بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الأطهار المجلد 29

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.

عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 29: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.

عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].

مظهر: ج - عينة.

ملاحظة: عربي.

ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].

ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).

ملاحظة: فهرس.

محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-

عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق

ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح

تصنيف ديوي: 297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِحَارُالاَنوَار

الجَامِعَةُ لِدُرَرِ اَخبَارِ الاَئِمَّةِ الاَطهَارِ

تألیف

العَلَم العَلَّامَة الحُجَّة فَخر الامَّة المَولَی

الشَیخ مُحَمَّد بَاقِر المَجلِسی

«قدّس سرّه»

الجزء التاسع و العشرون

تحقیق

الشیخ عبدالزهراء العلوی

دارالرضا

بیروت-لبنان

ص: 3

ص: 4

الاعتصام بأهل البیت علیهم السلام

«وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا ..»

(1)

آل عمران: 99

ص: 5


1- قد وردت روایات مستفیضة فی تفسیر الآیة الكریمة بأهل البیت علیهم السلام و أنّهم: حبل اللّٰه، انظر مثلا: إسعاف الراغبین: 112، رشفة الصادی: 25 و 270، ینابیع المودّة: 118- 119، العمدة: 150، شواهد التنزیل: 1/ 130، أهل البیت (علیهم السلام) (توفیق أبو علم): 61 و 62، عن ابن عبّاس و غیره، و بمضامین متقاربة.

ص: 6

و لمّا رأیت النّاس قد ذهبت بهم*** مذاهبهم فی أبحر الغیّ و الجهل

ركبت علی اسم اللّٰه فی سفن النّجا*** و هم أهل بیت المصطفی خاتم الرسل

و أمسكت حبل اللّٰه و هو ولاءهم*** كما قد أمرنا بالتمسّك بالحبل

أبو عبد اللّٰه الشافعی

رشفة الصادی: 25

ص: 7

ص: 8

الحب فی اللّٰه و البغض فی اللّٰه

عن حبیش بن المعتمر، قال: دخلت علی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السّلام، فقلت:

السّلام علیك یا أمیر المؤمنین و رحمة اللّٰه و بركاته، كیف أمسیت؟ قال: أمسیت محبّا لمحبّنا و مبغضا لمبغضنا، و أمسی محبّنا مغتبطا برحمة من اللّٰه كان ینتظرها و أمسی عدوّنا یؤسّس بنیانه علی شفا جرف هار، فكأنّ ذلك الشفا قد انهار به فی نار جهنّم، و كأنّ أبواب الرحمة قد فتحت لأهلها، فهنیئا لأهل الرحمة رحمتهم، و التعس لأهل النّار و النّار لهم.

یا حبیش! من سرّه أن یعلم أ محبّ لنا أم مبغض فلیمتحن قلبه، فإن كان یحبّ ولیّا لنا فلیس بمبغض لنا، و إن كان یبغض ولیّا لنا فلیس بمحبّ لنا. إنّ اللّٰه تعالی أخذ المیثاق لمحبّینا بمودّتنا و كتب فی الذكر اسم مبغضنا، نحن النجباء و أفراطنا أفراط الأنبیاء.

بحار الأنوار: 27/ 53- 54- حدیث (6) المجالس: 197

ص: 9

عن أبی محمّد العسكریّ، عن آبائه علیهم السّلام، قال: قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لبعض أصحابه ذات یوم: یا عبد اللّٰه! أحبب فی اللّٰه و أبغض فی اللّٰه، و وال فی اللّٰه، و عاد فی اللّٰه، فإنّه لا تنال ولایة اللّٰه إلّا بذلك، و لا یجد رجل طعم الایمان- و إن كثرت صلاته و صیامه- حتی یكون كذلك، و قد صارت مؤاخاة الناس یومكم هذا أكثرها فی الدنیا، علیها یتوادّون، و علیها یتباغضون، و ذلك لا یعنی عنهم من اللّٰه شیئا.

فقال له: و كیف لی أن أعلم أنّی قد والیت و عادیت فی اللّٰه عزّ و جلّ. و من ولیّ اللّٰه عزّ و جلّ حتّی أوالیه؟ و من عدوّه حتّی أعادیه؟. فأشار (له) رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله الی علیّ علیه السلام فقال:

أ تری هذا؟. فقال: بلی. قال: ولیّ هذا ولیّ اللّٰه؛ فواله. و عدوّ هذا عدوّ اللّٰه؛ فعاده، قال: وال ولیّ هذا و لو أنّه قاتل ابیك و ولدك، و عاد عدوّ هذا و لو أنّه أبوك أو ولدك.

تفسیر العسكریّ (علیه السلام): 18

و معانی الأخبار: 113

و عیون أخبار الرضا (علیه السلام): 161

و علل الشرائع: 58

و بحار الأنوار: 27/ 54- 55 حدیث 8

ص: 10

مقدّمة المحقق

اشارة

بسم اللّٰه الرحمن الرحیم و له الحمد و به ثقتی

فی قیمة كتاب بحار الأنوار

الحمد للّٰه الذی هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدی لو لا أن هدانا اللّٰه، فأخذ بنا الی المنهاج و الدلیل الواضح و السبیل الناجح، و وفّقنا للدین الحنیف و شریعة سیّد المرسلین صلوات اللّٰه علیه و علی أهل بیته الطیّبین الطاهرین، و اللعنة الدائمة الأبدیّة علی أعدائهم و ظالمیهم و غاصبی حقوقهم و منكری فضائلهم و مناقبهم و مناوئی شیعتهم من الأوّلین و الآخرین .. الی قیام یوم الدین ..

آمین یا ربّ العالمین.

أمّا بعد: ما عسانی أن أقول .. و ما ترانی أكتب .. و ما تخطّ یمینی .. عن بحر اللآلی، و منبع الأنوار (الجامع لدرر أخبار الأئمّة الأطهار) صلوات اللّٰه الملك العلّام علیهم، ذاك الذی كان- و لا زال- مرجعا للأعلام، و مصدرا للأنام، و مرغما للملاحدة اللئام، كما شاء له مؤلّفه القمقام قدّس اللّٰه روحه الطاهرة، و حشره و إیّانا مع الأئمّة الكرام، علیهم أفضل التحیّة و السلام.

نعم؛ لا یسعنی- و أنّی لی- أن أكتب عن كتاب أو كاتب- مع قصور الباع و قلّة البضاعة- عن من قلّ من حاذاه فضلا عمّن علاه، مع إجماع الكلّ

ص: 11

علی جلالته و فضله، و إطباقهم علی عظمته و علمه، و هو- بحق- آیة من آیات الرحمن فی فنون شتّی، و قمر فی السماء بین النجوم و الكواكب، إذ هو العلّامة الفهّامة، غوّاص بحار الأنوار ببیاناته، و مستخرج لآلی الأخبار بتتبّعاته، و جامع كنوز الآثار باستقصاءاته، الذی قلّ له قرین فی عصره- فضلا عن من كان قبله أو جاء بعده- إذ أفنی عمره فی ترویج الدین و إحیاء شریعة سیّد المرسلین صلوات اللّٰه علیه و علی آله الطیّبین، و دفع أباطیل المبطلین، و زیغ المنحرفین، و جهل الجاهلین، تصنیفا و تألیفا، و أمرا و نهیا، قامعا للمعتدین، و مزیّفا للمبدعین، و داحضا للمعاندین، و هادیا للضالّین، و مرشدا للغاوین، و رادّا للمخالفین من أهل الأهواء و البدع و الزیغ و الضلال.

و لنطوی عن ترجمته صفحا، فما فی «الفیض القدسی» لشیخنا النوریّ، و ما رصف فی أوّل المجلد الأول من موسوعته، و ما كتبه عنه كلّ من ترجم له و ألّف عنه- معاصرا كان أو متأخّرا عنه- یغنینا عن التطویل، و إن كان معتقدنا أنّ ما ذكروه فیه و عنه نزر یسیر، و أقلّ من القلیل.

*****

و بعد كلّ هذا نعود الی كتابنا؛ فقد كان و لا زال- بحق- مصدرا لكلّ من طلب بابا من أبواب علوم آل محمّد صلوات اللّٰه علیه و علیهم، و منبعا لكلّ من بحث عن الحقّ و الحقیقة، إذ قد استعان به كلّ من جاء بعده، فكان عیالا علیه، و ناهلا منه .. لا لكون أكثر منابع المصنّف طاب ثراه تعدّ من الكتب المعتمدة و الأصول المعتبرة- التی لم یتسنّ الی یومنا هذا الحصول علی بعضها- فحسب .. بل لما فیه من بیانات شافیة، و تبویب رائع، و إحاطة واسعة، و منهجیة ممتازة، و هو- من ثمّ- یشبع الموضوع- الی حدّ ما- تحقیقا و تدقیقا، و بیانا و توضیحا، مع كلّ ما فیه من برمجة و تنسیق فرید فی نوعه.

فكلّ من وعی و اطّلع یعرف أنّ (البحار) موسوعة حدیثیّة نادرة، و درّة

ص: 12

فاخرة للأمّة الإسلامیة فضلا عن الطائفة المحقّة الشیعیة؛ لما حواه من فنون شتّی، و علوم غزیرة، و فوائد نفیسة، و مطالب فریدة، و غوالی لا یستغنی عنها طالب، و تروی كلّ شارب ..

و نعم ما قال شیخنا الطهرانیّ فی الذریعة: 3/ 16: .. هو الجامع الذی لم یكتب قبله و لا بعده جامع مثله؛ لاشتماله- مع جمع الأخبار- علی تحقیقات دقیقة، و بیانات و شروح لها غالبا لا توجد فی غیره، و ذلك فضل اللّٰه یؤتیه من یشاء ...

الطبع السابق للبحار و المجلد الثامن منه و أبوابه

و لنرجع الی ما نبغیه من هذه الأسطر فنقول:

طبع البحار فی خمسة و عشرین مجلدا- كما قرّره مصنّفه رحمه اللّٰه له- و نحن نذكر تفصیل المجلد الثامن- الذی نحن بصدده- كما جاء فی أوّل المجلد الأول منه (28/ 1- 2) قال:

و هو مشتمل علی ما وقع من الجور و الظلم و البغی و العدوان علی أئمّة الدین و أهل بیت سیّد المرسلین بعد وفاته صلوات اللّٰه علیه و علیهم أجمعین، و توضیح كفر المنافقین و المرتدّین الغاصبین للخلافة من أهلها، و النازعین لها من مقرّها، و أعوانهم من الملحدین، و بیان كفر الناكثین و القاسطین و المارقین، الذین اقتدوا بمن كان قبلهم من الظالمین، و حاربوا أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه و علی أولاده الطاهرین، و أنكروا حقّه- مع وضوحه، علی العالمین- و ما جری فی تلك الغزوات و ما لحقها .. الی آخره.

و نترك سرد أبواب المجلد الثامن و نقتصر علی ما جاء فی ما نخرجه هنا، و هی:

الباب الخامس: باب احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی أبی بكر و غیره فی أمر البیعة.

ص: 13

الباب السادس: منازعة أمیر المؤمنین علیه السلام و العبّاس فی المیراث.

باب (1): نوادر الاحتجاج علی أبی بكر ..

باب: احتجاج سلمان و أبیّ بن كعب و غیرهما علی القوم.

باب: ما كتب أبو بكر الی جماعة یدعوهم الی البیعة، و فیه بعض أحوال ابی قحافة.

باب: إقرار أبی بكر بفضل أمیر المؤمنین علیه السلام و خلافته بعد الغصب.

باب: نزول الآیات فی أمر فدك و قصصه، و جوامع الاحتجاج فیه، و فیه قصّة خالد و عزمه علی قتل أمیر المؤمنین علیه السلام بأمر المنافقین.

باب: العلّة التی من أجلها ترك أمیر المؤمنین علیه السلام فدك.

باب: علّة قعوده علیه السلام عن قتال من تأخّر عنه من الأوّلین و قیامه الی قتال من بغی علیه من الناكثین و القاسطین و المارقین، و علّة إمهال اللّٰه من تقدّم علیه، و فیه علّة قیام من قام من سائر الأئمّة علیهم السلام و قعود من قعد منهم.

باب: العلّة التی من أجلها ترك الناس علیّا علیه السلام.

باب: شكایة أمیر المؤمنین علیه السلام عمّن تقدّمه من الغاصبین.

باب: آخر، فیما كتب علیه السلام الی أصحابه فی ذلك تصریحا أو تلویحا.

باب: احتجاج الحسین علیه السلام علی عمر و هو علی المنبر.

باب: فی ذكر ما كان من حیرة الناس بعد وفاة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم و غصب الخلافة و ظهور جهل الغاصبین و كفرهم و رجوعهم الی أمیر المؤمنین علیه السلام.

ص: 14


1- هذه الأبواب رقمت فی طبعتنا هذه.

باب: ما أظهر عمر و أبو بكر من الندامة علی غصب الخلافة عند الموت.

باب: كفر الثلاثة و نفاقهم و فضائح أعمالهم و قبائح آثارهم و فضل التبرّی منهم و لعنهم.

باب: آخر، فیه ذكر أهل التابوت فی النار.

باب: تفصیل مطاعن أبی بكر، و الاحتجاج بها علی المخالفین بإیراد الأخبار من كتبهم.

باب: تفصیل مثالب عمر، و الاحتجاج بها علی المخالفین بإیراد الأخبار من كتبهم.

باب: نسب عمر و ولادته و وفاته و بعض نوادر أحواله، و ما جری بینه و بین أمیر المؤمنین علیه السلام.

باب: نادر.

باب: تفصیل مثالب عثمان و بدعه و الاحتجاج بها علی المخالفین بما رووه فی كتبهم و بعض أحواله.

باب: الشوری، و احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی القوم فی ذلك الیوم.

باب: احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی جماعة من المهاجرین و الأنصار .. الی آخره.

باب: ما جری بین أمیر المؤمنین علیه السلام و بین عثمان و ولاته و أعوانه و بعض أحواله.

باب: كیفیّة قتل عثمان و ما احتجّ علیه القوم فی ذلك.

باب: تبرّی أمیر المؤمنین علیه السلام من دم عثمان و عدم إنكاره أیضا .. الی آخره.

باب: ما ورد فی لعن بنی أمیّة و بنی العبّاس و كفرهم.

باب: ما ورد فی جمیع الغاصبین و المرتدّین مجملا.

ص: 15

و قد تعرّض لهذه الأبواب شیخنا الطهرانیّ فی الذریعة: 3/ 19- 20 أیضا.

و قال المصنّف طاب ثراه فی آخر كلامه السالف: .. مقتصرا فی جمیع ذلك علی نقل الأخبار و توضیحها، و الإیماء الی بعض الحجج من غیر تعرّض لبسط القول فیها و تنقیحها، و إیراد الشبه و تزییفها و تقبیحها، فإنّ ذلك ممّا یكبر به حجم الكتاب، و یورث إعراض الناس عنه و تعریضهم بالإطناب و الإسهاب ...

أقول: هذا هو الذی تعرّضنا له من المجلد الثامن من هذه الموسوعة العظیمة فی الفتن بعد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم و سیرة الخلفاء، و ما وقع فی أیّامهم من الفتوح و غیرها، و كیفیة حرب الجمل و صفّین و النهروان، و شرح أحوال معاویة فی الشام و غاراته و معاملته مع أهل العراق، و ذكر أحوال بعض خواصّ أمیر المؤمنین علیه السلام و أصحابه، و شرح جملة من الأشعار المنسوبة إلیه، و شرح بعض كتبه فی اثنین و ستین بابا، و فی واحد و ستین ألف بیت- كما هو المصطلح عندهم- توجد له أكثر من نسخة خطیّة، منها؛ ما جاء فی مكتبة سبهسالار فی طهران- كما جاء فی فهرستها: 1/ 239 برقم 5319، نسخت سنة 1109 ه فی 243 ورقة، و عندنا منها مصوّرة، و غیرها. ثم إنّه طبع أوّلا فی تبریز سنة 1275 ه، ثمّ جدّد طبعه بعد ذلك فی طهران سنة 1303- 1315 ه، و أعید طبع المجلد الثامن علی الطبعة الأخیرة- بالأوفست- فی قم حدود سنة 1400 ه.

هذا و قد ترجم هذا المجلّد الی الفارسیة المولی محمّد نصیر بن المولی عبد اللّٰه بن المولی محمّد تقیّ المجلسی، و المولی عبد اللّٰه هو أخو العلّامة شیخنا المصنّف طاب ثراهما، و له ترجمة أخری باسم: مجاری الأنهار (فی ترجمة المجلد الثامن من البحار) للمولی محمّد مهدی بن محمّد شفیع الأسترآبادی المازندرانی المتوفّی سنة 1259 ه فرغ منها سنة 1247 ه، كما أنّ له ترجمة أخری لمترجم

ص: 16

مجهول توجد نسختها فی مكتبة السیّد الكلبایكانی كما ورد فی فهرس المكتبة:

2/ 30 برقم 499.

و قد اختصر البحار- و منه هذا المجلد- أكثر من مرة، منها ما قام به الشیخ حسن المیانجی- و ذكره شیخنا فی الذریعة: 4/ 423-، و آخر للمیرزا إبراهیم الخوئی- كما فی أعیان الشیعة: 7/ 30-، و ثالثة لمیرزا محمّد صادق الشیرازی، و غیرها.

كما و قد استدرك علیه جمع من أعلامنا رضوان اللّٰه علیهم؛ منهم المیرزا محمّد بن رجب علی الطهرانیّ العسكریّ، كتب أوّلا: مصابیح الأنوار فی فهرس أبواب البحار، ثمّ اشتغل باستدراك كل باب باب، و لا ننس سفینة البحار لشیخنا الشیخ عبّاس القمّیّ، و مستدركاتها للشیخ علی النمازی رحمهما اللّٰه ..

و غیر ذلك.

و لسنا بصدد سرد أو جمع لكلّ ما هناك من تراجم و تعلیقات و حواش و مستدركات أو نسخ خطیّة جاءت لهذه الموسوعة العظیمة و لمجلّدنا بالخصوص، و ما أوردناه غیض من فیض تعرّض لبعضه كلّ من كتب عن البحار، و جاء جملة منه فی مجلة مشكاة: 29، و غیرها.

و كان أن خصّص لهذا المجلد- فی طبعته الجدیدة- الأجزاء 28- 34، و لكن بعد طبع المجلد الثامن و العشرین منه ترك بقیة الأجزاء و شرع بطبع المجلد الخامس و الثلاثین، مهملین بقیة الأجزاء من هذا المجلد، و قد طبع أخیرا الأجزاء الثانی و الثلاثون و الثالث و الثلاثون و الرابع و الثلاثون بواسطة وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامی فی إیران بتحقیق الحاجّ الشیخ محمّد باقر المحمودی، و لنا علیه عدّة ملاحظات و مؤاخذات، مع ما قام فیه من تصرّف أو حذف و تغییر و .. فما أجمل قول شیخنا الطهرانیّ فی ذریعته: 25/ 356- 357- عند حدیثه فی استدراكاته علی طبع دورة البحار علی الحروف فی 110 مجلد-، قال: بعد إسقاط بعض أقسامه تحت ضغط التیّار المتسنّن الداعی الی

ص: 17

الاتّحاد من جهة واحدة!!:

ففی الوقت الذی ألّفت فیه مئات المصنّفات و المقالات- جاوزت الثمانمائة فی العصر الحاضر- ضدّ الشیعة، و ما من تهمة و فریّة إلّا و ألصقوها بهم، و ما من أكذوبة إلّا و قذفوهم بها، و ها هی تتری علیها اللكمات و الصفعات من كلّ جانب، و نسبت إلیهم عشرات الاتّهامات و الافتراءات، نجدها قد حكم علیها أن لا تقول كلمتها و لا تنبس ببنت شفة!.

نعم؛ لقد تكالبت أید مریضة طورا، و بسیطة أخری، و مجرمة ثالثة ..

مع ما كان للسلطة الحاكمة آنذاك من دور قذر، و جور مستمرّ، و محاباة للظالمین و .. أن حرمت هذه المجلّدات من أن تری النور، و تظهر الی الساحة .. إذ تجد دورة البحار- بأجزائها المائة و عشرة و یا للأسف- مبتزّة عنها واسطة العقد، مسلوب من صدفها درّها و جوهرها.

دواعی نشری لهذه الفصول

ثمّ إنّه من دواعی نشری لهذه الفصول- و هی كثیرة جدّا- ما أعتقده و أدین ربّی به من أنّه سبحانه و تعالی لا یقبل من عباده صرف الإقرار بتوحیده إلّا بعد نفی كلّ إله و صنم یعبد من دونه، و بذا جاءت كلمة التوحید (لا إله إلّا اللّٰه) بل قدّم النفی علی الإثبات، كما أنّه- عزّ اسمه- لم یقبل صرف الإقرار بنبوّة نبیّنا الخاتم محمّد صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم إلّا بعد نفی كلّ مدّعی النبوّة كمسیلمة و سجاح و الأسود العنسی و أشباههم، فكذا لا تقبل الإمامة الخاصّة لسیّدنا و مولانا أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام إلّا بعد النفی و الجحد و البراءة من كلّ من نصب نفسه للأمّة دونه.

و بعبارة أخری؛ إنّ التوحید مركّب من جزءین؛ إیجابیّ و سلبی، یجمعهما كلمة التوحید، فمن ادّعی الربوبیّة أو عبد غیره سبحانه استوجب البراءة منه، و كذلك النبوّة لا تتمّ إلّا بالقول بأنّ محمّدا صلّی اللّٰه علیه و آله هو الرسول، و من

ص: 18

ادّعاها غیره استوجب البراءة منه، فكذا القول بالإمامة فإنّها لا تتمّ إلّا بالقول بأنّ أمیر المؤمنین علیه السلام هو الإمام حقّا و البراءة ممّن ادّعاها نظیر من ادّعی الألوهیّة و الرسالة كاذبا، و بذا یتمّ الإیمان.

و كما أنّ ربّنا هو مرسل رسولنا؛ فهو الذی عیّن له وصیّا و خلیفة، و من لم یقلّ بذلك فقد خالفنا فی أصول دیننا فضلا عن أصول مذهبنا.

قول بعض الشیعة لبعض الناصبة فی محاورته له فی فضل آل محمّد علیهم السلام

و یحلو لی أن أورد نتفا ممّا جاء فی كتب السابقین مثل ما ذكره السیّد المرتضی علم الهدی فی كتابه «الفصول المختارة»: 1/ 21 عن قول بعض الشیعة لبعض الناصبة- فی محاورته له فی فضل آل محمّد علیهم السلام-: ..

أ رأیت لو بعث اللّٰه نبیّه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم أین تری كان یحطّ رحله و ثقله؟، فقال له الناصب: كان یحطّه فی أهله و ولده. فقال له الشیعیّ: فإنّی قد حططت هوای حیث یحطّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم رحله و ثقله ..

و جاء فیه أیضا (1/ 7- 9)- و كم له من نظیر- و إلیك نصّ كلامه فی أكثر من محاورة له طاب رمسه، قال:

و من كلام الشیخ أدام اللّٰه عزّه فی إبطال إمامة أبی بكر من جهة الإجماع:

سأله المعروف ب: الكتبی، فقال له: ما الدلیل علی فساد إمامة أبی بكر؟، فقال له: الأدلّة علی ذلك كثیرة، و أنا أذكر لك منها دلیلا یقرب الی فهمك، و هو أنّ الأمّة مجمعة علی أنّ الامام لا یحتاج الی إمام، و قد أجمعت الأمّة علی أنّ أبا بكر قال علی المنبر: (و لیتكم و لست بخیركم فإن استقمت فاتّبعونی و إن اعوججت فقوّمونی)، فاعترف بحاجته الی رعیّته، و فقره إلیهم فی تدبیره. و لا خلاف بین ذوی العقول أنّ من احتاج الی رعیّته فهو الی الامام أحوج، و إذا ثبت حاجة أبی بكر الی الإمام بطلت إمامته بالإجماع المنعقد علی أنّ الإمام لا یحتاج الی

ص: 19

إمام، فلم یدر الكتبی بم یعترض، و كان بالحضرة رجل من المعتزلة یعرف ب:

عرزالة، فقال: ما أنكرت علی من قال لك إنّ الأمّة أیضا مجمعة علی أنّ القاضی لا یحتاج الی قاض، و الأمیر لا یحتاج الی أمیر، فیجب علی هذا الأصل أن توجب عصمة الأمراء و القضاة أو یخرج عن الإجماع.

فقال له الشیخ أدام اللّٰه عزّه: إنّ سكوت الأول أحسن من كلامك هذا، و ما كنت أظنّ أنّه یذهب علیك الخطأ فی هذا الفصل، أو تحمل نفسك علیه مع العلم بوهنه؛ و ذلك أنّه لا إجماع فیما ذكرت، بل الإجماع فی ضدّه، لأنّ الأمّة متّفقة علی أنّ القاضی- الذی هو دون الإمام- یحتاج الی قاض هو الإمام، و الأمیر من قبل الإمام یحتاج الی أمیر هو الإمام، و ذلك مسقط ما تعلّقت به، اللّٰهم إلّا أن تكون أشرت بالأمیر و القاضی الی نفس الإمام فهو كما وصفت غیر محتاج الی قاض یتقدّمه أو أمیر علیه، و إنّما استغنی عن ذلك لعصمته و كماله، فأین موضع إلزامك عافاك اللّٰه؟! فلم یأت بشی ء.

و من كلام الشیخ أدام اللّٰه عزّه- أیضا-: سأل رجل من المعتزلة یعرف ب: أبی عمرو الشطوی، فقال له: أ لیس قد أجمعت الأمّة علی أنّ أبا بكر و عمر كان ظاهرهما الإسلام؟.

فقال له الشیخ: نعم؛ قد أجمعوا علی أنّهما قد كانا علی ظاهر الإسلام زمانا، فأمّا أن یكونوا مجمعین علی أنّهما كانا فی سائر أحوالهما علی ظاهر الإسلام، فلیس فی هذا إجماع، للاتّفاق علی أنّهما كانا علی الشرك، و لوجود طائفة كثیرة العدد تقول: إنّهما كانا بعد إظهارهما الإسلام علی ظاهر كفر بجحد النصّ. و إنّه كان یظهر منهما النفاق فی حیاة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم، فقال الشطوی (الشوطی) : قد بطل ما أردت أن أورده علی هذا السؤال بما أوردت، و كنت أظنّ أنّك (لا) تطلق القول علی ما سألتك.

فقال له الشیخ أدام اللّٰه عزّه: قد سمعت ما عندی؛ و قد علمت ما الذی أردت، فلم أمكنك منه، و لكنّی أنا أضطرّك الی الوقوع فیما ظننت أنّك

ص: 20

توقع خصمك فیه، أ لیس الأمّة مجمعة علی أنّه من اعترف بالشكّ فی دین اللّٰه عزّ و جلّ و الریب فی نبوّة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم فقد اعترف بالكفر و أقرّ به علی نفسه؟. فقال: بلی.

فقال له الشیخ أدام اللّٰه عزّه: فإنّ الأمّة مجمعة (مجتمعة) لا خلاف بینها علی أنّ عمر بن الخطّاب قال: ما شككت منذ یوم أسلمت إلّا یوم قاضی فیه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله أهل مكّة، فإنّی جئت إلیه فقلت له: یا رسول اللّٰه! أ لست بنبیّ؟! فقال: بلی، فقلت: ألسنا بالمؤمنین؟! قال: بلی، فقلت (له) : فعلی م تعطی هذه الدنیّة من نفسك؟! فقال: إنّها لیست بدنیّة، و لكنّها خیر لك، فقلت له: أ لیس قد وعدتنا أن ندخل مكّة؟! قال: بلی، قلت: فما بالنا لا ندخلها؟!، قال: أو وعدتك أن تدخلها العام؟!، قلت: لا، قال:

فسندخلها إن شاء اللّٰه تعالی، فاعترف بشكّه فی دین اللّٰه و نبوّة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم .. و ذكر مواضع شكوكه و بیّن عن جهاتها، و إذا كان الأمر علی ما وصفناه فقد حصل الإجماع علی كفره بعد إظهار الإیمان، و اعترافه بموجب ذلك علی نفسه، ثمّ ادّعی خصومنا من الناصبة أنّه تیقّن بعد الشكّ و رجع الی الإیمان بعد الكفر، فأطرحنا قولهم لعدم البرهان (منهم) علیه و اعتمدنا علی الإجماع فیما ذكرناه، فلم یأت بشی ء أكثر من أن قال: ما كنت أظنّ أحدا یدّعی الإجماع علی كفر عمر بن الخطّاب حتّی الآن.

و أورده العلّامة المجلسی فی بحار الأنوار: 10/ 413- 414.

قضیّة الوحدة بین المسلمین مسألة عقلیّة

ثمّ إنّ قضیّة الوحدة بین المسلمین ما هی إلّا مسألة عقلیّة قبل أن تكون نصیّة، و فریضة شرعیّة قبل أن تكون مسئولیّة اجتماعیّة، و هی- علی كلّ حال- لا یمكن التعامی و التغاضی عنها أو غضّ الطرف عنها بعد قوله سبحانه و تعالی: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا (آل عمران: 99) بذا أمر

ص: 21

سبحانه- علی أن یكون حبل اللّٰه هو علیّ علیه السلام و ولده كما صرّحت به نصوص العامّة فضلا عن الخاصّة، و قد سلفت فی دیباجة الكتاب.

و توعّد عزّ اسمه علی التهاون بالوحدة و تضییعها بالعذاب العظیم، فقال تعالی: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَیِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (آل عمران: 105).

فالوحدة بین المسلمین یجب أن تفهم علی أنّها قضیّة رسالیّة أساسیّة لا سیاسیّة وقتیة، و هی ذات أبعاد متشعّبة فرّط بها قوم و أفرط آخرون، مع كلّ ما لها من الأهمیّة، و فی لزوم حمایتها و الحرص علیها، إلّا أنّه- و یا للأسف- قد خلط بین الوحدة السیاسیة و الدینیّة، حتی جرأ البعض- ممّن لا بصیرة له- فقال بوحدة الأدیان بعد أن فرغ من وحدة المذاهب!!.

فلیست الوحدة هی كون الباطل حقّا و لا الحقّ باطلا «فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ» و «جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ»، بل المنهج التحقیقی و الموضوعیّة العلمیّة تستدعی الباحث عن الحقیقة أن یفحص و یبحث ... ثم یستنتج من رسالة السماء ما هو واجبه و ما تملیه علیه فریضته، لا أنّه تحت شعار حفظ الوحدة یهمل كلّ الفروع و الأصول التی یلقاها خلال بحثه و تفتیشه، بل ینسی- و یا للعار- الحقیقة و الحقّ، بل یلتزم الضلالة و الباطل متذرّعا بهذه اللفظة ..

و هذا ما وجدناه عند بعض ممّن شاركنا باسم المذهب.

إذ البحث العلمی یتوخّی دوما الحقائق المجرّدة عن أیّة مواقف مسبقة، أو التزامات نسبیّة، أو شعائر و عادات موروثة، أو أیّة اعتبارات تصرفه عن مسیره العلمی.

فهل- یا تری- تجنّب الفرقة و الخلاف و التمسّك بالوحدة و الوفاق یلزم منه توافق الجمیع حتّی فیما اختلفوا فیه؟!.

و هل معنی الوحدة هی حفظ جمیع الخلافات و أسبابها و دواعیها و جذورها الی الأبد ..؟!.

ص: 22

و هل معنی الوحدة هو مجرّد مجاملات و تملّق و تزلّف بعضنا لبعض ..؟!.

و هل هذا إلّا تجدید للنزاعات الطائفیّة و تعمیق الفرقة و تصحیح الخلاف، و فوق ذلك قتل بعضنا البعض بحجّة العمل بما سار علیه رجال السلف ..؟!.

و هل هذا إلّا إبقاء للخلافات و حفظا لجذوره حیّة طریّة فینا ما حیینا، كما هو واقعنا الیوم؟!.

و لبّ المقال؛ إنّه متی كان التمسّك بأسباب الشقاق و الخلاف هو الجامع المحقّق لدواعی الانسجام و الوحدة ..؟!.

و حرام علینا استغلال شعار «الوحدة الإسلامیة» لقتل روح التفكیر الحرّ و البحث العلمی و التصدّی للمسئولیّة الشرعیّة، و تحجیر عقولنا، و إماتة الحقائق متذرّعین بهذه الذریعة لقتل الموقف القائم عن بصیرة و وعی!.

و مسعانا و عقیدتنا و مسئولیّتنا- لو كنّا مسلمین- تتلخّص فی حفظ الدین الحنیف كما أرادته السماء لنا، و قام الدلیل بالالتزام بالموقف الحقّ الثابت الذی لا غبار علیه، و حمایته بالغالی و الرخیص، و طرح جمیع الأفكار علی طاولة التشریح و الدقّة فی الدلیل، سواء وافق میول الأشخاص و أهواءهم أم خالفها.

و لیس معنی هذا- و العیاذ باللّٰه- هو الإفراط- تحت هذه الذریعة- لتعمیق الخلافات المذهبیّة، و تغذیة الروح الطائفیّة البغیضة. فلو أخذنا بنظر الاعتبار وحدة العقیدة و المبدأ، و اتّحاد مصادر التشریع، و الاتّفاق علی جملة من فروع الدین، و فوق هذا وحدة المصیر و الهدف، و العدوّ المشترك و .. لأمكن بها إزاحة الكثیر من العقبات التی تحول دون تفاهمنا، و بذا یحفظ المسلم حقوق أخیه المسلم بما بیّنه الشارع المقدّس فی مئات النصوص .. من حرمة دمه و ماله و عرضه .. هذا عدا ما هناك من أحكام أخلاقیّة و آداب إسلامیّة فرضها علیه؛ كحرمة سبّه- و كونه فسوقا-، و قتاله- و كونه كفرا-، و غشّه- و عدّه حراما-، و الغدر به- و صیرورته غیلة-، و .. هذا مع ما أمر به الشارع من الوفاء بوعده،

ص: 23

و إفشاء السلام علیه، و عیادة مریضه، و تشییع جنازته، و إكرامه و احترامه و ..

بل هما كأعضاء الجسد الواحد یشدّ بعضه بعضا .. و یحبّ له ما یحبّ لنفسه و یكره له ما یكره لها ..

*****

بعض العناوین العامّة فی أبواب متفرّقة حول هذا الموضوع

ثمّ إنّه یلزمنا أن نطلّ علی هذه الموسوعة من خلال عرض أبواب متفرّقة تمتّ بشدّة بموضوع بحثنا هذا، غایته أنّ هذه الأجزاء عدّت بعض الروایات و حاولنا استدراك الباقی فی خاتمة الكتاب ممّا جاء فی أبواب متفرّقة عن القوم، و هنا ندرج بعض العناوین العامّة فی أبواب متفرّقة حول هذا الموضوع.

فمثلا؛ باب: من یجوز أخذ العلم منه و من لا یجوز، و ذمّ التقلید و النهی عن متابعة غیر المعصوم فی كلّ ما یقول، و وجوب التمسّك بعروة اتّباعهم علیهم السلام و جواز الرجوع الی رواة الأخبار و الفقهاء الصالحین .. (2/ 81- 105 باب 14).

باب: تأویل المؤمنین و الإیمان و المسلمین و الإسلام بهم و بولایتهم علیهم السلام، و الكفّار و المشركین و الكفر و الشرك و الجبت و الطاغوت و اللّات و العزّی و الأصنام بأعدائهم و مخالفیهم (23/ 354- 393 باب 20).

باب: أنّهم (علیهم السلام) الأبرار و المتّقون و السابقون و المقرّبون و شیعتهم أصحاب الیمین، و أعداؤهم الفجّار و الأشرار و أصحاب الشمال (24/ 1- 9 باب 23).

باب: أنّهم (علیهم السلام) السبیل و الصراط، و هم و شیعتهم المستقیمون علیها (24/ 9- 25 باب 24، و باب 25 من أنّ الاستقامة إنّما هی علی الولایة).

باب: أنّ ولایتهم الصدق، و أنّهم الصادقون و الصدّیقون و الشهداء و الصالحون (24/ 30- 40 باب 26).

ص: 24

باب: أنّ الحسنة و الحسنی الولایة، و السیّئة عداوتهم (علیهم السلام) (24/ 41- 48 باب 28).

باب: أنّهم (علیهم السلام) النجوم و العلامات، و فیه بعض غرائب التأویل فیهم صلوات اللّٰه علیهم، و فی أعدائهم (24/ 67- 82 باب 30).

باب: أنّهم (علیهم السلام) الشجرة الطیّبة فی القرآن، و أعداؤهم الشجرة الخبیثة (24/ 136- 143 باب 44).

باب: أنّهم (علیهم السلام) و ولایتهم. العدل و المعروف و الإحسان و القسط و المیزان، و ترك ولایتهم و أعداؤهم: الكفر و الفسوق و العصیان و الفحشاء و المنكر و البغی (24/ 187- 191 باب 52).

باب: أنّهم (علیهم السلام) الصلاة و الزكاة و الحجّ و الصیام و سائر الطاعات، و أعداؤهم الفواحش و المعاصی فی بطن القرآن (24/ 286- 304 باب 66، بل ننصح بمراجعة جمیع المجلد 24 و 27 من البحار).

باب: عقاب من ادّعی الإمامة بغیر حقّ، أو رفع رآیة جور، أو أطاع إماما جائرا (25/ 110- 115 باب 3).

باب: أنّ حبّهم (علیهم السلام) علامة طیب الولادة و بغضهم علامة خبث الولادة (27/ 145- 156 باب 5).

باب: ما یجب من حفظ حرمة النبیّ (صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم) فیهم و عقاب من قاتلهم أو ظلمهم أو خذلهم و لم ینصرهم (27/ 202- 207 باب 8).

باب: ذمّ مبغضهم، و أنّه كافر حلال الدم، و ثواب اللعن علی أعدائهم (27/ 218- 239 باب 10).

باب: عقاب من قتل نبیّا أو إماما، و أنّه لا یقتلهم إلّا ولد زنا (27/ 239- 241 باب 11).

باب: احتجاج الشیخ السدید المفید (رحمه اللّٰه) علی عمر فی الرؤیا.

ص: 25

(27/ 327- 331 باب 1).

باب: افتراق الأمّة بعد النبیّ (صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم) علی ثلاث و سبعین فرقة، و أنّه یجری فیهم ما جری فی غیرهم من الأمم و ارتدادهم عن الدین (28/ 2- 36 باب 1).

و له نظائر فی أبواب مختلفة فی الاتّباع حذو القذة بالقذة كما فی بحار الأنوار: 13/ 180.

باب: قوله تعالی: مَنْ یَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللَّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْكافِرِینَ یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ .. (المائدة: 54) (36/ 32- 34 باب 30).

باب: كفر المخالفین و النصّاب و ما یناسب ذلك (72/ 131- 156 باب 101).

باب: مدح الذریّة الطیّبة و ثواب صلتهم (96/ 217- 236 باب 27).

هذا عموما؛ و ما جاء فی خصوص أمیر المؤمنین علیه السلام و الزهراء البتول سلام اللّٰه علیها فندرج بعضها:

باب: أنّه (علیه السلام) المؤمن و الإیمان و الدین و الإسلام و السنّة و السلام و خیر البریّة فی القرآن، و أعداؤه الكفر و الفسوق و العصیان (35/ 336- 353 باب 13).

باب: أنّه (علیه السلام) الصادق و المصدّق و الصدّیق فی القرآن ...(35/ 407- آخر المجلد باب 21).

باب: كفر من آذاه (علیه السلام) أو حسده أو عانده و عقابهم (39/ 330- 334 باب 89).

باب: قوله تعالی: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (36/ 76- و ما بعدها باب 28)، و غیرها من الآیات الواردة فی حقّه (علیه السلام) فی المجلد

ص: 26

السادس و الثلاثین منه.

باب: طینة المؤمن و خروجه من الكافر و بالعكس (67/ 77- 129 باب 3).

باب: ما وقع علی الزهراء البتول سلام اللّٰه علیها من الظلم، و بكائها و حزنها و شكایتها فی مرضها الی شهادتها و غسلها و دفنها، و بیان العلّة فی إخفاء دفنها صلوات اللّٰه علیها، و لعنة اللّٰه علی من ظلمها (43/ 155- 218 باب 7)

*****

جملة من الروایات و كلمات بعض علمائنا فی باب البراءة

اشارة

و إلیك مسرد لجملة من الروایات (1)و كلمات بعض علمائنا الأعلام قدّس سرّهم فی باب البراءة، ننقلها غالبا عن هذا الكتاب خاصّة لأنّه موضوع البحث هربا من الإطالة و الإسهاب:

الروایات

فمما أوحی الی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم لیلة الإسراء: .. یا محمّد! لو أنّ عبدا عبدنی حتّی ینقطع و یصیر كالشنّ البالی ثمّ أتانی جاحدا لولایتهم ما أسكنته جنّتی و لا أظللته تحت عرشی.

(بحار الأنوار: 8/ 357 نقلا عن المحاسن: 34)

و عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام، عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم قال: إنّ أوثق عری الإیمان الحبّ فی اللّٰه و البغض فی اللّٰه، و توالی ولیّ اللّٰه و تعادی عدوّ اللّٰه.

(بحار الأنوار: 27/ 56 و 57 حدیث 13، عن المحاسن: 165)

و هی كثیرة جدّا لا نغالی لو قلنا بتواترها معنی، و قطعیّة صدورها و نصیّة

ص: 27


1- و لعلّ الباب (19) باب اشتراط قبول الأعمال بولایة الأئمّة علیهم السلام و اعتقاد إمامتهم، من أبواب المقدّمات الواردة فی الجزء الأول من كتاب جامع أحادیث الشیعة: 426- 460، یغنی عن كل ما سلف، فلاحظ.

دلالتها.

و جاء فی الخصال: (150 حجری، 2/ 153- 154)، بإسناده عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام قال: ... و حبّ أولیاء اللّٰه واجب، و الولایة لهم واجبة، و البراءة من أعدائهم واجبة، و من الذین ظلموا آل محمّد صلّی اللّٰه علیهم و هتكوا حجابهم، و أخذوا من فاطمة علیها السلام فدكا و منعوها میراثها و غصبوها و زوجها حقوقهما، و همّوا بإحراق بیتها، و أسّسوا الظلم، و غیّروا سنّة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم، و البراءة من الناكثین و القاسطین و المارقین واجبة، و البراءة من الأنصاب و الأزلام أئمّة الضلال، و قادة الجور كلّهم- أوّلهم و آخرهم- واجبة، و البراءة من أشقی الأوّلین و الآخرین شقیق عاقر ناقة ثمود و قاتل أمیر المؤمنین علیه السلام واجبة، و البراءة من جمیع قتلة أهل البیت علیهم السلام واجبة ..

(و أورده فی بحار الأنوار: 10/ 226- 227 حدیث 1 و 27/ 52 حدیث 3)

و قریب منه ما جاء عن الإمام الرضا علیه السلام (كما أورده

فی عیون أخبار الرضا (علیه السلام): 268 (2/ 121- 127) باب 35 حدیث 1)، بإسناده عن الفضل بن شاذان، قال: سأل المأمون علیّ بن موسی الرضا علیه السلام أن یكتب له محض الإسلام علی الإیجاز و الاختصار، فكتب علیه السلام: ..

و الولایة لأمیر المؤمنین و الذین مضوا علی منهاج نبیّهم و لم یغیّروا و لم یبدّلوا مثل ... و الولایة لأتباعهم و أشیاعهم و المهتدین بهداهم، السالكین منهاجهم رضوان اللّٰه علیهم و رحمة ... الی آخره.

(و أورده فی بحار الأنوار: 10/ 358- 359 حدیث 1)

كلمات العلماء فی التبری

و جاء فی اعتقادات الشیخ الصدوق: 112، قال: قال الصادق علیه السلام: من شكّ فی كفر أعدائنا و الظالمین لنا فهو كافر.

(و انظر: بحار الأنوار: 27/ 62)

قال الصفوانی: (كما فی مستطرفات السرائر: 488- حجری السرائر-

ص: 28

(تحقیق مدرسة الامام المهدیّ (علیه السلام): 149) و حكاه فی بحار الأنوار: 27/ 58- 59 حدیث 19):

و اعلم- یا بنی- إنّه لا تتمّ الولایة و لا تخلص المحبّة، و لا تثبت المودّة لآل محمّد صلوات اللّٰه علیهم إلّا بالبراءة من عدوّهم؛ قریبا كان منك أو بعیدا، فلا تأخذك به رأفة، فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ یقول: لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ (المجادلة:

22).

و للشیخ الصدوق محمّد بن بابویه رحمه اللّٰه (المتوفّی سنة 385 ه) مجلس واحد أملی فیه مجمل عقائد الشیعة الإمامیّة (و جاء فی كتابه المجالس: 379) و قال فیه: ... و إنّ الدعائم التی بنی الإسلام علیها خمس: الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحجّ، و ولایة النبیّ و الأئمّة بعده صلوات اللّٰه علیهم ... و الإقرار بأنّهم أولو الأمر الذین أمر اللّٰه عزّ و جلّ بطاعتهم، فقال: أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْكُمْ و أنّ طاعتهم طاعة اللّٰه، و معصیتهم معصیة اللّٰه، و ولیّهم ولیّ اللّٰه، و عدوّهم عدوّ اللّٰه عزّ و جلّ .. الی آخر كلامه أعلی اللّٰه مقامه.

و قال العلّامة المجلسی فی بحاره: 10/ 393- 405- بعد سرده المجلس بكامله-: و إنّما أوردناها- أی عقائده- لكونه من عظماء القدماء التابعین لآثار الأئمّة النجباء الذین لا یتّبعون الآراء و الأهواء، و لذا ینزل أكثر أصحابنا كلامه و كلام أبیه رضی اللّٰه عنهما منزلة النصّ المنقول و الخبر المأثور ..

و إلیك كلام هذا العظیم فی اعتقاداته: 111- 114 (و نقله العلّامة المجلسی فی بحاره: 27/ 60- 63 حدیث 21 و 8/ 365- 366 مجملا) نقلناه بطوله لما فیه من فوائد، قال طاب ثراه:

اعتقادنا فی الظالمین أنّهم ملعونون و البراءة منهم واجبة، قال اللّٰه عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ یُعْرَضُونَ عَلی رَبِّهِمْ وَ یَقُولُ

ص: 29

الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِینَ كَذَبُوا عَلی رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ* الَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ یَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (هود:

«17»- 19).

و قال ابن عبّاس فی تفسیر هذه الآیة: إنّ سبیل اللّٰه عزّ و جلّ فی هذا الموضع هو علیّ بن أبی طالب علیه السلام.

و الأئمّة فی كتاب اللّٰه عزّ و جلّ إمامان: إمام هدی و إمام ضلالة، قال اللّٰه جلّ ثناؤه: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا (السجدة: 24)، و قال اللّٰه عزّ و جلّ فی أئمّة الضلالة: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَی النَّارِ وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ لا یُنْصَرُونَ* وَ أَتْبَعْناهُمْ فِی هذِهِ الدُّنْیا لَعْنَةً وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِینَ (القصص: 41- 42).

و لمّا نزلت هذه الآیة: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (الأنفال: 25) قال النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: من ظلم علیّا مقعدی هذا بعد وفاتی فكأنّما جحد نبوّتی و نبوّة الأنبیاء من قبلی، و من تولّی ظالما فهو ظالم، قال اللّٰه عزّ و جلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَی الْإِیمانِ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (التوبة: 23). و قال اللّٰه عزّ و جلّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ (الممتحنة: 13). و قال عزّ و جلّ: لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ (المجادلة: 22). و قال عزّ و جلّ: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ (هود: 113) و الظلم هو وضع الشی ء فی غیر موضعه.

فمن ادّعی الإمامة و لیس بإمام فهو الظالم الملعون، و من وضع الإمامة فی غیر أهلها فهو ظالم ملعون، و قال النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: من جحد علیّا إمامته من بعدی فإنّما جحد نبوّتی و من جحد نبوّتی فقد جحد اللّٰه ربوبیّته.

ص: 30

و قال النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم لعلیّ: یا علیّ! أنت المظلوم بعدی، من ظلمك فقد ظلمنی، و من أنصفك فقد أنصفنی، و من جحدك فقد جحدنی، و من والاك فقد والانی، و من عاداك فقد عادانی، و من أطاعك فقد أطاعنی، و من عصاك فقد عصانی.

و اعتقادنا فیمن جحد إمامة أمیر المؤمنین و الأئمّة من بعده علیهم السلام بمنزلة من جحد نبوّة الأنبیاء علیهم السلام.

و اعتقادنا فیمن أقرّ بأمیر المؤمنین و أنكر واحدا من بعده من الأئمّة علیهم السلام أنّه بمنزلة من آمن بجمیع الأنبیاء ثمّ أنكر بنبوّة محمّد صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم.

و قال الصادق علیه السلام: المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا.

و قال النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: الأئمّة من بعدی اثنا عشر، أوّلهم أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام و آخرهم القائم؛ طاعتهم طاعتی و معصیتهم معصیتی، من أنكر واحد منهم فقد أنكرنی.

و قال الصادق علیه السلام: من شكّ فی كفر أعدائنا و الظالمین لنا فهو كافر.

و قال أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام: ما زلت مظلوما منذ ولدتنی أمّی حتّی أنّ عقیلا كان یصیبه رمد فقال: لا تذرونی حتّی تذروا علیّا، فیذرونی و ما بی رمد.

و اعتقادنا فیمن قاتل علیّا علیه السلام

كقول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: من قاتل علیّا فقد قاتلنی، و قوله: من حارب علیّا فقد حاربنی و من حاربنی فقد حارب اللّٰه عزّ و جلّ.

و قوله صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم لعلیّ و فاطمة و الحسن و الحسین علیهم السلام: أنا حرب لمن حاربهم و سلم لمن سالمهم.

و أمّا فاطمة صلوات اللّٰه علیها؛ فاعتقادنا أنّها سیّدة نساء العالمین من

ص: 31

الأوّلین و الآخرین، و أنّ اللّٰه عزّ و جلّ یغضب لغضبها و یرضی لرضاها، و أنّها خرجت من الدنیا ساخطة علی ظالمها و غاصبها و مانعی إرثها.

و قال النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: فاطمة بضعة منّی، من آذاها فقد آذانی، و من غاظها فقد غاظنی، و من سرّها فقد سرّنی.

و قال صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: فاطمة بضعة منّی، و هی روحی التی بین جنبیّ، یسوؤنی ما ساءها و یسرّنی ما سرّها.

و اعتقادنا فی البراءة أنّها واجبة من الأوثان الأربعة، و الإناث الأربع، و من جمیع أشیاعهم و أتباعهم، و أنّهم شرّ خلق اللّٰه عزّ و جلّ، و لا یتمّ الإقرار باللّٰه و برسوله و بالأئمّة علیهم السلام إلّا بالبراءة من أعدائهم.

و قال شیخنا المفید قدّس اللّٰه سرّه فی كتاب المسائل (كما أورده العلّامة المجلسی فی بحاره: 8/ 366 و 23/ 390): اتّفقت الإمامیّة علی أنّ من أنكر إمامة أحد من الأئمّة و جحد ما أوجبه اللّٰه تعالی له من فرض الطاعة فهو كافر ضالّ مستحقّ للخلود فی النار.

و قال فی موضع آخر منه: اتّفقت الإمامیّة علی أنّ أصحاب البدع كلّهم كفّار و أنّ علی الإمام أن یستتیبهم عند التمكّن بعد الدعوة لهم و إقامة البیّنة علیهم، فإن تابوا من بدعهم و صاروا الی الصواب و إلّا قتلهم لردّتهم عن الإیمان، و أنّ من مات منهم علی ذلك فهو من أهل النار.

و للسیّد المرتضی علم الهدی فی كتابه الانتصار: 231- 233 بحث جامع فی المقام جاء فیه: .. و الذی یدلّ علی صحّة ما ذهبنا إلیه إجماع الطائفة، و أیضا فإنّ الإمام عندنا یجب معرفته و تلزم طاعته كوجوب المعرفة بالنبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم و لزوم طاعته كالمعرفة باللّٰه تعالی، و كما أنّ جحد تلك المعارف و التشكیك فیها كفر، و كذلك هذه المعارف ... الی آخر كلامه علا مقامه.

و لعلّ شیخنا المعظّم الشهید المحقّق الكركی (المتوفّی سنة 940 ه) فی

ص: 32

كتابه (نفحات اللاهوت فی لعن الجبت و الطاغوت) قد أدّی المطلب حقّه، و أنجز وعده، و قد طبع كرارا.

قال العلّامة المجلسی فی رسالته فی الاعتقادات و السیر و السلوك- المطبوعة سنة 1321 ه ذیل كتاب التوحید: 493: و أمّا إنكار ما علم ضرورة من مذهب الإمامیّة فهو یلحق فاعله بالمخالفین و یخرجه عن التدیّن بدین الأئمّة الطاهرین صلوات اللّٰه علیهم أجمعین؛ كإمامة الأئمّة الاثنی عشر علیهم السلام و فضلهم و علمهم و وجوب طاعتهم و فضل زیارتهم .. الی أن قال: و أمّا مودّتهم و تعظیمهم فی الجملة فمن ضروریات دین الإسلام و منكره كافر ..

و قال فی بحاره: 72/ 108- 109: اعلم أنّه كما یطلق المؤمن و المسلم علی معان- كما عرفت- فكذلك یطلق المنافق علی معان؛ منها: أن یظهر الإسلام و یبطن الكفر، و هو المعنی المشهور، و منها: الریاء، و منها: أن یظهر الحبّ و یكون فی الباطن عدوّا، أو یظهر الصلاح و یكون فی الباطن فاسقا، و قد یطلق علی من یدّعی الإیمان و لم یعمل بمقتضاه و لم یتّصف بالصفات التی ینبغی أن یكون المؤمن علیها، فكان باطنه مخالفا لظاهره .. الی آخره.

و قال فی بحاره: 23/ 390- كتاب الإمامة تحت عنوان تذنیب-: اعلم أنّ إطلاق لفظ الشرك و الكفر علی من لم یعتقد إمامة أمیر المؤمنین و الأئمّة من ولده علیهم السلام، و فضّل علیهم غیرهم یدلّ علی أنّهم كفّار مخلّدون فی النار ..

الجمع بین الآیات و الأخبار

أقول: هنا مباحث شریفة و دقیقة أعرضنا عنها و اقتصرنا علی ما أورده المصنّف طاب ثراه فی بحار الأنوار: 8/ 363- 374 (كتاب العدل و المعاد)، و نقلناه بنصّه لما فیه من أهمیّة، قال:

تذییل: اعلم أنّ الذی یقتضیه الجمع بین الآیات و الأخبار أنّ الكافر المنكر لضروریّ من ضروریّات دین الإسلام مخلّد فی النار، لا یخفّف عنه

ص: 33

العذاب إلّا المستضعف الناقص فی عقله أو الذی لم یتمّ علیه الحجّة و لم یقصّر فی الفحص و النظر، فإنّه یحتمل أن یكون من المرجون لأمر اللّٰه- كما سیأتی تحقیقه فی كتاب الإیمان و الكفر-.

و أمّا غیر الشیعة الإمامیّة من المخالفین و سائر فرق الشیعة ممّن لم ینكر شیئا من ضروریّات دین الإسلام فهم فرقتان: إحداهما المتعصّبون المعاندون منهم ممّن قد تمّت علیهم الحجّة فهم فی النار خالدون، و الأخری المستضعفون منهم و هم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات و البله و أمثالهم و من لم یتمّ علیه الحجّة ممّن یموت فی زمان الفترة، أو كان فی موضع لم یأت إلیه خبر الحجّة فهم المرجون لأمر اللّٰه، إمّا یعذّبهم و إمّا یتوب علیهم، فیرجی لهم النجاة من النار.

و أمّا أصحاب الكبائر من الإمامیّة فلا خلاف بین الإمامیّة فی أنّهم لا یخلّدون فی النار، و أمّا أنّهم هل یدخلون النار أم لا؟ فالأخبار مختلفة فیهم اختلافا كثیرا، و مقتضی الجمع بینها أنّه یحتمل دخولهم النار و أنّهم غیر داخلین فی الأخبار التی وردت أنّ الشیعة و المؤمن لا یدخل النار، لأنّه قد ورد فی أخبار أخر أنّ الشیعة من شایع علیّا فی أعماله، و أنّ الإیمان مركّب من القول و العمل، لكنّ الأخبار الكثیرة دلّت علی أنّ الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار، و فی هذا التبهیم حكم لا یخفی بعضها علی أولی الأبصار، و سیأتی تمام القول فی ذلك، و الأخبار الدالّة علی تلك الأقسام و أحكامهم و أحوالهم و صفاتهم فی كتاب الإیمان و الكفر.

قال العلّامة رحمه اللّٰه فی شرحه علی التجرید: أجمع المسلمون كافّة علی أنّ عذاب الكافر مؤبّد لا ینقطع، و اختلفوا فی أصحاب الكبائر من المسلمین؛ فالوعیدیّة علی أنّه كذلك، و ذهبت الإمامیّة و طائفة كثیرة من المعتزلة و الأشاعرة الی أنّ عذابه منقطع، و الحقّ أنّ عقابهم منقطع لوجهین:

الأوّل: أنّه یستحقّ الثواب بإیمانه، لقوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ

ص: 34

ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ (الزلزلة: 7) و الإیمان أعظم أفعال الخیر، فإذا استحقّ العقاب بالمعصیة فإمّا أن یقدّم الثواب علی العقاب و هو باطل بالإجماع، لأنّ الثواب المستحقّ بالإیمان دائم علی ما تقدّم، أو بالعكس و هو المراد، و الجمع محال.

الثانی: یلزم أن یكون من عبد اللّٰه تعالی مدّة عمره بأنواع القربات إلیه ثمّ عصی فی آخر عمره معصیة واحدة- مع بقاء إیمانه- مخلّدا فی النار، كمن أشرك باللّٰه مدّة عمره، و ذلك محال لقبحه عند العقلاء.

ثمّ قال: المحارب لعلیّ علیه السلام كافر لقول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: «حربك یا علیّ حربی» و لا شكّ فی كفر من حارب النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم.

و أمّا مخالفوه فی الإمامة؛ فقد اختلف قول علمائنا فیهم، فمنهم من حكم بكفرهم لأنّهم دفعوا ما علم ثبوته من ضرورة، و هو النصّ الجلیّ الدالّ علی إمامته مع تواتره.

و ذهب آخرون الی أنّهم فسقة و هو الأقوی.

ثمّ اختلف هؤلاء علی أقوال ثلاثة:

أحدها: أنّهم مخلّدون فی النار لعدم استحقاقهم الجنّة.

الثانی: قال بعضهم: إنّهم یخرجون من النار الی الجنّة.

الثالث: ما ارتضاه ابن نوبخت و جماعة من علمائنا أنّهم یخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود، و لا یدخلون الجنّة لعدم الإیمان المقتضی لاستحقاق الثواب. انتهی.

و قال رحمه اللّٰه فی شرح الیاقوت: أمّا دافعو النصّ فقد ذهب أكثر أصحابنا الی تكفیرهم، و من أصحابنا من یحكم بفسقهم خاصّة، ثمّ اختلف أصحابنا فی أحكامهم فی الآخرة، فالأكثر قالوا بتخلیدهم، و فیهم من قال بعدم الخلود، و ذلك إمّا بأن ینقلوا الی الجنّة- و هو قول شاذّ عنده-، أولا إلیهما و استحسنه المصنّف. انتهی.

ص: 35

أقول: القول بعدم خلودهم فی النار نشأ من عدم تتبّعهم للأخبار، و الأحادیث الدالّة علی خلودهم متواترة أو قریبة منها، نعم الاحتمالان الأخیران آتیان فی المستضعفین منهم كما ستعرف.

و القول بخروج غیر المستضعفین من النار قول مجهول القائل، نشأ بین المتأخّرین الذین لا معرفة لهم بالأخبار و لا بأقوال القدماء الأخیار.

ثمّ استشهد العلّامة المجلسی بكلام شیخنا الصدوق طاب ثراه فی اعتقاداته سالف الذكر، و كلام الشیخ المفید فی كتاب المسائل، ثمّ قال:

و قال المحقّق الطوسیّ- روّح اللّٰه روحه القدّوسی- فی قواعد العقائد: أصول الإیمان عند الشیعة ثلاثة: التصدیق بوحدانیّة اللّٰه تعالی فی ذاته، و العدل فی أفعاله، و التصدیق بنبوّة الأنبیاء علیهم السلام، و التصدیق بإمامة الأئمّة المعصومین من بعد الأنبیاء.

و قال أهل السنّة: الإیمان هو التصدیق باللّٰه تعالی و بكون النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم صادقا، و التصدیق بالأحكام التی نعلم یقینا أنّه علیه السلام حكم بها دون ما فیه اختلاف أو اشتباه. و الكفر یقابل الإیمان، و الذنب یقابل العمل الصالح و ینقسم الی كبائر و صغائر، و یستحقّ المؤمن بالإجماع الخلود فی الجنّة، و یستحقّ الكافر الخلود فی العقاب.

و قال الشهید الثانی رفع اللّٰه درجته فی رسالة حقائق الإیمان عند تحقیق معنی الإیمان و الإسلام: البحث الثانی فی جواب إلزام یرد علی القائلین من الإمامیّة بعموم الإسلام مع القول بأنّ الكفر عدم الإیمان عمّا من شأنه أن یكون مؤمنا.

أمّا الإلزام فإنّهم حكموا بإسلام من أقرّ بالشهادتین فقط غیر عابث دون إیمانه، سواء علم منه عدم التصدیق بإمامة الأئمّة علیهم السلام أم لا إلّا من خرج بدلیل خارج كالنواصب و الخوارج، فالظاهر أنّ هذا الحكم مناف للحكم بأنّ الكفر عدم الإیمان عمّا من شأنه أن یكون مؤمنا. و أیضا قد عرفت ممّا تقدّم أنّ التصدیق بإمامة الأئمّة علیهم السلام من أصول الإیمان عند الطائفة من

ص: 36

الإمامیّة كما هو معلوم من مذهبهم ضرورة، و صرّح بنقله المحقّق الطوسیّ رحمه اللّٰه عنهم فیما تقدّم، و لا ریب أنّ الشی ء یعدم بعدم أصله الذی هو جزؤه كما نحن فیه، فیلزم الحكم بكفر من لم یتحقّق له التصدیق المذكور و إن أقرّ بالشهادتین، و أنّه مناف أیضا للحكم بإسلام من لم یصدّق بإمامة الأئمّة الاثنی عشر علیهم السلام و هذا الأخیر لا خصوصیّة لوروده علی القول بعموم الإسلام، بل هو وارد علی القائلین بإسلام من لم یتحقّق له التصدیق المذكور مع قطع النظر عن كونهم قائلین بعموم الإسلام أو مساواته للإیمان.

و أمّا الجواب؛ فبالمنع من المنافاة بین الحكمین، و ذلك لأنّا نحكم بأنّ من لم یتحقّق له التصدیق المذكور كافر فی نفس الأمر، و الحكم بإسلامه إنّما هو فی الظاهر، فموضوع الحكمین مختلف فلا منافاة.

ثمّ قال: المراد بالحكم بإسلامه ظاهرا صحّة ترتّب كثیر من الأحكام الشرعیّة علی ذلك، و الحاصل أنّ الشارع جعل الإقرار بالشهادتین علامة علی صحّة إجراء أكثر الأحكام الشرعیّة علی المقرّ كحلّ مناكحته و الحكم بطهارته و حقن دمه و ماله و غیر ذلك من الأحكام المذكورة فی كتب الفروع، و كأنّ الحكمة فی ذلك هو التخفیف عن المؤمنین لمسیس الحاجة الی مخالطتهم فی أكثر الأزمنة و الأمكنة، و استمالة الكافر الی الإسلام، فإنّه إذا اكتفی فی إجراء أحكام المسلمین علیه ظاهرا بمجرّد إقراره الظاهری ازداد ثباته و رغبته فی الإسلام، ثمّ یترقّی فی ذلك الی أن یتحقّق له الإسلام باطنا أیضا.

و اعلم أنّ جمعا من علماء الإمامیّة حكموا بكفر أهل الخلاف، و الأكثر علی الحكم بإسلامهم، فإن أرادوا بذلك كونهم كافرین فی نفس الأمر لا فی الظاهر فالظاهر أنّ النزاع لفظیّ، إذ القائلون بإسلامهم یریدون ما ذكرناه من الحكم بصحّة جریان أكثر أحكام المسلمین علیهم فی الظاهر، لا أنّهم مسلمون فی نفس الأمر، و لذا نقلوا الإجماع علی دخولهم النار، و إن أرادوا بذلك كونهم كافرین ظاهرا و باطنا فهو ممنوع و لا دلیل علیه، بل الدلیل قائم علی إسلامهم

ص: 37

ظاهرا لقوله صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: أمرت أن أقاتل الناس حتّی یقولوا لا إله إلّا اللّٰه، انتهی كلامه رفع مقامه.

و قال الشیخ الطوسیّ نوّر اللّٰه ضریحه فی تلخیص الشافی: (4/ 131) و ما بعدها و هو نقل بالمضمون عندنا أنّ من حارب أمیر المؤمنین كافر، و الدلیل علی ذلك إجماع الفرقة المحقّة الإمامیّة علی ذلك، و إجماعهم حجّة، و أیضا فنحن نعلم أنّ من حاربه كان منكرا لإمامته و دافعا لها، و دفع الإمامة كفر كما أنّ دفع النبوّة كفر، لأنّ الجهل بهما علی حدّ واحد .. ثمّ استدلّ رحمه اللّٰه بأخبار كثیرة علی ذلك.

فإذا عرفت ما ذكره القدماء و المتأخّرون من أساطین العلماء و الإمامیّة و محقّقیهم عرفت ضعف القول بخروجهم من النار، و الأخبار الواردة فی ذلك أكثر من أن یمكن جمعه فی باب أو كتاب، و إذا كانوا فی الدنیا و الآخرة فی حكم المسلمین فأیّ فرق بینهم و بین فسّاق الشیعة؟! و أیّ فائدة فیما أجمع علیه الفرقة المحقّة من كون الإمامة من أصول الدین ردّا علی المخالفین القائلین بأنّه من فروعه؟! و قد روت العامّة و الخاصّة متواترا: من مات و لم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیّة، و قد أوردت أخبارا كثیرة فی أبواب الآیات النازلة فیهم علیهم السلام أنّهم فسّروا الشرك و الكفر فی الآیات بترك الولایة. و قد وردت أخبار متواترة أنّه لا یقبل عمل من الأعمال إلّا بالولایة.

و قال الصدوق رحمه اللّٰه: الإسلام هو الإقرار بالشهادتین و هو الذی به تحقن الدماء و الأموال، و الثواب علی الإیمان، و قد ورد فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام: من أصبح من هذه الأمّة لا إمام له من اللّٰه عزّ و جلّ ظاهر عادل أصبح ضالا تائها، و إنّ من مات علی هذه الحالة مات میتة كفر و نفاق.

و اعلم أنّ أئمّة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دین اللّٰه قد ضلّوا و أضلّوا، فأعمالهم التی یعملونها كرماد اشتدّت به الریح فی یوم عاصف لا یقدرون ممّا كسبوا علی شی ء ذلك هو الضلال البعید.

ص: 38

و عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام فی قوله تعالی: وَ الَّذِینَ كَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ الآیة (البقرة: 257)، قال علیه السلام: إنّما عنی بذلك أنّهم كانوا علی نور الإسلام، فلمّا أن تولّوا كلّ إمام جائر لیس من اللّٰه خرجوا بولایتهم إیّاه من نور الإسلام الی ظلمات الكفر، فأوجب اللّٰه لهم النار مع الكفّار، فأولئك أصحاب النار هم فیها خالدون.

و قد ورد فی الناصب ما ورد فی خلوده فی النار، و

قد روی بأسانید كثیرة عنهم علیهم السلام: لو أنّ كلّ ملك خلقه اللّٰه عزّ و جلّ، و كلّ نبیّ بعثه اللّٰه، و كلّ صدّیق، و كلّ شهید شفعوا فی ناصب لنا أهل البیت أن یخرجه اللّٰه عزّ و جلّ من النار ما أخرجه اللّٰه أبدا ...

و قد روی بأسانید معتبرة عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام أنّه قال: لیس الناصب من نصب لنا أهل البیت، لأنّك لا تجد رجلا یقول: أنا أبغض محمّدا و آل محمّد، و لكنّ الناصب من نصب لكم و هو یعلم أنّكم تتولّونا و تتبرّءون من عدوّنا و أنّكم من شیعتنا.

و یظهر من بعض الأخبار بل من كثیر منها أنّهم فی الدنیا أیضا فی حكم الكفّار، لكن لمّا علم اللّٰه أنّ أئمّة الجور و أتباعهم یستولون علی الشیعة و هم یبتلون بمعاشرتهم، و لا یمكنهم الاجتناب عنهم و ترك معاشرتهم و مخالطتهم و مناكحتهم أجری اللّٰه علیهم حكم الإسلام توسعة، فإذا ظهر القائم علیه السلام یجری علیهم حكم سائر الكفّار فی جمیع الأمور و فی الآخرة یدخلون النار ماكثین فیها أبدا مع الكفّار، و به یجمع بین الأخبار كما أشار إلیه المفید و الشهید الثانی قدّس اللّٰه روحهما.

و أیضا یمكن أن یقال: لمّا كان فی تلك الأزمنة علیهم شبهة فی الجملة یجری علیهم فی الدنیا حكم الإسلام، فإذا ظهر فی زمانه علیه السلام الحقّ الصریح بالبیّنات و المعجزات و لم تبق لهم شبهة و أنكروه التحقوا بسائر الكفّار.

ثمّ قال قدّس سرّه: و أخبار هذا المطلب متفرّقة فی أبواب هذا الكتاب، و أرجو من اللّٰه أن یوفّقنی لتألیف كتاب مفرد فی ذلك إن شاء اللّٰه تعالی، و بعض

ص: 39

الأخبار المشعرة بخلاف ما ذكرنا محمول علی المستضعفین كما عرفت.

و قال شارح المقاصد: اختلف أهل الإسلام فیمن ارتكب الكبیرة من المؤمنین و مات قبل التوبة، فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو و لا بالعقاب، بل كلاهما فی مشیّة اللّٰه تعالی، لكن علی تقدیر التعذیب نقطع بأنّه لا یخلّد فی النار بل یخرج البتّة، لا بطریق الوجوب علی اللّٰه تعالی بل بمقتضی ما سبق من الوعد و ثبت بالدلیل كتخلید أهل الجنّة، و عند المعتزلة القطع بالعذاب الدائم من غیر عفو و لا إخراج من النار، و ما وقع فی كلام البعض من أنّ صاحب الكبیرة عند المعتزلة لیس فی الجنّة و لا فی النار فغلط نشأ من قولهم: إنّ له المنزلة بین المنزلتین، أی حالة غیر الإیمان و الكفر، و أمّا ما ذهب إلیه مقاتل بن سلیمان و بعض المرجئة من أنّ عصاة المؤمنین لا یعذّبون أصلا و إنّما النار للكفّار تمسّكا بالآیات الدالّة علی اختصاص العذاب بالكفّار مثل: قَدْ أُوحِیَ إِلَیْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلی مَنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّی (طه: 48) إِنَّ الْخِزْیَ الْیَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَی الْكافِرِینَ (النحل: 27)، فجوابه تخصیص ذلك العذاب بما یكون علی سبیل الخلود، و أمّا تمسّكهم بمثل

قوله علیه السلام: «من قال: لا إله إلّا اللّٰه دخل الجنّة و إن زنی و إن سرق»

فضعیف، لأنّه إنّما ینفی الخلود لا الدخول.

لنا وجوه:

الأوّل: و هو العمدة؛ الآیات و الأحادیث الدالّة علی أنّ المؤمنین یدخلون الجنّة البتّة و لیس ذلك قبل دخول النار وفاقا، فتعیّن أن یكون بعده، و هو مسألة انقطاع العذاب، أو بدونه و هو مسألة العفو التامّ، قال اللّٰه تعالی:

فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ (الزلزال: 7) وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ (المؤمن: 40)، و قال النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم «من قال: لا إله إلّا اللّٰه دخل الجنّة»، و قال: «من مات لا یشرك باللّٰه شیئا دخل الجنّة و إن زنی و إن سرق».

ص: 40

الثانی: النصوص المشعرة بالخروج من النار؛ كقوله تعالی: النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِینَ فِیها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ (الأنعام: 128) فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ (آل عمران: 185)، و

كقول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: «یخرج من النار قوم بعد ما امتحشوا و صاروا فحما و حمما، فینبتون كما ینبت الحبّة فی حمیل السیل»

، و خبر الواحد و إن لم یكن حجّة فی الأصول لكن یفید التأیید و التأكید بتعاضد النصوص.

الثالث: و هو علی قاعدة الاعتزال؛ أنّ من واظب علی الإیمان و العمل الصالح مائة سنة و صدر عنه فی أثناء ذلك أو بعده جریمة واحدة- كشرب جرعة من الخمر- فلا یحسن من الحكیم أن یعذّبه علی ذلك أبد الآباد، و لو لم یكن هذا ظلما فلا ظلم، أو لم یستحقّ بهذا ذمّا فلا ذمّ.

الرابع: أنّ المعصیة متناهیة زمانا- و هو ظاهر- و قدرا لما یوجد من معصیة أشدّ منها، فجزاؤها یجب أن یكون متناهیا تحقیقا لقاعدة العدل، بخلاف الكفر فإنّه لا بتناهی قدرا و إن تناهی زمانه.

ثمّ سرد ما احتجّت المعتزلة به من وجوه و أجاب عنها:

ثم قال فی بحث آخر: لا خلاف فی أنّ من آمن بعد الكفر و المعاصی فهو من أهل الجنّة بمنزلة من لا معصیة له، و من كفر- نعوذ باللّٰه- بعد الإیمان و العمل الصالح فهو من أهل النار بمنزلة من لا حسنة له، و إنّما الكلام فیمن آمن و عمل صالحا و آخر سیّئا و استمرّ علی الطاعات و الكبائر كما یشاهد من الناس فعندنا مآله الی الجنّة و لو بعد النار، و استحقاقه للثواب و العقاب بمقتضی الوعد و الوعید ثابت من غیر حبوط، و المشهور من مذهب المعتزلة أنّه من أهل الخلود فی النار إذا مات قبل التوبة، فأشكل علیهم الأمر فی إیمانه و طاعاته و ما یثبت من استحقاقاته أین طارت؟ و كیف زالت؟ فقالوا بحبوط الطاعات و مالوا الی أنّ السیّئات یذهبن الحسنات، حتی ذهب الجمهور منهم الی أنّ الكبیرة الواحدة تحبط ثواب جمیع العبادات، و فساده ظاهر، أمّا سمعا فللنصوص

ص: 41

الدالّة علی أنّ اللّٰه تعالی لا یضیع أجر من أحسن عملا و عمل صالحا، و أمّا عقلا فللقطع بأنّه لا یحسن من الحكیم الكریم إبطال ثواب إیمان العبد و مواظبته علی الطاعات طول العمر بتناول لقمة من الربا، أو جرعة من الخمر .. الی آخر ما قال.

ثم قال العلّامة المجلسی: 8/ 374 بعد كلّ هذا:

أقول: قد سبق القول فی ذلك فی باب الحبط و التكفیر (أبواب المعاد:

5/ 331 و 71/ 197 و 6/ 236 و 23/ 76، 354) و لا أظنّك یخفی علیك ما مهّدناه أوّلا بعد الإحاطة بما أوردناه من الآیات و الأخبار، و سیأتی عمدة الأخبار المتعلّقة بتلك المباحث فی كتاب الإیمان و الكفر 72/ 131 و 39/ 311- 330 و 24/ 1- 187.

و خاتمة القول و ختمه ما ذكره شیخ مشایخنا المرتضی الأنصاری فی مكاسبه: 41- 42 (طبعة تبریز) قال: إنّ ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغیبة بالمؤمن، فیجوز اغتیاب المخالف كما یجوز لعنه. و توهّم عموم الآیة- كبعض الروایات- لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جریان أحكام الإسلام علیهم إلّا قلیلا ممّا یتوقّف استقامة نظم معاش المؤمنین علیه، مثل عدم انفعال ما یلاقیهم بالرطوبة، و حلّ ذبائحهم، و مناكحهم، و حرمة دمائهم- لحكمة دفع الفتنة- و نسائهم، لأنّ لكلّ قوم نكاحا .. و نحو ذلك، مع أنّ التمثیل المذكور فی الآیة مختص بمن ثبتت أخوّته فلا یعمّ من وجب التبرّی منه ..

حبّ علیّ بن أبی طالب صلوات اللّٰه علیه إیمان و بغضه كفر و نفاق

هذا؛ و لا شكّ أنّ حبّ علیّ بن أبی طالب صلوات اللّٰه علیه إیمان و بغضه كفر و نفاق، و أنّ ولایته ولایة اللّٰه و رسوله، و عداوته عداوتهما، و أنّ ولایته علیه السلام حصن من عذاب الجبّار، بل لو اجتمع الناس علی حبّه ما

ص: 42

خلق اللّٰه النار، و غیر ذلك ممّا وردت فیه روایات مستفیضة، بل فی بعض الموارد متواترة، و عدّ منها فی بحار الأنوار: 39/ 246- 310 (123 روایة) و هی غیض من فیض، كما أنّ أخبار الطینة و المیثاق كثیرة جدّا؛ منها ما جاء فی الباب الثالث: طینة المؤمن و خروجه من الكافر و بالعكس (67/ 77- 129)و غیرها.

فها هو- مثلا- ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج: 10/ 227 یقول: .. لو جرّد- علیّا علیه السلام- السیف كما جرّده فی آخر الأمر لقلنا بفسق كلّ من خالفه علی الإطلاق كائنا من كان، و لكنّه رضی بالبیعة أخیرا و دخل فی الطاعة!!.

فلو أثبتنا لم بایع .. و لم لم یجرّد السیف .. و كیف دخل فی الطاعة .. و ..

و .. لكان هو معنا.

و الخطیب البغدادیّ فی تاریخه: 6/ 344 و 9/ 229 یروی بإسناده عن رسول اللّٰه (صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم) أنّه قال: من قال فی دیننا برأیه فاقتلوه.

و لا ریب أنّهم قالوا، بل أبدعوا، بل فعلوا ما فعلوا .. و هذا ما نراه فی كتابنا الحاضر بإقرارهم و تصحیح أصحابهم ..

تصحیح و تبریر عمل طائفة من الشیعة ممّن یلعن و یتبرّأ من كلّ من ظلم و جحد

و لعلّ كتابنا هذا محاولة جادّة فی طریق الوحدة لتصحیح و تبریر عمل طائفة من الشیعة ممّن یلعن و یتبرّأ من كلّ من ظلم و جحد، و لعلّنا لا نختلف فی الكبریات، و نحسب لو سلّمنا هذه الصغریات التی أوردناها من كتب القوم، لوافقونا فی عملنا، و لا أقل صحّحوا من یعمل بذلك، و لذا تری المؤلّف طاب ثراه لم یصحّح كلّ ما أورده- كما هو دیدنه فی كلّ بحاره- إلّا أنّه أعطی التبریرات و الأدلّة الكافیة لكلّ ما أورده و جاد به و أفاد؛ سواء بأدلّة عقلیّة أو طرق شرعیّة، عامیّة كانت أو شیعیّة.

و لا ریب أنّ النتیجة المنطقیّة تصبح ضروریة فی القیاسات المنطقیّة بعد

ص: 43

تسلیم المقدّمتین.

و بعد كلّ هن و هن ... فما تراه الیوم أو تقرأه .. ما هو إلّا شقشقة هدرت- علی حدّ تعبیر سیّد الأوصیاء سلام اللّٰه علیه- و نفثة مصدوع صدرت .. كان لها أن توضح أنّه من العار- و حقّ الجبّار- أن یشغل فراغ النبیّ الأكرم و الناموس الإلهی أناس هذا شأنهم علما و عملا، مع كلّ ما لهم من شطط و زیغ ..

أ من العدل أن یسلّط علی رقاب الناس و أعراضهم و ربقة المسلمین و أموالهم فضلا عن دینهم رجال هذا مبلغهم من العلم و ذاك سیرهم العملی؟!!.

أ من الإنصاف أن تفوّض النوامیس السماویّة و الأحكام الإلهیّة و طقوس الأمّة و آدابها الی ید خلائق هذه سیرتهم و تلك سریرتهم ..؟!.

آه .. وَ رَبُّكَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَ یَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ، سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِكُونَ. وَ ما كُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ یَمْكُرُونَ، فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ .. و العاقبة لأهل التقوی و الیقین.

مجمل مسرد عملنا فی الكتاب

«1»- حیث لم نحصل علی نسخة خطیّة جیّدة للكتاب لذا استعنّا بطبعتی الكتاب:

أ- طبعة دار الضرب بطهران المعروفة ب: طبعة كمبانی، و رمزنا لها ب (ك).

و قد شرع الحاجّ محمّد حسن الأصفهانیّ الملقّب ب (كمبانی) فی طبعها سنة 1303 ه، و انتهی منها فی سنة 1315 ه.

ب: طبعة تبریز سنة 1275 ه، و قد جدّد تصویر المجلد الثامن منها بالأوفست حدود سنة 1400 ه، و رمزنا لها ب (س).

ص: 44

«2»- حاولنا ذكر أهمّ الفروق بین الطبعتین و غالب الاختلافات بین المتن و المصادر.

«3»- عزّزنا روایات الخاصّة بمصادر من العامّة قدر الإمكان.

«4»- لم نغیّر من نصّ الكتاب كلمة واحدة لا حذفا و لا تصحیفا إلّا مع الإشارة مع مراعاة ذكر الاختلافات فی التعلیقة، مع ما هناك من ملاحظات كثیرة و تحریفات و إسقاط فی المجلدات 28 و 32 و 33 و 34.

«5»- عزّزنا بیانات المصنّف بمصادر لغویّة أو كتب أمثال أو أمكنة، و ذكرنا ما رأیناه من الوجوه و المعانی المناسبة فی الحاشیة.

«6»- استدركنا علی المصنّف طاب ثراه كثیرا من الطعون علی الخلفاء الثلاثة بمصادرها العامیّة، بعد أن قوّینا المتن بما رأیناه مناسبا، مع المحاولة- قدر الإمكان- من عدم الابتعاد عن صلب الموضوع.

«7»- ذیّلنا الكتاب باستدراك ما ورد فی الخلفاء الثلاثة و من تبعهم خلال هذه الموسوعة ممّا لم یتعرّض له المصنّف طاب ثراه فی هذا المجلد غالبا، بعد أن سردنا لك جملة من الأبواب التی یجدر ملاحظتها فی المقدّمة.

«8»- قد نضع رمز التصلیة (ص) أو التسلیم (ع) حیث لم نجده فی المتن و یقتضیه المقام، و قد نرمز عند ما نجده فی الأصل مفتوحا، و لا نری له معنی مناسبا.

«9»- ترقیم الأبواب مشوّش جدّا، و لم نجده فی الخطیّة و طبعة (ك) و جاء فی حاشیة (س) و لم ترقّم بعض الأبواب و قد رقّمناها، و أشرنا إلی ذلك فی الحاشیة.

«10»- لظروفنا الخاصّة ترك تحقیق الكتاب أكثر من مرّة، و ضاعت بعض مسوّداته و ملاحظاتنا علیه؛ لذا قد یلاحظ بعض الاضطراب فیه، المرجوّ إرشادنا إلیه أو غضّ النظر عنه.

ص: 45

الرجاء من القراء الكرام

و لنا- فی النهایة- رجاء أكید، و منّا دعوة جادّة الی عدم الحكم المسبق علی موضوع الكتاب و إخراجه و تحقیقه و .. إلّا بعد سبره بشكل كامل من دون الأخذ ببعضه دون الآخر، إذ لنا فیه مشرب خاصّ، و لذكر جملة من التعلیقات سبب معیّن، قد یعرف خلال جرد الكتاب و الدقّة فیه.

و ها أنا ذا الیوم- بعد هن وهن- إذ سنحت لی الفرصة، و حالفنی الحظ أن أقدّم هذا القسم المبتور من ذاك الجسد الطاهر، الذی یعدّ- بحقّ- قلب الكتاب و هدفه و جوهره و لبّه .. مستعینا باللّٰه العظیم، و متوكّلا علی الربّ الرحیم، محتسبا عملی إلیه، راجیا عفوه و رضوانه، طالبا رضاه و غفرانه ..

جاعلا ظلامة ساداتی و موالیّ أهل بیت العصمة و الكرامة صلوات اللّٰه علیهم أجمعین ذریعتی له و وسیلتی إلیه .. سائلا إیّاه سبحانه و تعالی أن یتقبّل عملی خالصا لوجهه الكریم، و أن یجعل عملی هذا ضیاء لی فی ظلمات القبر، و نورا فی عرصات القیامة، لی و لمن آزرنی و أعاننی علیه خاصّة أخی و عضدی و ذخری شیخی أبی محمّد حفظه اللّٰه، و سیّدی و سندی أبی الحسن سلّمه اللّٰه و یكون من مخاوف الفزع الأكبر لنا أمنا و سرورا، و فی یوم الحساب كرامة و حبورا لنا و لوالدینا و أهلینا و أساتذتنا و إخواننا و كلّ من أعاننی فیه مقابلة و تحقیقا و طباعة و تصحیحا و إخراجا و نشرا ..

فإنّه المرجوّ لكلّ فضل و رحمة، و ولیّ كلّ مسغبة و نعمة، و صاحب كلّ حسنة و كرامة.

و الحمد للّٰه أوّلا و آخرا، و صلّی اللّٰه علی محمّد و أهل بیته الغرّ المیامین النجباء الأكرمین من الآن الی قیام یوم الدین .. آمین ربّ العالمین.

عبد الزهراء العلوی

1412 ه

ص: 46

عن جابر، عن أبی جعفر علیه السّلام، قال: من لم یعرف سوء ما أتی إلینا من ظلمنا، و ذهاب حقّنا، و ما ركبنا (نكبنا) به، فهو شریك من أتی إلینا فیما ولینا به.

ثواب الأعمال: 200

و بحار الأنوار: 27/ 55 حدیث 11

ص: 47

ص: 48

تتمة كتاب الفتن و المحن

اشارة

بِحَارُالاَنوَار الجَامِعَةُ لِدُرَرِ اَخبَارِ الاَئِمَّةِ الاَطهَارِ

تألیف العَلَم العَلَّامَة الحُجَّة فَخر الامَّة المَولَی الشَیخ مُحَمَّد بَاقِر المَجلِسی «قدّس اللّٰه سرّه»

الجزء التاسع و العشرون

ص: 2

5 باب احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی أبی بكر و غیره فی أمر البیعة

(1)

«1»-ل (2): الْقَطَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ الْخَثْعَمِیِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ (3) الْوَرَّاقِ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ- عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِی بَكْرٍ- وَ بَیْعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَ فِعْلِهِمْ بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ- مَا كَانَ، لَمْ یَزَلْ أَبُو بَكْرٍ یُظْهِرُ لَهُ الِانْبِسَاطَ وَ یَرَی مِنْهُ انْقِبَاضاً، فَكَبُرَ

ص: 3


1- الأبواب لم ترقم فی المتن، و جاء فی حاشیة (س): الباب الخامس، و كذا بقیّة الأبواب جاء ترقیمها فی حاشیة (س).
2- الخصال: 548- 553 حدیث 30 باختلاف أشرنا إلی غالبه. ولا یخفی أن شیخنا المؤلف العلامة المجلسی قدّس سرّه ذكر فی أول بحاره بناءه علی اختزال واختصار بعض الأسانید ، أو تقطیع بعض المتون ، من دون مساس بجوهر المعنی أو حاق الموضوع ، فتدبّر.
3- فی المصدر: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد الحسینیّ، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن حفص الخثعمیّ، قال: حدّثنا الحسن بن عبد الواحد، قال:حدثنا أحمد بن التغلبی ، قال : حدثنی أحمد بن عبد الحمید ، قال : حدثنی حفص بن منصور العطار ، قال : حدثنا أبو سعید ...

ذَلِكَ عَلَی أَبِی بَكْرٍ، فَأَحَبَّ لِقَاءَهُ وَ اسْتِخْرَاجَ مَا عِنْدَهُ، وَ الْمَعْذِرَةَ إِلَیْهِ مِمَّا (1) اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَیْهِ، وَ تَقْلِیدِهِمْ إِیَّاهُ أَمْرَ الْأُمَّةِ وَ قِلَّةِ رَغْبَتِهِ فِی ذَلِكَ وَ زُهْدِهِ فِیهِ.

أَتَاهُ فِی وَقْتِ غَفْلَةٍ وَ طَلَبَ مِنْهُ الْخَلْوَةَ، وَ قَالَ لَهُ: وَ اللَّهِ یَا أَبَا الْحَسَنِ مَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مُوَاطَاةً مِنِّی، وَ لَا رَغْبَةً فِیمَا وَقَعْتُ فِیهِ، وَ لَا حِرْصاً عَلَیْهِ، وَ لَا ثِقَةً بِنَفْسِی فِیمَا تَحْتَاجُ (2) إِلَیْهِ الْأُمَّةُ، وَ لَا قُوَّةً لِی بِمَالٍ (3)، وَ لَا كَثْرَةِ الْعَشِیرَةِ، وَ لَا اسْتِئْثَارٍ بِهِ (4) دُونَ غَیْرِی، فَمَا لَكَ تُضْمِرُ عَلَیَّ مَا لَمْ أَسْتَحِقَّهُ مِنْكَ، وَ تُظْهِرُ لِیَ الْكَرَاهَةَ فِیمَا صِرْتُ إِلَیْهِ، وَ تَنْظُرُ إِلَیَّ بِعَیْنِ السَّآمَةِ مِنِّی؟! قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَیْهِ إِذْ (5) لَمْ تَرْغَبْ فِیهِ، وَ لَا حَرَصْتَ عَلَیْهِ، وَ لَا وَثِقْتَ بِنَفْسِكَ فِی الْقِیَامِ بِهِ وَ بِمَا یَحْتَاجُ (6) مِنْكَ فِیهِ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدِیثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ-: إِنَّ اللَّهَ لَا یَجْمَعُ أُمَّتِی عَلَی ضَلَالٍ (7)، وَ لَمَّا رَأَیْتُ اجْتِمَاعَهُمْ اتَّبَعْتُ حَدِیثَ النَّبِیِّ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ أَحَلْتُ أَنْ یَكُونَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَی خِلَافِ الْهُدَی، فَأَعْطَیْتُهُمْ (8) قَوَدَ الْإِجَابَةِ، وَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً یَتَخَلَّفُ لَامْتَنَعْتُ! قَالَ: فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ حَدِیثِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَنَّ اللَّهَ لَا یَجْمَعُ أُمَّتِی عَلَی ضَلَالٍ، أَ فَكُنْتُ مِنَ الْأُمَّةِ أَوْ لَمْ أَكُنْ؟! قَالَ: بَلَی.

قَالَ: وَ كَذَلِكَ الْعِصَابَةُ الْمُمْتَنِعَةُ عَلَیْكَ مِنْ سَلْمَانَ وَ عَمَّارٍ وَ أَبِی ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادِ

ص: 4


1- فی المصدر: لمّا.
2- خ. ل: یحتاج.
3- فی المصدر: لمال.
4- خ. ل: و لا ابتزاز له، كذا فی (ك) و المصدر.
5- فی المصدر: إذا.
6- خ. ل: تحتاج.
7- جاء بطرق متعدّدة و مضامین مختلفة، أدرجها و مصادرها شیخنا الأمینیّ فی الغدیر 10- 349. وستأتی بعض مصادره قریبا.
8- فی المصدر: و أعطیتهم.

وَ ابْنِ عُبَادَةَ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ؟

قَالَ: كُلٌّ مِنَ الْأُمَّةِ.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَكَیْفَ تَحْتَجُّ بِحَدِیثِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ قَدْ تَخَلَّفُوا عَنْكَ، وَ لَیْسَ لِلْأُمَّةِ فِیهِمْ طَعْنٌ، وَ لَا فِی صُحْبَةِ الرَّسُولِ وَ نَصِیحَتِهِ مِنْهُمْ تَقْصِیرٌ؟! قَالَ: مَا عَلِمْتُ بِتَخَلُّفِهِمْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِ الْأَمْرِ، وَ خِفْتُ إِنْ دَفَعْتُ عَنِّی الْأَمْرَ أَنْ یَتَفَاقَمَ (1) إِلَی أَنْ یَرْجِعَ النَّاسُ مُرْتَدِّینَ عَنِ الدِّینِ، وَ كَانَ مُمَارَسَتُكُمْ إِلَی أَنْ أَجَبْتُمْ أَهْوَنَ مَؤُنَةً عَلَی الدِّینِ وَ أَبْقَی لَهُ مِنْ ضَرْبِ النَّاسِ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فَیَرْجِعُوا كُفَّاراً، وَ عَلِمْتُ أَنَّكَ لَسْتَ بِدُونِی فِی الْإِبْقَاءِ عَلَیْهِمْ وَ عَلَی أَدْیَانِهِمْ!.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَجَلْ، وَ لَكِنْ أَخْبِرْنِی عَنِ الَّذِی یَسْتَحِقُّ هَذَا الْأَمْرَ، بِمَا یَسْتَحِقُّهُ؟

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِالنَّصِیحَةِ، وَ الْوَفَاءِ، وَ دَفْعِ الْمُدَاهَنَةِ (2)، وَ الْمُحَابَاةِ (3)، وَ حُسْنِ السِّیرَةِ، وَ إِظْهَارِ الْعَدْلِ، وَ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ فَصْلِ الْخِطَابِ، مَعَ الزُّهْدِ فِی الدُّنْیَا وَ قِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِیهَا، وَ إِنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ لِلْقَرِیبِ (4) وَ الْبَعِیدِ .. ثُمَّ سَكَتَ.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ السَّابِقَةِ وَ الْقَرَابَةِ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَ السَّابِقَةِ وَ الْقَرَابَةِ.

قَالَ (5): فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ (6) یَا أَبَا بَكْرٍ أَ فِی نَفْسِكَ تَجِدُ

ص: 5


1- فی المصدر: یعظم. قال فی القاموس ٤ _ ١٦٠ : فقم الأمر : لم یجر علی استواء وعظم كفقم وتفاقم.
2- قال فی القاموس 4- 224: المداهنة: إظهار خلاف ما یضمر.
3- قال فی القاموس 4- 315: حاباه محاباة و حباء: نصره و اختصّه و مال إلیه. وعلیه تكون معطوفة علی النصیحة.
4- فی المصدر: القریب.
5- من قوله: فقال علیّ علیه السّلام: و السّابقة .. إلی قوله: قال لا یوجد فی المصدر المطبوع.
6- هذا هو الحدیث المعروف بحدیث المناشدة، و قد ورد بألفاظ مختلفة فی مواطن كثیرة فی كتب الفریقین عن أكثر المعصومین سلام اللّٰه علیهم و عن جملة من الصّحابة و التّابعین. ومن الموارد مناشدته علیه السلام یوم الشوری ذكرها الخوارزمی فی المناقب : ٢٠٧ عن عدة من الرواة والحموینی فی فرائد المسطین وغیرهما. قال ابن أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغة ٢ _ ٦١ : .. نحن نذكر فی هذا الموضع ما استفاض فی الروایات من مناشدة أصحاب الشوری وتعدیده فضائله وخصائصه التی بان بها عنهم وعن غیرهم ، قد روی الناس ذلك فأكثروا .. إلی آخره. وانظر مناشدته علیه السلام أیام عثمان بن عفان ویوم الرحبة وغیرها من المواطن ، جاء فی الإصابة ٢ _ ٤٠٨ و ٤ _ ٨٠ ، وشرح النهج لابن أبی الحدید ١ _ ٣٦٢ ، والنسائی فی الخصائص : ٢٢ ، وغیرهم. وانظر : الغدیر ١ _ ١٥٩ و ١٦٣ و ٢١٣ ، وإحقاق الحق ٤ _ ٢٠٦ ، ٥ _ ٢٤ _ ٥٠ ، ٦ _ ٣٠٥ ٣٤٠ و ٤٧٣ ، ١٥ _ ٢٦٣ و ٦٧٩ _ ٦٨٧ ، ٢١ _ ٩٤ _ ١٢١.

هَذِهِ الْخِصَالَ، أَوْ فِیَّ؟! قَالَ أَبُو بَكْرٍ (1): بَلْ فِیكَ یَا أَبَا الْحَسَنِ.

قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا الْمُجِیبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَبْلَ ذُكْرَانِ الْمُسْلِمِینَ، أَمْ أَنْتَ (2)؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا الْأَذَانُ (3) لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ وَ لِجَمِیعِ الْأُمَّةِ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ، أَمْ أَنْتَ (4)؟!

ص: 6


1- لا یوجد فی المصدر: أبو بكر.
2- ذكر هذا المضمون القندوزیّ الحنفیّ فی ینابیع المودّة: 482 فی احتجاج الإمام السّبط علیه السّلام، و جاء فی كتاب محمّد بن أبی بكر إلی معاویة كما فی مروج الذّهب 2- 59، و كتاب صفّین: ١٣٢ ، وشرح ابن أبی الحدید ١ _ ٢٨٣ ، وجمهرة الرسائل ١ _ ٥٤٢ ، كما ذكره العلامة الأمینی فی الغدیر ١ _ ١٩٨ ، ١٠ _ ١٥٨ ، فراجع.
3- قال فی القاموس 4- 195: الأذان و الأذین و التّأذین: النّداء إلی الصّلاة ..، و الأذین كأمیر المؤذّن. أقول: : یحتمل أن یكون الأذان بمعنی المؤذن كالأذین ، ویحتمل كونه مصدرا بمعنی الفاعل.
4- حدیث بعث أمیر المؤمنین علیه السّلام بسورة البراءة حدیث متضافر إن لم نقل بأنّه متواتر عن العامّة و الخاصّة، نذكر جملة من مصادره مستقلّا أو ضمن حدیث: منها: ما جاء فی مسند أحمد بن حنبل 1- 331 عن ابن عبّاس، مستدرك الحاكم 3- 132 و قال: هذا حدیث صحیح الإسناد، مناقب الخوارزمیّ: 75، الطّبریّ فی الرّیاض 2- 203، ذخائر العقبی: 87، البدایة و النّهایة 7- 337، مجمع الزّوائد: 9- 108، الكفایة للكنجی: ١١٥ ، الإصابة ٢ _ ٥٠٩ ، خصائص النسائی : ٨.

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا وَقَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِی یَوْمَ الْغَارِ، أَمْ أَنْتَ (1)؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ (2) بِاللَّهِ أَ لِیَ (3) الْوَلَایَةُ مِنَ اللَّهِ مَعَ وَلَایَةِ رَسُولِهِ (4) فِی آیَةِ زَكَاةِ الْخَاتَمِ، أَمْ لَكَ (5)؟

ص: 7


1- یعبّر عنه بحدیث الغار، أو حدیث الوقایة، أو حدیث الفراش، أو حدیث لیلة المبیت. وقد حكی ابن أبی الحدید فی شرحه للنهج ٣ _ ٢٧٠ عن أستاذه أبی جعفر الإسكافی أنه قال : حدیث الفراش قد ثبت بالتواتر فلا یجحده إلا مجنون أو غیر مخالط لأهل الملة. وقد روی المفسرون كلهم أن قول اللّٰه تعالی « ومن الناس من یشری » الآیة ، نزلت فی علی علیه السلام لیلة المبیت علی الفراش. وللثعلبی فی تفسیره روایة مفصلة رواها أكثر من واحد : كالغزالی فی إحیاء العلوم ٣ _ ٢٣٨ ، والكنجی فی كفایة الطالب : ١١٤ ، والصفوری فی نزهة المجالس ٢ _ ٢٠٩ ، وابن الصباغ فی الفصول المهمة : ٣٣ ، وابن الجوزی فی التذكرة : ٢١ ، والشبلنجی فی نور الأبصار : ٨٦. وانظر أیضا حدیث لیلة المبیت فی مسند أحمد : ١ _ ٣٤٨ ، وتاریخ الطبری : ٢ _ ٩٩ _ ١٠١ ، طبقات ابن سعد ١ _ ٢١٢ ، تاریخ الیعقوبی ٢ _ ٢٩ ، سیرة ابن هشام ٢ _ ٢٩١ ، العقد الفرید ٣ _ ٢٩٠ ، تاریخ بغداد ١٣ _ ١٩١ ، تاریخ ابن الأثیر ٢ _ ٤٢ ، تاریخ أبی الفداء ١ ١٢٦ ، مناقب الخوارزمی : ٧٥ ، تاریخ ابن كثیر : ٧ _ ٣٣٨ ، السیرة الحلبیة ٢ _ ٢٩ ، الإمتاع للمقریزی : ٣٩ ، وغیرهم كثیر جدا. وانظره فی الغدیر ٢ _ ٤٧ _ ٤٩ ، وغیره.
2- فی المصدر: أنشدك.
3- تقرأ إلیّ بتشدید الیاء، و أ لی، و الثّانی أظهر إن لم یكن ظاهرا.
4- فی المصدر: رسول اللّٰه.
5- جاء ذلك فی مناشدته صلوات اللّٰه علیه یوم صفّین سنة 37 ه، كما حكاه سلیم بن قیس فی كتابه، و نقله الأمینیّ فی غدیره 1- 196 و 397 و 398، 2- 52 و 58 و 59، 3- 156- 162 و غیرها عن جملة مصادر.

قَالَ: بَلْ لَكَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ (1) بِاللَّهِ أَنَا الْمَوْلَی لَكَ وَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ بِحَدِیثِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْمَ الْغَدِیرِ (2)، أَمْ أَنْتَ؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ (3) بِاللَّهِ أَ لِیَ (4) الْوِزَارَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ الْمَثَلُ مِنْ هَارُونَ وَ مُوسَی (5)، أَمْ لَكَ (6)؟

قَالَ: بَلْ لَكَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَ بِی بَرَزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بِأَهْلِ بَیْتِی

ص: 8


1- فی المصدر: أنشدك.
2- انظر: كتاب الغدیر للعلّامة الأمینیّ 1- 8 و 11 و 17 و 18 و 19 و 21- 28 و 30- 34 و 36- 43 و 47 و 52- 59 و 63 و 65 و 67 و 68 و 69 76 و 80 و 85 و 90 و 92 و 114 و 118 و 122 و 126 و 129 و 137 و 138 و 140 و 142- 147 و 150 و 153 و 158 و 160 و 162 و 165 و 167 و 168 174 و 184- 193 و 196- 198 و 200- 206 و 208- 213 و 215 و 217- 223 و 231 233 و 237 و 240- 245 و 268 و 272- 277 و 279- 282 و 292 و 295 و 296 و 297 و 299 و 300- 317 و 370 و 383 و 384 و 387 و 392 و 395، 2- 245، 4- 63، 5 363، 6- 56، 10- 49، و غیرها، عن مصادر عدیدة جدّا، نحن فی غنی عن درجها.
3- فی المصدر: أنشدك.
4- تقرأ إلیّ بتشدید الیاء، و أ لی، و الثّانی أظهر إن لم یكن ظاهرا.
5- فی المصدر: و من موسی.
6- وردت أحادیث المنزلة- و یقال لها: الوزارة- فی جملة من المجامیع الحدیثیّة عند العامّة. منها ما أورده أحمد بن حنبل فی مسنده : ١ _ ٣٣١ ، والحاكم فی المستدرك : ٣ _ ١٣٢ ، والنسائی فی خصائصه : ٣٢ ، والمسعودی فی مروج الذهب : ٢ _ ٦١ ، وابن حجر فی الإصابة : ٢ _ ٥٠٩ وجملة من المصادر السالفة وذكره شیخنا الأمینی فی غدیره فی أكثر من موضع ، وعد له أكثر من مصدر انظر منها : ١ _ ٥١ ، ١٩٧ ، ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٨ ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢٦٨ ، ٢٧٥ ، ٢٩٧ ، ٣٣٨ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧. ٣ _ ١١٥ ، ١١٦ ، ١٩٨ ٢٠٠ ، ٢٠١. ٤ _ ٦٣ ، ٦٥. ٦ _ ٣٣٣ ، ٣٣٥. ٧ _ ١٧٦. ١٠ _ ٢٥٨ ، ٢٥٩ وغیرها.

وَ وُلْدِی فِی مُبَاهَلَةِ الْمُشْرِكِینَ مِنَ النَّصَارَی، أَمْ بِكَ وَ بِأَهْلِكَ وَ وُلْدِكَ (1)؟

قَالَ: بِكُمْ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَ لِی وَ لِأَهْلِی وَ وُلْدِی آیَةُ التَّطْهِیرِ مِنَ الرِّجْسِ (2)، أَمْ لَكَ وَ لِأَهْلِ بَیْتِكَ؟

قَالَ: بَلْ لَكَ وَ لِأَهْلِ بَیْتِكَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا صَاحِبُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَهْلِی وَ وُلْدِی یَوْمَ الْكِسَاءِ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِی إِلَیْكَ لَا إِلَی النَّارِ (3)، أَمْ أَنْتَ؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ وَ أَهْلُكَ وَ وُلْدُكَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا صَاحِبُ الْآیَةِ یُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ یَخافُونَ یَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیراً (4)، أَمْ أَنْتَ؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الْفَتَی الَّذِی نُودِیَ مِنَ السَّمَاءِ: لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو

ص: 9


1- ستأتی مصادر حدیث المباهلة قریبا.
2- انظر الغدیر 1- 50. قال الأمینی فی الغدیر ٥ _ ٤١٦ : وقد تسالمت الأمة الإسلامیة علی نزول آیة التطهیر فی صاحب الرسالة الخاتمة ووصیه الطاهر وابنیهما الإمامین وأمهما الصدیقة الكبری ، وأخرج الحفاظ وأئمة الحدیث فیها أحادیث صحیحة متواترة فی الصحاح والمسانید. وقد جمع العلامة البحرانی فی غایة المرام أكثر من مائة وعشرین حدیثا فی حصر أهل البیت علیهم السلام : بهم دون نساء النبی صلی اللّٰه علیه و آله ، ثلثها تقریبا من طرق العامة.
3- لاحظ مسند أحمد بن حنبل 6- 296، و مجمع الزّوائد 9- 166، و ذخائر العقبی: 22، و قد ذكر جزءا من الحدیث ابن حجر فی الصّواعق المحرقة: 221، و ستأتیك مصادر أخری، و انظر: الغدیر : ١ _ ٣٠١.
4- الإنسان: 7. وقد جاء فی العقد الفرید ٣ _ ٤٢ حدیث احتجاج المأمون علی الأربعین فقیها ، وفی أكثر من مصدر ، كما فی مناقب موفق بن أحمد فی الفصل السادس عشر ، ولاحظ الغدیر ٣ _ ١٠٧ _ ١١١.

الْفَقَارِ وَ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ (1)، أَمْ أَنَا؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی رُدَّتْ لَهُ الشَّمْسُ لِوَقْتِ صَلَاتِهِ فَصَلَّاهَا ثُمَّ تَوَارَتْ (2)، أَمْ أَنَا؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی حَبَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِرَایَتِهِ یَوْمَ خَیْبَرَ فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُ (3)، أَمْ أَنَا؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی نَفَّسْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كُرْبَتَهُ

ص: 10


1- كما أخرجه الطّبریّ فی تاریخه 3- 17، و ابن هشام فی سیرته 3- 52، و ابن أبی الحدید فی شرح النّهج 1- 9 و قال: إنّه المشهور المرویّ، و فی 2- 236 منه قال: إنّ رسول اللّٰه قال: «هذا صوت جبرئیل»، و أورده ابن أبی الحدید فی 3- 281 أیضا، و مناقب الخوارزمیّ: 104، و تذكرة سبط ابن الجوزیّ: 16. وعد له العلامة الأمینی جمعا ممن رووه فی غدیره ٢ _ ٦٠ ، فراجع.
2- حدیث ردّ الشّمس، أورده جمهرة المحدّثین و الحفّاظ بطرق متواترة، بل أفرد بالتألیف و جمعت فیه طرق و أسانید، عدّ منهم شیخنا الأمینیّ رحمه اللّٰه فی غدیره 3- 127- 140 و 393 و 411. ثلاثة وأربعین حافظا ممن أفرده بالتصنیف. وانظره شعرا فی الغدیر ٢ _ ٢٩٣ و ٣ _ ٢٩ و ٥٧.
3- هذا حدیث صحیح متواتر أخرجه أئمّة الحدیث بأسانید رجال جلّهم ثقات عندهم: كالبخاری فی صحیحه 4- 323 و 5- 269 و 370 عن سلمة بن الأكوع، و مسلم فی صحیحه 2- 324، و التّرمذیّ فی صحیحه 2- 300، و أحمد فی مسنده 1- 99 و 5- 353 و 358 و غیرها، و ابن سعد فی طبقاته 3- 158، و ابن هشام فی السّیرة 3- 386، و الطّبریّ فی تاریخه 2- 93، و النّسائیّ فی خصائصه 4- 8 و 16 و 33، و الحاكم فی مستدركه 3- 116 و 190 و قال: هذا حدیث دخل فی حدّ التّواتر ..، و غیرهم من أعلامهم. وانظر غدیر العلامة الأمینی ١ _ ٥٠ ، ٢ _ ٤١ ، ٣ _ ٢٢ ، ٤ _ ٦٣ ، ٥ _ ٣٦٣ ، ٧ _ ٢٠٠ و ٢٠٤ ، وغیرها.

وَ عَنِ الْمُسْلِمِینَ بِقَتْلِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ (1)، أَوْ (2) أَنَا؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی ائْتَمَنَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی رِسَالَتِهِ إِلَی الْجِنِّ فَأَجَابَتْ، أَمْ أَنَا؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی طَهَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنَ السِّفَاحِ مِنْ آدَمَ إِلَی أَبِیكَ بِقَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَنَا وَ أَنْتَ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ آدَمَ إِلَی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَمْ أَنَا (3)؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا الَّذِی اخْتَارَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ زَوَّجَنِی ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ قَالَ: اللَّهُ زَوَّجَكَ (4)، أَمْ أَنْتَ؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا وَالِدُ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ رَیْحَانَتَیْهِ اللَّذَیْنِ قَالَ فِیهِمَا: هَذَانِ سَیِّدَا

ص: 11


1- كما فی مستدرك الحاكم 2- 32، و كنز العمّال 6- 158، و السّیرة الحلبیة 2- 349، و ینابیع المودّة فی باب 23، و فیه عن ابن مسعود قال: لمّا برز علیّ إلی عمرو بن عبد ودّ قال النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله): برز الإیمان كلّه إلی الشّرك كلّه، فلمّا قتله قال له: أبشر یا علیّ فلو وزن عملك الیوم بعمل أمّتی لرجح عملك بعملهم. وروی أیضا عن المناقب ، عن حذیفة قال : قال النبی (صلی اللّٰه علیه و آله) : ضربة علی فی یوم الخندق أفضل من أعمال أمتی إلی یوم القیامة .. وغیر ذلك. وانظر الغدیر ٧ _ ٢٠٦ و ٢١٢ ، وغیرها.
2- فی المصدر: أم.
3- أم أنا، زیادة من المصدر.
4- كما جاء فی الغدیر 2- 317 عن جملة من مصادرهم. وما سلف من المناشدات جاءت فی مصادر أحادیث المناشدة التی سلفت قریبا ، وانظر فیها الغدیر ١ _ ١٥٩ ، وغیره.

شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (1) وَ أَبُوهُمَا خَیْرٌ مِنْهُمَا، أَمْ أَنْتَ؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَخُوكَ الْمُزَیَّنُ بِجَنَاحَیْنِ فِی الْجَنَّةِ یَطِیرُ بِهِمَا (2) مَعَ الْمَلَائِكَةِ، أَمْ أَخِی؟

قَالَ: بَلْ أَخُوكَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ ِ أَنَا ضَمِنْت دَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ نَادَیْتُ فِی الْمَوَاسِمِ (3) بِإِنْجَازِ مَوْعِدِهِ، أَمْ أَنْتَ؟! قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا الَّذِی دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِطَیْرٍ عِنْدَهُ یُرِیدُ أَكْلَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ائْتِنِی بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَیْكَ بَعْدِی (4)، أَمْ أَنْتَ؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا الَّذِی بَشَّرَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِقَتْلِ (5) النَّاكِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ عَلَی تَأْوِیلِ الْقُرْآنِ (6)، أَمْ أَنْتَ؟

ص: 12


1- إلی هنا جاء فی الصّواعق المحرقة لابن حجر: 114 مع اختلاف یسیر، و حكاه فی الغدیر 7- 125، و انظر كتاب الحسین و السّنّة للسّیّد عبد العزیز الطباطبائی. وقال فی ١٠ _ ١٢١ من الغدیر : وصح عنه صلی اللّٰه علیه و آله : « الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة » ، متفق علی صحته. وانظر : مجمع الزوائد ٩ _ ١٧٤ ، سنن ابن ماجة ١ _ ٤٤ حدیث ١١٨ ، ترجمة الإمام الحسن علیه السلام من تاریخ دمشق ٧٧ _ ٧٨ حدیث ١٣٤ و ١٣٥ ، ٨١ _ ٨٢ حدیث ١٤٠ ، وغیرها.
2- لا توجد: یطیر بهما، فی (س)، و جاءت فی المصدر: لیطیر بهما.
3- فی المصدر: الموسم، و جعل ما فی المتن نسخة بدل فی (س).
4- حدیث الطّیر المشویّ صحیح مرویّ فی الصّحاح و المسانید علی حدّ تعبیر العلّامة الأمینیّ فی الغدیر 3- 21، و انظر 4- 65، 9- 395، بل قد یعدّ متواترا معنویا. لاحظ : مناقب الخوارزمی : ٥٩ و ٦٥ ، أسد الغابة ٤ _ ٣٠ ، مستدرك الحاكم ٣ _ ١٣٠ ١٣٢ ، سنن الترمذی ٥ _ ٦٣٦ _ ٦٣٧ حدیث ٣٧٢١ ، وغیرها كثیر.
5- فی المصدر: بقتال.
6- جاءت روایاته بمضامین عدیدة، منها: ما أورده الخطیب البغدادیّ فی تاریخ بغداد 8- 340، تاریخ ابن كثیر 7- 304 و 305، الخصائص للسّیوطیّ 2- 138، مسند أحمد بن حنبل 6- 393، مجمع الزّوائد 7- 234، كنز العمّال 6- 37. وحكاه العلامة الأمینی عن أكثر علماء الجمهور ، كما فی الغدیر ١ _ ٣٣٦ _ ٣٣٨ ، ٣ _ ١٩٣ ١٩٥ ، وغیرها.

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا الَّذِی شَهِدْتُ آخِرَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ وُلِّیتُ غُسْلَهُ وَ دَفْنَهُ، أَمْ أَنْتَ؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا الَّذِی دَلَّ عَلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِعِلْمِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: «عَلِیٌّ أَقْضَاكُمْ» (1)، أَمْ أَنْتَ؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ (2) اللَّهَ (3) أَنَا الَّذِی أَمَرَ لِی (4) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَصْحَابَهُ بِالسَّلَامِ عَلَیَّ (5) بِالْإِمْرَةِ فِی حَیَاتِهِ (6)، أَمْ أَنْتَ؟

ص: 13


1- ورد فی بعض الرّوایات عن طریق العامّة عنه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: «أقضی أمّتی علیّ»، كما فی مناقب الخوارزمیّ: 50، و فتح الباری 8- 136، و بغیة الوعاة: 447، و غیرها. وفی بعضها الآخر عنه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم : أقضاكم علی ، كما فی الاستیعاب ٢ _ ٤٦١ ( بهامش الإصابة ٣ _ ٣٨ ) ، شرح ابن أبی الحدید ٢ _ ٢٣٥ ، مطالب السئول : ٢٣ ، وغیرها. وفی بعضها عنه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم : أعلمهم بالقضیة ، وفی لفظ : وأبصرهم بالقضیة ، كما فی حلیة الأولیاء ١ _ ٦٦ ، كنز العمال ٦ _ ١٥٣ ، مطالب السئول : ٣٤. وجاءت جملة روایات فی طبقات ابن سعد بإسناده عن عمر ٢ _ ٣٣٩ _ ٣٤٠. وما رواه الحنفی فی الباب ١٤ عن الخوارزمی بسنده عن أبی سعید وسلمان قالا : قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم : « إن أقضی أمتی علی بن أبی طالب » ، وغیرها.
2- خ. ل: أنشدك.
3- فی المصدر: باللّٰه.
4- لا توجد: لی، فی المصدر.
5- فی المصدر: علیه.
6- أخرجه الطّبرانیّ فی كتاب الولایة عن زید بن أرقم، و حكاه الأمینیّ فی الغدیر 1- 270 و 271 و 272 عن عدّة مصادر نحن فی غنی عن التّطویل بذكرها.

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی سَبَقَتْ لَهُ الْقَرَابَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، أَمْ أَنَا؟.

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی حَبَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِدِینَارٍ عِنْدَ حَاجَتِهِ (1)، وَ بَاعَكَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ أَضَفْتَ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَضَفْتَ (2) وُلْدَهُ أَمْ أَنَا (3)؟

قَالَ: فَبَكَی أَبُو بَكْرٍ! (وَ) (4) قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی حَمَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی كَتِفِهِ (5) فِی طَرْحِ صَنَمِ الْكَعْبَةِ وَ كَسْرِهِ حَتَّی لَوْ شَاءَ أَنْ یَنَالَ أُفُقَ السَّمَاءِ لَنَالَهَا (6)، أَمْ أَنَا؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَنْتَ صَاحِبُ لِوَائِی فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ (7)، أَمْ أَنَا؟

ص: 14


1- خ. ل: حاجته إلیه.
2- فی المصدر: و أطعمت.
3- زیادة (أم أنا) نسخة بدل.
4- زیادة من المصدر.
5- فی المصدر: كتفیه.
6- أخرجها أمّة من الحفّاظ و أئمّة الحدیث و التّاریخ، و أرسلت إرسال المسلّمات من دون غمز فی سندها. انظر من باب المثال : مسند أحمد بن حنبل ١ _ ٨٤ بإسناد صحیح ، رجاله كلهم ثقات علی مسلكهم ، الخصائص : ٣١ ، مستدرك الحاكم ٢ _ ٣٦٧ ، تاریخ بغداد ١٣ _ ٣٠٢ ، مطالب السئول : ١٢ ، وغیرها. وعد منهم شیخنا الأمینی فی غدیره ٧ _ ٩ _ ١٣ أكثر من أربعین مصدرا.
7- كما ذكره فی ذخائر العقبی: 75، و مودّة القربی: السّادسة، و فرائد السّمطین: الجزء الثّانی الباب الثّامن، فی حدیث طویل و بألفاظ متعدّدة، فراجع.

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِفَتْحِ بَابِهِ فِی مَسْجِدِهِ حِینَ أُمِرَ بِسَدِّ جَمِیعِ بَابِهِ- (أَبْوَابِ أَصْحَابِهِ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ) (1)

وَ أَحَلَّ لَهُ فِیهِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ (2)، أَمْ أَنَا؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی قَدَّمَ بَیْنَ یَدَیْ نَجْوَاهُ لِرَسُولِ اللَّهِ (3) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ صَدَقَةً فَنَاجَاهُ، أَمْ أَنَا- إِذْ عَاتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَوْماً فَقَالَ: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ (4) الْآیَةَ (5)

؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی قَالَ فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- لِفَاطِمَةَ:

ص: 15


1- لفظ: أبواب أصحابه و أهل بیته، لم یرد فی بعض النّسخ، كما و لم یرد لفظ: بابه، فی المصدر.
2- أخرج هذا الحدیث بأسانید جمّة صحاح و حسان عن جمع من الصّحابة تربو عدّتهم علی عدد ما یحصل به التّواتر. فقد جاء الحدیث فی : مسند أحمد ٤ _ ٣٦٩ ، الخصائص للنسائی : ١٣ ، مستدرك الصحیحین ٣ _ ١٢٥ ، مجمع الزوائد ٩ _ ١١٤ ، فتح الباری ٧ _ ١٢ ، وغیرها كثیر. وقد فصل الحدیث شیخنا الأمینی فی حدیث سد الأبواب فی موسوعته الغدیر ٣ _ ٢٠٢ _ ٢١٠ ، فراجع.
3- فی المصدر: نجوی رسول اللّٰه.
4- المجادلة: 13.
5- نقل الشّیخ العلّامة الأردبیلیّ قدّس سرّه فی حدیقته 2- 63: أنّ الثّعلبیّ و الواقدیّ و النّیشابوریّ و غیرهم ذكروا فی تفاسیرهم: أنّ آیة النّجوی لم یعمل بها غیر علیّ علیه السّلام، و ذكره أیضا ابن المغازلیّ فی مناقبه. ونقل فی كشف الغمة أنه ذكر عن كتاب الجمع بین الصحاح الستة : أن علیا علیه السلام قال : إن فی القرآن آیة لم یعمل بها أحد غیری. وذكر الفخر الرازی فی تفسیره توجیها لعدم عمل مثل أبی بكر وعمر بالآیة. وهو أظهر مصداق لأسوئیة العذر من الذنب. والنیشابوری قال فی تفسیره : إن هذا التوجیه لیس له وجه إلا التعصب والعناد.

زَوْجُكِ أَوَّلُ النَّاسِ إِیمَاناً وَ أَرْجَحُهُمْ إِسْلَاماً. فِی كَلَامٍ لَهُ، أَمْ أَنَا؟ (1).

قَالَ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ الَّذِی قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: الْحَقُّ مَعَ عَلِیٍّ وَ عَلِیٌّ مَعَ الْحَقِّ، لَا یَفْتَرِقَانِ حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ (2)، أَمْ أَنَا؟

قَالَ: بَلْ أَنْتَ (3).

قَالَ: .. فَلَمْ یَزَلْ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَعُدُّ عَلَیْهِ مَنَاقِبَهُ الَّتِی جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ دُونَهُ وَ دُونَ غَیْرِهِ.

وَ یَقُولُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ أَنْتَ.

قَالَ: فَبِهَذَا وَ شِبْهِهِ یُسْتَحَقُّ الْقِیَامُ بِأُمُورِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَمَا الَّذِی غَرَّكَ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ عَنْ دِینِهِ وَ أَنْتَ

ص: 16


1- ورد بألفاظ عدیدة، منها ما جاء هنا، كما فی ینابیع المودّة: 81. ومنها : « یا فاطمة إنی زوجتك سیدا فی الدنیا وإنه فی الآخرة لمن الصالحین » ، كما أخرجه النسائی والخطیب فی تاریخه ٤ _ ١٢٩ ، والكنجی فی الكفایة : ١٦٥ ، وبهذا المضمون فی أسد الغابة ١ ٢٠٦ ، وتاریخ بغداد ٤ _ ٢١٠ ، والصواعق المحرقة : ١٠٣. وقد رواه الخوارزمی فی مناقبه فی الفصل التاسع ، وذكره فی كنز العمال ، وكفایة الطالب ، وابن المغازلی ، والحموینی ، وجاء فی ذخائر العقبی للطبری الشافعی ، وقال فی آخره : أخرجه الحافظ أبو العلاء الهمدانی فی الأحادیث الأربعین فی المهدی علیه السلام ، وغیرهم.
2- جاء الحدیث فی تاریخ بغداد 14- 321، مجمع الزّوائد 7- 336 و 9- 134، الإمامة و السّیاسة 1- 68: وجاء بلفظ : قوله صلی اللّٰه علیه و آله « رحم اللّٰه علیا » ، اللّٰهم أدر الحق معه حیث دار » ، كما فی جامع الترمذی ٢ _ ٢١٣ ، كنز العمال ٦ _ ١٥٧ ، مستدرك الحاكم ٣ _ ١٢٥ ، نزل الأبرار : ٢٤ ، وغیرها. وكذا بلفظ « علی مع القرآن والقرآن معه ، لا یفترقان حتی یردا علی الحوض » ، كما فی مستدرك الحاكم ٣ _ ١٢٤ وقد صححه ، الصواعق : ٧٤ و ٧٥ ، الجامع الصغیر ٢ _ ١٤٠ ، وغیرها .. وانظر الغدیر ٣ _ ٩ _ ١٧٧ مع تقدیم وتأخیر ، وبعبارات مختلفة فی ٧ _ ١٧٧ و ٨ _ ١٨٩ و ١٠ ٢٨٧ ، وموارد أخری.
3- المناشدة الأخیرة غیر موجودة فی المصدر المطبوع من الخصال، و قد وضع علیها فی الحجریة: خ. ص ، أی : فی نسخة صحیحة أو مصححة.

خِلْوٌ مِمَّا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ أَهْلُ دِینِهِ؟

قَالَ: فَبَكَی أَبُو بَكْرٍ وَ قَالَ: صَدَقْتَ یَا أَبَا الْحَسَنِ، أَنْظِرْنِی یَوْمِی هَذَا فَأُدَبِّرَ مَا أَنَا فِیهِ وَ مَا سَمِعْتُ مِنْكَ.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَكَ ذَلِكَ یَا أَبَا بَكْرٍ.

فَرَجَعَ مِنْ عِنْدِهِ وَ خَلَا بِنَفْسِهِ یَوْمَهُ وَ لَمْ یَأْذَنْ لِأَحَدٍ إِلَی اللَّیْلِ، وَ عُمَرُ یَتَرَدَّدُ فِی النَّاسِ لَمَّا بَلَغَهُ مِنْ خَلْوَتِهِ بِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

فَبَاتَ فِی لَیْلَتِهِ، فَرَأَی رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی مَنَامِهِ مُمَثَّلًا (1) لَهُ فِی مَجْلِسِهِ، فَقَامَ إِلَیْهِ أَبُو بِكْرٍ لِیُسَلِّمَ عَلَیْهِ، فَوَلَّی وَجْهَهُ، فَصَارَ (2) مُقَابِلَ وَجْهِهِ، فَسَلَّمَ عَلَیْهِ فَوَلَّی عَنْهُ وَجْهَهُ (3).

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ أَمَرْتَ بِأَمْرٍ فَلَمْ أَفْعَلْ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَرُدُّ السَّلَامَ عَلَیْكَ وَ قَدْ عَادَیْتَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ عَادَیْتَ مَنْ وَالاهُ (4) اللَّهُ وَ رَسُولُهُ! رُدَّ الْحَقَّ إِلَی أَهْلِهِ.

قَالَ: فَقُلْتُ: مَنْ أَهْلُهُ؟

قَالَ: مَنْ عَاتَبَكَ عَلَیْهِ، وَ هُوَ عَلِیٌّ.

قَالَ: فَقَدْ رَدَدْتُ عَلَیْهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَمْرِكَ.

قَالَ: فَأَصْبَحَ وَ بَكَی، وَ قَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: ابْسُطْ یَدَكَ، فَبَایَعَهُ وَ سَلَّمَ إِلَیْهِ الْأَمْرَ.

وَ قَالَ لَهُ: أَخْرُجُ إِلَی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا رَأَیْتُ فِی لَیْلَتِی وَ مَا جَرَی بَیْنِی وَ بَیْنَكَ، فَأُخْرِجُ نَفْسِی مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَ أُسَلِّمُ عَلَیْكَ

ص: 17


1- فی المصدر: متمثّلا.
2- كلمة فصار ..، لا توجد فی بعض النّسخ، و قد وضع علیها فی بعض النّسخ رمز نسخة بدل، و فی بعض النّسخ: فسلّم علیه فولّی عنه وجهه، بدون: فصار مقابل وجهه.
3- وجهه، لا توجد فی بعض النّسخ، و كذا فی المصدر، و قد وضع علیها رمز نسخة بدل فی نسخة مصحّحة.
4- فی المصدر: والی.

بِالْإِمْرَةِ؟

قَالَ: فَقَالَ (1) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: نَعَمْ.

فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مُتَغَیِّراً لَوْنُهُ عَالِیاً نَفَسُهُ (2)، فَصَادَفَهُ عُمَرُ وَ هُوَ فِی طَلَبِهِ.

فَقَالَ (3): مَا حَالُكَ یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ..؟

فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ وَ مَا رَأَی وَ مَا جَرَی بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

فَقَالَ (4) عُمَرُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ (5) یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ تَغْتَرَّ بِسِحْرِ بَنِی هَاشِمٍ! فَلَیْسَ هَذَا بِأَوَّلِ سِحْرٍ مِنْهُمْ ..

فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّی رَدَّهُ عَنْ رَأْیِهِ وَ صَرَفَهُ عَنْ عَزْمِهِ، وَ رَغَّبَهُ (6) فِیمَا هُوَ فِیهِ، وَ أَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ (عَلَیْهِ) (7) وَ الْقِیَامِ بِهِ.

قَالَ: فَأَتَی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْمَسْجِدَ لِلْمِیعَادِ، فَلَمْ یَرَ فِیهِ مِنْهُمْ أَحَداً، فَأَحَسَّ (8) بِالشَّرِّ مِنْهُمْ، فَقَعَدَ إِلَی قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَمَرَّ بِهِ عُمَرُ فَقَالَ: یَا عَلِیُّ دُونَ مَا تَرُومُ خَرْطُ الْقَتَادِ، فَعَلِمَ بِالْأَمْرِ وَ قَامَ وَ رَجَعَ إِلَی بَیْتِهِ.

«2»-ج (9): وَ رَوَی مُرْسَلًا مِثْلَهُ.

بیان: قوله: و لا ابتزاز .. الابتزاز: الاستلاب (10) و الأخذ بالغلبة (11).

و فی بعض النسخ: و لا استیثار به، یقال: استأثر فلان بالشی ء: أی

ص: 18


1- فی المصدر: فقال له.
2- لا توجد: عالیا نفسه، فی نسخة.
3- فی المصدر: فقال له.
4- فی المصدر: فقال له.
5- لا یوجد لفظ الجلالة فی (ك).
6- فی (ك): و رغبته.
7- زیادة من المصدر.
8- خ. ل: فحسّ.
9- الاحتجاج: 115- 130 (1- 157- 185).
10- كما فی مجمع البحرین 4- 8، الصحاح 3- 865، لسان العرب 5- 312، و غیرها.
11- انظر: تاج العروس 4- 8.

استبدّ به (1).

قوله: بعین السآمة منی .. فی الإحتجاج قوله: بعین الشتاءة (2) لی ..، أی: العداوة.

و القتاد: شجر له شوك كثیر (3)، و خرطه: هو أن تمرّ یدك من أعلاه إلی أسفله حتّی ینتشر شوكه (4)، و هذا مثل یضرب للأمر الشّاقّ (5).

«3»-فس (6): أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِیسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْجَرِیشِ (7)، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ- بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی الْمَسْجِدِ وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ- بِصَوْتٍ عَالٍ: الَّذِینَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8).

ص: 19


1- جاء فی مجمع البحرین 3- 199، الصحاح 2- 575، تاج العروس 3- 6، و غیرها.
2- الظاهر أنّ الشتاءة- بالتاء- اشتباه، و الصحیح الشناءة- بالنون- فراجع، و لم نجد الشتاءة بمعنی العداوة فی كتب اللغة الّتی كانت بأیدینا. وفی الاحتجاج _ طبع النجف _ الشنان ، والشناءة فی اللغة بمعنی البغض ، والعداوة قریبة منه. راجع : مجمع البحرین ١ _ ٢٥٢ ، الصحاح ١ _ ٥٧ ، كتاب العین ٨ _ ٢٨٧ ، تاج العروس ١ _ ٨١ ، لسان العرب ١ _ ١٠١.
3- انظر: الصحاح 2- 521، لسان العرب 3- 342. وفی مجمع البحرین ٣ _ ١٢٤ : شجر صلب شوكه كالإبر ، وكذا فی تاج العروس ٢ _ ٤٥٨ ، ولم نجد توصیف الشوك بالكثرة.
4- كما فی المستقصی فی أمثال العرب 2- 82، إلّا أنّ فیه: ینثر بدل ینتشر، و نقل فی هامشه: أنّ الثانی- أی: ینتشر- موجود فی نسخة أخری. ویرجع إلیه معنی ما فی مجمع البحرین ٤ _ ٢٤٥ ، الصحاح ٣ _ ١١٢٢ ، تاج العروس ٥ _ ١٢٧ ، لسان العرب ٧ _ ٢٨٤ ، وغیرها.
5- انظر: المستقصی فی أمثال العرب 2- 82. وقال فی مجمع الأمثال ١ _ ٢٦٥ : یضرب للأمر دونه مانع ، وكذا فی فرائد اللئالی فی مجمع الأمثال ١ _ ٢١٦.
6- تفسیر القمّیّ 2- 301.
7- فی المصدر: الحریش.
8- سورة محمّد: 1.

فَقَالَ (1) ابْنُ عَبَّاسٍ: یَا أَبَا الْحَسَنِ لِمَ قُلْتَ مَا قُلْتَ؟! قَالَ: قَرَأْتُ شَیْئاً مِنَ الْقُرْآنِ.

قَالَ: لَقَدْ قُلْتَهُ لِأَمْرٍ؟

قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ یَقُولُ فِی كِتَابِهِ: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (2)، فَتَشْهَدُ (3) عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ (4)؟

قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَوْصَی إِلَّا إِلَیْكَ.

قَالَ: فَهَلَّا بَایَعْتَنِی؟! قَالَ: اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَی أَبِی بَكْرٍ (5) فَكُنْتُ مِنْهُمْ.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: كَمَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِجْلِ عَلَی الْعِجْلِ، هَاهُنَا فُتِنْتُمْ، وَ مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِی ظُلُماتٍ لا یُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْیٌ فَهُمْ لا یَرْجِعُونَ (6).

«4»-یر (7): مُحَمَّدُ بْنُ عِیسَی، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ وَ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِینٍ (8)، عَنْ أَبِی عُمَارَةَ (9)، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

ص: 20


1- فی المصدر: فقال له.
2- الحشر: 7.
3- فی المصدر: أ فتشهد.
4- فی المصدر: فلانا.
5- فی المصدر: علیه، بدلا من: علی أبی بكر.
6- البقرة: 17، 18.
7- بصائر الدّرجات 1- 294 حدیث 2.
8- فی المصدر: عن ابن مسكین.
9- فی المصدر: ابن عمارة، و ما فی المتن هو الأظهر. والموجود فی باب الكنی من تنقیح المقال ٣ _ ٢٨ هو أبو عمارة ، ولیس فی باب المصدر بابن ، ابن عمارة ، فراجع.

وَ عُثْمَانُ بْنُ عِیسَی، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَقِیَ أَبَا بَكْرٍ، فَاحْتَجَّ عَلَیْهِ.

ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَ مَا تَرْضَی بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَیْنِی وَ بَیْنَكَ؟! قَالَ: وَ كَیْفَ (1) لِی بِهِ؟

فَأَخَذَ بِیَدِهِ وَ أَتَی مَسْجِدَ قُبَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ (2) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِیهِ، فَقَضَی عَلَی أَبِی بَكْرٍ.

فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ مَذْعُوراً (3)، فَلَقِیَ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟! أَ مَا عَلِمْتَ سِحْرَ بَنِی هَاشِمٍ.

«5»-یج (4): سَعْدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، مِثْلَهُ.

«7»- ختص، یر (5): بَعْضُ (6) أَصْحَابِنَا (7)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ،

ص: 21


1- فی المصدر: فكیف.
2- فی (ك): برسول اللّٰه.
3- قال فی القاموس 2- 34: الذّعر بالضّمّ: الخوف، ذعر كعنی فهو مذعور، و بالفتح التّخویف كالإذعار.
4- الخرائج: 211 (طبعة مؤسّسة الإمام المهدیّ (علیه السلام) 2- 808، حدیث 17). وذكره العلامة المجلسی فی بحاره أیضا ٦ _ ٢٤٧ حدیث ٨١ ، ٢٢ _ ٥٥١ حدیث ٥ ، ٢٧ ٣٠٤ حدیث ٦. وجاء مضمونه بأسانید مختلفة فی جملة من كتب الأصحاب ، كالاختصاص : ٢٦٧ ، ومدینة المعاجز : ١٦٨ ، وغیرهما.
5- الاختصاص: 274، و فیه: أحمد بن محمّد بن عیسی عن محمّد بن حمّاد. وبصائر الدرجات ١ _ ٢٩٦ حدیث ٧. وسند الحدیث ومتنه مطابق للبصائر أكثر مما هو فی الاختصاص.
6- فی (ك): عن بعض.
7- فی الاختصاص: و عنه، و المقصود منه هو: أحمد بن محمّد بن عیسی.

عَنْ أَخِیهِ أَحْمَدَ (1)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَی، عَنْ زِیَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَقِیَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَبَا بَكْرٍ (2) فِی بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِینَةِ.

فَقَالَ (3): ظَلَمْتَ وَ فَعَلْتَ.

فَقَالَ (4): وَ مَنْ یَعْلَمُ ذَلِكَ؟

قَالَ: یَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

قَالَ: وَ كَیْفَ لِی بِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ- حَتَّی یُعْلِمَنِی (5) ذَلِكَ؟ لَوْ أَتَانِی فِی الْمَنَامِ فَأَخْبَرَنِی لَقَبِلْتُ ذَلِكَ.

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (6): فَأَنَا أُدْخِلُكَ عَلَی (7) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، (فَأَدْخَلَهُ) (8) مَسْجِدَ قُبَا، فَإِذَا (9) بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی مَسْجِدِ قُبَا.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (10) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: اعْتَزِلْ عَنْ ظُلْمِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ- عَلَیْهِ السَّلَامُ-.

فَخَرَجَ (11) مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِیَهُ عُمَرُ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ (12): اسْكُتْ!

ص: 22


1- فی الاختصاص: عن أبی علیّ.
2- لا توجد: أبا بكر، فی (س).
3- فی الاختصاص و البصائر: فقال له.
4- فی البصائر: فقال له.
5- فی البصائر: یعلم، و فی نسخة: یعلم بی.
6- لا یوجد فی الاختصاص: علیّ علیه السّلام.
7- فی الاختصاص: إلی، بدلا من علی.
8- فی طبعتی البحار: فی، و المثبت من البصائر و الاختصاص.
9- فی الاختصاص: فإذا هو.
10- فی الاختصاص كلمة: رسول اللّٰه، غیر موجودة.
11- فی الاختصاص: قال فخرج.
12- فی الاختصاص لا توجد: له.

أَ مَا (1) عَرَفْتَ (2) سِحْرَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (3) ...

«8»-یر (4): الْحَجَّالُ، عَنِ اللُّؤْلُؤِیِّ (5)، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْبَطَائِنِیِّ (6)، عَنْ عِمْرَانَ (7) الْحَلَبِیِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ لَقِیَ أَبَا بَكْرٍ.

فَقَالَ: یَا أَبَا بَكْرٍ مَا (8) تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- أَمَرَكَ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَیَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ، وَ أَمَرَكَ بِاتِّبَاعِی؟

قَالَ (9): فَأَقْبَلَ یُتَوَهَّمُ عَلَیْهِ.

فَقَالَ لَهُ: اجْعَلْ بَیْنِی وَ بَیْنَكَ حَكَماً.

قَالَ: قَدْ رَضِیتُ فَاجْعَلْ مَنْ شِئْتَ.

قَالَ: أَجْعَلُ بَیْنِی وَ بَیْنَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

قَالَ: فَاغْتَنَمَهَا الْآخَرُ وَ قَالَ: قَدْ رَضِیتُ.

قَالَ: فَأَخَذَ بِیَدِهِ فَذَهَبَ إِلَی مَسْجِدِ قُبَا.

قَالَ: فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ (10) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَاعِدٌ فِی مَوْضِعِ الْمِحْرَابِ.

فَقَالَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- یَا أَبَا بَكْرٍ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: یَا أَبَا بَكْرٍ! أَ لَمْ آمُرْكَ بِالتَّسْلِیمِ لِعَلِیٍّ وَ اتِّبَاعِهِ؟

قَالَ: بَلَی یَا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ-.

ص: 23


1- فی (ك): ما، بدل: أ ما.
2- فی الاختصاص زیادة كلمة: قدیما.
3- فی الاختصاص: بنی هاشم بن عبد المطّلب، و فی نسخة: بنی هاشم.
4- بصائر الدّرجات 1- 297 حدیث 10.
5- فی المصدر: عن الحسن بن الحسین اللؤلؤی.
6- فی المصدر: عن علیّ بن أبی حمزة.
7- فی المصدر: عن عمران بن أبی شعبة.
8- فی المصدر: أ ما.
9- و القائل هنا الإمام الصّادق علیه السّلام.
10- فی نسخة: برسول اللّٰه ... كذا فی (ك).

قَالَ: فَادْفَعِ (1) الْأَمْرَ إِلَیْهِ.

قَالَ: نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَجَاءَ وَ لَیْسَ (2) هِمَّتُهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَ هُوَ كَئِیبٌ.

قَالَ: فَلَقِیَ عُمَرُ، قَالَ: مَا لَكَ یَا أَبَا بَكْرٍ؟

قَالَ: لَقِیتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- وَ أَمَرَنِی بِدَفْعِ هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَی عَلِیٍّ.

فَقَالَ: أَ مَا تَعْرِفُ سِحْرَ بَنِی هَاشِمٍ؟ هَذَا سِحْرٌ.

قَالَ: فَقَلَبَ (3) الْأَمْرَ عَلَی مَا كَانَ.

«9»-یج (4): عَنِ الصَّفَّارِ، مِثْلَهُ.

بیان: یتوهّم علیه .. أی: یلقی الشكوك و یدفع حججه علیه السلام بالأوهام (5)، و فی الخرائج: یتشكك علیه (6).

«10»-یر (7): أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِأَبِی بَكْرٍ: هَلْ أَجْعَلُ (8) بَیْنِی وَ بَیْنَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی

ص: 24


1- فی المصدر: فارفع.
2- فی المصدر: فلیس.
3- لا توجد: فقلب، فی المصدر.
4- الخرائج: 210 (مطبعة مدرسة الإمام المهدیّ علیه السّلام 2- 805- 806 حدیث 15) و بین المصدرین فرق كثیر. وجاء الحدیث بمضامین متقاربة فی كل من مدینة المعاجز : ١٦٩ ، مناقب آل أبی طالب ٢/ ٨٥ ، الهدایة الكبری : ١٠٢ ، إرشاد القلوب : ٢٦٤ ، وغیرها.
5- التوهّم فی اللغة بمعنی الظنّ، كما صرّح به فی القاموس 4- 187، و غیره. واستفادته قدّس سرّه من التوهم إلقاء الشكوك بملاحظة سیاق الكلام والقرائن ، فتدبّر.
6- قال فی القاموس 3- 309: الشّكّ خلاف الیقین .. و شكّ فی الأمر و تشكّك، و شكّكه غیره.
7- بصائر الدّرجات: 298، حدیث 12.
8- فی المصدر: أجمع، و كذا فی نسخة جاءت فی حاشیة البحار.

اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟

فَقَالَ: نَعَمْ.

فَخَرَجَا إِلَی مَسْجِدِ قُبَا، فَصَلَّی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ رَكْعَتَیْنِ، فَإِذَا هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَ (1): یَا أَبَا بَكْرٍ عَلَی هَذَا عَاهَدْتُكَ، فَصِرْتَ بِهِ؟! فَرَجَعَ (2) وَ هُوَ یَقُولُ: وَ اللَّهِ لَا أَجْلِسُ هَذَا (3) الْمَجْلِسَ.

فَلَقِیَ عُمَرَ، فَقَالَ (4): مَا لَكَ (5)؟

قَالَ: قَدْ وَ اللَّهِ ذَهَبَ بِی فَأَرَانِی رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ (6) عُمَرُ: أَ مَا تَذْكُرُ یَوْماً كُنَّا مَعَهُ، فَأَمَرَ شَجَرَتَیْنِ (7) فَالْتَقَتَا، فَقَضَی حَاجَتَهُ خَلْفَهُمَا، ثُمَّ أَمَرَهُمَا فَتَفَرَّقَتَا (8)؟

قَالَ أَبُو بِكْرٍ: أَمَّا إِذَا قُلْتَ ذَا، فَإِنِّی دَخَلْتُ أَنَا وَ هُوَ فِی الْغَارِ فَقَالَ بِیَدِهِ فَمَسَحَهَا عَلَیْهِ فَعَادَ یَنْسِجُ الْعَنْكَبُوتَ كَمَا كَانَ، ثُمَّ قَالَ: أَ لَا أُرِیكَ جَعْفَراً (9) وَ أَصْحَابَهُ تَعُومُ بِهِمْ (10) سَفِینَتُهُمْ فِی الْبَحْرِ؟ قُلْتُ: بَلَی، قَالَ: فَمَسَحَ یَدَهُ عَلَی وَجْهِی، فَرَأَیْتُ جَعْفَراً وَ أَصْحَابَهُ تَعُومُ بِهِمْ سَفِینَتُهُمْ فِی الْبَحْرِ، فَیَوْمَئِذٍ عَرَفْتُ أَنَّهُ

ص: 25


1- فی المصدر لا توجد: فقال.
2- فی المصدر: ثمّ رجع.
3- فی المصدر: ذلك، و جاء فی نسخة علی حاشیة البحار.
4- فی المصدر: و قال.
5- فی المصدر: ما لك كذا، و فی نسخة: ما قال؟.
6- فی المصدر: فقال له.
7- فی المصدر: بشجرتین.
8- فی المصدر: فتفرّقا.
9- فی المصدر: جعفر.
10- أی: تسیر بهم، كما فی الصّحاح 5- 993، و غیره.

سَاحِرٌ، فَرَجَعَ إِلَی مَكَانِهِ.

«12»- ختص، یر (1): عَبَّادُ بْنُ سُلَیْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ (2)، عَنْ أَبِیهِ سُلَیْمَانَ، عَنْ عَیْثَمِ (3) بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ مُعَاوِیَةَ (4) الدُّهْنِیِّ (5) قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَی عَلِیٍّ (6) عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- مَا تَحَدَّثَ (7) إِلَیْنَا فِی أَمْرِكَ حَدِیثاً (8) بَعْدَ یَوْمِ الْوَلَایَةِ (9)، وَ أَنَا (10) أَشْهَدُ أَنَّكَ مَوْلَایَ، مُقِرٌّ لَكَ بِذَلِكِ، وَ قَدْ سَلَّمْتُ عَلَیْكَ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ، وَ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ: أَنَّكَ وَصِیُّهُ وَ وَارِثُهُ وَ خَلِیفَتُهُ فِی أَهْلِهِ وَ نِسَائِهِ، وَ لَمْ یَحُلْ بَیْنَكَ وَ بَیْنَ ذَلِكَ، وَ صَارَ مِیرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَیْكَ وَ أَمْرُ نِسَائِهِ (11)، وَ لَمْ یُخْبِرْنَا بِأَنَّكَ (12) خَلِیفَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَ لَا جُرْمَ لَنَا (13) فِی ذَلِكَ فِیمَا بَیْنَنَا

ص: 26


1- الاختصاص: 272- 273، و سنده: سعد قال: حدّثنا عبّاد بن سلیمان ... بصائر الدرجات : ٢٩٨ _ ٢٩٩ حدیث ١٤. والحدیث سندا ومتنا یطابق البصائر أكثر من مطابقته للاختصاص. وهو موجود أیضا فی مختصر البصائر : ١٠٩ _ ١١٠ ، ببعض السقط فی السند ، وببعض الاختلاف فی ذیل الحدیث ، فلیلاحظ.
2- فی مختصر البصائر و البصائر لا یوجد: عن محمّد بن سلیمان.
3- خ. ل: عثیم، و الصّحیح ما فی المتن.
4- فی مختصر البصائر و البصائر: معاویة بن عمّار.
5- فی الاختصاص زیادة: عن أبی عبد اللّٰه علیه السّلام.
6- فی مختصر البصائر: أمیر المؤمنین.
7- فی مختصر البصائر و الاختصاص: لم یحدّث.
8- فی مختصر البصائر: شیئا، و فی الاختصاص: حدثا.
9- فی مختصر البصائر: أیّام الولایة بالغدیر، و كذا فی الخرائج.
10- فی البصائر: و أنّی.
11- فی مختصر البصائر و الخرائج: و أنّك وارثه، و میراثه قد صار إلیك، بدلا من: و لم یحل بینك ..نسائه.
12- فی مختصر البصائر: أنّك.
13- فی البصائر: لك.

وَ بَیْنَكَ (1)، وَ لَا ذَنْبَ (2) بَیْنَنَا وَ بَیْنَكَ (3) وَ بَیْنَ اللَّهِ تَعَالَی (4).

قَالَ: فَقَالَ (5) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنْ أَرَیْتُكَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- حَتَّی یُخْبِرَكَ أَنِّی (6) أَوْلَی بِالْأَمْرِ (7) الَّذِی أَنْتَ فِیهِ مِنْكَ وَ مِنْ غَیْرِكَ وَ إِنْ لَمْ تَرْجِعْ عَمَّا أَنْتَ فِیهِ فَتَكُونَ كَافِراً.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ (8): إِنْ رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ (9)، حَتَّی یُخْبِرَنِی بِبَعْضِ هَذَا لَاكْتَفَیْتُ بِهِ (10).

قَالَ: فَوَافِنِی (11) إِذَا صَلَّیْتَ الْمَغْرِبَ (12).

قَالَ: فَرَجَعَ إِلَیْهِ (13) بَعْدَ الْمَغْرِبِ، فَأَخَذَ بِیَدِهِ وَ خَرَجَ بِهِ (14) إِلَی مَسْجِدِ قُبَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (15) جَالِسٌ فِی الْقِبْلَةِ.

ص: 27


1- فی مختصر البصائر: و لا جرم لی فیما بینی و بینك.
2- فی مختصر البصائر: و لا ذنب فیما بیننا.
3- فی مختصر البصائر و الاختصاص لا یوجد: و بینك، و جاء فی بعض نسخ الكتاب.
4- فی الاختصاص: عزّ و جلّ، و لا یوجد فی البصائر: تعالی قال.
5- فی الاختصاص و الخرائج و مختصر البصائر: فقال له.
6- فی الاختصاص و الاحتجاج و مختصر البصائر: بأنّی.
7- فی الاختصاص: بالمجلس، بدلا من: بالأمر.
8- فی الاختصاص: و إنّك إن لم تنحّ عنه كفرت، فما تقول؟ فقال: .. بدلا من قوله: منك و من غیرك، إلی: قال أبو بكر.
9- فی مختصر البصائر: و إنّك إن لم تعتزل نفسك عنه فقد خالفت اللّٰه و رسوله- صلّی اللّٰه علیه و آله- فقال إن أریتنیه .. بدلا من قوله: و من غیرك ... إلی هنا.
10- فی الاختصاص و مختصر البصائر: اكتفیت به، و فی البصائر: لاكتفیته.
11- فی مختصر البصائر: فقال علیه السّلام فتلقانی.
12- فی مختصر البصائر زیادة: حتّی أریكه.
13- لا توجد فی الاختصاص: إلیه.
14- فی الاختصاص و مختصر البصائر: و أخرجه، فی البصائر و الخرائج: فخرج به.
15- فی مختصر البصائر: هو برسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.

فَقَالَ: یَا عَتِیقُ (1) وَثَبْتَ عَلَی عَلِیٍّ (2)

عَلَیْهِ السَّلَامُ- وَ جَلَسْتَ (3) مَجْلِسَ النُّبُوَّةِ، وَ قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَیْكَ فِی ذَلِكَ (4)، فَانْزِعْ هَذَا السِّرْبَالَ الَّذِی تَسَرْبَلْتَهُ (5)، فَخَلِّهِ لِعَلِیٍّ وَ إِلَّا فَمَوْعِدُكَ النَّارُ.

قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ بِیَدَیْهِ (6) فَأَخْرَجَهُ، فَقَامَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مَشَی عَنْهُمَا.

قَالَ فَانْطَلَقَ (7) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی سَلْمَانَ فَقَالَ (8): یَا سَلْمَانُ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ (9) كَذَا وَ كَذَا.

فَقَالَ: لَیَشْهَرَنَّ بِكَ (10)، وَ لَیَأْتِیَنَّ (11) صَاحِبَهُ (12)، وَ لَیُخْبِرَنَّهُ بِالْخَبَرِ.

قَالَ: فَضَحِكَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَالَ: إمَّا أَنْ یُخْبِرَ صَاحِبَهُ

ص: 28


1- فی مختصر البصائر و الخرائج: له یا فلان.
2- فی مختصر البصائر و الخرائج: مولاك علیّ علیه السّلام.
3- فی مختصر البصائر و الخرائج: مجلسه و هو.
4- فی مختصر البصائر: لا یستحقّه غیره لأنّه وصیّی و خلیفتی فنبذت أمری و خالفت ما قلته لك و تعرّضت لسخط اللّٰه و سخطی، بدلا من قوله: و قد تقدّمت إلیك فی ذلك، و قریب منه فی الخرائج و الجرائح.
5- فی الخرائج و مختصر البصائر: أنت تسربلته بغیر حقّ، و لا أنت من أهله.
6- فی مختصر البصائر: فخرج مذعورا لیسلّم الأمر إلیه و انطلق.
7- فی الاختصاص: عنهما و انطلق، بدلا من: و مشی عنهما قال: فانطلق.
8- فی مختصر البصائر: صلوات اللّٰه علیه فحدّث سلمان بما كان و ما جری، فقال له سلمان .. بدلا من: علیه السّلام إلی ... من الأمر.
9- فی الاختصاص زیادة: فقال له.
10- فی نسخة: لیشهدنّ علیّ. أقول: : یحتمل أن یكون المعنی : لیشهدن ولیظهر الحق البتة ، فإن الشهرة بمعنی الظهور كما فی القاموس ٢ _ ٩٥.
11- فی الاختصاص: فقال سلمان لیشهرن بك و لیبدینه إلی ..، و فی البصائر: قال لیشهدن بك و لیندبنه إلی ..
12- وضع علی جملة: و لیأتینّ صاحبه، نسخة بدل، و فی بعض النّسخ وضع بدلا منها: و لیبدینه.

فَیَفْعَلَ (1) ثُمَّ لَا وَ اللَّهِ لَا یَذَّكَّرُ أَبَداً (2) إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، هُمَا أَنْظَرُ لِأَنْفُسِهِمَا مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ (3): فَلَقِیَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: أَرَانِی عَلِیٌّ (4) .. كَذَا وَ كَذَا، وَ صَنَعَ كَذَا وَ كَذَا (5).

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَیْلَكَ مَا أَقَلَّ عَقْلَكَ، فَوَ اللَّهِ مَا أَنْتَ فِیهِ السَّاعَةَ لَیْسَ إِلَّا مِنْ بَعْضِ سِحْرِ ابْنِ أَبِی كَبْشَةَ (6)، قَدْ نَسِیتَ سِحْرَ بَنِی هَاشِمٍ، وَ مِنْ أَیْنَ یَرْجِعُ مُحَمَّدٌ؟ وَ لَا یَرْجِعُ مَنْ مَاتَ، إِنَّ مَا أَنْتَ فِیهِ أَعْظَمُ مِنْ سِحْرِ بَنِی هَاشِمٍ، فَتَقَلَّدَ هَذَا السِّرْبَالَ وَ مَرَّ فِیهِ (7).

ص: 29


1- فی مختصر البصائر: أن سیخبره و لیمنعه إن همّ بأن یفعل.
2- فی نسخة: لا یذكران ذلك أبدا حتّی یموتا، و فی الاختصاص: یذكر أنّه و فی مختصر البصائر: یذكران ذلك.
3- لا توجد فی الاختصاص: قال.
4- فی الاختصاص: إنّ علیّا أتی.
5- لا یوجد فی البصائر: و صنع كذا و كذا، و فی الاختصاص: و قال لرسول اللّٰه كذا و كذا.
6- قال فی مجمع البحرین 4- 151: الكبش فحل الضّأن فی أیّ سنّ كان، و قیل: الحمل إذا أثنی و إذا خرجت رباعیته. وانظر : لسان العرب ٦ _ ٣٣٨ ، وقریب منه ما فی تاج العروس ٤ _ ٣٤١. والمراد من ابن أبی كبشة هو : النبی الأعظم صلی اللّٰه علیه و آله. قال فی تاج العروس ٤ _ ٣٤١ : وكان المشركون یقولون للنبی صلی اللّٰه علیه [ وآله ] وسلم ابن أبی كبشة ، وأبو كبشة كنیته. وفی حدیث أبی سفیان وهرقل : لقد أمر أمر ابن أبی كبشة ، یعنی : رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه [ وآله ] وسلم. قیل : شبهوه بأبی كبشة رجل من خزاعة ثم من بنی غبشان ، خالف قریشا فی عبادة الأصنام ، وعبد الشعری الحبور ، وإنما شبهوه به لخلافه إیاهم إلی عبادة اللّٰه تعالی ، كما خالفهم أبو كبشة إلی عبادة الشعری ، معناه : أنه خالفنا كما خالفنا أبی كبشة. ثم ذكر أقوالا أخر فی إطلاق المشركین ذلك الاسم علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله ، ولا نطیل بذكرها راجع : لسان العرب ٦ _ ٣٣٨ ، مجمع البحرین ٤ _ ١٥١ ، القاموس ٢ _ ٢٨٥ ، وغیرها.
7- فی مختصر البصائر: حتّی یموتا، قال: فلقی صاحبه فحدّثه بالحدیث كلّه، فقال له: ما أضعف رأیك و أخور عقلك، أ ما تعلم أنّ ذلك من بعض سحر ابن أبی كبشة، أ نسیت سحر بنی هاشم، فأقم علی ما أنت علیه، بدلا من قوله: إلی یوم القیامة ... إلی: و مرّ فیه.

«13»-یج (1): عَنِ الصَّفَّارِ، مِثْلَهُ.

«14»-یر (2): أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ جَرِیشٍ (3)، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ عَنْ سُورَةِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ.

فَقَالَ: وَیْلَكَ! سَأَلْتَ عَنْ عَظِیمٍ، إِیَّاكَ وَ السُّؤَالَ عَنْ مِثْلِ هَذَا، فَقَامَ الرَّجُلُ.

قَالَ: فَأَتَیْتُهُ یَوْماً، فَأَقْبَلْتُ عَلَیْهِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ نُورٌ عِنْدَ الْأَنْبِیَاءِ وَ الْأَوْصِیَاءِ، لَا یُرِیدُونَ حَاجَةً مِنَ السَّمَاءِ وَ لَا مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا ذَكَرُوهَا لِذَلِكَ النُّورِ فَأَتَاهُمْ بِهَا.

وَ إِنَّ (4) مِمَّا ذَكَرَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَهُ مِنَ الْحَوَائِجِ: أَنَّهُ قَالَ لِأَبِی بَكْرٍ یَوْماً لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ... (5):

فَأَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَاتَ شَهِیداً، فَإِیَّاكَ أَنْ تَقُولَ: إِنَّهُ مَیِّتٌ، وَ اللَّهِ لَیَأْتِیَنَّكَ، فَاتَّقِ اللَّهَ إِذَا جَاءَكَ الشَّیْطَانُ غَیْرَ مُتَمَثِّلٍ بِهِ.

فَعَجِبَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ (6): إِنْ جَاءَنِی وَ اللَّهِ أَطَعْتُهُ وَ خَرَجْتُ مِمَّا أَنَا فِیهِ.

قَالَ: فَذَكَرَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ لِذَلِكَ النُّورَ، فَعَرَجَ إِلَی أَرْوَاحِ النَّبِیِّینَ، فَإِذَا مُحَمَّدٌ

ص: 30


1- الخرائج: 210- 211، (الخرائج و الجرائح- طبعة مؤسّسة الإمام المهدیّ (علیه السلام) 2- 807 808 حدیث 16) باختلاف ذكرنا غالبه. وقریب منه فی : الإیقاظ من الهجعة : ٢١٩ حدیث ١٥ ، مدینة المعاجز : ١٦٨ حدیث ٤٧٢ ، إثبات الهداة ٣ _ ٤٨٩ ، وكرر ذكره فی البحار ٤١ _ ٢٢٨ حدیث ٣٨ عن الاختصاص والمختصر.
2- بصائر الدّرجات: 300 حدیث 15.
3- فی المصدر: حریش.
4- فی المصدر:
5- آل عمران:- 169.
6- خ. ل: و قال. و فی المصدر: أو فقال.

صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ أُلْبِسَ وَجْهَهُ ذَلِكَ النُّورُ، وَ أَتَی وَ هُوَ یَقُولُ: یَا أَبَا بَكْرٍ آمِنْ بِعَلِیٍّ وَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ، إِنَّهُمْ مِثْلِی إِلَّا النُّبُوَّةَ، وَ تُبْ إِلَی اللَّهِ بِرَدِّ مَا فِی یَدَیْكَ إِلَیْهِمْ، فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَكَ فِیهِ.

قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ یُرَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْمَعُ النَّاسَ فَأَخْطُبُهُمْ بِمَا رَأَیْتُ، وَ أَبْرَأُ إِلَی اللَّهِ مِمَّا أَنَا فِیهِ إِلَیْكَ یَا عَلِیُّ، عَلَی أَنْ تُؤْمِنَنِی؟

قَالَ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، وَ لَوْ لَا أَنَّكَ تَنْسَی مَا رَأَیْتَ لَفَعَلْتَ.

قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی عُمَرَ، وَ رَجَعَ نُورُ إِنَّا أَنْزَلْناهُ إِلَی عَلِیٍّ، فَقَالَ لَهُ: قَدِ اجْتَمَعَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ عُمَرَ.

فَقُلْتُ: أَ وَ عَلِمَ النُّورُ؟

قَالَ (1): إِنَّ لَهُ لِسَاناً نَاطِقاً وَ بَصَراً نَافِذاً (2) یَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ لِلْأَوْصِیَاءِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، وَ یَسْتَمِعُ الْأَسْرَارَ، وَ یَأْتِیهِمْ بِتَفْسِیرِ كُلِّ أَمْرٍ یَكْتَتِمُ بِهِ أَعْدَاؤُهُمْ.

فَلَمَّا أَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَبَرَ عُمَرَ، قَالَ: سَحَرَكَ، وَ إِنَّهَا لَفِی بَنِی هَاشِمٍ لَقَدِیمَةٌ.

قَالَ: ثُمَّ قَامَا یُخْبِرَانِ النَّاسَ، فَمَا دَرَیَا مَا یَقُولَانِ.

قُلْتُ: لِمَا ذَا؟

قَالَ: لِأَنَّهُمَا قَدْ نَسِیَاهُ.

