

مَا وَفَیْتُمْ، وَ لَكُمُ الْعَهْدُ وَ الذِّمَّةُ عَلَی (1) مَا أَقَمْتُمْ عَلَی الْوَفَاءِ بِعَهْدِكُمْ عَلَیْنَا (2) مِثْلُ ذَلِكَ لَكُمْ، وَ لَیْسَ هَذَا أَوَانُ نَصْرِنَا وَ لَا یُسَلُّ سَیْفٌ (3) وَ لَا یُقَامُ عَلَیْهِمْ بِحَقٍّ مَا لَمْ یَقْبَلُوا وَ یُعْطُوا (4) طَاعَتَهُمْ، إِذْ كُنْتُ فَرِیضَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِثْلَ الْحَجِّ وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الصَّلَاةِ، فَهَلْ یُقَامُ بِهَذِهِ الْحُدُودِ إِلَّا بِعَالِمٍ قَائِمٍ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ وَ هُوَ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ؟! وَ لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلَّا أَنْ یُهْدی فَما لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ (5) فَأَنَا- رَحِمَكَ اللَّهُ (6) فَرِیضَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَیْكُمْ، بَلْ أَفْضَلُ الْفَرَائِضِ وَ أَعْلَاهَا، وَ أَجْمَعُهَا لِلْحَقِّ، وَ أَحْكَمُهَا لِدَعَائِمِ الْإِیمَانِ، وَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ الْخَلْقُ لِصَلَاحِهِمْ وَ لِفَسَادِهِمْ وَ لِأَمْرِ دُنْیَاهُمْ وَ آخِرَتِهِمْ، فَقَدْ تَوَلَّوْا عَنِّی، وَ دَفَعُوا فَضْلِی، وَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِمَامَتِی وَ سُلُوكَ سَبِیلِی، فَقَدْ رَأَیْتُمْ مَا شَمِلَهُمْ مِنَ الذُّلِّ وَ الصَّغَارِ مِنْ بَعْدِ (7) الْحُجَّةِ.

وَ كَیْفَ أَثْبَتَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ الْحُجَّةَ وَ قَدْ نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ مِنْ عَهْدِ نَبِیِّهُمْ، وَ مَا أَكَّدَ عَلَیْهِمْ مِنْ طَاعَتِی وَ أَخْبَرَهُمْ مِنْ مَقَامِی، وَ بَلَّغَهُمْ مِنْ رِسَالَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی فَقْرِهِمْ إِلَی عِلْمِی وَ غِنَایَ عَنْهُمْ وَ عَنْ جَمِیعِ الْأُمَّةِ مِمَّا أَعْطَانِیَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، فَكَیْفَ آسَی عَلَی مَنْ ضَلَّ عَنِ الْحَقِّ مِنْ بَعْدِ مَا (8) تَبَیَّنَ لَهُ وَ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ

ص: 78


1- لا توجد فی المصدر: علی.
2- فی المصدر: و علینا- بزیادة الواو- و هو الظّاهر.
3- فی إرشاد القلوب: بسیف.
4- فی المصدر: و یعطونی.
5- یونس: 35.
6- فی المصدر: فإن رحمكم اللّٰه .. و الظّاهر: فأنا رحمكم اللّٰه.
7- فی إرشاد القلوب: بعض، بدلا من: بعد، و ما فی المتن أولی.
8- فی المصدر: صدّ الحقّ بعد ما ..

عَلی عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلی سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلی بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ یَهْدِیهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ (1) إِنَّ هُدَاهُ لَلْهُدَی، وَ هُمَا السَّبِیلَانِ: سَبِیلُ الْجَنَّةِ وَ سَبِیلُ النَّارِ وَ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةُ، فَقَدْ تَرَی مَا نَزَلَ بِالْقَوْمِ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ الَّذِی عَذَّبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَ كَیْفَ بَدَّلُوا كَلَامَ اللَّهِ، وَ كَیْفَ جَرَتِ السُّنَّةُ فِیهِمْ (2) مِنَ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ، فَعَلَیْكُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَ عُرْوَتِهِ، وَ كُونُوا مِنْ حِزْبِ (3) اللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ الْزَمُوا عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَ مِیثَاقَهُ عَلَیْكُمْ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِیباً وَ سَیَعُودُ غَرِیباً، وَ كُونُوا فِی أَهْلِ مِلَّتِكُمْ كَأَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَ إِیَّاكُمْ أَنْ تَغُشُّوا (4) أَمْرَكُمْ إِلَی أَهْلٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ حَمِیمٍ أَوْ قَرِیبٍ، فَإِنَّهُ دِینُ اللَّهِ الَّذِی أَوْجَبَ لَهُ التَّقِیَّةَ لِأَوْلِیَائِهِ (5) فَیَقْتُلُكُمْ قَوْمُكُمْ وَ إِنْ أَصَبْتُمْ مِنَ الْمَلِكِ فُرْصَةً أَلْقَیْتُمْ عَلَی قَدْرِ مَا تَرَوْنَ مِنْ قَبُولِهِ، وَ إِنَّهُ بَابُ اللَّهِ وَ حِصْنُ الْإِیمَانِ لَا یَدْخُلُهُ إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ مِیثَاقَهُ، وَ نَوَّرَ لَهُ فِی قَلْبِهِ (6)وَ أَعَانَهُ عَلَی نَفْسِهِ، انْصَرِفُوا إِلَی بِلَادِكُمْ عَلَی عَهْدِكُمُ الَّذِی عَاهَدْتُمُونِی عَلَیْهِ، فَإِنَّهُ سَیَأْتِی عَلَی النَّاسِ بَعْدَ (7)بُرْهَةٍ مِنْ دَهْرِهِمْ (8) مُلُوكٌ بَعْدِی وَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ یُغَیِّرُونَ دِینَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ یُحَرِّفُونَ كَلَامَهُ، وَ یَقْتُلُونَ أَوْلِیَاءَ اللَّهِ، وَ یُعِزُّونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ، وَ بِهِمْ (9) تَكْثُرُ الْبِدَعُ، وَ تَدْرُسُ السُّنَنُ، حَتَّی تُمْلَأَ الْأَرْضُ جَوْراً وَ عُدْوَاناً وَ بِدَعاً (10)، ثُمَّ یَكْشِفُ اللَّهُ بِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ جَمِیعَ الْبَلَایَا عَنْ أَهْلِ دَعْوَةِ اللَّهِ بَعْدَ شِدَّةٍ

ص: 79


1- الجاثیة: 23، و لا یوجد فی المصدر ذیل الآیة: أَ فَلا تَذَكَّرُونَ.
2- لا توجد فی المصدر: فیهم.
3- فی المصدر: و عروة و كونوا حزب ..
4- فی الإرشاد: أن تفشوا.
5- فی المصدر: و لأولیائه، و لا توجد جملة: فیقتلكم قومكم.
6- فی س: قبره.
7- وضع علی: بعد، فی ك رمز نسخة بدل: خ. و لا توجد فی المصدر.
8- فی المصدر: من دهركم، و هو الظّاهر.
9- لا توجد: بهم فی المصدر.
10- لا توجد: بدعا، فی المصدر.

مِنَ الْبَلَاءِ الْعَظِیمِ حَتَّی تُمْلَأَ (1) الْأَرْضُ قِسْطاً وَ عَدْلًا بَعْدَ مَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً، أَلَا وَ قَدْ عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّ الْأَمْرَ صَائِرٌ إِلَیَّ بَعْدَ الثَّلَاثِینَ مِنْ وَفَاتِهِ وَ ظُهُورِ الْفِتَنِ، وَ اخْتِلَافِ الْأُمَّةِ عَلَیَّ، وَ مُرُوقِهِمْ مِنْ دِینِ اللَّهِ، وَ أَمَرَنِی بِقِتَالِ النَّاكِثِینَ وَ الْمَارِقِینَ وَ الْقَاسِطِینَ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَ تِلْكَ الْأُمُورَ وَ أَرَادَ أَنْ یَأْخُذَ بِحَظِّهِ مِنَ الْجِهَادِ مَعِی فَلْیَفْعَلْ، فَإِنَّهُ وَ اللَّهِ الْجِهَادُ الصَّافِی، صَفَاهُ لَنَا كِتَابُ اللَّهِ وَ سُنَّةُ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَكُونُوا- رَحِمَكُمُ اللَّهُ- مِنْ أَحْلَاسِ بُیُوتِكُمْ إِلَی أَوَانِ ظُهُورِ أَمْرِنَا، فَمَنْ مَاتَ مِنْكُمْ كَانَ مِنَ الْمَظْلُومِینَ، وَ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَدْرَكَ مَا تَقَرُّ بِهِ عَیْنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی.

أَلَا وَ إِنِّی أُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ سَیَحْمِلُونَ عَلَیَّ خُطَّةَ جَهْلِهِمْ (2)، وَ یَنْقُضُونَ عَلَیْنَا عَهْدَ نَبِیِّنَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِمَا یَأْتُونَ وَ یَذَرُونَ (3)، وَ سَیَكُونُ مِنْكُمْ (4) مُلُوكٌ یَدْرُسُ عِنْدَهُمُ الْعَهْدُ، وَ یَنْسَوْنَ مَا ذُكِّرُوا بِهِ، وَ یَحُلُّ بِهِمْ مَا یَحُلُّ بِالْأُمَمِ حَتَّی یَصِیرُوا إِلَی الْهَرْجِ وَ الِاعْتِدَاءِ وَ فَسَادِ الْعَهْدِ، وَ ذَلِكَ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ الَّتِی أُمِرْتُ بِالصَّبْرِ عَلَیْهَا، وَ سَلَّمْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ فِی مِحْنَةٍ عَظِیمَةٍ یَكْدَحُ فِیهَا الْمُؤْمِنُ حَتَّی یَلْقَی اللَّهَ (5) رَبَّهُ، وَ وَاهاً (6) لِلْمُتَمَسِّكِینَ بِالثَّقَلَیْنِ وَ مَا یُعْمَلُ بِهِمْ! وَ وَاهاً لِفَرَجِ (7) آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ خَلِیفَةٍ مُتَخَلِّفٍ عِتْرِیفٍ مُتْرَفٍ (8)، یَقْتُلُ خَلَفِی وَ خَلَفَ

ص: 80


1- فی المصدر: یملأ.
2- فی المصدر: من جهلهم.
3- فی الإرشاد: و ما یذرون.
4- فی ك: منهم، و هو الظّاهر.
5- یلقی اللّٰه، وضع علیها فی المطبوع رمز نسخة بدل.
6- قال فی مجمع البحرین 1- 466: و فی حدیث علیّ علیه السّلام مع الرّجلین: واها لهما فقد نبذا الكتاب جملته .. قیل معنی هذه الكلمة: التّلهّف، و قد توضع موضع الإعجاب بالشّی ء، یقال: واها له.
7- خ. ل: لفرخ، و هو الأصوب، كما ذكرها المصنّف رحمه اللّٰه فی بیانه.
8- فی المصدر: فی خلیفة مستخلف عریف مترف.

الْخَلَفِ، بَلَی (1) اللَّهُمَّ لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ بَاطِناً مَسْتُوراً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَ بَیِّنَاتُهُ (2) وَ یَكُونَ مِحْنَةً (3) لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَ اقْتَدَی بِهِ، وَ أَیْنَ أُولَئِكَ؟ وَ كَمْ أُولَئِكَ؟ أُولَئِكَ (4) الْأَقَلُّونَ عَدَداً، الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ خَطَراً، بِهِمْ یَحْفَظُ اللَّهُ دِینَهُ وَ عِلْمَهُ حَتَّی یَزْرَعَهَا فِی صُدُورِ أَشْبَاهِهِمْ، وَ یُودِعَهَا أَمْثَالَهُمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَی حَقِیقَةِ الْإِیمَانِ، وَ اسْتَرْوَحُوا رُوحَ الْیَقِینِ، وَ أَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَ اسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَ مِنْهُ الْمُتْرَفُونَ، وَ صَحِبُوا الدُّنْیَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَلَإِ (5) الْأَعْلَی، أُولَئِكَ حُجَجُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ، وَ أُمَنَاؤُهُ عَلَی خَلْقِهِ، آهِ .. آهِ شَوْقاً إِلَیْهِمْ (6) وَ إِلَی رُؤْیَتِهِمْ، وَ وَاهاً لَهُمْ عَلَی صَبْرِهِمْ عَلَی عَدُوِّهِمْ، وَ سَیَجْمَعُنَا اللَّهُ وَ إِیَّاهُمْ فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّیَّاتِهِمْ قَالَ: .. ثُمَّ بَكَی .. وَ بَكَی الْقَوْمُ مَعَهُ وَ وَدَّعُوهُ (7) وَ قَالُوا: نَشْهَدُ لَكَ بِالْوَصِیَّةِ وَ الْإِمَامَةِ وَ الْأُخُوَّةِ، وَ إِنَّ عِنْدَنَا لَصِفَتَكَ وَ صُورَتَكَ، وَ سَیَقْدَمُ وَفْدٌ بَعْدَ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ قُرَیْشٍ عَلَی الْمَلِكِ، وَ لَنُخْرِجَنَّ إِلَیْهِمْ صُورَةَ الْأَنْبِیَاءِ وَ صُورَةَ نَبِیِّكَ وَ صُورَتَكَ وَ صُورَةَ ابْنَیْكَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ (8) عَلَیْهِمَا السَّلَامُ وَ صُورَةَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ زَوْجَتَكَ سَیِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ بَعْدَ مَرْیَمَ الْكُبْرَی الْبَتُولِ، وَ إِنَّ ذَلِكَ لَمَأْثُورٌ عِنْدَنَا وَ مَحْفُوظٌ، وَ نَحْنُ رَاجِعُونَ إِلَی الْمَلِكِ وَ مُخْبِرُوهُ بِمَا أَوْدَعْتَنَا مِنْ نُورِ هِدَایَتِكَ وَ بُرْهَانِكَ وَ كَرَامَتِكَ وَ صَبْرِكَ عَلَی مَا أَنْتَ فِیهِ، وَ نَحْنُ الْمُرَابِطُونَ لِدَوْلَتِكَ، الدَّاعُونَ

ص: 81


1- فی ك: بل.
2- فی ك: بنیانه.
3- فی المصدر: نحلة.
4- أولئك، لا توجد فی المصدر و جاءت نسخة فی مطبوع البحار.
5- فی المصدر: بالمحلّ، و هی نسخة فی ك.
6- فی إرشاد القلوب: علی خلقه فوا شوقاه إلیهم ..، و فی مطبوع البحار جعلت بین آه و آه: هاة، و وضع علیها رمز نسخة بدل.
7- فی المصدر: ثمّ ودّعوه.
8- وضع علی: الحسن و الحسین ع، فی المطبوع من البحار رمز نسخة بدل.

لَكَ وَ لِأَمْرِكَ، فَمَا أَعْظَمَ هَذَا الْبَلَاءَ، وَ مَا أَطْوَلَ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَ نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِیقَ بِالثَّبَاتِ، وَ السَّلَامُ عَلَیْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

بیان: قوله: ما عظمت .. اسم كان، أو خبره، أو عطف بیان للبلاء العظیم، و علی الأخیر إن ملك الروم أحد معمولی كان، و علی الأوّلین استئناف لبیان ما تقدم، أو بیان لما، أو خبر بعد خبر لكان.

قال الجوهری: الْخَرَقُ- بالتحریك-: الدَّهَشُ مِنَ الخَوْفِ أو الحیاء، و قد خَرِقَ- بالكسر- فهو خَرِقٌ .. و بالتحریك (1) أیضا مصدر الْأَخْرَقِ، و هو ضدُّ الرّفیق (2).

و النَّزْقُ: الخِفَّةُ و الطَّیْشُ (3).

و الرِّعْدِیدُ- بالكسر-: الجَبَانُ (4).

و النَّاكِلُ: الجَبَانُ (5).

قوله: و تركهم بُهْماً .. البُهْمُ- بالضم- جمع: البَهِیمِ، و هو المجهول الّذی لا یعرف، و بالفتح و یحرّك، جمع: البهیمة (6)، و البهیم الأسود: الخالص الّذی لم یشبه غیره، و

فِی الْحَدِیثِ: یُحْشَرُ النَّاسُ بُهْماً.

- بالضم- قیل: أی لیس بِهِمْ شی ءٌ ممّا كان فی الدّنیا نحو البَرَصِ و العَرَجِ، أو عُرَاةً (7).

ص: 82


1- فی المصدر: و الخرق، بدلا من: و بالتحریك. و قال فی القاموس 3- 226: .. فهو خرق، و الخرق- بالضم و بالتحریك-: ضد الرفق.
2- فی صحاح اللغة 4- 1468، و مثله فی لسان العرب 10- 76. و فی ك: الرقیق، بدل: الرفیق.
3- ذكره فی الصحاح 4- 1558، و القاموس 3- 285، و غیرهما.
4- نصّ علیه فی صحاح اللغة 2- 475، و القاموس 1- 295.
5- صرّح به فی القاموس 4- 60، و قال فی الصحاح 5- 1835: الناكل: الجبان الضعیف.
6- كذا، و الظاهر: البهمة كما فی النهایة و القاموس.
7- جاء فی النهایة 1- 167- 169، و لسان العرب 12- 56- 59، و القاموس 4- 82.

و الحاصل أنّه تركهم كالبهائم لا راعی لهم أو أشباها لا تمیّز بینهم بالإمامة و الرعیة.

و مَرَقَ السَّهْمُ من الرَّمیةِ- كَنَصَرَ-: خرج من الجانب الآخر (1).

و عَطِبَ- كَفَرِحَ- هلك (2).

قوله علیه السلام: فكیف آسی .. أی أَحْزَنُ، مِنَ الأَسَی- بالفتح و القصر و هو الحُزْنُ (3).

قوله علیه السلام: و هما السبیلان .. الضمیر راجع إلی ما ظهر سابقا من اتّباع الوصیّ و عدمه.

قوله علیه السلام: بعد الثلاثین .. هذا تاریخ آخر زمان خلافته علیه السلام، و لمّا اجتمعت أسباب استیلائه علیه السلام علی المنافقین فی قرب وفاته و لم یتیسّر له ذلك بعروض شهادته علّق رجوع الأمر بهذا الزمان، أو هذا ممّا وقع فیه بداء، و المراد بالأمر الشهادة و الاستراحة عن تلك الدار (4) الفانیة و آلامها و فتنها.

و قال الجوهری (5): أحلاس البیوت: ما یبسط تحت حرّ الثیاب (6)، و

فی الحدیث: كُنْ حِلْسَ بَیْتِكَ ..

أی لا تبرح.

و الحُظَّةُ- بالضّمّ-: الأَمْرُ و القِصَّةُ (7).

ص: 83


1- قاله فی القاموس 3- 282، و لسان العرب 10- 341، و غیرهما.
2- كما فی لسان العرب 1- 610، و القاموس 1- 106. و لا توجد: هلك فی س.
3- نصّ علیه فی الصحاح 6- 2268، و القاموس 4- 299، و مجمع البحرین 1- 27.
4- فی س: الزمان.
5- الصحاح 3- 919، و مثله فی القاموس 2- 207.
6- فی المصدر: تحت الحرّ من الثیاب، و فی القاموس 2- 207 كما فی المتن.
7- جاء فی القاموس 2- 358، و الصحاح 3- 1123: و الخطّة- بالضم-: شبه القصة و الأمر، و فی كلیهما بالخاء المعجمة و الطاء المهملة. و ما تقدمت فی المتن أیضا كانت كذلك، و أمّا الحظة- بالحاء المهملة و الظاء المعجمة- فلیست بذلك المعنی.

قوله: لفرج آل محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله) .. فی أكثر النسخ بالجیم فهو تحسّر علی عدم حصول الفرج بسبب المتخلّف (1) التعریف، و الأصوب- بالخاء المعجمة (2)

أی نسلهم و ذریّتهم، و قد مرّ و سیأتی أنّه عبّر عن الحسنین علیهما السلام فی كتب الأنبیاء علیهم السلام ب: الفرخین المستشهدین. و یقال: رجل عتریف .. أی خبیث فاجر جری ء ماض (3)، و لعلّ المراد به یزید لعنه اللّٰه، فإنّه قتل الحسین و أولاده علیهم السلام.

قوله: و سیقدم وفد بعد هذا الرجل .. أی سیقدم و یأتی إلی ملكنا بعد ذهاب أبی بكر و خلافة عمر رسل و نخرج إلی رسله تلك الصور، و یحتمل أن یكون إشارة إلی ما سیأتی أنّه وقع فی زمن معاویة، حیث أخرج ملك الروم صور الأنبیاء علیهم السلام إلی یزید فلم یعرفها و عرفها الحسن علیه السلام، و أجاب عن مسائله بعد ما عجز یزید- لعنه اللّٰه- عنها (4).

و قد مرّ شرح بعض أجزاء الخبر فی كتاب التوحید (5) و كتاب المعاد (6) و سیأتی شرح بعضها فی كتاب الغیبة و غیره (7)، فإنّ المحدّثین فرّقوا أجزاءه علی الأبواب،

ص: 84


1- فی ك: التخلف.
2- قال فی مجمع البحرین 2- 439، و القاموس 1- 266: الفرخ: ولد الطائر، و كلّ صغیر من الحیوان و النبات.
3- كما صرّح به فی الصحاح 4- 1399، و القاموس 3- 171، و زاد فی الأخیر: غاشم متغشرم، بعد قوله ماض.
4- كما جاء فی جملة من الروایات، انظر: تفسیر القمّیّ 2- 269 و ما بعدها فی حدیث طویل.
5- بحار الأنوار 3- 333- 334.
6- بحار الأنوار 10- 52- 69 كتاب الاحتجاج.
7- بحار الأنوار: لم نجده فی كتاب الغیبة، و قد مرّت قطعة منه فی بحار الأنوار 3- 272- 275 و 328. و سیأتی فی 41- 308، 58- 9- 14 حكاه عن الكافی و المناقب و غیرهما-، و نقل بعضه العامّة كما صرّح بذلك العلّامة الأمینی فی غدیره 7- 179- 181 عن الحافظ العاصمی فی كتابه: زین الفتی فی شرح سورة هل أتی.

و هی مرویّة فی الأصول المعتبرة، و هذا ممّا یدلّ علی صحّتها، و یؤیّده أیضا أنّه قال الشیخ قدّس اللّٰه روحه فی فهرسته (1): سلمان الفارسی رحمة اللّٰه علیه .. روی خبر الجاثلیق الرومی الذی (2) بعثه ملك الروم بعد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله،- أخبرنا به ابن أبی جید، عن ابن الولید (3)، عن الصفار و الحمیری (4) عمّن حدّثه، عن إبراهیم بن حكم الأسدی، عن أبیه، عن شریك بن عبد اللّٰه، عن عبد الأعلی الثعلبی، عن أبی وقاص، عن سلمان الفارسی. انتهی.

«2»-إِرْشَادُ الْقُلُوبِ (5): بِحَذْفِ الْأَسَانِیدِ، قِیلَ: لَمَّا كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ دَخَلَ یَهُودِیٌّ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَیْنَ وَصِیُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟ فَأَشَارُوا إِلَی أَبِی بَكْرٍ، فَوَقَفَ عَلَیْهِ وَ قَالَ: إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَشْیَاءَ لَا یَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِیٌّ أَوْ وَصِیُّ نَبِیٍّ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ؟ فَقَالَ الْیَهُودِیُّ:

أَخْبِرْنِی عَمَّا لَیْسَ لِلَّهِ؟ وَ عَمَّا لَیْسَ عِنْدَ اللَّهِ؟ وَ عَمَّا لَا یَعْلَمُهُ اللَّهُ؟.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ مَسَائِلُ الزَّنَادِقَةِ، یَا یَهُودِیُّ! أَ وَ فِی السَّمَاءِ شَیْ ءٌ لَا یَعْلَمُهُ اللَّهُ (6)؟ وَ هَمَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ- وَ كَانَ فِی الْقَوْمِ ابْنُ عَبَّاسٍ- فَقَالَ: مَا أَنْصَفْتُمُ الرَّجُلَ؟!. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَ وَ مَا سَمِعْتَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ؟. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ كَانَ عِنْدَكُمْ جَوَابٌ (7) وَ إِلَّا فَاذْهَبُوا بِهِ إِلَی مَنْ یُجِیبُهُ، فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَ ثَبِّتْ لِسَانَهُ.

ص: 85


1- الفهرست للشیخ الطوسیّ: 158 برقم 329 طبعة جامعة مشهد [و صفحة: 80 برقم 328].
2- لا توجد: الذی فی س.
3- فی س: أبی الوید، و هو غلط.
4- فی المصدر: عن الحمیری.
5- إرشاد القلوب 2- 108- 109 [و فی طبعة أخری: 2- 315].
6- فی المصدر: أ و فی السّماء و الأرض شی ء لیس اللّٰه [للّٰه] [كذا] و لا یعلمه إلّا اللّٰه.
7- فی المصدر: جوابه.

قَالَ: فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَ مَنْ حَضَرَ (1) مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا (2) عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَیْهِ، فَدَخَلُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّ هَذَا الْیَهُودِیَّ سَأَلَنِی عَنْ مَسَائِلِ الزَّنَادِقَةِ.

قَالَ: فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِلْیَهُودِیِّ: مَا تَقُولُ یَا یَهُودِیُّ؟ قَالَ: إِنِّی أَسْأَلُكَ عَنْ أَشْیَاءَ لَا یَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِیٌّ أَوْ وَصِیُّ نَبِیٍّ.

فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: سَلْ، یَا یَهُودِیُّ! فَأُنَبِّئَكَ بِهِ. قَالَ: أَخْبِرْنِی عَمَّا لَیْسَ لِلَّهِ؟ وَ عَمَّا لَیْسَ (3) عِنْدَ اللَّهِ؟ وَ عَمَّا لَا یَعْلَمُهُ اللَّهُ؟.

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا قَوْلُكَ عَمَّا (4) لَیْسَ لِلَّهِ، فَلَیْسَ لِلَّهِ شَرِیكٌ، وَ أَمَّا قَوْلُكَ عَمَّا لَیْسَ عِنْدَ اللَّهِ، فَلَیْسَ عِنْدَ اللَّهِ ظُلْمٌ لِلْعِبَادِ (5)، وَ أَمَّا قَوْلُكَ عَمَّا لَا یَعْلَمُهُ اللَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُكُمْ إِنَّ عُزَیْراً ابْنُ اللَّهِ، وَ اللَّهُ لَا یَعْلَمُ أَنَّ لَهُ وَلَداً. فَقَالَ الْیَهُودِیُّ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (6) وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَ أَنَّكَ وَصِیُّهُ.

فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ فَقَبَّلُوا رَأْسَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (7)عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَالَ: یَا مُفَرِّجَ الْكُرُوبِ (8).

«3»-إِرْشَادُ الْقُلُوبِ (9): - بِحَذْفِ الْأَسَانِیدِ (10) أَیْضاً- مَرْفُوعاً إِلَی ابْنِ

ص: 86


1- فی المصدر: حضره.
2- فی الإرشاد: حتّی أتوا ..
3- فی المصدر: ما لیس ..
4- فی المصدر: أخبرنی عمّا ..
5- وضع فی ك علی: للعباد، رمز نسخة بدل.
6- فی ك زیادة: .. وحده.
7- فی المصدر: أمیر المؤمنین، بدلا من: علیّ بن أبی طالب.
8- فی الإرشاد: الكرب.
9- إرشاد القلوب 2- 109- 112 [و فی طبعة أخری: 2- 316] سؤال الیهودیّ أبا بكر و عجزه عن جوابه، باختلاف یسیر.
10- فی المصدر: الإسناد.

عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ یَهُودِیَّانِ أَخَوَانِ مِنْ رُءُوسِ (1) الْیَهُودِ، فَقَالا: یَا قَوْمُ! إِنَّ نَبِیَّنَا حَدَّثَنَا أَنَّهُ یَظْهَرُ بِتِهَامَةَ رَجُلٌ یُسَفِّهُ أَحْلَامَ الْیَهُودِ، وَ یَطْعُنُ فِی دِینِهِمْ، وَ نَحْنُ نَخَافُ أَنْ یُزِیلَنَا عَمَّا كَانَتْ عَلَیْهِ آبَاؤُنَا، فَأَیُّكُمْ هَذَا النَّبِیُّ؟. فَإِنْ كَانَ الْمُبَشِّرَ بِهِ دَاوُدُ آمَنَّا بِهِ وَ اتَّبَعْنَاهُ، وَ إِنْ كَانَ یُورِدُ (2) الْكَلَامَ عَلَی إِبْلَاغِهِ وَ یُورِدُ الشِّعْرَ وَ یَقْهَرُنَا جَاهَدْنَاهُ (3) بِأَنْفُسِنَا وَ أَمْوَالِنَا، فَأَیُّكُمْ هَذَا النَّبِیُّ؟. فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ: إِنَّ نَبِیَّنَا قُبِضَ.

فَقَالا: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَأَیُّكُمْ وَصِیُّهُ؟ فَمَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِیّاً إِلَی قَوْمٍ إِلَّا وَ لَهُ وَصِیٌّ یُؤَدِّی مِنْ بَعْدِهِ وَ یَحْكُمُ مَا (4) أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ، فَأَوْمَأَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ إِلَی أَبِی بَكْرٍ.

فَقَالُوا (5): هَذَا وَصِیُّهُ. فَقَالا لِأَبِی بَكْرٍ: إِنَّا نُلْقِی عَلَیْكَ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا یُلْقَی عَلَی الْأَوْصِیَاءِ، وَ نَسْأَلُكَ عَمَّا یُسْأَلُ الْأَوْصِیَاءُ عَنْهُ؟. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلْقِیَا، سَأُخْبِرُكُمَا عَنْهُ (6) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی. فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: مَا أَنَا وَ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ؟ وَ مَا نَفْسٌ فِی نَفْسٍ لَیْسَ بَیْنَهُمَا رَحِمٌ وَ لَا قَرَابَةٌ؟ وَ مَا قَبْرٌ سَارَ بِصَاحِبِهِ؟ وَ مِنْ أَیْنَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَ أَیْنَ تَغْرُبُ؟ وَ أَیْنَ سَقَطَتِ الشَّمْسُ وَ لَمْ تَسْقُطْ مَرَّةً أُخْرَی فِی ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (7)؟ وَ أَیْنَ تَكُونُ الْجَنَّةُ؟ وَ أَیْنَ تَكُونُ النَّارُ؟ وَ رَبُّكَ یَحْمِلُ أَوْ یُحْمَلُ؟ وَ أَیْنَ یَكُونُ وَجْهُ رَبِّكَ؟ وَ مَا اثْنَانِ شَاهِدَانِ؟ وَ مَا اثْنَانِ غَائِبَانِ؟ وَ مَا اثْنَانِ مُتَبَاغِضَانِ؟ وَ مَا الْوَاحِدُ؟ وَ مَا الِاثْنَانِ؟

وَ مَا الثَّلَاثَةُ؟ وَ مَا الْأَرْبَعَةُ؟ وَ مَا الْخَمْسَةُ؟ وَ مَا السِّتَّةُ؟ وَ مَا السَّبْعَةُ؟ وَ مَا الثَّمَانِیَةُ؟ وَ مَا التِّسْعَةُ؟ وَ مَا الْعَشَرَةُ؟ وَ مَا الْأَحَدَ عَشَرَ؟ وَ مَا الِاثْنَا عَشَرَ؟ وَ مَا الْعِشْرُونَ؟ وَ مَا

ص: 87


1- فی المصدر: و رؤساء.
2- فی س: یودّ.
3- فی الإرشاد: بالبلاغة و یقول الشّعر بلسانه جاهدناه.
4- فی إرشاد القلوب: و یحكی ما ..
5- فی س: فقالا ..
6- بدل: عنه، مسائلكما، كذا فی المصدر.
7- جاء السّؤال فی المصدر هكذا: و أین طلعت الشّمس و لم تطلع فیه بعد ذلك؟.

الثَّلَاثُونَ؟ وَ مَا الْأَرْبَعُونَ؟ وَ مَا الْخَمْسُونَ؟ وَ مَا السِّتُّونَ؟ وَ مَا السَّبْعُونَ؟ (1) وَ مَا الثَّمَانُونَ؟ وَ مَا التِّسْعُونَ؟ وَ مَا الْمِائَةُ؟!.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَبَقِیَ أَبُو بَكْرٍ لَا یَرُدُّ جَوَاباً، وَ تَخَوَّفْنَا أَنْ یَرْتَدَّ الْقَوْمُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَأَتَیْتُ مَنْزِلَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ لَهُ: یَا عَلِیُّ! إِنَّ رُءُوساً مِنْ رُؤَسَاءِ الْیَهُودِ (2) قَدْ (3) قَدِمُوا الْمَدِینَةَ، وَ أَلْقَوْا عَلَی أَبِی بَكْرٍ مَسَائِلَ، وَ قَدْ بَقِیَ لَا یَرُدُّ جَوَاباً. فَتَبَسَّمَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ ضَاحِكاً، ثُمَّ قَالَ: هُوَ الَّذِی وَعَدَنِی بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (4) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. وَ أَخَذَ یَمْشِی أَمَامِی فَمَا أَخْطَأَتْ مِشْیَتُهُ مِشْیَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَتَّی قَعَدَ فِی الْمَوْضِعِ الَّذِی كَانَ یَقْعُدُ فِیهِ(5) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی الْیَهُودِیَّیْنِ.

فَقَالَ: یَا یَهُودِیَّانِ! ادْنُوَا مِنِّی وَ أَلْقِیَا عَلَیَّ مَا أَلْقَیْتُمَا عَلَی الشَّیْخِ.

فَقَالا: مَنْ أَنْتَ؟.

فَقَالَ: أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ، أَخُو النَّبِیِّ، وَ زَوْجُ فَاطِمَةَ، وَ أَبُو الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ، وَ وَصِیُّهُ فِی خِلَافَتِهِ كُلِّهَا (6)، وَ صَاحِبُ كُلِّ نَفِیسَةٍ (7) وَ غَزَاةٍ، وَ مَوْضِعُ سِرِّ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَ الْیَهُودِیُّ (8): مَا أَنَا وَ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ؟.

قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ (9) مُنْذُ عَرَفْتُ نَفْسِی، وَ أَنْتَ كَافِرٌ مُنْذُ عَرَفْتَ نَفْسَكَ، وَ مَا

ص: 88


1- لا توجد: و ما السّبعون؟، فی المصدر.
2- فی المصدر: إنّ رؤساء الیهود ..
3- وضع علی: قد، فی ك رمز نسخة بدل.
4- فی المصدر: هو الیوم الّذی وعدنی رسول اللّٰه ..
5- وضع فی مطبوع البحر علی: فیه رمز نسخة بدل، و لا یوجد فی المصدر.
6- فی المصدر: فی حالاته كلّها.
7- توجد فی ك هنا نسخة بدل: قبسة.
8- فی المصدر: فقال له أحد الیهودیّین ..
9- فی الإرشاد: أمّا أنا فمؤمن.

أَدْرِی مَا یُحْدِثُ اللَّهِ بِكَ (1) یَا یَهُودِیُّ بَعْدَ ذَلِكَ؟.

قَالَ الْیَهُودِیُّ: فَمَا نَفْسٌ فِی نَفْسٍ لَیْسَ بَیْنَهُمَا رَحِمٌ وَ لَا قَرَابَةٌ؟.

قَالَ: یُونُسُ بْنُ مَتَّی فِی (2) بَطْنِ الْحُوتِ.

قَالَ: فَمَا قَبْرٌ سَارَ بِصَاحِبِهِ؟.

قَالَ: یُونُسُ، حِینَ طَافَ بِهِ الْحُوتُ فِی سَبْعَةِ أَبْحُرٍ.

قَالَ لَهُ: فَالشَّمْسُ (3) مِنْ أَیْنَ تَطْلُعُ؟.

قَالَ: مِنْ قَرْنِ (4) الشَّیْطَانِ!.

قَالَ: فَأَیْنَ تَغْرُبُ؟.

قَالَ: فِی عَیْنٍ حَمِئَةٍ، وَ قَالَ لِی حَبِیبِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَا تُصَلِّ فِی إِقْبَالِهَا وَ لَا فِی إِدْبَارِهَا حَتَّی تَصِیرَ فِی مِقْدَارِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَیْنِ.

قَالَ: فَأَیْنَ سَقَطَتِ الشَّمْسُ وَ لَمْ تَسْقُطْ مَرَّةً أُخْرَی فِی ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (5)؟.

قَالَ: الْبَحْرَ، حِینَ فَرَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَی لِقَوْمِ مُوسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ.

قَالَ لَهُ: رَبُّكَ یَحْمِلُ أَوْ یُحْمَلُ؟.

قَالَ: رَبِّی یَحْمِلُ كُلَّ شَیْ ءٍ وَ لَا یَحْمِلُهُ شَیْ ءٌ.

قَالَ: فَكَیْفَ قَوْلُهُ: وَ یَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمانِیَةٌ (6).

قَالَ: یَا یَهُودِیُّ! أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّری وَ كُلَّ شَیْ ءٍ عَلَی الثَّرَی، وَ الثَّرَی (7) عَلَی الْقُدْرَةِ، وَ الْقُدْرَةَ عِنْدَ رَبِّی.

ص: 89


1- لا یوجد لفظ الجلالة فی المصدر، و بدل: بك: فیك.
2- فی المصدر: قال: ذاك یونس علیه السّلام فی ..
3- لا توجد الفاء فی المصدر.
4- فی الإرشاد: قرنی- بالتّثنیة-.
5- جاء السّؤال فی المصدر هكذا: فأین طلعت الشّمس ثمّ لم تطلع فی ذلك الموضع؟.
6- الحاقّة: 17.
7- لا یوجد فی المصدر قوله: و كلّ شی ء علی الثّری، و الثّری.

قَالَ: فَأَیْنَ تَكُونُ الْجَنَّةُ؟ وَ أَیْنَ تَكُونُ (1) النَّارُ؟.

قَالَ: الْجَنَّةُ فِی السَّمَاءِ، وَ النَّارُ فِی الْأَرْضِ.

قَالَ: فَأَیْنَ یَكُونُ (2) وَجْهُ رَبِّكَ؟.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: ائْتِنِی بِنَارٍ وَ حَطَبٍ فَأَضْرَمَهَا، وَ قَالَ:

یَا یَهُودِیُّ! فَأَیْنَ (3) وَجْهُ هَذِهِ النَّارِ؟.

فَقَالَ: لَا أَقِفُ لَهَا عَلَی وَجْهٍ.

قَالَ: كَذَلِكَ رَبِّی فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (4).

قَالَ: فَمَا اثْنَانِ شَاهِدَانِ؟.

قَالَ: السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ لَا یَغِیبَانِ (5).

قَالَ: فَمَا اثْنَانِ غَائِبَانِ؟.

قَالَ: الْمَوْتُ وَ الْحَیَاةُ لَا نَقِفُ عَلَیْهِمَا.

قَالَ: فَمَا اثْنَانِ مُتَبَاغِضَانِ؟.

قَالَ: اللَّیْلُ وَ النَّهَارُ.

قَالَ: فَمَا نِصْفُ (6) الشَّیْ ءِ؟.

قَالَ: الْمُؤْمِنُ.

قَالَ: فَمَا لَا شَیْ ءَ؟.

قَالَ: یَهُودِیٌّ مِثْلُكَ كَافِرٌ لَا یَعْرِفُ رَبَّهُ (7).

قَالَ: فَمَا الْوَاحِدُ؟.

ص: 90


1- و أین تكون، وضع علیها فی س رمز نسخة بدل، و لا توجد فی ك.
2- لا یوجد: یكون، فی المصدر.
3- فی ك: و أین، و فی المصدر: قال: أین وجه هذه النّار.
4- البقرة: 115.
5- جاء السّؤال و الجواب فی المصدر هكذا: قال: فما اثنان شاهدان لا یغیبان؟ قال: السّماء و الأرض.
6- فی المطبوع نسخة بدل: وصف، و وضع بعدها فی ك رمز الاستظهار: ظ.
7- سقط السّؤالان فی المصدر من قوله: قال: فما نصف الشّی ء .. إلی: لا یعرف ربّه.

قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ.

قَالَ: فَمَا الِاثْنَانِ؟.

قَالَ: آدَمُ وَ حَوَّاءُ.

قَالَ: فَمَا الثَّلَاثَةُ؟.

قَالَ: كَذَبَتِ النَّصَارَی عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، قَالُوا عِیسَی (1) ابْنُ مَرْیَمَ ابْنُ اللَّهِ، وَ اللَّهِ (2) لَمْ یَتَّخِذْ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً قَالَ: فَمَا الْأَرْبَعَةُ؟.

قَالَ: التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِیلُ وَ الزَّبُورُ وَ الْفُرْقَانُ (3) الْعَظِیمُ.

قَالَ: فَمَا الْخَمْسَةُ؟.

قَالَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ مُفْتَرَضَاتٍ.

قَالَ: فَمَا السِّتَّةُ؟.

قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ قَالَ: فَمَا السَّبْعَةُ؟.

قَالَ: سَبْعَةُ أَبْوَابِ النَّارِ مُتَطَابِقَاتٍ.

قَالَ: فَمَا الثَّمَانِیَةُ؟.

قَالَ: ثَمَانِیَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ.

قَالَ: فَمَا التِّسْعَةُ؟.

قَالَ: تِسْعَةُ رَهْطٍ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ وَ لا یُصْلِحُونَ (4).

قَالَ: فَمَا الْعَشَرَةُ؟.

ص: 91


1- هنا سقط، و فی المصدر: فقالوا: ثالث ثلاثة عیسی ..
2- لا یوجد لفظ الجلالة فی المصدر.
3- فی المصدر: القرآن، بدل: الفرقان.
4- النمل: 48.

قَالَ: عَشَرَةُ أَیَّامٍ مِنَ الْعَشَرَةِ (1).

قَالَ: فَمَا الْأَحَدَ عَشَرَ؟.

قَالَ: قَوْلُ یُوسُفَ لِأَبِیهِ: إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِینَ (2).

قَالَ: فَمَا الِاثْنَا عَشَرَ؟.

قَالَ: شُهُورُ السَّنَةِ.

قَالَ: فَمَا الْعِشْرُونَ؟.

قَالَ: بَیْعُ یُوسُفَ بِعِشْرِینَ دِرْهَماً.

قَالَ: فَمَا الثَّلَاثُونَ؟.

قَالَ: ثَلَاثُونَ لَیْلَةً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صِیَامُهُ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَی كُلِّ مُؤْمِنٍ إِلَّا مَنْ كانَ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ قَالَ: فَمَا الْأَرْبَعُونَ؟.

قَالَ: كَانَ (3) مِیقَاتُ مُوسَی ثَلَاثِینَ لَیْلَةً قَضَاهَا (4)، وَ الْعَشْرُ كَانَتْ تَمَامَهَا.

قَالَ: فَمَا الْخَمْسُونَ؟.

قَالَ: دَعَا نُوحٌ قَوْمَهُ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِینَ عاماً قَالَ: فَمَا السِّتُّونَ؟.

قَالَ: قَالَ اللَّهُ: فَإِطْعامُ سِتِّینَ مِسْكِیناً أَوْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ (5).

قَالَ: فَمَا السَّبْعُونَ؟.

ص: 92


1- فی ك نسخة: الشّهر، و هو الظّاهر، و لا توجد: من، فی المصدر.
2- یوسف: 4.
3- فی ك وضع علی: كان، رمز نسخة بدل.
4- كتبت كلمة: قضاها، فی حاشیة ك و وضع علیهما رمز نسخة بدل.
5- المجادلة: 4.

قَالَ: اخْتارَ مُوسی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلًا (1) لِمِیقَاتِ رَبِّهِ.

قَالَ: فَمَا الثَّمَانُونَ؟.

قَالَ: قَرْیَةٌ بِالْجَزِیرَةِ یُقَالُ لَهَا: ثَمَانُونَ (2)، مِنْهَا قَعَدَ نُوحٌ فِی السَّفِینَةِ وَ اسْتَوَتْ عَلَی الْجُودِیِّ وَ غَرَّقَ (3) اللَّهُ الْقَوْمَ.

قَالَ: فَمَا التِّسْعُونَ؟.

قَالَ: الْفُلْكُ الْمَشْحُونُ اتَّخَذَ یَوْماً (4) فِیهَا بَیْتاً لِلْبَهَائِمِ.

قَالَ: فَمَا الْمِائَةُ؟.

قَالَ: كَانَتْ لِدَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلَامُ سِتُّونَ سَنَةً فَوَهَبَ لَهُ آدَمُ أَرْبَعِینَ (5)، فَلَمَّا حَضَرَ آدَمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْوَفَاةُ جَحَدَهُ، فَجَحَدَ ذُرِّیَّتُهُ.

فَقَالَ: یَا شَابُّ! صِفْ لِی مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْهِ حَتَّی أُؤْمِنَ بِهِ السَّاعَةَ؟.

فَبَكَی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: یَا یَهُودِیُّ! هَیَّجْتَ أَحْزَانِی، كَانَ حَبِیبِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ صَلْتَ (6) الْجَبِینِ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَیْنِ، أَدْعَجَ (7)

ص: 93


1- فی المصدر: من قومه.
2- وضع علی: ثمانون فی المطبوع رمز نسخة بدل، و قد تقرأ ثمانین، و لعلّ كل منهما نسخة.
3- فی المصدر: و أغرق.
4- فی المصدر: اتّخذ نوح فیه تسعین بیتا .. و هو الظّاهر. و لا توجد: یوما فی س.
5- هنا زیادة فی المصدر: سنة من عمره.
6- جاء فی حاشیة ك: أی واسعة. نهایة. انظر: النّهایة 3- 45.
7- الدّعج و الدّعجة: السّواد فی العین و غیرها. نهایة، كذا جاءت فی حاشیة ك. انظر: النّهایة 2- 119.

الْعَیْنَیْنِ، سَهْلَ الْخَدَّیْنِ، أَقْنَی (1) الْأَنْفِ، دَقِیقَ (2) الْمَسْرُبَةِ (3)، كَثَّ (4) اللِّحْیَةِ، بَرَّاقَ الثَّنَایَا، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِیقُ فِضَّةٍ، كَانَ لَهُ شَعَرَاتٌ مِنْ لَبَّتِهِ (5) إِلَی سُرَّتِهِ مُتَفَرِّقَةً (6) كَأَنَّهَا قَضِیبُ كَافُورٍ، لَمْ یَكُنْ بِالطَّوِیلِ الذَّاهِبِ وَ لَا بِالْقَصِیرِ النَّزْرِ، كَانَ إِذَا مَشَی مَعَ النَّاسِ غَمَرَهُمْ (7)، كَانَ إِذَا مَشَی كَأَنَّهُ یَنْقَلِعُ مِنْ صَخْرَةٍ أَوْ یَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ (8)، كَانَ مَبْدُولَ (9) الْكَعْبَیْنِ، لَطِیفَ الْقَدَمَیْنِ، دَقِیقَ الْخَصْرِ، عِمَامَتُهُ السَّحَابُ، سَیْفُهُ ذُو الْفَقَارِ، بَغْلَتُهُ الدُّلْدُلُ، حِمَارُهُ الْیَعْفُورُ، نَاقَتُهُ الْعَضْبَاءُ (10)، فَرَسُهُ الْمَبْدُولُ (11)، قَضِیبُهُ الْمَمْشُوقُ، كَانَ أَشْفَقَ النَّاسِ عَلَی النَّاسِ، وَ أَرْأَفَ النَّاسِ بِالنَّاسِ، كَانَ بَیْنَ كَتِفَیْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ (12) مَكْتُوبٌ عَلَی الْخَاتَمِ سَطْرَانِ، أَوَّلُ سَطْرٍ:

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَ الثَّانِی: مُحَمَّدٌ (13) رَسُولُ اللَّهِ، هَذِهِ صِفَتُهُ یَا یَهُودِیُّ!.

ص: 94


1- حاشیة جاءت فی ك: أقنی، و فی وصفه صلّی اللّٰه علیه و آله: أقنی العرنین .. القنا فی الأنف: طوله و دقّة أرنبته مع حدب فی وسطه، و العرنین: الأنف. نهایة. انظر: النّهایة 4- 116 و فیها: قنا س فی صفته علیه الصّلاة و السّلام .. و رقّة أرنبته ..
2- فی إرشاد القلوب: رقیق.
3- جاء فی حاشیة ك هكذا: المسربة- بضمّ الرّاء-: ما دقّ من شعر الصّدر مائلا إلی الجوف. نهایة. انظر: النّهایة 2- 356 و فیه: سائلا، بدلا من: مائلا. و فی المصدر: المشربة.
4- و الكثافة فی اللّحیة: أن تكون غیر رقیقة و لا طویلة. نهایة. كذا جاءت فی حاشیة ك. انظر: النّهایة: 4- 152.
5- قال فی الصّحاح 1- 217: و اللّبّة: المنحر، و الجمع اللّبّات.
6- فی المصدر: مفترقة، و لا یوجد: قضیب.
7- جاء فی حاشیة ك ما یلی: أی كان فوق كلّ من كان معه. نهایة. انظر: النّهایة 3- 384. و فی المصدر: غمرهم نوره و كان ..
8- فی ك: الصّلب.
9- فی إرشاد القلوب: مدوّر.
10- جاء فی ك: الغضباء، و هو غلط ظاهرا.
11- فی المصدر: فرسه لزار.
12- وضع فی س علی: خاتم النّبوّة، رمز نسخة بدل، و قد حذفت من ك.
13- فی الإرشاد: فأمّا أوّل سطر ف: لا إله إلّا اللّٰه، و أمّا الثّانی ف: محمّد ..

فَقَالَ الْیَهُوِدیَّانِ: نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَ أَنَّكَ وَصِیُّ مُحَمَّدٍ حَقّاً.

وَ أَسْلَمَا وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُمَا، وَ لَزِمَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَكَانَا مَعَهُ حَتَّی كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجَمَلِ مَا كَانَ، فَخَرَجَا مَعَهُ إِلَی الْبَصْرَةِ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِی وَقْعَةِ الْجَمَلِ، وَ بَقِیَ الْآخَرُ حَتَّی خَرَجَ مَعَهُ إِلَی صِفِّینَ فَقُتِلَ.

إیضاح:

قوله علیه السلام: كُلُّ نَفِیسَةٍ .. أی خصلة أو منقبة یُتَنَافَسُ و یُرْغَبُ فِیهِ (1)، و فی بعض النسخ: قَبَسَةٍ .. أی اقتباس علم و حكمة (2).

قوله: فكیف قوله: و یحمل .. غرضه إنّك قلت اللّٰه حامل كلّ شی ء فكیف یكون حامل العرش غیره؟ فأجاب علیه السلام: بأنّ حَامِلَ الْحَامِلِ حَامِلٌ، وَ اللَّهَ حَامِلُ الْحَامِلِ وَ الْمَحْمُولِ بِقُدْرَتِهِ.

و النَّزْرُ: القلیل (3)، و لعلّ المراد به هنا الحقیر، و المبدول لم نعرف له معنی، و لعلّه تصحیف (4)، و قد مرّ شرح سائر أجزاء الخبر فی أبواب صفاته و حُلَاهُ صلّی اللّٰه علیه و آله (5).

«4»-إِرْشَادُ الْقُلُوبِ (6): - بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ- مَرْفُوعاً إِلَی الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا بَایَعَ النَّاسُ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِی بَكْرٍ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ شُبَّانِ الْیَهُودِ- وَ هُوَ

ص: 95


1- قال فی القاموس 2- 255، و الصحاح 3- 985: و النفیس: یتنافس فیه و یرغب.
2- قال فی مجمع البحرین 4- 94، و القاموس 2- 238، و الصحاح 3- 960، و النهایة 4- 4: القبس: شعلة من نار، و الاقتباس: الاستفادة.
3- كما فی مجمع البحرین 3- 492، و القاموس 2- 141، و غیرهما.
4- و قد مرّ أن فی المصدر: لزار.
5- بحار الأنوار: 16- 147- 148 و 155- 171 و 182- 184 و غیرها.
6- إرشاد القلوب 2- 112- 113 [و فی طبعة أخری 2- 319] فی جوابه علیه السّلام عن مسألة یهودیّ آخر باختلاف یسیر، و انظر بقیّة روایات الباب هناك.

فِی الْمَسْجِدِ- فَسَلَّمَ عَلَیْهِ وَ النَّاسُ حَوْلَهُ، فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (1)! دُلَّنِی عَلَی أَعْلَمِكُمْ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ بِكِتَابِهِ وَ سُنَّتِهِ؟. فَأَوْمَأَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: هَذَا. فَتَحَوَّلَ الرَّجُلُ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَسَأَلَهُ: أَنْتَ كَذَلِكَ؟.

قَالَ (2): نَعَمْ (3).

فَقَالَ: إِنِّی أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ.

قَالَ: أَ فَلَا قُلْتَ عَنْ سَبْعٍ؟.

قَالَ الْیَهُودِیُّ: لَا (4)، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ، فَإِنْ أَجَبْتَ فِیهِمْ فَسَأَلْتُكَ (5) عَنْ ثَلَاثٍ بَعْدَهَا، وَ إِنْ لَمْ تُصِبْ لَمْ أَسْأَلْكَ.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَخْبِرْنِی إِذَا أَجَبْتُكَ بِالصَّوَابِ وَ الْحَقِّ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟- وَ كَانَ الْفَتَی مِنْ عُلَمَاءِ الْیَهُودِ وَ أَحْبَارِهِمْ، یَرْوُونَ (6) أَنَّهُ مِنْ وُلْدِ هَارُونَ أَخِی مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ-.

فَقَالَ: نَعَمْ.

قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: بِاللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَئِنْ أَجَبْتُكَ بِالصَّوَابِ وَ الْحَقِّ لَتُسْلِمَنَّ وَ تَدَعُ الْیَهُودِیَّةَ، فَحَلَفَ لَهُ وَ قَالَ: مَا جِئْتُكَ إِلَّا مُرْتَاداً أُرِیدُ الْإِسْلَامَ.

فَقَالَ: یَا هَارُونِیُّ! سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ تُخْبَرْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَقَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ أَوَّلِ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ؟ وَ عَنْ أَوَّلِ عَیْنٍ نَبَعَتْ فِی الْأَرْضِ؟ وَ عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ؟.

ص: 96


1- فی المصدر: یا عمر.
2- خ. ل: فقال: .
3- لا توجد فی المصدر: قال نعم.
4- وضع فی المطبوع رمز نسخة بدل علی: لا.
5- فی إرشاد القلوب: فإن أصبت فیهنّ سألتك و الظّاهر: فیها، بدلا من: فیهم.
6- فی المصدر: یرون، و هی نسخة فی مطبوع البحار.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا أَوَّلُ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ یَزْعُمُونَ أَنَّهَا الزَّیْتُونَةُ وَ كَذَبُوا، وَ إِنَّمَا هِیَ النَّخْلَةُ، وَ هِیَ الْعَجْوَةُ، هَبَطَ بِهَا آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ فَغَرَسَهَا، وَ أَصْلُ النَّخْلِ كُلِّهِ مِنْهَا، وَ أَمَّا أَوَّلُ عَیْنٍ نَبَعَتْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ الْیَهُودَ یَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْعَیْنُ الَّتِی فِی بَیْتِ الْمَقْدِسِ تَحْتَ الْحَجَرِ وَ كَذَبُوا، بَلْ هِیَ (1) عَیْنُ الْحَیَاةِ الَّتِی انْتَهَی مُوسَی وَ فَتَاهُ إِلَیْهَا فَغَسَلا فِیهَا السَّمَكَةَ فَحَیِیَتْ (2)، وَ لَیْسَ مِنْ مَیِّتٍ یُصِیبُهُ ذَلِكَ الْمَاءُ إِلَّا حَیِیَ، وَ كَانَ الْخَضِرُ عَلَیْهِ السَّلَامُ شَرِبَ مِنْهَا وَ لَمْ یَجِدْهَا ذُو الْقَرْنَیْنِ، وَ أَمَّا أَوَّلُ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْیَهُودَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْحَجَرُ الَّذِی فِی بَیْتِ الْمَقْدِسِ وَ كَذَبُوا، وَ إِنَّمَا هُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ هَبَطَ بِهِ آدَمُ (علیه السلام) مِنَ الْجَنَّةِ فَوَضَعَهُ عَلَی الرُّكْنِ، وَ النَّاسُ یَسْتَلِمُونَهُ، وَ كَانَ أَشَدَّ بَیَاضاً مِنَ الثَّلْجِ فَاسْوَدَّ مِنْ خَطَایَا بَنِی آدَمَ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِی كَمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ إِمَامٍ هُدًی هَادِینَ مَهْدِیِّینَ، لَا یَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ؟ وَ أَیْنَ مَنْزِلُ مُحَمَّدٍ مِنَ الْجَنَّةِ؟، وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ فِی الْجَنَّةِ؟.

قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا قَوْلُكَ: كَمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ (3) إِمَامٍ هُدًی؟

وَ أَیْنَ مَنْزِلُ مُحَمَّدٍ فِی الْجَنَّةِ؟ وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ فِی الْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ (4) اثْنَا عَشَرَ، وَ أَمَّا مَنْزِلُ مُحَمَّدٍ فَفِی أَشْرَفِ الْجِنَانِ وَ أَفْضَلِهَا: جَنَّةِ عَدْنٍ، وَ أَمَّا الَّذِینَ مَعَهُ فَهُمُ الْأَئِمَّةُ الِاثْنَا عَشَرَ أَئِمَّةُ الْهُدَی.

قَالَ الْفَتَی: صَدَقْتَ، فَوَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ عِنْدِی بِإِمْلَاءِ مُوسَی وَ خَطِّ هَارُونَ بِیَدِهِ.

ثُمَّ (5) قَالَ: أَخْبِرْنِی كَمْ یَعِیشُ وَصِیُّ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَعْدَهُ؟ وَ هَلْ

ص: 97


1- فی المصدر: إنّما هی ..
2- فی المصدر: السّمكة المالحة فحییت.
3- لا توجد: من، فی ك.
4- فی المصدر: فإنّ أئمّة الهدی.
5- لا توجد: ثمّ، فی المصدر، و فیه: فأخبرنی.

یَمُوتُ مَوْتاً أَوْ یُقْتَلُ قَتْلًا؟.

قَالَ لَهُ: وَیْحَكَ! أَنَا وَصِیُّ مُحَمَّدٍ، أَعِیشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِینَ (1) لَا تَزِیدُ یَوْماً وَ لَا تَنْقُصُ یَوْماً، ثُمَّ یُبْعَثُ أَشْقَاهَا شَقِیقُ عَاقِرِ نَاقَةِ صَالِحٍ، فَیَضْرِبُنِی ضَرْبَةً فِی مَفْرَقِی فَتُخْضَبُ مِنْهُ لِحْیَتِی، ثُمَّ بَكَی عَلَیْهِ السَّلَامُ بُكَاءً شَدِیداً.

قَالَ (2): فَصَرَخَ الْفَتَی وَ قَطَعَ كُسْتِیجَهُ (3) وَ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَ أَشْهَدُ (4) أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (5)، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ.

بیان: قوله علیه السلام: تَعْرِفُ ذَلِكَ .. أی تُصَدِّقُ و تُقِرُّ بِهِ (6).

قوله علیه السلام: لا تزید یوما ..

أقول: لیس هذا فی أكثر الروایات، و یشكل تصحیحه، لعدم اتّحاد یومی وفاتهما صلوات اللّٰه علیهما، و یمكن أن یقال بناء الثلاثین علی التقریب، و قوله علیه السلام: «لا یزید» استئناف لبیان أنّ الموعد الذی وعدت لك لا یتخلّف، و أعلمه بحیث لا یزید یوما و لا ینقص یوما، و قیل: الضمیر راجع إلی كتاب هارون، و ربّما یقرأ تزید و تنقص- علی صیغة الخطاب (7)

أی إنّك رأیت فی كتاب أبیك هارون ثلاثین سنة فتتوهّم أنّه لا كسر فیها، و لیس كذلك، بل هو مبنیّ علی

ص: 98


1- فی المصدر زیادة: سنة. و فیه: لا أزید .. و لا أنقص.
2- لا توجد: قال، فی س.
3- فی المصدر: كیتجه، و لا معنی لها.
4- لا توجد: أشهد، فی المصدر.
5- هنا زیادة جاءت فی المصدر و هی: و أنّك وصیّه و خلیفته و هاد الأمّة و محی السّنّة من بعده.
6- قال فی الصحاح 4- 1400: و قولهم ما أعرف لأحد یصرعنی .. أی ما أعترف، و قال فیه بعد صفحتین: الاعتراف بالذنب: الإقرار به، ... و ربّما وضعوا اعترف موضع عرف، كما وضعوا عرف موضع اعترف. و قال فی القاموس 3- 173: و قرأ الكسائی: عرف بعضه .. أی جازی حفصة ببعض ما فعلت، أو معناه أقرّ ببعضه و أعرض عن بعض.
7- فی س: الكتاب.

إتمام الكسر، و لا یخفی بعدهما.

و قال الفیروزآبادی (1): الْكُسْتِیجُ- بالضّم-: خَیْطٌ غَلِیظٌ یَشُدُّهُ الذِّمِّیُّ فَوْقَ ثِیَابِهِ دُونَ الزُّنَّارِ، مُعَرَّبُ كُسْتِی.

«5»-كِتَابُ صَفْوَةِ الْأَخْبَارِ (2): عَنْ أَبِی إِسْمَاعِیلَ، عَنْ أَبِی نُونٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ دَخَلَ الْمَدِینَةَ رَجُلٌ مِنْ أَوْلَادِ دَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی دِینِ الْیَهُودِ، فَوَجَدَ النَّاسَ مُتَفَزِّعِینَ مَغْمُومِینَ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟. قَالُوا: تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ تُوُفِّیَ فِی الْیَوْمِ الَّذِی هُوَ مَذْكُورٌ فِی كِتَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: أَرْشِدُونِی إِلَی خَلِیفَةِ نَبِیِّكُمْ. قَالُوا (3): تَنْتَظِرُ قَلِیلًا حَتَّی نُرْشِدَكَ إِلَی مَنْ یُخْبِرُكَ بِمَا تَسْأَلُ، فَأَقْبَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا:

عَلَیْكَ بِهَذَا الْغُلَامِ فَإِنَّهُ یُخْبِرُكَ عَمَّا تَسْأَلُ. فَقَامَ إِلَیْهِ وَ قَالَ لَهُ: أَ أَنْتَ (4) عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ؟.

فَقَالَ: نَعَمْ، یَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَ أَخَذَ بِیَدِهِ وَ أَجْلَسَهُ.

وَ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ هَؤُلَاءِ عَنْ أَرْبَعَةِ حُرُوفٍ فَأَرْشَدُونِی إِلَیْكَ، فَعَنْ إِذْنِكَ أَسْأَلُكَ؟.

فَقَالَ لَهُ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، فَإِنِّی أُخْبِرُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی.

فَقَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ أَوَّلِ حَرْفٍ كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ نَبِیَّكَ لَمَّا أُسْرِیَ بِهِ وَ رَجَعَ عَنْ (5)

ص: 99


1- القاموس 1- 205، و قارن ب: تاج العروس 2- 91.
2- قال فی أوّل بحار الأنوار 1- 21 فی عدّه لمصادره أنّه: لبعض العلماء الأخیار، و قال فی الفصل الثّانی 1- 40: و كتاب صفوة الأخبار و ریاض الجنان مشتملان علی أخبار غریبة فی المناقب، و أخرجنا منهما ما وافق أخبار الكتب المعتبرة. و ینقل عنه فی مدینة المعاجز بعنوان: صفوة الأخبار عن الأئمّة الأطهار، و احتمل بعض تلامذة المجلسیّ أنّه و كتاب ریاض الجنان كلیهما لفضل اللّٰه بن محمود الفارسیّ، و هو شقیق الشّیخ البرسیّ، و ناقش شیخنا فی الذّریعة 15- 48 ذلك، فراجع.
3- فی ك: فقالوا.
4- فی ك: أنت- بدون همزة الاستفهام-.
5- جاءت نسخة هنا علی س: من.

مَحَلِّ الشَّرَفِ؟ وَ أَخْبِرْنِی عَنِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِینَ كَشَفَ مَالِكٌ عَنْهُمْ طَبَقاً مِنْ أَطْبَاقِ النَّارِ فَكَلَّمُوا نَبِیَّكَ؟ وَ أَخْبِرْنِی عَنِ الْمَلَكِ الَّذِی زَاحَمَ نَبِیَّكَ؟ وَ أَخْبِرْنِی عَنْ مَنْزِلِ نَبِیِّكَ فِی الْجَنَّةِ؟.

فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا أَوَّلُ حَرْفٍ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِیَّنَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِهِ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَی: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَیْهِ مِنْ رَبِّهِ (1).

فَقَالَ: لَیْسَ هَذَا أَرَدْتُ، وَ لَا عَنْهُ سَأَلْتُ.

فَقَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ الَّذِی تُرِیدُ مَسْتُورٌ.

فَقَالَ: أَخْبِرْنِی بِالَّذِی هُوَ، وَ إِلَّا فَمَا أَنْتَ هُوَ؟.

فَقَالَ لَهُ: إِذَا أَنْبَأْتُكَ تُسْلِمُ؟.

قَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمَّا رَجَعَ عَنْ (2) مَحَلِّ الشَّرَفِ وَ الْكَرَامَةِ لَیْلَةَ الْإِسْرَاءِ رُفِعَ لَهُ الْحِجَابُ قَبْلَ أَنْ یَصِیرَ إِلَی مَقَامِ جَبْرَئِیلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ نَادَی مَلَكٌ: یَا مُحَمَّدُ [صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ] ! إِنَّ اللَّهَ یُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ لَكَ: اقْرَأْ عَلَی السَّیِّدِ الْمَوْلَی مِنِّی السَّلَامَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنِ السَّیِّدُ الْمَوْلَی؟.

فَقَالَ: عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ [علیهما السلام] .

فَقَالَ الْیَهُودِیُّ: صَدَقْتَ إِنِّی لَأَجِدُهُ مَكْتُوباً فِی كِتَابِ دَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

فَقَالَ: وَ أَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّذِینَ كَشَفَ عَنْهُمْ مَالِكٌ طَبَقَ النَّارِ فَهُمْ: قَابِیلُ، وَ نُمْرُودُ، وَ هَامَانُ، وَ فِرْعَوْنُ.

فَقَالُوا: یَا مُحَمَّدُ [صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ] ! اسْأَلْ رَبَّكَ یَرُدَّنَا إِلَی الدُّنْیَا حَتَّی نَعْمَلَ صَالِحاً، فَغَضِبَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَخَذَ الطَّبَقَ بِرِیشَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ وَ رَدَّهُ عَلَیْهِمْ. وَ أَمَّا الْمَلَكُ الَّذِی زَاحَمَ نَبِیَّنَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَإِنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، جَاءَ مِنْ

ص: 100


1- البقرة: 285.
2- جاء علی مطبوع البحار نسخة بدل: من.

عِنْدِ جَبَّارٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْیَا قَدْ تَكَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِكَلَامٍ عَظِیمٍ فَغَضِبَ لِلَّهِ (1) فَزَاحَمَ نَبِیَّنَا وَ لَمْ یَعْرِفْهُ لِغَیْظِهِ.

فَقَالَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا مَلَكَ الْمَوْتِ! هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ وَ حَبِیبُهُ.

فَقَالَ: إِنِّی أَتَیْتُ مِنْ عِنْدِ مَلِكٍ جَبَّارٍ قَدْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ عَظِیمٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَغَضِبْتُ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَمْ أَعْرِفْكَ، فَعَذَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

وَ أَمَّا مَنْزِلُ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَسْكَنَهُ جَنَّةُ عَدْنٍ وَ مَعَهُ فِیهَا أَوْصِیَاؤُهُ الِاثْنَا عَشَرَ، وَ فَوْقَهَا مَنْزِلٌ یُقَالُ لَهُ: الْوَسِیلَةُ، وَ لَیْسَ فِی الْجَنَّةِ شِبْهُهُ وَ لَا أَرْفَعُ مِنْهُ، وَ هُوَ مَنْزِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَ الدَّاوُدِیُّ: وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُهُ فِی كِتَابِ دَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ لَقَدْ صَدَقْتَ، وَ إِنَّا مُتَوَارِثُوهُ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ حَتَّی وَصَلَ إِلَیَّ، فَأَخْرَجَ كِتَاباً فِیهِ مَسْطُورٌ مَا ذُكِرَ.

ثُمَّ (2) قَالَ: مُدَّ یَدَكَ أُجَدِّدْ إِسْلَامِی، ثُمَّ قَالَ: وَ اللَّهِ إِنَّكَ خَیْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِیِّهَا وَ أَكْرَمُهَا عَلَی اللَّهِ تَعَالَی. وَ عَلَّمَهُ دِینَهُ وَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، وَ قَدْ أَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُ.

«6»-نبه (3): رُوِیَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسَ (4) عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ یَوْماً- وَ عِنْدَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ- إِذْ قَالَ عُمَرُ: یَا كَعْبُ! أَ حَافِظٌ أَنْتَ لِلتَّوْرَاةِ (5)؟. قَالَ كَعْبٌ: إِنِّی لَأَحْفَظُ مِنْهَا كَثِیراً. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جَنْبِهِ (6): یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! سَلْهُ أَیْنَ

ص: 101


1- فی ك: اللّٰه.
2- لا توجد: ثمّ، فی س.
3- تنبیه الخواطر و نزهة النّواظر مجموعة ورّام 2- 5، فیما جری بین كعب الأحبار و عمر.
4- فی المصدر: فی مجلس.
5- فی المطبوع: التّوریة، و كذا تكتب التّوراة فی إملاء القدماء، و جاء بعدها فی المصدر: فقال كعب ..
6- فی المصدر زیادة: فی المجلس.

كَانَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ (1) قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ عَرْشَهُ؟ وَ مِمَّ خَلَقَ الْمَاءَ الَّذِی جَعَلَ عَلَیْهِ عَرْشَهُ (2)؟ فَقَالَ عُمَرُ: یَا كَعْبُ! هَلْ عِنْدَكَ مِنْ هَذَا عِلْمٌ؟. فَقَالَ كَعْبٌ: نَعَمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! نَجِدُ فِی الْأَصْلِ الْحَكِیمِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی كَانَ قَدِیماً قَبْلَ خَلْقِ الْعَرْشِ، وَ كَانَ عَلَی صَخْرَةِ بَیْتِ الْمَقْدِسِ فِی الْهَوَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یَخْلُقَ عَرْشَهُ تَفَلَ تَفْلَةً كَانَتْ مِنْهَا الْبِحَارُ الْغَامِرَةُ وَ اللُّجَجُ الدَّائِرَةُ، فَهُنَاكَ خَلَقَ عَرْشَهُ مِنْ بَعْضِ الصَّخْرَةِ الَّتِی كَانَتْ تَحْتَهُ، وَ آخِرُ مَا بَقِیَ مِنْهَا لَمَسْجِدٌ قَدَّسَهُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَ كَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ حَاضِراً .. فَعَظَّمَ رَبَّهُ (3) وَ قَامَ عَلَی قَدَمَیْهِ، وَ نَفَضَ ثِیَابَهُ، فَأَقْسَمَ عَلَیْهِ عُمَرُ لَمَّا عَادَ إِلَی مَجْلِسِهِ، فَفَعَلَ، قَالَ عُمَرُ: غُصْ عَلَیْهَا یَا غَوَّاصُ، مَا یَقُولُ (4) أَبُو حَسَنٍ فَمَا عَلِمْتُكَ إِلَّا مُفَرِّجاً لِلْغَمِّ؟. فَالْتَفَتَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی كَعْبٍ فَقَالَ: غَلِطَ أَصْحَابُكَ وَ حَرَّفُوا كُتُبَ اللَّهِ، وَ قَبَّحُوا (5) الْفِرْیَةَ عَلَیْهِ، یَا كَعْبُ! وَیْحَكَ! إِنَّ الصَّخْرَةَ الَّتِی زَعَمْتَ لَا تَحْوِی جَلَالَهُ، وَ لَا تَسَعُ عَظَمَتَهُ، وَ الْهَوَاءُ الَّذِی ذَكَرْتَ لَا یَجُوزُ (6) أَقْطَارَهُ، وَ لَوْ كَانَتِ الصَّخْرَةُ وَ الْهَوَاءُ قَدِیمَیْنِ مَعَهُ لَكَانَتْ لَهُمَا قِدْمَتُهُ، وَ عَزَّ اللَّهُ وَ جَلَّ أَنْ یُقَالَ لَهُ مَكَانٌ یُومَی إِلَیْهِ، وَ اللَّهُ لَیْسَ كَمَا یَقُولُ (7) الْمُلْحِدُونَ، وَ لَا كَمَا یَظُنُّ الْجَاهِلُونَ، وَ لَكِنْ كَانَ وَ لَا مَكَانَ بِحَیْثُ لَا تَبْلُغُهُ الْأَذْهَانُ، وَ قَوْلِی: (كَانَ) لِتَعْرِیفِ كَوْنِهِ، وَ هُوَ (8) مِمَّا عَلَّمَ مِنَ الْبَیَانِ، یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (9): خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَیانَ (10)، فَقَوْلِی لَهُ

ص: 102


1- فی ك: ثناؤه، و كتبت فی حاشیة س من دون رمز نسخة بدل.
2- فی تنبیه الخواطر: جعل عرشه علیه- بتقدیم و تأخیر-.
3- فی المصدر: علی ربّه .. و ما هنا أظهر.
4- جاء فی س زیادة: منها، قبل: یقول، و وضع علیها رمز الزّیادة فی ك.
5- فی المصدر: و فتحوا.
6- جاء فی س: لا یجود، و فی المصدر: لا یجوز، و هو الظّاهر، و ما فی المتن نسخة فی المصدر.
7- فی س: یقال.
8- جاء فی المصدر: و قولی: كان، محدث كونه و هو ..
9- لا توجد فی المصدر: عزّ و جلّ.
10- الرحمن: 3- 4.

كَانَ مِمَّا عَلَّمَنِی الْبَیَانَ (1) لِأَنْطِقَ بِحُجَّةِ عَظَمَةِ الْمَنَّانِ، وَ لَمْ یَزَلْ رَبُّنَا مُقْتَدِراً عَلَی مَا یَشَاءُ، مُحِیطاً بِكُلِّ الْأَشْیَاءِ، ثُمَّ كَوَّنَ مَا أَرَادَ بِلَا فِكْرَةٍ حَادِثَةٍ لَهُ (2) أَصَابَ، وَ لَا بِشُبْهَةٍ (3)دَخَلَتْ عَلَیْهِ فِیمَا أَرَادَ، وَ إِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ نُوراً ابْتَدَعَهُ مِنْ غَیْرِ شَیْ ءٍ، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ ظُلْمَةً وَ كَانَ قَدِیراً أَنْ یَخْلُقَ الظُّلْمَةَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ، كَمَا خَلَقَ النُّورَ مِنْ غَیْرِ شَیْ ءٍ، ثُمَّ خَلَقَ مِنَ الظُّلْمَةِ نُوراً وَ خَلَقَ مِنَ النُّورِ یَاقُوتَةً غِلَظُهَا كَغِلَظِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَ سَبْعِ أَرَضِینَ، ثُمَّ زَجَرَ الْیَاقُوتَةَ فَمَاعَتْ (4) لِهَیْبَتِهِ فَصَارَتْ مَاءً مُرْتَعِداً، وَ لَا یَزَالُ مُرْتَعِداً إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ مِنْ نُورِهِ، وَ جَعَلَهُ عَلَی الْمَاءِ، وَ لِلْعَرْشِ عَشَرَةُ آلَافِ لِسَانٍ یُسَبِّحُ اللَّهَ كُلُّ لِسَانٍ مِنْهَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ (5)، لَیْسَ فِیهَا لُغَةٌ تُشْبِهُ الْأُخْرَی، وَ كَانَ الْعَرْشُ عَلَی الْمَاءِ مِنْ دُونِهِ حُجُبُ الضَّبَابِ (6)، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ لِیَبْلُوَكُمْ .. (7)، یَا كَعْبُ! وَیْحَكَ! إِنَّ مَنْ كَانَتِ الْبِحَارُ تَفْلَتَهُ عَلَی قَوْلِكَ- كَانَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَحْوِیَهُ صَخْرَةُ بَیْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ یَحْوِیَهُ (8) الْهَوَاءُ الَّذِی أَشَرْتَ إِلَیْهِ أَنَّهُ حَلَّ فِیهِ .. فَضَحِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَ قَالَ: هَذَا هُوَ الْأَمْرُ، وَ هَكَذَا یَكُونُ الْعِلْمُ لَا (9) كَعِلْمِكَ یَا كَعْبُ، لَا عِشْتُ إِلَی زَمَانٍ لَا أَرَی فِیهِ أَبَا حَسَنٍ.7- كا (10): الْعِدَّةُ، عَنِ الْبَرْقِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ

ص: 103


1- فی مجموعة ورّام: من البیان.
2- لا توجد فی المصدر: له.
3- فی التّنبیه: و لا شبهة.
4- أی سالت و ذابت كما فی المصباح المنیر 2- 807- 808 و غیره.
5- فی المصدر: بعشرة آلاف لغة.
6- قال فی مجمع البحرین 1- 104: و الضّباب- كسحاب- جمع ضبابة- كسحابة- و هو ندی یغشی الأرض بالغدوات، و جاء فی الصّحاح 1- 168: الضّبابة: سحابة تغشی الأرض كالدّخان.
7- هود: 7.
8- فی المصدر: تحویه.
9- جاءت فی مجموعة ورّام زیادة: یكون، بعد: لا.
10- أصول الكافی 1- 444- 445 حدیث 5 باب 125 من كتاب الحجّة [1- 529- 530 الطبعة الثّالثة من الإسلامیّة] باختصار فی الإسناد علی دأبه.

حَنَانِ بْنِ السَّرَّاجِ (1)، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَیْمَانَ الْكِسَائِیِّ (2)، عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ، قَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ أَبِی بَكْرٍ یَوْمَ مَاتَ، وَ شَهِدْتُ عُمَرَ حِینَ بُویِعَ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ جَالِسٌ نَاحِیَةً، فَأَقْبَلَ غُلَامٌ یَهُودِیٌّ جَمِیلُ الْوَجْهِ، بَهِیٌّ، عَلَیْهِ ثِیَابٌ حِسَانٌ- وَ هُوَ مِنْ وُلْدِ هَارُونَ- حَتَّی قَامَ عَلَی رَأْسِ عُمَرَ، فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! أَنْتَ أَعْلَمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِكِتَابِهِمْ وَ أَمْرِ نَبِیِّهِمْ؟. قَالَ: فَطَأْطَأَ عُمَرُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: إِیَّاكَ أَعْنِی .. وَ أَعَادَ عَلَیْهِ الْقَوْلَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لِمَ ذَاكَ؟. قَالَ: إِنِّی جِئْتُكَ مُرْتَاداً لِنَفْسِی، شَاكّاً فِی دِینِی. فَقَالَ: دُونَكَ هَذَا الشَّابَّ. قَالَ: وَ مَنْ هَذَا الشَّابُّ؟. قَالَ: هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ هَذَا أَبُو الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ ابْنَیْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ هَذَا زَوْجُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَقْبَلَ الْیَهُودِیُّ عَلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: أَ كَذَلِكَ (3) أَنْتَ؟!. فَقَالَ:

نَعَمْ.

قَالَ: إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ.

قَالَ: فَتَبَسَّمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ غَیْرِ تَبَسُّمٍ، فَقَالَ (4) یَا هَارُونِیُّ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ سَبْعاً؟. قَالَ: أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ، فَإِنْ أَجَبْتَنِی سَأَلْتُ عَمَّا بَعْدَهُنَّ، وَ إِنْ لَمْ تَعْلَمْهُنَّ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَیْسَ فِیكُمْ عَالِمٌ.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَإِنِّی أَسْأَلُكَ بِالْإِلَهِ الَّذِی تَعْبُدُهُ لَئِنْ أَنَا أَجَبْتُكَ فِی كُلِّ مَا تُرِیدُ لَتَدَعَنَّ دِینَكَ وَ لَتَدْخُلَنَّ فِی دِینِی؟.

قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَاكَ.

قَالَ: فَسَلْ؟.

ص: 104


1- الأظهر- كما صرّح به المجلسیّ- رحمه اللّٰه- فی مرآة العقول-: أن یكون: حیّان السّرّاج، فراجع.
2- نسخة جاءت فی ك: الكتّانیّ.
3- فی الكافی: أ كذاك.
4- فی المصدر: و قال.

قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ أَوَّلِ قَطْرَةِ دَمٍ قَطَرَتْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ، أَیُّ قَطْرَةٍ هِیَ؟

وَ أَوَّلِ عَیْنٍ فَاضَتْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ، أَیُّ عَیْنٍ هِیَ؟ وَ أَوَّلِ شَیْ ءٍ اهْتَزَّ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ، أَیُّ شَیْ ءٍ هُوَ؟.

فَأَجَابَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ (1): أَخْبِرْنِی عَنِ الثَّلَاثِ الْأُخَرِ، أَخْبِرْنِی عَنْ مُحَمَّدٍ، كَمْ لَهُ مِنْ إِمَامٍ عَادِلٍ؟. وَ فِی أَیِّ جَنَّةٍ یَكُونُ؟ وَ مَنْ یُسَاكِنُهُ (2) مَعَهُ فِی جَنَّتِهِ (3)؟.

قَالَ: یَا هَارُونِیُّ! إِنَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ اثْنَیْ عَشَرَ إِمَامَ عَدْلٍ لَا یَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَ لَا یَسْتَوْحِشُونَ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَهُمْ، وَ إِنَّهُمْ فِی الدِّینِ أَرْسَبُ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِی فِی الْأَرْضِ، وَ مَسْكَنُ مُحَمَّدٍ فِی جَنَّتِهِ، مَعَهُ أُولَئِكَ الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ الْعَدْلَ.

فَقَالَ: صَدَقْتَ وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنِّی لَأَجِدُهَا فِی كُتُبِ أَبِی هَارُونَ، كَتَبَهُ (4)بِیَدِهِ وَ أَمْلَاهُ مُوسَی عَمِّی عَلَیْهِ السَّلَامُ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِی عَنِ الْوَاحِدَةِ؟ أَخْبِرْنِی عَنْ وَصِیِّ مُحَمَّدٍ كَمْ یَعِیشُ مِنْ بَعْدِهِ؟

وَ هَلْ یَمُوتُ أَوْ یُقْتَلُ؟.

قَالَ: یَا هَارُونِیُّ! یَعِیشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِینَ سَنَةً لَا یَزِیدُ یَوْماً وَ لَا یَنْقُصُ یَوْماً، ثُمَّ یُضْرَبُ ضَرْبَةً هَاهُنَا- یَعْنِی عَلَی قَرْنِهِ- فَیُخْضَبُ (5) هَذِهِ مِنْ (6) هَذَا.

قَالَ: فَصَاحَ الْهَارُونِیُّ وَ قَطَعَ كُسْتِیجَهُ، وَ هُوَ یَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَنَّكَ

ص: 105


1- فی ك زیادة كلمة: قال، و وضع علیها رمز نسخة بدل.
2- فی الكافی: ساكنه.
3- فی ك: جنّة.
4- لا توجد: كتبه، فی س.
5- فی المصدر: فتخضب.
6- فی س: عن.

وَصِیُّهُ، یَنْبَغِی أَنْ تَفُوقَ وَ لَا تُفَاقَ، وَ أَنْ تُعَظَّمَ وَ لَا تُسْتَضْعَفَ.

قَالَ: ثُمَّ (1) مَضَی بِهِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی مَنْزِلِهِ فَعَلَّمَهُ مَعَالِمَ الدِّینِ.

بیان: فی القاموس (2): جبل راسب .. أی ثابت، و كذا الراسی بمعنی الثّابت (3).

«8»-كا (4): مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِیَادٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

وَ مُحَمَّدُ بْنِ الْحُسَیْنِ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ، عَنِ (5) ابْنِ أَبِی یَحْیَی الْمَدِینِیِّ، عَنْ أَبِی هَارُونَ الْعَبْدِیِّ، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ، قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً لَمَّا هَلَكَ (6) أَبُو بَكْرٍ وَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ، أَقْبَلَ یَهُودِیٌّ مِنْ عُظَمَاءِ یَهُودِ یَثْرِبَ، وَ یَزْعُمُ (7) یَهُودُ الْمَدِینَةِ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ حَتَّی رُفِعَ إِلَی عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: یَا عُمَرُ! إِنِّی جِئْتُكَ أُرِیدُ الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَخْبَرْتَنِی عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ جَمِیعِ مَا أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّی لَسْتُ هُنَاكَ، لَكِنِّی أُرْشِدُكَ إِلَی مَنْ هُوَ أَعْلَمُ أُمَّتِنَا بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ جَمِیعِ مَا قَدْ تَسْأَلُ عَنْهُ، وَ هُوَ ذَاكَ، فَأَوْمَی إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

فَقَالَ لَهُ الْیَهُودِیُّ: یَا عُمَرُ! إِنْ كَانَ هَذَا كَمَا تَقُولُ فَمَا لَكَ وَ لِبَیْعَةِ النَّاسِ، وَ إِنَّمَا

ص: 106


1- فی س: ثمّ قال، بتقدیم و تأخیر.
2- القاموس 1- 73، و قال فی مجمع البحرین 2- 70: و فی الحدیث: أئمّة العدل أرسب من الجبال الرواسی .. أی أثقل.
3- نصّ علیه فی القاموس 4- 334، و مجمع البحرین 1- 183، و غیرهما.
4- أصول الكافی 1- 446 حدیث 8، باب 125 كتاب الحجّة [1- 531 فی طبعة أخری من الإسلامیّة] باختصار فی الإسناد، و تلاحظ بقیّة روایات الباب.
5- وضع علی كلمة: عن، فی المطبوع من البحار رمز نسخة بدل.
6- فی ك: قال لمّا هلك ..
7- فی المصدر: یهود یثرب و تزعم ..

ذَاكَ أَعْلَمُكُمْ، فَزَبَرَهُ عُمَرُ.

ثُمَّ إِنَّ الْیَهُودِیَّ قَامَ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: أَنْتَ كَمَا ذَكَرَ عُمَرُ؟.

فَقَالَ (1): وَ مَا قَالَ عُمَرُ؟. فَأَخْبَرَهُ.

قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ كَمَا قَالَ، سَأَلْتُكَ عَنْ أَشْیَاءَ أُرِیدُ أَنْ أَعْلَمَ هَلْ یَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ فِی دَعْوَاكُمْ خَیْرُ الْأُمَمِ وَ أَعْلَمُهَا صَادِقِینَ، وَ مَعَ ذَلِكَ أَدْخُلُ فِی دِینِكُمُ الْإِسْلَامِ.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: نَعَمْ، أَنَا كَمَا ذَكَرَ لَكَ عُمَرُ، سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ أُخْبِرْكَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی (2).

قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ.

فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا یَهُودِیُّ! وَ (3) لِمَ لَمْ تَقُلْ أَخْبِرْنِی عَنْ سَبْعٍ؟.

فَقَالَ لَهُ الْیَهُودِیُّ: إِنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَنِی بِالثَّلَاثِ، سَأَلْتُكَ عَنِ الْبَقِیَّةِ وَ إِلَّا كَفَفْتُ، فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِی فِی هَذِهِ السَّبْعِ فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ أَفْضَلُهُمْ وَ أَوْلَی النَّاسِ بِالنَّاسِ.

فَقَالَ لَهُ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ أُخْبِرْكَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی (4).

قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ؟ وَ أَوَّلِ شَجَرَةٍ غُرِسَتْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ؟ وَ أَوَّلِ عَیْنٍ نَبَعَتْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ؟.

فَأَخْبَرَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

ثُمَّ قَالَ لَهُ الْیَهُودِیُّ: أَخْبِرْنِی عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمْ لَهَا مِنْ إِمَامٍ هُدًی؟ وَ أَخْبِرْنِی عَنْ نَبِیِّكُمْ مُحَمَّدٍ أَیْنَ مَنْزِلُهُ فِی الْجَنَّةِ؟ وَ أَخْبِرْنِی مَنْ مَعَهُ فِی الْجَنَّةِ؟.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ اثْنَیْ عَشَرَ إِمَامَ هُدًی مِنْ

ص: 107


1- خ. ل: قال، جاءت علی المطبوع من البحار.
2- لا توجد: تعالی، فی المصدر.
3- لا توجد: الواو فی ك.
4- فی الكافی المطبوع لا توجد: أخبرك به إن شاء اللّٰه تعالی، و فیه: یا یهودیّ.

ذُرِّیَّةِ نَبِیِّهَا وَ هُمْ مِنِّی. وَ أَمَّا مَنْزِلُ نَبِیِّنَا فِی الْجَنَّةِ فَفِی أَفْضَلِهَا وَ أَشْرَفِهَا: جَنَّةِ عَدْنٍ، وَ أَمَّا مَنْ مَعَهُ فِی مَنْزِلِهِ فِیهَا فَهَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ، وَ أُمُّهُمْ وَ جَدَّتُهُمْ أُمُّ (1) أُمِّهِمْ وَ ذَرَارِیُّهُمْ لَا یَشْرَكُهُمْ فِیهَا أَحَدٌ..

«9»-كا (2): مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ، عَنْ زَكَرِیَّا الْمُؤْمِنِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ رَجُلًا أَتَی بِامْرَأَتِهِ إِلَی عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِی هَذِهِ سَوْدَاءُ وَ أَنَا أَسْوَدُ وَ إِنَّهَا وَلَدَتْ غُلَاماً أَبْیَضَ. فَقَالَ لِمَنْ بِحَضْرَتِهِ: مَا تَرَوْنَ؟.

قَالُوا: نَرَی أَنْ تَرْجُمَهَا فَإِنَّهَا سَوْدَاءُ وَ زَوْجُهَا أَسْوَدُ وَ وَلَدُهَا أَبْیَضُ.

قَالَ: فَجَاءَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَدْ وُجِّهَ بِهَا لِتُرْجَمَ، فَقَالَ: مَا حَالُكُمَا؟. فَحَدَّثَاهُ.

فَقَالَ لِلْأَسْوَدِ: أَ تَتَّهِمُ امْرَأَتَكَ؟!.

فَقَالَ: لَا.

قَالَ: فَأَتَیْتَهَا وَ هِیَ طَامِثٌ؟.

قَالَتْ: نَعَمْ، سَلْهُ، قَدْ حَرَّجْتُ عَلَیْهِ وَ أَبَیْتُ.

قَالَ: فَانْطَلِقَا فَإِنَّهُ ابْنُكُمَا، وَ إِنَّمَا غَلَبَ الدَّمَ النُّطْفَةُ فَابْیَضَّ، وَ لَوْ قَدْ تَحَرَّكَ اسْوَدَّ. فَلَمَّا أَیْفَعَ اسْوَدَّ.

بیان: التّحریج: التّضییق، ذكره الجوهری (3)، و قال: أیفع الغلام .. أی

ص: 108


1- فی المصدر: و أمّ ..
2- الكافی: 5- 566 حدیث 46، كتاب النّكاح، باب النّوادر.
3- فی الصحاح 1- 306، و مثله فی القاموس 1- 183.

ارتفع (1).

«10»-مَشَارِقُ الْأَنْوَارِ (2): قَالَ: إِنَّ رَجُلًا حَضَرَ مَجْلِسَ أَبِی بَكْرٍ فَادَّعَی أَنَّهُ لَا یَخَافُ اللَّهَ، وَ لَا یَرْجُو الْجَنَّةَ، وَ لَا یَخْشَی النَّارَ، وَ لَا یَرْكَعُ وَ لَا یَسْجُدُ، وَ یَأْكُلُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ، وَ یَشْهَدُ بِمَا لَا یَرَی (3)، وَ یُحِبُّ الْفِتْنَةَ، وَ یَكْرَهُ الْحَقَّ، وَ یُصَدِّقُ الْیَهُودَ وَ النَّصَارَی، وَ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَیْسَ عِنْدَ اللَّهِ، وَ لَهُ مَا لَیْسَ لِلَّهِ، وَ أَنِّی (4) أَحْمَدُ النَّبِیّ، وَ أَنِّی (5) عَلِیٌّ وَ أَنَا رَبُّكُم، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ازْدَدْتَ كُفْراً عَلَی كُفْرِكَ؟!.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: هَوِّنْ عَلَیْكَ یَا عُمَرُ! فَإِنَّ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَوْلِیَاءِ اللَّهِ لَا یَرْجُو الْجَنَّةَ وَ لَكِنْ یَرْجُو اللَّهَ، وَ لَا یَخَافُ النَّارَ وَ لَكِنْ یَخَافُ رَبَّهُ، وَ لَا یَخَافُ اللَّهَ مِنْ ظُلْمٍ وَ لَكِنْ یَخَافُ عَدْلَهُ، لِأَنَّهُ حَكَمٌ عَدْلٌ، وَ لَا یَرْكَعُ وَ لَا یَسْجُدُ فِی صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَ یَأْكُلُ الْجَرَادَ وَ السَّمَكَ، وَ یُحِبُّ الْأَهْلَ وَ الْوَلَدَ، وَ یَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ وَ النَّارِ وَ لَمْ یَرَهُمَا، وَ یَكْرَهُ الْمَوْتَ وَ هُوَ الْحَقُّ، وَ یُصَدِّقُ الْیَهُودَ وَ النَّصَارَی فِی تَكْذِیبِ بَعْضِهِمَا (6) بَعْضاً، وَ لَهُ مَا لَیْسَ لِلَّهِ، لِأَنَّ لَهُ وَلَداً وَ لَیْسَ لِلَّهِ وَلَدٌ، وَ عِنْدَهُ مَا لَیْسَ عِنْدَ اللَّهِ (7)، فَإِنَّهُ یَظْلِمُ نَفْسَهُ وَ لَیْسَ عِنْدَ اللَّهِ ظُلْمٌ، وَ قَوْلُهُ أَنَا (8) أَحْمَدُ النَّبِیّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ..

أَیْ أَنَا أَحْمَدُهُ عَلَی تَبْلِیغِ (9) الرِّسَالَةِ عَنْ رَبِّهِ، وَ قَوْلُهُ: أَنَا عَلِیٌّ .. یَعْنِی عَلِیٌّ فِی قَوْلِی، وَ قَوْلُهُ: أَنَا رَبُّكُمْ .. أَیْ رَبُّ كُمٍّ بِمَعْنَی (10) لِی كُمٌّ أَرْفَعُهَا وَ أَضَعُهَا، فَفَرِحَ عُمَرُ،

ص: 109


1- نصّ علیه الجوهریّ فی صحاحه 3- 1310، و قال فی القاموس 3- 102: یفع الجبل- كمنع صعده، و الغلام: راهق العشرین، كأیفع و هو یافع.
2- مشارق أنوار الیقین فی أسرار أمیر المؤمنین ع: 78.
3- فی المصدر: لم یر- بلا یاء-.
4- فی المصدر: و أنا.
5- فی المشارق: و أنا.
6- فی المصدر: بعضهم.
7- فی المشارق: من عند اللّٰه.
8- لا توجد: أنا، فی المصدر.
9- فی المصدر: تبلیغه.
10- لا توجد: ربّ كمّ بمعنی، فی المصدر.

وَ قَامَ وَ قَبَّلَ رَأْسَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ، وَ قَالَ: لَا بَقِیتُ بَعْدَكَ یَا أَبَا الْحَسَنِ.

بیان: هوّن علیك .. أی سهّل (1) علی نفسك بالسؤال أو بالانتظار لیتبیّن الحقّ، أو المعنی ما أهون علیك .. أی لیس فیه إشكال، و لعلّ المراد بالدم دم السمك، أو مطلق الدم المتخلّف، و تركه علیه السلام للظهور، و المراد بالمیتة ما لم یذبح، كما ورد: فی البحر تحلّ میتته (2).

«11»-كنز (3): مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هُوزَةَ (4)، عَنِ النَّهَاوَنْدِیِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ یَحْیَی، عَنِ الْمُقْتَبِسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَرْسَلَهُ فِی جَیْشٍ فَغَابَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ قَدِمَ، وَ كَانَ مَعَ أَهْلِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَعَلِقَتْ مِنْهُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنْكَرَهُ، فَجَاءَ بِهَا إِلَی عُمَرَ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! كُنْتُ فِی الْبَعْثِ الَّذِی وَجَّهْتَنِی فِیهِ، وَ تَعْلَمُ أَنِّی قَدِمْتُ (5) سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَ كُنْتُ مَعَ أَهْلِی وَ قَدْ جَاءَتْ بِغُلَامٍ وَ هُوَ ذَا، وَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّی؟. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: مَا ذَا تَقُولِینَ أَیَّتُهَا المَرْأَةُ؟. فَقَالَتْ: وَ اللَّهِ مَا غَشِیَنِی رَجُلٌ غَیْرُهُ، وَ مَا فَجَرْتُ، وَ إِنَّهُ لَابْنُهُ، وَ كَانَ اسْمُ الرَّجُلِ: الْهَیْثَمَ.

فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: أَ حَقٌّ مَا یَقُولُ زَوْجُكِ؟.

قَالَتْ: قَدْ صَدَقَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ، فَحَفَرَ لَهَا حَفِیرَةً

ص: 110


1- كما فی القاموس 4- 278، لسان العرب 13- 439، و غیرهما. قال الثانی: و الهون مصدر هان علیه الشی ء .. أی خفّ، و هوّنه علیه .. أی سهّله و خفّفه، و شی ء هیّن- علی فیعل- أی سهل.
2- وسائل الشیعة 16- 296- 297 باب 31، انظر روایات الباب فإنّها مختلفة. و لاحظ: المحاسن للبرقی: 475 و 480، و التهذیب 4- 31، و غیرها.
3- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 581- 582 حدیث 6، مع اختصار فی الإسناد.
4- فی المصدر: هوذة الباهلیّ.
5- هنا فی المصدر زیادة: منذ .. و هو الظّاهر.

ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِیهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَجَاءَ مُسْرِعاً حَتَّی أَدْرَكَهَا وَ أَخَذَ بِیَدَیْهَا فَسَلَّهَا (1) مِنَ الْحَفِیرَةِ.

ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: ارْبَعْ عَلَی نَفْسِكَ (2) إِنَّهَا قَدْ صَدَقَتْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ فِی كِتَابِهِ: حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (3)، وَ قَالَ فِی الرَّضَاعِ: وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ كامِلَیْنِ (4)، فَالْحَمْلُ وَ الرَّضَاعُ ثَلَاثُونَ شَهْراً، وَ هَذَا الْحُسَیْنُ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.

فَعِنْدَهَا قَالَ عُمَرُ: لَوْ لَا عَلِیٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ (5).

«12»-ما (6) الْمُفِیدُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ زَیْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ تَسْنِیمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَثْعَمِیِّ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ، عَنْ رُقَیَّةَ بْنِ مَصْقَلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُؤَیَّةَ (7) الْعَبْدِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ (8) قَالَ: أَتَی عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَجُلَانِ یَسْأَلَانِ عَنْ طَلَاقِ الْأَمَةِ، فَالْتَفَتَ إِلَی خَلْفِهِ فَنَظَرَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: یَا أَصْلَعُ! مَا تَرَی فِی طَلَاقِ الْأَمَةِ؟.

فَقَالَ بِإِصْبَعَیْهِ .. هَكَذَا، وَ أَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَ الَّتِی تَلِیهَا، فَالْتَفَتَ إِلَیْهِمَا عُمَرُ وَ قَالَ (9): ثِنْتَانِ.

ص: 111


1- فی الكنز: و سلّها.
2- قال فی مجمع البحرین 4- 331: و أربع علی نفسك .. أی أرفق بنفسك و كفّ و تمكّث و لا تعجل.
3- الأحقاف: 15.
4- البقرة: 232.
5- و أورده أیضا فی البحار 40- 232 حدیث 12، و جاء فی المناقب مختصرا: 2- 187، و حكاه بعینه فی تفسیر البرهان 4- 174 حدیث 11.
6- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 243، باختصار فی الإسناد.
7- فی المصدر: خوذعة.
8- كذا، و لعلّه: عن أبیها عن جدّها ..
9- فی س: فقال.

فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! جِئْنَاكَ وَ أَنْتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فَسَأَلْنَاكَ فَجِئْتَ إِلَی رَجُلٍ سَأَلْتَهُ، وَ اللَّهِ مَا كَلَّمَكَ.

فَقَالَ عُمَرُ (1): تَدْرِیَانِ مَنْ هَذَا؟.

قَالا: لَا.

قَالَ: هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ:

لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَ الْأَرَضِینَ السَّبْعَ وُضِعَتَا فِی كِفَّةٍ وَ وُضِعَ إِیمَانُ عَلِیٍّ فِی كِفَّةٍ لَرَجَحَ إِیمَانُ عَلِیٍّ (علیه السلام).

«13»-عدة (2): رَوَی الْحَكَمُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ جُبَیْرِ بْنِ حَبِیبٍ، قَالَ: نَزَلَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَازِلَةٌ قَامَ لَهَا وَ قَعَدَ، وَ تَرَنَّحَ لَهَا (3) وَ تَقَطَّرَ. ثُمَّ قَالَ: یَا (4) مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ! مَا عِنْدَكُمْ فِیهَا؟.

قَالُوا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! أَنْتَ الْمَفْزَعُ وَ الْمَنْزَعُ، فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ (5): یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِیداً (6) أَمَا وَ اللَّهِ أَنَا وَ إِیَّاكُمْ لَنَعْرِفُ ابْنَ بَجْدَتِهَا، وَ الْخَبِیرَ بِهَا.

قَالُوا: كَأَنَّكَ أَرَدْتَ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ؟.

قَالَ: وَ أَنَّی یُعْدَلُ بِی عَنْهُ، وَ هَلْ طَفَحَتْ حُرَّةٌ (7) بِمِثْلِهِ.

قَالُوا: فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَیْهِ.

قَالَ: هَیْهَاتَ! هُنَاكَ شِمْخٌ مِنْ هَاشِمٍ وَ لُحْمَةٌ مِنَ الرَّسُولِ (صلی اللّٰه علیه و آله)، وَ أُثْرَةٌ مِنْ

ص: 112


1- لا توجد: عمر فی س.
2- عدّة الدّاعی: 101- 102 باب 2 فی ذمّ الدّنیا و بینونتها من الآخرة.
3- ما فی المتن نسخة فی المصدر، و فی متنه: تربّح لها.
4- لا یوجد حرف النّداء فی العدّة.
5- فی المصدر: و قال.
6- الأحزاب: 70.
7- فی المصدر: طفحت جرّة، و نسخة فیه: نفحت حرّة.

عِلْمٍ یُؤْتَی لَهَا وَ لَا یَأْتِی، امْضُوا إِلَیْهِ فَاقْصِفُوا نَحْوَهُ، وَ أَفْضُوا إِلَیْهِ، وَ هُوَ فِی حَائِطٍ لَهُ وَ (1) عَلَیْهِ تُبَّانٌ یَتَرَكَّلُ عَلَی مِسْحَاتِهِ وَ هُوَ (2) یَقُولُ: أَ یَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ یُتْرَكَ سُدیً أَ لَمْ یَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِیٍّ یُمْنی ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّی (3)وَ دُمُوعُهُ تَهْمِی (4) عَلَی خَدَّیْهِ، فَأَجْهَشَ (5) الْقَوْمُ لِبُكَائِهِ، ثُمَّ سَكَنَ وَ سَكَنُوا، وَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ مَسْأَلَتِهِ فَأَصْدَرَ إِلَیْهِ جَوَابَهَا، فَلَوَی عُمَرُ یَدَیْهِ.

ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ أَرَادَكَ الْحَقُّ وَ لَكِنْ أَبَی قَوْمُكَ!.

فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَهُ: یَا أَبَا حَفْصٍ! خَفِّضْ (6) عَلَیْكَ مِنْ هُنَا وَ مِنْ هُنَا إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِیقاتاً (7).

فَانْصَرَفَ وَ قَدْ أَظْلَمَ وَجْهُهُ وَ كَأَنَّمَا یَنْظُرُ مِنْ (8) لَیْلٍ.

بیان: قال الجوهری: تَرَنَّحَ: تَمَایَلَ مِنَ السُّكْرِ و غیرِهِ، و رُنِّحَ عَلَیْهِ ترنیحاً- علی بناء ما لم یسمّ فاعله- .. أی غُشِیَ عَلَیْهِ، أو (9) اعْتَرَاهُ وَهْنٌ فِی عِظَامِهِ فَتَمَایَلَ، و هُوَ مُرَنَّحٌ (10).

ص: 113


1- لا توجد الواو فی المصدر.
2- وضع علی: هو، فی ك رمز نسخة بدل.
3- القیامة: 36- 38.
4- قال فی القاموس 4- 404: همی الماء و الدّمع یهمی همیا و همیا و همیانا، و العین: صبّت دمعها.
5- قال فی مجمع البحرین 4- 131: فی حدیث فاطمة علیها السّلام: فأجهشت .. و یروی: فجهشت .. و المعنی واحد، و الجهش: أن یفزع الإنسان إلی غیره و هو مع ذلك یرید البكاء كالصّبیّ یفزع إلی أمّه و قد تهیّأ للبكاء. و نحوه فی القاموس 2- 266.
6- فی س: حفص.
7- النّبأ: 17.
8- فی المصدر: ینظر إلیه من ..
9- فی ك و لسان العرب جاءت الواو بدلا من: أو.
10- الصحاح 1- 367، و نحوه فی لسان العرب 2- 454- 455، و القاموس 1- 224، و غیرهما.

و فی القاموس: تَقَطَّرَ: تَهَیَّأَ للقتال، و رَمَی بنفسه من عُلُوٍّ، و الجِذْعُ (1) ..

انْجَعَفَ (2) .. أی انْقَلَعَ (3).

و قال (4): هُوَ ابنُ بَجْدَتِهَا: للعالم بالشّی ء، و للدّلیل الهادی، و لِمَنْ لَا یَبْرَحُ عَنْ قَوْلِهِ، و عنده بَجْدَةُ ذلك .. أی عِلْمُهُ.

و قال (5): طَفَحَتْ- كَمَنَعَ- بالولد: وَلَدَتْهُ لِتَمَامٍ.

و قال (6): شَمَخَ الجبلُ: عَلَا و طَالَ، و الرّجلُ بأنفه: تَكَبَّرَ .. و نِیَّةٌ شَمَخٌ محرّكةً-: بَعِیدَةٌ ..، و الشّامخُ: الرّافعُ أَنْفَهُ عِزّاً.

و الأُثْرَةُ: البَقِیَّةُ مِنَ العِلْمِ یُؤْثَرُ (7).

و قال: فی الحدیث: أَنَا و النّبیّون فُرَّاطُ القَاصِفِینَ (8): هُمُ المزدحمون كأنّ بعضهم یَقْصِفُ بعضاً لِفَرْطِ الزِّحَامِ، و تَزَاحُمِهِمْ بِداراً (9) إلی الجنّة .. أی نحن متقدّمون فی الشّفاعة لقوم كثیرین متدافعین ..، و القَصْفَةُ من القوم: تَدَافُعُهُمْ و تزاحمهم، و رقّة الأرطی و قد أَقْصَفَ (10).

و قال: التُّبَّانُ- كرُمَّانٍ-: سراویلُ صغیرٌ یستر العورةَ المُغَلَّظَةَ (11).

و قال: تَرَكَّلَ بِمِسْحَاتِهِ: ضربها برجله لتدخل فی الأرض (12).

ص: 114


1- فی س: انجدع.
2- القاموس 2- 119، و عینه جاء فی لسان العرب 5- 107، و مثله فی الصحاح 2- 769.
3- كما جاء فی لسان العرب 9- 27، و القاموس 3- 123، و غیرهما.
4- فی القاموس 1- 275، و نظیره فی لسان العرب 3- 77، و لا توجد فی س: علمه.
5- فی القاموس 1- 237، و قارن ب: تاج العروس 2- 190. و فی س: لتمامه- بالضمیر-.
6- فی القاموس 1- 262، و نحوه فی لسان العرب 3- 30، و غیره.
7- نصّ علیه فی القاموس 1- 362، و فیه: تؤثر، بدلا من: یؤثر.
8- فی المصدر و لسان العرب: لقاصفین.
9- فی س: بدار. و لا توجد فی المصدر: و تزاحمهم.
10- القاموس 3- 185، و انظر لسان العرب 9- 283- 284. و فی س: الأوطی، بدل الأرطی.
11- فی القاموس 4- 205، و مثله فی لسان العرب 13- 72، و غیرهما.
12- فی القاموس 3- 386، و بعینه فی لسان العرب 11- 294.

و قال: سَحَا الطّینَ یَسْحِیهِ و یَسْحُوهُ و یَسْحَاهُ سَحْیاً: قشره و جرفه، و المسحاة- بالكسر- ما سُحِیَ بِهِ (1).

و قال: خَفِّضِ القولَ یا فلانُ: لَیِّنْهُ، و الأمرَ: هَوِّنْهُ (2).

قوله: من هنا و من هنا .. أی من أوّل الأمر حیث منعتنی الخلافة و من هذا الوقت حیث تقرّ لی بالفضل، و یمكن أن یقرأ (من) بالفتح فیهما .. أی من كان المانع فی أوّل الأمر و من القائل فی هذا الوقت، أی لا تناسب بینهما، و علی الأول یحتمل أن یكون أحدهما إشارة إلی الدنیا و الآخر إلی العقبی (3).

ص: 115


1- نصّ علیه فی القاموس 4- 341، و مثله فی لسان العرب 14- 327.
2- ذكره فی القاموس 2- 330، و انظر: لسان العرب 7- 145- 146. و فی ك نسخة: هینة، بدلا من: هوّنه.
3- أقول: نظیر هذا ما جاء عن طریق العامّة كثیرا و سیأتی فی مطاعن الثلاثة منه جملة، و نذكر منه ما أورده أبو إسحاق الثعلبی المتوفّی سنة 427 ه فی كتابه العرائس: 232- 239 فی قصّة مفصّلة، نذكر منها صدرها و یكشف منه استمرار خبطهم و جهلهم، قال: لمّا ولّی .. عمر بن الخطّاب الخلافة أتاه قوم من أحبار الیهود فقالوا: یا عمر! أنت ولیّ الأمر بعد محمّد صلی اللّٰه علیه و آله و صاحبه، و إنّا نرید أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها علمنا أنّ الإسلام حقّ و أنّ محمّدا كان نبیّا، و إن لم تخبرنا به علمنا أنّ الإسلام باطل و أنّ محمّدا لم یكن نبیّا. فقال: سلوا عمّا بدا لكم؟. قالوا: أخبرنا ... قال: فنكس عمر رأسه فی الأرض ثمّ قال: لا عیب بعمر إذا سئل عمّا لا یعلم أن یقول: لا أعلم، و أن یسأل عمّا لا یعلم. فوثبت الیهود و قالوا: نشهد أنّ محمّدا لم یكن نبیّا و أنّ الإسلام باطل!. فوثب سلمان الفارسیّ و قال للیهود: قفوا قلیلا .. ثمّ توجّه نحو علیّ بن أبی طالب كرّم اللّٰه وجهه حتّی دخل علیه، فقال: یا أبا حسن! أغث الإسلام. فقال: و ما ذاك؟ .. فأخبره الخبر، فأقبل یرفل فی بردة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، فلمّا نظر إلیه عمر وثب قائما فاعتنقه، و قال: یا أبا الحسن! أنت لكلّ معضلة و شدّة تدعی. فدعا علیّ كرّم اللّٰه وجهه الیهود فقال: سلوا عمّا بدا لكم فإنّ النّبیّ صلی اللّٰه علیه و آله علّمنی ألف باب من العلم فتشعّب لی من كلّ باب ألف باب، فسألوه عنه، فقال علیّ كرّم اللّٰه وجهه: إنّ لی علیكم شریطة إذا أخبرتكم كما فی توراتكم دخلتم فی دیننا و آمنتم؟. فقالوا: نعم. فقال: سلوا عن خصلة .. خصلة. قالوا: أخبرنا عن أقفال السّماوات ما هی؟. قال: أقفال السّماوات، الشّرك باللّٰه، لأنّ العبد و الأمة إذا كانا مشركین لم یرتفع لهما عمل. قالوا: فأخبرنا عن مفاتیح السّماوات ما هی؟. قال: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله. فجعل بعضهم ینظر إلی بعض و یقولون: صدق الفتی. قالوا: فأخبرنا بقبر سار بصاحبه؟. فقال: ذلك الحوت الّذی التقم یونس بن متّی فسار به فی البحار السّبع [كذا]. فقالوا: أخبرنا عمّن أنذر قومه لا هو من الجنّ و لا هو من الإنس؟. قال: هی نملة سلیمان بن داود، قالت: یا أیّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا یحطمنّكم سلیمان و جنوده و هم لا یشعرون. قالوا: فأخبرنا عن خمسة مشوا علی الأرض و لم یخلقوا فی الأرحام؟. قال: ذلكم: آدم، و حوّاء، و ناقة صالح، و كبش إبراهیم، و عصا موسی. قالوا: فأخبرنا ما یقول الدّرّاج فی صیاحه؟. قال: یقول: الرّحمن علی العرش استوی. قالوا: فأخبرنا ما یقول الدّیك فی صراخه؟. قال: یقول: اذكروا اللّٰه یا غافلین. قالوا: أخبرنا ما یقول الفرس فی صهیله؟. قال: یقول إذا مشی المؤمنون إلی الكافرین إلی الجهاد: اللّٰهمّ انصر عبادك المؤمنین علی الكافرین. قالوا: فأخبرنا ما یقول الحمار فی نهیقه؟. قال: یقول: لعن اللّٰه العشّار .. و ینهق فی أعین الشّیاطین. قالوا: فأخبرنا ما یقول الضّفدع فی نقیقه؟. قال: یقول: سبحان ربّی المعبود المسبّح فی لجج البحار. قالوا: فأخبرنا ما یقول القنبر فی صفیره؟. قال: یقول: اللّٰهمّ العن مبغضی محمّد و آل محمّد. و كان الیهود ثلاثة نفر، قال اثنان منهم: نشهد أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّدا رسول اللّٰه، و وثب الحبر الثّالث فقال: یا علیّ! لقد وقع فی قلوب أصحابی ما وقع من الإیمان و التّصدیق، و قد بقی خصلة واحدة أسألك عنها؟. فقال: سل عمّا بدا لك. فقال: أخبرنی عن قوم فی أوّل الزّمان ماتوا ثلاثمائة و تسع سنین ثمّ أحیاهم اللّٰه فما كان من قصّتهم؟. قال علیّ رضی اللّٰه عنه: یا یهودیّ! هؤلاء أصحاب، و قد أنزل اللّٰه علی نبیّنا قرآنا فیه قصّتهم؟، و إن شئت قرأت علیك قصّتهم. فقال الیهودیّ: ما أكثر ما قد سمعنا قراءتكم، إن كنت عالما فأخبرنی بأسمائهم، و أسماء آبائهم، و أسماء مدینتهم، و اسم ملكهم، و اسم كلبهم، و اسم جبلهم، و اسم كهفهم؟ و قصّتهم من أوّلها إلی آخرها؟. فاحتبی علیّ ببردة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ثمّ قال: ... و أورد قصّة أصحاب الكهف بطولها، و نقلها شیخنا الأمینیّ طاب ثراه فی غدیره 6- 148- 155. و منها: ما جاء عن طریق العامّة- كما أورده الحافظ العاصمیّ فی كتابه زین الفتی فی شرح سورة هل أتی (خطّیّ)- .. و حكاه عنه فی الغدیر 6- 242- 243، و فیه: قدم أسقف نجران علی أمیر المؤمنین عمر بن الخطّاب فی صدر خلافته فقال: یا أمیر المؤمنین! إنّ أرضنا باردة .. إلی أن قال: فقال له الأسقف: یا عمر! أ تقرءون فی كتابكم: و جنّة عرضها كعرض السّماء و الأرض، فأین تكون النّار؟. فسكت عمر و قال لعلیّ: أجبه أنت. فقال له علیّ: أنا أجیبك یا أسقف، أ رأیت إذا جاء اللّیل أین یكون النّهار؟. و إذا جاء النّهار أین یكون اللّیل؟. فقال الأسقف: ما كنت أری إنّ أحدا لیجیبنی عن هذه المسألة. من هذا الفتی یا عمر؟. فقال: علیّ بن أبی طالب، ختن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و ابن عمّه، و هو أبو الحسن و الحسین. فقال الأسقف: فأخبرنی یا عمر! عن بقعة من الأرض طلع فیها الشّمس مرّة واحدة ثمّ لم تطلع قبلها و لا بعدها؟. فقال عمر: سل الفتی، فسأله. فقال: أنا أجیبك، هو البحر حیث انفلق لبنی إسرائیل و وقعت فیه الشّمس مرّة واحدة لم تقع قبلها و لا بعدها. فقال الأسقف: أخبرنی عن شی ء فی أیدی النّاس شبّه بثمار الجنّة؟. فقال عمر: سل الفتی. فسأله. فقال علیّ: أنا أجیبك، هو القرآن، یجتمع علیه أهل الدّنیا فیأخذون منه حاجتهم فلا ینقص منه شی ء فكذلك ثمار الجنّة. فقال الأسقف: صدقت. قال: أخبرنی هل للسّماوات من قفل؟. فقال علیّ: قفل السّماوات الشّرك باللّٰه. فقال الأسقف: و ما مفتاح ذلك القفل؟. قال: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، لا یحجبها شی ء دون العرش. فقال: صدقت. فقال: أخبرنی عن أوّل دم وقع علی وجه الأرض؟. فقال علیّ: أمّا نحن فلا نقول كما یقولون: دم الخشّاف، و لكن أوّل دم وقع علی وجه الأرض مشیمة حوّاء حیث ولدت هابیل بن آدم. قال: صدقت، و بقیت مسألة واحدة. أخبرنی: أین اللّٰه؟. فغضب عمر. فقال علیّ: أنا أجیبك، و سل عمّا شئت، كنّا عند رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله إذ أتاه ملك فسلّم، فقال له رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله من أین أرسلت؟. فقال: من السّماء السّابعة من عند ربّی، ثمّ أتاه آخر فسأله، فقال: أرسلت من الأرض السّابعة من عند ربّی، فجاء ثالث من الشّرق، و رابع من المغرب فسألهما فأجابا كذلك، فاللّٰه عزّ و جلّ هاهنا و هاهنا، فی السّماء إله و فی الأرض إله. و نظیره أورده الفضل بن شاذان فی كتابه الرّوضة: 145، و الفضائل: 202، و حكاه عنهما العلّامة المجلسیّ فی بحاره 10- 58- 60، عن أنس بن مالك، و هناك روایات عدیدة فی هذا الباب. و منها: ما أخرجه أحمد بن حنبل- إمام الحنابلة- فی الفضائل بإسناده عن ابن المسیّب قال: كان عمر بن الخطّاب یقول: أعوذ باللّٰه من معضلة لیس لها أبو الحسن. قال ابن المسیّب: و لهذا القول سبب و هو: أنّ ملك الرّوم كتب إلی عمر یسأله عن مسائل فعرضها علی الصّحابة فلم یجد عندهم جوابا، فعرضها علی أمیر المؤمنین فأجاب عنها فی أسرع وقت بأحسن جواب .. و ذكر الكتاب بطوله، ثمّ قال: فقرأ علیّ (علیه السلام) الكتاب و كتب فی الحال خلفه: بسم اللّٰه الرّحمن الرّحیم أمّا بعد، فقد وقفت علی كتابك أیّها الملك، و أنا أجیبك بعون اللّٰه و قوّته و بركته و بركة نبیّنا محمّد صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: أمّا الشّی ء الّذی لم یخلقه اللّٰه تعالی، فالقرآن، لأنّه كلامه و صفته، و كذا كتب اللّٰه المنزلة، و الحقّ سبحانه قدیم و كذا صفاته. و أمّا الّذی لا یعلمه اللّٰه، فقولكم: له ولد و صاحبة و شریك، ما اتّخذ اللّٰه من ولد و ما كان معه من إله لم یلد و لم یولد. و أمّا الّذی لیس عند اللّٰه، فالظّلم، و ما ربّك بظلّام للعبید. و أمّا الّذی كلّه فم، فالنّار، تأكل ما یلقی فیها و أمّا الّذی كلّه رجل، فالماء. و أمّا الّذی كلّه عین، فالشّمس. و أمّا الّذی كلّه جناح، فالرّیح. و أمّا الّذی لا عشیرة له، فآدم. و أمّا الّذی لم یحمل بهم رحم، فعصی موسی، و كبش إبراهیم، و آدم و حوّاء. و أمّا الّذی یتنفّس من غیر روح، فالصّبح، لقوله تعالی: و الصّبح إذا تنفّس. و أمّا النّاقوس، فإنّه یقول: طقّا طقّا، حقّا حقّا، مهلا مهلا، عدلا عدلا، صدقا صدقا، إنّ الدّنیا قد غرّتنا و استهوتنا، تمضی الدّنیا قرنا قرنا، ما من یوم یمضی عنّا إلّا أوهی منّا ركنا، إنّ الموتی [كذا] قد أخبرنا أنّا نرحل فاستوطنّا. و أمّا الظّاعن، فطور سیناء لمّا عصت بنو إسرائیل و كان بینه و بین الأرض المقدّسة أیّام فقلع اللّٰه منه قطعة و جعل لها جناحین من نور فنتقه علیهم، فذلك قوله: «وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ». و قال لبنی إسرائیل: إن لم تؤمنوا و إلّا أوقعته علیكم، فلمّا تابوا ردّه إلی مكانه. و أمّا المكان الّذی لم تطلع علیه الشّمس إلّا مرّة واحدة، فأرض البحر لمّا فلقه اللّٰه لموسی (علیه السلام) و قام الماء أمثال الجبال و یبست الأرض بطلوع الشّمس علیها، ثمّ عاد ماء البحر إلی مكانه. و أمّا الشّجرة الّتی یسیر الرّاكب فی ظلّها مائة عام، فشجرة طوبی، و هی سدرة المنتهی فی السّماء السّابعة، إلیها ینتهی أعمال بنی آدم، و هی من أشجار الجنّة، لیس فی الجنّة قصر و لا بیت إلّا و فیه غصن من أغصانها، و مثلها فی الدّنیا الشّمس أصلها واحد و ضوؤها فی كلّ مكان. و أمّا الشّجرة الّتی نبتت من غیر ماء، فشجرة یونس، و كان ذلك معجزة له، لقوله تعالی: «وَ أَنْبَتْنا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِنْ یَقْطِینٍ». و أمّا غذاء أهل الجنّة، فمثلهم فی الدّنیا الجنین فی بطن أمّه، فإنّه یغتذی من سرّتها و لا یبول و لا یتغوّط. و أمّا الألوان فی القصعة الواحدة، فمثلها فی الدّنیا البیضة فیها لونان: أبیض و أصفر و لا یختلطان. و أمّا الجاریة الّتی تخرج من التّفّاحة، فمثلها فی الدّنیا الدّودة تخرج من التّفّاحة و لا تتغیّر. و أمّا الجاریة الّتی تكون بین اثنین، فالنّخلة الّتی تكون فی الدّنیا لمؤمن مثلی و لكافر مثلك، و هی لی فی الآخرة دونك، لأنّها فی الجنّة و أنت لا تدخلها. و أمّا مفاتیح الجنّة، فلا إله إلّا اللّٰه، محمّد رسول اللّٰه. قال ابن المسیّب: فلمّا قرأ قیصر الكتاب قال: ما خرج هذا الكلام إلّا من بیت النّبوّة. ثمّ سأل عن المجیب، فقیل له: هذا جواب ابن عمّ محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله)، فكتب إلیه: (سلام علیك، أمّا بعد، قد وقفت علی جوابك، و علمت أنّك من أهل بیت النّبوّة، و معدن الرّسالة، و أنت موصوف بالشّجاعة و العلم، و أؤثر أن تكشف لی عن مذهبكم، و الرّوح الّتی ذكرها اللّٰه فی كتابكم فی قوله: «وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی». فكتب إلیه أمیر المؤمنین علیه السّلام: أمّا بعد، فالرّوح نكتة لطیفة، و لمعة شریفة، من صنعة بارئها، و قدرة منشئها، أخرجها من خزائن ملكه و أسكنها فی ملكه، فهی عنده لك سبب، و له عندك ودیعة، فإذا أخذت ما لك عنده أخذ ما له عندك، و السّلام. و قد نصّ علی القصّة بطولها الحافظ العاصمیّ فی زین الفتی فی شرح سورة هل أتی، و تذكرة خواصّ الأمّة، لسبط ابن الجوزیّ الحنفیّ: 87.

ص: 116

ص: 117

ص: 118

ص: 119

ص: 120

[19] باب ما أظهر أبو بكر و عمر من الندامة

«1»-قَالَ أَبُو الصَّلَاحِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِی تَقْرِیبِ الْمَعَارِفِ (1): لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَمَعَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ قَالَ: یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! أَ رَاضُونَ أَنْتُمْ عَنِّی؟.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: وَ مَنْ ذَا الَّذِی یَسْخَطُ عَلَیْكَ؟ .. فَأَعَادَ الْكَلَامَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَجَابَهُ رَجُلٌ بِمِثْلِ جَوَابِهِ، فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ وَ قَالَ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا أَشْعَرْنَا قُلُوبَنَا، إِنَّا وَ اللَّهِ أَشْعَرْنَا قُلُوبَنَا مَا .. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ یَكْفِیَنَا شَرَّهُ، وَ إِنَّ بِیعَةَ أَبِی بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ یَكْفِیَنَا شَرَّهَا.

وَ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ- وَ هُوَ مُسْنِدُهُ إِلَی صَدْرِهِ-: وَیْحَكَ! ضَعْ رَأْسِی بِالْأَرْضِ، فَأَخَذَتْهُ الْغَشْیَةُ، قَالَ: فَوَجَدْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَیْحَكَ! ضَعْ رَأْسِی بِالْأَرْضِ، فَأَخَذَتْهُ الْغَشْیَةُ، قَالَ: فَوَجَدْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَیْحَكَ! ضَعْ رَأْسِی بِالْأَرْضِ، فَوَضَعْتُ رَأْسَهُ بِالْأَرْضِ فَعَفَّرَ بِالتُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَیْلٌ لِعُمَرَ! وَ وَیْلٌ لِأُمِّهِ! إِنْ لَمْ یَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ.

وَ قَالَ- أَیْضاً- حِینَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مِنْ ثَلَاثٍ: مِنِ اغْتِصَابِی هَذَا الْأَمْرَ أَنَا وَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ دُونِ النَّاسِ، وَ مِنِ اسْتِخْلَافِی عَلَیْهِمْ، وَ مِنْ تَفْضِیلِیَ

ص: 121


1- لم نعثر علیه فی القسم الأوّل المطبوع، و أمّا القسم الثّانی المربوط بهذا الموضوع فلم یطبع.

الْمُسْلِمِینَ بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ.

وَ قَالَ- أَیْضاً-: أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مِنْ ثَلَاثٍ: مِنْ رَدِّی رَقِیقَ الْیَمَنِ، وَ مِنْ رُجُوعِی عَنْ جَیْشِ أُسَامَةَ بَعْدَ أَنْ (1) أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] عَلَیْنَا، وَ مِنْ تَعَاقُدِنَا عَلَی أَهْلِ الْبَیْتِ إِنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ لَا نُوَلِّیَ مِنْهُمْ أَحَداً.

وَ رَوَوْا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ- وَ هُوَ یَمُوتُ فَجَعَلَ یَجْزَعُ، فَقُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! أَبْشِرْ بِرَوْحِ اللَّهِ وَ كَرَامَتِهِ، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا رَأَیْتُ جَزَعَهُ قُلْتُ هَذَا، فَنَظَرَ إِلَیَّ فَقَالَ: وَیْحَكَ! فَكَیْفَ بِالْمُمَالَأَةِ عَلَی (2) أَهْلِ بَیْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] . انْتَهَی مَا أَخْرَجْنَاهُ مِنَ التَّقْرِیبِ (3)

وَ قَالَ الزَّمَخْشَرِیُّ فِی رَبِیعِ الْأَبْرَارِ (4): لَمَّا حَضَرَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِیهِ وَ مَنْ حَوْلَهُ: لَوْ أَنَّ لِی مِلْ ءَ الْأَرْضِ مِنْ صَفْرَاءَ أَوْ بَیْضَاءَ لَافْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ أَهْوَالِ مَا أَرَی.

«2»-ل (5): الْمُظَفَّرُ الْعَلَوِیُّ، عَنِ ابْنِ الْعَیَّاشِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

ص: 122


1- لا توجد: أن فی ك، و بدلا منها: إذ، و وضع علیها رمز نسخة بدل.
2- قال فی مجمع البحرین 1- 399: و فی حدیث علیّ علیه السّلام: ما قتلت عثمان و لا ملأت علیه .. أی ما ساعدت و لا عاونت. أقول: استعمال الملاء مع كلمة علی یفید معنی المساعدة و المعاونة علی ضرر شخص، و علیه تكون الممالاة مساوقة للمعاداة.
3- مرّت مصادر جملة من هذه النّصوص، و ستأتی لبعضها الآخر مصادر من طریق العامّة.
4- ربیع الأبرار للزّمخشریّ: و الرّوایة قد حذفت من الطبعة الحدیثة مع مراجعتنا لكلّ مجلّدات الكتاب أكثر من مرّة، نعم، فیه قوله لعمر: لو استقبلت من أمری ما استدبرت ما استعملت أحدا من الطّلقاء. 4- 219، و قوله أیضا: لو كان لنا مع إسلامنا أخلاق آبائنا لكنّا!! 2- 38، و فیه قصّة مفصّلة عند ما قیل لعمر: لو أخذت حلیّ الكعبة فجهّزت به جیوش المسلمین ... و قد سأل فیها علیّا و قال فی آخرها له سلام اللّٰه علیه: لولاك لافتضحنا .. 4- 26، و نهج البلاغة 4- 65، و غیرها. و جاء فیه 1- 828 قول رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: علیّ مع الحقّ و الحقّ مع علیّ و لن یفترقا حتّی یردا علیّ الحوض.
5- الخصال للشّیخ الصّدوق 1- 171- 173 باب الثّلاثة حدیث 288 مع تفصیل فی السّند.

حَاتِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ وَ سُلَیْمَانَ بْنِ مَعْبَدٍ، هُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّیْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُلْوَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَیْسَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَیْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِیهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِی مَرَضِهِ الَّذِی قُبِضَ فِیهِ: أَمَا إِنِّی لَا آسَی مِنَ الدُّنْیَا إِلَّا عَلَی ثَلَاثٍ فَعَلْتُهَا، وَ وَدِدْتُ (1) أَنِّی تَرَكْتُهَا، وَ ثَلَاثٍ تَرَكْتُهَا وَدِدْتُ (2) أَنِّی فَعَلْتُهَا، وَ ثَلَاثٍ وَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ سَأَلْتُ عَنْهُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، أَمَّا الَّتِی وَدِدْتُ أَنِّی تَرَكْتُهَا، فَوَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَكُنْ كَشَفْتُ بَیْتَ فَاطِمَةَ وَ إِنْ كَانَ عُلِّقَ (3) عَلَی الْحَرْبِ، وَ وَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَكُنْ حَرَّقْتُ (4) الْفُجَاءَةَ وَ أَنِّی قَتَلْتُهُ سَرِیحاً (5) أَوْ أَطْلَقْتُهُ نَجِیحاً (6)، وَ وَدِدْتُ أَنِّی یَوْمَ سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ كُنْتُ قَذَفْتُ الْأَمْرَ فِی عُنُقِ أَحَدِ الرَّجُلَیْنِ- عُمَرَ أَوْ أَبِی عُبَیْدَةَ- فَكَانَ أَمِیراً وَ كُنْتُ وَزِیراً.

وَ أَمَّا الَّتِی تَرَكْتُهَا (7): فَوَدِدْتُ أَنِّی یَوْمَ أُتِیتُ بِالْأَشْعَثِ أَسِیراً كُنْتُ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ یُخَیَّلُ إِلَیَّ أَنَّهُ لَمْ یَرَ صَاحِبَ شَرٍّ إِلَّا أَعَانَهُ، وَ وَدِدْتُ أَنِّی حِینَ سَیَّرْتُ خَالِداً إِلَی أَهْلِ الرِّدَّةِ كُنْتُ قَدِمْتُ إِلَی قُرْبِهِ (8) فَإِنْ ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ ظَفِرُوا وَ إِنْ هُزِمُوا (9) كُنْتُ بِصَدَدِ لِقَاءٍ أَوْ مَدَدٍ، وَ وَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ إِذْ وَجَّهْتُ خَالِداً إِلَی الشَّامِ قَذَفْتُ الْمَشْرِقَ

ص: 123


1- فی المصدر: و وددت.
2- فی المصدر: و وددت.
3- فی ك نسخة بدل: أعلق، و فی المصدر: أعلن، و جاء فی هامشه: أغلق، و فی النّسخة المطبوعة: علّق.
4- فی المصدر و فی ك: أحرقت.
5- كتب فی حاشیة س هنا: أی سریعا. و هو معنی السّریح كما فی القاموس 1- 228. و انظر قصّة الفجاءة ذیل الخصال، و فصّلها شیخنا الأمینی فی غدیره 7- 156- 158.
6- قال فی القاموس 1- 251: النّجیح: الصّواب من الرّأی.
7- فی نسخة علی المصدر: فوددت أنّی فعلتها.
8- فی المصدر: قریة.
9- فی الخصال زیادة لفظ: كیدا.

بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكُنْتُ بَسَطْتُ یَدِی- یَمِینِی وَ شِمَالِی- فِی سَبِیلِ اللَّهِ.

وَ أَمَّا الَّتِی وَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ سَأَلْتُ عَنْهُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ:

فَوَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ سَأَلْتُهُ فِیمَنْ هَذَا الْأَمْرُ فَلَمْ نُنَازِعْهُ أَهْلَهُ، وَ وَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ سَأَلْتُهُ هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِی هَذَا الْأَمْرِ نَصِیبٌ، وَ وَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ سَأَلْتُهُ عَنْ مِیرَاثِ الْأَخِ وَ الْعَمِّ، فَإِنَّ فِی نَفْسِی مِنْهَا حَاجَةً (1).

قَالَ الصَّدُوقُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ (2)

إِنَّ یَوْمَ غَدِیرِ خُمٍّ لَمْ یَدَعْ لِأَحَدٍ عُذْراً، هَكَذَا قَالَتْ سَیِّدَةُ النِّسْوَانِ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ لَمَّا مُنِعَتْ مِنْ فَدَكَ وَ خَاطَبَتِ الْأَنْصَارَ فَقَالُوا: یَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ! لَوْ سَمِعْنَا هَذَا الْكَلَامَ مِنْكِ قَبْلَ بَیْعَتِنَا لِأَبِی بَكْرٍ مَا عَدَلْنَا بِعَلِیٍّ أَحَداً. فَقَالَتْ: وَ هَلْ تَرَكَ أَبِی یَوْمَ غَدِیرِ خُمٍّ لِأَحَدٍ عُذْراً؟!.

«3»-ل (3): أَبِی، عَنِ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِیِّ، عَنِ الثَّقَفِیِّ، عَنْ یَحْیَی بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عُبَیْدَةَ، عَنْ یَحْیَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ (4) بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ حِینَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ:

أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مِنْ ثَلَاثٍ: اغْتِصَابِی هَذَا الْأَمْرَ أَنَا وَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ دُونِ النَّاسِ، وَ اسْتِخْلَافِی عَلَیْهِمْ، وَ تَفْضِیلِیَ الْمُسْلِمِینَ بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ.

«4»-ل (5): بِالْإِسْنَادِ إِلَی الثَّقَفِیِّ، عَنِ الْمَسْعُودِیِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمَّادٍ

ص: 124


1- ذكر القصّة جمهور علماء العامّة، و نصّ علیها الطّبریّ فی تاریخه 4- 52، و ابن قتیبة فی الإمامة و السّیاسة 1- 18، و المسعودیّ فی مروج الذّهب 1- 414، و ابن عبد البرّ فی العقد الفرید 2- 254، و أبو عبیدة فی الأموال: 131، و غیرهم. و الإسناد صحیح رجاله كلّهم ثقات عندهم أربعة منهم من رجال الصّحاح السّتّ، كما نصّ علی ذلك شیخنا الأمینیّ فی الغدیر 7- 170 171، فراجع. و انظر حول الكشف عن بیت فاطمة سلام اللّٰه علیها- غیر ما مرّ- تاریخ ابن جریر 2- 619، و میزان الاعتدال 2- 215، و غیرهما.
2- الخصال 1- 173.
3- الخصال 1- 170 باب الثّلاثة حدیث 225، بتفصیل فی السّند.
4- وضع علی: الحسن، فی ك رمز نسخة بدل.
5- الخصال 1- 171، باب الثّلاثة حدیث 226، باختلاف یسیر.

الطَّائِیِّ، عَنْ زِیَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَطِیَّةَ- فِیمَا یَظُنُّ-، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ عِنْدَ مَوْتِهِ یَقُولُ: أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مِنْ ثَلَاثٍ: مِنْ رَدِّی رَقِیقَ الْیَمَنِ، وَ مِنْ رُجُوعِی عَنْ جَیْشِ أُسَامَةَ بَعْدَ أَنْ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَیْنَا، وَ مِنْ تَعَاقُدِنَا عَلَی أَهْلِ هَذَا الْبَیْتِ إِنْ قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ لَا نُوَلِّی مِنْهُمْ أَحَداً.

«5»-ل (1): بِالْإِسْنَادِ إِلَی الثَّقَفِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سُفْیَانَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ فَضْلِ بْنِ الزُّبَیْرِ، عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ الْحَذَّاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: لَمَّا حَضَرَ عُمَرَ الْمَوْتُ قَالَ: أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مِنْ رُجُوعِی مِنْ جَیْشِ أُسَامَةَ، وَ أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مِنْ عِتْقِی سَبْیَ الْیَمَنِ، وَ أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مِنْ شَیْ ءٍ كُنَّا أَشْعَرْنَاهُ قُلُوبَنَا نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ یَكْفِیَنَا ضَرَّهُ، وَ أَنَّ بَیْعَةَ أَبِی بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً.

بیان:

قال فی النهایة فی حدیث عمر: «إِنَّ بَیْعَةَ أَبِی بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً وَقَی اللَّهُ شَرَّهَا».

، أراد بالفلتة: الفجأة، و مثل هذه البیعة جدیر (2) بأن تكون مهیّجة للشّرّ و الفتنة، فعصم اللّٰه عن ذلك و وقی، و الفلتة: كلّ شی ء فعل من غیر رویّة و إنّما یورد (3) بها خوف انتشار الأمر، و قیل: أراد بالفلتة: الخلسة .. أی إنّ الإمامة یوم السّقیفة مالت إلی تولّیها الأنفس و لذلك كثر (4) فیها التّشاجر، فما (5) قلّدها أبو بكر إلّا انتزاعا من الأیدی و اختلاسا، و قیل: الفلتة آخر لیلة من الأشهر الحرم، فیختلفون (6) أ من الحلّ هی أم من الحرام (7)؟ فیتسارع الموتود (8) إلی درك الثّار

ص: 125


1- الخصال 1- 171، باب الثّلاثة حدیث 227، مع تفصیل فی الإسناد.
2- فی المصدر و فی اللسان: جدیرة.
3- فی المصدر و فی اللسان: بودر.
4- لا توجد: كثر، فی س.
5- وضع علی: فما فی ك رمز نسخة بدل.
6- فی النهایة و اللسان: فیختلفون فیها.
7- فی المصدر و اللسان: أم من الحرم.
8- فی اللسان و فی المصدر: فیسارع الموتور، و هو الصحیح.

فیكثر الفساد و یسفك (1) الدّماء، فشبّه أیّام النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله (2) بالأشهر الحرم و یوم موته بالفلتة فی (3) وقوع الشّرّ من ارتداد العرب و تخلّف الأنصار عن الطّاعة، و منع من منع الزّكاة، و الجری علی عادة العرب فی أن لا یسود (4) القبیلة إلّا رجل منها (5). انتهی.

و لا یخفی ضعف تلك التأویلات علی عاقل، و سیأتی الكلام فیه إن شاء اللّٰه تعالی (6)

«6»-جا (7): الْجِعَابِیِّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُغِیرَةِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ بُرَیْدٍ (8)، عَنْ یَحْیَی بْنِ سَعِیدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ (9) عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ (10) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: كُنْتُ آخِرَ (11) النَّاسِ عَهْداً بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، دَخَلْتُ عَلَیْهِ وَ رَأْسُهُ فِی حَجْرِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَ هُوَ یُوَلْوِلُ (12)، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ خَدِّی بِالْأَرْضِ، فَأَبَی عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ خَدِّی بِالْأَرْضِ لَا أُمَّ لَكَ، فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَی الْأَرْضِ، فَجَعَلَ یَقُولُ:

ص: 126


1- فی النهایة و لسان العرب: و تسفك.
2- فی المصدر: علیه الصلاة و السلام، بدل التصلیة.
3- فی النهایة: من، و فی اللسان: فی، كما فی المتن.
4- كتب فی المصدر: مدغما- ألّا یسود- و ما فی اللسان كالمتن.
5- النهایة 3- 467- 468 و فیه: و فی صفة مجلس رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم: لا تثنی فلتاته .. الفلتات: الزلّات، جمع فلتة .. أی لم یكن فی مجلسه زلّات فتحفظ و تحكی. و مثل النهایة ما فی لسان العرب 2- 67- 68، و قال فی القاموس 1- 154: و فلتات المجلس: هفواته و زلاته.
6- فی ك: فیه، بعد كلمة: تعالی، بتقدیم و تأخیر.
7- مجالس أمالی الشّیخ المفید: 50 حدیث 10، بتفصیل فی الإسناد.
8- فی المصدر: بن زید.
9- فی المصدر: بن، بدلا من: عن، و هو الظّاهر.
10- فی الأمالی: عن، بدلا من: بن، و هو الظّاهر.
11- فی المجالس: أنا آخر ..
12- جاءت فی حاشیة المصدر، و فی متنه: ملول.

وَیْلُ أُمِّی! وَیْلُ أُمِّی! إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لِی .. فَلَمْ یَزَلْ یَقُولُهَا حَتَّی خَرَجَتْ نَفْسُهُ.

«7»-إِرْشَادُ الْقُلُوبِ (1): - بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ- مَرْفُوعاً إِلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَزْدِیِّ- خَتَنِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (2)

وَ حِینَ مَاتَ (3) كَانَتْ ابْنَتُهُ (4) تَحْتَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَ كَانَ أَفْقَهَ (5) أَهْلِ الشَّامِ وَ أَشَدَّهُمُ اجْتِهَاداً، قَالَ: مَاتَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِالطَّاعُونِ، فَشَهِدْتُ یَوْمَ مَاتَ- وَ النَّاسُ مُتَشَاغِلُونَ بِالطَّاعُونِ-، قَالَ: وَ سَمِعْتُهُ حِینَ احْتُضِرَ وَ لَیْسَ (6)فِی الْبَیْتِ غَیْرِی- وَ ذَلِكَ فِی خِلَافَةِ (7) عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ-، فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ:

وَیْلٌ لِی! وَیْلٌ لِی (8)!. فَقُلْتُ فِی نَفْسِی: أَصْحَابُ الطَّاعُونِ یَهْذُونَ وَ یَقُولُونَ الْأَعَاجِیبَ. فَقُلْتُ لَهُ: أَ تَهْذِی؟. قَالَ: لَا، رَحِمَكَ اللَّهُ (9). قُلْتُ: فَلِمَ تَدْعُو بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ؟. قَالَ: لِمُوَالاتِی عَدُوَّ اللَّهِ عَلَی وَلِیِّ اللَّهِ. فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ هُمْ (10)؟. قَالَ:

مُوَالاتِی عَتِیقاً وَ [رُمَعُ] عَلَی خَلِیفَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَ وَصِیِّهِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

فَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتَهْجُرُ!. فَقَالَ: یَا ابْنَ غَنْمٍ! وَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ، هَذَانِ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولَانِ لِی: یَا مُعَاذُ! أَبْشِرْ بِالنَّارِ

ص: 127


1- إرشاد القلوب 2- 183- 186 [2- 391- 394] تحت عنوان فیما قاله معاذ بن جبل حین موته .. باختلاف یسیر أشرنا لبعضه.
2- لا یوجد: ختن معاذ بن جبل، فی المصدر.
3- فی إرشاد القلوب: حین مات معاذ بن جبل، و وضع علی: حین مات، رمز نسخة بدل فی ك.
4- فی س: ابنة- بلا ضمیر- ..
5- جاء فی المصدر: .. الأزدیّ حین مات معاذ بن جبل و كان أفقه ..
6- فی الإرشاد: و لیس معه ..
7- فی المصدر: فی زمن خلافة.
8- فی ك: و ویل لی، و وضع علی الواو رمز نسخة بدل. و فی س جاءت الجملة مشوشة.
9- وضع علی: رحمك اللّٰه، رمز نسخة بدل فی مطبوع البحار.
10- من قوله: فقلت فی نفسی. إلی هنا لا یوجد فی إرشاد الدّیلمیّ المطبوع، و فیه: فقلت له: ممّ؟. قال: من موالاتی.

أَنْتَ (1) وَ أَصْحَابُكَ. أَ فَلَیْسَ قُلْتُمْ إِنْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَوْ قُتِلَ (2) زَوَیْنَا الْخِلَافَةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) فَلَنْ تَصِلَ إِلَیْهِ، فَاجْتَمَعْتُ أَنَا وَ [عَتِیقٌ وَ رُمَعُ] وَ أَبُو عُبَیْدَةَ وَ سَالِمٌ (3)، قَالَ: قُلْتُ: مَتَی یَا مُعَاذُ؟. قَالَ: فِی حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قُلْنَا: نَتَظَاهَرُ عَلَی عَلِیٍّ (علیه السلام) فَلَا یَنَالُ الْخِلَافَةَ مَا حَیِینَا، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قُلْتُ لَهُمْ: أَنَا (4) أَكْفِیكُمْ قَوْمِیَ الْأَنْصَارَ فَاكْفُونِی قُرَیْشاً، ثُمَّ دَعَوْتُ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی (5) هَذَا الَّذِی تَعَاهَدْنَا عَلَیْهِ بِشْرَ بْنَ سَعِیدٍ وَ أُسَیْدَ (6)بْنَ حُصَیْنٍ فَبَایَعَانِی عَلَی ذَلِكَ، فَقُلْتُ: یَا مُعَاذُ! إِنَّكَ لَتَهْجُرُ، فَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالْأَرْضِ فلما (7) زَالَ یَدْعُو بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ حَتَّی مَاتَ.

فَقَالَ ابْنُ غَنْمٍ: مَا حَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِیثِ یَا ابْنَ قَیْسِ بْنِ (8) هِلَالٍ أَحَداً إِلَّا ابْنَتِی امْرَأَةَ مُعَاذٍ وَ رَجُلًا آخَرَ، فَإِنِّی فَزِعْتُ مِمَّا رَأَیْتُ وَ سَمِعْتُ مِنْ مُعَاذٍ.

قَالَ: فَحَجَجْتُ وَ لَقِیتُ الَّذِی غَمَّضَ أَبَا عُبَیْدَةَ وَ سَالِماً فَأَخْبَرَانِی أَنَّهُ حَصَلَ لَهُمَا ذَلِكَ (9) عِنْدَ مَوْتِهِمَا، لَمْ یَزِدْ فِیهِ حَرْفاً وَ لَمْ یَنْقُصْ حَرْفاً، كَأَنَّهُمَا قَالا مِثْلَ مَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَقُلْتُ: أَ وَ لَمْ یُقْتَلْ سَالِمٌ یَوْمَ التِّهَامَةِ؟. قَالَ: بَلَی، وَ لَكِنَّا احْتَمَلْنَاهُ وَ بِهِ رَمَقٌ (10).

قَالَ سُلَیْمٌ: فَحَدَّثْتُ بِحَدِیثِ ابْنِ غَنْمٍ هَذَا كُلِّهِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ

ص: 128


1- لا توجد: أنت، فی المصدر.
2- أو قتل .. لا توجد فی الإرشاد.
3- فی المصدر: و سالم مولی حذیفة.
4- لا توجد: أنا، فی المصدر.
5- فی الإرشاد: علی، بدلا من: إلی.
6- فی س: أسد.
7- فی المصدر: فما .. و هو الظّاهر.
8- فی إرشاد الدّیلمیّ: ما حدّثت غیر قیس بن ..
9- فی س: كذلك، و فی المصدر: نحو ذلك.
10- من قوله: فقلت أ و لم .. إلی هنا لا یوجد فی المطبوع من المصدر.

لِی: اكْتُمْ عَلَیَّ وَ اشْهَدْ أَنَّ أَبِی قَدْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبِی یَهْجُرُ (1).

قَالَ مُحَمَّدٌ: فَلَقِیتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِی خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَ حَدَّثْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِی عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَخَذْتُ عَلَیْهِ الْعَهْدَ وَ الْمِیثَاقَ أَلَّا یَكْتُمَ (2) عَلَیَّ. فَقَالَ لِی ابْنُ عُمَرَ:

اكْتُمْ عَلَیَّ، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَبِی مِثْلَ مَا قَالَ أَبُوكَ وَ مَا زَادَ (3) وَ لَا نَقَصَ، ثُمَّ تَدَارَكَهَا ابْنُ عُمَرَ بَعْدُ وَ تَخَوَّفَ أَنْ أُخْبِرَ بِذَلِكَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِمَا عَلِمَ مِنْ حُبِّی لَهُ وَ انْقِطَاعِی إِلَیْهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ یَهْجُرُ. فَأَتَیْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِی وَ مَا حَدَّثَنِی بِهِ ابْنُ عُمَرَ.

فَقَالَ عَلِیٌّ (علیه السلام) (4) قَدْ حَدَّثَنِی بِذَلِكَ عَنْ أَبِیكَ وَ عَنْ أَبِیهِ وَ عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ وَ سَالِمٍ وَ عَنْ مُعَاذٍ مَنْ هُوَ أَصْدَقُ مِنْكَ وَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ. فَقُلْتُ: وَ مَنْ ذَاكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ؟.

فَقَالَ: بَعْضُ (5)مَنْ حَدَّثَنِی. فَعَرَفْتُ مَا عَنَی، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ، إِنَّمَا ظَنَنْتُ إِنْسَاناً حَدَّثَكَ، وَ مَا شَهِدَ أَبِی- وَ هُوَ یَقُولُ ذَلِكَ- غَیْرِی.

قَالَ سُلَیْمٌ: قُلْتُ لِابْنِ غَنْمٍ: مَاتَ مُعَاذٌ بِالطَّاعُونِ فَبِمَا مَاتَ أَبُو عُبَیْدَةَ؟.

قَالَ: مَاتَ بِالدُّبَیْلَةِ (6)، فَلَقِیتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَكْرٍ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ مَوْتَ أَبِیكَ غَیْرُكَ وَ أَخِیكَ (7) عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ عَائِشَةَ وَ عُمَرَ؟. قَالَ: لَا. قُلْتُ: وَ هَلْ (8) سَمِعُوا (9) مِنْهُ مَا

ص: 129


1- فی المصدر: یهجو .. و لا معنی له.
2- فی المصدر: لیكتم علیّ .. و ما فی المتن هو الظّاهر.
3- فی المصدر: فو اللّٰه لقد قال مثل مقالة أبیك ما زاد ..
4- فی الإرشاد: قال علیه السّلام.
5- خطّ علی: بعض، فی ك، و لا توجد فی المصدر.
6- قال فی القاموس 3- 373: و دبیل مبالغة و كجهینة: الدّاهیة، و داء فی الجوف. و قال فی مجمع البحرین 5- 369: الدّبیلة: الطّاعون، و خراج، و دمّل یظهر فی الجوف و یقتل صاحبه غالبا.
7- فی المصدر: و غیر أخیك.
8- وضع رمز نسخة بدل علی: هل، فی المطبوع من البحار.
9- لا توجد: سمعوا، فی س.

سَمِعْتَ؟. قَالَ: سَمِعُوا مِنْهُ طَرَفاً فَبَكَوْا. وَ قال [قَالُوا]: هُوَ یَهْجُرُ، فَأَمَّا كُلَّ مَا سَمِعْتُ أَنَا فَلَا، قُلْتُ: فَالَّذِی سَمِعُوا مَا هُوَ؟. قَالَ: دَعَا بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ! لِمَ تَدْعُو بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ؟!. قَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مَعَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ یُبَشِّرَانِّی بِالنَّارِ، وَ مَعَهُ الصَّحِیفَةُ الَّتِی تَعَاهَدْنَا عَلَیْهَا فِی الْكَعْبَةِ، وَ هُوَ یَقُولُ: قَدْ وَفَیْتَ بِهَا وَ ظَاهَرْتَ عَلَی وَلِیِّ اللَّهِ (1) فَأَبْشِرْ أَنْتَ وَ صَاحِبُكَ بِالنَّارِ فِی أَسْفَلِ السَّافِلِینَ، فَلَمَّا سَمِعَهَا عُمَرُ خَرَجَ وَ هُوَ یَقُولُ: إِنَّهُ لَیَهْجُرُ! قَالَ: لَا وَ اللَّهِ لَا أَهْجُرُ (2)أَیْنَ تَذْهَبُ؟. قَالَ عُمَرُ: كَیْفَ لَا تَهْجُرُ وَ أَنْتَ ثانِیَ اثْنَیْنِ إِذْ هُما فِی الْغارِ (3)؟! قَالَ: الْآنَ أَیْضاً! أَ وَ لَمْ أُحَدِّثْكَ أَنَّ مُحَمَّداً- وَ لَمْ یَقُلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- قَالَ لِی وَ أَنَا (4) مَعَهُ فِی الْغَارِ: إِنِّی أَرَی سَفِینَةَ جَعْفَرٍ وَ أَصْحَابِهِ تَعُومُ (5)فِی الْبَحْرِ، فَقُلْتُ: أَرِنِیهَا، فَمَسَحَ یَدَهُ عَلَی وجهه (6) فَنَظَرْتُ إِلَیْهَا، وَ أَضْمَرْتُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ سَاحِرٌ، وَ ذَكَرْتُ لَكَ ذَلِكَ بِالْمَدِینَةِ، فَأَجْمَعَ (7) رَأْیِی وَ رَأْیُكَ أَنَّهُ سَاحِرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: یَا هَؤُلَاءِ! إِنَّ أَبَاكُمْ (8) یَهْجُرُ فَاكْتُمُوا مَا تَسْمَعُونَ عَنْهُ (9) لِئَلَّا یَشْمَتَ بِكُمْ أَهْلُ هَذَا الْبَیْتِ، ثُمَّ خَرَجَ وَ خَرَجَ أَخِی وَ خَرَجَتْ عَائِشَةُ لِیَتَوَضَّئُوا لِلصَّلَاةِ، فَأَسْمَعَنِی مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ یَسْمَعُوا، فَقُلْتُ لَهُ- لَمَّا خَلَوْتُ بِهِ: یَا أَبَتِ! (10) قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا

ص: 130


1- فی ك هنا زیادة: و أصحابك.
2- فی المصدر: ما أهجر.
3- لا یوجد: إذ هما، فی المصدر.
4- فی ك: قال لی أنا.
5- أی تسبح و تسیر، قاله فی القاموس 4- 155.
6- فی المصدر: وجهی، و هو الظّاهر.
7- فی إرشاد الدّیلمیّ: و ذكرت ذلك لك بالمدینة فاجتمع ..
8- فی المصدر: إنّ أبا بكر.
9- فی المصدر: منه، بدلا من: عنه.
10- فی المطبوع من البحار وضع علی: یا أبت، رمز نسخة بدل، و لا توجد فی المصدر.

اللَّهُ، قَالَ: لَا أَقُولُهَا (1) وَ لَا أَقْدِرُ عَلَیْهَا أَبَداً حَتَّی أَرِدَ النَّارَ فَأَدْخُلَ التَّابُوتَ، فَلَمَّا ذَكَرَ التَّابُوتَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ یَهْجُرُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَیُّ تَابُوتٍ؟. فَقَالَ: تَابُوتٌ مِنْ نَارٍ مُقَفَّلٌ بِقُفْلٍ مِنْ نَارٍ فِیهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، أَنَا وَ صَاحِبِی هَذَا، قُلْتُ: عُمَرُ؟. قَالَ: نَعَمْ، وَ عَشَرَةٌ فِی جُبٍّ مِنْ جَهَنَّمَ عَلَیْهِ صَخْرَةٌ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یُسَعِّرَ جَهَنَّمَ رَفَعَ الصَّخْرَةَ.

قُلْتُ: أَ تَهْذِی؟. قَالَ: لَا وَ اللَّهِ (2) مَا أَهْذِی، وَ لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ صُهَاكَ هُوَ الَّذِی أَضَلَّنِی عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی فَبِئْسَ الْقَرِینُ، أَلْصِقْ خَدِّی بِالْأَرْضِ، فَأَلْصَقْتُ خَدَّهُ بِالْأَرْضِ (3)، فَمَا زَالَ یَدْعُو بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ حَتَّی غَمَّضْتُهُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَیَّ، فَقَالَ: هَلْ قَالَ (4) بَعْدَنَا شَیْئاً (5)؟ فَحَدَّثْتُهُ (6).

فَقَالَ: یَرْحَمُ اللَّهُ خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، اكْتُمْ! هَذَا كُلُّهُ هَذَیَانٌ، وَ أَنْتُمْ أَهْلُ بَیْتٍ یُعْرَفُ لَكُمُ الْهَذَیَانُ فِی مَوْتِكُمْ؟. قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ لِی عُمَرُ: إِیَّاكَ أَنْ یَخْرُجَ مِنْكَ شَیْ ءٌ مِمَّا سَمِعْتَ بِهِ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) (7) وَ أَهْلِ بَیْتِهِ.

قَالَ: قَالَ سُلَیْمٌ (8): قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: مَنْ تَرَاهُ حَدَّثَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ بِمَا قَالُوا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، إِنَّهُ یَرَاهُ فِی (9)

ص: 131


1- فی المصدر: لا قلتها و لا أقولها.
2- فی الإرشاد: .. من جهنّم علیه صخرة، قلت: هل تهذی؟ قال: و اللّٰه ..
3- فی المصدر: ثمّ ألصق خدّه بالأرض فما زال ..
4- فی المصدر: هل حدّث.
5- لا توجد كلمة: شیئا، فی س.
6- فی ك و المصدر: فحدّثتهم.
7- فی المصدر: ممّا سمعت و یشمت به ابن أبی طالب.
8- وضع علی: قال سلیم، فی المطبوع من البحار رمز نسخة بدل، و لا توجد فی المصدر.
9- لا توجد فی المصدر: فی.

كُلِّ لَیْلَةٍ فِی الْمَنَامِ وَ حَدِیثُهُ إِیَّاهُ (1) فِی الْمَنَامِ مِثْلُ حَدِیثِهِ (2) إِیَّاهُ فِی الْیَقَظَةِ وَ الْحَیَاةِ، وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنْ رَآنِی فِی الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِی فَإِنَّ الشَّیْطَانَ لَا یَتَمَثَّلُ بِی فِی نَوْمٍ وَ لَا یَقَظَةٍ (3)وَ لَا بِأَحَدٍ مِنْ أَوْصِیَائِی إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

قَالَ سُلَیْمٌ (4): فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: فَمَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟. قَالَ: عَلِیٌّ (5). فَقُلْتُ:

قَدْ سَمِعْتُ أَنَا أَیْضاً مِنْهُ كَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ، قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: فَلَعَلَّ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَدَّثَهُ. قَالَ: أَوْ (6) ذَاكَ؟ قُلْتُ: فَهَلْ تُحَدِّثُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا الْأَنْبِیَاءَ؟!. قَالَ: أَ مَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ: وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لَا نَبِیٍّ (7) وَ لَا مُحَدَّثٍ.

قُلْتُ أَنَا: أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (8) مُحَدَّثٌ. قَالَ: نَعَمْ، وَ فَاطِمَةُ مُحَدَّثَةٌ، وَ لَمْ تَكُنْ نَبِیَّةً، وَ مَرْیَمُ مُحَدَّثَةٌ وَ لَمْ تَكُنْ نَبِیَّةً، وَ أُمُّ مُوسَی مُحَدَّثَةٌ وَ لَمْ تَكُنْ نَبِیَّةً، وَ سَارَةُ امْرَأَةُ إِبْرَاهِیمَ قَدْ (9) عَایَنَتِ الْمَلَائِكَةَ وَ لَمْ تَكُنْ نَبِیَّةً، فَبَشَّرُوهَا بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ یَعْقُوبَ قَالَ سُلَیْمٌ: فَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَكْرٍ بِمِصْرَ وَ عَزَّیْنَا (10) أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، جِئْتُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (11) وَ خَلَوْتُ بِهِ فَحَدَّثْتُهُ بِمَا أَخْبَرَنِی بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَكْرٍ وَ بِمَا حَدَّثَنِی بِهِ ابْنُ غَنْمٍ.

ص: 132


1- فی س: أباه، و فی المصدر: و حدّثه أباه.
2- فی الإرشاد: مثل ما حدّثه.
3- فی المصدر: فی النّوم و لا فی الیقظة.
4- لا توجد فی المصدر: قال سلیم، و هی نسخة فی المطبوع من البحار.
5- فی الإرشاد: قال أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السّلام.
6- فی المصدر: الواو، بدلا من: أو.
7- الحجّ: 52.
8- فی المصدر: قلت فأمیر المؤمنین علیه السّلام ..
9- فی إرشاد الدّیلمیّ: و سارة امرأة إبراهیم محدّثة قد ..
10- لعلّها تقرأ فی مطبوع البحار: غوینا، أو غزینا، إلّا أنّها فی المصدر: و نعی فعزّیت ..
11- لا توجد: جئت إلی أمیر المؤمنین علیه السّلام .. فی المصدر.

قَالَ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَمَا إِنَّهُ شَهِیدٌ حَیٌّ مَرْزُوقٌ، یَا سُلَیْمُ! إِنِّی وَ أَوْصِیَائِی أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ وُلْدِی أَئِمَّةُ هُدًی مَهْدِیُّونَ مُحَدَّثُونَ.

قُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! وَ مَنْ هُمْ؟ (1).

قَالَ: ابنی [ابْنَایَ] الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ، ثُمَّ ابْنِی هَذَا- وَ أَخَذَ بِیَدِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ وَ هُوَ رَضِیعٌ- ثُمَّ (2) ثَمَانِیَةٌ مِنْ وُلْدِهِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، وَ هُمُ الَّذِینَ أَقْسَمَ اللَّهُ (3) بِهِمْ فَقَالَ: وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ (4)، فَالْوَالِدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَنَا، وَ مَا وَلَدَ یَعْنِی هَؤُلَاءِ الْأَحَدَ عَشَرَ وَصِیّاً صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ (5).

قُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! یَجْتَمِعُ إِمَامَانِ؟.

قَالَ: لَا، إِلَّا وَ (6) أَحَدُهُمَا صَامِتٌ لَا یَنْطِقُ حَتَّی یَهْلِكَ الْأَوَّلُ.

«8»-أَقُولُ: - وَجَدْتُ الْخَبَرَ فِی كِتَابِ سُلَیْمٍ (7) عَنْ أَبَانٍ عَنْ سُلَیْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ .. وَ ذَكَرَ الْحَدِیثَ مِثْلَهُ سَوَاءً.

بیان:

هذا الخبر أحد الأمور التی صارت سببا للقدح فی كتاب سلیم، لأنّ محمدا ولد فی حجّة الوداع- كما ورد فی أخبار الخاصّة و العامّة- فكان له عند موت أبیه سنتان و أشهر، فكیف كان یمكنه التكلّم بتلك الكلمات، و تذكر تلك الحكایات؟.

و لعلّه ممّا صحّف فیه النساخ أو الرواة، أو یقال إنّ ذلك كان من معجزات

ص: 133


1- فی المصدر: قلت: من هم یا أمیر المؤمنین.
2- هنا زیادة: قال .. فی المصدر.
3- فی المصدر: اللّٰه تبارك و تعالی.
4- البلد: 3.
5- فی المصدر: أوصیاء علیهم السّلام و اللّعنة علی أعدائهم أبد الآبدین.
6- لا یوجد: إلّا و، فی المصدر.
7- كتاب سلیم بن قیس: 222- 227، و انظر: معالم الزّلفی: 429.

أمیر المؤمنین علیه السلام ظهر فیه.

و قال بعض الأفاضل: رأیت فیما وصل إلیّ من نسخة هذا الكتاب أنّ عبد اللّٰه بن عمر وعظ أباه عند موته.

و الحقّ أنّ بمثل هذا لا یمكن القدح فی كتاب معروف بین المحدّثین اعتمد علیه الكلینی و الصدوق و غیرهما من القدماء، و أكثر أخباره مطابقة لما روی بالأسانید الصحیحة فی الأصول المعتبرة، و قلّ كتاب من الأصول المتداولة یخلو عن مثل ذلك.

قال النعمانی فی كتاب الغیبة (1)

بعد ما أورد من كتاب سلیم أخبارا كثیرة ما هذا لفظه-: .. كتابه أصل من الأصول (2) التی رواها أهل العلم و حملة حدیث أهل البیت علیهم السلام و أقدمها، لأنّ جمیع ما اشتمل علیه هذا الكتاب (3) إنّما هو عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و أمیر المؤمنین علیه السلام و المقداد و سلمان الفارسی و أبی ذرّ و من جری مجراهم ممّن شهد رسول اللّٰه و أمیر المؤمنین علیهما السلام و سمع منهما، و هو من الأصول التی ترجع الشیعة إلیها و تعول علیها.

انتهی (4).

«9»-وَ قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (5): الْمُبَرَّدُ فِی الْكَامِلِ (6)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی بَكْرٍ أَعُودُهُ فِی مَرَضِهِ الَّذِی مَاتَ فِیهِ، فَسَلَّمْتُ وَ سَأَلْتُهُ (7) فَاسْتَوَی جَالِساً، فَقُلْتُ: لَقَدْ أَصْبَحْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئاً. فَقَالَ:

ص: 134


1- غیبة الشیخ النعمانیّ: 101- 102، باختلاف یسیر تحت عنوان: ما روی فی أنّ الأئمة اثنا عشر إماما.
2- فی المصدر: من أكبر كتب الأصول.
3- فی الغیبة: هذا الأصل.
4- انظر مقدّمة كتاب سلیم بن قیس إذ نقل أقوال العلماء و القدماء حول الكتاب و جامعه.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2- 45- 47.
6- الكامل للمبرّد- شرح المرصقی- 1- 54- 55، و جاء فی تاریخ الطّبریّ 3- 234 و ما بعدها.
7- فی المصدر: و سألته كیف به.

أَمَا إِنِّی عَلَی مَا تَرَی لَوَجِعٌ، وَ جَعَلْتُمْ لِی- مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ- شُغُلًا مَعَ وَجَعِی، جَعَلْتُ لَكُمْ عَهْداً مِنْ بَعْدِی، وَ اخْتَرْتُ لَكُمْ خَیْرَكُمْ فِی نَفْسِی، فَكُلُّكُمْ وَرِمَ لِذَلِكَ أَنْفُهُ رَجَاءَ أَنْ یَكُونَ الْأَمْرُ لَهُ، وَ رَأَیْتُمُ الدُّنْیَا قَدْ أَقْبَلَتْ، وَ اللَّهِ لَتَتَّخِذُنَّ سُتُورَ الْحَرِیرِ وَ نَضَائِدَ الدِّیبَاجِ، وَ تَأْلَمُونَ ضَجَائِعَ الصُّوفِ الْأَزْدَرِیِّ (1)، كَأَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَی حَسَكِ السَّعْدَانِ، وَ اللَّهِ لَأَنْ یُقَدَّمَ أَحَدُكُمْ فَیُضْرَبَ عُنُقُهُ فِی غَیْرِ حَدٍّ لَخَیْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ یَسْبَحَ فِی غَمْرَةِ الدُّنْیَا، وَ إِنَّكُمْ غَداً لَأَوَّلُ صَالٍ بِالنَّارِ (2)، تَجُودُونَ (3) عَنِ الطَّرِیقِ یَمِیناً وَ شِمَالًا، یَا هَادِیَ الطَّرِیقِ جُرْتَ، إِنَّمَا هُوَ الْبَحْرُ (4) أَوِ الْفَجْرُ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:

لَا تُكْثِرْ عَلَی مَا بِكَ فَیَهِیضَكَ، وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا الْخَیْرَ (5)، وَ أَنَا (6) صَاحِبُكَ لَذُو خَیْرٍ، وَ مَا النَّاسُ إِلَّا رَجُلَانِ، رَجُلٌ رَأَی مَا رَأَیْتَ فَلَا خِلَافَ عَلَیْكَ مِنْهُ (7)، وَ رَجُلٌ رَأَی غَیْرَ ذَلِكَ، وَ إِنَّمَا یُشِیرُ عَلَیْكَ بِرَأْیِهِ، فَسَكَنَ وَ سَكَتَ هُنَیْئَةً، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:

مَا أَرَی بِكَ بَأْساً، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَلَا تَأْسَ (8) عَلَی الدُّنْیَا، فَوَ اللَّهِ إِنْ عَلِمْنَاكَ إِلَّا صَالِحاً مُصْلِحاً.

فَقَالَ: أَمَا إِنِّی لَا آسَی إِلَّا عَلَی ثَلَاثٍ فَعَلْتُهُنَّ وَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَفْعَلْهُنَّ، وَ ثَلَاثٍ لَمْ أَفْعَلْهُنَّ وَدِدْتُ أَنِّی فَعَلْتُهُنَّ، وَ ثَلَاثٍ وَدِدْتُ (9) أَنِّی سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْهُنَّ.

ص: 135


1- فی ك: الأزری، و فی المصدر: الأذربی، و سیتعرض المصنّف رحمه اللّٰه مفصّلا فی بیانه الآتی، فراجع.
2- فی ك نسخة بدل: بالنّاس. و فی المصدر: لأوّل ضالّ بالنّاس.
3- فی المصدر: تجورون، و هو الصّحیح، و سیتعرض لها فی بیانه.
4- فی المصدر: البجر، و العبارة تختلف فی الكامل و تعرّض لها المصنّف رحمه اللّٰه فی بیانه الآتی.
5- فی المصدر: خیرا. و إلی هنا روایة المبرّد فی الكامل.
6- فی شرح النّهج: و إنّ، و هی نسخة جاءت فی ك.
7- فی ك: فیه.
8- فی المصدر: فلا بأس.
9- جاءت نسخة فی ك: ودت.

فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِی فَعَلْتُهَا وَ وَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُهَا، فَوَدِدْتُ أَنِّی لَمْ أَكُنْ كَشَفْتُ عَنْ بَیْتِ فَاطِمَةَ (علیها السلام) وَ تَرَكْتُهُ وَ لَوْ أُغْلِقَ عَلَی حَرْبٍ، وَ وَدِدْتُ أَنِّی یَوْمَ سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ كُنْتُ قَذَفْتُ الْأَمْرَ فِی عُنُقِ أَحَدِ الرَّجُلَیْنِ، عُمَرَ أَوْ أَبِی عُبَیْدَةَ، فَكَانَ أَمِیراً وَ كُنْتُ وَزِیراً، وَ وَدِدْتُ أَنِّی إِذْ أُتِیتُ بِالْفُجَاءَةِ (1) لَمْ أَكُنْ أَحْرَقْتُهُ (2).

وَ أَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِی لَمْ أَفْعَلْهَا (3) وَ وَدِدْتُ أَنِّی فَعَلْتُهَا، فَوَدِدْتُ أَنِّی یَوْمَ أُتِیتُ بِالْأَشْعَثِ أَسِیراً (4) كُنْتُ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ یُخَیَّلُ إِلَیَّ أَنَّهُ لَا یَرَی شَرّاً إِلَّا أَعَانَ عَلَیْهِ، وَ وَدِدْتُ أَنِّی حَیْثُ وَجَّهْتُ خَالِداً إِلَی أَهْلِ الرِّدَّةِ أَقَمْتُ بِذِی الْقِصَّةِ (5)، فَإِنْ ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ (6) وَ إِلَّا كُنْتُ رِدْءاً لَهُمْ (7)، وَ وَدِدْتُ حَیْثُ وَجَّهْتُ خَالِداً إِلَی الشَّامِ كُنْتُ وَجَّهْتُ عُمَرَ إِلَی الْعِرَاقِ، فَأَكُونُ قَدْ بَسَطْتُ كِلْتَا یَدَیَّ- الْیَمِینَ وَ الشِّمَالَ- فِی سَبِیلِ اللَّهِ.

وَ أَمَّا الثَّلَاثُ اللَّوَاتِی وَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] عَنْهُنَّ، فَوَدِدْتُ أَنِّی سَأَلْتُهُ فِیمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، فَكُنَّا لَا نُنَازِعُهُ أَهْلَهُ؟ وَ وَدِدْتُ أَنِّی سَأَلْتُهُ هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِی هَذَا الْأَمْرِ نَصِیبٌ؟ وَ وَدِدْتُ أَنِّی سَأَلْتُهُ عَنْ مِیرَاثِ الْعَمَّةِ وَ ابْنَةِ

ص: 136


1- الفجاءة: هو إیاس بن عبد اللّٰه بن عبد یالیل السّلمیّ، و كان قد استعرض النّاس یقتلهم و یأخذ أموالهم، فأمر أبو بكر بإحراقه، انظر: تاریخ الطّبریّ 3- 234، تاریخ ابن كثیر 6- 319، الكامل لابن الأثیر 2- 146، الإصابة 2- 322، و غیرها.
2- فی المصدر زیادة: و كنت قتلته بالحدید أو أطلقته.
3- فی المصدر: الّتی تركتها، بدلا من: لم أفعلها.
4- لا توجد: أسیرا، فی شرح النّهج.
5- ذو القصّة، موضع بینه و بین المدینة أربعة و عشرون میلا، و هو طریق الرّبذة، و قد ورد أنّ أبا بكر خرج إلیه- و هو علی برید من المدینة تلقاء نجد- قطع الجنود فیه و عقد فیه ألویة، انظر: معجم البلدان 4- 366، و مراصد الاطّلاع 3- 1102، و لاحظ القاموس 2- 313.
6- فإن ظفر المسلمون، خطّ علیها فی س.
7- وضع علی: لهم، فی المطبوع من البحار رمز نسخة بدل.

الْأَخِ (1) فَإِنَّ فِی نَفْسِی مِنْهُمَا حَاجَةً.

توضیح:

قوله: ورم أنفه (2) .. أی امتلأ و انتفخ من ذلك غضبا، و خصّ الأنف بالذّكر لأنّه موضع الأنفة و الكبر، كما یقال: شمخ بأنفه، و منه قول الشّاعر:

و لا یهاج إذا ما أنفه ورما(3) ...

و فی النهایة، فی حدیث أبی بكر: لتتّخذنّ نضائد الدّیباج .. أی الوسائد، واحدتهما (4) نضیدة (5)

و الآزَرِیُّ: نسبةٌ إلی آزر، و هی- كهاجر-: ناحیة بین الأهواز و رامهرمز (6).

و فی النهایة: الأزربی (7)، قال: فی حدیث أبی بكر: لتأملن (8) النّومَ علی الصّوفِ الأَزْرَبِی كَمَا یَأْلَمُ أحدُكُمُ النّومَ علی حَسَكِ السّعدانِ .. الْأَزْرَبِیُّ منسوب إلی أذربیجانَ- علی غیر قیاس- هكذا تقوله العرب، و القیاس أن تقول أَزْرِیّ- بغیر باء (9)

كما یقال فی النّسب إلی رامهرمز: وامیّ (10) و هو مطّرد فی النّسب إلی الأسماء

ص: 137


1- فی المصدر: الأخت، و هی نسخة فی ك.
2- قال فی النهایة 5- 177: و منه حدیث أبی بكر: و لیت أموركم خیركم فكلّكم ورم أنفه علی أن یكون الأمر له من دونه.
3- نصّ علیه فی النهایة 5- 177، و لسان العرب 12- 634.
4- فی المصدر: واحدتها، و هو الصحیح.
5- النهایة 5- 71، و مثله فی لسان العرب 3- 424، و غیره.
6- صرّح به فی القاموس 1- 363.
7- كذا، و الظاهر أن تكون العبارة هكذا: و الأذربی فی النهایة قال .. أی جاءت الأذربی فی النهایة. و جاء فی النهایة: أذرب س [ه] فی حدیث .. و كلّ ما ذكره المصنّف- طاب ثراه- جاء فی المصدر بالذال المعجمة.
8- فی المصدر: لتألمنّ، و كذا فی اللسان.
9- فی س: بغیر یاء، و هو سهو.
10- كذا، و الظاهر: رامی، كما جاءت فی المصدر.

المركّبة (1)، و السّعدان: نبت ذو شوك یشبه حلمة الثّدی (2)، و الحسك جمع الحسكة- بتحریكهما-: و هی شوكة صلبة (3).

و الجور: المیل عن الطّریق (4).

و قال ابن الأثیر- فی حدیث أبی بكر-: «إِنَّمَا هُوَ الْفَجْرُ أَوِ الْبَجْرُ» البجر- بالفتح و الضّم-: الدّاهیة و الأمر العظیم .. أی إن انتظرت حتّی یضی ء الفجر أبصرت الطّریق، و إن خبطت (5) الظّلماء أفضت بك إلی المكروه، و یروی البحر- بالحاء- یرید غمرات الدّنیا، شبّهها بالبحر لتبحّر أهلها فیها (6).

و الهیض- بالفتح-: الكسر بعد الجبر و هو أشدّ ما یكون من الكسر، یقال هاضه الأمر یهیضه (7).

و لا تأس .. أی لا تحزن (8).

تذییل:

اعلم أنّ ما اشتمل علیه هذا الخبر أحد المطاعن المشهورة لأبی بكر ذكره الأصحاب، قالوا: إنّ قوله: لیتنی كنت سألت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله هل للأنصار فی هذا الأمر حقّ؟ یدلّ علی شكّه فی صحّة بیعته، و قوله: لیتنی تركت بیت فاطمة علیها السلام لم أكشفه، و لیتنی فی ظلّة بنی ساعدة كنت ضربت علی ید أحد الرجلین .. یدلّ علی ما روی من إقدامه علی بیت فاطمة علیها

ص: 138


1- النهایة 1- 33، و مثله فی لسان العرب 1- 207.
2- ذكره فی الصحاح 2- 488، و القاموس 1- 302، و لسان العرب 3- 215.
3- قاله فی النهایة 1- 386، و انظر: مجمع البحرین 5- 262، و القاموس 3- 298.
4- كما فی النهایة 1- 313، و انظر: مجمع البحرین 3- 251، و القاموس 2- 394.
5- تقرأ الكلمة فی س: خطت، و فی المصدر و لسان العرب: خبطت، كالمتن.
6- النهایة 1- 97، و مثله فی لسان العرب 4- 41.
7- نصّ علیه فی نهایة ابن الأثیر 5- 288، و مثله فی لسان العرب 7- 249، و انظر: مجمع البحرین 4- 233، و القاموس 2- 348.
8- ذكره فی مجمع البحرین 1- 27، و الصحاح 6- 2269، و القاموس 4- 299.

السلام عند اجتماع علیّ علیه السلام و الزبیر و غیرهما فیه، و علی أنّه كان یری الفضل لغیره لا لنفسه.

و قوله: وددت أنّی سألت فیمن هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله .. كالصریح فی أنّه لم یكن أهلا للإمامة.

و قوله: وددت أنّی سألت عن میراث العمّة و الخالة .. اعتراف بجهله بأحكام الدین.

و أجاب عنه قاضی القضاة فی المغنی (1) بأنّ قوله: لیتنی .. لا یدلّ علی الشك فیما تمنّاه (2)، و قول إبراهیم علیه السلام: رَبِّ أَرِنِی كَیْفَ تُحْیِ الْمَوْتی قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلی وَ لكِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی (3) أقوی فی الشبهة من ذلك (4)، ثم حمل تمنّیه علی أنّه أراد سماع شی ء مفصّل، أو (5) أراد لیتنی سألته عند الموت لقرب العهد، لأنّ ما قرب عهده لا ینسی، و یكون أردع للأنصار عمّا حاولوه (6).

ثم قال: علی أنّه لیس فی ظاهره أنّه تمنّی أن یسأل (7) هل له حقّ للإمامة أم لا؟ لأنّ الإمامة قد یتعلّق بها حقوق سواها، ثم دفع الروایة المتعلّقة ببیت فاطمة علیها السلام، و قال: فأمّا (8) تمنّیه أن یبایع غیره، فلو ثبت لم یكن ذمّا، لأنّ من اشتدّ التكلیف علیه فهو یتمنّی خلافه (9).

ص: 139


1- المغنی 20- 341، باختلاف و تصرّف.
2- هنا بیاض فی المصدر بعد كلمة: فیما. و لا توجد: تمناه.
3- البقرة: 260، و قد ذكر فی المصدر القسم الأوّل منها إلی قوله تعالی: الموتی.
4- فی المغنی: أقوم من ذلك فی الشبهة.
5- فی س: واو، بدلا من: أو.
6- من قوله: ثم حمل .. إلی هنا نقل بالمعنی عن المصدر.
7- فی المغنی: أن یشكّ.
8- فی س: فقال فأما .. و فی المصدر: و قال و أما ..
9- إلی هنا كلام قاضی القضاة فی المغنی.

و ذكر شارح المقاصد (1) الطعن بأنّه شكّ عند موته فی استحقاقه للإمامة، حیث قال: وددت أنّی سألت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] عن هذا الأمر فیمن هو و كنّا لا ننازع أهله؟ ثم أجاب: بأنّ هذا علی تقدیر صحّته لا یدلّ علی الشك، بل علی عدم النّص، و بأنّ (2) إمامته كانت بالبیعة و الاختیار، و أنّه فی طلب الحقّ بحیث یحاول أن لا یكتفی بذلك، بل یرید اتّباع النّص خاصّة.

و بنحو ذلك أجاب الفخر الرازی فی نهایة العقول (3) عن الطعن بقوله:

لیتنی سألت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله هل للأنصار فیه حقّ؟ .. إلّا أنّه لم یمنع صحّة الروایة.

و أورد السیّد الأجلّ رضی اللّٰه عنه فی الشافی (4) علی كلام صاحب المغنی بأنّه لیس یجوز أن یقول أبو بكر: لیتنی سألت عن .. كذا إلّا مع الشكّ و الشبهة، لأنّ مع العلم و الیقین لا یجوز مثل هذا القول، هكذا یقتضی الظاهر، فأمّا قول إبراهیم علیه السلام فإنّما ساغ أن یعدل عن (5) ظاهره، لأنّ الشكّ لا یجوز علی الأنبیاء علیهم السلام و یجوز علی غیرهم، علی أنّه علیه السلام قد نفی عن نفسه الشكّ بقوله: بَلی وَ لكِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی (6)، و قد قیل: إنّ نمرود قال له: إذا كنت تزعم أنّ لك ربّا یحیی الموتی فاسأله أن یحیی لنا میّتا إن كان علی ذلك قادرا، فإن لم یفعل ذلك قتلتك (7)، فأراد بقوله: وَ لكِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی (8) .. أی لِآمَنَ

ص: 140


1- شرح المقاصد 5- 280.
2- فی المصدر: و إن.
3- نهایة العقول: لا زلنا لا نعرف له نسخة خطیّة تامّة فضلا عن كونه مطبوعا.
4- الشافی 4- 138- 140 [الحجریّة: 244- 245]. و فیه: یقال له: لیس یجوز .. إلی آخره.
5- وضع علی: عن، فی مطبوع البحار رمز نسخة بدل، و هو مثبت فی المصدر.
6- البقرة: 260.
7- فی المصدر: فقتلتك.
8- البقرة: 260.

مِنْ (1)تَوَعُّدِ عَدُوِّكَ، و قد یجوز أن یكون طلب ذلك لقومه و قد سألوه أن یرغب إلی اللّٰه فیه، فقال لیطمئنّ قلبی إلی إجابتك لی و إلی إزاحة علّة قومی، و لم یرد لیطمئنّ قلبی إلی أنّك تقدر أن تحیی الموتی، لأنّ قلبه قد كان (2) بذلك مطمئنا، و أیّ شی ء یرید أبو بكر من التفصیل (3) أكثر من قوله: إنّ هذا الأمر لا یصلح إلّا لهذا الحیّ من قریش، و أیّ فرق بین ما یقال عند الموت و بین ما یقال قبله إذا كان محفوظا معلوما لم یرفع حكمه و لم ینسخ.

و بعد، فظاهر الكلام لا یقتضی هذا التخصیص و نحن مع الإطلاق و الظاهر، و أیّ حقّ یجوز أن یكون للأنصار فی الإمامة غیر أن یتولّاها رجل منهم حتی یجوز أن یكون الحقّ الذی تمنّی أن یسأل عنه غیر الإمامة؟ و هل هذا إلّا تعسّف و تكلّف؟! و أیّ شبهة تبقی بعد قول أبی بكر: لیتنی كنت سألته هل للأنصار فی هذا الأمر حقّ فكنّا لا ننازعه أهله؟ و معلوم أنّ التنازع بینهم لم یقع إلّا (4) فی الإمامة نفسها لا فی حقّ آخر من حقوقها.

فأمّا قوله: إنّا قد بیّنّا أنّه لم یكن منه فی بیت فاطمة علیها السلام ما یوجب أن یتمنّی أنّه (5) لم یفعله، فقد بیّنا فساد ظنّه فیما تقدّم (6).

فأمّا قوله: إنّ من اشتدّ التكلیف علیه قد یتمنّی خلافه .. فلیس بصحیح، لأنّ ولایة أبی بكر إذا كانت هی التی اقتضاها الدین و النظر للمسلمین فی تلك الحال، و ما عداها كان مفسدة و مؤدّیا إلی الفتنة، فالتمنّی بخلافها لا یكون إلّا قبیحا.

ص: 141


1- لا توجد: من، فی المصدر.
2- لا یوجد فی الشافی: قد كان. و فیه: مطمئن.
3- فی المصدر: التفضیل.
4- فی المصدر: التنازع لم یقع بینهم إلّا ..
5- فی الشافی: أن- بدون ضمیر-.
6- فی المصدر: فساد ما ظنّه فی هذا الباب، و مضی الكلام فیه مستقصی.

«10»-كِتَابُ الِاسْتِدْرَاكِ (1): قَالَ: ذَكَرَ عِیسَی بْنُ مِهْرَانَ فِی كِتَابِ الْوَفَاةِ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَیْنِ الْعُرَنِیِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصَبِّحٌ الْعِجْلِیُّ، عَنْ أَبِی عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ أَبِی أَرْسَلَنِی إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَدَعَوْتُهُ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنِّی كُنْتُ مِمَّنْ شَغَبَ عَلَیْكَ، وَ أَنَا كُنْتُ أَوَّلَهُمْ، وَ أَنَا صَاحِبُكَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَجْعَلَنِی فِی حِلٍّ.

فَقَالَ: نَعَمْ، عَلَی أَنْ تُدْخِلَ عَلَیْكَ رَجُلَیْنِ فَتُشْهِدَهُمَا عَلَی ذَلِكَ. قَالَ:

فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَی (2) الْحَائِطِ، فَمَكَثَ طَوِیلًا ثُمَّ قَالَ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا تَقُولُ؟.

قَالَ: هُوَ مَا أَقُولُ لَكَ. قَالَ: فَحَوَّلَ وَجْهَهُ .. فَمَكَثَ طَوِیلًا ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ.

قَالَ: قُلْتُ: یَا أَبَتِ! قَدْ أَنْصَفَكَ، مَا عَلَیْكَ لَوْ أَشْهَدْتَ لَهُ رَجُلَیْنِ!.

قَالَ: یَا بُنَیَّ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ لَا یَسْتَغْفِرَ لِی رَجُلَانِ مِنْ بَعْدِی..

بیان: یقال شغب علیه- كمنع و فرح-: هیّج الشّرّ علیه (3).

«11»-الْكَافِیَةُ فِی إِبْطَالِ تَوْبَةِ الْخَاطِئَةِ (4): عَنْ سُلَیْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ أَمْرُهُ جَعَلَ یَدْعُو بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ، وَ كَانَ عُمَرُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَنَا: اكْتُمُوا هَذَا الْأَمْرَ عَلَی أَبِیكُمْ، فَإِنَّهُ یَهْذِی، وَ أَنْتُمْ قَوْمٌ مَعْرُوفُونَ لَكُمْ عِنْدَ

ص: 142


1- لم یطبع، و عبّر عنه ب: المستدرك، و قال فی أوّل البحار 1- 29: و أمّا المستدرك فعندنا منه نسخة قدیمة نظنّ أنّها بخطّ المؤلّف، و اسمه الكامل: المستدرك المختار فی مناقب وصیّ المختار، للشّیخ أبی الحسین یحیی بن الحسن بن علیّ بن محمّد بن بطریق الحلّیّ الأسدیّ المتوفّی سنة 606 ه أو سنة 600، جمع فیه الفضائل و المناقب الّتی لم یذكرها فی العمدة، أخرج فیه قریبا من ستّمائة حدیث من كتب العامّة، و عبّر عنه فی ریاض العلماء ب: المستطرف، توجد منه نسخة خطّیّة فی مكتبة راجه فیض آباد- فی الهند-. و انظر: الذّریعة 21- 5.
2- فی س: علی، بدلا من: إلی.
3- كما جاء فی القاموس 1- 89، و صحاح اللغة 1- 157، و غیرهما.
4- و یقال لها: الكافئة، أو المسألة الكافئة الكافیة للشّیخ السّعید أبی عبد اللّٰه المفید: 46 برقم: 56 تحت عنوان استدراك.

الْوَجَعِ الْهَذَیَانُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقْتَ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ.

«12»-وَ عَنْ (1) هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قِیلَ لِعُمَرَ: أَ لَا تَسْتَخْلِفُ؟. فَقَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ (2) هُوَ خَیْرٌ مِنِّی، أَبُو بَكْرٍ، وَ إِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنِّی أَبُو بَكْرٍ (3)، وَ إِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنِّی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَثْنَوْا عَلَیْهِ، فَقَالَ- رَاغِباً رَاهِباً-: وَدِدْتُ (4) أَنِّی كَفَافاً لَا عَلَیَّ وَ لَا لِی.

«13»-وَ عَنْ (5) شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ رَبِیعَةَ (6)، قَالَ: رَأَیْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ تِبْنَةً (7) مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: لَیْتَنِی كُنْتُ نَسْیاً مَنْسِیًّا، لَیْتَ أُمِّی لَمْ تَلِدْنِی.

«14»-وَ عَنْ (8) سُفْیَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِی أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: آخِرُ كَلِمَةٍ قَالَهَا عُمَرُ حَتَّی قَضَی: وَیْلُ أُمِّی إِنْ لَمْ یَغْفِرْ لِی رَبِّی! وَیْلُ أُمِّی إِنْ لَمْ یَغْفِرْ لِی رَبِّی!.

«15»-وَ عَنْ (9) عَمْرِو (10) بْنِ دِینَارٍ، عَنْ یَحْیَی بْنِ جَعْدَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ

ص: 143


1- نفس المصدر و الصّفحة، برقم: 57.
2- لا توجد: من فی س.
3- من قوله: و إن أترك .. إلی هنا لا یوجد فی المصدر، و هو الظّاهر لتكرره.
4- قد تقرأ فی س: وردت، رددت .. فلاحظ.
5- المسألة الكافیة فی إبطال توبة الخاطئة: 46، برقم: 58.
6- جاء السّند فی ك هكذا: عن شعبة، عن عاصم، عن عبد اللّٰه بن ربیعة، و جاء فی حاشیتها: ابن عبّاس، و لم یعلّم علی محلّها. و الصّحیح- كما فی تهذیب التّهذیب 5- 42 و 237-: عن عاصم ابن عبید اللّٰه، عن عبد اللّٰه بن عامر بن ربیعة.
7- فی ك: نبتة.
8- نفس المصدر السّالف و الصّفحة، برقم: 59.
9- نفس المصدر، الصّفحة: 47، برقم: 60.
10- فی س: عمر، بدلا من: عمرو. و هو غلط.

حِینَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ-: لَوْ أَنَّ لِیَ الدُّنْیَا وَ مَا فِیهَا لَافْتَدَیْتُ بِهَا مِنَ النَّارِ.

«16»-وَ عَنْ (1) شُعْبَةَ، عَنْ سَمَّاكٍ الْیَمَانِیِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَیْتُ عَلَی عُمَرَ فَقَالَ: وَدِدْتُ (2) أَنِّی أَنْجُو مِنْهَا كَفَافاً لَا أَجْرَ وَ لَا وِزْرَ.

«17»-وَ عَنْ (3) حُصَیْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مَیْمُونٍ، قَالَ: جَاءَ شَابٌّ إِلَی عُمَرَ فَقَالَ: أَبْشِرْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِبُشْرَی اللَّهِ لَكَ مِنَ الْقَدَمِ فِی الْإِسْلَامِ وَ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وُلِّیتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٍ. فَقَالَ: یَا ابْنَ أَخِی! وَدِدْتُ (4) أَنَّ ذَلِكَ كَفَافاً لَا عَلَیَّ وَ لَا لِی.

«18»-وَ عَنِ (5) ابْنِ أَبِی إِیَاسٍ، عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ حَنَانٍ (6)، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِی هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِیِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی عُمَرَ- حِینَ طُعِنَ-، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! أَسْلَمْتَ حِینَ كَفَرَ النَّاسُ، وَ قُبِضَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ عَنْكَ رَاضٍ، وَ لَمْ یُخْتَلَفْ فِی خِلَافَتِكَ، وَ قُتِلْتَ شَهِیداً.

فَقَالَ عُمَرُ: أَعِدْ عَلَیَّ قَوْلَكَ .. فَأَعَدْتُهُ عَلَیْهِ.

فَقَالَ: إِنَّ الْمَغْرُورَ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَ الَّذِی لَا إِلَهَ غَیْرُهُ لَوْ كَانَ لِی مَا عَلَی الْأَرْضِ مِنْ صَفْرَاءَ وَ بَیْضَاءَ لَافْتَدَیْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ (7).

ص: 144


1- كما فی الكافئة: 47، برقم: 61.
2- جاء فی س: وردت، و لا معنی لها.
3- المسألة الكافیة فی إبطال توبة الخاطئة: 47، برقم: 62.
4- جاء فی س: وردت، و لا معنی لها.
5- كما فی استدراكات الكافئة فی إبطال توبة الخاطئة: 47، برقم: 63.
6- جاء فی ك نسخة بدل: حنین.
7- قال فی مجمع البحرین 4- 368: .. و فی الدّعاء: أعوذ بك من هول المطّلع- بتشدید الطّاء المهملة و البناء للمفعول-: أمر الآخرة و موقف القیامة الّذی یحصل الاطّلاع علیه بعد الموت.

[20] باب كفر الثلاثة و نفاقهم و فضائح أعمالهم و قبائح آثارهم و فضل التبری منهم و لعنهم

«1»-یر (1): أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ، عَنِ الثُّمَالِیِّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ:

أَسْأَلُكَ (2) عَنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ؟. قَالَ: فَعَلَیْهِمَا لَعْنَةُ اللَّهِ بِلَعَنَاتِهِ كُلِّهَا، مَاتَا- وَ اللَّهِ كَافِرَیْنِ مُشْرِكَیْنِ (3) بِاللَّهِ الْعَظِیمِ..

«2»-فس (4): أَبِی، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِیرٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ صَفِیَّةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَاتَ ابْنٌ لَهَا فَأَقْبَلَتْ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ (5): غَطِّی

ص: 145


1- بصائر الدّرجات: 289- 290 حدیث 2 باب 3، تحت عنوان: إنّ الأئمّة علیهم السّلام یحیون الموتی و یبرءون الأكمه و الأبرص بإذن اللّٰه. بتفصیل فی السّند.
2- زیادة جاءت فی المصدر، و هی: قلت له: أسألك- جعلت فداك- عن ثلاث خصال انف عنّی فیه التّقیّة، قال: فقال: ذلك لك. قلت: أسألك ..
3- فی البصائر: و اللّٰه هما كافران مشركان.
4- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 1- 188 باختلاف یسیر أشرنا له.
5- فی المصدر: فقال لها الثّانی ..، بدلا من: عمر.

قُرْطَكِ، فَإِنَّ قَرَابَتَكِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَا تَنْفَعُكِ شَیْئاً، فَقَالَتْ لَهُ: هَلْ رَأَیْتَ لِی قُرْطاً یَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ؟!. ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَبَكَتْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَنَادَی الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ.

فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ یَزْعُمُونَ أَنَّ قَرَابَتِی لَا تَنْفَعُ؟! لَوْ قَدْ (1) قُمْتُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَشَفَعْتُ فِی عُلُوجِكُمْ (2)، لَا یَسْأَلُنِی الْیَوْمَ أَحَدٌ مِنْ أَبَوَاهُ .. إِلَّا أَخْبَرْتُهُ، فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ أَبِی یَا رَسُولَ اللَّهِ (3)؟. فَقَالَ: أَبُوكَ غَیْرُ الَّذِی تُدْعَی لَهُ، أَبُوكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِی یَا رَسُولَ اللَّهِ؟. قَالَ (4): أَبُوكَ الَّذِی تُدْعَی لَهُ.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَا بَالُ الَّذِی یَزْعُمُ أَنَّ قَرَابَتِی لَا تَنْفَعُ، لَا یَسْأَلُنِی عَنْ أَبِیهِ؟!. فَقَامَ إِلَیْهِ عُمَرُ فَقَالَ (5): أَعُوذُ بِاللَّهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ (6) مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَ غَضَبِ رَسُولِهِ، اعْفُ عَنِّی عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (7) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْیاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ...- إِلَی قَوْلِهِ- ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِینَ (8).

ص: 146


1- لا توجد: قد، فی س، و فی المصدر: قربت، بدلا من: قمت.
2- فی ك نسخة بدل مشوشة، لعلّها حاء و كم. أقول: و یأتی فی بیان المصنّف- رحمه اللّٰه نفی البعد عن كونها: حاء و حكم. و فی التّفسیر: فی أحوجكم.
3- لا یوجد فی المصدر: یا رسول اللّٰه.
4- فی التّفسیر: فقال.
5- فی المصدر: فقام إلیه الثّانی و قال له.
6- یا رسول اللّٰه، لم تجئ فی المصدر.
7- فی المصدر زیادة: تعالی.
8- المائدة: 101- 102.

بیان: قوله: غَطِّی قُرْطَكِ .. فی بعض النسخ، قطّی- بالقاف- .. أی اقطعی (1) و بالغین أظهر، و القرط- بالضّم- الّذی یعلّق فی شحمة الأذن (2).

و فی النهایة: فیه (3): یا ابن اللخناء! .. هی الّتی لم تختن، و قیل: اللّخن:

النّتن من لخن السّقاء یلخن (4)

و لعلّ المراد بالعلوج عبیدهم الذین أسلموا من كفّار العجم، و فیه بعض التصحیفات لا یعرف لها معنی، و لا یبعد أن یكون فی حاء و حكم.

قال فی النهایة (5): فیه شفاعتی لأهل الكبائر من أمّتی حتّی حكم و حاء ..

هما قبیلتان جافیتان من وراء رمل (6) یبرین.

و قال فی موضع آخر (7): هما حیّان من الیمن من وراء الرمل (8) یبرین ..

قال أبو موسی: یجوز أن یكون حا من الحوّة، و قد حذفت لامه، و یجوز أن یكون من حوی یحوی، و یجوز أن یكون مقصورا غیر ممدود.

و قال الجوهری (9): یَبْرِینُ اسم موضع .. یقال: رَمْلُ یَبْرِینَ (10).

ص: 147


1- كما جاء فی مجمع البحرین 4- 270، و الصحاح 3- 1153، و تاج العروس 5- 207.
2- صرّح به فی الصحاح 3- 1151، و تاج العروس 5- 202، و لسان العرب 7- 374، و غیرها.
3- أی فی حدیث ابن عمر.
4- النهایة 4- 244. و قال فی تاج العروس 9- 332 بعد كلام: و قولهم یا ابن اللخناء! قیل معناه: یا دنیّ الأصل و یا لئیم الأمّ، أشار إلیه الراغب.
5- النهایة 1- 421.
6- فی س: رحل.
7- نهایة ابن الأثیر 1- 466.
8- فی س: رحل.
9- الصحاح 5- 2078 باختلاف فی اللفظ، و لا یوجد فی س من: قال الجوهریّ .. إلی: یبرین.
10- إلی هنا كلام ابن الأثیر فی النهایة.

«3»-فس (1): اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (2). قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ- وَ كَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُؤْمِناً فَجَاءَ إِلَی النَّبِیِّ (3) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ أَبُوهُ یَجُودُ بِنَفْسِهِ- فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَأْتِ أَبِی (4)كَانَ ذَلِكَ عَاراً عَلَیْنَا، فَدَخَلَ عَلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ الْمُنَافِقُونَ عِنْدَهُ- فَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتَغْفِرْ لَهُ (5)، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ (6): أَ لَمْ یَنْهَكَ اللَّهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَیْهِمْ أَوْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؟! فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَعَادَ (7) عَلَیْهِ.

فَقَالَ لَهُ: وَیْلَكَ! إِنِّی خُیِّرْتُ (8)فَاخْتَرْتُ، إِنَّ اللَّهَ یَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (9) فَلَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ ابْنُهُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ: بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ رَأَیْتَ أَنْ تَحْضُرَ (10)جَنَازَتَهُ، فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَامَ عَلَی قَبْرِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ (11): یَا رَسُولَ اللَّهِ! أَ لَمْ یَنْهَكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّیَ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً؟!

ص: 148


1- تفسیر القمّیّ علیّ بن إبراهیم 1- 302.
2- التّوبة: 80.
3- فی المصدر: إلی رسول اللّٰه ..
4- نسخة فی س: لم تأت أبی عائدا ..
5- استغفر اللّٰه له، نسخة فی س.
6- فی التّفسیر: الثّانی، بدلا من: عمر، و لعلّه بدّلت الكلمة خوفا.
7- فی المصدر: فأعاد .. و هو الظّاهر.
8- فی ك: خرت، و فی حاشیتها نسخة بدل: خبّرت فأخبرت، و وضع تحتها: نهج.
9- التّوبة: 80.
10- جاءت نسخة فی حاشیة ك: أی فی أن تحضر ..
11- فی المصدر: الثّانی، بدلا من: عمر.

وَ أَنْ تَقُومَ عَلَی قَبْرِهِ؟.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: وَیْلَكَ! وَ هَلْ تَدْرِی مَا قُلْتُ! إِنَّمَا قُلْتُ: اللَّهُمَّ احْشُ قَبْرَهُ نَاراً، وَ جَوْفَهُ نَاراً، وَ أَصْلِهِ النَّارَ، فَبَدَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا لَمْ یَكُنْ یُحِبُّ.

«4»-فس (1): قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ: لِیَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِینَ یُضِلُّونَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍ (2) قَالَ: - یَعْنِی (3) یَحْمِلُونَ آثَامَهُمْ یَعْنِی الَّذِینَ غَصَبُوا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ آثَامَ كُلِّ مَنِ اقْتَدَی بِهِمْ، وَ هُوَ قَوْلُ الصَّادِقِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ: وَ اللَّهِ مَا أُهْرِیقَتْ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ، وَ لَا قُرِعَتْ عَصًا بِعَصاً، وَ لَا غُصِبَ فَرْجٌ حَرَامٌ، وَ لَا أُخِذَ مَالٌ مِنْ غَیْرِ حِلِّهِ، إِلَّا وَ وِزْرُ ذَلِكَ فِی أَعْنَاقِهِمَا (4) مِنْ غَیْرِ أَنْ یَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِ الْعَالَمِینَ شَیْ ءٌ (5)..

«5»-فس(6): وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ. قَالَ: الْأَوَّلُ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلًا (7) (8). قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: یَا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ عَلِیّاً (9): یا وَیْلَتی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلًا (10) یَعْنِی الثَّانِیَ: لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی یَعْنِی الْوَلَایَةَ

ص: 149


1- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 1- 383.
2- النّحل: 25.
3- خطّ علی كلمة: قال فی ك و لا توجد كلمة: یعنی، فی المصدر.
4- نسخة فی ك: أعناقهم.
5- فی المصدر: العاملین بشی ء، و هو الظّاهر.
6- تفسیر القمّیّ 2- 113.
7- وضع رمز نسخة بدل علی: یقول، فی ك.
8- الفرقان: 27.
9- فی المصدر: علیّا ولیّا.
10- الفرقان: 28.

وَ كانَ الشَّیْطانُ وَ هُوَ الثَّانِی (1) لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (2).

«6»-فس (3) الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُعَلَّی، عَنْ بِسْطَامَ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْهَیْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ (4)، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ الْعَبْدِیِّ، عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: أَنِ اشْكُرْ لِی وَ لِوالِدَیْكَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ (5)، فَقَالَ: الْوَالِدَانِ اللَّذَانِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا الشُّكْرَ هُمَا اللَّذَانِ وَلَدَا الْعِلْمَ، وَ وَرَّثَا الْحُكْمَ، وَ أمرا [أَمَرَ] النَّاسَ بِطَاعَتِهِمَا.

ثُمَّ قَالَ: «إِلَیَّ الْمَصِیرُ»، فَمَصِیرُ الْعِبَادِ إِلَی اللَّهِ، وَ الدَّلِیلُ عَلَی ذَلِكَ الْوَالِدَانِ، ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ (6) عَلَی ابْنِ حَنْتَمَةَ (7) وَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ فِی الْخَاصِّ: وَ إِنْ جاهَداكَ عَلی أَنْ تُشْرِكَ بِی. (8) یَقُولُ فِی الْوَصِیَّةِ وَ تَعْدِلَ عَمَّنْ أَمَرْتُ بِطَاعَتِهِ فَلا تُطِعْهُما وَ لَا تَسْمَعْ قَوْلَهُمَا، ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَی الْوَالِدَیْنِ وَ قَالَ (9): وَ صاحِبْهُما فِی الدُّنْیا مَعْرُوفاً (10) یَقُولُ: عَرِّفِ النَّاسَ فَضْلَهُمَا وَ ادْعُ إِلَی سَبِیلِهِمَا، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَ اتَّبِعْ سَبِیلَ مَنْ أَنابَ إِلَیَّ ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُكُمْ (11) فَقَالَ: إِلَی اللَّهِ ثُمَّ إِلَیْنَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَعْصُوا الْوَالِدَیْنِ، فَإِنَّ رِضَاهُمَا رِضَا اللَّهِ، وَ سَخَطَهُمَا سَخَطُ اللَّهِ..

ص: 150


1- فی ك زیادة كان، بعد لفظ الثّانی.
2- الفرقان: 29.
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 148- 149، فی تفسیر سورة العنكبوت.
4- فی المصدر: راقد.
5- لقمان: 14.
6- فی تفسیر القمّیّ زیادة لفظ: اللّٰه، قبل كلمة: القول.
7- فی المصدر: ابن فلانة، و لعلّه من فعل مخرج الكتاب.
8- لقمان: 15.
9- فی المصدر: فقال، و هی نسخة فی ك.
10- لقمان: 15.
11- لقمان: 15.

بیان: قوله علیه السلام: و الدلیل علی ذلك الوالدان .. إذ الظاهر ذكوریتهما، لكون التغلیب مجازا، و الحقیقة أولی مع الإمكان. و یحتمل أن یكون الغرض عدم بعد التأویل، فإنّ التجوّز فی الوالدیّة یعارضه عدم التجوّز فی الذكوریّة، و یحتمل أن یكون (ذلك) راجعا إلی كون مصیر العباد إلی اللّٰه أو كیفیّته، لكنّه بعید (1).

و ابن حنتمة: عمر، لأنّ أمّه حنتمة بنت ذی الرّمحین، كما ذكر فی القاموس (2)

قوله علیه السلام: فقال فی الخاصّ .. أی الخطاب مخصوص بالنبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و أمّا خطاب (صاحبهما) فإن كان إلیه صلّی اللّٰه علیه و آله ففی المصاحبة توسع، و إن كان إلی غیره كخطاب (اشكر) فلا توسع.

و فی الكافی: فقال فی الخاصّ و العام (3) .. أی مخاطبا للرسول و سائر الناس، أو بحسب ظهر الآیة الخطاب عام و بحسب بطنها خاص، أو المعنی أنّ بحسب بطنهما أیضا الخطاب إلی الرسول (4) صلّی اللّٰه علیه و آله بمعنی عدم الاشتراك فی الوصیّة، و إلی الناس بمعنی عدم العدول عمّن أمروا بطاعته، فیكون ما ذكره بعد علی اللفّ و النشر المرتّب.

و أمّا تطبیق المعنی علی سابق الآیة و هو قوله تعالی: وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ

ص: 151


1- ما احتمله رحمه اللّٰه أخیرا هو الظاهر من الكلام .. أی أنّ الدلیل علی مصیر العباد إلی اللّٰه الوالدان فإنّهما یدلّان الناس إلی ذلك.
2- القاموس 4- 103، و مثله فی لسان العرب 13- 162، و تاج العروس 8- 265، و قال فی مجمع البحرین 6- 53: و هی- أی حنتمة- من المشهورات المستعلنات بالزنا، هی و سارة و الرباب ممّن كنّ یغنّین بهجاء رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و قد جاء فی الحدیث: ابن حنتم و صاحبه .. یعنی بهما أبا بكر و عمر. أقول: الظاهر ابن حنتمة- بالتاء المطوّقة فی آخره-.
3- الكافی 1- 428 باب 108 حدیث 79 كتاب الحجّة.
4- فی س: الخطاب للرسول.

بِوالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلی وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِی عامَیْنِ (1) فیحتمل وجوها:

الأول: أن یكون (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ) معترضة لبیان أشدیّة حقّ الوالدین فی العلم علی حقّ الوالدین فی النسب.

الثانی: أن یكون المراد بالوالدین أو للمعنی الحقیقی (2)و بهما ثانیا المعنی المجازی بتقدیر عطف أو فعل ثانیا.

الثالث: أن یكون ظهر الآیة للوالدین حقیقة و بطنها للوالدین مجازا بتوسّط أنّ العلّة للحیاة الحقیقیّة أولی بالرعایة من العلّة للحیاة الظاهریّة، و اللّٰه یعلم.

«7»-فس (3): قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ: یَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِی النَّارِ (4) فَإِنَّهَا كِنَایَةٌ عَنِ الَّذِینَ غَصَبُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ: یَقُولُونَ یا لَیْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولَا (5)عْنِی فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِیلَا. (6)وَ هُمَا رَجُلَانِ، وَ السَّادَةُ وَ الْكُبَرَاءُ هُمَا أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِظُلْمِهِمْ وَ غَصْبِهِمْ. قَوْلُهُ: فَأَضَلُّونَا السَّبِیلَا. أَیْ طَرِیقَ الْجَنَّةِ، وَ السَّبِیلُ: أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ یَقُولُونَ: رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَیْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِیراً (7)

أقول:

قد مرّ (8) فی باب أنّ الإمامة (9) المعروضة هی الولایة

بأسانید جمّة أنّ الإنسان

ص: 152


1- لقمان: 14.
2- كذا، و الصحیح أن یقال: أولا المعنی الحقیقی، كما لعلّه یظهر من ك.
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 197.
4- الأحزاب: 66.
5- الأحزاب: 66.
6- الأحزاب: 67.
7- الأحزاب: 68.
8- بحار الأنوار 23- 273- 383، الباب السادس عشر، و فیه ثلاثون حدیثا.
9- كذا فی المطبوع، و الصحیح أنّ الأمانة هی المعروضة علی الجبال، و إن فسّرت بالإمامة فی بعض الروایات.

فی قوله تعالی: وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (1) هو أبو بكر

«8»- فس (2): أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِیسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ عَمَّارٍ یَرْفَعُهُ فِی قَوْلِهِ: أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ (3) قَالَ: نَزَلَتْ فِی زُرَیْقٍ (4) وَ حَبْتَرٍ.

بیان: زُرَیْقٌ (5)و حَبْتَرٌ: كنایتان، و العرب تتشاءم بزرقة العین، و الحبتر: الثّعلب (6)، و الثانی بالأول أنسب.

«9»-فس (7): وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ یَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْیَمِینِ (8) یَعْنِی فُلَاناً وَ فُلَاناً، قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِینَ (9).

«10»-فس (10): وَ إِنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآبٍ (11) وَ هُمُ الْأَوَّلَانِ (12) وَ بَنُو أُمَیَّةَ ..

ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ كَانَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِمَّنْ غَصَبَ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَقَّهُمْ، فَقَالَ:

ص: 153


1- الأحزاب: 72.
2- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 207.
3- فاطر: 8.
4- فی س: رزیق- بتقدیم الرّاء المهملة علی الزّاء المعجمة- و هو غلط.
5- فی س: رزیق- بتقدیم الراء المهملة علی الزاء المعجمة- و هو غلط.
6- نصّ علیه فی القاموس 2- 3، و تاج العروس 3- 121، و قال فی لسان العرب 4- 162: الحبتر: من أسماء الثعالب.
7- تفسیر القمّیّ 2- 222.
8- الصّافّات: 27- 28.
9- الصّافّات: 29.
10- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 242- 243.
11- سورة ص: 55.
12- فی المصدر: و هم زریق و حبتر و ...

وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ (1) (2) وَ هُمْ بَنُو السِّبَاعِ فَیَقُولُونَ (3) بَنُو أُمَیَّةَ: لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (4)فَیَقُولُونَ بَنُو فُلَانٍ: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا (5) وَ بَدَأْتُمْ بِظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ فَبِئْسَ الْقَرارُ (6) ثُمَّ یَقُولُ بَنُو أُمَیَّةَ: رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِی النَّارِ (7) یَعْنُونَ الْأَوَّلَیْنِ، ثُمَّ یَقُولُ أَعْدَاءُ آلِ مُحَمَّدٍ فِی النَّارِ: ما لَنا لا نَری رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (8) فِی الدُّنْیَا، وَ هُمْ شِیعَةُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِیًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (9) ثُمَّ قَالَ: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (10) فِیمَا بَیْنَهُمْ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ اللَّهِ إِنَّكُمْ لَفِی الْجَنَّةِ تُحْبَرُونَ، وَ فِی النَّارِ تُطْلَبُونَ.

بیان: بَنُو السِّبَاعِ .. كنایة عن بنی العبّاس.

و قال الطبرسی (11) رحمه اللّٰه: وَ آخَرُ أی و ضرب (12) آخر .. من شكل هذا العذاب و جنسه. أَزْواجٌ. أی ألوان و أنواع متشابهة فی الشدّة .. هذا فَوْجٌ. هاهنا حذف، أی یقال: هذا فوج، و هم قادة الضلال(13)إذا دخلوا

ص: 154


1- سورة ص: 58.
2- سورة ص: 59.
3- فی المصدر: و یقولون.
4- سورة ص: 59.
5- سورة ص: 60.
6- سورة ص: 60.
7- سورة ص: 61.
8- سورة ص: 62.
9- سورة ص: 63.
10- سورة ص: 64.
11- فی مجمع البیان 8- 483.
12- فی المصدر: و ضروب.
13- فی المجمع: الضلالة.

النار، ثم یدخل الأتباع فتقول (1) الخزنة للقادة: هَذَا فَوْجٌ .. أی قطعة (2) من الناس، و هم الأتباع. مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ فی النار دخلوها كما دخلتم.

لا مَرْحَباً بِهِمْ .. قال البیضاوی (3): دعاء من المتبوعین علی أتباعهم، أو صفة لفوج، أو حال .. أی مقولا فیهم لا مرحبا .. أی ما أتوا رحبا و سعة.

أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ ... أی مالت، فلا تراهم (4).

و الحَبْرَةُ- بالفتح-: النعمة و سعة العیش (5).

«11»-فس (6): قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِیلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (7) نَزَلَتْ فِی أَبِی فُلَانٍ.

«12»-فس (8): إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ (9) نَزَلَتْ فِی فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.

«13»-فس (10): وَ قالَ الَّذِینَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَیْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ (11) قَالَ الْعَالِمُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مِنَ الْجِنِّ، إِبْلِیسُ الَّذِی أَشَارَ (12) عَلَی قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی دَارِ النَّدْوَةِ، وَ أَضَلَّ النَّاسَ بِالْمَعَاصِی، وَ جَاءَ بَعْدَ

ص: 155


1- فی المجمع: فیقول.
2- فی المصدر: قطع.
3- تفسیر البیضاوی 1- 315.
4- فی س: نراهم.
5- كما صرّح به فی مجمع البحرین 3- 256، و لسان العرب 4- 158، و تاج العروس 3- 118.
6- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 246.
7- الزّمر: 8.
8- تفسیر القمّیّ 2- 250.
9- الزّمر: 45، و فی المصدر: إلی قوله: إذا هم یستبشرون، فإنّها نزلت فی فلان و فلان.
10- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 265.
11- فصّلت: 29.
12- فی المصدر: دبّر، بدل: أشار علی ..

وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی أَبِی بَكْرٍ (1) فَبَایَعَهُ، وَ مِنَ الْإِنْسِ، فُلَانٌ (2) نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِیَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِینَ (3).

بیان: لا یبعد أن یكون المعنی أنّ مصداق الآیة فی تلك المادة إبلیس و فلان، لأنّ قوله تعالی: الَّذِینَ كَفَرُوا ... (4) شامل للمخالفین، و الآیة تدلّ علی أنّ كلّ صنف من الكفّار لهم مضلّ من الجنّ و مضلّ من الإنس، و المضلّ من الجنّ مشترك، و المضلّ من الإنس فی المخالفین هو (5) الثانی، لأنّه كان أقوی و أدخل فی ذلك من غیره، و هذا الكلام یجری فی أكثر أخبار هذا الباب و غیره، و معه لا نحتاج إلی تخصیص الآیات و صرفها عن ظواهرها، و اللّٰه یعلم.

«14»-فس (6): جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِیمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِیمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ، عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآیَتَانِ هَكَذَا، قَوْلُ اللَّهِ: حَتَّی إِذا جاءَانا (7)

یَعْنِی فُلَاناً وَ فُلَاناً- یَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِینَ یَرَاهُ: یا لَیْتَ بَیْنِی وَ بَیْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَیْنِ فَبِئْسَ الْقَرِینُ (8) فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِیِّهِ: قُلْ لِفُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ أَتْبَاعِهِمَا: لَنْ یَنْفَعَكُمُ الْیَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ أَنَّكُمْ فِی الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ (9) لِنَبِیِّهِ:

أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِی الْعُمْیَ وَ مَنْ كانَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ

ص: 156


1- فی التّفسیر: إلی فلان. و لعلّه من فعل المخرج للكتاب.
2- وضع علی: فلان، رمز نسخة بدل فی س، و فیها نسخة أخری: دلام، بدلا من: فلان.
3- فصّلت: 29.
4- فصّلت: 29.
5- فی ك: و هو.
6- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 286. و انظر: تفسیر البرهان 4- 142- 146.
7- الزّخرف: 38.
8- الزّخرف: 38.
9- وضع علی لفظ الجلالة فی س رمز نسخة بدل.

فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (1) یَعْنِی مِنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ (2)، ثُمَّ أَوْحَی اللَّهُ إِلَی نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِی أُوحِیَ إِلَیْكَ فِی عَلِیٍّ إِنَّكَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (3) یَعْنِی إِنَّكَ عَلَی وَلَایَةِ عَلِیٍّ، وَ عَلِیٌّ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِیمُ.

توضیح:

قرأ علیه السلام: جَاءَانَا- علی التثنیة- كما هو قراءة عاصم بروایة أبی بكر و غیره (4)، و فسّرهما [بفلان و فلان] ، و فسّرهما المفسّرون بالشیطان و من أغواه.

و المشرقان: المشرق و المغرب علی التغلیب.

فَبِئْسَ الْقَرِینُ. أی أنت إلیّ الیوم،

و روی ابن عباس أنّهما یكونان مشدودین فی سلسلة واحدة لزیادة العقوبة.

، فیقول اللّٰه تعالی لهم (5): لَنْ یَنْفَعَكُمُ (6) .. أی لا یخفّف الاشتراك عنكم شیئا من العذاب لأنّ لكلّ من الكفّار و الشیاطین الحظّ الأوفر من العذاب (7).

«15»-فس (8): وَ لا یَصُدَّنَّكُمُ الشَّیْطانُ (9) یَعْنِی الثَّانِیَ عَنْ (10) أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ (11).

ص: 157


1- الزّخرف: 40- 41.
2- فی ك زیادة: و أتباعهما- بعد فلان-.
3- الزّخرف: 43.
4- كما فی الكشف عن وجوه القراءات السبع 2- 258، و حجة القراءات: 650، و كتاب السبعة فی القراءات: 586.
5- لا توجد: لهم، فی س.
6- الزخرف: 39.
7- صرّح بما ذكره رحمه اللّٰه فی مجمع البیان 9- 48، و جاء بعضه فی تفسیر ابن عبّاس: 413.
8- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 287.
9- الزّخرف: 62.
10- فی المصدر: یعنی فلانا لا یصدّنّك عن ..
11- الزّخرف: 62.

«16»-فس (1): الَّذِینَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (2) نَزَلَتْ فِی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (3) الَّذِینَ ارْتَدُّوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ غَصَبُوا أَهْلَ بَیْتِهِ حَقَّهُمْ وَ صَدُّوا عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَلَایَةَ (4) الْأَئِمَّةِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (5) .. أَیْ أَبْطَلَ (6)مَا كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنَ الْجِهَادِ وَ النُّصْرَةِ.

«17»-فس (7): وَ قالَ قَرِینُهُ أَیْ شَیْطَانُهُ وَ هُوَ الثَّانِی (8) هذا ما لَدَیَّ عَتِیدٌ (9).

«18»-فس (10): مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ (11): قَالَ: الْمَنَّاعُ: الثَّانِی، وَ الْخَیْرُ: وَلَایَةُ (12) أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ حُقُوقُ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، وَ لَمَّا كَتَبَ الْأَوَّلُ كِتَابَ فَدَكَ یَرُدُّهَا عَلَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ مَنَعَهُ (13) الثَّانِی، فَهُوَ مُعْتَدٍ مُرِیبٍ (14) الَّذِی جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ (15) قَالَ: هُوَ مَا قَالُوا نَحْنُ كَافِرُونَ بِمَنْ جَعَلَ لَكُمُ الْإِمَامَةَ وَ الْخُمُسَ.

ص: 158


1- تفسیر القمّیّ 2- 300.
2- سورة محمّد ص: 1.
3- لا یوجد فی المصدر: أصحاب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.
4- فی تفسیر القمّیّ: عن ولایة ..
5- سورة محمّد ص: 1.
6- فی س: بطل.
7- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 324.
8- فی المصدر: و هو حبتر.
9- سورة ق: 23.
10- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 326.
11- سورة ق: 25.
12- فی ك: هو ولایة: و هی نسخة فی س.
13- فی المصدر: شقّه، بدلا من: منعه.
14- سورة ق: 25.
15- سورة ق: 26.

قَوْلُهُ (1): قالَ قَرِینُهُ (2) .. أَیْ شَیْطَانُهُ وَ هُوَ الثَّانِی (3): رَبَّنا ما أَطْغَیْتُهُ (4) یَعْنِی الْأَوَّلَ (5) وَ لكِنْ كانَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ (6) (7) فَیَقُولُ اللَّهُ لَهُمَا:

لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْكُمْ بِالْوَعِیدِ ما یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَیَّ (8).. أَیْ مَا فَعَلْتُمْ لَا تُبَدَّلُ (9) حَسَنَاتٍ، مَا وَعَدْتُهُ لَا أُخْلِفُهُ.