وَ جَاءَ النُّورُ فَأَخْبَرَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ خَبَرَهُمَا، فَقَالَ: بُعْداً لَهُمَا كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ.

بَیَانٌ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِنُورِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ: الرُّوحُ الْمَذْكُورُ فِی تِلْكَ السُّورَةِ الْكَرِیمَةِ.

«15»-یج (3): رُوِیَ عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ بَلَغَهُ عَنْ عُمَرَ ذِكْرُ

ص: 31


1- فی نسخة: و قال.
2- فی المصدر: ناقدا، و كذا فی حاشیة المطبوع من البحار بعنوان نسخة بدل.
3- الخرائج، الورقة رقم 62 من الخطّیّة المصوّرة، (الخرائج و الجرائح- طبعة مؤسّسة الإمام المهدیّ (علیه السلام)- 1- 232 حدیث 77). و قد كرّر ذكره طاب ثراه فی المجلّد 41- 256 حدیث 17، و جاء فی مدینة المعاجز: 200 حدیث 551، و صفحة 79 حدیث 198، و غیرها.

شِیعَتِهِ (1)، فَاسْتَقْبَلَهُ فِی بَعْضِ طُرُقَاتِ بَسَاتِینِ الْمَدِینَةِ، وَ فِی یَدِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَوْسٌ عَرَبِیَّةٌ.

فَقَالَ (2): یَا عُمَرُ، بَلَغَنِی عَنْكَ ذِكْرُكَ لِشِیعَتِی (3).

فَقَالَ: ارْبَعْ عَلَی ظَلْعِكَ.

فَقَالَ (4) عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّكَ لَهَاهُنَا (5)، ثُمَّ رَمَی بِالْقَوْسِ عَلَی الْأَرْضِ (6) فَإِذَا هِیَ ثُعْبَانٌ كَالْبَعِیرِ فَاغِرٌ فَاهُ وَ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَ عُمَرَ لِیَبْتَلِعَهُ.

فَصَاحَ عُمَرُ: اللَّهَ اللَّهَ یَا أَبَا الْحَسَنِ، لَا عُدْتُ بَعْدَهَا فِی شَیْ ءٍ، وَ جَعَلَ یَتَضَرَّعُ إِلَیْهِ، فَضَرَبَ (7) یَدَهُ إِلَی الثُّعْبَانِ، فَعَادَتِ الْقَوْسُ كَمَا كَانَتْ، فَمَرَّ (8) عُمَرُ إِلَی بَیْتِهِ مَرْعُوباً.

قَالَ سَلْمَانُ: فَلَمَّا كَانَ فِی اللَّیْلِ دَعَانِی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: صِرْ إِلَی عُمَرَ، فَإِنَّهُ حُمِلَ إِلَیْهِ مَالٌ مِنْ نَاحِیَةِ الْمَشْرِقِ وَ لَمْ یَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ، وَ قَدْ عَزَمَ أَنْ یَحْتَبِسَهُ، فَقُلْ لَهُ: یَقُولُ لَكَ عَلِیٌّ: أُخْرِجَ (9) إِلَیْكَ مَالٌ مِنْ نَاحِیَةِ الْمَشْرِقِ، فَفَرِّقْهُ عَلَی مَنْ

ص: 32


1- فی المصدر: لشیعته.
2- فی المصدر: فقال علیّ.
3- فی المصدر: ذكر لشیعتی عنك.
4- فی الخرائج: قال علیّ.
5- أی إنّك لتكن هاهنا و لا تبرح.
6- فی المصدر: إلی الأرض.
7- فی الخرائج: فضرب علیّ، و فی نسخة: بیده.
8- فی طبعة الخرائج- لمدرسة الإمام المهدیّ (علیه السلام)-: فمضی.
9- قال فی القاموس 1- 185: و أخرج: أدّی خراجه. وما فی المتن یقرأ مبنیا للمفعول ، من الخراج ، ویحتمل أن یكون من الإخراج بتضمین معنی الحمل ویقوی الثانی ما فی المصدر : أخرج ما حمل إلیك من ناحیة ...

جُعِلَ لَهُمْ، وَ لَا تَحْبِسْهُ فَأَفْضَحَكَ.

قَالَ سَلْمَانُ: فَأَدَّیْتُ إِلَیْهِ الرِّسَالَةَ.

فَقَالَ: حَیَّرَنِی أَمْرُ صَاحِبِكَ، مِنْ أَیْنَ عَلِمَ بِهِ (1)؟

فَقُلْتُ: وَ هَلْ یَخْفَی عَلَیْهِ مِثْلُ هَذَا؟

فَقَالَ لِسَلْمَانَ: اقْبَلْ (2) مِنِّی أَقُولُ لَكَ، مَا عَلِیٌّ إِلَّا سَاحِرٌ، وَ إِنِّی لَمُشْفِقٌ عَلَیْكَ مِنْهُ، وَ الصَّوَابُ أَنْ تُفَارِقَهُ وَ تَصِیرَ فِی جُمْلَتِنَا.

قُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، لَكِنَّ عَلِیّاً وَرِثَ مِنْ أَسْرَارِ النُّبُوَّةِ (3) مَا قَدْ رَأَیْتَ مِنْهُ وَ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ.

قَالَ: ارْجِعْ إِلَیْهِ فَقُلْ لَهُ: السَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ لِأَمْرِكَ.

فَرَجَعْتُ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أُحَدِّثُكَ بِمَا جَرَی بَیْنَكُمَا؟

فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّی.

فَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا جَرَی بَیْنَنَا (4)، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رُعْبَ الثُّعْبَانِ فِی قَلْبِهِ إِلَی أَنْ یَمُوتَ.

بَیَانٌ: قَالَ الْجَوْهَرِیُّ: رَبِعَ الرَّجُلُ یَرْبَعُ: إِذَا وَقَفَ وَ تَحَبَّسَ، وَ مِنْهُ قَوْلُهُمْ ارْبَعْ عَلَی نَفْسِكَ وَ ارْبَعْ عَلَی ظَلْعِكَ، أَیْ: ارْفُقْ بِنَفْسِكَ وَ كُفَّ (5) وَ لَا تَحْمِلْ عَلَیْهَا أَكْثَرَ مِمَّا تُطِیقُ.

«16»-قب (6): عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَیْمَانَ وَ زِیَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَ الْحَسَنُ بْنُ الْعَبَّاسِ

ص: 33


1- فی المصدر: فمن أین علم هو به، قلت.
2- فی المصدر: یا سلمان اقبل.
3- فی المصدر: لكنّ علیّا قد ورث من آثار النّبوّة.
4- خ. ل: به.
5- إلی هنا فی الصّحاح 3- 1212، و انظر القاموس 3- 24، تاج العروس 5- 338، و غیرهما.
6- المناقب لابن شهرآشوب 2- 248.

ابْنُ جَرِیشٍ (1)، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

وَ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ وَ مُعَاوِیَةُ بْنُ عَمَّارٍ وَ أَبُو سَعِیدٍ الْمُكَارِی، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَقِیَ الْأَوَّلَ فَاحْتَجَّ عَلَیْهِ.

ثُمَّ قَالَ: أَ تَرْضَی بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَیْنِی وَ بَیْنَكَ؟

فَقَالَ: وَ كَیْفَ لِی بِذَلِكَ؟

فَأَخَذَ بِیَدِهِ فَأَتَی بِهِ مَسْجِدَ قُبَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ فِیهِ، فَقَضَی لَهُ عَلَی الْأَوَّلِ .. الْقِصَّةَ.

«17»-كشف (2): عَنْ عَبْدِ خَیْرٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ عُمَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَیْشٍ، فِیهِمْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ، فَتَذَاكَرُوا الشَّرَفَ، وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ سَاكِتٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا لَكَ یَا أَبَا الْحَسَنِ سَاكِتاً؟ وَ كَانَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَرِهَ الْكَلَامَ، فَقَالَ عُمَرُ:

لَتَقُولَنَّ یَا أَبَا الْحَسَنِ، فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

اللَّهُ أَكْرَمَنَا بِنَصْرِ نَبِیِّهِ*** وَ بِنَا أَعَزَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ

فِی كُلِّ مُعْتَرَكٍ (3) تُزِیلُ سُیُوفُنَا*** فِیهِ الْجَمَاجِمَ عَنْ فِرَاخِ الْهَامِ

وَ یَزُورُنَا جِبْرِیلُ فِی أَبْیَاتِنَا*** بِفَرَائِضِ الْإِسْلَامِ وَ الْأَحْكَامِ

فَنَكُونُ أَوَّلَ مُسْتَحِلٍّ حِلَّهُ*** وَ مُحَرِّمٍ لِلَّهِ كُلَّ حَرَامٍ

نَحْنُ الْخِیَارُ مِنَ الْبَرِّیَّةِ كُلِّهَا*** وَ نِظَامُهَا وَ زِمَامُ كُلِّ زِمَامٍ

إِنَّا لَنَمْنَعُ مَنْ أَرَدْنَا مَنْعَهُ*** وَ نُقِیمُ رَأْسَ الْأَصْیَدِ الْقَمْقَامِ

وَ تَرُدُّ عَادِیَةُ الْخَمِیسِ سُیُوفَنَا*** فَالْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ ذِی الْإِنْعَامِ

بیان: قال الفیروزآبادی: الفرخ: مقدّم الدّماغ (4).

ص: 34


1- فی المصدر: و العبّاس بن الحریش الرّاوی، لا الحسن بن العبّاس.
2- كشف الغمّة 1- 299.
3- قال فی القاموس 3- 213: و المعترك: موضع العراك، و المعاركة أی: القتال.
4- القاموس 1- 266، و راجع: تاج العروس 2- 271.

و قال الجوهری: و قول الفرزدق:

و یوم جعلنا البیض فیه لعامر*** مصمّمة تفأی فراخ الجماجم

یعنی به: الدّماغ (1).

و الزّمام ككتاب: ما یجعل فی أنف البعیر فینقاد به (2)، و لعلّ المراد: زمام كلّ ذی زمام.

و قال الفیروزآبادی: الأصید: الملك، و رافع رأسه كبرا (3).

و قال: القمقام- و یضمّ-: السّیّد (4).

و الخمیس: الجیش (5).

«18»-إِرْشَادُ الْقُلُوبِ (6): رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَقِیَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی سِكَّةِ (7) بَنِی النَّجَّارِ، فَسَلَّمَ عَلَیْهِ وَ صَافَحَهُ وَ قَالَ

ص: 35


1- الصحاح 1- 428، و راجع: تاج العروس 2- 272.
2- قال فی الصحاح 5- 1944: الزّمام: الخیط الّذی یشدّ فی البرة أو فی الخشاش، ثمّ یشدّ فی طرفه المقود، و قد یسمّی المقود زماما. وفی تاج العروس ٨ _ ٣٢٨ : الزمام ككتاب ما یزم به ، ونحوه فی لسان العرب ١٢ _ ٢٧٢. وقال فی القاموس ٤ _ ١٢٦ : زمة فانزم : شده ، وككتاب : ما یزم به ... البعیر : خطمه ، وقال فی صفحة : ١٠٨ خطمه بالخطام : جعله علی أنفه .. والخطام ككتاب : كل ما وضع فی أنف البعیر لیقتاد به. أقول: : كل ما ذكر للزمام من المعنی یرجع إلی معنی واحد ، وإنما الاختلاف فی مجرد التعبیر.
3- القاموس 1- 309، و راجع: تاج العروس 2- 404. وقال فی الصحاح ١ _ ٤٩٩ : الصید بالتحریك : مصدر الأصید ، وهو الذی یرفع رأسه كبرا ، ومنه قیل للملك : أصید. ویقال : إنما قیل للملك أصید ، لأنه لا یلتفت یمینا ولا شمالا ، وكذلك الذی لا یستطیع الالتفات من داء.
4- القاموس 4- 167، و راجع: تاج العروس 9- 33.
5- القاموس 2- 211، و راجع: تاج العروس 4- 140، و الصحاح 3- 924.
6- إرشاد القلوب: 264- 268 (2- 57- 61 بیروت) .
7- فی المصدر: فی سكّة من سكك.

لَهُ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! أَ فِی نَفْسِكَ شَیْ ءٌ مِنِ اسْتِخْلَافِ النَّاسِ إِیَّایَ، وَ مَا كَانَ مِنْ یَوْمِ السَّقِیفَةِ، وَ كَرَاهِیَتِكَ الْبَیْعَةَ (1)؟ وَ اللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ إِرَادَتِی، إِلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِینَ اجْتَمَعُوا (2) عَلَی أَمْرٍ لَمْ یَكُنْ لِی أَنْ أُخَالِفَ عَلَیْهِمْ فِیهِ (3)، لِأَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِی عَلَی الضَّلَالِ (4).

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا أَبَا بَكْرٍ، أُمَّتُهُ الَّذِینَ أَطَاعُوهُ فِی عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ (5)، وَ أَخَذُوا بِهُدَاهُ، وَ أَوْفُوا (6) بِ ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ، وَ لَمْ یُبَدِّلُوا وَ لَمْ یُغَیِّرُوا (7).

قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَ اللَّهِ یَا عَلِیُّ لَوْ شَهِدَ عِنْدِی السَّاعَةَ مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ سَلَّمْتُهُ إِلَیْكَ، رَضِیَ مَنْ رَضِیَ وَ سَخِطَ مَنْ سَخِطَ.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! فَهَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَوْثَقَ (8) مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ قَدْ أَخَذَ بَیْعَتِی عَلَیْكَ فِی أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ- وَ عَلَی جَمَاعَةٍ مَعَكَ فِیهِمْ (9): عُمَرُ وَ عُثْمَانُ-: فِی یَوْمِ الدَّارِ، وَ فِی بَیْعَةِ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَ یَوْمَ جُلُوسِهِ فِی بَیْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَ فِی یَوْمِ الْغَدِیرِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ؟

فَقُلْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ: سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ (10).

ص: 36


1- فی المصدر: للبیعة.
2- فی المصدر: أجمعوا.
3- فی المصدر: أخالفهم فیه.
4- كما قاله ابن رشد فی مقدّمة المدوّنة الكبری: 8، و حكاه الأمینیّ فی الغدیر 10- 349 و ناقشه فی أكثر من مورد، و سنرجع للحدیث عنه.
5- فی المصدر: من بعده و فی عهده.
6- فی المصدر: وافوا.
7- فی المصدر: و لم یغیّروا و لم یبدّلوا.
8- فی المصدر: هل تعلم أحدا أوثق.
9- فی نسخة: و فیهم، و فی المصدر: منكم و فیهم.
10- فی المصدر: للّٰه و لرسوله.

فَقَالَ لَكُمْ: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ عَلَیْكُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ.

فَقُلْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ عَلَیْنَا مِنَ الشَّاهِدِینَ.

فَقَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (1): فَلْیَشْهَدْ بَعْضُكُمْ عَلَی بَعْضٍ، وَ لْیُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، وَ مَنْ سَمِعَ مِنْكُمْ فَلْیُسْمِعْ مَنْ لَمْ یَسْمَعْ.

فَقُلْتُمْ: نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ قُمْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ تُهَنُّونَ (2) رَسُولَ اللَّهِ وَ تُهَنُّونِّی بِكَرَامَةِ اللَّهِ لَنَا، فَدَنَا عُمَرُ وَ ضَرَبَ عَلَی كَتِفِی وَ قَالَ بِحَضْرَتِكُمْ: بَخْ بَخْ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ أَصْبَحْتَ مَوْلَانَا (3) وَ مَوْلَی الْمُؤْمِنِینَ (4).

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ ذَكَّرْتَنِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَمْراً (5)، لَوْ یَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ شَاهِداً فَأَسْمَعُهُ مِنْهُ.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُ (6) وَ رَسُولُهُ عَلَیْكَ مِنَ الشَّاهِدِینَ، یَا أَبَا بَكْرٍ إِذَا رَأَیْتَ (7) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَیّاً وَ یَقُولُ (8) لَكَ إِنَّكَ ظَالِمٌ لِی (9) فِی أَخْذِ حَقِّیَ الَّذِی جَعَلَهُ اللَّهُ لِی وَ رَسُولُهُ (10) دُونَكَ وَ دُونَ الْمُسْلِمِینَ

ص: 37


1- فی المصدر زیادة: لكم. و هی موجودة علی حاشیة مطبوع البحار و لم یعلّم علی محلّها.
2- كذا، و لعلّه: تهنئون. قال فی القاموس ١ _ ٣٤ : هناه بالأمر وهنأه : قال له : لیهنئك. أقول: : قالوا فی الصرف : إن الهمزة قد تخفف إذا لم تقع فی الأول ، لأنها حرف شدید من أقصی الحلق ، وعلیه فلا مانع من قراءة تهنون.
3- فی المصدر: مولای.
4- یقال لهذا: حدیث التّهنئة، ذكره العلّامة الأمینیّ فی الغدیر 1- 271- 283 عن عشرات من مصادر العامّة.
5- فی المصدر: لقد ذكّرتنی أمرا یا أبا الحسن.
6- لا یوجد فی المصدر لفظ الجلالة.
7- فی المصدر: إن رأیت.
8- فی المصدر: یقول، بلا واو.
9- لا یوجد فی المصدر: لی.
10- فی المصدر: و رسوله لی.

أَ تُسَلِّمُ (1) هَذَا الْأَمْرَ إِلَیَّ وَ تَخْلَعُ نَفْسَكَ مِنْهُ؟.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! وَ هَذَا یَكُونُ؟ أَرَی (2) رَسُولَ اللَّهِ حَیّاً بَعْدَ مَوْتِهِ وَ یَقُولُ (3) لِی ذَلِكَ (4)! فَقَالَ لَهُ (5) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: نَعَمْ یَا أَبَا بَكْرٍ.

قَالَ: فَأَرِنِی ذَلِكَ إِنْ كَانَ حَقّاً (6).

فَقَالَ عَلِیٌّ (7) عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُ (8) وَ رَسُولُهُ عَلَیْكَ مِنَ الشَّاهِدِینَ إِنَّكَ تَفِی بِمَا قُلْتَ؟

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَعَمْ.

فَضَرَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی یَدِهِ وَ قَالَ: تَسْعَی مَعِی نَحْوَ مَسْجِدِ قُبَا، فَلَمَّا وَرَدَاهُ (9) تَقَدَّمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ وَرَائِهِ، فَإِذَا (10) بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ (11)، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ سَقَطَ لِوَجْهِهِ كَالْمَغْشِیِّ عَلَیْهِ.

فَنَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: ارْفَعْ رَأْسَكَ أَیُّهَا الضَّلِیلُ الْمَفْتُونُ.

فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهُ وَ قَالَ: لَبَّیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ، أَ حَیَاةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ یَا رَسُولَ اللَّهِ؟

ص: 38


1- فی المصدر: أن تسلّم.
2- فی المصدر: أن أری.
3- فی المصدر: فیقول.
4- فی المصدر: ذلك حقّا، و فی بعض النّسخ لا یوجد لفظ: ذلك.
5- لا یوجد: له، فی بعض النّسخ.
6- فی المصدر: ذلك حقّا.
7- فی المصدر: فقال له أمیر المؤمنین.
8- خ. ل: و اللّٰه، و كذا فی المصدر.
9- فی المصدر: ورده.
10- فی المصدر: فإذا هو.
11- فی المصدر: جالس فی قبلة المسجد.

فَقَالَ: وَیْلَكَ یَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ الَّذِی أَحْیاها لَمُحْیِ الْمَوْتی إِنَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (1).

قَالَ: فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ وَ شَخَصَتْ عَیْنَاهُ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَ لَهُ: وَیْلَكَ یَا أَبَا بَكْرٍ نَسِیتَ مَا عَاهَدْتَ (2) اللَّهَ وَ رَسُولَهُ عَلَیْكَ فِی الْمَوَاطِنِ الْأَرْبَعَةِ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ؟

فَقَالَ: مَا أَنْسَاهَا (3) یَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ: مَا بَالُكَ الْیَوْمَ تُنَاشِدُ عَلِیّاً- عَلَیْهِ السَّلَامُ- عَلَیْهَا (4)، وَ یُذَكِّرُكَ وَ تَقُولُ (5): نَسِیتُ ..؟! وَ قَصَّ عَلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا جَرَی بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عَلِیٍّ (6) عَلَیْهِ السَّلَامُ .. إِلَی آخِرِهِ، فَمَا نَقَصَ مِنْهُ كَلِمَةً وَ لَا زَادَ (7) فِیهِ كَلِمَةً.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: یَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ وَ هَلْ یَعْفُو اللَّهُ عَنِّی إِذَا سَلَّمْتُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ؟

قَالَ: نَعَمْ یَا أَبَا بَكْرٍ، وَ أَنَا الضَّامِنُ لَكَ عَلَی اللَّهِ ذَلِكَ إِنْ وَفَیْتَ.

قَالَ: وَ غَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْهُمَا، فَتَشَبَّثَ (8) أَبُو بَكْرٍ بِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (9) وَ قَالَ: اللَّهَ اللَّهَ فِیَّ یَا عَلِیُّ، صِرْ (10) مَعِی إِلَی مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ

ص: 39


1- فصّلت (السّجدة): 39.
2- فی المصدر: أ نسیت ما عهدت.
3- فی المصدر: ما نسیتها.
4- فی المصدر: فیها بدلا من علیها.
5- فی المصدر: فتقول.
6- فی المصدر: و بین علیّ بن أبی طالب.
7- فی المصدر: و ما زاد.
8- فی المصدر: قال فتشبّث.
9- فی المصدر: بعلیّ.
10- فی المصدر: سر.

حَتَّی أَعْلُوَ الْمِنْبَرَ فَأَقُصَّ (1) عَلَی النَّاسِ مَا شَاهَدْتُ وَ مَا رَأَیْتُ (2) مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (3) وَ مَا قَالَ لِی وَ مَا قُلْتُ لَهُ وَ مَا أَمَرَنِی (4) بِهِ، وَ أَخْلَعَ نَفْسِی عَنْ هَذَا (5) الْأَمْرِ وَ أُسَلِّمَهُ إِلَیْكَ.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَا مَعَكَ إِنْ تَرَكَكَ شَیْطَانُكَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ لَمْ یَتْرُكْنِی تَرَكْتُهُ وَ عَصَیْتُهُ.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِذاً تُطِیعَهُ وَ لَا تَعْصِیَهُ، وَ إِنَّمَا رَأَیْتَ مَا رَأَیْتَ لِتَأْكِیدِ الْحُجَّةِ عَلَیْكَ.

وَ أَخَذَ بِیَدِهِ وَ خَرَجَا مِنْ مَسْجِدِ قُبَا یُرِیدَانِ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَبُو بَكْرٍ یَتَلَوَّنُ (6) أَلْوَاناً، وَ النَّاسُ یَنْظُرُونَ إِلَیْهِ وَ لَا یَدْرُونَ مَا الَّذِی كَانَ.

حَتَّی لَقِیَهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَا شَأْنُكَ، وَ مَا الَّذِی دَهَاكَ؟

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلِّ عَنِّی یَا عُمَرُ، فَوَ اللَّهِ لَا سَمِعْتُ لَكَ قَوْلًا.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَ أَیْنَ (7) تُرِیدُ یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أُرِیدُ الْمَسْجِدَ وَ الْمِنْبَرَ.

فَقَالَ: هَذَا لَیْسَ (8) وَقْتَ صَلَاةٍ وَ مِنْبَرٍ!.

قَالَ: خَلِّ عَنِّی وَ لَا حَاجَةَ (9) لِی فِی كَلَامِكَ.

فَقَالَ عُمَرُ: یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ (10) أَ فَلَا تَدْخُلُ قَبْلَ الْمَسْجِدِ مَنْزِلَكَ فَتُسْبِغَ

ص: 40


1- فی المصدر: و أقصّ.
2- فی المصدر: و رأیت.
3- فی المصدر: أمر رسول اللّٰه.
4- فی المصدر: و أمرنی.
5- فی المصدر: من هذا.
6- فی المصدر: یخفق بعضه بعضا و یتلون.
7- فی بعض النّسخ: أین، بدون واو.
8- فی المصدر: لیس هذا.
9- فی المصدر: فقال خلّ عنّی فلا حاجة.
10- فی المصدر: یا خلیفة اللّٰه.

الْوُضُوءَ؟

قَالَ: بَلَی، ثُمَّ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَالَ لَهُ: یَا أَبَا الْحَسَنِ تَجْلِسُ إِلَی جَانِبِ الْمِنْبَرِ حَتَّی أَخْرُجَ إِلَیْكَ.

فَتَبَسَّمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: یَا أَبَا بَكْرٍ، قَدْ قُلْتُ لَكَ (1) إِنَّ شَیْطَانَكَ لَا یَدَعُكَ أَوْ (2) یُرْدِیَكَ، وَ مَضَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ جَلَسَ (3) بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ.

فَدَخَلَ (4) أَبُو بَكْرٍ مَنْزِلَهُ، وَ مَعَهُ عُمَرُ، فَقَالَ (5): یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَ لَا تُنْبِئُنِی بِأَمْرِكَ (6)، وَ تُحَدِّثُنِی بِمَا دَهَاكَ بِهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ؟

فَقَالَ (7) أَبُو بَكْرٍ: وَیْحَكَ یَا عُمَرُ! یَرْجِعُ رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ حَیّاً فَیُخَاطِبُنِی فِی ظُلْمِی لِعَلِیٍّ، بِرَدِّ (8) حَقِّهِ عَلَیْهِ وَ خَلْعِ نَفْسِی مِنْ هَذَا الْأَمْرِ.

فَقَالَ (9) عُمَرُ: قُصَّ عَلَیَّ قِصَّتَكَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَی آخِرِهَا.

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَیْحَكَ یَا عُمَرُ! قَدْ قَالَ (10) لِی عَلِیٌّ: إِنَّكَ لَا تَدَعُنِی أَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَظْلِمَةِ، وَ إِنَّكَ شَیْطَانِی، فَدَعْنِی عَنْكَ (11)، فَلَمْ یَزَلْ یَرْقُبُهُ (12) إِلَی أَنْ حَدَّثَهُ بِحَدِیثِهِ كُلِّهِ.

ص: 41


1- لا یوجد فی المصدر: لك.
2- أو، هنا بمعنی حتّی، كما فی القاموس 4- 301، و قد تجی ء بمعنی إلی.
3- فی المصدر: فجلس.
4- فی المصدر: و دخل.
5- فی المصدر: و عمر معه فقال له.
6- فی المصدر: أمرك.
7- فی بعض النّسخ: فقال له.
8- فی المصدر: و بردّ.
9- فی المصدر: فقال له.
10- فی المصدر: و اللّٰه لقد قال.
11- لا یوجد: عنك، فی المصدر.
12- قال فی القاموس 1- 75: رقبه ... انتظره، كترقّبه و ارتقبه، و الشّی ء حرسه كراقبه.

فَقَالَ لَهُ: بِاللَّهِ عَلَیْكَ (1) یَا أَبَا بَكْرٍ، أَ نَسِیتَ شِعْرَكَ (فِی) (2) أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ الَّذِی فُرِضَ عَلَیْنَا (3) صِیَامُهُ، حَیْثُ جَاءَكَ حُذَیْفَةُ بْنُ الْیَمَانِ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ وَ نُعْمَانُ الْأَزْدِیُّ وَ خُزَیْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فِی یَوْمِ جُمُعَةٍ إِلَی (4) دَارِكَ لیقضین (لِیَتَقَاضَوْكَ) دَیْنَكَ (5) عَلَیْكَ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَی بَابِ الدَّارِ سَمِعُوا لَكَ صَلْصَلَةً فِی الدَّارِ، فَوَقَفُوا بِالْبَابِ وَ لَمْ یَسْتَأْذِنُوا عَلَیْكَ، فَسَمِعُوا أُمَّ بَكْرٍ زَوْجَتَكَ تُنَاشِدُكَ وَ تَقُولُ: قَدْ عَمِلَ حَرُّ الشَّمْسِ بَیْنَ كَتِفَیْكَ، قُمْ إِلَی دَاخِلِ الْبَیْتِ وَ أَبْعِدْ مِنَ الْبَابِ لَا یَسْمَعْكَ بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (6) فَیُهْدِرُوا دَمَكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مُحَمَّداً أَهْدَرَ (7) دَمَ مَنْ أَفْطَرَ یَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ غَیْرِ سَفَرٍ وَ لَا مَرَضٍ خِلَافاً عَلَی اللَّهِ وَ عَلَی مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ (8).

فَقُلْتَ لَهَا: هَاتِ- لَا أُمَّ لَكِ- فَضْلَ طَعَامِی مِنَ اللَّیْلِ، وَ أَتْرِعِی (9) الْكَأْسَ مِنَ الْخَمْرِ، وَ حُذَیْفَةُ وَ مَنْ مَعَهُ بِالْبَابِ یَسْمَعُونَ مُحَاوَرَتَكُمَا، فَجَاءَتْ بِصَحْفَةٍ (10) فِیهَا طَعَامٌ مِنَ اللَّیْلِ وَ قصب (قَعْبٌ) (11) مَمْلُوءٌ خَمْراً، فَأَكَلْتَ مِنَ الصَّحْفَةِ وَ كَرَعْتَ (12) الْخَمْرَ،

ص: 42


1- لا توجد: علیك، فی المصدر.
2- فی المطبوع من البحار: من، و المثبت من المصدر.
3- فی المصدر: فرض اللّٰه علینا.
4- لا یوجد فی المصدر: إلی.
5- فی المصدر: لیتقاضونك دینا.
6- فی المصدر: و أبعد عن الباب لئلّا یسمعك أصحاب محمّد.
7- فی المصدر: قد هدر.
8- فی المصدر: رسوله محمّد.
9- قال فی القاموس 3- 9: أترعه: ملأه.
10- قال فی القاموس 3- 160: الصّحفة معروف، و أعظم القصاع الجفنة ثمّ الصّفحة.
11- خ. ل: قسعب، و فی أخری: قصعب، و فی المصدر: و قعب. قال فی القاموس ١ _ ١١٨ : القعب : القدح الضخم الجافی ، أو إلی الصغر. أقول: : ما فی المطبوع من البحار قد یقرأ قعب أیضا ، وأما القصب والقسب فلا یناسب المقام.
12- قال فی القاموس 3- 78: كرع فی الماء أو فی الإناء- كمنع و سمع- كرعا و كروعا: تناوله بفیه من غیر أن یشرب بكفّیه و لا بإناء.

فَأَضْحَی النَّهَارُ وَ قَدْ قُلْتَ لِزَوْجَتِكَ (1):

ذَرِینِی أَصْطَبِحْ (2) یَا أُمَّ بَكْرٍ*** فَإِنَّ الْمَوْتَ نَفَّثَ عَنْ هِشَامٍ

إِلَی أَنِ انْتَهَیْتَ فِی قَوْلِكَ (3):

یَقُولُ لَنَا ابْنُ كَبْشَةَ سَوْفَ نُحْیَا*** وَ كَیْفَ حَیَاةُ أَشْلَاءٍ وَ هَامٍ

وَ لَكِنْ بَاطِلًا قَدْ قَالَ هَذَا ***وَ إِفْكاً مِنْ زَخَارِیفِ الْكَلَامِ

أَلَا هَلْ مُبْلِغُ الرَّحْمَنِ عَنِّی*** بِأَنِّی تَارِكٌ شَهْرَ الصِّیَامِ

وَ تَارِكُ كُلِّ مَا أَوْحَی إِلَیْنَا*** مُحَمَّدٌ مِنْ أَسَاطِیرِ الْكَلَامِ

فَقُلْ لِلَّهِ: یَمْنَعُنِی شَرَابِی*** وَ قُلْ لِلَّهِ: یَمْنَعُنِی طَعَامِی

وَ لَكِنَّ الْحَكِیمَ رَأَی حَمِیراً ***فَأَلْجَمَهَا فَتَاهَتْ (4) بِاللِّجَامِ(5)

فَلَمَّا سَمِعَكَ حُذَیْفَةُ وَ مَنْ مَعَهُ تَهْجُو مُحَمَّداً، قَحَمُوا (6) عَلَیْكَ فِی دَارِكَ، فَوَجَدُوكَ وَ قَعْبُ الْخَمْرِ فِی یَدَیْكَ (7)، وَ أَنْتَ تَكْرَعُهَا، فَقَالُوا لَكَ: یَا عَدُوَّ اللَّهِ خَالَفْتَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ، وَ حَمَلُوكَ كَهَیْئَتِكَ إِلَی مَجْمَعِ النَّاسِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَ قَصُّوا عَلَیْهِ قِصَّتَكَ، وَ أَعَادُوا شِعْرَكَ، فَدَنَوْتُ مِنْكَ وَ سَارَرْتُكَ (8) وَ قُلْتُ لَكَ فِی ضَجِیجِ النَّاسِ: قُلْ إِنِّی شَرِبْتُ الْخَمْرَ لَیْلًا، فَثَمِلْتُ (9) فَزَالَ عَقْلِی، فَأَتَیْتُ مَا أَتَیْتُهُ نَهَاراً،

ص: 43


1- فی المصدر: و كرعت من الخمر فی ضحی النّهار و قلت لزوجتك هذا الشّعر.
2- قال فی القاموس 1- 233: اصطبح: أسرج و شرب الصّبوح.
3- فی المصدر: شعرك، بدل: قولك.
4- قال فی القاموس 4- 282: التّیه: الضّلال.
5- فی المصدر: فی اللّجام.
6- قال فی القاموس 4- 161: قحم فی الأمر- كنصر- قحوما: رمی بنفسه فیه فجأة بلا رویّة.
7- فی المصدر: فی یدك.
8- فی المصدر: و شاورتك، و فی نسخة: و ساورتك. قال فی القاموس ٢ _ ٥٣ : ساوره أخذ برأسه.
9- قال فی القاموس 3- 343: و الثّمل: السّكر، ثمل- كفرح- فهو ثمل.

وَ لَا عِلْمَ لِی بِذَلِكَ، فَعَسَی أَنْ یُدْرَأَ عَنْكَ الْحَدُّ.

وَ خَرَجَ مُحَمَّدٌ وَ نَظَرَ (1) إِلَیْكَ، فَقَالَ: أَیْقِظُوهُ، فقلن (فَقُلْنَا) (2): رَأَیْنَاهُ وَ هُوَ ثَمِلٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا یَعْقِلُ، فَقَالَ: وَیْحَكُمْ (3) الْخَمْرُ یُزِیلُ الْعَقْلَ، تَعْلَمُونَ هَذَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَ أَنْتُمْ (4) تَشْرَبُونَهَا؟ فَقُلْنَا: یَا رَسُولَ اللَّهِ (5) وَ قَدْ قَالَ فِیهَا إِمْرُؤُ الْقَیْسِ شِعْراً:

شَرِبْتُ الْخَمْرَ حَتَّی زَالَ عَقْلِی*** كَذَاكَ (الْخَمْرُ یَفْعَلُ) (6) بِالْعُقُولِ

ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَنْظِرُوهُ إِلَی إِفَاقَتِهِ مِنْ سَكْرَتِهِ.

فَأَمْهَلُوكَ حَتَّی أَرَیْتَهُمْ أَنَّكَ قَدْ صَحَوْتَ، فَسَاءَلَكَ مُحَمَّدٌ، فَأَخْبَرْتَهُ بِمَا أَوْعَزْتُهُ إِلَیْكَ: مِنْ شُرْبِكَ بِهَا (7) بِاللَّیْلِ.

فَمَا بَالُكَ الْیَوْمَ تُؤْمِنُ بِمُحَمَّدٍ وَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَ هُوَ عِنْدَنَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ.

فَقَالَ: وَیْحَكَ (8) یَا أَبَا حَفْصٍ! لَا شَكَّ عِنْدِی فِیمَا قَصَصْتَهُ عَلَیَّ، فَاخْرُجْ إِلَی ابْنِ أَبِی طَالِبٍ فَاصْرِفْهُ عَنِ الْمِنْبَرِ.

قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ- وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (9) جَالِسٌ تَحْتَ الْمِنْبَرِ (10)

فَقَالَ: مَا

ص: 44


1- فی المصدر: فنظر.
2- فی المصدر: استیقظوه، فقلت.
3- فی المصدر: ویحك.
4- فی المصدر: فأنتم.
5- فی المصدر: نعم یا رسول اللّٰه.
6- فی مطبوع البحار: الإثم یذهب، و المثبت من المصدر.
7- فی المصدر: لها.
8- فی المصدر: ویلك.
9- فی المصدر: و أمیر المؤمنین علیه السّلام.
10- فی المصدر: بجنب المنبر.

بَالُكَ یَا عَلِیُّ! قَدْ تَصَدَّیْتَ (1) لَهَا (2)؟ هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ، وَ اللَّهِ دُونَ مَا تَرُومُ (3) مِنْ عُلُوِّ هَذَا الْمِنْبَرِ خَرْطُ الْقَتَادِ.

فَتَبَسَّمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ حَتَّی بَدَتْ نَوَاجِدُهُ (4)، ثُمَّ قَالَ: وَیْلَكَ مِنْهَا وَ اللَّهِ یَا عُمَرُ إِذَا أُفْضِیَتْ (5) إِلَیْكَ، وَ الْوَیْلُ لِلْأُمَّةِ مِنْ بَلَائِكَ! فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ بُشْرَی یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ، صَدَقَتْ ظُنُونُكَ وَ حَقٌّ قَوْلُكَ.

وَ انْصَرَفَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی مَنْزِلِهِ، وَ كَانَ هَذَا مِنْ دَلَائِلِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ:.

بیان: الصَّلْصَلَةُ: الصّوت (6).

قوله: نَفَثَ عن هشام، لعلّ المعنی نفخ (7) عن جود النفس، قال الفیروزآبادی: الهشام ككتاب: الجود (8)، و فی بعض النسخ: نقب (9) بالقاف و الباء الموحّدة، فلعلّه جمع هشیم (10)، أی: یوضح عن العظام المتكسّرة.

ص: 45


1- خ. ل: تصیّدت. قال فی القاموس ١٠ _ ٣٠٩ : صاده یصیده ویصاده : اصطاد وخرج یتصید. وتصدی : تعرض ، كما فی القاموس ٤ _ ٣٥١.
2- لا توجد: لها، فی المصدر.
3- فی المصدر: دون اللّٰه ما ترید.
4- فی المصدر: نواجذه و هو الظّاهر إن لم یكن متعیّنا.
5- فی المصدر: أفضت.
6- كما: فی الصحاح 5- 1745، لسان العرب 11- 381، و غیرهما.
7- النفث هو كالنفخ، كما فی القاموس 1- 175.
8- القاموس 4- 190، و قارن بتاج العروس 9- 105.
9- قال فی القاموس 1- 134: نقب فی البلاد: سار. وعلیه تكون ( عن ) بمعنی ( فی ) ، أی : سار الموت فی هشام.
10- قال فی القاموس 4- 190: الهشم: كسر الشّی ء الیابس، أو الأجوف، أو كسر العظام و الرّأس خاصّة، أو الوجه و الأنف، أو كلّ شی ء، هشمه یهشمه فهو مهشوم و هشیم. أقول: : جمع هشیم یكون هشام علی طبق القاعدة ، ككریم وكرام ، وهذا المعنی هو الظاهر كما لا یخفی. ثم إن فی العبارة تقدیما وتأخیرا ظاهرا ، وقوله : فی بعض النسخ : نقب _ بالقاف والباء الموحدة مؤخر ، فتدبّر.

و أشلاء الإنسان: أعضاؤه بعد البلی و التّفرّق (1) و أوعزت إلیه فی كذا: أی تقدّمت (2).

أقول: أوردت هذا الخبر- و لا أعتمد علیه كلّ الاعتماد- لموافقته فی بعض المضامین لسائر الآثار، و اللّٰه أعلم بحقائق الأخبار.

«19»-وَ رُوِیَ أَیْضاً فِی الْإِرْشَادِ (3): بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ، مَرْفُوعاً إِلَی جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ (4) قَالَ: قَلَّدَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدَقَاتِ بِقُرَی الْمَدِینَةِ وَ ضِیَاعِ فَدَكَ رَجُلًا مِنْ ثَقِیفٍ یُقَالُ لَهُ: الْأَشْجَعُ (5) بْنُ مُزَاحِمٍ الثَّقَفِیُّ- وَ كَانَ شُجَاعاً، وَ كَانَ لَهُ أَخٌ قَتَلَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فِی وَقْعَةِ هَوَازِنَ وَ ثَقِیفٍ- فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ عَنِ الْمَدِینَةِ (6) جَعَلَ أَوَّلَ قَصْدِهِ ضَیْعَةً مِنْ ضِیَاعِ أَهْلِ الْبَیْتِ تُعْرَفُ بِبَانِقْیَا (7)، فَجَاءَ بَغْتَةً وَ احْتَوَی عَلَیْهَا وَ عَلَی صَدَقَاتٍ كَانَتْ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَتَوَكَّلَ (8) بِهَا وَ تَغَطْرَسَ عَلَی أَهْلِهَا، وَ كَانَ الرَّجُلُ زِنْدِیقاً مُنَافِقاً.

ص: 46


1- الصحاح 6- 2395 لسان العرب 14- 443، و انظر: القاموس 4- 350.
2- كما فی مجمع البحرین 4- 39، القاموس 2- 195، الصحاح 3- 901، لسان العرب 5- 430، و غیرها.
3- الإرشاد: 384- 391 و جاءت نسخة بدل علی المطبوع: خ ل: إرشاد القلوب، و هو كذلك.
4- لا یوجد فی المصدر: الجعفیّ.
5- فی المصدر: أشجع.
6- فی المصدر: من المدینة، و هو الظّاهر.
7- قال فی مراصد الاطلاع 1- 158: بانقیا- بكسر النّون- ناحیة من نواحی الكوفة كانت علی شاطئ الفرات. والظاهر من الروایة أن بانقیا هذه ناحیة من نواحی المدینة ، ولعلها متعددة.
8- فی المصدر: فوكّل. قال فی النهایة ٥ _ ٢٢١ : یقال توكل بالأمر : إذا ضمن القیام به ، ووكلت أمری إلی فلان أی : ألجأته إلیه واعتمدته فیه علیه.

فَابْتَدَرَ أَهْلُ الْقَرْیَةِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِرَسُولٍ یُعْلِمُونَهُ مَا (1) فُرِّطَ مِنَ الرَّجُلِ.

فَدَعَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِدَابَّةٍ لَهُ تُسَمَّی السَّابِحَ- وَ كَانَ أَهْدَاهُ إِلَیْهِ ابْنُ عَمٍّ لِسَیْفِ بْنِ ذِی یَزَنَ- وَ تَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، وَ تَقَلَّدَ بِسَیْفَیْنِ، وَ أَجْنَبَ دَابَّتَهُ (2) الْمُرْتَجِزَ، وَ أَصْحَبَ مَعَهُ الْحُسَیْنَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ وَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ، حَتَّی وَافَی الْقَرْیَةَ، فَأَنْزَلَهُ عَظِیمُ الْقَرْیَةِ (3) فِی مَسْجِدٍ یُعْرَفُ بِمَسْجِدِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ وَجَّهَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْحُسَیْنَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (4) یَسْأَلُهُ الْمَصِیرَ إِلَیْهِ (5).

فَصَارَ إِلَیْهِ الْحُسَیْنُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: أَجِبْ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

فَقَالَ: وَ مَنْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ.

فَقَالَ: عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (6).

فَقَالَ: أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ أَبُو بِكْرٍ خَلَّفْتُهُ بِالْمَدِینَةِ.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَیْنُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَجِبْ (7) عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ.

فَقَالَ (8): أَنَا سُلْطَانٌ وَ هُوَ مِنَ الْعَوَامِّ، وَ الْحَاجَةُ لَهُ، فَلْیَصِرْ هُوَ إِلَیَّ.

ص: 47


1- فی المصدر: ممّا.
2- فی المصدر: و أجلب إلی دابّته. قال فی النهایة ١ _ ٢٨١ : الجلب یكون فی شیئین : ... الثانی : أن یكون فی السباق ، وهو أن یتبع الرجل فرسه فیزجره ویجلب ویصیح حثا له علی الجری. وقال فی صفحة ٣٠٣ : الجنب _ بالتحریك _ فی السباق : أن یجنب فرسا إلی فرسه الذی یسابق علیه ، فإذا فتر المركوب تحول إلی المجنوب. والأولی أن تكون العبارة : أجلب دابته ، أو أجنب إلی دابته.
3- لا یوجد لفظ: القریة، فی المصدر.
4- فی المصدر: بالحسین علیه السّلام.
5- فی المصدر: المسیر إلیه.
6- لا یوجد فی المصدر: ابن أبی طالب.
7- فی المصدر: فقال الحسین: فأجب.
8- فی المصدر: قال.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَیْنُ: وَیْلَكَ! أَ یَكُونُ مِثْلُ وَالِدِی مِنَ الْعَوَامِّ، وَ مِثْلُكَ یَكُونُ السُّلْطَانَ (1)؟! فَقَالَ: أَجَلْ، لِأَنَّ وَالِدَكَ لَمْ یَدْخُلْ فِی بَیْعَةِ أَبِی بَكْرٍ إِلَّا كُرْهاً، وَ بَایَعْنَاهُ (2).

طَائِعِینَ، وَ كُنَّا لَهُ غَیْرَ كَارِهِینَ، فَشَتَّانَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ (3).

فَصَارَ الْحُسَیْنُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَعْلَمَهُ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ.

فَالْتَفَتَ إِلَی عَمَّارٍ فَقَالَ (4): یَا أَبَا الْیَقْظَانِ صِرْ إِلَیْهِ (5) وَ الْطُفْ لَهُ فِی الْقَوْلِ، وَ اسْأَلْهُ أَنْ یَصِیرَ إِلَیْنَا، فَإِنَّهُ لَا یَجِبُ لِوَصِیٍّ مِنَ الْأَوْصِیَاءِ أَنْ یَصِیرَ إِلَی أَهْلِ الضَّلَالَةِ، فَنَحْنُ (6) مِثْلُ بَیْتِ اللَّهِ یُؤْتَی وَ لَا یَأْتِی.

فَصَارَ إِلَیْهِ عَمَّارٌ (7)، وَ قَالَ (8): مَرْحَباً یَا أَخَا ثَقِیفٍ، مَا الَّذِی أَقْدَمَكَ عَلَی (9) أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فِی حِیَازَتِهِ، وَ حَمَلَكَ عَلَی الدُّخُولِ فِی مَسَاءَتِهِ، فَصِرْ إِلَیْهِ (10)، وَ أَفْصِحْ عَنْ حُجَّتِكَ.

فَانْتَهَرَ عَمَّاراً (11)، وَ أَفْحَشَ لَهُ فِی الْكَلَامِ، وَ كَانَ عَمَّارٌ شَدِیدَ الْغَضَبِ،

ص: 48


1- فی المصدر: سلطانا؟ قال.
2- فی المصدر: و نحن بایعناه.
3- لا یوجد: فشتّان بیننا و بینه، فی المصدر.
4- فی المصدر: و قال.
5- فی المصدر: سر إلیه.
6- فی المصدر: فإنّه من أهل الضّلالة و نحن.
7- لا یوجد: عمّار، فی المصدر.
8- فی المصدر: و قال له.
9- فی المصدر: علی مثل.
10- فی المصدر: سر إلیه.
11- فی المصدر: فانتهره عمّار.

فَوَضَعَ حَمَائِلَ سَیْفِهِ فِی عُنُقِهِ، فَمَدَّ (1) یَدَهُ إِلَی السَّیْفِ.

فَقِیلَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: الْحَقْ عَمَّاراً، فَالسَّاعَةَ (2) یَقْطَعُونَهُ، فَوَجَّهَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْجَمْعَ (3)، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تُهَابُوهُ وَ صَیِّرُوا بِهِ إِلَیَّ.

وَ كَانَ مَعَ الرَّجُلِ ثَلَاثُونَ فَارِساً (4) مِنْ خِیَارِ (5) قَوْمِهِ، فَقَالُوا لَهُ: وَیْلَكَ! هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ قَتَلَكَ وَ قَتْلُ (6) أَصْحَابِكَ عِنْدَهُ دُونَ النُّطْفَةِ (7)، فَسَكَتَ الْقَوْمُ جَزَعاً (8) مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَسُحِبَ الْأَشْجَعُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی حُرِّ وَجْهِهِ سَحْباً.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (9): دَعُوهُ وَ لَا تَعْجَلُوا، فَإِنَّ الْعَجَلَةَ وَ الطَّیْشَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَجُ اللَّهِ (10) وَ بَرَاهِینُهُ.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَیْلَكَ! بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مَا أَخَذْتَ مِنْ أَمْوَالِ (11) أَهْلِ الْبَیْتِ؟ وَ مَا حُجَّتُكَ عَلَی ذَلِكَ (12)؟

فَقَالَ لَهُ: وَ أَنْتَ فَبِمَ اسْتَحْلَلْتَ قَتْلَ هَذَا الْخَلْقِ فِی كُلِّ حَقٍّ وَ بَاطِلٍ، وَ أَنَّ مَرْضَاةَ صَاحِبِی لَهِیَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنِ اتِّبَاعِ (13) مُوَافَقَتِكَ.

ص: 49


1- فی المصدر: و مدّ.
2- فی المصدر: فی السّاعة.
3- خ. ل: بالجمع، و كذا فی المصدر، و بعده: و قال.
4- فی المصدر: رجلا.
5- فی المصدر: جیاد.
6- فی المصدر: و اللّٰه و قتل.
7- الظّاهر: النطقة، و فی المصدر: النّقطة.
8- فی المصدر: خوفا.
9- فی المصدر: فسحب الأشجع علی وجهه سحبا إلی أمیر المؤمنین، فقال علیه السّلام:.
10- فی المصدر: فإنّ فی العجلة لا تقوم حجج اللّٰه.
11- فی المصدر: ثمّ قال أمیر المؤمنین للأشجع: ویلك فبم استحللت أخذ أموال ..
12- فی المصدر: فی ذلك.
13- فی المصدر: من أنّ أتابع.

فَقَالَ عَلِیٌّ (1) عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَیْهاً (2) عَلَیْكَ! مَا أَعْرِفُ مِنْ نَفْسِی (3) إِلَیْكَ ذَنْباً إِلَّا قَتْلَ أَخِیكَ یَوْمَ هَوَازِنَ، وَ لَیْسَ بِمِثْلِ هَذَا الْقَتْلِ (4) تُطْلَبُ الثَّارَاتُ، فَقَبَّحَكَ اللَّهُ وَ تَرَّحَكَ.

فَقَالَ لَهُ الْأَشْجَعُ: بَلْ قَبَّحَكَ اللَّهُ (5) وَ بَتَرَ عُمُرَكَ- أَوْ قَالَ: تَرَّحَكَ- فَإِنَّ حَسَدَكَ لِلْخُلَفَاءِ (6) لَا یَزَالُ بِكَ حَتَّی یُورِدَكَ مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ وَ الْمَعَاطِبِ، وَ بَغْیُكَ عَلَیْهِمْ یَقْصُرُ بِكَ عَنْ (7) مُرَادِكَ.

فَغَضِبَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ تَمَطَّی عَلَیْهِ بِسَیْفِهِ فَحَلَّ عُنُقَهُ (8) وَ رَمَاهُ عَنْ جَسَدِهِ بِسَاعِدِهِ الْیُمْنَی، فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ عَلَی الْفَضْلِ، فَسَلَّ (9) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ، فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ (10) إِلَی بَرِیقِ عَیْنَیِ الْإِمَامِ وَ لَمَعَانِ ذِی الْفَقَارِ فِی كَفِّهِ (11) رَمَوْا سِلَاحَهُمْ وَ قَالُوا: الطَّاعَةَ الطَّاعَةَ (12).

فَقَالَ (13) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أُفٍّ لَكُمْ، انْصَرِفُوا بِرَأْسِ صَاحِبِكُمْ هَذَا الْأَصْغَرِ إِلَی صَاحِبِكُمُ الْأَكْبَرِ، فَمَا بِمِثْلِ قَتْلِكُمْ یُطْلَبُ الثَّارُ، وَ لَا تَنْقَضِی الْأَوْتَارُ

ص: 50


1- فی المصدر لا یوجد: علیّ.
2- قال فی القاموس 4- 296: هیهات .. و أیها .. إحدی و خمسون لغة، و معناها: البعد.
3- فی المصدر: فی نفسی.
4- فی بعض النّسخ: الفعل، و فی بعضها: العقل.
5- فی المصدر لا یوجد لفظ الجلالة.
6- فی المصدر: الخلفاء.
7- فی المصدر: و یقصر عن.
8- فی المصدر: عنه.
9- فی المصدر: و سلّ.
10- فی المصدر: نظروا.
11- فی المصدر: فی یده.
12- لا توجد (الطّاعة) الثّانیة فی المصدر.
13- فی المصدر: فقال لهم.

فَانْصَرَفُوا وَ مَعَهُمْ رَأْسُ صَاحِبِهِمْ، حَتَّی أَلْقَوْهُ بَیْنَ یَدَیْ أَبِی بِكْرٍ.

فَجَمَعَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارَ، وَ قَالَ: یَا مَعَاشِرَ (1) النَّاسِ، إِنَّ أَخَاكُمْ الثَّقَفِیَّ أَطَاعَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَقَلَّدْتُهُ صَدَقَاتِ الْمَدِینَةِ وَ مَا یَلِیهَا، فَفَاقَصَهُ (2) ابْنُ أَبِی طَالِبٍ، فَقَتَلَهُ أَخْبَثَ (3) قَتْلَةٍ، وَ مَثَّلَ بِهِ أَخْبَثَ (4) مُثْلَةٍ، وَ قَدْ خَرَجَ فِی نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَی قُرَی الْحِجَازِ، فَلْیَخْرُجْ إِلَیْهِ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَ لْیَرُدُّوهُ (5) عَنْ سُنَّتِهِ، وَ اسْتَعِدُّوا لَهُ مِنَ الْخَیْلِ (6) وَ السِّلَاحِ وَ مَا یَتَهَیَّأُ لَكُمْ (7)، وَ هُوَ مَنْ تَعْرِفُونَهُ: الدَّاءُ (8) الَّذِی لَا دَوَاءَ لَهُ، وَ الْفَارِسُ الَّذِی لَا نَظِیرَ لَهُ.

قَالَ: فَسَكَتَ الْقَوْمُ مَلِیّاً كَأَنَّ الطَّیْرَ عَلَی رُءُوسِهِمْ.

فَقَالَ: أَ خُرْسٌ أَنْتُمْ أَمْ ذَوُو أَلْسُنٍ؟! فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ یُقَالُ لَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ الصَّخْرِ، فَقَالَ (9) لَهُ:

إِنْ صِرْتَ (10) إِلَیْهِ سِرْنَا مَعَكَ، فَأَمَّا لَوْ سَارَ (11) جَیْشُكَ هَذَا لَیَنْحَرَنَّهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ كَنَحْرِ الْبُدْنِ.

ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَ تَعْلَمُ إِلَی مَنْ تُوَجِّهُنَا؟! إِنَّكَ تُوَجِّهُنَا إِلَی الْجَزَّارِ

ص: 51


1- فی المصدر: معاشر.- بلا حرف نداء-.
2- كذا، و یحتمل أن تقرأ فغافصه كما یأتی فی بیان المصنّف، و لم نجد مادّة مفاقصة فیما بأیدینا من كتب اللّغة.
3- فی المصدر: أشنع.
4- فی المصدر: أعظم.
5- فی المصدر: من یردّه.
6- فی المصدر: من رباط الخیل.
7- فی المصدر: تهیّأ لكم.
8- فی المصدر: أنّه الدّاء.
9- فی المصدر: صخرة، و قال.
10- فی نسخة: سرت، و فی المصدر: سرت أنت.
11- فی المصدر: أمّا لو صار إلیه.

الْأَعْظَمِ الَّذِی یَخْتَطِفُ (1) الْأَرْوَاحَ بِسَیْفِهِ خَطْفاً، وَ اللَّهِ إِنَّ لِقَاءَ مَلَكِ الْمَوْتِ أَسْهَلُ (2) عَلَیْنَا مِنْ لِقَاءِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ.

فَقَالَ ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ: لَا جُزِیتُمْ مِنْ قَوْمٍ عَنْ إِمَامِكُمْ (3) خَیْراً، إِذَا ذُكِرَ لَكُمْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ دَارَتْ أَعْیُنُكُمْ فِی وُجُوهِكُمْ، وَ أَخَذَتْكُمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ (4)، أَ هَكَذَا یُقَالُ لِمِثْلِی؟! قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: لَیْسَ لَهُ إِلَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ.

فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ (5): یَا أَبَا سُلَیْمَانَ، أَنْتَ الْیَوْمَ سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللَّهِ، وَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ، وَ حَتْفُ اللَّهِ عَلَی أَعْدَائِهِ، وَ قَدْ شَقَّ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَصَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَ خَرَجَ (6) فِی نَفَرٍ (7) مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَی ضِیَاعِ الْحِجَازِ، وَ قَدْ قَتَلَ مِنْ شِیعَتِنَا لَیْثاً صَئُولًا وَ كَهْفاً مَنِیعاً، فَصِرْ إِلَیْهِ فِی كَثِیفٍ مِنْ قَوْمِكَ وَ سَلْهُ (8) أَنْ یَدْخُلَ الْحَضْرَةَ، فَقَدْ عَفَوْنَا عَنْهُ، فَإِنْ (9) نَابَذَكَ الْحَرْبَ فَجِئْنَا بِهِ أَسِیراً.

فَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فِی خَمْسِمِائَةِ (10) فَارِسٍ مِنْ أَبْطَالِ قَوْمِهِ، قَدْ أَشْخَنُوا (11)

ص: 52


1- فی المصدر: یخطف.
2- فی المصدر: أسهل و أهون.
3- فی المصدر: إمامهم.
4- فی المصدر: فأخذتكم سكرات الموت.
5- فی المصدر: فالتفت عمر بن الخطّاب إلی أبی بكر و قال له: لیس لعلیّ إلّا خالد بن الولید، فقال أبو بكر.
6- فی المصدر: و أتی.
7- فی نسخة: نفر، بدون فی.
8- فی المصدر: و اسأله.
9- فی المصدر: و إن.
10- فی المصدر: خالد و معه خمسمائة.
11- خ. ل: أشحنوا، و فی المصدر: و قد أثقلوا بالسّلاح. أقول: : الشحن : الملء ، قاله فی القاموس ٤ _ ٢٣٩ وشحن وشخن _ بالمعجمة _ : تهیأ للبكاء. ویحتمل أن یكون أثخنوا ، قال فی النهایة ١ _ ٢٠٨ الإثخان فی الشیء : المبالغة فیه والإكثار منه.

سِلَاحاً، حَتَّی قَدِمُوا عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

قَالَ: فَنَظَرَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ إِلَی غَبَرَةِ الْخَیْلِ، فَقَالَ (1): یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! قَدْ وَجَّهَ إِلَیْكَ ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ (2) بِقَسْطَلٍ یَدُقُّونَ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِ الْخَیْلِ دَقّاً.

فَقَالَ: یَا ابْنَ الْعَبَّاسِ! هَوِّنْ عَلَیْكَ، فَلَوْ كَانَ (3) صَنَادِیدَ قُرَیْشٍ وَ قَبَائِلَ حُنَیْنٍ وَ فُرْسَانَ هَوَازِنَ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ إِلَّا مِنْ ضَلَالَتِهِمْ.

ثُمَّ قَامَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَشَدَّ مِحْزَمَ (4) الدَّابَّةِ، ثُمَّ اسْتَلْقَی عَلَی قَفَاهُ نَائِماً (5) تَهَاوُناً بِخَالِدٍ، حَتَّی وَافَاهُ (6)، فَانْتَبَهَ لِصَهِیلِ الْخَیْلِ.

فَقَالَ: یَا أَبَا سُلَیْمَانَ! مَا الَّذِی عَدَلَ (7) بِكَ إِلَیَّ؟

فَقَالَ: عَدَلَ بِی إِلَیْكَ مَنْ أَنْتَ (8) أَعْلَمُ بِهِ مِنِّی.

فَقَالَ: فَأَسْمِعْنَا الْآنَ.

فَقَالَ (9): یَا أَبَا الْحَسَنِ! أَنْتَ فَهِمٌ غَیْرُ مُفَهَّمٍ، وَ عَالِمٌ غَیْرُ مُعَلَّمٍ، فَمَا هَذِهِ اللُّوثَةُ الَّتِی بَدَرَتْ مِنْكَ، وَ النَّبْوَةُ الَّتِی قَدْ ظَهَرَتْ فِیكَ، إِنْ كُنْتَ (10) كَرِهْتَ

ص: 53


1- فی المصدر: من بعد و قال.
2- فی المصدر: إنّ ابن أبی قحافة قد وجّه إلیك.
3- فی المصدر: فقال له: هوّن علیك یا ابن العبّاس، و اللّٰه لو كانوا.
4- قال فی القاموس 4- 95: حزم الفرس: شدّ حزامه، و المحزم- كمنبر- ... ما حزم به.
5- فی المصدر: فشدّ علی دابّته و استلقی تهاونا حتّی ...
6- خ. ل: أتاه، و فی المصدر: وافوه و انتبه بصهیل.
7- فی المصدر: أتی.
8- فی المصدر: قال أتی بی ما أنت.
9- لا یوجد فی المصدر: فقال: فأسمعنا الآن، فقال:.
10- لا یوجد فی المصدر: كنت.

هَذَا الرَّجُلَ فَلَیْسَ یَكْرَهُكَ، وَ لَا تَكُونَنَّ (1) وَلَایَتُهُ ثِقْلًا عَلَی كَاهِلِكَ، وَ لَا شَجًا فِی حَلْقِكَ، فَلَیْسَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بَیْنَكَ وَ بَیْنَهُ خِلَافٌ، وَ دَعِ (2) النَّاسَ وَ مَا تَوَلَّوْهُ، ضَلَّ مَنْ ضَلَّ، وَ هَدَی مَنْ هَدَی، وَ لَا تُفَرِّقْ بَیْنَ كَلِمَةٍ مُجْتَمِعَةٍ، وَ لَا تُضْرِمِ النَّارَ (3) بَعْدَ خُمُودِهَا، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ وَجَدْتَ غِبَّهُ غَیْرَ مَحْمُودٍ.

فَقَالَ (4) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَ تُهَدِّدُنِی یَا خَالِدُ بِنَفْسِكَ (5) وَ بِابْنِ أَبِی قُحَافَةَ؟! فَمَا بِمِثْلِكَ وَ مِثْلِهِ (6) تَهْدِیدٌ، فَدَعْ عَنْكَ تُرَّهَاتِكَ (7) الَّتِی أَعْرِفُهَا مِنْكَ وَ اقْصِدْ نَحْوَ مَا وُجِّهْتَ (8) لَهُ.

قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَیَّ إِنْ (9) رَجَعْتَ عَنْ سَنَنِكَ (10) كُنْتَ مَخْصُوصاً بِالْكَرَامَةِ وَ الْحَبْوِ (11)، وَ إِنْ أَقَمْتَ عَلَی مَا أَنْتَ عَلَیْهِ مِنْ خِلَافِ (12) الْحَقِّ حَمَلْتُكَ إِلَیْهِ أَسِیراً.

ص: 54


1- فی المصدر: فلا تكن.
2- فی المصدر: فدع.
3- فی المصدر: نارا.
4- فی المصدر: قال.
5- فی المصدر: بنفسك یا خالد.
6- فی المصدر: و بمثله.
7- بمعنی الأباطیل، كما فی القاموس 4- 282.
8- فی المصدر: وجّهك.
9- فی المصدر: إنّك إن.
10- فی المصدر: سنّتك.
11- خ. ل: الحبور، و كذا فی المصدر، و فی (س): الحبود. ولم نجد لكلمة الحبود معنی فی كتب اللغة ، ولعلها تصحیف. قال فی القاموس ٤ _ ٣١٤ : حبا حبوا .. : دنا .. وفلانا أعطاه بلا جزاء ولا من. وقال فی ٢ _ ٢ : الحبر : السرور ، كالحبور.
12- فی المصدر: مخالفة.

فَقَالَ لَهُ (1) عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ (2)، وَ أَنْتَ تَعْرِفُ الْحَقَّ (3) مِنَ الْبَاطِلِ، وَ مِثْلُكَ یَحْمِلُ (4) مِثْلِی أَسِیراً، یَا ابْنَ الرَّادَّةِ عَنِ الْإِسْلَامِ، أَ تَحْسَبُنِی وَیْلَكَ (5) مَالِكَ بْنَ نُوَیْرَةَ حَیْثُ قَتَلْتَهُ (6) وَ نَكَحْتَ امْرَأَتَهُ، یَا خَالِدُ جِئْتَنِی بِرِقَّةِ عَقْلِكَ وَ اكْفِهْرَارِ (7) وَجْهِكَ وَ تَشَمُّخِ (8) أَنْفِكَ، وَ اللَّهِ لَئِنْ تَمَطَّیْتُ بِسَیْفِی هَذَا عَلَیْكَ وَ عَلَی أَوْغَارِكَ (9) لَأُشْبِعَنَّ مِنْ لُحُومِكُمْ جُوعَ (10) الضِّبَاعِ وَ طِلْسَ (11) الذِّئَابِ (12)، وَ لبست (لَسْتَ) وَیْلَكَ مِمَّنْ یَقْتُلُنِی (13) أَنْتَ وَ لَا صَاحِبُكَ، وَ إِنِّی لَأَعْرِفُ

ص: 55


1- فی المصدر: قال علیّ.
2- قال فی القاموس 4- 266: اللّخناء: هی الّتی لم تختن، و قال: اللّخن: قبح ریح الفرج.
3- فی المصدر: یا ابن الخنا أ تعرف الحقّ.
4- فی المصدر: و هل مثلك من یحمل.
5- فی المصدر: ویلك أ تحسبنی.
6- فی المصدر: الّذی قتلته.
7- قال فی القاموس 2- 128: المكفهرّ من الوجوه: القلیل اللّحم الغلیظ الّذی لا یستحی، أو الضّارب لونه إلی الغبرة مع غلظ و المتعبّس.
8- فی المصدر: و شموخ.
9- بمعنی أصواتك، كما فی القاموس 2- 155، أی: الّذین یصوّتون معك. وفی المصدر : أوغادك ، وهو جمع وغد ، وهو الأحمق الضعیف الرذل الدنی ، أو الضعیف جسما كما فی القاموس ١ _ ٣٤١.
10- فی نسخة: عرج، و كذا فی المصدر.
11- قال فی القاموس 2- 226: الطّلس: الذّئب الأمعط. فیكون من إضافة الصفة إلی الموصوف. وقال فی مادة معط ٢ _ ٣٨٦ : معط الذئب : خبث ، أو قل شعره ، فهو أمعط. وذكر المؤلف فی بیانه الآتی لمعنی ( طلس ) بأنه العدد الكثیر ، والظاهر أنه لا ینطبق علی كلمة ( طلس ) ، بل هو معنی كلمة ( طیس ).
12- خ. ل: الذّباب.
13- فی المصدر: ویلك لست ممّن تقتلنی.

قَاتِلِی، وَ أَطْلُبُ مَنِیَّتِی صَبَاحاً وَ مَسَاءً، وَ مَا مِثْلُكَ یَحْمِلُ مِثْلِی (1) أَسِیراً، وَ لَوْ أَرَدْتَ ذَلِكَ لَقَتَلْتُكَ فِی فَنَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ.

فَغَضِبَ خَالِدٌ وَ قَالَ: تُوَعِّدُ وَعِیدَ (2) الْأَسَدِ وَ تَرُوغُ رَوَغَانَ الثَّعَالِبِ (3)، مَا أَعْدَاكَ فِی الْمَقَالِ، وَ مَا مِثْلُكَ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ.

فَقَالَ (4) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (5): إِذَا كَانَ هَذَا قَوْلَكَ فَشَأْنَكَ، وَ سَلَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی خَالِدٍ ذَا الْفَقَارِ (6)، وَ خَفَقَ عَلَیْهِ (7).

فَلَمَّا نَظَرَ خَالِدٌ إِلَی بَرِیقِ عَیْنَیِ الْإِمَامِ، وَ بَرِیقِ (8) ذِی الْفَقَارِ فِی یَدِهِ، وَ تَصَمُّمِهِ عَلَیْهِ (9)، نَظَرَ إِلَی الْمَوْتِ عِیَاناً (10)، وَ قَالَ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! لَمْ نُرِدْ هَذَا.

فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (11) عَلَیْهِ السَّلَامُ بِقَفَارِ رَأْسِ (12) ذِی الْفَقَارِ عَلَی ظَهْرِهِ (13)، فَنَكَسَهُ عَنْ دَابَّتِهِ، وَ لَمْ یَكُنْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِیَرُدَّ یَدَهُ إِذَا رَفَعَهَا، لِئَلَّا یُنْسَبَ إِلَی الْجُبْنِ.

ص: 56


1- فی المصدر: و ما یحمل مثلك مثلی.
2- فی المصدر: فغضب خالد و توعّد وعید.
3- فی المصدر: الثّعلب و قال.
4- فی المصدر: عند ذلك قال.
5- فی المصدر: زیادة: لخالد.
6- فی المصدر: و سلّ علیه سیفه ذا الفقار.
7- لا یوجد: و خفق علیه، فی المصدر.
8- فی المصدر: و لمعان.
9- لا یوجد: و تصمّمه علیه، فی المصدر.
10- فی المصدر زیادة: فاستخفی.
11- فی المصدر: الإمام، بدلا من أمیر المؤمنین.
12- لا یوجد فی المصدر: رأس.
13- فی (ك): علی رأسه.

فَلَحِقَ (1) أَصْحَابَ خَالِدٍ مِنْ فِعْلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ هَوْلٌ عَجِیبٌ وَ خَوْفٌ عَنِیفٌ.

ثُمَّ قَالَ (2) عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا لَكُمْ لَا تُكَافِحُونَ (3) عَنْ سَیِّدِكُمْ؟ وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ أَمْرُكُمْ إِلَیَّ لَتَرَكْتُ رُءُوسَكُمْ، وَ هُوَ أَخَفُّ عَلَی یَدِی مِنْ جَنَی الْهَبِیدِ عَلَی أَیْدِی الْعَبِیدِ، وَ عَلَی هَذَا السَّبِیلِ تَقْضِمُونَ (4) مَالَ الْفَیْ ءِ؟! أُفٍّ لَكُمْ.

فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ یُقَالُ لَهُ الْمُثَنَّی بْنُ الصَّیَّاحِ (5)

وَ كَانَ عَاقِلًا فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا جِئْنَاكَ لِعَدَاوَةٍ بَیْنَنَا وَ بَیْنَكَ، أَوْ (6) عَنْ غَیْرِ مَعْرِفَةٍ بِكَ، وَ إِنَّا لَنَعْرِفُكَ كَبِیراً وَ صَغِیراً، وَ أَنْتَ أَسَدُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ، وَ سَیْفُ نَقِمَتِهِ عَلَی أَعْدَائِهِ، وَ مَا مِثْلُنَا مَنْ جَهِلَ مِثْلَكَ، وَ نَحْنُ أَتْبَاعٌ مَأْمُورُونَ، وَ جُنْدٌ مُوَازِرُونَ (7)، وَ أَطْوَاعٌ غَیْرُ مُخَالِفِینَ، فَتَبّاً لِمَنْ وَجَّهَ بِنَا (8) إِلَیْكَ! أَ مَا كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِیَوْمِ بَدْرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَیْنٍ؟

فَاسْتَحَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ، وَ تَرَكَ الْجَمِیعَ، وَ جَعَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یُمَازِحُ خَالِداً لِمَا بِهِ (9) مِنْ أَلَمِ الضَّرْبَةِ، وَ هُوَ سَاكِتٌ.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَیْلَكَ (10) یَا خَالِدُ! مَا أَطْوَعَكَ

ص: 57


1- فی المصدر: إلیه الجبن و لحق.
2- كذا، و فی المصدر: هول عجیب و رعب عنیف فقال لهم.
3- قال فی النّهایة 4- 185: المكافحة: المضاربة و المدافعة تلقاء الوجه.
4- فی المصدر: تقضون.
5- فی المصدر: المثنّی بن الصّبّاح.
6- فی المصدر: و لا، بدلا من: أو.
7- لا یوجد فی المصدر: و جند موازرون.
8- خ. ل: وجّهنا، و كذا فی المصدر.
9- فی المصدر: یمازح خالدا الّذی كان ساكتا لا ینطق بكلمة، لما به.
10- فی المصدر: قائلا له: ویلك، بدلا من: و هو ساكت فقال له أمیر المؤمنین علیه السّلام ویلك.

لِلْخَائِنِینَ النَّاكِثِینَ! أَ مَا كَانَ لَكَ بِیَوْمِ الْغَدِیرِ مَقْنَعٌ إِذْ بَدَرَ إِلَیْكَ صَاحِبُكَ فِی الْمَسْجِدِ حَتَّی كَانَ مِنْكَ مَا كَانَ، فَوَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ كَانَ مِمَّا رُمْتَهُ أَنْتَ وَ صَاحِبَاكَ- ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ وَ ابْنُ صُهَاكَ شَیْ ءٌ لَكَانَا هُمَا أَوَّلَ مَقْتُولِینَ بِسَیْفِی هَذَا، وَ أَنْتَ مَعَهُمَا، وَ یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ وَ لَا یَزَالُ یَحْمِلُكَ عَلَی إِفْسَادِ حَالَتِكَ عِنْدِی، فَقَدْ تَرَكْتَ الْحَقَّ عَلَی مَعْرِفَةٍ وَ جِئْتَنِی تَجُوبُ مَفَاوِزَ (1) الْبَسَابِسِ، لِتَحْمِلَنِی إِلَی ابْنِ أَبِی قُحَافَةَ أَسِیراً، بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ أَنِّی قَاتِلُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ وَ مَرْحَبٍ، وَ قَالِعُ بَابِ خَیْبَرَ، وَ إِنِّی لَمُسْتَحْیِی مِنْكُمْ وَ مِنْ قِلَّةِ عُقُولِكُمْ.

أَ وَ تَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ خَفِیَ عَلَیَّ مَا تَقَدَّمَ بِهِ إِلَیْكَ صَاحِبُكَ حِینَ أَخْرَجَكَ (2) إِلَیَّ، وَ أَنْتَ تَذْكُرُ (3) مَا كَانَ مِنِّی إِلَی عَمْرِو بْنِ مَعْدِیكَرِبَ وَ إِلَی أصید (4) بْنِ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِیِّ، فَقَالَ لَكَ ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ (5): لَا تَزَالُ تَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ (6) ذَلِكَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَ هُوَ الْآنَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَ لَیْسَ كَذَلِكَ یَا خَالِدُ؟! فَلَوْ لَا مَا تَقَدَّمَ بِهِ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَكَانَ مِنِّی إِلَیْهِمَا «7» مَا هُمَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ.

یَا خَالِدُ! أَیْنَ كَانَ ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ وَ أَنْتَ تَخُوضُ مَعِی الْمَنَایَا فِی لُجَجِ الْمَوْتِ

ص: 58


1- فی المصدر: مفارز.
2- فی المصدر: استخرجك.
3- فی المصدر: تذكره.
4- فی المصدر: أسید.
5- فی المصدر: ابن قحافة.
6- لا یوجد: كان، فی المصدر. (7) فی المصدر: لهما منّی.

خَوْضاً، وَ قَوْمُكَ بَادُونَ (1) فِی الِانْصِرَافِ كَالنَّعْجَةِ الْقَوْدَاءِ وَ الدِّیكِ (2) النَّافِشِ (3)، فَاتَّقِ اللَّهَ یَا خَالِدُ، وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِینَ خَصِیماً (4)، وَ لَا لِلظَّالِمِینَ ظَهِیراً.

فَقَالَ خَالِدٌ (5): یَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنِّی أَعْرِفُ مَا تَقُولُ، وَ مَا عَدَلَتِ الْعَرَبُ وَ الْجَمَاهِیرُ عَنْكَ إِلَّا طَلَبَ ذُحُولِ (6) آبَائِهِمْ قَدِیماً، وَ تَنَكُّلَ رُءُوسِهِمْ قَرِیباً، فَرَاغَتْ عَنْكَ كَرَوَغَانِ الثَّعْلَبِ (7) فِیمَا بَیْنَ الْفِجَاجِ وَ الدَّكَادِكِ (8)، وَ صُعُوبَةَ إِخْرَاجِ ملك (الْمُلْكِ) (9) مِنْ یَدِكَ، وَ هَرْباً مِنْ سَیْفِكَ، وَ مَا دَعَاهُمْ إِلَی بَیْعَةِ أَبِی بَكْرٍ إِلَّا اسْتِلَانَةُ جَانِبِهِ، وَ لِینُ عَرِیكَتِهِ، وَ أَمْنُ جَانِبِهِ (10)، وَ أَخْذُهُمُ الْأَمْوَالَ فَوْقَ (11) اسْتِحْقَاقِهِمْ، وَ لَقَلَّ الْیَوْمَ مَنْ یَمِیلُ إِلَی الْحَقِّ، وَ أَنْتَ قَدْ بِعْتَ الدُّنْیَا بِالْآخِرَةِ (12)، وَ لَوِ اجْتَمَعَتْ أَخْلَاقُهُمْ إِلَی أَخْلَاقِكَ (13) لَمَا خَالَفَكَ خَالِدٌ.

فَقَالَ لَهُ (14) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ اللَّهِ مَا أَتَی (15) خَالِدٌ إِلَّا مِنْ

ص: 59


1- فی نسخة: بادرون، و كذا فی المصدر.
2- فی المصدر: و كالدیك.
3- قال فی القاموس 2- 291: النّفش: تشعیث الشّی ء بأصابعك حتّی ینتشر كالتّنفیش .. وتنفشت الطائر : نقض ریشه ، كأنه یخاف أو یرعد ، وكذا فی تاج العروس ٤ _ ٣٥٨.
4- لا یوجد: خصمیا فی (س)، و فی المصدر: رفیقا، و هو الظّاهر.
5- لا یوجد: خالد، فی المصدر.
6- فی المصدر: دخول. و ما فی المتن هو الظّاهر، إذ الذّحول: هو الوتر و طلب المكافأة بجنایة جنیت علیه من قتل أو جرح أو نحو ذلك.
7- فی المصدر: روغان الثّعالب.
8- الدّكادك هی: الأراضی الّتی فیها غلظ، كما فی القاموس 3- 302.
9- فی المصدر: الملك.
10- لا یوجد: و أمن جانبه، فی المصدر.
11- فی المصدر: من فوق.
12- فی المصدر: الآخرة بالدّنیا.
13- فی المصدر: أخلاقك إلی أخلاقهم.
14- لا یوجد: له، فی المصدر.
15- فی المصدر: أوتی.

جِهَةِ (1) هَذَا الْخَئُونِ الظَّلُومِ الْمُفَتِّنِ ابْنِ صُهَاكَ، فَإِنَّهُ لَا یَزَالُ یُؤَلِّبُ عَلَی الْقَبَائِلِ وَ یُفْزِعُهُمْ مِنِّی وَ یُؤْیِسُهُمْ (2) مِنْ عَطَایَاهُمْ، وَ یُذَكِّرُهُمْ مَا أَنْسَاهُمُ الدَّهْرُ، وَ سَیَعْلَمُ غِبَّ أَمْرِهِ إِذَا فَاضَتْ نَفْسُهُ.

فَقَالَ خَالِدٌ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! بِحَقِّ أَخِیكَ لَمَّا قَطَعْتَ (3) هَذَا مِنْ نَفْسِكَ، وَ صِرْتَ إِلَی مَنْزِلِكَ مُكَرَّماً، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ رَضُوا بِالْكَفَافِ مِنْكَ.

فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (4): لَا جَزَاهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَا عَنِ الْمُسْلِمِینَ خَیْراً.

قَالَ: ثُمَّ دَعَا عَلَیْهِ السَّلَامُ بِدَابَّتِهِ فَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَ خَالِدٌ یُحَدِّثُهُ وَ یُضَاحِكُهُ، حَتَّی دَخَلَ الْمَدِینَةَ، فَبَادَرَ خَالِدٌ إِلَی أَبِی بِكْرٍ فَحَدَّثَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ.

فَصَارَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی قَبْرِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ صَارَ إِلَی الرَّوْضَةِ فَصَلَّی أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَ دَعَا، وَ قَامَ یُرِیدُ الِانْصِرَافَ إِلَی مَنْزِلِهِ، وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ جَالِساً فِی الْمَسْجِدِ وَ الْعَبَّاسُ جَالِسٌ إِلَی جَنْبِهِ.

فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَی الْعَبَّاسِ فَقَالَ: یَا أَبَا الْفَضْلِ! ادْعُ لِی ابْنَ أَخِیكَ عَلِیّاً لِأُعَاتِبَهُ عَلَی مَا كَانَ مِنْهُ إِلَی الْأَشْجَعِ.

فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ (5): أَ وَ لَیْسَ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَیْكَ صَاحِبُكَ (6) بِتَرْكِ مُعَاتَبَتِهِ؟ وَ إِنِّی أَخَافُ عَلَیْكَ مِنْهُ إِذَا عَاتَبْتَهُ أَنْ لَا تَنْتَصِرَ مِنْهُ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّی أَرَاكَ- یَا أَبَا الْفَضْلِ- تُخَوِّفُنِی مِنْهُ، دَعْنِی وَ إِیَّاهُ، فَأَمَّا مَا كَلَّمَنِی خَالِدٌ بِتَرْكِ مُعَاتَبَتِهِ فَقَدْ رَأَیْتُهُ یُكَلِّمُنِی بِكَلَامٍ خِلَافَ الَّذِی خَرَجَ بِهِ إِلَیْهِ، وَ لَا أَشُكُّ (7) إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْهُ إِلَیْهِ شَیْ ءٌ أَفْزَعَهُ.

ص: 60


1- فی المصدر: قبل.
2- فی المصدر: و یواسیهم.
3- خ. ل: أقطعت.
4- فی المصدر: فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام.
5- فی المصدر: أبو الفضل بدلا من: له العبّاس.
6- فی المصدر: صاحبك خالد.
7- فی المصدر: شكّ.

فَقَالَ لَهُ (1) الْعَبَّاسُ: أَنْتَ وَ ذَاكَ یَا ابْنَ أَبِی قُحَافَةَ.

فَدَعَاهُ الْعَبَّاسُ، فَجَاءَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَجَلَسَ إِلَی جَنْبِ الْعَبَّاسِ.

فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَبْطَأَكَ، وَ هُوَ یُرِیدُ أَنْ یَسْأَلَكَ بِمَا جَرَی.

فَقَالَ: یَا عَمِّ، لَوْ دَعَانِی لَمَا أَتَیْتُهُ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا أَرْضَی لِمِثْلِكَ هَذَا الْفِعَالَ (2).

قَالَ: وَ أَیَّ فِعْلٍ؟

قَالَ: قَتْلَكَ مُسْلِماً بِغَیْرِ حَقٍّ، فَمَا تَمَلُّ مِنَ الْقَتْلِ قَدْ جَعَلْتَهُ شِعَارَكَ وَ دِثَارَكَ.

فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: أَمَّا عِتَابُكَ عَلَیَّ فِی قَتْلِ مُسْلِمٍ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَقْتُلَ مُسْلِماً بِغَیْرِ حَقٍّ، لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَیْهِ الْقَتْلُ رُفِعَ عَنْهُ اسْمُ الْإِسْلَامِ.

وَ أَمَّا قَتْلِی الْأَشْجَعَ، فَإِنْ كَانَ إِسْلَامُكَ كَإِسْلَامِهِ فَقَدْ فُزْتُ فَوْزاً عَظِیماً!! أَقُولُ: وَ مَا عُذْرِی إِلَّا مِنَ اللَّهِ، وَ مَا قَتَلْتُهُ (3) إِلَّا عَنْ بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی، وَ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ مِنِّی، وَ مَا كَانَ الرَّجُلُ إِلَّا زِنْدِیقاً مُنَافِقاً، وَ إِنَّ فِی مَنْزِلِهِ صَنَماً مِنْ رُخَامٍ (4) یَتَمَسَّحُ بِهِ ثُمَّ یَصِیرُ إِلَیْكَ، وَ مَا كَانَ مِنْ عَدْلِ اللَّهِ (5) أَنْ یُؤَاخِذَنِی (6) بِقَتْلِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَ الزَّنَادِقَةِ.

وَ افْتَتَحَ (7) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالْكَلَامِ، فَحَجَزَ بَیْنَهُمَا الْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ

ص: 61


1- لا توجد: له، فی المصدر.
2- فی المصدر: الفعل.
3- الواو محذوفة فی (ك)، و فی المصدر: ما قلته.
4- من رخام، لا یوجد فی بعض النّسخ.
5- فی المصدر: من اللّٰه تعالی.
6- فی (ك): تواخذنی، و هی نسخة.
7- فی المصدر: فأفسح.

وَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ، وَ أَقْسَمُوا عَلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَسَكَتَ، وَ عَلَی أَبِی بَكْرٍ فَأَمْسَكَ.

ثُمَّ أَقْبَلَ (1) أَبُو بَكْرٍ عَلَی الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ قَالَ: لَوْ قُدْتُكَ (2) بِالْأَشْجَعِ لَمَا فَعَلْتَ مِثْلَهَا، ثُمَّ قَالَ: كَیْفَ أُقِیدُكَ بِمِثْلِهِ وَ أَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ غَاسِلُهُ؟! فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: دَعُونَا وَ نَحْنُ حُكَمَاءُ أَبْلَغُ مِنْ شَأْنَكِ، إِنَّكَ تَتَعَرَّضُ بِوَلَدِی (3) وَ ابْنِ أَخِی، وَ أَنْتَ ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ بْنِ مُرَّةَ! وَ نَحْنُ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ هَاشِمٍ أَهْلُ بَیْتِ النُّبُوَّةِ، وَ أُولُو الْخِلَافَةِ، تَسَمَّیْتُمْ (4) بِأَسْمَائِنَا، وَ وَثَبْتُمْ عَلَیْنَا فِی سُلْطَانِنَا (5)، وَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَنَا، وَ مَنَعْتُمْ مِیرَاثَنَا، ثُمَّ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنْ لَا إِرْثَ لَنَا، وَ أَنْتُمْ (6) أَحَقُّ وَ أَوْلَی بِهَذَا الْأَمْرِ مِنَّا، فَبُعْداً وَ سُحْقاً لَكُمْ أَنَّی تُؤْفَكُونَ.

ثُمَّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ، وَ أَخَذَ الْعَبَّاسُ بِیَدِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ جَعَلَ عَلِیٌّ یَقُولُ:

أَقْسَمْتُ عَلَیْكَ یَا عَمِّ لَا تَتَكَلَّمْ (7)، وَ إِنْ تَكَلَّمْتَ لَا تَتَكَلَّمْ إِلَّا بِمَا یَسَرَ (8)، وَ لَیْسَ لَهُمْ عِنْدِی إِلَّا الصَّبْرُ، كَمَا أَمَرَنِی نَبِیُّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، دَعْهُمْ وَ مَا (9) كَانَ لَهُمْ یَا عَمِّ بِیَوْمِ الْغَدِیرِ مَقْنَعٌ، دَعْهُمْ یَسْتَضْعِفُونَا جُهْدَهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ مَوْلَانَا وَ هُوَ خَیْرُ الْحَاكِمِینَ.

فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: یَا ابْنَ أَخِی، أَ لَیْسَ قَدْ كَفَیْتُكَ، وَ إِنْ شِئْتَ أَعُودُ إِلَیْهِ (10)

ص: 62


1- فی المصدر: أقام.
2- فی المصدر: فقال لو قیّدتك.
3- فی المصدر: لولدی.
4- فی المصدر: قد تسمیتم.
5- فی المصدر: فی سلطاتنا.
6- فی المصدر: و لا أنتم.
7- فی المصدر: أن لا تتكلّم.
8- فی المصدر: فلا تتكلّم إلّا بما یسره.
9- الواو، غیر موجود فی المصدر.
10- فی المصدر: حتّی أعود إلیه.

فَأُعَرِّفُهُ مَكَانَهُ، وَ أَنْزِعُ عَنْهُ سُلْطَانَهُ.

فَأَقْسَمَ عَلَیْهِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَسْكَتَهُ (1).

بیان: قال الجوهری: الغطریس: الظّالم المتكبّر، و قد تغطرس فهو متغطرس (2).

و قال: ترّحه تتریحا: أحزنه (3).

و قال: التّمطیّ: التّبختر و مدّ الیدین فی المشی (4).

و قال: غافصت الرّجل: أخذته علی غرّة (5).

و قال المیدانی: شقّ فلان عصا المسلمین: إذا فرّق جمعهم، قال أبو عبید: معناه فرّق جماعتهم، قال: و الأصل فی العصا الاجتماع و الائتلاف، و ذلك أنّها لا تدعی عصا حتّی تكون جمیعا، فإذا (6) انشقّت لم تدع عصا، و من ذلك قولهم للرّجل إذا قام بالمكان و اطمأنّ به و اجتمع له فیه أمره: قد ألقی عصاه، قالوا: و أصل هذا أنّ الحادیین یكونان فی رفقة، فإذا فرّقهم الطّریق شقّت العصا الّتی معهما، فأخذ (7) هذا نصفها و ذا نصفها، فضرب مثلا لكلّ فرقة (8).

و القسطل: الغبار (9)، و هو كنایة عن الجمّ الغفیر.

ص: 63


1- فی المصدر: فأقسم علیّ صلوات اللّٰه علیه، فسكت.
2- الصحاح 3- 956، و انظر: مجمع البحرین 4- 90، تاج العروس 4- 202، و غیرهما.
3- الصحاح 1- 357 و فیه: أی حزنه، و فی لسان العرب 2- 417، و تاج العروس 2- 127 كما فی المتن.
4- الصحاح 6- 2494، و كذا فی مجمع البحرین 1- 395.
5- الصحاح 3- 1047، و انظر: تاج العروس 4- 412، لسان العرب 7- 61.
6- فی المصدر: فإن.
7- خ. ل: فأخذه.
8- مجمع الأمثال للمیدانی 1- 364 باختلاف یسیر، و انظر: فرائد اللئالی فی مجمع الأمثال 1- 311.
9- مجمع البحرین 5- 453، الصحاح 5- 1801، تاج العروس 8- 80، لسان العرب 11- 557.

و اللُّوثَةُ- بالضّمّ-: الاسترخاء و البطء، و مسّ الجنون (1).

و یقال: نبا الشّی ء عنیّ ینبو أی: تجافی و تباعد، و أنبیته أنا أی: دفعته عن نفسی (2)، و النّبوة: الرّفعة. (3) قوله: عُرْج الضَّبُعُ، قال الفیروزآبادی: عُرْج و عِرَاج معرفتین ممنوعتین:

الضّباع یجعلونها بمنزلة القبیلة، و الْعَرْجَاء: الضّبع (4).

و فی بعض النسخ: جُوَّع: جمع جائع كرُكَّع.

و الذباب فی بعض النسخ بالهمزة، و فی بعضها بالباء الموحدة.

و فی القاموس: الطِّلْسُ: العدد الكثیر، أو هو خلق كثیر النّسل كالذّباب و النّمل و الهوامّ، أو كثرة كلّ شی ء (5).

و قال: خفق فلانا بالسّیف: ضربه ضربة خفیفة، و أخفق الرّجل بثوبه:

لمع به (6).

و الْهَبِیدُ: الحنظل أو حبّه (7).

و البسبس: القفر الخالی (8).

ص: 64


1- الصحاح 1- 291، لسان العرب 2- 185 و 186.
2- كما جاء فی الصحاح 6- 2500، لسان العرب 15- 302.
3- فی المصادر المذكورة آنفا: النبوّة ما ارتفع عن الأرض، و فی لسان العرب: الارتفاع.
4- القاموس 1- 199، و انظر: تاج العروس 2- 73، لسان العرب 2- 321.
5- لم نجد فیما بأیدینا من كتب اللغة معنی مناسبا لما ذكره قدّس سرّه، نعم جاء فی القاموس 2 227- 228 فی مادة الطیس ما تعرّض له المصنّف طاب ثراه، فراجع. وأما معنی الطلس فقد ذكر فی تاج العروس فی مادة الطلس : الصحیفة أو الممحوة والوسخ من الثیاب ، وجلد فخذ البعیر إذا تساقط شعره ، والذئب الأمعط ، والطلس : الطیلسان الأسود.
6- القاموس 3- 228، و قارن بتاج العروس 6- 334.
7- انظر: القاموس 1- 347، لسان العرب 3- 431، تاج العروس 2- 543.
8- كما فی القاموس 2- 201، تاج العروس 4- 109، و غیرهما.

و بدا القوم: خرجوا إلی البادیة (1).

و القوداء: الطّویل الظّهر (2)، و فی بعض النسخ بالعین المهملة أی:

المسنّة (3).

و قد مرّ تفسیر النافش.

و التّألیب: التّحریض (4).

و لم نبالغ فی تفسیر هذا الحدیث و شرحه، لعدم اعتمادنا علیه لما فیه مما یخالف السیر و سائر الأخبار.

«20»-ختص (5): مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْخَطَّابِ، عَنِ الْحَكَمِ (6) بْنِ مِسْكِینٍ، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْمُكَارِی، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَقِیَ أَبَا بَكْرٍ (7) فَقَالَ لَهُ: أَ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنْ تُطِیعَ لِی (8)؟

قَالَ (9): لَا، وَ لَوْ أَمَرَنِی لَفَعَلْتُ.

ص: 65


1- جاء فی القاموس 4- 302، و لسان العرب 14- 67، و تاج العروس 10- 32.
2- ذكره فی لسان العرب 3- 370 بنصّه، و قاله أیضا فی تاج العروس 2- 478.
3- قال فی لسان العرب: 3- 321: العود: الجمل المسنّ، و الأنثی عودة، و مثله فی تاج العروس 2- 436، و الصحاح 2- 514، و القاموس: 1- 318.
4- نصّ علیه فی: لسان العرب: 1- 216، و الصحاح 1- 88.
5- الاختصاص: 273- 274. ومثله بنفس السند والمتن فی بصائر الدرجات : ٢٩٦ _ ٢٩٧ حدیث ٩. وأیضا فی بصائر الدرجات : ٣٠١ _ ٣٠٢ حدیث ١٧ ، لكن فی سنده : عن بكر ، بدلا من : عن الحكم بن مسكین ، فلیلاحظ.
6- فی البصائر: حدّثنی محمّد بن الحسین، عن الحكم.
7- فی المصدر: أتی أبا بكر.
8- فی المصدر: أن تطیعنی.
9- فی المصدر و البصائر: فقال.

فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنْ تُطِیعَ لِی؟

فَقَالَ: لَا، وَ لَوْ أَمَرَنِی لَفَعَلْتُ.

قَالَ: فَامْضِ بِنَا (1) إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَی مَسْجِدِ قُبَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یُصَلِّی، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّی قُلْتُ لِأَبِی بَكْرٍ: أَ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ (2) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنْ تُطِیعَنِی، فَقَالَ: لَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (3): قَدْ أَمَرْتُكَ فَأَطِعْهُ.

قَالَ: فَخَرَجَ وَ لَقِیَ (4) عُمَرَ، وَ هُوَ ذَعِرٌ، فَقَامَ عُمَرُ وَ قَالَ لَهُ: مَا لَكَ (5)؟

فَقَالَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (6) كَذَا ... وَ كَذَا.

فَقَالَ عُمَرُ: تَبّاً لِأُمَّةٍ (7) وَلَّوْكَ أَمْرَهُمْ أَ مَا تَعْرِفُ سِحْرَ بَنِی هَاشِمٍ (8).

ص: 66


1- لا یوجد فی البصائر من: فقال سبحان اللّٰه ...، إلی هنا، و الموجود: قال: فانطلق بنا ...
2- فی البصائر: أمرك اللّٰه و رسوله.
3- فی البصائر: أن یطیعنی فقال رسول اللّٰه.
4- فی البصائر: فلقی.
5- فی البصائر: فقال له، بدلا من: فقام عمر و قال له ما لك.
6- فی البصائر: فقال لی رسول اللّٰه.
7- فی البصائر: فقال تبّا لأمّته، و فی الاختصاص: فقال له عمر تبّا لأمّة.
8- استدراكا لهذا الباب نشیر إلی مصادر بعض الأحادیث الّتی لم ترد فیه: بصائر الدرجات : ٢٩٧ حدیث ١١ ، إثبات الوصیة : ١٢٤ من دون تصریح باسم أبی بكر وعمر ، خصائص الأئمة : ٥٩ من دون تصریح باسمیهما أیضا ، الاحتجاج : ٨٣ _ ٨٤ ، الكافی ١ _ ٤٤٨ حدیث ١٣ ، وغیرها.

6- باب منازعة أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه العباس فی المیراث

ج (1): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِیٍّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی رَافِعٍ قَالَ: قَالَ (2)، إِنِّی لَعِنْدَ أَبِی بَكْرٍ إِذِ اطَّلَعَ عَلِیٌّ وَ الْعَبَّاسُ یَتَدَافَعَانِ وَ یَخْتَصِمَانِ فِی مِیرَاثِ النَّبِیِّ (صلی اللّٰه علیه و آله).

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: یَكْفِیكُمُ الْقَصِیرُ الطَّوِیلَ، یَعْنِی بِالْقَصِیرِ: عَلِیّاً، وَ بِالطَّوِیلِ: الْعَبَّاسَ.

فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَنَا عَمُّ النَّبِیِّ وَ وَارِثُهُ، وَ قَدْ حَالَ عَلِیٌّ بَیْنِی وَ بَیْنَ تَرِكَتِهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَیْنَ كُنْتَ یَا عَبَّاسُ حِینَ جَمَعَ النَّبِیُّ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ أَنْتَ أَحَدُهُمْ، فَقَالَ: أَیُّكُمْ یُوَازِرُنِی وَ یَكُونُ وَصِیِّی وَ خَلِیفَتِی فِی أَهْلِی، یُنْجِزُ عِدَتِی، وَ یَقْضِی دَیْنِی، فَأَحْجَمْتُمْ عَنْهَا إِلَّا عَلِیّاً (3)، فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی اللّٰه علیه و آله): أَنْتَ كَذَلِكَ.

ص: 67


1- الاحتجاج 1- 88. (طبعة النّجف: 1- 116- 117) و مثله عن أبی رافع أیضا فی مناقب ابن شهرآشوب 3- 49 باختلاف كثیر، و قد نقله عن العقد الفرید: 2- 412، فلاحظ.
2- لا یوجد: قال، فی المصدر.
3- فی المصدر: علیّ.

قَالَ (1) الْعَبَّاسُ: فَمَا أَقْعَدَكَ مَجْلِسَكَ (2) هَذَا؟ تَقَدَّمْتَهُ وَ تَأَمَّرْتَ عَلَیْهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَعْذِرُونَا (3) بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (4).

توضیح: و تفضیح: لعلّه كان أغدرونا بنی عبد المطلب- بتقدیم المعجمة علی المهملة- أی: أ تنازعون و ترفعون إلیّ للغدر (5)، و لیس غرضكم التنازع (6).

و ظاهر أنّ منازعتهما كان لذلك، و لم یكن عباس ینازع أمیر المؤمنین علیه السلام فیما أعطاه الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله بمحضره و محضر غیره.

ص: 68


1- فی المصدر: فقال.
2- فی المصدر: فی مجلسك.
3- فی المناقب: أغدرا، و فی المصدر: أعذرونی یا بنی.
4- هذه الرّوایة من الرّوایات المستفیضة عند العامّة و الخاصّة، نصّ علیها الأعلام، انظر: تاریخ الطبری ٢ _ ٢١٧ ، تفسیر الطبری ١٩ _ ٧٤ ، الكامل لابن الأثیر ٢ _ ٢٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ٣ _ ٢٥٤. وعد لها العلامة الأمینی فی الغدیر ٢ _ ٢٧٩ _ ٢٨٤ جملة من المصادر ، وانظر الغدیر أیضا ١ ٢٠٦ _ ٢٠٧ ، و ٧ _ ١٩٤. أقول: : جاءت فی كتب العامة فی الحدیث والسیر منازعة أمیر المؤمنین علیه السلام وعمه العباس لو صحت _. انظر : صحیح البخاری ١٢ _ ٤ _ ٥ كتاب الفرائض باب قول النبی صلی اللّٰه علیه [ وآله ] وسلم :لا نورث ما تركناه صدقة ، وكتاب الجهاد باب المحن .. وأبوابا أخر ، وصحیح مسلم كتاب الجهاد حدیث ١٧٥٧ باب حكم الفیء ، وسنن الترمذی كتاب السیر حدیث ١٦١٠ باب ما جاء فی تركة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه (وآله) وسلم ، وسنن أبی داود برقم ٢٦٩٣ و ٢٩٦٤ و ٢٩٦٥ و ٢٩٦٧ بأسانید صحیحة عندهم ، وسنن النسائی ٧ _ ١٣٦ _ ١٣٧ قسم الفیء ، ومختصر المنذری حدیث ٢٨٤٣ _ ٢٨٤٧ ، وأوردها ابن الأثیر فی جامع الأصول ٢ _ ٦٩٧ _ ٧٠٤ حدیث ١٢٠٢ وستأتی له مصادر أخر قریبا.
5- و فی (س): العدر و الظاهر سقوط النقطة عن العین، و هو المناسب، فالكلمة: للعذر، أو للغدر، فلاحظ. قال فی القاموس 2- 87: ضرب زید فأعذر: أشرف به علی الهلاك.
6- الظاهر: أنّ مراد أبی بكر: أنّكم یا بنی عبد المطّلب أشرفتمونا علی الهلاك بمنازعتكم علی نحو التهدید و التحكم.

و یؤیّده (1): ما

رُوِیَ أَنَّ یَحْیَی بْنَ خَالِدٍ الْبَرْمَكِیَّ سَأَلَ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الرَّشِیدِ.

فَقَالَ: أَخْبِرْنِی یَا هِشَامُ، هَلْ یَكُونُ الْحَقُّ فِی جِهَتَیْنِ مُخْتَلِفَتَیْنِ؟

قَالَ هِشَامٌ: الظَّاهِرُ لَا.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِی عَنْ رَجُلَیْنِ اخْتَصَمَا فِی حُكْمٍ فِی الدَّیْنِ، وَ تَنَازَعَا وَ اخْتَلَفَا، هَلْ یَخْلُو مِنْ أَنْ یَكُونَا مُحِقَّیْنِ، أَوْ مُبْطِلَیْنِ، أَوْ أَنْ یَكُونُ أَحَدُهُمَا مُحِقّاً وَ الْآخَرُ مُبْطِلًا؟

فَقَالَ هِشَامٌ: لَا یَخْلُو مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ لَهُ یَحْیَی بْنُ خَالِدٍ: فَأَخْبِرْنِی عَنْ عَلِیٍّ وَ الْعَبَّاسِ لَمَّا اخْتَصَمَا إِلَی أَبِی بَكْرٍ فِی الْمِیرَاثِ، أَیُّهُمَا كَانَ الْمُحِقُّ وَ مَنِ الْمُبْطِلُ؟ إِذْ كُنْتَ لَا تَقُولُ أَنَّهُمَا كَانَا مُحِقَّیْنِ وَ لَا مُبْطِلَیْنِ!.

قَالَ هِشَامٌ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا إِنَّنِی إِنْ قُلْتُ إِنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ كَانَ مُبْطِلًا كَفَرْتُ وَ خَرَجْتُ مِنْ مَذْهَبِی، وَ إِنْ قُلْتُ إِنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ مُبْطِلًا ضَرَبَ الرَّشِیدُ عُنُقِی، وَ وَرَدَتْ عَلَیَّ مَسْأَلَةٌ لَمْ أَكُنْ سُئِلْتُ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَ لَا أَعْدَدْتُ لَهَا جَوَاباً، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا هِشَامُ، لَا تَزَالُ مُؤَیَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا نَصَرْتَنَا بِلِسَانِكَ، فَعَلِمْتُ أَنِّی لَا أُخْذَلُ، وَ عَنَّ لِیَ الْجَوَابُ فِی الْحَالِ.

فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ یَكُنْ لِأَحَدِهِمَا خَطَأٌ حَقِیقَةً، وَ كَانَا جَمِیعاً مُحِقَّیْنِ، وَ لِهَذَا نَظِیرٌ قَدْ نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ فِی قِصَّةِ دَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (2) إِلَی قَوْلِهِ: خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی

ص: 69


1- ذكرت القصة فی أكثر من مصدر، منه: ما جاء فی العقد الفرید 2- 251- 252، باختصار، و لم یصرح باسمی یحیی بن خالد البرمكی و الرشید. و منه ما ذكره ابن شهرآشوب فی مناقبه 3 49، إلّا أنّه لم یصرّح باسم یحیی بن خالد البرمكی، و غیرهما.
2- سورة ص: 21.

بَعْضٍ (1)، فَأَیُّ الْمَلَكَیْنِ كَانَ مُخْطِئاً وَ أَیُّهُمَا كَانَ مُصِیباً؟ أَمْ تَقُولُ: إِنَّهُمَا كَانَا مُخْطِئَیْنِ، فَجَوَابُكَ فِی ذَلِكَ جَوَابِی.

فَقَالَ یَحْیَی: لَسْتُ أَقُولُ: إِنَّ الْمَلَكَیْنِ أَخْطَئَا، بَلْ أَقُولُ: إِنَّهُمَا أَصَابَا، وَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمْ یَخْتَصِمَا فِی الْحَقِیقَةِ وَ لَمْ یَخْتَلِفَا فِی الْحُكْمِ، وَ إِنَّمَا أَظْهَرَا ذَلِكَ لِیُنَبِّهَا دَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی الْخَطِیئَةِ وَ یُعَرِّفَاهُ الْحُكْمَ وَ یُوقِفَاهُ عَلَیْهِ.

قَالَ هِشَامٌ: قُلْتُ لَهُ: كَذَلِكَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسُ، لَمْ یَخْتَلِفَا فِی الْحُكْمِ وَ لَمْ یَخْتَصِمَا فِی الْحَقِیقَةِ، وَ إِنَّمَا أَظْهَرَا الِاخْتِلَافَ وَ الْخُصُومَةَ لِیُنَبِّهَا أَبَا بَكْرٍ عَلَی خَطَئِهِ، وَ یَدُلَّاهُ عَلَی أَنَّ لَهُمَا فِی الْمِیرَاثِ حَقّاً، وَ لَمْ یَكُونَا فِی رَیْبٍ مِنْ أَمْرِهِمَا، وَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَی حَدِّ مَا كَانَ مِنَ الْمَلَكَیْنِ.

فَاسْتَحْسَنَ الرَّشِیدُ ذَلِكَ الْجَوَابَ.

ثمّ اعلم أنّ بعض الأصحاب (2) ذكر أنّ أبا بكر ناقض روایته الّتی رواها فی المیراث، حیث دفع سیف رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و بغلته و عمامته و غیر ذلك إلی أمیر المؤمنین علیه السلام (3)، و قد نازعه العباس فیها، فحكم بها لأمیر المؤمنین علیه السلام.

إمّا لأنّ ابن العم إذا كان أبوه عمّ المیت من الأب و الأم أولی من العمّ الّذی كان عمّ المیت من جانب الأب فقط (4)، لأن المتقرّب إلی المیت بسببین أولی من المتقرّب إلیه بسبب واحد.

و إمّا لعدم توریث العم مع البنت، كما هو مذهب أهل البیت علیهم السلام.

ص: 70


1- سورة ص: 22.
2- كما ذكره شیخ الطائفة فی تلخیص الشافی 3- 147- 148.
3- كما فی البدایة و النهایة لابن الأثیر 6- 9، و الریاض النضرة 2- 17، و مناقب ابن شهرآشوب 1- 129 (طبعة إیران ،) و الاحتجاج للطبرسیّ و غیرهم.
4- انظر روایات الباب فی وسائل الشیعة 17- 508.

و قد تنازعا عند عمر بن الخطاب فیما أفاء اللّٰه تعالی علی رسوله و فی سهمه من خیبر و غیره، فدفعها إلی أمیر المؤمنین علیه السلام، أو دفعها إلیهما و قال:

اقتصلا (1) أنتما فیما بینكما، فأنتما أعرف بشأنكما (2).

ثم إنّ أزواج النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله أرسلن عثمان إلی أبی بكر یسألنه میراثهنّ من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله (3)،، و قد كان عثمان فی زعمهم أحد الشهود علی

أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله قال: لا نورث، ما تركناه صدقة (4).

كما سبق.

و حكی قاضی القضاة، عن أبی علی أنّه قال: لم یثبت أنّ أبا بكر دفع ذلك إلی أمیر المؤمنین علیه السلام علی جهة الإرث.

قال: و كیف یجوز ذلك مع الخبر الذی رواه؟ و كیف یجوز لو كان وارثا (5) أن یخصّه بذلك، و لا إرث له مع العمّ لأنه عصبة، فإن (6) كان وصل إلی فاطمة علیها السلام فقد كان ینبغی أن یكون العباس شریكا فی ذلك و أزواج النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و لوجب أن یكون ذلك ظاهرا مشهودا (7)، لیعرف أنّهم أخذوا

ص: 71


1- قال فی القاموس 4- 37: قصله یقصله: قطعه، كاقتصله.
2- كما جاء فی صحیح مسلم 3- 1377- 1379 حدیث 49 و 50، و سنن النسائی 7- 136 137، و سنن أبی داود 3- 139- 140 حدیث 2963، و أیضا سنن أبی داود 3- 142 143 ضمن حدیث 2970، و صحیح البخاریّ 4- 96- 98، و 7- 81- 83.
3- انظر: صحیح مسلم 3- 1379 حدیث 51، و سنن أبی داود 3- 144- 145 حدیث 2976 و 2977.
4- یمكن استنتاج ذلك من سیاق مراجعة: مسند أحمد 1- 60، صحیح مسلم 3 1377 و 1379 حدیث 49 و 51، سنن أبی داود 3- 139- 140 حدیث 2963، صحیح البخاری 4- 97 و 7- 82، و انظر: الغدیر 6- 190 عن عدّة مصادر.
5- فی المصدر: إرثا.
6- فی المصدر: بالعصبة، و إن.
7- فی المصدر: مشهورا.

نصیبهم من غیر ذلك أو بدله، و لا یجب إذا لم یدفع إلیه أبو بكر علی جهة الإرث أن لا (1) یحصل فی یده، لأنه قد یجوز أن یكون النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله نحله (2) و یجوز أیضا أن یكون أبو بكر (3) رأی الصلاح فی ذلك أن یكون فی یده (4)، لما فیه من تقویة الدین، و تصدّق ببدله (5) بعد التقویم، لأن للإمام أن یفعل ذلك (6).

قال: و أمّا البردة و القضیب فلا یمتنع أن یكون جعله عدّة (7) فی سبیل اللّٰه و تقویة علی المشركین، فتداولته الأئمة (8)، لما فیه من التقویة، و رأی أنّ ذلك أولی من أن یتصدّق به إن ثبت أنّه علیه السلام لم یكن قد نحله غیره فی حیاته (9).

ثم أجاب قاضی القضاة من طلب الأزواج المیراث و تنازع أمیر المؤمنین علیه السلام و العباس بعد موت فاطمة: بأنّه یجوز أن یكونوا لم یعرفوا روایة أبی بكر و غیره للخبر.

قال: و قد روی أن عائشة لمّا عرّفتهنّ الخبر أمسكن، و قد بیّنا أنّه لا یمتنع فی مثل ذلك أن یخفی علی من یستحقّ الإرث و یعرفه من یتقلّد الأمر، كما یعرف العلماء و الحكام من أحكام المواریث ما لا یعرفه أرباب الإرث (10).

ص: 72


1- فی المصدر: ألّا.
2- فی المصدر: نحله إیّاه.
3- فی المصدر: أبا بكر.
4- فی المصدر: فی أن یكون ذلك بیده.
5- فی المصدر: ببذله.
6- ثم قال فی المصدر: و كلّ ذلك یبطل ما تعلّقوا به.
7- فی المصدر: عنده.
8- فی المصدر: الأمّة.
9- المغنی 20- 331- 332، القسم الأوّل، بتصرف یسیر.
10- جاء فی المصدر: من یتقلّد الأمر، كما یعرف العلماء و الحكماء من أنّه لا یمتنع فی مثل ذلك أن تخفی أحكام المواریث ما لا یعلمه أرباب الإرث. المغنی ٢٠ _ ٢٣٢ ، القسم الأول ، بتصرف یسیر.

و قال السید الأجلّ المرتضی رضی اللّٰه عنه: أمّا قول أبو علی (1): و كیف یجوز ذلك مع الخبر الّذی رواه .. إلی آخره.

فما نراه زاد علی التعجب، و ممّا عجب (2) منه عجبنا!، و لم نثبت (3) عصمة أبی بكر فتنفی (4) عن أفعاله التناقض.

و قوله: و یجوز أن یكون رأی الصلاح فی أن یكون ذلك (5) فی یده، لما فیه من تقویة الدین، أو أن یكون النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله نحله (6).

فكلّ ما ذكره جائز، إلّا أنّه قد كان یجب أن یظهر أسباب النحلة و الشهادة بها و الحجّة علیها، و لم یظهر شی ء من ذلك (7) فنعرفه.

و من العجائب أن تدّعی فاطمة علیها السلام فدك نحلة و تستشهد علی قولها أمیر المؤمنین علیه السلام و غیره، فلا یصغی إلیها و إلی قولها، و یترك السیف و البغلة و العمامة فی ید أمیر المؤمنین علیه السلام علی سبیل النحلة بغیر بیّنة ظهرت و لا شهادة قامت، علی أنّه كان یجب علی أبی بكر أن یبیّن ذلك و یذكر وجهه بعینه أیّ شی ء كان لمّا نازع العباس فیه، فلا وقت لذكر الوجه فی ذلك أولی من هذا الوقت.

و القول فی البردة و القضیب إن كان نحلة أو علی الوجه الآخر یجری مجری

ص: 73


1- كذا، و الظاهر: قول أبی علی، إلّا أن یكون علی سبیل الحكایة.
2- فی (س): بأعجب.
3- فی (ك): لم تثبت، و فی المصدر: لم یثبت.
4- فی المصدر: فننفی. و فی (ك): فینفی.
5- قوله: رأی الصلاح فی أن یكون ذلك، لا توجد فی المصدر، و حكاه هناك عن شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، 16- 261.
6- فی المصدر: و تصدق ببدله، بدل: أو أن یكون النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله نحله.
7- فی المصدر: من ذلك شی ء.

ما ذكرناه: فی وجوب (1) الظهور و الاستشهاد، و لسنا نری أصحابنا (2) یطالبون نفوسهم فی هذا الموضع بما یطالبونا بمثله إذا ادعینا وجوها و أسبابا و عللا مجوّزة، لأنّهم لا یقنعون منّا بما یجوز و یمكن، بل یوجبون فیما ندعیه الظهور و الاشتهار (3) و إذا كان ذلك علیهم نسوه أو تناسوه.

فأمّا قوله:- إنّ أزواج النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله إنّما طلبن المیراث لأنهنّ لم یعرفن روایة أبی بكر للخبر، و كذلك إنّما نازع العباس أمیر المؤمنین علیه السلام بعد موت فاطمة علیها السلام فی المیراث لهذا الوجه- فمن أقبح ما یقال فی هذا الباب و أبعده من الصواب.

و كیف لا یعرف أمیر المؤمنین علیه السلام روایة أبی بكر و بها دفعت زوجته عن المیراث؟! و هل مثل ذلك المقام الذی قامته (4) و ما رواه أبو بكر فی دفعها یخفی علی من هو فی أقاصی البلاد، فضلا عمّن هو فی المدینة شاهدا حاضرا یعتنی (5) بالأخبار و یراعیها؟! إنّ هذا (لخروج) (6) فی المكابرة عن الحدّ.

و كیف یخفی علی الأزواج ذلك حتّی یطلبنه مرّة بعد أخری، و یكون عثمان المترسّل لهنّ، و المطالب عنهن؟ و عثمان- علی زعمهم- أحد من شهد أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله لا یورّث، و قد سمعن- علی كلّ حال- أنّ بنت النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله لم تورّث ماله، و لا بدّ أن یكنّ قد سألن عن السبب فی دفعها، فذكر

ص: 74


1- فی المصدر: من وجوب.
2- أی: المعتزلة، و كلامه قدّس سرّه هنا من قبیل «قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ» و إن كانت العادة أن یقصد من كلمة: أصحابنا، أصحاب القائل فی المذهب و الاعتقاد، فتفطّن.
3- فی المصدر: و الاستشهاد.
4- فی (ك): قامته فاطمة علیها السلام.
5- فی المصدر: حاضر شاهد یعنی.
6- فی النسخة: الخروج، و المثبت من المصدر.

لهن الخبر، فكیف یقال: (إنّهن) (1) لن یعرفنه؟

و الإكثار فی هذا الموضع یوهم أنّه موضع شبهة، و لیس كذلك (2)، انتهی كلامه، رفع مقامه.

ص: 75


1- فی النسخة: إنهم، و المثبت من المصدر.
2- الشافی 4- 82- 84.

ص: 76

7- باب نوادر الاحتجاج

«1»-ج (1): رَوَی رَافِعُ بْنُ أَبِی رَافِعٍ الطَّائِیُّ، عَنْ أَبِی بَكْرٍ- وَ قَدْ صَحِبَهُ فِی سَفَرٍ- قَالَ: قُلْتُ لَهُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! عَلِّمْنِی شَیْئاً یَنْفَعُنِی اللَّهُ بِهِ.

قَالَ: كُنْتُ (2) فَاعِلًا وَ لَوْ لَمْ تَسْأَلْنِی: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَیْئاً، وَ أَقِمِ الصَّلَاةَ، وَ آتِ الزَّكَاةَ، وَ صُمْ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَ حِجَّ الْبَیْتَ، وَ اعْتَمِرْ، وَ لَا تَتَأَمَّرَنَّ (3) عَلَی اثْنَیْنِ مِنَ الْمُسْلِمِینَ.

قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا أَمَرْتَنِی بِهِ مِنَ الْإِیمَانِ وَ الصَّلَاةِ وَ الْحَجِّ وَ الْعُمْرَةِ وَ الزَّكَاةِ (4) فَأَنَا أَفْعَلُهُ، وَ أَمَّا الْإِمَارَةُ فَإِنِّی رَأَیْتُ النَّاسَ لَا یُصِیبُونَ هَذَا الشَّرَفَ وَ هَذَا الْغِنَی وَ الْعِزَّ وَ الْمَنْزِلَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا بِهَا.

قَالَ: إِنَّكَ اسْتَنْصَحْتَنِی فَأَجْهَدْتُ نَفْسِی لَكَ.

ص: 77


1- الاحتجاج: 89 (طبعة النّجف: 1- 117). والقصة بأكملها مرویة فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ٦ _ ٤١ _ ٤٢ بإسناد یصل إلی رافع بن أبی رافع الطائی.
2- فی المصدر: قد كنت.
3- فی المصدر: و لا تأمّرنّ.
4- فی المصدر: الصّلاة و الزّكاة و الصّوم و الحجّ و العمرة.

فَلَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ وَ اسْتَخْلَفَ (أَبُو) (1) بَكْرٍ جِئْتُهُ وَ قُلْتُ لَهُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! أَ لَمْ تَنْهَنِی أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَی اثْنَیْنِ؟

قَالَ: بَلَی.

قُلْتُ: فَمَا لَكَ (2) تَأَمَّرْتَ عَلَی أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؟

قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ، وَ خِفْتُ عَلَیْهِمُ الضَّلَالَةَ، وَ دَعَوْنِی فَلَمْ أَجِدْ مِنْ ذَلِكَ بُدّاً!.

ص: 78


1- فی النّسخة: أبا، و المثبت من المصدر.
2- فی المصدر: فما بالك.

8- باب احتجاج سلمان و أبی بن كعب و غیرهما علی القوم

«1»-ج (1): عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: خَطَبَ النَّاسَ سَلْمَانُ الْفَارِسِیُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهِ- بَعْدَ أَنْ دُفِنَ النَّبِیُّ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ بِثَلَاثَةِ أَیَّامٍ- فَقَالَ فِیهَا: .. أَلَا أَیُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا عَنِّی حَدِیثِی ثُمَّ اعْقِلُوهُ عَنِّی، أَلَا إِنِّی (2) أُوتِیتُ عِلْماً كَثِیراً، فَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا أَعْلَمُ مِنْ فَضَائِلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (لَقَالَتْ) (3) طَائِفَةٌ مِنْكُمْ: هُوَ مَجْنُونٌ، (وَ قَالَتْ) (4) طَائِفَةٌ أُخْرَی: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَاتِلِ سَلْمَانَ.

أَلَا إِنَّ لَكُمْ مَنَایَا تَتْبَعُهَا بَلَایَا، أَلَا وَ إِنَّ عِنْدَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْمَنَایَا (5) وَ الْبَلَایَا، وَ مِیرَاثَ الْوَصَایَا، وَ فَصْلَ الْخِطَابِ، وَ أَصْلَ الْأَنْسَابِ عَلَی مِنْهَاجِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ مِنْ مُوسَی عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، إِذْ یَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 79


1- الاحتجاج: 110- 112 (طبعة النّجف 1- 149- 152).
2- فی المصدر: و إنّی.
3- فی مطبوع البحار: لقال، و المثبت من المصدر.
4- فی مطبوع البحار: و قال، و المثبت من المصدر.
5- فی المصدر: ألا و إنّ عند علیّ علیه السّلام علم المنایا.

وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: أَنْتَ وَصِیِّی فِی أَهْلِی (1) وَ خَلِیفَتِی فِی أُمَّتِی (2) وَ بِمَنْزِلَةِ (3) هَارُونَ مِنْ مُوسَی (4).

وَ لَكِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ سُنَّةَ بَنِی إِسْرَائِیلَ، فَأَخْطَأْتُمُ الْحَقَّ، تَعْلَمُونَ فَلَا تَعْمَلُونَ (5)، أَمَا وَ اللَّهِ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ عَلَی سُنَّةِ بَنِی إِسْرَائِیلَ (6)، حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ (7).

أَمَا وَ الَّذِی نَفْسُ سَلْمَانَ بِیَدِهِ لَوْ وَلَّیْتُمُوهَا عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ لَأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ (8)، وَ لَوْ دَعَوْتُمُ الطَّیْرَ فِی جَوِّ السَّمَاءِ لَأَجَابَتْكُمْ، وَ لَوْ دَعَوْتُمُ الْحِیتَانَ مِنَ الْبِحَارِ لَأَتَتْكُمْ، وَ لَمَا عَالَ وَلِیُّ اللَّهِ، وَ لَا طَاشَ لَكُمْ سَهْمٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَ لَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ فِی حُكْمِ اللَّهِ.

وَ لَكِنْ أَبَیْتُمْ فَوَلَّیْتُمُوهَا غَیْرَهُ، فَابْشِرُوا بِالْبَلَاءِ (9)، وَ اقْنَطُوا مِنَ الرَّخَاءِ، وَ قَدْ نَابَذْتُكُمْ عَلَی سَوَاءٍ، فَانْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ مِنَ الْوَلَاءِ.

ص: 80


1- فی المصدر: فی أهل بیتی.
2- انظر: الغدیر 2- 282 و 284، 5- 345، مع اختلاف یسیر عن مصادر جمّة. و سنرجع له.
3- فی المصدر: و أنت منّی بمنزلة.
4- انظر الغدیر 1- 197 و 297، 4- 63 و 65، 5- 295. وجاء الحدیث بإضافة : إلا أنه لا نبی بعدی ، أو : ولكن لا نبی بعدی فی الغدیر أیضا 391 و ١٨٩ و ٢٠٨ و ٢١٢ ، ٢ _ ١٠٨ ، ٣ _ ٢٠٠ و ٢٠١ ، ٦ _ ٣٣٣.
5- فی المصدر: و لكنّكم و أخذتم ... فأنتم تعلمون و لا تعملون.
6- لا یوجد فی المصدر: علی سنّة بنی إسرائیل.
7- قال فی مجمع الأمثال للمیدانی 1- 195: حذو القذّة بالقذّة، أی: مثلا بمثل، یضرب فی التّسویة بین الشّیئین، و مثله: حذو النّعل بالنّعل. والقذة لعلها من القذ ، وهو القطع ، یعنی به قطع الریشة المقذوذة علی قدر صاحبها فی التسویة ، وهی فعلة بمعنی مفعولة كاللقمة والغرفة ، والتقدیر حذیا حذو ، ومن رفع أرادهما حذو القذة.
8- فی المصدر: أقدامكم.
9- فی المصدر: بالبلایا.

عَلَیْكُمْ بِآلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، فَإِنَّهُمُ الْقَادَةُ إِلَی الْجَنَّةِ، وَ الدُّعَاةُ إِلَیْهَا یَوْمَ الْقِیَامَةِ، عَلَیْكُمْ بِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَوَ اللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْنَا عَلَیْهِ بِالْوَلَایَةِ وَ إِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ مِرَاراً جَمَّةً مَعَ نَبِیِّنَا، كُلَّ ذَلِكَ یَأْمُرُنَا بِهِ وَ یُؤَكِّدُهُ عَلَیْنَا، فَمَا بَالُ الْقَوْمِ عَرَفُوا فَضْلَهُ فَحَسَدُوهُ؟! وَ قَدْ حَسَدَ قَابِیلُ هَابِیلَ (1) فَقَتَلَهُ، وَ كُفَّاراً قَدِ ارْتَدَّتْ أُمَّةُ مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، فَأَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ (كَأَمْرِ) (2) بَنِی إِسْرَائِیلَ، فَأَیْنَ یُذْهَبُ بِكُمْ أَیُّهَا النَّاسُ؟! وَیْحَكُمْ مَا أَنَا (3) وَ أَبُو فُلَانٍ وَ فُلَانٍ؟! أَ جَهِلْتُمْ أَمْ تَجَاهَلْتُمْ، أَمْ حَسَدْتُمْ (4) أَمْ تَحَاسَدْتُمْ؟ وَ اللَّهِ لَتَرْتَدُّنَّ كُفَّاراً یَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ بِالسَّیْفِ، یَشْهَدُ الشَّاهِدُ عَلَی النَّاجِی بِالْهَلَكَةِ، وَ یَشْهَدُ الشَّاهِدُ عَلَی الْكَافِرِ (5) بِالنَّجَاةِ.

أَلَا وَ إِنِّی أَظْهَرْتُ أَمْرِی، وَ سَلَّمْتُ لِنَبِیِّی، وَ تَبِعْتُ (6) مَوْلَایَ وَ مَوْلَی كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ عَلِیّاً أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، وَ سَیِّدَ الْوَصِیِّینَ، وَ قَائِدَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِینَ، وَ إِمَامَ الصِّدِّیقِینَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِینَ.

بیان: عال: أی افتقر (7).

و طاش السّهم: أی زال و مال عن الهدف (8).

و قال فی النهایة: فی حدیث سلمان: و إن أبیتم نابذناكم علی سواء، أی:

ص: 81


1- فی المصدر: هابیل قابیل.
2- فی مطبوع البحار: كما أمر، و المثبت من المصدر.
3- فی المصدر: ما لنا.
4- فی (ك): أ تجاهلتم؟ أ حسدتم؟.
5- فی مطبوع البحار: و الكافرین.
6- فی المصدر: و اتّبعت.
7- انظر: مجمع البحرین 5- 432، الصحاح 5- 1779، القاموس 4- 22.
8- صرّح بذلك فی لسان العرب 6- 313، و انظر: مجمع البحرین 4- 140، الصحاح 3 1009.

كاشفناكم و قاتلناكم علی طریق مستو (1) فی العلم بالمنابذة منّا و منكم، بأن نظهر لهم العزم علی قتالهم، و نخبرهم به إخبارا مكشوفا (2).

و قوله: و كفارا، حال عن فاعل ارتدّت.

ج (3): عَنْ مُحَمَّدٍ وَ یَحْیَی ابْنَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِیهِمَا، عَنْ جَدِّهِمَا، عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ (4) أُبَیُّ بْنُ كَعْبٍ، وَ كَانَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ یَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

فَقَالَ: یَا مَعَاشِرَ (5) الْمُهَاجِرِینَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا مَرْضَاةَ اللَّهِ وَ أَثْنَی اللَّهُ عَلَیْهِمْ فِی الْقُرْآنِ، وَ یَا مَعَاشِرَ (6) الْأَنْصَارِ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِیمانَ وَ أَثْنَی اللَّهُ عَلَیْهِمْ فِی الْقُرْآنِ، تَنَاسَیْتُمْ أَمْ نَسِیتُمْ، أَمْ بَدَّلْتُمْ أَمْ غَیَّرْتُمْ، أَمْ خُذِلْتُمْ أَمْ عَجَزْتُمْ؟!.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَامَ فِینَا مَقَاماً أَقَامَ فِیهِ عَلِیّاً، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ (7)

یَعْنِی عَلِیّاً- وَ مَنْ كُنْتُ نَبِیَّهُ فَهَذَا

ص: 82


1- فی المصدر: طریق مستقیم مستو.
2- النهایة 5- 7، و انظر: مجمع البحرین 3- 189، لسان العرب 3- 512.
3- الاحتجاج 1- 112- 115 (طبعة النّجف: 1- 153- 157).
4- فی الاحتجاج: قام إلیه.
5- فی المصدر: و قال یا معشر.
6- فی المصدر: و یا معشر.
7- انظر مصادر الحدیث عن طرق العامّة مستوفیا فی: إحقاق الحقّ 2- 426- 465، 3- 322 327، 4- 408- 410، 6- 229- 304، 16- 559- 588، 21- 1- 93. وانظر : الغدیر ١ _ ١٦٢ و ٣٩٨ ، وغیرها. ومنه ما رواه فی الینابیع باب ٤٤ عن المناقب بسنده عن ابن عباس قال : قال النبی (صلی اللّٰه علیه و آله) فی حدیث طویل ، وجاء فیه : وأنت مولی من أنا مولاه ، وإنی مولی كل مؤمن ومؤمنة. وجاء أیضا فی باب ٥٦ منه عن كتاب كنز الدقائق للشیخ عبد الرءوف المناوی المصری ، عن الدیلمی بلفظه. وجاء عن أحمد والترمذی بلفظ آخر. وعن أبی داود والطیالسی : یا علی أنت ولی كل مؤمن بعدی ... ، وغیرها.

أَمِیرُهُ (1)؟!.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: یَا عَلِیُّ أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی، طَاعَتُكَ وَاجِبَةٌ عَلَی مَنْ بَعْدِی كَطَاعَتِی فِی حَیَاتِی، إِلَّا أَنَّهُ (2) لَا نَبِیَّ بَعْدِی (3)؟!.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: أُوصِیكُمْ بِأَهْلِ بَیْتِی خَیْراً، فَقَدِّمُوهُمْ وَ لَا تَتَقَدَّمُوهُمْ (4)، وَ أَمِّرُوهُمْ وَ لَا تَتَأَمَّرُوا (5) عَلَیْهِمْ؟!.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: أَهْلُ بَیْتِی مَنَارُ الْهُدَی وَ الدَّالُّونَ عَلَی اللَّهِ؟!.

أَ لَسْتُمْ (6) تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

أَنْتَ الْهَادِی لِمَنْ ضَلَّ (7)؟!.

ص: 83


1- رواه جمع، و جاء فی الینابیع باب 56 عن كتاب مودّة القربی، عن أبی هریرة، عن رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله): أنّ اللّٰه سبحانه قال للأرواح: أنا ربّكم و محمّد نبیّكم و علیّ أمیركم.
2- فی المصدر: غیر أنّه.
3- جاءت مصادره فی الغدیر 1- 297، و قد ذكرنا جملة منها سابقا باختلافات یسیرة. وانظر : ما رواه فی ینابیع المودة باب ٤٢ وباب ٥٦ عن المناقب فی حدیث طویل ، والكنجی الشافعی فی كفایة الطالب ، والحموینی فی فرائد السمطین ، والنسائی فی خصائصه ، وأحمد بن حنبل فی مسنده ، والمغازلی فی فضائله ، والخوارزمی فی مناقبه. وانظر الروایات الواردة فی ذیل قوله تعالی : « یا أیها الذین آمنوا أطیعوا اللّٰه وأطیعوا الرسول وأولی الأمر منكم ».
4- فی المصدر: و لا تقدّموهم.
5- فی المصدر: و لا تأمروا.
6- فی المصدر: أ و لستم.
7- جاء فی الغدیر 4- 65 مع حذف: لمن ضلّ. وانظر : مسند أحمد ابن حنبل ٦ _ ١٢٦ ، تفسیر الطبری ١٣ _ ١٠٨ ، معجم شیوخ ابن الأعرابی : ٢ _ الورقة ١٨٣ و ٢٠٣ و ٢٣٤ ، المعجم الوسیط والصغیر للطبرانی ١ _ ٢٦١ ، معرفة الصحابة لأبی نعیم ١ _ ٢١ ، تاریخ بغداد للخطیب ١٢ _ ٣٧٢ ، المناقب لابن المغازلی ، ترجمة أمیر المؤمنین من تاریخ دمشق لابن عساكر ٢ _ ٤١٥ ، زاد المسیر لابن الجوزی ٤ _ ٣٠٧ ، المناقب للخوارزمی : ١٤٥ ، تفسیر الفخر الرازی ٥ _ ٢٧٢ ، وغیرهم كثیر.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: عَلِیٌّ الْمُحْیِی لِسُنَّتِی وَ مُعَلِّمُ أُمَّتِی، وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِی، وَ خَیْرُ مَنْ أُخَلِّفُ (1) مِنْ بَعْدِی، وَ سَیِّدُ أَهْلِ بَیْتِی، أَحَبُّ (2) النَّاسِ إِلَیَّ، طَاعَتُهُ كَطَاعَتِی عَلَی أُمَّتِی؟!.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ یُوَلِّ عَلَی عَلِیٍّ أَحَداً مِنْكُمْ، وَ وَلَّاهُ فِی كُلِّ غَیْبَتِهِ عَلَیْكُمْ؟!.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ مَنْزِلُهُمَا فِی أَسْفَارِهِمَا وَاحِداً، وَ ارْتِحَالُهُمَا وَ أَمْرُهُمَا (3) وَاحِداً (4)؟!.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا غِبْتُ فَخَلَّفْتُ فِیكُمْ (5) عَلِیّاً فَقَدْ خَلَّفْتُ فِیكُمْ رَجُلًا كَنَفْسِی؟!.

أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قَدْ جَمَعَنَا فِی بَیْتِ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَقَالَ لَنَا:

إِنَّ اللَّهَ أَوْحَی إِلَی مُوسَی بْنِ عِمْرَانَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنِ اتَّخِذْ أَخاً مِنْ أَهْلِكَ فَاجْعَلْهُ نَبِیّاً، وَ اجْعَلْ أَهْلَهُ لَكَ وُلْداً، أُطَهِّرْهُمْ مِنَ الْآفَاتِ، وَ أُخَلِّصْهُمْ مِنَ الرَّیْبِ، فَاتَّخَذَ مُوسَی هَارُونَ أَخاً، وَ وُلْدَهُ أَئِمَّةً لِبَنِی إِسْرَائِیلَ مِنْ بَعْدِهِ، یَحِلُّ (6) لَهُمْ فِی مَسَاجِدِهِمْ مَا یَحِلُّ لِمُوسَی.

ص: 84


1- خ. ل: أخلفت.
2- فی المصدر: و أحبّ.
3- لیس فی المصدر: و أمرهما، و فی (ك): و ارتحالهما واحدا و أمرهما ..
4- هذه الفقرة جاءت فی المصدر بعد فقرة: علیّ المحیی لسنّتی ... وانظر مصادر هذا الحدیث فی : إحقاق الحق ٤ _ ٢٠٥ ، ٥ _ ٥٨٠ ، ١٦ _ ٣٧٠.
5- فی الاحتجاج: علیكم، بدلا من: فیكم.
6- فی المصدر: الّذین یحلّ.

وَ إِنَّ اللَّهَ (1) أَوْحَی إِلَیَّ أَنِ اتَّخِذْ عَلِیّاً أَخاً، كَمُوسَی (2) اتَّخَذَ هَارُونَ أَخاً، وَ اتَّخِذْ وُلْدَهُ وُلْداً، فَقَدْ طَهَّرْتُهُمْ كَمَا طَهَّرْتُ وُلْدَ هَارُونَ، إِلَّا أَنِّی خَتَمْتُ (3) بِكَ النَّبِیِّینَ فَلَا نَبِیَّ بَعْدَكَ، فَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْهَادِیَةُ؟!.

أَ فَمَا تُبْصِرُونَ؟! أَ فَمَا تَفْهَمُونَ؟! أَ مَا (4) تَسْمَعُونَ؟! ضُرِبَتْ (5) عَلَیْكُمُ الشُّبُهَاتُ.

فَكَانَ مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِی سَفَرٍ، فَأَصَابَهُ عَطَشٌ شَدِیدٌ حَتَّی خَشِیَ أَنْ یَهْلِكَ، فَلَقِیَ رَجُلًا هَادِیاً فِی الطَّرِیقِ فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَاءِ، فَقَالَ لَهُ: أَمَامَكَ عَیْنَانِ:

أَحَدُهَا (6) مَالِحَةٌ وَ الْأُخْرَی عَذْبَةٌ، فَإِنْ أَصَبْتَ الْمَالِحَةَ ضَلَلْتَ، وَ إِنْ أَصَبْتَ الْعَذْبَةَ هُدِیتَ وَ رَوِیتَ.

فَهَذَا مَثَلُكُمْ أَیَّتُهَا الْأُمَّةُ الْمُهْمَلَةُ- كَمَا زَعَمْتُمْ-، وَ ایْمُ اللَّهِ مَا أُهْمِلْتُمْ، لَقَدْ نُصِبَ لَكُمْ عَلَمٌ یُحِلُّ لَكُمُ الْحَلَالَ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْكُمُ الْحَرَامَ، لَوْ أَطَعْتُمُوهُ مَا اخْتَلَفْتُمْ، وَ لَا تَدَابَرْتُمْ، وَ لَا تَقَاتَلْتُمْ، وَ لَا بَرِئَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.

فَوَ اللَّهِ! إِنَّكُمْ بَعْدَهُ لَمُخْتَلِفُونَ فِی أَحْكَامِكُمْ، وَ إِنَّكُمْ بَعْدَهُ (7) لَنَاقِضُوا (8) عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ إِنَّكُمْ عَلَی عِتْرَتِهِ لَمُخْتَلِفُونَ.

إِنْ (9) سُئِلَ هَذَا عَنْ غَیْرِ مَنْ (10) یَعْلَمُ أَفْتَی بِرَأْیِهِ، فَقَدْ أُبْعِدْتُمْ وَ تَجَارَیْتُمْ

ص: 85


1- فی المصدر: إنّ اللّٰه تعالی.
2- فی المصدر: كما أنّ موسی.
3- فی الاحتجاج: قد ختمت.
4- فی المصدر: أ فما.
5- فی المصدر- طبعة إیران-: ضرب.
6- فی المصدر: إحداهما.
7- لا یوجد فی المصدر: لمختلفون فی أحكامكم و إنّكم بعده.
8- فی المصدر: لناقضون.
9- فی المصدر: و إن.
10- خ. ل: ما، و كذا فی المصدر.

وَ زَعَمْتُمُ الِاخْتِلَافَ رَحْمَةً (1)، هَیْهَاتَ! أَبَی الْكِتَابُ ذَلِكَ عَلَیْكُمْ (2)، یَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی (3): وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَیِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (4)، ثُمَّ أَخْبَرَنَا بِاخْتِلَافِكُمْ فَقَالَ (5): وَ لا یَزالُونَ مُخْتَلِفِینَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ (6)، أَیْ: لِلرَّحْمَةِ (7)، وَ هُمْ: آلُ مُحَمَّدٍ.

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: یَا عَلِیُّ! أَنْتَ وَ شِیعَتُكَ عَلَی الْفِطْرَةِ وَ النَّاسُ (مِنْهَا) (8) بِرَاءٌ.

فَهَلَّا قَبِلْتُمْ مِنْ نَبِیِّكُمْ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟! كَیْفَ وَ هُوَ (خَبَّرَكُمْ بِانْتِكَاصَتِكُمْ) (9) عَنْ وَصِیِّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ (10) وَ أَمِینِهِ وَ وَزِیرِهِ وَ أَخِیهِ وَ وَلِیِّهِ دُونَكُمْ أَجْمَعِینَ (11).

أَطْهَرُكُمْ قَلْباً، وَ أَعْلَمُكُمْ عِلْماً، وَ أَقْدَمُكُمْ سِلْماً (12)، وَ أَعْظَمُكُمْ غَنَاءً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (13) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، أَعْطَاهُ تُرَاثَهُ، وَ أَوْصَاهُ بِعِدَاتِهِ، وَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَی

ص: 86


1- فی المصدر: و تخارستم و زعمتم أنّ الخلاف رحمة.
2- فی (س): علیهم.
3- فی المصدر: تعالی جدّه.
4- آل عمران: 105.
5- فی المصدر: فقال سبحانه.
6- هود: 118- 119.
7- فی مطبوع البحار: الرّحمة، و المثبت من المصدر.
8- فی مطبوع البحار: منهم، و المثبت من المصدر.
9- فی مطبوع البحار: خیّركم بانتكاصكم، و المثبت من المصدر، و الانتكاص بمعنی الرّجوع.
10- فی المصدر: علیّ بن أبی طالب، بدلا من: علیه السّلام.
11- وضعت فی المطبوع علی كلمة: دونكم أجمعین، علامة نسخة بدل.
12- فی المصدر: و أطهركم قلبا و أقدمكم سلما.
13- فی المصدر: وعیا من رسول اللّٰه.

أُمَّتِهِ، وَضَعَ عِنْدَهُ سِرَّهُ (1)، فَهُوَ وَلِیُّهُ دُونَكُمْ أَجْمَعِینَ، وَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكُمْ عَلَی التَّعْیِینِ (2)، سَیِّدُ الْوَصِیِّینَ، وَ أَفْضَلُ (3) الْمُتَّقِینَ، وَ أَطْوَعُ الْأُمَّةِ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ، سَلَّمْتُمْ عَلَیْهِ بِخِلَافَةِ الْمُؤْمِنِینَ (4) فِی حَیَاةِ سَیِّدِ النَّبِیِّینَ وَ خَاتَمِ الْمُرْسَلِینَ (5).

فَقَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، وَ أَدَّی النَّصِیحَةَ مَنْ وَعَظَ، وَ بَصَّرَ مَنْ عَمَی، فَقَدْ سَمِعْتُمْ كَمَا سَمِعْنَا، وَ رَأَیْتُمْ كَمَا رَأَیْنَا، وَ شَهِدْتُمْ كَمَا شَهِدْنَا.

فَقَامَ (6) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقَالُوا:

یَا أُبَیُّ! أَصَابَكَ خَبَلٌ أَمْ بِكَ جِنَّةٌ؟!.

ص: 87


1- فی المصدر: فاستخلفه أمّته و وضع عنده سرّه.
2- فی المصدر: منكم أكتعین.
3- فی المصدر: و وصیّ خاتم المرسلین، أفضل.
4- فی المصدر: بإمرة المؤمنین.
5- یعبّر عنه بحدیث التّهنئة، جاء فی عشرات المصادر من العامّة كما نصّ علیها العلّامة الأمینیّ فی الغدیر 1- 270- 273، و غیره. وقد ذكره الطبری فی كتاب الولایة ، والدارقطنی ، كما أخرج عنه ابن حجر فی الفصل الخامس من الباب الأول من صواعقه : ٢٦ ، والحافظ أبو سعید النیسابوری فی كتابه شرف المصطفی وروضة الصفا ١ _ ١٧٣ ، وأحمد بن حنبل فی مسنده ٤ _ ٢٨١ ، والطبری فی تفسیره ٣ _ ٤٢٨ ، وسر العالمین ٩ ، والتفسیر الكبیر ٣ _ ٦٣٦ ، والریاض النضرة ٢ _ ١٦٩ ، وفرائد السمطین فی الباب ١٣ ، والبدایة والنهایة ٥ _ ٢٠٩ ، والخطط للمقریزی ٢ _ ٢٢٣ ، والفصول المهمة ٢٥ ، وكنز العمال ٦ _ ٣٩٧ ، ووفاء الوفاء ٢ _ ١٧٣ ، وغیرها. قال الغزالی فی سر العالمین : ولكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهیر علی متن الحدیث من خطبته علیه السلام فی یوم غدیر خم باتفاق الجمیع ، وهو یقول : من كنت مولاه فعلی مولاه ، فقال عمر : بخ بخ لك یا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولای ومولی كل مؤمن ومؤمنة. فهذا تسلیم ورضی وتحكیم ، ثم بعد هذا غلب الهواء بحب الرئاسة ، وحمل عود الخلافة ، وعقود النبوة ، وخفقات الهواء ، فی قعقعة الرایات ، واشتباك ازدحام الخیول ، وفتح الأمصار ، سقاهم كأس الهواء ، فعادوا إلی الخلاف الأول ، فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قلیلا ، فبئس ما یشترون.
6- فی المصدر: فقام إلیه.

فَقَالَ: بَلِ الْخَبَلُ فِیكُمْ، كُنْتُ (1) عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْماً، فَأَلْفَیْتُهُ یُكَلِّمُ رَجُلًا أَسْمَعُ كَلَامَهُ وَ لَا أَرَی وَجْهَهُ (2).

فَقَالَ فِیمَا یُخَاطِبُهُ: مَا أَنْصَحَهُ لَكَ وَ لِأُمَّتِكَ، وَ أَعْلَمَهُ بِسُنَّتِكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَ فَتَرَی أُمَّتِی تَنْقَادُ لَهُ مِنْ بَعْدِی؟

قَالَ: یَا مُحَمَّدُ! تَتْبَعُهُ (3) مِنْ أُمَّتِكَ أَبْرَارُهَا، وَ تُخَالِفُ (4) عَلَیْهِ مِنْ أُمَّتِكَ فُجَّارُهَا، وَ كَذَلِكَ أَوْصِیَاءُ النَّبِیِّینَ مِنْ قَبْلِكَ، یَا مُحَمَّدُ! إِنَّ مُوسَی بْنَ عِمْرَانَ أَوْصَی إِلَی یُوشَعَ بْنِ نُونٍ- وَ كَانَ أَعْلَمَ بَنِی إِسْرَائِیلَ وَ أَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ وَ أَطْوَعَهُمْ لَهُ وَ أَمَرَهُ (5) اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ یَتَّخِذَهُ وَصِیّاً كَمَا اتَّخَذْتَ عَلِیّاً وَصِیّاً، وَ كَمَا أُمِرْتَ بِذَلِكَ، فَحَسَدَهُ بَنُو إِسْرَائِیلَ سِبْطُ مُوسَی خَاصَّةً، فَلَعَنُوهُ وَ شَتَمُوهُ وَ عَنَّفُوهُ وَ وَضَعُوا لَهُ (6)، فَإِنْ أَخَذَتْ أُمَّتُكَ سَنَنَ بَنِی إِسْرَائِیلَ كَذَّبُوا وَصِیَّكَ، وَ جَحَدُوا أَمْرَهُ (7)، وَ ابْتَزُّوا خِلَافَتَهُ، وَ غَالَطُوهُ فِی عِلْمِهِ.

فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ هَذَا؟.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: هَذَا مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ (8) رَبِّی عَزَّ وَ جَلَّ، یُنْبِئُنِی أَنَّ أُمَّتِی تَخْتَلِفُ (9) عَلَی وَصِیِّی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

وَ إِنِّی أُوصِیكَ یَا أُبَیُّ بِوَصِیَّةٍ إِنْ حَفِظْتَهَا لَمْ تَزَلْ بِخَیْرٍ، یَا أُبَیُّ عَلَیْكَ بِعَلِیٍّ، فَإِنَّهُ الْهَادِی الْمَهْدِیُّ، النَّاصِحُ لِأُمَّتِی، الْمُحْیِی لِسُنَّتِی، وَ هُوَ إِمَامُكُمْ بَعْدِی،

ص: 88


1- فی المصدر: و اللّٰه كنت.
2- فی المصدر: شخصه.
3- فی المصدر: یتبعه.
4- فی المصدر: و یخالف.
5- فی المصدر: فأمره.
6- فی (س): منه، بدلا من: له.
7- فی المصدر: إمرته.
8- لا یوجد لفظ الجلالة فی المصدر.
9- فی المصدر: تتخلّف.

فَمَنْ رَضِیَ بِذَلِكَ لَقِیَنِی عَلَی مَا فَارَقْتُهُ عَلَیْهِ، یَا أُبَیُّ وَ مَنْ غَیَّرَ وَ بَدَّلَ (1) لَقِیَنِی نَاكِثاً لِبَیْعَتِی، عَاصِیاً أَمْرِی، جَاحِداً لِنُبُوَّتِی، لَا أَشْفَعُ لَهُ عِنْدَ رَبِّی، وَ لَا أَسْقِیهِ مِنْ حَوْضِی.

فَقَامَتْ إِلَیْهِ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: اقْعُدْ- رَحِمَكَ اللَّهُ- یَا أُبَیُّ، فَقَدْ أَدَّیْتَ مَا سَمِعْتَ (2) (وَ) (3) وَفَیْتَ بِعَهْدِكَ.

«3»-شف (4): الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَزْدَقِ، عَنْ (5) مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی هَارُونَ، عَنْ مُخَوَّلِ (6) بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ عِیسَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ (7)، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ (8)

مِثْلَهُ، مَعَ اخْتِصَارٍ.

و قد أوردته فی باب النصوص علی أمیر المؤمنین علیه السلام (9).

بیان:

قال الجوهری: أغنیت عنك مغنی فلان .. أی (10): أجزأت عنك مجزأة، و یقال ما یغنی عنك هذا .. أی: ما یجدی (11) عنك و ما ینفعك ..، و الغناء

ص: 89


1- فی المصدر: أو بدّل.
2- فی المصدر: ما سمعت الّذی معك.
3- زیادة من المصدر.
4- كشف الیقین (الیقین) لأبی القاسم علیّ بن موسی بن طاوس: 170- 172.
5- فی المصدر: عن الفزاریّ قال حدّثنا.
6- فی المصدر: المقری العلّاف قال حدّثنا محوّل.
7- فی المصدر: قال حدّثنا یحیی بن عبد اللّٰه بن الحسن.
8- فی المصدر: من جدّه.
9- بحار الأنوار 38- 123- 125 حدیث 71. واستدراكا لهذا الباب راجع : الاحتجاج ١ _ ٧٦ _ ٧٩ و ٨٤ _ ٨٦ ، كشف الیقین ٧٤ _ ٧٦ و ٩٤ _ ٩٥ و ١٠٨ _ ١١٣ و ١٧٢ _ ١٧٣ و ١٨٣ ، مناقب ابن شهرآشوب ٣ _ ٥٣ _ ٥٤ ، وغیرها.
10- فی المصدر: إذا، بدلا من: أی.
11- فی المصدر: یجزی، بدلا من: یجدی.

بالفتح .. النّفع (1).

قوله: و بصّر- علی بناء التفعیل- معطوف علی وعظ.

و یقال: وضع منه فلان أی: حطّ من درجته (2).

ص: 90


1- الصحاح 6- 2449، و لاحظ: لسان العرب 15- 138، القاموس 4- 371.
2- كما جاء فی مجمع البحرین 4- 405، و القاموس 3- 94، و تاج العروس 6- 543، و غیرها.

9- باب ما كتب أبو بكر إلی جماعة یدعوهم إلی البیعة و فیه بعض أحوال أبی قحافة

«1»-ج (1): رُوِیَ عَنِ الْبَاقِرِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِأَبِی بَكْرٍ: اكْتُبْ إِلَی أُسَامَةَ (2) یَقْدَمُ عَلَیْكَ، فَإِنَّ فِی قُدُومِهِ قَطْعُ الشُّنْعَةِ عَنَّا (3).

فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَیْهِ: مِنْ أَبِی بِكْرٍ خَلِیفَةِ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ، أَمَّا بَعْدُ: فَانْظُرْ إِذَا أَتَاكَ كِتَابِی فَأَقْبِلْ إِلَیَّ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَكَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِینَ قَدِ اجْتَمَعُوا (عَلَیَ) (4) وَ وَلَّوْنِی أَمْرَهُمْ، فَلَا تَتَخَلَّفَنَّ فَتَعْصِیَ وَ یَأْتِیَكَ مِنِّی مَا تَكْرَهُ، وَ السَّلَامُ.

قَالَ: فَكَتَبَ إِلَیْهِ أُسَامَةُ (5) جَوَابَ كِتَابِهِ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ عَامِلِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) عَلَی غَزْوَةِ الشَّامِ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِی (مِنْكَ) (6) كِتَابٌ یَنْقُضُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ

ص: 91


1- الاحتجاج 1- 87 (طبعة النّجف: 1- 114- 115).
2- فی المصدر: أسامة بن زید.
3- فی المصدر: الشّنیعة عنّا.
4- زیادة من المصدر.
5- فی المصدر: فكتب أسامة إلیه.
6- فی مطبوع البحار: لك، و المثبت من المصدر.

ذَكَرْتَ فِی أَوَّلِهِ أَنَّكَ خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَ ذَكَرْتَ فِی آخِرِهِ أَنَّ الْمُسْلِمِینَ اجْتَمَعُوا (1) عَلَیْكَ فَوَلَّوْكَ أُمُورَهُمْ وَ رَضُوا بِكَ (2) وَ اعْلَمْ، أَنِّی وَ مَنْ (3) مَعِی مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُهَاجِرِینَ، فَلَا وَ اللَّهِ مَا رَضِینَا بِكَ (4) وَ لَا وَلَّیْنَاكَ أَمْرَنَا، وَ انْظُرْ أَنْ تَدْفَعَ الْحَقَّ إِلَی أَهْلِهِ، وَ تُخَلِّیَهُمْ وَ إِیَّاهُ، فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ.

فَقَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَ غَدِیرِ خُمٍّ (5)، فَمَا طَالَ الْعَهْدُ فَتَنْسَی.

انْظُرْ بِمَرْكَزِكَ، وَ لَا تُخَلِّفْ (6) فَتَعْصِیَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ تَعْصِیَ (مَنِ) (7) اسْتَخْلَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَیْكَ وَ عَلَی صَاحِبِكَ، وَ لَمْ یَعْزِلْنِی حَتَّی قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَنَّكَ وَ صَاحِبَكَ رَجَعْتُمَا وَ عَصَیْتُمَا، فَأَقَمْتُمَا فِی الْمَدِینَةِ بِغَیْرِ إِذْنِی (8).

قَالَ: فَهَمَّ (9) أَبُو بَكْرٍ أَنْ یَخْلَعَهَا مِنْ عُنُقِهِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ قَمِیصٌ قَمَّصَكَ اللَّهُ لَا تَخْلَعْهُ فَتَنْدَمَ، وَ لَكِنْ أَلِحَّ عَلَی أُسَامَةَ بِالْكُتُبِ، وَ مُرْ فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً یَكْتُبُونَ إِلَی (10) أُسَامَةَ أَنْ لَا یُفَرِّقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِینَ، وَ أَنْ یُدْخِلَ یَدَهُ (11)

ص: 92


1- فی المصدر قد اجتمعوا.
2- فی المصدر: أمرهم و رضوك.
3- فی مطبوع البحار: و اعلم أنّی أنا و من.
4- فی المصدر: ما رضیناك.
5- فی المصدر: یوم الغدیر.
6- فی المصدر: انظر مركزك و لا تخالف.
7- فی مطبوع البحار: ما، و المثبت من المصدر.
8- فی المصدر: إذن.
9- فی المصدر: فأراد، بدلا من: قال: فهمّ.
10- فی المصدر: و لكن ألحّ علیه بالكتب و الرّسائل، و مر فلانا و فلانا أن یكتبوا إلی.
11- فی المصدر: معهم، بدلا من: یده.

فِیمَا صَنَعُوا.

قَالَ: فَكَتَبَ إِلَیْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَ كَتَبَ إِلَیْهِ أُنَاسٌ (1) مِنَ الْمُنَافِقِینَ: أَنِ ارْضَ بِمَا اجْتَمَعْنَا عَلَیْهِ، وَ إِیَّاكَ أَنْ تُشْمِلَ (2) الْمُسْلِمِینَ فِتْنَةً مِنْ قِبَلِكَ، فَإِنَّهُمْ حَدِیثُو عَهْدٍ بِالْكُفْرِ.

فَلَمَّا (3) وَرَدَتِ الْكُتُبُ عَلَی أُسَامَةَ انْصَرَفَ بِمَنْ مَعَهُ حَتَّی دَخَلَ الْمَدِینَةَ، فَلَمَّا رَأَی اجْتِمَاعَ النَّاسِ (4) عَلَی أَبِی بَكْرٍ انْطَلَقَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ (5): مَا هَذَا؟

فَقَالَ لَهُ (6) عَلِیٌّ: هَذَا مَا تَرَی! قَالَ لَهُ أُسَامَةُ: فَهَلْ بَایَعْتَهُ؟

فَقَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: طَائِعاً أَوْ كَارِهاً (7)؟

قَالَ: لَا، بَلْ كَارِهاً قَالَ: فَانْطَلَقَ أُسَامَةُ فَدَخَلَ عَلَی أَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ (8): السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا خَلِیفَةَ الْمُسْلِمِینَ.

قَالَ: فَرَدَّ (9) أَبُو بَكْرٍ وَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَیْكَ أَیُّهَا الْأَمِیرُ.

بیان: انظر بمركزك، أی: إلی مركزك و محلّك الّذی أقامك فیه النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله من عسكری، و أمرك أن تكون فیهم، أو من كونك رعیة لأمیر

ص: 93


1- فی المصدر: النّاس.
2- فی المصدر: أن تشتمل.
3- فی المصدر: قال فلمّا.
4- فی المصدر: الخلق.
5- فی الاحتجاج: فقال له.
6- فی المصدر: قال له.
7- فی المصدر: فقال نعم یا أسامة، فقال طائعا أو كرها.
8- فی المصدر: و قال له.
9- فی المصدر: فردّ علیه.

المؤمنین علیه السلام، أو انظر فی أمرك، فی مركزك و مقامك (1).

«2»- جا (2): عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِیُّ، عَنْ (3) أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ (4) زَكَرِیَّا بْنِ یَحْیَی، عَنْ (5) عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ سُفْیَانَ، عَنِ الْوَلِیدِ بْنِ كَثِیرٍ، عَنِ ابْنِ الصَّیَّادِ، عَنْ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ارْتَجَّتْ مَكَّةُ بِنَعْیِهِ.

فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟

قَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ.

قَالَ: فَمَنْ وَلِیُّ النَّاسِ بَعْدَهُ؟

قَالُوا: ابْنُكَ.

قَالَ: فَهَلْ رَضِیَتْ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَ بَنُو الْمُغِیرَةِ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَی اللَّهُ وَ لَا مُعْطِیَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ، مَا أَعْجَبَ هَذَا الْأَمْرَ یَتَنَازَعُونَ (6) النُّبُوَّةَ وَ یُسَلِّمُونَ (7) الْخِلَافَةَ، إِنَّ هذا لَشَیْ ءٌ یُرادُ

بیان: أی: ما أعجب منازعة بنی عبد شمس و بنی المغیرة فی النبوّة الحقّة و تسلیمهم الخلافة الباطلة.

إِنَّ هذا لَشَیْ ءٌ یُرادُ، أی: هذا الأمر لشی ء من ریب الزمان یراد بنا فلا مردّ

ص: 94


1- قال فی لسان العرب 5- 355: مركز الجند: الموضع الّذی أمروا أن یلزموه و أمروا أن لا یبرحوه، و مركز الرّجل: موضعه، یقال: أخلّ فلان بمركزه. ولاحظ أیضا : مجمع البحرین ٤ _ ٢١.
2- أمالی المفید- المجالس-: 90- 91.
3- فی المصدر: قال أخبرنی أبو الحسن علیّ بن محمّد البصریّ البزّاز، قال حدّثنا أبو بشر.
4- فی المصدر: قال حدّثنا، و فی (ك) ورد لفظ: ابن، بدلا من لفظ: عن.
5- فی المصدر: السّاجیّ قال حدّثنا.
6- خ. ل: تنازعون، و كذا فی المصدر.
7- خ. ل: تسلّمون، و كذا فی المصدر.

له، أو إنّ تولیّ أمر الخلافة شی ء یتمنّی، أو یریده كلّ أحد، أو إنّ دینكم یطلب لیؤخذ منكم كما قیل فی الآیة (1)، و الأخیر هنا أبعد.

«3»-ج (2): رُوِیَ (3)

أَنَّ أَبَا قُحَافَةَ كَانَ بِالطَّائِفِ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بُویِعَ لِأَبِی بَكْرٍ، فَكَتَبَ إِلَی أَبِیهِ (4) كِتَاباً عُنْوَانُهُ: مِنْ خَلِیفَةِ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی أَبِی قُحَافَةَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَرَاضَوْا بِی، فَأَنَا (5) الْیَوْمَ خَلِیفَةُ اللَّهِ، فَلَوْ قَدِمْتَ عَلَیْنَا لَكَانَ أَحْسَنَ بِكَ.

فَلَمَّا (6) قَرَأَ أَبُو قُحَافَةَ الْكِتَابَ قَالَ لِلرَّسُولِ: مَا مَنَعَهُمْ (7) مِنْ عَلِیٍّ؟

قَالَ الرَّسُولُ (8): هُوَ حَدَثُ السِّنِّ، وَ قَدْ أَكْثَرَ الْقَتْلَ فِی قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهَا، وَ أَبُو بَكْرٍ أَسَنُّ مِنْهُ.

قَالَ أَبُو قُحَافَةَ: إِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِی ذَلِكَ بِالسِّنِّ فَأَنَا أَحَقُّ مِنْ أَبِی بَكْرٍ، لَقَدْ ظَلَمُوا عَلِیّاً حَقَّهُ، وَ لَقَدْ بَایَعَ (9) لَهُ النَّبِیُّ وَ أَمَرَنَا بِبَیْعَتِهِ.

ثُمَّ كَتَبَ إِلَیْهِ: مِنْ أَبِی قُحَافَةَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ (10) أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِی كِتَابُكَ، فَوَجَدْتُهُ كِتَابَ أَحْمَقَ یَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضاً، مَرَّةً تَقُولُ: خَلِیفَةُ اللَّهِ، وَ مَرَّةً تَقُولُ:

خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَ مَرَّةً (11) تَرَاضَی بِیَ النَّاسُ، وَ هُوَ أَمْرٌ مُلْتَبِسٌ، فَلَا تَدْخُلَنَ

ص: 95


1- سورة ص: 6 «إِنَّ هذا لَشَیْ ءٌ یُرادُ».
2- الاحتجاج 1- 87- 88 (طبعة النّجف: 1- 115).
3- فی المصدر: و روی.
4- فی المصدر: فكتب ابنه إلیه.
5- فی المصدر: فإنّی.
6- فی المصدر: فلو قدمت علینا كان أقرّ لعینك، قال فلمّا.
7- فی المصدر: ما منعكم.
8- لا یوجد فی المصدر: الرّسول.
9- فی الاحتجاج: و قد بایع.
10- فی المصدر: إلی ابنه أبی بكر.
11- فی المصدر: خلیفة رسول اللّٰه و مرّة تقول خلیفة اللّٰه و مرّة تقول ..

فِی أَمْرٍ یَصْعُبُ عَلَیْكَ الْخُرُوجُ مِنْهُ غَداً، وَ یَكُونُ عُقْبَاكَ مِنْهُ إِلَی النَّدَامَةِ (1)، وَ مَلَامَةِ النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ، لَدَی الْحِسَابِ یَوْمَ (2) الْقِیَامَةِ، فَإِنَّ لِلْأُمُورِ مَدَاخِلَ وَ مَخَارِجَ، وَ أَنْتَ تَعْرِفُ مَنْ هُوَ أَوْلَی مِنْكَ بِهَا (3)، فَرَاقِبِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَ لَا تَدَعَنَّ صَاحِبَهَا، فَإِنَّ تَرْكَهَا الْیَوْمَ أَخَفُّ عَلَیْكَ وَ أَسْلَمُ لَكَ..

«4»-شف (4): مِنْ كِتَابِ الْبَهَارِ لِلْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ (5)، عَنْ فُضَیْلٍ الرَّسَّانِ وَ الْحَسَنِ بْنِ السَّكَنِ (6)، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِی أُمَامَةَ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ: مِنْ أَبِی بَكْرٍ خَلِیفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (7) إِلَی أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِینَ اجْتَمَعُوا عَلَیَّ لَمَّا أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِی هَذَا فَأَقْبِلْ.

قَالَ: فَكَتَبَ إِلَیْهِ (8) أُسَامَةُ بْنُ زَیْدٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ جَاءَنِی كِتَابٌ لَكَ یَنْقُضُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ، كَتَبْتَ إِلَیَّ: مِنْ أَبِی بَكْرٍ خَلِیفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ عَلَی أَهْلِ بَیْتِهِ، ثُمَّ أَخْبَرْتَنِی أَنَّ الْمُسْلِمِینَ اجْتَمَعُوا عَلَیْكَ.

قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَیْهِ قَالَ لَهُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! أَ مَا تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 96


1- فی المصدر: إلی النّار و النّدامة.
2- فی المصدر: بیوم.
3- فی المصدر: بها منك.
4- كشف الیقین- الیقین-: 95.
5- فی المصدر: فیما نذكره عن الحسین بن سعید عن كتابه- كتاب البهار فی إنكار أسامة بن زید لأبی بكر، بأمر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لهم أن یسلّموا علی علیّ بإمرة المؤمنین- نذكر ما نحتاج إلیه بلفظه المعتمد علیه و نترك ما لا ضرورة إلیه، فنقول: عن رجال الحسین ما هذا لفظه: محمّد ابن أبی عمیر، عن علیّ بن الزّیّات.
6- فی المصدر: سكن العرار.
7- فی المصدر: صلّی اللّٰه علیه و علی أهل بیته.
8- لا یوجد فی المصدر: إلیه.

عَلَیْهِ وَ آلِهِ حِینَ أَمَرَنَا أَنْ (1) نُسَلِّمَ عَلَی عَلِیٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ، فَقُلْتَ: أَ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ؟! فَقَالَ لَكَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ: أَ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ؟! فَقَالَ:

نَعَمْ، ثُمَّ قَامَ (2) الْقَوْمُ فَسَلَّمُوا عَلَیْهِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَكُمْ سِنّاً، فَقُمْتُ فَسَلَّمْتُ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ؟! فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَكُنْ لِیَجْمَعَ (3) لَهُمُ النُّبُوَّةَ وَ الْخِلَافَةَ.

ص: 97


1- فی المصدر: فلمّا قدم علیه و علی أهل بیته حین أمرنا أن .. و الظّاهر وجود سقط فی المصدر.
2- فی (س): قال، بدلا من: قام.
3- فی المصدر: یجمع.

ص: 98

10- باب إقرار أبی بكر بفضل أمیر المؤمنین و خلافته بعد الغصب

«1»-ج (1): عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِیِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَیْرِ، عَنِ الزُّبَیْرِ (2) بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ: لَمَّا قَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَقَدَّمَ عَلِیّاً وَ هُوَ یَقُولُ: أَنَا أَوْلَی بِالْمَكَانِ مِنْهُ.

قَامَ أَبُو بَكْرٍ خَطِیباً فَقَالَ: صَبْراً عَلَی مَنْ لَیْسَ یَئُولُ إِلَی دِینٍ، وَ لَا یَحْتَجِبُ بِرِعَایَةٍ، وَ لَا یَرْعَوِی (3) لِوَلَایَةٍ، أَظْهَرَ الْإِیمَانَ ذِلَّةً، وَ أَسَرَّ (4) النِّفَاقَ عِلَّةً (5)، هَؤُلَاءِ عُصْبَةُ الشَّیْطَانِ، وَ جَمْعُ الطُّغْیَانِ ..

تَزْعُمُونَ (6) أَنِّی أَقُولُ: إِنِّی أَفْضَلُ مِنْ عَلِیٍّ، وَ كَیْفَ أَقُولُ ذَلِكَ؟ وَ مَا لِی سَابِقَتُهُ وَ لَا قَرَابَتُهُ وَ لَا خُصُوصِیَّتُهُ، وَحَّدَ اللَّهَ وَ أَنَا مُلْحِدُهُ، وَ عَبَدَهُ (7) قَبْلَ أَنْ أَعْبُدَهُ، وَ وَالَی

ص: 99


1- الاحتجاج 1- 88 (طبعة النّجف: 1- 115- 116).
2- لا یوجد فی المصدر: عن الزّبیر، و هو الظّاهر.
3- أی: لا ینزجر عن القبیح.
4- خ. ل: أسّس.
5- فی المصدر: غلّة.
6- احتجاج: یزعمون.
7- فی المصدر: عبده علیّ.

الرَّسُولَ وَ أَنَا عَدُوُّهُ، وَ سَبَقَنِی بِسَاعَاتٍ لَوْ تَقَطَّعْتُ (1) لَمْ أَلْحَقْ ثَنَاءَهُ (2)، وَ لَمْ أَقْطَعْ غُبَارَهُ.

إِنَّ (3) عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فَازَ- وَ اللَّهِ- مِنَ اللَّهِ بِمَحَبَّتِهِ (4)، وَ مِنَ الرَّسُولِ بِقُرْبَةٍ (5)، وَ مِنَ الْإِیمَانِ بِرُتْبَةٍ، لَوْ جَهَدَ الْأَوَّلُونَ وَ الْآخِرُونَ- إِلَّا النَّبِیِّینَ- لَمْ یَبْلُغُوا دَرَجَتَهُ، وَ لَمْ یَسْلُكُوا مَنْهَجَهُ.

بَذَلَ لِلَّهِ (6) مُهْجَتَهُ، وَ لِابْنِ عَمِّهِ مَوَدَّتَهُ، كَاشِفُ الْكَرْبِ، وَ دَافِعُ (7) الرَّیْبِ، وَ قَاطِعُ السَّبَبِ إِلَّا سَبَبَ الرَّشَادِ، وَ قَامِعُ الشِّرْكِ، وَ مُظْهِرٌ مَا تَحْتَ سُوَیْدَاءِ حَبَّةِ النِّفَاقِ، مَجَنَّةُ هَذَا (8) الْعَالَمِ، لَحِقَ قَبْلَ أَنْ یُلَاحَقَ، وَ بَرَزَ قَبْلَ أَنْ یُسَابَقَ، جَمَعَ الْعِلْمَ وَ الْحِلْمَ وَ الْفَهْمَ، فَكَأَنَّ جَمِیعَ الْخَیْرَاتِ كَانَتْ (9) لِقَلْبِهِ كُنُوزاً، لَا یَدَّخِرُ مِنْهَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ إِلَّا أَنْفَقَهُ فِی بَابِهِ.

فَمَنْ ذَا یَأْمُلُ (10) أَنْ یَنَالَ دَرَجَتَهُ وَ قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ لِلْمُؤْمِنِینَ وَلِیّاً، وَ لِلنَّبِیِ

ص: 100


1- فی المصدر: انقطعت.
2- خ. ل: شاره، و فی نسخة: شأوه، و كذا فی المصدر، و قد تعرّض المصنّف قدّس سرّه إلی ذلك فی بیانه.
3- فی الاحتجاج: و إنّ.
4- فی نسخة: محبّة، و فی المصدر بمحبّة.
5- فی المصدر: بقرابة.
6- فی المصدر: فی اللّٰه.
7- خ. ل: دامغ، و كذا فی المصدر.
8- فی المصدر: محنة لهذا .. قال فی الصّحاح 5- 2094: المجنة- أیضا-: الموضع الّذی یستتر فیه انتهی. أقول: : یكون المعنی أن أمیر المؤمنین علیه السلام مجنة هذا العالم ، أی كل ما فی العالم مستتر فی نفس أمیر المؤمنین علیه السلام.
9- لا یوجد فی المصدر: كانت.
10- فی المصدر: یؤمّل.

وَصِیّاً، وَ لِلْخِلَافَةِ وَاعِیاً (1)، وَ بِالْإِمَامَةِ قَائِماً؟! أَ فَیَغْتَرُّ الْجَاهِلُ بِمَقَامِ قِمَّتِهِ إِذْ أَقَامَنِی وَ أَطَعْتُهُ إِذْ أَمَرَنِی؟

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ یَقُولُ: الْحَقُّ مَعَ عَلِیٍّ وَ عَلِیٌّ مَعَ الْحَقِّ (2)، مَنْ أَطَاعَ عَلِیّاً رَشَدَ، وَ مَنْ عَصَی عَلِیّاً فَسَدَ، وَ مَنْ أَحَبَّهُ سَعِدَ، وَ مَنْ أَبْغَضَهُ شَقِیَ.

وَ اللَّهِ لَوْ لَمْ نُحِبَّ (3) ابْنَ أَبِی طَالِبٍ إِلَّا لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمْ یُوَاقِعْ لِلَّهِ (4) مُحَرَّماً، وَ لَا عَبَدَ (5) مِنْ دُونِهِ صَنَماً، وَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَیْهِ بَعْدَ نَبِیِّهِمْ، لَكَانَ فِی ذَلِكَ مَا یَجِبُ.

فَكَیْفَ لِأَسْبَابٍ أَقَلُّهَا مُوجِبٌ، وَ أَهْوَنُهَا مُرَغِّبٌ! لَهُ الرَّحِمُ (6) الْمَاسَّةُ بِالرَّسُولِ، وَ الْعِلْمُ بِالدَّقِیقِ وَ الْجَلِیلِ، وَ الرِّضَا بِالصَّبْرِ الْجَمِیلِ، وَ الْمُوَاسَاةُ فِی الْكَثِیرِ وَ الْقَلِیلِ، وَ خِلَالٌ لَا یُبْلَغُ عَدُّهَا، وَ لَا یُدْرَكُ مَجْدُهَا.

وَدَّ الْمُتَمَنُّونَ أَنْ لَوْ كَانُوا تُرَابَ (7) ابْنِ أَبِی طَالِبٍ، أَ لَیْسَ هُوَ صَاحِبَ لِوَاءِ الْحَمْدِ، وَ السَّاقِیَ یَوْمَ الْوُرُودِ (8)، وَ جَامِعَ كُلِّ كَرَمٍ، وَ عَالِمَ كُلِّ عِلْمٍ، وَ الْوَسِیلَةَ إِلَی اللَّهِ وَ إِلَی رَسُولِهِ؟!.

بیان: قوله: لم ألحق ثناءه، كذا فی بعض النسخ، أی: لا أطیق أن

ص: 101


1- فی المصدر: راعیا.
2- مرّت جملة من مصادر هذا الحدیث، و جاء فی الغدیر 3- 177 و 178 الحدیث مع مصادره بهذا الشّكل: علیّ مع الحقّ و الحقّ مع علیّ.
3- فی المصدر: یحبّ.
4- فی (ك): اللّٰه، و كذا فی نسخة من المصدر.
5- فی البحار المطبوع: عبده.
6- فی المصدر: للرّحم- بلا ضمیر-.
7- فی الاحتجاج: تراب أقدام.
8- نصّ علیه جملة من محدّثی العامّة، و جاء فی الغدیر 2- 321 و 322 عن عدّة مصادر، و جاء فی المناقب عن جابر الأنصاریّ، و حكاه عن مسند أحمد بن حنبل، و بلفظ آخر فی حلیة الأولیاء عن أبی هریرة، و جاء فی الغدیر أیضا 10- 121: أنّه علیه السّلام ساقی الحوض. ویعد هذا من ضروریات مذهب الخاصة.

أثنی علیه كما هو أهله (1)، و فی بعضها: شأوه: و هو الغایة و الأمد و السّبق، یقال: شأوت القوم شأوا، أی: سبقتهم (2)، و فی بعضها: شاره، و لعله من الشارة، و هی الهیئة الحسنة و الحسن و الجمال و الزّینة (3)، و لا یبعد أن یكون فی الأصل: ناره، لاستقامة السجع و بلاغة المعنی.

و أما قوله: و لم أقطع غباره، فهو مثل، یقال: فلان ما یشقّ غباره إذا سبق غیره فی الفضل، أی: لا یلحق أحد غباره فیشقّه (4)، كما هو المعروف فی المثل بین العجم: أو لیس له غبار لسرعته، و اختار المیدانی الأخیر، حیث قال:

یرید (5): أنّه لا غبار له فیشقّ، و ذلك لسرعة عدوه و خفّة وطئه، و قال:

مواقع وطئه فلو أنّه*** یجزی (6) برملة عالج لم یرهج

و قال النابغة:

أعلمت یوم عكاظ حین لقیتنی*** تحت العجاج فما شققت غباری

یضرب لمن لا یجاری، لأنّ مجاریك یكون معك فی الغبار، فكأنّه قال (7):

ص: 102


1- قوله: لو تقطعت لم ألحق ثناءه، أی: لو اجتهدت و صرت فی طریق الثناء علیه قطعة قطعة لم ألحق بمرتبة من الثناء، و هذه كنایة عن عدم القدرة علی ثناء الشخص.
2- كما فی الصحاح 6- 2388، القاموس 4- 346.
3- كما نصّ علیه فی القاموس 2- 65، و فیه: أنّ الشارة الهیئة، من دون تقیید لها بالحسنة، و لاحظ: الصحاح ٢ _ ٧٠٥.
4- انظر: المستقصی فی أمثال العرب 1- 333، و لسان العرب 5- 5.
5- فی المصدر: یراد.
6- فی (س): یأتی.
7- لا یوجد: قال، فی (س)، و هو موجود فی (ك) و المصدر.

لا قرن له یجاریه (1).

و قال الجوهری: سواد القلب و سویداؤه: حبّته (2).

ص: 103


1- مجمع الأمثال للمیدانی 2- 294، و لاحظ فرائد اللئال 2- 258.
2- الصحاح 2- 492، و قارن به: مجمع البحرین 3- 73، القاموس 1- 304. وقال فی لسان العرب ٣ _ ٢٢٧ : السویدا : الاست. والظاهر أن المناسب لهذا المقام هو هذا المعنی ، أعنی : الاست بمعنی الأساس ، فتدبر.

ص: 104

11- باب نزول الآیات فی أمر فدك

اشارة

باب نزول الآیات فی أمر فدك (1) و قصصه و جوامع الاحتجاج فیه و فیه قصّة خالد و عزمه علی قتل أمیر المؤمنین علیه السلام بأمر المنافقین*

«1»-ن (2): فِیمَا احْتَجَّ الرِّضَا عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی فَضْلِ الْعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ.

قَالَ: وَ الْآیَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ (3) اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (4) خُصُوصِیَةٌ خَصَّهُمُ الْعَزِیزُ (5) الْجَبَّارُ بِهَا، وَ اصْطَفَاهُمْ عَلَی الْأُمَّةِ.

فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: ادْعُوا إِلَیَّ فَاطِمَةَ.

ص: 105


1- فدك منصرف و غیر منصرف، قاله فی مجمع البحرین 5- 283، و قد ورد علی كلا الوجهین فی الروایات. قال فی معجم البلدان ٤ _ ٢٣٨ : فدك _ بالتحریك وآخره كاف _ : قریة بالحجاز ، بینها وبین المدینة یومان ، وقیل : ثلاثة ، أفاءها اللّٰه علی رسوله صلی اللّٰه علیه [ وآله ] وسلم فی سنة سبع صلحا ثم ذكر ما جری علیها من الاختلاف الكثیر بعد النبی صلی اللّٰه علیه و آله ، ولخصه فی مراصد الاطلاع ٣ _ ١٠٢٠.
2- عیون أخبار الرّضا علیه السّلام 1- 233 ضمن حدیث 1.
3- فی المصدر: قول.
4- الإسراء: 26.
5- فی المصدر: اللّٰه العزیز.

فَدُعِیَتْ لَهُ، فَقَالَ: یَا فَاطِمَةُ! قَالَتْ: لَبَّیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: فَدَكُ هِیَ مِمَّا (1) لَمْ یُوجَفْ عَلَیْهِ بِخَیْلٍ (2) وَ لَا رِكَابٍ، وَ هِیَ لِی خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِینَ، وَ قَدْ جَعَلْتُهَا لَكِ، لِمَا أَمَرَنِی اللَّهُ (3) بِهِ، فَخُذِیهَا لَكِ وَ لِوُلْدِكِ.

بیان: نزول هذه (4) الآیة فی فدك رواه كثیر من المفسّرین (5)، و وردت به الأخبار من طرق الخاصّة و العامّة (6).

ص: 106


1- فی المصدر: هذه فدك ممّا هی.
2- فی المصدر: بالخیل.
3- فی المصدر: اللّٰه تعالی.
4- لا یوجد لفظ: هذه، فی (س).
5- راجع: تفسیر فرات الكوفیّ: 118- 119 رواه بأربعة طرق، تفسیر التبیان 6- 467 و 8- 253، شواهد التنزیل 1- 338- 341 حدیث 467- 473، الدّر المنثور 5- 273- 274 نقلا عن البزاز و أبی یعلی و ابن أبی حاتم و ابن مردویه، مجمع البیان 4- 306، تفسیر العیّاشی 2- 287 حدیث 46- 50.
6- الأخبار من طرق الخاصّة وردت هاهنا فی ضمن هذا الباب، و أمّا من طرق العامّة، فمنها: مجمع الزوائد ٧ _ ٤٩ ، كنز العمال ٣ _ ٧٦٧ حدیث ٨٦٩٦. وانظر عن فدك وشكوی فاطمة سلام اللّٰه علیها ، غیر ما ألفته الخاصة والعامة من كتب مستقلة فی الباب _ عد منها شیخنا الطهرانی فی الذریعة ١٦ _ ١٢٩ عشرة كتب _ : تاریخ الطبری ٣ ١٩٨ ، العقد الفرید ٢ _ ٢٥٧ ، تاریخ أبی الفداء ١ _ ١٦٥ ، شرح ابن أبی الحدید ٢ _ ١٩ ، أعلام النساء ٣ _ ١٢٠٥ ، إرشاد الساری ٢ _ ٣٩٠. وجاء فی الإمامة والسیاسة ١ _ ١٣ ، وكتاب الإمام علی لعبد الفتاح عبد المقصود ١ _ ٢٢٥ : وقد خرجت عن خدرها وهی تبكی وتنادی بأعلی صوتها : یا أبت یا رسول اللّٰه ، ما ذا لقینا بعدك من ابن الخطاب وابن أبی قحافة؟!!. وعد العلامة الأمینی رحمه اللّٰه عشرات المصادر فی موسوعته الغدیر ٣ _ ١٠٤ و ٥ _ ١٤٧ و ٧ ٧٧ ، وغیرها. وانظر إحقاق الحق ١ _ ٢٩٦ ، ٣ _ ٥٤٩ ، ١٠ _ ٢٩٦ _ ٣٠٥ و ٤٣٣ ، ١٤ _ ٥٧٥ ٥٧٧ و ٦١٨ ، ١٩ _ ١١٩ و ١٦٢ ، وغیرها.

قال الشیخ الطبرسی (1) رحمه اللّٰه:

قیل: إنّ المراد قرابة الرسول.

عَنِ السُّدِّیِّ قَالَ: إِنَّ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ- حِینَ بَعَثَ بِهِ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ زِیَادٍ إِلَی یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ عَلَیْهِ اللَّعْنَةُ-: أَ قَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: أَ مَا قَرَأْتَ وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (2)؟

قَالَ: وَ إِنَّكُمْ ذُو الْقُرْبَی الَّذِی أَمَرَ اللَّهُ أَنْ یُؤْتَی حَقَّهُ؟

قَالَ: نَعَمْ..

و هو الّذی رواه أصحابنا رضی اللّٰه عنهم عن الصادقین علیهم السلام.

و أخبرنا السیّد مهدی بن نزار الحسنی- بإسناد ذكره- عن أبی سعید الخدری قال: لما نزلت قوله: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (3) أعطی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فاطمة فدك.

قال عبد الرحمن بن صالح: كتب المأمون إلی عبید اللّٰه بن موسی یسأله عن قصّة فدك، فكتب إلیه عبید اللّٰه بهذا الحدیث، رواه عن الفضیل بن مرزوق عن عطیة، فردّ المأمون فدك علی ولد فاطمة، انتهی.

و روی العیاشی (4) حدیث عبد الرحمن بن صالح، إلی آخره.

«2»-جا (5): الْجِعَابِیُّ، عَنْ مُحَمَّدِ (6) بْنِ جَعْفَرٍ الْحَسَنِیِّ، عَنْ عِیسَی بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ یُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ الْهَاشِمِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ زَیْنَبَ بِنْتِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ- عَلَیْهِ السَّلَامُ- قَالَتْ: لَمَّا اجْتَمَعَ رَأْیُ

ص: 107


1- مجمع البیان 3- 411.
2- الإسراء: 26.
3- الإسراء: 26.
4- تفسیر العیّاشی 2- 287- 288 حدیث 51.
5- أمالی المفید- المجالس-: 40- 41 حدیث 8.
6- فی المصدر: قال: أخبرنی أبو بكر محمّد بن عمر الجعابیّ، قال: أخبرنا أبو عبد اللّٰه (جعفر بن محمّد.)

أَبِی بَكْرٍ عَلَی مَنْعِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَدَكَ وَ الْعَوَالِیَ (1)، وَ أَیِسَتْ مِنْ إِجَابَتِهِ لَهَا، عَدَلَتْ إِلَی قَبْرِ أَبِیهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَلْقَتْ نَفْسَهَا عَلَیْهِ، وَ شَكَتْ إِلَیْهِ مَا فَعَلَهُ الْقَوْمُ بِهَا، وَ بَكَتْ حَتَّی بُلَّتْ تُرْبَتُهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِدُمُوعِهَا عَلَیْهَا السَّلَامُ، وَ نَدَبَتْهُ.

ثُمَّ قَالَتْ فِی آخِرِ نُدْبَتِهَا (2):

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَثَةٌ (3)*** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ یَكْبُرِ (4) الْخَطْبُ (5)

إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا (6)*** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا (7)

قَدْ كَانَ جِبْرِیلُ بِالْآیَاتِ یُؤْنِسُنَا*** فَغِبْتَ عَنَّا فَكُلُّ الْخَیْرِ مُحْتَجَبٌ

وَ كُنْتَ (8) بَدْراً وَ نُوراً یُسْتَضَاءُ بِهِ*** عَلَیْكَ تَنْزِلُ مِنْ ذِی الْعِزَّةِ الْكُتُبُ

(9)

ص: 108


1- قال فی النّهایة 3- 295: و فیه ذكر العالیة و العوالی فی غیر موضع من الحدیث، و هی أماكن بأعلی أراضی المدینة، و النّسبة إلیها علویّ علی غیر قیاس، و أدناها من المدینة علی أربعة أمیال، و أبعدها من جهة نجد ثمانیة.
2- خ. ل: ندبه.
3- قال فی النّهایة 5- 2707: إنّ فاطمة قالت بعد موت النّبیّ صلّی اللّٰه علیه (و آله و سلّم:) .. الهنبثة واحدة الهنابث ، وهی الأمور الشداد المختلفة ، والهنبثة : الاختلاط فی القول ، والنون زائدة.
4- فی المصدر: لم تكثر.
5- قال فی مجمع البحرین 2- 51: الخطب: الأمر الّذی یقع فیه المخاطبة و الشّأن و الحال.
6- قال فی مجمع البحرین 5- 490: الوابل: المطر الشّدید.
7- أی: عدلوا و مالوا.
8- فی المصدر: فكنت.
9- جاءت هذه الأبیات فی شرح نهج البلاغة هكذا: قد كان بعدك أنباء وهینمة***لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب أبدت رجال لنا نجوی صدورهم***لما قضیت وحالت دونك الكتب تجهمتنا رجال واستخف بنا***إذ غبت عنا فنحن الیوم نغتصب أقول: : الهینمة : الصوت الخفی ، وفی طبعة من شرح النهج : الكثب.

تَجَهَّمَتْنَا رِجَالٌ وَ اسْتُخِفَّ بِنَا*** بَعْدَ النَّبِیِّ وَ كُلُّ الْخَیْرِ مُغْتَصَبُ

سَیَعْلَمُ الْمُتَوَلِّی ظُلْمَ حَامَتِنَا*** یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَنَّی سَوْفَ یَنْقَلِبُ

فَقَدْ لَقِینَا الَّذِی لَمْ یَلْقَهُ أَحَدٌ*** مِنَ الْبَرِیَّةِ لَا عُجْمٌ وَ لَا عَرَبٌ

فَسَوْفَ نَبْكِیكَ مَا عِشْنَا وَ مَا بَقِیَتْ*** لَنَا الْعُیُونُ بِتِهْمَالٍ لَهُ سَكْبُ (1)

بیان: الحامّة: خاصّة الرّجل، و التخفیف لضرورة الشعر، قال فی النهایة: فی الحدیث: الّلهمّ إنّ (2) هؤلاء أهل بیتی و حامّیتی (3) أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهیرا .. حامّة الإنسان خاصّته و من یقرب منه، و هو الحمیم أیضا (4)، انتهی.

و التّهمال من الهمل، و إن لم یرد فی اللغة، قال الجوهری: هملت عینه تهمل و تهمل هملا و هملانا: أی فاضت، و انهملت مثله (5).

و قال: سكبت الماء سكبا أی: صبیته، و سكب الماء نفسه (6) سكوبا و تسكابا و انسكب بمعنی (7) و سیأتی شرح باقی الأبیات فی بیان خطبتها.

«3»-فر (8): زَیْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَلَوِیُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ

ص: 109


1- جاءت هذه الشّكوی منها سلام اللّٰه علیها فی جملة من كتب العامّة و اختلف فی مقدار الأبیات. انظر : بلاغات النساء لابن طیفور ١٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ١٦ _ ٢١٢ ( ٤ _ ٩٣ ذات أربع مجلدات) ، أعلام النساء ٣ _ ١٢٠٨ ، وعد لها مصادر أخری فی إحقاق الحق ١٩ _ ١٦٢.
2- لا یوجد فی المصدر: إنّ.
3- فی المصدر: حامّتی.
4- النهایة 1- 446، و لاحظ: مجمع البحرین 6- 52، الصحاح 5- 1907.
5- الصحاح 5- 1854، و انظر: لسان العرب 11- 710، مجمع البحرین 5- 501.
6- فی الصحاح: بنفسه.
7- الصحاح 1- 148، و انظر: القاموس 1- 82، مجمع البحرین 2- 83.
8- تفسیر فرات الكوفیّ: 159.

عُبَیْدِ بْنِ یَحْیَی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا (1) نَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، شَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ سِلَاحَهُ وَ أَسْرَجَ دَابَّتَهُ، وَ شَدَّ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ سِلَاحَهُ وَ أَسْرَجَ دَابَّتَهُ، ثُمَّ تَوَجَّهَا فِی جَوْفِ اللَّیْلِ- وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَا یَعْلَمُ حَیْثُ یُرِیدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- حَتَّی (انْتَهَیَا) (2) إِلَی فَدَكَ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا عَلِیٌّ! تَحْمِلُنِی أَوْ أَحْمِلُكَ؟.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَحْمِلُكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا عَلِیُّ! بَلْ أَنَا أَحْمِلُكَ، لِأَنِّی أَطُولُ بِكَ (3) وَ لَا تَطُولُ بِی.

فَحَمَلَ عَلِیّاً (4) عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی كَتِفَیْهِ، ثُمَّ قَامَ بِهِ، فَلَمْ یَزَلْ یَطُولُ بِهِ (5) حَتَّی عَلَا عَلَی (6) سُورِ الْحِصْنِ، فَصَعِدَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی الْحِصْنِ وَ مَعَهُ سَیْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَذَّنَ (7) عَلَی الْحِصْنِ وَ كَبَّرَ.

فَابْتَدَرَ أَهْلُ الْحِصْنِ إِلَی بَابِ الْحِصْنِ هُرَّاباً، حَتَّی فَتَحُوهُ وَ خَرَجُوا مِنْهُ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِجَمْعِهِمْ، وَ نَزَلَ عَلِیٌّ إِلَیْهِمْ، فَقَتَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ ثَمَانِیَةَ عَشَرَ مِنْ عُظَمَائِهِمْ وَ كُبَرَائِهِمْ، وَ أَعْطَی الْبَاقُونَ بِأَیْدِیهِمْ، وَ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ذَرَارِیَّهُمْ وَ مَنْ بَقِیَ مِنْهُمْ وَ غَنَائِمَهُمْ یَحْمِلُونَهَا (8) عَلَی

ص: 110


1- جاء فی المصدر: .. یحیی قال سأل محمّد بن الحسن رجل حضرنا فقلت جعلت فداك كان من أمر فدك دون المؤمنین علی وجهه ففسّرها لنا، قال: نعم لمّا ...
2- فی مطبوع البحار: انتهی، و المثبت من المصدر.
3- أی: أقدر أن أحملك مع قیام صلبی، كذا لغة. انظر: القاموس المحیط 4- 9.
4- فی المصدر: فحمل رسول اللّٰه علیّا.
5- لا یوجد فی المصدر: به.
6- فی المصدر: علا علیّ علی.
7- فی المصدر: و أذّن.
8- فی المصدر: یحملون.

رِقَابِهِمْ إِلَی الْمَدِینَةِ (1).

فَلَمْ یُوجِفْ فِیهَا غَیْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَهِیَ لَهُ (2) وَ لِذُرِّیَّتِهِ خَاصَّةً دُونَ الْمُؤْمِنِینَ.

«4»-كنز (3): مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُقَانِعِیِّ، عَنْ أَبِی كَرِبٍ (4)، عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ فُضَیْلِ (5) بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِیَّةَ، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (6) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ- عَلَیْهَا السَّلَامُ- وَ أَعْطَاهَا فَدَكاً.

«5»-مد (7): بِإِسْنَادِهِ إِلَی الْبُخَارِیِّ مِنْ صَحِیحِهِ (8)، عَنْ یَحْیَی بْنِ بُكَیْرٍ، عَنِ اللَّیْثِ، عَنْ عَقِیلِ بْنِ شِهَابٍ (9)، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَرْسَلَتْ إِلَی أَبِی بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِیرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَیْهِ بِالْمَدِینَةِ وَ فَدَكَ وَ مَا بَقِیَ مِنْ خُمُسِ خَیْبَرَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا یَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَ إِنِّی وَ اللَّهِ لَا أُغَیِّرُ شَیْئاً مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْ حَالِهَا الَّتِی كَانَتْ عَلَیْهَا فِی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 111


1- جاءت روایات فتح خیبر بید أمیر المؤمنین علیه السّلام فی جملة من مصادر الفریقین، تجدها فی إحقاق الحقّ 3- 403 و 404 و 410، و فتح فدك بعد خیبر، فراجع.
2- لا یوجد فی المصدر: فهی له.
3- تأویل الآیات الظّاهرة فی فضائل العترة الطّاهرة، لشرف الدّین النّجفیّ 1- 435 حدیث 5.
4- فی المصدر: أبی كریب.
5- فی المصدر: عن فضل.
6- الرّوم: 38.
7- العمدة: 390 حدیث 776.
8- أخرجه البخاریّ فی باب فرض الخمس 5- 5 عن عائشة، و أخرجه مع ذیله فی باب غزوة خیبر 6- 196 عن عائشة أیضا، و تجده مفصّلا فی 5- 177، و غیرها و فی غیره.
9- فی المصدر: عن ابن شهاب.

عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ لَأَعْمَلَنَّ فِیهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَبَی أَبُو بَكْرٍ أَنْ یَدْفَعَ إِلَی فَاطِمَةَ (1) شَیْئاً.

فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَی أَبِی بَكْرٍ فِی ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّی تُوُفِّیَتْ، وَ عَاشَتْ بَعْدَ النَّبِیِّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّیَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَیْلًا وَ لَمْ یُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَ صَلَّی عَلَیْهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (2).

«6»-وَ رَوَی (3) مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ صَحِیحِ مُسْلِمٍ بِسَنَدِهِ..

«7»-مِصْبَاحُ الْأَنْوَارِ (4): عَنْ یَحْیَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِیِّ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ (5) قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

إِنَّ لِی إِلَیْكَ حَاجَةً یَا أَبَا الْحَسَنِ.

فَقَالَ: تُقْضَی (6) یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَتْ: نَشَدْتُكَ (7) بِاللَّهِ وَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ لَا یُصَلِّیَ عَلَیَّ أَبُو بَكْرٍ وَ لَا عُمَرُ، فَإِنِّی لَأَكْتُمُكَ (8) حَدِیثاً، فَقَالَتْ: قَالَ لِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 112


1- فی المصدر: فاطمة علیها السّلام منها.
2- جاءت القصّة بطرق متعدّدة، نصّ علیها فی الغدیر 7- 226 و 227 و 229 و 230، و غیرها مع اختلاف فی العبارة. و قارن بإحقاق الحقّ 10- 296- 305 عن عدّة مصادر.
3- أی ابن بطریق فی العمدة: 390- 391 حدیث 777، عن صحیح مسلم 3- 1380 صدر حدیث 52 (طبعة أخری 2- 72) كتاب الجهاد. وانظر : مسند أحمد ١ _ ٦ و ٩ ، تاریخ الطبری ٣ _ ٢٠٢ ، سنن البیهقی ٦ _ ٣٠٠ ، تاریخ الخمیس ٢ _ ١٩٣ ، كفایة الطالب : ٢٢٦ ، تاریخ ابن كثیر ٥ _ ٢٨٥ ، وقال ابن كثیر ٦ _ ٣٣٣ : ولم تزل فاطمة تبغضه مدة حیاتها ، وسنن أبی داود برقم ٢٩٦٨ و ٢٩٦٩ كتاب الخراج والإمارة ورقم ٢٩٧٣ ، وسنن النسائی ٧ _ ١٣٢ كتاب قسم الفیء ، وجامع الأصول ٩ _ ٦٣٧ _ ٦٣٨ حدیث ٧٤٣٨ ، وسنن الترمذی ١٦٠٧ فی السیر وغیرها.
4- مصباح الأنوار: 259- 260.
5- فی المصدر: علیهم السّلام.
6- فی النّسخة: نقضی، و المثبت من المصدر.
7- فی المصدر: أنشدتك.
8- فی المصدر: لا أكتمك.

وَ آلِهِ: یَا فَاطِمَةُ! إِنَّكِ أَوَّلُ مَنْ یَلْحَقُ بِی مِنْ أَهْلِ بَیْتِی، فَكُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أَسُوءَكَ.

قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَتْ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ قَالا: لِمَ لَا تُخْرِجُهَا حَتَّی نُصَلِّیَ عَلَیْهَا؟

فَقَالَ: مَا أَرَانَا إِلَّا سَنُصْبِحُ، ثُمَّ دَفَنَهَا لَیْلًا، ثُمَّ صَوَّرَ بِرِجْلِهِ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَقْبُرٍ.

قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَوْهُ فَقَالا (1): یَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا حَمَلَكَ عَلَی أَنْ تَدْفَنَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ لَمْ نَحْضُرْهَا؟

قَالَ: ذَلِكَ عَهْدُهَا إِلَیَّ.

قَالَ: فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا وَ اللَّهِ شَیْ ءٌ فِی جَوْفِكَ.

فَثَارَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخَذَ بِتَلَابِیبِهِ (2)، ثُمَّ جَذَبَهُ فَاسْتَرْخَی فِی یَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَ اللَّهِ لَوْ لَا كِتَابٌ سَبَقَ وَ قَوْلٌ مِنَ اللَّهِ، وَ اللَّهِ لَقَدْ فَرَرْتَ یَوْمَ خَیْبَرَ وَ فِی مَوَاطِنَ، ثُمَّ لَمْ یُنْزِلِ اللَّهُ لَكَ تَوْبَةً حَتَّی السَّاعَةِ.

فَأَخَذَهُ أَبُو بَكْرٍ وَ جَذَبَهُ وَ قَالَ: قَدْ نَهَیْتُكَ عَنْهُ.

«8»-فس (3): وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ وَ الْمِسْكِینَ وَ ابْنَ السَّبِیلِ (4) یَعْنِی:

قَرَابَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ نَزَلَتْ (5) فِی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ، فَجَعَلَ لَهَا فَدَكَ.

وَ الْمِسْكِینِ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ، وَ ابْنِ السَّبِیلِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَ وُلْدِ فَاطِمَةَ.

«9»-فس (6): مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ (7)، قَالَ: الْمَنَّاعُ: الثَّانِی، وَ الْخَیْرُ: وَلَایَةُ

ص: 113


1- فی المصدر: فقالوا، و كذا فی نسخة علی هامش المطبوع من البحار.
2- أی: جعل ثیابه فی عنقه و صدره ثمّ قبضه و جرّه.
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2- 18.
4- الإسراء: 26.
5- فی المصدر: و أنزلت.
6- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2- 326.
7- سورة ق: 25، القلم: 12.

أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ حُقُوقُ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَام.

وَ لَمَّا كَتَبَ الْأَوَّلُ كِتَابَ فَدَكَ بِرَدِّهَا (1) عَلَی فَاطِمَةَ مَنَعَهُ (2) الثَّانِی، فَهُوَ مُعْتَدٍ مُرِیبٍ (3).

«10»-یج (4): رُوِیَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّ (5) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ خَرَجَ فِی غَزَاةٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَاجِعاً نَزَلَ فِی بَعْضِ الطَّرِیقِ، فَبَیْنَمَا (6) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَطْعَمُ وَ النَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَتَاهُ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ! قُمْ فَارْكَبْ.

فَقَامَ النَّبِیُّ فَرَكِبَ وَ جَبْرَئِیلُ مَعَهُ، فَطُوِیَتْ لَهُ الْأَرْضُ كَطَیِّ الثَّوْبِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی فَدَكَ.

فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ فَدَكَ وَقْعَ الْخَیْلِ ظَنُّوا أَنَّ عَدُوَّهُمْ قَدْ جَاءَهُمْ، فَغَلَّقُوا أَبْوَابَ الْمَدِینَةِ وَ دَفَعُوا الْمَفَاتِیحَ إِلَی عَجُوزٍ لَهُمْ فِی بَیْتٍ لَهُمْ خَارِجٍ مِنَ الْمَدِینَةِ (7)، وَ لَحِقُوا بِرُءُوسِ الْجِبَالِ.

فَأَتَی جَبْرَئِیلُ الْعَجُوزَ حَتَّی أَخَذَ الْمَفَاتِیحَ، ثُمَّ فَتَحَ أَبْوَابَ الْمَدِینَةِ، وَ دَارَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی بُیُوتِهَا وَ قُرَاهَا.

فَقَالَ جَبْرَئِیلُ: یَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَا خَصَّكَ اللَّهُ بِهِ وَ أَعْطَاكَهُ (8) دُونَ النَّاسِ، وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَی: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی

ص: 114


1- فی المصدر: یردّها.
2- فی المصدر: شقّه.
3- سورة ق: 25، و فی مطبوع البحار: «مُعْتَدٍ أَثِیمٍ»، و هی آیة 12 من سورة القلم، و لیست هی مورد الشّاهد فی المصدر.
4- الخرائج: 25 (طبعة مدرسة الإمام المهدیّ (علیه السلام) 1- 3- 112 حدیث 187).
5- فی المصدر: أنّ أبا عبد اللّٰه علیه السّلام قال: إنّ.
6- فی المصدر: فبینا.
7- فی المصدر: خارج المدینة.
8- فی المصدر: أعطاك.

الْقُرْبی (1) (فِی) (2) قَوْلُهُ: فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی مَنْ یَشاءُ (3)، وَ لَمْ یَعْرِفِ الْمُسْلِمُونَ وَ لَمْ یَطَئُوهَا، وَ لَكِنَّ اللَّهَ أَفَاءَهَا عَلَی رَسُولِهِ، وَ طَوَّفَ بِهِ جَبْرَئِیلُ فِی دُورِهَا وَ حِیطَانِهَا، وَ غَلَّقَ الْبَابَ وَ دَفَعَ الْمَفَاتِیحَ إِلَیْهِ.

فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی غِلَافِ سَیْفِهِ- وَ هُوَ مُعَلَّقٌ بِالرَّحْلِ ثُمَّ رَكِبَ، وَ طُوِیَتْ لَهُ الْأَرْضُ كَطَیِّ الثَّوْبِ، ثُمَّ أَتَاهُمْ (4) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُمْ عَلَی مَجَالِسِهِمْ وَ لَمْ یَتَفَرَّقُوا وَ لَمْ یَبْرَحُوا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: قَدِ (5) انْتَهَیْتُ إِلَی فَدَكَ، وَ إِنِّی قَدْ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَیَّ.

فَغَمَزَ الْمُنَافِقُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: هَذِهِ مَفَاتِیحُ فَدَكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ (6) مِنْ غِلَافِ سَیْفِهِ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ رَكِبَ مَعَهُ النَّاسُ.

فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِینَةَ دَخَلَ عَلَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ (7) فَقَالَ: یَا بُنَیَّةِ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَفَاءَ عَلَی أَبِیكِ بِفَدَكَ وَ اخْتَصَّهُ بِهَا، فَهِیَ لَهُ خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِینَ (8) أَفْعَلُ بِهَا مَا أَشَاءُ، وَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ لِأُمِّكِ خَدِیجَةَ عَلَی أَبِیكِ مَهْرٌ، وَ إِنَّ أَبَاكِ قَدْ جَعَلَهَا لَكِ (9)

ص: 115


1- الحشر: 7.
2- فی مطبوع البحار: و ذلك، و المثبت من المصدر.
3- الحشر: 6.
4- فی المصدر: فأتاهم.
5- فی المصدر: للنّاس قد.
6- فی المصدر: أخرجها، علی بعض النّسخ.
7- فی المصدر: فلمّا دخل علی فاطمة علیها السّلام، كذا فی طبعة مدرسة الإمام المهدیّ (علیه السلام).
8- فی (س): المؤمنین.
9- فی (س): له.

بِذَلِكِ، وَ أَنْحَلْتُكِهَا لَكِ (1) وَ لِوُلْدِكِ بَعْدَكِ.

قَالَ (2): فَدَعَا بِأَدِیمٍ (3)، وَ دَعَا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِفَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ بِفَدَكَ نِحْلَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَشَهِدَ (4) عَلَی ذَلِكَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ مَوْلًی لِرَسُولِ اللَّهِ وَ أُمُّ أَیْمَنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ أَیْمَنَ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَ جَاءَ أَهْلُ فَدَكَ إِلَی النَّبِیِّ، فَقَاطَعَهُمْ عَلَی أَرْبَعَةٍ وَ عِشْرِینَ أَلْفَ دِینَارٍ فِی كُلِّ سَنَةٍ (5).

بیان: آیة الفی ء فی موضعین:

إحداهما: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ (6).

ثانیتهما: وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (7).

و الفی ء: الرّجوع (8) أی أرجعه اللّٰه و ردّه علی رسوله.

و المشهور أنّ الضمیر فی منهم راجع إلی بنی النضیر.

و الإیجاف: من الوجیف و هو السّبر السرّیع (9).

ص: 116


1- فی المصدر: و نحلتكها تكون لك.
2- لا توجد: قال، فی (س).
3- فی المصدر: بأدیم عكاظی.
4- فی المصدر: و شهد.
5- و قد سبق من المصنّف قدّس سرّه فی البحار 17- 378 حدیث 46، و ذكره فی إثبات الهداة 2 116 حدیث 515.
6- الحشر: 7.
7- الحشر: 6.
8- كما فی: مجمع البحرین 1- 333، و النهایة 3- 482، و لسان العرب 1- 125.
9- انظر: مجمع البحرین 5- 127، و النهایة 5- 157، و لسان العرب 9- 352.

و الرّكاب من الإبل ما یركب، و الواحدة راحلة (1).

«11»-قب (2): نَزَلَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی فَدَكَ یُحَارِبُهُمْ.

ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: وَ مَا یَأْمَنُكُمْ أَنْ تَكُونُوا آمِنِینَ فِی هَذَا الْحِصْنِ وَ أَمْضِی إِلَی حُصُونِكُمْ فَأَفْتَحُهَا.

فَقَالُوا: إِنَّهَا مُقَفَّلَةٌ، وَ عَلَیْهَا مَنْ (3) یَمْنَعُ عَنْهَا، وَ مَفَاتِیحُهَا عِنْدَنَا.

فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ مَفَاتِیحَهَا دُفِعَتْ إِلَیَّ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا وَ أَرَاهَا الْقَوْمَ.

فَاتَّهَمُوا دَیَّانَهُمْ (4) أَنَّهُ صَبَا (5) إِلَی دِینِ مُحَمَّدٍ، وَ دَفَعَ الْمَفَاتِیحَ إِلَیْهِ.

فَحَلَفَ أَنَّ الْمَفَاتِیحَ عِنْدَهُ، وَ أَنَّهَا فِی سَفَطٍ (6) فِی صُنْدُوقٍ فِی بَیْتٍ مُقَفَّلٍ عَلَیْهِ، فَلَمَّا فُتِّشَ عَنْهَا فَفُقِدَتْ.

فَقَالَ الدَّیَّانُ: لَقَدْ أَحْرَزْتُهَا وَ قَرَأْتُ عَلَیْهَا مِنَ التَّوْرَاةِ وَ خَشِیتُ مِنْ سِحْرِهِ، وَ أَعْلَمُ الْآنَ أَنَّهُ لَیْسَ بِسَاحِرٍ، وَ إِنَّ أَمْرَهُ لَعَظِیمٌ.

فَرَجَعُوا إِلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَالُوا: مَنْ أَعْطَاكَهَا؟

قَالَ: أَعْطَانِی الَّذِی أَعْطَی مُوسَی الْأَلْوَاحَ: جَبْرَئِیلُ.

ص: 117


1- كما صرّح به فی مجمع البحرین 2- 74، و الصحاح: 1- 138، و قارن به القاموس 1- 75، و لسان العرب 1- 431.
2- المناقب لابن شهرآشوب 1- 142.
3- فی المصدر: ما.
4- كذا، و لعلّه: دیّارهم. قال فی القاموس ٢ _ ٣٣ : الدیر : خان النصاری ، جمعه أدیار ، وصاحبه دیار ودیرانی ، ویقال لمن رأس أصحابه : رأس الدیر. وقال فی ٤ _ ٢٢٥ : الدیان : القهار والقاضی والحاكم والسائس والحاسب والمجازی الذی لا یضیع عملا.
5- أی: مال.
6- قال فی مجمع البحرین 4- 253: السّفط: یعبّی فیه الطّیب و نحوه، و یستعار للتّابوت الصّغیر و فی (س): سقط.

فَتَشَهَّدَ الدَّیَّانُ، ثُمَّ فَتَحُوا الْبَابَ وَ خَرَجُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ، وَ أَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ (1) مِنْهُمْ، فَأَقَرَّهُمْ فِی بُیُوتِهِمْ وَ أَخَذَ مِنْهُمْ أَخْمَاسَهُمْ.

فَنَزَلَ: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (2).

قَالَ: وَ مَا هُوَ؟

قَالَ: أَعْطِ فَاطِمَةَ فَدَكاً، وَ هِیَ مِنْ مِیرَاثِهَا مِنْ أُمِّهَا خَدِیجَةَ، وَ مِنْ أُخْتِهَا هِنْدٍ بِنْتِ أَبِی هَالَةَ، فَحَمَلَ إِلَیْهَا النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ، وَ أَخْبَرَهَا بِالْآیَةِ.

فَقَالَتْ: لَسْتُ أُحْدِثُ فِیهَا حَدَثاً وَ أَنْتَ حَیٌّ، أَنْتَ أَوْلَی بِی مِنْ نَفْسِی وَ مَالِی لَكَ.

فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ یَجْعَلُوهَا عَلَیْكِ سُبَّةً فَیَمْنَعُوكِ إِیَّاهَا مِنْ بَعْدِی.

فَقَالَتْ: أَنْفِذْ فِیهَا أَمْرَكَ، فَجَمَعَ النَّاسَ إِلَی مَنْزِلِهَا وَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ، فَفَرَّقَهُ فِیهِمْ، وَ كَانَ كُلُّ سَنَةٍ كَذَلِكَ، وَ یَأْخُذُ مِنْهُ قُوتَهَا، فَلَمَّا دَنَا وَفَاتُهُ دَفَعَهُ إِلَیْهَا.

بیان: السُّبَّةُ- بالضّمّ-: العارُ (3)، أی: یمنعونها منك فیكون عارا علیك (4).

و یحتمل أن یكون شبهة، أو نحوها.

«12»-شی، تفسیر العیاشی (5): عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ،

ص: 118


1- لا یوجد: من أسلم، فی المصدر.
2- الإسراء: 26.
3- كما فی الصحاح 1- 145، و القاموس 1- 80، و غیرهما.
4- أقول: لعلّ مراده قدّس سرّه: أن القوم إذا علموا أنّی دفعت لك و ملّكتك إیّاها فی حیاتی فلا سبیل لهم لمنعك عنها بعد وفاتی، و إلّا لكان عارا علیهم، هذا بخلاف ما إذا لم أدفعها لك، فإنّهم سیقولون فی توجیه منعهم إیّاك: إنّها إن كانت لك فلم أمسكها رسول اللّٰه؟ و تكون سببا لوجاهة دعواهم ظاهرا و ردّا لدعواك، و هذا عار علیك.
5- تفسیر العیّاشیّ 1- 225 حدیث 49.

عَنْ أَحَدِهِمَا قَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا انْطَلَقَتْ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَطَلَبَتْ مِیرَاثَهَا مِنْ نَبِیِّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَ: إِنَّ نَبِیَّ اللَّهِ لَا یُوَرِّثُ.

فَقَالَتْ: أَ كَفَرْتَ بِاللَّهِ وَ كَذَّبْتَ بِكِتَابِهِ؟ قَالَ اللَّهُ: یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ (1).

«13»-شی، تفسیر العیاشی (2): عَنْ (3) مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی: فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ وَ الْمِسْكِینَ (4) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا جَبْرَئِیلُ! قَدْ عَرَفْتُ الْمِسْكِینَ، فَمَنْ ذَوُو الْقُرْبَی (5)؟

قَالَ: هُمْ أَقَارِبُكَ.

فَدَعَی حَسَناً وَ حُسَیْناً وَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: إِنَّ رَبِّی أَمَرَنِی أَنْ أُعْطِیَكُمْ مَا (6) أَفَاءَ عَلَیَّ، قَالَ: أَعْطَیْتُكُمْ فَدَكَ.

شی، تفسیر العیاشی (7): عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

ص: 119


1- النّساء: 11.
2- تفسیر العیّاشیّ 2- 287. واعلم : أن هنا خلطا بین حدیثین علی الظاهر ، فإن السند المذكور یعود إلی سند الحدیث ٤٥ والمتن المذكور یعود إلی متن الحدیث ٤٦. وإلیك عبارة المصدر : عن محمد بن حفص بن عمر ، عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام قال : كانت صلاة الأوابین خمسین صلاة كلها ب_ « قل هو اللّٰه أحد » ، عن عبد الرحمن عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام قال : لما أنزل اللّٰه ... وبعبارة أوجز فی المصدر : عبد الرحمن ، بدلا من : محمد بن حفص بن عمر.
3- لا یوجد: عن، فی (ك).
4- الرّوم: 38.
5- فی المصدر: ذوی القربی.
6- فی المصدر: ممّا.
7- تفسیر العیّاشیّ 2- 287 حدیث 47.

كَانَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَعْطَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَدَكاً؟

قَالَ: كَانَ وَقَفَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (2)، فَأَعْطَاهَا فَدَكاً (3).

«15»-شی، تفسیر العیاشی (4): عَنِ ابْنِ تَغْلِبَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

كَانَ (5) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَعْطَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَدَكاً؟

قَالَ: كَانَ لَهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَی (6).

«16»-شی، تفسیر العیاشی (7): عَنْ جَمِیلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: أَتَتْ فَاطِمَةُ أَبَا بَكْرٍ تُرِیدُ فَدَكَ.

فَقَالَ (8): هَاتِی أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ یَشْهَدْ بِذَلِكَ.

قَالَ: فَأَتَتْ بِأُمِّ أَیْمَنَ.

فَقَالَ لَهَا: بِمَ تَشْهَدِینَ؟

قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّ جَبْرَئِیلَ أَتَی مُحَمَّداً فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی (9) یَقُولُ فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (10)، فَلَمْ یَدْرِ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ: یَا جَبْرَئِیلُ! سَلْ رَبَّكَ مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ: فَاطِمَةُ ذُو الْقُرْبَی، فَأَعْطَاهَا فَدَكاً.

ص: 120


1- فی (س): أ كان.
2- الإسراء: 26.
3- فی المصدر: فأعطاها رسول اللّٰه حقّها، قلت: رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله أعطاها؟ قال:بل اللّٰه أعطاها.
4- تفسیر العیّاشیّ 2- 287 حدیث 48.
5- فی (س): أ كان.
6- لا یوجد فی المصدر: تعالی.
7- تفسیر العیّاشیّ 2- 287 حدیث 49.
8- فی المصدر: قال.
9- لا یوجد فی المصدر: تعالی.
10- الرّوم: 38.

فَزَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ مَحَا الصَّحِیفَةَ وَ قَدْ كَانَ كَتَبَهَا أَبُو بَكْرٍ.

«17»-شی، تفسیر العیاشی (1): عَنْ عَطِیَّةَ الْعَوْفِیِّ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ خَیْبَرَ، وَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَیْهِ فَدَكَ، وَ أَنْزَلَ عَلَیْهِ: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (2).

قَالَ: یَا فَاطِمَةُ! لَكَ فَدَكُ.

«18»-شی، تفسیر العیاشی (3): عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ، عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ یَوْمَ الشُّورَی: أَ فِیكُمْ أَحَدٌ تَمَّ نُورُهُ مِنَ السَّمَاءِ حِینَ قَالَ: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ وَ الْمِسْكِینَ (4)؟

قَالُوا: لَا..

«19»-فر (5): جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ الْأَحْمَسِیُّ، مُعَنْعَناً عَنْ أَبِی مَرْیَمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتِ الْآیَةُ (6): وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (7) أَعْطَی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ فَدَكاً.

فَقَالَ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ: رَسُولُ اللَّهِ أَعْطَاهَا؟! قَالَ: فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَعْطَاهَا (8).

«20»-فر (9): فُرَاتُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ الْكُوفِیُّ، مُعَنْعَناً عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ:

ص: 121


1- تفسیر العیّاشیّ 2- 287 حدیث 50.
2- الإسراء: 26.
3- تفسیر العیّاشیّ 2- 288 حدیث 52.
4- الإسراء: 26.
5- تفسیر فرات الكوفیّ: 85.
6- فی المصدر: هذه الآیة.
7- الإسراء: 26.
8- فی طبعة (س): خطّ علی (ها) من كلمة: أعطاها.
9- تفسیر فرات: 118. ومثله فی صفحة : ٨٥ ، وقد ورد هكذا : فرات قال : حدثنا جعفر معنعنا ، عن أبی سعید الخدری قال : لما نزلت : « وآت ذا القربی حقه » قال : دعا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكا.

لَمَّا نَزَلَتِ الْآیَةُ دَعَا النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ (1) عَلَیْهَا السَّلَامُ فَأَعْطَاهَا فَدَكاً.

فَقَالَ: هَذَا لَكِ وَ لِعَقِبِكِ بَعْدَكِ (2) فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (3).

«21»-فر (4): الْحُسَیْنُ بْنُ الْحَكَمِ، مُعَنْعَناً عَنْ عَطِیَّةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (5) (6) دَعَا النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَأَعْطَاهَا فَدَكاً.

فَكُلُّ مَا لَمْ یُوجِفْ عَلَیْهِ أَصْحَابُ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (7) یَضَعُهُ حَیْثُ یَشَاءُ، (وَ) (8) فَدَكُ مِمَّا لَمْ یُوجَفْ عَلَیْهِ بِ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ.

«22»-فر (9): جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِیُّ، مُعَنْعَناً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی:

وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (10)، وَ ذَلِكَ (11) حِینَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ سَهْمَ ذِی الْقُرْبَی لِقَرَابَتِهِ، فَكَانُوا یَأْخُذُونَهُ عَلَی عَهْدِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 122


1- فی المصدر: لمّا نزلت علی النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله الآیة «فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ» قال: دعا النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فاطمة ...
2- فی المصدر: من بعدك.
3- الرّوم: 38، و الآیة لم ترد فی المصدر.
4- تفسیر فرات: 119، و فیه: عن الحسین بن سعید معنعنا عن أبی سعید.
5- فی المصدر: «وَ آتِ» و علیه فتكون الآیة: 26 من سورة الإسراء.
6- الرّوم: 38.
7- فی (ك): خاصّة.
8- زیادة من المصدر.
9- تفسیر فرات: 119.
10- الإسراء: 26.
11- فی المصدر: و ذاك.

وَ آلِهِ (1) حَتَّی تُوُفِّیَ، ثُمَّ حَجَبُوا (2) الْخُمُسَ عَنْ قَرَابَتِهِ فَلَمْ یَأْخُذُوهُ.

أقول: رَوَی السَّیِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ فِی كِتَابِ سَعْدِ السُّعُودِ (3) مِنْ تَفْسِیرِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مَرْوَانَ، قَالَ: رُوِیَ حَدِیثُ فَدَكَ فِی تَفْسِیرِ قَوْلِهِ تَعَالَی:

وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (4) عَنْ عِشْرِینَ طَرِیقاً.

«23»-فَمِنْهَا:- مَا رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ الْأَعْبَدِیِّ، وَ هَیْثَمِ (5) ابْنِ خَلَفٍ الدُّورِیِّ، وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَیْمَانَ بْنِ الْأَشْعَبِ، وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِیَّا، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ یَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِیُّ بْنُ عَابِسٍ..

«24»-وَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُسَیْنِیُّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْمُنْذِرِ الطَّرِیفِیِّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ (6) فَضْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِیَّةَ الْعَوْفِیِّ، عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (7) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ وَ أَعْطَاهَا فَدَكاً.

«25»-وَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی كَشْفِ الْمَحَجَّةِ (8) فِیمَا أَوْصَی إِلَی ابْنِهِ: قَدْ وَهَبَ جَدُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أُمَّكَ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا فَدَكاً وَ الْعَوَالِیَ (9).

و كان دخلها فی روایة الشیخ عبد اللّٰه بن حمّاد الأنصاری أربعة و عشرین ألف دینار فی كلّ سنة، و فی روایة غیره سبعین ألف دینار.

ص: 123


1- فی المصدر: عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.
2- فی المصدر: حجب.
3- سعد السّعود: 101- 102.
4- الإسراء: 26.
5- فی المصدر: إبراهیم، بدلا من: هیثم.
6- فی المصدر: عن علیّ بن عبّاس قال حدّثنا.
7- الإسراء: 26.
8- كشف المحجّة: 124.
9- فی المصدر: العوالی من جملة مواهبه.

«26»-ع (1): أَبِی، عَنْ عَلِیٍّ (2)، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا مَنَعَ أَبُو بَكْرٍ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَدَكاً (3) وَ أَخْرَجَ وَكِیلَهَا، جَاءَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی الْمَسْجِدِ، وَ أَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ وَ حَوْلَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ.

فَقَالَ: یَا أَبَا بَكْرٍ! لِمَ مَنَعْتَ فَاطِمَةَ مَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَهَا وَ وَكِیلُهَا فِیهِ مُنْذُ سِنِینَ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا فَیْ ءٌ لِلْمُسْلِمِینَ، فَإِنْ أَتَتْ بِشُهُودٍ عُدُولٍ، وَ إِلَّا فَلَا حَقَّ لَهَا فِیهِ.

قَالَ: یَا أَبَا بَكْرٍ! تَحْكُمُ فِینَا بِخِلَافِ مَا تَحْكُمُ فِی الْمُسْلِمِینَ؟! قَالَ: لَا.

قَالَ: أَخْبِرْنِی لَوْ كَانَ فِی یَدِ الْمُسْلِمِینَ شَیْ ءٌ فَادَّعَیْتُ أَنَا فِیهِ، مَنْ (4) كُنْتَ تَسْأَلُ الْبَیِّنَةَ؟

قَالَ: إِیَّاكَ كُنْتُ أَسْأَلُ.

قَالَ: فَإِذَا كَانَ فِی یَدِی شَیْ ءٌ فَادَّعَی فِیهِ الْمُسْلِمُونَ، تَسْأَلُنِی فِیهِ الْبَیِّنَةَ؟

قَالَ: فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا فَیْ ءٌ لِلْمُسْلِمِینَ، وَ لَسْنَا مِنْ (5) خُصُومَتِكَ فِی شَیْ ءٍ.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِأَبِی بَكْرٍ: یَا أَبَا بَكْرٍ! تُقِرُّ بِالْقُرْآنِ؟

قَالَ: بَلَی.

ص: 124


1- علل الشّرائع: 190- 192 حدیث 1.
2- فی المصدر: أبی رحمه اللّٰه قال: حدّثنا علیّ بن إبراهیم.
3- لا یوجد: فدكا، فی مطبوع البحار، و المثبت من المصدر.
4- فی المصدر: ممّن.
5- فی (س): فی.

قَالَ: أَخْبِرْنِی (1) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً (2) فِینَا (3) أَوْ فِی غَیْرِنَا نَزَلَتْ؟

قَالَ: فِیكُمْ (4).

قَالَ: فَأَخْبِرْنِی (5) لَوْ أَنَّ شَاهِدَیْنِ مِنَ الْمُسْلِمِینَ شَهِدَا عَلَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ بِفَاحِشَةٍ مَا كُنْتَ صَانِعاً؟

قَالَ: كُنْتُ أُقِیمُ عَلَیْهَا الْحَدَّ كَمَا أُقِیمُ عَلَی نِسَاءِ الْمُسْلِمِینَ!!! قَالَ: كُنْتَ إِذاً عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَافِرِینَ.

قَالَ: وَ لِمَ؟

قَالَ: لِأَنَّكَ كُنْتَ تَرُدُّ شَهَادَةَ اللَّهِ وَ تَقْبَلُ شَهَادَةَ غَیْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ شَهِدَ لَهَا بِالطَّهَارَةِ، فَإِذَا رَدَدْتَ شَهَادَةَ اللَّهِ وَ قَبِلْتَ شَهَادَةَ غَیْرِهِ كُنْتَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَافِرِینَ.

قَالَ: فَبَكَی النَّاسُ، وَ تَفَرَّقُوا، وَ دَمْدَمُوا.

فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی مَنْزِلِهِ بَعَثَ إِلَی عُمَرَ فَقَالَ: وَیْحَكَ یَا ابْنَ الْخَطَّابِ! أَ مَا رَأَیْتَ عَلِیّاً وَ مَا (6) فَعَلَ بِنَا؟ وَ اللَّهِ لَئِنْ قَعَدَ مَقْعَداً آخَرَ لَیُفْسِدَنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَلَیْنَا

ص: 125


1- فی المصدر: فأخبرنی.
2- الأحزاب: 33.
3- فی المصدر: أ فینا.
4- أطبق الفریقان علی نزول هذه الآیة الكریمة فی بیت العصمة و الطّهارة سلام اللّٰه علیهم أجمعین. انظر : مسند أحمد ١ _ ٣٣١ عن ابن عباس ، مستدرك الصحیحین ٣ _ ١٣٢ وقال عنه : هذا حدیث صحیح الإسناد ، المناقب للخوارزمی : ٧٥ ، البدایة والنهایة ٧ _ ٣٣٧ ، الإصابة ٢ _ ٥٠٩. وراجع الغدیر ١ _ ٥١ ، ٣ _ ١٩٦ ، ٥ _ ٤١٦. وإحقاق الحق ٢ _ ٥٠١ _ ٥٦٢ ، ٣ _ ٥١٣ ٥٣١ ، ٩ _ ١ _ ٦٩ ، ١٤ _ ٤٠ _ ١٠٥ ، ١٨ _ ٣٥٩ _ ٣٨٣ ، عن مصادر جمة من طرق العامة.
5- فی (س): أخبرنی.
6- فی (ك): ما، بدون واو.

وَ لَا نَتَهَنَّأُ بِشَیْ ءٍ مَا دَامَ حَیّاً.

قَالَ عُمَرُ: مَا لَهُ إِلَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ.

فَبَعَثُوا إِلَیْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: نُرِیدُ أَنْ نَحْمِلَكَ عَلَی أَمْرٍ عَظِیمٍ.

قَالَ: احْمِلْنِی عَلَی مَا شِئْتَ وَ لَوْ عَلَی قَتْلِ عَلِیٍّ.

قَالَ: فَهُوَ قَتْلُ عَلِیٍّ.

قَالَ: فَصْرِ بِجَنْبِهِ، فَإِذَا أَنَا سَلَّمْتُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ.

(فَبَعَثَتْ) (1) أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ- وَ هِیَ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ- خَادِمَتَهَا فَقَالَتْ: اذْهَبِی إِلَی فَاطِمَةَ فَأَقْرِئِیهَا السَّلَامَ، فَإِذَا دَخَلَتْ مِنَ الْبَابِ فَقُولِی: إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِكَ لِیَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّی لَكَ مِنَ النَّاصِحِینَ (2)، فَإِنْ فَهِمَتْهَا وَ إِلَّا فَأَعِیدِیهَا مَرَّةً أُخْرَی.

فَجَاءَتْ فَدَخَلَتْ، وَ قَالَتْ: إِنَّ مَوْلَاتِی تَقُولُ یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ كَیْفَ أَنْتَ (3)؟ ثُمَّ قَرَأَتْ هَذِهِ الْآیَةَ: إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِكَ لِیَقْتُلُوكَ (4)، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ قَرَأَتْهَا.

فَقَالَ لَهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَقْرِئِیهَا (5) السَّلَامَ وَ قُولِی لَهَا: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَحُولُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَا یُرِیدُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَوَقَفَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ بِجَنْبِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ یُسَلِّمَ لَمْ یُسَلِّمْ، (وَ) (6) قَالَ:

یَا خَالِدُ! لَا تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ، السَّلَامُ عَلَیْكُمْ (7).

ص: 126


1- فی مطبوع البحار: فبعث، و المثبت من المصدر.
2- القصص: 20.
3- فی المصدر: أنتم، و هی نسخة بدل فی مطبوع البحار.
4- القصص: 20، و فی المصدر ورد بعدها لفظ: الآیة.
5- فی المصدر: أقرئی مولاتك منّی.
6- زیادة من المصدر.
7- فی المصدر: و رحمة اللّٰه و بركاته.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا هَذَا (1) الَّذِی أَمَرَكَ بِهِ ثُمَّ نَهَاكَ قَبْلَ أَنْ یُسَلِّمَ؟

قَالَ: أَمَرَنِی بِضَرْبِ عُنُقِكَ، وَ إِنَّمَا أَمَرَنِی بَعْدَ التَّسْلِیمِ.

فَقَالَ: وَ كُنْتَ (2) فَاعِلًا؟

فَقَالَ: إِی وَ اللَّهِ، لَوْ لَمْ یَنْهَنِی لَفَعَلْتُ.

قَالَ: فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِ خَالِدٍ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الْحَائِطَ، وَ قَالَ لِعُمَرَ: یَا ابْنَ الصُّهَاكِ (3)! وَ اللَّهِ لَوْ لَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَعَلِمْتَ أَیُّنَا أَضْعَفُ جُنْداً وَ أَقَلُّ عَدَداً.

أقول: الدّمدمة: الغضب، و دمدم علیه: كلّمه مغضبا (4).

«27»-ج (5): عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا بُویِعَ أَبُو بَكْرٍ وَ اسْتَقَامَ لَهُ الْأَمْرُ عَلَی جَمِیعِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ، بَعَثَ إِلَی فَدَكَ مَنْ أَخْرَجَ وَكِیلَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّٰه مِنْهَا.

فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ (6) إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَقَالَتْ: یَا أَبَا بَكْرٍ! لِمَ (7) تَمْنَعُنِی مِیرَاثِی مِنْ أَبِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَخْرَجْتَ وَكِیلِی مِنْ فَدَكَ؟! وَ قَدْ جَعَلَهَا لِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَی.

فَقَالَ: هَاتِی عَلَی ذَلِكَ بِشُهُودٍ.

فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَیْمَنَ، فَقَالَتْ (8): لَا أَشْهَدُ یَا أَبَا بَكْرٍ حَتَّی أَحْتَجَّ عَلَیْكَ بِمَا

ص: 127


1- فی المصدر: ما هذا الأمر.
2- فی المصدر: أ و كنت.
3- فی المصدر: صهاك.
4- انظر: القاموس 4- 114، لسان العرب 12- 209، و غیرهما.
5- الاحتجاج 1- 90- 95 (طبعة النّجف: 1- 119- 127).
6- فی المصدر: الزّهراء علیها السّلام.
7- فی المصدر: ثمّ قالت لم.
8- فی المصدر: فقالت له أمّ أیمن.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إِنَّ (1) أُمَّ أَیْمَنَ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟

فَقَالَ: بَلَی.

قَالَتْ: فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَی إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (2) فَجَعَلَ فَدَكَ لِفَاطِمَةَ بِأَمْرِ اللَّهِ.

وَ جَاءَ (3) عَلِیٌّ فَشَهِدَ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

فَكَتَبَ لَهَا كِتَاباً وَ دَفَعَهُ إِلَیْهَا.

فَدَخَلَ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْكِتَابُ؟

فَقَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ ادَّعَتْ فِی فَدَكَ وَ شَهِدَتْ لَهَا أُمُّ أَیْمَنَ وَ عَلِیٌّ فَكَتَبْتُهُ (4).

فَأَخَذَ عُمَرُ الْكِتَابَ مِنْ فَاطِمَةَ فَمَزَّقَهُ (5).

فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ تَبْكِی.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی أَبِی بَكْرٍ- وَ هُوَ فِی الْمَسْجِدِ وَ حَوْلَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ- فَقَالَ: یَا أَبَا بَكْرٍ! لِمَ مَنَعْتَ فَاطِمَةَ مِیرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ مَلَكَتْهُ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ (6) هَذَا فَیْ ءٌ لِلْمُسْلِمِینَ، فَإِنْ أَقَامَتْ شُهُوداً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَهُ لَهَا، وَ إِلَّا فَلَا حَقَّ لَهَا فِیهِ (7).

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا أَبَا بَكْرٍ! تَحْكُمُ فِینَا بِخِلَافِ

ص: 128


1- لا یوجد فی المصدر: إنّ.
2- الرّوم: 38.
3- فی المصدر: فجعل فدكا لها طعمة بأمر اللّٰه فجاء.
4- فی المصدر: فكتبته لها.
5- فی المصدر: فتفل فیه و مزّقه.
6- لا یوجد فی المصدر: إنّ.
7- لا یوجد فی (س): فیه.

حُكْمِ اللَّهِ فِی الْمُسْلِمِینَ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِی یَدِ الْمُسْلِمِینَ شَیْ ءٌ یَمْلِكُونَهُ ثُمَّ ادَّعَیْتُ أَنَا فِیهِ، مَنْ تَسْأَلُ الْبَیِّنَةَ؟

قَالَ: إِیَّاكَ كُنْتُ (1) أَسْأَلُ الْبَیِّنَةَ.

قَالَ: فَمَا بَالُ فَاطِمَةَ سَأَلْتَهَا الْبَیِّنَةَ عَلَی مَا فِی یَدِهَا وَ قَدْ مَلَكَتْهُ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بَعْدَهُ، وَ لَمْ تَسْأَلِ الْمُسْلِمِینَ الْبَیِّنَةَ (2) عَلَی مَا ادَّعَوْهَا شُهُوداً كَمَا سَأَلْتَنِی عَلَی مَا ادَّعَیْتُ عَلَیْهِمْ؟! فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: یَا عَلِیُّ! دَعْنَا مِنْ كَلَامِكَ، فَإِنَّا لَا نَقْوَی عَلَی حُجَّتِكَ، فَإِنْ أَتَیْتَ بِشُهُودٍ عُدُولٍ، وَ إِلَّا فَهُوَ فَیْ ءٌ لِلْمُسْلِمِینَ، لَا حَقَّ لَكَ وَ لَا لِفَاطِمَةَ فِیهِ.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً (3) فِینَا نَزَلَتْ أَوْ فِی غَیْرِنَا (4)؟! قَالَ: بَلْ فِیكُمْ.

قَالَ: فَلَوْ أَنَّ شُهُوداً شَهِدُوا (5) عَلَی فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِفَاحِشَةٍ مَا كُنْتَ صَانِعاً بِهَا؟!

ص: 129


1- لا یوجد فی المصدر: كنت.
2- فی المصدر: بیّنة.
3- الأحزاب: 33.
4- فی نسخة جاءت الجملة هكذا: فیمن نزلت؟ أ فینا أم فی غیرنا؟، و كذا فی المصدر إلّا أنّ الهمزة الاستفهامیّة لا توجد فیه.
5- خ. ل: شاهدین شهدا.

قَالَ: كُنْتُ أُقِیمُ عَلَیْهَا الْحَدَّ كَمَا أُقِیمُ عَلَی سَائِرِ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ (1)!!! قَالَ: كُنْتَ إِذاً عِنْدَ اللَّهِ (2) مِنَ الْكَافِرِینَ.

قَالَ: وَ لِمَ؟

قَالَ: لِأَنَّكَ رَدَدْتَ شَهَادَةَ اللَّهِ لَهَا بِالطَّهَارَةِ وَ قَبِلْتَ شَهَادَةَ النَّاسِ عَلَیْهَا، كَمَا رَدَدْتَ حُكْمَ اللَّهِ وَ حُكْمَ رَسُولِهِ أَنْ جَعَلَ لَهَا فَدَكَ وَ قَبَضْتَهُ (3) فِی حَیَاتِهِ، ثُمَّ قَبِلْتَ شَهَادَةَ أَعْرَابِیٍّ بَائِلٍ عَلَی عَقِبَیْهِ عَلَیْهَا، وَ أَخَذْتَ مِنْهَا فَدَكاً، وَ زَعَمْتَ أَنَّهُ فَیْ ءٌ لِلْمُسْلِمِینَ، وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: الْبَیِّنَةُ عَلَی الْمُدَّعِی وَ الْیَمِینُ عَلَی الْمُدَّعَی عَلَیْهِ، فَرَدَدْتَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: الْبَیِّنَةُ عَلَی مَنِ ادَّعَی وَ الْیَمِینُ عَلَی مَنِ ادُّعِیَ عَلَیْهِ.

قَالَ: فَدَمْدَمَ النَّاسُ وَ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ (4) وَ قَالُوا: صَدَقَ وَ اللَّهِ عَلِیٌّ (5)، وَ رَجَعَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (6) إِلَی مَنْزِلِهِ.

قَالَ: وَ دَخَلَتْ (7) فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ الْمَسْجِدَ، وَ طَافَتْ عَلَی قَبْرِ (8) أَبِیهَا، وَ هِیَ تَقُولُ:

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَثَةٌ*** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ تَكْثُرِ الْخَطْبُ

ص: 130


1- فی نسخة: المسلمین، و كذا فی المصدر.
2- فی المصدر: كما أقیمه علی نساء المسلمین، قال إذن كنت عند اللّٰه.
3- فی المصدر: فدكا قد قبضته.
4- فی المصدر: و أنكروا و نظر بعضهم إلی بعض.
5- فی المصدر: علیّ بن أبی طالب.
6- لا یوجد فی المصدر: علیّ علیه السّلام.
7- فی المصدر: ثمّ دخلت.
8- فی المصدر: بقبر.

إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا*** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا (1)

قَدْ كَانَ جِبْرِیلُ بِالْآیَاتِ یُؤْنِسُنَا*** فَغَابَ عَنَّا فَكُلُّ الْخَیْرِ مُحْتَجَبٌ

قَدْ كُنْتَ (2)

بَدْراً وَ نُوراً یُسْتَضَاءُ بِهِ*** عَلَیْكَ تَنْزِلُ (3) مِنْ ذِی الْعِزَّةِ الْكُتُبُ

تَهَجَّمَتْنَا رِجَالٌ وَ اسْتُخِفَّ بِنَا*** إِذْ غِبْتَ عَنَّا فَنَحْنُ الْیَوْمَ نُغْتَصَبُ

فَسَوْفَ نَبْكِیكَ مَا عِشْنَا وَ مَا بَقِیَتْ ***مِنَّا الْعُیُونُ بِتَهْمَالٍ لَهَا سَكْبٌ (4)

قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ إِلَی مَنْزِلِهِمَا، وَ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی عُمَرَ ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ (5): أَ مَا رَأَیْتَ مَجْلِسَ عَلِیٍّ مِنَّا فِی هَذَا الْیَوْمِ؟ وَ اللَّهِ لَئِنْ قَعَدَ مَقْعَداً مِثْلَهُ لَیُفْسِدَنَّ أَمْرَنَا (6)، فَمَا الرَّأْیُ؟.

قَالَ (7) عُمَرُ: الرَّأْیُ أَنْ نَأْمُرَ (8) بِقَتْلِهِ.

قَالَ: فَمَنْ یَقْتُلُهُ؟

ص: 131


1- فی المصدر: و لا تغب.
2- فی المصدر: و كنت.
3- فی المصدر: ینزل.
4- قد مرّ توضیح بعض كلمات الشّعر فی صفحة: 109 و یأتی بعضها فی صفحة: 247، فراجع.
5- فی المصدر: فدعاه ثمّ قال له.
6- فی المصدر: و اللّٰه لئن قعد مقعدا آخر مثله لیفسدنّ علینا أمرنا.
7- فی المصدر: فقال.
8- فی المصدر: تأمر.

قَالَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ. فَبَعَثَا (1) إِلَی خَالِدٍ فَأَتَاهُمْ (2).

فَقَالا لَهُ: نُرِیدُ أَنْ نَحْمِلَكَ عَلَی أَمْرٍ عَظِیمٍ.

فَقَالَ: احْمِلُونِی عَلَی مَا شِئْتُمْ (3)، وَ لَوْ عَلَی قَتْلِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ.

قَالا: فَهُوَ ذَاكَ (4).

قَالَ خَالِدٌ: مَتَی أَقْتُلُهُ؟

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: احْضُرِ الْمَسْجِدَ وَ قُمْ بِجَنْبِهِ فِی الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَلَّمْتُ قُمْ (5) إِلَیْهِ وَ اضْرِبْ عُنُقَهُ.

قَالَ: نَعَمْ.

فَسَمِعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ- وَ كَانَتْ تَحْتَ أَبِی بَكْرٍ- فَقَالَتْ لِجَارِیَتِهَا:

اذْهَبِی إِلَی مَنْزِلِ عَلِیٍّ وَ فَاطِمَةَ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ وَ أَقْرِئِیهِمَا السَّلَامَ، وَ قُولِی لِعَلِیٍّ: إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِكَ لِیَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّی لَكَ مِنَ النَّاصِحِینَ (6).

فَجَاءَتِ الْجَارِیَةُ إِلَیْهِمْ فَقَالَتْ لِعَلِیٍّ: إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَیْسٍ تَقْرَأُ عَلَیْكَ السَّلَامَ وَ تَقُولُ: إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِكَ لِیَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّی لَكَ مِنَ النَّاصِحِینَ (7).

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قُولِی (8) لَهَا: إِنَّ اللَّهَ یَحُولُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَا یُرِیدُونَ.

ص: 132


1- خ. ل: فبعثوا، و هو فی طبعة النّجف.
2- فی المصدر: خالد بن الولید فأتاهما.
3- فی المصدر: قال احملانی علی ما شئتما.
4- فی المصدر: ذلك.
5- فی المصدر: فقم.
6- القصص: 20. أقول: : من قوله : الجاریة إلیهم .. إلی آخر هذه الآیة الكریمة لا یوجد فی المصدر المطبوع. والظاهر سقوطه.
7- القصص: 20. أقول: : من قوله : الجاریة إلیهم .. إلی آخر هذه الآیة الكریمة لا یوجد فی المصدر المطبوع. والظاهر سقوطه.
8- لا یوجد لفظ: قولی، فی (س).

ثُمَّ قَامَ وَ تَهَیَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَ حَضَرَ الْمَسْجِدَ، وَ صَلَّی لِنَفْسِهِ (1) خَلْفَ أَبِی بَكْرٍ، وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ بِجَنْبِهِ (2) وَ مَعَهُ السَّیْفُ، فَلَمَّا جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ لِلتَّشَهُّدِ (3) نَدِمَ عَلَی مَا قَالَ وَ خَافَ الْفِتْنَةَ، وَ عَرَفَ شِدَّةَ عَلِیٍّ وَ بَأْسَهُ، فَلَمْ یَزَلْ مُتَفَكِّراً لَا یَجْسُرُ أَنْ یُسَلِّمَ، حَتَّی ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سَهَا (4).

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی خَالِدٍ وَ قَالَ (5): یَا خَالِدُ! لَا تَفْعَلَنَّ مَا أَمَرْتُكَ، السَّلَامُ (6) عَلَیْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا خَالِدُ! مَا الَّذِی أَمَرَكَ بِهِ؟.

قَالَ (7): أَمَرَنِی بِضَرْبِ عُنُقِكَ.

قَالَ: أَ وَ كُنْتَ فَاعِلًا؟.

قَالَ: إِی وَ اللَّهِ لَوْ لَا أَنَّهُ قَالَ لِی: لَا تَفْعَلْهُ (8) قَبْلَ التَّسْلِیمِ لَقَتَلْتُكَ.

قَالَ: فَأَخَذَهُ عَلِیٌّ فَجَلَدَ (9) بِهِ الْأَرْضَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَیْهِ.

فَقَالَ عُمَرُ: یَقْتُلُهُ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ.

فَقَالَ النَّاسُ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! اللَّهَ اللَّهَ، بِحَقِّ صَاحِبِ الْقَبْرِ.

فَخَلَّی عَنْهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی عُمَرَ فَأَخَذَ بِتَلَابِیبِهِ فَقَالَ (10): یَا ابْنَ صُهَاكَ! وَ اللَّهِ لَوْ لَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَعَلِمْتَ أَیُّنَا أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً

ص: 133


1- لا یوجد فی المصدر: لنفسه.
2- فی المصدر: یصلّی بجنبه.
3- فی المصدر: فی التّشهّد.
4- فی المصدر: قد سها.
5- فی المصدر: فقال.
6- فی المصدر: و السّلام.
7- فی المصدر: فقال.
8- فی المصدر: لا تقتله.
9- خ. ل: فضرب.
10- فی المصدر: و قال.

وَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ.

«28»-فس (1): أَبِی، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی وَ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مِثْلَهُ.

وَ فِیهِ: فَأَخَذَ عُمَرُ الْكِتَابَ مِنْ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَمَزَّقَهُ، وَ قَالَ: هَذَا فَیْ ءُ الْمُسْلِمِینَ، وَ قَالَ: أَوْسُ بْنُ الْحَدَثَانِ وَ عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ یَشْهَدُونَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- بِأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، وَ أَنَّ (2) عَلِیّاً زَوْجُهَا یَجُرُّ إِلَی نَفْسِهِ، وَ أُمَّ أَیْمَنَ فَهِیَ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ لَوْ كَانَ مَعَهَا غَیْرُهَا لَنَظَرْنَا فِیهِ.

فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا مِنْ عِنْدِهِمَا بَاكِیَةً حَزِینَةً، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ هَذَا جَاءَ عَلِیٌّ.

وَ فِیهِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَهَا (3): نَغْتَصِبُ:

فَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبَی (4) وَ مَنْزِلَةٌ*** عِنْدَ الْإِلَهِ عَلَی الْأَدْنَیْنِ یَقْتَرِبُ

أَبْدَتْ رِجَالٌ لَنَا نَجْوَی (5) صُدُورِهِمُ*** لَمَّا مَضَیْتَ وَ حَالَتْ دُونَكَ الْكُتُبُ (6)

فَقَدْ رُزِینَا بِمَا لَمْ یُرْزَهُ (7) أَحَدٌ*** مِنَ الْبَرِیَّةِ لَا عُجْمٌ وَ لَا عَرَبٌ

ص: 134


1- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 155- 159.
2- فی المصدر: فإن.
3- فی (ك): بها، بدلا من: لها.
4- فی المصدر: قرب.
5- فی المصدر: فحوی.
6- فی المصدر: الكثب.
7- فی المصدر: یرزأه.

وَ قَدْ رُزِینَا بِهِ مَحْضاً خَلِیقَتُهُ*** صَافِی الضَّرَائِبِ وَ الْأَعْرَاقِ وَ النَّسَبِ

فَأَنْتَ خَیْرُ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمْ ***وَ أَصْدَقُ النَّاسِ حِینَ الصِّدْقِ وَ الْكَذِبِ

وَ فِیهِ بَعْدَ الْبَیْتِ الْأَخِیرِ:

سَیَعْلَمُ الْمُتَوَلِّی ظُلْمَ حَامَتِنَا (1)*** یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَنَّا كَیْفَ نَنْقَلِبُ (2)

بیان: تجهّمتنا، فی بعض النسخ: تهضّمتنا، یقال: تهضّمه أی: ظلمه (3).

و فی (فس) (تفسیر علی بن إبراهیم) فغمصتنا، من غمصت الشیّ ء احتقرته (4)، و التشدید للتكثیر و المبالغة، و یقال: رزأه ماله كجعله و عمله رزءا- بالضّم- أصاب منه شیئا.

و الرزیئة: المصیبة (5).

و الضّریبة: الطّبیعة (6).

و العرق: أصل كلّ شی ء، و الجمع عروق و أعراق (7).

و فی (فس) (تفسیر علی بن إبراهیم) مكان قوله: بتهمال: بهمّال كشداد.

و فی بعض الروایات مكان العیون: الشئون.

ص: 135


1- فی المصدر: خامتنا.
2- فی المصدر: ینقلب.
3- انظر: القاموس 4- 191، الصحاح 5- 2059، مجمع البحرین 6- 187.
4- انظر: مجمع البحرین 4- 176، القاموس 2- 310، لسان العرب 7- 61، النهایة 3 386.
5- انظر: القاموس 1- 16، مجمع البحرین 1- 183، الصحاح 1- 53.
6- انظر: لسان العرب 1- 549، القاموس 1- 95، الصحاح 1- 169.
7- انظر: لسان العرب 10- 241، القاموس 3- 263، تاج العروس 7- 8.

و التلبیب: ما فی بعض اللّبب من الثّیاب، و اللّبب موضع القلادة (1).

«29»-ج (2): رُوِیَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ بَعَثَا إِلَی خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ، فَوَاعَدَاهُ وَ فَارَقَاهُ عَلَی قَتْلِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَضَمِنَ (3) ذَلِكَ لَهُمَا.

فَسَمِعَتْ أَسْمَاءُ (4) بِنْتُ عُمَیْسٍ امْرَأَةُ أَبِی بَكْرٍ وَ هِیَ (5) فِی خِدْرِهَا، فَأَرْسَلَتْ خَادِمَةً لَهَا وَ قَالَتْ: تَرَدَّدِی فِی دَارِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قُولِی (6): إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِكَ لِیَقْتُلُوكَ (7) (8).

فَفَعَلَتِ الْجَارِیَةُ، وَ سَمِعَهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: رَحِمَهَا اللَّهُ، قُولِی لِمَوْلَاتِكِ: فَمَنْ یَقْتُلُ النَّاكِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ (9)؟

وَ وَقَعَتِ الْمُوَاعَدَةُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، إِذْ كَانَ أَخْفَی وَ أَخْوَتَ لِلسُّدْفَةِ (10) وَ الشُّبْهَةِ (11)، وَ لَكِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ، وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ: إِذَا انْصَرَفْتُ مِنَ الْفَجْرِ (12) فَاضْرِبْ عُنُقَ عَلِیٍّ.

فَصَلَّی إِلَی جَنْبِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَ أَبُو بَكْرٍ فِی الصَّلَاةِ یُفَكِّرُ فِی الْعَوَاقِبِ، فَنَدِمَ، فَجَلَسَ فِی صَلَاتِهِ حَتَّی كَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، یَتَعَقَّبُ الْآرَاءَ وَ یَخَافُ الْفِتْنَةَ وَ لَا یَأْمَنُ عَلَی نَفْسِهِ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ یُسَلِّمَ فِی صَلَاتِهِ: یَا خَالِدُ! لَا تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ

ص: 136


1- انظر: القاموس 1- 127، تاج العروس 1- 466- 467، لسان العرب 1- 734.
2- الاحتجاج 1- 89- 90 (طبعة النّجف: 1- 117- 118).
3- فی المصدر: و ضمن.
4- فی المصدر: فسمعت ذلك الخبر أسماء.
5- لا یوجد فی المصدر: و هی.
6- فی المصدر: و قولی له.
7- لا یوجد فی المصدر: إنّ.
8- القصص: 20.
9- فی المصدر: النّاكثین و المارقین و القاسطین.
10- خ. ل: و اختیرت للسّدفة، و كذا فی المصدر، و أشار إلیه المصنّف فی بیانه.
11- فی المصدر زیادة: فإنّهم كانوا یغلّسون بالصّلاة حتّی لا تعرف المرأة من الرّجل.
12- فی المصدر: صلاة الفجر.

بِهِ، ثَلَاثاً.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: لَا یَفْعَلَنَّ خَالِدٌ مَا أَمَرْتُهُ (1).

فَالْتَفَتَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا خَالِدٌ مُشْتَمِلٌ عَلَی السَّیْفِ إِلَی جَانِبِهِ، فَقَالَ: یَا خَالِدُ (2)! أَ وَ كُنْتَ فَاعِلًا؟! فَقَالَ: إِی وَ اللَّهِ، لَوْ لَا أَنَّهُ نَهَانِی لَوَضَعْتُهُ فِی أَكْثَرِكَ شَعْراً.

فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: كَذَبْتَ لَا أُمَّ لَكَ، مَنْ یَفْعَلُهُ أَضْیَقُ حَلْقَةَ اسْتٍ مِنْكَ، أَمَا وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا مَا سَبَقَ مِنَ الْقَضَاءِ لَعَلِمْتَ أَیُّ الْفَرِیقَیْنِ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی ذَرٍّ (3) رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَخَذَ خَالِداً بِإِصْبَعَیْهِ- السَّبَّابَةِ وَ الْوُسْطَی- فِی ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَعَصَرَهُ عَصْراً، فَصَاحَ خَالِدٌ صَیْحَةً مُنْكَرَةً، فَفَزِعَ النَّاسُ، وَ هِمَّتُهُمْ أَنْفُسُهُمْ، وَ أَحْدَثَ خَالِدٌ فِی ثِیَابِهِ، وَ جَعَلَ یَضْرِبُ بِرِجْلَیْهِ (4) وَ لَا یَتَكَلَّمُ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: هَذِهِ مَشُورَتُكَ الْمَنْكُوسَةُ، كَأَنِّی كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَی هَذَا وَ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَی سَلَامَتِنَا.

وَ كُلَّمَا دَنَا أَحَدٌ لِیُخَلِّصَهُ مِنْ یَدِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَحَظَهُ (5) لَحْظَةً تَنَحَّی عَنْهُ رَاجِعاً (6).

فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ (7) إِلَی الْعَبَّاسِ، فَجَاءَ وَ تَشَفَّعَ إِلَیْهِ وَ أَقْسَمَ عَلَیْهِ، فَقَالَ:

ص: 137


1- فی المصدر: لا یفعلنّ خالد ما أمر به.
2- فی المصدر: یا خالد ما الّذی أمرك به؟ قال: بقتلك یا أمیر المؤمنین، قال.
3- فی المصدر: و فی روایة أخری لأبی ذرّ.
4- فی المصدر: برجلیه الأرش.
5- لا یوجد فی المصدر علیه السّلام لحظة.
6- فی المصدر: رعبا بدلا من: راجعا.
7- فی المصدر: و عمر.

بِحَقِّ (1) الْقَبْرِ وَ مَنْ فِیهِ، وَ بِحَقِّ وَلَدَیْهِ وَ أُمِّهِمَا إِلَّا تَرَكْتَهُ.

فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَ قَبَّلَ الْعَبَّاسُ بَیْنَ عَیْنَیْهِ.

بیان: و أَخْوَتَ، قال الفیروزآبادی: خات الرّجل ماله: تنقّصه، و الخوّات- بالتّشدید- الرّجل الجری ء، و خات الرّجل: اختطف، و اختات الذئب (2) الشاة: ختلها فسرقها، و خاوت طرفه دونی: سارقه (3).

و فی أكثر النسخ: و اختیرت السدفة، و السّدفة- بالضّم (4)

الظّلمة، أو اختلاط الضّوء و الظّلمة معا لوقت ما بین طلوع الفجر إلی الإسفار (5).

فی أكثر شعرا، أی: فی رأسك، فإنّه أكثر أجزاء البدن شعرا.

و الاست- بالكسر-: الدبر (6)، و یحتمل أن یكون ضیقه كنایة عن الجرأة و الشجاعة.

ثمّ اعلم: أنّ هذه القصة من المشهورات بین الخاصّة و العامّة، و إن أنكره (7) بعض المخالفین.

وَ قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِهِ عَلَی نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (8): سَأَلْتُ النَّقِیبَ أَبَا جَعْفَرٍ یَحْیَی بْنَ زَیْدٍ (9) فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّی لَأَعْجَبُ مِنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَیْفَ بَقِیَ تِلْكَ الْمُدَّةَ

ص: 138


1- فی الاحتجاج: بحقّ هذا القبر.
2- لا یوجد فی المصدر: الذئب.
3- القاموس 1- 147، و انظر: تاج العروس 1- 542- 543، لسان العرب 2- 32.
4- و تقرأ بالفتح أیضا.
5- انظر: القاموس 3- 151، تاج العروس 6- 136، لسان العرب 9- 146.
6- قال فی الصحاح 6- 2233 و القاموس 4- 285 و لسان العرب 2- 495: الاست: العجز أو حلقة الدّبر.
7- كذا.
8- شرح نهج البلاغة 3- 301- 302 باختلاف یسیر.
9- فی المصدر: زید بن أبی زید رحمه اللّٰه.

الطَّوِیلَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟! وَ كَیْفَ مَا اغْتِیلَ وَ فُتِكَ بِهِ (1) فِی جَوْفِ مَنْزِلِهِ مَعَ تَلَظِّی الْأَكْبَادِ عَلَیْهِ؟! فَقَالَ: لَوْ لَا أَنَّهُ أَرْغَمَ أَنْفَهُ بِالتُّرَابِ، وَ وَضَعَ خَدَّهُ فِی حَضِیضِ الْأَرْضِ، لَقُتِلَ، وَ لَكِنَّهُ أَخْمَلَ نَفْسَهُ، وَ اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ وَ الصَّلَاةِ وَ النَّظَرِ فِی الْقُرْآنِ، وَ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الزِّیِّ الْأَوَّلِ وَ ذَلِكَ الشِّعَارِ، وَ نَسِیَ السَّیْفَ، وَ صَارَ كَالْفَاتِكِ (2) یَتُوبُ وَ یَصِیرُ سَائِحاً فِی الْأَرْضِ أَوْ رَاهِباً فِی الْجِبَالِ، فَلَمَّا (3) أَطَاعَ الْقَوْمَ الَّذِینَ وُلُّوا الْأَمْرَ وَ صَارَ أَذَلَّ لَهُمْ مِنَ الْحِذَاءِ، تَرَكُوهُ وَ سَكَتُوا عَنْهُ، وَ لَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ لِتُقْدِمَ عَلَیْهِ إِلَّا بِمُوَاطَأَةٍ مِنْ مُتَوَلِّی الْأَمْرِ، وَ بَاطِنٍ فِی السِّرِّ مِنْهُ، فَلَمَّا لَمْ یَكُنْ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ بَاعِثٌ وَ دَاعٍ إِلَی قَتْلِهِ وَقَعَ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ، لَوْ لَا ذَلِكَ لَقُتِلَ، ثُمَّ الْأَجَلُ (4) بَعْدُ مَعْقِلٌ حَصِینٌ.

فَقُلْتُ لَهُ: أَ حَقٌّ مَا یُقَالُ فِی حَدِیثِ خَالِدٍ؟.

فَقَالَ: إِنَّ قَوْماً مِنَ الْعَلَوِیَّةِ یَذْكُرُونَ ذَلِكَ (5).

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَی زُفَرَ بْنِ الْهُذَیْلِ- صَاحِبِ أَبِی حَنِیفَةَ- فَسَأَلَهُ عَمَّا یَقُولُ أَبُو حَنِیفَةَ فِی جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ بِأَمْرٍ غَیْرِ التَّسْلِیمِ نَحْوَ الْكَلَامِ وَ الْفِعْلِ الْكَثِیرِ أَوِ الْحَدَثِ؟.

فَقَالَ: إِنَّهُ جَائِزٌ، قَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِی تَشَهُّدِهِ مَا قَالَ.

فَقَالَ الرَّجُلُ: وَ مَا الَّذِی قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ؟.

قَالَ: لَا عَلَیْكَ.

قَالَ (6): فَأَعَادَ عَلَیْهِ السُّؤَالَ ثَانِیَةً وَ ثَالِثَةً.

ص: 139


1- أی: ما قتل و جرح غرّة.
2- أی: كاللّاجّ و المصرّ، و تكون بمعنی: الجری ء و الشّجاع.
3- فی المصدر: و لمّا.
4- فی المصدر: أجّل.
5- فی المصدر: ذلك ثمّ قال.
6- لا یوجد: قال، فی المصدر.

فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ أَخْرِجُوهُ، قَدْ كُنْتُ أُحَدَّثُ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِی الْخَطَّابِ.

قُلْتُ لَهُ: فَمَا الَّذِی تَقُولُهُ أَنْتَ؟.

قَالَ: أَنَا أَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ، وَ إِنَّهُ (1) رَوَتْهُ الْإِمَامِیَّةُ .. إِلَی آخِرِ مَا قَالَ.

«30»-ج (2): رِسَالَةُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (3) إِلَی أَبِی بَكْرٍ، لَمَّا بَلَغَهُ عَنْهُ كَلَامٌ بَعْدَ مَنْعِ الزَّهْرَاءِ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَدَكَ: شُقُّوا مُتَلَاطِمَاتِ أَمْوَاجِ الْفِتَنِ بِحَیَازِیمِ سُفُنِ النَّجَاةِ، وَ حُطُّوا تِیجَانَ أَهْلِ الْفَخْرِ بِجَمِیعِ (4) أَهْلِ الْغَدْرِ، وَ اسْتَضِیئُوا (5) بِنُورِ الْأَنْوَارِ، وَ اقْتَسِمُوا مَوَارِیثَ الطَّاهِرَاتِ الْأَبْرَارِ، وَ احْتَقِبُوا ثِقْلَ الْأَوْزَارِ، بِغَصْبِهِمْ نِحْلَةَ النَّبِیِّ الْمُخْتَارِ.

فَكَأَنِّی بِكُمْ تَتَرَدَّدُونَ فِی الْعَمَی كَمَا یَتَرَدَّدُ الْبَعِیرُ فِی الطَّاحُونَةِ، أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أُذِنَ لِی بِمَا لَیْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ لَحَصَدْتُ رُءُوسَكُمْ عَنْ أَجْسَادِكُمْ كَحَبِّ الْحَصِیدِ بِقَوَاضِبَ مِنْ حَدِیدٍ، وَ لَقَلَعْتُ مِنْ جَمَاجِمِ شُجْعَانِكُمْ مَا أَقْرَحُ بِهِ آمَاقَكُمْ، وَ أُوحِشُ بِهِ مَحَالَّكُمْ.

فَإِنِّی مُنْذُ عَرَفْتُمُونِی (6) مُرْدِی الْعَسَاكِرِ، وَ مُفْنِی الْجَحَافِلِ، وَ مُبِیدُ خَضْرَائِكُمْ، وَ مُحْمِدُ ضَوْضَائِكُمْ (7)، وَ جَزَّارُ (8) الدَّوَّارِینَ إِذْ أَنْتُمْ فِی بُیُوتِكُمْ مُعْتَكِفُونَ، وَ إِنِّی لَصَاحِبُكُمْ بِالْأَمْسِ، لَعَمْرُ أَبِی (9) لَنْ تُحِبُّوا أَنْ تَكُونَ (10) فِینَا الْخِلَافَةُ وَ النُّبُوَّةُ وَ أَنْتُمْ

ص: 140


1- فی المصدر: و إن.
2- الاحتجاج 1- 95- 97 (طبعة النّجف: 1- 127- 130).
3- فی المصدر: لأمیر المؤمنین علیه السّلام.
4- خ. ل: بجمع.
5- فی نسخة: و استضاءوا، و كذا فی المصدر.
6- فی المصدر: مذ عرفت.
7- خ. ل: ضوضاتكم و فی الاحتجاج: طبعة النّجف: و مخمل.
8- فی المصدر: و جرّار.
9- فی المصدر: أبی و أمّی.
10- فی الاحتجاج: أن یكون.

تَذْكُرُونَ أَحْقَادَ بَدْرٍ وَ ثَارَاتِ أُحُدٍ.

أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ قُلْتُ مَا سَبَقَ مِنَ اللَّهِ فِیكُمْ لَتَدَاخَلَتْ أَضْلَاعُكُمْ فِی أَجْوَافِكُمْ كَتَدَاخُلِ أَسْنَانٍ دَوَّارَةِ الرَّحَی، فَإِنْ نَطَقْتُ تَقُولُونَ حَسَدَ (1)، وَ إِنْ سَكَتُّ فَیُقَالُ جَزِعَ ابْنُ أَبِی طَالِبٍ (2) مِنَ الْمَوْتِ، هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ.

أَنَا (3) السَّاعَةَ یُقَالُ لِی هَذَا، وَ أَنَا الْمَوْتُ الْمُمِیتُ، خَوَّاضُ الْمَنِیَّاتِ (4) فِی جَوْفِ لَیْلٍ خَامِدٍ (5)، حَامِلُ السَّیْفَیْنِ الْثَّقِیلَیْنِ، وَ الرُّمْحَیْنِ الطَّوِیلَیْنِ، وَ مُكَسِّرُ (6) الرَّایَاتِ فِی غُطَامِطِ الْغَمَرَاتِ، وَ مُفَرِّجُ الْكُرُبَاتِ عَنْ وَجْهِ خِیَرَةِ الْبَرِیَّاتِ (7)، إِیهَنُوا (8) فَوَ اللَّهِ لَابْنُ أَبِی طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ إِلَی مَحَالِبِ أُمِّهِ، هَبِلَتْكُمُ الْهَوَابِلُ!.

لَوْ بُحْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِیكُمْ فِی كِتَابِهِ (9) لَاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الْأَرْشِیَةِ فِی الطَّویِّ الْبَعِیدَةِ، وَ لَخَرَجْتُمْ مِنْ بُیُوتِكُمْ هَارِبِینَ، وَ عَلَی وُجُوهِكُمْ هَائِمِینَ، وَ لَكِنِّی أُهَوِّنُ وَجْدِی حَتَّی أَلْقَی رَبِّی بِیَدٍ جَذَّاءَ صَفْرَاءَ مِنْ لَذَّاتِكُمْ، خُلُوّاً مِنْ طَحَنَاتِكُمْ.

فَمَا مَثَلُ دُنْیَاكُمْ عِنْدِی إِلَّا كَمَثَلِ غَیْمٍ عَلَا فَاسْتَعْلَی، ثُمَّ اسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَی، ثُمَّ تَمَزَّقَ فَانْجَلَی.

ص: 141


1- فی المصدر: یقولون حسدا.
2- فی المصدر: فیقال ابن أبی طالب جزع.
3- لا یوجد فی المصدر: أنا.
4- فی المصدر: الممیت المائت و خوّاض المنایا.
5- فی المصدر: لیل حالك، و كذا فی نسخة علی حاشیة المطبوع من البحار.
6- فی المصدر: و منكّس.
7- فی المصدر: خیر البریّات.
8- هذه الكلمة فعل أمر من وهن یوهن كوجل یوجل: إذا ضعف فی العمل أو الأمر، أی: كونوا ضعفاء لأنّكم خفتم من الموت فی سبیل الحقّ و صار الأمر إلی ما رأیتم، و یأتی من المصنّف قدّس سرّه أنّه جمع أیها إن لم یكن تصحیفا.
9- فی المصدر: اللّٰه سبحانه فی كتابه فیكم.

رُوَیْداً! فَعَنْ قَلِیلٍ یَنْجَلِی لَكُمُ الْقَسْطَلُ، فَتَجِدُونَ (1) ثَمَرَ فِعْلِكُمْ مُرّاً أَمْ (2) تَحْصُدُونَ غَرْسَ أَیْدِیكُمْ ذُعَافاً مُمَزَّقاً (3)، وَ سَمّاً قَاتِلًا.

وَ كَفَی بِاللَّهِ حَكَماً (4)، وَ بِرَسُولِ اللَّهِ خَصِیماً (5)، وَ بِالْقِیَامَةِ مَوْقِفاً، وَ لَا أَبْعَدَ اللَّهُ فِیهَا سِوَاكُمْ، وَ لَا أَتْعَسَ فِیهَا غَیْرَكُمْ، وَ السَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی فَلَمَّا أَنْ قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ الْكِتَابَ رَعَبَ مِنْ ذَلِكَ رُعْباً شَدِیداً، وَ قَالَ: یَا سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَجْرَأَهُ عَلَیَّ، وَ أَنْكَلَهُ عَنْ (6) غَیْرِی.

مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ! تَعْلَمُونَ أَنِّی شَاوَرْتُكُمْ فِی ضِیَاعِ فَدَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُمْ: إِنَّ الْأَنْبِیَاءَ لَا یُوَرِّثُونَ، وَ إِنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ یَجِبُ أَنْ تُضَافَ إِلَی مَالِ الْفَیْ ءِ، وَ تُصْرَفَ فِی ثَمَنِ الْكُرَاعِ وَ السِّلَاحِ وَ أَبْوَابِ الْجِهَادِ وَ مَصَالِحِ الثُّغُورِ، فَأَمْضَیْنَا رَأْیَكُمْ وَ لَمْ یُمْضِهِ مَنْ یَدَّعِیهِ.

وَ هُوَ ذَا یُبْرِقُ وَعِیداً، وَ یُرْعِدُ تَهْدِیداً، إِیلَاءً بِحَقِّ نَبِیِّهِ أَنْ یَمْضَخَهَا (7) دَماً ذُعَافاً.

وَ اللَّهِ! لَقَدِ اسْتَقَلْتُ مِنْهَا فَلَمْ أُقَلْ، وَ اسْتَعْزَلْتُهَا عَنْ نَفْسِی فَلَمْ أُعْزَلْ، كُلَّ ذَلِكَ احْتِرَازاً مِنْ كَرَاهِیَةِ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ (8)، وَ هَرْباً مِنْ نِزَاعِهِ، وَ مَا لِی لِابْنِ (9) أَبِی

ص: 142


1- فی المصدر: و تجنون.
2- و فی نسخة: أو، و فی المصدر: واو بدلا من: أم.
3- فی المصدر: ممقرا.
4- خ. ل: حكیما، و كذا فی المصدر.
5- فی نسخة: خصما.
6- خ. ل: علی بدلا من: عن.
7- فی المصدر: بحقّ محمّد أن یمضحها. قال فی القاموس ٢ _ ٢٢٧ : مضح عرضه كمنع یمضحه مضحا : شانه وعابه .. وعنه ذب ودفع .. والإبل انتشرت.
8- فی المصدر: كلّ ذلك كراهیة منّی لابن أبی طالب.
9- فی المصدر: ما لی و لابن.

طَالِبٍ! هَلْ (1) نَازَعَهُ أَحَدٌ فَفَلَجَ عَلَیْهِ؟!.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَبَیْتَ أَنْ تَقُولَ إِلَّا هَكَذَا، فَأَنْتَ ابْنُ مَنْ لَمْ یَكُنْ مِقْدَاماً فِی الْحُرُوبِ، وَ لَا سَخِیّاً فِی الْجُدُوبِ، سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَهْلَعَ فُؤَادَكَ، وَ أَصْغَرَ نَفْسَكَ (قَدْ صَفَّیْتُ) (2) لَكَ سِجَالًا لِتَشْرَبَهَا، فَأَبَیْتَ إِلَّا أَنْ تَظْمَأَ كَظَمَائِكَ، وَ أَنَخْتُ لَكَ رِقَابَ الْعَرَبِ، وَ ثَبَّتُّ لَكَ إِمَارَةَ (3) أَهْلِ الْإِشَارَةِ وَ التَّدْبِیرِ، وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَكَانَ ابْنُ أَبِی طَالِبٍ قَدْ صَیَّرَ عِظَامَكَ رَمِیماً، فَاحْمَدِ اللَّهَ عَلَی مَا قَدْ وُهِبَ لَكَ مِنِّی، وَ اشْكُرْهُ عَلَی ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَنْ رَقِیَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ حَقِیقاً عَلَیْهِ أَنْ یُحْدِثَ لِلَّهِ شُكْراً.

وَ هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ الصَّخْرَةُ الصَّمَّاءُ الَّتِی لَا یَنْفَجِرُ مَاؤُهَا إِلَّا بَعْدَ كَسْرِهَا، وَ الْحَیَّةُ الرَّقْشَاءُ الَّتِی لَا تُجِیبُ إِلَّا بِالرُّقَی (4)، وَ الشَّجَرَةُ الْمُرَّةُ الَّتِی لَوْ طُلِیَتْ بِالْعَسَلِ لَمْ تَنْبُتْ إِلَّا مُرّاً، قَتَلَ سَادَاتِ قُرَیْشٍ فَأَبَادَهُمْ، وَ أَلْزَمَ آخِرَهُمُ الْعَارَ فَفَضَحَهُمْ.

فَطِبْ نَفْساً (5)، وَ لَا تَغُرَّنَّكَ صَوَاعِقُهُ، وَ لَا تَهُولَنَّكَ رَوَاعِدُهُ (6)، فَإِنِّی أَسُدُّ بَابَهُ قَبْلَ أَنْ یَسُدَّ بَابَكَ.

فَقَالَ (7) أَبُو بَكْرٍ: نَاشَدْتُكَ اللَّهَ یَا عُمَرُ لَمَّا تَرَكْتَنِی (8) مِنْ أَغَالِیطِكَ وَ تَرْبِیدِكَ، فَوَ اللَّهِ لَوْ هَمَّ (9) بِقَتْلِی وَ قَتْلِكَ لَقَتَلَنَا بِشِمَالِهِ دُونَ یَمِینِهِ، مَا (10) یُنْجِینَا مِنْهُ إِلَّا (11) ثَلَاثُ

ص: 143


1- فی المصدر: أهل.
2- فی مطبوع البحار: صفت، و المثبت من المصدر.
3- خ. ل: إشارة، و لم یرد فی المصدر لفظ: إمارة أهل.
4- فی نسخة: لا تؤثر فیه الرّقی.
5- خ. ل: من نفسك، و فی المصدر: عن نفسك نفسا.
6- فی المصدر: رواعده و بوارقه.
7- فی المصدر: فقال له.
8- فی المصدر: أنّ تتركنی.
9- فی المصدر: لو همّ ابن أبی طالب.
10- فی المصدر: و ما.
11- فی المصدر: إلّا إحدی.

خِصَالٍ:

إِحْدَاهَا: أَنَّهُ وَاحِدٌ لَا نَاصِرَ لَهُ (1).

وَ الثَّانِیَةُ: أَنَّهُ یَتَّبِعُ (2) فِینَا وَصِیَّةَ رَسُولِ اللَّهِ.

وَ الثَّالِثَةُ: فَمَا (3) مِنْ هَذِهِ الْقَبَائِلِ أَحَدٌ إِلَّا وَ هُوَ یَتَخَضَّمُهُ كَتَخَضُّمِ ثَنِیَّةِ الْإِبِلِ أَوَانَ الرَّبِیعِ (4).

فَتَعْلَمُ لَوْ لَا ذَلِكَ لَرَجَعَ الْأَمْرُ إِلَیْهِ وَ لَوْ (5) كُنَّا لَهُ كَارِهِینَ، أَمَا إِنَّ هَذِهِ الدُّنْیَا أَهْوَنُ عَلَیْهِ مِنْ لِقَاءِ أَحَدِنَا الْمَوْتَ (6).

أَ نَسِیتَ لَهُ یَوْمَ أُحُدٍ وَ قَدْ فَرَرْنَا بِأَجْمَعِنَا وَ صَعِدْنَا الْجَبَلَ، وَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ مُلُوكُ الْقَوْمِ وَ صَنَادِیدُهُمْ، مُوقِنِینَ بِقَتْلِهِ، لَا یَجِدُ مَحِیصاً (7) لِلْخُرُوجِ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ، فَلَمَّا أَنْ سَدَّدَ الْقَوْمُ (8) رِمَاحَهُمْ، نَكَسَ نَفْسَهُ عَنْ دَابَّتِهِ حَتَّی جَاوَزَهُ طِعَانُ الْقَوْمِ، ثُمَّ قَامَ قَائِماً فِی رِكَابِهِ (9) وَ قَدْ طَرَقَ عَنْ سَرْجِهِ وَ هُوَ یَقُولُ: یَا اللَّهُ یَا اللَّهُ! یَا جِبْرِیلُ یَا جِبْرِیلُ! یَا مُحَمَّدُ یَا مُحَمَّدُ! النَّجَاةَ النَّجَاةَ!.

ثُمَّ عَهِدَ (10) إِلَی رَئِیسِ الْقَوْمِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَلَی رَأْسِهِ (11) فَبَقِیَ عَلَی فَكٍّ (12) وَ لِسَانٍ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَی صَاحِبِ الرَّایَةِ الْعُظْمَی فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَلَی جُمْجُمَتِهِ فَفَلَقَهَا،

ص: 144


1- فی المصدر: أحدها أنّه وحید و لا ناصر له و فی مطبوع النّجف: إحداها.
2- فی المصدر: ینتهج.
3- فی المصدر: أنّه ما.
4- فی نسخة: ألا و قد خضمه خضمة الإبل نبتة الرّبیع. و فی المصدر: الثّنیّة.
5- فی المصدر: رجع الأمر إلیه و إن.
6- فی المصدر: أهون إلیه من لقاء أحدنا للموت.
7- فی مطبوع البحار: عنه محیصا.
8- فی الاحتجاج: سدّد علیه القوم.
9- فی المصدر: ركابیه.
10- فی المصدر: عمد.
11- فی المصدر: أم رأسه.
12- فی المصدر: فكّ واحد.

فَمَرَّ (1) السَّیْفُ یَهْوِی فِی جَسَدِهِ فَبَرَاهُ وَ دَابَّتَهُ نِصْفَیْنِ.

فَلَمَّا (2) أَنْ نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَی ذَلِكَ انْجَفَلُوا (3) مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ، فَجَعَلَ یَمْسَحُهُمْ بِسَیْفِهِ مَسْحاً، حَتَّی تَرَكَهُمْ جَرَاثِیمَ خُمُوداً (4) عَلَی تَلْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ یَتَمَرَّغُونَ فِی حَسَرَاتِ الْمَنَایَا، وَ یَتَجَرَّعُونَ (5) كُئُوسَ الْمَوْتِ، قَدِ اخْتَطَفَ أَرْوَاحَهُمْ بِسَیْفِهِ، وَ نَحْنُ نَتَوَقَّعُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَ لَمْ نَكُنْ نَضْبِطُ أَنْفُسَنَا (6) مِنْ مَخَافَتِهِ، حَتَّی ابْتَدَأْتَ أَنْتَ مِنْكَ إِلَیْهِ، فَكَانَ مِنْهُ (7) إِلَیْكَ مَا تَعْلَمُ. وَ لَوْ لَا أَنَّهُ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَیْهِ آیَةً (8) مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكُنَّا مِنَ الْهَالِكِینَ، وَ هُوَ قَوْلُهُ (تَعَالَی) : وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ (9).

فَاتْرُكْ هَذَا الرَّجُلَ مَا تَرَكَكَ، وَ لَا یَغُرَّنَّكَ قَوْلُ خَالِدٍ إِنَّهُ یَقْتُلُهُ، فَإِنَّهُ لَا یَجْسُرُ عَلَی ذَلِكَ، وَ إِنْ رَامَهُ كَانَ أَوَّلَ (10) مَقْتُولٍ بِیَدِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ مَنَافٍ، إِذَا هَاجُوا أُهِیبُوا (11)، وَ إِذَا غَضِبُوا أَذَمُّوا (12)، وَ لَا سِیَّمَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ، فَإِنَّهُ بَابُهَا الْأَكْبَرُ (13) وَ سَنَامُهَا (14) الْأَطْوَلُ، وَ هُمَامُهَا (15) الْأَعْظَمُ، وَ السَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی

ص: 145


1- فی المصدر: و مرّ.
2- فی المصدر: بنصفین، و لمّا.
3- خ. ل: انحطوا.
4- فی المصدر: جمودا.
5- فی المصدر: یتجرّعون، بدون واو.
6- فی المصدر: من أنفسنا.
7- فی المصدر: حتّی ابتدأت منك إلیه التفاتة و كان منه.
8- فی المصدر: و لو لا أنّه نزلت آیة.
9- آل عمران: 152.
10- فی المصدر: و لو رام لكان أوّل.
11- فی نسخة: أهبوا. و فی الاحتجاج: هیبوا.
12- فی المصدر: أدموا.
13- فی المصدر: و لا سیّما علیّ بن أبی طالب نابها الأكبر.
14- خ. ل: سنامه.
15- فی المصدر: و هامتها.

تبیین: قوله علیه السلام: شقوا.

أقول:

رَوَی فِی نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (1) تِلْكَ الْفِقَرَاتِ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ یُنَاسِبُهَا، حَیْثُ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ خَاطَبَهُ الْعَبَّاسُ وَ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ فِی أَنْ یُبَایِعَا لَهُ بِالْخِلَافَةِ، قَالَ (2): أَیُّهَا النَّاسُ! شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وَ عَرِّجُوا عَنْ طَرِیقِ الْمُنَافَرَةِ، وَ ضَعُوا تِیجَانَ الْمُفَاخَرَةِ، أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ.

و ما هنا یحتمل أن یكون بصیغة الماضی، فیكون بیان حالهم أوّلا، أی:

إنّهم فی زمن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ركبوا سفن النجاة و خرجوا من بین الفتن، فشبّه الفتن بالأمواج، لاشتراكهما فی اضطراب النفس بهما، و كونهما سبب الهلاك.

و الحیازیم: جمع الحیزوم (3)، و هو: ما استدار بالظّهر و البطن، أو ضلع الفؤاد، و ما اكتنف الحلقوم من جانب الصّدر، و الغلیظ من الأرض و المرتفع، ذكرها الفیروزآبادی (4)، و لعلّ المراد هنا صدر السفینة، فإنّه یشقّ الماء، و لا یبعد أن یكون تصحیف المجاذیف جمع المجذاف (5): الّذی به تحرّك السّفینة (6).

و كذا حطّ تیجان أهل الفخر كنایة عن اتّباع أهل الحقّ، و ترك المفاخرة الّتی تدعو إلی ترك اتّباع الحقّ.

و جمع أهل الغدر: مجمعهم، أی: تركوا المفاخرة الواقعة فی مجامع (7) أهل

ص: 146


1- نهج البلاغة: 35، صدر خطبة رقم 4.
2- لا توجد: قال، فی المصدر.
3- كما جاء فی: مجمع البحرین 6- 40، تاج العروس 8- 245، لسان العرب 12- 132.
4- القاموس 4- 96، و انظر: تاج العروس 8- 245، لسان العرب 12- 132.
5- كما فی مجمع البحرین 5- 32.
6- لاحظ: لسان العرب 9- 23- 24، تاج العروس 6- 54- 55، صحاح اللغة: 4- 1336.
7- خ. ل: مجمیع، و الظاهر أنّه مجتمع، فإنّه لم یعهد مجمیع، كما لا یوافق القواعد، و یحتمل قویّا أن یكون بجمیع بدلا من: مجامع، و قد یقرأ ما فی المتن كذلك و ما ذكره المصنّف رحمه اللّٰه من المعانی فهو للفظ: جمیع.

الغدر، و هو (1): ضدّ المتفرّق، و الجیش، و الحیّ المجتمع، ذكرها الفیروزآبادی (2) و الحاصل: أنّهم كانوا فی حیاة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله ظاهرا علی الحقّ و تابعین لأهله، و آل أمرهم بعده إلی أن اقتسموا مواریث العترة الطاهرة.

و یحتمل أن یكون الجمیع بصیغة الأمر، كما أنّ فی بعض النسخ:

و استضیئوا، فیكون أوّلا أمرهم بمتابعة أهل الحقّ، ثمّ بیّن حالهم بقوله:

و اقتسموا، علی سبیل الالتفات.

و یحتمل علی الأوّل أن یكون الجمیع مسوقا للذمّ، فالمعنی: أنّهم دخلوا فی غمرات الفتنة و تشبّثوا ظاهرا بما یوهم أنّه من وسائل النجاة، و تركوا المفاخرة و استسلموا، بأن جمعوا أهل الغدر، و أظهروا للناس النصح و ترك الأغراض، لیتمشّی لهم ما دبّروا، فیكون قوله: و استضاءوا .. و اقتسموا ..، بمنزلة فقرة واحدة، أی: تمسّكوا فی اقتسام مواریث الطاهرات بالاستضاءة بنور الأنوار، و بخبر وضعوه و افتروه علی سیّد الأبرار.

و كلّ من الوجوه لا یخلو من بعد، و الظاهر أنّه سقط شی ء من الكلام أو زید فیه، و لعلّ الأبرار علی التغلیب.

و قال الجوهری: الحقب- بالتحریك- حبل یشدّ به الرّحل إلی بطن البعیر .. و الحقیبة: واحدة الحقائب، و احتقبه و استحقبه بمعنی، أی: احتمله، و منه قیل: احتقب فلان الإثم كأنّه جمعه و احتقبه من خلفه (3).

و قال: سیف قاضب و قضیب أی: قطّاع، و الجمع قواضب و قضب (4).

ص: 147


1- أی: الجمیع.
2- القاموس 3- 14، و انظر: تاج العروس 5- 305، لسان العرب 8- 54.
3- الصحاح 1- 114، و لاحظ: القاموس 1- 57، مجمع البحرین 2- 45- 46.
4- الصحاح 1- 203، و لاحظ: لسان العرب 1- 679، مجمع البحرین 2- 145، القاموس 1- 117.

و قال: الجمجمة: عظم الرّأس المشتمل علی الدّماغ (1).

و قال: مؤق العین: طرفها ممّا یلی الأنف، و الجمع آماق و أمآق، مثل آبار و أبآر (2).

و أرداه: أهلكه (3).

و قال: و الجحفل: الجیش، و رجل جحفل أی: عظیم القدر (4).

قال: و قولهم: أباد اللّٰه خضراءهم، أی: سوادهم و معظمهم، و أنكره الأصمعیّ و قال: إنّما یقال: أباد اللّٰه خضراءهم (5) أی: خیرهم و غضارتهم (6).

و فی النهایة: الضّوضاة (7): أصوات النّاس و غلبتهم (8)، و فی أكثر النسخ بالمدّ، بدون التاء.

قوله علیه السلام: و جزّار الدوارین، لعلّ المراد بالدوارین: الدهور و الأزمنة علی التخفیف (9)، قال الجوهری (10): الدّوّاریّ: الدّهر یدور بالإنسان

ص: 148


1- الصحاح 5- 1891، و لاحظ: مجمع البحرین 6- 31، القاموس 4- 92.
2- الصحاح 4- 1553، و انظر: القاموس 3- 281- 282، لسان العرب 10- 337.
3- جاء فی لسان العرب 14- 316، و تاج العروس 10- 147، و لاحظ: الصحاح 6- 2355، القاموس 4- 333.
4- الصحاح 4- 1652، و لاحظ: مجمع البحرین 5- 334، القاموس 3- 346.
5- فی المصدر: غضراءهم.
6- الصحاح 2- 647، و انظر: لسان العرب 4- 244، تاج العروس 3- 180.
7- فی المصدر: الضوضاة، و لعلّ ما فی المتن هو الصحیح، فإنّ تاء جمع المؤنّث السالم تكتب مبسوطة.
8- النهایة 3- 105، و انظر: مجمع البحرین 1- 273، الصحاح 6- 2410، إلّا أنّ فیهما:جلبتهم ، بدلا من : غلبتهم.
9- إن كان لفظ: الدوارین، جمع الدواری فهو علی التخفیف، و أمّا إن كان جمع الدوار كما فی القاموس- أی: الدهر- فلیس فیه تخفیف محض، بل نوع من التخفیف.
10- الصحاح 2- 660.

دهرا (1)، أو الشّجعان (2)، أی: أنا قاتل الّذین یدورون و یجولون فی المعركة لطلب المبارزة، و فی بعض النسخ: و جرّار الدّاوئر بالراءین المهملتین- أی:

كنت أجرّ الدّولة و الغلبة للمسلمین علی الكافرین، قال فی النهایة فیه: فیجعل الدّائرة علیهم، أی: الدّولة بالغلبة و النّصر (3).

قوله علیه السلام: و إنّی لصاحبكم، أی: إمامكم الّذی بایعتمونی یوم الغدیر.

و الثأر- بالهمزة- طلب الدّم، یقال: ثأرت القتیل و بالقتیل ثأرا و ثؤرة، أی:

قتلت قاتله (4).

قوله علیه السلام: ما سبق من اللّٰه فیكم، أی: من العذاب و النكال فی الآخرة.

قوله علیه السلام: خوّاض المنیّات .. الخوض فی الشّی ء: الدخول فیه، و خضت الغمرات: اقتحمتها (5)، و المنیّة: الموت (6)، أی: بادرت بالدخول فیما هو مظنّة الموت، و فی بعض النسخ: خوّاض الغمرات، و الغمرات، و الغمرة: الكثیرة من النّاس و الماء، و غمرات الموت شدائده (7).

قوله علیه السلام: لیل خامد، أی: ساكن نام الناس فیه فلا تسمع

ص: 149


1- خ. ل: أحوالا، و كذا فی المصدر و كتب اللغة مثل: لسان العرب 4- 295، و القاموس 2 32، و غیرهما.
2- عطف علی قوله: الدهور و الأزمنة، و المقصود أنّ الدوارین إمّا جمع الدواری بمعنی: الدهر، و إمّا جمع الدوار بمعنی: كثیر الدوران، و بملاحظة السیاق یكون بمعنی: الّذی یدور و یجول فی المعركة.
3- النهایة 2- 140، و راجع: لسان العرب 4- 297.
4- كما فی القاموس 1- 381، و تاج العروس 3- 71، و الصحاح 2- 603، و مجمع البحرین 3- 234- 235.
5- جاء فی القاموس 2- 330، و مجمع البحرین 4- 204، و الصحاح 3- 1075.
6- صرّح به فی مجمع البحرین 1- 402، و القاموس 4- 391، و الصحاح 6- 2497.
7- انظر: القاموس 2- 104، تاج العروس 3- 452- 454، لسان العرب 5- 30.

أصواتهم، یقال: خمدت النّار إذا سكن لهبها (1).

و قال الجوهری: التّغطمط: صوت معه بحح (2)، و الْغُطَامِطُ- بالضّم-:

صوت غلیان القدر وموج البحر (3)

، و لا یخفی مناسبتهما للمقام.

قوله علیه السلام: إیهنوا .. المذكور فی كتب اللغة: أنّ إیه كلمة یراد بها الاستزادة، و هی مبنیّة علی الكسر، فإذا وصلت نوّنت فقلت: إیه حدّثنا (4)، و إذا قلت: إیها بالنصب فإنّما تأمره بالكفّ و السّكوت (5)، و لم أر فیها تجویز التثنیة و الجمع، و یظهر من الخبر جوازهما إن لم یكن فیه تصحیف (6).

و المحالب: جمع المحلب- بالفتح- و هو موضع الحلب أی (7): الثّدی أو رأسه.

و هبلته أمّه- بكسر الباء- أی: ثكلته (8).

و باح بالشیّ ء یبوح به أعلنه (9) و أظهره (10).

و الرّشاء- بالكسر و المدّ-: الحبل، و الجمع أرشیة (11).

و الطّویّ: البئر المطویّة (12)، و هو فی الأصل صفة، و لذا یجمع علی

ص: 150


1- انظر: مجمع البحرین 3- 45، القاموس 1- 292، الصحاح 2- 469.
2- فی (س): یحج، و لا معنی لها. و البحح: الخشونة و الغلظة.
3- الصحاح ٣ _ ١١٤٧ ، وانظر : لسان العرب ٧ _ ٣٦٣ ، القاموس ٢ _ ٣٧٦.
4- خ. ل: حدیثا.
5- لاحظ: القاموس 4- 280، الصحاح 6- 2226، لسان العرب 13- 474، و مجمع البحرین 6- 342، و غیرها.
6- ایهنوا، فعل أمر من وهن یوهن، كوجل یوجل ایجل، و علیه یكون المعنی: كونوا ضعفاء لأنّكم جعلتم أنفسكم كذلك بترك نصرة الحقّ و اتّباع الباطل، فتأمّل.
7- انظر: مجمع البحرین 2- 46، و غیره.
8- انظر: مجمع البحرین 5- 497، القاموس 4- 67، تاج العروس 8- 162.
9- كما فی النهایة 1- 161.
10- انظر: مجمع البحرین 2- 343، القاموس 1- 216، الصحاح 1- 357.
11- انظر: مجمع البحرین 1- 184، القاموس 4- 334، الصحاح 6- 2357.
12- قاله فی الصحاح 6- 2416، و لسان العرب 15- 19، و النهایة 3- 146.

أطواء (1) كأشراف و أیتام، ثمّ نقل إلی الاسمیّة (2)، و تأنیث الصفة باعتبار البئر.

و هام علی وجهه یهیم هیما و هیمانا: ذهب من العشق و غیره (3).

قوله علیه السلام: بید جذّاء، أی: مقطوعة (4) أو مكسورة (5).

و الصّفر- بالكسر-: الخالی (6) كالخلو بالكسر (7).

و الطحنات لعلّه جمع الطّحنة أی: البرّ المطحونة و أشباهها.

قوله علیه السلام: فاستعلی أی: اشتدّ علوّه (8).

و التّمزّق: التّفرّق (9).

قوله علیه السلام: رویدا، أی: اصبروا و أمهلوا قلیلا (10).

فعن قلیل، أی: بعد زمان قلیل.

و القسطل- بالسین و الصاد-: الغبار (11).

ص: 151


1- كما فی لسان العرب 15- 19.
2- كما قاله فی النهایة 3- 146.
3- جاء فی مجمع البحرین 6- 190، و الصحاح 5- 2063، و لسان العرب 12- 627.
4- كما فی النهایة 1- 250، و مجمع البحرین 3- 179، و لسان العرب 3- 479.
5- قال فی الصحاح 2- 561: جذذت الشّی ء: كسرته و قطعته، و نحوه فی لسان العرب 3- 479 و مثله فی: القاموس 1- 351. وقال فی تاج العروس ٢ _ ٥٥٥ _ ٥٥٦ : بید جذاء أی : مقطوعة : وسن جذاء متهتمة أی منكسرة.
6- ذكره فی مجمع البحرین 3- 367، و انظر: النهایة 3- 36، و الصحاح 2- 714، و تاج العروس 3- 337.
7- صرّح به فی القاموس 4- 325، و لسان العرب 14- 239، و تاج العروس 10- 118.
8- قال فی الصحاح 6- 2437: و استعلی الرّجل أی: علا، و جاء فیه و فی القاموس 4- 365:واستعلاه : علاه.
9- كما فی تاج العروس 7- 70، و قال فی القاموس 3- 282: مزقه یمزقه مزقا و مزقة: خرقه، كمزّقه فتمزّق.
10- انظر: لسان العرب 3- 190، مجمع البحرین 3- 55، القاموس 1- 296.
11- قاله فی مجمع البحرین 5- 453، و تاج العروس 8- 80، و الصحاح 5- 1801.

و قال الجوهری: الذّعاف: السّم، و طعام مذعوف ... و موت ذعاف ..

أی: سریع یعجّل القتل (1)، و فی بعض النسخ بعده: ممزّقا، أی: یفرّق الأعضاء و یقطع الأمعاء (2).

و لا أبعد اللّٰه فیها، أی: فی القیامة.

و أتعسه اللّٰه، أی: أهلكه (3).

قوله: یا سبحان (4) اللّٰه! أی: یا قوم تعجّبوا و سبّحوا اللّٰه تعجّبا.

و قال الجوهری: نكل عن العدوّ و عن الیمین ینكل- بالضم- أی: جبن، و النّاكل: الجبان الضّعیف (5)، و فی أكثر النسخ: علی غیری، و لعلّه بتضمین معنی الشفقة و نحوها.

و (6) قال فی النهایة فیه: لا یحبسون إلّا الكراع و السلاح. و الكراع- بالضمّ اسم لجمع (7) الخیل (8).

و قال الجوهری: أرعد الرّجل و أبرق: إذا تهدّد و أوعد (9).

و الإیلاء: الحلف (10).

ص: 152


1- الصحاح 4- 1361، و انظر: مجمع البحرین 5- 60، القاموس 3- 142.
2- انظر: لسان العرب 10- 343، تاج العروس 7- 69.
3- جاء ذلك فی الصحاح 3- 910، و القاموس 2- 203، و لسان العرب 6- 33.
4- قال فی الصحاح 1- 372: و العرب تقول سبحان من كذا: إذا تعجّبت منه، و نحوه فی القاموس 1- 226، و أضاف فی تاج العروس 2- 157: و قال الرضی: سبحان هنا للتعجّب و الأصل فیه أن یسبّح اللّٰه عند رؤیة العجیب من صنائعه، ثمّ كثر حتّی استعمل فی كلّ متعجّب منه.
5- الصحاح 5- 1835، و لاحظ لسان العرب 11- 677- 678.
6- فی (ك): قال، بدون واو.
7- فی المصدر: لجمیع.
8- النهایة 4- 165، و لاحظ مجمع البحرین 4- 385.
9- الصحاح 2- 474، و لاحظ لسان العرب 3- 180.
10- كما فی مجمع البحرین 1- 463.

قوله: أن یمضخها، یقال: مضخ- كمنع بالضّاد و الخاء المعجمتین- أی لطخ الجسد بالطّیب (1)، و فی بعض النسخ بالصاد المهملة من المصخ، و هو:

انتزاع الشیّ ء و أخذه (2)، و الأول أظهر.

و الفلج: الظّفر و الفوز (3).

و المقدام- بالكسر-: الرّجل الكثیر الإقدام علی العدوّ (4).

و الجدوب جمع الجدب: و هو نقیض الخصب (5).

و الهلع: أفحش الجزع (6).

و السّجال- بالكسر- جمع السّجل بالفتح، و هو: الدّلو إذا كان فیه ماء (7).

و الظّمأ- بالتحریك- العطش (8).

و أنخت الجمل فاستناخ، أی: أبركته فبرك (9).

و الصماء: المصمتة الصّلبة (10).

و یقال: حیّة رقشاء: إذا كان فیها نقط سواد و بیاض (11)، و فی بعض

ص: 153


1- قاله فی القاموس 1- 270، و تاج العروس 2- 280.
2- صرّح به فی القاموس 1- 270، و الصحاح 1- 431، و لاحظ لسان العرب 3- 56.
3- كما جاء فی مجمع البحرین 2- 323، و تاج العروس 2- 86.
4- لاحظ تاج العروس 9- 19، و القاموس 4- 162 و لا یوجد فیه لفظ: علی العدوّ.
5- قاله فی القاموس 1- 44، و تاج العروس 1- 177، و لاحظ مجمع البحرین 2- 21.
6- ذكره فی القاموس 3- 100، و مجمع البحرین 4- 411، و الصحاح 3- 1308.
7- قاله فی الصحاح 5- 1725، و لاحظ مجمع البحرین 5- 392، و القاموس 3- 393.
8- صرّح به فی لسان العرب 1- 116، و لاحظ مجمع البحرین 1- 280، و القاموس 1- 22 و الصحاح 1- 61.
9- قاله فی مجمع البحرین 2- 447، و الصحاح 1- 434، و لاحظ القاموس 1- 272.
10- ذكر فی القاموس 4- 140، و تاج العروس 8- 368: أنّ الصمّاء: صلبة مصمتة، و جاء فی الأخیر أیضا: الصّخرة الصمّاء: الّتی لیس فیها صدع و لا خرق.
11- كما فی الصحاح 3- 1007، و لاحظ مجمع البحرین 4- 138، و القاموس 2- 275.

النسخ: الرّقطاء، و الرّقطة: سواد یشوبه نقط بیاض (1).

و الرّقی بضمّ الراء جمع رقیة بالضم (2)، و هی: التّعویذات و الطّلسمات و أشباهها (3)، و فی أكثر النسخ: الّتی لا تجیب إلّا بالرّقی، و فی بعضها: الّتی لا تؤثّر فیها الرّقی.

قوله: وتر بیدك، فی أكثر النسخ بالراء و الدال المهملتین من ربد ربودا:

أقام و حبس، و تربّد: تغیّر (4)، و لعلّ الأصوب: تدبیرك، أو تدابیرك.

و قال فی النهایة-

فی حدیث علیّ علیه السلام: یخضمون مال اللّٰه خضم الإبل نبتة الرّبیع- الخضم.

الأكل بأقصی الأضراس، و القضم: بأدناها، خضم یخضم خضما (5).

قوله: و قد طرق عن سرجه، و فی بعض النسخ: اطرق، یقال: اطّرق جناح الطّائر- علی افتعل-، أی: التفّ (6)، و طرق یطرق كنصر: أتی أهله لیلا، و أطرق علی بناء الإفعال: سكت فلم یتكلّم، أو أرخی عینیه ینظر إلی الأرض (7)، و لعلّه تصحیف طال.

قوله علیه السلام: یا اللّٰه! فی بعض النسخ بتثلیث كلّ من الثلاثة،

ص: 154


1- ذكره فی مجمع البحرین 4- 249، و القاموس 2- 361، و الصحاح 3- 1128.
2- كذا جاء فی الصحاح 6- 2361، و القاموس 4- 336، و تاج العروس 10- 145.
3- قال فی النهایة 2- 254: الرّقیة: العوذة الّتی یرقی بها صاحب الآفة، كالحمّی و الصرع و غیر ذلك من الآفات. واقتصر فی القاموس ٤ _ ٣٣٦ فی معناها بالعوذة ، وانظر : مجمع البحرین ١ _ ١٩٣ ، وتاج العروس ١٠ _ ١٥٤.
4- كما فی القاموس 1- 293، و لاحظ مجمع البحرین 3- 46- 47، و الصحاح 2- 471 472.
5- النهایة 2- 44، و لاحظ مجمع البحرین 6- 59.
6- كما جاء فی الصحاح 4- 1514، و لسان العرب 10- 218.
7- كما فی مجمع البحرین 5- 206، و الصحاح 4- 1515، و غیرهما.

و تقدیم:- یا محمّد علی یا جبرئیل.

و البری: النحت (1)، استعیر هنا للشقّ و القطع.

و انجفل القوم، أی: انقلعوا كلّهم و مضوا، ذكره الجوهری (2).

و قال: مسحه بالسّیف: قطعه (3).

و قال الفیروزآبادی: جرثومة الشیّ ء- بالضّم-: أصله، أو هی التّراب المجتمع فی أصول الشّجر، و الّذی تسفیه الرّیح، و قریة النّمل (4)، و قال الجزری فی حدیث ابن الزبیر: كانت فی المسجد جراثیم، أی: كان فیه أماكن مرتفعة عن الأرض مجتمعة من تراب أو طین (5)، فالمعنی: أنّه علیه السلام جعلهم كأصول الشجر المقطوعة بغیر حیاة، أو أحدث من القتل فی الأرض تلالا مرتفعة.

و الخمود- جمع الخامد- أی میّتین، یقال خمد المریض .. أی مات (6).

و التّلعة- بفتح التاء و سكون اللّام- ما ارتفع من الأرض (7).

و التّمرغ: التّقلّب فی التّراب (8).

قوله تعالی: وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ ... (9) هو ما ذكره تعالی فی طیّ ما لام أصحاب النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و غیرهم علی وهنهم و انهزامهم فی غزوة أحد، حیث قال: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، إلی قوله تعالی: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِیَبْتَلِیَكُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ (10).

ص: 155


1- كما فی مجمع البحرین 1- 52، و القاموس 4- 303، و لسان العرب 14- 70.
2- الصحاح 4- 1657، و لاحظ القاموس 3- 349.
3- الصحاح 1- 404، و لاحظ مجمع البحرین 2- 413، و القاموس 1- 249.
4- القاموس 4- 89، و انظر: مجمع البحرین 6- 28- 29، و تاج العروس 8- 226.
5- النهایة 1- 254.
6- انظر: مجمع البحرین 3- 45، لسان العرب 3- 165.
7- انظر: مجمع البحرین 4- 309، الصحاح 3- 1192، القاموس 3- 10.
8- انظر: مجمع البحرین 5- 16، النهایة 4- 320، الصحاح 4- 1325.
9- آل عمران: 152.
10- آل عمران: 152.

قوله: أهبّوا، یقال: هبّ فلان، أی: غاب دهرا، و فی الحرب:

انهزم (1)، و الأظهر أنّه أهمّوا- بالمیم-، و هو أنسب بالفقرة التالیة، یقال: أهمّه الأمر:

إذا أقلقه و حزنه (2)، و فی أكثر النسخ، أهیبوا، و لا یمكن أن یكون علی بناء المعلوم، لأنّ ترك القلب نادر مسموع فی مواضع معدودة، و لا علی بناء المجهول إلّا بالحذف و الإیصال (3).

قوله أذمّوا، قال فی القاموس: أذمّه: وجده ذمیما، و أذمّ: تهاون بهم و تركهم (4) مذمومین فی النّاس (5)، و فی بعض النسخ: دمروا، أی: أهلكوا (6).

و الهمام- بالضم-: الملك العظیم الهمّة (7) و السّیّد الشّجاع السّخیّ (8).

«31»-ب (9): عَنْهُمَا، عَنْ حَنَانٍ (10) قَالَ: سَأَلَ صَدَقَةُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: مَنِ الشَّاهِدُ عَلَی فَاطِمَةَ بِأَنَّهَا لَا تَرِثُ أَبَاهَا؟

فَقَالَ (11): شَهِدَتْ عَلَیْهَا عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ وَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ یُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ الْحَدَثَانِ مِنْ بَنِی نَضْرٍ، شَهِدُوا عِنْدَ أَبِی بَكْرٍ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ:

ص: 156


1- كما فی القاموس 1- 138، و تاج العروس 1- 510.
2- انظر: مجمع البحرین 6- 189، و القاموس 4- 192، و الصحاح 5- 2060.
3- المعلوم أن یكون: أهابوا، بقلب الیاء ألفا علی القیاس، و أمّا ترك القلب فنادر، و لیس هذا من الموارد النادرة. وأما المجهول فیكون : أهیب منهم ، فإن فرض علی شكل أهیبوا ، فلا بد من فرض حذف حرف الجر وإیصال الفعل إلی الضمیر النائب عن الفاعل ، وتبدیل : هم بواو الجمع.
4- فی المصدر: أذمّ بهم: تهاون أو تركهم.
5- القاموس 4- 115، و لاحظ: الصحاح 5- 1926.
6- كما فی القاموس 2- 30، و تاج العروس 3- 210.
7- كما فی القاموس 4- 192، و مجمع البحرین 6- 189، و الصحاح 5- 2062، و غیرها.
8- قاله فی القاموس 4- 192، و تاج العروس 9- 109.
9- قرب الإسناد: 47- 48.
10- فی المصدر: و عنهما عن حنان بن سدیر.
11- فی المصدر: قال.

لَا أُوَرِّثُ، فَمَنَعُوا فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ مِیرَاثَهَا مِنْ أَبِیهَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ..

«32»-مِصْبَاحُ الْأَنْوَارِ (1): لِبَعْضِ عُلَمَائِنَا الْأَخْیَارِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (2) عَلَی أَبِی بَكْرٍ، فَسَأَلَتْهُ فَدَكاً، قَالَ: النَّبِیُّ لَا یُوَرِّثُ، فَقَالَتْ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (3).

فَلَمَّا حَاجَّتْهُ أَمَرَ أَنْ یُكْتَبَ لَهَا، وَ شَهِدَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ أُمُّ أَیْمَنَ.

قَالَ: فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ، فَاسْتَقْبَلَهَا عُمَرُ، فَقَالَ: مِنْ أَیْنَ جِئْتَ یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: مِنْ عِنْدِ أَبِی بَكْرٍ مِنْ شَأْنِ فَدَكَ، قَدْ كَتَبَ لِی بِهَا.

فَقَالَ عُمَرُ: هَاتِی الْكِتَابَ، فَأَعْطَتْهُ، فَبَصَقَ فِیهِ وَ مَحَاهُ، عَجَّلَ اللَّهُ جَزَاهُ.

فَاسْتَقْبَلَهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: مَا لَكِ یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ غَضْبَی (4)؟! فَذَكَرَتْ لَهُ مَا صَنَعَ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا رَكِبُوا مِنِّی وَ مِنْ أَبِیكَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا.

فَمَرِضَتْ فَجَاءَا یَعُودَانِهَا فَلَمْ تَأْذَنْ لَهُمَا، فَجَاءَا ثَانِیَةً مِنَ الْغَدِ، فَأَقْسَمَ عَلَیْهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَذِنَتْ لَهُمَا، فَدَخَلَا عَلَیْهَا، فَسَلَّمَا، فَرَدَّتْ ضَعِیفاً.

ثُمَّ قَالَتْ لَهُمَا: سَأَلْتُكُمَا (5) بِاللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَ سَمِعْتُمَا یَقُولُ (6) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی حَقِّی: مَنْ آذَی فَاطِمَةَ فَقَدْ آذَانِی وَ مَنْ آذَانِی فَقَدْ آذَی اللَّهَ.

قَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَتْ: فَاشْهَدْ أَنَّكُمَا قَدْ آذَیْتُمَانِی (7).

ص: 157


1- مصباح الأنوار: 246- 247.
2- لا یوجد فی المصدر: بنت محمّد صلّی اللّٰه علیه و آله.
3- النّمل: 16.
4- فی المصدر: غضباء- بالمدّ-.
5- فی المصدر: أسألكما.
6- اللّفظة غیر واضحة فی المصدر، و لعلّها: بقول.
7- جاءت الرّوایة بمضامین متعدّدة مجملة كهذه، و مفصّلة كما سیأتی، تجد لها مصادر جمّة فی الغدیر 7- 229، و إحقاق الحقّ 10- 217، و غیرهما.

«33»-و (1) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ قَالَتْ: طَلَبَ إِلَیَّ أَبُو بَكْرٍ أَنْ أَسْتَأْذِنَ لَهُ عَلَی فَاطِمَةَ یَتَرَضَّاهَا، فَسَأَلَتْهَا ذَلِكَ، فَأَذِنَتْ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ وَلَّتْ وَجْهَهَا الْكَرِیمَ إِلَی الْحَائِطِ، فَدَخَلَ وَ سَلَّمَ عَلَیْهَا، فَلَمْ تَرُدَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ یَعْتَذِرُ إِلَیْهَا وَ یَقُولُ: ارْضَیْ عَنِّی یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ.

فَقَالَتْ: یَا عَتِیقُ! أَتَیْتَنَا مِنْ ماتت (مَاتَّةٍ) (2) أَوْ حَمَلْتَ النَّاسَ عَلَی رِقَابِنَا، اخْرُجْ فَوَ اللَّهِ مَا كَلَّمْتُكَ (3) أَبَداً حَتَّی أَلْقَی اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَشْكُوَكَ إِلَیْهِمَا.

«34»-و (4) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: بَیْنَمَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ عِنْدَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ یَعُودَانِهَا، فَقَالَتْ لَهُمَا: أَسْأَلُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هَلْ (5) سَمِعْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: مَنْ آذَی فَاطِمَةَ فَقَدْ آذَانِی وَ مَنْ آذَانِی فَقَدْ آذَی اللَّهَ (6)؟ فَقَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَتْ: فَأَشْهَدُ أَنَّكُمَا آذَیْتُمَانِی (7).

«35»-و (8) عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ قَالَ: قَدِمْتُ مَعَ أَبِی (9) مَكَّةَ وَ فِیهَا مَوْلًی لِثَقِیفٍ

ص: 158


1- مصباح الأنوار: 255.
2- قال فی اللّسان 2- 88: الماتة: الحرمة و الوسیلة. و كأنّ المراد هل راعیت لنا حرمتنا أو حملت النّاس علی رقابنا؟ و فی المصدر: مأمنا و حمّلت. و الظّاهر: مأمننا.
3- فی المصدر: لا كلّمتك.
4- مصباح الأنوار: 256.
5- لم یرد لفظ: هل، فی (س).
6- لم یرد فی المصدر قولها علیها السّلام، و من آذانی فقد آذی اللّٰه. و هذه الرّوایة من الرّوایات المستفیضة عن الفریقین إن لم تكن متواترة كما مرّ قریبا، انظر مصادرها فی الإحقاق 10- 206 209 و 236، 19- 75- 78.
7- فی نسخة: آذیتمونی.
8- مصباح الأنوار: 258.
9- فی المصدر: مع أبی عبد اللّٰه الحسین، و الظّاهر أنّه سهو، فراجع.

مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، فَكَانَ (1) یَنَالُ مِنْ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ، فَأَوْصَاهُ أَبِی (2) بِتَقْوَی اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: نَاشَدْتُكَ اللَّهَ وَ رَبِّ هَذَا الْبَیْتِ (3) هَلْ صَلَّیَا عَلَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ؟

فَقَالَ أَبِی: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: فَلَمَّا افْتَرَقْنَا سَبَبْتُهُ (4)، فَقَالَ لِی أَبِی: لَا تَفْعَلْ فَوَ اللَّهِ مَا صَلَّیَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَضْلًا عَنْ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ (5) شَغَلَهُمَا مَا كَانَا یُبْرِمَانِ (6).

«36»-یج (7): رُوِیَ أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ امْتَنَعَ (8) مِنَ الْبَیْعَةِ عَلَی أَبِی بَكْرٍ فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ (9) أَنْ یَقْتُلَ عَلِیّاً إِذَا (10) سَلَّمَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالنَّاسِ.

فَأَتَی خَالِدٌ وَ جَلَسَ إِلَی جَنْبِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ مَعَهُ سَیْفٌ، فَتَفَكَّرَ أَبُو بَكْرٍ فِی صَلَاتِهِ فِی عَاقِبَتِهِ (11) ذَلِكَ، فَخَطَر بِبَالِهِ أَنَّ بَنِی هَاشِمٍ (12) یَقْتُلُونَنِی إِنْ قُتِلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ الْتَفَتَ إِلَی خَالِدٍ قَبْلَ أَنْ یُسَلِّمَ وَ قَالَ: لَا تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَیْكُمْ.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِخَالِدٍ: أَ وَ كُنْتَ تُرِیدُ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَمَدَّ یَدَهُ إِلَی عُنُقِهِ وَ خَنَقَهُ بِإِصْبَعِهِ وَ كَادَتْ (13) عَیْنَاهُ تَسْقُطَانِ، وَ نَاشَدَهُ بِاللَّهِ أَنْ

ص: 159


1- فی المصدر: و كان.
2- فی المصدر: أبی عبد اللّٰه علیه السّلام، و الظّاهر أنّه سهو أیضا، فراجع.
3- فی نسخة من البحار: و ربّ هذه البنیّة، و فی المصدر لعلّها: و بربّ هذه البنیّة.
4- فی مطبوع البحار: سببه، و المثبت من المصدر.
5- فی (س): إذ بدل: أنّه.
6- فی (ك): ما كانا یبرمان من أمورهما.
7- الخرائج و الجرائح- طبعة مدرسة الإمام المهدیّ (علیه السلام)- 2- 757، حدیث 75 باختلاف كثیر.
8- فی المصدر: لمّا امتنع.
9- فی المصدر: أمر خالد بن الولید.
10- فی المصدر: إذا ما، و فی (س): إذ.
11- فی المصدر: فكان أبو بكر یتفكّر فی صلاته فی عاقبة ذلك.
12- فی المصدر: فخطر بباله أنّ علیّا إن قتله خالد ثارت الفتنة و أنّ بنی هاشم. فلعلّه هنا سقط.
13- فی المصدر: و خنقه بإصبعین كادت.

یَتْرُكَهُ، وَ شَفَعَ إِلَیْهِ النَّاسُ، فَخَلَّاهُ (1).

ثُمَّ كَانَ خَالِدٌ بَعْدَ ذَلِكَ یَرْصُدُ الْفُرْصَةَ وَ الْفَجْأَةَ لَعَلَّهُ یَقْتُلُ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ غِرَّةً، فَبَعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَسْكَراً (2) مَعَ خَالِدٍ إِلَی مَوْضِعٍ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَدِینَةِ- وَ كَانَ خَالِدٌ مُدَجَّجاً وَ حَوْلَهُ شُجْعَانٌ (3) قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَفْعَلُوا كُلَّ مَا أَمَرَهُمْ خَالِدٌ فَرَأَی عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ یَجِی ءُ مِنْ ضَیْعَةٍ لَهُ مُنْفَرِداً بِلَا سِلَاحٍ، (فَقَالَ خَالِدٌ فِی نَفْسِهِ: الْآنَ وَقْتُ ذَلِكَ) (4)، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ فَكَانَ فِی یَدِ خَالِدٍ عَمُودٌ مِنْ حَدِیدٍ، فَرَفَعَهُ لِیَضْرِبَهُ عَلَی رَأْسِ عَلِیٍّ، فَانْتَزَعَهُ (5) عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ یَدِهِ وَ جَعَلَهُ فِی عُنُقِهِ وَ فَتَلَهُ كَالْقَلَادَةِ.

فَرَجَعَ خَالِدٌ إِلَی أَبِی بَكْرٍ، وَ احْتَالَ الْقَوْمُ فِی كَسْرِهِ فَلَمْ یَتَهَیَّأْ لَهُمْ، فَأَحْضَرُوا جَمَاعَةً مِنَ الْحَدَّادِینَ، فَقَالُوا: لَا یُمْكِنُ انْتِزَاعُهُ إِلَّا بَعْدَ حَلِّهِ فِی النَّارِ، وَ فِی ذَلِكَ هَلَاكُهُ، وَ لَمَّا عَلِمُوا بِكَیْفِیَّةِ حَالِهِ، قَالُوا إِنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِی یُخَلِّصُهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا جَعَلَهُ فِی جِیدِهِ (6)، وَ قَدْ أَلَانَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِیدَ كَمَا أَلَانَهُ لِدَاوُدَ، فَشَفَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَأَخَذَ الْعَمُودَ وَ فَكَّ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ بِإِصْبَعِهِ (7).

بیان: قال الجوهری: رجل مدجّج و مدجّج أی: شاك فی السّلاح، تقول منه تدجّج فی شكّته أی: دخل فی سلاحه كأنّه تغطّی بها (8).

ص: 160


1- فی المصدر: فی تخلیته، فخلّاه.
2- فی المصدر: و قد بعث أبو بكر ذات یوم عسكرا.
3- فی المصدر: و كان علی خالد السّلاح التّامّ و حوالیه شجعان.
4- زیادة من المصدر یقتضیها السّیاق.
5- فوثب علیه السّلام إلیه فانتزعه، كذا فی المصدر.
6- فی المصدر: فی رقبته.
7- فی المصدر: بإصبعین.
8- الصحاح 1- 313، و لاحظ: لسان العرب 2- 265.

«37»-إِرْشَادُ الْقُلُوبِ (1): عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالا: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ أَبِی بَكْرٍ فِی وِلَایَتِهِ وَ قَدْ أَضْحَی النَّهَارُ، وَ إِذَا بِخَالِدِ ابْنِ الْوَلِیدِ الْمَخْزُومِیِّ قَدْ وَافَی (2) فِی جَیْشٍ قَامَ غُبَارُهُ وَ كَثُرَ صَهِیلُ أَهْلِ (3) خَیْلِهِ وَ إِذَا بِقُطْبِ رَحًی مَلْوِیٍّ فِی عُنُقِهِ قَدْ فُتِلَ فَتْلًا.

فَأَقْبَلَ حَتَّی نَزَلَ عَنْ جَوَادِهِ وَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَ وَقَفَ بَیْنَ یَدَیْ أَبِی بَكْرٍ (4)، فَرَمَقَهُ النَّاسُ بِأَعْیُنِهِمْ فَهَالَهُمْ مَنْظَرُهُ.

ثُمَّ قَالَ (5): أَ عَدْلٌ یَا ابْنَ أَبِی قُحَافَةَ حَیْثُ جَعَلَكَ النَّاسُ فِی هَذَا (6) الْمَوْضِعِ الَّذِی لَیْسَ لَهُ أَنْتَ بِأَهْلٍ؟! وَ مَا ارْتَفَعْتَ إِلَی هَذَا الْمَكَانِ إِلَّا كَمَا یَرْتَفِعُ الطَّافِی مِنَ السَّمَكِ عَلَی الْمَاءِ، وَ إِنَّمَا یَطْفُو وَ یَعْلُو حِینَ (7) لَا حَرَاكَ بِهِ، مَا لَكَ وَ سِیَاسَةَ (8) الْجُیُوشِ وَ تَقْدِیمَ الْعَسَاكِرِ، وَ أَنْتَ بِحَیْثُ أَنْتَ، مِنْ لِینِ (9) الْحَسَبِ، وَ مَنْقُوصِ (10) النَّسَبِ، وَ ضَعْفِ الْقُوَی، وَ قِلَّةِ التَّحْصِیلِ، لَا تَحْمِی ذِمَاراً، وَ لَا تُضْرِمُ نَاراً، فَلَا جَزَی اللَّهُ أَخَا (11) ثَقِیفٍ وَ وَلَدَ صُهَاكَ خَیْراً.

إِنِّی رَجَعْتُ مُنْكَفِئاً مِنَ الطَّائِفِ إِلَی جُدَّةَ فِی طَلَبِ الْمُرْتَدِّینَ، فَرَأَیْتُ عَلِیَّ بْنَ

ص: 161


1- إرشاد القلوب: 378- 384.
2- فی المصدر: وافانا.
3- فی المصدر: صواهل، بدلا من: صهیل أهل، و قد وضع علیها فی (س) رمز نسخة بدل.
4- فی المصدر: نزل عن فرسه بإزاء أبی بكر.
5- فی المصدر: و هالهم منظره فقال.
6- لم یردّ لفظ: هذا، فی المصدر.
7- فی المصدر: إنّما یطفو حین.
8- فی المصدر: و لسیاسة.
9- فی نسخة: من دناءة، و فی المصدر: من ألیم.
10- فی نسخة: رذالة و دناءة، جاءت علی (س).
11- فی المصدر: أخسأ بدل: اخا.

أَبِی طَالِبٍ وَ مَعَهُ عُتَاةٌ (1) مِنَ الدِّینِ حَمَالِیقُ، شَزَرَاتُ (2) أَعْیُنِهِمْ مِنْ حَسَدِكَ بَدَرَتْ حَنَقاً (3) عَلَیْكَ، وَ قَرِحَتْ آمَاقُهُمْ لِمَكَانِكَ.

مِنْهُمْ (4) ابْنُ یَاسِرٍ، وَ الْمِقْدَادُ، وَ ابْنُ جُنَادَةَ أَخُو (5) غِفَارٍ، وَ ابْنُ الْعَوَّامِ، وَ غُلَامَانِ أَعْرِفُ أَحَدَهُمَا بِوَجْهِهِ، وَ غُلَامٌ أَسْمَرُ لَعَلَّهُ مِنْ وُلْدِ عَقِیلٍ أَخِیهِ.

فَتَبَیَّنَ لِیَ الْمُنْكَرُ فِی وُجُوهِهِمْ، وَ الْحَسَدُ فِی احْمِرَارِ أَعْیُنِهِمْ، وَ قَدْ تَوَشَّحَ عَلِیٌّ بِدِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ لَبِسَ رِدَاءَهُ السَّحَابَ، وَ لَقَدْ أُسْرِجَ (6) لَهُ دَابَّتُهُ الْعُقَابُ، وَ قَدْ نَزَلَ عَلِیٌّ عَلَی عَیْنِ مَاءٍ اسْمُهَا رُوَیَّةُ (7).

فَلَمَّا رَآنِی اشْمَأَزَّ وَ بَرْبَرَ، وَ أَطْرَقَ مُوحِشاً یَقْبِضُ عَلَی لِحْیَتِهِ.