بیان: ما وعدته .. استئناف، و المعنی لا تبدّل سیّئاتكم حسنات كما تبدّل للذین یستحقّون ذلك من الشیعة، بل توفون جزاء سیّئاتكم، و الوعد (10) بمعنی الإیعاد.

و قال الطبرسی رحمه اللّٰه (11): المعنی أنّ الذی قدّمته لكم فی دار الدنیا من أنّی أعاقب من جحدنی و كذّب رسلی و خالف أمری (12) لا یبدّل بغیره، و لا یكون خلافه.

«19»-فس (13): قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی (14): أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ

ص: 159


1- فی التّفسیر: و أمّا قوله.
2- سورة ق: 23.
3- فی المصدر: و هو حبتر.
4- سورة ق: 27.
5- فی تفسیر القمّیّ: یعنی زریقا.
6- وضع فی ك علی: كان، رمز نسخة بدل، و علیه فلا تكون هذه الجملة بآیة.
7- سورة ق: 27.
8- سورة ق: 28- 29.
9- فی المصدر: لا یبدّل.
10- كذا، و الظاهر: الوعید.
11- مجمع البیان 9- 147.
12- فی المصدر: و خالفنی فی أمری.
13- تفسیر القمّیّ 2- 357- 358.
14- لا توجد كلمة: تعالی فی المصدر.

تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ (1) قَالَ: نَزَلَتْ فِی الثَّانِی، لِأَنَّهُ (2) مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْیَهُودِ یَكْتُبُ خَبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لا مِنْهُمْ (3) فَجَاءَ الثَّانِی (4) إِلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (5) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: رَأَیْتُكَ تَكْتُبُ عَنِ الْیَهُودِ، وَ قَدْ نَهَی اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ؟. فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! كَتَبْتُ عَنْهُ مَا فِی التَّوْرَاةِ مِنْ صِفَتِكَ، وَ أَقْبَلَ یَقْرَأُ ذَلِكَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ غَضْبَانُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ:

وَیْلَكَ! أَمَا تَرَی غَضَبَ النَّبِیِّ عَلَیْكَ. فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَ غَضَبِ رَسُولِهِ، إِنِّی إِنَّمَا كَتَبْتُ ذَلِكَ لِمَا وَجَدْتُ فِیهِ مِنْ خَبَرِكَ!.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا فُلَانُ! لَوْ أَنَّ مُوسَی بْنَ عِمْرَانَ فِیهِمْ قَائِماً ثُمَّ أَتَیْتَهُ رَغْبَةً عَمَّا جِئْتُ بِهِ لَكُنْتَ كَافِراً بِمَا جِئْتُ بِهِ، وَ هُوَ قَوْلُهُ: اتَّخَذُوا أَیْمانَهُمْ جُنَّةً (6) .. أَیْ حِجَاباً بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْكُفَّارِ، وَ أَیْمَانَهُمْ إِقْرَاراً (7) بِاللِّسَانِ فَزَعاً (8) مِنَ السَّیْفِ وَ دَفْعِ (9) الْجِزْیَةِ.

بیان: لعلّه علیه السلام قرأ إِیمَانَهُمْ- بالكسر-.

ص: 160


1- المجادلة: 14.
2- وضع علی: لأنّه، فی مطبوع البحار رمز نسخة بدل.
3- المجادلة: 14.
4- لا یوجد: الثّانی، فی المصدر.
5- فی المصدر: النّبیّ، بدلا من رسول اللّٰه.
6- المجادلة: 16.
7- فی ك: كان إقرارا.
8- نسخة فی ك: فرقا. و جاء فی المصدر: و خوفا.
9- فی التفسیر: و رفع.

قال الطبرسی (1): و فی الشواذّ (2) قراءة الحسن: اتَّخَذُوا إِیمَانَهُمْ- بكسر الهمزة قال: حذف المضاف .. أی اتّخذوا إظهار إیمانهم جنّة.

«20»-فس (3): مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْخَزَّازِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِی الْعَبَّاسِ الْمَكِّیِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: إِنَّ عُمَرَ لَقِیَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِی تَقْرَأُ هَذِهِ الْآیَةَ: بِأَیِّكُمُ الْمَفْتُونُ (4) تُعَرِّضُ بِی وَ بِصَاحِبِی، قَالَ: أَ فَلَا أُخْبِرُكَ بِآیَةٍ نَزَلَتْ فِی بَنِی أُمَیَّةَ فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (5) فَقَالَ عُمَرُ (6) بَنُو أُمَیَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ مِنْكَ!، وَ لَكِنَّكَ أَبَیْتَ إِلَّا عَدَاوَةً (7) لِبَنِی أُمَیَّةَ وَ بَنِی عَدِیٍّ وَ بَنِی تَیْمٍ!..

«21»-كا (8): الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُعَلَّی، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبَانٍ .. مِثْلَهُ.

بیان:

بِأَیِّكُمُ الْمَفْتُونُ (9) قال الطبرسی رحمه اللّٰه (10): .. أی أیّكم الذی فتن بالجنون، أ أنت أم هم؟ و قیل: بأیّكم الفتنة و هو الجنون، یرید أنّهم یعلمون عند العذاب أنّ الجنون كان بهم حین كذّبوك و تركوا دینك لا بك. و قیل: معناه، فی

ص: 161


1- فی مجمع البیان 9- 254.
2- فی س: الشوار، و لا معنی لها هنا.
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 308.
4- القلم: 6.
5- سورة محمّد ص: 22.
6- فی الكافی و فی نسخة جاءت فی ك: فقال كذبت.
7- فی تفسیر القمّیّ: و لكنّك أثبتّ العداوة ... و أبیت .. و هی كذلك فی الرّوضة من الكافی.
8- الكافی 8- 103 باب 25، حدیث 76، و جاء بسند آخر فی صفحة 239 باب 43، حدیث 325.
9- القلم: 6.
10- مجمع البیان 10- 333.

أیّ الفریقین المجنون الذی فتنه الشیطان.

و قال رحمه اللّٰه (1): إِنْ تَوَلَّیْتُمْ. أی الأحكام و جعلتم (2) ولاة أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ بأخذ الرشا و سفك الدم الحرام فیقتل بعضكم بعضا، و یقطع بعضكم رحم بعض، كما قتلت قریش بنی هاشم و قتل بعضهم بعضا. و قیل: إِنْ تَوَلَّیْتُمْ معناه إن أعرضتم عن كتاب اللّٰه و العمل بما فیه أن تعودوا إلی ما كنتم علیه فی الجاهلیّة فتفسدوا بقتل بعضكم بعضا.

«22»-فس (3): مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَیْدٍ الْكِنْدِیِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْفَارِسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ (4) عَنِ الْإِیمَانِ بِتَرْكِهِمْ وَلَایَةَ (5) أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

الشَّیْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ (6) یَعْنِی الثَّانِیَ. وَ قَوْلُهُ (7): ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِینَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ (8) هُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَی خَلْقِهِ مِنْ وَلَایَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

سَنُطِیعُكُمْ فِی بَعْضِ الْأَمْرِ (9) قَالَ: دَعُوا بَنِی أُمَیَّةَ إِلَی مِیثَاقِهِمْ أَنْ لَا یُصَیِّرُوا لَنَا الْأَمْرَ بَعْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لَا یُعْطُونَا مِنَ الْخُمُسِ شَیْئاً، وَ قَالُوا: إِنْ أَعْطَیْنَاهُمُ الْخُمُسَ اسْتَغْنَوْا بِهِ، فَقَالُوا (10): سَنُطِیعُكُمْ فِی بَعْضِ الْأَمْرِ (11) لَا

ص: 162


1- مجمع البیان 9- 104.
2- فی المصدر: إن تولّیتم الأحكام و ولّیتم أی جعلتم ..
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2- 308- 309.
4- سورة محمّد ص: 25.
5- فی المصدر زیادة: علیّ علیه السّلام.
6- سورة محمّد ص: 25.
7- جاء فی تفسیر القمّیّ: «الشَّیْطانُ» یعنی فلانا «سَوَّلَ لَهُمْ» یعنی بنی فلان و بنی فلان و بنی أمیّة، قوله ..
8- سورة محمّد ص: 26.
9- سورة محمّد ص: 26.
10- فی المصدر: فقال.
11- سورة محمّد ص: 26.

تُعْطُوهُمْ (1) مِنَ الْخُمُسِ شَیْئاً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی نَبِیِّهِ: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلی وَ رُسُلُنا لَدَیْهِمْ یَكْتُبُونَ (2).

وَ قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَی (3) نَزَلَتْ فِی الَّذِینَ نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ الشَّیْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ (4) .. أَیْ هَیَّنَ لَهُمْ، وَ هُوَ فُلَانٌ، وَ أَمْلی لَهُمْ (5) .. أَیْ بَسَطَ لَهُمْ أَنْ لَا یَكُونَ مِمَّا قَالَ مُحَمَّدٌ شَیْئاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِینَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ (6) یَعْنِی (7) فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: سَنُطِیعُكُمْ فِی بَعْضِ الْأَمْرِ (8) یَعْنِی فِی الْخُمُسِ أَنْ لَا یَرُدُّوهُ فِی بَنِی هَاشِمٍ: وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (9) قَالَ اللَّهُ:

فَكَیْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ (10) بِنَكْثِهِمْ وَ بَغْیِهِمْ وَ إِمْسَاكِهِمُ الْأَمْرَ بَعْدَ (11) أَنْ أُبْرِمَ عَلَیْهِمْ إِبْرَاماً، یَقُولُ: إِذَا مَاتُوا سَاقَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَی النَّارِ فَیَضْرِبُونَهُمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ مِنْ قُدَّامِهِمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ (12) یَعْنِی مُوَالاةَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ (13) ظَالِمِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (14) یَعْنِی الَّذِی عَمِلُوهَا مِنَ الْخَیْرِ (15): إِنَّ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ

ص: 163


1- فی المصدر و فی نسخة فی ك: أی لا تعطوهم.
2- الزخرف: 79- 80.
3- سورة محمّد ص: 25.
4- سورة محمّد ص: 25.
5- سورة محمّد ص: 25.
6- سورة محمّد ص: 26.
7- لا توجد: یعنی، فی المصدر.
8- سورة محمّد ص: 26.
9- سورة محمّد ص: 26.
10- سورة محمّد ص: 27.
11- فی التفسیر: من بعد.
12- سورة محمّد ص: 28.
13- لا توجد الواو فی المصدر.
14- سورة محمّد ص: 28.
15- فی التفسیر: أی التی عملوها من الخیرات.

سَبِیلِ اللَّهِ (1)، قَالَ: عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ (2) .. أَیْ قَطَعُوهُ (3) فِی أَهْلِ بَیْتِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ الْمِیثَاقَ عَلَیْهِمْ لَهُ..

بیان: سَوَّلَ لَهُمْ. أی زیّن لهم (4)، وَ أَمْلی لَهُمْ. أی طوّل لهم (5) أملهم فاغترّوا به.

قالُوا لِلَّذِینَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ (6).

قال الطبرسی قدّس سرّه (7): المرویّ عن أبی جعفر و أبی عبد اللّٰه علیهما السلام أنّهم بنو أمیّة كرهوا ما نزّل اللّٰه فی ولایة علیّ بن أبی طالب علیه السلام.

قوله: یعنی فی الخمس .. لعلّهم أولا لم یوافقوهم إلّا فی واحد من الأمرین، ثم وافقوهم فیهما، فَكَیْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ (8) .. أی عند قبض أرواحهم.

و المشاقّة: المعاندة و المعاداة (9).

ثم اعلم أنّ ظاهر الروایات (10) أنّ الذین كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ غیر بنی أمیّة، و هم الذین دعوا بنی أمیّة، و ظاهر الطبرسی رحمه اللّٰه أنّه فسّر الموصول ببنی أمیّة،

ص: 164


1- سورة محمّد ص: 32.
2- سورة محمّد ص: 32.
3- فی المصدر: قاطعوه.
4- كما فی مجمع البحرین 5- 398، و النهایة 2- 425، و تاج العروس 7- 385.
5- قاله فی مجمع البحرین 1- 397، و فی النهایة 4- 363، و جاء فی لسان العرب 15- 291 مثله.
6- سورة محمّد ص: 26.
7- مجمع البیان 9- 105، و جاءت الروایة مسندة فی أصول الكافی 1- 421 باب 108 حدیث 43، و تلاحظ بقیة روایات الباب.
8- سورة محمّد ص: 27.
9- قال فی لسان العرب 9- 183: المشاقّة و الشقاق: غلبة العداوة و الخلاف. و قال الجوهریّ فی صحاحه 4- 1503: المشاقّة: الخلاف و العداوة.
10- فی س: الروایة.

و لعلّه أخذ من خبر آخر، و یحتمل أن یكون مراده تفسیر فاعل (قالُوا) بهم، و یكون ضمیر (كَرِهُوا) راجعا إلی الموصول، و یكون الغرض تفسیر ما نَزَّلَ اللَّهُ

«23»-فس (1): فَسَتُبْصِرُ وَ یُبْصِرُونَ بِأَیِّكُمُ الْمَفْتُونُ (2) بِأَیِّكُمْ تُفْتَنُونَ ..

هَكَذَا نَزَلَتْ فِی بَنِی أُمَیَّةَ بِأَیِّكُمْ بِأَبِی حَفْرٍ وَ زُفَرَ وَ غُفَلَ (3).

وَ قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَقِیَ عُمَرُ (4) أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ:

یَا عَلِیُّ! بَلَغَنِی أَنَّكَ تَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآیَةَ فِیَّ وَ فِی صَاحِبِی فَسَتُبْصِرُ وَ یُبْصِرُونَ بِأَیِّكُمُ الْمَفْتُونُ (5)

قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ: أَ فَلَا أُخْبِرُكَ یَا أَبَا حَفْصٍ! (6)مَا نَزَلَ فِی بَنِی أُمَیَّةَ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ (7)؟. قَالَ عُمَرُ: كَذَبْتَ یَا عَلِیُّ! بَنُو أُمَیَّةَ خَیْرٌ مِنْكَ وَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ.

قَوْلُهُ (8): فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِینَ (9) قال: فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَیُدْهِنُونَ (10) .. أَیْ أَحَبُّوا أَنْ تَغُشَّ فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَیَغُشُّونَ مَعَكَ وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِینٍ (11).

قَالَ: الحَلَّافُ الثَّانِی، حَلَفَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ لَا یَنْكُثُ

ص: 165


1- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 380- 381.
2- القلم: 5- 6.
3- فی المصدر: بأیّكم .. أی حبتر و زفر و علیّ، و سیتعرض المصنّف- رحمه اللّٰه- فی بیانه لبعض النّسخ.
4- فی المصدر: لقی فلان .. و لعلّها من تصرفات مخرج الكتاب.
5- القلم: 6.
6- فی التّفسیر: یا أبا فلان. و هی كسابقتها.
7- الإسراء: 60.
8- فی المصدر: و قوله.
9- القلم: 8.
10- القلم: 9.
11- القلم: 10.

عَهْداً.

هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِیمٍ (1) قَالَ: كَانَ یَنُمُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ یَهْمِزُ بَیْنَ أَصْحَابِهِ.

قَوْلُهُ: مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ (2) قَالَ: الْخَیْرُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

مُعْتَدٍ (3) .. أَیْ قَالَ (4)، اعْتَدَی عَلَیْهِ.

قَوْلُهُ: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِیمٍ (5) قَالَ: الْعُتُلُّ: عَظِیمُ الْكُفْرِ، وَ الزَّنِیمُ:

الدَّعِیُّ.

وَ قَالَ الشَّاعِرُ:

زَنِیمٌ تَدَاعَاهُ الرِّجَالُ تَدَاعِیاً ***كَمَا زِیدَ فِی عَرْضِ الْأَدِیمِ الْأَكَارِعُ(6) قَوْلُهُ: إِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا (7) قَالَ: كَنَّی عَنِ الثَّانِی، آیَاتُنَا (8) قالَ أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ (9) .. أَیْ: أَكَاذِیبُ الْأَوَّلِینَ: سَنَسِمُهُ عَلَی الْخُرْطُومِ (10) قَالَ: فِی الرَّجْعَةِ إِذَا رَجَعَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامَ وَ یَرْجِعُ (11) أَعْدَاؤُهُ فَیَسِمُهُمْ بِمِیسَمٍ مَعَهُ كَمَا تُوسَمُ الْبَهَائِمُ عَلَی الْخَرَاطِیمِ الْأَنْفُ وَ الشَّفَتَانِ (12).

ص: 166


1- القلم: 11.
2- القلم: 12.
3- القلم: 12.
4- لا توجد: قال، فی المصدر، و وضع علیها فی س رمز نسخة بدل.
5- القلم: 13.
6- كما فی تاج العروس 8- 329 فی مادّة زنم، و فیه: زیادة، بدلا من: تداعیا.
7- القلم: 15.
8- فی المصدر: عن فلان، بدلا من: عن الثّانی آیاتنا. و الظّاهر أنّ: آیاتنا، زائدة أو هنا سقط.
9- القلم: 15.
10- القلم: 16.
11- فی المصدر و نسخة علی ك: و رجع.
12- فی المصدر: علی الخرطوم و الأنف و الشّفتین .. و هو الظّاهر.

بیان:

لعلّ التعبیر بِأَبِی حَفْرٍ لمحض الوزن، أو بالخاء المعجمة لأنّه خفر الذمّة و العهد فی أمیر المؤمنین علیه السلام. و فی بعض النسخ: ب:

حبتر، و التعبیر عن زفر ظاهر، لاشتراكهما فی الوزن، و تقدیر العدل (1)، و غفل كنایة، و قال فی القاموس (2): الغُفْل- بالضم-: من لا یرجی خیره و لا یخشی شرّه و ما لا علامة فیه من القداح ... و ما لا عمارة فیه من الأرضین ...

و من لا نصیب له و لا غرم علیه من القداح، و من لا حسب له ... و الْغَفَلُ محرّكة- الكبیر (3)لرّفیع. انتهی.

و لا یخفی أنّه علی بعض المعانی یحتمل أن یكون كنایة عن أمیر المؤمنین علیه السلام بأن یكون ذكره لبیان الطرف الآخر من التردید، و یؤیّده أنّ فی بعض النسخ: و علیّ، و علی الاحتمال الأول یكون الطرف الآخر غیر مذكور.

و المهین: الحقیر الرأی.

و الهمّاز: العیّاب.

و المشّاء: نمیم، النقّال للحدیث علی وجه السعایة، ذكرها البیضاوی (4).

و قال: عُتُلٍّ: جاف غلیظ .. من عتلّه إذا قاده بعنف و غلظة.

بَعْدَ ذلِكَ. أی بعد ما عدّ من مثالبه (5).

و الكراع فی البقر و الغنم (6) بمنزلة الوظیف فی الفرس و البعیر، و هو

ص: 167


1- أی أن عمر و زفر علی وزان واحد مع كونهما غیر منصرفین بتقدیر العدل و العلمیة.
2- القاموس 4- 26، و قارن ب: تاج العروس 8- 47.
3- فی المصدر: الكثیر.
4- تفسیر البیضاوی 2- 494.
5- ذكره أیضا فی تفسیر البیضاوی 2- 494.
6- فی المصدر: فی الغنم و البقر.- بتقدیم و تأخیر-.

مستدقّ الصاق (1)، ... و الجمع أكرع ثمّ أكارع، ذكره الجوهری (2) و كأنّه شبّه الرجال الذین یدعون هذا الزنیم بالأكارع التی تكون فی أطراف النطع لعدم مجانسة الأكارع للنطع، و الأكارع قائم مقام فاعل زید.

و قال البیضاوی (3): سَنَسِمُهُ. أی بالكیّ عَلَی الْخُرْطُومِ. أی علی الأنف، و قیل: هو عبارة عن أن یذلّه غایة الإذلال.

«24»-فس (4): أَبُو الْعَبَّاسِ، عَنْ یَحْیَی بْنِ زَكَرِیَّا، عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ: ذَرْنِی وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِیداً (5)، قَالَ: الْوَحِیدُ: وَلَدُ الزِّنَا، وَ هُوَ زُفَرُ، وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (6) قَالَ: أَجَلًا إِلَی مُدَّةٍ وَ بَنِینَ شُهُوداً (7)قَالَ: أَصْحَابُهُ الَّذِینَ شَهِدُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَا یُورَثُ وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِیداً (8) مُلْكَهُ الَّذِی مَلَكَ مَهَّدْتُ لَهُ (9) ثُمَّ یَطْمَعُ أَنْ أَزِیدَ (10) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآیاتِنا عَنِیداً (11) قَالَ:

لِوَلَایَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ جَاحِداً، عَانِداً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِیهَا سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ (12) فَكَّرَ فِیمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْوَلَایَةِ، وَ قَدَّرَ إِنْ مَضَی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنْ لَا یُسَلِّمَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) الْبَیْعَةَ الَّتِی بَایَعَهُ بِهَا

ص: 168


1- فی المصدر: الساق، و هو الظاهر.
2- الصحاح 3- 1275، و راجع: تاج العروس 5- 493.
3- تفسیر البیضاوی 2- 495.
4- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 395.
5- المدّثّر: 11.
6- المدّثّر: 12.
7- المدّثّر: 13.
8- المدّثّر: 14.
9- فی المصدر: الّذی ملكه مهّده له.
10- المدّثّر: 15.
11- المدّثّر: 16.
12- المدّثّر: 17- 18.

عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقُتِلَ كَیْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَیْفَ قَدَّرَ (1) قَالَ: عَذَابٌ بَعْدَ عَذَابٍ یُعَذِّبُهُ الْقَائِمُ عَلَیْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ نَظَرَ (2) إِلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَ عَبَسَ وَ بَسَرَ (3) مِمَّا أُمِرَ بِهِ ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ یُؤْثَرُ (4) قَالَ زُفَرُ: إِنَّ النَّبِیَّ سَحَرَ النَّاسَ لِعَلِیٍّ (5)، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (6) .. أَیْ لَیْسَ هُوَ وَحْیٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ سَأُصْلِیهِ سَقَرَ. (7) ... إِلَی آخِرِ الْآیَةِ نَزَلَتْ فِیهِ.

بیان: قال الطبرسی قدّس سرّه (8)فی قوله تعالی: «وَحِیداً ... أی دعنی و إیّاه فإنّی كاف فی عقابه .. و قد خلقته متوحّدا بخلقه، أو حال عن المخلوق .. أی من (9) خلقته فی بطن أمّه لا مال له و لا ولد. و (10) قال مقاتل معناه: خلّ بینی و بینه فإنّی أنفرد (11) بهلكته، و قال ابن عباس: كان الولید بن المغیرة (12) یسمّی الوحید فی قومه.

وَ رَوَی الْعَیَّاشِیُّ (13)، بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ، عَنْ (14) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ،

ص: 169


1- المدّثّر: 19- 20.
2- المدّثّر: 21.
3- المدّثّر: 22.
4- المدّثّر: 23- 24.
5- فی المصدر: بعلیّ.
6- المدّثّر: 25.
7- المدّثّر: 26.
8- فی مجمع البیان 10- 387.
9- فی المصدر: و إن حملته علی صفة المخلوق، فمعناه دعنی و من ..
10- لا توجد الواو فی المصدر.
11- فی المصدر: فأنا أفرد.
12- لا توجد: ابن المغیرة، فی المصدر.
13- فی تفسیره، و هذا القسم من التّفسیر لم یطبع، و یقال إنّه لم یظفر به.
14- فی مجمع البیان: و بدلا من: عن.

عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ (1)

أَنَّ الْوَحِیدَ وَلَدُ الزِّنَا،.

قَالَ زُرَارَةُ ذُكِرَ لِأَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ أَحَدِ بَنِی هَاشِمٍ (2)أَنَّهُ قَالَ فِی خُطْبَتِهِ: أَنَا ابْنُ الْوَحِیدِ. فَقَالَ: وَیْلَهُ! لَوْ عَلِمَ مَا الْوَحِیدُ مَا فَخَرَ بِهَا. فَقُلْنَا لَهُ: وَ مَا هُوَ؟ قَالَ: مَنْ لَا یُعْرَفُ لَهُ أَبٌ..

و قال رحمه اللّٰه (3) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (4) .. أی سأكلّفه مشقّة من العذاب لا راحة فیه، و قیل: صعودا جبل فی جهنم من نار .. فَقُتِلَ (5) .. أی لعن و عذّب .. ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ (6) .. أی كلح و كرّه وجهه و نظر بكراهة شدیدة كالمُهْتَمِّ المتفكِّر فی الشی ء، ثُمَّ أَدْبَرَ عن الإیمان وَ اسْتَكْبَرَ (7) حین دعی (8) إلیه .. إِلَّا سِحْرٌ یُؤْثَرُ (9) .. أی یروی عن السحرة، أو (10) هو من الإیثار .. أی تؤثره النفوس و تختاره .. سَأُصْلِیهِ سَقَرَ (11) أی سأدخله جهنم و ألزمه إیّاها، و قیل: سقر (12) دركة من دركات جهنم، و قیل: باب من أبوابها.

انتهی.

و تأویل المال و البنین بما ذكر علیه السلام علی المجاز، و بابه واسع.

ص: 170


1- فی المصدر: بتقدیم أبی عبد اللّٰه علی أبی جعفر علیهما السّلام.
2- فی التّفسیر: بنی هشام.
3- مجمع البیان 10- 388.
4- المدّثّر: 17.
5- المدّثّر: 19.
6- المدّثّر: 22.
7- المدّثّر: 23.
8- فی المصدر كتب: دعا- بالألف-.
9- المدّثّر: 24.
10- فی مجمع البیان: و قیل: بدلا من: أو.
11- المدّثّر: 26.
12- لا توجد: سقر، فی س.

«25»-فس (1): فَیَوْمَئِذٍ لا یُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَ لا یُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (2) قَالَ: هُوَ الثَّانِی (3).

«26»-فس (4): إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِیتاءِ ذِی الْقُرْبی وَ یَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْیِ (5): قَالَ: الْعَدْلُ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ الْإِحْسَانُ، أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ الْفَحْشَاءُ وَ الْمُنْكَرُ وَ الْبَغْیُ (6) فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ.

«27»-فس (7): فَتِلْكَ بُیُوتُهُمْ خاوِیَةً بِما ظَلَمُوا (8) قَالَ: لَا تَكُونُ الْخِلَافَةُ فِی آلِ فُلَانٍ وَ لَا آلِ فُلَانٍ وَ لَا آلِ فُلَانٍ وَ لَا آلِ طَلْحَةَ وَ لَا آلِ الزُّبَیْرِ (9).

«28»-فس (10): مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ یَحْیَی بْنِ زَكَرِیَّا، عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ: حَبَّبَ إِلَیْكُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِكُمْ (11) یَعْنِی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ كَرَّهَ إِلَیْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْیانَ (12)» الْأَوَّلُ وَ الثَّانِیُ وَ الثَّالِثُ (13).

ص: 171


1- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 421.
2- الفجر: 25 و 26.
3- فی المصدر: هو فلان.
4- تفسیر علیّ بن إبراهیم 1- 388.
5- النّحل: 90.
6- لا توجد: و البغی، فی س.
7- تفسیر القمّیّ 2- 129.
8- النّمل: 52.
9- فی المصدر: و لا طلحة و لا الزّبیر.
10- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 319.
11- الحجرات: 7.
12- الحجرات: 7.
13- فی المصدر: فلان و فلان و فلان.

بیان: تفسیر الإیمان بأمیر المؤمنین علیه السلام لكون ولایته من أصوله و كماله فیه، و كونه مروّجه و مؤسّسه و مبیّنه غیر بعید، و كذا التعبیر عن الثلاثة ب: الثلاث لكونهم أصلها و منشأها و منبتها و كمالها فیهم، و كونهم سببا لصدورها عن الناس إلی یوم القیامة، لعنة اللّٰه علیهم و علی أشیاعهم- غیر غریب، و سیأتی مزید توضیح لذلك فی مواضعه.

«29»-فس (1): أَبِی (2)، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ- فِی قَوْلِهِ تَعَالَی: إِذا دُعُوا إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمْ (3)

قَالَ:

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ عُثْمَانَ (4)، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بَیْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِی حَدِیقَةٍ، فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ: تَرْضَی (5) بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِعُثْمَانَ (6): لَا تُحَاكِمْهُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَإِنَّهُ یَحْكُمُ لَهُ عَلَیْكَ!! وَ لَكِنْ حَاكِمْهُ إِلَی ابْنِ شَیْبَةَ (7) الْیَهُودِیِّ. فَقَالَ عُثْمَانُ (8) لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَا أَرْضَی إِلَّا بِابْنِ شَیْبَةَ الْیَهُودِیِّ. فَقَالَ ابْنُ شَیْبَةَ لِعُثْمَانَ (9): تَأْتَمِنُونَ مُحَمَّداً عَلَی وَحْیِ السَّمَاءِ وَ تَتَّهِمُونَهُ فِی الْأَحْكَامِ؟!. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی رَسُولِهِ: وَ إِذا دُعُوا إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِیَحْكُمَ

ص: 172


1- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2- 107.
2- وضع علی كلمة: أبی، رمز نسخة فی ك.
3- النّور: 48.
4- وضع علی: عثمان، فی المطبوع من البحار رمز نسخة بدل. و حذفها من المصدر المطبوع.
5- فی المصدر: نرضی.
6- فی التّفسیر: له، بدلا من: لعثمان. و لا توجد: لعثمان فی س.
7- فی المصدر: ابن أبی شیبة.
8- وضع علی: عثمان، فی المطبوع من البحار رمز نسخة بدل. و حذفها من المصدر المطبوع.
9- فی التّفسیر: له، بدلا من: لعثمان.

بَیْنَهُمْ ... إِلَی قَوْلِهِ: بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (1).

«30»-فس (2): یَمُنُّونَ عَلَیْكَ أَنْ أَسْلَمُوا (3) نَزَلَتْ فِی عُثْمَانَ (4) یَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِعَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ یَحْفِرُ (5) الْخَنْدَقَ- وَ قَدِ ارْتَفَعَ الْغُبَارُ مِنَ الْحَفْرِ فَوَضَعَ عُثْمَانُ (6) كُمَّهُ عَلَی أَنْفِهِ وَ مَرَّ، فَقَالَ عَمَّارٌ:

لَا یَسْتَوِی مَنْ یَعْمُرُ (7) الْمَسَاجِدَا*** یَظَلُّ (8) فِیهَا رَاكِعاً وَ سَاجِداً

كَمَنْ یَمُرُّ بِالْغُبَارِ حَائِداً***یُعْرِضُ عَنْهُ جَاحِداً مُعَانِداً

فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ عُثْمَانُ (9) فَقَالَ: یَا ابْنَ السَّوْدَاءِ! إِیَّایَ تَعْنِی، ثُمَّ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ: لَمْ نَدْخُلْ مَعَكَ فِی الْإِسْلَامِ (10) لِتُسَبَّ أَعْرَاضُنَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: قَدْ أَقَلْتُكَ إِسْلَامَكَ فَاذْهَبْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: یَمُنُّونَ عَلَیْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِیمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ (11) .. أَیْ لَیْسَ هُمْ صَادِقِینَ (12) إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ غَیْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بَصِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13)..

ص: 173


1- النّور: 48- 50.
2- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 322.
3- الحجرات: 17.
4- جاء فی مطبوع البحار و المصدر: عثكن، و ذكرت فی ك نسخة بدل: عثمان، و فی س نسخة: عثكوا.
5- فی التّفسیر: و هو یحفر.
6- لا توجد كلمة: عثمان فی المصدر، و توجد نسختان علی مطبوع البحار: عثكوا، عثكن.
7- فی المصدر: یبنی، و هی نسخة بدل فی مطبوع البحار.
8- فی التّفسیر: فیصلّی، و یوجد نسخة علی ك: و هو یظلّ راكعا و ساجدا.
9- جاء فی المطبوع من المصدر و البحار: عثكن، و ذكر نسخة بدل: عثكو، فی مطبوع البحار.
10- لا توجد: فی الإسلام، فی س و لا فی المصدر.
11- الحجرات: 17.
12- فی المصدر: أی لستم صادقین.
13- الحجرات: 18.

«31»-فس (1): عَبَسَ وَ تَوَلَّی أَنْ جاءَهُ الْأَعْمی (2) قَالَ: نَزَلَتْ فِی عُثْمَانَ (3) وَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَ كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مُؤَذِّنَ رَسُولِ (4) اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ أَعْمَی، وَ جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ وَ عُثْمَانُ (5) عِنْدَهُ، فَقَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی عُثْمَانَ، فَعَبَسَ عُثْمَانُ وَجْهَهُ (6) وَ تَوَلَّی عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: عَبَسَ وَ تَوَلَّی یَعْنِی عُثْمَانَ (7) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمی وَ ما یُدْرِیكَ لَعَلَّهُ یَزَّكَّی (8).. أَیْ یَكُونُ طَاهِراً أَزْكَی (9) أَوْ یَذَّكَّرُ، قَالَ: یُذَكِّرُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْری (10) ثُمَّ خَاطَبَ عُثْمَانَ (11) فَقَالَ: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنی فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّی (12) قَالَ: أَنْتَ إِذَا جَاءَكَ غَنِیٌّ تَصَدَّی لَهُ (13) وَ تَرْفَعُهُ:

وَ ما عَلَیْكَ أَلَّا یَزَّكَّی (14) .. أَیْ لَا تُبَالِی زَكِیّاً كَانَ أَوْ غَیْرَ زَكِیٍّ إِذَا كَانَ غَنِیّاً وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ یَسْعی (15) یَعْنِی (16) ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَ هُوَ یَخْشی فَأَنْتَ عَنْهُ

ص: 174


1- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2- 404- 405.
2- عبس: 1- 2.
3- فی مطبوع المصدر: عثكن.
4- فی التّفسیر: لرسول ..
5- فی مطبوع المصدر: عثكن.
6- فی المصدر: علیه فعبس وجهه- أی لا توجد كلمتا: عثمان-.
7- فی مطبوع المصدر: عثكن.
8- عبس: 2- 3.
9- فی س: ظاهرا الزّكی.
10- عبس: 4. و لا توجد الآیة فی المصدر.
11- فی المطبوع من المصدر: عثكن.
12- عبس: 5- 6.
13- فی التّفسیر: تتصدّی له، بلا حذف للتاء الأولی.
14- عبس: 7.
15- عبس: 8.
16- لا توجد: یعنی، فی س.

تَلَهَّی (1) .. أَیْ تَلْهُو وَ لَا تَلْتَفِتُ إِلَیْهِ..

بیان: قال السیّد رضی اللّٰه عنه فی كتاب تنزیه الأنبیاء (2) فی سیاق تأویل تلك الآیات:

وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِی رَجُلٍ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ كَانَ عِنْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَلَمَّا رَآهُ تَقَذَّرَ مِنْهُ وَ جَمَعَ نَفْسَهُ وَ عَبَسَ وَ أَعْرَضَ بِوَجْهِهِ عَنْهُ، فَحَكَی اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ وَ أَنْكَرَهُ عَلَیْهِ.

، و قد مرّ الكلام فیها.

«32»-بَ (3): مُحَمَّدُ بْنُ عِیسَی، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ (4) ... قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخْرَجَ إِلَیَّ مُصْحَفاً، قَالَ: فَتَصَحَّفْتُهُ (5) فَوَقَعَ (6) بَصَرِی عَلَی مَوْضِعٍ مِنْهُ فَإِذَا فِیهِ مَكْتُوبٌ: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی كُنْتُمَا بِهَا تُكَذِّبَانِ فَاصْلَیَا فِیهَا لَا تَمُوتَانِ فِیهَا وَ لَا تَحْیَیَانِ .. یَعْنِی الْأَوَّلَیْنِ.

«33»-فس (7) وَ قَرَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی كُنْتُمَا بِهَا تُكَذِّبَانِ، تَصْلَیَانِهَا لَا تَمُوتَانِ (8) فِیهَا وَ لَا تَحْیَیَانِ، یَعْنِی الْأَوَّلَیْنِ (9).

وَ قَوْلُهُ: یَطُوفُونَ بَیْنَها وَ بَیْنَ حَمِیمٍ آنٍ (10) قَالَ: لَهُمَا (11) أَنِینٌ فِی شِدَّةِ (12)

ص: 175


1- عبس: 9- 10.
2- تنزیه الأنبیاء: 118- 119، و لم نجد نصّ الكلام هناك.
3- قرب الإسناد: 9.
4- فی المصدر زیادة: فی سنة ثمان و تسعین و مائة فی المسجد الحرام.
5- فی س: فتصحفه، و هی نسخة فی المصدر.
6- فی المصدر: فوضع.
7- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 345. و لا توجد هذه الرّوایة فی س.
8- فی المصدر: و لا تموتان.
9- فی التفسیر: یعنی زریق و حبتر.
10- الرحمن: 44.
11- فی المصدر: لها.
12- كذا، و الظاهر: من شدة .. كما فی المصدر.

حَرِّهَا.

«34»-ل (1): ابْنُ الْوَلِیدِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ، عَنِ (2) ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِیرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِی رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً یَوْمَ الْقِیَامَةِ لَسَبْعَةُ (3) نَفَرٍ، أَوَّلُهُمُ ابْنُ آدَمَ الَّذِی قَتَلَ أَخَاهُ، وَ نُمْرُودُ الَّذِی حَاجَّ إِبْراهِیمَ فِی رَبِّهِ، وَ اثْنَانِ فِی بَنِی إِسْرَائِیلَ (4) هَوَّدَا قَوْمَهُمْ وَ نَصَّرَاهُمْ، وَ فِرْعَوْنُ الَّذِی قَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلی وَ اثْنَانِ فِی (5) هَذِهِ الْأُمَّةِ.

«35»-فس (6): وَ لَیْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ حَتَّی إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّی تُبْتُ الْآنَ (7) فَإِنَّهُ حَدَّثَنِی أَبِی عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: نَزَلَتْ فِی القرآن زُعْلَانَ (8) تَابَ حَیْثُ لَمْ تَنْفَعْهُ التَّوْبَةُ وَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ.

بیان: زُعْلَانُ: كنایة، كما قد یعبّر عنه بفعلان.

«36»-بَ (9) السِّنْدِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تُدْعَی: حَسْرَةَ تَغْشَی آلَ مُحَمَّدٍ وَ تَحِنُّ، وَ إِنَّ زُفَرَ وَ حَبْتَرَ لَقِیَاهَا ذَاتَ یَوْمٍ فَقَالا: أَیْنَ تَذْهَبِینَ یَا حَسْرَةُ؟. فَقَالَتْ: أَذْهَبُ إِلَی آلِ

ص: 176


1- الخصال 2- 346 باب السّبعة حدیث 15، بتفصیل فی السّند.
2- فی س: و عن.
3- فی المصدر: سبعة.
4- فی الخصال: من بنی إسرائیل.
5- فی المصدر: من، بدلا من: فی.
6- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 1- 133.
7- النّساء: 18.
8- كذا، و الظّاهر: نزلت هذه الآیة فی زعلان، و جاء فی المصدر: نزل فی القرآن أنّ زعلون.
9- قرب الإسناد: 29.

مُحَمَّدٍ فَأَقْضِی مِنْ حَقِّهِمْ وَ أُحْدِثُ بِهِمْ عَهْداً، فَقَالا: وَیْلَكِ إِنَّهُ لَیْسَ لَهُمْ حَقٌّ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَانْصَرَفَتْ حَسْرَةُ وَ لَبِثَتْ (1) أَیَّاماً، ثُمَّ جَاءَتْ، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ- زَوْجَةُ (2) النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ-: مَا أَبْطَأَ بِكِ عَنَّا (3) یَا حَسْرَةُ؟!. فَقَالَتِ: اسْتَقْبَلَنِی زُفَرُ وَ حَبْتَرٌ فَقَالا: أَیْنَ تَذْهَبِینَ یَا حَسْرَةُ؟! فَقُلْتُ: أَذْهَبُ إِلَی آلِ مُحَمَّدٍ فَأَقْضِی مِنْ حَقِّهِمُ الْوَاجِبَ. فَقَالا: إِنَّهُ لَیْسَ لَهُمْ حَقٌّ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا عَلَی عَهْدِ النَّبِیِّ (4) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. فَقَالَتْ: أُمُّ سَلَمَةَ:

كَذِبَا، لَعَنَهُمَا اللَّهُ (5)، لَا یَزَالُ حَقُّهُمْ واجب [وَاجِباً] (6) عَلَی الْمُسْلِمِینَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

«37»-مَا (7): الْفَحَّامُ، عَنِ الْمَنْصُورِیِّ، عَنْ عَمِّ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الثَّالِثِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنِ الْبَاقِرِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، عَنْ جَابِرٍ.

وَ أَیْضاً: الْفَحَّامُ، عَنْ عَمِّهِ عُمَیْرِ بْنِ یَحْیَی (8)، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِیِّ، عَنْ أَبِی عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- أَنَا مِنْ جَانِبٍ وَ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ مِنْ جَانِبٍ- إِذْ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ مَعَهُ رَجُلٌ قَدْ تَلَبَّبَ بِهِ، فَقَالَ: مَا بَالُهُ؟. قَالَ: حَكَی عَنْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) أَنَّكَ قُلْتَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَ هَذَا إِذَا سَمِعَتْهُ (9) النَّاسُ فَرَّطُوا فِی الْأَعْمَالِ، أَ فَأَنْتَ قُلْتَ ذَلِكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)؟. قَالَ: نَعَمْ، إِذَا

ص: 177


1- فی المصدر: فلبثت.
2- فی س: زوج.
3- فی قرب الإسناد: علینا، بدلا من: عنّا.
4- فی س: رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ..، بدلا من: النّبیّ صلی اللّٰه علیه و آله.
5- جاء: لعنة اللّٰه، فی س.
6- كذا، و الظّاهر: واجبا، بالنّصب لأنّه خبر لا یزال.
7- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 288، و قد جاء الإسناد الأوّل فی صفحة: 287 مع اختصار.
8- فی الأمالی: عمر بن یحیی.
9- فی المصدر: سمعه.

تَمَسَّكَ بِمَحَبَّةِ هَذَا وَ وَلَایَتِهِ.

«38»-شی، تفسیر العیاشی (1): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، قَالَ: قَالَ (2) جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ عِنْدِ عُثْمَانَ فَلَقِیَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ: یَا عَلِیُّ! بِتْنَا (3) اللَّیْلَةَ فِی أَمْرٍ نَرْجُو أَنْ یُثَبِّتَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ، فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَنْ یَخْفَی عَلَیَّ مَا بَیَّتُّمْ فِیهِ، حَرَّفْتُمْ وَ غَیَّرْتُمْ وَ بَدَّلْتُمْ تِسْعَمِائَةِ حَرْفٍ، ثَلَاثَمِائَةٍ حَرَّفْتُمْ، وَ ثَلَاثَمِائَةٍ غَیَّرْتُمْ، وَ ثَلَاثَمِائَةٍ بَدَّلْتُمْ:

فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ یَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَیْدِیهِمْ ثُمَّ یَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (4).. إِلَی آخِرِ الْآیَةِ..

أقول:

سیأتی فی باب حجّ التمتّع (5) إنكار عمر للنصّ، و قول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله له: إنّك لن تؤمن بهذا أبدا .. فی أخبار كثیرة، و كذا سیأتی فی باب (المقام) (6) نقل عمر المقام عن الموضع الذی نقله إلیه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله إلی موضع الجاهلیّة خلافا للنبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله.

«39»-مَعَ (7): مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الزَّنْجَانِیُّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ، عَنْ أَبِی عُبَیْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ رَفَعَهُ (8) إِلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: أَتَی عُمَرُ رَسُولَ

ص: 178


1- تفسیر العیّاشیّ 1- 47- 48، و انظر: تفسیر البرهان 1- 119.
2- لا توجد: قال، فی س.
3- فی المصدر: بیتنا.
4- البقرة: 79.
5- ستأتی فی بحار الأنوار، باب مثالب عمر .. الطعن الرابع، مصادر هذه القصّة مفصّلا، و لم یتعرّض لها طاب ثراه فی حجّ التمتّع، و لعلّ العبارة كانت هكذا: و سیأتی فی باب مثالب عمر فی إنكار حجّ التمتّع ..
6- سیأتی قریبا فی: باب مثالب عمر ضمن الطعن الثالث عشر، و لم یتعرّض له رحمه اللّٰه فی باب الحجّ، و لعلّ العبارة- كالسالفة- فیها نوع خلل أو سقط.
7- معانی الأخبار 2- 269 باب معنی المحاقلة و المذابنة .. [2- 282 باب 317].
8- جاء الإسناد فی المعانی 2- 263، و فیه هنا: القاسم بن سلّام بأسانید متّصلة إلی النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و ما ذكر هنا جاء فی أواخر الحدیث.

اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ: إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِیثَ مِنْ یَهُودَ تُعْجِبُنَا، فَتَرَی أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا؟. فَقَالَ: أَ مُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ (1) كَمَا تَهَوَّكَتِ الْیَهُودُ وَ النَّصَارَی؟! لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَیْضَاءَ نَقِیَّةً، وَ لَوْ كَانَ مُوسَی حَیّاً مَا (2) وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِی..

قوله: متهوّكون .. أی متحیّرون، یقول: أ متحیّرون أنتم فی الإسلام لا تعرفون دینكم حتّی تأخذوه من الیهود و النصاری؟ و معناه أنّه كره أخذ العلم من أهل الكتاب، و أمّا قوله: لقد جئتكم بها بیضاء نقیّة .. فإنّه أراد الملّة الحنیفیّة، فلذلك جاء التأنیث كقول اللّٰه عزّ و جلّ: وَ ذلِكَ دِینُ الْقَیِّمَةِ (3) إنّما هی الملّة الحنیفیّة.

بیان:

روی هذا الخبر ابن الأثیر فی النهایة، ثم قال: التّهوّك: كالتّهوّر، و هو الوقوع فی الأمر بغیر رویّة، و المتهوّك: الّذی یقع فی كلّ أمر، و قیل: هو المتحیّر (4).

ثم قال

وَ فِی حَدِیثٍ آخَرَ: إِنَّ عُمَرَ أَتَاهُ بِصَحِیفَةٍ أَخَذَهَا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَ مُتَهَوِّكُونَ فِیهَا یَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟! (5)

«40»- مَعَ (6): الْمُكَتِّبُ، عَنِ الْأَسَدِیِّ، عَنِ الْبَرْمَكِیِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ جُبَیْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِذَا ظَلَمَتِ الْعُیُونُ الْعَیْنَ كَانَ قَتْلُ الْعَیْنِ عَلَی یَدِ الرَّابِعِ مِنَ الْعُیُونِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْخَاذِلُ لَهُ لَعْنَةُ اللَّهِ

ص: 179


1- لا توجد: أنتم، فی المصدر.
2- فی س نسخة بدل: لما.
3- البیّنة: 5.
4- فی المصدر: هو التحیّر.
5- النّهایة 5- 282، و قارن به لسان العرب 10- 508، و الصّحاح 4- 1617، و تاج العروس 7- 197، و مجمع البحرین 5- 299، و هذا الخبر أشاروا كلّهم إلیه.
6- معانی الأخبار 2- 387 باب 429 حدیث 22، بتفصیل فی الإسناد.

وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ فَقِیلَ لَهُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْعَیْنُ وَ الْعُیُونُ؟. فَقَالَ: أَمَّا الْعَیْنُ، فَأَخِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ أَمَّا الْعُیُونُ فَأَعْدَاؤُهُ، رَابِعُهُمْ قَاتِلُهُ ظُلْماً وَ عُدْوَاناً..

تنبیه:

المراد بالعیون، من ابتداء اسمه العین، و الرابع القاتل عبد الرحمن بن ملجم لعنهم اللّٰه.

«41»-مَعَ (1): ابْنُ مُوسَی، عَنِ الْأَسَدِیِّ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِیمِ الْحَسَنِیِّ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی، عَنْ آبَائِهِ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، قَالَ: (2)

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ، وَ إِنَّ عُمَرَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ الْبَصَرِ، وَ إِنَّ عُثْمَانَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ الْفُؤَادِ. قَالَ (3): فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلْتُ إِلَیْهِ وَ عِنْدَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ، فَقُلْتُ لَهُ: یَا أَبَتِ (4)! سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِی أَصْحَابِكَ هَؤُلَاءِ قَوْلًا، فَمَا هُوَ؟. فَقَالَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ:

نَعَمْ، ثُمَّ أَشَارَ بِیَدِهِ إِلَیْهِمْ، فَقَالَ: هُمُ السَّمْعُ وَ الْبَصَرُ وَ الْفُؤَادُ، وَ سَیُسْأَلُوَن عَنْ وَلَایَةِ وَصِیِّی هَذَا- وَ أَشَارَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ-، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی (5) یَقُولُ: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (6)، ثُمَّ قَالَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ: وَ عَزَّةِ رَبِّی إِنَّ جَمِیعَ أُمَّتِی لَمَوْقُوفُونَ یَوْمَ

ص: 180


1- معانی الأخبار 2- 367- 368 [2- 387 باب 429 حدیث 23].
2- جاء الإسناد فی المصدر هكذا: حدّثنا أبو القاسم علیّ بن أحمد بن موسی بن عمران الدّقّاق، قال: حدّثنا محمّد بن أبی عبد اللّٰه الكوفیّ، قال: حدّثنا سهل بن زیاد الآدمیّ، عن عبد العظیم بن عبد اللّٰه الحسنیّ، قال: حدّثنی سیّدی علیّ بن محمّد بن علیّ الرّضا، عن أبیه، عن آبائه، عن الحسن بن علیّ علیهما السّلام، قال ..
3- وضع علی: قال، فی ك رمز نسخة بدل.
4- فی س: یا أبته.
5- فی المصدر: إنّ اللّٰه عزّ و جلّ ..
6- الإسراء: 36.

الْقِیَامَةِ وَ مَسْئُولُونَ عَنْ وَلَایَتِهِ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (1)..

بیان: لعلّ التعبیر عنهم بتلك الأسماء التی تدلّ علی الاختصاص و الامتیاز علی التهكم، أو علی زعم قوم یحسبونهم كذلك، أو للاختصاص (2) الظاهری مع قطع النظر عن النفاق الباطنی.

«42»-مَعَ (3): ابْنُ مُوسَی، عَنِ الْأَسَدِیِّ، عَنِ النَّخَعِیِّ، عَنِ النَّوْفَلِیِّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ (4)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَمَّا رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ وَلَدَ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ، مَا مَعْنَاهُ؟. قَالَ: عَنَی بِهِ الْأَوْسَطَ، أَنَّهُ شَرٌّ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ وَ مِمَّنْ تَلَاهُ..

«43»-یَرَ (5): أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَبِیعِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَیْمَانَ (6)، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِأَبِی بَكْرٍ: نَسِیتَ تَسْلِیمَكَ لِعَلِیٍّ (7) بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ؟.

فَقَالَ لَهُ (8): قَدْ كَانَ ذَاكَ.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَ تَرْضَی بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ

ص: 181


1- الصّافّات: 24.
2- فی ك: الاختصاص.
3- معانی الأخبار 2- 392- 393 [2- 412 باب 429 حدیث 103].
4- جاء الإسناد فی المصدر هكذا: حدّثنا علیّ بن أحمد بن موسی رضی اللّٰه عنه، قال: حدّثنا محمّد ابن أبی عبد اللّٰه الكوفیّ، عن موسی بن عمران النّخعیّ، عن عمّه الحسین بن یزید النّوفلیّ، عن علیّ بن أبی حمزة، عن أبی بصیر.
5- بصائر الدّرجات، الجزء السّادس 297- 298، حدیث 11، و انظر بقیّة روایات الباب.
6- فی المصدر: عبد اللّٰه بن سنان.
7- فی نسخة علی مطبوع البحار: لی، بدلا من: لعلیّ، و یحتمل: علیّ.
8- وضع فی ك علی: له، رمز نسخة بدل.

بَیْنِی وَ بَیْنَكَ؟. قَالَ: وَ أَیْنَ هُوَ؟. قَالَ: فَأَخَذَ بِیَدِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَی مَسْجِدِ قُبَا، فَدَخَلَا، فَوَجَدَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یُصَلِّی، فَجَلَسَا حَتَّی فَرَغَ.

فَقَالَ: یَا أَبَا بَكْرٍ سَلِّمْ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَا تَوَكَّدْتَهُ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ.

قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: مَنْ یَأْخُذُهَا بِمَا فِیهَا.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَنْ جُدِعَ (1) أَنْفُهُ. قَالَ لَهُ عُمَرُ- وَ خَلَا بِهِ-: وَ مَا دَعَاكَ (2) إِلَی هَذَا (3)؟. قَالَ: إِنَّ عَلِیّاً ذَهَبَ إِلَی مَسْجِدِ قُبَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَائِمٌ یُصَلِّی فَأَمَرَنِی أَنْ أُسَلِّمَ الْأَمْرَ إِلَیْهِ.

فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ یَا أَبَا بَكْرٍ! أَ مَا تَعْرِفُ سِحْرَ بَنِی هَاشِمٍ!.

بیان: قوله علیه السلام: من جدع أنفه (4)

علی بناء المجهول- .. أی من أذلّ و قهر علی غصب الخلافة منه، یعنی نفسه علیه السلام.

أقول:

قد مرّ كثیر من تلك الأخبار فی الأبواب السابقة (5).

«44»-ج (6): سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّیُّ الْأَشْعَرِیُّ، قَالَ: بُلِیتُ بِأَشَدِّ النَّوَاصِبِ مُنَازَعَةً، فَقَالَ لِی یَوْماً- بَعْدَ مَا نَاظَرْتُهُ-: تَبّاً لَكَ وَ لِأَصْحَابِكَ، أَنْتُمْ مَعَاشِرَ الرَّوَافِضِ تَقْصِدُونَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارَ بِالطَّعْنِ عَلَیْهِمْ وَ الْجُحُودِ (7) لِمَحَبَّةِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَهُمْ، فَالصِّدِّیقُ هُوَ فَوْقَ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ سَبْقِ الْإِسْلَامِ،

ص: 182


1- فی المصدر: من جذع- بالذال المعجمة-.
2- نسخة فی ك: دعا به.
3- هذا، لا توجد فی س.
4- قال فی الصحاح 3- 1193: الجدع: قطع الأنف، و مثله فی تاج العروس 5- 295.
5- بحار الأنوار 28- 58- 174، الباب الثالث و 175 إلی آخر المجلد، و الباب الرابع و غیره.
6- الاحتجاج 2- 268- 275 طبعة النّجف [2- 461- 465] تحت عنوان احتجاج الحجّة القائم المنتظر المهدیّ صاحب الزّمان صلوات اللّٰه علیه و علی آبائه الطّاهرین.
7- فی المصدر: و بالجحود.

أَ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِنَّمَا (1) ذَهَبَ بِهِ لَیْلَةَ الْغَارِ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَیْهِ كَمَا خَافَ عَلَی نَفْسِهِ، وَ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ یَكُونُ الْخَلِیفَةَ فِی أُمَّتِهِ أَرَادَ (2) أَنْ یَصُونَ نَفْسَهُ كَمَا یَصُونُ عَلَیْهِ السَّلَامُ خَاصَّةَ نَفْسِهِ، كَیْلَا یَخْتَلَّ حَالُ الدِّینِ مِنْ بَعْدِهِ، وَ یَكُونَ الْإِسْلَامُ مُنْتَظِماً، وَ قَدْ أَقَامَ عَلِیّاً عَلَی فِرَاشِهِ لِمَا كَانَ فِی عِلْمِهِ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ لَا یَخْتَلُّ الْإِسْلَامُ بِقَتْلِهِ، لِأَنَّهُ یَكُونُ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ یَقُومُ مَقَامَهُ، لَا جَرَمَ لَمْ یُبَالِ مِنْ قَتْلِهِ.

قَالَ سَعْدٌ: إِنِّی قَدْ (3) قُلْتُ عَلَی ذَلِكَ أَجْوِبَةً لَكِنَّهَا غَیْرُ مُسْكِتَةٍ (4)

ثُمَّ قَالَ: مَعَاشِرَ الرَّوَافِضِ تَقُولُونَ: إِنَّ الْأَوَّلَ وَ الثَّانِیَ كَانَا یُنَافِقَانِ، وَ تَسْتَدِلُّونَ عَلَی ذَلِكَ بِلَیْلَةِ الْعَقَبَةِ؟ ثُمَّ قَالَ لِی (5): أَخْبِرْنِی عَنْ إِسْلَامِهِمَا كَانَ عَنْ طَوْعٍ (6) وَ رَغْبَةٍ أَوْ كَانَ عَنْ إِكْرَاهٍ وَ إِجْبَارٍ؟. فَاحْتَرَزْتُ عَنْ جَوَابِ ذَلِكَ وَ قُلْتُ مَعَ نَفْسِی إِنْ كُنْتُ أُجِیبُهُ (7) بِأَنَّهُ كَانَ عَنْ طَوْعٍ فَیَقُولُ: لَا یَكُونُ عَلَی هَذَا الْوَجْهِ إِیمَانُهُمَا عَنْ نِفَاقٍ، وَ إِنْ قُلْتُ كَانَ عَلَی إِكْرَاهٍ وَ إِجْبَارٍ لَمْ یَكُنْ فِی ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْإِسْلَامِ قُوَّةٌ حَتَّی یَكُونَ إِسْلَامُهُمَا بِإِكْرَاهٍ وَ قَهْرٍ، فَرَجَعْتُ عَنْ هَذَا الْخَصْمِ عَلَی حَالٍ یُقْطَعُ (8) كَبِدِی، فَأَخَذْتُ طُومَاراً وَ كَتَبْتُ بِضْعاً وَ أَرْبَعِینَ مَسْأَلَةً مِنَ الْمَسَائِلِ (9) الْغَامِضَةِ الَّتِی لَمْ یَكُنْ عِنْدِی جَوَابُهَا، وَ قُلْتُ (10): أَدْفَعُهَا إِلَی صَاحِبِ مَوْلَایَ أَبِی مُحَمَّدٍ (11) الْحَسَنِ

ص: 183


1- لا توجد: إنّما، فی س.
2- فی المصدر: و أراد، و لا توجد فی س.
3- لا توجد: قد، فی الاحتجاج.
4- فی ك: مسكنة.
5- لا توجد: لی، فی س.
6- فی المصدر: من طوع.
7- فی الاحتجاج: أجبته.
8- فی المصدر: ینقطع. و نسخة فی مطبوع البحار: تقطع.
9- فی ك: عن المسائل.
10- فی الاحتجاج: فقلت.
11- جاء فی س: ابن محمّد .. و هو غلط.

بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ الَّذِی كَانَ فِی قُمَّ، أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، فَلَمَّا طَلَبْتُهُ كَانَ هُوَ قَدْ ذَهَبَ، فَمَشَیْتُ عَلَی أَثَرِهِ فَأَدْرَكْتُهُ، وَ قُلْتُ الْحَالَ مَعَهُ، فَقَالَ لِی: تَجِی ءُ (1) مَعِی إِلَی سُرَّ مَنْ رَأَی حَتَّی تَسْأَلَ (2) عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَوْلَانَا الْحَسَنَ بْنَ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَی سُرَّ مَنْ رَأَی، ثُمَّ جِئْنَا إِلَی بَابِ دَارِ مَوْلَانَا عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَاسْتَأْذَنَّا بِالدُّخُولِ (3) عَلَیْهِ فَأَذِنَ لَنَا، فَدَخَلْنَا الدَّارَ وَ كَانَ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ جِرَابٌ قَدْ سَتَرَهُ بِكِسَاءٍ طَبَرِیٍّ، وَ كَانَ فِیهِ مِائَةٌ وَ سِتُّونَ صُرَّةً مِنَ الذَّهَبِ وَ الْوَرِقِ، عَلَی كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَاتَمُ صَاحِبِهِا الَّذِی دَفَعَهَا إِلَیْهِ، وَ لَمَّا دَخَلْنَا وَ وَقَعَ أَعْیُنُنَا عَلَی وَجْهِ (4) أَبِی مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ كَانَ وَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَیْلَةَ الْبَدْرِ، وَ قَدْ رَأَیْنَا عَلَی فَخِذِهِ غُلَاماً یُشْبِهُ الْمُشْتَرِیَ فِی الْحُسْنِ وَ الْجَمَالِ ... (5).

فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَقَالَ: سَلْ (6) قُرَّةَ عَیْنِی- وَ أَوْمَأَ إِلَی الْغُلَامِ- عَمَّا بَدَا لَكَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَنِی .. (7) ثُمَّ قَالَ مُبْتَدِئاً: یَا سَعْدُ (8)! إِنَّ مَنِ ادَّعَی أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ هُوَ خَصْمُكَ- ذَهَبَ بِمُخْتَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ نَفْسِهِ إِلَی الْغَارِ، فَإِنَّهُ خَافَ عَلَیْهِ كَمَا خَافَ عَلَی نَفْسِهِ، لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ الْخَلِیفَةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلَی أُمَّتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ یَكُنْ مِنْ حُكْمِ الِاخْتِفَاءِ أَنْ یَذْهَبَ بِغَیْرِهِ مَعَهُ، وَ إِنَّمَا أَنَامَ (9) عَلِیّاً

ص: 184


1- فی المصدر: جئ.
2- فی المصدر: نسأل.
3- لا توجد: بالدّخول، فی المصدر.
4- لا توجد: وجه، فی المصدر.
5- هنا زیادة مفصّلة أسقطها المصنّف هنا لعدم ارتباطها بما نحن فیه، و ذكرها بتمامها فی أبواب من رأی القائم علیه السّلام.
6- هذا نقل بالمعنی للنّصّ، و هو: قال: المسائل الّتی أردت أن تسأل عنها. قلت: علی حالها یا مولای. قال: سل ..
7- هنا حذف كلام لعدم ارتباطه بالمقام ..
8- فی الاحتجاج: ثمّ قال مولانا علیه السّلام: یا سعد ..
9- فی المصدر: أقام، بدلا من: أنام.

عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی مَبِیتِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ قُتِلَ لَا یَكُونَ مِنَ الْخَلَلِ بِقَتْلِهِ مَا یَكُونُ بِقَتْلِ أَبِی بَكْرٍ، لِأَنَّهُ یَكُونُ لِعَلِیٍّ مَنْ یَقُومُ مَقَامَهُ فِی الْأُمُورِ، أَ لَمْ تَنْقُضْ (1) عَلَیْهِ بِقَوْلِكَ:

أَ وَ لَسْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ النَّبِیَّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ الْخِلَافَةَ مِنْ بَعْدِی ثَلَاثُونَ سَنَةً؟! وَ صَیَّرَهَا مَوْقُوفَةً عَلَی أَعْمَارِ هَذِهِ (2) الْأَرْبَعَةِ، أَبِی بَكْرٍ، وَ عُمَرَ، وَ عُثْمَانَ، وَ عَلِیٍّ ..

فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَی مَذْهَبِكُمْ خُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟ فَإِنَّ خَصْمَكَ لَمْ یَجِدْ بُدّاً مِنْ قَوْلِهِ: بَلَی. ثُمَّ قُلْتَ: (3): فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَمَّا (4) كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلِیفَةَ مِنْ بَعْدِهِ كَانَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ خُلَفَاءَ أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ؟ فَلِمَ ذَهَبَ بِخَلِیفَةٍ وَحْدَهُ (5)

وَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ- إِلَی الْغَارِ وَ لَمْ یَذْهَبْ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَعَلَی هَذَا الْأَسَاسِ یَكُونُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مُسْتَخِفّاً بِهِمْ دُونَ أَبِی بَكْرٍ، فَإِنَّهُ یَجِبُ عَلَیْهِ أَنْ یَفْعَلَ (6) مَا فَعَلَ بِأَبِی بَكْرٍ، فَلَمَّا لَمْ یَفْعَلْ ذَلِكَ بِهِمْ یَكُونُ مُتَهَاوِناً بِحُقُوقِهِمْ، وَ تَارِكاً لِلشَّفَقَةِ عَلَیْهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانَ یَجِبُ عَلَیْهِ أَنْ یَفْعَلَ بِهِمْ (7) جَمِیعاً عَلَی تَرْتِیبِ خِلَافَتِهِمْ مَا فَعَلَ بِأَبِی بَكْرٍ.

وَ أَمَّا مَا قَالَ لَكَ الْخَصْمُ: بِأَنَّهُمَا أَسْلَمَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لِمَ (8) لَمْ تَقُلْ بَلْ إِنَّهُمَا أَسْلَمَا طَمَعاً، وَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا یُخَالِطَانِ مَعَ الْیَهُودِ وَ یُخْبَرَانِ (9) بِخُرُوجِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ اسْتِیلَائِهِ عَلَی الْعَرَبِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ (10) وَ مَلَاحِمِ قِصَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِ وَ آلِهِ

ص: 185


1- فی الاحتجاج: لم لا تنقض ..
2- فی المصدر: هؤلاء، بدل: هذه.
3- فی الاحتجاج: قلت له ..
4- فی المصدر: فكما.
5- فی الاحتجاج: واحد ..، و هو الظّاهر.
6- فی المصدر زیادة: بهم.
7- من قوله: ما فعل بأبی بكر .. إلی أن یفعل بهم، لا یوجد فی ك، و هو سطر واحد سقط من النّاسخ و جاء فی المصدر.
8- لا توجد: لم، فی س.
9- توجد نسخة فی ك: یخبرون.
10- فی المصدر: و الكتب المقدّسة.

السَّلَامُ، وَ یَقُولُونَ لَهُمَا: یَكُونُ اسْتِیلَاؤُهُ عَلَی الْعَرَبِ كَاسْتِیلَاءِ بُخْتَنَصَّرَ عَلَی بَنِی إِسْرَائِیلَ إِلَّا أَنَّهُ یَدَّعِی النُّبُوَّةَ وَ لَا یَكُونُ مِنَ النُّبُوَّةِ فِی شَیْ ءٍ، فَلَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ تَسَاعَدَا (1) مَعَهُ عَلَی شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ طَمَعاً أَنْ یَجِدَا مِنْ جِهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَلَایَةَ بَلَدٍ (2) إِذَا انْتَظَمَ أَمْرُهُ وَ حَسُنَ حَالُهُ (3)، وَ اسْتَقَامَتْ وَلَایَتُهُ، فَلَمَّا أَیِسَا مِنْ ذَلِكَ وَافَقَا (4) مَعَ أَمْثَالِهِمَا لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَ تَلَثَّمَا مِثْلَ مَنْ تَلَثَّمَ مِنْهُمْ، وَ نَفَرُوا (5) بِدَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِتُسْقِطَهُ وَ یَسِیرَ (6) هَالِكاً بِسُقُوطِهِ بَعْدَ أَنْ صَعِدَا الْعَقَبَةَ فِیمَنْ صَعِدَ، فَحَفِظَ اللَّهُ تَعَالَی نَبِیَّهُ مِنْ كَیْدِهِمْ وَ لَمْ یَقْدِرُوا أَنْ یَفْعَلُوا شَیْئاً، وَ كَانَ حَالُهُمَا كَحَالِ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ إِذْ جَاءَا عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ بَایَعَا طَمَعاً أَنْ یَكُونَ (7) لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَایَةٌ، فَلَمَّا لَمْ یَكُنْ (8) وَ أَیِسَا مِنَ الْوَلَایَةِ نَكَثَا بَیْعَتَهُ وَ خَرَجَا عَلَیْهِ حَتَّی آلَ أَمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَی مَا یَئُولُ أَمْرُ مَنْ یَنْكُثُ الْعُهُودَ وَ الْمَوَاثِیقَ.

أقول:

سیأتی الخبر بتمامه فی أبواب من رأی القائم علیه السلام (9).

«45»-فس (10): أَبِی، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ (11)، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ، عَنْ

ص: 186


1- فی س: لتساعدا، و فی المصدر: فساعدا.
2- فی الاحتجاج: من جهة ولایة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ولایة بلد ..
3- فی المصدر: و حسن باله.
4- هناك نسخة فی س: واقفا.
5- فی المصدر: فنفروا.
6- فی الاحتجاج: و یصیر، و هو الظّاهر.
7- فی المصدر: و بایعاه طمعا أن تكون ..
8- فی الاحتجاج: لم یكن ذلك ..
9- بحار الأنوار 52- 78- 90 باب 12.
10- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 63- 64.
11- فی المصدر: عن الحسن بن محبوب بن سعید.

أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِلَّا وَ فِی وَقْتِهِ شَیْطَانَانِ یُؤْذِیَانِهِ وَ یَفْتِنَانِهِ وَ یُضِلَّانِ النَّاسَ بَعْدَهُ (1)، فَأَمَّا الْخَمْسَةُ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، نُوحٌ، وَ إِبْرَاهِیمُ، وَ مُوسَی، وَ عِیسَی، وَ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِمْ (2)، وَ أَمَّا صَاحِبَا نُوحٍ، فقیطیفوس (3) وَ خرام، وَ أَمَّا صَاحِبَا إِبْرَاهِیمَ، فمكیل (4) وَ رذام (5)، وَ أَمَّا صَاحِبَا مُوسَی، فَالسَّامِرِیُّ وَ مرعقیبا، وَ أَمَّا صَاحِبَا عِیسَی، فمولس (6) وَ مریسان (7)، وَ أَمَّا صَاحِبَا مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَحَبْتَرٌ وَ زُرَیْقٌ.

وَ رَوَاهُ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ (8) عَنْ أَبِیهِ، عَنِ الْحُسَیْنِ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ.

«46»-یَرَ (9): ابْنُ یَزِیدَ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ، عَنْ بُرَیْدٍ الْعِجْلِیِّ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیباً مِنَ الْكِتابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ (10) فُلَانٍ وَ فُلَانٍ، وَ یَقُولُونَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدی مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلًا (11) لِأَئِمَّةِ الضَّلَالِ وَ الدُّعَاةِ

ص: 187


1- ثمّ قال فی التّفسیر: و قد ذكرنا هذا الحدیث فی تفسیر: «وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِیٍّ» ... فی سورة الأنعام.
2- من قوله: فأمّا الخمسة ... إلی هنا، لا یوجد فی المطبوع من المصدر، و باقی الرّوایة جاءت فی 1- 214 الآتیة.
3- جاء الاسم فی ك: فقیطیوفولین، و فی المصدر: فقنطیفوص، و نسخة هناك: فغنطیغوص.
4- جعلها فی المصدر نسخة و ذكر فی المتن: فمكثل.
5- فی التّفسیر: و رزام.
6- نسخة فی حاشیة ك: فبولیس، و فی متن المصدر: فبولس، و نسخة فیه: یرلیس، و نسخة أخری فیه: یرلیش.
7- فی المصدر: مرثیون، و ذكر نسخة فیه: مریبون.
8- تفسیر القمّیّ 1- 214، و فیه ما ذكرناه سلفا.
9- بصائر الدّرجات 1- 54 حدیث 3، بتفصیل فی أسماء السّند.
10- النّساء: 51.
11- النّساء: 52.

إِلَی النَّارِ، هَؤُلَاءِ أَهْدَی مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَوْلِیَائِهِمْ سَبِیلًا، أُولئِكَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ یَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِیراً أَمْ لَهُمْ نَصِیبٌ مِنَ الْمُلْكِ (1)

یَعْنِی الْإِمَامَةَ وَ الْخِلَافَةَ- فَإِذاً لا یُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِیراً (2) نَحْنُ النَّاسُ الَّذِی عَنَی اللَّهُ (3).

«47»-ثو (4): أَبِی، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِی عِیسَی، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِی خَدِیجَةَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: یُؤْتَی یَوْمَ الْقِیَامَةِ بِإِبْلِیسَ لَعَنَهُ (5) اللَّهُ مَعَ مُضِلِّ (6) هَذِهِ الْأُمَّةِ فِی زِمَامَیْنِ غِلَظُهُمَا مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ فَیُسْحَبَانِ عَلَی وُجُوهِهِمَا فَیُسَدُّ بِهِمَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ.

«48»-ثو (7): أَبِی، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِی الْجَارُودِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

أَخْبِرْنِی بِأَوَّلِ مَنْ یَدْخُلُ النَّارَ؟. قَالَ: إِبْلِیسُ وَ رَجُلٌ عَنْ یَمِینِهِ وَ رَجُلٌ (8) عَنْ یَسَارِهِ..

«49»-ثو (9): ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ، عَنِ الْأَشْعَرِیِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِیرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ الْأَرَّجَانِیِّ، قَالَ: صَحِبْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی طَرِیقِ مَكَّةَ مِنَ الْمَدِینَةِ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا یُقَالُ لَهُ: عُسْفَانَ (10) ثُمَّ مَرَرْنَا بِجَبَلٍ أَسْوَدَ- عَلَی یَسَارِ

ص: 188


1- النّساء: 52.
2- النّساء: 53.
3- انظر: تفسیر البرهان 1- 376 و ما بعدها.
4- ثواب الأعمال 2- 249 باب 9 حدیث 9، بتفصیل فی الإسناد.
5- فی س: لعنهم.
6- فی س قد تقرأ: فصلّ و نصل، و لا معنی لهما.
7- ثواب الأعمال 2- 255- 256 باب 12 حدیث 2، بتفصیل فی الإسناد.
8- فی س: رجلا. و لعلّه: رجلان.
9- ثواب الأعمال 2- 258 باب 13 حدیث 6، بتفصیل فی الإسناد.
10- فی س: غسقان.

الطَّرِیقِ- وَحْشٍ، فَقُلْتُ: یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! مَا أَوْحَشَ هَذَا الْجَبَلَ؟! مَا رَأَیْتُ فِی الطَّرِیقِ جَبَلًا مِثْلَهُ؟!. فَقَالَ: یَا ابْنَ بَكْرٍ! أَ تَدْرِی أَیُّ جَبَلٍ هَذَا؟ هَذَا جَبَلٌ یُقَالُ لَهُ: الْكَمَدُ، وَ هُوَ عَلَی وَادٍ مِنْ أَوْدِیَةِ جَهَنَّمَ، فِیهِ قَتَلَةُ أَبِی الْحُسَیْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ، اسْتَوْدَعَهُمُ اللَّهُ فِیهِ، تَجْرِی (1) مِنْ تَحْتِهِ مِیَاهُ جَهَنَّمَ مِنَ الْغِسْلِینِ وَ الصَّدِیدِ وَ الْحَمِیمِ الْآنِ (2)، وَ مَا یَخْرُجُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَ مَا یَخْرُجُ مِنْ طِینَةِ خَبَالٍ، وَ مَا یَخْرُجُ مِنْ لَظَی، وَ مَا یَخْرُجُ مِنَ الْحُطَمَةِ، وَ مَا یَخْرُجُ مِنْ سَقَرَ، وَ مَا یَخْرُجُ مِنَ الْجَحِیمِ، وَ مَا یَخْرُجُ مِنَ الْهَاوِیَةِ، وَ مَا یَخْرُجُ مِنَ السَّعِیرِ، وَ مَا مَرَرْتُ بِهَذَا الْجَبَلِ فِی مَسِیرِی فَوَقَفْتُ إِلَّا رَأَیْتُهُمَا یَسْتَغِیثَانِ وَ یَتَضَرَّعَانِ، وَ إِنِّی لَأَنْظُرُ إِلَی قَتَلَةِ أَبِی فَأَقُولُ لَهُمَا: إِنَّ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا فَعَلُوا لِمَا أَسَّسْتُمَا (3) لَمْ تَرْحَمُونَا إِذْ وُلِّیتُمْ وَ قَتَلْتُمُونَا وَ حَرَمْتُمُونَا وَ وَثَبْتُمْ عَلَی حَقِّنَا وَ اسْتَبْدَدْتُمْ بِالْأَمْرِ دُونَنَا، فَلَا رَحِمَ اللَّهُ مَنْ رَحِمَكُمَا (4)، ذُوقَا وَبَالَ مَا صَنَعْتُمَا وَ مَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ.

«50»-مل (5): مُحَمَّدٌ الْحِمْیَرِیُّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْأَرَّجَانِیِّ مِثْلَهُ .. وَ زَادَ فِی آخِرِهِ:

وَ أَشَدُّهُمَا تَضَرُّعاً وَ اسْتِكَانَةً الثَّانِی، فَرُبَّمَا وَقَفْتُ عَلَیْهِمَا لِیَسْأَلَا عَنْ (6) بَعْضِ مَا فِی قَلْبِی، وَ رُبَّمَا طَوَیْتُ الْجَبَلَ الَّذِی هُمَا فِیهِ- وَ هُوَ جَبَلُ الْكَمَدِ-.

قَالَ: قُلْتُ (7): جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإِذَا طَوَیْتَ الْجَبَلَ فَمَا تَسْمَعُ؟.

ص: 189


1- لا توجد: فیه، فی المصدر، و فیه: یجری.
2- اقتباس من قوله تعالی: «حَمِیمٍ آنٍ».
3- فی كامل الزّیارات: ما أسّستما.
4- فی ثواب الأعمال: فلا یرحم اللّٰه من یرحمكما.
5- كامل الزّیارات: 326- 327 باب 108 حدیث 2، بتفصیل فی الإسناد و اختلاف.
6- فی المصدر: لیتسلی عنّی ..
7- فی الكامل: قلت له.

قَالَ: أَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمَا یُنَادِیَانِ: عَرِّجْ عَلَیْنَا نُكَلِّمْكَ فَإِنَّا نَتُوبُ، وَ أَسْمَعُ مِنَ الْجَبَلِ صَارِخاً یَصْرَخُ بِی أَجِبْهُمَا وَ قُلْ لَهُمَا: اخْسَؤُا فِیها وَ لا تُكَلِّمُونِ (1).

قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَ مَنْ مَعَهُمْ؟.

قَالَ: كُلُّ فِرْعَوْنٍ عَتَا عَلَی اللَّهِ وَ حَكَی اللَّهُ عَنْهُ فِعَالَهُ، وَ كُلُّ مَنْ عَلَّمَ الْعِبَادَ الْكُفْرَ.

قُلْتُ (2): مَنْ هُمْ؟.

قَالَ: نَحْوُ بُولَسَ (3) الَّذِی عَلَّمَ الْیَهُودَ أَنَّ یَدَ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ (4)، وَ نَحْوُ نَسْطُورَ الَّذِی عَلَّمَ النَّصَارَی أَنَّ الْمَسِیحَ (5) ابْنُ اللَّهِ (6)، وَ قَالَ لَهُمْ: هُمْ ثَلَاثَةٌ، وَ نَحْوُ فِرْعَوْنِ مُوسَی الَّذِی قَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلی (7)، وَ نَحْوُ نُمْرُودَ الَّذِی قَالَ:

قَهَرْتُ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ قَتَلْتُ مَنْ فِی السَّمَاءِ، وَ قَاتِلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ قَاتِلِ فَاطِمَةَ وَ مُحَسِّنٍ (8)، وَ قَاتِلِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، وَ أَمَّا (9) مُعَاوِیَةُ وَ رُمَعُ (10) فَمَا یَطْمَعَانِ فِی الْخَلَاصِ، مَعَهُمَا مَنْ (11) نَصَبَ لَنَا الْعَدَاوَةَ وَ أَعَانَ عَلَیْنَا بِلِسَانِهِ وَ یَدِهِ وَ مَالِهِ.

قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَنْتَ تَسْمَعُ ذَا كُلَّهُ وَ لَا تَفْزَعُ؟.

ص: 190


1- المؤمنون: 108.
2- فی المصدر: فقلت.
3- فی س: یولس.
4- المائدة: 64.
5- فی كامل الزّیارات: أنّ عیسی المسیح.
6- التّوبة: 30.
7- النّازعات: 24.
8- فی ك علی كلمة: محسّن، رمز نسخة بدل.
9- فی المصدر: فأمّا.
10- فی المصدر: و عمرو. و كتب فی حاشیته: أنّه ابن العاص، كما فی روایة المفید فی الاختصاص، و هو الظّاهر.
11- فی كامل الزّیارات: و معهم كلّ من.

قَالَ: یَا ابْنَ بَكْرٍ! إِنَّ قُلُوبَنَا غَیْرُ قُلُوبِ النَّاسِ، إِنَّا مُصَفَّوْنَ (1) مُصْطَفَوْنَ نَرَی مَا لَا یَرَی النَّاسُ وَ نَسْمَعُ مَا لَا یَسْمَعُونَ (2).

أقول:

تمامه فی باب غرائب أحوالهم علیهم السلام من كتاب الإمامة (3).

«51»-ثو (4): أَحْمَدُ بْنُ الصَّقْرِ (5)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ بَسَّامٍ (6)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَزْدَادَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ سَیَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ السَّلُولِیِّ، عَنْ نَجِیحٍ الْمُزَنِیِّ (7)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَیْسٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرْطِیِّ (8) وَ عُمَارَةَ بْنِ غَزِیَّةَ (9) وَ سَعِیدِ بْنِ أَبِی مَعَدٍّ الْمُقْرِی (10) وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی مَلِیكَةَ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ مَشِیخَةِ أَهْلِ الْمَدِینَةِ، قَالُوا: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ یَقُولُ: وَ اللَّهِ مَا مَاتَ مُحَمَّدٌ وَ إِنَّمَا غَابَ كَغَیْبَةِ مُوسَی عَنْ قَوْمِهِ، وَ إِنَّهُ سَیَظْهَرُ بَعْدَ غَیْبَتِهِ، فَمَا زَالَ یُرَدِّدُ هَذَا الْقَوْلَ وَ یُكَرِّرُهُ حَتَّی ظَنَّ النَّاسُ أَنَّ عَقْلَهُ قَدْ ذَهَبَ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ- وَ قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَیْهِ یَتَعَجَّبُونَ مِنْ قَوْلِهِ- فَقَالَ: ارْبَعْ عَلَی نَفْسِكَ- یَا عُمَرُ!- مِنْ یَمِینِكَ الَّتِی تَحْلِفَ بِهَا، فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِی كِتَابِهِ، فَقَالَ:

یَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (11). فَقَالَ عُمَرُ: وَ إِنَّ هَذِهِ الْآیَةَ فِی كِتَابِ اللَّهِ

ص: 191


1- فی المصدر: إنّا مطیعون مصفّون مصطفون.
2- فی الكامل: ما لا یسمع النّاس ..، و للحدیث ذیل یلاحظ.
3- بحار الأنوار 25- 372- 376. و جاء أیضا عنه فی بحار الأنوار 6- 288 حدیث 10.
4- لا توجد الرّوایة فی ثواب الأعمال و لا عقاب الأعمال، و قد وجدناها فی كتابه الآخر: كمال الدّین و تمام النّعمة 1- 30- 32.
5- فی س: الصفر، و فی كمال الدّین: أحمد بن محمّد الصّقر الصّائغ العدل.
6- فی الإكمال: ابن بسّام.
7- فی إكمال الدّین: أبو معشر نجیح المدنیّ ..
8- فی الإكمال: القرظیّ.
9- فی ك نسخة بدل: عزیّة.
10- فی إكمال الدّین: سعید بن أبی سعید المقبریّ.
11- الزّمر: 30.

یَا أَبَا بَكْرٍ؟! فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ (1)، أَشْهَدُ بِاللَّهِ (2) لَقَدْ ذَاقَ مُحَمَّدٌ الْمَوْتَ وَ لَمْ یَكُنْ عُمَرُ جَمَعَ الْقُرْآنَ.

«52»-یر (3): أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ، عَنْ أَبِی الصَّخْرِ (4)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِی (5) عَلَی ابْنِ عِیسَی (6) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی طَاهِرٍ الْعَلَوِیِّ، قَالَ أَبُو الصَّخْرِ: فَأَظُنُّهُ مِنْ وُلْدِ عُمَرَ بْنِ عَلِیٍّ، قَالَ: وَ كَانَ أَبُو طَاهِرٍ فِی دَارِ الصَّیْدِیِّینَ نَازِلًا، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَیْهِ عِنْدَ الْعَصْرِ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ رَكْوَةٌ مِنْ مَاءٍ وَ هُوَ یَتَمَسَّحُ، فَسَلَّمْتُ عَلَیْهِ، فَرَدَّ عَلَیْنَا السَّلَامَ، ثُمَّ ابْتَدَأَنَا فَقَالَ: مَعَكُمْ أَحَدٌ؟. فَقُلْنَا: لَا. ثُمَّ الْتَفَتَ یَمِیناً وَ شِمَالًا هَلْ یَرَی (7)أَحَداً، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِی أَبِی عَنْ جَدِّی أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بِمِنًی- وَ هُوَ یَرْمِی الْجَمَرَاتِ- وَ إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ رَمَی الْجَمَرَاتِ قَالَ: فَاسْتَتَمَّهَا ثُمَّ بَقِیَ فِی یَدِهِ بَعْدُ (8) خَمْسُ حَصَیَاتٍ، فَرَمَی اثْنَتَیْنِ فِی نَاحِیَةٍ وَ ثَلَاثَةً فِی نَاحِیَةٍ، فَقَالَ لَهُ جَدِّی: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَقَدْ رَأَیْتُكَ صَنَعْتَ شَیْئاً مَا صَنَعَهُ أَحَدٌ قَطُّ، رَأَیْتُكَ رَمَیْتَ الْجَمَرَاتِ ثُمَّ رَمَیْتَ بِخَمْسَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، ثَلَاثَةٍ فِی نَاحِیَةٍ، وَ اثْنَتَیْنِ فِی نَاحِیَةٍ.

قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَانَ كُلَّ مَوْسِمٍ (9) أُخْرِجَ الْفَاسِقَانِ الْغَاصِبَانِ ثُمَّ یُفَرَّقُ بَیْنَهُمَا هَاهُنَا لَا یَرَاهُمَا إِلَّا إِمَامٌ عَدْلٌ، فَرَمَیْتُ الْأَوَّلَ اثْنَتَیْنِ وَ الْآخَرَ ثَلَاثَةً، لِأَنَّ الْآخَرَ أَخْبَثُ

ص: 192


1- لا توجد: الحمد للّٰه، فی المصدر.
2- وضع علی: أشهد باللّٰه، فی ك رمز نسخة بدل.
3- بصائر الدّرجات 6- 306 حدیث 8.
4- فی المصدر: أبی الصّخرة، و ما فی المتن أصحّ لما یأتی.
5- فی البصائر: من أصحابنا.
6- فی س: علی عیسی. و هی نسخة فی ك.
7- فی المصدر: لا یری.
8- وضع علی: بعد، رمز نسخة بدل فی ك.
9- فی س: إذا كان فی الموسم.

مِنَ الْأَوَّلِ (1).

«53»-ختص (2): أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبِی الصَّخْرِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِیمِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ رَجُلٍ كَانَ یَكُونُ (3) فِی جِبَایَةِ (4) مَأْمُونٍ قَالَ: دَخَلْتُ ... وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ، وَ فِیهِ: أُخْرِجَا الْفَاسِقَانِ (5) غَضَّیْنِ طَرِیَّیْنِ فَصُلِبَا هَاهُنَا لَا یَرَاهُمَا إِلَّا إِمَامٌ عَدْلٌ.

«54»- یَرَ (6): ابْنُ عِیسَی وَ ابْنُ أَبِی الْخَطَّابِ مَعاً، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ، عَنِ الْكُنَاسِیِّ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی الْغَارِ وَ مَعَهُ أَبُو الْفَصِیلِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنِّی لَأَنْظُرُ الْآنَ إِلَی جَعْفَرٍ وَ أَصْحَابِهِ السَّاعَةَ تَعُومُ (7) بینهم [بِهِمْ] سَفِینَتُهُمْ فِی الْبَحْرِ، وَ إِنِّی لَأَنْظُرُ إِلَی رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِی مَجَالِسِهِمْ مُحْتَبِینَ (8) بِأَفْنِیَتِهِمْ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْفَصِیلِ:

أَ تَرَاهُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ السَّاعَةَ؟!. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ (9): فَأَرِنِیهِمْ. قَالَ: فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی عَیْنَیْهِ ثُمَّ قَالَ: انْظُرْ. فَنَظَرَ فَرَآهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَ رَأَیْتَهُمْ؟. قَالَ: نَعَمْ. وَ أَسَرَّ (10) فِی نَفْسِهِ أَنَّهُ سَاحِرٌ.

ص: 193


1- و جاء فی المحتضر للحسن بن سلیمان الحلّیّ: 13- 14.
2- الاختصاص: 277، مع تفصیل فی الإسناد.
3- لا توجد: یكون، فی المصدر، و هو الظّاهر.
4- أی من یجمعون الزّكاة من الأطراف.
5- كذا ورد فی المصدر أیضا و البصائر.
6- بصائر الدّرجات 9- 442 باب 1 حدیث 13، و جاء السّند فیه: أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسین، عن الحسن بن محبوب، عن علیّ بن رئاب، عن زیاد الكناسیّ.
7- فی ك: تقوم. و فی هامش المصدر: تغوم بهم، كذا فی البحار. أقول: تعوم .. أی تسیر، كما فی القاموس 4- 155، و فی المصدر: تغوم. قال فی المصباح المنیر 2- 626: غال غولا- من باب قال-: أهلكه. و لعلّ النّقطة علی العین فی المصدر زائدة.
8- فی المصدر: مخبتین، و فی ك: محبئین.
9- لا توجد: قال، فی المصدر، و فی س من البحار.
10- فی س: و أصرّ.

بیان: الفصیل: ولد النّاقة إذا فصل عن أمّه (1)، (2).

«55»-یر (3): مُوسَی بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی، عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِیحٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، سَمَّی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَبَا بَكْرٍ: الصِّدِّیقَ؟. قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَكَیْفَ؟. قَالَ: حِینَ (4)كَانَ مَعَهُ فِی الْغَارِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنِّی لَأَرَی سَفِینَةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (عَلَیْهِ السَّلَامُ) تَضْطَرِبُ فِی الْبَحْرِ ضَالَّةً. قَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! وَ إِنَّكَ لَتَرَاهَا؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَقْدِرُ أَنْ تُرِیَنِیهَا؟. قَالَ: ادْنُ مِنِّی. قَالَ (5): فَدَنَا مِنْهُ، فَمَسَحَ عَلَی عَیْنَیْهِ، ثُمَّ قَالَ: انْظُرْ، فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَی السَّفِینَةَ وَ هِیَ تَضْطَرِبُ فِی الْبَحْرِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَی قُصُورِ أَهْلِ الْمَدِینَةِ فَقَالَ فِی نَفْسِهِ: الْآنَ صَدَّقْتُ أَنَّكَ سَاحِرٌ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: الصِّدِّیقُ أَنْتَ.

«56»-خص (6): سَعْدٌ، عَنْ مُوسَی بْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، وَ زَادَ فِی آخِرِهِ: فَقُلْتُ (7) لِمَ سَمَّی عُمَرَ: الْفَارُوقَ؟. قَالَ: نَعَمْ، أَ لَا تَرَی أَنَّهُ قَدْ فَرَّقَ بَیْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ وَ أَخَذَ النَّاسُ بِالْبَاطِلِ. فَقُلْتُ: فَلِمَ سَمَّی سَالِماً: الْأَمِینَ؟. قَالَ: لَمَّا كَتَبُوا الْكُتُبَ وَضَعُوهَا عَلَی یَدِ سَالِمٍ فَصَارَ الْأَمِینَ. قُلْتُ: فَقَالَ: اتَّقُوا دَعْوَةَ سَعْدٍ. قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَ كَیْفَ ذَلِكَ؟. قَالَ: إِنَّ سَعْداً یَكُرُّ فَیُقَاتِلُ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ..

ص: 194


1- كما فی مجمع البحرین 5- 442، و لسان العرب 11- 522، و تاج العروس 8- 59.
2- ذكره فی النهایة 1- 149، و تاج العروس 3- 57، و لسان العرب 4- 79، و الصحاح 2- 595.
3- بصائر الدّرجات 9- 442 باب 1 حدیث 14.
4- لا توجد: حین، فی س.
5- لا توجد: قال، فی ك.
6- مختصر البصائر: 29.
7- لا توجد: فقلت فی س.

بیان: قوله صلّی اللّٰه علیه و آله: الصدّیق أنت .. علی التهكّم، أو علی الاستفهام الإنكاری.

«57»-یر (1): مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّالِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّیِّ الْحَذَّاءِ، عَنْ سَوَادَةَ أَبِی عَلِیٍّ (2)، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِلْحَارِثِ الْأَعْوَرِ- وَ هُوَ عِنْدَهُ-: هَلْ تَرَی مَا أَرَی؟. فَقَالَ:

كَیْفَ أَرَی مَا تَرَی وَ قَدْ نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ وَ أَعْطَاكَ مَا لَمْ یُعْطِ أَحَداً؟.

قَالَ: هَذَا فُلَانٌ- الْأَوَّلُ- عَلَی تُرْعَةٍ (3) مِنْ تُرَعِ النَّارِ یَقُولُ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! اسْتَغْفِرْ لِی، لَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ. قَالَ (4): فَمَكَثَ هُنَیْئَةً ثُمَّ قَالَ: یَا حَارِثُ! هَلْ تَرَی مَا أَرَی؟. فَقَالَ: وَ كَیْفَ أَرَی مَا تَرَی وَ قَدْ نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ وَ أَعْطَاكَ مَا لَمْ یُعْطِ أَحَداً (5).

قَالَ: هَذَا فُلَانٌ- الثَّانِی- عَلَی تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ النَّارِ یَقُولُ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! اسْتَغْفِرْ لِی، لَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ..

«58»-یر (6): مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَیْنِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ (7)الْحُسَیْنِ، عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ بَلْدَةً خَلْفَ الْمَغْرِبِ یُقَالُ لَهَا: جَابَلْقَا، وَ فِی جَابَلْقَا سَبْعُونَ

ص: 195


1- بصائر الدّرجات، الجزء التّاسع: 441 باب 1 حدیث 11.
2- فی المصدر: أبی یعلی.
3- فی س جاء: نزعة من نزع، و لعلّها اشتباه، و التّرعة- بالضّمّ-: الباب جمعها ترع- كصرد-: قاله فی القاموس 3- 9، و قال فیه فی صفحة: 88: التّرعة: الطّریق فی الجبل.
4- لا توجد: قال، فی ك.
5- فی المصدر لا یوجد: أحدا.
6- بصائر الدّرجات، الجزء العاشر: 510 باب 14 حدیث 1.
7- جاء فی حاشیة ك: علیّ بن .. و بعدها صحّ و لم یعلّم علی محلّها، و محلّها هنا: أی عن علیّ بن الحسین، و كذا جاءت فی المصدر.

أَلْفَ أُمَّةٍ لَیْسَ مِنْهَا (1) أُمَّةٌ إِلَّا مِثْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَمَا عَصَوُا اللَّهَ طَرْفَةَ عَیْنٍ، فَمَا یَعْمَلُونَ عَمَلًا وَ لَا یَقُولُونَ قَوْلًا إِلَّا الدُّعَاءَ عَلَی الْأَوَّلَیْنِ وَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا، وَ الْوَلَایَةَ لِأَهْلِ بَیْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

«59»-یر (2): یَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْحِمْیَرِیُّ (3)، عَنْ أَبِی عِمْرَانَ الْأَرْمَنِیِّ (4) عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ الْجَارُودِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرَاءِ أَرْضِكُمْ هَذِهِ أَرْضاً بَیْضَاءَ ضَوْؤُهَا مِنْهَا، فِیهَا خَلْقُ اللَّهِ یَعْبُدُونَ اللَّهَ وَ (5)لَا یُشْرِكُونَ بِهِ شَیْئاً، یَتَبَرَّءُونَ (6)مِنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.

«60»-یر (7): أَحْمَدُ بْنُ مُوسَی، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرَاءِ عَیْنِ شَمْسِكُمْ هَذِهِ أَرْبَعِینَ عَیْنَ شَمْسٍ فِیهَا خَلْقٌ كَثِیرٌ، وَ إِنَّ مِنْ وَرَاءِ قَمَرِكُمْ أَرْبَعِینَ قَمَراً فِیهَا خَلْقٌ كَثِیرٌ، لَا یَدْرُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ أَمْ لَمْ یَخْلُقْهُ، أُلْهِمُوا إِلْهَاماً لَعْنَةَ .. فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.

«61»-یر (8): سَلَمَةُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ، عَنْ یَقْطِینٍ الْجَوَالِیقِیِّ، عَنْ قَلْقَلَةَ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ جَبَلًا مُحِیطاً بِالدُّنْیَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ (9)، وَ إِنَّمَا خُضْرَةُ السَّمَاءِ مِنْ خُضْرَةِ ذَلِكَ

ص: 196


1- فی ك: فیها.
2- بصائر الدّرجات، الجزء العاشر: 510 باب 14 حدیث 2.
3- فی المصدر: الجریریّ.
4- جاء فی ك: الأعمری، و ذكر فی الحاشیة: الأرمنیّ، نسخة بدل.
5- لا توجد الواو فی المصدر.
6- فی ك: و یتبرّءون.
7- بصائر الدّرجات، الجزء العاشر: 510 باب 14 حدیث 3.
8- بصائر الدّرجات، الجزء العاشر: 512 باب 14 حدیث 6، بتفصیل فی الإسناد.
9- فی المصدر: خضر.

الْجَبَلِ، وَ خَلَقَ خَلْفَهُ (1) خَلْقاً لَمْ یَفْرِضْ (2) عَلَیْهِمْ شَیْئاً مِمَّا افْتَرَضَ عَلَی خَلْقِهِ مِنْ صَلَاةٍ وَ زَكَاةٍ، وَ كُلُّهُمْ یَلْعَنُ رَجُلَیْنِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ .. وَ سَمَّاهُمَا.

«62»-یر (3): أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَیْنِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ رِئَابٍ (4) عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ الدِّهْقَانِ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ .. مِثْلَهُ.

أقول:

- رَوَی الْحَسَنُ (5) بْنُ سُلَیْمَانَ فِی كِتَابِ الْمُخْتَصَرِ (6) مِنْ بَصَائِرِ سَعْدٍ ..

مِثْلَهُ (7).

وَ رَوَی أَیْضاً عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَیْنِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الرَّیَّانِ (8)، عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ الدِّهْقَانِ، عَنِ الرِّضَا عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ خَلْفَ (9) هَذَا النِّطَاقِ زَبَرْجَدَةً خَضْرَاءَ، فَبِالْخُضْرَةِ مِنْهَا خَضِرَتِ السَّمَاءُ (10)، قُلْتُ: وَ مَا النِّطَاقُ؟. قَالَ: الْحِجَابُ، وَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَرَاءَ ذَلِكَ سَبْعُونَ أَلْفَ عَالَمٍ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ

ص: 197


1- لا توجد: خلفه، فی المصدر.
2- فی المصدر و فی نسخة جاءت فی ك: و لم یفرض.
3- بصائر الدّرجات، الجزء العاشر: 516 حدیث 7، باختلاف فی السّند و تقارب فی المضمون، و سیأتی ذكره بعد قلیل.
4- فی المصدر: علیّ بن زیّات.
5- فی مطبوع البحار: الحسین، و هو غلط.
6- فی ك: المحتضر. أقول: لنا كتابان المختصر و المحتضر و كلاهما للحسن بن سلیمان الحلّیّ، و قد وردت الرّوایة فیهما.
7- مختصر البصائر: 11، و كتاب المحتضر: 161.
8- فی المصدر: علیّ بن زیّات.
9- فی البصائر: خلق، بدلا من: خلف.
10- فی البصائر: فمن خضرتها اخضرّت السّماء.

الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ، وَ كُلٌّ (1) یَلْعَنُ .. فُلَاناً وَ فُلَاناً (2)..

بیان: النّطاق- ككتاب-: شقّة تلبسها المرأة و تشدّ وسطها (3)، و أطلق علی الحجاب مجازا.

«63»-یر (4): أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِی یَحْیَی الْوَاسِطِیِّ، عَنْ دُرُسْتَ، عَنْ عَجْلَانَ أَبِی صَالِحٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ:

جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذِهِ قُبَّةُ آدَمَ؟. قَالَ: نَعَمْ، وَ فِیهِ قِبَابٌ كَثِیرَةٌ، إِنَّ خَلْفَ مَغْرِبِكُمْ هَذِهِ (5) تِسْعَةً وَ ثَلَاثِینَ مَغْرِباً أَرْضاً بَیْضَاءَ مَمْلُوءَةً خَلْقاً یَسْتَضِیئُونَ بِنُورِهَا لَمْ یَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَیْنٍ، مَا یَدْرُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ أَمْ لَمْ یَخْلُقْهُ، یَتَبَرَّءُونَ مِنْ .. فُلَانٍ وَ فُلَانٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ..

«64»-یر (6) مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِی یَحْیَی الْوَاسِطِیِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ، عَنْ عَجْلَانَ أَبِی صَالِحٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ قُبَّةِ آدَمَ، فَقُلْتُ (7): هَذِهِ قُبَّةُ آدَمَ (8)؟. فَقَالَ: نَعَمْ، وَ لِلَّهِ قِبَابٌ كَثِیرَةٌ، أَمَا إِنَّ خَلْفَ مَغْرِبِكُمْ هَذِهِ (9) تِسْعَةً وَ ثَلَاثِینَ مَغْرِباً أَرْضاً بَیْضَاءَ وَ (10) مَمْلُوَّةً خَلْقاً یَسْتَضِیئُونَ بِنُورِهَا (11) لَمْ

ص: 198


1- فی البصائر: و كلّهم.
2- رواه الحسن بن سلیمان فی كتابیه: مختصر البصائر: 12، و المحتضر: 161.
3- ذكره فی مجمع البحرین 5- 239، و لسان العرب 10- 355، و الصحاح 4- 1559.
4- بصائر الدّرجات، الجزء العاشر: 513 باب 14 حدیث 10.
5- فی المصدر: هذا، و هی نسخة فی ك.
6- بصائر الدّرجات، الجزء العاشر: 513 باب 14 حدیث 8.
7- فی المصدر: فقلت له.
8- لا توجد كلمة: آدم فی ك.
9- فی المصدر: هذا.
10- وضع علی الواو فی س رمز نسخة بدل.
11- فی البصائر: بنورنا.

یَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَیْنٍ، لَا یَدْرُونَ أَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَمْ لَمْ یَخْلُقْهُ، یَتَبَرَّءُونَ (1) مِنْ .. فُلَانٍ وَ فُلَانٍ، قِیلَ لَهُ: كَیْفَ هَذَا یَتَبَرَّءُونَ مِنْ .. فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ هُمْ لَا یَدْرُونَ أَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَمْ لَمْ یَخْلُقْهُ؟. فَقَالَ- لِلسَّائِلِ عَنْهُ-: أَ تَعْرِفُ إِبْلِیسَ؟. قَالَ: لَا، إِلَّا بِالْخَبَرِ.

قَالَ: فَأُمِرْتَ بِاللَّعْنَةِ وَ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ؟. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ (2): فَكَذَلِكَ أُمِرَ هَؤُلَاءِ..

أقول:

- رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُلَیْمَانَ مِنْ بَصَائِرِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ (3).

«65»-یر (4): مُحَمَّدُ بْنُ عِیسَی، عَنْ یُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ جَابِرٍ (5) عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ سَمِعْتُ (6) یَقُولُ: إِنَّ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ أَرْبَعِینَ عَیْنَ شَمْسٍ مَا بَیْنَ شَمْسٍ إِلَی شَمْسٍ أَرْبَعُونَ عَاماً فِیهَا خَلْقٌ كَثِیرٌ مَا یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ أَوْ لَمْ یَخْلُقْهُ، وَ إِنَّ مِنْ وَرَاءِ قَمَرِكُمْ هَذَا أَرْبَعِینَ قَمَراً مَا بَیْنَ قَمَرٍ إِلَی قَمَرٍ مَسِیرَةُ أَرْبَعِینَ یَوْماً فِیهَا خَلْقٌ كَثِیرٌ مَا یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ أَوْ لَمْ یَخْلُقْهُ، قَدْ أُلْهِمُوا كَمَا أُلْهِمَتِ النَّحْلُ لَعْنةَ الْأَوَّلِ وَ الثَّانِی فِی كُلِّ وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَ قَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَلَائِكَةٌ مَتَی مَا لَمْ یَلْعَنُوهُمَا عُذِّبُوا.

«66»-یج (7): رَوَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَیْدٍ، عَنْ یَزِیدَ بْنِ خَلِیفَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَاعِداً فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقُمِّیِّینَ (8): أَ تُصَلِّی النِّسَاءُ عَلَی الْجَنَائِزِ؟. فَقَالَ: إِنَّ الْمُغِیرَةَ بْنَ أَبِی الْعَاصِ ادَّعَی

ص: 199


1- فی المصدر: یبرءون.
2- لا توجد: قال، فی ك.
3- مختصر البصائر: 12.
4- بصائر الدّرجات، الجزء العاشر: 513 باب 14 حدیث 9.
5- لا یوجد: عن جابر، فی المصدر.
6- فی البصائر: سمعته.
7- الخرائج و الجرائح 1- 94 حدیث 156- تحقیق مدرسة الإمام المهدیّ علیه السلام النّسخة الخطّیّة: 20.
8- فی المصدر: قال.

أَنَّهُ رَمَی رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَكُسِرَتْ (1) رَبَاعِیَتُهُ وَ شَقَّ شَفَتَیْهِ وَ كَذَبَ، وَ ادَّعَی أَنَّهُ قَتَلَ حَمْزَةَ وَ كَذَبَ، فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ الْخَنْدَقِ ضُرِبَ عَلَی أُذُنَیْهِ فَنَامَ فَلَمْ یَسْتَیْقِظْ حَتَّی أَصْبَحَ فَخَشِیَ أَنْ یُؤْخَذَ (2)، فَتَنَكَّرَ وَ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ وَ جَاءَ إِلَی مَنْزِلِ عُثْمَانَ یَطْلُبُهُ، وَ تَسَمَّی بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ بَنِی سُلَیْمٍ كَانَ یَجْلِبُ إِلَی عُثْمَانَ الْخَیْلَ وَ الْغَنَمَ وَ السَّمْنَ، فَجَاءَ عُثْمَانُ فَأَدْخَلَهُ، مَنْزِلَهُ وَ قَالَ: وَیْحَكَ! مَا صَنَعْتَ؟ ادَّعَیْتَ أَنَّكَ رَمَیْتَ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)، وَ ادَّعَیْتَ أَنَّكَ شَقَقْتَ شَفَتَیْهِ وَ كَسَرْتَ رَبَاعِیَتَهُ، وَ ادَّعَیْتَ أَنَّكَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ. فَأَخْبَرَهُ (3) بِمَا لَقِیَ وَ أَنَّهُ ضُرِبَ عَلَی أُذُنِهِ، فَلَمَّا سَمِعَتْ ابْنَةُ النَّبِیِّ (صلی اللّٰه علیه و آله) بِمَا صُنِعَ بِأَبِیهَا وَ عَمِّهَا صَاحَتْ، فَأَسْكَتَهَا عُثْمَانُ، ثُمَّ خَرَجَ عُثْمَانُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ هُوَ جَالِسٌ فِی الْمَسْجِدِ- فَاسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ وَ قَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ آمَنْتَ عَمِّیَ الْمُغِیرَةَ فَكَذَبَ (4)، فَصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَجْهَهُ (5)، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ آمَنْتَ عَمِّیَ الْمُغِیرَةَ، فَكَذَبَ (6)، فَصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَجْهَهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ:

آمَنَّاهُ (7) وَ أَجَّلْنَاهُ ثَلَاثاً، فَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَعْطَاهُ رَاحِلَةً أَوْ رَحْلًا أَوْ قَتَباً (8) أَوْ سِقَاءً أَوْ قِرْبَةً أَوْ دَلْواً (9) أَوْ خُفّاً أَوْ نَعْلًا أَوْ زَاداً أَوْ (10) مَاءً.

قَالَ عَاصِمٌ: هَذِهِ عَشَرَةُ أَشْیَاءَ فَأَعْطَاهَا كُلَّهَا عُثْمَانُ (11) فَخَرَجَ فَسَارَ عَلَی نَاقَتِهِ

ص: 200


1- فی الخرائج: فكسر ..
2- فی المصدر: فخشی أن یجی ء الطّلّب فیأخذوه.
3- فی الخرائج: و أخبره.
4- فی المصدر: و كذب.
5- فی الخرائج: فصرف رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله وجهه عنه.
6- فی المصدر: و كذب.
7- فی المصدر: فصرف عنه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله وجهه ثلاثا، ثمّ قال: قد آمنّاه
8- فی س: قبتا .. و لا معنی له لغة.
9- فی المصدر: أو إداوة .. و المراد منه إناء صغیر من جلد، و فی الصّحاح 6- 2266: المطهرة.
10- فی س واو، بدلا من: أو.
11- فی المصدر زیادة: إیّاه قبل: عثمان.

فَنَقِبَتْ، ثُمَّ مَشَی فِی خُفَّیْهِ فَنَقِبَا، ثُمَّ مَشَی فِی نَعْلَیْهِ فَنَقِبَتَا، ثُمَّ حَبَا (1) عَلَی رِجْلَیْهِ فَنَقِبَتَا، ثُمَّ مَشَی عَلَی (2) رُكْبَتَیْهِ فَنَقِبَتَا، فَأَتَی شَجَرَةً فَجَلَسَ تَحْتَهَا، فَجَاءَ الْمَلَكُ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِمَكَانِهِ، فَبَعَثَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ زَیْداً وَ الزُّبَیْرَ (3) فَقَالَ لَهُمَا: ایتِیَاهُ فَهُوَ بِمَكَانِ .. كَذَا وَ كَذَا فَاقْتُلَاهُ، فَلَمَّا أَتَیَاهُ (4) قَالَ زَیْدٌ لِلزُّبَیْرِ: إِنَّهُ ادَّعَی أَنَّهُ قَتَلَ أَخِی- وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ آخَی بَیْنَ حَمْزَةَ وَ زیدا [زَیْدٍ]- فَاتْرُكْنِی أَقْتُلْهُ، فَتَرَكَهُ الزُّبَیْرُ فَقَتَلَهُ، فَرَجَعَ عُثْمَانُ مِنْ عِنْدِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لِمَرْأَتِهِ، إِنَّكِ أَرْسَلْتِی إِلَی أَبِیكِ فَأَعْلَمْتِیهِ بِمَكَانِ عَمِّی، فَحَلَفَتْ لَهُ بِاللَّهِ مَا فَعَلَتْ، فَلَمْ یُصَدِّقْهَا، فَأَخَذَ خَشَبَةَ الْقَتَبِ (5) فَضَرَبَهَا ضَرْباً مُبَرِّحاً، فَأَرْسَلَتْ إِلَی أَبِیهَا تَشْكُوا ذَلِكَ وَ تُخْبِرُهُ بِمَا صَنَعَ، فَأَرْسَلَ إِلَیْهَا: إِنِّی لَأَسْتَحِی لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَزَالَ تَجُرُّ ذُیُولَهَا تَشْكُو زَوْجَهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَیْهِ أَنَّهُ: قَدْ قَتَلَنِی، فَقَالَ لِعَلِیٍّ (6): خُذِ السَّیْفَ ثُمَّ ائْتِ بِنْتَ عَمِّكَ فَخُذْ بِیَدِهَا، فَمَنْ حَالَ بَیْنَكَ وَ بَیْنَهَا فَاضْرِبْهُ بِالسَّیْفِ، فَدَخَلَ عَلِیٌّ، فَأَخَذَ بِیَدِهَا فَجَاءَ بِهَا إِلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَأَرَتْهُ ظَهْرَهَا،فَقَالَ أَبُوهَا: قَتَلَهَا قَتَلَهُ اللَّهُ، فَمَكَثَتْ یَوْماً وَ مَاتَتْ فِی الثَّانِی، وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ عَلَیْهَا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ بَیْتِهِ- وَ عُثْمَانُ جَالِسٌ مَعَ الْقَوْمِ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنْ أَلَّمَ جَارِیَتَهُ اللَّیْلَةَ فَلَا تَشْهَدْ (7) جَنَازَتَهَا؟ قَالَهَا مَرَّتَیْنِ، وَ هُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 201


1- فی المصدر: مشی، بدلا من: حبا.
2- فی الخرائج: حتّی جثی علی ..
3- فی الكافی: انطلق أنت و عمّار و ثالث لهم فأت المغیرة بن العاص تحت الشّجرة ..
4- فی المصدر: فلمّا انتهیا إلیه ..
5- فی س: القیت، و هو اشتباه. قال فی مجمع البحرین 2- 139: القتب- بالتّحریك-: رحل البعیر صغیر علی قدر السّنام.
6- فی المصدر: فقال صلّی اللّٰه علیه و آله لعلیّ ..
7- فی الخرائج: فلا یشهد، و هو الظّاهر.

وَ آلِهِ (1) لَیَقُومَنَّ أَوْ لَأُسَمِّیَنَّهُ بِاسْمِهِ وَ اسْمِ أَبِیهِ، فَقَامَ یَتَوَكَّأُ عَلَی مَوْلًی (2) لَهُ.

قَالَ: فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ فِی نِسَائِهَا فَصَلَّتْ عَلَی أُخْتِهَا (3).

بیان: قال الجوهری: نقب البعیر- بالكسر- إذا ألقت (4) أخفافه .. و نقب الخفّ الملبوس: تخرّق (5) (6).

و قال: حبا الصّبیّ علی استه حبوا .. إذا زحف (7).

و البراح: المشقّة و الشّدّة (8).

أقول:

قد مرّ هذا الخبر بروایة الكلینی أبسط من هذا فی باب أحوال أولاد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله (9).

ص: 202


1- فی المصدر: فقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و هو الظّاهر.
2- فی الخرائج: علی مهین، و هو اسم مولی لعثمان.
3- و قریب من هذا الحدیث ما جاء فی الكافی 3- 251 حدیث 8، و التّهذیب 3- 303 حدیث 69، و أخرجه فی الوسائل 2- 818 حدیث 2، و ذكره فی البحار 22- 158 حدیث 19، و 78- 391 392 حدیث 57.
4- فی المصدر: رقّت، و فی ك: زقّت.
5- فی الصحاح: أی تخرق.
6- الصحاح 1- 227، و انظر: مجمع البحرین 2- 176، و تاج العروس 1- 492.
7- الصحاح 6- 2307، و قارن بتاج العروس 10- 81.
8- قال فی مجمع البحرین 2- 342: التبریح: المشقّة و الشدّة، و نحوه فی النهایة 1- 113، و كذا فی لسان العرب 2- 411، و زاد فی الثانی: و البرحاء: الشدّة و المشقّة. و علیه یحتمل أن یكون الأصل التربیح، مع أنّ كلمة التی كان- رحمه اللّٰه- بصدد بیانها هی: مبرّحا، و لا ترتبط كلمة البراح بها، إلّا أن یجعل مصدرا لباب التفعیل كسلام و كلام.
9- بحار الأنوار 22- 160- 162 حدیث 22، الكافی 3- 69- 70.

«67»-شف (1): أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ (2) الطَّبَرِیِّ مِنْ كِتَابِهِ ...، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ حَفْصٍ وَ عَلِیِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ وَ عَلِیِّ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ الْعِجْلِیِّ وَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ وَ الْحَسَنِ بْنِ السَّكَنِ (3) جَمِیعاً، عَنْ عَبَّادِ بْنِ یَعْقُوبَ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ زَیْدٍ (4)، عَنْ أَبِی الْجَارُودِ زِیَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مِیثَمٍ الْكَیَّالِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ زُمُرُّدٍ الرَّوَّاسِیِّ، عَنْ أَبِی ذَرٍّ الْغِفَارِیِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَوْمَ تَبْیَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ (5) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: تَرِدُ أُمَّتِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَلَیَّ خَمْسَ رَایَاتٍ، فَأَوَّلُهَا مَعَ عِجْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَآخُذُ بِیَدِهِ فَتَرْجُفُ قَدَمَاهُ وَ یَسْوَدُّ وَجْهُهُ وَ وُجُوهُ أَصْحَابِهِ، فَأَقُولُ: مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَیْنِ؟. فَیَقُولُونَ: أَمَّا الْأَكْبَرَ فَخَرَّقْنَا (6) وَ مَزَّقْنَا، وَ أَمَّا الْأَصْغَرَ فَعَادَیْنَا وَ أَبْغَضْنَا (7)، فَأَقُولُ: رِدُوا ظِمَاءً مُظْمَئِینَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُكُمْ فَیُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ لَا یُسْقَوْنَ قَطْرَةً.

ثُمَّ یَرِدُ (8) عَلَیَّ رَایَةُ فِرْعَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأَقُومُ فَآخُذُ بِیَدِهِ ثُمَّ تَرْجُفُ قَدَمَاهُ (9) وَ یَسْوَدُّ وَجْهُهُ وَ وُجُوهُ أَصْحَابِهِ، فَأَقُولُ: مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَیْنِ؟. فَیَقُولُونَ: أَمَّا الْأَكْبَرُ

ص: 203


1- كشف الیقین: 104 باب 124، بتفصیل فی الإسناد. أقول: هذا الكتاب هو كتاب الیقین فی إمرة أمیر المؤمنین علیه السّلام لابن طاوس- رحمه اللّٰه یعبّر عنه العلّامة المجلسیّ ب: كشف الیقین أیضا.
2- لا توجد: بن، فی المصدر، و هی نسخة فی ك.
3- فی الیقین: الكوفیّون.
4- فی س: یزید.
5- آل عمران: 106.
6- فی ك: فخرقناه، و فی المصدر: فحرقناه، و هی نسخة فی ك من البحار.
7- فی المصدر: فعادیناه و أبغضناه.
8- فی المصدر: تردّ.
9- فی س: قدما.

فَمَزَّقْنَا مِنْهُ، وَ أَمَّا (1) الْأَصْغَرُ فَبَرِئْنَا (2) مِنْهُ وَ لَعَنَّاهُ، فَأَقُولُ: رِدُوا ظِمَاءً مُظْمَئِینَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُكُمْ، فَیُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ لَا یُسْقَوْنَ قَطْرَةً.

ثُمَّ یَرِدُ (3) عَلَیَّ رَایَةُ ذِی الثُّدَیَّةِ مَعَهَا أَوَّلُ خَارِجَةٍ وَ آخِرُهَا، فَأَقُومُ فَآخُذُ بِیَدِهِ فَتَرْجُفُ قَدَمَاهُ وَ تَسْوَدُّ وَجْهُهُ وَ وُجُوهُ أَصْحَابِهِ، فَأَقُولُ: مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَیْنِ بَعْدِی؟.

فَیَقُولُونَ: أَمَّا الْأَكْبَرُ فَمَزَّقْنَا مِنْهُ، وَ أَمَّا الْأَصْغَرُ فَبَرِئْنَا مِنْهُ وَ لَعَنَّاهُ. فَأَقُولُ: رِدُوا ظِمَاءً مُظْمَئِینَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُكُمْ، فَیُؤْخَذُ (4) بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ لَا یُسْقَوْنَ قَطْرَةً.

ثُمَّ تَرِدُ عَلَیَّ رَایَةُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ سَیِّدِ الْمُسْلِمِینَ وَ إِمَامِ الْمُتَّقِینَ وَ قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِینَ، فَأَقُومُ فَآخُذُ بِیَدِهِ فَتَبْیَضُّ (5) وَجْهُهُ وَ وُجُوهُ أَصْحَابِهِ، فَأَقُولُ: مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَیْنِ بَعْدِی؟. فَیَقُولُونَ: أَمَّا الْأَكْبَرُ فَاتَّبَعْنَاهُ وَ أَطَعْنَاهُ، وَ أَمَّا الْأَصْغَرُ فَقَاتَلْنَا مَعَهُ حَتَّی قُتِلْنَا.

فَأَقُولُ: رِدُوا رِوَاءً مَرْوِیِّینَ مُبْیَضَّةً وُجُوهُكُمْ، فَیُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الْیَمِینِ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: یَوْمَ تَبْیَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِینَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَ أَمَّا الَّذِینَ ابْیَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِی رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (6).

بیان: أقول: سقط من هذا الخبر رایة قارون هذه الأمّة، و قد أوردنا فی باب

ص: 204


1- فی الیقین: فمزّقناه و أمّا ..
2- فی الیقین: فتبرأنا.
3- فی المصدر: ترد.
4- فی س: فتوخذ.
5- فی الیقین: فیبیضّ.
6- آل عمران: 106. و نظیر هذا الحدیث ذكره ابن طاوس فی كتابه الیقین: 77 باب 96، و صفحة: 126 باب 129، و صفحة: 150، فراجع.

الرایات (1) بروایة ابن عقدة و غیره، عن أبی ذر هذه الروایة، و

فیها: إنّ شرار الآخرین، العجل، و فرعون، و هامان، و قارون، و السامریّ، و الأبتر.

ثم ذكر رایة العجل، و رایة فرعون، و رایة فلان .. أمام خمسین ألفا من أمّتی، و رایة فلان .. أمام سبعین ألفا، ثم رایة أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه، و قد أوردنا فیه أخبارا أخر بأسانید تركناها هنا حذرا من التكرار.

«68»-شف (2): مِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ لِأَحْمَدَ بْنِ مَرْدَوَیْهِ ...، عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ عَلِیٍّ الْوَاسِطِیِّ، عَنِ الْهَیْثَمِ بْنِ عَدِیٍّ الطَّائِیِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِیهِ وَ ابْنِ أُذَیْنَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَ سَلْمَانَ الْفَارِسِیَّ (3) رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ، قَالُوا: كُنَّا قُعُوداً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا مَعَنَا غَیْرُنَا، إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ الْبَدْرِیِّینَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: تَفْتَرِقُ أُمَّتِی بَعْدِی (4) ثَلَاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةٌ أَهْلُ حَقٍّ لَا یَشُوبُونَهُ بِبَاطِلٍ، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذَّهَبِ كُلَّمَا فَتَنَتْهُ (5) النَّارُ ازْدَادَ طِیباً، وَ إِمَامُهُمْ (6) هَذَا- لَأَحَدُ (7) الثَّلَاثَةِ-، وَ هُوَ الَّذِی أَمَرَ اللَّهُ (8) بِهِ فِی كِتَابِهِ إِمَاماً

ص: 205


1- فی س: الآیات، و هو سهو. بحار الأنوار 37- 341- 347، باب خبر الرایات فیه جملة من الروایات.
2- الیقین فی إمرة أمیر المؤمنین علیه السّلام: 182 باب 185، بتفصیل فی الإسناد. و قال فی الیقین: رواه من أربع طرق فی ترجمة ما ذكر عن النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله ... نذكر منها طریقین ..
3- لا توجد: الفارسیّ، فی المصدر.
4- لا توجد: بعدی، فی المصدر.
5- فی س: فتنة، و هی لا تناسب المقام معنی. قال فی المصباح المنیر 2- 231: و أصل الفتنة من قولك: فتنت الذّهب و الفضّة: إذا أحرقته بالنّار لیبیّن الجیّد من الرّدی ء.
6- فی الیقین: فتنته بالنّار ازداد حسنا و ثناء، إمامهم ..
7- كذا، و الظّاهر: أشار إلی أحد الثّلاثة. و كذلك ما یأتی من قوله علیه السّلام: إمامهم هذا لأحد الثّلاثة، أو یكون إمامهم هذا، و جملة: أحد الثّلاثة من الرّاوی، فتكون بیانیة معترضة.
8- ذكر اللّٰه، نسخة جاءت فی ك.

وَ رَحْمَةً (1)، وَ فِرْقَةٌ أَهْلُ الْبَاطِلِ لَا یَشُوبُونَهُ بِحَقٍّ، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ خَبَثِ (2) الْحَدِیدِ، كُلَّمَا فَتَنْتَهُ بِالنَّارِ ازْدَادَ خَبَثاً وَ نَتْناً، إِمَامُهُمْ هَذَا- لَأَحَدُ الثَّلَاثَةِ-، وَ فِرْقَةٌ أَهْلُ (3) الضَّلَالَةِ مُذَبْذَبِینَ لا إِلی هؤُلاءِ وَ لا إِلی هؤُلاءِ، إِمَامُهُمْ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ.

قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَ إِمَامِهِمْ.

فَقَالَ: عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) إِمَامُ الْمُتَّقِینَ، وَ أَمْسَكَ عَنِ الِاثْنَیْنِ، فَجَهَدْتُ أَنْ یَفْعَلَ فَلَمْ یَفْعَلْ..

«69»-شف (4): مِنْ كِتَابٍ عَتِیقٍ مِنْ أُصُولِ الْمُخَالِفِینَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَیْنِ الْجُعْفِیِّ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَزْدَقِ الْقَطِیعِیِّ (5)، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ بَزِیعٍ، عَنْ یَحْیَی بْنِ حَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِیِّ، عَنْ (6) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَالِكِ، عَنِ الْحَرْثِ بْنِ حَصِیرَةَ، عَنْ صَخْرِ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَازِیِّ (7)، عَنْ حَیَّانَ بْنِ الْحَرْثِ الْأَزْدِیِّ- یُكَنَّی أَبَا عَقِیلٍ-، عَنِ الرَّبِیعِ بْنِ جَمِیلٍ الضَّبِّیِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ ضَمْرَةَ (8) الرَّوَّاسِیِّ، عَنْ أَبِی ذَرٍّ الْغِفَارِیِّ: اجْتَمَعَ هُوَ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ وَ حُذَیْفَةُ بْنُ الْیَمَانِ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: حَدِّثُونَا حَدِیثاً نَذْكُرُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَنَشْهَدُ لَهُ وَ نَدْعُو لَهُ وَ نُصَدِّقُهُ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا .. یَا عَلِیُّ!.

ص: 206


1- فی المصدر لا یوجد من قوله: و هو الّذی .. إلی: و رحمة.
2- لا توجد: خبث، فی المصدر.
3- من قوله: و فرقة أهل .. إلی آخر الحدیث تجده فی الصّفحة: 181 من الیقین. و قد جمع بین الحدیثین، أو كان المجموع فی مكان آخر غیر ما ذكرناه.
4- الیقین فی إمرة أمیر المؤمنین علیه السّلام: 166- 169 باب 169.
5- فی المصدر: أبو عبد اللّٰه الحسین بن محمّد الفرزدق القطعی الفزازی.
6- خطّ علی: عن، فی ك.
7- فی الیقین: عن الحرث بن الحضیرة بن الحكم الفزاریّ.
8- فی س: حمزة، و یأتی فی آخر الحدیث فی المتن و المصدر: ضمرة أیضا.

قَالَ (1): فَقَالَ عَلِیٌّ (2) عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا هَذَا زَمَانَ حَدِیثِی، قَالُوا: صَدَقْتَ. قَالَ: فَقَالُوا: حَدِّثْنَا .. یَا حُذَیْفَةُ!. قَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی سُئِلْتُ عَنِ الْمُعْضِلَاتِ فَحَذَرْتُهُنَّ. قَالُوا (3): صَدَقْتَ. قَالَ: فَقَالُوا: حَدِّثْنَا .. یَا ابْنَ مَسْعُودٍ! قَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی قَرَأْتُ الْقُرْآنَ لَمْ أُسْأَلْ عَنْ غَیْرِهِ. قَالُوا: صَدَقْتَ.

قَالَ: فَقَالُوا: حَدِّثْنَا .. یَا مِقْدَادُ!. قَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ إِنَّمَا كُنْتُ فَارِساً بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أُقَاتِلُ، وَ لَكِنْ أَنْتُمْ أَصْحَابُ الْحَدِیثِ. فَقَالُوا:

صَدَقْتَ. قَالَ: فَقَالُوا: حَدِّثْنَا .. یَا عَمَّارُ!. قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی إِنْسَانٌ نَسَّاءٌ (4) إِلَّا أَنْ أُذَكَّرَ فَأَذْكُرَ. قَالُوا: صَدَقْتَ.

قَالَ: فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهِ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِیثٍ سَمِعْتُمُوهُ أَوْ مَنْ سَمِعَهُ مِنْكُمْ بَلَّغَ (5)، أَ لَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ (6) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیها، وَ أَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ، وَ أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَ أَنَّ النَّارَ حَقٌّ؟. قَالُوا: نَشْهَدُ. قَالَ: وَ أَنَا مِنَ (7) الشَّاهِدِینَ.

قَالَ: أَ لَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَدَّثَنَا أَنَّ (8) شَرَّ الْأَوَّلِینَ وَ الْآخِرِینَ اثْنَا عَشَرَ: سِتَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ سِتَّةٌ مِنَ الْآخِرِینَ، ثُمَّ سَمَّی مِنَ الْأَوَّلِینَ ابْنَ آدَمَ (9) الَّذِی قَتَلَ أَخَاهُ، وَ فِرْعَوْنَ، وَ هَامَانَ، وَ قَارُونَ، وَ السَّامِرِیَّ، وَ الدَّجَّالَ اسْمُهُ فِی الْأَوَّلِینَ وَ یَخْرُجُ فِی الْآخِرِینَ، وَ سَمَّی مِنَ الْآخِرِینَ سِتَّةً: الْعِجْلَ

ص: 207


1- لا توجد: قال، فی المصدر.
2- فی س: فقال لی.
3- فی الیقین: فقالوا.
4- فی المصدر: أنسی.
5- هنا زیادة جاءت فی المصدر: تشهدون أنّه حقّ.
6- لا توجد: أن، فی س.
7- فی الیقین: و أنا معكم من ..
8- لا توجد: أنّ، فی المصدر.
9- فی المصدر: آدم النّبیّ.

- وَ هُوَ ... وَ فِرْعَوْنَ- وَ هُوَ ...-، وَ هَامَانَ- وَ هُوَ زِیَادُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ-، وَ قَارُونَ- وَ هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ-، وَ السَّامِرِیَّ- وَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَیْسٍ أَبُو مُوسَی-، قِیلَ: وَ مَا السَّامِرِیُّ؟. قَالَ: قَالَ السَّامِرِیُّ (1): لا مِساسَ، وَ هُوَ یَقُولُ: لَا قِتَالَ (2)، وَ الْأَبْتَرَ- وَ هُوَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ-، قَالُوا: وَ مَا أَبْتَرُهَا (3)؟. قَالَ: لَا دِینَ لَهُ (4) وَ لَا نَسَبَ. قَالَ: فَقَالُوا: نَشْهَدُ عَلَی ذَلِكَ. قَالَ: وَ أَنَا عَلَی ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِینَ.

ثُمَّ قَالَ: أَ لَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إِنَّ مِنْ أُمَّتِی مَنْ یَرِدُ عَلَیَّ الْحَوْضَ عَلَی خَمْسِ رَایَاتٍ: أَوَّلُهُنَّ رَایَةُ الْعِجْلِ فَأَقُومُ (5) فَإِذَا أَخَذْتُ بِیَدِهِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ، وَ رَجَفَتْ قَدَمَاهُ، وَ خَفَقَتْ أَحْشَاؤُهُ، وَ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعُهُ (6)، فَأَقُولُ:

مَا خَلَفْتُمُونِی فِی الثَّقَلَیْنِ بَعْدِی؟ فَیَقُولُونَ: كَذَّبْنَا الْأَكْبَرَ وَ مَزَّقْنَاهُ وَ اضْطَهَدْنَاهُ، وَ الْأَصْغَرَ أَبْتَرْنَاهُ حَقَّهُ (7)، فَأَقُولُ: اسْلُكُوا ذَاتَ الشِّمَالِ، فَیَنْصَرِفُونَ ظِمَاءً مُظْمَئِینَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُهُمْ لَا یَطْعَمُونَ (8) مِنْهُ قَطْرَةً.

ثُمَّ یَرِدُ (9) عَلَیَّ رَایَةُ فِرْعَوْنِ أُمَّتِی- وَ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ الْبَهْرَجِیُّونَ-، فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! وَ مَا الْبَهْرَجِیُّونَ؟ أَ بَهْرَجُوا الطَّرِیقَ؟. قَالَ: لَا، وَ لَكِنْ بَهْرَجُوا دِینَهُمْ، وَ هُمُ الَّذِینَ یَغْضَبُونَ لِلدُّنْیَا وَ لَهَا یَرْضَوْنَ، وَ لَهَا یَسْخَطُونَ، وَ لَهَا یَنْصَبُونَ، فَأَقُومُ فَآخُذُ بِیَدِ صَاحِبِهِمْ فَإِذَا أَخَذْتُ بِیَدِهِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ وَ رَجَفَتْ قَدَمَاهُ وَ خَفَقَتْ

ص: 208


1- لا توجد: قال السّامریّ، فی المصدر.
2- فی الیقین: قال یقولون لا قتال.
3- فی ك: تبرّها، و فی المصدر: و ما أبترها بعینه.
4- لا توجد: له، فی المصدر.
5- فی الیقین زیادة: فآخذ بیده.
6- فی المصدر: بمن تبعه، بدلا من: تبعه.
7- نسخة فی ك: ابتززناه، و فی المصدر: و أمّا الأصغر فابتززنا حقّه.
8- فی ك: لا یطمعون- بتقدیم المیم علی العین المهملة-. و ما فی المتن نسخة فیها.
9- فی المصدر: ترد.

أَحْشَاؤُهُ، وَ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعُهُ (1)، فَأَقُولُ: مَا خَلَفْتُمُونِی فِی الثَّقَلَیْنِ بَعْدِی؟ فَیَقُولُونَ:

كَذَّبْنَا الْأَكْبَرَ وَ مَزَّقْنَاهُ، وَ قَاتَلْنَا الْأَصْغَرَ وَ قَتَلْنَاهُ، فَأَقُولُ: اسْلُكُوا طَرِیقَ أَصْحَابِكُمْ، فَیَنْصَرِفُونَ ظِمَاءً مُظْمَئِینَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُهُمْ لَا یَطْعَمُونَ (2) مِنْهُ قَطْرَةً.

ثُمَّ تَرِدُ (3) عَلَیَّ رَایَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ- وَ هُوَ إِمَامُ خَمْسِینَ أَلْفاً مِنْ أُمَّتِی-، فَأَقُومُ فَآخُذُ بِیَدِهِ، فَإِذَا أَخَذْتُ بِیَدِهِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ وَ رَجَفَتْ قَدَمَاهُ وَ خَفَقَتْ أَحْشَاؤُهُ، وَ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعُهُ (4) فَأَقُولُ: مَا خَلَفْتُمُونِی فِی الثَّقَلَیْنِ بَعْدِی؟ فَیَقُولُونَ: كَذَّبْنَا الْأَكْبَرَ وَ عَصَیْنَاهُ وَ خَذَلْنَا الْأَصْغَرَ وَ خَذَلْنَا مِنْهُ (5)، فَأَقُولُ: اسْلُكُوا طَرِیقَ (6) أَصْحَابِكُمْ، فَیَنْصَرِفُونَ ظِمَاءً مُظْمَئِینَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُهُمْ لَا یَطْعَمُونَ (7) مِنْهُ قَطْرَةً.

ثُمَّ تَرِدُ عَلَیَّ رَایَةُ الْمُخْدَجِ- وَ هُوَ إِمَامُ سَبْعِینَ (8)أَلْفاً مِنَ النَّاسِ- فَأَقُومُ فَآخُذُ بِیَدِهِ، فَإِذَا أَخَذْتُ بِیَدِهِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ وَ رَجَفَتْ قَدَمَاهُ وَ خَفَقَتْ أَحْشَاؤُهُ، وَ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعُهُ (9)، فَأَقُولُ: مَا خَلَفْتُمُونِی فِی الثَّقَلَیْنِ بَعْدِی؟، فَیَقُولُونَ: كَذَّبْنَا الْأَكْبَرَ وَ عَصَیْنَاهُ، وَ قَاتَلْنَا الْأَصْغَرَ وَ قَتَلْنَاهُ (10). فَأَقُولُ: اسْلُكُوا سَبِیلَ أَصْحَابِكُمْ، فَیَنْصَرِفُونَ ظِمَاءً مُظْمَئِینَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُهُمْ لَا یَطْعَمُونَ مِنْهُ قَطْرَةً.

ثُمَّ تَرِدُ عَلَیَّ رَایَةُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِمَامِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِینَ، فَأَقُومُ فَآخُذُ بِیَدِهِ فَیَبْیَضُّ وَجْهُهُ وَ وُجُوهُ أَصْحَابِهِ، فَأَقُولُ: مَا خَلَفْتُمُونِی فِی الثَّقَلَیْنِ

ص: 209


1- فی المصدر: بمن تبعه.
2- جاءت: یطمعون، فی ك.
3- فی ك: یرد.
4- فی الیقین: بمن تبعه، بدلا من: تبعه.
5- فی المصدر: و خذلنا عنه.
6- جاءت نسخة بدلا من طریق: سبیل، فی ك.
7- فی ك: لا یطمعون.
8- فی ك: سبعون، و هو غلط.
9- جاء: من تبعه، بدلا من: تبعه، فی المصدر.
10- فی س: و قلناه.

بَعْدِی؟. فَیَقُولُونَ تَبِعْنَا الْأَكْبَرَ وَ صَدَّقْنَاهُ، وَ وَازَرْنَا الْأَصْغَرَ وَ نَصَرْنَاهُ وَ قَاتَلْنَا مَعَهُ، فَأَقُولُ: رِدُوا رِوَاءً مَرْوِیِّینَ، فَیَشْرَبُونَ شَرْبَةً لَا یَظْمَئُونَ بَعْدَهَا أَبَداً (1)، وَجْهُ إِمَامِهِمْ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ وَ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَیْلَةَ الْبَدْرِ، أَوْ كَأَضْوَإِ نَجْمٍ فِی السَّمَاءِ.

ثُمَّ قَالَ: أَ لَسْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَی ذَلِكَ؟. قَالُوا: بَلَی (2)، وَ إِنَّا عَلَی ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِینَ.

قَالَ لَنَا الْقَاضِی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: اشْهَدُوا عَلَیَّ عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ الْحُسَیْنَ بْنَ مُحَمَّدِ (3) بْنِ الْفَرَزْدَقِ حَدَّثَنِی بِهَذَا، وَ قَالَ الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیِّ بْنِ بَزِیعٍ حَدَّثَنِی بِهَذَا، وَ قَالَ الْحُسَیْنُ بْنُ عَلِیِّ (4) بْنِ بَزِیعٍ:

اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ یَحْیَی بْنَ الْحَسَنِ حَدَّثَنِی بِهَذَا، وَ قَالَ یَحْیَی بْنُ الْحَسَنِ:

اشْهَدُوا عَلَیَّ عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِیرَةَ (5)، وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (6) اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا (7) عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَصِیرَةَ (8) حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنْ صَخْرِ بْنِ الْحَكَمِ، وَ قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حَصِیرَةَ (9): اشْهَدُوا عَلَیَّ عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ صَخْرَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنْ حَیَّانَ بْنِ الْحَرْثِ، وَ قَالَ صَخْرُ بْنُ الْحَكَمِ: اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ حَیَّانَ بْنَ الْحَرْثِ حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنِ الرَّبِیعِ بْنِ جَمِیلٍ الضَّبِّیِّ، وَ قَالَ حَیَّانُ بْنُ الْحَرْثِ: اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ الرَّبِیعَ بْنَ

ص: 210


1- لا توجد: أبدا، فی س.
2- فی المصدر زیادة: قال.
3- لا توجد فی الیقین: بن محمّد.
4- فی المصدر لا توجد: بن علیّ.
5- لا توجد: عن الحارث بن حصیرة، فی المصدر.
6- فی المصدر: عبد اللّٰه بن عبد الملك، بدلا من: أبو عبد الرّحمن.
7- لا توجد: بهذا، فی الیقین.
8- فی المصدر: حضیرة- بالضاد المعجمة-.
9- فی المصدر: حضیرة- بالضاد المعجمة-.

جَمِیلٍ الضَّبِّیَّ حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنْ مَالِكِ بْنِ ضَمْرَةَ الرَّوَّاسِیِّ (1)، وَ قَالَ الرَّبِیعُ (2) بْنُ جَمِیلٍ: اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ مَالِكَ بْنَ ضَمْرَةَ حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنْ أَبِی ذَرٍّ الْغِفَارِیِّ، وَ قَالَ مَالِكُ بْنُ ضَمْرَةَ: اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِیَّ حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (3) حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنْ جَبْرَئِیلَ، وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: اشْهَدُوا عَلَیَّ بِهَذَا عَنِ اللَّهِ (4)أَنَّ جَبْرَئِیلَ حَدَّثَنِی بِهَذَا عَنِ اللَّهِ جَلَّ وَجْهُهُ (5) وَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ.

وَ قَالَ یُوسُفُ بْنُ كُلَیْبٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ بِهَذَا الْحَدِیثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَ (6) بِهَذَا الْكَلَامِ، قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ بَزِیعٍ: وَ زَعَمَ إِسْمَاعِیلُ بْنُ أَبَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِیثَ- حَدِیثَ الرَّایَاتِ- مِنْ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِیِّ.

بیان: لعلّه عمل بعض الرواة فی تفسیر العجل و فرعون و هامان نوع تقیّة، لرسوخ حبّ صنمی قریش فی قلوب الناس.

و قال الجوهری: خفقت الرّایة تخفُق و تخفِق خَفْقا و خَفَقانا و كذلك القلب و السّراب إذا اضطربا (7).

و قال الفیروزآبادی: البَهْرَجُ: الباطل و الرّدی ء و المباح، و البَهْرَجَةُ: أن

ص: 211


1- فی س: الرّاوی. و لا توجد من قوله: الضّبّیّ، و قال حیّان .. إلی هنا فی المصدر.
2- فی المصدر: و قال ربیع- بلا ألف و لام-.
3- لا توجد فی المصدر: من قوله: و قال أبو ذرّ .. إلی هنا.
4- فی الیقین: عند اللّٰه.
5- فی الیقین: جلّ جلاله.
6- لا توجد الواو، فی المصدر.
7- الصحاح 4- 1469، و قارن بتاج العروس 6- 333، و لسان العرب 10- 80.

تعدل (1) بالشّی ء عن الجادّة القاصدة إلی غیرها، و المبهرج من المیاه: المهمل الّذی لا یمنع عنه، و من الدّماء: المهدّر (2)

«70»-شف (3): مِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ لِأَحْمَدَ بْنِ مَرْدَوَیْهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ یُوسُفَ (4)، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِیمِ، عَنْ یَحْیَی الْحِمَّانِیِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ ظُهَیْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَسِیرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِی لَیْلَةٍ- وَ عُمَرُ عَلَی بَغْلٍ وَ أَنَا عَلَی فَرَسٍ- فَقَرَأَ آیَةً فِیهَا ذِكْرُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَمَ وَ اللَّهِ- یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَقَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ أَوْلَی بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِّی وَ مِنْ أَبِی بَكْرٍ (5)، فَقُلْتُ فِی نَفْسِی: لَا أَقَالَنِیَ اللَّهُ إِنْ أَقَلْتُكَ، فَقُلْتُ: أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ؟!، وَ أَنْتَ وَ صَاحِبُكَ اللَّذَانِ وَثَبْتُمَا وَ انْتَزَعْتُمْ (6) مِنَّا الْأَمْرَ دُونَ النَّاسِ؟. فَقَالَ: إِلَیْكُمْ (7) یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَمَا إِنَّكُمْ أَصْحَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَتَأَخَّرْتُ وَ تَقَدَّمَ هُنَیْئَةً، فَقَالَ:

سِرْ .. لَا سِرْتَ، فَقَالَ: أَعِدْ عَلَیَّ كَلَامَكَ. فَقُلْتُ: إِنَّمَا ذَكَرْتَ شَیْئاً فَرَدَدْتُ جَوَابَهُ، وَ لَوْ سَكَتَّ سَكَتْنَا.

فَقَالَ: وَ اللَّهِ إِنَّا مَا فَعَلْنَا مَا فَعَلْنَا (8) عَدَاوَةً، وَ لَكِنْ اسْتَصْغَرْنَاهُ وَ خَشِینَا أَنْ لَا تَجْتَمِعَ عَلَیْهِ الْعَرَبُ وَ قُرَیْشٌ لِمَا قَدْ (9) وَتَرَهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی

ص: 212


1- فی المصدر: أن یعدل.
2- القاموس 1- 180، و قارنه بتاج العروس 2- 7، و انظر: لسان العرب 2- 217.
3- الیقین فی إمرة أمیر المؤمنین علیه السّلام: 205- 206، بتفصیل فی الإسناد.
4- فی س: یوسف قال ..، و خطّ علیها فی ك.
5- إلی هنا باختلاف یسیر جاء فی كتاب محاضرات الأدباء للراغب الأصفهانیّ 2- 213- طبعة مصر-.
6- فی المصدر: انتزعتما، و هی نسخة فی مطبوع البحار.
7- لعلّ قوله: إلیكم .. دعاء علیهم .. أی إلی اللّٰه إیّاكم .. أی قصركم. أو كان معناه أبعدوا عنّی.
8- لا توجد: ما فعلنا- الثّانیة- فی المصدر.
9- لا توجد: قد فی المصدر.

اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَبْعَثُهُ (1) فِی الْكَتِیبَةِ فَیَنْطِحُ كَبْشَهَا فَلَمْ یَسْتَصْغِرْهُ (2) فَتَسْتَصْغِرُهُ أَنْتَ وَ صَاحِبُكَ؟، فَقَامَ (3) لَا جَرَمَ، فَكَیْفَ تَرَی وَ اللَّهِ مَا نَقْطَعُ أَمْراً دُونَهُ، وَ (4)لَا نَعْمَلُ شَیْئاً حَتَّی نَسْتَأْذِنَهُ..

بیان: قوله: أما إنّكم .. لعلّه قال ذلك علی سبیل التهدید .. أی إنّكم تخاصمونی، إمّا إخبارا، و إمّا استفهاما إنكاریّا.

«71»-شف (5): أَحْمَدُ بْنُ مَرْدَوَیْهِ فِی كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ یُوسُفَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِیمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ حَكِیمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكِیمِ بْنِ عُتْبَةَ (6)، عَنْ عِیسَی بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَی الشَّامِ وَ أَخْرَجَ مَعَهُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسُ یَتَلَقَّوْنَ (7) وَ یَقُولُونَ: السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ!، وَ كَانَ الْعَبَّاسُ رَجُلًا جَمِیلًا فَیَقُولُ: هَذَا صَاحِبُكُمْ، فَلَمَّا كَثُرَ عَلَیْهِ الْتَفَتَ إِلَی عُمَرَ، فَقَالَ: تَرَی أَنَا وَ اللَّهِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: اسْكُتْ، أَوْلَی (8)

وَ اللَّهِ- بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِّی وَ مِنْكَ رَجُلٌ خَلَّفْتُهُ أَنَا وَ أَنْتَ بِالْمَدِینَةِ، عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام)!!!.

«72»-سر (9): مُوسَی بْنُ بَكْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ شَیْئاً إِلَّا وَ قَدْ عُصِیَ فِیهِ، لِأَنَّهُمْ تَزَوَّجُوا أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 213


1- فی س: بیعته.
2- لا یوجد فی الیقین: یستصغره، و فیه: فلم تستصغره.
3- كذا فی س، و فی ك: فقا ..، و الظّاهر: فقال، كما فی المصدر.
4- لا توجد الواو فی ك.
5- الیقین: 206، بتفصیل فی الإسناد و تصرّف.
6- خ. ل: الحكم بن عتیبة.
7- فی المصدر: یتلقّون العبّاس.
8- لا توجد: فقال عمر اسكت أولی ..، فی المصدر.
9- السّرائر: 472- حجریة-، النّوادر، مستطرفات السّرائر: 18، حدیث 7.

عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَخَیَّرَهُنَّ أَبُو بَكْرٍ بَیْنَ الْحِجَابِ وَ لَا یَتَزَوَّجْنَ أَوْ یَتَزَوَّجْنَ، فَاخْتَرْنَ التَّزْوِیجَ فَتَزَوَّجْنَ.

قَالَ زُرَارَةُ: وَ لَوْ سَأَلْتَ بَعْضَهُمْ أَ رَأَیْتَ لَوْ أَنَّ أَبَاكَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَ لَمْ یَدْخُلْ بِهَا حَتَّی مَاتَ، أَ تَحِلُّ لَكَ إِذَنْ؟. لَقَالَ: لَا، وَ هُمْ قَدِ اسْتَحَلُّوا أَنْ یَتَزَوَّجُوا أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِینَ، فَإِنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِثْلُ أُمَّهَاتِهِمْ (1)..

«73»-شی، تفسیر العیاشی (2): الْمُفَضَّلُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذی (3) إِلَی آخِرِ الْآیَةِ، قَالَ: نَزَلَتْ فِی عُثْمَانَ، وَ جَرَتْ فِی مُعَاوِیَةَ وَ أَتْبَاعِهِمَا (4).

«74»-شی، تفسیر العیاشی (5): عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِیرِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ:

یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذی (6) لِمُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، هَذَا تَأْوِیلٌ، قَالَ (7): أُنْزِلَتْ فِی عُثْمَانَ (8).

«75»-شی، تفسیر العیاشی (9): عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ فِی قَوْلِهِ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذی ... إِلَی قَوْلِهِ: لا یَقْدِرُونَ عَلی شَیْ ءٍ مِمَّا

ص: 214


1- انظر: بحار الأنوار 22- 199، حدیث 17، و نظیره فی البحار 16- 397 و 22- 210 ذیل حدیث 36- 37، و 104- 23 حدیث 34، و وسائل الشّیعة 14- 313 ذیل حدیث 4، و الكافی 5- 421 ذیل حدیث 3.
2- تفسیر العیّاشیّ 1- 147، حدیث 482.
3- البقرة: 264.
4- و انظر: البرهان 1- 253 و 254، و تفسیر الصّافی 1- 225.
5- تفسیر العیّاشیّ 1- 147، حدیث 483.
6- البقرة: 264.
7- وضع علی: قال، فی ك رمز نسخة بدل.
8- و انظر: تفسیر البرهان 1- 253.
9- تفسیر العیّاشیّ 1- 148، حدیث 484.

كَسَبُوا (1) قَالَ (2) صَفْوَانُ: أَیْ حَجَرٍ وَ الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ (3)؟. قَالَ: فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ مُعَاوِیَةُ وَ أَشْیَاعُهُمْ (4).

«76»-شی، تفسیر العیاشی (5): عَنْ سَعْدَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ (6) قَالَ: حَقِیقٌ عَلَی اللَّهِ أَنْ لَا یُدْخِلَ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِی قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ حُبِّهِمَا (7).

«77»-سر (8): أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّیَّارِیُّ، عَنِ الرِّضَا عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ إِذَا أُتِیَ بِشَیْ ءٍ مِنَ الْفَیْ ءِ فِیهِ ذَهَبٌ عَزَلَهُ، وَ قَالَ: هَذَا لِطَوْقِ عَمْرٍو (9)، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ قِیلَ لَهُ: كَبِرَ عَمْرٌو (10) عَنِ الطَّوْقِ، فَجَرَی بِهِ الْمَثَلُ (11).

بیان: ذكر (12) أصحاب كتب الأمثال مورد المثل علی وجه آخر تعصّبا، مع أنّه لا تنافی بینهما.

قال الزمخشری فی المستقصی (13): هو عمرو بن عدی ابن أخت جذیمة قد

ص: 215


1- البقرة: 264.
2- لا توجد: قال، فی ك.
3- النّساء: 38.
4- و انظر: تفسیر البرهان 1- 254.
5- تفسیر العیّاشیّ 1- 156، حدیث 528.
6- البقرة: 284.
7- انظر: تفسیر البرهان 1- 267، و تفسیر الصّافی 1- 237.
8- النّوادر، مستطرفات السّرائر 47، حدیث 2، و فی الطبعة الحجریة من السّرائر: 476، و انظر: مستطرفات السّرائر: 43، حدیث 15.
9- فی ك: عمر، و هو نسخة فی المصدر.
10- فی ك: عمر، و هو نسخة فی المصدر.
11- قد ذكره المیدانی فی مجمع الأمثال 2- 137.
12- فی س: سر، ذكر ..، و لم نجده فی كتاب السرائر و لا نوادره، و الظاهر كون الرمز زائدا، فتدبّر.
13- المستقصی فی أمثال العرب 2- 214.

طوّق كثیرا (1) صغیرا ثم استهوته الجنّ مدّة، فلمّا عاد همّت أمّه بإعادة الطوق إلیه، فقال جذیمة: .. ذلك، و قیل إنّها نطّقته و طوّقته و أمرته بزیارة خاله، فلمّا رأی لحیته و الطوق قال: .. ذلك. و یروی شبّ عمرو عن الطوق و جلّ عمرو، یضرب فی ارتفاع الكبیر عن هیئة الصغیر و ما یستهجن من تحلیته بحلیته (2). و نحوه قال المیدانی (3) لكنّه طوّل القصّة الغریبة.

«78»-شی، تفسیر العیاشی (4): عَلِیُّ بْنُ مَیْمُونٍ الصَّائِغُ، عَنِ ابْنِ أَبِی یَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: ثَلَاثَةٌ لا یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَكِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (5): مَنِ ادَّعَی إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَیْسَتْ لَهُ، وَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ، وَ مَنْ قَالَ إِنَّ لِفُلَانٍ وَ فُلَانٍ فِی الْإِسْلَامِ نَصِیباً (6).

«79»-شی، تفسیر العیاشی (7): عَنْ الثُّمَالِیِّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ .. مِثْلَهُ (8).

«80»-شی، تفسیر العیاشی (9): عَنْ عَامِرِ بْنِ كَثِیرٍ السَّرَّاجِ، عَنْ عَطَاءٍ الْهَمْدَانِیِّ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ: إِذْ یُبَیِّتُونَ ما لا یَرْضی مِنَ الْقَوْلِ (10) قَالَ: فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.

وَ فِی رِوَایَةِ عَمْرِو بْنِ سَعِیدٍ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: هُمَا وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.

ص: 216


1- خطّ علی: كثیرا فی ك، و كتب علیها رمز نسخة بدل.
2- فی س: بحلیة- بلا ضمیر-.
3- مجمع الأمثال 2- 137 برقم: 3017.
4- تفسیر العیّاشیّ 1- 178، حدیث 64، بتفصیل فی السّند.
5- آل عمران: 77.
6- و حكاه فی تفسیر البرهان 1- 293.
7- تفسیر العیّاشیّ 1- 178، حدیث 65.
8- و انظر: تفسیر البرهان 1- 293.
9- تفسیر العیّاشیّ 1- 274- 275، حدیث 267 و 268 و 269.
10- النّساء: 108.

وَ فِی رِوَایَةِ عُمَرَ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: الْأَوَّلُ وَ الثَّانِی وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ (1)

«81»- شی، تفسیر العیاشی (2): عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَوْلُهُ تَعَالَی (3) فِی كِتَابِهِ: الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا (4) قَالَ: هُمَا وَ الثَّالِثُ وَ الرَّابِعُ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ طَلْحَةُ وَ كَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا.

قَالَ: لَمَّا وَجَّهَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ، قَالُوا: بَعَثَ هَذَا الصَّبِیَّ وَ لَوْ بَعَثَ غَیْرَهُ- یَا حُذَیْفَةُ إِلَی أَهْلِ (5) مَكَّةَ، وَ فِی مَكَّةَ صَنَادِیدُهَا، وَ كَانُوا یُسَمُّونَ عَلِیّاً: الصَّبِیَّ، لِأَنَّهُ كَانَ اسْمُهُ فِی كِتَابِ اللَّهِ الصَّبِیَّ، لِقَوْلِ (6) اللَّهِ: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَی اللَّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً (7) وَ هُوَ صَبِیٌّ وَ قالَ إِنَّنِی مِنَ الْمُسْلِمِینَ (8)، وَ اللَّهِ (9)الْكُفْرُ بِنَا أَوْلَی مِمَّا نَحْنُ فِیهِ، فَسَارُوا فَقَالُوا لَهُمَا وَ خَوَّفُوهُمَا بِأَهْلِ مَكَّةَ فَعَرَضُوا لَهُمَا وَ غَلَّظُوا عَلَیْهِمَا الْأَمْرَ، فَقَالَ عَلِیٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ، وَ مَضَی، فَلَمَّا دَخَلَا مَكَّةَ أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِقَوْلِهِمْ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ بِقَوْلِ عَلِیٍّ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِأَسْمَائِهِمْ فِی كِتَابِهِ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ أَ لَمْ تَرَ إِلَی (10) الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ .. إِلَی قَوْلِهِ: وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ (11)، وَ إِنَّمَا نَزَلَتْ «أَ لَمْ تَرَ إِلَی ..»

ص: 217


1- انظر: تفسیر البرهان 1- 414.
2- تفسیر العیّاشیّ 1- 279- 280، حدیث 286.
3- فی المصدر: قول اللّٰه.
4- النّساء: 137.
5- لا توجد: أهل، فی ك.
6- فی س: یقول.
7- فصّلت: 33.
8- فصّلت: 33.
9- فی المصدر: و قالوا: و اللّٰه.
10- عبارة: أ لم تر إلی .. لیست جزءا من الآیة فی القرآن، و لعلّها تفسیر أو تأویل للآیة من قبل الأئمّة علیهم السّلام.
11- آل عمران: 173- 174.

فُلَانٍ وَ فُلَانٍ لَقُوا عَلِیّاً وَ عَمَّاراً فَقَالا: إِنَّ أَبَا سُفْیَانَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ، وَ هُمَا اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ:

إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ... إِلَی آخِرِ الْآیَةِ (1) فَهَذَا أَوَّلُ كُفْرِهِمْ.

وَ الْكُفْرُ الثَّانِی قَوْلُ النَّبِیِّ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ: یَطْلُعُ عَلَیْكُمْ مِنْ هَذَا الشِّعْبِ رَجُلٌ فَیَطْلُعُ عَلَیْكُمْ بِوَجْهِهِ، فَمَثَلُهُ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ عِیسَی لَمْ یَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا تَمَنَّی أَنْ یَكُونَ بَعْضَ أَهْلِهِ، فَإِذَا بِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَدْ خَرَجَ وَ طَلَعَ بِوَجْهِهِ، قَالَ (2): هُوَ هَذَا، فَخَرَجُوا غِضَاباً وَ قَالُوا: مَا بَقِیَ إِلَّا أَنْ یَجْعَلَهُ نَبِیّاً، وَ اللَّهِ الرُّجُوعُ إِلَی آلِهَتِنَا خَیْرٌ مِمَّا نَسْمَعُ مِنْهُ فِی ابْنِ عَمِّهِ! وَ لَیَصُدُّنَا عَلِیٌّ إِنْ دَامَ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ یَصِدُّونَ ... إِلَی آخِرِ الْآیَةِ (3) فَهَذَا الْكُفْرُ الثَّانِی.

وَ زِیَادَةُ الْكُفْرِ (4)حِینَ قَالَ اللَّهُ: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ (5) وَ قَالَ (6) النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا عَلِیُّ! أَصْبَحْتَ وَ أَمْسَیْتَ خَیْرَ الْبَرِیَّةِ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: هُوَ خَیْرٌ مِنْ آدَمَ وَ نُوحٍ وَ مِنْ إِبْرَاهِیمَ وَ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ .. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ ... إِلَی سَمِیعٌ عَلِیمٌ (7) قَالُوا: فَهُوَ خَیْرٌ مِنْكَ یَا مُحَمَّدُ .. قَالَ اللَّهُ (8): قُلْ ... إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْكُمْ جَمِیعاً (9) وَ لَكِنَّهُ خَیْرٌ مِنْكُمْ وَ ذُرِّیَّتُهُ خَیْرٌ مِنْ ذُرِّیَّتِكُمْ، وَ مَنِ اتَّبَعَهُ خَیْرٌ مِمَّنِ اتَّبَعَكُمْ، فَقَامُوا غِضَاباً، وَ قَالُوا زِیَادَةُ: الرُّجُوعِ إِلَی الْكُفْرِ أَهْوَنُ عَلَیْنَا مِمَّا

ص: 218


1- النّساء: 137.
2- فی المصدر: و قال.
3- الزّخرف: 57.
4- فی تفسیر العیّاشیّ: و زاد الكفر بالكفر.
5- البیّنة: 7.
6- فی المصدر: فقال.
7- آل عمران: 33- 34.
8- الظّاهر سقوط: قال، أی قال: قال اللّٰه ..
9- الأعراف: 158.

یَقُولُ فِی ابْنِ عَمِّهِ! وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً (1).

بیان: یَصِدُّونَ. بمعنی یضجّون (2)، و قوله و لیصدّنا .. لیس لبیان هذا الصدود، بل هو بمعنی المنع (3) عمّا هو مرادهم.

قوله علیه السلام: و قالوا زیادة .. بالنصب، أو الرفع بالإضافة.

«82»-شی، تفسیر العیاشی (4): عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ عَنْ قَوْلِهِ (5): إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ... (6) ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً (7) قَالَ: نَزَلَتْ فِی أَبِی (8) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ الَّذِی بَعَثَهُ عُثْمَانُ إِلَی مِصْرَ، قَالَ: وَ ازْدادُوا كُفْراً حِینَ لَمْ یَبْقَ فِیهِ مِنَ الْإِیمَانِ شَیْ ءٌ (9).

«83»-شی، تفسیر العیاشی (10): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (11) بْنِ كَثِیرٍ الْهَاشِمِیِّ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً (12) قَالَ: نَزَلَتْ فِی فُلَانٍ وَ فُلَانٍ آمَنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی أَوَّلِ

ص: 219


1- النّساء: 137. و قد ذكر صدر الحدیث فی تفسیر العیّاشیّ أیضا 1- 206، حدیث 154، و انظر: تفسیر البرهان 1- 421، و ذكره الفیض الكاشانیّ فی تفسیره الصّافی عن العیّاشیّ مختصرا.
2- كما فی مجمع البحرین 3- 83، و انظر: لسان العرب 3- 246، و الصحاح 2- 496، و غیرهما.
3- ذكره فی مجمع البحرین 3- 83، و انظر: الصحاح 2- 495، و لسان العرب 3- 246.
4- تفسیر العیّاشیّ 1- 280، حدیث 287.
5- فی المصدر: فی قول اللّٰه.
6- فی التّفسیر ذكر المحذوف من الآیة و هی: ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.
7- النّساء: 137.
8- لا توجد: أبی، فی المصدر، و هو الظّاهر، و هو اسم أخی عثمان من الرّضاع، و هو الّذی أهدر النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله دمه یوم فتح مكّة.
9- لا توجد: شی ء فی س. و انظر: تفسیر البرهان 1- 422، و تفسیر الصّافی 1- 404.
10- تفسیر العیّاشیّ 1- 281، حدیث 289.
11- فی المصدر: عبد الرّحمن.
12- النّساء: 137.

الْأَمْرِ ثُمَّ كَفَرُوا حِینَ عَرَضَتْ عَلَیْهِمُ الْوَلَایَةُ، حَیْثُ قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِیٌّ مَوْلَاهُ، ثُمَّ آمَنُوا بِالْبَیْعَةِ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ حَیْثُ قَالُوا لَهُ: بِأَمْرِ اللَّهِ وَ أَمْرِ رَسُولِهِ .. فَبَایَعُوهُ، ثُمَّ كَفَرُوا حَیْثُ مَضَی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَلَمْ یُقِرُّوا بِالْبَیْعَةِ، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بِأَخْذِهِمْ مَنْ بَایَعُوهُ بِالْبَیْعَةِ لَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ لَمْ یَبْقَ فِیهِمْ مِنَ الْإِیمَانِ شَیْ ءٌ (1).

«84»-كا (2): الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُعَلَّی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ وَ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ .. مِثْلَهُ.

بیان:

المراد بمن بایعوه: أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه.

«85»-شی، تفسیر العیاشی (3): عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً یُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (4)، قَالَ:

فَقَالَ: هُمْ أَوْلِیَاءُ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ اتَّخَذُوهُمْ أَئِمَّةً دُونَ (5) الْإِمَامِ الَّذِی جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی: وَ لَوْ یَرَی الَّذِینَ ظَلَمُوا إِذْ یَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِینَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا ... (6) إِلَی قَوْلِهِ: مِنَ النَّارِ (7)، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

ص: 220


1- لا توجد: شی ء، فی س، و انظر: تفسیر البرهان 1- 422، و الصّافی 1- 404.
2- الكافی 1- 420- كتاب الحجّة- باب فیه نكت و نتف من التّنزیل فی الولایة، حدیث 42، و انظر بقیّة روایات الباب.
3- تفسیر العیّاشیّ 1- 72، حدیث 142.
4- البقرة: 165.
5- فی المصدر: من دون.
6- البقرة: 165- 166.
7- البقرة: 167.

هُمْ وَ اللَّهِ- یَا جَابِرُ- أَئِمَّةُ (1) الظُّلْمِ وَ أَشْیَاعُهُمْ (2)..

«86»-شی، تفسیر العیاشی (3): عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَوْلُهُ (4): وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً یُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ (5) قَالَ: هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ (6) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (7).

«87»-شی، تفسیر العیاشی (8): عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ ما هُمْ بِخارِجِینَ مِنَ النَّارِ (9)؟. قَالَ: أَعْدَاءُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ هُمُ الْمُخَلَّدُونَ فِی النَّارِ أَبَدَ الْآبِدِینَ وَ دَهْرَ الدَّاهِرِینَ (10)..

«88»-شی، تفسیر العیاشی (11): عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ بَشَّارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا (12)؟. قَالَ:

فُلَانٌ وَ فُلَانٌ. وَ یُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ (13)، النَّسْلُ: هُمُ الذُّرِّیَّةُ، وَ الْحَرْثُ:

الزَّرْعُ..

ص: 221


1- فی تفسیر العیّاشیّ: و اللّٰه یا جابر هم أئمّة.
2- و انظر: تفسیر البرهان 1- 172، و الصّافی 1- 156، و إثبات الهداة 1- 262.
3- تفسیر العیّاشیّ 1- 72، حدیث 143.
4- فی (س): قال.
5- البقرة: 165.
6- فی (ك) نسخة بدل: هم أصحاب آل محمّد.
7- انظر: تفسیر البرهان 1- 172، و الصّافی 1- 157.
8- تفسیر العیّاشیّ 1- 73، حدیث 145.
9- البقرة: 167.
10- لاحظ: تفسیر البرهان 1- 172، و الصّافی 1- 157.
11- تفسیر العیّاشیّ 1- 100، حدیث 287.
12- البقرة: 204.
13- البقرة: 205.

«89»-شی، تفسیر العیاشی (1): عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّاراً یَقُولُ- عَلَی مِنْبَرِ الْكُوفَةِ-: ثَلَاثَةٌ یَشْهَدُونَ عَلَی [فُلَانٍ] أَنَّهُ كَافِرٌ وَ أَنَا الرَّابِعُ، وَ أَنَا أُتِمُّ الْأَرْبَعَةَ (2)، ثُمَّ قَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآیَاتِ (3) فِی الْمَائِدَةِ: وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (4) وَ الظَّالِمُونَ (5) وَ الْفاسِقُونَ (6).

«90»-شی، تفسیر العیاشی (7): عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ فِی الْخُمُسِ نَصِیباً لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَأَبَی أَبُو بَكْرٍ أَنْ یُعْطِیَهُمْ نَصِیبَهُمْ حَسَداً وَ عَدَاوَةً، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (8)، وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلَ مَنْ مَنَعَ آلَ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ حَقَّهُمْ وَ ظَلَمَهُمْ، وَ حَمَلَ النَّاسَ عَلَی رِقَابِهِمْ، وَ لَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ عَلَی غَیْرِ شُورَی مِنَ الْمُسْلِمِینَ وَ لَا رِضًی مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، فَعَاشَ عُمَرُ بِذَلِكَ لَمْ یُعْطِ آلَ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ حَقَّهُمْ وَ صَنَعَ مَا صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ (9).

«91»-شی، تفسیر العیاشی (10): عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَنْ جاءَ

ص: 222


1- تفسیر العیّاشیّ 1- 323، حدیث 123.
2- فی المصدر: و أنا أسمّی الأربعة.
3- فی (س): هذه الآیات، و جعل ما فی المتن نسخة.
4- المائدة: 44.
5- المائدة: 45.
6- المائدة: 47. و قد جاء فی تفسیر البرهان 1- 476.
7- تفسیر العیّاشیّ 1- 325، حدیث 130.
8- المائدة: 47.
9- و انظر: تفسیر البرهان 1- 478.
10- تفسیر العیّاشیّ 1- 387، حدیث 140.

بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (1) قَالَ: مَنْ ذَكَرَهُمَا فَلَعَنَهُمَا كُلَّ غَدَاةٍ كَتَبَ اللَّهُ (2) لَهُ سَبْعِینَ حَسَنَةً، وَ مَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَیِّئَاتٍ، وَ رَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ (3).

«92»-م (4): قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ إِذا لَقُوا الَّذِینَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلی شَیاطِینِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ یَمُدُّهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ (5)؟. قَالَ مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ: وَ إِذَا لَقِیَ (6) هَؤُلَاءِ النَّاكِثُونَ لِبَیْعَتِهِ (7) الْمُوَاطِئُونَ عَلَی مُخَالَفَةِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ دَفْعِ الْأَمْرِ عَنْهُ، الَّذِینَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا كَإِیمَانِكُمْ، إِذَا لَقُوا سَلْمَانَ وَ الْمِقْدَادَ وَ أَبَا ذَرٍّ وَ عَمَّاراً قَالُوا لَهُمْ: آمَنَّا بِمُحَمَّدٍ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ سَلَّمْنَا لَهُ بَیْعَةَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ فَضْلَهُ (8) وَ أَنْفَذْنَا لِأَمْرِهِ كَمَا آمنتهم [آمَنْتُمْ] (9) إِنْ كَانَ (10) أَوَّلَهُمْ وَ ثَانِیَهُمْ وَ ثَالِثَهُمْ إِلَی تَاسِعِهِمْ، رُبَّمَا كَانُوا یَلْتَقُونَ فِی بَعْضِ طُرُقِهِمْ مَعَ سَلْمَانَ وَ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا لَقُوهُمْ اشْمَأَزُّوا مِنْهُمْ وَ قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ السَّاحِرِ وَ الْأَهْوَجِ- یَعْنُونَ مُحَمَّداً وَ عَلِیّاً عَلَیْهِمَا السَّلَامُ-، ثُمَّ یَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: احْتَرِزُوا مِنْهُمْ لَا یَقِفُونَ مِنْ فَلَتَاتِ كَلَامِكُمْ عَلَی كُفْرِ مُحَمَّدٍ فِیمَا قَالَهُ فِی عَلِیٍّ فَیَنِمُّوا عَلَیْكُمْ، فَیَكُونَ فِیهِ هَلَاكُكُمْ، فَیَقُولُ أَوَّلُهُمُ: انْظُرُوا إِلَیَّ كَیْفَ أَسْخَرُ مِنْهُمْ وَ أَكُفُّ عَادِیَتَهُمْ عَنْكُمْ؟. فَإِذَا لَقُوا (11) قَالَ أَوَّلُهُمْ: مَرْحَباً بِسَلْمَانَ ابْنِ الْإِسْلَامِ الَّذِی

ص: 223


1- الأنعام: 160.
2- لا یوجد لفظ الجلالة فی (س).
3- انظر: البرهان فی تفسیر القرآن 1- 566.
4- تفسیر الإمام الحسن العسكریّ علیه السّلام: 120- 125، حدیث 63، و هناك نسخ أخری جاءت فی ذیل المصدر أو خلال متنه لم نشر إلیها.
5- البقرة: 14- 15. و ذكر بعدهما فی المصدر: قال الإمام علیه السّلام.
6- فی المصدر: إذا لقوا ..
7- فی التّفسیر: للبیعة ..
8- وضع فی مطبوع البحار علی: فضله، رمز نسخة بدل و بعدها: ص، أی فی نسخة صحیحة.
9- كذا، و فی المصدر: كما أمنتم.
10- فی (س) وضع علی: كان، رمز نسخة بدل، و هی لا توجد فی المصدر.
11- فی المصدر: فإذا التقوا.

قَالَ فِیهِ مُحَمَّدٌ سَیِّدُ الْأَنَامِ: لَوْ كَانَ الدِّینُ مُتَعَلِّقاً (1) بِالثُّرَیَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، هَذَا أَفْضَلُهُمْ، یَعْنِیكَ. وَ قَالَ فِیهِ: سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ، فَقَرَنَهُ بِجَبْرَئِیلَ الَّذِی قَالَ لَهُ یَوْمَ الْعَبَاءِ لَمَّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: وَ أَنَا مِنْكُمْ، فَقَالَ:

وَ أَنْتَ مِنَّا حَتَّی ارْتَقَی جَبْرَئِیلُ إِلَی الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَی یَفْتَخِرُ عَلَی أَهْلِهِ یَقُولُ: مَنْ مِثْلِی؟! بَخْ بَخْ وَ أَنَا (2) مِنْ أَهْلِ بَیْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

ثُمَّ یَقُولُ لِلْمِقْدَادِ: مَرْحَباً بِكَ یَا مِقْدَادُ! أَنْتَ الَّذِی قَالَ فِیكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا عَلِیُّ! الْمِقْدَادُ أَخُوكَ فِی الدِّینِ وَ قَدْ قَدِمَكَ (3) فَكَأَنَّهُ بَعْضُكَ، حُبّاً لَكَ وَ تَعَصُّباً عَلَی أَعْدَائِكَ، وَ مُوَالاةً لِأَوْلِیَائِكَ، وَ مُعَادَاةً لِأَعْدَائِكَ (4)، لَكِنَّ مَلَائِكَةَ السَّمَاوَاتِ وَ الْحُجُبِ أَكْثَرُ حُبّاً لَكَ مِنْكَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ أَكْثَرُ تَعَصُّباً عَلَی أَعْدَائِكَ (5) مِنْكَ عَلَی أَعْدَاءِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَطُوبَاكَ ثُمَّ طُوبَاكَ.

ثُمَّ یَقُولُ لِأَبِی ذَرٍّ: مَرْحَباً بِكَ یَا أَبَا ذَرٍّ! أَنْتَ الَّذِی قَالَ فِیكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَ لَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ عَلَی ذِی لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِی ذَرٍّ، وَ (6) قِیلَ: بِمَا ذَا فَضَّلَهُ اللَّهُ وَ شَرَّفَهُ (7)؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لِأَنَّهُ كَانَ بِفَضْلِ عَلِیٍّ- أَخِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا وَ آلِهِمَا- قَوَّالًا، وَ لَهُ فِی كُلِّ الْأَحْوَالِ مَدَّاحاً، وَ لِشَانِئِیهِ وَ أَعْدَائِهِ شَانِئاً، وَ لِأَوْلِیَائِهِ وَ أَحِبَّائِهِ مُوَالِیاً، وَ سَوْفَ یَجْعَلُهُ

ص: 224


1- فی التّفسیر: معلّقا.
2- نسخة بدل فی (ك): أنا- بتشدید النّون-، و جاء فی (س) بدلا من: و أنا، و أنت.
3- فی المصدر: و قد قد منك، و هو الظّاهر.
4- لا توجد فی التّفسیر: و معاداة لأعدائك.
5- من قوله علیه السّلام: و مولاة لأولیائك .. إلی هنا لا توجد فی (س)، و لعلّها سطر ساقط، و هی موجودة فی المصدر إلّا أنّ بدلا من: أكثر تعصّبا، أشدّ بغضا.
6- لا توجد الواو فی المصدر.
7- فی المصدر: اللّٰه تعالی بهذا و شرّفه.

اللَّهُ فِی الْجِنَانِ مِنْ أَفْضَلِ سَاكِنِیهَا (1)، وَ یَخْدُمُهُ مَا لَا یَعْرِفُ عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ مِنْ وَصَائِفِهَا وَ غِلْمَانِهَا وَ وِلْدَانِهَا.

ثُمَّ یَقُولُ لِعَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ: أَهْلًا وَ سَهْلًا وَ مَرْحَباً بِكَ یَا عَمَّارُ! نِلْتَ بِمُوَالاةِ أَخِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَعَ أَنَّكَ وَادِعٌ رَافِهٌ لَا تَزِیدُ عَلَی الْمَكْتُوبَاتِ وَ الْمَسْنُونَاتِ مِنْ سَائِرِ (2) الْعِبَادَاتِ مَا لَا یَنَالُهُ الْكَادُّ بَدَنَهُ لَیْلًا وَ نَهَاراً- یَعْنِی اللَّیْلَ قِیَاماً وَ النَّهَارَ صِیَاماً-، وَ الْبَاذِلُ أَمْوَالَهُ وَ إِنْ كَانَتْ جَمِیعُ أَمْوَالِ الدُّنْیَا لَهُ، مَرْحَباً بِكَ، قَدْ رَضِیَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِعَلِیٍّ- أَخِیهِ- مُصَافِیاً، وَ عَنْهُ مُنَاوِئاً، حَتَّی أَخْبَرَ أَنَّكَ سَتُقْتَلُ فِی مَحَبَّتِهِ، وَ تُحْشَرُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فِی خِیَارِ زُمْرَتِهِ، وَفَّقَنِیَ اللَّهُ تَعَالَی لِمِثْلِ عَمَلِكَ وَ عَمَلِ أَصْحَابِكَ، حَتَّی (3) تَوَفَّرَ عَلَی خِدْمَةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ أَخِی مُحَمَّدٍ عَلِیٍّ وَلِیِّ اللَّهِ- وَ مُعَادَاةِ أَعْدَائِهِمَا بِالْعَدَاوَةِ، وَ مُصَافَاةِ أَوْلِیَائِهِمَا بِالْمُوَالاةِ وَ الْمُتَابَعَةِ، سَوْفَ یُسْعِدُنَا اللَّهُ یَوْمَنَا (4) إِذَا الْتَقَیْنَا بِكُمْ، فَیَقُولُ (5) سَلْمَانُ وَ أَصْحَابُهُ ظَاهِرُهُمْ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَ یَجُوزُونَ عَنْهُمْ، فَیَقُولُ الْأَوَّلُ لِأَصْحَابِهِ: كَیْفَ رَأَیْتُمْ سُخْرِیَّتِی لِهَؤُلَاءِ (6)؟

وَ كَیْفَ كَفَفْتُ عَادِیَتَهُمْ عَنِّی وَ عَنْكُمْ؟. فَیَقُولُونَ لَهُ (7): لَا تَزَالُ بِخَیْرٍ مَا عِشْتَ لَنَا.

فَیَقُولُ لَهُمْ: فَهَكَذَا فَلْتَكُنْ مُعَامَلَتُكُمْ لَهُمْ إِلَی أَنْ تَنْتَهِزُوا الْفُرْصَةَ فِیهِمْ مِثْلَ هَذَا، فَإِنَّ اللَّبِیبَ الْعَاقِلَ مَنْ تَجَرَّعَ عَلَی الْغُصَّةِ حَتَّی یَنَالَ الْفُرْصَةَ، ثُمَّ یَعُودُونَ إِلَی أَخْدَانِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِینَ الْمُتَمَرِّدِینَ الْمُشَارِكِینَ لَهُمْ فِی تَكْذِیبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِیمَا أَدَّاهُ إِلَیْهِمْ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ ذِكْرِ تَفْضِیلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ

ص: 225


1- جاء فی التّفسیر: اللّٰه عزّ و جلّ فی الجنان من أفضل سكّانها.
2- خطّ علی كلمة: سائر فی (س).
3- فی المصدر: ممّن، بدلا من: حتّی، و هی نسخة فی (ك)، و هو الظّاهر.
4- یومنا هذا، جاءت فی المصدر.
5- فی المصدر: فیقبل، و هی نسخة فی (ك).
6- جاء: بهؤلاء، بدلا من: لهؤلاء، فی المصدر.
7- لا توجد فی المصدر: له.

وَ نَصْبِهِ إِمَاماً عَلَی كَافَّةِ الْمُكَلَّفِینَ. قَالُوا لَهُمْ: إِنَّا مَعَكُمْ. (1) عَلَی مَا وَاطَأْنَاكُمْ عَلَیْهِ مِنْ دَفْعِ عَلِیِّ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ إِنْ كَانَتْ لِمُحَمَّدٍ كَائِنَةٌ، فَلَا یَغُرَّنَّكُمْ وَ لَا یَهُولَنَّكُمْ مَا تَسْتَمِعُونَهُ مِنَّا مِنْ تَقْرِیظِهِمْ، وَ تَرَوْنَنَا نَجْتَرِئُ عَلَیْهِ (2) مِنْ مُدَارَاتِهِمْ فَإِنَّا (3) نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَا مُحَمَّدُ (صلی اللّٰه علیه و آله)!: اللَّهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (4) یُجَازِیهِمْ جَزَاءَ اسْتِهْزَائِهِمْ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ: وَ یَمُدُّهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ (5) یُمْهِلُهُمْ وَ یَتَأَتَّی بِهِمْ (6) بِرِفْقِهِ وَ یَدْعُوهُمْ إِلَی التَّوْبَةِ، وَ یَعِدُهُمْ إِذَا أَنَابُوا الْمَغْفِرَةَ یَعْمَهُونَ (7) وَ هُمْ یَعْمَهُونَ وَ لَا یَرْعَوُونَ (8).

قَالَ الْعَالِمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ (9): فَأَمَّا اسْتِهْزَاءُ اللَّهِ (10) بِهِمْ فِی الدُّنْیَا فَإِنَّهُ مَعَ إِجْرَائِهِ إِیَّاهُمْ عَلَی ظَاهِرِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِینَ لِإِظْهَارِهِمْ مَا یُظْهِرُونَهُ مِنَ السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ الْمُوَافَقَةِ، یَأْمُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِالتَّعْرِیضِ لَهُمْ حَتَّی لَا یَخْفَی عَلَی الْمُخْلِصِینَ مَنِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّعْرِیضِ، وَ یَأْمُرُ بِلَعْنِهِمْ.

وَ أَمَّا اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ فِی الْآخِرَةِ، فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَقَرَّهُمْ فِی دَارِ اللَّعْنَةِ وَ الْهَوَانِ وَ عَذَّبَهُمْ بِتِلْكَ الْأَلْوَانِ الْعَجِیبَةِ مِنَ الْعَذَابِ، وَ أَقَرَّ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِینَ فِی الْجِنَانِ

ص: 226


1- ذكر ما بعد الآیة فی المصدر: .. إنّما نحن ..
2- جاء فی المصدر: و ترونا نجتری علیهم، و هو الظّاهر.
3- فی التّفسیر: فإنّما، فیكون جزء الآیة الكریمة.
4- البقرة: 15.
5- البقرة: 15.
6- فی المصدر: و یتأنّی بهم.
7- البقرة: 15. و فی نسخة من المصدر: و هم یعمهون.
8- فی التّفسیر: یعمهون لا ینزعون .. و فیه زیادة هنا: .. عن قبیح، و لا یتركون أذی لمحمّد (صلی اللّٰه علیه و آله).
9- فی المصدر: قال الإمام العالم علیه السّلام.
10- جاء: اللّٰه تعالی، فی المصدر.

بِحَضْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ صَفِیِّ الْمَلِكِ الدَّیَّانِ، أَطْلَعَهُمْ عَلَی هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِءِینَ بِهِمْ (1) فِی الدُّنْیَا حَتَّی یَرَوْا مَا هُمْ (2) فِیهِمْ مِنْ عَجَائِبِ اللَّعَائِنِ، وَ بَدَائِعِ النَّقِمَاتِ، فَیَكُونُ (3) لَذَّتُهُمْ وَ سُرُورُهُمْ بِشَمَاتَتِهِمْ (4) كَمَا لَذَّتُهُمْ وَ سُرُورُهُمْ بِنَعِیمِهِمْ فِی جِنَانِ رَبِّهِمْ، فَالْمُؤْمِنُونَ یَعْرِفُونَ أُولَئِكَ الْكَافِرِینَ الْمُنَافِقِینَ (5) بِأَسْمَائِهِمْ وَ صِفَاتِهِمْ، وَ هُمْ عَلَی أَصْنَافٍ:

مِنْهُمْ: مَنْ هُوَ بَیْنَ أَنْیَابِ أَفَاعِیهَا تَمْضَغُهُ.

وَ مِنْهُمْ: مَنْ هُوَ بَیْنَ مَخَالِیبِ (6) سِبَاعِهَا تَعْبَثُ بِهِ وَ تَفْتَرِسُهُ.

وَ مِنْهُمْ: مَنْ هُوَ تَحْتَ سِیَاطِ زَبَانِیَتِهَا وَ أَعْمِدَتِهَا وَ مِرْزَبَاتِهَا یَقَعُ (7) مِنْ أَیْدِیهِمْ عَلَیْهِ [مَا] تُشَدِّدُ (8) فِی عَذَابِهِ، وَ تُعَظِّمُ خِزْیَهُ وَ نَكَالَهُ.

وَ مِنْهُمْ: مَنْ هُوَ فِی بِحَارِ حَمِیمِهَا یَغْرَقُ وَ یُسْحَبُ فِیهَا.

وَ مِنْهُمْ: مَنْ هُوَ (9) فِی غِسْلِینِهَا وَ غَسَّاقِهَا تَزْجُرُهُ (10) زَبَانِیَتُهَا.

وَ مِنْهُمْ: مَنْ هُوَ فِی سَائِرِ أَصْنَافِ عَذَابِهَا، وَ الْكَافِرُونَ وَ (11) الْمُنَافِقُونَ یَنْظُرُونَ فَیَرَوْنَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ كَانُوا بِهِمْ فِی الدُّنْیَا یَسْخَرُونَ لِمَا كَانُوا مِنْ مُوَالاةِ مُحَمَّدٍ

ص: 227


1- فی المصدر: المستهزءین الّذین كانوا یستهزءون بهم ..
2- لا توجد: هم، فی (س)، و جاء فی (ك): فیه، بدلا من: فیهم.
3- فی التّفسیر: فتكون.
4- فی المصدر: بشماتتهم بهم ..
5- فی المصدر: و المنافقین.
6- فی التّفسیر: مخالب- بلا یاء-.
7- فی المصدر: تقع.
8- فی التّفسیر: ما تشدّد ..، و هو الظّاهر.
9- لا توجد كلمة: هو، فی (س).
10- فی المصدر: یزجره فیها.
11- وضع رمز نسخة بدل علی الواو فی (س).

وَ عَلِیٍّ وَ آلِهِمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ یَعْتَقِدُونَ، فَیَرْونَهُمْ (1) مِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَلَی فُرُشِهَا یَتَقَلَّبُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَلَی (2) فَوَاكِهِهَا یَرْتَعُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَلَی (3) غُرُفَاتِهَا أَوْ فِی بَسَاتِینِهَا وَ مُتَنَزَّهَاتِهَا (4) یَتَبَحْبَحُ (5)، وَ الْحُورُ الْعِینُ وَ الْوُصَفَاءُ وَ الْوِلْدَانُ وَ الْجَوَارِی وَ الْغِلْمَانُ قَائِمُونَ بِحَضْرَتِهِمْ وَ طَائِفُونَ بِالْخِدْمَةِ حَوَالَیْهِمْ، وَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ یَأْتُونَهُمْ مِنْ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِالْحِبَاءِ وَ الْكَرَامَاتِ وَ عَجَائِبِ التُّحَفِ وَ الْهَدَایَا وَ الْمَبَرَّاتِ، یَقُولُونَ (6): سَلامٌ عَلَیْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ (7)، فَیَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُشْرِفُونَ عَلَی هَؤُلَاءِ الْكَافِرِینَ الْمُنَافِقِینَ: یَا أَبَا فُلَانٍ! (8) وَ یَا فُلَانُ! وَ یَا فُلَانُ! (9) .. حَتَّی یُنَادُونَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ: مَا بَالُكُمْ فِی مَوَاقِفِ خِزْیِكُمْ مَاكِثُونَ؟! هَلُمُّوا إِلَیْنَا نَفْتَحْ لَكُمْ أَبْوَابَ الْجِنَانِ لِتَخْلُصُوا مِنْ عَذَابِكُمْ، وَ تَلْحَقُوا بِنَا فِی نَعِیمِهَا، فَیَقُولُونَ: یَا وَیْلَنَا! أَنَّی لَنَا هَذَا؟. یَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ: انْظُرُوا إِلَی هَذِهِ الْأَبْوَابِ، فَیَنْظُرُونَ إِلَی أَبْوَابٍ مِنَ (10) الْجِنَانِ مُفَتَّحَةً یُخَیَّلُ إِلَیْهِمْ أَنَّهَا إِلَی جَهَنَّمَ الَّتِی فِیهَا یُعَذَّبُونَ، وَ یُقَدِّرُونَ أَنَّهُمْ مُمَكَّنُونَ (11) أَنْ یَتَخَلَّصُوا إِلَیْهَا، فَیَأْخُذُونَ فِی

ص: 228


1- فی المصدر: و یرون.
2- فی التّفسیر: فی، بدلا من: علی و وضع رمز نسخة فی (ك) علی كلمة: علی.
3- وضع علی كلمة: علی، رمز نسخة بدل فی (ك)، و جاء بدلا منها: فی، فی المصدر.
4- فی المصدر: منتزهاتها، قال فی القاموس 4- 294: التّنزّه: التّباعد، و الاسم النّزهة .. و نزه ككرم و ضرب- نزاهة و نزاهیة، و الرّجل تباعد عن كلّ مكروه فهو نزیه.
5- فی (ك): یبتجح- بتقدیم الباء الموحّدة علی التّاء المثنّاة- و هو غلط، و تقرأ ما فی (س): یبتجح بتقدیم الجیم علی الحاء المهملة، و التّبجّح: الفرح كما فی القاموس 1- 214. أمّا معنی: یتبحبح فقد تعرّض المصنّف- رحمه اللّٰه- له فی بیانه.
6- فی المصدر: یقولون لهم، و هی نسخة بدل فی (ك).
7- الرّعد: 24.
8- فی المصدر: یا فلان.
9- فی (س). وضع علی فلان- الثّالثة- رمز نسخة بدل.
10- وضع علی: من، فی (س) رمز نسخة بدل.
11- فی المصدر: یتمكّنون.

السِّبَاحَةِ (1) فِی بِحَارِ حَمِیمِهَا وَ عَدَوْا مِنْ (2) بَیْنِ أَیْدِی زَبَانِیَتِهَا وَ هُمْ یَلْحَقُونَهُمْ وَ یَضْرِبُونَهُمْ بِأَعْمِدَتِهِمْ وَ مِرْزَبَاتِهِمْ وَ سِیَاطِهِمْ، فَلَا یَزَالُونَ هَكَذَا یَسِیرُونَ هُنَاكَ، وَ هَذِهِ الْأَصْنَافُ مِنَ الْعَذَابِ تَمَسُّهُمْ حَتَّی إِذَا قَدَّرُوا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوا تِلْكَ الْأَبْوَابَ وَجَدُوهَا مَرْدُومَةً عَنْهُمْ، وَ تُدَهْدِهُهُمُ (3) الزَّبَانِیَةُ بِأَعْمِدَتِهَا فَتُنَكِّسُهُمْ إِلَی سَوَاءِ الْجَحِیمِ، وَ یَسْتَلْقِی أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَی فُرُشِهِمْ فِی مَجَالِسِهِمْ یَضْحَكُونَ مِنْهُمْ مُسْتَهْزِءِینَ بِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: اللَّهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (4)، وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: فَالْیَوْمَ الَّذِینَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ یَضْحَكُونَ عَلَی الْأَرائِكِ یَنْظُرُونَ (5).

بیان: قال الفیروزآبادی: الهوج- محرّكة- طول فی حمق و طیش و تسرّع (6).

و الوادع: السّاكن الخافض فی العیش (7).

و رجل رافه .. أی وادع، و هو فی رفاهة من العیش .. أی سعة (8).

و قال الجوهری: الإرزبّة- بالكسر (9)

الّتی یكسر بها المدر، فإن قلتها بالمیم

ص: 229


1- فی التّفسیر: بالسباحة.
2- لا توجد: من، فی المصدر، و وضع علیها فی (س) رمز نسخة بدل.
3- فی (س): تدهدههم، و فی نسخة: تزهّدهم، و فی أخری: دهدهم.
4- البقرة: 15.
5- المطفّفین: 34- 35.
6- القاموس 1- 221، و قارن بتاج العروس 2- 118، و انظر: لسان العرب 2- 394.
7- كما فی مجمع البحرین 4- 401، و الصحاح 3- 1295، و تاج العروس 5- 534.
8- ذكره فی الصحاح 6- 2232، و لسان العرب 13- 493، و غیرهما.
9- لا توجد فی المصدر: بالكسر.

خفّفت، قلت (1): المرزبة (2).

و قال: سحبت ذیلی فانسحب (3): جررته فانجرّر (4).

و قال: التّبحبح: التّمكّن فی الحلول و المقام (5).

و الرّدم: السّدّ (6).

و دهدهت الحجر فَتَدَهْدَهَ: دحرجته فتدحرج (7).

«93»-شی، تفسیر العیاشی (8): عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآیَةِ فِی قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَی (9): یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِیاءَ ... إِلَی قَوْلِهِ: الْفاسِقِینَ (10) فَأَمَّا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَی الْإِیمانِ (11) فَإِنَّ الْكُفْرَ فِی الْبَاطِنِ فِی هَذِهِ الْآیَةِ وَلَایَةُ الْأَوَّلِ وَ الثَّانِی وَ هُوَ كُفْرٌ، وَ قَوْلُهُ: عَلَی الْإِیمَانِ، فَالْإِیمَانُ وَلَایَةُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

قَالَ: وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (12)..

«94»-شی، تفسیر العیاشی (13): عَنْ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ

ص: 230


1- فی الصحاح: فقلت.
2- الصحاح 1- 135، و قارن ب: لسان العرب 1- 416.
3- فی المصدر: اسحب.
4- صحاح اللغة 1- 146 و فیه: فانجرّ، بدلا من: فانجرر، و انظر: لسان العرب 1- 461.
5- الصحاح 1- 354، و لاحظ: النهایة 1- 98.
6- كما نصّ علیه فی الصحاح 5- 1930، و تاج العروس 8- 309.
7- ذكره فی صحاح اللغة 6- 2231، و انظر: لسان العرب 13- 489، و غیرهما.
8- تفسیر العیّاشیّ 2- 84، حدیث 36.
9- لا توجد: تعالی، فی المصدر.
10- التّوبة: 23.
11- التّوبة: 24.
12- و ذكرت فی تفسیر البرهان 2- 111 عنه.
13- تفسیر العیّاشیّ 2- 84، حدیث 38.

تَعَالَی: وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ... إِلَی: ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ (1)؟.

فَقَالَ: أَبُو فُلَانٍ (2).

«95»-سر (3): عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُكَیْرٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی احْتِجَاجِ النَّاسِ عَلَیْنَا فِی الْغَارِ، فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

حَسْبُكَ بِذَلِكَ عَاراً- أَوْ قَالَ (4): شَرّاً- إِنَّ اللَّهَ (5) لَمْ یَذْكُرْ رَسُولَ اللَّهِ (6) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَعَ الْمُؤْمِنِینَ إِلَّا أَنْزَلَ اللَّهُ السَّكِینَةَ عَلَیْهِمْ جَمِیعاً، وَ إِنَّهُ أَنْزَلَ السَّكِینَةَ عَلَی رَسُولِهِ وَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا وَ (7) خَصَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ دُونَهُ..

«96»-سر (8): مِنْ كِتَابِ أَبِی الْقَاسِمِ بْنِ قُولَوَیْهِ، عَنْ عِیسَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِیِّ، قَالَ: خَطَبَ النَّاسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- وَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ یَتَزَوَّجَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِیَوْمَیْنِ-، فَقَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ! لَا تُغَالُوا بِصَدُقَاتِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَضْلُ فِیهَا لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَفْعَلُ (9)، كَانَ نَبِیُّكُمْ عَلَیْهِ السَّلَامُ یُصْدِقُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ الْمَحْشُوَّةَ وَ فِرَاشَ اللِّیفِ وَ الْخَاتَمَ وَ الْقَدَحَ وَ مَا أَشْبَهَهَا (10)، ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ، وَ مَا أَقَامَ یَوْمَیْنِ (11) أَوْ ثَلَاثَةً حَتَّی أَرْسَلَ صَدَاقَ (12) بِنْتِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِأَرْبَعِینَ أَلْفاً..

ص: 231


1- التّوبة: 25.
2- و انظر: تفسیر البرهان 2- 112، و تفسیر الصّافی 1- 690.
3- مستطرفات السّرائر: 138، حدیث 6.
4- فی (س): و قال، و هو غلط.
5- فی المصدر: إنّ اللّٰه تعالی.
6- فی المستطرفات: رسوله.
7- لا توجد الواو، فی المصدر.
8- مستطرفات السّرائر: 144، حدیث 12.
9- فی المصدر: یفعله.
10- فی المستطرفات: و القدح الكثیف و ما أشبه ذلك.
11- فی المصدر: فما أقام إلّا یومین.
12- فی المصدر: فی صداق ..

«97»-شی، تفسیر العیاشی (1): عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، قَالَ (2): یُؤْتَی بِجَهَنَّمَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ، بَابُهَا الْأَوَّلُ: لِلظَّالِمِ وَ هُوَ زُرَیْقٌ، وَ بَابُهَا الثَّانِی: لِحَبْتَرٍ، وَ الْبَابُ الثَّالِثُ: لِلثَّالِثِ، وَ الرَّابِعُ: لِمُعَاوِیَةَ، وَ الْبَابُ الْخَامِسُ: لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَ الْبَابُ السَّادِسُ: لِعَسْكَرِ بْنِ هُوسِرٍ، وَ الْبَابُ السَّابِعُ: لِأَبِی سَلَامَةَ، فَهُمْ أَبْوَابٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُمْ (3).

بیان: سیأتی (4) أنّ عسكر [عسكرا] اسم جمل عائشة، و یحتمل أن یكون كنایة عن بعض ولاة بنی أمیّة كأبی سلامة، و یحتمل أن یكون أبو سلامة كنایة عن أبی مسلم إشارة إلی من سلّطهم من بنی العبّاس.

«98»-شی، تفسیر العیاشی (5): عَنْ حَرِیزٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ: وَ قالَ الشَّیْطانُ لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ (6)، قَالَ: هُوَ الثَّانِی، وَ لَیْسَ فِی الْقُرْآنِ شَیْ ءٌ وَ (قالَ الشَّیْطانُ) إِلَّا وَ هُوَ الثَّانِی (7).

«99»-شی، تفسیر العیاشی (8): عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ: إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ یُؤْتَی بِإِبْلِیسَ فِی سَبْعِینَ غُلًّا وَ سَبْعِینَ كَبْلًا (9)، فَیَنْظُرُ الْأَوَّلُ إِلَی زُفَرَ فِی

ص: 232


1- تفسیر العیّاشیّ 2- 243، حدیث 19.
2- فی المصدر: عن أبی جعفر علیه السّلام قال ..
3- و قد ذكرها فی تفسیر البرهان 2- 345.
4- بحار الأنوار 32- 172- 173، حدیث 132، و غیره.
5- تفسیر العیّاشیّ 2- 223، حدیث 8.
6- سورة إبراهیم (علیه السلام): 22.
7- و جاء فی البرهان 2- 310، و تفسیر الصّافی 1- 885.
8- تفسیر العیّاشیّ 2- 223، حدیث 9.
9- جاء فی حاشیة (ك): الكبل: القید و الضّخم، یقال: كبلت الأسیر و كبّلته: إذا قیّدته فهو مكبول و مكبّل. صحاح. انظر: الصّحاح 5- 1808. و لا توجد واو من: و الضّخم.

عِشْرِینَ وَ مِائَةِ كَبْلٍ وَ عِشْرِینَ وَ مِائَةِ غُلٍّ، فَیَنْظُرُ إِبْلِیسُ فَیَقُولُ: مَنْ هَذَا الَّذِی أَضْعَفَهُ اللَّهُ الْعَذَابَ (1) وَ أَنَا أَغْوَیْتُ هَذَا الْخَلْقَ جَمِیعاً. فَیُقَالُ: هَذَا زُفَرُ. فَیَقُولُ:

بِمَا جُدِرَ لَهُ (2) هَذَا الْعَذَابُ؟!. فَیُقَالُ: بِبَغْیِهِ عَلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ. فَیَقُولُ لَهُ إِبْلِیسُ: وَیْلٌ لَكَ أَوْ ثُبُورٌ لَكَ!، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَنِی بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَعَصَیْتُهُ وَ سَأَلْتُهُ أَنْ یَجْعَلَ لِی سُلْطَاناً عَلَی مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ شِیعَتِهِ فَلَمْ یُجِبْنِی إِلَی ذَلِكَ، وَ قَالَ:

إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَكَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِینَ (3) وَ مَا عَرَفْتُهُمْ حِینَ اسْتَثْنَاهُمْ إِذْ قُلْتُ: وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِینَ (4) فَمَنَیْتَ بِهِ (5) نَفْسَكَ غُرُوراً، فَیُوقَفُ (6) بَیْنَ یَدَیِ الْخَلَائِقِ فَیُقَالُ لَهُ (7): مَا الَّذِی كَانَ مِنْكَ إِلَی عَلِیٍّ وَ إِلَی الْخَلْقِ الَّذِینَ اتَّبَعُوكَ عَلَی الْخِلَافِ؟!. فَیَقُولُ الشَّیْطَانُ- وَ هُوَ زُفَرُ- لِإِبْلِیسَ: أَنْتَ أَمَرْتَنِی بِذَلِكَ. فَیَقُولُ لَهُ إِبْلِیسُ: فَلِمَ عَصَیْتَ رَبَّكَ وَ أَطَعْتَنِی؟. فَیَرُدُّ زُفَرَ عَلَیْهِ مَا (8) قَالَ اللَّهُ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِی عَلَیْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ... (9) إِلَی آخِرِ الْآیَةِ (10).

بیان: قوله علیه السلام: فیردّ زفر علیه .. ظاهر السیاق أن یكون قوله: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ كلام إبلیس، فیكون كلام زفر ما ذكر قبل تلك الآیة من قوله: إِنَّا كُنَّا

ص: 233


1- فی المصدر: له العذاب.
2- فی التّفسیر: بما حدّد له، و فی (ك): جدّد.
3- الحجر: 42.
4- الأعراف: 17.
5- فی تفسیر العیّاشیّ: فمنتك به.
6- فی المصدر: فتوقف.
7- فی التّفسیر: فقال له.
8- وضع فی (س) علی: ما، رمز نسخة بدل.
9- سورة إبراهیم (علیه السلام): 22.
10- و حكاه فی تفسیر البرهان 2- 310.

لَكُمْ تَبَعاً (1) و ترك اختصارا، و یحتمل أن یكون إشارة إلی ما یجری بین [فلان] و بین أتباعه، فیكون المراد بالردّ علیه الردّ علی أتباعه، أو یكون (علیهم) فصحّف، و لعلّه سقط من الكلام شی ء، و فی بعض النسخ لم تكن كلمة (ما) فی (ما) (2) قال اللّٰه، و لعلّه أقرب، و علی تقدیره یمكن أن یقرأ فیردّ- علی بناء المجهول- و الظرف بدل من زفر، فتكون الجملة بیان للجملة (3) السابقة.

«100»-شی، تفسیر العیاشی (4): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ:

ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً (5)؟. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الدِّینَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ! أَوْ بِأَبِی جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ!، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً (6) یَعْنِیهِمَا (7).

«101»-شی، تفسیر العیاشی (8): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَبِی جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ! قَدْ وَ اللَّهِ قَالَ ذَلِكَ، وَ كَانَ عَلَیَّ أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِ الْعُنُقِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیَّ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِی مَا أَنْزَلَ اللَّهُ یَا

ص: 234


1- سورة إبراهیم (علیه السلام): 21.
2- لا توجد: ما، فی (س).
3- فی (س): الجملة ..
4- تفسیر العیّاشیّ 2- 328- 329، حدیث 39.
5- الكهف: 51.
6- الكهف: 51.
7- و ذكره فی تفسیر البرهان 2- 471- 472، و تفسیر الصّافی 2- 17 عنه.
8- تفسیر العیّاشیّ 2- 329، حدیث 40. أقول: هذه الرّوایة و الّتی سبقتها بنظری القاصر لا یلیق صدورهما من الإمام علیه السّلام، فلعلّ الرّاوی اشتبه علیه المطلب و نقل المعنی الّذی فهمه دون مغزی كلامه علیه السّلام، أو سقط من الرّوایتین عبارات، فتأمّل، و اللّٰه العالم.

مُحَمَّدُ؟!. قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَانَ (1) فِی دَارِ الْأَرْقَمِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَبِی جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً (2) یَعْنِیهِمَا (3)..

«102»-شی، تفسیر العیاشی (4): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَجَلِیِّ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ اجْتَمَعَا عِنْدَهُ فَتَكَلَّمَا فِی عَلِیٍّ (5) وَ كَانَ مِنَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنْ لَیَّنَ (6) لَهُمَا فِی بَعْضِ الْقَوْلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَیاةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَیْنا نَصِیراً (7) ثُمَّ لَا یَجِدَا (8) بَعْدَكَ مِثْلَ عَلِیٍّ وَلِیّاً (9).

بیان: قال البیضاوی (10): ضِعْفَ الْحَیاةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ. أی عذاب الدنیا و عذاب الآخرة، ضعف ما یعذّب به فی الدارین بمثل هذا العمل غیرك، لأنّ خطأ الخطیر أخطر.

و قیل: الضعف من أسماء العذاب.

و قیل: المراد بضعف الحیاة عذاب الآخرة و بضعف الممات عذاب القبر.

ص: 235


1- لا توجد: كان، فی (س).
2- الكهف: 51.
3- و حكاه فی تفسیر البرهان 2- 471- 472، و تفسیر الصّافی 2- 17.
4- تفسیر العیّاشیّ 2- 306، حدیث 133.
5- فی المصدر: اجتمعا عنده و ابنتیهما فتكلّموا فی علیّ ..
6- فی التّفسیر: أن یلیّن ..
7- الإسراء: 74- 75.
8- فی المصدر: ثمّ لا تجد.
9- و حكاه فی البرهان 2- 434.
10- تفسیر البیضاوی 3- 208.

انتهی.

و فی تفسیر علیّ بن إبراهیم: و ضعف الممات من یوم الموت إلی أن تقوم الساعة (1).

و لعلّ قوله: ثم لا یجدا بعدك .. من تتمّة الآیة فی قراءة أهل البیت علیهم السلام.

«103»-جا (2): عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِیِّ، عَنْ عِیسَی بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُخَوَّلٍ، عَنِ الرَّبِیعِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِیهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ یَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ عَمَدَا إِلَی هَذَا الْأَمْرِ وَ هُوَ لَنَا كُلُّهُ فَأَخَذَاهُ دُونَنَا، وَ جَعَلَا لَنَا فِیهِ سَهْماً كَسَهْمِ الْجَدِّ (3)، أَمَا وَ اللَّهِ لَتُهِمَّنَّهُمَا أَنْفُسُهُمَا یَوْمَ یَطْلُبُ النَّاسُ فِیهِ شَفَاعَتَنَا.

بیان: التشبیه بسهم الجدّ إمّا من جهة القلّة، أو عدم اللزوم مع وجود الوالدین، أو إشارة إلی الشوری، فإنّ عمر جعل أمیر المؤمنین علیه السلام أحد الستة و (4) سهم الجدّ السدس.

«104»-قب (5): حَدَّثَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّیْلَمِیُّ الْبَصْرِیُّ (6)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی كَثِیرٍ (7) الْكُوفِیِّ، قَالَ: كُنْتُ لَا أَخْتِمُ صَلَاتِی وَ لَا أَسْتَفْتِحُهَا إِلَّا

ص: 236


1- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 24.
2- أمالی الشّیخ المفید: 48، حدیث 8، بتفصیل فی السّند.
3- فی المصدر: الجدّة.
4- فی (ك): أو، و هو غلط.
5- مناقب ابن شهرآشوب 4- 237.
6- فی حاشیة (ك) من البحار كلمة: بصیر، و وضع بعدها رمز نسخة بدل لم یعلّم محلّها، و لعلّها بدل من: البصریّ.
7- فی المصدر: محمّد بن كثیر.

بِلَعْنِهِمَا، فَرَأَیْتُ فِی مَنَامِی طَائِراً مَعَهُ تَوْرٌ (1) مِنَ الْجَوْهَرِ (2) فِیهِ شَیْ ءٌ أَحْمَرُ شِبْهُ الْخَلُوقِ، فَنَزَلَ إِلَی الْبَیْتِ الْمُحِیطِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ شَخْصَیْنِ مِنَ الضَّرِیحِ فَخَلَّقَهُمَا بِذَلِكَ الْخَلُوقِ فِی عَوَارِضِهِمَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَی الضَّرِیحِ وَ عَادَ مُرْتَفِعاً، فَسَأَلْتُ مَنْ حَوْلِی مَنْ هَذَا الطَّائِرُ؟ وَ مَا هَذَا الْخَلُوقُ؟. فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ یَجِی ءُ فِی كُلِّ لَیْلَةِ جُمُعَةٍ یُخَلِّقُهُمَا، فَأَزْعَجَنِی مَا رَأَیْتُ فَأَصْبَحْتُ لَا تَطِیبُ نَفْسِی بِلَعْنِهِمَا، فَدَخَلْتُ عَلَی الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا رَآنِی ضَحِكَ وَ قَالَ: رَأَیْتَ الطَّائِرَ؟. فَقُلْتُ: نَعَمْ یَا سَیِّدِی. فَقَالَ: اقْرَأْ: إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ لِیَحْزُنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَیْسَ بِضارِّهِمْ شَیْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (3) فَإِذَا رَأَیْتَ شَیْئاً تَكْرَهُ فَاقْرَأْهَا، وَ اللَّهِ مَا هُوَ بِمَلَكٍ مُوَكَّلٍ بِهِمَا لِإِكْرَامِهِمَا، بَلْ هُوَ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِمَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا، إِذَا قُتِلَ قَتِیلٌ ظُلْماً أَخَذَ مِنْ دَمِهِ فَطَوَّقَهُمَا بِهِ فِی رِقَابِهِمَا، لِأَنَّهُمَا سَبَبُ كُلِّ ظُلْمٍ مُذْ كَانَا..

بیان: التّور إناء یشرب فیه (4).

«105»-كش (5): الْعَیَّاشِیُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَیْمَانَ وَ الْعَمْرَكِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، عَنْ یُونُسَ، عَنِ الْحَجَّالِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِیٌّ وَ عَمَّارٌ یَعْمَلُونَ مَسْجِداً، فَمَرَّ عُثْمَانُ فِی بِزَّةٍ لَهُ یَخْطِرُ، فَقَالَ (6) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ

ص: 237


1- فی المناقب: نور .. و لعلّها سهو.
2- فی (ك): جواهر.
3- المجادلة: 10.
4- كما فی الصحاح 2- 603، و انظر: مجمع البحرین 3- 234، و لسان العرب 4- 96.
5- اختیار معرفة الرّجال- رجال الكشّیّ-: 31- 32 [1- 138]، حدیث 59 بتفصیل فی الإسناد.
6- فی المصدر زیادة: له.

السَّلَامُ: ارْجُزْ بِهِ. فَقَالَ عَمَّارٌ:

لَا یَسْتَوِی مَنْ یَعْمُرُ الْمَسَاجِدَا*** یَظَلُّ فِیهَا رَاكِعاً وَ سَاجِداً

وَ مَنْ تَرَاهُ عَانِداً مُعَانِداً ***عَنِ الْغُبَارِ لَا یَزَالُ حَائِداً

قَالَ: فَأَتَی النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ: مَا أَسْلَمْنَا لِتُشْتَمَ أَعْرَاضُنَا وَ أَنْفُسُنَا!.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَ فَتُحِبُّ أَنْ تُقَالَ بِذَلِكَ؟، فَنَزَلَتْ (1) آیَتَانِ: یَمُنُّونَ عَلَیْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ... (2) الْآیَةَ (3)، ثُمَّ قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اكْتُبْ هَذَا فِی صَاحِبِكَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: اكْتُبْ هَذِهِ الْآیَةَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ... (4).

بیان: البِزَّةُ- بالكسر-: الهیئةُ، و البِزَّةُ أیضا السّلاحُ، ذكره الجوهری (5)، و قال:

خَطَرَانُ الرَّجُلِ .. اهتزازُهُ فی المشی و تَبَخْتُرُهُ (6).

قوله صلّی اللّٰه علیه و آله: أن تُقَالَ بذلك .. أی أقیل إسلامك و أرجع عن بیعتك بذلك الأمر الذی وقع، فهو إمّا (7) علی الاستفهام الإنكاری، أو لأنّه كان یعلم من باطنه أنّه لم یؤمن.

«106»-كش (8): جَعْفَرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ نُعْمَانَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ صَالِحٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ قَسَمَ عَلَیْهِمُ الْمَوَاضِعَ، وَ ضَمَّ إِلَی كُلِّ رَجُلٍ رَجُلًا، فَضَمَّ عَمَّاراً إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ

ص: 238


1- فی الرّجال: أ تحبّ أن تقال فنزلت.
2- الحجرات: 17.
3- وضع علی كلمة: الآیة، رمز نسخة بدل فی (س).
4- الحجرات: 17.
5- فی صحاحه 3- 865، و انظر: لسان العرب 5- 312.
6- صحاح اللغة 2- 648، و انظر: مجمع البحرین 3- 290، و تاج العروس 3- 183.
7- لا توجد: إما، فی (س).
8- اختیار معرفة الرّجال- رجال الكشّیّ-: 32 [1- 140]، حدیث 60.

السَّلَامُ، قَالَ: فَبَیْنَا هُمْ (1) فِی عِلَاجِ الْبِنَاءِ إِذْ خَرَجَ عُثْمَانُ عَنْ (2) دَارِهِ وَ ارْتَفَعَ الْغُبَارُ فَتَمَنَّعَ بِثَوْبِهِ وَ أَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، قَالَ: فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِعَمَّارٍ: إِذَا قُلْتُ شَیْئاً فَرُدَّ عَلَیَّ، قَالَ: فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

لَا یَسْتَوِی مَنْ یَعْمُرُ الْمَسَاجِدَا*** یَظَلُّ فِیهَا رَاكِعاً وَ سَاجِداً

كَمَنْ (3) تَرَی (4) عَنِ الطَّرِیقِ حَائِداً وَ (5) عَائِداً

قَالَ: فَأَجَابَهُ عَمَّارٌ كَمَا قَالَ، فَغَضِبَ عُثْمَانُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ یَسْتَطِعْ (6) أَنْ یَقُولَ لِعَلِیٍّ شَیْئاً، فَقَالَ لِعَمَّارٍ: یَا عَبْدُ! یَا لُكَعُ! وَ مَضَی، فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِعَمَّارٍ:

رَضِیتَ بِمَا قَالَ؟. أَلَا تَأْتِی النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَتُخْبِرَهُ؟. قَالَ: فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: یَا نَبِیَّ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! إِنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِی: یَا لُكَعُ! (7).

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنْ یَعْلَمُ ذَلِكَ؟. قَالَ: عَلِیٌّ. قَالَ:

فَدَعَاهُ وَ سَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ عَمَّارٌ، فَقَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اذْهَبْ فَقُلْ لَهُ حَیْثُ مَا كَانَ: یَا عَبْدُ! یَا لُكَعُ! أَنْتَ الْقَائِلُ لِعَمَّارٍ یَا عَبْدُ! یَا لُكَعُ!، فَذَهَبَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَانْصَرَفَ (8).

بیان: فَتَمَنَّعَ .. أی امتنع (9) من الغبار، و فی بعض النسخ بالیاء المثناة التحتانیة (10)

ص: 239


1- لا توجد: هم، فی متن المصدر، و هی نسخة جاءت فیه. و فی (ك) نسخة: نحن، بدلا من: هم.
2- فی الرّجال: من داره.
3- فی (س): كما.
4- فی المصدر: یری.
5- لا توجد: حائدا و، .. فی المصدر، و وضع علیها رمز نسخة فی المطبوع من البحار.
6- فی (ك): فلم یستطیع، و هو غلط.
7- جاء فی المصدر: یا عبد .. یا لكع.
8- فی الرّجال: ثمّ انصرف .. و ما هنا نسخة هناك.
9- انظر: تاج العروس 5- 516، و لسان العرب 8- 343.
10- أی تمیّع.

أی جری علی الأرض (1) و مضی، و الأول أظهر.

و اللّكع- بضم اللام و فتح الكاف-: اللّئیم و الذّلیل النفس (2).

«107»-كش (3): حَمْدَوَیْهِ وَ إِبْرَاهِیمُ مَعاً (4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ، عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِیرَةِ، عَنِ الْوَرْدِ بْنِ زَیْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ قَدِمَ الْكُمَیْتُ. فَقَالَ: أَدْخِلْهُ. فَسَأَلَهُ الْكُمَیْتُ عَنِ الشَّیْخَیْنِ؟، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا أُهْرِیقَ دَمٌ وَ لَا حُكِمَ بِحُكْمٍ (5) غَیْرِ مُوَافِقٍ لِحُكْمِ اللَّهِ وَ حُكْمِ رَسُولِهِ (6) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ حُكْمِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَّا وَ هُوَ فِی أَعْنَاقِهِمَا. فَقَالَ الْكُمَیْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ حَسْبِی حَسْبِی..

«108»-كا (7): حُمَیْدُ بْنُ زِیَادٍ، عَنْ أَبِی الْعَبَّاسِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّهْقَانِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ (8) الطَّاطَرِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِیَادٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْفُضَیْلِ بْنِ یَسَارٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلْمِقْدَادِ: أَمَا وَ اللَّهِ لَتَنْتَهِیَنَّ أَوْ لَأَرُدَّنَّكَ إِلَی رَبِّكَ الْأَوَّلِ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتْ مِقْدَادَ (9) الْوَفَاةُ قَالَ لِعَمَّارٍ: أَبْلِغْ عُثْمَانَ عَنِّی أَنِّی قَدْ رُدِدْتُ إِلَی رَبِّیَ الْأَوَّلِ.

بیان: [لعله] أراد بالربّ الأول الصنم أو المالك، و أراد مقداد رضی اللّٰه عنه به الربّ تعالی.

ص: 240


1- كما فی تاج العروس 5- 516، و الصحاح 3- 1287، و غیرهما.
2- ذكره فی الصحاح 3- 1280، و تاج العروس 5- 502.
3- رجال الكشّیّ: 205- 206 [2- 461]، حدیث 361، مع تفصیل فی الإسناد.
4- لا توجد: معا، فی (س)، و فی المصدر: قالا- بدون معا-.
5- ما هنا نسخة فی المصدر، و فیه: و لا حكم یحكم بحكم ..
6- فی رجال الكشّیّ: و حكم النّبیّ ..
7- الكافی 8- 331، حدیث 513.
8- فی (س): الحسین.
9- فی الكافی: المقداد.

«109»-كِتَابُ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ (1): عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِی عَیَّاشٍ، عَنْ سُلَیْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِیَّ یَقُولُ: إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ یُؤْتَی بِإِبْلِیسَ (2) مَزْمُوماً بِزِمَامٍ مِنْ نَارٍ، وَ یُؤْتَی بِزُفَرَ مَزْمُوماً بِزِمَامَیْنِ مِنْ نَارٍ، فَیَنْطَلِقُ إِلَیْهِ إِبْلِیسُ فَیَصْرَخُ وَ یَقُولُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، مَنْ أَنْتَ؟ أَنَا الَّذِی فَتَنْتُ الْأَوَّلِینَ وَ الْآخِرِینَ وَ أَنَا مَزْمُومٌ بِزِمَامٍ وَاحِدٍ وَ أَنْتَ مَزْمُومٌ بِزِمَامَیْنِ. فَیَقُولُ: أَنَا الَّذِی أَمَرْتُ فَأُطِعْتُ وَ أَمَرَ اللَّهُ فَعُصِیَ.

«110»-كش (3): مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ وَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِیمٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ الْأَحْمَرِ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِذْ جَاءَتْ أُمُّ خَالِدٍ- الَّتِی كَانَ قَطَعَهَا یُوسُفُ- یَسْتَأْذِنُ (4) عَلَیْهِ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَ یَسُرُّكَ أَنْ تَشْهَدَ كَلَامَهَا؟. قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، جُعِلْتُ فِدَاكَ. فَقَالَ: إِمَّا لَا (5) فَادْنُ.

قَالَ: فَأَجْلَسَنِی عَلَی عَقَبَةِ (6) الطِّنْفِسَةِ ثُمَّ دَخَلَتْ فَتَكَلَّمَتْ، فَإِذَا هِیَ امْرَأَةٌ بَلِیغَةٌ، فَسَأَلَتْهُ عَنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ، فَقَالَ لَهَا: تَوَلَّیْهِمَا. فَقَالَتْ: فَأَقُولُ لِرَبِّی إِذَا لَقِیتُهُ إِنَّكَ أَمَرْتَنِی بِوَلَایَتِهِمَا. قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَإِنَّ هَذَا الَّذِی مَعَكَ عَلَی الطِّنْفِسَةِ یَأْمُرُنِی بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمَا، وَ كَثِیرٌ النَّوَّاءُ یَأْمُرُنِی بِوَلَایَتِهِمَا، فَأَیُّهُمَا أَحَبُّ إِلَیْكَ؟. قَالَ: هَذَا وَ اللَّهِ وَ أَصْحَابُهُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ كَثِیرٍ النَّوَّاءِ وَ أَصْحَابِهِ، إِنَّ هَذَا یُخَاصِمُ فَیَقُولُ: مَنْ لَمْ یَحْكُمْ

ص: 241


1- كتاب سلیم بن قیس: 93.
2- فی (س): إبلیس.
3- اختیار معرفة الرّجال: 241 [2- 509]، حدیث 441. و جاء بإسناد آخر إلی أبی بصیر فی روضة الكافی 8- 237، حدیث 319، مع اختلاف یسیر أشرنا لبعضه.
4- كذا، و الظّاهر: تستأذن، كما فی المصدر و الرّوضة.
5- كذا فی النّسخ الخطّیّة. قال فی النّهایة 1- 72: (إمّا لا) ترد فی المحاورات كثیرا، و أصلها: (إن) و (ما) و (لا)، فأدغمت النّون فی المیم و (ما) زائدة فی اللّفظ و لا حكم لها، و معناها: إن لم تفعل هذا فلیكن هذا، و فی تنقیح المقال: أمّا الآن، و لعلّه أخذه من الرّوضة، و فی (ك): إمّا الا ..
6- لا توجد: عقبة، فی المصدر و الرّوضة.

بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (1) وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (2) وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (3). فَلَمَّا خَرَجَتْ، قَالَ: إِنِّی خَشِیتُ أَنْ تَذْهَبَ فَتُخْبِرَ كَثِیرَ النَّوَّاءِ (4) فَتَشْهَرَنِی (5) بِالْكُوفَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّی إِلَیْكَ مِنْ كَثِیرٍ النَّوَّاءِ (6) بَرِی ءٌ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ..

بیان: قوله علیه السلام: أَمَّا لَا .. لعلّه علی الاكتفاء ببعض الكلام لظهور المراد، أی أَمَّا إذا كان لا بدّ من سماعك فَادْنُ. و فی بعض النسخ: أَمَّا الْآنَ فَادْنُ.

و فی روضة الكافی (7) قال: فأذن (8) لها، و أجلسنی.

و فی القاموس: الطنفسة- مثلثة الطاء و الفاء و بكسر الطاء و فتح الفاء و بالعكس-: واحدة الطّنافس للبسط و الثّیاب و كحصیر (9) من سعف عرضه ذراع (10).