فَبَادَرْتُهُ بِالسَّلَامِ اسْتِكْفَاءً وَ اتِّقَاءً وَ وَحْشَةً، فَاسْتَغْنَمْتُ سَعَةَ (8) الْمُنَاخِ وَ سُهُولَةَ الْمَنْزِلَةِ (9)، فَنَزَلْتُ وَ مَنْ مَعِی بِحَیْثُ نَزَلُوا اتِّقَاءً عَنْ مُرَاوَغَتِهِ.

فَبَدَأَنِی (10) ابْنُ یَاسِرٍ بِقَبِیحِ لَفْظِهِ وَ مَحْضِ عَدَاوَتِهِ، فَقَرَعَنِی هُزُواً بِمَا تَقَدَّمْتَ بِهِ إِلَیَّ بِسُوءِ رَأْیِكَ.

فَالْتَفَتَ إِلَیَّ الْأَصْلَعُ الرَّأْسِ، وَ قَدِ ازْدَحَمَ الْكَلَامُ فِی حَلْقِهِ كَهَمْهَمَةِ الْأَسَدِ أَوْ (11) كَقَعْقَعَةِ الرَّعْدِ، فَقَالَ لِی بِغَضَبٍ مِنْهُ: أَ وَ كُنْتَ فَاعِلًا یَا أَبَا سُلَیْمَانَ؟! فَقُلْتُ

ص: 162


1- فی المصدر: رهط عتاة.
2- فی المصدر: من الّذین شزرت حمالیق.
3- فی المصدر: و بدرت حقّنا.
4- فی المصدر: فیهم.
5- فی (ك): و أخو.
6- فی المصدر: و قد أسرج.
7- فی المصدر: روبة.
8- فی المصدر: استكفاه شرّه و اتّقاه وحشته و استغنمت سعة.
9- فی المصدر: المنزل.
10- فی المصدر: فبدأ بی.
11- فی المصدر: واو بدلا من: أو.

لَهُ: إِی وَ اللَّهِ (1)، لَوْ أَقَامَ عَلَی رَأْیِهِ لَضَرَبْتُ الَّذِی فِیهِ عَیْنَاكَ.

فَأَغْضَبَهُ قَوْلِی إِذْ صَدَقْتُهُ (2)، وَ أَخْرَجَهُ إِلَیَّ طَبْعُهُ الَّذِی أَعْرِفُهُ بِهِ (3) عِنْدَ الْغَضَبِ، فَقَالَ: یَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ! مِثْلُكَ مَنْ یَقْدِرُ عَلَی مِثْلِی أَنْ یَجْسُرَ؟! أَوْ یُدِیرَ اسْمِی فِی لَهَوَاتِهِ الَّتِی لَا عَهْدَ لَهَا بِكَلِمَةِ حِكْمَةٍ؟! وَیْلَكَ إِنِّی لَسْتُ مِنْ قَتْلَاكَ وَ لَا مِنْ قَتْلَی صَاحِبِكَ، وَ إِنِّی (4) لَأَعْرَفُ بِمَنِیَّتِی مِنْكَ بِنَفْسِكَ.

ثُمَّ ضَرَبَ بِیَدِهِ إِلَی تَرْقُوَتِی (5) فَنَكَسَنِی عَنْ فَرَسِی، وَ جَعَلَ یَسُوقُنِی، فَدَعَا (6) إِلَی رَحًی لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ الثَّقَفِیِّ، فَعَمَدَ إِلَی الْقُطْبِ الْغَلِیظِ فَمَدَّ عُنُقِی بِكِلْتَا یَدَیْهِ وَ أَدَارَهُ فِی عُنُقِی، یَنْفَتِلُ لَهُ كَالْعِلْكِ الْمُسْتَخِنِ (7).

وَ أَصْحَابِی هَؤُلَاءِ وُقُوفٌ، مَا أَغْنَوْا عَنِّی سَطْوَتَهُ، وَ لَا كَفُّوا عَنِّی شِرَّتَهُ (8)، فَلَا جَزَاهُمُ اللَّهُ عَنِّی خَیْراً، فَإِنَّهُمْ لَمَّا نَظَرُوا إِلَیْهِ كَأَنَّهُمْ نَظَرُوا (9) إِلَی مَلَكِ مَوْتِهِمْ.

فَوَ الَّذِی (10) رَفَعَ السَّمَاءَ بِلَا أَعْمَادٍ (11)، لَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَی فَكِّ هَذَا الْقُطْبِ مِائَةُ (12) رَجُلٍ أَوْ یَزِیدُونَ مِنْ أَشَدِّ الْعَرَبِ فَمَا قَدَرُوا عَلَی فَكِّهِ، فَدَلَّنِی عَجْزُ النَّاسِ عَنْ فَتْحِهِ أَنَّهُ سِحْرٌ مِنْهُ أَوْ قُوَّةُ مَلَكٍ قَدْ (13) رُكِّبَتْ فِیهِ.

ص: 163


1- فی المصدر: و ایم اللّٰه بدل قوله له: إی و اللّٰه.
2- فی المصدر: صدّقت.
3- فی المصدر: له، بدلا من: به.
4- فی المصدر: و لا قتلی أصحابك، و لأنّی.
5- فی المصدر: ترقوة فرسی.
6- فی مطبوع البحار: دعا، و المثبت من المصدر.
7- فی المصدر: المسخن.
8- فی المصدر: و لا كفونی شرّه، و الشّرّة: الحرص و النّشاط، كما جاء فی بیان المصنّف رحمه اللّٰه.
9- فی المصدر: قد نظروا.
10- فی المصدر: فهو الّذی.
11- فی مطبوع البحار: أعمادها، و المثبت من المصدر.
12- خ. ل: ألف.
13- لم یرد فی المصدر لفظ: قد.

فَفُكَّهُ الْآنَ عَنِّی إِنْ كُنْتَ فَاكَّهُ، وَ خُذْ لِی بِحَقِّی إِنْ كُنْتَ آخِذاً، وَ إِلَّا لَحِقْتُ بِدَارِ عِزِّی وَ مُسْتَقَرِّ مَكْرُمَتِی، قَدْ (1) أَلْبَسَنِی ابْنُ أَبِی طَالِبٍ مِنَ الْعَارِ مَا صِرْتُ بِهِ (2) ضُحْكَةً لِأَهْلِ الدِّیَارِ.

فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی عُمَرَ وَ قَالَ: مَا (3) تَرَی إِلَی مَا یَخْرُجُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ؟! كَأَنَّ وِلَایَتِی ثِقْلٌ (4) عَلَی كَاهِلِهِ، وَ شَجًا (5) فِی صَدْرِهِ.

فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ عُمَرُ فَقَالَ (6): فِیهِ دُعَابَةٌ لَا تَدَعُهُ (7) حَتَّی تُورِدَهُ فَلَا تُصْدِرَهُ، وَ جَهْلٌ وَ حَسَدٌ قَدِ اسْتَحْكَمَا فِی خَلَدِهِ، فَجَرَیَا مِنْهُ (8) مَجْرَی الدِّمَاءِ لَا یَدَعَانِهِ حَتَّی یُهَیِّنَا مَنْزِلَتَهُ، وَ یُوَرِّطَاهُ وَرْطَةَ الْهَلَكَةِ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِمَنْ بِحَضْرَتِهِ (9): ادْعُوَا إِلَیَّ قَیْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِیَّ، فَلَیْسَ لِفَكِّ هَذَا الْقُطْبِ غَیْرُهُ.

قَالَ: وَ كَانَ قَیْسٌ سَیَّافَ النَّبِیِّ، وَ كَانَ رَجُلًا طَوِیلًا (10)، طُولُهُ ثَمَانِیَةَ عَشَرَ شِبْراً فِی عَرْضِ خَمْسَةِ أَشْبَارٍ، وَ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ فِی زَمَانِهِ بَعْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

فَحَضَرَ قَیْسٌ فَقَالَ لَهُ: یَا قَیْسُ! إِنَّكَ مِنْ شِدَّةِ الْبَدَنِ بِحَیْثُ أَنْتَ، فَفُكَ

ص: 164


1- فی المصدر: فقد.
2- لم یرد فی المصدر لفظ: به.
3- فی المصدر: أ لا، بدلا من: ما.
4- فی المصدر: و اللّٰه ثقل.
5- فی المصدر: أو شجا.
6- فی المصدر: و قال.
7- فی مطبوع البحار: لا تدعها، و فی المصدر: و اللّٰه دعابة لا تدعه.
8- فی المصدر: استحكما فی صدره فجری منه.
9- فی المصدر: لمن حضر.
10- لم یرد فی المصدر: سیاف النّبیّ و كان رجلا طویلا، كما لم نجد فی بعض النّسخ: سیاف النّبیّ و كان.

هَذَا الْقُطْبَ مِنْ عُنُقِ (1) أَخِیكَ خَالِدٍ، فَقَالَ قَیْسٌ: وَ لِمَ لَا یَفُكُّهُ (2) خَالِدٌ عَنْ عُنُقِهِ؟! قَالَ: لَا یَقْدِرُ عَلَیْهِ، قَالَ: فَمَا لَا (3) یَقْدِرُ عَلَیْهِ أَبُو سُلَیْمَانَ- وَ هُوَ نَجْمُ عَسْكَرِكُمْ (4)، وَ سَیْفُكُمْ عَلَی أَعْدَائِكُمْ- كَیْفَ أَقْدِرُ عَلَیْهِ أَنَا (5)؟.

قَالَ عُمَرُ: دَعْنَا (6) مِنْ هَزْئِكَ وَ هَزْلِكَ وَ خُذْ فِیمَا حَضَرْتَ (7) لَهُ، فَقَالَ:

أُحْضِرْتُ لِمَسْأَلَةٍ تَسْأَلُونَهَا (8) طَوْعاً، أَوْ كَرْهاً تُجْبِرُونِّی عَلَیْهِ؟ فَقَالَ لَهُ: إِنْ (9) كَانَ طَوْعاً وَ إِلَّا فَكَرْهاً، قَالَ قَیْسٌ: یَا ابْنَ صُهَاكَ! خَذَلَ اللَّهُ مَنْ یُكْرِهُهُ مِثْلُكَ، إِنَّ بَطْنَكَ لَعَظِیمَةٌ (10) وَ إِنَّ كَرِشَكَ (11) لَكَبِیرَةٌ (12)، فَلَوْ فَعَلْتَ أَنْتَ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْكَ (عَجَبٌ، قَالَ:) (13) فَخَجِلَ عُمَرُ مِنْ قَیْسِ بْنِ سَعْدٍ (14)، وَ جَعَلَ یَنْكُثُ أَسْنَانَهُ (15) بِأَنَامِلِهِ.

ص: 165


1- لم یرد فی المصدر لفظ: عنق.
2- فی إرشاد القلوب: لا یفكّ- بلا ضمیر-.
3- فی المصدر: فإذا لم.
4- فی المصدر: العسكر.
5- فی المصدر: و سیفكم علی عدوّكم كیف أنا أقدر علیه.
6- فی إرشاد القلوب: ادعنا .. و لا یستقیم المعنی بها.
7- فی المصدر: أحضرت.
8- فی المصدر: تسألوننیها.
9- فی المصدر: قال عمر: فكّه إن.
10- فی المصدر: لعظیم.
11- الكرش لكلّ مجتر: بمنزلة المعدة للإنسان، تؤنثها العرب، و فیهما لغتان: كرش، و كرش، قاله فی لسان العرب 6- 339.
12- فی المصدر: لكبیر.
13- زیادة من المصدر.
14- فی المصدر: من كلام قیس.
15- فی (ك): أسئانه، و هو سهو ظاهر.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَ مَا بِذَلِكَ (1) مِنْهُ، اقْصِدْ لِمَا سَأَلْتَ، فَقَالَ قَیْسٌ: وَ اللَّهِ لَوْ أَقْدِرُ عَلَی ذَلِكَ لَمَا فَعَلْتُ، فَدُونَكُمْ وَ حَدَّادِی الْمَدِینَةِ، فَإِنَّهُمْ أَقْدَرُ عَلَی ذَلِكَ مِنِّی.

فَأَتَوْا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْحَدَّادِینَ، فَقَالُوا: لَا یَنْفَتِحُ (2) حَتَّی نُحْمِیَهُ بِالنَّارِ.

فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلَی قَیْسٍ مُغْضَباً (3) فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا بِكَ مِنْ ضَعْفٍ عَنْ فَكِّهِ، وَ لَكِنَّكَ لَا تَفْعَلُ فِعْلًا (4) یَعِیبُ عَلَیْكَ فِیهِ إِمَامُكَ وَ حَبِیبُكَ أَبُو الْحَسَنِ، وَ لَیْسَ هَذَا بِأَعْجَبَ مِنْ أَنَّ أَبَاكَ وام (رَامَ) (5) الْخِلَافَةَ لِیَبْتَغِیَ الْإِسْلَامَ (6) عِوَجاً فَحَصَدَ (7) اللَّهُ شَوْكَتَهُ، وَ أَذْهَبَ نَخْوَتَهُ، وَ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ بِوَلِیِّهِ، وَ أَقَامَ دِینَهُ بِأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَ أَنْتَ الْآنَ فِی حَالِ كَیْدٍ وَ شِقَاقٍ.

قَالَ: فَاسْتَشَاطَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ (8) غَضَباً وَ امْتَلَأَ غَیْظاً، فَقَالَ: یَا ابْنَ أَبِی قُحَافَةَ! إِنَّ لَكَ عِنْدِی (9) جَوَاباً حَمِیّاً، بِلِسَانٍ طَلْقٍ، وَ قَلْبٍ جَرِیٍّ، و لَوْ لَا (10) الْبَیْعَةُ الَّتِی لَكَ فِی عُنُقِی لَسَمِعْتَهُ مِنِّی، وَ اللَّهِ لَئِنْ بَایَعَتْكَ یَدِی لَمْ یُبَایِعْكَ قَلْبِی وَ لَا لِسَانِی، وَ لَا حُجَّةَ لِی فِی عَلِیٍّ بَعْدَ یَوْمِ الْغَدِیرِ، وَ لَا كَانَتْ بَیْعَتِی لَكَ إِلَّا كَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً (11)، أَقُولُ قَوْلِی هَذَا غَیْرَ هَائِبٍ مِنْكَ (12) وَ لَا خَائِفٍ

ص: 166


1- فی المصدر: دع عنك ما بدا لك. بدلا من: و ما بذلك.
2- فی المصدر: لا تنفتح.
3- لم یردّ لفظ: مغضبا، فی المصدر.
4- فی المصدر: لئلّا، بدلا من: فعلا.
5- كذا، و الظّاهر أنّه: رام، و فی المصدر: أتاك، بدلا من: أباك.
6- فی المصدر: الإسلام و اللّٰه.
7- فی مطبوع البحار: فحسد، و المثبت من المصدر.
8- لم یرد فی المصدر: ابن سعد.
9- لم یرد فی (س) لفظ: عندی.
10- فی المصدر: لو لا، بدون واو.
11- النّحل: 92.
12- لم یرد فی المصدر لفظ: منك.

مِنْ مَعَرَّتِكَ (1)، وَ لَوْ سَمِعْتُ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكَ بَدْأَةً (2) لَمَا فَتَحَ لَكَ مِنِّی صُلْحاً (3).

إِنْ كَانَ أَبِی رَامَ الْخِلَافَةَ فَحَقِیقٌ مَنْ (4) یَرُومُهَا بَعْدَ مَنْ (5) ذَكَرْتَهُ، لِأَنَّهُ رَجُلٌ لَا یُقَعْقِعُ بِالشِّنَانِ، وَ لَا یَغْمِزُ (6) جَانِبَهُ كَغَمْزِ التِّینَةِ، ضَخِمٌ (7) صِنْدِیدٌ، وَ سَمَكٌ (8) مُنِیفٌ، وَ عِزٌّ بَازِخٌ أَشْوَسُ (9)، بِخِلَافِكَ وَ اللَّهِ (10) أَیَّتُهَا النَّعْجَةُ الْعَرْجَاءُ، وَ الدِّیكُ النَّافِشُ، لَا عِزٌّ (11) صَمِیمٌ، وَ لَا حَسَبٌ كَرِیمٌ، وَ ایْمُ اللَّهِ لَئِنْ عَاوَدْتَنِی فِی أَبِی لَأُلْجِمَنَّكَ بِلِجَامٍ مِنَ الْقَوْلِ یَمُجُّ فُوكَ مِنْهُ دَماً، دَعْنَا (12) نَخُوضُ فِی عَمَایَتِكَ، وَ نَتَرَدَّی فِی غَوَایَتِكَ، عَلَی مَعْرِفَةٍ مِنَّا بِتَرْكِ الْحَقِّ وَ اتِّبَاعِ الْبَاطِلِ.

وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ عَلِیّاً إِمَامِی، مَا أُنْكِرُ (13) إِمَامَتَهُ وَ لَا أَعْدِلُ عَنْ وَلَایَتِهِ، وَ كَیْفَ أَنْقُضُ وَ قَدْ أَعْطَیْتُ اللَّهَ عَهْداً بِإِمَامَتِهِ (14) وَ وَلَایَتِهِ، یَسْأَلُنِی عَنْهُ؟! فَأَنَا أَنْ أَلْقَی اللَّهَ بِنَقْضِ بَیْعَتِكَ أَحَبُّ إِلَیَّ (مِنْ أَنْ أَنْقُضَ) (15) عَهْدَهُ وَ عَهْدَ رَسُولِهِ وَ عَهْدَ وَصِیِّهِ وَ خَلِیلِهِ، وَ مَا أَنْتَ إِلَّا أَمِیرُ قَوْمِكَ، إِنْ شَاءُوا تَرَكُوكَ وَ إِنْ شَاءُوا عَزَلُوكَ.

ص: 167


1- فی طبعة (س): معر.
2- فی المصدر: لو سمعت منك القول بدأت.
3- فی (س): صالحا.
4- فی نسخة: أنّ یرومها، و فی أخری: من یرونها.
5- فی المصدر: أنّ، و فی نسخة علی مطبوع البحار: ما.
6- فی المصدر: بالثنان و لا یلمز، و فی (س): بالسئان، و فی (ك): بالشنآن.
7- فی المصدر: خضم.
8- فی المصدر: سمك، بلا واو.
9- فی المصدر: و عزّ باذخ أشوس فقام، و فی مطبوع البحار: أشوش، و هو غلط.
10- لم یردّ لفظ الجلالة فی المصدر.
11- فی مطبوع البحار: لا عن، و المثبت من المصدر.
12- فی المصدر: فدعنا.
13- فی المصدر: فو اللّٰه ما أنكر.
14- فی المصدر: بإمارته.
15- فی نسخة: من نقض، و كذا فی المصدر.

فَتُبْ إِلَی اللَّهِ مِمَّا (1) اجْتَرَمْتَهُ، وَ تَنَصَّلْ (2) إِلَیْهِ مِمَّا ارْتَكَبْتَهُ، وَ سَلِّمِ الْأَمْرَ إِلَی مَنْ هُوَ أَوْلَی مِنْكَ بِنَفْسِكَ، فَقَدْ رَكِبْتَ عَظِیماً بِوِلَایَتِكَ دُونَهُ، وَ جُلُوسِكَ فِی مَوْضِعِهِ، وَ تَسْمِیَتِكَ بِاسْمِهِ، وَ كَأَنَّكَ بِالْقَلِیلِ مِنْ دُنْیَاكَ وَ قَدِ انْقَشَعَ عَنْكَ كَمَا یَنْقَشِعُ السَّحَابُ، وَ تَعْلَمُ أَیُّ الْفَرِیقَیْنِ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً (3).

وَ أَمَّا تَعْیِیرُكَ إِیَّایَ فَإِنَّهُ (4) مَوْلَایَ، هُوَ (5) وَ اللَّهِ مَوْلَایَ وَ مَوْلَاكَ وَ مَوْلَی الْمُؤْمِنِینَ أَجْمَعِینَ، آهِ .. آهِ .. أَنَّی لِی بِثَبَاتِ قَدَمٍ، أَوْ تَمَكُّنِ وَطْءٍ (6) حَتَّی أُلْفِظَكَ لَفْظَ الْمَنْجَنِیقِ الْحَجَرَةَ، وَ لَعَلَّ ذَلِكَ یَكُونُ قَرِیباً، وَ نَكْتَفِی (7) بِالْعِیَانِ عَنِ الْخَبَرِ.

ثُمَّ قَامَ وَ نَفَضَ ثَوْبَهُ وَ مَضَی، وَ نَدِمَ (8) أَبُو بَكْرٍ عَمَّا أَسْرَعَ إِلَیْهِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَی قَیْسٍ، وَ جَعَلَ خَالِدٌ یَدُورُ فِی الْمَدِینَةِ وَ الْقُطْبُ فِی عُنُقِهِ أَیَّاماً (9).

ثُمَّ أَتَی آتٍ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: قَدْ وَافَی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ السَّاعَةَ مِنْ سَفَرِهِ، وَ قَدْ عَرَقَ جَبِینُهُ، وَ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَأَنْفَذَ إِلَیْهِ أَبُو بَكْرٍ الْأَقْرَعَ (10) بْنَ سُرَاقَةَ الْبَاهِلِیَّ وَ الْأَشْوَسَ بْنَ الْأَشْجَعِ (11) الثَّقَفِیَّ یَسْأَلَانِهِ الْمُضِیَّ (12) إِلَی أَبِی بَكْرٍ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

ص: 168


1- فی المصدر: ما.
2- الكلمة غیر واضحة فی (س)، و الظّاهر أنّها تنصّل- كما تعرض لها فی البیان- یقال تنصّل فلان من ذنبه: تبرّأ، قاله فی الصّحاح 5- 1831.
3- فی المصدر: خیر، بدلا من: شرّ.
4- فی المصدر و (ك): بأنّه و هو الظّاهر، لو لا عدم وجود الفاء فی هو.
5- فی المصدر: فهو.
6- فی المصدر: بثبات قدمه و تمكّن وطأته.
7- فی المصدر: و یكتفی.
8- فی المصدر: فندم.
9- فی المصدر: و الطّوق فیه أیّاما.
10- فی المصدر: فأنفذوا إلیه الأقرع.
11- فی المصدر: أشجع- بلا ألف و لام-.
12- خ. ل: أنّ یصیر.

فَأَتَیَاهُ فَقَالا: یَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّ أَبَا بَكْرٍ یَدْعُوكَ لِأَمْرٍ قَدْ أَحْزَنَهُ، وَ هُوَ یَسْأَلُكَ أَنْ تَصِیرَ (1) إِلَیْهِ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَلَمْ یُجِبْهُمَا، فَقَالا: یَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا تَرُدُّ عَلَیْنَا فِیمَا جِئْنَاكَ لَهُ؟ (2) فَقَالَ: بِئْسَ وَ اللَّهِ الْأَدَبُ أَدَبُكُمْ، أَ لَیْسَ (3) یَجِبُ عَلَی الْقَادِمِ أَنْ لَا یَصِیرَ (4) إِلَی النَّاسِ فِی أَجْلِبَتِهِمْ (5) إِلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ فِی مَنْزِلِهِ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ حَاجَةٌ فَأَطْلِعُونِی (6) عَلَیْهَا فِی مَنْزِلِی حَتَّی (7) أَقْضِیَهَا إِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی.

فصار (فَصَارَا) (8) إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَأَعْلَمَاهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُومُوا بِنَا إِلَیْهِ، وَ مَضَی الْجَمْعُ (9) بِأَسْرِهِمْ إِلَی مَنْزِلِهِ، فَوَجَدُوا الْحُسَیْنَ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی الْبَابِ یُقَلِّبُ سَیْفاً لِیَبْتَاعَهُ، قَالَ (10) لَهُ أَبُو بَكْرٍ: یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! إِنْ رَأَیْتَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ (11) لَنَا عَلَی أَبِیكَ، فَقَالَ: نَعَمْ.

ثُمَّ اسْتَأْذَنَ لِلْجَمَاعَةِ (12) فَدَخَلُوا وَ مَعَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ، فَبَدَأَ بِهِ الْجَمْعُ (13) بِالسَّلَامِ، فَرَدَّ عَلَیْهِمُ السَّلَامَ (14) مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَی خَالِدٍ قَالَ: نَعِمْتَ

ص: 169


1- فی (س) قد تقرأ بالسّین.
2- فی المصدر: به، بدلا من: له.
3- فی المصدر: و لیس.
4- فی المصدر: أنّ یصیر.
5- فی المصدر: فی حوائجهم.
6- فی المصدر: فأطلعانی.
7- لم یرد فی المصدر: حتّی.
8- فی المصدر: فصارا.
9- فی المصدر: فمضی الجمیع.
10- فی المصدر: لیتابعه فقال.
11- فی المصدر: نستأذن.
12- فی المصدر فقال: فاستأذن للجماعة.
13- فی المصدر: فبادر الجمع.
14- لم یردّ لفظ: السّلام، فی المصدر.

صَبَاحاً یَا أَبَا سُلَیْمَانَ! نِعْمَ (1) الْقِلَادَةُ قِلَادَتُكَ.

فَقَالَ: وَ اللَّهِ یَا عَلِیُّ لَا نَجَوْتَ مِنِّی إِنْ سَاعَدَنِی الْأَجَلُ.

فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ (2) عَلَیْهِ السَّلَامُ: أُفٍّ لَكَ یَا ابْنَ دَمِیمَةَ، إِنَّكَ- وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ- عِنْدِی لَأَهْوَنُ (3)، وَ مَا رُوحُكَ فِی یَدِی لَوْ أَشَاءُ إِلَّا كَذُبَابَةٍ وَقَعَتْ عَلَی (4) إِدَامٍ حَارٍّ فَطَفِقَتْ (5) مِنْهُ، فَاغْنِ عَنْ نَفْسِكَ غِنَائَهَا، وَ دَعْنَا بِحَالِنَا حُكَمَاءَ (6)، وَ إِلَّا لَأُلْحِقَنَّكَ (7) بِمَنْ أَنْتَ أَحَقُّ بِالْقَتْلِ مِنْهُ، وَ دَعْ عَنْكَ یَا أَبَا سُلَیْمَانَ مَا مَضَی، وَ خُذْ فِیمَا بَقِیَ، وَ اللَّهِ لَا تَجَرَّعْتُ مِنَ الْجِرَارِ (8) الْمُخْتَمَةِ إِلَّا عَلْقَمَهَا، وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُ مَنِیَّتِی وَ مَنِیَّتَكَ وَ رُوحِی وَ رُوحَكَ، فَرُوحِی فِی الْجَنَّةِ وَ رُوحُكَ فِی النَّارِ.

قَالَ: وَ حَجَزَ الْجَمِیعُ (9) بَیْنَهُمَا وَ سَأَلُوهُ قَطْعَ الْكَلَامِ.

فَقَالَ (10) أَبُو بَكْرٍ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّا مَا جِئْنَاكَ لِمَا تُنَاقِضُ مِنْهُ (11) أَبَا سُلَیْمَانَ (12)، وَ إِنَّمَا حَضَرْنَا لِغَیْرِهِ، وَ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ یَا أَبَا الْحَسَنِ مُقِیماً عَلَی خِلَافِی

ص: 170


1- فی المصدر: نعّمت.
2- لم یرد فی المصدر لفظ: علیّ.
3- فی المصدر: لأهون شی ء.
4- جاءت كلمة (فی) علیها رمز نسخة بدل فی (ك). و هی كذلك فی المصدر و جاءت نسخة أخری فی حاشیة (ك): من.
5- فی (س): فطفئت.
6- فی المصدر: و دعنا حلماء.
7- فی المصدر: الحقتك.
8- فی المصدر: جرار- بدون ألف و لام-.
9- فی المصدر: الجمع.
10- فی المصدر: قال.
11- فی المصدر: به بدلا من: فیه.
12- لم یردّ لفظ: أبا سلیمان، فی بعض النّسخ.

وَ الِاجْتِرَاءِ عَلَی أَصْحَابِی، وَ قَدْ (1) تَرَكْنَاكَ فَاتْرُكْنَا، وَ لَا تَرُدَّنَا فَیُرَدَّ عَلَیْكَ (2) مِنَّا مَا یُوحِشُكَ وَ یَزِیدُكَ تَنْوِیماً إِلَی تَنْوِیمِكَ (3).

فَقَالَ (4) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَقَدْ أَوْحَشَنِی اللَّهُ مِنْكَ وَ مِنْ جَمْعِكَ، وَ آنَسَ بِی كُلَّ مُسْتَوْحِشٍ، وَ أَمَّا ابْنُ الْوَلِیدِ (5) الْخَاسِرُ، فَإِنِّی أَقُصُّ عَلَیْكَ نَبَأَهُ، إِنَّهُ لَمَّا رَأَی تَكَاثُفَ جُنُودِهِ وَ كَثْرَةَ (6) جَمْعِهِ زَهَا فِی نَفْسِهِ، فَأَرَادَ الْوَضْعَ مِنِّی فِی مَوْضِعِ رَفْعٍ وَ مَحَلِّ (7) ذِی جَمْعٍ، لِیَصُولَ بِذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْجَمْعِ (8)، فَوَضَعْتُ عَنْهُ عِنْدَ مَا خَطَرَ بِبَالِهِ، وَ هَمَّ بِی (9) وَ هُوَ عَارِفٌ بِی حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِیَرْضَی بِفِعْلِهِ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَنُضِیفُ هَذَا إِلَی تَقَاعُدِكَ عَنْ نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَ قِلَّةِ رَغْبَتِكَ فِی الْجِهَادِ، فَبِهَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ، أَمْ عَنْ نَفْسِكَ تَفْعَلُ هَذَا؟!.

فَقَالَ (10) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا أَبَا بَكْرٍ! وَ عَلَی (11) مِثْلِی یَتَفَقَّهُ الْجَاهِلُونَ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَمَرَكُمْ بِبَیْعَتِی، وَ فَرَضَ عَلَیْكُمْ طَاعَتِی، وَ جَعَلَنِی فِیكُمْ كَبَیْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ یُؤْتَی وَ لَا یَأْتِی، فَقَالَ: یَا عَلِیُّ! سَتَغْدِرُ بِكَ أُمَّتِی مِنْ بَعْدِی كَمَا غَدَرَتِ الْأُمَمُ بَعْدَ مُضِیِّ (12) الْأَنْبِیَاءِ بِأَوْصِیَائِهَا إِلَّا قَلِیلٌ، وَ سَیَكُونُ لَكَ وَ لَهُمْ

ص: 171


1- فی المصدر: فقد.
2- فی المصدر: فیردك. بدلا من فیرد علیك.
3- جاء فی (ك) نسختان هما: سئمة إلی سئمتك، و كذا: سؤة علی سؤاتك، و فی المصدر: نبوّة الی نبوّتك.
4- فی المصدر: فقال له.
5- فی المصدر: ابن العابد.
6- فی (س): كثر.
7- فی المصدر: و محفل.
8- فی المصدر: الجهل.
9- فی المصدر و بعض النّسخ: به، و المثبت من نسخة.
10- فی المصدر: فقال له.
11- فی (ك): و لا علی مثلی.
12- فی المصدر: من بعد ما مضی.

بَعْدِی هَنَاةٌ وَ هَنَاةٌ، فَاصْبِرْ، أَنْتَ كَبَیْتِ اللَّهِ: مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ كَانَ كَافِراً، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً (1)، وَ إِنِّی وَ أَنْتَ سَوَاءٌ إِلَّا النُّبُوَّةَ، فَإِنِّی خَاتَمُ النَّبِیِّینَ وَ أَنْتَ خَاتَمُ الْوَصِیِّینَ، وَ أَعْلَمَنِی عَنْ رَبِّی سُبْحَانَهُ بِأَنِّی لَسْتُ أَسُلُّ سَیْفاً إِلَّا فِی ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ: تُقَاتِلُ النَّاكِثِینَ، وَ الْقَاسِطِینَ، وَ الْمَارِقِینَ (2)، وَ لَمْ (3) یَقْرُبُ أَوَانُ ذَلِكَ بَعْدُ، فَقُلْتُ: فَمَا أَفْعَلُ یَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَنْ یَنْكُثُ بَیْعَتِی مِنْهُمْ وَ یَجْحَدُ حَقِّی؟ قَالَ: فَاصْبِرْ (4) حَتَّی تَلْقَانِی، وَ تَسْتَسْلِمُ لِمِحْنَتِكَ حَتَّی تَلْقَی نَاصِراً عَلَیْهِمْ. فَقُلْتُ: أَ فَتَخَافُ عَلَیَّ مِنْهُمْ أَنْ یَقْتُلُونَنِی (5)؟! فَقَالَ: تَاللَّهِ (6) لَا أَخَافُ عَلَیْكَ مِنْهُمْ قَتْلًا وَ لَا جِرَاحاً، وَ إِنِّی عَارِفٌ بِمَنِیَّتِكَ وَ سَبَبِهَا، وَ قَدْ أَعْلَمَنِی رَبِّی، وَ لَكِنِّی خَشِیتُ أَنْ تُفْنِیَهُمْ بِسَیْفِكَ فَیَبْطُلَ الدِّینُ، وَ هُوَ حَدِیثٌ، فَیَرْتَدَّ الْقَوْمُ عَنِ التَّوْحِیدِ.

وَ لَوْ لَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَ قَدْ سَبَقَ مَا هُوَ كَائِنٌ، لَكَانَ لِی فِیمَا أَنْتَ فِیهِ شَأْنٌ مِنَ الشَّأْنِ، وَ لَرَوَیْتُ أَسْیَافاً، وَ قَدْ (7) ظَمِئْتُ إِلَی شُرْبِ الدِّمَاءِ، وَ عِنْدَ قِرَاءَتِكَ صَحِیفَتَكَ تَعْرِفُ نَبَأَ مَا احْتَمَلْتَ مِنْ وِزْرِی (8)، وَ نِعْمَ الْخَصْمُ مُحَمَّدٌ وَ الْحَكَمُ اللَّهُ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: یَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّا لَمْ نَرُدَّ هَذَا كُلَّهُ، وَ نَحْنُ نَأْمُرُكَ أَنْ تَفْتَحَ لَنَا الْآنَ (9) عَنْ عُنُقِ خَالِدٍ هَذِهِ (10) الْحَدِیدَةَ، فَقَدْ آلَمَهُ بِثِقَلِهِ وَ أَثَّرَ فِی حَلْقِهِ بِحَمْلِهِ، وَ قَدْ

ص: 172


1- البقرة: 125.
2- مرّت و ستأتی له جملة من المصادر، انظر: الغدیر 1- 337، 4- 38.
3- فی المصدر: و لن.
4- فی المصدر: تصبر.
5- فی المصدر: أنّ یقتلونّی.
6- فی المصدر: و اللّٰه.
7- فی المصدر: و لرأیت أسیافا قد.
8- فی المصدر: نعرف ما احتملت من عروض.
9- فی المصدر: أنّ تفكّ الآن.
10- فی المصدر: هذا، و الصّحیح ما أثبتناه.

شُفِیَتْ غَلِیلُ صَدْرِكَ مِنْهُ (1).

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَشْفِیَ غَلِیلَ صَدْرِی لَكَانَ السَّیْفُ أَشْفَی لِلدَّاءِ وَ أَقْرَبَ لِلْفَنَاءِ، وَ لَوْ قَتَلْتُهُ وَ اللَّهِ مَا قُدْتُهُ بِرَجُلٍ مِمَّنْ قَتَلَهُمْ (2) یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَ فِی كَرَّتِهِ هَذِهِ، وَ مَا یُخَالِجُنِی (3) الشَّكُّ فِی أَنَّ خَالِداً مَا احْتَوَی قَلْبُهُ مِنَ الْإِیمَانِ عَلَی قَدْرِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ، وَ أَمَّا (4) الْحَدِیدُ الَّذِی فِی عُنُقِهِ فَلَعَلِّی لَا أَقْدِرُ عَلَی فَكِّهِ، فَیَفُكُّهُ خَالِدٌ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ فُكُّوهُ أَنْتُمْ (5) عَنْهُ، فَأَنْتُمْ أَوْلَی بِهِ إِنْ كَانَ مَا تَدْعُونَهُ صَحِیحاً.

فَقَامَ إِلَیْهِ بُرَیْدَةُ الْأَسْلَمِیُّ وَ عَامِرُ بْنُ الْأَشْجَعِ فَقَالا: یَا أَبَا الْحَسَنِ! وَ اللَّهِ لَا یَفُكُّهُ عَنْ (6) عُنُقِهِ إِلَّا مَنْ حَمَلَ بَابَ خَیْبَرَ بِفَرْدِ یَدٍ، وَ دَحَا بِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (7)، وَ حَمَلَهُ وَ جَعَلَهُ (8) جِسْراً تَعْبُرُ النَّاسُ عَلَیْهِ وَ هُوَ فَوْقَ زَنْدِهِ، وَ قَامَ (9) إِلَیْهِ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَخَاطَبَهُ أَیْضاً فِیمَنْ خَاطَبَهُ، فَلَمْ یُجِبْ أَحَداً، إِلَی أَنْ قَالَ لَهُ (10) أَبُو بَكْرٍ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَ بِحَقِّ أَخِیكَ الْمُصْطَفَی رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا مَا رَحِمْتَ خَالِداً (11) وَ فَكَكْتَهُ مِنْ عُنُقِهِ (12).

فَلَمَّا سَأَلَهُ بِذَلِكَ اسْتَحْیَا، وَ كَانَ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَثِیرَ الْحَیَاءِ، فَجَذَبَ خَالِداً

ص: 173


1- لم یرد فی المصدر لفظ: منه.
2- فی المصدر: قتلتهم.
3- فی مطبوع البحار: تخالجنی.
4- فی المصدر: أمّا، بلا واو.
5- لم یرد فی المصدر: أنتم.
6- فی المصدر: من.
7- فی نسخة: إلّا من دحا باب خیبر وراء ظهره.
8- فی المصدر: فجعله.
9- فی المصدر: فوق یده فقام.
10- لم یرد فی المصدر لفظ: له.
11- فی المصدر: رحمته.
12- فی (س): منه.

إِلَیْهِ، وَ جَعَلَ یَخْذِفُ (1) مِنَ الطَّوْقِ قِطْعَةً قِطْعَةً وَ یَفْتِلُهَا (2) فِی یَدِهِ، فَانْفَتَلَ (3) كَالشَّمْعِ.

ثُمَّ ضَرَبَ بِالْأُولَی رَأْسَ خَالِدٍ، ثُمَّ الثَّانِیَةَ، فَقَالَ: آهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قُلْتَهَا (4) عَلَی كُرْهٍ مِنْكَ، وَ لَوْ لَمْ تَقُلْهَا لَأَخْرَجْتُ الثَّالِثَةَ مِنْ أَسْفَلِكَ، وَ لَمْ یَزَلْ یَقْطَعُ الْحَدِیدَ جَمِیعَهُ إِلَی أَنْ أَزَالَهُ عَنْ (5) عُنُقِهِ.

وَ جَعَلَ الْجَمَاعَةُ یُكَبِّرُونَ (6) وَ یُهَلِّلُونَ وَ یَتَعَجَّبُونَ مِنَ الْقُوَّةِ الَّتِی أَعْطَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ انْصَرَفَتْ شَاكِرِینَ (7).

إیضاح: رأیت هذا الخبر فی بعض الكتب القدیمة بأدنی تغییر.

و الطّافی: الحوت المیّت الّذی یعلو الماء و لا یرسب فیه، یقال: طفی الشّی ء فوق الماء: أی: علاه (8).

و یقال: ما به حراك- بفتح الحاء- أی: حركة (9).

و قال الجوهری: فلان حامی الذّمار أی: إذا ذمر و غضب حمی، و فلان أمنع ذمارا من فلان، و یقال: الذّمار ما وراء الرّجل ممّا یحقّ علیه أن یحمیه و سمیّ ذمارا لأنّه یجب علی أهله التّذمّر له (10).

ص: 174


1- فی (ك): یحذف، و فی المصدر: یجذب.
2- فی المصدر: و یفتتها.
3- فی المصدر: فینفتل.
4- فی المصدر: فقال له قلتها.
5- فی المصدر: من بدل: عن.
6- فی المصدر: یكبّرون لذلك.
7- فی المصدر: و انصرفوا شاكرین لذلك.
8- كما فی تاج العروس 10- 225، و مجمع البحرین 1- 277، و غیرهما.
9- كذا فی مجمع البحرین 5- 261، و القاموس 3- 298، و الصحاح 4- 1579.
10- الصحاح 2- 665، و لاحظ مجمع البحرین 3- 313، و القاموس 2- 36.

و الضّرام- بالكسر- اشتعال (1) النّار، یقال: ما بها نافخ ضرمة أی أحد، و أضرمت النّار: ألهبتها (2).

و المراد بأخی ثقیف: المغیرة (3) بن شعبة، و قیل: أرید به عمر أیضا، كنایة عن الخلل فی نسبه، و یؤیّده أنّ فی الروایة الأخری: فلا جزاك اللّٰه من ابن صُهاك و أخی ثقیف، أجلسك مجلسا (4) لست له بأهل.

و الانكفاء (5) الرّجوع (6).

و الحمالیق: جمع الحملاق- بالكسر-، و حملاق العین: باطن أجفانها الّذی یسوّده الكحل، أو ما غطّته الأجفان من بیاض المقلة (7).

و یقال: نظر إلیه شزرا، و هو: نظر الغضبان بمؤخّر العین، و فی لحظه شزر بالتّحریك، و تشازر القوم .. أی: نظر بعضهم إلی بعض شزرا (8) و فی بعض النسخ: معه (9) رهط عتاة من الّذین شزرت حمالیق أعینهم من حسدك و بدرت حنقا علیك.

و قرح جلده كعلم: خرجت به القروح (10).

و فی الروایة الأخری مكان و غلام أسمر: و أخوه عقیل، و هو أظهر.

ص: 175


1- فی (س): اشتغال، و الظاهر أنّه سهو.
2- ذكره فی الصحاح 5- 1971، و فیه بدلا من: ألهبتها: التهبتها، و لاحظ: مجمع البحرین 6- 104، و القاموس 4- 142.
3- فی (ك): و المغیرة، و فی (س): ابن المغیرة، و الظاهر ما أثبتناه.
4- لا توجد فی (س): مجلسا.
5- فی (س): الانفكاء، و هو غلط.
6- انظر: الصحاح 1- 67، و القاموس 1- 26.
7- صرّح به فی مجمع البحرین 5- 152، و انظر: الصحاح 4- 1465، و القاموس 3- 224.
8- جاء فی الصحاح 2- 696، و انظر: مجمع البحرین 3- 345، و القاموس 2- 58.
9- فی (ك): و معه.
10- كما فی تاج العروس 2- 204، و الصحاح 1- 395، و مجمع البحرین 2- 403.

و قال الفیروزآبادی: الرویّة كسمیّة: ماء (1).

و البربرة: الصّوت و كلام فی غضب، تقول: بربر فهو بربار (2).

و فی الروایة الأخری: و أطرق موشحا (3) و قبض علی (4) لحیته، فبدأته بالسلام لأستكفی شرّه و أنفی وحشته.

و راغ إلی كذا: أی مال إلیه سرّا و حاد، و قوله تعالی: فَراغَ عَلَیْهِمْ ضَرْباً بِالْیَمِینِ (5) أی: أقبل، و قیل: مال، و المراوغة- أیضا- المصارعة، قالها الجوهری (6).

و بعد قوله: عند الغضب فی الروایة الأخری: و نفرت عیناه فی أمّ رأسه و قام عرق الهاشمیّ بین عینیه ككراع البعیر فعلمت أنّه قد غرب عقله.

ثم قال: و یقال لخن السّقاء- بالكسر- أی: أنتن، و منه قولهم: أمة لخناء، و یقال اللّخناء (7) الّتی لم تختن (8).

و قال: دععته أدعّه (9) دعّا أی: دفعته (10).

و فی الروایة الأخری: فمدّ عنقی بید و أخذ القطب بید أخری .. إلی قوله:

ما كفونی شرّه، فلا جزاهم اللّٰه خیرا، فإنّهم لمّا نظروا إلی بریق عینیه استخذلوا فرقا، و سالت وجوههم عرقا، و خمدت أرواحهم فكأنّهم نظروا إلی ملك موتهم.

ص: 176


1- القاموس 4- 337- 338، و قارن به تاج العروس 10- 159.
2- قاله فی الصحاح 2- 588، و لاحظ: لسان العرب 4- 56.
3- فی نسخة علی (ك): موثقا.
4- فی (س): و أخذ علی.
5- الصافّات: 93.
6- الصحاح 4- 1320، و قارن بلسان العرب 8- 430- 431.
7- لا توجد: و یقال اللخناء، فی (ك).
8- الصحاح 6- 2194، و لاحظ: مجمع البحرین 6- 308.
9- لا توجد فی (ك): أدعه.
10- الصحاح 3- 1206، و انظر: مجمع البحرین 4- 325.

و فتلت الحبل: لویته (1).

و یقال: ما أغنی فلان شیئا- بالعین و الغین- أی: لم ینفع فی مهمّ، و لم یكف مئونة (2).

و شرّة الشّباب- بكسر الشّین و تشدید الرّاء-: حرصه و نشاطه (3)، و الشرة أیضا مصدر الشر.

قوله: أو قوة ملك- بالتحریك أو بالضمّ- و الثانی أنسب بكفره.

و الشّجا: ما ینشب فی الحلق من عظم و غیره (4) و الهمّ و الحزن.

و الدّعابة- بالضّمّ-: المزاح (5)، و فی بعض النسخ: زعامة، و هی بالفتح:

السّیادة (6).

و الخلد- بالخاء المعجمة محرّكة-: القلب (7)، و فی أكثر النسخ بالجیم، و لعلّه تصحیف.

و فی الروایة الأخری: فقال عمر: فیه دعابة لا یدعها حتّی تهتك منزلته، و تورطه ورطة الهلكة، و تبعده عن الدنیا، فقال له أبو بكر: دعنی من تمردّك و حدیثك هذا، فو اللّٰه لو همّ بقتلی و قتلك لقتلنا بشماله دون یمینه، ثم قال أبو بكر .. إلی قوله: و كان قیس سیّاف النبیّ و كان طوله سبعة أشبار فی عرض ثلاثة أشبار.

قوله: لمسألة تسألونها .. أی: أحضرتمونی لتلتمسوا منّی ذلك لأفعله طوعا

ص: 177


1- كما فی القاموس 4- 28، و الصحاح 5- 1788 و غیرهما.
2- كما فی تاج العروس 10- 270، و لاحظ: لسان العرب 15- 137- 138.
3- قاله فی الصحاح 2- 695، و لسان العرب 4- 401، و انظر: القاموس 2- 57.
4- صرح به فی الصحاح 6- 2389، و قال: الشجو: الهم و الحزن، و مثله فی: تاج العروس 9- 193.
5- ذكره فی مجمع البحرین 2- 56، و الصحاح 1- 125 و غیرهما.
6- كما فی الصحاح 5- 1942، و لسان العرب 12- 267 و غیرهما.
7- قاله فی الصحاح 2- 469، و مجمع البحرین 3- 44، و القاموس 1- 290.

أو تجبرونی علیه كرها.

قوله: ما كان منك .. أی: لا تقدر علیه، أو المعنی: لو جبرتنی علیه كان من أعوانك و لیس منك.

و فی الروایة الأخری: فقال له عمر: اقصد لما أمرت به یا قیس و إلّا أكرهت، فقال قیس: یا ابن صُهاك! خذل اللّٰه من یكرهه شرواك، إنّ بطنك لكبیر، و إنّ كیدك لعظیم، فلو فعلت أنت ذلك ما كان بعجیب.

و شروی الشّی ء: مثله (1).

قوله: فاستشاط: أی احتدم و التهب فی غضبه (2).

قوله: حمیّا- علی فعیل- أی: حامیا للحقّ.

و المعرّة: الإثم و الأذی (3).

قوله: لا یقعقع بالشنان .. القعقعة: حكایة صوت السّلاح (4)، و الشّنان- بالكسر- جمع الشّن، و هو: القربة الخلق (5).

قال الزمخشری (6) و المیدانی (7): إذا أرادوا حثّ الإبل علی السّیر یحرّكون القربة الیابسة لتفزع فتسرع.

قال النّابغة:

كأنّك من جمال بنی أقیس (8)*** یقعقع خلف رجلیه بشنّ

یضرب للرّجل الشّرس الصّعب الّذی لا یتفزّع لا ینزل به من حوادث

ص: 178


1- كما فی الصحاح 6- 2392، و مجمع البحرین 1- 245.
2- قاله فی الصحاح 3- 1139، و مثله فی لسان العرب 7- 339.
3- كما فی مجمع البحرین 3- 400، و القاموس المحیط 2- 87.
4- صرح به فی مجمع البحرین 4- 382، و القاموس 3- 72.
5- قاله فی الصحاح 5- 2146، و مجمع البحرین 6- 272.
6- فی كتابه المستقصی فی أمثال العرب 2- 274.
7- فی كتابه مجمع الأمثال 2- 261.
8- فی المصدرین: بنی أقیش.

الدّهر، و لا یروعه ما لا حقیقة له.

قال (1) الحجّاج علی منبر الكوفة: إنّی و اللّٰه یا أهل العراق ما یقعقع لی بالشّنان، و لا یغمز جانبی كتغماز التّین. انتهی (2).

و غمز التین: كنایة عن سرعة الانقیاد، و لین الجانب (3)، فإنه إذا غمز فی ظرف أو غیره انغمز سریعا.

و الضّخم: الغلیظ من كلّ شی ء (4)، و المراد هنا شدّته فی الأمور و فخامته عند الناس.

و الصّندید- بالكسر-: السّید الشّجاع (5).

و سمك البیت: سقفه (6).

و المنیف: المشرف المرتفع (7).

و الباذخ: العالی (8).

و الشّوس- بالتحریك-: النّظر بمؤخّر العین تكبّرا و تغیّظا، و الرّجل أشوس (9).

قوله: والدیك النافش .. فی بعض النسخ بالقاف و الشین المعجمة، و النّقش (10): استخراج الشّوك و استقصاؤك الكشف عن الشیّ ء و الجماع (11)، و فی

ص: 179


1- من قوله: قال .. إلی كتغماز التین، لا توجد فی مجمع الأمثال.
2- أی انتهی ما نقله عن الزمخشری، و قد تعرض للمثل فی فرائد اللئالی 2- 225 أیضا، فلاحظ.
3- كما فی لسان العرب 5- 389، و تاج العروس 5- 65.
4- قاله فی مجمع البحرین 6- 104، و الصحاح 5- 1971.
5- انظر: القاموس 1- 309، و مجمع البحرین 3- 89، و الصحاح 2- 499.
6- لاحظه فی الصحاح 4- 1594، و القاموس 3- 307، و مجمع البحرین 5- 271.
7- قاله فی لسان العرب 9- 342، و تاج العروس 6- 263، و انظر: مجمع البحرین 5- 126.
8- نصّ علیه فی مجمع البحرین 2- 429، و الصحاح 1- 418، و لسان العرب 3- 7.
9- كما فی الصحاح 3- 941، و لسان العرب 6- 115، و مجمع البحرین 8- 80.
10- فی (س): النفش- بالفاء- و هو سهو.
11- ذكره فی القاموس 2- 941، و تاج العروس 4- 359 و غیرهما.

بعض النسخ بالفاء، و قال الفیروزآبادی: النّفوش: الإقبال علی الشیّ ء تأكله ..

و تنفّش الطّائر: نفض ریشه كأنّه یخاف أو یرعد (1)، و فی بعض النسخ: النافر بالفاء و الراء المهملة، أو بالقاف و الراء-.

و صمیم الشیّ ء: خالصه، یقال هو فی صمیم قومه (2). و یقال: مجّ الرّجل الشّراب من فیه إذا رمی به (3).

و تنصّل فلان من ذنبه أی تبرّا (4) و اعتذر.

قوله علیه السلام: یا ابن دمیمة .. الدمیم: الحقیر، و الدمامة الإساءة (5).

قوله علیه السلام: فطفقت .. یقال: طفق الموضع كفرح لزمه (6)، و هو هنا كنایة عن الموت. و فی بعض النسخ فطفئت- بالهمزة- و هو أیضا كنایة عن الموت.

و یقال: أغنیت عنك مغنی فلان .. أی: أجزأت عنك مجزأة (7)، و یقال: ما یغنی عنك هذا أی: ما یجدی عنك و ما ینفعك (8).

و فی الروایة الأخری: فأعزّ نفسك عنّا هباء (9) و دعنا عنك حلماء (10). و لعلّه من قولهم هبا: إذا فرّ أو مات (11).

ص: 180


1- ذكره فی القاموس 2- 291، و تاج العروس 4- 358.
2- قاله أهل اللغة كما فی الصحاح 5- 1968، و تاج العروس 8- 369، و لسان العرب 12- 347.
3- ذكره فی الصحاح 1- 340، و انظر: القاموس 1- 206، و لسان العرب 3- 361.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 5- 438، و الصحاح 5- 1831، و لسان العرب 11- 664.
5- قاله فی القاموس 4- 113، و تاج العروس 8- 294، و لسان العرب 13- 208.
6- كما فی القاموس 3- 258، و تاج العروس 6- 423، و انظر: لسان العرب 1- 225.
7- لاحظ: القاموس 4- 371، و الصحاح 6- 2449، و لسان العرب 15- 138.
8- ذكره فی الصحاح 6- 2449، و لسان العرب 15- 137 و غیرهما.
9- الهباء من الناس .. الذین لا عقول لهم، قاله فی لسان العرب 15- 352، و لعلّ المعنی فاجعل نفسك فی أرض شدیدة مع الذین لا عقول لهم من خوفنا، أو المعنی فأعز نفسك لئلا تكون هباء و غبارا.
10- فی (ك): حلئا. و فی الصحاح 1- 45: الحلأ و التحلّی بمعنی العقبول و الضرب.
11- ذكره فی القاموس 4- 402، و لسان العرب 15- 350.

قوله علیه السلام: بمن أنت أحق .. أی بمن قتلهم من الكفار و أنت أحق بالقتل منهم.

قوله علیه السلام: لا تجرعت .. أی لم أشرب من الكیزان (1) التی ختمت رءوسها و لم یعلم ما فیها إلّا علقمها .. أی مرها، و كلّ شی ء مرّ علقم (2)، و لعلّه مثل (3)، و الغرض أنّی لا أبالی بالشدائد و الفتن، و لم یقدّر لی فی الدنیا من الأمور إلّا شدائدها.

و الزّهو: التكبّر و الفخر (4).

قوله علیه السلام: فی موضع رفع .. أی من جهة الترفع علیّ (5)، و فی الروایة الأخری: أراد الوضع منّی لیسمو بذلك عند أهل الجهل، و همّ بی و هو عارف بی. و قال الجوهری: یقال فی فلان هنات أی خصلات شرّ (6). و قال الجزری: قیل واحدها هنة، .. و هو كنایة عن كلّ اسم جنس، و منه حدیث سطیح «ثمّ تكون هنات و هنات» أی شدائد (7) و أمور عظام (8).

وَ فِی الرِّوَایَةِ الْأُخْرَی زِیَادَةٌ، وَ هِیَ هَذِهِ: فَانْصَرَفَتِ الْجَمَاعَةُ شَاكِرِینَ لَهُ وَ هُمْ مُتَعَجِّبُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَعْجَبُوا مِنْ أَبِی الْحَسَنِ، وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ بِجَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) یَوْمَ قَلْعِ عَلِیٍّ بَابَ خَیْبَرَ، فَرَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) قَدْ ضَحِكَ حَتَّی بَدَتْ ثَنَایَاهُ، ثُمَّ بَكَی حَتَّی اخْضَلَّتْ لِحْیَتُهُ،

ص: 181


1- الكوز جمعه كیزان، و معناه واضح، قاله فی القاموس 2- 189.
2- كما فی القاموس 4- 154، و تاج العروس 8- 480، و لسان العرب 12- 422.
3- لم نجده فیما بأیدینا من كتب الأمثال، فلاحظ.
4- قاله فی مجمع البحرین 1- 210، و لسان العرب 14- 360، و القاموس 4- 340.
5- لا توجد فی (ك): علی.
6- ذكره الجوهریّ فی الصحاح 6- 2537، و الطریحی فی مجمع البحرین 1- 480 و غیرهما.
7- جاءت نسخه علی مطبوع البحار: شداید، و المعنی واحد، و نظائر هذه النسخ هنا كثیرة نظیر:وسائل وعبایر ونحوهما.
8- النهایة 5- 279.

فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! أَ ضَحِكٌ وَ بُكَاءٌ فِی سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؟!.

قَالَ: نَعَمْ، أَمَّا ضَحِكِی فَفَرِحْتُ بِقَلْعِ عَلِیٍّ بَابَ خَیْبَرَ، وَ أَمَّا بُكَائِی فَلِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ مَا قَلَعَهُ إِلَّا وَ هُوَ صَائِمٌ مُذْ ثَلَاثَةِ أَیَّامٍ عَلَی الْمَاءِ الْقَرَاحِ، وَ لَوْ كَانَ فَاطِراً عَلَی طَعَامٍ لَدَحَا بِهِ (1) مِنْ وَرَاءِ السُّورِ

«38»- ما (2): هَذَا حَدِیثٌ وَجَدْتُهُ بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَایِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِی كِتَابٍ لِأَبِی غَانِمٍ الْأَعْرَجِ (3)

وَ كَانَ مَسْكَنُهُ بِبَابِ الشَّعِیرِ- وَجَدَ بِخَطِّهِ عَلَی ظَهْرِ كِتَابٍ لَهُ حِینَ مَاتَ، وَ هُوَ: أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ دَخَلَتْ عَلَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَرَأَتْهَا بَاكِیَةً، فَقَالَتْ لَهَا: بِأَبِی أَنْتِ وَ أُمِّی مَا الَّذِی یُبْكِیكِ؟ فَقَالَتْ لَهَا: أَ سَائِلَتِی (4) عَنْ هَنَةٍ (5) حَلَّقَ بِهَا الطَّائِرُ وَ حَفِیَ (6) بِهَا السَّائِرُ، وَ رُفِعَتْ إِلَی السَّمَاءِ أَثَراً (7) وَ رُزِئَتْ فِی الْأَرْضِ خَبَراً: إِنَّ قَحِیفَ تَیْمٍ وَ أُحَیْوِلَ عَدِیٍّ جَارَیَا (8) أَبَا الْحَسَنِ فِی السِّبَاقِ، حَتَّی إِذَا تَفَرَّیَا (9) بِالْخِنَاقِ أَسَرَّا لَهُ الشَّنَآنَ، وَ طَوَیَاهُ الْإِعْلَانَ، فَلَمَّا خَبَا نُورُ الدِّینِ وَ قُبِضَ النَّبِیُّ الْأَمِینُ نَطَقَا بِفَوْرِهِمَا، وَ نَفَثَا بِسَوْرِهِمَا، وَ أَدَلَّا بِفَدَكَ، فَیَا لَهَا كَمْ مِنْ مِلْكٍ مُلِكَ (10)، إِنَّهَا عَطِیَّةُ الرَّبِّ الْأَعْلَی لِلنَّجِیِّ الْأَوْفَی، وَ لَقَدْ نَحَلَنِیهَا لِلصِّبْیَةِ السَّوَاغِبِ مِنْ نَجْلِهِ وَ نَسْلِی، وَ إِنَّهَا لَبِعِلْمِ اللَّهِ (11) وَ شَهَادَةِ أَمِینِهِ، فَإِنِ انْتَزَعَا مِنِّی الْبُلْغَةَ وَ مَنَعَانِی اللُّمْظَةَ

ص: 182


1- أیّ: لرمی به، انظر: الصّحاح 6- 2334.
2- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 207، باختلاف یسیر.
3- فی المصدر: المعلم الأعرج.
4- فی نسخة: أ تسألینی.
5- خ. ل: هبة.
6- فی نسخة: خفیّ.
7- فی المصدر: و رفع إلی السّماء أمرا.
8- فی الأمالی: أنّ تخیف تیم و أحیوك عدیّ جازیا.
9- فی المصدر: تقرّبا.
10- فی أمالی الشّیخ: تلك، بدلا من: ملك.
11- فی المصدر: لیعلم اللّٰه.

فَأَحْتَسِبُهَا (1) یَوْمَ الْحَشْرِ زُلْفَةً، وَ لْیَجِدَنَّهَا آكِلُوهَا سَاعِرَةَ حَمِیمٍ فِی لَظَی جَحِیمٍ.

توضیح: عن هنة، أی: شی ء یسیر قلیل، أو قصّته منكرة قبیحة (2).

حلّق بها الطائر .. تحلیق الطّائر: ارتفاعه فی الهواء (3)، أی: انتشر خبرها، إذ كان الغالب فی تلك الأزمنة إرسال الأخبار مع الطیور.

و حفی بها السائر .. أی: أسرع السائر فی إیصال هذا الخبر حتی حفی و سقط خفّه و نعله، أو رقّ رجله أو رجل دابته، یقال: حفی- كعلم- إذا مشی بلا خفّ و لا نعل، أو رقّت قدمه أو حافره، أو هو من الحفاوة و هی المبالغة فی السّؤال (4)، و فی بعض النسخ: و خفی بها الساتر .. أی لم یبق ساتر لها و لم یقدر الساترون علی إخفائها.

و رفعت إلی السماء أثرا ... أی ظهرت آثاره فی السماء عاجلا و آجلا من منع الخیرات و تقدیر شداید العقوبات لمن ارتكبها.

و رزئت فی الأرض خبرا (5) ... یقال: رزأه كجعله و عمله أصاب منه شیئا، و رزأه رزءا أو مرزأة أصاب منه خیرا، و الشّی ء نقصه، و الرّزیئة المصیبة (6)، فیمكن أن یقرأ علی بناء المعلوم .. أی أحدثت من جهة خبرها فی الأرض مصائب، أو

ص: 183


1- فی الأمالی: و احتسبتها.
2- قال فی النهایة 5- 278: الهن و الهنّ- بالتخفیف و التشدید- كنایة عن الشّی ء لا تذكره باسمه، تقول: أتانی هن و هنة مخفّفا و مشدّدا. وقال فی النهایة أیضا ٥ _ ٢٧٩ : وفیه أنه قام هنیة ، أی : قلیلا من الزمان ، وهو تصغیر هنة. وفی الصحاح ٦ _ ٢٥٣٦ : هن _ علی وزن أخ _ : كلمة كنایة ، ومعناه : شیء ، ... وتقول للمرأة : هنة وهنت. وقال فی تاج العروس ١٠ _ ٤١٣ : هنة : تأنیث الهن ، فهو كنایة عن كل اسم جنس ، ومثله فی مجمع البحرین ١ _ ٤٧٩.
3- كما فی الصحاح 4- 1462، و لسان العرب 10- 63 و غیرهما.
4- كما فی كتب اللغة كالصحاح 6- 2316، و لسان العرب 14- 187- 188، و غیرهما.
5- فی (ك): خیرا.
6- قاله فی القاموس 1- 16، و تاج العروس 1- 70، و لسان العرب 1- 85- 86.

المجهول بالإسناد المجازی، و الأول أنسب معنی، و الثانی لفظا، و یمكن أن یكون بتقدیم المعجمة علی المهملة، یقال: زری علیه زریا: عابه و عاتبه (1) فلا یكون مهموزا.

و فی بعض النسخ ربت- بالراء المهملة و الباء الموحّدة-: أی نمت (2) و كثرت. و فی بعضها: رنّت .. من الرنین، و فی نسخة قدیمة: و رویت- من الروایة-.

إنّ قحیف تیم .. لعلّها صلوات اللّٰه علیها أطلقت علی أبی بكر قحیفا، لأنّ أباه أبو قحافة، و القحف- بالكسر- العظم فوق الدّماغ، و القحف- بالفتح قطع القحف أو كسره، و القاحف: المطر یجی ء فجأة فیقتحف كلّ شی ء .. أی یذهب به، و سیل قحاف- كغراب- جزاف (3).

و الأحیول- تصغیر- الأحول، و هو لو لم یكن أحول ظاهرا فكان أحول باطنا لشركه، بل أعمی، و یقال:- أیضا- ما أحوله .. أی ما أحیله (4).

جاریا أبا الحسن علیه السلام فی السباق .. یقال: جاراه أی جری معه (5).

و السّباق: المسابقة (6)، أی كانا یریدان أن (7) یسبقاه فی المكارم و الفضائل فی حیاة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله.

ص: 184


1- صرّح به فی لسان العرب 14- 356، و القاموس 6- 338، و تاج العروس 10- 163.
2- قاله فی لسان العرب 14- 304، و القاموس 4- 332.
3- كما فی تاج العروس: 6- 216- 217، و لسان العرب 9- 275- 276، و القاموس 3- 182 183.
4- صرّح به فی الصحاح 4- 1681 و قال: قال الفرّاء: یقال: هو أحول منك .. أی أكثر حیلة، و ما أحوله. و نحوه فی لسان العرب 11- 185.
5- نصّ علیه الطریحی فی مجمع البحرین 1- 83، و الجوهریّ فی الصحاح 6- 2302.
6- كما ذكره فی لسان العرب 10- 152، و مجمع البحرین 5- 182.
7- لا توجد: أن فی (س).

حتی إذا تفریا بالخناق أسرّا له الشنآن .. یقال: تفرّی أی انشقّ (1)، و الخناق- ككتاب- الحبل یخنق به، و كغراب داء یمتنع معه نفوذ النّفس إلی الرّیة و القلب (2). و فی بعض النسخ بالحاء المهملة و هو بالكسر جمع الحنق- بالتّحریك و هو الغیظ أو شدّته (3).

و الشّنان: العداوة (4) .. أی لما انشقا بما خنقهما من ظهور مناقبه و فضائله و عجزهما عن أن یدانیاه فی شی ء منها، أو من شدة غیظه أكمنا له العداوة فی قلبهما منتهضین للفرصة، و فی بعض النسخ: تعریا (5)

بالعین و الراء المهملتین- فلعلّ المعنی بقیا مسبوقین فی العراء و هو الفضاء (6) و الصحراء متلبسین بالخناق و الغیظ.

و فی بعض النسخ: ثغرا (7) .. أی توقرا و ثقلا. و فی بعضها: تغرغرا .. من الغرغرة و هی تردّد الرّوح فی الحلق، و یقال: یتغرغر صوته فی حلقه .. أی

ص: 185


1- كذا صرّح به فی القاموس 4- 374، و الصحاح 6- 2454 و غیرهما.
2- كما قاله فی القاموس 3- 229، و مجمع البحرین 5- 159- 160 و غیرهما.
3- كذا صرّح به فی لسان العرب 1- 69- 70، و القاموس 3- 224.
4- قال فی الصحاح 1- 57: الشناءة مثال الشناعة: البغض، و قد شنأته شنئا و شنئا و شنئا و مشنا و شنانا- بالتحریك- و شنآنا- بالتسكین- .. قال أبو عبیدة: الشنان- بغیر همز- مثل الشنان. و مثله فی لسان العرب 1- 101.
5- قال فی لسان العرب 15- 49 یقال: ما تعرّی فلان من هذا الأمر .. أی ما تخلّص. و الظاهر: منتهزین للفرصة. أقول: : وعلیه یمكن أن یكون المعنی أنهما تخلصا بالخناق دون السباق.
6- قاله فی مجمع البحرین 1- 288، و الصحاح 6- 2423، و القاموس 4- 361.
7- قال فی مجمع البحرین 3- 236: الثغر: موضع المخافة الذی یخاف منه هجوم العدوّ، و الثغر أیضا- ما تقدم من الإنسان (كذا، و الظاهر: الأسنان) . و فی المصباح: الثغر: المیسم ثمّ أطلق علی الثنایا، و إذا كثر ثغر الصبیّ، قیل: ثغر ثغورا- بالبناء للمجهول-. و فی القاموس 1- 383: أثغر الغلام ألقی ثغره و نبت ثغره ضد. و نحوه فی الصحاح 2- 605، و زاد فیها: ثغرته .. أی كسرت ثغره، و الثغرة- بالضم- نقرة النحر التی بین الترقوتین، و الثغرة- أیضا- الثلمة، یقال: ثغرناهم .. أی سددنا علیهم ثلم الجبل. وكل هذه المعانی قد تكون مرادة. أقول: : جاء فی ( ك ) : تغرزا ، وقد تقرأ فی (س) : تغررا ، أو تعزرا.

یتردّد (1)، و هو مناسب للخناق. و فی بعضها: تقرّرا .. أی ثبتا و لم یمكنهما الحركة (2)، و فی بعضها: تعزّبا- بالمهملة ثم المعجمة- أی بعدا (3) و لم یمكنهما الوصول إلیه، و كان یحتمل تقدیم المعجمة أیضا (4)، و المعنی قریب من الأول.

و فی بعضها تقربا- بالقاف و الباء الموحدة- و یمكن توجیهه بوجه، و كان یحتمل النون، و هو أوجه فالخناق (5)

بالخاء المكسورة- أی اشتركا فیما یوجب عجزهما كأنهما اقترنا بحبل واحد فی عنقهما، و فی بعضها تفردا- بالفاء و الراء المهملة و الدال و هو أیضا لا یخلو من مناسبة.

و طویاه الإعلان .. أی أضمرا أن یعلنا له العداوة عند الفرصة، و فی الكلام حذف و إیصال .. أی طویا أو عنه، یقال: طوی الحدیث أی كتمه (6)، و یقال خبت النّار أی سكنت و طفئت (7).

نطقا بفورهما .. أی تكلما فورا، أی بسبب فورانهما، و فی بعض النسخ:

نطفا- بالفاء- أی صبّا ما فی صدورهما فورا، أو بسبب غلیان حقدهما و فوران حسدهما، و یحتمل أن تكون الباء زائدة، یقال نطف الماء أی صبّه، و فلانا قذفه بفجور، أو لطّخه بعیب (8). و فی الحدیث: رأیت سقفا تنطف سمنا و عسلا .. أی

ص: 186


1- كما فی الصحاح 2- 769، و تاج العروس 3- 447، و غیرهما.
2- قال فی القاموس 2- 115، قرّ بالمكان یقرّ- بالكسر و الفتح- قرارا و قرورا و قرّا و تقرّه: ثبت و سكن كاستقرّ و تقارّ، و نحوه فی تاج العروس 3- 487.
3- قال فی مجمع البحرین 2- 120: یقال عزب الشی ء- من باب قعد- بعد عنی و غاب، و عزب من بابی قتل و ضرب- غاب و خفی. و قریب منه فی لسان العرب 1- 596.
4- قال الطریحی فی مجمع البحرین 2- 131: غرب الشخص- بالضم- غرابة: بعد عن وطنه فهو غریب. و قریب منه فی لسان العرب 1- 639.
5- كذا، و الصحیح: بالخناق- بالباء دون الفاء- أی هذا أوجه بالخناق أی بملاحظته.
6- كما فی القاموس 4- 358، و تاج العروس 10- 229، و لسان العرب 15- 19.
7- جاء فی تاج العروس 10- 110، و لسان العرب 14- 223، و القاموس 4- 323.
8- قاله فی لسان العرب 6- 334- 336، و القاموس 3- 201، و تاج العروس 6- 258.

تقطر، و فی قصة المسیح علیه السلام: ینطف رأسه ماء (1)، و فار القدر فورا و فورانا غلا و جاش (2)، و أتوا من فورهم ... أی من وجههم، أو قبل أن یسكنوا (3).

و نفثا بسورهما .. نفثه- كضرب-: رمی به، و النفث: النّفخ و البزق (4).

و سورة الشیّ ء: حدّته و شدّته، و من السّلطان: سطوته و إعتداؤه. و سار الشّراب فی رأسه سورا: دار و (5) ارتفع، و الرّجل إلیك: وثب و ثار (6).

و أدلّا بفدك .. قال الجوهری: الدّلّ: الغنج و الشّكل، .. و فلان یدّل علی أقرانه فی الحرب كالبازی یدلّ علی صیده، و هو یدلّ بفلان: أی یثق به (7)، و الحاصل أنهما أخذا فدك بالجرأة من غیر خوف، و فی بعض النسخ: وا ذلا بفدك- بالذال المعجمة- علی الندبة، و لعلّه تصحیف.

فیا لها كم من ملك ملك .. من قبیل یا للماء ... للتعجب، أی یا قوم تعجبوا لفدك. و قولها: كم من ملك بیان لوجه التعجب، و فی بعض النسخ:

فیا لها لمن ملك تیك ... و فی بعضها: فیا لها لمزة لك تیك. و اللّمزة- بضم اللام و فتح المیم-: العیّاب (8). و تیك: اسم إشارة (9)، و الظاهر أن الجمیع تصحیف.

و النّجیّ .. هو المناجی المخاطب للإنسان (10) أی لمن خصّه اللّٰه بنجواه

ص: 187


1- قاله فی النهایة 5- 75، و لسان العرب 9- 336 و غیرهما.
2- الكلمة مشوشة فی (س).
3- كما فی مجمع البحرین 3- 445، و تاج العروس 3- 476.
4- نصّ علیه فی تاج العروس 1- 650، و المصباح المنیر 2- 324، إلّا أنّ فیه بدل: النفخ، الإلقاء و السحر.
5- فی (س): أو بدلا من الواو.
6- قاله فی القاموس 2- 53، و تاج العروس 3- 283، و لاحظ: لسان العرب 4- 384- 385.
7- جاء فی الصحاح 4- 1699، و لسان العرب 11- 248 و غیرهما.
8- صرّح به فی لسان العرب 5- 407، و الصحاح 3- 895، و القاموس المحیط 2- 191.
9- كما فی الصحاح 6- 2548، و لسان العرب 15- 445، و القاموس 4- 409.
10- قاله فی النهایة 5- 25، و فی مجمع البحرین 1- 408 بإضافة الواو، أی المناجی و المخاطب للإنسان.

و سرّه و كان أوفی الخلق بعهده و أمره.

و الصبیة- بالكسر-: جمع الصّبی (1).

و السّغب: الجوع (2).

و النجل: الولد (3).

و البلغة- بالضّم-: ما یتبلّغ به من العیش (4).

و اللّماظة- بالضّم-: ما یبقی فی الفم من الطّعام. و قال الشّاعر فی وصف الدّنیا:

لماظة أیّام كأحلام نائم ...

و یقال: ما ذقت لماظا- بالفتح- أی شیئا، .. و اللّمظة- بالضم- كالنّكتة من البیاض (5)، و اللماظة هنا أنسب.

و الزّلفة- بالضم- كالزّلفی: القرب و المنزلة (6) .. أی اعلم أنها سبب لقربی یوم الحشر، أو اصبر علیها لیكون سببا لقربی.

قال فی النهایة (7): و فیه من صام إیمانا و احتسابا .. أی طلبا لوجه اللّٰه و ثوابه، و الاحتساب (8) من الحسب كالاعتداد من العدّ، و إنّما قیل لمن ینوی بعمله وجه اللّٰه احتسبه، لأنّ له حینئذ أن یعتدّ عمله، فجعل فی حال مباشرة الفعل كأنّه معتدّ به .. و الاحتساب فی الأعمال الصّالحات و عند المكروهات هو البدار إلی

ص: 188


1- ذكره فی الصحاح 6- 2398، و مجمع البحرین 1- 260 و غیرهما.
2- نصّ علیه فی القاموس 1- 82، و الصحاح 1- 147، و مجمع البحرین 2- 83.
3- جاء ذلك فی لسان العرب 11- 646، و القاموس 4- 55، و النهایة 5- 23.
4- كما فی القاموس المحیط 3- 103، و الصحاح 4- 1317 و غیرهما.
5- قاله فی الصحاح 3- 1180، و لسان العرب 7- 462.
6- كذا فی مجمع البحرین 5- 67، و القاموس المحیط 3- 149، و الصحاح 4- 1371.
7- النهایة 1- 382، و لاحظ: لسان العرب 1- 314- 315.
8- فی المصدر: فالاحتساب.

طلب الأجر و تحصیله بالتّسلیم و الصّبر، أو باستعمال أنواع البرّ و القیام بها علی الوجه المرسوم فیها طلبا للثواب المرجوّ منها ..، و منه الحدیث: من مات له ولد فاحتسبه .. أی احتسب الأجر بصبره علی مصیبته.

و سعر النّار .. كمنع: أوقدها (1).

و الحمیم: الماء الحارّ (2).

و اللّظی- كفتی- النّار أو لهبها، و لظی- معرفة- جهنّم (3)، أو طبقة منها، أعاذنا اللّٰه تعالی منها و من طبقاتها و دركاتها.

«39»-ختص (4): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ مَجْلِسَهُ، بَعَثَ إِلَی وَكِیلِ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا فَأَخْرَجَهُ مِنْ فَدَكَ.

فَأَتَتْهُ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَقَالَتْ: یَا أَبَا بَكْرٍ! ادَّعَیْتَ أَنَّكَ خَلِیفَةُ أَبِی وَ جَلَسْتَ مَجْلِسَهُ، وَ أَنْتَ (5) بَعَثْتَ إِلَی وَكِیلِی فَأَخْرَجْتَهُ مِنْ فَدَكَ، وَ قَدْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ صَدَّقَ بِهَا عَلَیَّ، وَ أَنَّ لِی بِذَلِكَ شُهُوداً. فَقَالَ (6): إِنَّ النَّبِیَّ (صلی اللّٰه علیه و آله) لَا یُوَرِّثُ.

فَرَجَعَتْ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: ارْجِعِی إِلَیْهِ وَ قُولِی لَهُ:

زَعَمْتَ أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَا یُوَرِّثُ وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (7)، وَ وَرِثَ یَحْیَی زَكَرِیَّا، وَ كَیْفَ لَا أَرِثُ أَنَا أَبِی؟! فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ مُعَلَّمَةٌ، قَالَتْ: وَ إِنْ كُنْتُ مُعَلَّمَةً فَإِنَّمَا عَلَّمَنِی ابْنُ عَمِّی وَ بَعْلِی.

ص: 189


1- كما فی مجمع البحرین 3- 331، و القاموس المحیط 2- 48.
2- صرّح بذلك فی الصحاح 5- 1905، و مجمع البحرین 6- 50، و القاموس 4- 100.
3- قاله فی القاموس 4- 386، و تاج العروس 10- 327، و لسان العرب 15- 248.
4- الاختصاص 183- 185، و فیه: أبو محمّد عن عبد اللّٰه بن سنان .. إلی آخره.
5- فی المصدر: و أنّك.
6- فی الاختصاص: فقال لها.
7- النّمل: 16.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّ عَائِشَةَ تَشْهَدُ وَ عُمَرَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ یَقُولُ: النَّبِیُّ (1) لَا یُوَرِّثُ.

فَقَالَتْ: هَذَا أَوَّلُ شَهَادَةِ زُورٍ شَهِدَا بِهَا (2)، وَ إِنَّ لِی بِذَلِكَ شُهُوداً بِهَا فِی الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَتْ: فَإِنَّ فَدَكَ إِنَّمَا هِیَ صَدَّقَ بِهَا عَلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ لِی بِذَلِكَ بَیِّنَةٌ.

فَقَالَ لَهَا: هَلُمِّی بِبَیِّنَتِكِ. قَالَ: فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَیْمَنَ وَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: یَا أُمَّ أَیْمَنَ! إِنَّكِ سَمِعْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) یَقُولُ فِی فَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: إِنَّ فَاطِمَةَ سَیِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (3)، ثُمَّ قَالَتْ أُمُّ أَیْمَنَ: فَمَنْ كَانَتْ سَیِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَدَّعِی مَا لَیْسَ لَهَا؟! وَ أَنَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا كُنْتُ لِأَشْهَدَ بِمَا لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ (4) مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: دَعِینَا یَا أُمَّ أَیْمَنَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَصِ، بِأَیِّ شَیْ ءٍ تَشْهَدِینَ؟.

فَقَالَتْ: كُنْتُ جَالِسَةً فِی بَیْتِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جَالِسٌ حَتَّی نَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ، فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ! قُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَمَرَنِی أَنْ أَخُطَّ لَكَ فَدَكاً بِجَنَاحِی، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَعَ جَبْرَئِیلَ

ص: 190


1- فی المصدر: إن النّبیّ.
2- فی (س): به.
3- انظر: صحیح البخاریّ، باب مناقب فاطمة علیها السّلام 5- 29، و حكاه فی العمدة لابن البطریق: 384. وقد ورد الحدیث بمضامین مختلفة ، منها : فاطمة سیدة نساء العالمین ، كما فی صحیح البخاری كتاب الاستئذان ، باب ٤٣ ، وصحیح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة حدیث ٩٨ و ٩٩ ، وطبقات ابن سعد ، القسم الثانی من ٢ _ ٤٠ و ٨ _ ١٧ ، ومسند أحمد ٣ _ ١٣٥. ومنها : فاطمة من أفضل نساء أهل الجنة ، كما فی سنن الترمذی ، كتاب المناقب ، باب ٣٠ و ٦٠ و ٦٣ ، ومسند أحمد ١ _ ٢٩٣ و ٣ _ ٦٤ و ٨٠ و ١٣٥ و ٥ _ ٣٩١ ، ومسند الطیالسی حدیث ١٣٧٤.
4- فی بعض النّسخ و المصدر: ما كنت لأشهد إلّا بما سمعت، و فی نسخة أخری: فقالت سمعت، كما فی (س).

عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَمَا لَبِثَ أَنْ رَجَعَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ: یَا أَبَتِ! أَیْنَ ذَهَبْتَ؟

فَقَالَ: خَطَّ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِی فَدَكاً بِجَنَاحِهِ وَ حَدَّ لِی حُدُودَهَا، فَقَالَتْ: یَا أَبَتِ! إِنِّی أَخَافُ الْعَیْلَةَ وَ الْحَاجَةَ مِنْ بَعْدِكَ، فَصَدِّقْ بِهَا عَلَیَّ، فَقَالَ: هِیَ صَدَقَةٌ عَلَیْكِ، فَقَبَضْتِهَا، قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا أُمَّ أَیْمَنَ! اشْهَدِی، وَ یَا عَلِیُّ! اشْهَدْ.

فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتِ امْرَأَةٌ وَ لَا نُجِیزُ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَحْدَهَا، وَ أَمَّا عَلِیٌّ فَیَجُرُّ إِلَی نَفْسِهِ.

قَالَ: فَقَامَتْ مُغْضَبَةً وَ قَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا ظَلَمَا ابْنَةَ نَبِیِّكَ (1) حَقَّهَا، فَاشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَیْهِمَا، ثُمَّ خَرَجَتْ وَ حَمَلَهَا عَلِیٌّ عَلَی أَتَانٍ عَلَیْهِ كِسَاءٌ لَهُ خَمَلٌ، فَدَارَ بِهَا أَرْبَعِینَ صَبَاحاً فِی بُیُوتِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ مَعَهَا، وَ هِیَ تَقُولُ: یَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ! انْصُرُوا اللَّهَ وَ ابْنَةَ (2) نَبِیِّكُمْ، وَ قَدْ بَایَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْمَ بَایَعْتُمُوهُ أَنْ تَمْنَعُوهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَ ذَرَارِیَّكُمْ، فَفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِبَیْعَتِكُمْ، قَالَ: فَمَا أَعَانَهَا أَحَدٌ وَ لَا أَجَابَهَا وَ لَا نَصَرَهَا.

قَالَ: فَانْتَهَتْ إِلَی مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَقَالَتْ: یَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ! إِنِّی قَدْ جِئْتُكَ مُسْتَنْصِرَةً، وَ قَدْ بَایَعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی أَنْ تَنْصُرَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ وَ تَمْنَعَ مِمَّا تَمْنَعُ مِنْهُ نَفْسَكَ وَ ذُرِّیَّتَكَ، وَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ غَصَبَنِی عَلَی فَدَكَ وَ أَخْرَجَ وَكِیلِی مِنْهَا، قَالَ: فَمَعِی غَیْرِی؟ قَالَتْ: لَا، مَا أَجَابَنِی أَحَدٌ، قَالَ: فَأَیْنَ أَبْلُغُ أَنَا مِنْ نَصْرِكِ؟ (3) قَالَ: فَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ. وَ دَخَلَ ابْنُهُ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِابْنَةِ مُحَمَّدٍ إِلَیْكَ؟ قَالَ: جَاءَتْ تَطْلُبُ نُصْرَتِی عَلَی أَبِی بَكْرٍ فَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا فَدَكاً، قَالَ: فَمَا أَجَبْتَهَا بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَ مَا یَبْلُغُ مِنْ نُصْرَتِی أَنَا وَحْدِی، قَالَ: فَأَبَیْتَ أَنْ تَنْصُرَهَا؟

ص: 191


1- فی المصدر: ابنة محمّد.
2- فی الاختصاص: فإنّی ابنة.
3- فی المصدر: من نصرتك.

قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَیَّ شَیْ ءٍ قَالَتْ لَكَ؟ قَالَ: قَالَتْ لِی: وَ اللَّهِ لَا نَازَعْتُكَ (1) الْفَصِیحَ مِنْ رَأْسِی حَتَّی أَرِدَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، قَالَ: فَقَالَ: أَنَا وَ اللَّهِ لَا نَازَعْتُكَ (2) الْفَصِیحَ مِنْ رَأْسِی حَتَّی أَرِدَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، إِذْ لَمْ تُجِبْ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ.

قَالَ: وَ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا مِنْ عِنْدِهِ وَ هِیَ تَقُولُ: وَ اللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً حَتَّی أَجْتَمِعَ أَنَا وَ أَنْتَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَتْ.

فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَهَا: ائْتِی (3) أَبَا بَكْرٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ، وَ قُولِی لَهُ: ادَّعَیْتَ مَجْلِسَ أَبِی وَ أَنَّكَ خَلِیفَتُهُ وَ جَلَسْتَ مَجْلِسَهُ، وَ لَوْ كَانَتْ فَدَكُ لَكَ ثُمَّ اسْتَوْهَبْتُهَا مِنْكَ لَوَجَبَ رَدُّهَا عَلَیَّ، فَلَمَّا أَتَتْهُ وَ قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: صَدَقْتِ، قَالَ:

فَدَعَا بِكِتَابٍ فَكَتَبَهُ لَهَا بِرَدِّ فَدَكَ (4).

فَخَرَجَتْ وَ الْكِتَابُ مَعَهَا، فَلَقِیَهَا عُمَرُ فَقَالَ: یَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ! مَا هَذَا الْكِتَابُ الَّذِی مَعَكِ؟ فَقَالَتْ: كِتَابٌ كَتَبَ لِی أَبُو بَكْرٍ بِرَدِّ فَدَكَ، فَقَالَ: هَلُمِّیهِ إِلَیَّ، فَأَبَتْ أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَیْهِ، فَرَفَسَهَا بِرِجْلِهِ- وَ كَانَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ حَامِلَةً بِابْنٍ اسْمُهُ: الْمُحَسِّنُ فَأَسْقَطَتِ الْمُحَسِّنَ مِنْ بَطْنِهَا، ثُمَّ لَطَمَهَا، فَكَأَنِّی (5) أَنْظُرُ إِلَی قُرْطٍ فِی أُذُنِهَا حِینَ نَقَفَ (6)، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَخَرَقَهُ.

فَمَضَتْ وَ مَكَثَتْ خَمْسَةً وَ سَبْعِینَ یَوْماً مَرِیضَةً مِمَّا ضَرَبَهَا عُمَرُ، ثُمَّ قُبِضَتْ.

فَلَمَّا حَضَرَتْهَا (7) الْوَفَاةُ دَعَتْ عَلِیّاً صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَقَالَتْ: إِمَّا تَضْمَنُ وَ إِلَّا

ص: 192


1- فی الاختصاص: لأنازعنك.
2- فی المصدر: لأنازعنك.
3- فی المصدر: ائت، و هو سهو، و فی نسخة: آیتی، و المعنی واحد.
4- فی الاختصاص: فدك فقال.
5- فی (ك): فإنّی، و علیه رمز نسخة.
6- فی المصدر: نقفت، و هو الظّاهر.
7- فی الاختصاص: حضرته، و هكذا جاءت فی نسخة بدل علی حاشیة مطبوع البحار، و هو سهو.

أَوْصَیْتُ إِلَی ابْنِ الزُّبَیْرِ، فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَا أَضْمَنُ وَصِیَّتَكِ یَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ، قَالَتْ: سَأَلْتُكَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِذَا أَنَا مِتُّ أَنْ لَا یَشْهَدَانِی وَ لَا یُصَلِّیَا عَلَیَّ، قَالَ: فَلَكِ ذَلِكِ (1).

فَلَمَّا قُبِضَتْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا، دَفَنَهَا لَیْلًا فِی بَیْتِهَا، وَ أَصْبَحَ أَهْلُ الْمَدِینَةِ یُرِیدُونَ حُضُورَ جَنَازَتِهَا، وَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ كَذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَیْهِمَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالا لَهُ: مَا فَعَلْتَ بِابْنَةِ مُحَمَّدٍ؟! أَخَذْتَ فِی جَهَازِهَا یَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قَدْ وَ اللَّهِ دَفَنْتُهَا، قَالا: فَمَا حَمَلَكَ عَلَی أَنْ دَفَنْتَهَا وَ لَمْ تُعْلِمْنَا بِمَوْتِهَا؟ قَالَ:

هِیَ أَمَرَتْنِی.

فَقَالَ عُمَرُ: وَ اللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ بِنَبْشِهَا وَ الصَّلَاةِ عَلَیْهَا، فَقَالَ عَلِیٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ: أَمَا وَ اللَّهِ مَا دَامَ قَلْبِی بَیْنَ جَوَانِحِی وَ ذُو الْفَقَارِ فِی یَدِی فَإِنَّكَ (2) لَا تَصِلُ إِلَی نَبْشِهَا، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اذْهَبْ، فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنَّا، وَ انْصَرَفَ النَّاسُ.

بیان: قال فی النهایة (3): الوطء فی الأصل: الدّوس بالقدم، فسمّی به الغزو و القتل، لأنّ من یطأ علی الشیّ ء برجله فقد استقصی فی إهلاكه و إهانته، و منه

الحدیث (4): اللّٰهمّ اشدد وطأتك علی مضر.

، أی: خذهم أخذا شدیدا، انتهی.

و الخمل- بالتحریك-: هدب (5) القطیفة و نحوها (6).

ص: 193


1- انظر الواقعة فی: حلیة الأولیاء 2- 43، المستدرك للحاكم 3- 163، أسد الغابة 5- 254، الاستیعاب 2- 751، المقتل للخوارزمیّ 1- 83، إرشاد السّاریّ للقسطلانی 6- 362، الإصابة 4- 378 و 380، تاریخ الخمیس 1- 313 و غیرها، و لا حاجة إلی سردها، كفانا ما ذكره ابن قتیبة فی الإمامة و السّیاسة 1- 14، و أعلام النّساء 3- 1214، و الجاحظ فی رسائله: 300.
2- فی المصدر: إنّك.
3- النهایة 5- 200، و انظر: لسان العرب 1- 197 بتقدیم و تأخیر.
4- فی المصدر: فی هلاكه و إهانته، و منه حدیثه الآخر.
5- هدب الثّوب: طرفه ممّا یلی طرّته، و طرّة الثّوب علمه و حاشیته.
6- انظر: القاموس 3- 371، تاج العروس 7- 310، لسان العرب 11- 221. و الظاهر من هذه المصادر أن الخمل- بالفتح و السكون، لا محركة- بل صرّح به فی اللسان.

قولها علیها السلام: لا نازعتك (1) الفصیح .. أی: لا أنازعك بما یفصح عن المراد، أی بكلمة من رأسه، فإنّ محلّ الكلام فی الرأس، أو المراد بالفصیح:

اللسان.

قوله: حین نقف- علی بناء المجهول أی- .. كسر (2) من لطم اللعین.

و الجوانح: الضّلوع تحت التّرائب ممّا یلی الصّدر، واحدتها جانحة (3).

«40»-وَ رَوَی الْعَلَّامَةُ فِی كَشْكُولِهِ- الْمَنْسُوبِ إِلَیْهِ (4)

عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ مَوْلَایَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَمَّا وُلِّیَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِی قُحَافَةَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ النَّاسَ عَبِیدُ هَذِهِ الدُّنْیَا لَا یُرِیدُونَ (5) غَیْرَهَا، فَامْنَعْ عَنْ عَلِیٍّ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ الْخُمُسَ، وَ الْفَیْ ءَ، وَ فَدَكاً، فَإِنَّ شِیعَتَهُ إِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ تَرَكُوا عَلِیّاً وَ أَقْبَلُوا إِلَیْكَ رَغْبَةً فِی الدُّنْیَا وَ إِیثَاراً وَ مُحَابَاةً (6) عَلَیْهَا، فَفَعَلَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ وَ صَرَفَ عَنْهُمْ جَمِیعَ ذَلِكَ (7).

فَلَمَّا قَامَ- أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِی قُحَافَةَ- أَمَرَ مُنَادِیَهُ (8): مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) دَیْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْیَأْتِنِی حَتَّی أَقْضِیَهُ، وَ أَنْجَزَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ لِجَرِیرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِیِّ.

ص: 194


1- فی (ك): لأنازعنّك.
2- كما جاء فی الصحاح 4- 1435، و القاموس 3- 202.
3- كما ورد فی القاموس 1- 219، و تاج العروس 2- 113، و لسان العرب 2- 429.
4- الكشكول فیما جری علی آل الرّسول: 203- 205. والكشكول لیس للعلامة الحلی قطعا ، لأن مؤلفه قال فی مقدمته ووسطه أنه ألف الكتاب فی سنة ٧٣٥ ه والعلامة توفی فی سنة ٧٢٦ ه ، والظاهر أنه تألیف السید حیدر بن علی الحسینی ، وذكر شیخنا الطهرانی فی الذریعة ١٨ _ ١٢ نسبة الكشكول إلی العلامة من الشیخ الحر ونسبته إلی غیره من غیره فلاحظ.
5- فی المصدر: لا یرون.
6- فی مطبوع البحار: محاماة.
7- لا یوجد فی المصدر: و صرف عنهم جمیع ذلك.
8- فی المصدر: أبو بكر أمر منادیه.

قَالَ: (قَالَ) (1) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِفَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ: صِیرِی إِلَی أَبِی بَكْرٍ وَ ذَكِّرِیهِ فَدَكاً، فَصَارَتْ فَاطِمَةُ إِلَیْهِ وَ ذَكَرَتْ لَهُ فَدَكاً (2) مَعَ الْخُمُسِ وَ الْفَیْ ءِ، فَقَالَ (3): هَاتِی بَیِّنَةً یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ (4). فَقَالَتْ: أَمَّا فَدَكُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ عَلَی نَبِیِّهِ قُرْآناً یَأْمُرُ فِیهِ بِأَنْ یُؤْتِیَنِی وَ وُلْدِی حَقِّی (5)، قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (6) فَكُنْتُ أَنَا وَ وُلْدِی أَقْرَبَ الْخَلَائِقِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) فَنَحَلَنِی وَ وُلْدِی (7) فَدَكاً، فَلَمَّا تَلَا عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ الْمِسْكِینَ وَ ابْنَ السَّبِیلِ (8) (9)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَا حَقُّ الْمِسْكِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ؟

فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ (10)، فَقَسَمَ الْخُمُسَ عَلَی خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، فَقَالَ: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ كَیْ لا یَكُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ (11) (12) فَمَا لِلَّهِ (13) فَهُوَ لِرَسُولِهِ، وَ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ لِذِی الْقُرْبَی، وَ نَحْنُ ذُو الْقُرْبَی. قَالَ اللَّهُ تَعَالَی:

ص: 195


1- زیادة من المصدر یقتضیها السّیاق.
2- لا توجد فی الكشكول: فصارت فاطمة إلیه و ذكرت له فدكا.
3- جاءت فی المصدر: فقال لها.
4- فی الكشكول: رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیك و علی أبیك.
5- الموجود فی المصدر: یهبه لی و لولدی حتّی ..
6- الرّوم: 38.
7- لا توجد فی الكشكول: و ولدی.
8- لا توجد الواو فی (س).
9- الرّوم: 38.
10- الأنفال: 41.
11- من قوله: فقسم الخمس .. إلی: ابن السّبیل، لا یوجد فی المصدر.
12- الحشر: 7.
13- فی المصدر: منكم فما كان للّٰه.

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (1). فَنَظَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِی قُحَافَةَ إِلَی عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (2) وَ قَالَ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَ مَنِ (3) الْیَتَامَی وَ الْمَسَاكِینُ وَ أَبْنَاءُ السَّبِیلِ؟ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ (علیها السلام): الْیَتَامَی (4) الَّذِینَ یَأْتَمُّونَ (5) بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ بِذِی الْقُرْبَی، وَ الْمَسَاكِینُ الَّذِینَ أَسْكَنُوا مَعَهُمْ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ، وَ ابْنُ السَّبِیلِ الَّذِی یَسْلُكُ مَسْلَكَهُمْ. قَالَ عُمَرُ: فَإِذًا الْخُمُسُ وَ الْفَیْ ءُ كُلُّهُ لَكُمْ وَ لِمَوَالِیكُمْ وَ أَشْیَاعِكُمْ؟! فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ: أَمَّا فَدَكُ فَأَوْجَبَهَا اللَّهُ لِی وَ لِوُلْدِی دُونَ مَوَالِینَا وَ شِیعَتِنَا، وَ أَمَّا الْخُمُسُ فَقَسَمَهُ اللَّهُ لَنَا وَ لِمَوَالِینَا وَ أَشْیَاعِنَا كَمَا یُقْرَأُ (6) فِی كِتَابِ اللَّهِ. قَالَ عُمَرُ: فَمَا لِسَائِرِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ التَّابِعِینَ بِإِحْسَانٍ (7)؟ قَالَتْ فَاطِمَةُ:

إِنْ كَانُوا مَوَالِیَنَا وَ مِنْ أَشْیَاعِنَا (8) فَلَهُمُ الصَّدَقَاتُ الَّتِی قَسَمَهَا اللَّهُ وَ أَوْجَبَهَا فِی كِتَابِهِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِینِ وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِی الرِّقابِ (9) .. إِلَی آخِرِ الْقِصَّةِ، قَالَ عُمَرُ: فَدَكُ لَكِ خَاصَّةً وَ الْفَیْ ءُ لَكُمْ وَ لِأَوْلِیَائِكُمْ؟ مَا أَحْسَبُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ یَرْضَوْنَ (10) بِهَذَا!! قَالَتْ فَاطِمَةُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ رَضِیَ بِذَلِكِ، وَ رَسُولُهُ رَضِیَ بِهِ (11)، وَ قَسَمَ عَلَی الْمُوَالاةِ وَ الْمُتَابَعَةِ لَا عَلَی الْمُعَادَاةِ وَ الْمُخَالَفَةِ، وَ مَنْ عَادَانَا فَقَدْ عَادَی اللَّهَ، وَ مَنْ خَالَفَنَا فَقَدْ خَالَفَ اللَّهَ، وَ مَنْ

ص: 196


1- الشّوری: 23.
2- من قوله: ابن أبیّ .. إلی الخطّاب، لا یوجد فی الكشكول.
3- فی المصدر: من ذی القربی و من ..
4- الیتامی، لا یوجد فی الكشكول.
5- فی المصدر: یؤمنون.
6- فی الكشكول: تقرأ.
7- فی المصدر: لهم بإحسان.
8- فی الكشكول: من موالینا و أشیاعنا.
9- التّوبة: 60.
10- فی المصدر: أنّ أصحاب رسول اللّٰه یرضون.
11- فی الكشكول: و رضی له.

خَالَفَ اللَّهَ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ مِنَ اللَّهِ الْعَذَابَ (1) الْأَلِیمَ وَ الْعِقَابَ الشَّدِیدَ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ. فَقَالَ عُمَرُ: هَاتِی بَیِّنَةً یَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ عَلَی مَا تَدَّعِینَ؟! فَقَالَتْ فَاطِمَةُ (علیها السلام):

قَدْ صَدَّقْتُمْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَ جَرِیرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَ لَمْ تَسْأَلُوهُمَا الْبَیِّنَةَ! وَ بَیِّنَتِی فِی كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ جَابِراً وَ جَرِیراً ذَكَرَا أَمْراً هَیِّناً، وَ أَنْتَ تَدَّعِینَ أَمْراً عَظِیماً یَقَعُ بِهِ الرِّدَّةُ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ!. فَقَالَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ: إِنَّ الْمُهَاجِرِینَ بِرَسُولِ اللَّهِ وَ أَهْلِ بَیْتِ رَسُولِ اللَّهِ هَاجَرُوا إِلَی دِینِهِ، وَ الْأَنْصَارُ بِالْإِیمَانِ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ (2) وَ بِذِی الْقُرْبَی أَحْسَنُوا، فَلَا هِجْرَةَ إِلَّا إِلَیْنَا، وَ لَا نُصْرَةَ إِلَّا لَنَا، وَ لَا اتِّبَاعَ (3) بِإِحْسَانٍ إِلَّا بِنَا، وَ مَنِ ارْتَدَّ عَنَّا فَإِلَی الْجَاهِلِیَّةِ. فَقَالَ لَهَا (4) عُمَرُ: دَعِینَا مِنْ أَبَاطِیلِكِ، وَ أَحْضِرِینَا مَنْ یَشْهَدُ لَكِ بِمَا تَقُولِینَ!!. فَبَعَثَتْ إِلَی عَلِیٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ وَ أُمِّ أَیْمَنَ وَ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ- وَ كَانَتْ تَحْتَ أَبِی بَكْرِ بْنِ أَبِی قُحَافَةَ- فَأَقْبَلُوا إِلَی أَبِی بَكْرٍ (5) وَ شَهِدُوا لَهَا بِجَمِیعِ مَا قَالَتْ وَ ادَّعَتْهُ. فَقَالَ (6): أَمَّا عَلِیٌّ فَزَوْجُهَا، وَ أَمَّا الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ ابْنَاهَا (7)، وَ أَمَّا أُمُّ أَیْمَنَ فَمَوْلَاتُهَا، وَ أَمَّا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ فَقَدْ كَانَتْ تَحْتَ جَعْفَرِ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ فَهِیَ تَشْهَدُ لِبَنِی هَاشِمٍ، وَ قَدْ كَانَتْ تَخْدُمُ فَاطِمَةَ، وَ كُلُّ هَؤُلَاءِ یَجُرُّونَ إِلَی أَنْفُسِهِمْ!. فَقَالَ عَلِیٌّ (علیه السلام): أَمَّا فَاطِمَةُ فَبَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)، وَ مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَی رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) (8)، وَ مَنْ كَذَّبَهَا فَقَدْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ، وَ أَمَّا الْحَسَنُ

ص: 197


1- فی المصدر: و من خالفه فقد استوجب العذاب.
2- فی (ك): و برسوله.
3- فی المصدر: اتباعا.
4- لا توجد: لها، فی الكشكول.
5- لا یوجد فی المصدر من: ابن أبیّ .. إلی: أبی بكر.
6- فی الكشكول: فقال عمر.
7- فی المصدر: ابناؤهما.
8- إشارة إلی الحدیث المتواتر عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم، و قد جاء بألفاظ متفاوتة، و قد عد له العلّامة الأمینیّ فی غدیره 7- 231 أكثر من تسعة و خمسین مصدرا و حافظا، و انظر عنه أیضا مستدرك الحاكم 3- 154 و قد صحّحه، و ذخائر العقبی 39، و میزان الاعتدال 2- 72، و كنز العمّال 7- 111، و ینابیع المودّة 173- 174، و مجمع الزّوائد 9- 203، و تهذیب التّهذیب 12- 443 و غیرها كثیر.

وَ الْحُسَیْنُ فَابْنَا رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ سَیِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (1)، مَنْ كَذَّبَهُمَا فَقَدْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) إِذْ كَانَ (2) أَهْلُ الْجَنَّةِ صَادِقِینَ، وَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَنْتَ مِنِّی وَ أَنَا مِنْكَ (3)، وَ أَنْتَ أَخِی فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ (4)، وَ الرَّادُّ عَلَیْكَ هُوَ الرَّادُّ عَلَیَّ، وَ مَنْ أَطَاعَكَ فَقَدْ أَطَاعَنِی، وَ مَنْ عَصَاكَ فَقَدْ عَصَانِی (5)، وَ أَمَّا أُمُّ أَیْمَنَ فَقَدْ شَهِدَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِالْجَنَّةِ (6)، وَ دَعَا لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ وَ ذُرِّیَّتِهَا. قَالَ عُمَرُ (7): أَنْتُمْ كَمَا وَصَفْتُمْ (8) أَنْفُسَكُمْ، وَ لَكِنْ شَهَادَةُ الْجَارِّ إِلَی نَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ. فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِذَا كُنَّا كَمَا نَحْنُ كَمَا تَعْرِفُونَ وَ لَا

ص: 198


1- إن حدیث: «الحسن و الحسین سیّدا شباب أهل الجنّة»، من الأحادیث المعروفة و المشهورة عند العامّة و الخاصّة، و ندرج هنا بعض مصادره، فقد رواه الحموینی الشّافعیّ فی كتابه فرائد السّمطین فی المجلّد الثّانی، الباب الثّامن فی ضمن حدیث طویل، و جاء فی مسند أحمد بن حنبل 3- 3 و 62 82، حلیة الأولیاء 5- 71، تاریخ بغداد 9- 231- 232، و 10- 90، و ینابیع المودّة 166، و الصّواعق المحرقة 189، و سنن ابن ماجة باب فضائل أصحاب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه (و آله و سلّم)، و المستدرك 3- 167، و كنز العمّال 6- 217، و غیرها.
2- فی المصدر: إذا كانا من أهل.
3- جاء الحدیث بألفاظ مختلفة، منها ما ورد عنه صلّی اللّٰه علیه و آله أنّه قال لعلیّ علیه السّلام: علیّ منّی و أنا منه، أو: أنا منك و أنت منّی، أو حدیث بعثه صلّی اللّٰه علیه و آله إیّاه سلام اللّٰه علیه بسورة براءة المجمع علی صحّته، و قد مرّ، و غیرها، انظر مثالا لذلك: مسند أحمد بن حنبل 5- 204 و 356، خصائص النّسائیّ: 36 و 51، و غیرها، و أدرج جملة من مصادرها فی الغدیر 1- 48 و 3- 23 و غیرها.
4- حدیث المؤاخاة من المتّفق علیه أدّی حقّه العلّامة الأمینیّ فی موسوعته 3- 112- 125، و حكاه عن أكثر من خمسین مصدرا، و تعرّض له أیضا فی 9- 318، فراجع.
5- انظر مصادره فی الغدیر 7- 177 و 10- 278.
6- من مصادر حدیث أنّ النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلم قد شهد لأمّ أیمن رضوان اللّٰه علیها بالجنّة: الإصابة ٤ _ ٤١٥ ، تهذیب التهذیب ١٢ _ ٤٥٩ ، أعلام النساء ١ _ ١٠٧ ، أسد الغابة ٥ _ ٥٦٧ وغیرها.
7- فی المصدر: فقال عمر، و لا توجد فی (ك).
8- جاء فی المصدر: وصفتم به، و فی (ك): وصفتكم به.

تُنْكِرُونَ (1)، وَ شَهَادَتُنَا لِأَنْفُسِنَا لَا تُقْبَلُ، وَ شَهَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُقْبَلُ، فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ، إِذَا ادَّعَیْنَا لِأَنْفُسِنَا تَسْأَلُنَا (2) الْبَیِّنَةَ؟! فَمَا مِنْ مُعِینٍ یُعِینُ، وَ قَدْ وَثَبْتُمْ عَلَی سُلْطَانِ اللَّهِ وَ سُلْطَانِ رَسُولِهِ، فَأَخْرَجْتُمُوهُ مِنْ بَیْتِهِ إِلَی بَیْتِ غَیْرِهِ مِنْ غَیْرِ بَیِّنَةٍ وَ لَا حُجَّةٍ: وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (3). ثُمَّ قَالَ لِفَاطِمَةَ:

انْصَرِفِی حَتَّی یَحْكُمَ اللَّهُ بَیْنَنا وَ هُوَ خَیْرُ الْحاكِمِینَ قَالَ الْمُفَضَّلُ: قَالَ مَوْلَایَ جَعْفَرٌ (4) عَلَیْهِ السَّلَامُ: كُلُّ ظُلَامَةٍ حَدَثَتْ فِی الْإِسْلَامِ أَوْ تَحْدُثُ، وَ كُلُّ دَمٍ مَسْفُوكٍ حَرَامٍ، وَ مُنْكَرٍ مَشْهُورٍ (5)، وَ أَمْرٍ غَیْرِ مَحْمُودٍ، فَوِزْرُهُ فِی أَعْنَاقِهِمَا وَ أَعْنَاقِ مَنْ شَایَعَهُمَا أَوْ تَابَعَهُمَا (6) وَ رَضِیَ بِوِلَایَتِهِمَا إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ (7).

بیان: یظهر من هذا الخبر أنّ لذی القربی حقّین: حقّا مختصّا و حقّا مشتركا، و أشار سبحانه مع الآیة الأولی إلیهما جمیعا، فلمّا سألوا عن حقّ المسكین و ابن السبیل أنزل آیة الخمس لبیان أنّ اشتراكهما إنّما هو فی الخمس لا فی سائر الفی ء، فلا ینافی اختصاص فدك بهم علیهم السلام، و أمّا تفسیرها علیها السلام الیتامی بالذین یأتمون، فلعل المعنی أنّ المراد بهم یتامی الشیعة لا مطلق الأیتام، فلا یكون الغرض بیان أنّ الیتیم مشتق من الائتمام، لاختلاف بناء الكلمتین، مع أنّه یحتمل أن یكون مبنیّا علی الاشتقاق الكبیر، و یحتمل أن یكون تأویلا لبطن الآیة بأنّ المراد بالیتیم من انقطع عن والدیه الروحانیین- أی النبیّ و الإمام علیهما

ص: 199


1- لا یوجد فی المصدر: إذا كنّا .. و لا تنكرون و ..
2- فی المصدر: سئلنا.
3- الشّعراء: 227، و لا توجد الآیة فی المصدر.
4- فی المصدر زیادة: الصّادق.
5- فی المصدر: مشهود.
6- لا یوجد فی المصدر: أو تابعهما.
7- فی المصدر: إلی قیام السّاعة.

السلام- من الشیعة موافقا للأخبار الكثیرة الواردة فی ذلك (1)، و أمّا ما فسّرت به المسكین فلا ینافی البناء، لأنّ المسكین و المسكن و السكنی متساوقة فی الاشتقاق، و هو علی وزن مفعیل، یقال تمسكن كما یقال تمدرع و تمندل (2).

و ابن السبیل: أظهر، فإنّه فسّرته بسبیل الحقّ و الصراط المستقیم، ثم إنّه یدلّ ظاهرا علی عدم اختصاص الخمس ببنی هاشم- كما هو مذهب أكثر العامّة فیمكن أن یكون هذا علی سبیل التنزّل، أو یكون المراد أنّه غیر شامل لجمیع بنی هاشم بل مختص بمن كان منهم تابعا للحق.

«41»-قب (3): فِی كِتَابِ أَخْبَارِ الْخُلَفَاءِ: أَنَّ هَارُونَ الرَّشِیدَ كَانَ یَقُولُ لِمُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ: خُذْ (4) فَدَكاً حَتَّی أَرُدَّهَا إِلَیْكَ، فَیَأْبَی حَتَّی أَلَحَّ عَلَیْهِ، فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَا آخُذُهَا إِلَّا بِحُدُودِهَا، قَالَ: وَ مَا حُدُودُهَا؟ قَالَ: إِنْ حَدَدْتُهَا لَمْ تَرُدَّهَا.

قَالَ: بِحَقِّ جَدِّكَ إِلَّا فَعَلْتُ. قَالَ: أَمَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ فَعَدَنُ، فَتَغَیَّرَ وَجْهُ الرَّشِیدِ وَ قَالَ: إِیهاً (5)!. قَالَ: وَ الْحَدُّ الثَّانِی سَمَرْقَنْدُ، فَأَرْبَدَ (6) وَجْهُهُ. قَالَ: وَ الْحَدُّ الثَّالِثُ إِفْرِیقِیَةُ، فَاسْوَدَّ وَجْهُهُ وَ قَالَ: هنیه هِیهِ (7)!. قَالَ: وَ الرَّابِعُ سِیفُ الْبَحْرِ مَا یَلِی

ص: 200


1- كما جاء فی الاحتجاج 1- 16، و تأویل الآیات الظاهرة 1- 74 حدیث 48، و تفسیر الإمام العسكریّ علیه السلام 339- 345 و غیرها.
2- كما فی الصحاح 5- 2137، و لسان العرب 13- 217 و غیرهما.
3- مناقب ابن شهرآشوب 4- 320- 321.
4- كذا، و الظّاهر: حدّ.
5- أیّ زد من الحدیث و الكلام.
6- أیّ احمرّ احمرارا فیه سوادا عند الغضب.
7- كذا، و الظّاهر أنّها: هیه، كما فی المصدر، و لعلّ ما فی (س) یقرأ كذلك، قال فی النّهایة 5- 290: هیه بمعنی إیه ، فأبدل من الهمزة هاء ، وإیه : اسم سمی به الفعل ومعناه الأمر ، فتقول للرجل :إیه _ بغیر تنوین _ إذا استزدته من الحدیث المعهود بینكما ، فإن نونت استزدته من حدیث ما غیر معهود ، فإذا سكنته وكففته قلت : إیها _ بالنصب _ فالمعنی زدنی. أقول: : وأما هنیه _ بالهاء المهملة _ فلم أجد لها معنی ، وبالتاء _ أی هنیة _ فلها معنی لا یناسب المقام.

الْخَزَرَ (1) وَ إِرْمِینِیَةَ. قَالَ الرَّشِیدُ: فَلَمْ یَبْقَ لَنَا شَیْ ءٌ، فَتَحُولَ إِلَی مَجْلِسِی. قَالَ مُوسَی: قَدْ أَعْلَمْتُكَ (2) أَنَّنِی إِنْ حَدَدْتُهَا لَمْ تَرُدَّهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ عَزَمَ عَلَی قَتْلِهِ.

وَ فِی رِوَایَةِ ابْنِ أَسْبَاطٍ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ فَعَرِیشُ مِصْرَ، وَ الثَّانِی: دُومَةُ الْجَنْدَلِ، وَ الثَّالِثُ: أُحُدٌ، وَ الرَّابِعُ: سِیفُ الْبَحْرِ، فَقَالَ: هَذَا كُلُّهُ هَذِهِ الدُّنْیَا!.

فَقَالَ (علیه السلام): هَذَا كَانَ فِی أَیْدِی الْیَهُودِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِی هَالَةَ فَأَفَاءَهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ (3) بِلَا خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ یَدْفَعَهُ إِلَی فَاطِمَةَ (علیها السلام).

بَیَانٌ:

هَذَانِ التَّحْدِیدَانِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ بَیْنَ اللُّغَوِیِّینَ، قَالَ الْفِیرُوزآبَادِیُّ (4):

فَدَكُ- مُحَرَّكَةً- مَوْضِعٌ بِخَیْبَرَ.

وَ قَالَ فِی مِصْبَاحِ اللُّغَةِ: بَلْدَةٌ بَیْنَهَا وَ بَیْنَ مَدِینَةِ النَّبِیِّ (صلی اللّٰه علیه و آله) یَوْمَانِ وَ بَیْنَهُمَا وَ بَیْنَ خَیْبَرَ دُونَ مَرْحَلَةٍ، وَ هِیَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ* وَ تَنَازَعَهَا (5) عَلِیٌّ وَ الْعَبَّاسُ (6) فِی خِلَافَةِ عُمَرَ، فَقَالَ عَلِیٌّ (علیه السلام): جَعَلَهَا النَّبِیُّ (صلی اللّٰه علیه و آله) لِفَاطِمَةَ وَ وُلْدِهَا، وَ أَنْكَرَهُ الْعَبَّاسُ فَسَلَّمَهَا عُمَرُ لَهُمَا (7). انْتَهَی.

وَ لَعَلَّ مُرَادَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّ تِلْكَ كُلَّهَا فِی حُكْمِ فَدَكَ، وَ كَأَنَّ الدَّعْوَی عَلَی جَمِیعِهَا، وَ إِنَّمَا ذَكَرُوا فَدَكَ عَلَی الْمِثَالِ أَوْ تَغْلِیباً.

«42»-كشف (8): رَوَی الْحُمَیْدِیُّ فِی الْجَمْعِ بَیْنَ الصَّحِیحَیْنِ، السَّادِسُ (9):

عَنْ عُمَرَ عَنْ أَبِی بَكْرٍ الْمُسْنَدُ مِنْهُ فَقَطْ، وَ هُوَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ.

لِمُسْلِمٍ مِنْ

ص: 201


1- فی المصدر: ممّا یلی الجزر.
2- فی (ك): علمتك، و الظّاهر ما فی المتن.
3- فی المصدر: علی رسوله.
4- فی القاموس 3- 315.
5- فی (س): تنازعا.
6- لا توجد: و العبّاس فی (س).
7- المصباح المنیر 2- 136، و قد سلف أنّ ذكرنا عبارة معجم البلدان و غیره فی أوّل الباب، فراجع.
8- كشف الغمّة 1- 474- 478، و نصّ علیه العلّامة الأمینیّ فی الغدیر 7- 194.
9- فی المصدر: فی الجزء السّادس.

رِوَایَةِ جُوَیْرِیَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ وَ عَنْ عَائِشَةَ بِطُولِهِ: أَنَّ فَاطِمَةَ (علیها السلام) سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ أَنْ یَقْسِمَ لَهَا مِیرَاثَهَا.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: أَنَّ فَاطِمَةَ (علیها السلام) وَ الْعَبَّاسَ أَتَیَا أَبَا بَكْرٍ .. یَلْتَمِسَانِ مِیرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُمَا حِینَئِذٍ یَطْلُبَانِ أَرْضَهُ (1) مِنْ فَدَكَ وَ سَهْمَهُ مِنْ خَیْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ (2)، إِنَّمَا یَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَ إِنِّی وَ اللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْراً رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) یَصْنَعُهُ فِیهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ.

زَادَ فِی رِوَایَةِ صَالِحِ بْنِ كَیْسَانَ: إِنِّی أَخْشَی إِنْ تَرَكْتُ شَیْئاً مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِیغَ.

، قَالَ:

فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِینَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَی عَلِیٍّ وَ الْعَبَّاسِ فَغَلَبَهُ عَلَیْهَا عَلِیٌّ.

، وَ أَمَّا خَیْبَرُ وَ فَدَكُ فَأَمْسَكَهُمَا عُمَرُ، وَ قَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَانَتْ لِحُقُوقِهِ الَّتِی تَعَرَّوْهُ وَ نَوَائِبِهِ وَ أَمْرُهُمَا إِلَی مَنْ وَلِیَ الْأَمْرَ.

، قَالَ: فَهُمَا عَلَی ذَلِكَ الْیَوْمَ.

قَالَ غَیْرُ صَالِحٍ فِی رِوَایَتِهِ فِی حَدِیثِ أَبِی بَكْرٍ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ فِی ذَلِكَ حَتَّی مَاتَتْ، فَدَفَنَهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَیْلًا وَ لَمْ یُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: وَ كَانَ لِعَلِیٍّ وَجْهٌ مِنَ النَّاسِ حَیَاةَ (3) فَاطِمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّیَتْ فَاطِمَةُ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ مَكَثَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تُوُفِّیَتْ، فَقَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِیِّ: فَلَمْ یُبَایِعْهُ عَلِیٌّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؟

قَالَ: لَا وَ اللَّهِ، وَ لَا أَحَدٌ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ حَتَّی بَایَعَهُ عَلِیٌّ.

ص: 202


1- فی (س): فرضه.
2- قد سلفت مصادر الحدیث منّا و من المصنّف طاب ثراه، و قد أدرج بعضها العلّامة الأمینیّ فی غدیره 7- 226 و 230، و قد حكاه عن البخاریّ فی صحیحه، باب فرض الخمس 5- 5 عن عائشة، و باب غزوة خیبر 6- 196، و كذا فی صحیح مسلم 2- 72، و مسند أحمد 1- 6، 9، .. و غیرها من المصادر. و لأعلامنا طاب ثراهم مناقشات فیه سندا و دلالة.
3- فی المصدر: فی حیاة ..

فِی حَدِیثِ عُرْوَةَ: فَلَمَّا رَأَی عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ انْصِرَافَ وُجُوهِ النَّاسِ عَنْهُ ضَرَعَ إِلَی مُصَالَحَةِ أَبِی بَكْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَی (1) أَبِی بَكْرٍ: ائْتِینَا (2) وَ لَا تَأْتِنَا مَعَكَ بِأَحَدٍ، وَ كَرِهَ أَنْ یَأْتِیَهُ عُمَرُ لِمَا عَلِمَ مِنْ شِدَّةِ عُمَرَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَأْتِهِمْ وَحْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَ اللَّهِ لَآتِیَنَّهُمْ وَحْدِی، مَا عَسَی أَنْ یَصْنَعُوا بِی؟!. فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ عَلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَدْ جَمَعَ بَنِی هَاشِمٍ عِنْدَهُ، فَقَامَ عَلِیٌّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَلَمْ یَمْنَعْنَا أَنْ نُبَایِعَكَ یَا أَبَا بَكْرٍ إِنْكَارٌ لِفَضِیلَتِكَ وَ لَا نَفَاسَةٌ (3) عَلَیْكَ بِخَیْرٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَیْكَ، وَ لَكِنَّا كُنَّا نَرَی أَنَّ لَنَا فِی هَذَا الْأَمْرِ حَقّاً، فَاسْتَبْدَدْتُمْ عَلَیْنَا .. ثُمَّ ذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ حَقَّهُمْ ..

فَلَمْ یَزَلْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَذْكُرُ حَتَّی بَكَی أَبُو بَكْرٍ وَ صَمَتَ عَلِیٌّ، وَ تَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَوَ اللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَحَبُّ إِلَیَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِی، وَ إِنِّی وَ اللَّهِ مَا لَكَأْتُ (4) فِی هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِی كَانَتْ بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ عَنِ الْخَیْرِ، وَ لَكِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا یَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ (صلی اللّٰه علیه و آله) فِی (5) هَذَا الْمَالِ، وَ إِنِّی وَ اللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْراً صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَ قَالَ عَلِیٌّ: مَوْعِدُكَ لِلْبَیْعَةِ الْعَشِیَّةُ، فَلَمَّا صَلَّی أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ یُعْذِرُ عَلِیّاً بِبَعْضِ مَا اعْتَذَرَ بِهِ، ثُمَّ قَامَ عَلِیٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِی بَكْرٍ وَ ذَكَرَ فَضِیلَتَهُ وَ سَابِقَتَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَبَایَعَهُ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَی عَلِیٍّ فَقَالُوا: أَصَبْتَ وَ أَحْسَنْتَ، وَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَی عَلِیٍّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَرِیباً حِینَ رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ.

هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْحُمَیْدِیُّ.

ص: 203


1- حذفت: إلی، فی (ك).
2- فی المصدر: أتینا، و الظّاهر: ایتنا- بتقدیم الیاء علی التّاء-.
3- أیّ بخلا و ضنّا و رغبة بخیر یصلك.
4- فی المصدر: ما ألوت، أیّ ما قصّرت، و كذا لكأت، و یأتی فی بیان المصنّف رحمه اللّٰه.
5- فی المصدر: من بدلا من: فی.

و قد خطر لی عند نقلی لهذا الحدیث كلام أذكره علی مواضع منه، ثم بعد ذلك أورد ما نقله أصحابنا فی المعنی، ملتزما بما اشترطه (1) من العدل فی القول و الفعل، وَ عَلَی اللَّهِ قَصْدُ السَّبِیلِ قول أبی بكر- فی أول الحدیث و آخره-: و إنّی و اللّٰه لا أدع أمرا رأیت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه (و آله) یصنعه فیه إلّا صنعته .. و هو لم یرد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله صنع فیها إلّا أنّه اصطفاها، و إنّما سمع سماعا أنّه بعد وفاته لا یورث، كما روی، فكان حقّ الحدیث أن یحكی و یقول و إنّی و اللّٰه لا أدع أمرا سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یقوله (2) إلّا عملت بمقتضی قوله، أو ما هذا معناه.

و فیه: فأمّا صدقته بالمدینة فدفعها عمر إلی علیّ و عباس (3) فغلبه علیها علیّ.

أقول: حكم هذه الصدقة التی بالمدینة حكم فدك و خیبر، فهلّا منعهم الجمیع كما فعل صاحبه إن كان العمل علی ما رواه، أو صرفهم فی الجمیع إن كان الأمر بضدّ ذلك، فأمّا تسلیم البعض و منع البعض فإنّه ترجیح من غیر مرجّح، اللّٰهم إلّا أن یكونوا فعلوا (4) شیئا لم یصل إلینا فی إمضاء ذلك.

و فی قوله: فغلبه علیها علیّ .. دلیل واضح علی ما ذهب إلیه أصحابنا من توریث البنات دون الأعمام، فإنّ علیّا علیه السلام لم یغلب العباس علی الصدقة من جهة العمومة، إذ كان العباس أقرب من علیّ (علیه السلام) فی ذلك، و غلبه (5) إیّاه علی سبیل الغلب و العنف مستحیل أن یقع من علیّ فی حقّ العباس، و لم یبق إلّا أنّه غلبه علیها بطریق فاطمة و بنیها علیهم السلام.

وَ قَوْلُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: كُنَّا نَرَی أَنَّ لَنَا فِی هَذَا الْأَمْرِ حَقّاً فَاسْتَبْدَدْتُمْ

ص: 204


1- فی الكشف: اشترطته.
2- فی (ك): یقول، و كذا فی نسخة جاءت علی (س).
3- فی المصدر: و العباس.
4- فی المصدر: نقلوا.
5- فی المصدر: و غلبته.

عَلَیْنَا ..

فتأمّل معناه یضح (1) لك مغزاه، و لا حاجة (2) إلی كشف مغطاه.

و روی أحمد بن حنبل .. فی مسنده ما یقارب ألفاظ ما رواه الحمیدی، و لم یذكر حدیث علیّ (علیه السلام) و أبی بكر و مجیئه إلیه فی هذا الحدیث.

رَوَی ابْنُ بَابَوَیْهِ مَرْفُوعاً إِلَی أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (3)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا فَاطِمَةُ! لَكِ فَدَكُ.

، و فی روایة أخری عن أبی سعید مثله.

وَ عَنْ عَطِیَّةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (4)، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَأَعْطَاهَا فَدَكَ.

وَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (علیه السلام) قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَدَكَ.

وَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قُلْتُ: كَانَ (5) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَعْطَی فَاطِمَةَ (علیها السلام) فَدَكَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَقَفَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی: فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (6)، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَقَّهَا. قُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) أَعْطَاهَا؟

قَالَ: بَلِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَعْطَاهَا.

و قد تظاهرت الروایة من طرق أصحابنا بذلك، و ثبت أنّ ذا القربی: علیّ و فاطمة و الحسن و الحسین علیهم السلام، و علی هذا فقد كان أبو بكر و عمر لما ولیا

ص: 205


1- فی المصدر: یصح، و هو من صحی یصحی، وقع فی جواب الأمر فصار مجزوما بحذف قال فی القاموس 4- 351: الصحو: ذهاب الغیم، و هو كنایة عن وضوح الأمر.
2- فی الكشف: و لا حاجة بنا ..
3- الرّوم: 38.
4- الرّوم: 38.
5- فی المصدر: أ كان ..
6- الرّوم: 38.

هذا الأمر یرتبان فی الأعمال و البلاد القریبة و النائیة (1) من الصحابة و المهاجرین و الأنصار من لا یكاد یبلغ مرتبة علیّ و فاطمة و الحسن و الحسین علیهم السلام و لا یقاربها، فلو اعتقداهم مثل بعض الولاة و سلّما إلیهم هذه الصدقة التی قامت النائرة فی أخذها، و عرفاهم ما رویاه و قالا لهم: أنتم أهل البیت و قد شهد اللّٰه لكم بالطهارة، و أذهب عنكم الرجس، و قد عرفناكم أن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله قال: لا نورث (2)، و قد سلمناها إلیكم، و شغلنا ذممكم بها، و اللّٰه من وراء أفعالكم فیها، و اللّٰه سبحانه بمرأی منكم (3) و مسمع، فاعملوا فیها بما یقرّبكم منه و یزلفكم عنده، فعلی هذا سلّمناها إلیكم و صرفناكم فیها، فإن فعلتم الواجب الذی أمرتم به و فعلتم فیها فعل رسول اللّٰه (صلی اللّٰه علیه و آله) فقد أصبتم و أصبنا، و إن تعدّیتم الواجب و خالفتم ما حدّه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فقد أخطأتم و أصبنا فإنّ الذی علینا الاجتهاد و لم نأل فی اختیاركم جهدا، و ما علینا بعد بذل الجهد لائمة، و هذا الحدیث من الإنصاف كما یروی (4)، و اللّٰه الموفق و المسدّد.

وَ رُوِیَ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ جَاءَتْ إِلَی أَبِی بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَتْ (5): یَا أَبَا بَكْرٍ! مَنْ یَرِثُكَ إِذَا مِتَّ؟ قَالَ: أَهْلِی وَ وُلْدِی، قَالَتْ: فَمَا لِی لَا أَرِثُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)؟. قَالَ: یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ! إِنَّ النَّبِیَّ لَا یُورَثُ، وَ لَكِنْ أُنْفِقُ عَلَی مَنْ كَانَ یُنْفِقُ عَلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ، وَ أُعْطِی مَا كَانَ یُعْطِیهِ.

قَالَتْ: وَ اللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ بِكَلِمَةٍ مَا حَیِیتُ، فَمَا كَلَّمَتْهُ حَتَّی مَاتَتْ (6).

ص: 206


1- فی الكشف: النائبة، و هو غلط.
2- فی المصدر زیادة: ما تركناه صدقة.
3- فی الكشف: و هو سبحانه بمرأی، و جاء نسخة علی (س).
4- فی المصدر: كما تری، و فی (ك): یری، و قد ذكرها نسخة فی (س).
5- فی كشف الغمّة: فقال، و ما ذكر هنا هو الصّحیح.
6- جاء ذیل الرّوایة بألفاظ مختلفة فی روایات عدیدة، ذكر جملة منها مع مصادرها فی الغدیر 7 229- 230.

وَ قِیلَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَقَالَتْ: أَعْطِنِی مِیرَاثِی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. قَالَ: إِنَّ الْأَنْبِیَاءَ لَا تُورَثُ (1) مَا تَرَكُوهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَرَجَعَتْ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: ارْجِعِی فَقُولِی: مَا شَأْنُ سُلَیْمَانَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ وَرِثَ دَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ قَالَ زَكَرِیَّا: فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (2)؟! فَأَبَوْا وَ أَبَی.

وَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ: النَّبِیُّ (صلی اللّٰه علیه و آله) لَا یُورَثُ، قَالَتْ: قَدْ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (3)، وَ قَالَ زَكَرِیَّا: فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (4)، فَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَی النَّبِیِّ مِنْ زَكَرِیَّا إِلَی یَعْقُوبَ..

وَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ عَلِیٌّ (علیه السلام) لِفَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ:

انْطَلِقِی فَاطْلُبِی مِیرَاثَكِ مِنْ أَبِیكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. فَجَاءَتْ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَقَالَتْ: أَعْطِنِی مِیرَاثِی مِنْ أَبِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

قَالَ: النَّبِیُّ (صلی اللّٰه علیه و آله) لَا یُورَثُ، فَقَالَتْ: أَ لَمْ یَرِثْ سُلَیْمَانُ دَاوُدَ؟! فَغَضِبَ وَ قَالَ:

النَّبِیُّ لَا یُورَثُ، فَقَالَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ: أَ لَمْ یَقُلْ زَكَرِیَّا: فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (5)؟. فَقَالَ: النَّبِیُّ لَا یُورَثُ. فَقَالَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ: أَ لَمْ یَقُلْ: یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ (6)؟! فَقَالَ: النَّبِیُّ لَا یُورَثُ.

وَ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ تَطْلُبُ فَدَكاً، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّی لَأَعْلَمُ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- أَنَّكِ

ص: 207


1- فی المصدر: لا یورث.
2- مریم: 5- 6.
3- النّمل: 16.
4- مریم: 5- 6.
5- مریم: 5- 6.
6- النّساء: 11.

لَنْ تَقُولِی إِلَّا حَقّاً، وَ لَكِنْ هَاتِی بَیِّنَتَكِ، فَجَاءَتْ بِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَشَهِدَ، ثُمَّ جَاءَتْ بِأُمِّ أَیْمَنَ فَشَهِدَتْ، فَقَالَ: امْرَأَةً أُخْرَی أَوْ رَجُلًا فَكَتَبْتُ لَكِ بِهَا (1).

«43»- 44 مصباح الأنوار (2)، كشف (3): مثل الأحادیث الثلاثة الأخیرة.

أقول: هذا (4) الحدیث عجیب، فإنّ فاطمة علیها السلام كانت (5) مطالبة بمیراث فلا حاجة بها إلی الشهود، فإنّ المستحق للتركة لا یفتقر إلی الشاهد إلّا إذا لم یعرف صحة نسبه و اعتزائه إلی الدارج (6)، و ما أظنّهم شكّوا فی نسب فاطمة (7) علیها السلام، و كونها ابنة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، و إن كانت تطلب فدكا و تدّعی أنّ أباها (صلی اللّٰه علیه و آله) نحلها (8) إیّاها احتاجت إلی إقامة البیّنة، و لم یبق لِمَا

رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَوْلِهِ: (نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ لَا نُورَثُ).

معنی، و هذا واضح جدا، فتدبّر.

و رَوَی (9) مَرْفُوعاً: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ لَمَّا اسْتَخْلَفَ قَالَ: یَا أَیُّهَا النَّاسُ! إِنِّی قَدْ رَدَدْتُ عَلَیْكُمْ مَظَالِمَكُمْ، وَ أَوَّلُ مَا أَرُدُّ مِنْهَا مَا كَانَ فِی یَدِی، قَدْ رَدَدْتُ فَدَكَ عَلَی وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ وَ وُلِدِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (علیه السلام) فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَدَّهَا.

ص: 208


1- كذا، و الظّاهر: لكتبت لك بها.
2- مصباح الأنوار 245- 246.
3- كشف الغمّة 1- 478.
4- یحتمل قویا أن یكون موضع الرمز «كشف» قبل «اقول هذا» فإن هذه العبارة إلی: فتدبّر، موجودة فی كشف الغمّة، و الأحادیث الثلاثة موجودة فی مصباح الأنوار.
5- فی كشف الغمّة: إن كانت.
6- أی لم یعرف انتسابه إلی المیت. قال فی النهایة 3- 233: التعزّی: الانتماء و الانتساب إلی القوم. وقال أیضا ٢ _ ١١١ : درج ، أی مات.
7- فی كشف الغمّة: نسبها، بدل: نسب فاطمة.
8- فی كشف الغمّة: تحلها، و هی غلط.
9- كشف الغمّة: 1- 494- 496.

وَ رَوَی أَنَّهُ رَدَّهَا بِغَلَّاتِهَا مُنْذُ وُلِّیَ، فَقِیلَ لَهُ: نَقَمْتَ عَلَی أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ فِعْلَهُمَا، وَ طَعَنْتَ (1) عَلَیْهِمَا، وَ نَسَبْتَهُمَا إِلَی الظُّلْمِ وَ الْغَصْبِ، وَ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ فِی ذَلِكَ قُرَیْشٌ وَ مَشَایِخُ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّوْءِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ: قَدْ صَحَّ عِنْدِی وَ عِنْدَكُمْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ادَّعَتْ فَدَكَ، وَ كَانَتْ فِی یَدِهَا، وَ مَا كَانَتْ لِتَكْذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَعَ شَهَادَةِ عَلِیٍّ وَ أُمِّ أَیْمَنَ وَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَ فَاطِمَةُ عِنْدِی صَادِقَةٌ فِیمَا تَدَّعِی وَ إِنْ لَمْ تَقُمِ الْبَیِّنَةَ، وَ هِیَ سَیِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَأَنَا الْیَوْمَ أَرُدُّ عَلَی وَرَثَتِهَا أَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ أَرْجُو أَنْ تَكُونَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ (علیهم السلام) یَشْفَعُونَ لِی یَوْمَ (2) الْقِیَامَةِ، وَ لَوْ كُنْتُ بَدَلَ أَبِی بَكْرٍ وَ ادَّعَتْ فَاطِمَةُ كُنْتُ أُصَدِّقُهَا عَلَی دَعْوَاهَا (3)، فَسَلَّمَهَا إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الْبَاقِرِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ (4)، فَلَمْ تَزَلْ فِی أَیْدِیهِمْ إِلَی أَنْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ.

وَ رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا صَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَی عُمَرَ بْنِ الْعَزِیزِ رَدَّ عَلَیْهِمْ سِهَامَ الْخُمُسِ:

سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ سَهْمَ ذِی الْقُرْبَی، وَ هُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، رَدَّ عَلَی جَمِیعِ بَنِی هَاشِمٍ، وَ سَلَّمَ ذَلِكَ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ (5) وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَ قِیلَ: إِنَّهُ جَعَلَ مِنْ بَیْتِ مَالِهِ سَبْعِینَ حِمْلًا مِنَ الْوَرِقِ وَ الْعَیْنِ مِنْ مَالِ الْخُمُسِ، فَرَدَّ عَلَیْهِمْ ذَلِكَ، وَ كَذَلِكَ كُلَّ مَا كَانَ لِبَنِی فَاطِمَةَ وَ بَنِی هَاشِمٍ مِمَّا حَازَهُ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ بَعْدَهُمَا عُثْمَانُ وَ مُعَاوِیَةُ وَ یَزِیدُ وَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَدَّ عَلَیْهِمْ، وَ اسْتَغْنَی بَنُو هَاشِمٍ فِی تِلْكَ السِّنِینَ (6) وَ حَسُنَتْ أَحْوَالُهُمْ.

، وَ رَدَّ عَلَیْهِمُ الْمَأْمُونُ وَ الْمُعْتَصِمُ وَ الْوَاثِقُ، وَ قَالا: كَانَ الْمَأْمُونُ أَعْلَمُ مِنَّا بِهِ فَنَحْنُ نَمْضِی عَلَی مَا مَضَی هُوَ عَلَیْهِ، فَلَمَّا وُلِّیَ

ص: 209


1- فی المصدر: فطعنت.
2- فی الكشف: فی یوم.
3- فی المصدر: دعواتها.
4- فی كشف الغمّة: الباقر علیهم السّلام و عبد اللّٰه بن الحسن.
5- فی المصدر زیادة: الباقر علیه السّلام.
6- لا توجد الواو فی المصدر.

الْمُتَوَكِّلُ قَبَضَهَا وَ أَقْطَعَهَا حَرْمَلَةَ الْحَجَّامَ، وَ أَقْطَعَهَا بَعْدَهُ لِفُلَانٍ النازیار (الْبَازْیَارِ) (1) مِنْ أَهْلِ طَبَرِسْتَانَ، وَ رَدَّهَا الْمُعْتَضِدُ، وَ حَازَهَا الْمُكَتَفِی، وَ قِیلَ: إِنَّ الْمُقْتَدِرَ رَدَّهَا عَلَیْهِمْ.

قَالَ شَرِیكٌ: كَانَ یَجِبُ عَلَی أَبِی بَكْرٍ أَنْ یَعْمَلَ مَعَ فَاطِمَةَ بِمُوجِبِ الشَّرْعِ، وَ أَقَلُّ مَا یَجِبُ عَلَیْهِ أَنْ یَسْتَحْلِفَهَا عَلَی دَعْوَاهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَعْطَاهَا فَدَكَ فِی حَیَاتِهِ، فَإِنَّ عَلِیّاً وَ أُمَّ أَیْمَنَ شَهِدَا لَهَا، وَ بَقِیَ رُبُعُ الشَّهَادَةِ فَرَدُّهَا بَعْدَ الشَّاهِدَیْنِ لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِمَّا أَنْ یُصَدِّقَهَا أَوْ یَسْتَحْلِفَهَا وَ یُمْضِیَ الْحُكْمَ لَهَا، قَالَ شَرِیكٌ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ! مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ یَجْهَلُهُ أَوْ یَتَعَمَّدُهُ؟!.

وَ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ الْوَشَّاءُ: سَأَلْتُ مَوْلَانَا أَبَا الْحَسَنِ عَلِیَّ بْنَ مُوسَی الرِّضَا عَلَیْهِمَا السَّلَامُ: هَلْ خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) غَیْرَ فَدَكَ شَیْئاً؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ خَلَّفَ حِیطَاناً بِالْمَدِینَةِ صَدَقَةً، وَ خَلَّفَ سِتَّةَ أَفْرَاسٍ وَ ثَلَاثَ نُوقٍ: الْعَضْبَاءَ وَ الصَّهْبَاءَ وَ الدِّیبَاجَ، وَ بَغْلَتَیْنِ: الشَّهْبَاءَ وَ الدُّلْدُلَ، وَ حِمَارَهً: الْیَعْفُورَ، وَ شَاتَیْنِ حَلُوبَتَیْنِ، وَ أَرْبَعِینَ نَاقَةً حَلُوباً، وَ سَیْفَهُ ذَا الْفَقَارِ، وَ دِرْعَهُ ذَاتَ الْفُضُولِ (2)، وَ عِمَامَتَهُ السَّحَابَ، وَ حِبَرَتَیْنِ یَمَانِیَّتَیْنِ، وَ خَاتَمَهُ الْفَاضِلَ، وَ قَضِیبَهُ الْمَمْشُوقَ، وَ فِرَاشاً مِنْ لِیفٍ، وَ عَبَاءَتَیْنِ وَ قَطَوَانِیَّتَیْنِ (3)، وَ مَخَادّاً مِنْ أَدَمٍ صَارَ ذَلِكَ إِلَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ مَا خَلَا دِرْعَهُ وَ سَیْفَهُ وَ عِمَامَتَهُ وَ خَاتَمَهُ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ (4).

إیضاح:

قال فی النهایة فی حدیث أبی بكر .. أن أزیغ .. أی أجور و أعدل عن الحقّ (5) و قال فی حدیث .. فدك لحقوق رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه (و آله و سلّم)

ص: 210


1- فی الكشف: البازیار.
2- فی المصدر: ذات الفصول.
3- فی الكشف: و عباءین قطوانیّتین.
4- إلی هنا نقل عن كشف الغمّة بما ذكرناه من الاختلاف.
5- النهایة 2- 324، و انظر: لسان العرب 8- 432 و غیره.

الّتی تعروه .. أی تغشاه و تنتابه (1).

و قال: المنافسة: الرّغبة فی الشّی ء و الانفراد به، و هو من الشیّ ء النّفیس الجیّد فی نوعه، .. و نفست به- بالكسر- أی بخلت، و نفست علیه الشّی ء نفاسة إذا لم تره له أهلا (2).

قوله: لكأت .. قال الفیروزآبادی: لكأ- كفرح- أقام و لزم، و تلكّأ علیه اعتلّ، و عنه أبطأ (3).

قوله: یضح لك مغزاه .. أی یتبیّن لك معناه (4).

و الدّارج: المیّت (5).

و یقال: نقمت علیه و منه- من باب ضرب و علم- إذا عابه و كرهه أشدّ الكراهة، و فی التنزیل: وَ ما تَنْقِمُ مِنَّا (6).

و قال فی النهایة (7): الحلوب أی ذات اللّبن، یقال: ناقة حلوب أی هی ممّا یحلب، و قیل الحلوب و الحلوبة سواء، و قیل الحلوب الاسم، و الحلوبة الصّفة، و قیل الواحدة و الجماعة.

و قال (8): القطوانیّة عباءة بیضاء قصیرة الخمل، و النّون زائدة.

ص: 211


1- النهایة 3- 226، و قارن بلسان العرب 15- 44 و غیره.
2- النهایة 5- 95، و قارن بلسان العرب 6- 238 و غیره.
3- كما فی القاموس 1- 27- 28، و تاج العروس 1- 116، و لاحظ: لسان العرب 1- 153- 154.
4- جاء فی حاشیة (ك): و مغزی الكلام: مقصده، و عرفت ما یغزی هذا الكلام: أی ما یراد.صحاح. انظر : صحاح اللغة ٦ _ ٢٤٤٦ وقارن بلسان العرب ١٥ _ ١٢٣.
5- قاله فی مجمع البحرین 9- 299، و النهایة 2- 111 و غیرهما.
6- ذكره فی تاج العروس 9- 84، و مجمع البحرین 6- 180، و الآیة هی 126 من سورة الأعراف.
7- النهایة 1- 422، و انظر: لسان العرب 1- 328.
8- النهایة: 4- 85، و لاحظ: لسان العرب 15- 191.

أقول:

رَوَی السَّیِّدُ فِی الشَّافِی (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِیَّا الْغَلَابِیِّ عَنْ شُیُوخِهِ عَنْ أَبِی الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِیَادٍ مَوْلَی آلِ عُثْمَانَ قَالَ: لَمَّا وُلِّیَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْخِلَافَةَ (2) فَرَدَّ فَدَكَ عَلَی وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ، وَ كَتَبَ إِلَی وَالِیهِ عَلَی الْمَدِینَةِ: أَبِی بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (3) یَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَیْهِ: أَنَّ فَاطِمَةَ (علیها السلام) قَدْ وُلِدَتْ فِی آلِ عُثْمَانَ وَ آلِ فُلَانٍ وَ آلِ فُلَانٍ، فَكَتَبَ إِلَیْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّی لَوْ كَتَبْتُ إِلَیْكَ آمُرُكَ أَنْ تَذْبَحَ شَاةً لَسَأَلْتَنِی جَمَّاءَ أَوْ قَرْنَاءَ؟، أَوْ كَتَبْتُ إِلَیْكَ أَنْ تَذْبَحَ بَقَرَةً لَسَأَلْتَنِی مَا لَوْنُهَا؟ فَإِذَا وَرَدَ عَلَیْكَ كِتَابِی هَذَا فَاقْسِمْهَا بَیْنَ وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ مِنْ عَلِیٍّ (علیه السلام) (4).

قَالَ أَبُو الْمِقْدَامِ: فَنَقَمَتْ بَنُو أُمَیَّةَ ذَلِكَ عَلَی عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ عَاتَبُوهُ فِیهِ، وَ قَالُوا لَهُ: قَبَّحْتَ (5) فِعْلَ الشَّیْخَیْنِ، وَ خَرَجَ إِلَیْهِ عَمْرُو بْنُ عُبَیْسِ (6) فِی جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا عَاتَبُوهُ عَلَی فِعْلِهِ قَالَ: إِنَّكُمْ جَهِلْتُمْ وَ عَلِمْتُ، وَ نَسِیتُمْ وَ ذَكَرْتُ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ (7) بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَدَّثَنِی عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی یَسْخَطُنِی مَا یَسْخَطُهَا وَ یُرْضِینِی مَا یُرْضِیهَا، وَ إِنَّ فَدَكَ كَانَتْ صَافِیَةً فِی عَهْدِ (8) أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ، ثُمَّ صَارَ أَمْرُهَا إِلَی مَرْوَانَ، فَوَهَبَهَا لِأَبِی عَبْدِ الْعَزِیزِ فَوَرِثْتُهَا أَنَا وَ إِخْوَتِی (9) فَسَأَلْتُهُمْ أَنْ یَبِیعُونِی حِصَّتَهُمْ مِنْهَا، وَ مِنْهُمْ (10)

ص: 212


1- الشّافی فی الإمامة 4- 102- 104.
2- لا توجد: الخلافة، فی المصدر.
3- كذا، و الصّحیح: أبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم، كما فی الجرح و التّعدیل للرازی: 9- 227.
4- جاء فی المصدر زیادة: و السّلام.
5- فی المصدر: هجنت، و المعنی مقارب.
6- فی المصدر: عمرو بن عبس، و الظّاهر: عمر بن قیس كما فی نسخة من المصدر. انظر : لسان المیزان ٤ _ ٣٧٤.
7- الصّحیح- كما مرّ-: أبا بكر بن محمّد.
8- فی الشّافی: علی عهد.
9- فی المصدر: و إخوانی.
10- فی الشّافی: فمنهم، و هو الظّاهر.

مَنْ بَاعَنِی وَ مِنْهُمْ مَنْ وَهَبَ لِی حَتَّی اسْتَجْمَعْتُهَا، فَرَأَیْتُ أَنْ أَرُدَّهَا عَلَی وُلْدِ فَاطِمَةَ (علیها السلام). فَقَالُوا: إِنْ أَبَیْتَ إِلَّا هَذَا فَأَمْسِكِ الْأَصْلَ وَ اقْسِمِ الْغَلَّةَ، فَفَعَلَ.

أقول: سیأتی فی أبواب تاریخ أبی جعفر الباقر علیه السلام ردّ عمر بن عبد العزیز فدكا إلیه علیه السلام (1).

ص: 213


1- بحار الأنوار 46- 326- 327 حدیث 3، نقلا عن الخصال 104- 105 حدیث 64، و المناقب لابن شهرآشوب 4- 207- 208 حدیث 4. وقد أورد العلامة المجلسی رحمه اللّٰه روایة الخصال أیضا فی باب وصایا الباقر علیه السلام من كتاب الروضة من البحار : ٧٨ _ ١٨١ _ ١٨٢ حدیث ٦.

ص: 214

فصل نورد فیه: خطبة خطبتها سیدة النساء فاطمة الزهراء صلوات اللّٰه علیها احتجّ بها علی من غصب فدك منها.

فصل نورد فیه: خطبة خطبتها (1) سیدة النساء فاطمة الزهراء صلوات اللّٰه علیها احتجّ (2) بها علی من غصب فدك منها.

اعلم أنّ هذه الخطبة من الخطب المشهورة التی روتها الخاصّة و العامّة بأسانید متضافرة.

«1»-قال عبد الحمید بن أبی الحدید (3) فی شرح كتابه علیه السلام إلی عثمان ابن حنیف عند ذكر الأخبار الواردة فی فدك، حیث قال: الفصل الأول فیما ورد من الأخبار و السیر المنقولة من أفواه أهل الحدیث و كتبهم لا من كتب الشیعة و رجالهم. و جمیع ما نورده فی هذا الفصل من كتاب أبی بكر أحمد بن عبد العزیز الجوهری فی السقیفة و فدك- و أبو بكر الجوهری هذا عالم محدّث كثیر الأدب ثقة

ص: 215


1- فی الأصل، المطبوع: خطبها.
2- كذا، و الظاهر: احتجت.
3- فی شرحه علی نهج البلاغة 16- 210- 213، بتصرّف و اختصار.

ورع أثنی علیه المحدّثون و رووا عنه مصنّفاته و غیر مصنّفاته (1)

ثم قال:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِیَّا، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِی ابْنُ خَالاتٍ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ (2) عَنْ زَیْنَبَ بِنْتِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

قَالَ: وَ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ: حَدَّثَنِی أَبِی، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ (3) بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ، عَنْ أَبِیهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَ حَدَّثَنِی عُثْمَانُ بْنُ عِمْرَانَ الْعُجَیْفِیُّ، عَنْ نَائِلِ بْنِ نَجِیحٍ، عَنْ عَمْرِو (4) بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَ حَدَّثَنِی أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَیْدٍ (5)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (6) بْنِ الْحَسَنِ.

قَالُوا جَمِیعاً: لَمَّا بَلَغَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ إِجْمَاعُ أَبِی بَكْرٍ عَلَی مَنْعِهَا فَدَكَ، لَاثَتْ (7) خِمَارَهَا وَ أَقْبَلَتْ فِی لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا وَ نِسَاءِ قَوْمِهَا تَطَأُ ذُیُولَهَا (8)، مَا تَخْرِمُ مِشْیَتُهَا مِشْیَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَتَّی دَخَلَتْ عَلَی أَبِی بَكْرٍ- وَ قَدْ حَشَدَ النَّاسَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ- فَضُرِبَتْ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهَا (9) رَیْطَةٌ بَیْضَاءُ، وَ قَالَ بَعْضُهُمْ:

ص: 216


1- لا یوجد فی المصدر: و غیر مصنّفاته.
2- جاء فی شرح النّهج: قال أبو بكر فحدّثنی محمّد بن زكریّا، قال: حدّثنی جعفر بن محمّد بن عمارة الكندیّ، قال: حدّثنی أبی عن الحسین بن صالح بن حیّ، قال: حدّثنی رجلان من بنی هاشم.
3- لا توجد فی المصدر: ابن عمارة حدّثنی أبی عن جعفر بن محمّد.
4- فی شرح النّهج: نجیح بن عمیر.
5- فی المصدر: یزید بدلا من: زید.
6- فی المصدر زیادة: ابن حسین بعد عبد اللّٰه.
7- فی (س): لاتت، و هو غلط.
8- فی شرح النّهج: فی ذیولها.
9- فی المصدر: فضرب بیّنها و بینهم.

قِبْطِیَّةٌ، وَ قَالُوا: قِبْطِیَّةٌ- بِالْكَسْرِ وَ الضَّمِّ- .. ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ (1) لَهَا الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ أَمْهَلَتْ طَوِیلًا حَتَّی سَكَنُوا مِنْ فَوْرَتِهِمْ، ثُمَّ قَالَتْ:

أَبْتَدِئُ بِحَمْدِ مَنْ هُوَ أَوْلَی بِالْحَمْدِ وَ الطَّوْلِ وَ الْمَجْدِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی مَا أَنْعَمَ وَ لَهُ الشُّكْرُ بِمَا أَلْهَمَ .. وَ ذَكَرَ خُطْبَةً طَوِیلَةً جِدّاً ثُمَّ قَالَتْ (2) فِی آخِرِهَا: فَ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ أَطِیعُوهُ فِیمَا أَمَرَكُمْ بِهِ .. إِلَی آخِرِ الْخُطْبَةِ.

، انتهی كلام ابن أبی الحدید (3).

«2»-وَ قَدْ أَوْرَدَ الْخُطْبَةَ عَلِیٌّ بْنُ عِیسَی الْإِرْبِلِیُّ فِی كِتَابِ كَشْفِ الْغُمَّةِ (4)، قَالَ: نَقَلْتُهَا مِنْ كِتَابِ السَّقِیفَةِ تَأْلِیفِ أَحْمَدَ (5) بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیِّ مِنْ نُسْخَةٍ قَدِیمَةٍ (6) مَقْرُوءَةٍ عَلَی مُؤَلِّفِهَا الْمَذْكُورِ، قُرِئَتْ عَلَیْهِ فِی رَبِیعٍ الْآخَرِ سَنَةِ اثْنَیْنِ وَ عِشْرِینَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ، رَوَی عَنْ رِجَالِهِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ لَمَّا بَلَغَهَا إِجْمَاعُ أَبِی بَكْرٍ .. إِلَی آخِرِ الْخُطْبَةِ.

و قد أشار إلیها المسعودی فی مروج الذهب (7).

و قال السَّیِّدُ الْمُرْتَضَی رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی الشَّافِی (8)، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ ابْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزُبَانِیُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ (9) الْكَاتِبِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ

ص: 217


1- جاء فی حاشیة (ك) ما یلی: فی حدیث فاطمة علیها السّلام: فأجهشت، و یروی: فجهشت، و المعنی واحد. و الجهش: أن یفزع الإنسان إلی غیره، و هو مع ذلك یرید البكاء كالصّبیّ یفزع إلی أمّه و قد تهیّأ للبكاء. مجمع البحرین. انظر : المجمع ٤ _ ١٣١.
2- فی المصدر: طویلة جیّدة، قالت.
3- حكاه العلّامة الأمینی فی غیره 7- 192 و ما بعدها، باختلاف یسیر.
4- كشف الغمّة: 1- 480- 492.
5- فی المصدر: من كتاب السّقیفة عن عمر بن شبه تألیف أبی بكر أحمد ..
6- وضع فی (ك): علی كلمة: قدیمة، رمز: خ، أیّ فی نسخة.
7- مروج الذهب 2- 304.
8- الشّافی: 4- 69- 72، باختلاف یسیر.
9- فی (س): محمّد بن أبی محمّد، و هو غلط، إذ هو أبو طاهر محمّد بن أحمد بن محمّد الكاتب، من شیوخ ابن مندة، كما ذكره ابن خلّكان 6- 196.

النَّحْوِیِّ (1)، عَنِ الزِّیَادِیِّ، عَنْ شَرَفِیِّ (2) بْنِ قُطَامِیٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَیْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.

قَالَ الْمَرْزُبَانِیُّ: وَ حَدَّثَنِی أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّیُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْیَمَانِیِّ (3)، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ قَالُوا: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ فِی لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا إِلَی أَبِی بَكْرٍ ..

وَ فِی الرِّوَایَةِ الْأُولَی: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا سَمِعَتْ فَاطِمَةُ (علیها السلام) إِجْمَاعَ أَبِی بَكْرٍ عَلَی مَنْعِهَا فَدَكَ لاتت (لَاثَتْ) (4) خِمَارَهَا عَلَی رَأْسِهَا وَ اشْتَمَلَتْ بِجِلْبَابِهَا، وَ أَقْبَلَتْ فِی لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا- ثُمَّ اتَّفَقَتِ الرِّوَایَتَانِ مِنْ هَاهُنَا- وَ نِسَاءِ قَوْمِهَا .. وَ سَاقَ الْحَدِیثَ نَحْوَ مَا مَرَّ إِلَی قَوْلِهِ: افْتَتَحَتْ كَلَامَهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الثَّنَاءِ عَلَیْهِ وَ الصَّلَاةِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... إِلَی آخِرِهَا.

أقول: و سیأتی أسانید أخری سنوردها من كتاب أحمد بن أبی طاهر.

«3»-وَ رَوَی الصَّدُوقُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْضَ فِقَرَاتِهَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِلَلِ فِی عِلَلِ الشَّرَائِعِ (5) عَنِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِیِّ، عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ زَیْنَبَ بِنْتِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

«4»-قَالَ: وَ أَخْبَرَنَا (6) عَلِیُّ بْنُ حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الْجَلِیلِ

ص: 218


1- فی المصدر: أحمد بن عبید بن ناصح النّحویّ.
2- فی المصدر: الشّرقیّ.
3- فی المصدر: حدّثنا أبو العیناء محمّد بن القاسم السیمامی.
4- كذا فی مطبوع البحار، و فی نسخة علی (ك) و المصدر: لاثت، و هو الظّاهر كما سیأتی فی بیان المصنّف رحمه اللّٰه.
5- علل الشّرائع: 248 حدیث 2.
6- علل الشّرائع: 248 حدیث 3، باختلاف یسیر.

الْبَاقَطَانِیِّ (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِیِّ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ عَنْ زَیْنَبَ بِنْتِ عَلِیٍّ عَنْ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ بِمِثْلِهِ.

«5»-وَ أَخْبَرَنِی (2) عَلِیُّ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْمِصْرِیِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ یَحْیَی (4) عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَی الْعَبْسِیِّ (5) عَنْ حَفْصٍ الْأَحْمَرِ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ عَمَّتِهِ زَیْنَبَ بن (بِنْتِ) عَلِیٍّ عَنْ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ، وَ زَادَ (6) بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ فِی اللَّفْظِ.

أقول: قد أوردت ما رواه فی المجلد الثالث (7)، و إنّما أوردت الأسانید هنا لیعلم أنّه روی هذه الخطبة بأسانید جمّة.

«6»-وَ رَوَی الشَّیْخُ الْمُفِیدُ الْأَبْیَاتَ الْمَذْكُورَةَ فِیهَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ فِی أَوَائِلِ الْبَابِ (8).

«7»-وَ رَوَی السَّیِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی كِتَابِ الطَّرَائِفِ (9) مَوْضِعَ الشَّكْوَی وَ الِاحْتِجَاجِ مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ عَنِ الشَّیْخِ أَسْعَدَ بْنِ شَفَرْوَةَ (10) فِی كِتَابِ الْفَائِقِ (11) عَنِ الشَّیْخِ الْمُعَظَّمِ عِنْدَهُمُ الْحَافِظِ الثِّقَةِ بَیْنَهُمْ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَی بْنِ مَرْدَوَیْهِ

ص: 219


1- فی المصدر: الباقلانیّ.
2- أیّ قاله فی علل الشّرائع: 248 حدیث 4.
3- فی المصدر: محمّد بن أبی عمیر.
4- فی العلل زیادة: النّاشب، بعد یحیی.
5- فی العلل: عن عبید اللّٰه بن موسی العمریّ.
6- فی المصدر زیادة: بمثله، قبل و زاد.
7- أورد ذلك فی بحار الأنوار 6- 107- 108 حدیث 1.
8- الظّاهر أنّ المقصود هو الأبیات الواردة فی حدیث 32 من الباب السّابق الواردة فی ضمن حدیث أمالی الشّیخ المفید.
9- الطّرائف: 263- 266 حدیث 368.
10- فی المصدر: سقروة.
11- فی الطّرائف زیادة: عن الأربعین.

الْأَصْفَهَانِیِّ فِی كِتَابِ الْمَنَاقِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ (1) شَرَفِیِّ بْنِ قُطَامِیٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَیْسَانَ عَنِ الزُّهْرِیِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ..

«8»-وَ رَوَاهَا الشَّیْخُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ الطَّبْرِسِیُّ فِی كِتَابِ الْإِحْتِجَاجِ (2) مُرْسَلًا، وَ نَحْنُ نُورِدُهَا بِلَفْظِهِ، ثُمَّ نُشِیرُ إِلَی مَوْضِعِ التَّخَالُفِ بَیْنَ الرِّوَایَاتِ فِی أَثْنَاءِ شَرْحِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی: رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ: أَنَّهُ لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو بَكْرٍ (3) عَلَی مَنْعِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَدَكَ، وَ بَلَغَهَا ذَلِكَ لاتت (لَاثَتْ) (4) خِمَارَهَا عَلَی رَأْسِهَا وَ اشْتَمَلَتْ بِجِلْبَابِهَا وَ أَقْبَلَتْ فِی لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا وَ نِسَاءِ قَوْمِهَا تَطَأُ ذُیُولَهَا، مَا تَخْرِمُ مِشْیَتُهَا مِشْیَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حَتَّی دَخَلَتْ عَلَی أَبِی بَكْرٍ- وَ هُوَ فِی حَشَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ غَیْرِهِمْ- فَنِیطَتْ دُونَهَا مُلَاءَةٌ، فَجَلَسَتْ ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ الْقَوْمُ لَهَا بِالْبُكَاءِ، فَارْتَجَّ الْمَجْلِسُ، ثُمَّ أَمْهَلَتْ هُنَیْئَةً حَتَّی إِذَا سَكَنَ نَشِیجُ الْقَوْمِ وَ هَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْكَلَامَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَیْهِ وَ الصَّلَاةِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ (5) (صلی اللّٰه علیه و آله)، فَعَادَ الْقَوْمُ فِی بُكَائِهِمْ فَلَمَّا أَمْسَكُوا عَادَتْ فِی كَلَامِهَا.

فَقَالَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی مَا أَنْعَمَ، وَ لَهُ الشُّكْرُ عَلَی مَا أَلْهَمَ، وَ الثَّنَاءُ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأَهَا، وَ سُبُوغِ آلَاءٍ أَسْدَاهَا، وَ تَمَامِ مِنَنٍ وَالاهَا (6)،

ص: 220


1- فی المصدر: قال: حدّثنا أحمد بن عبید بن ناصح النّحویّ، قال: حدّثنا الزّیادیّ محمّد بن زیاد قال: حدّثنا ..، بدلا من: عن.
2- الاحتجاج 97- 108 (طبعة النّجف: 1- 131- 145). و ذكر جملة من مصادر الخطبة شیخنا الأمینیّ فی غدیره: 7- 192.
3- فی المصدر زیادة: و عمر.
4- فی المصدر: لاثت، و كذا فی نسخة جاءت علی حاشیة المطبوع من البحار، و هی الظّاهر لمّا سیذكره المصنّف رحمه اللّٰه فی بیانه.
5- فی المصدر: رسوله.
6- فی المصدر: أولاها، و هی الّتی ذكرها المصنّف رحمه اللّٰه فی بیانه الآتی.

جَمَّ عَنِ الْإِحْصَاءِ عَدَدُهَا، وَ نَأَی عَنِ الْجَزَاءِ أَمَدُهَا، وَ تَفَاوَتَ عَنِ الْإِدْرَاكِ أَبَدُهَا، وَ نَدَبَهُمْ لِاسْتِزَادَتِهَا بِالشُّكْرِ لِاتِّصَالِهَا، وَ اسْتَحْمَدَ إِلَی الْخَلَائِقِ بِإِجْزَالِهَا، وَ ثَنَّی بِالنَّدْبِ إِلَی أَمْثَالِهَا، وَ أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جُعِلَ الْإِخْلَاصُ تَأْوِیلَهَا، وَ ضُمِّنَ الْقُلُوبُ مَوْصُولَهَا، وَ أَنَارَ فِی الْفِكْرَةِ (1) مَعْقُولُهَا، الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْأَبْصَارِ رُؤْیَتُهُ، وَ مِنَ الْأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَ مِنَ الْأَوْهَامِ كَیْفِیَّتُهُ، ابْتَدَعَ الْأَشْیَاءَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ كَانَ قَبْلَهَا، وَ أَنْشَأَهَا بِلَا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا، كَوَّنَهَا بِقُدْرَتِهِ، وَ ذَرَأَهَا بِمَشِیَّتِهِ، مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَی تَكْوِینِهَا، وَ لَا فَائِدَةٍ لَهُ فِی تَصْوِیرِهَا، إِلَّا تَثْبِیتاً لِحِكْمَتِهِ، وَ تَنْبِیهاً عَلَی طَاعَتِهِ، وَ إِظْهَاراً لِقُدْرَتِهِ، وَ (2) تَعَبُّداً لِبَرِیَّتِهِ، وَ إِعْزَازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوَابَ عَلَی طَاعَتِهِ، وَ وَضَعَ الْعِقَابَ عَلَی مَعْصِیَتِهِ، زِیَادَةً (3) لِعِبَادِهِ عَنْ (4) نَقِمَتِهِ وَ حِیَاشَةً مِنْهُ (5) إِلَی جَنَّتِهِ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ أَبِی مُحَمَّداً (صلی اللّٰه علیه و آله) عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، اخْتَارَهُ وَ انْتَجَبَهُ (6) قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَ سَمَّاهُ قَبْلَ أَنِ اجْتَبَلَهُ (7)، وَ اصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنِ ابْتَعَثَهُ، إِذِ الْخَلَائِقُ بِالْغَیْبِ مَكْنُونَةٌ، وَ بِسَتْرِ الْأَهَاوِیلِ مَصُونَةٌ، وَ بِنِهَایَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللَّهِ تَعَالَی بِمَآیِلِ الْأُمُورِ (8)، وَ إِحَاطَةً بِحَوَادِثِ الدُّهُورِ، وَ مَعْرِفَةً بِمَوَاقِعِ الْمَقْدُورِ (9)، ابْتَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَی (10) إِتْمَاماً لِأَمْرِهِ، وَ عَزِیمَةً عَلَی إِمْضَاءِ حُكْمِهِ،

ص: 221


1- فی المصدر: فی التّفكّر.
2- لا توجد الواو فی المصدر.
3- فی المصدر: ذیادة، و هو الظّاهر لما سیأتی، و فی طبعة النّجف من الاحتجاج كما فی الأصل.
4- فی المصدر: من بدلا من: عن.
5- فی المصدر: و حیاشته لهم، و فی طبعة النّجف من الاحتجاج: و حیاشة لهم.
6- لا توجد: انتجبه فی المصدر.
7- فی المصدر: اجتباه. و هی نسخة بدل علی مطبوع البحار.
8- فی طبعة النّجف: بما یلی الأمور.
9- فی الاحتجاج: الأمور، بدلا من: المقدور.
10- لا توجد: تعالی فی المصدر.

وَ إِنْفَاذاً لِمَقَادِیرِ حَتْمِهِ (1)، فَرَأَی الْأُمَمَ فِرَقاً فِی أَدْیَانِهَا، عُكَّفاً عَلَی نِیرَانِهَا، عَابِدَةً لِأَوْثَانِهَا، مُنْكِرَةً لِلَّهِ مَعَ عِرْفَانِهَا، فَأَنَارَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ (2) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ظُلَمَهَا، وَ كَشَفَ عَنِ الْقُلُوبِ بُهَمَهَا، وَ جَلَی عَنِ الْأَبْصَارِ غُمَمَهَا، وَ قَامَ فِی النَّاسِ بِالْهِدَایَةِ، وَ أَنْقَذَهُمْ (3) مِنَ الْغَوَایَةِ، وَ بَصَّرَهُمْ مِنَ الْعَمَایَةِ، وَ هَدَاهُمْ إِلَی الدِّینِ الْقَوِیمِ، وَ دَعَاهُمْ إِلَی الطَّرِیقِ الْمُسْتَقِیمِ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَیْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَ اخْتِیَارٍ، وَ رَغْبَةٍ وَ إِیْثَارٍ بمحمد (فَمُحَمَّدٌ) (4) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْ (5) تَعَبِ هَذِهِ الدَّارِ فِی رَاحَةٍ، قَدْ حُفَّ بِالْمَلَائِكَةِ الْأَبْرَارِ، وَ رِضْوَانِ الرَّبِّ الْغَفَّارِ، وَ مُجَاوَرَةِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ، صَلَّی اللَّهُ عَلَی أَبِی نَبِیِّهِ وَ أَمِینِهِ عَلَی الْوَحْیِ وَ صَفِیِّهِ (6) وَ خِیَرَتِهِ مِنَ الْخَلْقِ وَ رَضِیِّهِ (7)، وَ السَّلَامُ عَلَیْهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

ثُمَّ الْتَفَتَتْ (8) إِلَی أَهْلِ الْمَجْلِسِ، وَ قَالَتْ: أَنْتُمْ عِبَادَ اللَّهِ نُصْبُ أَمْرِهِ وَ نَهْیِهِ، وَ حَمَلَةُ دِینِهِ وَ وَحْیِهِ، وَ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَی أَنْفُسِكُمْ، وَ بُلَغَاؤُهُ إِلَی الْأُمَمِ، وَ زَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ لِلَّهِ (9) فِیكُمْ عَهْدٌ (10) قَدَّمَهُ إِلَیْكُمْ، وَ بَقِیَّةٌ اسْتَخْلَفَهَا عَلَیْكُمْ، كِتَابُ اللَّهِ النَّاطِقُ، وَ الْقُرْآنُ الصَّادِقُ، وَ النُّورُ السَّاطِعُ، وَ الضِّیَاءُ اللَّامِعُ، بَیِّنَةٌ بَصَائِرُهُ،

ص: 222


1- فی نسخة من المصدر: رحمته.
2- فی الاحتجاج: بأبی محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله).
3- فی المصدر: فأنقذهم.
4- فی الاحتجاج: فمحمّد، و فی نسخة علی مطبوع البحار: محمّد، و فی توضیح المصنّف رحمه اللّٰه- الآتی-: بمحمّد.
5- فی الاحتجاج: من بدلا من: عن.
6- لا یوجد فی المصدر: علی الوحی و صفیه.
7- فی الاحتجاج: و صفیه.
8- فی (س): التفت، و هو غلط.
9- فی الاحتجاج: زعیم حقّ له، بدلا من: زعمتم حقّ لكم للّٰه.
10- فی المصدر: و عهد.

مُنْكَشِفَةٌ سَرَائِرُهُ، مُتَجَلِّیَةٌ (1) ظَوَاهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ (2) بِهِ أَشْیَاعُهُ، قَائِدٌ إِلَی الرِّضْوَانِ اتِّبَاعُهُ، مُؤَدٍّ إِلَی النَّجَاةِ إِسْمَاعُهُ (3)، بِهِ تُنَالُ حُجَجُ اللَّهِ الْمُنَوَّرَةُ، وَ عَزَائِمُهُ الْمُفَسَّرَةُ، وَ مَحَارِمُهُ الْمُحَذَّرَةُ، وَ بَیِّنَاتُهُ الْجَالِیَةُ، وَ بَرَاهِینُهُ الْكَافِیَةُ، وَ فَضَائِلُهُ الْمَنْدُوبَةُ، وَ رُخَصُهُ الْمَوْهُوبَةُ، وَ شَرَائِعُهُ الْمَكْتُوبَةُ، فَجَعَلَ اللَّهُ الْإِیمَانَ تَطْهِیراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَ الصَّلَاةَ تَنْزِیهاً لَكُمْ عَنِ الْكِبْرِ، وَ الزَّكَاةَ تَزْكِیَةً لِلنَّفْسِ، وَ نَمَاءً فِی الرِّزْقِ، وَ الصِّیَامَ تَثْبِیتاً لِلْإِخْلَاصِ، وَ الْحَجَّ تَشْیِیداً لِلدِّینِ، وَ الْعَدْلَ تَنْسِیقاً لِلْقُلُوبِ، وَ طَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ، وَ إِمَامَتَنَا أَمَاناً مِنَ الْفُرْقَةِ (4)، وَ الْجِهَادَ عِزّاً لِلْإِسْلَامِ، وَ الصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَی اسْتِیجَابِ الْأَجْرِ، وَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ، وَ بِرَّ الْوَالِدَیْنِ وِقَایَةً مِنَ السَّخَطِ، وَ صِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْمَاةً (5) لِلْعَدَدِ، وَ الْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ، وَ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِیضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَ تَوْفِیَةَ الْمَكَایِیلِ وَ الْمَوَازِینِ تَغْیِیراً لِلْبَخْسِ، وَ النَّهْیَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِیهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَ اجْتِنَابَ الْقَذْفِ حِجَاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَ تَرْكَ السَّرِقَةِ إِیجَاباً لِلْعِفَّةِ (6)، وَ حَرَّمَ اللَّهُ الشِّرْكَ إِخْلَاصاً لَهُ بِالرُّبُوبِیَّةِ، فَ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (7)، وَ أَطِیعُوا اللَّهَ فِیمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَ نَهَاكُمْ عَنْهُ فَإِنَّهُ إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (8).

ثُمَّ قَالَتْ: أَیُّهَا النَّاسُ! اعْلَمُوا أَنِّی فَاطِمَةُ وَ أَبِی مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَ بَدْءاً (9)، وَ لَا أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً، وَ لَا أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ شَطَطاً لَقَدْ

ص: 223


1- فی طبعة النّجف من الاحتجاج: مبخلیه.
2- فی (س): مغتبط.
3- فی الاحتجاج: استماعه.
4- فی الاحتجاج: للفرقة.
5- فی المصدر: منساة فی العمر و منماة ..
6- فی طبعة النّجف من الاحتجاج: بالعفة.
7- آل عمران: 102.
8- فاطر: 28.
9- فی المصدر: و بدوا.

جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْكُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ (1)، فَإِنْ تَعْزُوهُ وَ تَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أَبِی دُونَ نِسَائِكُمْ، وَ أَخَا ابْنِ عَمِّی دُونَ رِجَالِكُمْ، وَ لَنِعْمَ الْمَعْزِیُّ إِلَیْهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، صَادِعاً بِالنِّذَارَةِ، مَائِلًا عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِینَ، ضَارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأَكْظَامِهِمْ، دَاعِیاً إِلَی سَبِیلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، یَكْسِرُ (2) الْأَصْنَامَ، وَ یَنْكُثُ الْهَامَ، حَتَّی انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَ وَلَّوُا الدُّبُرَ، حَتَّی تَفَرَّی اللَّیْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَ أَسْفَرَ الْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَ نَطَقَ زَعِیمُ الدِّینِ، وَ خَرِسَتْ شَقَاشِقُ الشَّیَاطِینِ، وَ طَاحَ وَشِیظُ النِّفَاقِ، وَ انْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَ الشِّقَاقِ، وَ فُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ فِی نَفَرٍ مِنَ الْبِیضِ الْخِمَاصِ، وَ كُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، مُذْقَةَ الشَّارِبِ، وَ نُهْزَةَ الطَّامِعِ، وَ قَبْسَةَ الْعَجْلَانِ، وَ مَوْطِئَ الْأَقْدَامِ، تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ، وَ تَقْتَاتُونَ الْوَرَقَ (3)، أَذِلَّةً خَاسِئِینَ، تَخافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ، فَأَنْقَذَكُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَعْدَ اللَّتَیَّا وَ الَّتِی، وَ بَعْدَ أَنْ مُنِیَ بِبُهَمِ الرِّجَالِ، وَ ذُؤْبَانِ الْعَرَبِ، وَ مَرَدَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ (4)، أَوْ نَجَمَ قَرْنٌ لِلشَّیْطَانِ (5)، وَ فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ، قَذَفَ أَخَاهُ فِی لَهَوَاتِهَا، فَلَا یَنْكَفِئُ حَتَّی یَطَأَ صِمَاخَهَا (6) بِأَخْمَصِهِ، وَ یُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَیْفِهِ، مَكْدُوداً فِی ذَاتِ اللَّهِ، وَ (7) مُجْتَهِداً فِی أَمْرِ اللَّهِ، قَرِیباً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، سَیِّدَ أَوْلِیَاءِ اللَّهِ (8)، مُشَمِّراً نَاصِحاً، مُجِدّاً كَادِحاً،

ص: 224


1- التّوبة: 128.
2- فی المصدر: یجفّ.
3- فی المصدر: القدّ.
4- المائدة: 64، و لا توجد فی المصدر.
5- فی المصدر: الشّیطان.
6- فی الاحتجاج: جناحها.
7- لا توجد الواو فی المصدر.
8- فی المصدر: سیّدا فی أولیاء اللّٰه.

وَ أَنْتُمْ (1) فِی رَفَاهِیَةٍ مِنَ الْعَیْشِ، وَادِعُونَ فَاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنَا الدَّوَائِرَ، وَ تَتَوَكَّفُونَ الْأَخْبَارَ، وَ تَنْكِصُونَ عِنْدَ النِّزَالِ، وَ تَفِرُّونَ عِنْدَ (2) الْقِتَالِ، فَلَمَّا اخْتَارَ اللَّهُ لِنَبِیِّهِ دَارَ أَنْبِیَائِهِ، وَ مَأْوَی أَصْفِیَائِهِ، ظَهَرَ فِیكُمْ حَسِیكَةُ (3) النِّفَاقِ، وَ سَمَلَ جِلْبَابُ الدِّینِ، وَ نَطَقَ كَاظِمُ الْغَاوِینَ، وَ نَبَغَ خَامِلُ الْأَقَلِّینَ، وَ هَدَرَ فَنِیقُ الْمُبْطِلِینَ، فَخَطَرَ فِی عَرَصَاتِكُمْ، وَ أَطْلَعَ الشَّیْطَانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرَزِهِ هَاتِفاً بِكُمْ، فَأَلْفَاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجِیبِینَ، وَ لِلْغِرَّةِ (4) فِیهِ مُلَاحِظِینَ، ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفَافاً، وَ أَحْمَشَكُمْ (5) فَأَلْفَاكُمْ غِضَاباً، فَوَسَمْتُمْ غَیْرَ إِبِلِكُمْ، وَ أَوْرَدْتُمْ غَیْرَ شِرْبِكُمْ (6)، هَذَا وَ الْعَهْدُ قَرِیبٌ، وَ الْكَلْمُ رَحِیبٌ، وَ الْجُرْحُ لَمَّا یَنْدَمِلْ، وَ الرَّسُولُ لَمَّا یُقْبَرْ، ابْتِدَاراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِینَ (7)، فَهَیْهَاتَ مِنْكُمْ! وَ كَیْفَ بِكُمْ؟! وَ أَنَّی تُؤْفَكُونَ؟ وَ كِتَابُ اللَّهِ بَیْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظَاهِرَةٌ، وَ أَحْكَامُهُ زَاهِرَةٌ، وَ أَعْلَامُهُ بَاهِرَةٌ، وَ زَوَاجِرُهُ لَائِحَةٌ، وَ أَوَامِرُهُ وَاضِحَةٌ، قَدْ (8) خَلَّفْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، أَ رَغْبَةً عَنْهُ تُرِیدُونَ (9) ..؟، أَمْ بِغَیْرِهِ تَحْكُمُونَ؟! بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلًا (10)، وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِینَ (11)، ثُمَّ (12) لَمْ تَلْبَثُوا إِلَّا رَیْثَ أَنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُهَا، وَ یَسْلَسَ قِیَادُهَا،

ص: 225


1- فی الاحتجاج زیادة: لا تأخذه فی اللّٰه لومة لائم، قبل كلمة: و أنتم.
2- فی المصدر: من، بدلا من: عند.
3- فی الاحتجاج: حسكة.
4- فی المصدر: و للعزّة.
5- فی طبعة النّجف من الاحتجاج: أحشمكم، و ما فی المتن أظهر.
6- فی المصدر: و وردتم غیر مشربكم.
7- التّوبة: 49.
8- فی الاحتجاج: و قد.
9- فی (ك) نسخه بدل: تدبرون.
10- الكهف: 50.
11- آل عمران: 85.
12- لا توجد ثمّ فی (ك).

ثُمَّ أَخَذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَهَا، وَ تُهَیِّجُونَ جَمْرَتَهَا، وَ تَسْتَجِیبُونَ لِهُتَافِ الشَّیْطَانِ الْغَوِیِّ، وَ إِطْفَاءِ أَنْوَارِ الدِّینِ الْجَلِیِّ، وَ إِهْمَادِ (1) سُنَنِ النَّبِیِّ الصَّفِیِّ، تُسِرُّونَ حَصْواً (2) فِی ارْتِغَاءٍ، وَ تَمْشُونَ لِأَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ فِی الْخَمَرِ (3) وَ الضَّرَاءِ، وَ نَصْبِرُ (4) مِنْكُمْ عَلَی مِثْلِ حَزِّ الْمُدَی، وَ وَخْزِ السِّنَانِ فِی الْحَشَا، وَ أَنْتُمْ (5) تَزْعُمُونَ أَلَّا إِرْثَ لَنَا أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ (6) أَ فَلَا تَعْلَمُونَ؟! بَلَی، تَجَلَّی (7) لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضَّاحِیَةِ أَنِّی ابْنَتُهُ أَیُّهَا الْمُسْلِمُونَ، أَ أُغْلَبُ عَلَی إِرْثِیَهْ (8)؟!.

یَا ابْنَ أَبِی قُحَافَةَ، أَ فِی كِتَابِ اللَّهِ أَنْ تَرِثَ أَبَاكَ وَ لَا أَرِثَ أَبِی؟! لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً فَرِیًّا (9) أَ فَعَلَی عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتَابَ اللَّهِ وَ نَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ إِذْ یَقُولُ:

وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (10)؟! وَ قَالَ فِیمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ یَحْیَی بْنِ زَكَرِیَّا (علیه السلام) إِذْ قَالَ:

رَبِّ (11) هَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (12)، وَ قَالَ: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ (13)، وَ قَالَ: یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ (14)، وَ قَالَ: إِنْ تَرَكَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ

ص: 226


1- فی المصدر: إهمال.
2- فی الاحتجاج: تشربون حسوا.
3- فی المصدر: الخمرة.
4- فی الاحتجاج: و یصیر.
5- فی المصدر زیادة: الآن.
6- المائدة: 50.
7- فی طبعة النّجف من الاحتجاج: قد تجلّی.
8- فی المصدر: إرثی.
9- سورة مریم: 27.
10- النّمل: 16.
11- فی طبعة النّجف من الاحتجاج: فهبّ لی، بدلا من: ربّ هب.
12- مریم: 5.
13- الأحزاب: 60.
14- النّساء: 11.

وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ (1)، وَ زَعَمْتُمْ أَلَّا (2) حُظْوَةَ لِی وَ لَا أَرِثَ مِنْ أَبِی وَ لَا رَحِمَ بَیْنَنَا، أَ فَخَصَّكُمُ اللَّهُ بِآیَةٍ أَخْرَجَ مِنْهَا أَبِی (3) (صلی اللّٰه علیه و آله)؟! أَمْ هَلْ تَقُولُونَ أَهْلُ (4) مِلَّتَیْنِ لَا یَتَوَارَثَانِ؟!، أَ وَ لَسْتُ (5) أَنَا وَ أَبِی مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَ عُمُومِهِ مِنْ أَبِی وَ ابْنِ عَمِّی؟! فَدُونَكُمَا (6) مَخْطُومَةً (7) مَرْحُولَةً تَلْقَاكَ یَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ، وَ الزَّعِیمُ مُحَمَّدٌ، وَ الْمَوْعِدُ الْقِیَامَةُ، وَ عِنْدَ السَّاعَةِ مَا تَخْسَرُونَ (8)، وَ لَا یَنْفَعُكُمْ إِذْ تَنْدَمُونَ، وَ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ (9) وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ یَأْتِیهِ عَذابٌ یُخْزِیهِ وَ یَحِلُّ عَلَیْهِ عَذابٌ مُقِیمٌ (10).

ثُمَّ رَمَتْ بِطَرْفِهَا نَحْوَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: یَا مَعَاشِرَ الْفِتْیَةِ (11) وَ أَعْضَادَ الْمِلَّةِ، وَ أَنْصَارَ الْإِسْلَامِ (12)، مَا هَذِهِ الْغَمِیزَةُ فِی حَقِّی، وَ السِّنَةُ عَنْ ظُلَامَتِی، أَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَبِی یَقُولُ: الْمَرْءُ یُحْفَظُ فِی وُلْدِهِ، سَرْعَانَ مَا أَحْدَثْتُمْ، وَ عَجْلَانَ ذَا إِهَالَةٍ، وَ لَكُمْ طَاقَةٌ بِمَا أُحَاوِلُ، وَ قُوَّةٌ عَلَی مَا أَطْلُبُ وَ أُزَاوِلُ، أَ تَقُولُونَ

ص: 227


1- البقرة: 180.
2- فی المصدر: أنّ لا، و المعنی واحد.
3- فی الاحتجاج: أبی (صلی اللّٰه علیه و آله) منها.
4- فی المصدر زیادة: إن قبل: أهل.
5- فی مطبوع البحار: و لست.
6- الظّاهر أنّه: دونكها- بالهاء- كما فی المصدر، حیث تعرض قدّس سرّه لبیان مرجع الضّمیر فی هذه الكلمة، و یؤیّده الفعل الّذی بعدها، أعنی: تلقّاك، و یحتمل صحّة: دونكما، فیكون المخاطب بالتّثنیة: أبا بكر و عمر.
7- فی (س): محظومة.
8- فی المصدر: یخسر المبطلون، بدلا من: ما تخسرون.
9- الأنعام: 67.
10- الزّمر: 40.
11- فی المصدر: النّقیبة.
12- فی الاحتجاج: و حضنة الإسلام، و فی طبعة النّجف منه: حصنة الإسلام.

مَاتَ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَخَطْبٌ جَلِیلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْنُهُ (1)، وَ اسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَ انْفَتَقَ رَتْقُهُ، وَ أَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَیْبَتِهِ، وَ كُسِفَتِ (2) النُّجُومُ لِمُصِیبَتِهِ، وَ أَكْدَتِ الْآمَالُ، وَ خَشَعَتِ الْجِبَالُ، وَ أُضِیعَ الْحَرِیمُ، وَ أُزِیلَتِ الْحُرْمَةُ (3) عِنْدَ مَمَاتِهِ، فَتِلْكَ وَ اللَّهِ النَّازِلَةُ الْكُبْرَی، وَ الْمُصِیبَةُ الْعُظْمَی، لَا (4) مِثْلَهَا نَازِلَةٌ، وَ لَا بَائِقَةٌ عَاجِلَةٌ، أَعْلَنَ بِهَا كِتَابُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِی أَفْنِیَتِكُمْ فِی (5) مُمْسَاكُمْ وَ مُصْبَحِكُمْ، (6) هُتَافاً (7) وَ صُرَاخاً، وَ تِلَاوَةً وَ إِلْحَاناً، وَ لَقَبْلَهُ مَا حَلَّ (8) بِأَنْبِیَاءِ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَ قَضَاءٌ حَتْمٌ: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ (9).

إِیهاً بَنِی قَیْلَةَ! أَ أُهْضِمَ تُرَاثُ أَبِی (10) وَ أَنْتُمْ بِمَرْأًی مِنِّی وَ مَسْمَعٍ، وَ مبتد (مُنْتَدًی) (11) وَ مَجْمَعٍ؟، تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وَ تَشْمَلُكُمُ الْخِبْرَةُ، وَ أَنْتُمْ ذَا (12) الْعَدَدِ وَ الْعُدَّةِ، وَ الْأَدَاةِ وَ الْقُوَّةِ، وَ عِنْدَكُمُ السِّلَاحُ وَ الْجُنَّةُ، تُوَافِیكُمُ الدَّعْوَةُ فَلَا تُجِیبُونَ، وَ تَأْتِیكُمُ الصَّرْخَةُ فَلَا تُغِیثُونَ، وَ أَنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفَاحِ، مَعْرُوفُونَ بِالْخَیْرِ وَ الصَّلَاحِ، وَ النُّجَبَةُ الَّتِی

ص: 228


1- كذا فی المصدر، و قد تقرأ فی المطبوع من البحار: وهیه، كما جاء فی بیانه قدّس سرّه، و الوهی: الشق فی الشیء ، كما نص علیه فی القاموس ٤ _ ٤٠٢.
2- فی المصدر زیادة: الشّمس و القمر و انتثرت النّجوم.
3- خ. ل: رحمة، جاءت علی مطبوع البحار.
4- فی (س): إلّا.
5- فی المصدر: و فی.
6- فی المصدر زیادة: یهتف فی أفنیتكم.
7- فی طبعة النّجف من الاحتجاج: یهتف فی أفنیتكم هتّافا ..
8- فی (س): حلّت.
9- آل عمران: 144.
10- فی (ك) وضع علی: أبی رمز نسخة بدل. و فی (س): أبیه- بوصل هاء الوقف-.
11- فی المصدر: منتدی.
12- فی الاحتجاج: ذوو، و هو الصّحیح.

انْتُجِبَتْ (1)، وَ الْخِیَرَةُ الَّتِی اخْتِیرَتْ (2)، قَاتَلْتُمُ الْعَرَبَ، وَ تَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَ التَّعَبَ، وَ نَاطَحْتُمُ الْأُمَمَ، وَ كَافَحْتُمُ الْبُهَمَ، فَلَا نَبْرَحُ (3) أَوْ تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ، حَتَّی إِذَا دَارَتْ بِنَا رَحَی الْإِسْلَامِ، وَ دَرَّ حَلَبُ الْأَیَّامِ، وَ خَضَعَتْ ثَغْرَةُ الشِّرْكِ، وَ سَكَنَتْ فَوْرَةُ الْإِفْكِ، وَ خَمَدَتْ نِیرَانُ الْكُفْرِ، وَ هَدَأَتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَ اسْتَوْسَقَ نِظَامُ الدِّینِ، فَأَنَّی حُرْتُمْ (4) بَعْدَ الْبَیَانِ، وَ أَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الْإِعْلَانِ، وَ نَكَصْتُمْ بَعْدَ الْإِقْدَامِ، وَ أَشْرَكْتُمْ بَعْدَ الْإِیمَانِ أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (5) (6) (7) أَلَا قَدْ (8) أَرَی أَنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إِلَی الْخَفْضِ، وَ أَبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَ الْقَبْضِ، وَ خَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ، وَ نَجَوْتُمْ مِنَ الضِّیقِ بِالسَّعَةِ (9)، فَمَجَجْتُمْ مَا وَعَیْتُمْ، وَ دَسَعْتُمُ الَّذِی تَسَوَّغْتُمْ، فَ: إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ (10) أَلَا وَ قَدْ قُلْتُ مَا قُلْتُ (11) عَلَی مَعْرِفَةٍ مِنِّی بِالْخَذْلَةِ (12) الَّتِی خَامَرَتْكُمْ، وَ الْغَدْرَةِ الَّتِی اسْتَشْعَرَتْهَا قُلُوبُكُمْ، وَ لَكِنَّهَا فَیْضَةُ النَّفْسِ، وَ نَفْثَةُ الْغَیْظِ،

ص: 229


1- فی المصدر: النّخبة الّتی انتخبت.
2- فی المصدر زیادة: لنا أهل البیت.
3- فی الاحتجاج: لا نبرح، و تقرأ ما فی (س): فلا تبرح، و ما أثبتناه هو الظّاهر.
4- لا توجد: حرتم فی (س)، و فی (ك) نسخة بدل: جرتم، و قد تعرض لهما المصنّف (قدّس سرّه) فی إیضاحه. و فی المصدر: حزتم.
5- فی الاحتجاج: بؤسا لقوم، بدلا من أ لا تقاتلون قوما، فلا تكون آیة.
6- فی المصدر: من بعد عهدهم، و لا تعدّ حینئذ من القرآن.
7- التّوبة: 13.
8- فی المصدر: ألا و قد.
9- فی المصدر: بالضّیق من السّعة.
10- إبراهیم: 8.
11- فی المصدر زیادة: هذا.
12- فی الاحتجاج: بالجذلة.

وَ خَوْرُ الْقَنَا (1)، وَ بَثَّةُ الصَّدْرِ، وَ تَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ، فَدُونَكُمُوهَا فَاحْتَقِبُوهَا دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، بَاقِیَةَ الْعَارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللَّهِ (2) وَ شَنَارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِ: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَی الْأَفْئِدَةِ (3) فَبِعَیْنِ اللَّهِ مَا تَفْعَلُونَ وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (4).

وَ أَنَا ابْنَةُ نَذِیرٍ لَكُمْ بَیْنَ یَدَیْ عَذابٍ شَدِیدٍ فَ: اعْمَلُوا ... إِنَّا عامِلُونَ (5) وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (6).

فَأَجَابَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ فَقَالَ: یَا ابْنَةَ (7) رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! لَقَدْ كَانَ أَبُوكِ بِالْمُؤْمِنِینَ عَطُوفاً كَرِیماً، رَءُوفاً رَحِیماً، وَ عَلَی الْكَافِرِینَ عَذَاباً أَلِیماً، وَ عِقَاباً عَظِیماً، فَإِنْ (8) عَزَوْنَاهُ وَجَدْنَاهُ أَبَاكِ دُونَ النِّسَاءِ، وَ أَخًا لِبَعْلِكِ (9) دُونَ الْأَخِلَّاءِ (10)، آثَرَهُ عَلَی كُلِّ حَمِیمٍ، وَ سَاعَدَهُ فِی كُلِّ أَمْرٍ جَسِیمٍ، لَا یُحِبُّكُمْ إِلَّا كُلُّ (11) سَعِیدٍ، وَ لَا یغضكم (یُبْغِضُكُمْ) إِلَّا كُلُّ شَقِیٍّ (12)، فَأَنْتُمْ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) الطَّیِّبُونَ، وَ الْخِیَرَةُ الْمُنْتَجَبُونَ، عَلَی الْخَیْرِ أَدِلَّتُنَا، وَ إِلَی الْجَنَّةِ مَسَالِكُنَا، وَ أَنْتِ یَا خِیَرَةَ النِّسَاءِ وَ ابْنَةَ خَیْرِ الْأَنْبِیَاءِ صَادِقَةٌ فِی قَوْلِكِ، سَابِقَةٌ فِی وُفُورِ عَقْلِكِ، غَیْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ حَقِّكِ، وَ لَا

ص: 230


1- فی المصدر: القناة.
2- فی الاحتجاج: الجبّار، بدلا من لفظ الجلالة.
3- الهمزة: 6- 7.
4- الشّعراء: 227.
5- هود: 121.
6- هود: 122.
7- فی المصدر: و قال: یا بنت.
8- فی الاحتجاج: إن.
9- خ. ل: إلفك، و هی كذلك فی المصدر.
10- خ. ل: الإخاء، جاءت علی (ك).
11- لا توجد فی المصدر: كلّ.
12- فی الاحتجاج: شقیّ بعید، بدلا من: كلّ شقیّ.

مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِكِ، وَ (1) وَ اللَّهِ مَا عَدَوْتُ رَأْیَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لَا عَمِلْتُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَ إِنَّ (2) الرَّائِدَ لَا یَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَ إِنِّی أُشْهِدُ اللَّهَ وَ كَفَی بِهِ شَهِیداً أَنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ لَا نُورِثُ ذَهَباً وَ لَا فِضَّةً وَ لَا دَاراً وَ لَا عَقَاراً وَ إِنَّمَا نُورِثُ الْكُتُبَ (3) وَ الْحِكْمَةَ وَ الْعِلْمَ وَ النُّبُوَّةَ، وَ مَا كَانَ لَنَا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِیِّ الْأَمْرِ بَعْدَنَا أَنْ یَحْكُمَ فِیهِ بِحُكْمِهِ، وَ قَدْ جَعَلْنَا مَا حَاوَلْتِهِ فِی الْكُرَاعِ وَ السِّلَاحِ یُقَاتِلُ بِهِ (4) الْمُسْلِمُونَ وَ یُجَاهِدُونَ الْكُفَّارَ، وَ یُجَالِدُونَ الْمَرَدَةَ، ثُمَّ (5) الْفُجَّارَ، وَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ، لَمْ أَتَفَرَّدْ بِهِ (6) وَحْدِی، وَ لَمْ أَسْتَبِدَّ بِمَا كَانَ الرَّأْیُ فِیهِ (7) عِنْدِی، وَ هَذِهِ حَالِی وَ مَالِی هِیَ لَكِ وَ بَیْنَ یَدَیْكِ لَا نَزْوِی (8) عَنْكِ وَ لَا نَدَّخِرُ دُونَكِ، وَ أَنْتِ سَیِّدَةُ (9) أُمَّةِ أَبِیكِ، وَ الشَّجَرَةُ الطَّیِّبَةُ لِبَنِیكِ، لَا یُدْفَعُ (10) مَا لَكِ مِنْ فَضْلِكِ، وَ لَا یُوضَعُ مِنْ (11) فَرْعِكِ وَ أَصْلِكِ، حُكْمُكِ نَافِذٌ فِیمَا مَلَكَتْ یَدَایَ، فَهَلْ تَرَیْنَ أَنْ أُخَالِفَ فِی ذَلِكِ أَبَاكِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ؟!.

فَقَالَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا كَانَ (12) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ صَارِفاً (13)، وَ لَا لِأَحْكَامِهِ مُخَالِفاً، بَلْ كَانَ یَتْبَعُ أَثَرَهُ، وَ یَقْفُو

ص: 231


1- لا توجد الواو فی المصدر.
2- لا توجد: إن، فی الاحتجاج.
3- فی المصدر: الكتاب، و كذا جاءت فی نسخة علی مطبوع البحار.
4- فی المصدر: بها بدلا من: به.
5- لا توجد: ثمّ فی المصدر.
6- فی الاحتجاج: لم أنفرد به.
7- لا توجد: فیه، فی المصدر.
8- فی المصدر: لا تزوی.
9- فی الاحتجاج: و أنّك و أنت سیّدة.
10- فی المصدر: لا ندفع.
11- فی الاحتجاج: فی بدلا من: من.
12- فی المصدر زیادة: أبی.
13- فی الاحتجاج: صادفا، و هو الظّاهر.

سُوَرَهُ، أَ فَتَجْمَعُونَ إِلَی الْغَدْرِ اعْتِلَالًا عَلَیْهِ بِالزُّورِ، وَ هَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ شَبِیهٌ بِمَا بُغِیَ لَهُ مِنَ الْغَوَائِلِ فِی حَیَاتِهِ، هَذَا كِتَابُ اللَّهِ حَكَماً عَدْلًا (1)، وَ نَاطِقاً فَصْلًا، یَقُولُ:

یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (2) (3) وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (4) فَبَیَّنَ (5) عَزَّ وَ جَلَّ فِیمَا وُزِّعَ عَلَیْهِ (6) مِنَ الْأَقْسَاطِ، وَ شَرَعَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَ الْمِیرَاثِ، وَ أَبَاحَ مِنْ حَظِّ الذُّكْرَانِ وَ الْإِنَاثِ مَا أَزَاحَ (7) َ عِلَّةَ الْمُبْطِلِین، وَ أَزَالَ التَّظَنِّیَ وَ الشُّبُهَاتِ فِی الْغَابِرِینَ، كَلَّا! بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ (8).

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ اللَّهُ وَ صَدَقَ (9) رَسُولُهُ وَ صَدَقَتْ ابْنَتُهُ، أَنْتِ (10) مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ، وَ مَوْطِنُ الْهُدَی وَ الرَّحْمَةِ، وَ رُكْنُ الدِّینِ، وَ عَیْنُ الْحُجَّةِ، لَا أُبَعِّدُ صَوَابَكِ، وَ لَا أُنْكِرُ خِطَابَكِ، هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ بَیْنِی وَ بَیْنَكِ قَلَّدُونِی مَا تَقَلَّدْتُ، وَ بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ أَخَذْتُ مَا أَخَذْتُ، غَیْرَ مُكَابِرٍ وَ لَا مُسْتَبِدٍّ وَ لَا مُسْتَأْثِرٍ، وَ هُمْ بِذَلِكَ شُهُودٌ.

فَالْتَفَتَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ النَّاسَ (11) وَ قَالَتْ: مَعَاشِرَ النَّاسِ! الْمُسْرِعَةَ (12) إِلَی قِیلِ الْبَاطِلِ، الْمُغْضِیَةَ عَلَی الْفِعْلِ الْقَبِیحِ الْخَاسِرِ أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها (13)، كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَی قُلُوبِكُمْ، مَا أَسَأْتُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَأَخَذَ

ص: 232


1- فی (ك): و عدلا.
2- مریم: 6.
3- فی المصدر زیادة: و بقول، بعد: یعقوب.
4- النّمل: 16.
5- فی الاحتجاج: و بیّن.
6- لا توجد: علیه فی المصدر.
7- فی المصدر زیادة: به.
8- یوسف: 18، و لا توجد الآیة فی المصدر.
9- لا توجد: صدق فی المصدر.
10- لا توجد: أنت فی بعض طبعات المصدر.
11- فی (ك) وضع علی: النّاس، رمز نسخة بدل، و فی المصدر: إلی النّاس، و هو الظّاهر.
12- توجد نسخة بدل فی (ك) هنا، و هی: المبتغیة.
13- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 24. و فی الأصل: أ فلا تتدبرون، و علیه فلا تكون آیة.

بِسَمْعِكُمْ وَ أَبْصَارِكُمْ، وَ لَبِئْسَ مَا تَأَوَّلْتُمْ، وَ سَاءَ مَا بِهِ أَشَرْتُمْ، وَ شَرَّ مَا مِنْهُ اعْتَضَتُّمْ (1)، لَتَجِدُنَّ وَ اللَّهِ مَحْمِلَهُ ثَقِیلًا، وَ غِبَّهُ وَبِیلًا، إِذَا كُشِفَ لَكُمُ الْغِطَاءُ، وَ بَانَ مَا وَرَاءَهُ (2) الضَّرَّاءُ، وَ بَدَا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَحْتَسِبُوُنَ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (3).

ثُمَّ عَطَفَتْ (4) عَلَی قَبْرِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَتْ:

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَثَةٌ*** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ تَكْبُرِ (5) الْخَطْبُ

إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا*** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَ قَدْ نَكَبُوا (6)

وَ كُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبَی وَ مَنْزِلَةٌ (7)*** عِنْدَ الْإِلَهِ عَلَی الْأَدْنَیْنِ مُقْتَرِبٌ

أَبْدَتْ رِجَالٌ لَنَا نَجْوَی صُدُورِهِمْ*** لَمَّا مَضَیْتَ وَ حَالَتْ دُونَكَ التُّرْبُ

تَجَهَّمَتْنَا رِجَالٌ وَ اسْتُخِفَّ بِنَا*** لَمَّا فُقِدْتَ وَ كُلُّ الْأَرْضِ مُغْتَصَبٌ

وَ كُنْتَ بَدْراً وَ نُوراً یُسْتَضَاءُ بِهِ*** عَلَیْكَ تَنْزِلُ (8) مِنْ ذِی الْعِزَّةِ الْكُتُبُ

وَ كَانَ جِبْرِیلُ بِالْآیَاتِ یُؤْنِسُنَا*** فَقَدْ فُقِدْتَ فَكُلُّ (9) الْخَیْرِ مُحْتَجَبٌ

فَلَیْتَ قَبْلَكَ كَانَ الْمَوْتُ صَادَفَنَا*** لَمَّا مَضَیْتَ وَ حَالَتْ دُونَكَ الْكُثُبُ

إِنَّا رُزِینَا بِمَا لَمْ یُرْزَ ذُو شَجَنٍ*** مِنَ الْبَرِیَّةِ لَا عُجْمٌ وَ لَا عَرَبٌ (10)

ص: 233


1- فی المصدر: اغتصبتم.
2- فی الاحتجاج: بادرائه.
3- غافر: 78.
4- فی (ك): عطف، و هو غلط.
5- فی المصدر: لم تكثّر، و هو الظّاهر.
6- فی الاحتجاج: و لا تغب.
7- فی (ك): و منزلتی.
8- فی طبعة النّجف من الاحتجاج: ینزل.
9- فی المصدر: و كلّ.
10- لا یوجد البیت الأخیر فی المصدر.

ثُمَّ انْكَفَأَتْ عَلَیْهَا السَّلَامُ- وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَتَوَقَّعُ رُجُوعَهَا إِلَیْهِ وَ یَتَطَلَّعُ طُلُوعَهَا عَلَیْهِ- فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِهَا الدَّارُ، قَالَتْ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْكَ السَّلَامُ (1): اشْتَمَلْتَ شَمْلَةَ الْجَنِینِ، وَ قَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنِینِ، نَقَضْتَ قَادِمَةَ الْأَجْدَلِ، فَخَانَكَ رِیشُ الْأَعْزَلِ، هَذَا ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ یَبْتَزُّنِی نَحِیلَةَ (2) أَبِی وَ بُلْغَةَ (3) ابْنَیَّ، لَقَدْ أَجْهَرَ (4) فِی خِصَامِی، وَ أَلْفَیْتُهُ أَلَدَّ فِی كَلَامِی، حَتَّی حَبَسَتْنِی قَیْلَةٌ نَصْرَهَا، وَ الْمُهَاجِرَةُ وَصْلَهَا، وَ غَضَّتِ الْجَمَاعَةُ دُونِی طَرْفَهَا، فَلَا دَافِعَ وَ لَا مَانِعَ، خَرَجْتُ كَاظِمَةً، وَ عُدْتُ رَاغِمَةً، أَضْرَعْتَ خَدَّكَ یَوْمَ أَضَعْتَ حَدَّكَ، افْتَرَسَتِ الذِّئَابُ وَ افْتَرَشْتَ التُّرَابَ، مَا كَفَفْتَ قَائِلًا، وَ لَا أَغْنَیْتَ بَاطِلًا (5)، وَ لَا خِیَارَ لِی، لَیْتَنِی مِتُّ قَبْلَ هَنِیئَتِی (6)، وَ دُونَ زَلَّتِی (7)، عَذِیرِی اللَّهُ مِنْكَ (8) عَادِیاً، وَ مِنْكَ حَامِیاً، وَیْلَایَ! فِی كُلِّ شَارِقٍ (9)، مَاتَ الْعَمَدُ، وَ وَهَتِ (10) الْعَضُدُ، شَكْوَایَ إِلَی أَبِی، وَ عَدْوَایَ إِلَی رَبِّی، اللَّهُمَّ أَنْتَ أَشَدُّ (11) قُوَّةً وَ حَوْلًا، وَ أَحَدُّ (12) بَأْساً وَ تَنْكِیلًا.

ص: 234


1- لا یوجد: علیك السّلام، فی المصدر، و هو الظّاهر.
2- فی المصدر: نحلة.
3- خ. ل: بلیغة: جاءت علی مطبوع البحار.
4- فی المصدر: أجهد.
5- فی الاحتجاج: طائلا.
6- فی (ك) نسخة بدل: هنتی. و لعلّه: هینتی، كما جاءت لغة، و یأتی من المصنّف طاب ثراه ذكرها، و سلف منّا بیانها.
7- فی المصدر: ذلّتی، و هو الظّاهر.
8- فی الاحتجاج: منه.
9- هنا سقط جاء فی المصدر: ویلای فی كلّ غارب.
10- فی المصدر: و وهن.
11- فی الاحتجاج: إنّك أشدّ منهم.
12- فی المصدر: و أشدّ، بدلا من: و أحد.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَا وَیْلَ عَلَیْكِ (1)، الْوَیْلُ لِشَانِئِكِ، نَهْنِهِی (2) عَنْ وَجْدِكِ یَا ابْنَةَ الصَّفْوَةِ، وَ بَقِیَّةَ النُّبُوَّةِ، فَمَا وَنَیْتُ عَنْ دِینِی، وَ لَا أَخْطَأْتُ مَقْدُورِی، فَإِنْ كُنْتِ تُرِیدِینَ الْبُلْغَةَ، فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَ كَفِیلُكِ مَأْمُونٌ، وَ مَا أُعِدَّ لَكِ أَفْضَلُ مِمَّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِی اللَّهَ.

فَقَالَتْ: حَسْبِیَ اللَّهُ .. وَ أَمْسَكَتْ.

أقول: وجدت هذه الخطبة فی كتاب بلاغات النساء لأبی الفضل أحمد بن أبی طاهر (3)، فأحببت إیرادها لما فیه من الاختلاف، مع ما أوردنا سابقا.

«9»-قال أبو الفضل: ذكرت لأبی الحسین زید بن علی بن الحسین (4) بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب صلوات اللّٰه علیهم كلام فاطمة علیها السلام عند منع أبی بكر إیّاها فدك، و قلت له: إنّ هؤلاء یزعمون أنّه مصنوع، و أنّه من كلام أبی العیناء- الخبر منسوق علی (5) البلاغة علی الكلام- فقال لی: رأیت مشایخ آل أبی طالب یروونه عن آبائهم، و یعلّمونه أبناءهم، و قد حدّثنیه أبی عن جدّی یبلغ به فاطمة (علیها السلام) علی هذه الحكایة، و رواه مشایخ الشیعة و تدارسوه بینهم قبل أن یولد جدّ أبی العیناء، و قد حدّث به الحسن بن علوان عن عطیة العوفی أنّه سمع عبد اللّٰه بن الحسن یذكر (6) عن أبیه، ثم قال أبو الحسین: و كیف یذكر هذا من كلام فاطمة فینكر، و هم یروون (7) من كلام عائشة عند موت أبیها ما هو أعجب من كلام فاطمة، فیحقّقونه (8) لو لا عداوتهم لنا أهل البیت. ..

ثم ذَكَرَ الْحَدِیثَ، قَالَ:

ص: 235


1- فی الاحتجاج: لك بل، بدلا من: علیك.
2- فی طبعة النّجف: ثمّ نهنهنی.
3- بلاغات النساء 14- 20، باختلاف ذكرنا جلّه.
4- فی (س): ابن زید، بین الحسین و علی، و هی لا توجد فی المصدر، و لعلّ بن علیّ: عن علی، كما سیأتی، فراجع.
5- فی (ك): وضع رمز (ز) زائد علی كلمة علی، و لا توجد فی المصدر.
6- فی المصدر: یذكره.
7- فی بلاغات النساء: فینكرونه و هم یرون ..
8- فی المصدر: یتحقّقونه ..

لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو بَكْرٍ عَلَی مَنْعِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ وَ عَلَیْهَا فَدَكَ، وَ بَلَغَ ذَلِكَ فَاطِمَةَ (علیها السلام) لَاثَتْ (1) خِمَارَهَا عَلَی رَأْسِهَا وَ أَقْبَلَتْ فِی لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا وَ نِسَاءِ قَوْمِهَا (2) تَطَأُ ذُیُولَهَا، مَا تَخْرِمُ مِنْ مِشْیَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ شَیْئاً حَتَّی دَخَلَتْ عَلَی أَبِی بَكْرٍ- وَ هُوَ فِی حَشَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَنِیطَتْ دُونَهَا مُلَاءَةٌ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ الْقَوْمُ لَهَا بِالْبُكَاءِ، وَ ارْتَجَّ الْمَجْلِسُ، وَ أَمْهَلَتْ حَتَّی سَكَنَ نَشِیجُ الْقَوْمِ وَ هَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، فَافْتَتَحَتِ الْكَلَامَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَیْهِ وَ الصَّلَاةِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ، فَعَادَ الْقَوْمُ فِی بُكَائِهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَكُوا عَادَتْ فِی كَلَامِهَا فَقَالَتْ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْكُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ (3) فَإِنْ تَعْزُوهُ (4) تَجِدُوهُ أَبِی دُونَ نِسَائِكُمْ (5)، وَ أَخَا ابْنِ عَمِّی دُونَ رِجَالِكُمْ، فَبَلَّغَ النِّذَارَةَ، صَادِعاً بِالرِّسَالَةِ، مَاثِلًا عَلَی (6) مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِینَ، ضَارِباً لِثَبَجِهِمْ، آخِذاً بِكَظَمِهِمْ، یَجِذُّ (7) الْأَصْنَامَ، وَ یَنْكُثُ (8) الْهَامَ، حَتَّی هَزَمَ الْجَمْعَ وَ وَلَّوُا الدُّبُرَ، وَ تَفَرَّی (9) اللَّیْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَ أَسْفَرَ الْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَ نَطَقَ زَعِیمُ الدِّینِ، وَ خَرِسَتْ شَقَاشِقُ الشَّیَاطِینِ: وَ كُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ (10) مَذْقَةَ الشَّارِبِ، وَ نُهْزَةَ الطَّامِعِ، وَ قَبْسَةَ الْعَجْلَانِ، وَ مَوْطِئَ الْأَقْدَامِ، تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ، وَ تَقْتَاتُونَ الْوَرَقَ، أَذِلَّةً

ص: 236


1- فی (س): لاتت.
2- لا یوجد فی المصدر: و نساء قومها.
3- التّوبة: 128.
4- فی المصدر: تعرفوه.
5- فی بلاغات النّساء: دون آبائكم.
6- فی المصدر: مائلا علی، و الظّاهر فیهما أنّه: عن بدلا من: علی.
7- فی البلاغات: یهشم.
8- فی (س): ینكت.
9- فی المصدر: تغری.
10- آل عمران: 103.

خَاشِعِینَ تَخافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ (1) مِنْ حَوْلِكُمْ، فَأَنْقَذَكُمُ اللَّهُ بِرَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ بَعْدَ اللَّتَیَّا وَ الَّتِی، وَ بَعْدَ مَا مُنِیَ بِبُهَمِ الرِّجَالِ، وَ ذُؤْبَانِ الْعَرَبِ (2)، كُلَّمَا حَشَوْا نَاراً لِلْحَرْبِ (3) وَ نَجَمَ قَرْنٌ لِلضُّلَّالِ، وَ فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ، قَذَفَ بِأَخِیهِ فِی لَهَوَاتِهَا، وَ لَا یَنْكَفِی حَتَّی یَطَأَ سِمَاخَهَا (4) بِأَخْمَصِهِ، وَ یُخْمِدَ لَهَبَهَا (5) بِحَدِّهِ (6)، مَكْدُوداً فِی ذَاتِ اللَّهِ، قَرِیباً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، سَیِّداً فِی أَوْلِیَاءِ اللَّهِ، وَ أَنْتُمْ فِی بُلَهْنِیَةٍ (7) وَادِعُونَ آمِنُونَ، حَتَّی إِذَا اخْتَارَ اللَّهُ لِنَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) دَارَ أَنْبِیَائِهِ، ظَهَرَتْ حَسِیكَةُ (8) النِّفَاقِ، وَ سَمَلَ (9) جِلْبَابُ الدِّینِ، وَ نَطَقَ كَاظِمُ الْغَاوِینَ، وَ نَبَعَ خَامِلُ الْأَقَلِّینَ (10)، وَ هَدَرَ فَنِیقُ الْمُبْطِلِینَ، یَخْطِرُ (11) فِی عَرَصَاتِكُمْ، وَ أَطْلَعَ الشَّیْطَانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرَزِهِ (12) صَارِخاً بِكُمْ، فَوَجَدَكُمْ لِدُعَائِهِ مُسْتَجِیبِینَ، وَ لِلْغِرَّةِ فِیهِ مُلَاحِظِینَ، فَاسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفَافاً، وَ أَحْمَشَكُمْ (13) فَأَلْفَاكُمْ غِضَاباً، فَوَسَمْتُمْ غَیْرَ إِبِلِكُمْ، وَ أَوْرَدْتُمُوهَا غَیْرَ شِرْبِكُمْ، هَذَا وَ الْعَهْدُ قَرِیبٌ،

ص: 237


1- الأنفال: 26.
2- جاءت هنا زیادة فی نسخة من بلاغات النّساء: و مردة أهل الكتاب.
3- فی المصدر زیادة: أطفأها.
4- فی بلاغات النّساء: صماخها- بالصّاد-، و قد جاء فی اللّغة بالسّین، كما فی الصّحاح 1- 426.
5- فی (س): ألهبها.
6- (ك): بجده.
7- جاء فی حاشیة (ك): و أنتم فی بلهنیة من العیش، أیّ سعة، صحاح. انظر : صحاح اللغة ٥ _ ٢٠٨٠.
8- فی المصدر: خلّة النّفاق، و جاء فی حاشیة (ك): و قوله: فی صدره علیك حسیكة .. أیّ ضغن و عداوة. صحاح. انظر : صحاح اللغة ٤ _ ١٥٧٩ ، وفیه : علی بدلا من : علیك.
9- فی (ك): شمل.
10- فی المصدر: الآفلین.
11- فی بلاغات النّساء: فخطر.
12- فی (س): معرزه.
13- فی المصدر: و أجمشكم.

وَ الْكَلْمُ رَحِیبُ، وَ الْجُرْحُ لَمَّا یَنْدَمِلْ، بِدَاراً زَعَمْتُمْ (1) خَوْفَ الْفِتْنَةِ، أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِینَ (2) فَهَیْهَاتَ مِنْكُمْ وَ أَنَّی بِكُمْ (3) وَ أَنَّی تُؤْفَكُونَ، وَ هَذَا كِتَابُ اللَّهِ بَیْنَ أَظْهُرِكُمْ، زَوَاجِرُهُ بَیِّنَةٌ، وَ شَوَاهِدُهُ لَائِحَةٌ، وَ أَوَامِرُهُ وَاضِحَةٌ، أَ رَغْبَةً عَنْهُ تُدْبِرُونَ، أَمْ بِغَیْرِهِ تَحْكُمُونَ بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلًا (4) وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِینَ (5)، ثُمَّ لَمْ تُرِیثُوا أُخْتَهَا (6) إِلَّا رَیْثَ أَنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُهَا (7)، تُسِرُّونَ حَسْواً فِی ارْتِقَاءٍ (8)، وَ نَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلَی مِثْلِ حَزِّ الْمُدَی، وَ أَنْتُمُ الْآنَ (9) تَزْعُمُونَ أَنْ لَا إِرْثَ لَنَا، أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ (10)، وَیْهاً! یَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرَةِ أُبْتَزُّ (11) إِرْثَ أَبِیَهْ؟!.

أَ فِی الْكِتَابِ أَنْ تَرِثَ أَبَاكَ وَ لَا أَرِثَ أَبِی؟! لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً فَرِیًّا (12) فَدُونَكَهَا مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً تَلْقَاكَ یَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ، وَ الزَّعِیمُ مُحَمَّدٌ، وَ الْمَوْعِدُ الْقِیَامَةُ، وَ عِنْدَ السَّاعَةِ یَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (13) وَ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ

ص: 238


1- فی نسخة من بلاغات النّساء: إنّما زعمتم.
2- التّوبة: 49.
3- فی (ك): وضع علی: و أنّی بكم .. رمز نسخة بدل.
4- الكهف: 50.
5- آل عمران: 85.
6- فی (س): لم ترثبوا، و هی نسخة فی (ك)، و لا معنی لها، و لا أثر لها فی كتب اللّغة الّتی بأیدینا. و لا توجد: أختها فی المصدر.
7- فی المصدر: نغرتها.
8- جاءت الجملة فی المصدر هكذا: تشربون حسوا و تسرون فی ارتغاء.
9- فی مطبوع البحار: اللّائی.
10- المائدة: 50.
11- فی المصدر: ویها معشر المهاجرین أ أبتز ..
12- مریم: 27.
13- الجاثیة: 27.

تَعْلَمُونَ (1).

ثُمَّ انْحَرَفَتْ إِلَی قَبْرِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ وَ هِیَ تَقُولُ:

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَثَةٌ*** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ تَكْثُرِ الْخَطْبُ

إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا*** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَ لَا تَغِبْ

قَالَ: فَمَا رَأَیْنَا یَوْماً كَانَ أَكْثَرَ بَاكِیاً وَ لَا بَاكِیَةً مِنْ ذَلِكَ الْیَوْمِ (2).

ثم قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِی طَاهِرٍ (3): حَدَّثَنِی جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ- رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ دِیَارِ مِصْرَ لَقِیتُهُ بِالرَّافِقَةِ (4)

قَالَ: حَدَّثَنِی أَبِی قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَی بْنُ عِیسَی قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ یُونُسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الْأَحْمَرُ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهِ عَنْ عَمَّتِهِ زَیْنَبَ بِنْتِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، قَالَتْ: لَمَّا بَلَغَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ إِجْمَاعُ أَبِی بَكْرٍ عَلَی مَنْعِهَا فَدَكَ لَاثَتْ (5) خِمَارَهَا وَ خَرَجَتْ فِی حَشَدَةِ نِسَائِهَا وَ لُمَةٍ مِنْ قَوْمِهَا، تَجُرُّ أَدْرَاعَهَا (6)، مَا تَخْرِمُ مِنْ مِشْیَةِ (7) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) شَیْئاً، حَتَّی وَقَفَتْ عَلَی أَبِی بَكْرٍ- وَ هُوَ فِی حَشَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ- فَأَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ لَهَا الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ، فَلَمَّا سَكَنَتْ فَوْرَتُهُمْ قَالَتْ:

أَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ- ثُمَّ أَسْبَلَتْ بَیْنَهَا وَ بَیْنَهُمْ سِجْفاً (8)

ثُمَّ قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ

ص: 239


1- الأنعام: 67.
2- أقول: قد وردت قطعة من خطبتها سلام اللّٰه علیها من قولها: أنتم الآن تزعمون .. إلی: یخسر المبطلون فی الغدیر 7- 192 حاكیا إیّاها عن أكثر من مصدّر.
3- بلاغات النّساء 14- 19.
4- الرافقة: بلد متّصل البناء بالرّقّة .. و تسمّی: الرّقّة. انظر: مراصد الاطّلاع 2- 595، و معجم البلدان 3- 15- 16.
5- فی (س): لاتت.
6- فی المصدر: أذراعها.
7- فی (س): مشیّته.
8- السّجف: السّتر، قاله فی القاموس 3- 150 و غیره.

عَلَی مَا أَنْعَمَ، وَ لها (لَهُ) (1) الشُّكْرُ عَلَی مَا أَلْهَمَ، وَ الثَّنَاءُ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأَهَا، وَ سُبُوغِ آلَاءٍ أَسْدَاهَا، وَ إِحْسَانِ مِنَنٍ وَالاهَا (2)، جَمَّ عَنِ الْإِحْصَاءِ عَدَدُهَا، وَ نَأَی عَنِ الْمُجَازَاةِ أَمَدُهَا، وَ تَفَاوَتَ عَنِ الْإِدْرَاكِ آمَالُهَا، وَ اسْتَثْنَی (3) الشُّكْرَ بِفَضَائِلِهَا، وَ اسْتَحْمَدَ إِلَی الْخَلَائِقِ بِإِجْزَالِهَا، وَ ثَنَّی بِالنَّدْبِ إِلَی أَمْثَالِهَا، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةٌ جُعِلَ الْإِخْلَاصُ تَأْوِیلَهَا، وَ ضُمِّنَ الْقُلُوبُ مَوْصُولَهَا، وَ أَنَارَ (4) فِی الْفِكْرَةِ مَعْقُولُهَا، الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْأَبْصَارِ رُؤْیَتُهُ، وَ مِنَ الْأَوْهَامِ الْإِحَاطَةُ بِهِ، ابْتَدَعَ الْأَشْیَاءَ لَا مِنْ شَیْ ءٍ قَبْلَهُ، وَ احْتَذَاهَا بِلَا مِثَالٍ لِغَیْرِ فَائِدَةٍ زَادَتْهُ، إِلَّا إِظْهَاراً لِقُدْرَتِهِ، وَ تَعَبُّداً لِبَرِیَّتِهِ، وَ إِعْزَازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ (5) الثَّوَابَ عَلَی طَاعَتِهِ، وَ الْعِقَابَ (6) عَلَی مَعْصِیَتِهِ، زِیَادَةً (7) لِعِبَادِهِ عَنْ نَقِمَتِهِ، وَ حِیَاشاً لَهُمْ إِلَی (8) جَنَّتِهِ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ أَبِی مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، اخْتَارَهُ قَبْلَ أَنْ یَجْتَبِلَهُ، وَ اصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنِ ابْتَعَثَهُ (9)، وَ سَمَّاهُ قَبْلَ أَنِ اسْتَنْجَبَهُ، إِذِ الْخَلَائِقُ بِالْغُیُوبِ مَكْنُونَةٌ، وَ بِسَتْرِ الْأَهَاوِیلِ مَصُونَةٌ، وَ بِنِهَایَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِمَآیِلِ الْأُمُورِ، وَ إِحَاطَةً بِحَوَادِثِ الدُّهُورِ، وَ مَعْرِفَةً بِمَوَاضِعِ الْمَقْدُورِ، ابْتَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (10) إِتْمَاماً لِأَمْرِهِ (11) وَ عَزِیمَةً عَلَی إِمْضَاءِ حُكْمِهِ، فَرَأَی الْأُمَمَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) فِرَقاً فِی أَدْیَانِهَا، عُكَّفاً عَلَی نِیرَانِهَا، عَابِدَةً لِأَوْثَانِهَا،

ص: 240


1- كذا، و الصّحیح: و له، كما فی المصدر.
2- خ. ل: أولاها، جاءت علی مطبوع البحار.
3- فی مطبوع البحار: و استثنی، و لا معنی لها.
4- فی المصدر: و أنّی.
5- جاءت علی (ك) نسخة بدل: حصل.
6- فی (ك): و وضع العقاب.
7- كذا، و الصّحیح: ذیادة- بالذّال المعجمة- و هی بمعنی الدّفع و الطّرد و الإبعاد كما سیأتی فی بیان المصنّف قدّس سرّه.
8- فی (س): علی، بدلا من: إلی، و فی المصدر: و جیاشا لهم ...
9- فی (س): انبعثه، و ما فی المتن أظهر.
10- فی المصدر: تعالی عزّ و جلّ.
11- لا توجد: لأمره فی مطبوع البحار.

مُنْكِرَةً لِلَّهِ مَعَ عِرْفَانِهَا، فَأَنَارَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) ظُلَمَهَا، وَ فَرَّجَ عَنِ الْقُلُوبِ بُهَمَهَا، وَ جَلَا عَنِ الْأَبْصَارِ غُمَمَهَا، ثُمَّ قَبَضَ اللَّهُ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) قَبْضَ رَأْفَةٍ وَ اخْتِیَارٍ، رَغْبَةً بِأَبِی صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) عَنْ (1) هَذِهِ الدَّارِ، مَوْضُوعٌ عَنْهُ الْعِبْ ءُ وَ الْأَوْزَارُ، مُحْتَفٌّ (2) بِالْمَلَائِكَةِ الْأَبْرَارِ، وَ مُجَاوَرَةِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ، وَ رِضْوَانِ الرَّبِّ الْغَفَّارِ، صَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ نَبِیِّ الرَّحْمَةِ وَ أَمِینِهِ عَلَی وَحْیِهِ، وَ صَفِیِّهِ مِنَ الْخَلَائِقِ، وَ رَضِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

ثُمَّ أَنْتُمْ عِبَادَ اللَّهِ- تُرِیدُ أَهْلَ الْمَجْلِسِ- نُصْبُ أَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْیِهِ، وَ حَمَلَةُ دِینِهِ وَ وَحْیِهِ، وَ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَی أَنْفُسِكُمْ، وَ بُلَغَاؤُهُ إِلَی الْأُمَمِ، زَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ (3) لِلَّهِ (4) فِیكُمْ عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَیْكُمْ، وَ نَحْنُ (5) بَقِیَّةٌ اسْتَخْلَفَنَا عَلَیْكُمْ، وَ مَعَنَا كِتَابُ اللَّهِ، بَیِّنَةٌ بَصَائِرُهُ، وَ آیٌ (6) فِینَا مُنْكَشِفَةٌ سَرَائِرُهُ، وَ بُرْهَانٌ مُنْجَلِیَةٌ ظَوَاهِرُهُ، مُدِیمٌ لِلْبَرِیَّةِ (7) إِسْمَاعُهُ، قَائِدٌ إِلَی الرِّضْوَانِ اتِّبَاعُهُ، مُؤَدٍّ إِلَی النَّجَاةِ اسْتِمَاعُهُ، فِیهِ بَیَانُ (8) حُجَجِ اللَّهِ الْمُنَوَّرَةِ، وَ عَزَائِمِهِ الْمُفَسَّرَةِ، وَ مَحَارِمِهِ الْمُحَذَّرَةِ، وَ بَیِّنَاتِهِ (9) الْجَالِیَةِ، وَ جُمَلِهِ الْكَافِیَةِ، وَ فَضَائِلِهِ الْمَنْدُوبَةِ، وَ رُخَصِهِ الْمَوْهُوبَةِ (10)، وَ شَرَائِعِهِ الْمَكْتُوبَةِ، فَفَرَضَ اللَّهُ الْإِیمَانَ تَطْهِیراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَ الصَّلَاةَ تَنْزِیهاً عَنِ الْكِبْرِ، وَ الصِّیَامَ تَثْبِیتاً لِلْإِخْلَاصِ، وَ الزَّكَاةَ تَزْیِیداً فِی الرِّزْقِ، وَ الْحَجَّ تَسْلِیَةً لِلدِّینِ، وَ الْعَدْلَ تَنَسُّكاً (11) لِلْقُلُوبِ، وَ طَاعَتَنَا

ص: 241


1- فی مطبوع البحار: عزّت بدلا من: عن.
2- فی مطبوع البحار: و متحف.
3- فی (س): ملكه، بدلا من لكم.
4- فی المصدر: اللّٰه .. فتصبح جملة استفهامیة مستقلّة.
5- لا توجد فی مطبوع البحار: نحن.
6- جمع آیة.
7- فی المصدر: البرّیّة.
8- فی حاشیة مطبوع البحار: فیه تنال .. و قد وضع علیها فی (ك) رمز النّسخة المصحّحة (خ ص).
9- فی المصدر: و تبیانه.
10- فی (س): المرهوبة.
11- كذا، و الظّاهر: تنسیكا .. أیّ تطهیرا و تطییبا، كما فی القاموس 3- 321.

نِظَاماً لِلْمِلَّةِ (1)، وَ إِمَامَتَنَا لَمّاً (2) مِنَ الْفُرْقَةِ، وَ حُبَّنَا عِزّاً لِلْإِسْلَامِ، وَ الصَّبْرَ مَنْجَاةً، وَ الْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ، وَ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعَرُّضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَ تَوْفِیَةَ الْمَكَایِیلِ وَ الْمَوَازِینِ تَغْیِیراً لِلْبَخْسَةِ (3)، وَ النَّهْیَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِیهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَ قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ اجْتِنَاباً لِلَّعْنَةِ، وَ تَرْكَ السَّرَقِ إِیجَاباً لِلْعِفَّةِ، وَ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الشِّرْكَ إِخْلَاصاً لَهُ بِالرُّبُوبِیَّةِ فَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (4) وَ أَطِیعُوهُ فِیمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَ نَهَاكُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (5).

ثُمَّ قَالَتْ: أَیُّهَا النَّاسُ! أَنَا فَاطِمَةُ، وَ أَبِی مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) أَقُولُهَا بَدْءاً عَلَی عَوْدِی (6) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ. (7) .. ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ عَلَی مَا رَوَاهُ زَیْدُ بْنُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی رِوَایَةِ أَبِیهِ.

ثُمَّ قَالَتْ- فِی مُتَّصِلِ كَلَامِهَا-: أَ فَعَلَی مُحَمَّدٍ تَرَكْتُمُ كِتَابَ اللَّهِ، وَ نَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، إِذْ یَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی: وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (8)، وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- فِیمَا قَصَّ (9) مِنْ خَبَرِ یَحْیَی بْنِ زَكَرِیَّا: رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (10)، وَ قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ (11)، وَ قَالَ: یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ

ص: 242


1- لا توجد فی المصدر: للملّة.
2- فی (ك): خطّ علی كلمة: لمّا. و فی المصدر: أمنا.
3- فی المصدر: تعبیرا للنحسة.
4- آل عمران: 102.
5- فاطر: 28.
6- فی المصدر: أقولها عودا علی بدء.
7- التّوبة: 128.
8- النّمل: 16.
9- فی مطبوع البحار: اقتصّ.
10- مریم: 5- 6.
11- الأحزاب: 6.

الْأُنْثَیَیْنِ (1)، وَ قَالَ: إِنْ تَرَكَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ (2) وَ زَعَمْتُمْ أَلَّا حُظْوَةَ لِی وَ لَا إِرْثَ مِنْ أَبِی (3)، وَ لَا رَحِمَ بَیْنَنَا، أَ فَخَصَّكُمُ اللَّهُ بِآیَةٍ أَخْرَجَ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) مِنْهَا؟! أَمْ تَقُولُونَ أَهْلُ مِلَّتَیْنِ لَا یَتَوَارَثُونَ؟! أَ وَ لَسْتُ أَنَا وَ أَبِی مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ؟ أَمْ (4) لَعَلَّكُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَ عُمُومِهِ مِنَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) ؟! أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ (5) أَ أُغْلَبُ عَلَی إِرْثِی ظُلْماً وَ جَوْراً (6)؟! وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (7).

وَ ذَكَرَ أَنَّهَا لَمَّا فَرَغَتْ مِنْ كَلَامِ أَبِی بَكْرٍ وَ الْمُهَاجِرِینَ عَدَلَتْ إِلَی مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: مَعْشَرَ الْبَقِیَّةِ، وَ أَعْضَاءَ الْمِلَّةِ، وَ حُصُونَ الْإِسْلَامِ: مَا هَذِهِ الْغَمِیرَةُ فِی حَقِّی وَ السِّنَةُ عَنْ ظُلَامَتِی؟ أَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) یَقُولُ: الْمَرْءُ (8) یُحْفَظُ فِی وُلْدِهِ؟! سَرْعَانَ مَا أَجْدَبْتُمْ (9) فَأَكْدَیْتُمْ، وَ عَجْلَانَ ذَا إِهَالَةٍ، أَ تَقُولُونَ (10) مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) فَخَطْبٌ جَلِیلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْیُهُ، وَ اسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَ بَعُدَ وَقْتُهُ، وَ أَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَیْبَتِهِ، وَ اكْتَأَبَتْ خِیَرَةُ اللَّهِ لِمُصِیبَتِهِ، وَ خَشَعَتِ الْجِبَالُ، وَ أَكْدَتِ الْآمَالُ، وَ أُضِیعَ الْحَرِیمُ، وَ أُزِیلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَمَاتِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) ؟

ص: 243


1- النّساء: 11.
2- البقرة: 180.
3- فی المصدر: أنّ لا حقّ لی و لا إرث لی من أبی.
4- لا توجد فی المصدر: أم.
5- المائدة: 50. و فی المصدر و المطبوع من البحار: تبغون، و علیه فلا تكون آیة.
6- فی المصدر: جورا و ظلما.
7- الشّعراء: 227.
8- فی المصدر: أ ما قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: المرء.
9- فی (س): أجدیتم.
10- فی بلاغات النّساء: ذا إهانة تقولون.

وَ تِلْكَ نَازِلَةٌ علن (أَعْلَنَ) بِهَا (1) كِتَابُ اللَّهِ فِی أَفْنِیَتِكُمْ فِی مُمْسَاكُمْ وَ مُصْبَحِكُمْ، یَهْتِفُ بِهَا (2) فِی أَسْمَاعِكُمْ، وَ لقلبه (قَبْلَهُ) مَا حَلَّتْ (3) بِأَنْبِیَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رُسُلِهِ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ (4) إِیهاً بَنِی قَیْلَةَ! أَ أُهْضِمَ تُرَاثُ أَبِیَهْ وَ أَنْتُمْ بِمَرْأًی مِنْهُ وَ مَسْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وَ تَشْمَلُكُمُ (5) الْحَیْرَةُ، وَ فِیكُمُ الْعَدَدُ وَ الْعُدَّةُ، وَ لَكُمُ الدَّارُ، وَ عِنْدَكُمُ الْجُنَنُ، وَ أَنْتُمُ الْأَوْلَی یحبه (نُخْبَةُ) اللَّهِ (6) الَّتِی انْتَجَبَ (7) لِدِینِهِ وَ أَنْصَارُ رَسُولِهِ، وَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، وَ الْخِیَرَةُ الَّتِی اخْتَارَ لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ، فَبَادَیْتُمُ الْعَرَبَ، وَ نَاهَضْتُمُ الْأُمَمَ، وَ كَافَحْتُمُ الْبُهَمَ، لَا نَبْرَحُ نَأْمُرُكُمْ وَ تَأْتَمِرُونَ (8)، حَتَّی دَارَتْ لَكُمْ بِنَا رَحَی (9) الْإِسْلَامِ، وَ دَرَّ حَلَبُ الْأَنَامِ، وَ خَضَعَتْ نَعْرَةُ الشِّرْكِ، وَ بَاخَتْ نِیرَانُ الْحَرْبِ، وَ هَدَأَتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَ اسْتَوْثَقَ (10) نِظَامُ الدِّینِ، فَأَنَّی جُرْتُمْ (11) بَعْدَ الْبَیَانِ، وَ نَكَصْتُمْ بَعْدَ الْإِقْدَامِ، وَ أَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الْإِعْلَانِ، لِقَوْمٍ نَكَثُوا أَیْمَانَهُمْ: أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (12). أَلَا قَدْ أَرَی أَنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إِلَی الْخَفْضِ، وَ رَكَنْتُمْ إِلَی الدَّعَةِ، فَعُجْتُمْ

ص: 244


1- فی المصدر: و تلك نازل علینا بها.
2- لا یوجد فی مطبوع البحار: بها.
3- فی المصدر: و قبله حلّت.
4- آل عمران: 144.
5- فی المصدر: و تثملكم.
6- فی بلاغات النّساء: و أنتم الآلی نخبة اللّٰه ..
7- فی المصدر: انتخب.
8- فی بلاغات النّساء: تأمرون.
9- فی مطبوع البحار: بنارها.
10- خ. ل: استوسق، جاءت علی حاشیة (ك)، و هی كذلك فی المصدر.
11- فی المصدر: حرتم.
12- التّوبة: 13.

عَنِ الدِّینِ، وَ مَجَجْتُمُ (1) الَّذِی وَعَیْتُمْ، وَ وَسَّعْتُمُ (2) الَّذِی سُوِّغْتُمْ فَ: إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ (3). أَلَا وَ قَدْ قُلْتُ الَّذِی قُلْتُهُ عَلَی مَعْرِفَةٍ مِنِّی بِالْخِذْلَانِ الَّذِی خَامَرَ صُدُورَكُمْ، وَ اسْتَشْعَرَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَ لَكِنْ قُلْتُهُ فَیْضَةَ النَّفْسِ، وَ نَفْثَةَ الْغَیْظِ، وَ بَثَّةَ الصَّدْرِ، وَ مَعْذِرَةَ الْحُجَّةِ، فَدُونَكُمُوهَا فَاحْتَقِبُوهَا مُدْبِرَةَ الظَّهْرِ، نَاقِبَةَ الْخُفِّ (4)، بَاقِیَةَ الْعَارِ، مَوْسُومَةً بِشَنَارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِ: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَی الْأَفْئِدَةِ (5). فَبِعَیْنِ اللَّهِ مَا تَفْعَلُونَ: وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (6)! وَ أَنَا ابْنَةُ نَذِیرٍ لَكُمْ بَیْنَ یَدَیْ عَذابٍ شَدِیدٍ (7)، فَ اعْمَلُوا ... إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (8).

قال أبو الفضل: و قد ذكر قوم أنّ أبا العیناء ادّعی هذا الكلام، و قد رواه قوم و صحّحوه و كتبناه علی ما فیه.

وَ حَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْدِیُّ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ عَطِیَّةَ الْعَوْفِیِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ یَوْمَئِذٍ یَقُولُ لِفَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ: یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ! لَقَدْ كَانَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ بِالْمُؤْمِنِینَ رَحِیماً (9)، وَ عَلَی الْكَافِرِینَ عَذَاباً أَلِیماً، وَ إِذَا عَزَوْنَاهُ كَانَ أَبَاكِ دُونَ النِّسَاءِ، وَ أَخَا ابْنِ عَمِّكِ دُونَ الرِّجَالِ، آثَرَهُ عَلَی كُلِّ حَمِیمٍ، وَ سَاعَدَهُ عَلَی الْأَمْرِ الْعَظِیمِ، لَا یُحِبُّكُمْ إِلَّا الْعَظِیمُ السَّعَادَةِ، وَ لَا یُبْغِضُكُمْ إِلَّا

ص: 245


1- فی المصدر: و بحجتم.
2- فی بلاغات النّساء: و دسعتم.
3- إبراهیم: 8.
4- فی المصدر: ناكبة الحقّ.
5- الهمزة: 6- 7.
6- الشّعراء: 227.
7- سبأ: 46.
8- هود: 121 و 122.
9- فی المصدر: رءوفا رحیما.

الرَّدِیُّ الْوِلَادَةِ، وَ أَنْتُمْ عِتْرَةُ اللَّهِ الطَّیِّبُونَ، وَ خِیَرَةُ اللَّهِ الْمُنْتَجَبُونَ (1)، عَلَی الْآخِرَةِ أَدَلْتَنَا، وَ بَابُ الْجَنَّةِ لِسَالِكِنَا، وَ أَمَّا مَنْعُكِ مَا سَأَلْتِ فَلَا ذَلِكِ لِی، وَ أَمَّا فَدَكُ وَ مَا جَعَلَ أَبُوكِ لَكِ (2)، فَإِنْ مَنَعْتُكِ فَأَنَا ظَالِمٌ، وَ أَمَّا الْمِیرَاثُ فَقَدْ تَعْلَمِینَ أَنَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) قَالَ: لَا نُورَثُ مَا (3) أَبْقَیْنَاهُ صَدَقَةٌ.

قَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ یَقُولُ عَنْ نَبِیٍّ مِنْ أَنْبِیَائِهِ: یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (4)، وَ قَالَ: وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (5)، فَهَذَانِ (6) نَبِیَّانِ، وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَا تُورَثُ وَ إِنَّمَا یُورَثُ مَا دُونَهَا، فَمَا لِی أُمْنَعُ إِرْثَ أَبِی؟! أَ أَنَزَلَ اللَّهُ فِی الْكِتَابِ إِلَّا فَاطِمَةَ (علیها السلام) بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) فَتَدُلَّنِی عَلَیْهِ فَأَقْنَعَ بِهِ؟

فَقَالَ: یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) ! أَنْتِ عَیْنُ الْحُجَّةِ، وَ مَنْطِقُ الرِّسَالَةِ، لَا یَدَ لِی بِجَوَابِكِ، وَ لَا أَدْفَعُكِ عَنْ صَوَابِكِ، وَ لَكِنْ هَذَا أَبُو الْحَسَنِ بَیْنِی وَ بَیْنَكِ هُوَ الَّذِی أَخْبَرَنِی بِمَا تَفَقَّدْتِ، وَ أَنْبَأَنِی بِمَا أَخَذْتِ وَ تَرَكْتِ.

قَالَتْ: فَإِنْ یَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَصَبْرٌ لِمُرِّ الْحَقِّ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَهَ الْحَقِّ (7).

وَ مَا وَجَدْتُ هَذَا الْحَدِیثَ عَلَی التَّمَامِ إِلَّا عِنْدَ أَبِی هَفَّانَ (8).

أقول: لا یخفی علی ذی عینین أنّ ما ألحقوه فی آخر الخبر لا یوافق شیئا من الروایات، و لا یلائم ما مرّ من الفقرات و التظلّمات و الشكایات، و سنوضح القول فی ذلك إن شاء اللّٰه تعالی.

و لنوضّح تلك الخطبة الغرّاء الساطعة عن سیدة النساء صلوات اللّٰه علیها

ص: 246


1- فی المصدر: المنتخبون.
2- فی بلاغات النّساء: لك أبوك.
3- فی (س): و ما.
4- مریم: 6.
5- النّمل: 16.
6- فی (س): فهذا بدلا من: فهذان.
7- فی المصدر: إله الخلق، قال أبو الفضل- أیّ صاحب بلاغات النّساء-.
8- إلی هنا ما نقل عن بلاغات النّساء.

التی تحیّر من العجب منها و الإعجاب بها أحلام الفصحاء و البلغاء، و نبنی الشرح علی روایة الإحتجاج و نشیر أحیانا إلی الروایات الأخر.

قوله: أَجْمَعَ أَبُو بَكْرٍ .. أی أحكم النیّة و العزیمة علیه (1).

لَاثَتْ خِمَارَهَا عَلَی رَأْسِهَا .. أی عصبته و جمعته (2)، یقال: لاث العمامة علی رأسه یلوثها لوثا أی شدّها و ربطها. (3).

و الْجِلْبَابُ- بالكسر- یطلق علی الملحفة (4) و الرّداء و الإزار (5) و الثّوب الواسع للمرأة دون الملحفة (6)، و الثّوب كالمقنعة تغطّی بها المرأة رأسها و صدرها و ظهرها (7)، و الأوّل هنا أظهر.

أَقْبَلَتْ فِی لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا .. اللُّمَةُ- بضمّ اللّام و تخفیف المیم- الجماعة (8)، قال فی النهایة: فی حدیث فاطمة (علیها السلام) أنّها خرجت فی لمة من نسائها تتوطّأ ذیلها إلی أبی بكر فعاتبته .. أی فی جماعة من نسائها، قیل: هی ما بین الثّلاثة إلی العشرة، و قیل: اللُّمَةُ: المثل فی السّن و التّرب.

و (9) قال الجوهری: الهاء عوض من الهمزة الذّاهبة من وسطة (10)، و هو ممّا

ص: 247


1- قاله فی لسان العرب 8- 57، و قال فی تاج العروس 5- 307: الإجماع: العزم علی الأمر و الإحكام علیه.
2- نصّ علی المعنی الأول فی الصحاح 1- 291، و لسان العرب 2- 186، و علی الثانی فی النهایة 4- 275.
3- كما فی لسان العرب 2- 186، و النهایة 4- 275، و تاج العروس 1- 644.
4- قاله فی مجمع البحرین 2- 23، و الصحاح 1- 101، و النهایة 1- 283.
5- نصّ علی الأخیر فی لسان العرب 1- 273، و صرّح بالجمیع فی النهایة لابن الأثیر.
6- كما جاء فی القاموس 1- 47، و تاج العروس 1- 186 و غیرهما.
7- انظر: النهایة 1- 283، و لسان العرب 1- 273.
8- قاله فی مجمع البحرین 6- 165، و لسان العرب 12- 548.
9- لا توجد الواو فی المصدر.
10- إلی هنا قاله الجوهریّ فی الصحاح 5- 2026.

أخذت عینه كسر (1) و مذ و أصلها فعلة من الملاءمة، و هی الموافقة. انتهی (2).

أقول: و یحتمل أن یكون بتشدید المیم. قال الفیروزآبادی (3): اللُّمَّةُ بالضّم- الصّاحب و الأصحاب فی السّفر و المونس للواحد و الجمع (4).

و الْحَفَدَةُ- بالتحریك-: الأعوان و الخدم (5).

تَطَأُ ذُیُولَهَا .. أی كانت أثوابها طویلة تستر قدمیها، و تضع علیها قدمها عند المشی، و جمع الذیل باعتبار الأجزاء أو تعدّد الثیاب.

مَا تَخْرِمُ مِشْیَتُهَا مِشْیَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلّی اللّٰه علیه و آله .. و فی بعض النسخ:

مِنْ مَشْیِ رَسُولِ اللَّهِ صلّی اللّٰه علیه و آله، و الْخَرْمُ: التّرك (6)، و النّقص و العدول (7)، و الْمِشْیَةُ- بالكسر- الاسم من مشی یمشی مشیا (8)، أی لم تنقص مشیها من مشیه صلّی اللّٰه علیه و آله شیئا كأنّه هو بعینه، قال فی النهایة (9): فیه ما خرمت من صلاة رسول اللّٰه .. شیئا: أی ما تركت، و منه الحدیث: «لم أخرم منه حرفا» أی لم أدع.

و الْحَشْدُ- بالفتح و قد یحرّك-: الجماعة (10).

و فی الكشف (11): إنّ فاطمة علیها السلام لمّا بلغها إجماع أبی بكر علی منعها فدكا لاثت خمارها و أقبلت فی لمیمة من حفدتها و نساء قومها، تجرّ أدراعها، و تطأ فی

ص: 248


1- فی المصدر: كسه.
2- أی انتهی كلام النهایة 4- 273، و انظر: لسان العرب 12- 548.
3- فی القاموس 4- 177.
4- و انظر: تاج العروس 9- 63.
5- كما فی مجمع البحرین 3- 38، و الصحاح 2- 466.
6- قال فی لسان العرب 12- 170- 171: الخارم: التارك، و نحوه فی تاج العروس 8- 272.
7- نصّ علیهما فی الصحاح 5- 1912، و لسان العرب 12- 170- 171.
8- كما فی لسان العرب 15- 281.
9- النهایة: 2- 27.
10- كما فی القاموس 1- 288، و لسان العرب 3- 150 و غیرهما.
11- كشف الغمّة 2- 40- 41 بنصّه.

ذیولها، ما تخرم من مشیة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله ... حتی دخلت علی أبی بكر- و قد حشد المهاجرین و الأنصار- فضرب بینهم بریطة بیضاء، و قیل قبطیة ... فأنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طویلا حتی سكنوا من فورتهم ...، ثم قالت (علیها السلام): أبتدئ بحمد من هو أولی بالحمد و الطول و المجد، الحمد للّٰه علی ما أنعم ..

فنیطت دونها ملاءة .. الملاءة- بالضم و المدّ- الرّیطة (1) و الإزار، و نیطت بمعنی علّقت (2) أی ضربوا بینها علیها السلام و بین القوم سترا و حجابا، و الرَّیْطَةُ- بالفتح- الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، و لم تكن لفقین (3)، أو هی كلّ ثوب لینّ رقیق (4).

و الْقِبْطِیَّةُ- بالكسر-: ثیاب بیض رقاق من كتّان تتّخذ بمصر، و قد یضمّ لأنّهم یغیّرون فی النّسبة (5).

و الْجَهْشُ: أن یفزع الإنسان إلی غیره و هو مع ذلك یرید البكاء كالصّبیّ یفزع إلی أمّه و قد تهیّأ للبكاء (6)، یقال: جهش إلیه كمنع و أجهش (7).

و الِارْتِجَاجُ: الاضطراب (8).

قوله: هُنَیْئَةً .. أی صبرت زمانا قلیلا (9).

ص: 249


1- نصّ علیه فی الصحاح 1- 73، و القاموس 1- 29، و قال فی لسان العرب 1- 160: الملاء بالضم و المد- جمع ملاءة، و هی الإزار و الریطة، و نحوه فی النهایة 4- 352.
2- كما فی مجمع البحرین 4- 277، و الصحاح 3- 1165 و غیرهما.
3- ذكره فی لسان العرب 7- 307، و مجمع البحرین 4- 250، و قال فی القاموس 2- 362: الریطة: كل ملاءة غیر ذات لفقین كلها نسج واحد وقطعة واحدة ، أو كل ثوب لین رقیق.
4- النهایة 4- 289، و لسان العرب 7- 307.
5- كما فی الصحاح 3- 1151، و مثلها لسان العرب 7- 373، إلّا أنّه ضبطه بالضم.
6- قاله فی مجمع البحرین 4- 131، و لسان العرب 6- 276، و تاج العروس 4- 291.
7- جاء فی القاموس 2- 266، و تاج العروس 4- 291، و لسان العرب 6- 276.
8- انظر مجمع البحرین 2- 303، و الصحاح 1- 317 و غیرهما.
9- صرّح به فی لسان العرب 1- 366، و مجمع البحرین 1- 479.

و النَّشِیجُ: صوت معه توجّع و بكاء كما یردّد الصّبیّ بكاءه فی صدره (1).

و هدأت- كمنعت-: أی سكنت (2).

و فَوْرَةُ الشَّیْ ءِ شِدَّتُهُ، وَ فَارَ الْقِدْرُ أی جاشت (3).

قولها صلوات اللّٰه علیها: بِمَا قَدَّمَ .. أی بنعم أعطاها العباد قبل أن یستحقوها، و یحتمل أن یكون المراد بالتقدیم الإیجاد و الفعل من غیر ملاحظة معنی الابتداء، فیكون تأسیسا.

و السُّبُوغُ: الكمال (4).

و الْآلَاءُ: النّعماء جمع أَلَی- بالفتح و القصر و قد یكسر الهمزة (5)

و أَسْدَی و أَوْلَی و أَعْطَی بمعنی واحد (6).

قولها: وَالاهَا .. أی تابعها (7)، بإعطاء نعمة بعد أخری بلا فصل.

و جَمَّ الشَّیْ ءُ أی كثر (8)، و الجمّ: الكثیر (9)، و التعدیة بعن لتضمین معنی التعدی و التجاوز.

قولها علیها السلام: و نَأَی (10) عن الجزاء أمدها .. الْأَمَدُ- بالتحریك-:

الغایة المنتهی (11)، أی بعد عن الجزاء بالشكر غایتها، فالمراد بالأمد إما الأمد المفروض، إذ لا أمد لها علی الحقیقة، أو الأمد الحقیقی لكلّ حدّ من حدودها

ص: 250


1- ذكره فی النهایة 5- 53، و مجمع البحرین 2- 332.
2- نصّ علیه فی القاموس 1- 33، و لسان العرب 1- 180 و غیرهما.
3- ذكره فی الصحاح 2- 783، و لسان العرب 5- 67.
4- نصّ علیه فی المصباح المنیر: 1- 320، و لسان العرب 8- 433.
5- كما فی لسان العرب 14- 43، و مجمع البحرین 1- 29 و غیرهما.
6- قاله فی النهایة 2- 356، و لسان العرب 14- 376، و مجمع البحرین 1- 215.
7- كذا فی مجمع البحرین 1- 463، و الصحاح 6- 2530 و غیرهما.
8- فی (س): كسر، و هو غلط.
9- كما فی مجمع البحرین 6- 30، و الصحاح 5- 1889، و غیرهما.
10- جاء فی مجمع البحرین 1- 404: النأی: البعد.
11- قاله فی القاموس 1- 275، و الصحاح 2- 442، و مجمع البحرین 3- 8.

المفروضة، و یحتمل أن یكون المراد بأمدها ابتداؤها، و قد مرّ فی كثیر من الخطب بهذا المعنی.

و قال فی النهایة فی حدیث الحجّاج: «قال للحسن: مَا أَمَدُكَ؟ قال:

سنتان من خلافة (1) عمر»، أراد أنّه ولد لسنتین من خلافته، و للإنسان أمدان، مولده و موته. انتهی (2). و إذا حمل علیه یكون أبلغ، و یحتمل- علی بعد- أن یقرأ بكسر المیم، قال الفیروزآبادی (3): الْأَمِدُ (4): المملوّ من خیر و شرّ، و السّفینة المشحونة (5).

و تفاوت عن الإدراك أبدها .. التّفاوت: البعد (6)، و الأبد: الدّهر و الدائم (7) و القدیم الأزلی، و بعده عن الإدراك لعدم الانتهاء.

و نَدَبَهُمْ لِاسْتِزَادَتِهَا بِالشُّكْرِ لِاتِّصَالِهَا .. یقال: نَدَبَهُ لِلْأَمْرِ و إِلَیْهِ فَانْتَدَبَ ..

أی دعاه فأجاب (8)، و اللام فی قولها: لاتصالها .. لتعلیل الندب .. أی رَغَّبَهُمْ فی استزادة النعمة بسبب الشكر لتكون نعمة متصلة لهم غیر منقطعة عنهم، و جعل اللام الأولی للتعلیل و الثانیة للصلة بعید، و فی بعض النسخ: لإفضالها، فیحتمل تعلقه بالشكر.

وَ اسْتَحْمَدَ إِلَی الْخَلَائِقِ بِإِجْزَالِهَا .. أی طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم و إكمالها علیهم، یقال: أجزلت له من العطاء .. أی أكثرت (9)، و أجزاك

ص: 251


1- فی المصدر: لخلافة.
2- انتهی كلام صاحب النهایة 1- 65.
3- فی القاموس 1- 275.
4- الظاهر من القاموس أن: الآمد كصاحب.
5- و انظر ما جاء فی تاج العروس 2- 291.
6- قال فی لسان العرب 2- 69، و الصحاح 1- 260 و غیرهما، تفاوت: تباعد.
7- كذا فی مجمع البحرین 3- 5، و الصحاح 2- 439، و غیرهما.
8- ذكره فی لسان العرب 1- 754، و مثله فی مجمع البحرین 2- 170، و الصحاح 1- 223، و لم ترد فیهما لفظة: و إلیه.
9- كما جاء فی مجمع البحرین 5- 337، و الصحاح 4- 1655، و غیرهما.

النعم كأنه طلب الحمد أو طلب منهم الحمد حقیقة لإجزال النعم، و علی التقدیرین: التعدیة بإلی لتضمین معنی الانتهاء أو التوجّه، و هذه التعدیة فی الحمد شائع بوجه آخر، یقال: أحمد إلیك اللّٰه، قیل: أی أحمده معك، و قیل:

أی أحمد إلیك نعمة اللّٰه بتحدیثك إیّاها (1)، و یحتمل أن یكون استحمد بمعنی تحمد، یقال: فلان یتحمّد علیّ .. أی یمتنّ (2)، فیكون إلی بمعنی علی، و فیه بعد.

و ثنّی بالندب إلی أمثالها .. أی بعد أن أكمل لهم النعم الدنیویّة ندبهم إلی تحصیل أمثالها من النعم الأخرویة أو الأعم منها و من مزید النعم الدنیویة، و یحتمل أن یكون المراد بالندب إلی أمثالها أمر العباد بالإحسان و المعروف، و هو إنعام علی المحسن إلیه و علی المحسن أیضا، لأنّه به یصیر مستوجبا للأعواض و المثوبات الدنیویة و الأخرویة.

كلمة جعل الإخلاص تأویلها .. المراد بالإخلاص جعل الأعمال كلّها خالصة للّٰه تعالی، و عدم شوب الریاء و الأغراض الفاسدة، و عدم التوسل بغیره تعالی فی شی ء من الأمور، فهذا تأویل كلمة التوحید، لأن من أیقن بأنّه الخالق و المدبّر، و بأنه لا شریك له فی الإلهیة فحقّ له أن لا یشرك فی العبادة غیره، و لا یتوجّه فی شی ء من الأمور إلی غیره.

و ضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَهَا .. هذه الفقرة تحتمل وجوها:

الأول: أن اللّٰه تعالی ألزم و أوجب علی القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركبّه تعالی، و عدم زیادة صفاته الكمالیة الموجودة و أشباه ذلك ممّا یؤول إلی التوحید.

الثانی: أن یكون المعنی جعل ما یصل إلیه العقل من تلك الكلمة مدرجا

ص: 252


1- كذا فی لسان العرب 3- 157، و النهایة 1- 437، و غیرهما.
2- قاله فی لسان العرب 3- 157، و فی الصحاح 1- 417 نحوه، إلّا أنّه قال: أی یمنّ.

فی القلوب ممّا أراهم من الآیات فِی الْآفاقِ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ، أو بما فطرهم علیه من التوحید.

الثالث: أن یكون المعنی لم یكلف العقول الوصول إلی منتهی دقائق كلمة التوحید و تأویلها، بل إنّما كلّف عامّة القلوب بالإذعان بظاهر معناها، و صریح مغزاها، و هو المراد بالموصول.

الرابع: أن یكون الضمیر فی موصولها راجعا إلی القلوب، أی لم یلزم القلوب إلّا ما یمكنها الوصول إلیها من تأویل تلك الكلمة الطیبة، و الدقائق المستنبطة منها أو مطلقها، و لو لا التفكیك لكان أحسن الوجوه بعد الوجه الأول، بل مطلقا.

و أَنَارَ فِی الْفِكْرِ مَعْقُولَهَا .. أی أوضح (1) فی الأذهان ما یتعقّل من تلك الكلمة بالتفكّر فی الدلائل و البراهین، و یحتمل إرجاع الضمیر إلی القلوب أو الفكر- بصیغة الجمع- أی أوضح بالتفكّر ما یعقلها العقول، و هذا یؤید الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة.

الْمُمْتَنِعِ مِنَ الْأَبْصَارِ رُؤْیَتُهُ .. یمكن (2) أن یقرأ الأبصار- بصیغة الجمع و المصدر-، و المراد بالرؤیة العلم الكامل و الظهور التام.

وَ مِنَ الْأَلْسُنِ صِفَتُهُ .. الظاهر أن الصفة هنا مصدر، و یحتمل المعنی المشهور بتقدیر أی بیان صفته.

لَا مِنْ شَیْ ءٍ .. أی مادة.

بِلَا احْتِذَاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَهَا .. احتذی مثاله اقتدی به (3) و امتثلها .. أی تبعها (4).

ص: 253


1- كما جاء فی لسان العرب 5- 240، و النهایة 5- 125، و غیرهما.
2- فی (ك): و یمكن.
3- ذكره فی القاموس: 4- 316، و لسان العرب: 14- 170، و غیرهما.
4- جاء فی لسان العرب 11- 614، و القاموس المحیط 4- 49، و غیرهما.

و لم یتعدّ عنها .. أی لم یخلقها علی وفق صنع غیره.

و تنبیها علی طاعته .. لأنّ ذوی العقول یتنبّهون بمشاهدة مصنوعاته بأن شكر خالقها و المنعم بها واجب، أو أنّ خالقها مستحقّ للعبادة، أو بأنّ من قدر علیها یقدر علی الإعادة و الانتقام.

و تعبدا لبریّته .. أی خلق البریّة لیتعبّدهم، أو خلق الأشیاء لیتعبّد البرایا بمعرفته و الاستدلال بها علیه.

و إعزازا لدعوته. أی خلق الأشیاء لیغلب و یظهر دعوة الأنبیاء إلیه بالاستدلال بها.

ذیادة لعباده عن نقمته، و حیاشة لهم إلی جنّته ..

الذود و الذیّاد- بالذّال المعجمة- .. السّوق و الطّرد و الدّفع (1) و الإبعاد.

و حشت الصّید أحوشه إذا جئته من حوالیه لتصرفه إلی الحبالة (2).

و لعلّ التعبیر بذلك لنفور الناس بطباعهم عمّا یوجب دخول الجنّة.

قبل أن اجتبله .. الجبل: الخلق، یقال: جبلهم اللّٰه .. أی خلقهم، و جبله علی الشیّ ء .. أی طبعه علیه (3)، و لعلّ المعنی أنه تعالی سمّاه لأنبیائه قبل أن یخلقه، و لعلّ زیادة البناء للمبالغة تنبیها علی أنه خلق عظیم، و فی بعض النسخ- بالحاء المهملة- یقال: احتبل الصّید .. أی أخذه بالحبالة (4)، فیكون المراد به الخلق أو البعث مجازا، و فی بعضها: قبل أن اجتباه .. أی اصطفاه (5) بالبعثة، و كل منها لا یخلو من تكلّف.

ص: 254


1- كما فی لسان العرب 3- 167، و القاموس 1- 293، و غیرهما.
2- قاله فی القاموس 2- 270، و مثله فی مجمع البحرین 4- 135 إلّا أنّه قال: عن الحبالة، و هو غلط ظاهرا.
3- نصّ علیه فی لسان العرب 11- 98، و نحوه فی القاموس 3- 345، و لیس فیه لفظة: علیه.
4- قاله فی المصباح المنیر 1- 146، و الصحاح 4- 1665، إلّا أنّه بدل: (أخذه) فی الأول، (صاده)، و فی الثانی: (اصطاده).
5- جاء فی لسان العرب 14- 130، و الصحاح 6- 2298، و غیرهما.

و بِسَتْرِ الْأَهَاوِیلِ (1) مَصُونَةٌ .. لعلّ المراد بالستر ستر العدم أو حجب الأصلاب و الأرحام، و نسبته إلی الأهاویل لما یلحق الأشیاء فی تلك الأحوال من موانع الوجود و عوائقه، و یحتمل أن یكون المراد أنها كانت مصونة عن الأهاویل بستر العدم، إذ هی إنّما تلحقها بعد الوجود، و قیل: التعبیر من قبیل التعبیر عن درجات العدم بالظلمات.

بِمَآئِلِ (2) الْأُمُورِ- علی صیغة الجمع- .. أی عواقبها، و فی بعض النسخ بصیغة المفرد.

وَ مَعْرِفَةً بِمَوَاقِعِ الْمَقْدُورِ .. أی لمعرفته تعالی بما یصلح و ینبغی من أزمنة الأمور الممكنة المقدور و أمكنتها، و یحتمل أن یكون المراد بالمقدور: المقدر، بل هو أظهر.

إِتْمَاماً لِأَمْرِهِ .. أی للحكمة التی خلق الأشیاء لأجلها، و الإضافة فی مقادیر حتمه من قبیل إضافة الموصوف إلی الصفة .. أی مقادیره المحتومة.

و قولها علیها السلام: عُكَّفاً عَلَی نِیرَانِهَا .. تفصیل و بیان للفرق بذكر بعضها، یقال: عكف علی الشیّ ء- كضرب و نصر- أی أقبل علیه مواظبا (3) و لازمه فهو عاكف، و یجمع علی عكّف- بضم العین و فتح الكاف المشددة- كما هو الغالب فی فاعل الصفة نحو شهّد و غیّب.

و النِّیرَانُ .. جمع نار، و هو قیاس مطرد فی جمع الأجوف، نحو: تیجان و جیران.

مُنْكِرَةً لِلَّهِ مَعَ عِرْفَانِهَا .. لكون معرفته تعالی فطریة، أو لقیام الدلائل

ص: 255


1- الأهاویل: جمع الأهوال، و هو جمع الهول، و هو الخوف و الأمر الشدید، كما فی النهایة 5- 283.
2- قال فی المصباح المنیر 1- 38: آل الشی ء یؤول أولا و مآلا: رجع، و الإیال- ككتاب- اسم منه ..والموئل : المرجع وزنا ومعنی.
3- ذكره فی القاموس 3- 177، و تاج العروس 6- 303، و لسان العرب 9- 255، و زاد فی الأخیر:عكف یعكف ویعكف .. لزم المكان.

الواضحة الدالة علی وجوده سبحانه، و الضمیر (فی ظلمها) راجع إلی الأمم، و الضمیران التالیان له یمكن إرجاعهما إلیها و إلی القلوب و الأبصار.

و الظُّلَمُ- بضمّ الظّاء و فتح اللّام- جمع ظلمة (1) استعیرت هنا للجهالة.

و الْبُهَمُ جمع بهمة- بالضم- و هی مشكلات الأمور (2).

و جَلَوْتُ الْأَمْرَ .. أوضحته و كشفته (3).

و الْغُمَمُ جمع غُمَّة یقال أمر غمّة أی مبهم ملتبس (4)، قال اللّٰه تعالی: ثُمَّ لا یَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَیْكُمْ غُمَّةً (5)، قال أبو عبیدة: مجازها ظلمة و ضیق (6)، و تقول:

غممت الشیّ ء: إذا غطّیته و سترته (7).

و الْعَمَایَةُ: الْغَوَایَةُ وَ اللِّجَاجُ، ذكره الفیروزآبادی (8).

و اختیار .. أی من اللّٰه له ما هو خیر له، أو باختیار منه صلّی اللّٰه علیه و آله و رضی و كذا الإیثار، و الأول أظهر فیهما.

بمحمّد صلّی اللّٰه علیه و آله عن تعب هذه الدار .. لعلّ الظرف متعلّق بالإیثار بتضمین معنی الضنّة أو نحوها، و فی بعض النسخ: محمّد- بدون الباء فتكون الجملة استئنافیة أو مؤكدة للفقرة السابقة، أو حالیة بتقدیر الواو، و

فی بعض كتب المناقب القدیمة: فمحمّد صلّی اللّٰه علیه و آله.

، و هو أظهر،

و فی روایة كشف الغمة: رغبته بمحمّد صلّی اللّٰه علیه و آله عن تعب هذه الدار.

، و

فِی رِوَایَةِ

ص: 256


1- كذا فی مجمع البحرین 6- 109، و لسان العرب 12- 377.
2- انظر: لسان العرب 12- 57، و النهایة 1- 167، و غیرهما.
3- كما فی النهایة 1- 290، و لسان العرب 14- 150.
4- قاله فی القاموس 4- 157، و الصحاح 5- 1998، و غیرهما. وذكر جمعه فی مجمع البحرین ٦ _ ١٢٨.
5- یونس: 71.
6- جاء فی لسان العرب 12- 442، و الصحاح 6- 128.
7- كما فی النهایة 3- 388، و الصحاح 5- 1998، و مجمع البحرین 6- 128، و تاج العروس 5- 8.
8- فی القاموس 4- 366، و قارن بلسان العرب 15- 97.

أَحْمَدَ بْنِ أَبِی طَاهِرٍ: بِأَبِی صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَزَّتْ هَذِهِ الدَّارُ ..

و هو أظهر، و لعلّ المراد بالدار: دار القرار، و لو كان المراد الدنیا تكون الجملة معترضة، و علی التقادیر لا یخلو من تكلّف.

نُصْبُ أَمْرِهِ .. قال الفیروزآبادی (1): النّصب- بالفتح-: العلم المنصوب و یحرّك .. و هذا نصب عینی- بالضم و الفتح- .. أی نصبكم اللّٰه لأوامره و نواهیه، و هو خبر الضمیر، و عباد اللّٰه منصوب علی النداء.

و بلغاؤه إلی الأمم .. أی تؤدّون الأحكام إلی سائر الناس لأنكم أدركتم صحبة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

زَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ .. أی زعمتم أن ما ذكر ثابت لكم، و تلك الأسماء صادقة علیكم بالاستحقاق، و یمكن أن یقرأ علی الماضی المجهول، و فی إیراد لفظ الزعم إشعار بأنّهم لیسوا متصفین بها حقیقة، و إنما یدعون ذلك كذبا، و یمكن أن یكون حق لكم .. جملة أخری مستأنفة .. أی زعمتم أنكم كذلك و كان یحق لكم و ینبغی أن تكونوا كذلك لكن قصرتم، و فی بعض النسخ: و زعمتم حق لكم (2) فیكم و عهد،

و فی كتاب المناقب القدیم: زعمتم أن لا حقّ لی فیكم عهدا قدمه إلیكم.

فیكون عهدا منصوبا ب اذكروا و نحوه، و فی الكشف: إلی الأمم خولكم (3) اللّٰه فیكم عهد.

قولها علیها السلام: للّٰه فیكم عهد و بقیة .. العهد: الوصیّة (4)، و بقیة الرجل ما یخلفه فی أهله، و المراد بهما القرآن، أو بالأول ما أوصاهم به فی أهل بیته و عترته، و بالثانی القرآن.

ص: 257


1- القاموس 1- 132- 133، و نحوه فی تاج العروس 1- 486- 487، و لسان العرب 1- 759 760، و غیرهما.
2- فی (ك): له، بدلا من: لكم.
3- فی (ك): حولكم.
4- كما فی مجمع البحرین 3- 112، و الصحاح: 2- 515، و غیرهما.

و فی روایة أحمد بن أبی طاهر: و بقیة استخلفنا علیكم، و معنا كتاب اللّٰه ..

فالمراد بالبقیة أهل البیت علیهم السلام، و بالعهد ما أوصاهم به فیهم.

و البصائر- جمع بصیرة- و هی الحجّة (1)، و المراد بانكشاف السرائر:

وضوحها عند حملة القرآن و أهله.

مغتبط به أشیاعه .. الغبطة أن یتمنّی المرء مثل حال المغبوط من غیر أن یرید زوالها منه، تقول: غبطته فاغتبط (2)، و الباء للسببیة .. أی أشیاعه مغبوطون بسبب اتباعه، و تلك الفقرة غیر موجودة فی سائر الروایات.

مُؤَدٍّ إِلَی النَّجَاةِ إِسْمَاعُهُ ..- علی بناء الإفعال- .. أی تلاوته، و فی بعض نسخ الإحتجاج و سائر الروایات: استماعه.

و المراد بالعزائم: الفرائض، و بالفضائل: السنن، و بالرخص: المباحات، بل ما یشمل المكروهات، و بالشرائع: ما سوی ذلك من الأحكام كالحدود و الدیات أو الأعم (3)، و أما الحجج و البیّنات و البراهین فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض، و یمكن تخصیص كل منها ببعض ما یتعلق بأصول الدین لبعض المناسبات،

و فی روایة ابن أبی طاهر: و بیناته الجالیة، و جمله الكافیة.

فالمراد بالبینات: المحكمات، و بالجمل: المتشابهات، و وصفها بالكافیة لدفع توهم نقص فیها لإجمالها، فإنها كافیة فیما أرید منها، و یكفی معرفة الراسخین فی العلم بالمقصود منها، فإنّهم المفسّرون لغیرهم، و یحتمل أن یكون المراد بالجمل العمومات التی یستنبط منها الأحكام الكثیرة.

تزكیة للنفس .. أی من دنس الذنوب، أو من رذیلة البخل، إشارة إلی قوله تعالی: تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّیهِمْ بِها (4).

ص: 258


1- كما فی الصحاح 2- 592، و تاج العروس 3- 48، و غیرهما.
2- جاء فی لسان العرب 7- 359- 360، و الصحاح 3- 1146، و انظر: مجمع البحرین 4- 262.
3- فی (ك): و الأعمّ.
4- التوبة: 103.

وَ نَمَاءً فِی الرِّزْقِ .. إیماء إلی قوله تعالی: وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِیدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (1) علی بعض التفاسیر (2).

تثبیتا للإخلاص .. أی لتشیید الإخلاص و إبقائه، أو لإثباته و بیانه، و یؤید الأخیر أن فی بعض الروایات: تبیینا، و تخصیص الصوم بذلك لكونه أمرا عدمیا لا یظهر لغیره تعالی، فهو أبعد من الریاء، و أقرب إلی الإخلاص، و هذا أحد الوجوه فی تفسیر

الحدیث المشهور: الصوم لی و أنا أجزی به.

، و قد شرحناه فی حواشی الكافی (3)، و سیأتی فی كتاب الصوم إن شاء اللّٰه تعالی (4).

تَشْیِیداً لِلدِّینِ .. إنما خصّ التشیید به لظهوره و وضوحه و تحمل المشاق فیه، و بذل النفس و المال له، فالإتیان به أدلّ دلیل علی ثبوت الدین، أو یوجب استقرار الدین فی النفس لتلك العلل و غیرهما (5) ممّا لا نعرفه، و یحتمل أن یكون إشارة إلی ما ورد فی الأخبار الكثیرة من أن علّة الحج التشرّف بخدمة الإمام و عرض النصرة علیه، و تعلّم شرائع الدین منه (6)، فالتشیید لا یحتاج إلی تكلّف.

و فی العلل و روایة ابن أبی طاهر: تسلیة للدین.

، فلعلّ المعنی تسلیة للنفس، بتحمل المشاق و بذل الأموال بسبب التقید بالدین، أو المراد بالتّسلیة:

الكشف (7) و الإیضاح، فإنّها كشف الهمّ، أو المراد بالدین: أهل الدین، أو (8)

ص: 259


1- الروم: 39.
2- كما فی التبیان للشیخ الطوسیّ 8- 255، و مجمع البیان للشیخ الطبرسیّ 4- 306 و غیرهما.
3- للعلّامة المجلسی حاشیة علی أصول الكافی، لا نعلم بطبعها، ذكرها مفصّلا شیخنا الطهرانیّ فی الذریعة 6- 181.
4- بحار الأنوار- كتاب الصوم-: 93- 255 حدیث 31. و ذكره فی مرآة العقول 16- 199- 201 عند شرحه للحدیث 6 من الباب الأوّل من كتاب الصیام.
5- فی (ك): و غیرها.
6- كما فی عیون الأخبار 2- 262 حدیث 28، 29، 30، و علل الشرائع 459 حدیث 1 و 2 و 4، و انظر: جامع أحادیث الشیعة 12- 228 حدیث 4284.
7- كما قاله فی مجمع البحرین 1- 223، و لسان العرب 14- 394، و غیرهما.
8- الظاهر: و، بدلا من: أو.

أسند إلیه مجازا، و الظاهر أنه تصحیف: تسنیة (1)، و كذا فی الكشف. و فی بعض نسخ العلل أی یصیر سببا لرفعة الدین و علوّه.

و التّنسیق: التّنظیم (2).

و فی العلل: مسكا للقلوب أی ما یمسكها، و فی القاموس: المسكة بالضم-: ما یتمسّك به و ما یمسك الأبدان من الغذاء و الشّراب، .. و الجمع كصرد .. و المسك- محركة- الموضع یمسك الماء (3). و فی روایة ابن أبی طاهر و الكشف: تنسّكا للقلوب .. أی عبادة لها (4)، لأن العدل أمر نفسانی یظهر آثاره علی الجوارح.

و الصبر معونة علی استیجاب الأجر .. إذ به یتمّ فعل الطاعات و ترك السیئات.

وقایة من السخط .. أی سخطهما، أو سخط اللّٰه تعالی، و الأول أظهر.

منماة للعدد .. المنماة: اسم مكان أو مصدر میمی .. أی یصیر سببا لكثرة عدد الأولاد و العشائر كما أن قطعها یذر الدیار بلاقع (5) من أهلها.

تغییرا للبخس .. و فی سائر الروایات: للبخسة .. أی لئلّا ینقص مال من ینقص المكیال و المیزان، إذ التوفیة موجبة للبركة و كثرة المال، أو لئلّا ینقصوا أموال الناس فیكون المقصود أن هذا أمر یحكم العقل بقبحه.

عن الرجس .. أی النجس (6)، أو ما یجب التنزّه عنه عقلا، و الأول أوضح

ص: 260


1- یقال: سنت النار: علا ضوؤها، و سناه .. أی فتحه و سهّله. و انظر ما ذكره الجوهریّ فی الصحاح 6- 2384.
2- كما فی لسان العرب 10- 353، و الصحاح 4- 1558.
3- إلی هنا ما فی القاموس 3- 319، و قارن بتاج العروس 7- 177.
4- ذكره فی الصحاح 4- 1612، و لسان العرب 10- 498، و تاج العروس 7- 187.
5- یقال: مكان بلقع: خال، و أرض بلاقع، جمعوا لأنّهم جعلوا كل جزء منها بلقعا، قاله فی لسان العرب 8- 21.
6- كما فی مجمع البحرین 4- 74، و لسان العرب 6- 95، و غیرهما.

فی التعلیل، فیمكن الاستدلال علی نجاستها.

حجابا عن اللعنة .. أی لعنة اللّٰه، أو لعنة المقذوف أو القاذف، فیرجع إلی الوجه الأخیر فی السابقة، و الأول أظهر، إشارة إلی قوله تعالی: لُعِنُوا فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ (1).

إیجابا للعفّة .. أی للعفّة عن التصرف فی أموال الناس مطلقا، أو یرجع إلی ما مرّ، و كذا الفقرة التالیة. و فی الكشف- بعد قوله- للعفّة: و التنزه عن أموال الأیتام، و الاستئثار بفیئهم إجارة من الظلم، و العدل فی الأحكام إیناسا للرعیّة، و التبرّی من الشرك إخلاصا للربوبیّة.

عَوْداً و بَدْءاً .. أی أوّلا و آخرا (2)، و فی روایة ابن أبی الحدید و غیره: أقول عودا علی بدء .. و المعنی واحد.

و الشّطط- بالتحریك- البعد عن الحقّ (3)، و مجاوزة الحدّ فی كلّ شی ء (4).

و فی الكشف: ما أقول ذلك سرفا و لا شططا من أنفسكم .. أی لم یصبه شی ء من ولادة الجاهلیة بل عن نكاح طیّب، كما روی عن الصادق علیه السلام (5)، و قیل:

أی من جنسكم من البشر ثم من العرب ثم من بنی إسماعیل (6).

ص: 261


1- النور: 23.
2- كما نصّ علیه فی القاموس 1- 8، و لسان العرب 1- 27.
3- جاء فی مجمع البحرین 4- 258، و النهایة 2- 475، و غیرهما.
4- قال فی الصحاح 3- 1138: الشطط: مجاوزة القدر فی كل شی ء، و نحوه فی تاج العروس 5- 169، و لسان العرب 7- 334.
5- یعد هذا من ضروریات المذهب إن لم یكن من ضروریات الدین، و ما أجمل قول أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهجه 139- صبحی صالح-: فاستودعهم فی أفضل مستودع، و أقرّهم فی خیر مستقر، تناسختهم كرائم الأصلاب إلی مطهّرات الأرحام. و قد جاءت روایات بهذا المضمون تجد منها فی أصول الكافی 1- 441 حدیث 9 و 10 (الإسلامیة 1- 367 باب مولد النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله) ، و تفسیر فرات الكوفیّ: 207، و بحار الأنوار 15- 3، 6 و 7 و 12 و غیرها جملة من الروایات.
6- حكاه و ما قبله فی مجمع البیان 5- 86 عن السدی و غیره.

عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ. أی شدید (1) شاق علیه عنتكم (2)، و ما یلحقكم من الضرر بترك الإیمان أو مطلقا.

حَرِیصٌ عَلَیْكُمْ. أی علی إیمانكم و صلاح شأنكم.

بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ. أی رحیم بالمؤمنین منكم و من غیركم، و الرّأفة:

شدّة الرّحمة (3)، و التقدیم لرعایة الفواصل.

و قیل: رءوف بالمطیعین رحیم بالمذنبین.

و قیل: رءوف بأقربائه رحیم بأولیائه.

و قیل: رءوف بمن رآه رحیم بمن لم یره، فالتقدیم للاهتمام بالمتعلق.

فَإِنْ تَعْزُوهُ .. یقال: عزوته إلی أبیه .. أی نسبته إلیه (4)، أی إن ذكرتم نسبه و عرفتموه تجدوه أبی و أخا ابن عمّی، فالأخوة ذكرت استطرادا، و یمكن أن یكون الانتساب أعمّ من النسب، و ممّا طرأ أخیرا، و یمكن أن یقرأ: و آخی- بصیغة الماضی-، و فی بعض الروایات: فإن تعزروه و توقّروه.

صادعا بالنذارة .. الصدع : الإظهار ، تقول : صدعت الشیء ، أی أظهرته ، وصدعت بالحق : إذا تكلمت به جهارا (5)

قال اللّٰه تعالی: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ (6). و النِّذَارَةُ- بالكسر- الإنذار (7) و هو الإعلام علی وجه التخویف (8).

ص: 262


1- كذا جاء معنی: العزیز فی مجمع البحرین 4- 26، و الصحاح 3- 885.
2- قال فی مجمع البحرین 2- 211: العنت: الوقوع فی الإثم، و العنت: الفجور و الزنا، و العنت: الهلاك ، وأصله المشقة والصعوبة ، والعنت : الوقوع فی أمر شاق ، والعنت : الخطأ _ وهو مصدر من باب تعب _ .. والعنت _ أیضا _ الضرر والفساد.
3- ذكره فی الصحاح 4- 1362، و القاموس 3- 142، و فیها بدل شدة الرحمة: أشدّ الرحمة.
4- كذا فی لسان العرب 15- 52، و الصحاح 6- 2425 و غیرهما.
5- كما جاء فی الصحاح ٣ _ ١٢٤٢ ، ولسان العرب ٨ _ ١٩٦.
6- الحجر: 94.
7- كذا فی القاموس 2- 140، و تاج العروس 3- 561، و غیرهما.
8- قاله فی مجمع البحرین 3- 491، و فی الصحاح 2- 825: الإنذار: الإبلاغ، و لا یكون إلّا فی التخویف.

و المدرجة: المذهب و المسلك (1)، و فی الكشف: ناكبا (2) عن سنن مدرجة المشركین، و فی روایة ابن أبی طاهر: ماثلا علی مدرجة .. أی قائما للردّ علیهم، و هو تصحیف (3).

ضَارِباً ثَبَجَهُمْ آخِذاً بِأَكْظَامِهِمْ .. الثَّبَجُ- بالتحریك- وسط الشّی ء و معظمه (4)، و الْكَظَمُ- بالتحریك- مخرج النّفس من الحلق (5) .. أی كان صلّی اللّٰه علیه و آله لا یبالی بكثرة المشركین و اجتماعهم و لا یداریهم فی الدعوة.

داعیا إلی سبیل ربّه .. كما أمره سبحانه: ادْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ (6).

و قیل: المراد بالحكمة: البراهین القاطعة و هی للخواص، و بالموعظة الحسنة: الخطابات المقنعة و العبر النافعة، و هی للعوام، و بالمجادلة بالتی (7) هی أحسن .. إلزام المعاندین و الجاحدین بالمقدمات المشهورة و المسلمة، و أما المغالطات و الشعریات فلا یناسب درجة أصحاب النبوات.

یكسر الأصنام و ینكث الهام .. النَّكْثُ (8): إلقاء الرّجل علی رأسه (9)،

ص: 263


1- نصّ علیه فی الصحاح 1- 314، و لسان العرب 2- 267.
2- أی مائلا.
3- قال فی لسان العرب 11- 614: مثل الشی ء: قام منتصبا.
4- صرّح به فی النهایة 1- 206، و الصحاح 1- 301، و القاموس 1- 180، و تاج العروس 2- 13، و لسان العرب 2- 219.
5- ذكره فی مجمع البحرین 6- 154، و لسان العرب 12- 520، و غیرهما.
6- النحل: 125.
7- فی (ك): التی.
8- قال فی النهایة 5- 114: فی حدیث علی: أمرت بقتال الناكثین و القاسطین و المارقین، النكث: نقض العهد ، والاسم النكث _ بالكسر _ وقد نكث ینكث ، وأراد بهم أهل وقعة الجمل لأنهم بایعوه ثم نقضوا بیعته وقاتلوه ، وأراد بالقاسطین أهل الشام ، وبالمارقین الخوارج ، ونحوه فی لسان العرب ٢ _ ١٩٦ _ ١٩٧ ، وتاج العروس ١ _ ٦٥١ ، و ٥ _ ٢٠٦ ، و ٧ _ ٦٧.
9- قال فی الصحاح 3- 986: نكست الشی ء أنكسه نكسا: قلبته علی رأسه. و ما ذكره المصنّف رحمه اللّٰه هنا من المعنی لكلمة: نكث- بالثاء- یطابق نكس- بالسین- فتأمل، و سیأتی تعرض منه لها بالسین، و انظر ما ذكره فی لسان العرب 6- 341.

یقال: طعنه فنكثه، و الهام جمع الهامة- بالتخفیف فیهما- و هی الرّأس (1)، و المراد قتل رؤساء المشركین و قمعهم و إذلالهم، أو المشركین مطلقا، و قیل: أرید به إلقاء الأصنام علی رءوسها، و لا یخفی بعده لا سیّما بالنظر إلی ما بعده، و فی بعض النسخ: ینكس الهام، و فی الكشف و غیره: یجذّ الأصنام، من قولهم: جذذت الشّی ء .. أی كسّرته (2)، و منه قوله تعالی: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً (3).

حَتَّی تَفَرَّی اللَّیْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَ أَسْفَرَ الْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ .. و الواو مكان حتی- كما فی روایة ابن أبی طاهر- أظهر، و تفرّی اللّیل .. أی انشقّ (4) حتی ظهر ضوء الصباح، و أسفر الحق عن محضه و خالصه (5)، و یقال: أسفر الصّبح .. أی أضاء (6).

و نطق زعیم الدین .. زعیم القوم سیّدهم و المتكلّم عنهم، و الزّعیم أیضا- الكفیل (7) و الإضافة لامیة، و یحتمل البیانیة ..

و خرست شقاشق الشیاطین .. خرس- بكسر الراء- و الشقاشق جمع شقشقة- بالكسر- و هی شی ء كالریة یخرجها البعیر من فیه إذا هاج، و إذا قالوا للخطیب ذو شقشقة، فإنّما یشبه بالفحل (8)، و إسناد الخرس إلی الشقاشق مجازی.

ص: 264


1- كذا فی مجمع البحرین 6- 190، و الصحاح 5- 2063، و غیرهما.
2- ذكره فی مجمع البحرین 3- 179، و الصحاح 2- 561، و غیرهما.
3- الأنبیاء: 58.
4- قاله فی لسان العرب 15- 153، و الصحاح 6- 2454.
5- توجد فی (ك) عبارة هنا هی: أی كشف الغطاء عن محضه و خالصه. و قد خطّ علیها فی (س).
6- كما جاء فی القاموس 2- 49، و الصحاح 2- 686 و غیرهما.
7- صرّح به فی لسان العرب 12- 266، و القاموس 4- 124- 125.
8- نصّ علیه فی الصحاح 4- 1503، و لسان العرب 10- 185، و غیرهما.

وَ طَاحَ وَشِیظُ النِّفَاقِ .. یقال: طاح فلان یطوح إذا هلك أو أشرف علی الهلاك و تاه فی الأرض و سقط (1)، و الوشیظ- بالمعجمتین-: الرّذل و السّفلة من النّاس، و منه قولهم: إیّاكم و الوشائظ (2)، و قال الجوهری (3): الوشیظ: لفیف من النّاس لیس أصلهم واحدا، و بنو فلان وشیظة فی قومهم .. أی هم حشو فیهم.

و الوسیط- بالمهملتین-: أشرف القوم نسبا و أرفعهم محلا (4)، و كذا فی بعض النسخ، و هو أیضا مناسب.

و فهتم بكلمة الإخلاص فی نفر من البیض الخماص .. یقال: فاه فلان بالكلام كقال .. أی لفظ به كتفوّه (5).

و كلمة الإخلاص: كلمة التوحید، و فیه تعریض بأنه لم یكن إیمانهم عن قلوبهم، و البیض جمع أبیض و هو من النّاس خلاف الأسود (6)، و الْخِمَاصُ- بالكسر- جمع خمیص، و الخماصة تطلق علی دقة البطن خلقة و علی خلوّه من الطّعام، یقال: فلان خمیص البطن من أموال النّاس أی عفیف عنها، و فی الحدیث: كالطّیر تغدو خماصا و تروح بطانا (7).

و المراد بالبیض الخماص: إمّا أهل البیت علیهم السلام- و یؤیده ما فی كشف الغمة: فی نفر من البیض الخماص، الذین أذهب اللّٰه عنهم الرجس و طهّرهم تطهیرا (8)

و وصفهم بالبیض لبیاض وجوههم، أو هو من قبیل وصف

ص: 265


1- قاله فی القاموس 1- 238، و تاج العروس 2- 193، و لسان العرب 2- 535.
2- كما فی النهایة 5- 188، و لسان العرب 7- 465، إلّا أنّه لم توجد فیهما: الرذل و.
3- صرّح به فی الصحاح 3- 1181، و ذكره فی النهایة 5- 188 عن الجوهریّ.
4- جاء فی القاموس 2- 391، و الصحاح 3- 1181 و غیرهما.
5- نصّ علیه فی مجمع البحرین 6- 357، و الصحاح 6- 2245.
6- ذكره فی القاموس 2- 325، و لسان العرب 7- 122، و غیرهما.
7- جاء فی لسان العرب 7- 29- 30، و تاج العروس 4- 390، و لاحظ: النهایة 2- 80.
8- إشارة إلی الآیة 33 من سورة الأحزاب.

الرجل بالأغرّ، و بالخماص لكونهم ضامری البطون بالصوم و قلّة الأكل، أو لعفّتهم (1) عن أكل أموال الناس بالباطل، أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان رضی اللّٰه عنه و غیره، و یقال لأهل فارس: بیض، لغلبة البیاض علی ألوانهم و أموالهم، إذ الغالب فی أموالهم الفضة، كما یقال لأهل الشام: حمر، لحمرة ألوانهم و غلبة الذهب فی أموالهم، و الأول أظهر. و یمكن اعتبار نوع تخصیص فی المخاطبین، فیكون المراد بهم غیر الراسخین الكاملین فی الإیمان، و بالبیض الخماص: الكمّل منهم.

وَ كُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ .. (2) شفا كلّ شی ء طرفه (3) و شفیره ..

أی كنتم علی شفیر جهنم مشرفین علی دخولها لشرككم و كفركم.

مُذْقَةَ الشَّارِبِ وَ نُهْزَةَ الطَّامِعِ .. مذقة الشّارب: شربته (4)، و النُّهْزَةُ- بالضم الفرصة (5) .. أی محل نهزته .. أی كنتم قلیلین أذلّاء یتخطّفكم الناس بسهولة، و كذا قولها علیها السلام:

و قبْسَةَ الْعَجْلَانِ وَ مَوْطِئَ الْأَقْدَامِ .. و الْقبْسَةُ- بالضم- شعلة من نار یقتبس من معظمها (6)، و الإضافة إلی العجلان لبیان القلّة و الحقارة، و وطء الأقدام مثل مشهور فی المغلوبیة و المذلّة.

تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ وَ تَفْتَانُونَ (7) الْوَرَقَ .. الطَّرْقُ- بالفتح-: ماء السّماء

ص: 266


1- فی (ك): و لعفتهم.
2- آل عمران: 103.
3- كما جاء فی مجمع البحرین 6- 247، و النهایة 2- 489.
4- ذكره فی لسان العرب 1- 340، و مجمع البحرین 5- 235، و غیرهما.
5- كما أورده فی الصحاح 3- 900، و مجمع البحرین 4- 39.
6- قاله فی تاج العروس 4- 211، و لسان العرب 6- 167، و هما قد ذكرا هذا المعنی فی لفظة:
7- كذا، و الظاهر: تقتاتون. و كذا ما یأتی قریبا.

الّذی تبول فیه الإبل و تبعر (1)، و الورق- بالتحریك- ورق الشّجر (2)، و فی بعض النسخ: و تفتاتون الْقِدَّ، و هو- بكسر القاف و تشدید الدال- سَیْرٌ یُقَدُّ مِنْ جلد غیر مدبوغ (3)، و المقصود وصفهم بخباثة المشرب و جشوبة (4) المأكل، لعدم اهتدائهم إلی ما یصلحهم فی دنیاهم، و لفقرهم و قلّة ذات یدهم، و خوفهم من الأعادی.

أَذِلَّةً خَاسِئِینَ تَخافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ من حولكم .. الخاسئ: المبعد المطرود (5)، و التّخطّف: استلاب الشّی ء (6) و أخذه بسرعة، اقتبس من قوله تعالی:

وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَ أَیَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (7).

و

فِی نَهْجِ الْبَلَاغَةِ: عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّ الْخِطَابَ فِی تِلْكَ الْآیَةِ لِقُرَیْشٍ خَاصَّةً، وَ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ سَائِرُ الْعَرَبِ أَوِ الْأَعَمُّ.

و اللَّتَیَّا .. بفتح اللام و تشدید الیاء تصغیر الّتی (8)، و جوّز بعضهم فیه ضمّ اللام (9)، و هما كنایتان عن الداهیة الصّغیرة و الكبیرة (10).

ص: 267


1- جاء فی لسان العرب 10- 216، و الصحاح 4- 1513.
2- صرّح به فی مجمع البحرین 5- 246، و لسان العرب 10- 374، و غیرهما.
3- كذا فی الصحاح 2- 522، و لسان العرب 3- 344.
4- طعام جشب و مجشوب .. أی غلیظ خشن بیّن الجشوبة: إذا أسی ء طحنه حتّی یصیر مفلقا، و قیل: هو الذی لا أدم له، قاله فی لسان العرب 1- 265. وقد تقرأ الكلمة فی (س) : خشونة ، وهی غالبا فی الملبس دون المأكل.
5- كما جاء فی مجمع البحرین 1- 121، و القاموس 1- 13، و غیرهما.
6- جاء فی القاموس 3- 135، و مجمع البحرین 5- 47.
7- الأنفال: 26.
8- ذكره فی الصحاح 6- 2479، و القاموس 4- 384، و مجمع البحرین 1- 372.
9- كما نصّ علیه فی تاج العروس 10- 322، و القاموس 4- 384، و غیرهما.
10- قال فی مجمع الأمثال 1- 92، و فرائد اللئالی 1- 76، معا: هما الداهیة الكبیرة و الصغیرة، و كنّی عن الكبیرة بلفظ التصغیر تشبیها بالحیّة، فإنها إذا كثر سمّها صغرت، لأنّ السمّ یأكل جسدها!.

وَ بَعْدَ أَنْ مُنِیَ بِبُهَمِ الرِّجَالِ، وَ ذُؤْبَانِ الْعَرَبِ، وَ مَرَدَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ .. یقال:

مُنِیَ بِكَذَا- علی صیغة المجهول- أی ابْتُلِیَ (1)، و بُهَمُ الرِّجَالِ- كَصُرَد- الشّجعان منهم لأنّهم لشدّة بأسهم لا یدری من أین یؤتون (2)، و ذُوْبَانُ الْعَرَبِ: لُصُوصُهُمْ وَ صَعَالِیكُهُمْ (3) الذین لا مال لهم و لا اعتماد علیهم، و المَرَدَةُ: العتاة (4) المتكبّرون المجاوزون للحدّ.

أَوْ نَجَمَ (5) قَرْنٌ لِلشَّیْطَانِ، وَ فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ، قَذَفَ أَخَاهُ فِی لَهَوَاتِهَا .. نَجَمَ الشّی ء- كنصر- نجوما: ظهر و طلع (6)، و المراد بالقرن: القوّة، و فسّر قرن الشّیطان بأمّته و متابعیه (7)، و فغرفاه .. أی فتحه، و فغرفوه .. أی انفتح- یتعدّی و لا یتعدّی- (8)، و الفاغرة من المشركین: الطائفة العادیة منهم تشبیها بالحیة أو السبع، و یمكن تقدیر الموصوف مذكرا علی أن یكون التاء للمبالغة.

و القذف: الرّمی، و یستعمل فی الحجارة كما أنّ الحذف یستعمل فی الحصا، یقال هم بین حاذف و قاذف (9). و اللَّهَوَاتُ- بالتحریك- جمع لَهَاة، و هی اللّحمة فی أقصی سقف الفم (10)، و فی بعض الروایات: فِی مُهْوَاتِهَا- بالضم- (11) و هی

ص: 268


1- كما ورد فی لسان العرب 15- 293، و القاموس 4- 391، و تاج العروس 10- 348.
2- جاء فی الصحاح 5- 1875، و القاموس 4- 82، و غیرهما.
3- لاحظ القاموس 1- 67، و تاج العروس 1- 248، و لسان العرب 1- 377- 378، و النهایة 2- 171.
4- انظر: تاج العروس 2- 499، و القاموس 1- 337، و لسان العرب 3- 400.
5- كذا، و الظاهر: و نجم.
6- قاله فی مجمع البحرین 6- 173، و الصحاح 5- 2039، و غیرهما.
7- كما فی القاموس 4- 258، و تاج العروس 9- 306.
8- صرّح به فی الصحاح 2- 782، و القاموس 2- 110.
9- جاء فی لسان العرب 9- 277، و الصحاح 4- 1414، و ذكر فی الأخیر العصا بدلا من: الحصا، و الظاهر ما أثبتناه.
10- أورده فی النهایة 4- 284، و قریب منه فی مجمع البحرین 1- 385، و القاموس 4- 388، و تاج العروس 10- 335، و لسان العرب 15- 261- 262.
11- الظاهر أنّها بالفتح، كما فی الصحاح و لسان العرب و النهایة.

بالتّسكین: الحفرة (1) و ما بین الجبلین و نحو ذلك (2). و علی أیّ حال، المراد أنه صلّی اللّٰه علیه و آله كلّما أراده طائفة من المشركین أو عرضت له داهیة عظیمة بعث علیها علیه السلام لدفعها و عرّضه للمهالك.

و فی روایة الكشف و ابن أبی طاهر: كلّما حشوا نارا للحرب، و نجم قرن للضلال.

قال الجوهری (3): حششت النّار .. أوقدتها.

فلا ینكفئ حتی یطأ صماخها بأخمصه، و یخمد لهبها بسیفه .. انكفأ- بالهمزة- أی رجع، من قولهم: كفأت القوم كفأ: إذا أرادوا وجها فصرفتهم عنه إلی غیره فانكفئوا .. أی رجعوا (4).

و الصِّمَاخُ- بالكسرة- ثقب الأذن، و الأذن نفسها، و بالسین- كما فی بعض الروایات- لغة فیه (5).

و الْأَخْمَص: ما لا یصیب الأرض من باطن القدم (6) عند المشی، و وطء الصماخ بالأخمص عبارة عن القهر و الغلبة علی أبلغ وجه، و كذا إخماد اللّٰهب بماء السیف استعارة بلیغة شائعة.

مَكْدُوداً فِی ذَاتِ اللَّهِ .. الْمَكْدُودُ: مَنْ بَلَغَهُ التَّعَبُ (7) وَ الْأَذَی، و ذات اللّٰه:

أمره و دینه، و كلّما یتعلّق به سبحانه، و فی الكشف: مكدودا دءوبا (8) فی ذات اللّٰه.

سَیِّدَ أَوْلِیَاءِ اللَّهِ ..- بالجر- صفة الرسول (صلی اللّٰه علیه و آله) أو بالنصب عطفا علی

ص: 269


1- كما نصّ علیه ابن الأثیر فی النهایة 5- 285.
2- ذكره فی مجمع البحرین 1- 484، و الصحاح 6- 2538، و لسان العرب 15- 370.
3- صرّح بذلك فی الصحاح 3- 1001، و قارن بما جاء فی لسان العرب 6- 285، و غیره.
4- نصّ علیه فی لسان العرب 1- 143، و الصحاح 1- 67.
5- قاله فی الصحاح 1- 426، و لسان العرب 3- 34، و غیرهما.
6- أورده فی مجمع البحرین 4- 170، و القاموس 2- 302.
7- كما جاء فی الصحاح 2- 530، و النهایة 4- 155، و لسان العرب 3- 378.
8- دأب فی العمل: إذا جدّ و تعب، قاله فی مجمع البحرین 2- 54.

الأحوال السابقة، و یؤید الأخیر ما فی

روایة ابن أبی طاهر: سیداً فی أولیاء اللّٰه.

و التّشمیر فی الأمر: الجدّ و الاهتمام فیه (1).

و الْكَدْحُ: العمل و السّعی (2)، و قال الجوهری (3): الدَّعَةُ: الخفض ..، تقول: منه ودع الرّجل .. فهو ودیع أی ساكن و وادع أیضا، .. یقال: نال فلان المكارم وادعا من غیر كلفة.

و قال: الْفُكَاهَةُ- بالضم- المزاح، .. و بالفتح- مصدر- فَكِهَ الرّجلُ بالكسر- فهو فَكِهٌ إذا كان طیّب النّفس مزاحا، و الْفَكِهُ- أیضا- الْأَشِرُ و (4) الْبَطِرُ، و قری ء: وَ نَعْمَةٍ كَانُوا فِیهَا فَكِهِینَ (5) أی أَشِرِینَ، و فاكِهِینَ. أی ناعمین، و المفاكهة: الممازحة (6).

و فی روایة ابن أبی طاهر: و أنتم فی بلهنیة وادعون آمنون .. قال الجوهری (7): هو فی بُلَهْنِیَةٍ من العیش أی سعة و رفاهیة، و هو ملحقّ بالخماسی بألف فی آخره، و إنّما صارت یاء لكسرة (8) ما قبلها، و فی الكشف: و أنتم فی رفهنیة .. و هی مثلها لفظا و معنی (9).

تتربّصون بنا الدوائر .. الدّوائر: صروف الزّمان (10) و حوادث الأیام

ص: 270


1- كذا فی مجمع البحرین 3- 354، و النهایة 2- 500، إلّا أنّ فیهما: الاجتهاد بدلا من: الاهتمام، و أضاف فی الأخیر: الهمّ.
2- ذكره فی القاموس 1- 245، و مجمع البحرین 2- 406.
3- جاء فی الصحاح 3- 1296، و لسان العرب 8- 381، و غیرهما.
4- لا توجد الواو فی المصدر.
5- الدخان: 27.
6- كما أورده فی الصحاح 6- 2243، و لسان العرب 13- 523- 524.
7- الصحاح 6- 2080، و انظر: لسان العرب 13- 58، و القاموس 4- 281.
8- كذا جاء فی لسان العرب، إلّا أنّ فی المصدر: لكثرة.
9- كما فی القاموس: 4- 228.
10- كذا جاء فی مجمع البحرین 3- 304، و أضاف: التی تدور و تحیط بالإنسان مرّة بخیر و مرّة بشرّ، و تكون الدولة لكفار. و قال فی لسان العرب 4- 297: و دارت علیه الدوائر .. أی نزلت به الدواهی، و الدائرة: الهزیمة و السوء، یقال: علیهم دائرة السوء، و فی الحدیث: فیجعل الدائرة علیهم .. أی الدولة بالغلبة و النصرة، و قوله عزّ و جلّ «وَ یَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ» قیل: الموت أو القتل.

و العواقب المذمومة، و أكثر ما تستعمل الدائرة فی تحوّل النعمة إلی الشّدة، أی كنتم تنتظرون نزول البلایا علینا و زوال النعمة و الغلبة عنّا.

تَتَوَكَّفُونَ الأخبار .. التَّوَكُّفُ: التّوقّع (1)، و المراد أخبار المصائب و الفتن، و فی بعض النسخ: تتواكفون الأخیار، یقال: واكفه فی الحرب أی واجهه (2).

و تَنْكِصُونَ عِنْدَ النِّزَالِ .. النُّكُوص: الإحجام و الرّجوع عن الشّی ء (3)، و النزال- بالكسر- أن ینزل القرنان عن إبلهما إلی خیلهما فیتضاربا (4)، و المقصود من تلك الفقرات أنهم لم یزالوا منافقین لم یؤمنوا قط.

ظهر فیكم حسیكة النفاق، و سَمَلَ جلبابُ الدین، و نَطَقَ كاظمُ الغاوین، و نَبَغَ خاملُ الأقلین، و هَدَرَ فنیقُ المبطلین .. الحسیكة: العداوة، قال الجوهری (5): الحسك: حسك السّعدان، الواحدة حسكة، .. و قولهم فی صدره علیّ حسیكة و حساكة .. أی ضغن و عداوة .. و فی بعض الروایات: حسكة النفاق .. فهو علی الاستعارة.

و سَمَلَ الثّوبُ- كنَصَرَ- صار خَلَقاً (6).

و الجلباب- بالكسر- الملحفة (7)، و قیل: ثوب واسع للمرأة غیر الملحفة (8).

ص: 271


1- كما فی الصحاح 4- 1441، و لسان العرب 9- 364، و غیرهما.
2- كذا جاء فی لسان العرب 9- 364، و القاموس 3- 206.
3- راجع مجمع البحرین 4- 189، و الصحاح 3- 1060، و غیرهما.
4- قاله فی القاموس 4- 56، و تاج العروس 8- 133، و لسان العرب 11- 657.
5- الصحاح 4- 1579، و قارن بمجمع البحرین 5- 262.
6- جاء فی لسان العرب 11- 345، و الصحاح 5- 1732.
7- كما أورده فی النهایة 1- 283، و مجمع البحرین 2- 23، و الصحاح 1- 101.
8- كذا قاله فی تاج العروس 1- 186، و القاموس 1- 47، و لسان العرب 1- 272.

و قیل: هو إزار و رداء.

و قیل: هو كالمقنعة تغطّی به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها (1).

و الْكُظُومُ: السّكوت (2).

و نَبَغَ الشّی ءُ- كمنع و نصر- أی ظهر- (3) و نبغ الرّجل: إذا لم یكن فی إرث الشّعر، ثمّ قال و أجاد (4).

و الخامل: من خفی ذكره و صوته و كان ساقطا لا نباهة له (5).

و المراد بالأقلین: الأذلّون، و فی بعض الروایات: الأولین.

و فی الكشف: فنطق كاظم و نبغ خامل، و هدر فنیق الكفر، یخطر فی عرصاتكم .. و الهَدْرُ: تردید البعیر صوته فی حنجرته (6).

و الفنیق: الفحل المكرّم من الإبل الّذی لا یركب و لا یهان لكرامته علی أهله (7).

فخطر فی عرصاتكم، و أطلع الشیطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجیبین، و للعزّة فیه ملاحظین .. یقال: خطر البعیر بذنبه یخطر بالكسر- خطرا و خطرانا إذا رفعه مرّة بعد مرّة و ضرب به فخذیه (8)، و منه قول الحجّاج- لمّا نصب المنجنیق علی الكعبة- .. خطّارة كالجمل الفنیق (9) .....،

ص: 272


1- قاله فی النهایة 1- 283.
2- نصّ علیه فی الصحاح 5- 2022، و لسان العرب 12- 520.
3- لا توجد: أی ظهر، فی (س)، و هی مثبتة فی كتب اللغة.
4- صرّح بذلك فی الصحاح 4- 1327، و لسان العرب 8- 453، و انظر: القاموس 3- 113، بمعنی أنّه لم یكن الشاعر وارثا للشعر من آخر، بل قد قال الشعر و أجاد فیه.
5- ذكره فی القاموس 3- 371، و تاج العروس 7- 310، و لسان العرب 11- 221.
6- كما أورده فی مجمع البحرین 3- 518، و الصحاح 2- 853، و لسان العرب 5- 258.
7- كذا جاء فی النهایة 3- 476، و لسان العرب 1- 313، و غیرهما.
8- قاله الجوهریّ فی الصحاح 2- 648، و ابن منظور فی لسان العرب 4- 250.
9- هذا عجز لبیت قد سقط فی (س) و كتب فی حاشیة (ك)، و كتب علیه (عجز) و لم یكتب بعده (صح)، و صدره هو: اعددتها للمسجد العتیق.

شبّه رمیها بخطران الفنیق (1).

و مغرز الرأس (2)

بالكسر-: ما یختفی فیه، و قیل: لعلّ فی الكلام تشبیها للشیطان بالقنفذ، فإنه إنما یطلع رأسه عند زوال الخوف، أو بالرجل الحریص المقدم علی أمر فإنه یمدّ عنقه إلیه.

و الْهَتَّافُ: الصّیاح (3).

و ألفاكم .. أی وجدكم (4).

و الغِرَّةُ- بالكسر- الاغترار (5) و الانخداع (6)، و الضمیر المجرور راجع إلی الشیطان.

و ملاحظة الشی ء: مراعاته، و أصله من اللّحظ و هو النّظر بمؤخر العین (7)، و هو إنما یكون عند تعلّق القلب بشی ء، أی وجدكم الشیطان لشدة قبولكم للانخداع كالذی كان مطمح نظره أن یغتر بأباطیله.

و یحتمل أن یكون للعزّة- بتقدیم المهملة علی المعجمة-. و فی الكشف:

و للعزّة ملاحظین .. أی وجدكم طالبین للعزّة.

ثم استنهضكم فوجدكم خفاقا (8)، و أحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غیر

ص: 273


1- جاء فی لسان العرب 4- 250، و النهایة 2- 46.
2- قال فی تاج العروس 4- 64: غرز الإبرة فی الشی ء و غرزها: أدخلها. أقول: : فعلیه یحتمل أن یكون مغرز اسم مكان ، ویكون المعنی : أن الشیطان حیث كان لبعثة النبی صلی اللّٰه علیه و آله خرسا وداخلا فی مدخله ، لذا فقد اغتنم الفرصة برحلته ووفاته صلی اللّٰه علیه و آله فخرج من مدخله وهتف بالناس فوجدهم لدعوته مستجیبین ..
3- كذا أورده فی الصحاح 4- 1442، و القاموس 3- 206، و غیرهما.
4- ذكره فی مجمع البحرین 1- 377، و القاموس 4- 386.
5- كما ورد فی مجمع البحرین 3- 422، و النهایة 3- 355.
6- جاء فی تاج العروس 3- 443- 445، و لسان العرب 5- 12.
7- قاله فی القاموس 2- 398، و الصحاح 3- 1178، و مجمع البحرین 4- 290.
8- كذا، و الظاهر: خفافا، كما سیأتی.

إبلكم، و أوردتم غیر شربكم .. النّهوض: القیام، و استنهضه لأمر .. أی أمره بالقیام إلیه (1). فَوَجَدَكُمْ خِفَافاً .. أی مسرعین إلیه.

و أَحْمَشْتُ الرّجلَ: أَغْضَبْتُهُ، و أحمشت النّار ألهبتها (2)، أی حملكم الشیطان علی الغضب فوجدكم مغضبین لغضبه أو من عند أنفسكم، و فی المناقب القدیم:

عطافا- بالعین المهملة و الفاء- من العطف بمعنی المیل و الشّفقة (3)، و لعله أظهر لفظا و معنی.

و الْوَسْمُ: أثر الكیّ، یقال وسمته- كوعدته- وسما (4).

و الْوُرُودُ: حضور الماء للشّرب، و الإیراد: الإحضار (5).

و الشِّرْبُ- بالكسر-: الحظّ من الماء (6)، و هما كنایتان عن أخذ ما لیس لهم بحق من الخلافة و الإمامة و میراث النبوة. و فی الكشف: و أوردتموها شربا لیس لكم.

هذا و العهد قریب، و الكلم رحیب، و الجرح لمّا یندمل، و الرسول لمّا یقبر ..

الْكَلْمُ: الجرح (7).

و الرُّحْبُ- بالضم- السّعة (8).

و الْجُرْحُ- بالضم- الاسم، و بالفتح: المصدر (9)، و لمّا یندمل .. أی لم یصلح (10) بعد.

ص: 274


1- أورده فی الصحاح 3- 1111، و مجمع البحرین 4- 233، و القاموس 2- 347- 348.
2- كما جاء فی النهایة 1- 441، و لسان العرب 6- 288، و غیرهما.
3- قاله فی الصحاح 4- 1405، و القاموس 3- 176.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 6- 183، و الصحاح 5- 2051.
5- كذا أورده فی الصحاح 2- 549، و لسان العرب 3- 457، و غیرهما.
6- جاء فی مجمع البحرین 2- 87، و الصحاح 1- 153.
7- صرّح به فی الصحاح 5- 2023، و مجمع البحرین 6- 157.
8- أورده فی مجمع البحرین 2- 68، و الصحاح 1- 134.
9- ذكره فی لسان العرب 2- 422، و الصحاح 1- 358.
10- قاله فی القاموس 3- 377، و مجمع البحرین 5- 372، و غیرهما.

و قبرته: دفنته (1).

ابتدارا زعمتم خوف الفتنة أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِینَ (2) .. ابتدارا مفعول له للأفعال السابقة، و یحتمل المصدر بتقدیر الفعل، و فی بعض الروایات: بدارا زعمتم خوف الفتنة .. أی ادّعیتم و أظهرتم للنّاس كذبا (3) و خدیعة إنا إنّما اجتمعنا فی السقیفة دفعا للفتنة مع أن الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها، و هو عین الفتنة.

و الالتفات فی- سقطوا- لموافقة (4) الآیة الكریمة.

فهیهات منكم، و كیف بكم، و أنّی تؤفكون، و كتاب اللّٰه بین أظهركم :

هیهات للتّبعید (5) و فیه معنی التّعجّب كما صرّح به الشیخ الرضی (6)، و كذلك كیف (7) و أنّی تستعملان فی التعجب (8).

و أَفَكَهُ- كَضَرَبَهُ-: صرفه عن الشّی ء و قلبه (9)، أی إلی أین یصرفكم الشیطان و أنفسكم و الحال إنّ كتاب اللّٰه بینكم، و فلان بین أظهر قوم و بین ظهرانیهم .. أی مقیم بینهم محفوف من جانبیه أو من جوانبه بهم (10).

و الزّاهر: المتلألئ المشرق (11).

ص: 275


1- كذا ورد فی مجمع البحرین 3- 446، و القاموس 2- 113.
2- التوبة: 49.
3- قاله فی المصباح المنیر 1- 307، و تاج العروس 8- 324، و غیرهما.
4- فی (س): الموافقة، و ما أثبتناه هو الظاهر.
5- كما جاء فی مجمع البحرین 6- 368، و النهایة 5- 290، و لسان العرب 13- 553، و الصحاح 6- 2258.
6- فی شرحه علی الكافیة 2- 64.
7- و انظر: لسان العرب 9- 312، و المصباح المنیر 2- 237، و مجمع البحرین 5- 118.
8- و قد تستعمل أنی فیه و فی الاستفهام معا، كما فی قوله تعالی: «قالَ یا مَرْیَمُ أَنَّی لَكِ هذا» ...
9- صرّح بذلك فی القاموس 3- 292، و لسان العرب 14- 391، و مجمع البحرین 5- 256.
10- نصّ علیه فی مجمع البحرین 3- 392، و لسان العرب 4- 523.
11- جاء فی تاج العروس 3- 249، و قال فی مجمع البحرین 3- 321: و زهر السراج و القمر و الوجه كمنع- زهورا: تلألأ، و نحوه فی القاموس 2- 43، و لسان العرب 4- 332.

و فی الكشف: بین أظهركم قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نیّرة شرائعه، زواجره واضحة، و أوامره لائحة.

أرغبة عنه، بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلًا

أی من الكتاب ما اختاروه من الحكم الباطل.

ثم لم تلبثوا إلّا ریث أن تسكن نفرتها، و یسلس قیادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، و تهیجون جمرتها، و تستجیبون لهتاف الشیطان الغویّ، و إطفاء أنوار الدین الجلّی، و إهماد سنن النبی الصفی ..

رَیْثُ- بالفتح- بمعنی قَدْر (1) و هی كلمة یستعملها أهل الحجاز كثیرا، و قد یستعمل مع ما یقال: لم یلبث إلّا ریثما فعل كذا (2)، و

فی الكشف هكذا: ثم لم تبرحوا ریثا.

، و قال بعضهم: هذا و لم تریّثوا (3) إلّا ریث.

و فی روایة ابن أبی طاهر:

ثم لم تریّثوا (4) .. أختها.

، و علی التقدیرین ضمیر المؤنث راجع إلی فتنة وفاة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

و حتّ الورق من الغصن (5): نثرها .. أی لم تصبروا إلی ذهاب أثر تلك المصیبة.

و نفرت (6) الدابة- بالفتح-: ذهابها (7) و عدم انقیادها.

ص: 276


1- لا توجد فی (س): قدر.
2- كما أورده فی النهایة 2- 287، و لسان العرب 2- 157- 158، و غیرهما.
3- هنا كلمة فی مطبوع البحار لا تقرأ، و لعلها: حتّها.
4- أی لم یبطئوا، و لعلّ مراده أن كلمة: تریثوا أخت لم تبرحوا ریثا، فی المعنی.
5- قال فی مجمع البحرین 2- 197: من باب قتل: أزاله، و فی القاموس 1- 145: حتّه .. أی فركه و قشره. و فی لسان العرب 2- 22: و الحتّ و الانحتات و التّحات و التحتحت: سقوط الورق عن الغصن و غیره، و تحات الشی ء .. أی تناثر.
6- الظاهر أنّه: نفور، أو: نفار.
7- قال فی مجمع البحرین 3- 500: نفرت الدابّة تنفر نفورا و نفارا: جزعت و تباعدت، و نحوه فی القاموس 2- 146، و فی لسان العرب 5- 224: نفر الظبی و غیره: شرد.

و السَّلِسُ- بكسر اللام-: السّهل اللّیّن المنقاد، ذكره الفیروزآبادی (1). و فی مصباح اللغة (2): سَلِسَ سَلْساً من باب تعب: سهل و لان.

و القِیَادُ- بالكسر-: ما یقاد به الدّابّة من حبل (3) و غیره.

و فی الصحاح (4): وَرَی الزَّنْدُ یَرِی وَرْیاً: إذا خرجت ناره، و فیه لغة أخری: وَرِیَ الزّندُ یَرِی- بالكسر- فیهما و أَوْرَیْتُهُ أنا و كذلك وَرَّیْتُهُ توریةً و فلان یستوری زناد الضّلالة.

و وَقْدَةُ النّارِ- بالفتح-: وقودها (5)، و وقدها: لهبها (6)، الجمرة: المُتَوَقَّد من الحطب (7)، فإذا برد فهو فحم، و الجَمْرُ- بدون التاء- جمعها (كذا).

و الْهتَافُ- بالكسر- الصِّیَاح، و هَتَفَ بِهِ .. أی دعاه (8)، و إهماد النّار إطفاؤها (9) بالكلّیّة.

و الحاصل، أنّكم إنّما صبرتم حتی استقرّت الخلافة المغصوبة علیكم، ثم شرعتم فی تهییج الشرور و الفتن و اتّباع الشیطان، و إبداع البدع، و تغییر السنن.

تُسِرُّونَ حَسْواً فی ارتغاء، و تمشون لأهله و ولده فی الخمر و الضرّاء، و نصبر

ص: 277


1- القاموس 2- 222.
2- المصباح المنیر 1- 244.
3- كما جاء فی القاموس 1- 331، و الصحاح 2- 529، و غیرهما.
4- الصحاح 6- 2522، و لاحظ: لسان العرب 15- 388.
5- قال فی الصحاح 2- 553: الوقدة: أشدّ من الحرّ، و نحوه فی القاموس 1- 346 بحذف كلمة من، و زاد علیه فی تاج العروس 2- 539: و من المجاز: طبختهم و قدة الصیف.
6- قال فی الصحاح 2- 553: وقدت النار .. و وقدا وقدة و وقدا و وقدانا: أی توقّدت .. و الاتّقاد مثل التوقد. و قال فی القاموس 1- 346: الوقد- محركة-: النار، و اتقادها كالوقد.
7- قال فی مجمع البحرین 3- 249: جمرة النار: القطعة الملتهبة، و الجمع جمر. و قال فی القاموس 1- 393: الجمرة: النار المتّقدة، و الجمع: جمر.
8- كما أورده فی النهایة 5- 243، و نحوه فی لسان العرب 9- 344، إلّا أنّه ضبط: الهتاف بضم الهاء.
9- إلی هنا جاء فی مجمع البحرین 3- 168، و انظر: الصحاح 2- 556 و غیره.

منكم علی مثل حظّ المدی، و وخز السنان فی الحشا .. الإسرار ضدّ الإعلان (1).

و الْحَسْوُ- بفتح الحاء و سكون السین المهملتین-: شرب المرق و غیره شیئا بعد شی ء (2).

و الارتغاء: شرب الرغوة، و هو زبد اللبن، قال الجوهری (3): الرغوة- مثلثة ... زبد اللّبن .. و ارتغیت شربت الرغوة. و فی المثل- یسرّ حسوا فی ارتغاء یضرب لمن یظهر أمرا و یرید غیره، قال الشّعبی- لمن سأله عن رجل قبّل أمّ امرأته قال (4): یسرّ حسوا فی ارتغاء، و قد حرمت علیه امرأته. و قال المیدانی: قال أبو زید و الأصمعی: أصله الرّجل یؤتی باللّبن فیظهر أنّه یرید الرّغوة خاصّة و لا یرید غیرها فیشربها و هو فی ذلك ینال من اللّبن، یضرب لمن یریك أنّه یعینك و إنّما یجرّ النّفع إلی نفسه (5).

و الْخَمَرُ- بالتحریك-: ما واراك من شجر و غیره، یقال تواری الصّید عنّی فی خمر الوادی، و منه قولهم دخل فلان فی خمار النّاس- بالضم- أی ما یواریه و یستره منهم (6).

و الضَّرَاءُ- بالضّاد المعجمة المفتوحة و الرّاء المخفّفة-: الشّجر الملتفّ فی الوادی، و یقال لمن ختل صاحبه و خادعه: یدبّ له الضّراء و یمشی له الخمر (7)، و قال المیدانی: قال ابن الأعرابی: الضّراء ما انخفض من الأرض (8).

ص: 278


1- قاله فی مجمع البحرین 3- 329، و المصباح المنیر 1- 330، و الصحاح 2- 683.
2- كذا جاء فی القاموس 4- 317، و تاج العروس 1- 88، و لاحظ: لسان العرب 14- 176.
3- الصحاح 6- 2360.
4- لا توجد قال فی المصدر.
5- مجمع الأمثال 2- 417، و لاحظ: فرائد اللئال 2- 366، و المستقصی فی أمثال العرب 2- 412.
6- كذا أورده فی الصحاح 2- 650، و لسان العرب 4- 256، و غیرهما.
7- قاله فی مجمع الأمثال 2- 417، و فرائد اللئال 2- 366، و الصحاح 6- 2409.
8- مجمع الأمثال 2- 417، و مثله فی فرائد اللئال 2- 366.

و الْحَزُّ- بفتح الحاء المهملة-: القطع، أو قطع الشّی ء من غیر إبانة (1).