قوله علیه السلام: إنّ هذا یخاصم .. أی أبو بصیر یخاصم فی شأن كثیر و ذمّه أو الرجلین و كفرهما بالآیات المذكورة، فأبهم علیه السلام تقیّة مع أنّه لو كان المراد به كثیرا لدلّ علی كفرهما بل كفر جمیع خلفاء الجور لاشتراك الدلیل، فبیّن علیه السلام الحقّ مع نوع من التقیّة.

ص: 242


1- المائدة: 44.
2- المائدة: 45.
3- المائدة: 47. و إلی هنا جاء فی روضة الكافی.
4- ما هنا نسخة فی المصدر، و لا یوجد فیه: النّوّاء.
5- فی المصدر: فیشهرنی.
6- ما هنا نسخة فی المصدر، و لا یوجد فیه: النّوّاء.
7- روضة الكافی 8- 237.
8- فی (ك): فادن.
9- فی متن المصدر: و الحصیر، و أشار فی هامشه لنسخة أخری: كحصیر، كما فی المتن.
10- القاموس 2- 235، و قارنه ب: تاج العروس 4- 181.

أقول:

قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (1)، نُقِلَتْ مِنْ كِتَابِ تَارِیخِ بَغْدَادَ لِأَبِی أَحْمَدَ بْنِ أَبِی طَاهِرٍ، بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِی أَوَّلِ خِلَافَتِهِ- وَ قَدْ أُلْقِیَ لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ عَلَی حَصَفَةٍ (2)

فَدَعَانِی لِلْأَكْلِ، فَأَكَلْتُ تَمْرَةً وَاحِدَةً، وَ أَقْبَلَ یَأْكُلُ حَتَّی أَتَی عَلَیْهِ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ جَرٍّ (3) كَانَ عِنْدَهُ وَ اسْتَلْقَی عَلَی مِرْفَقَةٍ لَهُ (4)، وَ طَفِقَ یَحْمَدُ اللَّهَ یُكَرِّرُ (5) ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ أَیْنَ جِئْتَ یَا عَبْدَ اللَّهِ؟. قُلْتُ: مِنَ الْمَسْجِدِ. قَالَ: كَیْفَ خَلَّفْتَ بَنِی عَمِّكَ (6)؟. فَظَنَنْتُهُ یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، فَقُلْتُ: خَلَّفْتُهُ یَلْعَبُ مَعَ أَتْرَابِهِ. قَالَ: لَمْ أَعْنِ ذَا (7)، وَ إِنَّمَا عَنَیْتُ (8) عَظِیمَكُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ؟. قُلْتُ: خَلَّفْتُهُ یَمْتَحُ بِالْغَرْبِ عَلَی نَخَلَاتٍ لَهُ (9) وَ هُوَ یَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَقَالَ: یَا عَبْدَ اللَّهِ! عَلَیْكَ (10) دِمَاءُ الْبُدْنِ إِنْ كَتَمْتَنِیهَا، أَ بَقِیَ فِی نَفْسِهِ شَیْ ءٌ مِنْ أَمْرِ الْخِلَافَةِ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَ یَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جَعَلَهَا لَهُ (11)؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَ أَزِیدُكَ، سَأَلْتُ أَبِی عَمَّا یَدَّعِیهِ، فَقَالَ:

ص: 243


1- شرح النّهج 12- 20- 21.
2- فی المصدر: خصفه- بالخاء المعجمة- و هو الظّاهر، و معناها الجلّة من الخوص للتمر، كما فی المصباح المنیر 1- 234، و غیره.
3- هی إناء معروف من الفخّار، قاله فی النّهایة 1- 260.
4- لا توجد: له، فی (س).
5- فی (س): یكون.
6- فی المصدر: ابن عمّك، و هو الظّاهر.
7- جاء: ذلك، بدلا من: ذا، فی المصدر.
8- فی (س): أعنیت.
9- فی شرح النّهج: علی نخیلات من فلان.
10- لا توجد: علیك، فی المصدر.
11- فی المصدر: نصّ علیه، بدلا من: جعلها له.

صَدَقَ،قَالَ عُمَرُ لَقَدْ كَانَ عَنْ(1) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی أَمْرِهِ ذَرْوٌ(2) مِنْ قَوْلٍ لاَ یُثْبِتُ حُجَّةً وَ لاَ یَقْطَعُ عُذْراً،وَ قَدْ كَانَ یَزِیغُ(3) فِی أَمْرِهِ وَقْتاً مَا،وَ لَقَدْ أَرَادَ فِی مَرَضِهِ أَنْ یُصَرِّحَ بِاسْمِهِ فَمَنَعْتُ مِنْ ذَلِكَ إِشْفَاقاً وَ حَفَظَةً(4)عَلَی اَلْإِسْلاَمِ ،لاَ وَ رَبِّ هَذِهِ الْبَنِیَّةِ(5) لاَ تَجْتَمِعُ عَلَیْهِ قُرَیْشٌ أَبَداً،وَ لَوْ وَلِیَهَا لاَنْتَقَضَتْ عَلَیْهِ اَلْعَرَبُ مِنْ أَقْطَارِهَا،فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی اللّٰه علیه و آله) أَنِّی عَلِمْتُ مَا فِی نَفْسِهِ فَأَمْسَكَ،وَ أَبَی اللَّهُ إِلاَّ إِمْضَاءَ مَا حُتِمَ

توضیح:

قال الجوهری: الماتح: المستسقی، .. یقال (6): متح الماء یمتحه متحا ..

إذا نزعه (7)، المتح أن یدخل البئر فیملأ لقلّة مائها (8).

و الغرب (9)

بالفتح-: الدّلو العظیمة (10). و قال فی النهایة: فیه (11) بلغنی عن

ص: 244


1- جاءت : من ، فی المصدر بدلا من : عن ، وهی نسخة بدل فی ( ك ).
2- كتبت : ذرء ، فوق كلمة ذرو ، فی ( ك ) ، والكلمة مشوشة فی (س) ، ولعلها : ذرو أو ذرء ، وجاء فی المصدر وفی بیان المصنف _ رحمه اللّٰه _ : ذرو ، وقال فی القاموس ١ _ ١٥ : ذرء من خیر : شیء منه.
3- فی شرح النهج : یربع. قال فی المصباح المنیر : زاغت الشمس .. أی مالت. وقال فی مجمع البحرین ٤ _ ٣٣١ : اربع علی نفسك .. أی ارفق بنفسك وكف وتمكث ولا تعجل.
4- جاء فی المصدر : حیطة ، وفی ( ك ) : حفیظة.
5- فی (س) : البینة.
6- فی المصدر: المستقی نقول.
7- الصحاح 1- 403، و قارن ب: تاج العروس 2- 220.
8- من كلمة: المتح .. إلی: مائها، خطّ علیها فی (ك)، و رمز علیها بالزیادة. قال فی الصحاح 1- 408 فی مادّة (میح): المائح الذی ینزل البئر فیملأ الدلو، و ذلك إذا قلّ ماؤها، و نحوه فی مجمع البحرین 2- 416.
9- فی (س): القرب، و هو سهو.
10- كما نصّ علیه فی الصحاح 1- 193، و لسان العرب 1- 642، و القاموس 1- 109، كلّها فی مادّة (الغرب)، و فی (س): العفلیة، بدلا من العظیمة، جاءت نسخة بدل و لا معنی لها.
11- فی المصدر: فی حدیث سلیمان.

علیّ ذروة (1) من قول .. الذّرو من الحدیث: ما ارتفع إلیك و ترامی من حواشیه و أطرافه، من قولهم ذرأ (2) إلیّ فلان .. أی ارتفع و قصد (3).

«111»-كنز (4): رُوِیَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الطَّیَّارِ، عَنْ أَبِی الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: وَ اللَّهِ مَا كَنَی اللَّهُ فِی كِتَابِهِ حَتَّی قَالَ: یا وَیْلَتی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلًا (5) وَ إِنَّمَا هِیَ فِی مُصْحَفِ فَاطِمَةَ (6) یَا وَیْلَتَی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذِ الثَّانِیَ خَلِیلًا. وَ سَیَظْهَرُ یَوْماً.

، فَمَعْنَی هَذَا التَّأْوِیلِ أَنَّ الظَّالِمَ الْعَاضَّ عَلَی یَدَیْهِ الْأَوَّلُ، وَ الْحَالُ بَیِّنٌ لَا یَحْتَاجُ إِلَی بَیَانٍ (7).

«112»-وَ یُؤَیِّدُهُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جُمْهُورٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی، عَنْ حَرِیزٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ: یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلًا یا وَیْلَتی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلًا (8) قَالَ:

یَقُولُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِی (9).

ص: 245


1- فی النهایة: ذرو. و جاء فی حاشیة (ك) ما نصّه: قال الجزری فی النهایة ما هذا لفظه: بلغنی عن علیّ علیه السلام ذرو من قول تشذر لی فیه بالوعید .. الذرو من الحدیث .. إلی آخر ما فی المتن. و قال فی موضع آخر: و منه حدیث علیّ علیه السلام، قال له سلیمان بن صرد: لقد بلغنی عن أمیر المؤمنین ذرو من قول تشذّر لی به .. أی توعّد و تهدّد، محمد خلیل الموسوی غفر له. انظر: النهایة 2- 160 و 454.
2- فی (س): ذئرا، و لعلّه سهو.
3- النهایة 2- 160.
4- تأویل الآیات الظّاهرة 1- 374، حدیث 8، بتفصیل فی الإسناد و تعدّد فی النّسخ.
5- الفرقان: 28.
6- فی المصدر: فی مصحف علیّ علیه السّلام.
7- و انظر: تفسیر البرهان 3- 162، حدیث 4، و قد مرّ الحدیث فی البحار 24- 18، حدیث 31.
8- الفرقان: 27- 28.
9- و انظر: تأویل الآیات الظّاهرة 1- 374- 375، حدیث 9، و لاحظ بقیّة روایات الباب هناك، و قد سلف من المصنّف- رحمه اللّٰه- فی بحاره 24- 19، حدیث 3، و قد حكاه فی تفسیر البرهان 3- 162، حدیث 5.

«113»-كِتَابُ الْإِسْتِدْرَاكِ (1): بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ قِیلَ لَهُ إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ یَعْنِی عَلِیَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الرِّضَا- یُفَسِّرُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ ... (2) الْآیَتَیْنِ، فِی الْأَوَّلِ وَ الثَّانِی. قَالَ: فَكَیْفَ الْوَجْهُ فِی أَمْرِهِ (3)؟.

قَالُوا: تَجْمَعُ لَهُ النَّاسَ وَ تَسْأَلُهُ بِحَضْرَتِهِمْ، فَإِنْ فَسَّرَهَا بِهَذَا كَفَاكَ الْحَاضِرُونَ أَمْرَهُ، وَ إِنْ فَسَّرَهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ افْتَضَحَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، قَالَ: فَوَجَّهَ إِلَی الْقُضَاةِ وَ بَنِی هَاشِمٍ وَ الْأَوْلِیَاءِ، وَ سُئِلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: هَذَانِ رَجُلَانِ كَنَی اللَّهُ عَنْهُمَا وَ مَنَّ بِالسَّتْرِ عَلَیْهِمَا، أَ فَیُحِبُّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ أَنْ یَكْشِفَ مَا سَتَرَهُ اللَّهُ؟. فَقَالَ: لَا أُحِبُّ..

أقول:

«114»-رَأَیْتُ فِی بَعْضِ كُتُبِ الْمَنَاقِبِ، عَنِ الْمُفَضَّلِ، قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ بَلَغَهُ عَنْ بَعْضٍ (4) شَیْ ءٌ، فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ سَلْمَانَ الْفَارِسِیَّ فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِی عَنْكَ كَیْتَ وَ كَیْتَ وَ كَرِهْتُ أَنْ أَفْضَحَكَ، وَ جَعَلْتُ كَفَّارَةَ ذَلِكَ فَكَّ رَقَبَتِكَ مِنَ الْمَالِ الَّذِی حُمِلَ إِلَیْكَ مِنْ خُرَاسَانَ الَّذِی خُنْتَ فِیهِ اللَّهَ وَ الْمُؤْمِنِینَ.

قَالَ سَلْمَانُ: فَلَمَّا قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ تَغَیَّرَ وَجْهُهُ وَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ وَ أُسْقِطَ فِی یَدَیْهِ، ثُمَّ قَالَ بِلِسَانٍ كَلِیلٍ: یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! أَمَّا الْكَلَامُ فَلَعَمْرِی قَدْ جَرَی بَیْنِی وَ بَیْنَ أَهْلِی وَ وُلْدِی وَ مَا كَانُوا بِالَّذِی یُفْشُونَ (5) عَلَیَّ، فَمِنْ أَیْنَ عَلِمَ ابْنُ أَبِی طَالِبٍ؟ وَ أَمَّا الْمَالُ الَّذِی وَرَدَ عَلَیَّ فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمَ بِهِ إِلَّا الرَّسُولُ الَّذِی أَتَی بِهِ، وَ إِنَّمَا هُوَ هَدِیَّةٌ، فَمِنْ أَیْنَ عَلِمَ؟ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: وَ اللَّهِ ثُمَّ وَ اللَّهِ ..- ثَلَاثاً- إِنَّ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ سَاحِرٌ عَلِیمٌ.

ص: 246


1- كتاب الاستدراك: لابن بطریق- رحمه اللّٰه- لا نعلم بطبعه.
2- الفرقان: 27- 28.
3- فی (س): أمر.
4- فی (ك): عن بعض أصحابه، و الظّاهر زیادة لفظ: أصحابه.
5- فی (ك): یغشّون، بدلا من: یفشون، نسخة.

قَالَ سَلْمَانُ: قُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتَ یَا عَبْدَ اللَّهِ؟. فَقَالَ: وَیْحَكَ! اقْبَلْ مِنِّی مَا أَقُولُهُ فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمَ أَحَدٌ بِهَذَا الْكَلَامِ وَ لَا أَحَدٌ عَرَفَ خَبَرَ هَذَا الْمَالِ غَیْرِی، فَمِنْ أَیْنَ عَلِمَ؟ وَ مَا عَلِمَ هُوَ إِلَّا مِنَ السِّحْرِ، وَ قَدْ ظَهَرَ لِی مِنْ سِحْرِهِ غَیْرُ هَذَا؟. قَالَ سَلْمَانُ: فَتَجَاهَلْتُ عَلَیْهِ، فَقُلْتُ: بِاللَّهِ ظَهَرَ لَكَ مِنْهُ غَیْرُ هَذَا؟. قَالَ: إِی وَ اللَّهِ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟. قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِی بِبَعْضِهِ. قَالَ: إِذاً وَ اللَّهِ أَصْدُقُكَ وَ لَا أُحَرِّفُ قَلِیلًا وَ لَا كَثِیراً مِمَّا رَأَیْتُهُ مِنْهُ، لِأَنِّی أُحِبُّ أَنْ أَطَّلِعَكَ عَلَی سِحْرِ صَاحِبِكَ حَتَّی تَجْتَنِبَهُ وَ تُفَارِقَهُ، فَوَ اللَّهِ مَا فِی شَرْقِهَا وَ غَرْبِهَا أَحَدٌ أَسْحَرَ مِنْهُ، ثُمَّ احْمَرَّتْ عَیْنَاهُ وَ قَامَ وَ قَعَدَ، وَ قَالَ: یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! إِنِّی لَمُشْفِقٌ عَلَیْكَ وَ مُحِبٌّ لَكَ، عَلَی أَنَّكَ قَدِ اعْتَزَلْتَنَا وَ لَزِمْتَ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ، فَلَوْ مِلْتَ إِلَیْنَا وَ كُنْتَ فِی جَمَاعَتِنَا لَآثَرْنَاكَ وَ شَارَكْنَاكَ فِی هَذِهِ الْأَمْوَالِ، فَاحْذَرِ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ لَا یَغُرَّنَّكَ مَا تَرَی مِنْ سِحْرِهِ! فَقُلْتُ: فَأَخْبِرْنِی بِبَعْضِهِ.

قَالَ: نَعَمْ، خَلَوْتُ ذَاتَ یَوْمٍ أَنَا وَ ابْنُ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) فِی شَیْ ءٍ مِنْ أَمْرِ الْخُمُسِ، فَقَطَعَ حَدِیثِی وَ قَالَ لِی: مَكَانَكَ حَتَّی أَعُودَ إِلَیْكَ، فَقَدْ عَرَضَتْ لِی حَاجَةٌ، فَخَرَجَ، فَمَا (1) كَانَ بِأَسْرَعَ أَنِ انْصَرَفَ وَ عَلَی عِمَامَتِهِ وَ ثِیَابِهِ غُبَارٌ كَثِیرَةٌ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ؟. قَالَ: أَقْبَلْتُ عَلَی عَسَاكِرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ فِیهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ یُرِیدُونَ بِالْمَشْرِقِ مَدِینَةً یُقَالُ لَهَا: صَحُورُ، فَخَرَجْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَیْهِ، فَهَذِهِ الْغَبَرَةُ مِنْ ذَلِكَ، فَضَحِكْتُ تَعَجُّباً مِنْ قَوْلِهِ، وَ قُلْتُ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! رَجُلٌ قَدْ بَلِیَ فِی قَبْرِهِ وَ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَقِیتَهُ السَّاعَةَ وَ سَلَّمْتَ عَلَیْهِ، هَذَا مَا لَا یَكُونُ أَبَداً. فَغَضِبَ مِنْ قَوْلِی، ثُمَّ نَظَرَ إِلَیَّ فَقَالَ: أَ تُكَذِّبُنِی؟!. قُلْتُ: لَا تَغْضَبْ فَإِنَّ هَذَا مَا لَا یَكُونُ. قَالَ: فَإِنْ عَرَضْتُهُ عَلَیْكَ حَتَّی لَا تُنْكِرَ مِنْهُ شَیْئاً تُحْدِثُ لِلَّهِ تَوْبَةً مِمَّا أَنْتَ عَلَیْهِ؟. قُلْتُ: لَعَمْرُ اللَّهِ. فَاعْرِضْهُ عَلَیَّ، فَقَالَ: قُمْ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ إِلَی طَرَفِ الْمَدِینَةِ، فَقَالَ لِی: یَا شَاكُّ غَمِّضْ عَیْنَیْكَ، فَغَمَّضْتُهَا فَمَسَحَهُمَا ثُمَّ قَالَ: یَا غَافِلُ افْتَحْهُمَا، فَفَتَحْتُهُمَا فَإِذَا أَنَا وَ اللَّهِ- یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ- بِرَسُولِ

ص: 247


1- فی (س): فیما.

اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) مَعَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ أُنْكِرْ مِنْهُ شَیْئاً، فَبَقِیتُ وَ اللَّهِ مُتَعَجِّباً أَنْظُرُ فِی وَجْهِهِ، فَلَمَّا أَطَلْتُ النَّظَرَ إِلَیْهِ فَعَضَّ الْأَنَامِلَ بِالْأَسْنَانِ وَ قَالَ لِی: یَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ! أَ كَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (1)، قَالَ: فَسَقَطْتُ مَغْشِیّاً عَلَی الْأَرْضِ، فَلَمَّا أَفَقْتُ قَالَ لِی: هَلْ رَأَیْتَهُ وَ سَمِعْتَ كَلَامَهُ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:

انْظُرْ إِلَی النَّبِیِّ (صلی اللّٰه علیه و آله)، فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَا عَیْنَ وَ لَا أَثَرَ وَ لَا خَبَرَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لَا مِنْ تِلْكَ الْخُیُولِ. فَقَالَ لِی: یَا مِسْكِینُ فَأَحْدِثْ تَوْبَةً مِنْ سَاعَتِكَ هَذِهِ.

فَاسْتَقَرَّ عِنْدِی فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ أَنَّهُ أَسْحَرُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَ بِاللَّهِ لَقَدْ خِفْتُهُ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ وَ هَالَنِی أَمْرُهُ، وَ لَوْ لَا أَنِّی وَقَفْتُ- یَا سَلْمَانُ- عَلَی أَنَّكَ تُفَارِقُهُ مَا أَخْبَرْتُكَ، فَاكْتُمْ هَذَا وَ كُنْ مَعَنَا لِتَكُونَ مِنَّا وَ إِلَیْنَا حَتَّی أُوَلِّیَكَ الْمَدَائِنَ وَ فَارِسَ، فَصِرْ إِلَیْهِمَا وَ لَا تُخْبِرِ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) بِشَیْ ءٍ مِمَّا جَرَی بَیْنَنَا، فَإِنِّی (2) لَا آمَنُهُ أَنْ یَفْعَلَ لِی مِنْ كَیْدِهِ شَیْئاً.

قَالَ: فَضَحِكْتُ وَ قُلْتُ: إِنَّكَ لَتَخَافُهُ؟.

قَالَ: إِی وَ اللَّهِ خَوْفاً لَا أَخَافُ شَیْئاً مِثْلَهُ. قَالَ سَلْمَانُ: فَنَشَطْتُ مُتَجَاهِلًا بِمَا حَدَّثَنِی وَ قُلْتُ: یَا عَبْدَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِی عَنْ غَیْرِهِ فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ أَخْبَرْتَنِی عَنْ أُعْجُوبَةٍ؟.

قَالَ: إِذاً أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا مِمَّا عَایَنْتُهُ أَنَا بِعَیْنِی. قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِی.

قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ أَتَانِی یَوْماً مُغْضَباً وَ فِی یَدِهِ قَوْسُهُ فَقَالَ لِی: یَا فُلَانُ! عَلَیْكَ بِشِیعَتِكَ الطُّغَاةِ وَ لَا تَتَعَرَّضْ لِشِیعَتِی، فَإِنِّی خَلِیقٌ أَنْ أُنَكِّلَ بِكَ. فَغَضِبْتُ أَنَا أَیْضاً- وَ لَمْ أَكُنْ وَقَفْتُ عَلَی سِحْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ-، فَقُلْتُ: یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ! مَهْ، مَا هَذَا الْغَضَبُ وَ السَّلْطَنَةُ؟. أَ تَعْرِفُنِی حَقَّ الْمَعْرِفَةِ؟. قَالَ: نَعَمْ، فَوَ اللَّهِ لَأَعْرِفَنَّ قَدْرَكَ، ثُمَّ رَمَی بِقَوْسِهِ الْأَرْضَ، وَ قَالَ: خُذِیهِ، فَصَارَتْ ثُعْبَاناً عَظِیماً مِثْلَ ثُعْبَانِ مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ فَفَغَرَ فَاهُ (3) فَأَقْبَلَ نَحْوِی لِیَبْلَعَنَی، فَلَمَّا رَأَیْتُ ذَلِكَ طَارَ رُوحِی فَرَقاً وَ خَوْفاً

ص: 248


1- الكهف: 37.
2- فی (س): فانه.
3- جاء فی حاشیة (ك): فغر فاه .. أی فتحه. صحاح. انظر: صحاح اللّغة: 2- 782.

وَ صِحْتُ وَ قُلْتُ: اللَّهَ! اللَّهَ! الْأَمَانَ الْأَمَانَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، اذْكُرْ مَا كَانَ فِی خِلَافَةِ الْأَوَّلِ مِنِّی حِینَ وَثَبَ إِلَیْكَ، وَ بَعْدُ فَاذْكُرْ مَا كَانَ مِنِّی إِلَی خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ الْفَاسِقِ بْنِ الْفَاسِقِ حِینَ أَمَرَهُ الْخَلِیفَةُ بِقَتْلِكَ، وَ بِاللَّهِ مَا شَاوَرَنِی فِی ذَلِكَ فَكَانَ مِنِّی مَا كَانَ حَتَّی شَكَانِی وَ وَقَعَ بَیْنَنَا الْعَدَاوَةُ، وَ اذْكُرْ- یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- مَا كَانَ مِنِّی فِی مَقَامِی حِینَ قُلْتُ: إِنَّ بَیْعَةَ أَبِی بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَمَنْ عَادَ إِلَی مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ، فَارْتَابَ النَّاسُ وَ صَاحُوا وَ قَالُوا: طَعَنَ عَلَی صَاحِبِهِ، قَدْ عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ، وَ بِاللَّهِ إِنَّ شِیعَتَكَ یُؤْذُونَنِی وَ یُشَنِّعُونَ عَلَیَّ، وَ لَوْ لَا مَكَانُكَ- یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- لَكُنْتُ نَكَلْتُ بِهِمْ، وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّی لَمْ أَتَعَرَّضْ لَهُمْ مِنْ أَجْلِكَ وَ كَرَامَتِكَ، فَاكْفُفْ عَنِّی هَذَا الثُّعْبَانَ فَإِنَّهُ یَبْلَعُنِی. فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا الْمَقَالَ مِنِّی قَالَ: أَیُّهَا الْمِسْكِینُ لَطُفْتَ فِی الْكَلَامِ، وَ إِنَّا أَهْلُ بَیْتٍ (1) نَشْكُرُ الْقَلِیلَ، ثُمَّ ضَرَبَ بِیَدِهِ إِلَی الثُّعْبَانِ وَ قَالَ: مَا تَقُولُ؟. قُلْتُ: الْأَمَانَ! الْأَمَانَ! قَدْ عَلِمْتَ أَنِّی لَمْ أَقُلْ إِلَّا حَقّاً، فَإِذَا قَوْسُهُ فِی یَدِهِ وَ لَیْسَ هُنَاكَ ثُعْبَانٌ وَ لَا شَیْ ءٌ، فَلَمْ أَزَلْ أَحْذَرُهُ وَ أَخَافُهُ إِلَی یَوْمِی هَذَا.

قَالَ سَلْمَانُ: فَضَحِكْتُ وَ قُلْتُ: وَ اللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُعْجُوبَاتِ.

قَالَ: یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! هَذَا مَا رَأَیْتُهُ أَنَا بِعَیْنَیَّ هَاتَیْنِ، وَ لَوْ لَا أَنِّی قَدْ رَفَعْتُ الْحِشْمَةَ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَكَ مَا كُنْتُ بِالَّذِی أُخْبِرُكَ بِهَذَا.

قَالَ سَلْمَانُ: فَتَجَاهَلْتُ عَلَیْهِ، فَقُلْتُ: هَلْ رَأَیْتَ مِنْهُ سِحْراً غَیْرَ مَا أَخْبَرْتَنِی بِهِ؟. قَالَ: نَعَمْ، لَوْ حَدَّثْتُكَ لَبَقِیتَ مِنْهُ مُتَحَیِّراً، وَ لَا تَقُلْ- یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ- إِنَّ هَذَا السِّحْرَ هُوَ الَّذِی أَظْهَرَهُ، لَا وَ اللَّهِ وَ لَكِنْ هُوَ وِرَاثَةٌ یَرِثُونَهَا. قُلْتُ: كَیْفَ؟.

قَالَ: أَخْبَرَنِی أَبِی أَنَّهُ رَأَی مِنْ أَبِیهِ أَبِی طَالِبٍ وَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ سِحْراً لَمْ یُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَ ذَكَرَ أَبِی أَنَّ أَبَاهُ نُفَیْلًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَی مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سِحْراً لَمْ یُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.

قَالَ سَلْمَانُ: فَقُلْتُ: حَدِّثْنِی بِمَا أَخْبَرَكَ بِهِ أَبُوكَ؟.

قَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِی أَبِی أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ أَبِی طَالِبٍ (علیه السلام) فِی سَفَرٍ یُرِیدُونَ الشَّامَ

ص: 249


1- لا توجد: بیت، فی (س).

مَعَ تُجَّارِ قُرَیْشٍ تَخْرُجُ مِنَ السَّنَةِ إِلَی السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَیَجْمَعُونَ أَمْوَالًا كَثِیرَةً، وَ لَمْ یَكُنْ فِی الْعَرَبِ أَتْجَرُ مِنْ قُرَیْشٍ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطُّرُقِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ قُطَّاعٌ شَاكُونَ فِی السِّلَاحِ لَا یُرَی مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ، فَلَمَّا ظَهَرُوا لَنَا هَالَنَا أَمْرُهُمْ وَ فَزِعْنَا وَ وَقَعَ الصِّیَاحُ فِی الْقَافِلَةِ، وَ اشْتَغَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِنَفْسِهِ یُرِیدُ أَنْ یَنْجُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَ دَهِمَنَا أَمْرٌ جَلِیلٌ، وَ اجْتَمَعْنَا وَ عَزَمْنَا عَلَی الْهَرَبِ، فَمَرَرْنَا بِأَبِی طَالِبٍ وَ هُوَ جَالِسٌ، فَقُلْنَا: یَا أَبَا طَالِبٍ! مَا لَكَ؟ أَ لَا تَرَی مَا قَدْ دَهِمَنَا فَانْجُ بِنَفْسِكَ مَعَنَا؟.

فَقَالَ: إِلَی أَیْنَ نَهْرُبُ فِی هَذِهِ الْبَرَارِی؟. قُلْنَا: فَمَا الْحِیلَةُ؟. قَالَ: الْحِیلَةُ أَنْ نَدْخُلَ هَذِهِ الْجَزِیرَةَ فَنُقِیمَ فِیهَا وَ نَجْمَعَ أَمْتِعَتَنَا وَ دَوَابَّنَا وَ أَمْوَالَنَا فِیهَا.

قَالَ: فَبَقِینَا مُتَعَجِّبِینَ، وَ قُلْنَا: لَعَلَّهُ جُنَّ وَ فَزِعَ مِمَّا نَزَلَ بِهِ، فَقُلْنَا: وَیْحَكَ! وَ لَنَا هُنَا جَزِیرَةٌ؟! قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: أَیْنَ هِیَ؟. قَالَ: انْظُرُوا أَمَامَكُمْ. قَالَ:

فَنَظَرْنَا إِذَا وَ اللَّهِ جَزِیرَةٌ عَظِیمَةٌ لَمْ یَرَ النَّاسُ أَعْظَمَ مِنْهَا وَ لَا أَحْصَنَ مِنْهَا، فَارْتَحَلْنَا وَ حَمَلْنَا أَمْتِعَتَنَا، فَلَمَّا قَرِبْنَا مِنْهَا إِذَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَهَا وَادٍ عَظِیمٌ مِنْ مَاءٍ لَا یُمْكِنُ أَحَداً أَنْ یَسْلُكَهُ، فَقَالَ: وَیْحَكُمْ! أَ لَا تَرَوْنَ هَذَا الطَّرِیقَ الْیَابِسَ الَّذِی فِی وَسَطِهِ قُلْنَا: لَا.

قَالَ: فَانْظُرُوا أَمَامَكُمْ وَ عَنْ یَمِینِكُمْ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا وَ اللَّهِ طَرِیقٌ یَابِسٌ سَهْلُ الْمَسْلَكِ فَفَرِحْنَا، وَ قُلْنَا: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْنَا بِأَبِی طَالِبٍ، فَسَلَكَ وَ سَلَكْنَا خَلْفَهُ حَتَّی دَخَلْنَا الْجَزِیرَةَ فَحَطَطْنَا، فَقَامَ أَبُو طَالِبٍ فَخَطَّ خَطّاً عَلَی جَمِیعِ الْقَافِلَةِ، ثُمَّ قَالَ: یَا قَوْمُ! أَبْشِرُوا فَإِنَّ الْقَوْمَ لَنْ یَصِلُوا إِلَیْكُمْ وَ لَا أَحَدٌ مِنْهُمْ بِسُوءٍ.

قَالَ: وَ أَقْبَلَتِ الْأَعْرَابُ یَتَرَاكَضُونَ خَلْفَنَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَی الْوَادِی إِذَا بَحْرٌ عَظِیمٌ قَدْ حَالَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَنَا فَبَقُوا مُتَعَجِّبِینَ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ، وَ قَالُوا: یَا قَوْمُ! هَلْ رَأَیْتُمْ قَطُّ هَاهُنَا جَزِیرَةً أَوْ بَحْراً؟. قَالُوا: لَا. فَلَمَّا كَثُرَ تَعَجُّبُهُمْ قَالَ شَیْخٌ مِنْهُمْ- قَدْ مَرَّتْ عَلَیْهِ (1) التَّجَارِبُ-: یَا قَوْمُ! أَنَا أَطَّلِعُكُمْ عَلَی بَیَانِ هَذَا الْأَمْرِ السَّاعَةَ. قَالُوا: هَاتِ- یَا شَیْخُ- فَإِنَّكَ أَقْدَمُنَا وَ أَكْبَرُنَا سِنّاً وَ أَكْثَرُنَا تجاربا [تَجَارِبَ] . قَالَ:

ص: 250


1- فی (س): مرّ علیه.

نَادُوا الْقَوْمَ، فَنَادَوْهُمْ، فَقَالُوا: مَا تُرِیدُونَ؟. قَالَ الشَّیْخُ: قُولُوا لَهُمْ: أَ فِیكُمْ أَحَدٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَنَادَوْهُمْ، فَقَالُوا: نَعَمْ، فِینَا أَبُو طَالِبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

قَالَ الشَّیْخُ: یَا قَوْمُ!، قَالُوا: لَبَّیْكَ. قَالَ: لَا یُمْكِنُنَا أَنْ نَصِلَ إِلَیْهِمْ بِسُوءٍ أَصْلًا، فَانْصَرِفُوا وَ لَا تَشْتَغِلُوا بِهِمْ، فَوَ اللَّهِ مَا فِی أَیْدِیكُمْ مِنْهُمْ قَلِیلٌ وَ لَا كَثِیرٌ، فَقَالُوا: قَدْ خَرِفْتَ أَیُّهَا الشَّیْخُ، أَ تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ وَ تَتْرُكُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ الْكَثِیرَةَ وَ الْأَمْتِعَةَ النَّفِیسَةَ مَعَهُمْ؟!، لَا وَ اللَّهِ وَ لَكِنْ نُحَاصِرُهُمْ أَوْ یَخْرُجُونَ إِلَیْنَا فَنَسْلُبُهُمْ. قَالَ الشَّیْخُ: قَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِینَ، فَاتْرُكُوا نُصْحَكُمْ وَ ذَرُوا. قَالُوا: اسْكُتْ یَا جَاهِلُ! فَحَطُّوا رَوَاحِلَهُمْ لِیُحَاصِرُوهُمْ فَلَمَّا حَطُّوا أَبْصَرَ بَعْضُهُمْ بِالطَّرِیقِ الْیَابِسِ، فَصَاحَ: یَا قَوْمُ! هَاهُنَا طَرِیقٌ یَابِسٌ، فَأَبْصَرَ الْقَوْمُ كُلُّهُمُ الطَّرِیقَ الْیَابِسَ، وَ فَرِحُوا وَ قَالُوا: نَسْتَرِیحُ سَاعَةً وَ نَعْلِفُ دَوَابَّنَا ثُمَّ نَرْتَحِلُ إِلَیْهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا یُمْكِنُهُمْ أَنْ یَتَخَلَّصُوا، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا أَرَادُوا الِارْتِحَالَ تَقَدَّمَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَی الطَّرِیقِ الْیَابِسِ فَلَمَّا تَوَسَّطُوا غَرِقُوا وَ بَقِیَ الْآخَرُونَ یَنْظُرُونَ إِلَیْهِمْ فَأَمْسَكُوا وَ نَدِمُوا فَاجْتَمَعُوا إِلَی الشَّیْخِ، وَ قَالُوا: وَیْحَكَ یَا شَیْخُ! أَلَّا أَخْبَرْتَنَا أَمْرَ هَذَا الطَّرِیقِ فَإِنَّهُ قَدْ أُغْرِقَ فِیهِ خَلْقٌ كَثِیرٌ. قَالَ الشَّیْخُ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَخَالَفْتُمُونِی وَ عَصَیْتُمْ أَمْرِی حَتَّی هَلَكَ مِنْكُمْ مَنْ هَلَكَ. قَالُوا لَهُ: وَ مِنْ أَیْنَ عَلِمْتَ ذَاكَ یَا شَیْخُ؟. قَالَ:

وَیْحَكُمْ! إِنَّا خَرَجْنَا مَرَّةً قَبْلَ هَذَا نُرِیدُ الْغَارَةَ عَلَی تِجَارَةِ قُرَیْشٍ، فَوَقَعْنَا عَلَی الْقَافِلَةِ فَإِذَا فِیهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَمْتِعَةِ مَا لَا یُحْصَی كَثْرَةً، فَقُلْنَا (1) قَدْ جَاءَ الْغِنَی آخِرَ الْأَبَدِ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِنَا- وَ لَمْ یَكُنْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ إِلَّا قَدْرُ مِیلٍ- قَامَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ یُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: یَا أَهْلَ الْقَافِلَةِ! مَا تَرَوْنَ؟. قَالُوا: مَا تَرَی، قَدْ دَهِمَنَا هَذَا الْخَیْلُ الْكَثِیرُ، فَسَلُوهُمْ أَنْ یَأْخُذُوا مِنَّا أَمْوَالَنَا وَ یُخَلُّوا سِرْبَنَا فَإِنَّا إِنْ نَجَوْنَا بِأَنْفُسِنَا فَقَدْ فُزْنَا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قُومُوا وَ ارْتَحِلُوا فَلَا بَأْسَ عَلَیْكُمْ. فَقُلْنَا: وَیْحَكَ! وَ قَدْ قَرُبَ الْقَوْمُ وَ إِنِ ارْتَحَلْنَا وَضَعُوا عَلَیْنَا السُّیُوفَ. فَقَالَ: وَیْحَكُمْ! إنا [إِنَ] (2) لَنَا رَبّاً یَمْنَعُنَا مِنْهُمْ،

ص: 251


1- فی (ك): فقلنا ما ..، و الظّاهر أنّ: ما، زائدة.
2- نسخة جاءت فی مطبوع البحار: إنّ، بدلا من: إنّا.

وَ هُوَ رَبُّ الْبَیْتِ الْحَرَامِ وَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ، وَ مَا اسْتَجَرْنَا بِهِ قَطُّ إِلَّا أَجَارَنَا، فَقُومُوا وَ بَادِرُوا. قَالَ: فَقَامَ الْقَوْمُ وَ ارْتَحَلُوا، فَجَعَلُوا یَسِیرُونَ سَیْراً رُوَیْداً، وَ نَحْنُ نَتَّبِعُهُمْ بِالرَّكْضِ الْحَثِیثِ وَ السَّیْرِ الشَّدِیدِ فَلَا نَلْحَقُهُمْ، وَ كَثُرَ تَعَجُّبُنَا مِنْ ذَلِكَ، وَ نَظَرَ بَعْضُنَا إِلَی بَعْضٍ وَ قُلْنَا: یَا قَوْمُ! هَلْ رَأَیْتُمْ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا؟! إِنَّهُمْ یَسِیرُونَ سَیْراً رُوَیْداً وَ نَحْنُ نَتَرَاكَضُ فَلَا یُمْكِنُنَا أَنْ نَلْحَقَهُمْ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ دَأْبَنَا وَ دَأْبَهُمْ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ وَ لَیَالِیَهَا، كُلَّ یَوْمٍ یَخْطُونَ فَیَقُومُ عَبْدُ اللَّهِ فَیَخُطُّ خَطّاً حَوْلَ الْقَافِلَةِ وَ یَقُولُ لِأَصْحَابِهِ:

لَا تَخْرُجُوا مِنَ الْخَطِّ فَإِنَّهُمْ لَا یَصِلُونَ إِلَیْكُمْ فَنَنْتَهِی إِلَی الْخَطِّ فَلَا یُمْكِنُنَا أَنْ نَتَجَاوَزَهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَیَّامٍ- كُلَّ یَوْمٍ یَسِیرُونَ سَیْراً رُوَیْداً وَ نَحْنُ نَتَرَاكَضُ أَشْرَفْنَا عَلَی هَلَاكِ أَنْفُسِنَا وَ عَطِبَتْ دَوَابُّنَا وَ بَقِینَا لَا حَرَكَةَ بِنَا وَ لَا نُهُوضَ، فَقُلْنَا: یَا قَوْمُ! هَذَا وَ اللَّهِ الْعَطَبُ وَ الْهَلَاكُ، فَمَا تَرَوْنَ؟. قَالُوا: الرَّأْیُ الِانْصِرَافُ عَنْهُمْ (1)، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ سَحَرَةٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنْ كَانُوا سَحَرَةً فَالرَّأْیُ أَنْ نَغِیبَ عَنْ أَبْصَارِهِمْ وَ نُوهِمَهُمْ أَنَّا قَدِ انْصَرَفْنَا عَنْهُمْ، فَإِذَا ارْتَحَلُوا كَرَرْنَا عَلَیْهِمْ كَرَّةً وَ هَجَمْنَا عَلَیْهِمْ فِی مَضِیقٍ. قَالُوا: نِعْمَ الرَّأْیُ هَذَا، فَانْصَرَفْنَا عَنْهُمْ وَ أَوْهَمْنَاهُمْ أَنَّا قَدْ یَئِسْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ارْتَحَلُوا وَ مَضَوْا فَتَرَكْنَاهُمْ حَتَّی اسْتَبْطَنُوا وَادِیاً فَقُمْنَا فَأَسْرَجْنَا وَ رَكِبْنَا حَتَّی لَحِقْنَاهُمْ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِنَا فَزِعُوا إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَ قَالُوا: قَدْ لَحِقُونَا. فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَیْكُمْ، امْضُوا رُوَیْداً. قَالَ: فَجَعَلُوا یَسِیرُونَ سَیْراً رُوَیْداً، وَ نَحْنُ نَتَرَاكَضُ وَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا وَ دَوَابَّنَا حَتَّی أَشْرَفْنَا عَلَی الْمَوْتِ مَعَ دَوَابِّنَا، فَلَمَّا كَانَ فِی آخِرِ النَّهَارِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ: حُطُّوا رَوَاحِلَكُمْ، وَ قَامَ فَخَطَّ خَطّاً وَ قَالَ: لَا تَخْرُجُوا مِنَ الْخَطِّ فَإِنَّهُمْ لَنْ یَصِلُوا إِلَیْكُمْ بِمَكْرُوهٍ، فَانْتَهَیْنَا إِلَی الْخَطِّ فَوَ اللَّهِ مَا أَمْكَنَنَا أَنْ نَتَجَاوَزَهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: وَ اللَّهِ مَا بَقِیَ إِلَّا الْهَلَاكُ أَوِ الِانْصِرَافُ عَنْهُمْ عَلَی أَنْ لَا نَعُودَ إِلَیْهِمْ. قَالَ: فَانْصَرَفْنَا عَنْهُمْ فَقَدْ عَطِبَتْ دَوَابُّنَا وَ هَلَكَتْ، وَ كَانَتْ سَفْرَةً مَشُومَةً عَلَیْنَا، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ الشَّیْخِ قَالُوا: أَلَّا أَخْبَرْتَنَا بِهَذَا

ص: 252


1- لا توجد: عنهم، فی (س).

الْحَدِیثِ فَكُنَّا نَنْصَرِفُ عَنْهُمْ وَ لَمْ یَغْرَقْ (1) مِنَّا مَنْ غَرِقَ؟.

قَالَ الشَّیْخُ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ وَ نَصَحْتُ لَكُمْ، وَ قُلْتُ لَكُمُ: انْصَرِفُوا عَنْهُمْ فَلَیْسَ لَكُمُ الْوُصُولُ إِلَیْهِمْ، وَ فِیهِمْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَ قُلْتُمْ: إِنِّی قَدْ خَرِفْتُ وَ ذَهَبَ عَقْلِی، فَلَمَّا سَمِعَ أَبِی هَذَا الْكَلَامَ مِنَ الشَّیْخِ وَ هُوَ یُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ عَلَی رَأْسِ الْخُطَّةِ نَظَرَ إِلَی أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ: وَیْحَكَ! أَ مَا تَسْمَعُ مَا یَقُولُ الشَّیْخُ؟.

قَالَ: بَلَی یَا خَطَّابُ! أَنَا وَ اللَّهِ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فِی الْقَافِلَةِ وَ أَنَا غُلَامٌ صَغِیرٌ، وَ كَانَ هَذَا الشَّیْخُ عَلَی قَعُودٍ لَهُ، وَ كَانَ شَائِكاً لَا یُرَی مِنْهُ إِلَّا حَدَقَتُهُ، وَ كَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ قَدْ أَرْخَاهَا عَنْ یَمِینِهِ وَ شِمَالِهِ.

فَقَالَ الشَّیْخُ: صَدَقَ وَ اللَّهِ كُنْتُ یَوْمَئِذٍ عَلَی قَعُودٍ عَلَیَّ ذُؤَابَتَانِ قَدْ أَرْسَلْتُهُمَا عَنْ یَمِینِی وَ شِمَالِی. قَالَ الْخَطَّابُ: فَانْصَرِفُوا عَنَّا.

فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: ارْتَحِلُوا. فَارْتَحَلْنَا، فَإِذَا لَا جَزِیرَةَ وَ لَا بَحْرَ وَ لَا مَاءَ، وَ إِذَا نَحْنُ عَلَی الْجَادَّةِ وَ الطَّرِیقِ الَّذِی لَمْ نَزَلَ نَسْلُكُهُ فَسِرْنَا وَ تَخَلَّصْنَا بِسِحْرِ أَبِی طَالِبٍ حَتَّی وَرَدْنَا الشَّامَ فَرِحِینَ مُسْتَبْشِرِینَ، وَ حَلَفَ الْخَطَّابُ أَنَّهُ مَرَّ بَعْدُ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَیْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِینَ مَرَّةً إِلَی الشَّامِ فَلَمْ یَرَ جَزِیرَةً وَ لَا بَحْراً وَ لَا مَاءً، وَ حَلَفَتْ قُرَیْشٌ عَلَی ذَلِكَ، فَهَلْ هَذَا- یَا سَلْمَانُ- إِلَّا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ؟.

قَالَ سَلْمَانُ: قُلْتُ: وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی مَا أَقُولُ لَكَ إِلَّا أَنَّكَ تُورِدُ عَلَیَّ عَجَائِبَ مِنْ أَمْرِ بَنِی هَاشِمٍ.

قَالَ: نَعَمْ، یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! هُمْ أَهْلُ بَیْتٍ یَتَوَارَثُونَ السِّحْرَ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ!.

قَالَ سَلْمَانُ: فَقُلْتُ- وَ أَنَا أُرِیدُ أَنْ أَقْطَعَ الْحَدِیثَ-: مَا أَرَی أَنَّ هَذَا سِحْرٌ.

قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! تَرَی كَذَبَ الْخَطَّابُ وَ أَصْحَابُهُ، أَ تَرَاكَ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ مِمَّا عایتنه [عَایَنْتُهُ] أَنَا بِعَیْنِی كذب [كَذِباً]؟.

قَالَ سَلْمَانُ: فَضَحِكْتُ، فَقُلْتُ: وَیْلَكَ! إِنَّكَ لَمْ تَكْذِبْ وَ لَا كَذَبَ الْخَطَّابُ

ص: 253


1- فی (س): و لم یعرف.

وَ أَصْحَابُهُ، وَ هَذَا كُلُّهُ صِدْقٌ وَ حَقٌّ.

فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَا تُفْلِحْ أَبَداً، وَ كَیْفَ تُفْلِحُ وَ قَدْ سَحَرَكَ ابْنُ أَبِی طَالِبٍ؟.

قُلْتُ: فَاتْرُكْ هَذَا .. مَا تَقُولُ فِی فَكِّ الرَّقَبَةِ وَ الْمَالِ الَّذِی وَافَاكَ مِنْ خُرَاسَانَ؟.

قَالَ: وَیْحَكَ! یُمْكِنُنِی أَنْ أَعْصِیَ هَذَا السَّاحِرَ فِی شَیْ ءٍ یَأْمُرُنِی بِهِ؟ نَعَمْ أَفُكُّهَا عَلَی رَغْمٍ مِنِّی وَ أَوْجَهَ بِالْمَالِ إِلَیْهِ.

قَالَ سَلْمَانُ: فَانْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا بَصُرَ بِی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: یَا سَلْمَانُ! طَالَ حَدِیثُكُمَا. قُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ حَدَّثَنِی بِالْعَجَائِبِ مِنْ أَمْرِ الْخَطَّابِ وَ أَبِی طَالِبٍ. قَالَ: نَعَمْ- یَا سَلْمَانُ- قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ وَ سَمِعْتُ جَمِیعَ مَا جَرَی بَیْنَكُمَا، وَ مَا قَالَ لَكَ أَیْضاً إِنَّكَ لَا تُفْلِحُ.

قَالَ سَلْمَانُ: وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا حَضَرَ الْكَلَامَ غَیْرِی وَ غَیْرُهُ، فَأَخْبَرَنِی مَوْلَایَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِجَمِیعِ مَا جَرَی بَیْنِی وَ بَیْنَهُ.

ثُمَّ قَالَ: یَا سَلْمَانُ! عُدْ إِلَیْهِ فَخُذْ مِنْهُ الْمَالَ وَ أَحْضِرْ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ فَرِّقْهُ إِلَیْهِمْ.

بیان: القعود- بالفتح- من البعیر الّذی یقتعده الرّاعی فی كلّ حاجة (1)، و هذا الخبر و إن كان غریبا (2) غیر مذكور فی الكتب المعتبرة، لكن لمّا وجدناه فی أصل عتیق أخرجناه.

«115»-كنز (3): رُوِیَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ أَیُّوبَ (4)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُیَسِّرٍ، عَنْ بَعْضِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ فِی قَوْلِهِ: وَ لَقَدْ

ص: 254


1- كما فی الصحاح 2- 525، و لسان العرب 3- 359، و غیرهما.
2- فی (س): قریبا، و هو خلاف الظاهر.
3- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 608، حدیث 1.
4- فی المصدر: أبان، و لعلّ كلمة: ابن، سقطت قبل كلمة أیّوب من المتن.

خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (1)، قَالَ: هُوَ الْأَوَّلُ.

وَ قالَ قَرِینُهُ رَبَّنا ما أَطْغَیْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ (2) (3)، قَالَ: هُوَ زُفَرُ، وَ هَذِهِ الْآیَاتُ إِلَی قَوْلِهِ: یَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِیدٍ (4) فِیهِمَا وَ فِی أَتْبَاعِهِمَا، وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها (5).

«116»-كنز (6): رَوَی بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ مَرْفُوعاً إِلَی أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ، قَالَ: قُلْتُ لِمَوْلَایَ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ: أَسْأَلُكَ عَنْ شَیْ ءٍ تَنْفِی بِهِ عَنِّی مَا خَامَرَ نَفْسِی؟. قَالَ: ذَاكَ إِلَیْكَ. قُلْتُ: أَسْأَلُكَ عَنِ الْأَوَّلِ وَ الثَّانِی؟.

فَقَالَ: عَلَیْهِمَا لَعَائِنُ اللَّهِ، كِلَاهُمَا (7) مَضَیَا وَ اللَّهِ مُشْرِكَیْنِ كَافِرَیْنِ بِاللَّهِ الْعَظِیمِ. قُلْتُ: یَا مَوْلَایَ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْكُمْ یُحْیُونَ الْمَوْتَی؟ وَ یُبْرِءُونَ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ؟

وَ یَمْشُونَ عَلَی الْمَاءِ؟.

فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا أَعْطَی اللَّهُ نَبِیّاً شَیْئاً إِلَّا أَعْطَی مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِثْلَهُ، وَ أَعْطَاهُ مَا لَمْ یُعْطِهِمْ وَ مَا لَمْ یَكُنْ عِنْدَهُمْ، وَ كُلُّ مَا كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَدْ أَعْطَاهُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ ثُمَّ الْحَسَنَ ثُمَّ الْحُسَیْنَ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ ثُمَّ إِمَاماً (8) بَعْدَ إِمَامٍ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، مَعَ الزِّیَادَةِ الَّتِی تَحْدُثُ فِی كُلِّ سَنَةٍ، وَ فِی كُلِّ شَهْرٍ، وَ فِی كُلِّ یَوْمٍ (9)..

ص: 255


1- سورة ق: 16.
2- فی تأویل الآیات الظّاهرة: و قال فی قوله قال.
3- سورة ق: 27.
4- سورة ق: 30.
5- و ذكره فی تفسیر البرهان 4- 219، حدیث 1. و جاء بهذا المضمون فی تفسیر القمّیّ: 643، و فی طبعة النّجف 2- 324.
6- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 631- 632، حدیث 4.
7- فی المصدر: كلّها، بدلا من: كلاهما.
8- فی المطبوع من البحار نسخة بدل: من، ثمّ رمز بعدها: ظ، أی ظاهرا ..
9- و قد سلف فی بحار الأنوار 27- 29، حدیث 1، و حكاه هناك عن بصائر الدّرجات: 269، حدیث 2- مع اختلاف-.

«117»-كنز (1): مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّیِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی: الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (2)؟.

قَالَ (3): إِنَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ آیَتَانِ مِنْ آیَاتِ اللَّهِ یَجْرِیَانِ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِمَنْ وَثَبَ عَلَیْنَا وَ هَتَكَ حُرْمَتَنَا وَ ظَلَمَنَا حَقَّنَا، فَقَالَ: هُمَا بِحُسْبَانٍ، قَالَ:

هُمَا فِی عَذَابِی (4)..

إیضاح:

بِحُسْبانٍ. قال المفسّرون: أی یجریان بحساب مقدّر معلوم فی بروجهما و منازلهما (5).

و قال فی القاموس: الحسبان- بالضم- جمع الحساب و العذاب و البلاء و الشّرّ (6)، فالتعبیر عنهما بالشمس و القمر علی زعم أتباعهما أو علی التهكّم.

«118»-وَ یُؤَیِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی تَفْسِیرِهِ (7)، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الرِّضَا عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ (8) قَالَ: اللَّهُ عَلَّمَ مُحَمَّداً الْقُرْآنَ. قُلْتُ: خَلَقَ الْإِنْسانَ (9)؟. قَالَ: ذَلِكَ أَمِیرُ

ص: 256


1- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 632، حدیث 5.
2- الرّحمن: 5.
3- فی المصدر زیادة: یا داود سألت عن أمر فاكتف بما یرد علیك.
4- قد سلف من المصنّف- قدّس سرّه- فی بحاره 24- 309، حدیث 12، و ذكره هناك مفصّلا، و جاء فی تفسیر البرهان 4- 264، حدیث 3.
5- كما فی مجمع البیان 9- 197- 198، و تفسیر الفخر الرازیّ 29- 87، و تفسیر البیضاوی 5- 108.
6- القاموس 1- 56، و قارنه ب: تاج العروس 1- 212.
7- تفسیر القمّیّ 2- 343.
8- الرّحمن: 1- 2.
9- الرّحمن: 3.

الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ. قُلْتُ: عَلَّمَهُ الْبَیانَ (1)؟. قَالَ: عَلَّمَهُ بَیَانَ (2) كُلِّ شَیْ ءٍ یَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَیْهِ. قُلْتُ: الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (3)؟. قَالَ: هُمَا بِعَذَابِ اللَّهِ. قُلْتُ: الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ یُعَذَّبَانِ؟. قَالَ: سَأَلْتَ عَنْ شَیْ ءٍ فَأَیْقِنْهُ (4)، إِنَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ آیَتَانِ مِنْ آیَاتِ اللَّهِ یَجْرِیَانِ بِأَمْرِهِ مُطِیعَانِ لَهُ، ضَوْؤُهُمَا مِنْ نُورِ عَرْشِهِ وَ حَرُّهُمَا مِنْ جَهَنَّمَ، فَإِذَا كَانَتِ الْقِیَامَةُ عادا [عَادَ] إِلَی الْعَرْشِ نُورُهُمَا وَ عَادَ إِلَی النَّارِ حَرُّهُمَا، فَلَا یَكُونُ شَمْسٌ وَ لَا قَمَرٌ، وَ إِنَّمَا عَنَاهُمَا، أَ وَ لَیْسَ قَدْ رَوَی النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ نُورَانِ فِی النَّارِ؟!.

قُلْتُ: بَلَی. قَالَ: أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّاسِ: .. فُلَانٌ وَ فُلَانٌ شَمْسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ نُورُهَا (5)؟! فَهُمَا فِی النَّارِ. قُلْتُ (6): بَلَی. قَالَ: وَ اللَّهِ (7) مَا عَنَی غَیْرَهُمَا .. إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ كَمَا سَیَأْتِی..

«119»-كنز (8): فِی رِوَایَةِ مُحَمَّدِ بْنِ (9) عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ عَمِیرَةَ (10)، عَنِ ابْنِ فَرْقَدٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی (11): وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا

ص: 257


1- الرّحمن: 4.
2- فی المصدر: تبیان.
3- الرّحمن: 5.
4- فی المصدر: فأتقنه.
5- نسخة فی (ك): نورهما.
6- وضع علی كلمة: قلت، رمز نسخة بدل فی المطبوع من البحار.
7- جاء فی المصدر بزیادة: قال: أ ما سمعت قول النّاس فلان و فلان شمسا هذه الأمّة و نورها فهما فی النّار، و اللّٰه ..
8- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 700- 701، حدیث 8، بتفصیل فی الإسناد.
9- فی المصدر: عن، بدلا من: ابن.
10- فی (ك): ابن أبی عمیرة، و هو غلط ظاهرا، و فی المصدر: عن سیف بن عمیرة ..
11- جاء فی المصدر: عزّ و جلّ، بدلا من: تعالی.

لِلَّذِینَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ... (1) الْآیَةَ؟. فَقَالَ (2): هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِرُقَیَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ الَّتِی تَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: وَ قَوْلُهُ:

وَ نَجِّنِی مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ (3)؟. یَعْنِی مِنَ الثَّالِثِ وَ عَمَلِهِ. وَ قَوْلُهُ: وَ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (4)؟. یَعْنِی بَنِی أُمَیَّةَ (5).

«120»-كنز (6): رُوِیَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُخْتَارٍ، عَنْهُمْ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی (7): وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِینٍ (8)؟، الثَّانِی. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِیمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِیمٍ (9)، قَالَ: الْعُتُلُّ: الْكَافِرُ الْعَظِیمُ الْكُفْرِ، وَ الزَّنِیمُ: وَلَدُ الزِّنَا (10).

«121»-كنز (11): مُحَمَّدُ بْنُ الْبَرْقِیِّ، عَنِ الْأَحْمَسِیِّ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ .. مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِیهِ: وَ كَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقْرَأُ: فَسَتُبْصِرُ وَ یُبْصِرُونَ بِأَیِّكُمُ الْمَفْتُونُ (12)، فَلَقِیَهُ الثَّانِی، فَقَالَ لَهُ: (13) تُعَرِّضُ بِی وَ بِصَاحِبِی؟!. فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ- وَ لَمْ یَعْتَذِرْ إِلَیْهِ-: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا

ص: 258


1- التّحریم: 11.
2- فی الكنز: الآیة قال.
3- التّحریم: 11.
4- التّحریم: 11.
5- و ذكره فی تفسیر البرهان 4- 358، حدیث 1.
6- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 712، حدیث 4.
7- فی المصدر: فی قوله عزّ و جلّ.
8- القلم: 10.
9- القلم: 11- 13.
10- و جاء أیضا فی تفسیر البرهان 4- 370، حدیث 6.
11- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 712، حدیث 5.
12- القلم: 5- 6.
13- فی المصدر بزیادة: فقال له: أنت الّذی تقول كذا و كذا.

نَزَلَ فِی بَنِی أُمَیَّةَ؟ نَزَلَ فِیهِمْ: فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ ... (1) الْآیَةَ، قَالَ:

فَكَذَّبَهُ، وَ قَالَ: هُمْ خَیْرٌ مِنْكُمْ (2)، وَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ (3).

«122»-كنز (4): مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَالِكِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، عَنْ یُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْحُسَیْنِ الْجَمَّالِ (5)، قَالَ: حَمَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنَ الْمَدِینَةِ إِلَی مَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَ غَدِیرَ خُمٍّ نَظَرَ إِلَیَّ وَ قَالَ: هَذَا مَوْضِعُ قَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حِینَ أَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِیٌّ مَوْلَاهُ، وَ كَانَ عَنْ یَمِینِ الْفُسْطَاطِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنْ قُرَیْشٍ سَمَّاهُمْ لِی، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَیْهِ وَ قَدْ رَفَعَ یَدَهُ حَتَّی بَانَ بَیَاضُ إِبْتَیْهِ (6)، قَالَ: انْظُرُوا إِلَی عَیْنَیْهِ قَدِ انْقَلَبَتَا كَأَنَّهُمَا عَیْنَا مَجْنُونٍ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: اقْرَأْ: وَ إِنْ یَكادُ الَّذِینَ كَفَرُوا ... (7) الْآیَةَ، وَ الذِّكْرُ: عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ. فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَسْمَعَنِی هَذَا مِنْكَ. فَقَالَ: لَوْ لَا أَنَّكَ جَمَّالِی لَمَا حَدَّثْتُكَ بِهَذَا، لِأَنَّكَ لَا تُصَدَّقَ إِذَا رَوَیْتَ عَنِّی (8).

بیان: أی لا یصدّقك (9) الناس لأنّهم لا یعتمدون علی كلام الجمّالین، أو لأنّه

ص: 259


1- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 22.
2- فی الكنز: و قال له هم خیر منك.
3- و أورده فی البرهان 4- 370، حدیث 7.
4- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 713، حدیث 6.
5- فی المصدر: عن حسّان الجمّال.
6- فی المصدر: إبطیه، و هو الظّاهر، و ما فی المتن لا معنی له.
7- القلم: 51، و قد جاءت الآیة فی المصدر كاملة.
8- و قد جاء فی البحار 37- 221، حدیث 89، و تفسیر البرهان 4- 374، حدیث 2، و أخرجه فی الوسائل 3- 548، حدیث 1، و الكافی 4- 566، حدیث 2، و التّهذیب 3- 263، حدیث 66، باختلاف یسیر.
9- عبارة: أی لا یصدّقك، مطموسة فی (س).

كثیرا ما یقع بین الجمال و راكبه نزاع، و یؤیّد الأول أنّ فی بعض النسخ: جمال بدون الیاء-.

«123»-كنز (1): مُحَمَّدٌ، عَنِ (2) الْبَرْقِیِّ، عَنْ سَیْفِ بْنِ عَمِیرَةَ، عَنْ أَخِیهِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقْرَأُ هَذِهِ الْآیَةَ (3): وَ جاءَ فِرْعَوْنُ (4) یَعْنِی الثَّالِثَ، وَ مَنْ قَبْلَهُ الأولیین [الْأَوَّلَانِ] (5)، وَ الْمُؤْتَفِكاتُ (6) أَهْلُ الْبَصْرَةِ، بِالْخاطِئَةِ (7) الْحُمَیْرَاءُ (8).

«124»-وَ بِالْإِسْنَادِ (9)، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ، قَالَ: وَ جاءَ فِرْعَوْنُ (10)

یَعْنِی الثَّالِثَ- وَ مَنْ قَبْلَهُ- یَعْنِی الْأَوَّلَیْنِ- بِالْخاطِئَةِ (11) یَعْنِی عَائِشَةَ-.

بیان: (12):

قال المؤلّف (رحمه اللّٰه): فمعنی قوله: وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ

ص: 260


1- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 714، حدیث 1.
2- فی (ك) نسخة: بن، بدلا من: عن، و لا توجدان فی المصدر، و فیه تعلیقة حول سیف بن عمیرة جدیرة بالملاحظة.
3- قد ذكر الآیة كاملة فی المصدر ثمّ أوّلت بقوله: قال .. إلی آخره.
4- الحاقّة: 9.
5- لا توجد: الأولیین، فی (س)، و هی تفسیر ل «من قبله ..».
6- الحاقّة: 9.
7- الحاقّة: 9.
8- و قد ذكره فی تفسیر البرهان 4- 375، حدیث 1.
9- فی تأویل الآیات الظّاهرة 2- 714، حدیث 2.
10- الحاقّة: 9.
11- الحاقّة: 9. و فی المصدر: و المؤتفكات الخاطئة یعنی ع ا ی ش ة هكذا وردت.
12- الظاهر أنّ كلمة: بیان، زائدة. و یستمر كلام مؤلف كتاب تأویل الآیات الظاهرة إلی قوله:

وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (1) فی أقوالها و أفعالها، و فی (2) كلّ خطإ وقع فإنّه منسوب إلیها، و كیف جاءا (3) بها، بمعنی أنّهم وثبوها (4) و سنّوا لها الخلاف لمولاها (5) و وزر ذلك علیهم و فعل من تابعها إلی یوم القیامة.

قوله: وَ الْمُؤْتَفِكاتِ*: أهل البصرة،

فقد جاء فی كلام أمیر المؤمنین علیه السلام لأهل البصرة (6)

یا أهل المؤتفكة! ائتفكت بأهلها ثلاث مرّات، و علی اللّٰه تمام الرابعة.

و معنی ائتفكت بأهلها .. أی خسفت بهم (7).

«125»-كنز (8): فِی تَفْسِیرِ أَهْلِ الْبَیْتِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی (9):

فَالْمُلْقِیاتِ ذِكْراً (10) قَالَ (11): هِیَ الْمَلَائِكَةُ (12) تُلْقِی الذِّكْرَ عَلَی الرَّسُولِ وَ الْإِمَامِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، وَ (13) فِی قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِینَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِینَ (14) قَالَ: نُهْلِكِ الْأَوَّلِینَ. أَیِ الْأُمَمَ الْمَاضِیَةَ قَبْلَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 261


1- الحاقّة: 9. و فی المصدر زیادة: أی المخطئة.
2- خطّ علی: فی، فی (س)، و لا توجد فی المصدر.
3- فی المصدر: جاءوا، و هی نسخة فی (ك).
4- ما هنا نسخة فی المصدر، و فیه متنا: وثبوا بها.
5- جاء فی (س): لمولاه.
6- كما أورده شیخنا ابن میثم فی شرحه علی النهج 1- 289، و حكاه عنه العلّامة المجلسی- رحمه اللّٰه فی بحار الأنوار 60- 39، حدیث 3، فراجع.
7- انظر: لسان العرب 10- 391، و تاج العروس 7- 102. إلی هنا كلام صاحب تأویل الآیات الظاهرة، و قد جاء بنصّه فی تفسیر البرهان 4- 375، حدیث 1، و قد مرّ فی بحار الأنوار 8- 447.
8- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 753- 754.
9- لا توجد: تعالی، فی (س).
10- المرسلات: 5.
11- فی المصدر زیادة: قال علیّ بن إبراهیم- رحمه اللّٰه- فی تفسیره.
12- كما جاء فی تفسیر القمّیّ: 708 [طبعة النّجف 2- 400].
13- لا توجد الواو فی المصدر و (ك) من البحار.
14- المرسلات: 16- 17.

وَ آلِهِ، ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِینَ الَّذِینَ خَالَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِینَ (1) یَعْنِی بَنِی أُمَیَّةَ وَ بَنِی فُلَانٍ (2).

«126»-وَ رَوَی (3) بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ مَرْفُوعاً إِلَی الْعَبَّاسِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی هَذِهِ الْآیَةِ (4) قَالَ: یَعْنِی الْأَوَّلَ وَ الثَّانِیَ، ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِینَ (5) قَالَ: الثَّالِثَ وَ الرَّابِعَ وَ الْخَامِسَ، كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِینَ (6) مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ، وَ قَوْلُهُ: وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِینَ (7) بِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ (8).

«127»-كنز (9): مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَیَّارٍ (10)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَرْفُوعاً إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِذَا لَاذَ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ قِیلَ لَهُمْ: انْطَلِقُوا إِلی ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (11)

یَعْنِی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ- فَیَقُولُ لَهُمْ: انْطَلِقُوا إِلی ظِلٍّ ذِی ثَلاثِ شُعَبٍ (12)، قَالَ: یَعْنِی الثَّلَاثَةَ، فُلَانٌ .. وَ فُلَانٌ .. وَ فُلَانٌ (13).

ص: 262


1- المرسلات: 18.
2- و حكی قطعة منه فی بحار الأنوار 7- 45، حدیث 27، و تفسیر البرهان 4- 417، حدیث 1.
3- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 754، حدیث 1.
4- فی المصدر: فی قوله عزّ و جلّ: «أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِینَ»، بدلا من: فی هذه الآیة.
5- المرسلات: 17.
6- المرسلات: 18.
7- المرسلات: 19.
8- و قد جاء فی تفسیر البرهان 4- 417، حدیث 1.
9- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 755، حدیث 4.
10- جاء السّند فی المصدر هكذا: و یؤیّده: ما رواه محمّد بن العبّاس- رحمه اللّٰه- عن أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد بن سیّار .. إلی آخره، و هناك تعلیقة جدیرة بالملاحظة.
11- المرسلات: 29.
12- المرسلات: 30.
13- و أورده فی تفسیر البرهان 4- 418، حدیث 2.

قال المؤلّف (رحمه اللّٰه) (1): معنی هذا التأویل (2) أنّ أعداء آل محمّد صلوات اللّٰه علیهم یوم القیامة یأخذهم العطش فیطلبون منه الماء، فیقول (3) لهم: انْطَلِقُوا إِلی ظِلٍّ ذِی ثَلاثِ شُعَبٍ، و یعنی بالظلّ هنا ظلم أهل البیت علیهم السلام، و لهذا الظلّ ثلاث شعب، لكلّ شعبة منها رایة (4)، و هم أصحاب الرایات الثلاث، و هم أئمّة الضلال، و لكلّ رایة منهنّ (5) ظلّ یستظلّ به أهله، ثم أوضح لهم الحال، فقال: إنّ هذا الظلّ المشار إلیه لا ظَلِیلٍ (6) یظلّكم و لا یغنیكم مِنَ اللَّهَبِ. أی العطش، بل یزیدكم عطشا، و إنّما یقال لهم هذا استهزاء بهم و إهانة لهم، وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها

«128»-كا (7): الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّی بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ وَ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فِی قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَی: إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَی (8) فُلَانٌ .. وَ فُلَانٌ .. وَ فُلَانٌ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِیمَانِ فِی تَرْكِ وَلَایَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَی: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِینَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِیعُكُمْ

ص: 263


1- المراد به هو صاحب تأویل الآیات الظاهرة.
2- لا توجد كلمة: التأویل، فی المصدر.
3- فی المصدر زیادة و تغییر، و إلیك نصّه: فیطلبون الماء فیقال لهم: «انْطَلِقُوا إِلی ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ» .. أی بولایة علیّ علیه السلام و إمامته، فإنّه علی حوض الكوثر یسقی أولیاءه و یمنع أعداءه، فیأتون إلیه و یطلبون منه الماء فیقول ..
4- فی تأویل الآیات: ربی، بدلا من: رایة.
5- فی المصدر: منها، بدلا من: منهنّ.
6- المرسلات: 31.
7- أصول الكافی 1- 348، حدیث 43 [الطبعة الأخری الإسلامیّة 1- 420- 421].
8- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 25.

فِی بَعْضِ الْأَمْرِ (1) قَالَ: نَزَلَتْ وَ اللَّهِ فِیهِمَا وَ فِی أَتْبَاعِهِمَا، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِی نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِینَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ فِی عَلِیٍّ سَنُطِیعُكُمْ فِی بَعْضِ الْأَمْرِ (2) قَالَ:

دَعَوْا بَنِی أُمَیَّةَ إِلَی مِیثَاقِهِمْ أَلَّا یُصَیِّرُوا الْأَمْرَ فِینَا بَعْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لَا یُعْطُونَا مِنَ الْخُمُسِ شَیْئاً، وَ قَالُوا: إِنْ أَعْطَیْنَاهُمْ إِیَّاهُ لَمْ یَحْتَاجُوا إِلَی شَیْ ءٍ، وَ لَمْ یُبَالُوا أَنْ لَا یَكُونَ الْأَمْرُ فِیهِمْ، فَقَالُوا: سَنُطِیعُكُمْ فِی بَعْضِ الْأَمْرِ (3) الَّذِی دَعَوْتُمُونَا إِلَیْهِ- وَ هُوَ الْخُمُسُ- أَنْ لَا نُعْطِیَهُمْ مِنْهُ شَیْئاً، وَ قَوْلُهُ: كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ (4) وَ الَّذِی نَزَّلَ اللَّهُ مَا افْتَرَضَ عَلَی خَلْقِهِ مِنْ وَلَایَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ كَانَ مَعَهُمْ أَبُو عُبَیْدَةَ وَ كَانَ كَاتِبَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ ... (5) الْآیَةَ..

بیان: ظاهر السیاق أنّ فاعل قالوا الضمیر الراجع إلی الذین ارتدّوا، فلو فسّرنا الكنایات الثلاث الأُوَلَ بأبی بكر و عمر و عثمان- كما هو ظاهر- لا یستقیم النظام، و یمكن توجیهه بوجهین:

الأول: أن یكون المراد بالكنایات بعض بنی أمیّة كعثمان و أبی سفیان و معاویة، فالمراد ب (الذین كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ) أبو بكر و أخواه.

الثانی: أن یكون المراد بالكنایات أبا بكر و عمر و أبا عبیدة، و ضمیر (قالُوا) راجعا إلی بنی أمیّة، و المراد ب (الذین كرهوا) الذین ارتدّوا، فیكون من قبیل وضع المظهر موضع المضمر، و یؤیّد هذا عدم وجود الكنایة الثالثة فی بعض النسخ.

«129»-كا (6) بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ (7):

ص: 264


1- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 26.
2- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 26.
3- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 26.
4- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 26.
5- الزّخرف: 79- 80.
6- الكافی 1- 348، حدیث 44 [1- 421].
7- فی المصدر زیادة: قول اللّٰه عزّ و جلّ.

وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (1) قَالَ: نَزَلَتْ فِیهِمْ، حَیْثُ دَخَلُوا الْكَعْبَةَ فَتَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا (2) عَلَی كُفْرِهِمْ وَ جُحُودِهِمْ بِمَا نَزَلَ فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَأَلْحَدُوا فِی الْبَیْتِ بِظُلْمِهِمُ الرَّسُولَ وَ وَلِیَّهُ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (3).

«130»-یب (4): الْحُسَیْنُ بْنُ سَعِیدٍ، عَنِ النَّضْرِ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَیْلَةً مِنَ اللَّیَالِی الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَ عُمَرُ فَدَقَّ الْبَابَ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) نَامَ النِّسَاءُ، نَامَ الصِّبْیَانُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ: لَیْسَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُونِی وَ لَا تَأْمُرُونِی، إِنَّمَا عَلَیْكُمْ أَنْ تَسْمَعُوا وَ تُطِیعُوا.

«131»-كا (5): الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُعَلَّی، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ (6) مَنَّ عَلَیْنَا بِأَنْ عَرَّفَنَا تَوْحِیدَهُ، ثُمَّ مَنَّ عَلَیْنَا بِأَنْ أَقْرَرْنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِالرِّسَالَةِ، ثُمَّ اخْتَصَّنَا بِحُبِّكُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ (علیهم السلام) نَتَوَلَّاكُمْ وَ نَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَ إِنَّمَا یُرِیدُ (7) اللَّهُ بِذَلِكَ خَلَاصَ أَنْفُسِنَا مِنَ النَّارِ. قَالَ: وَ رَقَقْتُ وَ بَكَیْتُ.

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: سَلْنِی، فَوَ اللَّهِ لَا تَسْأَلُنِی عَنْ شَیْ ءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكَ بِهِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَعْیَنَ: مَا سَمِعْتُهُ قَالَهَا (8) لِمَخْلُوقٍ قَبْلَكَ، قَالَ: قُلْتُ: خَبِّرْنِی عَنِ الرَّجُلَیْنِ؟.

ص: 265


1- الحجّ: 25.
2- فی (س): و تقاعدوا.
3- هود: 44، و المؤمنون: 41.
4- التّهذیب 2- 28 ذیل حدیث 81، بتفصیل فی الإسناد.
5- الكافی- الرّوضة- 8- 102، حدیث 74، بتفصیل فی الإسناد.
6- فی المصدر: و جلّ، بدلا من: ذكره.
7- فی الكافی: نرید، و جاءت نسخة علی مطبوع البحار: یزید.
8- نسخة فی (ك): قال.

قَالَ: فَقَالَ (1) ظَلَمَانَا حَقَّنَا فِی كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنَعَا فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ مِیرَاثَهَا مِنْ أَبِیهَا، وَ جَرَی ظُلْمُهُمَا إِلَی الْیَوْمِ، قَالَ: - وَ أَشَارَ إِلَی خَلْفِهِ- وَ نَبَذَا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمَا.

«132»-كا (2): وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ بَشِیرٍ الْأَسَدِیِّ، عَنِ الْكُمَیْتِ بْنِ زَیْدٍ الْأَسَدِیِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: وَ اللَّهِ یَا كُمَیْتُ! لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لَأَعْطَیْنَاكَ مِنْهُ، وَ لَكِنْ لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: لَنْ یَزَالَ (3) مَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا (4)، قَالَ:

قُلْتُ: خَبِّرْنِی عَنِ الرَّجُلَیْنِ؟. قَالَ: فَأَخَذَ الْوِسَادَةَ فَكَسَرَهَا فِی صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ: وَ اللَّهِ یَا كُمَیْتُ! مَا أُهْرِیقَ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ، وَ لَا أُخِذَ مَالٌ مِنْ غَیْرِ حِلِّهِ، وَ لَا قُلِبَ حَجَرٌ عَنْ (5) حَجَرٍ إِلَّا ذَاكَ فِی أَعْنَاقِهِمَا.

«133»-كا (6): وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَارِثِ النَّضْرِیِّ (7)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ:

الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً (8) قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِی ذَلِكَ؟. قُلْتُ: نَقُولُ: هُمُ الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَیْشٍ، بَنُو أُمَیَّةَ وَ بَنُو الْمُغِیرَةِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: هِیَ وَ اللَّهِ قُرَیْشٌ قَاطِبَةً، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی خَاطَبَ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ: إِنِّی فَضَّلْتُ قُرَیْشاً عَلَی

ص: 266


1- لا توجد فی المصدر: فقال، و وضع علیها رمز نسخة بدل فی (س).
2- الكافی 8- 102، حدیث 75. و أورده فی بحار الأنوار 46- 341 حدیث 32.
3- فی (س): لن یراك، و لا معنی لها.
4- لقد حكاه إلی هنا العلّامة الأمینی- رحمه اللّٰه- فی غدیره 2- 187، عن المسعودیّ فی مروج الذّهب 2- 195، و قد فصّل حول الكمیت الشّاعر قبله و بعده، فراجع.
5- فی (س): من، بدلا من: عن.
6- الكافی- الرّوضة- 8- 103، حدیث 77.
7- فی المصدر: النّصریّ، بدلا من: النّضریّ، و فی (س): ابن النّضریّ.
8- إبراهیم (علیه السلام): 28.

الْعَرَبِ، وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْهِمْ نِعْمَتِی، وَ بَعَثْتُ إِلَیْهِمْ رَسُولِی (1) فَبَدَّلُوا نِعْمَتِی كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (2)..

«134»-كا (3): عَلِیٌّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَوَدُّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ وَ تُكْثِرُ التَّعَاهُدَ لَنَا، وَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَقِیَهَا ذَاتَ یَوْمٍ وَ هِیَ تُرِیدُنَا، فَقَالَ لَهَا: أَیْنَ تَذْهَبِینَ یَا عَجُوزَ الْأَنْصَارِ؟. فَقَالَتْ: أَذْهَبُ إِلَی آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أُسَلِّمُ عَلَیْهِمْ وَ أُجَدِّدُ (4) بِهِمْ عَهْداً، وَ أَقْضِی حَقَّهُمْ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: وَیْلَكِ لَیْسَ لَهُمُ الْیَوْمَ حَقٌّ عَلَیْكِ وَ لَا عَلَیْنَا، إِنَّمَا كَانَ لَهُمْ حَقٌّ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَمَّا الْیَوْمَ فَلَیْسَ لَهُمْ حَقٌّ، فَانْصَرِفِی (5). فَانْصَرَفَتْ حَتَّی أَتَتْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ: مَا ذَا أَبْطَأَ بِكِ عَنَّا؟. فَقَالَتْ: إِنِّی لَقِیتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ .. فَأَخْبَرَتْهَا (6) بِمَا قَالَتْ لِعُمَرَ وَ مَا قَالَ لَهَا عُمَرُ (7)، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ:

كَذَبَ (8)، لَا یَزَالُ حَقُّ آلِ مُحَمَّدٍ وَاجِباً عَلَی الْمُسْلِمِینَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

«135»-كا (9): حُمَیْدٌ، عَنِ ابْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ غَیْرِ وَاحِدٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْفُضَیْلِ بْنِ الزُّبَیْرِ، عَنْ فَرْوَةَ (10)، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: ذَاكَرْتُهُ شَیْئاً

ص: 267


1- فی (س): رسولا.
2- إبراهیم (علیه السلام): 28.
3- الكافی- الرّوضة- 8- 156، حدیث 145.
4- نسخة فی (س): أحدث.
5- ما هنا نسخة فی (ك)، و فی متنها: فانصرفنی.
6- فی المصدر: و أخبرتها.
7- فی (س): عمر لها- بتقدیم و تأخیر-.
8- فی (س): و كذب.
9- الكافی- الرّوضة- 8- 189، حدیث 215.
10- جاء السّند فی المصدر: حمید بن زیاد، عن الحسن بن محمّد الكندیّ، عن غیر واحد من أصحابنا، عن أبان بن عثمان، عن الفضیل بن زبیر، قال: حدّثنی فروة ..

مِنْ أَمْرِهِمَا، فَقَالَ: ضَرَبُوكُمْ عَلَی دَمِ عُثْمَانَ ثَمَانِینَ سَنَةً وَ هُمْ یَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ ظَالِماً، فَكَیْفَ- یَا فَرْوَةُ- إِذَا ذَكَرْتُمْ (1) صَنَمَیْهِمْ؟..

«136»-كا (2): مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی، عَنِ ابْنِ عِیسَی، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِیِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (3): وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِیباً إِلَیْهِ (4) قَالَ: نَزَلَتْ فِی أَبِی الْفَصِیلِ، إِنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عِنْدَهُ سَاحِراً، فَكَانَ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ- یَعْنِی السُّقْمَ- دَعا رَبَّهُ مُنِیباً إِلَیْهِ- یَعْنِی تَائِباً إِلَیْهِ مِنْ قَوْلِهِ فِی رَسُولِ اللّٰه صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا یَقُولُ- ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ (5) یَعْنِی الْعَافِیَةَ نَسِیَ ما كانَ یَدْعُوا إِلَیْهِ (6) یَعْنِی نَسِیَ التَّوْبَةَ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِمَّا كَانَ یَقُولُ فِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِنَّهُ سَاحِرٌ، وَ لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِیلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (7) یَعْنِی إِمْرَتُكَ عَلَی النَّاسِ بِغَیْرِ حَقٍّ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یُخْبِرُ بِحَالِهِ وَ فَضْلِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی، فَقَالَ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ (8) أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ (9) أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، و [بَلْ یَقُولُونَ] إِنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ إِنَّما یَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (10) قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

هَذَا تَأْوِیلُهُ یَا عَمَّارُ!.

ص: 268


1- فی (س): ذكرتهم.
2- الكافی- الرّوضة- 8- 204، حدیث 246، بتفصیل فی الإسناد.
3- فی المصدر: قول اللّٰه تعالی.
4- الزّمر: 8.
5- الزّمر: 8.
6- الزّمر: 8.
7- الزّمر: 8.
8- الزّمر: 9.
9- الزّمر: 9.
10- الزّمر: 9.

«137»-كا (1): عَلِیٌّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ حَنَانٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: .. إِنَّ الشَّیْخَیْنِ (2) فَارَقَا الدُّنْیَا وَ لَمْ یَتُوبَا، وَ لَمْ یَذَّكَّرَا (3) مَا صَنَعَا بِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَعَلَیْهِمَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ

«138»-وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ (4)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: یَا أَبَا الْفَضْلِ! مَا تَسْأَلُنِی عَنْهُمَا؟! فَوَ اللَّهِ مَا مَاتَ مِنَّا مَیِّتٌ قَطُّ إِلَّا سَاخِطاً عَلَیْهِمَا، وَ مَا مِنَّا الْیَوْمَ إِلَّا سَاخِطاً عَلَیْهِمَا یُوصِی بِذَلِكَ الْكَبِیرُ مِنَّا الصَّغِیرَ، أَنَّهُمَا ظَلَمَانَا حَقَّنَا، وَ مَنَعَانَا فَیْئَنَا، وَ كَانَا أَوَّلَ مَنْ رَكِبَ أَعْنَاقَنَا، وَ بَثَقَا (5) عَلَیْنَا بَثْقاً فِی الْإِسْلَامِ لَا یُسْكَرُ (6) أَبَداً حَتَّی یَقُومَ قَائِمُنَا أَوْ یَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمُنَا.

ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا وَ تَكَلَّمَ مُتَكَلِّمُنَا لَأَبْدَی مِنْ أُمُورِهِمَا مَا كَانَ یُكْتَمُ، وَ لَكَتَمَ مِنْ أُمُورِهِمَا مَا كَانَ یُظْهَرُ، وَ اللَّهِ مَا أُسِّسَتْ مِنْ بَلِیَّةٍ وَ لَا قَضِیَّةٍ تَجْرِی عَلَیْنَا أَهْلَ الْبَیْتِ إِلَّا هُمَا أَسَّسَا أَوَّلَهَا، فَعَلَیْهِمَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ.

ص: 269


1- الكافی- الرّوضة- 8- 246، حدیث 343.
2- فی المصدر زیادة: قلت له: ما كان ولد یعقوب أنبیاء؟. قال: لا، و لكنّهم كانوا أسباط أولاد الأنبیاء، و لم یكن یفارقوا الدّنیا إلّا سعداء تابوا و تذكّروا ما صنعوا، و إنّ الشّیخین ..
3- فی الكافی: و لم یتذكّرا.
4- فی الكافی- الرّوضة- 8- 245، حدیث 340.
5- فی (س): و شقّا، و هو غلط. و جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: هو من قولهم: بثق النّهر: انكسر شطّه .. أی ثلما علینا ثلمة فی الإسلام لا یسدّها شی ء، و یقال: بثقت الماء بثقا- من باب ضرب و قتل-: إذا أهرقته، و كذلك فی السّكر، فانبثق هو، و انبثق الماء: انفجر و جری، و منه حدیث هاجر أمّ إسماعیل فی إسماعیل، فغمز بعقبه الأرض فانبثق الماء .. یعنی ماء زمزم، و البثق- بالكسر- اسم للمصدر، مجمع. انظر: مجمع البحرین 5- 136 و فیه: بابی، بدلا من: باب، و هو الصّحیح.
6- فی (س): لا یسكرا.

بیان: و ثبق [بثق] (1) السّیلُ موضعَ كذا- كَنَصَرَ- ثبقاً [بثقاً]- بالفتح و الكسر- .. أی خرقه و شقّه، فانبثق .. أی انفجر (2).

و سَكَرْتُ النّهرَ سكراً سَدَدْتُهُ (3).

«139»-كا (4): مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُمِّیُّ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ یُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حُسَیْنٍ الْجَمَّالِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فِی قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَیْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِیَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِینَ (5) قَالَ: هُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَ كَانَ فُلَانٌ شَیْطَاناً.

بیان: إنّ المراد بفلان: عمر .. أی الجنّ المذكور فی الآیة عمر، و إنّما كنّی به عنه لأنّه كان شیطانا، إمّا لأنّه كان شرك شیطان لكونه ولد زنا، أو لأنّه كان فی المكر و الخدیعة كالشیطان، و علی الأخیر یحتمل العكس بأن یكون المراد بفلان: أبا بكر.

«140»-كا (6): بِالْإِسْنَادِ، عَنْ یُونُسَ، عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَیْبٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَیْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِ

ص: 270


1- كذا، و الصحیح: بثق- بتقدیم الباء الموحّدة علی الثاء المثلثة- فإن المذكور فی الروایة بثق مع أنّ ما ذكره المصنّف طاب ثراه من المعنی هو ل: بثق.
2- قاله فی الصحاح 4- 1448، و مثله فی لسان العرب 10- 13. و قال فی الأول 4- 1453 فی مادة ثبق: ثبقت العین تثبق: أسرع دمعها، و ثبق النهر: أسرع جریه و كثر ماؤه، و مثله فی لسان العرب فی مادة ثبق 10- 33.
3- كما فی مجمع البحرین 3- 335، و لسان العرب 4- 375، و لاحظ: النهایة 2- 383.
4- الكافی- الرّوضة- 8- 334، حدیث 523.
5- فصّلت: 29.
6- الكافی- الرّوضة- 8- 334، حدیث 524.

وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِیَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِینَ (1) قَالَ: یَا سَوْرَةُ! هُمَا وَ اللَّهِ هُمَا .. ثَلَاثاً، وَ اللَّهِ یَا سَوْرَةُ! إِنَّا لَخُزَّانُ عِلْمِ اللَّهِ فِی السَّمَاءِ وَ إِنَّا لَخُزَّانُ عِلْمِ اللَّهِ فِی الْأَرْضِ.

«141»-كا (2): مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی، عَنِ ابْنِ عِیسَی، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ، عَنْ سُلَیْمَانَ الْجَعْفَرِیِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ فِی قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ (3): إِذْ یُبَیِّتُونَ ما لا یَرْضی مِنَ الْقَوْلِ (4) قَالَ: یَعْنِی فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ أَبَا عُبَیْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ.

بیان: بیّت أمرا .. أی دبّره لیلا (5).

«142»-كا (6): عَلِیٌّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ مُحَمَّدِ (7) بْنِ إِسْمَاعِیلَ وَ غَیْرِهِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ یُونُسَ، عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّجَاشِیِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: أُولئِكَ الَّذِینَ یَعْلَمُ اللَّهُ ما فِی قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ وَ قُلْ لَهُمْ فِی أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِیغاً (8) یَعْنِی وَ اللَّهِ فُلَاناً وَ فُلَاناً، وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِیماً (9) یَعْنِی وَ اللَّهِ

ص: 271


1- فصّلت: 29.
2- الكافی- الرّوضة- 8- 334، حدیث 525.
3- فی الكافی زیادة: و تعالی.
4- النّساء: 108.
5- صرّح به فی لسان العرب 2- 16، و الصحاح 1- 245، و غیرهما.
6- الكافی- الرّوضة- 8- 334، حدیث 526.
7- فی المصدر: و محمّد ..
8- النّساء: 63.
9- النّساء: 64.

النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ، مِمَّا صَنَعُوا، یَعْنِی لَوْ جَاءُوكَ بِهَا (1) یَا عَلِیُّ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ مِمَّا صَنَعُوا وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِیماً (2)، فَلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَكِّمُوكَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ (3) فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: هُوَ- وَ اللَّهِ- عَلِیٌّ بِعَیْنِهِ ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ (4) عَلَی لِسَانِكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ، یَعْنِی بِهِ مِنْ وَلَایَةِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً (5) لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

تبیان:

قوله تعالی: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ (6) .. أی عن عقابهم لمصلحة فی استبقائهم، أو عن قبول معذرتهم، و فی بعض النسخ: و ما أرسلناك رسولا إلّا لتطاع .. فتكون قراءتهم علیهم السلام هكذا.

قوله علیه السلام: یعنی و اللّٰه النبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) .. أی المراد بالرسول فی قوله تعالی: وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ (7) النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و المخاطب فی قوله جاؤُكَ، علیّ علیه السلام، و لو كان المخاطب الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله لكان الأظهر أن یقول: و استغفرت لهم، و فی بعض نسخ تفسیر العیاشی (8): یعنی و اللّٰه علیّا علیه السلام، و هو أظهر.

قوله علیه السلام: هو و اللّٰه علیّ .. أی المخاطب، أو المعنی أنّ المراد بما شجر بینهم ما شجر بینهم فی أمر علیّ علیه السلام و خلافته (9)، و الأول أظهر.

ص: 272


1- فی المصدر: أی لو جاءك بها و فی (س): لها، بدلا من: بها.
2- النّساء: 64.
3- النّساء: 65.
4- النّساء: 65.
5- النّساء: 65.
6- النساء: 63.
7- النساء: 64.
8- تفسیر العیّاشیّ 1- 255 حدیث 182، و هو كالمتن، و لم نظفر بالنسخة التی أشار لها المصنّف رحمه اللّٰه.
9- فی (س): خلافه.

قوله علیه السلام: ممّا قضیت علی لسانك .. ظاهره أنّ قراءتهم علیهم السلام به (1) علی صیغة التكلّم، و یحتمل أن یكون بیانا لحاصل المعنی، أی المراد بقضاء الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله ما یقضی اللّٰه علی لسانه.

«143»-ختص (2): مُحَمَّدُ بْنُ عِیسَی، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ یُونُسَ بْنِ صُهَیْبٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی أَبِی بَكْرٍ- وَ قَدْ ذَهَبَ بِهِ إِلَی الْغَارِ- فَقَالَ: مَا لَكَ؟ أَ لَیْسَ اللَّهُ مَعَنَا؟! تُرِیدُ أَنْ أُرِیَكَ أَصْحَابِی مِنَ الْأَنْصَارِ فِی مَجَالِسِهِمْ یَتَحَدَّثُونَ، وَ أُرِیَكَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ أَصْحَابَهُ فِی سَفِینَةٍ یَغُوصُونَ؟. فَقَالَ: نَعَمْ، أَرِنِیهِمْ. فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی وَجْهِهِ وَ عَیْنَیْهِ، فَنَظَرَ إِلَیْهِمْ، فَأَضْمَرَ فِی نَفْسِهِ أَنَّهُ سَاحِرٌ.

«144»-كنز (3): الشَّیْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی مِصْبَاحِ الْأَنْوَارِ (4) بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی حَفْرِ الْخَنْدَقِ- وَ قَدْ حَفَرَ النَّاسُ وَ حَفَرَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ- فَقَالَ لَهُ (5) النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: بِأَبِی مَنْ یَحْفِرُ وَ جَبْرَئِیلُ یَكْنُسُ التُّرَابَ بَیْنَ یَدَیْهِ، وَ یُعِینُهُ مِیكَائِیلُ، وَ لَمْ یَكُنْ یُعِینُ أَحَداً قَبْلَهُ مِنَ الْخَلْقِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِعُثْمَانَ بْنِ

ص: 273


1- لا توجد: به، فی (ك).
2- الاختصاص: 19- حدیث الغار-.
3- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 607، حدیث 9.
4- هو كتاب مصباح الأنوار فی فضائل إمام الأبرار للشّیخ هاشم بن محمّد، و قد نسب إلی الشّیخ الطّوسیّ- لما جاء علی ظهر نسخته- كما هنا و كتاب مدینة المعاجز، و كشكول شیخ أحمد شكر، و تأویل الآیات الظّاهرة، و كنز المطالب للسّیّد ولیّ اللّٰه بن نعمة اللّٰه .. و غیرهما، و نفی النّسبة شیخنا الطّهرانیّ فی الذّریعة 21- 103- 104، و قال العلّامة المجلسیّ رحمه اللّٰه فی أوّل بحاره فی مقام توثیق مصادره 1- 40: و كتاب مصباح الأنوار مشتمل علی غرر الأخبار و یظهر من الكتاب أنّ مؤلّفه من الأفاضل الكبار، و یروی من الأصول المعتبرة من الخاصّة و العامّة.
5- فی (س): فقاله.

عَفَّانَ: احْفِرْ!، فَغَضِبَ عُثْمَانُ وَ قَالَ: لَا یَرْضَی مُحَمَّدٌ أَنْ أَسْلَمْنَا عَلَی یَدِهِ حَتَّی أَمَرَنَا (1) بِالْكَدِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَمُنُّونَ عَلَیْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ... (2) الْآیَةَ.

«145»-ختص (3): الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمَدَانِیُّ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْكُوفِیِّ، عَنْ أَبِی الْحُسَیْنِ یَحْیَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ، قَالَ: خَرَجْتُ ذَاتَ یَوْمٍ إِلَی ظَهْرِ الْكُوفَةِ وَ بَیْنَ یَدَیَّ قَنْبَرٌ، فَقُلْتُ (4): یَا قَنْبَرُ! تَرَی مَا أَرَی؟. فَقَالَ: قَدْ ضَوَّأَ اللَّهُ لَكَ (5)

یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ!- عَمَّا عَمِیَ عَنْهُ بَصَرِی.

فَقُلْتُ: یَا أَصْحَابَنَا! تَرَوْنَ مَا أَرَی؟. فَقَالُوا: لَا، قَدْ ضَوَّأَ اللَّهُ لَكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) عَمَّا عَمِیَ عَنْهُ أَبْصَارُنَا.

فَقُلْتُ: وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَتَرَوُنَّهُ كَمَا أَرَاهُ، وَ لَتَسْمَعُنَّ كَلَامَهُ كَمَا أَسْمَعُ، فَمَا لَبِثْنَا أَنْ طَلَعَ شَیْخٌ عَظِیمُ الْهَامَةِ (6) لَهُ عَیْنَانِ بِالطُّولِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ، فَقُلْتُ: مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتَ یَا لَعِینُ؟. قَالَ:

مِنَ الْآثَامِ (7). فَقُلْتُ: وَ أَیْنَ تُرِیدُ؟. قَالَ: الْآثَامَ (8). فَقُلْتُ: بِئْسَ الشَّیْخُ أَنْتَ.

فَقَالَ: لِمَ تَقُولُ هَذَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام)، فَوَ اللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِیثٍ عَنِّی عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَا بَیْنَنَا ثَالِثٌ. فَقُلْتُ: یَا لِعَیْنُ (9)! عَنْكَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَا بَیْنَكُمَا ثَالِثٌ؟!.

ص: 274


1- فی الكنز: حتّی یأمرنا.
2- الحجرات: 17. و ذكر الآیة إلی قوله تعالی: صادِقِینَ، فی المصدر.
3- الاختصاص: 108، بتفصیل فی الإسناد.
4- فی المصدر: فقلت له.
5- فی الاختصاص: فقال ضوّأ اللّٰه عزّ و جلّ لك.
6- فی المصدر زیادة: مدید القامة له.
7- فی الاختصاص: من الأنام.
8- فی الاختصاص: الأنام.
9- لا توجد: یا لعین فی (س).

قَالَ: نَعَمْ (1)، إِنَّهُ لَمَّا هُبِطْتُ بِخَطِیئَتِی إِلَی السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ نَادَیْتُ: إِلَهِی وَ سَیِّدِی مَا أَحْسَبُكَ خَلَقْتَ مَنْ (2) هُوَ أَشْقَی مِنِّی، فَأَوْحَی اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی إِلَیَّ (3): بَلَی، قَدْ خَلَقْتُ مَنْ هُوَ أَشْقَی مِنْكَ، فَانْطَلِقْ إِلَی مَالِكٍ یُرِیكَهُ، فَانْطَلَقْتُ إِلَی مَالِكٍ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ یَقْرَأُ عَلَیْكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ: أَرِنِی مَنْ هُوَ أَشْقَی مِنِّی، فَانْطَلَقَ بِی مَالِكٌ إِلَی النَّارِ فَرَفَعَ الطَّبَقَ الْأَعْلَی فَخَرَجَتْ نَارٌ سَوْدَاءُ ظَنَنْتُ أَنَّهَا قَدْ أَكَلَتْنِی وَ أَكَلَتْ مَالِكاً، فَقَالَ لَهَا: إهدائی [اهْدَئِی] (4) فَهَدَأَتْ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِی إِلَی الطَّبَقِ الثَّانِی فَخَرَجَتْ نَارٌ هِیَ أَشَدُّ مِنْ تِلْكَ سَوَاداً وَ أَشَدُّ حِمًی، فَقَالَ لَهَا: اخْمُدِی! فَخَمَدَتْ إِلَی أَنِ انْطَلَقَ بِی إِلَی السَّابِعِ (5)، وَ كُلُّ نَارٍ تَخْرُجُ مِنْ طَبَقٍ هِیَ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَی، فَخَرَجَتْ نَارٌ ظَنَنْتُ أَنَّهَا قَدْ أَكَلَتْنِی وَ أَكَلَتْ مَالِكاً وَ جَمِیعَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، فَوَضَعْتُ یَدِی عَلَی عَیْنِی وَ قُلْتُ: مُرْهَا یَا مَالِكُ تَخْمُدْ (6) وَ إِلَّا خَمَدْتُ، فَقَالَ: أَنْتَ لَمْ تَخْمُدْ (7) إِلَی الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ فَأَمَرَهَا فَخَمَدَتْ، فَرَأَیْتُ رَجُلَیْنِ فِی أَعْنَاقِهِمَا سَلَاسِلُ النِّیرَانِ مُعَلَّقَیْنِ بِهَا إِلَی فَوْقُ، وَ عَلَی رُءُوسِهِمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ مَقَامِعُ النِّیرَانِ یَقْمَعُونَهُمَا بِهَا، فَقُلْتُ: یَا مَالِكُ! مَنْ هَذَانِ؟. فَقَالَ: أَ وَ مَا قَرَأْتَ فِی سَاقِ (8) الْعَرْشِ، وَ كُنْتُ قَبْلُ (9) قَرَأْتُهُ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَ اللَّهُ الدُّنْیَا بِأَلْفَیْ عَامٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَیَّدْتُهُ وَ نَصَرْتُهُ بِعَلِیٍّ، فَقَالَ: هَذَانِ عَدُوَّا أُولَئِكَ وَ ظَالِمَاهُمْ (10).

ص: 275


1- جاء فی (س): قال بعد كلمة: نعم، و خطّ علیها فی (ك)، و لا معنی لها.
2- لا توجد: من، فی المطبوع من البحار، و فی المصدر: خلقت خلقا هو ..
3- لا توجد: إلیّ، فی الاختصاص.
4- كذا، و فی المصدر: اهدئی، و هو الظّاهر.
5- جاء: إلی الطّبق السّابع، فی المصدر.
6- فی المصدر: أن تخمد.
7- جاء فی (ك) نسخة: لن تخمد، و فی المصدر: إنّك لن تخمد. و هو الظّاهر.
8- فی الاختصاص: علی ساق ..
9- لا توجد: قبل، فی (س).
10- و فی آخر الحدیث: فقال: هذا من أعداء أولئك، أو ظالمیهم- الوهم من صاحب الحدیث.

«146»-ختص (1): رُوِیَ عَنْ حَكَمِ بْنِ جُبَیْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ: إِنَّ الشَّعْبِیَّ یَرْوِی عِنْدَنَا بِالْكُوفَةِ أَنَّ عَلِیّاً (علیه السلام) قَالَ: خَیْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِیِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ یُفَضِّلُ عَلَی نَفْسِهِ مَنْ لَیْسَ هُوَ مِثْلَهُ حُبّاً وَ كَرَامَةً (2)، ثُمَّ أَتَیْتُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فَأَخْبَرْتُهُ ذَلِكَ، فَضَرَبَ عَلَی فَخِذِی وَ قَالَ: هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا كَمَا بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ.

«147»-ختص (3): رُوِیَ عَنِ ابْنِ كُدَیْنَةَ الْأَوْدِیِّ (4)، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ... (5) فِیمَنْ نَزَلَتْ؟. قَالَ: فِی رَجُلَیْنِ مِنْ قُرَیْشٍ..

«148»-الْبُرْسِیُّ، فِی مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ (6): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ (7): یَا مَغْرُورُ! إِنِّی أَرَاكَ فِی الدُّنْیَا قَتِیلًا بِجَرَاحَةٍ مِنْ عَبْدِ أُمِّ مَعْمَرٍ (8) تَحْكُمُ عَلَیْهِ جَوْراً فَیَقْتُلُكَ تَوْفِیقاً، یَدْخُلُ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ عَلَی رَغْمٍ مِنْكَ، وَ إِنَّ لَكَ وَ لِصَاحِبِكَ الَّذِی قُمْتَ مَقَامَهُ صَلْباً وَ هَتْكاً تُخْرَجَانِ عَنْ جِوَارِ رَسُولِ اللَّهِ (9) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَتُصْلَبَانِ عَلَی أَغْصَانِ جِذْعَةٍ (10) یَابِسَةٍ فَتُورِقُ فَیَفْتَتِنُ بِذَلِكَ (11) مَنْ وَالاكَ. فَقَالَ عُمَرُ: وَ مَنْ یَفْعَلُ ذَلِكَ یَا أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام)؟. فَقَالَ: قَوْمٌ

ص: 276


1- الاختصاص: 128.
2- فی المصدر: و تكرّما.
3- الاختصاص: 128.
4- كذا، و الظّاهر أنّه: أبو كریبة الأزدیّ.
5- الحجرات: 1.
6- مشارق أنوار الیقین فی أسرار أمیر المؤمنین علیه السّلام: 70- 79.
7- فی المصدر: سمعت أمیر المؤمنین علیه السّلام یقول للرّجل.
8- جاءت نسخة بدل فی حاشیة (ك): ابن معمر.
9- فی المصدر: من عند رسول اللّٰه ..
10- فی المشارق: دوحة، بدلا من: جذعة.
11- فی المصدر: بذاك، و هی نسخة فی (ك).

قَدْ فَرَّقُوا بَیْنَ السُّیُوفِ وَ أَغْمَادِهَا، فَیُؤْتَی (1) بِالنَّارِ الَّتِی أُضْرِمَتْ لِإِبْرَاهِیمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ یَأْتِی جِرْجِیسُ وَ دَانِیَالُ وَ كُلُّ نَبِیٍّ وَ صِدِّیقٍ، ثُمَّ یَأْتِی رِیحٌ فَیَنْسِفُكُمَا فِی الْیَمِّ نَسْفاً.

وَ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْماً (2) لِلْحَسَنِ: یَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَ مَا تَرَی عِنْدِی تَابُوتٌ (3) مِنْ نَارٍ یَقُولُ: یَا عَلِیُّ! اسْتَغْفِرْ لِی، لَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.

وَ رُوِیَ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ (4) قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ (5) أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَا مَعْنَی هَذِهِ الْحَمِیرِ؟. فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ یَخْلُقَ شَیْئاً ثُمَّ یُنْكِرَهُ، إِنَّمَا هُوَ زُرَیْقٌ وَ صَاحِبُهُ فِی تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ فِی (6) صُورَةِ حِمَارَیْنِ، إِذَا شَهَقَا فِی النَّارِ انْزَعَجَ أَهْلُ النَّارِ مِنْ شِدَّةِ صُرَاخِهِمَا..

«149»-كنز (7): مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الثُّمَالِیِّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ أُخْرِجَتْ أَرِیكَتَانِ مِنَ الْجَنَّةِ فَبُسِطَتَا عَلَی شَفِیرِ جَهَنَّمَ، ثُمَّ یَجِی ءُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ حَتَّی یَقْعُدَ عَلَیْهِمَا، فَإِذَا قَعَدَ ضَحِكَ، وَ إِذَا ضَحِكَ انْقَلَبَتْ جَهَنَّمُ فَصَارَ (8) عَالِیهَا سَافِلَهَا، ثُمَّ یُخْرَجَانِ فَیُوقَفَانِ بَیْنَ یَدَیْهِ فَیَقُولَانِ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! یَا وَصِیَّ رَسُولِ اللَّهِ (9)! أَ لَا تَرْحَمُنَا؟! أَ لَا تَشْفَعُ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ؟!. قَالَ: فَیَضْحَكُ مِنْهُمَا، ثُمَّ یَقُومُ فَیُدْخَلُ

ص: 277


1- جاء فی المشارق: ثمّ یؤتی.
2- فی المصدر: من ذلك أنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام قال یوما ..
3- فی المشارق: ما تری عند ربّی تابوتا.
4- لقمان: 19.
5- فی المصدر: رجل من ..
6- فی (ك): و فی ..
7- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 781- 782، حدیث 17، باختصار فی الإسناد هنا.
8- فی المصدر: فصارت.
9- كرّر لفظ الجلالة فی (س).

الْأَرِیكَتَانِ (1) وَ یُعَادَانِ إِلَی مَوْضِعِهِمَا، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: فَالْیَوْمَ الَّذِینَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ یَضْحَكُونَ عَلَی الْأَرائِكِ یَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا یَفْعَلُونَ (2).

أقول:

رَوَی الْبُخَارِیُّ فِی صَحِیحِهِ فِی كِتَابِ الْمَغَازِی (3) بَعْدَ بَابِ وَفْدِ بَنِی تَمِیمٍ، وَ فِی تَفْسِیرِ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ (4)، وَ التِّرْمِذِیُّ (5) وَ النَّسَائِیُّ (6) فِی صَحِیحِهِمَا، وَ أَوْرَدَهُ فِی كِتَابِ جَامِعِ الْأُصُولِ (7) فِی كِتَابِ (8) تَفْسِیرِ الْقُرْآنِ مِنْ حَرْفِ الطَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَیْرِ، قَالَ: قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ عَلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ (9) بْنِ زُرَارَةَ، وَ قَالَ عُمَرُ: أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ (10)، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِی (11)، وَ قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. قَالَ (12):

فَتَمَارَیَا حَتَّی ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَتْ (13) فِی ذَلِكَ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا

ص: 278


1- هنا نسخة فی المصدر بها یصحّ المعنی و الإعراب، و هی: و یدخل و ترفع الأریكتان.
2- المطفّفین: 34- 36.
3- صحیح البخاریّ 6- 172، باب وفد بنی تمیم. و فی الاعتصام، باب ما یكره من التّعمّق و التّنازع فی العلم.
4- صحیح البخاریّ 8- 452- 454 فی تفسیر سورة الحجرات، باب لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ (صلی اللّٰه علیه و آله)، و باب إِنَّ الَّذِینَ یُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ.
5- صحیح التّرمذیّ، حدیث 3262 فی التّفسیر، باب و من سورة الحجرات.
6- صحیح النّسائیّ 8- 226 فی القضاء، باب استعمال الشّعراء، و لا توجد فیه: حتّی انقضت.
7- جامع الأصول 2- 360، حدیث 809.
8- وضع علی لفظ كتاب، رمز نسخة بدل فی (ك).
9- فی (س): معه، و هو غلط.
10- فی (س): جابس، و هو غلط.
11- فی مسند أحمد بن حنبل: إنّما أردت خلافی ..
12- لا توجد فی المصدر: قال.
13- فی المصدر: فنزل.

تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ .. (1) حَتَّی انْقَضَتْ (2).

قَالَ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (3): وَ فِی رِوَایَةٍ قَالَ ابْنُ أَبِی مَلِیكَةَ: كَادَ الْخَیِّرَانِ (4) یهلكا أَنْ یَهْلِكَا (5) أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، لَمَّا قَدِمَ عَلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَفْدُ بَنِی تَمِیمٍ أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِیِّ وَ أَشَارَ الْآخَرُ بِغَیْرِهِ .. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ وَ نُزُولَ الْآیَةِ (6)، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الزُّبَیْرِ (7): فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِیثٍ كَأَخِی (8) السِّرَارِ لَمْ یُسْمِعْهُ حَتَّی یَسْتَفْهِمَهُ (9)، وَ لَمْ یَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ (10) أَبِیهِ (11).

قال (12): أخرجه البخاری (13)، و أخرج النسائی (14) الروایة الأولی،

وَ أَخْرَجَ التِّرْمِذِیُّ (15) قَالَ: إِنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَدِمَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ (16) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتَعْمِلْهُ عَلَی قَوْمِهِ .. فَقَالَ عُمَرُ: لَا

ص: 279


1- الحجرات: 1. و ذكر فی المصدر ذیلها «.. وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ».
2- لا یوجد: حتّی انقضت، فی جامع الأصول.
3- جامع الأصول 2- 361- 362 فی تفسیر سورة الحجرات.
4- فی (ك): الخبران.
5- فی المصدر: كاد الخیران أن یهلكا.
6- هناك حاشیة علی جامع الأصول 2- 361 حریّة بالملاحظة.
7- قال ابن الزّبیر، كذا جاء فی المصدر.
8- فی المصدر: حدّثه كأخی ..
9- جاء فی المصدر زیادة: و فی أخری نحوه، و فیه: قال ابن الزّبیر: فما كان عمر یسمع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم حتّی یستفهمه ..
10- فی (س): عند، بدل: عن.
11- فی المصدر: عن أبیه، یعنی أبا بكر الصّدّیق.
12- أی فی جامع الأصول 2- 361.
13- مرّ صحیح البخاریّ فی بابین منه قریبا.
14- سنن النسائی 8- 226، و قد سلف.
15- سنن التّرمذیّ 5- 387، حدیث 3266- كما مرّ-.
16- فی المصدر: علی النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله).

تَسْتَعْمِلْهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَكَلَّمَا عِنْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] حَتَّی عَلَتْ (1) أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِی. فَقَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ.

قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ ... (2) قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمْ یُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّی یَسْتَفْهِمَهُ، وَ مَا ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَیْرِ جَدَّهُ- یَعْنِی أَبَا بَكْرٍ-.

و قال الترمذی (3): و قد رواه بعضهم عن ابن أبی ملیكة مرسلا، و لم یذكر ابن الزبیر، و قال: حدیث غریب حسن، انتهی (4) حكایة روایاتهم.

و من تأمّل فیها و فی الآیات النازلة فی تلك الحال بعین الاعتبار علم أنّهما بلغا فی سوء الأدب و كشف جلباب الحیاء الغایة (5) القصوی، حتّی لم یقنعا فی الجفاء و ترك الاحتشام بأن یروا (6) آراءهما الفاسدة متقدّمة علی ما یراه الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، بل زعماها متقدّمة علی حكم اللّٰه سبحانه، كما نطق به نهیه تعالی إیّاهما بقوله: لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ... (7) ثم أمرهما بالتقوی و الخشیة من اللّٰه معلّلا نهیه و أمره بأنّ اللّٰه سمیع علیم، تعریضا بأنّهما لسوء الأدب و الإقدام علی التقدّم بین یدی اللّٰه و رسوله فی كلامهما كأنّهما لم یذعنا بأنّ اللّٰه سمیع علیم، ثم حذّرهما فی رفع أصواتهما فوق صوت النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و الجهر له بالقول

ص: 280


1- فی سنن التّرمذیّ: حتّی ارتفعت ..
2- الحجرات: 2.
3- الجامع الصحیح للترمذی 5- 387- بتقدیم و تأخیر- ..
4- و انظر: الجامع الصغیر، حدیث 3266. و فصّل مصادره فی الغدیر 7- 323، و غیره.
5- فی (س): غایة.
6- فی (ك) نسخة: یریا.
7- الحجرات: 1.

كما كان دأب أجلاف العرب و طغامهم (1) فی مخاطبة بعضهم بعضا عن حبط الأعمال من حیث لا یشعران، و فیه دلالة علی أنّهما لم یقتصرا علی رفع الصوت عند النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فی مخاطبة أحدهما للآخر بل خاطباه بصوت رفیع من دون احترام و توقیر، ثم حصر الممتحنین قلوبهم للتقوی فی الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّی اللّٰه علیه و آله، و قال: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِیمٌ (2) تنبیها علی خروجهما عن زمرة هؤلاء.

و قد ظهر لذی فطرة سلیمة أنّ ترك ابن الزبیر ذكر أبی بكر- عند حكایته عن عمر بن الخطاب انتهاؤه عن هذه الوقاحة الشنیعة، مع أنّ أبا بكر كان جدّا له، و اهتمامه بتزكیته كان أشدّ من اعتنائه بشأن عمر بن الخطاب-، دلیل علی عدم ظهور آثار المتابعة و الانقیاد عنه كما ظهر عن عمر، فكان أغلظ منه و ... و لیس فی الذمّ و التقبیح أفحش من هذا. و لنعم ما قاله ابن أبی ملیكة: من أنّه كاد الخیران أن (3) یهلكا، فو اللّٰه لقد هلكا و كان الرجل غریقا فی نومة الجهل خائضا فی غمرات البهت و الغفلة، و لیت شعری ما حملها علی شدّة الاهتمام و بذل الجهد فی تأمیر الأقرع أو القعقاع بحضرة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله أ كان ذلك تشییدا لأركان الدین و مراعاة لمصالح المسلمین؟!، فتقدّما بین یدی اللّٰه و رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله لظنّهما أنّهما أعلم من اللّٰه و من رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله بما یصلح شأن الأمّة، فخافا من أن یلحقهم ضرر بتأمیر من یؤمره الرسول أو لزعمهما أنّهما أبرّ و أرأف بهم من اللّٰه و من رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله،

ص: 281


1- قال فی القاموس 4- 144: الطغام- كسحاب-: أوغاد الناس، و رذّال الطیر و كسحابة واحدها، و الأحمق .. و انظر: الصحاح 5- 1975.
2- الحجرات: 1.
3- لا توجد: أن، فی (س).

فلم یرضیا بالسكوت شفقة علیهم و رأفة بهم، أم كان ذلك لأمر (1) دنیوی، یعود نفعه إلیهما، فمن رأی نفسه أعلم و أرأف من ربّ العالمین و من رسوله الأمین (2) صلّی اللّٰه علیه و آله الطاهرین، أو ردّ علی اللّٰه و علی رسوله، و لم یرض بقضائهما لغرض فاسد دنیوی، كیف یصلح أن یكون قائدا للأمّة طرّا و هادیا لهم إلی الرشاد؟! و قد قال سبحانه: فَلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَكِّمُوكَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً (3) و لعلّ الناصرین لأبی بكر و عمر یرون رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله مجتهدا فی كثیر من الأحكام كما یرونهما مجتهدین، و یجوّزون مخالفته سیّما فیما یتعلّق بأمر الجیش و ترتیب العسكر و لا یلتفتون إلی خلاف اللّٰه تعالی فی ذلك، حیث جعل التقدّم بین یدی رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله تقدّما علیه. فقال: لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ... (4).

فانظر بعین الإنصاف فی تعصّب طائفة من علماء الجمهور و أئمّتهم كالرازی و البیضاوی و غیرهما و بذل جهدهم فی إخفاء الحقّ و ستر عورات مشایخهم، فقد ذكر الرازی فی تفسیره (5) فی شأن نزول الآیات عدّة وجوه لم یسندها إلی روایة صحیحة أو كتاب معروف، و لم یذكر نزولها فی أبی بكر و عمر مع وجوده فی صحیح البخاری- الذی یجعلونه تالیا لكتاب اللّٰه سبحانه، و یرون مؤلّفه أوثق الناس و أعدلهم-، و كذا فی غیره من صحاحهم كما سبق، فذلك إمّا لعدم الاطّلاع علی ما فی هذه الكتب، و كفی به شاهدا علی جهلهم و قلّة إحاطتهم بأخبارهم و أمور دینهم، أو لأنّ سنّتهم إخفاء الحقّ و إطفاء نور اللّٰه بأفواههم فتعمّدوا فی ستر ما لا یوافق آراءهم و یستلزم القدح فی مشایخهم و أسلافهم، و قد

ص: 282


1- فی (ك): الأمر.
2- لا توجد: الأمین، فی (س).
3- النساء: 65.
4- الحجرات: 1.
5- تفسیر الفخر الرازیّ 28- 113.

اعترف فی تفسیره بأنّ رفع الصوت عند أحد و التقدّم بین یدیه یدلّ علی أنّه لا یری المتكلّم للمخاطب وزنا و لا مقدارا، بل جعل لنفسه اعتبارا زائدا و عظمة.

و قال (1): إنّ الآیة تدلّ علی أنّه لا ینبغی أن یتكلّم المؤمن عند النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله (2) كما یتكلّم العبد عند سیّده، لأنّ العبد داخل فی (3) قوله تعالی:

كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ... (4)، و استدلّ علیه أیضا بقوله (5) تعالی: النَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (6) قال (7): و السیّد لیس أولی عند عبده من نفسه، فلو كانا (8) فی مخمصة و وجد العبد ما لو لم یأكله لمات لا یجب علیه بذله لسیّده، و یجب البذل للنبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله (9)، و لو علم العبد أنّ بموته ینجو سیّده لا یلزمه أن یلقی نفسه فی المهلكة (10) لإنجاء سیّده، و یجب لإنجاء النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و ذلك (11) كما أنّ العضو الرئیس أولی بالرعایة من غیره، لأنّ عند خلل القلب (12) لا یبقی للیدین و الرجلین استقامة، فلو حفظ الإنسان نفسه و ترك النبیّ (13) لهلك هو أیضا بخلاف العبد و السیّد. انتهی.

فأین هذا من سیرة الشیخین و ترك احترامهما للنبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله

ص: 283


1- الفخر الرازیّ فی تفسیره 28- 113، و فیه: إنّ هذا أفاد أنّه لا ینبغی ..
2- فی المصدر: علیه السلام، بدلا من الصلاة.
3- فی تفسیر الفخر: تحت، بدلا من: فی.
4- الحجرات: 2.
5- فی المصدر: و یؤید ما ذكرناه قوله.
6- الأحزاب: 6.
7- لا توجد: قال، فی المصدر.
8- فی المصدر: حتی لو كانا.
9- فی تفسیر الفخر: و سلّم، بدلا من: و آله.
10- فی المصدر: فی التهلكة.
11- فی تفسیر الفخر: لإنجاء النبیّ علیه الصلاة و السلام ذلك.
12- فی المصدر: .. القلب مثلا ..
13- فی تفسیر الفخر زیادة: علیه الصلاة و السلام.

و تخطئتهما إیّاه، و تسفیههما رأیه، و تنازعهما بحضرته فیما حسباه أصلح من اختیاره؟!.

و أمّا البیضاوی فقد دلّس فی هذا المقام تدلیسا غریبا، فسكت فی تفسیر قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا ... إلی قوله سبحانه وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (1) عن ذكر أبی بكر و عمر، و نزول الآیات فیهما، ثم ذكر فی تفسیر قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوی (2) أنّه قیل: كان أبو بكر و عمر بعد ذلك یسرّانه حتّی یستفهمهما (3).

فانظر كیف صوّر المنقصة بصورة المنقبة؟! و لبّس الحال علی الجهّال، حتّی یتوهّموا أنّهما ممّا وصفهم اللّٰه فی كتابه بامتحان قلوبهم للتقوی، و نزلت الآیة فیهم، فقد عرفت- لو أنصفت- من ترك ابن الزبیر ذكر أبی بكر- مع القرابة الخصیصة عند حكایة الإسرار فی الحدیث عن عمر أنّ ما رواه البیضاوی عن قائل مجهول افتراء علی أبی بكر، و أمّا عمر، فهو و إن روی فیه ابن الزبیر ذلك إلّا أنّ فی حكایة التنازع عند رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی مرضه، و رفع الأصوات عنده، و الردّ علیه بقوله: حسبنا كتاب اللّٰه (4)، ما یفهم منه عدم انتهائه عن التقدّم بین یدی اللّٰه و رسوله، و الجهر بالقول، و لا یشتبه علی ذی فطرة سلیمة أنّ المراد حین نزول الآیة ب الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ من كان دأبهم ذلك قبل نزولها، كما أنّ المراد بالذین ینادونه من وراء الحجرات من ناداه قبل نزول الآیة، و لا یخفی أنّ فی قول البیضاوی: كانا بعد ذلك یسرّانه .. اعترافا لطیفا بأنّه كان

ص: 284


1- الحجرات: 1- 2.
2- الحجرات: 3.
3- تفسیر البیضاوی 5- 86.
4- ستأتی القصّة مع مصادرها.

داؤهما (1) قبل ذلك سوء الأدب، و سیرتهما الوقاحة، و قد كان وفود بنی تمیم و الأقرع و القعقاع فی أواخر سنة تسع من الهجرة (2)، و كان وفاته صلّی اللّٰه علیه و آله فی صفر سنة إحدی عشرة- علی ما ذكره أرباب السیر-، فكانا- علی تقدیر صحّة ما ذكره مصرّین علی الجفاء و قلّة الحیاء فی مدّة مقامه صلّی اللّٰه علیه و آله بمكة، و قریبا من تسع سنین بعد الهجرة، و لم ینتهیا عنه (3) إلّا فی سنة و بضع شهور بعد أن وبّخهما اللّٰه تعالی و رغم أنفهما، مع أنّ رعایة الأدب فی خدمة السیّد المطاع القادر علی القتل فما دونه، المرجوّ منه الشفاعة و النجاة فی الآخرة- لو كان الإیمان به صادقا- أمر لا یخرج عن ربقته إلّا رقبة من جبل علی طینة السباع من البهائم، فمن (4) كان هذا شأنه كیف یصلح لأن (5) یكون مطاعا للأمّة كافة؟! و كیف تكون سیرته مع رعیّته و من لا یقدر علی الخروج عن طاعته؟! و هل یزجر نفسه و یملكه عند الغضب، و تنقّلات الأحوال بحیث یرتكب لا (6) أقل ما ینافی العدالة؟! و لعمری لا یقول به إلّا مباهت مبهوت، و لم ینشأ تعبیر (7) عمر لأمیر المؤمنین علیه السلام بالدعابة إلّا لما یری من نفسه و من شیخه من سوء الخلق و الزعارة (8)، فظنّ حسن خلقه علیه السلام، و بشره عند لقاء الناس، و رفقه بهم من قبیل اللّٰهو و الدعابة، ثم نسج علی منواله عمرو بن العاص

كما صرّح به علیه السلام فی قوله:

عجبا لابن النابغة یزعم لأهل الشام أنّ فیّ دعابة و أنّی امرؤ تلعابة. (9)

ص: 285


1- و قد یقرأ ما فی المطبوع من البحار: دأبهما، و كلاهما له وجه.
2- بحار الأنوار 21- 364- 372، و قد فصّل قصّة الوفود عن جملة مصادر هناك.
3- لا توجد: عنه، فی (س).
4- خطّ علی: فمن، فی (س).
5- فی (س): أن.
6- كذا، و لعلّ فی العبارة تقدیم و تأخیر، فتكون: لا یرتكب ..
7- قد تقرأ فی (ك): تعییر .. و له وجه.
8- الزّعارّة- بتشدید الراء-: شراسة الخلق لا یصرف منه فعل، كما فی الصحاح 2- 670.
9- نهج البلاغة- محمّد عبده- 1- 147، الدكتور صبحی الصالح: 115، برقم 84.

«150»-كِتَابُ نَفَحَاتِ اللَّاهُوتِ (1): نَقْلًا مِنْ كِتَابِ الْمَثَالِبِ لِابْنِ شَهْرَآشُوبَ (2)

، أَنَّ الصَّادِقَ عَلَیْهِ السَّلَامُ سُئِلَ [عَنْهُمَا]، فَقَالَ: كَانَا إِمَامَیْنِ قَاسِطَیْنِ عَادِلَیْنِ، كَانَا عَلَی الْحَقِّ وَ مَاتَا عَلَیْهِ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا یَوْمَ الْقِیَامَةِ، فَلَمَّا خَلَا الْمَجْلِسُ، قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ (3): كَیْفَ قُلْتَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ؟!.

فَقَالَ: نَعَمْ، أَمَّا قَوْلِی: كَانَا إِمَامَیْنِ، فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَی: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَی النَّارِ (4)، وَ أَمَّا قَوْلِی قَاسِطَیْنِ، فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَی: وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (5)، وَ أَمَّا قَوْلِی عَادِلَیْنِ، فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَی: الَّذِینَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ (6)، وَ أَمَّا قَوْلِی كَانَا عَلَی الْحَقِّ، فَالْحَقُّ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ قَوْلِی: مَاتَا عَلَیْهِ، الْمُرَادُ أَنَّهُ (7) لَمْ یَتُوبَا عَنْ تَظَاهُرِهِمَا عَلَیْهِ، بَلْ مَاتَا عَلَی ظُلْمِهِمَا إِیَّاهُ، وَ أَمَّا قَوْلِی: فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا یَوْمَ الْقِیَامَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یُنْتَصَفُ لَهُ مِنْهُمَا، آخِذاً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَی: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ (8)..

أقول:

أجاز لی بعض الأفاضل فی مكة- زاد اللّٰه شرفها- روایة هذا الخبر، و أخبرنی أنّه أخرجه من الجزء الثانی من كتاب دلائل الإمامة (9)، و هذه صورته: .

ص: 286


1- نفحات اللّاهوت: 128.
2- لا زال غیر مطبوع، و یحاول جمع من الأفاضل طبعه مع كتاب المناقب إن شاء اللّٰه.
3- فی المصدر: أصحابنا.
4- القصص: 41.
5- الجنّ: 15.
6- الأنعام: 1.
7- فی المصدر: فالمراد به أنّهم لم ..
8- الأنبیاء: 107.
9- دلائل الإمامة، لأبی جعفر محمّد بن جریر بن رستم الطبریّ الآملی المازندرانی المعاصر للشیخ الطوسیّ و النجاشیّ، و یقال له: دلائل الأئمّة، و الدلائل، و فصّل عنه شیخنا الطهرانیّ فی الذریعة 8- 241- 247 برقم 1018، و یظهر منها أنّ المطبوع منه ناقص و هو الذی وصل إلی الشیخ النوریّ، و یظهر من هذه العبارة أنّ ما وصل إلی شیخنا المجلسی طاب ثراه كذلك، إذ لم نجده فی كلا طبعتی الكتاب، الحیدریّة، النجف 1383 ه، و الأخری طبعة إیران.

«151»-حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَیْنِ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُوسَی التَّلَّعُكْبَرِیُّ، قَالَ:

حَدَّثَنَا أَبِی رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِیٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِیُّ الْكُوفِیُّ، قَالَ: حَدَّثَنِی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِنَانٍ الصَّیْرَفِیُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَلِیٍّ الْحُوَارِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الْجُعْفِیِّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَیْنُ بْنُ عَلِیٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا وَ وَرَدَ نَعْیُهُ إِلَی الْمَدِینَةِ، وَ وَرَدَ الْأَخْبَارُ بِجَزِّ رَأْسِهِ وَ حَمْلِهِ إِلَی یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ، وَ قَتْلِ ثَمَانِیَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ، وَ ثَلَاثٍ وَ خَمْسِینَ رَجُلًا مِنْ شِیعَتِهِ، وَ قَتْلِ عَلِیٍّ ابْنِهِ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ هُوَ طِفْلٌ بِنُشَّابَةٍ، وَ سَبْیِ ذَرَارِیِّهِ (1) أُقِیمَتِ الْمَآتِمُ عِنْدَ أَزْوَاجِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا، وَ فِی دُورِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَارِخاً مِنْ دَارِهِ لَاطِماً وَجْهَهُ شَاقّاً جَیْبَهُ یَقُولُ: یَا مَعْشَرَ بَنِی هَاشِمٍ وَ قُرَیْشٍ وَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ! یُسْتَحَلُّ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) فِی أَهْلِهِ وَ ذُرِّیَّتِهِ وَ أَنْتُمْ أَحْیَاءٌ تُرْزَقُونَ؟! لَا قَرَارَ دُونَ یَزِیدَ، وَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِینَةِ تَحْتَ لَیْلِهِ، لَا یَرِدُ مَدِینَةً إِلَّا صَرَخَ فِیهَا وَ اسْتَنْفَرَ أَهْلَهَا عَلَی یَزِیدَ، وَ أَخْبَارُهُ یُكْتَبُ بِهَا إِلَی یَزِیدَ، فَلَمْ یَمُرَّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا لَعَنَهُ وَ سَمِعَ كَلَامَهُ، وَ قَالُوا هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ابْنُ (2) خَلِیفَةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ هُوَ یُنْكِرُ فِعْلَ یَزِیدَ بِأَهْلِ بَیْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ یَسْتَنْفِرُ النَّاسَ عَلَی یَزِیدَ، وَ إِنَّ مَنْ لَمْ یُجِبْهُ (3) لَا دِینَ لَهُ وَ لَا إِسْلَامَ، وَ اضْطَرَبَ الشَّامُ بِمَنْ فِیهِ، وَ وَرَدَ دِمَشْقَ وَ أَتَی بَابَ اللَّعِینِ یَزِیدَ فِی خَلْقٍ مِنَ النَّاسِ یَتْلُونَهُ، فَدَخَلَ آذِنُ

ص: 287


1- فی مطبوع البحار: زراریه، و هو غلط.
2- لا توجد: ابن .. فی (س)، و وضع علیها رمز نسخة بدل فی (ك).
3- فی (س): یحبّه.

یَزِیدَ إِلَیْهِ فَأَخْبَرَهُ بِوُرُودِهِ (1) وَ یَدُهُ عَلَی أُمِّ رَأْسِهِ وَ النَّاسُ یُهْرَعُونَ إِلَیْهِ قُدَّامَهُ وَ وَرَاءَهُ، فَقَالَ یَزِیدُ: فَوْرَةٌ مِنْ فَوْرَاتِ أَبِی مُحَمَّدٍ، وَ عَنْ قَلِیلٍ یُفِیقُ مِنْهَا، فَأَذِنَ لَهُ وَحْدَهُ فَدَخَلَ صَارِخاً یَقُولُ: لَا أَدْخُلُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! وَ قَدْ فَعَلْتَ بِأَهْلِ بَیْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا لَوْ تَمَكَّنَتِ التُّرْكُ وَ الرُّومُ مَا اسْتَحَلُّوا مَا اسْتَحْلَلْتَ، وَ لَا فَعَلُوا مَا فَعَلْتَ، قُمْ عَنْ هَذَا الْبِسَاطِ حَتَّی یَخْتَارَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، فَرَحَّبَ بِهِ یَزِیدُ وَ تَطَاوَلَ لَهُ وَ ضَمَّهُ إِلَیْهِ وَ قَالَ لَهُ: یَا أَبَا مُحَمَّدٍ! اسْكُنْ مِنْ فَوْرَتِكَ، وَ اعْقِلْ، وَ انْظُرْ بِعَیْنِكَ وَ اسْمَعْ بِأُذُنِكَ، مَا تَقُولُ فِی أَبِیكَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَ كَانَ هَادِیاً مَهْدِیّاً خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ نَاصِرَهُ وَ مُصَاهِرَهُ بِأُخْتِكَ حَفْصَةَ، وَ الَّذِی قَالَ: لَا یُعْبَدُ اللَّهُ سِرّاً؟!.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُوَ كَمَا وَصَفْتَ، فَأَیَّ شَیْ ءٍ تَقُولُ فِیهِ؟.

قَالَ: أَبُوكَ قَلَّدَ أَبِی أَمْرَ الشَّامِ أَمْ أَبِی قَلَّدَ أَبَاكَ خِلَافَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)؟.

فَقَالَ: أَبِی قَلَّدَ أَبَاكَ الشَّامَ.

قَالَ: یَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَ فَتَرْضَی بِهِ وَ بِعَهْدِهِ إِلَی أَبِی أَوْ مَا تَرْضَاهُ؟.

قَالَ: بَلْ أَرْضَی.

قَالَ: أَ فَتَرْضَی بِأَبِیكَ؟.

قَالَ: نَعَمْ، فَضَرَبَ یَزِیدُ بِیَدِهِ عَلَی یَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَ قَالَ لَهُ: قُمْ- یَا أَبَا مُحَمَّدٍ- حَتَّی تَقْرَأَ، فَقَامَ مَعَهُ حَتَّی وَرَدَ خِزَانَةً مِنْ خَزَائِنِهِ، فَدَخَلَهَا وَ دَعَا بِصُنْدُوقٍ فَفَتَحَهُ وَ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ تَابُوتاً مُقَفَّلًا مَخْتُوماً فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ طُومَاراً لَطِیفاً فِی خِرْقَةِ حَرِیرٍ سَوْدَاءَ، فَأَخَذَ الطُّومَارَ بِیَدِهِ وَ نَشَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: یَا أَبَا مُحَمَّدٍ! هَذَا خَطُّ أَبِیكَ؟. قَالَ:

إِی وَ اللَّهِ .. فَأَخَذَهُ مِنْ یَدِهِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ، فَقَرَأَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَإِذَا فِیهِ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ إِنَّ الَّذِی أَكْرَهَنَا بِالسَّیْفِ عَلَی الْإِقْرَارِ بِهِ فَأَقْرَرْنَا، وَ الصُّدُورُ وَغْرَةٌ، وَ الْأَنْفُسُ وَاجِفَةٌ، وَ النِّیَّاتُ وَ الْبَصَائِرُ شَائِكَةٌ مِمَّا كَانَتْ عَلَیْهِ مِنْ

ص: 288


1- فی (س): ودوده.

جَحْدِنَا مَا دَعَانَا إِلَیْهِ وَ أَطَعْنَاهُ فِیهِ رَفْعاً لِسُیُوفِهِ عَنَّا، وَ تَكَاثُرِهِ بِالْحَیِّ عَلَیْنَا مِنَ الْیَمَنِ، وَ تَعَاضُدِ مَنْ سَمِعَ بِهِ مِمَّنْ تَرَكَ دِینَهُ وَ مَا كَانَ عَلَیْهِ آبَاؤُهُ فِی قُرَیْشٍ، فَبِهُبَلَ أُقْسِمُ وَ الْأَصْنَامِ وَ الْأَوْثَانِ وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی مَا جَحَدَهَا عُمَرُ مُذْ عَبَدَهَا! وَ لَا عَبَدَ لِلْكَعْبَةِ رَبّاً! وَ لَا صَدَّقَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَوْلًا، وَ لَا أَلْقَی السَّلَامَ إِلَّا لِلْحِیلَةِ عَلَیْهِ وَ إِیقَاعِ الْبَطْشِ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَانَا بِسِحْرٍ عَظِیمٍ، وَ زَادَ فِی سِحْرِهِ عَلَی سِحْرِ بَنِی إِسْرَائِیلَ مَعَ مُوسَی وَ هَارُونَ وَ دَاوُدَ وَ سُلَیْمَانَ وَ ابْنِ أُمِّهِ عِیسَی، وَ لَقَدْ أَتَانَا بِكُلِّ مَا أَتَوْا بِهِ مِنَ السِّحْرِ وَ زَادَ عَلَیْهِمْ مَا لَوْ أَنَّهُمْ شَهِدُوهُ لَأَقَرُّوا لَهُ بِأَنَّهُ سَیِّدُ السَّحَرَةِ، فَخُذْ یَا ابْنَ أَبِی سُفْیَانَ- سُنَّةَ قَوْمِكَ وَ اتِّبَاعَ مِلَّتِكَ وَ الْوَفَاءَ بِمَا كَانَ عَلَیْهِ سَلَفُكَ مِنْ جَحْدِ هَذِهِ الْبَنِیَّةِ الَّتِی یَقُولُونَ إِنَّ لَهَا رَبّاً أَمَرَهُمْ بِإِتْیَانِهَا وَ السَّعْیِ حَوْلَهَا وَ جَعَلَهَا لَهُمْ قِبْلَةً فَأَقَرُّوا بِالصَّلَاةِ وَ الْحَجِّ الَّذِی جَعَلُوهُ رُكْناً، وَ زَعَمُوا أَنَّهُ لِلَّهِ اخْتَلَقُوا (1)، فَكَانَ مِمَّنْ أَعَانَ مُحَمَّداً مِنْهُمْ هَذَا الْفَارِسِیُّ الطمطانی [الطُّمْطُمَانِیُ]: رُوزْبِهُ، وَ قَالُوا إِنَّهُ أُوحِیَ إِلَیْهِ: إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدیً لِلْعالَمِینَ (2)، وَ قَوْلُهُمْ: قَدْ نَری تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِی السَّماءِ فَلَنُوَلِّیَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَیْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (3)، وَ جَعَلُوا صَلَاتَهُمْ لِلْحِجَارَةِ، فَمَا الَّذِی أَنْكَرَهُ عَلَیْنَا لَوْ لَا سِحْرُهُ مِنْ عِبَادَتِنَا لِلْأَصْنَامِ وَ الْأَوْثَانِ وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی وَ هِیَ مِنَ الْحِجَارَةِ وَ الْخَشَبِ وَ النُّحَاسِ وَ الْفِضَّةِ وَ الذَّهَبِ، لَا- وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی مَا وَجَدْنَا سَبَباً لِلْخُرُوجِ عَمَّا عِنْدَنَا وَ إِنْ سَحَرُوا وَ مَوَّهُوا، فَانْظُرْ بِعَیْنٍ مُبْصِرَةٍ، وَ اسْمَعْ بِأُذُنٍ وَاعِیَةٍ، وَ تَأَمَّلْ بِقَلْبِكَ وَ عَقْلِكَ مَا هُمْ فِیهِ، وَ اشْكُرِ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی وَ اسْتِخْلَافَ السَّیِّدِ الرَّشِیدِ عَتِیقِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّی عَلَی أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَ تَحَكُّمَهُ فِی أَمْوَالِهِمْ وَ دِمَائِهِمْ وَ شَرِیعَتِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ، وَ جِبَایَاتِ الْحُقُوقِ الَّتِی زَعَمُوا أَنَّهُمْ

ص: 289


1- فی (ك): اختلفوا.
2- آل عمران: 96.
3- البقرة: 144.

یَجْبُونَهَا (1) لِرَبِّهِمْ لِیُقِیمُوا بِهَا أَنْصَارَهُمْ وَ أَعْوَانَهُمْ، فَعَاشَ شَدِیداً رَشِیداً یَخْضَعُ جَهْراً وَ یَشْتَدُّ سِرّاً، وَ لَا یَجِدُ حِیلَةً غَیْرَ مُعَاشَرَةِ الْقَوْمِ، وَ لَقَدْ وَثَبْتُ وَثْبَةً عَلَی شِهَابِ بَنِی هَاشِمٍ الثَّاقِبِ، وَ قَرْنِهَا الزَّاهِرِ، وَ عَلَمِهَا النَّاصِرِ، وَ عِدَّتِهَا وَ عُدَدِهَا الْمُسَمَّی بِحَیْدَرَةَ الْمُصَاهِرِ لِمُحَمَّدٍ عَلَی الْمَرْأَةِ الَّتِی جَعَلُوهَا سَیِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ یُسَمُّونَهَا: فَاطِمَةَ، حَتَّی أَتَیْتُ دَارَ عَلِیٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ ابْنَیْهِمَا الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ وَ ابْنَتَیْهِمَا زَیْنَبَ وَ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَ الْأَمَةِ الْمَدْعُوَّةِ بِفِضَّةَ، وَ مَعِی خَالِدُ بْنُ وَلِیدٍ وَ قُنْفُذٌ مَوْلَی أَبِی بَكْرٍ وَ مَنْ صَحِبَ مِنْ خَواصِّنَا، فَقَرَعْتُ الْبَابَ عَلَیْهِمْ قَرْعاً شَدِیداً، فَأَجَابَتْنِی الْأَمَةُ، فَقُلْتُ لَهَا: قُولِی لِعَلِیٍّ: دَعِ الْأَبَاطِیلَ وَ لَا تَلِجْ نَفْسَكَ إِلَی طَمَعِ الْخِلَافَةِ، فَلَیْسَ الْأَمْرُ لَكَ، الْأَمْرُ لِمَنِ اخْتَارَهُ الْمُسْلِمُونَ وَ اجْتَمَعُوا عَلَیْهِ، وَ رَبِّ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی لَوْ كَانَ الْأَمْرُ وَ الرَّأْیُ لِأَبِی بَكْرٍ لَفَشِلَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَی مَا وَصَلَ إِلَیْهِ مِنْ خِلَافَةِ ابْنِ أَبِی كَبْشَةَ، لَكِنِّی أَبْدَیْتُ لَهَا صَفْحَتِی، وَ أَظْهَرْتُ لَهَا بَصَرِی، وَ قُلْتُ لِلْحَیَّیْنِ- نِزَارٍ وَ قَحْطَانَ- بَعْدَ أَنْ قُلْتُ لَهُمْ لَیْسَ الْخِلَافَةُ إِلَّا فِی قُرَیْشٍ، فَأَطِیعُوهُمْ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ، وَ إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ مِنِ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ مِنْ وُثُوبِهِ وَ اسْتِیثَارِهِ بِالدِّمَاءِ الَّتِی سَفَكَهَا فِی غَزَوَاتِ مُحَمَّدٍ وَ قَضَاءِ دُیُونِهِ، وَ هِیَ- ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ- وَ إِنْجَازِ عِدَاتِهِ، وَ جَمْعِ الْقُرْآنِ، فَقَضَاهَا عَلَی تَلِیدِهِ وَ طَارِفِهِ (2)، وَ قَوْلِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ- لَمَّا قُلْتُ إِنَّ الْإِمَامَةَ فِی قُرَیْشٍ قَالُوا: هُوَ الْأَصْلَعُ الْبَطِینُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ الَّذِی أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) الْبَیْعَةَ لَهُ عَلَی أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَ سَلَّمْنَا لَهُ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ فِی أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ، فَإِنْ كُنْتُمْ نَسِیتُمُوهَا- مَعْشَرَ قُرَیْشٍ- فَمَا نَسِینَاهَا وَ لَیْسَتِ الْبَیْعَةُ وَ لَا الْإِمَامَةُ وَ الْخِلَافَةُ وَ الْوَصِیَّةُ إِلَّا حَقّاً مَفْرُوضاً، وَ أَمْراً صَحِیحاً، لَا تَبَرُّعاً وَ لَا ادِّعَاءً فَكَذَّبْنَاهُمْ، وَ أَقَمْتُ أَرْبَعِینَ رَجُلًا شَهِدُوا عَلَی مُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِمَامَةَ بِالاخْتِیَارِ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ الْأَنْصَارُ: نَحْنُ أَحَقُّ مِنْ قُرَیْشٍ، لِأَنَّا آوَیْنَا وَ نَصَرْنَا وَ هَاجَرَ

ص: 290


1- فی (ك): یجیبونها.
2- قال فی القاموس 1- 279: التّلید: ما ولد عندك من مالك أو نتج. أقول: إنّه كنایة عن القدیم، و الطّارف ضدّه، كما فی النّهایة 1- 194.

النَّاسُ إِلَیْنَا، فَإِذَا كَانَ دَفْعُ مَنْ كَانَ الْأَمْرُ لَهُ فَلَیْسَ هَذَا الْأَمْرُ لَكُمْ دُونَنَا، وَ قَالَ قَوْمٌ: مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْكُمْ أَمِیرٌ. قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ شَهِدُوا أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَیْشٍ، فَقَبِلَ قَوْمٌ وَ أَنْكَرَ آخَرُونَ وَ تَنَازَعُوا، فَقُلْتُ- وَ الْجَمْعُ یَسْمَعُونَ-: أَلَا أَكْبَرُنَا سِنّاً وَ أَكْثَرُنَا لِیناً. قَالُوا: فَمَنْ تَقُولُ؟. قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ الَّذِی قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) فِی الصَّلَاةِ، وَ جَلَسَ مَعَهُ فِی الْعَرِیشِ یَوْمَ بَدْرٍ یُشَاوِرُهُ وَ یَأْخُذُ بِرَأْیِهِ، وَ كَانَ صَاحِبَهُ فِی الْغَارِ، وَ زَوْجَ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ الَّتِی سَمَّاهَا: أُمَّ الْمُؤْمِنِینَ، فَأَقْبَلَ بَنُو هَاشِمٍ یَتَمَیَّزُونَ غَیْظاً، وَ عَاضَدَهُمُ الزُّبَیْرُ وَ سَیْفُهُ مَشْهُورٌ وَ قَالَ: لَا یُبَایَعُ إِلَّا عَلِیٌّ أَوْ لَا أَمْلِكُ رَقَبَةَ قَائِمَةِ سَیْفِی هَذَا، فَقُلْتُ: یَا زُبَیْرُ! صَرَخَتْكَ سَكَنٌ (1) مِنْ بَنِی هَاشِمٍ، أُمُّكَ صَفِیَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: ذَلِكَ- وَ اللَّهِ- الشَّرَفُ الْبَاذِخُ وَ الْفَخْرُ الْفَاخِرُ، یَا ابْنَ حَنْتَمَةَ وَ (2) یَا ابْنَ صُهَاكَ! اسْكُتْ لَا أُمَّ لَكَ، فَقَالَ قَوْلًا فَوَثَبَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِمَّنْ حَضَرَ سَقِیفَةَ بَنِی سَاعِدَةَ عَلَی الزُّبَیْرِ، فَوَ اللَّهِ مَا قَدَرْنَا عَلَی أَخْذِ سَیْفِهِ مِنْ یَدِهِ حَتَّی وَسَّدْنَاهُ الْأَرْضَ، وَ لَمْ نَرَ لَهُ عَلَیْنَا نَاصِراً، فَوَثَبْتُ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَصَافَحْتُهُ وَ عَاقَدْتُهُ الْبَیْعَةَ وَ تَلَانِی عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَ سَائِرُ مَنْ حَضَرَ غَیْرَ الزُّبَیْرِ، وَ قُلْنَا لَهُ: بَایِعْ أَوْ نَقْتُلَكَ، ثُمَّ كَفَفْتُ عَنْهُ النَّاسَ، فَقُلْتُ لَهُ (3): أَمْهِلُوهُ، فَمَا غَضِبَ إِلَّا نَخْوَةً لِبَنِی هَاشِمٍ، وَ أَخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ بِیَدِهِ (4) فَأَقَمْتُهُ- وَ هُوَ یَرْتَعِدُ (5)

قَدِ اخْتَلَطَ عَقْلُهُ، فَأَزْعَجْتُهُ إِلَی مِنْبَرِ مُحَمَّدٍ إِزْعَاجاً، فَقَالَ لِی: یَا أَبَا حَفْصٍ! أَخَافُ وَثْبَةَ عَلِیٍّ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَلِیّاً عَنْكَ مَشْغُولٌ، وَ أَعَانَنِی عَلَی ذَلِكَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ كَانَ یَمُدُّهُ بِیَدِهِ إِلَی الْمِنْبَرِ وَ أَنَا أُزْعِجُهُ مِنْ وَرَائِهِ كَالتَّیْسِ (6) إِلَی شِفَارِ (7) الْجَاذِرِ، مُتَهَوِّناً، فَقَامَ عَلَیْهِ

ص: 291


1- قال فی القاموس 4- 235: و السّكن- بالتّحریك- النّار.
2- وضع علی الواو فی (ك): رمز نسخة بدل.
3- كذا، و لعلّها: لهم.
4- قد تقرأ فی المطبوع: بیدی.
5- فی (س) و فی نسخة علی (ك): یرعد.
6- قال فی القاموس 2- 203: التّیس: الذّكر من الظّباء و المعز و الوعول، أو إذا أتی علیه سنة.
7- الشّفار- جمع الشّفرة- و هی: السّكّین العظیم و ما عرض من الحدید و حدّد، قاله فی القاموس 2- 61. و الجاذر: القاطع، و إضافة الشّفار إلی الجاذر من إضافة الموصوف إلی الصّفة .. أی إلی الشّفار الجاذرة، و لعلّه مثل.

مَدْهُوشاً (1)، فَقُلْتُ لَهُ: اخْطُبْ! فَأُغْلِقَ عَلَیْهِ وَ تَثَبَّتَ فَدَهِشَ، وَ تَلَجْلَجَ وَ غَمَّضَ، فَعَضَضْتُ عَلَی كَفِّی غَیْظاً، وَ قُلْتُ لَهُ (2): قُلْ مَا سَنَحَ لَكَ، فَلَمْ یَأْتِ خَیْراً وَ لَا مَعْرُوفاً، فَأَرَدْتُ أَنْ (3) أُحِطَّهُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَ أَقُومَ مَقَامَهُ، فَكَرِهْتُ تَكْذِیبَ النَّاسِ لِی بِمَا قُلْتُ فِیهِ، وَ قَدْ سَأَلَنِی الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: كَیْفَ قُلْتَ مِنْ فَضْلِهِ مَا قُلْتَ؟ مَا الَّذِی سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) فِی أَبِی بَكْرٍ؟ فَقُلْتُ: لَهُمْ: قَدْ قُلْتُ:

سَمِعْتُ (4) مِنْ فَضْلِهِ عَلَی لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ مَا لو وددت [لَوَدِدْتُ] أَنِّی شَعْرَةٌ فِی صَدْرِهِ وَ لِی حِكَایَةٌ، فَقُلْتُ: قُلْ وَ إِلَّا فَانْزِلْ، فَتَبَیَّنَهَا (5) وَ اللَّهِ فِی وَجْهِی وَ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَرَقِیتُ، وَ قُلْتُ مَا لَا یَهْتَدِی إِلَی قَوْلِهِ، فَقَالَ بِصَوْتٍ ضَعِیفٍ عَلِیلٍ: وَلِیتُكُمْ وَ لَسْتُ بِخَیْرِكُمْ وَ عَلِیٌّ فِیكُمْ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ لِی شَیْطَاناً یَعْتَرِینِی- وَ مَا أَرَادَ بِهِ سِوَایَ- فَإِذَا زَلَلْتُ فَقَوِّمُونِی لَا أَقَعْ فِی شُعُورِكُمْ وَ أَبْشَارِكُمْ، وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَكُمْ، وَ نَزَلَ فَأَخَذْتُ بِیَدِهِ- وَ أَعْیَنُ النَّاسِ تَرْمُقُهُ- وَ غَمَزْتُ یَدَهُ غَمْزاً، ثُمَّ أَجْلَسْتُهُ وَ قَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَی بَیْعَتِهِ وَ صُحْبَتِهِ لِأُرْهِبَهُ، وَ كُلَّ مَنْ یُنْكِرُ بَیْعَتَهُ وَ یَقُولُ: مَا فَعَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ؟ فَأَقُولُ: خَلَعَهَا مِنْ عُنُقِهِ وَ جَعَلَهَا طَاعَةَ الْمُسْلِمِینَ قِلَّةَ خِلَافٍ عَلَیْهِمْ فِی اخْتِیَارِهِمْ، فَصَارَ جَلِیسَ بَیْتِهِ، فَبَایَعُوا وَ هُمْ كَارِهُونَ، فَلَمَّا فَشَتْ بَیْعَتُهُ عَلِمْنَا أَنَّ عَلِیّاً یَحْمِلُ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ إِلَی دُورِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ یُذَكِّرُهُمْ (6) بَیْعَتَهُ عَلَیْنَا فِی أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ،

ص: 292


1- جاء فی متن (س): مدموشا، ثمّ استظهر ما أثبتناه كما هو فی (ك)، قال فی القاموس 2- 274: الدّمش: الهیجان و الثّوران من حرارة أو شرب دواء.
2- لا توجد: له، فی (س).
3- فی (ك): و أن.
4- خطّ علی كلمة: سمعت، فی (ك).
5- الكلمة مشوشة فی مطبوع البحار، و هذا ما استظهرناه، و لعلّها تقرأ: فبیتها، فیتیها، أو غیر ذلك.
6- فی (س): و یذكّرهم.

وَ یَسْتَنْفِرُهُمْ فَیَعِدُونَهُ النُّصْرَةَ لَیْلًا وَ یَقْعُدُونَ عَنْهُ نَهَاراً، فَأَتَیْتُ دَارَهُ مُسْتَیْشِراً (1) لِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا، فَقَالَتِ الْأَمَةُ فِضَّةُ- وَ قَدْ قُلْتُ لَهَا قُولِی لِعَلِیٍّ: یَخْرُجْ إِلَی بَیْعَةِ أَبِی بَكْرٍ فَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَیْهِ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَتْ- إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) مَشْغُولٌ، فَقُلْتُ: خَلِّی عَنْكِ هَذَا وَ قُولِی لَهُ یَخْرُجْ وَ إِلَّا دَخَلْنَا عَلَیْهِ وَ أَخْرَجْنَاهُ كَرْهاً، فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ فَوَقَفَتْ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَقَالَتْ: أَیُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ! مَا ذَا تَقُولُونَ؟ وَ أَیَّ شَیْ ءٍ تُرِیدُونَ؟. فَقُلْتُ: یَا فَاطِمَةُ!. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا تَشَاءُ یَا عُمَرُ؟!. فَقُلْتُ: مَا بَالُ ابْنِ عَمِّكِ قَدْ أَوْرَدَكِ لِلْجَوَابِ وَ جَلَسَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ؟. فَقَالَتْ لِی:

طُغْیَانُكَ- یَا شَقِیُّ- أَخْرَجَنِی وَ أَلْزَمَكَ الْحُجَّةَ، وَ كُلَّ ضَالٍّ غَوِیٍّ. فَقُلْتُ: دَعِی عَنْكِ الْأَبَاطِیلَ وَ أَسَاطِیرَ النِّسَاءِ وَ قُولِی لِعَلِیٍّ یَخْرُجْ. فَقَالَتْ: لَا حُبَّ وَ لَا كَرَامَةَ (2) أَ بِحِزْبِ الشَّیْطَانِ تُخَوِّفُنِی یَا عُمَرُ؟! وَ كَانَ حِزْبُ الشَّیْطَانِ ضَعِیفاً. فَقُلْتُ: إِنْ لَمْ یَخْرُجْ جِئْتُ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ وَ أَضْرَمْتُهَا نَاراً عَلَی أَهْلِ هَذَا الْبَیْتِ وَ أُحْرِقُ مَنْ فِیهِ، أَوْ یُقَادَ عَلِیٌّ إِلَی الْبَیْعَةِ، وَ أَخَذْتُ سَوْطَ قُنْفُذٍ فَضَرَبْتُ (3) وَ قُلْتُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ:

أَنْتَ وَ رِجَالُنَا هَلُمُّوا فِی جَمْعِ الْحَطَبِ، فَقُلْتُ: إِنِّی مُضْرِمُهَا.

فَقَالَتْ: یَا عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّ رَسُولِهِ وَ عَدُوَّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ، فَضَرَبَتْ فَاطِمَةُ یَدَیْهَا (4) مِنَ الْبَابِ تَمْنَعُنِی مِنْ فَتْحِهِ فَرُمْتُهُ فَتَصَعَّبَ عَلَیَّ فَضَرَبْتُ كَفَّیْهَا بِالسَّوْطِ فَأَلَّمَهَا، فَسَمِعْتُ لَهَا زَفِیراً وَ بُكَاءً، فَكِدْتُ أَنْ أَلِینَ وَ أَنْقَلِبَ عَنِ الْبَابِ فَذَكَرْتُ أَحْقَادَ

ص: 293


1- ما فی مطبوع البحار یقرأ: مستأشرا، و المستأشر: هو الّذی یدعو إلی تحزیز الأسنان، كما فی القاموس 1- 364. قال فی مجمع البحرین 3- 511: وشرت المرأة أنیابها وشرا- من باب وعد إذا حدّدتها و رقّقتها فهی واشرة، و استوشرت: سألت أن یفعل بها ذلك. أقول: و لعلّ الواو قلبت یاء و لعلّه كنایة.
2- كذا وردت فی (ك)، إلّا أنّه وضع علی: فقالت، رمز مؤخّر (م)، و علی: لا حبّ و لا كرامة، رمز مقدّم، فتصیر هكذا: لا حبّ و لا كرامة فقالت: أ بحزب .. إلی آخره، و الظّاهر: لا حبّا.
3- فی (س): و ضربت و أخذت سوط قنفذ.
4- جاء فی (س): یدها.

عَلِیٍّ وَ وُلُوعَهُ فِی دِمَاءِ صَنَادِیدِ الْعَرَبِ، وَ كَیْدَ مُحَمَّدٍ وَ سِحْرَهُ، فَرَكَلْتُ (1) الْبَابَ وَ قَدْ أَلْصَقَتْ أَحْشَاءَهَا بِالْبَابِ تَتْرُسُهُ، وَ سَمِعْتُهَا وَ قَدْ صَرَخَتْ صَرْخَةً حَسِبْتُهَا قَدْ جَعَلَتْ أَعْلَی الْمَدِینَةِ أَسْفَلَهَا، وَ قَالَتْ: یَا أَبَتَاهْ! یَا رَسُولَ اللَّهِ! هَكَذَا كَانَ یُفْعَلُ بِحَبِیبَتِكَ وَ ابْنَتِكَ، آهِ یَا فِضَّةُ! إِلَیْكِ فَخُذِینِی فَقَدْ وَ اللَّهِ قُتِلَ مَا فِی أَحْشَائِی مِنْ حَمْلٍ، وَ سَمِعْتُهَا تَمْخَضُ (2) وَ هِیَ مُسْتَنِدَةٌ إِلَی الْجِدَارِ، فَدَفَعْتُ الْبَابَ وَ دَخَلْتُ فَأَقْبَلَتْ إِلَیَّ بِوَجْهٍ أَغْشَی بَصَرِی، فَصَفَقْتُ صَفْقَةً (3) عَلَی خَدَّیْهَا مِنْ ظَاهِرِ الْخِمَارِ فَانْقَطَعَ قُرْطُهَا وَ تَنَاثَرَتْ إِلَی الْأَرْضِ، وَ خَرَجَ عَلِیٌّ، فَلَمَّا أَحْسَسْتُ بِهِ أَسْرَعْتُ إِلَی خَارِجِ الدَّارِ وَ قُلْتُ لِخَالِدٍ وَ قُنْفُذٍ وَ مَنْ مَعَهُمَا: نَجَوْتُ مِنْ أَمْرٍ عَظِیمٍ.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: قَدْ جَنَیْتُ جِنَایَةً عَظِیمَةً لَا آمَنُ عَلَی نَفْسِی. وَ هَذَا عَلِیٌّ قَدْ بَرَزَ مِنَ الْبَیْتِ وَ مَا لِی وَ لَكُمْ جَمِیعاً بِهِ طَاقَةٌ. فَخَرَجَ عَلِیٌّ وَ قَدْ ضَرَبَتْ یَدَیْهَا إِلَی نَاصِیَتِهَا لِتَكْشِفَ عَنْهَا وَ تَسْتَغِیثَ بِاللَّهِ الْعَظِیمِ مَا نَزَلَ بِهَا، فَأَسْبَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهَا مُلَاءَتَهَا (4) وَ قَالَ لَهَا: یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ أَبَاكِ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ، وَ ایْمُ اللَّهِ لَئِنْ كَشَفْتِ عَنْ نَاصِیَتِكِ سَائِلَةً إِلَی رَبِّكِ لِیُهْلِكَ هَذَا الْخَلْقَ لَأَجَابَكِ حَتَّی لَا یُبْقِیَ عَلَی الْأَرْضِ مِنْهُمْ بَشَراً، لِأَنَّكِ وَ أَبَاكِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ نُوحٍ (علیه السلام) الَّذِی غَرَّقَ مِنْ أَجْلِهِ بِالطُّوفَانِ جَمِیعَ مَنْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ وَ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِی السَّفِینَةِ، وَ أَهْلَكَ قَوْمَ هُودٍ بِتَكْذِیبِهِمْ لَهُ، وَ أَهْلَكَ عَاداً بِرِیحٍ صَرْصَرٍ، وَ أَنْتِ وَ أَبُوكِ أَعْظَمُ قَدْراً مِنْ هُودٍ، وَ عَذَّبَ ثَمُودَ- وَ هِیَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً- بِعَقْرِ النَّاقَةِ وَ الْفَصِیلِ، فَكُونِی یَا سَیِّدَةَ النِّسَاءِ- رَحْمَةً عَلَی هَذَا الْخَلْقِ الْمَنْكُوسِ وَ لَا تَكُونِی عَذَاباً، وَ اشْتَدَّ بِهَا الْمَخَاضُ وَ دَخَلَتِ الْبَیْتَ فَأَسْقَطَتْ سِقْطاً سَمَّاهُ عَلِیٌّ: مُحَسِّناً، وَ جَمَعْتُ جَمْعاً كَثِیراً، لَا مُكَاثَرَةً لِعَلِیٍّ وَ لَكِنْ لِیَشُدَّ بِهِمْ قَلْبِی وَ جِئْتُ- وَ هُوَ مُحَاصَرٌ- فَاسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ دَارِهِ

ص: 294


1- قال فی القاموس 3- 386: الرّكل: الضّرب برجل واحدة.
2- قال فی القاموس 2- 344: مخضت تمخیضا: أخذها الطّلق.
3- فی (س): صفقته.
4- قال فی مجمع البحرین 1- 398: ملاءة: كلّ ثوب لیّن رقیق.

مُكْرَهاً مَغْصُوباً وَ سُقْتُهُ إِلَی الْبَیْعَةِ سَوْقاً، وَ إِنِّی لَأَعْلَمُ عِلْماً یَقِیناً لَا شَكَّ فِیهِ لَوِ اجْتَهَدْتُ أَنَا وَ جَمِیعُ مَنْ عَلَی الْأَرْضِ جَمِیعاً عَلَی قَهْرِهِ مَا قَهَرْنَاهُ، وَ لَكِنْ لِهَنَاتٍ (1) كَانَتْ فِی نَفْسِهِ أَعْلَمُهَا وَ لَا أَقُولُهَا، فَلَمَّا انْتَهَیْتُ إِلَی سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ قَامَ أَبُو بَكْرٍ وَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ یَسْتَهْزِءُونَ بِعَلِیٍّ، فَقَالَ عَلِیٌّ: یَا عُمَرُ! أَ تُحِبُّ أَنْ أُعَجِّلَ (2) لَكَ مَا أَخَّرْتُهُ سَوَاءً عَنْكَ (3)؟ فَقُلْتُ: لَا، یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! فَسَمِعَنِی وَ اللَّهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ، فَأَسْرَعَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَا لِی وَ لِعُمَرَ .. ثَلَاثاً، وَ النَّاسُ یَسْمَعُونَ، وَ لَمَّا دَخَلَ السَّقِیفَةَ صَبَا (4) أَبُو بَكْرٍ إِلَیْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ بَایَعْتَ یَا أَبَا الْحَسَنِ! فَانْصَرِفْ، فَأَشْهَدُ مَا بَایَعَهُ وَ لَا مَدَّ یَدَهُ إِلَیْهِ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أُطَالِبَهُ بِالْبَیْعَةِ فَیُعَجِّلَ لِی مَا أَخَّرَهُ عَنِّی، وَ وَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَمْ یَرَ عَلِیّاً فِی ذَلِكَ الْمَكَانِ جَزَعاً وَ خَوْفاً مِنْهُ، وَ رَجَعَ عَلِیٌّ مِنَ السَّقِیفَةِ وَ سَأَلْنَا عَنْهُ (5)، فَقَالُوا: مَضَی إِلَی قَبْرِ مُحَمَّدٍ فَجَلَسَ إِلَیْهِ، فَقُمْتُ أَنَا وَ أَبُو بَكْرٍ إِلَیْهِ، وَ جِئْنَا نَسْعَی وَ أَبُو بَكْرٍ یَقُولُ: وَیْلَكَ یَا عُمَرُ! مَا الَّذِی صَنَعْتَ بِفَاطِمَةَ، هَذَا وَ اللَّهِ الْخُسْرَانُ الْمُبِینُ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَعْظَمَ مَا عَلَیْكَ أَنَّهُ مَا بَایَعَنَا وَ لَا أَثِقُ أَنْ تَتَثَاقَلَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُ. فَقَالَ: فَمَا تَصْنَعُ؟. فَقُلْتُ: تُظْهِرُ أَنَّهُ قَدْ بَایَعَكَ عِنْدَ قَبْرِ مُحَمَّدٍ، فَأَتَیْنَاهُ وَ قَدْ جَعَلَ الْقَبْرَ قِبْلَةً، مُسْنِداً كَفَّهُ عَلَی تُرْبَتِهِ وَ حَوْلَهُ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ عَمَّارٌ وَ حُذَیْفَةُ بْنُ الْیَمَانِ، فَجَلَسْنَا بِإِزَائِهِ وَ أَوْعَزْتُ إِلَی أَبِی بَكْرٍ أَنْ یَضَعَ یَدَهُ عَلَی مِثْلِ مَا وَضَعَ عَلِیٌّ یَدَهُ وَ یُقَرِّبَهَا مِنْ یَدِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَ أَخَذْتُ بِیَدِ أَبِی بَكْرٍ لِأَمْسَحَهَا عَلَی یَدِهِ، وَ أَقُولَ قَدْ بَایَعَ، فَقَبَضَ عَلِیٌّ یَدَهُ فَقُمْتُ أَنَا (6) وَ أَبُو بَكْرٍ مُوَلِّیاً، وَ أَنَا أَقُولُ: جَزَی اللَّهُ عَلِیّاً خَیْراً فَإِنَّهُ لَمْ یَمْنَعْكَ الْبَیْعَةَ لَمَّا حَضَرْتَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ

ص: 295


1- قال فی القاموس 4- 404: هنات و هنوات و الهنات: الدّاهیة.
2- توجد فی (ك) نسخة: تعجّل.
3- نسخة جاءت علی (ك): من سوءتك عنه.
4- صبا إلیه: حنّ، كما فی القاموس 4- 351، و غیره.
5- فی (س): منه، بدلا من: عنه.
6- لا توجد: أنا، فی (س).

(صلی اللّٰه علیه و آله)، فَوَثَبَ مِنْ دُونِ الْجَمَاعَةِ أَبُو ذَرٍّ جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ الْغِفَارِیُّ وَ هُوَ (1) یَصِیحُ وَ یَقُولُ: وَ اللَّهِ- یَا عَدُوَّ اللَّهِ- مَا بَایَعَ عَلِیٌّ عَتِیقاً، وَ لَمْ یَزَلْ كُلَّمَا لَقِینَا قَوْماً (2) وَ أَقْبَلْنَا عَلَی قَوْمٍ نُخْبِرُهُمْ بِبَیْعَتِهِ وَ أَبُو ذَرٍّ یُكَذِّبُنَا، وَ اللَّهِ مَا بَایَعَنَا فِی خِلَافَةِ أَبِی بَكْرٍ وَ لَا فِی خِلَافَتِی وَ لَا یُبَایِعُ لِمَنْ بَعْدِی وَ لَا بَایَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا لَا لِأَبِی بَكْرٍ وَ لَا لِی، فَمَنْ فَعَلَ- یَا مُعَاوِیَةُ- فِعْلِی وَ اسْتَشَارَ أَحْقَادَهُ السَّالِفَةَ غَیْرِی؟!.

وَ أَمَّا أَنْتَ وَ أَبُوكَ أَبُو سُفْیَانَ وَ أَخُوكَ عُتْبَةُ فَأَعْرِفُ مَا كَانَ مِنْكُمْ فِی تَكْذِیبِ مُحَمَّدٍ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ كَیْدِهِ، وَ إِدَارَةِ الدَّوَائِرِ بِمَكَّةَ وَ طَلِبَتِهِ فِی جَبَلِ حَرَی لِقَتْلِهِ، وَ تَأَلُّفِ الْأَحْزَابِ وَ جَمْعِهِمْ عَلَیْهِ، وَ رُكُوبَ أَبِیكَ الْجَمَلَ وَ قَدْ قَادَ الْأَحْزَابَ، وَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ:

لَعَنَ اللَّهُ الرَّاكِبَ وَ الْقَائِدَ وَ السَّائِقَ، وَ كَانَ أَبُوكَ الرَّاكِبَ وَ أَخُوكَ عُتْبَةُ الْقَائِدَ وَ أَنْتَ السَّائِقَ، وَ لَمْ أَنْسَ أُمَّكَ هِنْداً وَ قَدْ بَذَلَتْ لِوَحْشِیٍّ مَا بَذَلَتْ حَتَّی تَكَمَّنَ لِحَمْزَةَ الَّذِی دَعَوْهُ أَسَدَ الرَّحْمَنِ فِی أَرْضِهِ- وَ طَعَنَهُ بِالْحَرْبَةِ، فَفَلَقَ فُؤَادَهُ وَ شَقَّ عَنْهُ وَ أَخَذَ كَبِدَهُ فَحَمَلَهُ إِلَی أُمِّكَ، فَزَعَمَ مُحَمَّدٌ بِسِحْرِهِ أَنَّهُ (3) لَمَّا أَدْخَلَتْهُ فَاهَا لِتَأْكُلَهُ صَارَ جُلْمُوداً (4) فَلَفَظَتْهُ (5) مِنْ فِیهَا، فَسَمَّاهَا مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ: آكِلَةَ الْأَكْبَادِ، وَ قَوْلَهَا فِی شِعْرِهَا لِاعْتِدَاءِ مُحَمَّدٍ وَ مُقَاتِلِیهِ:

نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقٍ*** نَمْشِی عَلَی النَّمَارِقِ

كالدُّرِّ فِی الْمَخَانِقِ (6)*** وَ الْمِسْكِ فِی الْمَفَارِقِ (7)

ص: 296


1- و هو، لا توجد فی (س).
2- لا توجد: قوما، فی (س).
3- لا توجد: أنّه، فی (س).
4- جلمود- كعصفور-: الصّخر، كما فی القاموس 1- 284.
5- فی (س): فلفظتها.
6- قال فی القاموس 3- 229: مخنقة- كمكنسة-: القلادة. و جمعها: مخانق.
7- مفرق- كمقعد و مجلس-: وسط الرّأس، كما فی القاموس 3- 274.

إِنْ یُقْبِلُوا نُعَانِقْ*** أَوْ یُدْبِرُوا نُفَارِقْ

فِرَاقَ غَیْرِ وَامِقٍ (1)

وَ نِسْوَتُهَا فِی الثِّیَابِ الصُّفْرِ الْمَرْئِیَّةِ (2) مُبْدِیَاتٍ وُجُوهَهُنَّ وَ مَعَاصِمَهُنَّ وَ رُءُوسَهُنَّ یَحْرِصْنَ (3) عَلَی قِتَالِ مُحَمَّدٍ، إِنَّكُمْ لَمْ تُسَلِّمُوا طَوْعاً وَ إِنَّمَا أَسْلَمْتُمْ كَرْهاً یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَجَعَلَكُمْ طُلَقَاءَ، وَ جَعَلَ أَخِی زَیْداً وَ عَقِیلًا أَخَا عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ الْعَبَّاسَ عَمَّهُمْ مِثْلَهُمْ، وَ كَانَ مِنْ أَبِیكَ فِی نَفْسِهِ، فَقَالَ: وَ اللَّهِ یَا ابْنَ أَبِی كَبْشَةَ! لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَیْكَ خَیْلًا وَ رَجِلًا وَ أَحُولُ بَیْنَكَ وَ بَیْنَ هَذِهِ الْأَعْدَاءِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَ یُؤْذِنُ لِلنَّاسِ أَنَّهُ عَلِمَ مَا فِی نَفْسِهِ أَوْ یَكْفِی اللَّهُ شَرَّكَ یَا أَبَا سُفْیَانَ! وَ هُوَ یُرِی النَّاسَ أَنْ لَا یَعْلُوَهَا أَحَدٌ غَیْرِی، وَ عَلِیٍّ وَ مَنْ یَلِیهِ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ فَبَطَلَ سِحْرُهُ وَ خَابَ سَعْیُهُ، وَ عَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عَلَوْتُهَا بَعْدَهُ وَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا مَعَاشِرَ بَنِی أُمَیَّةَ عِیدَانَ أَطْنَابِهَا، فَمِنْ ذَلِكَ قَدْ وَلَّیْتُكَ وَ قَلَّدْتُكَ إِبَاحَةَ مُلْكِهَا وَ عَرَّفْتُكَ فِیهَا وَ خَالَفْتُ قَوْلَهُ فِیكُمْ، وَ مَا أُبَالِی مِنْ تَأْلِیفِ شِعْرِهِ وَ نَثْرِهِ، أَنَّهُ قَالَ: یُوحَی إِلَیَّ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّی فِی قَوْلِهِ: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ (4) فَزَعَمَ أَنَّهَا أَنْتُمْ یَا بَنِی أُمَیَّةَ، فَبَیَّنَ عَدَاوَتَهُ حَیْثُ مَلِكَ كَمَا لَمْ یَزَلْ هَاشِمٌ وَ بَنُوهُ أَعْدَاءَ بَنِی عَبْدِ شَمْسٍ، وَ أَنَا- مَعَ تَذْكِیرِی إِیَّاكَ یَا مُعَاوِیَةُ! وَ شَرْحِی لَكَ مَا قَدْ شَرَحْتُهُ- نَاصِحٌ لَكَ وَ مُشْفِقٌ عَلَیْكَ مِنْ ضِیقِ عَطَنِكَ (5)وَ حَرَجِ صَدْرِكَ، وَ قِلَّةِ حِلْمِكَ، أَنْ تُعَجِّلَ فِیمَا وَصَّیْتُكَ بِهِ وَ مَكَّنْتُكَ مِنْهُ مِنْ شَرِیعَةِ مُحَمَّدٍ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ أُمَّتِهِ أَنْ تُبْدِیَ لَهُمْ مُطَالَبَتَهُ بِطَعْنٍ أَوْ شَمَاتَةً بِمَوْتٍ أَوْ رَدّاً عَلَیْهِ فِیمَا أَتَی بِهِ، أَوْ اسْتِصْغَاراً لِمَا أَتَی بِهِ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِینَ، فَتَخْفِضَ مَا رَفَعْتُ وَ تَهْدِمَ مَا بَنَیْتُ، وَ احْذَرْ كُلَ

ص: 297


1- وامق .. أی محبّ، كما نصّ علیه فی القاموس 3- 290.
2- فی (ك): المرسبة، و لم نجد لها معنا مناسبا لغة، فراجع.
3- فی (س): یحرّصهنّ، و الظّاهر: یحرّضن.
4- الإسراء: 60. (5) قال فی القاموس 4- 248: العطن- محرّكة-: وطن الإبل و مبركها حول الحوض، و مربض الغنم حول الماء.
5- قال فی القاموس 4- 248: العطن- محرّكة-: وطن الإبل و مبركها حول الحوض، و مربض الغنم حول الماء.

الْحَذَرِ حَیْثُ دَخَلْتَ عَلَی مُحَمَّدٍ مَسْجِدَهُ وَ مِنْبَرَهُ وَ صَدِّقْ مُحَمَّداً فِی كُلِّ مَا أَتَی بِهِ وَ أَوْرَدَهُ ظَاهِراً، وَ أَظْهِرِ التَّحَرُّزَ وَ الْوَاقِعَةَ فِی رَعِیَّتِكَ، وَ أَوْسِعْهُمْ حِلْماً، وَ أَعِمَّهُمْ بِرَوَائِحِ الْعَطَایَا، وَ عَلَیْكَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ فِیهِمْ وَ تَضْعِیفِ الْجِنَایَةِ مِنْهُمْ لسببا [لِسَبَبِ] مُحَمَّدٍ (1) مِنْ مَالِكَ وَ رِزْقِكَ (2) وَ لَا تُرِهِمْ أَنَّكَ تَدَعُ لِلَّهِ حَقّاً وَ لَا تَنْقُضُ فَرْضاً وَ لَا تُغَیِّرُ لِمُحَمَّدٍ سُنَّةً (3) فَتُفْسِدَ عَلَیْنَا الْأُمَّةَ، بَلْ خُذْهُمْ مِنْ مَأْمَنِهِمْ، وَ اقْتُلْهُمْ بِأَیْدِیهِمْ، وَ أَبِدْهُمْ (4) بِسُیُوفِهِمْ وَ تَطَاوُلِهِمْ وَ لَا تُنَاجِزْهُمْ، وَ لِنْ لَهُمْ وَ لَا تَبْخَسْ عَلَیْهِمْ، وَ افْسَحْ لَهُمْ فِی مَجْلِسِكَ، وَ شَرِّفْهُمْ فِی مَقْعَدِكَ، وَ تَوَصَّلْ إِلَی قَتْلِهِمْ بِرَئِیسِهِمْ، وَ أَظْهِرِ الْبِشْرَ وَ الْبَشَاشَةَ بَلِ اكْظِمْ غَیْظَكَ وَ اعْفُ عَنْهُمْ یُحِبُّوكَ وَ یُطِیعُوكَ، فَمَا آمَنُ عَلَیْنَا وَ عَلَیْكَ ثَوْرَةَ عَلِیٍّ وَ شِبْلَیْهِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ، فَإِنْ أَمْكَنَكَ فِی عِدَّةٍ مِنَ الْأُمَّةِ فَبَادِرْ وَ لَا تَقْنَعْ بِصِغَارِ الْأُمُورِ، وَ اقْصِدْ بِعَظِیمِهَا وَ احْفَظْ وَصِیَّتِی إِلَیْكَ وَ عَهْدِی وَ أَخْفِهِ وَ لَا تُبْدِهِ، وَ امْتَثِلْ أَمْرِی وَ نَهْیِی وَ انْهَضْ بِطَاعَتِی، وَ إِیَّاكَ وَ الْخِلَافَ عَلَیَّ، وَ اسْلُكْ طَرِیقَ أَسْلَافِكِ، وَ اطْلُبْ بِثَارِكَ، وَ اقْتَصَّ آثَارَهُمْ، فَقَدْ أَخْرَجْتُ إِلَیْكَ بِسِرِّی وَ جَهْرِی، وَ شَفَعْتُ هَذَا بِقَوْلِی:

مُعَاوِیَ (5) إِنَّ الْقَوْمَ جَلَّتْ أُمُورُهُمْ*** بِدَعْوَةِ مَنْ عَمَّ الْبَرِیَّةَ بِالْوَتْرِی

صَبَوْتُ اِلَی(6) دَیْنٍ لَهُمْ فَاَرَابَنِی***فَأبْعِد بِدِینٍ قَدْ قَصَمْتُ بِهِ ظَهْرِی

وَ إِنْ أَنْسَ لَا أَنْسَ الْوَلِیدَ وَ شَیْبَةَ*** وَ عُتْبَةَ وَ الْعَاصَ السَّرِیعَ لَدَی بَدْرٍ

وَ تَحْتَ شَغَافِ (7) الْقَلْبِ لَدْغٌ لِفَقْدِهِمْ*** أَبُو حَكَمٍ أَعْنِی الْضَئِیلَ (8) مِنَ الْفَقْرِی

ص: 298


1- كذا، و لعلّه: لسبب.
2- من كلمة: و تضعیف .. إلی رزقك، لا توجد فی (س).
3- فی (ك): سنّته.
4- فی (ك): أیّدهم.
5- معاوی: مرخّم معاویة- لعنة اللّٰه علیه-.
6- صبی إلیه : حن ومال ، كما جاء فی القاموس ٤ _ ٣٥١ ، وغیره.
7- ذكر فی القاموس المحیط 3- 159 أنّ: الشّغاف- كسحاب-: غلاف القلب أو حجابه أو حبّته أو سویداؤه.
8- فی (س): الضیل. و الضئیل- كأمیر- بمعنی الصّغیر، الدّقیق الحقیر، و النّحیف، كما نصّ علیه فی القاموس 4- 5. و لا معنی ل (ضیل) هنا.

أُولَئِكَ فَاطْلُبْ- یَا مُعَاوِیَ- ثَارَهُمْ*** بِنَصْلِ سُیُوفِ الْهِنْدِ وَ الْأَسَلِ (1) السُّمْرِی (2)

وَ صِلْ بِرِجَالِ الشَّامِ فِی مَعْشَرِهِمْ ***هُمُ الْأُسْدُ وَ الْبَاقُونَ فِی أَكَمِ (3) الْوَعْرِی (4)

تَوَسَّلْ إِلَی التَّخْلِیطِ فِی الْمِلَّةِ الَّتِی*** أَتَانَا بِهِ الْمَاضِی الْمُسَمُّوهُ (5) بِالسِّحْرِی

وَ طَالِبْ بِأَحْقَادٍ مَضَتْ لَكَ مُظْهِراً*** لِعِلَّةِ دِینٍ عَمَّ كُلَّ بَنِی النَّضْرِ

فَلَسْتَ تَنَالُ الثَّارَ إِلَّا بِدِینِهِمْ ***فَتَقْتُلُ بِسَیْفِ الْقَوْمِ جِیدَ بَنِی عَمْرِی

لِهَذَا لَقَدْ وَلَّیْتُكَ الشَّامَ رَاجِیاً*** وَ أَنْتَ جَدِیرٌ أَنْ تَئُولَ إِلَی صَخْرِی

قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هَذَا الْعَهْدَ، قَامَ إِلَی یَزِیدَ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَ قَالَ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ- یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ!- عَلَی قَتْلِكَ الشَّارِیَّ ابْنَ الشَّارِیِّ، وَ اللَّهِ مَا أَخْرَجَ أَبِی إِلَیَّ بِمَا أَخْرَجَ إِلَی أَبِیكَ، وَ اللَّهِ لَا رَآنِی أَحَدٌ مِنْ رَهْطِ مُحَمَّدٍ بِحَیْثُ (6) یُحِبُّ وَ یَرْضَی، فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ وَ بَرَّهُ، وَ رَدَّهُ مُكَرَّماً.

فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ عِنْدِهِ ضَاحِكاً، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: مَا قَالَ لَكَ؟.

قَالَ: قَوْلًا صَادِقاً لَوَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ مُشَارِكَهُ فِیهِ، وَ سَارَ رَاجِعاً إِلَی الْمَدِینَةِ، وَ كَانَ جَوَابُهُ لِمَنْ یَلْقَاهُ هَذَا الْجَوَابَ.

وَ یُرْوَی أَنَّهُ أَخْرَجَ یَزِیدُ لَعَنَهُ اللَّهُ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِتَاباً فِیهِ عَهْدُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ (7) فِیهِ أَغْلَظُ مِنْ هَذَا وَ أَدْهَی وَ أَعْظَمُ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِی كَتَبَهُ عُمَرُ لِمُعَاوِیَةَ، فَلَمَّا

ص: 299


1- قال الفیروزآبادیّ فی قاموسه 3- 328: الأسل- محرّكة-: نبات .. و الرّماح، و النّبل.
2- سیجی ء فی بیان المصنّف- رحمه اللّٰه-: أنّ السّمر جمع الأسمر و هو الرّمح.
3- الأكمة- محرّكة-: التّلّ من القفّ من حجارة واحدة أو هی دون الجبال ... و جمعها: أكم، كما فی القاموس 4- 75.
4- قال فی القاموس 2- 154: الوعر: ضدّ السّهل. و المعنی أنّ الباقین أكم فی مكان صلب سهل إبادتهم و إهلاكهم.
5- الكلمة مشوّشة فی مطبوع البحار.
6- كذا، و لعلّها: إلّا بحیث ..
7- لا توجد فی (س): بن عفّان.

قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ الْعَهْدَ الْآخَرَ قَامَ فَقَبَّلَ رَأْسَ یَزِیدَ لَعَنَهُمَا اللَّهُ، وَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی قَتْلِكَ الشَّارِیَّ ابْنَ الشَّارِیِّ (1)، وَ اعْلَمْ أَنَّ وَالِدِی عُمَرَ أَخْرَجَ إِلَیَّ مِنْ سِرِّهِ بِمِثْلِ هَذَا الَّذِی أَخْرَجَهُ إِلَی أَبِیكَ مُعَاوِیَةَ، وَ لَا أَرَی أَحَداً مِنْ رَهْطِ مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِهِ وَ شِیعَتِهِ بَعْدَ یَوْمِی هَذَا إِلَّا غَیْرَ مُنْطَوٍ لَهُمْ عَلَی (2) خَیْرٍ أَبَداً. فَقَالَ یَزِیدُ: أَ فِیهِ شَرْحُ الْخَفَا یَا ابْنَ عُمَرَ؟.

وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَظْهَرُوا الْإِیمَانَ وَ أَسَرُّوا الْكُفْرَ، فَلَمَّا وَجَدُوا عَلَیْهِ أَعْوَاناً أَظْهَرُوهُ.

بیان: لم أجد الروایة بغیر هذا السند، و فیها غرائب.

و الشائكة من الشوك .. یقال: شجرة شائكة .. أی ذات شوك (3)، أی كانت البصائر و النیّات غیر خالصة ممّا یختلج بالبال من الشكوك و الشبهات.

و رجل طمطمانی- بالضم- فی لسانه عجمة (4).

و قال الجوهری (5): فلان واسع العطن (6) و البلد: إذا كان رحب الذّراع.

«152»-كِتَابُ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ (7): عَنْ أَبَانٍ، قَالَ: قَالَ سُلَیْمٌ: كَتَبَ أَبُو الْمُخْتَارِ بْنُ أَبِی الصَّعِقِ إِلَی عُمَرَ هَذِهِ الْأَبْیَاتَ:

ص: 300


1- هنا ثلاثة أبیات لا ربط لها بالمقام، و خطّ علیها فی (ك)، و الصّحیح موضعها بعد مصرع: و ما عاصم فیها بصفر غیابة. و قد ذكرنا هناك.
2- لا توجد: علی، فی (ك).
3- كما فی تاج العروس 7- 151، و انظر: مجمع البحرین 5- 278، و لسان العرب 10- 453.
4- نصّ علیه فی تاج العروس 8- 381، و انظر: لسان العرب 12- 371، و مجمع البحرین 6- 107. و فی (س) طمطانی. و لم أجدها فی كتب اللغة.
5- فی صحاحه 6- 2165، و قارنه ب: لسان العرب 13- 287.
6- فی (س): القطن، و هو اشتباه.
7- كتاب سلیم بن قیس: 132- 146.

أُبَلِّغُ (1) أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ رِسَالَةً*** فَأَنْتَ أَمِیرُ اللَّهِ (2) فِی الْمَالِ وَ الْأَمْرِ

وَ أَنْتَ أَمِینُ اللَّهِ فِینَا وَ مَنْ یَكُنْ*** أَمِیناً (3) لِرَبِّ النَّاسِ یُسْلِمْ لَهُ صَدْرِی

فَلَا تَدَعَنْ أَهْلَ الرَّسَاتِیقِ وَ الْقُرَی*** یَخُونُونَ مَالَ اللَّهِ فِی الْأُدْمِ وَ الْخَمْرِ (4)

وَ أَرْسِلْ إِلَی النُّعْمَانِ وَ ابْنِ مَعْقِلٍ*** وَ أَرْسِلْ إِلَی حَزْمٍ وَ أَرْسِلْ إِلَی بِشْرٍ

وَ أَرْسِلْ إِلَی الْحَجَّاجِ وَ اعْلَمْ حِسَابَهُ*** وَ ذَاكَ الَّذِی فِی السُّوقِ مَوْلَی بَنِی بَدْرٍ

وَ لَا تَنْسَیَنَّ التَّابِعَیْنِ كِلَیْهِمَا*** وَ صِهْرَ بَنِی غَذْوَانَ (5) فِی الْقَوْمِ ذَا وَفْرٍ

وَ مَا عَاصِمٌ فِیهَا بِصِفْرٍ عِیَابُهُ (6)*** وَ لَا ابْنُ غَلَابِ مِنْ رُمَاةِ بَنِی نَصْرٍ

وَ اسْتَلَّ ذَاكَ الْمَالَ دُونَ ابْنِ مُحْرِزٍ***وَ قَدْ كَانَ مِنْهُ فِی الرَّسَاتِیقِ ذَا وَفْرٍ (7)

فَأَرْسِلْ إِلَیْهِمْ یُخْبِرُوكَ وَ یَصْدُقُوا (8)***أَحَادِیثَ هَذَا الْمَالِ مَنْ كَانَ ذَا فِكْرٍ

وَ قَاسِمْهُمُ- أَهْلِی فِدَاؤُكَ- إِنَّهُمْ***سَیَرْضَوْنَ إِنْ قَاسَمْتَهُمْ مِنْكَ بِالشَّطْرِ

وَ لَا تَدْعُوَنِّی لِلشَّهَادَةِ إِنَّنِی***أَغِیبُ وَ لَكِنِّی أَرَی عَجَبَ (9) الدَّهْرِ

إراء [أَرَی] (10) الْخَیْلَ كَالْجُدْرَانِ وَ الْبَیْضَ كَالدُّمَی***وَ خَطِّیَّةً فِی عِدَّةِ النَّمْلِ وَ الْقَطْرِ

وَ مِنْ رَیْطَةٍ مَطْوِیَّةٍ فِی قِرَابِهَا***وَ مِنْ طَیِّ أَبْرَادٍ (11) مُضَاعَفَةٍ صُفْرٍ

ص: 301


1- فی المصدر: ألا أبلغ.
2- فی (ك): للّٰه.
3- جاء فی كتاب سلیم: أمیرا، بدلا من: أمینا.
4- كذا، و الصّحیح: الحمر، كما فی المصدر.
5- فی (ك): مروان، و نسخة جاءت علی (ك): غزوان.
6- جاء فی (س): خیانة، و فی نسخة علی (س): عیابة- بالعین المهملة- و قد تعرّض لها المصنّف رحمه اللّٰه- و جعلها جمع عیبة.
7- هذه المصارع الثّلاث جاءت فی هامش (س)، و وضع بعدها: صح، و لكن وضعت العلامة بعد كلمة: الشّاری و ابن الشّاری و قبل: اعلم، و موضعها هنا كما جاء فی المصدر و (ك).
8- و یروی: یصدقوك و یخبروا، منه قدّس سرّه. و كذا جاء فی المصدر.
9- فی (ك): أعجب.
10- كذا، و فی (س): أداء، و فی المصدر: أری، و هی نسخة فی (ك).
11- فی المصدر: إیراد.

إِذَا التَّاجِرُ الدَّارِیُّ جَاءَ بِفَأْرَةٍ*** مِنَ الْمِسْكِ رَاحَتْ فِی مَفَارِقِهِمْ تَجْرِی (1)

فَقَالَ (2) ابْنُ غَلَابِ الْمِصْرِیُّ:

أَلَا أَبْلِغْ أَبَا الْمُخْتَارِ أَنِّی أَتَیْتُهُ*** وَ لَمْ أَكُ ذَا قُرْبَی لَدَیْهِ وَ لَا صِهْرٍ

وَ مَا كَانَ عِنْدِی مِنْ تُرَاثٍ وَرِثْتُهُ*** وَ لَا صَدَقَاتٍ (3) مِنْ سَبْیٍ وَ لَا غَدْرٍ

وَ لَكِنْ دِرَاكُ الرَّكْضِ فِی كُلِّ غَارَةٍ (4) ***وَ صَبْرِی إِذَا مَا لموت [الْمَوْتُ] (5) كَانَ وَرَا السمری [السَّمْرِ]

بِسَابِغَةٍ یَغْشَی اللَّبَانَ فُضُولُهَا (6)*** أُكَفْكِفُهَا (7) عَنِّی بِأَبْیَضَ ذِی وَقْرٍ

قَالَ سُلَیْمٌ: فَأَغْرَمَ (8) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تِلْكَ السَّنَةَ جَمِیعَ عُمَّالِهِ أَنْصَافَ أَمْوَالِهِمْ لِشِعْرِ أَبِی الْمُخْتَارِ، وَ لَمْ یُغْرِمْ قُنْفُذَ الْعَدَوِیِّ شَیْئاً- وَ قَدْ كَانَ مِنْ عُمَّالِهِ- وَ رَدَّ عَلَیْهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ- وَ هُوَ عِشْرُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ- وَ لَمْ یَأْخُذْ مِنْهُ عُشْرَهُ وَ لَا نِصْفَ عُشْرِهِ، وَ كَانَ مِنْ عُمَّالِهِ الَّذِینَ أُغْرِمُوا أَبُو هُرَیْرَةَ عَلَی (9) الْبَحْرَیْنِ فَأَحْصَی مَالَهُ فَبَلَغَ أَرْبَعَةً وَ عِشْرِینَ أَلْفاً، فَأَغْرَمَهُ اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفاً.

فَقَالَ (10) أَبَانٌ: قَالَ سُلَیْمٌ: فَلَقِیتُ عَلِیّاً صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا صَنَعَ عُمَرُ؟ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِی لِمَ كَفَّ عَنْ قُنْفُذٍ وَ لَمْ یُغْرِمْهُ شَیْئاً؟!. قُلْتُ: لَا.

قَالَ: لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِی ضَرَبَ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا بِالسَّوْطِ حِینَ جَاءَتْ لِتَحُولَ

ص: 302


1- سقط هنا بیت جاء فی المصدر: تنوب إذا نابوا و تغزوا إذا غزوا ***فإنّ لهم مالا و لیس لنا وفر
2- فی المصدر: و قال.
3- نسخة فی (ك): و لا سرقات.
4- فی (س): غادة.
5- فی المصدر: ما الموت. و قبلها توجد كلمة كان فی (س)، و لكن خطّ علیها فی (ك).
6- جاء فی كتاب سلیم: فصولها.
7- فی (س) الكلمة مشوشة تقرأ: أكفكها، و: اكفكفا.
8- فی (س): فاعزم.
9- فی كتاب سلیم: و كان علی ..
10- جاء فی المصدر: و قال.

بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ فَمَاتَتْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا، وَ إِنَّ أَثَرَ السَّوْطِ لَفِی عَضُدِهَا مِثْلُ الدُّمْلُجِ.

قَالَ أَبَانٌ: قَالَ (1) سُلَیْمٌ: انْتَهَیْتُ إِلَی حَلْقَةٍ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَیْسَ فِیهَا إِلَّا هَاشِمِیٌّ غَیْرَ سَلْمَانَ وَ أَبِی ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ بْنِ أَبِی سَلَمَةَ وَ قَیْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ (2)، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا تَرَی عُمَرَ مَنَعَهُ مِنْ أَنْ یُغَرِّمَ قُنْفُذاً كَمَا غَرَّمَ (3) جَمِیعَ عُمَّالِهِ؟. فَنَظَرَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ اغْرَوْرَقَتْ عَیْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: شَكَرَ لَهُ ضَرْبَةً ضَرَبَهَا فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ بِالسَّوْطِ فَمَاتَتْ وَ فِی عَضُدِهَا أَثَرُهُ كَأَنَّهُ الدُّمْلُجُ.

ثُمَّ قَالَ (علیه السلام): الْعَجَبُ مِمَّا أُشْرِبَتْ قُلُوبُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ حُبِّ هَذَا الرَّجُلِ وَ صَاحِبِهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَ التَّسْلِیمِ لَهُ فِی كُلِّ شَیْ ءٍ أَحْدَثَهُ.

لَئِنْ كَانَ عُمَّالُهُ خَوَنَةً وَ كَانَ هَذَا الْمَالُ فِی أَیْدِیهِمْ خِیَانَةً مَا كَانَ حَلَّ لَهُ تَرْكُهُ؟!، وَ كَانَ لَهُ أَنْ یَأْخُذَهُ كُلَّهُ، فَإِنَّهُ فَیْ ءٌ لِلْمُسْلِمِینَ، فَمَا بَالُهُ یَأْخُذُ نِصْفَهُ وَ یَتْرُكُ نِصْفَهُ.

وَ لَئِنْ كَانُوا غَیْرَ خَوَنَةٍ فَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ یَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ وَ لَا شَیْئاً مِنْهَا قَلِیلًا وَ لَا كَثِیراً وَ إِنَّمَا أَخَذَ أَنْصَافَهَا.

وَ لَوْ كَانَتْ فِی أَیْدِیهِمْ خِیَانَةً، ثُمَّ لَمْ یُقِرُّوا بِهَا وَ لَمْ تَقُمْ عَلَیْهِمُ الْبَیِّنَةُ مَا حَلَّ لَهُ أَنْ یَأْخُذَ مِنْهُمْ قَلِیلًا وَ لَا كَثِیراً.

وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إِعَادَتُهُ إِیَّاهُمْ إِلَی أَعْمَالِهِمْ، لَئِنْ كَانُوا خَوَنَةً مَا حَلَّ لَهُ أَنْ یَسْتَعْمِلَهُمْ، وَ لَئِنْ كَانُوا غَیْرَ خَوَنَةٍ مَا حَلَّتْ لَهُ أَمْوَالُهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلِیٌّ (علیه السلام) عَلَی الْقَوْمِ فَقَالَ: الْعَجَبُ لِقَوْمٍ یَرَوْنَ سُنَّةَ نَبِیِّهِمْ تَتَبَدَّلُ وَ تَتَغَیَّرُ شَیْئاً شَیْئاً وَ بَاباً بَاباً (4) ثُمَّ یَرْضَوْنَ وَ لَا یُنْكِرُونَ، بَلْ یَغْضَبُونَ لَهُ وَ یَعْتِبُونَ (5) عَلَی مَنْ عَابَ عَلَیْهِ وَ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ یَجِی ءُ قَوْمٌ

ص: 303


1- فی المصدر: بدل قال: عن.
2- فی كتاب سلیم: بن أبی عبادة ..
3- فی المصدر: أغرم.
4- فی المصدر: و بابا.
5- جاء فی (ك): یعیبون.

بَعْدَنَا فَیَتَّبِعُونَ بِدْعَتَهُ وَ جَوْرَهُ وَ أَحْدَاثَهُ وَ یَتَّخِذُونَ أَحْدَاثَهُ سُنَّةً وَ دِیناً یَتَقَرَّبُونَ بِهِمَا (1) إِلَی اللَّهِ فِی مِثْلِ تَحْوِیلِهِ مَقَامَ إِبْرَاهِیمَ مِنَ (2) الْمَوْضِعِ الَّذِی وَضَعَهُ فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی الْمَوْضِعِ الَّذِی كَانَ فِیهِ فِی الْجَاهِلِیَّةِ الَّذِی حَوَّلَهُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ فِی تَغْیِیرِهِ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مُدَّهُ، وَ فِیهِمَا فَرِیضَةٌ وَ سُنَّةٌ، فَمَا كَانَ زِیَادَتُهُ إِلَّا سُوءً، لِأَنَّ الْمَسَاكِینَ فِی كَفَّارَةِ الْیَمِینِ وَ الظِّهَارِ بِهِمَا یُعْطَوْنَ وَ مَا (3) یَجِبُ فِی الزَّرْعِ، وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِی مُدِّنَا وَ صَاعِنَا، لَا یَحُولُونَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ رَضُوا وَ قَبِلُوا مَا صَنَعَ، وَ قَبْضِهِ وَ صَاحِبِهِ فَدَكَ- وَ هِیَ فِی یَدَیِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ مَقْبُوضَةٌ، قَدْ أَكَلَتْ غَلَّتَهَا عَلَی عَهْدِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- فَسَأَلَهَا الْبَیِّنَةَ عَلَی مَا فِی یَدِهَا، وَ لَمْ یُصَدِّقْهَا وَ لَا صَدَّقَ أُمَّ أَیْمَنَ، وَ هُوَ یَعْلَمُ یَقِیناً- كَمَا نَعْلَمُ- أَنَّهَا فِی یَدِهَا، وَ لَمْ یَحِلَّ (4) لَهُ أَنْ یَسْأَلَهَا الْبَیِّنَةَ عَلَی مَا فِی یَدِهَا، وَ لَا أَنْ یَتَّهِمَهَا، ثُمَّ اسْتَحْسَنَ النَّاسُ ذَلِكَ وَ حَمِدُوهُ وَ قَالُوا:

إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَی ذَلِكَ الْوَرَعُ وَ الْفَضْلُ، ثُمَّ حَسَّنَ قُبْحَ فِعْلِهِمَا أَنْ عَدَلَا عَنْهَا فَقَالا بِالظَّنِّ- (5): إِنَّ فَاطِمَةَ لَنْ تَقُولَ إِلَّا حَقّاً، وَ إِنَّ عَلِیّاً لَمْ یَشْهَدْ إِلَّا بِحَقٍّ، وَ لَوْ كَانَتْ مَعَ أُمِّ أَیْمَنَ امْرَأَةٌ أُخْرَی أَمْضَیْنَا لَهَا، فَخَطَبَا (6) بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُهَّالِ، وَ (7) مَا لَهُمَا (8) وَ مَنْ أَمَّرَهُمَا أَنْ یَكُونَا حَاكِمَیْنِ فَیُعْطِیَانِ أَوْ یَمْنَعَانِ، وَ لَكِنَّ الْأُمَّةَ ابْتُلُوا بِهِمَا فَأَدْخَلَا (9)

ص: 304


1- فی كتاب سلیم: بها.
2- فی (ك): عن، بدلا من: من.
3- لا توجد الواو فی المصدر.
4- فی كتاب سلیم: و لم یكن یحلّ ..
5- فی المصدر: نظنّ.
6- فی كتاب سلیم: فحظیا.
7- لا توجد الواو فی (س).
8- فی المصدر: و ما هما ..
9- جاء فی (س): فأدخلوا.

نَفْسَهُمَا فِیمَا لَا حَقَّ لَهُمَا فِیهِ وَ لَا عِلْمَ لَهُمَا فِیهِ (1)، وَ قَدْ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ حِینَ أَرَادَ انْتِزَاعَهَا مِنْهَا (2)، وَ هِیَ فِی یَدِهَا-: أَ لَیْسَتْ فِی یَدِی وَ فِیهَا وَكِیلِی، وَ قَدْ أَكَلْتُ غَلَّتَهَا وَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَیٌّ؟!. قَالا: بَلَی. قَالَتْ: فَلِمَ تَسْأَلَانِی الْبَیِّنَةَ (3) عَلَی مَا فِی یَدِی؟. قَالا: لِأَنَّهَا فَیْ ءٌ لِلْمُسْلِمِینَ (4)، فَإِنْ قَامَتْ بَیِّنَةٌ وَ إِلَّا لَمْ نُمْضِهَا. فَقَالَتْ (5) لَهُمَا- وَ النَّاسُ حَوْلَهُمَا یَسْمَعُونَ-: أَ فَتُرِیدَانِ (6) أَنْ تَرُدَّا مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ تَحْكُمَا فِینَا خَاصَّةً بِمَا لَمْ تَحْكُمَا فِی سَائِرِ الْمُسْلِمِینَ؟! أَیُّهَا النَّاسُ! اسْمَعُوا مَا رَكِبَاهَا (7). قُلْتُ (8): أَ رَأَیْتُمَا إِنِ ادَّعَیْتُ مَا فِی أَیْدِی الْمُسْلِمِینَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَسْأَلُونِّی (9) الْبَیِّنَةَ أَمْ تَسْأَلُونَهُمْ؟. قَالا: لَا، بَلْ نَسْأَلُكَ. قُلْتُ (10): فَإِنِ ادَّعَی جَمِیعُ الْمُسْلِمِینَ مَا فِی یَدِی تَسْأَلُونَهُمُ الْبَیِّنَةَ أَمْ تَسْأَلُونِّی (11)؟. فَغَضِبَ عُمَرُ، وَ قَالَ: إِنَّ هَذَا فَیْ ءٌ لِلْمُسْلِمِینَ وَ أَرْضُهُمْ وَ هِیَ فِی یَدَیْ فَاطِمَةَ (علیها السلام) تَأْكُلُ غَلَّتَهَا، فَإِنْ أَقَامَتْ بَیِّنَةً عَلَی مَا ادَّعَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَهَبَهَا لَهَا مِنْ بَیْنِ الْمُسْلِمِینَ وَ هِیَ فَیْئُهُمْ وَ حَقُّهُمْ نَظَرْنَا فِی ذَلِكَ.

فَقَالَ (12): أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ (13) أَ مَا سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ:

ص: 305


1- لا توجد: فیه، فی (س)، و فی المصدر بدلا منها: به.
2- لا توجد: منها، فی المصدر.
3- فی المصدر: فی البیّنة.
4- فی كتاب سلیم: المسلمین.
5- فی المصدر: قالت.
6- فی كتاب سلیم: أ تریدان.
7- هنا نسخة فی المصدر: ما ركبا هؤلاء من الإثم.
8- فی المصدر: قالت .. و هو الظّاهر.
9- فی كتاب سلیم: تسألوننی.
10- فی المصدر: قالت، و هو الظّاهر.
11- فی المصدر: تسألوننی.
12- فی المصدر: فقالت: حسبی .. و هو الظّاهر.
13- هنا زیادة جاءت فی المصدر: أیّها النّاس.

إِنَّ ابْنَتِی سَیِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟. قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَدْ سَمِعْنَاهَا (1) مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

قَالَتْ: أَ فَسَیِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَدَّعِی الْبَاطِلَ وَ تَأْخُذُ مَا لَیْسَ لَهَا؟! أَ رَأَیْتُمْ لَوْ أَنَّ أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَیَّ بِفَاحِشَةٍ أَوْ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ أَ كُنْتُمْ مُصَدِّقِینَ عَلَیَّ؟!. فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَسَكَتَ، وَ أَمَّا عُمَرُ فَقَالَ (2): وَ نُوقِعُ عَلَیْكِ الْحَدَّ. فَقَالَتْ: كَذَبْتَ وَ لَؤُمْتَ، إِلَّا أَنْ تُقِرَّ أَنَّكَ لَسْتَ عَلَی دِینِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، إِنَّ الَّذِی یُجِیزُ عَلَی سَیِّدَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ شَهَادَةً أَوْ یُقِیمُ عَلَیْهَا حَدّاً لَمَلْعُونٌ كَافِرٌ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، إِنَّ مَنْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ (3) وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِیراً، لَا یَجُوزُ عَلَیْهِمْ شَهَادَةٌ، لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، مُطَهَّرُونَ مِنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ، حَدِّثْنِی عَنْ أَهْلِ (4) هَذِهِ الْآیَةِ، لَوْ أَنَّ قَوْماً شَهِدُوا عَلَیْهِمْ أَوْ عَلَی أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشِرْكٍ أَوْ كُفْرٍ أَوْ فَاحِشَةٍ كَانَ الْمُسْلِمُونَ یَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ وَ یَحُدُّونَهُمْ؟. قَالَ: نَعَمْ، وَ مَا هُمْ وَ سَائِرُ النَّاسِ فِی ذَلِكَ إِلَّا سَوَاءً. قَالَتْ: كَذَبْتَ وَ كَفَرْتَ (5)، لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُمْ وَ أَنْزَلَ عِصْمَتَهُمْ وَ تَطْهِیرَهُمْ وَ أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، فَمَنْ صَدَّقَ عَلَیْهِمْ یُكَذِّبُ (6) اللَّهَ وَ رَسُولَهُ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَقْسَمْتُ عَلَیْكَ- یَا عُمَرُ- لَمَّا سَكَتَّ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ اللَّیْلُ أَرْسَلَ (7) إِلَی خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ، فَقَالَ (8) إِنَّا نُرِیدُ أَنْ نُسِرَّ إِلَیْكَ أَمْراً وَ نَحْمِلَكَ

ص: 306


1- فی المصدر: قد سمعناه.
2- فی المصدر: فقال: نعم ..
3- لا توجد لفظ: أهل البیت، فی المصدر و (س) من البحار.
4- فی كتاب سلیم: حدّثنی یا عمر من أهل ...
5- هنا سقط جاء فی المصدر: ما هم و سائر النّاس فی ذلك سواء.
6- فی المصدر: فإنّما یكذب.
7- فی المصدر: أرسلا.
8- فی المصدر: فقالا.

عَلَیْهِ (1). فَقَالَ: احْمِلَانِی عَلَی مَا شِئْتُمَا فَإِنِّی طَوْعُ أَیْدِیكُمَا. فَقَالا لَهُ: إِنَّهُ لَا یَنْفَعُنَا مَا نَحْنُ فِیهِ (2) مِنَ الْمُلْكِ وَ السُّلْطَانِ مَا دَامَ عَلِیٌّ حَیّاً، أَ مَا سَمِعْتَ مَا قَالَ لَنَا وَ مَا اسْتَقْبَلَنَا بِهِ، وَ نَحْنُ لَا نَأْمَنُهُ أَنْ یَدْعُوَ فِی السِّرِّ فَیَسْتَجِیبَ لَهُ قَوْمٌ فَیُنَاهِضَنَا (3) فَإِنَّهُ أَشْجَعُ الْعَرَبِ، وَ قَدِ ارْتَكَبْنَا مِنْهُمْ (4) مَا رَأَیْتَ وَ غَلَبْنَاهُ (5) عَلَی مُلْكِ ابْنِ عَمِّهِ وَ لَا حَقَّ لَنَا فِیهِ، وَ انْتَزَعْنَا فَدَكَ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَإِذَا صَلَّیْتُ بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ (6)، فَقُمْ إِلَی جَانِبِهِ وَ لْیَكُنْ سَیْفُكَ مَعَكَ، فَإِذَا صَلَّیْتُ وَ سَلَّمْتُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ.

فَقَالَ: صَلَّی (7) خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ بِجَنْبِی مُتَقَلِّدَ السَّیْفِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فِی الصَّلَاةِ فَجَعَلَ (8) یُؤَامِرُ نَفْسَهُ وَ نَدِمَ وَ أُسْقِطَ فِی یَدِهِ حَتَّی كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، ثُمَّ قَالَ: - قَبْلَ أَنْ یُسَلِّمَ- لَا تَفْعَلْ یَا خَالِدُ مَا أَمَرْتُكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ:

مَا (9) ذَاكَ؟. قَالَ: قَدْ (10) كَانَ أَمَرَنِی إِذَا سَلَّمَ أَضْرِبُ (11) عُنُقَكَ. قُلْتُ: أَ وَ كُنْتَ فَاعِلًا؟!. قَالَ: إِی وَ رَبِّی إِذاً لَفَعَلْتُ.

قَالَ سُلَیْمٌ: ثُمَّ أَقْبَلَ (علیه السلام) عَلَی الْعَبَّاسِ وَ مَنْ حَوْلَهُ ثُمَّ قَالَ: أَ لَا تَعْجَبُونَ مِنْ حَبْسِهِ وَ حَبْسِ صَاحِبِهِ عَنَّا سَهْمَ ذِی الْقُرْبَی الَّذِی فَرَضَهُ اللَّهُ لَنَا فِی الْقُرْآنِ، وَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ سَیَظْلِمُونَّا وَ یَنْتَزِعُونَهُ مِنَّا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا

ص: 307


1- فی كتاب سلیم: و نحملكه لثقتنا بك.
2- لا توجد: فیه، فی المصدر.
3- جاء فی حاشیة (ك): ناهضه: قاومه .. قاموس. انظر القاموس 2- 348.
4- فی المصدر: منه، بدلا: منهم، و هو الظّاهر.
5- فی (س): ما غلبناه.
6- فی كتاب سلیم: صلاة الغداة.
7- فی المصدر: قال علیّ علیه السّلام: فصلّی ..
8- فی كتاب سلیم: و جعل.
9- فی المصدر: و ما.
10- لا توجد: قد، فی المصدر.
11- فی المصدر: أن أضرب.

عَلی عَبْدِنا یَوْمَ الْفُرْقانِ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ (1)؟!.

وَ الْعَجَبُ لِهَدْمِهِ مَنْزِلَ أَخِی جَعْفَرٍ وَ إِلْحَاقِهِ فِی الْمَسْجِدِ، وَ لَمْ یُعْطِ بَنِیهِ مِنْ ثَمَنِهِ قَلِیلًا وَ لَا كَثِیراً، ثُمَّ لَمْ یَعِبْ ذَلِكَ عَلَیْهِ النَّاسُ وَ لَمْ یُغَیِّرُوهُ، فَكَأَنَّمَا أَخَذَ مَنْزِلَ رَجُلٍ مِنَ الدَّیْلَمِ- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: دَارَ رَجُلٍ مِنْ تُرْكِ كَابُلَ-.

وَ الْعَجَبُ لِجَهْلِهِ وَ جَهْلِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَی جَمِیعِ عُمَّالِهِ: أَنَّ (2) الْجُنُبَ إِذَا لَمْ یَجِدِ الْمَاءَ فَلَیْسَ لَهُ أَنْ یُصَلِّیَ وَ لَیْسَ لَهُ أَنْ یَتَیَمَّمَ (3) بِالصَّعِیدِ حَتَّی یَجِدَ الْمَاءَ (4)، وَ إِنْ لَمْ یَجِدْهُ حَتَّی یَلْقَی اللَّهَ- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: وَ إِنْ لَمْ یَجِدْهُ سَنَةً- ثُمَّ قَبِلَ النَّاسُ مِنْهُ (5) وَ رَضُوا بِهِ، وَ قَدْ عَلِمَ وَ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ أَمَرَ عَمَّاراً وَ أَمَرَ أَبَا ذَرٍّ أَنْ یَتَیَمَّمَا مِنَ الْجَنَابَةِ وَ یُصَلِّیَا وَ شَهِدَا بِهِ عِنْدَهُ (6) وَ غَیْرُهُمَا فَلَمْ یَقْبَلْ (7) ذَلِكَ وَ لَمْ یَرْفَعْ بِهِ رَأْساً.

وَ الْعَجَبُ لِمَا قَدْ خَلَطَ قَضَایَا مُخْتَلِفَةً فِی الْجَدِّ (8) بِغَیْرِ عِلْمٍ تَعَسُّفاً وَ جَهْلًا، وَ ادِّعَائِهِمَا (9) مَا لَمْ یَعْلَمَا جُرْأَةً عَلَی اللَّهِ وَ قِلَّةَ وَرَعٍ، ادَّعَیَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَاتَ وَ لَمْ یَقْضِ فِی الْجَدِّ شَیْئاً مِنْهُ، وَ لَمْ یَدَعْ أَحَداً یَعْلَمُ مَا لِلْجَدِّ مِنَ الْمِیرَاثِ، ثُمَّ تَابَعُوهُمَا (10) عَلَی ذَلِكَ وَ صَدَّقُوهُمَا.

ص: 308


1- الأنفال: 41.
2- لا توجد: أنّ، فی (س).
3- فی (ك): أن تیمّم.
4- لا یوجد فی المصدر: حتّی یجد الماء.
5- فی كتاب سلیم: بدلا من منه: ذلك.
6- نسخة جاءت فی (ك): عندهما. و هو خلاف الظّاهر.
7- فی (ك) نسخة بدل: یقبلا، و هو غلط.
8- جاء فی المصدر: الحدّ- بالحاء المهملة- و هو خلاف الظّاهر.
9- لعلّ التّثنیة بلحاظ الشّیخین، و فی (ك) نسخة بدل: و ادّعاءه.
10- فی المصدر: بایعوهما، و فی نسخة علی (ك): تابعوه.

وَ عِتْقِهِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ وَ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ (1) وَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

وَ مَا صَنَعَ بِنَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ وَ بِجَعْدِ (2) بْنِ سُلَیْمٍ وَ بِابْنِ وتره [وَبَرَةَ] (3).

وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا كَیْفٍ (4) الْعَبْدِیَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّی طَلَّقْتُ امْرَأَتِی وَ أَنَا غَائِبٌ- فَوَصَلَ إِلَیْهَا الطَّلَاقُ ثُمَّ رَاجَعْتُهَا وَ هِیَ فِی عِدَّتِهَا، وَ كَتَبْتُ إِلَیْهَا فَلَمْ یَصِلِ الْكِتَابُ إِلَیْهَا حَتَّی تَزَوَّجَتْ، فَكَتَبَ لَهُ: إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِی تَزَوَّجَهَا دَخَلَ (5) بِهَا فَهِیَ امْرَأَتُهُ وَ إِنْ كَانَ لَمْ یَدْخُلْ بِهَا فَهِیَ امْرَأَتُكَ، وَ كَتَبَ لَهُ ذَلِكَ وَ أَنَا شَاهِدٌ، وَ لَمْ یُشَاوِرْنِی (6) وَ لَمْ یَسْأَلْنِی، یَرَی اسْتِغْنَاءَهُ بِعِلْمِهِ عَنِّی، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْهَاهُ ثُمَّ قُلْتُ: مَا أُبَالِی أَنْ یَفْضَحَهُ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ تَعِبْهُ (7) النَّاسُ بَلِ اسْتَحْسَنُوهُ وَ اتَّخَذُوهُ سُنَّةً وَ قَبِلُوهُ عَنْهُ (8)، وَ رَأَوْهُ صَوَاباً، وَ ذَلِكَ قَضَاءٌ وَ لَا یَقْضِی بِهِ مَجْنُونٌ (9).

ثُمَّ تَرْكِهِ مِنَ الْأَذَانِ (حَیَّ عَلَی خَیْرِ الْعَمَلِ) فَاتَّخَذُوهُ سُنَّةً وَ تَابَعُوهُ عَلَی ذَلِكَ.

وَ قَضِیَّتِهِ فِی الْمَفْقُودِ أَنَّ أَجَلَ امْرَأَتِهِ أَرْبَعُ سِنِینَ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا خُیِّرَ بَیْنَ امْرَأَتِهِ وَ بَیْنَ الصَّدَاقِ، فَاسْتَحْسَنَهُ النَّاسُ وَ اتَّخَذُوهُ سُنَّةً وَ قَبِلُوهُ عَنْهُ (10) جَهْلًا وَ قِلَّةَ عِلْمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

وَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْمَدِینَةِ كُلَّ أَعْمَی، وَ إِرْسَالِهِ إِلَی عُمَّالِهِ بِالْبَصْرَةِ بِحَبْلِ خَمْسَةِ

ص: 309


1- لا توجد فی المصدر: أمر اللّٰه و ..
2- فی كتاب سلیم: الحجّاج و بجعدة.
3- فی كتاب سلیم: و بابن وبرة، و فی نسخة علی (ك): و بابن زید.
4- جاء فی المصدر: أبا كتف.
5- فی كتاب سلیم: قد دخل.
6- فی المصدر: فلم یشاورنی.
7- فی كتاب سلیم: لم یعبه ..
8- فی المصدر: و قبلوه منه.
9- جاءت العبارة فی المصدر هكذا: و ذلك قضاء لو قضی به مجنون نحیف سخیف لما زاد.
10- فی المصدر: منه، بدلا من: عنه.

أَشْبَارٍ، وَ قَوْلِهِ مَنْ أَخَذْتُمُوهُ مِنَ الْأَعَاجِمِ فَبَلَغَ طُولَ هَذَا الْحَبْلِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ!.

وَ رَدُّهُ سَبَایَا تُسْتَرَ، وَ هُنَّ حَبَالَی.

وَ إِرْسَالِهِ بِحَبْلٍ مِنْ (1) صِبْیَانٍ سَرَقُوا بِالْبَصْرَةِ، وَ قَوْلِهِ مَنْ بَلَغَ طُولَ هَذَا الْحَبْلِ فَاقْطَعُوهُ.

وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَذَّاباً رُجِمَ بِكِذَابَةٍ فَقَبِلَهَا وَ قَبِلَهَا الْجُهَّالُ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْمَلَكَ یَنْطِقُ عَلَی لِسَانِهِ وَ یُلَقِّنُهُ.

وَ إِعْتَاقِهِ سَبَایَا أَهْلِ الْیَمَنِ.

وَ تَخَلُّفِهِ وَ صَاحِبِهِ عَنْ جَیْشِ أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ مَعَ تَسْلِیمِهِمَا عَلَیْهِ بِالْإِمْرَةِ.

ثُمَّ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ وَ عَلِمَهُ النَّاسُ (2) أَنَّهُ الَّذِی صَدَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنِ الْكَتِفِ الَّذِی دَعَا بِهِ (3) ثُمَّ لَمْ یَضُرَّهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَ لَمْ یَنْقُصْهُ.

وَ أَنَّهُ صَاحِبُ صَفِیَّةَ حِینَ قَالَ لَهَا مَا قَالَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حَتَّی قَالَ مَا قَالَ.

وَ أَنَّهُ الَّذِی مَرَرْتُ بِهِ یَوْماً فَقَالَ: مَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ فِی أَهْلِ بَیْتِهِ إِلَّا كَنَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِی كُنَاسَةٍ!، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَغَضِبَ وَ خَرَجَ فَأَتَی الْمِنْبَرَ، وَ فَزِعَتِ الْأَنْصَارُ فَجَاءَتْ شَائِكَةً (4) فِی السِّلَاحِ لِمَا رَأَتْ مِنْ غَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ یُعَیِّرُونِّی بِقَرَابَتِی، وَ قَدْ سَمِعُوا مِنِّی مَا قُلْتُ فِی فَضْلِهِمْ وَ تَفْضِیلِ اللَّهِ إِیَّاهُمْ، وَ مَا خَصَّهُمْ بِهِ (5) مِنْ إِذْهَابِ

ص: 310


1- فی المصدر: فی، بدلا من: من.
2- فی المصدر: قد علم اللّٰه و أعلم النّاس.
3- فی كتاب سلیم: دعاه به.
4- فی المصدر: شاكّة، قال فی مجمع البحرین 5- 278: یقال: شاك الرّجل- من باب خاف-: أظهر شوكته و حدّته فهو شائك فی السّلاح و شاكی السّلاح علی القلب، و رجل شاك فی السّلاح و هو اللّابس السّلاح التّامّ فیه.
5- فی كتاب سلیم: و ما اختصّهم اللّٰه به.

الرِّجْسِ عَنْهُمْ وَ تَطْهِیرِ اللَّهِ إِیَّاهُمْ، وَ قَدْ سَمِعْتُمْ مَا قُلْتُ فِی أَفْضَلِ أَهْلِ بَیْتِی وَ خَیْرِهِمْ مِمَّا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ وَ أَكْرَمَهُ وَ فَضَّلَهُ عَلَی مَنْ سَبَقَهُ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ تَدَیُّنِهِ فِیهِ (1) وَ قَرَابَتِهِ مِنِّی، وَ أَنَّهُ مِنِّی (2) بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی، ثُمَّ تَزْعُمُونَ أَنَّ مَثَلِی فِی أَهْلِ بَیْتِی كَمَثَلِ نَخْلَةٍ فِی كُنَاسَةٍ!، أَلَا إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فَفَرَّقَهُ فِرْقَتَیْنِ فَجَعَلَنِی فِی خَیْرِ الْفِرْقَتَیْنِ، ثُمَّ فَرَّقَ الْفِرْقَةَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، شُعُوباً، وَ قَبَائِلَ، وَ بُیُوتاً، فَجَعَلَنِی فِی خَیْرِهَا شَعْباً وَ خَیْرِهَا قَبِیلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُیُوتاً، فَجَعَلَنِی فِی خَیْرِهَا بَیْتاً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً (3)، فَحَصَلْتُ فِی أَهْلِ بَیْتِی وَ عِتْرَتِی، و (4) أَنَا وَ أَخِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام)، أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَی أَهْلِ الْأَرْضِ نَظْرَةً فَاخْتَارَنِی مِنْهُمْ، ثُمَّ نَظَرَ نَظْرَةً فَاخْتَارَ عَلِیّاً أَخِی (5) وَ وَزِیرِی وَ وَارِثِی (6) وَ وَصِیِّی وَ خَلِیفَتِی فِی أُمَّتِی وَ وَلِیَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِی، فَبَعَثَنِی رَسُولًا وَ نَبِیّاً وَ دَلِیلًا، وَ أَوْحَی (7) إِلَیَّ أَنْ أَتَّخِذَ عَلِیّاً أَخاً وَ وَلِیّاً وَ وَصِیّاً وَ خَلِیفَةً فِی أُمَّتِی بَعْدِی، أَلَا وَ إِنَّهُ وَلِیُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِی، مَنْ وَالاهُ وَالاهُ اللَّهُ، وَ مَنْ عَادَاهُ عَادَاهُ اللَّهُ، وَ مَنْ أَحَبَّهُ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَ مَنْ أَبْغَضَهُ أَبْغَضَهُ اللَّهُ، لَا یُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَ لَا یُبْغِضُهُ إِلَّا كَافِرٌ، هُوَ (8) رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدِی وَ سَكَنُهَا- وَ فِی نُسْخَةٍ: هُوَ زِرُّ الْأَرْضِ (9) بَعْدِی وَ سَكَنُهَا- وَ هُوَ كَلِمَةُ التَّقْوَی، وَ عُرْوَةُ اللَّهِ الْوُثْقَی أَ تُرِیدُونَ أَنْ تُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِكُمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ

ص: 311


1- فی المصدر: فی الإسلام و بلائه فیه.
2- لا توجد: منّی، فی (ك).
3- الأحزاب: 33.
4- لا توجد الواو فی المصدر.
5- فی المصدر: أخی علیّا ..- بتقدیم و تأخیر-.
6- لا توجد: و وارثی، فی المصدر.
7- فی المصدر: فأوحی.
8- لا توجد: هو، فی المصدر.
9- فی المصدر: ذرّ الأرض ..

الْمُشْرِكُونَ؟!- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (1)

وَ یُرِیدُ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَنْ یُطْفِئُوا نُورَ أَخِی وَ یَأْبَی اللَّهُ إِلَّا أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ یَا أَیُّهَا النَّاسُ! لِیُبَلِّغْ مَقَالَتِی شَاهِدُهُكْم غَائِبَكُمْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَیْهِمْ.

أَیُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ نَظْرَةً ثَالِثَةً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَعْدِی اثْنَا عَشَرَ (2) وَصِیّاً مِنْ أَهْلِ بَیْتِی، وَ هُمْ خِیَارُ أُمَّتِی- وَ فِی نُسْخَةٍ أُخْرَی: فَجَعَلَهُمْ خِیَارَ أُمَّتِی (3)

مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً بَعْدَ أَخِی، وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، كُلَّمَا هَلَكَ وَاحِدٌ قَامَ وَاحِدٌ بِهِ (4)، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِی السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، لِأَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ هُدَاةٌ مُهْتَدُونَ، لَا یَضُرُّهُمْ كَیْدُ مَنْ كَادَهُمْ وَ لَا خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ، بَلْ یَضُرُّ اللَّهُ بِذَلِكَ مَنْ كَادَهُمُ وَ خَذَلَهُمْ، فَهُمْ حُجَّةُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ وَ شُهَدَاؤُهُ عَلَی خَلْقِهِ، مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللَّهَ وَ مَنْ عَصَاهُمْ عَصَی اللَّهَ، هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَ الْقُرْآنُ مَعَهُمْ لَا یُفَارِقُونَهُ وَ لَا یُفَارِقُهُمْ حَتَّی یَرِدُوا عَلَیَّ حَوْضِی، أَوَّلُ الْأَئِمَّةِ عَلِیٌّ خَیْرُهُمْ، ثُمَّ ابْنِی الْحَسَنُ ثُمَّ ابْنِی الْحُسَیْنُ (علیهم السلام) ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَیْنِ، وَ أُمُّهُمُ ابْنَتِی فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ابْنُ عَمِّی وَ أَخُو أَخِی، وَ عَمِّی حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

أَنَا خَیْرُ الْمُرْسَلِینَ وَ النَّبِیِّینَ، وَ فَاطِمَةُ ابْنَتِی سَیِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَ عَلِیٌّ وَ (5) بَنُوهُ الْأَوْصِیَاءُ خَیْرُ الْوَصِیِّینَ، وَ أَهْلُ بَیْتِی خَیْرُ أَهْلِ بُیُوتَاتِ النَّبِیِّینَ، وَ ابْنَایَ سیدی [سَیِّدَا] (6) شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

أَیُّهَا النَّاسُ! إِنَّ شَفَاعَتِی تَنَالُ عُلُوجَكُمْ، أَ فَتَعْجِزُ عَنْهَا (7) أَهْلُ بَیْتِی، مَا

ص: 312


1- هذا اقتباس ممّا جاء فی سورة التّوبة آیة: 32، و سورة الصّفّ آیة: 8.
2- فی المصدر: اثنی عشر .. و هو الظّاهر.
3- قوله: و فی نسخة .. إلی هنا لا یوجد فی المصدر المطبوع.
4- فی المصدر: منهم: بدلا من: به.
5- لا توجد الواو فی المصدر.
6- فی المصدر: سیّدا .. و هو الصّحیح.
7- فی كتاب سلیم: إنّ شفاعتی لیرجوها رجاءكم، أ فبعجز [فیعجز] عنها ..

أَحَدٌ (1) وَلَدَهُ جَدِّی عَبْدُ الْمُطَّلِبِ یَلْقَی اللَّهَ مُوَحِّداً لَا یُشْرِكُ بِهِ شَیْئاً إِلَّا أُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَ لَوْ كَانَ فِیهِ مِنَ الذُّنُوبِ عَدَدُ الْحَصَی وَ زَبَدُ الْبَحْرِ.

أَیُّهَا النَّاسُ! عَظِّمُوا أَهْلَ بَیْتِی فِی حَیَاتِی وَ مِنْ بَعْدِی وَ أَكْرِمُوهُمْ وَ فَضِّلُوهُمْ، فَإِنَّهُ لَا یَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ یَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِأَهْلِ بَیْتِی- وَ فِی نُسْخَةٍ أُخْرَی: أَیُّهَا النَّاسُ! (2) عَظِّمُوا أَهْلَ بَیْتِی فِی حَیَاتِی وَ بَعْدَ مَوْتِی-، إِنِّی لَوْ قَدْ (3) أَخَذْتُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ ثُمَّ تَجَلَّی لِی رَبِّی فَسَجَدْتُ وَ أَذِنَ لِی بِالشَّفَاعَةِ لَمْ أُوثِرْ عَلَی أَهْلِ بَیْتِی أَحَداً.

أَیُّهَا النَّاسُ! انْسُبُونِی مَنْ أَنَا؟. فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: فَقَامَتِ الْأَنْصَارُ، فَقَالَتْ-: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَ مِنْ غَضَبِ رَسُولِهِ، أَخْبِرْنَا- یَا رَسُولَ اللَّهِ- مَنِ الَّذِی آذَاكَ فِی أَهْلِ بَیْتِكَ حَتَّی نَضْرِبَ عُنُقَهُ؟- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: حَتَّی نَقْتُلَهُ وَ نُبِیرَ (4) عِتْرَتَهُ-.

فَقَالَ: انْسُبُونِی! أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ..- حَتَّی انْتَسَبَ إِلَی نِزَارٍ، ثُمَّ مَضَی فِی نَسَبِهِ إِلَی إِسْمَاعِیلَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ خَلِیلِ اللَّهِ-.

ثُمَّ قَالَ: إِنِّی وَ أَهْلَ بَیْتِی لِطِینَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، إِلَی آدَمَ نِكَاحٌ غَیْرُ سِفَاحٍ لَمْ یُخَالِطْنَا نِكَاحُ الْجَاهِلِیَّةِ، فَاسْأَلُونِی، فَوَ اللَّهِ لَا یَسْأَلُنِی رَجُلٌ عَنْ أَبِیهِ وَ عَنْ أُمِّهِ وَ عَنْ نَسَبِهِ إِلَّا أَخْبَرْتُهُ بِهِ.

فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ أَبِی؟. فَقَالَ: أَبُوكَ فُلَانٌ الَّذِی تُدْعَی إِلَیْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَ اللَّهِ لَوْ (5) نَسَبْتَنِی إِلَی غَیْرِهِ لَرَضِیتُ وَ سَلَّمْتُ. ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: مَنْ أَبِی؟. فَقَالَ: أَبُوكَ فُلَانٌ- لِغَیْرِ أَبِیهِ الَّذِی یُدْعَی إِلَیْهِ- فَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: أَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟.

ص: 313


1- فی المصدر: ما من أحد، و فی (ك): أجد، و لا معنی لها.
2- لا توجد: أیّها النّاس، فی (ك).
3- لا توجد: قد، فی المصدر.
4- فی المصدر: و لیبرّ عترته.
5- فی المصدر: و قال لو ..

فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: أَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟. فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ النَّارِ.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ هُوَ مُغْضَبٌ-: مَا یَمْنَعُ الَّذِی عَیَّرَ أَهْلَ بَیْتِی وَ أَخِی وَ وَزِیرِی وَ وَصِیِّی وَ خَلِیفَتِی فِی أُمَّتِی وَ وَلِیَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِی أَنْ یَقُومَ فَیَسْأَلَنِی مَنْ أَبُوهُ، وَ أَیْنَ هُوَ فِی الْجَنَّةِ أَمْ فِی النَّارِ؟.

فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَ سَخَطِ رَسُولِهِ، أُعْفُ عَنَّا یَا رَسُولَ اللَّهِ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، أَقِلْنَا أَقَالَكَ اللَّهُ، اسْتُرْنَا سَتَرَكَ اللَّهُ، اصْفَحْ عَنَّا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْكَ .. فَاسْتَحَی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ كَفَّ.

وَ هُوَ (1) صَاحِبُ الْعَبَّاسِ الَّذِی بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ سَاعِیاً فَرَجَعَ وَ قَالَ: إِنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ مَنَعَ صَدَقَةَ مَالِهِ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی عَافَانَا أَهْلَ الْبَیْتِ مِنْ شَرِّ مَا یُلَطِّخُونَّا بِهِ، إِنَّ الْعَبَّاسَ لَمْ یَمْنَعْ صَدَقَةَ مَالِهِ وَ لَكِنَّكَ عَجَّلْتَ عَلَیْهِ، وَ قَدْ عَجَّلَ زَكَاةَ سِنِینَ ثُمَّ أَتَانِی بَعْدُ یَطْلُبُ أَنْ أَمْشِیَ مَعَهُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِیَرْضَی عَنْهُ، فَفَعَلْتُ.

وَ هُوَ صَاحِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی سَلُولٍ حِینَ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِیُصَلِّیَ عَلَیْهِ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ مِنْ وَرَائِهِ، وَ قَالَ: لَقَدْ (2) نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَیْهِ وَ لَا یَحِلُّ لَكَ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَیْهِ، فَقَالَ لَهُ (3) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّمَا صَلَّیْتُ عَلَیْهِ كَرَامَةً لِابْنِهِ، وَ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ یُسَلِّمَ بِهِ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِی أَبِیهِ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ، وَ مَا یُدْرِیكَ مَا قُلْتُ، إِنَّمَا دَعَوْتُ اللَّهَ عَلَیْهِ.

وَ هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْمَ الْحُدَیْبِیَةِ حِینَ كُتِبَ الْقَضِیَّةُ إِذْ قَالَ: أَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا .. ثُمَّ جَعَلَ یَطُوفُ فِی عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 314


1- هنا زیادة: قال علیّ علیه السّلام: و هو .. جاءت فی المصدر.
2- فی كتاب سلیم: قد ..
3- لا توجد: له، فی المصدر.

عَلَیْهِ وَ آلِهِ یُحَرِّضُهُمْ (1) وَ یَقُولُ: أَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَفْرِجُوا عَنِّی، أَ تُرِیدُونَ أَنْ أَغْدِرَ بِذِمَّتِی؟!- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: أَخْرِجُوهُ عَنِّی، أَ تُرِیدُ أَنْ أَخْفِرَ ذِمَّتِی وَ لَا أَفِیَ لَهُمْ بِمَا كَتَبْتُ لَهُمْ-، خُذْ- یَا سُهَیْلُ!- ابْنَكَ جَنْدَلًا، فَأَخَذَهُ فَشَدَّهُ وَثَاقاً فِی الْحَدِیدِ، ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ عَاقِبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی الْخَیْرِ وَ الرُّشْدِ وَ الْهُدَی وَ الْعِزَّةِ وَ الْفَضْلِ.

وَ هُوَ صَاحِبُ یَوْمِ غَدِیرِ خُمٍّ إِذْ قَالَ هُوَ وَ صَاحِبُهُ حِینَ نَصَبَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِوَلَایَتِی، فَقَالَ: مَا یَأْلُو أَنْ تُرْفَعَ (2) خَسِیسَتُهُ، وَ قَالَ الْآخَرُ: مَا یَأْلُو رَفْعاً بِضَبْعِ ابْنِ عَمِّهِ، وَ قَالَ لِصَاحِبِهِ- وَ أَنَا مَنْصُوبٌ-: إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْكَرَامَةُ، فَقَطَّبَ صَاحِبُهُ فِی وَجْهِهِ، وَ قَالَ: لَا وَ اللَّهِ، مَا أَسْمَعُ وَ لَا أُطِیعُ أَبَداً، ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَیْهِ ثُمَّ تَمَطَّی وَ انْصَرَفَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ: فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّی وَ لكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّی ثُمَّ ذَهَبَ إِلی أَهْلِهِ یَتَمَطَّی أَوْلی لَكَ فَأَوْلی (3) وَعِیداً مِنَ اللَّهُ لَهُ (4).

وَ هُوَ الَّذِی دَخَلَ عَلَیَّ مَعَ (5) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَعُودُنِی فِی رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حِینَ غَمَزَهُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ عَهِدْتَ إِلَیْنَا فِی عَلِیٍّ عَهْداً وَ إِنِّی لَأَرَاهُ لِمَا بِهِ، فَإِنْ هَلَكَ فَإِلَی مَنْ؟. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: اجْلِسْ ... فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَقْبَلَ عَلَیْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا یَمُوتُ فِی مَرَضِهِ هَذَا، وَ لَا یَمُوتُ حَتَّی تَمْلَیَاهُ غَیْظاً وَ تُوسِعَاهُ غَدْراً وَ ظُلْماً، ثُمَّ تَجِدَاهُ صَابِراً قَوَّاماً، وَ لَا یَمُوتُ حَتَّی یَلْقَی مِنْكُمَا هَنَاتٍ وَ هَنَاتٍ، وَ لَا یَمُوتُ إِلَّا شَهِیداً مَقْتُولًا.

وَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جَمَعَ ثَمَانِینَ رَجُلًا،

ص: 315


1- فی كتاب سلیم: یحضضهم.
2- فی المصدر: أن یرفع ..
3- القیامة: 30- 34.
4- فی المصدر هنا زیادة: و انتهارا.
5- لا توجد: مع، فی (ك). و جاء فی المصدر: دخل علی علیّ مع ..

أَرْبَعِینَ مِنَ الْعَرَبِ وَ أَرْبَعِینَ مِنَ الْعَجَمِ- وَ هُمَا فِیهِمْ- فَسَلَّمُوا عَلَیَّ (1) بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ، ثُمَّ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ عَلِیّاً أَخِی وَ وَزِیرِی وَ وَارِثِی وَ خَلِیفَتِی فِی أُمَّتِی وَ وَصِیِّی وَ وَلِیُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ (2) بَعْدِی، فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِیعُوا، وَ فِیهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ وَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ سَعْدٌ وَ ابْنُ عَوْفٍ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ وَ سَالِمٌ وَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَ رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّی (3) أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَیْكُمْ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی (4) الْقَوْمِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أُشْرِبَتْ قُلُوبُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ بَلِیَّتِهَا وَ فِتْنَتِهَا مِنْ عِجْلِهَا وَ سَامِرِیِّهَا، إِنَّهُمْ أَقَرُّوا وَ ادَّعَوْا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: لَا یَجْمَعُ اللَّهُ لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ النُّبُوَّةَ وَ الْخِلَافَةَ، وَ قَدْ قَالَ لِأُولَئِكَ الثَّمَانِینَ رَجُلًا: سَلِّمُوا عَلَی عَلِیٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ، وَ أُشْهِدُكُمْ (5) عَلَی مَا أَشْهَدَهُمْ عَلَیْهِ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا (6) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمْ یَسْتَخْلِفْ أَحَداً، وَ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِالشُّورَی، ثُمَّ أَقَرُّوا أَنَّهُمْ لَمْ یُشَاوِرُوا وَ أَنَّ بَیْعَتَهُ كَانَتْ فَلْتَةً، وَ أَیُّ ذَنْبٍ أَعْظَمُ مِنَ الْفَلْتَةِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ وَ لَمْ یَقْتَدِ (7) بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَیَدَعَهُمْ بِغَیْرِ اسْتِخْلَافٍ (8)، طَعْناً مِنْهُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ رَغْبَةً عَنْ رَأْیِهِ، ثُمَّ صَنَعَ عُمَرُ شَیْئاً ثَالِثاً لَمْ یَدَعْهُمْ عَلَی مَا ادَّعَی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمْ یَسْتَخْلِفْ، وَ لَمْ یَسْتَخْلِفْ (9) كَمَا اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ، وَ جَاءَ بِشَیْ ءٍ ثَالِثٍ

ص: 316


1- فی المصدر: علی علیّ .. و هو سهو.
2- وضع علی: من، رمز نسخة بدل فی مطبوع البحار.
3- لا توجد: إنّی، فی المصدر.
4- فی المصدر: ثمّ أقبل علیّ علی .. و هو الظّاهر.
5- فی كتاب سلیم: و أشهدهم.
6- فی المصدر: .. علیه ثمّ زعموا أنّ ..
7- بزعمهم فی عدم استخلافه صلوات اللّٰه علیه من بعده.
8- فی المصدر زیادة: فقیل له فی ذلك فقال: أدع أمّة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله) كالنّعل الخلق، أدعهم بلا استخلاف، طعنا .. بدلا من: فیدعهم بغیر استخلاف.
9- لا توجد: و لم یستخلف، فی المصدر.

جَعَلَهَا شُورَی بَیْنَ سِتَّةِ نَفَرٍ، وَ أَخْرَجَ مِنْهَا جَمِیعَ الْعَرَبِ، ثُمَّ حَطَّنِی (1) بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَجَعَلَهُمْ مَعَ مَا أُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْفِتْنَةِ وَ الضَّلَالَةِ أَقْرَانِی، ثُمَّ بَایَعَ ابْنُ عَوْفٍ عُثْمَانَ فَبَایَعُوهُ، وَ قَدْ سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِی عُثْمَانَ مَا سَمِعُوا مِنْ لَعْنِهِ إِیَّاهُ فِی غَیْرِ مَوْطِنٍ، فَعُثْمَانُ- عَلَی مَا كَانَ عَلَیْهِ- خَیْرٌ مِنْهُمَا، وَ لَقَدْ قَالَ مُنْذُ أَیَّامٍ قَوْلًا رَقَقْتُ لَهُ (2) وَ أَعْجَبَتْنِی مَقَالَتُهُ، بَیْنَمَا أَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ فِی بَیْتِهِ إِذْ أَتَتْهُ عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ تَطْلُبَانِ مِیرَاثَهُمَا مِنْ ضِیَاعِ أَمْوَالِ (3) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ الَّتِی فِی یَدَیْهِ (4)، فَقَالَ: وَ لَا كَرَامَةَ (5)، لَكِنْ أُجِیزُ شَهَادَتَكُمَا عَلَی أَنْفُسِكُمَا، فَإِنَّكُمَا شَهِدْتُمَا عِنْدَ أَبَوَیْكُمَا أَنَّكُمَا سَمِعْتُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: إِنَّ النَّبِیَّ (صلی اللّٰه علیه و آله) (6) لَا یُورِثُ مَا تَرَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، ثُمَّ لَقَّنْتُمَا أَعْرَابِیّاً جِلْفاً یَبُولُ عَلَی عَقِبَیْهِ یَتَطَهَّرُ بِبَوْلِهِ- مَالِكَ بْنَ الْحَرْثِ بْنِ الْحَدَثَانِ- فَشَهِدَ مَعَكُمَا، لَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لَا مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ شَهِدَ بِذَلِكَ غَیْرُ أَعْرَابِیٍّ، أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَشُكُّ فِی أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ كَذَبْتُمَا عَلَیْهِ مَعَهُ، فَانْصَرَفَتَا مِنْ عِنْدِهِ تَبْكِیَانِ وَ تَشْتُمَانِهِ، فَقَالَ: ارْجِعَا، ثُمَّ قَالَ: أَ شَهِدْتُمَا (7) بِذَلِكَ (8) عِنْدَ أَبِی بَكْرٍ؟!. قَالَتَا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنْ شَهِدْتُمَا بِحَقٍّ فَلَا حَقَّ لَكُمَا، وَ إِنْ كُنْتُمَا شَهِدْتُمَا بِبَاطِلٍ فَعَلَیْكُمَا وَ عَلَی مَنْ أَجَازَ شَهَادَتَكُمَا عَلَی أَهْلِ هَذَا الْبَیْتِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَیَّ فَتَبَسَّمَ وَ قَالَ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! شَفَیْتُكَ مِنْهُمَا؟.

قُلْتُ: نَعَمْ وَ اللَّهِ وَ أَبْلَغْتَ، وَ قُلْتَ حَقّاً، فَلَا یُرْغِمُ اللَّهُ إِلَّا بِأَنْفَیْهِمَا، فَرَقَقْتُ لِعُثْمَانَ

ص: 317


1- فی المصدر: حظی.
2- فی كتاب سلیم: وقفت له.
3- فی المصدر: و أموال.
4- جاء فی مطبوع البحار: یده، علی أنّه نسخة بدل من یدیه.
5- فی المصدر: لا و اللّٰه و لا كرامة.
6- لا یوجد: النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله)، فی المصدر.
7- فی المصدر: .. ارجعا أ لیس قد شهدتهما ..
8- جاء فی (س): ذلك.

وَ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ رِضَایَ، وَ أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُمَا رُحْماً (1) وَ إِنْ كَانَ لَا عُذْرَ لَهُ وَ لَا حُجَّةَ بِتَأَمُّرِهِ عَلَیْنَا وَ ادِّعَائِهِ حَقَّنَا.

توضیح:

قال الجوهری: الْأُدْمَةُ فی الإبل: البیاض الشّدید، یقال: بَعِیرٌ آدَمُ و ناقةٌ أَدْمَاءُ، و الجمع أُدَمُ .. و یقال: هو الأبیضُ الأسودُ الْمُقْلَتَیْنِ ..، و الْأُدْمُ: الألفة و الاتّفاق (2)، و فی بعض النسخ: الْأُدْمُ الْحُمْرُ- بالحاء المهملة بدون الواو-.

قوله: بِصِفْرٍ عِیَابُهُ .. الْعِیَابُ: جَمْعُ الْعَیْبَةِ (3) .. أی لیست صنادیقه خالیة من تلك الأموال.

و الْبِیضُ: جمع الأبیض، و الْبَیْضَةُ من الحدید و غیرِهِ (4).

و الدُّمَی: جمع الدُّمْیَةِ بضمِّها، و هو الصّنم و الصّورة من العاج و نحوه (5).

و الرِّمَاحُ الْخَطِّیَّةُ: مشهورة (6).

و الرَّیْطَةُ: الثَّوْبُ النَّاعمُ اللَّیِّنُ (7).

و ذكر القِرَابِ لأنّها لجودتها یجعل فی مثل القراب، و فی بعض النسخ:

جرابها.

و الأَبْرَادُ جمع البُرْدِ .. (8) أی برود صفر طویلة.

ص: 318


1- فی المصدر زیادة هنا: و أكفّ عنّا منهما.
2- الصحاح 5- 1859، و انظر: لسان العرب 12- 11.
3- نصّ علیه فی لسان العرب 1- 634، و الصحاح 1- 190، و غیرهما.
4- كما فی الصحاح 3- 1068، و قریب منه فی لسان العرب 7- 134.
5- قاله فی صحاح اللغة 6- 2340، و لاحظ: لسان العرب 14- 271.
6- انظر: مجمع البحرین 4- 245، و لسان العرب 7- 290.
7- جاء قریب من المتن فی لسان العرب 7- 307، و تاج العروس 5- 145، و القاموس 2- 362. و كأنّ المصنّف- رحمه اللّٰه- نقل مضمون ما فی كتب اللغة.
8- انظر: مجمع البحرین 3- 13، و الصحاح 2- 447، و غیرهما.

و الدَّارِی: العطّار (1).

و الدِّرَاكُ- بكسر الدال-: المُدَارَكَةُ .. (2) أی مداركة إسراع الخیل و الإبل فی الغارات.

و السُّمْرُ: - جمع الأسمر-: و هو الرُّمح (3).

و درع سابغةٌ: تامّة طویلة (4).

و اللَّبَانُ- بالفتح-: الصّدر أو وسطه أو ما بین الثّدیین .. (5) أی حال كونی لابسا درعا طویلة تستر صدر الفرس الذی أنا راكبه فضول تلك الدرع و زوائدها.

و فی بعض النسخ: اللِّبَادُ: - جمع لُبْدَةِ السَّرْجِ (6)

و یقال: كَفْكَفَهُ عَنْهُ .. أی صرفه و دفعه (7)، و الضمیر راجع إلی السمر.

قوله صلّی اللّٰه علیه و آله: عُلُوجُكُمْ .. أی من أسلم من كفّار العجم (8)، و فیه نسخ أخری: مشتبهة، و قد مرّ أنّ فی النهایة: حاوكم، و هو الصواب.

قوله صلّی اللّٰه علیه و آله: ما یلطّخونا به. اللّطخ: التّسوید و إفساد الكتابة و اللّطخ بالعذرة (9).

ص: 319


1- ذكره فی الصحاح 2- 660، و مجمع البحرین 3- 305.
2- نصّ علیه فی لسان العرب 10- 420، و الصحاح 4- 1583، و غیرهما.
3- جاء فی صحاح اللغة 2- 689، و تاج العروس 3- 277.
4- قاله فی القاموس 3- 107، و تاج العروس 6- 15، و غیرهما.
5- كما فی القاموس 4- 265، و تاج العروس 9- 329، و انظر: لسان العرب 13- 376.
6- قال فی القاموس 1- 334: و كل شعر أو صوف متلبّد لبد و لبدة و لبدة جمعها: ألباد و لبود، و اللّبّاد: عاملها .. و بلا هاء [أی اللبد]: الأمر، و بساط معروف، و ما تحت السرج، و نحوه فی تاج العروس 2- 490. و علیه یكون الظاهر: الألباد أو اللبود، بدلا من: اللبّاد.
7- كما فی تاج العروس 6- 236، و انظر: الصحاح 4- 1423، و لسان العرب 9- 303.
8- كذا ذكره فی مجمع البحرین 2- 319، و لاحظ: النهایة 3- 286.
9- نصّ علیه فی القاموس 1- 265، و تاج العروس 2- 269، و انظر: لسان العرب 3- 38، و قال فی صفحة: 51 منه: لطخه بالشی ء ...: رماه به، و تلطّخ فلان بأمر قبیح: تدنّس، و هو أعمّ من اللطخ.

قوله: مَا یَأْلُو .. أی ما یُقَصِّرُ، یقال: آلی الرّجل و ألّی: إذا قصّر و ترك الجهد (1)، قال تعالی: لا یَأْلُونَكُمْ خَبالًا (2).

و الخسیسة و الخساسة: الحالة الّتی یكون علیها الخسیس، یقال: رفعت خسیسته، و من خسیسته: إذا فعلت به فعلا یكون فیه رفعته، ذكره فی النهایة (3).

و قال: الضَّبْعُ- بسكون الباء-: وسط العضد، و قیل هو ما تحت الإبط (4).

و قال البیضاوی (5): یَتَمَطَّی (6) .. أی یتبختر افتخارا بذلك- من المطّ-، فإنّ المتبختر یمدّ خطاه فیكون أصله یتمطّط، أو من المطا و هو الظهر، فإنّه یلویه.

أَوْلی لَكَ فَأَوْلی ویل لك- من الولی- و أصله: أولاك اللّٰه ما تكرهه، و اللّام مزیدة كما فی رَدِفَ لَكُمْ، أو أولی لك الهلاك، و قیل: أفعل من الویل بعد القلب كأدنی- من دون-، أو فعل من آل یئول بمعنی عقباك النار.

قوله علیه السلام: عَلَی مَا أَشْهَدَهُمْ (7) .. أی علی نحو ما أشهدهم رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و فی بعض النسخ: و أشهدهم علی ما أشهدهم علیه ..

أی كیف یدّعون علی الرسول أنّه بعد ما أمر ثمانین رجلا بالتسلیم علیه بإمرة المؤمنین قال: ما ادّعوا أنّه أشهدهم علیه و هما متناقضان؟!، فیكون قوله: إنّهم أقرّوا .. استئناف كلام آخر لبیان التناقض فی أقوالهم و أفعالهم.

ص: 320


1- كما فی مجمع البحرین 1- 29، و انظر: الصحاح 6- 2370، و لسان العرب 14- 39، و تاج العروس 10- 19.
2- آل عمران: 118.
3- النهایة 2- 31، و قارن ب: لسان العرب 6- 64.
4- النهایة 3- 73، و قارن ب: لسان العرب 8- 216.
5- تفسیر البیضاوی 2- 523 فی سورة القیامة.
6- لا توجد كلمة: یتمطّی، فی (س).
7- فی (ك): أشهدكم.

أقول: سیأتی تفاصیل البدع المذكورة فی الخبر.

ثم إنّ ظاهر صدر الخبر كون هذا الكلام فی خلافة عمر، و قوله: ثم صنع عمر شیئا ثالثا .. إلی آخره یدلّ علی أنّه كان فی خلافة عثمان أو بعده، و لعلّ سلیما سمع هذا الكلام منه علیه السلام فی مقام آخر فألحقه بهذا الكلام.

«153»-كِتَابُ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ (1): عَنْ أَبَانٍ، عَنْ سُلَیْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ- قَبْلَ وَقْعَةِ صِفِّینَ-: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَنْ یُنِیبُوا إِلَی الْحَقِّ وَ لَا إِلَی كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ حَتَّی یُرَامُونَا (2) بِالْعَسَاكِرِ تَتْبَعُهَا الْعَسَاكِرُ، وَ حَتَّی یُرْدِفُونَا (3) بِالْكَتَائِبِ تَتْبَعُهَا الْكَتَائِبُ، وَ حَتَّی یَجُرَّ بِبِلَادِهِمُ الْخَمِیسُ تَتْبَعُهَا الْخَمِیسُ، وَ حَتَّی تَرْعَی (4) الْخُیُولُ بِنَوَاحِی أَرْضِهِمْ وَ تَنْزِلَ عَنْ (5) مَسَالِحِهِمْ، وَ حَتَّی یُشَنَّ (6) الْغَارَاتُ عَلَیْهِمْ مِنْ كُلِّ فَجٍّ، وَ حَتَّی یَلْقَاهُمْ قَوْمٌ صُدَّقٌ صُبَّرٌ لَا یَزِیدُهُمْ هَلَاكُ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَتْلَاهُمْ وَ مَوْتَاهُمْ (7) فِی سَبِیلِ اللَّهِ إِلَّا جِدّاً فِی طَاعَةِ اللَّهِ، وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ أَخْوَالَنَا وَ أَعْمَامَنَا وَ أَهْلَ بُیُوتِنَا (8) ثُمَّ لَا یَزِیدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِیمَاناً وَ تَسْلِیماً وَ جِدّاً فِی طَاعَةِ اللَّهِ، وَ اسْتِقْلَالًا بِمُبَارَزَةِ الْأَقْرَانِ، وَ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الرَّجُلُ مِنْ عَدُوِّنَا لَیَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَیْنِ یَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَیُّهُمَا یَسْقِی صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَوْتِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَی اللَّهُ مِنَّا صِدْقاً وَ صَبْراً أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیْنَا وَ الرِّضَا عَنَّا، وَ أَنْزَلَ عَلَیْنَا النَّصْرَ، وَ لَسْتُ أَقُولُ إِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ

ص: 321


1- كتاب سلیم بن قیس الهلالیّ: 147- 151.
2- فی المصدر: یرموا.
3- فی كتاب سلیم: یردفوا- بلا ضمیر-.
4- تقرأ فی مطبوع البحار: ترعی، و: یرعی. و فی المصدر ما أثبتناه.
5- جاء فی المصدر: علی، و هی نسخة فی (ك).
6- فی كتاب سلیم: تشنّ.
7- خطّ علی: تا، من موتاهم فی (س)، و لا معنی لها.
8- فی المصدر: بیوتاتنا.

صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَذَلِكَ (1)،وَ لَقَدْ كَانَتْ مَعَنَا بِطَانَةٌ لاَ یَأْلُونَا(2)خَبَالاً (3)،قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَ مَا تُخْفِی صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ»(4) وَ لَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ بَعْضُ مَنْ تُفَضِّلُهُ أَنْتَ وَ أَصْحَابُكَ-یَا اِبْنَ قَیْسٍ -،فَارِّینَ،فَلاَ رَمَی بِسَهْمٍ،وَ لاَ ضَرَبَ بِسَیْفٍ،وَ لاَ طَعَنَ بِرُمْحٍ،إِذَا كَانَ الْمَوْتُ وَ النِّزَالُ تَوَارَی(5) وَ اعْتَلَّ وَ لاَذَ كَمَا تَلُوذُ النَّعْجَةُ الْعَوْرَاءُ لاَ یَدْفَعُ(6) یَدَ لاَمِسٍ،وَ إِذَا أَلْقَی الْعَدُوَّ فَرَّ وَ مَنَحَ الْعَدُوَّ دُبُرَهُ جُبْناً وَ لُؤْماً،وَ إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَ الْغَنِیمَةِ تَكَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ:

سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ (7) فَلَا یَزَالُ قَدِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِی ضَرْبِ عُنُقِ الرَّجُلِ الَّذِی لَیْسَ یُرِیدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَتْلَهُ، فَأَبَی عَلَیْهِ، وَ لَقَدْ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْماً وَ عَلَیْهِ السِّلَاحُ تَامٌّ (8)، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ قَالَ یُكَنِّیهِ: أَبَا فُلَانٍ الْیَوْمُ یَوْمُكَ؟.

فَقَالَ الْأَشْعَثُ: مَا أَعْلَمَنِی مَنْ (9) تَعْنِی! إِنَّ ذَلِكَ یَفِرُّ مِنْهُ الشَّیْطَانُ.

قَالَ: یَا ابْنَ قَیْسٍ! لَا آمَنَ اللَّهُ رَوْعَةَ الشَّیْطَانِ إِذَا قَالَ.

ثُمَّ قَالَ: وَ لَوْ كُنَّا حِینَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ قَضَیْنَا (10) الشَّدَائِدَ وَ الْأَذَی وَ الْبَأْسَ فَعَلْنَا كَمَا تَفْعَلُونَ الْیَوْمَ لَمَا قَامَ لِلَّهِ دِینٌ، وَ لَا أَعَزَّ اللَّهُ

ص: 322


1- هنا زیادة جاءت فی كتاب سلیم:و لكن أعظمهم و جلّهم و عامّتهم كانوا كذلك.
2- فی المصدر:لا تألونا.
3- الخبال : الفساد ، كما جاء فی المصباح المنیر ١ _ ٢٢٢ ، وغیره.
4- آل عمران : ١١٨.
5- فی كتاب سلیم : لاذ وتواری.
6- فی المصدر : لا تدفع.
7- الأحزاب: 19.
8- كذا، و لعلّه: التّامّ.
9- فی المصدر: بمن.
10- فی كتاب سلیم: و تصیبنا.

الْإِسْلَامَ، وَ ایْمُ اللَّهِ لَتَحْلِبُنَّهَا (1) دَماً وَ نَدَماً وَ حَیْرَةً (2)، فَاحْفَظُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ وَ اذْكُرُوهُ، فَلَیُسَلَّطَنَّ عَلَیْكُمْ شِرَارُكُمْ وَ الْأَدْعِیَاءُ مِنْكُمْ وَ الطُّلَقَاءُ وَ الطُّرَدَاءُ وَ الْمُنَافِقُونَ فَلَیَقْتُلُنَّكُمْ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّ اللَّهَ فَلَا یَسْتَجِیبُ لَكُمْ، وَ لَا یَدْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْكُمْ حَتَّی تَتُوبُوا وَ تَرْجِعُوا، فَإِنْ تَتُوبُوا وَ تَرْجِعُوا فَیَسْتَنْقِذُكُمْ (3) اللَّهُ مِنْ فِتْنَتِهِمْ وَ ضَلَالَتِهِمْ كَمَا اسْتَنْقَذَكُمْ مِنْ شِرْكِكُمْ (4) وَ جَهَالَتِكُمْ، إِنَّ الْعَجَبَ كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ جُهَّالِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ ضُلَّالِهَا وَ قَادَتِهَا وَ سَاقَتِهَا إِلَی النَّارِ، إِنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ- عَوْداً وَ بَدْءاً-: مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ رَجُلًا قَطُّ أَمْرَهَا وَ فِیهِمْ أَعْلَمُ مِنْهُ إِلَّا لَمْ یَزَلْ أَمْرُهُمْ یَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّی یَرْجِعُوا إِلَی مَا تَرَكُوا، فَوَلَّوْا أَمْرَهُمْ قَبْلِی ثَلَاثَةَ رَهْطٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَ لَا یَدَّعِی أَنَّ لَهُ عِلْماً بِكِتَابِ اللَّهِ وَ لَا سُنَّةِ نَبِیِّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)، وَ قَدْ عَلِمُوا أَنِّی أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَفْقَهُهُمْ وَ أَقْرَؤُهُمْ بِكِتَابِ (5) اللَّهِ وَ أَقْضَاهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ، وَ أَنَّهُ لَیْسَ رَجُلٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ لَهُ سَابِقَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لَا عَنَاءٌ مَعَهُ فِی جَمِیعِ مَشَاهِدِهِ، فَرَمَی بِسَهْمٍ، وَ لَا طَعَنَ بِرُمْحٍ، وَ لَا ضَرَبَ بِسَیْفٍ جُبْناً وَ لُؤْماً وَ رَغْبَةً فِی الْبَقَاءِ، وَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ أُبَیَّ بْنَ خَلَفٍ، وَ قَتَلَ مِسْجَعَ بْنَ عَوْفٍ- وَ كَانَ مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ وَ أَشَدِّهِمْ لِقَاءً، وَ أَحَقِّهِمْ بِذَلِكَ- وَ قَدْ عَلِمُوا یَقِیناً أَنَّهُ لَمْ یَكُنْ فِیهِمْ أَحَدٌ یَقُومُ مَقَامِی وَ لَا یُبَارِزُ الْأَبْطَالَ وَ یَفْتَحُ الْحُصُونَ غَیْرِی، وَ لَا نَزَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ شَدِیدَةٌ قَطُّ وَ لَا كَرَبَهُ أَمْرٌ وَ لَا ضِیقٌ وَ لَا مستضعف [مُسْتَصْعَبٌ] (6) مِنَ الْأَمْرِ إِلَّا قَالَ: أَیْنَ أَخِی عَلِیٌّ؟ أَیْنَ سَیْفِی؟ أَیْنَ رُمْحِی؟ أَیْنَ الْمُفَرِّجُ عَنِّی (7) عَنْ وَجْهِی؟

ص: 323


1- فی (س): لتجلینها، و فی المصدر: لتحتلبنّها .. و هو الظّاهر.
2- فی المصدر: و حسرة، بدلا من: و حیرة.
3- فی المصدر: یستنقذكم- بلا فاء-.
4- فی كتاب سلیم: استنقذكم من شركم.
5- فی المصدر: لكتاب.
6- فی كتاب سلیم: و لا مستصعب .. و هو الظّاهر.
7- فی المصدر: غمّی، و هی نسخة فی مطبوع البحار، و هو الظّاهر.

فَیُقَدِّمُنِی فَأَتَقَدَّمُ فَأَقِیهِ بِنَفْسِی (1) وَ یَكْشِفُ اللَّهُ بِیَدِیَ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِذَلِكَ الْمَنُّ وَ الطَّوْلُ حَیْثُ خَصَّنِی بِذَلِكَ وَ وَفَّقَنِی لَهُ، وَ إِنَّ بَعْضَ مَنْ قَدْ (2) سَمَّیْتُ مَا كَانَ لَهُ بَلَاءٌ (3) وَ لَا سَابِقَةٌ وَ لَا مُبَارَزَةُ قَرْنٍ، وَ لَا فَتْحٌ وَ لَا نَصْرٌ غَیْرَ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ فَرَّ وَ مَنَحَ عَدُوَّهُ دُبُرَهُ وَ رَجَعَ یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ یُجَبِّنُونَهُ، وَ قَدْ فَرَّ مِرَاراً، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَ الْغَنِیمَةِ تَكَلَّمَ (4) وَ أَمَرَ وَ نَهَی، وَ لَقَدْ نَادَاهُ (5) ابْنُ عَبْدِ وُدٍّ یَوْمَ الْخَنْدَقِ بِاسْمِهِ فَحَادَ عَنْهُ وَ لَاذَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّی تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِمَا رَأَی (6) بِهِ مِنَ الرُّعْبِ، وَ قَالَ: أَیْنَ حَبِیبِی عَلِیٌّ؟ تَقَدَّمْ یَا حَبِیبِی یَا عَلِیُّ، وَ لَقَدْ قَالَ (7) لِأَصْحَابِهِ الْأَرْبَعَةِ- أَصْحَابِ الْكِتَابِ-: الرَّأْیُ- وَ اللَّهِ- أَنْ یدفع [نَدْفَعَ] مُحَمَّداً بِرُمَّتِهِ (8) وَ نَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ حِینَ جَاءَ الْعَدُوُّ مِنْ فَوْقِنَا وَ مِنْ تَحْتِنَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی:

وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً (9) وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (11)، فَقَالَ صَاحِبُهُ: لَا،

ص: 324


1- فی كتاب سلیم: فأفدیه بنفسی.
2- لا توجد فی المصدر كلمة: قد.
3- فی كتاب سلیم: ذا بلاء.
4- فی كتاب سلیم: تكلّم و تغیّر ..
5- فی المصدر: و لقد نادی.
6- فی كتاب سلیم: فما رأی.
7- جاء فی المصدر: و قال- بدون كلمة: لقد-.
8- فی كتاب سلیم: و الرّأی و اللّٰه أن ندفع محمّدا إلیهم برمّته. و فی (س): الرّأی و إن و اللّٰه یدفع محمّدا برمّته و نسلم من ذلك، و هذه العبارة كما تری مشوشة. و المتن أیضا یحتاج إلی توجیه من فرض الفاعل ل (یدفع) أحدنا- المحذوف-، أو من حذف الألف من آخر كلمة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله) أو غیرهما من التوجیهات.
9- الأحزاب: 11.
10- الأحزاب: 10.
11- الأحزاب: 12. و فی المصدر: و قال المنافقون .. إلی آخره.

وَ لَكِنْ نَتَّخِذُ صَنَماً عَظِیماً نَعْبُدُهُ، لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ (1) أَنْ یَظْفَرَ ابْنُ أَبِی كَبْشَةَ فَیَكُونَ هَلَاكُنَا، وَ لَكِنْ یَكُونُ هَذَا الصَّنَمُ لَنَا زُخْراً (2)، فَإِنْ ظَفِرَتْ قُرَیْشٌ أَظْهَرْنَا عِبَادَةَ هَذَا الصَّنَمِ وَ أَعْلَمْنَاهُمْ أَنَّا لَنْ نُفَارِقَ دِینَنَا، وَ إِنْ رَجَعَتْ دَوْلَةُ ابْنِ أَبِی كَبْشَةَ كُنَّا مُقِیمِینَ عَلَی عِبَادَةِ هَذَا الصَّنَمِ سِرّاً، فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِذَلِكَ، ثُمَّ خَبَّرَنِی بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَعْدَ قَتْلِی ابْنَ عَبْدِ وُدٍّ، فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ: كَمْ صَنَماً عَبَدْتُمَا فِی الْجَاهِلِیَّةِ؟.

فَقَالا: یَا مُحَمَّدُ! لَا تُعَیِّرْنَا بِمَا مَضَی فِی الْجَاهِلِیَّةِ.

فَقَالَ: فَكَمْ صَنَمٍ (3) تَعْبُدَانِ وَقْتَكُمَا هَذَا (4)؟.

فَقَالا: وَ الَّذِی بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِیّاً مَا نَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ مُنْذُ أَظْهَرْنَا لَكَ (5) مِنْ دِینِكَ مَا أَظْهَرْنَا.

فَقَالَ: یَا عَلِیُّ! خُذْ هَذَا السَّیْفَ، فَانْطَلِقْ إِلَی مَوْضِعِ كَذَا .. وَ كَذَا فَاسْتَخْرِجِ الصَّنَمَ الَّذِی یَعْبُدَانِهِ فَاهْشِمْهُ (6)، فَإِنْ حَالَ بَیْنَكَ وَ بَیْنَهُ أَحَدٌ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، فَانْكَبَّا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالا: اسْتُرْنَا سَتَرَكَ اللَّهُ.

فَقُلْتُ أَنَا لَهُمَا: اضْمَنَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ أَلَّا تَعْبُدَا إِلَّا اللَّهَ وَ لَا تُشْرِكَا بِهِ شَیْئاً.

فَعَاهَدَا (7) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی ذَلِكَ (8)، وَ انْطَلَقْتُ حَتَّی اسْتَخْرَجْتُ الصَّنَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَ كَسَرْتُ وَجْهَهُ وَ یَدَیْهِ وَ جَزَمْتُ (9) رِجْلَیْهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَی رَسُولِ

ص: 325


1- فی (س) جاءت نسخة: لا آمن، بدلا من: لا نأمن.
2- فی المصدر: ذخرا، و هو الظّاهر.
3- كذا، و الظّاهر: صنما.
4- جاء فی المصدر: یومكما هذا.
5- فی كتاب سلیم لا توجد: لك.
6- الهشم: الكسر، كما فی مجمع البحرین 6- 186، و غیره.
7- جاءت نسخة علی (س): فعاهدا علی هذا.
8- جاءت العبارة فی (ك) هكذا: فعاهدا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله علی هذا.
9- فی المصدر: و جذمت .. أی قطعته، كما فی مجمع البحرین 6- 27، و جاء فیه فی صفحة: 29: الجزم: القطع.

اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِی وَجْهِهِمَا حَتَّی مَاتَا، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ حِینَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَخَاصَمُوا الْأَنْصَارَ بِحَقِّی، فَإِنْ كَانُوا صَدَقُوا وَ احْتَجُّوا بِحَقٍّ أَنَّهُمْ أَوْلَی مِنَ الْأَنْصَارِ لِأَنَّهُمْ مِنْ قُرَیْشٍ وَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ قُرَیْشٍ، فَمَنْ كَانَ أَوْلَی بِرَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) كَانَ أَوْلَی بِالْأَمْرِ؟! وَ إِنَّمَا ظَلَمُونِی حَقِّی.

وَ إِنْ كَانُوا احْتَجُّوا بِبَاطِلٍ فَقَدْ ظَلَمُوا الْأَنْصَارَ حَقَّهُمْ، وَ اللَّهُ یَحْكُمُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ مَنْ ظَلَمَنَا وَ حَمَلَ النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا.

وَ الْعَجَبُ لِمَا قَدْ أُشْرِبَتْ قُلُوبُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ حُبِّهِمْ وَ حُبِّ مَنْ صَدَّقَهُمْ (1) وَ صَدَّهُمْ عَنْ سَبِیلِ رَبِّهِمْ وَ رَدَّهُمْ عَنْ دِینِهِمْ، وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَامَتْ عَلَی أَرْجُلِهَا عَلَی التُّرَابِ، وَ الرَّمَادَ وَاضِعَةٌ عَلَی (2) رُءُوسِهَا، وَ تَضَرَّعَتْ (3) وَ دَعَتْ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ عَلَی مَنْ أَضَلَّهُمْ، وَ صَدَّهُمْ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ، وَ دَعَاهُمْ إِلَی النَّارِ، وَ عَرَضَهُمْ لِسَخَطِ رَبِّهِمْ، وَ أَوْجَبَ عَلَیْهِمْ عَذَابَهُ بِمَا أَجْرَمُوا إِلَیْهِمْ لَكَانُوا مُقَصِّرِینَ فِی ذَلِكَ، وَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحِقَّ الصَّادِقَ وَ الْعَالِمَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ یَتَخَوَّفَانِ إنْ غَیَّرَا (4) شَیْئاً مِنْ بِدَعِهِمْ وَ سُنَنِهِمْ وَ أَحْدَاثِهِمْ عَادِیَةَ (5) الْعَامَّةِ، وَ مَتَی فَعَلَ شَاقُّوهُ وَ خَالَفُوهُ وَ تَبَرَّءُوا مِنْهُ وَ خَذَلُوهُ وَ تَفَرَّقُوا عَنْ حَقِّهِ، وَ إِنْ أَخَذَ بِبِدَعِهِمْ وَ أَقَرَّ بِهَا وَ زَیَّنَهَا (6) وَ دَانَ بِهَا أَحَبَّتْهُ وَ شَرَّفَتْهُ وَ فَضَّلَتْهُ، وَ اللَّهِ لَوْ نَادَیْتُ فِی عَسْكَرِی هَذَا بِالْحَقِّ الَّذِی أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی نَبِیِّهِ وَ أَظْهَرْتُهُ وَ دَعَوْتُ إِلَیْهِ وَ شَرَحْتُهُ وَ فَسَّرْتُهُ عَلَی مَا سَمِعْتُ مِنْ نَبِیِّ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ فِیهِ، مَا

ص: 326


1- لا توجد: صدّقهم .. فی كتاب سلیم.
2- فی المصدر: و وضعت الرّماد علی.
3- فی كتاب سلیم: و تضرّعت إلی اللّٰه ..
4- فی المصدر: یتخوّف إن غیّر شیئا من .. و هو الظّاهر. و قد جاء نسخة فی مطبوع البحار: یتخوّف إن غیّر.
5- فی المصدر: و عادته.
6- وضع علی: و زیّنها، رمز نسخة بدل فی (ك).

بَقِیَ فِیهِ إِلَّا أَقَلُّهُ وَ أَذَلُّهُ وَ أَرْذَلُهُ، وَ لَاسْتَوْحَشُوا مِنْهُ، وَ لَتَفَرَّقُوا مِنِّی (1)، وَ لَوْ لَا مَا عَاهَدَ (2) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَیَّ وَ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، وَ تَقَدَّمَ إِلَیَّ فِیهِ لَفَعَلْتُ، وَ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ قَالَ (3): كُلُّ مَا اضْطُرَّ إِلَیْهِ الْعَبْدُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ وَ أَبَاحَهُ إِیَّاهُ، وَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ التَّقِیَّةَ مِنْ دِینِ اللَّهِ، وَ لَا دِینَ لِمَنْ لَا تَقِیَّةَ لَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیَّ، فَقَالَ: أَدْفَعُهُمْ بِالرَّاحِ دَفْعاً عَنِّی، ثُلُثَانِ مِنْ حَیٍّ وَ ثُلُثٌ مِنِّی، فَإِنْ عَوَّضَنِی رَبِّی فَأعْذَرَنِی.

إیضاح:

أقول:

رَوَی ابْنُ مَیْثَمَ (4) بَعْضَ الْخُطْبَةِ، وَ فِیهِ: حَتَّی یُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْعَسَاكِرُ، وَ حَتَّی یَرْجُمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْجَلَائِبُ (5)، وَ حَتَّی یَجُرَّ بِبِلَادِهِمُ الْخَمِیسُ یَتْلُوهُ (6) الْخَمِیسُ، وَ حَتَّی تَدْعَقَ الْخُیُولُ فِی نَوَاحِی (7) أَرْضِهِمْ وَ بِأَحْنَاءِ مَشَارِبِهِمْ (8) وَ مَسَارِحِهِمْ، و بعد قوله: فی طاعة اللّٰه: و حرصا علی لقاء اللّٰه.

و روی فی النهج أیضا بأدنی اختلاف (9).

قوله علیه السلام: إِلی كَلِمَةٍ سَواءٍ. أی (10) عادلة أو مشتركة بیننا و بینهم.

ص: 327


1- فی المصدر: و لتفرّقوا عنّی.
2- كذا، و الظّاهر: عهد، كما جاء فی المصدر.
3- فی كتاب سلیم زیادة: یا أخی، بعد كلمة قال.
4- فی شرحه علی النهج 3- 123.
5- فی المصدر: حتی یرموا بالمناسر تتبعها المناسر، و یرجموا بالكتائب تقفوها الحلائب. قال فی مجمع البحرین 2- 46: و الحلبة- بالتسكین-: خیل تجمع للسباق و من كلّ أوب لا یخرج من اصطبل واحد.
6- فی (ك): یلوه.
7- فی المصدر: نواحر.
8- قال فی شرح ابن میثم: و بأعنان مساربهم.
9- نهج البلاغة فی طبعة صبحی الصالح: 180- 181 خطبة: 124، و فی طبعة محمّد عبده 2 2- 5.
10- فی (س): إلی ..

و الْمَنْسِرُ: خیل من المائة إلی المائتین، و یقال: هو الجیش ما یمرّ بشی ء إلّا اقتلعه (1).

و الْجَلَائِبُ: الإبل الّتی تجلب إلی الرّجل النّازل علی الماء لیس له ما یحمل علیه فیحملونه علیها (2)، و لا یبعد أن یكون بالنون (3).

و الْخَمِیسُ: الجیش (4).

و قال الجوهری (5): دُعِقَ الطّریقُ فهو مدعوق .. أی كثر علیه الوطء، و دَعَقَتْهُ الدّوابُّ: أثّرت فیه.

و الْأَحْنَاءُ: الجوانب (6).

و الْمَسَارِحُ: مواضع سرح الدّوابّ (7)، و الْمَسَالِحُ: الثّغور و المراقب (8).

قَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَقَدْ رَأَیْتُنَا .. فِی النَّهْجِ (9): وَ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَعْمَامَنَا، مَا یَزِیدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِیمَاناً وَ تَسْلِیماً وَ مُضِیّاً عَلَی اللَّقَمِ، وَ صَبْراً عَلَی مَضَضِ الْأَلَمِ، وَ جِدّاً فِی جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَ لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا یَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَیْنِ، یَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَیُّهُمَا یَسْقِی صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَی اللَّهُ صِدْقَنَا

ص: 328


1- صرّح به فی المصباح المنیر 2- 828، و ذكر المعنی الأول فی مجمع البحرین 3- 492، و تاج العروس 3- 564، و لسان العرب 5- 205، أیضا.
2- قاله فی لسان العرب 1- 268، و النهایة: 1- 282، و غیرهما.
3- یعنی بدل اللام .. أی الجنائب.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 4- 66، و نهایة ابن الأثیر 2- 79، و غیرهما.
5- فی صحاح اللغة 4- 1474، و قارن ب: مجمع البحرین 5- 160، و النهایة 2- 119.
6- جاء فی مجمع البحرین 1- 112، و الصحاح 6- 2321، و لسان العرب 14- 206.
7- كما فی النهایة 2- 357، و مجمع البحرین 2- 371، و لسان العرب 2- 478.
8- ذكره فی لسان العرب 2- 487، و الصحاح 1- 376. و انظر: مجمع البحرین 2- 374.
9- نهج البلاغة، محمّد عبده 1- 104- 105، و صبحی الصّالح: 91 برقم 56، باختلاف یسیر، و جاء مقارب من هذا المعنی فی نهج البلاغة، محمّد عبده 1- 236، فراجع.

أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَ أَنْزَلَ عَلَیْنَا النَّصْرَ، حَتَّی اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُلْقِیاً جِرَانَهُ، وَ مُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَ لَعَمْرِی لَوْ كُنَّا نَأْتِی مَا أَتَیْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّینِ عَمُودٌ، وَ لَا اخْضَرَّ لِلْإِیمَانِ عُودٌ، وَ ایْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَ لَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً.

و الشَّنُّ: الصّبّ و التّفریق، و شنّ الغارات: تفریقها علیهم من كلّ ناحیة (1).

و اللَّقَمُ: منهج الطّریق (2).

و الْمَضَضُ: حرقة الألم (3).

و التَّصَاوُلُ: أن یحمل كلّ من القرینین (4) علی صاحبه (5).

و التَّخَالُسُ: التّسالب .. أی ینتهز كلّ منهما فرصة صاحبه (6).

و الْمَنُونُ: الموت (7).

و الْكَبْتُ: الإذلال و الصّرف (8).

و الْجِرَانُ: مقدّم عنق البعیر من منخره إلی مذبحه (9)، كنایة عن استقراره فی قلوب عباد اللّٰه كالبعیر الذی أخذ مكانه و استقرّ فیه.

و یقال: تَبَوَّأَ وَطَنَهُ .. أی سكن فیه (10)، شبّه علیه السلام الإسلام بالرجل

ص: 329


1- كما فی لسان العرب 13- 242، و تاج العروس 9- 256، و انظر: مجمع البحرین 6- 272.
2- نصّ علیه فی المصباح المنیر 2- 765، و انظر: تاج العروس 9- 61، و لسان العرب 12- 547.
3- قال فی تاج العروس 5- 86: مضّه الهمّ و الحزن و القول یمضّه مضّا و مضیضا: أحرقه و شقّ علیه .. و المضض: وجع المصیبة، و نحوه فی لسان العرب 7- 233، و انظر: القاموس 2- 344.
4- فی (س): القرنین.
5- انظر: لسان العرب 11- 387، و النهایة 3- 61، و الصحاح 5- 1746.
6- قاله فی لسان العرب 6- 65، و تاج العروس 4- 138، و لاحظ: صحاح اللغة 3- 923.
7- نصّ علیه فی الصحاح 6- 2207 و 2497، و تاج العروس 9- 350، و لسان العرب 13- 415.
8- كذا جاء فی الصحاح 1- 262، و لسان العرب 2- 76، و تاج العروس 1- 575.
9- كما ذكره فی تاج العروس 9- 160، و الصحاح 5- 2091، و انظر: مجمع البحرین 6- 225.
10- انظر: مجمع البحرین 1- 67، و تاج العروس 10- 51، و لسان العرب 1- 39.

الخائف المتزلزل الذی استقرّ فی وطنه بعد خوفه.

قوله علیه السلام: لتحتلبنّها .. الضمیر مبهم یرجع إلی أفعالهم، شبّهها بالناقة التی أصیب ضرعها بآفة من تفریط صاحبها فیها، و لعلّ المقصود عدم انتفاعهم بتلك الأفعال عاجلا و آجلا.

و البِطَانَةُ: الولیجة (1): و هو الّذی یعرّفه الرّجل أسراره ثقة به (2).

لا یألونا خبالا .. أی لا یقصّرون لنا فی الفساد، و الألو: التّقصیر (3).

قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ. أی (4) فی كلامهم، لأنّهم لا یملكون من أنفسهم لفرط بغضهم، وَ ما تُخْفِی صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ممّا بدا، لأنّ بدوه لیس عن رویة و اختیار.

قوله علیه السلام: سَلَقُوكُمْ. أی ضربوكم و آذوكم (5) «بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ»:

ذَرِبَةٍ (6) یطلبون الغنیمة.

و السَّلْقُ: البسط بقهر (7) بالید أو باللّسان.

قوله علیه السلام: یكنّیه .. أی ناداه بالكنیة، فقال: یا أبا حفص، فقال الأشعث: أنا أعرف أنّك تعنی عمر، و هو الذی قال فیه النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله:

إنّ الشیطان یفرّ منه، فقال علیه السلام استهزاء و تكذیبا للخبر الموضوع: ما آمن اللّٰه روعة الشیطان إذا كان یفرّ من مثل عمر.

ص: 330


1- نصّ علیه فی مجمع البحرین 6- 214، و القاموس 4- 202، و غیرهما.
2- انظر: مجمع البحرین 6- 214، و لسان العرب 13- 55، و تاج العروس 9- 141، و النهایة 1- 136.
3- كما فی لسان العرب 14- 39، و انظر: مجمع البحرین 1- 29، و الصحاح 6- 2270.
4- فی (س): أو.
5- قاله فی مجمع البحرین 5- 186.
6- ذكره فی لسان العرب 10- 160، و الذّربة: السلیطة، كما فی القاموس 1- 67.
7- صرّح به فی الصحاح 5- 1497، و تاج العروس 6- 386، و انظر: لسان العرب 10- 162.

و یقال: كربه الغمّ .. أی اشتدّ علیه (1).

و الْجَذْمُ: القطع (2).

قوله علیه السلام: لقد عرفت ذلك .. أی أثر البغض و العداوة لذلك الأمر.

«154»-كنز (3): قَوْلُهُ تَعَالَی: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ (4) قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ: نَزَلَتْ (5) فِی الثَّانِی، یَعْنِی مَا قَدَّمَتْ مِنْ وَلَایَةِ أَبِی فُلَانٍ وَ مِنْ وَلَایَةِ نَفْسِهِ وَ مَا أَخَّرَتْ مِنْ وُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ ... (6) إِلَی قَوْلِهِ: بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّینِ (7)، قَالَ (8): الْوَلَایَةِ (9).

«155»-كنز (10): رُوِیَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَیْنَةَ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ (11)، قَالَ: قَالَ لِی أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا ابْنَ خَرَّبُوذَ (12)! أَ تَدْرِی مَا تَأْوِیلُ هَذِهِ الْآیَةِ: فَیَوْمَئِذٍ لا یُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (13)؟!. قُلْتُ: لَا. قَالَ: ذَلِكَ (14) الثَّانِی،

ص: 331


1- ذكره فی لسان العرب 1- 711، و تاج العروس 1- 542، و غیرهما.
2- نصّ علیه فی مجمع البحرین 6- 27، و لسان العرب 12- 86.
3- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 770.
4- الانفطار: 5.
5- جاء فی المصدر: ذكر علیّ بن إبراهیم فی تفسیره أنّها نزلت .. إلی آخره، و قد بحثنا عنها فی تفسیره فلم نجدها.
6- جاء فی الكنز: و ذكر أیضا قال: و قوله عزّ و جلّ .. إلی آخره.
7- الانفطار: 9.
8- فی (ك): قالوا.
9- فی المصدر: بعد الآیة قال أی بالولایة، فالدّین هو الولایة، و قد ذكره فی تفسیر البرهان 4- 236، حدیث 4 و 5.
10- تأویل الآیات الظّاهرة 2- 795، حدیث 5.
11- فی (س): خربوز.
12- فی (س): خربوز.
13- الفجر: 25. و ذكر فی المصدر ما بعد الآیة: «وَ لا یُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ».
14- فی الكنز: ذاك.

لَا یُعَذِّبُ اللَّهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَذَابَهُ أَحَداً (1)..

«156»-كِتَابُ الْمُحْتَضَرِ (2): عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِی عَیَّاشٍ، عَنْ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ الْهِلَالِیِّ، عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ- فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ-: وَ لَقَدْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ الْأَرْبَعَةِ- أَصْحَابِ الْكِتَابِ-: الرَّأْیُ- وَ اللَّهِ- أَنْ نَدْفَعَ مُحَمَّداً بِرُمَّتِهِ وَ نُسَلِّمَ، وَ ذَلِكَ حِینَ جَاءَ الْعَدُوُّ مِنْ فَوْقِنَا وَ مِنْ تَحْتِنَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی:

وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (3). فَقَالَ صَاحِبُهُ: وَ لَكِنْ (4) نَتَّخِذُ صَنَماً عَظِیماً فَنَعْبُدُهُ لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ مِنْ أَنْ یَظْفَرَ ابْنُ أَبِی كَبْشَةَ فَیَكُونَ هَلَاكُنَا، وَ لَكِنْ یَكُونُ هَذَا الصَّنَمُ لَنَا زُخْراً (5) فَإِنْ ظَفِرَتْ (6) قُرَیْشٌ أَظْهَرْنَا عِبَادَةَ هَذَا الصَّنَمِ وَ أَعْلَمْنَاهُمْ أَنَّا كُنَّا لَمْ نُفَارِقْ دِینَنَا، وَ إِنْ رَجَعَتْ دَوْلَةُ ابْنِ أَبِی كَبْشَةَ كُنَّا مُقِیمِینَ عَلَی عِبَادَةِ هَذَا الصَّنَمِ سِرّاً، فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ خَبَّرَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِهِ بَعْدَ قَتْلِی ابْنَ عَبْدِ وُدٍّ، فَدَعَاهُمَا، وَ قَالَ: كَمْ صَنَماً عَبَدْتُمَا فِی الْجَاهِلِیَّةِ؟!.

فَقَالا: یَا مُحَمَّدُ! لَا تُعَیِّرْنَا بِمَا مَضَی فِی الْجَاهِلِیَّةِ.

فَقَالَ: كَمْ صَنَماً تَعْبُدَانِ یَوْمَكُمَا هَذَا؟.

فَقَالا: وَ الَّذِی بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِیّاً مَا نَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ مُنْذُ أَظْهَرْنَا لَكَ مِنْ دِینِكَ مَا أَظْهَرْنَا.

ص: 332


1- و ذكره فی تفسیر البرهان 4- 460، حدیث 1.
2- المحتضر: 58- 59، باختلاف یسیر.
3- الأحزاب: 10 و 11- 12 بتقدیم و تأخیر.
4- فی المصدر: لا و لكن.
5- كذا، و الظّاهر: ذخرا، كما فی المصدر، و إن جاء زخرا لغة بمعنی الفخر، قال فی القاموس 2- 38: زخر ... الرّجل بما عنده فخر.
6- فی المحتضر: ظهرت.

فَقَالَ (1): یَا عَلِیُّ! خُذْ هَذَا السَّیْفَ فَانْطَلِقْ إِلَی مَوْضِعِ كَذَا .. وَ كَذَا فَاسْتَخْرِجِ الصَّنَمَ الَّذِی یَعْبُدَانِهِ فَاهْشِمْهُ، فَإِنْ حَالَ بَیْنَكَ وَ بَیْنَهُ أَحَدٌ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، فَانْكَبَّا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالا: اسْتُرْنَا سَتَرَكَ اللَّهُ.

فَقُلْتُ أَنَا لَهُمَا: اضْمَنَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ أَنْ لَا تَعْبُدَا إِلَّا اللَّهَ وَ لَا تُشْرِكَا بِهِ شَیْئاً.

فَعَاهَدَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی ذَلِكَ، وَ انْطَلَقْتُ حَتَّی اسْتَخْرَجْتُ الصَّنَمَ فَكَسَرْتُ وَجْهَهُ وَ یَدَیْهِ وَ جَزَمْتُ رِجْلَیْهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ فِی وُجُوهِهِمَا عَلِیٌّ حَتَّی مَاتَا (2) ..

وَ سَاقَ الْحَدِیثَ إِلَی آخِرِهِ.

«157»-قَالَ (3): وَ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِی كِتَابِهِ (4)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ، قَالَ: إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَانَ یَخْرُجُ فِی كُلِّ (5) جُمُعَةٍ إِلَی ظَاهِرِ الْمَدِینَةِ وَ لَا یُعْلِمُ أَحَداً أَیْنَ یَمْضِی، قَالَ: فَبَقِیَ عَلَی ذَلِكَ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ، فَلَمَّا كَانَ فِی بَعْضِ اللَّیَالِی، قَالَ (6) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا بُدَّ (7) مِنْ أَنْ أَخْرُجَ وَ أُبْصِرَ أَیْنَ یَمْضِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام)، قَالَ: فَقَعَدَ لَهُ عِنْدَ بَابِ الْمَدِینَةِ حَتَّی خَرَجَ وَ مَضَی عَلَی عَادَتِهِ، فَتَبِعَهُ عُمَرُ- وَ كَانَ كُلَّمَا وَضَعَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَدَمَهُ فِی مَوْضِعٍ وَضَعَ عُمَرُ رِجْلَهُ مَكَانَهَا- فَمَا كَانَ إِلَّا قَلِیلًا حَتَّی وَصَلَ إِلَی بَلْدَةٍ عَظِیمَةٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَ شَجَرٍ وَ مِیَاهٍ غَزِیرَةٍ، ثُمَّ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ دَخَلَ إِلَی حَدِیقَةٍ بِهَا مَاءٌ جَارٍ فَتَوَضَّأَ وَ وَقَفَ بَیْنَ النَّخْلِ یُصَلِّی إِلَی أَنْ مَضَی مِنَ اللَّیْلِ أَكْثَرُهُ، وَ أَمَّا عُمَرُ فَإِنَّهُ نَامَ فَلَمَّا قَضَی

ص: 333


1- فی المصدر: فقال لی.
2- فی كتاب المحتضر: ذلك منهما فی وجوههما علیّ .. و لا توجد فیه: حتّی ماتا.
3- قاله الشّیخ حسن بن سلیمان الحلّیّ فی كتابه المحتضر: 66- 68 باختلاف.
4- لا توجد فی المصدر: فی كتابه.
5- فی المحتضر زیادة: لیلة.
6- لا توجد: قال، فی (س)، و فی المصدر: فقال.
7- فی المحتضر: لا بدّ لی.

أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَطَرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَادَ وَ رَجَعَ إِلَی الْمَدِینَةِ حَتَّی وَقَفَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ صَلَّی مَعَهُ الْفَجْرَ، فَانْتَبَهَ عُمَرُ فَلَمْ یَجِدْ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی مَوْضِعِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَأَی مَوْضِعاً لَا یَعْرِفُهُ وَ قَوْماً لَا یَعْرِفُهُمْ وَ لَا یَعْرِفُونَهُ، فَوَقَفَ عَلَی رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مِنْ أَیْنَ أَنْتَ (1)؟ وَ مِنْ أَیْنَ أَتَیْتَ؟.

فَقَالَ عُمَرُ (2): مِنْ یَثْرِبَ مَدِینَةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله).

فَقَالَ الرَّجُلُ: یَا شَیْخُ (3)! تَأَمَّلْ أَمْرَكَ وَ أَبْصِرْ مَا (4) تَقُولُ؟.

فَقَالَ: هَذَا الَّذِی أَقُولُهُ لَكَ.

قَالَ الرَّجُلُ: مَتَی خَرَجْتَ مِنَ الْمَدِینَةِ؟.

قَالَ: الْبَارِحَةَ.

قَالَ لَهُ: اسْكُتْ، لَا یَسْمَعُ النَّاسُ مِنْكَ هَذَا فَتُقْتَلُ أَوْ یَقُولُونَ هَذَا مَجْنُونٌ.

فَقَالَ: الَّذِی أَقُولُ حَقٌّ.

فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: حَدِّثْنِی كَیْفَ حَالُكَ وَ مَجِیئُكَ إِلَی هَاهُنَا؟!.

فَقَالَ عُمَرُ: كَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فِی كُلِّ لَیْلَةِ جُمُعَةٍ یَخْرُجُ مِنَ الْمَدِینَةِ وَ لَا نَعْلَمُ أَیْنَ یَمْضِی، فَلَمَّا كَانَ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ تَبِعْتُهُ وَ قُلْتُ أُرِیدُ أَنْ أُبْصِرَ أَیْنَ یَمْضِی، فَوَصَلْنَا إِلَی هَاهُنَا، فَوَقَفَ یُصَلِّی وَ نِمْتُ وَ لَا أَدْرِی مَا صَنَعَ؟.

فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ادْخُلْ هَذِهِ الْمَدِینَةَ وَ أَبْصِرِ النَّاسَ وَ اقْطَعْ أَیَّامَكَ إِلَی لَیْلَةِ الْجُمُعَةِ فَمَا لَكَ مَنْ یَحْمِلُكَ إِلَی مَوْضِعِ الَّذِی جِئْتَ مِنْهُ إِلَّا الرَّجُلُ (5) الَّذِی جَاءَ

ص: 334


1- فی (ك): من أنت.
2- فی المصدر: فقال عربیّ: أتیت.
3- لا توجد: یا شیخ، فی المصدر.
4- فی كتاب المحتضر: و انظر أیش.
5- لا توجد: الرّجل، فی المصدر.

بِكَ، فَبَیْنَنَا وَ بَیْنَ الْمَدِینَةِ أَزْیَدُ مِنْ مَسِیرَةِ (1) سَنَتَیْنِ، فَإِذَا رَأَیْنَا مَنْ یَرَی الْمَدِینَةَ وَ رَأَی رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ نَتَبَرَّكُ بِهِ وَ نَزُورُهُ، وَ فِی الْأَحْیَانِ نَرَی مَنْ أَتَی بِكَ فَنَقُولُ (2) أَنْتَ قَدْ جِئْتَ (3) فِی بَعْضِ لَیْلَةٍ (4) مِنَ الْمَدِینَةِ، فَدَخَلَ عُمَرُ إِلَی الْمَدِینَةِ فَرَأَی النَّاسَ كُلَّهُمْ یَلْعَنُونَ ظَالِمِی أَهْلِ بَیْتِ (5) مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ یسموهم [یُسَمُّونَهُمْ] بِأَسْمَائِهِمْ وَاحِداً وَاحِداً، وَ كُلُّ صَاحِبِ صِنَاعَةٍ یَقُولُ كَذَلِكَ وَ هُوَ عَلَی صِنَاعَتِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ ضَاقَتْ عَلَیْهِ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَ طَالَتْ عَلَیْهِ الْأَیَّامُ حَتَّی جَاءَ (6) لَیْلَةُ الْجُمُعَةِ، فَمَضَی إِلَی ذَلِكَ الْمَكَانِ فَوَصَلَ (7) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَیْهِ (8) عَادَتَهُ، فَكَانَ عُمَرُ یَتَرَقَّبُهُ حَتَّی مَضَی مُعْظَمُ اللَّیْلِ وَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَ هَمَّ بِالرُّجُوعِ فَتَبِعَهُ عُمَرُ حَتَّی وَصَلَا الْفَجْرَ الْمَدِینَةَ، فَدَخَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْمَسْجِدَ وَ صَلَّی خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ صَلَّی عُمَرُ أَیْضاً، ثُمَّ الْتَفَتَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی عُمَرَ، فَقَالَ: یَا عُمَرُ! أَیْنَ كُنْتَ أُسْبُوعاً لَا نَرَاكَ عِنْدَنَا؟! فَقَالَ عُمَرُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! كَانَ مِنْ شَأْنِی .. كَذَا وَ كَذَا، وَ قَصَّ عَلَیْهِ مَا جَرَی لَهُ، فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَا تَنْسَ مَا شَاهَدْتَ بِنَظَرِكَ، فَلَمَّا سَأَلَهُ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَفَذَ فِیَّ سِحْرُ بَنِی هَاشِمٍ.

أقول: هذا حدیث غریب لم أره إلّا فی الكتاب المذكور.

«158»-كَشْفُ الْحَقِّ (9) لِلْعَلَّامَةِ الْحِلِیِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَوَی الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ

ص: 335


1- فی المصدر: علی، بدلا من: أزید من مسیرة.
2- فی (س): فتقول، و فی المصدر: و تقول. و لا توجد فیه: و فی الأحیان نری من أتی بك.
3- فی المحتضر: أنت جئت، و فی (س): جئتك.
4- فی المصدر زیادة: إلی هنا.
5- فی المحتضر: آل، بدلا من: أهل بیت.
6- فی المصدر: جاءت، و هو الظّاهر.
7- فی المحتضر: فأتی.
8- فی المصدر: علی، بدلا من: إلیه. و هو الظّاهر.
9- نهج الحقّ و كشف الصّدق: 330- 332، و طبع باسم: كشف الحقّ، و هما واحد.

مُوسَی الشِّیرَازِیُّ فِی كِتَابِهِ الَّذِی اسْتَخْرَجَهُ مِنَ التَّفَاسِیرِ الِاثْنَیْ عَشَرَ: تَفْسِیرِ (1) أَبِی یُوسُفَ یَعْقُوبَ بْنِ سُفْیَانَ، وَ تَفْسِیرِ ابْنِ جَرِیحٍ، وَ تَفْسِیرِ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَیْمَانَ، وَ تَفْسِیرِ وَكِیعِ بْنِ جَرَّاحٍ، وَ تَفْسِیرِ یُوسُفَ بْنِ مُوسَی الْقَطَّانِ، وَ تَفْسِیرِ قَتَادَةَ، وَ تَفْسِیرِ أَبِی عُبَیْدَةَ (2) الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَ تَفْسِیرِ عَلِیِّ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِیِّ، وَ تَفْسِیرِ السُّدِّیِّ، وَ تَفْسِیرِ مُجَاهِدٍ، وَ تَفْسِیرِ مُقَاتِلِ بْنِ حَیَّانَ، وَ تَفْسِیرِ أَبِی صَالِحٍ، وَ كُلُّهُمْ مِنَ الْجَمَاهِرَةِ (3)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَتَذَاكَرْنَا رَجُلًا یُصَلِّی وَ یَصُومُ وَ یَتَصَدَّقُ (4) وَ یُزَكِّی، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَا أَعْرِفُهُ .. فَقُلْنَا: یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ عَبَدَ اللَّهَ (5) وَ یُسَبِّحُهُ وَ یُقَدِّسُهُ وَ یُوَحِّدُهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَا أَعْرِفُهُ، فَبَیْنَا نَحْنُ فِی ذِكْرِ الرَّجُلِ إِذْ قَدْ (6) طَلَعَ عَلَیْنَا، فَقُلْنَا: هُوَ ذَا، فَنَظَرَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ (7) لِأَبِی بَكْرٍ: خُذْ سَیْفِی هَذَا وَ امْضِ إِلَی هَذَا الرَّجُلِ فَاضْرِبْ (8) عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ یَأْتِیهِ مِنْ حِزْبِ الشَّیْطَانِ ..

فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الْمَسْجِدَ فَرَآهُ رَاكِعاً، فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَا أَقْتُلُهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) نَهَانَا عَنْ قَتْلِ (9) الْمُصَلِّینَ، فَرَجَعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ:

یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّی رَأَیْتُهُ یُصَلِّی.

ص: 336


1- لا توجد فی المصدر: تفسیر.
2- فی المصدر: و تفسیر سلیمان و تفسیر أبی عبد اللّٰه ..
3- فی الكشف: الجماهر.
4- لا یوجد فی المصدر: و یتصدّق.
5- فی كشف الحقّ: إنّه یعبد اللّٰه .. و هو الظّاهر.
6- لا توجد: قد، فی المصدر.
7- فی المصدر: و قال.
8- فی نهج الحقّ: و اضرب.
9- فی كشف الحقّ: قتال.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: اجْلِسْ، فَلَسْتَ بِصَاحِبِهِ، قُمْ یَا عُمَرُ! وَ (1) خُذْ سَیْفِی مِنْ یَدِ (2) أَبِی بَكْرٍ وَ ادْخُلِ الْمَسْجِدَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ (3)، قَالَ عُمَرُ:

فَأَخَذْتُ السَّیْفَ مِنْ أَبِی بَكْرٍ وَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَیْتُ الرَّجُلَ سَاجِداً، فَقُلْتُ: وَ اللَّهِ لَا أَقْتُلُهُ فَقَدِ اسْتَأْمَنَهُ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنِّی، فَرَجَعْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی رَأَیْتُ الرَّجُلَ سَاجِداً.

فَقَالَ: یَا عُمَرُ! اجْلِسْ فَلَسْتَ بِصَاحِبِهِ، قُمْ یَا عَلِیُّ فَإِنَّكَ أَنْتَ قَاتِلُهُ، إِنْ وَجَدْتَهُ فَاقْتُلْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَهُ لَمْ یَقَعْ بَیْنَ أُمَّتِی اخْتِلَافٌ أَبَداً.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَأَخَذْتُ السَّیْفَ وَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَلَمْ أَرَهُ، فَرَجَعْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! مَا رَأَیْتُهُ.

فَقَالَ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّ أُمَّةَ مُوسَی افْتَرَقَتْ إِحْدَی وَ سَبْعِینَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِیَةٌ وَ الْبَاقُونَ فِی النَّارِ، وَ إِنَّ أُمَّةَ عِیسَی (علیه السلام) افْتَرَقَتِ اثْنَتَیْنِ وَ سَبْعِینَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِیَةٌ وَ الْبَاقُونَ فِی النَّارِ، وَ إِنَّ أُمَّتِی سَتَفْتَرِقُ عَلَی ثَلَاثٍ وَ سَبْعِینَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ نَاجِیَةٌ وَ الْبَاقُونَ فِی النَّارِ. فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! وَ مَا النَّاجِیَةُ؟.

فَقَالَ: الْمُتَمَسِّكُ بِمَا أَنْتَ عَلَیْهِ وَ أَصْحَابُكَ (4)، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِی ذَلِكَ الرَّجُلِ (5): ثانِیَ عِطْفِهِ (6). یَقُولُ: هَذَا أَوَّلُ مَنْ یَظْهَرُ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ وَ الضَّلَالاتِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَ اللَّهِ مَا قَتَلَ ذَلِكَ الرَّجُلَ إِلَّا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) یَوْمَ صِفِّینَ،

ص: 337


1- لا توجد الواو فی (س).
2- لا توجد: ید، فی المصدر.
3- لا توجد عبارة: فاضرب عنقه فی (س)، و فی المصدر: و اضرب عنقه.
4- فی كشف الحقّ: بما أنت و أصحابك علیه.
5- لا توجد: تعالی، فی المصدر، و كذا كلمة: الرّجل.
6- الحجّ: 9.

ثُمَّ قَالَ: لَهُ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ (1) قَالَ الْقَتْلُ (2): وَ نُذِیقُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَذابَ الْحَرِیقِ (3) بِقِتَالِهِ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَ صِفِّینَ (4).

قال العلّامة رحمه اللّٰه (5): تضمّن الحدیث أنّ أبا بكر (6) و عمر لم یقبلا أمر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و لم یقبلا قوله، و اعتذرا بأنّه یصلّی و یسجد، و لم یعلما أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أعرف بما هو علیه منهما، و لو لم یكن مستحقّا للقتل لم یأمر اللّٰه تعالی (7) نبیّه بذلك، و كیف ظهر إنكار النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله علی أبی بكر بقوله: لست بصاحبه، و امتنع عمر من فعله (8)، و مع ذلك فإنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله حكم بأنّه لو قتل لم یقع بین أمّتی اختلاف أبدا، و كرّر الأمر بقتله ثلاث مرّات عقیب الإنكار علی الشیخین، و حكم صلّی اللّٰه علیه و آله بأنّ أمّته ستفترق ثلاثا و سبعین فرقة، اثنتان و سبعون منها فی النار، و أصل هذا بقاء ذلك الرجل الذی أمر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله الشیخین بقتله فلم یقتلاه، فكیف یجوز للعامی تقلید من یخالف أمر الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

«159»-وَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ (9): وَ قَدْ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَ جَابِرٌ، وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ، وَ أَبُو وَائِلٍ، وَ الْقَاضِی عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَ أَبُو عَلِیٍّ الْجُبَّائِیُّ،

ص: 338


1- الحجّ: 9.
2- فی المصدر: خزی القتل، و یذیقه .. و علیه فلا تكون آیة.
3- الحجّ: 9.
4- لا توجد فی المصدر: یوم صفّین. و جاءت هذه القصّة بمضامین مختلفة، منها ما أورده أحمد بن حنبل فی مسنده 3- 15، و ابن عبد ربّه فی العقد الفرید 1- 305، و ابن حجر فی الإصابة 1- 484، و غیرهم.
5- فی نهج الحقّ و كشف الصدق: 332.
6- فی المصدر: فلینظر العاقل إلی ما تضمّنه هذا الحدیث المشهور المنقول من أن أبا بكر ..
7- لا توجد: تعالی، فی المصدر.
8- فی المصدر: من قتله، بدلا: من فعله.
9- نهج الحقّ و كشف الصّدق (كشف الحقّ): 336- 337.

وَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِیُّ، وَ یُوسُفُ الثَّعْلَبِیُّ (1)، وَ الطَّبَرِیُّ، وَ الْوَاقِدِیُّ، وَ الزُّهْرِیُّ، وَ الْبُخَارِیُّ، وَ الْحُمَیْدِیُّ فِی الْجَمْعِ بَیْنَ الصَّحِیحَیْنِ (2) فِی مُسْنَدِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِی حَدِیثِ الصُّلْحِ بَیْنَ سُهَیْلِ بْنِ عَمْرٍو وَ بَیْنَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِالْحُدَیْبِیَةِ، یَقُولُ فِیهِ: فَقَالَ (3) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَأَتَیْتُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقُلْتُ لَهُ:

أَ لَسْتَ نَبِیَّ اللَّهِ حَقّاً؟!. قَالَ: بَلَی.

قُلْتُ: أَ لَسْنَا عَلَی الْحَقِّ وَ عَدُوُّنَا عَلَی الْبَاطِلِ؟. قَالَ: بَلَی.

قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا إِذاً (4).

قَالَ: إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ وَ لَسْتُ أَعْصِیهِ وَ هُوَ نَاصِرِی .. قُلْتُ: أَ وَ لَیْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا (5) أَنَّا سَنَأْتِی الْبَیْتَ فَنَطُوفُ بِهِ (6). قَالَ عُمَرُ: فَأَتَیْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! أَ لَیْسَ هَذَا نَبِیَّ اللَّهِ حَقّاً؟. قَالَ: بَلَی. قُلْتُ: أَ لَسْنَا عَلَی الْحَقِّ وَ عَدُوُّنَا عَلَی الْبَاطِلِ؟!. قَالَ: بَلَی. قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِی هَذِهِ (7) الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا إِذاً.

قَالَ: أَیُّهَا الرَّجُلُ! إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَ لَا یَعْصِی لِرَبِّهِ (8) وَ هُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِعُذْرِهِ (9) فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ عَلَی الْحَقِّ.

ص: 339


1- فی المصدر: و الثّعلبیّ، و هو الظّاهر.
2- الجمع بین الصّحیحین، للحمیدیّ، لا نعلم بطبعه.
3- لا توجد: فقال، فی المصدر.
4- لا توجد: إذا، فی المصدر.
5- فی كشف الحقّ: حدّثتنا.
6- فی المصدر: و نطوف به، و هنا سقط جاء فی المصدر و هو: قال: بلی، أ فأخبرك أنّا، فآتیه العام؟ قلت: لا، قال: فإنّك آتیه و مطّوّف به.
7- لا توجد: هذه، فی المصدر.
8- فی كشف الحقّ: و لیس یعصی ربّه.
9- كذا، و الظّاهر: بغرزه، كما فی المصدر. قال فی القاموس 2- 185: و الزم غرز فلان .. أی أمره و نهیه، و اشدد یدیك بغرزه .. أی حثّ نفسك علی التّمسّك به.

قُلْتُ: أَ لَیْسَ كَانَ یُحَدِّثُنَا أَنَّهُ سَیَأْتِی الْبَیْتَ وَ یَطُوفُ بِهِ (1)؟!. قَالَ: فَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ یَأْتِیهِ (2) الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا.

قَالَ: فَإِنَّكَ آتِیهِ وَ تَطُوفُ بِهِ (3).

وَ زَادَ الثَّعْلَبِیُّ فِی تَفْسِیرِهِ عِنْدَ ذِكْرِ سُورَةِ الْفَتْحِ وَ غَیْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا یَوْمَئِذٍ (4).

ثم قال رحمه اللّٰه (5): فهذا (6) الحدیث یدلّ علی تشكیك عمر و الإنكار علی رسول اللّٰه (7) صلّی اللّٰه علیه و آله فیما فعله بأمر اللّٰه، ثم رجوعه إلی أبی بكر حتّی أجابه بالصحیح، و كیف استجاز عمر أن یوبّخ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و یقول له- عقیب قوله صلّی اللّٰه علیه و آله: إنّی رسول اللّٰه و لست أعصیه، و هو ناصری أ لیس (8) كنت تحدّثنا أنّا سنأتی البیت و نطوف به؟!.

«160»-ثُمَّ قَالَ قُدِّسَ سِرُّهُ (9): فِی الْجَمْعِ بَیْنَ الصَّحِیحَیْنِ (10) فِی مُسْنَدِ عَائِشَةَ

ص: 340


1- فی المصدر: أنّا سنأتی البیت و نطوف به.
2- فی كشف الحقّ: أنّك تأتیه.
3- فی المصدر: و مطّوّف به. أقول: أورده السّیوطیّ فی الدّرّ المنثور 6- 76، و تفسیر الخازن 4- 168، و التّاج الجامع للأصول 4- 336، و غیرها.
4- الكلام للعلّامة فی نهجه، و ذكر ما ذكره السّیوطیّ فی الدّرّ المنثور 6- 76، و تفسیر الخازن 4- 148، و تاریخ الخمیس 1- 241، و غیرهم.
5- قاله العلّامة- رحمه اللّٰه- فی نهج الحقّ و كشف الصدق: 337.
6- فی المصدر: و هذا.
7- فی المصدر: النبیّ، بدلا من: رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.
8- فی كشف الحقّ: و أ لست ..
9- فی نهج الحقّ و كشف الصّدق: 337- 338.
10- الجمع بین الصّحیحین، للحمیدیّ، و لا نعلم بطبعه.

مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَی صِحَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَعْتَمَ (1) بِالْعِشَاءِ (2) حَتَّی نَادَاهُ عُمَرُ: الصَّلَاةَ (3)! نَامَ النِّسَاءُ وَ الصِّبْیَانُ، فَخَرَجَ (4)! وَ قَالَ: مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُبْرِزُوا (5) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی الصَّلَاةِ، وَ ذَلِكَ حِینَ صَاحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (6).

وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (7) فَجَعَلَ ذَلِكَ مُحْبِطاً لِلْعَمَلِ، وَ قَالَ: إِنَّ الَّذِینَ یُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّی تَخْرُجَ إِلَیْهِمْ لَكانَ خَیْراً لَهُمْ (8).

«161»-وَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (9): وَ فِی الْجَمْعِ بَیْنَ الصَّحِیحَیْنِ لِلْحُمَیْدِیِّ (10) فِی مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّیَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی سَلُولٍ (11) جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (12) فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ

ص: 341


1- قال فی نهایة ابن الأثیر 3- 181: أعتم الشّی ء و عتّمه: إذا أخّره، و قال فی الصّفحة السّابقة: حتّی یعتموا: أی یدخلوا فی عتمة اللّیل، و هی ظلمته.
2- فی المصدر: إنّ عائشة قالت: أعتم رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله بالعشاء.
3- فی كشف الحقّ: بالصّلاة.
4- فی المصدر: فخرج رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.
5- فی نهج الحقّ: و ما كان لكم أن تنذروا.
6- إلی هنا جاء فی صحیح مسلم 1- 241، و صحیح البخاریّ 1- 141.
7- الحجرات: 2.
8- الحجرات: 4- 5. و جاء فی الهامش من النّهج: إنّه قد روی غیر واحد أنّها نزلت فی أبی بكر و عمر، منهم البخاریّ فی صحیحه 6- 171، و السّیوطیّ فی الدّرّ المنثور 6- 184، و منصور علی ناصف فی التّاج الجامع للأصول 4- 239 ... و النسفیّ فی تفسیره المطبوع فی هامش تفسیر الخازن 4- 176، و الآلوسی فی تفسیره 26- 123 .. و غیرهم.
9- فی نهج الحقّ و كشف الصّدق: 338.
10- الجمع بین الصّحیحین، للحمیدیّ، و لا نعلم بطبعه.
11- فی المصدر: بن أبیّ بن سلول.
12- هنا زیادة جاءت فی المصدر: فسأله أن یصلّی علیه.

لِیُصَلِّیَ عَلَیْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! أَ تُصَلِّی عَلَیْهِ وَ قَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَیْهِ؟!. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّمَا خَیَّرَنِی (1) اللَّهُ تَعَالَی قَالَ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً ... (2) وَ سَأَزِیدُ عَلَی السَّبْعِینَ. قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ ..

فَصَلَّی عَلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. وَ هَذَا رَدٌّ عَلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (3).

«162»-وَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (4): وَ فِی الْجَمْعِ فِی الصَّحِیحَیْنِ (5) مِنْ مُسْنَدِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ (6) أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ تخرجن [یَخْرُجْنَ] (7) لَیْلًا إِلَی لَیْلٍ قِبَلَ الْمَصَانِعِ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ (8) فَرَآهَا عُمَرُ وَ هُوَ فِی الْمَجْلِسِ، فَقَالَ: عَرَفْتُكِ یَا سَوْدَةُ! فَنَزَلَ آیَةُ الْحِجَابِ عَقِیبَ ذَلِكَ (9).

وَ هُوَ یَدُلُّ عَلَی سُوءِ أَدَبِ عُمَرَ حَیْثُ كَشَفَ سَتْرَ (10) زَوْجَةِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ دَلَّ عَلَیْهَا أَعْیُنَ النَّاسِ وَ أَخْجَلَهَا، وَ مَا قَصَدَتْ بِخُرُوجِهَا لَیْلًا إِلَّا الِاسْتِتَارَ عَنِ النَّاسِ (11) وَ صِیَانَةَ نَفْسِهَا، وَ أَیُّ ضَرُورَةٍ لَهُ (12) إِلَی تَخْجِیلِهَا حَتَّی أَوْجَبَ ذَلِكَ نُزُولَ

ص: 342


1- فی المصدر: خبّرنی، و هو سهو.
2- التّوبة: 80.
3- و أورد القصّة أكثر من واحد، كما جاءت فی صحیح البخاریّ 2- 92 و 115 باب ما یكره من الصّلاة علی المنافقین، و باب الكفن فی القمیص من أبواب الجنائز، و 6- 85، و غیره.
4- نهج الحقّ و كشف الصّدق: 338.
5- الجمع بین الصّحیحین، و لم نعلم بطبعه مع كلّ ما سألنا عن ذلك.
6- فی المصدر: كان.
7- فی كشف الحقّ: یخرجن.
8- فی (س): ذمغة، و فی المصدر: زمعة.
9- و قد جاءت فی صحیح البخاریّ 1- 48، و صحیح مسلم 2- 6.
10- فی المصدر: سرّ.
11- جاء فی كشف الحقّ: أعین النّاس.
12- لا توجد: له، فی (س).

آیَةِ الْحِجَابِ.

أقول: أورد قدّس اللّٰه روحه كثیرا من مطاعنهم تركناها اختصارا و سنعید الكلام بذكر تفاصیل مثالبهم و إثباتها بما هو متداول بینهم الیوم من كتبهم التی لا یمكنهم القدح فی روایاتها و بسط القول فیها اعتراضا و جوابا لیتمّ الحجّة علی المخالفین و لا یبقی لهم عذر فی الدنیا و لا فی یوم الدین. و نرجو من فضله تعالی أن لا یحرمنی أجر ذلك، فإنّه لا یضیع عنده أجر المحسنین.

«163»-یل (1): الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، قَالَ: بَیْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جَالِساً (2) فِی أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَاهُ وَفْدٌ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ، مِنْهُمْ (3) مَالِكُ بْنُ نُوَیْرَةَ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ! عَلِّمْنِی الْإِیمَانَ؟.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ وَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ، وَ تُصَلِّی الْخَمْسَ، وَ تَصُومُ شَهْرَ (4) رَمَضَانَ، وَ تُؤَدِّی الزَّكَاةَ، وَ تَحُجُّ الْبَیْتَ، وَ تُوَالِی وَصِیِّی هَذَا مِنْ بَعْدِی- وَ أَشَارَ إِلَی عَلِیٍّ (علیه السلام) بِیَدِهِ- وَ لَا تَسْفِكُ دَماً، وَ لَا تَسْرِقُ، وَ لَا تَخُونُ، وَ لَا تَأْكُلُ مَالَ الْیَتِیمِ، وَ لَا تَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَ تُوفِی بِشَرَائِعِی، وَ تُحَلِّلُ حَلَالِی وَ تُحَرِّمُ حَرَامِی، وَ تُعْطِی الْحَقَّ مِنْ نَفْسِكَ لِلضَّعِیفِ وَ الْقَوِیِّ وَ الْكَبِیرِ وَ الصَّغِیرِ .. حَتَّی عَدَّ عَلَیْهِ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ.

فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ! أَعِدْ عَلَیَّ فَإِنِّی رَجُلٌ نَسَّاءٌ، فَأَعَادَهَا عَلَیْهِ فَعَقَدَهَا بِیَدِهِ، وَ قَامَ وَ هُوَ یَجُرُّ إِزَارَهُ وَ هُوَ یَقُولُ: تَعَلَّمْتُ الْإِیمَانَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا بَعُدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ یَنْظُرَ إِلَی رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْیَنْظُرْ إِلَی هَذَا الرَّجُلِ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ: إِلَی مَنْ تُشِیرُ یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)؟!. فَأَطْرَقَ إِلَی الْأَرْضِ

ص: 343


1- الفضائل، لابن شاذان: 75، خبر مالك بن نویرة.
2- فی المصدر: جالس- بالرّفع- و هو أولی.
3- لا توجد: منهم، فی المصدر.
4- لا توجد لفظة: شهر، فی المصدر.

فَاتَّخَذَا (1) فِی السَّیْرِ فَلَحِقَاهُ، فَقَالا لَهُ (2): الْبِشَارَةُ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ:

أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَی بِشَارَتَكُمَا إِنْ كُنْتُمَا مِمَّنْ یَشْهَدُ بِمَا شَهِدْتُ بِهِ، فَقَدْ عَلِمْتُمَا مَا عَلَّمَنِی النَّبِیُّ (3) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ إِنْ لَمْ تَكُونَا كَذَلِكَ فَلَا أَحْسَنَ اللَّهُ بِشَارَتَكُمَا.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَقُلْ ذَلِكَ (4) فَأَنَا أَبُو عَائِشَةَ زَوْجَةِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

قَالَ: قُلْتُ: ذَلِكَ فَمَا حَاجَتُكُمَا؟.

قَالا: إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا.

فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكُمَا، أَنْتُمَا نَدِیمَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ صَاحِبِ (5) الشَّفَاعَةِ وَ تَسْأَلَانِی أَسْتَغْفِرُ لَكُمَا؟! فَرَجَعَا وَ الْكَآبَةُ لَائِحَةٌ فِی وَجْهَیْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ تَبَسَّمَ، وَ قَالَ: فِی (6) الْحَقِّ مَغْضَبَةٌ؟!.

فَلَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ رَجَعَ بَنُو تَمِیمٍ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ مَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ نُوَیْرَةَ، فَخَرَجَ لِیَنْظُرَ مَنْ قَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَدَخَلَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ- وَ أَبُو بَكْرٍ عَلَی الْمِنْبَرِ یَخْطُبُ النَّاسَ- فَنَظَرَ إِلَیْهِ وَ قَالُوا (7): أَخُو تَیْمٍ؟.

قَالُوا (8): نَعَمْ. قَالَ: مَا (9) فَعَلَ وَصِیُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ الَّذِی أَمَرَنِی بِمُوَالاتِهِ؟. قَالُوا: یَا أَعْرَابِیُّ! الْأَمْرُ یَحْدُثُ بَعْدَ الْأَمْرِ الْآخَرِ.

ص: 344


1- فی المصدر: فجدّا .. و هو الظّاهر.
2- فی كتاب الفضائل: لك، بدلا من: له.
3- فی المصدر: النّبیّ محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله).
4- لا توجد: ذلك، فی المصدر.
5- جاءت الجملة فی المصدر: تتركان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله صاحب ..
6- فی المصدر: أ فی ..- بهمزة الاستفهام-.
7- فی كتاب الفضائل: .. بالنّاس فنظر إلیه و قال .. و هو الظّاهر.
8- نسخة فی مطبوع البحار: قال، بدلا من: قالوا.
9- فی المصدر: فما.

قَالَ: تَاللَّهِ (1) مَا حَدَثَ شَیْ ءٌ وَ إِنَّكُمْ لَخُنْتُمُ (2) اللَّهَ وَ رَسُولَهُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ وَ قَالَ لَهُ (3): مَنْ أَرْقَاكَ هَذَا الْمِنْبَرَ وَ وَصِیُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جَالِسٌ؟!. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرِجُوا الْأَعْرَابِیَّ الْبَوَّالَ عَلَی عَقِبَیْهِ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ!.

فَقَامَ إِلَیْهِ قُنْفُذُ بْنُ عُمَیْرٍ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فَلَمْ یَزَالا یكذان [یَلْكُزَانِ] (4) عُنُقَهُ حَتَّی أَخْرَجَاهُ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَ أَنْشَأَ یَقُولُ شِعْراً (5):

أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ بَیْنَنَا فَیَا قَوْمُ مَا شَأْنِی وَ شَأْنُ أَبِی بَكْرٍ

إِذَا مَاتَ بَكْرٌ قَامَ (6) عَمْرٌو أَمَامَهُ (7) فَتِلْكَ- وَ بَیْتِ اللَّهِ- قَاصِمَةُ الظُّهْرِ

یُذَبُّ (8) وَ یَغْشَاهُ الْعِشَارُ كَأَنَّمَا (9) یُجَاهِدُ جَمّاً (10) أَوْ یَقُومُ عَلَی قَبْرٍ

فَلَوْ طَافَ (11) فِینَا مِنْ قُرَیْشٍ عِصَابَةٌ أَقَمْنَا وَ لَوْ كَانَ (12) الْقِیَامُ عَلَی جَمْرٍ

قَالَ: فَلَمَّا اسْتَتَمَّ الْأَمْرُ لِأَبِی بَكْرٍ وَجَّهَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ وَ قَالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ

ص: 345


1- فی المصدر: بعده الأمر قال: باللّٰه ..
2- فی كتاب الفضائل: قد خنتم.
3- لا یوجد: له، فی المصدر.
4- فی المصدر: یلكذان. و الظّاهر أنّها: یلكزان- بالزاء المعجمة-. قال فی المصباح المنیر 2- 766: لكزه لكزا- من باب قتل- ضربه بجمع كفّه فی صدره، و ربّما أطلق علی جمیع البدن، و مثله فی مجمع البحرین 4- 33. و أمّا الكذّ، فقد جاء فی القاموس 1- 358: كذّ: خشن.
5- لا توجد: شعرا، فی المصدر.
6- فی (س): و قام.
7- فی المصدر: مقامه.
8- فی كتاب الفضائل: یدبّ.
9- فی (س): الغشا و كأنّما.
10- لا توجد: جمّا، فی (س).
11- جاء فی المصدر: فلو قام.
12- فی كتاب الفضائل: و لكن، بدلا من: و لو كان.

مَا قَالَ عَلَی رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، لَسْتُ (1) آمَنُ أَنْ یَفْتُقَ عَلَیْنَا فَتْقاً لَا یَلْتَامُ، فَاقْتُلْهُ، فَحِینَ أَتَاهُ خَالِدٌ رَكِبَ جَوَادَهُ وَ كَانَ فَارِساً یُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ (2)، فَخَافَ خَالِدٌ مِنْهُ فَآمَنَهُ وَ أَعْطَاهُ الْمَوَاثِیقَ ثُمَّ غَدَرَ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَلْقَی سِلَاحَهُ فَقَتَلَهُ، وَ عَرَسَ (3) بِامْرَأَتِهِ فِی لَیْلَتِهِ وَ جَعَلَ رَأْسَهُ فِی قِدْرٍ فِیهَا لَحْمُ جَزُورٍ لِوَلِیمَةِ عُرْسِهِ (4) لِامْرَأَتِهِ (5) یَنْزُو عَلَیْهَا نَزْوَ الْحِمَارِ .. وَ الْحَدِیثُ طَوِیلٌ.

بیان: (6):

الْعِشَارُ- بالكسر-: جمعُ الْعُشَرَاءِ، و هی النّاقة الّتی مضی لحملها عشرة أشهر (7).

و الْجَمُّ- جمع الْجَمَّاءِ-: و هی الشّاة الّتی لا قرن لها (8).

و الأَجَمُّ: الرّجل بلا رمح (9)، و لعلّ تشبیه القوم بالعشار لِمَا أكلوا من الأموال (10) المحرّمة و طعموا من الولایات الباطلة، و نفی (11) كونها جمّا تهدید بأنّه و قومه كاملوا الإرادة و السلاح.

ص: 346


1- فی المصدر: ما قاله مالك علی رءوس الأشهاد و لست ..
2- لا توجد: فارس، فی المصدر.
3- فی كتاب الفضائل: و أعرس.
4- فی (س): عرس.
5- فی المصدر: و بات ینزو، و لا توجد فیه: لامرأته.
6- فی (س) كلمة: بیان، یوجد فراغ و بیاض.
7- كما صرّح به فی مجمع البحرین 3- 403، و لسان العرب 4- 572، و الصحاح 2- 747.
8- قاله فی تاج العروس 8- 233، و الصحاح 5- 1891، و مجمع البحرین 6- 30.
9- نصّ علیه فی لسان العرب 12- 108، و الصحاح 5- 1891، و غیرهما.
10- فی (س): الأحوال.
11- كذا، و الظاهر: و فی.

«164»-إِرْشَادُ الْقُلُوبِ (1): مِنْ مَثَالِبِهِمْ- لَمّاً (2)

مَا تَضَمَّنَهُ خَبَرُ وَفَاةِ الزَّهْرَاءِ عَلَیْهَا السَّلَامُ قُرَّةِ عَیْنِ الرَّسُولِ وَ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَیْهِ مَرْیَمَ الْكُبْرَی وَ الْحَوْرَاءِ الَّتِی أُفْرِغَتْ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ مِنْ صُلْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، الَّتِی قَالَ فِی حَقِّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ اللَّهَ یَرْضَی لِرِضَاكِ وَ یَغْضَبُ لِغَضَبِكِ. وَ قَالَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِی.

وَ رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ قَالَتْ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَانْظُرِی إِلَی الدَّارِ فَإِذَا رَأَیْتِ سِجْفاً مِنْ سُنْدُسٍ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْ ضُرِبَ فُسْطَاطاً فِی جَانِبِ الدَّارِ فَاحْمِلِینِی (3) وَ زَیْنَبَ وَ أُمَّ كُلْثُومٍ فَاجْعَلُونِی (4) مِنْ وَرَاءِ السِّجْفِ وَ خَلُّوا (5) بَیْنِی وَ بَیْنَ نَفْسِی، فَلَمَّا تُوُفِّیَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ ظَهَرَ السِّجْفُ حَمَلْنَاهَا وَ جَعَلْنَاهَا وَرَاءَهُ، فَغُسِّلَتْ

ص: 347


1- أقول: إلی هنا اعتمدنا فی تخریجنا علی إرشاد القلوب (فی الحكم و المواعظ) لأبی محمّد الحسن بن أبی الحسن محمّد الدّیلمیّ، الّذی هو من منشورات دار الفكر- بیروت-، بتصور أنّه هو المصدر، إلّا أنّه قد ظهر لنا بالتّتبّع و فقد بعض الموارد الّتی نقلها صاحب البحار و لم نجدها فیه، و لنقله عن صاحب البحار فی أكثر من مورد كما فی قوله فی المجلّد الثّانی صفحة: 91: ذكره المجلسیّ رحمه اللّٰه فی المجلّد التّاسع من كتاب بحار الأنوار .. و السّیّد البحرانیّ فی كتاب مدینة المعاجز بتغیّر ما، فمن أراده فلیراجعها .. و غیرها من الموارد، أنّه لیس هو الّذی اعتمده صاحب البحار، كما أنّ من الملاحظ علیه أنّه فی المجلّد الأوّل من المطبوع یقول: قال مصنّف الكتاب .. أو: یقول العبد الفقیر إلی رحمة اللّٰه و رضوانه أبو محمّد الحسن بن أبی الحسن أبی محمّد الدّیلمیّ جامع هذه الآیات من الذّكر الحكیم .. 1- 9، 1- 11، و غیرها أنّ المجلّد الأوّل غیر الثّانی، إذ لا نجد مثل هذا هناك، و هذا الّذی ذكرناه ألفینا المرحوم ثقة الإسلام الشّهید التبریزی فی كتاب مرآة الكتب 2- 31- 32 قد تفطّن إلیه و إلی أمور تؤیده حریّة بالملاحظة. و لاحظ ما ذكره شیخنا الطّهرانیّ فی الذّریعة 1- 517. هذا و لعلّ المجلّد الثّانی المطبوع من إرشاد القلوب ما هو إلّا تلخیص له مع إضافات منه و هو للشّیخ شرف الدّین یحیی بن عزّ الدّین حسین بن عشیرة بن ناصر البحرانیّ نزیل یزد، كما حكی عنه فی ریاض العلماء. و علی كلّ، فإنّا لم نجد هذا الحدیث فی إرشاد القلوب مع كلّ ما تفحصنا فیه و راجعناه أكثر من مرّة.
2- أی كثیرا مع كونها مجتمعة، كما فی النّهایة 4- 273، خطّ علیها فی (ك)، و هو الظّاهر.
3- فی (س): فاحلینی.
4- كذا، و الظّاهر: فاجعلنینی.
5- كذا، و الظّاهر: خللن.

وَ كُفِّنَتْ وَ حُنِّطَتْ بِالْحَنُوطِ، وَ كَانَ كَافُورٌ أَنْزَلَهُ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنَ الْجَنَّةِ فِی ثَلَاثِ صُرَرٍ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! رَبُّكَ یُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ لَكَ: هَذَا حَنُوطُكَ وَ حَنُوطُ ابْنَتِكَ وَ حَنُوطُ أَخِیكَ عَلِیٍّ مَقْسُومٌ أَثْلَاثاً، وَ إِنَّ أَكْفَانَهَا وَ مَاءَهَا وَ أَوَانِیَهَا مِنَ الْجَنَّةِ.

وَ رُوِیَ أَنَّهَا تُوُفِّیَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ بَعْدَ غُسْلِهَا وَ تَكْفِینِهَا وَ حَنُوطِهَا، لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لَا دَنَسَ فِیهَا، وَ أَنَّهَا أَكْرَمُ عَلَی اللَّهِ تَعَالَی أَنْ یَتَوَلَّی ذَلِكَ مِنْهَا غَیْرُهَا، وَ أَنَّهُ لَمْ یَحْضُرْهَا إِلَّا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ زَیْنَبُ وَ أُمُّ كُلْثُومٍ وَ فِضَّةُ جَارِیَتُهَا (1) وَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ، وَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَخْرَجَهَا وَ مَعَهُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ فِی اللَّیْلِ وَ صَلَّوْا عَلَیْهَا، وَ لَمْ یَعْلَمْ بِهَا أَحَدٌ، وَ لَا حَضَرُوا وَفَاتَهَا وَ لَا صَلَّی عَلَیْهَا أَحَدٌ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ غَیْرُهُمْ، لِأَنَّهَا عَلَیْهَا السَّلَامُ أَوْصَتْ بِذَلِكَ، وَ قال [قَالَتْ]: لَا تُصَلِّ عَلَیَّ أُمَّةٌ نَقَضَتْ عَهْدَ اللَّهِ وَ عَهْدَ أَبِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ ظَلَمُونِی حَقِّی، وَ أَخَذُوا إِرْثِی، وَ خَرَقُوا صَحِیفَتِیَ الَّتِی كَتَبَهَا لِی أَبِی بِمِلْكِ فَدَكٍ، وَ كَذَّبُوا شُهُودِی وَ هُمْ- وَ اللَّهِ- جَبْرَئِیلُ وَ مِیكَائِیلُ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أُمُّ أَیْمَنَ، وَ طُفْتُ عَلَیْهِمْ فِی بُیُوتِهِمْ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَحْمِلُنِی وَ مَعِیَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ لَیْلًا وَ نَهَاراً إِلَی مَنَازِلِهِمْ أُذَكِّرُهُمْ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ أَلَّا تَظْلِمُونَا وَ لَا تَغْصِبُونَا حَقَّنَا الَّذِی جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا، فَیُجِیبُونَّا لَیْلًا وَ یَقْعُدُونَ عَنْ نُصْرَتِنَا نَهَاراً، ثُمَّ یُنْفِذُونَ إِلَی دَارِنَا قُنْفُذاً وَ مَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ لِیُخْرِجُوا ابْنَ عَمِّی عَلِیّاً إِلَی سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ لِبَیْعَتِهِمُ الْخَاسِرَةِ، فَلَا یَخْرُجُ إِلَیْهِمْ مُتَشَاغِلًا بِمَا أَوْصَاهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بِأَزْوَاجِهِ وَ بِتَأْلِیفِ الْقُرْآنِ وَ قَضَاءِ ثَمَانِینَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَصَّاهُ بِقَضَائِهَا عَنْهُ عِدَاتٍ وَ دَیْناً، فَجَمَعُوا الْحَطَبَ الْجَزْلَ (2) عَلَی بَابِنَا وَ أَتَوْا بِالنَّارِ لِیُحْرِقُوهُ وَ یُحْرِقُونَا، فَوَقَفْتُ بِعَضَادَةِ الْبَابِ وَ نَاشَدْتُهُمْ بِاللَّهِ وَ بِأَبِی أَنْ یَكُفُّوا عَنَّا وَ یَنْصُرُونَا، فَأَخَذَ عُمَرُ السَّوْطَ مِنْ یَدِ قُنْفُذٍ- مَوْلَی أَبِی بَكْرٍ- فَضَرَبَ بِهِ عَضُدِی

ص: 348


1- فی (ك): و جاریتها- بزیادة الواو-.
2- قال فی النّهایة 1- 270: حطبا جزلا .. أی غلیظا قویّا.

فَالْتَوَی السَّوْطُ عَلَی عَضُدِی حَتَّی صَارَ كَالدُّمْلُجِ، وَ رَكَلَ (1) الْبَابَ بِرِجْلِهِ فَرَدَّهُ عَلَیَّ وَ أَنَا حَامِلٌ فَسَقَطْتُ لِوَجْهِی (2) وَ النَّارُ تُسْعَرُ وَ تَسْفَعُ (3) وَجْهِی، فَضَرَبَنِی بِیَدِهِ حَتَّی انْتَثَرَ قُرْطِی مِنْ أُذُنِی، وَ جَاءَنِی الْمَخَاضُ فَأَسْقَطْتُ مُحَسِّناً قَتِیلًا بِغَیْرِ جُرْمٍ، فَهَذِهِ أُمَّةٌ تُصَلِّی عَلَیَّ؟! وَ قَدْ تَبَرَّأَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْهُمْ، وَ تَبَرَّأْتُ مِنْهُمْ. فَعَمِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) بِوَصِیَّتِهَا وَ لَمْ یُعْلِمْ أَحَداً بِهَا فَأُصْنِعَ (4) فِی الْبَقِیعِ لَیْلَةَ دُفِنَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ أَرْبَعُونَ قَبْراً جُدُداً.

ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِینَ لَمَّا عَلِمُوا بِوَفَاةِ فَاطِمَةَ وَ دَفْنِهَا جَاءُوا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یُعَزُّونَهُ بِهَا، فَقَالُوا: یَا أَخَا رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! لَوْ أَمَرْتَ بِتَجْهِیزِهَا وَ حَفْرِ تُرْبَتِهَا.

فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قَدْ وُرِّیَتْ وَ لَحِقَتْ بِأَبِیهَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ (5).

فَقَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ، تَمُوتُ ابْنَةُ نَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لَمْ یُخَلِّفْ فِینَا وَلَداً غَیْرَهَا، وَ لَا نُصَلِّی عَلَیْهَا! إِنَّ هَذَا لَشَیْ ءٌ عَظِیمٌ.

فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: حَسْبُكُمْ مَا جَنَیْتُمْ عَلَی اللَّهِ وَ عَلَی رَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ عَلَی أَهْلِ بَیْتِهِ وَ لَمْ أَكُنْ- وَ اللَّهِ- لِأَعْصِیَهَا فِی وَصِیَّتِهَا الَّتِی أَوْصَتْ (6) بِهَا فِی أَنْ لَا یُصَلِّیَ عَلَیْهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ، وَ لَا بَعُدَ الْعَهْدُ فَأُعْذَرَ، فَنَفَضَ الْقَوْمُ أَثْوَابَهُمْ، وَ قَالُوا:

لَا بُدَّ لَنَا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَی ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ مَضَوْا مِنْ فَوْرِهِمْ إِلَی الْبَقِیعِ فَوَجَدُوا فِیهِ أَرْبَعِینَ قَبْراً جُدُداً، فَاشْتَبَهَ عَلَیْهِمْ قَبْرُهَا عَلَیْهَا السَّلَامُ بَیْنَ تِلْكَ الْقُبُورِ فصح [فَضَجَ] النَّاسُ وَ لَامَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَ قَالُوا: لَمْ تَحْضُرُوا وَفَاةَ بِنْتِ نَبِیِّكُمْ وَ لَا

ص: 349


1- الرّكل: الضّرب برجل واحدة، كما فی مجمع البحرین 4- 385.
2- الظّاهر زیادة: لوجهی.
3- أی تضرب و تلطم، كما فی القاموس 3- 38.
4- فی (س): فاضع.
5- من كلمة: إلی أمیر المؤمنین علیه السّلام .. إلی هنا لا توجد فی (س).
6- فی (س): أوصفت، و فی (ك): أوضعت، و الظّاهر ما أثبتناه.

الصَّلَاةَ عَلَیْهَا وَ لَا تَعْرِفُونَ قَبْرَهَا فَتَزُورُونَهُ؟.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَاتُوا مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِینَ مَنْ یَنْبِشُ هَذِهِ الْقُبُورَ حَتَّی تَجِدُوا قَبْرَهَا فَنُصَلِّیَ عَلَیْهَا وَ نَزُورَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَخَرَجَ مِنْ دَارِهِ مُغْضَباً وَ قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَ قَامَتْ عَیْنَاهُ وَ دَرَّتْ أَوْدَاجُهُ، وَ عَلَی یَدِهِ قَبَاهُ (1) الْأَصْفَرُ الَّذِی لَمْ یَكُنْ یَلْبَسُهُ إِلَّا فِی یَوْمٍ كَرِیهَةٍ- یَتَوَكَّأُ عَلَی سَیْفِهِ ذِی الْفَقَارِ حَتَّی وَرَدَ الْبَقِیعَ، فَسَبَقَ النَّاسَ النَّذِیرُ، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا عَلِیٌّ قَدْ أَقْبَلَ كَمَا تَرَوْنَ یُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ بُحِثَ مِنْ (2) هَذِهِ الْقُبُورِ حَجَرٌ وَاحِدٌ لَأَضَعَنَّ السَّیْفَ عَلَی غَائِرِ (3) هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَوَلَّی الْقَوْمُ هَارِبِینَ قِطَعاً قِطَعاً.

و منها: ما فعله الأول من التآمر علی الأمّة من غیر أن أباح اللّٰه له ذلك و لا رسوله، و مطالبة جمیعهم بالبیعة له و الانقیاد إلی طاعته طوعا و كرها، و كان ذلك أوّل ظلم ظهر فی الإسلام بعد وفاة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، إذ كان هو و أولیاؤه جمیعا مقرّین بأنّ اللّٰه عزّ و جلّ و رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله لم یولّیاه ذلك و لا أوجبا طاعته و لا أمرا ببیعته.

و طالب الناس بالخروج إلیه ممّا كان یأخذه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله من الأخماس و الصدقات و الحقوق الواجبات.

ثم تسمّی بخلافة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و قد علم هو و من معه من الخاصّ و العامّ أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لم یستخلفه، فقد جمع بین الظلم و المعصیة و الكذب علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله،

وَ قَدْ قَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنْ كَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلْیُتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ،.

و لمّا امتنع طائفة من الناس فی دفع الزكاة إلیه و قالوا: إنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لم یأمرنا بدفع ذلك إلیك، فسمّاهم: أهل الردّة، و بعث إلیهم خالد بن الولید رئیس القوم فی جیش،

ص: 350


1- فی (ك): قباء.
2- لا توجد كلمة من، فی (س).
3- كذا، و الظّاهر: غابر- بالباء الموحّدة-.

فقتل مقاتلهم، و سبی ذراریهم، و استباح أموالهم، و جعل ذلك فیئا للمسلمین، و قتل خالد بن الولید رئیس القوم: مالك بن نویرة، و أخذ امرأته فوطأها من لیلته تلك (1) و استحلّ الباقون فروج نسائهم من غیر استبراء.

و قد روی أهل الحدیث جمیعا بغیر خلاف عن القوم الّذین كانوا مع خالد أنّهم قالوا: أذّن مؤذّننا و أذّن مؤذّنهم، و صلّینا و صلّوا، و تشهّدنا و تشهّدوا، فأیّ ردّة هاهنا؟! مع ما رووه أنّ عمر قال لأبی بكر: كیف نقاتل قوما یشهدون أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّدا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله،

و قد سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یقول: أمرت أن أقاتل الناس حتّی یشهدوا أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّی رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله)، فإذا قالوها حقنوا دماءهم و أموالهم؟!.

فقال: لو منعونی عقالا ممّا كانوا یدفعونه إلی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لقاتلتهم- أو قال: لجاهدتهم-، و كان هذا فعلا فظیعا فی الإسلام و ظلما عظیما، فكفی بذلك خزیا و كفرا و جهلا، و إنّما أخذ علیه عمر بسبب قتل مالك بن نویرة، لأنّه كان بین عمر و بین مالك خلّة أوجبت المعصیة (2) له من عمر.

ثم رووا جمیعا أنّ عمر لمّا ولِّی جمع من بقی من عشیرة مالك و استرجع ما وجد عند المسلمین من أموالهم و أولادهم و نسائهم، و ردّ ذلك جمیعا علیهم.

فإن كان فعل أبی بكر بهنّ خطأ فقد أطعم المسلمین الحرام من أموالهم و ملّكهم العبید الأحرار من أبنائهم (3)، و أوطأهم فروجا حراما من نسائهم، و إن كان ما فعله حقّا فقد أخذ عمر نساء قوم ملكوهنّ بحقّ فانتزعهنّ من أیدیهم غصبا و ظلما و ردّهنّ إلی قوم لا یستحقّونهنّ بوطئهنّ حراما من غیر مباینة وقعت و لا أثمان دفعت إلی من كنّ عنده فی تملّكه، فعلی كلا الحالین قد أخطئا جمیعا أو أحدهما،

ص: 351


1- لا توجد: تلك، فی (س).
2- كذا، و الظاهر: العصبیّة.
3- كذا، و لعلّ العبارة حقّها أن تكون كذا: و ملكهم الأحرار من أبنائهم عبیدا، و یحتمل زیادة كلمة: العبید. أو تكون: و ملكهم العبید و الأحرار من أبنائهم. فغضبت الناس، فی (ك).

لأنّهما أباحا للمسلمین فروجا حراما، و أطعماهم طعاما حراما من أموال المقتولین علی دفع الزكاة إلیه، و لیس له ذلك علی ما تقدّم ذكره.

و منها: تكذیبه لفاطمة علیها السلام فی دعواها فدك، و ردّ شهادة أمّ أیمن، مع

أَنَّهُمْ رَوَوْا جَمِیعاً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: أُمُّ أَیْمَنَ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

، و ردّ شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام

وَ قَدْ رَوَوْا جَمِیعاً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: عَلِیٌّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَ عَلِیٍّ یَدُورُ مَعَهُ حَیْثُمَا دَارَ.

، و أخبرهم (1) أیضا بتطهیر علیّ و فاطمة من الرجس عن اللّٰه تعالی، فمن توهّم أنّ علیّا و فاطمة یدخلان- بعد هذه الأخبار من اللّٰه عزّ و جلّ- فی شی ء من الكذب و الباطل فقد كذّب اللّٰه، و من كذّب اللّٰه كفر بغیر خلاف.

و منها: قوله فی الصلاة: لا تفعل (2) خالد ما أمره، فهذه بدعة یقارنها كفر، و ذلك أنّه أمر خالد بقتل أمیر المؤمنین علیه السلام إذا هو سلّم من صلاة الفجر، فلمّا قام فی الصلاة ندم علی ذلك و خشی إن فعل ما أمر به من قتل أمیر المؤمنین علیه السلام أن تهیج علیه فتنة لا یقومون لها. فقال: لا یفعلنّ خالد ما أمر ..

قبل أن یسلّم، و الكلام فی الصلاة بدعة، و الأمر بقتل علیّ كفر.

و منها: أنّهم رووا- بغیر خلاف- أنّه قال- وقت وفاته-: ثلاث فعلتها وددت أنّی لم أفعلها، و ثلاث لم أفعلها و وددت أنّی أفعلها، و ثلاث غفلت عنها و وددت أنّی أسأل رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله عنها، أمّا الثلاث التی وددت أنّی (3) لم أفعلها، فبعث خالد بن الولید إلی مالك بن نویرة و قومه المسمّین بأهل الردّة، و كشف بیت فاطمة (علیها السلام) و إن كان أغلق علی حرب .. و اختلف أولیاؤه فی باقی الخصال فأهملنا ذكرها و ذكرنا ما اجتمعوا علیه.

فقد دلّ قوله: أنّی لم أكشف بیت فاطمة بنت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه

ص: 352


1- فی (س): أخبر بهم.
2- خ. ل: لا یفعل.
3- لا توجد: أنّی، فی (س).

و آله .. أنّه أغضب فاطمة،

وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ اللَّهَ یَغْضَبُ لِغَضَبِكِ وَ یَرْضَی لِرِضَاكِ،.

فقد أوجب بفعله هذا غضب اللّٰه علیه بغضب فاطمة.

وَ قَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِی وَ مَنْ آذَانِی فَقَدْ آذَی اللَّهَ.

، فقد لزمه أن یكون قد (1) آذی اللّٰه و رسوله بما لحق فاطمة علیها السلام من الأذی بكشف بیتها، و قد (2) قال اللّٰه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ (3)، و أمّا الثلاثة التی ودّ أن یسأل رسول اللّٰه عنها فهی: الكلالة ما هی؟ و عن الجدّ ما له من المیراث؟ و عن الأمر لمن بعده؟

و من صاحبه؟.

و كفی بهذا الإقرار علی نفسه خزیا و فضیحة، لأنّه شهّر نفسه بالجهل بأحكام الشریعة، و من كان هذه حاله كان ظالما فیما دخل فیه من الحكومة بین المسلمین بما لا یعلمه: وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (4).

و قوله: و وددت أنّی أسأل رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لمن الأمر بعده؟

و من صاحبه؟ فقد أقرّ و أشهد علی نفسه بأنّ الأمر لغیره، و أنّه لا حقّ له فیه، لأنّه لو كان له حقّ لكان قد علمه من اللّٰه عزّ و جلّ و من رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله، فلمّا لم یكن له فیه حقّ لم یعلم لمن هو بزعمه، و إذا لم یكن فیه حقّ و لم یعلم لمن هو فقد دخل فیما لم یكن له، و أخذ حقّا هو لغیره، و هذا یوجب الظلم و التعدّی، و قال اللّٰه تعالی: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ (5).

و أمّا ما وافقه علیه صاحبه الثانی:

فمنها (6): أنّه لمّا أمر أن یجمع ما تهیّأ له من القرآن أمر منادیا ینادی فی

ص: 353


1- لا توجد: قد، فی (س).
2- خطّ علی: قد، فی (ك).
3- الأحزاب: 57.
4- الشعراء: 227.
5- هود: 18.
6- أقول: كلّ ما ذكر هنا من مثالب للخلیفة ستأتی مصادره مفصّلا بإذن اللّٰه، و نشیر لبعضها هنا مجملا، انظر: صحیح البخاریّ، باب جمع القرآن 6- 98- 99، كنز العمّال، باب جمع القرآن 2- 361، و منتخب كنز العمّال- هامش مسند أحمد بن حنبل- 2- 43- 52، و غیرها ممّا سیأتی فی محلّه.

المدینة: من كان عنده شی ء من القرآن فلیأتنا به، ثم قال: لا تقبل من أحد شیئا إلّا بشاهدی عدل.

و هذا منه مخالف لكتاب اللّٰه عزّ و جلّ إذ یقول: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلی أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ (1) فذلك غایة الجهل و قلّة الفهم، و هذا الوجه أحسن أحوالهما، و من حلّ هذا المحلّ لم یجز أن یكون حاكما بین المسلمین فضلا عن منزلة الإمامة، و إن كانا قد علما ذلك من كتاب اللّٰه، و لم یصدّقا إخبار اللّٰه فیه، و لم یثقا بحكمه فی ذلك، كانت هذه حالا توجب علیهما ما لا خفاء به علی كلّ ذی فهم، و لكنّ الأئمّة من أهل البیت علیهم السلام قالوا:

إنّهما قصدا بذلك علیّا علیه السلام فجعلا هذا سببا لترك قبول ما كان علیّ علیه السلام جمعه و ألّفه من القرآن فی مصحفه بتمام ما أنزل اللّٰه عزّ و جلّ علی رسوله منه، و خشیا أن یقبلا ذلك منه، فیظهر ما یفسد علیهما عند الناس ما ارتكباه من الاستیلاء علی أمورهم، و یظهر فیه فضائح المذمومین بأسمائهم و طهارة الفاضلین المحمودین بذكرهم، فلذلك قالا: لا نقبل القرآن من أحد (2) إلّا بشاهدی عدل، هذا مع ما یلزم من یتولّاهما أنّهما لم یكونا عالمین بتنزیل القرآن، لأنّهما لو كانا یعلمانه لما احتاجا أن یطلباه من غیرهما ببیّنة عادلة، و إذا لم یعلما التنزیل كان محالا أن یعلما التأویل، و من لم یعلم التنزیل و لا التأویل كان جاهلا بأحكام الدین و بحدود ما أنزل اللّٰه علی رسوله، و من كان بهذه الصفة (3) خرج عن حدود من یصلح أن یكون حاكما بین المسلمین أو إماما لهم، و من لم یصلح لذلك ثم دخل فیه فقد استوجب

ص: 354


1- الإسراء: 88.
2- لا توجد فی (س): من أحد.
3- الكلمة فی مطبوع البحار مشوّشة، و لعلّها تقرأ: الضفّة.

المقت من اللّٰه عزّ و جلّ، لأنّ من لا یعلم حدود اللّٰه یكون حاكما بغیر ما أنزل اللّٰه، و قال سبحانه و تعالی: وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (1).

و منها: أنّ الأمّة مجتمعة (2) علی أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ضمّه و صاحبه مع جماعة من المهاجرین و الأنصار إلی أسامة بن زید و ولّاه علیهما، و أمره بالمسیر فیهم، و أمرهم بالمسیر تحت رایته، و هو أمیر علیهم إلی بلاد من الشام، و لم یزل رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یقول: لینفّذوا جیش أسامة .. حتی توفی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی مرضه ذلك، و أنّهما لم ینفّذا و تأخّرا عن أسامة فی طلب ما استولیا علیه من أمور الأمّة، فبایع الناس لأبی بكر- و أسامة معسكر فی مكانه علی حاله خارج المدینة- و الأمّة مجتمعة (3) علی أنّ من عصی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و خالفه فقد عصی اللّٰه، و من أطاع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ، بنصّ الكتاب العزیز (4)، و الأمّة أیضا مجمعة علی أنّ معصیة الرسول بعد وفاته كمعصیته فی حیاته، و أنّ طاعته بعد وفاته كطاعته فی حیاته، و أنّهما لم یطیعاه فی الحالتین، و تركا أمره لهما بالخروج، و من ترك أمر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله متعمدا و خالفه وجب الحكم بارتداده.

و منها: أنّه لما حضرته الوفاة جعل ما كان اغتصبه و ظلم فی الاستیلاء علیه لعمر من بعده، و طالب الناس بالبیعة له و الرضا به كره فی ذلك من كره و رغب من رغب، و قد أجمعوا فی روایتهم أنّ الغالب كان من الناس یومئذ الكراهیة، فلم یفكّر فی ذلك و جعله الوالی علیهم علی كره منهم، و خوّفوه من اللّٰه عزّ و جلّ فی تولیته، فقال: أ باللّٰه تخوّفونی؟! إذا أنا لقیته قلت له: استخلفت علیهم خیر أهلك!. فكان هذا القول جامعا لعجائب من المنكرات القطعیّات، أ رأیت لو

ص: 355


1- المائدة: 44.
2- فی (س) نسخة بدل: مجمعة.
3- فی مطبوع البحار علی الكلمة نسخة بدل: مجمعة.
4- النساء: 80.

أجابه اللّٰه تعالی، فقال: و من جعل إلیك ذلك؟ و من ولّاك أنت (1) حتی تستخلف علیهم غیرك؟! فقد تقلّد الظلم فی حیاته و بعد وفاته.

ثم إنّ قوله: تخوّفونی باللّٰه ..! إمّا هو دلیل علی استهانته بملاقاة اللّٰه تعالی، أو یزعم أنّه زكیّ عند اللّٰه بری ء من كلّ ذلّة (2) و هفوة، و هذا مخالفة لقوله تعالی، فإنّه قال: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقی (3).

ثم إنّه لم یكتف بذلك حتی شهد لعمر أنّه خیر القوم، و هذا ممّا لا یصل إلیه مثله و لا یعرفه.

ثم إنّه ختم ذلك بالطامّة الكبری أنّه أمر وقت وفاته بالدفن مع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی بیته و موضع قبره و جعل- أیضا- بذلك سبیلا لعمر علیه، فإنّه فعل كما فعله، و صیّرت العامّة ذلك منقبة لهما بقولهم: ضجیعا رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله)، و من عقل و میّز و فهم علم أنّهما قد جنیا علی أنفسهما جنایة لا یستقیلانها أبدا، و أوجبا علی أنفسهما المعصیة للّٰه و لرسوله و الظلم الظاهر الواضح، لأنّ اللّٰه سبحانه قد نهی عن الدخول إلی بیوت النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله إلّا بإذنه، حیث یقول: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتَ النَّبِیِّ إِلَّا أَنْ یُؤْذَنَ لَكُمْ (4) و الحال فی ذلك بعد وفاته كالحال فی حیاته، إلّا أن یخصّ اللّٰه عزّ و جلّ ذلك أو رسوله، فإن كان البیت الذی فیه قبر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله للرسول خاصّة فقد عصیا اللّٰه بدخولهما إلیه بغیر إذن الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، و ختما أعمالهما بمعصیة اللّٰه تعالی فی ذلك، و إن كان البیت من جملة التركة، فإمّا أن یكون كما زعموا أنّه صدقة أو یكون للورثة، فإن كان صدقة فحینئذ یكون لسائر المسلمین لا یجوز أن یختصّ واحد دون واحد، و لا یجوز أیضا شراؤه من المسلمین و لا

ص: 356


1- و لعلّ كلمة: أنت، زائدة، أو تأكید، أو بدلا عن الضمیر.
2- كذا، و الظاهر أنّها بالزاء لا الذال المعجمة، و هی بمعنی الهفوة، فیكون عطف تفسیر.
3- النجم: 32.
4- الأحزاب: 53.

استیهابه، و إن كان میراثا، فلم یكونا ممّن یرث الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله. و إن ادّعی جاهل میراث ابنتهما من الرسول (صلی اللّٰه علیه و آله) فإنّ نصیبهما تسعا الثمن لأنّ الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله مات عن تسع نسوة و عن ولد للصلب، فلكلّ واحدة منهما تسع الثمن، و هذا القدر لا یبلغ مفحص قطاة.

و بالجملة، فإنّهما غصبا الموضع حتی تقع القسمة علی تركة الرسول و لا قسمة مع زعمهم أنّ ما تركه صدقة.

و أمّا صاحبه الثانی فقد حذا حذوه، و زاد علیه فیما غیّر من حدود اللّٰه تعالی فی الوضوء، و الأذان و الإقامة .. و سائر أحكام الدین.

أمّا الوضوء، فقد قال عزّ من قائل: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ إِلَی الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَی الْكَعْبَیْنِ (1) فقد جعل سبحانه للوضوء حدودا أربعة، حدّان منها غسل، و حدّان منها مسح، فلمّا قدم الثانی بعد الأول جعل المسح علی الرجلین غسلا و أمر الناس بذلك، فاتّبعوه إلّا الفرقة المحقّة، و أفسدوا علی من اتّبعه وضوءه و صلاته لفساد الوضوء، لأنّه علی غیر ما أنزل اللّٰه به من حدود الوضوء، و أجاز أیضا (2) المسح علی الخفّین من غیر أمر من اللّٰه تعالی (3) و رسوله.

و أمّا الأذان و الإقامة، فأسقط منهما و زاد فیهما، أمّا الأذان فإنّه كان فیه علی عهد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله: (حیّ علی خیر العمل) بإجماع العلماء و أهل المعرفة بالأثر و الخبر، فقال الثانی: ینبغی (4) لنا أن نسقط: (حیّ علی خیر العمل)، فی الأذان و الإقامة لئلّا یتّكل الناس علی الصلاة فیتركوا الجهاد، فأسقط ذلك من

ص: 357


1- المائدة: 6.
2- فی (س) زیادة: علی، و خطّ علیها فی (ك).
3- لا توجد كلمة: تعالی، فی (ك).
4- فی (ك): لا ینبغی، و هو غلط.

الأذان و الإقامة جمیعا لهذه العلّة بزعمه، فقبلوا ذلك منه و تابعوه علیه، و یلزمهم (1) أن یكون عمر قد أبصر من الرشد ما لم یعلمه اللّٰه عزّ و جلّ و لا رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله، لأنّ اللّٰه و رسوله قد أثبتا ذلك فی الأذان و الإقامة و لم یخافا علی الناس ما خشیه علیهم عمر و قدّره فیهم، و من ظنّ ذلك و جهله لزمه الكفر، فأفسد علیهم الأذان بذلك أیضا، لأنّه من تعمد الزیادة و النقیصة فی فریضة أو سنّة فقد أفسدها.

ثم إنّه بعد إسقاط ما أسقط من الأذان و الإقامة من (حیّ علی خیر العمل)، أثبت فی بعض الأذان زیادة من عنده، و ذلك أنّه زاد فی أذان صلاة الفجر: الصلاة خیر من النوم، فصارت هذه البدعة- عند من اتّبعه- من السنن الواجبة لا یستحلّون تركها، فبدعة الرجل عندهم معمورة متّبعة معمول بها یطالب من تركها بالقهر علیها، و سنّة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله عندهم مهجورة مطرحة [مطروحة] یضرب من استعملها و یقتل من أقامها.

و جعل أیضا الإقامة فرادی، فقال: ینبغی لنا أن نجعل بین الأذان و الإقامة فرقا بیّنا، و كانت الإقامة علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله سبیلها كسبیل الأذان مثنی مثنی، و كان فیها: (حیّ علی خیر العمل) مثنی، و كانت أنقص من الأذان بحرف واحد، لأنّ فی آخر الأذان: (لا إله إلّا اللّٰه) مرّتین، و فی آخر الإقامة مرّة واحدة، و كان هذا هو الفرق فغیّره الرجل و جعل بینهما فرقا من عنده، فقد خالف اللّٰه و رسوله، و زعم أنّه قد أبصر من الرشد فی ذلك و أصاب من الحقّ ما لم یعلمه اللّٰه تعالی و رسوله،

و قد قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: كلّ محدثة بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة فی النار.

، و لا شكّ أنّه كلّ من ابتدع بدعة كان علیه وزرها و وزر العامل بها إلی یوم القیامة.

و أمّا الصلاة، فأفسد من حدودها ما فیه الفضیحة و الهتك لمذهبهم، و هو إنّهم رووا أنّ: تحریم الصلاة التكبیر و تحلیلها التسلیم، و أنّ الصلاة المفروضة علی

ص: 358


1- فی (ك): فیلزمهم.

الحاضرین الظهر أربعا، و العصر أربعا، و المغرب ثلاثا، و العشاء الآخرة أربعا، لا سلام إلّا فی آخر التشهد فی الرابعة، و أجمعوا علی أنّه من سلّم قبل التشهّد عامدا متعمدا فلا صلاة له، و قد لزمه الإعادة، و أنّه من سلّم فی كلّ ركعتین من هذه الصلوات الأربع عامدا غیر ناس فقد أفسد صلاته و علیه الإعادة، فاستنّ الرجل لهم فی التشهّد الأول و الثانی ما أفسد صلاتهم و أبطل علیهم تشهّدهم، فلیس منهم أحد یتشهّد فی صلاته قطّ و لا یصلّی من هذه الصلوات الأربع التی ذكرناها، و ذلك أنّهم یصلّون ركعتین ثم یقعدون للتشهّد الأوّل فیقولون عوضا عن التشهّد: التحیّات للّٰه، الصلوات الطیّبات، السلام علیك أیّها النبیّ و رحمة اللّٰه و بركاته، السلام علینا و علی عباد اللّٰه الصالحین، فإذا قالوا ذلك فقد سلّموا أتمّ السلام و (1) أكمله، لأنّه إذا سلّم المصلّی علی النبیّ و علی نفسه و علی عباد اللّٰه الصالحین لم یبق من هؤلاء من یجوز صرف التسلیم إلیه، فإنّ عباد اللّٰه الصالحین یدخل فی جملتهم الأوّلون و الآخرون و الجنّ و الإنس و الملائكة (2) و أهل السماوات و الأرضین و الأنبیاء و الأوصیاء و جمیع المرسلین من الأحیاء و الأموات و من قد مضی و من هو آت، فحینئذ یكون المصلّی منهم قد قطع صلاته الأربع ركعات بسلامه هذا، ثم یقول بعد: أشهد أن لا إله إلّا اللّٰه، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، و التشهّد هو الشهادتان، فالمصلّی منهم یأتی بالشهادتین بعد التسلیم الذی ذكرناه منهم، فلزمهم أنّه لیس منهم أحد یتشهّد فی الصلاة إذا كان التسلیم موجبا للخروج من الصلاة، و لا عبرة بالتشهد بعد الصلاة.

ثم أتبع ذلك بقوله: آمین، عند الفراغ من قراءة سورة الحمد، فصارت عند أولیائه سنّة واجبة، حتی أنّ من یتلقّن القرآن من الأعاجم و غیرهم و عوامّهم و جهّالهم یلعنونهم (3) من بعد قول وَ لَا الضَّالِّینَ: آمین، فقد زادوا آیة فی أمّ

ص: 359


1- فی (س): أو.
2- فی (س): و أهل الملائكة.
3- كذا، و الظاهر بل الصحیح: یلقنونهم.

الكتاب، و صار عندهم من لم یأت بها فی صلاته و غیر صلاته كأنّه قد ترك آیة فی كتاب اللّٰه.

وَ قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ النَّقْلِ عَنِ الْأَئِمَّةِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ مِنْ أَهْلِ الْبَیْتِ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ قَالَ: آمِینَ فِی صَلَاتِهِ فَقَدْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ وَ عَلَیْهِ الْإِعَادَةُ.

، لأنّها عندهم كلمة سریانیّة معناها بالعربیة: افعل، كسبیل من یدعو بدعاء فیقول فی آخره: اللّٰهمّ افعل، ثم استنّ (1) أولیاؤه و أنصاره روایة متخرّصة (2) عن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أنّه (3) كان یقول ذلك بأعلی صوته فی الصلاة، فأنكر أهل البیت ذلك، و لمّا رأینا أهل البیت علیهم السلام مجتمعین علی إنكارها صحّ عندنا فساد أخبارهم فیها، لأنّ الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله حكم- بالإجماع- أن لا نضلّ ما تمسّكنا بأهل بیته علیهم السلام، فتعیّن ضلالة من تمسّك بغیرهم.

و أمّا الدلیل علی خرص روایتهم أنّهم مختلفون فی الروایة:

فمنهم من روی: إذا أمّن الإمام فأمّنوا.

و منهم من یروی: إذا قال الإمام «وَ لَا الضَّالِّینَ» فقولوا: آمین.

و منهم من یروی: ندب (4) رفع الصوت بها.

و منهم من یروی: الإخفات بها.

فكان هذا اختلافهم فیما وصفناه من هذه المعانی دلیلا واضحا- لمن فهم- علی تخرّص روایتهم.

ثم أتبع ذلك بفعل من أفعال الیهود، و ذلك عقد الیدین فی الصدر إذا قاموا فی الصلاة، لأنّ الیهود تفعل فی صلاتها ذلك، فلمّا رآهم الرجل یستعملون ذلك استعمله هو أیضا اقتداء بهم و أمر الناس بفعل ذلك، و قال: إنّ هذا تأویل قوله

ص: 360


1- الكلمة مشوّشة فی المطبوع، و الظاهر ما أثبتناه.
2- الكلمة مشوّشة فی مطبوع البحار، و تقرأ: متحرّضة- بالحاء المهملة و الضاد المعجمة-، و ما سیأتی یؤیّد ما أثبتناه.
3- فی (س) لا توجد: أنّه.
4- لا توجد كلمة: ندب، فی (س).

تعالی: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِینَ (1) یرید بزعمه التذلّل و التواضع،

وَ مِمَّا رُوِیَ عَنْهُ بِالْخِلَافِ أَنَّهُ قَالَ لِلرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْماً: إِنَّا نَسْمَعُ مِنَ الْیَهُودِ أَشْیَاءَ نَسْتَحْسِنُهَا مِنْهُمْ، فَنَكْتُبُ ذَلِكَ مِنْهُمْ؟. فَغَضِبَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ:

أَ مُتَهَوِّكُونَ (2) أَنْتُمْ یَا ابْنَ الْخَطَّابِ!، لَوْ كَانَ مُوسَی حَیّاً لَمْ یَسَعْهُ إِلَّا اتِّبَاعِی.

و من استحسن ذلك فی حیاة الرسول من قول الیهود فاستحسانه بعد فقد النبیّ أولی، و قد أنكر أهل البیت علیهم السلام و نهوا عنه نهیا مؤكّدا، و حال أهل البیت ما شرحناه من شهادة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله لهم بإزالة الضلالة عنهم و عمّن تمسّك (3) بهم، فلیس من بدعة ابتدعها هذا الرجل إلّا أولیاؤه متحفّظون بها مواظبون علیها و علی العمل بها، طاعنون علی تاركها، و كلّ تأدیب الرسول الذی قد خالفه الرجل ببدعة فهو عندهم مطروح متروك مهجور و یطعن علی من استعمله، و ینسب عندهم إلی الأمور المنكرات،

وَ لَقَدْ رَوَوْا جَمِیعاً أَنَّ الرَّسُولَ قَالَ: لَا تَبْرَكُوا فِی الصَّلَاةِ كَبَرْكِ الْبَعِیرِ، وَ لَا تَنْقُرُوا كَنَقْرِ الدِّیكِ، وَ لَا تُقْعُوا كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَ لَا تَلْتَفِتُوا (4) كَالْتِفَاتِ الْقُرُودِ،.

فهم لأكثر ذلك فاعلون، و لقول الرسول مخالفون، فإذا أرادوا السجود بدءوا بركبهم فیطرحونها إلی الأرض قبل أیدیهم، و ذلك منهم كبرك البعیر علی ركبتیه، و یعلّمون ذلك جهّالهم خلافا علی تأدیب

ص: 361


1- البقرة: 238.
2- جاء فی حاشیة (ك): التّهوّك: التّحیّر، و فی الحدیث: أ متهوّكون أنتم كما تهوّكت الیهود و النّصاری. صحاح. انظر: الصّحاح 4- 1617. أقول: قال فی النّهایة 5- 282 ما نصّه: فیه قال لعمر فی كلام: «أ متهوّكون أنتم كما تهوّكت الیهود و النّصاری؟! لقد جئت بها بیضاء نقیّة». التهوك- كالتهور- و هو الوقوع فی الأمر بغیر رویّة، و المتهوك: الّذی یقع فی كلّ أمر، و قیل: هو التّحیّر. و لا یخفی وجه الشّبه لهم بالیهود و النّصاری فی التهوك.
3- فی (س): عنهم عین و تمسك، و هو غلط.
4- فی (س): و لا تلتفت.

الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، و هذا شأنهم فی سائر أحكام الدین فلا نطوّل الكلام (1) بذكرها الكتاب.

وَ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِیَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِسَدِّ أَبْوَابِ النَّاسِ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ شریفا [تَشْرِیفاً] (2) لَهُ وَ صَوْناً لَهُ عَنِ النَّجَاسَةِ سِوَی بَابِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بَابِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ أَمَرَهُ أَنْ یُنَادِیَ فِی النَّاسِ بِذَلِكَ، فَمَنْ أَطَاعَهُ فَازَ وَ غَنِمَ وَ مَنْ عَصَاهُ هَلَكَ وَ نَدِمَ، فَأَمَرَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ الْمُنَادِیَ فَنَادَی فِی النَّاسِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَأَقْبَلَ النَّاسُ یُهْرَعُونَ، فَلَمَّا تَكَامَلُوا صَعِدَ النَّبِیُّ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ (3) تَعَالَی قَدْ أَمَرَنِی بِسَدِّ أَبْوَابِكُمُ الْمَفْتُوحَةِ إِلَی الْمَسْجِدِ بَعْدَ یَوْمِی، وَ أَنْ لَا یَدْخُلَهُ جُنُبٌ وَ لَا نَجَسٌ، بِذَلِكَ (4) أَمَرَنِی رَبِّی جَلَّ جَلَالُهُ، فَلَا یَكُونُ فِی نَفْسِ أَحَدٍ مِنْكُمْ أَمْرٌ، وَ لَا تَقُولُوا: لِمَ؟ وَ كَیْفَ؟ وَ أَنَّی ذَلِكَ؟ فَتَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَ تَكُونُوا مِنَ الْخَاسِرِینَ، وَ إِیَّاكُمْ وَ الْمُخَالَفَةَ وَ الشِّقَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی أَوْحَی إِلَیَّ أَنْ أُجَاهِدَ مَنْ عَصَانِی، وَ أَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ فِی الْإِسْلَامِ، وَ قَدْ جَعَلْتُ مَسْجِدِی طَاهِراً مِنْ كُلِّ دَنَسٍ، مُحَرَّماً عَلَی كُلِّ مَنْ یَدْخُلُ إِلَیْهِ مَعَ هَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِی ذَكَرْتُهَا غَیْرِی وَ أَخِی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ ابْنَتِی فَاطِمَةَ وَ وَلَدَیَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ كَمَا كَانَ مَسْجِدُ هَارُونَ وَ مُوسَی، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَی إِلَیْهِمَا أَنِ اجْعَلَا بُیُوتَكُمَا قِبْلَةً لِقَوْمِكُمَا، وَ إِنِّی قَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أَمَرَنِی بِهِ رَبِّی وَ أَمَرْتُكُمْ بِذَلِكَ، أَلَا فَاحْذَرُوا الْحَسَدَ وَ النِّفَاقَ وَ أَطِیعُوا اللَّهَ یُوَافِقْ بَیْنَكُمْ سَرُّكُمْ عَلَانِیَتَكُمْ، فَ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (5).

فَقَالَ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ: سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَا نُخَالِفُ مَا أَمَرَنَا بِهِ،

ص: 362


1- خطّ فی (ك) علی: الكلام.
2- كذا، و الظّاهر أنّه: شرفا أو تشریفا.
3- لا توجد الواو فی (ك).
4- فی (س): فذلك.
5- آل عمران: 102.

ثُمَّ خَرَجُوا أَبْوَابَهُمْ جَمِیعاً غَیْرَ بَابِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَأَظْهَرَ النَّاسُ الْحَسَدَ وَ الْكَلَامَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا بَالُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) یُؤْثِرُ ابْنَ عَمِّهِ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ یَقُولُ عَلَی اللَّهِ الْكَذِبَ، وَ یُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ بِمَا لَمْ یَقُلْ فِی عَلِیٍّ؟! وَ إِنَّمَا سَأَلَ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ أَجَابَهُ إِلَی مَا یُرِیدُ، فَلَوْ سَأَلَ اللَّهَ ذَلِكَ لَنَا لَأَجَابَهُ، وَ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ یَكُونَ لَهُ بَابٌ مَفْتُوحٌ إِلَی الْمَسْجِدِ، وَ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَوْلُ عُمَرَ وَ خَوْضُ النَّاسِ وَ الْقَوْمِ فِی الْكَلَامِ، أَمَرَ الْمُنَادِیَ بِالنِّدَاءِ إِلَی: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ لَهُمُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ:

مَعَاشِرَ النَّاسِ! قَدْ بَلَغَنِی مَا خُضْتُمْ فِیهِ وَ مَا قَالَ قَائِلُكُمْ، وَ إِنِّی أُقْسِمُ بِاللَّهِ الْعَظِیمِ أَنِّی لَمْ أَقُلْ عَلَی اللَّهِ الْكَذِبَ وَ لَا كَذَبْتُ فِیمَا قُلْتُ، وَ لَا أَنَا سَدَدْتُ أَبْوَابَكُمْ، وَ لَا أَنَا فَتَحْتُ بَابَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام)، وَ لَا أَمَرَنِی فِی ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِی خَلَقَنِی وَ خَلَقَكُمْ أَجْمَعِینَ، فَلَا تَحَاسَدُوا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تَحْسُدُوا النَّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهُ یَقُولُ فِی مُحْكَمِ كِتَابِهِ: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ (1) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مِنَ الصَّابِرِینَ، ثُمَّ صَدَّقَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِنُزُولِ الْكَوْكَبِ مِنَ السَّمَاءِ عَلَی دَارِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قُرْآناً، وَ أَقْسَمَ بِالنَّجْمِ تَصْدِیقاً لِرَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ: وَ النَّجْمِ إِذا هَوی ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوی وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحی ... (2) الْآیَاتِ كُلَّهَا، وَ تَلَاهَا النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَلَمْ یَزْدَادُوا إِلَّا غَضَباً وَ حَسَداً وَ نِفَاقاً وَ عُتُوّاً وَ اسْتِكْبَاراً، ثُمَّ تَفَرَّقُوا وَ (3) فِی قُلُوبِهِمْ مِنَ الْحَسَدِ وَ النِّفَاقِ مَا لَا یَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَیَّامٍ دَخَلَ عَلَیْهِ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ وَ قَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ عَلِمْتَ مَا بَیْنِی وَ بَیْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ وَ الرَّحِمِ الْمَاسَّةِ، وَ أَنَا مِمَّنْ یَدِینُ اللَّهَ بِطَاعَتِكَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ

ص: 363


1- البقرة: 253.
2- النّجم: 1- 4.
3- لا توجد الواو فی (س).

تَعَالَی أَنْ یَجْعَلَ لِی بَاباً إِلَی الْمَسْجِدِ أَتَشَرَّفُ بِهَا عَلَی مَنْ سِوَایَ؟. فَقَالَ لَهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ: یَا عَمِّ! لَیْسَ إِلَی ذَلِكَ سَبِیلٌ. فَقَالَ: فَمِیزَاباً یَكُونُ مِنْ دَارِی إِلَی الْمَسْجِدِ أَتَشَرَّفُ بِهِ عَلَی الْقَرِیبِ وَ الْبَعِیدِ. فَسَكَتَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ كَانَ كَثِیرَ الْحَیَاءِ- لَا یَدْرِی مَا یُعِیدُ مِنَ الْجَوَابِ خَوْفاً مِنَ اللَّهِ تَعَالَی وَ حَیَاءً مِنْ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ، فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی الْحَالِ عَلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِی نَفْسِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ ذَلِكَ-، فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ (صلی اللّٰه علیه و آله)! إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ أَنْ تُجِیبَ سُؤَالَ عَمِّكَ، وَ أَمَرَكَ أَنْ تَنْصِبَ لَهُ مِیزَاباً إِلَی الْمَسْجِدِ كَمَا أَرَادَ، فَقَدْ عَلِمْتُ مَا فِی نَفْسِكَ وَ قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَی ذَلِكَ كَرَامَةً لَكَ وَ نِعْمَةً مِنِّی عَلَیْكَ وَ عَلَی عَمِّكَ الْعَبَّاسِ، فَكَبَّرَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ: أَبَی اللَّهُ إِلَّا إِكْرَامَكُمْ یَا بَنِی هَاشِمٍ وَ تَفْضِیلَكُمْ عَلَی الْخَلْقِ أَجْمَعِینَ، ثُمَّ قَامَ وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَ الْعَبَّاسُ بَیْنَ یَدَیْهِ حَتَّی صَارَ عَلَی سَطْحِ الْعَبَّاسِ، فَنَصَبَ لَهُ مِیزَاباً إِلَی الْمَسْجِدِ وَ قَالَ: مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِینَ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَرَّفَ عَمِّیَ الْعَبَّاسَ بِهَذَا الْمِیزَابِ فَلَا تُؤْذُونِی فِی عَمِّی، فَإِنَّهُ بَقِیَّةُ الْآبَاءِ وَ الْأَجْدَادِ، فَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آذَانِی فِی عَمِّی وَ بَخَسَهُ حَقَّهُ أَوْ أَعَانَ عَلَیْهِ.

وَ لَمْ یَزَلِ الْمِیزَابُ عَلَی حَالِهِ مُدَّةَ أَیَّامِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ خِلَافَةِ أَبِی بَكْرٍ وَ ثَلَاثَ سِنِینَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا كَانَ فِی بَعْضِ الْأَیَّامِ وُعِكَ (1) الْعَبَّاسُ وَ مَرِضَ مَرَضاً شَدِیداً وَ صَعِدَتِ الْجَارِیَةُ تَغْسِلُ قَمِیصَهُ فَجَرَی الْمَاءُ مِنَ الْمِیزَابِ إِلَی صَحْنِ الْمَسْجِدِ، فَنَالَ بَعْضُ الْمَاءِ ثَوْبَ الرَّجُلِ، فَغَضِبَ غَضَباً شَدِیداً وَ قَالَ لِغُلَامِهِ: اصْعَدْ وَ اقْلَعِ الْمِیزَابَ، فَصَعِدَ الْغُلَامُ فَقَلَعَهُ وَ رَمَی بِهِ إِلَی سَطْحِ الْعَبَّاسِ، وَ قَالَ: وَ اللَّهِ لَئِنْ رَدَّهُ أَحَدٌ إِلَی مَكَانِهِ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَی الْعَبَّاسِ وَ دَعَا بِوَلَدَیْهِ عَبْدِ اللَّهِ وَ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ نَهَضَ یَمْشِی مُتَوَكِّئاً عَلَیْهِمَا- وَ هُوَ یَرْتَعِدُ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ- وَ سَارَ حَتَّی دَخَلَ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ انْزَعَجَ لِذَلِكَ، وَ قَالَ: یَا عَمِّ! مَا جَاءَ بِكَ وَ أَنْتَ عَلَی هَذِهِ

ص: 364


1- قال فی مجمع البحرین 5- 298: الوعك: الحمّی، و قیل: ألمها، و الموعوك: المحموم.

الْحَالَةِ؟!. فَقَصَّ عَلَیْهِ الْقِصَّةَ وَ مَا فَعَلَ مَعَهُ عُمَرُ مِنْ قَلْعِ الْمِیزَابِ وَ تَهَدُّدِهِ (1) مَنْ یُعِیدُهُ إِلَی مَكَانِهِ، وَ قَالَ لَهُ: یَا ابْنَ أَخِی! إِنَّهُ كَانَ لِی عَیْنَانِ أَنْظُرُ بِهِمَا، فَمَضَتْ إِحْدَاهُمَا وَ هِیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بَقِیَتِ الْأُخْرَی وَ هِیَ أَنْتَ یَا عَلِیُّ، وَ مَا أَظُنُّ أَنْ أُظْلَمَ وَ یَزُولَ مَا شَرَّفَنِی بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَنْتَ لِی، فَانْظُرْ فِی أَمْرِی، فَقَالَ لَهُ: یَا عَمِّ! ارْجِعْ إِلَی بَیْتِكَ، فَسَتَرَی مِنِّی مَا یَسُرُّكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی.

ثُمَّ نَادَی: یَا قَنْبَرُ! عَلَیَّ بِذِی الْفَقَارِ، فَتَقَلَّدَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَی الْمَسْجِدِ وَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَ قَالَ: یَا قَنْبَرُ! اصْعَدْ فَرُدَّ الْمِیزَابَ إِلَی مَكَانِهِ، فَصَعِدَ قَنْبَرُ فَرَدَّهُ إِلَی مَوْضِعِهِ، وَ قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ حَقِّ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ وَ الْمِنْبَرِ لَئِنْ قَلَعَهُ قَالِعٌ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ وَ عُنُقَ الْآمِرِ لَهُ بِذَلِكَ، وَ لَأَصْلِبَنَّهُمَا فِی الشَّمْسِ حَتَّی یَتَقَدَّدَا (2)، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَنَهَضَ وَ دَخَلَ (3) الْمَسْجِدَ وَ نَظَرَ إِلَی الْمِیزَابِ، فَقَالَ: لَا یُغْضِبُ أحدا [أَحَدٌ] أَبَا الْحَسَنِ فِیمَا فَعَلَهُ، وَ نُكَفِّرُ (4) عَنِ الْیَمِینِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدَاةِ مَضَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی عَمِّهِ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: كَیْفَ أَصْبَحْتَ یَا عَمِّ؟. قَالَ: بِأَفْضَلِ النِّعَمِ مَا دُمْتَ لِی یَا ابْنَ أَخِی. فَقَالَ لَهُ: یَا عَمِّ! طِبْ نَفْساً وَ قَرَّ عَیْناً، فَوَ اللَّهِ لَوْ خَاصَمَنِی أَهْلُ الْأَرْضِ فِی الْمِیزَابِ لَخَصَمْتُهُمْ، ثُمَّ لَقَتَلْتُهُمْ بِحَوْلِ اللَّهِ وَ قُوَّتِهِ، وَ لَا یَنَالُكَ ضَیْمٌ (5) یَا عَمِّ، فَقَامَ الْعَبَّاسُ فَقَبَّلَ مَا بَیْنَ عَیْنَیْهِ، وَ قَالَ: یَا ابْنَ أَخِی! مَا خَابَ مَنْ أَنْتَ نَاصِرُهُ.

فكان هذا فعل عمر بالعباس عمّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.،

وَ قَدْ قَالَ فِی غَیْرِ مَوْطِنٍ وَصِیَّةً مِنْهُ فِی عَمِّهِ الْعَبَّاسِ: إِنَّ عَمِّیَ الْعَبَّاسَ بَقِیَّةُ الْآبَاءِ وَ الْأَجْدَادِ

ص: 365


1- كذا، و الظّاهر: تهدیده.
2- فی (س): یتغددا، و هو غلط.
3- فی (س): فدخل.
4- فی (ك): و نكفّر عنه عن.
5- الضّیم: الظّلم، قاله فی الصّحاح 5- 1973، و القاموس 4- 143، و غیرهما.

فَاحْفَظُونِی فِیهِ، كُلٌّ فِی كَنَفِی، وَ أَنَا فِی كَنَفِ عَمِّیَ الْعَبَّاسِ، فَمَنْ آذَاهُ فَقَدْ آذَانِی، وَ مَنْ عَادَاهُ فَقَدْ عَادَانِی، سِلْمُهُ سِلْمِی، وَ حَرْبُهُ حَرْبِی.

و قد آذاه عمر فی ثلاثة مواطن ظاهرة غیر خفیّة:

منها: قصّة المیزاب، و لو لا خوفه من علیّ (علیه السلام) لم یتركه علی حاله.

وَ مِنْهَا: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ خَرَجَ یَوْماً إِلَی خَارِجِ مَكَّةَ وَ رَجَعَ طَالِباً مَنْزِلَهُ فَاجْتَازَ بِمُنَادٍ یُنَادِی مِنْ بَنِی تَمِیمٍ- وَ كَانَ لَهُمْ سَیِّدٌ یُسَمَّی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُذْعَانَ، وَ كَانَ یُعَدُّ مِنْ سَادَاتِ قُرَیْشٍ وَ أَشْیَاخِهِمْ، وَ كَانَ (1) لَهُ مُنَادِیَةٌ یُنَادُونَ فِی شِعَابِ مَكَّةَ وَ أَوْدِیَتِهَا: مَنْ أَرَادَ الضِّیَافَةَ وَ الْقِرَی فَلْیَأْتِ مَائِدَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُذْعَانَ، وَ كَانَ مُنَادِیهِ: أَبُو قُحَافَةَ، وَ أُجْرَتُهُ أَرْبَعَةُ دَوَانِیقَ، وَ لَهُ مُنَادٍ آخَرُ فَوْقَ سَطْحِ دَارِهِ، فَأَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُذْعَانَ بِجَوَازِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی بَابِهِ، فَخَرَجَ یَسْعَی حَتَّی لَحِقَ بِهِ وَ قَالَ: یَا مُحَمَّدُ! بِالْبَیْتِ الْحَرَامِ إِلَّا مَا شَرَّفْتَنِی بِدُخُولِكَ إِلَی مَنْزِلِی وَ تَحَرُّمِكَ بِزَادِی، وَ أَقْسَمَ عَلَیْهِ بِرَبِّ الْبَیْتِ وَ الْبَطْحَاءِ وَ بِشَیْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَجَابَهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی ذَلِكَ وَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَ تَحَرَّمَ بِزَادِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ خَرَجَ مَعَهُ ابْنُ جُذْعَانَ مُشَیِّعاً لَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ الرُّجُوعَ عَنْهُ قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنِّی أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً فِی ضِیَافَتِی أَنْتَ وَ تَیْمٌ وَ أَتْبَاعُهَا وَ حُلَفَاؤُهَا عِنْدَ طُلُوعِ الْغَزَالَةِ (2)، ثُمَّ افْتَرَقَا وَ مَضَی النَّبِیُّ إِلَی دَارِ عَمِّهِ أَبِی طَالِبٍ وَ جَلَسَ مُتَفَكِّراً فِیمَا وَعَدَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُذْعَانَ، إِذْ دَخَلَتْ عَلَیْهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا زَوْجَةُ عَمِّهِ أَبِی طَالِبٍ- وَ كَانَتْ هِیَ مُرَبِّیَتَهُ، وَ كَانَ یُسَمِّیهَا الْأُمَّ فَلَمَّا رَأَتْهُ مَهْمُوماً قَالَتْ: فِدَاكَ أَبِی وَ أُمِّی، مَا لِی أَرَاكَ مَهْمُوماً؟ أَ عَارَضَكَ أَحَدٌ مِنْ

ص: 366


1- كذا، و الظّاهر: و كانت.
2- غزالة الضّحی: أوّلها، یقال: جاءنا فلان فی غزالة الضّحی، قاله فی الصّحاح 5- 1781، ثمّ قال: و یقال: الغزالة الشّمس أیضا. و فی القاموس 4- 24: .. كسحابة الشّمس لأنّها تمدّ حبالا كأنّها تغزل، أو الشّمس عند طلوعها، أو عند ارتفاعها، أو عین الشّمس. و انظر: مجمع البحرین 5- 433.

أَهْلِ مَكَّةَ؟. فَقَالَ: لَا. قَالَتْ: فَبِحَقِّی عَلَیْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِی بِحَالِكَ .. فَقَصَّ عَلَیْهَا قِصَّتَهُ مَعَ ابْنِ جُذْعَانَ وَ مَا قَالَهُ وَ مَا وَعَدَهُ مِنَ الضِّیَافَةِ، فَقَالَتْ: یَا وَلَدِی! لَا تَضِیقَنَّ صَدْرُكَ، مَعِی مُشَارُ (1) عَسَلٍ یَقُومُ لَكَ بِكُلِّ مَا تُرِیدُ، فَبَیْنَمَا هُمَا فِی الْحَدِیثِ إِذْ دَخَلَ أَبُو طَالِبٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: فِیمَا أَنْتُمَا؟. فَأَعْلَمَتْهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَ بِمَا قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِابْنِ جُذْعَانَ، فَضَمَّهُ إِلَی صَدْرِهِ وَ قَبَّلَ مَا بَیْنَ عَیْنَیْهِ، وَ قَالَ: یَا وَلَدِی! بِاللَّهِ عَلَیْكَ لَا تَضِیقَنَّ صَدْرُكَ مِنْ ذَلِكَ، وَ فِی نَهَارِ غَدٍ أَقُومُ لَكَ بِجَمِیعِ مَا تَحْتَاجُ إِلَیْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی، وَ أَصْنَعُ وَلِیمَةً تَتَحَدَّثُ بِهَا الرُّكْبَانُ فِی سَائِرِ الْبُلْدَانِ، وَ عَزَمَ عَلَی وَلِیمَةٍ تَعُمُّ سَائِرَ القَبَائِلِ، وَ قَصَدَ نَحْوَ أَخِیهِ الْعَبَّاسِ لِیَقْتَرِضَ مِنْ مَالِهِ شَیْئاً یَضُمُّهُ إِلَی مَالِهِ، فَوَجَدَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِی الطَّرِیقِ فَأَقْرَضُوهُ مِنَ الْجِمَالِ وَ الذَّهَبِ مَا یَكْفِیهِ، فَرَجَعَ عَنِ الْقَصْدِ إِلَی أَخِیهِ الْعَبَّاسِ، وَ آثَرَ التَّخْفِیفَ عَنْهُ، فَبَلَغَ أَخَاهُ الْعَبَّاسَ ذَلِكَ فَعَظُمَ عَلَیْهِ رُجُوعُهُ، فَأَقْبَلَ إِلَی أَخِیهِ أَبِی طَالِبٍ وَ هُوَ مَغْمُومٌ كَئِیبٌ حَزِینٌ- فَسَلَّمَ عَلَیْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: مَا لِی أَرَاكَ حَزِیناً كَئِیباً؟. قَالَ: بَلَغَنِی أَنَّكَ قَصَدْتَنِی فِی حَاجَةٍ ثُمَّ بَدَا لَكَ عَنْهَا فَرَجَعْتَ مِنَ الطَّرِیقِ، فَمَا هَذِهِ الْحَالُ؟. فَقَصَّ عَلَیْهِ الْقِصَّةَ .. إِلَی آخِرِهَا، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: الْأَمْرُ إِلَیْكَ، وَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ أَهْلًا لِكُلِّ مَكْرُمَةٍ وَ مَوْئِلًا (2) لِكُلِّ نَائِبَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ عِنْدَهُ سَاعَةً وَ قَدْ أَخَذَ أَبُو طَالِبٍ فِیمَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ مِنْ آلَةِ الطَّبْخِ وَ غَیْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: یَا أَخِی! لِی إِلَیْكَ حَاجَةٌ؟. فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هِیَ مَقْضِیَّةٌ، فَاذْكُرْهَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَقْسَمْتُ عَلَیْكَ بِحَقِّ الْبَیْتِ وَ شَیْبَةِ الْحَمْدِ (3) إِلَّا مَا (4) قَضَیْتَهَا، فَقَالَ:

ص: 367


1- المشار: الخلیّة، كما جاء فی القاموس المحیط 2- 65، و انظر: الصّحاح 2- 704، و زاد: یشتار منها.
2- الموئل: الملجأ. قال فی النّهایة 5- 143: .. و قد وأل یئل فهو وائل: إذا التجأ إلی موضع و نجا. و لاحظ: القاموس المحیط 4- 62، و الصّحاح 5- 1838، و غیرهما.
3- قال فی مجمع البحرین 2- 95: شیبة الحمد .. هو عبد المطّلب بن هاشم المطعم طیر السّماء، لأنّه لمّا نحر فداء ابنه عبد اللّٰه مائة بعیر فرّقها علی رءوس الجبال، فأكلتها الطّیر.
4- «ما» هنا مصدریة، أی إلّا قضاؤك إیّاها.

لَكَ ذَلِكَ وَ لَوْ سَأَلْتَ فِی النَّفْسِ وَ الْوَلَدِ، فَقَالَ: تَهَبُ لِی هَذِهِ الْمَكْرُمَةَ تُشَرِّفُنِی بِهَا.

فَقَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَی ذَلِكَ مَعَ مَا أَصْنَعُهُ أَنَا .. فَنَحَرَ الْعَبَّاسُ الْجُزُرَ (1) وَ نَصَبَ (2) الْقُدُورَ، وَ عَقَدَ الْحَلَاوَاتِ، وَ شَوَی الْمَشْوِیَّ، وَ أَكْثَرَ مِنَ الزَّادِ فَوْقَ مَا یُرَادُ، وَ نَادَی سَائِرَ النَّاسِ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ مَكَّةَ وَ بُطُونُ قُرَیْشٍ وَ سَائِرُ الْعَرَبِ عَلَی اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهَا یُهْرَعُونَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ حَتَّی كَأَنَّهُ عِیدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ، وَ نَصَبَ لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَنْصَباً عَالِیاً، وَ زَیَّنَهُ بِالدُّرِّ وَ الْیَاقُوتِ وَ الثِّیَابِ الْفَاخِرَةِ، وَ بَقِیَ النَّاسُ مِنْ حُسْنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ وَقَارِهِ وَ عَقْلِهِ وَ كَمَالِهِ مُتَحَیِّرِینَ، وَ ضَوْؤُهُ یَعْلُو نُورَ الشَّمْسِ، وَ تَفَرَّقَ النَّاسُ مَسْرُورِینَ وَ قَدْ أَخَذُوا فِی الْخُطَبِ وَ الْأَشْعَارِ وَ مَدْحِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ عَشِیرَتِهِ عَلَی حُسْنِ ضِیَافَتِهِمْ.

فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَشُدَّهُ وَ تَزَوَّجَ خَدِیجَةَ وَ أَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِ وَ نَبَّأَهُ وَ أَرْسَلَهُ إِلَی سَائِرِ الْعَرَبِ وَ الْعَجَمِ، وَ أَظْهَرَهُ عَلَی الْمُشْرِكِینَ، وَ فَتَحَ مَكَّةَ وَ دَخَلَهَا مُؤَیَّداً مَنْصُوراً، وَ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ، وَ بَغَی مَنْ بَغَی، أَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِ: یَا مُحَمَّدُ! إِنَّ عَمَّكَ الْعَبَّاسَ لَهُ عَلَیْكَ یَدٌ سَابِقَةٌ وَ جَمِیلٌ مُتَقَدِّمٌ، وَ هُوَ مَا أَنْفَقَ عَلَیْكَ فِی وَلِیمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُذْعَانَ، وَ هُوَ سِتُّونَ أَلْفَ دِینَارٍ مَعَ مَا لَهُ عَلَیْكَ فِی سَائِرِ الْأَزْمَانِ، وَ فِی نَفْسِهِ شَهْوَةٌ مِنْ سُوقِ عُكَاظٍ، فَامْنَحْهُ إِیَّاهُ فِی مُدَّةِ حَیَاتِهِ وَ لِوُلْدِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی مَنْ عَارَضَ عَمِّی فِی سُوقِ عُكَاظٍ وَ (3) نَازَعَهُ فِیهِ، وَ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ فَأَنَا بَرِی ءٌ مِنْهُ وَ عَلَیْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ، فَلَمْ یَكْتَرِثْ (4) عُمَرُ بِذَلِكَ وَ حَسَدَ الْعَبَّاسَ عَلَی دَخْلِ سُوقِ عُكَاظٍ، وَ غَصَبَهُ مِنْهُ،

ص: 368


1- قال فی مجمع البحرین 3- 245: فی حدیث ذكر الجزور- بالفتح-: و هی من الإبل خاصّة ما كمّل خمس سنین و دخل فی السّادسة، یقع علی الذّكر و الأنثی، و الجمع جزر كرسول و رسل، و نحوه فی الصّحاح 2- 612، و لم یعیّن فیها السّنّ.
2- فی (س) نصبا- بالتّثنیة-، و علیه یرجع الضّمیر إلی أبی طالب و العبّاس.
3- فی (ك) نسخة بدل: أو.
4- جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: فلم یكترث عمر .. أی لا یعبأ به و لا یبالی. مجمع. انظر مجمع البحرین 2- 262.

وَ لَمْ یَزَلِ الْعَبَّاسُ مُتَظَلِّماً إِلَی حِینِ وَفَاتِهِ.

وَ مِنْهَا: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَانَ جَالِساً فِی مَسْجِدِهِ یَوْماً- وَ حَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ- إِذْ دَخَلَ عَلَیْهِ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ- وَ كَانَ رَجُلًا صَبِیحاً حَسَناً حُلْوَ الشَّمَائِلِ- فَلَمَّا رَآهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَامَ إِلَیْهِ وَ اسْتَقْبَلَهُ وَ قَبَّلَ مَا بَیْنَ عَیْنَیْهِ وَ رَحَّبَ بِهِ وَ أَجْلَسَهُ إِلَی جَانِبِهِ، فَأَنْشَدَ الْعَبَّاسُ أَبْیَاتاً فِی مَدْحِهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)، فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ- یَا عَمِّ- خَیْراً وَ مُكَافَأَتُكَ عَلَی اللَّهِ تَعَالَی.

ثُمَّ قَالَ: مَعَاشِرَ النَّاسِ! احْفَظُونِی فِی عَمِّیَ الْعَبَّاسِ وَ انْصُرُوهُ وَ لَا تَخْذُلُوهُ.

ثُمَّ قَالَ: یَا عَمِّ! اطْلُبْ مِنِّی شَیْئاً أُتْحِفْكَ بِهِ عَلَی سَبِیلِ الْهَدِیَّةِ. فَقَالَ: یَا ابْنَ أَخِی! أُرِیدُ مِنَ الشَّامِ الْمَلْعَبَ، وَ مِنَ الْعِرَاقِ الْحِیرَةَ، وَ مِنْ هَجَرٍ الْخَطَّ، وَ كَانَتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ كَثِیرَةَ الْعِمَارَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: حُبّاً وَ كَرَامَةً، ثُمَّ دَعَا عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِعَمِّكَ الْعَبَّاسِ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ، فَكَتَبَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ كِتَاباً بِذَلِكَ، وَ أَمْلَی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ الْحَاضِرِینَ، وَ خَتَمَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِخَاتَمِهِ (1) وَ قَالَ: یَا عَمِّ! إِنْ یَفْتَحِ اللَّهُ تَعَالَی هَذِهِ الْمَوَاضِعَ فَهِیَ لَكَ هِبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَی وَ رَسُولِهِ، وَ إِنْ فُتِحَتْ بَعْدَ مَوْتِی فَإِنِّی أُوصِی الَّذِی یَنْظُرُ بَعْدِی فِی الْأُمَّةِ بِتَسْلِیمِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إِلَیْكَ.

ثُمَّ قَالَ: مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِینَ! إِنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ لِعَمِّیَ الْعَبَّاسِ، فَعَلَی مَنْ یُغَیِّرُ عَلَیْهِ أَوْ یُبَدِّلُهُ أَوْ یَمْنَعُهُ أَوْ یَظْلِمُهُ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِینَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الْكِتَابَ، فَلَمَّا وُلِّیَ عُمَرُ وَ فُتِحَ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ الْمَذْكُورَةُ أَقْبَلَ عَلَیْهِ الْعَبَّاسُ بِالْكِتَابِ، فَلَمَّا نَظَرَ فِیهِ دَعَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَ سَأَلَهُ عَنِ الْمَلْعَبِ، فَقَالَ: یَزِیدُ ارْتِفَاعُهُ عَلَی عِشْرِینَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ سَأَلَ عَنِ الْآخَرَیْنِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ ارْتِفَاعَهُمَا تَقُومُ بِمَالٍ كَثِیرٍ.

فَقَالَ: یَا أَبَا الْفَضْلِ! إِنَّ هَذَا الْمَالَ كَثِیرٌ لَا یَجُوزُ لَكَ أَخْذُهُ مِنْ دُونِ الْمُسْلِمِینَ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَشْهَدُ لِی بِذَلِكَ قَلِیلًا كَانَ أَوْ

ص: 369


1- فی (س): بخاتم.

كَثِیراً، فَقَالَ عُمَرُ: وَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُسَاوِی الْمُسْلِمِینَ فِی ذَلِكَ وَ إِلَّا فَارْجِعْ مِنْ حَیْثُ أَتَیْتَ، فَجَرَی بَیْنَهُمَا كَلَامٌ كَثِیرٌ غَلِیظٌ، فَغَضِبَ عُمَرُ- وَ كَانَ سَرِیعَ الْغَضَبِ- فَأَخَذَ الْكِتَابَ مِنَ الْعَبَّاسِ وَ مَزَّقَهُ وَ تَفَلَ فِیهِ وَ رَمَی بِهِ فِی وَجْهِ الْعَبَّاسِ، وَ قَالَ: وَ اللَّهِ! لَوْ طَلَبْتَ مِنْهُ حَبَّةً وَاحِدَةً مَا أَعْطَیْتُكَ، فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ بَقِیَّةَ الْكِتَابِ وَ عَادَ إِلَی مَنْزِلِهِ حَزِیناً بَاكِیاً شَاكِیاً إِلَی اللَّهِ تَعَالَی وَ إِلَی رَسُولِهِ، فَصَاحَ الْعَبَّاسُ بِالْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ، فَغَضِبُوا لِذَلِكَ وَ قَالُوا: یَا عُمَرُ! تَخْرِقُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ وَ تُلْقِی بِهِ فِی الْأَرْضِ، هَذَا شَیْ ءٌ لَا نَصْبِرُ عَلَیْهِ. فَخَافَ عُمَرُ أَنْ یَنْخَرِمَ عَلَیْهِ الْأَمْرُ، فَقَالَ: قُومُوا بِنَا إِلَی الْعَبَّاسِ نَسْتَرْضِیهِ وَ نَفْعَلُ مَعَهُ مَا یُصْلِحُهُ، فَنَهَضُوا بِأَجْمَعِهِمْ إِلَی دَارِ الْعَبَّاسِ فَوَجَدُوهُ مَوْعُوكاً (1) لِشِدَّةِ مَا لَحِقَهُ مِنَ الْفِتَنِ وَ الْأَلَمِ وَ الظُّلْمِ، فَقَالَ: نَحْنُ فِی الْغَدَاةِ عَائِدُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی وَ مُعْتَذِرُونَ إِلَیْهِ مِنْ فِعْلِنَا، فَمَضَی غَدٌ وَ بَعْدَ غَدٍ وَ لَمْ یَعُدْ إِلَیْهِ وَ لَا اعْتَذَرَ مِنْهُ، ثُمَّ فَرَّقَ الْأَمْوَالَ عَلَی الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ بَقِیَ كَذَلِكَ إِلَی أَنْ مَاتَ.

و لو أخذنا فی ذكر أفعاله لطال الكتاب، و هذا القدر فیه عبرة لأولی الألباب.

و أمّا صاحبهما الثالث، فقد استبدّ بأخذ الأموال ظلما علی ما تقدّم به الشرح فی صاحبیه، و اختصّ بها مع أهل بیته من بنی أمیّة دون المسلمین، فهل یستحقّ هذا أو یستجیزه مسلم؟.

ثم إنّه ابتدع أشیاء أخر:

منها: منع المراعی من الجبال و الأودیة و حماها حتی أخذ علیها مالا باعها به من المسلمین.

وَ مِنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ نَفَی الْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ- عَمَّ عُثْمَانَ عَنِ الْمَدِینَةِ، وَ طَرَدَهُ عَنْ جِوَارِهِ فَلَمْ یَزَلْ طَرِیداً مِنَ الْمَدِینَةِ وَ مَعَهُ ابْنُهُ مَرْوَانُ أَیَّامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَیَّامَ أَبِی بَكْرٍ وَ أَیَّامَ عُمَرَ یُسَمَّی: طَرِیدَ رَسُولِ اللَّهِ

ص: 370


1- الموعوك: المحموم، كما فی مجمع البحرین 5- 298.

صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، حَتَّی اسْتَوْلَی عُثْمَانُ فَرَدَّهُ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ آوَاهُ، وَ جَعَلَ ابْنَهُ مَرْوَانَ كَاتِبَهُ وَ صَاحِبَ تَدْبِیرِهِ فِی دَارِهِ،.

فهل هذا منه إلّا خلافا علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و مضادّة لفعله؟ و هل یستجیز هذا الخلاف علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و المضادّة لأفعاله إلّا خارج عن الدین بری ء من المسلمین؟ و هل یظنّ ذو فهم أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله طرد الحكم و لعنه و هو مؤمن؟ و إذا لم یكن مؤمنا فما الحال التی دعت عثمان إلی ردّه و الإحسان إلیه- و هو رجل كافر- لو لا أنّه تعصّب لرحمه (1) و لم یفكّر (2) فی دینه، فحقّت علیه الآیة، قوله تعالی: لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ (3).

- وَ مِنْهَا: أَنَّهُ جَمَعَ مَا كَانَ عِنْدَ الْمُسْلِمِینَ مِنْ صُحُفِ الْقُرْآنِ وَ طَبَخَهَا بِالْمَاءِ عَلَی النَّارِ وَ غَسَلَهَا وَ رَمَی بِهَا إِلَّا مَا كَانَ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ الدَّفْعِ إِلَیْهِ، فَأَتَی إِلَیْهِ فَضَرَبَهُ حَتَّی كَسَرَ لَهُ ضِلْعَیْنِ وَ حُمِلَ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ فَبَقِیَ عَلِیلًا حَتَّی مَاتَ، و هذه بدعة عظیمة، لأنّ تلك الصحف إن كان فیها زیادة عمّا فی أیدی الناس، و قصد لذهابه و منع الناس منه، فقد حقّ علیه قوله تعالی: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ یَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْیٌ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ یُرَدُّونَ إِلی أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (4).

هذا، مع ما یلزم أنّه لم یترك ذلك و یطرحه تعمدا إلّا و فیه ما قد كرهه، و من كره ما أنزل اللّٰه فی كتابه حبط جمیع عمله، كما قال اللّٰه تعالی: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (5)، و إن لم تكن فی تلك الصحف زیادة عمّا فی أیدی

ص: 371


1- فی (س): لرجعه.
2- فی (س): و لم یتفكّر.
3- المجادلة: 22.
4- البقرة: 85.
5- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 9.

الناس فلا معنی لما فعله.

وَ مِنْهَا: أَنَّ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ قَامَ یَوْماً فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ عُثْمَانُ یَخْطُبُ عَلَی الْمِنْبَرِ- فَوَبَّخَ عُثْمَانَ بِشَیْ ءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ، فَنَزَلَ عُثْمَانُ فَرَكَلَهُ (1) بِرِجْلِهِ وَ أَلْقَاهُ عَلَی قَفَاهُ، وَ جَعَلَ یَدُوسُ (2) فِی بَطْنِهِ وَ یَأْمُرُ أَعْوَانَهُ بِذَلِكَ حَتَّی غُشِیَ عَلَی عَمَّارٍ، وَ هُوَ یَفْتَرِی عَلَی عَمَّارٍ وَ یَشْتِمُهُ،

وَ قَدْ رَوَوْا جَمِیعاً أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ:

الْحَقُّ مَعَ عَمَّارٍ یَدُورُ (3) مَعَهُ حَیْثُمَا دَارَ.

، وَ قَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِذَا افْتَرَقَ النَّاسُ یَمِیناً وَ شِمَالًا فَانْظُرُوا الْفِرْقَةَ الَّتِی فِیهَا عَمَّارٌ فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنَّهُ یَدُورُ الْحَقُّ مَعَهُ حَیْثُمَا دَارَ.

فلا یخلو حال ضربه لعمّار من أمرین: أحدهما، أنّه یزعم أنّ ما قال عمّار و ما فعله باطل، و فیه تكذیب

لِقَوْلِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَیْثُ یَقُولُ: الْحَقُّ مَعَ عَمَّارٍ.

، فثبت أن یكون ما قاله عمّار حقّا كرهه عثمان فضربه علیه.

وَ مِنْهَا: مَا فَعَلَ بِأَبِی ذَرٍّ حِینَ نَفَاهُ عَنِ الْمَدِینَةِ إِلَی الرَّبَذَةِ، مَعَ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فِی الرِّوَایَةِ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَ لَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ عَلَی ذِی لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِی ذَرٍّ.

، وَ رَوَوْا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَی إِلَیَّ أَنَّهُ یُحِبُّ أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِی وَ أَمَرَنِی بِحُبِّهِمْ، فَقِیلَ: مَنْ هُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)؟.

قَالَ: عَلِیٌّ سَیِّدُهُمْ، وَ سَلْمَانُ، وَ الْمِقْدَادُ، وَ أَبُو ذَرٍّ.

فحینئذ ثبت أنّ أبا ذرّ حَبَّهُ (4) اللّٰهُ و حَبَّهُ رسولُ اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و محال عند ذوی الفهم أن یكون اللّٰه و رسوله یَحِبَّان رجلا و هو یجوز أن یفعل فعلا یستوجب به النفی عن حرم اللّٰه و رسوله، و محال أیضا أن یشهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لرجل أنّه ما علی وجه الأرض و لا تحت السماء أصدق منه، ثم یقول

ص: 372


1- قال فی مجمع البحرین 5- 385: الرّكل: الضّرب برجل واحدة.
2- قال فی لسان العرب 6- 90: الدّوس: شدّة وطء الشّی ء بالأقدام.
3- فی (ك): و یدور.
4- جاء فی حاشیة (ك): حبّه یحبّه- بالكسر- فهو محبوب. صحاح.

باطلا، فتعیّن أن یكون ما فعله و ما قاله حقّا كرهه عثمان فنفاه عن الحرمین، و من كره الحقّ و لم یحبّ الصدق فقد كره ما أنزل اللّٰه فی كتابه، لأنّه أمر بالكون مع الصادقِینَ، فقال: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ (1).

وَ مِنْهَا: أَنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا ضَرَبَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عُمَرَ الضَّرْبَةَ الَّتِی مَاتَ فِیهَا سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ قَوْماً یَقُولُونَ: قَتَلَ الْعِلْجُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، فَقَدَّرَ أَنَّهُمْ یَعْنُونَ الْهُرْمُزَانَ- رَئِیسَ فَارِسَ- وَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَی یَدِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مِنْ قِسْمَتِهِ مِنَ الْفَیْ ءِ، فَبَادَرَ إِلَیْهِ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ یَمُوتُ أَبُوهُ، فَقِیلَ لِعُمَرَ: إِنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ قَتَلَ الْهُرْمُزَانَ، فَقَالَ:

أَخْطَأَ، فَإِنَّ الَّذِی ضَرَبَنِی أَبُو لُؤْلُؤَةَ، وَ مَا كَانَ لِلْهُرْمُزَانِ (2) فِی أَمْرِی صُنْعٌ، وَ إِنْ عِشْتُ احْتَجْتُ أَنْ أُقِیدَهُ بِهِ، فَإِنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ لَا یَقْبَلُ مِنَّا الدِّیَةَ، وَ هُوَ مَوْلَاهُ، فَمَاتَ عُمَرُ وَ اسْتَوْلَی عُثْمَانُ عَلَی النَّاسِ بَعْدَهُ، فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِعُثْمَانَ: إِنَّ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَتَلَ مَوْلَایَ الْهُرْمُزَانَ بِغَیْرِ حَقٍّ، وَ أَنَا وَلِیُّهُ وَ الطَّالِبُ بِدَمِهِ، سَلِّمْهُ إِلَیَّ لِأُقِیدَهُ بِهِ؟. فَقَالَ عُثْمَانُ: بِالْأَمْسِ قُتِلَ عُمَرُ وَ أَنَا أَقْتُلُ ابْنَهُ أُورِدُ عَلَی آلِ عُمَرَ مَا لَا قِوَامَ لَهُمْ بِهِ، فَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِیمِهِ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ شَفَقَةً مِنْهُ- بِزَعْمِهِ- عَلَی آلِ عُمَرَ، فَلَمَّا رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ هَرَبَ مِنْهُ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَی الشَّامِ فَصَارَ مَعَ مُعَاوِیَةَ، وَ حَضَرَ یَوْمَ صِفِّینَ مَعَ مُعَاوِیَةَ مُحَارِباً لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَقُتِلَ فِی مَعْرَكَةِ الْحَرْبِ وَ وُجِدَ مُتَقَلِّدَ السَّیْفَیْنِ یَوْمَئِذٍ.

فانظروا- یا أهل الفهم- فی أمر عثمان كیف عطّل حدّا من حدود اللّٰه تعالی لا شبهة فیه شفقة منه- بزعمه- علی آل عمر و لم یشفق علی نفسه من عقوبة تعطیل حدود اللّٰه تعالی و مخالفته، و أشفق علی آل عمر فی قتل من أوجب اللّٰه قتله و أمر به رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.

ص: 373


1- التوبة: 119.
2- فی (س): الهرمزان.

وَ مِنْهَا: أَنَّهُ عَمَدَ إِلَی صَلَاةِ الْفَجْرِ فَنَقَلَهَا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا حِینَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَجَعَلَهَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ وَ ظُهُورِ ضِیَاءِ النَّهَارِ، وَ اتَّبَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَی یَوْمِنَا هَذَا، وَ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِشْفَاقاً مِنْهُ عَلَی نَفْسِهِ فِی خُرُوجِهِ إِلَی الْمَسْجِدِ خَوْفاً أَنْ یُقْتَلَ فِی غَلَسِ الْفَجْرِ كَمَا قُتِلَ عُمَرُ، وَ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ سَرَباً تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ بَیْتِهِ إِلَی الْمَسْجِدِ، فَقَعَدَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فِی السَّرَبِ فَضَرَبَهُ بِخَنْجَرٍ فِی بَطْنِهِ، فَلَمَّا وُلِّیَ عُثْمَانُ أَخَّرَ صَلَاةَ الْفَجْرِ إِلَی الْإِسْفَارِ، فَعَطَّلَ وَقْتَ فَرِیضَةِ اللَّهِ وَ حَمَلَ النَّاسَ عَلَی صَلَاتِهَا فِی غَیْرِ وَقْتِهَا، لأنّ اللّٰه سبحانه قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ (1) یعنی ظلمته، ثم قال: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (2)، و الفجر هو أوّل ما یبدو من المشرق فی الظلمة، و عنده تجب الصلاة، فإذا علا فی الأفق و انبسط الضیاء و زالت الظلمة صار صبحا، و زال عن أن یكون فجرا، و درج علی هذه البدعة أولیاؤه، ثم تخرّص بنو أمیّة بعده أحادیث

أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله غلس بالفجر و أسفر بها.

، و

قال للناس: أسفروا بها أعظم لأجركم (3).

، فصار المصلّی للفجر فی وقتها من طلوع الفجر عند كثیر من أولیائهم مبتدعا، و من اتّبع بدعة عثمان فهو علی السنّة.

فما أعجب أحوالهم و أشنعها!.

ثُمَّ خَتَمَ بِدَعَهُ بِأَنَّ أَهْلَ مِصْرَ شَكَوْا مِنْ عَامِلِهِ وَ سَأَلُوهُ أَنْ یَصْرِفَهُ عَنْهُمْ، أَوْ یَبْعَثَ رَجُلًا نَاظِراً بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ، فَوَقَعَ الِاخْتِیَارُ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ نَاظِراً- وَ كَانَ مُحَمَّدٌ مِمَّنْ یُشِیرُ بِالْحَقِّ وَ یَنْهَی عَنْ مُخَالَفَتِهِ- فَثَقُلَ أَمْرُهُ عَلَی عُثْمَانَ وَ كَادُوهُ (4)، وَ بَقِیَ حَرِیصاً عَلَی قَتْلِهِ بِحِیلَةٍ، فَلَمَّا وَقَعَ الِاخْتِیَارُ عَلَیْهِ أَنْ یَكُونَ نَاظِراً بَیْنَ أَهْلِ مِصْرَ وَ بَیْنَ عَامِلِهِ خَرَجَ مَعَهُمْ، وَ كَتَبَ عُثْمَانُ بَعْدَ خُرُوجِهِ إِلَی عَامِلِهِ بِمِصْرَ یَأْمُرُهُ بِقَتْلِ

ص: 374


1- الإسراء: 78.
2- الإسراء: 78.
3- فی العبارة اضطراب، و الظاهر سقوط مثل: فهو، قبل: أعظم.
4- فی البحار: كاده. و قال فی القاموس 1- 334: و تكون كاد بمعنی أراد، أكاد أخفیها: أرید. و ما أثبتناه هو الظّاهر.

مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ إِذَا صَارَ إِلَیْهِ، وَ دَفَعَ الْكِتَابَ إِلَی عَبْدٍ مِنْ عَبِیدِهِ، فَرَكِبَ الْعَبْدُ رَاحِلَتَهُ وَ سَارَ نَحْوَ مِصْرَ بِالْكِتَابِ مُسْرِعاً لِیَدْخُلَ مِصْرَ قَبْلَ دُخُولِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ، فَقِیلَ إِنَّ الْعَبْدَ مَرَّ یَرْكُضُ فَنَظَرَ إِلَیْهِ الْقَوْمُ الَّذِینَ مَعَ مُحَمَّدٍ فَأَخْبَرُوا مُحَمَّداً بِذَلِكَ، فَبَعَثَ خَلْفَهُ خَیْلًا فَأَخَذُوهُ وَ ارْتَابَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا رَدُّوهُ إِلَیْهِ وَجَدَ الْكِتَابَ مَعَهُ، فَقَرَأَهُ وَ انْصَرَفَ رَاجِعاً مَعَ الْقَوْمِ وَ الْعَبْدُ وَ الرَّاحِلَةُ مَعَهُمْ، فَثَارُوا عَلَی عُثْمَانَ فِی ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَّا الْعَبْدُ فَعَبْدِی وَ الرَّاحِلَةُ رَاحِلَتِی وَ خَتْمُ الْكِتَابِ خَتْمِی، وَ لَیْسَ الْكِتَابُ كِتَابِی وَ لَا أَمَرْتُ بِهِ، وَ كَانَ الْكِتَابُ بِخَطِّ مَرْوَانَ، فَقِیلَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَادْفَعْ إِلَیْنَا مَرْوَانَ فَهَذَا خَطُّهُ وَ هُوَ كَاتِبُكَ، فَامْتَنَعَ عَلَیْهِمْ، فَحَاصَرُوهُ وَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ قَتْلِهِ.

بیان:

السجف- بالفتح و الكسر- السّتر (1).

و الجزل- بالفتح- الكثیر (2).

و قال الجوهری (3): سفعته النّار و السّموم: إذا لفحته لفحا یسیرا فغیّرت لون البشرة (4).

و الخرص و التّخرّص: الكذب (5).

و الغزالة: الشّمس (6).

و مشار عسل- بضم المیم- من إضافة الصّفة إلی الموصوف أو بفتحها بتقدیر اللّام، یقال: شرت العسل .. أی اجتنیتها، و المشار- بالفتح- الخلیّة

ص: 375


1- قاله فی مجمع البحرین 5- 69، و الصحاح 4- 1371. و فی (س): السر، و هو سهو.
2- ذكره فی القاموس 3- 348، و مجمع البحرین 5- 337، و غیرهما.
3- الصحاح 3- 1230.
4- و نحوه فی لسان العرب 8- 157، و غیره.
5- جاء فی لسان العرب 7- 21، و الصحاح 3- 1035.
6- ذكره فی مجمع البحرین 5- 433، و القاموس 4- 24، و غیرهما.

یشتار منها (1).

و فی القاموس (2): الخطّ .. سیف البحرین أو كلّ سیف، و موضع بالیمامة، و مرقی (3) السّفن بالبحرین، و یكسر و إلیه نسبت الرّماح لأنّها تباع به.

أقول:

إنّما أوردت هذا الكلام لاشتماله علی بعض الأخبار الغریبة، و إن كان فی بعض ما احتجّ به وهن أو مخالفة للمشهور، فسیتّضح لك حقیقة الأمر فی الأبواب الآتیة، و اللّٰه الموفّق.

«165»-و قال أبو الصلاح رحمه اللّٰه فی تقریب المعارف (4): و ممّا یقدح فی عدالة الثلاثة، قصدهم أهل بیت نبیّهم علیهم السلام بالتخفیف (5) و الأذی، و الوضع من أقدارهم، و اجتناب ما یستحقّونه من التعظیم، فمن ذلك: أمان كلّ معتزل بیعتهم ضررهم، و قصدهم علیّا علیه السلام بالأذی لتخلّفه عنهم، و الإغلاظ له فی الخطاب و المبالغة فی الوعید، و إحضار الحطب لتحریق منزله، و الهجوم علیه بالرجال من غیر إذنه، و الإتیان به ملبّبا، و اضطرارهم بذلك زوجته و بناته و نساءه و حامته من بنات هاشم و غیرهم إلی الخروج عن بیوتهم، و تجرید السیوف من حوله، و توعّده بالقتل إن امتنع من بیعتهم، و لم یفعلوا شیئا من ذلك لسعد بن عبادة و لا بالخبّاب بن المنذر .. و غیرهما ممّن تأخّر عن بیعتهم حتی مات أو طویل الزمان.

و من ذلك ردّهم دعوی فاطمة علیها السلام و شهادة علیّ و الحسنین علیهم

ص: 376


1- نصّ علیه فی الصحاح 2- 704، و لسان العرب 4- 434. و الخلیّة: بیت النحل الذی تعسل فیه، كما فی الصحاح 6- 2331.
2- القاموس 2- 357- 358.
3- جاء فی المصدر: مرفأ السّفن.
4- تقریب المعارف (فی الكلام): 167.
5- فی المصدر: بالتحیف.

السلام و قبول شهادة (1) جابر بن عبد اللّٰه فی الخبیثات، و عائشة فی الحجرة و القمیص و النعل، و غیرهما.

و منها: تفضیل الناس فی العطاء و الاقتصار بهم علی أدنی المنازل.

و منها: عقد الرایات و الولایات لمسلمیّة الفتح (2) و المؤلّفة قلوبهم و مكیدی الإسلام من بنی أمیّة، و بنی مخزوم، و غیرهما، و الإعراض عنهم و اجتناب تأهیلهم لشی ء من ذلك (3).

و منهم [منها] (4): موالاة المعروفین ببغضهم و حسدهم و تقدیمهم علی رقاب العالم كمعاویة، و خالد، و أبی عبیدة، و المغیرة، و أبی موسی، و مروان، و عبد اللّٰه بن أبی سرح، و ابن كریز .. و من ضارعهم فی عداوتهم، و الغضّ (5) من المعروفین بولایتهم و قصدهم بالأذی كعمّار، و سلمان، و أبی ذرّ، و المقداد، و أبی بن كعب، و ابن مسعود .. و من شاركهم فی التخصّص (6) بولایتهم علیهم الصلاة و السلام و منها: قبض أیدیهم عن فدك مع ثبوت استحقاقهم لها علی ما بیّناه.

و إباحة معاویة الشام، و أبی موسی العراق، و ابن كریز البصرة، و ابن أبی صرح [كذا] مصر و المغرب .. و أمثالهم من المشهورین بكید الإسلام و أهله.

و تَأَمَّلْ هذا بعین إنصاف یَكْشِفْ لك عن شدید عداوتهم و تحاملهم علیهم كأمثاله من الأفعال الدالّة علی تمیّز العدوّ من الولیّ، و لا وجه لذلك إلّا تخصّصهم بصاحب الشریعة صلوات اللّٰه علیه و علی آله فی النسب، و تقدّمهم لدیه فی

ص: 377


1- فی المصدر: دعوی، و هی نسخة بدل (س) من البحار.
2- فی (ك): المسلمیة الفتح. و فی المصدر: لمسلمة القبح. و جعل فیه: الفتح نسخة.
3- فی (س): من شی ء ذلك.
4- فی تقریب المعارف: و فیها ..، و الأنسب: و منها.
5- جاء فی حاشیة (ك): غض منه: نقص من قدره، منه قدّس سرّه. انظر: القاموس 2- 338، و الصحاح 3- 1095.
6- فی (ك): فی التخصیص.

الدین، و بذل (1) الجهد فی طاعته، و المبالغة فی نصیحته (2) و نصرة ملّته بما لا یشاركون فیه، و فی هذا ما لا یخفی ما فیه علی متأمّل.

ثم قال (3): و ممّا یقدح فی عدالتهم ما حفظ عن وجوه الصحابة و فضلاء السابقین و التابعین من الطعن علیهم و ذمّ أفعالهم و التصریح بذمّهم و تصریحهم بذلك عند الوفاة، و تحسّرهم علی ما فرّط منهم، فأمّا أقوال الصحابة و التابعین ما حفظ عن أمیر المؤمنین علیه السلام من التظلّم منهم و التصریح و التلویح بتقدّمهم علیه بغیر حقّ فی مقام بعد مقام،

كَقَوْلِهِ- حِینَ أَرَادُوهُ بِالْبَیْعَةِ لِأَبِی بَكْرٍ-: وَ اللَّهِ أَنَا لَا أُبَایِعُكُمْ وَ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْبَیْعَةِ لِی.

وَ قَوْلِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا ابْنَ أُمَّ! إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ كادُوا یَقْتُلُونَنِی.

ثم ذكر ما مرّ من تظلّماته و شكایاته صلوات اللّٰه علیه.

ثُمَّ قَالَ: وَ مِنْهُ مَا رُوِیَ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ وَ رُشَیْدٍ الْهَجَرِیِّ وَ أَبِی كُدَیْبَةَ الْأَسَدِیِّ [كَذَا] وَ غَیْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِأَسَانِیدَ مُخْتَلِفَةٍ- قَالُوا: كُنَّا جُلُوساً فِی الْمَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ عَلَیْنَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنَ الْبَابِ الصَّغِیرِ یَهْوِی بِیَدِهِ عَنْ یَمِینِهِ یَقُولُ: أَ مَا تَرَوْنَ مَا أَرَی؟!. قُلْنَا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! وَ مَا الَّذِی تَرَی؟. قَالَ: أَرَی [أَبَا زُرَیْقٍ] فِی سَدَفِ النَّارِ یُشِیرُ إِلَیَّ بِیَدِهِ یَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لِی، لَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَ زَادَ أَبُو كُدَیْبَةَ [كَذَا]: إِنَّ اللَّهَ لَا یَرْضَی عَنْهُمَا حَتَّی یُرْضِیَانِی، وَ ایْمُ اللَّهِ لَا یُرْضِیَانِّی أَبَداً.

وَ سُئِلَ عَنِ السَّدَفِ؟ فَقَالَ: الْوَهْدَةُ الْعَظِیمَةُ.

ص: 378


1- فی المصدر: و تحقّقهم من بذل.
2- الكلمة فی (س) مشوّشة.
3- أقول: من هنا لم یطبع فی الطبعة المحقّقة، مع أنّه ذكر فی مقدّمة الكتاب أنّ هذا القسم موجود عند المحقق- و لعلّه لمصالحه الخاصّة و لحفظ موقعیته السیاسیة- لم یطبعه، و قد ذكر فی صفحة: 26 فی عدّه لفهرس القسم الثانی من الخطیّة: 74- 83 عین ما ذكر هنا: قال: و ممّا یقدح فی عدالة الخلفاء الثلاثة ما حفظ ... ثم قال: و فی ذلك الباب نحو من ثمانین روایة، و فیها روایات طریفة جدا ..

قَالَ: وَ رَوَوْا عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ- فِی بَعْضِ اللَّیْلِ-، فَقَالَ لِی: مَا جَاءَ بِكَ فِی هَذِهِ السَّاعَةِ؟. قُلْتُ: حُبُّكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ. قَالَ: اللَّهَ ..؟. قُلْتُ: اللَّهَ. قَالَ: أَ لَا أُحَدِّثُكَ بِأَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَنَا وَ أَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً لِمَنْ أَحَبَّنَا؟. قُلْتُ: بَلَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ ظَنّاً.

قَالَ: هَاتِ ظَنَّكَ. قُلْتُ: [فُلَانٌ وَ فُلَانٌ] . قَالَ: ادْنُ مِنِّی یَا أَعْوَرُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: ابْرَأْ مِنْهُمَا .. بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمَا.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: إِنِّی لَأَتَوَهَّمُ تَوَهُّماً فَأَكْرَهُ أَنْ أَرْمِیَ بِهِ بَرِیئاً، [فُلَانٌ وَ فُلَانٌ] .

فَقَالَ: إِی وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُمَا لَهُمَا (1) ظَلَمَانِی حَقِّی وَ نَغَّصَانِی (2) رِیقِی وَ حَسَدَانِی وَ آذَیَانِی، وَ إِنَّهُ لَیُوذِی أَهْلَ النَّارِ ضَجِیجُهُمَا وَ رَفْعُ أَصْوَاتِهِمَا وَ تَعْیِیرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِیَّاهُمَا..

قَالَ: وَ رَوَوْا عَنْ عُمَارَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) وَ (3) هُوَ فِی مَیْمَنَةِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَ عِنْدَهُ النَّاسُ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُحِبُّكَ. فَقَالَ: لَكِنِّی وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّكَ، كَیْفَ حُبُّكَ لِأَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ؟. فَقَالَ: وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُحِبُّهُمَا حُبّاً شَدِیداً. قَالَ: كَیْفَ حُبُّكَ لِعُثْمَانَ؟. قَالَ:

قَدْ رَسَخَ حُبُّهُ فِی السُّوَیْدَاءِ مِنْ قَلْبِی. فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ ...

الْحَدِیثَ (4).

قَالَ: وَ رَوَوْا عَنْ سُفْیَانَ، عَنْ فُضَیْلِ بْنِ الزُّبَیْرِ، عَنْ نَقِیعٍ، عَنْ أَبِی كُدَیْبَةَ (5) الْأَزْدِیِّ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ

ص: 379


1- كذا، و الظّاهر زیادة: لهما، هنا.
2- فی (س): نقصانی. قال فی مجمع البحرین 4- 186: یقال: نغّص علیه العیش تنغیصا: كدّره.
3- لا توجد الواو فی (ك).
4- لا توجد كلمة: الحدیث، فی (س).
5- و تقرأ فی (س): كذیبة- بالذال المعجمة-.

تَعَالَی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ (1) فِیمَنْ نَزَلَتْ؟.

فَقَالَ: مَا تُرِیدُ؟ أَ تُرِیدُ أَنْ تُغْرِیَ بِیَ النَّاسَ؟. قَالَ: لَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، وَ لَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَ. قَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: اكْتُبْ عَامِراً اكْتُبْ مَعْمَراً اكْتُبْ عُمَرَ اكْتُبْ عَمَّاراً اكْتُبْ مُعْتَمِراً .. فِی أَحَدِ الْخَمْسَةِ نَزَلَتْ. قَالَ سُفْیَانُ: قُلْتُ لِفُضَیْلٍ:

أَ تَرَاهُ عُمَرَ؟. قَالَ: فَمَنْ هُوَ غَیْرُهُ..

قَالَ: وَ رَوَوْا عَنِ الْمُنْذِرِ الثَّوْرِیِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ یَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ عَمَدَا إِلَی الْأَمْرِ- وَ هُوَ لَنَا كُلُّهُ- فَجَعَلَا لَنَا فِیهِ سَهْماً كَسَهْمِ الْجَدَّةِ، أَمَا وَ اللَّهِ لَیَهُمُّ بِهِمَا أَنْفُسُهُمَا یَوْمَ یَطْلُبُ النَّاسُ فِیهِ شَفَاعَتَنَا.

قَالَ: وَ رَوَوْا عَنْهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ- وَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ-، فَقَالَ:

وَ اللَّهِ لَقَدْ ضَیَّعَانَا، وَ ذَهَبَا بِحَقِّنَا، وَ جَلَسَا مَجْلِساً كُنَّا أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمَا، وَ وَطِئَا عَلَی أَعْنَاقِنَا، وَ حَمَلَا النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا..

قَالَ: وَ رَوَوْا عَنْ أَبِی الْجَارُودِ زِیَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ عَنْ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ؟. فَقَالَ: أَضْغَنَا بِآبَائِنَا، وَ اضْطَجَعَا (2) بِسَبِیلِنَا، وَ حَمَلَا النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا..

وَ عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ، أَنَّهُ قَالَ: صَحِبْتُ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ بَیْنَ مَكَّةَ وَ الْمَدِینَةِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ مَا تَقُولُ فِیهِمَا؟. قَالَ: مَا عَسَی أَنْ أَقُولَ فِیهِمَا..

وَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ بِیَنْبُعَ یَدِی فِی یَدِهِ، فَقُلْتُ: مَا تَقُولُ فِی هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ؟ أَ تَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّهِمَا؟.

فَغَضِبَ وَ رَمَی بِیَدِهِ مِنْ یَدِی، ثُمَّ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَیْحَكَ! یَا قَاسِمُ! هُمَا أَوَّلُ مَنْ أَضْغَنَا بِآبَائِنَا (3)، وَ اضْطَجَعَا بِسَبِیلِنَا، وَ حَمَلَا النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا، وَ جَلَسَا مَجْلِساً كُنَّا

ص: 380


1- الحجرات: 1.
2- فی (ك): و اضطجعنا.
3- فی (ك) نسخة بدل: أصغیا بآنائنا.

أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمَا..

وَ عَنْ حَكِیمِ بْنِ جُبَیْرٍ، عَنْهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ، وَ ...

وَ عَنْ أَبِی عَلِیٍّ الْخُرَاسَانِیِّ، عَنْ مَوْلًی لِعَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی بَعْضِ خَلَوَاتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ لِی عَلَیْكَ حَقّاً، أَ لَا تُخْبِرُنِی عَنْ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ، فَقَالَ: كَافِرَانِ، كَافِرٌ مَنْ أَحَبَّهُمَا..

وَ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ- وَ قَدْ خَلَا-:

أَخْبِرْنِی عَنْ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ؟. قَالَ: هُمَا أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا وَ أَخَذَا مِیرَاثَنَا، وَ جَلَسَا مَجْلِساً كُنَّا أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمَا، لَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا وَ لَا رَحِمَهُمَا، كَافِرَانِ، كَافِرٌ مَنْ تَوَلَّاهُمَا..

وَ عَنْ حَكِیمِ بْنِ جُبَیْرٍ، قَالَ: قَالَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ: أَنْتُمْ تُقْتَلُونَ فِی عُثْمَانَ مُنْذُ سِتِّینَ سَنَةً، فَكَیْفَ لَوْ تَبَرَّأْتُمْ مِنْ صَنَمَیْ قُرَیْشٍ؟!.

قَالَ: وَ رَوَوْا عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَیْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ [عَنْهُمَا]. قَالَ: هُمَا أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا وَ حَمَلَ النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا، فَأَعَدْتُ عَلَیْهِ، فَأَعَادَ عَلَیَّ ثَلَاثاً، فَأَعَدْتُ عَلَیْهِ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ:

لِذِی الْحِلْمِ قَبْلَ الْیَوْمِ مَا تَقْرَعُ الْعَصَا***وَ مَا عُلِّمَ الْإِنْسَانُ إِلَّا لِیَعْلَمَا

وَ عَنْ كَثِیرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَأَلْتُهُ [عَنْهُمَا] فَقَالَ: هُمَا أَوَّلُ مَنِ انْتَزَی عَلَی حَقِّنَا وَ حَمَلَا النَّاسَ عَلَی أَعْنَاقِنَا وَ أَكْنَافِنَا، وَ أَدْخَلَا الذُّلَّ بُیُوتَنَا..

وَ عَنْهُ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدَ عَلَیْهِمَا أَعْوَاناً لَجَاهَدَهُمَا (1).

وَ عَنْ بَشِیرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ [عَنْهُمَا] فَلَمْ یُجِبْنِی، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَلَمْ یُجِبْنِی، فَلَمَّا كَانَ فِی الثَّالِثَةِ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِی

ص: 381


1- فی (ك): جاهدهما.

عَنْهُمَا؟. فَقَالَ: مَا قَطَرَتْ قَطْرَةٌ مِنْ دِمَائِنَا وَ لَا مِنْ دِمَاءِ أَحَدٍ مِنَ (1) الْمُسْلِمِینَ إِلَّا وَ هِیَ فِی أَعْنَاقِهِمَا إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ..

وَ رَوَوْا أَنَّ ابْنَ بَشِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ النَّاسَ یَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَبِی جَهْلٍ أَوْ [بِرُمَعَ] . فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَ اللَّهِ مَا قَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَطُّ، إِنَّمَا أَعَزَّ اللَّهُ الدِّینَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، مَا كَانَ اللَّهُ لِیُعِزَّ الدِّینَ بِشِرَارِ خَلْقِهِ..

وَ رَوَوْا عَنْ قُدَامَةَ بْنِ سَعْدٍ الثَّقَفِیِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ [عَنْهُمَا] فَقَالَ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ بَیْتِی وَ هُمْ یَعِیبُونَهُمَا..

وَ عَنْ أَبِی الْجَارُودِ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَ كَثِیرٌ النَّوَّاءُ عِنْدَ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ كَثِیرٌ: یَا أَبَا جَعْفَرٍ! رَحِمَكَ اللَّهُ، هَذَا أَبُو الْجَارُودِ یَبْرَأُ مِنْ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] ، فَقُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: كَذَبَ وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا سَمِعَ ذَلِكَ مِنِّی قَطُّ، وَ عِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِیٍّ أَخُو أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَیَّ، أَقْبِلْ إِلَیَّ یَا كَثِیرُ، كَانَا وَ اللَّهِ أَوَّلَ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا وَ أَضْغَنَا (2) بِآبَائِنَا، وَ حَمَلَا النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا، فَلَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا، وَ لَا غَفَرَ لَكَ مَعَهُمَا یَا كَثِیرُ..

وَ عَنْ أَبِی الْجَارُودِ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْهُمَا وَ أَنَا جَالِسٌ؟

فَقَالَ: هُمَا أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا، وَ حَمَلَا النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا، وَ أَخَذَا مِنْ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ عَطِیَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَدَكَ بِنَوَاضِحِهَا. فَقَامَ مُیَسِّرٌ، فَقَالَ:

اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْهُمَا بَرِیئَانِ. فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

لِذِی الْحِلْمِ قَبْلَ الْیَوْمِ مَا تَقْرَعُ الْعَصَا***وَ مَا عُلِّمَ الْإِنْسَانُ إِلَّا لِیَعْلَمَا

وَ رَوَوْا عَنْ بَشِیرِ بْنِ أَرَاكَةَ النَّبَّالِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ [عَنْهُمَا] فَقَالَ- كَهَیْئَةِ الْمُنْتَهِرِ-: مَا تُرِیدُ مِنْ صَنَمَیِ الْعَرَبِ؟! أَنْتُمْ تُقْتَلُونَ

ص: 382


1- لا توجد: من، فی (س).
2- جاءت فی (ك) نسخة: أصغیا، بدلا من: أضغنا.

عَلَی دَمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكَیْفَ لَوْ أَظْهَرْتُمُ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا، إِذاً لَمَا نَاظَرُوكُمْ طَرْفَةَ عَیْنٍ؟!.

وَ عَنْ حُجْرٍ الْبَجَلِیِّ، قَالَ: شَكَكْتُ فِی أَمْرِ الرَّجُلَیْنِ، فَأَتَیْتُ الْمَدِینَةَ، فَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: [إِنَّهُمَا] أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا وَ ذَهَبَ بِحَقِّنَا وَ حَمَلَ النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا..

وَ عَنْهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَوْ وَجَدَ عَلِیٌّ أَعْوَاناً لَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمَا.

وَ عَنْ سَلَّامِ بْنِ سَعِیدٍ الْمَخْزُومِیِّ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا یَصْعَدُ عَمَلُهُمْ إِلَی السَّمَاءِ وَ لَا یُقْبَلَ مِنْهُمْ عَمَلٌ: مَنْ مَاتَ وَ لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ فِی قَلْبِهِ بُغْضٌ، وَ مَنْ تَوَلَّی عَدُوَّنَا، وَ مَنْ تَوَلَّی [فُلَاناً وَ فُلَاناً].

وَ عَنْ وَرْدِ بْنِ زَیْدٍ- أَخِی الْكُمَیْتِ-، قَالَ: سَأَلْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ [عَنْهُمَا]؟. فَقَالَ: مَنْ كَانَ یَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَكَمٌ عَدْلٌ بَرِئَ مِنْهُمَا، وَ مَا مِنْ مِحْجَمَةِ دَمٍ یُهَرَاقُ إِلَّا وَ هِیَ فِی رِقَابِهِمَا..

وَ عَنْهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ،- وَ سُئِلَ [عَنْهُمَا] فَقَالَ-: هُمَا أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا، وَ قَبَضَ حَقَّنَا، وَ تَوَثَّبَ عَلَی رِقَابِنَا، وَ فَتَحَ عَلَیْنَا بَاباً لَا یَسُدُّهُ شَیْ ءٌ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، فَلَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا ظُلْمَهُمَا إِیَّانَا..

وَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِی حَفْصَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقُلْتُ: أَئِمَّتَنَا وَ سَادَتَنَا نُوَالِی مَنْ وَالَیْتُمْ، وَ نُعَادِی مَنْ عَادَیْتُمْ، وَ نَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ.

فَقَالَ: بَخْ بَخْ یَا شَیْخُ! إِنْ كَانَ لِقَوْلِكَ حَقِیقَةٌ. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ لَهُ حَقِیقَةً. قَالَ: مَا تَقُولُ [فِیهِمَا]؟. قَالَ: إِمَامَا عَدْلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؟. قَالَ:

یَا شَیْخُ! وَ اللَّهِ لَقَدْ أَشْرَكْتَ فِی هَذَا الْأَمْرِ مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ فِیهِ نَصِیباً..

وَ عَنْ فُضَیْلٍ الرَّسَّانِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: مَثَلُ [فُلَانٍ] وَ شِیعَتِهِ مَثَلُ فِرْعَوْنَ وَ شِیعَتِهِ، وَ مَثَلُ عَلِیٍّ وَ شِیعَتِهِ مَثَلُ مُوسَی وَ شِیعَتِهِ.

وَ رَوَوْا عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلی

ص: 383

بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً ... (1)، قَالَ: أَسَرَّ إِلَیْهِمَا أَمْرَ الْقِبْطِیَّةِ، وَ أَسَرَّ إِلَیْهِمَا [أَنَّهُمَا] یَلِیَانِ أَمْرَ الْأُمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ ظَالِمَیْنِ فَاجِرَیْنِ غَادِرَیْنِ.

وَ رَوَوْا عَنْ عُبَیْدِ بْنِ سُلَیْمَانَ النَّخَعِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ، عَنِ ابْنِ أَخِیهِ الْأَرْقَطِ، قَالَ: قُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: یَا عَمَّاهْ! إِنِّی أَتَخَوَّفُ عَلَیَّ وَ عَلَیْكَ الْفَوْتَ أَوِ الْمَوْتَ، وَ لَمْ یُفْرَشْ لِی أَمْرُ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ؟. فَقَالَ لِی جَعْفَرٌ.

عَلَیْهِ السَّلَامُ: ابْرَأْ مِنْهُمَا، بَرِئَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْهُمَا..

وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ لِی:

[فُلَانٌ وَ فُلَانٌ] صَنَمَا قُرَیْشٍ اللَّذَانِ یَعْبُدُونَهُمَا.