و الْمُدَی- بالضم-: جمع مُدْیَة و هی السكّین و الشّفرة (2)، و الْوَخْزُ: الطّعن بالرّمح و نحوه لا یكون نافذا، یقال و خزه بالخنجر (3).

و فی روایة ابن أبی طاهر: ویها معشر المهاجرة! ابتزّ إرث أبیه؟.

قال الجوهری (4): إذا أغریته بالشّی ء قلت ویها یا فلان و هو تحریض، انتهی (5).

و لعلّ الأنسب هنا التعجّب. و الهاء فی (أبیه) فی الموضعین. و إرثیه- بكسر الهمزة- بمعنی المیراث (6) للسكت، كما فی سورة الحاقة: «كِتابِیَهْ» و «حِسابِیَهْ» و «مالِیَهْ» و «سُلْطانِیَهْ» (7)، تثبت فی الوقف و تسقط فی الوصل، و قرئ بإثباتها فی الوصل أیضا.

و فی الكشف: ثُمَّ أَنْتُمْ أَوَّلًا تَزْعُمُونَ أَنْ لَا إِرْثَ لِیَهْ (8) ... فهو أیضا كذلك.

كالشمس الضاحیة .. أی الظاهرة البیّنة، یقال: فعلت ذلك الأمر ضاحیة .. أی علانیة (9).

ص: 279


1- ذكره فی النهایة 1- 377، و لسان العرب 5- 334، و غیرهما.
2- صرّح به فی مجمع البحرین 1- 387، و النهایة 4- 310.
3- كما جاء فی الصحاح 3- 901، و لسان العرب 5- 428، و غیرهما.
4- الصحاح 6- 2257، و فیه: إذا أغریت إنسانا بشی ء قلت: ...
5- قال فی الصحاح 6- 2257: ویه: كلمة تقال فی الاستحثاث، و أنشد ابن السكیت: وهو إذا قیل له ویها كل***فإنه مواشك مستعجل وهو إذا قیل له ویها فل***فإنه أحر به أن ینكل وقال فی القاموس ٤ _ ٢٩٦ : ویه _ وتكسر الهاء ، وویها : إغراء ، ویكون للواحد والجمع والمذكر والمؤنث. وفی لسان العرب ١٣ _ ٥٦٣ عین ما ذكره الماتن هنا.
6- كذا فی مجمع البحرین 2- 233، و الصحاح 1- 272.
7- الحاقّة: 19، 20، 28، 29.
8- فی (ك): إلیه، و ما فی المتن أوفق سیاقا لقوله: فهو أیضا كذلك. إلّا أن تقرأ: إلیه.
9- قاله فی الصحاح 10- 217، و تاج العروس 9- 2407، و غیرهما.

شَیْئاً فَرِیًّا. أی أمرا عظیما (1) بدیعا، و قیل: أی أمرا منكرا قبیحا، و هو مأخوذ من الافتراء بمعنی الكذب (2).

و اعلم: أنّه قد وردت الروایات المتضافرة- كما ستعرف- فی أنّها علیها السلام ادّعت أنّ فدكا كانت نحلة لها من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، فلعلّ عدم تعرّضها صلوات اللّٰه علیها فی هذه الخطبة لتلك الدعوی لیأسها عن قبولهم إیّاها، إذ كانت الخطبة بعد ما ردّ أبو بكر شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام و من شهد معه، و قد كانت (3) المنافقون الحاضرون معتقدین لصدقه، فتمسّكت بحدیث المیراث لكونه من ضروریات الدین.

وَ زَعَمْتُمْ أَنْ لَا حُظْوَةَ لِی .. الحظوة- بكسر الحاء و ضمّها و سكون الظاء المعجمة-: المكانة و المنزلة (4)، و یقال: حظیت المرأة عند زوجها إذا دنت من قلبه (5).

و

فِی الْكَشْفِ: فَزَعَمْتُمْ أَنْ لَا حَظَّ لِی وَ لَا إِرْثَ لِی مِنْ أَبِیَهْ، أَ فَحَكَمَ اللَّهُ بِآیَةٍ أَخْرَجَ أَبِی مِنْهَا؟! أَمْ تَقُولُونَ أَهْلُ مِلَّتَیْنِ لَا یَتَوَارَثَانِ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَ عُمُومِهِ مِنْ أَبِی؟! أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِیَّةِ ... (6) الآیةَ.

إِیهاً مَعَاشِرَ الْمُسْلِمَةِ، أَ أُبْتَزُّ إِرْثِیَهْ! اللَّهَ أَنْ تَرِثَ أَبَاكَ وَ لَا أَرِثَ أَبِیَهْ لَقَدْ جِئْتِ شَیْئاً فَرِیًّا (7).

فدونكها مخطومة مرحولة .. الضمیر راجع إلی فدك المدلول علیها بالمقام،

ص: 280


1- إلی هنا ما ذكره فی مجمع البحرین 1- 329، و الصحاح 6- 2454، و القاموس 4- 374، و تاج العروس 10- 279، و لسان العرب 15- 154.
2- من قوله: أمرا عظیما، إلی قوله: الكذب، جاء بنصّه فی مجمع البیان 6- 512.
3- كذا.
4- كما فی القاموس 4- 318، و نصّ علیه فی لسان العرب 14- 185، و مجمع البحرین 1- 103.
5- ذكره فی مجمع البحرین 1- 103، و النهایة 1- 405، و غیرهما.
6- المائدة: 50.
7- مریم: 27.

و الأمر بأخذها للتهدید.

و الْخِطَامُ- بالكسر- كلّ ما یوضع (1) فی أنف البعیر لیقاد به (2).

و الرحل- بالفتح- للنّاقة كالسّرج للفرس، و رحل البعیر- كمنع- شدّ علی ظهره الرّحل (3). شبهتها علیها السلام فی كونها مسلمة لا یعارضه فی أخذها أحد بالناقة المنقادة المهیأة للركوب.

و الزعیم محمّد (4)

فی بعض الروایات- و الغریم .. أی طالب الحقّ (5).

و عند الساعة ما تخسرون (6) .. كلمة (ما) مصدریة .. أی فی القیامة یظهر خسرانكم.

و: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ .. (7)، أی لكلّ خبر (8)،- یرید نبأ (9) العذاب أو الإیعاد به- وقت استقرار و وقوع.

و سوف تعلمون- عند وقوعه- من یأتیه عذاب یخزیه .. الاقتباس من موضعین:

أحدهما: سورة الأنعام، و الآخر: فی سورة هود فی قصة نوح علیه السلام حیث قال: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ یَأْتِیهِ عَذابٌ یُخْزِیهِ وَ یَحِلُّ عَلَیْهِ عَذابٌ مُقِیمٌ (10)، فالعذاب الذی یخزیهم الغرق،

ص: 281


1- فی (س): یؤخذ بدلا من: یوضع.
2- كما فی القاموس 4- 108، و تاج العروس 8- 282، و لسان العرب 12- 187.
3- ذكره فی مجمع البحرین 5- 381، و لاحظ: الصحاح 4- 1707، و تاج العروس 7- 240.
4- كذا، و لعلّ هنا واو ساقطة قبل جملة فی بعض الروایات.
5- قال فی القاموس 4- 156: الغریم: الدائن و المدیون، ضد. و نحوه فی مجمع البحرین 6- 126.
6- جاء فی الغدیر 7- 192: و عند الساعة یخسر المبطلون.
7- الأنعام: 67.
8- كما فی القاموس: 1- 29، و النهایة 3- 5.
9- قد تقرأ الكلمة: بناء.
10- هود: 38، 39.

و العذاب المقیم عذاب النار.

ثم رمت بطرفها .. الطّرف- بالفتح- مصدر طرفت عین فلان: إذا نظرت (1) و هو أن ینظر ثمّ یغمض، و الطّرف- أیضا- العین (2).

و المعشر: الجماعة (3).

و الفتیة- بالكسر-: جمع فتی و هو الشّاب و الكریم السّخیّ (4).

و فی المناقب: یا معشر البقیة، و أعضاد الملّة، و حصنة الإسلام ..

و فی الكشف: یا معشر البقیة، و یا عماد الملّة، و حصنة الإسلام.

و الأعضاد: جمع عضد- بالفتح- الأعوان، یقال: عضدته كنصرته لفظا و معنی (5).

ما هذه الغمیزة فی حقّی و السنة عن ظلامتی .. قال الجوهری (6): لیس فی فلان غمیزة أی مطعن، و نحوه ذكر الفیروزآبادی (7)، و هو لا یناسب المقام إلّا بتكلّف.

و قال الجوهری (8): رجل غمز أی ضعیف.

و قال الخلیل فی كتاب العین (9): الغمیزة- بفتح الغین المعجمة و الزای ضعفة فی العمل و جهلة فی العقل و یقال (10): سمعت كلمة فاغتمزتها فی عقله أی علمت أنّه أحمق. و هذا المعنی أنسب.

ص: 282


1- كما فی المصباح المنیر 2- 20، و تاج العروس 6- 180، و غیرهما.
2- ذكره فی مجمع البحرین 5- 89، و القاموس 3- 166، و تاج العروس 6- 176.
3- قاله فی القاموس 2- 90، و مجمع البحرین 3- 404.
4- جاء فی الصحاح 6- 2451- 2452، و تاج العروس 10- 275، و مجمع البحرین 1- 325.
5- صرّح به فی القاموس 1- 314، و مجمع البحرین 3- 102، و تاج العروس 2- 424.
6- الصحاح 3- 889.
7- القاموس 2- 185.
8- الصحاح 3- 889.
9- كتاب العین: 4- 384.
10- فی المصدر: و تقول.

و فی الكشف: ما هذه الفترة- بالفاء المفتوحة و سكون التاء- و هو السّكون (1)، و هو أیضا مناسب.

و فی روایة ابن أبی طاهر بالراء المهملة، و لعلّه من قولهم غمر علی أخیه ..

أی حقد و ضغن، أو من قولهم: غمر علیه .. أی أغمی علیه، أو من الغمر بمعنی السّتر (2)، و لعلّه كان بالضاد المعجمة فصحف، فإنّ استعمال إغماض العین- فی مثل هذا المقام- شائع.

و السّنة- بالكسر- مصدر وسن یوسن- كعلم یعلم- و سنا و سنة، و السنة:

أوّل النوم أو النوم الخفیف، و الهاء عوض عن الواو (3).

و الظلامة- بالضم- كالمظلمة- بالكسر- ما أخذه الظّالم منك فتطلبه عنده (4)، و الغرض تهییج الأنصار لنصرتها أو توبیخهم علی عدمها.

و فی الكشف- بعد ذلك-: أ ما كان لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله أن یحفظ ...؟!.

سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة.

سرعان- مثلثة السین- و عجلان- بفتح العین- كلاهما من أسماء الأفعال بمعنی سرع و عجل، و فیهما معنی التّعجّب أی ما أسرع و أعجل (5).

و فی روایة ابن أبی طاهر: سرعان ما أجدبتم فأكدیتم، یقال: أجدب القوم

ص: 283


1- قاله فی النهایة 3- 384، و لسان العرب 5- 30- 31.
2- ذكره فی مجمع البحرین 3- 433، و القاموس 2- 107.
3- قاله فی لسان العرب 13- 449، و لاحظ: تاج العروس 9- 361.
4- ذكره فی مجمع البحرین 6- 110، و الصحاح 5- 1977.
5- جاء فی القاموس 3- 37، و لم یذكر عجلان فیه و فی كتب اللغة أنّها اسم فعل. قال فی الصحاح 4- 1760: و عجلان: بیّن العجلة، و عجلان: اسم رجل، و أم عجلان: طائر، و ذكر فی القاموس 4- 12 أن لها معنیین: الأول: بمعنی العاجل، و الثانی: الشعبان لسرعة مضیّه و نفاده. و انظر أیضا: مجمع البحرین 4- 345، و الصحاح 3- 1228.

أی أصابهم الجدب (1)، و أكدی الرّجل إذا قلّ خیره (2) و الإهالة- بكسر الهمزة الودك (3) و هو دسم اللّحم (4)، و قال الفیروزآبادی (5): قولهم (6) سرعان ذا إهالة أصله (7) أنّ رجلا كانت له نعجة عجفاء و كانت (8)، رعامها یسیل من منخریها لهزالها، فقیل له: ما هذا الّذی یسیل (9)؟ فقال: ودكها، فقال السّائل: سرعان ذا إهالة (10)، و نصب إهالة علی الحال، و ذا إشارة إلی الرّعام (11)، أو تمییز علی تقدیر نقل الفعل، كقولهم تصبّب زید عرقا، و التّقدیر سرعان إهالة هذه، و هو مثل (12) یضرب لمن یخبر بكینونة الشّی ء قبل وقته، انتهی.

و الرّعام- بالضم-: ما یسیل من أنف الشّاة و الخیل (13)، و لعل المثل كان بلفظ عجلان فاشتبه علی الفیروزآبادی أو غیره، أو كان كلّ منهما مستعملا فی هذا المثل، و غرضها صلوات اللّٰه علیها التعجّب من تعجیل الأنصار و مبادرتهم إلی إحداث البدع و ترك السنن و الأحكام، و التخاذل عن نصرة عترة سیّد الأنام مع قرب عهدهم به، و عدم نسیانهم ما أوصاهم به فیهم، و قدرتهم علی نصرتها و أخذ حقّها ممّن ظلمها، و لا یبعد أن یكون المثل إخبارا مجملا بما یترتب علی هذه البدعة

ص: 284


1- كما فی مجمع البحرین 2- 22، و القاموس 1- 44، و غیرهما.
2- كذا فی الصحاح 6- 2472، و مجمع البحرین 1- 357.
3- صرّح به فی المصباح المنیر 1- 37، و الصحاح 4- 1629.
4- كما فی الصحاح 4- 1613، و المصباح المنیر 2- 372، و غیرهما.
5- القاموس 3- 37.
6- فی المصدر: أما سرعان، بدل: قولهم.
7- فی المصدر: فأصله.
8- لا توجد: كانت فی المصدر، و ذكر رغامها- بالمعجمة-.
9- لا یوجد فی المصدر: الذی یسیل.
10- فی المصدر: ذلك بدلا من: سرعان ذا إهالة.
11- فی القاموس: أی سرع هذا الرغام حال كونه إهالة، بدلا من: و ذا إشارة إلی الرعام.
12- لا یوجد فی المصدر: و هو مثل.
13- كذا فی لسان العرب 12- 245، و القاموس 4- 121، و غیرهما.

من المفاسد الدینیة و ذهاب الآثار النبویة.

فخطب جلیل استوسع وهیه، و استنهر فتقه، و انفتق رتقه، و اظلمّت الأرض لغیبته، و كسفت النجوم لمصیبته . الخطب- بالفتح-: الشّأن و الأمر عظم أو صغر (1).

و الوهی- كالرّمی-: الشّقّ و الخرق (2)، یقال: و هی الثّوب إذا بلی و تخرّق (3).

و استوسع و استنهر- استفعل- من النّهر- بالتحریك- بمعنی السعة (4) أی اتّسع (5).

و الفتق: الشّقّ (6) و الرتّق ضدّه (7)، و انفتق .. أی انشقّ، و الضمائر المجرورات الثلاثة راجعة إلی الخطب بخلاف المجرورین بعدها فإنّهما راجعان إلی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله.

و كسف النّجوم: ذهاب نورها (8)، و الفعل منه یكون متعدیّا و لازما، و الفعل كضرب.

و فی روایة ابن أبی طاهر مكان الفقرة الأخیرة: و اكتأبت خیرة اللّٰه لمصیبته ..

و الاكتئاب- افتعال- من الكآبة بمعنی الحزن (9).

و فی الكشف: و استنهر فتقه، و فقد راتقه، و أظلمت الأرض و اكتابت لخیرة اللّٰه .. إلی قولها:

ص: 285


1- كذا فی القاموس المحیط 1- 62، و تاج العروس 1- 237، و لسان العرب 1- 360.
2- ذكره فی لسان العرب 15- 417، و القاموس 4- 402، إلّا أنّ فیهما: التخرق، بدلا من: الخرق.
3- قاله فی النهایة 5- 234.
4- كما فی القاموس 2- 150، و لسان العرب 5- 237.
5- صرّح به فی لسان العرب 5- 238، و 8- 393، و الصحاح 2- 840، و 3- 1298.
6- ذكره فی مجمع البحرین 5- 223، و الصحاح 4- 1539.
7- جاء به فی الصحاح 4- 1480، و مجمع البحرین 5- 166، و غیرهما.
8- نصّ علیه فی لسان العرب 9- 298، و مجمع البحرین 5- 111.
9- جاء فی مجمع البحرین 2- 150، و القاموس 1- 120، و غیرهما.

و أدیلت الحرمة- من الإدالة بمعنی الغلبة (1)

و أكدت الآمال، و خشعت الجبال، و أضیع الحریم، و أزیلت الحرمة عند مماته.

یقال: أكدی فلان أی بخل أو قلّ خیره (2)، و حریم الرجل ما یحمیه و یقاتل عنه، و الحرمة ما لا یحلّ انتهاكه (3)، و فی بعض النسخ: الرحمة مكان الحرمة.

فتلك- و اللّٰه- النازلة الكبری و المصیبة العظمی، لا مثلها نازلة و لا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب اللّٰه جلّ ثناؤه فی أفنیتكم و فی ممساكم و مصبحكم هتافا و صراخا و تلاوة و ألحانا .. النّازلة: الشّدیدة (4).

و البائقة: الدّاهیة (5).

و فناء الدّار- ككساء-: العرصة المتّسعة أمامها (6).

و المُمْسَی و المُصْبَح- بضم المیم فیهما- مصدران و موضعان من الإصباح و الإمساء.

و الهتاف- بالكسر-: الصیاح (7).

و الصراخ كغراب: الصّوت أو الشّدید منه (8).

و التّلاوة- بالكسر- القراءة (9).

و الإلحان: الإفهام، یقال: ألحنه القول .. أی أفهمه إیّاه (10)، و یحتمل أن

ص: 286


1- ذكره فی مجمع البحرین 5- 374.
2- كذا فی لسان العرب 15- 216، و القاموس 4- 382، و تاج العروس 10- 210.
3- جاء فی مجمع البحرین 6- 38، و النهایة 1- 373، و الصحاح 5- 1895.
4- قاله فی مجمع البحرین 5- 483.
5- كذا فی مجمع البحرین 5- 142.
6- ذكره فی النهایة 3- 477، و القاموس 4- 375.
7- نصّ علیه فی القاموس 3- 206، و الصحاح 4- 1442، إلّا أنّ الأول ضبطه بالضمّ، و هو الظاهر من الثانی.
8- جاء فی القاموس 1- 263، و تاج العروس 2- 266.
9- ذكره فی لسان العرب 14- 104، و القاموس 4- 306، و غیرهما.
10- قاله فی الصحاح 6- 2194، و لسان العرب 13- 379، و القاموس 4- 266.

یكون من اللّحن بمعنی الغناء و الطّرب، قال الجوهری (1): اللّحن واحد الألحان و اللّحون، و

مِنْهُ الْحَدِیثُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ).

و قد لحن فی قراءته إذا طرّب بها و غرّد، و هو ألحن النّاس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء، انتهی. و یمكن أن یقرأ علی هذا بصیغة الجمع أیضا، و الأول أظهر.

و فی الكشف: فتلك نازلة أعلن بها كتاب اللّٰه فی قبلتكم، ممساكم و مصبحكم، هتافا هتافا، و لقبله ما حلّ بأنبیاء اللّٰه و رسله ..

حكم فصل و قضاء حتم وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللَّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاكِرِینَ (2).

الحكم الفصل: هو المقطوع به الّذی لا ریب فیه و لا مردّ له، و قد یكون بمعنی القاطع الفارق بین الحقّ و الباطل (3).

و الحتم- فی الأصل-: إحكام الأمور (4). و القضاء الحتم: هو الذی لا یتطرّق إلیه التغییر.

و خلت .. أی مضت (5).

و الانقلاب علی العقب: الرجوع القهقری، أرید به الارتداد بعد الإیمان، و الشاكرون المطیعون المعترفون بالنعم الحامدون علیها (6).

قال بعض الأماثل: و اعلم أنّ الشبهة العارضة للمخاطبین بموت النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله إمّا عدم تحتّم العمل بأوامره و حفظ حرمته فی أهله لغیبته، فإنّ العقول الضعیفة مجبولة علی رعایة الحاضر أكثر من الغائب، و أنّه إذا غاب عن أبصارهم ذهب كلامه عن أسماعهم، و وصایاه عن قلوبهم، فدفعها ما أشارت

ص: 287


1- الصحاح 6- 2193، و انظر: لسان العرب 13- 379.
2- آل عمران: 144.
3- نصّ علیه فی لسان العرب 11- 521، و مجمع البحرین 5- 440.
4- كذا فی مجمع البحرین 6- 32، و الصحاح 5- 1892.
5- كما ورد فی الصحاح 6- 2330، و مجمع البحرین 1- 129، و غیرهما.
6- ذكره فی مجمع البیان 2- 514، و غیره من التفاسیر.

إلیه صلوات اللّٰه علیها من إعلان اللّٰه جلّ ثناؤه و إخباره بوقوع تلك الواقعة الهائلة قبل وقوعها، و إنّ الموت ممّا قد نزل بالماضین من أنبیاء اللّٰه و رسله علیهم السلام تثبیتا للأمّة علی الإیمان، و إزالة لتلك الخصلة الذمیمة عن نفوسهم.

و یمكن أن یكون معنی الكلام أ تقولون مات محمّد صلّی اللّٰه علیه و آله و بعد موته لیس لنا زاجر و لا مانع عمّا نرید، و لا نخاف أحدا فی ترك الانقیاد للأوامر و عدم الانزجار عن النواهی، و یكون الجواب ما یستفاد من حكایة قوله سبحانه:

أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ... (1) الآیة، لكن لا یكون حینئذ لحدیث إعلان اللّٰه سبحانه و إخباره بموت الرسول مدخل فی الجواب إلّا بتكلّف.

و یحتمل أن یكون شبهتهم عدم تجویزهم الموت علی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله كما أفصح عنه عمر بن الخطاب- و سیأتی فی مطاعنه- فبعد تحقّق موته عرض لهم شكّ فی الإیمان و وهن فی الأعمال، فلذلك خذلوها و قعدوا عن نصرتها، و حینئذ مدخلیة حدیث الإعلان و ما بعده فی الجواب واضح.

و علی التقادیر لا یكون قولها صلوات اللّٰه علیها: فخطب جلیل .. داخلا فی الجواب، و لا مقولا لقول المخاطبین علی الاستفهام التوبیخی، بل هو كلام مستأنف لبثّ الحزن و الشكوی، بل یكون الجواب بما بعد قولها: فتلك و اللّٰه النازلة الكبری .. و یحتمل أن یكون مقولا لقولهم، فیكون حاصل شبهتهم أنّ موته صلّی اللّٰه علیه و آله الذی هو أعظم الدواهی قد وقع، فلا یبالی بما وقع بعده من المحظورات، فلذلك لم ینهضوا بنصرها و الإنصاف ممّن ظلمها، و لما تضمّن ما زعموه كون مماته (صلی اللّٰه علیه و آله) أعظم المصائب سلّمت علیها السلام أولا فی مقام جواب (2) تلك المقدمة، لكونها محض الحق، ثم نبّهت علی خطئهم فی أنّها مستلزمة لقلّة المبالاة بما وقع، و القعود عن نصرة الحق، و عدم اتّباع أوامره صلّی

ص: 288


1- آل عمران: 144.
2- لا توجد فی (ك) كلمة: جواب.

اللّٰه علیه و آله بقولها: أعلن بها كتاب اللّٰه .. إلی آخر الكلام، فیكون حاصل الجواب أن اللّٰه قد أعلمكم بها قبل الوقوع، و أخبركم بأنّها سنّة ماضیة فی السلف من أنبیائه، و حذّركم الانقلاب علی أعقابكم كی لا تتركوا العمل بلوازم الإیمان بعد وقوعها، و لا تهنوا عن نصرة الحق و قمع الباطل، و فی تسلیمها ما سلمته أولا دلالة علی أنّ كونها أعظم المصائب ممّا یؤید وجوب نصرتی، فإنّی أنا المصاب بها حقیقة، و إن شاركنی فیها غیری، فمن نزلت به تلك النازلة الكبری فهو بالرعایة أحقّ و أحری.

و یحتمل أن یكون قولها علیها السلام: فخطب جلیل .. من أجزاء الجواب، فتكون شبهتهم بعض الوجوه المذكورة، أو المركب من بعضها مع بعض، و حاصل الجواب حینئذ أنّه إذا نزل بی مثل تلك النازلة الكبری- و قد كان اللّٰه عزّ و جلّ أخبركم بها و أمركم أن لا ترتدّوا بعدها علی أعقابكم- فكان الواجب علیكم دفع الضیم عنّی و القیام بنصرتی، و لعلّ الأنسب بهذا الوجه ما

فِی رِوَایَةِ ابْنِ أَبِی طَاهِرٍ مِنْ قَوْلِهَا: وَ تِلْكَ نَازِلَةٌ أَعْلَنَ بِهَا كِتَابُ اللَّهِ ..

بالواو دون الفاء، و یحتمل أن لا تكون الشبهة العارضة للمخاطبین مقصورة علی أحد الوجوه المذكورة، بل تكون الشبهة لبعضهم بعضها و للآخر (1) أخری، و یكون كل مقدمة من مقدمات الجواب إشارة إلی دفع واحدة منها.

أقول: و یحتمل أن لا تكون هناك شبهة حقیقة، بل یكون الغرض أنّه لیس لهم فی ارتكاب تلك الأمور الشنیعة حجّة و متمسك، إلّا أن یتمسّك أحد بأمثال تلك الأمور الباطلة الواهیة التی لا یخفی علی أحد بطلانها، و هذا شائع فی الاحتجاج.

إیها بنی قیلة! أ أهضم تراث أبی و أنتم بمرأی منّی و مسمع، و مبتدأ و مجمع، تلبسكم الدعوة، و تشملكم الخبرة.

أَیهاً- بفتح الهمزة و التنوین- بمعنی

ص: 289


1- فی (س): للأخری.

هیهات (1).

و بنو قیلة: الأوس و الخزرج- قبیلتا الأنصار،- و قیلة- بالفتح- اسم أمّ لهم قدیمة: و هی قیلة بنت كاهل (2).

و الهضم: الكسر، یقال: هضمت الشّی ء .. أی كسرته، و هضمه حقّه و اهتضمه إذا ظلمه و كسر علیه حقّه (3).

و التّراث- بالضم- المیراث، و أصل التّاء فیه واو (4).

و أنتم بمرأی منّی و مسمع .. أی بحیث أراكم و أسمعكم (5) كلامكم (كذا).

و فی روایة ابن أبی طاهر: منه- أی من الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله-، و المبتدأ فی أكثر النسخ بالباء الموحدة مهموزا، فلعلّ المعنی أنّكم فی مكان یبتدأ منه الأمور و الأحكام، و الأظهر أنّه تصحیف المنتدی- بالنون غیر مهموزة- بمعنی المجلس (6)، و كذا فی المناقب القدیم، فیكون المجمع كالتفسیر له، و الغرض الاحتجاج علیهم بالاجتماع (7) الذی هو من أسباب القدرة علی دفع الظلم، و اللفظان غیر موجودین فی (8) روایة ابن أبی طاهر.

و تلبسكم- علی بناء المجرد- أی تغطیكم و تحیط بكم.

و الدّعوة: المرة من الدعاء أی النّداء (9) كالخبرة- بالفتح- من الخبر- بالضم

ص: 290


1- كما فی مجمع البحرین 6- 342، و الصحاح 6- 2226، و غیرهما.
2- جاء فی النهایة 4- 134، و لسان العرب 11- 580.
3- كما جاء فی الصحاح 5- 2056، و قریب منه فی مجمع البحرین 6- 186- 187.
4- كذا فی لسان العرب 2- 201، و تاج العروس 1- 653، و غیرهما.
5- انظر: مجمع البحرین 1- 172، و القاموس 4- 331، و الصحاح 6- 2349.
6- كذا ورد فی الصحاح 6- 2505، و لسان العرب 15- 317.
7- فی (ك): الاحتمال بدلا من الاجتماع.
8- فی (س): و فی روایة، و لا معنی للواو هنا لتعلق الكلام بما قبله.
9- النهایة 2- 121.

بمعنی العلم (1)، أو الخبرة- بالكسر- بمعناه (2)، و المراد بالدعوة: نداء المظلوم للنصرة، و بالخبرة علمهم بمظلومیّتها صلوات اللّٰه علیها، و التعبیر بالإحاطة و الشمول للمبالغة، أو للتصریح بأنّ ذلك قد عمّهم جمیعا، و لیس من قبیل الحكم علی الجماعة بحكم البعض أو الأكثر.

و فی روایة ابن أبی طاهر: الحیرة- بالحاء المهملة- و لعلّه تصحیف، و لا یخفی توجیهه.

و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخیر و الصلاح و النجبة (3) التی انتجبت، و الخیرة التی اختیرت .. الكفاح: استقبال العدوّ فی الحرب بلا ترس و لا جنّة، و یقال (4): فلان یكافح الأمور .. أی یباشرها بنفسه (5).

و النُّجَبَة- كهُمَزَة- النّجیب الكریم (6)، و قیل: یحتمل أن یكون بفتح الخاء المعجمة أو سكونها بمعنی المنتخب المختار (7)، و یظهر من ابن الأثیر أنّها بالسّكون تكون جمعا (8).

و الخیرة- كعنبة: المفضّل من القوم المختار منهم (9).

ص: 291


1- قاله فی مجمع البحرین 3- 382.
2- انظر: القاموس 2- 17.
3- سقط فی (س) لفظة: و النجبة.
4- لا توجد: یقال فی (س).
5- كما جاء فی مجمع البحرین 2- 407- 408، و الصحاح 1- 399.
6- كذا صرّح فی الصحاح 1- 222، و تاج العروس 1- 477، و لسان العرب 1- 748. أقول: : ولم نجد فی المصادر السالفة ذكر معنی النجبة علی نحو التقیید _ كما صرح به المصنف رحمه اللّٰه _ بل أشار بعضهم إلی أنها تأتی بمعنی النجیب مرة والكریم أخری ، فلاحظ. ثم إنه فی حاشیة ( ك ) صفحة : ١٢٢ من المجلد الثامن من البحار كلمة : نحب ، وتحتها ( صح ) ولا یعلم محلها.
7- كما ورد فی لسان العرب 1- 752، و القاموس 1- 130، و تاج العروس 1- 479.
8- النهایة 5- 31.
9- أشار إلیه فی مجمع البحرین 3- 296، و الصحاح 2- 652، و تاج العروس 2- 195.

قاتلتم العرب- فی المناقب: لنا أهل البیت قاتلتم- و ناطحتم الأمم، و كافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون نأمركم فتأتمرون ..

ناطحتم الأمم .. أی حاربتم الخصوم و دافعتموهم بجدّ و اهتمام كما یدافع الكبش قرنه بقرنه (1).

و البهم: الشّجعان (2)

كما مرّ (3)

و مكافتحتها: التعرّض لدفعها من غیر توان و ضعف.

و قولها علیها السلام: أو تبرحون .. معطوف علی مدخول النفی، فالمنفی أحد الأمرین، و لا ینتفی إلّا بانتفائهما معا، فالمعنی لا نبرح و لا تبرحون نأمركم فتأتمرون .. أی كنّا لم نزل آمرین و كنتم مطیعین لنا فی أوامرنا.

و فی كشف الغمة: و تبرحون- بالواو- فالعطف علی مدخول النفی أیضا و یرجع إلی ما مرّ، و عطفه علی النفی- إشعارا بأنّه قد كان یقع منهم براح عن الإطاعة كما فی غزوة أحد و غیرها، بخلاف أهل البیت علیهم السلام إذ لم یعرض لهم كلال عن الدعوة و الهدایة- بعید عن المقام، و الأظهر ما فی روایة ابن أبی طاهر من ترك المعطوف رأسا.

لا نبرح نأمركم .. أی لم یزل عادتنا الأمر و عادتكم الائتمار.

و فی المناقب: لا نبرح و لا تبرحون نأمركم .. فیحتمل أن یكون أو فی تلك النسخة أیضا بمعنی الواو .. أی لا نزال نأمركم و لا تزالون تأتمرون، و لعلّ ما فی المناقب أظهر النسخ و أصوبها.

حتی إذا دارت بنا رحی الإسلام، و درّ حلب الأیام، و خضعت نعرة الشرك، و سكنت فورة الإفك، و خمدت نیران الكفر، و هدأت دعوة الهرج، و استوثق نظام الدین .. دوران الرحی كنایة عن انتظام أمرها، و الباء للسببیة.

ص: 292


1- نطحه- كمنعه و ضربه- أصابه بقرنه، قاله فی القاموس 1- 254، و تاج العروس: 2- 240.
2- قاله فی القاموس 4- 82، و الصحاح 5- 1875.
3- انظر صفحة: 256 من هذا المجلد، و هی مشكلات الأمور.

و درّ اللّبن: جریانه و كثرته (1).

و الحلب- بالفتح- استخراج ما فی الضّرع من اللّبن، و بالتحریك اللّبن المحلوب (2)، و الثانی أظهر للزوم ارتكاب تجوّز فی الإسناد و فی المسند إلیه علی الأول.

و النّعرة- بالنون و العین و الراء المهملتین- مثال همزة: الخیشوم و الخیلاء و الكبر (3) أو بفتح النون من قولهم: نعر العرق بالدّم .. أی فار (4)، فیكون الخضوع بمعنی السكون، أو بالغین المعجمة من نغرت القدر .. أی فارت (5).

و قال الجوهری: نغر الرّجل- بالكسر- أی اغتاض، قال الأصمعی: هو الّذی یغلی جوفه من الغیظ. و قال (6) ابن السّكّیت: یقال: ظلّ فلان یتنغّر علی فلان .. أی یتذمّر علیه (7)، و فی أكثر النسخ بالثاء المثلثة المضمومة و الغین المعجمة، و هی نقرة النّحر بین الترقوتین (8)، فخضوع ثغرة الشرك كنایة عن محقه و سقوطه كالحیوان الساقط علی الأرض، نظیره

قَوْلُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَنَا وَضَعْتُ، كَلْكَلَ الْعَرَبِ.

- أی صدورهم (9).

ص: 293


1- كما فی مجمع البحرین 3- 301، و تاج العروس 3- 203، و غیرهما.
2- قاله فی القاموس 1- 57، و تاج العروس 1- 219، و لسان العرب 1- 327- 329.
3- ذكره فی القاموس 2- 145، و لسان العرب 5- 220 و 222، و غیرهما.
4- كما ورد فی القاموس 2- 145.
5- قاله فی لسان العرب 5- 223، و القاموس 2- 145.
6- لیس فی المصدر: و قال.
7- الصحاح 2- 833. و فی (س): یتدمر علیه، و لا معنی لها.
8- صرّح به فی مجمع البحرین 3- 236، و القاموس 1- 383.
9- جاء فی القاموس 4- 46، و مجمع البحرین 5- 465، و غیرهما. و قال أمیر المؤمنین علیه السلام كما فی نهج البلاغة: 300- صبحی الصالح-، 2- 156- محمّد عبده-: أنا وضعت فی الصّغر بكلاكل العرب.

و الإفك- بالكسر- الكذب (1)، و فورة الإفك غلیانه و هیجانه (2).

و خمدت النّار .. أی سكن لهبها و لم یطفأ جمرها (3)، و یقال: همدت- بالهاء إذا طفئ جمرها (4)، و فیه إشعار بنفاق بعضهم و بقاء مادة الكفر فی قلوبهم.

و فی روایة ابن أبی طاهر: و باخت نیران الحرب .. قال الجوهری: باخ الحّرّ و النّار و الغضب و الحمّی .. أی سكن و فتر (5)، و هدأت أی سكنت (6).

و الهرج: الفتنة و الاختلاط (7)، و فی الحدیث: الهرج: القتل (8).

و استوسق .. أی اجتمع و انضمّ من الوسق- بالفتح- و هو ضمّ الشّی ء إلی الشی ء، و اتّساق الشّی ء: انتظامه (9).

و فی الكشف: فناویتم العرب و بادهتم الأمور .. إلی قولها علیها السلام:

حتی دارت لكم بنّا رحی الإسلام، و درّ حلب البلاد، و خبت نیران الحرب ..

یقال: بدهه بأمر .. أی استقبله به، و بادهه: فاجأه (10).

فأنّی حرتم بعد البیان، و أسررتم بعد الإعلان، و نكصتم بعد الإقدام و أشركتم بعد الإیمان .. كلمة: أنّی، ظرف مكان بمعنی أین، و قد یكون بمعنی كیف (11) أی من أین حرتم، و ما كان منشؤه.

ص: 294


1- كما نصّ علیه فی الصحاح 4- 1573. و قال فی مجمع البحرین 5- 254 هو: أسوأ الكذب و أبلغه.
2- كذا فی مجمع البحرین 3- 445، و تاج العروس 3- 476.
3- ذكره فی القاموس 1- 292، و مجمع البحرین 3- 45.
4- كما صرّح به فی لسان العرب 3- 437- 439، و مجمع البحرین 3- 45، فلاحظ.
5- الصحاح 1- 419.
6- ورد فی القاموس 1- 33، و الصحاح 1- 82.
7- قاله فی مجمع البحرین 2- 336، و الصحاح 1- 350، و غیرهما.
8- جاء فی الصحاح 1- 350، و لسان العرب 2- 389.
9- كما ورد فی مجمع البحرین 5- 246- 247، و لسان العرب 10- 380- 381.
10- نصّ علیه فی القاموس 4- 280، و الصحاح 6- 2226.
11- كذا فی الصحاح 6- 2545، و لسان العرب 15- 437.

و جرتم: إما- بالجیم- من الجور و هو المیل عن القصد (1) و العدول عن الطّریق (2)، أی لما ذا تركتم سبیل الحق بعد ما تبیّن لكم؟، أو بالحاء المهملة المضمومة من الحور بمعنی الرّجوع أو النّقصان (3)، یقال: نعوذ باللّٰه من الحور بعد الكور .. أی من النّقصان بعد الزیادة (4)، و أما بكسرها من الحیرة.

و النّكوص: الرّجوع إلی خلف (5).

أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (6). نكث العهد- بالفتح نقضه (7).

و الأیمان- جمع الیمین- و هو القسم (8).

و المشهور بین المفسرین أنّ الآیة نزلت فی الیهود الذین نقضوا عهودهم و خرجوا مع الأحزاب و همّوا بإخراج الرسول من المدینة، و بدءوا بنقض العهد و القتال.

و قیل (9): نزلت فی مشركی قریش و أهل مكة حیث نقضوا أیمانهم التی عقدوها مع الرسول و المؤمنین علی أن لا یعاونوا علیهم أعداءهم، فعاونوا بنی بكر علی خزاعة، و قصدوا إخراج الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله من مكة حین تشاوروا بدار الندوة، و أتاهم إبلیس بصورة شیخ نجدی .. إلی آخر ما مرّ من القصة (10)،

ص: 295


1- ذكره فی مجمع البحرین 3- 251، و الصحاح 2- 617. و فی (س): من، بدلا من: عن.
2- ورد فی لسان العرب 4- 153 كما فی المتن.
3- القاموس المحیط 2- 15.
4- صرّح به فی النهایة 1- 458، و انظر: مجمع البحرین 3- 279.
5- نصّ علیه فی لسان العرب 7- 101، و النهایة 5- 116.
6- التوبة: 13.
7- قاله فی مجمع البحرین 2- 266، و الصحاح 1- 295، و غیرهما.
8- ذكره فی الصحاح 6- 2221، و مجمع البحرین 2- 332.
9- جاء فی مجمع البیان 5- 11 و غیره.
10- ذكرها مفصلا المصنّف قدّس سرّه فی بحار الأنوار 21- 91- 139، و 9- 46 و ما بعدها.

فهم بدءوا بالمعاداة و المقاتلة فی هذا الوقت، أو یوم بدر، أو بنقض العهد، و المراد بالقوم الذین نكثوا أیمانهم فی كلامها صلوات اللّٰه علیها، أما الذین نزلت فیهم الآیة فالغرض بیان وجوب قتال الغاصبین للإمامة و لحقّها، الناكثین لما عهد إلیهم الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله فی وصیّه علیه السلام و ذوی قرباه و أهل بیته، كما وجب بأمره سبحانه قتال من نزلت الآیة فیهم، أو المراد بهم الغاصبون لحقّ أهل البیت علیهم السلام، فالمراد بنكثهم أیمانهم: نقض ما عهدوا إلی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله حین بایعوه من الانقیاد له فی أوامره و الانتهاء عند نواهیه و أن لا یضمروا له العداوة، فنقضوه و ناقضوا ما أمرهم به، و المراد بقصدهم إخراج الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله عزمهم علی إخراج من هو كنفس الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و قائم مقامه بأمر اللّٰه و أمره عن مقام الخلافة و علی إبطال أوامره و وصایاه فی أهل بیته النازل منزلة إخراجه من مستقرّه، و حینئذ یكون من قبیل الاقتباس.

و فی بعض الروایات: لقوم نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ (1) .. فقوله: لقوم متعلق بقوله: تخشونهم.

ألا قد أری أن قد أخلدتم إلی الخفض، و أبعدتم من هو أحقّ بالبسط و القبض و خلوتم بالدعة، و نجوتم من الضیق بالسعة، فمججتم ما وعیتم، و دسعتم الذی تسوغتم ف إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ (2) .. الرّؤیة هنا بمعنی العلم أو النّظر بالعین (3).

و أخلد إلیه: ركن و مال (4).

و الخفض- بالفتح-: سعة العیش (5).

ص: 296


1- فی (س): تخشونهم- بلا همزة-.
2- إبراهیم: 8.
3- كما فی مجمع البحرین 1- 162- 163، و الصحاح 6- 2347.
4- قاله فی النهایة 2- 61، و مجمع البحرین 3- 44، و غیرهما.
5- كذا أورده فی لسان العرب 7- 145، و مجمع البحرین 4- 202.

و المراد بمن هو أحقّ بالبسط و القبض أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه، و صیغة التفضیل مثلها فی قوله تعالی: قُلْ أَ ذلِكَ خَیْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ (1).

و خلوت بالشّی ء: انفردت به (2) و اجتمعت معه فی خلوة (3).

و الدّعة: الرّاحة و السّكون (4).

و مجّ الشّراب من فیه: رمی به (5).

و وعیتم .. أی حفظتم (6).

و الدّسع- كالمنع- الدّفع و القی ء (7)، و إخراج البعیر جرّته إلی فیه (8).

و ساغ الشّراب یسوغ سوغا .. إذا سهل مدخله فی الحلق (9)، و تسوّغه:

شربه بسهولة.

و صیغة تكفروا فی كلامها علیها السلام إما من الكفران و ترك الشكر- كما هو الظاهر من سیاق الكلام المجید حیث قال تعالی: إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِی لَشَدِیدٌ وَ قالَ مُوسی إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ (10)

، أو من الكفر بالمعنی الأخص، و التغییر فی المعنی لا ینافی الاقتباس، مع أن فی الآیة أیضا یحتمل هذا المعنی، و المراد إن تكفروا أنتم و من فی الأرض جمیعا من الثقلین فلا یضرّ ذلك إلّا أنفسكم فإنه

ص: 297


1- الفرقان: 15.
2- كما جاء فی مجمع البحرین 1- 131، و النهایة 2- 74.
3- ذكره فی الصحاح 6- 2330، و مجمع البحرین 1- 129، و غیرهما.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 4- 401، و الصحاح 3- 1295- 1296.
5- كما أورده فی الصحاح 1- 340، و مجمع البحرین 2- 329.
6- صرّح به فی مجمع البحرین 1- 444، و الصحاح 6- 2535.
7- جاء فی النهایة 2- 117، و القاموس 3- 21، و غیرهما.
8- قاله فی الصحاح 3- 1207، و النهایة 2- 117.
9- ذكره فی القاموس 3- 108، و مجمع البحرین 5- 12، و الصحاح 4- 1322، و لسان العرب 8- 435.
10- إبراهیم: 7- 8.

سبحانه غنیّ عن شكركم و طاعتكم، مستحق للحمد فی ذاته، أو محمود تحمده الملائكة بل جمیع الموجودات بلسان الحال، و ضرر الكفران عائد إلیكم حیث حرمتم من فضله تعالی و مزید إنعامه و إكرامه.

و الحاصل، أنّكم إنّما تركتم الإمام بالحق و خلعتم بیعته من رقابكم و رضیتم ببیعة أبی بكر لعلمكم بأن أمیر المؤمنین علیه السلام لا یتهاون و لا یداهن فی دین اللّٰه، و لا تأخذه فی اللّٰه لومة لائم، و یأمركم بارتكاب الشدائد فی الجهاد و غیره، و ترك ما تشتهون من زخارف الدنیا، و یقسم الفی ء بینكم بالسویة، و لا یفضل الرؤساء و الأمراء، و إن أبا بكر رجل سلس القیاد، مداهن فی الدین لإرضاء العباد، فلذا رفضتم الإیمان، و خرجتم عن طاعته سبحانه إلی طاعة الشیطان، و لا یعود وباله إلّا إلیكم.

و فی الكشف: ألا و قد أری و اللّٰه أن قد أخلدتم إلی الخفض، و ركنتم إلی الدعة، فمججتم الذی أوعیتم، و لفظتم الذی سوغتم.

و فی روایة ابن أبی طاهر: فعجتم عن الدین.

یقال: ركن إلیه- بفتح الكاف و قد یكسر- أی مال إلیه و سكن (1). و قال الجوهری: عجت بالمكان أعوج .. أی أقمت به و عجت غیری .. یتعدّی و لا یتعدّی، و عجت البعیر ..

عطفت رأسه بالزّمام .. و العائج: الواقف .. و ذكر ابن الأعرابی: فلان ما یعوج من (2) شی ء: أی ما یرجع عنه (3).

ألا و قد قلت ما قلت علی معرفة منّی بالخذلة التی خامرتكم، و الغدرة التی استشعرتها قلوبكم، و لكنها فیضة النفس، و نفثة الغیظ، و خور القنا، و بثة الصدر، و تقدمة الحجة .. الخذلة: ترك النّصر (4).

ص: 298


1- ذكره فی مجمع البحرین 6- 256، و النهایة 2- 261.
2- فی المصدر: عن، بدلا من: من، و هو الظاهر.
3- صرّح به فی الصحاح 1- 331، و قریب منه ما فی لسان العرب 2- 333.
4- قاله فی القاموس 3- 366، و لسان العرب 11- 202، و تاج العروس 7- 301، و فی كل واحد منها بدون التاء، أی الخذل.

و خامرتكم .. أی خالطتكم (1).

و الغدر: ضدّ الوفاء (2).

و استشعره (3): أی لبسه، و الشّعار: الثّوب الملاصق للبدن (4).

و الفیض- فی الأصل- كثرة الماء و سیلانه، یقال: فاض الخبر .. أی شاع، و فاض صدره بالسّرّ .. أی باح به و أظهره، و یقال: فاضت نفسه .. أی خرجت روحه (5)، و المراد به هنا إظهار المضمر فی النفس لاستیلاء الهم و غلبة الحزن.

و النّفث بالفم شبیه بالنّفخ (6)، و قد یكون للمغتاظ تنفس عال تسكینا لحرّ القلب و إطفاء لنائرة الغضب.

و الخور- بالفتح و التحریك-: الضّعف (7).

و القنا: جمع قناة و هی الرّمح (8)، و قیل كلّ عصا مستویة أو معوجّة قناة (9)، و لعلّ المراد بخور القنا ضعف النفس عن الصبر علی الشدة و كتمان الضر، أو ضعف ما یعتمد علیه فی النصر علی العدو، و الأول أنسب.

و البثّ: النّشر و الإظهار (10)، و الهمّ الّذی لا یقدر صاحبه علی كتمانه فیبثّه ..

أی یفرّقه (11).

ص: 299


1- نصّ علیه فی الصحاح 2- 650، و القاموس 2- 24.
2- كما جاء فی لسان العرب 5- 8، و القاموس 2- 100.
3- استشعره: أی أضمره، و هذا المعنی أنسب هنا، فلاحظ.
4- أورده فی القاموس 2- 59، و لسان العرب 4- 412- 413.
5- جاء فی الصحاح 3- 1099، و انظر: القاموس 2- 341، و مجمع البحرین 4- 224.
6- قاله فی مجمع البحرین 2- 266، و الصحاح 1- 295، و غیرهما.
7- ذكره فی القاموس 2- 25، و الصحاح 2- 651.
8- كما ورد فی مجمع البحرین 1- 350، و القاموس 4- 380، و الصحاح 6- 2468، و لسان العرب 15- 203.
9- جاء فی القاموس 4- 380، و لسان العرب 15- 203.
10- صرّح به فی مجمع البحرین 2- 234، و الصحاح 1- 273، و القاموس 1- 161.
11- و قریب منه ما ذكره فی مجمع البحرین 2- 234، و النهایة 1- 95.

و تقدمة الحجة: إعلام الرجل قبل وقت الحاجة قطعا لاعتذاره بالغفلة.

و الحاصل، أن استنصاری منكم، و تظلّمی لدیكم، و إقامة الحجة علیكم، لم یكن رجاء للعون و المظاهرة بل تسلیة للنفس، و تسكینا للغضب، و إتماما للحجة، لئلّا تقولوا یوم القیامة: إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ (1).

فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقیة العار، موسومة بغضب اللّٰه و شنار الأبد، موصولة ب نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَی الْأَفْئِدَةِ (2)، فبعین اللّٰه ما تفعلون وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (3) ..

و الحَقَبُ- بالتحریك- حبل یشدّ به الرّحل إلی بطن البعیر، یقال: احقبت البعیر .. أی شددته به (4)، و كلّ ما شدّ فی مؤخّر رحل أو قتب فقد احتقب، و منه قیل: احتقب فلان الإثم كأنّه جمعه و احتقبه من خلفه (5)، فظهر أن الأنسب فی هذا المقام أحقبوها- بصیغة الإفعال- أی شدوا علیها ذلك و هیئوها للركوب، لكن فیما وصل إلینا من الروایات علی بناء الافتعال.

و الدَّبَر- بالتحریك- الجرح فی ظهر البعیر، و قیل: جرح الدّابة مطلقا (6).

و النَّقَب- بالتحریك-: رقّة خفّ البعیر (7).

و العار الباقی: عیب لا یكون فی معرض الزوال.

و وسمته وسما وسمة: إذا أثّرت فیه بسمة و كیّ (8).

ص: 300


1- الأعراف: 172.
2- الهمزة: 6 و 7.
3- الشعراء: 227.
4- كما فی الصحاح 1- 114، و انظر: مجمع البحرین 2- 45، و القاموس 1- 57.
5- جاء فی لسان العرب 1- 325- 326، و لاحظ: الصحاح 1- 114، و القاموس 1- 57.
6- ذكره فی لسان العرب 4- 274، و النهایة 2- 197، و مجمع البحرین 3- 299.
7- قاله فی الصحاح 1- 227، و القاموس 1- 134، و مجمع البحرین 2- 276.
8- كما فی مجمع البحرین 6- 183، و الصحاح 5- 2051.

و الشّنار: العیب و العار (1).

و نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ. المؤجّجة علی الدوام.

و الاطلاع علی الأفئدة .. إشرافها علی القلوب بحیث یبلغها ألمها كما یبلغ ظواهر البدن، و قیل معناه: أنّ هذه النار تخرج من الباطن إلی الظاهر بخلاف نیران الدنیا.

و فی الكشف: إِنَّها عَلَیْهِمْ مُؤْصَدَةٌ

- و الموصدة: المطبقة (2)

و بعین اللّٰه ما تفعلون .. أی متلبس بعلم اللّٰه أعمالكم، و یطلّع علیها كما یعلم أحدكم ما یراه و یبصره، و قیل فی قوله تعالی: تَجْرِی بِأَعْیُنِنا (3) أنّ المعنی تجری بأعین أولیائنا من الملائكة و الحفظة.

و المنقلب: المرجع و المنصرف (4)، و أیّ منصوب علی أنّه صفة مصدر محذوف و العامل فیه ینقلبون، لأنّ ما قبل الاستفهام لا یعمل فیه، و إنّما یعمل فیه ما بعده، و التقدیر سیعلم الذین ظلموا ینقلبون انقلابا أیّ انقلاب؟.

و أنا ابنة نذیر لكم .. أی أنا ابنة من أنذركم بعذاب اللّٰه علی ظلمكم، فقد تمّت الحجّة علیكم، و الأمر فی اعملوا و انتظروا للتهدید.

و أما قول الملعون:

و الرائد لا یكذب أهله .. فهو مثل (5) استشهد به فی صدق الخبر الذی افتراه علی النبی صلّی اللّٰه علیه و آله، و الرّائد: من یتقدّم القوم یبصر لهم الكلأ و مساقط الغیث (6)، جعل نفسه- لاحتماله الخلافة التی هی الرئاسة العامّة- بمنزلة

ص: 301


1- قاله فی الصحاح 2- 704، و مجمع البحرین 3- 354، و غیرهما.
2- نصّ علیه فی مجمع البحرین 3- 161، و الصحاح 2- 550.
3- القمر: 14.
4- ذكره فی لسان العرب 1- 686، و مجمع البحرین 2- 146 و 149.
5- كما أورده فی مجمع الأمثال 2- 233، و المستقصی 2- 274، و فرائد اللئال فی الأمثال 2- 196.
6- ذكره فی مجمع البحرین 3- 56، و لسان العرب 3- 187.

الرائد للأمّة الذی یجب علیه أن ینصحهم و یخبرهم بالصدق.

و المجالدة: المضاربة بالسّیوف (1).

و استبدّ فلان بالرّأی .. أی انفرد به (2) و استقلّ.

و لا نزوی عنك .. أی لا نقبض و لا نصرف (3).

و لا نوضع من فرعك و أصلك .. أی لا نحطّ درجتك (4) و لا ننكر فضل أصولك و أجدادك و فروعك و أولادك.

و ترین- من الرّأی- بمعنی الاعتقاد (5).

و

قَوْلُهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ صَادِفاً، وَ لَا لِأَحْكَامِهِ مُخَالِفاً، بَلْ كَانَ یَتْبَعُ أَثَرَهُ وَ یَقْفُو سُوَرَهُ، أَ فَتَجْمَعُونَ إِلَی الْغَدْرِ اعْتِلَالًا عَلَیْهِ بِالزُّورِ ..؟!.

الصّادف عن الشّی ء: المعرض عنه (6).

و الأَثَر- بالتحریك و بالكسر-: أثر القدم (7).

و القفو: الاتّباع (8).

و السُّورُ- بالضم- كلّ مرتفع عال، و منه سور المدینة (9)، و یكون جمع سورة، و هی كلّ منزلة من البناء و منه سورة القرآن، لأنّها منزلة بعد منزلة،

ص: 302


1- أورده فی القاموس 1- 284، و مجمع البحرین 3- 26، و غیرهما.
2- قاله فی الصحاح 2- 444، و مجمع البحرین 3- 11.
3- نصّ علیه فی مجمع البحرین 1- 209، و النهایة 2- 320.
4- صرّح به فی الصحاح 3- 1300، و مجمع البحرین 4- 405.
5- جاء فی القاموس 4- 331، و لسان العرب 14- 301.
6- أورده فی مجمع البحرین 5- 78، و القاموس 3- 161.
7- قاله فی النهایة 1- 23، و لسان العرب 4- 6، و غیرهما.
8- كذا جاء فی الصحاح 6- 2466، و لسان العرب 15- 194.
9- ذكره فی النهایة 2- 421، و انظر: مجمع البحرین 3- 338، و لسان العرب 4- 376.

و تجمع (1) علی: سُوَرٍ- بفتح الواو (2)

و فی العبارة یحتملها (3)، و الضمائر المجرورة تعود إلی اللّٰه تعالی أو إلی كتابه، و الثانی أظهر.

و الاعتلال: إبداء العلّة و الاعتذار (4).

و الزّور: الكذب (5).

و هذا بعد وفاته شبیه بما بغی له من الغوائل فی حیاته ..

البغی: الطّلب (6).

و الغوائل: المهالك (7) و الدّواهی (8)، أشارت علیها السلام بذلك إلی ما دبروا- لعنهم اللّٰه- فی إهلاك النبی صلّی اللّٰه علیه و آله و استئصال أهل بیته علیهم السلام فی العقبتین و غیرهما ممّا أوردناه فی هذا الكتاب متفرقا (9).

هذا كتاب اللّٰه حكما عدلا، و ناطقا فصلا، یقول: یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ (10) و وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (11) فبیّن عزّ و جلّ فیما وزع علیه من

ص: 303


1- فی (س): و یجمع- بالیاء-.
2- كما فی الصحاح 5- 690، و لسان العرب 4- 376، و غیرهما.
3- كذا، و الظاهر: احتمالها.
4- قال فی القاموس 4- 20: تعلل بالأمر: تشاغل أو تجزّأ كاعتل .. و بالمرأة تلهی .. علّ یعلّ و اعتلّ و أعلّه اللّٰه تعالی فهو معلّ و علیل .. یقال لكل متعذر مقتدر، و قد اعتل، و هذه علته: سببه .. واعتله : اعتاقه عن أمر أو تجنی علیه. وقال فی الصحاح ٥ _ ١٧٧٤ : واعتل .. أی مرض فهو علیل .. واعتل علیه بعلة واعتله : إذا اعتاقه عن أمر ، واعتله : تجنی علیه .. أقول: : لا یخفی مناسبة أكثر المعانی المذكورة بالمقام ، فلاحظ.
5- قاله فی مجمع البحرین 3- 319، و لسان العرب 4- 336.
6- صرّح به فی القاموس 4- 304، و مجمع البحرین 1- 53.
7- نصّ علیه فی لسان العرب 11- 509، و النهایة 3- 397، و غیرهما.
8- جاء فی القاموس 4- 27، و المصباح المنیر 2- 127.
9- انظر: بحار الأنوار 18- 187- 188 و 209، 234 و 235، و غیرهما، و 19- 1 و 2 و ما بعدهما، و البحار 28- 99- 110 و غیرها.
10- مریم: 6.
11- النمل: 16.

الأقساط، و شرع من الفرائض و المیراث، و أباح من حظّ الذكران و الإناث، ما أزاح علّة المبطلین، و أزال التظنّی و الشبهات فی الغابرین، كلّا بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ (1).

أقول: سیأتی الكلام فی مواریث الأنبیاء فی باب المطاعن- إن شاء اللّٰه تعالی-.

و التّوزیع: التّقسیم (2).

و القسط- بالكسر- الحصّة و النّصیب (3).

و الإزاحة: الإذهاب و الإبعاد (4).

و التّظنّی: إعمال الظّن، و أصله: التّظنّن (5).

و الغابر: الباقی (6).

و قد یطلق علی الماضی (7).

و التّسویل: تحسین ما لیس بحسن و تزیینه و تحبیبه إلی الإنسان لیفعله أو یقوله (8)، و قیل: هو تقدیر معنی فی النفس علی الطمع فی تمامه.

فَصَبْرٌ جَمِیلٌ*. أی فصبری جمیل، أو الصبر الجمیل أولی من الجزع الذی لا یغنی شیئا، و قیل: إنّما یكون الصبر جمیلا إذا قصد به وجه اللّٰه تعالی، و فعل للوجه الذی وجب، ذكره السید المرتضی رضی اللّٰه عنه (9)، و خطابك- فی قول أبی

ص: 304


1- یوسف: 18.
2- ذكره فی مجمع البحرین 4- 402، و القاموس 3- 93، و غیرهما.
3- قاله فی الصحاح 3- 1152، و القاموس 2- 379، و غیرهما.
4- كما جاء فی مجمع البحرین 2- 366، و القاموس 1- 226.
5- نصّ علیه فی الصحاح 6- 2160، و القاموس 4- 245، و غیرهما.
6- صرّح به فی مجمع البحرین 3- 416، و الصحاح 2- 765.
7- كما فی الصحاح 2- 765، و لسان العرب 5- 3.
8- ذكره فی مجمع البحرین 5- 399، و النهایة 2- 425، و لسان العرب 11- 350.
9- حكاه العلّامة المجلسی رحمه اللّٰه عن مجمع البیان 5- 218.

بكر- من المصدر المضاف إلی الفاعل- و مراده بما تقلدوا ما أخذ (1) فدك أو الخلافة .. أی أخذت الخلافة بقول المسلمین و اتّفاقهم فلزمنی القیام بحدودها التی من جملتها أخذ فدك، للحدیث المذكور.

و المكابرة: المغالبة (2).

و الاستبداد: الاستئثار (3). و الانفراد بالشّی ء (4).

قَوْلُهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا: مَعَاشِرَ النَّاسِ الْمُسْرِعَةِ إِلَی قِیلِ الْبَاطِلِ، الْمُغْضِیَةِ عَلَی الْفِعْلِ الْقَبِیحِ الْخَاسِرِ، أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها (5) (6).

كَلَّا بَلْ رانَ عَلی قُلُوبِهِمْ (7)، مَا أَسَأْتُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَ أَبْصَارِكُمْ، وَ لَبِئْسَ مَا تَأَوَّلْتُمْ، وَ سَاءَ بِهِ مَا أَشَرْتُمْ، وَ شَرَّ مَا مِنْهُ اعْتَضَتُّمْ ..

القیل: بمعنی القول و كذا القال (8).

و قیل: القول فی الخیر، و القیل و القال فی الشرّ.

و قیل: القول مصدر و القیل و القال اسمان له (9).

و الإغضاء: إدناء الجفون (10)، و أغضی علی الشّی ء أی سكت (11) و رضی به،

وَ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ وَ الْكَاظِمِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فِی الْآیَةِ أَنَّ الْمَعْنَی أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ

ص: 305


1- ما أخذ- هنا- أی أخذه، و ما مصدریة.
2- كما ورد فی المصباح المنیر 2- 209، و النهایة 4- 142.
3- توجد واو قبل كلمة: الاستئثار، فی (ك) و هو سهو.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 3- 199، و 3- 11، و لسان العرب 3- 81 و 3- 4، و النهایة 1- 105، و 1- 22.
5- فی (س): تتدبرون، و علیه فلا یكون استشهادا بالآیة الكریمة.
6- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 2.
7- المطفّفین: 14.
8- قاله فی النهایة 4- 122، و لسان العرب 11- 573.
9- كما فی القاموس 4- 42، و لسان العرب 11- 573.
10- ذكره فی مجمع البحرین 1- 318، و الصحاح 6- 2447، و القاموس 4- 370.
11- قاله فی القاموس 4- 370، و لسان العرب 15- 128.

الْقُرْآنَ (1) فَیُقْضُوا بِمَا عَلَیْهِمْ مِنَ الْحَقِّ (2).

وَ تَنْكِیرُ الْقُلُوبِ لِإِرَادَةِ قُلُوبِ هَؤُلَاءِ وَ مَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِنْ غَیْرِهِمْ.

و الرّین: الطّبع، و التّغطیة (3) و أصله: الغلبة (4).

و التّأوّل و التّأویل: التّصییر و الإرجاع و نقل الشّی ء عن موضعه، و منه تأویل الألفاظ .. أی نقل اللّفظ عن الظّاهر (5).

و الإشارة: الأمر بأحسن الوجوه فی أمر (6).

و شَرَّ- كَفَرَّ- بمعنی ساء (7).

و الاعتیاض: أخذ العوض (8) و الرّضا به، و المعنی ساء ما أخذتم منه عوضا عمّا تركتم.

لَتَجِدَنَّ وَ اللَّهِ مَحْمِلَهُ ثَقِیلًا، وَ غِبَّهُ وَبِیلًا، إِذَا كُشِفَ لَكُمُ الْغِطَاءُ وَ بَانَ مَا وَرَاءَهُ الضَّرَاءُ، وَ بَدَا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَحْتَسِبُونَ، وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ.

الْمَحْمِلُ- كَمَجْلِس- مصدر.

و الغِبُّ- بالكسر-: العاقبة (9).

و الوَبَالُ- فی الأصل-: الثّقل و المكروه، و یراد به فی عرف الشّرع: عذاب

ص: 306


1- النّساء: 82، و سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 24.
2- حكاه عن مجمع البیان 5- 104، و عنه فی تفسیر الصّافی 5- 28، و المیزان 18- 245 و غیرهما.
3- نصّ علیه فی النهایة 2- 291، و لسان العرب 13- 193، و غیرهما.
4- كما جاء فی مجمع البحرین 6- 259، و الصحاح 5- 2129، و القاموس 4- 230.
5- أورده فی لسان العرب 11- 33، و النهایة 1- 80، إلّا أنّه لیس فیهما: نقل الشی ء عن موضعه، و قریب منهما ما فی مجمع البحرین 5- 312.
6- قال فی مجمع البحرین 3- 356: أشار علیّ بكذا .. أی أرانی ما عنده فیه من المصلحة، و مثله فی المصباح المنیر 1- 395.
7- حكاه عن مجمع البحرین 3- 344، و المصباح المنیر 1- 372.
8- قاله فی المصباح المنیر 2- 103، و مجمع البحرین 4- 217، و غیرهما.
9- كما ذكره فی الصحاح 1- 190، و مجمع البحرین 2- 130، و غیرهما.

الآخرة (1)، و العذاب الوبیل: الشّدید (2).

و الضَّرَاءُ- بالفتح و التّخفیف-: الشّجر الملتفّ- كما مرّ (3)

یقال: تواری الصّید منّی فی ضراء (4).

و الْوَرَاءُ: یكون بمعنی قدّام كما یكون بمعنی خلف (5) و بالأول فُسِّرَ قوله تعالی: وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ یَأْخُذُ كُلَّ سَفِینَةٍ غَصْباً (6) و یحتمل أن تكون الهاء (7) زیدت من النساخ أو الهمزة، فیكون علی الأخیر بتشدید الراء من قولهم: ورّی الشّی ء توریة .. أی أخفاه (8)، و علی التقادیر فالمعنی: و ظهر لكم ما ستره عنكم الضراء.

و بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون .. أی ظهر لكم (9) من صنوف العذاب ما لم تكونوا تنتظرونه، و لا تظنّونه واصلا إلیكم، و لم یكن فی حسبانكم.

و المبطل: صاحب الباطل من أبطل الرّجل إذا أتی بالباطل (10).

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَثَةٌ*** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ یَكْبُرِ الْخَطْبُ.

إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا*** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا (11)

ص: 307


1- قاله فی النهایة 5- 146، و لسان العرب 11- 720.
2- أورده فی مجمع البحرین 5- 490، و الصحاح 5- 1840.
3- صرّح به فی مجمع البحرین 1- 271، و الصحاح 6- 2409، و القاموس 4- 355، و لسان العرب 14- 473.
4- كما جاء فی الصحاح 6- 2409، و لسان العرب 14- 483.
5- كذا ورد فی القاموس 4- 399، و الصحاح 6- 2523، و غیرهما.
6- الكهف: 89.
7- فی قولها علیها السلام: و بان ما وراءه الضراء.
8- قاله فی القاموس 4- 399، و لسان العرب 15- 389.
9- جاء فی مجمع البحرین 10- 44، و الصحاح 6- 2278، و غیرهما.
10- كما جاء فی مجمع البحرین 5- 322، و المصباح المنیر 1- 66.
11- قد مرّت مصادر الأبیات عن بلاغات النساء: 12، و شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 4- 93، و أعلام النساء 3- 1208 و غیرها، و فیها اختلاف یسیر عن ما هنا، فلاحظ.

فی الكشف: ثم التفتت إلی قبر أبیها متمثلة بقول هند ابنة أثاثة .. ثم ذكر الأبیات.

و قال فی النهایة: الْهَنْبَثَةُ واحدة الهَنَابِثِ و هی الأمور الشّداد المختلفة، و الهنبثة: الاختلاط فی القول و النّون زائدة (1)، و ذكر فیه: أنّ فاطمة (علیها السلام) قالت بعد موت النّبیّ صلّی اللّٰه علیه (و آله) : قد كان بعدك أنباء .. إلی آخر البیتین (2)، إلّا أنّه قال: فاشهدهم و لا تغب (3).

و الشّهود: الحظور (4).

و الخطب- بالفتح-: الأمر الّذی تقع فیه المخاطبة، و الشّأن و الحال (5).

و الوابل: المطر الشّدید (6).

و نكب فلان عن الطّریق كنصر- و فرح (7)

أی .. عدل و مال (8).

و كلّ أهل له قربی و منزلة*** عند الإله علی الأدنین مقترب

القربی- فی الأصل- القرابة فی الرّحم (9).

و المنزلة: المرتبة (10) و الدّرجة و لا تجمع (11).

ص: 308


1- كذا ورد فی النهایة 5- 278، و مثله فی لسان العرب 2- 199.
2- و قال بدل: لم تكبر: لم یكثر، و بدل: و اختل: فاختل.
3- صرّح به فی النهایة 5- 277، و نحوه فی لسان العرب 2- 199.
4- ذكره فی مجمع البحرین 3- 77، و الصحاح 2- 494، و غیرهما.
5- قاله فی النهایة 2- 45، و مجمع البحرین 2- 51.
6- نصّ علیه فی الصحاح 5- 1840، و مجمع البحرین 5- 490.
7- نصّ علیه فی القاموس: 1- 134.
8- ذكره فی مجمع البحرین 2- 176، و المصباح المنیر: 2- 334.
9- قاله فی المصباح المنیر: 2- 175، و الصحاح 1- 199، و لا توجد فیهما كلمة: فی الأصل.
10- كما فی الصحاح 5- 1828، و مجمع البحرین 5- 482.
11- كذا فی القاموس 4- 56، و انظر: الصحاح 5- 1828.

و الأدنین: هم الأقربون (1)، و اقترب أی تقارب (2).

و قال فی مجمع البیان (3): فی اقترب زیادة مبالغة علی قرب، كما أنّ فی اقتدر زیادة مبالغة علی قدر.

و یمكن تصحیح تركیب البیت و تأویل معناه علی وجوه:

الأول: و هو الأظهر، أن جملة (له قربی) صفة لأهل، و التنوین فی (منزلة) للتعظیم، و الظرفان متعلقان بالمنزلة لما فیها من معنی الزیادة و الرجحان، و (مقترب) خبر لكل، أی ذو القرب الحقیقی، أو عند ذی الأهل، كلّ أهل كانت له مزیّة و زیادة علی غیره من الأقربین عند اللّٰه تعالی.

و الثانی: تعلّق الظرفین بقولها: (مقترب)، أی كل أهل له قرب و منزلة من ذی الأهل، فهو عند اللّٰه تعالی مقترب مفضل علی سائر الأدنین.

و الثالث: تعلّق الظرف الأول ب (المنزلة) و الثانی (بالمقترب)، أی كل أهل اتّصف بالقربی بالرجل و بالمنزلة عند اللّٰه، فهو مفضّل علی من هو أبعد منه.

و الرابع: أن یكون جملة: (له قربی) خبرا للكل، (و مقترب) خبرا ثانیا، و فی الظرفین یجری الاحتمالات السابقة، و المعنی أن كل أهل نبیّ من الأنبیاء له قرب و منزلة عند اللّٰه، و مفضّل علی سائر الأقارب عند الأمّة.

أبدت رجال لنا نجوی صدورهم لما مضیت و حالت دونك الترب

بدا الأمر بدوّا: ظهر، و أبداه أظهره (4).

و النّجوی: الاسم من نجوته إذا ساورته (5)، و نجوی صدورهم: ما أضمروه فی نفوسهم من العداوة و لم یتمكنوا من إظهاره فی حیاته صلّی اللّٰه علیه

ص: 309


1- نصّ علیه فی لسان العرب 14- 274، و مجمع البحرین 1- 148.
2- جاء فی الصحاح 1- 199، و مجمع البحرین 2- 140، و غیرهما.
3- مجمع البیان 9- 185، فی بیان مفردات سورة القمر.
4- كذا فی الصحاح 6- 2278، و لسان العرب 14- 65.
5- قاله فی القاموس 4- 393، و الصحاح 6- 2503، و غیرهما.

و آله، و فی بعض النسخ: فحوی صدورهم، و فحوی القول: معناه (1)، و المآل واحد.

و قال الفیروزآبادی: التُّرْبُ و التُّرَابُ و التُّرْبَةُ .. معروف، و جمع التّراب:

أتربة و تربان، و لم یسمع لسائرها (2) بجمع، انتهی (3). فیمكن أن یكون بصیغة المفرد، و التأنیث بتأویل الأرض كما قیل، و الأظهر أنه- بضم التاء و فتح الراء جمع تربة، قال فی مصباح اللغة: التّربة: المقبرة، و الجمع ترب مثل غرفة و غرف (4).

و حال الشّی ء بینی و بینك .. أی منعنی من الوصول إلیك (5).

و دون الشّی ء: قریب منه (6)، یقال: دون النهر جماعة .. أی قبل أن تصل إلیه.

و التّهجّم: الاستقبال بالوجه الكریه (7).

ص: 310


1- جاء فی مجمع البحرین 1- 327، و القاموس 4- 373.
2- فی (س): سائرها، و فیها طمس، و فی المصدر: لسائرها.
3- القاموس 1- 39.
4- المصباح المنیر 1- 91، و مثله فی مجمع البحرین 2- 13.
5- ذكره فی النهایة 1- 462، و لسان العرب 11- 189، و غیرهما.
6- قال فی مجمع البحرین 6- 248: تقول هو دون ذلك .. أی أقرب منه، و مثله فی القاموس 4- 224، و الصحاح 5- 2115.
7- قال فی القاموس 4- 92- فی مادة الجهم- بتقدیم الجیم علی الهاء-: كمنعه و سمعه: استقبله بوجه كریه كتجهّمه. أقول: : لعله التبس علیه رحمه اللّٰه التهجم : بالتجهم ، فتأمل. وأما الهجم .. بتقدیم الهاء علی الجیم _ فقد قال فی المصباح المنیر ٢ _ ٣٤٧ : هجمت علیه هجوما _ من باب قعد _ دخلت بغتة علی غفلة منه ، وهجمته علی القوم : جعلته یهجم علیهم ، یتعدی ولا یتعدی. وقال فی الصحاح ٥ _ ٢٠٥٥ : .. وهجم الشتاء : دخل .. وهجمت البیت هجما : هدمته. وقال فی القاموس : ٤ _ ١٨٨ : .. وهجم فلانا : طرده .. والهجوم : الریح الشدیدة تقلع البیوت. أقول: : المعنی المناسب هنا هو تشبیه دخول القوم بالریح الشدیدة ، فهی تقلع البیوت وتذری الأموال ، كنایة عن هتك الحرمات وإباحة الأموال.

و الْمُغْتَصَبُ- علی بناء المفعول- المغصوب (1).

و الْمُحْتَجِبُ- علی بناء الفاعل-.

و صَادَفَهُ: وجده و لقیه (2).

و الكُثُبُ- بضمتین-: جمع كثیب و هو التَّلّ من الرّمل (3).

و الرُّزْءُ- بالضم مهموزا: المصیبة بفقد الأعزّة (4). و رزئنا- علی بناء المجهول-.

و الشَّجَنُ- بالتحریك-: الحزن (5).

و فی القاموس: العُجْمُ- بالضم و بالتحریك- (6) خلاف العرب (7).

قوله: ثم انكفأت ..

أقول:

وجدت فی نسخة قدیمة لكشف الغمة منقولة من خطّ المصنف مكتوبا علی هامشها بعد إیراد خطبتها صلوات اللّٰه علیها ما هذا لفظه: وجد بخطّ السید المرتضی علم الهدی الموسوی قدس اللّٰه روحه أنّه لمّا خرجت فاطمة علیها السلام من عند أبی بكر- حین ردّها عن فدك- استقبلها أمیر المؤمنین علیه السلام فجعلت تعنّفه، ثم قالت: اشتملت .. إلی آخر كلامها علیها السلام.

و الانكفاء: الرّجوع (8).

و توقّعت الشّی ء و استوقعته .. أی انتظرت وقوعه (9).

ص: 311


1- قال فی القاموس 1- 111، و الصحاح 1- 194: الغصب و الاغتصاب بمعنی.
2- كما أورده فی القاموس 3- 161، و اقتصر فی الصحاح 4- 1384 علی المعنی الأول.
3- قاله فی لسان العرب 1- 702، و القاموس 1- 122، و غیرهما.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 1- 183، و النهایة 2- 218.
5- كذا ورد فی القاموس 4- 239، و مجمع البحرین 6- 271.
6- أی العجم.
7- القاموس 4- 147، و نحوه فی الصحاح 5- 1980.
8- كذا فی الصحاح 1- 67، و القاموس 1- 26.
9- نصّ علیه فی القاموس 3- 97، و الصحاح 3- 1303، و غیرهما.

و طلعت علی القوم: أتیتهم (1)، و تطلّع الطّلوع: انتظاره.

فلمّا استقرّت بها الدّار .. أی سكنت (2) كأنّها اضطربت و تحركت بخروجها، أو علی سبیل القلب، و هذا شائع، یقال: استقرّت نوی القوم و استقرّت بهم النّوی .. أی أقاموا (3).

اشتملت شملة الجنین و قعدت حجرة الظنین ..

اشتمل بالثّوب .. أی أداره علی جسده كلّه، و الشّملة- بالفتح- كساء یشتمل به، و الشّملة- بالكسر- هیئة الاشتمال (4)، فالشملة إمّا مفعول مطلق من غیر الباب كقوله تعالی: نَباتاً (5) أو فی الكلام حذف و إیصال.

و فی روایة السید: مشیمة الجنین ..

و هی محلّ الولد فی الرّحم (6)، و لعله أظهر.

و الجنین: الولد ما دام فی البطن (7).

و الحُجْرَة- بالضم- حظیرة الإبل، و منه حجرة الدّار (8).

و الظّنین: المتّهم (9)، و المعنی اختفیت عن الناس كالجنین، و قعدت عن طلب الحق، و نزلت منزلة الخائف المتهم.

و فی روایة السید: الحجزة.

- بالزاء المعجمة-،

و فی بعض النسخ: قعدت

ص: 312


1- قاله فی الصحاح 3- 1253، و القاموس 3- 59، و زاد فی الأول: و تطلّعت إلی ورود كتابك. و فی الثانی: و تطلع إلی ورده: استشرف.
2- كما ذكره فی مجمع البحرین 3- 457، و القاموس 2- 115.
3- نصّ علیه فی لسان العرب 15- 347، و الصحاح 6- 2517، إلّا أنّه لیس فیهما جملة: و استقرّت بهم النّوی.
4- ذكره فی لسان العرب 11- 368، و القاموس 3- 403.
5- آل عمران: 37، نوح: 17.
6- كما جاء فی مجمع البحرین 6- 101، و القاموس 4- 137، و المصباح المنیر 1- 399.
7- قاله فی الصحاح 5- 2094، و مثله فی المعنی ما فی مجمع البحرین 6- 230، و القاموس 4- 210.
8- نصّ علیه فی لسان العرب 4- 168، و الصحاح 2- 623، و غیرهما.
9- كذا جاء فی مجمع البحرین 6- 180، و الصحاح 6- 2160.

حجزة الظنین.

، و قال فی النهایة (1): الحجزة: موضع شدّ الإزار، ثمّ قیل للإزار:

حجزة للمجاورة، و فی القاموس (2): الحجزة- بالضم- معقد الإزار .. و من الفرس مركب مؤخّر الصّفاق بالحقو، و قال: شدّة الحجزة: كنایة عن الصّبر.

نقضت قادمة الأجدل فخانك ریش الأعزل.

قوادم الطّیر: مقادیم ریشه و هی عَشْرٌ فی كلّ جناح (3)، واحدتها قادمة (4).

و الأجدل: الصّقر (5).

و الأعزل: الّذی لا سلاح معه (6).

قیل: لعلّها صلوات اللّٰه علیها شبّهت الصقر الذی نقضت قوادمه بمن لا سلاح له، و المعنی تركت طلب الخلافة فی أوّل الأمر قبل أن یتمكّنوا منها و یشیّدوا أركانها، و ظننت أنّ الناس لا یرون غیرك أهلا للخلافة، و لا یقدّمون علیك أحدا، فكنت كمن یتوقّع الطیران من صقر منقوضة القوادم.

أقول: و یحتمل أن یكون المراد أنّك نازلت الأبطال، و خضت الأهوال، و لم تبال بكثرة الرجال حتی نقضت شوكتهم، و الیوم غلبت من هؤلاء الضعفاء و الأرذال، و سلّمت لهم الأمر و لا تنازعهم، و علی هذا، الأظهر أنّه كان فی الأصل: خاتك- بالتاء المثناة الفوقانیة- فصحف، قال الجوهری: خات البازی و اختات أی انقضّ .. (7) لیأخذه، و قال الشّاعر (8):

یخوتون أخری القوم خوت الأجادل ...........

ص: 313


1- النهایة 1- 344.
2- القاموس 2- 171- 172.
3- كما أورده فی الصحاح 5- 2007، و مجمع البحرین 6- 136، و غیرهما.
4- نصّ علیه فی لسان العرب 12- 469، و الصحاح 5- 2007.
5- ذكره فی مجمع البحرین 5- 337، و الصحاح 4- 1653، و غیرهما.
6- كما جاء فی الصحاح 5- 1763، و مجمع البحرین 5- 423.
7- فی المصدر: انقض علی الصید ..
8- لیس فی المصدر لفظة: شاعر.

و الخائتة: العقاب إذا انقضّت فسمعت صوت انقضاضها، و الخوات ..

دویّ جناح العقاب .. و الخوّات- بالتّشدید- الرّجل الجری (1)،

و فی روایة السیّد: نفضت.

- بالفاء- و هو یؤیّد المعنی الأوّل.

هذا ابن أبی قحافة یبتزّنی نحیلة أبی، و بلغة ابنی، لقد أجهر فی خصامی، و ألفیته ألدّ فی كلامی ...

قُحَافَة- بضم القاف و تخفیف المهملة (2)

و الابتزاز: الاستلاب (3)، و أخذ الشّی ء بقهر (4) و غلبة من البّز بمعنی السّلب (5).

و النّحیلة- فعیلة بمعنی مفعول- من النحلة- بالكسر- بمعنی الهبة (6) و العطیّة عن طیبة نفس من غیر مطالبة (7) أو من غیر عوض (8).

و البُلْغَةُ- بالضم- ما یتبلّغ به من العیش (9) و یكتفی به (10)، و فی أكثر النسخ: بُلَیْغَةَ- بالتصغیر- فالتصغیر فی النُحَیْلَة أیضا أنسب.

و ابنی إمّا بتخفیف الیاء فالمراد به الجنس، أو تشدیدها علی التثنیة.

و إظهار الشّی ء: إعلانه (11).

ص: 314


1- كما جاء فی الصحاح 1- 248، و مثله فی المعنی ما فی لسان العرب 2- 32.
2- نصّ علیه فی القاموس 3- 183، و لسان العرب 9- 276، و غیرهما.
3- جاء فی مجمع البحرین 4- 8، و الصحاح 3- 865.
4- ذكره فی القاموس 2- 166.
5- أورده فی مجمع البحرین 4- 8، و الصحاح 3- 865.
6- كما جاء فی لسان العرب 11- 650، و مجمع البحرین 5- 478.
7- قاله فی الصحاح: 5- 1826.
8- كما ذكره فی مجمع البحرین 5- 478، و لسان العرب 11- 650.
9- قاله فی القاموس 3- 103، و المصباح المنیر 1- 77، و الصحاح 4- 1317.
10- كذا ورد فی مجمع البحرین 5- 8.
11- نصّ علیه فی الصحاح 2- 732، و القاموس 2- 82.

و الخِصَام- مصدر- كالمخاصمة، و یحتمل أن یكون جمع خصم (1) أی أجهر العداوة أو الكلام لی بین الخصام، و الأول أظهر.

و ألفیته .. أی وجدته (2).

و الألدّ: شدید الخصومة (3)، و لیس فعلا ماضیا، فإنّ فعله علی بناء المجرد، و الإضافة فی (كلامی) إما من قبیل الإضافة إلی المخاطب أو إلی المتكلم، و فی:

للظرفیة أو السببیة.

و فی روایة السید: هذا بنی (4) أبی قحافة .. إلی قوله (5): لقد أجهد فی ظلامتی و ألدّ فی خصامتی.

قال الجزری: یقال جهد الرّجل فی الأمر: إذا جدّ و بالغ فیه (6)، و أجهد دابّته: إذا حمل علیها فی السّیر فوق طاقتها (7).

حتی حبستنی قیلة نصرها، و المهاجرة وصلها، و غضّت الجماعة دونی طرفها، فلا دافع و لا مانع ..

قَیْلَة- بالفتح- اسْمُ أُمٍّ قَدِیمَةٍ لِقَبِیلَتَیِ (8) الْأَنْصَارِ (9)، و المراد: بنو قیلة.

و فی روایة السید: حین منعتنی الأنصار نصرها.

و موصوف المهاجرة:

الطائفة أو نحوها، و المراد بوصلها: عونها.

و الطّرف- بالفتح- العین (10).

ص: 315


1- أورده فی مجمع البحرین 6- 58، و المصباح المنیر 1- 208.
2- ذكره فی القاموس 4- 386، و مجمع البحرین 1- 377.
3- كما جاء فی المصباح المنیر 2- 244، و مجمع البحرین 3- 141، و غیرهما.
4- و الظاهر أنّه تصغیر ابن للتحقیر.
5- كذا، و الظاهر: قولها.
6- فی المصدر: أیّ جدّ فیه و بالغ.
7- النهایة 1- 319- 320.
8- جاء علی حاشیة (ك): من الأوس و الخزرج.
9- قاله فی النهایة 4- 134، و قریب منه فی الصحاح 5- 1808، و القاموس 4- 43.
10- كما جاء فی مجمع البحرین 5- 89، و الصحاح 4- 1393.

و غَضَّهُ: خفضه (1).

و فی روایة السید- بعد قولها: و لا مانع-: و لا ناصر و لا شافع.

خرجت كاظمة و عدت راغمة ..

كظم الغیظ: تجرّعه و الصّبر علیه (2).

و رغم فلان- بالفتح-: إذا ذلّ (3)، و عجز عن الانتصاف ممّن ظلمه (4)، و الظاهر من الخروج: الخروج من البیت و هو لا یناسب كاظمة، إلّا أن یراد بها الامتلاء من الغیظ فإنّه من لوازم الكظم، و یحتمل أن یكون المراد الخروج من المسجد المعبّر عنه ثانیا بالعود، كما قیل.

و (5) فی روایة السید مكان عدت: رجعت.

أَضْرَعْتَ خَدَّكَ یَوْمَ أَضَعْتَ حَدَّكَ، افْتَرَسَتِ الذِّئَابُ، وَ افْتَرَشْتَ التُّرَابَ ..

ضرع الرّجل- مثلثة (6)

خضع و ذلّ و أضرعه غیره (7)، و إسناد الضراعة إلی الخذلان أظهر أفرادها وضع الخدّ علی التراب، أو لأن الذلّ یظهر فی الوجه.

و إضاعة الشّی ء و تضییعه: إهماله و إهلاكه (8).

و حدّ الرّجل- بالحاء المهملة-: بأسه (9) و بطشه، و فی بعض النسخ

ص: 316


1- كذا فی الصحاح 3- 1095، و مجمع البحرین 4- 218. و الصحیح فی إملاء الكلمة: خفضه بالضاد-.
2- نصّ علیه فی لسان العرب 12- 520، و النهایة 4- 178، و مجمع البحرین 6- 154.
3- صرّح به فی القاموس 4- 121، و مجمع البحرین 6- 73- 74.
4- كما أورده فی الصحاح 5- 1935، و لسان العرب 12- 246، و غیرهما.
5- لا توجد الواو فی (ك).
6- كذا جاء فی القاموس 3- 56، و تاج العروس 5- 430.
7- كما ورد فی الصحاح 3- 1249، و لسان العرب 8- 221- 222.
8- قاله فی تاج العروس 5- 437، و القاموس 3- 58.
9- ذكره فی الصحاح 1- 463، و القاموس 1- 286، و فیه: و ما یعتریه من الغضب بعد ذكره:

بالجیم .. أی تركت اهتمامك و سعیك.

و فی روایة السید: فقد أضعت جدك یوم أصرعت خدّك.

و فرس الأسد فریسته- كضرب- و افترسها: دقّ عنقها، و یستعمل فی كلّ قتل (1)، و یمكن أن یقرأ بصیغة الغائب، فالذئاب مرفوع، و المعنی: قعدت عن طلب الخلافة و لزمت الأرض مع أنّك أسد اللّٰه (2)، و الخلافة كانت فریستك حتی افترسها و أخذها الذئب الغاصب لها، و یحتمل أن یكون بصیغة الخطاب .. أی كنت تفترس الذئاب و الیوم افترشت التراب، و فی بعض النسخ: الذباب- بالباءین الموحدتین- جمع ذبابة (3)، فیتعیّن الأول، و فی بعضها: افترست الذئاب و افترستك الذئاب.

و فی روایة السید مكانهما: و توسدت الوراء كالوزغ و مسّتك الهناة و النزغ ..

و الوراء بمعنی خلف (4).

و الهناة: الشّدّة و الفتنة (5).

و النّزغ (6): الطّعن و الفساد (7).

ما كففت قائلا، و لا أغنیت باطلا و لا خیار لی، لیتنی متّ قبل هینتی و دون

ص: 317


1- نصّ علیه فی لسان العرب 6- 161، و الصحاح 3- 958.
2- فی (س): أسد للّٰه.
3- كما جاء فی مجمع البحرین 2- 57 و غیره.
4- قاله فی مجمع البحرین 1- 434.
5- قال فی لسان العرب 15- 366- 367: تكون هنات هنات .. أی شرور و فساد .. و تكون هنات هنات .. أی شدائد و أمور عظام .. هنات من قرظ .. أی قطع متفرقة. و قال فی 15- 379: والهناة : الداهیة. وقال فی الصحاح ٦ _ ٢٥٣٧ : وفی فلان هنات .. أی خصلات شر ، ولا یقال ذلك فی الخیر. أقول: : كأنه قدّس سرّه أورد لازم المعنی لا نفسه ، فتدبر.
6- جاء فی المتن بالعین المهملة، و الصحیح بالمعجمة، لما مرّ منه سلفا، و عدم معنی مناسب علی الأول.
7- ذكره فی النهایة 5- 42، و القاموس 3- 114، و الصحاح 3- 1327.

زلّتی.

الكفّ: المنع (1).

و الإغناء: الصّرف و الكفّ، یقال: أغن عنّی شرّك .. أی أصرفه و كفّه (2)، و به فسّر قوله سبحانه: إِنَّهُمْ لَنْ یُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً (3).

و فی روایة السید: و لا أغنیت طائلا ..

و هو أظهر، قال الجوهری: یقال:

هذا أمر لا طائل فیه، إذا لم یكن فیه غناء و مزیّة (4). فالمراد بالغناء: النّفع (5)، و یقال: ما یغنی عنك هذا .. أی ما یجدیك و ما ینفعك (6).

و الْهَیْنَةُ- بالفتح-: العادة فی الرّفق و السّكون (7)، و یقال: امش علی هینتك .. أی علی رسلك (8)، أی لیتنی متّ قبل هذا الیوم الذی لا بدّ لی من الصبر علی ظلمهم، و لا محیص لی عن الرفق.

و الزلّة- بفتح الزای- كما فی النسخ: الاسم (9) من قولك: زللت فی طین أو منطق: إذا زلقت (10)، و یكون بمعنی السّقطة (11)، و المراد بها عدم القدرة علی دفع الظلم، و لو كانت الكلمة بالذال المعجمة كان أظهر و أوضح، كما فی روایة السید،

ص: 318


1- قاله فی مجمع البحرین 5- 113، و القاموس 3- 191.
2- نصّ علیه فی النهایة 3- 392، و لسان العرب 15- 138- 139.
3- الجاثیة: 19.
4- الصحاح: 5- 1754- 1755.
5- كذا فی لسان العرب 15- 138، و الصحاح 6- 2449، و غیرهما.
6- ذكره الطریحی فی مجمع البحرین 1- 320.
7- قاله فی النهایة 5- 290، و لسان العرب 13- 440.
8- ذكره فی الصحاح 6- 2218، و فیه: علی هینتك- بتقدیم الیاء علی النون-، و نحوه فی القاموس 4- 278، و مجمع البحرین 6- 331، و النهایة 5- 290، و لسان العرب 13- 440، و الصحیح ما ذكرناه، لا ما أثبتناه.
9- كما جاء فی مجمع البحرین 5- 388، و القاموس 3- 389، و غیرهما.
10- نصّ علیه فی القاموس 3- 389، و لسان العرب 11- 306.
11- كذا أورده فی تاج العروس 7- 358، و غیره.

فإنّ فیها:

وا لهفتاه! (1) لیتنی متّ قبل ذلّتی، و دون هینتی، عذیری اللّٰه منك عادیا، و منك حامیا ..

العذیر: بمعنی العاذر (2) كالسمیع، أو بمعنی العذر (3) كالألیم.

و قولها: منك .. أی من أجل الإساءة إلیك و إیذائك.

و عذیری اللّٰه .. مرفوعان بالابتدائیة و الخبریة.

و عادیا .. إمّا من قولهم: عدوت فلانا عن الأمر .. أی صرفته عنه (4)، أو من العدوان بمعنی تجاوز الحدّ (5)، و هو حال عن ضمیر المخاطب .. أی اللّٰه یقیم العذر من قبلی فی إساءتی إلیك حال صرفك المكاره و دفعك الظلم عنّی، أو حال تجاوزك الحدّ فی القعود عن نصری .. أی عذری فی سوء الأدب أنّك قصّرت فی إعانتی و الذبّ عنّی، و الحمایة عن الرّجل: الدّفع عنه (6)، و یحتمل أن یكون عذیری منصوبا- كما هو الشائع فی هذه الكلمة-، و (اللّٰه) مجرورا بالقسم، یقال: عذیرك من فلان .. أی هات من یعذرك فیه، و منه

قَوْلُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ حِینَ نَظَرَ إِلَی ابْنِ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ:

عَذِیرَكَ مِنْ خَلِیلِكَ مِنْ مُرَادٍ

(7)،.

ص: 319


1- لهف- كفرح-: حزن و تحسّر .. و یا لهفه: كلمة یتحسّر بها علی فائت .. قاله فی القاموس المحیط 3- 197، و مثله فی الصحاح 4- 1428- 1429.
2- كما فی النهایة 3- 197.
3- قاله فی الصحاح 2- 741.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 1- 286، و القاموس 4- 360.
5- كذا جاء فی المصباح المنیر 2- 53، و مجمع البحرین 1- 283، و غیرهما.
6- قاله فی الصحاح 6- 2319، و لسان العرب 14- 198.
7- ذكره فی النّهایة 3- 197، و تاج العروس 3- 386 و غیرهما، و قد جاء فی حاشیة (ك) تعلیقة غیر معلمة، و لعلّ محلّها هنا و هی: قول الشاعر : أرید حباءه ویرید قتلی***عذیرك من خلیلك من مراد یقول : أرید الإحسان إلیه ویریده ( كذا ) ضده إلی ، ثم رجع عن الغیبة إلی الخطاب ، فقال : من یعذرك فیما تذم من خلیلك الذی هو من مراد ، وهو أبو قبیلة من الیمن ، وهو مراد بن مالك بن زید بن كهلان بن سبإ ، وكان اسمه : حابر ، فتمرد فیسمی : مرادا!. مما أفاد المیدانی فی كتاب الهادی للشادی أقول: : الأبیات لعمرو بن معدی كرب ، كما قاله الزمخشری فی أساس البلاغة : ٢٩٥ ، وجاء البیت فی الإرشاد للشیخ المفید : ٦ هكذا : أرید حباءه ویرید قتلی إلی آخره. وحكاه عنه فی بحار الأنوار ٤٢ _ ١٩٣ ، وله بیان هناك صفحه : ١٩٤ ، وأورده فی كشف الغمة ١٢٨ ( ١ _ ٥٨١ ) إلا أنه عكس صدر البیت إلی ذیله. وجاء هكذا : عذیری من خلیلی من مراد***أرید حباءه ویرید قتلی

و الأول أظهر.

ویلای فی كل شارق، مات العمد، و وهت العضد، شكوای إلی أبی و عدوای إلی ربیّ اللّٰهمّ أنت أشدّ قوّة و حولا، و أحدّ بأسا و تنكیلا ..

قال الجوهری: ویل: كلمة مثل: ویح، إلّا أنّها كلمة عذاب یقال: ویله و ویلك و ویلی، و فی النّدبة ویلاه (1). و لعلّه جمع فیها بین ألف الندبة و یاء المتكلم، و یحتمل أن یكون بصیغة التثنیة فیكون مبتدأ و الظرف خبره، و المراد به تكرر الویل.

و فی روایة السید: ویلاه فی كلّ شارق، ویلاه فی كلّ غارب، ویلاه! مات العمد و ذلّ العضد .. إلی قولها علیها السلام: اللّٰهمّ أنت أشدّ قوّة و بطشا.

و الشارق: الشمس .. أی عند كلّ شروق و طلوع صباح كل یوم. قال الجوهری (2): الشّرق: المشرق، و الشّرق: الشّمس، یقال طلع الشّرق و لا آتیك ما ذرّ شارق .. و شرقت الشّمس تشرق شروقا و شرقا- أیضا- أی طلعت، و أشرقت أی .. أضاءت.

و العَمَد- بالتحریك و بضمتین-: جمع العمود (3)، و لعلّ المراد هنا ما یعتمد

ص: 320


1- الصحاح 5- 1846.
2- الصحاح 4- 1500- 1501، و قریب منه فی لسان العرب 10- 174.
3- قاله فی مجمع البحرین 3- 107، و القاموس 1- 317.

علیه فی الأمور.

و الشَّكْوَی: الاسم من قولك: شكوت فلانا شكایة (1).

و العَدْوَی: طلبك إلی وال لینتقم لك ممّن ظلمك (2).

و الحول: القوّة و الحیلة و الدّفع و المنع (3)، و الكل هنا محتمل.

و البأس: العذاب (4).

و التّنكیل: العقوبة، و جعل الرّجل نكالا (5) و عبرة لغیره (6).

الویل لشانئك .. أی العذاب، و الشّرّ (7) لمبغضك، و الشناءة:

البغض (8).

و فی روایة السید: لمن أحزنك.

و نهنهت الرّجل عن الشّی ء فتنهنه .. أی كففته و زجرته فكفّ (9).

و الوَجْدُ: الغضب (10). أی امنع نفسك عن غضبك.

و فی بعض النسخ: تنهنهی، و هو أظهر.

ص: 321


1- ذكره فی الصحاح 6- 2394، و مجمع البحرین 1- 252، و غیرهما.
2- كما أورده فی الصحاح 6- 2411، و مثله فی المعنی فی مجمع البحرین 1- 287.
3- نصّ علیه فی لسان العرب 11- 185 و 189، و مجمع البحرین 5- 359.
4- صرّح به فی مجمع البحرین 4- 50، و لسان العرب 6- 20، و غیرهما.
5- فی (ك): أنكالا، و الظاهر أنّه اشتباه.
6- أورده فی النهایة 5- 117، و لسان العرب 11- 677.
7- قال فی القاموس: 4- 66: الویل: حلول الشر، و بهاء: الفضیحة، أو هو تفجیع .. و كلمة عذاب، و واد فی جهنم، أو بئر، أو باب لها. و قال فی النهایة 5- 236 الویل: الحزن و الهلاك و المشقّة من العذاب، و كلّ من وقع فی هلكة دعا بالویل، و معنی النداء فیه: یا حزنی! و یا هلاكی! و یا عذابی! احضر فهذا وقتك و أوانك.
8- كذا فی الصحاح 1- 57، و لسان العرب 1- 101- 102، و غیرها.
9- ذكره فی الصحاح 6- 2254، و مثله فی المعنی أورده الطریحی فی مجمع البحرین 6- 364.
10- كما جاء فی مجمع البحرین 3- 155، و القاموس 1- 343.

و الصّفوة- مثلثة- (1) خلاصة الشّی ء و خیاره (2).

و الوَنَی- كَفَتَی- الضّعف و الفتور و الكلال، و الفعل- كوقی یقی (3) .. أی ما عجزت عن القیام بما أمرنی به ربّی و ما تركت ما دخل تحت قدرتی.

و البُلْغَةُ- بالضم- ما یتبلّغ (4) به من العیش (5).

و الضامن و الكفیل للرزق هو اللّٰه تعالی، و ما أعدّ لها هو ثواب الآخرة.

و الاحتساب: الاعتداد، و یقال لمن ینوی بعمله وجه اللّٰه تعالی:

احتسبه (6) .. أی اصبری و ادّخری ثوابه عند اللّٰه تعالی.

و

فِی رِوَایَةِ السَّیِّدِ: فَقَالَ لَهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَا وَیْلَ لَكِ بَلِ الْوَیْلُ لِمَنْ أَحْزَنَكِ، نَهْنِهِی عَنْ وَجْدِكِ یَا بُنَیَّةَ الصَّفْوَةِ، وَ بَقِیَّةَ النُّبُوَّةِ، فَمَا وَنَیْتُ عَنْ حَظِّكِ، وَ لَا أَخْطَأْتُ فَقَدْ تَرَیْنَ مَقْدُرَتِی (7)، فَإِنْ تَرْزَئِی حَقَّكِ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَ كَفِیلُكِ مَأْمُونٌ، وَ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ لَكِ مِمَّا قُطِعَ عَنْكِ.

فَرَفَعَتْ یَدَهَا الْكَرِیمَةَ فَقَالَتْ: رَضِیتُ وَ سَلَّمْتُ.

قال فی القاموس: رَزَأَهُ ماله كجعله و عمله رُزْأً- بالضمّ-: أصاب منه شیئا. (8).

أقول: روی الشیخ (9) كلامها الأخیر مع جوابه قریبا ممّا رواه السید،

ص: 322


1- قاله فی القاموس 4- 352، و الصحاح 6- 2401، و غیرهما.
2- صرّح به فی النهایة 3- 40، و لسان العرب 14- 462.
3- كذا جاء فی لسان العرب 15- 415، و الصحاح 6- 2531.
4- فی (ك): یبتلغ، و هو غلط.
5- كما أورده فی القاموس 3- 103، و الصحاح 4- 1317، و غیرهما.
6- لاحظ النهایة 1- 382، و لسان العرب 1- 315.
7- فی (س): فقد مقدرتی تری، و وضع علی: مقدرتی، رمز (ظ. ل) أیّ الظّاهر من نسخة، و لعلّه: فقد تری مقدرتی. وفی ( ك ) : مقدرتی فقد ترین .. ووضع ذلك الرمز علی مقدرتی أیضا ، فراجع.
8- القاموس 1- 16، و قارن ب: لسان العرب 1- 85.
9- أمالی الشیخ الطوسیّ 2- 295- 296.

و لنذكره بسنده.

«9»-قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ (1) بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ (2) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْمُفَضَّلِ (3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مَعْمَرٍ (4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ الزَّیَّاتِ (5)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ (6)، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ أَبِی بَكْرٍ أَقْبَلَتْ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

فَقَالَتْ لَهُ (7): یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ! اشْتَمَلْتَ مَشِیمَةَ الْجَنِینِ، وَ قَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنِینِ، نَقَضْتَ قَادِمَةَ الْأَجْدَلِ، فَخَانَكَ رِیشُ الْأَعْزَلِ، هَذَا ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ قَدِ ابْتَزَّنِی نُحَیْلَةَ أَبِی وَ بُلَیْغَةَ ابْنَیَّ، وَ اللَّهِ لَقَدْ أَجَدَّ فِی ظُلَامَتِی (8)، وَ أَلَدَّ فِی خِصَامِی، حَتَّی مَنَعَتْنِی قَیْلَةُ نَصْرَهَا، وَ الْمُهَاجِرَةُ وَصْلَهَا، وَ غَضَّتِ الْجَمَاعَةُ دُونِی طَرْفَهَا، فَلَا مَانِعَ وَ لَا دَافِعَ، خَرَجْتُ- وَ اللَّهِ- كَاظِمَةً، وَ عُدْتُ رَاغِمَةً، وَ لَیْتَنِی لَا خِیَارَ (9) لِی، لَیْتَنِی مِتُّ قَبْلَ ذَلِكَ (10) مِتُّ قَبْلَ ذِلَّتِی! (11) وَ تُوُفِّیتُ قَبْلَ مَنِیَّتِی! عَذِیرِی فِیكَ اللَّهُ حَامِیاً، وَ مِنْكَ عَادِیاً، وَیْلَاهْ فِی كُلِّ شَارِقٍ! وَیْلَاهْ! مَاتَ الْمُعْتَمَدُ وَ وَهَنَ الْعَضُدُ! شَكْوَایَ إِلَی رَبِّی، وَ عَدْوَایَ إِلَی أَبِی، اللَّهُمَّ أَنْتَ أَشَدُّ قُوَّةً.

ص: 323


1- فی المصدر: أبو الحسن محمّد.
2- فی الأمالی: قال حدّثنی أبو الحسین، بدلا من: عن.
3- فی المصدر: المفضّل بن همّام الكوفیّ.
4- فی الأمالی: معمر الكوفیّ، و فی (ك): معر.
5- فی المصدر: الزّیّات الكوفیّ.
6- لم یرد فی الأمالی لفظ: عن أبان بن عثمان.
7- لم یرد فی المصدر: له.
8- خ. ل: ظلامی جاء علی مطبوع البحار، و كذا فی المصدر.
9- فی المصدر: و لا خیار.
10- لم یرد فی المصدر: لیتنی متّ قبل ذلك.
11- فی الأمالی: زلّتی.

فَأَجَابَهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَا وَیْلَ لَكِ، بَلِ الْوَیْلُ لِشَانِئِكِ، نَهْنِهِی مِنْ غَرْبِكِ (1) یَا بِنْتَ الصَّفْوَةِ وَ بَقِیَّةَ النُّبُوَّةِ، فَوَ اللَّهِ مَا وَنَیْتُ فِی دِینِی، وَ لَا أَخْطَأْتُ مَقْدُورِی، فَإِنْ كُنْتِ تَرْزَءِینَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَ لَعَیْلَتُكِ مَأْمُونٌ، وَ مَا أُعِدَّ لَكِ خَیْرٌ مِمَّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِی.

فَقَالَتْ: حَسْبِیَ اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ.

و لندفع الإشكال الّذی قلّما لا یخطر بالبال عند سماع هذا الجواب و السؤال، و هو:

أنّ اعتراض فاطمة علیها السلام علی أمیر المؤمنین علیه السلام فی ترك التعرّض للخلافة، و عدم نصرتها، و تخطئته فیهما- مع علمها بإمامته، و وجوب اتّباعه و عصمته، و أنّه لم یفعل شیئا إلّا بأمره تعالی و وصیّة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله- ممّا ینافی عصمتها و جلالتها.

فأقول: یمكن أن یجاب عنه: بأنّ هذه الكلمات صدرت منها علیها السلام لبعض المصالح، و لم تكن واقعا منكرة لما فعله، بل كانت راضیة، و إنّما كان غرضها أن یتبیّن للناس قبح أعمالهم و شناعة أفعالهم، و أنّ سكوته علیه السلام لیس لرضاه بما أتوا به.

و مثل هذا كثیرا ما یقع فی العادات و المحاورات، كما أنّ ملكا یعاتب بعض خواصّه فی أمر بعض الرعایا، مع علمه ببراءته من جنایتهم، لیظهر لهم عظم جرمهم، و أنّه ممّا استوجب به أخصّ الناس بالملك منه المعاتبة.

و نظیر ذلك ما فعله موسی علیه السلام- لمّا رجع إِلی قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً من إلقائه الألواح، و أخذه برأس أخیه یجرّه إلیه- و لم یكن غرضه الإنكار علی هارون، بل أراد بذلك أن یعرّف القوم عظم جنایتهم، و شدّة جرمهم، كما مرّ الكلام فیه (2).

ص: 324


1- فی (ك): عزبك.
2- بحار الأنوار 13- 195- 248.

و أمّا حمله علی أنّ شدّة الغضب و الأسف و الغیظ حملتها علی ذلك- مع علمها بحقّیة ما ارتكبه علیه السلام- فلا ینفع فی دفع الفساد، و ینافی عصمتها و جلالتها الّتی عجزت عن إدراكها أحلام العباد.

بقی هاهنا إشكال آخر، و هو:

أنّ طلب الحقّ و المبالغة فیه و إن لم یكن منافیا للعصمة، لكن زهدها صلوات اللّٰه علیها، و تركها للدنیا، و عدم اعتدادها بنعیمها و لذّاتها، و كمال عرفانها و یقینها بفناء الدنیا، و توجّه نفسها القدسیة، و انصراف همّتها العالیة دائما إلی اللذات المعنویة و الدرجات الأخرویة، لا تناسب مثل هذا الاهتمام فی أمر فدك، و الخروج إلی مجمع الناس، و المنازعة مع المنافقین فی تحصیله.

و الجواب عنه من وجهین:

الأول: أنّ ذلك لم یكن حقّا مخصوصا لها، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركین لها فیه، فلم یكن یجوز لها المداهنة و المساهلة و المحاباة و عدم المبالاة فی ذلك، لیصیر سببا لتضییع حقوق جماعة من الأئمّة الأعلام و الأشراف الكرام نعم لو كان مختصّا بها كان لها تركه و الزهد فیه و عدم التأثر من فوته.

الثانی (1): أنّ تلك الأمور لم تكن لمحبّة فدك و حبّ الدنیا، بل كان الغرض إظهار ظلمهم و جورهم و كفرهم و نفاقهم، و هذا كان من أهمّ أمور الدین و أعظم الحقوق علی المسلمین.

و یؤیّده أنّها صلوات اللّٰه علیها صرّحت فی آخر الكلام حیث قالت: قلت ما قلت علی معرفة منّی بالخذلة ..

و كفی بهذه الخطبة بیّنة علی كفرهم و نفاقهم.

و نشیّد ذلك بإیراد روایة بعض المخالفین فی ذلك:.

«10»-رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (2)

فِی سِیَاقِ أَخْبَارِ فَدَكَ- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ

ص: 325


1- فی (ك): و الثانی.
2- فی شرحه علی نهج البلاغة 16- 214- 215، باختلاف كثیر.

عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا سَمِعَ خُطْبَةَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ فِی فَدَكَ شَقَّ عَلَیْهِ (1) مَقَالَتُهَا، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ! مَا هَذِهِ الرِّعَةُ إِلَی كُلِّ قَالَةٍ! أَیْنَ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمَانِیُّ فِی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ؟ أَلَا مَنْ سَمِعَ فَلْیَقُلْ، وَ مَنْ شَهِدَ فَلْیَتَكَلَّمْ، إِنَّمَا هُوَ ثُعَالَةٌ شَهِیدُهُ ذَنَبُهُ، مُرِبٌّ بِكُلِّ (2) فِتْنَةٍ، هُوَ الَّذِی یَقُولُ: كَرُّوهَا جَذَعَةً بَعْدَ مَا هَرِمَتْ، تَسْتَعِینُونَ بِالضَّعَفَةِ وَ تَسْتَنْصِرُونَ (3) بِالنِّسَاءِ، كَأُمِّ طِحَالٍ أَحَبَّ أَهْلُهَا إِلَیْهَا الْبَغْیَ. أَلَا إِنِّی لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ، وَ لَوْ قُلْتُ لَبُحْتُ، إِنِّی سَاكِتٌ مَا تُرِكْتُ.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی الْأَنْصَارِ فَقَالَ: قَدْ بَلَغَنِی یَا مَعَاشِرَ (4) الْأَنْصَارِ مَقَالَةُ سُفَهَائِكُمْ، وَ أَحَقُّ مَنْ لَزِمَ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ أَنْتُمْ، فَقَدْ جَاءَكُمُ فَآوَیْتُمْ وَ نَصَرْتُمْ، أَلَا وَ إِنِّی لَسْتُ بَاسِطاً یَداً وَ لِسَاناً (5) عَلَی مَنْ لَمْ یَسْتَحِقَّ ذَلِكَ مِنَّا .. ثُمَّ نَزَلَ.

فَانْصَرَفَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ إِلَی مَنْزِلِهَا.

ثم قال ابن أبی الحدید (6): قرأت هذا الكلام علی النقیب یحیی بن أبی زید البصریّ.

فقلت له (7): بمن یعرّض؟.

فقال: بل یصرّح.

قلت: لو صرّح لم أسألك؟.

ص: 326


1- جاء فی المصدر: فلمّا سمع أبو بكر خطبتها شقّ علیه.
2- فی المصدر: لكلّ.
3- فی شرح النّهج: یستعینون .. یستنصرون.
4- فی المصدر: یا معشر، و هی نسخة جاءت فی (س).
5- فی المصدر: و لا لسانا.
6- فی شرحه علی نهج البلاغة 16- 215 بتصرّف.
7- فی المصدر: علی النقیب أبی یحیی جعفر بن یحیی بن أبی زید البصری و قلت له: ...

فضحك و قال: بعلیّ بن أبی طالب علیه السلام.

قلت: أ هذا الكلام كلّه لعلیّ علیه السلام؟!.

قال (1): نعم إنّه الملك یا بنیّ!.

قلت: فما مقالة الأنصار؟.

قال: هتفوا بذكر علیّ فخاف من اضطراب الأمر علیه (2) فنهاهم.

فسألته عن غریبه.

فقال: ما هذه الرعة (3)

بالتخفیف- أی: الاستماع و الإصغاء (4).

و القالة: القول (5).

و ثُعَالَةُ: اسم للثعلب (6) علم غیر مصروف، مثل ذؤالة للذئب.

وَ شَهِیدُهُ ذَنَبُهُ .. أی: لا شاهد علی ما یدّعی إلّا بعضه و جزء منه، و أصله مثل، قالوا: إنّ الثعلب أراد أن یغری الأسد بالذئب، فقال: إنّه أكل الشاة الّتی أعددتها لنفسك، قال (7): فمن یشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه و علیه دم، و كان

ص: 327


1- فی شرح النهج: لعلی یقوله. قال.
2- فی المصدر: علیهم.
3- فی المصدر: أمّا الرعة.
4- قال فی النهایة 5- 174: الورع فی الأصل: الكفّ عن المحارم و التحرّج منه، ثمّ قال: ثم استعیر للكفّ عن المباح و الحلال. وقال فی القاموس ٣ _ ٩٣ : الورع _ محركة _ : التقوی ، وقد ورع _ كورث ، ووجل ، ووضع ، وكرم _ وراعة ، وورعا ویحرك ، ووروعا ویضم : تحرج : والاسم الرعة .. والرعة _ بالكسر _ : الهدی وحسن الهیئة أو سوؤها _ ضد _ والشأن. أقول: : یحتمل أن یكون المعنی ما هذه الهدی والطریقة منكم إلی كل قالة ، وحیث كانت طریقتهم فی هذا المورد الاستماع والإصغاء قیل : الرعة : الاستماع والإصغاء.
5- كما فی النهایة 4- 123، و القاموس 4- 42، و غیرهما.
6- فی شرح النهج: الثعلب. قال فی القاموس ٣ _ ٣٤٢ : ثعالة كثمامة : أنثی الثعالب.
7- فی المصدر: أنّه قد أكل الشاة الّتی كنت قد أعددتها لنفسك و كنت حاضرا، قال.

الأسد قد افتقد الشاة، فقبل شهادته و قتل الذئب.

و مربّ: ملازم، أربّ، لازم (1) بالمكان.

و كرّوها جذعة: أعیدوها إلی الحال الأولی، یعنی: الفتنة و الهرج.

و أمّ طحال: امرأة بغی فی الجاهلیة، فضرب بها المثل، یقال (2): أزنی من أمّ طحال، انتهی.

أقول: الرعة- بالراء- كما فی نسخ الشرح، بمعنی: الاستماع، لم نجده فی كلام اللغویین (3)، و یمكن أن یكون بالدال المهملة بمعنی السكون (4)، و یكون الغلط من النسّاخ، و یكون تفسیر النقیب بیانا لحاصل المعنی.

«11»-وَ رَوَی (5) أَیْضاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِیهِ قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ لِأَبِی بَكْرٍ: إِنَّ أُمَّ أَیْمَنَ تَشْهَدُ لِی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَعْطَانِی فَدَكَ.

فَقَالَ لَهَا: یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، وَ اللَّهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَحَبَّ إِلَیَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ أَبِیكِ، وَ لَوَدِدْتُ أَنَّ السَّمَاءَ وَقَعَتْ عَلَی الْأَرْضِ یَوْمَ مَاتَ أَبُوكِ، وَ اللَّهِ لَأَنْ تَفْتَقِرَ عَائِشَةُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ تَفْتَقِرِی، أَ تَرَانِی أُعْطِی الْأَسْوَدَ وَ الْأَحْمَرَ (6) حَقَّهُ وَ أَظْلِمَكِ حَقَّكِ وَ أَنْتِ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ؟! إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَمْ یَكُنْ

ص: 328


1- لا یوجد فی المصدر: لازم. قال فی النهایة ٢ _ ١٨١ : أو فقر مرب أو قال ملب .. أی لازم غیر مفارق ، من أرب بالمكان وألب : إذا قام به ولزمه. وقال فی القاموس ١ _ ٧٠ : رب : جمع وزاد ولزم وأقام ، كأرب.
2- فی المصدر: و یضرب بها المثل فیقال.
3- تقدّم ما استظهرناه قریبا، فراجع.
4- كما فی القاموس 3- 92، و النهایة 5- 166، و غیرهما.
5- فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 16- 214، باختلاف یسیر.
6- فی المصدر: الأحمر و الأبیض.

لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ (1) أَمْوَالِ الْمُسْلِمِینَ یَحْمِلُ النَّبِیُّ بِهِ الرِّجَالَ وَ یُنْفِقُهُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ، فَلَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَلِیتُهُ كَمَا كَانَ یَلِیهِ.

قَالَتْ: وَ اللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ أَبَداً.

قَالَ: وَ اللَّهِ لَا هَجَرْتُكِ أَبَداً.

قَالَتْ: وَ اللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَلَیْكَ.

قَالَ: وَ اللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ لَكِ.

فَلَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ أَوْصَتْ أَنْ لَا یُصَلِّیَ عَلَیْهَا، فَدُفِنَتْ لَیْلًا، وَ صَلَّی عَلَیْهَا الْعَبَّاسُ (2) بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَ كَانَ بَیْنَ وَفَاتِهَا وَ وَفَاةِ أَبِیهَا اثْنَتَانِ وَ سَبْعُونَ لَیْلَةً.

و من روایاتهم الصحیحة الصریحة فی أنّها صلوات اللّٰه علیها استمرّت علی الغضب حتی ماتت.

مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (3) وَ أَبُو دَاوُدَ (4) فِی صِحَاحِهِمَا، وَ أَوْرَدَهُ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (5) فِی الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْمَوَارِیثِ فِی حَرْفِ الْفَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ (علیها السلام) بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّیقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) أَنْ یَقْسِمَ لَهَا مِیرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَیْهِ.

فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ (6): إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ (7) صَدَقَةٌ.

ص: 329


1- فی شرح النّهج: إنّما كان مالا من.
2- فی المصدر: عبّاس- بدون ألف و لام-.
3- صحیح مسلم 3- 1381- 1382 حدیث 54.
4- صحیح أبی داود 3- 142- 143 حدیث 2970.
5- جامع الأصول 9- 637 حدیث 7438، و فی طبعة دار إحیاء التّراث العربیّ 10- 386 حدیث 7417، و قد تكرّر ذكر مصادر هذه الرّوایات.
6- فی (ك): أبو بكر الصّدّیق.
7- فی المصدر: ما تركنا.

فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّی تُوُفِّیَتْ، وَ عَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِلَّا لَیَالِیَ.

وَ كَانَتْ تَسْأَلُهُ أَنْ یَقْسِمَ لَهَا نَصِیبَهَا مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ* مِنْ خَیْبَرَ وَ فَدَكَ (1)، وَ مِنْ صَدَقَتِهِ بِالْمَدِینَةِ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَسْتُ بِالَّذِی أَقْسِمُ مِنْ ذَلِكَ (2)، وَ لَسْتُ تَارِكاً شَیْئاً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ یَعْمَلُ بِهِ فِیهَا إِلَّا عَمِلْتُهُ، فَإِنِّی أَخْشَی إِنْ تَرَكْتُ شَیْئاً مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِیغَ.

ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِینَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَی عَلِیٍّ وَ الْعَبَّاسِ، وَ أَمْسَكَ خَیْبَرَ وَ فَدَكَ، وَ قَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَتَا لِحُقُوقِهِ (3) وَ نَوَائِبِهِ، وَ أَمْرُهُمَا إِلَی مَنْ وَلِیَ الْأَمْرَ.

قَالَ: فَهُمَا عَلَی ذَلِكَ إِلَی الْیَوْمِ.

و قال فی جامع الأصول: أخرجه مسلم، و لم یخرج منه (4) البخاری (5) إلّا

قوله: إنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله قال: لا نورث، ما تركناه صدقة.

و لقلّة ما أخرج منه لم تعلم (6) له علامة، و أخرج أبو داود نحو مسلم، انتهی.

تبیین: (7): اعْلَمْ أَنَّ الْمُخَالِفِینَ فِی صِحَاحِهِمْ رَوَوْا أَخْبَاراً كَثِیرَةً: فِی أَنَّ مَنْ خَالَفَ الْإِمَامَ، وَ خَرَجَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَ لَمْ یَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ

ص: 330


1- لا یوجد فی المصدر: و فدك.
2- فی المصدر: من ذلك شیئا.
3- فی جامع الأصول: لحقوقه الّتی تعروه.
4- فی المصدر: البخاری منه.
5- صحیح البخاریّ 8- 185، جامع الأصول 9- 637، و صحیح مسلم 1- 6، و انظر جملة من مصادر الحدیث فی الغدیر 7- 228.
6- فی المصدر: لم نعلم.
7- خ. ل: تنبیه، فی (ك).

مِیتَةً جَاهِلِیَّةً (1).

رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (2) مِنْ صَحِیحِ مُسْلِمٍ (3) وَ النَّسَائِیِّ (4)، عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) : مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ (5) مِیتَةً جَاهِلِیَّةً.

وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (6) وَ مُسْلِمٌ (7) فِی صحیحهما (صَحِیحَیْهِمَا)، وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (8) أَیْضاً عَنْهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) : مَنْ (9) كَرِهَ مِنْ أَمِیرِهِ شَیْئاً فَلْیَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ طَاعَةِ (10) السُّلْطَانِ شِبْراً مَاتَ مِیتَةً جَاهِلِیَّةً.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی (11): فَلْیَصْبِرْ عَلَیْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ فَمِیتَتُهُ (12) جَاهِلِیَّةٌ.

ص: 331


1- كما فی كنز العمّال، المجلّد السّادس، حدیث 14862 و 14863 و 14865 و 14866، و انظر الغدیر 10- 126 عن جملة مصادر.
2- جامع الأصول 4- 70 حدیث 2053، و فی طبعة دار إحیاء التّراث العربیّ 9- 456 حدیث 2054.
3- صحیح مسلم 3- 1476- 1477 حدیث 53 و 54.
4- صحیح النّسائیّ 7- 123.
5- لا یوجد فی (ك) لفظ: مات.
6- صحیح البخاریّ 9- 59.
7- صحیح مسلم 3- 1478 حدیث 56، و مثله بنفس السّند 3- 1477 حدیث 55.
8- جامع الأصول 4- 69 حدیث 2052، و فی طبعة دار إحیاء التّراث العربیّ 4- 456 حدیث 2053.
9- فی جامع الأصول: أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله قال: من.
10- لا یوجد فی المصدر: طاعة.
11- لا توجد فی جامع الأصول كلمة: أخری.
12- خ. ل: میتته، كما فی (ك).

و

رَوَی مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ (1) وَ ذَكَرَهُ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (2) أَیْضاً، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعُوا یَزِیدَ وَ اجْتَمَعُوا عَلَی ابْنِ مُطِیعٍ أَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ (3):

اطْرَحُوا لِأَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنِّی لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَیْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِیثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (4) (وَ آلِهِ) ، یَقُولُ: مَنْ خَلَعَ یَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِیَ اللَّهَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَ مَنْ مَاتَ وَ لَیْسَ فِی عُنُقِهِ بَیْعَةٌ مَاتَ مِیتَةً جَاهِلِیَّةً (5)..

و أمّا من طرق أصحابنا فالأخبار فیه أكثر من أن تحصی، و ستأتی فی مظانّها (6).

فنقول: لا أظنّك ترتاب بعد ما أسلفناه من الروایات المنقولة من طریق المخالف و المؤالف فی أنّ فاطمة صلوات اللّٰه علیها كانت ساخطة علیهم، حاكمة بكفرهم و ضلالهم، غیر مذعنة بإمامتهم و لا مطیعة لهم، و أنّها قد استمرّت علی تلك الحالة حتّی سبقت إلی كرامة اللّٰه و رضوانه.

فمن قال بإمامة أبی بكر لا محیص له عن القول بأنّ سیّدة نساء العالمین و من طهّرها اللّٰه فی كتابه من كلّ رجس، و قال النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فی فضلها ما قال، قد ماتت میتة جاهلیّة! و میتة كفر و ضلال و نفاق!.

و لا أظنّ ملحدا و زندیقا رضی بهذا القول الشنیع.

و من الغرائب أنّ المخالفین لمّا اضطرّوا و انسدّت علیهم الطرق، لجئوا إلی

ص: 332


1- صحیح مسلم 3- 1478 حدیث 58.
2- جامع الأصول 4- 78 حدیث 2064.
3- فی جامع الأصول: عبد اللّٰه بن مطیع.
4- فی جامع الأصول: سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.
5- جامع الأصول: 4- 78 حدیث 2064.
6- بحار الأنوار 51- 160، 52- 142، و قد سلف فی 8- 362 و 10- 353 و 361، و قد فصّلها شیخنا الأمینی رحمه اللّٰه فی الغدیر 10- 358- 362، فراجع.

منع دوام سخطها علیها السلام علی أبی بكر، مع روایتهم (1) تلك الأخبار فی كتبهم المعتبرة.

و رِوَایَتِهِمْ (2): أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمْ یُبَایِعْ أَبَا بَكْرٍ فِی حَیَاةِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ، وَ لَا بَایَعَهُ أَحَدٌ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا، وَ أَنَّهُ كَانَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَجْهٌ فِی النَّاسِ حَیَاةَ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ، فَلَمَّا تُوُفِّیَتْ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا رَأَی ذَلِكَ ضَرَعَ إِلَی مُصَالَحَةِ أَبِی بَكْرٍ.

، رَوَی ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ (3)، وَ ذَكَرَهُ (4) فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (5) فِی الْبَابِ الثَّانِی مِنْ كِتَابِ الْخِلَافَةِ فِی حَرْفِ الْخَاءِ.

و لا یخفی وهن هذا القول بعد ملاحظة ما تقدّم علی ذی مسكة.

ص: 333


1- فی (س): روایاتهم.
2- فی (س): و روایاتهم.
3- صحیح مسلم 3- 1380، حدیث 52.
4- فی (ك): ذكره- بدون الواو-.
5- جامع الأصول 4- 103- 105، حدیث 2078.

ص: 334

فصل فی الكلام علی ما یستفاد من أخبار الباب و التنبیه علی ما ینتفع به طالب الحقّ و الصواب

و هو مشتمل علی فوائد:
الأولی:

نقول: لا شكّ فی عصمة فاطمة علیها السلام، أمّا عندنا فللإجماع القطعی المتواتر، و الأخبار المتواترة الآتیة فی أبواب مناقبها علیها السلام (1)، و أمّا الحجّة علی المخالفین فبآیة التطهیر الدالة علی عصمتها، و سیأتی إثبات نزول الآیة فی جماعة كانت داخلة فیهم، و دلالة الآیة علی العصمة فی المجلد التاسع (2)، و بالأخبار المتواترة الدالّة علی أنّ إیذاءها إیذاء الرسول صلوات اللّٰه علیهما (3)، و أنّ

ص: 335


1- بحار الأنوار: 43- 19- 79.
2- بحار الأنوار: 35- 206- 236.
3- سبق أن ذكرنا مصادر الحدیث من كتب العامّة، و انظر أیضا الغدیر 9- 387 و 7- 228 و 236.

اللّٰه تعالی یغضب لغضبها و یرضی لرضاها، و سیأتی فی أبواب فضائلها صلوات اللّٰه علیها، و لنذكر هنا بعض ما رواه المخالفون فی ذلك، فمنها:.

«1»-مَا رَوَاهُ الْبُخَارِیُّ فِی صَحِیحِهِ (1) فِی بَابِ مَنَاقِبِهَا عَلَیْهَا السَّلَامُ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی فَمَنْ أَغْضَبَهَا (2) أَغْضَبَنِی.

«2»-وَ رَوَی أَیْضاً (3) فِی أَبْوَابِ النِّكَاحِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ یَقُولُ- وَ هُوَ عَلَی الْمِنْبَرِ-: إِنَّ بَنِی هَاشِمِ بْنِ الْمُغِیرَةِ اسْتَأْذَنُونِی (4) فِی أَنْ یُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فَلَا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ (5).

إِلَّا أَنْ یُرِیدَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) (6) أَنْ یُطَلِّقَ ابْنَتِی وَ یَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِیَ بَضْعَةٌ مِنِّی، یُرِیبُنِی مَا رَابَهَا وَ یُؤْذِینِی مَنْ آذَاهَا (7).

«3»-وَ قَدْ رَوَی الْخَبَرَیْنِ مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ (8)

وَ رَوَی مُسْلِمٌ (9) وَ الْبُخَارِیُّ (10)

ص: 336


1- صحیح البخاریّ 5- 36، حدیث 255، و مثله بنفس السّند فیه 5- 26 أیضا. و فی طبعة عالم الكتب 5- 105، حدیث 255، و أیضا 5- 92، حدیث 209.
2- وضع علیها فی المطبوع: خ. ل. و جعل المتن فی (س): أبغضها.
3- البخاریّ فی صحیحه 7- 48 (و فی طبعة عالم الكتب 7- 65، حدیث 159) و جاء أیضا فی صحیح التّرمذیّ 5- 698، حدیث 3867.
4- فی المصدر: استأذنوا.
5- لا توجد: لهم، فی المصدر.
6- فی المصدر: ابن أبی طالب.
7- فی المصدر: ما آذاها، و فی ذیل الخبر: هكذا قال. أقول: : هذا حدیث موضوع ولا أساس له البتة ، أرید منه الحط من مقام مولانا أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه ، وقد فصل القول فیه فی أكثر من مورد وكتاب فی ما نسب إلیه صلوات اللّٰه علیه من الرغبة من الزواج من بنت أبی جهل ، فراجع.
8- صحیح مسلم 4- 1902- 1903، حدیث 93. و لم نجد الحدیث الأوّل فی صحیح مسلم- لتحریف طبعاتهم الأخیرة!- و لقد أخذه شیخنا طاب ثراه من جامع الأصول- كما مرّ-.
9- صحیح مسلم 4- 1903 كتاب فضائل الصّحابة، حدیث 94.
10- صحیح البخاریّ، كتاب فضائل الصّحابة: 12، 16، 29، و كتاب النّكاح: 109، و جاء فی سنن أبی داود كتاب النّكاح، حدیث 12، و ابن ماجة كتاب النّكاح 56 و غیرهم.

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) قَالَ: إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی یُؤْذِینِی مَا آذَاهَا (1).

«4»-وَ رَوَی التِّرْمِذِیُّ فِی صَحِیحِهِ (2) عَنِ ابْنِ الزُّبَیْرِ، قَالَ: إِنَّ عَلِیّاً (علیه السلام) ذَكَرَ بِنْتَ أَبِی جَهْلٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی یُؤْذِینِی مَا آذَاهَا وَ یُنْصِبُنِی مَا أَنْصَبَهَا.

و قد ذكر الروایات المذكورة ابن الأثیر فی جامع الأصول، مع روایات أخری تؤیّدها (3).

«5»-وَ رَوَی فِی الْمِشْكَاةِ (4) عَنِ الْمِسْوَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) قَالَ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِی. قَالَ: وَ فِی رِوَایَةٍ: یُرِیبُنِی مَا أَرَابَهَا وَ یُؤْذِینِی مَا آذَاهَا.

ثم قال: متّفق علیه.

و روی ابن شهرآشوب فی المناقب (5)، و السیّد فی الطرائف (6)، و ابن بطریق فی العمدة و المستدرك (7)، و علیّ بن عیسی فی كشف الغمّة (8) و غیرهم أخبارا كثیرة فی هذا المعنی من أصول المخالفین أوردتها فی أبواب فضائلها.

و وجه الاستدلال بها علی عصمتها صلوات اللّٰه علیها أنّه إذا كانت فاطمة علیها السلام ممّن تقارف الذنوب و ترتكبها لجاز إیذاؤها، بل إقامة الحدّ علیها لو

ص: 337


1- فی طبعة (ك): من آذاها.
2- صحیح التّرمذیّ 5- 698- 699 كتاب المناقب، حدیث 3869، و مسند أحمد بن حنبل 4- 325 و 326.
3- جامع الأصول 9- 125- 132، الأحادیث رقم 6671 إلی 6677.
4- مشكاة المصابیح: 568.
5- مناقب آل أبی طالب 3- 325 و 332 و 334.
6- الطرائف فی معرفة مذهب أهل الطوائف: 75- 247، فیما جری علی فاطمة علیها السلام من الأذی و الظلم و منعها من فدك.
7- العمدة لابن بطریق فی فصل مناقب سیّدة النساء فاطمة الزهراء علیها الصلاة و السلام: 383 391 من حدیث 755- 777، و كتاب المستدرك لا زال مخطوطا حسب علمنا.
8- كشف الغمّة فی معرفة الأئمّة 2- 5- 32.

فعلت معصیة أو (1) ارتكبت ما یوجب حدّا، و لم یكن رضاها رضی للّٰه (2) سبحانه إذا رضیت بالمعصیة، و لا من سرّها فی معصیة سارّا للّٰه سبحانه (3) و من أغضبها بمنعها عن ارتكابها مغضبا له جلّ شأنه.

فإن قیل: لعلّ المراد من آذاها ظلما فقد آذانی، و من سرّها فی طاعة اللّٰه فقد سرّنی .. و أمثال ذلك، لشیوع التخصیص فی العمومات.

قلنا: أوّلا: التخصیص خلاف الأصل، و لا یصار إلیه إلّا بدلیل، فمن أراد التخصیص فعلیه إقامة (4) الدلیل.

و ثانیا: أنّ فاطمة صلوات اللّٰه علیها تكون حینئذ كسائر المسلمین لم تثبت لها خصوصیّة و مزیّة فی تلك الأخبار، و لا كان فیها لها تشریف و مدحة، و ذلك باطل بوجوه:

الأوّل: أنّه لا معنی حینئذ لتفریع كون إیذائها إیذاء الرسول علی كونها بضعة منه، كما مرّ فیما صحّحه البخاری و مسلم من الروایات و غیرها.

الثانی: أنّ كثیرا من الأخبار السالفة المتضمّنة لإنكاره صلّی اللّٰه علیه و آله علی بنی هاشم (5) فی أن ینكحوا ابنتهم علیّ بن أبی طالب علیه السلام أو إنكاح بنت أبی جهل لیس من المشتركات بین المسلمین، فإنّ ذلك النكاح كان ممّا أباحه اللّٰه سبحانه، بل ممّا رغّب فیه و حثّ علیه لو لا كونه إیذاء لسیّدة النساء، و قد علّل رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله عدم الإذن كونها بضعة منه یؤذیه ما آذاها و یریبه ما یریبها، فظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمین.

الثالث: أنّ القول بذلك یوجب إلقاء كلامه صلّی اللّٰه علیه و آله و خلوّه عن

ص: 338


1- فی (س): و.
2- فی (ك): اللّٰه.
3- خطّ علی: سبحانه، فی (س).
4- فی (ك): بإقامة.
5- خ. ل: بنی هشام.

الفائدة، إذ مدلوله حینئذ أنّ بضعته كسائر المسلمین، و لا یقول ذلك من أوتی حظّا من الفهم و الفطانة، أو اتّصف بشی ء من الإنصاف و الأمانة، و قد أطبق محدّثوهم علی إیراد تلك الروایات فی باب مناقبها صلوات اللّٰه علیها.

فإن قیل: أقصی ما یدلّ علیه الأخبار هو أنّ إیذاءها إیذاء للرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، و من جوّز صدور الذنب عنه صلّی اللّٰه علیه و آله لا یأبی عن إیذائه إذا فعل ما یستحقّ به الإیذاء.

قلنا: بعد ما مرّ من الدلائل علی عصمة الأنبیاء علیهم السلام (1)، قال اللّٰه تعالی: وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (2)، و قال سبحانه: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ (3)، و قال تعالی: إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً (4)، فالقول بجواز إیذائه صلّی اللّٰه علیه و آله ردّ لصریح القرآن، و لا یرضی به أحد من أهل الإیمان.

فإن قیل: إنّما دلّت الأخبار علی عدم جواز إیذائها، و هو إنّما ینافی صدور ذنب عنها یمكن للناس الاطلاع علیه حتی یؤذیها نهیا عن المنكر، و لا ینافی صدور معصیة عنها خفیة فلا یدلّ علی عصمتها مطلقا.

قلنا: نتمسّك فی دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركّب علی أنّ ما جری فی قصّة فدك و صدر عنها من الإنكار علی أبی بكر، و مجاهرتها بالحكم بكفره و كفر طائفة من الصحابة و فسقهم تصریحا و تلویحا، و تظلّمها و غضبها علی أبی بكر و هجرتها و ترك كلامها حتی ماتت لو كانت معصیة لكانت من المعاصی الظاهرة التی قد أعلنت بها علی رءوس الأشهاد، و أیّ ذنب أظهر و أفحش من مثل هذا الردّ و الإنكار علی الخلیفة المفترض الطاعة علی العالمین بزعمهم، فلا محیص لهم عن

ص: 339


1- بحار الأنوار: 17- 34- 97.
2- التوبة: 61.
3- الأحزاب: 53.
4- الأحزاب: 57.

القول ببطلان خلافة خلیفتهم العظمی تحرّزا عن إسناد هذه المعصیة الكبری إلی سیّدة النساء.

و نحتجّ أیضا فی عصمتها صلوات اللّٰه علیها بالأخبار الدالّة علی وجوب التمسّك بأهل البیت علیهم السلام، و عدم جواز التخلّف عنهم، و ما یقرب من هذا المعنی، و لا ریب فی أنّ ذلك لا یكون ثابتا لأحد إلّا إذا كان معصوما، إذ لو كان ممّن یصدر عنه الذنوب لما جاز اتّباعه عند ارتكابها، بل یجب ردعه و منعه و إیذاؤه، و إقامة الحدّ علیه، و إنكاره بالقلب و اللسان، و كلّ ذلك ینافی ما حثّ علیه الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و أوصی به الأمّة فی شأنهم، و سیأتی من الأخبار فی ذلك ما یتجاوز حدّ التواتر، و لنذكر فیها قلیلا ممّا أورده المخالفون فی صحاحهم:.

«6»-رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (1) عَنِ التِّرْمِذِیِّ مِمَّا رَوَاهُ فِی صَحِیحِهِ (2) عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ (3) قَالَ: رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِی حَجَّةِ الْوَدَاعِ یَوْمَ عَرَفَةَ- وَ هُوَ عَلَی نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ (4)

یَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنِّی تَرَكْتُ فِیكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی.

«7»-وَ رَوَی (5)

أَیْضاً-، عَنِ التِّرْمِذِیِّ (6)، عَنْ زَیْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إِنِّی تَارِكٌ فِیكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا (7)، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ، وَ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَی الْأَرْضِ،

ص: 340


1- جامع الأصول: 1- 277، حدیث 65، و فی طبعة دار إحیاء التّراث العربیّ 1- 187.
2- صحیح التّرمذیّ 5- 662، حدیث 3786.
3- لا توجد: الأنصاریّ، فی المصدرین.
4- فی المصدر: القضواء.
5- جامع الأصول: 1- 278، حدیث 66، و فی طبعة دار إحیاء التّراث العربیّ 1- 187.
6- صحیح التّرمذیّ 5- 663، حدیث 3788، و حكاهما العلّامة الأمینیّ فی غدیره عن غیرهما. انظر : الغدیر ١٠ _ ٢٧٨ و ٧ _ ١٧٦ وغیرهما.
7- فی المصدرین: لن تضلّوا بعدی.

وَ عِتْرَتِی أَهْلُ بَیْتِی لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَیْفَ تَخْلُفُونِّی فِیهِمَا!.

«8»-وَ رَوَی فِی الْمِشْكَاةِ (1) عَنْ أَبِی ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ- وَ هُوَ آخِذٌ بِبَابِ الْكَعْبَةِ-:

سَمِعْتُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) یَقُولُ: أَلَا إِنَّ مَثَلَ أَهْلِ بَیْتِی كَمَثَلِ سَفِینَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ.

«9»-وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (2) وَ الْمِشْكَاةِ (3) مِنْ صَحِیحِ التِّرْمِذِیِّ (4)، عَنْ زَیْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لِعَلِیٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ: أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ وَ سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ (5).

«10»-وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (6) وَ مُسْلِمٌ (7) فِی صحیحهما (صَحِیحَیْهِمَا)، وَ أَحْمَدُ فِی مُسْنَدِهِ (8) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (9) قَالُوا: یَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِینَ وَجَبَ عَلَیْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟، قَالَ: عَلِیٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ ابْنَاهُمَا ... (10)..

ص: 341


1- مشكاة المصابیح: 573.
2- جامع الأصول، المجلّد العاشر، حدیث: 6694 (طبعة الأرناووط: 9- 157، حدیث 6707).
3- مشكاة المصابیح: 569.
4- صحیح التّرمذیّ: 5- 699، حدیث 3870، و فی طبعة أخری حدیث 3869، باب مناقب فاطمة بنت محمّد صلّی اللّٰه علیه (و آله) و سلّم.
5- و قد أخرجه الحاكم عن زید فی مستدركه 3- 149، و الكنجیّ فی الكفایة: 189 من طریق الطّبرانیّ، و الخوارزمی فی المناقب: 90، و السّیوطیّ فی ترتیبه 6- 216، و الخطیب فی تاریخه 7- 137، و ابن عساكر فی تاریخه 4- 316، و ابن حجر فی صواعقه: 112، و ابن الصّباغ المالكیّ فی فصوله: 11، و عد مصادر أخری و طرقا متعدّدة العلّامة الأمینیّ فی غدیره 1- 336 و جاء بألفاظ مختلفة فراجع، و انظر منه المجلّد العاشر: 49، و الحادی عشر: 4، و موارد أخّر.
6- صحیح البخاریّ فی كتاب الوصایا باب: 11.
7- صحیح مسلم فی كتاب الجهاد باب: 139 و 140.
8- مسند أحمد بن حنبل 1- 248 و 294 و 320.
9- الشّوری: 23.
10- جاء فی أكثر من أربعین مصدرا عن طریق العامّة بهذا اللّفظ عدا ما أورده بألفاظ متعدّدة و مختلفة. انظر من باب المثال: الفصول المهمّة: 12، الكفایة للكنجی: 31، الصّواعق المحرقة: 101 و 135، نور الأبصار: 112، و المجمع للحافظ الهیثمیّ: 168 و 169 و غیرها، و انظر: الغدیر 2- 304- 311، و 3- 171- 175 و غیرها.

و سیأتی من الأخبار فی ذلك ما یشبعك و یغنیك، و فیما ذكرنا كفایة للمنصف إن لم یكن یكفیك.

الثانیة:

فی بیان ما یدلّ علی كونها صلوات اللّٰه علیها محقّة فی دعوی فدك، مع قطع النظر عن عصمتها، فنقول:

لا ریب علی من (1) له أدنی تتبّع فی الآثار، و تنزّل قلیلا عن درجة التعصّب و الإنكار فی أنّ أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه كان یری فدكا حقّا لفاطمة علیها السلام، و قد اعترف بذلك جلّ أهل الخلاف، و رووا أنّه علیه السلام شهد لها، و لذلك تراهم یجیبون تارة بعدم قبول شهادة الزوج، و تارة بأنّ أبا بكر لم یمض شهادة علیّ علیه السلام و شهادة أمّ أیمن لقصورها عن نصاب الشهادة، و قد ثبت بالأخبار المتظافرة عند الفریقین أنّ علیّا علیه السلام لا یفارق الحقّ و الحقّ لا یفارقه، بل یدور معه حیث ما دار، و قد اعترف ابن أبی الحدید بصحّة هذا الخبر (2).

ص: 342


1- فی (ك): لا ریب من ..
2- فی شرحه علی نهج البلاغة: 9- 88، و انظر: مستدرك الحاكم 3- 124 حیث صحّحه، و كذا أقرّ به الذهبی، و حسّن سنده الطبرانی فی المعجم الوسیط، و لاحظ: الصواعق المحرقة: 74 و 75، و الجامع الصغیر للسیوطی: 2- 140، و تاریخ الخلفاء له: 116، و فیض القدیر: 4- 358، و تاریخ بغداد للخطیب 14- 321، و مجمع الزوائد 7- 236، و قد فصّل طرقه و مصادره شیخنا الأمینی فی غدیره 3- 80- 175 تحت عنوان: نظرة فی حدیث علیّ مع الحقّ.

«11»-وَ رَوَی ابْنُ بِطْرِیقٍ (1) عَنِ السَّمْعَانِیِّ فِی كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (2) بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) یَقُولُ: عَلِیٌّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَ عَلِیٍّ، لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ.

«12»-وَ رَوَی ابْنُ شِیرَوَیْهِ الدَّیْلَمِیُّ فِی الْفِرْدَوْسِ (3)، بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) : رَحِمَ اللَّهُ عَلِیّاً، اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَیْثُ دَارَ.

و قد روی علیّ بن عیسی فی كشف الغمّة (4)، و ابن شهر آشوب فی المناقب (5)، و ابن بطریق فی المستدرك و العمدة (6)، و العلّامة رحمه اللّٰه فی كشف الحقّ (7) .. و غیرهم فی غیرها أخبارا كثیرة من كتب المخالفین فی ذلك، و سنوردها بأسانیدها فی المجلد التاسع (8).

فهل یشكّ عاقل فی حقیّة دعوی كان المدّعی فیها سیّدة نساء العالمین من الأوّلین و الآخرین باتّفاق المخالفین و المؤالفین، و الشاهد لها أمیر المؤمنین الذی

قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِیهِ: إِنَّ الْحَقَّ لَا یُفَارِقُهُ، وَ إِنَّهُ الْفَارُوقُ بَیْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَ إِنَّ مَنِ اتَّبَعَهُ اتَّبَعَ الْحَقَّ وَ مَنْ تَرَكَهُ تَرَكَ الْحَقَّ (9).

و .. غیر ذلك ممّا سیأتی

ص: 343


1- لم نجد الرّوایة فی العمدة بعد بحث أكثر من مرّة، و ما وجدناه فیه: 285 قوله صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم: اللّٰهمّ أدر الحقّ مع علیّ حیث دار. و لعلّ ابن بطریق ذكره فی المستدرك الّذی لا نعلم بطبعه، نعم حكاه العلّامة المجلسیّ عن مستدركه فی بحار الأنوار 38- 39.
2- فضائل الصّحابة للسّمعانیّ.
3- الفردوس 2- 390 ذیل حدیث رقم 3050 (دار الكتاب العربیّ).
4- كشف الغمّة 1- 143- 144.
5- المناقب 3- 60- 62.
6- العمدة لابن بطریق 383- 391، و المستدرك لا نعلم بطبعه، و حكاه فی البحار (الطبعة الحدیثة) 38- 31 و 32 و 39، فراجع.
7- كشف الحقّ: 88، ذیل روایة الغدیر، و فیها .. و أدر الحقّ مع علیّ كیفما دار ..
8- بحار الأنوار 38- 26- 40.
9- قد مرّت مصادر الحدیث، و انظر: الغدیر 3- 176- 179.

فی أبواب فضائله و مناقبه علیه السلام (1).

و أمّا فضائل فاطمة علیها السلام فتأتی الأخبار المتواترة من الجانبین فی المجلد التاسع و المجلد العاشر (2).

«13»-وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (3) مِنْ صَحِیحِ التِّرْمِذِیِّ (4)، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ مَرْیَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَ خَدِیجَةُ بِنْتُ خُوَیْلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَ آسِیَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.

«14»-وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ (5) وَ مُسْلِمٌ (6) وَ التِّرْمِذِیُّ (7) وَ أَبُو دَاوُدَ (8) فِی صِحَاحِهِمْ عَلَی مَا رَوَاهُ (9) فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (10)

فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ- قَالَ فِی آخِرِهِ: قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ لِفَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ: یَا فَاطِمَةُ! أَ مَا تَرْضَیْنَ أَنْ تَكُونِی سَیِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِینَ أَوْ سَیِّدَةَ نِسَاءِ الْأُمَّةِ (11)؟!.

وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی رَوَاهَا الْبُخَارِیُّ (12) وَ مُسْلِمٌ (13): أَ مَا تَرْضَیْنَ أَنْ تَكُونِی

ص: 344


1- بحار الأنوار 35- 206- 429 و 36- 162- 163، و المجلد السابع و الثلاثون طرّا، و 38- 26 40 و 125 إلی آخر المجلد، و المجلد التاسع و الثلاثون كلّا و 40- 1- 125.
2- بحار الأنوار 35- 206- 225 و 237- 255، 37- 35- 97، 43- 19- 79.
3- جامع الأصول 9- 125، حدیث 6670، و فی طبعة دار إحیاء التّراث العربیّ 9- 81، حدیث 6658، و فی مسند أحمد 3- 135، و مستدرك الحاكم 3- 157- 158.
4- صحیح التّرمذیّ 5- 703، حدیث 3878.
5- صحیح البخاریّ 8- 79.
6- صحیح مسلم 4- 1904- 1906، حدیث 98- 99.
7- صحیح التّرمذیّ 5- 700- 701، حدیث 3872- 3873، باختلاف.
8- صحیح أبی داود 4- 355، حدیث 5217.
9- نسخة بدل: علی ما حكاه، جاءت فی طبعة (ك).
10- جامع الأصول 9- 129- 131، حدیث 6677، و فی طبعة دار إحیاء التّراث العربیّ 10- 85 فی ضمن حدیث 6665.
11- فی جامع الأصول: نساء هذه الأمّة.
12- صحیح البخاریّ 4- 248، و فی طبعة عالم الكتاب 5- 55 ضمن حدیث 126.
13- صحیح مسلم 4- 1904، حدیث 97 باختلاف، و لم أعثر علی حدیث آخر أنسب منه.

سَیِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ (1) وَ أَنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِی لُحُوقاً بِی.

«15»-وَ رَوَی ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِی الْإِسْتِیعَابِ (2) فِی تَرْجَمَةِ خَدِیجَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ: خَیْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ أَرْبَعٌ:

مَرْیَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَ ابْنَةُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَ خَدِیجَةُ بِنْتُ خُوَیْلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ.

وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُنَّ أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَ عَنْ أَنَسٍ: أنَهُنَّ خَیْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ

«18»- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ ثُمَّ قَالَ: أَ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ: أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (3) خَدِیجَةُ بِنْتُ خُوَیْلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ (صلی اللّٰه علیه و آله)، وَ مَرْیَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَ آسِیَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ (4).

«19»-وَ رَوَی (5) فِی تَرْجَمَةِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ- بِالْإِسْنَادِ- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَیْنٍ: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ عَادَ فَاطِمَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا- وَ هِیَ مَرِیضَةٌ فَقَالَ لَهَا: كَیْفَ تَجِدِینَكِ یَا بُنَیَّةِ؟ قَالَتْ: إِنِّی لَوَجِعَةٌ، وَ إِنِّی (6) لَیَزِیدُنِی أَنِّی مَا لِی طَعَامٌ آكُلُهُ، قَالَ: یَا بُنَیَّةِ! أَ لَا تَرْضَیْنَ (7) أَنَّكِ سَیِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ؟ فَقَالَتْ: یَا أَبَهْ! فَأَیْنَ مَرْیَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ؟ قَالَ: تِلْكِ سَیِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَ أَنْتِ سَیِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِكِ،

ص: 345


1- و فی صحیح البخاریّ: أو نساء المؤمنین، فضحكت لذلك، و إنّك أوّل النّاس لحوقا بی، جاءت فی حدیث آخر.
2- الاستیعاب- المطبوع فی هامش الإصابة- 4- 284- 285.
3- فی المصدر زیادة: أربع، و هو الظّاهر.
4- حكاها فی الاستیعاب بأسانیدها، و اختصرها شیخنا قدّس سرّه هنا، و تجد هناك روایات بهذا المضمون، فلاحظ.
5- الاستیعاب- المطبوع فی حاشیة الإصابة- 4- 375- 376.
6- فی المصدر: و إنّه.
7- فی الاستیعاب: أ ما ترضین.

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَیِّداً فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ.

«20»-وَ قَالَ الْبُخَارِیُّ (1) فِی عُنْوَانِ بَابِ مَنَاقِبِ قَرَابَةِ الرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ: فَاطِمَةُ سَیِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

«21»-وَ رَوَی مِنْ طَرِیقِ أَصْحَابِنَا الْكَرَاجُكِیُّ فِی كَنْزِ الْفَوَائِدِ (2)، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِیَادٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ (3)، عَنْ یُونُسَ بْنِ یَعْقُوبَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ جَدِّی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ یَظْلِمُ بَعْدِی فَاطِمَةَ ابْنَتِی وَ یَغْصِبُهَا حَقَّهَا وَ یَقْتُلُهَا، ثُمَّ قَالَ: یَا فَاطِمَةُ! أَبْشِرِی فَلَكِ عِنْدَ اللَّهِ مَقَامٌ مَحْمُودٌ تَشْفَعِینَ فِیهِ لِمُحِبِّیكِ وَ شِیعَتِكِ فَتُشَفَّعِینَ، یَا فَاطِمَةُ! لَوْ أَنَّ كُلَّ نَبِیٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ وَ كُلَّ مَلَكٍ قَرَّبَهُ شَفَعُوا فِی كُلِّ مُبْغِضٍ لَكِ غَاصِبٍ لَكِ مَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ أَبَداً.

الثالثة:

فی أنّ فدكا كانت نحلة لفاطمة علیها السلام من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و أنّ أبا بكر ظلمها بمنعها.

قال أصحابنا رضوان اللّٰه علیهم: كانت فدك ممّا أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ بعد فتح خیبر، فكانت خاصّة له صلّی اللّٰه علیه و آله إذ لم یوجف علیها ب خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ، و قد وهبها لفاطمة صلوات اللّٰه علیها و تصرّف فیها وكلاؤها و نوابها، فلما

ص: 346


1- صحیح البخاریّ 5- 25 و 36 فی باب مناقب فاطمة علیها السّلام، و فی طبعة عالم الكتاب 5- 91.
2- كنز الفوائد- طبعة دار الأضواء، بیروت- 1- 150 قطعة من حدیث.
3- جاء السّند فی الكنز هكذا: عن أبی الحسن بن شاذان قال: حدّثنی أبی رضی اللّٰه عنه، قال: حدّثنا ابن الولید محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا الصّفّار محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا محمّد بن زیاد، عن مفضّل بن عمر.

غصب أبو بكر الخلافة انتزعها، فجاءته فاطمة علیها السلام مستعدیة فطالبها بالبیّنة فجاءت بعلیّ و الحسنین صلوات اللّٰه علیهم و أمّ أیمن المشهود لها بالجنّة (1)، فردّ شهادة أهل البیت علیهم السلام بجرّ النفع، و شهادة أمّ أیمن بقصورها عن نصاب الشهادة، ثم ادّعتها علی وجه المیراث فردّ علیها بما مرّ و سیأتی، فغضبت علیه و علی عمر فهجرتهما، و أوصت بدفنها لیلا لئلّا یصلّیا علیها، فأسخطا بذلك ربّهما و رسوله و استحقّا ألیم النكال و شدید الوبال، ثم لمّا انتهت الإمارة إلی عمر ابن عبد العزیز ردّها علی بنی فاطمة علیها السلام، ثم انتزعها منهم یزید بن عبد الملك، ثم دفعها السفّاح إلی الحسن بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهما السلام، ثم أخذها المنصور، ثم أعادها المهدیّ، ثم قبضها الهادی، ثم ردّها المأمون (2) لمّا جاءه رسول بنی فاطمة فنصب وكیلا من قبلهم و جلس محاكما فردّها علیهم (3)، و فی ذلك یقول دعبل الخزاعی:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا*** بردّ مأمون هاشما فدكا (4)

ص: 347


1- جاءت القصّة مفصّلة فی الغدیر 7- 191 و ما بعدها عن عدّة مصادر من العامّة.
2- أقول: ردّها المأمون علی الفاطمیّین سنة 210 ه، و كتب بذلك إلی القثم بن جعفر- عامله فی المدینة- كتابا، و لما استخلف المتوكل أمر بردّها إلی ما كانت علیه قبل المأمون، انظر: فتوح البلدان للبلاذری: 239- 241، تاریخ الیعقوبی 3- 48، العقد الفرید 2- 323، معجم البلدان 6- 344، تاریخ ابن كثیر 9- 200، شرح ابن أبی الحدید 4- 103، تاریخ الخلفاء للسیوطی:١٥٤ ، جمهرة رسائل العرب ٣ _ ٥١٠ ، أعلام النساء ٣ _ ١٢١١ وغیرها ، بل ألفت كتب كثیرة فی الباب : ك ( فدك ) للسید محمد حسین الموسوی القزوینی ، و ( فدك فی التاریخ ) للسید محمد باقر الصدر ، وغیرهما.
3- انظر الآراء المتضاربة حول فدك فی كتاب الغدیر 7- 194- 197 و غیره.
4- دیوان دعبل الخزاعیّ: 247- 248، و انظر: معجم البلدان 4- 239، و شرح النهج لابن أبی الحدید 4- 81، أمالی السیّد المرتضی 2- 92، العقد الفرید 6- 214 (5- 375)، الأغانی 18- 32، معجم الأدباء 4- 197، وفیات الأعیان 1- 179 (2- 36)، مرآة الجنان 2- 146، شذرات الذهب 2- 112، النجوم الزاهرة 2- 323، تاریخ بغداد 8- 384، طبقات الشعراء: ٧٣ ، تاریخ دمشق ٥ _ ٢٢٩ ، لسان المیزان ٢ _ ٤٣٠ .. وعشرات المصادر الأخری.

و لنبیّن خطأ أبی بكر فی تلك القضیة مع وضوحها بوجوه:

أمّا أنّ فدكا كان لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فممّا لا نزاع فیه، و قد أوردنا من روایاتنا و أخبارنا لمخالفین (1) ما فیه كفایة، و نزیده وضوحا بما رواه فی:.

«22»-جَامِعُ الْأُصُولِ (2) مِمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ صَحِیحِ أَبِی دَاوُدَ (3) عَنْ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ أَمْوَالَ بَنِی النَّضِیرِ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ* مِمَّا لَمْ یُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَیْهِ بِ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) خَاصَّةً قُرَی عُرَیْنَةَ (4) وَ فَدَكُ وَ كَذَا وَ كَذَا .. یُنْفِقُ عَلَی أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ، ثُمَّ یَجْعَلُ مَا بَقِیَ فِی السِّلَاحِ وَ الْكُرَاعِ عَدَّهُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ، وَ تَلَا: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ ... الْآیَةَ (5).

«23»-وَ رَوَی أَیْضاً (6) عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كَانَ فِیمَا احْتَجَّ عُمَرُ أَنْ قَالَ:

كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) ثَلَاثُ صَفَایَا: بَنُو النَّضِیرِ وَ خَیْبَرُ وَ فَدَكُ ..

إلی آخر الخبر.

«24»-وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (7) فِی شَرْحِ كِتَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ، عَنْ أَبِی بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیِّ، قَالَ: حَدَّثَنِی أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِیِّ قَالَ: بَقِیَتْ بَقِیَّةٌ مِنْ أَهْلِ خَیْبَرَ تَحَصَّنُوا، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنْ یَحْقُنَ دِمَاءَهُمْ وَ یُسَیِّرَهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَسَمِعَ أَهْلُ (8) فَدَكَ

ص: 348


1- كذا، و الظاهر: أخبار المخالفین، أو: أخبارا من المخالفین، أو: لمخالفینا.
2- جامع الأصول 2- 707 ضمن حدیث 1202، باختلاف.
3- سنن أبی داود 3- 141، انظر حدیثی 2965- 2966، و لعلّه حدث خلط أو سقط عند النّقل أو ما شابه هذا، فلیلاحظ جیّدا.
4- قال فی القاموس 4- 247: و عرینة- كجهینة-: قبیلة، و انظر: معجم البلدان 4- 115، و قال فیه: و قیل قری بالمدینة .. إلی آخره.
5- الحشر: 7.
6- فی جامع الأصول 2- 706 ضمن حدیث 1202، و سنن أبی داود 3- 141، حدیث 2967.
7- فی شرح النّهج 16- 210، باختلاف یسیر.
8- فی المصدر: ففعل فسمع ذلك أهل ..

فَنَزَلُوا عَلَی مِثْلِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ لَمْ یُوجِفْ عَلَیْهَا بِ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ قَالَ (1): وَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَیْبَرَ قَذَفَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِی قُلُوبِ أَهْلِ فَدَكَ فَبَعَثُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یُصَالِحُونَهُ (2) عَلَی النِّصْفِ مِنْ فَدَكَ، فَقَدِمَتْ عَلَیْهِ رُسُلُهُمْ بِخَیْبَرَ أَوْ بِالطَّرِیقِ أَوْ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِینَةَ (3) فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ خَاصَّةً (4) لِأَنَّهُ لَمْ یُوجِفْ عَلَیْهَا بِ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ قَالَ: وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَیْهَا كُلِّهَا، وَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَیُّ الْأَمْرَیْنِ كَانَ، انتهی.

و سیأتی اعتراف عمر بذلك فی تنازع علیّ علیه السلام و العباس.

و أمّا أنّه وهبها لفاطمة علیها السلام، فلأنّه لا خلاف فی أنّها صلوات اللّٰه علیها ادّعت النحلة مع عصمتها الثابتة بالأدلّة المتقدّمة، و شهد له (5) من ثبتت عصمته بالأدلّة الماضیة و الآتیة، و المعصوم لا یدّعی إلّا الحقّ، و لا یشهد إلّا بالحقّ، و یدور الحقّ معه حیثما دار.