وَ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ یَسَارٍ، عَنْ غَیْرِ وَاحِدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: كَانَ إِذَا ذَكَرَ [رُمَعَ] زَنَّاهُ، وَ إِذَا ذَكَرَ أَبَا جَعْفَرٍ الدَّوَانِیقَ زَنَّاهُ، وَ لَا یُزَنِّی غَیْرَهُمَا.

قَالَ: وَ تَنَاصَرَ الْخَبَرُ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ وَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا- وَ كُلٌّ مِنْهُمْ-: ثَلَاثَةٌ لا یَنْظُرُ اللَّهُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَكِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ، مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَ لَیْسَ بِإِمَامٍ، وَ مَنْ جَحَدَ إِمَامَةَ إِمَامٍ مِنَ اللَّهِ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِی الْإِسْلَامِ نَصِیباً. وَ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ:

أَنَّ لِلْأَوَّلَیْنِ، وَ مِنْ أُخَرَ: لِلْأَعْرَابِیَّیْنِ فِی الْإِسْلَامِ نَصِیباً ..-.

إلی غیر ذلك من الروایات عمّن ذكرناه، و عن أبنائهم علیهم السلام مقترنا بالمعلوم من دینهم لكلّ متأمّل حالهم، و أنّهم یرون فی المتقدّمین علی أمیر المؤمنین علیه السلام و من دان بدینهم أنّهم ...، و ذلك كاف عن إیراد روایة، و إنّما ذكرنا طرفا منها استظهارا.

و قد روت الخاصّة و العامّة عن جماعة من وجوه الطالبیّین ما یضاهی المرویّ من ذلك عن الأئمّة علیهم السلام: .

ص: 384


1- التّحریم: 3.

فَرَوَوْا عَنْ مَعْمَرِ بْنِ خَیْثَمٍ، قَالَ: بَعَثَنِی زَیْدُ بْنُ عَلِیٍّ دَاعِیَةً، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا أَجَابَتْنَا إِلَیْهِ الشِّیعَةُ، فَإِنَّهَا لَا تُجِیبُنَا إِلَی وَلَایَةِ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] . قَالَ لِی:

وَیْحَكَ! أَحَدٌ أَعْلَمُ بِمَظْلِمَتِهِ مِنَّا، وَ اللَّهِ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّهُمَا جَارَا فِی الْحُكْمِ لَتُكَذَّبَنَّ، وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّهُمَا اسْتَأْثَرَا بِالْفَیْ ءِ لَتُكَذَّبَنَّ، وَ لَكِنَّهُمَا أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا وَ حَمَلَ النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا، وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُبْغِضُ أَبْنَاءَهُمَا مِنْ بُغْضِی آبَاءَهُمَا وَ لَكِنْ لَوْ دَعَوْتُ النَّاسَ إِلَی مَا تَقُولُونَ لَرَمَوْنَا بِقَوْسٍ وَاحِدٍ.

وَ رَوَوْا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُرَاتٍ الْجَرْمِیِّ، قَالَ: سَمِعْتُ زَیْدَ بْنَ عَلِیٍّ یَقُولُ: إِنَّا لَنَلْتَقِی وَ آلَ عُمَرَ فِی الْحَمَّامِ فَیَعْلَمُونَ أَنَّا لَا نُحِبُّهُمْ وَ لَا یُحِبُّونَّا، وَ اللَّهِ إِنَّا لَنُبْغِضُ الْأَبْنَاءَ لِبُغْضِ الْآبَاءِ.

وَ رَوَوْا عَنْ فُضَیْلِ بْنِ الزُّبَیْرِ، قَالَ: قُلْتُ لِزَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ (علیه السلام): مَا تَقُولُ فِی [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] ؟. قَالَ: قُلْ فِیهِمَا مَا قَالَ عَلِیٌّ: كُفَّ كَمَا كَفَّ لَا تُجَاوِزْ قَوْلَهُ.

قُلْتُ: أَخْبِرْنِی عَنْ قَلْبِی أَنَا خَلَقْتُهُ؟. قَالَ: لَا.

قُلْتُ: فَإِنِّی أَشْهَدُ عَلَی الَّذِی خَلَقَهُ أَنَّهُ وَضَعَ فِی قَلْبِی بُغْضَهُمَا، فَكَیْفَ لِی بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِی؟. فَجَلَسَ جَالِساً وَ قَالَ: أَنَا وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّی لَأُبْغِضُ بَنِیهِمَا مِنْ بُغْضِهِمَا، وَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا سَبَّ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَرِحُوا.

وَ رَوَوْا عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِیدِ الْأَغْدَارِیِّ، قَالَ: سُئِلَ زَیْدُ بْنُ عَلِیٍّ عَنْ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] ، فَلَمْ یُجِبْ فِیهِمَا، فَلَمَّا أَصَابَتْهُ الرَّمْیَةُ فَنَزَعَ الرُّمْحَ (1) مِنْ وَجْهِهِ اسْتَقْبَلَ الدَّمَ بِیَدِهِ حَتَّی صَارَ كَأَنَّهُ كَبِدٌ، فَقَالَ: أَیْنَ السَّائِلُ عَنْ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] ؟ هُمَا وَ اللَّهِ شُرَكَاءُ فِی هَذَا الدَّمِ، ثُمَّ رَمَی بِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ.

وَ عَنْ نَافِعٍ الثَّقَفِیِّ- وَ كَانَ قَدْ أَدْرَكَ زَیْدَ بْنَ عَلِیٍّ-، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] ، فَسَكَتَ فَلَمْ یُجِبْهُ، فَلَمَّا رُمِیَ قَالَ: أَیْنَ السَّائِلُ عَنْ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] ؟

هُمَا أَوْقَفَانِی هَذَا الْمَوْقِفَ.

ص: 385


1- الكلمتان مشوشتان فی المطبوع من البحار، و لعلهما: فزع الزّجّ.

وَ رَوَوْا عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ عَدِیٍّ، قَالَ: سُئِلَ یَحْیَی بْنُ زَیْدٍ عَنْهُمَا- وَ نَحْنُ بِخُرَاسَانَ وَ قَدِ الْتَقَی الصَّفَّانِ-، فَقَالَ: هُمَا أَقَامَانَا هَذَا الْمُقَامَ، وَ اللَّهِ لَقَدْ كَانَا لَئِیماً جَدُّهُمَا، وَ لَقَدْ هَمَّا بِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنْ یَقْتُلَاهُ.

وَ رَوَوْا عَنْ قُلَیْبِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ مُوسَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِی بِمَكَّةَ، فَلَقِیتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ مَوْلًی لِثَقِیفٍ، فَنَالَ (1) [مِنْهُمَا]، فَأَوْصَاهُ أَبِی بِتَقْوَی اللَّهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: یَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَسْأَلُكَ (2) بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِیَّةِ وَ رَبِّ هَذَا الْبَیْتِ! هَلْ صَلَّیَا عَلَی فَاطِمَةَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ (3): فَلَمَّا مَضَی الرَّجُلُ قَالَ مُوسَی: سَبَبْتُهُ وَ كَفَّرْتُهُ. فَقَالَ: أَیْ بُنَیَّ! لَا تَسُبَّهُ وَ لَا تُكَفِّرْهُ، وَ اللَّهِ لَقَدْ فَعَلَا فِعْلًا عَظِیماً.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: .. أَیْ بُنَیَّ! لَا تُكَفِّرْهُ، فَوَ اللَّهِ مَا صَلَّیَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ لَقَدْ مَكَثَ ثَلَاثاً مَا دَفَنُوهُ، إِنَّهُ شَغَلَهُمْ مَا كَانَا یُبْرِمَانِ.

وَ رَوَوْا، أَنَّهُ أُتِیَ بِزَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ الثَّقَفِیِّ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (4) الْحَسَنِ- وَ هُوَ بِمَكَّةَ-، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ! أَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ مَنَعُوا فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِیرَاثَهَا؟. قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ! أَ تَعْلَمُ أَنَّ فَاطِمَةَ مَاتَتْ وَ هِیَ لَا تُكَلِّمُهُمَا- وَ أَوْصَتْ أَنْ لَا یُصَلِّیَا عَلَیْهَا؟. قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ! أَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ بَایَعُوا قَبْلَ أَنْ یُدْفَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ اغْتَنَمُوا شُغُلَهُمْ؟. قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: وَ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ! أَ تَعْلَمُ أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمْ یُبَایِعْ لَهُمَا حَتَّی أُكْرِهَ؟.

قَالَ: نَعَمْ.

ص: 386


1- فی (ك) نسخة بدل: فقال.
2- فی (ك): سألك، و لعلّه: سائلك.
3- وضع علی كلمة: قال، فی (ك) رمز نسخة بدل.
4- لا توجد: بن، فی (س).

قَالَ: فَأُشْهِدُكَ أَنِّی مِنْهُمَا بَرِی ءٌ وَ أَنَا عَلَی رَأْیِ عَلِیٍّ وَ فَاطِمَةَ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ.

قَالَ مُوسَی: فَأَقْبَلْتُ عَلَیْهِ، فَقَالَ أَبِی: أَیْ بُنَیَّ! وَ اللَّهِ لَقَدْ أَتَیَا أَمْراً عَظِیماً.

وَ رَوَوْا عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِی مُوسَی بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَ ذَكَرَهُمَا، فَقَالَ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ نَحْنُ نَأْتَمُّ بِفَاطِمَةَ، فَقَدْ جَاءَ الْبَیْتُ (1) عَنْهَا أَنَّهَا مَاتَتْ وَ هِیَ غَضْبَی عَلَیْهِمَا، فَنَحْنُ نَغْضَبُ لِغَضَبِهَا وَ نَرْضَی لِرِضَاهَا، فَقَدْ جَاءَ غَضَبُهَا، فَإِذَا جَاءَ رِضَاهَا رَضِینَا.

قَالَ مُخَوَّلٌ: وَ سَأَلْتُ مُوسَی بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] ، فَقَالَ لِی (2): مَا أَكْرَهَ ذِكْرَهُ. قُلْتُ (3) لِمُخَوَّلٍ: قَالَ فِیهِمَا أَشَدَّ مِنَ الظُّلْمِ وَ الْفُجُورِ وَ الْغَدْرِ (4)؟!. قَالَ:

نَعَمْ.

قَالَ مُخَوَّلٌ: وَ سَأَلْتُ عَنْهُمَا مَرَّةً، فَقَالَ: أَ تَحْسَبُنِی تبریا [بُتْرِیّاً] (5)؟ ثُمَّ قَالَ فِیهِمَا قَوْلًا سَیِّئاً.

وَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَی بْنَ عَبْدِ اللَّهِ یَقُولُ: هُمَا أَوَّلُ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا وَ مِیرَاثَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ غَصَبَانَا فَغَصَبَ النَّاسُ.

وَ رَوَوْا عَنْ یَحْیَی بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ یَحْیَی بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] (6)؟. فَقَالَ لِی: ابْرَأْ مِنْهُمَا.

وَ رَوَوْا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبِی، مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ، وَ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ (7)

وَ هُوَ الَّذِی كَانَ

ص: 387


1- كذا، و لم نجد معنا مناسبا للكلمة، و لا وزن و قافیة لما بعدها إن كانت أبیاتا.
2- لا توجد: لی، فی (ك).
3- فی (ك): و قلت.
4- فی (س): الهذر.
5- التبریة [البتریّة]: فرقة من الزّیدیّة، إلّا أنّهم یتولّون أبا بكر و عمر أیضا.
6- لا توجد فی (س): و عمر.
7- كذا، و فی الإسناد ما لا یخفی، فتأمّل.

مَعَ الْحُسَیْنِ بِكَرْبَلَاءَ، وَ كَانَتِ الشِّیعَةُ تُنَزِّلُهُ بِمَنْزِلَةِ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَعْرِفُونَ حَقَّهُ وَ فَضْلَهُ-، قَالَ: فَكَلَّمَهُ فِی أَبِی [زُرَیْقٍ] ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ لِأَبِی: اسْكُتْ! فَإِنَّكَ عَاجِزٌ، وَ اللَّهِ إِنَّهُمَا لَشُرَكَاءُ فِی دَمِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ أَخْرَجَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ مَسْجِدِهِ وَ هُمَا یَتَطَهَّرَانِ وَ أُدْخِلَا وَ هُمَا جِیفَةٌ فِی بَیْتِهِ.

وَ رَوَوْا عَنْ أَبِی حُذَیْفَةَ- مِنْ أَهْلِ الْیَمَنِ وَ كَانَ فَاضِلًا زَاهِداً-، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ هُوَ یَطُوفُ بِالْبَیْتِ، فَقَالَ: وَ رَبِّ هَذَا الْبَیْتِ، وَ رَبِّ هَذَا الرُّكْنِ، وَ رَبِّ هَذَا الْحَجَرِ، مَا قَطَرَتْ مِنَّا قَطْرَةُ دَمٍ وَ لَا قَطَرَتْ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِینَ قَطْرَةٌ إِلَّا وَ هُوَ فِی أَعْنَاقِهِمَا.

وَ رَوَوْا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَحْمَرَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قُلْتُ: أُصَلِّی خَلْفَ مَنْ یَتَوَالَی [فُلَاناً وَ فُلَاناً]؟. قَالَ: لَا، وَ لَا كَرَامَةَ.

وَ رَوَوْا عَنْ أَبِی الْجَارُودِ، قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] ؟. فَقَالَ: قُتِلْتُمْ مُنْذُ سِتِّینَ سَنَةً فِی أَنْ ذَكَرْتُمْ عُثْمَانَ، فَوَ اللَّهِ لَوْ ذَكَرْتُمْ [فُلَاناً وَ فُلَاناً] لَكَانَتْ دِمَاؤُكُمْ أَحَلَّ عِنْدَهُمْ مِنْ دِمَاءِ السَّنَانِیرِ..

وَ رَوَوْا عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ حَبِیبٍ الْأَسَدِیِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ الشَّهِیدِ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِفَخٍّ یَقُولُ: هُمَا وَ اللَّهِ أَقَامَانَا هَذَا الْمُقَامَ، وَ زَعَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَا یُورَثُ.

وَ رَوَوْا عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مَیْمُونٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: مَا رَفَعَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا طَرْفَهَا إِلَی السَّمَاءِ فَقَطَرَتْ مِنْهَا قَطْرَةٌ إِلَّا كَانَ فِی أَعْنَاقِهِمَا.

وَ رَوَوْا عَنْ قُلَیْبِ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ بْنَ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 388

زَیْدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَ الْحُسَیْنَ بْنَ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ الْبَیْتِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا یُخَالِفُنَا فِی شَیْ ءٍ إِلَّا إِذَا انْتَهَی إِلَی [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] أَوْقَفَهُمَا وَ شَكَّ فِی أَمْرِهِمَا؟ فَكُلُّهُمْ قَالُوا: مَنْ أَوْقَفَهُمَا شَكّاً فِی أَمْرِهِمَا فَهُوَ ضَالٌّ كَافِرٌ.

وَ رَوَوْا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِی فَاطِمَةُ الْحَنَفِیَّةُ، عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْحُسَیْنِ أَنَّهَا كَانَتْ تُبْغِضُ [فُلَاناً وَ فُلَاناً] وَ تَسُبُّهُمَا.

وَ رَوَوْا عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِیلِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ، قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ عَدَلَا فِی النَّاسِ وَ ظَلَمَانَا، فَلَمْ تَغْضَبِ النَّاسُ لَنَا، وَ إِنَّ عُثْمَانَ ظَلَمَنَا وَ ظَلَمَ النَّاسَ، فَغَضِبَتِ النَّاسُ (1) لِأَنْفُسِهِمْ فَمَالُوا إِلَیْهِ فَقَتَلُوهُ.

وَ رَوَوْا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَرِضَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَثَقُلَ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مَعَهُ النَّاسُ فَامْتَلَأَ الْبَیْتُ، فَقُمْتُ مِنْ مَجْلِسِی، فَجَلَسَ فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَغَمَزَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَقَامَ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)، إِنَّكَ كُنْتَ عَهِدْتَ إِلَیْنَا فِی هَذَا عَهْداً وَ إِنَّا لَا نَرَاهُ إِلَّا لِمَا بِهِ، فَإِنْ كَانَ شَیْ ءٌ فَإِلَی مَنْ؟. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَلَمْ یُجِبْهُ، فَغَمَزَهُ الثَّانِیَةَ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَا یَمُوتُ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، وَ لَا یَمُوتُ حَتَّی تَمْلَیَاهُ غَیْظاً، وَ تُوسِعَاهُ غَدْراً، وَ تَجِدَاهُ صَابِراً.

وَ رَوَوْا عَنْ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ الْبِكَالِیِّ، قَالَتْ [كَذَا]: سَمِعْتُ حُذَیْفَةَ بْنَ الْیَمَانِ یَقُولُ: وُلِّیَ أَبُو بَكْرٍ فَطَعَنَ فِی الْإِسْلَامِ طَعْنَةً أَوْهَنَهُ، ثُمَّ وُلِّیَ عُمَرُ فَطَعَنَ فِی الْإِسْلَامِ طَعْنَةً مَرَقَ مِنْهُ.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی عَنْهُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَلِیَنَا أَبُو بَكْرٍ فَطَعَنَ فِی الْإِسْلَامِ طَعْنَةً، ثُمَّ وَلِیَنَا عُمَرُ فَحَلَّ الْأَزْرَارَ، ثُمَّ وَلِیَنَا عُثْمَانُ فَخَرَجَ مِنْهُ عُرْیَاناً.

وَ رَوَوْا عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُیَیْنَةَ، قَالَ: كَانَ إِذَا ذَكَرَ عُمَرَ

ص: 389


1- لا توجد جملة: فغضبت النّاس، فی (ك).

أَمَضَّهُ (1)، ثُمَّ قَالَ: كَانَ یَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ فَیَسْتَفْتِیهِ مُغَایَظَةً لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

وَ رَوَوْا عَنِ الْأَعْمَشِ، أَنَّهُ كَانَ یَقُولُ: قُبِضَ نَبِیُّهُمْ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَلَمْ یَكُنْ لَهُمْ هَمٌّ إِلَّا أَنْ یَقُولُوا: مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْكُمْ أَمِیرٌ، وَ مَا أَظُنُّهُمْ یُفْلِحُونَ.

وَ رَوَوْا عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ زَائِدَةَ الْوَشَّاءِ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَی (2) الْأَعْمَشِ أَنِّی سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِذَا كَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ یُجَاءُ [بِفُلَانٍ وَ فُلَانٍ] كَالثَّوْرَیْنِ الْعَقِیرَیْنِ لَهُمَا فِی نَارِ جَهَنَّمَ خُوَارٌ (3).

وَ رَوَوْا عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ أَبِی الْوَرْدِ، قَالَ: قَالَ الْأَعْمَشُ فِی مَرَضِهِ الَّذِی قُبِضَ فِیهِ هُوَ بَرِیَّةٌ مِنْهُمَا وَ سَمَّاهُمَا، قُلْتُ لِلْمَسْعُودِیِّ: سَمَّاهُمَا؟!. قَالَ: نَعَمْ، [فُلَانٌ وَ فُلَانٌ] .

وَ رَوَوْا عَنْ عُمَرَ بْنِ زَائِدَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حَبِیبِ بْنِ أَبِی ثَابِتٍ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَبُو [زُرَیْقٍ] أَفْضَلُ مِنْ عَلِیٍّ، فَغَضِبَ حَبِیبٌ ثُمَّ قَامَ قَائِماً، فَقَالَ: وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَفِیهِمَا (4): الظَّانِّینَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ ... (5) الْآیَةَ.

وَ رَوَوْا عَنْ یَحْیَی بْنِ الْمُسَاوِرِ، عَنْ أَبِی الْجَارُودِ، قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَدِینَتَیْنِ، مَدِینَةً بِالْمَشْرِقِ وَ مَدِینَةً بِالْمَغْرِبِ لَا یَفْتُرَانِ مِنْ لَعْنِ [فُلَانٍ وَ فُلَانٍ] .

وَ رَوَوْا عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ شَرِیكاً یَقُولُ: مَا لَهُمْ وَ لِفَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ؟ وَ اللَّهِ مَا جَهَّزَتْ جَیْشاً وَ لَا جَمَعَتْ جَمْعاً، وَ اللَّهِ لَقَدْ آذَیَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی قَبْرِهِ.

ص: 390


1- قال فی القاموس 2- 344: مضّه الشّی ء مضّا و مضیضا: بلغ من قلبه الحزن به، كأمضّه، و الخلّ فاه: أحرقه، و الكحل العین یمضّها- بالضّمّ و الفتح- آلمها كأمضّ.
2- فی (ك) نسخة بدل: عن، بدلا من: علی.
3- قال فی مجمع البحرین 3- 293: الخوار- بالضّمّ- صوت شدید كصوت البقر.
4- فی (ك) توجد كلمة: زلت هنا، و لعلّها: نزلت.
5- الفتح: 6.

وَ رَوَوْا عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ یَحْیَی الثَّوْرِیِّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَرِیكاً وَ سَأَلَهُ رَجُلٌ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ!: حُبُّ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ سُنَّةٌ؟-. فَقَالَ: یَا مُعَافَا، خُذْ بِثَوْبِهِ فَأَخْرِجْهُ وَ اعْرِفْ وَجْهَهُ وَ لَا تُدْخِلْهُ عَلَیَّ، یَا أَحْمَقُ! لَوْ كَانَ حُبُّهُمَا سُنَّةً لَكَانَ وَاجِباً عَلَیْكَ أَنْ تَذْكُرَهُمَا فِی صَلَاتِكَ كَمَا تُصَلِّی عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.

و لنوضِح بعض ما یحتاج إلی الإیضاح:

قوله علیه السلام: الوهدة العظیمة.

أقول: لم أره بهذا المعنی (1) فیما عندنا من كتب اللغة، و لعلّه أطلق علیه مجازا، فإنّ السّدفة- بالفتح و الضم- و السّدف- بالتحریك-: الظّلمة و الضّوء ضدّ-، و بالضّمّ: الباب، و سدّته، و سترة تكون بالباب تقیه (2) من المطر، و بالتحریك: سواد اللّیل، ذكرها الفیروزآبادی (3).

قوله: أضغنا، لعلّ الباء زائدة أو لیست الألف للتعدیة بل للإظهار .. أی أظهر الضغن بآبائنا، و فی بعض النسخ: اضطغنا بآبائنا، و فی بعضها: بإنائنا.

قال فی القاموس (4): اضطغنوا (5): انطووا علی الأحقاد و اضطغنه: أخذه تحت حضنه.

و فی بعض النسخ (6): أصغیا بإنائنا، و هو أصوب.

قال فی النهایة (7) فی حدیث الهرة: أنّه كان یصغی لها الإناء .. أی یمیله

ص: 391


1- أی كون السدف بمعنی الوهدة العظیمة لم أره. قال فی القاموس 1- 347: الوهدة: الأرض المنخفضة كالوهد.
2- فی (س): تقیة.
3- فی قاموسه 3- 151، و نحوه فی لسان العرب 9- 148، إلّا أنّه لم یذكر المعنی الرابع.
4- القاموس 4- 243، و مثله فی لسان العرب 13- 256.
5- فی (س): اصطغنوا- بالصاد.
6- لا توجد فی (س): النسخ.
7- النهایة 3- 33.

لیسهل علیه (1) الشّرب منه. فالمعنی: أنّهم سهّلوا لغیرهم أخذ حقّنا.

و قال الجوهری (2): أصغیت إلی فلان: إذا ملت بسمعك نحوه، و أصغیت الإناء: مثله (3) یقال فلان مصغی إناؤه إذا نقص حقّه (4)، انتهی. فالمعنی: إنّهم نقصوا حقّنا، و لعلّ التعبیر عن نقص الحقّ بذلك لأنّه إذا أمیل الإناء لا یمتلی.

قوله علیه السلام: و اضطجعا .. لعلّه كنایة عن ترصّدهما للإضرار حیلة و غیلة و الانتهاز للفرصة فی ذلك.

قوله علیه السلام: لذی الحلم .. قال الجوهری (5): و قول الشاعر:

و زعمت أنّا لا حلوم لنا (6)*** إنّ العصا قرعت لذی الحلم

أی إنّ الحلیم إذا نبّه انتبه، و أصله أنّ حكما من حكّام العرب عاش حتّی أُهْتِرَ، فقال لابنته: إذا أنكرتِ من فهمی شیئا عند الحكم فاقرعی لی الْمِجَنَّ بالعصا لأرتدع، قال المتلمّس: لذی الحلم ... (7) البیت (8).

قوله علیه السلام: ما قال هذا .. یمكن حمله (9) علی أنّه صلّی اللّٰه علیه و آله لم یقل هذا علی وجه السؤال و الاعتقاد، بل لتنزّل الآیة و یظهر للناس حالهما، أو لم یكن غرضه صلّی اللّٰه علیه و آله أن یعزّ الدین بهما مع كفرهما و نفاقهما، بل مع إسلامهما واقعا، فأخبر اللّٰه تعالی بأنّهما لا یسلمان أبدا، فلا ینافی الأخبار السابقة.

ص: 392


1- جاء فی المصدر: علیها.
2- الصحاح 6- 2401.
3- فی المصدر: أملته، بدلا من: مثله.
4- و نحوه فی القاموس 4- 352.
5- الصحاح 3- 1261.
6- لا توجد فی المصدر من قوله: و قول الشاعر .. إلی هنا، و جاءت: و قولهم، بدلا منه.
7- جاء البیت كلّه فی المصدر.
8- و انظر لمزید الاطلاع علی المثل، مجمع الأمثال 1- 37، و المستقصی فی أمثال العرب 1- 408، و فرائد اللآلی 1- 34.
9- لعلّ هذا من باب مماشاة الخصم و تنزّلا بفرض الصدور، و هو توجیه غریب منه طاب ثراه.

قوله علیه السلام: زنّاه .. أی قال إنّه ولد زنا (1)، و إن كان یستعمل فی المشهور فیمن نسب غیره إلی فعل الزنا.

«166»-مُهَجُ الدَّعَوَاتِ (2): عَنِ الرِّضَا عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: مَنْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ فِی سَجْدَةِ الشُّكْرِ (3) كَانَ كَالرَّامِی مَعَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی بَدْرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَیْنٍ بِأَلْفِ أَلْفِ سَهْمٍ.

«167»-وَ حَكَاهَا الْكَفْعَمِیُّ (4) فِی الْجَنَّةِ:

[الدُّعَاءُ] اللَّهُمَّ الْعَنِ الَّذَیْنِ بَدَّلَا دِینَكَ، وَ غَیَّرَا نِعْمَتَكَ، وَ اتَّهَمَا رَسُولَكَ (صلی اللّٰه علیه و آله)، وَ خَالَفَا مِلَّتَكَ، وَ صَدَّا عَنْ سَبِیلِكَ، وَ كَفَرَا آلَاءَكَ، وَ رَدَّا عَلَیْكَ كَلَامَكَ، وَ اسْتَهْزَءَا بِرَسُولِكَ، وَ قَتَلَا ابْنَ نَبِیِّكَ، وَ حَرَّفَا كِتَابَكَ، وَ جَحَدَا آیَاتِكَ (5)، وَ اسْتَكْبَرَا عَنْ عِبَادَتِكَ، وَ قَتَلَا أَوْلِیَاءَكَ، وَ جَلَسَا فِی مَجْلِسٍ لَمْ یَكُنْ لَهُمَا بِحَقٍّ، وَ حَمَلَا النَّاسَ عَلَی أَكْتَافِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا لَعْناً یَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضاً، وَ احْشُرْهُمَا وَ أَتْبَاعَهُمَا إِلَی جَهَنَّمَ زُرْقاً (6)، اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَیْكَ بِاللَّعْنَةِ لَهُمَا وَ الْبَرَاءَةِ مِنْهُمَا فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ قَتَلَةَ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ بِنْتِ (7) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، اللَّهُمَّ زِدْهُمَا عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ (8)، وَ هَوَاناً

ص: 393


1- ذكره فی الصحاح 6- 2369، و لسان العرب 14- 359- 360، و غیرهما.
2- مهج الدّعوات: 257- 258، باختصار و زیادة فی صدر الحدیث.
3- فی المصدر: فی سجدة الشّكر بهذا الدّعاء- بتقدیم و تأخیر-.
4- فی المصباح: 554.
5- زیادة فی المصدر و هی: و سخرا بآیاتك.
6- قال فی مجمع البحرین 5- 186: قوله تعالی: «وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ زُرْقاً»، المراد بالزّرق: العمی.
7- فی المصدر: و ابن فاطمة بنت ..
8- فی المصدر: عذاب، بغیر الألف و اللّام.

فَوْقَ هَوَانٍ، وَ ذُلًّا فَوْقَ ذُلٍّ، وَ خِزْیاً فَوْقَ خِزْیٍ، اللَّهُمَّ دُعَّهُمَا إِلَی (1) النَّارِ دَعّاً (2)، وَ ارْكُسْهُمَا فِی أَلِیمِ عَذَابِكَ رَكْساً (3)، اللَّهُمَّ احْشُرْهُمَا وَ أَتْبَاعَهُمَا إِلی جَهَنَّمَ زُمَراً، اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ، وَ شَتِّتْ أَمْرَهُمْ، وَ خَالِفْ بَیْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَ بَدِّدْ جَمَاعَتَهُمْ، وَ الْعَنْ أَئِمَّتَهُمْ، وَ اقْتُلْ قَادَتَهُمْ وَ سَادَتَهُمْ، وَ الْعَنْ رُؤَسَاءَهُمْ وَ كُبَرَاءَهُمْ (4)، وَ اكْسِرْ رَایَتَهُمْ، وَ أَلْقِ الْبَأْسَ بَیْنَهُمْ، وَ لَا تُبْقِ مِنْهُمْ دَیَّاراً، اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا جَهْلٍ وَ الْوَلِیدَ لَعْناً یَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضاً، وَ یَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضاً، اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا لَعْناً یَلْعَنُهُمَا بِهِ كُلُّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَ كُلُّ نَبِیٍّ مُرْسَلٍ، وَ كُلُّ مُؤْمِنٍ امْتَحَنْتَ قَلْبَهُ لِلْإِیمَانِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا لَعْناً یَتَعَوَّذُ مِنْهُ أَهْلُ النَّارِ (5)، وَ مِنْ (6) عَذَابِهِمَا، اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا لَعْناً لَا یَخْطُرُ (7) لِأَحَدٍ بِبَالٍ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا فِی مُسْتَسَرِّ سِرِّكَ وَ ظَاهِرِ عَلَانِیَتِكَ، وَ عَذِّبْهُمَا عَذَاباً فِی التَّقْدِیرِ وَ فَوْقَ التَّقْدِیرِ (8)، وَ شَارِكْ مَعَهُمَا ابْنَتَیْهِمَا وَ أَشْیَاعَهُمَا وَ مُحِبِّیهِمَا وَ مَنْ شَایَعَهُمَا..

أقول:

وَ دُعَاءُ صَنَمَیْ قُرَیْشٍ مَشْهُورٌ بَیْنَ الشِّیعَةِ،- وَ رَوَاهُ الْكَفْعَمِیُّ (9) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَانَ یَقْنُتُ بِهِ فِی صَلَاتِهِ.

، و سیأتی فی كتاب الصلاة (10) إن شاء اللّٰه، و هو مشتمل علی جمیع بدعهما، و وقع فیه الاهتمام و المبالغة فی لعنهما بما لا مزید علیه.

«168»-كا (11): عَنِ الْعِدَّةِ، عَنْ أَحْمَدَ الْبَرْقِیِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادٍ،

ص: 394


1- جاء فی مهج الدّعوات: فی، بدلا من: إلی.
2- قال فی مجمع البحرین 4- 325: الدّعّ: الدّفع بعنف.
3- الرّكس: ردّ الشّی ء مقلوبا، كما ذكره فی مجمع البحرین 4- 76.
4- فی المصدر: و كبراءهم، و العن رؤساءهم- بتقدیم و تأخیر-.
5- جاء فی (س): یتعوّذ أهل النّار منه- بتقدیم و تأخیر-.
6- فی المصدر: من- بدون واو-.
7- جاء فی المصدر: لم یخطر. و هی نسخة بدل جاءت فی حاشیة (ك).
8- لا توجد: و فوق التّقدیر، فی مهج الدّعوات.
9- فی المصباح: 552- 553، باختلاف یسیر.
10- بحار الأنوار 85- 235.
11- أصول الكافی 2- 529- 530، باب 48، حدیث 23 [2- 385]، باختصار فی الإسناد.

عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ الْأَحْنَفِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: مَهْمَا تَرَكْتَ مِنْ شَیْ ءٍ فَلَا تَتْرُكْ أَنْ تَقُولَ فِی كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ: اللَّهُمَّ إِنِّی أَصْبَحْتُ .. إِلَی آخِرِ الدُّعَاءِ، وَ فِیهِ: اللَّهُمَّ الْعَنِ الْفِرَقَ (1) الْمُخْتَلِفَةَ عَلَی رَسُولِكَ وَ وُلَاةِ الْأَمْرِ بَعْدَ رَسُولِكَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ وَ شِیعَتِهِمْ، وَ أَسْأَلُكَ.

إِلَی آخِرِ مَا سَیَجِی ءُ فِی كِتَابِ الصَّلَاةِ (2)، وَ كَذَا الشَّیْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ (3) وَ غَیْرُهُ فِی كُتُبِهِمْ مُرْسِلًا هَذَا الدُّعَاءَ بِتَغْیِیرٍ یَسِیرٍ.

«169»-مهج (4): بِسَنَدِهِ الَّذِی سَیَجِی ءُ فِی كِتَابِ الصَّلَاةِ (5)، عَنْ أَبِی یَحْیَی المادئنی [الْمَدَائِنِیِ] (6) عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَقِّنَا عَلَی أَوْلِیَائِنَا وَ أَشْیَاعِنَا أَنْ لَا یَنْصَرِفَ الرَّجُلُ (7) مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّی یَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ، وَ هُوَ:

اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِیمِ (8) أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِینَ ..

إِلَی قَوْلِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ وَ ضَاعِفْ لَعْنَتَكَ وَ بَأْسَكَ وَ نَكَالَكَ وَ عَذَابَكَ عَلَی اللَّذَیْنِ كَفَرَا نِعْمَتَكَ، وَ خَوَّنَا رَسُولَكَ، وَ اتَّهَمَا نَبِیَّكَ وَ بَایَنَاهُ، وَ حَلَّا عَقْدَهُ فِی وَصِیَّتِهِ (9)، وَ نَبَذَا عَهْدَهُ فِی خَلِیفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَ ادَّعَیَا مَقَامَهُ، وَ غَیَّرَا أَحْكَامَهُ، وَ بَدَّلَا

ص: 395


1- فی المصدر: اللّٰهمّ العن فلانا و فلانا و الفرق ..
2- بحار الأنوار 86- 151، باب الأدعیة و الأذكار عند الصّباح و المساء، و مرّ فیه 27- 218، باب ثواب اللّعن علی أعدائهم، و سیأتی عن التّهذیب و غیره: أنّ الصّادق علیه السّلام كان یلعن فی دبر كلّ صلاة مكتوبة أربعة من الرّجال و أربعا من النّساء. انظر: البحار 22- 128، و 86- 58.
3- مصباح المتهجّد، للشّیخ الطّوسیّ: 148- 150.
4- خ. ل: نهج. و الظّاهر أنّه غلط و هو فی مهج الدّعوات: 333- 334.
5- بحار الأنوار 86- 59- 60، حدیث 67.
6- جاء السّند فی مهج الدّعوات هكذا: حدّثنا محمّد بن علیّ بن رقّاق القمّیّ، قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن علیّ بن الحسن شاذان القمّیّ، عن أبی جعفر محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمّیّ، عن أبیه، قال: حدّثنا جعفر بن عبد اللّٰه الحمیریّ، عن محمّد بن عیسی بن عبید، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن ابن أبی هاشم، عن أبی یحیی المدنیّ.
7- فی المصدر: الرّجل منهم.
8- فی المهج و البحار: اللّٰهمّ إنّی أسألك بحقّك العظیم العظیم ..
9- كذا، و یحتمل أن یكون: وصیّه، كما فی البحار.

سُنَّتَهُ، وَ قَلَبَا دِینَهُ، وَ صَغَّرَا قَدْرَ حُجَجِكَ، وَ بَدَءَا بِظُلْمِهِمْ، وَ طَرَّقَا طَرِیقَ الْغَدْرِ عَلَیْهِمْ، وَ الْخِلَافِ عَنْ أَمْرِهِمْ، وَ الْقَتْلِ لَهُمْ، وَ إِرْهَاجِ الْحُرُوبِ عَلَیْهِمْ، وَ مَنْعِ خَلِیفَتِكَ مِنْ سَدِّ الثَّلْمِ، وَ تَقْوِیمِ الْعِوَجِ، وَ تَثْقِیفِ الْأَوَدِ، وَ إِمْضَاءِ الْأَحْكَامِ، وَ إِظْهَارِ دِینِ الْإِسْلَامِ، وَ إِقَامَةِ حُدُودِ الْقُرْآنِ.

اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا وَ ابْنَتَیْهِمَا وَ كُلَّ مَنْ مَالَ مَیْلَهُمْ وَ حَذَا حَذْوَهُمْ، وَ سَلَكَ طَرِیقَتَهُمْ، وَ تَصَدَّرَ بِبِدْعَتِهِمْ لَعْناً لَا یَخْطُرُ عَلَی بَالٍ، وَ یَسْتَعِیذُ مِنْهُ أَهْلُ النَّارِ، وَ الْعَنِ اللَّهُمَّ مَنْ دَانَ بِقَوْلِهِمْ، وَ اتَّبَعَ أَمْرَهُمْ، وَ دَعَا إِلَی وَلَایَتِهِمْ، وَ شَكَّكَ فِی كُفْرِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ الْآخِرِینَ.

بیان: فی النهایة (1): التّخوّن: التّنقّص.

و قال الجوهری (2): رجل خائن .. و خوّنه: نسبه إلی الخیانة.

و فی النهایة (3): نبذت الشّی ء أنبذه نبذا فهو منبوذ إذا رمیته و أبعدته.

و قلبا دینه .. أی ردّا (4)، أو بالتشدید، یقال رجل مقلّبا (5) .. أی محتال (6).

إرهاج الغبار: إثارته (7).

ص: 396


1- النهایة 2- 89، و مثله فی لسان العرب 13- 145.
2- الصحاح 5- 2109، و مثله فی لسان العرب 13- 144.
3- النهایة 5- 6، و مثله فی لسان العرب 3- 511.
4- كما فی لسان العرب 1- 686، و النهایة 4- 97.
5- كذا، و الظاهر: مقلّب- بالرفع-.
6- قال فی الصحاح 1- 205: و قولهم: هو حوّل قلّب .. أی محتال بصیر بتقلیب الأمور. و قال فی القاموس 1- 119: قلبه یقلبه: حوّله عن وجهه، كأقلبه و قلّبه .. و الشی ء: حوّله ظهرا لبطن كقلّبه. و ذكر نحو ما مرّ فی الصحاح.
7- القاموس 1- 191، و الصحاح 1- 318، و قد یقرأ: الأوهاج، و هو كما فی القاموس 1- 211:

و الثّلمة: الخلل فی الحائط و غیره (1).

و تثقیف الرّمح: تسویتها (2).

و أود: اعوجّ (3).

«170»-یب (4): بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ ثُوَیْرٍ وَ أَبِی سَلَمَةَ السَّرَّاجِ، قَالا: سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ هُوَ یَلْعَنُ فِی دُبُرِ كُلِّ مَكْتُوبَةٍ أَرْبَعَةً مِنَ الرِّجَالِ وَ أَرْبَعاً مِنَ النِّسَاءِ: التَّیْمِیَّ وَ الْعَدَوِیَّ وَ فُعْلَانَ (5) وَ مُعَاوِیَةَ .. وَ یُسَمِّیهِمْ، وَ فُلَانَةَ وَ فُلَانَةَ وَ هِنْدَ وَ أُمَّ الْحَكَمِ أُخْتَ مُعَاوِیَةَ.

«171»-كَشْفُ الْمَحَجَّةِ (6)، لِلسَّیِّدِ عَلِیِّ بْنِ طَاوُسٍ: قَالَ- بَعْدَ مَا حَكَی خَبَرَ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُتَقَدِّمَ الْمُشْتَمِلَ عَلَی سَبَبِ إِسْلَامِهِمَا-: وَ وَقَفْتُ أَنَا فِی كِتَابِ دَانِیَالَ الْمُخْتَصَرِ مِنْ كِتَابِ الْمَلَاحِمِ مَا یَتَضَمَّنُ أَنَّ (7) [فُلَاناً وَ فُلَاناً] كَانَا عَرَفَا مِنْ كِتَابِ دَانِیَالَ- وَ كَانَ عِنْدَ الْیَهُودِ- حَدِیثُ مُلْكِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ وَلَایَةِ رَجُلٍ مِنْ تَیْمٍ وَ رَجُلٍ مِنْ عَدِیٍّ بَعْدَهُ دُونَ وَصِیِّهِ، وَ لَمَّا (8) رَأَیَا الصِّفَةَ الَّتِی كَانَ فِی الْكِتَابِ (9) فِی مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ تَبِعَاهُ وَ أَسْلَمَا مَعَهُ طَلَباً لِلْوَلَایَةِ الَّتِی ذَكَرَهَا دَانِیَالُ فِی كِتَابِهِ.

ص: 397


1- قاله فی مجمع البحرین 6- 25، و لسان العرب 12- 79، و غیرهما.
2- جاء فی لسان العرب 9- 20، و القاموس 3- 121.
3- كما فی مجمع البحرین 3- 9، و القاموس 1- 275، ثمّ إنّ من قوله: (كا) عن العدّة .. إلی هنا لا یوجد فی طبعة (س).
4- التّهذیب 2- 321، باب 15، حدیث 169، و جاء فی الكافی 3- 342، باب 32، حدیث 10.
5- فی الكافی: فلان و فلان و فلان ..
6- كشف المحجّة: 61، الفصل السّادس و الثّمانون.
7- فی المصدر: من كتاب الملاحم و هو عندنا الآن یتضمّن ما یقتضی أنّ ..
8- فی الكشف: دون وصیّة أبیك علیّ علیه السّلام و صفتهما فلمّا ..
9- لا توجد عبارة: الّتی كانت فی الكتاب، فی المصدر، و فیه: فی محمّد جدّك (صلی اللّٰه علیه و آله) و فیهما ..

«172»-یج (1): عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّیِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْمُفَضَّلُ (2) وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِیُّ إِذْ دَخَلَ عَلَیْنَا كَثِیرٌ النَّوَّاءُ، وَ قَالَ: إِنَّ أَبَا الْخَطَّابِ یَشْتِمُ [فُلَاناً وَ فُلَاناً] وَ یُظْهِرُ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا، فَالْتَفَتَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی أَبِی الْخَطَّابِ وَ قَالَ: یَا مُحَمَّدُ! مَا تَقُولُ؟. قَالَ: كَذَبَ وَ اللَّهِ، مَا قَدْ (3) سَمِعَ قَطُّ شَتْمَهُمَا مِنِّی (4). فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قَدْ حَلَفَ، وَ لَا یَحْلِفُ كَاذِباً. فَقَالَ: صَدَقَ، لَمْ أَسْمَعْ أَنَا مِنْهُ، وَ لَكِنْ حَدَّثَنِی الثِّقَةُ بِهِ عَنْهُ. قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ الثِّقَةَ لَا یُبَلِّغُ ذَلِكَ، فَلَمَّا خَرَجَ كَثِیرٌ النَّوَّاءُ قَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ أَبُو الْخَطَّابِ ذَكَرَ مَا قَالَ كَثِیرٌ لَقَدْ عَلِمَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا لَمْ یَعْلَمْهُ كَثِیرٌ، وَ اللَّهِ لَقَدْ جَلَسَا مَجْلِسَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ غَصْباً، فَلَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا وَ لَا عَفَا عَنْهُمَا. فَبُهِتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِیُّ، فَنَظَرَ إِلَی الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ مُتَعَجِّباً مِمَّا قَالَ فِیهِمَا، فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنْكَرْتَ مَا سَمِعْتَ فِیهِمَا (5)؟!. قَالَ: كَانَ ذَلِكَ. فَقَالَ:

فَهَلَّا الْإِنْكَارُ مِنْكَ لَیْلَةَ دَفَعَ إِلَیْكَ (6) فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْبَلْخِیُّ جَارِیَةَ فُلَانَةَ لِتَبِیعَهَا، فَلَمَّا (7) عَبَرْتَ النَّهَرَ افْتَرَشْتَهَا (8) فِی أَصْلِ شَجَرَةٍ. فَقَالَ الْبَلْخِیُّ: قَدْ مَضَی وَ اللَّهِ لِهَذَا الْحَدِیثِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِینَ سَنَةً، وَ لَقَدْ تُبْتُ إِلَی اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَقَدْ تُبْتَ وَ مَا تَابَ اللَّهُ عَلَیْكَ، وَ قَدْ غَضِبَ اللَّهُ لِصَاحِبِ الْجَارِیَةِ (9).

ص: 398


1- الخرائج و الجرائح: 78- الخطّیّة، و 1- 297- 298، حدیث 5 [تحقیق مدرسة الإمام المهدیّ عجّل اللّٰه فرجه الشّریف] ، باختلاف یسیر.
2- هنا سقط جاء فی المصدر و هو: أنا و أبو الخطّاب و المفضّل.
3- لا توجد: قد، فی المصدر، و وضع علیها رمز نسخة بدل فی (ك).
4- فی الخرائج: ما سمع قطّ منّی شتمهما.
5- فی المصدر زیادة: فقال له .. منّی فیهما.
6- فی الخرائج: رفع إلیك.
7- جاء فی المصدر: جاریته فلانة لتبیعها له فلمّا.
8- فی (س): افترشها.
9- ذكره فی إثبات الهداة 5- 404، حدیث 136، و ذكر قطعة منه فی بحار الأنوار 47- 111، حدیث 149، و مدینة المعاجز 407، حدیث 186.

«173»-مصبا (1): بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی زِیَارَةِ عَاشُورَاءَ: اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّی وَ ابْدَأْ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ الثَّانِیَ ثُمَّ الثَّالِثَ ثُمَّ الرَّابِعَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ یَزِیدَ بْنَ مُعَاوِیَةَ خَامِساً .. إِلَی آخِرِ الزِّیَارَةِ.

و الزیارات مشحونة بأمثال ذلك كما سیأتی فی المجلد الثانی و العشرین (2).

أقول: الأخبار الدالّة علی كفر [فلان و فلان] و أضرابهما و ثواب لعنهم و البراءة منهم، و ما یتضمّن بدعهم أكثر من أن یذكر فی هذا المجلد أو فی مجلدات شتّی، و فیما أوردنا كفایة لمن أراد اللّٰه هدایته إلی الصراط المستقیم.

تذنیب: و تتمیم:

اعلم، أنّ طائفة من أهل الخلاف لمّا رأوا أنّ إنكار أهل البیت علیهم السلام علی أئمّتهم و مشایخهم حجّة قاطعة علی بطلانهم، و لم یقدروا علی القدح فی أهل البیت صلوات اللّٰه علیهم و ردّ أخبارهم- لما تواتر بینهم من فضائلهم و ما نزل فی الكتاب الكریم من تفضیلهم و مدحهم، حتی صار وجوب مودّتهم و فرض ولایتهم من الضروریّات فی دین الإسلام- اضطرّوا إلی القول بأنّهم علیهم السلام لم یقدحوا فی الخلفاء و لم یذكروهم إلّا بحسن الثناء- كما ذكره التفتازانی فی شرح المقاصد (3)

و ربما تمسّكوا بأخبار شاذّة موضوعة رووها عن النواصب، و لا یخفی- علی من له أدنی مسكة من العقل- أنّه لا یصلح أمثال تلك الروایات المعدودة الشاذّة مع ظهور التقیّة فیها- لمعارضة ما تواتر عنهم علیهم السلام و روتها خواصّ أصحابهم و بطانتهم، و لا یمكن صدور مثلها إلّا عن صمیم القلب بدون الخوف

ص: 399


1- مصباح المتهجّد: 713- 718، مصباح الكفعمیّ: 482- 485.
2- بحار الأنوار 98- 290، باب 24.
3- شرح المقاصد 5- 303، و ما بعدها.

و التقیّة، و أیّ ضرورة فی أن ینسبوا إلی أئمّتهم فی زمان الخوف و التقیّة ما یصیر سببا لتضرّرهم من المخالفین، و لتضاعف خوفهم، و وقوع الجرائم و القتل و النهب علیهم؟ و لم لم یمنعهم أئمّتهم من تدوین أمثال ذلك فی كتبهم فی مدّة مدیدة تزید علی ثلاثمائة سنة، و أكثر تلك الكتب قد دوّنت فی زمانهم؟ و لم یتبرّوا منهم كما تبرّوا من الغلاة كأبی الخطاب و أضرابه؟ و هل هذا مثل أن یقال لم یر أحد من أصحاب الأئمّة الذین دوّنوا أسماءهم فی رجال الشیعة أحدا من الأئمّة علیهم السلام و لم یسمعوا منه شیئا بل كانوا یفترون علیهم؟ أو یقال لم یكن جماعة موسومون بتلك الأسامی، بل وضعت الشیعة تلك الأسامی من غیر أصل؟ و تقول الیهود و النصاری لم یبعث رجل مسمّی بمحمّد بأمثال تلك الخرافات؟.

و بالجملة، لا ریب فی أنّ مذاهب الناس و عقائدهم إنّما یؤخذ من خواصّهم و أحبّائهم دون المنحرفین عنهم و المنخرطین فی سلك أعدائهم، و هذا من أجلی الواضحات.

و لعمری كیف لا یكذّبون أصحاب أبی حنیفة و الشافعی و مالك و أضرابهم فیما ینسبون إلیهم، و یكذبون أصحاب أئمّتنا علیهم السلام فی ذلك؟!.

و أعجب من ذلك أنّهم یعتمدون علی أصولهم المشحونة بالأباطیل و الأكاذیب المرویّة عن جماعة من المنافقین ظهر علی الناس فسقهم و كذبهم، و لا یلتفتون إلی ما یرویه أفاضل الشیعة فی أصولهم مع كونهم معروفین بین الفریقین بالورع و الزهد و الصدق و الدیانة؟ و هل هذا إلا لمحض العصبیّة و العناد؟!.

فَقَدْ رَوَی مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ (1)، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- جِهَاراً غَیْرَ سِرٍّ- یَقُولُ: أَلَا إِنَّ آلَ أَبِی طَالِبٍ لَیْسُوا لِی أَوْلِیَاءَ، وَ إِنَّمَا وَلِیِّیَ اللَّهُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِینَ (2).

ص: 400


1- صحیح مسلم 1- 197، باب 93، كتاب الإیمان، حدیث 366 (215)، و لكن حذف فیه: آل أبی طالب، و هناك حاشیة فی ذیل الصّفحة حریّة بالملاحظة. و مثله فی مسند أحمد 4- 203.
2- كما رواه ابن أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغة 11- 42.

و قد حكی ابن أبی الحدید (1)، عن أبی جعفر الإسكافی- و هو من مشایخ المعتزلة- كلاما فی المنحرفین عن علیّ علیه السلام و المبغضین له. و عدّ منهم عمرو بن العاص، فروی الحدیث الذی أخرجه البخاری و مسلم فی صحیحهما مسندا متّصلا بعمرو بن العاص (2)، و ذكر الحدیث، فیظهر من كلامه (3) الاعتراف بوجود (4) الخبر فی صحیح البخاری أیضا (5).

ثم لمّا رأی بعض العامّة شناعة تلك الروایة (6) غیّروا فی كثیر من النسخ لفظ أبی طالب بلفظ أبی فلان.

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (7)، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: لَا تَكْتُبُوا عَنِّی غَیْرَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ كَتَبَ عَنِّی غَیْرَ الْقُرْآنِ فَلْیُمْحِهِ، وَ حَدِّثُوا عَنِّی وَ لَا حَرَجَ، وَ مَنْ كَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.

و لا ریب فی أنّ تحریم الكتابة عن الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله باطل باتّفاق أهل الإسلام.

وَ نَقَلَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (8) أَیْضاً، عَنِ الْإِسْكَافِیِّ: أَنَّ مُعَاوِیَةَ وَضَعَ قَوْماً مِنَ الصَّحَابَةِ وَ قَوْماً مِنَ التَّابِعِینَ عَلَی رِوَایَةِ أَخْبَارٍ قَبِیحَةٍ فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، یَقْتَضِی الطَّعْنَ فِیهِ وِ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ، وَ جَعَلَ لَهُمْ جُعْلًا یُرْغَبُ فِی مِثْلِهِ، فَاخْتَلَقُوا مَا أَرْضَاهُ، مِنْهُمْ: أَبُو هُرَیْرَةَ، وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَ الْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَ مِنَ التَّابِعِینَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَیْرِ.

ص: 401


1- فی شرحه علی النهج 4- 63.
2- شرح النهج لابن أبی الحدید 4- 64.
3- فی (س): فی كلّ أمّة.
4- جاءت فی (س): بوجوه.
5- لا توجد كلمة: أیضا، فی (ك).
6- فی (س): الروایات.
7- صحیح مسلم 4- 2298، باب 16، كتاب الزّهد، حدیث 3004.
8- فی شرحه علی النهج 4- 63- 64.

رَوَی الزُّهْرِیُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَیْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِذْ أَقْبَلَ الْعَبَّاسُ وَ عَلِیٌّ، فَقَالَ: یَا عَائِشَةُ! إِنَّ هَذَیْنِ یَمُوتَانِ عَلَی غَیْرِ مِلَّتِی، أَوْ قَالَ: دِینِی.

وَ رَوَی عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ الزُّهْرِیِّ حَدِیثَانِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُمَا یَوْماً، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِمَا وَ بِحَدِیثِهِمَا؟! اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا، إِنِّی لَأَتَّهِمُهُمَا (1) فِی بَنِی هَاشِمٍ.

قال (2): أمّا الحدیث الأول فقد ذكرناه، و أَمَّا الْحَدِیثُ الثَّانِی فَهُوَ:

أَنَّ عُرْوَةَ زَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ، قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِذْ أَقْبَلَ الْعَبَّاسُ وَ عَلِیٌّ، فَقَالَ: یَا عَائِشَةُ! إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَنْظُرِی إِلَی رَجُلَیْنِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَانْظُرِی إِلَی هَذَیْنِ قَدْ طَلَعَا، فَنَظَرْتُ فَإِذَا الْعَبَّاسُ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ.

انْتَهَی.

و مع وجود أمثال تلك الروایات فی أصولهم الفاسدة یعتمدون علیها اعتمادهم علی القرآن، و یفرّون من روایات الشیعة المتدیّنین البررة كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (3)، و أیّ نصّ قاطع دلّ علی انحصار المحدّثین و رواة الأخبار فی البخاری و مسلم و من یحذو حذوهما فی التعصّب و إخفاء الحقّ و طرح ما یخالف أهواءهم من الأخبار، كما یظهر للفطن البصیر ممّا حكاه ابن الأثیر (4)، قال:

قال البخاری: أخرجت كتابی الصحیح من زهاء (5) ستمائة ألف حدیث.

و قال (6) مسلم: صنّفت المسند الصحیح من ثلاثمائة ألف حدیث مسموعة.

ص: 402


1- فی (ك): لا أتّهمهما، و هو اشتباه ظاهرا.
2- القائل هو الزهری، و العبارة لابن أبی الحدید، و فی الشرح: فأمّا ..
3- المدّثّر: 50- 51.
4- جامع الأصول 1- 109 [تحقیق الأرناووط 1- 186]، و فیه: خرجت كتاب الصحیح ..
5- جاء فی حاشیة (ك): و قولهم: هم زهاء مائة .. أی قدر مائة. صحاح. انظر: الصحاح 6- 2371.
6- أی قال ابن الأثیر فی جامع الأصول 1- 110، قال .. [تحقیق الأرناووط: 1- 188].

و قال أبو داود (1): كتبت عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] خمسمائة ألف حدیث، انتخبت منها ما ضمّنته هذا الكتاب- یعنی كتاب السنن- أربعة (2) آلاف حدیث و ثمانمائة.

و إنّما تأخذ الشیعة أخبار دینهم عمّن تعلّق بالعروة الوثقی الّتی هی متابعة أهل بیت النبوّة الذین شهد اللّٰه لهم بالتطهیر، و نصّ علیهم الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله بأنّهم سفینة النجاة، و لا یأخذون شطر دینهم عن امرأة ناقصة العقل و الدین مبغضة لأمیر المؤمنین علیه السلام، و شطره الآخر عن أبی هریرة الدوسی الكذّاب المدنیّ، و أنس بن مالك- الذی فضحه اللّٰه بكتمان الحقّ و ضربه ببیاض لا تغطّیه العمامة- و معاویة، و عمرو بن العاص، و زیاد المعروفین عند الفریقین بخبث المولد و بغض من أخبر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله الأمین بأنّ بغضه آیة النفاق .. و أضراب هؤلاء، لكنّ التعصّب أسدل (3) أغطیة الغیّ و الضلال علی أبصارهم إلی یوم النشور، وَ مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (4).

ص: 403


1- جامع الأصول 1- 112 [تحقیق الأرناووط 1- 190].
2- فی المصدر: جمعت فیه أربعة ..
3- فی (س): أسدد. أقول: أسدد من السدّ .. أی جعل التعصّب أغطیة الضلال موثوقة علی أبصارهم.
4- النور: 40.

ص: 404

[21] باب آخر فی ذكر أهل التابوت فی النار

«1»-ج (1): سُلَیْمُ بْنُ قَیْسٍ الْهِلَالِیُّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ، قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی یَوْمِ بَیْعَةِ أَبِی بَكْرٍ: لَسْتُ بِقَائِلٍ غَیْرَ شَیْ ءٍ وَاحِدٍ أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ أَیُّهَا الْأَرْبَعَةُ- یَعْنِینِی وَ الزُّبَیْرَ وَ أَبَا ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادَ- أَ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: إِنَّ تَابُوتاً مِنْ نَارٍ فِیهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، سِتَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ سِتَّةٌ مِنَ الْآخِرِینَ فِی جُبٍّ فِی قَعْرِ جَهَنَّمَ فِی تَابُوتٍ مُقَفَّلٍ، عَلَی ذَلِكَ الْجُبِّ صَخْرَةٌ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ یُسَعِّرَ جَهَنَّمَ (2) كَشَفَ تِلْكَ الصَّخْرَةَ عَنْ ذَلِكَ الْجُبِّ فَاسْتَعَاذَتْ جَهَنَّمُ مِنْ وَهَجِ (3) ذَلِكَ الْجُبِّ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُمْ وَ أَنْتُمْ شُهُودٌ، فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ:

أَمَّا الْأَوَّلُونَ: فَابْنُ آدَمَ الَّذِی قَتَلَ أَخَاهُ، وَ فِرْعَوْنُ الْفَرَاعِنَةِ، وَ الَّذِی حَاجَّ إِبْراهِیمَ فِی رَبِّهِ، وَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِی إِسْرَائِیلَ بَدَّلَا كِتَابَهُمَا وَ غَیَّرَا سُنَّتَهُمَا (4)، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَهَوَّدَ

ص: 405


1- الاحتجاج 1- 105- 106، و جاء متن الحدیث فی الصّفحة: 112- 113 من طبعة النّجف [و فی طبعة منشورات الرّضیّ: 80، و الحدیث صفحة 86] باختلاف یسیر.
2- فی المصدر: نار جهنّم.
3- جاء فی القاموس 1- 211: وهج النّار یهج وهجا و وهجانا: اتّقدت، و الاسم الوهج- محرّكة-.
4- فی الاحتجاج: كتابهم .. سنّتهم- بضمیر الجمع-، و هو الظّاهر.

الْیَهُودَ، وَ الْآخَرُ نَصَّرَ النَّصَارَی، وَ إِبْلِیسُ سَادِسُهُمْ، وَ الدَّجَّالُ فِی الْآخِرِینَ، وَ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ أَصْحَابُ الصَّحِیفَةِ الَّذِینَ تَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلَی عَدَاوَتِكَ یَا أَخِی، وَ التَّظَاهُرِ عَلَیْكَ بَعْدِی هَذَا .. وَ هَذَا (1) حَتَّی عَدَّدَهُمْ (2) وَ سَمَّاهُمْ.

فَقَالَ سَلْمَانُ: فَقُلْنَا: صَدَقْتَ نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ..

«2»-كِتَابُ سُلَیْمٍ (3): مِثْلُهُ، وَ قَدْ مَرَّ (4).

«3»-فس (5): قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (6)، قَالَ: الْفَلَقُ جُبٌّ فِی جَهَنَّمَ یَتَعَوَّذُ أَهْلُ النَّارِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ، سَأَلَ (7) اللَّهَ أَنْ یَأْذَنَ لَهُ أَنْ یَتَنَفَّسَ فَأَذِنَ لَهُ، فَتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَهَنَّمَ. قَالَ: وَ فِی ذَلِكَ الْجُبِّ صُنْدُوقٌ مِنْ نَارٍ یَتَعَوَّذُ (8) أَهْلُ تِلْكَ (9) الْجُبِّ مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الصُّنْدُوقِ، وَ هُوَ التَّابُوتُ، وَ فِی ذَلِكَ التَّابُوتِ سِتَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ سِتَّةٌ مِنَ الْآخِرِینَ، فَأَمَّا السِّتَّةُ مِنَ (10) الْأَوَّلِینَ: فَابْنُ آدَمَ الَّذِی قَتَلَ أَخَاهُ، وَ فِرْعَوْنُ (11) إِبْرَاهِیمَ الَّذِی أَلْقَی إِبْرَاهِیمَ فِی النَّارِ، وَ فِرْعَوْنُ مُوسَی، وَ السَّامِرِیُّ الَّذِی اتَّخَذَ الْعِجْلَ، وَ الَّذِی هَوَّدَ الْیَهُودَ، وَ الَّذِی نَصَّرَ النَّصَارَی، وَ أَمَّا السِّتَةُ مِنَ (12) الْآخِرِینَ:

ص: 406


1- فی المصدر: هذا و هذا و هذا.
2- فی الاحتجاج: حتّی عدّهم .. و هو الظّاهر.
3- كتاب سلیم بن قیس: 91- 92، و صدر الحدیث فی صفحة: 74.
4- بحار الأنوار 28- 58، و فی (ك) من البحار 8- 23 و 54 و 362 إشارة إلی الصّحیفة الملعونة.
5- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2- 499.
6- الفلق: 1.
7- فی المصدر: فسال.
8- جاء فی (ك): و یتعوّذ.
9- لا توجد: تلك، فی المصدر.
10- فی التفسیر: فأما الستة التی من ..
11- كذا، و فی المصدر: و نمرود إبراهیم.
12- فی التفسیر: فأما الستة التی من ..

فَهُوَ الْأَوَّلُ وَ الثَّانِی وَ الثَّالِثُ وَ الرَّابِعُ وَ صَاحِبُ الْخَوَارِجِ وَ ابْنُ مُلْجَمٍ (1).

وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (2)، قَالَ: الَّذِی یُلْقَی فِی الْجُبِّ یَقِبُ فِیهِ (3).

«4»-ثو (4): ابْنُ الْوَلِیدِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَیْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ الدَّیْلَمِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، حَدِّثْنِی فِیهِمَا بِحَدِیثٍ، فَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ (5) أَبِیكَ فِیهِمَا بِأَحَادِیثَ (6) عِدَّةٍ. قَالَ: فَقَالَ لِی: یَا إِسْحَاقُ! الْأَوَّلُ (7) بِمَنْزِلَةِ الْعِجْلِ، وَ الثَّانِی بِمَنْزِلَةِ السَّامِرِیِّ.

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِی فِیهِمَا؟. قَالَ: هُمَا وَ اللَّهِ نَصَّرَا وَ هَوَّدَا وَ مَجَّسَا، فَلَا غَفَرَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمَا.

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِی فِیهِمَا. قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا یَنْظُرُ اللَّهُ إِلَیْهِمْ وَ لا یُزَكِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَنْ هُمْ؟. قَالَ: رَجُلٌ ادَّعَی إِمَاماً مِنْ غَیْرِ اللَّهِ، وَ آخَرُ طَعَنَ فِی إِمَامٍ مِنَ اللَّهِ، وَ آخَرُ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِی الْإِسْلَامِ نَصِیباً.

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِی فِیهِمَا؟. قَالَ: مَا أُبَالِی- یَا إِسْحَاقُ مَحَوْتُ الْمُحْكَمَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ جَحَدْتُ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ النُّبُوَّةَ أَوْ (8)

ص: 407


1- جاءت زیادة: لعنهم اللّٰه، فی المصدر.
2- الفلق: 3.
3- فی تفسیر القمّیّ: فیه یقب، و استظهر فی هامشه: یغیب فیه.
4- ثواب الأعمال 2- 255- 256، باب 12، حدیث 3 [و فیه طبعة مؤسّسة الأعلمی: 256 257]، مع تفصیل فی الإسناد.
5- فی المصدر: عن، بدلا من: من.
6- فی المصدر: أحادیث.
7- فی (س): الأولی، و هو سهو.
8- فی (ك): واو، بدلا من: أو.

زَعَمْتُ أَنْ لَیْسَ فِی السَّمَاءِ إِلَهٌ، أَوْ تَقَدَّمْتُ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِی؟. قَالَ: فَقَالَ لِی: یَا إِسْحَاقُ! إِنَّ فِی النَّارِ لَوَادِیاً- یُقَالُ لَهُ: سَقَرُ- لَمْ یَتَنَفَّسْ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ، لَوْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (1) لَهُ فِی التَّنَفُّسِ بِقَدْرِ مِخْیَطٍ لَأَحْرَقَ مَا (2) عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ، وَ إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَیَتَعَوَّذُونَ (3) مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الْوَادِی (4) وَ نَتْنِهِ وَ قَذَرِهِ، وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِیهِ لِأَهْلِهِ، وَ إِنَّ فِی ذَلِكَ الْوَادِی لَجَبَلًا یَتَعَوَّذُ جَمِیعُ أَهْلِ ذَلِكَ الْوَادِی مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الْجَبَلِ وَ نَتْنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِیهِ لِأَهْلِهِ مِنَ الْعَذَابِ (5)، وَ إِنَّ فِی ذَلِكَ الْجَبَلِ لَشِعْباً یَتَعَوَّذُ جَمِیعُ أَهْلِ ذَلِكَ الْجَبَلِ مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الشِّعْبِ وَ نَتْنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِیهِ لِأَهْلِهِ، وَ إِنَّ فِی ذَلِكَ الشِّعْبِ لقلیب [لَقَلِیباً] یَتَعَوَّذُ جَمِیعُ أَهْلِ (6) ذَلِكَ الشِّعْبِ مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الْقَلِیبِ وَ نَتْنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِیهِ لِأَهْلِهِ، وَ إِنَّ فِی ذَلِكَ الْقَلِیبِ لَحَیَّةً یَتَعَوَّذُ أَهْلُ (7) ذَلِكَ الْقَلِیبِ مِنْ خُبْثِ تِلْكَ الْحَیَّةِ وَ نَتْنِهَا وَ قَذَرِهَا وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ (8) فِی أَنْیَابِهَا مِنَ السَّمِّ لِأَهْلِهَا، وَ إِنَّ فِی جَوْفِ تِلْكَ الْحَیَّةِ لَسَبْعَةَ صَنَادِیقَ فِیهَا خَمْسَةٌ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَ اثْنَانِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَ مَنِ الْخَمْسَةُ؟ وَ مَنِ الِاثْنَانُ؟. قَالَ: فَأَمَّا (9) الْخَمْسَةُ: فَقَابِیلُ الَّذِی قَتَلَ هَابِیلَ، وَ نُمْرُودُ الَّذِی حَاجَّ إِبْراهِیمَ فِی رَبِّهِ، فَقَالَ:

أَنَا أُحْیِی وَ أُمِیتُ (10)، وَ فِرْعَوْنُ الَّذِی قَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلی (11) وَ یَهُودُ الَّذِی

ص: 408


1- لا توجد: عزّ و جلّ، فی المصدر.
2- فی ثواب الأعمال: من، بدل: ما.
3- فی المصدر: یتعوّذون- بدون لام-.
4- فی (س): الجبل، بدلا من: الوادی.
5- لا توجد: من العذاب، فی المصدر.
6- لا توجد كلمة: أهل، فی (ك)، و فی المصدر لا توجد كلمة: جمیع.
7- فی ثواب الأعمال: جمیع أهل ذلك ..
8- فی المصدر زیادة: عزّ و جلّ.
9- فی المصدر: أمّا- بدون فاء-.
10- البقرة: 258.
11- النّازعات: 24.

هَوَّدَ الْیَهُودَ، وَ بُولَسُ الَّذِی نَصَّرَ النَّصَارَی، وَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَعْرَابِیَّانِ..

«5»-ل (1): بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ قَوْلِهِ: یَا إِسْحَاقُ! إِنَّ فِی النَّارِ لَوَادِیاً .. إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ.

بیان:

الأعرابیان: الأول و الثانی اللّذان لم یؤمنا باللّٰه طرفة عین.

«6»-ل (2): أَبِی، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِینٍ (3)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَیَابَةَ، عَنْ جُعَیْدِ هَمْدَانَ، قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ فِی التَّابُوتِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (4) سِتَّةً مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ سِتَّةً مِنَ الْآخِرِینَ، فَأَمَّا السِّتَّةُ مِنَ الْأَوَّلِینَ: فَابْنُ آدَمَ الَّذِی قَاتَلَ أَخِیهِ (5)، وَ فِرْعَوْنُ الْفَرَاعِنَةِ، وَ السَّامِرِیُّ، وَ الدَّجَّالُ،- كِتَابُهُ فِی الْأَوَّلِینَ، وَ یَخْرُجُ فِی الْآخِرِینَ وَ هَامَانُ، وَ قَارُونُ، وَ السِّتَّةُ مِنَ الْآخِرِینَ: فَنَعْثَلُ، وَ مُعَاوِیَةُ، وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَ أَبُو مُوسَی الْأَشْعَرِیُّ .. وَ نَسِیَ الْمُحَدِّثُ اثْنَیْنِ.

بیان: المنسیان الأعرابیان الأوّلان بشهادة ما تقدّم و ما سیأتی.

ص: 409


1- خصال الصّدوق 2- 398، أبواب السّبعة، حدیث 106.
2- الخصال، للصّدوق- رحمه اللّٰه-: 2- 485، أبواب الاثنی عشر، حدیث 59، بتفصیل فی الإسناد.
3- ورد السّند فی المصدر هكذا: عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطّاب، قال: حدّثنی الحسن بن مسكین الثّقفیّ ..
4- لا توجد فی الخصال: من النّار.
5- فی المصدر: .. آدم قاتل أخیه، و هو الظّاهر.

«7»-ثو (1): ابْنُ الْوَلِیدِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ (2)، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِیرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِی رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً یَوْمَ الْقِیَامَةِ لَسَبْعَةُ نَفَرٍ: أَوَّلُهُمُ ابْنُ آدَمَ الَّذِی قَتَلَ أَخَاهُ، وَ نُمْرُودُ الَّذِی حَاجَّ إِبْراهِیمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی رَبِّهِ، وَ اثْنَانِ فِی بَنِی إِسْرَائِیلَ هَوَّدَا قَوْمَهُمَا وَ نَصَّرَاهُمَا، وَ فِرْعَوْنُ الَّذِی قَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلی (3)، وَ اثْنَانِ مِنْ (4) هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدُهُمَا شَرُّهُمَا فِی تَابُوتٍ مِنْ قَوَارِیرَ تَحْتَ الْفَلَقِ فِی بِحَارٍ مِنْ نَارٍ.

«8»-كِتَابُ الْإِسْتِدْرَاكِ (5): بِإِسْنَادِهِ إِلَی الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ- وَ هِیَ الْأَرْكَانُ- لِسَبْعَةِ فَرَاعِنَةَ: نُمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ فِرْعَوْنُ الْخَلِیلِ، وَ مُصْعَبُ بْنُ الْوَلِیدِ فِرْعَوْنُ مُوسَی، وَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَ الْأَوَّلُ، وَ الثَّانِی، وَ یَزِیدُ قَاتِلُ وَلَدِی، وَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاسِ یُلَقَّبُ بِالدَّوَانِیقِیِّ اسْمُهُ الْمَنْصُورُ.

أقول:

سیأتی (6) فی احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی الزبیر ما یناسب الباب.

ص: 410


1- ثواب الأعمال 2- 255، باب 12، حدیث 1، باختصار فی الإسناد.
2- فی المصدر: عن العبّاس بن معروف، و فی (س): عن الصّفّار، عن ابن محبوب ..
3- النّازعات: 24.
4- جاءت: فی، بدلا من: من، فی (س).
5- كتاب الاستدراك، لابن بطریق، لا نعرف بطبعه حتّی هذا التّاریخ.
6- بحار الأنوار 36- 324.

[22] باب تفصیل مطاعن أبی بكر و الاحتجاج بها علی المخالفین بإیراد الأخبار من كتبهم

الطعن الأوّل:

مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمْ یُوَلِّ أَبَا بَكْرٍ شَیْئاً مِنَ الْأَعْمَالِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ یُوَلِّیهَا غَیْرَهُ، وَ لَمَّا أَنْفَذَهُ لِأَدَاءِ سُورَةِ بَرَاءَةَ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ عَزَلَهُ وَ بَعَثَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ لِیَأْخُذَهَا مِنْهُ وَ یَقْرَأَهَا عَلَی النَّاسِ، وَ لَمَّا رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُ (1): لَا یُؤَدِّی عَنِّی إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّی (2).

فمن لم یصلح لأداء سورة واحدة إلی أهل بلدة كیف یصلح للرئاسة العامّة المتضمّنة لأداء جمیع الأحكام إلی عموم الرعایا فی سائر البلاد؟! و سیأتی الروایات الواردة فی ذلك مع الكلام فیها علی وجه یناسب الكتاب فی المجلد التاسع فی باب

ص: 411


1- لا توجد: له، فی (س).
2- و هذا ما أخرجه جمع كثیر من أئمّة الحدیث و حفّاظه من العامّة بعدّة طرق صحیحة، یتأتّی التّواتر بأقلّ منها. عدّ منهم شیخنا الأمینیّ فی غدیره 6- 338- 341 ثلاثة و سبعین إماما!.

مفرد (1).

و ما أجابوا به من أنّه صلّی اللّٰه علیه و آله ولّاه الصلاة بالناس، فقد (2) تقدّم (3) القول فیه مفصّلا.

و ما ذكره قاضی القضاة فی المغنی (4) من أنّه لو سلّم أنّه لم یولّه لما دلّ ذلك (5) علی نقص و لا علی أنّه لا یصلح للإمارة و الإمامة (6)، بل لو قیل إنّه لم یولّه لحاجته إلیه بحضرته و إنّ ذلك رفعة له لكان أقرب، سیّما و قد روی عنه صلّی اللّٰه علیه و آله (7) ما یدلّ علی أنّهما وزیراه، فكان علیه السلام محتاجا إلیهما و إلی رأیهما.

و أجاب السیّد رضی اللّٰه عنه فی الشافی (8) بأنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله لم یكن یستشیر أحدا لحاجة منه إلی رأیه و فقر إلی تعلیمه و توقیفه، لأنّه علیه و آله السلام، الكامل الراجح المعصوم المؤیّد بالملائكة، و إنّما كانت مشاورته أصحابه لیعلّمهم كیف یعملون فی أمورهم، و قد قیل یستخرج بذلك دخائلهم و ضمائرهم.

و بعد، فكیف استمرّت هذه الحاجة و اتّصلت منه إلیهما حتّی لم یستغن فی زمان من الأزمان عن حضورهما فیولّیهما؟! و هل هذا إلّا قدح فی رأی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و نسبة له إلی أنّه كان ممّن یحتاج إلی أن یلقّن و یوقف علی كلّ شی ء، و قد نزّهه اللّٰه تعالی عن ذلك.

ص: 412


1- بحار الأنوار 35- 284- 313، الباب التاسع: نزول سورة براءة و قراءة أمیر المؤمنین علیه السلام علی أهل مكّة و ردّ أبی بكر ..
2- فی (ك): قد.
3- بحار الأنوار 27- 323- 324.
4- المغنی- الجزء المتمّم للعشرین-: 349.
5- فی المصدر: ما كان یدلّ، بدلا من: لما دلّ ذلك.
6- فی المغنی: للإمامة، بدلا من: للإمارة و الإمامة.
7- لا توجد: الصلاة، فی المصدر.
8- الشافی 4- 154، و هو نقل بالمعنی فی أوّله و نصّ فی آخره.

فأمّا ادّعاؤه أنّ الروایة وردت بأنّهما وزیراه، فقد كان یجب أن یصحّح ذلك قبل أن یعتمده و یحتجّ به، فإذا (1) ندفعه عنه أشدّ دفع. انتهی كلامه قدّس سرّه.

وَ أَقُولُ: الرِّوَایَةُ الَّتِی أَشَارَ إِلَیْهَا الْقَاضِی هِیَ مَا رَوَاهَا فِی الْمِشْكَاةِ (2)، عَنِ التِّرْمِذِیِّ (3)، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ نَبِیٍّ إِلَّا وَ لَهُ وَزِیرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَ وَزِیرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَأَمَّا وَزِیرَایَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجَبْرَئِیلُ وَ مِیكَائِیلُ، وَ أَمَّا وَزِیرَایَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ!.

و لا یخفی أنّه خبر واحد من طریق الخصم لا حجّة فیه، و وضع الحدیث عادة قدیمة، و قد قدّمنا الأخبار فی ذلك (4).

و حكی فی (5) جامع الأصول (6) أنّ بعض أهل الضلال كان یقول- بعد ما رجع عن ضلالته-: انظروا إلی هذه الأحادیث عمّن تأخذونها، فإنّا كنّا إذ رأینا

ص: 413


1- فی الشافی: فإنا، و هو الظاهر.
2- مشكاة المصابیح 3- 233، حدیث 6056.
3- سنن التّرمذیّ 5- 616، كتاب المناقب، باب 17، حدیث 3680. و رواه ابن الأثیر فی جامع الأصول 8- 630- 631، حدیث 6462.
4- ما حكاه رحمه اللّٰه عن كتاب سلیم بن قیس فی بحار الأنوار 27- 211- 213، و 22- 102، و قد ذكر جملة من الكذّابین فی 25- 261 و ما بعدها. و انظر: سلسلة الموضوعات من الجزء التاسع من الغدیر: 218- 246.
5- فی (ك): و حكی عن ..
6- جامع الأصول 1- 136- تحقیق الأرناءوطی- بمعنی مقارب لما ذكرناه، و انظر بنصّه فی الموضوعات لابن الجوزی 1- 38 و غیرهما، و قد فصّل البحث فیه فی كتاب مقباس الهدایة إلی علم الدرایة 1- 398- 419، فی تعریفه للحدیث الموضوع، و معرّفاته، و دواعیه و غیرها، و انظر: مستدركات البحث حیث ذكر جملة من مصنّفاتهم. و باللّٰه علیك إلّا ما راجعت سلسلة الأحادیث المقلوبة و الموضوعة فی الخلافة و الخلفاء و ما یكذّبها و یناقضها مع إشباع فی مصادرها فی موسوعة شیخنا الأمینی طاب ثراه 5- 288- 375 تری العجب العجاب و مصداقا لقوله عزّ اسمه: «أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِیثِ تَعْجَبُونَ وَ تَضْحَكُونَ وَ لا تَبْكُونَ» النجم: 59.

رأیا وضعنا له حدیثا.

و قد صنّف جماعة من العلماء كتبا فی الأحادیث الموضوعة.

وَ حُكِیَ عَنِ الصَّغَانِیِّ (1)

مِنْ عُلَمَاءِ الْمُخَالِفِینَ- أَنَّهُ قَالَ فِی كِتَابِ الدُّرِّ الْمُلْتَقِطِ (2): وَ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ مَا زَعَمُوا أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ یَتَجَلَّی لِلْخَلَائِقِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَامَّةً، وَ یَتَجَلَّی لَكَ یَا أَبَا بَكْرٍ خَاصَّةً، وَ أَنَّهُ قَالَ:

حَدَّثَنِی جَبْرَئِیلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَمَّا خَلَقَ الْأَرْوَاحَ اخْتَارَ رُوحَ أَبِی بَكْرٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ (3).

ثم قال الصنعانی [الصَّغَانِیُ]: و أنا أنتسب إلی عمر بن الخطاب و أقول فیه الحقّ

لِقَوْلِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ: قُولُوا الْحَقَّ وَ لَوْ عَلی أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ

فمن الموضوعات ما

روی أَنَّ أَوَّلَ مَنْ یُعْطَی كِتَابَهُ بِیَمِینِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَ لَهُ شُعَاعٌ كِشُعَاعِ الشَّمْسِ. قِیلَ: فَأَیْنَ أَبُو بَكْرٍ؟. قَالَ: سَرَقَتْهُ الْمَلَائِكَةُ (4).

و منها:

مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ قُتِلَ، وَ مَنْ سَبَّ عُثْمَانَ وَ عَلِیّاً جُلِدَ الْحَدَّ (5).

إلی غیر ذلك من الأخبار المختلفة [المختلقة].

و من الموضوعات:

زُرْ غِبّاً تَزْدَدْ حُبّاً (6).

ص: 414


1- فی البحار: و عن، و الصغانی، و هو أبو الفضائل الحسن بن محمّد بن الحسن (577- 650 ه).
2- أقول: لم أجد هذا النّصّ فی كتاب الصّغانیّ: الدّرّ الملتقط فی تبیین الغلط، و كذا فی كتابه الآخر: الموضوعات، و كلاهما تحقیق: أبو الفداء عبد اللّٰه القاضی، و إصدار دار الكتب العلمیة- بیروت- بعد أن راجعتهما أكثر من مرّة، و لعلّه حذف منه و حرف كأكثر مصادرهم ممّا فیه منقبة لنا أو طعن علیهم.
3- ذكرهما و غیرهما ابن الجوزیّ فی كتاب الموضوعات 1- 303- 319، و ناقشها بما لا مزید علیه، و السّیوطیّ فی اللئالئ المصنوعة فی الأحادیث الموضوعة 1- 286- 289.
4- أدرجه ابن الجوزی فی كتابه الموضوعات 1- 320، و عدّ غیره، و كذا السیوطی فی كتابه فی الموضوعات 1- 302.
5- أورده ابن الجوزی فی الموضوعات 1- 328، و السیوطی فی اللئالئ 1- 309.
6- كما فی الدّر الملتقط للصغانی: 26، برقم 25، و قاله العجلونی فی كشف الخفاء 1- 438- 439، برقم 1412.

النَّظَرُ إِلَی الْخُضْرَةِ تَزِیدُ فِی الْبَصَرِ (1).

مَنْ قَادَ أَعْمَی أَرْبَعِینَ خُطْوَةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ (2).

الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الْأَدْیَانِ، وَ عِلْمُ الْأَبْدَانِ (3).

انتهی.

و عدّ من الأحادیث الموضوعة:

الْجَنَّةُ دَارُ الْأَسْخِیَاءِ (4).

طَاعَةُ النِّسَاءِ نَدَامَةٌ (5).

دفن (6)

البنات من المكرمات (7).

اطْلُبِ الْخَیْرَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ (8).

لَا هَمَّ إِلَّا هَمُّ الدَّیْنِ وَ لَا وَجَعَ إِلَّا وَجَعُ الْعَیْنِ.

ص: 415


1- كما نصّ علیه فی الدّر الملتقط: 24، برقم 18، و الموضوعات، و كلاهما للصغانی: 13، برقم 65، و أورده العجلونی فی كشف الخفاء 2- 439، و الشوكانی فی الفوائد المجموعة 217، و الألبانی فی السلسلة الضعیفة 1- 165.
2- كما فی كتاب الموضوعات للصغانی: 12، برقم 57، و جاء فی كشف الخفاء و مزیل الألباس للعجلونی 2- 269، برقم 2558، و بمضامین أخر فی الموضوعات لابن الجوزی 2- 173 178. هذا، مع أنّه قد أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء 3- 158، و الخطیب فی تاریخ بغداد 5- 105 و 9- 214، و الذهبی فی المیزان 4- 459، و الهیثمی فی مجمع الزوائد 3- 138، و غیرهم.
3- قاله الصغانی فی الموضوعات: 10، برقم 38، و العجلونی فی كشف الخفاء 2- 68، برقم 1765. أقول: وضع فی (ك) علی الأدیان و الأبدان رمز التقدیم و التأخیر (خ. م).
4- كما فی كشف الخفاء و مزیل الألباس 1- 337، برقم 1083، و عدّه ابن الجوزی فی الموضوعات.
5- كشف الخفاء 2- 37، برقم 1648.
6- فی (ك): و دفن.
7- كشف الخفاء 1- 407، برقم 1308.
8- كشف الخفاء 1- 136، برقم 394.

الْمَوْتُ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ (1).

إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الْفُجَّارُ (2).

إلی غیر ذلك ممّا یطول ذكره.

و بالجملة، قد عرفت مرارا أنّ الاحتجاج فی مثل هذا إنّما یكون بالأخبار المتواترة أو المتّفق علیه بین الفریقین لا ما ذكره آحاد أحد الجانبین.

ثم إنّ صاحب المغنی (3) ادّعی أنّ ولایة أبی بكر علی الموسم و الحجّ قد ثبت بلا خلاف بین أهل الأخبار، و لم یصحّ أنّه عزله، و لا یدلّ رجوع أبی بكر إلی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله مستفهما عن القصّة علی العزل، ثم جعل إنكار من أنكر حجّ أبی بكر بالناس فی هذه السنة كإنكار عبّاد بن سلیمان و طبقته و أخذ أمیر المؤمنین علیه السلام سورة براءة من أبی بكر.

أقول:

رَوَی ابْنُ الْأَثِیرِ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (4) بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بِبَرَاءَةَ مَعَ أَبِی بَكْرٍ، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: لَا یَنْبَغِی (5) أَنْ یُبَلِّغَ عَنِّی (6) إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی (7).

وَ زَادَ رَزِینٌ (8): ثُمَّ اتَّفَقَا فَانْطَلَقَا.

و هذا یشعر بأنّه لم یثبت عنده مسیر أبی بكر إلی مكة (9).

ص: 416


1- كما فی الموضوعات لابن الجوزی 3- 218- 219، و كشف الخفاء 2- 289 برقم 2663، و اللئالی المصنوعة 2- 414.
2- قد أورده فی: كشف الخفاء 1- 218، برقم 665، و قریب منه فی الموضوعات لابن الجوزی 2- 238، و غیرهما. و فی (س): الهجار، و لا معنی لها.
3- المغنی- الجزء المتمّم للعشرین-: 350، مع اختلاف یسیر.
4- جامع الأصول 8- 660، حدیث 6508. و انظر ما سبقه و لحقه من الرّوایات.
5- فی المصدر زیادة: لأحد.
6- فی الجامع: هذا، بدلا من: عنّی.
7- و زاد فی المصدر: و دعا علیّا فأعطاه إیّاها.
8- هذه الزّیادة جاءت فی جامع الأصول ذیل حدیث 6509 من المجلّد الثّامن، صفحة 660.
9- أقول: تعدّ واقعة إرسال أبی بكر بسورة براءة ثمّ تنحیته و بعث أمیر المؤمنین علیه السلام بها من الضروریات التاریخیة المتواترة سندا و المتّحدة مضمونا و إن اختلفت ورودا، ندرج جملة من مصادرها العامیّة، فانظر: مسند الحمیدی (تحقیق الأعظمی) 1- 26، حدیث 48، و الدرّ المنثور للسیوطی 3- 209، و كنز العمّال للهندی 1- 246- 247، و تفسیر الشوكانی 2- 319، و الریاض النضرة 2- 147، و ذخائر العقبی: 69، و تاریخ ابن كثیر 5- 38، و 7- 357، و تفسیر ابن كثیر 2- 333، و مناقب الخوارزمی: 99، و مجمع الزوائد 7- 29، و 9- 119، و شرح صحیح مسلم للعینی 8- 637، و تفسیر المنار 10- 157، و تفسیر الطبریّ 10- 46، و خصائص النسائی: 20، و مسند أحمد بن حنبل 1- 151 و 230 و 3- 283، و الكفایة للكنجی: 126، و فتح الباری لابن حجر العسقلانی 8- 256، و مطالب السئول لابن طلحة: 17، و شرح ابن أبی الحدید 3- 105، و تفسیر الطبریّ 10- 46 و 47، و مستدرك الحاكم 3- 51، و صحیح الترمذی 2- 183، و شواهد التنزیل 1- 233، و غیرها كثیرة جدا لا یسعنا عدّها. و لا تعدادها، ذكر جملة منها شیخنا الأمینی فی غدیره 6- 341- 350.

وَ رَوَی الطَّبْرِسِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی مَجْمَعِ الْبَیَانِ (1)، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَیْرِ وَ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ وَ أَبِی هُرَیْرَةَ: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَخَذَهَا مِنْ أَبِی بَكْرٍ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَ دَفَعَهَا إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ قَالَ: لَا یُبَلِّغُ عَنِّی إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّی.

وَ قَالَ: وَ رَوَی أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَلَّاهُ أَیْضاً الْمَوْسِمَ، وَ أَنَّهُ حِینَ أَخَذَ الْبَرَاءَةَ مِنْ أَبِی بَكْرٍ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ.

و ستعرف أنّ أكثر أخبارهم خالیة عن ذكر حجّ أبی بكر و عوده إلی الموسم، و كذا الأخبار الواردة من طرق أهل البیت علیهم السلام، فاستعظامه ذلك ممّا لا وجه له، بخلاف قول عبّاد بن سلیمان لظهور شناعته.

و قال السیّد رضی اللّٰه عنه (2): لو سلّمنا أنّ ولایة الموسم لم تنسخ (3) لكان الكلام باقیا، لأنّه إذا كان ما ولی مع تطاول الأزمان (4) إلّا هذه الولایة ثم سلب شطرها و الأفخم الأعظم منها فلیس ذلك إلّا تنبیها علی ما ذكرنا.

ص: 417


1- مجمع البیان 5- 3 سورة التّوبة [3- 3]، بتقدیم المتن علی الإسناد، و انظر ما بعده من الرّوایات فیه و فی تفسیر التّبیان 5- 169.
2- فی الشافی 4- 155، و فی الحجریّة: 248.
3- فی المصدر: لم تفسخ، و هی نسخة فی مطبوع البحار.
4- فی الشافی: الزمان.

ثم إنّ إمامهم الرازی ترقّی فی التعصّب فی هذه [هذا] الباب حتّی قال (1): قیل قرّر أبا بكر علی الموسم و بعث علیّا علیه السلام خلیفة (2) لتبلیغ هذه الرسالة حتّی یصلّی (3) خلف أبی بكر و یكون ذلك جاریا مجری تنبیه (4) علی إمامة أبی بكر، و اللّٰه أعلم. قال (5): و قرّر الجاحظ هذا المعنی، فقال: إنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم بعث أبا بكر أمیرا علی الحاجّ و ولّاه الموسم، و بعث علیّا یقرأ علی الناس آیات من سورة براءة، فكان أبو بكر الإمام و علیّ المؤتمّ، و كان أبو بكر الخطیب و علیّ المستمع، و كان أبو بكر الرافع بالموسم و السائق (6) لهم، و الآمر لهم و لم یكن ذلك لعلیّ علیه السلام (7). انتهی.

و أقول: الطعن فی هذا الكلام من وجوه:

الأوّل: أنّ بقاء أبی بكر علی إمارة الموسم ممنوع، كما مرّ و سیأتی.

الثانی: أنّ الإمارة علی من جعله الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله من أهل الموسم بنفسها لا یقتضی صلاتهم خلف الأمیر، فضلا عن اقتضائه فیمن لم یكن من أهل الموسم و بعثه الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله أخیرا لتبلیغ الآیات من اللّٰه سبحانه و من رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله، و خلوّ الأخبار من الصلاة ممّا لا سترة فیه.

الثالث: أنّ تقریر أبی بكر علی الموسم لو دلّ علی الأمر بالصلاة خلفه لم یثبت له فضیلة علی ما زعموه من جواز الصلاة خلف كلّ برّ و فاجر (8).

ص: 418


1- فی تفسیره 15- 219.
2- فی المصدر: و بعث علیّا خلفه ..
3- فی المصدر زیادة لفظ: علی بعد: یصلی.
4- فی تفسیر الفخر: التنبیه- بالألف و اللام-.
5- قال الفخر الرازیّ فی تفسیره تلو قوله: و اللّٰه أعلم.
6- فی المصدر: و السابق.
7- فی التفسیر: الترضیة، بدل: التسلیم.
8- انظر من باب المثال، سنن أبی داود، كتاب الصلاة، باب 63.

الرابع: أنّ تفصیل (1) إمارة الحاجّ علی قراءة الآیات علی الناس- كما یشعر به كلام بعضهم- باطل، إذ قراءة الآیات علی الناس من المناصب الخاصّة بالرسول صلّی اللّٰه علیه و آله أو من كان منه، كما یدلّ علیه لفظ أخبار المخالف (2) و المؤالف (3)،

حیث قال صلّی اللّٰه علیه و آله: لَا یُؤَدِّی عَنِّی إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّی.

و أمّا إمارة الحاجّ فیتولّاها كلّ برّ و فاجر، و لیس من شروطها إلّا نوع من الاطّلاع علی ما هو الأصلح فی سوق الإبل و البهائم و معرفة المیاه و التجنّب عن مواضع اللصوص .. و نحو ذلك، و الفرق بین الأمرین غیر خفیّ علی عاقل لم یذهب التعصّب به مذاهب التعسّف.

الخامس: أنّ قوله: فكان أبو بكر الإمام و علیّ المؤتمّ .. إن أراد به إمامة الصلاة فقد عرفت ما فیه، و إن أراد الإمامة فی الحجّ، فالحجّ بنفسه ممّا لا یجری فیه الإمامة، و إن أراد كونه إماما من حیث إمارته علی الموسم فلا نسلّم أنّ علیّا علیه السلام كان من المؤتمّین به، و مجرّد الرفاقة لا إمامة فیها، مع أنّ عود أبی بكر إلی الحجّ بعد رجوعه فی محلّ المنع، و بقاءه علی الإمارة- بعد تسلیمه- كذلك، كما

ص: 419


1- كذا، و الظاهر: تفضیل- بالضاد المعجمة-.
2- كما جاء فی سنن الترمذی 5- 636، كتاب المناقب، باب 21، حدیث 3719، و فی جامعه فی تفسیره سورة البراءة، و سنن ابن ماجة 1- 44، باب 11، حدیث 119، و مسند أحمد 1- 3، 151، 330 و 2- 299 و 3- 212، 283، و 4- 164- 165، صحیح البخاریّ 1- 31، و 6- 81، و 19- 510 طبع الهند، و تفسیر الطبریّ 1- 410، 10- 44 و 46، و تفسیر زاد المسیر 3- 391، و الدّر المنثور للسیوطی 2- 319، و تاریخ ابن كثیر 5- 38، و مناقب الخوارزمی: 99، و شرح صحیح البخاریّ للعینی 8- 637، و تفسیر المنار 10- 158، و شرح المواهب المدنیة للزرقانی 3- 91، و الأموال لأبی عبیدة: 165، و الكفایة للكنجی 126، و مجمع الزوائد للهیثمی 7- 29، و الفردوس، حدیث 4171- 4178، و الخصائص للنسائی: 2، و سیأتی له مصادر أخری.
3- تظافر النقل عند الخاصّة و استفاض حتّی كاد أن یكون متواترا، و عدّ السیّد ابن طاوس فی الطرائف 1- 38 جملة روایات من الطریقین، و انظر: مجمع البیان 3- 3، و التبیان 5- 169، و تفسیر القمّیّ 1- 282، و الخصال 1- 311، باب 1، حدیث 87، و 2- 55، باب 2، حدیث 31، و الصراط المستقیم 2- 6- 9، و الشافی 4- 153- 157، و تلخیص الشافی 2- 232- 233 و 3- 240 و غیرها، و سندرج له مصادر أخر ضمن البحث.

عرفت.

السادس: أنّ إمارة الحاجّ لا تستلزم خطابة حتّی یلزم استماع المأمورین فضلا عن استماع من بعث لقراءة الآیات علی مشركی مكة.

السابع: لو كان غرضُ الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله بیانَ فضل أبی بكر و علوِّ درجته- حیث جعله سائقا لأهل الموسم و رافعا لهم- لكان الأنسبَ أن یجعل علیّا علیه السلام من المأمورین بأمره أوّلا، أو یبعثه أخیرا و یأمره بإطاعة أمره و الانقیاد له، لا أن یقول له خذ البراءة منه حتّی یفزع الأمیر و یرجع إلیه صلّی اللّٰه علیه و آله خائفا ذعرا من أن یكون نزل فیه ما یكون سببا لفضیحته (1) و ...، كما یدلّ علیه قوله: أ نزل فیّ شی ء؟! و جوابه صلّی اللّٰه علیه و آله، كما لا یخفی علی المتأمّل.

الثامن: أنّ ذلك لو كان منبّها علی إمامة أبی بكر دالّا علی فضله لقال له رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله- لمّا رجع جزعا فزعا-: یا لكع! أ ما علمت أنّی ما أردت بذلك إلّا تنویها بذكرك و تفضیلا لك علی علیّ علیه السلام و تنبیها علی إمامتك؟! و كیف خفی ذلك علی أبی بكر مع حضوره الواقعة و اطّلاعه علی القرائن الحالیّة و المقالیّة، و كذا علی أتباعه و القائلین بإمامته، و لم یفهمه أحد سوی الرازی و أشباهه.

و أمّا ما تشبّث به المخالفون فی مقام الدفع و المنع:

فمنها: إنكار عزل أبی بكر عن أداء الآیات كما فعل عبّاد بن سلیمان و الشارح الجدید للتجرید (2) .. و أضرابهما.

و أیّده بعضهم بأنّه لو عزل أبا بكر عن التأدیة قبل الوصول إلی موضعها لزم فسخ الفعل قبل وقته و هو غیر جائز.

ص: 420


1- فی (س): لفضیحة- بلا ضمیر-.
2- شرح التجرید للقوشجی: 372- الحجریّة-.

و أنت بعد الاطّلاع علی ما سیأتی من أخبار الجانبین فی ذلك لا ترتاب فی أنّ ذلك الإنكار لیس إلّا للجهل الكامل بالآثار، و للتعصّب المفرط المنبئ عن خلع الغدار (1)، و قد اعترف قاضی القضاة (2)ببطلان ذلك الإنكار لإقرار الثقات من علمائهم بعزله و شهادة الأخبار به.

و قال ابن أبی الحدید (3)روی طائفة عظیمة من المحدّثین أنّه لم یدفعها إلی أبی بكر، لكن الأظهر الأكثر أنه دفعها إلیه ثم أتبعه بعلیّ علیه السلام فانتزعها منه. انتهی.

و لم نظفر فی شی ء من روایاتهم بما یدلّ علی ما حكاه، و كان الأنسب أن یصرّح بالكتاب و الراوی حتّی لا یظنّ به التعصّب و الكذب.

و أمّا حدیث النسخ، فأوّل ما فیه إنّا لا نسلّم عدم جوازه، و قد جوّزه جمهور الأشاعرة و كثیر من علماء الأصول، سلّمناه لكن لا نسلّم أمره صلوات اللّٰه علیه أبا بكر بتبلیغ الآیات، و لعلّه أمره بحملها إلی ورود أمر ثان، أو تبلیغها لو لم یرد أمر بخلافه، و لم یرد فی الروایات أمر صریح منه صلّی اللّٰه علیه و آله بتبلیغ أبی بكر إیّاها مطلقا، و ورود النهی عن التأدیة لا یدلّ علی سبق الأمر بها ككثیر [من] النواهی، و لئن سلّمنا ذلك لا نسلّم كون الأمر مطلقا- و إن لم یذكر الشرط-، لجواز كونه منویّا و إن لم تظهر الفائدة.

فإن قیل: فأیّ فائدة فی دفع السورة إلی أبی بكر و هو لا یرید أن یؤدّیها، ثم ارتجاعها؟ و هَلَّا دَفَعَهَا ابتداءً إلی (4)علیّ علیه السلام؟.

قلنا: الفائدة ظهور فضل أمیر المؤمنین علیه السلام و مزیّته، و أنّ الرجل الذی نزعت منه السورة لا یصلح له، و قد وقع التصریح بذلك فی بعض الأخبار

ص: 421


1- الكلمة مشوّشة فی س.
2- فی كتابه المغنی- الجزء المتمّم للعشرین-: 350، و قد ذكره عنه فی الشافی 4- 153.
3- فی شرحه علی نهج البلاغة 17- 200، بتصرّف و اختصار.
4- فی س: علی، بدلا من: إلی.

و إن كان یكفینا الاحتمال.

و منها: ما اعتذر به الجبائی (1)، قال: لمّا كانت عادة العرب أنّ سیّدا من سادات قبائلهم إذا عقد عهدا لقوم فإنّ ذلك العقد لا ینحلّ إلّا أن یحلّه هو أو بعض سادات قومه، فعدل رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله عن أبی بكر إلی أمیر المؤمنین علیه السلام حذرا من أن لا یعتبروا نبذ العهد من أبی بكر لبعده فی النسب.

و تشبّث به جُلُّ من تأخّر عنه، كالفخر الرازی (2)، و الزمخشری (3)و البیضاوی (4)و شارح التجرید (5).. و غیرهم (6)

و ردّ علیهم أصحابنا (7)بأنّ ذلك كذب صریح و افتراء علی أصحاب الجاهلیّة و العرب، و لم یعرف فی زمان من الأزمنة أن یكون الرسول- سیّما لنبذ العهد- من سادات القوم و أقارب العاقد، و إنّما المعتبر فیه أن یكون موثوقا به، مقبول القول و لو بانضمام قرائن الأحوال، و لم ینقل هذه العادة من العرب أحد من أرباب السیر و رواة الأخبار، و لو كانت موجودة فی روایة أو كتاب لعیّنوا موضعها، كما هو الشأن فی مقام الاحتجاج.

و قد اعترف ابن أبی الحدید (8)بأنّ ذلك غیر معروف عن عادة العرب، و إنّما

ص: 422


1- كما فی المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 351، و حكاه فی الشافی 4- 155، و أجاب عنه
2- فی تفسیره 15- 218.
3- فی كشّافه 2- 172.
4- فی تفسیره 1- 405 فی سورة البراءة.
5- شرح التجرید: 372- الحجریة-.
6- مثل ابن كثیر فی تفسیره 2- 345، و القرطبیّ فی جامع أحكام القرآن 8- 61، و صاحب تفسیر بحر المحیط 5- 7، و غیرهم.
7- قد مرّت مصادر متعدّدة، و نذكر هنا مثالا: الشافی 4- 150، و الصراط المستقیم 2- 6، و تلخیص الشافی 2- 233.
8- فی شرحه علی نهج البلاغة 17- 200 بتصرّف، و قال قبله: فالذی قاله المرتضی أصحّ و أظهر.

هو تأویل تأوّل به متعصّبو أبی بكر لانتزاع البراءة منه، و لیس بشی ء. انتهی.

و ممّا یدلّ علی بطلانه، أنّه لو كان ذلك معروفا من عادة العرب لما خفی علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله حتی بعث أبا بكر، و لا علی أبی بكر و عمر العارفین بسنن الجاهلیّة الذین یعتقد المخالفون أنّهما كانا وزیری رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و أنّه كان لا یصدر عن شی ء و لا یقدم علی أمر إلّا بعد مشاورتهما و استعلام رأیهما، و لو كان بعث أمیر المؤمنین علیه السلام استدراكا لما صدر عنه علی الجهل بالعادة المعروفة أو الغفلة عنها، لقال اللّٰه له: اعتذر إلی أبی بكر، و ذكّره عادة الجاهلیّة حتی لا یرجع خائفا یترقّب نزول شی ء فیه، أو كان یعتذر إلیه بنفسه صلّی اللّٰه علیه و آله بعد رجوعه، بل لو كان كذلك فما غفل عنها الحاضرون من المسلمین حین بعثه و المطّلعون علیه، و لا احتاج صلّی اللّٰه علیه و آله إلی الاعتذار بنزول جبرئیل لذلك من عند اللّٰه تعالی.

و قال ابن أبی الحدید (1)فی مقام الاعتذار، بعد ردّ اعتذار القوم بما عرفت-:

لعلّ السبب فی ذلك أنّ علیّا علیه السلام من بنی عبد مناف، و هم جمرة (2)قریش بمكّة، و علیّ أیضا شجاع لا یقام له، و قد حصل فی صدور قریش منه (3)الهیبة الشدیدة و المخافة العظیمة، فإذا حصل مثل هذا الشجاع البطل و حوله من بنی عمّه من (4)هم أهل العزّ و القوّة و الحمیّة، كان أدعی إلی نجاته من قریش و سلامة نفسه، و بلوغ الغرض من نبذ العهد علی یده.

و لا یخفی علیك أنّه تعلیل علیل، إذ لو كان بعث أمیر المؤمنین علیه السلام باجتهاد منه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم، و كان الغرض سلامة من أرسل لتبلیغ

ص: 423


1- فی شرحه علی النهج 17- 200.
2- قال فی النهایة 1- 292: و بنو فلان جمرة: إذا كانوا أهل منعة و شدّة .. و الجمرة: اجتماع القبیلة علی من ناواها.
3- لا توجد: منه، فی س.
4- فی المصدر: و، بدلا من: من.

الآیات و نجاته كان الأحری أن یبعث عمّه العباس أو عقیلا أو جعفرا أو غیرهم من بنی هاشم ممّن لم یلتهب فی صدور المشركین نائرة حقده لقتل آبائهم و أقاربهم، لا من كانوا ینتهزون الفرصة لقتله و الانتقام منه بأیّ وجه كان، و حدیث الشجاعة لا ینفع فی هذا المقام، إذ كانت آحاد قریش تجترئ علیه صلوات اللّٰه علیه فی المعارك و الحروب، فكیف إذا دخل وحده بین جمّ غفیر من المشركین؟!.

و أمّا من جعله من الدافعین الذابّین عنه علیه السلام من أهل مكّة فهم كانوا أعاظم أعادیه و أكابر معاندیه، و أیضا لو كان الغرض ذلك (1)لكان الأنسب أن یجعله أمیرا علی الحاجّ كما ذهب إلیه قوم من أصحابنا، لا كما زعموه من أنّه لم یعزل أبا بكر عن الإمارة بل جعله مأمورا بأمره، كما مرّ.

بل نقول: الألیق بهذا الغرض بعث رجل حقیر النفس خامل الذكر فی الشجاعة من غیر الأقارب حتّی لا یهمّوا بقتله، و لا یعدّوا الظفر علیه انتقاما و ثأرا لدماء من قتل الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله من عشیرتهم و ذوی قراباتهم، مع أنّه لم تجر العادة بقتل من بعث إلی قوم لأداء رسالة، لا سیّما إذا كان میّتا فی الأحیاء، غیر معروف إلّا بالجبن و الهرب، و كیف لم یستشعر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله بذلك الذی ذكره حتّی أرسل أبا بكر ثم عزله؟! و كیف اجترأ أبو بكر حتّی عرّض نفسه للهلكة مع شدّة جبنه؟! و كیف غفل عنه عمر بن الخطاب- الوزیر بزعمهم المشیر فی عظائم الأمور و دقائقها- مع شدّة حبّه لأبی بكر؟ و لو كان الباعث ذلك لأفصح عن ذلك رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله أو غیره بعد رجوع أبی بكر أو قبله كما سبق التنبیه علی مثله، هذا مع كون تلك التعلیلات مخالفة لما صرّح به الصادقون، الذین (2)هم أعرف بمراد الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله من ابن أبی الحدید و الجبائی و من اقتفی أثرهما.

ص: 424


1- فی ك: منه، نسخة بدل: من ذلك.
2- فی س: الذی، و قد تقرأ فی ك كذلك، و ما أثبتناه أظهر.

و قد حكی فی كتاب الصراط المستقیم (1)، عن كتاب المفاضح (2)أنّ جماعة قالوا لأبی بكر: أنت المعزول و المنسوخ من اللّٰه و رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله عن أمانة واحدة، و عن رایة خیبر، و عن جیش العادیات، و عن سكنی المسجد، و عن الصلاة (3)، و لم ینقل أنّه أجاب و علّل بمثل هذه التعلیلات.

و العجب من هؤلاء المتعصّبین الذین یدفعون منقصة عن مثل أبی بكر بإثبات جهل أو غفلة عن عادة معروفة أو مصلحة من المصالح التی لا یغفل عنها آحاد الناس للرسول المختار الذی لا ینطق عن الهوی، و لیس كلامه إلّا وحیا یوحی، أو لا یجوز (4)علیه السهو و النسیان، بل یثبتون ذلك له و لجمیع أصحابه، نعوذ باللّٰه من التورّط فی ظلم الضلالة و الانهماك فی لجج الجهالة.

و أعجب من ذلك أنّهم یجعلون تقدیم أبی بكر للصلاة نصّا صریحا لخلافته- مع ما قد عرفت ممّا فیه من وجوه السخافة- و یتوقّفون فی أن یكون مثل هذا التخصیص و التنصیص و الكرامة موجبا لفضیلة له علیه السلام، مع أنّهم

رووا أنّ جبرئیل علیه السلام قال: لا یؤدّی عنك إلّا أنت أو رجل منك (5)

فإمّا أن یراد به الاختصاص التامّ الذی كان بین الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و بین أمیر المؤمنین علیه السلام كما یدلّ علیه ما سیأتی (6)و مضی (7)من الروایات

ص: 425


1- كتاب الصراط المستقیم 2- 7.
2- فی المصدر: الفاضح.
3- ثم قال فی الصراط المستقیم: فكیف تولّی فی الأمور العامّات و الخاصّات و لیس للأمّة تولیة من عزله اللّٰه فی السماء و رسول اللّٰه فی الأرض.
4- كذا، و الظاهر: و لا یجوز- بالواو-.
5- قد مرّت مصادره، و جاء فی الملل و النحل 1- 144، و فی الإرشاد للشیخ المفید: 37، و أورده فی إحقاق الحقّ 5- 242- 255، و 6- 443، و 7- 390، و 9- 269- 481، عن عدّة مصادر عامیّة، و ذكره فی كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستّة 1- 168.
6- سیأتی من المصنّف- قدّس سرّه- فی بحاره 37- 80 و 40- 18.
7- قد مرّت فی البحار 24- 88، و 25- 29، و 26- 3 و 4، و غیرها.

الواردة فی أنّهما كانا من نور واحد،

وَ مَا اتَّفَقَتْ عَلَیْهِ الْخَاصَّةُ وَ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ مِنْهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَا وَقَعَ یَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ جَبْرَئِیلُ: یَا مُحَمَّدُ! إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ.

فَقَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ. فَقَالَ جَبْرَئِیلُ: وَ أَنَا مِنْكُمَا (1)

و لم یقل:

و إنّكما منّی .. رعایة للأدب و تنبیها علی شرف منزلتهما، و قوله تعالی: وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (2)فی آیة المباهلة (3)

، وَ قَوْلُهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِبَنِی وَلِیعَةَ (4)لَأَبْعَثَنَّ إِلَیْكُمْ رَجُلًا كَنَفْسِی. (5)

و غیر ذلك ممّا سیأتی.

و إمّا أن یراد به الاختصاص الذی نشأ من كونه علیه السلام من أهل بیت الرسالة، و یناسبه ما

ورد فی بعض الروایات: لا ینبغی أن یبلّغ عنّی إلّا رجل من أهل بیتی (6)

، أو ما نشأ من كثرة المتابعة و إطاعة الأوامر كما فهمه بعض الأصحاب و أیّده بقوله تعالی: فَمَنْ تَبِعَنِی فَإِنَّهُ مِنِّی (7)و علی أیّ التقادیر یدلّ علی أنّ من لم یتّصف بهذه الصفة لا یصلح للأداء عن الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، و كلّما كان هذا الاختصاص أبلغ فی الشرف كان أكمل فی إثبات الفضیلة

ص: 426


1- كما جاء فی تاریخ الطبریّ 2- 514، و تاریخ الكامل لابن الأثیر 2- 154 و ذیلهما حریّ بالملاحظة، و تفسیر الفرات الكوفیّ: 22، و كتاب عیون أخبار الرضا علیه السلام 1- 81- 85، حدیث 9، و إرشاد المفید: 543- 548، و قد ورد مواساة أمیر المؤمنین علیه السلام فی غزوة أحد فی موارد مختلفة من بحار الأنوار، منها: 20- 54 و 55 و 69 و 71 و 85 و 95 و 105 و 107 و 108 و 112 و 113 و 129 و 144 و 39- 111.
2- إبراهیم: 36.
3- قد فصّل المصنّف- قدّس سرّه- البحث فیها فی بحاره: 21- 276، و 37- 49.
4- قال فی القاموس 3- 97: بنو ولیعة- كسفینة-: حیّ من كندة.
5- كما جاء فی مستدرك الصحیحین 2- 120، و خصائص النسائی 19، و مجمع الهیثمی 7- 110، و كنز العمّال 6- 400، و الاستیعاب 2- 464، و تفسیر الكشّاف فی تفسیر قوله تعالی: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ» ... إلخ من سورة الحجرات، و غیرها كثیر.
6- كما جاء فی عیون أخبار الرضا علیه السلام 2- 61، باب 31، حدیث 243، و علل الشرائع 1- 189، باب 150، حدیث 1، و تلاحظ بقیة روایات الباب، و إرشاد المفید: 37.
7- آل عمران: 61.

لأمیر المؤمنین علیه السلام، و كلّما ضایق الخصم فی كماله كان أتمّ فی إثبات الرذیلة لأبی بكر، فلا نتربّص فی ذلك إِلَّا إِحْدَی الْحُسْنَیَیْنِ، كما ذكره بعض الأفاضل.

ثم إنّ المفعول المحذوف فی هذا الكلام، إمّا أن یكون أمرا عامّا- كما یناسب حذفه- خرج ما خرج منه بالدلیل فبقی حجّة فی الباقی، أو یكون أمرا خاصّا هو تبلیغ الأوامر المهمّة، أو یخصّ بتبلیغ تلك الآیات، كما ادّعی بعض (1) العامّة، و علی التقادیر الثلاثة یدلّ علی عدم استعداد أبی بكر لأداء الأوامر عامّة عن الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، أمّا علی الأول فظاهر، و كذا علی الثانی، لاشتمال الخلافة علی تبلیغ الأوامر المهمّة، و أمّا علی الثالث فلأنّ من لم یصلح لأداء آیات خاصّة و عزل عنه بالنصّ الإلهی كیف یصلح لنیابة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله فی تبلیغ الأحكام عامّة، و دعوة الخلائق كافّة؟!.

و لنكتف بذلك حذرا من الإطناب، و سیأتی تمام الكلام فی ذلك فی أبواب فضائله علیه السلام إن شاء اللّٰه تعالی (2).

الطعن الثانی: التخلّف عن جیش أسامة

قال أصحابنا رضوان اللّٰه علیهم: كان أبو بكر و عمر و عثمان من جیش أسامة (3)، و قد كرّر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله- لمّا اشتدّ مرضه- الأمر بتجهیز جیش أسامة و لعن المتخلّف عنه (4)، فتأخّروا عنه و اشتغلوا بعقد البیعة فی سقیفة بنی ساعدة، و خالفوا أمره، و شملهم اللعن، و ظهر أنّهم لا یصلحون للخلافة.

قالوا: و لو تنزّلنا عن هذا المقام و قلنا بما ادّعاه بعضهم من عدم كون أبی بكر

ص: 427


1- فی (س) : كما ورد عن بعض ..
2- بحار الأنوار 38- 195- 458، و المجلد الذی یلیه.
3- فی (س) : من جیشه، بدلا من: من جیش أسامة.
4- كما فی الطرائف 2- 449، تلخیص الشافی 3- 32، الشافی 4- 144، و غیرها.

من الجیش.

نقول: لا خلاف فی أنّ عمر منهم، و قد منعه أبو بكر من النفوذ معهم، و هذا كالأوّل فی كونه معصیة و مخالفة للرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

أمّا أنّهم كانوا من جیش أسامة، فلما ذكره السیّد الأجلّ رضی اللّٰه عنه فی الشافی (1) من: أنّ كون أبی بكر فی جیش أسامة، قد (2) ذكره أصحاب السیر و التواریخ (3): قال روی البلاذری فی تاریخه (4)

و هو معروف ثقة كثیر الضبط و بری ء (5) من ممالأة الشیعة-: أنّ أبا بكر و عمر كانا معا فی جیش أسامة.

وَ رَوَی سَعِیدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ الْكَازِرَانِیُّ- مِنْ مُتَعَصِّبِی الْجُمْهُورِ- فِی تَارِیخِهِ (6)

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَمَرَ النَّاسَ بِالتَّهَیُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ لِأَرْبَعِ لَیَالٍ بَقِینَ مِنْ صَفَرِ سَنَةِ إِحْدَی عَشْرَةَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَعَا أُسَامَةَ بْنَ زَیْدٍ، فَقَالَ لَهُ: سِرْ إِلَی مَوْضِعِ مَقْتَلِ أَبِیكَ فَأَوْطِئْهُمُ [مُدَّ] (7) الْخَیْلِ، فَقَدْ وَلَّیْتُكَ هَذَا الْجَیْشَ، فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَحُمَّ وَ صُدِعَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ یَوْمُ الْخَمِیسِ عَقَدَ لِأُسَامَةَ لِوَاءً بِیَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: أُغْزُ بِسْمِ اللَّهِ فِی سَبِیلِ اللَّهِ، فَقَاتِلْ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ. فَخَرَجَ وَ عَسْكَرٌ بِالْجُرْفِ، فَلَمْ یَبْقَ أَحَدٌ مِنْ وُجُوهِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ إِلَّا

ص: 428


1- الشافی: 246- الحجریّة-، و 4- 147- المحققة-.
2- فی (ك) : و قد.
3- نصّ علی ذلك ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة 1- 159، تاریخ الطبریّ 3- 186، تاریخ ابن عساكر- فی ترجمة أسامة- 2- 391، طبقات ابن سعد 2- 41، حیاة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله) ل: محمّد حسنین هیكل: 483، سیرة ابن هشام 2- 650، كنز العمّال 5- 312، تاریخ الیعقوبی 3- 93، تاریخ الخمیس 2- 172.
4- لم نجده فی المقدار المطبوع من تاریخ البلاذری، و حكاه فی الشافی و تلخیصه.
5- قد تقرأ الكلمة فی (س) : تبرئ.
6- تاریخ الكازرانی. أقول: لعلّه لعلیّ بن محمّد بن محمود الكازرونیّ ظهیر الدّین (611- 697 ه) ، یعد مؤرخا، و له جملة مصنّفات فی التّاریخ و غیره، و لا أعلم بطبع تاریخه- مع كلّ ما بحثت عنه كما لم یدرجه المصنّف (طاب ثراه) فی أوّل كتابه من مصادره و لعلّه نقل عن غیره.
7- وضع علی كلمة: مدّ، رمز نسخة بدل فی (ك) .

انْتَدَبَ فِی تِلْكَ الْغَزَاةِ، فِیهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ سَعِیدُ بْنُ زَیْدٍ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ وَ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، فَتَكَلَّمَ قَوْمٌ وَ قَالُوا: یَسْتَعْمِلُ هَذَا الْغُلَامَ عَلَی الْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ؟! فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ غَضَباً شَدِیداً، فَخَرَجَ وَ قَدْ عَصَبَ عَلَی رَأْسِهِ عِصَابَةً وَ عَلَیْهِ قَطِیفَةٌ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَیُّهَا النَّاسُ! فَمَا مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِی عَنْ بَعْضِكُمْ فِی تَأْمِیرِ أُسَامَةَ، وَ لَئِنْ طَعَنْتُمْ فِی تَأْمِیرِی أُسَامَةَ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِی تَأْمِیرِی أَبَاهُ مِنْ قَبْلِهِ، وَ ایْمُ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ لِلْإِمَارَةِ لَخَلِیقاً، وَ إِنَّ ابْنَهُ مِنْ بَعْدِهِ لَخَلِیقٌ لِلْإِمَارَةِ، وَ إِنْ (1) كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَیَّ فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَیْراً فَإِنَّهُ مِنْ خِیَارِكُمْ.

ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ بَیْتَهُ، وَ ذَلِكَ یَوْمُ السَّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِیعٍ الْأَوَّلِ، وَ جَاءَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِینَ یَخْرُجُونَ مَعَ أُسَامَةَ یُوَدِّعُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ یَمْضُونَ إِلَی الْعَسْكَرِ بِالْجُرْفِ، وَ ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ الْأَحَدِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَجَعُهُ، فَدَخَلَ أُسَامَةُ مِنْ مُعَسْكَرِهِ وَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مُغْمًی عَلَیْهِ، وَ فِی رِوَایَةٍ: قَدْ أَصْمَتَ وَ هُوَ لَا یَتَكَلَّمُ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ فَقَبَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَجَعَلَ یَرْفَعُ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ ثُمَّ یَضَعُهُمَا عَلَی أُسَامَةَ. قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ یَدْعُو لِی، وَ رَجَعَ أُسَامَةُ إِلَی مُعَسْكَرِهِ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالرَّحِیلِ، فَبَیْنَا هُوَ یُرِیدُ الرُّكُوبَ إِذَا رَسُولُ أُمِّهِ- أُمِّ أَیْمَنَ- قَدْ جَاءَهُ یَقُولُ:

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَمُوتُ .. إِلَی آخِرِ الْقِصَّةِ.

وَ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی الْكَامِلِ (2)

أَنَّ فِی الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَی عَشْرَةَ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَعْثاً إِلَی الشَّامِ وَ أَمِیرُهُمْ أُسَامَةُ بْنُ زَیْدٍ .. وَ ذَكَرَ بَعْضَ مَا مَرَّ، وَ صَرَّحَ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، قَالَ: وَ هُمَا ثَبَّتَا (3) النَّاسَ عَلَی الرِّضَا

ص: 429


1- كذا، و الظّاهر: و إنّه.
2- الكامل فی التّاریخ لابن الأثیر 2- 334- 336.
3- قال فی الصّحاح 1- 245: و أثبته غیره و ثبّته بمعنی، و یقال أثبته السّقم: إذا لم یفارقه، و قوله تعالی: «لِیُثْبِتُوكَ» .. أی یجرحوك جراحة لا تقوم معها، و نحوه فی لسان العرب 2- 19- 20. و علیه فیحتمل أن یكون المعنی: أنّهما یجرحان النّاس و یعیبان علیهم لرضایتهم بإمارة أسامة. و یحتمل أنّ العبارة هكذا: ثبّطا النّاس عن الرّضا أو تبطّئا ...

بِإِمَارَةِ أُسَامَةَ.

وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِ النَّهْجِ (1)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَیَّارٍ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ كَثِیرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (2) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (3)

، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی مَرَضِ مَوْتِهِ أَمَرَ أُسَامَةَ بْنَ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَی جَیْشٍ فِیهِ جُلَّةُ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ، وَ أَمَرَهُ أَنْ یُغِیرَ عَلَی مُؤْتَةَ حَیْثُ قُتِلَ أَبُوهُ زَیْدٌ، وَ أَنْ یغزوا [یَغْزُوَ] وَادِیَ فِلَسْطِینَ، فَتَثَاقَلَ أُسَامَةُ وَ تَثَاقَلَ الْجَیْشُ بِتَثَاقُلِهِ، وَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَثْقُلُ (4) وَ یَخِفُّ وَ یُؤَكِّدُ الْقَوْلَ فِی تَنْفِیذِ ذَلِكَ الْبَعْثِ، حَتَّی قَالَ لَهُ أُسَامَةُ: بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی! أَ تَأْذَنُ لِی أَنْ أَمْكُثَ أَیَّاماً حَتَّی یَشْفِیَكَ اللَّهُ تَعَالَی. فَقَالَ: اخْرُجْ وَ سِرْ عَلَی بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَی. فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) ! إِنِّی إِنْ خَرَجْتُ وَ أَنْتَ عَلَی هَذِهِ الْحَالِ خَرَجْتُ وَ فِی قَلْبِی قَرْحَةٌ مِنْكَ. فَقَالَ:

سِرْ عَلَی النَّصْرِ وَ الْعَافِیَةِ. فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) ! إِنِّی أَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْكَ الرُّكْبَانَ. فَقَالَ: أَنْفِذْ لِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ .. ثُمَّ أُغْمِیَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ قَامَ أُسَامَةُ فَجَهَّزَ (5) لِلْخُرُوجِ، فَلَمَّا أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ سَأَلَ عَنْ أُسَامَةَ وَ الْبَعْثِ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُمْ یَتَجَهَّزُونَ، فَجَعَلَ یَقُولُ: أَنْفِذُوا جَیْشَ (6) أُسَامَةَ،

ص: 430


1- شرح النّهج 6- 52.
2- وضع علی كلمة: عبد اللّٰه، رمز نسخة بدل فی (ك) ، و لا توجد فی المصدر.
3- جاء السّند فی شرح النّهج: قال أبو بكر: حدّثنا أحمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن سیّار عن سعید بن كثیر الأنصاریّ عن رجاله عن عبد اللّٰه بن عبد الرّحمن ..
4- فی المصدر: فی مرضه یثقل.
5- فی المصدر: فتجهّز.
6- جاء فی شرح النّهج: بعث، بدلا من: جیش، و هی نسخة بدل فی (ك) .

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ .. وَ یُكَرِّرُ (1) ذَلِكَ، فَخَرَجَ أُسَامَةُ وَ اللِّوَاءُ عَلَی رَأْسِهِ وَ الصَّحَابَةُ بَیْنَ یَدَیْهِ، حَتَّی إِذَا كَانَ بِالْجُرْفِ نَزَلَ وَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ أَكْثَرُ الْمُهَاجِرِینَ، وَ مِنَ الْأَنْصَارِ: أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ (2) وَ بِشْرُ (3) بْنُ سَعْدٍ .. وَ غَیْرُهُمْ مِنَ الْوُجُوهِ، فَجَاءَهُ رَسُولُ أُمِّ أَیْمَنَ یَقُولُ لَهُ: ادْخُلْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) یَمُوتُ، فَقَامَ مِنْ فَوْرِهِ فَدَخَلَ الْمَدِینَةَ وَ اللِّوَاءُ مَعَهُ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّی رَكَزَهُ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ مَاتَ فِی تِلْكَ السَّاعَةِ، قَالَ: فَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ یُخَاطِبَانِ أُسَامَةَ إِلَی أَنْ مَاتَ إِلَّا بِ: الْأَمِیرِ.

وَ رَوَی الطَّبَرِیُّ فِی الْمُسْتَرْشِدِ (4)

عَلَی مَا حَكَاهُ فِی الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ (5)

أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَرِهُوا إِمَارَةَ (6) أُسَامَةَ فَبَلَغَ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ذَلِكَ فَخَطَبَ وَ أَوْصَی (7) ثُمَّ دَخَلَ بَیْتَهُ، وَ جَاءَ الْمُسْلِمُونَ یُوَدِّعُونَهُ فَیَلْحَقُونَ (8) بِأُسَامَةَ، وَ فِیهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، وَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: أَنْفِذُوا جَیْشَ أُسَامَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْجُرْفَ بَعَثَتْ أُمُّ أُسَامَةَ- وَ هِیَ أُمُّ أَیْمَنَ- أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَمُوتُ، فَاضْطَرَبَ الْقَوْمُ وَ امْتَنَعُوا عَلَیْهِ وَ لَمْ یُنْفِذُوا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ بَایَعُوا لِأَبِی بَكْرٍ قَبْلَ دَفْنِهِ.

وَ قَالَ فِی الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ (9)

أَیْضاً- أَسْنَدَ الْجَوْهَرِیُّ فِی كِتَابِ السَّقِیفَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ كَانَا فِیهِ.

ص: 431


1- فی المصدر: كرّر، و نسخة بدل: تكرّر.
2- حصر، بدلا من: حضیر، جاءت فی (س) ، و هی غلط.
3- فی شرح النّهج: بشیر- بالباء-.
4- المسترشد: 1 و 2، مع اختلاف یسیر و تلخیص.
5- الصّراط المستقیم 2- 296- 297.
6- خطّ علی كلمة: إمارة، فی (س) ، و فی المصدر بدلا منها: تأمیر.
7- فی الصّراط: و أوصی به.
8- فی الصّراط: و یلحقون.
9- الصّراط المستقیم 2- 298.

و قال (1): حدّث الواقدی، عن ابن أبی الزیاد (2)، عن هشام بن عروة أنّ أباه قال: كان فیهم أبو بكر.

- قال: و حدّث- أیضا- مثله، عن محمد بن عبد اللّٰه بن عمر.

- و ذكره البلاذری فی تاریخه، و الزهری، و هلال بن عامر، و محمد بن إسحاق، و جابر، عن الباقر علیه السلام. و- محمد بن أسامة، عن أمیّة (3). و نقلت الرواة أنّهما كانا فی حال خلافتهما یسلّمان علی أسامة بالإمرة.

وَ فِی كِتَابِ الْعِقْدِ (4): اخْتَصَمَ أُسَامَةُ وَ ابْنُ عُثْمَانَ فِی حَائِطٍ، فَافْتَخَرَ ابْنُ عُثْمَانَ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَنَا أَمِیرٌ عَلَی أَبِیكَ وَ صَاحِبَیْهِ (5)، أَ فَإِیَّایَ تُفَاخِرُ؟!، وَ لَمَّا بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی أُسَامَةَ یُخْبِرُهُ بِخِلَافَتِهِ (6)، قَالَ: أَنَا وَ مَنْ مَعِی مَا وَلَّیْنَاكَ أَمْرَنَا، وَ لَمْ یَعْزِلْنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْكُمَا، وَ أَنْتَ وَ صَاحِبُكَ بِغَیْرِ إِذْنِی رَجَعْتُمَا، وَ مَا خَفِیَ عَلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَوْضِعٌ، وَ قَدْ وَلَّانِی عَلَیْكُمَا وَ لَمْ یُوَلِّكُمَا، فَهَمَّ الْأَوَّلُ أَنْ یَخْلَعَ نَفْسَهُ فَنَهَاهُ الثَّانِی، فَرَجَعَ أُسَامَةُ وَ وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ وَ صَاحَ: یَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِینَ! عَجَباً لِرَجُلٍ اسْتَعْمَلَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَعَزَلَنِی وَ تَأَمَّرَ عَلَیَّ (7)، انْتَهَی كَلَامُهُ.

وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِیمِ الشَّهْرَسْتَانِیُّ فِی كِتَابِ الْمِلَلِ وَ النِّحَلِ (8)

عِنْدَ ذِكْرِ الِاخْتِلَافَاتِ الْوَاقِعَةِ فِی مَرَضِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ-: الْخِلَافُ الثَّانِی: أَنَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: جَهِّزُوا جَیْشَ أُسَامَةَ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ جَیْشِ

ص: 432


1- فی الصراط المستقیم 2- 297.
2- فی المصدر: ابن أبی الزناد- بالنون-، و هو الظاهر.
3- فی الصراط المستقیم: عن أبیه، بدلا من: عن أمیّة.
4- الصّراط المستقیم 2- 297، و لم نجده فی العقد الفرید المطبوع.
5- فی (س) : و صاحبه. و لا توجد همزة الاستفهام التالیة فی المصدر.
6- فی المصدر: إلی أسامة أنّه خلیفة.
7- فی الصّراط: استعلمنی علیه فتآمر علیّ و عزلنی.
8- الملل و النّحل 1- 29 (و فی طبعة دار المعرفة 1- 23) .

أُسَامَةَ (1). فَقَالَ: قَوْمٌ (2) یَجِبُ عَلَیْنَا امْتِثَالُ أَمْرِهِ، وَ أُسَامَةُ قَدْ بَرَزَ مِنَ الْمَدِینَةِ. وَ قَالَ قَوْمٌ: قَدِ اشْتَدَّ مَرَضُ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَلَا تَسَعُ قُلُوبُنَا لِمُفَارَقَتِهِ وَ الْحَالُ (3) هَذِهِ، فَنَصْبِرُ حَتَّی نُبْصِرَ أَیُّ شَیْ ءٍ یَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ؟، انْتَهَی.

و صرّح صاحب روضة الأحباب (4)، بأنّ أبا بكر و عمر و عثمان كانوا من جیش أسامة.

وَ قَالَ الشَّیْخُ الْمُفِیدُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِی كِتَابِ الْإِرْشَادِ (5): لَمَّا تَحَقَّقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ دُنُوِّ أَجَلِهِ مَا كَانَ قَدَّمَ (6) الذِّكْرَ بِهِ لِأُمَّتِهِ، فَجَعَلَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُومُ مَقَاماً بَعْدَ مَقَامٍ فِی الْمُسْلِمِینَ یُحَذِّرُهُمُ الْفِتْنَةَ بَعْدَهُ وَ الْخِلَافَ عَلَیْهِ، وَ یُؤَكِّدُ وِصَاءَتَهُمْ (7) بِالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ (8) وَ الْإِجْمَاعِ عَلَیْهَا وَ الْوِفَاقِ، وَ یَحُثُّهُمْ عَلَی الِاقْتِدَاءِ بِعِتْرَتِهِ وَ الطَّاعَةِ لَهُمْ وَ النُّصْرَةِ وَ الْحِرَاسَةِ وَ الِاعْتِصَامِ بِهِمْ فِی الدِّینِ، وَ یَزْجُرُهُمْ

ص: 433


1- فی الملل و النّحل: من تخلّف عنه.
2- فی (ك) : یا قوم.
3- فی المصدر: و الحالة ..
4- روضة الأحباب .. أقول: الذی یظهر- كما سیصرّح قریبا- أنّه من كتب العامّة، و لا نعرف للخاصّة بهذا الاسم إلّا ما ألّفه السیّد الأمیر جمال (جلال) الدین عطاء اللّٰه بن فضل اللّٰه بن عبد الرحمن الحسینی النیسابوریّ الدشتكی الملقّب ب: الأمیر جمال الدین المحدّث الشیرازی، و هو (فی سیرة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و الآل و الأصحاب) المتوفی حدود سنة 953 ه، فارسی، فی ثلاث مجلدات، كتب بأمر الأمیر علی شیر الوزیر فی هراة، و فرغ منه سنة 953 ه، و مع هذا فقد راجعته و لم أجد ما نقله المصنّف طاب ثراه منه إلّا مورد واحد سنذكره فیما بعد، و لم یذكره المصنّف فی مصادره، و هناك كتاب مطبوع بهذا الاسم باللغة التركیة فی مكتبة السیّد النجفیّ المرعشیّ أستبعد كونه هو، فلاحظ.
5- الإرشاد: 96- 98.
6- فی (ك) : ندم، و لا معنی له.
7- كذا، و الظّاهر: وصایتهم- بالیاء- و هی اسم كالوصیّة.
8- جاء فی (س) : و سنّته.

عَنِ الِاخْتِلَافِ (1) وَ الِارْتِدَادِ .. وَ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَی (2) قَوْلِهِ: ثُمَّ إِنَّهُ عَقَدَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ (3) الْإِمْرَةَ، وَ أَمَرَهُ وَ نَدَبَهُ أَنْ یَخْرُجَ بِجُمْهُورِ الْأُمَّةِ إِلَی حَیْثُ أُصِیبَ أَبُوهُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَ اجْتَمَعَ رَأْیُهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی إِخْرَاجِ جَمَاعَةٍ مِنْ مُقَدَّمِی الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فِی مُعَسْكَرِهِ- حَتَّی لَا یَبْقَی فِی الْمَدِینَةِ عِنْدَ وَفَاتِهِ مَنْ یَخْتَلِفُ فِی الرِّئَاسَةِ، وَ یَطْمَعُ فِی التَّقَدُّمِ عَلَی النَّاسِ بِالْإِمَارَةِ- لِیَسْتَتِبَّ (4) الْأَمْرُ بَعْدَهُ لِمَنِ اسْتَخْلَفَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَ لَا یُنَازِعَهُ فِی حَقِّهِ مُنَازِعٌ، فَعَقَدَ لَهُ الْإِمْرَةَ عَلَی مَا ذَكَرْنَاهُ، وَ جَدَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی إِخْرَاجِهِمْ، وَ أَمَرَ أُسَامَةَ بِالْبُرُوزِ عَنِ الْمَدِینَةِ بِعَسْكَرِهِ (5) إِلَی الْجُرْفِ، وَ حَثَّ النَّاسَ عَلَی الْخُرُوجِ إِلَیْهِ، وَ الْمَسِیرِ مَعَهُ وَ حذوهم [حَذَّرَهُمْ] (6) مِنَ التَّلَوُّمِ وَ الْإِبْطَاءِ عَنْهُ، فَبَیْنَا (7) هُوَ فِی ذَلِكَ إِذْ عَرَضَتْ لَهُ الشَّكَاةُ الَّتِی تُوُفِّیَ فِیهَا .. وَ سَاقَ الْحَدِیثَ إِلَی قَوْلِهِ: وَ اسْتَمَرَّ الْمَرَضُ بِهِ أَیَّاماً وَ ثَقُلَ، فَجَاءَ بِلَالٌ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ- وَ رَسُولُ اللَّهِ مَغْمُورٌ بِالْمَرَضِ-، فَنَادَی: الصَّلَاةَ یَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَأُوذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِنِدَائِهِ، فَقَالَ: یُصَلِّی بِالنَّاسِ بَعْضُهُمْ فَإِنِّی مَشْغُولٌ بِنَفْسِی، فَقَالَتْ عَائِشَةُ:

مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، وَ قَالَتْ حَفْصَةُ: مُرُوا عُمَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- حِینَ سَمِعَ كَلَامَهُمَا، وَ رَأَی حِرْصَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَی التَّنْوِیهِ (8) بِأَبِیهَا، وَ افْتِتَانِهِمَا بِذَلِكَ، وَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَیٌّ-: اكْفُفْنَ فَإِنَّكُنَّ كَصُوَیْحِبَاتِ یُوسُفَ،

ص: 434


1- فی المصدر: الخلاف.
2- فی (ك) : فی، بدلا من: إلی.
3- جاء فی المصدر: لأسامة بن زید بن الحارثة.
4- قال فی لسان العرب 1- 226: استتبّ الأمر: تهیّأ و استوی، و استتبّ أمر فلان: إذا اطّرد و استقام و تبیّن. و فی المصدر: و یستتبّ.
5- فی الإرشاد: بمعسكره.
6- كذا، و فی المصدر: حذّرهم، و هو الظّاهر.
7- فی الإرشاد: فبینما.
8- جاء فی مجمع البحرین 6- 364: نوّهت باسمه- بالتّشدید-: إذا رفعت ذكره، و نوّهته تنویها: إذا رفعته.

ثُمَّ قَامَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مُبَادِراً خَوْفاً مِنْ تَقَدُّمِ أَحَدِ الرَّجُلَیْنِ، وَ قَدْ كَانَ أَمَرَهُمَا بِالْخُرُوجِ مَعَ أُسَامَةَ وَ لَمْ یَكُ عِنْدَهُ أَنَّهُمَا قَدْ تَخَلَّفَا، فَلَمَّا سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ وَ حَفْصَةَ مَا سَمِعَ عَلِمَ أَنَّهُمَا مُتَأَخِّرَانِ عَنْ أَمْرِهِ، فَبَدَرَ (1) لِكَفِّ الْفِتْنَةِ وَ إِزَالَةِ الشُّبْهَةِ، فَقَامَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ إِنَّهُ لَا یَسْتَقِلُّ عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الضَّعْفِ- فَأَخَذَ بِیَدِهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، فَاعْتَمَدَ عَلَیْهِمَا وَ رِجْلَاهُ یَخُطَّانِ (2) الْأَرْضَ مِنَ الضَّعْفِ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَی الْمَسْجِدِ وَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَ (3) قَدْ سَبَقَ إِلَی الْمِحْرَابِ، فَأَوْمَأَ إِلَیْهِ بِیَدِهِ أَنْ تَأَخَّرْ عَنْهُ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَقَامَهُ، فَقَامَ وَ كَبَّرَ (4) وَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ الَّتِی كَانَ ابْتَدَأَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَ لَمْ یَبْنِ عَلَی مَا مَضَی مِنْ فِعَالِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ انْصَرَفَ إِلَی مَنْزِلِهِ، وَ اسْتَدْعَی أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ جَمَاعَةً مِمَّنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ (5) مِنَ الْمُسْلِمِینَ، ثُمَّ قَالَ: أَ لَمْ آمُرْ (6) أَنْ تُنَفِّذُوا جَیْشَ أُسَامَةَ؟!. فَقَالُوا:

بَلَی یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) !. قَالَ: فَلِمَ تَأَخَّرْتُمْ عَنْ أَمْرِی؟!. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّی (7) خَرَجْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ لِأُجَدِّدَ بِكَ عَهْداً. وَ قَالَ عُمَرُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) إِنِّی لَمْ أَخْرُجْ، لِأَنَّنِی لَمْ أُحِبَّ أَنْ أَسْأَلَ عَنْكَ الرَّكْبَ. فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ:

نَفِّذُوا جَیْشَ أُسَامَةَ .. یُكَرِّرُهَا ثَلَاثاً (8)..

إِلَی آخِرِ مَا مَرَّ (9) فِی أَبْوَابِ وَفَاةِ الرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مع أخبار أخر أوردناها هناك، و قد تقدّم (10) فی هذا المجلد خبر

ص: 435


1- فی الإرشاد: لبدر.
2- فی المصدر: تخطان.
3- لا توجد الواو فی المصدر، و هو الظّاهر.
4- لا توجد فی المصدر: فقام، و فیه: فكبّر.
5- فی الإرشاد: بالمسجد.
6- فی المصدر: آمركم.
7- فی الإرشاد: إنّی كنت ..
8- إلی هنا فی الإرشاد: 96.
9- بحار الأنوار 22- 468، و جاء فیه: 21- 410- 411، و تقدّم الإشارة إلیها فیه: 390.
10- بحار الأنوار: 22- 465- 470 باب 1.

الصحیفة المشتمل علی تلك القصّة مفصّلا.

هذا ما یتعلّق بكونهم فی جیش أسامة و أمره (صلی اللّٰه علیه و آله) بالخروج و لعنه المتخلّف.

و أمّا عدم خروجهم و تخلّفهم فلا ینازع أحد فیه.

و أمّا أنّ فی (1) ذلك قادح (2) فی خلافتهم، فلأنّهم كانوا مأمورین لأسامة ما دام لم یتمّ غرض الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله فی إنفاذ الجیش، فلم یكن لأبی بكر الحكم علی أسامة، و الخلافة رئاسة عامّة تتضمّن الحكم علی الأمّة كافة بالاتّفاق، فبطل خلافة أبی بكر، و إذا بطل خلافته ثبت بطلان خلافة عمر لكونها بنصّ أبی بكر، و خلافة عثمان لابتنائها علی الشوری بأمر عمر.

و أیضا لو لم تبطل خلافة الأخیرین لزم خرق الإجماع المركّب، و لأنّ ردّ كلام الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله فی وجهه- كما سبق- من أبی بكر و عمر و عدم الانقیاد لأمره بعد تكریره (3) الأمر إیذاء له صلّی اللّٰه علیه و آله، و قد قال اللّٰه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ (4)، و قال: وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (5)، و ذلك مع قطع النظر عن اللعن الصریح فی ذلك الأمر- كما اعترف به الشهرستانی (6)

و المستحقّ للّعن من اللّٰه و من رسوله لا یصلح للإمامة، و لو جوّزوا لعن خلفائهم صالحناهم علی ذلك و اتّسع الأمر علینا.

و أجاب قاضی القضاة فی المغنی: بأنّا لا نسلّم أنّ أبا بكر كان فی جیش

ص: 436


1- خطّ فی (ك) علی كلمة: فی، و هو أولی.
2- الظاهر ذلك اسمها و قادح خبرها.
3- الكلمة مشوشة فی (ك) .
4- الأحزاب: 57.
5- التوبة: 61.
6- الملل و النحل 1- 29.

أسامة (1)، و لم یسند منعه إلی روایة و خبر، و ذكر له بعض المتعصّبین (2) خبرا ضعیفا یدلّ بزعمه علی أنّه لم یكن فیه.

و قال ابن أبی الحدید (3): كثیر من المحدّثین یقولون كان أبو بكر من الجیش، و الأمر عندی فی هذا الموضع مشتبه، و التواریخ مختلفة (4).

و الجواب أنّ وروده فی روایاتهم- سیّما إذا كان جلّهم قائلین به مع اتّفاق روایاتنا علیه- یكفینا فی الاحتجاج و لا یضرّنا خلاف بعضهم.

و أمّا استناد صاحب المغنی (5) فی عدم كونه من الجیش بما حكاه عن أبی علی من أنّه لو كان أبو بكر من الجیش لما ولّاه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله أمر الصلاة فی مرضه مع تكریره أمر الجیش بالخروج و النفوذ (6)، فقد عرفت ما فی حكایة الصلاة من وجوه الفساد، مع أنّه لم یظهر من روایاتهم ترتیب بین الأمر بالتجهیز و الأمر بالصلاة، فلعلّ الأمر بالصلاة كان قبل الأمر بالخروج، أو كان فی أثناء تلك الحال، فلم یدلّ علی عدم كون أبی بكر من الجیش.

و یؤیّده ما رواه ابن أبی الحدید (7) من أنّه لم یجاوز آخر القوم الخندق حتّی قبض رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.

و لو بنی الكلام علی ما رویناه، فبعد تسلیم الدلالة علی التأخّر ینهدم به بنیان ما أسّسه، إذ یظهر منها أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لمّا سمع صوت أبی بكر، و علم أنّه تأخّر عن أمره و لم یخرج، خرج متحاملا و أخّره عن المحراب و ابتدأ بالصلاة.

ص: 437


1- المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 344.
2- كما حكاه ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 17- 182- 183.
3- قاله فی شرحه 17- 183.
4- ذكره فی شرح النهج 17- 182.
5- المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 346.
6- و قد حكاه عنه فی الشافی 4- 154، و شرح النهج لابن أبی الحدید 17- 176.
7- فی شرحه علی النهج 17- 183 بتصرّف.

ثم أجاب صاحب المغنی (1)

بعد تسلیم أنّه كان من الجیش- بأنّ الأمر لا یقتضی الفور، فلا یلزم من تأخّره أن یكون عاصیا (2).

و ردّ علیه السیّد رضی اللّٰه عنه فی الشافی (3): بأنّ المقصود بهذا الأمر الفور دون التراخی، أمّا من حیث مقتضی الأمر علی مذهب من یری (4) ذلك لغة، و أمّا شرعا (5)، من حیث وجدنا جمیع الأمّة من لدن الصحابة إلی هذا الوقت یحملون أوامره صلّی اللّٰه علیه و آله (6) علی الفور، و یطلبون فی تراخیها الأدلّة.

قال (7): علی أنّ فی قول أسامة: لم أكن لأسأل عنك الركب (8) .. أوضح

ص: 438


1- المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 344، و نصّ عبارته: فیقال عند ذلك: إنّ نفس الأمر یقتضی تأخّره، فكیف یكون عاصیا بأن یتأخّر ..
2- و قد نقله فی الشافی 4- 144، و شرح النهج لابن أبی الحدید 17- 185.
3- الشافی 246- الحجریّة-، و فی الطبعة الجدیدة 4- 147- 148، باختلاف یسیر.
4- فی المصدر: من رأی.
5- فی الشافی: أو شرعا، و هو الظاهر، و فی شرح النهج: و شرعا.
6- فی المصدر زیادة: و نواهیه.
7- جاءت العبارة فی الشافی هكذا: ثم لم یثبت كلّ ذلك لكان قول أسامة .. و هی غیر وافیة بالمطلوب إلّا بإضافة كلمة: لو، بعد: ثم، مثلا.
8- جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: غرض السیّد رحمه اللّٰه أنّه صلّی اللّٰه علیه و آله لو لم یأمره علی الفور و كان أمره فیه سعة و تراخ، و جاز له أن یتأخّر كما تأخّر أبو بكر أمكن أن یستغنی عن سؤال الركب إمّا بصحّته صلّی اللّٰه علیه و آله أو برحلته و علم أسامة بذلك، و علی التقدیرین لا معنی لسؤال الركب و التعلّل به. و تعرّض رحمه اللّٰه لشقّ (كذا، و الظاهر: للشق) الثانی و أحال الأول علی الظهور، فلا یرد علیه ما أورده ابن أبی الحدید بأنّ هذا قول من توهّم علی قاضی القضاة أنّه یقول: إنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله إنّما أمرهم بالنفوذ بعد الوفاة و لم یقل القاضی بذلك، و إنّما ادّعی أنّ الأمر بالسیر المتراخی لا غیر، و أنّ كلام أسامة لا یدلّ علی أنّه فعل (الكلمة مشوّشة، و لعلّه: فعله بالفور) الفور، بل یمكن أن یكون الأمر فیه مهلته یفوّض إلی رأیه التأجیل و التعجیل، فلمّا قال له النبیّ: لم تأخّرت عن المسیر؟. قال له ذلك الكلام. [منه (طاب ثراه) ].

دلیل علی أنّه عقل من الأمر الفور، لأنّ سؤال الركب بعد الوفاة لا معنی له (1).

و أمّا قول صاحب الكتاب أنّه لم ینكر علی أسامة تأخّره فلیس بشی ء، و أیّ إنكار أبلغ من تكراره الأمر، و یزداده القول فی حال یشغل عن المهمّ و یقطع عن الفكر إلّا فیها، و قد (2) ینكر الآمر علی المأمور تارة بتكرّر (3) الأمر، و أخری بغیره.

و أیّده (4) بما حكاه صاحب المغنی عن أبی علی من الاستدلال علی عدم كون أبی بكر من الجیش بأمر الصلاة و ابتناؤه علی كون الأمر للفور واضح. و قد ارتضی صاحب المغنی استدلاله. فهذا المنع مناقض له.

أقول: (5): و من القرائن الواضحة علی أنّهم فهموا من هذا الأمر الفور خروجهم عن المدینة- مع شدّة مرضه صلّی اللّٰه علیه و آله- إذ العادة قاضیة بأنّه لو كان لهم سبیل إلی تأخیر الخروج حتّی یستعلموا مصیر الأمر فی مرضه صلّی اللّٰه علیه و آله لتوسّلوا إلیه بوسعهم، لاشتغال قلوبهم و حرصهم علی العلم ببرئه، و استعلام حال الخلافة، و لخوفهم من وقوع الفتن فی المدینة، و فیكون ما استخلفوه من الأموال و الأولاد معرضا للهلكة و الضیاع، و قد كانوا وتروا (6) العرب و أورثوهم الضغائن، و لعمری إنّهم ما خرجوا إلّا و قد ضاق الخناق علیهم، و بلغ أمره و حثّه صلّی اللّٰه علیه و آله لهم كلّ مبلغ، و نال التقریع و التوبیخ منهم كلّ منال، و ما سبق من روایة الجوهری واضح الدلالة علی أنّ المراد هو الفور و التعجیل، و قد اعترف ابن أبی الحدید (7) بأنّ الظاهر فی هذا الموضع صحّة ما ذكره السیّد، لأنّ قرائن

ص: 439


1- فی المصدر: لأنّ سؤال الركب عنه (صلی اللّٰه علیه و آله) لا معنی له بعد الوفاة.
2- فی (س) : و لم، بدلا من: و قد.
3- فی الشافی: بتكرار.
4- الشافی 4- 149، و هو حاصل كلامه هناك.
5- فی (س) : قوله، بدلا من: أقول.
6- الكلمة مشوّشة فی (ك) ، و لعلّها: أوتروا.
7- فی شرحه علی النهج 17- 185 بتصرّف، ثمّ قال: و هذا هو الفور.

الأحوال عند من یقرأ السّیر و التواریخ (1) یدلّ علی أنّ الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله كان یحثّهم علی الخروج و المسیر، انتهی.

علی أنّ التراخی إنّما ینفع له إذا كان أبو بكر قد خرج فی الجیش و لو بعد حین، و لم یقل أحد بخروجه مطلقا.

ثم أجاب صاحب المغنی (2)

بعد تسلیمه كون أبی بكر من الجیش- بأنّ خطابه (صلی اللّٰه علیه و آله) بتنفیذ الجیش یجب أن یكون متوجّها إلی القائم بالأمر بعده، لأنّه من خطاب الأئمّة، و هذا یقتضی أن لا یكون المخاطب بالتنفیذ فی الجملة.

ثم قال: و هذا یدلّ علی أنّه لم یكن هناك إمام منصوص علیه، لأنّه لو كان لأقبل بالخطاب علیه، و خصّه بالأمر بالتنفیذ دون الجمیع.

و یرد علیه: أنّ المخاطب فی هذا المقام إمّا الخلیفة المنصوص علیه أو من یختاره الأمّة، و إمّا الجیش المأمور بالخروج، و إمّا جمیع الحاضرین- الجیش و غیرهم-، و إمّا الجماعة الخارجة من الجیش بأمره صلّی اللّٰه علیه و آله، و علی أیّ حال فالمأمور به إمّا إنفاذ الجیش حال حیاته صلّی اللّٰه علیه و آله أو بعد وفاته، أو مطلقا.

أمّا كون المخاطب الخلیفة- بقسمیه- مع كون المأمور به تنفیذ الجیش حال الحیاة فباطل، لورود الخطاب بلفظ الجمع، و لأنّه لا حكم للخلیفة فی حیاته صلّی اللّٰه علیه و آله من حیث الخلافة، و لأنّه لو كان المخاطب هو بعینه لأنكر الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله تأخّر القوم عن الخروج علیه لا علی القوم، و المرویّ خلافه.

و یخصّ القسم الثانی بأنّه لا معنی لخطاب من یختاره الأمّة بعد الوفاة بالأمر بتنفیذ الجیش حال الحیاة، و هو واضح، و كذا علی الإطلاق، و لو خوطب بالتنفیذ بعد الوفاة فبأمر من خرج الأصحاب حال حیاته صلّی اللّٰه علیه و آله؟ و لما ذا ینكر صلّی اللّٰه علیه و آله تخلّف من تخلّف و یحثّهم علی الخروج؟! و كذا لو كان المخاطب

ص: 440


1- فی المصدر: و یعرف التواریخ.
2- المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 345، و هذا حاصل كلامه، و قد حكاه عنه فی الشافی 4- 145.

الإمام المنصوص.

و لو كان المخاطب هو الجیش المأمور بالخروج فعلی الأقسام الثلاثة یكون الداخل فیهم عاصیا بالتخلّف حال الحیاة أو بعدها أو مطلقا، و قد ثبت باعتراف الثقات عندهم دخول أبی بكر فی الجیش، فثبت عصیانه بالتخلّف علی أحد الوجوه، علی أنّ هذا الكلام من صاحب المغنی- بعد تسلیم كون أبی بكر من الجیش- و لعلّه رجع عن ذلك التسلیم معتمدا علی دلیله هذا، و هو كما تری، و حینئذ یكون المراد بالتنفیذ- فی كلامه صلّی اللّٰه علیه و آله أو التجهیز علی اختلاف الروایات- إتمام أمر الجیش فی بلوغه إلی حیث أمر به، فكلّ واحد منهم مكلّف بالخروج الذی هو شرط لتحقّق المأمور به و حصول الامتثال، و باجتماعهم فی ذلك یحصل الغرض.

و لا یذهب علیك أنّ القسم الثانی من هذه الثلاثة و إن كان مثبتا للمطلوب إلّا أنّه باطل، إذ لو كان المأمور به خروجهم بعد وفاته صلّی اللّٰه علیه و آله لما تركوه فی شدّة المرض مع تعلّق القلوب باستعلام العاقبة فی أمره صلّی اللّٰه علیه و آله و أمر الخلافة و ما خلّفوه كما سبق، و لما أنكر صلّی اللّٰه علیه و آله خروج من تخلّف منهم.

و لو كان المخاطب جمیع من حضر فمعنی التنفیذ و التجهیز أن یبذل كلّ منهم جهده فی حصول المأمور به، فالمطلوب من الجیش الخروج، و من غیرهم تهیئة أسبابهم و حثّهم علیه، و فعل كلّ ما هو شرط فیه ممّا یدخل تحت طاقته و یعصی كلّ بترك ما أمر به، فمن كان داخلا فی الجیش كالثلاثة بالتخلّف و من خرج بترك ما سبق.

و لو كان المخاطب الجماعة التی لم تؤمر بالخروج فیهم، كما هو الأظهر من لفظ التنفیذ مع صیغة الجمع، فمع جریان بعض المفاسد السابقة فیه و بطلانه بأقسامه لا یغنی صاحب المغنی، إذ هو مخالف لما تعرّض لإثباته من كون الخطاب متوجّها إلی الأئمّة، و لا یلزم منه خروج أبی بكر عن المأمورین أیضا، و هو ممّا لم یقل به أحد.

ص: 441

و لو سلّمنا توجّه هذا الخطاب إلی غیر الجیش إما (1) كان أو غیره، نقول لا ریب فی أنّه متضمّن لأمر الجیش بالخروج، فعصیان من تخلّف من الداخلین فیه لازم علی هذا الوجه، فعلی أیّ تقدیر ثبت عصیان أبی بكر و اندفع كلام المجیب.

و قوله: لأنّه من خطاب الأئمّة .. إن أراد به أنّ الأمر بالتنفیذ لا یصلح لغیر الأئمّة فقد عرفت ضعفه، و إن أراد أنّ الخطاب بصیغة الجمع لا یتوجّه إلی غیرهم، فالظاهر أنّ الأمر بالعكس، علی أنّا لو ساعدناه علی ذلك نقول: إذا ثبت كون من تزعمه إماما من الجیش فبعد توجّه الخطاب إلیه كان مأمورا بالخروج، عاصیا بتركه، و یكون معنی التنفیذ و التجهیز ما تقدّم، فإذا قلت بأنّ الخطاب علی هذا الوجه لا یتوجّه إلّا إلی الأئمّة و یستدعی بخروج من توجّه إلیه الخطاب، فبعد ثبوت أنّ أبا بكر كان من الجیش أو تسلیمه كان ذلك دلیلا علی أنّه لا یصلح لأن یختاره الأمّة للإمامة، و أمّا توصّله بذلك إلی عدم النصّ فیتوجّه علیه أنّ كون الخطاب بصیغة الجمع محمولا علی ظاهره مع توجّهه إلی الإمام یستلزم كون الإمام جماعة، و لم یقلّ به أحد، و لو فتحت به باب التأویل و أوّلته إلی من یصیر خلیفة باختیاركم أوّلناه إلی من جعلته خلیفة نبیّكم، مع أنّ توجّه الخطاب إلی الخلیفة قد عرفت بطلانه بأقسامه.

أقول: قد تكلّم السیّد رحمه اللّٰه فی الشافی (2) و غیره من الأفاضل (3) فی هذا الطعن سؤالا و جوابا و نقضا و إبراما بما لا مزید علیه، و اكتفینا بما أوردنا لئلّا نخرج عن الغرض المقصود من الكتاب، و كفی ما ذكرنا لأولی الألباب.

ص: 442


1- كذا، و جاءت نسخة بدل فی (ك) : إماما، و هو الظاهر.
2- الشافی 4- 144- 152.
3- كما ذكره فی تلخیص الشافی 3- 177- 180، و فی الصراط المستقیم 2- 296- 299، و غیرهما.

الطعن الثالث: ما جری منه فی أمر فدك

و قد تقدّم القول فیه مفصّلا فلا نعیده (1).

الطعن الرابع:

أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- مَعَ كَوْنِهِ وَلِیّاً وَ نَاصِراً لِأَبِی بَكْرٍ-: كَانَتْ بَیْعَةُ أَبِی بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَی اللَّهُ الْمُسْلِمِینَ شَرَّهَا (2)، فَمَنْ عَادَ إِلَی مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ (3)، و لا یتصوّر فی

ص: 443


1- أقول: لقد سلف منّا فی أوّل الكتاب ذكر جملة من المصادر تبعا لشیخنا العلّامة- طاب ثراه و للباحث عن هذا الموضوع أن یراجع المطوّلات من كتب الحدیث و التاریخ و التراجم لیری من ذلك الغرائب، فانظر مثلا: مروج الذهب 3- 252، معجم البلدان 4- 238، شرح النهج لابن أبی الحدید 4- 77- 100، المختصر فی أخبار البشر 1- 178، و ذكر ذلك المرحوم السیّد الفیروزآبادی فی كتابه السبعة من السلف: 35- 36. و حسبنا فی المقام ما قاله الهیثمی فی مجمع الزوائد 9- 39 عن عمر، قال: لمّا قبض رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) جئت أنا و أبو بكر إلی علیّ علیه السلام، فقلنا: ما تقول فیما ترك رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله؟. قال: نحن أحقّ الناس برسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، قال: فقلت: و الذی بخیبر؟. قال: و الذی بخیبر. قلت: و الذی بفدك؟. قال: و الذی بفدك. فقلت: أما و اللّٰه حتّی تحزّوا رقابنا بالمناشیر فلا!!. و قد رواه الطبرانی فی الأوسط، و قد فصّلها بمصادرها شیخنا الأمینی- رحمه اللّٰه- فی غدیره 7- 190- 197، فراجع.
2- ما الّذی أباح لعمر أو لغیره من الصّحابة قولهم فی خلافة أبی بكر: إنّها كانت فلتة وقی اللّٰه المسلمین شرّها، كما جاء فی صحیح البخاریّ، باب رجم الحبلی من الزّنا إذا أحصنت 10- 44 [8- 2080]، منسد أحمد 1- 55، تاریخ ابن كثیر 5- 246، تاریخ الطّبریّ 3- 200- 205، سیرة ابن هشام 4- 338، السّیرة الحلبیة 3- 388- 392، كامل ابن الأثیر 2- 135 و 327، أنساب البلاذریّ 5- 15، تیسیر الوصول 2- 42- 44، نهایة ابن الأثیر 3- 238، الرّیاض النّضرة 1- 161، الصّواعق المحرقة: 5 و 8، و قال: سند صحیح، تمام المتون للصفدی: 137، تاج العروس 1- 568. و جاء فی بعض المصادر: فلتة كفلتات الجاهلیّة فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه، كما فی التّاریخ للطّبریّ 3- 210، و التمهید للباقلانی 196، و شرح ابن أبی الحدید 2- 19، و غیرها، و قد أشار إلی كلتا العبارتین فی الغدیر 5- 370 و 7- 79.
3- كما جاء فی الصّواعق المحرقة: 21، و التمهید: 196، و شرح ابن أبی الحدید 1- 123- 124، و غیرها.

التخطئة و الذمّ أوكد من ذلك.

و أجاب عنه قاضی القضاة فی المغنی (1): لا یجوز لقول محتمل ترك ما علم ضرورة، و معلوم (2) من حال عمر إعظام أبی بكر و القول بإمامته و الرضا ببیعته، و ذلك یمنع ممّا ذكروه، لأنّ المصوّب للشی ء لا یجوز أن یكون مخطّئا له.

قال: و قال أبو علی: إنّ (3) الفلتة لیست هی الزلّة و الخطیئة، بل هی البغتة و ما وقع فجأة من غیر (4) رویّة و لا مشاورة، و استشهد بقول الشاعر:

من یأمن الحدثان مثل ضبیرة القرشیّ ماتا*** سبقت منیّته المشیب و كان میتته افتلاتا(5) یعنی بغتة من غیر مقدّمة، و حكی عن الریاضی (6) إنّ العرب تسمّی آخر

ص: 444


1- المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 339- 340، بتصرّف أشرنا إلیه، و قد حكاه فی الشافی 4- 124 125، و المتن أقرب منه فی العبارات، و قد جاء نقله عنه فی شرح ابن أبی الحدید 2- 26 و 27.
2- فی المصدر: لا یجوز القول بمثل ترك ما نعلم باضطرار و معلوم .. و هو مقلوب ما ذكره السیّد فی الشافی: 1- 124- 125.
3- لا توجد كلمة: إنّ، فی المصدر، و فیه قد قدّمت كلمة: لیست علی: الفلتة ..
4- جاءت العبارة فی المغنی هكذا: بل یجب أن تكون محمولة علی ما نقل عن أهل اللغة من أنّ المراد بها بغتة و فجأة من غیر ..
5- نسخة جاءت فی مطبوع البحار: بعد، بدلا من: مثل. و الشعر فی المصدر: هربا من الحدثان بعد جبیرة القرشیّ*** ما ناسف میتته المسبّب و كان میتته افتلاتا و قال فی هامشه: فی البیت تحریف أضاع منه الوزن و المعنی معا، و الشعر فی الشافی جاء هكذا: هربا من الحدثان بعد صبیرة القرشیّ*** ما نأسف میتته المسبّب و كان میتته افتلاتا و فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: من یأمن الحدثان بعد صبیرة القرشیّ ماتا*** سبقت منیّته المشیب و كان میتته افتلاتا
6- فی المغنی: أو علی ما ذكره عسكر عن الریاشی.

یوم من شوال: فلتة، من حیث إنّ كلّ (1) من لم یدرك ثاره و طلبته (2) فیه فاته (3) لأنّهم كانوا إذا دخلوا فی الأشهر الحرم لا یطلبون الثار، و ذو القعدة من الأشهر الحرم، فسمّوا ذلك الیوم فلتة (4)، لأنّهم إذا أدركوا (5) فیه ثارهم فقد أدركوا ما كاد یفوتهم، فأراد عمر علی هذا أنّ بیعة أبی بكر تداركها (6) بعد ما كادت تفوت.

و قوله: وقی اللّٰه شرّها .. دلیل علی تصویب البیعة (7)، لأنّ المراد بذلك أنّ اللّٰه تعالی (8) دفع شرّ الاختلاف فیها.

قال: (9) فأمّا قوله: فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه، فالمراد من عاد إلی أن یبایع من غیر (10) مشاورة و لا عدد یثبت صحّة البیعة به و لا ضرورة داعیة إلی البیعة (11) ثم بسط یده علی المسلمین لیدخلهم فی البیعة قهرا (12) فاقتلوه، و إذا احتمل ذلك وجب حمله علی المعنی الذی ذكرنا و لم نتكلّف (13) ذلك، لأنّ قول عمر یطعن فی بیعة أبی بكر

ص: 445


1- لا توجد: إن كل .. فی المغنی و الشافی.
2- فی المصدر و الشافی: و طلبه، و لا توجد فی شرح النهج لابن أبی الحدید.
3- لا توجد: فاته، فی (س) و فی المصدر جاء بدلها: فلتة.
4- فی المغنی و الشافی: إنّما سمّوه فلتة.
5- لا توجد: ثارهم فقد أدركوا، فی المغنی و الشافی، و هی مثبتة فی شرح النهج.
6- فی المصدر: علی هذا الوجه أن بیعة أبی بكر تداركوها ..
7- فی المغنی و الشافی: علی التصویب- بالألف و اللام مع حذف المضاف إلیه-، و فی شرح النهج كالمتن.
8- فی المصدر و الشافی: إنّه تعالی.
9- و قد قاله القاضی فی المغنی أیضا، و قد حكاه عنه فی الشافی 4- 125- 126، و جاء فی شرح النهج 2- 27.
10- فی المغنی و الشافی: من عاد إلی مثلها من غیر ..
11- فی المصدر: و لا عذر و لا ضرورة، و فی الشافی: و لا عدّة و لا ضرورة، و لا توجد فیهما بقیة العبارة إلی هنا، و ما فی الشرح لابن أبی الحدید كالمتن.
12- لا توجد: قهرا، فی المصدر.
13- فی المغنی: الذی ذكرناها و لم یتكلّف.

و لا أن (1) قوله حجّة عند المخالف، و لكن تعلّقوا به لیوهموا أنّ بیعته غیر متّفق علیه (2)، و أنّ أوّل من ذمّها من عقدها. انتهی ما ذكره أبو علی.

و بمثل هذا الجواب أجاب الفخر الرازی فی نهایة العقول، (3)، و شارح المقاصد (4)، و شارح المواقف (5) و من یحذو حذوهم.

و أورد السیّد الأجلّ (6) رضی اللّٰه عنه علی صاحب المغنی: بأنّ ما تعلّقت به من العلم الضروری برضا عمر ببیعة أبی بكر و إمامته .. فالمعلوم ضرورة بلا شبهة أنّه كان راضیا بإمامته، و لیس كلّ من رضی شیئا كان متدیّنا به معتقدا لصوابه، فإنّ كثیرا من الناس یرضون بأشیاء من حیث كانت دافعة لما هو أضرّ منها و إن كانوا لا یرونها صوابا، و لو ملكوا الاختیار لاختاروا غیرها، و قد علمنا أنّ معاویة كان راضیا ببیعة یزید لعنه اللّٰه و ولایته العهد من بعده، و لم یكن متدیّنا بذلك و معتقدا صحّته، و إنّما رضی عمر ببیعة أبی بكر من حیث كانت حاجزة عن بیعة أمیر المؤمنین علیه السلام، و لو ملك الاختیار لكان مصیر الأمر إلیه آثر فی نفسه و أقرّ لعینه. فإن ادّعی أنّ المعلوم ضرورة تدیّن عمر ببیعة أبی بكر و أنّه أولی بالإمامة منه فهو مدفوع عن ذلك أشدّ دفع، مع أنّه قد كان یندر (7) منه- أعنی عمر- فی وقت بعد آخر ما یدلّ علی ما ذكرناه.

وَ قَدْ رَوَی الْهَیْثَمُ بْنُ عَدِیٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (8) الْهَمْدَانِیِّ، عَنْ سَعِیدٍ

ص: 446


1- لا توجد: أنّ، فی المصدر، و فیه تقدیم: عند المخالف، علی قوله: حجّة.
2- فی المغنی و الشافی: علیها. و هو الصحیح.
3- نهایة العقول: مخطوط.
4- شرح المقاصد 5- 280- 281.
5- شرح المواقف: 8- 358.
6- الشافی 4- 126- 135، و فی الحجریّة: 241- 244، بتصرّف یسیر أشرنا لأكثره، و حكاه عنه ابن أبی الحدید فی شرحه 2- 29- 35.
7- فی الشافی: یبدر.
8- فی المصدر: عیّاش.

بْنِ جُبَیْرٍ، قَالَ: ذُكِرَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَانَا وَ اللَّهِ شَمْسَیْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ نُورَیْهَا. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: وَ مَا یُدْرِیكَ؟. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ:

أَ وَ لَیْسَ قَدِ ائْتَلَفَا؟. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: بَلِ اخْتَلَفَا لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وَ أَشْهَدُ أَنِّی كُنْتُ (1) عِنْدَ أَبِی یَوْماً وَ قَدْ أَمَرَنِی أَنْ أَحْبِسَ (2) النَّاسَ عَنْهُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَیْهِ (3) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: دُوَیْبَةُ سَوْءٍ وَ لَهُوَ خَیْرٌ مِنْ أَبِیهِ، فَأَوْجَسَنِی ذَلِكَ (4)، فَقُلْتُ: یَا أَبَتِ! عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَیْرٌ مِنْ أَبِیهِ؟!. فَقَالَ (5): وَ مَنْ لَیْسَ خَیْراً مِنْ أَبِیهِ لَا أُمَّ لَكَ، ائْذَنْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَدَخَلَ عَلَیْهِ فَكَلَّمَهُ فِی الْحُطَیْئَةِ الشَّاعِرِ أَنْ یَرْضَی عَنْهُ- وَ كَانَ عُمَرُ قَدْ حَبَسَهُ فِی شِعْرٍ قَالَهُ-، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الْحُطَیْئَةَ لَبَذِیٌّ فَدَعْنِی أُقَوِّمْهُ بِطُولِ الْحَبْسِ، فَأَلَحَّ عَلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ أَبَی عُمَرُ، وَ خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَقْبَلَ عَلَیَّ أَبِی، فَقَالَ: أَ فِی غَفْلَةٍ أَنْتَ إِلَی یَوْمِكَ هَذَا عَمَّا (6) كَانَ مِنْ تَقَدُّمِ أُحَیْمِقِ بَنِی تَیْمٍ عَلَیَّ وَ ظُلْمِهِ لِی؟!. فَقُلْتُ: یَا أَبَتِ! لَا عِلْمَ لِی بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: یَا بُنَیَّ! وَ مَا عَسَیْتَ أَنْ تَعْلَمَ؟. فَقُلْتُ: وَ اللَّهِ لَهُوَ أَحَبُّ إِلَی النَّاسِ مِنْ ضِیَاءِ أَبْصَارِهِمْ. قَالَ:

إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ عَلَی زَعْمِ (7) أَبِیكَ وَ سَخَطِهِ. فَقُلْتُ: یَا أَبَتِ! أَ فَلَا تَحْكِی عَنْ فِعْلِهِ بِمَوْقِفٍ فِی النَّاسِ تُبَیِّنُ ذَلِكَ لَهُمْ. قَالَ: وَ كَیْفَ لِی بِذَلِكَ مَعَ مَا ذَكَرْتَ أَنَّهُ أَحَبُّ إِلَی النَّاسِ مِنْ ضِیَاءِ أَبْصَارِهِمْ؟ إِذَنْ یُرْضَخَ رَأْسُ أَبِیكَ بِالْجَنْدَلِ (8).

ص: 447


1- لا توجد: كنت، فی المصدر، و مثبتة فی شرح النّهج، و لا یتمّ المعنی إلّا بها.
2- فی (س) : أجلس، و المقصود واحد. إذ أجلس النّاس عنه .. أی أجعل النّاس جلیسا عن الوصول إلیه .. أی أمنعهم عنه.
3- لا توجد فی الشّافی: علیه.
4- فی المصدر: فأوحشنی ذلك منه.
5- لا توجد: فقال، فی (ك) .
6- فی المصدر: علی ما، بدلا من: عمّا.
7- فی الشّافی: رغم- بالرّاء المهملة-، و هو الظّاهر.
8- الرّضح: بمعنی الكسر و الدّقّ، كما فی مجمع البحرین 2- 432، و الجندل: الحجارة، كما نصّ علیه فی الصّحاح 4- 1652.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ثُمَّ تَجَاسَرَ وَ اللَّهِ فَجَسَرَ فَمَا دَارَتِ الْجُمُعَةُ حَتَّی قَامَ خَطِیباً فِی النَّاسِ، فَقَالَ: یَا أَیُّهَا النَّاسُ! إِنَّ بَیْعَةَ أَبِی بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً وَقَی اللَّهُ شَرَّهَا فَمَنْ دَعَاكُمْ إِلَی مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ.

و روی الهیثم بن عدی- أیضا-، عن مجالد بن سعید، قال: غدوت یوما إلی الشعبی- و إنّما أرید أن أسأله عن شی ء بلغنی عن ابن مسعود أنّه كان یقول-، فأتیته فی مسجد حیّة- و فی المسجد قوم ینتظرونه- فخرج، فتقرّبت إلیه (1)، و قلت: أصلحك اللّٰه! كان ابن مسعود یقول: ما كنت محدّثا قوما حدیثا لا یبلغه عقولهم إلّا كان لبعضهم فتنة؟. قال: نعم، قد كان ابن مسعود یقول ذلك.

و كان (2) ابن عباس یقوله أیضا، و كان عند ابن عباس دفائن علم یعطیها أهلها، و یصرفها عن غیرهم؟ فبینا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد فجلس إلینا فأخذنا فی ذكر أبی بكر و عمر، فضحك الشعبی و قال: لقد كان فی صدر عمر ضبّ علی أبی بكر. فقال الأزدی: و اللّٰه ما رأینا و لا سمعنا برجل قطّ كان أسلس قیادا لرجل و لا أقول (3) بالجمیل فیه من عمر فی أبی بكر، فأقبل علیّ الشعبی (4) فقال: هذا ممّا سألت عنه، ثم أقبل علی الرجل فقال: یا أخا الأزد! كیف تصنع بالفلتة التی وقی اللّٰه شرّها؟! أ تری عدوّا یقول فی عدوّ یرید (5) أن یهدم ما بنی لنفسه فی الناس أكثر من قول عمر فی أبی بكر. فقال الرجل: سبحان اللّٰه! یا أبا عمرو! و أنت تقول ذلك؟!. فقال الشعبی: أنا أقوله، قاله عمر بن الخطاب علی رءوس الأشهاد، فلمه أو دع! فنهض الرجل مغضبا و هو یهمهم (6) بشی ء لم أفهمه (7)، فقال مجالد:

ص: 448


1- فی الشافی و شرح النهج: فتعرفت.
2- فی (س) : و قال، بدلا من: و كان.
3- فی الشافی: و لا أقوله، و فی شرح النهج: و لا أقول فیه بالجمیل.
4- فی الشافی: علی عامر الشعبی.
5- فی المصدر: و یرید- بزیادة الواو-.
6- الهمهمة: تردید الصوت، كما فی مجمع البحرین 6- 189، و غیره.
7- فی المصدر زیادة: فی الكلام، بعد: لم أفهمه.

فقلت للشعبی: ما أحسب هذا الرجل إلّا سینقل عنك هذا الكلام إلی الناس و یبثّه فیهم .. قال: إذا و اللّٰه لا أحفل به، و شی ء (1) لم یحفل به عمر بن الخطاب حین قام علی رءوس المهاجرین و الأنصار أحفل به أنا؟! و أنتم (2) أیضا فأذیعوه عنّی ما بدا لكم (3).

وَ رَوَی (4) شَرِیكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِیُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا وَ عَظُمَ النَّاسُ، خَرَجْتُ مِنْ رَحْلِی أُرِیدُ (5) عُمَرَ فَلَقِیَنِی مُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَرَافَقَنِی، ثُمَّ قَالَ: أَیْنَ تُرِیدُ؟. فَقُلْتُ: أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عُمَرَ (6)، فَهَلْ لَكَ؟. قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا نُرِیدُ رَحْلَ عُمَرَ، فَإِنَّا لَفِی طَرِیقِنَا إِذْ ذَكَرْنَا تَوَلِّیَ عُمَرَ، وَ (7) قِیَامَهُ بِمَا هُوَ فِیهِ، وَ حِیَاطَتَهُ عَلَی الْإِسْلَامِ، وَ نُهُوضَهُ بِمَا قَبِلَهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَی ذِكْرِ أَبِی بَكْرٍ، فَقُلْتُ (8) لِلْمُغِیرَةِ، یَا لَكَ الْخَیْرُ (9)! لَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مُسَدَّداً فِی عُمَرَ كَأَنَّهُ یَنْظُرُ إِلَی قِیَامِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ جِدِّهِ وَ اجْتِهَادِهِ وَ عَنَائِهِ (10) فِی الْإِسْلَامِ. فَقَالَ الْمُغِیرَةُ: لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَ إِنْ كَانَ قَوْمٌ كَرِهُوا وَلَایَةَ عُمَرَ لِیَزْوُوهَا عَنْهُ، وَ مَا كَانَ لَهُمْ فِی ذَلِكَ مِنْ حَظٍّ. فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَبَا لَكَ! وَ مَنِ الْقَوْمُ (11) الَّذِینَ كَرِهُوا ذَلِكَ مِنْ

ص: 449


1- فی (ك) : لا أحفل بذلك شی ء ..، و فی المصدر: لا حفل بذلك شیئا، و هی نسخة جاءت فی (ك) من البحار، و هو الظاهر.
2- فی (س) : أنتم- بلا واو-.
3- و قد ذكره الشیخ فی تلخیص الشافی 3- 161.
4- فی الشّافی: و قد روی.
5- فی الشّافی: و أنا أرید.
6- لا توجد: عمر، فی المصدر.
7- لا توجد: عمرو، فی (س) .
8- فی المصدر: ثمّ قال: فقلت ..
9- جاءت فی (س) : بالك الخبر. و نسخة فی (ك) : ما لك الخبر.
10- فی (س) : غنائه- بالغین المعجمة-.
11- فی المصدر: ما نری القوم، و ما فی شرح النّهج كالمتن.

عُمَرَ؟. فَقَالَ لِیَ الْمُغِیرَةُ: لِلَّهِ أَنْتَ كَأَنَّكَ فِی غَفْلَةٍ لَا تَعْرِفُ هَذَا الْحَیَّ مِنْ قُرَیْشٍ، وَ مَا قَدْ خُصُّوا بِهِ مِنَ الْحَسَدِ؟. فَوَ اللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا الْحَسَدُ یُدْرَكُ بِحِسَابٍ لَكَانَ لِقُرَیْشٍ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْحَسَدِ وَ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ عُشْرٌ (1). فَقُلْتُ: مَهْ یَا مُغِیرَةُ! فَإِنَّ قُرَیْشاً بَانَتْ (2) بِفَضْلِهَا عَلَی النَّاسِ .. وَ لَمْ نَزَلْ فِی مِثْلِ (3) ذَلِكَ حَتَّی انْتَهَیْنَا إِلَی رَحْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَمْ نَجِدْهُ (4)، فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقِیلَ: خَرَجَ آنِفاً، فَمَضَیْنَا نقفوا [نَقْفُو] أَثَرَهُ حَتَّی دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عُمَرُ یَطُوفُ بِالْبَیْتِ، فَطُفْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلَ بَیْنِی وَ بَیْنَ الْمُغِیرَةِ فَتَوَكَّأَ عَلَی الْمُغِیرَةِ، وَ قَالَ (5): مِنْ أَیْنَ جِئْتُمَا؟. فَقُلْنَا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! خَرَجْنَا نُرِیدُكَ فَأَتَیْنَا رَحْلَكَ فَقِیلَ لَنَا خَرَجَ یُرِیدُ الْمَسْجِدَ فَاتَّبَعْنَاكَ. قَالَ: تَبِعَكُمَا الْخَیْرُ، ثُمَّ إِنَّ الْمُغِیرَةَ نَظَرَ إِلَیَّ وَ تَبَسَّمَ (6)، فَنَظَرَ إِلَیْهِ عُمَرُ فَقَالَ: مِمَّ تَبَسَّمْتَ أَیُّهَا الْعَبْدُ؟. فَقَالَ (7): مِنْ حَدِیثٍ كُنْتُ أَنَا وَ أَبُو مُوسَی فِیهِ آنِفاً فِی طَرِیقِنَا إِلَیْكَ.

فَقَالَ (8): وَ مَا ذَاكَ الْحَدِیثُ؟ .. فَقَصَصْنَا عَلَیْهِ الْخَبَرَ حَتَّی بَلَغْنَا ذِكْرَ حَسَدِ قُرَیْشٍ وَ ذِكْرَ مَنْ أَرَادَ صَرْفَ أَبِی بَكْرٍ عَنِ اسْتِخْلَافِهِ (9)، فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ، ثُمَّ قَالَ:

ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ یَا مُغِیرَةُ، وَ مَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْحَسَدِ؟! إِنَّ فِیهَا لَتِسْعَةُ أَعْشَارِ الْحَسَدِ كَمَا ذَكَرْتَ (10) وَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعُشْرِ، وَ فِی النَّاسِ عُشْرُ الْعُشْرِ، وَ قُرَیْشٌ شُرَكَاؤُهُمْ فِی عُشْرِ الْعُشْرِ أَیْضاً، ثُمَّ سَكَتَ مَلِیّاً وَ هُوَ یَتَهَادَی بَیْنَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَ لَا أُخْبِرُكُمَا بِأَحْسَدِ قُرَیْشٍ

ص: 450


1- فی الشّافی و فی نسخة علی (ك) من البحار: عشر بینهم.
2- فی المصدر: قد بانت.
3- لا توجد: مثل، فی المصدر.
4- فی المصدر: إلی عمر بن الخطّاب أو إلی رحله فلم نجده.
5- فی المصدر و فی نسخة جاءت علی (ك) : ثمّ قال.
6- فی الشّافی: فتبسّم.
7- فی المصدر: قال- بلا فاء-.
8- فی المصدر: قال- بلا فاء-.
9- فی الشّافی: عن ولایة عمر، و هی نسخة فی (ك) .
10- لا توجد: كما ذكرت، فی المصدر.

كُلِّهَا؟!. قُلْنَا: بَلَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ. قَالَ: أَ وَ عَلَیْكُمَا (1) ثِیَابُكُمَا؟. قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ:

وَ كَیْفَ بِذَلِكَ وَ أَنْتُمَا مُلْبَسَانِ ثِیَابَكُمَا؟!. قُلْنَا لَهُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! وَ مَا بَالُ الثِّیَابِ؟.

قَالَ: خَوْفُ الْإِذَاعَةِ مِنَ الثِّیَابِ. فَقُلْتُ لَهُ (2): أَ تَخَافُ الْإِذَاعَةَ مِنَ الثِّیَابِ، فَأَنْتَ وَ اللَّهِ مِنْ مُلْبَسِی (3) الثِّیَابِ أَخْوَفُ، وَ مَا الثِّیَابَ أَرَدْتَ!. قَالَ: هُوَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ وَ انْطَلَقْنَا مَعَهُ حَتَّی انْتَهَیْنَا إِلَی رَحْلِهِ فَخَلَّی أَیْدِیَنَا مِنْ یَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَرِیمَا (4) .. ثُمَّ دَخَلَ، فَقُلْتُ لِلْمُغِیرَةِ: لَا أَبَا لَكَ لَقَدْ عَثَرْنَا بِكَلَامِنَا مَعَهُ (5) وَ مَا كُنَّا فِیهِ وَ مَا رآه [نَرَاهُ] حَبَسَنَا (6) إِلَّا لِیُذَاكِرَنَا إِیَّاهَا. قَالَ: فَإِنَّا لَكَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ إِلَیْنَا آذِنُهُ، فَقَالَ: ادْخُلَا، فَدَخَلْنَا، فَإِذَا عُمَرُ مُسْتَلْقٍ عَلَی بَرْذَعَةِ الرَّحْلِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا أَنْشَأَ یَتَمَثَّلُ بِبَیْتِ كَعْبِ بْنِ زُهَیْرٍ:

لَا تُفْشِ سِرَّكَ إِلَّا عِنْدَ ذِی ثِقَةٍ*** أَوْلَی وَ أَفْضَلَ (7) مَا اسْتَوْدَعْتَ أَسْرَاراً

صَدْراً رَحِیباً وَ قَلْباً وَاسِعاً ضَمِنَا (8)*** لَا تَخْشَ مِنْهُ إِذَا أَوْدَعْتَ إِظْهَاراً(9)

فَعَلِمْنَا (10) أَنَّهُ یُرِیدُ أَنْ نَضْمَنَ لَهُ كِتْمَانَ حَدِیثِهِ، فَقُلْتُ أَنَا لَهُ (11): یَا أَمِیرَ

ص: 451


1- فی المصدر: و علیكما- بلا همزة استفهامیة-.
2- فی نسخة فی (ك) : فقلنا.
3- الكلمة مشوشة فی (س) .
4- جاء فی هامش المصدر أنّ فی الأصل: لا تریحا. و فیه: لا تبرحا، و سیتعرّض لهما المصنّف رحمه اللّٰه.
5- لا توجد: معه، فی الشّافی.
6- فی (س) : حسبنا.
7- فی (س) نسخة بدل: و لا بأفضل.
8- فی الشّافی: صمتا، و فی شرح النّهج: قمنا.
9- و فی روایة ابن أبی الحدید: صدرا و قلبا واسعا قمنا *** ألّا تخاف متی أودعت إظهارا
10- فی الشّافی هنا: فلمّا سمعناه یتمثّل بالشّعر علمنا ..
11- فی المصدر: فقلنا له، و فی (س) : فقلت أنا- من دون: له-.

الْمُؤْمِنِینَ! أَكْرِمْنَا وَ خُصَّنَا وَ صِلْنَا (1). فَقَالَ: بِمَا ذَا یَا أَخَا الْأَشْعَرِیِّینِ؟. قُلْتُ (2):

بِإِفْشَاءِ سِرِّكَ إِلَیْنَا (3) وَ إِشْرَاكِنَا (4) فِی هَمِّكَ، فَنِعْمَ الْمُسْتَسَرَّانِ نَحْنُ لَكَ (5). فَقَالَ:

إِنَّكُمَا لَكَذَلِكَ، فَاسْأَلَا عَمَّا بَدَا لَكُمَا؟ ثُمَّ (6) قَالَ: فَقَامَ إِلَی الْبَابِ لِیُغْلِقَهُ، فَإِذَا آذِنُهُ الَّذِی أَذِنَ لَنَا عَلَیْهِ فِی الْحُجْرَةِ، فَقَالَ: امْضِ عَنَّا- لَا أُمَّ لَكَ-، فَخَرَجَ وَ أَغْلَقَ الْبَابَ خَلْفَهُ ثُمَّ جَلَسَ وَ أَقْبَلَ عَلَیْنَا، وَ قَالَ (7): سَلَا تُخْبَرَا. قُلْنَا: نُرِیدُ أَنْ تُخْبِرَنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (8) بِأَحْسَدِ قُرَیْشٍ الَّذِی لَمْ تَأْمَنْ ثِیَابَنَا عَلَی ذِكْرِهِ لَنَا (9). فَقَالَ: سَأَلْتُمَا عَنْ مُعْضِلَةٍ وَ سَأُخْبِرُكُمَا، فَلْیَكُنْ (10) عِنْدَكُمَا فِی ذِمَّةٍ مَنِیعَةٍ وَ حِرْزٍ مَا بَقِیتُ، فَإِذَا مِتُّ فَشَأْنَكُمَا وَ مَا أَحْبَبْتُمَا مِنْ إِظْهَارٍ أَوْ كِتْمَانٍ. قُلْنَا: فَإِنَّ لَكَ عِنْدَنَا ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُوسَی: وَ أَنَا أَقُولُ فِی نَفْسِی مَا أَظُنُّهُ یُرِیدُ إِلَّا الَّذِینَ كَرِهُوا اسْتِخْلَافَ أَبِی بَكْرٍ لَهُ كَطَلْحَةَ وَ غَیْرِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا یَسْتَخْلِفُ عَلَیْنَا فَظّاً غَلِیظاً (11)، وَ إِذَا هُوَ یَذْهَبُ إِلَی غَیْرِ مَا فِی نَفْسِی.

فَعَادَ إِلَی التَّنَفُّسِ، فَقَالَ (12): مَنْ تَرَیَانِهِ؟.

ص: 452


1- فی الشّافی: و وصلنا، و فی (ك) نسخة بدل: حمّلنا.
2- فی (ك) من البحار: فقلت، و فی المصدر: قلنا.
3- لا توجد: إلینا، فی (س) و لا فی شرح ابن أبی الحدید.
4- فی المصدر: أشركنا.
5- فی شرح النّهج: المستشاران لك.
6- لا توجد: ثمّ، فی المصدر.
7- فی المصدر: ثمّ أقبل إلینا (علینا) فجلس معنا فقال ..
8- لا توجد فی الشّافی: أمیر المؤمنین.
9- فی المصدر: لم تأمن ثیابنا علیه إن تذكره لنا.
10- فی الشّافی: فلتكن.
11- فی حاشیة (ك) جاءت نسخة بدل و هی: .. كرهوا من أبی بكر استخلافه لعمر، و كان طلحة أحدهم، فأشاروا علیه أن لا یستخلفه لأنّه فضّ غلیظ .. و الظّاهر فظ، بدلا من: فض، كما فی المصدر. و هذه النّسخة مطابقة للمصدر و جاء فیه بعدها: ثمّ قلت فی نفسی: قد عرفنا هؤلاء القوم بأسمائهم و عشائرهم و عرفهم النّاس.
12- فی المصدر: و إذا هو یرید غیر ما نذهب إلیه منهم، فعاد عمر إلی النّفس، ثمّ قال ..

قُلْنَا: وَ اللَّهِ مَا نَدْرِی إِلَّا ظَنّاً.

قَالَ: وَ مَنْ تَظُنَّانِ؟.

قُلْنَا: عَسَاكَ (1) تُرِیدُ الْقَوْمَ الَّذِینَ أَرَادُوا أَبَا بَكْرٍ عَلَی صَرْفِ (2) هَذَا الْأَمْرِ عَنْكَ.

قَالَ: كَلَّا وَ اللَّهِ (3)، بَلْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعَقَّ وَ أَظْلَمَ، هُوَ الَّذِی سَأَلْتُمَا عَنْهُ، كَانَ وَ اللَّهِ أَحْسَدَ قُرَیْشٍ كُلِّهَا، ثُمَّ أَطْرَقَ طَوِیلًا فَنَظَرَ إِلَیَّ الْمُغِیرَةُ وَ نَظَرْتُ إِلَیْهِ، وَ أَطْرَقْنَا مَلِیّاً لِإِطْرَاقِهِ (4)، وَ طَالَ السُّكُوتُ مِنَّا وَ مِنْهُ حَتَّی ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ نَدِمَ عَلَی مَا بَدَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَا لَهْفَاهْ! عَلَی ضَئِیلِ بَنِی تَمِیمِ بْنِ مُرَّةَ، لَقَدْ تَقَدَّمَنِی ظَالِماً وَ خَرَجَ إِلَیَّ مِنْهَا آثِماً. فَقَالَ لَهُ الْمُغِیرَةُ: أَمَّا تَقَدُّمُهُ عَلَیْكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ظَالِماً فَقَدْ عَرَفْنَاهُ (5)، فَكَیْفَ (6) خَرَجَ إِلَیْكَ مِنْهَا آثِماً؟.

قَالَ: ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ یَخْرُجْ إِلَیَّ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ یَأْسٍ مِنْهَا، أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ أَطَعْتُ زَیْدَ بْنَ الْخَطَّابِ وَ أَصْحَابَهُ لَمْ یَتَلَمَّظْ مِنْ حَلَاوَتِهَا بِشَیْ ءٍ أَبَداً (7)، وَ لَكِنِّی قَدَّمْتُ وَ أَخَّرْتُ، وَ صَعِدْتُ وَ صَوَّبْتُ، وَ نَقَضْتُ وَ أَبْرَمْتُ، فَلَمْ أَجِدْ إِلَّا الْإِغْضَاءَ عَلَی مَا نَشِبَ بِهِ مِنْهَا (8) وَ التَّلَهُّفَ عَلَی نَفْسِی (9)، وَ أَمَّلْتُ إِنَابَتَهُ وَ رُجُوعَهُ، فَوَ اللَّهِ مَا فَعَلَ حَتَّی فَرَغَ مِنْهَا بَشِیماً (10).

ص: 453


1- فی الشّافی: نراك.
2- لا توجد: صرف، فی (س) .
3- لا توجد: و اللّٰه، فی المصدر.
4- فی الشّافی: و أطرقنا لإطراقه- و لا توجد: ملیّا-.
5- فی الشّافی: هذا یقدمك ظالما قد عرفنا.
6- فی (س) : كیف.
7- وضع علی: أبدا، رمز نسخة بدل فی (ك) .
8- فی المصدر: علی ما نشبت منه فیها.
9- فی حاشیة (ك) نسخة بدل: فلم یجبنی نفسی إلی ذلك.
10- فی الشّافی: فغربها بشما، و فی شرح النّهج: نغر.

قَالَ الْمُغِیرَةُ: فَمَا مَنَعَكَ مِنْهَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! (1) وَ قَدْ عَرَضَهَا عَلَیْكَ یَوْمَ السَّقِیفَةِ بِدُعَائِكَ إِلَیْهَا؟!. ثُمَّ أَنْتَ الْآنَ تَنْقِمُ وَ تَتَأَسَّفُ (2). فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ یَا مُغِیرَةُ! إِنِّی كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ دُهَاةِ الْعَرَبِ، كَأَنَّكَ كُنْتَ غَائِباً عَمَّا هُنَاكَ، إِنَّ الرَّجُلَ كَادَنِی فَكِدْتُهُ، وَ مَاكَرَنِی فَمَاكَرْتُهُ، وَ أَلْفَانِی أَحْذَرَ مِنْ قَطَاةٍ، إِنَّهُ لَمَّا رَأَی شَغَفَ (3) النَّاسِ بِهِ وَ إِقْبَالَهُمْ بِوُجُوهِهِمْ عَلَیْهِ، أَیْقَنَ أَنَّهُمْ لَا یُرِیدُونَ (4) بِهِ بَدَلًا، فَأَحَبَّ لَمَّا رَأَی مِنْ حِرْصِ النَّاسِ عَلَیْهِ وَ شَغَفِهِمْ (5) بِهِ أَنْ یَعْلَمَ مَا عِنْدِی، وَ هَلْ تُنَازِعُنِی نَفْسِی إِلَیْهَا (6)، وَ أَحَبَّ أَنْ یَبْلُوَنِی بِإِطْمَاعِی فِیهَا وَ التَّعْرِیضِ لِی بِهَا، وَ قَدْ عَلِمَ وَ عَلِمْتُ لَوْ قَبِلْتُ مَا عَرَضَهُ عَلَیَّ لَمْ یُجِبِ (7) النَّاسُ إِلَی ذَلِكَ، فَأَلْفَانِی (8) قَائِماً عَلَی أَخْمَصِی مُسْتَوْفِزاً (9) حَذِراً وَ لَوْ أَجَبْتُهُ إِلَی قَبُولِهَا لَمْ یُسَلِّمِ النَّاسُ (10) إِلَی ذَلِكَ، وَ اخْتَبَأَهَا ضَغَناً عَلَیَّ (11) فِی قَلْبِهِ، وَ لَمْ آمَنْ غَائِلَتَهُ وَ لَوْ بَعْدَ حِینٍ، مَعَ مَا بَدَا لِی مِنْ كَرَاهَةِ (12) النَّاسِ لِی، أَ مَا سَمِعْتَ نِدَاءَهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِیَةٍ عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَیَّ: لَا نُرِیدُ سِوَاكَ یَا أَبَا بَكْرٍ، أَنْتَ لَهَا، فَرَدَدْتُهَا إِلَیْهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَأَیْتُهُ وَ قَدِ الْتَمَعَ وَجْهُهُ لِذَلِكَ سُرُوراً، وَ لَقَدْ عَاتَبَنِی

ص: 454


1- لا توجد: أمیر المؤمنین، فی المصدر.
2- فی الشّافی: بالتأسف علیه.
3- فی (س) : شعف.
4- فی المصدر: أیقن أن لا یریدون ..
5- فی (س) : شعفهم- بالعین المهملة-.
6- فی المصدر: و هل تنازع إلیها نفسی.
7- فی الشّافی: ما عرض علیّ منها لم یجبه، و قد جاء نسخة فی (س) : علیّ منها. و لعلّه إشارة إلی المصدر.
8- فی المصدر: فألقانی.
9- فی الشّافی: متشوزا، و فی شرح النّهج: مستوشزا، و فی نسخة جاءت فی (ك) : متواریا.
10- وضع علی كلمة: النّاس، رمز نسخة بدل فی (ك) .
11- فی (ك) زیادة كلمة: ما، بعد: علیّ.
12- فی المصدر: كراهیة.

مَرَّةً عَلَی كَلَامٍ (1) بَلَغَهُ عَنِّی، وَ ذَلِكَ لَمَّا قُدِّمَ عَلَیْهِ (2) بِالْأَشْعَثِ أَسِیراً فَمَنَّ عَلَیْهِ وَ أَطْلَقَهُ وَ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ أُمَّ فَرْوَةَ بِنْتَ أَبِی قُحَافَةَ، فَقُلْتُ لِلْأَشْعَثِ- وَ هُوَ قَاعِدٌ بَیْنَ یَدَیْهِ (3)

یَا عَدُوَّ اللَّهِ! أَ كَفَرْتَ بَعْدَ إِسْلَامِكَ، وَ ارْتَدَدْتَ نَاكِصاً (4) عَلَی عَقِبَیْكَ، فَنَظَرَ إِلَیَّ الْأَشْعَثُ نَظَراً شَزْراً عَلِمْتُ أَنَّهُ یُرِیدُ أَنْ یُكَلِّمَنِی بِكَلَامٍ فِی نَفْسِی، ثُمَّ لَقِیَنِی (5) بَعْدَ ذَلِكَ فِی بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِینَةِ فَرَافَقَنِی، ثُمَّ قَالَ لِی: أَنْتَ صَاحِبُ الْكَلَامِ یَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟!. فَقُلْتُ: نَعَمْ یَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَ لَكَ عِنْدِی شَرٌّ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: بِئْسَ الْجَزَاءُ هَذَا لِی مِنْكَ. فَقُلْتُ: عَلَامَ (6) تُرِیدُ مِنِّی حُسْنَ الْجَزَاءِ؟. قَالَ: لِأَنَفَتِی لَكَ مِنِ اتِّبَاعِ هَذَا الرَّجُلِ- یُرِیدُ أَبَا بَكْرٍ-، وَ اللَّهِ (7) مَا جَرَّأَنِی عَلَی الْخِلَافِ عَلَیْهِ إِلَّا تَقَدُّمُهُ عَلَیْكَ (8)، وَ لَوْ كُنْتَ صَاحِبَهَا لَمَا رَأَیْتَ مِنِّی خِلَافاً عَلَیْكَ. قُلْتُ: وَ لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فَمَا تَأْمُرُ الْآنَ؟. قَالَ: إِنَّهُ لَیْسَ بِوَقْتِ أَمْرٍ، بَلْ وَقْتُ صَبْرٍ (9)، وَ مَضَی وَ مَضَیْتُ، وَ لَقِیَ الْأَشْعَثُ الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ السَّعْدِیَّ فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَی بَیْنِی وَ بَیْنَهُ، فَنَقَلَ الزِّبْرِقَانُ ذَلِكَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ (10)، فَأَرْسَلَ إِلَیَّ فَأَتَیْتُهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِی، ثُمَّ قَالَ:

إِنَّكَ لَتَشَوَّقُ (11) إِلَیْهَا یَا ابْنَ الْخَطَّابِ. فَقُلْتُ: وَ مَا یَمْنَعُنِی الشَّوْقَ (12) إِلَی مَا كُنْتُ أَحَقَ

ص: 455


1- فی الشّافی: شی ء، بدلا من: كلام.
2- لا توجد: علیه، فی المصدر، و فیه: بالأشعث بن قیس.
3- فی الشّافی: و هو بین یدی أبی بكر.
4- فی المصدر: ناكصا كافرا.
5- فی المصدر: علمت له أنّه یرید كلامنا یكلّمنی به، ثمّ سكت فلقینی.
6- فی (س) زیادة: منّی، قبل: ترید، و هو خلاف الظّاهر.
7- لا توجد لفظة: و اللّٰه، فی الشّافی.
8- فی الشّافی: إلّا بقدمه علیك و تخلّفك عنها ..
9- فی المصدر: قال ما هذا وقت أمر إنّما هو وقت صبر حتّی یأتی اللّٰه بفرج و مخرج.
10- فی الشّافی: فنقل الزّبرقان إلی أبی بكر الكلام ..
11- فی المصدر: لمتشوّف ..
12- فی (ك) نسخة بدل: التّشوّق.

بِهِ مِمَّنْ غَلَبَنِی عَلَیْهِ؟ أَمَا وَ اللَّهِ لَتَكُفَّنَّ أَوْ لَأُكَلِّمَنَّ (1) كَلِمَةً بَالِغَةً بِی وَ بِكَ فِی النَّاسِ تَحْمِلُهَا الرُّكْبَانُ حَیْثُ سَارُوا، وَ إِنْ شِئْتَ اسْتَدَمْنَا مَا نَحْنُ فِیهِ عَفْواً. فَقَالَ: بَلْ تَسْتَدِیمُهُ (2) وَ إِنَّهَا لَصَائِرَةٌ إِلَیْكَ بَعْدَ أَیَّامٍ، فَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ یَأْتِی عَلَیْهِ جُمُعَةٌ حَتَّی یَرُدَّهَا عَلَیَّ، فَتَغَافَلَ وَ اللَّهِ، فَمَا ذَكَرَنِی بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حَرْفاً حَتَّی هَلَكَ، وَ لَقَدْ مَدَّ فِی أَمَدِهَا عَاضّاً عَلَی نَوَاجِذِهِ حَتَّی حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَأَیِسَ مِنْهَا فَكَانَ مِنْهُ مَا رَأَیْتُمَا، فَاكْتُمَا (3) مَا قُلْتُ لَكُمَا عَنِ النَّاسِ كَافَّةً (4) وَ عَنْ بَنِی هَاشِمٍ خَاصَّةً، وَ لْیَكُنْ مِنْكُمَا بِحَیْثُ أَمَرْتُكُمَا إِذَا شِئْتُمَا عَلَی بَرَكَةِ اللَّهِ، فَمَضَیْنَا وَ نَحْنُ نَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ، فَوَ اللَّهِ مَا أَفْشَیْنَا سِرَّهُ حَتَّی هَلَكَ.

ثم قال السیّد (5) رضی اللّٰه عنه: فكأنّی بهم عند سماع هذه الروایات (6) یستغرقون ضحكا تعجّبا و استبعادا و إنكارا و یقولون: كیف یصغی (7) إلی هذه الأخبار، و معلوم ضرورة تعظیم عمر لأبی بكر و وفاقه (8) له و تصویبه لإمامته؟

و كیف یطعن عمر فی إمامة أبی بكر و هی أصل لإمامته و قاعدة لولایته؟! و لیس هذا بمنكر ممّن طمست العصبیة علی قلبه و عینیه، فهو لا یری و لا یسمع إلّا ما یوافق اعتقادات مبتدأة قد اعتقدها، و مذاهب فاسدة قد انتحلها، فما بال هذه الضرورة تخصّهم و لا تعمّ من خالفهم، و نحن نقسم باللّٰه علی أنّا لا نعلم ما یدعونه، و نزید (9) علی ذلك بأنّا نعتقد أنّ الأمر بخلافه، و لیس فی طعن عمر علی بیعة أبی

ص: 456


1- جاء فی المصدر: من التشوف لذلك فذكر أحقّ به فمن غلبنی علیه، أما و اللّٰه لتكفّنّ أو لأقولنّ.
2- فی شرح النّهج: بل نستدعیه. و فی المصدر: إذا نستدیمها علی أنّها صائرة.
3- فی المصدر: ثمّ قال اكتما ..
4- لا توجد فی المصدر: عن النّاس كافّة، و هی مثبتة فی شرح النّهج.
5- فی الشافی 4- 135- 137، بتصرّف یسیر. [الحجریّة 241- 244]، و انظر: تلخیص الشافی 3- 162- 167، و شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2- 30، و غیرهما.
6- فی المصدر: هذه الأخبار.
7- فی المصدر: نصفی.
8- الكلمة مشوّشة فی (س) .
9- فی (س) : تزید.

بكر ما یؤدّی إلی فساد إمامته، لأنّه یمكن أن یكون ذهب إلی أنّ إمامته نفسه (1) لم تثبت (2) بالنصّ علیه، و إنّما تثبت بالإجماع من الأمّة و الرضا، فقد ذهب إلی ذلك جماعة من الناس، و یری أنّ إمامته أولی من حیث لم تقع بغتة و لا فجأة، و لا اختلف الناس فی أصلها، و امتنع كثیر منهم من الدخول فیها حتّی أكرهوا و تهدّدوا و خوّفوا.

و أمّا الفلتة، و إن كانت محتملة للبغتة- علی ما حكاه صاحب الكتاب و الزلّة (3)، و الخطیئة، فالذی یخصّصها بالمعنی الذی ذكرناه قوله: وقی اللّٰه شرّها فمن عاد إلی مثلها فاقتلوه، و هذا الكلام لا یلیق بالمدح و هو بالذمّ أشبه، فیجب أن یكون محمولا علی معناه.

و قوله: إنّ المراد بقوله (4): وقی اللّٰه شرّها .. إنّه دفع شرّ الاختلاف فیها عدول عن الظاهر، لأنّ الشرّ فی ظاهر الكلام مضاف إلیها دون غیرها.

و أبعد من هذا التأویل قوله: إنّ المراد من عاد إلی مثلها من غیر ضرورة و أكره المسلمین علیها فاقتلوه، لأنّ ما جری هذا المجری لا یكون مثلا لبیعة أبی بكر عندهم، لأنّ كلّ ذلك ما جری فیها علی مذاهبهم، و قد كان یجب علی هذا أن یقول من عاد إلی خلافها فاقتلوه، و لیس له أن یقول إنّما أراد بالتمثیل وجها واحدا، و هو وقوعها من غیر مشاورة لأنّ ذلك إنّما تمّ فی أبی بكر خاصّة، لظهور أمره و اشتهار فضله، و لأنّهم بادروا إلی العقد خوفا من الفتنة، و ذلك لأنّه (5) غیر منكر أن یتّفق من ظهور فضل غیر أبی بكر (6) و اشتهار أمره، و خوف الفتنة ما اتّفق

ص: 457


1- لا توجد: نفسه، فی المصدر.
2- فی المصدر زیادة: إلّا، بعد: لم تثبت.
3- فی المصدر: و للزلّة، و فی (س) : المزلّة.
4- لا توجد: بقوله، فی المصدر.
5- فی المصدر: أنّه- من غیر لام-.
6- فی الشافی زیادة: بالعقد له، قبل و اشتهار ..

لأبی بكر، فلا یستحقّ قتلا و لا ذمّا، علی أنّ قوله: مثلها .. یقتضی وقوعها علی الوجه الذی وقعت علیه، و كیف یكون ما وقع من غیر مشاورة لضرورة داعیة و أسباب موجبة مثلا لما وقع بلا مشاورة، و من غیر ضرورة و لا أسباب؟.

و الذی رواه عن أهل اللغة من أنّ آخر یوم من شوّال یسمّی: فلتة، من حیث إنّ كلّ من (1) لم یدرك فیه ثاره فقد فاته (2) .. فإنّا لا نعرفه، و الذی نعرفه (3) أنّهم یسمّون اللیلة التی ینقضی بها أحد الشهور الحرم و یتمّ: فلتة، و هی آخر لیلة من لیالی الشهر (4)، لأنّه ربّما رأی قوم الهلال لتسع و عشرین و لم یبصره الباقون فیغیّر هؤلاء علی أولئك و هم غارّون، فلهذا سمّیت هذه اللیلة: فلتة، علی أنّا قد بیّنا أنّ مجموع الكلام یقتضی ما ذكرنا (5) من المعنی، و لو سلّم له ما رواه عن أهل اللغة فی احتمال هذه اللفظة (6).

و قوله فی أول الكلام: لیست الفلتة: الزلّة و الخطیئة .. إن أراد أنّها لا تختصّ بذلك فصحیح، و إن أراد أنّها لا تحتمله (7) فهو ظاهر الخطإ، لأنّ صاحب العین قد ذكر فی كتابه أنّ الفلتة من الأمر الذی یقع علی غیر إحكام (8).

و بعد، فلو كان عمر لم یرد بقوله توهین بیعة أبی بكر بل أراد ما ظنّه المخالفون، لكان ذلك عائدا علیه بالنقص، لأنّه وضع كلامه فی غیر موضعه،

ص: 458


1- لا توجد فی المصدر: إنّ كلّ من.
2- لا توجد فی المصدر: فقد فاته.
3- فی الشافی: نعرفه من القوم.
4- انظر لمزید الاطلاع: النهایة 3- 467، و القاموس 1- 154.
5- فی المصدر: ما ذكرناه.
6- و هذا ما نقله ابن أبی الحدید عن الشافی فی شرحه علی النهج 2- 34- 35، بتصرّف و تحریف فی بعض كلماته.
7- فی المصدر: لا تحملها.
8- كتاب العین 8- 122، و قد ذكره فی لسان العرب 2- 67، و قال فی القاموس 1- 154، و الصحاح 1- 260: و كان الأمر فلتة .. أی فجأة من غیر تردّد و تدبّر، و زاد فی القاموس: و فلتات المجلس: هفواته و زلّاته.

و أراد شیئا فعبّر عن خلافه، فلیس یخرج هذا الخبر من أن یكون طعنا علی أبی بكر إلّا (1) بأن یكون طعنا علی عمر. انتهی (2).

و لنوضح بعض ما تقدّم فی كلام السیّد، و ما أورده من الروایات:

قوله: قد كان یندر من عمر .. أی یسقط و یقع. قال فی النهایة: فی حدیث عمر: «إنّ رجلا ندر فی مجلسه فأمر القوم كلّهم بالتّطهیر لئلّا یخجل الرّجل».

قال (3): معناه أنّه ضرط كأنّها ندرت منه من غیر اختیار (4).

و دویبة سوء- بفتح السین- بالإضافة، و فیه دلالة علی غباوة عبد الرحمن للتصغیر و علی حمقه لكون اللفظة تصغیر الدابة، و علی خبث طینته للإضافة إلی السوء.

و الوجس- كالوعد-: الفزع (5)، و أوجسنی .. أی أفزعنی.

و البذاء- بالمدّ-: الفحش (6) و الكلام القبیح، و یقال فلان: بذیّ- كغنیّ و بذیّ اللّسان (7).

و یرضح رأس أبیك .. أی یكسر و یدقّ، من الرضح- بالراء و الضاد المعجمة و الحاء المهملة أو بالخاء المعجمة- (8).

و الجندل- كجعفر-: الحجارة (9).

ص: 459


1- إلّا، هنا عاطفة بمعنی أو، كما ذكرها فی القاموس 4- 407، و غیره.
2- و قد حكاه عنه الشیخ الطوسیّ، رحمه اللّٰه فی تلخیص الشافی 3- 167- 170، و ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 2- 27- 35، و ملاحظة هامش التلخیص و شرح النهج لا تخلو عن فائدة.
3- أی ابن الأثیر. و الظاهر أنّها زائدة.
4- النهایة 5- 35، و انظر: مجمع البحرین 3- 490، و الصحاح 2- 825، فإنّهما قد صرّحا بأنّ: ندر بمعنی سقط.
5- ذكره فی مجمع البحرین 4- 121، و الصحاح 3- 987، و القاموس 2- 257.
6- قاله فی النهایة 1- 111، و مجمع البحرین 1- 48، و الصحاح 6- 2279.
7- كما فی القاموس 4- 302- 303، و لسان العرب 14- 69.
8- نصّ علیه فی الصحاح 1- 365- 366 و 421- 422، و لسان العرب 2- 450 و 3- 19.
9- صرّح به فی مجمع البحرین 5- 336، و الصحاح 4- 1654، و غیرهما.

و تجاسر فجسر .. أی اجترأ (1) فأقدم علی إظهار ما كان فی ضمیره.

و الضّبّ- بالفتح-: الحقد و الغیظ (2)، و لا أحفل به .. أی لا أبالی (3).

و بالك الخیر- بالباء- .. أی قلبك و شأنك (4)، و یحتمل الیاء، حرف النداء بحذف المنادی أی: یا هذا لك الخیر أو یا من لك الخیر، و فی بعض النسخ: ما لك الخیر.

و الصّعداء- بضمّ الصاد و فتح العین و المدّ-: تنفّس ممدود (5).

و سكت ملیّا .. أی طائفة من الزّمان (6).

و یتهادی بیننا .. أی یمشی بیننا معتمدا علینا (7).

و الإذاعة: الإفشاء (8).

و لا تریما .. أی لا تبرحا، یقال رام یریم: إذا برح (9) و زال عن مكانه.

و العثرة: الزّلّة (10)، و عثرنا بكلامنا .. أی أخطأنا فی حكایة كلامنا.

و برذعة الرّحل: الكساء الذی یلقی تحت الرّحل (11) علی رحل البعیر.

و وا لهفاه: كلمة یتحسّر بها (12).

ص: 460


1- كما فی القاموس 1- 390، و غیره.
2- جاء فی لسان العرب 1- 540، و القاموس 1- 95.
3- قاله فی الصحاح 4- 1671، و لسان العرب 11- 159، و غیرهما.
4- نصّ علیه فی النهایة 1- 164، و مجمع البحرین 5- 326.
5- ذكره فی الصحاح 2- 498، و لسان العرب 3- 253، و غیرهما.
6- انظر: القاموس 4- 391، و الصحاح 6- 2496، و مجمع البحرین 1- 397.
7- كما فی الصحاح 6- 2534، و لسان العرب 15- 359.
8- جاء فی مجمع البحرین 4- 328، و الصحاح 3- 1211.
9- نصّ علیه فی الصحاح 5- 1939، و مجمع البحرین 6- 77، و غیرهما.
10- صرّح به فی مجمع البحرین 3- 396، و لسان العرب 4- 539.
11- ذكره فی الصحاح 3- 1184، و لسان العرب 8- 8 إلّا أنّ فیهما: الحلس، بدلا من الكساء.
12- قاله فی القاموس 3- 197، و لسان العرب 9- 322.

و الضّئیل: الحقیر السّخیف (1).

و خرج إلیّ منها .. أی تركها لی و سلّمها إلیّ.

و التّلمّظ: تتّبع بقیّة الطّعام فی الفم باللّسان (2)، و المعنی لم یذق من حلاوتها أبدا.

و التّصوّب: النّزول (3)، و المراد: قلبت هذا الأمر ظهرا لبطن، و تفكّرت فی جمیع شقوقه.

و الإغضاء: - فی الأصل-: إدناء الجفون (4).

و نشب .. أی علق (5)، و المعنی لم أجد بدّا من الصبر علی الشدّة كما یصبر الإنسان علی قذی فی عینه أو شجا فی حلقه.

قوله: حتی فرغ منها .. فی بعض النسخ: فغربها .. أی فتح فاه (6).

و البشم- بالباء الموحّدة و الشین المعجمة-: التّخمة. و السّئام (7): .. أی لم یسلّمها إلیّ إلّا بعد استیفاء الحظّ و السأم منها.

و نقم .. أی كره كراهة بالغة حدّ السخط (8).

و الدّهاء: النّكر وجودة الرّأی (9).

و الشغف- بالغین المعجمة و المهملة-: شدّة الحبّ (10).

ص: 461


1- ذكر فی مجمع البحرین 5- 409، و القاموس 4- 5، قالا: الضئیل: النحیف الدقیق الحقیر.
2- جاء فی الصحاح 3- 1179، و مجمع البحرین 4- 291، و غیرهما.
3- كما صرّح به فی الصحاح 1- 165، و فی القاموس 1- 94 مثله فی المعنی.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 1- 318، و الصحاح 6- 2448، و لا توجد فیهما: فی الأصل.
5- كما فی الصحاح 1- 224، و مجمع البحرین 2- 171، و غیرهما.
6- جاء فی مجمع البحرین 3- 441، و الصحاح 2- 782.
7- قاله فی الصحاح 5- 1873، و القاموس 4- 80، و زاد فی الأخیر: و السّآمة، بدلا من: السئام.
8- ذكر فی مجمع البحرین 6- 180، و قریب منه فی الصحاح 5- 2045.
9- صرّح به فی القاموس 4- 329، و الصحاح 6- 2344، و غیرهما.
10- قال فی مجمع البحرین 5- 75 و 76، و فی النهایة 2- 481 فی مادة شعف- بالعین المهملة-، و لسان العرب 9- 179 و فی الجمیع ما یستفاد من مجموعه ما ذكره المصنّف رحمه اللّٰه.

و یبلونی .. أی یمتحننی و یختبرنی (1).

و الأخمص: ما لم یصب الأرض من القدم (2).

و الوفز: العجلة، و المستوفز: الّذی یقعد قعودا منتصبا غیر مطمئنّ (3) ..

أی أوجدنی متهیّئا للإقدام و النهوض منتظرا للفرصة غیر غافل.

و اختباها .. أی ادّخرها (4).

و الغائلة: الدّاهیة (5).

و النّظر الشّزر: النّظر بمؤخّر العین (6).

و الأنفة: الاستنكاف (7) و كراهة الشّی ء للحمیة (8) و لغیره (9).

و أمد الشّی ء غایته (10).

و النّواجذ: أقاصی الأسنان (11)، و العضّ علیها: كنایة عن شدّة التّعلّق و التّمسّك بالشّی ء (12).

ثم اعلم أنّ ابن أبی الحدید (13)

بعد ما ذكر كلام السیّد رضی اللّٰه عنه

ص: 462


1- ذكره فی مجمع البحرین 1- 60، و القاموس 4- 305، و غیرهما.
2- نصّ علیه فی القاموس 2- 302، و مجمع البحرین 4- 170، و غیرهما.
3- نصّ علیه فی القاموس 2- 195، و الصحاح 3- 901، و انظر: مجمع البحرین 4- 40، و قد تقدّم أنّ فی المصدر: المتشوّز، و هو أیضا بمعنی ما فی المتن، كما فی القاموس 2- 195.
4- قاله فی مجمع البحرین 1- 119، و النهایة 2- 3.
5- كما فی القاموس 4- 27، و لسان العرب 11- 507، و غیرهما.
6- ذكره فی مجمع البحرین 3- 345، و القاموس 2- 58.
7- جاء فی القاموس 3- 119، و مجمع البحرین 5- 28، و غیرهما.
8- لا توجد: للحمیة، فی (س) .
9- فی النهایة 1- 76، و لسان العرب 9- 15 ما یقرب من ذلك المعنی.
10- نصّ علیه فی مجمع البحرین 3- 8، و الصحاح 2- 442.
11- صرّح به فی الصحاح 2- 571، و مجمع البحرین 3- 190، و غیرهما.
12- ذكره فی مجمع البحرین 4- 217، و قال فی النهایة 3- 252: هذا مثل فی شدّة الاستمساك.
13- فی شرحه علی النهج 2- 35- 36، بتصرّف.

قال- ما حاصله-: إنّه لا یبعد أن یقال: إنّ الرضا و السخط و الحبّ و البغض و ما شاكل ذلك (1) من الأخلاق النفسانیّة و إن كانت أمورا باطنة فإنّها قد تعلم و تضطرّ الحاضرون إلی حصولها بقرائن أحوال یفیدهم العلم الضروریّ، كما یعلم خوف الخائف و سرور المبتهج ... فغیر منكر أن یقول قاضی القضاة إنّ المعلوم ضرورة من حال عمر تعظیم أبی بكر و رضاه بخلافته و تدیّنه بذلك، فالذی اعترضه السیّد به غیر وارد علیه، و أمّا الأخبار التی رواها عن عمر (2) فأخبار غریبة ما رأیناها فی الكتب المدوّنة إلّا فی كتاب المرتضی و كتاب المستبشر (3) لمحمد بن جریر الطبری- الذی هو من رجال الشیعة- .. و أنت تعلم حال الأخبار الغریبة التی لا توجد فی الكتب المدوّنة، كیف هی؟.

و أورد علیه أنّ الأمور الباطنة و الصفات النفسانیّة لا ریب فی أنّها قد تظهر (4) أحیانا بظهور آثارها و شهادة القرائن علیها، لكن الاطّلاع علیها- سیّما علی وجه العلم بها و الجزم بحصولها- أمر متعسّر، سیّما إذا قامت الدواعی إلی إخفائها و تعلّق الغرض بسترها، و أكثر ما یظنّ (5) به العلم فی هذا الباب فهو من قبیل الظن، بل من قبیل الوهم، و جمیعها- و إن اشتركت فی تعسّر العلم بها- إلّا أنّه فی بعضها سیّما فی بعض الأشخاص، و فی بعض الأحوال أشدّ- و كثیرا ما یظنّ المخالطون لرجل و خواصّه و بطانته فی دهر طویل أنّه یتدیّن بدین أو یحبّ أحدا أو یبغضه ثم یظهر خلافه، و الدواعی إلی إخفاء عمر بغضّ أبی بكر أو عدم التدیّن بخلافته أمر واضح لا سترة به، فإنّه كان أساسا لخلافته واصلا لإمارته، و مع ذلك كانت

ص: 463


1- لا توجد كلمة: ذلك، فی (ك) .
2- فی (ك) : من عمر.
3- كذا فی المصدر أیضا، و الصحیح: كتاب المسترشد فی الإمامة طبع فی النجف، راجع رجال النجاشیّ: 266.
4- فی (س) : نظر.
5- فی (س) : نظنّ.

خلافة أبی بكر وسیلة إلی ما هو مقصدهم الأقصی، و قرّة عیونهم من دفع أهل البیت علیهم السلام عن هذا المقام، فكان قدح عمر فی أبی بكر تخریبا لهذا الأساس و مناقضا لذلك الغرض، و لم یكن كارها لخلافة أبی بكر إلّا لأنّه كانت خلافة نفسه أحبّ إلیه و أقرّ لعینه- كما یظهر من كلام السیّد رضی اللّٰه عنه و من روایاته-.

و من نظر بعین الإنصاف علم أنّ تعظیم عمر لأبی بكر و إظهاره الرضا بإمارته- مع كونها وسیلة لانتقال الأمر إلیه و صرفه عن أهل البیت- لا دلالة فیه بوجه من الوجوه علی تدیّنه بإمامة أبی بكر، و كونها أحبّ إلیه من خلافة نفسه، و إنّ ما ادّعوا من العلم الضروری فی ذلك لیس إلّا عتوّا فی التعصّب و علوّا فی التعسّف.

لا یقال: إذا كانت خلافة أبی بكر أساسا لخلافة عمر و سببا لدفع علیّ علیه السلام عنها فكیف كان عمر- مع شدّة حیلته و دهائه- یقول علی رءوس الأشهاد:

كانت بیعة أبی بكر فلتة- بالمعنی الذی زعمتموه؟ و كیف یظهر مكنون ضمیره لأبی موسی و المغیرة و غیرهما- كما یدلّ علیه الروایات المذكورة؟!.

لأنّا نقول: أمّا إفشاؤه ما أسرّ فی نفسه إلی أبی موسی و المغیرة و ابن عمر فلم یكن مظنّة للخوف علی ذهاب الخلافة، إذ كان یعرفهم بحبّهم له و ثیق (1) بأنّهم لا یظهرون ذلك إلّا لأهله، و لو أظهروه لأنكر علیهم عامّة الناس، فلم یبال بإفشائه إلیهم.

و أمّا حكایة الفلتة، فكانت بعد استقرار خلافته و تمكّن رعبه و هیبته فی قلوب الناس، و قد دعاه إلیها أنّه سمع أنّ عمّار بن یاسر كان یقول: لو قد مات عمر لبایعت علیّا علیه السلام- كما اعترف به الجاحظ، و حكاه عنه ابن أبی

ص: 464


1- كذا، و الظاهر: یثق- بتقدیم الیاء المثناة علی الثاء المثلثة-.

الحدید (1)

قال: و قال غیره ..: إنّ المعزوم علی بیعته لو مات (2) عمر كان (3) طلحة ابن عبید اللّٰه (4)، و یدلّ علی أنّ قصّة الفلتة كانت لمثل ذلك ما فی روایة طویلة رواها البخاری (5) و غیره (6) من قول عمر فی خطبته أنّه: بلغنی أنّ قائلا منكم یقول: لو مات أمیر المؤمنین لبایعت فلانا، فلا یغرّنّ امرأ أن یقول إنّ بیعة أبی بكر كانت فلتة و تمّت، فلقد كان كذلك، و لكن وقی (7) اللّٰه شرّها.

فخاف من بطلان ما مهّدوه و عقدوا علیه العهود و المواثیق من بذل الجهد و استفراغ الوسع فی صرف الأمر عن أمیر المؤمنین علیه السلام و منعه عنه، و مع ذلك هاج الضغن الكامن فی صدره فلم یقدر علی إخفائه و الصبر علیه، فظهر منه مثل هذا الكلام.

و أمّا ما ذكره من أنّ الأخبار التی رواها السیّد رضی اللّٰه عنه غیر موجودة فی الكتب، فلیس غرضه من إیرادها إلّا نوع تأیید لما ذكره من أنّ ادّعاءهم العلم الضروریّ من قبیل المجازفة، و من راعی جانب الإنصاف و جانب الاعتساف علم أنّ الأمر كما ذكره.

ثم قال ابن أبی الحدید (8): اعلم أنّ هذه اللفظة و أمثالها كان عمر یقولها بمقتضی ما جبله اللّٰه تعالی علیه من غلظ الطینة و جفاء الطبیعة، و لا حیلة له فیها، لأنّه مجبول علیها لا یستطیع تغییرها. و لا ریب عندنا أنّه كان یتعاطی أن

ص: 465


1- فی شرحه علی نهج البلاغة 2- 25.
2- فی (س) : كان، بدلا من: مات.
3- لا توجد: كان، فی شرح النهج.
4- فی (س) : عبد اللّٰه- مكبّرا-، و هو سهو.
5- صحیح البخاریّ 8- 208، كتاب المحاربین، باب 31.
6- منهم أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 55، و ابن هشام فی سیرته 2- 658، و ابن الأثیر فی جامع الأصول 4- 90، حدیث 2076، و لاحظ كتاب الصراط المستقیم 3- 302.
7- فی (س) : لقی.
8- فی شرحه علی النهج 2- 27، بتصرّف و اختصار.

یتكلّف (1) و أن یخرج ألفاظه مخارج حسنة لطیفة، فینزع به الطبع الجاسی و الغریزة الغلیظة إلی أمثال هذه اللفظات، و لا یقصد بها سوءا و لا یرید بها تخطئة و لا ذمّا (2)!، كما قدّمناه فی اللفظة التی قالها فی مرض رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و كاللفظات التی قالها عام الحدیبیّة .. و غیر ذلك (3)، و اللّٰه تعالی لا یجازی المكلّف إلّا بما نواه، و لقد كانت نیّته من أظهر (4) النیّات و أخلصها للّٰه سبحانه و المسلمین، و من أنصف علم أنّ هذا الكلام حقّ.

و یرد علیه أنّ اقتضاء الطبیعة و استدعاء الغریزة- الّتی جعله معذّرة له- إن أراد أنّه بلغ إلی حیث لم یبق (5) لعمر معه قدرة علی إمساك لسانه عن التكلّم بخلاف ما فی ضمیره، بل كان یصدر عنه الذّم فی مقام یرید المدح، و الشتم فی موضع یرید الإكرام، و یخرج بذلك عن حدّ التكلیف، فلا مناقشة فی ذلك، لكن مثل هذا الرجل یعدّه العقلاء فی زمرة المجانین، و لا خلاف فی أنّ العقل من شروط الإمامة.

و إن أراد أنّه یبقی مع ذلك ما هو مناط التكلیف فذلك ممّا لا یُسْمِنُ وَ لا یُغْنِی مِنْ جُوعٍ، فإنّ إبلیس استكبر علی آدم بمقتضی الجبلّة الناریّة و مع ذلك استحقّ النار و شملته اللعنة إلی یوم الدین، و الزانی إنّما یزنی بمقتضی الشهوة التی جبله اللّٰه علیها و لا حیلة له فیها، و مع ذلك یرجم و لا یرحم.

و نعم ما تمسّك به فی إصلاح هذه الكلمة من قول عمر- فی مرض رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: إنّ الرجل لیهذو، أو إنّ الرجل لیهجر-، و ردّه علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: حسبنا كتاب اللّٰه، كما سیأتی (6)

ص: 466


1- فی المصدر: أن یتلطّف ..
2- فی شرح النهج بعد قوله و لا ذمّا: و لا تخطئة- بتقدیم و تأخیر-.
3- سیأتی بحثها فی مطاعن عمر مفصّلا مع مصادرها، و انظر: الطرائف 2- 479، و غیره.
4- فی المصدر: أطهر- بالطاء المهملة-.
5- نسخة فی (ك) : أنّه لم یبق.
6- سیأتی مفصّلا كلامه و مصادره.

إن شاء اللّٰه تعالی.

و هذا فی الحقیقة تسلیم لما ذكره السیّد رضی اللّٰه عنه من أنّه لا یخرج هذا الكلام من أن یكون طعنا علی أبی بكر إلّا (1) بأن یكون طعنا علی عمر.

ثم قال ابن أبی الحدید (2): و قول المرتضی: قد یتّفق من ظهور فضل غیر أبی بكر، و خوف الفتنة ما اتّفق لأبی بكر فلا یستحقّ القتل، فإنّ لقائل أن یقول:

إنّ عمر لم یخاطب بهذا إلّا أهل عصره، و كان یذهب إلی أنّه لیس فیهم كأبی بكر، و لا من یحتمل له أن یبایع فلتة كما احتمل ذلك لأبی بكر، فإن اتّفق أن یكون فی عصر آخر بعد عصره من یظهر فضله، و یكون فی زمانه كأبی بكر فی زمانه فهو غیر داخل فی نهی عمر و تحریمه.

و یرد علیه ظاهر (3) مثل هذا الخطاب عمومه لما بعد عصر الخطاب، و لذلك لم یخصّص أحد ما ورد فی الأخبار من الأوامر و النواهی بزمان دون آخر.

و لو فرضنا اختصاص الحكم بأهل ذلك العصر نقول: من أین كان یعلم عمر أنّ مدّة خلافته- و العیاذ باللّٰه- لا یمتدّ حینا من الدهر یظهر للناس من فضل رجل من أهل ذلك العصر مثل ما ظهر لأبی بكر حتّی لا یستحقّ من دعا إلی بیعته القتل، فإنّ ظهور الفضل الذی زعمه لأبی بكر لم یكن ثابتا له فی جمیع عمره، بل إنّما توهّمه فیه من توهّم بعد حین و زمان، و لم یكن عمر خطب بهذه (4) الخطبة عند علمه بموته حتّی یعلم أنّه لیس فی أهل العصر من تمدّ إلیه الأعناق مثل أبی بكر فإنّه خطب بها أوّل جمعة دخل المدینة بعد انصرافه من الحجّ، و لم یكن طعنه أبو لؤلؤة حتّی یعلم أنّه سیموت و لا یبقی زمانا یمكن فیه ظهور فضل رجل من أهل العصر فكان اللائق أن یقیّد كلامه ببعض القیود و لا یهمل ذكر الشروط.

ص: 467


1- كلمة: إلّا، هنا عاطفة.
2- فی شرحه علی النهج 2- 37، بتصرّف.
3- فی (س) : أن ظاهر .. و وضع علی: أن، رمز الاستظهار و هو كذلك.
4- فی (س) : هذه، من دون الباء.

و لا یخفی أنّ ما جعله ابن أبی الحدید عذرا لعمر- من أنّه لیس فیهم كأبی بكر- باطل علی مذهبه، فإنّه یری (1) أمیر المؤمنین علیه السلام أفضل من أبی بكر (2)، علی أنّ اشتراط بلوغ الفضل إلی ما بلغه أبو بكر- لو سلّم له فضل- باطل من أصله، إذ لا یشترط فی الإمام- علی رأی من شرط أفضلیّة الإمام- إلّا كونه أفضل أهل زمانه لا كونه مثل من كان إماما فی زمان من الأزمان، و بطلان القول بأنّه لم یكن فی جملة المخاطبین حینئذ- و إن فرض تخصیص الخطاب بأهل ذلك العصر- من سبق غیره إلی الخیرات، أظهر من أن یخفی علی أحد.

و قال فی جامع الأصول (3)

فی تفسیر الفلتة-: الفجأة، و ذلك أنّهم لم ینتظروا ببیعة أبی بكر عامّة الصحابة، و إنّما ابتدرها عمر و من تابعه.

قال: و قیل الفلتة آخر لیلة من الأشهر الحرم فیختلفون فیها أ من (4) الحلّ هی أم من الحرام فیسارع الموتور إلی درك الثار فیكثر الفساد و یسفك (5) الدماء، فشبّه أیّام رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) بالأشهر الحرم، و یوم موته بالفلتة فی وقوع الشرّ من ارتداد العرب، و تخلّف الأنصار عن الطاعة، و منع من منع الزكاة، و الجری علی عادة العرب فی أن لا یسود القبیلة إلّا رجل منها.

و یجوز أن یرید بالفلتة: الخلسة، یعنی أنّ الإمامة یوم السقیفة مالت إلی تولّیها الأنفس و لذلك كثر فیها التشاجر، فما قلّدها أبو بكر إلّا انتزاعا من الأیدی

ص: 468


1- توجد كلمة: فی، بعد: یری فی (ك) .
2- حیث قال فی خطبة شرحه: الحمد للّٰه الذی قدّم المفضول علی الفاضل. و قد ورد عن طریق السنّة أنّ علیّا علیه السلام أفضل الصحابة، و قامت نصوص متظافرة علی أفضلیّة علیّ علیه السلام علی سائر الصحابة، و سنأتی علیها فی حینها- و نذكر منها مصادر الفردوس 3- 61، حدیث 4170 4182 [طبعة أخری: 3- 88، حدیث 3989- 4001]، و ذكرت مصادر فی الصراط المستقیم 2- 68- 73، و كشف الغمّة 1- 148، و نوادر الأثر فی كون علیّ (علیه السلام) خیر البشر: 33، و غیرها.
3- جامع الأصول 4- 98، ذیل حدیث 2076.
4- فی المصدر: من- بلا همزة-.
5- فی جامع الأصول: و تسفك.

و اختلاسا، و مثل هذه البیعة جدیرة أن تكون مهیّجة للفتن، فعصم اللّٰه (1) من ذلك و وقی شرّها، و ذكر مثل ذلك فی النهایة (2).

و أقول: إن سلّمنا أنّ لفظة الفلتة لا تدلّ علی الذمّ، و أنّه إنّما أراد بها محض حقیقتها فی اللغة، و هو الأمر الّذی یعمل فجأة من غیر تردّد و لا تدبّر (3) و كان مظنّة للشرّ و الفساد، ففی قوله: وقی اللّٰه شرّها، و أمره بقتل من دعا إلی مثلها، دلالة علی أنّه زلّة قبیحة و خطیئة فاحشة، فالمستفاد من اللفظة بمجرّدها- و إن كان أعمّ من الزلّة و الخطیئة- إلّا أنّه حمل علیها، بل علی أخصّ منها، لما هو فی قوّة المخصّصة له، فلیس كلّ زلة و خطیئة یستحقّ فاعلها القتل، و من له أدنی معرفة بأسالیب الكلام یعلم أنّهم یكتفون فی حمل اللفظ علی أحد المعانی فی صورة الاشتراك بأقلّ ممّا فی هذا الكلام، و قول عمر: من دعاكم إلی مثلها فاقتلوه .. و من عاد إلی مثلها فاقتلوه .. (4) .. و إن لم یكن موجودا فیما حكاه فی جامع الأصول (5) عن البخاری (6) إلّا أنّ كونه من تتمّة كلامه من المسلّمات عند الفریقین، و اعترف به ابن أبی الحدید (7)، و لا یریب عاقل فی أنّه لو وجد المتعصّبون منهم- كقاضی القضاة و الفخر الرازی و صاحب المواقف و شارحه و صاحب المقاصد و شارحه و غیرهم- سبیلا إلی إنكاره لما فاتهم ذلك، و لا احتاجوا إلی التأویلات الركیكة

ص: 469


1- فی جامع الأصول: فعصمهم اللّٰه.
2- النهایة لابن الأثیر 3- 467- 468.
3- و قد جاء فی القاموس 1- 154، و الصحاح 1- 260، و لسان العرب 2- 67، و النهایة 3- 467. و قد مرّ.
4- و قد ذكره ابن أبی الحدید فی شرحه 2- 26.
5- جامع الأصول 4- 91 فی حدیث 2076.
6- صحیح البخاریّ 12- 128- 135، فی مواطن متعدّدة فی أبواب المحاربین، الاعتراف بالزنا، باب رجم الحبلی فی الزنا إذا أحصنت، كتاب الاعتصام و غیرها من الأبواب، و ذكر فی صحیح مسلم مختصرا فی باب الحدود، حدیث 1691، باب رجم الثّیب.
7- فی شرحه علی النهج 2- 26.

الباردة.

و من تتبّع كتاب البخاری علم أنّ عادته فی الروایات المشتملة علی ما ینافی آراءهم الفاسدة إسقاطه من الروایة أو التعبیر بلفظ الكنایة تلبیسا علی الجاهلین، بل یترك الروایات المنافیة لعقائدهم رأسا، و قد قال ابن خلكان (1) فی ترجمة البخاری أنّه قال: صنّفت كتابی الصحیح من ستمائة ألف حدیث، و نحوه قال فی جامع الأصول (2)، و روی (3) عن مسلم أنّه أخرج صحیحه من ثلاثمائة ألف حدیث مسموعة، و عن أبی داود (4) أنّه انتخب ما أورده فی كتابه من خمسمائة ألف حدیث.

و من سنّة القوم تسمیة ما یخالف عقائدهم بغیر الصحیح، و لمّا كان اهتمام البخاری فی هذا المعنی أكثر من سائر من زعموا أنّ أخبارهم من صحاح الأخبار، فلذلك رفض المخالفون أكثر كتبهم فی الأخبار، و عظّموا كتاب البخاری- مع رداءته فی ترتیب الأبواب و ركاكته فی عنوانها- غایة التعظیم، و قدّموه علی باقی الكتب، و مع ذلك بحمد اللّٰه لا یشتبه علی من أمعن النظر فیه و فی غیره من كتبهم أنّها مملوّة من الفضائح، و مشحونة بالاعتراف بالقبائح.

و أمّا ما ذكره فی تفسیر الفلتة بآخر الأشهر الحرم و توجیهه فی ذلك، فقد عرفت ما فیه، و ما ذكره من تفسیره (5) بالخلسة فهو تفسیر صحیح، إلّا أنّ الحقّ أنّها خلسة و سرقة عن ذی الحق لا عن النفوس التی مالت إلی تولّی الإمامة، فإنّهم كانوا- أیضا- من السارقین، و الأخذ من السارق لا یسمّی اختلاسا، و هو واضح.

ص: 470


1- وفیات الأعیان 4- 190.
2- فی مقدّمة جامع الأصول 1- 186.
3- ابن الأثیر فی جامع الأصول 1- 188، و فی مقدّمة صحیح مسلم 1- 2.
4- و روی عنه فی جامع الأصول 1- 190، و جاء فی سنن أبی داود.
5- فی (ك) : تفسیرها.

الطعن الخامس:

أَنَّهُ تَرَكَ إِقَامَةَ الْحَدِّ وَ الْقَوَدِ فِی خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ وَ قَدْ قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَیْرَةَ وَ ضَاجَعَ امْرَأَتَهُ مِنْ لَیْلَتِهِ، وَ أَشَارَ إِلَیْهِ عُمَرُ بِقَتْلِهِ وَ عَزْلِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَی أَعْدَائِهِ (1). وَ قَالَ عُمَرُ مُخَاطِباً لِخَالِدٍ: لَئِنْ وُلِّیتُ الْأَمْرَ لَأَقِیدَنَّكَ لَهُ.

و قال القاضی فی المغنی (2)

ناقلا عن أبی علیّ- إِنّ (3) الردّة قد ظهرت من مالك، لأنّ فی الأخبار أنّه ردّ صدقات قومه علیهم لمّا بلغه موت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] كما فعله سائر أهل الردّة، فاستحقّ القتل (4).

قال أبو علی: و (5) إنّما قتله لأنّه ذكر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فقال:

صاحبك، و أوهم بذلك أنّه لیس بصاحب له، و كان عنده أنّ ذلك ردّة، و علم

ص: 471


1- و قد جاءت قصّة قتل خالد مالك بن نویرة فی تاریخ ابن جریر 2- 502، و الإصابة لابن حجر 2 القسم الأوّل- 99، و غیرهما. و انظر: الصّراط المستقیم 2- 279- 280، و غیره. و لكشف رأی الخلیفة فی قصّة مالك انظر: الغدیر 7- 158- 196، و قد حكی القصّة مفصّلا عن جملة من المصادر، و لاحظ: تاریخ أبی الفداء 1- 158، تاریخ الطّبریّ 3- 241 [طبعة أخری: 4- 66- 68]، تاریخ ابن الأثیر 3- 149 [طبعة أخری: 2- 536]، تاریخ ابن العساكر 5- 105- 112، تاریخ ابن كثیر 6- 321، تاریخ الخمیس 2- 233، تاریخ ابن شحنة- المطبوع فی هامش الكامل- 7- 165، أسد الغابة 4- 295، خزانة الأدب 1- 237، الإصابة 1- 414 و 3- 357. و الخلیفة الأوّل هو أوّل من فتح باب التّأویل و الاجتهاد، و قدّس ساحة المجرمین و البغاة، و محاباة رجال الجرائم و الانحرافات فی عمله فی قصّة خالد، إذ نزّهه بأعذار مفتعلة عن دنس آثامه الخطیرة، و درأ عن الحدّ بذلك، و تلك طامّة لحقتها طامّات، و بلیّة ما أكثر ما لقینا منها من بلیات إلی یومك هذا.
2- المغنی 20- القسم الأوّل-: 355.
3- فی المصدر: و هو أن ..
4- و قد جاء: فاستحقّ القتل، فی المغنی فی الصفحة: 354.
5- لا توجد الواو فی المصدر.

عند (1) المشاهدة المقصد- و هو أمیر القوم- فجاز أن یقتله، و إن كان الأولی أن لا یستعجل و أن یكشف الأمر فی ردّته حتّی یتّضح، فلهذا لم یقتله (2).

و بهذین الوجهین أجاب الفخر الرازی فی نهایة العقول (3) و شارح المواقف (4) و شارح المقاصد (5).

ثم قال قاضی القضاة (6): فإن قال قائل: فقد (7) كان مالك یصلّی؟ قیل له (8): و كذلك سائر أهل الردّة، و إنّما كفروا بالامتناع من الزكاة و اعتقادهم إسقاط وجوبها دون غیره.

فإن قیل: فلم أنكر عمر؟.

قیل (9): كان الأمر إلی أبی بكر فلا وجه لإنكار عمر، و قد یجوز أن یعلم أبو بكر من الحال ما یخفی علی (10) عمر.

فإن قیل: فما معنی ما روی عن أبی بكر من: أنّ خالدا تأوّل فأخطأ.

قیل: أراد تأوّل فی عجلته علیه بالقتل (11)، فكان الواجب عنده علی خالد

ص: 472


1- فی المغنی: إن، بدلا من: عند.
2- لا توجد: فی المصدر: فلهذا لم یقتله. و لا معنی لها، فتدبر.
3- نهایة العقول: مخطوط.
4- شرح المواقف للجرجانی 8- 358.
5- لم نجدهما فی شرح المقاصد للتفتازانی.
6- المغنی 20-- القسم الأوّل-: 355.
7- فی (ك) : لقد.
8- من قوله: فإن قال .. إلی قیل له، لا توجد فی المصدر، و جاءت فی الشافی 4- 161، و شرح النهج لابن أبی الحدید 17- 203.
9- فی المغنی: فإن قیل: فلم أنكر علیه عمر؟. قیل له ..، و لا توجد: له، فی الشافی، و ما جاء فی شرح النهج كالمتن.
10- نسخة جاءت فی (س) : عن، بدلا من: علی. و جاءت العبارة فی المصدر هكذا: و قد یجوز أنّه علم من حاله ما یخفی عن عمر.
11- فی المصدر: بالقول، بدلا من: بالقتل.

أن یتوقّف للشبهة (1).

و استدلّ أبو علی علی ردّة مالك بأنّ أخاه متمّم بن نویرة لمّا أنشد عمر مرثیة أخیه (2) قال له عمر: وددت أنّی أقول الشعر فأرثی زیدا كما رثیت أخاك. فقال له متمّم: لو قتل أخی علی مثل ما قتل علیه أخوك لما رثیته. فقال له عمر: ما عزّانی أحد كتعزیتك (3)، فدلّ هذا علی أنّه لم یقتل علی الإسلام (4).

ثم أجاب عن تزویجه بامرأته بأنّه إذا قتل علی الردّة فی دار الكفر جاز ذلك عند كثیر من أهل العلم و إن كان لا یجوز أن یطأها إلّا بعد الاستبراء، فأمّا وطئه لامرأته (5) فلم یثبت عنده، و لا یجوز (6) أن یجعل طعنا فی هذا الباب.

و اعترض علیه السیّد المرتضی رضی اللّٰه عنه فی الشافی (7) بقول: أمّا صنیع (8) خالد- فی قتل مالك بن نویرة و استباحة ماله و زوجته لنسبته إلی الردّة التی لم تظهر، بل كان الظاهر خلافها من الإسلام- فعظیم، و یجری مجراه فی العظم تغافل من تغافل عن أمره و لم یقم فیه حكم اللّٰه تعالی و أقرّه علی الخطإ الذی شهد هو به علی نفسه، و یجری مجراهما من أمكنه أن یعلم الحال فأهملها و لم یتصفّح ما

ص: 473


1- جاءت العبارة فی المغنی و الشافی: فكان عنده الواجب أن یتوقّف للشبهة، و فی المغنی زیادة لفظ: الاستنابة، بعد كلمة: للشبهة.
2- فی المصدر: مرثیته أخاه. أقول: و قد جاء قول متمّم فی الصراط المستقیم 2- 281 أیضا.
3- فی المغنی: بتعزیتك، و فی شرح النهج: بمثل تعزیتك.
4- فی المصدر و الشافی و شرح النهج زیادة: كما قتل زید، بعد: الإسلام.
5- لا توجد فی المغنی: لامرأته.
6- فی المصدر و الشافی و شرح النهج: و لا یصحّ، بدلا من: و لا یجوز.
7- الشافی 4- 162- 167. و فی الحجریّة منه: 422- 423. و جاء فی شرح النهج لابن أبی الحدید 17- 204- 207.
8- فی المصدر: أمّا صنع. و فی شرح النهج: أما منع ..

روی من الأخبار فی هذا الباب، و تعصّب لأسلافه (1) و مذهبه (2)، و كیف یجوز عند خصومنا علی مالك و أصحابه جحد الزكاة مع المقام علی الصلاة، و هما جمیعا فی قرن (3)؟! لأنّ العلم الضروری بأنّهما من دینه صلّی اللّٰه علیه و آله و شریعته علی حدّ واحد، و هل نسبة مالك إلی الردّة- بعد (4) ما ذكرناه- إلّا قدح فی الأصول و نقض لما تضمّنته من أنّ الزكاة معلومة ضرورة من (5) دینه صلّی اللّٰه علیه و آله؟.

و أعجب من كلّ عجیب قوله: و كذلك سائر أهل الرّدة- یعنی أنّهم كانوا یصلّون و یجحدون الزكاة-؟! لأنّا قد بیّنا أنّ ذلك مستحیل غیر ممكن، و كیف یصحّ ذلك و قد روی جمیع أهل النقل أنّ أبا بكر وصّی (6) الجیش الذین أنفذهم بأن یؤذّنوا و یقیموا، فإن أذّن القوم بأذانهم و أقاموا (7) كفّوا عنهم، و إن لم یفعلوا أغاروا علیهم؟! فجعل إمارة الإسلام و البراءة من الردّة الأذان و الإقامة، و كیف یطلق فی سائر أهل الردّة ما یطلقه من أنّهم كانوا یصلّون؟! و قد علمنا أنّ أصحاب مسیلمة و طلیحة و غیرهما ممّن ادّعی النبوّة و خلع الشریعة ما كانوا یصلّون (8) و لا شیئا ممّا جاءت به شریعتنا، و قصّة مالك معروفة عند من تأمّلها من كتب النقل و السیرة، و أنّه قد كان (9) علی صدقات قومه بنی یربوع والیا من قبل رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، فلمّا بلغته وفاة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله أمسك عن أخذ

ص: 474


1- فی (ك) : لإسلامه، و المذكور هنا أورده هناك نسخة بدل.
2- لا توجد فی المصدر: و تعصّب لأسلافه و مذهبه، و لكن أوردها ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 17- 202.
3- جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: القرن- بالتحریك-: حبل یجمع به البعیران. منه قدّس سرّه. انظر: القاموس 4- 258، و الصحاح 6- 2180، و غیرهما.
4- فی المصدر و شرح النهج: مع، بدلا من: بعد.
5- لا توجد كلمة: من، فی (ك).
6- فی الشافی و شرح النهج: لما وصّی ..
7- فی الشافی و شرح النهج: كأذانهم و إقامتهم.
8- فی المصدر و شرح النهج: ما كانوا یرون الصلاة ..
9- فی الشافی: عند من تأمّلها من أهل النقل لأنّه كان ..

الصدقة من قومه، و قال لهم: تربّصوا بها حتی یقوم قائم بعد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و ننظر ما یكون من أمره، و قد صرّح بذلك فی شعره حیث یقول:

و قالت رجال سدّد الیوم مالك*** و قال رجال، مالك لم یسدّد

فقلت دعونی لا أبا لأبیكم*** فلم أخط (1) وأیا (2) فی المقال و لا الید

و قلت خذوا أموالكم غیر خائف*** و لا ناظر فیما یجی ء به غدی (3)

فدونكموها إنّما هی مالك*** مصرّرة (4) أخلافها لم تجدّد

سأجعل نفسی دون ما تحذرونه*** و أرهنكم یوما بما قلته یدی

فإن قام بالأمر (5) المجدّد (6) قائم*** أطعنا و قلنا الدین دین محمّد

فصرّح- كما تری- أنّه استبقی الصدقة فی أیدی قومه رفقا بهم و تقرّبا إلیهم إلی أن یقوم بالأمر من یدفع ذلك إلیه.

وَ قَدْ رَوَی جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السِّیَرِ (7) وَ ذَكَرَهُ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ (8) أَنَّ مَالِكاً نَهَی قَوْمَهُ عَنِ الِاجْتِمَاعِ عَلَی مَنْعِ الصَّدَقَاتِ وَ فَرَّقَهُمْ، وَ قَالَ: یَا بَنِی یَرْبُوعٍ! إِنْ كُنَّا قَدْ عَصَیْنَا أُمَرَاءَنَا إِذْ دَعَوْنَا إِلَی هَذَا الدِّینِ، وَ بَطَّأْنَا النَّاسَ عَلَیْهِ (9) فَلَمْ نُفْلِحْ وَ لَمْ نُنْجِحْ، وَ إِنِّی قَدْ نَظَرْتُ فِی هَذَا الْأَمْرِ فَوَجَدْتُ الْأَمْرَ یَتَأَتَّی لَهُمْ بِغَیْرِ سِیَاسَةٍ، وَ إِذِ الْأَمْرُ لَا یَسُوسُهُ النَّاسُ فَإِیَّاكُمْ وَ مُعَادَاةَ قَوْمٍ یُصَنَّعُ لَهُمْ، فَتَفَرَّقُوا عَلَی ذَلِكَ إِلَی أَمْوَالِهِمْ،

ص: 475


1- لعلّه یقرأ فی البحار: فلم أحظ، بمعنی: لم أفضّل، كما فی الصحاح 6- 2316، و غیره.
2- فی المصدر و شرح النهج: رأیا، و الوأی: الوعد، كما نصّ علیه فی الصحاح 6- 2518.
3- فی الشافی: به عندی. و روی: من الغد.
4- فی (س) : مصردة. و هی بمعنی مقلّلة، كما فی لسان العرب 3- 249، و مصرّرة .. أی مجتمعة، قد ذكره فی اللسان 4- 452.
5- فی (ك) : بالأمن.
6- فی المصدر: المحدّث.
7- كابن الأثیر فی كامله 2- 358.
8- تاریخ الطّبریّ 3- 176 [3- 279- 280] حوادث سنة 11 ه، بتصرف و اختصار.
9- فی المصدر: عنه، بدلا من: علیه.

وَ رَجَعَ مَالِكٌ إِلَی مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ الْبِطَاحَ بَثَّ السَّرَایَا وَ أَمَرَهُمْ بِدَاعِیَةِ الْإِسْلَامِ، وَ أَنْ یَأْتُوهُ بِكُلِّ مَنْ لَمْ یُجِبْ، وَ أَمَرَهُمْ (1) إِنِ امْتَنَعَ أَنْ یُقَاتِلُوهُ، فَجَاءَتْهُ الْخَیْلُ بِمَالِكِ بْنِ نُوَیْرَةَ فِی نَفَرٍ مِنْ بَنِی یَرْبُوعٍ، وَ اخْتَلَفَتِ السَّرِیَّةُ فِی أَمْرِهِمْ، وَ فِی السَّرِیَّةِ (2) أَبُو قَتَادَةَ الْحَرْثُ بْنُ رِبْعِیٍّ، فَكَانَ (3) مِمَّنْ شَهِدَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذَّنُوا وَ أَقَامُوا وَ صَلَّوْا، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِیهِمْ أَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ فَحُبِسُوا، وَ كَانَتْ لَیْلَةٌ بَارِدَةٌ لَا یَقُومُ لَهَا شَیْ ءٌ، فَأَمَرَ خَالِدٌ مُنَادِیاً یُنَادِی: أَدْفِئُوا أُسَرَاءَكُمْ، فَظَنُّوا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ (4) بِقَتْلِهِمْ، لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تُسْتَعْمَلُ فِی لُغَةِ كِنَانَةَ لِلْقَتْلِ، فَقَتَلَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَدِ (5) مَالِكاً، وَ تَزَوَّجَ خَالِدٌ زَوْجَتَهُ أُمَّ تَمِیمٍ بِنْتَ الْمِنْهَالِ.

وَ فِی خَبَرٍ آخَرَ (6): أَنَّ السَّرِیَّةَ الَّتِی بُعِثَ بِهَا (7) خَالِدٌ لَمَّا غَشِیَتِ الْقَوْمَ تَحْتَ اللَّیْلِ رَاعُوهُمْ (8) فَأَخَذَ الْقَوْمُ السِّلَاحَ، قَالَ: فَقُلْنَا: إِنَّا لَمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا: وَ نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ. قُلْنَا: فَمَا بَالُ السِّلَاحِ؟. قَالُوا لَنَا: فَمَا بَالُ السِّلَاحِ مَعَكُمْ؟. قُلْنَا:

فَضَعُوا السِّلَاحَ. فَلَمَّا وَضَعُوا رُبِطُوا أُسَارَی، فَأُتُوا بِهِمْ خَالِداً، فَحَدَّثَ أَبُو قَتَادَةَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ بِأَنَّ الْقَوْمَ نَادَوْا بِالْإِسْلَامِ (9) وَ أَنَّ لَهُمْ أَمَاناً، فَلَمْ یَلْتَفِتْ خَالِدٌ إِلَی

ص: 476


1- لا توجد فی الشّافی: أمرهم.
2- فی المصدر: فیهم، و فیهم أبو قتادة ..، بدلا من: فی أمرهم و فی السّریّة. و ما هنا جاء فی شرح النّهج.
3- فی الشّافی: و كان.
4- وضع فی المطبوع من البحار علی: هم، رمز نسخة بدل.
5- فی المصدر: ضرار بن الحارث بن الأزور.
6- أورده الطّبریّ فی تاریخه 3- 280، و غیره.
7- فی الشّافی: فیها.
8- جاءت فی المصدر زیادة: له، قبل: راعوهم. و فی حاشیة (ك) ما یلی: راعوهم .. أی أفزعوهم، و خاف القوم منهم. منه (قدّس سرّه).
9- فی (ك) : الإسلام- بلا باء-.

قَوْلِهِ وَ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَ قَسَّمَ سَبْیَهُمْ، فَحَلَفَ أَبُو قَتَادَةَ أَنْ لَا یَسِیرَ تَحْتَ لِوَاءِ خَالِدٍ فِی جَیْشٍ أَبَداً، وَ رَكِبَ فَرَسَهُ شَادّاً (1) إِلَی أَبِی بَكْرٍ وَ أَخْبَرَهُ (2) بِالْقِصَّةِ، وَ قَالَ لَهُ: إِنِّی نَهَیْتُ خَالِداً عَنْ قَتْلِهِ فَلَمْ یَقْبَلْ قَوْلِی، وَ أَخَذَ بِشَهَادَةِ الْأَعْرَابِ الَّذِینَ غَرَضُهُمُ الْغَنَائِمُ، وَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ تَكَلَّمَ فِیهِ عِنْدَ أَبِی بَكْرٍ فَأَكْثَرَ (3)، وَ قَالَ: إِنَّ الْقِصَاصَ قَدْ وَجَبَ عَلَیْهِ، فَلَمَّا (4) أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ قَافِلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ عَلَیْهِ قَبَاءٌ لَهُ عَلَیْهِ (5) صَدَأُ (6) الْحَدِیدِ، مُعْتَجِراً (7) بِعِمَامَةٍ لَهُ قَدْ غَرَزَ فِی عِمَامَتِهِ أَسْهُماً (8)، فَلَمَّا دَخَلَ (9) الْمَسْجِدَ قَامَ إِلَیْهِ عُمَرُ فَنَزَعَ الْأَسْهُمَ عَنْ رَأْسِهِ فَحَطَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: یَا عُدَیَّ نَفْسِهِ! أَ عَدَوْتَ عَلَی امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَقَتَلْتَهُ ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَی امْرَأَتِهِ، وَ اللَّهِ لَنَرْجُمَنَّكَ (10) بِأَحْجَارِكَ .. وَ خَالِدٌ لَا یُكَلِّمُهُ وَ لَا یَظُنُّ إِلَّا أَنَّ رَأْیَ أَبِی بَكْرٍ مِثْلُ مَا رَأَی عُمَرُ فِیهِ، حَتَّی دَخَلَ إِلَی (11) أَبِی بَكْرٍ وَ اعْتَذَرَ إِلَیْهِ فَعَذَّرَهُ وَ تَجَاوَزَ عَنْهُ، فَخَرَجَ خَالِدٌ- وَ عُمَرُ جَالِسٌ فِی الْمَسْجِدِ فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَیَّ یَا ابْنَ أُمِّ شَمْلَةَ (12)، فَعَرَفَ عُمَرُ أَنَّ أَبَا

ص: 477


1- فی الشّافی: فركب فرسه شاذّا، أی مفردا، و هو الظّاهر.
2- فی المصدر: و خبّره.
3- جاء فی الشّافی: و أكثر.
4- فی (س) من البحار و فی شرح النّهج: و لمّا.
5- وضع فی (ك) علی: علیه، رمز نسخة بدل.
6- قال فی مجمع البحرین 1- 261: صدأ الحدید: وسخه.
7- فی (ك) : معتجزا. و ما أثبتناه هو الظّاهر. و الاعتجار: لفّ العمامة علی الرّأس و یردّ طرفها علی وجهه، و لا یجعل شیئا تحت ذقنه، قاله فی مجمع البحرین 3- 397. و أمّا الاعتجاز فلم یستعمل، و مجرّده إمّا من العجز أو التّعجّز، و یقال: تعجّزت البعیر .. أی ركبت عجزه.
8- فی المصدر: سهما.
9- فی الشّافی: فلمّا أن دخل. و هی نسخة جاءت فی (ك) .
10- فی المصدر: لأرجمنّك.
11- فی الشّافی: علی، بدلا من: إلی، و هو الظّاهر.
12- جاء فی حاشیة (ك) : ما یلی: الشّملة: كساء یشتمل به، كأنّه عیّر عمر بأنّ أمّها [كذا] كانت تلبسه لفقرها، و أمّ شملة: كنیة للدّنیا و للخمر أیضا، فلعلّه عیّره بهما، و علی الأخیرین یحتمل أن یكون خطابا لنفسه یتحما [كذا] بإقبال الدّنیا علیه و حصول سكر الدّولة له. منه (قدّس سرّه) . أقول: ما ذكره للشّملة و أمّ شملة من المعنی جاء فی القاموس 3- 403 فی مادّة شمل.

بَكْرٍ قَدْ رَضِیَ عَنْهُ فَلَمْ یُكَلِّمْهُ وَ دَخَلَ بَیْتَهُ.

وَ قَدْ رَوَی- أَیْضاً- أَنَّ عُمَرَ لَمَّا وُلِّیَ جَمَعَ مِنْ عَشِیرَةِ (1) مَالِكِ بْنِ نُوَیْرَةَ- مَنْ وَجَدَهُ مِنْهُمْ- وَ اسْتَرْجَعَ (2) مَا وَجَدَ عِنْدَ الْمُسْلِمِینَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَ نِسَائِهِمْ وَ أَوْلَادِهِمْ (3) فَرَدَّ ذَلِكَ جَمِیعاً عَلَیْهِمْ (4) مَعَ نَصِیبِهِ (5) كَانَ فِیهِمْ.

وَ قِیلَ: إِنَّهُ ارْتَجَعَ بَعْضَ نِسَائِهِمْ مِنْ نَوَاحِی دِمَشْقَ- وَ بَعْضُهُنَّ حَوَامِلُ فَرَدَّهُنَّ عَلَی أَزْوَاجِهِنَّ.

فالأمر ظاهر فی خطإ خالد و خطإ من تجاوز عنه، و قول صاحب المغنی (6) إنّه یجوز أن یخفی علی عمر ما یظهر لأبی بكر- لیس بشی ء، لأنّ الأمر فی قصّة خالد لم یكن مشتبها، بل كان مشاهدا معلوما لكلّ من حضر، و ما تأوّل به فی القتل لا یعذر لأجله، و ما رأینا أبا بكر حكم فیه (7) بحكم المتأوّل و لا غیره، و لا تلافی خطأه و زلله، و كونه: سیفا من سیوف اللّٰه- علی ما ادّعاه- لا یسقط عنه الأحكام، و لا یبرّئه من الآثام.

فأمّا قول متمّم: لو قتل أخی علی ما قتل علیه أخوك لما رثیته .. (8) فإنّه لا یدلّ علی أنّه كان مرتدّا، و كیف یظنّ عاقل أنّ متمّما یعترف بردّة (9) أخیه و هو

ص: 478


1- فی الشّافی: جمع من بقی من عشیرة ..
2- لا توجد فی (س) : من وجده منهم.
3- جاء فی المصدر بتقدیم و تأخیر: و أولادهم و نسائهم .. و جاء فی (ك) : فردّ ذلك علیهم جمیعا بتقدیم و تأخیر-.
4- فی (ك) : علیهم جمیعا.
5- فی الشّافی: مع نصیبه الّذی ..
6- فی المصدر: صاحب الكتاب.
7- فی المصدر: و تأوّله فی القتل إن كان تأوّل لا یعذره و ما رأیناه حكم فیه ..
8- الذی مرّ قریبا صفحة 473، و حكاه فی الصراط المستقیم 2- 281، و غیره.
9- فی الشافی: اعترف بردّة، و فی (س) : یعترف ردّة.

یطالب أبا بكر بدمه و الاقتصاص من قاتله و ردّ سبیه، فإنّما (1) أراد فی الجملة التقرّب إلی عمر بتقریظ (2) أخیه.

ثم لو كان ظاهر القول كباطنه (3) لكان إنّما یفید تفضیل قتلة زید (4) علی قتلة مالك، و الحال فی ذلك أظهر، لأنّ زیدا قتل فی بعث المسلمین ذابّا عن وجوههم، و مالك قتل علی شبهة، و بین الأمرین فرق.

فأمّا قوله فی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله: صاحبك .. فقد قال أهل العلم إنّه أراد القرشیة، لأنّ خالدا قرشیّ، و بعد فلیس فی ظاهر إضافته إلیه دلالة (5) علی نفیه له عن نفسه، و لو كان علم من مقصده الاستخفاف و الإهانة- علی ما ادّعاه صاحب المغنی (6)

لوجب أن یعتذر خالد بذلك (7) عند أبی بكر و عمر، و یعتذر به أبو بكر لمّا (8) طالبه عمر بقتله، فإنّ عمر ما كان یمنع من قتل قادح فی نبوّة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و إن كان الأمر علی ذلك فأیّ معنی لقول أبی بكر: تأوّل فأخطأ؟!، و إنّما تأوّل فأصاب، إن كان الأمر علی ما ذكر (9).

و أورد علیه ابن أبی الحدید (10): بأنّه لا ملازمة بین القول بوجوب الصلاة و بین القول بوجوب الزكاة، لأنّه لا تلازم بین العبادتین فی الوجود، و كونهما متشاركین فی العلم بهما من الدین ضرورة لا یقتضی امتناع سقوط أحدهما بشبهة، فإنّهم قالوا

ص: 479


1- فی المصدر: و إنّما.
2- أی بمدح أخیه، كما جاء فی القاموس 2- 398.
3- فی الشافی: هذا القول كما ظنّه، بدلا من: القول كباطنه.
4- فی المصدر: تفضیل زید و قتلته ..
5- فی الشافی: دلالته ..
6- فی المصدر: صاحب الكتاب.
7- هنا تقدیم و تأخیر فی الشافی، أی: بذلك خالد.
8- فی المصدر زیادة: له، قبل: لمّا.
9- فی الشافی: علی ما ذكره، و فی شرح النهج: علی ما ذكر- بلا ضمیر-. و حكاه ابن أبی الحدید فی شرح النهج 17- 202- 207 بألفاظ متقاربة.
10- شرح نهج البلاغة 17- 208، باختلاف و اختصار كثیر.

إنّ اللّٰه تعالی قال لرسوله صلّی اللّٰه علیه و آله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ... (1) الآیة. قالوا (2): فوصف اللّٰه الصدقة بأنّها من شأنها أن یطهّر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله الناس و یزكّیهم بأخذها منهم، ثم عقّب ذلك بأنّ فرض علیه- مع أخذ الزكاة منهم- أن یصلّی علیهم صلاة تكون سكنا لهم. قالوا:

و هذه صفات لا تتحقّق فی غیره، لأنّ غیره لا یطهّر الناس و لا یزكّیهم بأخذ الصدقة، و لا إذا صلّی علی النّاس كان صلاته سكنا لهم، فلم یجب علینا دفع الزكاة إلی غیره.

و الجواب: إنّ كلام قاضی القضاة صریح فی أنّ مالكا و أصحابه كفروا بالامتناع من الزكاة، و اعتقادهم إسقاط وجوبها، و لو كان الحال كما ذكره من أنّهم اعتقدوا سقوطها لشبهة و لم ینكروا وجوبها مطلقا لم یلزم كفرهم لإنكار أمر معلوم من الدین ضرورة، و فی كلام ابن أبی الحدید (3) اعتراف بذلك، حیث قال: إنّهم ما جحدوا وجوبها، و لكنّهم قالوا: إنّه وجوب مشروط، و لیس یعلم بالضرورة انتفاء كونها مشروطة، و إنّما یعلم ذلك بنظر و تأویل.

فبطل جواب القاضی و یتوجّه إیراد السید علیه.

و قد صرّح غیر ابن أبی الحدید- من أهل الخلاف- بأنّ مالكا و أصحابه لم یكفروا بمنعهم الزكاة، حكی شارح صحیح مسلم فی المنهاج (4) فی كتاب الإیمان

ص: 480


1- التوبة: 103.
2- لا توجد: قالوا، فی (س) .
3- فی شرحه علی النهج 17- 208.
4- المنهاج (و هو شرح صحیح مسلم للنووی) ، و لم نجد نصّ العبارة، و الذی فیه 1- 202 نقلا عن الخطابی فی شرح كلام أبی بكر، قال: ممّا یجب تقدیمه فی هذا أن یعلم أنّ أهل الردّة كانوا صنفین: صنف ارتدّوا عن الدین و نابذوا الملّة، و عادوا إلی الكفر، و هم الذین عناهم أبو هریرة بقوله: و كفر من كفر من العرب، و هذه الفرقة طائفتان: إحداهما: أصحاب مسیلمة من بنی حنیفة و غیرهم الذین صدّقوا علی دعواه فی النبوّة .. و الطائفة الأخری: ارتدّوا عن الدین، و أنكروا الشرائع، و تركوا الصلاة و الزكاة و غیرها من أمور الدین ... و الصنف الآخر: هم الذین فرّقوا بین الصلاة و الزكاة، فأقرّوا بالصلاة و أنكروا فرض الزكاة و وجوب أدائها إلی الإمام، و هؤلاء علی الحقیقة أهل بغی، و إنّما لم یدعوا بها الاسم فی ذلك الزمان خصوصا لدخولهم فی غمار أهل الردّة، فأضیف الاسم فی الجملة إلی الردّة، إذ كان أعظم الأمرین و أهمّها ..

كلاما استحسنه عن الخطّابی، و هذا لفظه، قال- بعد تقسیم أهل الرّدة إلی ثلاثة أقسام-: فأمّا مانعو الزكاة منهم المقیمون علی أصل الدین فإنّهم أهل بغی، و لم یسمّوا علی الانفراد منهم كفّارا و إن كانت الردّة قد أضیفت إلیهم لمشاركتهم المرتدّین فی منع بعض ما منعوه من حقوق الدین، و ذلك أنّ اسم الردّة اسم لغویّ، و كلّ من انصرف عن أمر كان مقبلا علیه فقد ارتدّ عنه، و قد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة و منع الحقّ و انقطع عنهم اسم الثناء و المدح بالدین، و علّق بهم الاسم القبیح لمشاركتهم القوم الذین كان ارتدادهم حقّا.

ثم قال- بعد كلام فی تقسیم خطاب اللّٰه- فإن قیل: كیف تأوّلت أمر الطائفة التی منعت الزكاة علی الوجه الذی ذهبت إلیه و جعلتهم أهل بغی؟! و هل إذا أنكرت طائفة من المسلمین فی زماننا فرض الصلاة (1) و الزكاة و امتنعوا من أدائها یكون حكمهم حكم أهل البغی؟!.

قلنا: لا، فإنّ من أنكر فرض الزكاة (2) فی هذا الزمان كان (3) كافرا بإجماع المسلمین، و الفرق بین هؤلاء و أولئك أنّهم إنّما (4) عذروا لأسباب و أمور لا یحدث مثلها فی هذا الزمان، منها: قرب العهد بزمان الشریعة الذی كان یقع فیه تبدیل الأحكام بالنسخ، و منها: إنّ القوم كانوا جهّالا بأمور الدین و كان عهدهم بالإسلام قریبا فدخلتهم الشبهة فعذروا، فأمّا الیوم و قد شاع دین الإسلام

ص: 481


1- فی (ك) خطّ علی كلمة: الصلاة.
2- فی (س) بدل الزكاة: الصلاة، ثمّ جعل الزكاة نسخة بدل.
3- لا توجد: كان، فی (س) .
4- وضع فی (ك) علی: إنّما: رمز نسخة بدل.

و استفاض فی المسلمین علم وجوب الزكاة حتّی (1) عرفها الخاصّ و العامّ و اشترك فیهم العالم و الجاهل، فلا یعذر أحد بتأویل یتأوّله فی إنكارها، و كذلك الأمر فی كلّ من أنكر شیئا ممّا أجمعت (2) الأمّة علیه من أمور الدین إذا كان علمه منتشرا كالصلوات الخمس و صوم شهر رمضان و الاغتسال من الجنابة و تحریم الزنا و الخمر و نكاح ذوات المحارم (3) و نحوها من الأحكام، إلّا أن یكون رجلا حدیث عهد بالإسلام و لا یعرف حدوده، فإنّه إذا أنكر شیئا منها جهلا به لم یكفر و كان سبیله سبیل أولئك القوم فی صدق اسم الدین علیه، فأمّا ما كان الإجماع فیه معلوما من طریق علم الخاصّة كتحریم نكاح المرأة علی عمّتها و خالتها، و إنّ القاتل عمدا لا یرث، و إنّ للجدّة السدس .. و ما أشبه ذلك من الأحكام، فإنّ من أنكرها لا یكفر بل یعذر فیها لعدم استفاضة علمها فی العامّة و نحوه.

قال فی شرح الوجیز (4) فی أوّل كتاب الجنایات: و أمّا التلازم بین العبادتین فی الوجود فأمر لم یدّعه السید و لا حاجة له إلی ادّعائها، و إنّما ادّعی الملازمة بین اعتقاد وجوب الصلاة و بین التصدیق بوجوب الزكاة علی الوجه الذی علم من الدین ضرورة، و خرج منكره عن الإسلام.

و الظاهر إنّ غرضه أنّ منكر الضروری إنّما یحكم بكفره لكون إنكاره ذلك كاشفا عن تكذیب الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و إنكار نبوّته، لا أنّ ذلك الإنكار فی نفسه علّة للحكم بالكفر، و لذلك لا یحكم بكفر من ادّعی شبهة محتملة، و لو دلّ دلیل علی كفر من أنكر ضروریا من الدین (5) مخصوصا مطلقا لم یحكم (6)

ص: 482


1- لا توجد: حتی، فی (س) .
2- فی (ك) : اجتمعت.
3- خطّ فی (س) علی الألف و اللام من كلمة: المحارم.
4- شرح الوجیز، و لم نحصل علیه للتخریج.
5- لا توجد فی (س) : من الدین.
6- فی (س) : نحكم.

بكفره، لكون ذلك الإنكار من أفراد هذا الأمر الكلّی، بل لقیام ذلك الدلیل بخصوصه، و الظاهر أنّ من أنكر ضروریّا من الدین- لا لشبهة قادته إلی الإنكار لم ینفكّ إنكاره ذلك عن (1) إنكار سائر الضروریات، و تكذیب الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

و ما یشاهد فی بعض الناس من نفی بعض الضروریات كحدوث العالم و المعاد الجسمانی و نحو ذلك مع الإقرار فی الظاهر بنبوّة نبیّنا صلّی اللّٰه علیه و آله و اعترافهم بسائر الضروریات و ما جاء به النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فذلك لأحد الأمرین: إمّا لكونهم ضالّین لشبهة اعترتهم فیما زعموه كتوهّمهم كون أباطیل بعض الفلاسفة و سائر الزنادقة برهانا یوجب تأویل الأدلّة السمعیة و نحو ذلك، أو لكونهم منكرین للنبوّة فی الباطن و لكن لخوف القتل و المضارّ الدنیویّة لا یتجرّءون (2) علی إنكار غیر ما كشفوا عن إنكاره من الضروریات، و أمّا إظهارهم إنكار ذلك البعض فلارتفاع الخوف فی إظهاره لاختلاط عقائد الفلاسفة و غیرهم بعقائد المسلمین بحیث لا تتمیّز إحداهما عن الأخری إلّا عند من عصمه اللّٰه سبحانه، فمن دخل منهم تحت القسم الأول یشكل الحكم بخروجهم عن الإسلام، لكون ما أنكروه غیر ضروریّ فی حقّهم و إن صدق علیه عنوان الضرورة بالنسبة إلی غیرهم، و لا ینافی ذلك أن یكونوا من أهل الضلال معاقبین علی إنكارهم لاستناده إلی تقصیر منهم فی طلب الحقّ.

و أمّا القسم الثانی فخروجهم عن الإسلام لإنكار النبوّة، فظهر أنّ إنكار أمر ضروریّ علی وجه یوجب الكفر لا ینفكّ عن إنكار النبوّة المستلزم لإنكار سائر الضروریات.

فإن قیل: من أین یعلم أنّ مالكا و أصحابه لم یكونوا من القسم الثانی، فلعلّهم لم ینكروا الصلاة فی الظاهر لأمر دنیوی.

ص: 483


1- فی (س) : علی، بدلا من: عن.
2- فی (ك) : لا یجترون.

قلنا: أوّلا: هذا خلاف ما اعترف به ابن أبی الحدید و قاضی القضاة و الخطابی .. و غیرهم (1).

و ثانیا: إنّ مالكا و أصحابه لو كانوا مشفقین من أهل الإسلام أو بقی لهم مطمع فیهم لما أعلنوا بالعداوة، و لم یریدوا قتال المسلمین كما زعمه الجمهور، علی أنّه لا نزاع فی إسلامهم قبل ذلك الامتناع، فقد كان عاملا من قبل رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله علی صدقات قومه- كما رواه أرباب السیر منهم (2)

، و إذا ثبت إسلامهم و أقرّوا فی الظاهر بسائر الضروریات لم یحكم بكفرهم بمجرّد ذلك الامتناع المحتمل للأمرین، بل لأمر ثالث: و هو أن یكون منعهم مستندا إلی الشحّ و البخل، فلم یلزم كفرهم كما ادّعاه قاضی القضاة و غیرهم، و لم یجز (3) سبی ذراریهم و نسائهم و أخذ أموالهم كما فعلوا و إن جاز قتالهم لأخذ الزكاة لو أصرّوا علی منعها علی الوجه الأخیر، بعد أن یكون المتصدّی للأخذ مستحقّا له.

و أمّا إذا استند المنع إلی الشبهة فكان الواجب علی من تصدّی للأخذ (4) و أراد القتال أن یبدأ (5) بإزالة شبهتهم، كما صرّح به فقهاؤهم فی جمهور أهل البغی.

قال فی شرح الوجیز فی بحث البغاة من كتاب الجنایات (6): لا یبدءون بالقتال حتّی یبدءوا و لیبعث الإمام أمینا ناصحا یسألهم ما ینقمون، فإن علّلوا امتناعهم بمظلمة أزالها، و إن ذكروا شبهة كشفها لهم، و إن لم یذكروا شیئا نصحهم و وعظهم و أمرهم بالعود إلی الطاعة، فإن أصرّوا آذنهم بالقتال .. إلی آخر ما قال.

ص: 484


1- مرّت المصادر قریبا، فراجع.
2- كالطبری فی تاریخه 3- 277، و ابن الأثیر فی كامله 2- 358، و غیرهما فی غیرهما.
3- قد تقرأ ما فی (س) : و لم یخبر، و لا معنی لها هنا.
4- لا توجد جملة: علی من تصدّی للأخذ، فی (س) .
5- فی (ك) : یبدءوا.
6- شرح الوجیز، و لم نحصل علیه.

فكان علی خالد أن یسألهم أولا عن شبهتهم و یبیّن لهم بطلانها، ثم إن أصرّوا علی الامتناع و الخروج عن الطاعة قاتلهم، و لم ینقل أحد أنّ خالدا و أصحابه أزاح لهم علّة أو أبطل لهم شبهة، و لا أنّهم أصرّوا علی العصیان، بل قد سبق (1) فی القصّة التی رواها السیّد و صدّقه ابن أبی الحدید (2) أنّهم قالوا: نحن مسلمون، فأمرهم أصحاب خالد بوضع السلاح، و لمّا وضعوا أسلحتهم ربطوهم أساری، و كان علی أبی بكر أن ینكر علی خالد و یوضّح سوء صنیعه للناس، لا أن یلقاه بوجه یخرج من عنده و یستهزئ بعمر و یقول له: هلمّ إلیّ یا ابن أمّ شملة!.

و قد روی كثیر من مؤرّخیهم- منهم صاحب روضة الأحباب (3)

أنّه قبض علی قائمة سیفه و قال لعمر ذلك.

و لا یذهب علی من له نصیب من الفهم أنّه لو شمّ من أبی بكر رائحة من الكراهة أو التهدید لما اجترأ علی عمر بالسخریة و الاستهزاء، و الأمر فی ذلك أوضح من أن یحتاج إلی الكشف و الإفصاح، هذا مع أنّه قد اعترف أبو بكر بخطإ خالد- كما رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (4)

حَیْثُ قَالَ: لَمَّا قَتَلَ خَالِدٌ مَالِكَ بْنَ نُوَیْرَةَ وَ نَكَحَ امْرَأَتَهُ كَانَ فِی عَسْكَرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِیُّ، فَرَكِبَ فَرَسَهُ وَ الْتَحَقَ بِأَبِی بَكْرٍ، وَ حَلَفَ أَنْ لَا یَسِیرَ فِی جَیْشٍ تَحْتَ لِوَاءِ خَالِدٍ أَبَداً، فَقَصَّ عَلَی أَبِی بَكْرٍ الْقِصَّةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ فَتَنَتِ الْغَنَائِمُ الْعَرَبَ، وَ تَرَكَ خَالِدٌ مَا أَمَرْتُهُ (5). فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ عَلَیْكَ أَنْ تُقَیِّدَهُ بِمَالِكٍ، فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ، وَ قَدِمَ خَالِدٌ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ عَلَیْهِ ثِیَابٌ قَدْ صُدِئَتْ مِنَ الْحَدِیدِ، وَ فِی عِمَامَتِهِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ قَالَ: أَ رِیَاءً! یَا عَدُوَّ اللَّهِ؟، عَدَوْتَ عَلَی رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ فَقَتَلْتَهُ وَ نَكَحْتَ امْرَأَتَهُ، أَمَا وَ اللَّهِ إِنْ أَمْكَنَنِیَ اللَّهُ (6)

ص: 485


1- فی هذا الطعن صفحة: 476.
2- شرح نهج البلاغة 17- 206.
3- روضة الأحباب، انظر: التعلیقة رقم (4) فی صفحة (432) ، من هذا المجلد.
4- شرح ابن أبی الحدید لنهج البلاغة 1- 179.
5- فی المصدر: ما أمر به.
6- فی المصدر زیادة: منك، بعد لفظ الجلالة.

لَأَرْجُمَنَّكَ، ثُمَّ تَنَاوَلَ الْأَسْهُمَ مِنْ عِمَامَتِهِ فَكَسَرَهَا، وَ خَالِدٌ سَاكِتٌ لَا یَرُدُّ عَلَیْهِ ظَنّاً أَنَّ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ أَبِی بَكْرٍ وَ رَأْیِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَی (1) أَبِی بَكْرٍ وَ حَدَّثَهُ صَدَّقَهُ (2) فِیمَا حَكَاهُ وَ قَبِلَ عُذْرَهُ، فَكَانَ عُمَرُ یَحْرِصُ (3) أَبَا بَكْرٍ عَلَی خَالِدٍ وَ یُشِیرُ عَلَیْهِ أَنْ یَقْتَصَّ مِنْهُ بِدَمِ مَالِكٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِیهاً (4) یَا عُمَرُ! مَا هُوَ بِأَوَّلِ مَنْ أَخْطَأَ! فَارْفَعْ لِسَانَكَ عَنْهُ (5)! ثُمَّ وَدَی مَالِكاً مِنْ بَیْتِ مَالِ الْمُسْلِمِینَ، انْتَهَی.

فقوله ما هو بأوّل من أخطأ! .. صریح فی أنّه كان مخطئا فی زعمه أیضا، و أمّا تصدیقه و قبول عذره فكان للأغراض الدنیویّة، و إلّا فالتنافی بینه و بین قوله:

ما هو بأوّل من أخطأ، و أداء دیة مالك من بیت المال (6) واضح.

و بالجملة، لم ینقل أحد من أرباب السیر أنّ أبا بكر أنكر خطأ خالد، و إنّما ذكروا أنّه قال: لا أغمد سیفا سلّه اللّٰه علی الكفّار (7)، قیل: و ذلك- علی تقدیر صحّته- لیس إلّا تمسّكا بخبر موضوع

رووه مرسلا عن أبی هریرة الكذّاب أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله قال: نعم عبد اللّٰه، خالد سیف من سیوف اللّٰه.

و روی ذلك فی خبر طویل یلوح من صدره إلی عجزه آثار الوضع (8)، و الأظهر أنّه لیس غرضه التمسّك بالخبر، بل إنّما جعله سیفا سلّه (9) اللّٰه علی الكفّار لمعاونته له علی التسلّط علی الأخیار.

ص: 486


1- خطّ علی كلمة: علی، فی (س) ، و كتب علیها: كذا. و فی المصدر بدلا منها: إلی.
2- لا توجد كلمة: صدّقه، فی (س) .
3- فی شرح النّهج: یحرّض- بالضاد المعجمة-.
4- قال فی الصّحاح 6- 2226: إیه: اسم سمّی به الفعل .. فإذا أسكتّه و كففته قلت: إیها عنّا، و إذا أردت التّبعیّة قلت: أیها- بفتح الهمزة- بمعنی هیهات.
5- فی (س) : عنهم.
6- كما ذكره ابن الأثیر فی كامله 2- 359.
7- انظر مثلا: الكامل فی التاریخ لابن الأثیر 2- 359، و تاریخ الطبریّ 3- 279، و غیرهما.
8- و جاء فی مثل الكامل فی التاریخ لابن الأثیر 3- 359، و تاریخ الطبریّ 3- 279، و یوجد فی صحیحی البخاری و مسلم، كما حكاه عنهما فی كتاب الصراط المستقیم ..
9- نسخة فی (ك) : سلطه، بدلا من: سله.

و قد (1) ذكر ابن الأثیر فی الكامل (2) تبرّی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله من صنیع خالد، و أنّه صلّی اللّٰه علیه و آله وبّخه لكلامه لعبد الرحمن بن عوف، و أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أرسل أمیر المؤمنین علیه السلام لإصلاح ما أفسده.

كما مرّ (3) و سیأتی فی أبواب فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام (4).

و قد اعترف ابن أبی الحدید (5) بأنّ خالدا: كان جبّارا فاتكا (6) لا یراقب الدّین فیما یحمله علیه غضبه و هوی نفسه.

وَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِی الْإِسْتِیعَابِ (7) فِی تَرْجَمَةِ مَالِكِ بْنِ نُوَیْرَةَ (8): قَالَ الطَّبَرِیُّ (9): بَعَثَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (10) مَالِكَ بْنَ نُوَیْرَةَ عَلَی صَدَقَةِ بَنِی یَرْبُوعٍ- وَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ هُوَ وَ أَخُوهُ: مُتَمِّمٌ الشَّاعِرُ (11)

فَقَتَلَ خَالِدٌ مَالِكاً بِظَنِّ (12) أَنَّهُ ارْتَدَّ- حِینَ وَجَّهَهُ أَبُو بَكْرٍ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ-، وَ قَدِ اخْتُلِفَ فِیهِ هَلْ قَتَلَهُ مُسْلِماً أَوْ

ص: 487


1- وضع علی: قد، رمز نسخة بدل، فی (ك) .
2- الكامل 2- 256، 3- 173- 174 و 180.
3- بحار الأنوار 21- 139- 146 حدیث 1- 7 باب 27 عن أمالی الشیخ الصدوق: 104- 105، و الخصال 2- 152، و أمالی الشیخ الطوسیّ: 317 و غیرها.
4- بحار الأنوار 39- 90.
5- فی شرحه علی النهج 17- 214، باختلاف یسیر.
6- الفاتك: الجری ء، و الفتك: أن یأتی الرجل صاحبه و هو غارّ غافل حتّی یشدّ علیه فیقتله ... و فی الحدیث: «قید الإیمان الفتك، لا یفتك مؤمن» قاله فی الصحاح 4- 1602، و مثله فی النهایة 3- 409، إلّا أنّه ذكر الحدیث هكذا: «الإیمان قید الفتك». و یحتمل قویّا تعدّد الروایة عندهما.
7- الاستیعاب المطبوع علی هامش الإصابة 3- 515.
8- كذا، و الصّحیح: متمّم بن نویرة أخوه.
9- فی تاریخه 3- 591.
10- فی المصدر: بتقدیم و تأخیر.
11- لا توجد: الشّاعر، فی المصدر، و فیه: قال أبو عمر: أمّا مالك فقتله خالد بن الولید، و اختلف فیه هل قتله مرتدّا أو مسلما، و أمّا متمّم فلم یختلف فی إسلامه و كان شاعرا محسنا ..
12- فی (ك) : یظنّ.

مُرْتَدّاً؟- وَ اللَّهُ- أَعْلَمُ (1) قَتَلَهُ خَطَأً، وَ أَمَّا مُتَمِّمٌ فَلَا شَكَّ فِی إِسْلَامِهِ، انْتَهَی (2).

و ممّا یدلّ علی سوء صنیع (3) خالد أنّ عمر لمّا نزع الأسهم من رأسه و قال ما قال، لم یردّ علیه و لم ینكره، و ظاهر للمصنف أنّه لو كان له عذر، و لم یكن خائفا لخیانته لأبدی عذره، و لما صبر علی المذلّة.

وَ قَدْ رَوَی أَصْحَابُنَا (4)

أَنَّ مَالِكاً إِنَّمَا مَنَعَ أَبَا بَكْرٍ الزَّكَاةَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُ- لَمَّا سَأَلَ أَنْ یُعَلِّمَهُ الْإِیمَانَ-: هَذَا وَصِیِّی مِنْ بَعْدِی- وَ أَشَارَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ- فَلَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ رَجَعَ فِی بَنِی تَمِیمٍ إِلَی الْمَدِینَةِ فَرَأَی أَبَا بَكْرٍ عَلَی مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَتَقَدَّمَ إِلَیْهِ، وَ قَالَ: مَنْ أَرْقَاكَ هَذَا الْمِنْبَرَ وَ قَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ وَصِیَّهُ، وَ أَمَرَنِی بِمُوَالاتِهِ؟!. فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِإِخْرَاجِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَخْرَجَهُ قُنْفُذُ بْنُ عُمَیْرٍ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ، ثُمَّ وَجَّهَ أَبُو بَكْرٍ خَالِداً وَ قَالَ لَهُ: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا قَالَ، وَ لَسْتُ آمَنُ أَنْ یَفْتُقَ عَلَیْنَا فَتْقاً لَا یَلْتَئِمُ فَاقْتُلْهُ، فَقَتَلَهُ خَالِدٌ وَ تَزَوَّجَ بِامْرَأَتِهِ فِی لَیْلَتِهِ.

و لو تنزّلنا عن ذلك و فرضنا أنّ مالكا و أصحابه كفروا بمنع الزكاة، فلا ریب فی إسلام النساء و الذراری، و لیس ارتداد الرجال بمنعهم الزكاة موجبا لكفر النساء و الذراری وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری (5)، فما العذر فی سبی خالد

ص: 488


1- فی حاشیة (ك) كتبت: و أراه، و رمز لها برمز مشوش، و لم یظهر محلّه جیّدا، و لعلّها نسخة بدل من: أعلم.
2- و لاحظ: الإصابة فی تمییز الصّحابة لابن الحجر العسقلانیّ 3- 357 برقم 7696 فی ترجمة مالك بن نویرة، و أسد الغابة 4- 295، و سیرة ابن هشام 4- 247، و سیرة ابن كثیر 3- 591، و غیرها فی هذا الموضوع.
3- فی متن (ك) : ضع. و الظاهر أنّها: صنع، و جعل فیها: صنیع، نسخة بدل.
4- و قد سلف منّا و حكاه عن الفضائل لابن شاذان، و جاء أیضا فی الصّراط المستقیم 2- 280 عن البراء عن كتاب الواحدة للشّیخ القمّیّ، و غیره.
5- الأنعام: 164، و الإسراء: 15، و فاطر: 18، و الزمر: 7.

و إغماض أبی بكر عن غصب الفروج و الزنا حتی ردّ عمر بن الخطاب الأموال و النساء الحوامل إلی أزواجهنّ؟.

وَ سَیَأْتِی (1) فِی بَابِ أَحْوَالِ أَوْلَادِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمَّا سُبِیَتِ الْحَنَفِیَّةُ- فِیمَنْ سُبِیَ- وَ نَظَرَتْ إِلَی جَمْعِ النَّاسِ، عَدَلَتْ إِلَی تُرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَرَنَّتْ رَنَّةً (2)، وَ زَفَرَتْ (3) قال فی القاموس 2- 39: زفر یزفر زفرا و زفیرا: أخرج نفسه بعد مدّه إیّاه. و قال فی الصّحاح 2- 670: الزّفیر: اغتراق النّفس للشّدّة.(4) وَ أَعْلَنَتْ بِالْبُكَاءِ وَ النَّحِیبِ، ثُمَّ نَادَتْ: السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْكَ وَ عَلَی أَهْلِ بَیْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ، هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ سَبَوْنَا (5) سَبْیَ النُّوبِ وَ الدَّیْلَمِ، وَ اللَّهِ مَا كَانَ لَنَا إِلَیْهِمْ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا الْمَیْلُ إِلَی أَهْلِ بَیْتِكَ، فَجُعِلَتِ الْحَسَنَةُ سَیِّئَةً وَ السَّیِّئَةُ حَسَنَةً، فَسُبِینَا، ثُمَّ انْعَطَفَتْ إِلَی النَّاسِ وَ قَالَتْ: لِمَ سَبَیْتُمُونَا؟! وَ قَدْ أَقْرَرْنَا بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) ؟!. قَالُوا: أمنعتمونا [مَنَعْتُمُونَا] (6) الزَّكَاةَ. قَالَتْ: هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ (7) مَنَعُوكُمْ، فَمَا بَالُ النِّسَاءِ؟. فَسَكَتَ الْمُتَكَلِّمُ كَأَنَّمَا أُلْقِمَ حَجَراً (8).

وَ قَدْ رُوِیَ (9)

أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَخَذَهَا بَعَثَهَا إِلَی أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ حَتَّی جَاءَ أَخُوهَا فَتَزَوَّجَهَا،.

و یظهر بذلك بطلان ما تمسّك به بعضهم من أنّه لو كان السبی ظلما لما أخذ أمیر المؤمنین علیه السلام من سبیهم، و لو كان أمیر

ص: 489


1- بحار الأنوار 42- 85. و حكاه عن الخرائج 2- 589- 593، و جاء أیضا فیه 2- 562- 565. و فی مدینة المعاجز: 350، حدیث 98، و إثبات الهداة 5- 92، حدیث 45 ملخصا، و جاء فی البحار 41- 302 مع فرق یسیر.
2- رنّت المرأة ترنّ رنینا و أرنّت أیضا: صاحت. قاله فی الصّحاح 5- 2127.
3-
4- زَفْرَةً (4) لا توجد كلمة: زفرة فی (ك) ، و لا فی المجلّد الثّانی و الأربعین من البحار المطبوع.
5- فی الخرائج: سبینا.
6- فی المصدر: منعتمونا.
7- فی الخرائج: هب الرّجال.
8- أی فكأنّما جعل الحجر لقمة له، و هو كنایة عن السّكوت النّاشئ من العجز عن الجواب.
9- بحار الأنوار 42- 87 و 41- 304.

المؤمنین علیه السلام تزوّجها لكونها من السبی لردّها عمر فیمن ردّ.

و من نظر فی القصّة حقّ النظر علم أنّ ما صنعه خالد لم یكن إلّا لأخذ الغنیمة و الطمع فی النساء و الذراری و أحقاد الجاهلیّة.

و قد روی مؤلّف روضة الأحباب (1) أنّه لمّا أحضر مالك للقتل جاءت زوجته أمّ تمیم بنت المنهال- و كانت من أجمل نساء زمانها- فألقت نفسها علیه، فقال لها:

اعزبی عنّی، فما قتلنی غیرك (2).

و قال الزمخشری فی أساس البلاغة (3): أقتله و (4) عرضه (5) للقتل كما قال مالك بن نویرة لامرأته حین رآه (6) خالد بن الولید: أقتلتنی بامرأة (7)؟ یعنی سیقتلنی خالد بن الولید (8) من أجلك.

و قال ابن الأثیر فی النهایة (9) فی حدیث خالد: إنّ مالك بن نویرة قال لامرأته یَوْمَ قَتْلِهِ خَالِدٌ: أَقْتَلْتِنِی ..؟! أی عرّضتنی للقتل بوجوب الدّفع (10) عنك و المحاماة علیك- و كانت جمیلة تزوّجها (11) خالد بعد قتله.

ثم إنّ ابن أبی الحدید (12) روی عن الطبری (13) عذرا لخالد، و ساق الروایة

ص: 490


1- روضة الأحباب: .. انظر: التعلیقة رقم (4) فی صفحة 432 من هذا المجلد.
2- و جاء فی الإصابة 3- 357 ترجمة 7696.
3- أساس البلاغة: 354، فی مادة قتل.
4- لا توجد الواو فی المصدر: و هو الصحیح.
5- فی (س) : عوضه، و هو سهو ظاهرا.
6- فی المصدر: رآها، و هو الظاهر، و فی (س) : رؤیا.
7- فی أساس البلاغة: یا مرأة، و هو الظاهر.
8- لا توجد فی المصدر: بن الولید.
9- النهایة 4- 15.
10- فی المصدر: الدفاع، بدلا من: الدفع.
11- فی النهایة: و تزوّجها.
12- فی شرحه علی النهج 17- 205- 206، و انظر فیه 1- 179.
13- تاریخ الطبریّ 3- 278. و جاء فی الكامل لابن الأثیر 2- 358.

إلی قوله: فلمّا اختلفوا فیهم أمر بهم خالد فحبسوا- و كانت لیلة باردة لا یقوم لها شی ء- فأمر خالد منادیا ینادی: أدفئوا أسراءكم .. فظنّوا أنّه (1) أمر بقتلهم، لأنّ هذه اللّفظة تستعمل فی لغة كنانة فی القتل (2)، فقتل ضرار بن الأزور مالكا ..

و أنّ (3) خالد لمّا سمع الواعیة، خرج و قد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد اللّٰه أمرا أصابه ..، و تزوّج خالد زوجته، و إنّ أبا قتادة فارقه و قال: هذا عملك، فغضب علیه أبو بكر و لم یرض إلّا أن یرجع إلی خالد.

و یتوجّه علیه أنّه یدلّ علی بطلانه ما رواه الطبری (4) و ابن الأثیر (5) و غیرهما (6) من أرباب السیر: أنّ خالدا كان یعتذر عن قتل مالك بأنّه كان یقول- و هو یراجع الكلام-: ما أخال صاحبكم إلّا قال: .. كذا.

و قد حكی قاضی القضاة (7) عن أبی علی أنّه: قتل خالد مالكا لأنّه أوهم بقوله ذلك أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لیس صاحبا له، فلو كان قتله ضرار عن غیر أمر خالد فأیّ حاجة له إلی هذا الاعتذار، فالتعارض بین الاعتذارین واضح، فتساقطا.

و یدلّ علی بطلانهما أنّ عمر لمّا عاتبه و كسر أسهمه لم یعتذر بأنّی لم أقتل مالكا بل قتله ضرار عن غیر أمری، أو بأنّه ارتدّ عن الدین لقوله: صاحبك .. فلا موضع لإبداء العذر ألیق من ذلك، و هل یجوّز عاقل أن یكون لخالد عذر یری نفسه به بریئا من الإثم و الخیانة، ثم یصبر مع جرأته و تهتّكه علی ما أصابه عن (8)

ص: 491


1- فی المصدر: أنّهم.
2- فی الشرح: للقتل.
3- و من هنا إلی آخره جاء فی شرح النهج لابن أبی الحدید 17- 213، بتصرّف و اختصار.
4- فی تاریخه 3- 279.
5- فی الكامل 2- 359.
6- قد سلفت مصادره قریبا، فلاحظ.
7- فی المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 355.
8- كذا، و الظاهر: من، بدلا من: عن.

عمر من الإهانة و الأذی؟!.

و یدلّ علی أنّ القتل كان بأمر خالد، أو كان هو القاتل، قول أبی بكر: تأوّل فأخطأ.

قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی الْكَامِلِ (1)، قَالَ عُمَرُ لِأَبِی بَكْرٍ: إِنَّ سَیْفَ خَالِدٍ فِیهِ رَهْقٌ وَ أَكْثَرَ عَلَیْهِ فِی ذَلِكَ. فَقَالَ: یَا عُمَرُ (2)! تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ، فَارْفَعْ لِسَانَكَ عَنْ خَالِدٍ، فَإِنِّی لَا أَشِیمُ (3) سَیْفاً سَلَّهُ اللَّهُ عَلَی الْكَافِرِینَ، وَ وَدَی مَالِكاً وَ كَتَبَ إِلَی خَالِدٍ أَنْ یَقْدَمَ عَلَیْهِ فَفَعَلَ (4)، وَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ عَلَیْهِ قَبَاءٌ وَ قَدْ غَرَزَ فِی عِمَامَتِهِ أَسْهُماً، فَقَامَ إِلَیْهِ عُمَرُ فَانْتَزَعَهَا فَحَطَمَهَا (5)، وَ قَالَ لَهُ: قَتَلْتَ امْرَأً مُسْلِماً ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَی امْرَأَتِهِ، وَ اللَّهِ لَأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ .. وَ خَالِدٌ لَا یُكَلِّمُهُ یَظُنُّ أَنَّ رَأْیَ أَبِی بَكْرٍ مِثْلُهُ، وَ دَخَلَ عَلَی أَبِی بَكْرٍ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَ اعْتَذَرَ إِلَیْهِ فَعَذَّرَهُ وَ تَجَاوَزَ عَنْهُ، وَ عَنَّفَهُ فِی التَّزْوِیجِ لِلَّذِی (6) كَانَتْ عَلَیْهِ الْعَرَبُ مِنْ كَرَاهَةِ أَیَّامِ الْحَرْبِ، فَخَرَجَ خَالِدٌ وَ عُمَرُ جَالِسٌ. فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَیَّ یَا ابْنَ أُمِّ شَمْلَةَ (7)، فَعَرَفَ عُمَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ رَضِیَ عَنْهُ فَلَمْ یُكَلِّمْهُ، انْتَهَی.

فلو كان القاتل ضرارا لم یكن خالد متأوّلا و لا مخطئا، بل كان ضرارا (8) هو المتأوّل المخطئ فی فهم النداء الذی أمر به خالد من قوله: ادفئوا أسراءكم، و لا یخفی أنّ هذا الاعتذار لو كان صحیحا لصار الأمر فی تزویج زوجة مالك أفحش، إذ لو كان حبسه لاختلاف الجیش فی أنّه و قوم (9) یصلّون أم لا، و لم یثبت كفره،

ص: 492


1- الكامل 2- 242- 243 من الطّبعة الثّانیة، و فی الأخری 2- 358- 359.
2- فی المصدر: هیه یا عمر!.
3- شمت السّیف: أغمدته، و شمته: سللته، و هو من الأضداد، قاله فی الصّحاح 5- 1963، و غیره.
4- فی (س) : فنعل.
5- فی المصدر: فنزعها و حطمها.
6- فی الكامل: الّذی- بلا لام-.
7- فی المصدر: أمّ سملة.
8- كذا، و الظاهر: ضرار- بالرفع-.
9- خ. ل: و قومه، و هو الظاهر.

و قد كان إسلامه سابقا مستصحبا إلی أن یتحقّق ما یزیله- و لو كان قتله لخطإ ضرار فی فهم نداء خالد- فزوجته (1) فی حكم زوجات سائر المسلمین المتوفی عنهنّ أزواجهنّ، و لا یجوز تزوّجها إلّا بعد انقضاء عدّتها، فظهر شناعة الجواب الذی حكاه قاضی القضاة (2) عن أبی علی أو أجاب به من عند نفسه، و هو أنّه إذا قتل الرجل علی الردّة فی دار الكفر جاز التزویج بامرأته (3) عند كثیر من أهل العلم و إن كان لا یجوز وطؤها (4) إلّا بعد الاستبراء.

علی أنّ التزوّج بامرأته فجور علی أیّ حال، لكون المرأة مسلمة و ارتداد الزوج لا یصیر سببا لحلّ التزوّج بامرأته، و لا لكون الدار دار الكفر، سیّما إذا كان ارتداده لما اعتذروا به من قوله: صاحبك .. فإنّ ذلك ارتداد لا یسری إلی غیره من زوجته و أصحابه.

و من الغرائب أنّ الشارح الجدید للتجرید (5) ادّعی أنّ امرأة مالك كانت مطلّقة منه و قد انقضت عدّتها.

و لا عجب ممّن غلب علیه الشقاء، و سلب اللّٰه منه الحیاء أن یعتمد فی رفع هذا الطعن الفاحش عن إمامه الغویّ و عن خالد الشقیّ بإبداء هذا الاحتمال الذی لم یذكره أحد ممّن تقدّمه، و لم یذكر فی خبر و روایة، و لم یعتذر به خالد فی جواب تشنیع عمر و طعنه علیه بأنّه نزا علی زوجة خالد (6) و تهدیده بالرجم للزنا.

ثم أعلن (7) أنّ معاتبة عمر و غیظه علی خالد فی قتل مالك لم یكن مراقبة

ص: 493


1- فزوجته، جواب ل: لو كان ..
2- فی المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 355- القسم الأوّل-.
3- فی المصدر: ذلك، بدلا من: التزویج بامرأته.
4- فی المغنی: أن یطأها.
5- شرح التجرید للقوشجی: 373- الحجریّة-.
6- كذا، و الظاهر: مالك.
7- شرح التجرید للقوشجی: 373- الحجریّة-، و عبارته هكذا: و إنكار عمر علیه لا یدلّ علی قدحه فی إمامة أبی بكر و لا علی قصده إلی القدح فیها، بل إنّما أنكر، كما ینكر بعض المجتهدین علی بعض.

للدین و رعایة لشریعة سیّد المرسلین صلّی اللّٰه علیه و آله، و إنّما تألّم من قتله لأنّه كان حلیفا له فی الجاهلیّة، و قد عفا عن خالد لمّا علم أنّه هو قاتل سعد بن عبادة.

رُوِیَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَهْلِ الْبَیْتِ عَلَیْهِمُ السَّلَامَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَقْبَلَ (1) فِی خِلَافَتِهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ یَوْماً فِی بَعْضِ حِیطَانِ الْمَدِینَةِ، فَقَالَ لَهُ: یَا خَالِدُ! أَنْتَ الَّذِی قَتَلَ مَالِكاً؟. فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنْ كُنْتُ قَتَلْتُ مَالِكَ بْنَ نُوَیْرَةَ لِهَنَاتٍ كَانَتْ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ فَقَدْ قَتَلْتُ لَكُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لِهَنَاتٍ كَانَتْ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُ، فَأَعْجَبَ عُمَرَ قَوْلُهُ وَ ضَمَّهُ إِلَی صَدْرِهِ، وَ قَالَ لَهُ: أَنْتَ سَیْفُ اللَّهِ وَ سَیْفُ رَسُولِهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) !.

وَ جُمْلَةُ الْقِصَّةِ (2)، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ بَیْعَةِ أَبِی بَكْرٍ یَوْمَ السَّقِیفَةِ وَ أَرَادَ الْمُبَایِعُونَ لِأَبِی بَكْرٍ أَنْ یُطَالِبُوهُ بِالْبَیْعَةِ، قَالَ لَهُمْ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ: إِنِّی نَاصِحٌ لَكُمْ فَاقْبَلُوا مِنِّی. قَالُوا: وَ مَا ذَاكَ؟. قَالَ: إِنَّ سَعْداً قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا یُبَایِعَكُمْ، وَ هُوَ إِذَا حَلَفَ فَعَلَ، وَ لَنْ یُبَایِعَكُمْ حَتَّی یُقْتَلَ، وَ لَنْ یُقْتَلَ حَتَّی یُقْتَلَ مَعَهُ وُلْدُهُ وَ أَهْلُ بَیْتِهِ، وَ لَنْ یُقْتَلُوا حَتَّی یُقْتَلَ الْأَوْسُ كُلُّهَا، وَ لَنْ یُقْتَلُوا حَتَّی یُقْتَلَ الْخَزْرَجُ، وَ لَنْ یُقْتَلَ الْأَوْسُ وَ الْخَزْرَجُ حَتَّی یُقْتَلَ الْیَمَنُ، فَلَا تُفْسِدُوا عَلَیْكُمْ أَمْراً قَدْ كَمَلَ وَ اسْتَتَمَّ لَكُمْ، فَقَبِلُوا مِنْهُ وَ لَمْ یَتَعَرَّضُوا لِسَعْدٍ.

ثُمَّ إِنْ سَعْداً خَرَجَ مِنَ الْمَدِینَةِ إِلَی الشَّامِ، فَنَزَلَ فِی قُرَی غَسَّانَ مِنْ بِلَادِ دِمَشْقَ- وَ كَانَ غَسَّانُ مِنْ عَشِیرَتِهِ، وَ كَانَ خَالِدٌ یَوْمَئِذٍ بِالشَّامِ، وَ كَانَ مِمَّنْ یُعْرَفُ بِجَوْدَةِ الرَّمْیِ، وَ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَیْشٍ مَوْصُوفٌ بِجَوْدَةِ الرَّمْیِ- فَاتَّفَقَا عَلَی قَتْلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ الْبَیْعَةِ لِقُرَیْشٍ، فَاسْتَتَرَا لَیْلَةً بَیْنَ شَجَرٍ وَ كَرْمٍ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمَا فِی مَسِیرِهِ رَمَیَاهُ بِسَهْمَیْنِ، وَ أَنْشَدَا بَیْتَیْنِ مِنَ الشِّعْرِ وَ نَسَبَاهُمَا إِلَی الْجِنِّ:

ص: 494


1- فی (س) : إنّ عمرا مستقبل. أقول: إنّ الألف فی: عمرا زائدة.
2- كما أوردها مفصّلا الطّبریّ فی تاریخه 3- 198، 200، 207، 210، و انظر: ما جاء فی مسند أحمد بن حنبل 1- 405، و طبقات ابن سعد 2- 128، و غیرها.

نَحْنُ قَتَلْنَا سَیِّدَ الْخَزْرَجِ*** سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ

وَ رَمَیْنَاهُ بِسَهْمَیْنِ*** فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهُ

فظنّت العامّة أنّ الجنّ قتلوه، فكان قول خالد لعمر كشفا لما استتر علی الناس فی تلك الواقعة، و مثل هذه الروایة- إن لم تنهض بانفرادها حجّة علی المخالفین لكونها من روایات أصحابنا- إلّا (1) أنّ سكوت عمر عن خالد أیّام خلافته و ترك الاقتصاص منه مع قوله فی خلافة أبی بكر: لئن ولیت الأمر لأقیدنّك به، قرینة واضحة علی صحّتها، و مع قطع النظر عن تلك الروایة فلا ریب فی المناقضة بین هذا السكوت و ذلك القول، فظهر أنّ له أیضا من قداح هذا القدح (2) سهم، و من نصال هذا الطعن نصیب.

الطعن السادس:

إنّ أبا بكر قال- مخبرا عن نفسه-: إنّ لی شیطانا یعترینی، فإن استقمت فأعینونی و إن زغت فقوّمونی .. (3).

ص: 495


1- فی (س) : إلی، و هو خلاف الظاهر.
2- أی له من أسهم هذا الطعن سهم و كذا ما بعده.
3- أقول: وردت هذه القصّة بألفاظ مختلفة فی موارد متعدّدة نذكر بعضها و نختمها بجملة من المصادر. فمنها: قد ولیت أمركم و لست بخیركم، فإن أحسنت فأعینونی و إن زغت فقوّمونی- كما جاء فی لفظ ابن الجوزی فی الصفوة-. و منها: إنّی ولیت علیكم و لست بخیركم، فإن رأیتمونی علی الحقّ فأعینونی، و إن رأیتمونی علی الباطل فسدّدونی- كما فی طبقات ابن سعد 3- 151 [3-- القسم الأوّل- 139]. و منها: ألا و إنّما أنا بشر و لست بخیر من أحد منكم فراعونی، فإذا رأیتمونی استقمت فاتّبعونی، و إن رأیتمونی غضبت فاجتنبونی، لا أوثر فی أشعاركم و أبشاركم- كما فی الطبقات أیضا- و الإمامة و السیاسة 1- 16، و تاریخ الطبریّ 3- 210، و غیرها. و منها: أما و اللّٰه ما أنا بخیركم، و لقد كنت لمقامی هذا كارها، و لوددت أنّ فیكم من یكفینی، أ فتظنّون أنّی أعمل فیكم بسنّة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله؟! إذن لا أقوم بها، إنّ رسول اللّٰه كان یعصم بالوحی و كان معه ملك، و إنّ لی شیطانا یعترینی، فإذا غضبت فاجتنبونی .. انظر: مسند أحمد بن حنبل 1- 14، مجمع الزوائد للهیثمی 5- 183، الإمامة و السیاسة 1- 16 [صفحة: 6، ضمن خطبة أبی بكر]، و الصفوة 1- 99، المجتبی لابن درید: 27، عیون الأخبار لابن قتیبة 2- 234، كنز العمّال 3- 126، 135 و 136. قال: رواه الطبرانی فی الأوسط، الریاض النضرة 1- 167 و 177، تاریخ الطبریّ 3- 203 و 210، تاریخ ابن كثیر 5- 247، تاریخ الخلفاء: 47- 48، تاریخ ابن جریر 2- 440، تاریخ الیعقوبی 2- 107، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1- 134 و 3- 8 و 14، 4- 167 [الطبعة ذات أربعة مجلدات] ، سیرة ابن هشام 4- 340، السیرة الحلبیة 3- 388، تهذیب الكامل 1- 6، إعجاز القرآن: 115، العقد الفرید 2- 158، و غیرها من مصادر العامّة، و لاحظ: الطرائف 2- 402، و الفصول المختارة من العیون و المحاسن: 7 و 197، و الصراط المستقیم 2- 294- 296 و 300، و كشف المحجّة: 67، و الغدیر 2- 42 و 7- 104 و 105 و 108 و 118 .. و من هذا الباب ما جاء منه فی الجواب عن الكلالة: إنّی سأقول فیها برأی فإن یكن صوابا فمن اللّٰه، و إن یكن خطأ فمنّی و من الشیطان، و اللّٰه و رسوله بریئان منه. أخرجه سعد بن منصور الدارمیّ فی سننه 2- 365، و ابن جریر الطبریّ فی تفسیره 6- 30، و ابن المنذر البیهقیّ فی سننه الكبری 6- 223، و حكی عنهم السیوطی فی الجامع الكبیر- كما فی ترتیبه- 6- 20، و ذكره ابن كثیر فی تفسیره 1- 260، و الخازن فی تفسیره 1- 367، و ابن القیّم فی أعلام الموقعین: 29، كما نقله العلّامة الأمینی- رحمه اللّٰه- فی غدیره 7- 104- 105.

و لا یصلح للإرشاد من یطلب الرشاد.

و قال: أقیلونی فلست بخیركم ..

و لا یحلّ للإمام الاستقالة من البیعة.

و أجاب قاضی القضاة فی المغنی (1) ناقلا عن شیخه أبی علی أنّ إخباره عن نفسه بما أخبر لو كان نقصا فیه لكان قوله تعالی فی آدم و حوّاء: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّیْطانُ (2) (3)، و قوله: فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطانُ (4)، و قوله تعالی: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ

ص: 496


1- المغنی، الجزء المتمّم للعشرین: 338- 339- القسم الأوّل-.
2- فی المصدر: إلیه، و هو غلط.
3- الأعراف: 20.
4- البقرة: 36.

قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی ... (1) الآیة، یوجب النقص فی الأنبیاء علیهم السلام، و إذا لم یجب ذلك فكذلك (2) ما وصف به أبو بكر نفسه، و إنّما أراد أنّ عند الغضب یشفق من المعصیة و یحذر منها، و یخاف (3) أن یكون الشیطان یعتریه فی تلك الحال فیوسوس إلیه، و ذلك منه علی طریق الزجر لنفسه عن المعاصی.

وَ قَدْ رُوِیَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ تَرَكَ مُخَاصَمَةَ النَّاسِ فِی حُقُوقِهِ إِشْفَاقاً مِنَ الْمَعْصِیَةِ، وَ كَانَ یُوَلِّی ذَلِكَ عَقِیلًا، فَلَمَّا أَسَنَّ عَقِیلٌ كَانَ یُوَلِّیهَا (4) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.

قال: فأمّا ما روی فی إقالة البیعة فهو خبر ضعیف، و إن صحّ فالمراد به التنبیه علی أنّه لا یبالی لأمر یرجع إلیه أن یقیله الناس (5) البیعة، و إنّما یضرّون بذلك أنفسهم، فكأنّه نبّه بذلك علی أنّه غیر مكره لهم، و أنّه قد خلّاهم و ما یریدون إلّا أن یعرض ما یوجب خلافه

، وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَقَالَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْبَیْعَةَ حِینَ اسْتَقَالَهُ.

، و المراد بذلك علی أنّه تركه و ما یختاره و لم یكرهه (6).

وَ أَوْرَدَ عَلَیْهِ السَّیِّدُ الْمُرْتَضَی رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی الشَّافِی (7) بِأَنَّ قَوْلَ أَبِی بَكْرٍ:

وَلِیتُكُمْ وَ لَسْتُ بِخَیْرِكُمْ، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِی، وَ إِنِ اعْوَجَجْتُ فَقَوِّمُونِی، فَإِنَ

ص: 497


1- الحجّ: 52.
2- فی المغنی: فكیف.
3- فی المصدر: و یجوز منها و یخشی.
4- فی المغنی: فلمّا أیس عقیل منها كان یولّیها.
5- فی المصدر: لأمر إن یرجع إلیه أن یستقیله الناس ..
6- فی المصدر: و ما یختار من التأخیر و غیر ذلك، بدلا من: و ما یختاره و لم یكرهه. انظر: المغنی 21- 338- 339، باختلاف یسیر.
7- الشّافی: 415- 416 الحجریة [4- 121- 124].

لِی شَیْطَاناً یَعْتَرِینِی عِنْدَ غَضَبِی، فَإِذَا رَأَیْتُمُونِی مُغْضَباً فَاجْتَنِبُونِی لَا أُوثَرْ فِی أَشْعَارِكُمْ وَ لَا أَبْشَارِكُمْ .. (1) یدلّ (2) علی أنّه لا یصلح للإمامة من وجهین:

أحدهما: أنّ هذه صفة من لیس بمعصوم و لا یأمن الغلط علی نفسه، و من یحتاج إلی تقویم رعیّته له إذا واقع المعصیة، و قد بیّنا أنّ الإمام لا بدّ أن یكون معصوما مسدّدا موفّقا.

و الوجه الآخر: أنّ هذه صفة من لا یملك نفسه، و لا یضبط غضبه، و من هو فی نهایة الطیش و الحدّة، و الخرق و العجلة، و لا خلاف فی (3) أنّ الإمام یجب أن یكون منزّها عن هذه الأوصاف غیر حاصل علیها، و لیس یشبه قول أبی بكر ما تلاه من الآیات كلّها، لأنّ أبا بكر خبّر عن نفسه بطاعة الشیطان عند الغضب، و أنّ عادته بذلك جاریة، و لیس هذا بمنزلة من یوسوس له الشیطان و لا یطیعه، و یزیّن له القبیح فلا یأتیه، و لیس وسوسة الشیطان قبحا (4) بعیب علی الموسوس له إذا لم یستزلّه ذلك عن الصواب، بل هو زیادة فی التكلیف و وجه یتضاعف معه الثواب.

و قوله تعالی: أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ (5) قیل معناه: فی تلاوته، و قیل:

فی فكرته علی سبیل الخاطر، و أیّ الأمرین كان فلا عار فی ذلك علی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و لا نقص، و إنّما العار و النقص علی من یطیع الشیطان و یتّبع ما یدعو

ص: 498


1- أی لا أترك أثرا فی أشعاركم بالنّتف و لا فی أبشاركم بالجرح، و هو نوع كنایة عن التّجاوز و الجور. و قد جاء فی الصّواعق المحرقة: 30، و بلفظ: أقیلونی فی صفحة: 50، و ریاض النّضرة 1- 175، و الإمامة و السّیاسة 1- 14. و عبارة ابن قتیبة فی صفحة: 16 هكذا: لا حاجة لی فی بیعتكم أقیلونی .. ثمّ قال: و احتجب عن النّاس ثلاثة یشرف كلّ یوم یقول: أقلتكم بیعتی. و قد سبق منّا مصادر جمّة فی أوّل هذا الطّعن و لا حاجة إلی الإعادة، فراجع
2- فی المصدر: فإنّه یدل ..
3- لا توجد فی الشافی كلمة: فی.
4- لا توجد: قبحا، فی المصدر.
5- الحجّ: 52.

إلیه، و لیس لأحد أن یقول هذا- إن سلّم لكم فی جمیع الآیات- لم یسلّم لكم فی قوله تعالی (1): فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطانُ (2) لأنّه قد خبّر عن تأثیر غوایته و وسوسته بما كان منهما من الفعل، و ذلك لأنّ المعنی الصحیح فی هذه الآیة أنّ آدم و حوّاء كانا مندوبین إلی اجتناب الشجرة و ترك التناول منها، و لم یكن ذلك علیهما واجبا لازما، لأنّ الأنبیاء علیهم السلام لا یخلّون بالواجب، فوسوس لهما الشیطان حتّی تناولا من الشجرة فتركا مندوبا إلیه، و حرّما بذلك أنفسهما الثواب و سمّاه (3): إزلالا، لأنّه حطّ لهما عن درجة الثواب، و فعل الأفضل.

و قوله تعالی فی موضع آخر: وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی (4) لا ینافی هذا المعنی، لأنّ المعصیة قد یسمّی بها من أخلّ بالواجب و الندب، و قوله: فَغَوی

أی خاب من حیث لم یستحقّ الثواب علی ما ندب إلیه، علی أنّ صاحب المغنی (5) یقول: إنّ هذه المعصیة من آدم كانت صغیرة لا یستحقّ بها عقابا و لا ذمّا، فعلی مذهبه- أیضا- یكون (6) المفارقة بینه و بین أبی بكر ظاهرة، لأنّ أبا بكر خبّر عن نفسه أنّ الشیطان یعتریه حتّی یؤثر فی الأشعار و الأبشار، و یأتی ما یستحقّ به التقویم، فأین هذا من ذنب صغیر لا ذمّ و (7) لا عقاب علیه؟ و هو یجری من وجه من الوجوه مجری المباح، لأنّه لا یؤثّر فی أحوال فاعله و حطّ رتبته، و لیس یجوز أن یكون ذلك منه علی سبیل الخشیة و الإشفاق علی ما ظنّ، لأنّ مفهوم خطابه یقتضی خلاف ذلك، أ لا تری أنّه قال: إنّ لی شیطانا یعترینی، و هذا قول من قد عرف عادته، و لو كان علی سبیل الإشفاق و الخوف لخرّج غیر هذا المخرج، و لكان یقول

ص: 499


1- لا توجد: تعالی، فی المصدر.
2- البقرة: 36.
3- فی المصدر: و سمّی- بلا ضمیر-.
4- طه: 121.
5- فی الشافی: صاحب الكتاب.
6- فی المصدر: تكون.
7- لا توجد الواو فی (س) .

فإنّی لا آمن من كذا .. و إنّی لمشفق منه.

فأمّا ترك أمیر المؤمنین علیه السلام مخاصمة الناس (1)، فإنّما كان تنزّها و تكرّما، و أیّ شبه بین ذلك و بین من صرّح و شهد علی نفسه بما لا یلیق بالأئمّة؟!.

و أمّا خبر استقالة البیعة و تضعیف صاحب المغنی (2) له فهو- أبدا- یضعّف ما لا یوافقه من غیر حجّة یعتمدها فی تضعیفه.

و قوله: إنّه ما استقالها (3) علی التحقیق و إنّما نبّه علی أنّه لا یبالی بخروج الأمر عنه، و إنّه غیر مكره لهم علیه .. فبعید عن الصواب (4)، لأنّ ظاهر قوله:

أقیلونی .. أمر بالإقالة، و أقلّ أحواله أن یكون عرضا لها أو بذلا، و كلا الأمرین قبیح. و لو أراد ما ظنّه لكان له فی غیر هذا القول مندوحة (5)، و لكان یقول: إنّی ما أكرهتكم و لا حمّلتكم علی مبایعتی، و ما كنت أبالی أن لا یكون هذا الأمر فیّ، و لا إلیّ، و إنّ مفارقته لتسرّنی (6) لو لا ما ألزمنیه الدخول فیه من التمسّك به، و متی عدلنا عن ظواهر الكلام (7) بلا دلیل جرّ ذلك علینا ما لا قبل لنا به.

فأمّا أمیر المؤمنین علیه السلام فإنّه لم یقل ابن عمر البیعة بعد دخوله فیها، و إنّما استعفاه من أن یلزمه البیعة ابتداء فأعفاه (8)، علما بأنّ إمامته لا تثبت بمبایعة من یبایعه علیها، فأین هذا من (9) استقالة بیعة قد تقدّمت و استقرّت، انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه.

ص: 500


1- فی المصدر زیادة: فی حقوقه، بعد: الناس.
2- فی المصدر: صاحب الكتاب.
3- فی الشافی: ما استقال- بلا ضمیر-.
4- جاء فی المصدر: من الصواب.
5- فی (س) : مندرجة. و هو سهو ظاهرا.
6- فی الشافی: تسرّنی- بلا لام-.
7- لا توجد: الكلام، فی (س) .
8- فی المصدر زیادة: قلّة فكر فیه، بعد: فأعفاه.
9- لا توجد: من، فی (س) .

و أورد علیه ابن أبی الحدید (1): .. بأنّ أبا بكر كان حدیدا (2) و لكن لا یخلّ ذلك بالإمامة، لأنّ المخلّ بالإمامة من ذلك ما یخرج به الإنسان عن العقل، فأمّا ما دون ذلك فلا، و قوله: فاجتنبونی لا أوثر فی أشعاركم و أبشاركم .. محمول علی البلاغة (3) فی وصف القوّة الغضبیّة لا علی ظاهره، لأنّه لم ینقل أنّه قام إلی رجل فضربه بیده و مزّق شعره ...

و أمّا قول شیخنا أبی علیّ إنّ كلام أبی بكر خرج مخرج الإشفاق و الحذر ..

فجیّد.

و اعتراض المرتضی غیر لازم، لأنّ فی هذه عادة العرب یعبّرون عن الأمر بما هو منه بسبیل، كقولهم: لا تدن من الأسد فیأكلك، لیس أنّهم قطعوا علی الأكل عند الدنوّ.

فأمّا الكلام فی قوله: أقیلونی .. فلو صحّ الخبر لم یكن فیه مطعن علیه، لأنّه إنّما أراد فی الیوم الثانی اختبار حالهم فی (4) البیعة التی وقعت فی الیوم الأوّل لیعلم ولیّه من عدوّه منهم .. علی أنّا لو سلّمنا أنّه استقالهم البیعة حقیقة، فلم قال المرتضی: إنّ ذلك لا یجوز؟. أ لیس یجوز للقاضی أن یستقیل من القضاء بعد تولّیه إیّاه و دخوله فیه؟ فكذلك یجوز للإمام أن یستقیل من الإمامة إذا آنس من نفسه ضعفا عنها، أو آنس من رعیّته نبوة (5) عنه أو أحسّ بفساد ینشأ فی الأرض من جهة ولایته علی الناس، و من یذهب إلی (6) أنّ الإمامة تكون بالاختیار كیف

ص: 501


1- فی شرحه علی النهج 17- 161- 164 عند شرح قوله علیه السلام: هذه صفة طائش لا یملك لنفسه ..، و قد نقله باختصار.
2- هی صفة مشبّهة من الحدّة بمعنی النشاط و السرعة فی الأمور و المضّاء فیها، كما فی نهایة ابن الأثیر 1- 353.
3- فی المصدر: علی المبالغة، و هو الظاهر.
4- فی (س) : علی، بدلا من: فی.
5- قال فی القاموس 4- 393: نبا بصره نبوّا و نبیّا و نبوة، و السیف عن الضریبة نبوا و نبوة: كلّ.
6- لا توجد فی (س) : إلی.

یمنع من جواز استقالة الإمام و طلبه إلی الأمّة أن یختاروا غیره لعذر یعلمه من حال نفسه؟! و إنّما یمتنع من ذلك المرتضی و أصحابه القائلون بأنّ الإمامة بالنصّ ..، علی أنّه إذا جاز عندهم ترك (1) الإمام الإمامة فی الظاهر- كما فعله الحسن علیه السلام، و الأئمّة بعد الحسین علیهم السلام- جاز (2) للإمام علی مذهب أصحاب الاختیار أن یترك الإمامة ظاهرا و باطنا لعذر یعلمه.

و الجواب، أنّ الكلّ اتّفقوا علی اشتراط العدالة فی الإمام، و لا ریب فی أنّه یكون من الحدّة و الطیش ما لا یضبط الإنسان نفسه عند هیجانه فیقدم علی المعصیة، و لا یدخل بذلك عرفا فی زمرة المجانین، و لا یخرج عن حدّ التكلیف، و قوله: فاجتنبونی لا أوثر فی أشعاركم و أبشاركم .. اعتراف باتّصافه بفرد بالغ من هذا النوع، و لا خلاف فی كونه قادحا فی الإمامة، و ادّعاؤه أنّه لم ینقل أنّه فعل ذلك برجل، فقد روی نفسه ما یكذّبه، حیث

رُوِیَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِیرٍ الطَّبَرِیِّ (3)

أَنَّ الْأَنْصَارَ بَعَثُوا عُمَرَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ یَسْأَلُهُ أَنْ یُوَلِّیَ أَمْرَهُمْ رَجُلًا أَقْدَمَ سِنّاً مِنْ أُسَامَةَ، فَوَثَبَ أَبُو بَكْرٍ- وَ كَانَ جَالِساً- فَأَخَذَ بِلِحْیَةِ عُمَرَ، وَ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ یَا ابْنَ الْخَطَّابِ! اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ تَأْمُرُنِی أَنْ أَنْزِعَهُ؟!. فَخَرَجَ عُمَرُ إِلَی النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا صَنَعْتَ؟. قَالَ: امْضُوا ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، مَا لَقِیتُ فِی سَبَبِكُمُ الْیَوْمَ مِنْ خَلِیفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ .. إِلَی آخِرِ مَا رَوَاهُ.

و (4) وثوبه علی عمر بن الخطاب و أخذه بلحیته و شتمه- مع كونه معظّما مبجّلا عنده فی أوّل خلافته، و المقام لم یكن مقام الخفّة و الطیش- یدلّ علی أنّ ذلك الصنیع لم یخرج منه مخرج الندرة و الافتلات، بل كان ذلك من الفعل المعتاد، و مع الإغماض عنه نقول: إنّ ذلك الشهادة من قبیل الرجم بالغیب، و من الذی

ص: 502


1- فی شرح النهج: أن یترك.
2- فی المصدر زیادة: للتقیة، قبل كلمة: جاز.
3- فی تاریخه 3- 226.
4- لا توجد الواو فی (ك) .

أحصی أفعال أبی بكر حتّی علم أنّه لم یفعل ذلك بأحد من معاشریه و خواصّه و أهل بیته؟ و بعد تسلیم أنّه لم یقدم قطّ علی جرح الأبشار و نتف الأشعار، نقول:

إذا بلغ الطیش و الحدّة فی الشدّة إلی حدّ یخاف صاحبه علی نفسه الوثوب علی الناس فلا یشكّ فی أنّه یصدر عنه عند الغضب من الشتم و البذاء و أصناف الأذی قولا و فعلا ما یخرجه عن حدّ العدالة المشترطة فی الإمامة، و لو قصر الغضب عن القیام بما یخل بالعدالة- و لو بالإصرار علی ما كان من هذا النوع من قبیل الصغائر لم یعبّر عنه بهذا النوع من الكلام.

و بالجملة، حمل كلام أبی بكر علی المبالغة لا ینفعهم و لا یضرّنا، و كذا التمسّك بقولهم: لا تدن من الأسد .. لا ینفعهم، إذ لا یقال ذلك إلّا إذا جرت عادته بأكل من دنی منه، فكذلك لا موقع لكلام أبی بكر ما لم تجر عادته بأن یؤثر غضبه فی أشعار الناس و أبشارهم، أو یؤذیهم بالشتم و البذاء .. و نحو ذلك ممّا كنّی عنه بقوله: لا أوثر فی أشعاركم و أبشاركم، و مثل هذا الطیش و الحدّة لا ریب فی كونه مخرجا عن العدالة، قادحا فی صلوح صاحبه للإمامة، فخروج الكلام مخرج الإشفاق و الحذر- علی هذا الوجه- لا ینفع فی دفع الطعن.

و أمّا ما أشار (1) إلیه- تبعا للقاضی- من منع صحّة الخبر فی استقالة أبی بكر فممّا لا وقع له، لاستفاضة الخبر و اشتهاره فی كلّ عصر و زمان، و كونه مسلّما عند كثیر من أهل الخلاف، و لذا لمن یمنع الرازی فی نهایة العقول (2) صحّته مع ما علم من حاله من كثرة التشكیك و الاهتمام بإیراد الأجوبة العدیدة، و إن كانت سخیفة ضعیفة.

و قد رواه أبو عبید القاسم بن سلام- علی ما حكاه بعض الثقات من الأصحاب-.

ص: 503


1- فی (س) : أشاروا- بصیغة الجمع-.
2- نهایة العقول: مخطوط.

وَ قَالَ مُؤَلِّفُ كِتَابِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ (1): ذَكَرَهُ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ (2)، وَ الْبَلاذُرِیِّ فِی أَنْسَابِ الْأَشْرَافِ (3)، وَ السَّمْعَانِیُّ فِی الْفَضَائِلِ (4)، وَ أَبُو عُبَیْدَةَ:

قَوْلَ (5) أَبِی بَكْرٍ عَلَی الْمِنْبَرِ- بَعْدَ مَا بُویِعَ (6)

أَقِیلُونِی فَلَسْتُ بِخَیْرِكُمْ وَ عَلِیٌّ فِیكُمْ (7).

وَ قَدْ أَشَارَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی الْخُطْبَةِ الشِّقْشِقِیَّةِ (8) بِقَوْلِهِ: فَیَا عَجَباً! بَیْنَا هُوَ یَسْتَقِیلُهَا فِی حَیَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ..

و صحّة الخطبة مسلّمة عند ابن أبی الحدید (9) و قاضی القضاة (10) و غیرهما (11) كما عرفت.

و أمّا عدم روایة أصحاب أصولهم قصّة الاستقالة فلا حجّة فیه، لأنّهم لا یروون ما لا تتعلّق أغراضهم بروایته، بل تعلّق غرضهم بانمحاء ذكره.

و یدلّ علی بطلان ما زعمه من أنّ أبا بكر أراد اختبار حال الناس فی الیوم الثانی من بیعته لیعلم ولیّه من عدوّه،

قول أمیر المؤمنین علیه السلام: بینا هو یستقیلها فی حیاته إذ عقدها لآخر بعد وفاته.

إذ لو كان المراد ما توهّمه لم یكن عقده لآخر بعد الوفاة مع الاستقالة فی الحیاة موضعا للعجب، و إنّما التعجّب من صرفها عن أمیر المؤمنین علیه السلام عند الوفاة و عقدها لغیره مع الاستقالة منها

ص: 504


1- الصّراط المستقیم 2- 294.
2- تاریخ الطّبریّ 3- 210.
3- أنساب الأشراف، ما طبع منه حتّی الآن لم نجده فیه.
4- فضائل السّمعانیّ، لم نجد له نسخة خطّیّة فضلا عن المطبوعة.
5- فی المصدر: من قول.
6- فی الصّراط المستقیم: حین بویع.
7- انظر: الإمامة و السّیاسة: 16، و سیرة ابن هشام 2- 666، و الطّرائف 2- 402، و الصّراط المستقیم 2- 294 و غیرها ممّا تقدّم من المصادر.
8- الخطبة الثّالثة من النّهج فی طبعة محمّد عبده 1- 32، و فی طبعة الدّكتور صبحی الصّالح: 48.
9- كما اعترف به فی شرحه علی النهج 17- 161.
10- فی كتابه المغنی 20- 328.
11- قد مرّت مصادرها مفصّلة، فراجع.

فی الحیاة، لعلمه بأنّه كان حقّا لأمیر المؤمنین علیه السلام و هو واضح، و لعلّهم لا ینكرون أنّ فهم أمیر المؤمنین علیه السلام مقدّم علی فهمهم.

و قد ظهر ممّا ذكرناه ضعف ما أجاب به الفخر الرازی فی نهایة العقول (1) من أنّه (2) ذكر ذلك علی سبیل التواضع و هضم النفس، كما

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَا تُفَضِّلُونِی عَلَی یُونُسَ بْنِ مَتَّی ..

و الفرق بین استقالة أبی بكر و الخبر الذی رواه علی تقدیر صحّته- واضح، و لو أراد مجرّد الاستشهاد علی ورود الكلام للتواضع و هضم النفس- و هو أمر لا ینازع فیه- لكن لا یلزم منه صحّة حمل كلّ كلام علیه.

و أمّا ما ذكره من جواز الاستقالة تشبیها بالقضاء، فیرد علیه، أنّه إذا جازت الاستقالة من الإمام و لم یتعیّن علیه القیام بالأمر فلم لم یرض عثمان بالخلع مع أنّ القوم حصروه و تواعدوه (3) بالقتل، فقال: لا أخلع قمیصا قمّصنیه اللّٰه عزّ و جلّ (4)، و أصرّ علی ذلك حتّی قتل، و قد جاز- بلا خلاف- إظهار كلمة الشرك و أكل المیتة و الدم و لحم الخنزیر عند الخوف علی النفس، فدلّ ذلك الإصرار منه علی أنّ الخلع أعظم من إظهار كلمة الكفر و غیره من الكبائر، و أنّ ما أتی به أبو بكر كان أعظم ممّا ذكر علی مذهب عثمان، فما دفع به الطعن عن أبی بكر یوجب قدحا شنیعا فی عثمان، فإنّ تعریض النفس للقتل لأمر مباح لم یقل بجوازه أحد.

و قد أشار إلی ذلك الشیخ المفید قدّس اللّٰه روحه (5)، حیث قال: علی أنّ

ص: 505


1- نهایة العقول: مخطوط.
2- فی طبعة (س) هنا كلمة: رض، و خطّ علیها فی (ك) .
3- فی (ك) : توعّدوه.
4- أو قال: سربلنی اللّٰه. و قد ذكر شیخنا الأمینی- رحمه اللّٰه- قصّة الحصار مفصّلا بمصادرها فی غدیره 9- 177- 203.
5- فی الفصول المختارة من العیون و المحاسن: 199.

الاختیار إن كان للأمّة و كان (1) إلیها الخلع و العزل لم یكن (2) لدعائها عثمان إلی أن یخلع نفسه معنی یعقل، لأنّه كان لها أن تخلعه و إن لم یجبها إلی ذلك (3)، و إن كان الخلع إلی الإمام فلا معنی لقول أبی بكر (4): أقیلونی .. و قد (5) كان یجب لمّا كره الأمر أن یخلع هو نفسه ... و هذا أیضا تناقض آخر یبیّن عن بطلان الاختیار و تخلیط القوم.

و أنت- أرشدك اللّٰه- إذا تأمّلت

قول أمیر المؤمنین علیه السلام (6)

فیا عجبا! بینا هو یستقیلها ..

إلی آخره، وجدته عجبا، و عرفت من المغزی كان (7) من الرجل فی القوم و بان خلاف الباطن منه (8)، و تیقّنت الحیلة التی أوقعها و التلبیس، و عثرت به علی الضلال و قلّة الدین، و اللّٰه (9) نسأل التوفیق، انتهی.

و أمّا ما ذكره من قیاس خلع الخلیفة نفسه اختیارا بما صدر عن أئمّتنا علیهم السلام تقیّة و اضطرارا فهو أظهر فسادا من أن یفتقر إلی البیان، مع أنّه یظهر ممّا مرّ جوابه و سیأتی بعض القول فی ذلك، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ

الطعن السابع:

أنّه كان جاهلا بكثیر من أحكام الدین (10)، فَقَدْ قَالَ فِی الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِیهَا

ص: 506


1- فی المصدر: فكان.
2- فی الفصول المختارة: و لم یكن.
3- فی المصدر: إذا لم یجبها إلی ذلك و اختار ..
4- فی المصدر زیادة: للناس، بعد: أبی بكر.
5- وضع علی: قد، فی (ك) رمز نسخة بدل.
6- فی المصدر زیادة: فی خطبته فی الكوفة عند ذكر الخلافة حیث یقول ..
7- فی المصدر زیادة: الذی، قبل: كان.
8- فی الفصول المختارة زیادة: للظاهر، بعد: منه.
9- فی المصدر: و اللّٰه تعالی.
10- إنّ غایة جهد الباحث عن علم الخلیفة بالسنّة و سعة اطّلاعه علیها لتوصله إلی أمور مضحكة ظاهرا مبكیة واقعا، و قد قال العلامة الأمینی فی غدیره 7- 115: إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخلیفة- من الصحیح و الموضوع فی التفسیر و الأحكام و الفوائد، من المائة و أربعة حدیث، أو المائة و اثنین و أربعین حدیث- إلی ما جاء عن النبیّ الأقدس من السنّة الشریفة لتجدها كقطرة من بحر لجیّ، لا تقام به قائمة للإسلام، و لا تدعم به أیّ دعامة للدین، و لا تروی بها غلّة صاد، و لا تنحلّ بها عقدة أیّة مشكلة .. إلی آخر ما أجاد و أفاد.

بِرَأْیِی، فَإِنْ كَانَ صَوَاباً فَمِنَ اللَّهِ وَ إِنْ یَكُنْ خَطَأً فَمِنِّی (1) وَ لَمْ یَعْرِفْ مِیرَاثَ الْجَدَّةِ (2)

فَقَالَ: لِجَدَّةٍ سَأَلَتْهُ عَنْ إِرْثِهَا؟ لَا أَجِدُ لَكِ شَیْئاً فِی كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ

ص: 507


1- و قد قال فی الكلالة: أراه ما خلا الولد و الوالد، فلمّا استخلف عمر قال: إنّی لأستحیی اللّٰه أن أردّ شیئا قاله أبو بكر!!. أقول: قد أخرجه جمع من الحفّاظ و رجال الحدیث، منهم الدّارمیّ فی سننه 2- 365- 366، و الطّبریّ فی تفسیره 6- 30 [4- 191- 192]، و البیهقیّ فی السّنن الكبری 6- 223، و السّیوطیّ فی ترتیب الجامع الكبیر 6- 20، و ابن كثیر فی تفسیره 1- 260، و الخازن فی تفسیره 1- 367، و ابن القیّم فی أعلام الموقّعین: 29، و غیرهم. و فی تفسیر ابن كثیر 1- 595، عن ابن عبّاس، قال: كنت آخر النّاس عهدا بعمر بن الخطّاب، قال: اختلفت أنا و أبو بكر فی الكلالة و القول ما قلت. و ذكر الحاكم فی المستدرك 2- 304، و البیهقیّ فی السّنن الكبری 6- 225، و ابن كثیر فی تفسیره 1- 595، و الذّهبیّ فی تلخیص المستدرك، و كلّهم صحّحوا الحدیث عن ابن عبّاس، قال: كنت آخر النّاس عهدا بعمر فسمعته یقول: القول ما قلت. قلت: و ما قلت؟. قال: قلت: الكلالة ما لا ولد له. و هذا عمر یقول. و قد ذكر عنه البیهقیّ فی سننه الكبری 6- 224: أتی علیّ زمان لا أدری ما الكلالة، و إذا الكلالة من لا أب له و لا ولد.
2- و الرّوایة مفصّلة جاءت بطرق متعدّدة تجدها فی صحیح التّرمذیّ 4- 420 كتاب الفرائض باب 10 حدیث 2100- 2101، و فی سنن الدّارمیّ 2- 359، و سنن أبی داود 2- 17 [3- 121 حدیث 2894]، و سنن ابن ماجة 3- 163 [2- 910 حدیث 2724]، و مسند أحمد 4- 224، و سنن البیهقیّ 6- 234، و موطّأ مالك 1- 335، و بدایة المجتهد 2- 344، و مصابیح السّنّة 2- 22، و غیرها من المصادر. و قد ذكرها الخاصّة أیضا، انظر مثالا: الغدیر 7- 104- 105، و الصّراط المستقیم 2- 296، و السّبعة من السّلف: 90، و ما بعدها، و الشّافی 4- 193، و تلخیصه 4- 25، و قد قضی فی الجدّ سبعین قضیّة، كما صرّح بذلك ابن أبی الحدید فی شرحه علی النّهج 3- 165، و 4- 262 [أربعة مجلّدات- مصر]، و روی مائة قضیّة كلّ منها ینقض الآخر، كما أخرجه البیهقیّ فی سننه الكبری 6- 245 عن عبیدة، و مثله عن المتّقی الهندیّ فی كنز العمّال 6- 15 كتاب الفرائض، و فی المبسوط للسّرخسیّ 29- 180: و الصّحیح أنّ مذهب عمر لم یستقرّ علی شی ء فی الجدّ. و هو القائل- كما ذكره ابن أبی الحدید فی شرحه 1- 61، و غیره-: من أراد أن یقتحم جراثیم جهنّم فلیقل فی الجدّ برأیه ..

صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ[وَ آلِهِ]،فَأَخْبَرَهُ اَلْمُغِیرَةُ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ اَلرَّسُولَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَعْطَاهَا السُّدُسَ،وَ قَالَ:أَطْعِمُوا الْجَدَّاتِ السُّدُسَ (1). ،و قطع یسار السارق (2)،و أحرق فجاءة بالنار (3)،و لم یعرف میراث العمّة و الخالة (4)إلی غیر ذلك.

ص: 508


1- و نظیر هذا رأیه فی الجدّتین،فقد روی القاسم بن محمّد أنّه قال:أتت الجدّتان إلی أبی بكر،فأراد أن یجعل السّدس للّتی من قبل الأمّ،فقال له رجل من الأنصار إلی آخره.و جاء بألفاظ أخر، انظر:موطّأ مالك 1-335،و سنن الدّارمیّ 2-359،و سنن ابن ماجة 2-910 حدیث 2724، و سنن البیهقیّ 1-235،و بدایة المجتهد 2-344،و الاستیعاب 2-400،و الإصابة 2-402، و قال:رجاله ثقات،و كنز العمّال 6-6،و غیرها،و نقله فی الصّراط المستقیم 2-296 عن التّرمذیّ،و غیره. و عن جمع من الصّحابة قالوا:إنّ أبا بكر جعل الجدّ أبا،أی كان یحجب الإخوة بالجدّ و لم یشرك بینهما،كما أنّ الأب یحجب الإخوة و الأخوات!كما جاء فی صحیح البخاریّ باب میراث الجدّ، و سنن الدّارمیّ 2-352،و أحكام القرآن للجصّاص 1-94،و سنن البیهقیّ 6-246،و تاریخ الخلفاء للسّیوطیّ:65،و تفسیر القرطبیّ 5-68،و انظر:أعذار الدّارمیّ فی سننه 2-353.
2- روی شیخنا الأمینی-رحمه اللّٰه-فی غدیره 7-129 عن جمع بعدّة طرق،منها ما أورده البیهقیّ فی سننه 8-273-274،من جهل الخلیفة فی قطع السارق،إذ روی أنّ رجلا سرق علی عهد أبی بكر مقطوعة یده و رجله،فأراد أبو بكر أن یقطع رجله و یدع یده یستطیب بها و یتطهّر بها و ینتفع بها كما و قد تعرّض لها فی الصراط المستقیم 2-305.
3- كما أورده الطبریّ فی تاریخه 3-264،و أحمد بن أعثم الكوفیّ فی الفتوح 1-16،و غیرهما.و قد ذكر القصّة مفصّلا فی المتن عن كامل ابن الأثیر،و تعرّض لها العلامة الأمینی فی غدیره 7-156-157 و 170-171 عن عدّة مصادر،فراجع.
4- لاحظ:الغدیر 7-171.

وَ قِصَّةُ فُجَاءَةَ- عَلَی مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی الْكَامِلِ (1)

هِیَ: أَنَّهُ جَاءَ فُجَاءَةُ السُّلَمِیُّ- وَ اسْمُهُ: إِیَاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (2) یَالِیلَ (3)

إِلَی أَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ: أَعِنِّی بِسِلَاحٍ أُقَاتِلْ أَهْلَ الرِّدَّةِ، فَأَعْطَاهُ سِلَاحاً وَ أَمَرَهُ أَمْرَهُ فَخَالَفَ إِلَی الْمُسْلِمِینَ، وَ خَرَجَ حَتَّی نَزَلَ بِالْجِوَاءِ (4)، وَ بَعَثَ نَجِیَّةَ (5) وَ أَمَرَهُ بِالْمُسْلِمِینَ، فَشَنَّ الْغَارَةَ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ فِی سُلَیْمٍ وَ عَامِرٍ وَ هَوَازِنَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَی طَرِیفَةَ بْنِ حاشی [الْحَاشِی] فَأَمَرَهُ (6) أَنْ یَجْمَعَ لَهُ وَ یَسِیرَ إِلَیْهِ، وَ بَعَثَ إِلَیْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَیْسٍ (7) الْحَاشِی عَوْناً، فَنَهَضَ (8) إِلَیْهِ وَ طَلَبَاهُ، فَلَاذَ مِنْهُمَا (9)، ثُمَّ لَقِیَاهُ عَلَی الْجِوَاءِ (10) فَاقْتَتَلُوا فَقُتِلَ (11) نَجِیَّةُ وَ هَرَبَ الْفُجَاءَةُ، فَلَحِقَهُ طَرِیفَةُ فَأَسَرَهُ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إِلَی أَبِی بَكْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ

ص: 509


1- الكامل 2- 237، باختلاف یسیر.
2- وضع علی لفظ الجلالة رمز نسخة بدل فی (س) ، و خطّ علیها فی (ك) ، و هو الظّاهر.
3- فی الغدیر و جملة من المصادر جاء اسم الفجاءة إیاس بن عبد اللّٰه بن عبد یالیل بن عمیرة بن خفّاف. و هنا حاشیة جاءت فی (ك) و هی: و ابن عبد یالیل بن عبد كلال- كغراب- عرض النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) نفسه علیه، فلم یجبه إلی ما أراد. قاموس. و جاء: إیاس بن عبد یالیل، كما فی المصدر. انظر: القاموس 4- 46. و من هنا جاء نصّ ما أورده ابن الأثیر فی الكامل 2- 350 [و فی الطّبعة الثّانیة 2- 237].
4- فی (س) : الحواء، و لعلّها سهو. و جاء فی حاشیة (ك) : و الجواء- ككتاب-: ماء بحمی ضریّة، و موضع بالیمامة، و واد فی دیار عبس. قاموس. انظر: القاموس 4- 314. و قریب منه فی مراصد الاطّلاع 1- 352- 353، و معجم البلدان 2- 174.
5- و فی المصدر: نخبة بن أبی المیثاء من بنی الشّرید، بدلا من: نجیّة.
6- فی الكامل: طریفة بن جاجز یأمره.
7- فی (ك) : قش- بالشّین المعجمة-.
8- فی المصدر: فنهضا.
9- فی (س) : منها.
10- فی (س) : الحواء.
11- فی الكامل: و قتل.

یُوقَدَ (1) لَهُ نَارٌ فِی مُصَلَّی الْمَدِینَةِ، ثُمَّ رَمَی بِهِ فِیهَا مَقْمُوطاً- أَیْ مَشْدُودَ الْیَدَیْنِ وَ الرِّجْلَیْنِ- (2).

و قد روی القصّة كثیر من أرباب السیر (3).

و أجاب صاحب المواقف و شارحه (4) بأنّ الأصل- و هو كون الإمام عالما بجمیع الأحكام- ممنوع، و إنّما الواجب الاجتهاد، و لا یقتضی كون جمیع الأحكام حاضرة عنده بحیث لا یحتاج المجتهد فیها إلی نظر و تأمّل، و أبو بكر مجتهد، إذ ما من مسألة- فی الغالب- إلّا و له فیه قول مشهور عند أهل العلم، و إحراق فجاءة إنّما كان لاجتهاده و عدم قبول توبته لأنّه زندیق، و لا تقبل توبة الزندیق فی الأصح.

و أمّا قطع یسار السارق، فلعلّه من غلط الجلّاد، أو رآه فی المرّة الثالثة من السرقة، و هو رأی الأكثر من العلماء. و وقوفه فی مسألة الجدّة و رجوعه إلی الصحابة فی ذلك لأنّه غیر بدع من المجتهد البحث عن مدارك الأحكام، انتهی.

و أجیب: بأنّه قد ثبت أنّ من شرائط الإمامة العلم بجمیع الأحكام، و قد ظهر من أبی بكر الاعتراف علی نفسه بأنّه لم یعرف الحكم فیها، و عدم تعرّض من تصدّی للجواب لمنع صحّة ما ذكر اعتراف بصحّته (5).

ثم إنّ الكلالة- علی ما رواه الأصحاب عن أئمّتنا علیهم السلام- أولاد

ص: 510


1- فی المصدر: أن توقد.
2- انظر: الصّحاح 3- 1154- 1155، و مجمع البحرین 4- 270.
3- و قد سلفت منّا جملة من المصادر فی قصّة الفجاءة، و إلیك جملة أخری منها: تاریخ الطبریّ 3- 234، و تاریخ ابن كثیر 6- 319، و تاریخ الیعقوبی 2- 134، و البدایة و النهایة لأبی الفداء 3- 319، و الإصابة 2- 322، و شرح القوشجی علی التجرید: 482، و ذكرها ملخّصة ابن أبی الحدید فی شرحه 17- 222، و غیرهم.
4- المواقف و شارحه: 403 [شرح المواقف و حواشیه 8- 348] و قصّة فجاءة فی 8- 357.
5- لاحظ: المصدر السالف، و التجرید و شرحه: 296، و الصواعق المحرقة: 33، و جهله بهذه المسألة و غیرها جاء- أیضا- فی: سنن ابن ماجة 3- 163، و مسند أحمد بن حنبل 4- 224، و سنن أبی داود 2- 17، و الموطّأ 1- 335، و غیرها كما سلف بعضه.

الأب و الأم، و هم الإخوة من الطرفین أو من أحدهما (1)، و قد دلّت آیة المیراث فی أوّل سورة النساء (2) علی حكم من كان (3) من قبل الأمّ منهم، و فی آخر السورة (4) علی حكم من كان من قبل الأب و الأم أو من قبل الأب، سمّیت كلالة لإحاطتها بالرجل كالإكلیل بالرأس- و هو ما یزیّن بالجوهر- شبه العصابة، أو لأنّها مأخوذة من الكلّ لكونها ثقلا علی الرجل (5)، و الذی رواه قوم من المفسّرین عن أبی بكر و (6) عمر و ابن عباس- فی أحد (7) الروایتین- عنه أنّها من عدا الوالد و الولد (8). و فی الروایة الأخری عن ابن عباس أنّها من عدا الولد (9).

أقول: یرد هنا آخر علی أبی بكر، بل علی صاحبه، و هو أنّهما فسّرا القرآن برأیهم- كما صرّح به أبو بكر (10)

و رووا فی صحاحهم المنع من ذلك،

ص: 511


1- لاحظ مثالا: فروع الكافی 7- 100 حدیث 3، و التهذیب 9- 290 حدیث 5، و من لا یحضره الفقیه 4- 200.
2- فی قوله تعالی: «وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ یُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ..» الآیة، النساء: 12.
3- فی (س) : علی ما كان.
4- النساء: 176.
5- كما جاء فی مجمع البحرین 5- 464، و النهایة 4- 197، و غیرهما.
6- فی (س) : أو.
7- فی (ك) : إحدی.
8- كما أورده الدارمیّ فی سننه 2- 366، و البیهقیّ فی سننه 6- 225 أیضا، و الطبریّ فی تفسیره 4- 192، و غیرهم فی غیرها.
9- كما جاءت فی تفسیر الطبریّ 4- 193، و سنن البیهقیّ 6- 225. و فی (ك) : للوالد، بدلا من: الولد.
10- و لقد فتح الخلیفة و خلیفته- لقصر باعه فی علوم الكتاب و السنّة- باب القول بالرأی بمصراعیه بعد ما سدّه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم علی أمّته بكلی ذراعیه، إذ نجد أنّ جمعا من الأعلام كابن سعد فی الطبقات، و أبی عمر فی كتاب العلم 2- 51، و السیوطی فی تاریخ الخلفاء: «71»- و ابن القیّم فی أعلام الموقعین: 19، و غیرهم ذكروا أنّ أبا بكر نزلت به قضیّة فلم یجد فی كتاب اللّٰه منها أصلا و لا فی السنّة أثرا، فاجتهد رأیه، ثمّ قال: هذا رأی فإن یكن صوابا فمن اللّٰه و إن یكن خطأ فمنّی.

و من فسّر القرآن برأیه فقد كفر (1).

، وَ رَوَی فِی الْمِشْكَاةِ وَ الْمَصَابِیحِ (2)، عَنِ التِّرْمِذِیِّ (3)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ قَالَ فِی الْقُرْآنِ بِرَأْیِهِ فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.

وَ فِی رِوَایَةٍ (4): مَنْ قَالَ فِی الْقُرْآنِ بِغَیْرِ عِلْمٍ فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.

وَ عَنِ التِّرْمِذِیِّ (5) وَ أَبِی دَاوُدَ (6)، عَنْ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: مَنْ قَالَ فِی الْقُرْآنِ بِرَأْیِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ.

وَ عَنْ أَحْمَدَ (7) وَ ابْنِ مَاجَةَ (8) بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَیْبٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] قَوْماً یَتَدَارَءُونَ (9) فِی الْقُرْآنِ، فَقَالَ:

ص: 512


1- كما فی صحیح الترمذی 5- 199 كتاب التفسیر حدیث 2953، و سنن أبی داود كتاب العلم حدیث 3652، جامع البیان برقم 80، و نقله ابن الأثیر فی جامع الأصول 2- 3 حدیث 469 عن أصولهم.
2- مشكاة المصابیح: 35.
3- صحیح التّرمذیّ 5- 199 كتاب التّفسیر حدیث 2951 و 2952.
4- صحیح التّرمذیّ 5- 199 كتاب التّفسیر حدیث 2950. و نقلها عنه ابن الأثیر فی جامع الأصول 2- 6 حدیث 470، و أخرجها أحمد فی مسنده 1- 233 برقم 2069، 3025، و الطّبریّ فی جامع البیان: 1- 73- 80.
5- صحیح التّرمذیّ 5- 199 كتاب التّفسیر الباب الأوّل حدیث 2952، و تلاحظ بقیّة روایات الباب.
6- سنن أبی داود 3- 320 كتاب العلم حدیث 3652.
7- مسند أحمد بن حنبل 2- 185.
8- سنن ابن ماجة، و لم نجده فیه. و ذكره الهندیّ فی كنز العمّال 1- 196 حدیث 970 عن البیهقیّ فی شعب الإیمان.
9- قال فی مجمع البحرین 1- 136- 137: و فی الحدیث: یتدارءون الحدیث .. أی یتدافعونه، و ذلك أنّ كلّ واحد منهم یدفع قول صاحبه بما ینفع له من القول، و كأنّ المعنی إذا كان بینهم محاجّة فی القرآن طفقوا یدافعون بالآیات، و ذلك كأنّ یسند أحدهم كلامه إلی آیة ثمّ یأتی صاحبه بآیة أخری مدافعا یزعم أنّ الّذی أتی به نقیض ما استدلّ به صاحبه، و لهذا شبّه حالهم بحال من قبلهم، فقال: ضربوا كتاب اللّٰه بعضه ببعض.

إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَ إِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ یُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً، فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ (1) فَقُولُوا، وَ مَا جَهِلْتُمْ فَكِلُوهُ إِلَی عَالِمِهِ.

و الأخبار فی ذلك كثیرة.

و قال الفخر الرازی (2): اختار أبو بكر أنّ الكلالة عبارة عن سوی (3) الوالدین و الولد، و هذا هو المختار (4)، و أمّا عمر فإنّه كان یقول: الكلالة ما (5) سوی الولد، وَ رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَ قَالَ: كُنْتُ أَرَی الْكَلَالَةَ (6) مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَ أَنَا أَسْتَحْیِی أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ (7).

وَ عَنْ عُمَرَ فِیهِ رِوَایَةٌ أُخْرَی وَ هُوَ التَّوَقُّفُ، وَ كَانَ یَقُولُ: ثَلَاثَةٌ لَأَنْ یَكُونَ بَیَّنَهَا الرَّسُولُ صلی اللّٰه علیه و آله لَنَا أَحَبُّ إِلَیَّ مِنَ الدُّنْیَا وَ مَا فِیهَا، الْكَلَالَةُ، وَ الْخِلَافَةُ، وَ الرِّبَا.

انْتَهَی (8).

و لا یشتبه علی الفطن الناظر فی مثل هذه الروایات أنّ آراءهم لم یتفرّع عن أصل و لیست إلّا اتّباعا للأهواء و قولا فی أحكام اللّٰه بغیر علم و لا هدی من اللّٰه، و لو كان ما رآه عمر فی الكلالة اجتهادا منه- كما زعموا- لما جاز له الحكم بخلافه استحیاء من خلاف أبی بكر، و اللّٰه و رسوله أحقّ بأن یستحی منهما، و من لا یستحی من أن یقول لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: إنّ الرجل لیهجر (9)، فاللائق

ص: 513


1- فی (س) : من- بلا ضمیر-، و لا معنی لها.
2- تفسیر الفخر الرازیّ 9- 221.
3- فی المصدر: و اختیار أبی بكر الصدیق أنّها عبارة عمّن سوی ..
4- فی التفسیر زیادة: و القول الصحیح، بعد كلمة: المختار.
5- فی المصدر: من، بدلا من: ما.
6- فی تفسیر الفخر: أنّ الكلالة.
7- إلی هنا ذكره الطّبریّ فی تفسیره 4- 192 أیضا. و فی المصدر بعد لفظ أبی بكر: الكلالة من عدا الوالد و الولد.
8- و انظر سنن ابن ماجة 2- 911 حدیث 2727، و سنن البیهقیّ 6- 225.
9- ستأتی مصادره مفصّلا، و انظر مثالا: صحیح البخاریّ 1- 39، كتاب العلم باب 39 حدیث 4، و الصراط المستقیم 3- 3- 7، و غیرهما.

بحاله أن لا یستحی من أحد، و تمنّیه أن یكون الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله بیّن لهم الخلافة دلیل واضح علی شكّه فی خلافة أبی بكر و فی خلافته، كما سبق ما یدلّ علی الشكّ عن أبی بكر، و ما جعله دلیلا علی اجتهاد أبی بكر- من أنّ له فی المسائل أقوالا مشهورة عند أهل العلم- فأوّل ما فیه أنّه افتراء علی أبی بكر، و أین هذه الأقوال المشهورة التی لم یسمعها أحد؟! و من لم یرو عن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فی مدة البعثة، و قد كان- بزعمهم الفاسد- أوّل الناس إسلاما، و كان من بطانته و صاحبا له فی الغار غیر مفارق عنه فی الأسفار- إلّا مائة و اثنین و أربعین حدیثا (1)، مع ما وضعه فی میراث الأنبیاء لحرمان أهل البیت علیهم السلام و دفنهم حیث یموتون لأن یدفن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فی بیت عائشة و یسهّل ما أوصی به من دفنه مع الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و غیر ذلك لأغراض أخر، فمبلغ علمه و كثرة أقواله ظاهر لأولی الألباب.

ثم لو سلّمت كثرة أقواله فلیس مجرّد القول دلیلا علی الاجتهاد و القوّة فی العلم، و من تتبّع آثارهم و أخبارهم علم أنّه لیس فیها ما یدلّ علی دقّة النظر و جودة الاستنباط، بل فیها ما یستدلّ به علی دناءة الفطرة و ركاكة الفهم، كما لا یخفی علی المتتبّع.

و أمّا قطع یسار السارق فی المرّة الأولی فهو خلاف الإجماع، و قد اعترف به الفخر الرازی فی تفسیر آیة السرقة (2)، و لو كان من غلط الجلّاد لأنكره علیه أبو بكر و بحث عن الحال، هل كان عن تعمّد من الجلّاد فیقاصّه بفعله أو علی السهو و الخطإ فیعمل بمقتضاه؟ و كون القطع فی المرّة الثالثة خلاف المنقول، و لم یبد هذا الاحتمال أحد غیر الفخر الرازی (3) و تبعه المتأخّرون عنه.

ص: 514


1- كما فی شرح ریاض الصالحین للصدیقی 2- 23، و فصله شیخنا الأمینی فی غدیره 7- 108 114.
2- تفسیر الفخر الرازیّ 11- 227.
3- تفسیر الفخر الرازیّ 11- 227.

و أمّا الاجتهاد فی إحراق فجاءة السلمی فهو من قبیل الاجتهاد فی مقابلة النصّ، و قد قامت الأدلّة علی بطلانه، و ما ذكره من عدم قبول توبته لأنّه زندیق فاسد، إذ لم ینقل أحد عن فجاءة إلّا الإغارة علی قوم من المسلمین، و مجرّد ذلك لیس زندقة حتّی لا تقبل توبته، و قد ذكر فی المواقف (1) فی الطعن أنّه كان یقول:

أنا مسلم .. و لم یمنعه فی مقام الجواب.

و اعلم أنّ الروایة الدالّة علی عدم التعذیب بالنار من الروایات الصحیحة عند العامّة، و رواه (2) البخاری فی باب لا یعذّب بعذاب اللّٰه من كتاب الجهاد (3) عن أبی هریرة و عن ابن عباس.

و رواه ابن أبی الحدید (4) أیضا.

وَ الَّذِی رَوَاهُ أَصْحَابُنَا مَا رُوِیَ فِی الْفَقِیهِ (5) وَ غَیْرِهِ (6)، عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ نَهَی أَنْ یُحْرَقَ شَیْ ءٌ مِنَ الْحَیَوَانِ بِالنَّارِ.

، لكن فی بعض أخبارنا (7) ما ینافی هذا العموم، و سیأتی الكلام فیه فی كتاب المناهی (8) إن شاء اللّٰه تعالی، و لا یضرّ ذلك فی الطعن، لأنّ بناءه علی الإلزام لاعتراف العامّة بصحّتها.

و ما روی من فعل أمیر المؤمنین علیه السلام فهو عندنا استناد إلی نصّ خاصّ ورثه عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و عند العامّة استناد إلی الاجتهاد،

ص: 515


1- المواقف: 402.
2- فی (س) : رواه فی.
3- صحیح البخاریّ 4- 74- 75.
4- فی شرحه علی النهج 17- 222.
5- كتاب من لا یحضره الفقیه 4- 3 باب 1، ذیل حدیث الأول.
6- أمالی الصّدوق: 254.
7- كما جاء فی الكافی 7- 199 حدیث 5، و 6 و فی صفحة: 201 حدیث 1، و فی صفحة: 204 حدیث 3، و التهذیب 6- 142 باب 63 حدیث 2، و المحاسن: 112 باب 51 حدیث 106، و أورده فی بحار الأنوار 25- 300 عن رجال الكشّیّ: 198- 199.
8- بحار الأنوار 76- 329.

فلا مطعن فیه بالاتّفاق.

ص: 516

خاتمة فی ذكر ولادة أبی بكر و وفاته و بعض أحواله

قال المخالفون: كان مولده بمكة بعد الفیل بسنتین و أربعة أشهر إلّا أیّاما، و اسمه: عبد اللّٰه بن عثمان (1) بن (2) أبی قحافة بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تیم بن مرّة بن كعب بن لؤی بن غالب، و قیل اسمه: عتیق،

و قیل: كان اسمه: عبد ربّ الكعبة، فسمّاه النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله: عبد اللّٰه.

، و أمّه أمّ الخیر سلمی بنت صخر بن عامر بن كعب (3).

غصب (4) الخلافة ثانی یوم مات فیه النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و مات بالمدینة لیلة الثلاثاء لثمان بقین من جمادی الآخرة سنة ثلاث عشرة بین المغرب و العشاء و له ثلاث و ستون سنة، و قیل خمس و ستون، و الأول أشهر. و كانت مدّة خلافته المغصوبة سنتین و أربعة أشهر (5).

ص: 517


1- وضع فی (ك) علی كلمة: عثمان، رمز نسخة بدل.
2- لا توجد فی (س) : بن.
3- كما جاء فی تاریخ الطبریّ 3- 419- 424 [4- 46]، و الكامل لابن الأثیر 2- 418- 424 [2- 160].
4- فی (ك) : و غصب.
5- انظر: تاریخ الیعقوبی 2- 106، و صفة الصفوة 1- 88، و حلیة الأولیاء 4- 93، و تاریخ الخمیس 2- 199، و الریاض النضرة: 44- 187، و منهاج السنّة 3- 118، و طبقات ابن سعد 9- 26 28، و غیرها.

و قال فی الاختصاص (1): مات و هو ابن ثلاث و ستین سنة، و ولی الأمر سنتین و ستة أشهر.

ثم اعلم أنّه لم یكن له نسب شریف و لا حسب منیف، و كان فی الإسلام خیّاطا، و فی الجاهلیّة معلّم الصبیان، و نعم ما قیل:

كفی للمرء نقصا أن یقال بأنّه***معلّم أطفال و إن كان فاضلا

و كان أبوه سیّئ الحال ضعیفا، و كان كسبه أكثر عمره (2) من صید القماری و الدباسی لا یقدر علی غیره، فلمّا عمی و عجز ابنه عن القیام به التجأ إلی عبد اللّٰه ابن جدعان- من رؤساء مكة- فنصبه ینادی علی مائدته كلّ یوم لإحضار الأضیاف، و جعل له علی ذلك ما یعونه من الطعام، ذكر ذلك جماعة منهم الكلبی فی كتاب المثالب (3)

علی ما أورده فی الصراط المستقیم (4)

و لذا قال أبو سفیان لعلیّ علیه السلام- بعد ما غصب الخلافة-: - أ رضیتم یا بنی عبد مناف!- أن یلی علیكم تیمیّ رذل؟!، و قال أبو قحافة: ما رواه ابن حجر فی صواعقه (5) حیث قال: و أخرج الحاكم (6) أنّ أبا قحافة لمّا سمع بولایة ابنه قال: هل رضی بذلك بنو عبد مناف و بنو المغیرة؟. قالوا: نعم. قال: اللّٰهمّ لا واضع لما رفعت و لا رافع لما وضعت (7).

ص: 518


1- الاختصاص: 130.
2- فی (س) : من عمره.
3- المثالب للكلبی- هشام بن محمّد السائب الكلبی المتوفّی سنة 205 ه. ذكره ابن الندیم فی فهرسته: 141، و لا نعلم بطبعه. توجد منه نسخة فی المتحف العراقی، و لا یسمح لأحد برؤیتها أو نسخها أو غیر ذلك.
4- الصراط المستقیم 3- 102، و انظر صفحة: 28.
5- الصواعق المحرقة: 7- طبعة الحلبیّ، مصر-.
6- المستدرك للحاكم النیسابوریّ، و لم نجد هذه الروایة هناك.
7- و قریب منه فی الاستیعاب 2- 256.

وَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ- فِی بَعْضِ كَلِمَاتِهَا-: إِنَّهُ مِنْ أَعْجَازِ قُرَیْشٍ وَ أَذْنَابِهَا (1).

و قال بعض الظرفاء: بل من ذوی أذنابها.

و قال صاحب إلزام النواصب (2): أجمع النسّابون أنّ أبا قحافة كان حبرا للیهود یعلّم أولادهم (3).

و العجب أنّهم مع ذلك یدّعون أنّ اللّٰه تعالی أغنی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله بمال أبی بكر.

و عقد الخلافة عند موته لعمر، فحمل أثقاله مع أثقاله، و أضاف وباله إلی وباله.

وَ قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (4)

فِی كَیْفِیَّةِ ذَلِكَ- أَنَّهُ أَحْضَرَ أَبُو بَكْرٍ عُثْمَانَ- وَ هُوَ یَجُودُ بِنَفْسِهِ- فَأَمَرَ (5) أَنْ یَكْتُبَ عَهْداً، وَ قَالَ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ، هَذَا مَا عَهِدَ بِهِ (6) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ (7) إِلَی الْمُسْلِمِینَ أَمَّا بَعْدَ، .. ثُمَّ أُغْمِیَ عَلَیْهِ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ: قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَیْكُمُ ابْنَ الْخَطَّابِ (8)، وَ أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: اقْرَأْ فَقَرَأَهُ، فَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ، وَ قَالَ (9): أَرَاكَ خِفْتَ أَنْ یَخْتَلِفَ النَّاسُ إِنْ مِتُّ فِی غَشْیَتِی!

ص: 519


1- كما فی شرح النهج لابن أبی الحدید 1- 164- 165.
2- و قال فی إلزام النواصب: 97- خطیّة-: أبو بكر بن أبی قحافة، أجمع أهل السیر أنّ أبا قحافة كان أجیرا للیهود یعلّم أولادهم، و قد تعجّب أبوه: أبو قحافة یوم بویع ابنه للخلافة، فقال: كیف ارتضت الناس بابنی مع حضور بنی هاشم؟!. قالوا: لأنّه أكبر الصحابة سنّا. فقال: و اللّٰه أنا أكبر منه. ثم قال: هذا یدلّ علی انحطاطه عن مرتبة الخلافة.
3- لا توجد: یعلّم أولادهم، فی (س) .
4- فی شرحه علی النّهج 1- 165، بتصرف.
5- فی المصدر: فأمره.
6- لا توجد فی المصدر: به.
7- فی تاریخ الطّبریّ 4- 52 [3- 429]: و فیه: أبو بكر بن أبی قحافة.
8- فی شرح النّهج: عمر بن الخطّاب.
9- فی المصدر: و سرّ و قال ..

قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَیْراً عَنِ الْإِسْلَامِ وَ أَهْلِهِ، ثُمَّ أَتَمَّ الْعَهْدَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَقْرَأَ عَلَی النَّاسِ فَقَرَأَ (1)، ثُمَّ أَوْصَی إِلَی عُمَرَ بِوَصَایَا (2).

قَالَ: وَ رَوَی كَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ رَأَیْتُهُ (3) إِلَّا أَنَّ فِیهِ غِلْظَةً. فَقَالَ: ذَاكَ لِأَنَّهُ یَرَانِی رَفِیقاً (4) وَ لَوْ قَدْ أَفْضَی الْأَمْرُ إِلَیْهِ لَتَرَكَ كَثِیراً مِمَّا هُوَ عَلَیْهِ، وَ قَدْ رَمَقْتُهُ (5) إِذَا أَنَا غَضِبْتُ عَلَی رَجُلٍ أَرَانِی الرِّضَا عَنْهُ، وَ إِذَا لِنْتُ أَرَانِی الشِّدَّةَ عَلَیْهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ عُمَرَ. فَقَالَ: سَرِیرَتُهُ خَیْرٌ مِنْ عَلَانِیَتِهِ، وَ لَیْسَ فِینَا مِثْلُهُ. فَقَالَ لَهُمَا: لَا تَذْكُرَا مِمَّا قُلْتُ لَكُمَا شَیْئاً، وَ لَوْ تَرَكْتُ عُمَرَ مَا (6) عَدَوْتُكَ یَا عُثْمَانُ، وَ الْخِیَرَةُ لَكَ أَنْ لَا تَلِیَ مِنْ أُمُورِهِمْ شَیْئاً، وَ لَوَدِدْتُ أَنِّی كُنْتُ مِنْ أُمُورِكُمْ خِلْواً، وَ كُنْتُ فِیمَنْ مَضَی مِنْ سَلَفِكُمْ.

وَ دَخَلَ طَلْحَةُ (7) عَلَی أَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِی أَنَّكَ- یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) !- اسْتَخْلَفْتَ عَلَی النَّاسِ عُمَرَ، وَ قَدْ رَأَیْتَ مَا یَلْقَی النَّاسُ مِنْهُ وَ أَنْتَ مَعَهُ، فَكَیْفَ إِذَا (8) خَلَا بِهِمْ؟! وَ أَنْتَ غَداً لَاقٍ رَبَّكَ فَسَائِلُكَ (9) عَنْ رَعِیَّتِكَ!. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْلِسُونِی .. أَجْلِسُونِی (10)، ثُمَّ قَالَ: أَ بِاللَّهِ تُخَوِّفُنِی؟!، إِذَا لَقِیتُ رَبِّی فَسَاءَلَنِی، قُلْتُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَیْهِمْ خَیْرَ أَهْلِكَ. فَقَالَ طَلْحَةُ: أَ عُمَرُ خَیْرُ النَّاسِ

ص: 520


1- فی شرح النّهج: و أمر أن یقرأ .. فقرأ علیهم.
2- فی المصدر: أوصی عمر فقال له: ..
3- فی المصدر: رأیك. و ما ذكره نقله عن الطّبریّ 3- 428.
4- فی شرح النّهج: رقیقا.
5- رمقته .. أی أطلت النّظر إلیه، كما فی مجمع البحرین 5- 173.
6- فی المصدر: لما.
7- فی شرح النّهج: طلحة بن عبید اللّٰه.
8- فی المصدر: فكیف به.
9- فی شرح النّهج: فیسألك.
10- لا توجد فی المصدر: أجلسونی- الثّانیة-.

یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟!. فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ وَ قَالَ: إِی وَ اللَّهِ، هُوَ خَیْرُهُمْ وَ أَنْتَ شَرُّهُمْ، أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ وَلَّیْتُكَ لَجَعَلْتَ أَنْفَكَ فِی قَفَاكَ، وَ لَرَفَعْتَ نَفْسَكَ فَوْقَ قَدْرِهَا حَتَّی یَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی یَضَعُهَا، أَتَیْتَنِی وَ قَدْ دَلَكْتَ عَیْنَیْكَ تُرِیدُ أَنْ تَفْتِنَنِی عَنْ دِینِی، وَ تُزِیلَنِی عَنْ رَأْیِی، قُمْ لَا أَقَامَ اللَّهُ رِجْلَیْكَ، أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ عِشْتُ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَ بَلَغَنِی أَنَّكَ غَمَّضْتَهُ (1) فِیهَا أَوْ ذَكَرْتُهُ بِسُوءٍ لَأَلْحَقَنَّكَ بِخَمْصَاتِ (2) قُنَّةَ حَیْثُ كُنْتُمْ تُسْقَوْنَ (3) وَ لَا تَرْوَوْنَ، وَ تُرْعَوْنَ وَ لَا تَشْبَعُونَ، وَ أَنْتُمْ بِذَلِكَ مُبْتَهِجُونَ (4) رَاضُونَ!. فَقَامَ طَلْحَةُ فَخَرَجَ.

قال (5): و توفّی لیلة الثلاثاء لثمان بقین من جمادی الآخرة من سنة ثلاث عشرة. انتهی.

و قال فی الإستیعاب (6): قول الأكثر أنّه توفّی عشیّة یوم الثلاثاء المذكور.

و قیل: لیلته. و قیل: عشیّة یوم الإثنین.

قال: و مكث فی خلافته سنتین و ثلاثة أشهر إلّا خمس لیال. و قیل: سنتین

ص: 521


1- فی المصدر: غمصته، و فی (س) : قمصة. قال فی لسان العرب 7- 82: و فی حدیث عمر: فقمص منها قمصا .. أی نفر و أعرض.
2- فی شرح النّهج: بمحمضات. قال فی القاموس 2- 328: الحمضة: الشّهوة للشّی ء، و بنو حمضة بطن، و أمّا خمصات فهو جمع الخمصة و هی: الجوع و المجاعة، كأنّه أراد إن ظهرت منك كلمة غیر مطابقة لهوای لألحقنّك بالمساكین الّذین أشدّ حالا، مثل: زید عدل. و أمّا قنة: فهو موضع قرب حومانة الدراج، كما فی القاموس 4- 261.
3- فی المصدر: تسقوم، و هو غلط.
4- فی شرح النّهج: بجحون. و یقرأ ما فی (س) : متبجحون. أقول: البجح و الابتجاح و الابتهاج بمعنی السّرور و الفرح.
5- قاله ابن أبی الحدید فی شرحه للنهج 1- 166 بلفظه.
6- الاستیعاب المطبوع هامش الإصابة 2- 256- 257، و فیه مضمون ما ذكره المصنّف- رحمه اللّٰه و قال: اختلف- أیضا- فی حین وفاته، فقال .. و قیل عشیّ یوم الثلاثاء لثمان بقین من جمادی الآخرة، هذا قول أكثرهم.

و ثلاثة أشهر و سبع لیال (1).

و قال ابن إسحاق: توفّی علی رأس اثنتین (2) و ثلاثة أشهر و اثنی عشر یوما (3) من متوفّی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله. و قیل: و عشرة أیّام. و قیل (4): و عشرین یوما.

قال: و اختلف فی السبب الذی مات منه، فذكر الواقدی أنّه اغتسل فی یوم بارد فحمّ و مرض خمسة عشر یوما، و قال الزبیر بن بكّار: كان به طرف من السل، و روی عن سلام بن أبی مطیع: إنّه سمّ.

قال (5): و أوصی بغسله أسماء بنت أبی عمیس (6) زوجته فغسّلته، و صلّی علیه عمر بن الخطاب و نزل فی قبره عمر و عثمان و طلحة و عبد اللّٰه (7) بن أبی بكر، و دفن لیلا فی بیت عائشة.

أقول: انظروا بعین الإنصاف إلی الخلافة الكبری و رئاسة الدین و الدنیا كیف صارت لعبة للجهّال و خلسة لأهل الغیّ و الضلال، بحیث یلهم بها الفاسق الفاجر اللئیم عثمان و یكتبها برأیه بدون مصلحة الخلیفة الخوّان، ثم یمدحه هذا الشقیّ و یشكره و یجزیه خیرا عن الإسلام و أهله، و لا یقول له (8): لم اجترأت علی هذا الأمر الكبیر و الخطب الخطیر الذی یترتّب علیه (9) عظائم الأمور بمحض رأیك و هواك، مع أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله كان لا یجترئ أن یخبر بأدنی حكم بدون

ص: 522


1- هنا سقط، و فی المصدر: قال إسحاق: توفی أبو بكر علی رأس سنتین و ثلاثة أشهر و سبع لیال.
2- فی المصدر: توفی أبو بكر علی رأس سنتین.
3- فی الاستیعاب: اثنتی عشرة لیلة، بدلا من: یوما.
4- فی المصدر: و قال غیره: و عشرة أیّام. و قال غیره: ..
5- قاله فی الاستیعاب 2- 257 أیضا.
6- فی المصدر: و أوصی أن تغسّله أسماء بنت عمیس.
7- فی الاستیعاب: عبد الرحمن، بدلا من: عبد اللّٰه.
8- لا توجد: له، فی (س) .
9- فی (ك) نسخة بدل: یتوثّب علیه.

الوحی الإلهی.

و یلزم- علی زعمهم- أن یكون أبو بكر و عثمان أشفق علی أهل الإسلام و الإیمان من الرسول الذی أرسله الرحمن لهدایة الإنس و الجان، لأنّه صلّی اللّٰه علیه و آله- بزعمهم- أهمل أمر الأمّة و لم یوص لهم بشی ء، و هما أشفقا علی الأمّة حذرا من ضلالتهم فعیّنا لهم جاهلا شقیّا فظّا غلیظا لیدعو الناس إلی نصبهم و غباوتهم، و یصرفهم عن أهل بیت نبیّهم صلوات اللّٰه علیه [كذا].

و العجب من عمر كیف لم یقل لأبی بكر- فی تلك الحالة التی یغمی علیه فیها ساعة و یفیق أخری- إنّه لیهجر، و یمنعه من الوصیّة كما منع نبیّه صلّی اللّٰه علیه و آله و نسبه إلی الهجر؟!.

و كیف اجترأ أبو بكر علی ربّه فی تلك الحالة التی كان یفارق الدنیا و یرد علی ربّه تعالی فحكم بكون عمر أفضل الصحابة مع كون أمیر المؤمنین علیه السلام بینهم، و

قال فیه نبیّهم: اللّٰهمّ ائتنی بأحبّ خلقك إلیك.

و سائر ما رووه فی صحاحهم فیه علیه السلام، و أنزله اللّٰه فیه صلوات اللّٰه علیه؟!.

و هل یریب لبیب فی أنّ تلك الأمور المتناقضة، و الحیل الفاضحة الواضحة لم تكن إلّا لتتمیم ما أسّسوه فی الصحیفة الملعونة من منع أهل البیت علیهم السلام عن الخلافة و الإمامة، و حطّهم عن رتبة الرئاسة و الزعامة، جزاهم اللّٰه عن الإسلام و أهله شرّ الجزاء، و تواتر علیهم لعن ملائكة الأرض و السماء.

أقول: و قد مرّ فی باب ما أظهر (1) من الندامة عند الوفاة ما یناسب هذه الخاتمة (2).

ص: 523


1- فی (ك) : أظهر.
2- تذییل: بسم اللّٰه الرّحمن الرّحیم «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ». قد سلف من المصنّف قدّس سرّه فی أوائل الجزء الثامن و العشرین- باب افتراق الأمّة بعد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم علی ثلاث و سبعین فرقة، و أنّه یجری فیهم ما جری فی غیرهم من الأمم، و ارتدادهم عن الدین- جملة من روایات الارتداد من الطریقین، و روی فی صحیح البخاریّ فی الرقاق باب فی الحوض عن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله قال: أنا فرطكم علی الحوض، و لیرفعنّ رجال منكم ثمّ لیختلجنّ دونی فأقول: یا ربّ أصحابی! فیقال لأنّك لا تدری ما أحدثوا بعدك، و رواه عن أبی هریرة و حذیفة بطرق أخر، و عن ابن مسیّب باختلاف یسیر، و جاء فی مسند أحمد بن حنبل 1- 384 و 402، و 406، و 407، و 453، و 455، 2- 281. و فی جامع الأصول 11- 120 عن الصحیحین- البخاری و مسلم-، عن أبی هریرة، أنّ رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) قال: یرد علیّ یوم القیامة رهط من أصحابی- أو قال من أمّتی- فیحلون عن الحوض، فأقول: یا ربّ! أصحابی، فیقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا علی أعقابهم القهقری .. و بهذا المضمون روایات مستفیضة بل متواترة، انظر بحار الأنوار 28- 27- 32، حیث جاء بجملة روایات عن طریقهم حریّة بالملاحظة و التدبّر، فراجع، و انظر: صحیح مسلم كتاب الجنّة و صفة نعیمها، و الترمذی فی صحیحه المجلد الثانی باب ما جاء فی شأن الحشر، و صحیح النسائی المجلد الأول فی ذكر أوّل من یكسی یوم القیامة، و مسند أحمد بن حنبل 1- 235، 353، 2- 300، 408، 454، 5- 48، 50، 388، 400. و راجع: ترجمة بسر بن أرطاة فی الاستیعاب، و كنز العمّال 6- 424، 7- 224- 225، و تفسیر ابن جریر 4- 27، و مجمع الزوائد 10- 364- 365. و قال فی الإصابة: 3- القسم الأوّل- 84 بسنده عن أبی سعید، قلنا له: هنیئا لك برؤیة رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) و صحبته. قال: إنّك لا تدری ما أحدّثنا بعده. و نظیره ما رواه البخاری فی صحیحه فی كتاب بدأ الخلق فی غزوة الحدیبیّة عن البراء بن عازب، و ما جاء فی طبقات ابن سعد 8- 51 عن عائشة، و فی تهذیب التهذیب 8- 9 عن عمرو بن ثابت، قال: لمّا مات النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله كفر الناس إلّا خمسة. انظر: كنز العمّال 5- 283- 284، 6- 394، و أخرجه ابن أبی شیبة و أحمد بن حنبل و ابن ماجة و البزار و ابن جریر، و صحّحه الطبرانی فی الأوسط، و الحاكم و البیهقیّ فی الدلائل و الضیاء المقدّس. و أورده فی مجمع الزوائد للهیثمی 2- 151، 9- 124، و ذكر له عدّة روایات. و عن عائشة- كما فی كنز العمّال 5- 274- أنّها قالت: كان أبو بكر إذا ذكر یوم أحد بكی ... ثمّ أنشأ- یعنی أبا بكر- یحدّث، قال: كنت أوّل من فاء یوم أحد- أی رجع و فرّ-. و نحن نقول: نأخذ بإقرارها و إقراره دون ادّعائهم، مع أنّه ورد عنه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم أنّه قال- كما فی شرح الجامع الصغیر 3- 458 للمناوی-: خمس لیس لهنّ كفّارة: الشرك باللّٰه، و الفرار من الزحف .. إلی آخره. و لنختم بحثنا بإیراد ما أورده الطبریّ فی تاریخه 4- 52، و ابن قتیبة فی الإمامة و السیاسة 1- 18، و المسعودی فی مروج الذهب 1- 414، و أبو عبیدة فی الأموال: 131، و ابن عبد ربّه فی العقد الفرید 2- 254 .. و غیرهم. ذكروا عن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال: دخل علی أبی بكر فی مرضه الذی توفّی فیه، فأصابه مهتمّا ... و فیه: قال أبو بكر: .. أجل إنّی لا آسی علی شی ء من الدنیا إلّا علی ثلاث فعلتهنّ وددت أنّی تركتهنّ، و ثلاث تركتهنّ وددت أنّی فعلتهنّ، و ثلاث وددت أنّی سألت عنهنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله. فأمّا الثلاث اللاتی وددت أنّی تركتهنّ: فوددت أنّی لم أكشف بیت فاطمة عن شی ء و إن كانوا قد غلقوه علی الحرب!، و وددت أنّی لم أكن حرقت الفجاءة السلمی، و أنّی كنت و إن قتلته سریحا، أو خلّیت نجیحا، و وددت أنّی یوم سقیفة بنی ساعدة كنت قذفت الأمر فی عنق أحد الرجلین- یرید عمر و أبا عبیدة- فكان أحدهما أمیرا و كنت وزیرا. و أمّا اللاتی تركتهنّ: فوددت أنّی یوم أتیت بالأشعث بن قیس أسیرا كنت ضربت عنقه، فإنّه تخیّل إلیّ أنّه لا یری شرّا إلّا أعان علیه، و وددت أنّی حین سیّرت خالد بن الولید إلی أهل الردّة كنت أقمت بذی القصّة فإن ظفر المسلمون ظفروا، و إن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد، و وددت أنّی وجّهت خالد بن الولید إلی الشام كنت وجّهت عمر بن الخطّاب إلی العراق، فكنت قد بسطت یدی كلتیهما فی سبیل اللّٰه .. و مدّ یدیه. و وددت أنّی كنت سألت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لمن هذا الأمر؟ فلا ینازعه أحد، و وددت أنّی كنت سألته هل للأنصار فی هذا الأمر نصیب؟، و وددت أنّی كنت سألته عن میراث ابنة الأخ و العمّة، فإنّ فی نفسی منهما شی ء. و أوردها أیضا ابن جریر فی تاریخه 2- 619، و جاء ذكرها فی میزان الاعتدال 2- 215، و غیرهما. و تلك جولة لنا مع الباطل و ننتظر دولة الحق معهم، و قد ألفیت أوّل خلیفتهم أبی بكر الذی لم یعهد له نبوغ فی علم، أو تقدّم فی جهاد، أو تبرّز فی أخلاق، أو تهالك علی عبادة، أو ثبات علی مبدإ، و لیت شعری ما الذی نقموه من أبی الحسن صلوات اللّٰه علیه؟!. فارجع النظر كرّتین، عسی أن یعود علیه بالحقّ. و منها: أنّ لسان أبی بكر قد أورده الموارد. فقد جاء فی حلیة الأولیاء 9- 17 بسنده عن أسلم: أنّ عمر اطّلع علی أبی بكر و هو آخذ بطرف لسانه فیعضعضه و هو یقول: إنّ هذا أوردنی الموارد. و قریب منه فی موطإ مالك فی كتاب الجامع ما جاء فیما یخاف من اللسان، و طبقات ابن سعد 5- 5، و ذكره المتّقی الهندی فی كنز العمّال 2- 173 و قال: رواه مالك و ابن المبارك و سعید بن منصور و ابن أبی شیبة و أحمد بن حنبل و هناد و الخرائطی، و جاء فی تفسیر الدرّ المنثور ذیل قوله تعالی: «لا خَیْرَ فِی كَثِیرٍ مِنْ نَجْواهُمْ» من سورة النساء، و قال: أخرج أحمد و النسائی و البیهقیّ عن زید بن أسلم ... إلی آخره. و نظیره فی مجمع الزوائد للهیثمی 10- 302. و منها: كون الخلیفة سبّابا بذیّ اللسان. فقد سلف أن أوردنا لك فی رأیه فی القدر، و قوله للرجل: یا ابن اللخناء .. و ما أجاب به السائل من السباب المقذع و التمنّی بأن یكون عنده من یجاء أنفه مع عدم بیانه لما سأله و عدم إیفاء الرجل إلی الحقّ، و یظهر من الخصائص الكبری 2- 86 ما كان بینه و بین عقیل- و بمحضر من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و مشهد من المسلمین- من التنازع و الشتم، و یظهر من القصّة أنّها كانت فی أخریات أیّام الرسالة، مع ما روته العامّة و جاء عن طریق الخاصّة من أنّ: سباب المسلم فسوق كما فی الصواعق المحرقة: 43، تاریخ الخلفاء: 37 .. و غیرها، و حیث لا نرید الإطالة و التعلیق، نذكر المصادر درجا، و نحیل الأمر إلی فطنة القارئ و تتبّعه، فانظر ما أورده أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 114، و ابن ماجة فی سننه 1- 416، و الخطیب البغدادیّ فی تاریخه 5- 144، و الباقلانی فی التمهید: 193، و الطبریّ فی تاریخه 3- 212، و ابن عساكر فی تاریخه 1- 117، و ابن الأثیر فی الكامل 2- 139، و أبی الفداء فی تاریخه 1- 156، و الروض الأنف 2- 375، و غیرها. و منها: إعراض رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله عنهم: فقد وردت فی ذلك روایات عن طریقهم، منها ما جاء فی مسند أحمد بن حنبل 3- 219 بسنده عن أنس عند ما شاور رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله الناس یوم بدر. و انظر: 3- 257. و قد روی أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 155 بسنده، قال: جاء النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أناس من قریش، فقالوا: یا محمّد! إنّا جیرانك و حلفاؤك و إنّ ناسا من عبیدنا قد أتوك لیس بهم رغبة فی الدین و لا رغبة فی الفقه، إنّما فرّوا من ضیاعنا و أموالنا فارددهم إلینا، فقال لأبی بكر: ما تقول؟. قال: صدقوا، إنّهم جیرانك و حلفاؤك. قال: فتغیّر وجه النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، ثمّ قال لعمر: ما تقول؟. قال: @ قال عمر: أنا هو یا رسول اللّٰه؟. قال: لا، و لكن ذلك الذی یخصف النعل، و قد كان أعطی علیّا علیه السلام نعلا یخصفها. و منها: جبن الشیخین و انهزامهم فی الحروب: فقد أورد الحاكم فی مستدركه علی الصحیحین 3- 37 عن علیّ علیه السلام أنّه قال: یا أبا لیلی! أ ما كنت معنا بخیبر؟. قال: بلی و اللّٰه كنت معكم، فإنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله بعث أبا بكر إلی خیبر، فسار بالناس و انهزم و رجع. قال: هذا حدیث صحیح الإسناد، و ذكر جملة أحادیث، منها: ما رواه فی 3- 38 بسنده عن جابر: أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله دفع الرایة یوم خیبر إلی عمر فانطلق فرجع یجبّن أصحابه و یجبّنونه. و ذكره فی كنز العمّال 5- 284 عن بریدة. و انظر: تاریخ ابن جریر 2- 300 بطریقین، و النسائی فی خصائصه: 5، و الهیثمی فی مجمع الزوائد 6- 150، و المحبّ الطبریّ فی الریاض النضرة 2- 187، و هذا متّفق علیه فی وقعة خیبر لم یرتّب به ذو مسكة. فنحن قد راجعنا كتب التفسیر فلم نجد ما یؤثر عنه فی هذا العلم شی ء یحفل به، و كلّ ما جاء عنه هو جهله فی الأب فی قوله عزّ اسمه: «وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا»، و الكلالة، و غیرهما، و هو- و ایم اللّٰه- جهل بلغة العرب الأصلیّة، لا بمعانی القرآن العظیمة، و أمّا السنّة، فها إمامهم أحمد بن حنبل- مع دعواهم أنّه كان یحفظ ألف ألف حدیث!!، و التقط مسنده من أكثر من سبعمائة و خمسین ألف حدیث- لم یثبت لخلیفتهم الأول إلّا ستین حدیثا- بحذف المتكرّر- 1- 2- 14، و أكثر ما أوردوه له كلام له لم ینقله عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، هذا مع كلّ ما فیه من وضع و تدلیس، و قد ناقش العلّامة الأمینی طاب ثراه فی غدیره ما أورده له من أحادیث بما لا مزید علیه 7- 108- 120. و نحسب أنّ فی ما ذكرناه للخلیفة من القضایا- مع قلّته- غنیّة و كفایة، و تذكرة و هدایة، لمن ألقی السمع و هو شهید.

ص: 524

ص: 525

ص: 526

و أمّا افتخارهم بدفنه فی جوار النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فسیأتی فیه.

وَ رَوَی فِی الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ (1) بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَیْدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُمَا لَمْ یَبِیتَا مَعَهُ إِلَّا لَیْلَةً ثُمَّ نُقِلَا إِلَی وَادٍ فِی جَهَنَّمَ یُقَالُ لَهَا (2): واد [وَادِی] الدُّودِ.

ص: 527


1- الصّراط المستقیم 3- 116.
2- فی المصدر: له، و هو الظّاهر.

ص: 528

[23] باب تفصیل مثالب عمر و الاحتجاج بها علی المخالفین بإیراد الأخبار من صحاحهم و ذكر بعض أحواله و بعض ما حدث فی زمانه

الطعن الأول:

مَا رَوَتْهُ الْعَامَّةُ وَ الْخَاصَّةُ أَنَّهُ أَرَادَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی مَرَضِهِ أَنْ یَكْتُبَ لِأُمَّتِهِ كِتَاباً لِئَلَّا یَضِلُّوا بَعْدَهُ وَ لَا یَخْتَلِفُوا، فَطَلَبَ دَوَاةً وَ كَتِفاً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَمَنَعَ عُمَرُ مِنْ إِحْضَارِ ذَلِكَ وَ قَالَ: إِنَّهُ لَیَهْجُرُ، أَوْ مَا یُؤَدِّی هَذَا الْمَعْنَی، و قد وصفه اللّٰه سبحانه بأنّه: لا ینطق عن الهوی، و أنّ كلامه لیس إلّا وحیا یوحی (1)، و كثر اختلافهم و ارتفعت أصواتهم حتّی تسأّم و تزجّر. فقال بعضهم: أحضروا ما طلب. و قال بعضهم: القول ما قال عمر، و قد قال اللّٰه سبحانه: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَكُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ یَعْصِ

ص: 529


1- اقتباس من الآیة الثالثة و الرابعة من سورة النجم.

اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِیناً (1)، و قال تعالی: فَلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَكِّمُوكَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً (2)، و قد قدّمنا فی باب وصیّة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله (3) فی ذلك أخبارا كثیرة من طرق الخاصّ و العامّ و لنذكر هنا زائدا علی ما تقدّم ما یؤیّد تلك الأخبار من الجانبین.

فأمّا الروایات العامیّة: .

فَرَوَی الْبُخَارِیُّ (4) فِی بَابِ إِخْرَاجِ الْیَهُودِ مِنْ جَزِیرَةِ الْعَرَبِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ وَ السِّیَرِ، وَ مُسْلِمٌ فِی كِتَابِ الْوَصَایَا (5)، عَنْ سُفْیَانَ (6)، عَنْ سُلَیْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ جُبَیْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ یَقُولُ: یَوْمُ الْخَمِیسِ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ! ثُمَّ بَكَی حَتَّی بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَی، قُلْتُ: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ؟. قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَجَعُهُ، فَقَالَ: ائْتُونِی بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً، فَتَنَازَعُوا وَ لَا یَنْبَغِی عِنْدَ نَبِیٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا لَهُ أَهْجَرَ؟! اسْتَفْهِمُوهُ؟ (7). فَقَالَ: ذَرُونِی فَالَّذِی أَنَا فِیهِ خَیْرٌ مِمَّا تَدْعُونِّی إِلَیْهِ.

فَأَمَرَهُمْ بِثَلَاثٍ، قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِینَ مِنْ جَزِیرَةِ الْعَرَبِ، وَ أَجِیزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِیزُهُمْ، وَ الثَّالِثَةَ: إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا وَ إِمَّا أَنْ قَالَهَا فَنَسِیْتُهَا (8)،

ص: 530


1- الأحزاب: 36.
2- النساء: 65.
3- بحار الأنوار 22- 465- 470 و 472- 473 عن جمع من العامّة، و فی صفحة: 474 عن مجالس الشیخ المفید، و فی: 497- 498 عن كتاب سلیم بن قیس الهلالی.
4- صحیح البخاریّ 4- 85 كتاب الجهاد باب هل یستشفع إلی أهل الذّمّة.
5- صحیح مسلم 5- 75.
6- فی (ك) نسخة بدل: سفین. أقول: لعلّ الفرق بینهما برسم الخطّ.
7- فی المصادر: هجر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، بدلا من: ما له أهجر؟! استفهموه؟.
8- انظر: صحیح البخاریّ 4- 120 باب إخراج الیهود من جزیرة العرب، و الكامل لابن الأثیر 2- 320 باب مرض النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) و وفاته، و السّیرة الحلبیّة 3- 344 باب ذكر مرضه (صلی اللّٰه علیه و آله) ، و مسند أحمد بن حنبل 1- 222، و طبقات ابن سعد 2- 36 باختلاف فی اللّفظ.

قَالَ: قَالَ سُفْیَانُ (1): هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَیْمَانَ.

وَ فِی بَابِ جَوَائِزِ الْوَفْدِ مِنَ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ (2)، عَنْ سُلَیْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ جُبَیْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: یَوْمُ الْخَمِیسِ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ؟! ثُمَّ بَكَی حَتَّی خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ (3)، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَجَعُهُ یَوْمَ الْخَمِیسِ، فَقَالَ: ائْتُونِی بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً، فَتَنَازَعُوا وَ لَا یَنْبَغِی عِنْدَ نَبِیٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ (4) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟! فَقَالَ:

دَعُونِی فَالَّذِی أَنَا فِیهِ خَیْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِی إِلَیْهِ، وَ أَوْصَی عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِینَ مِنْ جَزِیرَةِ الْعَرَبِ، وَ أَجِیزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِیزُهُمْ، وَ نَسِیتُ الثَّالِثَةَ.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (5) فِی بَابِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ، عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَجَعَهُ، قَالَ:

ائْتُونِی بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِیَّ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَ عِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ .. حَسْبُنَا، فَاخْتَلَفُوا وَ كَثُرَ اللَّغَطُ (6)، فَقَالَ: قُومُوا عَنِّی وَ لَا یَنْبَغِی عِنْدِیَ التَّنَازُعُ، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ یَقُولُ: إِنَّ الرَّزِیَّةَ كُلَّ الرَّزِیَّةِ مَا حَالَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ بَیْنَ كِتَابِهِ.

ص: 531


1- فی (ك) نسخة بدل: سفین- بلا ألف-.
2- صحیح البخاریّ 4- 85 [2- 178] الباب السّالف.
3- فی (ك) : الحصاء.
4- فی (ك) : أ هجر.
5- صحیح البخاریّ 1- 39 دار الشّعب [1- 32].
6- قال فی الصّحاح 3- 1157: اللّغط- بالتّحریك-: الصّوت و الجلبة. و قال فی النّهایة 4- 257: اللّغط: صوت و ضجّة لا یفهم معناها، و قد تكرّر فی الحدیث.

و فی باب مرض النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله (1) مثل الروایة الأولی.

وَ فِی هَذَا الْبَابِ (2)، عَنِ الزُّهْرِیِّ، عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] - وَ فِی الْبَیْتِ رِجَالٌ (3) فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ (4): إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] قَدْ غَلَبَهُ (5) الْوَجَعُ وَ عِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَیْتِ وَ اخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ:

قَرِّبُوا یَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً (6) لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ غَیْرَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا (7) اللَّغْوَ وَ الِاخْتِلَافَ (8)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: قُومُوا.

قَالَ عُبَیْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ یَقُولُ: إِنَّ الرَّزِیَّةَ كُلَّ الرَّزِیَّةِ مَا حَالَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ بَیْنَ أَنْ یَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ، لِاخْتِلَافِهِمْ وَ لَغَطِهِمْ.

و روی البخاری (9) أیضا فی باب قول المریض: قوموا عنّی، من كتاب المرضی (10).

ص: 532


1- صحیح البخاریّ 6- 11 [3- 91] كتاب المرض، باب قول المریض: قوموا عنّی .. رواه بطریقین.
2- صحیح البخاریّ .. باب كتاب النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) إلی كسری 6- 11 [دار الشّعب] .
3- فی المصدر زیادة: فیهم عمر بن الخطّاب قال .. و لا توجد فی طبعة دار الشّعب.
4- فی صحیح البخاریّ: عمر، بدلا من: بعضهم.
5- فی المصدر: قد غلبه علیه، و لعلّها سهو أو قد غلب علیه. و فی طبعة دار الشّعب للصّحیح كما فی المتن.
6- فی صحیح البخاریّ: یكتب لكم النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) كتابا. و فی طبعة دار الشّعب منه كما فی المتن.
7- فی (ك) : كثروا. و نجد هناك حاشیة لم یعلم علیها و هی: و أكثروا اللّغو. و وضع بعدها (صحّ) ، و لعلّ العبارة تكون هكذا: فلمّا كثّروا اللّغط و أكثروا اللّغو و الاختلاف.
8- فی المصدر: و الاختلاف عند النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) .
9- صحیح البخاریّ 6- 11 [3- 91] و ذكرنا موارد الاختلاف بین الروایتین.
10- فی (ك) نسخة بدل: المرتضی، و هو غلط.

وَ مُسْلِمٌ (1) فِی كِتَابِ الْوَصَایَا، عَنِ الزُّهْرِیِّ، عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] - وَ فِی الْبَیْتِ رِجَالٌ فِیهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ-، قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً .. وَ سَاقَ الْحَدِیثَ مِثْلَ مَا مَرَّ آنِفاً.

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (2) فِی الْكِتَابِ (3) الْمَذْكُورِ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ جُبَیْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: یَوْمُ الْخَمِیسِ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ، ثُمَّ جَعَلَ تَسِیلُ دُمُوعُهُ حَتَّی رَأَیْتُ عَلَی خَدَّیْهِ كَأَنَّهَا نِظَامُ اللُّؤْلُؤِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]:

ائْتُونِی بِالْكَتِفِ وَ الدَّوَاةِ- أَوِ اللَّوْحِ وَ الدَّوَاةِ- أَكْتُبْ (4) كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً.

فَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] یَهْجُرُ.

و قد حكی فی جامع الأصول (5) الأخبار (6) فی هذا المعنی، عن البخاری (7) و مسلم (8).

وَ رَوَی السَّیِّدُ بْنُ طَاوُسٍ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِی كِتَابِ كَشْفِ الْیَقِینِ (9) مِنْ كِتَابِ الْجَمْعِ بَیْنَ الصَّحِیحَیْنِ: جَمَعَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی نَصْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

ص: 533


1- صحیح مسلم 5- 76 [3- 1259- دار إحیاء التّراث] كتاب الوصیّة، باب ترك الوصیّة لمن لیس له شی ء یوصی فیه، و ذكره البخاریّ فی صحیحه أیضا 4- 7. و انظر: مسند أحمد بن حنبل 1- 224 و 336، و طبقات ابن سعد 2- 37.
2- صحیح مسلم 5- 76 [3- 1259- دار إحیاء التّراث] ، و جاء فی مسند أحمد بن حنبل 1- 355، و طبقات ابن سعد 2- 37، و غیرهما.
3- خ. ل: الموضع.
4- فی المصدر: أكتب لكم.
5- جامع الأصول 11- 69- 71 حدیث 8533، و فی الطبعة الأخری منه حدیث 8597 من نفس المجلد.
6- كذا.
7- صحیح البخاریّ 6- 11- 12 [دار الشعب] .
8- صحیح مسلم 3- 1257- 1259 [دار إحیاء التراث] .
9- كشف الیقین: 204.

الْحُمَیْدِیِّ مِنْ نُسْخَةٍ- عَلَیْهَا عِدَّةُ سَمَاعَاتٍ وَ إِجَازَاتٍ تَارِیخُ بَعْضِهَا سَنَةُ إِحْدَی وَ أَرْبَعِینَ وَ خَمْسِمِائَةٍ مَا هَذَا لَفْظُهُ-: قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: یَوْمُ الْخَمِیسِ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ (1)

فِی رِوَایَةٍ: ثُمَّ بَكَی حَتَّی بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَی-، فَقُلْتُ: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ؟. قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَجَعُهُ، فَقَالَ:

ائْتُونِی بِكَتِفِ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً. فَتَنَازَعُوا- وَ لَا یَنْبَغِی عِنْدَ نَبِیٍّ تَنَازُعٌ- (2). فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ، هَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ؟. فَذَهَبُوا یُرَدِّدُونَ عَلَیْهِ، فَقَالَ:

ذَرُونِی (3) .. دَعُونِی، فَالَّذِی أَنَا فِیهِ خَیْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِی إِلَیْهِ.

وَ فِی رِوَایَةٍ مِنَ الْحَدِیثِ الرَّابِعِ مِنَ الصَّحِیحَیْنِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ یَقُولُ: إِنَّ الرَّزِیَّةَ كُلَّ الرَّزِیَّةِ مَا حَالَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ بَیْنَ كِتَابِهِ.

وَ رَوَی حَدِیثَ الْكِتَابِ- الَّذِی أَرَادَ أَنْ یَكْتُبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِأُمَّتِهِ لِأَمَانِهِمْ مِنَ الضَّلَالَةِ عَنْ رِسَالَتِهِ- (4) جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیُّ- فِی الْمُتَّفَقِ عَلَیْهِ مِنْ صَحِیحِ مُسْلِمٍ- فَقَالَ فِی الْحَدِیثِ السَّادِسِ وَ التِّسْعِینَ مِنْ إِفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ مُسْنَدِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا هَذَا لَفْظُهُ: قَالَ: وَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بِصَحِیفَةٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَرَادَ أَنْ یَكْتُبَ لَهُمْ كِتَاباً لَا یَضِلُّونَ بَعْدَهُ، وَ كَثُرَ اللَّغَطُ (5) وَ تَكَلَّمَ عُمَرُ، فَرَفَضَهَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] .

و قال رضی اللّٰه عنه فی كتاب الطرائف (6): من أعظم طرائف المسلمین أنّهم شهدوا جمیعا أنّ نبیّهم أراد عند وفاته أن یكتب لهم كتابا لا یضلّون بعده أبدا و أنّ

ص: 534


1- لا توجد فی المصدر: و ما یوم الخمیس.
2- فی المصدر: فتنازعوا، فقال: لا ینبغی عندی التّنازع.
3- فی (ك) : ردّونی.
4- فی كشف الیقین: رسالة- بلا ضمیر-.
5- جاء فی حاشیة (ك) : اللّغط: صوت و ضجّة لا یفهم معناه. نهایة. انظر: النّهایة لابن الأثیر 4- 257.
6- الطرائف: 431- 433.

عمر بن الخطاب كان سبب منعه من ذلك الكتاب (1) و سبب ضلال من ضلّ من أمّته، و سبب اختلافهم و سفك الدماء بینهم، و تلف الأموال، و اختلاف الشریعة، و هلاك اثنتین و سبعین فرقة من أصل فرق الإسلام، و سبب خلود من یخلد فی النار منهم، و مع هذا كلّه فإنّ أكثرهم أطاع عمر بن الخطاب، الذی قد شهدوا علیه بهذه الأحوال فی الخلافة و عظّموه و كفّروا بعد ذلك من یطعن فیه و هم من جملة الطاعنین- و ضلّلوا من یذمّه- و هم من جملة الذامّین- و تبرّءوا ممّن یقبّح ذكره و هم من جملة المقبّحین (2) ..

فمن روایتهم فی ذلك.

مَا ذَكَرَهُ الْحُمَیْدِیُّ فِی الْجَمْعِ بَیْنَ الصَّحِیحَیْنِ فِی الْحَدِیثِ الرَّابِعِ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَیْهِ فِی صِحَّتِهِ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ فِی بَیْتِهِ رِجَالٌ فِیهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ-، فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً (3) لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ (4) وَ عِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُكُمْ كِتَابُ رَبِّكُمْ (5).

وَ فِی رِوَایَةِ ابْنِ عُمَرَ- مِنْ غَیْرِ كِتَابِ الْحُمَیْدِیِّ-، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَیَهْجُرُ.

وَ فِی كِتَابِ الْحُمَیْدِیِّ (6): قَالُوا: مَا شَأْنُهُ، هَجَرَ؟.

ص: 535


1- لا توجد فی الطرائف: الكتاب.
2- هنا سقط جاء فی المصدر: 431- 432.
3- لا توجد فی المصدر: كتابا.
4- فی الطّرائف: قد غلبه علیه الوجع.
5- لاحظ: صحیح البخاریّ 5- 127، و صحیح مسلم 5- 75- 76، [3- 1257] كتاب الوصیّة، و طبقات ابن سعد 2- 242- 245 باب ذكر الكتاب الّذی أراد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] أن یكتبه لأمّته فی مرضه الّذی مات فیه، و ذكر تسعة روایات.
6- الجمع بین الصّحیحین، و لم نجد له نسخة مطبوعة، و وجدنا أكثر من نسخة مخطوطة فی مكتبة السّیّد النّجفیّ المرعشیّ فی قمّ.

وَ فِی الْمُجَلَّدِ الثَّانِی مِنْ صَحِیحِ مُسْلِمٍ: فَقَالَ (1): إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] یَهْجُرُ ... (2).

قَالَ الْحُمَیْدِیُّ: فَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ عِنْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَبَعْضُهُمْ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَرِّبُوا إِلَیْهِ كِتَاباً یَكْتُبْ لَكُمْ، وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَ الِاخْتِلَاطَ، قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: قُومُوا عَنِّی فَلَا یَنْبَغِی عِنْدِیَ التَّنَازُعُ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ یَبْكِی حَتَّی تَبُلَّ دُمُوعُهُ الْحَصَی، وَ یَقُولُ: یَوْمُ الْخَمِیسِ وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ. قَالَ رَاوِی الْحَدِیثِ: فَقُلْتُ: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! وَ مَا یَوْمُ الْخَمِیسِ؟. فَذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ یَوْمَ مُنِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَ كَانَ یَقُولُ (3):

الرَّزِیَّةُ كُلُّ الرَّزِیَّةِ مَا حَالَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بَیْنَ كِتَابِهِ (4).

أقول: الهجر: الهذیان. قال فی جامع الأصول فی شرح غریب المیم (5):

الهجر- بالفتح-: الهذیان، و هو النطق بما لا یفهم، یقال: هجر فلان إذا هذی، و أهجر: نطق (6) بالفحش، و الهجر- بالضم-: النطق بالفحش (7).

و فی القاموس (8): هجر فی نومه و مرضه هجرا- بالضم- ..: هذی، و فی الصحاح (9): الهجر ..: الهذیان، و قد هجر المریض یهجر هجرا فهو هاجر

ص: 536


1- فی صحیح مسلم المطبوع: فقالوا. و لعلّه من تصحیفاتهم.
2- هنا سقط جاء فی الأصل، فراجع.
3- فی المصدر: و كان ابن عبّاس یقول ..
4- انظر: صحیح البخاریّ 1- 37، و صحیح مسلم 5- 75- 76 [3- 1259].
5- جامع الأصول 11- 71، ذیل حدیث 8533.
6- فی المصدر: إذا نطق.
7- فی الجامع: الفحش فی النطق.
8- القاموس 2- 158.
9- الصحاح 2- 851. و قال فی المصباح المنیر 2- 347: هجر المریض فی كلامه هجرا أیضا: خلط و هذی، و الهجر: الفحش و هو اسم من هجر یهجر- من باب قتل- و فیه لغة أخری .. و أهجرت بالرجل: استهزأت به و قلت فیه قولا قبیحا. و قال ابن الأثیر فی النهایة 5- 245- 246: یقال: أهجر فی منطقه یهجر إهجارا: إذا أفحش، و كذلك إذا أكثر الكلام فیما لا ینبغی، و الاسم الهجر- بالضم-، و هجر یهجر هجرا- بالفتح-: إذا خلط فی كلامه و إذا هذی .. و منه حدیث مرض النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم: قالوا: ما شأنه؟ أ هجر؟ .. أی اختلف كلامه بسبب المرض علی سبیل الاستفهام، أی هل تغیّر كلامه و اختلط لأجل ما به من المرض، و هذا أحسن ما یقال فیه، و لا یجعل إخبارا فیكون إمّا من الفحش أو الهذیان، و القائل كان عمر و لا یظنّ به ذلك!. أقول: إن كان ما قاله عمر علی سبیل الاستفهام كان اعتقاده فی الرسول الأكرم صلّی اللّٰه علیه و آله كاعتقاده فی سائر الناس، و لكن صدر الحدیث و ذیله لا یلائم الاستفهام، و لعلّه ترك الصدر و الذیل و نقل مختصرا منه لذلك.

و الكلام مهجور. قال أبو عبید: یروی عن إبراهیم ما یثبّت هذا القول فی قوله تعالی: إِنَّ قَوْمِی اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (1) قال: قالوا فیه غیر الحقّ، أ لم تر إلی المریض إذا هجر قال غیر الحقّ. و عن مجاهد نحوه.

فظهر أنّ إنكار بعضهم كون الهجر بمعنی الهذیان من أفحش الهذیان.

و قد اعترف ابن حجر- مع شدّة تعصّبه- بأنّه بمعنی الهذیان، فی مقدمة شرحه لصحیح البخاری (2).

و اللغط- بالتسكین و التحریك-: الصّوت و الجلبة أو أصوات مبهمة لا تفهم (3).

و الرَّزِیَّةُ: المصیبةُ (4).

ثم اعلم أنّ قاضی القضاة فی المغنی لم یتعرّض لدفع هذا الطعن عن عمر بن الخطاب، و كذلك كثیر من العامّة كشارح المقاصد و غیره، و لم یذكره السید

ص: 537


1- الفرقان: 30.
2- هدی الساری مقدّمة فتح الباری لشرح صحیح البخاریّ: 200 قال: أ هجر- بهمزة الاستفهام و الاسم: الهجر، و هو الهذیان، و یطلق علی كثرة الكلام الذی لا معنی له، قیل: و هو استفهام إنكار.
3- قاله فی مجمع البحرین 4- 271، و القاموس 2- 383، و غیرهما.
4- ذكره فی القاموس 1- 16، و مجمع البحرین 1- 183.

الأجلّ رضی اللّٰه عنه فی الشافی لكون نظره فیه مقصورا علی دفع كلام صاحب المغنی، و قد تصدّی القاضی عیاض المالكی فی كتابه الموسوم ب: الشفاء (1) لدفعه و توجیه الاختلاف الصادر عن الأصحاب بوجوه نذكرها مع ما یرد علی كلامه، قال:

أولا: فإن قلت: قد تقرّرت عصمة النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فی أقواله فی جمیع أحواله، و أنّه لا یصحّ منه فیها خلف و لا اضطراب فی عمد و لا سهو، و لا صحّة و لا مرض، و لا جدّ و لا مزاح، و لا رضی و لا غضب، فما معنی

الْحَدِیثُ فِی وَصِیَّتِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ الَّذِی حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاضِی أَبُو عَلِیٍّ، عَنْ أَبِی الْوَلِیدِ، عَنْ أَبِی ذَرٍّ، عَنْ أَبِی مُحَمَّدٍ وَ أَبِی الْهَیْثَمِ وَ أَبِی إِسْحَاقَ جَمِیعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ (2) مُعَمَّرٍ، عَنِ الزُّهْرِیِّ، عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ- وَ فِی الْبَیْتِ رِجَالٌ- قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ:

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ (3) غَلَبَهُ الْوَجَعُ ..

الْحَدِیثَ.

وَ فِی رِوَایَةٍ: ائْتُونِی أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِی أَبَداً، فَتَنَازَعُوا، فَقَالُوا: مَا لَهُ؟ أَهَجَرَ؟

اسْتَفْهِمُوهُ. فَقَالَ: دَعُونِی فَإِنَّ الَّذِی أَنَا فِیهِ خَیْرٌ.

و فی بعض طرقه أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم هجر (4)، و فی روایة: هجر، و یروی: أ هجر، و یروی (5):

أ هجرا، و فیه

فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِیَّ (صلی اللّٰه علیه و آله) قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ، وَ عِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا، وَ كَثُرَتِ اللَّغَطُ. فَقَالَ: قُومُوا عَنِّی.

وَ فِی رِوَایَةٍ: وَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَیْتِ

ص: 538


1- الشفاء للقاضی عیاض المالكی 2- 191- 195 باختلاف أشرنا لمهمّه.
2- فی المصدر: عبد الرّزّاق بن همّام أخبرنا .. مع اختصار فی الإسناد، و تبدیل حدّثنا ب: عن.
3- فی الشّفا زیادة: قد.
4- فی المصدر: یهجر.
5- فی (ك) : خطّ علی كلمة: یروی.

وَ اخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ: قَرِّبُوا یَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ كِتَاباً، وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ.

، قال أئمّتنا فی هذا الحدیث:

النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم غیر معصوم من الأمراض، ما (1) یكون من عوارضها من شدّة وجع و غشی .. و نحوه ممّا یطرأ علی جسمه، معصوم أن یكون منه من القول أثناء ذلك ما یطعن فی معجزته، و یؤدّی إلی فساد فی شریعته من هذیان و اختلال فی كلام، و علی هذا لا یصحّ ظاهر روایة من روی فی (2) الحدیث: هجرا (3) إذ معناه هذی، یقال: هجر هجرا إذا هذی، و أهجر هجرا إذا أفحش، و أهجر تعدیة هجر، و إنّما الأصحّ و الأولی: أ هجر! علی طریق الإنكار، علی من قال: لا یكتب، و هكذا روایتنا فیه فی صحیح البخاری من روایة جمیع الرواة، و (4) فی حدیث الزهری المتقدّم و فی حدیث محمد بن سلام، عن ابن عیینة (5) و قد تحمل علیه روایة من رواه هجر- علی حذف ألف الاستفهام- و التقدیر: أ هجرا، و أن (6) یحمل قول القائل هجرا و أهجر علی (7) دهشة من قائل ذلك و حیرة لعظم (8) ما شاهد من حال الرسول صلّی اللّٰه علیه [و آله] و شدّة وجعه، و هول (9) المقام الذی اختلف فیه علیه، و الأمر الذی همّ بالكتاب فیه حقّ لم یضبط هذا القائل لفظه، و أجری الهجر مجری شدّة الوجع، لا أنّه اعتقد أنّه یجوز علیه الهجر كما حملهم

ص: 539


1- فی الشفاء: و ما.
2- فی (س) : لا توجد: فی.
3- فی المصدر: هجر.
4- لا توجد الواو فی (س) .
5- هنا سقط جاء فی الشفاء و هو: و كذا ضبطه الأصلی بخطّه فی كتابه و غیره من هذه الطرق، و كذا رویناه عن مسلم فی حدیث سفیان و عن غیره.
6- فی المصدر: أهجر؟ أو أن ..
7- لا توجد فی الشفاء: علی.
8- فی المصدر: لعظیم.
9- لا توجد: هول، فی المصدر.

الإشفاق علی حراسته، و اللّٰه تعالی یقول: وَ اللَّهُ یَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (1) و نحو هذا، و أمّا علی روایة: أ هجرا فقد (2) یكون هذا راجعا إلی المختلفین عنده صلّی اللّٰه علیه و آله و مخاطبة لهم من بعضهم، أی جئتم باختلافكم علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و بین یدیه هجرا و منكرا من القول، و الهجر- بضم الهاء-: الفحش فی المنطق.

و قد اختلف العلماء فی معنی هذا الحدیث، و كیف اختلفوا بعد أمره لهم (3) أن یأتوه بالكتاب، فقال بعضهم: أوامر النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] یفهم إیجابها من ندبها و ندبها من إباحتها بقرائن، فلعلّه قد ظهر من قرائن قوله صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم لبعضهم ما فهموا أنّه لم یكن منه عزمة بل ردّه إلی اختیارهم، و بعضهم لم یفهم ذلك. فقال: استفهموه؟ فلمّا اختلفوا كفّ عنه إذ لم یكن عزمة، و لمّا رأوه من صواب رأی عمر، ثم هؤلاء قالوا: و یكون امتناع عمر إمّا إشفاقا علی النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم من تكلّفه (4) فی تلك الحال إملاء الكتاب، و أن تدخل علیه مشقّة من ذلك كما قال: إنّ (5) النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم: اشتدّ به الوجع.

و قیل: خشی عمر أن یكتب أمورا یعجزون عنها فیحصلون فی الحرج و (6) العصیان (7) بالمخالفة، و رأی أنّ الأوفق بالأمّة فی تلك الأمور سعة الاجتهاد و حكم النظر، و طلب الثواب (8)، فیكون المخطئ و المصیب مأجورا. و قد علم عمر تقرّر

ص: 540


1- المائدة: 67.
2- هنا سقط جاء فی الشفاء و هو: و هی روایة أی إسحاق المستملی فی الصحیح فی حدیث أبی جبیر عن ابن عبّاس من روایة قتیبة فقد ..
3- فی المصدر: صلّی اللّٰه علیه و سلّم، و لا توجد: لهم.
4- فی الشفاء: تكلیفه.
5- لا توجد فی (س) : إن.
6- حذفت الواو من (س) .
7- لا توجد: العصیان، فی المصدر.
8- فی الشفاء: الصواب، بدلا من: الثواب.

الشرع و تأسّس (1) الملّة، و أنّ اللّٰه تعالی قال: الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ (2)،

و قوله صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم: أُوصِیكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی.

و قول عمر:

حسبنا كتاب اللّٰه، ردّ علی من نازعه لا علی أمر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله.

و قد قیل: إنّ عمر قد خشی تطرّق المنافقین و من فی قلبه مرض و (3) لمّا كتب فی ذلك الكتاب فی الخلوة و أن یتقوّلوا فی ذلك الأقاویل، كادّعاء الرافضة الوصیّة و غیر ذلك.

و قیل: إنّه كان من النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم علی طریق المشورة و الاختبار، هل یتّفقون علی ذلك أم یختلفون؟ فلمّا اختلفوا تركه.

و قالت طائفة أخری: إنّ معنی الحدیث أنّ النبی صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم كان مجیبا فی هذا الكتاب لما طلب منه لا أنّه ابتداء بالأمر به (4) بل اقتضاه منه بعض أصحابه فأجاب رغبتهم و كره ذلك غیرهم للعلل التی ذكرناها، و استدلّ فی مثل هذه القصّة بقول العباس لعلیّ (علیه السلام) : انطلق بنا إلی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فإن كان الأمر فینا علمناه، و كراهة علیّ (علیه السلام) هذا، و قوله: و اللّٰه لا أفعل (5)

و استدلّ بقوله (صلی اللّٰه علیه و آله) : دَعُونِی فَالَّذِی أَنَا فِیهِ خَیْرٌ ..

أی الذی أنا فیه خیر من إرسال الأمر و ترككم كتاب اللّٰه و أن تدعونی من الذی طلبتم (6)، و ذكر أنّ الذی طلب كتابة أمر الخلافة بعده و تعیین ذلك. انتهی كلامه.

و یرد علی ما ذكره أولا، و ما نقله عن القوم ثانیا وجوه من الإیراد:

فأمّا ما اختاره فی تفسیر الهجر و توجیهه فهو هجر تبع فیه إمامه، فإنّ ما رواه

ص: 541


1- فی المصدر: تأسیس، و هو الظاهر.
2- المائدة: 3.
3- خطّ علی الواو فی (ك) .
4- لا توجد: به، فی (س) .
5- جاء فی الشفاء هنا زیادة كلمة: الحدیث.
6- فی المصدر: ممّا طلبتم.

البخاری فی باب العلم صریح فی أنّ عمر نسب إلی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أنّه قد غلبه الوجع، و لا یلزمنا إجابته فی إحضار الكتاب، و ظاهر أنّ قائل: ما له أ هجر؟ استفهموه، هو قائل: قد غلبه الوجع، و إنّ مفاد العبارتین واحد، و معلوم من سیاق مجموع الأخبار أنّ اللغط و الاختلاف لم یحصلا إلّا من قول عمر، و أنّ ترك النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله الكتابة لم یكن إلّا من جهته، و أنّه آذاه و أغاظه.

و أمّا الاعتذار بأنّه صدر منه هذا الكلام من الدهشة فهو باطل، لأنّه لو كان كذلك لكان یلزمه أن یتدارك ذلك بما یظهر للناس أنّه لا یستخفّ بشأنه صلّی اللّٰه علیه و آله.

و أیضا لو كان فی هذه الدرجة من المحبّة له صلّی اللّٰه علیه و آله بحیث یضطرب بسماع ما هو مظنّة وفاته صلّی اللّٰه علیه و آله إلی حدّ یختلّ نظام كلامه لكان تلك الحالة أشدّ بعد تحقّق الوفاة، و لو كان كذلك لم یبادر إلی السقیفة قبل تجهیزه صلّی اللّٰه علیه و آله و غسله و دفنه، و لو سلّم ذلك فهو لا ینفعه، لأنّ مناط الطعن مخالفة أمر الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و ممانعته فیما یوجب صلاح عامّة المسلمین إلی یوم القیامة، و السهو فی خصوص عبارة لا ینفع فی ذلك.

و أمّا ما نقله عن القوم فی ذلك فالاعتراض علیه من وجوه:

الأول: أنّ ما ذكره أولا- من أنّ فهم البعض أنّ أمره صلّی اللّٰه علیه و آله بإحضار ما طلب كان مردودا إلی اختیارهم- ظاهر الفساد، فإنّ الأمر مع أنّه ظاهر فی الوجوب- كما حرّر فی محله- قد اقترن به فی المقام ما یمنع من أن یراد به الندب أو الإباحة، فإنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله علّل الكتاب بأن: لا یضلّوا بعده، و ظاهر أنّ الأمر الذی یكون فی تركه ضلال الأمّة لا یكون مباحا و لا مندوبا، و لیس مناط الوجوب إلّا قوّة المصلحة و شدّة المفسدة، و قد علّل من منع الإحضار بأنّه صلّی اللّٰه علیه و آله یهجر، كما صرّحت به الروایة الثانیة المتقدّمة، أو أنّه قد غلبه الوجع، و ظاهر أنّ هذا الكلام لا ارتباط له بفهم الإباحة أو الندب.

و یؤیّده قول ابن عباس- مع اعتراف الجمهور له بجودة الفهم و إصابة النظر-

ص: 542

أنّ الرزیّة كلّ الرزیّة ما حال بین رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و بین الكتابة، و هل یسمّی فوت أمر مباح أو مندوب رزیّة كلّ الرزیّة، و یبكی علیه حتّی یبلّ الدمع الحصی.

و لا ینكر من له أدنی ألفة بكلام العرب أنّهم یكتفون فی فهم المعانی المجازیة و نفی الحقائق بقرائن أخفی من هذا، فكیف بالمعنی الحقیقی إذا اقترن بمثل تلك القرینة؟ علی أنّ اشتغال الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله فی حال المرض و شدّة الوجع، و دنوّ الرحیل، و فراق الأمّة التی بعثه اللّٰه تعالی بشیرا و نذیرا لهم بكتابة ما كان نسبة الخیر و الشرّ إلیه علی حدّ سواء، حتّی یكون ردّه و قبوله مفوّضا إلیهم و مرجوعا إلی اختیارهم، ممّا لا یقول به إلّا من بلغ الغایة فی السفه و النوك (1)، فبقی أن یكون من الأمور المستحسنة، و إن كان علی وجه الندب فظاهر أنّ ردّ ما استحسنه له الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و حكم به و لو علی وجه الندب و ظنّ أنّ الصواب فی خلافه، و عدّه من الهذیان تقبیح قبیح لرأی من لا ینطق عن الهوی، و تجهیل و تضلیل لمن لا یضلّ و لا یغوی، و لیس كلامه إلّا وحیا یوحی، و هو فی معنی الردّ علی اللّٰه سبحانه، و علی حدّ الشرك باللّٰه.

و لعلّ المجوّزین للاجتهاد فی مقابلة النصّ- و لو علی وجه الاستحباب- لا یقولون بجواز الردّ علیه علی هذا الوجه المشتمل علی إساءة الأدب و تسفیه الرأی.

فإن قیل: إذا كان أمره صلّی اللّٰه علیه و آله بإحضار ما طلب علی وجه الإیجاب و الإلزام للخوف فی ترك الكتابة من ترتّب مفسدة عظیمة- هی ضلال الأمّة- فكیف تركها رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و لم یصرّ علی المطلب؟ و هل هذا إلّا تقصیر فی هدایة الأمّة و اللطف بهم؟.

قلنا: لعلّه صلّی اللّٰه علیه و آله لمّا رأی من حال الحاضرین أمارة العصیان، و شاهد منهم إثارة الفتنة و تهییج الشرّ خاف من أن یكون فی الوصیة و تأكید

ص: 543


1- النوك: الحمق، قاله فی الصحاح 4- 1612، و غیره.

التنصیص علی من عیّنه للإمامة و جعله أولی بالناس من أنفسهم تعجیل للفتنة بین المسلمین و تفریق كلمتهم، فیتسلّط بذلك الكفّار و أهل الردّة علیهم، و ینهدم أساس الإسلام، و ینقلع دعائم الدین، و ذلك لأنّ الراغبین فی الإمامة و الطامعین فی الملك و الخلافة قد علموا من مرضه صلّی اللّٰه علیه و آله و إخباره تصریحا و تلویحا فی غیر موقف بأنّه قد دنی أجله و لا یبرأ من مرضه، فوطّنوا أنفسهم لإلقاء الشبهة بین المسلمین لو كتب الكتاب و أكّد الوصیة، بأنّه كان علی وجه الهجر و الهذیان، فیصدّقهم الذین فی قلوبهم مرض، و یكذّبهم المؤمنون (1) بأنّ كلامه لیس إلّا وحیا یوحی، فیقوم فیهم المحاربة و القتال و ینتهی الحال إلی استیصال أهل الإیمان و ظهور أهل الشرك و الطغیان، فاكتفی صلّی اللّٰه علیه و آله بنصّه یوم الغدیر و غیره، و قد بلّغ الحكم و أدّی رسالة ربّه كما أمره بقوله: یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (2) فلم یكن فی ترك الكتابة تقصیر فی التبلیغ و الرسالة، و إنّما منعت الطائفة من الأمّة لشقاوتهم ذلك الفعل، و سدّوا باب الرحمة، فضلّوا عن سواء الصراط و أضلّوا كثیرا: وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (3) الثانی: أنّ ما یظهر كلامه- من أنّ استفهامهم كان لاستعلام أنّ الأمر علی وجه العزم، أو ردّ الأمر إلی اختیارهم- مردود، بأنّ قولهم ما شأنه: أ هجر؟

استفهموه؟ لا یفهم منه من له أدنی فطانة، إلّا أنّ هذا الاستفهام عبارة عن استعلام أنّ كلامه ذلك كان من الهجر و كلام المرضی و الهذیان، أو هو كلام صحیح، لا أنّ أمره كان علی وجه العزم أو الردّ إلی الاختیار، و هو واضح.

و أمّا ما علّل به الكفّ من صواب رأی عمر، ففیه أنّه لیس فی الكلام ما یدلّ علی تصویب رأی عمر،

فإنّ قوله صلّی اللّٰه علیه و آله فی الروایة الثالثة من

ص: 544


1- فی (ك) نسخة بدل: الموقنون.
2- المائدة: 67.
3- الشعراء: 227.

روایات البخاری: قُومُوا عَنِّی وَ لَا یَنْبَغِی عِنْدِی التَّنَازُعُ ..صریح فی الغیظ و التأذّی بتلك المخالفة،و هل یجوّز عاقل أن ینطق بمثل هذا الكلام فی مقام تصویب الرأی من وصفه اللّٰه سبحانه بالخلق العظیم،و بعثه رحمة للعالمین؟! و كیف لم یأمر صلّی اللّٰه علیه و آله من كان یؤذیه بطول الجلوس فی بیته بالقیام و الخروج و یستحی من إظهار ذلك،حتّی نزل قوله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُیُوتَ اَلنَّبِیِّ إِلاَّ أَنْ یُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَی طَعَامٍ غَیْرَ نَاظِرِینَ إِنَاهُ وَ لَكِنْ إِذَا دُعِیتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لاَ مُسْتَأْنِسِینَ لِحَدِیثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ یُؤْذِی اَلنَّبِیَّ فَیَسْتَحْیِی مِنْكُمْ وَ اللَّهُ لاَ یَسْتَحْیِی مِنَ الْحَقِّ (1)،فكیف استحیا من الأمر بقیام من كان یؤذیه و أمر به من اهتدی إلی الصواب فی مثل ذلك الأمر الذی یعمّ نفعه الأمّة طرّا و یعظم بلواه،و مع قطع النظر عن ذلك فسقم هذا الرأی ممّا لا ریب فیه،فإنّ قوله:حسبنا كتاب اللّٰه یدلّ علی أنّه لا خوف علی الأمّة من الضلال بعد كتاب اللّٰه فی حكم من الأحكام،و إلاّ لم یصحّ الاستناد إلیه فی منع كتابة ما أراده النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و لم یصرّح بتعیینه،و الآیات التی یستنبط منها الأحكام-كما ذكروا-خمسمائة آیة أو قریب منها،و ظاهر أنّها لیست فی الظاهر مدركا لكثیر من الأحكام،و لیس دلالتها علی وجه یقدر علی استنباط الحكم منها كلّ أحد،و لا یقع فی فهمه اختلاف بین الناس حتّی ینسدّ باب الضلال،و من راجع كلام المفسّرین أدنی مراجعة علم أنّه لیس آیة إلاّ و قد اختلفوا فی فهمها و استخراج الأحكام منها علی أقوال متضادّة و وجوه مختلفة،و الكتاب الكریم مشتمل علی ناسخ و منسوخ،و محكم و متشابه،و ظاهر و مؤوّل،و عامّ و خاصّ، و مطلق و مقیّد و غیر ذلك ممّا لا یصیب فی فهمه إلاّ اَلرّٰاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ المعصومون من الزیغ و الضلال،و من ذلك یعلم أنّه لم یكن غرضه صلّی اللّٰه علیه و آله إلاّ تعیین الأوصیاء إلی یوم القیامة ،لأنّه إذا كان كتاب اللّٰه عزّ و جلّ بطوله

ص: 545


1- الأحزاب:53.

و تفصیله لم یرفع الاختلاف بین الأمّة، فكیف یتصوّر فی مثل هذا الوقت منه صلّی اللّٰه علیه و آله إملاء كتاب یشتمل علی أسطر قلائل یرفع الاختلاف فی جمیع الأمور عن الأمّة، إلّا بأن یعیّن فی كلّ عصر من یرجعون إلیه عند الاختلاف، و یرشدهم إلی جمیع مصالح الدین (1) و الدنیا، و یفسّر القرآن المجید لهم بحیث لا یقع منهم اختلاف فیه؟!.

و ینطق بما ذكرنا

قَوْلُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَا كَلَامُ اللَّهِ النَّاطِقُ وَ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ الصَّامِتُ (2).

و قد قیل: إنّ قوله هذا كقول المریض: لا حاجة لنا إلی الطبیب لوجود كتب الطبّ بین أظهرنا، و ظاهر أنّها أشمل للفروع الطبیّة من الكتاب الكریم لتفاصیل الأحكام الشرعیّة، فاتّضح أنّ المنع عن كتابة ما یمنع عن الضلال عین الضلال و الإضلال، و كثرة الخلاف بین الأمّة و تشتّت طرقه- مع وجود كتاب اللّٰه بینهم دلیل قاطع علی ما ذكرنا.

الثالث: أنّ ما ذكره- من أنّ عمر أشفق علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله من تحمّل مشقّة الكتابة مع شدّة الوجع- فاسد، فإنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لم تجر عادته فی أیّام صحّته بأن یكتب الكتاب بیده، و إنّما كان یملی علی الكاتب ما یرید، إمّا لكونه أمیّا لا یقرأ و لا یكتب، أو لغیر ذلك، و لم یكن ذلك مستورا علی عمر، فكیف أشفق علیه من الكتابة؟!.

و أمّا الإملاء، فمن أین علم أنّه لا یمكن للرسول صلّی اللّٰه علیه و آله التعبیر عمّا یرید بلفظ مختصر و عبارة وجیزة لم یكن فی إلقائها إلی الكاتب مشقّة لا یقدر علی تحمّلها، علی أنّه تحمّله صلّی اللّٰه علیه و آله للمشاقّ فی هدایة الأمّة لم

ص: 546


1- فی (س) : الدینیّة.
2- كما فی الوسائل 18- 20 باب 5 حدیث 12، و یؤیّده ما أورده فی الكافی و كنز الفوائد، و حكاه العلّامة المجلسیّ فی بحاره 23- 197 عن أبی عبد اللّٰه علیه السّلام فی قوله تعالی: «هذا كِتابُنا یَنْطِقُ عَلَیْكُمْ بِالْحَقِّ» ... قال: إنّ الكتاب لا ینطق و لكنّ محمّدا و أهل بیته هم النّاطقون بالكتاب.

تكن هذه الكتابة مبدأه، فكیف لم یشفق عمر فی شی ء من المواضع إلّا فیما فهم فیه أنّ المراد تأكید النصّ فی أمیر المؤمنین علیه السلام- كما سیجی ء تصریحه بذلك إن شاء اللّٰه-؟!. و لا ریب فی (1) أنّه صلّی اللّٰه علیه و آله كان أشفق علی نفسه و أعلم بحاله من عمر بن الخطاب.

و بالجملة، برودة مثل هذا الاعتذار ممّا لا یرتاب فیه ذو فطنة.

و أمّا اشتداد الوجع، فإنّما استند إلیه عمر لإثبات كلامه (2) أنّ كلامه صلّی اللّٰه علیه و آله لیس ممّا یجب (3) الإصغاء إلیه، لكونه ناشئا من اختلال العقل لغلبة الوجع و شدّة المرض كما یظهر من قولهم فی الروایات السابقة ما شأنه؟ هجر؟ أو إنّه لیهجر! لا لما زعمه هذا القائل، و هو واضح.

الرابع: أنّ ما ذكره من الاعتلال- بأنّ عمر رأی أنّ (4) الأوفق بالأمّة ترك البیان لیكون المخطئ أیضا مأجورا، و أنّه خاف من أن یكتب أمورا یعجزون عنها فیحصلون فی الحرج و العصیان بالمخالفة- یرد علیه، أنّه لو صحّ الأول لجاز للناس منع الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله عن تبلیغ الأحكام، و كان الأخری (5) أن لا یبعث اللّٰه الرسل إلی الخلق و یكلّفهم المشاقّ و احتمال الأذی فی تبلیغ الأحكام، و یترك الناس حتّی یجتهدوا و یصیبوا الأجر، مصیبین أو مخطئین، و لا یری المصلحة (6) فی خلاف ما حكم الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله بأنّ فی تركه خوف الضلال علی الأمّة إلّا من خرج عن ربقة الإیمان، و قد قال تعالی: فَلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَكِّمُوكَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا

ص: 547


1- فی (س) : فیه، و خطّ علیها فی (ك) .
2- لا توجد: كلامه، فی (س) .
3- فی (س) : یجیب.
4- فی (ك) : بأنّ.
5- كذا، و الظاهر: الأحری- بالحاء المهملة-.
6- كذا، و الظاهر: المفسدة.

تَسْلِیماً (1)، و قال سبحانه: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَكُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِیناً (2).

و أمّا الخوف من أن یكتب أمرا یعجز الناس عنه، فلو أرید به الخوف من أن یكلّفهم فوق الطاقة فقد بان له و لغیره- بدلالة العقل، و قوله تعالی: لا یُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها (3) و بغیره من الأدلّة النقلیّة- أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لا یكلّف أمّته إلّا دون طاقتهم، و لو أرید الخوف من تكلیفهم بما فیه مشقّة فلم لم یمنع عمر و غیره رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله عن فرض الحجّ و الجهاد و النهی عن (4) وطء امرأة جمیلة تأبی عن النكاح أو كان لها بعل مع شدّة العزوبة و میل النفس، و ظاهر أنّ كثیرا من الناس یعصون اللّٰه فی الأوامر الشاقّة و یخالفون الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

و أمّا المشقّة البالغة التی تعدّ فی العرف حرجا و ضیقا- و إن كان دون الطاقة فقد نفاه اللّٰه تعالی بقوله: یُرِیدُ اللَّهُ بِكُمُ الْیُسْرَ وَ لا یُرِیدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (5)، و

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: بُعِثْتُ إِلَیْكُمْ بِالْحَنَفِیَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ الْبَیْضَاءِ (6).

و كیف فهم من

قوله: أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدی.

إنّه أراد أن یكتب لهم ما یعجزون عن القیام به، و أیّ ارتباط لهذا الاعتذار بقوله: إنّه قد غلبه الوجع، أو إنّه لیهجر.

و بالجملة، لم یكن عمر بن الخطاب و لا غیره أعلم بشأن الأمّة و ما یصلحهم

ص: 548


1- النساء: 65.
2- الأحزاب: 36.
3- البقرة: 286.
4- لا توجد: عن، فی (س) .
5- البقرة: 185.
6- مسند أحمد بن حنبل 5- 266.

ممّن تواتر علیه الوحی الإلهی و أیّده اللّٰه بروح القدس، و لا أشفق علیهم و أرأف بهم ممّن أرسله رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ الخامس: أنّ ما ذكره- من أنّ عمر علم تقرّر الشرع و الملّة بقوله تعالی:

الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ ... (1)، و

قَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أُوصِیكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی ..

- یرد علیه: أنّه لو كان المراد بكمال الدین ما فهمه لزم غناء الناس عن الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و عدم احتیاجهم إلیه بعد نزول الآیة فی حكم من الأحكام، و أمّا

قَوْلُهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أُوصِیكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی.