و أمّا أنّها كانت فی یدها صلوات اللّٰه علیها فلأنّها ادّعتها بعد وفاة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله علی وجه الاستحقاق، و شهد المعصوم بذلك لها، فإن كانت الهبة قبل الموت تبطل بموت الواهب- كما هو المشهور- ثبت القبض، و إلّا فلا حاجة إلیه فی إثبات المدّعی، و قد مرّ من الأخبار الدالّة علی نحلتها، و أنّها كانت فی یدها علیها السلام ما یزید علی كفایة المصنف، بل یسدّ طریق إنكار

ص: 349


1- فی شرحه علی النّهج 16- 210، باختلاف كثیر.
2- فی المصدر: فصالحوه.
3- فی شرح النّهج: أقام بالمدینة.
4- فی المصدر: خالصة.
5- كذا، و الظاهر: لها.

المتعسّف.

و یدلّ علی أنّها كانت فی یدها صلوات اللّٰه علیها

ما ذكر أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی كِتَابِهِ إِلَی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ (1) حَیْثُ قَالَ: بَلَی كَانَتْ فِی أَیْدِینَا فَدَكٌ، مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَیْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِینَ (2)، وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ.

و أمّا أنّ أبا بكر و عمر أغضبا فاطمة علیها السلام، فقد اتّضح بالأخبار المتقدّمة.

ثم اعلم أنّا لم نجد أحدا من المخالفین أنكر كون فدك خالصة لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی حیاته، و لا أحدا من الأصحاب طعن علی أبی بكر بإنكاره ذلك، إلّا ما تفطّن به بعض الأفاضل من الأشارف، مع أنّه یظهر من كثیر من أخبار المؤالف و المخالف ذلك، و قد تقدّم ما رواه ابن أبی الحدید فی ذلك عن أحمد ابن عبد العزیز الجوهری و غیرها من الأخبار، و لا یخفی أنّ ذلك یتضمّن إنكار الآیة و إجماع المسلمین، إذ القائل بأنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله كان یصرف شیئا من غلّة فدك و غیرها من الصفایا فی بعض مصالح المسلمین لم یقل بأنّها لم تكن لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، بل قال: بأنّه فعل ذلك علی وجه التفضّل و ابتغاء مرضاة اللّٰه تعالی، و ظاهر الحال أنّه أنكر ذلك دفعا لصحّة النحلة، فكیف كان یسمع الشهود علی النحلة مع ادّعائه أنّها كانت من أموال المسلمین.

و اعتذر المخالفون من قبل أبی بكر بوجوه سخیفة ...

الأوّل: منع عصمتها صلوات اللّٰه علیها، و قد تقدّمت الدلائل المثبتة لها.

الثانی: أنّه (3) لو سلّم عصمتها فلیس للحاكم أن یحكم بمجرّد دعواها و إن

ص: 350


1- نهج البلاغة- محمّد عبده، طبعة مصر، مطبعة الاستقامة- 2- 79 ضمن الكتاب رقم 45، و فی طبعة الأعلمی 3- 71، و فی طبعة الدّكتور صبحی الصّالح: 417 ضمن الكتاب المذكور.
2- فی طبعة صبحی الصّالح من النّهج: نفوس قوم آخرین.
3- فی (ك) وضع علی: أنّه، خ. ل. رمز نسخة بدل.

تیقّن صدقها.

و أجاب أصحابنا بالأدلّة الدالّة علی أنّ الحاكم یحكم بعلمه.

و أیضا اتّفقت الخاصّة و العامّة علی روایة قصّة خزیمة بن ثابت و تسمیته بذی الشهادتین لما شهد للنبیّ (1)صلّی اللّٰه علیه و آله بدعواه (2)، و لو كان المعصوم كغیره لما جاز للنبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله قبول شاهد واحد و الحكم لنفسه، بل كان یجب علیه الترافع إلی غیره.

وَ قَدْ رَوَی (3)أَصْحَابُنَا أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ خَطَّأَ شُرَیْحاً فِی طَلَبِ الْبَیِّنَةِ مِنْهُ (4)، وَ قَالَ: إِنَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِینَ یُؤْتَمَنُ مِنْ أُمُورِهِمْ عَلَی مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَ أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ دِرْعِ طَلْحَةَ بِغَیْرِ حُكْمِ شُرَیْحٍ،.

و المخالفون حرّفوا هذا الخبر و جعلوه حجّة لهم.

و اعتذروا بوجوه أخری سخیفة لا یخفی علی عاقل- بعد ما أوردنا فی تلك الفصول- ضعفها و وهنها، فلا نطیل الكلام بذكرها.

الرابعة:
اشارة

فی توضیح بطلان ما ادّعاه أبو بكر من عدم توریث الأنبیاء علیهم السلام.

استدلّ أصحابنا علی بطلان ذلك بآی من القرآن:
اشارة

ص: 351


1- فی (س) : بالنبی.
2- راجع الطبقات الكبری لابن سعد ٤ _ ٣٧٨ _ ٣٨١ ، تهذیب التهذیب لابن حجر ٣ _ ١٢١ برقم ٢٦٧ ، والدرجات الرفیعة للسید علی خان الشیرازی : ٣١٠ _ ٣١٤ ، والاختصاص للمفید : ٦٤ ، والكافی ٧ _ ٤٠٠ _ ٤٠١ حدیث ١ وغیرها.
3- فی المناقب لابن شهرآشوب ٢ _ ١٠٥ _ ١٠٦ ، نقلا عن الأحكام الشرعیة للخزاز القمی علی بن محمد ، وفی : من لا یحضره الفقیه ٧ _ ٦٣ ، حدیث ٢١٣ ، وفی التهذیب ٦ _ ٢٧٣ _ ٢٧٥ ، حدیث ٧٤٧ ، وفی الاستبصار ٣ _ ٣٤ ، حدیث ١١٧ ، وفی الكافی ٧ _ ٣٨٥ ، حدیث ٥.
4- لا توجد فی (س) : منه.
الأولی:

قوله تعالی مخبرا عن زكریّا علیه السلام (1): وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی وَ كانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا (2).

قوله تعالی: «وَلِیًّا» أی ولدا یكون أولی بمیراثی، و لیس المراد بالولی من یقوم مقامه، ولدا كان أو غیره، لقوله تعالی حكایة عن زكریّا: رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً (3). و قوله: رَبِّ لا تَذَرْنِی فَرْداً وَ أَنْتَ خَیْرُ الْوارِثِینَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ یَحْیی (4). و القرآن یفسّر بعضه بعضا.

و اختلف المفسّرون فی أنّ المراد بالمیراث العلم أو المال؟.

فقال ابن عباس و الحسن و الضحّاك أنّ المراد به فی قوله تعالی: «یَرِثُنِی.» و قوله سبحانه: وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ. (5) میراث المال (6)، و قال أبو صالح:

المراد به فی الموضعین میراث النبوّة (7). و قال السدّی و مجاهد و الشعبی: المراد به فی الأوّل میراث المال و فی الثانی میراث النبوّة، و حكی هذا القول عن ابن عباس و الحسن و الضحّاك (8)، و حكی عن مجاهد أنّه قال: المراد من الأوّل العلم و من الثانی النبوّة (9).

ص: 352


1- استدلّ بهذه الآیة الشیخ الطوسیّ فی التبیان 7- 106، و الطبرسیّ فی مجمع البیان 3- 503، و السیّد المرتضی فی الشافی 4- 60- 65، و غیرهم فی غیرها.
2- مریم: 6.
3- آل عمران: 38.
4- الأنبیاء: 89- 90.
5- مریم: 6.
6- كما فی تفسیر الفخر الرازیّ 21- 184.
7- جاء فی التفسیر الكبیر 21- 184، و أحكام القرآن للجصّاص 3- 216، و تفسیر الطبریّ 16- 37.
8- حكی هذا القول عنهم فی التفسیر الكبیر 21- 184، و عن ابن عبّاس فی أحكام القرآن للجصّاص 3- 216، و فی زاد المسیر لابن الجوزی 5- 209.
9- كما قاله فی تفسیر الفخر الرازیّ 21- 184.

و أمّا وجه دلالة الآیة علی المراد، فهو أنّ لفظ المیراث فی اللغة و الشریعة و العرف إذا أطلق و لم یقیّد لا یفهم منه إلّا الأموال و ما فی معناها و لا یستعمل فی غیرها إلّا مجازا، و كذا لا یفهم من قول القائل لا وارث لفلان إلّا من ینتقل إلیه أمواله و ما یضاهیها دون العلوم و ما یشاكلها، و لا یجوز العدول عن ظاهر اللفظ و حقیقته إلّا لدلیل، فلو لم یكن فی الكلام قرینة توجب حمل اللفظ علی أحد المعنیین لكفی فی مطلوبنا، كیف و القرائن الدالّة علی المقصود موجودة فی اللفظ؟!.

أمّا أوّلا: فلأنّ زكریّا علیه السلام اشترط فی وارثه أن یكون رضیّا، و إذا حمل المیراث علی العلم و النبوّة لم یكن لهذا الاشتراط معنی، بل كان لغوا عبثا، لأنّه إذا سأل من یقوم مقامه فی العلم و النبوّة فقد دخل فی سؤاله الرضا و ما هو أعظم منه فلا معنی لاشتراطه، أ لا تری أنّه لا یحسن أن یقول أحد: اللّٰهمّ ابعث إلینا نبیّا و اجعله مكلّفا عاقلا؟!.

و أمّا ثانیا: فلأنّ الخوف من بنی العم و من یحذو حذوهم یناسب المال دون النبوّة و العلم، و كیف یخاف مثل زكریّا علیه السلام من أن یبعث اللّٰه تعالی إلی خلقه نبیّا یقیمه مقام زكریّا و لم یكن أهلا للنبوّة و العلم، سواء كان من موالی زكریّا أو من غیرهم؟، علی أنّ زكریّا علیه السلام كان إنّما بعث لإذاعة العلم و نشره فی الناس فلا یجوز أن یخاف من الأمر الذی هو الغرض فی (1) بعثته.

فإن قیل: كیف یجوز علی مثل زكریّا علیه السلام الخوف من أن یرث الموالی ماله؟ و هل هذا إلّا الضنّ و البخل؟.

قلنا: لمّا علم زكریّا علیه السلام من حال الموالی أنّهم من أهل الفساد، خاف أن ینفقوا أمواله فی المعاصی و یصرفوه فی غیر الوجوه المحبوبة، مع أنّ فی وراثتهم ماله كان یقوّی فسادهم و فجورهم، فكان خوفه خوفا من قوّة الفسّاق

ص: 353


1- و جاءت فی (ك) نسخة بدل: من.

و تمكّنهم فی سلوك الطرائق المذمومة، و انتهاك محارم اللّٰه عزّ و جلّ، و لیس مثل ذلك من الشحّ و البخل.

فإن قیل: كما جاز الخوف علی المال من هذا الوجه (1) جاز الخوف علی وراثتهم العلم لئلّا یفسدوا به الناس و یضلّوهم، و لا ریب فی أنّ ظهور آثار العلم فیهم كان من دواعی اتّباع الناس إیّاهم و انقیادهم لهم.

قلنا: لا یخلو هذا العلم الذی ذكرتموه من أن یكون هو كتبا علمیّة و صحفا حكمیة، لأنّ ذلك قد یسمّی علما مجازا، أو یكون هو العلم الذی یملأ القلوب و تعیه الصدور، فإن كان الأوّل، فقد رجع إلی معنی المال و صحّ أنّ الأنبیاء علیهم السلام یورثون الأموال، و كان حاصل خوف زكریّا علیه السلام أنّه خاف من أن ینتفعوا ببعض أمواله نوعا خاصّا من الانتفاع، فسأل ربّه أن یرزقه الولد حذرا من ذلك، و إن كان الثانی، فلا یخلو- أیضا- من أن یكون هو العلم الذی بعث النبیّ لنشره و أدائه إلی الخلق، أو أن یكون علما مخصوصا لا یتعلّق لشریعة و لا یجب اطّلاع الأمّة علیه كعلم العواقب و ما یجری فی مستقبل الأوقات .. و نحو ذلك.

و القسم الأوّل: لا یجوز أن یخاف النبیّ من وصوله إلی بنی عمّه- و هم من جملة أمّته المبعوث إلیهم لأن یهدیهم و یعلّمهم- و كان خوفه من ذلك خوفا من غرض البعثة.

و القسم الثانی: لا معنی للخوف من أن یرثوه إذ كان أمره بیده، و یقدر علی أن یلقیه إلیهم، و لو صحّ الخوف علی القسم الأوّل لجری ذلك فیه أیضا، فتأمّل.

هذا خلاصة ما ذكره السیّد المرتضی رضی اللّٰه عنه فی الشافی عند تقریر هذا الدلیل (2)، و ما أورد علیه من تأخّر عنه یندفع بنفس التقریر، كما لا یخفی علی

ص: 354


1- لا توجد فی (س): من هذا الوجه.
2- الشافی 229- الحجریّة- (الطبعة الجدیدة 4- 63- 66).

الناقد البصیر، فلذا لا نسوّد بإیرادها الطوامیر.

الآیة الثانیة:

قوله تعالی: وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ وَ قالَ یا أَیُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَ أُوتِینا مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ (1).

وجه الدلالة، هو أنّ المتبادر من قوله تعالی- ورثه-، أنّه ورث ماله (2) كما سبق فی الآیة المتقدّمة، فلا یعدل عنه إلّا لدلیل.

و أجاب قاضی القضاة فی المغنی (3): بأنّ فی الآیة ما یدلّ علی أنّ المراد وراثة العلم دون المال، و هو قوله تعالی: وَ قالَ یا أَیُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ (4) فإنّه یدلّ علی أنّ الذی ورث هو هذا (5) العلم و هذا الفضل، و إلّا لم یكن لهذا تعلّق بالأوّل.

و قال الرازی فی تفسیره: لو قال تعالی: ورث سلیمان داود ماله، لم یكن لقوله تعالی: وَ قالَ یا أَیُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ (6) معنی، و إذا قلنا ورث مقامه من النبوّة و الملك حسن ذلك، لأنّ علم منطق الطیر یكون داخلا فی جملة ما ورثه، و كذلك قوله: وَ أُوتِینا مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ (7) لأنّ وارث العلم یجمع ذلك و وارث المال لا یجمعه، و قوله: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ (8) یلیق أیضا بما ذكر دون المال الذی یحصل للكامل و الناقص، و ما ذكره اللّٰه تعالی من جنود سلیمان بعده لا یلیق إلّا بما ذكرنا، فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنّه لا یورث إلّا المال، فأمّا إذا ورث المال و الملك معا فهذا لا یبطل بالوجوه الذی ذكرنا، بل بظاهر

قَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ لَا نُورَثُ (9).

ص: 355


1- النمل: 16.
2- نقله عن الحسن فی تفسیر الفخر الرازیّ 24- 186، و فی مجمع البیان 4- 214.
3- المغنی، الجزء الأول المتمم للعشرین: 330، بتصرف و اختصار.
4- النمل: 16.
5- فی المصدر: فنبه علی أنّ الذی هو ورث هذا ..
6- النمل: 16.
7- النمل: 16.
8- النمل: 16.
9- كما جاء فی تفسیر الفخر الرّازیّ 24- 186.

و ردّ السیّد المرتضی رضی اللّٰه عنه فی الشافی (1) كلام المغنی بأنّه لا یمتنع أن یرید میراث المال خاصّة، ثم یقول مع ذلك: إنّا عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ (2)، و یشیر بالفضل المبین (3) إلی العلم و المال جمیعا، فله فی الأمرین جمیعا فضل علی من لم یكن كذلك، و قوله: وَ أُوتِینا مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ (4) یحتمل المال كما یحتمل العلم فلیس بخالص لما ظنّه، و لو سلم دلالة الكلام علی العلم لما ذكره، فلا یمتنع أن یرید أنّه ورث المال بالظاهر، و العلم بهذا النوع من الاستدلال فلیس یجب إذا دلّت الدلالة فی بعض الألفاظ علی المجاز أن نقتصر بها علیه، بل یجب أن نحملها علی الحقیقة- التی هی الأصل- إذا لم یمنع من ذلك مانع.

و قد ظهر بما ذكره السیّد قدّس سرّه بطلان قول الرازی أیضا (5)، و كان القاضی یزعم أنّ العطف لو لم یكن للتفسیر لم یكن للمعطوف تعلّق بما عطف علیه و انقطع نظام الكلام.

و ما اشتهر (6) من أنّ التأسیس أولی من التأكید من الأغلاط المشهورة، و كأنّ الرازی یذهب إلی أنّه لا معنی للعطف إلّا إذا كان المعطوف داخلا فی المعطوف علیه، فعلی أیّ شی ء یعطف حینئذ قوله تعالی: وَ أُوتِینا مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ (7)؟

فتدبّر.

و أمّا قوله: إنّ المال یحصل للكامل و الناقص، فلو حمل المیراث علی المال لم یناسبه قوله: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ (8).

فیرد علیه أنّه إنّما یستقیم إذا كانت الإشارة إلی أوّل الكلام فقط- و هو وراثة المال- و بعده ظاهر، و لو كانت الإشارة إلی مجموع الكلام- كما هو الظاهر- أو إلی

ص: 356


1- الشافی 232- حجریّة- (الطبعة الجدیدة 2- 79) بتصرف و اختصار.
2- النمل: 16.
3- النمل: 16.
4- النمل: 16.
5- فی تفسیره الكبیر 24- 186.
6- و ما اشتهر عطف علی اسم (أن) أعنی العطف، و یكون المعنی: كان القاضی یزعم أنّ ما اشتهر ..
7- النمل: 16.
8- النمل: 16.

أقرب الفقرات- أعنی قوله: وَ أُوتِینا مِنْ كُلِّ شَیْ ءٍ (1)

لم یبق لهذا الكلام مجال، و كیف لا یلیق دخول المال فی جملة المشار إلیه، و قد منّ اللّٰه تعالی علی عباده فی غیر موضع من كلامه المجید بما أعطاهم فی الدنیا من صنوف الأموال، و أوجب علی عباده الشكر علیه، فلا دلالة فیه علی عدم إرادة وراثة المال سواء كان من كلام سلیمان أو كلام الملك المنّان.

و قد ظهر بذلك بطلان قوله أخیرا: إنّ ما ذكره اللّٰه تعالی من جنود سلیمان لا یلیق إلّا بما ذكرنا، بل الأظهر أنّ حشر الجنود من الجن و الإنس و الطیر قرینة علی عدم إرادة الملك من قوله: وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (2)، فإنّ تلك الجنود لم تكن لداود حتی یرثها سلیمان، بل كانت عطیّة مبتدأة من اللّٰه تعالی لسلیمان علیه السلام، و قد أجری اللّٰه تعالی علی لسانه أخیرا الاعتراف بأنّ ما ذكره لا یبطل قوله من حمل الآیة علی وراثة الملك و المال معا، فإنّه یكفینا فی إثبات المدّعی، و سیأتی الكلام فی الحدیث الذی تمسّك به.

الآیة الثالثة:
اشارة

ما یدلّ علی وراثة الأولاد و الأقارب، كقوله تعالی: لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِیبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِیباً مَفْرُوضاً (3)، و قوله تعالی: یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ (4)، و قد أجمعت الأمّة علی عمومها (5) إلّا من أخرجه الدلیل، فیجب أن یتمسّك بعمومها إلّا إذا قامت دلالة قاطعة، و قد قال سبحانه

ص: 357


1- النمل: 16.
2- النمل: 14.
3- النساء: 7.
4- النساء: 11.
5- كما صرّح بذلك فی تفسیر الكشّاف 1- 502 و 505، و تفسیر زاد المسافرین لابن الجوزی 2- 18 و 25، و أحكام القرآن للزجّاج 2- 15 و 18، و تفسیر الفخر الرازیّ 9- 194 و 203، و تفسیر الطبریّ 4- 177 و 185، و تفسیر القمّیّ 1- 131- 132، و التبیان للشیخ الطوسیّ 3- 120 و 128، و مجمع البیان 2- 10 و 14 و غیر ذلك.

عقیب آیات المیراث: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ وَ مَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِیها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِینٌ (1)، و لم یقم دلیل علی خروج النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله عن حكم الآیة، فمن تعدّی حدود اللّٰه (2) فی نبیّه یدخله اللّٰه النار خالدا فیها و له العذاب المهین.

و أجاب المخالفون بأنّ العمومات مخصّصة بما رواه

أَبُو بَكْرٍ عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ قَوْلِهِ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ (3).

قال صاحب المغنی (4): لم یقتصر أبو بكر علی روایة حتی استشهد علیه عمر (5) و عثمان و طلحة و الزبیر و سعد أو (6) عبد الرحمن بن عوف فشهدوا به، فكان لا یحلّ لأبی بكر و قد صار الأمر إلیه أن یقسّم التركة میراثا، و قد أخبر الرسول (صلی اللّٰه علیه و آله) بأنّها صدقة و لیس (7) بمیراث، و أقلّ ما فی الباب أن یكون الخبر من أخبار الآحاد، فلو أنّ شاهدین شهدا فی التركة أنّ فیها حقّا أ لیس كان یجب أن یصرفه عن الإرث؟ فعلمه بما قال الرسول (صلی اللّٰه علیه و آله) مع شهادة غیره أقوی، و لسنا نجعله مدّعیا (8)، لأنّه لم یدع ذلك لنفسه، و إنّما بیّن أنّه لیس بمیراث و أنّه صدقة، و لا یمتنع تخصیص القرآن بذلك كما یخصّ فی العبد و القاتل و غیرهما.

و یرد علیه أنّ الاعتماد فی تخصیص الآیات إمّا علی سماع أبی بكر ذلك الخبر من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و یجب علی الحاكم أن یحكم بعلمه، و إمّا علی

ص: 358


1- النساء: 13- 14.
2- فی (س): حدّ اللّٰه.
3- مرّت مصادر الحدیث كرارا، و انظر: الغدیر 6- 190 مثالا.
4- المغنی، الجزء الأول المتمم للعشرین 328- 329، باختلاف یسیر.
5- فی المصدر: لم یقتصر علی روایته حتّی استشهد أصحاب رسول اللّٰه، فشهد بصدقه عمر ..
6- فی المغنی: الواو بدلا من أو.
7- قد تقرأ الكلمة فی (ك): لیست، و هو الظاهر.
8- فی المصدر: بدعیا.

شهادة من زعموهم شهودا علی الروایة، أو علی مجموع الأمرین، أو علی سماعه من حیث الروایة مع انضمام الباقین إلیه.

فإن كان الأوّل فیرد علیه وجوه من الإیراد:
الأوّل:

ما ذكره السیّد رضی اللّٰه عنه فی الشافی (1) من أنّ أبا بكر فی حكم المدّعی لنفسه و الجارّ إلیها نفعا فی حكمه، لأنّ أبا بكر و سائر المسلمین سوی أهل البیت علیهم السلام تحلّ لهم الصدقة، و یجوز أن یصیبوا منها، و هذه تهمة فی الحكم و الشهادة.

ثم قال رحمه اللّٰه تعالی: و لیس له أن یقول هذا یقتضی أن لا تقبل شهادة شاهدین فی تركة فیها صدقة بمثل ما ذكرتم، و ذلك لأنّ الشاهدین إذا شهدا بالصدقة فحظّهما منها كحظّ صاحب المیراث، بل سائر المسلمین، و لیس كذلك حال تركة الرسول (2) (صلی اللّٰه علیه و آله)، لأنّ كونها صدقة یحرّمها علی ورثته و یبیحها لسائر المسلمین، انتهی.

و لعلّ مراده رحمه اللّٰه أنّ لحرمان الورثة فی خصوص تلك المادّة شواهد علی التهمة، بأن كان غرضهم إضعاف جانب أهل البیت علیهم السلام لئلّا یتمكّنوا من المنازعة فی الخلافة و لا یمیل الناس إلیهم لنیل الزخارف الدنیویّة، فیكثر أعوانهم و أنصارهم، و یظفروا بإخراج الخلافة و الإمارة من أیدی المتغلّبین، إذ لا یشكّ أحد ممّن نظر فی أخبار العامّة و الخاصّة فی أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام كان فی ذلك الوقت طالبا للخلافة مدّعیا لاستحقاقه لها، و أنّه لم یكن انصراف الأعیان و الأشراف عنه و میلهم إلی غیره إلّا لعلمهم بأنّه لا یفضّل أحدا منهم علی ضعفاء المسلمین، و أنّه یسوّی بینهم فی العطاء و التقریب، و لم یكن انصراف سائر الناس عنه إلّا لقلّة ذات یده، و كون المال و الجاه مع غیره.

ص: 359


1- الشافی: 230- الحجریة- (الطبعة الجدیدة 4- 68) بتصرف و اختصار.
2- كذا فی المصدر، و فی (س): رسول اللّٰه.

و الأولی أن یقال فی الجواب، إنّه لم تكن التهمة لأجل أنّ له حصّة (1) فی التركة، بل لأنّه كان یرید أن یكون تحت یده، و یكون حاكما فیه یعطیه من یشاء و یمنعه من یشاء.

و یؤیّده

قَوْلُ أَبِی بَكْرٍ- فِیمَا رَوَاهُ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (2) مِنْ سُنَنِ أَبِی دَاوُدَ (3) عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَی أَبِی بَكْرٍ تَطْلُبُ مِیرَاثَهَا مِنْ أَبِیهَا، فَقَالَ لَهَا:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) یَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَطْعَمَ نَبِیّاً طُعْمَةً فَهُوَ لِلَّذِی یَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ.

و لا ریب فی أنّ ذلك ممّا یتعلّق به الأغراض، و یعدّ من جلب المنافع، و لذا لا تقبل شهادة الوكیل فیما هو وكیل فیه و الوصیّ فیما هو وصیّ فیه.

و قد ذهب قوم إلی عدم جواز الحكم بالعلم مطلقا، لأنّه مظنّة التهمة، فكیف إذا قامت القرائن علیه من عداوة و منازعة و إضعاف جانب و .. نحو ذلك؟.

و العجب أنّ بعضهم فی باب النحلة منعوا- بعد تسلیم عصمة فاطمة علیها السلام- جواز الحكم بمجرّد الدعوی و علم الحاكم بصدقها، و جوّزوا الحكم بأنّ التركة صدقة للعلم بالخبر مع معارضته للقرآن، و قیام الدلیل علی كذبه.

الثانی:

أنّ الخبر معارض (4) للقرآن لدلالة الآیة فی شأن زكریّا علیه السلام و داود علیه السلام علی الوراثة، و لیست الآیة عامّة حتی یخصّص بالخبر، فیجب طرح الخبر.

لا یقال: إذا كانت الآیة خاصّة فینبغی تخصیص الخبر بها، و حمله علی غیر

ص: 360


1- فی (ك): حضة، و لا معنی لها هنا.
2- جامع الأصول 9- 639، حدیث 7440.
3- سنن ابن داود 3- 144، حدیث 2973.
4- فی حاشیة (ك): خ. ل: مناقض، و لم یعلّم علیها، و لعلّ محلّها هنا.

زكریّا و داود علیهما السلام.

لأنّا نقول: الحكم بخروجهما عن حكم الأنبیاء مخالف لإجماع الأمّة، لانحصارها فی الحكم (1) بالإیراث مطلقا و عدمه مطلقا، فلا محیص عن الحكم بكذب الخبر و طرحه..

الثالث:

أنّ أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه كان یری الخبر موضوعا باطلا، و كان علیه السلام لا یری إلّا الحقّ و الصدق، فلا بدّ من القول بأنّ من زعم أنّه سمع الخبر كاذب.

أمّا الأولی: فلما

رواه مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِ (2) وَ أَوْرَدَهُ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (3) أَیْضاً عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ- فِی رِوَایَةٍ طَوِیلَةٍ- قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسِ .. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) : لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، فَرَأَیْتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً؟!، وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تُوُفِّیَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِیُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ وَ وَلِیُّ أبو (أَبِی) بَكْرٍ فَرَأَیْتُمَانِی كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً؟!، وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنِّی لَصَادِقُ بَارٌّ (4) تَابِعٌ لِلْحَقِّ فَوُلِّیتُهَا.

وَ عَنِ الْبُخَارِیِّ فِی مُنَازَعَةِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسِ (5) فِی ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ* صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنْ بَنِی النَّضِیرِ أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:

أَنَا وَلِیُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَبَضَهَا فَعَمِلَ فِیهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَنْتُمَا حِینَئِذٍ- وَ أَقْبَلَ عَلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسِ- تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِیهَا كَذَا، وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَنَّهُ فِیهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، وَ كَذَلِكَ زَادَ فِی حَقِ

ص: 361


1- لا توجد: فی الحكم، فی (ك).
2- صحیح مسلم 3- 1377، حدیث 49.
3- جامع الأصول 3- ذیل حدیث 1202 (طبعة الأرناووط 2- 702- 703).
4- فی المصدر: بارّ راشد.
5- كما فی صحیح البخاریّ 4- 178، حدیث 3، و مرّت منّا جملة مصادر له.

نَفْسِهِ قَالَ: وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَنِّی فِیهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ..

إلی آخر الخبر (1).

وَ قَدْ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (2) مِنْ كِتَابِ السَّقِیفَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیِّ مِثْلَهُ بِأَسَانِیدَ.

و أما المقدّمة الثانیة (3)، فلما مرّ و سیأتی من الأخبار المتواترة فی أنّ علیّا علیه السلام لا یفارق الحقّ و الحقّ لا یفارقه، بل یدور معه حیث ما دار (4).

و یؤیّده روایات السفینة و الثقلین و أضرابها (5).

الرابع:

أنّ فاطمة صلوات اللّٰه علیها أنكرت روایة أبی بكر و حكمت بكذبه فیها، و لا یجوز الكذب علیها، فوجب كذب الروایة و راویها.

أمّا المقدّمة الأولی، فلمّا مرّ فی خطبتها و غیرها و سیأتی من شكایتها فی مرضها و غیرها، و قد رووا فی صحاحهم أنّها صلوات اللّٰه علیها انصرفت من عند أبی بكر ساخطة، و ماتت علیه واجدة (6)، و قد اعترف بذلك ابن أبی

ص: 362


1- راجع صحیح البخاریّ، كتاب الجهاد و السیر، باب فرض الخمس 5- 3- 10 تجد روایة منازعة علیّ علیه السلام و العباس، و انظر: صحیح مسلم، كتاب الجهاد و السیر، باب حكم الفی ء، و یذكر هناك مقالة العباس لعمر .. یجلّ عنها العباس و یستحقّها عمر. و حكاه عنهما فی جامع الأصول 2- 701 ذیل حدیث 1202، و انظر: كتاب الأموال لأبی عبید: 11، حیث ذكر حدیث البخاری و بتره، و سنن البیهقیّ 6- 299، و معجم البلدان 6- 343، و تفسیر ابن كثیر 4- 335، و تاریخ ابن كثیر 5- 288، و تاج العروس 7- 166، كما فی الغدیر 7- 194، و نحن نشكّ فی أصل القصّة و ملابساتها إلّا أن توجه بما ذكره الأصحاب.
2- شرح النّهج 16- 221- 222.
3- یعنی كون علیّ علیه السلام لا یری إلّا حقّا و صدقا.
4- قد مرّ الحدیث بطرقه و مصادره، و انظر: الغدیر 3- 176- 180.
5- قد فصّلنا طرقها سابقا، و انظر: الغدیر 2- 301، 3- 65- 80 و 297، 10- 278.
6- هذا الحدیث ورد بألفاظ مختلفة، انظر: صحیح مسلم 2- 72، مسند أحمد 1- 6 و 9، تاریخ الطبریّ 3- 202، سنن البیهقیّ 6- 300، كفایة الطالب: 226، تاریخ ابن كثیر 5- 285 و 6- 333، مستدرك الحاكم 3- 163، أسد الغابة 5- 254، الاستیعاب 2- 751، مقتل الخوارزمی 1- 83، الإصابة 4- 378 و 380، تاریخ الخمیس 1- 313، الإمامة و السیاسة 1- 14، رسائل الجاحظ 300- 301، أعلام النساء 3- 1215، و غیرها كثیر من المصادر، بل یعدّ هذا الحدیث متواترا لفظیّا عندهم، قطعیّا ضروریّا عندنا، و قد كفتنا الزهراء سلام اللّٰه علیها و علی أبیها و بعلها و بنیها، و أنجتنا بمظلومیّتها منهم، و أورثتنا البغض و العداء لكلّ من عادت، و التبرّی من كلّ من تبرّأت، فلعن اللّٰه ظالمیها و غاصبی حقّها و حقّ بعلها و بنیها إلی یوم القیامة، و انظر: الغدیر أیضا 7- 77 و 174 و 226 و 227 و غیرها و فی غیره.

الحدید (1).

و أمّا الثانیة، فلما مرّ و سیأتی من عصمتها و جلالتها.

الخامس:

أنّه لو كانت تركة الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله صدقة، و لم یكن لها صلوات اللّٰه علیها حظّ فیها لبیّن النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله الحكم لها، إذ التكلیف فی تحریم أخذها یتعلّق بها، و لو بیّنه لها لما طلبتها لعصمتها، و لا یرتاب عاقل فی أنّه لو كان بیّن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لأهل بیته علیهم السلام أنّ تركتی صدقة لا تحلّ لكم لما خرجت ابنته و بضعته من بیتها مستعدیة ساخطة صارخة فی معشر المهاجرین و الأنصار، تعاتب إمام زمانها بزعمكم، و تنسبه إلی الجور و الظلم فی غصب تراثها، و تستنصر المهاجرة و الأنصار فی الوثوب علیه و إثارة الفتنة بین المسلمین، و تهییج الشرّ، و لم تستقرّ بعد أمر الإمارة و الخلافة (2)، و قد أیقنت بذلك طائفة من المؤمنین أنّ الخلیفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة، فصبّوا علیه اللعن و الطعن إلی نفخ الصور و قیام النشور، و كان ذلك من آكد الدواعی إلی شقّ عصا المسلمین، و افتراق كلمتهم، و تشتّت ألفتهم، و قد كانت تلك النیران تخمدها بیان الحكم لها صلوات اللّٰه علیها أو لأمیر المؤمنین علیه السلام، و لعلّه لا یجسر من أوتی حظّا من الإسلام علی القول بأنّ فاطمة صلوات اللّٰه علیها- مع علمها بأن لیس لها فی التركة بأمر اللّٰه نصیب- كانت تقدم علی مثل ذلك الصنیع، أو كان أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه مع علمه بحكم اللّٰه لم یزجرها عن التظلم و الاستعداء، و لم یأمرها بالقعود فی بیتها راضیة بأمر اللّٰه فیها،

ص: 363


1- فی شرحه علی النهج 16- 253.
2- كذا زعموا، و لا زالوا بذا یطبلون و له یدعون ..

و كان ینازع العباس بعد موتها و یتحاكم إلی عمر بن الخطاب، فلیت شعری هل كان ذلك الترك و الإهمال لعدم الاعتناء بشأن بضعته التی كانت یؤذیه (1) ما آذاها، و یریبه ما رابها؟! أو بأمر زوجها و ابن عمّه و أخیه المساوی لنفسه و مواسیه بنفسه؟!، أو لقلّة المبالاة بتبلیغ أحكام اللّٰه و أمر أمّته؟! و قد أرسله اللّٰه بالحق بشیرا و نذیرا للعالمین..

السادس:

أنّا مع قطع النظر عن جمیع ما تقدّم نحكم قطعا بأنّ مدلول هذا الخبر كاذب باطل، و من أسند إلیه هذا الخبر لا یجوز علیه الكذب، فلا بدّ من القول بكذب من رواه و القطع بأنّه وضعه و افتراه.

أمّا المقدّمة الثانیة، فغنیّة عن البیان.

و أمّا الأولی، فبیانها أنّه قد جرت عادة الناس قدیما و حدیثا بالإخبار عن كلّ ما جری بخلاف المعهود بین كافة الناس و خرج عن سنن عاداتهم، سیّما إذا وقع فی كلّ عصر و زمان، و توفّرت الدواعی إلی نقله و روایته، و من المعلوم لكلّ أحد أنّ جمیع الأمم- علی اختلافهم فی مذاهبهم- یهتمون بضبط أحوال الأنبیاء علیهم السلام و سیرتهم و أحوال أولادهم و ما یجری علیهم بعد آبائهم، و ضبط خصائصهم و ما یتفرّدون به عن غیرهم، و من المعلوم أیضا أنّ العادة قد جرت من یوم خلق اللّٰه الدنیا و أهلها إلی زمان انقضاء مدّتها و فنائها بأن یرث الأقربون من الأولاد و غیرهم أقاربهم و ذوی أرحامهم، و ینتفعوا بأموالهم و ما خلّفوه بعد موتهم، و لا شكّ لأحد فی أنّ عامّة الناس عالمهم و جاهلهم و غنیّهم و فقیرهم و ملوكهم و رعایاهم یرغبون إلی كلّ ما نسب إلی ذی شرف و فضیلة و یتبرّكون به، و یحرزه الملوك فی خزائنهم، و یوصون به لأحبّ أهلهم، فكیف بسلاح الأنبیاء و ثیابهم (2).

و أمتعتهم؟ أ لا تری إلی الأعمی إذا أبصر فی مشهد من المشاهد المشرّفة أو توهّمت العامّة أنّه أبصر اقتطعوا ثیابه، و تبرّكوا بها، و جعلوها حرزا من كلّ بلاء.

ص: 364


1- فی (س): تؤذیه.
2- فی (ك): فی ثیابهم.

إذا تمهّدت المقدّمات فنقول:

لو كان ما تركه الأنبیاء من لدن آدم علیه السلام إلی الخاتم صلّی اللّٰه علیه و آله صدقة، لقسّمت بین الناس بخلاف المعهود من توارث الآباء و الأولاد و سائر الأقارب، و لا یخلو الحال إمّا أن یكون كلّ نبیّ یبیّن هذا الحكم لورثته بخلاف نبیّنا صلّی اللّٰه علیه و آله أو یتركون البیان كما تركه صلّی اللّٰه علیه و آله، فجری علی سنّة الذین خلوا من قبله من أنبیاء اللّٰه علیهم السلام، فإن كان الأوّل فمع أنّه خلاف الظاهر كیف خفی هذا الحكم علی جمیع أهل الملل و الأدیان، و لم یسمعه أحد إلّا أبو بكر و من یحذو حذوه، و لم ینقل أحد أنّ عصا موسی علیه السلام انتقل علی وجه الصدقة إلی فلان، و سیف سلیمان علیه السلام صار إلی فلان، و كذا ثیاب سائر الأنبیاء و أسلحتهم و أدواتهم فرّقت بین الناس و لم یكن فی ورثة أكثر من مائة ألف نبی قوم ینازعون فی ذلك، و إن كان بخلاف حكم اللّٰه عزّ و جلّ و قد كان أولاد یعقوب علیهم السلام- مع علوّ قدرهم- یحسدون علی أخیهم و یلقونه فی الجبّ لما (1) رأوه أحبّهم إلیه أو وقعت تلك المنازعة كثیرا، و لم ینقلها أحد فی الملل السابقة و أرباب السیر- مع شدّة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبیاء و خصائصهم- و ما جری بعدهم كما تقدّم.

و إن كان الثانی، فكیف كانت حال ورثة الأنبیاء؟ أ كانوا یرضون بذلك و لا ینكرون؟ فكیف صارت ورثة الأنبیاء جمیعا یرضون بقول القائمین بالأمر مقام الأنبیاء و لم یرض (كذا) به سیّدة النساء، أو كانت سنّة المنازعة جاریة فی جمیع الأمم و لم ینقلها أحد ممّن تقدّم و لا ذكر من انتقلت تركات الأنبیاء إلیهم، إِنَّ هذا لَشَیْ ءٌ عُجابٌ!.

و أعجب من ذلك أنّهم ینازعون فی وجود النصّ علی أمیر المؤمنین علیه السلام مع كثرة الناقلین له من یوم السقیفة إلی الآن، و وجود الأخبار فی

ص: 365


1- فی (س): علی لما .. و لا معنی لها، إلّا أن تكون نسخة بدل من اللام أی علی ما رأوه ..

صحاحهم، و ادّعاء الشیعة تواتر ذلك من أوّل الأمر إلی الآن، و یستندون فی ذلك إلی أنّه لو كان حقّا لما خفی ذلك لتوفّر الدواعی إلی نقله و روایته.

فانظر بعین الإنصاف أنّ الدواعی لشهرة أمر خاصّ لیس الشاهد له إلّا قوم مخصوصون من أهل قرن معیّن أكثر أم لشهرة أمر قلّ زمان من الأزمنة من لدن آدم علیه السلام إلی الخاتم صلّی اللّٰه علیه و آله عن وقوعه فیه، مع أنّه لیس یدعو إلی كتمانه و إخفائه فی الأمم السالفة داع، و لم یذكره رجل فی كتاب، و لم یسمعه أحد من أهل ملّة.

و لعمری لا أشكّ فی أنّ من لزم الإنصاف، و جانب المكابرة و الاعتساف، و تأمّل فی مدلول الخبر، و أمعن النظر، یجزم قطعا بكذبه و بطلانه.

و إن كان القسم الثانی
اشارة

- و هو أن یكون اعتماد أبی بكر فی تخصیص الآیات بالخبر من حیث روایة الرواة له دون علمه بأنّه من كلام الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله لسماعه بإذنه.-

فیرد علیه أیضا وجوه من النظر: الأوّل:
اشارة

أنّ ما ذكره قاضی القضاة (1) من أنّه شهد بصدق الروایة فی أیّام أبی بكر: عمر و عثمان و طلحة و الزبیر و سعد و عبد الرحمن باطل غیر مذكور فی سیرة و روایة من طرقهم و طرق أصحابنا، و إنّما المذكور

فِی رِوَایَةِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ الَّتِی رَوَوْهَا فِی صِحَاحِهِمْ (2)

أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا تَنَازَعَ عِنْدَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسُ اسْتَشْهَدَ نَفَراً فَشَهِدُوا بِصِدْقِ الرِّوَایَةِ.

، و لنذكر ألفاظ صحاحهم فی روایة مالك بن أوس- علی اختلافها- حتی یتّضح حقیقة الحال.

رَوَی الْبُخَارِیُّ (3) وَ مُسْلِمٌ (4) وَ أَخْرَجَهُ الْحُمَیْدِیُّ وَ حَكَاهُ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (5)

ص: 366


1- و قد سلف بیانه و مصدره.
2- كما أشار لها إجمالا صاحب الغدیر: 7- 194، و قد مرّت منّا مصادرها.
3- صحیح البخاریّ 12- 4 و 5، كتاب الفرائض.
4- صحیح مسلم، كتاب الجهاد، باب حكم الفی ء، حدیث 1757.
5- جامع الأصول 2- 697- 698، حدیث 1202، باختلاف أشرنا لغالبه، و قد حكاه عن الحمیدیّ.

فِی الْفَرْعِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ حَرْفِ الْجِیمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَیَّ عُمَرُ فَجِئْتُهُ حِینَ تَعَالَی النَّهَارُ قَالَ: فَوَجَدْتُهُ فِی بَیْتِهِ جَالِساً عَلَی سَرِیرٍ مُفْضِیاً عَلَی رِمَالِهِ (1) مُتَّكِئاً عَلَی وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ لِی: یَا مَالِ (2)! إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْیَاتِ قَوْمِكَ (3)، وَ قَدْ أَمَرْتُ فِیهِمْ بِرَضْخٍ فَخُذْهُ، فَاقْسِمْ (4) بَیْنَهُمْ.

قَالَ: قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا غَیْرِی. قَالَ: خُذْهُ یَا مَالِ. قَالَ: فَجَاءَ یرفاه (یَرْفَأُ) (5)، فَقَالَ: هَلْ لَكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فِی عُثْمَانَ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَ الزُّبَیْرِ وَ سَعْدٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِی عَبَّاسٍ وَ عَلِیٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ اقْضِ بَیْنِی وَ بَیْنَ هَذَا؟

فَقَالَ الْقَوْمُ: أَجَلْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَاقْضِ بَیْنَهُمْ وَ ارْحَمْهُمْ (6).

قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: فَخُیِّلَ إِلَیَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ:

اتئد (اتَّئِدُوا) (7) أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِی بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ، أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟! قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی الْعَبَّاسِ وَ عَلِیٍّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِی بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ، أَ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ قَالا:

نَعَمْ ... إِلَی آخِرِ الْخَبَرِ.

ص: 367


1- فی المصدر: إلی رماله.
2- أیّ: یا مالك، و هو ترخیم فی المنادی.
3- فی جامع الأصول ... أبیات من قومك ..
4- فی المصدر: فاقسمه.
5- جاء فی المصدر: یرفا، و فی روایة البخاریّ: فجاء حاجبه یرفا، و فی سنن البیهقیّ- فی باب الفی ء-: الیرفأ _ بالألف واللام _ وهو اسم حاجب عمر بن الخطاب.
6- فی المصدر: و ارحهم .. و هو الظّاهر.
7- فی جامع الأصول: اتئدوا ..

ثم

حَكَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (1) عَنِ الْبُخَارِیِّ (2) وَ مُسْلِمٍ (3)

أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، فَرَأَیْتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً ... وَ تَزْعُمَانِ أَنَّهُ فِیهَا كَذَا ..؟ (4).

كما نقلنا سابقا.

و

حَكَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (5) عَنْ أَبِی دَاوُدَ (6) أَنَّهُ قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِیِّ: سَمِعْتُ حَدِیثاً مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَنِی، فَقُلْتُ: اكْتُبْهُ لِی، فَأَتَی بِهِ مَكْتُوباً مُدْبَراً (7): دَخَلَ الْعَبَّاسُ وَ عَلِیٌّ عَلَی عُمَرَ- وَ عِنْدَهُ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ سَعْدٌ- وَ هُمَا یَخْتَصِمَانِ، فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ سَعْدٍ: أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: كُلُّ مَالِ النَّبِیِّ صَدَقَةٌ إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ أَوْ كَسَاهُمْ، إِنَّا لَا نُورَثُ؟! قَالُوا: بَلَی.

توضیح:

قوله: مفضیا إلی رماله .. أی ملقیا نفسه علی الرمال لا حاجز بینهما (8).

و رمال السّریر- بالكسر-: ما رمل أی نسج- جمع رمل- بمعنی مرمول

ص: 368


1- جامع الأصول 2- 701- 703، و قد رواه هنا باختصار و اختزال.
2- صحیح البخاریّ 12- 4 و 5، كتاب الفرائض، باب قول النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله): لا نورث .. إلی آخره، و ذكره فی كتاب الجهاد أیضا، و حكاه عن عدّة مصادر فی الغدیر 7- 226، فراجع.
3- صحیح مسلم، كتاب الجهاد، باب حكم الفی ء، حدیث 1757.
4- و انظر روایات الباب فی كتاب السیر من صحیح الترمذی، باب ما جاء فی تركة رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله حدیث 1610، و سنن أبی داود حدیث 2963 و 2964 و 2965 و 2967، و كتاب الخراج و الإمارة منه، باب فی صفایا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله من الأموال، و سنن النسائی 7- 136- 137، باب الفی ء، و غیرها، و فیه ما لا یخفی، و سیأتی بیان سنده و دلالته، فانتظر.
5- جامع الأصول 3- 311 (تحقیق الأرناووط 2- 706 ذیل حدیث 1202).
6- سنن أبی داود، حدیث 2975.
7- فی المصدر: مذبرا، أیّ منقوطا سهل القراءة.
8- قال فی القاموس 4- 374: أفضی إلی الأرض: مسّها براحته فی سجوده. و قال فی النهایة 3- 456: أفضی المكان: اتّسع، و الإفضاء: جعل الشی ء فضاء لا شی ء فیه.

كالخلق بمعنی المخلوق، و المراد به أنّه كان السّریر قد نسج وجهه بالسّعف و لم یكن علی السّریر وطاء سوی الحصیر (1).

و الوسادة: المخدّة (2).

و دفّ أهل أبیات .. أی دخلوا المصر، یقال: دفّ دافّة من العرب (3).

و الرّضخ- بالضّاد و الخاء المعجمتین-: العطاء القلیل (4).

و یرفأ- بالرّاء و الفاء و الهمزة، علی صیغة المضارع كیمنع- علم، مولی عمر ابن الخطّاب (5).

و اتّئد: أمر من التّؤدة أی التّأنّی و التّثبّت (6).

و مدبرا أی مسندا (7)، و ألفاظ باقی الأصول مذكورة فی جامع الأصول.

و لا یذهب علی ذی فطنة أنّ شهادة الأربعة التی تضمّنتها الروایة الأولی و الثانیة علی اختلافهما لم یكن من حیث الروایة و السماع عن الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، بل لثبوت الروایة عندهم بقول أبی بكر، بقرینة أنّ عمر ناشد علیّا علیه السلام و العباس: أ تعلمان أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله قال (8): لا نورث ما تركناه صدقة؟ فقالا (9): نعم، و ذلك لأنّه لا یقدر أحد فی ذلك الزمان علی تكذیب

ص: 369


1- ذكره فی النهایة 2- 265، إلّا أنّه لم یذكر ضبطه. و جعلوا الرمال- بالكسر- جمع رمل كما فی القاموس 3- 386، و قال: رمّل السریر أو الحصیر: زیّنه بالجوهر و نحوه، و السریر: رمل شریطا فجعله ظهرا له.
2- جاء فی النهایة 5- 182، و القاموس 1- 345.
3- كما فی النهایة 2- 124، و انظر: القاموس 3- 141 و غیرهما.
4- كما جاء فی النهایة 2- 228، و القاموس 1- 260 و غیرهما.
5- قاله فی القاموس 1- 16، و جملة كتب التراجم و الرجال.
6- كما ذكره فی النهایة 1- 178، و قارن بالقاموس 1- 279 و غیره.
7- قال فی القاموس 2- 26: أدبر الحدیث عنه: حدّثه عنه بعد موته. و قال فی النهایة 2- 98: یدبّره عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: أی یحدّث به عنه.
8- قال، لا توجد فی (س).
9- فی (س): فقال.

تلك الروایة، و قد قال عمر فی آخر الروایة: رأیتماه- یعنی أبا بكر- كاذبا آثما غادرا خائنا .. و كذا فی حقّ نفسه.

و العجب أنّ القاضی لم یجعل علیّا علیه السلام و العباس شاهدین علی الروایة مع تصدیقهما كما صدّق الباقون، بل جمیع الصحابة، لأنّهم یشهدون بصدقهما.

و قال ابن أبی الحدید (1)

بعد حكایة كلام السیّد رضی اللّٰه عنه- فی أنّ الاستشهاد كان فی خلافة عمر دون أبی بكر، و أنّ معول المخالفین علی إمساك الأمّة عن النكیر علی أبی بكر دون الاستشهاد، ما هذا لفظه-: قلت: صدق المرتضی رحمه اللّٰه فیما قال، أمّا عقیب وفاة النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و مطالبة فاطمة علیها السلام بالإرث فلم یرو الخبر إلّا أبو بكر وحده، و قیل إنّه رواه معه مالك بن أوس بن (2) الحدثان، و أمّا المهاجرون الّذین ذكرهم قاضی القضاة فقد شهدوا بالخبر فی خلافة عمر، و قد تقدّم ذكر ذلك.

و قال (3)

فی الموضع المتقدّم الذی أشار إلیه و هو الفصل الذی ذكر فیه روایات أبی البختریّ.

علی ما رواه أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ عَلِیٌّ وَ الْعَبَّاسُ إِلَی عُمَرَ وَ هُمَا یَخْتَصِمَانِ، فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ سَعْدٍ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ! أَ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ:

كُلُّ مَالِ نَبِیٍّ فَهُوَ صَدَقَةٌ إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ، إِنَّا لَا نُورَثُ؟! فَقَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:

فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَتَصَدَّقُ بِهِ وَ یَقْسِمُ فَضْلَهُ، ثُمَّ تُوُفِّیَ فَوَلِیَهُ أَبُو بَكْرٍ سَنَتَیْنِ یَصْنَعُ فِیهِ مَا كَانَ یَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ وَ أَنْتُمَا تَقُولَانِ:

إِنَّهُ كَانَ بِذَلِكَ خَاطِئاً؟ وَ كَانَ بِذَلِكَ ظَالِماً؟ وَ مَا كَانَ بِذَلِكَ إِلَّا رَاشِداً، ثُمَّ وَلِیتُهُ بَعْدَ

ص: 370


1- فی شرحه علی نهج البلاغة 16- 245 بنصّه.
2- سقطت: بن، فی (ك).
3- قاله ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 16- 227 بتصرّف و اختصار، و نظیر هذه الروایة جاءت فی نفس المجلد صفحة: 222 و 224 فراجع.

أَبِی بَكْرٍ فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنْ شِئْتُمَا قَبِلْتُمَاهُ عَلَی عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ وَ عَهْدِهِ الَّذِی عَهِدَ فِیهِ، فَقُلْتُمَا: نَعَمْ، وَ جِئْتُمَانِی الْآنَ تَخْتَصِمَانِ، یَقُولُ هَذَا: أُرِیدُ نَصِیبِی مِنِ ابْنِ أَخِی، وَ یَقُولُ هَذَا: أُرِیدُ نَصِیبِی مِنِ امْرَأَتِی! وَ اللَّهِ لَا أَقْضِی بَیْنَكُمَا إِلَّا بِذَلِكَ.

قال ابن أبی الحدید (1): قلت: هذا مشكل (2)، لأنّ أكثر الروایات أنّه لم یرو هذا الخبر إلّا أبو بكر وحده، ذكر ذلك معظم (3) المحدّثین، حتی أنّ الفقهاء فی أصول الفقه أطبقوا علی (4) ذلك فی احتجاجهم بالخبر بروایة الصحابیّ الواحد.

و قال شیخنا أبو علیّ: لا یقبل (5) فی الروایة إلّا روایة اثنین كالشهادة، فخالفه المتكلّمون و الفقهاء كلّهم، و احتجّوا علیه بقول الصحابة

رِوَایَةَ أَبِی بَكْرٍ وَحْدَهُ، قَالَ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ لَا نُورَثُ.

، حتی أنّ بعض أصحاب أبی علیّ تكلّف لذلك جوابا، فقال: قد روی أنّ أبا بكر یوم حاجّ فاطمة علیها السلام، قال: أنشد اللّٰه امرأ سمع من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله فی هذا شیئا؟ فروی مالك بن أوس بن الحدثان، أنّه سمع (6) من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و سلّم، و هذا الحدیث ینطق بأنّه استشهد عمر طلحة و الزبیر و عبد الرحمن و سعدا، فقالوا:

سمعناه من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، فأین كانت هذه الروایات أیّام أبی بكر؟! ما نقل أنّ أحدا من هؤلاء یوم خصومة فاطمة علیها السلام و أبی بكر روی من هذا شیئا، انتهی.

فظهر أنّ قول هذا القاضی لیس إلّا شهادة زور، و لو كان لما ذكره من

ص: 371


1- فی شرحه علی نهج البلاغة 16- 227- 228 بتصرّف.
2- فی المصدر: و هذا أیضا.
3- فی شرح النهج: أعظم.
4- لا توجد: علی، فی (س).
5- فی المصدر: لا تقبل.
6- فی شرح النهج: سمعه.

استشهاد أبی بكر مستند لأشار إلیه كما هو الدأب فی مقام الاحتجاج.

و أمّا هذه الروایة التی رواها ابن أبی الحدید، فمع أنّها لا تدلّ علی الاستشهاد فی خلافة أبی بكر فلا تخلو من تحریف، لما عرفت من أنّ لفظ روایة أبی البختری- علی ما رواه أبو داود، و حكاه فی جامع الأصول-: أ لم تعلموا أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله قال: كلّ مال النبیّ صدقة، لا: أسمعتم رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله- كما رواه الجوهری- علی أنّه لا یقوم فیما تفرّدوا به من الأخبار حجّة علینا، و إنّما الاحتجاج بالمتّفق علیه، أو ما اعترف به الخصم، و الاستشهاد علی الروایة لم یثبت عندنا لا فی أیّام أبی بكر و لا فی زمن عمر.

ثم أورد السیّد (1) رحمه اللّٰه علی كلام صاحب المغنی: بأنّا لو سلّمنا استشهاد من ذكر علی الخبر لم یكن فیه حجّة، لأنّ الخبر علی كلّ حال لا یخرج من أن یكون غیر موجب للعلم، و هو فی حكم أخبار الآحاد، و لیس یجوز أن یرجع عن ظاهر القرآن بما یجری هذا المجری، لأنّ المعلوم لا یخصّ إلّا بمعلوم ..

قال: علی أنّه لو سلّم لهم أنّ الخبر الواحد یعمل به فی الشرع لاحتاجوا (2) إلی دلیل مستأنف، علی أنّه یقبل فی تخصیص القرآن، لأنّ ما دلّ علی العمل به فی الجملة لا یتناول هذا الموضع، كما لا یتناول جواز النسخ به (3).

و تحقیق هاتین المسألتین من وظیفة أصول الفقه.

و الثانی:

أنّ رواة الخبر كانوا متّهمین فی الروایة بجلب النفع من حیث حلّ الصدقة علیهم- كما تقدّم فی القسم الأوّل- و ما أجاب به شارح كشف الحقّ من الفرق بین الروایة و الشهادة، و أنّ التهمة إنّما تضرّ فی الشهادة دون الروایة،

ص: 372


1- الشافی: 230- حجریّة- (الطبعة الجدیدة 4- 66) بتصرّف یسیر.
2- كذا فی المصدر، و فی المتن المطبوع: لا احتاجوا .. و لا معنی له.
3- الشافی 4- 67.

فسخیف جدا، و لم یقل أحد بهذا الفرق (1) غیره.

الثالث و الرابع:

ما تقدّم فی الإیراد الثالث و الرابع من القسم الأوّل..

الخامس:

ما تقدّم من وجوب البیان للورثة.

السادس:

ما تقدّم فی السادس..

و أمّا القسم الثالث:

و هو أن یكون مناط الحكم علی علم أبی بكر مع شهادة النفر، و كذلك الرابع، و هو أن یكون الاعتماد علی روایته معهم، فقد ظهر بطلانهما ممّا سبق، فإنّ المجموع و إن كان أقوی من كلّ واحد من الجزءین إلّا أنّه لا یدفع التهمة و لا مناقضة الآیات الخاصّة و لا باقی الوجوه السابقة.

و قد ظهر بما تقدّم أنّ الجواب عن قول أبی علیّ: أ تعلمون كذب أبی بكر أم تجوّزون صدقه؟ و قد علم أنّه لا شی ء یعلم به كذبه قطعا، فلا بدّ من تجویز كونه صادقا- كما حكاه فی المغنی-: هو إنّا نعلم كذبه قطعا، و الدلیل علیه ما تقدّم من الوجوه الستّة المفصّلة و إنّ تخصیص الآیات بهذا الخبر (2) لیس من قبیل تخصیصها فی القاتل و العبد كما ذكره قاضی القضاة، إذ مناط الثانی روایات معلومة الصدق، و الأوّل خبر معلوم الكذب، و قد سبق فی خطبة فاطمة صلوات اللّٰه علیها استدلالها بقوله تعالی: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ (3)، و بثلاث من الآیات السابقة، و هو یدلّ مجملا علی بطلان ما فصلوه من الأجوبة.

ثم إنّ بعض الأصحاب حمل الروایة علی وجه لا یدلّ علی ما فهم منها الجمهور، و هو أن یكون ما تركنا صدقة مفعولا ثانیا للفعل أعنی نورث، سواء كان بفتح الراء علی صیغة المجهول من قولهم: ورثت أبی شیئا، أو بكسرها من قولهم:

أورثه الشی ء أبوه، و أمّا بتشدید الراء، فالظاهر أنّه لحن، فإنّ التوریث إدخال أحد

ص: 373


1- خ. ل: بالفرق. جاء علی مطبوع البحار.
2- فی (ك): من هذا الخبر.
3- الأنفال: 75، و الأحزاب: 6.

فی المال علی الورثة- كما ذكره الجوهری (1)

و هو لا یناسب شیئا من المحامل، و یكون صدقة منصوبا علی أن یكون مفعولا لتركنا، و الإعراب لا تضبط فی أكثر (2) الروایات، و یجوز أن یكون النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله وقف علی الصدقة فتوهّم أبو بكر أنّه بالرفع، و حینئذ یدلّ علی أنّ ما جعلوه صدقة فی حال حیاتهم لا ینتقل بموتهم إلی الورثة، أی ما نووا فیه الصدقة من غیر أن یخرجوه من أیدیهم لا یناله الورثة حتی یكون للحكم اختصاص بالأنبیاء علیهم السلام، و لا یدلّ علی حرمان الورثة ممّا تركوه مطلقا، و الحقّ أنّه لا یخلو عن بعد، و لا حاجة لنا إلیه لما سبق، و أمّا الناصرون لأبی بكر فلم یرضوا به و حكموا ببطلانه، و إن كان لهم فیه التخلّص عن القول بكذب أبی بكر، فهو إصلاح لم یرض به أحد المتخاصمین، و لا یجری فی بعض روایاتهم.

و اعلم: أنّ بعض المخالفین استدلّوا علی صحّة الروایة و ما حكم به أبو بكر بترك الأمّة النكیر علیه، و قد ذكر السیّد الأجل رضی اللّٰه عنه فی الشافی كلامهم ذلك علی وجه السؤال و أجاب عنه بقوله (3):

فإن قیل: إذا كان أبو بكر قد حكم بخطإ فی دفع فاطمة علیها السلام من المیراث (4) و احتجّ بخبر لا حجّة فیه فما بال الأمّة أقرّته علی هذا الحكم، و لم تنكر علیه؟! و فی رضاها و إمساكها دلیل علی صوابه.

قلنا: قد مضی أنّ ترك النكیر لا یكون دلیل الرضا إلّا فی الموضع الذی لا یكون له وجه سوی الرضا، و بیّنا فی الكلام علی إمامة أبی بكر هذا الموضع بیانا شافیا.

ص: 374


1- الصحاح 1- 296.
2- فی (س) هنا كلمة: الأوقات، و قد خطّ علیها فی (ك)، إذ لا معنی لها.
3- الشافی: 233- الحجریّة- (4- 84) بتصرّف ذكرنا غالبه.
4- فی المصدر: عن المیراث.

و قد أجاب أبو عثمان الجاحظ (1) فی كتاب العباسیّة (2) عن هذا السؤال جوابا جیّد المعنی و اللفظ، نحن نذكره علی وجهه لیقابل بینه و بین كلامه فی العثمانیّة و غیرها، قال: و قد زعم ناس أنّ الدلیل علی صدق خبرهما- یعنی أبا بكر و عمر فی منع المیراث و براءة ساحتهما ترك أصحاب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و سلّم النكیر علیهما، ثم قال: فیقال لهم (3): لئن كان ترك النكیر دلیلا علی صدقهما لیكونن ترك النكیر علی المتظلّمین منهما و المحتجبین علیهما و المطالبین لهما بدلیل (4) دلیلا علی صدق دعواهم، و استحسان (5) مقالتهم، لا سیّما و قد طالت المشاحّات (6)، و كثرت المراجعة و الملاحات (7)، و ظهرت الشكیمة (8)، و اشتدّت الموجدة،.

وَ قَدْ بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ حَتَّی أَنَّهَا أَوْصَتْ أَنْ لَا یُصَلِّیَ عَلَیْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَ قَدْ كَانَتْ قَالَتْ لَهُ حِینَ أَتَتْهُ طَالِبَةً بِحَقِّهَا، وَ مُحْتَجَّةً بِرَهْطِهَا (9): مَنْ یَرِثُكَ یَا أَبَا بَكْرٍ إِذَا مِتَّ؟ قَالَ: أَهْلِی وَ وُلْدِی. قَالَتْ: فَمَا بَالُنَا لَا نَرِثُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) ؟! فَلَمَّا مَنَعَهَا مِیرَاثَهَا، وَ بَخَسَهَا حَقَّهَا، وَ اعْتَلَ

ص: 375


1- لا توجد كلمة: الجاحظ فی (س).
2- هذا كلام السیّد المرتضی حكاه عن الجاحظ، و قد حكاه أیضا الشیخ عبد الحمید بن أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغة 16- 263- 267، و العلّامة الأمینی فی غدیره 7- 229- 231 عن رسائل الجاحظ: 300 بتصرّف و اختلاف كثیر تعرّضنا له إجمالا.
3- كذا فی المتن و المصدر، إلّا أنّه فی شرح النهج: قد یقال، و فی الغدیر عن رسائل الجاحظ: قد یقال لهم ...
4- لا توجد فی المصدر: بدلیل.
5- فی شرح النهج: لهما دلیلا ... أو استحسان ..
6- فی شرح النهج و الغدیر عن رسائل الجاحظ: المناجاة، و فی بقیة المصادر: المحاجات، و هو الظاهر.
7- كذا، و الظاهر: الملاحاة.
8- و فی شرح النهج و المصادر: الشكیة. قال فی القاموس 4- 136: و الشكیمة: الأنفة و الانتصار من الظلم.
9- فی شرح نهج البلاغة: لرهطها، و ما هنا جاء فی الشّافی.

عَلَیْهَا، وَ لَجَّ (1) فِی أَمْرِهَا، وَ عَایَنَتِ التَّهَضُّمَ، وَ أَیِسَتْ مِنَ النُّزُوعِ (2)، وَ وَجَدَتْ مَسَّ الضَّعْفِ (3) وَ قِلَّةَ النَّاصِرِ، قَالَتْ: وَ اللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَلَیْكَ. قَالَ: وَ اللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ لَكِ. قَالَتْ: وَ اللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَداً. قَالَ: وَ اللَّهِ لَا أَهْجُرُكِ أَبَداً.

فإن یكن ترك النّكیر علی (4) أبی بكر دلیلا علی صواب منعه (5)، إنّ فی ترك النكیر علی فاطمة (علیها السلام) دلیلا علی صواب طلبها، و أدنی ما كان یجب علیهم فی ذلك تعریفها ما جهلت، و تذكیرها ما نسیت، و صرفها عن الخطإ، و رفع قدرها عن البذاء، و أن تقول هجرا، أو تجوّر عادلا، أو تقطع واصلا، فإذا لم نجدهم أنكروا علی الخصمین جمیعا فقد تكافأت الأمور، و استوت الأسباب، و الرجوع إلی أصل حكم اللّٰه فی المواریث أولی بنا و بكم، و أوجب علینا و علیكم.

و إن قالوا: كیف یظنّ (6) ظلمها و التعدّی علیها! و كلّما ازدادت فاطمة علیها السلام علیه غلظة ازداد لها لینا و رقّة، حیث تقول: و اللّٰه لا أكلّمك أبدا! فیقول:

و اللّٰه لا أهجرك أبدا (7)، ثم تقول: و اللّٰه لأدعون اللّٰه علیك، فیقول: و اللّٰه لأدعوّن اللّٰه (8) لك.

ثم یحتمل (9) هذا الكلام الغلیظ و القول الشدید فی دار الخلافة، و بحضرة قریش و الصحابة، مع حاجة الخلافة إلی البهاء و الرفعة (10)، و ما یجب لها من

ص: 376


1- كذا، و فی شرح نهج البلاغة: جلح، و جاءت فی جملة من المصادر، و جلح فی أمرها: أیّ جاهر به و كاشفها، و لعلّ الكلمة مشدّدة.
2- كذا فی المتن و الشّافی، و فی شرح نهج البلاغة: التّورّع.
3- فی شرح نهج البلاغة: و وجدت نشوة الضّعف.
4- فی الشافی: النكیر منهم علی ..
5- كذا فی المتن و الشافی، و فی بقیة المصادر: منعها.
6- فی شرح النهج و غیره: تظن به .. و فی الشافی: نظن بأبی بكر ..
7- فی (س): و اللّٰه أبدا، و خطّ علیها فی (ك)، و لا توجد فی المصادر التی بأیدینا.
8- لا یوجد لفظ الجلالة فی (س)، و هو مثبت فی المصادر.
9- فی الغدیر عن رسائل الجاحظ: ثم یتحمل منها، و هو الظاهر.
10- فی المصادر: التنزیه، بدلا من: الرفعة.

التنویه (1) و الهیبة، ثم لم یمنعه ذلك أن قال- معتذرا أو متقرّبا، كلام المعظّم لحقّها، المكبر لقیامها (2)، و الصائن لوجهها، و المتحنّن علیها-: ما أحد أعزّ علیّ منك فقرا، و لا أحبّ إلیّ منك غنی، و لكن (3)

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ یَقُولُ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ!.

قیل لهم: لیس ذلك بدلیل علی البراءة من الظّلم، و السلامة من الجور (4)، و قد یبلغ من مكر الظالم و دهاء الماكر إذا كان أریبا (5) و للخصومة معتادا أن یظهر كلام المظلوم و ذلّة المنتصف (6)، و جدة الوامق (7)، و مقة المحقّ، و كیف جعلتم ترك النكیر حجّة قاطعة، و دلالة واضحة؟! و قد زعمتم أنّ عمر قال علی منبره: متعتان كان (8) علی عهد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: متعة النساء و متعة الحجّ، أنا أنهی عنهما و أعاقب علیهما (9)، فما وجدتم أحدا أنكر قوله، و لا استشنع مخرج نهیه، و لا خطّأه فی معناه، و لا تعجّب منه و لا استفهمه!.

ص: 377


1- فی شرح النهج و الغدیر: الرفعة، بدلا من: التنویة.
2- فی الشافی و بقیة المصادر: لمقامها، و هو الظاهر.
3- فی شرح النهج: و لكنّی.
4- فی الشافی: العمد، بدلا من: الجور.
5- فی الشافی: أدیبا.
6- قال فی تاج العروس فی مادّة نصف: یقال انتصف منه: إذا استوفی حقّه منه كاملا حتّی صار كلّ علی النصف سواء.
7- فی المصادر: و حدب الوامق، قال فی الصحاح 1- 108: حدب علیه و تحدّب علیه: تعطّف علیه، و قال فی القاموس 3- 290: ومقه- كورثه- ومقا ومقة: أحبّه فهو وامق.
8- فی المصادر: كانتا، و هو الظاهر.
9- هذه من الروایات المستفیضة عند القوم إن لم نقل إنّها متواترة إجمالا- لا معنی-، انظر عنها: البیان و التبیین للجاحظ 2- 223، و أحكام القرآن للجصّاص 1- 342 و 345، 2- 184، تفسیر القرطبیّ 2- 370، تفسیر الفخر الرازیّ 2- 167 و 3- 201 و 202، كنز العمّال 8- 293، و انظر: بألفاظ مقاربة فی الدرّ المنثور 2- 140 و غیره، و سنوافیك بمصادر أخر فی محلّها المناسب بإذن اللّٰه تعالی.

و كیف تقضون بترك (1) النكیر؟ و قد

شَهِدَ عُمَرُ یَوْمَ السَّقِیفَةِ وَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ (2).

، ثم قال فی مكانه (3): لو كان سالم حیّا ما یخالجنی فیه شكّ (4)، حین أظهر الشّك فی استحقاق كلّ واحد من الستّة الّذین جعلهم شوری، و سالم عبد لامرأة من الأنصار و هی أعتقته، و حازت میراثه، ثم لم ینكر ذلك من قریش قوله (5) منكر، و لا قابل إنسان بین قولیه (6)، و لا تعجّب منه، و إنّما یكون ترك النّكیر علی من لا رغبة و لا رهبة عنده دلیلا علی صدق قوله و ثواب (7) عمله، فأمّا ترك النّكیر علی من یملك الضّعة و الرّفعة، و الأمر و النهی، و القتل و الاستحیاء، و الحبس و الإطلاق، فلیس بحجّة تشفی، و لا دلیل یغنی (8).

قال: و قال آخرون: بل الدلیل علی صدق قولهما، و صواب عملهما، إمساك الصحابة عن خلعهما، و الخروج علیهما، و هم الّذین وثبوا علی عثمان فی أیسر من

ص: 378


1- فی الشافی: و تقضون فی معناه بترك ..
2- أخرجه غیر واحد من الحفاظ و صحّحه ابن حزم فی الفصل 4- 89، و قال: هذه الرّوایة جاءت مجی ء التّواتر، و رواها أنس بن مالك و عبد اللّٰه بن عمر و معاویة و .. غیرهم كما جاء فی حاشیة الغدیر 7- 231.
3- فی شرح نهج البلاغة: شكاته بدل مكانه. و فی الغدیر عن رسائل الجاحظ: فی شكایته، و هو الظاهر.
4- كما جاء فی الطبقات لابن سعد 3- 248، و التمهید للباقلانی: 204، و الاستیعاب 2- 561، و أسد الغابة 2- 246 و ... مصادر عدّة.
5- فی (س): من قوله، و فی الشافی: لم ینكر ذلك من قوله منكر، و لا یوجد فی الغدیر: قریش، و به یتمّ المعنی، كما لا یوجد فی شرح النهج: من قریش.
6- فی الغدیر: من قوله، و فی الشافی: بین خبریه.
7- فی شرح النهج و المصادر: صواب عمله، و هو الصواب.
8- فی الشافی: فلیس بحجّة تقیّ و لا دلالة تضی. و قد وردت الجملة الأخیرة فی كلّ المصادر التی بأیدینا، و إلی هنا نقل شیخنا الأمینی فی غدیره 7- 229- 231 عن رسائل الجاحظ.

جحد التنزیل، و ردّ النصوص، و لو كانوا كما یقولون و یصفون (1) ما كان سبیل الأمّة فیهما إلّا كسبیلهم فیه، و عثمان كان أعزّ نفرا، و أشرف رهطا، و أكثر عددا و ثروة، و أقوی عدّة.

قلنا: إنّهما لم یجحدا التنزیل، و لم ینكرا (2) المنصوص، و لكنّهما بعد إقرارهما بحكم المیراث و ما علیه الظاهر من الشریعة ادّعیا روایة، و تحدّثا بحدیث لم یكن محالا (3) كونه، و لا یمتنع (4) فی حجج العقول مجیئه، و شهد لهما علیه من علّته مثل علّتهما فیه، و لعلّ بعضهم كان یری التصدیق للرجل (5) إذا كان عدلا فی رهطه، مأمونا فی ظاهره، و لم یكن قبل ذلك عرفه بفجرة، و لا جرب علیه (6) غدرة، فیكون تصدیقه له علی جهة حسن الظنّ و تعدیل الشاهد، و لأنّه لم یكن كثیر منهم یعرف حقائق الحجج، و الّذی یقطع بشهادته علی الغیب، و كان ذلك شبهة علی أكثرهم، فلذلك قلّ النّكیر، و تواكل الناس، و اشتبه الأمر، فصار لا یتخلّص إلی معرفة حقّ ذلك من باطله، إلّا العالم المتقدّم، و المؤیّد المرشد (7)، و لأنّه لم یكن لعثمان فی صدور (8) العوام، و فی قلوب السّفلة و الطّغام ما كان لهما من الهیبة و المحبّة (9)، و لأنّهما كانا أقلّ استئثارا بالفی ء، و أقلّ تفكّها بمال اللّٰه (10) منه، و من

ص: 379


1- فی شرح نهج البلاغة: و لو كان كما تقولون و ما تصفون ..، و فی الشافی: المنصوص، و لو كانا كما یقولون و ما یصفون.
2- فی (ك): إنّهما لم یجحد التنزیل و لم ینكر- بدون ألف التثنیة-.
3- فی الشافی: بمحال.
4- فی شرح النهج: و لا ممتنعا.
5- فی شرح النهج: تصدیق الرجل.
6- فی الشافی و شرح النهج: جرت علیه.
7- فی الشافی: المسترشد .. و هو الظاهر.
8- فی (س): صدر.
9- فی شرح النهج: المحبّة و الهیبة.
10- فی شرح النهج: و تفضّلا بمال اللّٰه.

شأن الناس إهمال (1) السلطان ما وفّر علیهم أموالهم، و لا یستأثر (2) بخراجهم، و لم یعطّل ثغورهم، و لأنّ الّذی صنع أبو بكر من منع العترة حظّها (3)، و العمومة میراثها، قد كان موافقا لجلّة قریش، و لكبراء (4) العرب، و لأنّ عثمان أیضا كان مضعوفا فی نفسه، مستخفّا بقدره، لا یمنع ضیما، و لا یقمع عدوّا، و لقد وثب ناس علی عثمان بالشتم و القذف و التشنیع و النكیر (5)، لأمور لو أتی عمر أضعافها، و بلغ أقصاها، لما اجترءوا علی اغتیابه فضلا عن مبادأته (6)، و الإغراء به و مواجهته، كما أغلظ عیینة بن حصین (7) له، فقال له: أما إنّه لو كان عمر لقمعك و منعك؟

فقال عیینة: إنّ عمر كان خیرا لی منك، أرهبنی فأبقانی (8).

ثم قال: و العجب أنّا وجدنا جمیع من خالفنا فی المیراث علی اختلافهم فی التشبیه و القدر و الوعید یردّ كلّ صنف منهم من أحادیث مخالفیه و خصومه ما هو أقرب استنادا، و أوضح (9) رجالا، و أحسن اتّصالا، حتّی إذا صاروا إلی القول فی میراث النبیّ صلّی اللّٰه علیه و سلّم نسخوا الكتاب، و خصّوا الخبر العام بما لا یدانی بعض ما رووه (10)، و أكذبوا ناقلیه (11)، و ذلك إنّ كلّ إنسان منهم إنّما یجری إلی

ص: 380


1- فی (س): خ. ل: احتمال.
2- فی شرح النهج و الشافی: و لم یستأثر.
3- فی شرح النهج: حقّها.
4- فی (ك): الكبراء، و هو غلط، و فی الشافی و شرح النهج: كبراء، و هو الظاهر.
5- لا توجد فی (س): و النكیر، و فی شرح النهج: التنكیر.
6- جاء فی حاشیة (ك): و بادی فلانا بالعداوة .. أی جاهر بها. صحاح.
7- فی الشافی و شرح النهج: عیینة بن حصن، و هو الظاهر.
8- فی شرح النهج: فاتّقانی، و فی الشافی: و هبنی فاتّقانی.
9- فی الشافی و شرح النهج: أقرب إسنادا و أصحّ ..
10- فی شرح النهج: ردوه.
11- فی شرح النهج: قائلیه.

هواه، و یصدق ما وافق رضاه .. هذا آخر كلام الجاحظ (1).

ثم قال السیّد رضی اللّٰه عنه (2): فإن قیل: لیس ما عارض به الجاحظ من الاستدلال بترك النكیر، و قوله: كما لم ینكروا علی أبی بكر، فلم ینكروا أیضا علی فاطمة علیها السلام و لا غیرها من المطالبین (3) بالمیراث كالأزواج و غیرهنّ معارضة صحیحة، و ذلك أنّ نكیر أبی بكر لذلك و دفعه و الاحتجاج علیه یكفیهم و یغنیهم عن تكلّف نكیر (4)، و لم ینكر علی أبی بكر ما رواه منكر فیستغنوا بإنكاره (5).

قلنا: أوّل ما یبطل هذا السؤال أنّ أبا بكر لم ینكر علیها ما أقامت علیه بعد احتجاجها بالخبر من التظلّم و التألّم، و التعنیف و التبكیت (6)، و قولها- علی ما روی-:

و اللّٰه لأدعونّ اللّٰه علیك ...، و لا كلّمتك أبدا، و ... ما جری هذا المجری، فقد كان یجب أن ینكره غیره، فمن المنكر الغضب علی المنصف. و بعد، فإن كان إنكار أبی بكر مقنعا أو مغنیا عن إنكار غیره من المسلمین، فإنكار فاطمة علیها السلام حكمه، و مقامها علی التظلّم منه یغنی (7) عن نكیر غیرها، و هذا واضح لمن أنصف من نفسه. انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه..

ص: 381


1- و قد حكاه السیّد المرتضی فی الشافی 4- 84- 89 و فی الطبعة الحجریّة 233- 234 و ابن أبی الحدید فی شرح النهج 16- 263- 267 كما سلف.
2- و حكاه ابن أبی الحدید أیضا فی شرحه علی النهج 16- 267- 268 باختلاف و تصرّف.
3- فی الشافی: و لا علی غیرها من المطالبین، و فی شرح النهج: و لا غیرها من الطالبین.
4- فی الشافی و شرح النهج: نكیر آخر.
5- الشافی 4- 89- 90 (و فی الطبعة الحجریّة: 234) بتصرّف یسیر.
6- فی (ك): التكیت، و هو غلط. و قد جاء فی حاشیتها ما نصّه: التّبكیت- كالتّقریع و التّوبیخ- كما یقال له: یا فاسق أ ما استحییت؟، أ ما خفت اللّٰه .. قال الهروی: و یكون بالید و العصا، و یقال: بكته بالحجة : إذا غلبه ، وقد یكون التبكیت بلفظ الخبر ، كما فی قول إبراهیم علیه السلام : « بل فعله كبیرهم هذا .. » فإنه تبكیت وتوبیخ علی عبادتهم الأصنام. مجمع. انظر : مجمع البحرین ٢ _ ١٩٢.
7- فی شرح النهج لابن أبی الحدید: مغن.
الخامسة:

قال ابن أبی الحدید (1): اعلم أنّ الناس یظنّون أنّ نزاع فاطمة (علیها السلام) أبا بكر كان فی أمرین: فی المیراث و النّحلة، و قد وجدت فی الحدیث أنّها نازعت فی أمر ثالث، و منعها أبو بكر إیّاه أیضا، و هو سهم ذی القربی.

رَوَی أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ (2) عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ لَمَّا أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَتْ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِی حُرِّمَ عَلَیْنَا (3) أَهْلَ الْبَیْتِ (علیهم السلام) مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَیْنَا مِنَ الْغَنَائِمِ فِی الْقُرْآنِ مِنْ سَهْمِ ذَوِی الْقُرْبَی! ثُمَّ قَرَأَتْ عَلَیْهِ قَوْلَهُ تَعَالَی: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی (4) الْآیَةَ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: بِأَبِی أَنْتِ وَ أُمِّی وَ وَالِدٌ وَلَدَكِ (5) السَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَ لِحَقِّ رَسُولِهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ حَقِّ قَرَابَتِهِ، وَ أَنَا أَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِی تَقْرَءِینَ (6)، وَ لَمْ یَبْلُغْ عِلْمِی مِنْهُ أَنَّ هَذَا السَّهْمَ مِنَ الْخُمُسِ مُسَلَّمٌ إِلَیْكُمْ (7) كَامِلًا؟

قَالَتْ: أَ مِلْكٌ هُوَ لَكَ وَ لِأَقْرِبَائِكَ (8)؟! قَالَ: لَا، بَلْ أُنْفِقُ عَلَیْكُمْ مِنْهُ وَ أَصْرِفُ الْبَاقِیَ فِی مَصَالِحِ الْمُسْلِمِینَ. قَالَتْ: لَیْسَ هَذَا بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَی؟! فَقَالَ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) عَهِدَ إِلَیْكِ فِی هَذَا عَهْداً (9) صَدَّقْتُكِ وَ سَلَّمْتُهُ كُلَّهُ إِلَیْكِ وَ إِلَی أَهْلِكِ. قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمْ یَعْهَدْ إِلَیَّ فِی

ص: 382


1- فی شرحه علی نهج البلاغة 16- 230- 231 باختلاف یسیر.
2- فی شرح النّهج: أخبرنی أبو زید عمر بن شبه، قال: حدّثنی هارون بن عمیر، قال: حدّثنا الولید بن مسلم، قال: حدّثنا صدقة أبو معاویة، عن محمّد بن عبد اللّٰه، عن محمّد بن عبد الرّحمن أبی بكر، عن یزید الرّقاشیّ، عن أنس بن مالك.
3- فی شرح النّهج: الّذی ظلمتنا علیه.
4- الأنفال: 41.
5- فی (ك): خ. ل: و ولدك ولدی.
6- فی المصدر: تقرءین منه.
7- فی شرح النّهج: یسلم إلیكم.
8- فی المصدر: أ فلك هو و لأقربائك؟.
9- فی شرح النّهج: أو أوجبه لكم حقّا.

ذَلِكَ بِشَیْ ءٍ، إِلَّا أَنِّی سَمِعْتُهُ یَقُولُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ: أَبْشِرُوا آلَ مُحَمَّدٍ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْغِنَی (1)!. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ یَبْلُغْ مِنْ (2) هَذِهِ الْآیَةِ أَنْ أُسَلِّمَ إِلَیْكُمْ هَذَا السَّهْمَ كُلَّهُ كَامِلًا، وَ لَكِنْ لَكُمُ الْغِنَی (3) الَّذِی یُغْنِیكُمْ وَ یُفَضِّلُ عَنْكُمْ، وَ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ غَیْرُهُمَا فَاسْأَلِیهِمْ عَنْ ذَلِكِ وَ انْظُرِی هَلْ یُوَافِقُكِ عَلَی مَا طَلَبْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟ فَانْصَرَفَتْ إِلَی عُمَرَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لِأَبِی بَكْرٍ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ مَا قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَعَجَّبَتْ (4) فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ وَ تَظَنَّتْ أَنَّهُمَا قَدْ تَذَاكَرَا ذَلِكَ وَ اجْتَمَعَا عَلَیْهِ.

ثم قَالَ: قَالَ (5) أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ: حَدَّثَنَا أَبُو زَیْدٍ- بِإِسْنَادِهِ إِلَی عُرْوَةَ قَالَ: أَرَادَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ أَبَا بَكْرٍ عَلَی فَدَكَ وَ سَهْمِ ذِی الْقُرْبَی، فَأَبَی عَلَیْهَا وَ جَعَلَهُمَا فِی مَالِ اللَّهِ تَعَالَی.

ثم رَوَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ (6) عَلَیْهِمَا السَّلَامُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مَنَعَ فَاطِمَةَ (علیها السلام) وَ بَنِی هَاشِمٍ سَهْمَ ذِی الْقُرْبَی وَ جَعَلَهَا (7) فِی سَبِیلِ اللَّهِ فِی السِّلَاحِ وَ الْكُرَاعِ.

ثم رَوَی بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قُلْتُ: أَ رَأَیْتَ عَلِیّاً (علیه السلام) حِینَ وَلِیَ الْعِرَاقَ وَ مَا وَلِیَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، كَیْفَ صَنَعَ فِی سَهْمِ ذِی الْقُرْبَی؟ قَالَ: سَلَكَ بِهِمْ طَرِیقَ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ: قُلْتُ:

كَیْفَ؟ وَ لِمَ؟ وَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ؟ قَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ مَا كَانَ أَهْلُهُ یَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْیِهِ. فَقُلْتُ: فَمَا مَنَعَهُ؟ قَالَ: یَكْرَهُ (8) أَنْ یُدَّعَی عَلَیْهِ مُخَالَفَةُ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ.

انتهی

ص: 383


1- فی (س): الفی ء.
2- فی المصدر: علمی من.
3- فی (س): الفی ء.
4- فی شرح النّهج: فعجبت.
5- لا توجد: قال، فی طبعة (س).
6- فی المصدر: الحسن بن محمّد بن علیّ بن أبی طالب.
7- فی المصدر: و جعله.
8- فی شرح النّهج: كان یكره.

ما أخرجه ابن أبی الحدید من كتاب أحمد بن عبد العزیز (1).

وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (2) مِنْ سُنَنِ أَبِی دَاوُدَ (3) عَنْ جُبَیْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ لَمْ یَكُنْ یَقْسِمُ (4) لِبَنِی عَبْدِ شَمْسٍ وَ لَا لِبَنِی نَوْفَلَ مِنَ الْخُمُسِ شَیْئاً كَمَا قَسَمَ لِبَنِی هَاشِمٍ (5)، قَالَ: وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ یَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ غَیْرَ أَنَّهُ لَمْ یَكُنْ یُعْطِی مِنْهُ قُرْبَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ كَمَا یُعْطِیهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ، وَ كَانَ عُمَرُ یُعْطِیهِمْ وَ مَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْهُ.

و روی مثله بسند آخر عن جبیر بن مطعم..

ثم قَالَ: وَ فِی أُخْرَی لَهُ وَ النَّسَائِیِّ (6): لَمَّا كَانَ یَوْمُ خَیْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) سَهْمَ ذِی الْقُرْبَی فِی بَنِی هَاشِمٍ وَ بَنِی الْمُطَّلِبِ.

ثم قال: و أخرج النسائی (7) أیضا بنحو من هذه الروایات من طرق متعدّدة بتغییر بعض ألفاظها و اتّفاق المعنی (8).

وَ رَوَی أَیْضاً (9) عَنْ أَبِی دَاوُدَ (10) بِإِسْنَادِهِ عَنْ یَزِیدَ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَیْرِ

ص: 384


1- شرح نهج البلاغة 16- 230- 232.
2- جامع الأصول 3- 295، (طبعة الأرناووط 2- 692 فی ضمن حدیث 1195).
3- سنن أبی داود، كتاب الخراج و الإمارة و الفی ء، باب 19.
4- فی (س): لیقسم.
5- زاد فی المصدر: و بنی المطّلب.
6- سنن النّسائیّ 7- 130- 131 فی كتاب الفی ء.
7- سنن النسائی 7- 130- 131 فی كتاب الفی ء.
8- جامع الأصول 3- 296- 297 (طبعة الأرناووط 2- 693 فی ضمن حدیث 1195).
9- جامع الأصول 3- 298 (طبعة الأرناووط 2- 695، حدیث 1197)، و قد وقع فیه لبس، حیث جاءت الرّوایة هكذا: أنّ نجدة الحروریّ حین حجّ فی فتنة ابن الزّبیر، أرسل إلی ابن عبّاس یسأله .. إلی آخره.
10- سنن أبی داود برقم: 2978 و 2979 و 2980 كتاب الخراج و الإمارة، باب بیان مواقع قسّم الخمس و سهم ذی القربی.

أَرْسَلَ إِلَی ابْنِ الْعَبَّاسِ یَسْأَلُهُ عَنْ سَهْمِ ذِی الْقُرْبَی لِمَنْ یَرَاهُ؟ فَقَالَ لَهُ: لِقُرْبَی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) ، قَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ لَهُمْ وَ قَدْ كَانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَیْنَا مِنْ ذَلِكَ عَرْضاً رَأَیْنَاهُ دُونَ حَقِّنَا وَ رَدَدْنَاهُ عَلَیْهِ وَ أَبَیْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ (1).

و روی مثله عن النسائی (2) أیضا، و قال.

وَ فِی أُخْرَی لَهُ مِثْلَ أَبِی دَاوُدَ (3)، وَ فِیهِ: وَ كَانَ الَّذِی عَرَضَ عَلَیْهِمْ أَنْ یُعِینَ نَاكِحَهُمْ، وَ یَقْضِیَ عَنْ غَارِمِهِمْ، وَ یُعْطِیَ فَقِیرَهُمْ، وَ أَبَی أَنْ یَزِیدَهُمْ عَلَی ذَلِكَ (4).

و روی العیاشی فی تفسیره (5) روایة ابن عباس و رویناه فی موضع آخر.

وَ رَوَی أَیْضاً (6) عَنْ أَبِی جَمِیلَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَالَ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ الْخُمُسَ نَصِیباً (7) لِآلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ فَأَبَی أَبُو بَكْرٍ أَنْ یُعْطِیَهُمْ نَصِیبَهُمْ حَسَداً وَ عَدَاوَةً، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (8).

و الأخبار من طریق أهل البیت علیهم السلام فی ذلك أكثر من أن تحصی، و سیأتی بعضها فی أبواب الخمس و الأنفال إن شاء اللّٰه تعالی (9).

فإذا اطّلعت علی ما نقلناه من الأخبار من صحاحهم نقول: لا ریب فی

ص: 385


1- و أخرجه أیضا مسلم فی صحیحه بمعناه تحت رقم 1812 كتاب الجهاد، باب النّساء الغازیات رضخ لهنّ و لا یسهم.
2- سنن النسائی 7- 128- 129 كتاب قسم الفی ء.
3- سنن أبی داود تحت رقم: 2982 كتاب الخراج و الإمارة، باب بیان مواقع قسّم الخمس و سهم ذی القربی.
4- جامع الأصول 3- 299 (طبعة الأرناووط 2- 695- 696 ذیل حدیث 1197).
5- تفسیر العیّاشیّ 2- 61، حدیث 52.
6- تفسیر العیّاشیّ 1- 325، حدیث 130.
7- لا توجد: نصیبا، فی (س).
8- المائدة: 47.
9- بحار الأنوار 96- الباب الثالث و العشرون: 191، و الباب الرابع و الخامس و العشرون: 196 213.

دلالة الآیة علی اختصاص ذی القربی بسهم خاصّ سواء كان هو سدس الخمس- كما ذهب إلیه أبو العالیة و أصحابنا و رووه عن أئمّتنا علیهم السلام-، و هو الظاهر من الآیة- كما اعترف به البیضاوی (1) و غیره-، أو خمس الخمس لاتّحاد سهم اللّٰه و سهم رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله، و ذكر اللّٰه للتعظیم كما زعم ابن عباس و قتادة و عطاء (2)، أو ربع الخمس و الأرباع الثلاثة الباقیة للثلاثة الأخیرة كما زعمه الشافعی (3)، و سواء كان المراد بذی القربی أهل بیت النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله فی حیاته و بعده الإمام من أهل البیت علیهم السلام- كما ذهب إلیه أكثر أصحابنا (4) أو جمیع بنی هاشم كما ذهب إلیه بعضهم (5).

و علی ما ذهب إلیه الأكثر بكون دعوی فاطمة علیها السلام نیابة عن أمیر المؤمنین علیه السلام تقیّة، أو كان المراد بنی هاشم و بنی المطلب كما زعمه الشافعی (6)، أو آل علیّ و عقیل و آل عباس و ولد الحارث بن عبد المطلب كما قال أبو حنیفة (7).

و علی أیّ حال، فلا ریب أیضا فی أنّ الظاهر من الآیة تساوی الستّة فی السهم، و لم یختلف الفقهاء فی أنّ إطلاق الوصیّة و الأقوال لجماعة معدودین یقتضی التسویة لتساوی النسبة، و لم یشترط اللّٰه عزّ و جلّ فی ذی القربی فقرا أو مسكنة بل

ص: 386


1- تفسیر البیضاوی 1- 384.
2- كما نسبه إلیهم الفخر الرازیّ فی التفسیر الكبیر 15- 165، و انظر: الدرّ المنثور للسیوطی 2- 335 و ما بعدها، و الكشّاف 2- 221 و ما یلیها، و مجمع البیان 4- 543- 545 و غیرها.
3- المنقول عن الشافعی تقسیمه للخمس إلی خمسة أقسام، كما صرّح بذلك فی بدایة المجتهد 1- 407، و لاحظ: السراج الوهّاج: 351، و جواهر الكلام 16- 89.
4- كما صرّح بذلك فی الروضة البهیّة فی شرح اللمعة الدمشقیّة 2- 78- 82، و جامع المقاصد 3- 53 55 و الحدائق الناضرة 12- 369- 378، و مستمسك العروة الوثقی 9- 567- 596 و غیرها، و لاحظ روایات الباب فی كتاب وسائل الشیعة 9- أبواب قسمة الخمس.
5- كما نصّ علیه صاحب الجواهر فی موسوعته 16- 86- 89 و غیره.
6- و نصّ علیه فی السراج الوهّاج: 351، و صاحب الجواهر 16- 87 و غیرهما.
7- قاله فی التفسیر الكبیر 15- 166 و غیره.

قرنه بنفسه و برسوله صلّی اللّٰه علیه و آله للدلالة علی عدم الاشتراط، و قد احتجّ بهذا الوجه الرضا علیه السلام علی علماء العامّة فی حدیث طویل (1) بیّن فیه فضل العترة الطاهرة، و سیأتی فی محلّه (2).

و أمّا التقیید اجتهادا فمع بطلان الاجتهاد الغیر المستند (3) إلی حجّة فعل النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله یدفع التقیید، لدلالة خبر جبیر و غیره علی أنّه لم یعطهم ما كان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یعطیهم، و قد قال أبو بكر فی روایة أنس: لكم الغنی الذی یغنیكم و یفضل عنكم، فما زعمه أبو بكر من عدم دلالة الآیة علی أنّ السهم مسلّم لذی القربی و وجوب صرف الفاضل من السهم عن حاجتهم فی مصالح المسلمین مخالف للآیة و الأخبار المتّفق علی صحّتها، و قد قال سبحانه فی آخر الآیة: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلی عَبْدِنا ... (4). و اعترف الفخر الرازی فی تفسیره بأنّ من لم یحكم بهذه القسمة فقد خرج عن الإیمان (5)، و قال تعالی:

وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (6)، و قال: هُمُ الْفاسِقُونَ (7)، و قال: هُمُ الظَّالِمُونَ (8)، فاستحقّ بما صنع ما یستحقّه الرادّ علی اللّٰه و علی رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله.

السادسة:

ما دلّت علیه الروایات السالفة و ما سیأتی فی باب شهادة فاطمة علیها السلام من أنّها أوصت أن تدفن سرّا (9)، و أن لا یصلّی علیها أبو بكر و عمر

ص: 387


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام 1- 233، و ما قبلها و بعدها.
2- بحار الأنوار 96- الباب الرابع و العشرون: 198.
3- كذا، و الصحیح: غیر المستند، و المشهور غلطا: الغیر مستند.
4- الأنفال: 41.
5- تفسیر الفخر الرازیّ 15- 165.
6- المائدة: 44.
7- المائدة: 47.
8- المائدة: 45.
9- ممّا سیأتی بیانه فی الأجزاء الآتیة و تعرّض له شیخنا المجلسی فی بحاره 43- 155- 218.

لغضبها علیهما فی منع فدك (1) و غیره من أعظم الطعون علیهما.

و أجاب عنه قاضی القضاة فی المغنی (2) بأنّه قد روی أنّ أبا بكر هو الذی صلّی علی فاطمة علیها السلام و كبّر أربعا، و هذا أحد ما استدلّ به كثیر من الفقهاء (3) فی التكبیر علی المیّت، و لا یصحّ أنّها دفنت لیلا، و إن صحّ ذلك فقد دفن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله لیلا، و عمر دفن لیلا (4)، و قد كان أصحاب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله یدفنون بالنهار و یدفنون باللیل، فما فی هذا ممّا (5) یطعن به، بل الأقرب فی النساء أن دفنهنّ لیلا أستر و أولی بالسنّة (6).

و ردّ علیه السیّد الأجل فی الشافی (7): بأنّ ما ادّعیت من أنّ أبا بكر هو الذی صلّی علی فاطمة علیها السلام و كبّر أربعا، و أنّ كثیرا من الفقهاء یستدلّون به فی التكبیر علی المیّت فهو شی ء ما سمع إلّا منك، و إن كنت تلقیّته عن غیرك فممّن یجری مجراك فی العصبیة، و إلّا فالروایات المشهورة و كتب الآثار و السیر خالیة من ذلك، و لم یختلف أهل النقل فی أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام صلّی (8) علی فاطمة علیها السلام إلّا روایة شاذّة نادرة وردت بأنّ العباس صلّی علیها (9).

رَوَی الْوَاقِدِیُّ (10) بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ الْعَبَّاسِ: مَتَی دُفِنَتْ (11) فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ؟ قَالَ: دَفَنَّاهَا بِلَیْلٍ بَعْدَ هَدْأَةٍ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَنْ

ص: 388


1- فصّلها الشیخ الأمینی فی غدیره فی أكثر من مكان، انظر مثلا: 7- 229.
2- المغنی، الجزء العشرون، القسم الأوّل: 335، باختلاف أشرنا لبعضه.
3- فی المغنی: أنّ أبا بكر صلّی علی فاطمة (علیها السلام) و كبّر علیها أربعا، هذا أحد ما یستدلّ به الفقهاء.
4- فی المصدر: و دفن عمر ابنه لیلا.
5- جاء فی طبعة كمبانی: ما، بدلا من: ممّا.
6- جاء فی المغنی: فما فی هذا من الطعن، بل الأقرب أنّ دفنهم لیلا أستر و أقرب إلی السنّة.
7- الشافی: 239- حجریّة- (الطبعة الجدیدة 4- 113- 115)، باختلاف یسیر.
8- فی المصدر: هو الذی صلّی.
9- كما ذكره سیّدنا المرتضی علم الهدی فی الشافی 4- 113، و كذا كلّ الذی جاء بعد هذا.
10- لعلّه جاء فی كتابه الجمل الّذی لا نعلم بطبعه و لم نحصّل علی نسخته.
11- فی الشّافی: دفنتم.

صَلَّی عَلَیْهَا؟ قَالَ: عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

وَ رَوَی الطَّبَرِیُّ (1)، عَنِ الْحَرْثِ بْنِ أَبِی أُسَامَةَ، عَنِ الْمَدَائِنِیِّ، عَنْ أَبِی زَكَرِیَّا الْعَجْلَانِیِّ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ عُمِلَ لَهَا نَعْشٌ قَبْلَ وَفَاتِهَا، فَنَظَرَتْ (2) وَ قَالَتْ:

سَتَرْتُمُونِی سَتَرَكُمُ اللَّهُ.

، قال أبو جعفر محمّد بن جریر: و الثبت (3) فی ذلك أنّها (4) زینب، لأنّ فاطمة علیها السلام (5) دفنت لیلا و لم یحضرها إلّا العباس و علیّ و المقداد و الزبیر.

وَ رَوَی الْقَاضِی أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ بِإِسْنَادِهِ فِی تَارِیخِهِ (6) عَنِ الزُّهْرِیِّ قَالَ: حَدَّثَنِی عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَیْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهَا عَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّیَتْ دَفَنَهَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَیْلًا، وَ صَلَّی عَلَیْهَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

و ذكر فی كتابه هذا (7)

أنّ أمیر المؤمنین و الحسن و الحسین علیهم السلام دفنوها لیلا و غیّبوا قبرها.

وَ رَوَی سُفْیَانُ بْنُ عُیَیْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ دُفِنَتْ لَیْلًا.

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی شَیْبَةَ، عَنْ یَحْیَی بْنِ سَعِیدٍ الْعَطَّارِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِیِّ مِثْلَ ذَلِكَ..

ص: 389


1- لم نجد الرّوایة فی تاریخ الطّبریّ 3- 240 حوادث سنة 11 ه، و لعلّها فی غیره من كتبه، و قد أخذها العلّامة المجلسیّ طاب ثراه من السّیّد المرتضی فی الشّافی.
2- فی الشّافی: فنظرت إلیه.
3- فی الشافی: و ثابت.
4- لا توجد: أنّها، فی (س).
5- فی الشافی: لا فاطمة علیها السلام.
6- تاریخ الشّجریّ للقاضی أبو بكر أحمد بن كامل.
7- تاریخ الشجری: و لم نحصل علیه.

وَ قَالَ الْبَلاذُرِیُّ فِی تَارِیخِهِ (1)

إِنَّ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ لَمْ تُرَ مُتَبَسِّمَةً (2) بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) ، وَ لَمْ یَعْلَمْ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ بِمَوْتِهَا.

و الأمر فی هذا أوضح و أظهر من أن یطنب فی الاستشهاد علیه و یذكر الروایات فیه.

فأمّا قوله: و لا یصحّ أنّها دفنت لیلا، و إن صحّ فقد دفن فلان و فلان لیلا .. فقد بیّنا أنّ دفنها لیلا فی الصحّة كالشمس الطالعة، و أنّ منكر ذلك كدافع المشاهدات، و لم نجعل دفنها لیلا بمجرّده هو (3) الحجّة فیقال: فقد دفن فلان و فلان لیلا، بل مع الاحتجاج بذلك علی.

ما وردت به الرِّوَایَاتُ الْمُسْتَفِیضَةُ الظَّاهِرَةُ الَّتِی هِیَ كَالْمُتَوَاتِرِ أَنَّهَا عَلَیْهَا السَّلَامُ أَوْصَتْ بِأَنْ تُدْفَنَ لَیْلًا حَتَّی لَا یُصَلِّیَ عَلَیْهَا الرَّجُلَانِ (4)، وَ صَرَّحَتْ بِذَلِكَ، وَ عَهِدَتْ فِیهِ عَهْداً بَعْدَ أَنْ كَانَا اسْتَأْذَنَا عَلَیْهَا فِی مَرَضِهَا لِیَعُودَاهَا، فَأَبَتْ أَنْ تَأْذَنَ لَهُمَا، فَلَمَّا طَالَ عَلَیْهِمَا الْمُدَافَعَةُ رَغِبَا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی أَنْ یَسْتَأْذِنَ لَهُمَا، وَ جَعَلَاهَا حَاجَةً إِلَیْهِ، فَكَلَّمَهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی ذَلِكَ وَ أَلَحَّ عَلَیْهَا فَأَذِنَتْ لَهُمَا فِی الدُّخُولِ، ثُمَّ أَعْرَضَتْ عَنْهُمَا عِنْدَ دُخُولِهِمَا وَ لَمْ تُكَلِّمْهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا قَالَتْ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قَدْ صَنَعْتَ (5) مَا أَرَدْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَهَلْ أَنْتَ صَانِعٌ مَا آمُرُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَإِنِّی أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ لَا یُصَلِّیَا عَلَی جَنَازَتِی، وَ لَا یَقُومَا عَلَی قَبْرِی.

وَ رُوِیَ أَنَّهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَمَّی عَلَی قَبْرِهَا وَ رَشَّ أَرْبَعِینَ قَبْراً فِی الْبَقِیعِ وَ لَمْ یَرُشَّ عَلَی قَبْرِهَا حَتَّی لَا یَهْتَدِیَا إِلَیْهِ، وَ أَنَّهُمَا عَاتَبَاهُ عَلَی (6) تَرْكِ إِعْلَامِهِمَا بِشَأْنِهَا وَ إِحْضَارِهِمَا

ص: 390


1- تاریخ البلاذریّ: و لم نحصّل علیه، و لم نجده فی الأنساب و غیره.
2- فی الشّافی: مبتسمة.
3- فی (ك): و هو.
4- ذكرنا و سنذكر جملة من المصادر، و انظر كتاب سلیم بن قیس: 255، و تفصیل المصادر فی الغدیر 7- 327 و غیرهما.
5- فی الشّافی: أ لیس قد صنعت.
6- فی المصدر: و إنّما عاتبا علی ..

لِلصَّلَاةِ عَلَیْهَا.

، فمن هاهنا احتججنا بالدفن لیلا، و لو كان لیس غیر الدفن باللیل من غیر ما تقدّم علیه و تأخّر عنه لم یكن فیه حجّة. انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه (1).

و ممّا یدلّ من صحاح أخبارهم علی دفنها لیلا، و أنّ أبا بكر لم یصلّ علیها، و علی غضبها علیه و هجرتها إیّاه.،

ما رواه مسلم فی صحیحه (2) و أورده فی جَامِعُ الْأُصُولِ (3) فِی الْبَابِ الثَّانِی مِنْ كِتَابِ الْخِلَافَةِ وَ الْإِمَارَةِ مِنْ حَرْفِ الْخَاءِ عَنْ عَائِشَةَ- فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ بَعْدَ ذِكْرِ مُطَالَبَةِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ أَبَا بَكْرٍ فِی مِیرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ فَدَكَ، وَ سَهْمِهِ مِنْ خَیْبَرَ- قَالَتْ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ فِی ذَلِكَ حَتَّی مَاتَتْ، فَدَفَنَهَا عَلِیٌّ (علیه السلام) لَیْلًا (4) وَ لَمْ یُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، قَالَتْ: فَكَانَتْ لِعَلِیٍّ وَجْهٌ مِنَ النَّاسِ حَیَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّیَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تُوُفِّیَتْ.

وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (5) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَیْهَا السَّلَامُ لِأَبِی بَكْرٍ: إِنَّ أُمَّ أَیْمَنَ تَشْهَدُ لِی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَعْطَانِی فَدَكَ. فَقَالَ: یَا بِنْتَ (6) رَسُولِ اللَّهِ! وَ اللَّهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَحَبَّ إِلَیَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) أَبِیكِ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّ السَّمَاءَ وَقَعَتْ عَلَی الْأَرْضِ یَوْمَ مَاتَ أَبُوكِ، وَ اللَّهِ لَأَنْ تَفْتَقِرَ عَائِشَةُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ تَفْتَقِرِی، أَ تَرَانِی

ص: 391


1- الشافی: 239 (4- 113- 115) بتصرّف كما سلف.
2- صحیح مسلم 5- 154، باب حكم الفی ء.
3- جامع الأصول 4- 482، حدیث 2079، و حكاه العلّامة الأمینیّ رحمه اللّٰه فی غدیره عن عدّة مصادر، لاحظ: 7- 227 و غیره.
4- لا توجد: لیلا، فی (س).
5- فی شرحه علی نهج البلاغة 16- 214، و قد مرّت هذه الرّوایة عن نفس المصدر فی صفحة 328 من هذا الكتاب، فراجع.
6- فی المصدر: فقال لها یا بنیّة. و هی نسخة علی مطبوع البحار.

أُعْطِی الْأَسْوَدَ وَ الْأَحْمَرَ (1) حَقَّهُ وَ أَظْلِمُكِ حَقَّكِ وَ أَنْتِ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)! إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَمْ یَكُنْ لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ (2) وَلِیتُهُ كَمَا كَانَ یَلِیهِ! قَالَتْ: وَ اللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ أَبَداً!. قَالَ: وَ اللَّهِ لَا هَجَرْتُكِ أَبَداً. قَالَ: وَ اللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَلَیْكَ.

قَالَ: وَ اللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ لَكِ. فَلَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ أَوْصَتْ أَنْ لَا یُصَلِّیَ (3) عَلَیْهَا، فَدُفِنَتْ لَیْلًا، وَ صَلَّی عَلَیْهَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَ كَانَ بَیْنَ وَفَاتِهَا وَ وَفَاةِ أَبِیهَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (4) اثْنَتَانِ وَ سَبْعُونَ لَیْلَةً (5).

و ممّا یؤیّد إخفاء دفنها جهالة قبرها و الاختلاف فیه بین الناس إلی یومنا هذا، و لو كان بمحضر من الناس لما اشتبه علی الخلق و لا اختلف فیه.

السابعة:

ممّا یرد من الطعون علی أبی بكر فی تلك الواقعة أنّه مكّن أزواج النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله من التصرّف فی حجراتهنّ بغیر خلاف، و لم یحكم فیها بأنّها صدقة، و ذلك یناقض ما منعه فی أمر فدك و میراث الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، فإنّ انتقالها إلیهنّ إمّا علی جهة الإرث أو النحلة، و الأول مناقض لروایته فی المیراث، و الثانی یحتاج إلی الثبوت ببیّنة و نحوها، و لم یطالبهنّ بشی ء منها كما طالب فاطمة علیها السلام فی دعواها، و هذا من أعظم الشواهد لمن له أدنی بصیرة، علی أنّه لم یفعل ما فعل إلّا عداوة لأهل بیت الرسالة، و لم یقل ما قال إلّا افتراء علی اللّٰه و علی رسوله.

و لنكتف (6) بما ذكرنا، فإنّ بسط الكلام فی تلك المباحث ممّا یوجب كثرة حجم الكتاب و تعسّر تحصیله علی الطلاب.

ص: 392


1- فی المصدر: الأحمر و الأبیض.
2- هنا سقط، و فی شرح النّهج: و إنّما كان مالا من أموال المسلمین یحمل النّبیّ به الرّجال و ینفقه فی سبیل اللّٰه، فلمّا توفّی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه (و آله) و سلم.
3- فی المصدر: ألا یصلّی.
4- فی المصدر: علیها بدلا من علیه و آله.
5- و ذكره الخوارزمیّ فی مقتله 1- 83 باختلاف یسیر.
6- فی (س): و لتكتف.

فانظر أیّها العاقل المنصف بعین البصیرة! فیما اشتمل علیه تلك (1) الأخبار الكثیرة التی أوردوها فی كتبهم المعتبرة عندهم من حكم سیّدة النساء صلوات اللّٰه علیها- مع عصمتها و طهارتها- باغتصابهم للخلافة و أنّهم أتباع الشیطان، و أنّه ظهر فیهم حسیكة النفاق، و أنّهم أرادوا إطفاء نور الدین، و إهماد سنن سیّد المرسلین صلوات اللّٰه علیه و آله أجمعین، و أنّهم آذوا أهل بیته و أضمروا لهم العداوة .. و غیر ذلك ممّا اشتملت علیه الخطبة الجلیلة .. (2)!.

فهل یبقی بعد ذلك شكّ فی بطلان خلافة أبی بكر و نفاقه و نفاق أتباعه؟!.

ثم إنّها علیها السلام حكمت بظلم أبی بكر فی منعها المیراث صریحا بقولها علیها السلام: لقد جئت شَیْئاً فَرِیًّا (3)، و دعت الأنصار إلی قتاله، فثبت جواز قتله، و لو كان إماما لم یجز قتله.

ثم انظر إلی هذا المنافق كیف شبّه أمیر المؤمنین و سیّد الوصیّین و أخا سیّد المرسلین و زوجه الطاهرة: بثعالة شهیده ذنبه، و جعله مربا لكلّ فتنة، ثم إلی موت فاطمة صلوات اللّٰه علیها ساخطة علی أبی بكر مغضبة علیه منكرة لإمامته، و إلی إنكار أبی بكر كون فدك خالصة لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله مع كونه مخالفا للآیة و الإجماع و أخبارهم، و إلی أنّه انتزع فدك من ید وكلاء فاطمة و طلب منها الشهود، مع أنّها لم تكن مدّعیة، فحكم بغیر حكم اللّٰه و حكم الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و صار بذلك من الكافرین بنصّ القرآن، و إلی طلب الشاهد من المعصومة و ردّ

ص: 393


1- لا توجد: تلك، فی (س).
2- مرّت جملة من مصادرها و نزید هاهنا: كفایة الأثر: 198، البحار 36- 352، 43- 148، 170، 197، و المناقب 2- 50 طبعة النجف، الاحتجاج 1- 107 طبعة قم ، و 1- 145 طبعة النجف ، العوالم 11- 226، و راجع خطبة الصدّیقة الطاهرة سلام اللّٰه علیها و علی أبیها و بعلها و بنیها فقد أوردها المخالف و المؤالف و قد مرّت، و انظر: بیت الأحزان: 115 طبعة قم ، و السقیفة و فدك للجوهری: 137 طبعة طهران ، و الغدیر 2- 61، و 3- 175 و ما بعدها، و دلائل الإمامة: 45، و كتاب سلیم بن قیس الهلالی: 249 و غیرها.
3- و لعلها اقتباس ممّا جاء فی سورة مریم: 27.

شهادة المعصومین الذین أنزل اللّٰه تعالی فیهم ما أنزل، و قال فیهم النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله ما قال، و منعها المیراث خلافا لحكم الكتاب، و افترائه علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله بما شهد الكتاب و السنّة بكذبه، فتبوّأ مقعده من النار، و ظلمه علیها صلوات اللّٰه علیها فی منع سهم ذی القربی خلافا للّٰه تعالی، و مناقضته لما رواه حیث مكّن الأزواج من التصرّف فی الحجر و غیرها (1) ممّا یستنبط من فحاوی ما ذكر من الأخبار (2)، و لا یخفی طریق استنباطها علی أولی الأبصار.

ص: 394


1- فی (س): و غیرهما.
2- صرّح بأكثر من هذا فی: الصراط المستقیم 2- 282- 299.

12- باب العلّة التی من أجلها ترك أمیر المؤمنین علیه السلام فدك لما ولی الناس

اشارة

«12»-باب (1) العلّة التی من أجلها ترك أمیر المؤمنین علیه السلام فدك لما ولی الناس

«1»-ع (2): الدَّقَّاقُ، عَنِ الْأَسَدِیِّ، عَنِ النَّخَعِیِّ، عَنِ النَّوْفَلِیِّ (3)، عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ:

لِمَ لَمْ یَأْخُذْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَدَكَ لَمَّا وَلِیَ النَّاسَ؟ وَ لِأَیِّ عَلَّةٍ تَرَكَهَا؟ فَقَالَ لَهُ:

لِأَنَّ الظَّالِمَ وَ الْمَظْلُومَةَ قَدْ كَانَا قَدِمَا (4) عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَثَابَ اللَّهُ الْمَظْلُومَةَ (5) وَ عَاقَبَ الظَّالِمَ (6)، فَكَرِهَ أَنْ یَسْتَرْجِعَ شَیْئاً قَدْ عَاقَبَ اللَّهُ عَلَیْهِ غَاصِبَهُ وَ أَثَابَ عَلَیْهِ

ص: 395


1- الترقیم لا یوجد فی الأصل و جاء فی حاشیة (س).
2- علل الشّرائع 1- 154، باب 124، حدیث 1.
3- فی المصدر: حدّثنا علیّ بن أحمد بن محمّد الدّقّاق رحمه اللّٰه قال: حدّثنی محمّد بن أبی عبد اللّٰه الكوفیّ، عن موسی بن عمران النّخعیّ، عن عمّه الحسین بن یزید عن النّوفلیّ ...
4- فی المصدر: فقال: لأنّ الظّالم و المظلومة كانا قدما.
5- فی العلل: المظلوم.
6- فی مطبوع البحار وضع علی: قد كانا .. إلی الظّالم رمز نسخة بدل، و علی الواو من و أثاب رمز نسخة صحیحة.

الْمَغْصُوبَةَ (1).

«2»-ع (2): ابْنُ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ (3) الْكَرْخِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ لَهُ: لِأَیِّ عِلَّةٍ تَرَكَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَدَكاً (4) لَمَّا وَلِیَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لِلِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ وَ قَدْ بَاعَ عَقِیلُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ دَارَهُ، فَقِیلَ لَهُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! أَ لَا تَرْجِعُ إِلَی دَارِكَ؟ فَقَالَ (صلی اللّٰه علیه و آله): وَ هَلْ تَرَكَ عَقِیلٌ لَنَا دَاراً، إِنَّا أَهْلُ بَیْتٍ لَا نَسْتَرْجِعُ شَیْئاً یُؤْخَذُ مِنَّا ظُلْماً، فَلِذَلِكَ لَمْ یَسْتَرْجِعْ فَدَكاً لَمَّا وَلِیَ.

«3»-ن، ع (5): الْقَطَّانُ، عَنْ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِیِّ، عَنْ عَلِیِّ (6) بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ (7)، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِمَ لَمْ یَسْتَرْجِعْ فَدَكَ لَمَّا وَلِیَ (8) النَّاسَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّا أَهْلُ بَیْتٍ وَلِیُّنَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَا یَأْخُذُ لَنَا حُقُوقَنَا مِمَّنْ یَظْلِمُنَا إِلَّا هُوَ (9)، وَ نَحْنُ أَوْلِیَاءُ الْمُؤْمِنِینَ، إِنَّمَا نَحْكُمُ لَهُمْ وَ نَأْخُذُ (10) حُقُوقَهُمْ مِمَّنْ یَظْلِمُهُمْ (11)، وَ لَا نَأْخُذُ لِأَنْفُسِنَا.

ص: 396


1- فی المصدر: المغصوب.
2- علل الشّرائع 1- 155، باب 124، حدیث 2، باختلاف یسیر.
3- جاء فی المصدر: حدّثنا أحمد بن علیّ بن هاشم رحمه اللّٰه، قال: حدّثنا أبی، عن أبیه إبراهیم بن هاشم، عن محمّد بن أبی عمیر، عن إبراهیم.
4- فی العلل: ترك علیّ بن أبی طالب علیه السّلام فدكا.
5- علل الشّرائع 1- 155، باب 124، حدیث 3، و عیون أخبار الرّضا علیه السّلام 2- 86، حدیث 31.
6- فی العلل: حدّثنا أحمد بن الحسین القطّان، قال: حدّثنا أحمد بن سعید الهمدانیّ، قال: حدّثنا علیّ ..
7- فی المصدرین: علیّ بن الحسن بن علیّ بن فضّال.
8- فی العیون: زیادة: أمر، قبل: النّاس.
9- فی العلل: لأنّا أهل بیت إذا ولّانا اللّٰه عزّ و جلّ لا نأخذ حقوقنا ممّن ظلمنا إلّا هو .. و كذا فی العیون إلّا أنّه لا توجد: ولّانا اللّٰه عزّ و جلّ.
10- فی العیون: و نأخذ لهم.
11- فی المصدرین: ظلمهم.

تبیین:

اشارة

اعلم أنّ بعض المخالفین (1) تمسّكوا فی تصحیح ما زعموه فی أمر المیراث و قصّة فدك بإمضاء أمیر المؤمنین علیه السلام ما فعلته الخلفاء لمّا صار الأمر إلیه، و قد استدلّ قاضی القضاة (2) بذلك علی أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام لم یكن شاهدا فی قضیّة فدك، إذ لو كان هو الشاهد فیها لكان الأقرب أن یحكم بعلمه، و كذلك فی ترك الحجر لنساء النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله، ثم قال: و لیس لهم (3) بعد ذلك إلّا التعلّق بالتقیّة التی هی مفزعهم عند لزوم الكلام، و لو علموا ما علیهم فی ذلك لاشتدّ هربهم منه، لأنّه إن جاز للأئمّة التقیّة- و حالهم فی العصمة ما یقولون- لیجوزنّ ذلك (4) من رسول اللّٰه، و تجویز ذلك فیه یوجب أن لا یوثق بنصّه علی أمیر المؤمنین علیه السلام لتجویز التقیّة، و متی قالوا یعلم بالمعجز (5) إمامته فقد أبطلوا كون النصّ طریقا للإمامة، و الكلام مع ذلك لازم لهم، بأن یقال: جوّزوا مع ظهور المعجز أن یدّعی الإمامة تقیّة، و أن یفعل سائر ما یفعله تقیّة (6)؟ و كیف یوثق مع ذلك بما ینقل عن الرسول و عن الأئمّة؟! و هلّا جاز أن یكون أمیر المؤمنین علیه السلام نبیّا بعد الرسول و ترك ادّعاء ذلك تقیّة و خوفا؟! فإنّ الشبهة (7) فی ذلك أوكد من النصّ، لأنّ التعصّب للنبیّ (8) فی النبوة أعظم من التعصّب لأبی بكر و غیره فی الإمامة! فإن عوّلوا فی ذلك علی علم الاضطرار فعندهم أنّ الضرورة فی

ص: 397


1- المراد به قاضی القضاة فی كتابه المغنی كما صرّح بذلك السیّد المرتضی رحمه اللّٰه فی الشافی، و حكاه عنه ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 16- 270.
2- كما جاء فی المغنی، الجزء العشرین: 333.
3- فی المصدر: و لیس یمكنهم.
4- فی (ك): لیجوزون، و فی المصدر: ذلك للرسول.
5- فی المغنی: نعلم بالمعجز.
6- فی المصدر: ما یفعله بفعله تقیّة؟.
7- فی المغنی: بل الشبهة.
8- فی المصدر: لرسول اللّٰه بدلا من النبیّ.

النصّ علی الإمامة قائمة، و إن (1) فزعوا فی ذلك إلی الإجماع، فمن قولهم أنّه لا یوثق به (2) و یلزمهم فی الإجماع أن یجوز أن یقع علی طریق التقیّة لأنّه لا یكون أوكد من قول الرسول و قول الإمام عندهم، و بعد، فقد ذكر الخلاف فی ذلك كما ذكر الخلاف فی أنّه إله، فلا یصحّ علی شروطهم أن یتعلّقوا بذلك (3).

و أجاب عنه السیّد الأجل رضی اللّٰه عنه فی الشافی (4) بما هذا لفظه: أمّا قوله: إن جازت التقیّة للأئمّة- و حالهم فی العصمة ما یدّعون (5)

جازت علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله، فالفرق بین الأمرین واضح، لأنّ الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله مبتدئ بالشرع، و مفتتح لتعریف الأحكام التی لا تعرف إلّا من جهته و بیانه، فلو جازت علیه التقیّة لأخلّ ذلك بإزاحة علّة المكلّفین، و لفقدوا الطریق إلی معرفة مصالحهم الشرعیّة، و قد بیّنا (6) أنّها لا تعرف إلّا من جهته، و الإمام بخلاف هذا الحكم، لأنّه مفید (7) للشرائع التی قد علمت من غیر جهته، و لیس یقف العلم بها و الحقّ فیها علی قوله دون غیره، فمن اتّقی فی بعض الأحكام بسبب یوجب ذلك لم یخل تقیّته بمعرفة الحقّ و إمكان الوصول إلیه، و الإمام و الرسول- و إن (8) استویا فی العصمة- فلیس یجب أن یستویا فی جواز التقیّة للفرق الذی ذكرناه، لا أنّ الإمام لم یجز (9) التقیّة علیه لأجل العصمة، و لیس للعصمة تأثیر فی جواز التقیّة و لا نفی جوازها.

ص: 398


1- فی (ك) هنا: كان، و جعل: و إن، نسخة بدل، و فی المغنی: علی الإمام قائمة و إن.
2- لا توجد: به، فی المغنی.
3- إلی هنا كلام قاضی القضاة فی المغنی 20- 333- 335، بتفاوت قلیل.
4- الشافی- الحجریّة-: 228- 229 (الطبعة الجدیدة 4- 105- 110) باختلاف یسیر.
5- فی المصدر: ما تدعون.
6- فی المصدر: التی قد بینها ..
7- كذا، و فی الشافی: منفذ .. و هو الظاهر.
8- لا توجد: و إن، فی (س).
9- فی المصدر: لأنّ الإمام لم تجز.

فإن قیل: أ لیس من قولكم إنّ الإمام حجّة فی الشرائع و قد یجوز عندكم أن ینتهی الأمر إلی أن یكون الحقّ لا یعرف إلّا من جهته و بقوله، بأن یعرض الناقلون عن النقل فلا یرد إلّا من جهة من یقوم الحجّة بقوله (1) و هذا یوجب مساواة الإمام للرسول فیما فرّقتم بینهما فیه؟.

قلنا: إذا كانت الحال فی الإمام ما صوّرتموه و تعیّنت الحجّة فی قوله، فإنّ التقیّة لا تجوز علیه كما لا تجوز علی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله.

فإن قیل: فلو قدّرنا أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله قد بیّن جمیع الشرائع و الأحكام التی یلزمه بیانها حتّی لم یبق شبهة فی ذلك و لا ریب، لكان یجوز علیه و الحال هذه- التقیّة فی بعض الأحكام.

قلنا: لیس یمنع (2) عند قوّة أسباب الخوف الموجبة للتقیّة أن یتّقی إذا لم یكن (3) التقیّة مخلّة بالوصول إلی الحقّ و لا منفرة عنه.

ثم یقال له (4): أ لیست التقیّة عندك جائزة علی جمیع المؤمنین عند حصول أسبابها و علی الإمام و الأمیر؟!.

فإن قال: هی جائزة علی المؤمنین و لیست جائزة علی الإمام و الأمیر.

قلنا: و أیّ فرق بین ذلك؟ و الإمام و الأمیر عندك لیسا بحجّة فی شی ء كما أنّ النبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) حجّة فیمنع (5) من ذلك لمكان الحجّة بقولهما، فإن اعترف بجوازها علیهما قیل له فإلا جاز علی النبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) قیاسا علی الأمیر و الإمام.

فإن قال: لأنّ قول النبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) حجّة، و لیس الإمام و الأمیر كذلك.

ص: 399


1- فی الشافی: من لا تقوم الحجّة بقوله.
2- فی المصدر: یمتنع.
3- فی الشافی: لم تكن.
4- فی الشافی: ثم یقال لصاحب الكتاب.
5- فی المصدر: فتمنع.

قیل له: و أیّ تأثیر فی الحجّة (1) فی ذلك إذا لم تكن التقیّة مانعة من إصابة الحقّ، و لا بمخلّة بالطریق إلیه. و خبرنا عن الجماعة التی نقلها فی باب الأخبار حجّة لو ظفر بهم جبّار ظالم متفرّقین أو مجتمعین فسألهم عن مذاهبهم- و هم یعلمون أو یغلب فی ظنونهم أنّهم متی ذكروها علی وجهها قتلهم و أباح حریمهم أ لیست التقیّة جائزة علی هؤلاء مع الحجّة (2) فی أقوالهم؟ فإن منع من جواز التقیّة علی ما ذكرناه دفع ما هو معلوم.

و قیل له: و أیّ فرق بین هذه الجماعة و بین من نقص عن عدّتها فی جواز التقیّة؟ فلا یجد فرقا.

فإن قال: إنّما جوّزنا التقیّة علی من ذكرتم لظهور الإكراه و الأسباب الملجئة إلی التقیّة و منعناكم من مثل ذلك، لأنّكم تدعون تقیّة لم تظهر أسبابها و لا الأمور الحاملة علیها من إكراه و غیره.

قیل له: هذا اعتراف بما أردناه من جواز التقیّة عند وجود أسبابها، و صار الكلام الآن فی تفصیل هذه الجملة، و لسنا نذهب فی موضع من المواضع إلی أنّ الإمام اتّقی بغیر سبب موجب لتقیّة، و حامل علی فعله، و الكلام فی التفصیل غیر الكلام فی الجملة، و لیس كلّ الأسباب التی توجب التقیّة تظهر لكلّ أحد، و یعلمها جمیع الخلق، بل ربّما اختلفت الحال فیها، و علی كلّ حال فلا بدّ أن تكون معلومة لمن وجب تقیّته، و معلومة أو مجوّزة لغیره، و لهذا قد نجد بعض الملوك یسأل رعیّته عن أمر فیصدقه بعضهم فی ذلك و لا یصدقه آخرون، و یستعملون ضربا من التوریة، و لیس ذلك إلّا لأنّ من صدق لم یخف علی نفسه و من جری مجری نفسه، و من ورّی فلأنّه خاف علی نفسه و غلب فی ظنّه وقوع الضرر به متی صدق فیما (3) سئل عنه، و لیس یجب أن یستوی حال الجمیع، و أن یظهر لكلّ أحد

ص: 400


1- فی الشافی: للحجّة.
2- فی المصدر: مع أنّ الحجّة.
3- فی المصدر: عمّا، بدلا من: فیما.

السبب فی تقیّة من اتّقی ممّن ذكرناه بعینه حتی یقع الإشارة إلیه علی سبیل التفصیل، و حتی یجری مجری العرض علی السیف فی الملإ من الناس، بل ربّما كان ظاهرا كذلك، و ربّما كان خافیا (1).

فإن قیل: مع تجویز التقیّة علی الإمام كیف السبیل إلی العلم بمذاهبه و اعتقاده؟ و كیف یتخلّص (2) لنا ما یفتی به علی سبیل التقیّة من غیره؟.

قلنا: أوّل ما نقوله فی ذلك أنّ الإمام لا یجوز أن یتّقی فیما لا یعلم إلّا من جهته، و الطریق إلیه إلّا من ناحیته، و قوله (3) و إنّما یجوز التقیّة علیه فیما قد بان بالحجج و البیّنات و نصبت علیه الدلالات حتی لا یكون تقیّته (4) فیه مزیلة لطریق إصابة الحقّ و موقعة للشبهة، ثم لا تبقی (5) فی شی ء إلّا و یدلّ علی خروجه منه مخرج التقیّة، إمّا لما یصاحب كلامه أو یتقدّمه أو یتأخّر عنه، و من اعتبر جمیع ما روی عن أئمّتنا علیهم السلام علی سبیل التقیّة وجده لا یعری ممّا ذكرناه.

ثم إنّ التقیّة إنّما تكون من العدوّ دون الولیّ، و من المتّهم دون الموثوق به، فما یصدر منهم إلی أولیائهم و شیعتهم و نصحائهم فی غیر مجالس الخوف یرتفع الشكّ فی أنّه علی غیر جهة التقیّة، و ما یفتون به العدوّ أو یمتحنون به فی مجالس الجور (6) یجوز أن یكون علی سبیل التقیّة كما یجوز أن یكون علی غیرها، ثم یقلب (7) هذا السؤال علی المخالف فیقال له: إذا أجزت علی جمیع الناس التقیّة عند الخوف الشدید و ما یجری مجراه، فمن أین تعرف مذاهبهم و اعتقادهم؟! و كیف تفصل

ص: 401


1- فی الشافی: خاصا.
2- فی المصدر: یخلص.
3- فی الشافی: و لا طریق إلیه إلّا من ناحیة قوله .. و هو الظاهر.
4- فی المصدر: فتیاه، بدلا من: تقیّته.
5- فی الشافی: لا یتّقی .. و هو الظاهر، و فی حاشیة مطبوع البحار نسخة بدل: یبقی.
6- فی المصدر: مجالس الخوف.
7- فی الشافی: ثم نقلب.

بین ما یفتی به المفتی منهم علی سبیل التقیّة و بین ما یفتی به و هو مذهب له یعتقد بصحّته؟! فلا بدّ من (1) الرجوع إلی ما ذكرناه.

فإن قال: أعرف مذهب غیری و إن أجزت علیه التقیّة بأن یضطرّنی إلی اعتقاده، و عند التقیّة لا یكون ذلك.

قلنا: و ما المانع لنا من أن نقول هذا بعینه فیما سألت عنه، فأمّا ما تلا كلامه (2) الذی حكیناه عنه من الكلام فی التقیّة، و قوله: إنّ ذلك یوجب أن لا یوثق بنصّه علی أمیر المؤمنین علیه السلام، فإنّما بناه علی أنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله یجوز علیه التقیّة فی كلّ حال، و قد بیّنا ما فی ذلك و استقصیناه.

و قوله: أ لا جاز أن یكون أمیر المؤمنین علیه السلام نبیّا، و عدل عن ادّعاء ذلك تقیّة .. فیبطله ما ذكرنا من أنّ التقیّة لا یجوز علی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و الإمام علیه السلام فیما لا یعلم (3) إلّا من جهته، و یبطله زائدا علی ذلك ما نعلمه نحن و كلّ عاقل ضرورة من نفی (4) النبوّة بعده علی كلّ حال من دین الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله.

و قوله: إن عوّلوا علی علم الاضطرار فعندهم أنّ الضرورة فی النصّ علی الإمام قائمة، فمعاذ اللّٰه أن ندّعی الضرورة فی العلم بالنصّ علی من غاب عنه فلم یسمعه، و الذی نذهب إلیه أنّ كل من لم یشهده لا یعلمه إلّا باستدلال (5) و لیس كذلك نفی النبوّة، لأنّه معلوم من دینه صلّی اللّٰه علیه و آله ضرورة، و لو لم یشهد بالفرق بین الأمرین إلّا اختلاف العقلاء فی النصّ مع تصدیقهم بالرسول

ص: 402


1- فی المصدر: فلا بدّ ضرورة من.
2- فی الشافی: ما تلا صاحب الكتاب كلامه.
3- فی الشافی: لا یسلم.
4- فی المصدر: من أن نفی ..
5- فی (ك): بالاستدلال.

صلّی اللّٰه علیه و آله و أنّهم لم یختلفوا فی نفی النبوّة لكفی (1)، و لا اعتبار بقوله فی ذلك خلاف ما قد ذكر (2) كما ذكر فی أنّه علیه السلام إله، لأنّه (3) هذا الخلاف لا یعتدّ به، و المخالف فیه خارج عن الإسلام فلا یعتبر فی إجماع المسلمین بقوله، كما لا یعتبر فی إجماع المسلمین (4) بقول من خالف فی أنّه إله، علی أنّ من خالف و ادّعی نبوّته لا یكون مصدّقا للرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و لا عالما بنبوّته، و لا یدّعی علم الاضطرار فی أنّه لا نبیّ بعده و إنّما یعلم ضرورة من دینه صلّی اللّٰه علیه و آله نفی النبوّة بعده من أقرّ بنبوّته (5).

فأمّا قوله: إنّ الإجماع لا یوثق به عندهم، فمعاذ اللّٰه أن نطعن فی الإجماع و كونه حجّة، فإن أراد أنّ الإجماع الذی لا یكون فیه قول إمام لیس بحجّة فذلك لیس بإجماع عندنا و عندهم، و ما لیس بإجماع فلا حجّة فیه، و قد تقدّم عند كلامنا فی الإجماع من هذا الكتاب ما فیه كفایة.

و قوله: یجوز أنّ (6) یقع الإجماع علی طریق التقیّة لا یكون (7) أوكد من قول الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله أو قول الإمام علیه السلام عندهم، باطل (8)، لأنّا قد بیّنا أنّ التقیّة لا تجوز علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله و الإمام علیه السلام علی كلّ حال، و إنّما تجوز علی حال دون أخری، علی أنّ القول بأنّ الأمّة بأسرها مجتمع (9)

ص: 403


1- لا توجد فی المصدر: لكفی، و لا یتمّ المعنی إلّا بها.
2- فی المصدر: بقول صاحب الكتاب: إنّ فی ذلك خلافا قد ذكر ..
3- فی الشافی: لأن، و جعلها فی (س) نسخة بدل.
4- لا یوجد فی المصدر: بقوله كما لا یعتبر فی إجماع المسلمین.
5- لا یوجد فی المصدر: من أقرّ بنبوّته، و فیه: تدّعی ... نعلم ..
6- فی المصدر: لتجوزن أن.
7- كذا، و فی المصدر: لأنّه لا یكون .. و فی (س): لأنّه یكون. و الظاهر ما فی المصدر لما مرّ من عبارة صاحب المغنی.
8- باطل خبر لقوله.
9- كذا، و فی الشافی: تجمع.

علی طریق التقیّة طریف (1)، لأنّ التقیّة سببها الخوف من الضرر العظیم، و إنّما یتّقی بعض الأمّة من بعض لغلبته علیه و قهره له، و جمیع الأمّة لا تقیّة علیها من أحد.

فإن قیل: یتّقی من مخالفیها فی الشرائع.

قلنا: الأمر بالضدّ من ذلك، لأنّ من خالطهم و صاحبهم من مخالفیهم فی الحال (2) أقلّ عددا و أضعف بطشا منهم، فالتقیّة لمخالفیهم منهم أولی، و هذا أظهر من أن یحتاج فیه إلی الإطالة و الاستقصاء. انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه.

و لنذكر بعض ما یدلّ علی جواز التقیّة
اشارة

لكثرة تشنیع المخالفین فی ذلك علینا مع كثرة الدلائل القاطعة علیها (3)..

فمنها:

قوله تعالی: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ (4).

و منها:

قوله تعالی: لا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ فَلَیْسَ مِنَ اللَّهِ فِی شَیْ ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً (5).

و منها:

ما رواه الْفَخْرُ الرَّازِیُّ (6) وَ غَیْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِینَ (7) عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَخَذَ مُسَیْلَمَةُ الْكَذَّابُ رَجُلَیْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: أَ تَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَ فَتَشْهَدُ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ؟

ص: 404


1- فی المصدر: طریق، و لا معنی لها.
2- فی الشافی: فی الملل.
3- و سیأتی من المصنّف طاب ثراه فی المجلد الخامس و السبعین 393- 443 بحث حول التقیّة، فراجع.
4- النحل: 106.
5- آل عمران: 28.
6- تفسیر الفخر الرّازیّ 8- 13.
7- كما جاء فی مجمع البیان 2- 430، و أحكام القرآن للجصّاص 2- 10، و تفسیر التّبیان 2- 435، و غوالی اللّئالی 2- 104، حدیث 288 .. و غیرها.

قَالَ: نَعَمْ، وَ كَانَ مُسَیْلَمَةُ یَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ بَنِی حَنِیفَةَ، وَ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ رَسُولُ قُرَیْشٍ، فَتَرَكَهُ، وَ دَعَا الْآخَرَ فَقَالَ: أَ تَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ نَعَمْ نَعَمْ! قَالَ: أَ فَتَشْهَدُ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّی أَصَمُّ .. ثَلَاثاً. فَقَدَّمَهُ وَ قَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا الْمَقْتُولُ فَمَضَی عَلَی صِدْقِهِ وَ یَقِینِهِ فَهَنِیئاً لَهُ، وَ أَمَّا الْآخَرُ فَقَبِلَ رُخْصَةَ اللَّهِ فَلَا تَبِعَةَ عَلَیْهِ.

و منها:

مَا رَوَاهُ الْخَاصَّةُ وَ الْعَامَّةُ أَنَّ أُنَاساً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فُتِنُوا فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِیهِ، وَ كَانَ فِیهِمْ مَنْ أُكْرِهَ فَأَجْرَی كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَی لِسَانِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ بِقَلْبِهِ مُصِرّاً عَلَی الْإِیمَانِ مِنْهُمْ عَمَّارٌ وَ أَبَوَاهُ: یَاسِرٌ وَ سُمَیَّةُ، وَ صُهَیْبٌ وَ بِلَالٌ وَ خَبَّابٌ وَ سَالِمٌ عُذِّبُوا، وَ أَمَّا سُمَیَّةُ فَقَدْ رُبِطَتْ بَیْنَ بَعِیرَیْنِ (1) وَ وُجِئَتْ (2) فِی قُبُلِهَا بِحَرْبَةٍ، وَ قَالُوا: إِنَّكِ أَسْلَمْتِ مِنْ أَجْلِ الرِّجَالِ فَقُتِلَتْ، وَ قُتِلَ یَاسِرٌ، وَ هُمَا أَوَّلُ قَتِیلَیْنِ (3) فِی الْإِسْلَامِ، وَ أَمَّا عَمَّارٌ فَقَدْ أَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا بِلِسَانِهِ مُكْرَهاً، فَقِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ عَمَّاراً كَفَرَ. فَقَالَ: كَلَّا، إِنَّ عَمَّاراً مُلِئَ إِیمَاناً مِنْ قَرْنِهِ إِلَی قَدَمِهِ، وَ اخْتَلَطَ الْإِیمَانُ بِلَحْمِهِ وَ دَمِهِ، فَأَتَی عَمَّارٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ یَبْكِی، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَمْسَحُ عَیْنَیْهِ یَقُولُ: مَا لَكَ! إِنْ عَادُوا لَكَ فَعُدْ لَهُمْ بِمَا قُلْتَ (4).

ص: 405


1- فی (س): بعیری.
2- قال فی القاموس 1- 31: وجأه بالید و السّكّین- كوضعه- ضربه.
3- فی (س): قتیلتین.
4- صرّحت بذلك كلّ المصادر الّتی بأیدینا نذكر منها: حلیة الأولیاء 1- 139، 143، 147، 151، تفسیر الآلوسی 14- 237، تفسیر الطّبریّ 3- 152، 14- 122، أحكام القرآن لأبی بكر العربیّ 1- 268، تفسیر الفخر الرّازیّ 20- 121- بنصّ ما ذكر هنا-، تفسیر الدّرّ المنثور للسّیوطیّ 2- 16 و 4- 132، أحكام القرآن للجصّاص 2- 9 و 3- 191- 192، أسد الغابة 4- 43 46، و مستدرك الحاكم 2- 291 و 357. وقد ذكر العلامة الأمینی فی غدیره ٩ _ ٢٤ مصادر جمة أخری ، أما عند الخاصة فالمسألة مسلمة إن لم تكن ضروریة. انظر مثلا : قرب الإسناد : ٨ ، غوالی اللئالی ٢ _ ١٠٤ ، حدیث ٢٨٥ و ٢٨٨ ، تفسیر التبیان ٦ _ ٤٢٨ ، .. وغیرها.
و منها:

خَبَرُ (1) مَوْلَی الْحَضْرَمِیِّ أَكْرَهَهُ سَیِّدُهُ فَكَفَرَ ثُمَّ أَسْلَمَ مَوْلَاهُ فَأَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُمَا وَ هَاجَرَا (2).

و قال ابن عبد البرّ فی الإستیعاب (3) فی ترجمة عمّار: إنّ نزول الآیة فیهم ممّا أجمع أهل التفسیر علیه.

و یدل علیها أیضا ما یدلّ علی نفی الحرج نحو قوله تعالی: ما جَعَلَ عَلَیْكُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ (4) و لزوم الحرج فی مواضع التقیّة- سیّما إذا انتهت الحال إلی القتل و هتك العرض- واضح..

و یدلّ علیها عموم قوله تعالی

(5): فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ (6).

و قد فسّر مجاهد الاضطرار فی آیة الأنعام (7) باضطرار الإكراه خاصّة (8).

و یدلّ علیه قوله تعالی: وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیكُمْ إِلَی التَّهْلُكَةِ (9) علی بعض

ص: 406


1- فی مطبوع البحار: خیر.
2- كما جاء فی الإصابة 1- 221 برقم 1069 حیث ذكره باسم «جبر» و فیها أیضا 2- 249 رقم 4380 حیث ذكره باسم «حرّ» فی ضمن ترجمة سیّده «عامر بن الحضرمیّ». و الموضع الثّانی من الإصابة هو الأنسب لمّا فی المتن هنا.
3- الاستیعاب- المطبوع فی هامش الإصابة- 2- 477.
4- الحجّ: 78.
5- لا توجد كلمة: تعالی، فی (س).
6- البقرة: 173.
7- الأنعام: 145، و هی قوله تعالی: «قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ» ... «فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِیمٌ».
8- لم نجد النسبة إلی مجاهد فی سورة الأنعام من تفسیر التبیان 4- 275، و مجمع البیان 4- 378 و غیرهما. نعم أحال الأخیر تفسیرها إلی سورة البقرة: 173 فی 2- 257، و ذكر هناك نصّ كلام مجاهد، و هناك أقوال أخر لاحظها هناك.
9- البقرة: 195.

التفاسیر (1). و لا خلاف فی شرعیّتها مع الخوف علی النفس من الكفّار الغالبین.

و قال الشافعی- من العامّة- بأنّ الحالة بین المسلمین إذا شاكلت الحال بین المسلمین و المشركین حلّت التقیّة (2)، ذكر ذلك الفخر الرازی فی تفسیر الآیة الثانیة، و قال: التقیّة جائزة لصون النفس، و هل هی جائزة لصون المال، یحتمل أن یحكم فیها بالجواز،

لِقَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ: حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ،.

وَ لِقَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِیدٌ.

، و لأنّ الحاجة إلی المال شدیدة، و الماء إذا بیع بالغبن سقط فرض الوضوء و جاز الاقتصار علی التیمّم دفعا لذلك القدر من نقصان المال، فكیف لا یجوز هاهنا (3)؟.

و قال فی تفسیر الآیة الأولی.

اعلم أنّ للإكراه مراتب:
أحدها

أحدها (4): أن یجب فعل المكره علیه

، مثل ما إذا أكرهه علی شرب الخمر و أكل الخنزیر و أكل المیتة، فإذا أكرهه علیه بالسیف فهاهنا یجب الأكل، و ذلك لأنّ صون الروح عن الفوات واجب و لا سبیل إلیه فی هذه الصورة إلّا بهذا الأكل، و لیس فی هذا الأكل ضرر علی حیوان و لا إهانة بحقّ اللّٰه (5)، فوجب أن یجب، لقوله تعالی: وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیكُمْ إِلَی التَّهْلُكَةِ (6).

المرتبة الثانیة:

أن یكون (7) ذلك الفعل مباحا و لا یصیر واجبا، و مثاله ما إذا

ص: 407


1- انظر: التبیان 2- 152، و مجمع البیان 1- 289 ذیل آیة 195 من سورة البقرة، تفسیر نور الثقلین 1- 179، و البرهان 1- 192، و انظر: تفسیر الفخر الرازیّ 5- 150، 20- 122، و الكشّاف 1- 237 و غیرها.
2- كما ذكره فی كتابه: الأم 3- 236، 4- 188 و 193 و 285 بهذا المضمون.
3- تفسیر الفخر الرازیّ 8- 13.
4- فی المصدر: المرتبة الأولی، بدلا من: أحدها.
5- فی تفسیر الفخر الرازیّ: و لا فیه إهانة لحقّ اللّٰه تعالی.
6- البقرة: 195.
7- توجد فی (ك) هنا نسخة بدل: أن یصیر، و هی كذلك فی المصدر.

أكرهه علی التلفظ بكلمة الكفر مباح له ذلك (1) و لكنّه لا یجب (2).

قال: و أجمعوا علی أنّه لا یجب علیه التكلّم بكلمة الكفر، و یدلّ علیه وجوه:

أحدها: إنّا روینا أنّ بلالا صبر علی ذلك العذاب و كان یقول: أحد ..

أحد، و لم یقل رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و سلّم بئسما صنعت، بل عظّموه علیه (3)، فدلّ ذلك علی أنّه لا یجب علیه التكلّم بكلمة الكفر.

و ثانیها: ما روی من قصّة المسیلمة (4)، التی سبق ذكرها، قال:

المرتبة الثالثة:

أنّه لا یجب و لا یباح بل یحرم، و هذا مثل ما أكرهه إنسان علی قتل إنسان آخر أو علی قطع عضو من أعضائه، فهاهنا یبقی الفعل علی الحرمة الأصلیّة (5) انتهی.

و لا خلاف ظاهرا فی أنّه متی أمكن التخلّص من الكذب فی صورة التقیّة بالتوریة لم یجز ارتكاب الكذب، و اختلفوا فیما لو ضیق المكره الأمر علیه و شرح له كلّ أقسام التعریضات و طلب منه أن یصرّح بأنّه ما أراد شیئا منها و لا أراد إلّا ذلك المعین، و لم یتفطّن فی تلك الحال بتوریة یتخلّص منه (6) فالخاصّة (7) و أكثر

ص: 408


1- فی المصدر: فهاهنا یباح له و ..
2- تفسیر الفخر الرازیّ 20- 122- 123.
3- من المصدر: بل عظمه علیه.
4- تفسیر الفخر الرازیّ 20- 122، و ذكر فیه قصّة مسیلمة، و الظاهر زیادة الألف و اللام علی العلم.
5- تفسیر الفخر الرازیّ 20- 123.
6- فی (ك): به، بدلا من: منه.
7- نصّت علیه جملة مصادر من الإمامیّة كما جاءت روایة فی كتب الحدیث، انظر: الكافی 2- 172 باب 97 كتاب الإیمان، المحاسن 255 باب التقیّة، أمالی الشیخ الصدوق 531 حدیث 5، معانی الأخبار 385 حدیث 20، أمالی الشیخ الطوسیّ 1- 287 و 299، وسائل الشیعة 1- 313 حدیث 3 و 4، 11- 459 باب 24، و 467 باب 25 و 26 و 27 و ما بعدها، و 18- 5 حدیث 7، بحار الأنوار 75- 393- 443، و لاحظ أیضا أوائل المقالات للشیخ المفید: 135 و 241، الهدایة (لعلیّ بن بابویه): 9، و القواعد و الفوائد 2- 155، جامع الأخبار: 110 باب التقیّة، و راجع من التفاسیر: تفسیر الإمام الحسن العسكریّ علیه السلام: 175، و تفسیر العیّاشیّ 1- 166، 2- 271- 272، تفسیر القمّیّ: 1- 100 و 390، تفسیر ابن عبّاس: 45 و 231، و تفسیر نور الثقلین 1- 325- 327 و 3- 88، تفسیر البرهان 1- 275 و 2- 385، و غیرها.

العامّة (1) ذهبوا إلی جواز الكذب حینئذ.

و حكی الفخر الرازی عن القاضی أنّه قال: یجب حینئذ تعریض النفس للقتل، لأنّ الكذب إنّما یقبح لكونه كذبا، فوجب أن یقبح علی كلّ حال، و لو جاز أن یخرج من القبح لرعایة بعض المصالح لم یمتنع (2) أن یفعل اللّٰه الكذب لرعایة بعض المصالح، و حینئذ لا یبقی وثوق بعهد اللّٰه (3) و لا بوعیده، لاحتمال أنّه فعل ذلك الكذب (4) لرعایة المصالح التی لا یعرفها إلّا اللّٰه تعالی (5).

و یرد علیه: أنّ الكذب و إن كان قبیحا إلّا أنّ جواز ارتكابه (6) فی محلّ النزاع لأنّه أقلّ القبیحین، و التعریض للقتل- لو سلّمنا عدم قبحه لذاته جاز أن یغلب المفسدة العرضیّة فیه علی الذاتیّة فی الكذب، و یلزمه تجویز تعریض نبیّ من الأنبیاء للقتل للتحرّز عن الكذب فی درهم، و بطلانه لا یخفی علی أحد.

و أمّا ما تمسّك به من تطرّق الكذب إلی وعد اللّٰه سبحانه و وعیده، فیتوجّه علیه:

ص: 409


1- قد مرّت جملة من مصادر العامّة قریبا و نزیدها هنا: تفسیر الفخر الرازیّ 8- 11- 14 و 20- 120 و 123، و تفسیر الطبریّ 14- 121، تفسیر البحر المحیط 2- 423 و 5- 537- 541، تفسیر الكشّاف 1- 422 و 2- 430، تفسیر زاد المسیر 1- 371 و 4- 495، و تفسیر القرآن العظیم 1- 365 و 2- 609، و أحكام القرآن للقرطبیّ 4- 57 و 10- 180، و لاحظ: صحیح البخاریّ 8- 38 باب 82، و 9- 25 باب 1. و راجع كتب التراجم و الحدیث من العامّة فی ما ذكروه فی قصّة عمّار و صهیب و خباب و بلال و مسیلمة الكذّاب و غیرها.
2- فی تفسیر الفخر الرازیّ: عن القبیح لرعایة بعض المصالح لم یمنع ..
3- كذا، و فی المصدر: بوعد اللّٰه تعالی، جاءت نسخة بدل فی (ك): بوعد اللّٰه.
4- فی (س): الكذاب.
5- تفسیر الفخر الرازیّ: 20- 122.
6- كذا، و الظاهر: إلّا أنّه یجوز ارتكابه.

أوّلا: أنّ العقل یجزم ببطلان الاحتمال المذكور، لأنّ (1) سبحانه هو الذی بیده أزّمة الأمور، و هو القادر الذی لا یضادّه فی ملكه أحد، و العالم بالعواقب، فلا یجوز علیه نظم الأمور علی وجه لا یمكن فیه رعایة المصلحة إلّا بالكذب.

و ثانیا: أنّ ذلك باطل بالضرورة من الدین و إجماع الملیّین- لا من حیث عدم جواز الكذب- لرعایة المصالح، و هو واضح.

ثم إنّ الشهید رحمه اللّٰه عرّف التقیّة (2) فی قواعده (3) بأنّها: مجاملة الناس بما یعرفون و ترك ما ینكرون حذرا من غوائلهم، قال: و أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام (4) و موردها الطاعة و المعصیة غالبا، فمجاملة الظالم فیما یعتقده ظلما و الفاسق المتظاهر بفسقه اتّقاء شرّهما من باب المداهنة الجائزة و لا تكاد تسمّی تقیّة.

و قسّمها بانقسام الأحكام الخمسة (5)، و عدّ من الحرام التقیّة فی قتل الغیر، و قال: التقیّة تبیح كلّ شی ء حتّی إظهار كلمة الكفر و لو تركها حینئذ أثم، أمّا فی هذا المقام و مقام التبرّی من أهل البیت علیهم السلام فإنّه لا یأثم بتركها، بل صبره إمّا مباح أو مستحب، و خصوصا إذا كان ممّن یقتدی به (6)، انتهی.

و حكی الشیخ الطبرسی رحمه اللّٰه فی مجمع البیان (7) عن الشیخ المفید رضی

ص: 410


1- جاءت فی (ك): لأنّه، علی أنّها نسخة بدل.
2- فی (س): أن التقیّة.
3- القواعد و الفوائد 2- 155 قاعدة 208، باختلاف یسیر.
4- كما جاءت فی مستدرك وسائل الشیعة 1- 512 باب 16 من أبواب ما تجب فیه الزكاة حدیث 2 (الطبعة الجدیدة 4- 44- 45) كما ورد بهذا المضمون عن الصادق علیه السلام كما جاء فی المستدرك 2- 378 باب 30 من أبواب الأمر و النهی حدیث 4 و 8 (الطبعة الجدیدة 12- 274 276).
5- القواعد و الفوائد 2- 157- 158.
6- القواعد و الفوائد- التنبیه الثانی- 2- 158 باختلاف یسیر.
7- مجمع البیان 1- 430 ذیل آیة 28 من سورة آل عمران.

اللّٰه عنه أنّه قال: التقیّة قد تجب أحیانا و تكون فرضا، و تجوز أحیانا من غیر وجوب و یكون فی وقت أفضل من تركها، و قد یكون تركها أفضل و إن كان فاعلها معذورا و معفوّا عنه، متفضّلا علیه بترك اللوم علیها (1).

و قال الشیخ أبو جعفر الطوسی رحمه اللّٰه: ظاهر الروایات یدلّ علی أنّها واجبة عند الخوف علی النفس، و قد روی رخصة فی جواز الإفصاح بالحقّ عنده (2).

و أنت إذا وقفت علی ما حكیناه ظهر لك أنّ القول بالتقیّة لیس من خصائص الخاصّة حتی یعیّروا به- كما یوهمه كلام قاضی القضاة و الفخر الرازی و غیرهما- و أكثر أحكامها ممّا قال به جلّ العامّة أو طائفة منهم.

ثم إنّ ما جعله قاضی القضاة من مفاسد القول بجواز التقیة علی الإمام أعنی لزوم جوازها علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله- ممّا رووه فی أخبارهم و اتّفقوا علی صحّته.

- روی البخاری فی صحیحه فی باب فضل مكّة و بنیانها بأربعة أسانید (3)،- و مسلم فی صحیحه (4)، و مالك فی الموطأ (5)، و الترمذی (6) و النسائی فی صحیحیهما (7)

، و ذكرهما فی جامع الأصول فی فضل الأمكنة من حرف الفاء بألفاظ مختلفة (8).

ص: 411


1- ذكر هذا شیخنا المفید طاب ثراه فی كتابه: أوائل المقالات: 135.
2- جاء فی تفسیر التبیان 2- 435، و إلی هنا انتهی ما نقله صاحب مجمع البیان.
3- صحیح البخاریّ كتاب الحجّ 2- 179، و كتاب بدء الخلق باب الأنبیاء 4- 178، و كتاب تفسیر سورة البقرة 6- 24.
4- صحیح مسلم 2- 969 حدیث 399 باب 69 كتاب الحجّ.
5- موطأ مالك 1- 363 باب 33 كتاب الحجّ حدیث 104.
6- سنن الترمذی 3- 224 باب 47 كتاب الحجّ حدیث 875.
7- سنن النسائی 5- 214 باب بناء الكعبة، و انظر: مسند أحمد بن حنبل 6- 113 و 117 و 247، و سنن البیهقیّ 5- 89.
8- جامع الأصول 9- 294 حدیث 6907.

منها:- و هو.

لَفْظُ الْبُخَارِیِّ وَ مُسْلِمٍ وَ الْمُوطَأِ وَ النَّسَائِیِّ- أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ أَخْبَرَ عَنْ (1) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ قَالَ لَهَا: أَ لَمْ تَرَیْ أَنَّ قَوْمَكِ حِینَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَلَی قَوَاعِدِ إِبْرَاهِیمَ؟ فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! أَ لَا تَرُدُّهَا عَلَی قَوَاعِدِ إِبْرَاهِیمَ؟ قَالَ: لَوْ لَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ.

قال عبد اللّٰه: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه (و آله) و سلّم ما أری رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه (و آله) و سلّم ترك استلام الركنین اللذین یلیان الحجر إلّا أنّ البیت لم یتم علی قواعد إبراهیم (2).

و مِنْ لَفْظِ الْبُخَارِیِّ وَ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (3): سَأَلْتُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) عَنِ الْجِدَارِ، أَ مِنَ (4) الْبَیْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ:

فَمَا لَهُمْ لَمْ یُدْخِلُوهُ فِی الْبَیْتِ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْمَكِ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ. قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعاً؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِیُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَ یَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَ لَوْ لَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِیثُ عَهْدِهِمْ (5) بِالْجَاهِلِیَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجِدَارَ فِی الْبَیْتِ وَ أَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ (6)..

و مِنْ لَفْظِ الْبُخَارِیِّ، عَنْ جَرِیرٍ، عَنْ یَزِیدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) قَالَ لَهَا: یَا عَائِشَةُ! لَوْ لَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِیثُ عَهْدٍ بِالْجَاهِلِیَّةِ لَأَمَرْتُ بِالْبَیْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِیهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَ أَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَ جَعَلْتُ لَهُ بَابَیْنِ، بَاباً شَرْقِیّاً وَ بَاباً غَرْبِیّاً، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِیمَ فَذَلِكِ الَّذِی

ص: 412


1- لا توجد كلمة: عن، فی (س).
2- جاء فی مصادر أخری حكتها عنهم، و انظر: مسند أحمد بن حنبل 6- 57 و غیره.
3- فی (س): قال، و جعل: قالت نسخة بدل.
4- فی (ك): من.
5- جاءت فی (ك): عهد، و عهدهم نسخة بدل.
6- صحیح البخاریّ 2- 179- 180، صحیح مسلم 2- 973 باب 70 حدیث 405، الفردوس 3- 358 حدیث 5081، سنن البیهقیّ 5- 89، كنز العمّال 12- 221- 222 حدیث 34761 34765.

حَمَلَ ابْنَ الزُّبَیْرِ عَلَی هَدْمِهِ. قَالَ یَزِیدُ: وَ شَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَیْرِ حِینَ هَدَمَهُ وَ بَنَاهُ وَ أَدْخَلَ فِیهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَ قَدْ رَأَیْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِیمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ، قَالَ جَرِیرٌ: فَقُلْتُ لَهُ أَیْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالَ: أُرِیكَهُ الْآنَ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ، فَأَشَارَ إِلَی مَكَانٍ فَقَالَ: هَاهُنَا. فَخَرَرْتُ مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا .. (1).

و باقی ألفاظ الروایات مذكورة فی جامع الأصول (2).

و لا ریب فی أنّ الظاهر أنّ تعلیق الإمضاء بحدثان عهد القوم و قربه من الكفر و الجاهلیّة یستلزم خوفه صلّی اللّٰه علیه و آله فی ارتدادهم و خروجهم عن الإسلام أن یعود بذلك ضرر علی نفسه (3) صلّی اللّٰه علیه و آله أو إلی غیره، و یتطرّق بذلك الوهن فی الإسلام، و ذلك هو الذی جعله قاضی القضاة مفزعا للشیعة عند لزوم الكلام.

ثم إنّ هذه الروایات تدلّ دلالة ظاهرة علی أنّ إیمان القوم لم یكن ثابتا مستقرا، و إلّا لما كان الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله خائفا وجلا من تغییر ما أسّسه أئمّة القوم فی الجاهلیّة و الكفر، و إنّهم ممّن قال اللّٰه تعالی: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلی حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَیْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلی وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْیا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ (4). بل الظاهر من الكلام لمن أنصف و راجع الوجدان الصحیح أنّ القوم لم یكونوا مذعنین لرسالته صلّی اللّٰه علیه و آله إلّا بألسنتهم، و إلّا لما خاف ارتدادهم (5) لأمر لا یعود بإبقائه إلیهم نفع فی آخرتهم و دنیاهم، و كانوا یحبّون بقاءه لكونه من قواعد الجاهلیّة و أساس الكفر، و لا ریب فی أنّ توجیه الكلام إلی عائشة و التعبیر عن القوم بلفظ یفید نوعا من الاختصاص

ص: 413


1- صحیح البخاریّ 2- 180.
2- جامع الأصول 9- 294 حدیث 6907- 6912.
3- فی (ك): إلی نفسه.
4- الحجّ: 11.
5- فی (ك) و فی نسخة: خاف من ارتدادهم ..