فلیس فیه دلالة علی أنّه لم یبق أمر مهمّ للأمّة أصلا حتی تكون الكتابة التی أراد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله لغوا عبثا، و یصحّ منعه عنها و قد كان المراد من الكتابة تأكید الأمر باتّباع الكتاب و العترة الطاهرة الحافظة له و العالمة بما فیه علی وجهه خوفا من ترك الأمّة الاعتصام بهما فیتورّطوا فی أودیة الهلاك، و یضلّوا كما فعل كثیر منهم وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِیلِ، و لو فرضنا أنّ مراده صلّی اللّٰه علیه و آله كان أمرا وراء ذلك، فلیس هذا الاعتذار إلّا التزاما للمفسدة و قولا بأنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله حاول أن یكتب عبثا لا فائدة فیه أصلا، و كان قوله: لا تضلّوا بعده .. هجرا من القول و هذیانا محضا، و لو كان الغناء بهذه الوصیة فلم لم یتمسّك عمر بعد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله بالعترة المطهّرة و لا رآهم أهلا للخلافة و لا للمشورة فیها؟! فترك الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و العترة صلوات اللّٰه علیهم و سارع إلی السقیفة لعقد الخلافة لحلیفه و صدیقه؟ و لم لم یرتدع و لم یرجع عمّا فعل بعد ما رأی من سیّد العترة إنكاره لخلافة أبی بكر و عدم الانقیاد له؟! و قد مضی من صحاح أخبارهم ما یدلّ علی أنّه علیه السلام و سائر بنی هاشم لم یبایعوا ستة أشهر، و لم لم یقل فی مقام المنع عن إحضار ما طلبه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: حسبنا كتاب اللّٰه و عترة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

ص: 549


1- المائدة: 3.

و لا یذهب علی ذی البصیرة أنّ ذكر العترة فی هذا المقام ممّا أجراه اللّٰه تعالی علی لسان هذا المعتذر تفظیعا لشأنه و إظهارا لضلال إمامه.

السادس: أنّ قوله، و قول عمر: حسبنا كتاب اللّٰه .. ردّ علی من نازعه لا علی أمر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله .. كلام ظاهر الفساد، فإنّ الروایة التی رواها البخاری فی باب كتابة العلم صریحة فی أنّه ردّ علی قول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و أنّ الاختلاف من (1) الحاضرین إنّما وقع بعد قوله ذلك، و كذلك روایته فی باب قول المریض: قوموا عنّی ..

و لو سلّمنا أنّه لم یواجه بكلامه ذلك رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله بل أحد المنازعین فالروایة الأخیرة للبخاری تضمّنت أنّ أحد (2) الفرقتین المتخاصمتین كانوا یقولون: قرّبوا .. یكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده .. و الآخرون یقولون ما قال عمر، فلم یبق إلّا أن یكون كلامه ردّا علیه صلّی اللّٰه علیه و آله و إن واجه به المنازعین، و هو مثل الأول فی استلزام الإنكار و الكفر، و إن كانت المواجهة أبلغ فی سوء الأدب و ترك الحیاء.

السابع: أنّ ما ذكره- من أنّ عمر قد خشی تطرّق المنافقین و من فی قلبه مرض لمّا كتب ذلك الكتاب فی الخلوة و أن یتقوّلوا (3) فی ذلك الأقاویل كادّعاء الرفضة الوصیّة ..- یرد علیه:

أوّلا: أنّ كون الكتابة فی الخلوة كذب مخالف للمشهور، فإنّ المشهور اجتماع بنی هاشم و وجوه المهاجرین و الأنصار عند النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله یومئذ، و یؤیّده قول ابن عباس فی الروایات السابقة: و فی البیت رجال فیهم عمر بن الخطاب .. و قوله: و كثر اللغط و أكثروا اللغو و الاختلاف ..

و ثانیا: أنّه لو كان عمر خائفا من ذلك لما قال: حسبنا كتاب اللّٰه .. و أنّ

ص: 550


1- خطّ علی: من، فی (ك) ، و كتب فوقها: بین.
2- كذا، و الظاهر: إحدی.
3- فی (س) : و أن یقولوا.

النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله قد غلبه الوجع .. و (1) إنّه لیهجر .. و كان المناسب أن یعرض علی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أنّه ینبغی إحضار طائفة ممّن یثق الناس بهم و تكون شهادتهم حجّة عند العامّة لیشهدوا الكتابة، و یقیموا الشهادة، دفعا لاختلاف الناس.

و ثالثا: أنّ غایة ما یلزم من تطرّق المنافقین أن یقع فیها الاختلاف فلا یعمل بعض الناس بها، و لیس ذلك بأبلغ فی الضرر من منع الكتابة حتّی لا یعمل بها أحد، و أمّا الخوف من وقوع الفتنة بین المسلمین فهو موجود فی صورة ترك الكتابة و الوصیة، بل هو أحری و أقرب بوقوع الفتنة و ثوران الشرور.

و رابعا: أنّه لو أراد بتطرّق المنافقین مجرّد قدحهم فی الوصیّة من دون أن یلحق الإسلام و المسلمین ضرر و تزلزل فلیس به بأس، و لا ینقطع به طعنهم (2) و قدحهم بها و لا بعدمها.

و لو أراد به لحوق الضرر .. ففساده ظاهر، كیف و لو كانت جهة الفساد فیها أغلب لما أرادها من هو أعلم بأمّته و أرأف بهم من كلّ رءوف علیم، و لما علّلها بعدم ضلالهم.

و أمّا الاجتهاد بخلاف قوله .. فقد تبیّن بطلانه فی محلّه و سیأتی، علی أنّ دفع هذا الضرر الذی توهّموه- بنسبة الهجر و الهذیان إلی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و تقبیح رأیه، و الردّ علیه بأنّ كتاب اللّٰه حسبنا- دفع للفاسد بمثله.

و خامسا: أنّ تشبیهه ادّعاء الرافضة بتطرّق المنافقین فی غایة الركاكة و البرودة، فإنّ الظاهر منهم أنّه زعم أنّ ادّعاء الرافضة أعظم من الفساد من تطرّق المنافقین و تقوّلهم الأقاویل أو مثله، و ظاهر أنّ هذا الادّعاء إنّما لزم من منع الكتابة لا من كتابة ما أراده النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله بزعمهم، و

قَدْ رَوَوْا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ

ص: 551


1- فی (س) : أو.
2- فی (س) : طعن.

قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- فِی مَرَضِهِ-: ادْعِی لِی أَبَاكِ وَ أَخَاكِ حَتَّی أَكْتُبَ كِتَاباً، وَ إِنِّی أَخَافُ أَنْ یَتَمَنَّی مُتَمَنٍّ، وَ یَقُولَ قَائِلٌ ..

فلولا منع عمر بن الخطاب لانسدّ باب ادّعاء الرافضة.

و بالجملة، لا ریب فی أنّ ترك الوصیة و الكتابة أولی بتقوّل الأقاویل و ادّعاء الأباطیل، و اللّٰه لقد تطرّق المنافقون و من فی قلبه مرض فی أوّل الأمر، فقال أحدهم: إنّه قد غلبه الوجع .. و حسبنا كتاب اللّٰه .. و صدقه الآخرون، و قالوا:

القول ما قال عمر، فثلموا فی الإسلام و هدموا الإیمان، كما أفصح عن ذلك

ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الرَّزِیَّةَ كُلَّ الرَّزِیَّةِ مَا حَالَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بَیْنَ أَنْ یَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ.

الثامن: أنّ ما حكاه- من قول طائفة أخری أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فی هذا الكتاب كان مجیبا لما طلب عنه (1) فأجاب رغبتهم و كره ذلك غیرهم للعلل التی ذكرناها- یرد علیه أنّه لا فرق باتّفاق المسلمین فیما حكم اللّٰه و رسوله به بین ما كان ابتداء و بین ما طلبه أحد فنصّ علیه و جری الحكم به، و كما أنّ إنكار الأول و ردّه ردّ (2) علی اللّٰه و رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله و فی حكم الشرك باللّٰه كذلك الثانی، و قد سبقت الدلالة علی أنّ الأمر لم یكن مردودا إلی اختیار القوم، بل كان علی وجه الحتم و الإیجاب، و أمّا كراهة من كره الكتابة للعلل المذكورة ففسادها یظهر لك ممّا عرفت من فساد العلل.

التاسع: أنّ ما استدلّ به من كراهة علیّ علیه السلام لسؤال الخلافة و رغبة العباس و طلبه.

یرد علیه: أنّه لا نزاع فی وقوع الخلاف فی كثیر من الأمور بین الصحابة و غیرهم، و ذلك ممّا لا حاجة له إلی شاهد، بل لا نزاع فی وقوع الخلاف فیما حكم

ص: 552


1- كذا، و الظاهر: منه.
2- فی (س) : و ردّ ردّا.

به الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله أیضا، و لكنّ الكلام فی أنّ خلاف الرسول و الردّ علیه فی معنی الكفر و هذا الدلیل لا تعلّق له بنفی ذلك، علی أنّ الروایة فی كلام علیّ علیه السلام و العباس فی طلب الخلافة و السؤال عنها ممّا وضعوه و تمسّكوا به فی إبطال النصّ، كما عرفت.

العاشر: أنّ ما تمسّك به فی إثبات كون النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله مجیبا إلی ما سألوه من كتابة الوصیّة

مِنْ قَوْلِهِ: دَعُونِی فَالَّذِی أَنَا فِیهِ خَیْرٌ ..

یرد علیه: أنّ المخاطب بقوله صلّی اللّٰه علیه و آله: دعونی .. إمّا جمیع الحاضرین من الطالبین للكتابة و المانعین عنها أو بعضهم.

فإن كان الأول، كان المراد بقوله صلّی اللّٰه علیه و آله: ما تدعوننی إلیه استماعه لمشاجرتهم و منازعتهم، و یؤیّد ذلك أمره صلّی اللّٰه علیه و آله إیّاهم بأجمعهم بالخروج بقوله: قوموا عنّی .. و زجرهم بقوله: لا ینبغی عندی التنازع .. علی ما سبق فی بعض الروایات السابقة، و حینئذ فسقوط الاحتجاج به واضح.

و إن كان الثانی، لم یجز أن یكون المخاطب من طلب الكتابة، بل من منع عنها، و إلّا لناقض كلامه أخیرا أمره بالإحضار لیكتب لهم ما لا یضلّوا بعده، و حیث تنقلب الحجّة علیهم و یكون المراد بما كانوا یدعون إلیه ترك الكتابة، و یكون الأفضلیّة المستفادة من قوله صلّی اللّٰه علیه و آله: فالذی أنا فیه خیر ..

مثلها فی قوله تعالی: قُلْ أَ ذلِكَ خَیْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ (1).

و لو سلّمنا أنّ المراد بما تدعوننی إلیه طلب الكتاب، نقول: یجب أن یحمل الردع عن الكتابة علی أنّها صارت مكروهة له صلّی اللّٰه علیه و آله لممانعة المانعین و ظهور إثارة (2) الفتنة من المعاندین و إلّا لزم التناقض فی كلامه (صلی اللّٰه علیه و آله) كما عرفت،

ص: 553


1- الفرقان: 15.
2- فی (س) : إشارة، و لو صحّت فهی بمعنی الإمرة أو الرفع، كما أشار إلیهما فی القاموس 2- 65.

فالتمسّك بهذا الكلام علی أیّ وجه كان لا یجدیهم نفعا.

و أمّا ما ذكره- من أنّ المطلوب منه (صلی اللّٰه علیه و آله) كان تعیین الخلیفة و كتاب الوصیّة فی ذلك- فهو و إن كان باطلا من حیث إنّ إرادة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله للكتابة كان ابتداء منه، لا إجابة لرغبة أحد، كما هو الظاهر من خلوّ الروایات بأجمعها عن ذلك الطلب، إلّا أنّه لا شكّ فی أنّ مراده صلّی اللّٰه علیه و آله كان الوصیة فی أمر الخلافة و تأكید النصّ فی علیّ علیه السلام.

و ممّا یدلّ علی ذلك

مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1) فِی الْجُزْءِ الثَّانِیَ عَشَرَ مِنْ شَرْحِهِ عَلَی النَّهْجِ (2) فِی سِلْكِ الْأَخْبَارِ الَّتِی رَوَاهَا عَنْ عُمَرَ، قَالَ:

رَوَی ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ إِلَی الشَّامِ (3)، فَانْفَرَدَ یَوْماً یَسِیرُ عَلَی بَعِیرٍ (4) فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ لِی: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَشْكُوا إِلَیْكَ ابْنَ عَمِّكَ، سَأَلْتُهُ أَنْ یَخْرُجَ مَعِی فَلَمْ یَفْعَلْ، وَ لَا أَزَالُ (5) أَرَاهُ وَاجِداً، فِیمَا (6) تَظُنُّ مَوْجِدَتُهُ؟ قُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنَّكَ لَتَعْلَمُ، قَالَ: أَظُنُّهُ لَا یَزَالُ كَئِیباً لِفَوْتِ الْخِلَافَةِ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، إِنَّهُ یَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) أَرَادَ الْأَمْرَ لَهُ. فَقَالَ: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! وَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] الْأَمْرَ لَهُ فَكَانَ مَا ذَا إِذَا لَمْ یُرِدِ اللَّهُ تَعَالَی ذَلِكَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) أَرَادَ أَمْراً وَ أَرَادَ اللَّهُ غَیْرَهُ، فَنَفَذَ مُرَادُ اللَّهِ (7) وَ لَمْ یَنْفُذْ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ، أَ وَ كُلَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَانَ؟! إِنَّهُ أَرَادَ إِسْلَامَ عَمِّهِ وَ لَمْ یُرِدْهُ اللَّهُ تَعَالَی فَلَمْ یُسْلِمْ!.

ص: 554


1- شرح النّهج لابن أبی الحدید 12- 78- 79.
2- لا توجد فی (ك) : علی النّهج.
3- فی المصدر: فی إحدی خرجاته.
4- فی شرح النّهج: بعیره.
5- فی المصدر: و لم أزل.
6- فی (ك) : أ فیما، نسخة بدل.
7- فی شرح النّهج: اللّٰه تعالی.

قَالَ (1): وَ قَدْ رُوِیَ مَعْنَی هَذَا الْخَبَرِ بِغَیْرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَ هُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَرَادَ أَنْ یُذَكِّرَهُ لِلْأَمْرِ فِی مَرَضِهِ، فَصَدَدْتُهُ عَنْهُ خَوْفاً مِنَ الْفِتْنَةِ وَ انْتِشَارِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ، فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) مَا فِی نَفْسِی وَ أَمْسَكَ، وَ أَبَی اللَّهُ إِلَّا إِمْضَاءَ مَا حُتِمَ.

وَ رَوَی (2) أَیْضاً فِی الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی عُمَرَ فِی أَوَّلِ خِلَافَتِهِ وَ قَدْ أُلْقِیَ لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ عَلَی خَصَفَةٍ، فَدَعَانِی إِلَی الْأَكْلِ، فَأَكَلْتُ تَمْرَةً وَاحِدَةً وَ أَقْبَلَ یَأْكُلُ حَتَّی أَتَی عَلَیْهِ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ جَرَّةٍ (3) كَانَتْ عِنْدَهُ، وَ اسْتَلْقَی عَلَی مِرْفَقَةٍ لَهُ وَ طَفِقَ یَحْمَدُ اللَّهَ .. یُكَرِّرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ أَیْنَ جِئْتَ یَا عَبْدَ اللَّهِ؟. قُلْتُ: مِنَ الْمَسْجِدِ. قَالَ: كَیْفَ خَلَّفْتَ ابْنَ عَمِّكَ؟. فَظَنَنْتُهُ یَعْنِی عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قُلْتُ: خَلَّفْتُهُ یَلْعَبُ مَعَ أَتْرَابِهِ. قَالَ: لَمْ أَعْنِ ذَلِكَ، إِنَّمَا عَنَیْتُ عَظِیمَكُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ. قُلْتُ: خَلَّفْتُهُ یَمْتَحُ (4) بِالْغَرْبِ عَلَی نَخِیلَاتٍ مِنْ فُلَانٍ وَ یَقْرَأُ (5) الْقُرْآنَ.

قَالَ: یَا عَبْدَ اللَّهِ! عَلَیْكَ دِمَاءُ الْبُدْنِ إِنْ كَتَمْتَنِیهَا، هَلْ بَقِیَ فِی نَفْسِهِ شَیْ ءٌ مِنْ أَمْرِ الْخِلَافَةِ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَ یَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] نَصَّ عَلَیْهِ؟. قُلْتُ: نَعَمْ، وَ أَزِیدُكَ، سَأَلْتُ أَبِی عَمَّا یَدَّعِیهِ، فَقَالَ: صَدَقَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فِی أَمْرِهِ ذَرْءٌ مِنْ قَوْلٍ لَا یُثْبِتُ

ص: 555


1- قاله ابن أبی الحدید فی شرحه 12- 79 بنصه.
2- فی شرحه علی النّهج 12- 20 بتصرف.
3- قال فی النّهایة 1- 260: الجرّ و الجرار: جمع جرّة، و هو الإناء المعروف من الفخّار. و فی المصدر: جرّ.
4- فی (س) : یمنح. و جاء فی حاشیة (ك) : متح الدّلو یمتحها متحا: جذب. و الغرب- بفتح الغین و سكون الرّاء-: الدّلو العظیمة. [منه (قدّس سرّه) ]. انظر: مجمع البحرین 2- 411 و 131، و النّهایة 4- 291 و 3- 349.
5- فی المصدر: و هو یقرأ.

حُجَّةً وَ لَا یَقْطَعُ عُذْراً، وَ لَقَدْ كَانَ یَزِیغُ (1) فِی أَمْرِهِ وَقْتاً مَا، وَ لَقَدْ أَرَادَ فِی مَرَضِهِ أَنْ یُصَرِّحَ بِاسْمِهِ فَمَنَعْتُهُ (2) مِنْ ذَلِكَ إِشْفَاقاً وَ حِیطَةً عَلَی الْإِسْلَامِ، لَا وَ رَبِّ هذا [هَذَهِ] الْبَنِیَّةِ لَا تَجْتَمِعُ عَلَیْهِ قُرَیْشٌ أَبَداً، وَ لَوْ وَلِیَهَا لَا انْتَقَضَتْ (3) عَلَیْهِ الْعَرَبُ مِنْ أَقْطَارِهَا، فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] أَنِّی عَلِمْتُ مَا فِی نَفْسِهِ فَأَمْسَكَ، وَ أَبَی اللَّهُ إِلَّا إِمْضَاءَ مَا حُتِمَ.

قال ابن أبی الحدید (4): ذكر هذا الخبر أحمد بن أبی طاهر صاحب كتاب تاریخ بغداد فی كتابه مسندا.

قوله: علی خصفة هی- بالتّحریك-: الجلّة من الخوص تعمل للتّمر (5).

و علیك دماء البدن: قسم بوجوب نحر البدن لو كتم ما سأله من أمر الخلافة.

و ذرء من قول .. أی طرف منه و لم یتكامل (6)، و المراد القول غیر الصریح، و ذرء من خیر (7)

بالهمزة- بمعنی شی ء منه (8).

و الزّیغ- بالزای و الیاء المثناة من تحت و الغین المعجمة-: الجور و المیل عن الحقّ (9)، و الضمیر فی أمره راجع إلی علیّ علیه السلام، أی كان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یخرج عن الحقّ فی أمر علیّ علیه السلام لحبّه إیّاه أو إلیه صلّی اللّٰه علیه و آله، و المراد الاعتذار عن صرفه عمّا أراد بأنّه كان یقع فی الباطل أحیانا.

ص: 556


1- فی شرح النّهج: یربع. أقول: هی بمعنی ینتظر.
2- فی المصدر: فمنعت- بلا ضمیر-.
3- كذا، و فی الشّرح: لانتقضت، و هو الظّاهر.
4- شرح النهج لابن أبی الحدید 12- 21 بتصرّف.
5- ذكره فی الصحاح 4- 1350، و انظر: النهایة 2- 37، و مجمع البحرین 5- 46.
6- قاله فی لسان العرب 14- 286، و الصحاح 6- 2345.
7- كذا، و الظاهر أنّها: خبر- بالباء الموحدة-، كما فی القاموس و اللسان.
8- نصّ علیه فی القاموس 1- 15، و لسان العرب 14- 286، و غیرهما.
9- صرّح به فی النهایة 2- 324، و مجمع البحرین 5- 10، و القاموس 3- 107.

و الإشفاق: الخوف (1).

و الحیطة: الحفظ و الصّیانة (2).

قال الجوهری (3): مع فلان حیطة لك، و لا تقل علیك .. أی تحنّن.

و استدلّ بعض الأصحاب علی ذلك بما سبق فی روایاتهم من تحسّر ابن عباس و تحزّنه عند تذكّر تلك الواقعة و بكائه حتّی بلّ دمعه الحصی، إذ من الظاهر أنّه لم یقع بعد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله رزیّة و مصیبة توجب هذا النوع من الحزن و الأسف، و لم تصب الأمّة عامّة و بنی هاشم خاصّة آفة إلّا خلافة ابن أبی قحافة.

و یؤیّد ذلك أنّه لا شكّ فی اقتضاء المقام و الحال أن یكون مراده علیه السلام كتابة الوصیة فی أمر الخلافة و الإمامة، إذ العادة قد جرت- قدیما و حدیثا- فی كلّ من ظهر له أمارة الارتحال من بین قومه و ظنّ بدنوّ موته و حضور أجله بأن یوصی فیهم و یفوّض أمرهم إلی من یحمیهم عن الفتن و الآفات، و یكون مرجعا لهم فی نوائبهم، و یدفع عنهم شرّ الأعداء، و كلّما تكثّرت جهات المنافع و تشتتّت وجوه المضار كانت الوصیة أوجب و تركها أقبح، و لا ریب فی أنّ الأمّة یخاف علیهم بتركهم سدی من غیر راع یقیمهم و هاد یهدیهم أنواع الضرر فی الدنیا و الآخرة، فهل یظنّ عاقل بمن أرسله اللّٰه رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ أنّه لا یهتمّ بأمر الإسلام و المسلمین و لا یوصی فیهم و لا ینصب لهم والیا یدفع عنهم شرّ أعدائهم و یهدیهم إلی ما یصلحهم، و یكون خیرا لهم فی آخرتهم و دنیاهم؟! مع أنّه قد أمر أمّته بالوصیّة و رغّبهم فیها.

و إذا ظهر أنّ مراده صلّی اللّٰه علیه و آله كان تعیین الخلیفة- كما اعترف به هذا القائل أیضا- فإن كان مقصوده صلّی اللّٰه علیه و آله تأكید نصّ الغدیر و غیره فی أمیر المؤمنین علیه السلام، و تجدید ما عهد إلی الأمّة فیه، ثبت المدّعی، و تمّ الطعن.

ص: 557


1- جاء فی مجمع البحرین 5- 193، و القاموس 3- 250، و انظر: الصحاح 4- 1501.
2- كما فی القاموس 2- 355، و النهایة 1- 461، و مجمع البحرین 4- 243.
3- الصحاح 3- 1121، و انظر: لسان العرب 7- 280.

و إن كان المراد الوصیة لأبی بكر- كما رووه عن عائشة- فكیف یتصوّر من عمر بن الخطاب الممانعة فی إحضار ما كان وسیلة إلی استخلافه مع شدّة رغبته فیه؟!.

و قد قال شارح المقاصد (1) فی قصّة الفلتة: كیف یتصوّر من عمر القدح فی إمامة أبی بكر مع ما علم من مبالغته فی تعظیمه و انعقاد (2) البیعة له، و من صیرورته خلیفة باستخلافه.

وَ رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ وَصِیَّتَهُ فِی عُمَرَ وَ أَرْسَلَهُ بِیَدِ رَجُلَیْنِ لیقرأه [لِیَقْرَءَاهُ] عَلَی النَّاسِ، قَالا لِلنَّاسِ: هَذَا مَا كَتَبَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنْ قَبِلْتُمُوهُ نَقْرَأْهُ وَ إِلَّا نَرُدَّهُ؟!. فَقَالَ طَلْحَةُ: اقرأه [اقْرَءَاهُ] وَ إِنْ كَانَ فِیهِ عُمَرُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مِنْ أَیْنَ عَرَفْتَ ذِكْرِی فِیهِ؟. فَقَالَ طَلْحَةُ: وَلَّیْتَهُ بِالْأَمْسِ وَ وَلَّاكَ الْیَوْمَ.

علی أنّه لا حاجة فی مقام الطعن إلی إثبات خصوص ما كان مرادا له صلّی اللّٰه علیه و آله، فإنّ الردّ علیه و ظنّ أنّ الصواب فی خلاف ما قضی به فی معنی الشرك باللّٰه، و لو كان فی استخلاف أبی بكر أو (3) عمر.

لكن كان الغرض التنبیه علی فساد ما ذكره بعض المتعصّبین من أنّ القول بأنّه صلّی اللّٰه علیه و آله أراد أن یؤكّد النصّ علی خلافة علیّ علیه السلام من باب الإخبار بالغیب، و لم لا یرید أن ینصّ بخلافة أبی بكر؟ و قد وافق هذا ما روینا عن عائشة أنّه قال: ادعی لی أبا بكر- أباك- حتّی أكتب له كتابا.

و من تأمّل بعین البصیرة فیما سبق- مع ما سبق من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یوم الغدیر و غیره- ظهر له أنّ المراد كان تأكید النصّ بالكتاب، و لیس الفهم من القرائن (4) و الدلائل من الإخبار بالغیب.

ص: 558


1- شرح المقاصد 5- 281.
2- فی المصدر زیادة: فی، قبل: انعقاد.
3- فی (ك) : واو، بدلا من: أو.
4- فی (س) : القراءة.

ثم إنّ ابن أبی الحدید (1) فی شرح الخطبة الشقشقیّة تصدّی للاعتذار عن قول عمر، فقال: قد كان فی أخلاق عمر (2) فظاظة و عنجهیّة (3) ظاهرة بحسب السامع لكلماته إن أراد (4) بها ما لم یكن قد أراد، و یتوّهم من یحكی له أنّه قصد بها ما لم یقصده، فمنها: الكلمة التی قالها فی مرض رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] ، و معاذ اللّٰه أن یقصد بها ظاهرها، و لكنّه أرسلها علی (5) مقتضی خشونة غریزیّة (6) و لم یتحفّظ منها، و كان الأحسن أن یقول: مغمور أو مغلوب بالمرض، و حاشاه أن یعنی بها غیر ذلك، و لجفاة الأعراب من هذا الفنّ كثیر، سمع سلیمان بن عبد الملك (7) أعرابیّا یقول فی سنة قحط:

ربّ العباد ما لنا و ما لكا***قد كنت تستقینا (8) فما بدا لكا

أنزل علینا القطر لا أبا لكا

فقال سلیمان: أشهد أنّه لا أب له و لا صاحبة و لا ولد، فأخرجه أحسن مخرج (9).

و علی نحو هذا یحمل (10)

كَلَامُهُ فِی صُلْحِ الْحُدَیْبِیَةِ لَمَّا قَالَ لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَ لَمْ تَقُلْ لَنَا سَتَدْخُلُونَهَا ..؟ فِی أَلْفَاظٍ نَكْرَهُ حِكَایَتَهُا، حَتَّی شَكَاهُ النَّبِیُّ صَلَّی

ص: 559


1- فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 183 بتصرّف.
2- فی المصدر: فی أخلاق عمر و ألفاظه جفاء ..
3- جاء فی حاشیة (ك) : قال الفرّاء: یقال فلان فیه عنجهیّة، و عنجهانیّة .. و هی الكبر و العظمة، و یقال: العنجهیّة: الجهل و الحمق. صحاح. انظر الصحاح 6- 2239، و فیه: ذو، بدلا من: فیه.
4- فی شرح النهج: یحسبه السامع لها أنّه أراد.
5- فی (ك) : إلی.
6- فی المصدر: غریزته.
7- فی شرح النهج: عبد اللّٰه.
8- لا توجد فی (س) : تسقینا، و لا یتمّ المعنی إلّا بها.
9- إلی هنا جاء الخبر فی الكامل لابن الأثیر 7- 145- بشرح المرصفی-.
10- فی المصدر: یحتمل.

اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی أَبِی بَكْرٍ، وَ حَتَّی قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: الْزَمْ بِغَرْزِهِ (1)، فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ. انْتَهَی.

و یرد علیه:

أوّلا: أنّه لا وجه لحمل الكلام علی المحامل البعیدة و إخراجه عن ظاهره من غیر دلیل، و ظاهر الكلام تقبیح لرأی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و ردّ لقوله علی أقبح وجه، و لم یقم برهان علی عدم جواز الخطإ و الارتداد علی عمر بن الخطاب حتّی یأوّل كلامه بالتأویلات البعیدة، و ما رووه فی فضله من الأخبار فمع أنّه من موضوعاتهم و لا حجّة فیها علی الخصم لتفردّهم بروایتها- فأكثرها لا دلالة فیها علی ما یجدیهم فی هذا المقام، و العجب أنّهم یثبتون أنواع الخطایا و الذنوب للأنبیاء علیهم السلام لظواهر الآیات الواردة فیهم و ینكروه علینا حملها علی ترك الأولی و غیره من الوجوه- كما سبق ذكر كثیر منها فی المجلد الخامس (2) مع قیام الأدلّة العقلیة و النقلیة علی عصمتهم و جلالة قدرهم عمّا یظنّون بهم، و لا یرضون بمثله فی عمر بن الخطاب- مع عدم دلیل علی عصمته و اشتمال كتبهم و روایاتهم علی ما تسمع من مطاعنه- و لو جانبوا الاعتساف لم یجعلوه أجلّ قدرا من أنبیاء اللّٰه علیهم السلام.

و ثانیا: أنّ الطعن لیس مقصورا علی سوء الأدب و التعبیر بالعبارة الشنیعة، بل به و بالردّ لقول الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و الإنكار علیه، و هو فی معنی الردّ علی اللّٰه عزّ و جلّ و الشرك به، و إن كان بأحسن (3) الألفاظ و أطیب العبارات، و ما

ص: 560


1- جاء فی حاشیة (ك) : قال الجزریّ: الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب .. و منه حدیث أبی بكر أنّه قال لعمر: استمسك بغرزه .. أی اعتلق به و أمسكه و اتّبع قوله و فعله و لا تخالفه، فاستعار له الغرز كالّذی یمسك بركاب الرّاكب و یسیر بسیره. [منه (طاب ثراه) ]. انظر: نهایة ابن الأثیر 3- 359.
2- بحار الأنوار 11- 72- 96.
3- فی (س) : أحسن.

ذكره- لو تمّ- فإنّما ینفع فی دفع الأول دون الثانی.

و أمّا قصّة صلح الحدیبیّة- التی أشار إلیها- فلیس الطعن فیها بلفظ یشتمل علی سوء الأدب حتّی یجری فیه تأویل، بل بالإنكار لقول الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و عدم تصدیقه بعد

قَوْلِهِ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) ، أَفْعَلُ مَا یَأْمُرُنِی بِهِ ..

و هو إمّا تكذیب صریح للرسول صلّی اللّٰه علیه و آله لو لم یصدّقه فی قوله ذلك، أو تقبیح صریح لما قضی اللّٰه به لو صدّق الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.،

و قد ذكر الموجه نفسه (1) شَرْحَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِی الْجُزْءِ الثَّانِیَ عَشَرَ فِی سِلْكِ الْأَخْبَارِ الَّتِی رَوَاهَا عَنْ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا كَتَبَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] كِتَابَ الصُّلْحِ فِی الْحُدَیْبِیَةِ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ سُهَیْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَ كَانَ فِی الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ إِلَی قُرَیْشٍ لَا یُرَدُّ وَ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ إِلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] یُرَدُّ إِلَیْهِمْ، غَضِبَ عُمَرُ وَ قَالَ لِأَبِی بَكْرٍ: مَا هَذَا یَا أَبَا بَكْرٍ؟ أَ یُرَدُّ الْمُسْلِمُونَ إِلَی الْمُشْرِكِینَ؟!، ثُمَّ جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَجَلَسَ بَیْنَ یَدَیْهِ، وَ قَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! أَ لَسْتَ رَسُولَ اللَّهِ حَقّاً؟!. قَالَ: بَلَی. قَالَ: وَ نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ حَقّاً؟. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:

وَ هُمُ الْكَافِرُونَ (2)؟!. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا؟!. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) أَفْعَلُ مَا یَأْمُرُنِی بِهِ وَ لَنْ یُضَیِّعَنِی، فَقَامَ عُمَرُ مُغْضَباً، وَ قَالَ: وَ اللَّهِ لَوْ أَجِدُ أَعْوَاناً مَا أَعْطَیْتُ الدَّنِیَّةَ أَبَداً!، وَ جَاءَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! أَ لَمْ یَكُنْ وَعَدَنَا، أَنَّا سَنَدْخُلُ مَكَّةَ، فَأَیْنَ مَا وَعَدَنَا بِهِ؟!. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَ قَالَ لَكَ إِنَّ الْعَامَ نَدْخُلُهَا؟. قَالَ: لَا. قَالَ:

فَسَنَدْخُلُهَا (3). قَالَ: فَمَا هَذِهِ الصَّحِیفَةُ الَّتِی كُتِبَتْ؟ وَ كَیْفَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی (4)

ص: 561


1- ابن أبی الحدید فی شرحه علی النّهج 12- 59- 60.
2- فی المصدر: و هم الكافرون حقّا.
3- فی شرح ابن أبی الحدید: فسیدخلها.
4- فی (ك) : من، بدلا من: فی.

أَنْفُسِنَا؟. فَقَالَ: یَا هَذَا! الْزَمْ غَرْزَهُ (1) فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا یُضَیِّعُهُ، فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ الْفَتْحِ وَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ، قَالَ: ادْعُوا لِی عُمَرَ، فَجَاءَ، فَقَالَ: هَذَا الَّذِی كُنْتُ وَعَدْتُ بِهِ (2).

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (3) فِی صَحِیحِهِ فِی بَابِ الشُّرُوطِ فِی الْجِهَادِ وَ الْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحُرُوبِ، عَنِ الزُّهْرِیِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّهَیْرِ (4)، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (5) وَ مَرْوَانَ- یُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِیثَ صَاحِبِهِ- قَالا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] مِنَ (6) الْحُدَیْبِیَةِ .. وَ سَاقَ (7) الْحَدِیثَ .. إِلَی أَنْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَأَتَیْتُ نَبِیَّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقُلْتُ: أَ لَسْتَ نَبِیَّ اللَّهِ حَقّاً؟.

قَالَ: بَلَی. قُلْتُ: أَ لَسْنَا عَلَی الْحَقِّ، وَ عَدُوُّنَا عَلَی الْبَاطِلِ؟. قَالَ: بَلَی. قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا إِذاً. قَالَ: إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ وَ لَسْتُ أَعْصِیهِ، وَ هُوَ نَاصِرِی.

قُلْتُ: أَ وَ لَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِی الْبَیْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟!. قَالَ: بَلَی، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِیهِ الْعَامَ؟. قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِیهِ وَ تَطُوفُ بِهِ. قَالَ: فَأَتَیْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! أَ لَیْسَ هَذَا نَبِیَّ اللَّهِ حَقّاً؟. قَالَ: بَلَی. قُلْتُ: أَ لَسْنَا عَلَی الْحَقِّ وَ عَدُوُّنَا عَلَی الْبَاطِلِ؟. قَالَ: بَلَی. قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا إِذاً؟. قَالَ:

أَیُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ لَیْسَ یَعْصِی رَبَّهُ وَ هُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ عَلَی الْحَقِّ. قُلْتُ: أَ لَیْسَ كَانَ یُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِی الْبَیْتَ

ص: 562


1- فی (ك) : غرره.
2- فی المصدر: وعدتكم به.
3- صحیح البخاریّ 2- 119- 122.
4- فی (ك) نسخة بدل: الزّبیر.
5- جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: مسورة بن مخرمة بن نوفل بن أهیب بن عبد مناف بن زهرة الزهری أبو عبد الرّحمن، له و لأبیه صحبة، مات سنة أربع و ستّین. تقریب ابن حجر. انظر: تقریب التّهذیب 2- 249 برقم 1136.
6- قد تقرأ فی (ك) : زمن.
7- فی (س) قد تقرأ: و ساقا.

وَ نَطُوفُ بِهِ؟!. قَالَ: بَلَی، أَ فَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِیهِ الْعَامَ؟. قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِیهِ وَ تَطُوفُ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِیُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (1) فِی تَفْسِیرِ سُورَةِ الْفَتْحِ مِنْ كِتَابِ تَفْسِیرِ الْقُرْآنِ، وَ مُسْلِمٍ (2) فِی كِتَابِ الْقَضَاءِ، عَنْ حَبِیبِ بْنِ أَبِی ثَابِتٍ، قَالَ: أَتَیْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ، فَقَالَ: كُنَّا بِصِفِّینَ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیباً مِنَ الْكِتابِ یُدْعَوْنَ إِلی كِتابِ اللَّهِ ... (3) فَقَالَ عَلِیٌّ [عَلَیْهِ السَّلَامُ]: نَعَمْ، فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ:

اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَلَقَدْ رَأَیْتَنَا یَوْمَ الْحُدَیْبِیَةِ- یَعْنِی الصُّلْحَ الَّذِی كَانَ بَیْنَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ الْمُشْرِكِینَ- وَ لَوْ نَرَی قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: أَ لَسْنَا عَلَی الْحَقِّ وَ هُمْ عَلَی الْبَاطِلِ؟ أَ لَیْسَ قَتْلَانَا فِی الْجَنَّةِ وَ قَتْلَاهُمْ فِی النَّارِ؟. قَالَ: بَلَی. قَالَ:

فَفِیمَ نُعْطِی الدَّنِیَّةَ فِی دِینِنَا وَ نَرْجِعُ وَ لِمَا یَحْكُمُ اللَّهُ بَیْنَنَا؟!. فَقَالَ: یَا ابْنَ الْخَطَّابِ! إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ لَنْ یُضِیِّعَنِیَ اللَّهُ أَبَداً. فَرَجَعَ مُتَغَیِّظاً فَلَمْ یَصْبِرْ حَتَّی جَاءَ إِلَی (4) أَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ: یَا أَبَا بَكْرٍ! أَ لَسْنَا عَلَی الْحَقِّ وَ هُمْ عَلَی الْبَاطِلِ؟. قَالَ: یَا ابْنَ الْخَطَّابِ! إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ لَنْ یُضَیِّعَهُ (5) اللَّهُ أَبَداً .. (6)، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ، كذا فی روایة البخاری.

وَ فِی رِوَایَةِ مُسْلِمٍ- بَعْدَ قَوْلِهِ: وَ لَنْ یُضَیِّعَهُ اللَّهُ أَبَداً- نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَی عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِیَّاهُ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ

ص: 563


1- صحیح البخاریّ 3- 190 [6- 170- 171، دار الشّعب] .
2- صحیح مسلم 5- 175 بتفاوت فی صدر الحدیث.
3- آل عمران: 23. و قد جاءت العبارة التّالیة فی صحیح البخاریّ بدلا من الآیة: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ ... یُدْعَوْنَ إِلی كِتابِ اللَّهِ.
4- لا توجد: إلی، فی (س) .
5- فی المصدر: یضیعنی.
6- هنا سقط راجعه فی المصدر. و لعلّ وجد الرّوایة و ربطها مع سورة الفتح، قوله عزّ اسمه: «إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ كَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجاهِلِیَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوی وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلِیماً» (26) .

(صلی اللّٰه علیه و آله) ! أَ وَ فَتْحٌ هُوَ؟. فَقَالَ: نَعَمْ. فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَ رَجَعَ.

و قد ذكر الروایات فی جامع الأصول (1) فی كتاب الغزوات من حرف الغین.

وَ رَوَی الشَّیْخُ الطَّبْرِسِیُّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی مَجْمَعِ الْبَیَانِ (2) قِصَّةَ الْحُدَیْبِیَةِ بِنَحْوٍ مِمَّا سَبَقَ، وَ فِیهِ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَ اللَّهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا یَوْمَئِذٍ، فَأَتَیْتُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقُلْتُ: أَ لَسْتَ نَبِیَّ اللَّهِ .. إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ..

و من نظر فی هذه الأخبار لم یشكّ فی أنّه لم یرض بقول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و كان فی صدره حرج ممّا قضی به الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، و قد قال اللّٰه عزّ و جلّ: فَلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَكِّمُوكَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً (3)، و ظنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی وعده كاذبا، و إلّا فلا معنی لقیامه مغضبا متغیّظا غیر صابر حتّی جاء إلی أبی بكر، و قوله: لو وجدت أعوانا ما أعطیت الدنیّة أبدا، و إعادته كلامه فی معرض الإنكار لأبی بكر بعد قول رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: إنّی رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) و لست أعصیه، أو: أنا رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) أفعل ما یأمرنی به .. علی اختلاف ألفاظ الروایات السابقة، و كذلك یدلّ علی ظنّه الكذب برسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله قوله له: هذا الذی كنت وعدت به .. بعد أخذ مفتاح الكعبة و إرساله إلیه لیقرأ علیه آیة الفتح.

و یدلّ علی شدّة غضبه صلّی اللّٰه علیه و آله و غیظه علی عمر.

مَا رَوَاهُ الْبُخَارِیُّ (4)

فِی بَابِ غَزْوَةِ الْحُدَیْبِیَةِ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِی-، عَنْ زَیْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِیهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] كَانَ یَسِیرُ فِی بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَ عُمَرُ بْنُ

ص: 564


1- جامع الأصول 8- 291 من الحدیث 6108 و 8- 330 من الحدیث 6123 [9- حدیث 6098 و 6113].
2- مجمع البیان 9- 119 [6- 66].
3- النساء: 65.
4- صحیح البخاریّ 3- 45.

الْخَطَّابِ یَسِیرُ مَعَهُ لَیْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَیْ ءٍ فَلَمْ یُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ یُجِبْهُ بِشَیْ ءٍ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ یُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ یَا عُمَرُ! نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا یُجِیبُكَ. قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِیرِی ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ الْمُسْلِمِینَ وَ خَشِیتُ أَنْ یَنْزِلَ فِیَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَسِیتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخاً یَصْرُخُ بِی. قَالَ:

فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِیتُ أَنْ یَنْزِلَ فِیَّ قُرْآنٌ وَ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَسَلَّمْتُ عَلَیْهِ، فَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَیَّ اللَّیْلَةَ سُورَةٌ لَهِیَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَیْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً (1).

وَ قَالَ فِی النِّهَایَةِ (2): حَدِیثُ عُمَرَ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) عَنْ شَیْ ءٍ مِرَاراً فَلَمْ یُجِبْهُ فَقَالَ لِنَفْسِهِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنَّكَ (3) یَا عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) مِرَاراً لَا یُجِیبُكَ»،..

أی ألححت علیه فی المسألة إلحاحا أدّبك بسكوته عن جوابك، یقال فلان لا یعطی حتّی ینزر (4) .. أی یلحّ علیه. انتهی.

و لا یخفی علی ذی بصیرة أنّ ما ظهر من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله من الغضب و الغیظ علیه- فی الحدیبیّة و فی مرضه صلّی اللّٰه علیه و آله، حیث أمره بالخروج من البیت مع المتنازعین- لم یظهر بالنسبة إلی أحد من الصحابة، و كذلك ما ظهر عنه [كذا] من سوء الأدب لم یظهر عن غیره، و لا شكّ أنّ ظهور ذلك الغیظ منه صلّی اللّٰه علیه و آله- مع خلقه العظیم، و عفوه الكریم، و خوفه فی الفظاظة و الغلظة من انفضاضهم، كما قال سبحانه: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (5)

لم یكن إلّا لشدّة تفاحشه فی ترك الأدب و الوقاحة،

ص: 565


1- الفتح: 1.
2- النّهایة 5- 40، و انظر: لسان العرب 5- 204.
3- لا توجد فی المصدر: إنّك.
4- فی (ك) : ینزر علیه.
5- آل عمران: 159.

و بلوغ تأذّی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله إلی الغایة، و قد قال اللّٰه تعالی:

وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (1)، و قال سبحانه و تعالی: إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً (2) و قد كان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یصبر علی كثیر من الأذی و یستحی من زجرهم، كما یدلّ علیه قوله تعالی- مشیرا إلی دخولهم بیوت النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله من دون الإذن و غیره-: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ یُؤْذِی النَّبِیَّ فَیَسْتَحْیِی مِنْكُمْ وَ اللَّهُ لا یَسْتَحْیِی مِنَ الْحَقِّ (3) كما سبق.

هذا مع أنّ أتباع عمر بن الخطاب و حزبه قد ستروا كثیرا من كلماته الشنیعة و ما قال فیه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، كما یظهر من قول ابن أبی الحدید (4):

فی ألفاظ نكره حكایتها حتی شكاه النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله إلی أبی بكر.

و یؤیّد هذا المعنی أنّ قصّة منع الكتابة لم یروها أحد ممّن حضرها إلّا ابن عباس، و قد صرّحت الروایة بأنّه كان فی البیت رجال، و قالوا (5) بعضهم: قرّبوا یكتب لكم، و بعضه قال ما قال عمر، و كثر لغطهم و ارتفعت أصواتهم.

و ثالثا: أنّ ما اعتذر به- من أنّ عمر كان یرسل فی (6) تلك الألفاظ علی مقتضی غریزته و خشونة جبلّته و لم یكن یقصد بها ظواهرها- فیه اعتراف بأنّه كان لا یملك لسانه حتی یتكلّم بما یحكم به عقله، و ظاهر أنّ رجلا لم یقدر علی ضبط لسانه فی مخاطبة مثل النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله- فی علوّ شأنه فی الدنیا و الآخرة معدود عند العقلاء فی المجانین، و مثله لا یصلح للرئاسة العامّة و خلافة من

ص: 566


1- التوبة: 61.
2- الأحزاب: 57.
3- الأحزاب: 53.
4- فی شرحه علی نهج البلاغة 2- 43.
5- فی حاشیة (ك) استظهر كون الكلمة: قال، و هو فی محلّه.
6- فی (ك) وضع علی: فی، رمز نسخة بدل.

اصطفاه اللّٰه علی العالمین، و من رضی بإمامة من یكره حكایة ألفاظه- كما مرّ من كلام الموجّه- فقد بلغ الغایة فی السفاهة و فاز بالقدح المعلّی من الحماقة.

و أمّا من استشهد الشارح بشعره من الأعراب فهو ممّن قال اللّٰه تعالی فیه:

الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّا یَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ (1)، و مثله أحری بأن یعدّ من البهائم، و لم یقل أحد بأنّ مثله یصلح للإمامة حتی یقاس بفعله فعل من ادّعی الإمامة.

و ما ذكره من أنّ الأحسن كان أن یقول مغمور أو مغلوب بالمرض فهو هذیان كقول إمامه، إذ الكلام فی أنّه لا یجوز الردّ علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و إنكار قوله صلّی اللّٰه علیه و آله (2) مطلقا، سواء كان فی حال المرض أو غیره، للآیات و الأخبار الدالّة علی وجوب الانقیاد لأوامره و نواهیه، و أنّه لا ینطق عن الهوی و لا یقول إلّا حقّا، و الهجر و غلبة المرض- و إن كان أمرا شائعا فی أكثر البشر- إلّا أنّه لا استبعاد فی براءة من اصطفاه اللّٰه علی العالمین عنه، كما أنّ غلبة النوم یعمّ (3) سائر الخلق.

وَ قَدْ رَوَی الْخَاصُّ (4) وَ الْعَامُّ (5)

أَنَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَانَ لَا یَنَامُ قَلْبُهُ إِذَا

ص: 567


1- التوبة: 97.
2- فی (س) : قوله تعالی، بدلا من: قوله صلّی اللّٰه علیه و آله، و هو خلاف الظاهر.
3- فی (ك) : تعمّ.
4- كما ورد فی تفسیر العسكریّ: 164، و الاحتجاج 1- 23، و بحار الأنوار 9- 286، 307، و الرّوایات فی أنّ نوم الإمام علیه السّلام و یقظته واحدة تجد جملة منها فی بحار الأنوار 25- 157 و 27- 302، و 49- 63، 87، و 50- 290، و 61- 239.
5- كما فی صحیح البخاریّ كتاب التّهجّد باب 16، و كتاب التّراویح باب 1، و كتاب المناقب باب 24، و صحیح مسلم كتاب المسافرین باب 125، و سنن أبی داود كتاب الطّهارة باب 79، و كتاب التّطوّع باب 26، و صحیح التّرمذیّ كتاب المواقیت باب 208، و كتاب الفتن باب 63، و سنن النّسائیّ كتاب اللّیل باب 36، و موطّأ ابن مالك كتاب اللّیل باب 9، و مسند أحمد بن حنبل 1- 220 و 278، و 2- 251، 438، و 5- 40، 50، و 6- 36، 73، 104، و غیرها.

نَامَتْ عَیْنَاهُ.

، و قد اعترف النووی- علی ما نقله عنه الكرمانی فی شرح صحیح البخاری (1)

بأنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله كان معصوما من الكذب و من تغییر الأحكام الشرعیّة فی حال الصحّة و المرض.

و من الغرائب أنّهم یستدلّون علی خلافة عمر بن الخطاب بما نصّ علیه أبو بكر فی مرضه و كتب له، و لم یجوّز أحد فیه أن یكون هجرا و ناشئا من غلبة المرض، مع أنّه أغمی علیه فی أثناء كتابته العهد- كما رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (2) فِی كَیْفِیَّةِ عَقْدِهِ الْخِلَافَةَ لِعُمَرَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ یَجُودُ بِنَفْسِهِ فَأَمَرَ عُثْمَانَ أَنْ یُكْتَبَ عَهْداً، وَ قَالَ: اكْتُبْ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ، هَذَا مَا عَهِدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ (3) إِلَی الْمُسْلِمِینَ، أَمَّا بَعْدُ .. ثُمَّ أُغْمِیَ عَلَیْهِ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ: قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَیْكُمُ ابْنَ الْخَطَّابِ ..

وَ أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَرَأَهُ، فَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَ قَالَ: أَرَاكَ خِفْتَ أَنْ یَخْتَلِفَ النَّاسُ إِنْ مِتُّ فِی غَشْیَتِی. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَیْراً عَنِ الْإِسْلَامِ وَ أَهْلِهِ، ثُمَّ أَتَمَّ الْعَهْدَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَقْرَأَ عَلَی النَّاسِ.

و جوّزوا فی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله أن یكون عهده هجرا و هذیانا، و قد كان فی كتاب أبی بكر و وصیّته- علی ما ذكره شارح المقاصد (4) و غیره (5)

نوع من التردّد فی شأن عمر، حیث قال: إنّی استخلفت عمر بن الخطاب فإن عدل فذاك ظنّی به و رأیی فیه، و إن بدل و جار فلكلّ امرئ ما اكتسب، و الخیر أردت و لا أعلم الغیب، وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (6) و كان

قَوْلُهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: ائْتُونِی بِكِتَابٍ [كَذَا] أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ ..

خالیا من

ص: 568


1- صحیح البخاریّ- شرح الكرمانی- 2- 128.
2- فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 165 باختلاف كثیر، و انظر ما بعدها و ما قبلها.
3- و جاءت فی تاریخ الطّبریّ 4- 52: أبو بكر بن أبی قحافة، بدلا من: عبد اللّٰه بن عثمان.
4- شرح المقاصد 5- 287.
5- و قد جاءت العبارة فی شرح المواقف 8- 365: إنّی استخلفت علیكم عمر بن الخطّاب فإن أحسن السیرة و ذلك ظنّی به، و الخیر أردت، و إن تكن الأخری فسیعلم الذین .. إلی آخره.
6- الشعراء: 227.

التردّد صریحا فی بعدهم عن الضلال بعد الكتاب، فكتاب أبی بكر من حیث المتن أولی بالشكّ، كما أنّ احتمال الهجر و غلبة المرض فی شأنه كان أظهر، و لم یدلّ دلیل من العقل و النقل علی براءته من الهذیان، و كان كتاب اللّٰه بین أظهرهم، فكان اللائق بدیانة عمر بن الخطاب أن لا یرضی بذلك الكتاب و یقول حسب الناس كتاب اللّٰه، و كان الأنسب لأشیاعه الذین یجوّزون الهذیان علی سیّد الأنام صلّی اللّٰه علیه و آله تصحیحا لقول عمر بن الخطاب أن یتردّدوا فی إمامته و لا یستندوا إلی وصیّة أبی بكر فی شأنه.

ثم إنّ فی (1) قول عمر بن الخطاب فی مقام الردّ علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله: حسبنا كتاب اللّٰه .. یدلّ علی أنّه لا حاجة إلی الخلیفة مطلقا، فكیف سارع إلی السقیفة لعقد البیعة و جعله أهمّ من دفن سیّد البریّة علیه و آله أكمل الصلاة و التحیّة.

و الحاصل، أنّ من لم یطبع اللّٰه علی قلبه لم یشكّ فی أنّهم لم یهتمّوا إلّا بنیل حطام الدنیا و زخارفها، و صرف الإمارة و الخلافة عن أهالیها و معادنها.

و اعلم أنّهم عدّوا من فضائل عمر بن الخطاب أنّه كان یرد علی (2) رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی كثیر من المواطن، و كان یرجع إلی قوله و یترك ما حكم به.

فمن ذلك.

مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (3) فِی أَخْبَارِ عُمَرَ فِی الْجُزْءِ الثَّانِیَ عَشَرَ، وَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ (4) فِی كِتَابِ الْإِیمَانِ، عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ، قَالَ: كُنَّا قُعُوداً حَوْلَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ (5) فِی نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 569


1- وضع فی (ك) رمز نسخة بدل علی: فی.
2- لا توجد فی (س) : علی.
3- شرح ابن أبی الحدید علی نهج البلاغة 12- 55- 56 [3- 108 و 116 ذات أربع مجلّدات] باختلاف كثیر جدّا.
4- صحیح مسلم 1- 44 باب من لقی اللّٰه بالإیمان.
5- لا توجد فی المصدر: و معنا أبو بكر و عمر ..

عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] مِنْ بَیْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَیْنَا، فَخَشِینَا أَنْ یُقْطَعَ دُونَنَا وَ فَزِعْنَا (1) وَ قُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِی رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] حَتَّی أَتَیْتُ حَائِطاً لِلْأَنْصَارِ لِقَوْمٍ مِنْ بَنِی النَّجَّارِ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ بَاباً، فَإِذَا رَبِیعٌ یَدْخُلُ (2) فِی جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ (3)

وَ الرَّبِیعُ: الْجَدْوَلُ (4)

فَاحْتَفَزْتُ فَدَخَلْتُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] (5)، فَقَالَ: أَبُو هُرَیْرَةَ؟. فَقُلْتُ: نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ (6):

مَا شَأْنُكَ؟. قُلْتُ: كُنْتَ بَیْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَیْنَا، فَخَشِینَا أَنْ تُقْطَعَ دُونَنَا، فَفَزِعْنَا- فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ- فَأَتَیْتُ هَذَا الْحَائِطَ فَاحْتَفَزْتُ (7) كَمَا تَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ وَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِی، فَقَالَ: یَا أَبَا هُرَیْرَةَ!- وَ أَعْطَانِی نَعْلَیْهِ، قَالَ (8):

اذْهَبْ بِنَعْلَیَّ هَاتَیْنِ فَمَنْ لَقِیتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ یَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَیْقِناً بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَكَانَ (9) أَوَّلُ مَنْ لَقِیتُ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ یَا أَبَا هُرَیْرَةَ؟. قُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بَعَثَنِی بِهِمَا مَنْ لَقِیتُ یَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَیْقِناً بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، فَضَرَبَ عُمَرُ بِیَدِهِ بَیْنَ ثَدْیَیَّ فَخَرَرْتُ (10) لِاسْتِی، فَقَالَ: ارْجِعْ یَا أَبَا هُرَیْرَةَ!. فَرَجَعْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَأَجْهَشْتُ بِبُكَاءٍ (11) وَ رَكِبَنِی عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ عَلَی أَثَرِی، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

ص: 570


1- لا توجد فی الشّرح: و فزعنا.
2- فی المصدر: إلّا ربیعا فدخلت ..
3- لا توجد فی شرح النّهج: من بئر خارجة.
4- جاء فی مجمع البحرین 4- 332: و الرّبیع: جدول أو ساقیة تجری إلی النّخل أو الزّرع.
5- فی المصدر: فدخلت منه بعد أن احتقرته فإذا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ..
6- فی شرح النّهج: قلت.
7- فی المصدر: فاحتقرته.
8- لا توجد فی الشّرح: و أعطانی نعلیه قال.
9- فی المصدر: بالجنّة فخرجت و كان ..
10- فی الشّرح: فضرب عمر فخررت ..
11- فی المصدر: فقال: ارجع، فأجهشت بالبكاء راجعا.

صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: مَا لَكَ یَا أَبَا هُرَیْرَةَ؟. قُلْتُ (1): لَقِیتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِی بَعَثْتَنِی بِهِ، فَضَرَبَ بَیْنَ ثَدْیَیَّ (2)ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِی، قَالَ: ارْجِعْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: مَا حَمَلَكَ عَلَی (3)مَا فَعَلْتَ؟. فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ (4)! بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی، أَ بَعَثْتَ أَبَا هُرَیْرَةَ بِنَعْلَیْكَ مَنْ لَقِیَ یَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَیْقِناً بِهَا (5)قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ؟. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّی أَخْشَی أَنْ یَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَیْهَا فَخَلِّهِمْ یَعْمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله): فَخَلِّهِمْ (6).

قوله: من بین أظهرنا .. أی من بیننا (7).

و یقطع دوننا .. أی یصاب بمكروه من عدوّ و غیره (8).

و بئر خارجة- علی التوصیف- .. أی قلیب (9) خارجة عن البستان، و قیل:

البئر: هو البستان، كقولهم: بئر أریس، و بئر بضاعة (10)، و قیل: الخارجة اسم رجل (11) فیكون علی الإضافة.

ص: 571


1- فی شرح النهج : فقال (صلی اللّٰه علیه و آله) : ما لك؟ قلت ..
2- فی المصدر : صدری ، بدلا من : ثدیی.
3- جاء فی الشرح هكذا : وقال : ارجع إلی رسول اللّٰه ، فخرج رسول اللّٰه فإذا عمر فقال (صلی اللّٰه علیه و آله) : ما حملك یا عمر علی ..
4- فی المصدر : فقال عمر : أنت بعثت أبا هریرة بكذا؟. قال : نعم یا رسول اللّٰه ..
5- لا توجد فی (س) : بها.
6- أقول : جاءت الروایة فی صحیح مسلم ١ _ ٤٤ ، وسیرة عمر لابن الجوزی : ٣٨ ، وفتح الباری ١ _ ١٨٤ ، وغیرها ، وعلق علیها شیخنا الأمینی فی غدیره ٦ _ ١٧٥ _ ١٧٧ بما هو حری بها ، والفیروزآبادی فی السبعة من السلف : ١٠٧ ، وغیرهما من أعلامنا رضوان اللّٰه علیهم.
7- كما فی مجمع البحرین 3- 392، و لسان العرب 4- 523، و القاموس 2- 82، و النهایة 3- 166.
8- قال فی النهایة 4- 82: فخشینا أن یقتطع دوننا .. أی یؤخذ و ینفرد به. و انظر: مجمع البحرین 4- 380.
9- جاء فی لسان العرب 4- 36، و انظر: مجمع البحرین 3- 312.
10- البئر- مهموز الوسط-: و هی الجبّ، و ذكر فی مراصد الاطّلاع 1- 140- 142 أكثر من ثلاثین بئر مسمّاة، و لاحظ: معجم البلدان 1- 298- 302.
11- نصّ علیه فی القاموس 1- 185، و لسان العرب 2- 254.

و احتفزت- بالزای- .. أی تضاممت (1) لیسعنی المدخل كما یفعل الثعلب، و قیل بالراء.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (2) فِی تَفْسِیرِ سُورَةِ بَرَاءَةَ مِنْ كِتَابِ تَفْسِیرِ الْقُرْآنِ، وَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (3) فِی بَابِ فَضَائِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ (4): لَمَّا تُوُفِّیَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَیٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَسَأَلَهُ أَنْ یُعْطِیَهُ قَمِیصَهُ یُكَفِّنُ فِیهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ یُصَلِّیَ عَلَیْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِیُصَلِّیَ عَلَیْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! أَ تُصَلِّی عَلَیْهِ (5) وَ قَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَیْهِ (6)؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: إِنَّمَا خَیَّرَنِیَ اللَّهُ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً ... (7) وَ سَأَزِیدُ (8) عَلَی السَّبْعِینَ، فَقَالَ:

إِنَّهُ مُنَافِقٌ. قَالَ: فَصَلَّی عَلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی:

وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلی قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ (9).

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی (10) لَهُ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]:

أَخِّرْ عَنِّی یَا عُمَرُ! فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَیْهِ قَالَ: إِنِّی خُیِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ إِنْ زِدْتُ عَلَی السَّبْعِینَ یُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَیْهَا، قَالَ: فَصَلَّی عَلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 572


1- قاله فی مجمع البحرین 4- 16، و النهایة 1- 407 و غیرهما.
2- صحیح البخاریّ 3- 137 [6- 56- 58]، و انظر ما قبلها و ما بعدها من الرّوایات.
3- صحیح مسلم 7- 116، و انظر ما قبلها و ما بعدها من الرّوایات.
4- لا توجد: قال، فی (س) .
5- فی المصدر: تصلّی علیه.
6- فی (س) لا توجد: علیه.
7- التّوبة: 80.
8- فی صحیح البخاریّ: و سأزیده.
9- التّوبة: 84. و لا یوجد ذیلها فی المصدر.
10- جاءت فی الصّحیحین تلو الرّوایة السّابقة.

[وَ آلِهِ] ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ یَمْكُثْ إِلَّا یَسِیراً حَتَّی نَزَلَتِ الْآیَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ ... قَالَ:

فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِی عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ!.

وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1) فِی أَخْبَارِ عُمَرَ قَرِیباً مِنَ الرِّوَایَةِ الْأُولَی، وَ فِیهَا: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بَیْنَ یَدَیِ الصَّفِّ، فَجَاءَ (2) عُمَرُ فَجَذَبَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَ قَالَ: أَ لَمْ یَنْهَكَ اللَّهُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَی الْمُنَافِقِینَ؟! .. (3) قَالَ: فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ جُرْأَةِ عُمَرَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] .

و لا یذهب علیك أنّ الروایة الأولی- مع أنّ راویها أبو هریرة الكذّاب ینادی ببطلانها سخافة أسلوبها، و بعث أبی هریرة مبشّرا للناس، و جعل النعلین علامة لصدقه، و قد أرسل اللّٰه تعالی رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله مبشّرا و نذیرا للناس، و أمره بأن (4) یبلّغ ما أنزل إلیه من ربّه، و لم یجعل أبا هریرة نائبا له فی ذلك، و لم یكن القوم المبعوث إلیهم أبو هریرة غائبین عنه صلّی اللّٰه علیه و آله حتّی یتعذّر علیه أن یبشّرهم بنفسه، و كان الأحری تبلیغ تلك البشارة فی المسجد و عند اجتماع الناس لا بعد قیامه من بین القوم و غیبته عنهم و استتاره بالحائط، و لم تكن هذه البشارة ممّا یفوت وقته بالتأخیر إلی حضور الصلاة و اجتماع الناس، أو رجوعه صلّی اللّٰه علیه و آله عن الحائط، و كیف جعل النعلین علامة لصدق أبی هریرة مع أنّه یتوقّف علی العلم بأنّهما نعلا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و قد جاز أن لا یعلم ذلك من یلقاه أبو هریرة فیبشّره، و إذا كان ممّن یظنّ الكذب بأبی هریرة أمكن أن یظنّ أنّه سرق نعلی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فلا یعتمد علی قوله، و لو فرضنا

ص: 573


1- فی شرحه علی نهج البلاغة 12- 55 بتصرف یسیر. و جاءت فی صحیح البخاریّ كتاب اللّباس باب لبس القمیص، و أوردها فی كتاب الجنائز باب الكفن فی القمیص، و فی صحیح التّرمذیّ 2- 185، و صحیح النّسائیّ 1- 269، و سنن ابن ماجة باب الصّلاة علی أهل القبلة، و ابن عبد ربّه فی الاستیعاب 1- 366، و غیرها و غیرهم.
2- فی شرح النّهج: فقام بین یدی الصّفّ یرید ذلك، فجاء ..
3- هنا سقط لم یذكره المصنّف- قدّس سرّه-.
4- فی (س) : أن.

صدق أوّل الخبر أمكن أن یكون ما رواه أخیرا من رجوعه صلّی اللّٰه علیه و آله إلی قول عمر من أكاذیبه.

و یؤیّده

مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1) فِی الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ وَ رَوَاهُ غَیْرُهُ فِی عِدَّةِ رِوَایَاتٍ أَنَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: بَشَّرَ النَّاسَ بِأَنَّهُ مَنْ مَاتَ وَ هُوَ یَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ.

، و قد روی أبو هریرة نفسه ما یقرب من هذا المعنی (2).

ثم لو سلّمنا صدق الخبر إلی آخره فلا شكّ فی أنّه یتضمّن أنّ عمر ردّ قول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله علی أخشن الوجوه و أقبحها- كما هو دأب الطغام (3) و الأجلاف (4)

، و مع قطع النظر عمّا عرفت و ستعرف من عدم جواز الاجتهاد فی مقابلة النصّ، و أنّ الردّ علیه صلّی اللّٰه علیه و آله ردّ علی اللّٰه و علی حدّ الشرك باللّٰه، كیف یجوز هذا النوع من سوء الأدب و الغلظة فی مقام الردّ علی المجتهد و لو كان مخطئا؟! و هو مأجور فی خطئه، و قد أمكنه أن یردّ أبا هریرة برفق و یناظر برسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و یوقفه علی خطئه.

ثم من أین استحقّ أبو هریرة أن یضرب علی صدره حتّی یقع علی استه و لم یقدم علی أمر سوی طاعة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و طاعة اللّٰه، و قد أمر اللّٰه تعالی بها فی زهاء (5) عشرین موضعا من كتابه بقوله: أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ (6).

ص: 574


1- صحیح مسلم 1- 43 كتاب الإیمان و كتاب الزّكاة.
2- و قریب منه ما جاء فی مسند أحمد بن حنبل 2- 426، و 4- 345- 346، و 5- 229، و أورده فی صحیح البخاریّ كتاب الجنائز حدیث 1، و كتب أخر، و صحیح الترمذی كتاب الإیمان، و صحیح النسائی فی كتاب الجهاد، و كتاب الزهد لابن ماجة، و غیرها.
3- قال فی النهایة 3- 128، فی حدیث علی: یا طغام الأحلام ..: أی من لا عقل له و لا معرفة، و قیل: هم أوغاد الناس و أراذلهم.
4- قال فی مجمع البحرین 5- 33: یقال: أعرابی جلف .. أی جاف.
5- زهاء- كغراب- بمعنی القدر، كما فی مجمع البحرین 1- 210.
6- النساء: 59، و غیرها من الآیات.

و أمّا رجوعه صلّی اللّٰه علیه و آله عن الأمر بتبشیر الناس- فعلی تقدیر صحّته لا دلالة فیه علی اجتهاده صلّی اللّٰه علیه و آله و خطئه فی رأیه، و لا ینفی الشناعة عن فعل عمر، لجواز أن یكون (1) الرجوع من قبیل النسخ بالوحی لمصلحة یعلمها اللّٰه تعالی، و یمكن أن تكون (2) مصلحة تألیف قلب هذا الفظّ الغلیظ، كما أمر اللّٰه سبحانه بذلك فی سائر المنافقین لئلّا ینفضّوا عن رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله فیلحق الإسلام ضرر أعظم من فوت المصلحة بترك التبشیر فی ذلك الوقت، و لا یخفی أنّ الاجتهاد المذكور ممّا لم یجوّزه كثیر من العامّة، لكون المسألة ممّا یتعلّق بأمور الدین لا الحروب و أمور الدنیا، و (3) قد صرّح بذلك شارح صحیح مسلم فی شرح هذا الخبر، و قال: عدم جواز الخطإ علیه صلّی اللّٰه علیه [و آله] فی الأمور الدینیّة مذهب المحقّقین، و حكی عن شیخه أبی عمرو بن الصلاح توجیه النافین للاجتهاد المذكور بأنّه كان لوحی ناسخ للوحی السابق.

و أمّا الروایة الثانیة فسوء الأدب فیها بالأخذ بالثوب و جذبه صلّی اللّٰه علیه و آله من خلفه واضح، و كذلك الإنكار علی قول الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله كما یظهر من قوله: إنّه منافق- بعد قوله صلّی اللّٰه علیه و آله: إنّی خیّرت- و قوله: فلمّا أكثرت علیه ..- بعد قوله صلّی اللّٰه علیه و آله: أخّر عنّی، و نزول الآیة (4)، و النهی

ص: 575


1- فی (س) : أن یكن، و هو سهو.
2- فی (س) : أن یكون.
3- لا توجد الواو فی (س) .
4- إنّ روایاتهم فی نزول الآیة قبل هذه الواقعة أو بعدها مختلفة، فإن كانت الصلاة بعد نزول الآیة فقد علم النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم أنّه مخیّر بین الصلاة علیهم و تركها، كما صرّح به صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم، و انتخاب أحد الشقّین لمصلحة و هی عین الحكمة. و إن كانت الصلاة قبل نزول الآیة فنتساءل: من این جاء علم عمر بأنّ الصلاة علیهم منهیّ عنها- مع فرض عدم نزول القرآن و الوحی به؟!-، و إن لم یكن منهیّا عنها فی نظره فلما ذا خاطب النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: بأنّ الصلاة علی المنافقین منهیّ عنها، و صرف استحسان ترك الصلاة عنده- مع كون عمل النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله بخلافه- لا یسوغ فعله و جرأته.

عن الصلاة علی المنافقین لا یدلّ علی تصویبه كما مرّ، و یمكن أن تكون المصلحة فی اختیاره صلّی اللّٰه علیه و آله الصلاة و نزول النهی أن یظهر للمنافقین أو غیرهم أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لم یتنفّر عنهم لما یعود إلی البشریّة و الطبع بل لمحض الاتّباع لما أمره اللّٰه سبحانه، و فی ذلك نوع من الاستمالة و تألیف القلوب.

ثم إنّهم رووا فی أخبارهم من إنكاره و ردّه علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله ما لا یتضمّن الرجوع.

رَوَی الْبُخَارِیُّ فِی صَحِیحِهِ (1) فِی بَابِ مَا جَاءَ فِی الْمُتَأَوِّلِینَ مِنْ كِتَابِهِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّینَ عَنْ سَعِیدِ بْنِ عُبَیْدَةَ، قَالَ: تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ حِبَّانُ (2) بْنُ عَطِیَّةَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِحِبَّانَ: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا الَّذِی جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَی الدِّمَاءِ- یَعْنِی عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ-؟. قَالَ: مَا هُوَ؟ لَا أَبَا لَكَ!. قَالَ: شَیْ ءٌ سَمِعْتُهُ یَقُولُهُ. قَالَ:

مَا هُوَ؟. قَالَ: بَعَثَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ الزُّبَیْرَ وَ أَبَا مَرْثَدٍ- وَ كُلُّنَا فَارِسٌ-، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّی تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ ...، فَإِنَّ فِیهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِیفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِی بَلْتَعَةَ إِلَی الْمُشْرِكِینَ فَأْتُونِی بِهَا، فَانْطَلَقْنَا عَلَی أَفْرَاسِنَا حَتَّی أَدْرَكْنَاهَا حَیْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ تَسِیرُ عَلَی بَعِیرٍ لَهَا، وَ كَانَ كَتَبَ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِیرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] إِلَیْهِمْ، فَقُلْنَا: أَیْنَ الْكِتَابُ الَّذِی مَعَكِ؟. قَالَتْ: مَا مَعِی كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا بَعِیرَهَا، فَابْتَغَیْنَا فِی رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْنَا شَیْئاً، فَقَالَ صَاحِبَایَ: مَا نَرَی مَعَهَا كِتَاباً؟. قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ؟ ثُمَّ حَلَفَ عَلِیٌّ: وَ الَّذِی یُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَهْوَتْ إِلَی حُجْزَتِهَا- وَ هِیَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ- فَأَخْرَجَتِ الصَّحِیفَةَ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقَالَ عُمَرُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ خَانَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الْمُؤْمِنِینَ، دَعْنِی فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 576


1- صحیح البخاریّ 4- 199 [9- 23- 24- دار الشعب-].
2- فی المصدر: حبان.

[وَ آلِهِ]: یَا حَاطِبُ! مَا حَمَلَكَ عَلَی مَا صَنَعْتَ؟. قَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا بِی أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِناً بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ لَكِنِّی أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِی عِنْدَ الْقَوْمِ یَدٌ یَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِی وَ مَالِی، وَ لَیْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا وَ لَهُ هُنَاكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ یَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ، قَالَ: صَدَقَ، لَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا (1) خَیْراً، قَالَ: فَعَادَ عُمَرُ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ خَانَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الْمُؤْمِنِینَ، دَعْنِی فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: أَ وَ لَیْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَ مَا یُدْرِیكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَیْهِمْ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ (2) الْجَنَّةَ؟، فَاغْرَوْرَقَتْ عَیْنَاهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قال أبو عبد اللّٰه: خاخ- یعنی بخاءین معجمتین- أصحّ، و لكن كذا قال أبو عوانة: حاج- بالحاء المهملة ثم الجیم- و هو تصحیف، و هو موضع (3).

- وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (4) فِی بَابِ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْراً مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِی، عَنْ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِیِّ، عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (5)

مِثْلَهُ بِتَغْیِیرٍ فِی اللَّفْظِ.

قوله: فأهوت إلی حجزتها .. الحجزة- بضم الحاء المهملة ثم الجیم الساكنة ثم الزای-: معقد الإزار، و حجزة السّراویل: تكّتها (6).

و اغرورقت عیناه: .. أی دمعتا (7).

و أبو عبد اللّٰه هو: البخاری.

و قال الواقدی: روضة خاخ- بالمعجمتین- قریب من ذی الحلیفة علی برید

ص: 577


1- فی (ك) نسخة بدل: إنّه ..
2- فی (س) : علیكم.
3- إلی هنا كلام البخاری.
4- صحیح البخاریّ 3- 7 [5- 99- دار الشّعب-].
5- لا توجد فی (س) : عن علیّ علیه السّلام.
6- نصّ علیه فی الصحاح 3- 872: و فیه: التی فیها التكّة، بدلا من: تكّتها، و انظر: لسان العرب 5- 332، و مجمع البحرین 4- 14.
7- جاء فی القاموس 3- 271، و مجمع البحرین 5- 221، و انظر: النهایة 3- 361.

من المدینة (1).

أقول: ما فی (2) هذه الروایة من عود عمر إلی قوله: قد خان اللّٰه و رسوله ..

دعنی فلأضرب عنقه، بعد اعتذار حاطب و تصدیق الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله إیّاه، و قوله: لا تقولوا له إلّا خیرا .. ردّ صریح لقول الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و ارتكاب لنهیه.

و اعتذار بعض المتعصّبین بأنّه ظنّ أنّ صدقه فی عذره لا یدفع عنه ما یجب علیه من القتل فی غایة السخافة، فإنّ قوله (صلی اللّٰه علیه و آله) : لا تقولوا له إلّا خیرا، بعد قوله: صدق، یهدم أساس هذه الأوهام، و لا ریب فی أنّ من ردّ علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله فی وجهه أحری بضرب العنق ممّن تلقّی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله عذره بالقبول، و نهی الناس عن تقریعه و توبیخه.

و ممّا یدلّ علی أنّ عمر كان یخالف صریحا قول رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.

مَا حَكَاهُ فِی كِتَابِ فَتْحِ الْبَارِی (3) فِی شَرْحِ صَحِیحِ الْبُخَارِیِّ فِی بَابِ مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الْخَوَارِجِ لِلتَّأْلِیفِ قَالَ: أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَیِّدٍ، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ، قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّی مَرَرْتُ بِوَادِی .. كَذَا فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ الْهَیْئَةِ مُتَخَشِّعٌ یُصَلِّی فِیهِ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَیْهِ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: فَذَهَبَ إِلَیْهِ أَبُو بَكْرٍ (4) فَلَمَّا رَآهُ یُصَلِّی كَرِهَ أَنْ یَقْتُلَهُ، فَرَجَعَ.

فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ لِعُمَرَ: اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، فَذَهَبَ فَرَآهُ

ص: 578


1- قال فی النهایة 2- 86، و القاموس 1- 258: روضة خاخ: موضع بین مكّة و المدینة، و زاد فی الثانی: و خاخ یصرف و یمنع. و راجع معجم البلدان 2- 235- 236، و مراصد الاطّلاع 1- 444. و هناك موضع باسم: حاج، قالوا: ذات حاج موضع بین المدینة و الشام، و ذو حاج: واد لغطفان، كما جاء فی معجم البلدان 2- 204، و مراصد الاطّلاع 1- 370.
2- لا توجد فی (س) : ما فی.
3- فتح الباری 12- 251.
4- لا توجد فی (س) : أبو بكر.

فِی تِلْكَ (1) الْحَالَةِ، فَرَجَعَ.

فَقَالَ: یَا عَلِیُّ! اذْهَبْ إِلَیْهِ فَاقْتُلْهُ، فَذَهَبَ عَلِیٌّ [عَلَیْهِ السَّلَامُ] فَلَمْ یَرَهُ، فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ: إِنَّ هَذَا وَ أَصْحَابَهُ یَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا یُجَاوِزُ تَرَاقِیَهُمْ (2) یَمْرُقُونَ مِنَ الدِّینِ كَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ (3)، لَا یَعُودُونَ فِیهِ، فَاقْتُلُوهُمْ فَهُمْ شَرُّ الْبَرِیَّةِ.

قال: و له شاهد من حدیث جابر أخرجه أبو یعلی و رجاله ثقات.

وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (4) فِی الْجُزْءِ الثَّانِی فِی شَرْحِ خُطْبَتِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی تَخْوِیفِ أَهْلِ النَّهَرِ. قَالَ: فِی بَعْضِ الصِّحَاحِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ لِأَبِی بَكْرٍ، وَ قَدْ غَابَ الرَّجُلُ- یَعْنِی ذَا الْخُوَیْصِرَةِ (5)

عَنْ عَیْنِهِ: قُمْ إِلَی هَذَا فَاقْتُلْهُ، فَقَامَ ثُمَّ عَادَ، وَ قَالَ: وَجَدْتُهُ یُصَلِّی، فَقَالَ لِعُمَرَ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَادَ وَ قَالَ:

وَجَدْتُهُ یُصَلِّی، فَقَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَادَ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَوْ قُتِلَ هَذَا لَكَانَ (6) أَوَّلَ الْفِتْنَةِ وَ آخِرَهَا، أَمَا إِنَّهُ سَیَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ یَمْرُقُونَ مِنَ الدِّینِ كَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ (7) ..

الْحَدِیثَ.

و قال الجزری (8)، فی حدیث الخوارج: «یخرج من ضئضئ هذا قوم ...

یمرقون من الدّین كما یمرق السّهم من الرّمیّة»، الضّئضئ: الأصل یقال:

ص: 579


1- فی (ك) : علی تلك.
2- فی المصدر: ترافیهم، و الظّاهر أنّها سهو.
3- فی فتح الباری زیادة: ثمّ.
4- فی شرح نهج البلاغة 2- 266- 267.
5- لا توجد فی المصدر: یعنی ذا الخویصرة.
6- أقول: إنّ (لو) هنا للتمنی و جوابها محذوف كما هو الغالب، أی لو قتل هذا كان حسنا لكان هو أوّل الفتنة و آخرها، و اللّام فی (لكان) للابتداء و التّأكید. و یحتمل كون: لكان جوابا لها.
7- لا توجد فی شرح النّهج: یمرقون من الدّین كما یمرق السّهم من الرّمیّة.
8- فی النهایة 3- 69.

ضئضئ صدق و ضؤضؤ صدق، و حكی بعضهم: ضئضی ء بوزن قندیل یرید أنّه یخرج من نسله و عقبه، و رواه بعضهم: بالصّاد المهملة و هو بمعناه (1).

یمرقون من الدّین .. أی یجوزونه و یخرقونه و یتعدّونه كما یمرق السّهم الشّی ء المرمیّ به و یخرج منه (2)، و ستأتی الأخبار فی ذلك مشروحة فی باب كفر الخوارج (3).

وَ قَالَ فِی الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ (4): ذَكَرَ الْمَوْصِلِیُّ فِی مُسْنَدِهِ، وَ أَبُو نَعِیمٍ فِی حِلْیَتِهِ، وَ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ فِی عِقْدِهِ، وَ أَبُو حَاتِمٍ فِی زِینَتِهِ، وَ الشِّیرَازِیُّ فِی تَفْسِیرِهِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنَ الِاثْنَیْ عَشَرَ تَفْسِیراً: أَنَّ الصَّحَابَةَ مَدَحُوا رَجُلًا بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ فَدَفَعَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] سَیْفَهُ إِلَی أَبِی بَكْرٍ وَ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ، فَدَخَلَ فَرَآهُ یُصَلِّی فَرَجَعَ، فَدَفَعَهُ إِلَی عُمَرَ وَ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ، فَدَخَلَ فَرَجَعَ، فَدَفَعَهُ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَدَخَلَ فَلَمْ یَجِدْهُ، فَقَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: لَوْ قُتِلَ لَمْ یَقَعْ بَیْنَ أُمَّتِی اخْتِلَافٌ أَبَداً.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: لَكَانَ (5) أَوَّلَ الْفِتْنَةِ وَ آخِرَهَا.

فما أقدم علیه أبو بكر من الرجوع من دون أن یقتله- لكونه یصلّی- لا ریب فی أنّه مخالفة ظاهرة للرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، فإنّ أمره بقتله (6) كان بعد أن وصفه أبو بكر بالصلاة و الخشوع، فلم یكن صلاته شبهة توهم دفع القتل، بل هو تقبیح صریح لأمر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله بقتله، و تكذیب لما یتضمّنه ذلك من وجوب قتله، و أفحش منه رجوع عمر بن الخطاب معتذرا بعین ذلك الاعتذار الذی ظهر بطلانه ثانیا أیضا بأمره بالقتل بعد رجوع أبی بكر، و اعتذاره و لزمهما بتلك المخالفة الشركة فی آثام من خرج من ضئضئ هذا الرجل من الخوارج إلی

ص: 580


1- و جاء أیضا فی لسان العرب 1- 110.
2- ذكره فی النهایة 4- 320، و لسان العرب 10- 341، و غیرهما.
3- بحار الأنوار 33- 421- 428.
4- الصّراط المستقیم 3- 8.
5- فی المصدر: و فی قول آخر: لو قتل لكان ..
6- لا توجد فی (س) : بقتله.

یوم القیامة.

و من أمعن النظر فیما سبق من الأخبار و غیرها علم أنّ ردّ عمر علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و سلوكه مسلك الجفاء، و خلعه جلباب الحیاء لم یكن مخصوصا بما أقدم علیه فی مرضه (صلی اللّٰه علیه و آله) ، و منعه عن الوصیّة لم یكن (1) بدعا منه، بل كان ذلك عادة له، و كان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یصفح عنه و عن غیره من المنافقین و غیرهم خوفا علی الإسلام و إشفاقا من أن ینفضّوا عنه لو قابلهم بمقتضی خشونتهم، و كافاهم بسوء صنیعهم (2).

ص: 581


1- فی (ك) نسخة: و لم یكن- بالواو-.
2- إنّ تجاسر الرجل و تعدّیه علی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم فی مرضه لم یكن إلّا استمرارا لسوء أدبه معه صلّی اللّٰه علیه و آله فی موارد شتّی و مواضع مختلفة فی أیّام حیاته صلوات اللّٰه علیه و آله. منها: ما جاء فی حلیة الأولیاء لأبی نعیم 2- 27 بسنده عن ابن مسیّب، قال: خرج رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم لیلا فدعانی فخرجت إلیه، ثمّ مرّ بأبی بكر فدعاه فخرج، ثمّ مرّ بعمر فدعاه فخرج إلیه، فانطلق حتّی دخل حائطا لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط: أطعمنا بسرا، فجاء بعذق فوضعه، فأكلوا، ثمّ دعا بماء فشرب، فقال: لیسألن عن هذا یوم القیامة. قال: و أخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتّی تناثر البسر نحو وجه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم، ثمّ قال: یا رسول اللّٰه! إنّا لمسئولون عن هذا یوم القیامة؟!. قال: نعم ... الحدیث. و ذكره العسقلانی فی الإصابة 7- 131 القسم الأوّل، و قال: أورده البغوی، و رواه أحمد بن حنبل فی مسنده 5- 81، و ابن جریر فی تفسیره 30- 185، و علیّ بن سلطان فی مرقاته 4- 397، و قال: رواه أحمد و البیهقیّ فی شعب الإیمان. و منها: ما رواه مسلم فی صحیحه فی كتاب المساجد باب وقت العشاء و تأخیرها بسنده عن أبی شهاب، عن عروة بن الزبیر: أنّ عائشة زوج النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم قالت: اعتمّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم لیلة من اللیالی بصلاة العشاء- و هی التی تدعی العتمة- فلم یخرج رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم حتّی قال عمر بن الخطّاب: نام النساء و الصّبیان. فخرج رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم، فقال لأهل المسجد حین خرج علیهم .. و ساق الحدیث إلی أن قال: قال ابن شهاب و ذكر لی: أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] قال: ما كان لكم أن تنزوا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم علی الصلاة، و ذلك حین صاح عمر بن الخطّاب. و قد علّق علیهما و علی التی ظهرت منه فی حال مرض النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله الفیروزآبادی- رحمه اللّٰه- فی السبعة من السلف: 104- 105.

و قد تبیّن من تفاسیرهم و صحاحهم أنّ عمر (1) كان داخلا فیمن أرید بقوله تعالی: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (2) فیكون من الذین قال اللّٰه تعالی: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلی حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَیْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلی وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْیا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ (3)، و قد علم- أیضا ممّا سبق- أنّ الصحابة- إلّا الأصفیاء منهم- لم یقدروا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله حقّ قدره، و لذلك مال طائفة إلی قول عمر و طائفة إلی قوله صلّی اللّٰه علیه و آله، و سوّوا بینه و بین عمر، و جعلوه كواحد من المجتهدین و القائلین برأیهم ما شاءوا فجوّزوا ردّ ما قضی به و الإنكار لقوله صلّی اللّٰه علیه و آله.

الطعن الثانی: التخلّف عن جیش أسامة.

و لا خلاف فی أنّ عمر بن الخطاب كان من الجیش، و قد لعن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله المتخلّف عنه.

و قد سبق فی مطاعن أبی بكر ما فیه كفایة فی هذا المعنی، و لا یجری هاهنا ما سبق من الأجوبة الباطلة فی منع الدخول فی الجیش، فتوجّه الطعن علی عمر أظهر.

الطعن الثالث:

أنّه بلغ فی الجهل إلی حیث لم یعلم بأنّ كلّ نفس ذائِقَةُ الْمَوْتِ*، و أنّه یجوز الموت علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و أنّه أسوة الأنبیاء فی ذلك، فَقَالَ: وَ اللَّهِ

ص: 582


1- فی (س) : أنّه.
2- آل عمران: 159.
3- الحجّ: 11.

مَا مَاتَ حَتَّی یَقْطَعَ أَیْدِی رِجَالٍ وَ أَرْجُلَهُمْ!، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّكَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (1)، وَ قَوْلَهُ تَعَالَی: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ (2) قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ أَیْقَنْتُ بِوَفَاتِهِ، وَ سَقَطْتُ إِلَی الْأَرْضِ، وَ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ (3).

أقول: و یؤیّد ذلك ما ذكره ابن الأثیر فی النهایة (4) حیث قال: أسن الماء یأسن فهو آسن: إذا تغیّرت ریحه، و مِنْهُ حَدِیثُ الْعَبَّاسِ فِی مَوْتِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ، قَالَ لِعُمَرَ: خَلِّ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ صَاحِبِنَا، فَإِنَّهُ یَأْسَنُ كَمَا یَأْسَنُ النَّاسُ .. أَیْ یَتَغَیَّرُ (5)، وَ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ قَدْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ لَمْ یَمُتْ وَ لَكِنَّهُ صَعِقَ كَمَا صَعِقَ مُوسَی وَ مَنَعَهُمْ عَنْ دَفْنِهِ.

و أجاب عنه قاضی القضاة (6) بأنّه قَدْ رُوِیَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَیْفَ (7)

ص: 583


1- الزّمر: 30.
2- آل عمران: 144.
3- و یؤیّده ما جاء فی طبقات ابن سعد 2- 54- القسم الثّانی- [267] بسنده عن عائشة، قالت: لمّا توفّی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم استأذن عمر و المغیرة بن شعبة فدخلا علیه، فكشفا الثّوب عن وجهه، فقال عمر: وا غشیا! ما أشدّ غشی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم، ثمّ قاما فلمّا انتهیا إلی الباب قال المغیرة: یا عمر! مات و اللّٰه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله. فقال عمر: كذبت ما مات رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله .. إلی أن قال: ثمّ جاء أبو بكر- و عمر یخطب النّاس- فقال له أبو بكر: اسكت!، فسكت، فصعد أبو بكر: فحمد اللّٰه و أثنی علیه ثمّ قرأ: «إِنَّكَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ»، ثمّ قرأ: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ» ... حتّی فرغ من الآیة- إلی أن قال-: فقال عمر: هذا فی كتاب اللّٰه؟. قال: نعم .. الحدیث. و رواه بطریق آخر باختلاف فی اللّفظ. و أورده البخاریّ فی صحیحه فی باب مرض النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم و وفاته، و فیه: قال عمر: و اللّٰه ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر تلاها.
4- النهایة 1- 49- 50، و جاء بنصّه فی لسان العرب 13- 16 و 18.
5- فی (س) : یغیر.
6- المغنی 20- 9- القسم الثانی-، و نقله ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة 12- 195 فما بعدها بتفاوت یسیر، و جاء فی الشافی 4- 173- 176.
7- فی المصدر: روی عنه: كیف.

یَمُوتُ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی (1): لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ (2)، وَ قَالَ (3): وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (4) فلذلك نفی موته صلّی اللّٰه علیه و آله، لأنّه حمل الآیة علی أنّه (5) خبّر عن ذلك فی حال حیاته حتی قال له أبو بكر: إنّ اللّٰه وعد بذلك و سیفعله، و تلا علیه (6) فأیقن عند ذلك بموته، و إنّما ظنّ أنّ موته متأخّر (7) عن ذلك الوقت، لا أنّه منع من موته.

ثم قال: فإن قیل: فلم قال لأبی بكر- عند سماع الآیة-: كأنّی لم أسمعها، و وصف نفسه بأنّه أیقن بالوفاة.

قلنا: (8): لمّا كان الوجه فی ظنّه ما أزال الشبهة أبو بكر (9) فیه جاز أن یتیقّن.

ثم سأل (10) نفسه عن سبب یقینه فی ما لا یعلم إلّا بالمشاهدة، و أجاب بأنّ قرینة الحال عند سماع الخبر أفادته الیقین (11)، و لو لم یكن فی ذلك إلّا خبر أبی بكر و ادّعاؤه لذلك و الناس مجتمعون لحصل (12) الیقین.

و قوله: كأنّی لم أسمع بهذه الآیة و لم أقرأها (13) .. تنبیه علی ذهابه عن

ص: 584


1- لا توجد فی المغنی: تعالی.
2- الصّفّ: 9.
3- فی المصدر: قال تعالی.
4- النّور: 55.
5- فی المغنی: لأنّه علی أنّها. أقول: و علیه فی الكلام سقط.
6- فی المغنی: و تلا علیه ما تلا.
7- فی المصدر: یتأخّر.
8- فی المغنی: قیل له.
9- فی المصدر: - بتقدیم و تأخیر-: ما أزال أبو بكر الشبهة.
10- سؤال القاضی فی المغنی 20- 10- القسم الثانی-.
11- فی المصدر: و أجاب لأنّ الحال حال سماع الخبر، بدلا من: بأن .. الیقین.
12- فی المغنی: مجمعون یحصل.
13- فی المصدر: كأنّی لم أقرأ هذه الآیة أو لم أسمعها.

الاستدلال بها، لا أنّه علی (1) الحقیقة لم یقرأها و (2) لم یسمعها، و لا یجب فیمن ذهب عن بعض (3) أحكام الكتاب أن یكون (4) لا یعرف القرآن، لأنّ ذلك لو دلّ لوجب (5) أن لا یحفظ القرآن إلّا من یعرف جمیع أحكامه (6).

و أجاب بنحو ذلك الرازی فی نهایة العقول (7)، و بمثله أجاب صاحب المقاصد (8).

و أجاب السید رضی اللّٰه عنه فی الشافی (9) عن جواب القاضی بأنّه: لیس یخلو خلاف عمر فی وفاة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله من أن یكون علی سبیل الإنكار لموته (صلی اللّٰه علیه و آله) علی كلّ حال، و الاعتقاد لأنّ (10) الموت لا یجوز علیه (11) أو یكون منكرا لموته فی تلك الحال من حیث لم یظهر دینه علی الدین كلّه .. و ما أشبه ذلك ممّا قال صاحب الكتاب أنّها كانت شبهة فی تأخّر موته عن تلك الحال.

فإن كان الوجه الأول، فهو ممّا لا یجوز خلاف العقلاء فیه (12)، و العلم بجواز الموت علی سائر البشر لا یشكّ فیه عاقل، و العلم من دینه صلّی اللّٰه علیه و آله بأنّه

ص: 585


1- جاءت: فی، بدلا من: علی، فی المصدر.
2- فی المغنی: أو، بدلا من: الواو.
3- فی المصدر: عنه- مع الضمیر-.
4- لا توجد: یكون، فی المغنی.
5- فی مطبوع البحار: أو وجب، و الظاهر ما أثبتناه.
6- لا توجد: إلّا من یعرف جمیع أحكامه، فی المغنی.
7- نهایة العقول: مخطوط.
8- انظر: شرح المقاصد 5- 281، و قد ذكر متن المقاصد ثمّ أخذ بشرحه فی الصفحة التالیة.
9- الشافی 4- 176- 177.
10- فی المصدر: بأن، و هو الظاهر.
11- فی الشافی زیادة: علی كلّ وجه.
12- فی المصدر: فی مثله.

سیموت كما فات (1) من قبله ضروریّ، و لا (2) یحتاج فی مثل هذا إلی الآیات التی تلاها أبو بكر من قوله تعالی: إِنَّكَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (3) و ما أشبهه.

و إن كان خلافه علی الوجه الثانی، فأوّل ما فیه أنّ هذا الخلاف لا یلیق بما احتجّ به أبو بكر من قوله تعالی: إِنَّكَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (4) لأنّه لم ینكر علی هذا جواز الموت، و إنّما خالف فی تقدّمه و إن كان یجب أن یقول و أیّ (5) حجّة فی هذه الآیات علی من جوّز علیه صلّی اللّٰه علیه و آله الموت فی المستقبل و أنكره فی هذه الحال.

و بعد، فكیف دخلت الشبهة البعیدة علی عمر من بین سائر الخلق؟ و من أین زعم أنّه لا یموت حتّی یقطع أیدی رجال و أرجلهم؟ و كیف حمل معنی قوله تعالی: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ (6)، و قوله تعالی: وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِكُونَ بِی شَیْئاً (7)، علی أنّ ذلك لا یكون فی المستقبل و (8) بعد الوفاة، و كیف لم یخطر هذا إلّا لعمر وحده؟ و معلوم أنّ ضعف الشبهة إنّما یكون من ضعف الفكرة و قلّة التأمّل و البصیرة، و كیف لم یوقن بموته لمّا رأی علیه أهل الإسلام من اعتقاد موته و ما ركبهم من الحزن و الكآبة لفقده؟ و هلّا دفع بهذا الیقین ذلك التأویل البعید فلم یحتج إلی موقف و معرف، و قد كان یجب- إن كانت هذه شبهة- أن یقول فی حال مرض رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و قد رأی جزع أهله و أصحابه و خوفهم علیه الوفاة، حتی یقول أسامة بن زید- معتذرا من تباطئه عن

ص: 586


1- جاءت فی الشافی: مات، بدلا من: فات، و هو الظاهر.
2- فی المصدر: و لیس، بدلا من: و لا.
3- الزمر: 30.
4- الزمر: 30.
5- فی المصدر: و قد كان یجب أن یقول له و أیّ ..
6- الصفّ: 9.
7- النور: 55. و لم تجئ فی المصدر: یعبدوننی لا یشركون بی شیئا.
8- لا توجد الواو فی الشافی.

الخروج فی الجیش الذی كان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یكرّر و یردّد الأمر (1) بتنفیذه-: لم أكن لأسأل عنك الركب؟ ما هذا الجزع و الهلع و قد أمّنكم اللّٰه من موته .. بكذا، و من وجه .. كذا (2)، و لیس هذا من أحكام الكتاب التی یعذر من لا یعرفها- علی ما ظنّه- صاحب الكتاب، انتهی كلامه قدّس اللّٰه روحه.

و أقول (3): و أعجب من قول عمر قول من یتوجّه لتوجیه كلامه! و أیّ أمر أفحش من إنكار مثل هذا الأمر عن مثل عمر- مع اطّلاعه علی مرض النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله منذ حدث إلی أوان اشتداده، و انتهاء حاله إلی حیث انتهی- و كانت ابنته زوجة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و من ممرّضاته، و قد رجع عن جیش أسامة بعد أمر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله له بالخروج فی الخارجین (4) خوفا من أن یحضره الوفاة فینقل الأمر إلی من لا یطیب نفسه به، و كان النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله قد بیّن للناس فی مجالس عدیدة دنوّ أجله و حضور موته، و أوصی للأنصار و أمر الناس باستیفاء حقوقهم كما هو دأب من حضره الموت، كما روی مفصّلا فی صحیح البخاری (5) و صحیح مسلم (6) و صحیح الترمذی (7) و كتاب جامع الأصول (8) و كامل ابن الأثیر (9) و غیرها (10) من كتب السیر و الأخبار.

ص: 587


1- فی الشافی زیادة: حینئذ.
2- جاءت العبارة فی المصدر هكذا: من كذا و كذا من وجه كذا.
3- فی (ك) : أقول،- بلا واو-.
4- فی (س) : بالخارجین.
5- صحیح البخاریّ 5- 227 باب الوصایا و المغازی، باب مرض النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و وفاته، و كتاب فضائل القرآن باب الوصاة بكتاب اللّٰه عزّ و جلّ.
6- صحیح مسلم كتاب الوصیة باب ترك الوصیة لمن لیس له شی ء یوصی به، حدیث 1634.
7- سنن الترمذی فی الوصایا حدیث 2120.
8- جامع الأصول 11- 634، حدیث 9255 و ما بعده.
9- الكامل لابن الأثیر 2- 215- 218.
10- و جاء فی سنن النسائی 6- 240 فی الوصایا و غیرها.

وَ قَدْ رَوَی مُسْلِمٌ (1) فِی صَحِیحِهِ عَنْ زَیْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْماً فِینَا خَطِیباً بِمَاءٍ یُدْعَی خُمّاً (2)

بَیْنَ مَكَّةَ وَ الْمَدِینَةِ- فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ وَعَظَ وَ ذَكَرَ (3)، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَلَا (4) أَیُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ یُوشِكُ أَنْ یَأْتِیَنِی رَسُولُ رَبِّی فَأُجِیبَ، وَ أَنَا تَارِكٌ فِیكُمُ الثَّقَلَیْنِ، أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِیهِ الْهُدَی وَ النُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَ اسْتَمْسِكُوا بِهِ .. فَحَثَّ عَلَی كِتَابِ اللَّهِ وَ رَغَّبَ فِیهِ، ثُمَّ قَالَ: وَ أَهْلُ بَیْتِی، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِی أَهْلِ بَیْتِی .. أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِی أَهْلِ بَیْتِی .. (5).

وَ قَدْ رُوِیَ مُتَوَاتِراً مِنَ الطَّرِیقَیْنِ قَوْلُهُ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: سَتُقَاتِلُ بَعْدِیَ النَّاكِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ (6).

وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ، أَنَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: عَلِیٌّ وَلِیُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِی (7).

ص: 588


1- صحیح مسلم 4- 1873، حدیث 2408.
2- فی (س) : ضما، و لا معنی لها، لاحظ عنها معجم البلدان 2- 389- 390، و مراصد الاطّلاع 1- 482.
3- فی (س) : و ذكرتم، بدل: و ذكر.
4- وضع فی (ك) رمز نسخة بدل علی: ألا.
5- و قریب منه ما رواه التّرمذیّ فی سننه كتاب العلم باب 16 برقم 2678، و كتاب المناقب باب 77 برقم 3790 بعدّة طرق، و أبو داود فی سننه، كتاب السّنّة باب لزوم السّنّة برقم 4607، و أحمد فی مسنده 4- 126- 127، و ابن ماجة فی المقدّمة: 42.
6- نذكر جملة من المصادر- مثالا هنا- لكون الحدیث متواترا عند الفریقین، فقد أخرجه الحاكم فی المستدرك 3- 139- 140، و الكنجیّ فی الكفایة: 70، و الخطیب فی تاریخ بغداد 8- 340 و 13- 186- 187، و جاء فی جمع الجوامع- كما فی التّرتیب- 6- 392، و مناقب الخوارزمیّ: 52 و 58، و كنز العمّال 6- 72، 88، 154، 155، و الاستیعاب 3- 53، و تاریخ ابن كثیر 7- 306، و تاریخ ابن عساكر 5- 41. و لا یختلف اثنان من الخاصّة فی صحّة الحدیث و تواتره و لا حاجة لذكر مصادره.
7- جامع الأصول 8- 652، حدیث 6492. و أخرجه التّرمذیّ فی المناقب برقم 3713.

وَ قَدْ رَوَوْا فِی الْمُفْتَرَیَاتِ: اقْتَدُوا بِاللَّذَیْنِ مِنْ بَعْدِی أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ (1).

و قد كان كثیر ممّا ذكر ممّا (2) خطب به صلّی اللّٰه علیه و آله علی رءوس الأشهاد، فهل یجوّز عاقل أن لا یقرع شی ء من ذلك سمع عمر- مع شدّة ملازمته للرسول صلّی اللّٰه علیه و آله- و من شكّ فی مثل ذلك هل یجوّز من شمّ رائحة من العقل أن یفوّض إلیه أمر بهیمة فضلا عن أن یفوّض إلیه أمر جمیع المسلمین، و یرجع إلیه فی جمیع أحكام الدین.

و أمّا اعتذار ابن أبی الحدید (3) بأنّه لم ینكر ذلك عمر (4) علی وجه الاعتقاد، بل علی الاستصلاح، و للخوف من ثوران الفتنة قبل مجی ء أبی بكر، فلمّا جاء أبو بكر قوی به جأشه (5)فسكت عن هذا (6) الدعوی، لأنّه قد أمن بحضوره من خطب یحدث أو فساد یتجدّد.

فیرد علیه:

أوّلا: أنّه لو كان إنكاره ذلك إیقاعا للشبهة فی قلوب الناس حتّی یحضر أبو بكر لسكت عن دعواه عند حضوره.

و قد روی ابن الأثیر فی الكامل (7) أنّ أبا بكر أمره بالسكوت فأبی، و أقبل أبو بكر علی الناس، فلمّا سمع الناس كلامه أقبلوا علیه و تركوا عمر.

و ثانیا: أنّه لو كان الأمر كما ذكر لاقتصر علی إنكار واحد بعد حضور أبی

ص: 589


1- یراجع الموضوعات لابن الجوزیّ و غیره. و ناقشه شیخنا المفید طاب ثراه فی الإفصاح المطبوع مع عدّة رسائل: 138- 142، سندا و دلالة، و لعلّه أقل و أحقر من هذا الاهتمام.
2- لا توجد فی (س) : ذكر ممّا.
3- فی شرحه علی نهج البلاغة 2- 42- 43، و هو نقل بالمعنی.
4- فی (س) : عمر ذلك- بتقدیم و تأخیر-.
5- قال فی القاموس 2- 264: الجأش: رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع، و نفس الإنسان .. و جاش إلیه- كمنع-: أقبل، و نفسه: ارتفعت من حزن أو فزع.
6- كذا، و الظاهر: هذه.
7- الكامل 2- 324 [2- 219- بیروت-].

بكر، و قد اعترف ابن أبی الحدید (1) بتكرّر الإنكار بعد الحضور أیضا.

و ثالثا: أَنَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (2): رَوَی جَمِیعُ أَرْبَابِ السِّیرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمَّا تُوُفِّیَ كَانَ (3) أَبُو بَكْرٍ فِی مَنْزِلِهِ بِالسُّنُحِ (4)، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ لَا یَمُوتُ حَتَّی یَظْهَرَ دِینُهُ عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ، وَ لَیَرْجِعَنَّ فَلَیُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَ رِجَالٍ وَ أَرْجُلَهُمْ مِمَّنْ أَرْجَفَ (5) بِمَوْتِهِ، وَ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا یَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) إِلَّا ضَرَبْتُهُ بِسَیْفِی، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَ كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ قَالَ: بِأَبِی وَ أُمِّی طِبْتَ حَیّاً وَ مَیِّتاً، وَ اللَّهِ لَا یُذِیقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَیْنِ أَبَداً، ثُمَّ خَرَجَ وَ النَّاسُ حَوْلَ عُمَرَ وَ هُوَ یَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ لَمْ یَمُتْ، وَ یَحْلِفُ، فَقَالَ لَهُ: أَیُّهَا الْحَالِفُ! عَلَی رِسْلِكَ (6)، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ یَعْبُدُ مُحَمَّداً فَإِنَّ مُحَمَّداً قَدْ مَاتَ، وَ مَنْ كَانَ یَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَیٌّ لَا یَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَی:

إِنَّكَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (7)، وَ قَالَ: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ (8)، قَالَ عُمَرُ: فَوَ اللَّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِی حَیْثُ سَمِعْتُهَا أَنْ سَقَطْتُ إِلَی الْأَرْضِ، وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ مَاتَ (9).

ص: 590


1- فی شرحه علی النهج 2- 40.
2- شرح النّهج لابن أبی الحدید 2- 40- 41.
3- فی (س) : كان تؤتی كان.
4- جاء فی حاشیة (ك) : قال الجزری: و فی حدیث أبی بكر كان منزله بالسنح- هی بضمّ السّین و النّون، و قیل بسكونها-: موضع بعوالی المدینة فیه منازل بنی الحرث من الخزرج. (منه رحمه اللّٰه) . انظر: النّهایة 2- 407 و فیها: الحارث بن الخزرج. و لاحظ القاموس 1- 229.
5- قال فی القاموس 3- 142 و 143: أرجف القوم: تهیّئوا للحرب، و الرّعد: ترددت هدهدته فی السّحاب.
6- علی رسلك یقال لمن یتأنّی و یعمل الشّی ء علی هنیئة، قاله فی لسان العرب 11- 382، و غیره.
7- الزّمر: 30.
8- آل عمران: 144.
9- كما صرّح بذلك ابن أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغة 2- 40- 41، و قریب منه فی صفحة: «43»-من نفس المجلّد.

وَ قَدْ رَوَی الْبُخَارِیُّ (1) فِی صَحِیحِهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] مَاتَ وَ أَبُو بَكْرٍ بِالسُّنُحِ، قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِیلُ: تَعْنِی بِالْعَالِیَةِ، فَقَامَ عُمَرُ یَقُولُ: وَ اللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) . قَالَتْ: وَ قَالَ عُمَرُ: وَ اللَّهِ مَا كَانَ یَقَعُ فِی نَفْسِی إِلَّا ذَاكَ، وَ لَیَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَیُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَ رِجَالٍ وَ أَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ (2) رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) فَقَبَّلَهُ، وَ قَالَ: بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی طِبْتَ حَیّاً وَ مَیِّتاً، وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَا یُذِیقُكَ (3) اللَّهُ الْمَوْتَتَیْنِ أَبَداً، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَیُّهَا الْحَالِفُ! عَلَی رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ، وَ قَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ یَعْبُدُ مُحَمَّداً ... الْخَبَرَ (4).

فقوله: فی روایة عائشة: و اللّٰه ما كان یقع فی نفسی إلّا ذاك .. صریح فی نفی ما (5) ذكره، إذ ظاهر أنّه حكایة كلام عمر بعد تلك الواقعة مؤكّدا بالحلف علیه، بل لا یرتاب ذو فطنة فی أنّ قوله: فو اللّٰه ما ملكت نفسی حیث سمعتها أن سقطت إلی الأرض و علمت أنّ رسول اللّٰه قد مات .. ممّا قاله عمر بعد ذلك الیوم و حكایة لما جری فیه، فلو كان للمصلحة لا علی وجه الاعتقاد لبیّن (6) ذلك للناس بعد مجی ء أبی بكر، أو بعد ذلك الیوم و زوال الخوف، و لم ینقل أحد من نقلة الأخبار ذلك، بل رووا ما یدلّ علی خلافه.

قَالَ الْمُفِیدُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِی الْمَجَالِسِ (7): رُوِیَ عَنْ (8) مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،

ص: 591


1- صحیح البخاریّ 7- 22- 23 فی فضائل أصحاب النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) ، و فی الجنائز باب الدّخول علی المیّت بعد الموت إذا أدرج فی كفنه، و فی كتاب المغازی باب مرض النّبی (صلی اللّٰه علیه و آله) .
2- لا یوجد فی الجامع: وجه.
3- فی نسخة جاءت فی جامع الأصول: لأیذیقنك.
4- و أورده فی جامع الأصول 4- 85- 87، حدیث 2074.
5- لا توجد: ما، فی (س) .
6- فی (س) : تبیّن.
7- كتاب العیون و المحاسن للشّیخ المفید: 195- 196.
8- لا توجد فی (س) : عن.

عَنِ الزُّهْرِیِّ (1)، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمَّا بُویِعَ أَبُو بَكْرٍ فِی السَّقِیفَةِ- وَ كَانَ الْغَدُ- جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَی الْمِنْبَرِ، فَقَامَ عُمَرُ فَتَكَلَّمَ (2) قَبْلَ أَبِی بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ (3) وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ: یَا أَیُّهَا النَّاسُ! إِنِّی (4) كُنْتُ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ إِلَّا عَنْ رَأْیٍ، وَ مَا وَجَدْتُهَا فِی كِتَابِ اللَّهِ، وَ لَا كَانَتْ لِعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ لَكِنْ قَدْ كُنْتُ أَرَی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مُسْتَدْبِرُ (5) أَمْرِنَا حَتَّی یَكُونَ آخِرَنَا مَوْتاً.

قَالَ: وَ رَوَی عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَمْشِی مَعَ عُمَرَ فِی خِلَافَتِهِ وَ (6) مَا مَعَهُ غَیْرِی، وَ هُوَ یُحَدِّثُ نَفْسَهُ وَ یَضْرِبُ قَدَمَیْهِ بِدِرَّتِهِ إِذِ الْتَفَتَ إِلَیَّ، فَقَالَ: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! هَلْ تَدْرِی مَا حَمَلَنِی عَلَی مَقَالَتِیَ الَّتِی قُلْتُ حِینَ تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟. قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِی، أَنْتَ أَعْلَمُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، قَالَ:

فَإِنَّهُ وَ اللَّهِ مَا حَمَلَنِی عَلَی ذَلِكَ إِلَّا أَنِّی (7) كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ الْآیَةَ: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ وَ یَكُونَ الرَّسُولُ عَلَیْكُمْ شَهِیداً (8)، فَكُنْتُ (9) أَظُنُّ أَنَّهُ سَیَبْقَی بَعْدَ أُمَّتِهِ حَتَّی یَشْهَدَ عَلَیْهَا بِآخِرِ (10) أَعْمَالِهَا، فَإِنَّهُ الَّذِی حَمَلَنِی عَلَی أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ.

و الظاهر أنّه جعل المخاطب بقوله تعالی: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً .. (11)

ص: 592


1- قد تقرأ فی (س) : الزهیری، و هو غلط.
2- فی المصدر زیادة: من، قبل: قبل.
3- لا توجد: عزّ و جلّ فی (ك) و لا المصدر.
4- فی العیون: قد كنت، بدلا من: إنّی كنت.
5- فی المصدر: سیدبر.
6- لا توجد الواو فی المصدر.
7- فی المصدر: أنّنی.
8- البقرة: 143.
9- فی المصدر: و كنت.
10- فی العیون: تأخّر.
11- البقرة: 143.

جمیع الأمّة، فیلزم علی ما فهم من دلالة الشهادة علی البقاء و تأخّر الموت أن یعتقد تأخّر موت كلّ واحد من الأمّة عن الناس، فكان علیه أن لا یذعن بموت أحد من الأمّة، و لو سامحنا فی كون المراد بعض الأمّة لانهدم أساس إنكاره، إذ لا شكّ فی تأخّر موته صلّی اللّٰه علیه و آله عن بعض أمّته، و أنّه قد مات قبله كثیر من أمّته، و لو كان المراد ب (البعض) الصحابة لزمه أن لا یذعن بموت أحد منهم، و لم یتعینّ ذلك البعض بوجه آخر حتی یزعم تأخّر موته صلّی اللّٰه علیه و آله عنهم.

و بالجملة، سوء الفهم و سخافة الرأی فی مثل هذا الاستنباط ممّا لا یریب فیه عاقل، و الظاهر أنّ هذا الاعتلال ممّا تفطّن به بعد حال الإنكار فدفع به بزعمه شناعة إنكاره.

ثم إنّه أجاب شارح المقاصد (1) بوجه آخر، و هو: أنّ ذلك الاشتباه كان لتشوّش البال، و اضطراب الحال، و الذهول عن جلیّات الأحوال.

و حكی شارح كشف الحقّ (2) عن بعضهم أنّه قال: كان هذا الحال من غلبة المحبّة، و شدّة المصیبة، و إنّ قلبه كان لا یأذن له أن یحكم بموت النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله .. و هذا أمر كان قد عمّ جمیع المؤمنین بعد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله حتّی جنّ بعضهم، و أغمی علی بعضهم من كثرة الهمّ، و اختبل بعضهم، فغلب عمر شدّة حال المصیبة، فخرج عن حال العلم و المعرفة و تكلّم بعدم موته و أنّه ذهب إلی مناجاة ربّه .. و أمثال هذا لا یكون طعنا.

و یرد علیه أنّه من الضروریات العادیة أنّ من عظمت علیه المصیبة و جلّت الرزیّة بفقد حبیبه حتی اشتبهت علیه الأمور الضروریّة لا یترك تجهیزه و تكفینه و الصلاة علیه و دفنه، و لا یسرع إلی السقیفة لعقد البیعة و الطمع فی الخلافة

ص: 593


1- شرح المقاصد 5- 282.
2- المراد به: الفضل بن روزبهان المعروف بخواجه مولانا، و خواجة الخنجی، و كتابه هو: إبطال المنهج الباطل فی الردّ علی ابن المطهّر الحلّی، و لا نعرف له نسخة خطیّة أو مطبوعة، سوی ما جاء فی إحقاق الحقّ، و لم نجد هذه العبارة هناك.

و الإمارة؟! و لم لم یتكلّم فی ذلك المجلس من شدّة الحزن و الوجد ما ینافی غرضه و لا یلائم فی (1) تدبیره المیشوم، و لم یأت فی أمر الرئاسة و غصب الخلافة بهجر و لا هذیان، و لم یتخلّل من الزمان ما یسع (2) لاندمال الجرح و نسیان المصیبة؟ و كیف لم یأذن قلبه فی الحكم بموته صلّی اللّٰه علیه و آله مع أنّه لم یضق صدره بأن یقول فی وجهه الكریم: إنّه لیهجر، و یمنعه من إحضار ما طلب، و یقول: حسبنا كتاب اللّٰه، الذی هو فی قوّة قوله: لا حاجة لنا بعد موتك إلی كتاب تكتبه لنا!! و من بلغ به الحبّ إلی حیث یخرجه من حدّ العقل لا یجبه حبیبه بمثل هذا القول الشنیع، و لا یرفع صوته فی الردّ علیه، و منازعة المنازعین من حدّ العقل (3) إلی حدّ یخرجه الحبیب و إیّاهم عن البیت و یقول: اعزبوا عنّی و لا ینبغی التنازع عندی (4)، و لا ینكر ذلك إلّا متعنّت لم یشم رائحة الإنصاف، و ما ذكره من جنون بعض الصحابة، و إغماء بعضهم، و خبل الآخرین فشی ء لم نسمعه إلی الآن، نعم، لو عدّ ما أتوا به من ترك جسده المطهّر و المسارعة إلی السقیفة طمعا فی الرئاسة و شوقا إلی الإمارة من فنون الجنون و ضروب الخبل لكان له وجه.

الطعن الرابع: أنّه حرّم المتعتین، متعة الحجّ و متعة النساء.

«2»-لرابع: أنّه حرّم (5) المتعتین، متعة الحجّ و متعة النساء.

و لم یكن له أن یشرّع فی الأحكام و ینسخ ما أمر به سیّد الأنام صلّی اللّٰه علیه و آله، و یجعل اتّباع نفسه أولی من اتّباع من لا ینطق عن الهوی، و تفصیل القول

ص: 594


1- لا توجد فی (س) : فی.
2- فی (س) : لا یسع.
3- من حدّ العقل، لا توجد فی (س) .
4- ما فی (س) تقرأ: الشارع عنی. و لا معنی لها.
5- فی (س) : حرمة.

فی ذلك (1): أنّ متعة النساء (2) لا خلاف بین الأمّة قاطبة فی أصل شرعیّتها و إن اختلفوا فی نسخها و دوام حكمها (3)، و فیها نزلت قوله تعالی: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً (4) علی أكثر التفاسیر و أصّحها (5).

ص: 595


1- أقول: لا حاجة لبسط القول فی المتعة بعد ما أغرق البحث فیها محقّقو أصحابنا و لا سیّما الأواخر منهم نظیر: سیّدنا السیّد عبد الحسین شرف الدین، و سیّدنا السیّد المحسن الأمین، و شیخنا الشیخ محمّد الحسین كاشف الغطاء، و أفرد فیها الأستاذ توفیق الفكیكی كتابا و غیرهم، و سبقهم شیخنا المفید فی عدّة رسائل، و كذا سیّدنا المرتضی و غیرهم من أعلامنا طاب ثراهم. و قد أدّوا فیها حقّ المقال. و انظر الغدیر 6- 228 و ما بعدها و غیرها.
2- متعة النساء، أو النكاح، أو الزواج الموقّت باختصار هو عقد مؤجّل بوقت معیّن بمهر معیّن بشرائط قرّرتها الشریعة الإسلامیّة.
3- قد عدّ شیخنا الأمینی فی غدیره 6- 220- 222: أكثر من عشرین مجوّزا من الصحابة و التابعین، و فی 3- 333: قالوا بالإباحة مع وقوفهم علی نهی عمر. و ذكر القرطبیّ فی تفسیره 5- 133، و ابن حجر فی فتح الباری 9- 142، و غیرها: أنّ أهل مكّة و الیمن كلّهم یرون المتعة حلالا.
4- النساء: 24.
5- نذكر جملة من تفاسیر العامّة التی ذكر فیها نزول هذه الآیة فی المتعة، منها: تفسیر أبی حیّان 3- 218 عن جمع من الصحابة و التابعین، و تفسیر الطبریّ 5- 9 عن ابن عبّاس و أبی بن كعب و الحكم و سعید بن جبیر و مجاهد و قتادة و شعبة و أبی ثابت، و تفسیر البغوی 1- 423 عن جمع، و تفسیر الزمخشری 1- 360، و تفسیر القرطبیّ 5- 130 و فیه: قال الجمهور: إنّها فی المتعة، و أحكام القرآن للجصاص 2- 178 حكاه عن عدّة، و أحكام القرآن للقاضی 1- 162 رواه عن جمع، و تفسیر الخازن 1- 357 عن قوم، و تفسیر البیضاوی 1- 269، و تفسیر ابن كثیر 1- 474 عن جمع من الصحابة و التابعین، و تفسیر السیوطی 2- 140 رواه عن جمع من الصحابة و التابعین بطریق الطبرانی و عبد الرزاق و البیهقیّ و ابن جریر و عبد بن حمید و أبی داود و ابن الأنباری [الدرّ المنثور 2- 246- 247]، و تفسیر أبی السعود 3- 251. و نذكر جملة من مصادرهم غیر التفاسیر مثالا: شرح صحیح مسلم للنووی 9- 181، و الجامع الكبیر للسیوطی 8- 293 و 295، و مسند أحمد بن حنبل 3- 356، و 4- 436، و الموطأ لمالك 2- 30، و الفائق للزمخشری 1- 331، و تاریخ ابن خلّكان 1- 359، و المحاضرات للراغب الأصفهانی 2- 94، و فتح الباری لابن حجر 9- 141، و تاریخ الخلفاء للسیوطی: 93. و أورد جملة أخری منها العلّامة المجلسی (ره) فی المتن. و فی هذا كفایة لمن ألقی التعصّب وراء ظهره و نصب الإنصاف بین عینیه و ألقی السمع و هو شهید.

و قد أجمع أهل البیت علیهم السلام علی دوام شرعیّتها، كما ورد فی الأخبار المتواترة (1).

و قال الفخر الرازی فی التفسیر (2): اتّفقت الأمّة علی أنّها كانت مباحة فی ابتداء الإسلام، قال.:

وَ (3) رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ فِی عُمْرَتِهِ تَزَیَّنَ نِسَاءُ مَكَّةَ، فَشَكَا أَصْحَابُ الرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ طُولَ الْعُزْبَةِ، فَقَالَ: اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ (4).

و قد صرّح بهذا الاتّفاق كثیر من فقهاء الإسلام.

وَ رَوَی مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ (5)، وَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (6)، عَنْ قَیْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ (7) یَقُولُ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]

ص: 596


1- انظر: الكافی 2- 44، التهذیب 2- 189، الاستبصار 2- 29، من لا یحضره الفقیه 3- 149، الخصال 1- 75، 106، 396، الاحتجاج 2- 306، 311، قرب الإسناد: 21، 77، 109، 110، 159، 160، 161، تحف العقول: 355، معانی الأخبار: 225، فقه الرضا (علیه السلام) : «30»- المحاسن: 330، السرائر: 483، تفسیر علیّ بن إبراهیم 1- 136، 2- 207، تفسیر العیّاشیّ 1- 233 و 234، المقنع للصدوق و الهدایة، و الانتصار للسیّد المرتضی، و المراسم لابن یعلی سلّار الدیلمیّ، و المبسوط و النهایة للشیخ الطوسیّ، و التحریر للعلّامة الحلّی 2- 27، و شرح اللمعة الدمشقیة 2- 82- حجریّة-، و الحدائق الناضرة 6- 152، و جواهر الكلام 5- 165، و رسالة المتعة للشیخ المفید- قدّس سرّه-، و غیرها كثیر.
2- تفسیر الفخر الرازیّ 10- 49 [3- 200]، و فیه: اتّفقوا، بدلا من: اتّفقت الأمّة.
3- لا توجد فی المصدر: قال و.
4- و قد ذكر فیه روایتین عن ابن عبّاس و عمران بحلّیّة المتعة، فراجع.
5- صحیح مسلم كتاب النّكاح باب نكاح المتعة برقم 1404 بطرق عدیدة، و أورده البخاری فی صحیحه 8- 207 فی تفسیر سورة المائدة، و فی النّكاح باب تزویج المعسر الّذی معه القرآن و الإسلام، و باب ما یكره من التّبتّل و الخصاء.
6- جامع الأصول 10- 444 حدیث 8986.
7- فی المصدرین: عبد اللّٰه بن مسعود.

لَیْسَ لَنَا (1) نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَ لَا نَسْتَخْصِی (2)؟! فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ (3)، فَكَانَ أَحَدُنَا یَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَی أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَیِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ (4).

و قد روی هذا الخبر فی المشكاة (5) و عدّه من المتّفق علیه.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (6) وَ مُسْلِمٌ (7) فِی صحیحهما [صَحِیحَیْهِمَا]، وَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (8)، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَ عَنْ جَابِرٍ (9)، قَالا: خَرَجَ (10) عَلَیْنَا مُنَادِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا (11) فَاسْتَمْتِعُوا .. یَعْنِی مُتْعَةَ النِّسَاءِ.

وَ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] أَتَانَا فَأَذِنَ لَنَا فِی الْمُتْعَةِ.

ص: 597


1- جاءت: معنا، بدلا من: لنا، فی المصدرین.
2- فی مطبوع البحار: أ لا نستحضی. و فی جامع الأصول: لا نختصی. قال فی الصّحاح 6- 2328: و خصیت الفحل خصاء- ممدودا-: إذا سللت خصیته. و كذا فی القاموس المحیط 4- 324، و مجمع البحرین 1- 124.
3- الكلمة مشوشة فی المطبوع من البحار.
4- المائدة: 87. و رواه فی مسند أحمد بن حنبل 1- 420، و بطریق آخر فی صفحة: 432، و سنن البیهقیّ باب نكاح المتعة المجلّد السّابع بأربع طرق، و شرح معانی الآثار كتاب النّكاح باب نكاح المتعة، و مسند الشّافی: 94 قال: ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة إلی أجل بالمسمی. و انظر صفحة: 216 أیضا.
5- مشكاة المصابیح: 3- 273.
6- صحیح البخاریّ 9- 148 و 149 فی النّكاح باب نهی النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) عن نكاح المتعة!!.
7- صحیح مسلم كتاب النّكاح باب نكاح المتعة برقم 1405 بطریقین.
8- جامع الأصول 11- 445 حدیث 8988. و رواه أحمد بن حنبل فی مسنده 4- 47 و 51. و جاء فی شرح معانی الآثار للطحاوی كتاب النّكاح، باب نكاح المتعة باختلاف فی اللّفظ.
9- فی المصادر: جابر بن عبد اللّٰه.
10- فی المصدر: كنّا فی جیش فخرج.
11- فی (ك) : تتمتّعوا، و لا توجد فی المصادر: فاستمتعوا.

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (1) فِی صَحِیحِهِ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُعْتَمِراً فَجِئْنَاهُ فِی مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْیَاءَ ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ اسْتَمْتَعْنَا عَلَی عَهْدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ (2).

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (3)

أَیْضاً- وَ ذَكَرَهُ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (4)، عَنْ أَبِی الزُّبَیْرِ، قَالَ:

سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ یَقُولُ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَ الدَّقِیقِ الْأَیَّامَ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ (5) حَتَّی نَهَی عَنْهُ عُمَرُ فِی شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَیْثٍ (6).

وَ عَنْ أَبِی نَضْرَةَ (7) قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَ ابْنَ الزُّبَیْرِ اخْتَلَفَا فِی الْمُتْعَتَیْنِ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی

ص: 598


1- صحیح مسلم 1- 395.
2- و أورده أبو داود فی مسنده المجلّد السّادس عشر باب الصّداق مختصرا، و رواه أحمد فی مسنده 3- 380، و ذكره المتّقی فی كنز العمّال 8- 294. و قال: أخرجه عبد الرّزّاق، و قریب منه ما جاء فی مسند أحمد بن حنبل 3- 304 عن جابر، و فی آخره: حتّی نهانا عمر.
3- صحیح مسلم 1- 395 كتاب النّكاح باب نكاح المتعة حدیث 1405.
4- جامع الأصول 11- 451 حدیث 8993.
5- لا توجد: و عمر، فی جامع الأصول.
6- و رواه البیهقیّ فی سننه المجلّد السّابع باب ما یجوز أن یكون مهرا بطریقین، و ذكره العسقلانیّ فی تهذیب التّهذیب 10- 371، و المتّقی الهندیّ فی كنز العمّال 8- 294، و قال فی آخره: و كنّا نعتدّ من المستمتع منهنّ بحیضة، قال: أخرجه عبد الرّزّاق. و جاء عن أبی سعید الخدریّ- كما فی مسند أحمد بن حنبل 3- 22- أنّه قال: كنّا نتمتّع علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم بالثّوب. و قریب منه ما أخرجه الطّبریّ عن جابر كما فی كنز العمّال 8- 293، و انظر: عمدة القارئ للعینی 8- 310، و بدایة المجتهد 2- 58، و غیرها.
7- صحیح مسلم 1- 395 كتاب الحجّ باب التّقصیر فی العمرة، و انظر: مسند أحمد بن حنبل 1- 52 و 3- 325 و 356، 363 قد رواه بطرق، و سنن البیهقیّ 7- 206، و شرح معانی الآثار للطحاوی كتاب المناسك: 401، و كنز العمّال 5- 21 و 8- 293- 294 قال: أخرجه ابن جریر، و أحكام القرآن للجصاص 2- 178، و تفسیر الرّازیّ 3- 26، و الدّرّ المنثور 1- 216، و مسند الطّیالسیّ: 247.

اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، ثُمَّ نَهَانَا عُمَرُ عَنْهُمَا فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا (1).

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (2)، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِی نَضْرَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ یَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ وَ كَانَ ابْنُ الزُّبَیْرِ یَنْهَی عَنْهَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ:

عَلَی یَدَیَّ دَارَ الْحَدِیثُ، تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ یُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَ إِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اثبوا [أَبِتُّوا] نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ أُوتَی بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَی أَجَلٍ إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ (3).

ص: 599


1- و یؤیّده ما ذكره الطّحاویّ فی شرح معانی الآثار فی كتاب النّكاح باب نكاح المتعة عن سعید بن جبیر، قال: سمعت عبد اللّٰه بن الزّبیر یخطب- و هو یعرّض بابن عبّاس یعیب علیه قوله فی المتعة-، فقال ابن عبّاس: یسأل أمّه إن كان صادقا. فسألها، فقالت: صدق ابن عبّاس قد كان ذلك. فقال ابن عبّاس: لو شئت لسمّیت رجالا من قریش ولدوا فیها (یعنی فی المتعة) . و قریب منه ما فی محاضرات الرّاغب 2- 94، و كتاب العلم لابن عمر 2- 196، و مختصره: 226. و قال ابن عبد البرّ فی العقد الفرید 2- 139: قال ابن عبّاس: أوّل مجمر سطع فی المتعة مجمر آل الزّبیر. و یقرب منه ما جاء فی صحیح مسلم أیضا 1- 354 بطریقین عن مسلم القری و عبد الرّحمن، و روی فی مسند أبی داود الطّیالسیّ: 227 عن مسلم القری، قال: دخلنا علی أسماء بنت أبی بكر، فسألناها عن متعة النّساء؟. فقالت: فعلناها علی عهد النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) . و ما رواه ابن جریر- علی ما ذكره المتّقی الهندیّ فی كنز العمّال 8- 293 و 294، و ما أورده ابن حجر العسقلانیّ فی الإصابة 3- القسم الأوّل-: 114 و 133، 8- القسم الأوّل-: 133، و لاحظ: مسند الشّافعیّ: 132-. و روی ابن القیّم فی زاد المعاد 1- 219، عن أیّوب، قال عروة لابن عبّاس: أ لا تتّقی اللّٰه! ترخّص فی المتعة؟. فقال ابن عبّاس: سل أمّك یا عریة؟. فقال عروة: أمّا أبو بكر و عمر فلم یفعلا. فقال ابن عبّاس: و اللّٰه ما أراكم منتهین حتّی یعذبكم اللّٰه، نحدّثكم عن النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) و تحدّثون عن أبی بكر و عمر!.
2- صحیح مسلم 1- 467 كتاب النّكاح، باب نكاح المتعة.
3- نقله البیهقیّ فی سننه 7- 206، فقال: أخرجه مسلم فی الصّحیح من وجه آخر عن همّام، و فیه: عن عبد اللّٰه بن عمر أنّه سئل عن متعة النّساء، فقال: حرام، أما إنّ عمر بن الخطّاب لو أخذ فیها أحدا لرجمه بالحجارة. و فی مسند أبی داود الطّیالسیّ: 247، عن جابر بن عبد اللّٰه، قال: قال عمر: فلا أوتی برجل تزوّج امرأة إلی أجل إلّا رجمته. تجد قوله برجم المستمتع فی المصادر التالیة: سنن البیهقیّ 5- 21، كنز العمّال 8- 293، أحكام القرآن للجصاص 1- 342 و 345، و 2- 178، تفسیر الرّازیّ 3- 26، الدّر المنثور 1- 216، و غیرها. قال الأمینی- رحمه اللّٰه- فی غدیره: 6- 211: لمّا لم یكن رجم المتمتّع بالنّساء مشروعا و لم یحكم به فقهاء القوم لشبهة العقد هناك. قال الجصّاص بعد ذكر الحدیث: فذكر عمر الرّجم فی المتعة جائز أن یكون علی جهة الوعید و التّهدید لینزجر النّاس عنها. فتدبّر و تبصّر.

وَ رَوَی التِّرْمِذِیُّ فِی صَحِیحِهِ (1)

عَلَی مَا حَكَاهُ الشَّهِیدُ الثَّانِی (2)، وَ الْعَلَّامَةُ (3) رَحِمَهُمَا اللَّهُ- أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ؟. فَقَالَ:

هِیَ حَلَالٌ. فَقَالَ: إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَی عَنْهَا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَ رَأَیْتَ إِنْ كَانَ أَبِی نَهَی عَنْهَا، وَضَعَهَا (4) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، أَ نَتْرُكُ السُّنَّةَ وَ نَتَّبِعُ قَوْلَ أَبِی؟! (5).

وَ رَوَی شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَیْبَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآیَةِ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ... (6) أَ مَنْسُوخَةٌ هِیَ؟. فَقَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ الْحَكَمُ: قَالَ عَلِیُ

ص: 600


1- صحیح التّرمذیّ 3- 184 [1- 175] و لكنّ اللّفظ فیه: متعة الحجّ. و جاء فی زاد المعاد لابن القیّم 1- 194، و فی هامش شرح المواهب للزرقانی 2- 252.
2- الرّوضة البهیة فی شرح اللّمعة الدّمشقیّة 5- 283.
3- كشف الحقّ (نهج الحقّ و كشف الصّدق) : 283.
4- كذا، و فی المصادر: سنّها، و فی نسخة: صنعها.
5- جاء بنصه فی مسند أحمد بن حنبل بطرق صحیحة عندهم 2- 95 و 104، و 4- 436. و قد روی مثله فی تفسیر القرطبیّ 2- 365 نقلا عن الدّارقطنی. و جاء قول ابن عمر بعبارات مختلفة فی موارد متعدّدة، منها ما ذكره البیهقیّ فی سننه 5- 21: أ فكتاب اللّٰه عزّ و جلّ أحقّ أن یتّبع أم عمر. و جاء فیه أیضا: أ فرسول اللّٰه أحقّ أن تتّبعوا سننه أم عمر. نقله فی مجمع الزّوائد 1- 185 أیضا. قال الرّاغب الأصفهانیّ فی محاضراته 2- 94: قال یحیی بن أكثم لشیخ بالبصرة: بمن اقتدیت فی جواز المتعة؟. قال: بعمر بن الخطّاب. قال: كیف و عمر كان أشدّ النّاس فیها؟. قال: لأنّ الخبر الصّحیح أنّه صعد المنبر، فقال: إنّ اللّٰه و رسوله قد أحلّا لكم متعتین، و إنّی محرّمهما علیكم و أعاقب علیهما، فقبلنا شهادته و لم نقبل تحریمه. و انظر: مسند أحمد بن حنبل 2- 95، و لاحظ تكرار السّؤال عن ابن عمر فی متعة النّساء و متعة الحجّ و جوابه فیهما.
6- النّساء: 24.

بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَوْ لَا أَنَّ عُمَرَ نَهَی عَنِ الْمُتْعَةِ مَا زَنَی إِلَّا شَفًا (1)..

وَ قَالَ ابْنُ الْأَثِیرِ فِی النِّهَایَةِ (2): فِی حَدِیثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلَّا رَحْمَةً رَحِمَ اللَّهُ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ لَوْ لَا نَهْیُهُ عَنْهَا مَا احْتَاجَ إِلَی الزِّنَا إِلَّا شَفًا».

أی إلّا قلیل من النّاس، من قولهم: غابت الشّمس إلّا شفا .. أی إلّا قلیلا من ضوئها عند غروبها. قال (3): و قال الأزهری: قوله: إلّا شفا .. أی إلّا أن یشفی، یعنی یشرف علی الزّنا و لا یواقعه، فأقام الاسم (4) مقام المصدر الحقیقی، و هو الإشفاء علی الشّی ء، و حرف كلّ شی ء شفاه.

وَ حَكَی الْفَخْرُ الرَّازِیُّ (5) فِی تَفْسِیرِ آیَةِ الْمُتْعَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِیرٍ الطَّبَرِیِّ (6)، قَالَ: قَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَوْ لَا أَنَّ عُمَرَ نَهَی عَنِ الْمُتْعَةِ مَا زَنَی إِلَّا شَقِیٌّ (7).

ص: 601


1- و أورده الطّبریّ فی التّفسیر 5- 9 بإسناد صحیح، و الثّعلبیّ و الرّازیّ فی التّفسیر 10- 50 [3- 200] شطرا منه، و تفسیر أبی حیّان 3- 218، و تفسیر النّیشابوریّ، و الدّر المنثور 2- 140 بعدّة طرق، و فی الكلّ: ما زنی إلّا شقیّ. و قریب منه ورد عن ابن عبّاس، كما فی أحكام القرآن للجصاص 2- 179، و بدایة المجتهد لابن رشد 2- 58، و الفائق للزّمخشریّ 1- 331، و تفسیر القرطبیّ 5- 130 و فیه: إلّا شقیّ، و كذا فی الدّرّ المنثور 2- 140، و لسان العرب لابن منظور 19- 166، و تاج العروس 10- 200، و غیرها.
2- النّهایة 2- 488- 489.
3- أی ابن الأثیر.
4- فی المصدر زیادة: و هو الشفی.
5- تفسیر الفخر الرّازیّ 10- 49 [3- 200].
6- فی تفسیره: 5- 9.
7- و قریب منه ما رواه الطّحاویّ فی شرح معانی الآثار كتاب النّكاح، باب نكاح المتعة، عن عطا، عن ابن عبّاس. و قد جاء بصور مختلفة عن غیر واحد و بطرق عدیدة فی الدّرّ المنثور 2- 110. و قال المتّقی الهندی فی كنز العمّال 8- 294: و أخرج الحافظ عبد الرّزّاق و أبو داود فی ناسخه و ابن جریر الطّبریّ عن أمیر المؤمنین علیه السّلام، قال: لو لا ما سبق من رأی عمر بن الخطّاب لأمرت بالمتعة، ثمّ ما زنی إلّا شقیّ.

وَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَیْنِ، أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْمُتْعَةُ فِی كِتَابِ اللَّهِ لَمْ تَنْزِلْ بَعْدَهَا آیَةٌ تَنْسَخُهَا، وَ أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ تَمَتَّعْنَا بِهَا وَ مَاتَ وَ لَمْ یَنْهَنَا عَنْهُ ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْیِهِ مَا شَاءَ (1).

و سیأتی فی خبر طویل رواه المفضّل، عن الصادق (علیه السلام) أوردناه فی المجلد الثالث عشر (2) و هو مشتمل علی سبب تحریمه المتعة (3)، و أنّه كان لمكان أخته عفراء.

ثمّ بعد الإحاطة بما فی المتن و التعالیق من المصادر الكثیرة العدیدة الوثیقة عند العامّة تقرأ فی مثل كتاب الوشیعة فی نقد عقائد الشیعة لموسی جار اللّٰه: 32 و 166- حیث بسط القول فی المتعة و قال ما ملخّصه-: إنّها من بقایا الأنكحة الجاهلیّة! و لم تكن حكما شرعیّا! و لم تكن مباحة فی شرع الإسلام! و نسخها لم یكن نسخ حكم شرعیّ و إنّما كان نسخ أمر جاهلیّ!، و وقع الإجماع علی تحریمها و لم ینزل فیها قرآن، و لا یوجد فی غیر كتب الشیعة قول لأحد أنّ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» نزل فیها، و لا یقول به جاهل یدعی أو یعی، و كتب الشیعة ترفع القول به إلی الباقر و الصادق، و أحسن الاحتمالین أنّ السند موضوع، و إلّا فالباقر و الصادق جاهل. و لا نعلم هل نضحك أو نبكی، فكأنّ الرجل یتكلّم فی الطیف فی عالم الأضغاث و الأحلام.

و قال العلّامة الأمینی فی الغدیر 3- 324: كنت أودّ أن لا أحدث لهذا الكتاب ذكرا، و أن لا یسمع أحد منه ركزا، فإنّه فی الفضائح أكثر منه فی عداد المؤلّفات، لكن طبع الكتاب و انتشاره حدانی إلی أن أوقف المجتمع علی مقدار الرجل و علی أنموذج ممّا سوّد به صحائفه، و كلّ صحیفة منه عار علی الأمّة و علی قومه أشدّ شنارا. و قد ذكر فی هذا المجلد من الغدیر الأكاذیب المفتراة علی الشیعة من جهّال أهل التسنّن و أجاب عنها بما لا مزید علیه.

ص: 602


1- و ذكر فی التّاج الجامع للأصول 2- 334، باب نكاح المتعة روایتین ممّا سلف و أسقط الباقی!.
2- بحار الأنوار 53- 26- 32، و 103- 297 و 298 و 306- 314، و قد سلف فیه 24- 294.
3- أقول: و الذی یظهر من كلمات عمر أنّه كان یعدّ متعة النساء من السفاح! كما جاء فی كنز العمّال: ٨ _ ٢٩٤، و یرتّب علیها أحكام السفاح من الرجم، كما سلفت الروایات عنه فی ذلك. و عرف أنّه أوّل من نهی عن المتعة، كما عدّ العسكریّ فی أولیّاته، و السیوطی فی تاریخ الخلفاء: 93، و القرمانی فی تاریخه- هامش الكامل- 1- 203، و النووی فی شرح المسلم، و القسطلانی فی الإرشاد 4- 169، و ابن حجر فی فتح الباری 4- 339، و 9- 141. و انظر: صحیح البخاریّ باب التمتّع، و صحیح مسلم 1- 395، 396، و مسند أحمد 3- 356 و 4- 436، و الموطأ لمالك 2- 30، و سنن البیهقیّ 7- 206، و تفسیر الطبریّ 5- 9، و أحكام القرآن للجصّاص 2- 178، و النهایة لابن الأثیر 2- 249، و الغریبین للهروی، و الفائق للزمخشری 1- 331، و تفسیر القرطبیّ 5- 130 و 135، و تاریخ ابن خلّكان 1- 359، و المحاضرات للراغب 2- 94، و تفسیر الرازیّ 3- 201، 202، و تفسیر السیوطی 2- 140، و الجامع الكبیر للسیوطی 8- 293، و شرح التجرید للقوشجی فی مبحث الإمامة، و غیرها كثیر جدّا تربو علی أربعین حدیثا بین صحاح و حسان. و قد عدّ العلّامة الأمینی- رحمه اللّٰه- فی الغدیر 6- 220- 222 أكثر من عشرین مجوّزا من الصحابة و التابعین.

و أمّا متعة الحجّ (1): فلا خلاف بین المسلمین فی شرعیّتها و بقاء حكمها.

و اختلف فقهاء العامّة (2) فی أنّه هل هی أفضل أنواع الحجّ أم لا؟ فقال الشافعی- فی أحد قولیه (3)

و مالك (4): إنّ التمتّع أفضل، و قال الشافعی فی قوله الآخر (5): إنّ أفضلها الإفراد ثم التمتّع ثم القران.

و یدلّ علی شرعیّتها قوله تعالی: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ (6).

وَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِیهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ (7) بِأَرْبَعَةِ أَسَانِیدَ،

ص: 603


1- و یقال لها: حجّ التمتّع، و هی باختصار أنّ من لم یكن أهله حاضری المسجد الحرام صحّ له أن یحرم من المیقات للعمرة فی أشهر الحجّ، فیأتی مكّة و یطوف بالبیت سبعا و یصلّی ركعتی الطواف ثمّ یسعی و یقصّر و یحلّ من إحرامه، فیباح له كلّ ما حرم علیه بالإحرام .. و من هنا قیل له التمتّع لكونه مأخوذا من الاستمتاع و الالتذاذ.
2- كما جاء مفصّلا فی الشرح الكبیر 3- 239، و المجموع 7- 152، و 163، و فتح العزیز 7- 106، و المغنی 3- 238، و بدایة المجتهد 1- 335، و التفسیر الكبیر: 155، و نیل الأوطار 5- 41، و معالم السنن 2- 301، و أحكام القرآن للقرطبیّ 2- 387، و غیرها.
3- ذكره فی فتح العزیز 7- 106، و المجموع 7- 151، و التفسیر الكبیر 5- 155، و المنهاج (متن) مغنی المحتاج 1- 514، و المغنی 3- 238، و الشرح الكبیر 3- 239، و القوانین الفقهیّة: 133.
4- ذكره فی التفسیر الكبیر 5- 155، و كذا فی نیل الأوطار 5- 41.
5- قاله فی المجموع 7- 151، و منهاج (متن) مغنی المحتاج 1- 514، و غیرهما.
6- البقرة: 196.
7- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب إحرام النّفساء حدیث 1210 و 1218، و باب حجّة النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) حدیث 1228.

وَ أَوْرَدَهُ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (1) أَیْضاً، قَالَ (2): وَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (3) بِطُولِهِ، وَ أَخْرَجَ النَّسَائِیُّ (4) أَطْرَافاً مُتَفَرِّقَةً مِنْهُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِیهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: دَخَلْتُ (5) عَلَی جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّی انْتَهَی إِلَیَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ، فَأَهْوَی بِیَدِهِ إِلَی رَأْسِی، فَنَزَعَ زِرِّیَ الْأَعْلَی، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّیَ الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ (6) بَیْنَ ثَدْیَیَّ- وَ أَنَا یَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ فَقَالَ:

مَرْحَباً بِكَ یَا ابْنَ أَخِی، سَلْ عَمَّا شِئْتَ؟. فَسَأَلْتُهُ- وَ هُوَ أَعْمَی وَ قَدْ (7) حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِی نِسَاجِهِ مُلْتَحِفاً بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَی مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَیْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَ رِدَاؤُهُ إِلَی جَنْبِهِ عَلَی الْمِشْجَبِ (8) فَصَلَّی بِنَا- فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِی عَنْ حَجَّةِ

ص: 604


1- ذكر طرفا منه فی جامع الأصول 3- 73 حدیث 1352، و فصله فیه 3- 459- 474 حدیث 1796، فلاحظ.
2- فی (س) : و قال. أی ابن الأثیر فی جامع الأصول.
3- سنن أبی داود كتاب المناسك باب صفة حجّة النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) حدیث 1905 و 1907 و 1908 و 1909.
4- سنن النّسائیّ 1- 122 و 123 كتاب الطّهارة باب الاغتسال من النّفاس، و 5- 43 و 44، باب كراهیة الثّیاب المصبّغة للمحرم، و باب ترك التّسمیة عند الإهلال، و باب الحجّ بغیر نیّة یقصدها المحرم، و باب العمل فی الإهلال، و باب إهلال النّفساء، و باب سوق الهدی، و باب كیف یطوف أوّل ما یقدم و علی أی شقّیه یأخذ إذا استلم الحجر، و باب ذكر الصّفا و المروة، و باب التّكبیر علی الصّفا، و باب الذّكر و الدّعاء علی الصّفا، و باب القول بعد ركعتی الطّواف، و باب رفع الیدین فی الدّعاء بعرفة، و باب فیمن لم یدرك صلاة الصّبح مع الإمام، و باب إیضاع فی وادی محسّر، و باب عدد الحصی الّتی یرمی بها الجمار، و كتاب مواقیت الصّلاة، باب الجمع بین الظّهر و العصر بعرفة. و فی سنن ابن ماجة كتاب المناسك باب حجّة الرّسول (صلی اللّٰه علیه و آله) حدیث 3074.
5- فی جامع الأصول: دخلنا.
6- فی المصدر: یده، بدلا من: كفّه.
7- فی جامع الأصول لا توجد: قد.
8- جاء فی حاشیة (ك) : و فی الحدیث: ذكر المشجب- و هو بكسر المیم-: خشبات تضمّ رءوسها و تفرّج قوائمها یلقی علیها الثّیاب و تعلّق علیه الأسقیة لتبرید الماء. مجمع. انظر: مجمع البحرین 2- 86، و قد تعرّض المصنّف- ره- لمعنی هذه الكلمة فی بیانه.

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] .

فَقَالَ بِیَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعاً (1)، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] مَكَثَ تِسْعَ سِنِینَ لَمْ یَحُجَّ، ثُمَّ أُذِّنَ فِی النَّاسِ فِی الْعَاشِرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِینَةَ بَشَرٌ كَثِیرٌ كُلُّهُمْ یَلْتَمِسُ أَنْ یَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ یَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّی إِذَا (2) أَتَیْنَا ذَا الْحُلَیْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ (3) مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] كَیْفَ أَصْنَعُ؟. قَالَ:

اغْتَسِلِی وَ اسْتَشْفِرِی (4) بِثَوْبٍ وَ أَحْرِمِی، فَصَلَّی رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) فِی الْمَسْجِدِ فَرَكِبَ (5) الْقَصْوَاءَ حَتَّی إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ إِلَی الْبَیْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَی مَدِّ بَصَرِی بَیْنَ یَدَیْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَ مَاشٍ، وَ عَنْ یَمِینِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَ عَنْ یَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَ مِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بَیْنَ أَظْهُرِنَا وَ عَلَیْهِ یَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَ هُوَ یَعْرِفُ تَأْوِیلَهُ وَ مَا (6) عَمِلَ بِهِ مِنْ شَیْ ءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِیدِ: «لَبَّیْكَ اللَّهُمَّ لَبَّیْكَ لَبَّیْكَ لَا شَرِیكَ لَكَ لَبَّیْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ لَكَ وَ الْمُلْكَ لَا شَرِیكَ لَكَ»، وَ أَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِی یُهِلُّ (7) بِهِ، فَلَمْ یَزِدْ (8) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] شَیْئاً

ص: 605


1- فی المصدر: فعقد بیده تسعا- من دون: فقال، و بتقدیم و تأخیر-.
2- لا توجد: إذا، فی الجامع.
3- فی (س) : عمیر، و هو غلط.
4- كذا، و فی المصدر: استثفری، و هو الظّاهر. و الاستثفار: أن یدخل إزاره بین فخذیه ملویّا، كما فی القاموس 1- 383. و قال فی النّهایة 1- 214: فیه: أنّه أمر المستحاضة أن تستثفر .. هو أن تشدّ فرجها بخرقة عریضة بعد أن تحتشی قطنا و توثق طرفیها فی شی ء تشدّه علی وسطها فتمنع بذلك سیل الدّم، و هو مأخوذ من ثفر الدّابّة الّذی یجعل تحت ذنبها.
5- فی الجامع: ثمّ ركب.
6- فی (س) : فما. و هی نسخة جاءت فی (ك) .
7- فی المصدر: یهلّون- بصیغة الجمع-.
8- جاء فی (ك) : فلم یزده. و فی المصدر: فلم یردّ.

مِنْهُمْ (1) وَ لَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] تَلْبِیَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِی إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّی إِذَا أَتَیْنَا (2) الْبَیْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ (3) ثَلَاثاً وَ مَشَی أَرْبَعاً، ثُمَّ نَفَذَ إِلَی مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ (علیه السلام)، فَقَرَأَ: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی (4)، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْبَیْتِ، وَ كَانَ (5) أَبِی یَقُولُ- وَ لَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] - كَانَ یَقْرَأُ (6) فِی الرَّكْعَتَیْنِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ قُلْ یا أَیُّهَا الْكافِرُونَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَی الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ (7) إِلَی الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (8) ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِیَ عَلَیْهِ حَتَّی رَأَی الْبَیْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَ كَبَّرَهُ، وَ قَالَ: «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ* وَحْدَهُ لا شَرِیكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَ نَصَرَ عَبْدَهُ، وَ هَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ»، ثُمَّ دَعَا بَیْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ هَذَا (9) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَی الْمَرْوَةِ حَتَّی إِذَا انْصَبَّتْ (10) قَدَمَاهُ فِی بَطْنِ الْوَادِی، رَمَلَ (11) حَتَّی إِذَا صَعِدْنَا مَشَی حَتَّی أَتَی الْمَرْوَةَ .. فَفَعَلَ عَلَی الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَی الصَّفَا، حَتَّی إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ (12) عَلَی

ص: 606


1- فی الجامع لابن الأثیر: منه.
2- توجد نسخة بدل فی (ك): لقینا.
3- قال فی النّهایة 2- 265: یقال: رمل یرمل رملا و رملانا: إذا أسرع فی المشی و هزّ منكبیه.
4- البقرة: 125. و لا توجد فی (س): مصلی، و فیها: و كان یقرأ مصلّی. و خطّ علیها فی (ك)، و هو الظّاهر.
5- فی المصدر: فكان.
6- لا توجد: كان یقرأ، فی (س).
7- من الباب لا توجد فی (س).
8- البقرة: 158.
9- فی المصدر: قال: هذا.
10- فی (ك): نصبت.
11- فی صحیح مسلم: سعی، بدلا من: رمل.
12- فی جامع الأصول: طواف- بلا ضمیر-.

الْمَرْوَةِ قَالَ: لَوْ أَنِّی اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْیَ وَ جَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَیْسَ مَعَهُ هَدْیٌ فَلْیُحِلَّ وَ لْیَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! أَ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟. فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِی الْأُخْرَی، وَ قَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِی الْحَجِّ هَكَذَا ..

مَرَّتَیْنِ، لَا، بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ. وَ قَدِمَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنَ الْیَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَوَجَدَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ مِمَّنْ حَلَّ وَ لَبِسَتْ ثِیَاباً صَبِیغاً وَ اكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَیْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِی أَمَرَنِی بِهَذَا. قَالَ: فكأن [وَ كَانَ] (1) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- مُحَرِّشاً عَلَی فَاطِمَةَ لِلَّذِی صَنَعَتْ مُسْتَفْتِیاً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فِیمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ- فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّی أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَیْهَا (2)، فَقَالَ: صَدَقَتْ .. صَدَقَتْ، مَا ذَا قُلْتَ حِینَ إِذَا (3) فَرَضْتَ الْحَجَّ؟. قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّی أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] .

فَقَالَ: فَإِنَّ مَعِیَ الْهَدْیَ فَلَا تُحِلَّ. قَالَ (4): فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْیِ الَّذِی قَدِمَ بِهِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنَ الْیَمَنِ وَ الَّذِی أَتَی بِهِ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَ قَصَّرُوا إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ (5) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْیٌ، فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ التَّرْوِیَةِ تَوَجَّهُوا إِلَی مِنًی فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ .. وَ سَاقَ الْحَدِیثَ بِطُولِهِ إِلَی قَوْلِهِ: ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَی الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثاً وَ سِتِّینَ بَدَنَةً بِیَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَی عَلِیّاً فَنَحَرَ مَا بَقِیَ (6) وَ أَشْرَكَهُ فِی هَدْیِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِی قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَ شَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]

ص: 607


1- فی المصدر: و كان.
2- هنا سقط و هو: فقالت: أبی أمرنی بهذا. جاء فی المصدر.
3- لا توجد: إذا، فی المصدر.
4- فی (س): زیادة: لی، بعد قال، و كتب بعدها رمز نسخة بدل صحیحة (صح د). و لا توجد فی المصدر. و فی (ك): قال: قال لی، و خطّ علی: قال لی.
5- فی جامع الأصول: إلّا النّبی.
6- فی المصدر: ما غبر.

فَأَفَاضَ إِلَی الْبَیْتِ فَصَلَّی بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَی بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ یَسْقُونَ (1) عَلَی زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْ لَا أَنْ یَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَی سِقَایَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْواً فَشَرِبَ مِنْهُ.

قال فی النهایة (2) فی حدیث جابر: فقام فی نساجة ملتحفا بها: هی (3) ضرب من الملاحف منسوجة كأنّها سمّیت بالمصدر، یقال: نسجت أنسج نسجا و نساجة.

و قال (4): فی حدیث جابر: فقام و ثوبه علی المشجب: هو- بكسر المیم-:

عیدان تضمّ رءوسها و یفرّج بین قوائمها و توضع علیها الثّیاب، و قد یعلّق (5) علیها الأسقیة لتبرید الماء، و هو من تشاجب الأمر: إذا اختلط.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (6) فِی صَحِیحِهِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] أَهَلَّ وَ أَصْحَابَهُ بِالْحَجِّ وَ لَیْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْیٌ غَیْرَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ طَلْحَةَ، وَ كَانَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَدِمَ (7) مِنَ الْیَمَنِ وَ مَعَهُ الْهَدْیُ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، وَ أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ أَنْ یَجْعَلُوهَا عُمْرَةً یَطُوفُوا بِالْبَیْتِ ثُمَّ یُقَصِّرُوا وَ یُحِلُّوا إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْیُ، فَقَالُوا: أَ نَنْطَلِقُ إِلَی مِنًی وَ ذَكَرُ أَحَدِنَا یَقْطُرُ، فَبَلَغَ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا هَدَیْتُ (8)، وَ لَوْ لَا أَنَّ مَعِیَ الْهَدْیَ

ص: 608


1- جاءت زیادة: و هم، قبل: یسقون، فی المصدر.
2- النهایة 5- 46، و انظر: لسان العرب 2- 376.
3- لا توجد: هی، فی (س).
4- ابن الأثیر فی النهایة 2- 445، و نحوها فی لسان العرب 1- 484، و انظر: مجمع البحرین 2- 86.
5- فی المصدر: و تعلق.
6- صحیح البخاریّ 3- 402 فی كتاب الحجّ فی أبواب متعدّدة.
7- فی المصدر: فقدم علیّ (علیه السلام).
8- فی المصدر: ما أهدیت.

لَأَحْلَلْتُ .. وَ سَاقَ الْحَدِیثَ إِلَی قَوْلِهِ: وَ إِنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْثُمٍ (1) لَقِیَ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ هُوَ بِالْعَقَبَةِ وَ هُوَ یَرْمِیهَا، فَقَالَ: أَ لَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً یَا رَسُولَ اللَّهِ؟. فَقَالَ: لِلْأَبَدِ (2).

وَ قَدْ رَوَی الْبُخَارِیُّ (3) وَ مُسْلِمٌ (4) وَ النَّسَائِیُّ (5) وَ أَبُو دَاوُدَ (6) قَرِیباً مِنْ هَذِهِ الرِّوَایَةِ بِأَسَانِیدَ مُتَكَثِّرةٍ وَ أَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرٍ، وَ هِیَ مَذْكُورَةٌ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (7).

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (8)، عَنْ أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بِالْبَطْحَاءِ- وَ هُوَ مُنِیحٌ (9)

فَقَالَ: أَ حَجَجْتَ؟. قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟. قُلْتُ: لَبَّیْكَ بِإِهْلَالِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] . قَالَ:

أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَیْتِ وَ بِالصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ، فَطُفْتُ بِالْبَیْتِ وَ بِالصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَیْتُ امْرَأَةً مِنْ قَیْسٍ، فقلت [فَفَلَتْ] رَأْسِی، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِی بِهِ حَتَّی كَانَ فِی خِلَافَةِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنْ أَخَذْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَ إِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَإِنَّهُ لَمْ یُحِلَّ حَتَّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ (10).

ص: 609


1- كذا فی طبعتی البحار، و الظّاهر: جعشم، كما فی المصدر و سیأتی التّصریح به.
2- و جاء باختلاف یسیر فی صحیح مسلم كتاب الحجّ باب بیان وجوب الإحرام حدیث 1213.
3- صحیح البخاریّ 3- 403 فی كتاب الحجّ فی أبواب عدیدة. و نقله عن ابن عبّاس فیه 3- 148.
4- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب وجوه الإحرام حدیث 1214، 1215، 1216، و روی عن سراقة بن مالك فیه 1- 346.
5- سنن النّسائیّ 5- 178 و 179 كتاب الحجّ باب إباحة فسخ الحجّ بعمرة لمن لم یسق الهدی.
6- سنن أبی داود كتاب المناسك باب فی إفراد الحجّ، أحادیث 1785، 1786، 1787، 1788، 1789، و أخرج عن سراقة فیه 2- 282.
7- جامع الأصول 3- 127- 134 حدیث 1413 بألفاظ مختلفة و مصادر عدیدة. و رواه أحمد بن حنبل فی المسند 3- 305، و غیره من أئمّة الحدیث منهم.
8- صحیح البخاریّ 3- 491 كتاب الحجّ باب متی یحلّ المعتمر.
9- فی (ك): متیح. و فی المصدر: و هو منیخ بالبطحاء.
10- جاء مقاربا لهذا فی صحیح مسلم كتاب الحجّ باب نسخ التّحلّل من الإحرام و الأمر بالتّمام حدیث 1221.

و مثله روی فی موضع آخر بأدنی تغییر (1).

- وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (2)، عَنِ النَّسَائِیِّ (3)

مِثْلَهُ.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (4) أَیْضاً، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] لِخَمْسٍ بَقِینَ مِنْ ذِی الْقَعْدَةِ لَا نَرَی إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] مَنْ لَمْ یَكُنْ مَعَهُ هَدْیٌ إِذَا طَافَ وَ سَعَی بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ أَنْ یُحِلَّ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَیْنَا یَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟.

فَقِیلَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَزْوَاجِهِ.

وَ قَدْ حَكَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (5)، عَنِ الْبُخَارِیِّ وَ مُسْلِمٍ (6) وَ أَبِی دَاوُدَ (7) وَ الْمُوَطَّإِ (8) رِوَایَاتٍ كَثِیرَةٍ عَنْ عَائِشَةَ تُؤَدِّی مُؤَدَّی هَذِهِ الرِّوَایَةِ.

ص: 610


1- صحیح البخاریّ كتاب الحجّ باب من أحلّ فی زمن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و باب التمتّع و القران و الإفراد بالحج، و باب الذبح قبل الحلق، و كتاب المغازی باب بعث أبی موسی و معاذ إلی الیمن، باب حجّة الوداع، و الألفاظ مختلفة فیه فراجع. و جاء فی مسند أحمد بن حنبل 4- 393 و 395 و 410 ثلاث روایات أكثر تفصیلا عن أبی موسی، و رواها البیهقیّ فی سننه 4- 388.
2- جامع الأصول 3- 153- 155 حدیث 1417.
3- سنن النّسائیّ 5- 153 كتاب الحجّ باب التّمتّع.
4- صحیح البخاریّ 1- 341 فی الحیض، باب كیف كان بدء الحیض، باب تقضی الحائض المناسك كلّها إلّا الطّواف بالبیت، و كتاب الحجّ باب الحجّ علی الرّحل، و باب قول اللّٰه تعالی: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» ..، و أبواب أخر. و نقله عنه فی جامع الأصول 3- 146.
5- جامع الأصول 3- 140- 150 حدیث 1415.
6- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب بیان وجوه الإحرام، و أنّه یجوز إفراد الحجّ، حدیث 1211.
7- سنن أبی داود كتاب المناسك باب فی إفراد الحجّ حدیث 1778- 1783.
8- موطّأ مالك 1- 410- 412 كتاب الحجّ باب دخول الحائض مكّة. و انظر سنن النّسائیّ كتاب الحجّ باب إباحة فسخ الحجّ بعمرة لمن لم یسق الهدی حدیث 1775 1778.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (1) أَیْضاً، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ: أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ وَ أَزْوَاجُ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فِی حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَ أَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْیَ، طُفْنَا بِالْبَیْتِ وَ بِالصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ أَتَیْنَا النِّسَاءَ وَ لَبِسْنَا الثِّیَابَ، وَ قَالَ: مَنْ قَلَّدَ الْهَدْیَ فَإِنَّهُ لَا یُحِلُّ حَتَّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِیَّةَ التَّرْوِیَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَیْتِ وَ بِالصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَقَدْ (2) تَمَّ حَجُّنَا وَ عَلَیْنَا الْهَدْیُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی (3): فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیَّامٍ فِی الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ (4) إِلَی أَمْصَارِكُمْ الشَّاةُ تُجْزِی، فَجَمَعُوا نُسُكَیْنِ فِی عَامٍ (5) بَیْنَ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ فِی كِتَابِهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ أَبَاحَهُ نَاسٌ غَیْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ یَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (6) وَ أَشْهُرُ الْحَجِّ الَّذِی (7) ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: شَوَّالٌ، وَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَ ذُو الْحِجَّةِ، فَمَنْ تَمَتَّعَ فِی هَذِهِ الْأَشْهُرِ فَعَلَیْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ،.

و الرفث: الجماع، و الفسوق: المعاصی، و الجدال:

المراء (8).

وَ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ (9)، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَنِی بِهَا، وَ سَأَلْتُهُ

ص: 611


1- صحیح البخاریّ 3- 345- 346 تعلیق فی الحجّ، باب قول اللّٰه تعالی: «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ یَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ». باختلاف یسیر.
2- فی المصدر: و قد.
3- خط علی لفظ: تعالی، فی (س). و لا یوجد لفظ الجلالة و أوّل الآیة فی المصدر.
4- البقرة: 196.
5- قد تقرأ الكلمة فی (ك): عامین.
6- البقرة: 196.
7- فی المصدر: الّتی، و هو الظّاهر.
8- و أورده ابن الأثیر فی جامع الأصول 3- 120- 122 حدیث 1404، و حكاه عن الجمع بین الصحیحین للحمیدی، و ذكره الحافظ فی فتح الباری 3- 345.
9- صحیح البخاریّ 3- 426- 428 [3- 114] كتاب الحجّ باب «فمن تمتّع بالعمرة إلی الحجّ».

عَنِ الْهَدْیِ، فَقَالَ: جَزُورٌ (1) أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شَرْكٌ فِی دَمٍ، قَالَ: وَ كَانَ نَاسٌ كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ فَرَأَیْتُ فِی الْمَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَاناً یُنَادِی: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَ عُمْرَةٌ (2) مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَیْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ (3) سُنَّةُ أَبِی الْقَاسِمِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] (4).

وَ رَوَی مُسْلِمٌ قَرِیباً مِنْهَا (5).

وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (6)، عَنْ مُسْلِمٍ (7) وَ النَّسَائِیِّ (8)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ یَكُنْ مَعَهُ الْهَدْیُ فَلْیُحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِی الْحَجِّ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

ص: 612


1- فی المصدر: فیها جزور.
2- خ. ل: متعة، جاءت فی المصدر، و وردت فی جامع الأصول.
3- اللّٰه أكبر، مكررة فی المصدر.
4- و رواه السّیوطیّ فی الدّرّ المنثور 1- 217 نقلا عن البخاریّ، و قال العسقلانی فی إرشاد السّاری 3- 204 فی قوله: و كان ناسا كرهوها ..: یعنی كعمر بن الخطّاب و عثمان بن عفّان و غیرهما ممّن نقل الخلاف فی ذلك.
5- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب جواز العمرة فی أشهر الحجّ حدیث 1242. و نقله السّیوطیّ عن مسلم فی الدّرّ المنثور 1- 217. و أورده- و الّذی قبله- ابن الأثیر فی جامع الأصول 3- 124- 125 حدیث 1407.
6- جامع الأصول 3- 134- 138 وسط الحدیث من 1414.
7- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب جواز العمرة فی أشهر الحجّ حدیث 1240- 1241.
8- سنن النّسائیّ 5- 180- 202 كتاب الحجّ باب الوقت الّذی وافی فیه النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) مكّة، و باب إباحة فسخ الحجّ بعمرة لمن لم یسق الهدی. و أخرجه أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 252. و بألفاظ مختلفة- و المعنی واحد- جاءت فی صحیح البخاریّ 3- 337- 338 كتاب الحجّ باب التّمتّع و القران و الإفراد بالحجّ، و باب فسخ الحجّ لمن لم یكن معه هدی، و فی كتاب فضائل أصحاب النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله)، و باب أیّام الجاهلیّة، و غیرها.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (1)

أَیْضاً-، عَنْ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ، قَالَ: اخْتَلَفَ عَلِیٌّ وَ عُثْمَانُ- وَ هُمْ بِعُسْفَانَ (2)

فِی الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا تُرِیدُ إِلَّا أَنْ تَنْهَی عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَلَمَّا رَأَی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِیعاً.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (3) وَ مُسْلِمٌ (4)، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ شَهِدَ عَلِیّاً وَ عُثْمَانَ بَیْنَ مَكَّةَ وَ الْمَدِینَةِ، وَ عُثْمَانُ یَنْهَی عَنِ الْمُتْعَةِ وَ أَنْ یُجْمَعَ بَیْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَی ذَلِكَ عَلِیٌّ أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّیْكَ بِعُمْرَةٍ وَ حَجَّةٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: تَرَانِی أَنْهَی النَّاسَ وَ أَنْتَ تَفْعَلُهُ؟! فَقَالَ:

مَا كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] لِقَوْلِ أَحَدٍ.

وَ رَوَی النَّسَائِیُّ (5) رِوَایَتَیْنِ فِی هَذَا الْمَعْنَی (6).

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (7) رِوَایَاتٍ فِی هَذَا الْمَعْنَی.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (8)، عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ: تَمَتَّعْنَا عَلَی عَهْدِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْیِهِ مَا شَاءَ (9).

ص: 613


1- صحیح البخاریّ 3- 336 كتاب الحجّ باب التّمتّع و القران و الإفراد فی الحجّ، و باب فسخ الحجّ لمن لم یكن معه هدی، و أورده ابن الأثیر- باختلاف یسیر- فی جامع الأصول 3- 109 صدر حدیث 1395.
2- فی (ك): یعسفان، و هو سهو.
3- صحیح البخاریّ 3- 336 فی كتاب الحجّ.
4- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب جواز التّمتّع برقم 1223.
5- سنن النّسائیّ 5- 148 كتاب الحجّ باب التّمتّع، و انظر: سنن البیهقیّ 4- 352 و 5- 22.
6- و أخرجهما ابن الأثیر فی جامع الأصول 3- 109- 110 ضمن حدیث 1395.
7- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب جواز التّمتّع حدیث 1217. و أورد النّسائیّ فی سننه 5- 152 كتاب الحجّ باب التّمتّع عدّة روایات.
8- صحیح البخاریّ 2- 176 [3- 151] كتاب الحجّ باب التّمتّع حدیث 1.
9- قریب من هذا ما روی عن عمران بن حصین فی صحیح البخاریّ 8- 139 [7- 24] فی تفسیر سورة البقرة، باب فمن تمتّع بالعمرة إلی الحجّ، و كتاب الحجّ باب التّمتّع علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله 2- 172، و صحیح مسلم 1- 474 كتاب الحجّ باب جواز التّمتّع حدیث 1226، و سنن النّسائیّ 5- 149- 155 كتاب الحجّ باب القران، و سنن ابن ماجة: 220، و قد جاء فیه عن عمران بهذا المعنی، و روی أحمد فی المسند 4- 428 و 429 و 434 و 436 و 438 و غیرها روایات عدیدة عنه و عن جمع من أئمّة الحدیث. و أخرجه القرطبیّ- بلفظ مسلم- فی تفسیره 2- 365، و البیهقیّ فی سننه 5- 20، و لم یوردها ابن الأثیر فی جامع الأصول.

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (1)، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ لِی عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَیْنِ: إِنِّی لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِیثِ الْیَوْمَ یَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْیَوْمِ، اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِی الْعَشْرِ فَلَمْ تَنْزِلْ آیَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ، وَ لَمْ یَنْهَ عَنْهُ حَتَّی مَضَی لِوَجْهِهِ، ارْتَأَی كُلُّ امْرِئٍ بَعْدُ مَا شَاءَ أَنْ یَرْتَئِیَ.

قَالَ مُسْلِمٌ (2): وَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ كِلَاهُمَا، عَنْ (3) وَكِیعٍ، عَنْ سُفْیَانَ، عَنِ الْجَرِیرِیِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

و قال ابن حاتم (4) فی روایته: ارتأی رجل برأیه ما شاء- یعنی عمر-.

، و روی بستة أسانید عن عمران ما یؤدّی هذا المعنی.

و حكی فی جامع الأصول (5) ثلاث روایات فی هذا المعنی عن عمران.

منها.:

أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَتْ آیَةُ الْمُتْعَةِ فِی كِتَابِ اللَّهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ لَمْ یَنْزِلْ قُرْآنٌ یُحَرِّمُهُ وَ لَمْ یَنْهَ عَنْهَا حَتَّی مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْیِهِ مَا شَاءَ.

ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْبُخَارِیُّ (6): یُقَالُ إِنَّهُ عُمَرُ.

ص: 614


1- صحیح مسلم 1- 474، و أورده ابن حنبل فی مسنده 4- 434، و ابن ماجة فی سننه 2- 229، و ذكره فی السّنن الكبری 4- 344، و فتح الباری 3- 338.
2- صحیح مسلم 1- 474، و جاء فی سنن الدّارمیّ 2- 35، و بصورة أخری فی مسند أحمد بن حنبل 4- 428، و سنن النّسائیّ 5- 149.
3- لا توجد فی (س): عن.
4- صحیح مسلم 1- 474.
5- جامع الأصول 3- 116- 118 حدیث 1402.
6- قال شیخنا الأمینی فی الغدیر 6- 199، و فی بعض نسخ صحیح البخاریّ: قال: محمّد- أی البخاری-: یقال إنّه عمر ..- أی فی صحیحه 7- 124 [8- 139] فی تفسیر سورة البقرة، و فی كتاب الحجّ باب التّمتّع علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله-. قال القسطلانی فی الإرشاد: لأنّه كان ینهی عنها، و ذكر ابن كثیر فی التّفسیر 1- 233 نقلا عن البخاریّ، فقال: هذا الّذی قاله البخاری قد جاء مصرحا به: أنّ عمر كان ینهی النّاس عن التّمتّع. و قال ابن حجر فی فتح الباری 4- 339 و نقله الإسماعیلی عن البخاریّ كذلك، فهو عمدة الحمیدیّ فی ذلك، و لهذا جزم القرطبیّ و النووی و غیرهما.

و حكی عن النسائی (1) أیضا روایتین فی هذا المعنی.

وَ عَنْ مُسْلِمٍ (2) بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا (3) فَمَنْ لَمْ یَكُنْ عِنْدَهُ (4) الْهَدْیُ فَلْیُحْلِلِ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِی الْحَجِّ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ (5).

وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (6)، قَالَ: كَانُوا یَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِی أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِی الْأَرْضِ وَ یَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَراً (7) وَ یَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرُ (8)، وَ عَفَا الْأَثَرُ، وَ انْسَلَخَ صَفَرٌ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ،

ص: 615


1- سنن النسائی 5- 149 و 155 كتاب الحجّ باب القران.
2- صحیح مسلم 1- 355 كتاب الحجّ باب جواز العمرة فی أشهر الحجّ حدیث 1241، و أورده ابن الأثیر فی جامع الأصول 3- 136 ذیل حدیث 1414.
3- لا توجد فی (ك): بها.
4- فی المصدر: معه، بدلا من: عنده.
5- و قد جاء فی سنن الدّارمیّ 2- 51، و سنن أبی داود 1- 283، و سنن النّسائیّ 5- 181، و سنن البیهقیّ 4- 344 و 552، و تفسیر ابن كثیر 1- 230 و قد صحّحه، و بهذا المضمون قد جاء عن سراقة بن مالك كما فی مسند أحمد بن حنبل 4- 175، و سنن ابن ماجة 2- 229. و قال التّرمذیّ فی صحیحه 1- 175: و فی الباب عن سراقة بن مالك و جابر بن عبد اللّٰه- ثمّ قال- و معنی هذا الحدیث: أن لا بأس بالعمرة فی أشهر الحجّ، و هكذا فسّره الشّافعیّ و أحمد و إسحاق، و معنی هذا الحدیث: أنّ أهل الجاهلیّة كانوا لا یعتمرون فی أشهر الحجّ، فلمّا جاء الإسلام رخّص النّبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فقال: دخلت العمرة فی الحجّ إلی یوم القیامة، یعنی لا بأس بالعمرة فی أشهر الحجّ. و ما أورده العینیّ فی عمدة القاری 4- 562 حریّ بالملاحظة.
6- أورده مسلم فی صحیحه كتاب الحجّ باب جواز العمرة فی أشهر الحجّ حدیث 1241، و نقله ابن الأثیر فی جامع الأصول 3- 134- 138 حدیث 1414.
7- فی المصدر: و كانوا یسمّون المحرّم: صفرا.
8- جاء فی حاشیة (ك): قال الجزریّ فی حدیث ابن عبّاس: كانوا یقولون فی الجاهلیّة: إذا برأ الدّبر و عفی الأثر و دخل صفر .. الدّبر- بالتّحریك-: الجرح الّذی یكون فی ظهر البعیر .. و قیل: هو أن یقرح خف البعیر. و عفی الأثر .. أی درس و امّحی، و فی روایة: و أعفی الوبر .. أی كثر وبر الإبل. منه طاب ثراه. انظر: النّهایة 2- 97، و لیس فیه: و دخل صفر. و 3- 266، و فیه: عفی، بدلا من: أعفی. و مثله فی لسان العرب 4- 274 و 15- 76.

قَدِمَ النَّبِیُّ (1) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ أَصْحَابُهُ صَبِیحَةَ (2) رَابِعَةٍ مُهِلِّینَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ (3) أَنْ یَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: یَا رَسُولَ اللَّهِ! أَیُّ الْحِلِّ؟. قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ (4).

وَ قَدْ رَوَی هَذِهِ الرِّوَایَةَ الْبُخَارِیُّ (5)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ (6) وَ النَّسَائِیُّ (7) وَ أَوْرَدَهَا فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (8)، قَالَ (9): وَ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی، أَنَّهُ قَالَ: وَ اللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] عَائِشَةَ فِی ذِی الْحِجَّةِ إِلَّا لِیَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَیَّ مِنْ قُرَیْشٍ وَ مَنْ دَانَ بِدِینِهِمْ كَانُوا یَقُولُونَ: إِذَا عَفَا الْأَثَرُ (10)، وَ بَرَأَ الدَّبَرُ، وَ دَخَلَ صَفَرٌ فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ

ص: 616


1- فی المصدر: قال: فقدم رسول اللّٰه.
2- فی (ك) نسخة بدل: لصبیحة.
3- فی جامع الأصول: فأمرهم النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله).
4- و رواه أیضا مسلم فی صحیحه فی كتاب الحجّ باب جواز العمرة فی أشهر الحجّ، و أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 252، و البیهقیّ فی سننه 4- 354 و قال: أخرجه البخاریّ و مسلم- یعنی فی صحیحیهما-، و الطّحاویّ فی مشكل الآثار 3- 155، و الزرقانی فی شرح معانی الآثار: 381 كتاب مناسك الحجّ.
5- صحیح البخاریّ 3- 337 و 338 كتاب الحجّ باب التّمتّع و القران و غیره من الأبواب.
6- سنن أبی داود كتاب الحجّ باب العمرة حدیث 1987.
7- سنن النّسائیّ 5- 180 و غیرها من الصفحات، كتاب الحجّ باب الوقت الّذی وافی فیه النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) مكّة، و غیره من الأبواب.
8- جامع الأصول 3- 134- 138 حدیث 1414.
9- أی ابن الأثیر فی جامع الأصول 3- 136- 137.
10- فی المصدر: الوبر، بدلا من: الأثر.

لِمَنِ اعْتَمَرَ، فَكَانُوا یُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّی یَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَ الْمُحَرَّمُ (1).

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (2)، عَنْ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِی مُوسَی أَنَّهُ كَانَ یُفْتِی بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رُوَیْدَكَ بَعْضَ (3) فُتْیَاكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِی مَا أَحْدَثَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فِی النُّسُكِ بَعْدُ حَتَّی لَقِیَهُ (4) بَعْدُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] قَدْ فَعَلَهُ هُوَ (5) وَ أَصْحَابُهُ، وَ لَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ یَظَلُّوا مُعْرِسِینَ بِهِنَّ فِی الْأَرَاكِ یَرُوحُونَ فِی الْحَجِّ یَقْطُرُ (6) رُءُوسُهُمْ (7).

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (8)، عَنْ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِی مُوسَی هَذَا الْخَبَرَ أَبْسَطَ (9) مِنْ ذَلِكَ وَ سَاقَهُ .. إِلَی أَنْ قَالَ: فَكُنْتُ أُفْتِی النَّاسَ بِذَلِكَ (10) فِی إِمَارَةِ أَبِی بَكْرٍ وَ إِمَارَةِ عُمَرَ، وَ إِنِّی لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِی مَا أَحْدَثَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ فِی شَأْنِ النُّسُكِ؟. فَقُلْتُ: أَیُّهَا النَّاسُ! مَنْ كُنَّا أَفْتَیْنَاهُ بِشَیْ ءٍ فَلْیَتَّئِدْ (11)، فَهَذَا أَمِیرُ

ص: 617


1- و أوردها- و غیرها- أحمد بن حنبل فی المسند 1- 261، و روی البیهقیّ جملة من الرّوایات فی سننه 4- 344، و الطّحاویّ فی مشكل الآثار 3- 155 و 156 و غیرهم.
2- صحیح مسلم 1- 472 كتاب الحجّ باب نسخ التّحلّل من الإحرام و الأمر بالتّمام، و نقله فی جامع الأصول 3- 154- 155 ذیل حدیث 1417.
3- فی المصدر: ببعض.
4- لا توجد فی المصدر: فی النّسك بعد حتّی لقیه، و فیه: فلقیه.
5- لا توجد فی (س): هو. و كذا فی جامع الأصول.
6- فی المصدر: ثمّ یروحون فی الحجّ تقطر ..
7- و جاء فی سنن النّسائیّ 5- 153 كتاب الحجّ باب التّمتّع، سنن ابن ماجة 2- 229 فی كتاب المناسك باب التّمتّع بالعمرة إلی الحجّ، و مسند أحمد بن حنبل 1- 49 و 50، و سنن البیهقیّ 5- 20 بطریقین، و تیسیر الوصول 1- 288، شرح الموطأ للزرقانی 2- 179.
8- صحیح مسلم 1- 472 كتاب الحجّ، باب نسخ التّحلّل من الإحرام و الأمر بالتّمام. و أورده فی جامع الأصول 3- 153 حدیث 1417.
9- فی طبعتی البحار: السبط، و هو خلاف الظّاهر.
10- فی المصدر: فلم أزل أفتی بذلك.
11- هو أمر بالتؤدة، و هی التّأنّی و التّثبّت، خلاف العجلة، قاله فی النّهایة 1- 178.

الْمُؤْمِنِینَ قَادِمٌ عَلَیْكُمْ فِیهِ (1) فَائْتَمُّوا، فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! مَا هَذَا الَّذِی أَحْدَثْتَ فِی شَأْنِ النُّسُكِ؟. قَالَ: أَنْ نَأْخُذَ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ یَقُولُ: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ (2)، وَ أَنْ تأخذ [نَأْخُذَ] (3) بِسُنَّةِ نَبِیِّنَا فَإِنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] لَمْ یَحِلَّ حَتَّی نَحَرَ الْهَدْیَ (4).

وَ عَنْ عَائِشَةَ (5)، قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] لِأَرْبَعٍ مَضَیْنَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ أَوْ خَمْسٍ، فَدَخَلَ عَلَیَّ- وَ هُوَ غَضْبَانُ-، فَقُلْتُ مَا (6) أَغْضَبَكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ؟! أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ. قَالَ: أَ وَ مَا شَعَرْتِ أَنِّی أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ یَتَرَدَّدُونَ، وَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْیَ مَعِی حَتَّی أَشْتَرِیَهُ، ثُمَّ أُحِلَّ كَمَا أَحَلُّوا (7)..

ص: 618


1- لا توجد فی (س): فیه. و فی المصدر: فیه.
2- البقرة: 126.
3- فی جامع الأصول: نأخذ. و هو الظّاهر.
4- أورده باقی الحفّاظ فی كتبهم كالبخاریّ فی صحیحه 3- 491 كتاب الحجّ باب متی یحلّ المعتمر و أبواب أخر، و النووی فی شرح صحیح مسلم 1- 401، و غیرهم. و أخرج أحمد فی مسنده 1- 49 عن أبی موسی أیضا: أنّ عمر قال: هی سنّة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله- یعنی المتعة- و لكن أخشی أن یعرّسوا بهنّ تحت الأراك ثمّ یروحوا بهنّ حجّاجا.
5- باختلاف غیر مخلّ أورده مسلم فی صحیحه كتاب الحجّ باب بیان وجوه الإحرام و أنّه یجوز إفراد الحجّ حدیث 1211. و نقله ابن الأثیر فی جامع الأصول 3- 147- 148 ذیل حدیث 1415 عن عدّة مصادر.
6- خ. ل: من، بدلا من: ما، و كذا جاء فی جامع الأصول.
7- قد روی ابن ماجه بسنده عن عازب- فی المناسك باب التّمتّع بالعمرة إلی الحجّ-: أنّه قال: خرج رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم و أصحابه فأحرمنا بالحجّ، فلمّا قدمنا مكّة قال: اجعلوا حجّتكم عمرة. فقال النّاس: یا رسول اللّٰه! قد أحرمنا بالحجّ فكیف نجعلها عمرة؟. قال: انظروا ما آمركم به فافعلوا. فردّوا علیه القول، فغضب فانطلق ثمّ دخل علی عائشة غضبان، فرأت الغضب فی وجهه، فقالت: من أغضبك؟- أغضبه اللّٰه- قال: و ما لی لا أغضب و أنا آمر أمرا فلا أتبع. و رواه أحمد بن حنبل فی مسنده 4- 286 أیضا.

وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِیرٍ الطَّبَرِیِّ (2)، قَالَ: رَوَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِی زَیْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ زَیْدٍ (3)، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سَوَادَةَ (4) اللَّیْثِیِّ، قَالَ: صَلَّیْتُ الصُّبْحَ مَعَ عُمَرَ فَقَرَأَ «سُبْحَانَ» وَ سُورَةً مَعَهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: أَ حَاجَةٌ؟. قُلْتُ: حَاجَةٌ. قَالَ: فَالْحَقْ. فَلَحِقْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَذِنَ، فَإِذَا هُوَ عَلَی ومال [رِمَالِ] (5) سَرِیرٍ لَیْسَ فَوْقَهُ شَیْ ءٌ، فَقُلْتُ: نَصِیحَةً!. قَالَ: مَرْحَباً بِالنَّاصِحِ غُدُوّاً وَ عَشِیّاً. قُلْتُ: عَابَتْ أُمَّتُكَ- أَوْ قَالَ: رَعِیَّتُكَ- عَلَیْكَ أَرْبَعاً (6)، فَوَضَعَ عُودَ الدِّرَّةِ ثُمَّ ذَقَنَ عَلَیْهَا- هَكَذَا رَوَی ابْنُ قُتَیْبَةَ- وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَوَضَعَ رَأْسَ دِرَّتِهِ فِی ذَقَنِهِ، وَ وَضَعَ أَسْفَلَهَا عَلَی فَخِذِهِ، وَ قَالَ: هَاتِ. قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّكَ حَرَّمْتَ الْمُتْعَةَ فِی أَشْهُرِ الْحَجِّ- وَ زَادَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَ هِیَ حَلَالٌ- وَ لَمْ یُحَرِّمْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ لَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَجَلْ! إِنَّكُمْ إِذَا اعْتَمَرْتُمْ فِی أَشْهُرِ حَجِّكُمْ رَأَیْتُمُوهَا مُجْزِئَةً مِنْ حَجِّكُمْ (7)، فَقَرِعَ حَجُّكُمْ (8)، وَ كَانَ قَائِبَةَ (9) قُوبٍ عَامَهَا، وَ الْحَجُّ بَهَاءٌ مِنْ بَهَاءِ اللَّهِ،

ص: 619


1- شرح النّهج لابن أبی الحدید 12- 121- 123.
2- تاریخ الطّبریّ 5- 32 [4- 225]، و نقله العلّامة الأمینیّ فی الغدیر 6- 212- 213 عن الطّبریّ.
3- عن عمر بن زید: لا توجد فی المصدر، و وضع علیها رمز نسخة بدل فی (ك).
4- فی شرح النّهج: سودة.
5- كذا، و فی المصدر: رمال، و هی ساقطة من تاریخ الطّبریّ و الغدیر.
6- فی المصدر زیادة: قال، بعد: أربعا.
7- فی المصدر: عن حجّكم.
8- جاء فی حاشیة (ك): قال الجوهریّ: الأقرع: الّذی ذهب شعر رأسه من آفة و قد قرع فهو أقرع .. و القرع- أیضا- مصدر قولك: قرع الفناء .. أی خلا من الغاشیة، یقال نعوذ باللّٰه من قرع الفناء و صفر الإناء .. و قال تغلب: باللّٰه من قرع الفناء- بالتسكین علی غیر قیاس- و فی الحدیث عن عمر .. قرع حجّكم .. أی خلت أیّام الحجّ من النّاس، انتهی. و قال فی النّهایة مثل ذلك و زاد فی آخره: و اجتزءوا بالعمرة. [منه (رحمه اللّٰه)]. انظر: الصّحاح 3- 1262 فیه: إذا خلا، بدلا من أی خلا، و أیضا: قال ثعلب: نعوذ باللّٰه. و مثله فی لسان العرب 5- 262 و 268. و لاحظ: النّهایة 4- 45.
9- فی شرح النّهج: و كانت قابیة.

وَ قَدْ أَصَبْتَ.

قَالَ: وَ ذَكَرُوا أَنَّكَ حَرَّمْتَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ، وَ قَدْ كَانَتْ رُخْصَةً مِنَ اللَّهِ یُسْتَمْتَعُ بِقَبْضَةٍ وَ یُفَارَقُ مِنْ ثَلَاثٍ (1). قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] أَحَلَّهَا فِی زَمَانِ ضَرُورَةٍ، وَ رَجَعَ النَّاسُ إِلَی السَّعَةِ، ثُمَّ لَمْ أَجِدْ (2) أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِینَ عَادَ إِلَیْهَا وَ لَا عَمِلَ بِهَا، فَالْآنَ مَنْ شَاءَ نَكَحَ بِقَبْضَةٍ وَ فَارَقَهُ عَنْ طَلَاقٍ بِثَلَاثٍ (3)، وَ قَدْ أَصَبْتَ.

قَالَ: وَ (4) ذَكَرُوا أَنَّكَ أَعْتَقْتَ الْأَمَةَ إِنْ (5) وَضَعَتْ ذَا بَطْنِهَا بِغَیْرِ عَتَاقَةِ سَیِّدِهَا. قَالَ: أَلْحَقْتُ حُرْمَتَهُ بِحُرْمَةٍ، وَ مَا أَرَدْتُ إِلَّا الْخَیْرَ، وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

قَالَ: وَ شَكَوْا مِنْكَ عُنْفَ السِّیَاقِ وَ نَهْرَ (6) الرَّعِیَّةِ (7). قَالَ: فَنَزَعَ الدِّرَّةَ ثُمَّ مَسَحَهَا حَتَّی أَتَی عَلَی سُیُورِهَا، وَ قَالَ: وَ (8) أَنَا زَمِیلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فِی غَزَاةِ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ، ثُمَّ فَوَ اللَّهِ (9) إِنِّی لَأُرْتِعُ فَأُشْبِعُ، وَ أَسْقِی فَأُرْوِی (10)، وَ أَضْرِبُ (11) الْعَرُوضَ، وَ أَزْجُرُ الْعَجُولَ، وَ أُؤَدِّبُ قَدْرِی، وَ أَسُوقُ خَطْوَتِی، وَ أَرُدُّ

ص: 620


1- فی المصدر: نستمتع بقبضة و نفارق عن ثلاث.
2- فی شرح النّهج: ثمّ لم أعلم.
3- فی المصدر: فارق عن ثلاث بطلاق.
4- فی شرح النّهج: و قال- بتقدیم و تأخیر-.
5- فی المصدر: إذا، بدلا من: إن.
6- فی (ك) نسخة بدل: نهز.
7- جاء فی حاشیة (ك): نهر الرّعیّة- بالمهملة- و هو الزّجر و المنع، كما ذكره الجوهریّ، أو بالمعجمة بمعنی الدّفع، كما ذكره الجزری. [منه (رحمه اللّٰه)]. انظر: الصّحاح 2- 840، النّهایة 5- 136، و فی الصّحاح 3- 900 مثله.
8- لا توجد الواو فی (س).
9- فی شرح النّهج: الكدر لم، فو اللّٰه ..
10- جاءت فی (ك): و أروی- بالواو-.
11- فی المصدر: و إنّی لأضرب.

اللَّفُوتَ (1)، وَ أَضُمُّ الْعَنُودَ (2)، وَ أُكْثِرُ الزَّجْرَ (3)، وَ أُقِلُّ الضَّرْبَ، وَ أَشْهَرُ بِالْعَصَا، وَ أَدْفَعُ بِالْیَدِ، وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَأَعْذَرْتُ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَ كَانَ مُعَاوِیَةُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِیثِ یَقُولُ: كَانَ وَ اللَّهِ عَالِماً بِرَعِیَّتِهِ.

قال ابن قتیبة: رملت السّریر و أرملته: إذا نسجته بشریط من خوص أو لیف.

و ذقن علیها .. أی وضع علیها ذقنه یستمع الحدیث.

و قوله: فقرع حجّكم .. أی خلت أیّام الحجّ من الناس، و كانوا یتعوّذون من قرع الفناء و (4) ذلك ألّا یكون فیه أهل.

و القائبة (5): قشر البیضة إذا خرج منها الفرخ.

و القوب: الفرخ ..

قوله: إنّی لأرتع و أشبع (6) و أسقی فأروی .. مثل مستعار من رعیّة الإبل، .. أی إذا أرتعت الإبل .. أی أرسلتها ترعی، تركتها حتّی تشبع، و إذا سقیتها تركتها حتّی تروی.

و قوله: أضرب العروض .. فالعروض (7): النّاقة تأخذ یمینا و شمالا و لا

ص: 621


1- اللقوت: جاء فی (س).
2- جاء فی حاشیة (ك): قال الجزریّ فی حدیث عمر: و أنهز الفوت و أضمّ العنود .. اللّفوت: هی النّاقة الضجور عند الحلب تلتفت إلی الحالب فتعضه فینهزها بیده فتدور لیفتدی باللّبن من النّهر و هو الضّرب، فضربها مثلا للّذی یستعصی و یخرج عن الطّاعة. منه [ (رحمه اللّٰه)]. انظر: النّهایة 4- 259، لا توجد فیه: اللّفوت- الثّانی- و فیه أیضا: فتدر لتغتدی.
3- فی المصدر: الضّجر. إلّا أنّه عند نقل كلام ابن قتیبة ذكره بالزای كالمتن.
4- لا توجد الواو فی (س).
5- هنا سقط ذكره فی شرح النهج، و هو: و ذلك ألّا یكون علیه غاشیة و زوّار، و من قرع المراح، و ذلك ألّا یكون فیه إبل، و القابیة.
6- فی المصدر: فأشبع.
7- فی المصدر: العروض- بلا فاء-.

تلزم الحجّة (1) یقول: أضربها حتّی یعود (2) إلی الطریق، و مثله قوله: و أضمّ العنود.

و العجول: البعیر یندّ (3) عن الإبل و (4) یركب رأسه عجلا و یستقبلها.

و قوله: و أؤدّب قدری .. أی قدر طاقتی.

و قوله: و أسوق خطوتی .. أی قدر خطوتی.

و اللّفوت: البعیر یلتفت یمینا و شمالا و یروغ.

و قوله: و أكثر الزّجر و أقلّ الضرب .. أی إنّه یقتصر من التأدیب فی السیاسة علی ما یكتفی به حتّی یضطرّ إلی ما هو أشدّ منه و أغلظ.

و قوله: و أشهر بالعصا و أدفع بالید .. یرید أنّه یرفع العصاء یرعب (5) بها و لا یستعملها و لكنّه یدفع بیده.

و (6) قوله: و لو لا ذلك لأعذرت .. أی لو لا هذا التدبیر و السیاسة (7) لخلفت بعض ما أسوق، تقول: أعذر الراعی الشاة أو النّاقة (8) .. إذا تركها، و الشاة العذیرة، و عذرت هی .. إذا تخلّفت عن الغنم، انتهی.

و قد ذكر ابن الأثیر فی النهایة كثیرا من ألفاظ هذه الروایة و فسّرها.

قال (9): فی حدیث عمر: إنّ عمران بن سوادة قال له: أربع خصال

ص: 622


1- فی المصدر: المحجّة.
2- فی الشرح: حتی تعود.
3- فی (س): ینتد.
4- لا توجد الواو فی (س).
5- فی شرح النهج: یرهب.
6- لا توجد الواو فی المصدر.
7- فی الشرح: و هذه السیاسة.
8- جاءت العبارة فی المصدر هكذا: یقال أعذر الراعی الشاة و الناقة.
9- النهایة: 2- 162، و مثله فی لسان العرب 13- 173.

عاتبتك علیها رعیّتك، فوضع عود الدّرّة ثمّ ذقّن علیها و قال: هات. یقال: ذقن علی یده و علی عصاه- بالتّشدید و التّخفیف-: إذا وضعه تحت ذقنه و اتّكأ علیها.

و قال (1) فی قوب: منه .. حدیث (2) عمر إن اعتمرتم فی أشهر الحجّ رأیتموها مجزیة من حجّتكم (3) فكانت قائبة قوب عامها. ضرب هذا مثلا لخلوّ مكّة من المعتمرین فی باقی السّنة، یقال: قیبت البیضة (4) إذا انفلقت عن فرخها و إنّما قیل لها: قائبة (5)، و هی مقوبة علی تقدیر: ذات قوب .. أی ذات فرخ، و المعنی أنّ الفرخ إذا فارق بیضته لم یعد إلیها و كذا إذا اعتمروا فی أشهر الحجّ لم یعودوا إلی مكّة.

و قال (6) فی العنود: و فی حدیث عمر و یذكر سیرته: «و أضمّ العنود» (7) و هو من الإبل: الّذی لا یخالطها و لا یزال منفردا عنها، و أراد: من خرج عن الجماعة أعدته إلیها و عطفته علیها.

وَ قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (8)

وَ فِی حَدِیثِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ- فِی مُتْعَةِ الْحَجِّ-: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَعَلَهَا وَ أَصْحَابَهُ وَ لَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ یَظَلُّوا بِهِنَّ مُعْرِسِینَ تَحْتَ الْأَرَاكِ، ثُمَّ یُلَبُّونَ بِالْحَجِّ یَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ.

، قال: المعرس: الذی

ص: 623


1- النهایة 4- 118، و انظر: لسان العرب 1- 694.
2- فی المصدر: و فی حدیث، و فی (ك): و منه حدیث.
3- فی النهایة: عن حجّكم.
4- هنا سقط قد جاء فی حاشیة (ك) أیضا و هو: یقال: قیبت البیضة فهو مقوبة: إذا خرج فرخها منها، فالقائبة: البیضة، و القوب: الفرخ، و تقوبت البیضة: إذا انفلقت عن فرخها .. إلی آخر ما فی المتن. نهایة. انظر: النهایة 4- 118.
5- فی (س): إنّما هی قائبة.
6- قاله ابن الأثیر فی النهایة 3- 308، و نحوه فی لسان العرب 3- 308.
7- لا توجد فی المصدر: و أضمّ العنود.
8- شرح ابن أبی الحدید 12- 150- 151.

یغشی امرأته. قال: كره أن یحلّ الرجل من عمرته ثم یأتی النساء، ثم یهلّ بالحجّ (1).

و قال فی النهایة (2) فی الأعراس: و منه حدیث عمر نهی عن متعة الحجّ، و قال: قد علمت أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فعله و لكن (3) كرهت أن یظلّوا بها معرسین- أی ملمّین بنسائهم-.

وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (4)، عَنِ التِّرْمِذِیِّ (5)، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَ هُوَ یَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَ رَأَیْتَ إِنْ كَانَ (6) أَبِی یَنْهَی عَنْهَا وَ صَنَعَهَا (7) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، أَمْرُ (8) أَبِی یُتَّبَعُ أَمْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ؟!. فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)، فَقَالَ: لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] (9).

ص: 624


1- و انظر: الفائق 2- 136، و جمع الجوامع للسیوطی كما فی ترتیبه 3- 32 نقلا عن جمهرة من الحفّاظ.
2- النهایة 3- 206، و نظیره فی لسان العرب 6- 135.
3- فی المصدر: و لكنّی- بالیاء-.
4- جامع الأصول 3- 115- 116 حدیث 1401، و أورده القرطبیّ فی تفسیره 2- 365 نقلا عن الدّارقطنیّ.
5- سنن التّرمذیّ 1- 157 كتاب الحجّ باب ما جاء فی التّمتّع حدیث 824، ثمّ قال: و إسناده صحیح، و جاء فی زاد المعاد لابن القیّم 1- 194، و شرح المواهب للزرقانی 2- 252، و مجمع الزّوائد 1- 158، و ذكره بصورتین البیهقیّ فی سننه 5- 21، و قال فی الآخر: أ فكتاب اللّٰه عزّ و جلّ أحقّ أن یتّبع أم عمر؟!.
6- لا توجد: كان، فی (س).
7- الظّاهر أنّ الكلمة فی (س): وضعها. و فی المصدر: نهی عنها.
8- فی المصدر: أ أمر.
9- و قریب منه ما جاء فی مسند أحمد بن حنبل 2- 95 و فی ذیله: أ فرسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم أحقّ أن تتّبع سنّته أم سنّة عمر؟!. و بعد تلك النّصوص الّتی سلفت و تأتی عن صاحب الرّسالة صلوات اللّٰه علیه و آله و سلّم نجد هناك نصوصا مستفیضة عن عبد اللّٰه بن عمر تحكی نهی أبیه عنها، نظیر قوله: أ فصّلوا بین حجّكم و عمرتكم .. اجعلوا الحجّ فی أشهر الحجّ .. اجعلوا العمرة فی غیر أشهر الحجّ .. أتم للعمرة أن یعتمر فی غیر أشهر الحجّ و غیرها، كما فی موطّإ مالك 1- 252، و سنن البیهقیّ 5- 5، و تیسیر الوصول 1- 279، و الدّرّ المنثور 1- 218، و غیرها من المصادر.

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (1)، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ، قَالَ: لَقَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، وَ هَذَا- یَعْنِی مُعَاوِیَةَ- كَافِرٌ بِالْعُرُشِ- یَعْنِی بِالْعُرُشِ .. بُیُوتَ مَكَّةَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ-.

قَالَ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (2)

بَعْدَ حِكَایَتِهَا عَنْ مُسْلِمٍ-: وَ فِی رِوَایَةِ الْمُوَطَّإِ (3) وَ التِّرْمِذِیِّ (4) وَ النَّسَائِیِّ (5)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِی وَقَّاصٍ وَ الضَّحَّاكَ بْنَ قَیْسٍ عَامَ حَجَّ مُعَاوِیَةُ یَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا یَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: بِئْسَمَا قُلْتَ یَا ابْنَ أَخِی. فَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّ عُمَرَ قَدْ نَهَی عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بِأَمْرِهِ، وَ صَنَعَهَا هُوَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ (6).

ص: 625


1- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب جواز التّمتّع حدیث 1225. و انظر ما ذكره فی الغدیر 6- 217.
2- جامع الأصول 3- 113- 114 حدیث 1399.
3- الموطّأ لمالك 1- 344 [1- 148] كتاب الحجّ باب ما جاء فی التّمتّع.
4- سنن التّرمذیّ 1- 157 كتاب الحجّ باب ما جاء فی التّمتّع حدیث 823.
5- سنن النّسائیّ 5- 152- 153 كتاب الحجّ باب التّمتّع باختلاف سندا عمّا هنا، و یشهد له أحادیث فی الباب.
6- و قد جاء فی كتاب الأمّ للشّافعیّ 7- 199، و أحكام القرآن للجصّاص 1- 335، و سنن البیهقیّ 5- 17، و تفسیر القرطبیّ 2- 365 قال: هذا حدیث صحیح، و زاد المعاد لابن القیّم 1- 84، و شرح المواهب للزرقانی 8- 153. و قریب منه ما أورده الدّارمیّ فی سننه 2- 35، و مسلم فی صحیحه كتاب الحجّ باب التّقصیر فی العمرة، و كتاب النّكاح باب نكاح المتعة، و أحمد فی المسند 1- 52 و 174 و 252، و البیهقیّ فی سننه 5- 16، و الطّحاویّ فی معانی الآثار 2- 35. و فی مسند أحمد 1- 337 فی آخر الحدیث جاء: فقال ابن عبّاس: أراهم سیهلكون. أقول: قال النّبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم و یقول: نهی أبو بكر و عمر. و أصرح من ذلك كلّه ما رواه فی 4- 3 منه، فراجع و لاحظ ما ذكره العلّامة الأمینیّ فی غدیره 6- 201، و غیره.

قَالَ (1): لَیْسَ عِنْدَ التِّرْمِذِیِّ: عَامَ حَجَّ مُعَاوِیَةُ.

وَ رَوَی فِی صَحِیحِ مُسْلِمٍ (2) وَ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (3) وَ فِی الْمِشْكَاةِ (4) عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بِالْحَجِّ خَالِصاً وَحْدَهُ، فَقَدِمَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ (5) مِنْ ذِی الْحِجَّةِ فَأَمَرَنَا أَنْ نُحِلَّ، قَالَ عَطَا: قَالَ: أَحِلُّوا وَ أَصِیبُوا النِّسَاءَ، وَ لَمْ یَعْزِمْ عَلَیْهِمْ وَ لَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ. فَقُلْنَا: لَمَّا لَمْ یَكُنْ (6) بَیْنَنَا وَ بَیْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِیَ إِلَی نِسَائِنَا فَنَأْتِیَ عَرَفَةَ یَقْطُرُ مَذَاكِیرُنَا الْمَنِیَّ!. قَالَ جَابِرٌ بِیَدِهِ- كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی قَوْلِهِ بِیَدِهِ یُحَرِّكُهَا- (7).

قَالَ: فَقَامَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فِینَا فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَصْدَقُكُمْ وَ أَبَرُّكُمْ، وَ لَوْ لَا هَدْیٌ لَحَلَلْتُ كَمَا تُحِلُّونَ، وَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْیَ، فَحِلُّوا، فَحَلَلْنَا وَ سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا (8) .. إِلَی هُنَا

ص: 626


1- جامع الأصول 3- 115.
2- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب بیان وجوه الإحرام حدیث 1214، و انظر ما قبله و ما بعده.
3- جامع الأصول 3- 131- 132 ضمن حدیث 1413.
4- مشكاة المصابیح: 1- 226.
5- لا توجد فی جامع الأصول: مضت.
6- فی (س) نسخة بدل: نكن.
7- فی (ك): تحرّكها.
8- أقول: إنّ جابرا و أمثاله حذوا حذو النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) و تبعوا سنّته. و أمّا عمر و أضرابه فقد دعوا لمخالفة النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم فی حال حیاته و بعد مماته و أصرّوا علی شقاق الرّسول صلّی اللّٰه علیه و آله و قد تقدّمت من الرّوایات ما تضمّنت مخالفته. و قد نقل أبو حنیفة- كما فی زاد المعاد لابن القیّم 1- 220- عن الأسود بن یزید قال: بینما أنا واقف مع عمر بن الخطّاب بعرفة عشیّة عرفة فإذا هو برجل مرجّل شعره یفوح منه ریح الطّیب، فقال له عمر: أ محرم أنت؟. قال: نعم. فقال عمر: ما هیئتك بهیئة محرم، إنّما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر. قال: إنّی قدمت متمتّعا و كان معی أهلی، و إنّما أحرمت الیوم. فقال عمر عند ذلك: لا تتمتّعوا فی هذه الأیّام فإنّی لو رخّصت فی المتعة لهم لعرّسوا بهنّ فی الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجّاجا. و ذكر ابن القیّم عن ابن حزم، أنّه قال: و كان ما ذا؟! و حبّذا ذلك و قد طاف النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) علی نسائه ثمّ أصبح محرما، و لا خلاف أنّ الوطء مباح قبل الإحرام بطرفة عین، و اللّٰه أعلم. و قریب منه ما أخرجه أبو یوسف فی كتاب الآثار: 97 عن أبی حنیفة عن حمّاد عن إبراهیم عن عمر.

روایة البخاری (1).

وَ فِی رِوَایَةِ مُسْلِمٍ (2)، قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ سِعَایَتِهِ (3)، فَقَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟. قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: فَأَهْدِ وَ امْكُثْ حَرَاماً، وَ أَهْدَی لَهُ عَلِیٌّ (عَلَیْهِ السَّلَامُ) هَدْیاً، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟.

قَالَ: بَلْ لِأَبَدٍ (4).

ص: 627


1- صحیح البخاریّ 3- 402 و 403 كتاب الحجّ فی أبواب متفرّقة بمضامین متعدّدة، و أورده فی باب المغازی أیضا، و الاعتصام بالكتاب و السّنّة باب نهی النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) عن التّحریم، و رواه أبو داود فی صحیحه المجلّد الحادی عشر باب إفراد الحجّ باختلاف یسیر، و أحمد بن حنبل فی مسنده 3- 317، و غیرهما ممّن جمع الحدیث كثیر لا حاجة إلی ذكرهم.
2- صحیح مسلم 1- 346.
3- السّعایة: هی العمل و السّعی علی جمع الصّدقات، و كان علیّ علیه السّلام قد أرسله النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) إلی الیمن لجمع الصّدقات.
4- فی (س): لأبد. و فی المصدر: للأبد. أقول: و قد رواه البخاریّ فی صحیحه 3- 148 كتاب الحجّ باب عمرة التّنعیم، و القاضی أبو یوسف فی كتاب الآثار: 126، و ابن ماجة فی سننه 2- 230، و أحمد بن حنبل فی المسند 3- 388 و 4- 175، و أبو داود فی سننه 2- 282 كتاب الحجّ باب فی إفراد الحجّ، و النّسائیّ فی صحیحه 5- 178 و 179 كتاب الحجّ باب إباحة فسخ الحجّ بعمرة لمن لم یسق الهدی، و البیهقیّ فی سننه 5- 19، و غیرهم. قال شیخنا الأمینیّ فی غدیره 6- 213: .. هذا شطر من أحادیث المتعتین، و هی تربو علی أربعین حدیثا بین صحاح و حسان- تعرب عن أنّ المتعتین كانتا علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و نزل فیهما القرآن و ثبتت إباحتهما بالسّنّة، و أوّل من نهی عنهما عمر، و قد عدّه العسكریّ فی أولیاته، و السّیوطیّ فی تاریخ الخلفاء: 93، و القرمانی فی تاریخه- هامش الكامل- 1- 203 أنّه أوّل من حرّم المتعة. أقول: فی هذا الباب أحادیث كثیرة جدّا عن طریق العامّة دالّة علی إباحتها- إن لم نقل علی استحبابها- لم یتعرّض العلّامة الأمینی لها فی غدیره لخلوها عن نهی عمر، و لعلّ فیما ذكرناه كفایة لمن یستمع القول و یلقی السّمع و یتّبع أحسنه.

فهذه جملة من الأخبار العامیّة.

و أخبار الخاصّة فی ذلك أكثر من أن یمكن إیرادها هنا، و سیأتی بعضها فی كتاب الحجّ (1)، و كتب أخبارنا مشحونة بها (2).

و أجاب المخالفون: أمّا عن متعة النساء، فبأنّها كانت علی عهد الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله ثمّ نسخت، و عوّلوا فی ذلك علی روایات متناقضة أوردوها فی كتبهم تركناها مخافة الإطناب، و أجیب عنها بوجوه:

الأول: أنّ تناقض تلك الروایات تدلّ علی كونها موضوعة، إذ بعضها یدلّ علی أنّها نسخت یوم خیبر، و بعضها یدلّ علی أنّ الإباحة و التحریم كانا فی مكة قبل الخروج منها بعد الفتح، و بعضها یدلّ علی أنّهم شكوا العزوبة فی حجّة الوداع فأذن لهم فی المتعة، و بعضها یدلّ أنّها ما حلّت (3) إلّا فی عمرة القضاء، و كانت بعد فتح خیبر، و قد دلّ بعض روایاتهم علی أنّها نسخت یوم (4) خیبر كما عرفت، و بعضها علی أنّها نسخت فی غزوة تبوك، و بعضها علی أنّها كانت مباحة فی أول الإسلام حتّی نسخت بقوله تعالی: إِلَّا عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُهُمْ (5).

و لا ریب فی أنّه لا یعبّر عن عام حجّة الوداع و الفتح و خیبر و تبوك بأوّل الإسلام، علی أنّ هذه الآیة- التی تدلّ روایتهم عن ابن عباس علی نسخ المتعة

ص: 628


1- بحار الأنوار 99- 86- 101.
2- انظر: علل الشرائع: 412- 413، 415، و عیون أخبار الرضا (علیه السلام) 2- 15، 124، و خصال الصدوق 1- 69 و 2- 394، و أمالی الشیخ الطوسیّ 2- 15، و قرب الإسناد: 104، 106، 107، 169، و دعائم الإسلام 1- 317 و 318 و 319، و غیرها كثیر.
3- فی (ك): حللت.
4- لا توجد فی (س): یوم. و هی نسخة بدل فی (ك).
5- المؤمنون: 6.

بها- تكرّرت فی سورتین: سورة المعارج (1)، و سورة المؤمنون (2)، و هما مكیّتان كما ذكره المفسّرون (3)، فكیف كان الإذن بها و النهی عنها فی حجّة الوداع، و عام الفتح، و غیرهما؟! و لهذا (4) الاختلاف الفاحش التجئوا إلی التشبّث بوجوه فاسدة سخیفة فی الجمع بینها، كالقول بتكرّر الإباحة و التحریم، و حمل التحریم فی بعضها علی التأبید (5)، و فی بعضها علی التأكید، و ذكروا وجوها سخیفة أخری لا نسوّد (6) الكتاب بذكرها، و ما رووه عن الحسن أنّه: ما حلّت إلّا فی عمرة القضاء (7) ظاهر المناقضة لتلك الوجوه.

و بالجملة، هذا النوع من الاختلاف فی الروایة دلیل واضح علی كذب الراوی.

الثانی: أنّ ما سبق من روایات جابر و غیرها صریح فی أنّ العمل بإباحة المتعة كان مستمرا إلی منع عمر بن الخطاب عنها. و القول بأنّ جابر أو غیره من الصحابة لم یبلغهم النسخ إلی زمان عمر .. ظاهر الفساد، و هل یجوّز عاقل أن یبعث رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله منادیه ینادی بإباحة المتعة بین الناس- كما مرّ- و یبوح بإباحتها (8) و یتلو الآیة الدالّة علی حلّها، ثم لمّا (9) نسخ الحكم یخفیه عن طائفة من أصحابه و لا یعلن به بحیث لم یبلغ نسخ الحكم مثل جابر- مع شدّة ملازمته

ص: 629


1- المعارج: 30.
2- المؤمنون: 6.
3- كما فی الدرّ المنثور 5- 3، 6- 415، و الكشّاف 3- 174، 4- 148، و غیرهما.
4- فی (س): خطّ علی اللام فی: لهذا.
5- فی (ك): التأیید.
6- فی (س): لا تسود، و ما أثبتناه هو الظاهر.
7- كما رواه النسائی فی سننه كتاب المناسك: 109، 121، و الترمذی فی كتاب الأدب: 70، و غیرهما.
8- أی یظهر إباحتها، یقال: باح بسرّه .. أی أظهره، كما فی الصحاح 1- 357.
9- وضع علی: لما، فی (ك) رمز نسخة بدل.

للرسول صلّی اللّٰه علیه و آله فی السفر و الحضر- حتّی كانوا یداومون علی منكر شنیع یری عمر رجم من ارتكبه، كما رواه مالك فی الموطأ (1).

و بالجملة، دعوی كون الحكم فی نسخ مثل هذا الحكم بحیث یخفی علی مثل جابر و ابن مسعود و ابن عباس و أضرابهم، بل علی أكثر الصحابة- علی ما هو الظاهر من قول جابر: كنّا نستمتع علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و أبی بكر و عمر- دعوی واضح الفساد.

الثالث: أَنَّ الرِّوَایَةَ الْمَشْهُورَةَ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ فِی خُطْبَتِهِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]وَ (2) أَنَا أَنْهَی عَنْهُمَا وَ أُعَاقِبُ عَلَیْهِمَا (3) .. صریحة فی دوام الحكم بحلّها إلی ذلك الزمان، و كذلك یشهد بعدم

ص: 630


1- الموطأ لمالك 2- 30 كتاب النكاح 41، و هناك روایات جمّة فی الباب. و قد أورد بعضها ابن ماجة فی سننه: 44 كتاب النكاح. أقول: قد جاء قول عمر فی رجم رجل تزوّج امرأة إلی أجل فی مصادر متعدّدة بألفاظ مختلفة، و إلیك بعضها: روی مسلم فی صحیحه 1- 476، و الجصّاص فی أحكام القرآن 2- 178، و الرازیّ فی تفسیره 3- 26، و الهندی فی كنز العمّال 8- 293 و قال: أخرجه ابن جریر، و السیوطی فی الدّر المنثور 1- 216 و فیه: قول عمر هكذا: و انتهوا [و ابتوا] عن نكاح هذه النساء، لا أوتی برجل نكح [تزوّج] امرأة إلی أجل إلّا رجمته. و نصّ علی بعضها ابن الجوزی فی مرآة الزمان. و أورده الطیالسی فی مسنده 8- 247 هكذا: و اتّبعوا نكاح هذه النساء، فلا أوتی برجل تزوّج امرأة إلی أجل إلّا رجمته. و أورده البیهقیّ فی سننه الكبری 5- 21 و 7- 206، و بألفاظ أخر: كنكح امرأة .. أو: إلّا غیّبته بالحجارة. و جاء فی مسند الشافعی: 132، عن عروة بن الزبیر- فی حدیث-، قال فیه عمر: هذه المتعة، و لو كنت تقدّمت فیه لرجمت، و قال فی كتاب الأم 7- 219، و ذكر الجصّاص 1- 342 و 345 و 2- 184 قول عمر: و متعة النساء لو تقدّمت لرجمته. و نقل البیهقیّ 7- 206 فی متعة النساء: و لا أقدر علی رجل تزوّج امرأة إلی أجل إلّا غیّبته بالحجارة. و قال: أخرجه مسلم فی الصحیح من وجه آخر عن همّام. و لعلّ هذه الألفاظ الصادرة منه تفسیر لقوله: أعاقب علیهما، علی متعة الحجّ و متعة النساء.
2- لا توجد الواو فی (س).
3- و قد سلفت منّا جملة من مصادر قوله: أنا أنهی عنهما و أعاقب علیهما، و نذكر هنا جملة أخری منها: شرح معانی الآثار للطحاوی، كتاب الحجّ: 374 و 375 و 401، كنز العمّال 8- 293- 294 بطریقین، و قال: أخرجهما ابن جریر، و البیان و التّبیین للجاحظ 2- 223، و أحكام القرآن للجصاص 1- 242 و 245 و 2- 184، و تفسیر القرطبیّ 2- 370، و المبسوط للسرخسی باب القران من كتاب الحجّ و صحّحه، و جاء فی زاد المعاد لابن القیّم 1- 444، و قال: ثبت عن عمر، و تفسیر الفخر الرّازیّ 2- 167 و 3- 201، 222، و ضوء الشّمس 2- 94، و تاریخ ابن خلّكان 2- 359، و غیرها.

نسخها عدم اعتذار عمر بالنسخ فی الروایة السابقة، و اعتذاره بأنّ حلّها كان فی زمان ضرورة، و هل یجوّز عاقل أنّه كان عالما بنسخها و نهی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله عنها و مع ذلك یعتذر بمثل هذا العذر الظاهر الفساد؟! فإنّ إباحة حكم فی زمان لا یقتضی تقیید الإباحة بها، و ترك عمل الصحابة بأمر مباح- علی تقدیر تسلیمه- لا یدلّ علی عدم (1) إباحته (2)، علی أنّ ذلك شهادة نفی فی أمر محصور، و یكذّبه قول جابر و غیره: كنّا نستمتع .. إلی زمن نهیه، و لو كان مستنده عدم اطّلاعه علی عمل الصحابة بها بعد زمان (3) الضرورة فبطلانه أوضح.

الرابع: أنّ المتعة لو كانت منسوخة لما خفی ذلك علی أهل بیته صلّی اللّٰه علیه و آله- و هم أعلم بما فی البیت- و قد أجمعوا علی حلّها، و إجماعهم حجّة، و إنكار قولهم بذلك مكابرة واضحة.

و أمّا متعة الحجّ، فقد عوّلوا فی دفع الطعن فیها علی أنّه نهی عنه عمر و كذلك عثمان- كما سبق- علی وجه التنزیه، لكون الإفراد أفضل لا علی وجه التحریم، و فیه نظر من وجوه:

الأول: أنّ قول عمر: أنا أحرّمهما .. ظاهر فی التحریم، و لو سلّمنا كون بعض الروایات: أنا أنهی عنهما و أعاقب علیهما .. فمع (4) أنّ الظاهر من لفظ

ص: 631


1- لا توجد: عدم، فی (س).
2- فی (ك): إباحة- بلا ضمیر-.
3- فی (ك): الزمان، و هو خلاف الظاهر.
4- فی المطبوع من البحار: و فمع. و لا معنی لها.

النهی أیضا التحریم، قد قرن بالتحریم و النهی قوله: أعاقب علیهما، و لا ریب فی أنّ المعاقبة تنافی التنزیه.

الثانی: أنّه لو كان نهیه عن متعة الحجّ للتنزیه لكان نهیه عن متعة النساء أیضا كذلك، للتعبیر عنهما بلفظ واحد، و لم یقل أحد بأنّه نهی عن متعة النساء تنزیها، مع أنّه قد مرّ أنّه أوعد علیها بالرجم، و قد سبق فی روایة عائشة أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله دخل علیها غضبان لذلك، و كیف یغضب صلّی اللّٰه علیه و آله لعدول الناس فی عبادة ربّهم إلی الأفضل أو لتردّدهم فیه، بل لا یشكّ منصف فی أنّ ما تضافرت به الروایات من

قَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْیَ، وَ لَوْ لَا أَنَّ مَعِیَ الْهَدْیَ لَأَحْلَلْتُ ..

دلیل قاطع علی بطلان أفضلیّة الإفراد كما زعموه.

و بالجملة، القول بأنّ أمره صلّی اللّٰه علیه و آله بالإحلال و العدول إلی التمتّع كان أمرا بالمرجوح لبیان الجواز، ظاهر الفساد.

الثالث: أنّ روایة عمران بن سوادة اللیثی واضحة الدلالة علی أنّ نهیه عنها كان علی وجه التحریم، كما لا یخفی علی من تأمّل فیها، و لو كان نهیه علی وجه التنزیه لقال: إنّی ما حرّمتها علیهم و لكنّی أمرتهم بأفضل الأفراد، و قد تقدّم فی روایة ابن حصین قوله: لم ینزل قرآن یحرّمه و لم ینه عنها حتّی مات. قال رجل برأیه ما شاء (1).

و قال البخاری: یقال إنّه عمر (2)، و من تأمّل فی الأخبار لا یشكّ فی أنّه لم یكن الكلام فی أفضلیّة التمتّع أو الإفراد، بل فی جواز التمتّع أو حرمته.

الرابع: أنّه لو كان نهی عمر و عثمان عن المتعة أمرا بالأفضل فلما ذا كان أمیر

ص: 632


1- قد مرّت الروایة بمصادرها.
2- و قد جاءت فی بعض نسخ صحیح البخاریّ، كما نصّ علی ذلك العلّامة الأمینی فی الغدیر 6- 199، و حكی عن غیر واحد منهم، كما نقله الإسماعیلی عن البخاری، و لعلّه حذف منه أو حرّف. و انظر: تفسیر ابن كثیر 10- 233، و فتح الباری لابن حجر 4- 339، و الإرشاد للقسطلانی 4- 169، و شرح مسلم للنووی، و غیرها.

المؤمنین علیه السلام ینازع عثمان، و عثمان ینازعه، كما مرّ.

وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (1)، عَنِ الْمُوَطَّإِ (2) بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِیهِ [عَلَیْهِمَا السَّلَامُ]أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ دَخَلَ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ [عَلَیْهِ السَّلَامُ] بِالسُّقْیَا، وَ هُوَ یَنْجَعُ بَكَرَاتٍ لَهُ دَقِیقاً وَ خَبَطاً. فَقَالَ: هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ یَنْهَی أَنْ یُقْرَنَ بَیْنَ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ، فَخَرَجَ عَلِیٌّ [عَلَیْهِ السَّلَامُ]وَ عَلَی یَدَیْهِ أَثَرُ الدَّقِیقِ وَ الْخَبَطِ،- فَمَا أَنْسَی الْخَبَطَ وَ الدَّقِیقَ عَلَی ذِرَاعَیْهِ- حَتَّی دَخَلَ عَلَی عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: أَنْتَ تَنْهَی عَنْ أَنْ یُقْرَنَ بَیْنَ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ؟. فَقَالَ عُثْمَانُ:

ذَلِكَ رَأْیٌ. فَخَرَجَ (3) عَلِیٌّ [عَلَیْهِ السَّلَامُ] مُغْضَباً وَ هُوَ یَقُولُ: لَبَّیْكَ اللَّهُمَّ (4) بِحَجَّةٍ وَ عُمْرَةٍ مَعاً.

و معلوم من سیرته علیه السلام أنّه كان لا یجاهر الخلفاء بالخلاف و لا یعارضهم إلّا فی عظائم الأمور، بل كان یداریهم و یتّقی (5) شرّهم ما استطاع، و لا یظهر الخلاف إلّا فی البدع الشنیعة، و هل یجوّز عاقل أن یأمر عثمان بطاعة (6) اللّٰه تعالی بما هو أرضی عنده ثم یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: ما ترید إلّا أن تنهی عن أمر فعله النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله؟. و یرفع صوته بین الناس بما نهی عنه مع علمه بأنّ ذلك یثمر العداوة و یثیر الفتنة.

و البكرة: الفتیة من الإبل (7).

ص: 633


1- جامع الأصول 3- 105 حدیث 1391.
2- الموطأ 1- 336 كتاب الحجّ، باب القران فی الحجّ، و جاء ما بمعناه فی الصّحیحین و غیرهما كما تقدّم.
3- لا توجد: فخرج، فی (س).
4- فی المصدر: لبّیك اللّٰهمّ لبّیك.
5- فی (ك): و ینفی.
6- جاء فی (س): فی طاعة.
7- كما ذكره ابن الأثیر فی النهایة 1- 149، و الجوهریّ فی الصحاح 2- 595، و الطریحی فی مجمع البحرین 3- 229، و غیرهم.

و الخبط- بالتحریك-: الورق السّاقط من الشّجر، و هو من علف الإبل (1).

و ینجع .. أی یعلفها النّجوع، و النّجیع: و هو أن یخلط العلف من الخبط و الدّقیق بالماء ثمّ تسقی الإبل (2).

و السّقیا- بالضم-: منزل بین مكّة و المدینة (3).

تذییل:

اعلم، أنّه لا یشكّ عاقل- بعد التأمّل

فِیمَا رَوَتِ الْخَاصَّةُ وَ الْعَامَّةُ فِی تِلْكَ الْقِصَّةِ- أَنَّ هَذَا الشَّقِیَّ جَبَهَ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِالرَّدِّ حِینَ أَدَّی عَنِ اللَّهِ تَعَالَی حُكْمَ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ، وَ وَاجَهَهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِأَلْفَاظٍ رَكِیكَةٍ، بَعْدَ قَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: هَذَا جَبْرَئِیلُ یَأْمُرُنِی أَنْ آمُرَ مَنْ لَمْ یَسُقْ هَدْیاً أَنْ یُحِلَّ ..

وَ لَجَّ فِی ذَلِكَ حَتَّی أَغْضَبَهُ وَ أَحْزَنَهُ- كَمَا مَرَّ فِی خَبَرِ عَائِشَةَ- وَ قَالَ: إِنَّكَ لَمْ تُؤْمِنْ بِهَذَا أَبَداً،.

كما ورد فی روایات أهل البیت علیهم السلام (4).

ثم لمّا لم یمكنه رفع هذا الخبر أضمر فی نفسه الخبیثة ذلك إلی أن استولی علی الأمر و تمكّن، فقام خطیبا و صرّح بأنّه یحرّم ما أحلّه النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و حثّ علیه، و أحیا سنّة أهل الشرك و الجاهلیّة، و شنع علیه صلّی اللّٰه علیه و آله بالوجوه الركیكة التی ذكرها اعتذارا من ذلك، فكیف یكون مثل هذا مؤمنا؟! و قد قال عزّ و جلّ: فَلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَكِّمُوكَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا

ص: 634


1- جاء فی النهایة 2- 7، و انظر: مجمع البحرین 4- 224، و القاموس 2- 356، و غیرهما.
2- ذكره ابن الأثیر فی النهایة 5- 22 مع الفقرة الأولی من الروایة، و ابن منظور فی لسانه 8- 348.
3- انظر: معجم البلدان 3- 228، و مراصد الاطّلاع 2- 721، و قد جاء أیضا فی نهایة ابن الأثیر 2- 382، و لاحظ: مجمع البحرین 1- 221، و القاموس 4- 343.
4- كما جاءت فی علل الشرائع للصدوق: 412 و 413، و بحار الأنوار 99- 88- 89 و 90، و وسائل الشیعة 8- 150- 154 و 157- 158 و 164 و 165- 166 و 168- 169، و تهذیب الشیخ الطوسیّ 1- 576، و فروع الكافی 1- 233 و 234، و من لا یحضره الفقیه 1- 84 و 112، و عیون أخبار الرضا (علیه السلام): 263 و 264، و إعلام الوری: 80 [138]، و غیرها كثیر.

فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلِیماً (1).

تتمیم:

أجاب الفخر الرازی فی تفسیره (2) عن الطعن بنهیه عن متعة الحجّ بوجه آخر، حیث قال: التمتّع (3) بالعمرة إلی الحجّ هو أن یقدم مكة فیعتمر فی أشهر الحجّ ثم یقیم حلالا بمكة (4) حتی ینشئ منها الحجّ فیحجّ فی (5) عامه ذلك ..، و هذا (6) صحیح و (7) لا كراهة فیه (8)، و هاهنا نوع آخر (9) مكروه، و هو الذی خطب به عمر (10)، و هو أن یجمع بین الإحرامین ثم یفسخ الحجّ إلی العمرة فیتمتّع (11) بها إلی الحجّ.

و روی أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم أذن لأصحابه فی ذلك، ثم نسخ.

و هو باطل بوجوه:

الأول: أنّ هذا المعنی لا یفهم من التمتّع عند الإطلاق، و إنّما یفهم منه المعنی المعروف عند فقهاء الفریقین، و لا ریب فی أنّ الناس قدیما و حدیثا لم یفهموا

ص: 635


1- النساء: 65.
2- تفسیر الفخر الرازیّ 5- 153.
3- فی المصدر: المتمتّع.
4- فی التفسیر: بمكّة حلالا- بتقدیم و تأخیر-، و لا توجد فیه: حتی.
5- فی المصدر: من، بدلا من: فی.
6- ذكر الفخر الرازیّ وجه التسمیة ثمّ قال: و التمتّع علی هذا الوجه ..
7- لا توجد الواو فی المصدر.
8- لا توجد: فیه، فی (س).
9- نوع آخر من التمتّع: هكذا جاء فی المصدر.
10- فی التفسیر: حذر عنه عمر. و هنا سقط جاء فیه، و هو: و قال: متعتان كانتا علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم و أنا أنهی عنهما و أعاقب علیهما: متعة النساء و متعة الحجّ. و المراد من هذه المتعة أن یجمع.
11- فی المصدر: و یتمتّع.

من المتعة و منعها غیر المعنی المعروف، و إنّما ذلك معنی تكلّفه المتعصّبون لضیق الخناق.

الثانی: أنّ روایات عمران بن حصین فی أنّ: ما نهی عنه الرجل و قال فیه برأیه ما شاء، هو المعنی المعروف، و إیقاع العمرة فی أشهر الحجّ، و ظاهر أنّ النهی عن المتعة و القول بالرأی فیها لم یكن من غیر عمر، و لذا لم یصرّح عمران به تقیّة (1).

الثالث: أنّه قد مرّ فی روایة أبی موسی، أنّه علّل عمر ما أحدثه فی شأن النسك بقوله، كرهت أن یظلّوا معرسین .. و ظاهر أن هذا التعلیل یقتضی (2) المنع عن المتعة بالمعنی المعروف، و الروایة صریحة فی أنّ أبا موسی كان یفتی بالمتعة فحذّره الرجل عن مخالفة عمر.

الرابع: أنّ روایة عمران بن سوادة صریحة فی اعتراف عمر بأنّه حرّم المتعة فی أشهر الحجّ معلّلا بما ذكر فیها، و كذا روایة الترمذی عن ابن عمر صریحة فی أنّه نهی عن التمتّع بالعمرة إلی الحجّ، و كذا غیرهما ممّا سبق من الروایات.

الخامس: أنّه لو كان ما نهی عنه و حرّمه عمر أمرا منسوخا فی زمن الرسول (صلی اللّٰه علیه و آله) لأنكر علی عمران بن سوادة قوله: لم یحرّمهما رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و لا أبو بكر، و قد صدّقه و علّل التحریم بما سبق.

و بالجملة، لا مجال للشكّ فی أنّ ما حرمه عمر هو التمتّع بالعمرة إلی الحجّ الذی صرّحت روایات الفریقین (3) بأنّه حكمه باق إلی یوم القیامة، و أنّه للأبد،

ص: 636


1- و قد مرّت القصّة بمصادرها، و نزیدها بما أخرجه القرطبیّ فی تفسیره 2- 365، و عدّ لها العلّامة الأمینی فی غدیره 6- 198- 199 جملة من المصادر، فلاحظ.
2- فی (ك): یقضی.
3- قد سلفت مجموعة كبیرة من الروایات بهذا المضمون كادت أن تكون متواترة، انظر: صحیح النسائی 2- 23، و صحیح ابن ماجة: 220 أبواب المناسك، صحیح أبی داود 11 باب إفراد الحجّ، مسند أحمد بن حنبل 1- 236، 253 و 259 و 292 و 366 و 388، و غیرها من مواضع كتابه و كتب أخری منهم.

و أبد الأبد، بل إنّه نهی عن أعمّ منه و هو الاعتمار فی أشهر الحجّ (1).

و لنعم ما حكی الشهید الثانی، قال (2): وجدت فی بعض كتب الجمهور أنّ رجلا كان یتمتّع بالنساء، فقیل له: عمّن أخذت حلّها؟. قال: عن عمر. قیل له: كیف ذلك و عمر هو الذی نهی عنها و عاقب علیها؟. فقال: لِقَوْلِهِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَنَا أُحَرِّمُهُمَا (3) وَ أُعَاقِبُ عَلَیْهِمَا، مُتْعَةُ

ص: 637


1- عدّ شیخنا الأمینی- رحمه اللّٰه- فی الغدیر 6- 214- 220 جملة من الشبهات و ناقشها بما لا مزید علیه، و لا نری حاجة لسردها.
2- انظر: الروضة البهیّة فی شرح اللمعة الدمشقیة 5- 245- 284.
3- أقول: إنّ العلّة فی تحریم عمر لمتعة الحجّ- و قد أحلّها اللّٰه و رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله للأبد! كما مرّ- ففیها جملة روایات نذكر منها مثالا: منها: ما ورد فی صحیح مسلم كتاب الحجّ باب فی نسخ التّحلّل عن أبی موسی الأشعریّ فی حدیث، و فیه .. فقال عمر: قد علمت أنّ النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) قد فعله و أصحابه و لكن كرهت أن یظلّوا معرّسین بهنّ فی الأراك، ثمّ یروحون فی الحجّ تقطر رءوسهم. و سنن النّسائیّ 2- 15، و صحیح ابن ماجة أبواب المناسك، باب التّمتّع بالعمرة إلی الحجّ، و مسند أحمد بن حنبل 1- 49، 50، و سنن البیهقیّ 5- 5، 20 بطریقین، و غیرها. و انظر: شرح معانی الآثار للطحاوی فی كتاب مناسك الحجّ: 375 و 401 عدّة روایات، و حلیة الأولیاء لابن نعیم 5- 205 فیه روایتان و غیرها. و قد أفاد السّیّد الفیروزآبادیّ- رحمه اللّٰه- فی كتابه السّبعة من السّلف: 69 علّة التّحریم بما حاصله: أنّ العلّة فی نهیه عن متعة الحجّ هو إحیاء سنّة الجاهلیّة و أهل الشّرك، لما مرّ من الرّوایات فی الباب من أنّ العمرة فی أشهر الحجّ كانت من أفجر الفجور عندهم فی الأرض، و كانوا یقولون: إذا برأ الدبر و عفا الأثر و انسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر .. فراجع. و انظر أیضا ما فصّله شیخنا الأمینی- رحمه اللّٰه- فی الغدیر 6- 213- 216. و قد تعجب ابن عبّاس ممّن ترك سنّة النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و اتّبع قول أبی بكر و عمر، حیث روی سعید بن جبیر، عن ابن عبّاس قال: تمتّع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم، فقال عروة: نهی أبو بكر و عمر عن المتعة؟. فقال ابن عبّاس: ما یقول عریة؟!. قال: یقول نهی أبو بكر و عمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس: أراهم سیهلكون، أقول: قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم و یقولون: قال أبو بكر و عمر. ذكره أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 337، و أبو عمر فی كتاب مختصر العلم: 226، و الذهبی فی تذكرة الحفّاظ 3- 53، و ابن القیّم فی زاد المعاد 1- 219. أقول: و یظهر من هذه الرّوایة أنّ النّهی عن المتعة كان فی زمان أبی بكر أیضا، و لكنّ التّهدید و إسقاط المتعة عن جامعة المسلمین حدثت فی زمن عمر كما فی الرّوایات الآخر، فتدبّر. و یكفینا فی المقام ما جاء عن حبر الأمّة- ابن عبّاس- إذ یقول: و اللّٰه ما أعمر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم عائشة فی ذی الحجّة إلّا لیقطع بذلك أمر أهل الشّرك. و قال: كانوا یرون أنّ العمرة فی أشهر الحجّ من أفجر الفجور فی الأرض. كما ذكره البخاریّ فی صحیحه 3- 69، و مسلم فی صحیحه 1- 355، و البیهقیّ فی سننه 4- 345، و النّسائیّ فی سننه 5- 180، و غیرهم.

الْحَجِّ وَ مُتْعَةُ النِّسَاءِ، فأنا أقبل روایته فی شرعیّتها علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و لا أقبل نهیه (1) من قبل نفسه (2).

ص: 638


1- جاء عن ابن عبّاس- كما أخرجه النسائی فی سننه 5- 153- أنّه قال: سمعت عمر یقول: و اللّٰه إنّی لأنهاكم عن المتعة، و إنّها لفی كتاب اللّٰه، و لقد فعلها رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم!! یعنی العمرة فی الحجّ. و إنّ ابن عبّاس قال- لمن كان یعارضه فی متعة الحجّ بأبی بكر و عمر-: فقد تمتّعنا مع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم و لم ینهنا عن ذلك، فأضرب عن ذلك عمر، و أراد أن ینهی عن حلل الحبرة لأنّها تصبغ بالبول، فقال له أبیّ: لیس لك ذلك، قد لبسهنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم و لبسناهنّ فی عهده. أخرجه إمام الحنابلة فی مسنده 5- 143، و ذكره البیهقیّ فی مجمع الزوائد 3- 246 نقلا عن أحمد، و قال: رجاله رجال صحیح، و السیوطی فی جمع الجوامع، كما فی ترتیبه 3- 33 نقلا عن أحمد، و قریب منه ما فی الدرّ المنثور 1- 216 نقلا عن مسند ابن راهویه و أحمد. و روی ابن القیّم الجوزیة فی زیاد المعاد 1- 220 عن طریق علیّ بن عبد العزیز البغوی: أنّ عمر أراد أن یأخذ مال الكعبة و قال: الكعبة غنیّة عن ذلك المال، و أراد أن ینهی أهل الیمن أن یصبغوا بالبول، و أراد أن ینهی عن متعة الحجّ، فقال أبیّ بن كعب: قد رأی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم و أصحابه هذا المال و به و بأصحابه حاجة إلیه فلم یأخذه و أنت فلا تأخذه، و قد كان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم و أصحابه یلبسون الثیاب الیمانیة فلم ینه عنها، و قد علم أنّها تصبغ بالبول، و قد تمتّعنا مع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فلم ینه عنها و لم ینزل اللّٰه تعالی فیها نهیا، قد سلف.
2- ذكر الطعن الرابع العلّامة الأمینی فی غدیره مفصّلا 3- 306 و 329- 333 و 6- 198- 240، و أجمله السیّد الفیروزآبادی فی السبعة من السلف: 56- 77، و تعرّض له غیرهما من أعلامنا طاب ثراهم.

الطعن الخامس:

إنّه عطّل حدّ اللّٰه فی المغیرة بن شعبة لمّا شهدوا علیه بالزنا، و لقّن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة اتّباعا لهواه، فلمّا فعل ذلك عاد إلی الشهود و فضحهم و حدّهم، فتجنّب أن یفضح المغیرة- و هو واحد و كان آثما- و فضح الثلاثة، و عطّل حدّ اللّٰه و وضعه فی غیر موضعه.

قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1): - رَوَی الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِیهِ، قَالَ: كَانَ الْمُغِیرَةُ یَخْتَلِفُ إِلَی أُمِّ جَمِیلٍ- امْرَأَةٍ مِنْ بَنِی هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ- وَ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مِنْ ثَقِیفٍ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ یُقَالُ لَهُ: الْحَجَّاجُ بْنُ عُبَیْدٍ، وَ كَانَ الْمُغِیرَةُ- وَ هُوَ أَمِیرُ الْبَصْرَةِ- یَخْتَلِفُ إِلَیْهَا سِرّاً، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ فَأَعْظَمُوا، فَخَرَجَ الْمُغِیرَةُ یَوْماً مِنَ الْأَیَّامِ (3) فَدَخَلَ عَلَیْهَا- وَ قَدْ وَضَعُوا عَلَیْهِمَا الرَّصَدَ- فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ الَّذِینَ شَهِدُوا عِنْدَ عُمَرَ فَكَشَفُوا السِّتْرَ فَرَأَوْهُ قَدْ وَاقَعَهَا، فَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَی عُمَرَ، وَ أَوْفَدُوا إِلَیْهِ بِالْكِتَابِ أَبَا بَكْرَةَ، فَانْتَهَی أَبُو بَكْرَةَ إِلَی الْمَدِینَةِ، وَ جَاءَ إِلَی بَابِ عُمَرَ فَسَمِعَ صَوْتَهُ وَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُ حِجَابٌ، فَقَالَ: أَبُو بَكْرَةَ؟. فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَقَدْ جِئْتَ لِشَرٍّ!. قَالَ: إِنَّمَا جَاءَ بِهِ (4) الْمُغِیرَةُ .. ثُمَّ قَصَّ عَلَیْهِ الْقِصَّةَ وَ عَرَضَ عَلَیْهِ الْكِتَابَ، فَبَعَثَ (5) أَبَا مُوسَی عَامِلًا وَ أَمَرَهُ أَنْ یَبْعَثَ إِلَیْهِ الْمُغِیرَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو مُوسَی الْبَصْرَةَ وَ قَعَدَ فِی الْإِمَارَةِ أَهْدَی إِلَیْهِ الْمُغِیرَةُ عَقِیلَةَ (6)، وَ قَالَ: وَ إِنَّنِی قَدْ رَضِیتُهَا

ص: 639


1- شرح ابن أبی الحدید 12- 231- 234 [3- 161 أربع مجلّدات] بتصرف.
2- تاریخ الطّبریّ 4- 207 [3- 168] باختصار و اختلاف یسیر.
3- فی الشّرح زیادة: إلی المرأة.
4- فی الطّبریّ: بی، بدلا من: به.
5- فی الطّبریّ زیادة: عمر.
6- جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: قال الفیروزآبادی: العقیلة- كسفینة- الكریمة المخدّرة، و من القوم: سیّدهم، و من كلّ شی ء: أكرمه. و قال: الغرمول- بالضّمّ-: الذّكر. و قال: ناغاه: أی باراه و عارضه. [منه (رحمه اللّٰه تعالی)]. انظر: القاموس 4- 19 فی مادّة عقل، و 4- 24 فی مادّة غرمول- بالغین المعجمة و الرّاء المهملة و قال فی 4- 394: ناغاه: داناه و باراه، و المرأة: غازلها.

لَكَ، فَبَعَثَ أَبُو مُوسَی بِالْمُغِیرَةِ إِلَی عُمَرَ.

قَالَ الطَّبَرِیُّ (1): وَ رَوَی الْوَاقِدِیُّ (2)، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ (3)، قَالَ: قَدِمَ الْمُغِیرَةُ عَلَی عُمَرَ فَتَزَوَّجَ فِی طَرِیقِهِ امْرَأَةً مِنْ بَنِی مُرَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ لَفَارِغُ الْقَلْبِ شَدِیدٌ الشَّبَقِ، طَوِیلُ العزمول [الْغُرْمُولِ] (4). ثُمَّ سَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ فَقِیلَ لَهُ: یُقَالُ لَهَا:

الرَّقْطَاءُ، كَانَ زَوْجُهَا مِنْ ثَقِیفٍ، وَ هِیَ مِنْ بَنِی هِلَالٍ.

قَالَ الطَّبَرِیُّ (5): وَ كَتَبَ إِلَیَّ السَّرِیُّ، عَنْ شُعَیْبٍ، عَنْ سَیْفٍ: أَنَّ الْمُغِیرَةَ كَانَ یُبْغِضُ أَبَا بَكْرَةَ، وَ كَانَ أَبُو بَكْرَةَ یُبْغِضُهُ، وَ یُنَاغِی (6) كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ یُنَافِرُهُ عِنْدَ كُلِّ مَا یَكُونُ مِنْهُ، وَ كَانَا مُتَجَاوِرَیْنِ بِالْبَصْرَةِ بَیْنَهُمَا طَرِیقٌ، وَ هُمَا فِی مَشْرَبَتَیْنِ مُتَقَابِلَتَیْنِ، فَهُمَا فِی دَارَیْهِمَا فِی كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُوَّةٌ مُقَابِلَةُ الْأُخْرَی، فَاجْتَمَعَ إِلَی أَبِی بَكْرَةَ نَفَرٌ یَتَحَدَّثُونَ فِی مَشْرَبَتِهِ، فَهَبَّتْ رِیحٌ فَفَتَحَتْ بَابَ الْكُوَّةِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرَةَ لِیَصْفِقَهُ فَبَصُرَ بِالْمُغِیرَةِ وَ قَدْ فَتَحَ (7) الرِّیحُ بِالْكُوَّةِ الَّتِی فِی مَشْرَبَتِهِ، وَ هُوَ بَیْنَ رِجْلَیِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ لِلنَّفَرِ: قُومُوا فَانْظُرُوا، فَقَامُوا فَنَظَرُوا، ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا، قَالُوا: وَ مَنْ هَذِهِ؟. قَالَ: أُمُّ جَمِیلٍ بِنْتُ الْأَفْقَمِ، وَ كَانَتْ أُمُّ جَمِیلٍ إِحْدَی بَنِی عَامِرِ (8)

ص: 640


1- تاریخ الطّبریّ 3- 169 بتصرف.
2- هنا سقط فی السّند جاء فی المصدر و شرح النّهج لابن أبی الحدید، و هو: قال: حدّثنی عبد الرّحمن بن محمّد بن أبی بكر بن محمّد بن الطّبریّ عمرو بن حزم الأنصاریّ عن أبیه ..
3- فی المصدر و الشّرح زیادة: بن الحدثان.
4- فی شرح النّهج: الغرمول- بالغین المعجمة و الرّاء المهملة- و هو الظّاهر كما تقدّم.
5- تاریخ الطّبریّ 3- 169 باختلاف كثیر و اختصار شدید فی الإسناد و المتن.
6- فی (ك): یناعی.
7- فی الشّرح: صحّت. و فی الطّبریّ: و فتحت.
8- جاءت العبارة فی شرح النّهج هكذا: قال: أمّ جمیل إحدی نساء بنی عامر.

بْنِ صَعْصَعَةَ، فَقَالُوا (1): إِنَّمَا رَأَیْنَا أَعْجَازاً وَ لَا نَدْرِی مَا الْوُجُوهُ (2)؟. فَلَمَّا قَامَتْ صَمَّمُوا، وَ خَرَجَ الْمُغِیرَةُ إِلَی الصَّلَاةِ، فَحَالَ أَبُو بَكْرَةَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الصَّلَاةِ، وَ قَالَ: لَا تُصَلِّ بِنَا، وَ كَتَبُوا إِلَی عُمَرَ بِذَلِكَ، وَ كَتَبَ الْمُغِیرَةُ إِلَیْهِ أَیْضاً، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَی أَبِی مُوسَی، فَقَالَ: یَا أَبَا مُوسَی! إِنِّی مُسْتَعْمِلُكَ، وَ إِنِّی بَاعِثُكَ إِلَی أَرْضٍ قَدْ (3) بَاضَ فِیهَا الشَّیْطَانُ وَ فَرَّخَ، فَالْزَمْ مَا تَعْرِفُ، وَ لَا تَسْتَبْدِلْ فَیَسْتَبْدِلَ اللَّهُ بِكَ. فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! أَعِنِّی بِعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ، فَإِنِّی وَجَدْتُهُمْ فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ كَالْمِلْحِ لَا یَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِهِ. قَالَ: فَاسْتَعِنْ بِمَنْ أَحْبَبْتَ، فَاسْتَعَانَ بِتِسْعَةٍ وَ عِشْرِینَ رَجُلًا مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَ عَمَّارُ (4) بْنُ حُصَیْنٍ وَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ .. وَ خَرَجَ أَبُو مُوسَی بِهِمْ حَتَّی أَنَاخَ بِالْبَصْرَةِ فِی الْمِرْبَدِ (5)، وَ بَلَغَ الْمُغِیرَةَ أَنَّ أَبَا مُوسَی قَدْ أَنَاخَ بِالْمِرْبَدِ، فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا جَاءَ أَبُو مُوسَی تَاجِراً وَ لَا زَائِراً (6) وَ لَكِنَّهُ جَاءَ أَمِیراً، وَ إِنَّهُمْ لَفِی ذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَی حَتَّی دَخَلَ عَلَیْهِمْ، فَدَفَعَ إِلَی الْمُغِیرَةِ كِتَاباً مِنْ عُمَرَ- إِنَّهُ لَأَزْجَرُ (7) كِتَابٍ كَتَبَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ- أَرْبَعَ كَلِمٍ عَزَلَ فِیهَا وَ عَاتَبَ (8) وَ اسْتَحَثَّ وَ أَمَّرَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِی نَبَأٌ عَظِیمٌ فَبَعَثْتُ أَبَا مُوسَی (9) فَسَلِّمْ مَا فِی یَدَیْكَ إِلَیْهِ وَ الْعَجَلَ. وَ كَتَبَ إِلَی

ص: 641


1- هنا عبارة سقطت- و قد جاءت فی الطّبریّ-.
2- فی الطّبریّ: الوجه.
3- فی شرح النّهج: الأرض الّتی قد ..
4- كذا، و فی المصدر و الشّرح: عمران، و هو الظّاهر.
5- جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: المربد: الموضع الّذی یحبس فیه الإبل و غیرها، و منه یسمّی مربد البصرة. ذكره الجوهریّ، و قال: الفارهة: الجاریة الجمیلة. [منه (رحمه اللّٰه)]. انظر: الصّحاح 2- 471 فی مادّة: ربد، و فیه: تحبس. و ما ذكره للفارهة من المعنی لم نجده فی الصّحاح. قال فی القاموس 4- 289: و الفارهة: الجاریة الملیحة، و الفتیة.
6- فی شرح النّهج و الطّبریّ: لا زائرا و لا تاجرا- بتقدیم و تأخیر-.
7- فی المصدر و الشّرح: لأوجز، و هو الظّاهر.
8- فی الطّبریّ: عزل منها و عاتب.
9- جاءت زیادة كلمة: أمیرا، فی الطّبریّ.

أَهْلِ الْبَصْرَةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّی قَدْ بَعَثْتُ أَبَا مُوسَی أَمِیراً عَلَیْكُمْ لِیَأْخُذَ لِضَعِیفِكُمْ مِنْ قَوِیِّكُمْ، وَ لِیُقَاتِلَ بِكُمْ عَدُوَّكُمْ، وَ لِیَدْفَعَ عَنْ ذِمَّتِكُمْ، وَ لِیَجْبِیَ (1) لَكُمْ فَیْئَكُمْ، وَ لِیُقَسِّمَ فِیكُمْ (2)، وَ لِیَحْمِیَ لَكُمْ طُرُقَكُمْ (3).

فَأَهْدَی إِلَیْهِ الْمُغِیرَةُ وَلِیدَةً مِنْ مُوَلَّدَاتِ الطَّائِفِ تُدْعَی: عَقِیلَةَ، فَقَالَ: إِنِّی قَدْ رَضِیتُهَا لَكَ- وَ كَانَتْ فَارِهَةً-، وَ ارْتَحَلَ الْمُغِیرَةُ وَ أَبُو بَكْرَةَ وَ نَافِعُ بْنُ كَلَدَةَ وَ زِیَادٌ وَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ الْبَجَلِیُّ حَتَّی قَدِمُوا عَلَی عُمَرَ، فَجَمَعَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْمُغِیرَةِ، فَقَالَ الْمُغِیرَةُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! سَلْ هَؤُلَاءِ الْأَعْبُدَ كَیْفَ رَأَوْنِی مُسْتَقْبِلَهُمْ أَمْ مُسْتَدْبِرَهُمْ؟

فَكَیْفَ رَأَوُا الْمَرْأَةَ وَ عَرَفُوهَا؟ فَإِنْ كَانُوا مُسْتَقْبِلِیَّ فَكَیْفَ لَمْ أَسْتَتِرْ! وَ إِنْ كَانُوا مُسْتَدْبِرِیَّ فَبِأَیِّ شَیْ ءٍ اسْتَحَلُّوا النَّظَرَ إِلَیَّ فِی مَنْزِلِی عَلَی امْرَأَتِی! وَ اللَّهِ مَا أَتَیْتُ إِلَّا امْرَأَتِی، فَبَدَأَ بِأَبِی بَكْرَةَ فَشَهِدَ عَلَیْهِ أَنَّهُ رَآهُ بَیْنَ رِجْلَیْ أُمِّ جَمِیلٍ، وَ هُوَ یُدْخِلُهُ وَ یُخْرِجُهُ (4)، قَالَ عُمَرُ:

كَیْفَ رَأَیْتَهُمَا؟. قَالَ: مُسْتَدْبِرَهُمَا. قَالَ: كَیْفَ اسْتَبَنْتَ (5) رَأْسَهَا؟. قَالَ:

تَخَافَیْتُ (6). فَدَعَا بِشِبْلِ بْنِ مَعْبَدٍ فَشَهِدَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَ قَالَ: اسْتَقْبَلْتُهُمَا وَ اسْتَدْبَرْتُهُمَا (7)، وَ شَهِدَ نَافِعٌ بِمِثْلِ شَهَادَةِ أَبِی بَكْرَةَ، وَ لَمْ یَشْهَدْ زِیَادٌ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِمْ، قَالَ: رَأَیْتُهُ جَالِساً بَیْنَ رِجْلَیِ امْرَأَةٍ، وَ رَأَیْتُ قَدَمَیْنِ مَرْفُوعَیْنِ یَخْفِقَانِ (8)، وَ اسْتَیْنِ

ص: 642


1- فی (س): و لتجئ. و فی الطّبریّ: و لیحصی.
2- فی (س): طرفكم. و فی الطّبریّ: لینقی لكم طرقكم.
3- فی الطّبریّ: ثمّ لیقسمه بینكم و لینقی ..
4- فی الطّبریّ زیادة: كالمیل فی المكحلة.
5- فی المصدر و الشّرح: فكیف استثبت.
6- فی شرح النّهج: تجافیت. و فی الطّبریّ: تحاملت.
7- فی الطّبریّ: فقال: استدبرتهما أو استقبلتهما؟. قال: استقبلتهما.
8- جاء فی حاشیة (ك): خفقت الرّایة: اضطربت و تحرّكت. و فی الطّبریّ: قدمین مخضوبتین تخفقان. و حفز المرأة- بالحاء المهملة و الزّای المعجمة-: جامعها، و كذا بالمهملتین. و فی النّهایة: الحفز: الحثّ و الإعجال، و منه حدیث أبی بكرة، أنّه دبّ إلی الصّفّ راكعا و قد حفزه النّفس. و قال الرّاجز: الحفز: النّفس الشّدید المتتابع الّذی كأنّه یدفع من سیاق. [منه (رحمه اللّٰه)]. انظر: القاموس 3- 228 فی مادّة: خفق، و 2- 12 فی مادّة: حفر و حفز. و النّهایة 1- 407 فی مادّة: حفز، و حكی الجوهریّ فی الصّحاح 3- 874 فی مادّة: حفز، قول الرّاجز. و فی الطّبریّ: حفزانا.

مَكْشُوفَیْنِ، وَ سَمِعْتُ حَفْزاً شَدِیداً، قَالَ عُمَرُ: فَهَلْ رَأَیْتَهُ فِیهَا كَالْمِیلِ فِی الْمُكْحُلَةِ؟.

قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ الْمَرْأَةَ؟. قَالَ: لَا، وَ لَكِنْ أُشَبِّهُهَا .. فَأَمَرَ عُمَرُ بِالثَّلَاثَةِ الْحَدَّ (1) وَ قَرَأَ: فَإِذْ لَمْ یَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (2)، فَقَالَ الْمُغِیرَةُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَخْزَاكُمْ، فَصَاحَ بِهِ عُمَرُ: اسْكُتْ .. (3) أَسْكَتَ اللَّهُ نَأْمَتَكَ (4)، أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ تَمَّتِ الشَّهَادَةُ لَرَجَمْتُكَ بِأَحْجَارِكَ، فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِیُّ (5)

أقول: ثم رَوَی (6) مِنْ كِتَابِ الْأَغَانِی (7) لِأَبِی الْفَرَجِ الْأَصْفَهَانِیِّ رِوَایَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ تُؤَدِّی مُؤَدَّی تِلْكَ الرِّوَایَةِ .. إِلَی أَنْ قَالَ (8): قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: قَالَ أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَیْبَةَ (9): فَجَلَسَ لَهُ عُمَرُ وَ دَعَا بِهِ وَ بِالشُّهُودِ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ:

أَ رَأَیْتَهُ بَیْنَ فَخِذَیْهَا؟. قَالَ: نَعَمْ، وَ اللَّهِ لَكَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی تَشْرِیمِ (10) جُدَرِیٍّ بِفَخِذَیْهَا.

ص: 643


1- فی الشّرح: فجلدوا الحدّ. و فی الطّبریّ: قال: فتح و أمر بالثّلاثة فجلدوا الحدّ.
2- النّور: 13.
3- فی الطّبریّ: فقال المغیرة: اشفنی من الأعبد. فقال: اسكت.
4- فی حاشیة (ك): قال الجوهریّ: النأمة- بالتسكین-: الصّوت، یقال: أسكت اللّٰه نأمته: .. أی نغمته و صوته. [منه (رحمه اللّٰه)]. انظر: الصّحاح 5- 2038.
5- تاریخ الطّبریّ 4- 207 [3- 169- 170] حوادث سنة 17 ه.
6- أی ابن أبی الحدید فی شرحه 12- 234- 236.
7- الأغانی 14- 77- 100.
8- شرح ابن أبی الحدید 12- 236- 237.
9- فی المصدر: عمر بن شبة.
10- جاء فی حاشیة (ك): التّشریم: التّشقیق، و قال الجوهریّ: ألا یألو .. أی قصّر. [منه (قدّس سرّه)]. انظر: الصّحاح 5- 1959، و جاء فی القاموس 4- 136، و النّهایة 2- 468، و مجمع البحرین 6- 99 فی مادّة: شرم، و الصّحاح 6- 2270- أیضا- فی مادّة: ألی.

فَقَالَ الْمُغِیرَةُ: لَقَدْ أَلْطَفْتَ النَّظَرَ. قَالَ: لَمْ آلُ أَنْ أُثْبِتَ مَا یُخْزِیكَ اللَّهُ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَ اللَّهِ حَتَّی تَشْهَدَ، لَقَدْ رَأَیْتَهُ یَلِجُ فِیهَا كَمَا یَلِجُ الْمِرْوَدُ فِی الْمُكْحُلَةِ. قَالَ:

نَعَمْ، أَشْهَدُ عَلَی ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: أَذْهَبَ عَنْكَ، مُغِیرَةُ ذَهَبَ (1) رُبُعُكَ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَ یُقَالُ: إِنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ هُوَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ، ثُمَّ دَعَا نَافِعاً، فَقَالَ: عَلَی مَا تَشْهَدُ؟. قَالَ: عَلَی مِثْلِ شَهَادَةِ أَبِی بَكْرَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا، حَتَّی تَشْهَدَ أَنَّكَ رَأَیْتَهُ یَلِجُ فِیهَا وُلُوجَ الْمِرْوَدِ فِی الْمُكْحُلَةِ. قَالَ: نَعَمْ، حَتَّی بَلَغَ قُذَذَهُ (2). فَقَالَ: أَذْهَبَ عَنْكَ، مُغِیرَةُ ذَهَبَ نِصْفُكَ، ثُمَّ دَعَا الثَّالِثَ- وَ هُوَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ- فَقَالَ: عَلَی مَا ذَا (3) تَشْهَدُ؟. قَالَ: عَلَی مِثْلِ شَهَادَةِ صَاحِبَیَّ؟. فَقَالَ:

أَذْهَبَ عَنْكَ، مُغِیرَةُ ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِكَ. قَالَ: فَجَعَلَ الْمُغِیرَةُ یَبْكِی إِلَی الْمُهَاجِرِینَ فَبَكَوْا مَعَهُ، وَ بَكَی إِلَی أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِینَ حَتَّی بَكَیْنَ مَعَهُ، قَالَ: وَ لَمْ یَكُنْ زِیَادٌ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ یُنَحَّی الشُّهُودُ الثَّلَاثَةُ وَ أَنْ لَا یُجَالِسَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِینَةِ، وَ انْتَظَرَ قُدُومَ زِیَادٍ، فَلَمَّا قَدِمَ جَلَسَ لَهُ فِی الْمَسْجِدِ وَ اجْتَمَعَ رُءُوسُ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ، قَالَ الْمُغِیرَةُ- وَ كُنْتُ قَدْ أَعْدَدْتُ كَلِمَةً أَقُولُهَا- فَلَمَّا رَأَی عُمَرُ زِیَاداً مُقْبِلًا قَالَ: إِنِّی لَأَرَی رَجُلًا لَنْ یُخْزِیَ اللَّهُ عَلَی لِسَانِهِ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِینَ (4).

ص: 644


1- فی (س): و ذهب.
2- القذذ: ریش السّهم، الواحدة القذّة. قاله فی الصّحاح 2- 568، و القاموس 1- 357، و النّهایة 4- 28، و مجمع البحرین 3- 186.
3- فی المصدر: علی م.
4- و فی فتوح البلدان: 3- 352: أما إنّی أری وجه رجل أرجو أن لا یرجم رجل من أصحاب رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) علی یده و لا یخزی بشهادته، و فی لفظ المتّقی الهندیّ فی كنز العمّال 3- 18: إنّی أری غلاما كیّسا لن یشهد- إن شاء اللّٰه- إلّا بحقّ!. و أوردها البیهقیّ فی سننه 8- 235. و قد أورد القصّة بتفصیلها شیخنا الأمینی فی الغدیر 6- 137- 144 عن عدّة مصادر، و ذكرها ابن الأثیر فی الكامل 2- 288، و ابن خلّكان فی تاریخه 2- 455، و ابن كثیر فی تاریخه 7- 81، و فی عمدة القاری 6- 340، و فی أخبار عمر لعلیّ و ناجی الطنطاوی: 59 (ط: دار الفكر)، تاریخ أبی الفداء 1- 174، و كنز العمّال 3- 88 [8- 235]، و غیرها من المصادر.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَ فِی حَدِیثِ أَبِی زَیْدٍ (1)، عَنِ السَّرِیِّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِیمِ بْنِ رُشَیْدٍ، عَنْ أَبِی عُثْمَانَ النَّهْدِیِّ أَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ عِنْدَ عُمَرَ تَغَیَّرَ (2) لَوْنُ عُمَرَ، ثُمَّ جَاءَ الثَّانِی فَشَهِدَ فَانْكَسَرَ لِذَلِكَ انْكِسَاراً شَدِیداً، ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثُ فَشَهِدَ فَكَأَنَّ الرَّمَادَ نُثِرَ عَلَی وَجْهِ عُمَرَ، فَلَمَّا جَاءَ زِیَادٌ جَاءَ شَابٌّ یَخْطِرُ (3) بِیَدَیْهِ، فَرَفَعَ عُمَرُ رَأْسَهُ إِلَیْهِ وَ قَالَ: مَا عِنْدَكَ أَنْتَ یَا سَلْحَ (4) الْعُقَابِ؟ وَ صَاحَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِیُّ صَیْحَةً یَحْكِی (5) صَیْحَةَ عُمَرَ، قَالَ عَبْدُ الْكَرِیمِ (6): لَقَدْ كِدْتُ أَنْ یُغْشَی عَلَیَّ لِصَیْحَتِهِ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: فَكَانَ الْمُغِیرَةُ یُحَدِّثُ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَی زِیَادٍ، فَقُلْتُ: لَا مَخْبَأَ لِعِطْرٍ بَعْدَ عَرُوسٍ (7)، یَا زِیَادُ! أُذَكِّرُكَ اللَّهَ وَ أُذَكِّرُكَ مَوْقِفَ الْقِیَامَةِ وَ كِتَابَهُ وَ رَسُولَهُ أَنْ

ص: 645


1- فی شرح النّهج: زید بن عمر بن شبة.
2- فی المصدر: تغیّر الثّالث لذلك. و الظّاهر زیادة كلمة: الثّالث، و كونها للسطر الآتی. أقول: إنّ ملاحظة القصّة بصدرها و ذیلها تعطی علّة تغیّر لون عمر أوّلا، و انكساره ثانیا، و صیرورته كأنّ الرّماد نثر علی وجهه ثالثا، و إیعازه إلی رابع الأربعة فی الشّهادة بكتمان شهادته رابعا، و لعلّ لمثل هذه الأوصاف و الأفعال صار مثلا للعدل عند أهل التسنن؟!.
3- جاء فی حاشیة (ك): و الخطر- بالكسر-: نبات یختضب به. صحاح. انظر: الصّحاح 2- 648. أقول: المعنی المناسب للمقام ما جاء فی النّهایة لابن الأثیر 3- 46: یخطر بسیفه .. أی یهزّه معجبا بنفسه.
4- جاء فی حاشیة (ك): فی مصباح اللّغة: سلح الطّائر سلحا- من باب نفع-: هو منه كالتغوط من الإنسان، و هو سلحه تسمیة بالمصدر. [منه (رحمه اللّٰه)]. انظر: المصباح المنیر 1- 343، و فیه زیادة الواو بعد: نفع.
5- فی شرح النّهج: تحكی.
6- فی المصدر: عبد الكریم بن رشید.
7- جاء فی حاشیة (ك): ما یلی: قال المیدانی فی مجمع الأمثال: لا مخبأ لعطر بعد العرس، و یروی لا عطر بعد العروس، قال المفضّل: أوّل من قال ذلك امرأة من عذرة یقال لها: أسماء بنت عبد اللّٰه، و كان لها زوج من بنی عمّها یقال له: عروس فمات عنها فتزوّجها رجل من قومها یقال له: نوفل، و كان أعسر أبخر بخیلا دمیما، فلمّا أراد أن یظعن بها قالت له: لو أذنت لی فرثیت ابن عمّی و بكیت عند رمسه؟. فقال: افعلی، فقالت: أبكیك یا عروس الأعراس، یا ثعلبا فی أهله و أسدا عند البأس مع أشیاء لیس یعلمها النّاس. قال: و ما تلك الأشیاء؟. قالت: كان عن الهمّة غیر نعّاس و یعمل السیف صبیحات البأس. ثمّ قالت: یا عروس الأعز الأزهر الطیب الخیم الكلیم المحضر مع أشیاء له لا تذكر. قال: و ما تلك الأشیاء؟. قالت: كان عیوفا للخنا و المنكر، طیّب النّكهة غیر أبخر، أیسر غیر أعسر، فعرف الزّوج أنّها تعرّض به، فلمّا رحل بها قال سمی إلیك عطرك .. و قد نظر إلی قشوة عطرها مطروحة. فقالت: لا عطر بعد عروس .. فذهبت مثلا. و یقال: إنّ رجلا تزوّج امرأة فأهدیت إلیه فوجدها تفلة، فقال لها: أین الطّیب؟. فقالت: خبأته. فقال لها: لا مخبأ لعطر بعد عروس .. فذهبت مثلا، یضرب لمن لا یدّخر عنه نفیس. و قیل: عروس اسم رجل مات فحملت امرأته أوانی العطر فكسرتها و صبّت العطر، فوبّخها بعض معارفها، فقالت ذلك. یضرب علی الأوّل فی ذمّ ادّخار الشّی ء وقت الحاجة إلیه، و علی الثّانی فی الاستغناء عن ادّخار الشّی ء لعدم من یدّخر له، انتهی. و لعلّ المناسب هنا الأوّل من المعنیین الأخیرین. [منه (رحمه اللّٰه)]. انظر: مجمع الأمثال 2- 112- 113 برقم 3491 بتصرف. و جاءت الفقرة الأخیرة فی المستقصی لأمثال العرب للزّمخشریّ 2- 264 برقم 991.

تَتَجَاوَزَ إِلَی مَا لَمْ تَرَ، ثُمَّ صِحْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدِ احْتَقَنُوا (1) دَمِی، فَاللَّهَ اللَّهَ فِی دَمِی، قَالَ: فَرَتَقَتْ (2) عَیْنَا زِیَادٍ وَ احْمَرَّ وَجْهُهُ، وَ قَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! أَمَّا أَنْ أَحُقَّ مَا حَقَّ الْقَوْمُ فَلَیْسَ عِنْدِی، وَ لَكِنِّی رَأَیْتُ مَجْلِساً قَبِیحاً، وَ سَمِعْتُ نَفَساً حَثِیثاً وَ انْتِهَاراً، وَ رَأَیْتُهُ مُتَبَطِّنَهَا. فَقَالَ عُمَرُ: رَأَیْتَهُ یُدْخِلُ فِی فَرْجِهَا كَالْمِیلِ فِی الْمُكْحُلَةِ (3)؟. قَالَ: لَا.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَ رَوَی كَثِیرٌ مِنَ الرُّوَاةِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَیْتُهُ رَافِعاً رِجْلَیْهَا، وَ رَأَیْتُ خُصْیَیْهِ مُتَرَدِّدَیْنِ بَیْنَ فَخِذَیْهَا، وَ رَأَیْتُ حَفْزاً شَدِیداً، وَ سَمِعْتُ نَفَساً عَالِیاً، فَقَالَ عُمَرُ: رَأَیْتَهُ یُدْخِلُهُ وَ یُخْرِجُهُ كَالْمِیلِ فِی الْمُكْحُلَةِ؟. قَالَ: لَا. قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، قُمْ یَا مُغِیرَةُ إِلَیْهِمْ فَاضْرِبْهُمْ، فَقَامَ الْمُغِیرَةُ إِلَی أَبِی بَكْرَةَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِینَ (4) وَ ضَرَبَ

ص: 646


1- كذا، فی المصدر: احتقروا. و هو الظّاهر.
2- فی شرح النّهج: فترنقت.
3- فی المصدر: أ رأیته یدخل و یخرج كالمیل فی المكحلة؟.
4- فی (ك): ثمانین جلدة.

الْبَاقِینَ.

وَ رَوَی قَوْمٌ أَنَّ الضَّارِبَ لَهُمُ الْحَدَّ لَمْ یَكُنِ الْمُغِیرَةَ.

قَالَ (1): وَ أَعْجَبَ عُمَرَ قَوْلُ زِیَادٍ: وَ دَرَأَ الْحَدَّ عَنِ الْمُغِیرَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ: أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِیرَةَ فَعَلَ كَذَا .. وَ كَذَا، فَهَمَّ عُمَرُ بِضَرْبِهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنْ ضَرَبْتَهُ رَجَمْتُ (2) صَاحِبَكَ، وَ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ (3).

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: یَعْنِی إِنْ ضَرَبَهُ یَصِیرُ شَهَادَتُهُ شَهَادَتَیْنِ فَیُوجِبُ بِذَلِكَ الرَّجْمَ عَلَی الْمُغِیرَةِ. قَالَ: وَ اسْتَتَابَ (4) عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ، قَالَ: إِنَّمَا تَسْتَتِیبُنِی لِتَقْبَلَ (5) شَهَادَتِی؟. قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: فَإِنِّی لَا أَشْهَدُ بَیْنَ اثْنَیْنِ مَا بَقِیتُ فِی الدُّنْیَا.

قَالَ: فَلَمَّا ضُرِبُوا الْحَدَّ، قَالَ الْمُغِیرَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَخْزَاكُمْ.

فَقَالَ عُمَرُ: اسْكُتْ أَخْزَی اللَّهُ مَكَاناً رَأَوْكَ فِیهِ. قَالَ: وَ قَامَ أَبُو بَكْرَةَ عَلَی قَوْلِهِ، وَ كَانَ یَقُولُ: وَ اللَّهِ مَا أَنْسَی قَطُّ فَخِذَیْهَا، وَ تَابَ الِاثْنَانِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا، وَ كَانَ أَبُو بَكْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا طُلِبَ إِلَی شَهَادَةٍ یَقُولُ: اطْلُبُوا غَیْرِی، فَإِنَّ زِیَاداً أَفْسَدَ عَلَیَّ شَهَادَتِی ..

قَالَ (6) أَبُو الْفَرَجِ: وَ حَجَّ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَّةً فَوَافَقَ الرَّقْطَاءَ بِالْمَوْسِمِ، فَرَآهَا وَ كَانَتِ (7) الْمُغِیرَةُ یَوْمَئِذٍ هُنَاكَ- فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُغِیرَةِ: وَیْحَكَ! أَ تَتَجَاهَلُ عَلَیَّ، وَ اللَّهِ مَا أَظُنُّ أَبَا بَكْرَةَ كَذَبَ عَلَیْكَ، وَ مَا رَأَیْتُكَ إِلَّا خِفْتُ أَنْ أُرْمَی بِحِجَارَةٍ مِنْ السَّمَاءِ (8).

ص: 647


1- قال .. أی ابن أبی الحدید فی الشّرح 12- 237.
2- فی (ك): وجّهت. و فی (س) نسخة بدل: رحمت، و قد تقرأ: رجمت، و هو الظّاهر.
3- و جاء فی سنن البیهقیّ 8- 235 قول علیّ علیه السّلام بلفظ: إن كانت شهادة أبی بكرة شهادة رجلین فارجم صاحبك و إلّا فقد جلدتموه، تارة، و بلفظ: إن جلدته فارجم صاحبك، ثانیة، و بلفظ: لئن ضربت هذا فارجم ذاك، ثالثة.
4- فی شرح النّهج: فاستتاب.
5- لا توجد: لتقبل فی (س).
6- شرح النّهج لابن أبی الحدید 12- 238.
7- كذا، و فی المصدر: و كان. و هو الظّاهر.
8- لیت شعری لما ذا كان عمر یخاف أن یرمی بالحجارة من السّماء؟ إنّها الرّدّة حقّا! و حاشا اللّٰه أن یرمی مقیم الحقّ، أو لتعطیله الحكم؟ أو لجلده مثل أبی بكرة- الّذی عدّوه من خیار الصّحابة. و كان من العبادة كالنّصل-؟!. انظر: الغدیر 6- 140.

قَالَ: وَ كَانَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ- بَعْدَ ذَلِكَ- یَقُولُ: إِنْ ظَفِرْتُ بِالْمُغِیرَةِ لَأَتْبَعْتُهُ أَحْجَارَهُ (1).

قال ابن أبی الحدید (2)

بعد إیراد تلك الأخبار و غیرها-: فهذه الأخبار كما تراها تدلّ متأمّلها علی أنّ الرجل زنی بالمرأة لا محالة، و كلّ كتب التواریخ و السیر یشهد (3) بذلك، و إنّما اقتصرنا نحن منها علی ما فی هذین الكتابین.

وَ قَدْ رَوَی الْمَدَائِنِیُّ أَنَّ الْمُغِیرَةَ كَانَ أَزْنَی النَّاسِ فِی الْجَاهِلِیَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِی الْإِسْلَامِ قَیَّدَهُ الْإِسْلَامُ، وَ بَقِیَتْ عِنْدَهُ مِنْهُ بَقِیَّةٌ ظَهَرَتْ فِی أَیَّامِ وِلَایَتِهِ بِالْبَصْرَةِ (4)، ثم أورد فی ذلك روایات أخر تركناها اختصارا.

و قال الشیخ قدّس اللّٰه روحه فی تلخیص الشافی (5): فإن قالوا: لم یعطّل الحدّ و إنّما لم یتكامل الشهادة، و إرادة الرابع لأن یشهد لا تكمل بها البیّنة و إنّما تكمل بإقامتها ..

و قوله: أری وجه رجل لا یفضح اللّٰه علی یده رجلا .. سائغ صحیح، فجری مجری

مَا رُوِیَ عَنْهُ (صلی اللّٰه علیه و آله) مِنْ أَنَّهُ أُتِیَ بِسَارِقٍ فَقَالَ لَهُ (6): لَا تُقِرَّ.

وَ قَالَ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَیَّةَ- لَمَّا أَتَاهُ بِالسَّارِقِ وَ أَمَرَ بِقَطْعِهِ- فَقَالَ: هِیَ لَهُ- یَعْنِی مَا سَرَقَ- هَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِیَنِی بِهِ.

، فلا یمتنع أن یجب (7) أن لا تكمل الشهادة، و ینبّه الشاهد علی

ص: 648


1- و فی الأغانی 14- 147: قال علیه السّلام: لئن لم ینته المغیرة لأتبعنّه أحجاره. و فیه أیضا: لئن أخذت المغیرة لأتبعنّه أحجاره.
2- شرح النهج 2- 239 [3- 163].
3- لا توجد: یشهد، فی (س). و فی المصدر: تشهد. و هو الظاهر.
4- إلی هنا كلام ابن أبی الحدید فی شرحه علی النّهج 12- 239 بتصرف.
5- تلخیص الشافی 4- 21- 25.
6- لا توجد: له، فی (س).
7- كذا، و الظاهر: أن یحب- بالحاء المهملة-. و فی المصدر: أنّه.

أن لا یشهد، و جلد الثلاثة من حیث صاروا قذفة، قالوا (1): لیس حالهم (2) و قد شهدوا كحال من لم تتكامل الشهادة علیه، لأنّ الحیلة فی إزالة الحدّ عنه- و لمّا تكاملت الشهادة- ممكنة بتلقین و تنبیه و غیره، و لا حیلة فیما قد وقع من الشهادة، فلذلك حدّهم، و لیس فی إقامة الحدّ علیهم من الفضیحة ما فی تكامل الشهادة علی المغیرة، لأنّه یتصوّر بأنّه زان و یحكم بذلك فیه، و لیس كذلك حال الشهود، لأنّهم لا یتصوّرون بذلك و إن وجب فی الحكم أن یجعلوا فی حكم القذفة، علی أنّه قیل إنّ القذف منهم كان (3) تقدّم بالبصرة، لأنّهم صاحوا به فی نواحی (4) المسجد بأنّا نشهد بأنّك زان، فلو لم یعیدوا الشهادة لكان یحدّهم لا محالة، فلم یمكن (5) فی إزالة الحدّ عنهم ما أمكن فی المغیرة، و ما روی من أنّ عمر إذا رآه كان یقول: لقد خفت أن یرمینی اللّٰه بحجارة من السماء ..، غیر صحیح، و لو صحّ لكان تأویله التخویف و إظهار قوّة الظنّ بصدق القوم لما شهدوا علیه ردعا (6) له، و غیر ممتنع أن یحب (7) أن لا یفتضح لما كان متولّیا للبصرة من قبله، و سكوت زیاد عن إقامة الشهادة لا یوجب تفسیقه، لأنّا علمنا بالشرع أنّ له السكوت، و لو كان فسقا لما ولّاه أمیر المؤمنین علیه السلام فارس، و لما ائتمنه (8) علی أموال المسلمین و دمائهم.

قیل (9) لهم: إنّما نسب عمر إلی تعطیل الحدّ من حیث كان فی حكم

ص: 649


1- لا توجد: قالوا، فی المصدر، و وضع علیها فی (ك) رمز نسخة بدل.
2- فی (س) زیادة هنا و هی: فی إقامة الحدّ شی ء.
3- فی (ك): و كان.
4- فی تلخیص الشافی: من نواحی.
5- فی (ك): فلم یكن.
6- فی المصدر: و دعاه.
7- فی (ك): یجب- بالجیم المعجمة-.
8- فی (س): یأتمنه.
9- قیل جواب و جزاء لقوله: فإن قالوا ..

الثابت، و إنّما بتلقینه لم تكمل الشهادة، لأنّ زیادا ما حضر إلّا لیشهد بما شهد به أصحابه، و قد صرّح بذلك كما صرّحوا قبل حضورهم، و لو لم یكن هذا هكذا لما شهد القوم قبله و هم لا یعلمون هل حال زیاد فی (1) ذلك كحالهم، لكنّه أحجم (2) فی الشهادة لما رأی كراهیّة متولّی الأمر لكمالها، و تصریحه بأنّه لا یرید أن یعمل بموجبها.

و من العجائب أن یطلب الحیلة فی دفع الحدّ عن واحد و هو لا یندفع إلّا بانصرافه إلی ثلاثة، فإن كان درأ الحدّ و الاحتیال فی دفعه من السنن المتّبعة، فدرؤه عن ثلاثة أولی من درئه عن واحد.

و قولهم: إن درء (3) الحدّ عن المغیرة ممكن، و درؤه (4) عن الثلاثة- و قد شهدوا غیر ممكن طریف، لأنّه لو لم یلقّن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة لاندفع عن الثلاثة الحدّ، فكیف لا تكون الحیلة ممكنة فیما ذكروه، بل لو أمسك عن الاحتیال جملة لما لحق الثلاثة حدّ.

و قولهم: إنّ المغیرة یتصوّر بصورة زان لو تكاملت الشهادة، و فی هذا من الفضیحة ما لیس فی حدّ الثلاثة .. غیر صحیح؟ لأنّ الحكم فی الأمرین واحد، لأنّ الثلاثة إذا حدّوا یظنّ بهم الكذب و إن جوّز (5) أن یكونوا صادقین، و المغیرة لو كملت (6) الشهادة علیه بالزنا ظنّ ذلك به مع التجویز لأن یكون (7) الشهود كذبة، فلیس فی أحد الأمرین إلّا ما (8) فی الآخر.

ص: 650


1- فی (س) زیادة: حاله، قبل: حال زیاد، خطّ علیها فی (ك). و فی المصدر: هل حاله فی ذلك ..
2- فی تلخیص الشافی: لجلج.
3- فی المصدر: دفع، و هی نسخة بدل فی (ك).
4- فی المصدر: دفعه، و هی نسخة بدل فی (ك).
5- فی المصدر: جوّزوا.
6- فی التلخیص: لو كانت.
7- جاءت فی المصدر: تكون- بالتاء-.
8- لا توجد: ما، فی المصدر.

و ما

رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ أَنَّهُ أُتِیَ بِسَارِقٍ فَقَالَ لَهُ: لَا تُقِرَّ.

- إن كان صحیحا- لا یشبه ما نحن فیه، لأنّه لیس فی دفع الحدّ عن السارق، إیقاع غیره فی المكروه، و قصّة المغیرة تخالف ذلك (1)، لما ذكرناه.

و أمّا

قَوْلُهُ (2) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِصَفْوَانَ: هَلَّا (3) قَبْلَ أَنْ تَأْتِیَنِی بِهِ ..

فلا یشبه ما نحن فیه، لأنّه بیّن أنّ ذلك القول كان یسقط الحدّ لو تقدّم، و لیس فیه تلقین یوجب إسقاط الحدود.

و أمّا قولهم: إنّ القذف منهم كان قد (4) تقدّم فغیر معروف، و المرویّ خلافه، و الظاهر أنّه إنّما حدّهم عند نكول زیاد عن الشهادة، و أنّ ذلك كان السبب فی إیقاع الحدّ بهم. و تأویلهم لقول عمر: لقد خفت أن یرمینی اللّٰه بحجارة .. لا یلیق بما قالوه، لأنّه یقتضی (5) التندّم و التأسّف علی تفریط وقع، و لم یخاف أن یرمی بالحجارة و هو لم یدرأ الحدّ (6) عن مستحقّ له، و لو أراد الردع و التخویف لمغیرة لأتی بكلام یلیق بذلك و لا یقتضی إضافة التفریط إلی نفسه، و كونه والیا من قبله لا یقتضی أن یدرأ الحدّ عنه (7) و یعدل به إلی غیره.

و أمّا قولهم (8): إنّا ما كنّا نعلم أنّ زیادا كان یتمّم الشهادة .. فقد بینا أنّ ذلك كان (9) معلوما بالظاهر، و من قرأ ما روی فی هذه القصّة علم- بلا شكّ- أنّ

ص: 651


1- ذلك، لا توجد فی التلخیص.
2- فی المصدر: فأمّا.
3- فی (س): هل.
4- قد، لا توجد فی المصدر و (س).
5- فی المصدر: لأنّه لا یقتضی، و هو الظاهر.
6- فی (س): الحق.
7- فی (ك) زیادة: الحق.
8- فی المصدر: و قولهم.
9- لا توجد: كان، فی تلخیص الشافی.

حال زیاد كحال الثلاثة فی أنّه إنّما حضر للشهادة، و إنّما عدل عنها لكلام عمر.

و قولهم: إنّ الشرع یبیحه السكوت. لیس بصحیح، لأنّ الشرع قد حظر كتمان الشهادة.

و قولهم: لم یفسق زیاد لأنّ أمیر المؤمنین علیه السلام ولّاه فارس .. فلیس بشی ء یعتمد، لأنّه لا یمتنع أن یكون تاب بعد ذلك و أظهر توبته له علیه السلام، فجاز أن یولّیه.

و كان بعض أصحابنا یقول فی قصّة المغیرة شیئا طیّبا- و هو معتمد فی باب الحجّة- و هو (1) أنّ زیادا إنّما امتنع من التصریح بالشهادة المطلوبة فی الزنا، و قد شهد بأنّه شاهده بین شعبها الأربع و سمع نفسا عالیا، فقد صحّ علی المغیرة بشهادة الأربعة جلوسه منها جلوس مجلس (2) الفاحشة .. إلی غیر ذلك من مقدمات الزنا و أسبابه، فألّا ضمّ إلی جلد الثلاثة تعزیر هذا الذی صحّ عنده بشهادة الأربعة ما (3) صحّ من الفاحشة مثل (4) تعریك (5) أذنه أو ما جری مجراه من خفیف التعزیر و یسیره؟!، و هل فی العدول عن ذلك حین عدل (6) عن لومه و توبیخه و الاستخفاف به إلّا ما ذكروه من السبب الذی یشهد الحال به، انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه.

و أقول: اعترض ابن أبی الحدید (7) و غیره (8) علی هذا الكلام بوجوه سخیفة لا طائل فی التعرّض لها لوهنها.

ص: 652


1- لا توجد: و هو، فی المصدر.
2- مجلس: لا توجد فی (س) و المصدر.
3- فی (ك) نسخة بدل: من، بدلا من: ما.
4- لا توجد: مثل، فی تلخیص الشافی.
5- قال فی الصحاح 4- 1599: عركت الشی ء أعركه عركا: دلكته.
6- لا توجد: حین عدل، فی المصدر، و فیه: حتی، و هو الظاهر.
7- فی شرحه علی النهج: 12- 244.
8- كما فی المواقف و شرحها، و المقاصد و شرحها، كما سیأتی.

و قال ابن أبی الحدید (1)

فی تضاعیف كلامه-: ورد فی الخبر أنّ عمر قال للمغیرة: ما أظنّ أبا بكرة كذب علیك .. و قال: تقدیره أظنّه لم یكذب علیك، انتهی.

و لا یخفی أنّ هذا إسناد معصیته (2) إلی عمر، إذ لو لم یكن ذلك قذفا صریحا یوجب الحدّ فلا أقلّ یكون تعریضا یوجب التعزیر، بل كذلك قوله: ما رأیتك إلّا خفت أن یرمینی اللّٰه بحجارة من السماء (3)؟! و هل یقال مثل ذلك لمن ندب اللّٰه إلی درء الحدّ عنه و سمّی فی كتابه من رماه بالفجور كاذبا؟!، و لو أراد عمر أن یعظ المغیرة أمكنه أن یذكّره عذاب اللّٰه و یأمره (4) بالاجتناب عن ارتكاب مساخطه علی وجه لا یوجب قذفا، و لا یتضمّن تعریضا.

ثم إنّ ما ذكروه أنّ سبب حبّه للمغیرة أنّه كان والیا من قبله فلا وجه له، بل لا یخفی علی من تتبّع أحوالهما أنّه لم یكن الباعث علی الحبّ و علی جعله والیا إلّا الاتّفاق فی النفاق و الاشتراك فی بغض أمیر المؤمنین علیه السلام (5).

ص: 653


1- شرح ابن أبی الحدید 12- 238 [3- 162].
2- كذا، و الظاهر: معصیة- بلا ضمیر-.
3- الأغانی 14- 147، و نقله فی شرح النهج لابن أبی الحدید 12- 238 [3- 162].
4- فی (س): یأمر- بدون ضمیر-.
5- كان المغیرة فی مقدم أناس كانوا ینالون علیّا أمیر المؤمنین علیه السلام. انظر: رسائل الجاحظ: «92»- و الأذكیاء: 98، و مسند أحمد بن حنبل 1- 188، و 4- 369، و غیرها. قال ابن الجوزی: قدمت الخطباء إلی المغیرة بن شعبة بالكوفة، فقام صعصعة بن صوحان فتكلّم، فقال المغیرة: أخرجوه، فأقیموه علی المصطبة فیلعن علیّا. فقال: لعن اللّٰه من لعن اللّٰه و لعن علیّ بن أبی طالب .. إلی آخره. و ذكر إمام الحنابلة فی مسنده 4- 369 بإسناده، قال: نال المغیرة بن شعبة من علیّ، فقال زید ابن أرقم: قد علمت أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله كان ینهی عن سبّ الموتی، فلم تسبّ علیّا و قد مات؟!!. و غیره من روایات الباب هناك. و یكفی هذا و غیره فی إثبات نفاقه أو كفره أو كونه ولد زنا لما ثبت بالنصوص الصریحة المستفیضة من أنّه من أبغض علیّا (علیه السلام) كان أحد هؤلاء الثلاثة.

كما روی أنّه كان من أصحاب الصحیفة الملعونة (1) التی كتبوها لإخراج الخلافة عن أهل البیت علیهم السلام، و لو لم یكن یحبّه حبّا شدیدا فلم كان یتغیّر عند شهادة كلّ شاهد علی الوجه المتقدّم؟!، مع أنّ المغیرة لم یكن ذا سابقة فی الإسلام، و من أهل الورع و الاجتهاد حتی یتوهّم أنّه كان مثل ذلك سببا لحبّه، و بغض المغیرة لأمیر المؤمنین علیه السلام كان أظهر من الشمس، و قد اعترف ابن أبی الحدید (2) بذلك حیث قال: قال أصحابنا البغدادیّون: من كان إسلامه علی هذا الوجه- أی علی الخوف و المصلحة- و كانت خاتمته ما تواتر الخبر به من لعن علیّ علیه السلام علی المنابر إلی أن مات علی هذا الفعل، و كان المتوسط من عمره الزّنا (3)، و إعطاء البطن و الفرج سؤالهما، و ممالاة الفاسقین، و صرف الوقت إلی غیر طاعة اللّٰه، كیف نتولّاه؟! و أیّ عذر لنا فی الإمساك عنه؟ و أن لا نكشف للناس فسقه ...

و ذكر (4) أخبارا كثیرة فی أنّه- لعنه اللّٰه- كان یلعن علیّا علیه السلام علی المنبر و یأمر بذلك، و كذا اشتهاره بالزنا فی الجاهلیّة و الإسلام ممّا اعترف به ابن أبی الحدید (5)، فكفی طعنا لعمر حبّه لمثل هذا الرجل مثل هذا الحبّ، و هل یظنّ أحد بعمر أنّه لم یكن یعلم بغضه لأمیر المؤمنین علیه السلام، و قد كان

سمع النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: لَا یُحِبُّ عَلِیّاً إِلَّا مُؤْمِنٌ وَ لَا یُبْغِضُهُ إِلَّا كَافِرٌ (6) مُنَافِقٌ (7)

ص: 654


1- قد مرّت مفصّلا فی بحار الأنوار 28- 85- 100 [الحجریّة كمبانی 8- 19 و 23 و 54].
2- فی شرحه علی النهج: 20- 10، و ذكر عن الأغانی فیه: كیفیّة إسلام المغیرة، فهی حریّة بالملاحظة.
3- فی المصدر: الفسق و الفجور، بدلا من: الزنا.
4- فی شرح النهج لابن أبی الحدید 20- 10.
5- انظر: شرحه علی النهج 4- 69، و 6- 288، و غیرها. و قد مرّت آنفا مصادر أخری فی ذلك، فراجع.
6- لا توجد: كافر، فی (س).
7- جاء بألفاظ مختلفة و بأسانید متعدّدة- و المعنی واحد-، مثل: لا یحبّ علیّا المنافق و لا یبغضه المؤمن. أو بزیادة: و لا یحبّه إلّا مؤمن. أو قوله (صلی اللّٰه علیه و آله): لا یحبّك إلّا مؤمن، و لا یبغضك إلّا منافق. ذكر فی الغدیر 3- 183- 188 أكثر من ثلاثین مصدرا ینتهی إسنادها إلی ابن عبّاس، و سلمان، و أبی ذرّ، و حذیفة الیمانیّ، و أبی لیلی الغفاریّ، و غیرهم، أخرج عنهم جمع كبیر من الحفّاظ و الأعلام، فراجع. و أورده الحمیدیّ أبو بكر عبد اللّٰه بن الزّبیر- المتوفّی سنة 219 ه- فی مسنده 1- 31 حدیث 58، و التّرمذیّ عن طریق یحیی بن عیسی 4- 332، و غیرهما. و قول رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم فی أهل البیت (علیهم السلام) : لا یحبّهم إلّا سعید الجد طیّب المولد و لا یبغضهم .. الرّیاض النضرة 2- 189، و تاریخ بغداد 3- 289. و قول علیّ علیه السّلام: لا یحبّنی كافر و لا ولد زنا. كما فی شرح ابن أبی الحدید 1- 373.

الطعن السادس: أنّه منع من المغالاة فی صدقات النساء

، وَ قَالَ: مَنْ غَالَی فِی مَهْرِ ابْنَتِهِ أَجْعَلْهُ فِی بَیْتِ مَالِ الْمُسْلِمِینَ (1)، لِشُبْهَةِ

أَنَّهُ رَأَی النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ.

، فَقَامَتْ إِلَیْهِ امْرَأَةٌ وَ نَبَّهَتْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَی:

وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً (2) عَلَی جَوَازِ الْمُغَالاةِ، فَقَالَ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّی الْمُخَدَّرَاتُ فِی الْبُیُوتِ (3).

ص: 655


1- جعله فی بیت المال جاء بألفاظ شتّی و طرق عدیدة جدّا نذكر جملة منها: الدّرّ المنثور 2- 133، و سیرة عمر لابن الجوزیّ: 129، و الأذكیاء له أیضا: 162، و جمع الجوامع- كما فی ترتیب السّیوطیّ الكنز- 8- 298، و سنن البیهقیّ 7- 233، و تفسیر القرطبیّ 5- 99، و تفسیر ابن كثیر 1- 467، و حاشیة سنن ابن ماجة للسندی 1- 583 و 584، و كشف الخفاء للعجلونی 1- 269 و 270 و 2- 118، و المستطرف 1- 70، و غیرها. و أخرجه الزّبیر بن بكّار فی الموفّقیّات، و ابن عبد البرّ فی جامع العلوم، كما فی مختصره: 66.
2- النّساء: 20.
3- للقصة صور عدیدة بألفاظ مختلفة و أسانید متظافرة متحدة المعنی، سبق بعضها و سیأتی الآخر، تجدها فی: المسند الكبیر لأبی یعلی، و سنن سعید بن منصور، و أمالی المحاملیّ، و سیرة عمر لابن الجوزیّ: 129، و تفسیر ابن كثیر 10- 467 عن أبی یعلی، و مجمع الزّوائد للهیثمی 4- 284، و الدّرّ المنثور للسّیوطیّ 2- 133، و جمع الجوامع- كما فی ترتیبه الكنز- 8- 298، الدّرر المنتثرة: 243 نقلا عن سبعة من الحفّاظ، و فتح الغدیر للشوكانی 1- 407، و تفسیر الكاشف 1- 357، تفسیر القرطبیّ 5- 99، تفسیر النّیسابوریّ فی سورة النّساء، و تفسیر الخازن 1- 353، و الفتوحات الإسلامیّة 2- 477، و الأربعین للرازی: 467، و التمهید للباقلانی: 199، و قد جاءت القصّة فی المصادر كلّها مذیلة بقول عمر: كلّ النّاس أفقه من عمر، و فی بعضها زیادة: حتّی النّساء، و فی بعضها الآخر: حتّی المخدّرات فی البیوت. قال ابن درویش الحوت فی أسنی المطالب: 166: حدیث كلّ أحد أعلم أو أفقه من عمر، قاله عمر لمّا نهی عن المغالاة فی الصّداق. و قد جاءت مذیّلة بقوله: كلّ أحد أعلم من عمر، فی: تفسیر الكشّاف 1- 357، إرشاد السّاریّ فی شرح صحیح البخاریّ للعسقلانی 8- 57، تفسیر النسفیّ- هامش الخازن 1- 353، كشف الخفاء 1- 388. كما و قد وردت مع قوله: امرأة أصابت و رجل أخطأ فی: الموفّقیّات للزّبیر بن بكّار، و جامع العلم لابن عبد البرّ- كما فی مختصره: 66-، سیرة عمر لابن الجوزیّ: 129، و الأذكیاء لابن الجوزیّ: «162»- و تفسیر القرطبیّ 5- 99، و تفسیر ابن كثیر 1- 467، و الدّرّ المنثور 2- 133، و جمع الجوامع- كما فی ترتیب السّیوطیّ- 8- 298 نقلا عن ابن بكّار و ابن عبد البرّ، و حاشیة سنن ابن ماجة للسندی 1- 584، و كشف الخفاء للعجلونی 1- 269، 270، 388 و 2- 118. و جاءت فی تفسیر الخازن 1- 353 بلفظ عمر: امرأة أصابت و أمیر أخطأ. و أخرجها البیهقیّ فی سننه 7- 233 عن الشعبی، قال: خطب عمر بن الخطّاب النّاس فحمد اللّٰه و أثنی علیه و قال: ألا لا تغالوا فی صداق النّساء فإنّه لا یبلغنی عن أحد ساق أكثر من شی ء ساقه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم أو سبق إلیه إلّا جعلت فضل ذلك فی بیت المال، ثمّ نزل. عرضت له امرأة من قریش، فقالت: یا أمیر المؤمنین! أ كتاب اللّٰه أحقّ أن یتّبع أو قولك؟. قال: بل كتاب اللّٰه تعالی .. فما ذاك؟. قالت: نهیت النّاس آنفا: أن یغالوا فی صداق النّساء، و اللّٰه تعالی یقول فی كتابه: «وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً». فقال عمر: كلّ أحد أفقه من عمر .. مرّتین أو ثلاثا. الحدیث. و أورده المتّقی الهندی فی كنز العمّال 8- 297- 298. و جاء فی بعض المصادر- ذیله- أنّه قال لأصحابه: تسمعونی أقول مثل القول فلا تنكرونه علیّ حتّی ترد علیّ امرأة لیست من أعلم النّساء!. كما فی تفسیر الكاشف 1- 357، و شرح صحیح البخاریّ للقسطلانی 8- 57، و سبقهم السّندیّ فی حاشیة السّنن لابن ماجة 1- 583، و العجلونی فی كشف الخفاء 1- 269، و 2- 118، و غیرهم. و انظر خیانة الخطیب البغدادیّ فی تاریخه 3- 257. و من هذا و غیره یظهر مدی الاستبداد الدینی الحاكم و الضّغط السیاسی المتسلّط من قبل الخلیفة آنذاك، و إلّا فلا یعقل عدم التفات المسلمین لمثل هذا الحكم. و جمع الحاكم النّیسابوریّ طرق هذه الخطبة لعمر بن الخطّاب فی جزء كبیر- كما قاله فی المستدرك 2- 277- و قال: تواترت الأسانید الصّحیحة بصحّة خطبة أمیر المؤمنین! عمر بن الخطّاب بذلك، و أقرّه الذهبی فی تلخیص المستدرك، و أخرجها الخطیب البغدادیّ فی تاریخه 3- 257 بعدّة طرق و صحّحها، غیر أنّه لم یذكر الحدیث بتمامه. و ذكره السّیوطیّ فی جمع الجوامع- كما فی الكنز 8- 298- نقلا عن سنن سعید بن منصور و البیهقیّ، و رواه السّندیّ فی حاشیة سنن ابن ماجة 1- 583، و العجلونی فی كشف الخفاء 1- 269 و 2- 118. و أخرج الحافظ الطّبریّ فی الرّیاض النّضرة فی أنّه دخل علیّ علیه السّلام علی عمر- و إذا امرأة حبلی تقاد ترجم- فقال: ما شأن هذه؟. فقالت: یذهبون لیرجمونی .. و فی ذیلها: فقال عمر: كلّ أحد أفقه منّی- ثلاث مرّات .. و حكاه الحافظ الكنجیّ فی الكفایة: 105، و قال فی ذخائر العقبی: 81 . هذه غیر تلك- أی القصّة الّتی مرّت للمرأة الحامل، لأنّ اعتراف تلك كان بعد تخویف فلم یصحّ فلم ترجم، و هذه رجمت، كما مرّ. و قد ذكر العلّامة الأمینی- رحمه اللّٰه- فی الغدیر 6- 95- 99 صورا تسعا من هذه القصّة، و أورد المصادر العدیدة، فراجع. و جاء فی العقد الفرید 3- 416: لمّا قیل له نهاك اللّٰه عن التّجسّس تجسست، و نهاك عن الدّخول بغیر إذن فدخلت، فقال: هاتان بهاتین، و هو یقول: كلّ النّاس أفقه من عمر.

ص: 656

و أجیب بأنّه لم ینه نهی تحریم بل نهی تنزیه، و قوله: كلّ الناس أفقه من عمر .. علی طریق التواضع و كسر النفس (1).

و أجاب السید المرتضی (2) رضی اللّٰه عنه بأنّ (3): المرویّ أنّه منع من ذلك و حظره حتّی قالت له المرأة ما قالت، و لو كان غیر حاظر للمغالاة لما (4) كان فی الآیة حجّة علیه، و لا كان لكلام المرأة موقع، و لا كان یعترف لها بأنّها أفقه منه،

ص: 657


1- كما فی المغنی للقاضی 20- 14- القسم الأوّل-.
2- الشافی 4- 185.
3- فی المصدر: فهو دفع للعیان، لأن ..
4- فی الشافی: و لو كان راغبا عن المغالاة و غیر حاظر لها لما ..

بل كان الواجب علیه (1) أن یردّ علیها و یوبّخها و یعرّفها أنّه ما حظر ذلك و إنّما تكون الآیة حجّة علیه لو (2) كان حاظرا مانعا.

و أمّا التواضع فلا یقتضی إظهار القبیح و تصویب الخطإ، إذ (3) لو كان الأمر علی ما توهّمه المجیب (4) لكان (5) هو المصیب و المرأة مخطئة، و كیف یتواضع بكلام یوهم أنّه المخطئ و هی المصیبة؟ انتهی.

أقول: و ممّا یدلّ علی بطلان كون هذا (6) الأمر للاستحباب مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (7) فِی شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: لَا یَبْلُغُنِی أَنَّ امْرَأَةً تَجَاوَزَ صَدَاقُهَا صَدَاقَ زَوْجَاتِ رَسُولِ اللَّهِ (8) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] إِلَّا ارْتَجَعْتُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَقَامَتْ إِلَیْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: وَ اللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكَ (9)، إِنَّهُ تَعَالَی یَقُولُ: وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً ... (10)، فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَعْجَبُونَ (11) مِنْ إِمَامٍ أَخْطَأَ وَ امْرَأَةٍ أَصَابَتْ، نَاضَلَتْ إِمَامَكُمْ فَنَضَلَتْهُ! (12).

و المناضلة: المغالبة فی الرّمی، و نضلته .. أی غلبته فیه (13)، فإنّ كراهة

ص: 658


1- لا توجد: علیه، فی المصدر.
2- فی (ك): و لو.
3- فی الشافی: الواو، بدلا من: إذ.
4- فی المصدر: صاحب الكتاب.
5- فی (س): لو كان.
6- لا توجد: هذا، فی (س).
7- شرح النّهج لابن أبی الحدید 1- 182 [1- 61]، و أشار إلیه فی 12- 208 [3- 96]، و غیرها من الموارد. و قریب منه فی تفسیر الخازن 1- 353، و تفسیر القرطبیّ 5- 99، و الأربعین للرازی: «467»- و التمهید للباقلانی: 199، و غیرهم.
8- فی المصدر: صداق نساء النّبیّ.
9- فی شرح النّهج: فقالت له امرأة: ما جعل لك ذلك.
10- النّساء: 20.
11- فی المصدر: فقال: كلّ النّاس أفقه من عمر حتّی ربّات الحجال، ألا تعجبون، و هو الظّاهر.
12- فی شرح النّهج: فاضلت إمامكم ففضلته.
13- كما فی المصباح المنیر 2- 317، و انظر: مجمع البحرین 5- 484، و الصحاح 5- 1831، و القاموس 4- 58، و النهایة 5- 72، و غیرها.

المغالاة لا یقتضی جواز الارتجاع، بل استلزام الحرمة له أیضا محلّ تأمّل.

وَ قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1)

أَیْضاً- فِی شَرْحِ غَرِیبِ أَلْفَاظِ عُمَرَ فِی حَدِیثِهِ أَنَّهُ خَطَبَ، فَقَالَ: أَلَا لَا تُغَالُوا فِی صَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ یُغَالِی بِصَدَاقِ الْمَرْأَةِ حَتَّی یَكُونُ ذَلِكَ لَهَا فِی قَلْبِهِ عَدَاوَةٌ، یَقُولُ جَشِمْتُ إِلَیْكِ عَرَقَ الْقِرْبَةِ (2).

قال أبو عبیدة: معناه: تكلّفت لك حتی عرقت عرق القربة، و عرقها:

سیلان مائها.

وَ قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِیُّ فِی تَفْسِیرِهِ (3): رُوِیَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (4) قَالَ عَلَی الْمِنْبَرِ: أَلَا لَا تُغَالُوا فِی مُهُورِ نِسَائِكُمْ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: یَا ابْنَ الْخَطَّابِ! اللَّهُ یُعْطِینَا وَ أَنْتَ تَمْنَعُنَا (5)، وَ تَلَتْ (6) قَوْلَهُ تَعَالَی: وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ... (7)

ص: 659


1- فی شرحه علی النّهج 12- 134- 135 بتصرف. و انظر: الفائق 2- 135، و غیرهما.
2- جاء فی حاشیة (ك) حاشیة لم یعلم علیها، و لعلّ محلها هنا، و هی: قال الجوهریّ: قال الأصمعیّ: یقال: لقیت من فلان عرق القربة، و معناه: الشّدّة، و لا أدری ما أصله. و قال غیره: العرق إنّما هو للرّجل لا للقربة. قال: و أصله: أنّ القرب إنّما تحملها الإماء الزوافر، و من لا معین له، و ربّما افتقر الرّجل الكریم و احتاج إلی حملها بنفسه فیعرق لما یلحقه من المشقّة و الحیاء من النّاس، فیقال: تجشّمت لك عرق القربة. و فی النّهایة، فی حدیث عمر: جشمت إلیك عرق القربة .. أی تكلّفت إلیك و تعبت حتّی عرقت كعرق القربة، و عرقها سیلان مائها. و قیل: أراد بعرق القربة عرق حاملها من ثقلها. و قیل: أراد أنّی قصدتك و سافرت إلیك و احتجت إلی عرق القربة و هو ماؤها. و قیل: أراد تكلّفت لك ما لم یبلغه أحد و ما لا یكون، لأنّ القربة لا تعرق. [منه (قدّس سرّه)]. انظر: الصّحاح 4- 1522- 1523، و النّهایة 3- 220- 221.
3- تفسیر الفخر الرّازیّ 10- 13.
4- لا توجد فی المصدر: بن الخطّاب.
5- فی التّفسیر: و أنت تمنع.
6- فی (س): ثلث، و فی نسخة جاءت علیها: تلت. و فی المصدر: و تلت هذه الآیة.
7- النّساء: 20.

الْآیَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْكَ یَا عُمَرُ! (1)، وَ رَجَعَ عَنْ كَرَاهَةِ الْمُغَالاةِ.

ثم قال (2): و عندی أنّ الآیة لا دلالة فیها علی جواز المغالاة (3)، لأنّه لا یلزم من جعل الشی ء شرطا لآخر (4) كون ذلك الشرط جائز الوقوع فی نفسه، كما یقول (5) الرجل: لو كان الإله جسما لكان محدثا، انتهی.

و الظاهر أنّه حذف منها ارتجاع المهر دفعا للطعن بذلك، و لیتمكّن من حملها علی الكراهة، إلّا (6) أنّه مع قطع النظر عنه لا یدفع الطعن، فإنّ الآیة- بعد تسلیم دلالتها علی جواز إیتاء القنطار- لا شكّ فی عدم دلالتها علی نفی كراهة المغالاة، فرجوع عمر عن القول بالكراهة- كما اعترف به- و اعترافه بالخطإ بما تلت (7) علیه المرأة دلیل واضح علی جهله، و لو حمل منعه علی التحریم لم یظهر جهله بتلك المثابة، و إن كان أفحش فی مخالفته الشرع، فظهر أنّ الحمل علی الكراهة لا یُسْمِنُ وَ لا یُغْنِی مِنْ جُوعٍ و الظاهر من روایة ابن أبی الحدید أنّه منع من المغالاة علی سبیل الاجتهاد، لظنّه أنّه مثمر للعداوة فی قلب الزوج، فرجوعه عن ذلك القول- بعد سماع الآیة كما دلّت علیه الروایات- یدلّ علی جواز الاجتهاد فی مقابلة النصّ، و إلّا لما اعترف بالخطإ و لم یرجع عن قوله، و لو جاز فرجوعه عن اجتهاده (8) بسماع الآیة دلیل واضح علی جهله، فظهر توجّه الطعن سواء كانت المغالاة مباحة أو محرّمة أو مكروهة.

ص: 660


1- فی تفسیر الفخر: أفقه من عمر.
2- الفخر الرازیّ فی تفسیره 10- 13- 14.
3- هنا سقط جاء فی المصدر.
4- فی التفسیر: لشی ء آخر.
5- فی المصدر: الشرط فی نفسه جائز الوقوع، و قد یقول: .. و قبلها سقط جاء فیه، فلاحظ.
6- فی (ك): لا.
7- الكلمة فی المطبوع مشوّشة و ما أثبتناه أولی، و قد تقرأ: قلت، و لا معنی لها.
8- فی (س): اجتهاد،- بلا ضمیر-.

الطعن السابع:

مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1) وَ غَیْرُهُ (2): أَنَّ عُمَرَ كَانَ یَعُسُّ (3) لَیْلَةً فَمَرَّ بِدَارٍ سَمِعَ فِیهَا صَوْتاً فَارْتَابَ وَ تَسَوَّرَ فَوَجَدَ رَجُلًا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَ زِقُّ (4) خَمْرٍ، فَقَالَ: یَا عَدُوَّ اللَّهِ! أَ ظَنَنْتَ أَنَّ اللَّهَ یَسْتُرُكَ وَ أَنْتَ عَلَی مَعْصِیَتِهِ؟!. فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِی وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَخْطَأْتَ فِی ثَلَاثٍ، قَالَ اللَّهُ: وَ لا تَجَسَّسُوا (5) وَ تَجَسَّسْتَ، وَ قَالَ: وَ أْتُوا الْبُیُوتَ مِنْ أَبْوابِها (6) وَ قَدْ تَسَوَّرْتَ،

ص: 661


1- شرح النّهج لابن أبی الحدید 12- 17- 18 [3- 96] بتصرف، و ذكره فی 1- 182 [1- 61] و لم یأت بذیله.
2- أورده محبّ الدّین فی الرّیاض 2- 46، و السّیوطیّ فی الدّرّ المنثور 6- 93، و أوردها مفصّلا و بشكل آخر فی الفتوحات الإسلامیّة 2- 476- 477، و الكامل لابن الأثیر 4- 28، و كنز العمّال 2- 167، و جاء بها فی نفس المجلّد: 141 بشكل آخر عن السدی مقتصرا علی الفقرة الأولی. و جاء شهاب الدّین الأبشیهی فی المستطرف 2- 115 باب 61 بقضیّة غیر ما مرّت فی عس عمر و مواجهة من نبّهه علی الخطایا الثّلاث. و نقل فی العقد الفرید 3- 416 قضیّة ثالثة فی عسه و رجوعه نادما، و فیه: همّ بتأدیبهم فقالوا: یا أمیر المؤمنین! نهاك اللّٰه عن التّجسّس تجسّست، و نهاك عن الدّخول بغیر إذن فدخلت. فقال: هاتین بهاتین و انصرف و هو یقول: كلّ النّاس أفقه منك یا عمر. أقول: انظروا إلی مصالحة الخلیفة مع الأمّة فی الخطإ و ما تبعت هذه المصالحة من الآثار. و أخذ بتكرارها و لكن نصح له عبد الرّحمن بن عوف فامتنع، و قد جاء فی سنن البیهقیّ 8- 334، و الإصابة 1- 531، و الدّرّ المنثور 6- 93، و السّیرة الحلبیة 3- 293، و الفتوحات الإسلامیّة 2- 472: قال عمر: هذا بیت ربیعة بن أمیّة بن خلف و هم الآن شرب، فما تری؟. قال عبد الرّحمن: أری قد أتینا ما نهی اللّٰه عنه: «وَ لا تَجَسَّسُوا» فقد تجسسنا فانصرف عنهم عمر و تركهم.
3- قال فی النّهایة 3- 236: و فی حدیث عمر: أنّه كان یعسّ بالمدینة .. أی یطوف باللّیل یحرس النّاس و یكشف أهل الرّیبة.
4- قال فی القاموس 3- 241: الزّقّ- بالكسر-: السّقّاء أو جلد یجزّ و ینتف للشّراب و غیره.
5- الحجرات: 12.
6- البقرة: 189.

وَ قَالَ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلِّمُوا (1) وَ مَا سَلَّمْتَ. قَالَ: فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ خَیْرٍ إِنْ (2) عَفَوْتُ عَنْكَ؟. قَالَ: نَعَمْ- وَ اللَّهِ- لَا أَعُودُ. فَقَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی (3): فَلَحِقَهُ الخجل. و قد حكی تلك القصّة فی الصراط المستقیم (4)، عن الطبری (5)، و الرازی، و الثعلبی، و القزوینی، و البصری، و عن الراغب فی محاضراته، و الغزالی فی الإحیاء (6)، و المالكی فی قوت القلوب.

و قال الشیخ الطبرسی رحمه اللّٰه فی مجمع البیان (7): وَ رُوِیَ (8) عَنْ أَبِی قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حُدِّثَ أَنَّ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِیَّ یَشْرَبُ الْخَمْرَ فِی بَیْتِهِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ، فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّی دَخَلَ عَلَیْهِ، فَإِذَا لَیْسَ عِنْدَهُ إِلَّا رَجُلٌ، فَقَالَ أَبُو الْمِحْجَنِ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنَّ هَذَا لَا یَحِلُّ لَكَ، قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ!. فَقَالَ عُمَرُ: مَا یَقُولُ هَذَا؟. فَقَالَ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: صَدَقَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ!. قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ وَ تَرَكَهُ، وَ خَرَجَ مَعَ (9) عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَیْضاً (10) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ (11) فَتَبَیَّنَتْ لَهُمَا نَارٌ فَأَتَیَا وَ اسْتَأْذَنَا فَفُتِحَ الْبَابُ فَدَخَلَا، فَإِذَا رَجُلٌ وَ امْرَأَةٌ تُغَنِّی وَ عَلَی یَدِ الرَّجُلِ قَدَحٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هَذِهِ مِنْكَ؟. قَالَ: امْرَأَتِی.

قَالَ: وَ مَا فِی هَذَا الْقَدَحِ؟. قَالَ: الْمَاءُ، فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ مَا الَّذِی تُغَنِّینَ، قَالَتْ: أَقُولُ:

ص: 662


1- النّور: 61.
2- فی (س): فإن.
3- جاءت فی المغنی للقاضی 20- 14- القسم الثّانی- حیث قال: و إنّما لحقه علی ما یروی فی الخبر الخجل ..
4- الصراط المستقیم 3- 20.
5- تاریخ الطبریّ 5- 20 [طبع مصر].
6- إحیاء العلوم 2- 201.
7- مجمع البیان 9- 135.
8- فی (س): روی- بلا واو-.
9- لا توجد: مع، فی المصدر.
10- فی مجمع البیان زیادة: و معه.
11- فی المصدر زیادة: یعسان.

تَطَاوَلَ هَذَا اللَّیْلُ وَ اسْوَدَّ جَانِبُهُ*** وَ أَرَّقَنِی إِلَّا حَبِیبٌ أُلَاعِبُهُ

فَوَ اللَّهِ لَوْ لَا خَشْیَةُ اللَّهِ وَ التُّقَی*** لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِیرِ جَوَانِبُهُ

وَ لَكِنَّ عَقْلِی وَ الْهَوَاءَ (1) یَكُفُّنِی*** وَ أُكْرِمُ بَعْلِی أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهُ

فَقَالَ (2) الرَّجُلُ: مَا بِهَذَا أُمِرْنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: وَ لا تَجَسَّسُوا (3)، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ، وَ انْصَرَفَ (4).

ص: 663


1- فی (ك) نسخة بدل: الحیاء.
2- فی المصدر: ثمّ قال.
3- الحجرات: 12.
4- هذا، و إنّ شرب الخلیفة للخمر من المسلّمات، ألا تری إلی ما ذكره الزّمخشریّ فی ربیع الأبرار 4- 51- 52، باب اللّٰهو و اللّذّات و القصف و اللّعب، و الأبشیهی فی المستطرف: 260 [2- 291] .. و غیرهما فی قصّة تدرّج نزول آیات النّهی عن الخمر، و فیها: حتّی شربها عمر فأخذ لحی بعیر فشجّ رأس عبد الرّحمن بن عوف، ثمّ قعد ینوح علی قتلی بدر بشعر الأسود بن عبد یغوث [أبی یعفور، بن یعفور]، و فیها: أ یوعدنا ابن كبشة ( قال ابن الأثیر فی النّهایة 4- 144، فی حدیث أبی سفیان: لقد أمر ابن أبی كبشة .. كان المشركون ینسبون النّبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم إلی أبی كبشة و هو رجل من خزاعة خالف قریشا فی عبادة الأوثان و عبد الشعری العبور فلمّا خالفهم النّبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فی عبادة الأوثان شبّهوه به، و قیل: إنّه كان جدّ النّبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم من قبل أمّه فأرادوا أنّه نزع فی الشّبه إلیه.) أن سنحیا***و كیف حیاة أصداء و هام أ یعجز أن یردّ الموت عنّی***و ینشرنی إذا بلیت عظامی ألا من مبلغ الرّحمن عنّی***بأنّی تارك شهر الصّیام فقل للّٰه یمنعنی شرابی!***و قل للّٰه یمنعنی طعامی! فبلغ ذلك رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، فخرج مغضبا یجرّ رداءه، فرفع شیئا كان فی یده لیضربه .. و حرّف القصّة الطّبریّ فی تفسیره 2- 203 بوضع كلمة رجل بدلا من: عمر، و ناقشها شیخنا الأمینی- رحمه اللّٰه- فی غدیره 6- 251- 261 بذكر موارد النّقض و ما یرد علی الخلیفة. أقول: بعد نزول آیة تحریم الخمر، قال الخلیفة: انتهینا انتهینا .. فلم نجده قد انتهی، إذ ها هو یقول- كما فی السّنن الكبری 8- 299، و المحاضرات للراغب الأصفهانیّ 1- 319، و كنز العمّال للمتّقی الهندیّ 3- 109 بألفاظ متعدّدة و غیرهم-: إنّا نشرب هذا الشّراب الشّدید لنقطع به لحوم الإبل فی بطوننا أن تؤذینا، فمن رابه من شرابه شی ء فلیمزجه بالماء!. و أورد الهندیّ فی كنزه، و الطّبرانیّ فی الجامع الكبیر 6- 156، و ابن عبد البرّ فی العقد الفرید 3- 416، و غیرهم أنّه شرب و شرب إلی أن مات، فها هم یقولون: و كان یشرب النّبیذ الشّدید إلی آخر نفس لفظه. قال عمر ابن میمون: شهدت عمر حین طعن أتی بنبیذ فشربه .. و لاحظ ما أورده الجصّاص فی أحكام القرآن 2- 565، بل جاء فی جامع مسانید أبی حنیفة 2- 192 أنّه كان یحبّ الشّراب الشّدید، و عنه قوله فی الخمر: هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شیطانه. و جاء فی سنن النّسائیّ 8- 326 عنه: إذا خشیتم من نبیذ شدّته فاكسروه بالماء .. و غیرها، هذا مع تواتر نصوص الفریقین- كما فی سنن أبی داود 2- 129، و مسند أحمد 2- 167، 3- 343، و صحیح التّرمذیّ 1- 342، و سنن ابن ماجة 2- 332، و سنن النّسائیّ 8- 30، و سنن البیهقیّ 8- 296، و غیرهم كثیر- مع أنّ: ما أسكر كثیره فقلیله حرام .. و غیره من نصوص الباب.

و أجیب (1) بأنّ للإمام أن یجتهد فی إزالة المنكر بهذا الجنس من الفعل، و إنّما لحقه الخجل .. (2) لأنّه لم یصادف الأمر علی ما ألقی إلیه فی إقدامهم علی المنكر.

و أجاب السید المرتضی (3) رضوان اللّٰه علیه ب: أنّ التجسّس محظور (4) بالقرآن و السنّة، و لیس للإمام أن یجتهد فیما یؤدّی إلی مخالفة الكتاب و السنة، و قد كان یجب- إن كان هذا عذرا صحیحا- أن یعتذر به إلی من خطّأه فی وجهه، و قال له: إنّك أخطأت السنّة من وجوه، فإنّه بمعاذیر نفسه أعلم من غیره (5)، و تلك الحال حال (6) تدعو إلی الاحتجاج و إقامة العذر، و كلّ هذا تلزیق و تلفیق. انتهی.

و لا یخفی أنّ قولهم: إنّما لحقه الخجل لعدم مصادفته الأمر علی ما ألقی إلیه .. مخالف لما رواه ابن أبی الحدید (7) و غیره كما عرفت.

ص: 664


1- و المجیب: هو القاضی فی المغنی 20- 14- القسم الثانی-.
2- فی المصدر زیادة: علی ما روی فی الخبر. و فی الأصل: علی ما یروی.
3- فی الشافی 4- 185.
4- فی المصدر: فأمّا التجسّس فهو محظور.
5- فی (س): من غیرها. و فی المصدر: من صاحب الكتاب.
6- لا توجد: حال- الثانیة-، فی المصدر.
7- فی شرح النهج 12- 18.

ثم إنّهم عدّوا من فضائل عمر (1) أنّه أوّل من عسّ فی عمله نفسه، لزعمهم أنّ ذلك أحری بسیاسة الرعیّة، و قد ظهر من مخالفته لصریح الآیة أنّه من جملة مطاعنه، و لو كان خیرا لما تركه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و لكان اللّٰه تعالی یأمر بذلك، فعدّهم ذلك من فضائله ترجیح لرأی عمر علی ما قضی اللّٰه و رسوله به، و هل هذا إلّا كفر صریح؟!.

الطعن الثامن:

اشارة

ما ورد فی جمیع صحاحهم- و إن لم یتعرّض له أكثر أصحابنا، و هو عندی من أفحش مطاعنه و أثبتها- و هو أنّه ترك الصلاة لفقد الماء، و أمر من أجنب و لم یجد الماء أن لا یصلّی من غیر استناد إلی شبهة، كما رَوَی الْبُخَارِیُّ (2) وَ مُسْلِمٌ (3) وَ أَبُو دَاوُدَ (4) وَ النَّسَائِیُّ (5) وَ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ (6)، عَنْ شَقِیقٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَی (7): لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ وَ لَمْ یَجِدِ الْمَاءَ شَهْراً (8) أَ مَا كَانَ یَتَیَمَّمُ وَ یُصَلِّی؟! وَ (9) كَیْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآیَةِ فِی سُورَةِ

ص: 665


1- كما فی كتاب الأوائل للعسكری: 105- 108، و ذكر قصصا ظریفة عن الخلیفة، كما و قد عدّ ابن الجوزی هذه المخزاة من مناقب و فضائل عمر! و تبعه شاعر النیل حافظ إبراهیم فی قصیدته العمریة، كما جاء فی دیوانه المطبوع سنة 1937 م.
2- صحیح البخاریّ 1- 385 كتاب التّیمّم باب إذا خاف الجنب علی نفسه و أبواب أخر.
3- صحیح مسلم كتاب الحیض باب التّیمّم حدیث 368.
4- سنن أبی داود حدیث 321 كتاب الطّهارة باب التّیمّم.
5- النّسائیّ 1- 170 كتاب الطّهارة باب تیمّم الجنب.
6- جامع الأصول 7- 252- 254 حدیث 5289 باختلاف أشرنا إلی غالبه.
7- فی المصدر زیادة: أ رأیت یا أبا عبد الرّحمن.
8- هنا سقط جاء فی المصدر و هو: كیف یصنع بالصّلاة؟ فقال عبد اللّٰه: لا یتیمّم و إن لم یجد الماء شهرا. فقال أبو موسی: فكیف بهذه .. و لا توجد فیه: أ ما كان یتیمّم و یصلّی و كیف تصنعون؟.
9- لا توجد الواو فی (ك).

الْمَائِدَةِ: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً (1)، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِی هَذَا لَأَوْشَكُوا (2) إِذَا بَرُدَ عَلَیْهِمُ الْمَاءُ أَنْ یَتَیَمَّمُوا الصَّعِیدَ (3). قُلْتُ: وَ إِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا (4). قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَی (5): أَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فِی حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِی الصَّعِیدِ كَمَا یَتَمَرَّغُ (6) الدَّابَّةُ (7)، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقَالَ:

إِنَّمَا كَانَ (8) یَكْفِیكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا .. فَضَرَبَ بِكَفِّهِ (9) ضَرْبَةً عَلَی الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ (10) ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ (11) ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ یَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ (12).

قَالَ الْبُخَارِیُّ (13): وَ زَادَ یَعْلَی، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِیقٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِی مُوسَی، فَقَالَ لَهُ (14) أَبُو مُوسَی: أَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بَعَثَنِی أَنَا وَ أَنْتَ، فَأَجْنَبْتُ، فَتَمَعَّكْتُ فِی الصَّعِیدِ (15) فَأَتَیْنَا

ص: 666


1- المائدة: 6.
2- فی جامع الأصول: لو رخّص لهم فی هذه الآیة لأوشك ..
3- فی المصدر: بالصّعید.
4- لا توجد فی صحیح مسلم: و إنّما كرهتم هذا لذا.
5- فی جامع الأصول: فقال أبو موسی لعبد اللّٰه.
6- فی صحیح البخاریّ: تتمرّغ، و فی جامع الأصول: تمرّغ.
7- هنا سقط جاء فی المصادر: ثمّ أتیت النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله).
8- لا توجد: كان .. فی جامع الأصول. و وضع علیها رمز نسخة بدل فی البحار.
9- فی المصادر: و ضرب بكفّیه.
10- فی المصادر: ثمّ مسح بها.
11- فی (ك): لو، بدلا من: أو.
12- ورد الذّیل فی صحیح البخاریّ و مسلم، كما فی الغدیر 6- 91.
13- صحیح البخاریّ 1- 96 كتاب التّیمّم باب التّیمّم بضربة.
14- لا توجد: له، فی بعض نسخ صحیح البخاریّ.
15- فی المصدر: بالصّعید.

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا (1) یَكْفِیكَ هَكَذَا .. وَ مَسَحَ وَجْهَهُ وَ كَفَّیْهِ وَاحِدَةً.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (2)

أَیْضاً- فِی مَوْضِعٍ آخَرَ، عَنْ شَقِیقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِی مُوسَی، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَی: أَ رَأَیْتَ- یَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ یَجِدْ مَاءً كَیْفَ یَصْنَعُ؟. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا یُصَلِّی حَتَّی یَجِدَ الْمَاءَ.

فَقَالَ أَبُو مُوسَی: كَیْفَ (3) تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِینَ قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: كَانَ یَكْفِیكَ .. قَالَ: أَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ یَقْنَعْ بِذَلِكَ! فَقَالَ أَبُو مُوسَی: فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ (4) عَمَّارٍ، كَیْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآیَةِ؟، فَمَا دَرَی عَبْدُ اللَّهِ مَا یَقُولُ!، فَقَالَ: إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِی هَذَا لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَی أَحَدِهِمُ الْمَاءُ أَنْ یَدَعَهُ وَ یَتَیَمَّمَ، قَالَ الْأَعْمَشُ: فَقُلْتُ لِشَقِیقٍ: فَإِنَّهَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا. قَالَ: نَعَمْ (5).

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (6)

أَیْضاً-، عَنْ أَبِی وَابِلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَی لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا لَمْ یَجِدِ الْمَاءَ لَا یُصَلِّی؟. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِی هَذَا كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ الْبَرْدَ قَالَ هَكَذَا- یَعْنِی تَیَمَّمَ- وَ صَلَّی، قَالَ: قُلْتُ: فَأَیْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ؟. قَالَ: إِنِّی لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ (7).

وَ رَوَی (8) أَیْضاً، عَنْ سَعِیدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِیهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَی

ص: 667


1- فی صحیح البخاریّ زیادة: كان، بعد: إنّما.
2- صحیح البخاریّ 1- 95 كتاب الطّهارة باب إذا خاف الجنب علی نفسه.
3- فی المصدر: فكیف.
4- فی (س): بقول.
5- و أخرجه مسلم فی صحیحه 1- 110، و أبو داود فی سننه 1- 53، و البیهقیّ فی سننه 1- 226، و قال فی تیسیر الوصول 3- 97: أخرجه الخمسة إلّا التّرمذیّ.
6- صحیح البخاریّ 1- 95 كتاب الطّهارة- التّیمّم- باب إذا خاف الجنب.
7- و جاء فی سنن البیهقیّ 1- 226، و تیسیر الوصول 3- 97.
8- البخاریّ فی صحیحه 1- 92- 93 [1- 45] حدیث 2 فی باب المتیمّم هل ینفخ فیهما .. من كتاب الطّهارة. و أورده فی الأبواب الّتی بعده، إلّا أنّه حرّفه و دلّس فیه صونا لمقام الخلیفة و قدسیّته، فقد حذف الكلمة: لا تصلّ، أو قوله: أمّا أنا فلم أكن لأصلّی .. ذاهلا عن أنّ كلام عمّار عندئذ لا یرتبط بشی ء، و لعلّ هذا عنده أخفّ وطأة من إخراج الحدیث علی ما هو علیه. و رواه مسلم فی صحیحه باب التّیمّم بأربعة طرق. و ذكره البیهقیّ محرفا فی سننه 1- 209 نقلا عن الصّحیحین، و أخرجه النّسائیّ فی سننه 1- 60 و فیه مكان جواب عمر: فلم یدر ما یقول، و أخرجه البغویّ فی المصابیح 1- 36 و عدّه من الصّحاح غیر أنّه حذف صدر الحدیث و ذكر مجی ء عمّار إلی رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) فقط. و كذا حرّفه الذهبی فی تذكرته 3- 152. إلّا أنّ ابن حجر فی فتح الباری فی شرح صحیح البخاریّ 1- 352 قال: إنّ هذا مذهب مشهور من عمر. و أورده العینیّ فی عمدة القاری 2- 172، و قال: إنّ عمر لم یكن یری للجنب التّیمّم لتأدیة اجتهاده إلی أنّ الآیة مختصّة بالحدث الأصغر. و أورد الواقعة العلّامة الأمینی فی غدیره 6- 83- 92 و ناقشها بما لا مزید علیه.

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّی أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ؟. فَقَالَ عُمَرُ: لَا تُصَلِّ.

فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَ مَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِی سَفَرٍ أَنَا وَ أَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَ أَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّیْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ]: إِنَّمَا كَانَ یَكْفِیكَ هَكَذَا .. فَضَرَبَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] بِكَفَّیْهِ الْأَرْضَ وَ نَفَخَ فِیهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَ كَفَّیْهِ (1).

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (2) بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَی قَوْلِهِ: ثُمَّ تَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَكَ وَ كَفَّیْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ یَا عَمَّارُ!. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ (3) بِهِ.

وَ فِی رِوَایَةٍ (4) أُخْرَی لِمُسْلِمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّیكَ مَا تَوَلَّیْتَ.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی لَهُ (5)، قَالَ عَمَّارٌ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنْ شِئْتَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَیَّ مِنْ حَقِّكَ- أَلَّا أُحَدِّثَ بِهِ أَحَداً (6).

ص: 668


1- و جاءت فی سنن أبی داود 1- 53، سنن ابن ماجة 1- 200، مسند أحمد بن حنبل 4- 265 و 319، و سنن النّسائیّ 1- 59، 61.
2- صحیح مسلم كتاب الطّهارة باب التّیمّم. و جاء فی سنن ابن ماجة 1- 200.
3- فی (ك) زیادة: أحدا، بعد: أحدّث، و فی صحیح مسلم: لم أحدّث به.
4- صحیح مسلم كتاب الطّهارة باب التّیمّم.
5- صحیح مسلم كتاب الطّهارة باب التّیمّم.
6- و أورده و السّابق أبو داود فی سننه 1- 53، و ابن ماجة فی صحیحه: 43، و أحمد فی مسنده 4- 265 و 319، و النّسائیّ فی سننه 1- 59 و 60 و 61. و جاءا فی سنن البیهقیّ 1- 209 بطرق عدیدة، و شرح معانی الآثار للطحاوی 1- 67.

وَ قَالَ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (1)

بَعْدَ حِكَایَةِ رِوَایَةِ الْبُخَارِیِّ وَ مُسْلِمٍ: - وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّا نَكُونُ بِالْمَكَانِ الشَّهْرَ وَ الشَّهْرَیْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَكُنْ أُصَلِّی حَتَّی أَجِدَ الْمَاءَ. قَالَ: فَقَالَ عَمَّارٌ:

یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! أَ مَا تَذْكُرُ (2) إِذْ كُنْتُ أَنَا وَ أَنْتَ فِی الْإِبِلِ فَأَصَابَتْنَا جَنَابَةٌ، فَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَأَتَیْتُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] فَذَكَرْتُ ذَلِكَ (3)، فَقَالَ: إِنَّمَا یَكُونُ (4) یَكْفِیكَ أَنْ تَقُولُ هَكَذَا .. وَ ضَرَبَ بِیَدَیْهِ الْأَرْضَ (5) ثُمَّ نَفَخَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَ یَدَیْهِ إِلَی نِصْفِ الذِّرَاعِ. فَقَالَ عُمَرُ: یَا عَمَّارُ! اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنْ شِئْتَ وَ اللَّهِ لَمْ أَذْكُرْهُ أَبَداً. فَقَالَ عُمَرُ: كَلَّا! وَ اللَّهِ لَنُوَلِّیَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّیْتَ ..

ثم ذكر أربع (6) روایات فی ذلك عن أبی داود.

و روی (7) عن النسائی أیضا أخبار (8) قریبة المضامین من الأخبار الأخیرة (9).

و التمعّك: (10) التمرّغ (11).

ص: 669


1- جامع الأصول 7- 255- 256 ذیل حدیث 5290.
2- فی (س): ما تذكر.
3- فی المصدر: ذلك له.
4- فی جامع الأصول: إنّما كان .. و هو الظّاهر.
5- فی المصدر: إلی الأرض.
6- فی جامع الأصول عندنا: خمسة، یظهر من خامستها أنّها فی نسخة من جامع الأصول.
7- جامع الأصول 7- 256.
8- كذا، و الظاهر: أخبارا- بالنصب-، لأنّها رویت عن جامع الأصول.
9- انظر: النسائی 1- 170 كتاب الطهارة باب تیمّم الجنب باب التیمّم فی الحضر مرّة، و فی السفر أخری، و كلّ منهما باختلاف یسیر فی اللفظ. و رواه أبو داود فی صحیحه باب التیمّم بطرق، و أحمد ابن حنبل فی مسنده 4- 319، و قریب منه ما ذكره فی 4- 265 بطریقین، و كذا فی 4- 320، و المتّقی الهندی فی كنز العمّال 5- 143 و قال: أخرجه عبد الرزاق. و لاحظ: مسند الطیالسی 3- 88 و 89 بطرق عدیدة.
10- توجد الواو فی (س) هنا قبل: التمرغ.
11- نصّ علیه الطریحی فی مجمع البحرین 5- 288، و ابن الأثیر فی النهایة 4- 343، و الفیروزآبادی فی القاموس 3- 319.

و قال فی جامع الأصول (1) فی قوله (2): نولّیك ما تولّیت .. أی نكلك إلی ما قلت، و نرد إلیك ما ولّیته نفسك و رضیت لها به.

فإذا وقفت علی هذه الأخبار التی لا یتطرّق للمخالفین فیها سبیل إلی الإنكار فنقول:

لا تخلو الحال من أن یكون عمر حین أمر السائل بترك الصلاة لفقدان الماء و عدم إذعانه لقول عمّار، و قوله: أمّا أنا فلم أكن أصلّی حتّی أجد الماء .. عالما بشرعیّة التیمّم و وجوب الصلاة علی فاقد الماء، متذكّرا للآیة و أمر النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أو جاهلا بذلك غیر متذكّر للكتاب و السنّة.

فإن كان الأول- كما هو الظاهر- كان إنكاره التیمّم ردّا صریحا علی اللّٰه و علی رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله و لیس تخصیصا أو تقییدا للنصّ بالاجتهاد، بل رفعا لحكمه رأسا لظنّ استلزامه الفساد، و هو إسناد للأمر بالقبیح إلی اللّٰه عزّ و جلّ و تجهیل له، تعالی عن ذلك علوّا كبیرا، و ذلك كفر صریح.

و إن كان الثانی، كان ذلك دلیلا واضحا علی غایة جهله و عدم صلوحه للإمامة، فإنّ من لم یعلم- فی أزید من عشرین سنة- مثل هذا الحكم الذی تعمّ بلواه و لا یخفی علی العوامّ، و كان مصرّحا به فی موضعین من كتاب اللّٰه عزّ و جلّ، و لعلّه لعمله تعالی بإنكار هذا اللعین كرّره فی الكتاب المبین و أمر به رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی غیر موطن، كما یظهر بالرجوع إلی روایاتهم المنقولة فی جامع الأصول و سائر كتبهم، و استمرّ علیه عمل الأمّة فی تلك المدّة مع تكرّر وقوعه، كیف یكون أهلا للإمامة صالحا للرئاسة العامّة؟! لا سیّما و فی القوم صادق مصدّق

یَقُولُ: سَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی (3) فَلَأَنَا بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّی بِطُرُقِ

ص: 670


1- جامع الأصول 7- 259.
2- هنا فی (س) زیادة كلمة: تعالی، و قد خطّ علیها فی (ك).
3- أخرجه إمام الحنابلة أحمد، و قال: روی عنه نحو هذا كثیر، و جاء فی ینابیع المودّة: 274، و فی فرائد السّمطین عن أبی سعید. قال سعید بن المسیّب: لم یكن أحد من الصّحابة یقول: سلونی .. إلّا علیّ بن أبی طالب. أخرجه أحمد بن حنبل فی المناقب، و البغوی فی المعجم، و أبو عمر فی العلم 1- 114، و فی مختصره: 58 و الطّبریّ فی الرّیاض 2- 198، و ابن حجر فی الصّواعق: 76، و الحافظ العاصمیّ فی زین الفتی شرح سورة هل أتی، و القالی فی أمالیه، و الحصری القیروانیّ فی زهر الأدب 1- 38، و السّیوطیّ فی جمع الجوامع- كما فی ترتیبه- 5- 242، و الزّبیدی الحنفی فی تاج العروس 5- 268 نقلا عن الأمالی، و غیرهم فی غیرها. و قد ورد بألفاظ مختلفة تؤدّی هذا المعنی: منها: قوله علیه السّلام: سلونی قبل أن لا تسألونی و لن تسألوا بعدی مثلی. أخرجه الحاكم فی المستدرك 2- 466، و صحّحه هو و الذهبی فی تلخیصه. و منها: قوله علیه السّلام: لا تسألونی عن آیة فی كتاب اللّٰه و لا سنة عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم إلّا أنبأتكم بذلك. أخرجه ابن كثیر فی التّفسیر 4- 231 من طریقین، و قال: و ثبت أیضا من غیر وجه. و منها: قوله صلوات اللّٰه علیه: سلونی و اللّٰه لا تسألونّی عن شی ء یكون إلی یوم القیامة إلّا أخبرتكم، و سلونی عن كتاب اللّٰه، فو اللّٰه ما من آیة إلّا و أنا أعلم أ بلیل نزلت أم بنهار فی سهل أم فی جبل. نقله أبو عمر فی جامع بیان العلم 1- 114، و المحبّ الطّبریّ فی الرّیاض 2- 198، و السّیوطیّ فی تاریخ الخلفاء: 124، و الإتقان له 2- 319، و ابن حجر فی فتح الباری 8- 452، و تهذیب التّهذیب 7- 338، و العینی فی عمدة القاری 9- 167، و مفتاح السّعادة 1- 400. و منها: قوله سلام اللّٰه علیه: أ لا رجل یسأل فینتفع و ینفع جلساءه. أورده أبو عمر فی جامع بیان العلم 1- 144، و فی مختصره: 57. و منها: قوله علیه السّلام: و اللّٰه ما نزلت آیة إلّا و قد علمت فیم نزلت، و أین نزلت، إنّ ربّی وهب لی قلبا عقولا و لسانا سئولا. جاء فی حلیة الأولیاء 1- 68، و مفتاح السّعادة 1- 400. و منها: قوله صلوات اللّٰه علیه: سلونی و لا تسألونی عن شی ء إلّا أنبأتكم به. أورده البخاریّ فی صحیحه 1- 46 و 10- 240، 241، و أحمد فی مسنده 1- 278، و أبو داود فی مسنده: 356. قال ابن عبّاس حبر الأمّة: و اللّٰه لقد أعطی علیّ بن أبی طالب تسعة أعشار العلم، و ایم اللّٰه لقد شارككم فی العشر العاشر. حكاه فی الاستیعاب 3- 40، و الرّیاض 2- 194، و مطالب السّئول: «30»-

الْأَرْضِ.

ص: 671

وَ یَقُولُ: لَوْ ثُنِیَتْ لِیَ الْوِسَادَةُ (1) لَحَكَمْتُ بَیْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ بِتَوْرَاتِهِمْ، وَ بَیْنَ أَهْلِ الْإِنْجِیلِ بِإِنْجِیلِهِمْ، وَ بَیْنَ أَهْلِ الْفُرْقَانِ بِفُرْقَانِهِمْ، حَتَّی یَزْهَرَ كُلٌّ إِلَی رَبِّهِ وَ یَقُولَ إِنَّ عَلِیّاً قَضَی فِینَا بِقَضَائِكَ،.

وَ یَقُولُ: عَلَّمَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَلْفَ بَابٍ یُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ.

وَ یَشْهَدُ لَهُ الرَّسُولُ الْأَمِینُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِأَنَّهُ: بَابُ مَدِینَةِ الْعِلْمِ (2)، وَ أَقْضَی الْأُمَّةِ (3).

و العجب أنّه ... لم یكن یجوّز خلافة عبد اللّٰه ابنه عند موته معتلا بأنّه لم یعرف كیف یطلق امرأته (4)، و من یجهل مثل ذلك لا یصلح للإمامة! فكیف یجوّز اتّباعه و (5) إمامته مع جهله مثل هذا الحكم البیّن المنصوص علیه بالكتاب و السنّة؟!.

و لا یخفی علی المتأمّل الفرق بین الأمرین من وجوه شتّی:

ص: 672


1- قوله علیه السّلام هذا تجده فی مصادر كثیرة من الخاصّة، و انظر مثالا: بحار الأنوار 26- 182، 28- 4، 35- 387- 391، 40- 136، 153، 178، 92- 87 و 95، و إحقاق الحقّ 7- 579 581 و 615، و لاحظ ما ذكره فیه من مصادر العامّة.
2- مرّت مصادره فی أوّل تحقیقاتنا، و انظر: الغدیر 3- 95- 101، و غیره.
3- قد ورد بلفظ: أقضی أمّتی علیّ، فی مصابیح البغویّ 2- 277، الرّیاض النضرة 2- 198، و مناقب الخوارزمیّ: 50، و فتح الباری 8- 136، و بغیة الوعاة: 447، و غیرها. و بلفظ: أقضاكم علیّ، فی الاستیعاب 3- 28- هامش الإصابة-، و مواقف للإیجی 3- 276، و مطالب السّئول: 23، تمییز الطّیّب من الخبیث: 25، كفایة السنقیطی: 46، و شرح النّهج لابن أبی الحدید 2- 235. و قریب منه فی حلیة الأولیاء 1- 66، و الرّیاض النّضرة 2- 198، و مطالب السّئول: 34، و كفایة الكنجیّ: 139، و كنز العمّال 6- 153، و غیرها. و كفاك فیه ما ذكره فضل بن روزبهان ردّا علی العلّامة- ذیل هذه الأحادیث-: و أمّا ما ذكره المصنّف- من علم أمیر المؤمنین- فلا شكّ فی أنّه من علماء الأمّة و النّاس محتاجون إلیه فیه، و كیف لا و هو وصیّ النّبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فی إبلاغ العلم و ودائع حقائق المعارف، فلا نزاع لأحد فیه! ..
4- ستأتی مصادره فی الطعن الثامن عشر.
5- لا توجد الواو فی (س).

منها: أنّ الطلاق أمر نادر الوقوع، و الصلاة بالتیمّم أكثر وقوعا.

و منها: أنّ الصلاة أدخل فی الدین من النكاح و الطلاق.

و منها: أنّ بطلان هذا النوع من الطلاق لم یظهر من الكتاب و السنّة ظهور وجوب التیمّم.

و منها: أنّ فعل ابنه كان فی زمن الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و بدو نزول الحكم، و إنكاره كان بعد ظهور الإسلام و انتشار الأحكام.

و منها: أنّ جهل ابنه ارتفع بالتنبیه، و هو قد أصرّ بعد التذكیر و الإعلام.

و فی الفرق وجوه أخر تركناها للمتدبّر.

و الحقّ أنّ ادّعاء الجهل منه فی مثل تلك المسألة الضروریّة المتكرّرة الوقوع لیس من ادّعاء الشبهة المحتملة، بل یجب الحكم بكفره بمجرّد ذلك الإنكار، و یدلّ علی أنّ إنكاره لم یكن للجهل، بل كان ردّا علی اللّٰه سبحانه و تعالی و تقبیحا لحكمه، إنّه لو كان للجهل لسأل غیره من الصحابة حتی یظهر له صدق ما ذكره عمّار أو كذبه، فیحكم بعد ذلك بما كان یظهر له، فإنّ ترك الخوض فی تحقیق الحكم- مع كون الخطب فیه جلیلا لإفضائه إلی ترك الصلاة التی هی أعظم أركان الدین، مع قرب العهد و سهولة تحقیق الحال- لیس إلّا تخریبا للشریعة و إفسادا (1) فی الدین.

و قال بعض الأفاضل: یمكن أن یستدلّ به [علیه] بوجه أخصّ، و هو أنّه لا خلاف فی أنّ من استحلّ ترك الصلاة فهو كافر، و لا ریب فی أنّ قوله: أمّا أنا فلم أكن أصلّی حتّی أجد الماء، بعد قول الرجل السائل: إنّا نكون بالمكان الشهر و الشهرین .. و نهیه السائل عن الصلاة- كما فی الروایات الأخر- استحلال لترك الصلاة مع فقد الماء، و هو داخل فی عموم

قَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنْ تَرَكَ

ص: 673


1- فی (س): أو فسادا.

الصَّلَاةَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ كَفَرَ (1) ..

و لم (2) یخصّصه أحدا (3) إلّا بالمستحلّ (4).

ص: 674


1- هذا من ضروریّات مذهب الإمامیّة، و الرّوایات علیه عند العامّة متضافرة. انظر: صحیح التّرمذیّ كتاب الإیمان باب 9 حدیث 40، و سنن النّسائیّ كتاب الصّلاة باب 8، و سنن ابن ماجة كتاب الإقامة: 77، و مسند أحمد بن حنبل 5- 342، و غیرها.
2- فی (س): فلم.
3- كذا، و الظاهر: أحد- بالرفع-.
4- أقول: إنّ اجتهاد عمر و جهله فی باب الصلاة أكثر من أن یذكر هنا، و نضیف إلی ما ذكره المصنّف- رحمه اللّٰه- اثنین: أحدهما: اجتهاده فی قراءة الصلاة. فعن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب: أنّ عمر بن الخطّاب صلّی بنا المغرب فلم یقرأ فی الركعة الأولی، فلما كانت الثانیة قرأ بفاتحة الكتاب مرتین، فلمّا فرغ و سلّم سجد سجدتی السهو. أخرجه ابن حجر فی فتح الباری 3- 69 و قال رجاله ثقات و كأنّه مذهب لعمر. و ذكره البیهقیّ فی السنن الكبری 2- 382، و السیوطی فی جمع الجوامع كما فی كنز العمّال 4- 213 عن جمع من الحفّاظ باختلاف فی اللفظ. و قریب منه ما فی سنن البیهقیّ 2- 281، 347 و 382، و ترتیب جمع الجوامع 4- 213، و كنز العمّال 4- 213، و فتح الباری 3- 69، و غیرها. و قد أورد العلّامة الأمینی- رحمه اللّٰه- فی غدیره 6- 108- 109 روایات عن مصادر عدّة، و قال فی آخرها: یظهر من هذه الموارد و تكرّر القصّة فیها أنّ الخلیفة لم یستند فی صلاته هاتیك إلی أصل مسلّم، فمرّة لم یقرأ فی الركعة الأولی فیقضیها فی الثانیة و یسجد سجدتی السهو قبل السلام أو بعده، و أخری اكتفی بحسن الركوع و السجود عن الإعادة و سجدتی السهو، و طورا نراه یحتاط بالإعادة، أو أنّه یری ما أتی به باطلا فیعید و یعیدون .. فهل هذه اجتهادات وقتیّة، أو أنّه لم یعرف للمسألة ملاكا یرجع إلیه؟!. و العجب من ابن حجر أنّه یعدّ الشذوذ عن الطریقة المثلی مذهبا. الثانی: جهله فی أحكام الشكوك فی الصلاة. فقد أخرجه أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 192، و بلفظ آخر فی 1- 190 و 195، و ذكره البیهقیّ فی سننه 2- 332 بعدّة طرق- و اللفظ مختلف و المعنی واحد- من أنّه سئل عنها، فقال: لا أعرف، مع أنّه مبتلی بها فی الیوم و اللیلة خمسا، و هو إمام للمسلمین جماعة و خلیفة لهم و مرجع!!. و ها هو خلیفة المسلمین و إمامهم یروی عنه محمّد بن سیرین- كما فی طبقات ابن سعد 3- 286 قال: كان عمر بن الخطّاب قد اعتراه نسیان فی الصلاة، فجعل رجل خلفه یلقّنه، فإذا أومأ إلیه أن یسجد أو یقوم فعل.
تنبیه:

اعلم أنّه یظهر من تلك الواقعة ضعف ما یتشبّث به المخالفون فی كثیر من المواضع من ترك النكیر، فإنّ بطلان هذا الحكم و مخالفته للإجماع أمر واضح، و لم ینقل عن أحد من الصحابة إنكار ذلك علیه، و قد قال عمّار- بعد تذكیره بأمر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله-: إن شئت لم أحدّث به أحدا .. خوفا من أن یلحقه ضرر بالردّ علیه و الإنكار لفتیاه، و لم یكن عمّار فی شكّ من روایته حتی یكون تركه الإنكار لفتیاه، و لم یكن عمّار فی شكّ من روایته حتی یكون تركه الإنكار تصویبا لرأی عمر و تصدیقا له، و إذا كان ترك الإنكار فی أمر التیمّم- مع عدم تعلّق الأغراض الدنیویّة به للخوف أو غیر ذلك- ممّا لا یدلّ علی التصویب، فأمور الخلافة و السلطنة أحری بأن لا یكون ترك الإنكار فیها حجّة علی صوابها..

الطعن التاسع:

إِنَّهُ أَمَرَ بِرَجْمِ حَامِلٍ حَتَّی نَبَّهَهُ مُعَاذٌ، وَ قَالَ: إِنْ یَكُنْ لَكَ سَبِیلٌ عَلَیْهَا فَلَا سَبِیلِ لَكَ عَلَی مَا فِی بَطْنِهَا، فَرَجَعَ عَنْ حُكْمِهِ، وَ قَالَ: لَوْ لَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ (1).

ص: 675


1- و قد جاء بأكثر من لفظ فی مصادر عدیدة نذكر منها مثالا: سنن البیهقیّ 7- 443، و كتاب العلم لأبی عمر: 150، و كنز العمّال 7- 82 عن ابن أبی شیبة، و فتح الباری لابن حجر 12- 120 و قال فیه: أخرجه ابن أبی شیبة و رجاله ثقات، و الإصابة 3- 427 نقلا عن فوائد محمّد بن مخلد العطّار، و أوعز إلیه فی التمهید: 199. و قال ابن أبی الحدید فی شرحه 12- 204 [3- 150]- بعد نقل القصّة و قول السّیّد المرتضی فیها-: و أمّا قول المرتضی: كان یجب أن یسأل عن الحمل، لأنّه أحد الموانع من الرّجم .. فكلام صحیح لازم، و لا ریب أنّ ترك السّؤال عن ذلك نوع من الخطإ .. أقول: قد تكرّر هذا من عمر و نبّهه علی خطئه أكثر من واحد- كما مرّ و سیأتی-. منها: ما جاء فی الرّیاض النّضرة 2- 196، و ذخائر العقبی: 80، و مطالب السّئول: 139 و الأربعین للفخر الرّازیّ: 466: من أنّ علیّا أمیر المؤمنین علیه السّلام قال: ما بال هذه- المرأة الحامل-؟. فقالوا: أمر عمر برجمها. فردّها علیّ و قال: هذا سلطانك علیها فما سلطانك علی ما فی بطنها و لعلّك انتهرتها أو أخفتها؟. قال: قد كان ذلك. قال: أو ما سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم قال: لا حدّ علی معترف بعد بلاء، إنّه من قیّد أو حبس أو تهدّد فلا إقرار له. فخلّی سبیلها ثمّ قال: عجزت النّساء أن تلدن مثل علیّ بن أبی طالب، لو لا علیّ لهلك عمر. و یأتی فی صفحة: 666، عن المناقب للخوارزمیّ: 48. و منها: ما أخرجه الحافظ محبّ الدّین الطّبریّ فی الرّیاض 2- 196، و الحافظ الكنجی فی الكفایة: 105. و قال فی ذخائر العقبی: 81- بعد نقله-: هذه غیر تلك القضیّة- القضیّة السّابقة لأنّ اعتراف تلك كان بعد تخویف فلم یصحّ فلم ترجم، و هذه رجمت.

و من جهل هذا القدر لا یجوز أن یكون إماما، لأنّه یجری مجری أصول الشرائع، بل العقل یدلّ علیه، لأنّ (1) الرجم عقوبة، و لا یجوز أن یعاقب من لا یستحقّ.

و أجاب عنه قاضی القضاة (2) بأنّه لیس فی الخبر أنّه أمر برجمها مع علمه بأنّها حامل، لأنّه لیس ممّن یخفی علیه هذا القدر- و هو أنّ الحامل لا ترجم حتی تضع و إنّما ثبت عنده زناها فأمر برجمها علی الظاهر، و إنّما قال ما قال (3) فی معاذ لأنّه نبّهه علی أنّها حامل.

قال: فإن قیل: إذا لم یكن (4) منه معصیة فكیف یهلك لو لا معاذ؟!.

قلنا (5): لم یرد الهلك من جهة العذاب (6)، و إنّما أراد أن یجری (7) بقوله:

قتل من لا یستحقّ القتل، كما یقال للرجل هلك من الفقر، و صار سبب القتل (8) خطأ. و یجوز أن یرید بذلك تقصیره فی تعرّف حالها (9)، لأنّ ذلك لا یمتنع أن

ص: 676


1- فی (س): لأنّه.
2- المغنی 20- 12- القسم الثانی-، و جاء بعینه فی الشافی 4- 179- 180، و نقله أیضا فی شرح ابن أبی الحدید 12- 203 [3- 150].
3- لا توجد فی المصدر: ما قال.
4- فی الشافی: لم تكن.
5- فی المغنی: قیل له.
6- فی المصدر: لهلك عمر من جهة العقاب.
7- فی المغنی: یجزی- بالزای المعجمة-.
8- جاءت العبارة فی المصدر هكذا: هلك إذا افتقر أو صار سببا لقتل ..
9- فی المغنی: فی تعرفه حاله.

یكون خطیئة و إن صغرت.

و أورد علیه السید المرتضی (1) رضوان اللّٰه علیه بأنّه: لو كان الأمر علی ما ظنّه (2) لم یكن تنبیه معاذ علی هذا الوجه، بل كان یجب أن ینبّهه بأن یقول (3): هی حامل، و لا یقول له: إن كان لك علیها سبیل (4) فلا سبیل لك علی ما فی بطنها، لأنّ ذلك (5) قول من عنده أنّه یرجمها مع العلم بحالها (6)، و أقلّ ما یجب- لو كان الأمر كما ظنّه (7)

أن یقول لمعاذ: ما ذهب علیّ (8) أنّ الحامل لا ترجم، و إنّما أمرت برجمها لفقد علمی بحملها، فكان ینفی بهذا القول عن نفسه الشبهة. و فی إمساكه عنه- مع شدّة الحاجة إلیه- دلیل علی صحّة قولنا، و قد كان یجب أیضا أن یسأل عن الحمل لأنّه أحد الموانع من الرجم، فإذا علم انتفاؤه (9) أمر بالرجم، و صاحب الكتاب قد اعترف بأنّ ترك المسألة عن ذلك تقصیر و خطیئة (10)، و ادّعی أنّهما (11) صغیرة، و (12) من أین له ذلك و لا دلیل عنده یدلّ (13) فی غیر الأنبیاء علیهم السلام أنّ معصیته بعینها صغیرة.

ص: 677


1- الشافی 4- 180.
2- فی المصدر: ظننته.
3- جاءت زیادة: له، فی الشافی.
4- فی المصدر: سبیل علیها- بتقدیم و تأخیر-.
5- هذا، بدلا من: ذلك، فی المصدر.
6- فی الشافی: أنّه أمر برجمها مع العلم بأنّها حامل.
7- فی المصدر: كما ظنّه صاحب الكتاب.
8- أی ما خفی علیّ.
9- فی الشافی: ارتفاعه .. أی الحمل.
10- فی (س): تقصیره و خطیئته.
11- فی المصدر: أنّها. و هو الظاهر.
12- لا توجد الواو فی (ك).
13- فی الشافی: یدلّ عنده- بتقدیم و تأخیر-.

فأمّا إقراره بالهلاك لو لا تنبیه معاذ .. فهو یقتضی التفخیم و التعظیم (1) لشأن الفعل، و لا یلیق ذلك إلّا بالتقصیر الواقع، إمّا فی الأمر برجمها مع العلم بأنّها حامل، أو ترك البحث عن ذلك و المسألة عنه، و أیّ لوم (2) فی أن یجری بقوله قتل من لا یستحقّ القتل إذا لم یكن ذلك عن تفریط و لا تقصیر. انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه.

وَ مِمَّا یُؤَیِّدُهُ (3) هَذِهِ الْقِصَّةُ، مَا رَوَاهُ الشَّیْخُ الْمُفِیدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی الْإِرْشَادِ (4)

أَنَّهُ أُتِیَ عُمَرُ بِحَامِلٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: هَبْ أَنَّ لَكَ سَبِیلًا عَلَیْهَا، أَیُّ سَبِیلٍ لَكَ عَلَی مَا فِی (5) بَطْنِهَا؟! وَ اللَّهُ تَعَالَی یَقُولُ: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری (6). فَقَالَ عُمَرُ: لَا عِشْتُ لِمُعْضِلَةٍ لَا یَكُونُ لَهَا أَبُو الْحَسَنِ (7).

ص: 678


1- فی الشافی: التعظیم و التفخیم.
2- جاءت زیادة: علیه، فی المصدر.
3- كذا، و الظّاهر زیادة الضّمیر.
4- الإرشاد: 109.
5- لا یوجد فی المطبوع من البحار: فی.
6- جاءت هذه الآیة مكررة فی سور: الأنعام: 164، الإسراء: 15، فاطر: 18، الزّمر: 7.
7- و قد تكرّر من عمر قوله فی ذیل القصّة فی غیر مورد بألفاظ مختلفة نشیر إلی بعضها: منها: قوله: اللّٰهمّ لا تبقنی لمعضلة لیس لها ابن أبی طالب. كما فی تذكرة السّبط: 87، مناقب الخوارزمیّ: 58، و مقتله 1- 45. و منها: قوله: لا أبقانی اللّٰه بأرض لست فیها یا أبا الحسن!. ذكره فی إرشاد السّاری 3- 195. و منها: قوله: لا أبقانی اللّٰه بعدك یا علیّ!. أورده فی الرّیاض النّضرة 2- 197، و مناقب الخوارزمیّ: 60، و تذكرة السّبط: 88، و فیض القدیر 4- 357. و منها: قوله: أعوذ باللّٰه من معضلة و لا أبو الحسن لها. كما رواه ابن كثیر فی تاریخه 7- 359، و الفتوحات الإسلامیّة 2- 306. و جاء بألفاظ متقاربة فی الرّیاض النّضرة 2- 194 و 197، و منتخب كنز العمّال فی هامش مسند أحمد 2- 352، و فیض القدیر 4- 357، و أخرجه ابن البختری كما فی الرّیاض 2- 194، و أحمد فی المناقب، و الدّارقطنی عن أبی سعید، یوجد فی الاستیعاب- هامش الإصابة- 3- 39، صفوة الصّفوة 1- 121، تذكرة الخواصّ: 85، طبقات الشّافعیّة للشیرازی: 10، الإصابة 2- 509، الصّواعق: 76، ترجمة علیّ بن أبی طالب: 79، حاشیة شرح العزیزی 2- 417، مصباح الظّلام 2- 56، و غیرها من المصادر الكثیرة جدّا.

وَ حَكَی فِی كَشْفِ الْغُمَّةِ (1) مِنْ مَنَاقِبِ الْخُوَارِزْمِیِّ (2) أَنَّهُ قَالَ: أُتِیَ عُمَرُ فِی وِلَایَتِهِ بِامْرَأَةٍ حَامِلَةٍ فَسَأَلَهَا عُمَرُ فَاعْتَرَفَتْ بِالْفُجُورِ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ، فَلَقِیَهَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ؟. فَقَالُوا: أَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ، فَرَدَّهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَمَرْتَ بِهَا أَنْ تُرْجَمَ؟!. فَقَالَ: نَعَمْ، اعْتَرَفَتْ عِنْدِی بِالْفُجُورِ. فَقَالَ: هَذَا سُلْطَانُكَ عَلَیْهَا، فَمَا سُلْطَانُكَ عَلَی مَا فِی بَطْنِهَا؟. ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَلَعَلَّكَ انْتَهَرْتَهَا أَوْ أَخَفْتَهَا. فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَاكَ. قَالَ: أَ وَ مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: لَا حَدَّ عَلَی مُعْتَرِفٍ بَعْدَ بَلَاءٍ (3)، إِنَّهُ مَنْ قَیَّدْتَ أَوْ حَبَسْتَ أَوْ تَهَدَّدْتَ فَلَا إِقْرَارَ لَهُ. فَخَلَّی عُمَرُ سَبِیلَهَا،. ثُمَّ قَالَ: عَجَزَتِ النِّسَاءُ أَنْ یَلِدْنَ (4) مِثْلَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) (5)، لَوْ لَا عَلِیٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ (6).

ص: 679


1- كشف الغمّة 1- 149- 150، باختلاف یسیر.
2- مناقب الخوارزمیّ: 39 و 48 بألفاظ مقاربة، و لها نظائر هناك. و قد مرّت الرّوایة فی هامش صفحة (675) قریبا بمصادر أخری باختلاف یسیر.
3- جاء فی بعض نسخ المصدر: البلاء.
4- فی كشف الغمّة: تلد.
5- و قد جاءت هذه الفقرة باختصار فی الرّیاض النّضرة 2- 196، و ذخائر العقبی: 80، و مطالب السّئول: 13، و الأربعین للفخر الرّازیّ: 466.
6- قولة عمر: لو لا علیّ لهلك عمر .. جاءت بألفاظ متعدّدة و موارد كثیرة و فی أكثر من واقعة، فقد قالها عند ما نهاه علیه السّلام عن رجم امرأة ولدت لستّة أشهر مستدلّا بآیة الرّضاع مع آیة الحمل و الفصال كما أخرجه الحافظان ابن أبی حاتم و البیهقیّ و كذا الكنجیّ و النّیسابوریّ. و جاء فی لفظ سبط ابن الجوزیّ و جمع: اللّٰهمّ لا تبقنی لمعضلة لیس لها ابن أبی طالب، انظر من المصادر: السّنن الكبری 7- 442، و مختصر جامع العلم: 150، و الرّیاض النّضرة 2- 194، و ذخائر العقبی: 82، و تفسیر الفخر الرّازیّ 7- 484، و أربعین الرّازی: 466، و تفسیر النّیسابوریّ: 3- سورة الأحقاف-، و الكفایة للكنجی: 105، و مناقب الخوارزمیّ: 57، و تذكرة سبط ابن الجوزیّ: 87، و الدّرّ المنثور 1- 288، 6- 40، و كنز العمّال 3- 96 و 228 نقلا عن غیر واحد من أئمّة الحدیث و الحفّاظ، و أشار إلیه فی الاستیعاب 2- 461. و جاء بیان العجز العلمی للخلیفة و فقره لباب مدینة العلم بألفاظ كثیرة جدّا و مواقع لا تعدّ كثرة. منها: قول عمر: أبا حسن! لا أبقانی اللّٰه لشدّة لست لها، و لا فی بلد لست فیه، كما أورده المتّقی الهندی فی كنز العمّال 3- 179، و الجردانی فی مصباح الظّلام 2- 56 و غیرهما، فی قصّة عجیبة حریّة بالتأمل. و جاء فی الكنز 3- 179 قولة عمر: یا ابن أبی طالب! فما زلت كاشف كلّ شبهة و موضّح كلّ حكم .. و انظر جملة من مراجعات الخلیفة الثّانی لأبی الحسنین سلام اللّٰه علیه و آله فی مسائل كثیرة جدّا، ذكر جملة منها ابن حزم فی المحلّی 7- 76 فی مسألة الموقف فی الحجّ، و الرّیاض النّضرة 2- 195، و ذخائر العقبی: 79، و قد عدّ الطّبریّ فی اختصاص أمیر المؤمنین عدّة روایات فی إحالة جمع من الصّحابة عند جهلهم علیه. و انظر الغدیر 6- 327- 328 فی بیان مصادر قولة عمر: لو لا علیّ لهلك عمر، و اختلاف ألفاظها. و لاحظ الغدیر 6- 302- 308.

و ستأتی الأخبار فی ذلك فی باب قضایاه (1) علیه السلام.

الطعن العاشر:

أَنَّهُ أَمَرَ بِرَجْمِ الْمَجْنُونَةِ فَنَبَّهَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَالَ: إِنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ (2) عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّی یُفِیقَ. فَقَالَ: لَوْ لَا عَلِیٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ (3).

ص: 680


1- بحار الأنوار 40- 217- 218.
2- فی (س): موضوع.
3- قضاء الخلیفة علی مجنونة قد زنت قد ورد عن ابن عبّاس و غیره فی صور متعدّدة: منها: أنّه أمر عمر برجم زانیة فمرّ علیها علیّ بن أبی طالب علیه السّلام فی أثناء الرّجم فخلصها، فلمّا أخبر عمر بذلك قال: إنّه لا یفعل ذلك إلّا عن شی ء، فلمّا سأله قال: إنّها مبتلاة بنی فلان فلعلّه أتاها و هو بها، فقال عمر: لو لا علیّ لهلك عمر. أورده أبو داود فی سننه بعدّة طرق 2- 227، و ابن ماجة فی سننه 2- 227، و الحاكم فی المستدرك 2- 59، و 4- 389 و صحّحه، و البیهقیّ فی سننه 8- 264 بعدّة طرق، و الطّبریّ فی الرّیاض النّضرة 2- 196، و القسطلانی فی إرشاد السّاری 10- 9، و ابن الجوزیّ فی تذكرته: 57، و ابن حجر فی فتح الباری 12- 101، و العینی فی عمدة القاری 11- 151، و المناوی فی فیض القدیر المجلّد الرّابع، و المتّقی فی كنز العمّال المجلّد الثّالث. و تجد قول عمر: لو لا علیّ لهلك عمر، فی الاستیعاب 3- 39، و تفسیر النّیسابوریّ فی سورة الأحقاف، شرح الجامع الصّغیر للشّیخ محمّد الحنفیّ: 417 هامش السّراج المنیر، و تذكرة السّبط: 87 و فیض القدیر 3- 97، و مرّ فی الطّعن السّابق، و ذكرنا هناك جملة أخری من المصادر. أقول: قد حرّف الحدیث- كأكثر ما ورد من الطّعون- البخاریّ فی ما سمّاه بالصحیح، كتاب المحاربین، باب لا یرجم المجنون و المجنونة، و حذف صدر الرّوایة لما فیه من مسّ بكرامة خلیفته.

و هذا یدلّ علی أنّه لم یكن یعرف الظاهر من الشریعة.

و قد اعترف قاضی القضاة (1) و ابن أبی الحدید (2) و سائر من تصدّی للجواب عنه بصحّته.

وَ قَدْ حَكَی فِی كَشْفِ الْغُمَّةِ (3) مِنْ مَنَاقِبِ الْخُوَارِزْمِیِّ (4) مَرْفُوعاً عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِیَ بِامْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ (5) قَدْ زَنَتْ، فَأَرَادَ أَنْ یَرْجُمَهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا عُمَرُ (6)! أَ مَا سَمِعْتَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟. قَالَ:

وَ مَا قَالَ؟. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّی یَبْرَأَ، وَ عَنِ الْغُلَامِ حَتَّی یُدْرِكَ (7)، وَ عَنِ النَّائِمِ حَتَّی یَسْتَیْقِظَ. قَالَ:

فَخَلَّی عَنْهَا.

وَ حَكَی فِی الطَّرَائِفِ (8)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِی مُسْنَدِهِ (9)، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ.

قَالَ: وَ ذَكَرَ أَحْمَدُ فِی مُسْنَدِهِ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ، قَالَ: كَانَ یَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ

ص: 681


1- المغنی 20- 13- القسم الثانی-.
2- شرح ابن أبی الحدید 12- 205 [3- 150].
3- كشف الغمّة 1- 149.
4- مناقب الخوارزمیّ: 38.
5- فی المصدرین زیادة كلمة: حبلی.
6- لا توجد: یا عمر، فی المناقب.
7- فی مناقب الخوارزمیّ: یحتلم، بدلا من: یدرك.
8- الطّرائف 2- 473.
9- مسند أحمد بن حنبل 1- 140، و قریب منه بإسناد آخر فی 1- 155، و بتحریف و إسقاط لأوّله فی 1- 158.

مِنْ مُعْضِلَةٍ لَمْ یَكُنْ لَهَا أَبُو حَسَنٍ (1).

و حكاه العلّامة رحمه اللّٰه فی كشف الحقّ (2) من مسند أحمد (3).

و أجاب عنه قاضی القضاة (4) بأنّه: لیس فی الخبر أنّه عرف جنونها، فیجوز أن یكون الذی نبّه علیه أمیر المؤمنین علیه السلام هو (5) جنونها دون الحكم، لأنّه كان یعلم أنّ الحدّ لا یقام (6) فی حال الجنون (7)، و إنّما قال: لو لا علیّ لهلك عمر، لا من جهة المعصیة و الإثم، لكن من جهة أنّ (8) حكمه لو نفذ لعظم غمّه، و یقال فی شدّة الغمّ أنّه هلاك، كما یقال فی الفقر و غیره، و ذلك مبالغة منه لما كان یلحقه من الغمّ الذی زال بهذا التنبیه، علی أنّ هذا الوجه ممّا لا یمتنع فی الشرع أن یكون صحیحا، و أن یقال إذا كانت مستحقّة للحدّ فإقامته علیها صحیحة (9) و إن لم یكن لها عقل، لأنّه لا یخرج الحدّ من أن یكون واقعا موقعه، و یكون (10) قوله علیه السلام: رفع القلم عن ثلاثة .. یراد به (11) زوال التكلیف عنهم دون زوال

ص: 682


1- كذا، و فی المصدر المطبوع: و كان عمر یتعوّذ من معضلة لیس بها أبو الحسن حاضرا، یعنی علیّا علیه السّلام. أقول: و قد جاء الحدیث فی الرّیاض النّضرة 2- 197، و الاستیعاب 3- 39، و ذخائر العقبی: 82 و أسد الغابة 4- 22، و الإصابة 2- 509، و غیرها.
2- كشف الحقّ (نهج الحقّ و كشف الصدق): 350.
3- وضع علی: أحمد، فی مطبوع البحار رمز نسخة بدل.
4- المغنی 20- 13- القسم الثانی-.
5- لا توجد فی المصدر: علیه أمیر المؤمنین علیه السلام هو.
6- فی (س): الحكم لا یقال.
7- كذا. و جاءت العبارة فی المغنی هكذا: إنّ فی حال الجنون لا یقام الحدّ علیه- بتقدیم و تأخیر و زیادة و تغییر-.
8- لا توجد: من جهة أن، فی المصدر.
9- فی المغنی: یصحّ.
10- فی المصدر: و یقال.
11- فی المغنی: بذلك، بدلا من: به.

إجراء (1) الحكم علیهم، و ما هذه (2) حاله لا یمتنع أن یكون مشتبها فیرجع فیه إلی غیره، فلا یكون الخطأ فیه ممّا یعظم فیمنع من صحّة الإمامة.

و أورد علیه السید المرتضی (3) رضوان اللّٰه علیه: بأنّه لو كان أمر برجم المجنونة من غیر علم بجنونها لما قال له أمیر المؤمنین علیه السلام: أ ما علمت أنّ القلم مرفوع عن المجنون حتّی یفیق؟! بل كان یقول له بدلا عن (4) ذلك: هی مجنونة، و كان (5) ینبغی أن یكون عمر لمّا سمع من التنبیه له علی ما یقتضی الاعتقاد فیه أنّه أمر برجمها مع العلم بجنونها، یقول متبرّئا من (6) الشبهة: ما علمت بجنونها، و لست ممّن یذهب علیه أنّ المجنون لا یرجم، فلمّا رأیناه استعظم ما أمر به و قال (7): لو لا علیّ لهلك عمر .. دلّنا (8) علی أنّه كان تأثّم و تحرّج بوقوع الأمر بالرجم، و أنّه ممّا لا یجوز و لا یحلّ (9)، و إلّا فلا معنی لهذا الكلام.

و أمّا ما ذكره من الغمّ الذی كان یلحقه .. فأیّ غمّ یلحقه (10) إذا فعل ما له أن یفعله، و لم یكن منه تفریط و لا تقصیر (11)؟. لأنّه إذا كان جنونها لم یعلم به، و كانت المسألة عن حالها و البحث لا یجبان علیه، فأیّ وجه لتأمّله (12) و توجّعه

ص: 683


1- فی (س): أجراه.
2- فی المصدر: هذا.
3- الشافی 4- 181- 183.
4- فی المصدر: من، بدلا من: عن.
5- فی الشافی: و لكان أیضا، و لا توجد فیه: ینبغی أن یكون عمر.
6- جاءت: عن، بدل: من، فی المصدر.
7- فی الشافی: و قوله.
8- فی المصدر: یدلّ.
9- زیادة: له أن یأمر به، جاءت فی المصدر.
10- و أمّا ذكره الغمّ فأیّ غمّ كان یلحقه؟!، كذا جاء فی الشافی- بتقدیم و تأخیر و نقص-.
11- فی الشافی: تقصیر و لا تفریط- بتقدیم و تأخیر-.
12- كذا، و الظاهر: لتألّمه، كما فی المصدر.

و استعظامه لما فعله؟! و هل هذا إلّا كرجم المشهود (1) علیه بالزنا فی أنّه لو ظهر للإمام بعد ذلك براءة ساحته لم یجب أن یندم علی فعله و یستعظمه، لأنّه وقع صوابا مستحقّا؟.

و أمّا قوله: إن (2) كان لا یمتنع فی الشرع (3) أن یقام الحدّ علی المجنون (4) و تأوّله الخبر المرویّ علی أنّه (5) یقتضی زوال التكلیف دون الأحكام .. فإن أراد أنّه لا یمتنع فی العقل أن یقام علی المجنون ما هو من جنس الحدّ بغیر استخفاف و لا إهانة فذلك صحیح كما یقام علی التأدیب (6)، و أمّا الحدّ فی الحقیقة- و هو (7) الذی یضامه الاستخفاف و الإهانة فلا یقام إلّا علی المكلّفین و مستحقّی العقاب، و بالجنون قد زال التكلیف فزال (8) استحقاق العقاب الذی یتبعه الحدّ.

و قوله: لا یمتنع أن یرجع فیما هذا حاله من المشتبه إلی غیره .. فلیس هذا من المشتبه الغامض، بل یجب أن یعرفه العوام (9) فضلا عن العلماء، علی أنّا قد بیّنا أنّه (10) لا یجوز أن یرجع الإمام (11) فی جلی و لا مشتبه من أحكام الدین إلی غیره (12).

ص: 684


1- فی (ك): المشهور.
2- لا توجد: إن، فی الشافی.
3- فی المصدر: العقل، بدل: الشرع.
4- فی الشافی: علی المجنون الحدّ- بتقدیم و تأخیر-.
5- جاءت فی المصدر: بما، بدلا من: علی أنّه.
6- فی الشافی: علی التائب.
7- فی المصدر: فهو.
8- فی (س): فیزال.
9- فی (س): الإمام، و هو خلاف الظاهر.
10- فی المصدر: أن الإمام.
11- جاءت: إلی غیره، بدلا من: الإمام، فی الشافی.
12- لا توجد فی المصدر: إلی غیره.

و قوله: إنّ الخطأ فی ذلك لا یعظم فیمنع من صحّة الإمامة .. اقتراح (1) بغیر حجّة، لأنّه إذا اعترف بالخطإ فلا (2) سبیل للقطع (3) علی أنّه صغیر. انتهی كلامه قدّس سرّه.

أقول: و یرد علی ما ذكره من أنّ الأمر فی حدّ المجنون مقام الاشتباه فلا طعن فی جهل عمر به، و أن یرجع فیه إلی غیره .. أنّه لو كانت الشبهة لعمر ما ذكره، لكانت القصّة دلیلا علی جهله من وجه آخر، و هو أنّه إذا زعم عمر أنّ رفع القلم إنّما یستلزم زوال التكلیف دون إجراء الحكم (4)

كما صرّح به- كیف یكون تذكیر أمیر المؤمنین علیه السلام إیّاه بالحدیث النبویّ دافعا للشبهة، و إنّما النزاع حینئذ فی دلالة الخبر علی عدم جواز إجراء الحدّ علیه، فرجوع عمر عند سماعه عمّا زعمه دلیل واضح علی غایة جهله، فإن ذكر الروایة حینئذ لیس إلّا من قبیل إعادة المدّعی.

ثم اعلم أنّ الظاهر من كلام القاضی و غیره فی هذا المقام عدم تجویز الخطإ الفاحش علی الإمام و إن جوّزوا علیه الخطأ فی الاجتهاد، و لعلّهم لم یجوّزوا ذلك لكونه كاشفا عن عدم أهلیّة صاحبه (5) للاجتهاد، إذ لیس أهلیّة الاجتهاد غالبا ممّا یقوم علیه دلیل سوی الآثار الدالّة علیها، و ظاهر أنّ الأوهام الفاضحة كاشفة عن عدم تلك الأهلیّة، فهی معارضة لما یستدلّ به علیها، و لذا تشبّث القاضی فی مقام الجواب بكون الأمر فی رجم المجنونة مشتبها، و استند إلی عدم دلالة

قَوْلِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الْمَجْنُونِ ..

علی عدم إجراء الحكم، إذ یمكن أن یكون المراد به زوال التكلیف فقط، و قد عرفت أنّ ذلك لا یصلح منشأ للاشتباه، لكون

ص: 685


1- فی الشافی زیادة: فقد بیّنا أنّه، قبل كلمة: اقتراح.
2- لا توجد: فلا، فی (س).
3- فی المصدر: إلی القطع.
4- فی (س): العلم، بدل: الحكم، و هو سهو.
5- فی (س): صاحب- بلا ضمیر-، و هو خلاف الظاهر.

الخطأ حینئذ بالانتهاء عند سماع الخبر من دون إقامة دلیل علی وجه الدلالة فیه أفحش، فظهر أنّه لا یمكنهم الجواب فی هذا المقام بأنّه إنّما كان خطأ عمر من قبیل خطإ المجتهد، و لیس یلحقه بذلك ذنب صغیرا و كبیرا، و لذلك طووا كشحا عمّا هو معقلهم الحصین- بزعمهم- من حدیث الاجتهاد، و سلّموا علی تقدیر علم عمر بجنونها كون الأمر بالرجم خطیئة.

فظهر ضعف ما أجاب به شارح المقاصد (1) عن الطعن برجم الحامل و المجنونة و منع المغالاة فی الصداق من: أنّ الخطأ فی مسألة و أكثر لا ینافی الاجتهاد، و لا یقدح فی الإمامة، و الاعتراف بالنقصان هضم النفس و دلیل علی الكمال ..

و ذلك لأنّا لو تنزّلنا عن اشتراط العصمة فی الإمام و جوّزنا له الاجتهاد فی الأحكام، فلا ریب فی أنّ الخطأ الفاحش و الغلط الفاضح مانع عن الإمامة، و إنّما لا یقدح- علی فرض الجواز- ما لا یدلّ علی الغباوة الكاملة و البلادة البالغة، و عدم استیهال صاحبه لفهم المسائل و استنباط الأحكام و ردّ الفروع إلی الأصول، فإذا تواتر الخبط و ترادفت الزلّة- لا سیّما فی الأمور الظاهرة و الأحكام الواضحة- فهل یبقی مجال للشكّ فی منعه عن استیهال الاجتهاد و صلوح الإمامة؟ و لیت شعری، من أین هذا الیقین الكامل و الاعتقاد الجازم لهؤلاء القوم باجتهاد إمامهم و بلوغه فی العلم حدّ الكمال، مع (2) ما یرون و یروون فی كتبهم من خطبه و خطأه و اعترافه بالزلّة، و العجز موطنا بعد موطن، و مقاما بعد مقام (3)، و قد بذلوا مجهودهم فی

ص: 686


1- شرح المقاصد 5- 282.
2- لا توجد فی (س): مع.
3- و منها: ما روی عن عبد الرحمن السلمی، قال: أتی عمر بامرأة- أجهدها العطش، فمرّت علی راع فاستسقته فأبی أن یسقیها إلّا أن تمكّنه من نفسها، ففعلت- فشاور الناس فی رجمها، فقال علیّ: هذه مضطرّة أری أن یخلّی سبیلها، ففعل. جاءت فی سنن البیهقیّ 8- 236، الریاض النضرة 2- 196، ذخائر العقبی: 81، الطرق الحكمیّة: 53، و قریب منها فی كنز العمّال 3- 96. أقول: هناك جملة وقائع رائعة لقضاء أمیر المؤمنین علیه السلام و وقوفه أمام جهل الخلفاء و تعسّفهم تجدها فی الطرق الحكمیّة لابن القیّم و غیره، فراجع.

إظهار فضله فلم یظفروا له علی استنباط لطیف و استخراج دقیق فی مسألة واحدة یدلّ علی جودة قریحته و ذكاء فطرته، و لیس ما رووا عنه إلّا من محاورات العوام و محاضرات الأوغاد و الطغام (1).

الطعن الحادی عشر:

مَا رَوَاهُ الْبُخَارِیُّ (2) وَ مُسْلِمٌ (3) وَ غَیْرُهُمَا (4) بِعِدَّةِ طُرُقٍ، عَنْ عُبَیْدِ بْنِ عُمَیْرٍ وَ أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَی عَلَی عُمَرَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولًا فَرَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَ لَمْ تَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ؟، ائْذَنُوا لَهُ، فَدُعِیَ لَهُ (5)، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَی مَا صَنَعْتَ؟. فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ: فَائْتِنِی عَلَی (6) هَذَا بِبَیِّنَةٍ (7) أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ (8)!، فَانْطَلَقَ إِلَی مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا یَشْهَدُ لَكَ إِلَّا أَصَاغِرُنَا (9)، فَقَامَ أَبُو سَعِیدٍ الْخُدْرِیُّ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ عُمَرُ:

ص: 687


1- الوغد: الأحمق الضعیف الرذل الدنیّ، أو الضعیف جسما، و جمعه أوغاد، كما فی القاموس 1- 346. و الطغام- كسحاب-: أوغاد الناس، ذكره الفیروزآبادی فی القاموس المحیط 4- 144.
2- صحیح البخاریّ 3- 837 [طبعة الهند].
3- صحیح مسلم 2- 234 كتاب الآداب.
4- كما جاء فی مسند أحمد بن حنبل 3- 19، و سنن الدّارمیّ 2- 274، و سنن أبی داود 2- 340، و مشكل الآثار 1- 499، و غیرها.
5- فی المصدر: به، بدلا من: له.
6- لا توجد: علی، فی (س).
7- فی بعض المصادر: لتقیمنّ علی هذا بیّنة أو لأفعلنّ. و فی لفظ: فو اللّٰه لأوجعنّ ظهرك و بطنك، و فی لفظ الطّحاویّ: و اللّٰه لأضربنّ بطنك و ظهرك أو لتأتینّی بمن یشهد لك.
8- فی المصادر زیادة: فخرج.
9- جاءت العبارة فی المصادر هكذا: لا یشهد لك علی هذا إلّا أصغرنا.

خَفِیَ عَلَیَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] ، أَلْهَانِی (1) الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ (2).

وَ لَا خَفَاءَ فِی أَنَّ مَا خَفِیَ عَلَی عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ مُتَكَرَّرُ الْوُقُوعِ مِنَ الْعَادَةِ وَ السُّنَنِ الَّتِی كَانَ یَعْلَمُهَا الْمُعَاشِرُونَ لَهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَكَیْفَ خَفِیَ عَلَی هَذَا الرَّجُلِ الَّذِی یَدَّعُونَ أَنَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَانَ یُشَاوِرُهُ فِی الْأُمُورِ وَ یَسْتَمِدُّ بِتَدْبِیرِهِ؟!، فَلَیْسَ هَذَا إِلَّا مِنْ فَرْطِ غَبَاوَتِهِ، أَوْ قِلَّةِ اعْتِنَائِهِ بِأُمُورِ الدِّینِ، أَوِ إِنْكَارِهِ لِأُمُورِ الشَّرْعِ مُخَالَفَةً لِسَیِّدِ الْمُرْسَلِینَ.

الطعن الثانی عشر:

مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (3)، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا فِی خِلَافَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، دَنَا مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ وَ اسْتَلَمَهُ، فَقَالَ: إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَ لَا تَنْفَعُ (4)، وَ لَوْ لَا أَنِّی رَأَیْتُ

ص: 688


1- فی المصادر زیادة: عنه.
2- قال النّوویّ فی شرحه: فمعناه أنّ هذا حدیث مشهور بیننا معروف لكبارنا و صغارنا، حتّی أنّ أصغرنا یحفظه، و سمعه من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، كما حكاه الأمینی فی الغدیر 6- 158- 159، و علّق علیه بما هو جدیر بالملاحظة.
3- شرح النّهج لابن أبی الحدید 12- 100- 101 [3- 123].
4- جاء قوله: للحجر بعبارات مختلفة و ألفاظ متعدّدة فی مصادر عدیدة: منها: ما ذكر المصنّف- رحمه اللّٰه- فی المتن، و تجده فی صحیح البخاریّ كتاب الحجّ باب ما ذكره فی حجر الأسود بسنده عن عابس بن ربیعة، و صحیح التّرمذیّ 2- 163، و صحیح النّسائیّ 2- 37، سنن أبی داود فی المجلّد الحادی عشر باب تقبیل الحجر، و مسند أحمد بن حنبل 1- 16 و 26 و 42، سنن البیهقیّ فی المجلّد الخامس باب تقبیل الحجر. و روی البخاریّ فی صحیحه كتاب الحجّ باب الرّمل فی الحجّ و العمرة بسنده عن أسلم، و البیهقیّ فی سننه 5- 82. و أورده مسلم فی صحیحه كتاب الحجّ باب استحباب تقبیل الحجر الأسود عن عبد اللّٰه بن سرجس، و ابن ماجة فی صحیحه فی أبواب المناسك باب استلام الحجر، و أحمد بن حنبل فی المسند 1- 34 و 50. و أخرجه النّسائیّ فی صحیحه 2- 38 عن طاوس بن عبّاس، و قریب منه ما فی مسند أحمد بن حنبل 1- 39. و منها: قوله: لو لا أنّی رأیت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم قبّلك ما قبّلتك. و منها: قوله: إنّی لأعلم أنّك حجر و لو لم أر حبیبی قبّلك أو استلمك ما استلمتك و لا قبّلتك. رواه أحمد فی مسنده 1- 21، و قریب منه ما ذكره فیه 1- 34.

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] قَبَّلَكَ وَ اسْتَلَمَكَ لَمَا قَبَّلْتُكَ وَ لَا اسْتَلَمْتُكَ.

فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: بَلَی- یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- إِنَّهُ لَیَضُرُّ وَ یَنْفَعُ (1)، وَ لَوْ عَلِمْتَ تَأْوِیلَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَعَلِمْتَ أَنَّ الَّذِی أَقُولُ لَكَ كَمَا أَقُولُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ

ص: 689


1- قد جاء فی فضل الحجر الأسود كثیر من الرّوایات من طرق الخاصّة و العامّة، و نحن نذكر نموذجا ممّا جاء من طرق العامّة: أخرج التّرمذیّ فی صحیحه 1- 180 بسنده عن سعید بن جبیر، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فی الحجر: و اللّٰه لیبعثنّه اللّٰه یوم القیامة له عینان یبصر بهما و لسان ینطق به یشهد علی من استلمه بحقّ. و رواه ابن ماجة فی صحیحه باب استلام الحجر، و أحمد بن حنبل فی المسند 1- 247 و 291 و 307، و البیهقیّ فی سننه 5- 75، و أبو نعیم فی حلیته 4- 306 باختلاف فی اللّفظ، و جاء فی فیض القدیر 1- 527 باختلاف یسیر. و أورد أحمد بن حنبل فی المسند 1- 373، و الخطیب البغدادیّ 7- 361، عن أنس، قال: قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم: الحجر الأسود من الجنّة و كان أشدّ بیاضا من الثّلج حتّی سوّدته خطایا أهل الشّرك. و هو مذكور فی فیض القدیر 4- 546. و قد جاء فی صحیح النّسائیّ 2- 37، عن سعید بن جبیر، عن ابن عبّاس، و كذا فی مسند أحمد ابن حنبل 3- 277، و فی سنن البیهقیّ 5- 75، عن ابن عبّاس، فقرة منه. و قریب منه ما فی صحیح التّرمذیّ 1- 166، و مسند أحمد بن حنبل 1- 307 و 329، فیض القدیر 3- 409، طبقات ابن سعد 1- 12- القسم الأوّل-، و سنن البیهقیّ باب ما ورد فی الحجر الأسود فی المجلّد الخامس، و كون الحجر الأسود من الجنّة أو من حجارة الجنّة بنصّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم. نقله النّسائیّ فی صحیحه 2- 37، عن سعید بن جبیر، عن ابن عبّاس، و أحمد بن حنبل فی مسنده 5- 75، و غیرهما.

أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلی (1)، فَلَمَّا أَشْهَدَهُمْ وَ أَقَرُّوا لَهُ بِأَنَّهُ (2) الرَّبُّ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنَّهُمُ الْعَبِیدُ، كَتَبَ مِیثَاقَهُمْ فِی رَقٍّ ثُمَّ أَلْقَمَهُ هَذَا الْحَجَرَ، وَ إِنَّ لَهُ (3) لَ عَیْنَیْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَیْنِ، یَشْهَدُ (4) بِالْمُوَافَاةِ، فَهُوَ أَمِینُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی هَذَا الْمَكَانِ.

فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَبْقَانِیَ اللَّهُ بِأَرْضٍ لَسْتَ بِهَا یَا أَبَا الْحَسَنِ (5).

وَ رَوَاهُ الْغَزَالِیُّ فِی كِتَابِ إِحْیَاءِ الْعُلُومِ (6).

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (7) وَ مُسْلِمٌ (8) فِی (9) صَحِیحِهِمَا وَ لَمْ یَذْكُرَا تَنْبِیهَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِیَّاهُ.

وَ اعْتَذَرَ عَنْهُ فِی الْمِنْهَاجِ (10) بِأَنَّهُ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا یَغْتَرَّ بَعْضُ قَرِیبِی الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ الَّذِی قَدْ أَلِفُوا (11) عِبَادَةَ الْأَحْجَارِ وَ تَعْظِیمَهَا (12) رَجَاءَ نَفْعِهَا وَ خَوْفَ

ص: 690


1- الأعراف: 172.
2- فی المصدر: أنّه- من دون باء-.
3- فی (س): و أنّه- من دون لام-.
4- فی شرح ابن أبی الحدید: تشهد لمن وافاه.
5- و فی لفظ: أعوذ باللّٰه أن أعیش فی قوم لست فیهم یا أبا الحسن!. و أخرجه الحاكم فی المستدرك 1- 457، و المتّقی الهندیّ فی الكنز 3- 35، و ابن الجوزیّ فی سیرة عمر: 106، و الأزرقی فی تاریخ مكّة، كما فی العمدة، و القسطلانی فی إرشاد السّاری 3- 195، و العینی فی عمدة القارئ 4- 606 بلفظیه، و السّیوطیّ فی الدّرّ المنثور من سورة الأنعام، و فی الجامع الكبیر- كما فی ترتیبه- 3- 35، و أحمد زینی دحلان فی الفتوحات الإسلامیّة 2- 486، و الفخر الرّازیّ فی تفسیره فی تفسیر سورة التّین باختلاف فی النّقل. و هو كاشف عن جهل الخلیفة بتأویل كتاب اللّٰه كجهله به.
6- إحیاء علوم الدّین 1- 241- 242.
7- صحیح البخاریّ فی كتاب الحجّ باب ما ذكر فی الحجر الأسود، و باب الرّمل فی الحجّ و العمرة، و باب تقبیل الحجر.
8- صحیح مسلم كتاب الحجّ باب استحباب تقبیل الحجر الأسود.
9- لا توجد فی (س): فی.
10- المنهاج (شرح صحیح مسلم للنووی) 9- 16- 17.
11- فی شرح الصحیح: الذین كانوا ألفوا.
12- فی المصدر زیادة: واو، هنا.

ضَرَرِهَا (1).

وَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (2) یُبْطِلُ هَذَا الِاعْتِذَارَ، إِذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَبَیَّنَ عُذْرَهُ وَ لَمْ یَقُلْ: لَا أَبْقَانِیَ اللَّهُ بِأَرْضٍ لَسْتَ بِهَا، إِذْ ظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا كَلَامُ الْمُقِرِّ بِالْجَهْلِ الْمُعْتَرِفِ بِالْخَطَإِ، وَ إِنَّمَا حَذَفُوا التَّتِمَّةَ (3) لِیَتَمَكَّنُوا مِنْ مِثْلِ هَذَا الِاعْتِذَارِ.

الطعن الثالث عشر:

أشیاء كثیرة و أحكام غزیرة تحیّر فیها و هداه غیره إلی الصواب فیها .. و هذا یدلّ علی غایة جهله و عدم استئهاله للإمامة، و سنورد أكثرها فی أبواب علم أمیر المؤمنین علیه السلام و قضایاه فی المجلد التاسع (4)، و بعضها فی كتاب القضاء (5)، و كتاب الحدود (6).

و لنورد هاهنا قلیلا منها من كتب المخالفین:

فمنها: مَا رَوَاهُ الْبُخَارِیُّ (7) فِی صَحِیحِهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: نَهَانَا عَنِ التَّكَلُّفِ.

- وَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِی شَرْحِهِ (8): ذَكَرَ الْحُمَیْدِیُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَ

ص: 691


1- فی المنهاج: و خوف الضرر بالتقصیر فی تعظیمها .. أقول: إنّ هذا الاعتذار یستلزم تجهیل و غفلة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله- و العیاذ باللّٰه- مع قرب عهده (صلی اللّٰه علیه و آله) من الجاهلیة.
2- فی شرحه علی النهج 12- 102.
3- فی (س): السمة.
4- بحار الأنوار 40- 149- 154 و 225- 235، و غیرهما.
5- انظر: بحار الأنوار 104- 216- 273.
6- بحار الأنوار 104- 401.
7- صحیح البخاریّ كتاب الاعتصام باب ما یكره من كثرة السّؤال. و قال العلّامة الأمینی- رحمه اللّٰه- فی الغدیر 6- 100- 101: هذا الحدیث أخرجه البخاریّ فی صحیحه غیر أنّه سترا علی جهل الخلیفة بالأب حذف صدر الحدیث و أخرج ذیله و تكلّف بعد النّهی عن التّكلّف، و لا یهمّه جهل الأمّة عندئذ بمغزی قول عمر .. و كم و كم فی صحیح البخاریّ من أحادیث لعبت بها ید تحریفه.
8- فتح الباری فی شرح صحیح البخاریّ 13- 230، بتصرف.

عُمَرَ قَرَأَ: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا (1)، فَقَالَ: مَا الْأَبُّ؟. ثُمَّ قَالَ: مَا كُلِّفْنَا- أَوْ قَالَ: مَا أُمِرْنَا- بِهَذَا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قُلْتُ: هُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِیلِیِّ (2) مِنْ رِوَایَةِ هِشَامٍ، عَنْ ثَابِتٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ قَوْلِهِ: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا (3)، مَا الْأَبُّ؟. فَقَالَ عُمَرُ: نُهِینَا عَنِ التَّعَمُّقِ وَ التَّكَلُّفِ .. و هذا أولی أن یكمل به الحدیث الذی أخرجه البخاری، و أولی منه مَا (4) أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَیْمٍ ..، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ وَ عَلَیْهِ قَمِیصٌ فِی ظَهْرِهِ أَرْبَعُ رِقَاعٍ یَقْرَأُ (5): وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا (6)، فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْأَبُّ؟. ثُمَّ قَالَ: مَهْ! نُهِینَا عَنِ التَّكَلُّفِ (7).

وَ قَدْ أَخْرَجَهُ (8) عَبْدُ بْنُ حُمَیْدٍ فِی تَفْسِیرِهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ (9): فَمَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ قَالَ: یَا ابْنَ أُمِّ عُمَرَ! إِنَّ هَذَا هُوَ التَّكَلُّفُ، وَ مَا عَلَیْكَ أَنْ

ص: 692


1- عبس: 31.
2- فی (ك) نسخة بدل: الإسماعیل.
3- عبس: 31.
4- لا توجد: ما، فی (س).
5- فی المصدر: فقرأ.
6- عبس: 31.
7- و جاء بألفاظ متعدّدة فی موارد مختلفة فی المصادر الأصلیّة عند العامّة، و نكتفی بذكر لفظ آخر: قال أنس بن مالك: إنّ عمر قرأ علی المنبر: «فَأَنْبَتْنا فِیها حَبًّا وَ عِنَباً وَ قَضْباً وَ زَیْتُوناً وَ نَخْلًا وَ حَدائِقَ غُلْباً وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا» (سورة عبس)، قال: كلّ هذا عرفناه فما الأبّ؟، ثمّ رفض عصا كانت فی یده، فقال: هذا- لعمر اللّٰه- هو التّكلّف، فما علیك أن لا تدری ما الأبّ! اتّبعوا ما بیّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به و ما لم تعرفوه فكلوه إلی ربّه. و تجد ما روی عن أنس فی المتن فی: تفسیر ابن جریر 30- 38، مستدرك الحاكم 2- 514 و صحّحه، تاریخ بغداد 11- 468، و الكشّاف 3- 253، و الرّیاض النّضرة للطّبریّ 2- 49، و الموفقات للشاطی 1- 21 و 25، و سیرة ابن عمر لابن الجوزیّ: 120، و النّهایة 1- 10، و أصول التّفسیر لابن تیمیة: 30، و تفسیر ابن كثیر 4- 473 و صحّحه، و كنز العمّال 1- 227، و إرشاد السّاری 10- 298، و عمدة القاری 11- 468، و غیرها كثیر.
8- أی ابن حجر فی شرح صحیح البخاریّ.
9- فی (س): فقوله.

لَا تَدْرِیَ مَا الْأَبُّ! (1).

وَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ یَزِیدَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُمَرَ عَنْ: فاكِهَةً وَ أَبًّا (2)، فَلَمَّا رَآهُمْ عُمَرُ یَقُولُونَ، أَقْبَلَ عَلَیْهِمْ بِالدِّرَّةِ (3).

وَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ النَّخَعِیِّ، قَالَ: قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّیقُ:

وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا (4)، فَقِیلَ: مَا الْأَبُّ؟. فَقِیلَ: كَذَا .. وَ كَذَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ هَذَا هُوَ التَّكَلُّفُ، أَیُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِی؟ وَ أَیُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِی؟ إِذَا قُلْتُ فِی كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ!.

و من طریق إبراهیم التمیمی نحوه. انتهی مختصر كلام ابن حجر.

و قد ظهر ممّا رواه (5) أنّ تفسیر «الأبّ» كان عند الشیخین معضلة لم یوفّقا للعلم به مع أنّه یعرفها كلّ، و قولهما: إنّ هذا هو التكلّف .. لا یخلوا عن منافرة لقوله تعالی: أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها (6)، و فی حذف البخاری حكایة الجهل بالأب دلالة علی تعصّبه و أنّه لا یذكر فی أكثر المواضع ما فیه فضیحة للخلفاء.

و منها:

مَا رَوَاهُ الْبُخَارِیُّ (7) وَ مُسْلِمٌ (8) وَ أَبُو دَاوُدَ (9) وَ التِّرْمِذِیُّ (10)

ص: 693


1- و قریب منه ما ذكره ابن سعد فی طبقاته 3- 327، و الحاكم فی مستدركه 2- 514 عن أنس.
2- عبس: 31.
3- و ذكره الهیثمیّ فی مجمع الزّوائد 5- 8.
4- عبس: 31.
5- فی المطبوع: روه، و لعلّه: رووه، و ما أثبتناه أولی.
6- سورة محمد (صلی اللّٰه علیه و آله): 24.
7- صحیح البخاریّ 12- 222 كتاب الدّیات باب جنین المرأة، و فی كتاب الاعتصام باب ما جاء فی اجتهاد القضاة بما أنزل اللّٰه.
8- صحیح مسلم كتاب القسامة باب دیة الجنین رقم الحدیث 1682.
9- سنن أبی داود كتاب الدّیات باب دیة الجنین برقم 4568 و 4569 و 4570.
10- سنن التّرمذیّ كتاب الدّیات باب ما جاء فی دیة الجنین حدیث 1411.

وَ النَّسَائِیُّ (1) وَ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ (2) بِأَسَانِیدِهِمْ، عَنِ الْمُغِیرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ إِمْلَاصِ (3) الْمَرْأَةِ- وَ هِیَ الَّتِی تُضْرَبُ بَطْنُهَا فَیُلْقَی (4) جَنِینُهَا-، فَقَالَ: أَیُّكُمْ سَمِعَ مِنَ النَّبِیِّ (صلی اللّٰه علیه و آله) فِیهِ شَیْئاً؟. قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا. قَالَ:

مَا هُوَ؟. قُلْتُ: سَمِعْتُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] یَقُولُ: فِیهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، قَالَ: لَا تَبْرَحْ حَتَّی تَجِیئَنِی بِالْمُخْرِجِ مِمَّا قُلْتَ. فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ (5): فَجِئْتُ بِهِ فَشَهِدَ مَعِی أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] یَقُولُ فِیهِ:

غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.

هذه روایة البخاری و مسلم، و باقی الروایات علی ما أورده فی جامع الأصول (6) قریبة منها.

و منها.:

مَا رَوَاهُ فِی نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (7): أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَلْیُ الْكَعْبَةِ وَ كَثْرَتُهُ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَوْ أَخَذْتَ فَجَهَّزْتَ بِهِ جُیُوشَ الْمُسْلِمِینَ كَانَ أَعْظَمَ لِلْأَجْرِ، وَ مَا تَصْنَعُ الْكَعْبَةُ بِالْحَلْیِ؟. فَهَمَّ عُمَرُ بِذَلِكَ وَ سَأَلَ عَنْهُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ:

إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَی مُحَمَّدٍ (8) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ الْأَمْوَالُ الْأَرْبَعَةُ (9): أَمْوَالُ

ص: 694


1- سنن النّسائیّ 8- 49 و 50 و 51 كتاب القسامة باب دیة جنین المرأة.
2- جامع الأصول 4- 431- 433 حدیث 2509.
3- قال فی النّهایة 4- 356، فی حدیث عمر: أنّه سئل عن إملاص المرأة الجنین .. هو أن تزلق الجنین قبل وقت الولادة. و فی صحاح اللّغة 3- 1057: و أملصت المرأة بولدها: أسقطت.
4- فی المصدر: فتلقی. و هو الظّاهر.
5- فی المصدر: محمّد بن مسلمة.
6- و انظر: جامع الأصول 4- 428- 437 حدیث 2508- 2513. و أورده فی مسند أحمد 4- 244 و 253، و سنن البیهقیّ 8- 114، و تذكرة الحفّاظ 1- 7، الإصابة 2- 259، تهذیب التهذیب 3- 36، و غیرها.
7- نهج البلاغة 3- 201 حكمه علیه السّلام، و فی طبعة صبحی الصّالح: 523.
8- فی المصدر: إنّ هذا القرآن أنزل علی النّبیّ ..
9- فی النّهج: أربعة. و هو الظّاهر.

الْمُسْلِمِینَ فَقَسَمَهَا بَیْنَ الْوَرَثَةِ فِی الْفَرِیضَةِ (1)، وَ الْفَیْ ءُ فَقَسَمَهُ عَلَی مُسْتَحِقِّهِ (2)، وَ الْخُمُسُ فَوَضَعَهُ اللَّهُ حَیْثُ وَضَعَهُ، وَ الصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا اللَّهُ حَیْثُ جَعَلَهَا، وَ كَانَ حَلْیُ الْكَعْبَةِ فِیهَا یَوْمَئِذٍ فَتَرَكَهُ اللَّهُ عَلَی حَالِهِ، وَ لَمْ یَتْرُكْهُ نِسْیَاناً، وَ لَمْ یَخْفَ عَلَیْهِ مَكَانٌ (3)، فَأَقِرَّهُ حَیْثُ أَقَرَّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ. فَقَالَ (4) عُمَرُ: لَوْلَاكَ لَافْتَضَحْنَا، وَ تَرَكَ الْحَلْیَ بِحَالِهِ.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (5)، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی وَائِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَیْبَةَ عَلَی الْكُرْسِیِّ فِی الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِیهَا صَفْرَاءَ وَ لَا بَیْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهُ. قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَیْكَ لَمْ یَفْعَلَا. قَالَ: هُمَا الْمَرْءَانِ أَقْتَدِی بِهِمَا.

وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (6)، عَنْ شَقِیقٍ، قَالَ: إِنَّ شَیْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ قَالَ لَهُ:

قَعَدَ عُمَرُ مَقْعَدَكَ الَّذِی أَنْتَ فِیهِ. فَقَالَ: لَا أَخْرُجُ حَتَّی أَقْسِمَ مَالَ الْكَعْبَةِ. قُلْتُ:

مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ. قَالَ: بَلَی، لَأَفْعَلَنَّ. قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ. قَالَ: لِمَ؟. قُلْتُ:

مَضَی النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ [وَ آلِهِ] وَ أَبُو بَكْرٍ (7) وَ هُمَا أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَی الْمَالِ فَلَمْ یُخْرِجَاهُ، فَقَامَ وَ خَرَجَ. قَالَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (8).

ص: 695


1- فی المصدر: فی الفرائض.
2- فی النّهج: مستحقّیه.
3- فی المصدر: مكانا- بالنّصب-.
4- زیادة: له، جاءت فی المصدر.
5- صحیح البخاریّ 3- 81 [2- 183] كتاب الحجّ باب كسوة الكعبة، و جاء فی كتاب الاعتصام أیضا. و جاء اجتهاد الخلیفة فی حلی الكعبة فی: سنن أبی داود 1- 317، و سنن ابن ماجة 2- 269، و سنن البیهقیّ 5- 159، فتوح البلدان للبلاذری: 55، و فتح الباری 3- 356، و كنز العمّال 7- 145 بألفاظ متعدّدة و أسانید متنوعة.
6- جامع الأصول 9- 282، حدیث 6893.
7- فی الجامع: قلت: لأنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] قد رأی مكانه و أبو بكر ..
8- سنن أبی داود 1- 317 كتاب المناسك باب فی مال الكعبة حدیث 2031، و قریب منه رواه البخاریّ فی صحیحه 13- 211 و 212 فی الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم، و فی الحجّ، باب كسوة الكعبة. أقول: و نظیر هذا موارد: منها: ما عن نافع و غیره: كان النّاس یأتون الشّجرة الّتی بایع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله تحتها بیعة الرّضوان فیصلّون عندها، فبلغ ذلك عمر فأوعدهم فیها و أمر بها فقطعت. كما أوردها جمع من أعلامهم كابن الجوزیّ فی سیرة عمر: 107، و شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1- 178، 3- 123 [1- 60 أربع مجلّدات] ، و السّیرة الحلبیّة: 3- 29، و ابن حجر فی فتح الباری 7- 361، و إرشاد السّاری 6- 337، و الدّرّ المنثور 6- 73، و غیرها. و منها: ما أورده ابن الجوزیّ فی سیرة عمر: 107، و ابن أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغة 3- 122، و العسقلانیّ فی فتح الباری 1- 450، و غیرهم فی نهیه عن الصّلاة فی مسجد صلّی به رسول اللّٰه (صلّی اللّٰه علیه و آله). و منها: تزهّده و تظاهره أمام المسلمین بالتّقشّف و التّقوی مع ما له من قصّة مفصّلة فی هدیّة ملك الرّوم له الّتی أوردها فی الفتوحات الإسلامیّة 2- 413.

و منها: مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1)، قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بِشَابٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ (2) وَ هُوَ ظَمْآنُ فَاسْتَسْقَاهُ فَمَاصَ (3) لَهُ عَسَلًا، فَرَدَّهُ وَ لَمْ یَشْرَبْ، وَ قَالَ: إِنِّی سَمِعْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ (4) یَقُولُ: أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِكُمْ فِی حَیاتِكُمُ الدُّنْیا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها (5).

وَ قَالَ الْفَتَی (6): إِنَّهَا وَ اللَّهِ (7) لَیْسَتْ لَكَ (8)، اقْرَأْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (9) مَا قَبْلَهَا:

ص: 696


1- فی شرح النّهج 1- 182 [1- 61].
2- فی المصدر: و مرّ یوما بشابّ من فتیان الأنصار.
3- فی (س): فماض له. و فی المصدر: فجدع .. أی خلط. و المض: المص أو أبلغ منه كما فی القاموس 2- 318. و جاء فیه 2- 344: مض الشّی ء مضیضا: شرب ..
4- و جاءت العبارة فی شرح النّهج هكذا: فجدح له ماء بعسل فلم یشربه و قال: إنّ اللّٰه تعالی ..
5- الأحقاف: 20. و لم یذكر ذیلها فی المصدر.
6- فی الشّرح زیادة: له، قبل الفتی، و أمیر المؤمنین، بعدها.
7- لا توجد: و اللّٰه، فی المصدر.
8- فی الشّرح زیادة: و لا لأحد من هذه القبیلة ..
9- لا توجد فی المصدر: یا أمیر المؤمنین.

وَ یَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ كَفَرُوا عَلَی النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِكُمْ فِی حَیاتِكُمُ الدُّنْیا (1) فَنَحْنُ مِنْهُمْ؟ فَشَرِبَ (2)، وَ قَالَ (3): كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ (4).

أقول: لعلّه كان فی رجوعه أبین خطأ من ابتدائه، فتدبّر.

و الأخبار فی ذلك كثیرة فی كتبنا و كتبهم لا نطیل الكلام بإیرادها (5).

ص: 697


1- الأحقاف: 20.
2- لا توجد فی شرح النّهج: فنحن منهم فشرب.
3- فی المصدر: فقال عمر.
4- و قد كرّر قوله هذا فی أكثر من مورد، و قد أشرنا إلی جملة من هذه الموارد و إلیك مورد آخر: أخرج جمع من الحفّاظ: أنّ رجلا قال عند عمر: اللّٰهمّ اجعلنی من القلیل. فقال عمر: ما هذا الدّعاء؟. فقال الرّجل: إنّما سمعت اللّٰه یقول: «وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّكُورُ». فأنا أدعوه أن یجعلنی من ذلك القلیل. فقال عمر: كلّ النّاس أفقه من عمر. تفسیر السّیوطیّ 5- 229، و فی لفظ القرطبیّ فی تفسیره 14- 277: كلّ النّاس أعلم منك یا عمر، و فی تفسیر الكشّاف 2- 445: كلّ النّاس أعلم من عمر. و فی قصّة مرّت جاء فی آخرها: كلّ واحد أفقه منك حتّی العجائز یا عمر .. كما وردت فی الرّیاض النّضرة 2- 57، و الفتوحات الإسلامیّة 2- 408، و نور الأبصار: 65، و غیرهم. و هناك ألفاظ أخر مرّت و ستأتی.
5- و نحن تبعا لشیخنا العلّامة أعلی اللّٰه مقامه نستدرك جملة ممّا جهله معدن الجهل و جوهره و أسّ الانحراف و أساسه، بعد أن استدركنا الكثیر علیه فی مطاعنه السالفة، و سنأتی علی غیرها فی آخره بإذن اللّٰه، فنقول: و منها: جهله لما لا یجهله الصبیان و العوام و هی معانی الألفاظ، و هی كثیرة جدا نعرض عن ذكرها و ندرج بعض مصادرها. منها: ما ذكره الزمخشری فی تفسیره الكشّاف 2- 165، و القرطبیّ فی تفسیره 10- 110، و البیضاوی فی تفسیره 1- 667، و غیرهم. و منها: ما ذكره ابن كثیر فی تفسیره 1- 175، و تفسیر الخازن 2- 53، و السیوطی فی الدرّ المنثور 3- 45، و الهندی فی كنز العمّال 1- 285،. و ذكر واقعة أخری فی كنزه 1- 257، و قصّة رابعة أوردها الحاكم النیسابوریّ فی مستدركه 3- 305 .. و غیرهم و غیرها ممّا یخجلنا نقلها و سردها، فراجعها. و منها: ما أورده ابن القیّم الجوزیة فی كتابه الطرق الحكمیة: 46 من جهل الخلیفة بمعاریض الكلم و فی أكثر من قصّة، و ذكرت لها عدّة موارد أورد بعضها الكنجی فی الكفایة: 96، و ابن الصباغ المالكی فی الفصول المهمّة: 18، و نظیرها فی نور الأبصار للشبلنجی: 79، و مقارب لها فی تفسیر الكشّاف 2- 445، و تفسیر السیوطی 5- 229، و تفسیر القرطبیّ 14- 277، و حكی بعض مواردها الدولابی فی الكنی و الألقاب 1- 192، و الجاحظ فی الأذكیاء: 49، 142، و ابن أبی الحدید فی شرح النهج 3- 105، و السیوطی فی تاریخ الخلفاء: 96، و ابن حجر فی الإصابة 3- 315 .. و غیرهم. و من جهل الألفاظ و معاریض الكلام كیف ینتظر منه دركه لمعانی القرآن أو أحكام اللّٰه سبحانه و سنّة نبیّه و ..!؟. و منها: حكم الخلیفة الثانی فی التحلیل من الإحرام فی الحجّ، و نقض الصحابة طرّا علیه، كما جاء فی الموطإ لمالك: 285، و صحیح الترمذی 1- 173، و سنن البیهقیّ 5- 204، و جامع بیان العلم 2- 197، و الإصابة للزركشی: 88، و غیرهم كثیر. و منها: ما ارتآه الخلیفة فی الحائض بعد الإفاضة، فعن ابن عمر أنّه قال: طافت امرأة بالبیت یوم النحر ثمّ حاضت، فأمر عمر بحبسها بمكّة بعد أن ینفر الناس حتّی تطهر و تطوف البیت. كما أخرجها البخاری فی صحیحه- كتاب الحجّ- باب إذا حاضت المرأة، و كتاب الحیض باب المرأة تحیض بعد الإفاضة، و كتاب الحجّ باب المرأة إذا حاضت بعد الإفاضة. كما و أخرجها مسلم فی صحیحه فی تلك الأبواب. و قد خان الشیخان هنا إذ أسقطا ذیل الروایة التی ذكرها فی فتح الباری 3- 462 فی قولة عمر هنا: یكون آخر عهدها بالبیت!. و أورد القصّة الدارمیّ فی سننه 2- 68، و أبو داود فی سننه 1- 313 بشكل آخر و إسناد مغایر، و قالها الترمذی فی سننه 1- 177، و ابن ماجة فی كتابه 2- 68، و البیهقیّ فی سننه 5- 162، و البغوی فی مصابیح السنّة 1- 182، و غیرهم. و منها: جهله بكفّارة بیض النعم، إذ جاء فی الریاض النضرة 2- 50 و 194، و ذخائر العقبی: 82 و الكفایة للشنقیطی: 57، و غیرهم فی قصّة حاصلها: أنّ قوما أصابوا بیض النعم و سألوا الخلیفة و جهل الحكم، ثمّ رجعوا إلی باب مدینة العلم سلام اللّٰه علیه، فقال: یضربون الفحل قلائص أبكارا بعدد البیض فما نتج منها أهدوه. قال عمر: فإنّ الإبل تخرج. قال علیّ علیه السلام: و البیض یمرض. فلما أدبر، قال عمر: اللّٰهم لا تنزل بی شدیدة إلّا و أبو الحسن إلی جنبی!. و منها: جهل الخلیفة بحكم المجوس، و قوله: ما أدری ما أصنع بالمجوس و لیسوا أهل الكتاب ..، و فی لفظ آخر: ما أدری كیف أصنع فی أمرهم؟ .. فقال له عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یقول: سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب. قاله مالك فی الموطإ 1- 207، و البخاری فی صحیحه- كتاب الجهاد- باب الجزیة 6- 158، و أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 190- 191، و الترمذی فی الجامع 1- 192 [طبعة أخری: 1- 300] و قد أورده بعدّة طرق مصحّحة، و الدارمیّ فی سننه 2- 234، و أبو داود فی سننه 2- 45، و الجصّاص فی أحكام القرآن 3- 114، و البیهقیّ فی السنن الكبری 8- 248، 9- 189، و تیسیر الوصول 1- 245، و سیرة عمر لابن الجوزی: 114 و ما بعدها .. و غیرهم. و هذا حكم جهله إلی سنة قبل موته كما نصّ علیه الخطیب التبریزی: 344 و جمع. و منها: ما رواه الطبریّ فی تفسیره 6- 68، و ابن كثیر فی تفسیره 3- 239، و القرطبیّ فی تفسیره 12- 107، و غیرهم فی قصّة حاصلها: أنّ امرأة تسرّرت غلامها، فذكر ذلك لعمر، فسألها: ما حملك علی ذلك؟. قال: كنت أراه یحلّ لی بملك یمینی كما یحلّ للرجل المرأة بملك الیمن، فاستشار عمر فی رجمها أصحاب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، فقالوا: تأوّلت كتاب اللّٰه عزّ و جلّ علی غیر تأویله، لا رجم علیها. فقال عمر: لا جرم، و اللّٰه لا أحلّك لحرّ بعده أبدا!!. و منها: ما أخرجه أبو داود فی سننه 2- 242 فی حدیث: جلد أبو بكر فی الخمر أربعین، ثمّ جلد عمر صدرا من إمارته أربعین، ثمّ جلد ثمانین فی آخر خلافته، و جلد عثمان الحدّین كلیهما ثمانین و أربعین!، ثمّ أثبت معاویة الحدّ علی الثمانین!. و أورده فی السنن 2- 240 عن أنس بن مالك بشكل آخر- من أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم أتی برجل قد شرب الخمر فجلده بجریدتین نحو أربعین، و فعل أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخفّ الحدود ثمانون! فأمر به عمر .. و جاء بصور متعدّدة و بطرق متضافرة. انظر: صحیح مسلم- باب حدّ الخمر- 2- 38، 52، سنن الدارمیّ 2- 175، سنن أبی داود 2- 240، مسند أبی داود الطیالسی: 265، سنن البیهقیّ 8- 319، 320، تیسیر الوصول 2- 17، كنز العمّال 3- 102، و غیرهم. و منها: جهله فی حدّ الأمة، فقد رواه الشافعی فی كتاب الأم 1- 135، و أورد بعض وجوه الحدیث فی هامشه 7- 144، و حكاه بطرقه البیهقیّ فی السنن الكبری 8- 238، و كتاب العلم لأبی عمر: 148 و غیرهم. و قال الأول: فخالف علیّا و عبد الرحمن فلم یحدّها حدّها عندهما- و هو الرجم-، و خالف عثمان لا یحدّها بحال، و جلدها مائة و غرّبها عاما .. و قد ناقش الواقعة شیخنا الأمینی فی غدیره 6- 174- 175 بشكل رائع، فلاحظ. و منها: ما ورد من أنّه أتی عمر بامرأة قد نكحت فی عدّتها، ففرّق بینهما، و جعل مهرها فی بیت المال، و قال: لا یجتمعان أبدا، فبلغ علیّا علیه السلام، فقال: إن كان جهلا فلها المهر بما استحلّ من فرجها، و یفرّق بینهما، فإذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطّاب. فخطب عمر و قال: ردّوا الجهالات إلی السنّة، فرجع إلی قول علیّ علیه السلام، و فی لفظ الخوارزمی فی مناقبه: 57: ردّوا قول عمر إلی علیّ. و فی التذكرة- لسبط ابن الجوزی-: 87: فقال عمر: لو لا علیّ لهلك عمر .. و جاءت الواقعة بألفاظ عدیدة، و قد فصّلها الجصّاص فی أحكام القرآن 1- 504، و أوردها البیهقیّ فی السنن الكبری 7- 441- 442، و جاءت فی الریاض النضرة 2- 196، و ذخائر العقبی: 81، و غیرها. و منها: ما أورده المتّقی الهندی فی كنز العمّال 5- 161 عن قتادة، من أنّه سئل عمر بن الخطّاب عن رجل طلّق امرأته فی الجاهلیة تطلیقتین و فی الإسلام تطلیقة، فقال: لا آمرك و لا أنهاك. فقال عبد الرحمن: لكن آمرك، لیس طلاقك فی الشرك بشی ء. و جاء فی هامش مسند أحمد بن حنبل 3- 482. و منها: ما أورده جمع من الحفّاظ منهم فی حكم الخلیفة فی المتسابّین، أوردها العلّامة الأمینی فی غدیره 6- 144- 146 و ناقشها بما لا مزید علیه. و منها: ما حكاه فی السنن الكبری 8- 252 عن جمع من أعلامهم من قول ابن عمر: كان عمر یضرب الحدّ فی التعریض .. مع ما تواتر عن الفریقین من قوله صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: ادرءوا الحدود بالشبهات. و منها: ما جاء عن أبی عمر الشیبانی أنّه قال: خبّر عمر بن الخطّاب برجل یصوم الدهر، فجعل یضربه بمخفقته و یقول: كل یا دهر یا دهر. هذا مع أنّ جمعا من أعلامهم عرفوا بذلك، و قامت علیه النصوص من العامّة و الخاصّة، و ناقشها صاحب الغدیر مفصّلا 6- 322- 325. و منها: جهله بالصلاة بعد العصر، فعن وبرة قال: رأی عمر تمیما الداری یصلّی العصر فضربه بالدرة!، فقال تمیم: لم یا عمر! تضربنی علی صلاة صلّیتها مع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله. فقال عمر: یا تمیم! لیس كلّ الناس یعلم ما تعلم!!. و عن السائب بن یزید أنّه رأی عمر بن الخطّاب یضرب المنكدر فی الصلاة بعد العصر. و عن الأسود: أنّ عمر كان یضرب علی الركعتین بعد العصر .. و غیرها. انظر: صحیح مسلم 1- 310، مسند أحمد 4- 102، 115، موطأ مالك 1- 90، مجمع الزوائد 2- 222، تیسیر الوصول 2- 295، فتح الباری 2- 51 و 3- 82، كنز العمّال 4- 225، شرح الموطإ للزرقانی 1- 398، سنن أبی داود 1- 201، سنن الدارمیّ 1- 334، سنن البیهقیّ 2- 458 .. و قد جاء الحكم بألفاظ مختلفة فی وقائع متعدّدة. و منها: ما أورده البیهقیّ فی السنن الكبری 8- 274، و المتّقی الهندی فی كنز العمّال 3- 118 و غیرهما من حكم الخلیفة فی قطع رجل سارق أقطع الید و الرجل قد سرق، و ما أرشده مولی الكونین أبو الحسن علیه السلام لحكم المسألة. و منها: ما جاء عن سعید بن المسیّب، أنّ عمر بن الخطّاب قضی فی الأصابع من الإبهام بثلاثة عشر، و فی التی تلیها باثنی عشر، و فی الوسطی بعشرة، و فی التی تلیها بتسع، و فی الخنصر بست!! و قد حكی عنه أقوال أخر. كما أوردها الشافعی فی كتابه الأم 1- 58 و 134 و هامشه 7- 140، و فی كتابه الرسالة: 113، و انظر السنن الكبری للبیهقیّ 8- 93 و غیرها. هذا مع ما أورده حفّاظهم و محدّثیهم فی صحاحهم و مسانیدهم من أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله قال: فی الأصابع عشر عشر. و منها: ما جاء فی السنن للدارقطنی- كتاب الصوم- باب القبلة للصائم- عن سعید بن المسیّب: أنّ عمر خرج علی أصحابه، فقال: ما ترون فی شی ء صنعت الیوم؟ أصبحت صائما فمرّت بی جاریة فأعجبتنی فأصبت منها .. فعظم القوم علیه ما صنع- و علیّ علیه السلام ساكت- فقال: ما تقول؟. قال: أتیت حلالا، و یوم مكان یوم. قال: أنت خیرهم فتوی. و رواه ابن سعد أیضا فی طبقاته 3- 102- القسم الثانی-. و منها: ما أورده مسلم فی صحیحه 1- 242، و أبو داود فی سننه 2- 28، و مالك فی الموطإ 1- 147، و ابن ماجة فی سننه 1- 188، و الترمذی فی صحیحه 1- 106، و النسائی فی سننه 3- 184، و البیهقیّ فی سننه 3- 294 و غیرهم، و اللفظ لابن ماجة عن عبید اللّٰه، قال: خرج عمر یوم عید فأرسل إلی أبی واقد اللیثی: بأیّ شی ء كان النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله یقرأ فی مثل هذا الیوم؟. فقال: ب «ق» و «اقتربت». و منها: جهله بلیلة القدر، و عدّه العلم بها تكلّفا، كما جاء فی مسند عمر: 87، و مستدرك الحاكم 1- 438، و سنن البیهقیّ 4- 313، و تفسیر ابن كثیر 4- 533، و الدرّ المنثور 6- 374، و فتح الباری 4- 211، و غیرها. و منها: ما رآه فی دیة الجنین و سؤاله من المغیرة بن شعبة (أزنی ثقیف و أكذبها) و محمّد بن مسلم و غیرهما عن ذلك، و قال: إن كدنا أن نقضی فی مثل هذا برأینا .. كما جاء فی صحیح البخاریّ- كتاب الدیات- باب جنین المرأة، و صحیح مسلم 2- 41، و سنن أبی داود 2- 255 و 256، و مسند أحمد ابن حنبل 4- 244، 253، و سنن البیهقیّ 8- 114، و تذكرة الحفّاظ 1- 7، و الإصابة 2- 259، و تهذیب التهذیب 3- 36، و غیرها. و لا نعلم هل كان الخلیفة یعلم و یخالف، أم لم یعلم و حكم بهواه، كما هو الأقوی .. و نعم ما قال الشاعر: فإن كنت لا تدری فتلك مصیبة .... و منها: ما نصّ علیه سعید بن المسیّب علی أنّ عمر بن الخطّاب كان یقول: الدیة للعاقلة و لا ترث المرأة من دیة زوجها شیئا .. حتی أخبره الضحّاك بن سفیان أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله كتب إلیه أن یورث امرأة أشیم الضبّی من دیته .. و جاءت الروایة بألفاظ أخر أوردها جمع من الحفّاظ، كأبی داود فی سننه 2- 22، و أحمد بن حنبل فی سننه 3- 452، و الترمذی فی صحیحه 1- 265، و ابن ماجة فی سننه 2- 142، و البیهقیّ فی سننه الكبری 8- 134، و الخطیب البغدادیّ فی تاریخه 8- 343، و الشافعی فی كتابه الأم 6- 77، و الرسالة له: 113، و اختلاف الحدیث- هامش كتاب الأم 7- 20 ... و غیرهم. هذا و الخلیفة كان ناسیا أو جاهلا بقوله تعالی: «فَدِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلی أَهْلِهِ». و غیرها من الآیات مع جهله بالسنّة المطهّرة. و منها: جهله بمعنی الكلالة .. و هی قصّة مضحكة مبكیة سبقت من الخلیفة الأول مفصّلا، و تضاربت أقوالهم جدّا، أطبق علی ذكرها الحفّاظ و أهل المسانید و السنن، فقد جاء فی السنن الكبری 6- 224: أنّ عمر قال: أتی علیّ زمان لا أدری ما الكلالة، و إذا الكلالة من لا أب له و لا ولد. و قال فی تفسیر القرطبیّ 5- 77: إنّ أبا بكر و عمر قالا: إنّ الكلالة من لا ولد له خاصّة، ثمّ رجعا عنه. و روی مسلم فی صحیحه- كتاب الفرائض- 2- 3، و أحمد بن حنبل فی مسنده 1- 48، و ابن ماجة فی سننه 2- 163، و الجصّاص فی أحكام القرآن 2- 106، و البیهقیّ- أیضا- فی سننه 8- 150، و القرطبیّ فی تفسیره 6- 29، و السیوطی فی الدرّ المنثور 2- 251، و غیرهم، و بألفاظ مختلفة و المعنی واحد فی خطبة لعمر و فیها: .. ثم إنّی لا أدع بعدی شیئا أهمّ عندی من الكلالة، ما راجعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی شی ء ما راجعته فی الكلالة، و ما أغلظ لی فی شی ء ما أغلظ لی فیه .. حتی طعن بإصبعه فی صدری و قال: یا عمر! أ لا یكفیك آیة الصیف التی فی آخر سورة النساء. و إنّی إن عشت أقض فیها [یقضی] بقضیة بقضاء بها من یقرأ القرآن و من لم یقرأ القرآن!!. و قریب منه فی تفسیر ابن كثیر 1- 594، و تفسیر الطبریّ 6- 60، و تفسیر السیوطی 2- 249، و قد جاء فی كنز العمّال 6- 20 قول رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم لحفصة حین سألتها عنه: أبوك ذكر لك هذا، ما أری أباك یعلمها أبدا، فكان عمر یقول ما أرانی أعلمها أبدا، و قال فیه: أخرجه ابن راهویه و ابن مردویه و هو صحیح. و لاحظ: كتاب السبعة من السلف: 85. و ها هو یقول- كما حدّثنا مرة بن شرحبیل-: ثلاث لأن یكون رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله بینهنّ أحبّ إلیّ من الدنیا و ما فیها: الكلالة، و الربا، و الخلافة!!. كما أورده ابن ماجة فی سننه 2- 164، و ابن جریر فی تفسیره 6- 30، و الجصّاص فی أحكام القرآن 2- 105، و الحاكم فی المستدرك 2- 304، و القرطبیّ فی تفسیره 6- 29، و السیوطی فی الدرّ المنثور 2- 250 ... و غیرهم. و أورده البیهقیّ فی السنن الكبری 6- 225، و الحاكم فی المستدرك علی الصحیحین 2- 304، و ذكره الذهبی فی تلخیصه للمستدرك و أقرّ تصحیح الحاكم له، و ابن كثیر فی تفسیره 1- 595، و ذكر تصحیح الحاكم و أقرّه علیه. و عن ابن عبّاس قال: كنت آخر الناس عهدا بعمر، فسمعته یقول: القول ما قلت. قلت: و ما قلت؟. قال: الكلالة من لا ولد له. و جاء فی تفسیر ابن كثیر 1- 595: قال ابن عبّاس: كنت آخر الناس عهدا بعمر بن الخطّاب، قال: اختلفت أنا و أبو بكر فی الكلالة و القول ما قلت!. و قال العلّامة الأمینی فی غدیره 7- 104: أخرج أئمة الحدیث بإسناد صحیح رجاله ثقات، عن الشعبی قال: سئل أبو بكر عن الكلالة، قال: إنّی سأقول فیها برأی فإن یكن صوابا فمن اللّٰه و إن یكن خطأ فمنّی و من الشیطان و اللّٰه و رسوله بریئان منه، أراه ما خلا الولد و الوالد. فلما استخلف عمر قال: إنّی لأستحیی اللّٰه أن أرد شیئا قاله أبو بكر!!. أخرجه سعد بن منصور و عبد الرزاق و ابن أبی شیبة و غیرهم، و أورده الدارمیّ فی سننه 2- 365، و الطبریّ فی تفسیره 6- 30، و البیهقیّ فی سننه 6- 223، و حكی عنهم السیوطی فی الجامع الكبیر- كما فی ترتیبه- 6- 20، و ذكره ابن كثیر فی تفسیره 1- 260، و الخازن فی تفسیره 1- 367، و ابن القیّم فی أعلام الموقعین: 29، و غیرهم. و جاء فی كنز العمّال 6- 20 بزیادة قوله (صلی اللّٰه علیه و آله) لحفصة سألها عنه: أبوك ذكر لك هذا، ما أری أباك یعلمها أبدا، فكان عمر یقول: ما أرانی أعلمها أبدا و قد قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ما قال. قال فی الكنز: أخرجه ابن راهویه و ابن مردویه و هو صحیح. و قد فصّل القول فیها و علّق علیها و أجاد شیخنا الأمینی رحمه اللّٰه فی غدیره 6- 127- 131، و السیّد الفیروزآبادی فی السبعة من السلف: 85، و غیرهما من أعلامنا رضوان اللّٰه علیهم.

ص: 698

ص: 699

ص: 700

ص: 701

ص: 702

و سیأتی بعضها فی أبواب علم أمیر المؤمنین علیه السلام (1).

و من أعجب العجب أنّ أتباعه- مع نقلهم تلك الروایات- یدّعون تقدّمه فی العلم و الفضل، مع أنّه لیس أمرا یمكن أن یدّعی فیه البداهة، و لم یقم دلیل من العقل و النقل علی أنّه یجب أن یكون عمر من العلماء، و إنّما یعلم علم مثله و جهله بما یؤثر عنه و یظهر من فتاواه و أحكامه و سائر أخباره، و لم یكن عمر فی أیّام كفره من المشتغلین بتحصیل العلوم و مدارسة المسائل، بل كان تارة من رعاة الإبل، و تارة حطّابا، و أحیانا مبرطسا و أجیرا لولید بن المغیرة و نحوه (2) فی الأسفار لخدمة الإبل و غیرها، و لم یكن من أحبار الیهود و أساقفة النصاری و علماء المشركین، و فی الإسلام أیضا لم یكن من المشتغلین بمدارسة المسائل، و أكثر

ص: 703


1- بحار الأنوار 40- 149- 154 و 225- 236، و غیرهما.
2- فی (س): و نحو- بلا ضمیر-.

اشتغاله كان بالبرطسة (1) و الصفق بالأسواق (2)، و قد حصروا مرویّاته- مع طول صحبته، و اهتمام أتباعه بروایة ما یؤثر عنه- فی خمسمائة و تسعة و ثلاثین، منها ستة و عشرون من المتّفق علیه، و أربعة و ثلاثون من إفراد البخاری، و أحد و عشرون من إفراد مسلم، و قد رووا عن أبی هریرة فی أقلّ من السنتین من الصحبة خمسة آلاف و ثلاثمائة و أربعة و سبعین حدیثا، و عن ابن عمر ألفین و ستمائة و ثلاثین، و عن عائشة و أنس قریبا من ذلك (3)، و لیس فی مرویّاته مسألة دقیقة یستنبط منها علمه و فضله، و كذلك ما حكی عنه من أخباره و سیره، و لم ینقلوا عنه مناظرة لعالم من

ص: 704


1- جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: و فی النهایة: كان عمر فی الجاهلیّة مبرشطا .. هو السّاعی بین البائع و المشتری، شبه الدّلّال، و یروی بالسّین المهملة بمعناه. محمد خلیل الموسوی. انظر: نهایة ابن الأثیر 1- 119. و فیه: مبرطشا- بتقدیم الطاء المهملة علی الشین المعجمة-. أقول: كونه ممتهنا للبرطشة جاء فی النهایة 1- 78، و قاموس اللغة 2- 262، و تاج العروس 4- 721. و قال الأخیر: هو الذی یكتری للناس الإبل و الحمیر و یأخذ علیها جعلا.
2- حسب عمر قوله فی أكثر من مورد: خفی علیّ هذا من أمر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، ألهانی عنه الصفق بالأسواق. كما أورده مسلم فی صحیحه 2- 234 كتاب الآداب، و البخاری فی صحیحه 3- 837 [طبعة الهند]، و أحمد بن حنبل فی المسند 3- 19، و الدارمیّ فی سننه 2- 274، و أبو داود فی سننه 2- 340، و غیرهم. و جاء صفقه بالأسواق فی مشكل الآثار 1- 499. و انظر مخاطبة أبیّ بن كعب عمر- بعد ما جهل القراءة القرآنیّة-: أقرأنیه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و إنّك لتبیع القرظ بالبقیع. قال: صدقت، و إن شئت قلت: شهدنا و غبتم، و نصرنا و خذلتم، و آوینا و طردتم .. إلی آخره. كما فی تفسیر الطبریّ 1- 7، و مستدرك الحاكم 3- 305، و تفسیر القرطبیّ 8- 238، و تفسیر ابن كثیر 2- 383، و تفسیر الزمخشری 2- 46، و الدرّ المنثور 3- 269، و كنز العمّال 1- 287، و تفسیر الشوكانی 2- 379، و تفسیر روح المعانی 1- 8- طبع المنیریة-، و غیرها. و قال لعمر مرّة: إنّه كان یلهینی القرآن و یلهیك الصفق بالأسواق. كما فی سنن البیهقیّ 7- 69، و تفسیر القرطبیّ 14- 126، و كنز العمّال 1- 279، و غیرها.
3- شیخ المضیرة أبو هریرة لمحمود أبی ریّة: 124، أسماء الصحابة لابن حزم: 275 و ما بعدها، السنّة قبل التدوین: 411- 480، البارع الفصیح فی شرح الجامع الصحیح 1- 9 و ما بعدها، و غیرها.

علماء الملل و لا لعلماء الإسلام غلب علیهم فیها، بل كتبهم مشحونة بعثراته و زلّاته، و اعترافه بالجهل- كما أفصح عنه

قول أمیر المؤمنین علیه السلام (1)

و یكثر العثار (2) و الاعتذار منها (3)

ص: 705


1- فی الخطبة الشقشقیّة فی نهج البلاغة- محمّد عبده- 1- 33، و طبعة صبحی الصالح: 48. و كفی بقول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم شاهدا علی ما ذكره، حیث أخرج الهیثمی عن أبی سعید الخدری فی المجمع 2- 62، قال: كان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم یصلّی فمرّ أعرابیّ بحلوبة له فأشار إلیه النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم فلم یفهم، فناداه عمر: یا أعرابیّ! وراءك، فلما سلّم النبیّ صلّی اللّٰه علیه [و آله] و سلّم قال: من المتكلّم؟. قالوا: عمر. قال: ما لهذا فقه. قال رواه الطبرانی فی الأوسط.
2- فی المصدر زیادة: فیها، بعد: العثار.
3- قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: من تولّی من أمر المسلمین شیئا فاستعمل علیهم رجلا و هو یعلم أنّ فیهم من هو أولی بذلك و أعلم منه بكتاب اللّٰه و سنّة رسوله فقد خان اللّٰه و رسوله و جمیع المؤمنین. مجمع الزوائد للحافظ الهیثمی 5- 211 عن عدّة مصادر. و هذه خیانة تصدق علی من جلس مجلس رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و علی من تولّی عنهم، و من رضی بهم أو أقرّهم .. فما لهؤلاء القوم لا یكادون یفقهون حدیثا. فها هو خلیفتهم- كما رواه جمع من حفّاظهم- قد خطب الناس [فی الجابیة]، فقال: من أراد أن یسأل عن القرآن فلیأت أبیّ بن كعب، و من أراد أن یسأل عن الحلال و الحرام فلیأت معاذ بن جبل، و من أراد أن یسأل عن الفرائض فلیأت زید بن ثابت، و من أراد أن یسأل عن المال فلیأتنی فإنّی له خازن. و فی لفظ: فإنّ اللّٰه تعالی جعلنی خازنا و قاسما .. أوردها أبو عبیدة فی الأموال: «223»- و البیهقیّ فی السنن الكبری 6- 210، و الحاكم فی المستدرك 3- 271، و ابن عبد البرّ فی العقد الفرید 2- 132، و ابن الجوزی فی سیرة عمر: 87 ... و غیرهم. فهذا خلیفة اللّٰه و رسوله (صلی اللّٰه علیه و آله) علی أمّته فی شرعه و دینه و كتابه و سنّته و فرائضه و علومه فاقد لهاتیك العلوم بإقراره! و ما هو إلّا خازن مال، فعلام یا تری هذه الخلافة، و أمامه رجل قال: سلونی قبل أن تفقدونی (* انظر مصادر الحدیث فی الغدیر 6- 193- 195.) ... أكثر من مرّة، و ما عرف له جهل بمسألة و لا حكم و لا واقعة، و ها هو عمر یقول- كما فی سیرته لابن الجوزی: 100، 102، 161-: لیس جهل أبغض إلی اللّٰه و لا أعمّ ضرّا من جهل إمام و خرقه. و ها هو یقول: تفقّهوا قبل أن تسوّدوا .. صحیح البخاریّ- كتاب العلم- باب الاغتباط بالعلم و الحكمة 1- 38، و سنن الدارمیّ فی المقدّمة: 26.

ص: 706

الفهرس

[الجزء 30]

باب [16] باب آخر فیما كتب علیه السلام إلی أصحابه فی ذلك تصریحاً و تلویحاً 7

باب [17] احتجاج الحسین علیه السلام علی عمر و هو علی المنبر 47

باب [18] فی ذكر ما كان من حیرة الناس بعد وفاة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و غصب الخلافة، و ظهور جهل الغاصبین و كفرهم و رجوعهم إلی أمیر المؤمنین علیه السلام 53

باب [19] ما أظهر أبو بكر و عمر من الندامة علی غصب الخلافة عند الموت 121

باب [20] كفر الثلاثة و نفاقهم و فضائح أعمالهم و قبائح آثارهم و فضل التبریّ منهم و لعنهم 145

باب [21] باب آخر فی ذكر أهل التابوت فی النار 405

باب [22] باب تفصیل مطاعن أبی بكر و الاحتجاج بها علی المخالفین بإیراد الأخبار من كتبهم 411

الطعن الأوّل: عدم تولیة النبی صّلی الّله علیه و آله لأبی بكر شیئا من الأعمال و عزله عن تبلیغ سورة براءة 411

الطعن الثانی: التخلّف عن جیش أسامة. 427

الطعن الثالث: ما جری منه فی أمر فدك، 443

الطعن الرابع: كون بیعة أبی بكر فلتة 443

الطعن الخامس ترك الخلیفة لإقامة الحدّ 471

الطعن السادس: قوله: أقیلونی إن لی شیطانا یعترینی 495

الطعن السابع: جهل الخلیفة بكثیر من أحكام أحواله 506

خاتمة فی ذكر ولادة أبی بكر و وفاته و بعض أحواله 517

باب [23] تفصیل مثالب عمر و الاحتجاج بها علی المخالفین بإیراد الأخبار من صحاحهم، و ذكر بعض أحواله و بعض ما حدث فی زمانه 529

ص: 707

الطعن الأول: قولته إنه لیهجر 529

الطعن الثانی: التخلّف عن جیش أسامة. 582

الطعن الثالث: جهله بوفاة رسول اللّٰه صّلی الّله علیه و آله 582

الطعن الرابع: تحریمه الخلیفة للمتعتین 594

الطعن الخامس: تعطیل الحدود الشرعیة 639

الطعن السادس: منعه للمغالاة فی صداق النساء 655

الطعن السابع تجسس الخلیفة و تسوّره الدار 661

الطعن الثامن تركه الصلاة لفقد الماء 665

الطعن التاسع: أمره برجم الحامل 675

الطعن العاشر: أمره برجم المجنونة 680

الطعن الحادی عشر: جهله بأبسط الأمور 687

الطعن الثانی عشر: جهله بحرمة الحجر الأسود 688

الطعن الثالث عشر: موارد من جهله و هدایة الغیر له 691

الفهرس 707

ص: 708

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.