بها یقتضی كون الحكم أخصّ و أقرب إلی من كان أقرب إلیها و أخصّ بها، لكونه متّبعا فی القوم أو أشدّ عصبیّة منهم .. أو نحو ذلك، و لیس فی القوم أقرب إلی عائشة من أبیها.

فإن قیل: تركه صلّی اللّٰه علیه و آله لهدم ما أسّسه القوم لم یكن لخوفه علی نفسه أو غیره حتی یدخل فی التقیّة، بل هو من قبیل رعایة المصالح فی تألیف قلوب القوم و میلهم إلی الإسلام، و ذلك من قبیل أمره سبحانه بمشاورة القوم و الرفق بهم فی قوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ (1).

قلنا: أوّلا: هذا بعید من الظاهر، إذ الخوف من إنكار قلوب عامّة القوم- كما یظهر من إضافة ما یفید مفاد الجمع لحدثان عهدهم بالجاهلیّة و الكفر مع الأمن من لحوق الضرر و لو إلی أحد من المسلمین- ممّا لا معنی له عند الرجوع إلی فطرة سلیمة.

و ثانیا: أنّه یجوز أن یكون المانع لأمیر المؤمنین علیه السلام من نقض أحكامهم مثل ذلك، و لم یكن أئمّة الكفر و الجاهلیّة فی صدور قوم عائشة أمكن من أبی بكر و عمر فی قلوب القوم الذین كانوا یبایعون أمیر المؤمنین (علیه السلام) علی سیرتهما و اقتفاء أثرهما، و إذا لم یكن ذلك من التقیّة بطل قول قاضی القضاة، و لیس لهم بعد ذلك إلّا التعلّق بالتقیّة التی هی مفزعهم عند لزوم الكلام.

و ثالثا: إذا جاز علی الرسول صلّی اللّٰه علیه و آله ترك الإنكار علی تغییر ما حرّم اللّٰه خوفا من هذا النوع من الضعف فی الإسلام الذی یئول إلی خروج قوم منافقین أو متزلزلین فی الإسلام عن الإسلام من غیر أن یعود به ضرر إلی المسلمین و لا إلی نفسه صلّی اللّٰه علیه و آله، فبالأولی أن یجوز لأمیر المؤمنین إمضاء الباطل من أحكام القوم للخوف علی نفسه أو غیره من المسلمین، لكون ذلك أضرّ فی

ص: 414


1- آل عمران: 159.

الإسلام، و كما لم تمنع (1) العصمة فی النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله عن تركه إنكار المنكر لم تمنع فی أمیر المؤمنین علیه السلام، و یتوجه علی قول قاضی القضاة: جوّزوا مع ظهور المعجز أن یدّعی الإمامة تقیّة .. أنّه إن كان المراد تجویز ظهور المعجز بعد ادّعاء الإمامة مع كونه غیر نبیّ و لا إمام فبطلانه واضح.

و إن كان المراد تجویز ادّعاء الإمامة مع كونه نبیّا حتی یكون ما بعده كالإعادة لهذا الكلام فیرد علیه: أنّه إن كان ذلك الادّعاء علی وجه الكذب فامتناع ظهور المعجز علی طبقه واضح.

و إن كان علی وجه التوریة حتی یكون المراد من الإمامة النبوّة لكن لم یعرف ذلك أحد من الناس، و كانوا معتقدین لإمامته متدیّنین بها لا بنبوّته فهو أیضا باطل، إذ فی ظهور المعجز- مع تلك الدعوی- إغراء للمكلّفین بالباطل، و هو قبیح..

ص: 415


1- توجد فی (ك) نسخة بدل: و كما أنّه تمنع ..

ص: 416

13- باب علّة قعوده علیه السلام عن قتال من تأمّر علیه من الأوّلین،

اشارة

«13»-باب (1) علّة قعوده علیه السلام عن قتال من تأمّر علیه من الأوّلین، و قیامه إلی قتال من بغی علیه من الناكثین و القاسطین و المارقین، و علّة إمهال اللّٰه من تقدّم علیه، و فیه علّة قیام من قام من سائر الأئمّة و قعود من قعد منهم علیهم السلام.

«1»-ج (2): رُوِیَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَانَ جَالِساً فِی بَعْضِ مَجَالِسِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنِ النَّهْرَوَانِ (3) فَجَرَی الْكَلَامُ حَتَّی قِیلَ: لِمَ (4) لَا حَارَبْتَ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ كَمَا حَارَبْتَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ وَ مُعَاوِیَةَ؟. فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنِّی كُنْتُ لَمْ أَزَلْ مَظْلُوماً مُسْتَأْثَراً عَلَی حَقِّی، فَقَامَ إِلَیْهِ أَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! لِمَ لَمْ تَضْرِبْ بِسَیْفِكَ وَ تَطْلُبْ بِحَقِّكَ؟! فَقَالَ: یَا أَشْعَثُ! قَدْ قُلْتَ قَوْلًا فَاسْمَعِ الْجَوَابَ وَ عِهْ وَ اسْتَشْعِرِ الْحُجَّةَ، إِنَّ لِی أُسْوَةً بِسِتَّةٍ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ أَجْمَعِینَ:

ص: 417


1- الرقم جاء فی حاشیة (س) و لیس من الأصل.
2- الاحتجاج: 1- 189- 190 طبعة مشهد (1- 279- 280 النّجف الأشرف) باختلاف یسیر.
3- فی المصدر: من نهروان ..
4- قیل له لم .. كذا فی المصدر، و نسخة جاءت علی (ك).

أَوَّلُهُمْ: نُوحٌ عَلَیْهِ السَّلَامُ حَیْثُ قَالَ: أَنِّی مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (1)، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ لِغَیْرِ (2) خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ ثَانِیهِمْ: لُوطٌ عَلَیْهِ السَّلَامُ حَیْثُ قَالَ: لَوْ أَنَّ لِی بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِی إِلی رُكْنٍ شَدِیدٍ (3). فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا لِغَیْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ ثَالِثُهُمْ: إِبْرَاهِیمُ خَلِیلُ اللَّهِ حَیْثُ قَالَ: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (4). فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا لِغَیْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ رَابِعُهُمْ: مُوسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ حَیْثُ قَالَ: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ (5). فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا لِغَیْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ خَامِسُهُمْ: أَخُوهُ هَارُونُ عَلَیْهِ السَّلَامُ حَیْثُ قَالَ: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ كادُوا یَقْتُلُونَنِی (6). فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ قَالَ هَذَا (7) لِغَیْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ سَادِسُهُمْ: أَخِی مُحَمَّدٌ سَیِّدُ الْبَشَرِ (8) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَیْثُ ذَهَبَ إِلَی الْغَارِ وَ نَوَّمَنِی عَلَی فِرَاشِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ ذَهَبَ إِلَی الْغَارِ لِغَیْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَ إِلَّا فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

فَقَامَ إِلَیْهِ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ فَقَالُوا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُكَ وَ نَحْنُ الْمُذْنِبُونَ التَّائِبُونَ، وَ قَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ!.

ص: 418


1- القمر: 10، و فی المصدر: ربّ إنّی ..
2- فی المصدر: قال هذا لغیر ..
3- هود: 80.
4- مریم: 48.
5- الشّعراء: 21.
6- الأعراف: 150، و فی المصدر: یا ابن أم ..
7- لا توجد: هذا، فی (س).
8- فی المصدر: خیر البشر ..

«2»-ج (1): عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَی، عَنْ أَبِیهِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِیهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ خُطْبَةً بِالْكُوفَةِ فَلَمَّا كَانَ فِی آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ: إِنِّی (2) لَأَوْلَی النَّاسِ بِالنَّاسِ وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَامَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ (3): یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُنْذُ قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلَّا وَ قُلْتَ: وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَوْلَی النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ! وَ لَمَّا وَلِیَ تَیْمٌ وَ عَدِیٌّ، أَلَّا ضَرَبْتَ بِسَیْفِكَ دُونَ ظُلَامَتِكَ؟! فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَیْهِ: یَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ! قَدْ قُلْتَ قَوْلًا فَاسْتَمِعْ، وَ اللَّهِ مَا مَنَعَنِی الْجُبْنُ وَ لَا كَرَاهِیَةُ الْمَوْتِ، وَ لَا مَنَعَنِی ذَلِكَ (4) إِلَّا عَهْدُ أَخِی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، خَبَّرَنِی وَ قَالَ (5): یَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ وَ تَنْقُضُ عَهْدِی، وَ إِنَّكَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی. فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا تَعْهَدُ إِلَیَّ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَبَادِرْ إِلَیْهِمْ وَ جَاهِدْهُمْ، وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ یَدَكَ وَ احْقُنْ دَمَكَ حَتَّی تَلْحَقَ بِی مَظْلُوماً. فَلَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ اشْتَغَلْتُ بِدَفْنِهِ وَ الْفَرَاغِ مِنْ شَأْنِهِ، ثُمَّ آلَیْتُ یَمِیناً (6) أَنِّی لَا أَرْتَدِی إِلَّا لِلصَّلَاةِ حَتَّی أَجْمَعَ الْقُرْآنَ، فَفَعَلْتُ (7)، ثُمَّ أَخَذْتُ بِیَدِ فَاطِمَةَ وَ ابْنَیَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ ثُمَّ دُرْتُ عَلَی أَهْلِ بَدْرٍ وَ أَهْلِ السَّابِقَةِ فَنَاشَدْتُهُمْ (8) حَقِّی وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَی نَصْرِی (9)، فَمَا أَجَابَنِی

ص: 419


1- الاحتجاج: 1- 190- 191 مشهد (1- 280- 281 النّجف الأشرف) باختلاف یسیر.
2- فی المصدر: ألا و إنّی ..
3- فی المصدر: فقام إلیه الأشعث بن قیس فقال ..
4- لا توجد فی المصدر: الجبن، و لا كراهیة الموت، و لا منعنی ذلك .. و فیه: ما منعنی من ذلك ..
5- فی المصدر: أخبرنی، و قال لی ..
6- و فی نسخة علی المطبوع من البحار: ألبث بیتا.
7- هنا سقط، و جاء فی المصدر: ثمّ أخذته و جئت به فأعرضته علیهم، قالوا: لا حاجة لنا به.
8- فی المصدر: فأنشدتهم.
9- فی الاحتجاج: نصرتی.

مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ: سَلْمَانُ وَ عَمَّارٌ وَ الْمِقْدَادُ وَ أَبُو ذَرٍّ، وَ ذَهَبَ مَنْ كُنْتُ أَعْتَضِدُ بِهِمْ عَلَی دِینِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی، وَ بَقِیتُ بَیْنَ خَفِیرَتَیْنِ (1) قَرِیبَیِ الْعَهْدِ بِجَاهِلِیَّةٍ: عَقِیلٍ وَ الْعَبَّاسِ.

فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! كَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ لَمَّا لَمْ یَجِدْ أَعْوَاناً كَفَّ یَدَهُ حَتَّی قُتِلَ مَظْلُوماً (2)؟.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ: یَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ! لَیْسَ كَمَا قِسْتَ، إِنَّ عُثْمَانَ لَمَّا جَلَسَ (3) جَلَسَ فِی غَیْرِ مَجْلِسِهِ، وَ ارْتَدَی بِغَیْرِ رِدَائِهِ، وَ صَارَعَ الْحَقَّ فَصَرَعَهُ الْحَقُّ، وَ الَّذِی بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَوْ وَجَدْتُ یَوْمَ بُویِعَ أَخُو تَیْمٍ أَرْبَعِینَ رَهْطاً لَجَاهَدْتُهُمْ فِی اللَّهِ إِلَی أَنْ أُبْلِیَ عُذْرِی. ثُمَّ أَیُّهَا (4) النَّاسُ! إِنَّ الْأَشْعَثَ لَا یَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَ إِنَّهُ أَقَلُّ فِی دِینِ اللَّهِ مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ..

إیضاح:

قوله علیه السلام: بین خفیرتین- بالخاء المعجمة و الراء المهملة أی طلیقین معاهدین أخذا فی الحرب و حقن دمهما بالأمان و الفداء، أو ناقضین للعهد، قال فی القاموس: الخفیر: المجار و المجیر .. و خفره: أخذ منه جعلا لیجیره، و به خفرا و خفورا: نقض عهده و غدركه كأخفره (5)، و فی بعض النسخ:

بالحاء المهملة و الزای المعجمة من قولهم: حفزه .. أی دفعه من خلفه، و بالرّمح:

طعنه، و عن الأمر: أعجله و أزعجه، قاله الفیروزآبادی (6).

و قال: أبلاه عذرا: أدّاه إلیه فقبله (7).

ص: 420


1- فی المصدر: حفیرین، و الظّاهر أنّه غلط و لیس له معنی مناسب، كما لم یتعرّض له العلّامة المجلسیّ رحمه اللّٰه فی بیانه.
2- لا یوجد فی الاحتجاج: یا أمیر المؤمنین .. مظلوما.
3- لا توجد فی المصدر: لمّا جلس.
4- فی المصدر: ثمّ قال: أیّها ..، و هو الظّاهر.
5- القاموس 2- 22، و قارن ب: النهایة 2- 52.
6- فی القاموس المحیط 2- 173 و انظر: النهایة 1- 407 و غیرها.
7- فی القاموس المحیط 4- 305، و النهایة لابن الأثیر 1- 155.

و عفطة العنز: ضرطته (1).

«3»-ج (2): رُوِیَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ تِسْعَ نِسْوَةٍ، وَ كَانَتْ لَیْلَتِی وَ یَوْمِی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَأَتَیْتُ الْبَابَ فَقُلْتُ: أَدْخُلُ یَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله)؟

فَقَالَ: لَا. قَالَتْ: فَكَبَوْتُ كَبْوَةً شَدِیدَةً مَخَافَةَ أَنْ یَكُونَ رَدَّنِی مِنْ سَخَطِهِ، أَوْ نَزَلَ فِیَّ شَیْ ءٌ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ لَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَتَیْتُ الْبَابَ ثَانِیَةً فَقُلْتُ: أَدْخُلُ یَا رَسُولَ اللَّهِ؟

فَقَالَ: لَا. قَالَتْ: فَكَبَوْتُ كَبْوَةً أَشَدَّ مِنَ الْأُولَی، ثُمَّ لَمْ أَلْبَثْ حَتَّی أَتَیْتُ الْبَابَ ثَالِثَةً فَقُلْتُ: أَدْخُلُ (3) یَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: ادْخُلِی یَا أُمَّ سَلَمَةَ، فَدَخَلْتُ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ جَاثٍ بَیْنَ یَدَیْهِ، وَ هُوَ یَقُولُ: فِدَاكَ أَبِی وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ ..

كَذَا وَ كَذَا فَمَا تَأْمُرُنِی؟ قَالَ: آمُرُكَ بِالصَّبْرِ .. ثُمَّ أَعَادَ عَلَیْهِ الْقَوْلَ ثَانِیَةً فَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ .. ثُمَّ أَعَادَ عَلَیْهِ الْقَوْلَ ثَالِثَةً، فَقَالَ لَهُ (4): یَا عَلِیُّ! یَا أَخِی! إِذَا كَانَ ذَلِكَ (5) مِنْهُمْ فَسُلَّ سَیْفَكَ وَ ضَعْهُ عَلَی عَاتِقِكَ وَ اضْرِبْ قُدُماً قُدُماً حَتَّی (6) تَلْقَانِی وَ سَیْفُكَ شَاهِرٌ یَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَیَّ وَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْكَآبَةُ یَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ قُلْتُ:

لِلَّذِی كَانَ مِنْ رَدِّكَ إِیَّایَ یَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ لِی: وَ اللَّهِ مَا رَدَدْتُكِ إِلَّا لِشَیْ ءٍ خیر (خُبِّرْتُ) مِنَ (7) اللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ لَكِنْ أَتَیْتِنِی وَ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ یُخْبِرُنِی بِالْأَحْدَاثِ الَّتِی تَكُونُ بَعْدِی، وَ أَمَرَنِی أَنْ أُوصِیَ بِذَلِكِ عَلِیّاً (علیه السلام)، یَا أُمَّ سَلَمَةَ! اسْمَعِی وَ اشْهَدِی هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) وَزِیرِی فِی الدُّنْیَا وَ وَزِیرِی فِی الْآخِرَةِ، یَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِی وَ اشْهَدِی هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ (علیهما السلام) وَصِیِّی وَ خَلِیفَتِی مِنْ بَعْدِی وَ قَاضِی عِدَاتِی

ص: 421


1- القاموس 2- 374، و ذكره بنصّه فی النهایة 3- 264.
2- الاحتجاج 1- 194- 195 مشهد (1- 288- 289 النّجف) باختلاف یسیر.
3- فی (ك): أ أدخل ..
4- هنا سقط، و فی المصدر: فأمره بالصّبر، ثمّ أعاد علیه القول رابعة فقال له:.
5- لا توجد: ذلك، فی (س).
6- فی المصدر: و اضرب به قدما حتّی ..
7- فی المصدر: خبّرت من ..

وَ الذَّائِدُ عَنْ حَوْضِی، اسْمَعِی (1) وَ اشْهَدِی هَذَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ سَیِّدُ الْمُسْلِمِینَ وَ إِمَامُ الْمُتَّقِینَ وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِینَ، وَ قَاتِلُ النَّاكِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ. قُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنِ النَّاكِثُونَ؟ قَالَ: الَّذِینَ یُبَایِعُونَهُ بِالْمَدِینَةِ وَ یُقَاتِلُونَهُ بِالْبَصْرَةِ (2).

قُلْتُ: مَنِ الْقَاسِطُونَ؟ قَالَ: مُعَاوِیَةُ وَ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. قُلْتُ: مَنِ الْمَارِقُونَ؟ قَالَ: أَصْحَابُ النَّهْرَوَانَ.

«4»-لی (3): ابْنُ الْوَلِیدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ الصَّیْرَفِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ، عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ مِثْلَهُ.

«5»-ما (4): الْغَضَائِرِیُّ، عَنِ الصَّدُوقِ مِثْلَهُ.

بیان: كبا كبوا: انكبّ علی وجهه (5)، و یقال: مضی قدما- بضمتین- أی لم یعرج و لم ینثن (6).

«6»-ج (7): رُوِیَ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ فِی أَثْنَاءِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بَعْدَ فَتْحِ الْبَصْرَةِ بِأَیَّامٍ حَاكِیاً عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَوْلَهُ: یَا عَلِیُّ! إِنَّكَ بَاقٍ بَعْدِی وَ مُبْتَلًی (8) بِأُمَّتِی، وَ مُخَاصِمٌ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ، فَأَعِدَّ لِلْخُصُومِ جَوَاباً. فَقُلْتُ: بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی بَیِّنْ لِی مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِی أُبْتَلَی بِهَا؟ وَ عَلَی مَا أُجَاهِدُ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ لِی:

ص: 422


1- فی (ك): یا أمّ سلمة اسمعی.
2- فی المصدر: و ینكثون بالبصرة.
3- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 2- 38- 40 مع زیادة، و انظر باقی روایات الباب.
4- أمالی الشّیخ الصّدوق: 311 باب 6، حدیث 10 باختلاف كثیر، و حكاه فی معالم الزّلفی:164
5- ذكره فی القاموس 4- 381، و انظر: مجمع البحرین 1- 356.
6- قاله فی النهایة 4- 26، و مجمع البحرین 6- 136 و غیرهما.
7- الاحتجاج 1- 195- 196 طبعة مشهد (1- 289- 290 النّجف) باختلاف یسیر.
8- كذا، و الظّاهر: مبتل.

إِنَّكَ سَتُقَاتِلُ بَعْدِی النَّاكِثَةَ وَ الْقَاسِطَةَ وَ الْمَارِقَةَ .. وَ حَلَّاهُمْ (1) وَ سَمَّاهُمْ رَجُلًا رَجُلًا، وَ تُجَاهِدُ مِنْ أُمَّتِی كُلَّ مَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَ سُنَّتِی مِمَّنْ یَعْمَلُ فِی الدِّینِ بِالرَّأْیِ، فَلَا رَأْیَ (2) فِی الدَّیْنِ، إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ الرَّبِّ وَ نَهْیُهُ. فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَرْشِدْنِی إِلَی الْفَلْجِ (3) عِنْدَ الْخُصُومَةِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ؟. فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ (4) فَاقْتَصِرْ عَلَی الْهُدَی إِذَا قَوْمُكَ عَطَفُوا الْهُدَی عَلَی الْهَوَی، وَ عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَی الرَّأْیِ فَیَتَأَوَّلُوهُ بِرَأْیِهِمْ بِتَتَبُّعِ الْحُجَجِ مِنَ الْقُرْآنِ بِمُشْتَبِهَاتِ الْأَشْیَاءِ (5) الطَّارِئَةِ عِنْدَ الطُّمَأْنِینَةِ إِلَی الدُّنْیَا، فَاعْطِفْ أَنْتَ الرَّأْیَ عَلَی الْقُرْآنِ إِذَا قَوْمُكَ حَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ عِنْدَ الْأَهْوَاءِ النَّاهِیَةِ (6) وَ الْآرَاءِ (7) الطَّامِحَةِ، وَ الْقَادَةِ النَّاكِثَةِ، وَ الْفِرْقَةِ الْقَاسِطَةِ، وَ الْأُخْرَی الْمَارِقَةِ أَهْلِ الْإِفْكِ الْمُرْدِی (8)، وَ الْهَوَی الْمُطْغِی، وَ الشُّبْهَةِ الْحَالِقَةِ (9)، فَلَا تَنْكُلَنَّ عَنْ فَضْلِ الْعَاقِبَةِ، فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ.

«7»-ج (10) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِینَ ... (11) قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَأُجَاهِدَنَّ الْعَمَالِقَةَ- یَعْنِی الْكُفَّارَ وَ الْمُنَافِقِینَ- فَأَتَاهُ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ (12): أَنْتَ أَوْ عَلِیٌّ؟.

ص: 423


1- جاء فی حاشیة (ك): و حلّیت الرّجل .. أی وصفت حلیته، و حلیة الرّجل: صفته. صحاح.
2- فی المصدر: و لا رأی ..
3- و فی طبعة النّجف من الاحتجاج: الفلح.
4- فی المصدر: ذلك كذلك.
5- فی الاحتجاج: لمشتهیات الأشیاء.
6- فی المصدر: عند الأهوال السّاهیة. و فی (ك): الأهواء السّاهیة.
7- فی المصدر: الأمراء، و فی طبعة (س): الأواء.
8- فی (س): المرویّ.
9- فی الاحتجاج: الخالفة.
10- الاحتجاج 1- 196 طبعة مشهد (1- 290 النّجف) .
11- التّوبة: 73، التّحریم: 9.
12- فی (س): و قال.

«8»-ج (1): رَوَی (2) جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیُّ قَالَ: إِنِّی كُنْتُ لَأَدْنَاهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِی حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًی فَقَالَ: لأعرفتكم (لَأَعْرِفَنَّكُمْ) (3) تَرْجِعُونَ بَعْدِی كُفَّاراً یَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمُوهَا لَتَعْرِفُنِّی فِی الْكَتِیبَةِ الَّتِی تُضَارِبُكُمْ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی خَلْفِهِ فَقَالَ: أَوْ عَلِیّاً .. ثَلَاثاً، فَرَأَیْنَا أَنَّ جَبْرَئِیلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ غَمَزَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی (4): فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (5) بِعَلِیٍّ (6) أَوْ نُرِیَنَّكَ الَّذِی وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَیْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (7).

بیان:

لعلّه صلّی اللّٰه علیه و آله لمّا أخبر بما نزل علیه من أنّه یقاتل المنافقین المرتدّین بعده، نزل جبرئیل علیه السلام فأخبره بالبداء فیه، و أنّه إنّما یقاتلهم علیّ علیه السلام، فقال: أو علیّا .. أی أو لتعرفنّ علیّا علیه السلام تبهیما علیهم، أو كلمة (أو) بمعنی بل.

«9»-ج (8): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ كَانَ یَقُولُ- فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ (9): وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ (10) وَ اللَّهِ لَا نَنْقَلِبُ عَلَی أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ، وَ اللَّهِ لَئِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ لَأُقَاتِلَنَّ عَلَی مَا قَاتَلَ عَلَیْهِ حَتَّی أَمُوتَ، لِأَنِّی أَخُوهُ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ وَارِثُهُ، فَمَنْ أَحَقُّ بِهِ مِنِّی؟.

ص: 424


1- الاحتجاج 1- 196 طبعة مشهد (1- 290- 291 النّجف) .
2- فی المصدر: و عن، بدلا من: روی.
3- فی طبعة النّجف من الاحتجاج: لأعرفنكم. و فی طبعة مشهد: لأعرفكم.
4- فی المصدر: فقال: أو علیّ أو علیّ أو علیّ- ثلاث مرّات- فرأینا علی أثر ذلك أنّ جبرئیل علیه السّلام غمزه فأنزل اللّٰه علی أثر ذلك ..
5- الزّخرف: 41.
6- لا توجد لفظة: بعلیّ، فی المصدر.
7- الزّخرف: 42.
8- الاحتجاج 1- 196 طبعة مشهد (1- 291 النّجف) .
9- فی المصدر: فی حیاة رسول اللّٰه أنّ اللّٰه یقول ..
10- الزّخرف: 41.

«10»-ج (1): عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هَمَّامٍ قَالَ: أَتَیْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فِی وِلَایَةِ أَبِی بَكْرٍ فَقُلْتُ: یَا أَبَا عُمَارَةَ! كَانَ (2) النَّاسُ عَلَی تَفْضِیلِ أَبِی بَكْرٍ قَبْلَ أَنْ یَسْتَخْلِفَ؟

فَقَالَ: یَا أَبَا ثَعْلَبَةَ! إِذَا سَكَتْنَا عَنْكُمْ فَاسْكُتُوا وَ لَا تَبْحَثُوا (3)، فَوَ اللَّهِ لَعَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ كَانَ أَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ مِنْ أَبِی بَكْرٍ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَحَقَّ بِالنُّبُوَّةِ مِنْ أَبِی جَهْلٍ قَالَ: وَ أَزِیدُكَ (4) إِنَّا كُنَّا ذَاتَ یَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَجَاءَ عَلِیٌّ (علیه السلام) وَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ إِلَی بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ ثُمَّ دَخَلَ عَلِیٌّ (علیه السلام) عَلَی إِثْرِهِمَا فَكَأَنَّمَا سُفِیَ عَلَی وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ الرَّمَادُ، ثُمَّ قَالَ: یَا عَلِیُّ! أَ یَتَقَدَّمَانِكَ هَذَانِ وَ قَدْ أَمَّرَكَ اللَّهُ عَلَیْهِمَا؟! قَالَ (5) أَبُو بَكْرٍ: نَسِیتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ قَالَ عُمَرُ: سَهَوْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَا نَسِیتُمَا وَ لَا سَهَوْتُمَا، وَ كَأَنِّی بِكُمَا قَدِ اسْتَلَبْتُمَا (6) مُلْكَهُ وَ تَحَارَبْتُمَا عَلَیْهِ، وَ أَعَانَكُمَا عَلَی ذَلِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ وَ أَعْدَاءُ رَسُولِهِ، وَ كَأَنِّی بِكُمَا قَدْ تَرَكْتُمَا الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارَ بَعْضُهُمْ یَضْرِبُ (7) وُجُوهَ بَعْضٍ بِالسَّیْفِ عَلَی الدُّنْیَا، وَ لَكَأَنِّی بِأَهْلِ بَیْتِی وَ هُمُ الْمَقْهُورُونَ الْمُتَشَتِّتُونَ فِی أَقْطَارِهَا، وَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ قَدْ قُضِیَ ..

ثُمَّ بَكَی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَتَّی سَالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ قَالَ: یَا عَلِیُّ! الصَّبْرَ .. الصَّبْرَ .. حَتَّی یَنْزِلَ الْأَمْرُ وَ لَا قُوَّةَ (8) إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِیِّ الْعَظِیمِ، فَإِنَّ لَكَ مِنَ الْأَجْرِ فِی كُلِّ یَوْمٍ مَا لَا یُحْصِیهِ كَاتِبَاكَ، فَإِذَا أَمْكَنَكَ الْأَمْرُ فَالسَّیْفَ السَّیْفَ ..

ص: 425


1- الاحتجاج 1- 196- 197 طبعة مشهد (1- 291- 292 النّجف) باختلاف یسیر.
2- فی المصدر: یا عبادة! أ كان ..
3- فی الاحتجاج: و لا تبحثونا.
4- فی المصدر: و أزیدكم.
5- فی المصدر: فقال.
6- فی الاحتجاج: قد سلبتماه ..
7- فی المصدر: یضرب بعضهم.
8- فی الاحتجاج: و لا حول و لا قوّة ..

فَالْقَتْلَ الْقَتْلَ (1) حَتَّی یَفِیئُوا إِلَی أَمْرِ اللَّهِ وَ أَمْرِ رَسُولِهِ، فَإِنَّكَ عَلَی الْحَقِّ وَ مَنْ نَاوَاكَ عَلَی الْبَاطِلِ، وَ كَذَلِكَ ذُرِّیَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

توضیح: سفت الرّیح التّراب (2) تسفیه سفیا .. أی أذرته (3).

«11»-فس (4): جَاءَ رَجُلٌ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَ الْجَمَلِ فَقَالَ:

یَا عَلِیُّ! عَلَی مَا تُقَاتِلُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟! فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: آیَةٌ فِی كِتَابِ اللَّهِ أَبَاحَتْ لِی قِتَالَهُمْ. فَقَالَ: وَ مَا هِیَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَیْنا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّناتِ وَ أَیَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یُرِیدُ (5)، فَقَالَ الرَّجُلُ: كَفَرَ- وَ اللَّهِ- الْقَوْمُ..

«12»-فس (6): الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُعَلَّی (7)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ یَزِیدَ، عَنْ سُلَیْمَانَ الْكَاتِبِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِینَ (8) قَالَ:

هَكَذَا نَزَلَتْ، فَجَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ الْكُفَّارَ وَ جَاهَدَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْمُنَافِقِینَ، فَجَاهَدَ عَلِیٌّ (علیه السلام) جِهَادَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

تبیین:

أقول: قد أشكل علی المفسّرین ما ورد فی الآیة من الأمر بجهاد

ص: 426


1- فی المصدر: القتل القتل.
2- لا توجد: التراب فی (ك).
3- قال فی القاموس 4- 343: سفت الریح التراب تسفیه: ذرته، و مثله فی مجمع البحرین 1- 220.
4- تفسیر القمّیّ 1- 84.
5- البقرة: 253.
6- تفسیر القمّیّ 2- 377.
7- فی المصدر: المعلّی بن محمّد.
8- التّحریم: 9.

المنافقین.

قال فی مجمع البیان: اختلفوا فی كیفیّة جهاد المنافقین.

فقیل: إنّ جهادهم باللسان و الوعظ (1).

و قیل: جهادهم بإقامة الحدود علیهم، و كان ما یصیبهم من الحدود أكثر.

و قیل بالأنواع الثلاثة بحسب الإمكان بالید ثم اللسان ثم القلب (2).

وَ رُوِیَ فِی قِرَاءَةِ أَهْلِ الْبَیْتِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ جَاهِدِ الْكُفَّارَ بِالْمُنَافِقِینَ، قالوا:

لأنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله لم یكن یقاتل المنافقین و إنّما كان یتألّفهم.

انتهی (3).

و هذه الآیة كرّرت فی القرآن فی الموضعین (4): إحداهما فی التوبة (5)، و الأخری فی التحریم (6).

و قال علی بن إبراهیم فی الأولی: إنّما نزلت بِالْمُنَافِقِینَ: لأنّ النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله لم یجاهد المنافقین بالسیف (7)

«4»-ثم رَوَی عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِینَ بِإِلْزَامِ الْفَرَائِضِ (8).

و روی فی الثانیة هذه الروایة: و قوله علیه السلام: هكذا نزلت (9) .. یدلّ علی عدم صحّة القراءة الشاذّة، و یمكن الجمع بأنّ إحدی الآیتین كانت بالباء و الأخری بدونها، و فی توزیع علیّ بن إبراهیم رحمه اللّٰه النقل إشعار بذلك، و فیه

ص: 427


1- فی المصدر: و التخویف، عن الجبائی.
2- فی مجمع البیان: فإن لم یقدر فلیكفهرّ فی وجوههم، عن ابن مسعود.
3- مجمع البیان 3- 50، باختلاف و اختصار.
4- كذا، و الظاهر: فی موضعین.
5- التوبة: 73.
6- التحریم: 9، و انظر: تفسیر التبیان 5- 259.
7- تفسیر القمّیّ، علی بن إبراهیم 1- 301.
8- نفس الصّفحة و المصدر.
9- تفسیر القمّیّ 2- 377.

فائدة أخری و هی عدم تكرار الآیة بعینها.

«13»-فس (1): أَحْمَدُ بْنُ عَلِیٍّ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِیِّ، عَنِ الْخَشَّابِ (2)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَیْنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ فُلَانٍ الْكَرْخِیِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَ لَمْ یَكُنْ عَلِیٌّ قَوِیّاً فِی بَدَنِهِ قَوِیّاً فِی أَمْرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: بَلَی. قَالَ: فَمَا مَنَعَهُ أَنْ یَدْفَعَ أَوْ یَمْتَنِعَ؟

قَالَ: قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ: مَنَعَ عَلِیّاً مِنْ ذَلِكَ آیَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ: وَ أَیُّ آیَةٍ؟ قَالَ: فَقَرَأَ: لَوْ تَزَیَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً (3)، إِنَّهُ كَانَ لِلَّهِ وَدَائِعُ مُؤْمِنُونَ فِی أَصْلَابِ قَوْمٍ كَافِرِینَ وَ مُنَافِقِینَ، فَلَمْ یَكُنْ عَلِیٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ لِیَقْتُلَ الْآبَاءَ حَتَّی یَخْرُجَ الْوَدَائِعُ، فَلَمَّا خَرَجَتْ ظَهَرَ عَلَی مَنْ ظَهَرَ وَ قَتَلَهُ، وَ كَذَلِكَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ لَنْ یَظْهَرْ أَبَداً حَتَّی یَخْرُجَ (4) وَدَائِعُ اللَّهِ فَإِذَا خَرَجَتْ یَظْهَرُ عَلَی مَنْ یَظْهَرُ فَیَقْتُلُهُ.

تبیان:

هذا التأویل الجلیل لم یذكره المفسّرون، و قالوا: أراد أنّه لو تمیّز المؤمنون المستضعفون بمكّة من الكافرین لعذّبنا الذین كفروا منهم بالسیف و القتل بأیدیكم، و ما ورد فی الخبر أنسب من جهة لفظ التنزیل المشتمل علی المبالغة المناسبة لإخراج ما فی الأصلاب، فتأمّل.

«14»-فس (5): أَبِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَیْلِ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ (علیه السلام) قَالَ: جَاءَ الْعَبَّاسُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَقَالَ (6): انْطَلِقْ نُبَایِعْ لَكَ النَّاسَ. فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَ تَرَاهُمْ فَاعِلِینَ (7)؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَیْنَ قَوْلُ اللَّهِ

ص: 428


1- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 2- 316- 317، باختلاف یسیر.
2- فی المصدر: الحسن بن موسی الخشّاب.
3- الفتح: 25.
4- فی المصدر: تخرج.
5- تفسیر القمّیّ 2- 148، باختلاف یسیر.
6- لا توجد: فقال، فی (س).
7- فی البحار: فاعلون.

تَعَالَی: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَكُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ- أَیِ اخْتَبَرْنَاهُمْ- فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْكاذِبِینَ (1)..

«15»-فس (2).

قَوْلُهُ تَعَالَی: وَ إِنْ نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ (3) ... الْآیَةَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِی أَصْحَابِ الْجَمَلِ، وَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَ الْجَمَلِ: وَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُ هَذِهِ الْفِئَةَ النَّاكِثَةَ إِلَّا بِآیَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، یَقُولُ اللَّهُ: وَ إِنْ نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِی دِینِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَیْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَنْتَهُونَ (4).

وَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی الْخُطْبَةِ (5) الزَّهْرَاءِ: وَ اللَّهِ لَقَدْ عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ غَیْرَ مَرَّةٍ وَ لَا ثِنْتَیْنِ وَ لَا ثَلَاثٍ وَ لَا أَرْبَعٍ، فَقَالَ: یَا عَلِیُّ! إِنَّكَ سَتُقَاتِلُ مِنْ بَعْدِی النَّاكِثِینَ وَ الْمَارِقِینَ وَ الْقَاسِطِینَ، أَ فَأُضِیعُ مَا أَمَرَنِی بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلَامِی؟!.

بیان:

قَالَ فِی مَجْمَعِ الْبَیَانِ (6): قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِأَئِمَّةِ الْكُفْرِ رُؤَسَاءَ (7) قُرَیْشٍ مِثْلَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَ أَبِی سُفْیَانَ بْنِ حَرْبٍ وَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِی جَهْلٍ وَ سَائِرَ رُؤَسَاءِ قُرَیْشٍ الَّذِینَ نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَ كَانَ حُذَیْفَةُ بْنُ الْیَمَانِ یَقُولُ: لَمْ یَأْتِ أَهْلُ هَذِهِ الْآیَةِ بَعْدُ. وَ قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ فَارِسَ وَ الرُّومِ.،

وَ قَرَأَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الْآیَةَ یَوْمَ الْبَصْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ:

یَا عَلِیُّ! سَتُقَاتِلَنَّ الْفِئَةَ النَّاكِثَةَ وَ الْفِئَةَ الْبَاغِیَةَ وَ الْفِئَةَ الْمَارِقَةَ.

«16»-ما (8): الْمُفِیدُ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ، عَنِ الْحَسَنِ (9) بْنِ عَلِیٍ

ص: 429


1- العنكبوت: 1- 3، و لاحظ تتمّة الرّوایة فی تفسیر القمّیّ.
2- تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ 1- 283.
3- التوبة: 12.
4- التوبة: 12.
5- كذا، و فی المصدر: خطبته، و هو الظّاهر.
6- مجمع البیان: 3- 11، باختلاف یسیر.
7- فی المصدر: قال ابن عبّاس و قتادة: أراد به رؤساء ..
8- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 7- 8 باختصار فی السّند، و اختلاف یسیر فی المتن.
9- فی المصدر: الحسین.

الزَّعْفَرَانِیِّ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِیِّ، عَنِ الْمَسْعُودِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِیرٍ، عَنْ یَحْیَی بْنِ حَمَّادٍ الْقَطَّانِ، عَنْ أَبِی مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِیِّ، عَنْ أَبِی عَلِیٍّ الْهَمْدَانِیِّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِی لَیْلَی قَامَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنِّی سَائِلُكَ لِآخُذَ عَنْكَ، وَ قَدِ انْتَظَرْنَا أَنْ تَقُولَ مِنْ أَمْرِكَ شَیْئاً فَلَمْ تَقُلْهُ، أَ لَا تُحَدِّثُنَا عَنْ أَمْرِكَ هَذَا؟ كَانَ بِعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَوْ شَیْ ءٍ رَأَیْتَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ أَكْثَرْنَا فِیكَ الْأَقَاوِیلَ، وَ أَوْثَقَهُ عِنْدَنَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْكَ وَ سَمِعْنَاهُ مِنْ فِیكَ، إِنَّا كُنَّا نَقُولُ لَوْ رَجَعَتْ إِلَیْكُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمْ یُنَازِعْكُمْ فِیهَا أَحَدٌ، وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی إِذَا سُئِلْتُ مَا أَقُولُ، أَ أَزْعُمُ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَوْلَی بِمَا كَانُوا فِیهِ مِنْكَ؟ فَإِنْ قُلْتَ ذَلِكَ (1)، فَعَلَامَ نَصَبَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِیٌّ مَوْلَاهُ؟ وَ إِنْ كُنْتَ أَوْلَی مِنْهُمْ بِمَا كَانُوا (2) فِیهِ فَعَلَامَ تَتَوَلَّاهُمْ (3)؟!. فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَبَضَ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ أَنَا یَوْمَ قَبَضَهُ أَوْلَی بِالنَّاسِ مِنِّی بِقَمِیصِی هَذَا، وَ قَدْ كَانَ مِنْ نَبِیِّ اللَّهِ إِلَیَّ عَهْدٌ لَوْ خَزَمْتُمُونِی (4) بِأَنْفِی لَأَقْرَرْتُ سَمْعاً لِلَّهِ وَ طَاعَةً، وَ إِنَّا أَوَّلُ مَا انْتَقَصْنَا (5) بَعْدَهُ إِبْطَالَ حَقِّنَا فِی الْخُمُسِ، فَلَمَّا دَقَّ (6) أَمْرُنَا طَمِعَتْ رُعْیَانُ قُرَیْشٍ فِینَا وَ قَدْ كَانَ لِی (7) عَلَی النَّاسِ حَقٌّ لَوْ رَدُّوهُ إِلَیَّ عَفْواً قَبِلْتُهُ وَ قُمْتُ بِهِ، وَ كَانَ إِلَی أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَ كُنْتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَی النَّاسِ حَقٌّ إِلَی أَجَلٍ، فَإِنْ عَجَّلُوا لَهُ مَالَهُ أَخَذَهُ وَ حَمِدَهُمْ عَلَیْهِ، وَ إِنْ أَخَّرُوهُ أَخَذَهُ غَیْرَ مَحْمُودِینَ، وَ كُنْتُ كَرَجُلٍ یَأْخُذُ السُّهُولَةَ وَ هُوَ

ص: 430


1- العبارة مشوّشة فی طبعتی البحار، و أثبتنا ما فی المصدر.
2- فی (س): ممّا كانوا.
3- فی المصدر: نتولّاهم، و هو الظّاهر.
4- فی المصدر: خرمتمونی.
5- فی (ك): انتقضنا.
6- فی (ك): رقّ.
7- لا توجد: لی، فی (ك).

عِنْدَ النَّاسِ مَحْزُونٌ (1)، وَ إِنَّمَا یُعْرَفُ الْهُدَی بِقِلَّةِ مَنْ یَأْخُذُهُ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا سَكَتُّ فَأَعْفُونِی فَإِنَّهُ لَوْ جَاءَ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِیهِ إِلَی الْجَوَابِ أَجَبْتُكُمْ، فَكُفُّوا عَنِّی مَا كَفَفْتُ عَنْكُمْ.

فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! فَأَنْتَ لَعَمْرُكَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:

لَعَمْرِی لَقَدْ أَیْقَظْتَ مَنْ كَانَ نَائِماً*** وَ أَسْمَعْتَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أُذُنَان

توضیح:

قوله: خزمتمونی- بالمعجمتین- من خزم البعیر: إذا جعل فی جانب منخره الخزامة (2)، أو بإهمال الراء- من خرمه- أی شقّ و ترة أنفه (3) و الرعیان- بالضّم و قد یكسر-: جمع الرّاعی (4) و یقال: أعطیته عفوا .. أی بغیر مسألة (5).

قوله: و هو عند الناس محزون (6).

، لعلّ الأصوب حرون: و هو الشّاة السّیّئة الخلق (7).

و لمّا لم یمكنه علیه السلام فی هذا الوقت التصریح بجوز (8) الغاصبین أفهم السائل بالكنایة التی هی أبلغ..

ص: 431


1- خ. ل: حزون، و هناك نسخة استظهر المصنّف قدّس سرّه فیما بعد أشیر لها فی حاشیة المتن، و هی:
2- كما جاء فی القاموس 4- 105، و قارن ب: مجمع البحرین 6- 57 و غیره.
3- ذكره فی مجمع البحرین 6- 56، و القاموس 4- 104 و غیرهما.
4- قال فی القاموس 4- 335: و الراعی: كلّ من ولی أمر قوم، جمعه: رعاة و رعیان و رعاء، و یكسر. أقول: : الظاهر أن ( یكسر ) فعل ، نائب فاعله یرجع إلی رعاء لا إلی رعیان ، فتأمل.
5- قاله فی القاموس 4- 364.
6- قال فی النهایة: 1- 380: الحزن: المكان الغلیظ الخشن، و الحزونة: الخشونة، و منه حدیث المغیرة: محزون اللّٰهزمة .. أی خشنها. أقول: و هذا معنی مناسب فی هذا المقام، كما لا یخفی.
7- قال فی مجمع البحرین 6- 231: الفرس الحرون: الذی لا ینقاد، و إذا اشتدّ به الجری وقف.
8- قد تقرأ ما فی (س):

«17»-ما (1): الْمُفِیدُ، عَنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی الثَّلْجِ، عَنْ عِیسَی بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَیْنِ، عَنِ الْحَسَنِ (2) بْنِ عَبْدِ الْكَرِیمِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زِیَادٍ الْأَحْمَرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ أَبِیهِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ- وَ قَدْ بُویِعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- فَوَجَدْتُهُ مُطْرِقاً كَئِیباً، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَصَابَكَ- جُعِلْتُ فِدَاكَ- مِنْ قَوْمِكَ؟. فَقَالَ: صَبْرٌ جَمِیلٌ. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَ اللَّهِ (3) إِنَّكَ لَصَبُورٌ. قَالَ: فَأَصْنَعُ مَا ذَا؟ (4).

قُلْتُ: تَقُومُ فِی النَّاسِ وَ تَدْعُوهُمْ إِلَی نَفْسِكَ وَ تُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ أَوْلَی بِالنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ بِالْفَضْلِ وَ السَّابِقَةِ، وَ تَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ عَلَی هَؤُلَاءِ الْمُتَظَاهِرِینَ عَلَیْكَ (5)، فَإِنْ أَجَابَكَ عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ شَدَّدْتَ بِالْعَشَرَةِ عَلَی الْمِائَةِ، فَإِنْ دَانُوا لَكَ كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْتَ، وَ إِنْ أَبَوْا قَاتِلْهُمْ، فَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَیْهِمْ فَهُوَ سُلْطَانُ اللَّهِ الَّذِی آتَاهُ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ كُنْتَ أَوْلَی بِهِ مِنْهُمْ، وَ إِنْ قُتِلْتَ فِی طَلَبِهِ قُتِلْتَ إِنِ شَاءَ اللَّهُ شَهِیداً، وَ كُنْتَ أَوْلَی بِالْعُذْرِ عِنْدَ اللَّهِ، لِأَنَّكَ (6) أَحَقُّ بِمِیرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَ تَرَاهُ یَا جُنْدَبُ كَانَ (7) یُبَایِعُنِی عَشَرَةٌ مِنْ

ص: 432


1- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 239، باختلاف یسیر سندا و متنا.
2- فی المصدر: الحسین.
3- لا یوجد لفظ الجلالة فی المصدر، و هو مثبت فی الإرشاد و المتن، و قد وضع علیه فی (ك) رمز نسخة بدل.
4- فی الأمالی: فما أصنع ما ذا.
5- كذا فی الأمالی، و جاء فی حاشیة المطبوع من البحار: المتمالین علیك (شا) أیّ كذا فی الإرشاد، و قد وضع بعدها فی (س) رمز (صحّ).
6- فی الإرشاد: و كنت، بدلا من: لأنّك.
7- لا توجد: كان، فی الإرشاد، و هی مثبتة فی الأمالی، و وضع علیها رمز نسخة بدل فی مطبوع البحار.

مِائَةٍ؟ فَقُلْتُ: أَرْجُو ذَلِكَ. فَقَالَ (1): لَكِنِّی لَا أَرْجُو، وَ لَا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ اثْنَانِ (2) وَ سَأُخْبِرُكَ مِنْ أَیْنَ ذَلِكَ، إِنَّمَا یَنْظُرُ النَّاسُ إِلَی قُرَیْشٍ، وَ إِنَّ قُرَیْشاً یَقُولُ (3) إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ یَرَوْنَ لَهُمْ (4) فَضْلًا عَلَی سَائِرِ قُرَیْشٍ، وَ إِنَّهُمْ أَوْلِیَاءُ هَذَا الْأَمْرِ دُونَ غَیْرِهِمْ مِنْ قُرَیْشٍ، وَ إِنَّهُمْ إِنْ وَلُوهُ لَمْ یَخْرُجْ مِنْهُمْ هَذَا السُّلْطَانُ إِلَی أَحَدٍ أَبَداً، وَ مَتَی كَانَ فِی غَیْرِهِمْ تَدَاوَلُوهُ بَیْنَهُمْ، وَ لَا وَ اللَّهِ لَا تَدْفَعُ إِلَیْنَا- هَذَا السُّلْطَانَ- قُرَیْشٌ أَبَداً طَائِعِینَ.

فَقُلْتُ لَهُ: أَ فَلَا (5) أَرْجِعُ فَأُخْبِرَ النَّاسَ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ، وَ أَدْعُوَهُمْ إِلَی نَصْرِكَ؟ فَقَالَ:

یَا جُنْدَبُ! لَیْسَ ذَا زَمَانُ ذَاكَ.

قَالَ جُنْدَبٌ: فَرَجَعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَی الْعِرَاقِ، فَكُنْتُ كُلَّمَا ذَكَرْتُ مِنْ فَضْلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ شَیْئاً زَبَرُونِی وَ نَهَرُونِی حَتَّی رُفِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِی إِلَی الْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَبَعَثَ إِلَیَّ فَحَبَسَنِی حَتَّی كُلِّمَ فِیَّ فَخَلَّی سَبِیلِی.

«18»-شا (6): عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُنْدَبٍ، عَنْ أَبِیهِ مِثْلَهُ.

بیان:

قوله علیه السلام: علی هؤلاء المتظاهرین .. فی الإرشاد: علی هؤلاء المتمالین- بقلب الهمزة ثم حذف المقلوب-، قال الجوهری: مالأته علی الأمر ممالاة: ساعدته علیه (7) و شایعته. ابن السّكّیت: تمالوا علی الأمر: اجتمعوا علیه (8).

قوله: كلّما ذكرت من فضل أمیر المؤمنین علیه السلام .. فی الإرشاد: كلّما

ص: 433


1- فی (ك): فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام ..
2- فی الإرشاد: اثنین، و هو الظّاهر.
3- فی الإرشاد: تقول، و هو الظّاهر.
4- فی (ك): یروون لهم، و المعنی مقارب.
5- فی الأمالی: قال: فقلت: أ فلا ..، و فی الإرشاد: قال: فقلت له: أ فلا .. و قد وضع فی مطبوع البحار علی: له رمز نسخة بدل.
6- الإرشاد: 129- منشورات مكتبة بصیرتی- باختلاف یسیر.
7- لا توجد: علیه، فی (س)، و هی مثبتة فی المصدر.
8- الصحاح 1- 73، و انظر: النهایة 4- 353، و القاموس 4- 29.

ذكرت للناس شیئا من فضائله و مناقبه و حقوقه زبرونی.

«19»-ل (1): مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْمُذَكِّرُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَاوِسْتَانِیِّ (2)، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِیرٍ، عَنْ قَطْرِ بْنِ بِی خَلِیفَةَ (3)، عَنْ حَكِیمِ بْنِ جُبَیْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ یَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: أُمِرْتُ بِقِتَالِ النَّاكِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ.

«20»-ن (4): بِإِسْنَادِ التَّمِیمِیِّ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ:

قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أُمِرْتُ بِقِتَالِ النَّاكِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ.

«21»-ن (5): بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: مَنْ جَاءَكُمْ یُرِیدُ أَنْ یُفَرِّقَ الْجَمَاعَةَ وَ یَغْصِبَ الْأُمَّةَ أَمْرَهَا وَ یَتَوَلَّی مِنْ غَیْرِ مَشُورَةٍ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَذِنَ فِی ذَلِكَ (6).

ص: 434


1- الخصال 1- 145- باب الثّلاثة- حدیث 171، باختلاف فی السّند و اتّفاق فی المتن.
2- نسبة إلی قریة من قری قم، و فی المصدر: الرواسانی، و فی بعض النّسخ: الراوستانی.
3- فی المصدر: علیّ بن سلمة، عن محمّد بن بشر، عن فطر بن خلیفة.
4- عیون أخبار الرّضا علیه السّلام 2- 61 باب 31 حدیث 241. أقول: : قد استفاضت أخبار الفریقین بأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی بن أبی طالب علیهما السلام بقتال الناكثین والقاسطین والمارقین ، وذكر المصنف قدّس سرّه جملة من روایات الخاصة ، وعد منها ابن شهرآشوب فی المناقب ٢ _ ٦٦ طائفة أخری ، وندرج بعض مصادر العامة ، حیث أخرج الحدیث الحاكم فی المستدرك ٣ _ ١٣٩ _ ١٤٠ ، والكنجی فی الكفایة ٦٩ _ طبعة النجف _ ، والخطیب فی تاریخه ٨ _ ٣٤٠ و ١٣ _ ١٨٧ ، والحموینی فی فرائد السمطین _ الباب الثالث والخمسین _ ، وجمع الجوامع ٦ _ ٣٩١ ، والبیهقی فی المحاسن والمساوی كما نص علیه الأمینی فی غدیره ١ _ ٣٣٧ _ ٣٣٨ و ١٠ _ ٤٧ وذكر مصادر جمة هناك ، كما وقد تعرض ابن الأثیر فی النهایة فی موارد متعددة فی بیانه للمارقین والقاسطین والناكثین ، فراجع.
5- عیون أخبار الرّضا علیه السّلام 2- 62، باب 31، حدیث 254.
6- فی المصدر: أذن ذلك.

«22»-ع، ن (1): الطَّالَقَانِیُّ، عَنِ الْحَسَنِ (2) بْنِ عَلِیٍّ الْعَدَوِیِّ، عَنِ الْهَیْثَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّمَّانِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ لَهُ: یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! أَخْبِرْنِی عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِمَ لَمْ یُجَاهِدْ أَعْدَاءَهُ خَمْساً وَ عِشْرِینَ سَنَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ جَاهَدَ فِی أَیَّامِ وَلَایَتِهِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ اقْتَدَی بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی تَرْكِهِ جِهَادَ الْمُشْرِكِینَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ بِالْمَدِینَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً وَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ أَعْوَانِهِ عَلَیْهِمْ، وَ كَذَلِكَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ تَرَكَ مُجَاهَدَةَ أَعْدَائِهِ لِقِلَّةِ أَعْوَانِهِ عَلَیْهِمْ، فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ نُبُوَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَعَ تَرْكِهِ الْجِهَادَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، كَذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ إِمَامَةُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَعَ تَرْكِهِ الْجِهَادَ خَمْساً وَ عِشْرِینَ سَنَةً، إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ لَهُمَا مِنَ الْجِهَادِ وَاحِدَةً.

«23»-ع (3): أَبِی، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّهْدِیِّ، عَنْ أَبِی مَحْبُوبٍ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ (4)، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: إِنَّمَا أَشَارَ (5) عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالْكَفِّ عَنْ عَدُوِّهِ مِنْ أَجْلِ شِیعَتِنَا، لِأَنَّهُ كَانَ یَعْلَمُ أَنَّهُ سَیُظْهَرُ عَلَیْهِمْ بَعْدَهُ، فَأَحَبَّ أَنْ یَقْتَدِیَ بِهِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ فَیَسِیرَ فِیهِمْ بِسِیرَتِهِ، وَ یَقْتَدِیَ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ بَعْدَهُ.

«24»-ك، ع (6): ابْنُ مَسْرُورٍ، عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ،

ص: 435


1- علل الشّرائع 1- 148، باب 122 حدیث 5، عیون أخبار الرّضا علیه السّلام 2- 81 باب 32 حدیث 16 باختصار فی السّند و اختلاف یسیر فیهما.
2- فی العیون: حدّثنا أبو سعید الحسین.
3- علل الشّرائع 1- 146- 147 باب 122 حدیث 1، باختلاف یسیر.
4- جاء السّند فی المصدر هكذا: أبی رحمه اللّٰه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّٰه، عن الهیثم بن أبی مسروق النّهدیّ، عن الحسن بن محبوب، عن علیّ بن رئاب.
5- فی العلل: إنّما صار ..
6- إكمال الدّین و إتمام النّعمة 2- 641 باب 54، باختلاف یسیر، علل الشّرائع 1- 147 باب 122، حدیث 2.

عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قُلْتُ لَهُ: مَا بَالُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمْ یُقَاتِلْ فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً؟ (1). قَالَ: لِآَیَةٍ فِی كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: لَوْ تَزَیَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً (2) قَالَ: قُلْتُ: وَ مَا یَعْنِی بِتَزَایُلِهِمْ؟ قَالَ:

وَدَائِعَ مُؤْمِنِینَ (3) فِی أَصْلَابِ قَوْمٍ كَافِرِینَ، وَ كَذَلِكَ الْقَائِمُ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَنْ یَظْهَرَ أَبَداً حَتَّی تَخْرُجَ (4) وَدَائِعُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَإِذَا خَرَجَتْ ظَهَرَ عَلَی مَنْ ظَهَرَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَقَتَلَهُمْ.

«25»-ك، ع (5): الْمُظَفَّرُ الْعَلَوِیُّ، عَنِ ابْنِ الْعَیَّاشِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ الْكَرْخِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ- أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ-: أَصْلَحَكَ اللَّهُ أَ لَمْ یَكُنْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَوِیّاً فِی دِینِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ؟ قَالَ: بَلَی. قَالَ: فَكَیْفَ ظَهَرَ عَلَیْهِ الْقَوْمُ؟ وَ كَیْفَ لَمْ یَدْفَعْهُمْ؟ وَ مَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: آیَةٌ فِی كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَنَعَتْهُ. قَالَ: قُلْتُ:

وَ أَیُّ آیَةٍ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: لَوْ تَزَیَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً (6) إِنَّهُ كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَدَائِعُ مُؤْمِنِینَ (7) فِی أَصْلَابِ قَوْمٍ كَافِرِینَ وَ مُنَافِقِینَ فَلَمْ یَكُنْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِیَقْتُلَ الْآبَاءَ حَتَّی تَخْرُجَ الْوَدَائِعُ، فَلَمَّا خَرَجَتِ الْوَدَائِعُ ظَهَرَ عَلَی مَنْ ظَهَرَ فَقَاتَلَهُ، وَ كَذَلِكَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ لَنْ یَظْهَرَ أَبَداً حَتَّی تَظْهَرَ (8) وَدَائِعُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَإِذَا ظَهَرَتْ ظَهَرَ عَلَی مَنْ ظَهَرَ فَقَتَلَهُ.

ص: 436


1- فی إكمال الدّین: لم یقاتل مخالفیه فی الأوّل.
2- الفتح: 25.
3- كذا، و فی المصدر: ودائع مؤمنون.
4- فی (ك): حتّی یخرج.
5- إكمال الدّین و إتمام النّعمة 2- 641- 642 باب 54، باختصار فی السّند و اختلاف غیر مخلّ، علل الشّرائع 1- 147 باب 122 حدیث 3، و هو مقارب لمّا هنا.
6- الفتح: 25.
7- كذا، و فی المصدر: ودائع مؤمنون.
8- فی (ك): یظهر.

«26»-ك، ع (1): الْمُظَفَّرُ الْعَلَوِیُّ، عَنِ ابْنِ الْعَیَّاشِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَبْرَئِیلَ ابْنِ أَحْمَدَ، عَنِ (2) الْیَقْطِینِیِّ، عَنْ یُونُسَ، عَنِ ابْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَالَ فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: لَوْ تَزَیَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً (3): لَوْ أَخْرَجَ اللَّهُ مَا فِی أَصْلَابِ الْمُؤْمِنِینَ مِنَ الْكَافِرِینَ وَ مَا فِی أَصْلَابِ الْكَافِرِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ لَعَذَّبَ الَّذِینَ كَفَرُوا.

«27»-ع (4):- الْهَمْدَانِیُّ، عَنْ عَلِیٍّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، أَنَّهُ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا بَالُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمْ یُقَاتِلْهُمْ؟ قَالَ: لِلَّذِی سَبَقَ فِی عِلْمِ اللَّهِ أَنْ یَكُونَ، وَ مَا كَانَ لَهُ أَنْ یُقَاتِلَهُمْ وَ لَیْسَ مَعَهُ إِلَّا ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ..

«28»-غط (5): ابْنُ أَبِی جِیدٍ، عَنِ ابْنِ الْوَلِیدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِی سُمَیْنَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِی عَیَّاشٍ، عَنْ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ الْهِلَالِیِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی وَصِیَّتِهِ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا عَلِیُّ (6)! إِنَّ قُرَیْشاً سَتُظَاهِرُ عَلَیْكَ وَ تَجْتَمِعُ كُلُّهُمْ (7) عَلَی ظُلْمِكَ وَ قَهْرِكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ یَدَكَ وَ احْقُنْ دَمَكَ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ

ص: 437


1- إكمال الدّین و إتمام النّعمة 2- 642 باب 54، علل الشّرائع 1- 147- 148 باب 122 حدیث 4.
2- وضع فی (س) علی: عن، رمز نسخة بدل.
3- الفتح: 25.
4- علل الشّرائع 1- 148 باب 122 حدیث 6، بنفس النّصّ و اختزال فی السّند.
5- الغیبة- للشّیخ الطّوسیّ- 203، و فیه: و روی سلیم بن قیس الهلالیّ، عن جابر بن عبد اللّٰه الأنصاریّ و عبد اللّٰه بن عبّاس قالا:.
6- فی الغیبة: یا أخی ..
7- فی المصدر: كلمتهم، و قد جعلها فی (ك) نسخة بدل.

مِنْ وَرَائِكَ، لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَكَ (1).

«29»-ع (2): حَمْزَةُ الْعَلَوِیُّ، عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ حُبَابٍ الْجُمَحِیِّ (3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْحِمَّصِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَی الطَّائِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: احْتَجُّوا فِی مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَقَالُوا: مَا بَالُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمْ یُنَازِعِ الثَّلَاثَةَ كَمَا نَازَعَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ وَ عَائِشَةَ وَ مُعَاوِیَةَ؟

فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَ أَنْ یُنَادَی الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ: مَعَاشِرَ النَّاسِ! إِنَّهُ بَلَغَنِی عَنْكُمْ .. كَذَا وَ كَذَا؟

قَالُوا: صَدَقَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، قَدْ قُلْنَا ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنَّ لِی بِسِتَّةٍ (4) مِنَ الْأَنْبِیَاءِ أُسْوَةً فِیمَا فَعَلْتُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِی مُحْكَمِ كِتَابِهِ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (5). قَالُوا: وَ مَنْ هُمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ؟.

قَالَ: أَوَّلُهُمْ إِبْرَاهِیمُ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (6)، فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ إِبْرَاهِیمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ اعْتَزَلَ قَوْمَهُ لِغَیْرِ مَكْرُوهٍ أَصَابَهُ مِنْهُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَ إِنْ قُلْتُمْ اعْتَزَلَهُمْ لِمَكْرُوهٍ مِنْهُمْ (7) فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ لِی بِابْنِ خَالَتِهِ لُوطٍ أُسْوَةٌ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: لَوْ أَنَّ لِی بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِی إِلی رُكْنٍ شَدِیدٍ (8) فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ لُوطاً كَانَتْ لَهُ بِهِمْ قُوَّةٌ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَ إِنْ قُلْتُمْ لَمْ یَكُنْ

ص: 438


1- قوله: لعن اللّٰه قاتلك، لا یوجد فی المصدر.
2- علل الشّرائع 1- 148- 149 باب 122 حدیث 7، باختلاف یسیر.
3- جاء السّند فی المصدر هكذا: حدّثنا حمزة بن محمّد العلویّ قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعید قال: حدّثنی الفضل بن خبّاب الجمحیّ .. إلی آخره.
4- فی المصدر: بسنّة ..
5- الأحزاب: 21.
6- مریم: 48.
7- فی العلل: لمكروه رآه منهم.
8- هود: 80.

لَهُ بِهِمْ (1) قُوَّةٌ فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ لِی بِیُوسُفَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أُسْوَةٌ، إِذْ قَالَ: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا یَدْعُونَنِی إِلَیْهِ (2) فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ یُوسُفَ دَعَا رَبَّهُ وَ سَأَلَهُ السِّجْنَ بِسَخَطِ رَبِّهِ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَ إِنْ قُلْتُمْ إِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ لِئَلَّا یَسْخَطَ رَبُّهُ عَلَیْهِ فَاخْتَارَ السِّجْنَ (3)، فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ لِی بِمُوسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ أُسْوَةٌ إِذْ قَالَ: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ (4) فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ مُوسَی عَلَیْهِ السَّلَامُ فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ بِلَا خَوْفٍ كَانَ لَهُ مِنْهُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَ إِنْ قُلْتُمْ إِنَّ مُوسَی (علیه السلام) خَافَ مِنْهُمْ فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ لِی بِأَخِی هَارُونَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أُسْوَةٌ، إِذْ قَالَ لِأَخِیهِ یَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ كادُوا یَقْتُلُونَنِی (5) فَإِنْ قُلْتُمْ لَمْ یَسْتَضْعِفُوهُ وَ لَمْ یُشْرِفُوا عَلَی قَتْلِهِ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَ إِنْ قُلْتُمْ اسْتَضْعَفُوهُ وَ أَشْرَفُوا عَلَی قَتْلِهِ فَلِذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُمْ فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

وَ لِی بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أُسْوَةٌ حِینَ فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ وَ لَحِقَ بِالْغَارِ مِنْ خَوْفِهِمْ وَ أَنَامَنِی (6) عَلَی فِرَاشِهِ، فَإِنْ قُلْتُمْ فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ لِغَیْرِ خَوْفٍ مِنْهُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَ إِنْ قُلْتُمْ خَافَهُمْ (7) وَ أَنَامَنِی (8) عَلَی فِرَاشِهِ وَ لَحِقَ هُوَ بِالْغَارِ مِنْ خَوْفِهِمْ فَالْوَصِیُّ أَعْذَرُ.

ص: 439


1- لا توجد: بهم فی المصدر.
2- یوسف: 33.
3- جاء علی جملة: فاختار السّجن رمز نسخة بدل فی (ك).
4- الشّعراء: 21.
5- الأعراف: 150.
6- فی (ك): أنامی، و هو غلط.
7- فی (ك): أخافهم، و هو سهو.
8- فی (ك): أنامی، و هو غلط.

«30»-ع (1): أَحْمَدُ بْنُ حَاتِمٍ (2)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ حَمَّادٍ الشَّاشِیِّ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِسْمَاعِیلَ الْمِیثَمِیِّ، عَنْ رِبْعِیٍّ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ (3): مَا مَنَعَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنْ یَدْعُوَ النَّاسَ إِلَی نَفْسِهِ؟. قَالَ: خَوْفاً أَنْ یَرْتَدُّوا. قَالَ عَلِیٌّ (4):- وَ أَحْسَبُ فِی الْحَدِیثِ-: وَ لَا یَشْهَدُوا أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله).

«31»-ع (5): أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَیْنِ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی الصُّهْبَانِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا (6)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لِمَ كَفَّ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنِ الْقَوْمِ؟. قَالَ: مَخَافَةَ أَنْ یَرْجِعُوا كُفَّاراً.

«32»-ع (7): أَبِی، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عِیسَی، عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ (8) حَرِیزٍ، عَنْ بُرَیْدٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمْ یَمْنَعْهُ مِنْ أَنْ یَدْعُوَ (9) إِلَی نَفْسِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَنْ یَكُونُوا ضُلَّالًا، لَا یَرْجِعُونَ (10) عَنِ الْإِسْلَامِ أَحَبُّ إِلَیْهِ مِنْ أَنْ یَدْعُوَهُمْ فَیَأْبَوْا عَلَیْهِ فَیَصِیرُونَ كُفَّاراً كُلُّهُمْ.

«33»-ل (11): مَاجِیلَوَیْهِ وَ ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ وَ الْعَطَّارُ جَمِیعاً، عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ، عَنِ ابْنِ أَبِی الْخَطَّابِ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَادٍّ (12)، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ، عَنْ أَبِی

ص: 440


1- علل الشّرائع 1- 149 باب 122 حدیث 8، باختلاف یسیر.
2- فی المصدر: علیّ بن حاتم.
3- فی العلل: قلت لأبی عبد اللّٰه علیه السّلام: ..
4- المراد به علیّ بن حاتم، و هذا یشهد علی غلط أوّل سند الحدیث.
5- علل الشّرائع 1- 151 باب 122 حدیث 11.
6- فی المطبوع من البحار: خ. ل: أصحابه.
7- علل الشّرائع 1- 150 باب 122 حدیث 10، باختصار شدید فی السّند.
8- لا توجد فی (س): حمّاد عن.
9- فی المصدر: أنّ یدعو النّاس.
10- فی (س): یرجعون- بدون لا- و قد یوجّه لها معنی.
11- الخصال 2- 650 حدیث 48، مع اختصار فی السّند.
12- فی (ك): مارد، و هو غلط.

جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ- وَ هُوَ عَلَی مِنْبَرِهِ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! ائْذَنْ لِی (1) أَتَكَلَّمْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ یَرْوِیهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟. فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَقُولُوا عَلَی عَمَّارٍ إِلَّا مَا قَالَهُ ..

حَتَّی قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: تَكَلَّمْ. قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّاراً یَقُولُ:

سَمِعْتُ (2) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: أَنَا أُقَاتِلُ عَلَی التَّنْزِیلِ وَ عَلِیٌّ یُقَاتِلُ عَلَی التَّأْوِیلِ. فَقَالَ (علیه السلام): صَدَقَ عَمَّارٌ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ، إِنَّ هَذِهِ عِنْدِی لَفِی أَلْفِ كَلِمَةٍ تَتْبَعُ كُلَّ كَلِمَةٍ أَلْفُ كَلِمَةٍ..

«34»-ما (3): الْمُفِیدُ، عَنِ ابْنِ قُولَوَیْهِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی، عَنِ ابْنِ أَبِی نَجْرَانَ، وَ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ یَزِیدَ مَعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی، عَنْ رِبْعِیٍّ، عَنِ الْفُضَیْلِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لِمَنْ كَانَ الْأَمْرُ حِینَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟ قَالَ: لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ. فَقُلْتُ: كَیْفَ صَارَ فِی تَیْمٍ وَ عَدِیٍّ؟ قَالَ: إِنَّكَ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ! إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَمَّا كَتَبَ (4) أَنْ یُفْسَدَ فِی الْأَرْضِ وَ تُنْكَحَ الْفُرُوجُ الْحَرَامُ، وَ یُحْكَمَ بِغَیْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، خَلَّی (5) بَیْنَ أَعْدَائِنَا وَ بَیْنَ مُرَادِهِمْ مِنَ الدُّنْیَا حَتَّی دَفَعُونَا عَنْ حَقِّنَا وَ جَرَی الظُّلْمَ عَلَی أَیْدِیهِمْ دُونَنَا..

بیان: لعلّ الكتابة مؤوّلة بالعلم، أو هی كتابة تبیین لا كتابة تقدیر.

«35»-ع (6): ابْنُ الْوَلِیدِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ ابْنِ یَزِیدَ، عَنِ رِبْعِیٍّ، عَنْ

ص: 441


1- فی المصدر: أ تأذن لی ..
2- لا توجد فی (س): عمّارا یقول سمعت.
3- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 230، باختصار فی السّند و نصّ فی المتن.
4- فی (س): قد كتب ..
5- فی (س): خلق .. و هو غلط.
6- علل الشّرائع 1- 153- 154 باب 122 حدیث 14، و سنده هكذا: حدّثنا محمّد بن الحسن قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن یعقوب بن یزید، عن حمّاد بن عیسی، عن ربعیّ، عن فضیل بن یسار .. و انظر بقیّة روایات الباب.

حَمَّادٍ، عَنِ الْفُضَیْلِ بْنِ یَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ أَوْ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ حِینَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لِمَنْ كَانَ الْأَمْرُ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ. قُلْتُ: فَكَیْفَ صَارَ فِی غَیْرِكُمْ؟ قَالَ: إِنَّكَ قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ! إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا عَلِمَ أَنْ (1) یُفْسَدَ فِی الْأَرْضِ، وَ تُنْكَحَ الْفُرُوجُ الْحَرَامُ، وَ یُحْكَمَ بِغَیْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی أَرَادَ أَنْ یَلِیَ ذَلِكَ غَیْرُنَا..

«36»-قب (2): قَالَ ضِرَارٌ لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ: أَلَّا دَعَا عَلِیٌّ النَّاسَ عِنْدَ وَفَاةِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی (3) الِائْتِمَامِ بِهِ إِنْ كَانَ وَصِیّاً؟. قَالَ: لَمْ یَكُنْ وَاجِباً عَلَیْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ دَعَاهُمْ إِلَی مُوَالاتِهِ وَ الِائْتِمَامِ بِهِ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْمَ الْغَدِیرِ وَ یَوْمَ تَبُوكَ وَ غَیْرَهُمَا فَلَمْ یَقْبَلُوا مِنْهُ، وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزاً لَجَازَ عَلَی آدَمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنْ یَدْعُوَ إِبْلِیسَ إِلَی السُّجُودِ لَهُ بَعْدَ أَنْ (4) دَعَاهُ رَبُّهُ إِلَی ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ صَبَرَ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ سَأَلَ أَبُو حَنِیفَةَ الطَّاقِیَّ (5) فَقَالَ لَهُ: لِمَ لَمْ یَطْلُبْ عَلِیٌّ بِحَقِّهِ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ إِنِ كَانَ لَهُ حَقٌّ؟. قَالَ: خَافَ أَنْ یَقْتُلَهُ الْجِنُّ كَمَا قَتَلُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِسَهْمِ الْمُغِیرَةِ ابْنِ شُعْبَةَ!.

وَ قِیلَ لِعَلِیِّ بْنِ مِیثَمٍ: لِمَ قَعَدَ عَنْ قِتَالِهِمْ؟. قَالَ: كَمَا قَعَدَ هَارُونُ عَنِ السَّامِرِیِّ وَ قَدْ عَبَدُوا الْعِجْلَ قُبُلًا فَكَانَ ضَعِیفاً (6). قَالَ: كَانَ كَهَارُونَ حَیْثُ یَقُولُ: إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ كادُوا یَقْتُلُونَنِی (7)، وَ كَنُوحٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِذْ قَالَ:

ص: 442


1- فی المصدر: أنّه.
2- مناقب ابن شهرآشوب 1- 270 (فصل فی مسائل و أجوبة) و انظر ما بعده من روایات بهذا المضمون.
3- لا توجد: إلی، فی (ك).
4- فی المصدر: إذ، بدلا من: أنّ.
5- المراد منه مؤمن الطّاق أو صاحب الطّاق: محمّد بن النّعمان رضوان اللّٰه علیه.
6- فی المصدر: قیل فكان ضعیفا؟ و لعلّها. جملة سؤالیة.
7- الأعراف: 150، و ذیل الآیة: وَ كادُوا یَقْتُلُونَنِی، لا یوجد فی المصدر و لا فی (س).

أَنِّی مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (1)، وَ كَلُوطٍ إِذْ قَالَ: لَوْ أَنَّ لِی بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِی إِلی رُكْنٍ شَدِیدٍ (2)، وَ كَمُوسَی وَ هَارُونَ إِذْ قَالَ مُوسَی: رَبِّ إِنِّی لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِی وَ أَخِی (3).

بیان: قال الجوهری: رأیته قبلا و قبلا- بالضم- أی مقابلة و عیانا، و رأیته قبلا- بكسر القاف- .. أی عیانا (4).

«37»-قب (5): وَ فِی الْخِصَالِ فِی آدَابِ الْمُلُوكِ أَنَّهُ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ لِی فِی مُوسَی أُسْوَةٌ وَ فِی خَلِیلِی قُدْوَةٌ، وَ فِی كِتَابِ اللَّهِ عِبْرَةٌ، وَ فِیمَا أَوْدَعَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بُرْهَانٌ، وَ فِیمَا عَرَفْتُ تَبْصِرَةٌ، إِنْ یُكَذِّبُونِی (6) فَقَدْ كَذَّبُوا الْحَقَّ مِنْ قَبْلِی، وَ إِنْ أُبْتَلَی بِهِ فَتِلْكَ سِیرَتِی (7)، الْمَحَجَّةُ الْعُظْمَی وَ السَّبِیلُ الْمُفْضِیَةُ لِمَنْ لَزِمَهَا إِلَی النَّجَاةِ (8) لَمْ أَزَلْ عَلَیْهَا لَا نَاكِلًا وَ لَا مُبَدِّلًا، لَنْ أُضَیِّعَ بَیْنَ كِتَابِ اللَّهِ وَ عَهْدِ ابْنِ عَمِّی بِهِ .. فِی كَلَامٍ لَهُ، ثُمَّ قَالَ:

لَنْ أَطْلُبَ الْعُذْرَ فِی قَوْمِی وَ قَدْ جَهِلُوا*** فَرْضَ الْكِتَابِ وَ نَالُوا كُلَّ مَا حَرُمَا

حَبْلُ الْإِمَامَةِ لِی مِنْ بَعْدِ أَحْمَدِنَا***

الْأَبْیَاتَ ............ (9).

ص: 443


1- القمر: 10.
2- هود: 80.
3- المائدة: 25.
4- الصحاح 5- 1796، و انظر: مجمع البحرین 5- 446.
5- مناقب ابن شهرآشوب 1- 271- 276.
6- فی المصدر: إن تكذبونی ..
7- فی المناقب: سربی .. أیّ طریقتی.
8- فی المصدر: المقضیة لمن لزمها من النّجاة.
9- فی حاشیة (ك): جاءت الأبیات كالآتی: أطلب العذر من قومی وقد جهلوا***فرض الكتاب ونالوا كل ما حرما حبل الإمامة لی من بعد أحمدنا***كالدلو علفت التكریب والوذما لا فی نبوته كانوا ذوی ورع***ولا رعوا بعده إلا ولا ذمما لو كان لی جائزا (كذا) سرحان أمرهم***خلفت قومی وكانوا أمة أمما

وَ مِنْ كَلَامٍ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ- رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ-: فَنَزَلَ بِی مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا لَمْ یَكُنِ (1) الْجِبَالُ لَوْ حُمِّلَتْهُ لَحَمَلَتْهُ، وَ رَأَیْتُ أَهْلَ بَیْتِهِ بَیْنَ جَازِعٍ لَا یَمْلِكُ جَزَعَهُ، وَ لَا یَضْبِطُ نَفْسَهُ، وَ لَا یَقْوَی عَلَی حَمْلِ مَا نَزَلَ بِهِ، قَدْ أَذْهَبَ الْجَزَعُ صَبْرَهُ، وَ أَذْهَلَ عَقْلَهُ، وَ حَالَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْفَهْمِ وَ الْإِفْهَامِ، وَ بَیْنَ الْقَوْلِ وَ الِاسْتِمَاعِ. ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ كَلَامٍ-: وَ حَمَلْتُ نَفْسِی عَلَی الصَّبْرِ عِنْدَ وَفَاتِهِ، وَ لَزِمْتُ الصَّمْتَ وَ الْأَخْذَ فِیمَا أَمَرَنِی بِهِ مِنْ تَجْهِیزِهِ .. الخبر.

قوله تعالی: فَوَكَزَهُ مُوسی فَقَضی عَلَیْهِ (2) كان قتل واحدا علی وجه الدفع فَأَصْبَحَ فِی الْمَدِینَةِ خائِفاً (3) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً (4) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ (5) رَبِّ إِنِّی قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ (6) فكیف لا یخاف علیّ و قد وترهم بالنهب، و أفناهم بالحصد (7)، و استأسرهم فلم یدع قبیلة من أعلاها إلی أدناها إلّا و قد قتل صنادیدهم؟ (8).

قِیلَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی جُلُوسِهِ عَنْهُمْ؟ قَالَ: إِنِّی ذَكَرْتُ قَوْلَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنِّی رَأَیْتُ الْقَوْمَ (9)نَقَضُوا أَمْرَكَ، وَ اسْتَبَدُّوا بِهَا دُونَكَ، وَ عَصَوْنِی فِیكَ، فَعَلَیْكَ بِالصَّبْرِ حَتَّی یَنْزِلَ الْأَمْرُ، فَإِنَّهُمْ سَیَغْدِرُونَ بِكَ وَ أَنْتَ

ص: 444


1- فی المناقب: لم تكن.
2- القصص: 15.
3- القصص: 18.
4- القصص: 21.
5- الشعراء: 21.
6- القصص: 33، و فی المصدر: ربّ إنّی قتلت منهم، ربّ إنّی أخاف.
7- فی المناقب: بالحصید.
8- ثم ذكر ابن شهرآشوب رحمه اللّٰه هنا شعرا لمهیار الدیلمیّ رحمه اللّٰه و هو: تركت أمرا ولو طالبته لدرت***معاطس راغمته كیف تجتدع صبرت تحفظ أمر اللّٰه ما اطرحوا***ذبا عن الدین فاستیقظت إذ هجعوا لیشرقن بحلو الیوم مر غد***إذا حصدت لهم فی الحشر ما زرعوا
9- فی المناقب : أن القوم.

تَعِیشُ عَلَی مِلَّتِی، وَ تُقْتَلُ عَلَی سُنَّتِی، مَنْ أَحَبَّكَ أَحَبَّنِی، وَ مَنْ أَبْغَضَكَ أَبْغَضَنِی، وَ إِنَّ هَذِهِ سَتُخْضَبُ مِنْ هَذَا..

زُرَارَةُ (1)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا مَنَعَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنْ یَدْعُوَ النَّاسَ إِلَی نَفْسِهِ، وَ یُجَرِّدَ فِی عَدُوِّهِ سَیْفَهُ؟. فَقَالَ: الْخَوْفُ مِنْ أَنْ یَرْتَدُّوا فَلَا یَشْهَدُوا أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (2) ...

وَ سَأَلَ صَدَقَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عُمَرَ بْنَ قَیْسٍ الْمَاصِرَ عَنْ جُلُوسِ عَلِیٍّ فِی الدَّارِ؟.

فَقَالَ: إِنَّ عَلِیّاً فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ فَرِیضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، أَدَّاهَا نَبِیُّ اللَّهِ إِلَی قَوْمِهِ مِثْلَ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ لَیْسَ عَلَی الْفَرَائِضِ أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی شَیْ ءٍ إِنَّمَا عَلَیْهِمْ أَنْ یُجِیبُوا الْفَرَائِضَ، وَ كَانَ عَلِیٌّ أَعْذَرَ مِنْ هَارُونَ لَمَّا ذَهَبَ مُوسَی إِلَی الْمِیقَاتِ، فَقَالَ لِهَارُونَ: اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِیلَ الْمُفْسِدِینَ (3) فَجَعَلَهُ رَقِیباً عَلَیْهِمْ، وَ إِنَّ نَبِیَّ اللَّهِ نَصَبَ عَلِیّاً (علیه السلام) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَماً وَ دَعَاهُمْ إِلَیْهِ، فَعَلِیٌّ فِی عُذْرٍ لَمَّا جَلَسَ (4) فِی بَیْتِهِ، وَ هُمْ فِی حَرَجٍ حَتَّی یُخْرِجُوهُ فَیَضَعُوهُ فِی الْمَوْضِعِ الَّذِی وَضَعَهُ فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَاسْتَحْسَنَ مِنْهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ عَلَیْهِ السَّلَامُ (5).

وَ مِنْ كَلَامٍ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ- وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ أَمْرِهِمَا-: وَ كُنْتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَی النَّاسِ حَقٌّ، فَإِنْ عَجَّلُوا لَهُ مَالَهُ أَخَذَهُ وَ حَمِدَهُمْ (6)، وَ إِنْ أُخِّرَهُ أَخَذَهُ غَیْرَ مَحْمُودِینَ، وَ كُنْتُ كَرَجُلٍ یَأْخُذُ بِالسُّهُولَةِ وَ هُوَ عِنْدَ النَّاسِ حَزُونٌ (7)، وَ إِنَّمَا یُعْرَفُ

ص: 445


1- هذا استمرار لكلام صاحب المناقب رحمه اللّٰه، و فیه: زرارة بن أعین قلت: .. وفی (س) : زرادة .. ولا معنی لها.
2- ذكر فی المناقب هنا شعرا للناشئ الصّغیر ثمّ أورد كلام صدقة بن مسلم ..
3- الأعراف: 142.
4- فی المناقب: فعلیّ فی غدرهما جلس ..
5- و ذكر هنا ابن شهرآشوب شعرا للعونی ثمّ أورد كلامه صلوات اللّٰه علیه و آله.
6- فی (س): و عهدهم.
7- فی (ك) هنا نسخة بدل: مخدوع.

الْهُدَی بِقِلَّةِ (1) مَنْ یَأْخُذُهُ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا سَكَتُّ فَأَعْفُونِی.

وَ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ یَوْمَ الشُّورَی: إِنَّ لَنَا حَقّاً إِنْ أُعْطِینَاهُ أَخَذْنَاهُ، وَ إِنْ مُنِعْنَاهُ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَ إِنْ طَالَ بِنَا السُّرَی.

وَ سُئِلَ مُتَكَلِّمٌ: لِمَ لَمْ یُقَاتِلِ الْأَوَّلِینَ عَلَی (2) حَقِّهِ وَ قَاتَلَ الْآخَرِینَ (3)؟! فَقَالَ:

لِمَ لَمْ یُقَاتِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلَی إِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ فِی حَالِ الْغَارِ وَ مُدَّةِ الشِّعْبِ وَ قَاتَلَ بَعْدَهُمَا؟! ...

وَ قَالَ بَعْضُ النَّوَاصِبِ لِشَیْطَانِ الطَّاقِ (4)؟!: كَانَ عَلِیٌّ یُسَلِّمُ عَلَی الشَّیْخَیْنِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ، أَ فَصَدَقَ أَمْ كَذَبَ؟!. قَالَ: أَخْبِرْنِی أَنْتَ عَنِ الْمَلَكَیْنِ اللَّذَیْنِ دَخَلَا عَلَی دَاوُدَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّ هذا أَخِی لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِیَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ (5)، كَذَبَ أَمْ صَدَقَ؟. فَانْقَطَعَ النَّاصِبِیُّ.

وَ سَأَلَ سُلَیْمَانُ بْنُ حَرِیزٍ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ: أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ عَلِیٍّ لِأَبِی بَكْرٍ:

یَا خَلِیفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَ كَانَ صَادِقاً أَمْ كَاذِباً؟! فَقَالَ هِشَامٌ: وَ مَا الدَّلِیلُ عَلَی أَنَّهُ قَالَ (6)؟ ثُمَّ قَالَ: وَ إِنْ كَانَ قَالَهُ فَهُوَ كَقَوْلِ إِبْرَاهِیمَ: إِنِّی سَقِیمٌ (7)، وَ كَقَوْلِهِ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِیرُهُمْ (8)، وَ كَقَوْلِ یُوسُفَ: أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (9) ....

وَ قِیلَ لِعَلِیِّ بْنِ مِیثَمٍ: لِمَ صَلَّی عَلِیٌّ خَلْفَ الْقَوْمِ؟ قَالَ: جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ

ص: 446


1- فی المناقب: مخون الهدی بقلة ..
2- لا توجد علی فی (س)، و وضع بعدها رمز (ع) فی (ك).
3- فی (س): الأخری، و لا معنی لها.
4- فی المناقب: لصاحب الطّاق، و هو فی الواقع مؤمن الطّاق رضوان اللّٰه علیه.
5- سورة ص: 23.
6- فی (ك): قاله.
7- الصّافّات: 89.
8- الأنبیاء: 63.
9- یوسف: 70.

السَّوَارِی. قِیلَ: فَلِمَ ضَرَبَ الْوَلِیدَ بْنَ عُقْبَةَ بَیْنَ یَدَیْ عُثْمَانَ؟. قَالَ: لِأَنَّ الْحَدَّ لَهُ وَ إِلَیْهِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ إِقَامَتُهُ أَقَامَهُ بِكُلِّ حِیلَةٍ. قِیلَ: فَلِمَ أَشَارَ عَلَی أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ؟.

قَالَ: طَلَباً مِنْهُ أَنْ یُحْیِیَ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ وَ أَنْ یَكُونَ دِینُهُ الْقَیِّمَ كَمَا أَشَارَ یُوسُفُ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَلَی مُلْكِ مِصْرَ نَظَراً مِنْهُ لِلْخَلْقِ، وَ لِأَنَّ الْأَرْضَ وَ الْحُكْمَ فِیهَا إِلَیْهِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ یُظْهِرَ مَصَالِحَ الْخَلْقِ فَعَلَ، وَ إِنْ لَمْ یُمْكِنْهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ تَوَصَّلَ إِلَیْهِ عَلَی یَدَیْ مَنْ یُمْكِنُهُ طَلَباً مِنْهُ لِإِحْیَاءِ أَمْرِ اللَّهِ. قِیلَ: لِمَ قَعَدَ فِی الشُّورَی؟. قَالَ: اقْتِدَاراً مِنْهُ عَلَی الْحُجَّةِ وَ عِلْماً بِأَنَّهُمْ إِنْ نَاظَرُوهُ أَوْ (1) أَنْصَفُوهُ كَانَ هُوَ الْغَالِبَ، وَ مَنْ كَانَ لَهُ دَعْوَی فَدُعِیَ إِلَی (2) أَنْ یُنَاظِرَ عَلَیْهِ فَإِنْ ثَبَتَتْ لَهُ الْحُجَّةُ أُعْطِیَهُ (3)، فَإِنْ لَمْ یَفْعَلْ بَطَلَ حَقُّهُ وَ أَدْخَلَ بِذَلِكَ الشُّبْهَةَ عَلَی الْخَلْقِ، وَ قَدْ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَئِذٍ: الْیَوْمَ أُدْخِلْتُ فِی بَابٍ إِذَا أُنْصِفْتُ فِیهِ وَصَلْتُ إِلَی حَقِّی، یَعْنِی أَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَبَدَّ بِهَا یَوْمَ السَّقِیفَةِ وَ لَمْ یُشَاوِرْهُ، قِیلَ: فَلِمَ زَوَّجَ عُمَرَ ابْنَتَهُ؟. قَالَ: لِإِظْهَارِهِ الشَّهَادَتَیْنِ وَ إِقْرَارِهِ بِفَضْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ إِرَادَتِهِ اسْتِصْلَاحَهُ وَ كَفَّهُ عَنْهُ، وَ قَدْ عَرَضَ نَبِیُّ اللَّهِ لُوطٌ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَنَاتِهِ عَلَی قَوْمِهِ وَ هُمْ كُفَّارٌ لِیَرُدَّهُمْ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ، فَقَالَ: هؤُلاءِ بَناتِی هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (4)، وَ وَجَدْنَا آسِیَةَ بِنْتَ مُزَاحِمٍ تَحْتَ فِرْعَوْنَ.

وَ سُئِلَ الشَّیْخُ الْمُفِیدُ (5): لِمَ أَخَذَ عَطَاءَهُمْ، وَ صَلَّی خَلْفَهُمْ، وَ نَكَحَ سَبْیَهُمْ، وَ حَكَمَ فِی مَجَالِسِهِمْ؟. فَقَالَ: أَمَّا أَخْذُهُ الْعَطَاءَ فَأَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ، وَ أَمَّا الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ فَهُوَ الْإِمَامُ، مَنْ تَقَدَّمَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، عَلَی أَنَّ كُلًّا مُؤَدٍّ حَقَّهُ، وَ أَمَّا نِكَاحُهُ مِنْ سَبْیِهِمْ فَمِنْ طَرِیقِ الْمُمَانَعَةِ، إِنَّ الشِّیعَةَ رَوَتْ (6) أَنَّ الْحَنَفِیَّةَ زَوَّجَهَا

ص: 447


1- فی المصدر: الواو بدلا من أو.
2- لا توجد: إلی، فی (س).
3- فی المناقب: أعطته.
4- هود: 78.
5- و بهذا المضمون جاء فی الفصول المختارة من العیون و المحاسن، للشّیخ المفید: 273، و لعلّ نصّه فی غیر كتابه هذا.
6- فی المناقب: روته ..

أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ الْحَنَفِیَّ، وَ اسْتَدَلُّوا عَلَی ذَلِكَ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا رَدَّ مَنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ سَبَاهُ لَمْ یَرُدَّ الْحَنَفِیَّةَ، فَلَوْ كَانَتْ مِنَ السَّبْیِ لَرَدَّهَا، وَ مِنْ طَرِیقِ الْمُتَابَعَةِ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ مِنْ سَبْیِهِمْ لَمْ یَكُنْ لَكُمْ مَا أَرَدْتُمْ، لِأَنَّ الَّذِینَ سَبَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ كَانُوا عِنْدَكُمْ قَادِحِینَ فِی نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ كُفَّاراً، فَنِكَاحُهُمْ حَلَالٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَ لَوْ كَانَ الَّذِینَ سَبَاهُمْ یَزِیدُ وَ زِیَادٌ، وَ إِنَّمَا كَانَ یَسُوغُ لَكُمْ مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِذَا كَانَ الَّذِینَ سَبَاهُمْ قَادِحِینَ فِی إِمَامَتِهِ ثُمَّ نَكَحَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ أَمَّا حُكْمُهُ فِی مَجَالِسِهِمْ فَإِنَّهُ لَوْ قَدَرَ أَنْ لَا یَدَعَهُمْ یَحْكُمُونَ حُكْماً لَفَعَلَ، إِذِ الْحُكْمُ إِلَیْهِ وَ لَهُ دُونَهُمْ.

و فی كتاب الكرّ و الفرّ: قالوا: وجدنا علیّا علیه السلام یأخذ عطاء الأوّل و (1) لا یأخذ عطاء ظالم إلّا ظالم؟.

قلنا: فقد وجدنا دانیال یأخذ عطاء بخت نصر.

و قالوا: قد صحّ أنّ علیّا علیه السلام لم یبایع ثم بایع، ففی أیّهما أصاب و (2) أخطأ فی الأخری؟.

قلنا: و قد صحّ أنّ النبیّ صلّی اللَّه علیه و آله لم یدع فی حال و دعا فی حال، و لم یقاتل ثم قاتل.

- وَ قَالَ رَجُلٌ لِلْمُرْتَضَی: أَیُّ خَلِیفَةٍ قَاتَلَ وَ لَمْ یَسْبِ وَ لَمْ یَغْنَمْ؟. فَقَالَ: ارْتَدَّ غُلَامٌ (3) فِی أَیَّامِ أَبِی بَكْرٍ فَقَتَلُوهُ وَ لَمْ یَعْرِضْ أَبُو بَكْرٍ لِمَالِهِ، وَ رُوِیَ مِثْلُ ذَلِكَ فِی مُرْتَدٍّ قُتِلَ فِی أَیَّامِ عُمَرَ فَلَمْ یَعْرِضْ لِمَالِهِ، وَ قَتَلَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مُسْتَوْرِدَ (4) الْعِجْلِیَّ وَ لَمْ یَتَعَرَّضْ (5) لِمَالِهِ، فَالْقَتْلُ لَیْسَ بِأَمَارَةٍ عَلَی تَنَاوُلِ الْمَالِ.

وَ قَالَ رَجُلٌ لِشَرِیكٍ: أَ لَیْسَ قَوْلُ عَلِیٍّ لِابْنِهِ الْحُسَیْنِ یَوْمَ الْجَمَلِ: یَا بُنَیَّ! یَوَدُّ

ص: 448


1- الواو للحال، كذا فی حاشیة (ك).
2- لا توجد الواو فی المصدر.
3- فی المناقب: علاثة ..
4- فی المناقب: مسورته ..
5- فی المصدر: یعرض.

أَبُوكَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ هَذَا الْیَوْمِ بِثَلَاثِینَ سَنَةٍ .. یَدُلُّ عَلَی أَنَّ فِی الْأَمْرِ شَیْئاً؟. فَقَالَ شَرِیكٌ: لَیْسَ كُلُّ حَقٍّ یُشْتَهَی أَنْ یُتْعَبَ فِیهِ، وَ قَدْ قَالَتْ مَرْیَمُ فِی حَقٍّ لَا یُشَكُّ فِیهِ: یا لَیْتَنِی مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْیاً مَنْسِیًّا (1). وَ لَمَّا قِیلَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی الْحَكَمَیْنِ: شَكَكْتَ؟. قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَا أَوْلَی بِأَنْ لَا أَشُكَّ فِی دِینِی أَمِ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟ أَوْ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی لِرَسُولِهِ: قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدی مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ (2)..

«38»-شی (3): عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قَوْلُ النَّاسِ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فَمَا مَنَعَهُ أَنْ یَقُومَ بِهِ؟. قَالَ: فَقَالَ:

إِنَّ اللَّهَ لَمْ یُكَلِّفْ هَذَا إِلَّا إِنْسَاناً وَاحِداً رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (4)، قَالَ:

فَقاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ (5) فَلَیْسَ هَذَا إِلَّا لِلرَّسُولِ. وَ قَالَ لِغَیْرِهِ: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ (6) فَلَمْ یَكُنْ یَوْمَئِذٍ فِئَةٌ یُعِینُونَهُ عَلَی أَمْرِهِ (7)..

بیان: لعلّ المعنی أنّه إذا كان مع وجود الجیش یجوز الفرار للتحیّز إلی فئة أخری أقوی، فیجوز ترك الجهاد مع عدم الفئة أصلا بطریق أولی، و إنّ هذه الآیة تدلّ علی اشتراط الفئة التزاما.

«39»-شی (8): عَنْ حَرِیزٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ

ص: 449


1- مریم: 23.
2- القصص: 49. و إلی هنا نقل من المناقب لابن شهرآشوب 1- 271- 276 و قد تعرضنا لغالب الفروق و ما أسقطه المصنّف طاب ثراه.
3- تفسیر العیّاشیّ 1- 261 حدیث 211.
4- فی التّفسیر: لا یكلّف هذا الإنسان إلّا واحدا إلّا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله.
5- النّساء: 84.
6- الأنفال: 16.
7- و انظر البرهان 1- 398 و 2- 70، و بحار الأنوار 16- 340 حدیث 29.
8- تفسیر العیّاشیّ 1- 303 برقم 68، باختلاف یسیر.

السَّلَامُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّی لَا تُخْطِئُونَ طَرِیقَهُمْ وَ لَا تُخْطِئُكُمْ سُنَّةُ بَنِی إِسْرَائِیلَ (1)، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ یا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِی كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ (2) فَرَدُّوا عَلَیْهِ- وَ كَانُوا سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ- فَقَالُوا: یا مُوسی إِنَّ فِیها قَوْماً جَبَّارِینَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّی یَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ یَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِینَ یَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمَا (3) أَحَدُهُمَا یُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ كَالِبُ بْنُ یُوفَنَّا (4)، قَالَ: وَ هُمَا ابْنُ عَمِّهِ (5) فَقَالا: ادْخُلُوا عَلَیْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ. إِلَی قَوْلِهِ: إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (6) قَالَ: فَعَصَی سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ (7)، وَ سَلِمَ هَارُونُ وَ ابْنَاهُ وَ یُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ كَالِبُ بْنُ یُوفَنَّا (8)، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ فَاسِقِینَ، فَقَالَ: فَلا تَأْسَ عَلَی الْقَوْمِ الْفاسِقِینَ (9) فَتَاهُوا أَرْبَعِینَ سَنَةً لِأَنَّهُمْ عَصَوْا، فَكَانَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمَّا قُبِضَ لَمْ یَكُنْ عَلَی أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا عَلِیٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ سَلْمَانُ وَ الْمِقْدَادُ وَ أَبُو ذَرٍّ فَمَكَثُوا أَرْبَعِینَ حَتَّی قَامَ عَلِیٌّ فَقَاتَلَ مَنْ خَالَفَهُ (10).

ص: 450


1- مرّت روایات الخاصّة عن جملة مصادر عدّها شیخنا المجلسیّ قدّس سرّه فی بحاره 28- 6- 10 عن كمال الدّین و تمام النّعمة، و معانی الأخبار، و تفسیر القمّیّ، و أمالی الشّیخ المفید و غیرها، و جاء عن طریق العامّة كما فی مسند أحمد بن حنبل 4- 125 و غیره. و الكلّ فی موضوع فی متابعة اللاحق للسّابق، فراجع.
2- المائدة: 20- 22.
3- المائدة: 22 و 23.
4- فی تفسیر العیّاشیّ: ابن نون و الآخر كالب بن یافنّا ..
5- فی المصدر: و هما ابنا عمّه .. و هو الظّاهر.
6- المائدة: 24.
7- فی المصدر: فعصی أربعون ألف ..
8- فی التّفسیر: ابن یافنّا، و فیه نسخة بدل: یوفنّا.
9- المائدة: 26.
10- جاءت الرّوایة فی تفسیر البرهان 1- 456، و الصّافی 1- 433، و فی أكثر من مكان من البحار.

بیان: قوله: فمكثوا أربعین .. كذا فی النسخة التی عندنا، و هو لا یوافق التاریخ، إذ هو علیه السلام قاتلهم بعد نحو من خمس و عشرین، و لعلّه من تحریف النسّاخ، و كون الأربعین من الهجرة و إنّه أرید هنا انتهاء غزواته علیه السلام بعید.

و یحتمل أن یكون المراد نحوا من أربعین، أی مدّة مدیدة یقرب منها، و یكفی هذا للمشابهة.

«40»-شی (1): عَنِ ابْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَوْمَ الْجَمَلِ، فَجَاءَ رَجُلٌ حَتَّی وَقَفَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! كَبَّرَ الْقَوْمُ وَ كَبَّرْنَا، وَ هَلَّلَ الْقَوْمُ وَ هَلَّلْنَا، وَ صَلَّی الْقَوْمُ وَ صَلَّیْنَا، فَعَلَامَ نُقَاتِلُهُمْ؟! فَقَالَ: عَلَی هَذِهِ الْآیَةِ: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَیْنا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّناتِ وَ أَیَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ (2) فَنَحْنُ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یُرِیدُ (3) فَنَحْنُ الَّذِینَ آمَنَّا وَ هُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا، فَقَالَ الرَّجُلُ: كَفَرَ الْقَوْمُ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّی قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ (4)..

«41»-شی (5): عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا شَأْنُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ حِینَ رُكِبَ (6) مِنْهُ مَا رُكِبَ، لَمْ یُقَاتِلْ؟. فَقَالَ: لِلَّذِی سَبَقَ فِی عِلْمِ اللَّهِ أَنْ یَكُونَ، مَا كَانَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنْ یُقَاتِلَ وَ لَیْسَ مَعَهُ إِلَّا ثَلَاثَةُ رَهْطٍ، فَكَیْفَ یُقَاتِلُ؟ أَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ

ص: 451


1- تفسیر العیّاشیّ 1- 136 برقم 448، باختلاف یسیر.
2- البقرة: 253.
3- البقرة: 253.
4- و جاءت الرّوایة فی تفسیر البرهان 1- 239، و تفسیر الصّافی 1- 212 و غیرهما ..
5- تفسیر العیّاشیّ 2- 51 برقم 30، باختلاف یسیر.
6- خ. ل: حینما ركّب، كذا فی المصدر.

كَفَرُوا ... إِلَی قَوْلِهِ: .. وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ (1) فَكَیْفَ یُقَاتِلُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَعْدَ هَذَا؟. وَ إِنَّمَا هُوَ یَوْمَئِذٍ لَیْسَ مَعَهُ مُؤْمِنٌ غَیْرُ ثَلَاثَةِ رَهْطٍ (2).

«42»-شی (3): عَنْ زَیْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

جُعِلْتُ فِدَاكَ! إِنَّهُمْ یَقُولُونَ مَا مَنَعَ عَلِیّاً إِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ أَنْ یَقُومَ بِحَقِّهِ؟. فَقَالَ:

إِنَّ اللَّهَ لَمْ یُكَلِّفْ هَذَا أَحَداً إِلَّا نَبِیَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ، قَالَ لَهُ: فَقاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ (4)، وَ قَالَ لِغَیْرِهِ: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ (5) فَعَلِیٌّ لَمْ یَجِدْ فِئَةً، وَ لَوْ وَجَدَ فِئَةً لَقَاتَلَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ جَعْفَرٌ وَ حَمْزَةُ حَیَّیْنِ، إِنَّمَا بَقِیَ رَجُلَانِ (6).

بیان: قوله علیه السلام: لو كان .. كلمة لو للتمنّی أو الجزاء محذوف ..

أی لم یترك القتال، أو یكون تفسیر للفئة، و المراد بالرجلین: الضعیفان، عباس و عقیل، كما مرّ.

«43»-شی (7): عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! زَعَمَ وُلْدُ الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْقَائِمَ مِنْهُمْ وَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأَمْرِ، وَ یَزْعُمُ وُلْدُ ابْنِ الْحَنَفِیَّةِ (8) مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ عَمِّیَ الْحَسَنَ (علیه السلام)، لَقَدْ عَمَدَ الْحَسَنُ (9) أَرْبَعِینَ أَلْفَ سَیْفٍ حَتَّی (10) أُصِیبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ

ص: 452


1- الأنفال: 15.
2- و جاءت الرّوایة عن هذا المصدر فی تفسیر البرهان 2- 69.
3- تفسیر العیّاشیّ 2- 51 برقم 31، باختلاف قلیل.
4- النّساء: 84.
5- الأنفال: 16.
6- و جاءت الرّوایة كاملة فی البرهان 2- 70، و تفسیر الصّافی 1- 653، و غیرهما.
7- تفسیر العیّاشیّ 2- 291 برقم 69.
8- جاءت نسخة بدل فی (ك): ولدین ابن الحنفیّة .. كذا.
9- فی تفسیر العیّاشیّ: غمد الحسن علیه السّلام ..، و فی تفسیر البرهان: عمل، و ذكر ما فی العیّاشیّ نسخة.
10- فی المصدر و البرهان: حین، و هو الظّاهر.

وَ أَسْلَمَهَا إِلَی مُعَاوِیَةَ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ سَبْعِینَ أَلْفَ سَیْفٍ قَاتِلَةٍ لَوْ حُظِرَ عَلَیْهِمْ حَظِیرَةٌ (1) مَا خَرَجُوا مِنْهَا حَتَّی یَمُوتُوا جَمِیعاً، وَ خَرَجَ الْحُسَیْنُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَی اللَّهِ فِی سَبْعِینَ رَجُلًا، مَنْ أَحَقُّ بِدَمِهِ مِنَّا؟!، نَحْنُ وَ اللَّهِ أَصْحَابُ الْأَمْرِ وَ فِینَا الْقَائِمُ وَ مِنَّا السَّفَّاحُ وَ الْمَنْصُورُ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً (2) نَحْنُ أَوْلِیَاءُ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ وَ عَلَی دِینِهِ (3).

«44»-قب (4): كِتَابُ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّرَّاجِ، عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی خَبَرٍ: مَنْ ظَلَمَ عَلِیّاً مَجْلِسِی هَذَا كَمَنْ جَحَدَ نُبُوَّتِی وَ نُبُوَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلِی.

عِمْرَانُ بْنُ حُصَیْنٍ- فِی خَبَرٍ- أَنَّهُ عَادَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَلِیّاً فَقَالَ عُمَرُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا عَلِیٌّ إِلَّا لِمَا بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَا، وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ یَا عُمَرُ- لَا یَمُوتُ عَلِیٌّ حَتَّی یَمْلَأَ غَیْظاً، وَ یُوَسِّعَ غَدْراً (5) وَ یُوجَدَ مِنْ بَعْدِی صَابِراً.

تَارِیخُ بَغْدَادَ (6) وَ كِتَابُ إِبْرَاهِیمَ الثَّقَفِیِّ (7): رَوَی عَمْرُو بْنُ الْوَلِیدِ الْكَرَابِیسِیُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی إِدْرِیسَ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: عَهِدَ إِلَیَّ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ.

وَ فِی حَدِیثِ سَلْمَانَ، قَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِعَلِیٍّ: إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ، فَاصْبِرْ لِغَدْرِهَا.

الْحَارِثُ بْنُ الْحُصَیْنِ، قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا عَلِیُّ! إِنَّكَ لَاقٍ بَعْدِی كَذَا .. وَ كَذَا. فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ السَّیْفَ لَذُو شَفْرَتَیْنِ وَ مَا أَنَا

ص: 453


1- فی تفسیر العیّاشیّ: لو خطر علیهم خطر ..
2- الإسراء: 33.
3- و نقله فی تفسیر البرهان 2- 419 مع اختلاف.
4- مناقب ابن شهرآشوب 3- 216 فصلّ: فی ظالمیه و مقاتلیه.
5- الكلمة مشوّشة فی مطبوع البحار، و أثبتنا ما فی المناقب.
6- تاریخ بغداد 11- 216 حدیث 5928.
7- الغارات 2- 486، و انظر كنز العمّال 11- 618 حدیث 32997، و مستدرك الحاكم 3- 142.

بِالْفَشِلِ (1) وَ لَا الذَّلِیلِ. قَالَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: فَاصْبِرْ یَا عَلِیُّ. قَالَ عَلِیٌّ: أَصْبِرُ یَا رَسُولَ اللَّهِ (2).

«45»-قب (3): ابْنُ شِیرَوَیْهِ فِی الْفِرْدَوْسِ (4)، عَنْ وَهْبِ بْنِ صَیْفِیٍّ (5)، وَ رَوَی غَیْرُهُ، عَنْ زَیْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالا: قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: أَنَا أُقَاتِلُ عَلَی التَّنْزِیلِ وَ عَلِیٌّ یُقَاتِلُ عَلَی التَّأْوِیلِ ..

و ممّا یمكن أن یستدلّ بالقرآن (6) قوله تعالی: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِی ءَ إِلی أَمْرِ اللَّهِ (7)، و الباغی من خرج علی الإمام، فافترض قتال أهل البغی كما افترض قتال المشركین، و أمّا اسم الإیمان علیهم فكقوله: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ (8) .. أی الذین أظهروا الإیمان بألسنتهم آمنوا بقلوبكم.

وَ قِیلَ لِزَیْنِ الْعَابِدِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ جَدَّكَ كَانَ یَقُولُ: إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَیْنَا. فَقَالَ: أَ مَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ: وَ إِلی عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (9) فَهُمْ مِثْلُهُمْ أَنْجَاهُ اللَّهُ وَ الَّذِینَ مَعَهُ وَ أَهْلَكَ عَاداً بِالرِّیحِ الْعَقِیمِ، وَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ نَزَلَ فِیهِ: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِینِهِ ... الْآیَةَ (10)..

ص: 454


1- فی المناقب: بالقتل.
2- إلی هنا بنصه فی المناقب، و انظر: كنز العمّال 11- 613 حدیث 32968 باب فضائل علیّ علیه السّلام، و ما بعده من الرّوایات.
3- المناقب لابن شهرآشوب 3- 218- 219، باختلاف یسیر.
4- الفردوس 1- 46 حدیث 115 باب ذكر أخبار جاءت عن النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) فی مناقبه (طبعة أخری 1- 79 حدیث 118).
5- فی المناقب: ضیفی.
6- فی المصدر: من القرآن، و ذكرها فی حاشیة (ك) علی أنّه نسخة بدل.
7- الحجرات: 9.
8- النساء: 136.
9- الأعراف: 65.
10- المائدة: 54.

وَ فِی حَدِیثِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ رَجُلٌ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِینَ نُقَاتِلُهُمْ، الدَّعْوَةُ وَاحِدَةٌ، وَ الرَّسُولُ وَاحِدٌ، وَ الصَّلَاةُ وَاحِدَةٌ (1)، وَ الْحَجُّ وَاحِدٌ، فَبِمَ (2) نُسَمِّیهِمْ؟. قَالَ: سَمِّهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ فِی كِتَابِهِ: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَیْنا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّناتِ وَ أَیَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ (3) فَلَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ كُنَّا نَحْنُ (4) أَوْلَی بِاللَّهِ وَ بِالنَّبِیِّ وَ بِالْكِتَابِ وَ بِالْحَقِّ..

الْبَاقِرَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فِی قَوْلِهِ: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (5) یَا مُحَمَّدُ! مِنْ مَكَّةَ إِلَی الْمَدِینَةِ فَإِنَّا رَادُّوكَ مِنْهَا (6) وَ مُنْتَقِمُونَ مِنْهُمْ بِعَلِیٍّ ..

أورده النطنزی (7) فی الخصائص، و الصفوانی فی الإحن و المحن عن السدّی و الكلبی و عطاء و ابن عباس و الأعمش و جابر بن عبد اللَّه الأنصاری أنّها نزلت فی علیّ علیه السلام.

ابْنُ جَرِیحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَیْلٍ، عَنْ عَبْدِ خَیْرٍ، وَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ أَنَّهُمْ رَوَوْا ذَلِكَ (8) عَلَی اتِّفَاقٍ وَ اجْتِمَاعٍ أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ خَطَبَ فِی حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّ الْعَمَالِقَةَ فِی كَتِیبَةٍ.

فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَوْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

وَ فِی رِوَایَةِ جَابِرٍ وَ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَا لَأُلْفِیَنَّكُمْ تَرْجِعُونَ بَعْدِی كُفَّاراً یَضْرِبُ

ص: 455


1- خطّ فی (س) علی كلمة: واحدة.
2- فی (ك): فیم ..
3- البقرة: 253.
4- لا توجد: نحن فی المصدر.
5- الزّخرف: 41.
6- فی طبعتی البحار: منّا، و ما أثبت جاء فی المصدر.
7- فی (س): النظیری، و فی (ك) النطیزی.
8- فی المناقب: بل رووا ذلك، و لا توجد ذلك فی (ك)، و هو الظّاهر.

بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَتَعْرِفُنَّنِی (1) فِی كَتِیبَةٍ فَأَضْرِبُ وُجُوهَكُمْ فِیهَا بِالسَّیْفِ فَكَأَنَّهُ (2) غُمِزَ مِنْ خَلْفِهِ فَالْتَفَتَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیْنَا فَقَالَ: أَوْ عَلِیٌّ، فَنَزَلَ: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (3) بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ نَزَلَ: قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِیَنِّی ما یُوعَدُونَ (4) .. إِلَی قَوْلِهِ: هِیَ أَحْسَنُ (5)، ثُمَّ نَزَلَ: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِی أُوحِیَ إِلَیْكَ (6) مِنْ أَمْرِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِنَّكَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (7)، وَ إِنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ لَعَلَمُ السَّاعَةِ (8) لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْأَلُونَ (9) عَنْ مَحَبَّةِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

أَبُو حَرْبِ بْنِ أَبِی الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِیِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (10) قَالَ: أَوْ بِعَلِیِّ (11) ابْنِ أَبِی طَالِبٍ، ثُمَّ قَالَ: بِذَلِكَ حَدَّثَنِی جَبْرَئِیلُ.

بیان: قوله علیه السلام: و إنّ علیّا لعلم الساعة فی القرآن: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ (12) و لعلّه علیه السلام فسّر الذكر بعلم الساعة، فإنّه الدابّة الذی هو من أشراط الساعة.

ص: 456


1- فی (ك): لتعرفنّی.
2- فی (ك): فكأنّها.
3- الزّخرف: 41.
4- المؤمنون: 93.
5- المؤمنون: 96.
6- الزّخرف: 43.
7- الزّخرف: 44.
8- فی (ك): للسّاعة، و لم یتعرّض لها فی بیانه قدّس سرّه ..
9- الزّخرف: 44.
10- الزّخرف: 41.
11- جاءت نسخة استظهرها كاتبها علی كلمة (بعلیّ) أیّ بعلیّ، فی (ك).
12- الزخرف: 44.

«46»-فض (1): الْحُسَیْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَدَنِیُّ، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكْرِیِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ، عَنِ الْكَلْبِیِّ، عَنْ مَیْمُونِ بْنِ مُصْعَبٍ الْمَكِّیِّ (2) بِمَكَّةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِی الْعَبَّاسِ بْنِ سَابُورَ الْمَكِّیِّ فَأَجْرَیْنَا حَدِیثَ أَهْلِ الرِّدَّةِ، فَذَكَرْنَا خَوْلَةَ الْحَنَفِیَّةَ وَ نِكَاحَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَهَا فَقَالَ: أَخْبَرَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْخَیْرِ الْحُسَیْنِیُّ (3)، قَالَ: بَلَغَنِی أَنَّ الْبَاقِرَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ- قَالَ-: كَانَ (4) جَالِساً ذَاتَ یَوْمٍ إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ، فَقَالا: یَا أَبَا جَعْفَرٍ! أَ لَسْتَ الْقَائِلَ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمْ یَرْضَ بِإِمَامَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ؟. فَقَالَ: بَلَی. فَقَالا لَهُ: هَذِهِ خَوْلَةُ الْحَنَفِیَّةُ نَكَحَهَا مِنْ سَبْیِهِمْ وَ لَمْ یُخَالِفْهُمْ عَلَی أَمْرِهِمْ مُذْ حَیَاتِهِمْ (5)؟!. فَقَالَ الْبَاقِرُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَنْ فِیكُمْ یَأْتِینِی بِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؟- وَ كَانَ مَحْجُوباً قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَحَضَرَ وَ سَلَّمَ عَلَی الْبَاقِرِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَرَدَّ عَلَیْهِ (6) وَ أَجْلَسَهُ إِلَی جَانِبِهِ، فَقَالَ لَهُ: یَا جَابِرُ! عِنْدِی رَجُلَانِ ذَكَرَا أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ رَضِیَ بِإِمَامَةِ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَیْهِ، فَاسْأَلْهُمَا مَا الْحُجَّةُ فِی ذَلِكَ؟ فَسَأَلَهُمَا فَذَكَرَا لَهُ حَدِیثَ خَوْلَةَ (7)، فَبَكَی جَابِرٌ حَتَّی اخْضَلَّتْ لِحْیَتُهُ بِالدُّمُوعِ، ثُمَّ قَالَ: وَ اللَّهِ- یَا مَوْلَایَ- لَقَدْ خَشِیتُ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الدُّنْیَا وَ لَا أُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَ اللَّهِ إِنِّی كُنْتُ جَالِساً إِلَی جَنْبِ أَبِی بَكْرٍ- وَ قَدْ سَبَی بَنِی حَنِیفَةَ مَعَ مَالِكِ (8) بْنِ نُوَیْرَةَ مِنْ قِبَلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ- وَ بَیْنَهُمْ جَارِیَةٌ مُرَاهِقَةٌ- فَلَمَّا

ص: 457


1- كتاب الفضائل لأبی الفضل شاذان بن جبرئیل القمّیّ، و عبّر عنه العلّامة المجلسیّ ب: الرّوضة:
2- جاء السّند فی المصدر هكذا: حدّثنا أبو عبد اللّٰه الحسین بن أحمد المدائنیّ قال: حدّثنی عبد اللّٰه بن هاشم، عن الكلبیّ، قال: أخبرنی میمون بن صعب المكّیّ ..
3- فی الفضائل: أبو الحسن عبد اللّٰه بن أبی الخیر الحسینیّ.
4- فی المصدر: لا توجد قال، و فی (ك): كنّا، و هو غلط ظاهرا.
5- فی المصدر: و قبل هدیتهم و لم یخالفهم عن أمرهم مدّة حیاتهم.
6- لا توجد: فردّ علیه، فی المصدر.
7- فی الفضائل: فسألهما الحجّة فی ذلك، فذكروا له خولة.
8- فی المصدر: بعد قتل مالك .. و هو الصّحیح.

دَخَلَتِ الْمَسْجِدَ قَالَتْ: أَیُّهَا النَّاسُ! مَا فَعَلَ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟ قَالُوا:

قُبِضَ. قَالَتْ: هَلْ لَهُ بِنْیَةٌ فَقَصَدَهَا (1)؟ قَالُوا: نَعَمْ هَذِهِ تُرْبَتُهُ وَ بِنْیَتُهُ (2). فَنَادَتْ وَ قَالَتْ: السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ- أَشْهَدُ أَنَّكَ تَسْمَعُ صَوْتِی (3) وَ تَقْدِرُ عَلَی رَدِّ جَوَابِی، وَ إِنَّنَا (4) سُبِینَا مِنْ بَعْدِكَ، وَ نَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ .. ثُمَّ جَلَسَتْ فَوَثَبَ إِلَیْهَا رَجُلَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ أَحَدُهُمَا طَلْحَةُ وَ الْآخَرُ الزُّبَیْرُ وَ طَرَحَا عَلَیْهَا (5) ثَوْبَیْهِمَا. فَقَالَتْ: مَا بَالُكُمْ- یَا مَعَاشِرَ الْأَعْرَابِ- تُغَیِّبُونَ (6) حَلَائِلَكُمْ وَ تَهْتِكُونَ حَلَائِلَ غَیْرِكُمْ؟. فَقِیلَ لَهَا: لِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ لَا نُصَلِّی وَ لَا نَصُومُ وَ لَا نُزَكِّی (7)؟ فَقَالَ لَهَا الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ طَرَحَا ثَوْبَیْهِمَا: إِنَّا لَغَالُونَ (8) فِی ثَمَنِكِ. فَقَالَتْ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ وَ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِنَّهُ لَا یَمْلِكُنِی وَ یَأْخُذُ رَقَبَتِی (9) إِلَّا مَنْ یُخْبِرُنِی بِمَا رَأَتْ أُمِّی وَ هِیَ حَامِلَةٌ بِی؟ وَ أَیُ

ص: 458


1- كذا، و فی المصدر: تقصد .. و هو الظّاهر.
2- لا توجد: بنیّته، فی المصدر.
3- فی الفضائل: .. أشهد أن لا إله إلّا اللّٰه و أشهد أنّك عبده و رسوله، و أنّك تسمع كلامی ..
4- فی (ك): و إنّا.
5- فی مطبوع البحار: علیهما، و هو غلط، و العبارة فی المصدر بتقدیم و تأخیر، و لعلّها نقلت بالمعنی.
6- فی المصدر: تصونون.
7- فی الفضائل: فقالا لها: لمخالفتكم اللّٰه و رسوله حتّی قلتم: إنّنا نزكی و لا نصلّی، أو نصلّی فلا نزكی، و هنا سقط جاء فی المصدر: فقالت لهما: و اللّٰه ما قالها أحد من بنی حنیفة، و إنّا نضرب صبیاننا علی الصّلاة من التّسع، و علی الصّیام من السّبع، و إنّا لنخرج الزّكاة من حیث یبقی فی جمادی الآخرة عشرة أیّام، و یوصی مریضنا بها لوصیّه، و اللّٰه- یا قوم- ما نكثنا و لا غیرنا و لا بدلنا حتّی تقتلوا رجالنا و تسبّوا حریمنا، فإن كنت- یا أبا بكر- بحقّ فما بال علیّ لم یكن سبقك علینا، و إن كان راضیا بولایتك فلم لا ترسّله إلینا یقبض الزّكاة منّا و یسلّمها إلیك، و اللّٰه ما رضی و لا یرضی، قتلت الرّجال و نهبت الأموال و قطعت الأرحام فلا نجتمع معك فی الدّنیا و لا فی الآخرة، افعل ما أنت فاعله .. فضجّ النّاس.
8- فی المصدر: لمغالون.
9- فی الفضائل: و یأخذنی.

شَیْ ءٍ قَالَتْ لِی عِنْدَ وِلَادَتِی؟ وَ مَا الْعَلَامَةُ الَّتِی بَیْنِی وَ بَیْنَهَا؟ وَ إِلَّا بَقَرْتُ (1) بَطْنِی بِیَدِی فَیَذْهَبَ ثَمَنِی وَ یُطَالَبَ بِدَمِی. فَقَالُوا لَهَا: اذْكُرِی رُؤْیَاكِ حَتَّی نُعَبِّرَهَا لَكِ (2).

فَقَالَتْ: الَّذِی یَمْلِكُنِی هُوَ أَعْلَمُ بِالرُّؤْیَا مِنِّی؟ .. فَأَخَذَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ ثَوْبَیْهِمَا وَ جَلَسُوا، فَدَخَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَالَ: مَا هَذَا الرَّجْفُ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟ فَقَالُوا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ امْرَأَةٌ حَنَفِیَّةٌ حَرَّمَتْ ثَمَنَهَا (3) عَلَی الْمُسْلِمِینَ وَ قَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَنِی بِالرُّؤْیَا الَّتِی رَأَتْ أُمِّی وَ هِیَ حَامِلَةٌ بِی یَمْلِكُنِی. فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا ادَّعَتْ بَاطِلًا، أَخْبِرُوهَا تَمْلِكُوهَا. فَقَالُوا: یَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا مِنَّا مَنْ یَعْلَمُ (4)، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ ابْنَ عَمِّكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ قُبِضَ وَ أَخْبَارُ السَّمَاءِ قَدِ انْقَطَعَتْ مِنْ بَعْدِهِ. فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أُخْبِرُهَا بِغَیْرِ اعْتِرَاضٍ مِنْكُمْ (5)؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا حَنَفِیَّةُ! (6) أُخْبِرُكِ وَ أَمْلِكُكِ؟ فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ أَیُّهَا الْمُجْتَرِی دُونَ أَصْحَابِهِ؟ فَقَالَ:

أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ. فَقَالَتْ: لَعَلَّكَ الرَّجُلُ الَّذِی نَصَبَهُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی صَبِیحَةِ یَوْمِ الْجُمُعَةِ بِغَدِیرِ خُمٍّ عَلَماً لِلنَّاسِ؟. فَقَالَ: أَنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ.

قَالَتْ: مِنْ أَجْلِكَ نُهِبْنَا، وَ مِنْ نَحْوِكَ أُتِینَا (7)، لِأَنَّ رِجَالَنَا قَالُوا لَا نُسَلِّمُ صَدَقَاتِ أَمْوَالِنَا وَ لَا طَاعَةَ نُفُوسِنَا إِلَّا لِمَنْ نَصَبَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِینَا وَ فِیكُمْ عَلَماً.

قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ أَجْرَكُمْ غَیْرُ ضَائِعٍ، وَ إِنَّ اللَّهَ یُوَفِّی كُلَّ نَفْسٍ مَا

ص: 459


1- فی المصدر: و إلّا فإن ملكنی أحد و لم یخبرنی بذلك بقرت ..
2- فی الفضائل: أبدی رؤیاك الّتی رأت أمّك و هی حامل بك حتّی نبدی لك العبارة بالرّؤیا ..
3- فی المصدر: حرمت نفسها ..
4- فی المصدر: ما فینا من یعلم الغیب.
5- فی الفضائل: ما ادّعت باطلا، أخبرها املكها بغیر اعتراض .. و وضع رمز الزّیادة فی (س) علی:منكم قالوا نعم.
6- لا توجد فی (س): یا حنفیة، و فی المصدر: یا حنفیة.
7- فی المصدر: من أجلك أصبنا و من نحوك أوتینا.

عَمِلَتْ (1) مِنْ خَیْرٍ. ثُمَّ قَالَ: یَا حَنَفِیَّةُ! أَ لَمْ تَحْمِلْ بِكِ أُمُّكِ فِی زَمَانٍ قَحْطٍ قَدْ مَنَعَتِ السَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَ الْأَرَضُونَ نَبَاتَهَا، وَ غَارَتِ الْعُیُونُ وَ الْأَنْهَارُ حَتَّی أَنَّ الْبَهَائِمَ كَانَتْ تَرِدُ الْمَرْعَی فَلَا تَجِدُ شَیْئاً، وَ كَانَتْ أُمُّكِ تَقُولُ لَكِ إِنَّكِ حَمْلٌ مَشُومٌ فِی زَمَانٍ غَیْرِ مُبَارَكٍ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ رَأَتْ فِی مَنَامِهَا كَأَنْ قَدْ وَضَعَتْ بِكِ (2)، وَ أَنَّهَا تَقُولُ: إِنَّكِ حَمْلٌ مَشُومٌ فِی زَمَانٍ غَیْرِ مُبَارَكٍ، وَ كَأَنَّكِ تَقُولِینَ: یَا أُمِّی لَا تَتَطَیَّرِنَّ بِی فَإِنِّی حَمْلٌ مُبَارَكٌ أَنْشَأُ مَنْشَأً مُبَارَكاً صَالِحاً (3)، وَ یَمْلِكُنِی سَیِّدٌ، وَ أُرْزَقُ مِنْهُ وَلَداً یَكُونُ لِلْحَنَفِیَّةِ (4) عِزّاً، فَقَالَتْ: صَدَقْتَ. فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّهُ كَذَلِكِ وَ بِهِ (5) أَخْبَرَنِی ابْنُ عَمِّی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. فَقَالَتْ: مَا الْعَلَامَةُ الَّتِی بَیْنِی وَ بَیْنَ أُمِّی؟. فَقَالَ لَهَا: لَمَّا وَضَعَتْكِ كَتَبَتْ كَلَامَكِ وَ الرُّؤْیَا فِی لَوْحٍ مِنْ نُحَاسٍ وَ أَوْدَعَتْهُ عَتَبَةَ الْبَابِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ حَوْلَیْنِ عَرَضَتْهُ عَلَیْكِ فَأَقْرَرْتِ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سِتِّ سِنِینَ عَرَضَتْهُ عَلَیْكِ (6) فَأَقْرَرْتِ بِهِ، ثُمَّ جَمَعَتْ بَیْنَكِ وَ بَیْنَ اللَّوْحِ وَ قَالَتْ لَكِ:

یَا بُنَیَّةِ إِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِكُمْ سَافِكٌ لِدِمَائِكُمْ، وَ نَاهِبٌ لِأَمْوَالِكُمْ، وَ سَابٌّ لِذَرَارِیِّكُمْ، وَ سُبِیتِ فِیمَنْ سُبِیَ، فَخُذِی اللَّوْحَ مَعَكِ وَ اجْتَهِدِی أَنْ لَا یَمْلِكَكِ مِنَ الْجَمَاعَةِ إِلَّا مَنْ عَبَّرَكِ (7) بِالرُّؤْیَا وَ بِمَا فِی هَذَا اللَّوْحِ. فَقَالَتْ: صَدَقْتَ ... یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام)، ثُمَّ قَالَتْ: فَأَیْنَ هَذَا اللَّوْحُ؟ فَقَالَ: هُوَ فِی عَقِیصَتِكِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ دَفَعَتِ اللَّوْحَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ (8) فَمَلَكَهَا

ص: 460


1- فی الفضائل: و إنّ اللّٰه تعالی یؤتی كلّ نفس ما أتت ..
2- فی (س): رضعت بك، و فی المصدر: كأنّ وضعتك.
3- فی الفضائل: نشوت نشوا صالحا ..
4- فی المصدر: لبنی حنیفة.
5- فی المصدر: صدّقت فإنّه كذلك، فقال: و به ..
6- فی الفضائل: فلمّا كانت ثمان سنین عرضت علیك ..
7- فی (ك) جاءت نسخة بدل: من یخبرك، كذا جاءت فی المصدر.
8- هنا سقط جاء فی الفضائل هكذا: ثمّ قالت: یا معاشر النّاس! اشهدوا أنّی قد جعلت نفسی له عبدة، فقال علیه السّلام: بل قولی زوجة، فقالت: اشهدوا أن قد زوّجت نفسی- كما أمرنی- بعلیّ علیه السّلام. فقال علیه السّلام: قد قبلتك زوجة، فماج النّاس، فقال جابر ..

وَ اللَّهِ یَا أَبَا جَعْفَرٍ بِمَا ظَهَرَ مِنْ حُجَّتِهِ وَ ثَبَتَ مِنْ بَیِّنَتِهِ (1)، فَلَعَنَ اللَّهُ مَنِ اتَّضَحَ لَهُ الْحَقُّ ثُمَّ جَحَدَ حَقَّهُ وَ فَضْلَهُ، وَ جَعَلَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْحَقِّ سِتْراً.

بیان: الرّجف: الزّلزلة و الاضطراب الشّدید (2)، و العقیصة: الشّعر المنسوج علی الرّأس عرضا (3).

«47»-یل، فض (4): بِالْإِسْنَادِ .. یَرْفَعُهُ إِلَی ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا حَسَدْتُ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ بِشَیْ ءٍ مِمَّا سَبَقَ مِنْ سَوَابِقِهِ بِأَفْضَلَ مِنْ شَیْ ءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ یَقُولُ: یَا مَعَاشِرَ قُرَیْشٍ! أَنْتُمْ كَفَرْتُمْ فَرَأَیْتُمُونِی فِی كَتِیبَةٍ أَضْرِبُ بِهَا وُجُوهَكُمْ، فَأَتَی جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَغَمَزَهُ وَ قَالَ: یَا مُحَمَّدُ! قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ..

«48»-یل، فض (5): بِالْإِسْنَادِ .. یَرْفَعُهُ إِلَی أَبِی الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِیِّ (6)، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (7) بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ، بِذَلِكَ أَخْبَرَنِی جَبْرَئِیلُ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

«49»-یل، فض (8): بِالْإِسْنَادِ .. یَرْفَعُهُ إِلَی سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ وَ الْمِقْدَادِ وَ أَبِی ذَرٍّ

ص: 461


1- فی المصدر: و اللّٰه یا أبا جعفر ملكها بما ظهر من حجّة، و تبیّن من بیّنته .. و فی (س): عن حجّته.
2- ذكره فی القاموس 3- 142، و انظر مجمع البحرین 5- 61- 62، و النهایة 2- 203.
3- قال فی القاموس 2- 308: و العقیصة: الضفیرة، و نحوه فی النهایة 3- 276. و قال فی مجمع البحرین 4- 175: و العقیصة للمرأة: الشعر یلوی و تدخل أطرافه فی أصوله.
4- قال العلّامة المجلسیّ فی بحاره 1- 14: و كتاب الرّوضة فی المعجزات، و الفضائل لبعض علمائنا، ثمّ قال: و أخطأ من نسبه إلی الصّدوق .. إلی آخره. و لقد وجدناهما لشاذان بن جبرئیل، انظر الرّوضة: 142- خطّیّ-، و لم نجده فی كتاب الفضائل المطبوع (منشورات الرّضیّ).
5- الرّوضة لشاذان بن جبرئیل: 142- من النّسخة الخطّیّة-، و لم نجده فی الفضائل المطبوع.
6- فی الرّوضة: الدّیلمیّ.
7- الزّخرف: 41.
8- الفضائل لابن شاذان: 145- 146 بزیادة و اختلاف كثیر، و الرّوضة لشاذان بن جبرئیل: 142- خطّیّ-.

قَالُوا: إِنَّ رَجُلًا فَاخَرَ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا عَلِیُّ! فَاخِرْ أَهْلَ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ وَ الْعَرَبَ وَ الْعَجَمَ فَأَنْتَ أَقْرَبُهُمْ نَسَباً، وَ ابْنُ عَمِّكَ (1) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَكْرَمُهُمْ نَفْساً (2)، وَ أَعْلَاهُمْ رِفْعَةً، وَ أَكْرَمُهُمْ وَلَداً، وَ أَكْرَمُهُمْ أَخاً، وَ أَكْرَمُهُمْ عَمّاً، وَ أَعْظَمُهُمْ حِلْماً، وَ أَقْدَمُهُمْ سِلْماً، وَ أَكْثَرُهُمْ عِلْماً، وَ أَعْظَمُهُمْ عِزّاً فِی نَفْسِكَ وَ مَالِكَ، وَ أَنْتَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَعْلَاهُمْ نَسَباً، وَ أَشْجَعُهُمْ قَلْباً فِی لِقَاءِ الْحَرْبِ، وَ أَجْوَدُهُمْ كَفّاً، وَ أَزْهَدُهُمْ فِی الدُّنْیَا، وَ أَشَدُّهُمْ جِهَاداً، وَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً، وَ أَصْدَقُهُمْ لِسَاناً، وَ أَحَبُّهُمْ إِلَی اللَّهِ وَ إِلَیَّ، وَ سَتَبْقَی بَعْدِی ثَلَاثِینَ سَنَةً تَعْبُدُ اللَّهَ وَ تَصْبِرُ عَلَی ظُلْمِ قُرَیْشٍ لَكَ، ثُمَّ تُجَاهِدُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ إِذَا وَجَدْتَ أَعْوَاناً تُقَاتِلُ عَلَی تَأْوِیلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَی تَنْزِیلِهِ ثُمَّ تُقْتَلُ شَهِیداً تُخْضَبُ لِحْیَتُكَ مِنْ دَمِ رَأْسِكَ، قَاتِلُكَ یَعْدِلُ قَاتِلَ نَاقَةِ صَالِحٍ فِی الْبَغْضَاءِ لِلَّهِ وَ الْبُعْدِ مِنَ اللَّهِ. یَا عَلِیُّ! إِنَّكَ مِنْ بَعْدِی مَغْلُوبٌ مَغْصُوبٌ تَصْبِرُ عَلَی الْأَذَی فِی اللَّهِ وَ فِیَّ مُحْتَسِباً (3) أَجْرُكَ غَیْرُ ضَائِعٍ (4)، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَیْراً.

«50»-فر (5): الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ- مُعَنْعَناً- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ فِی حَیَاةِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ فِی كِتَابِهِ: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِكُمْ ... (6)، وَ اللَّهِ لَا نَنْقَلِبُ عَلَی أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ، وَ اللَّهِ لَئِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ لَأُقَاتِلَنَّ عَلَی مَا قَاتَلَ عَلَیْهِ، وَ مَنْ أَوْلَی بِهِ مِنِّی وَ أَنَا أَخُوهُ وَ وَارِثُهُ وَ ابْنُ عَمِّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

ص: 462


1- فی الفضائل: فأنت أكرمهم و ابن عمّ .. بدلا من: فأنت أقربهم نسبا و ابن عمّك ..
2- فی الفضائل: بدلا من نفسا: زوجا و عمّا.
3- فی المصدر: و فی رسوله محتسبا .. و هو الظّاهر.
4- فی الفضائل: غیر ضائع عند اللّٰه.
5- تفسیر فرات بن إبراهیم الكوفیّ: 27، باختلاف یسیر.
6- آل عمران: 144.

«51»-فر (1): جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِیُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عُمَرَ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: أَرَدْتُ زِیَارَةَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَعَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا صِرْنَا فِی الطَّرِیقِ إِذَا (3) شَیْخٌ قَدْ عَارَضَنَا (4) عَلَیْهِ ثِیَابٌ حِسَانٌ. فَقَالَ: لِمَ لَمْ یُقَاتِلْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ .. فُلَاناً وَ فُلَاناً؟ (5) فَقَالَ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

لِمَكَانِ آیَةٍ فِی كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: وَ مَا هِیَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: لَوْ تَزَیَّلُوا لَعَذَّبْنَا ...

الْآیَةَ (6) كَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ فِی أَصْلَابِ الْمُنَافِقِینَ قَوْماً مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ یَقْتُلْهُمْ وَ لَمْ یَسْتَسْبِهِمْ (7). قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَداً.

«52»-فر (8): عُبَیْدُ بْنُ كَثِیرٍ مُعَنْعَناً عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا عَلِیُّ! كَیْفَ أَنْتَ إِذَا رَأَیْتَ أَزْهَدَ (9) النَّاسِ فِی الْآخِرَةِ، وَ رَغِبُوا فِی الدُّنْیَا، وَ أَكَلُوا التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا، وَ أَحَبُّوا الْمالَ حُبًّا جَمًّا وَ اتَّخَذُوا دِینَ اللَّهِ دَغَلًا (10)، وَ مَالَ اللَّهِ دُوَلًا؟ قَالَ: قُلْتُ: أَتْرُكُهُمْ وَ مَا اخْتَارُوا، وَ أَخْتَارُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ (11) وَ أَصْبِرُ عَلَی مَصَائِبِ الدُّنْیَا وَ لأواتها (لَأْوَائِهَا) (12)

ص: 463


1- تفسیر فرات بن إبراهیم الكوفیّ: 160- 161 باختلاف یسیر غیر ما أشرنا له.
2- فی المصدر: الفزاریّ، قال: حدّثنا محمّد یعنی ابن الحسین بن عمر أبو لؤلؤة .. و فی (س):الفزاوی
3- فی التّفسیر: الحسین بن علیّ (علیهما السلام) فلمّا صرت حال زائرك إذا .. و لا توجد: مع أبی عبد اللّٰه علیه السّلام.
4- فی المصدر: عارضنی.
5- فی التّفسیر: حسّان فروی لی لم یقاتل فلانا و فلانا.
6- الفتح: 25.
7- فی المصدر: و لا یستتبهم.
8- تفسیر فرات الكوفیّ: 210.
9- فی المصدر: إذا زهد.
10- قال فی مجمع البحرین 5- 372: دغل السّریرة: خبثها و مكرها و خدیعتها. و قال فی القاموس 3- 376: الدّغل- محرّكة-: دخل فی الأمر مفسد، و فی المصدر: دخلا.
11- فی (ك): و لدار الآخرة.
12- فی المصدر: الدّنیا و بلائها. قال فی مجمع البحرین 1- 369: اللّأواء: الشدّة و ضیق المعیشة، و مثله فی النّهایة 4- 221. قال فی لسان العرب 15- 267: و اللولاء: الشدّة و الضّرّ كاللأواء، و علیه فلا یبعد كون الكلمة ممدودة. و فی المصدر: الدّنیا و بلائها ..

حَتَّی أَلْقَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالَ: هُدِیتَ، اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهِ ذَلِكَ (1).

«53»-وَ قَالَ (2) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ نَزَلَتِ الْآیَةُ: یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ... (3) فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

«54»-نهج (4): مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ لَعَمْرِی مَا عَلَیَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ، وَ خَابَطَ الْغَیَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَ لَا إِیهَانٍ، فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ فِرُّوا إِلَی اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَ امْضُوا فِی الَّذِی نَهَجَهُ لَكُمْ وَ قُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ، فَعَلِیٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ (5) آجِلًا إِنْ لَمْ (6) تُمْنَحُوهُ عَاجِلًا.

بیان: قیل: إنّما قال علیه السلام ذلك فی ردّ قول من قال: إنّ مصانعته علیه السلام لمحاربیه و مخالفیه و مداهنتهم أولی من محاربتهم.

قوله علیه السلام: و خابطا الغی .. ذكر المخابطة هنا للمبالغة لكونه من الجانبین.

و الإدهان: المصانعة (7).

و نهجه: أوضحه (8).

قوله علیه السلام: عصبه بكم (9) .. أی ناطه و ربطه بكم، و جعله

ص: 464


1- فی التّفسیر جاء: فقال: هذه، هدیت، اللّٰهمّ افعل به ذلك.
2- تفسیر فرات الكوفیّ: 210- بتصرف-، و فیه: فرات، قال: حدّثنی علیّ بن محمّد الزّهریّ معنعنا عن أبی عبد اللّٰه علیه السّلام.
3- الفجر: 27.
4- نهج البلاغة- محمّد عبده- 1- 63، صبحی الصّالح خطبة 24 صفحة 66 بتفاوت یسیر.
5- الفلج- بالفتح فالسكون- الظّفر و الفوز، قاله فی مجمع البحرین 2- 323، و الصّحاح 1- 335 و غیرهما.
6- فی نهج البلاغة- محمّد عبده-: و إن لم ..
7- كما فی مجمع البحرین 6- 249، و الصحاح 5- 2116 و غیرهما.
8- جاء فی مجمع البحرین 2- 333، و الصحاح 1- 346.
9- قال فی النهایة 3- 244: و منه حدیث علیّ علیه السلام فرّوا إلی اللّٰه و قوموا بما عصبه بكم .. أی بما افترضه علیكم و قرنه بكم من أوامره و نواهیه.

كالعصابة الّتی تشدّ بها الرّأس (1).

و المنحة: العطیّة (2).

«55»-كِتَابُ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ الْهِلَالِیِّ (3): قَالَ: كُنَّا جُلُوساً حَوْلَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ حَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! لَوِ اسْتَنْفَرْتَ النَّاسَ؟. فَقَامَ وَ خَطَبَ فَقَالَ: أَمَا إِنِّی قَدِ اسْتَنْفَرْتُكُمْ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَ دَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، فَأَنْتُمْ شُهُودٌ كَغُیَّابٍ (4)، وَ أَحْیَاءٌ كَأَمْوَاتٍ، وَ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ، أَتْلُو عَلَیْكُمُ الْحِكْمَةَ وَ أَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الشَّافِیَةِ الْكَافِیَةِ، وَ أَحُثُّكُمْ عَلَی جِهَادِ أَهْلِ الْجَوْرِ، فَمَا آتِی عَلَی آخِرِ كَلَامِی حَتَّی أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِینَ حَلَقاً شَتَّی تَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ، وَ تَضْرِبُونَ الْأَمْثَالَ، وَ تَسْأَلُونَ عَنْ سِعْرِ التَّمْرِ وَ اللَّبَنِ، تَبَّتْ أَیْدِیكُمْ! لَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَی الْحَرْبِ (5) وَ الِاسْتِعْدَادِ لَهَا وَ أَصْبَحَتْ قُلُوبُكُمْ فَارِغَةً مِنْ ذِكْرِهَا، شَغَلْتُمُوهَا بِالْأَبَاطِیلِ وَ الْأَضَالِیلِ، اغْزُوهُمْ (6) قَبْلَ أَنْ یَغْزُوكُمْ، فَوَ اللَّهِ مَا غُزِیَ قَوْمٌ قَطُّ فِی عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا، وَ ایْمُ اللَّهِ مَا أَظُنُّ أَنْ تَفْعَلُوا حَتَّی یَفْعَلُوا، ثُمَّ وَدِدْتُ أَنِّی قَدْ رَأَیْتُهُمْ فَلَقِیتُ اللَّهَ عَلَی بَصِیرَتِی وَ یَقِینِی، وَ اسْتَرَحْتُ مِنْ مُقَاسَاتِكُمْ وَ مُمَارَسَتِكُمْ، فَمَا أَنْتُمْ إِلَّا كَإِبِلٍ جَمَّةٍ ضَلَّ رَاعِیهَا، فَكُلَّمَا ضُمَّتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ جَانِبٍ، كَأَنِّی بِكُمْ وَ اللَّهِ فِیمَا أَرَی لَوْ قَدْ حُمِّسَ الْوَغَی وَ احْمَرَّ الْمَوْتُ (7) قَدِ انْفَرَجْتُمْ

ص: 465


1- قال فی المصباح المنیر 2- 72: عصب القوم بالرجل عصبا- من باب ضرب- أحاطوا به لقتال أو حمایة .. و عصب رأسه بالعصابة .. أی شدّها. و قال فی القاموس 1- 105: العصب: الطّیّ و اللّیّ و الشدّ و ضمّ ما تفرّق من الشجر.
2- ذكره فی مجمع البحرین 2- 415، و الصحاح 1- 408، و غیرهما.
3- كتاب سلیم بن قیس الهلالیّ: 89 (طبعة بیروت: 125- 132) باختلاف یسیر أشرنا إلی غالبه.
4- فی (س): كعیاب .. و هو غلط.
5- فی المصدر: لقد سئمتم الحرب ..
6- فی كتاب سلیم- بیروت-: ویحكم! اغزوهم ..
7- فی المصدر: و استحرّ الموت.

عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ وَ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا لَا تَمْنَعُ عَنْهَا (1).

قَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَیْسٍ: فَهَلَّا فَعَلْتَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ؟!. فَقَالَ: أَ وَ كما (كُلَّمَا) (2) فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ رَأَیْتُمُونِی فَعَلْتُ! أَنَا عَائِذٌ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا تَقُولُ، یَا ابْنَ قَیْسٍ! وَ اللَّهِ إِنَّ الَّتِی فَعَلَ (3) ابْنُ عَفَّانَ لَمَخْزَاةٌ لِمَنْ لَا دِینَ لَهُ وَ لَا وَثِیقَةَ مَعَهُ (4)، فَكَیْفَ أَفْعَلُ ذَلِكَ وَ أَنَا عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی، وَ الْحُجَّةُ فِی یَدِی، وَ الْحَقُّ مَعِی؟! وَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأً أَمْكَنَ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ یَجُزُّ لَحْمَهُ، وَ یَفْرِی جِلْدَهُ، وَ یَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَ یَسْفِكُ دَمَهُ، وَ هُوَ یَقْدِرُ عَلَی أَنْ یَمْنَعَهُ لِعَظِیمِ وِزْرِهِ، ضَعِیفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَیْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ، فَكُنْتَ أَنْتَ (5) ذَاكَ یَا ابْنَ قَیْسٍ! فَأَمَّا أَنَا فَوَ اللَّهِ دُونَ أَنْ (6) أُعْطِیَ بِیَدِی ضَرْبٌ (7) بِالْمَشْرَفِیِّ (8) تَطِیرُ لَهُ فِرَاشُ الْهَامِ، وَ تَطِیحُ مِنْهُ الْأَكُفُّ وَ الْمَعَاصِمُ، وَ یَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما یَشاءُ (9)، وَیْلَكَ- یَا ابْنَ قَیْسٍ- إِنَّ الْمُؤْمِنَ یَمُوتُ كُلَّ مَیْتَةٍ غَیْرَ أَنَّهُ لَا یَقْتُلُ نَفْسَهُ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَی حَقْنِ دَمِهِ ثُمَّ خَلَّی عَمَّنْ یَقْتُلُهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ، یَا ابْنَ قَیْسٍ! إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ عَلَی ثَلَاثٍ وَ سَبْعِینَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ فِی الْجَنَّةِ وَ اثْنَتَانِ وَ سَبْعُونَ فِی النَّارِ، وَ شَرُّهَا وَ أَبْغَضُهَا (10) وَ أَبْعَدُهَا مِنْهُ السَّامِرَةُ الَّذِینَ یَقُولُونَ لَا قِتَالَ وَ كَذَبُوا، قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ الْبَاغِینَ فِی كِتَابِهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ، وَ كَذَلِكَ الْمَارِقَةُ.

فَقَالَ ابْنُ قَیْسٍ- وَ غَضِبَ مِنْ قَوْلِهِ-: فَمَا مَنَعَكَ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ حِینَ بُویِعَ

ص: 466


1- فی طبعتی البحار وضع علی: لا تمنع عنها .. رمز نسخة بدل، و فی المصدر: لا تمنع ید لامس.
2- كذا، و لعلّه: أ و كلّما ..
3- فی (ك): افعل، و لا معنی لها.
4- لا توجد: و لا وثیقة معه، فی المصدر.
5- فی المصدر: فكن أنت.
6- فی كتاب سلیم: .. أنا فدون و اللّٰه أنّ ..، و فی (ك) جاءت نسخة بدل: و اللّٰه، بدلا من فو اللّٰه.
7- فی (س): بیده، و فی بعض نسخ المصدر: بیدی ضربا.
8- قال فی الصّحاح 4- 1380: و المشرفیة: سیوف، قال أبو عبیدة: نسبت إلی مشارف و هی قری من أرض العرب تدنو من الرّیف، یقال سیف مشرفی، و مثله فی القاموس 3- 158.
9- فی المصدر: و یفعل بعد ما یشاء، و لا توجد: بعد ذلك فی (س).
10- فی المصدر: و أبغضها إلی اللّٰه.

أَبُو بَكْرٍ أَخُو بَنِی تَیْمٍ وَ أَخُو بَنِی عَدِیِّ بْنِ كَعْبٍ وَ أَخُو بَنِی أُمَیَّةَ بَعْدَهُمْ أَنْ تُقَاتِلَ وَ تَضْرِبَ بِسَیْفِكَ؟! وَ أَنْتَ لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُذْ كُنْتَ (1) قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلَّا قُلْتَ فِیهَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَنِ الْمِنْبَرِ: وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَوْلَی النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُذْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (2) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ! فَمَا یَمْنَعُكَ أَنْ تَضْرِبَ بِسَیْفِكَ دُونَ مَظْلِمَتِكَ؟!.

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا ابْنَ قَیْسٍ! اسْمَعِ الْجَوَابَ، لَمْ یَمْنَعْنِی مِنْ ذَلِكَ الْجُبْنُ وَ لَا كَرَاهَةٌ لِلِقَاءِ رَبِّی، وَ أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ لِی مِنَ الدُّنْیَا وَ الْبَقَاءِ فِیهَا، وَ لَكِنْ مَنَعَنِی مِنْ ذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ عَهْدُهُ إِلَیَّ، أَخْبَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِمَا الْأُمَّةُ صَانِعَةٌ بَعْدَهُ فَلَمْ أَكُ بِمَا صَنَعُوا حِینَ عَایَنْتُهُ بِأَعْلَمَ بِهِ (3) وَ لَا أَشَدَّ اسْتِیقَاناً مِنِّی بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، بَلْ أَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَشَدُّ یَقِیناً مِنِّی بِمَا عَایَنْتُ وَ شَهِدْتُ، فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا تَعْهَدُ إِلَیَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ وَ جَاهِدْهُمْ، وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ یَدَكَ (4) وَ احْقُنْ دَمَكَ حَتَّی تَجِدَ عَلَی إِقَامَةِ الدِّینِ وَ كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّتِی أَعْوَاناً، وَ أَخْبَرَنِی صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَخْذُلُنِی وَ تُبَایِعُ غَیْرِی (5)، وَ أَخْبَرَنِی صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنِّی مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی، وَ أَنَّ الْأُمَّةَ سَیَصِیرُونَ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ وَ مَنْ تَبِعَهُ وَ الْعِجْلِ وَ مَنْ تَبِعَهُ، إِذْ قَالَ لَهُ مُوسَی: یا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَیْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَیْتَ أَمْرِی قالَ یَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْیَتِی وَ لا بِرَأْسِی إِنِّی خَشِیتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَیْنَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِی (6) وَ إِنَّمَا یَعْنِی أَنَّ مُوسَی أَمَرَ هَارُونَ حِینَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَیْهِمْ إِنْ ضَلُّوا فَوَجَدَ أَعْوَاناً أَنْ یُجَاهِدَهُمْ

ص: 467


1- فی المصدر: لا تخطبنا خطبة منذ كنت ..
2- فی كتاب سلیم: منذ قبض محمّد رسول اللّٰه ..
3- لا توجد: به، فی المصدر.
4- فی المصدر: فاكفف یدك ..
5- فی كتاب سلیم زیادة: و تتبّع غیری.
6- طه: 92- 94.

وَ إِنْ لَمْ یَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ یَكُفَّ یَدَهُ وَ یَحْقُنَ دَمَهُ وَ لَا یُفَرِّقَ بَیْنَهُمْ، وَ إِنِّی خَشِیتُ أَنْ (1) یَقُولَ ذَلِكَ أَخِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لِمَ فَرَّقْتَ بَیْنَ الْأُمَّةِ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِی؟

وَ قَدْ عَهِدْتُ إِلَیْكَ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ تَكُفَّ یَدَكَ وَ تَحْقُنَ دَمَكَ وَ دَمَ أَهْلِكَ وَ شِیعَتِكَ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَالَ النَّاسُ إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَبَایَعُوهُ وَ أَنَا مَشْغُولٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِغُسْلِهِ (2)، ثُمَّ شُغِلْتُ بِالْقُرْآنِ فَآلَیْتُ یَمِیناً بِالْقُرْآنِ (3) أَنْ لَا أَرْتَدِیَ إِلَّا لِلصَّلَاةِ حَتَّی أَجْمَعَهُ فِی كِتَابٍ فَفَعَلْتُ، ثُمَّ حَمَلْتُ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ وَ أَخَذْتُ بِیَدِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ فَلَمْ أَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ إِلَّا نَاشَدْتُهُمُ اللَّهَ وَ حَقِّی (4) وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَی نُصْرَتِی، فَلَمْ یَسْتَجِبْ مِنْ جَمِیعِ النَّاسِ إِلَّا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ: الزُّبَیْرُ وَ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ، وَ لَمْ یَكُنْ مَعِی أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی أَصُولُ بِهِ وَ لَا أَقْوَی بِهِ، أَمَّا حَمْزَةُ فَقُتِلَ یَوْمَ أُحُدٍ، وَ أَمَّا جَعْفَرٌ فَقُتِلَ یَوْمَ مُؤْتَةَ، وَ بَقِیتُ بَیْنَ جِلْفَیْنِ (5) خَائِفَیْنِ (6) ذَلِیلَیْنِ حَقِیرَیْنِ: الْعَبَّاسِ وَ عَقِیلٍ، وَ كَانَا قَرِیبَیْ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَأَكْرَهُونِی وَ قَهَرُونِی، فَقُلْتُ كَمَا قَالَ هَارُونُ لِأَخِیهِ:- ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ كادُوا یَقْتُلُونَنِی (7) فَلِی بِهَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَ لِی بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حُجَّةٌ قَوِیَّةٌ.

قَالَ الْأَشْعَثُ: كَذَلِكَ صَنَعَ عُثْمَانُ: اسْتَغَاثَ بِالنَّاسِ وَ دَعَاهُمْ إِلَی نُصْرَتِهِ فَلَمْ یَجِدْ أَعْوَاناً فَكَفَّ یَدَهُ حَتَّی قُتِلَ مَظْلُوماً.

قَالَ: وَیْلَكَ- یَا ابْنَ قَیْسٍ-! إِنَّ الْقَوْمَ حِینَ قَهَرُونِی وَ اسْتَضْعَفُونِی وَ كادُوا

ص: 468


1- لا توجد: أن، فی (س).
2- فی المصدر زیادة: و دفنه، و فی (س): نغسله.
3- لا توجد: بالقرآن، فی المصدر، و وضع علیها رمز نسخة بدل فی (ك).
4- فی (س): و حقّی، و خطّ علی الواو فی (ك).
5- قال فی الصّحاح 4- 1339: و قولهم أعرابیّ جلف .. أیّ جاف، و أصله من أجلاف الشّاة: و هی المسلوخة بلا رأس و لا قوائم و لا بطن، و قال أبو عبیدة: أصل الجلف: الدّنّ الفارغ، قال:والمسلوخ إذا أخرج بطنه جلف أیضا.
6- فی المصدر: جلفین جافین ..
7- الأعراف: 150.

یَقْتُلُونَنِی وَ لَوْ قَالُوا لِی: نَقْتُلَنَّكَ (1) الْبَتَّةَ لَامْتَنَعْتُ مِنْ قَتْلِهِمْ إِیَّایَ، وَ لَوْ لَمْ أَجِدْ غَیْرَ نَفْسِی وَحْدِی، وَ لَكِنْ قَالُوا: إِنْ بَایَعْتَ كَفَفْنَا عَنْكَ وَ أَكْرَمْنَاكَ وَ قَرَّبْنَاكَ وَ فَضَّلْنَاكَ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَتَلْنَاكَ، فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ أَحَداً بَایَعْتُهُمْ، وَ بَیْعَتِی لَهُمْ لَمَّا لَا حَقَّ لَهُمْ فِیهِ لَا یُوجِبُ لَهُمْ (2) حَقّاً وَ لَا یَلْزَمُنِی رِضاً، وَ لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا قَالَ لَهُ (3) النَّاسُ اخْلَعْهَا وَ نَكُفَّ عَنْكَ خَلَعَهَا لَمْ یَقْتُلُوهُ، وَ لَكِنَّهُ قَالَ: لَا أَخْلَعُهَا. قَالُوا: فَإِنَّا قَاتِلُوكَ، فَكَفَّ یَدَهُ عَنْهُمْ حَتَّی قَتَلُوهُ، وَ لَعَمْرِی لَخَلْعُهُ إِیَّاهَا كَانَ خَیْراً لَهُ، لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَیْرِ حَقٍّ، وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ فِیهَا نَصِیبٌ، وَ ادَّعَی مَا لَیْسَ لَهُ، وَ تَنَاوَلَ حَقَّ غَیْرِهِ.

وَیْلَكَ- یَا ابْنَ قَیْسٍ-! إِنَّ عُثْمَانَ لَا یَعْدُو أَنْ یَكُونَ أَحَدَ رَجُلَیْنِ، إِمَّا أَنْ یَكُونَ دَعَا النَّاسَ إِلَی نُصْرَتِهِ فَلَمْ یَنْصُرُوهُ، وَ إِمَّا أَنْ یَكُونَ الْقَوْمُ دَعَوْهُ إِلَی أَنْ یَنْصُرُوهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ فَلَمْ یَكُنْ یَحِلُّ لَهُ أَنْ یَنْهَی الْمُسْلِمِینَ عَنْ أَنْ یَنْصُرُوا إِمَاماً هَادِیاً مُهْتَدِیاً لَمْ یُحْدِثْ حَدَثاً وَ لَمْ یُؤْوِ مُحْدِثاً، وَ بِئْسَ مَا صَنَعَ حِینَ نَهَاهُمْ، وَ بِئْسَ مَا صَنَعُوا حِینَ أَطَاعُوهُ، فَإِمَّا أَنْ یَكُونُوا لَمْ یَرَوْهُ أَهْلًا لِنُصْرَتِهِ لِجَوْرِهِ وَ حُكْمِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ- وَ قَدْ كَانَ مَعَ عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ مَوَالِیهِ وَ أَصْحَابِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ (4) أَنْ یَمْتَنِعَ بِهِمْ لَفَعَلَ- وَ لَمْ یَنْهَهُمْ عَنْ (5) نُصْرَتِهِ، وَ لَوْ كُنْتُ وَجَدْتُ یَوْمَ بُویِعَ أَخُو تَیْمٍ أَرْبَعِینَ (6) رَجُلًا مُطِیعِینَ لَجَاهَدْتُهُمْ، فَأَمَّا یَوْمَ بُویِعَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ فَلَا، لِأَنِّی كُنْتُ بَایَعْتُ وَ مِثْلِی لَا یَنْكُثُ بَیْعَتَهُ.

وَیْلَكَ- یَا ابْنَ قَیْسٍ-! كَیْفَ رَأَیْتَنِی صَنَعْتُ حِینَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَ وَجَدْتُ أَعْوَاناً؟

هَلْ رَأَیْتَ مِنِّی فَشَلًا أَوْ جُبْناً، أَوْ تَقْصِیراً فِی وَقْعَتِی یَوْمَ الْبَصْرَةِ وَ هُمْ حَوْلَ جَمَلِهِمُ الْمَلْعُونِ مَنْ مَعَهُ، الْمَلْعُونِ مَنْ قُتِلَ حَوْلَهُ، الْمَلْعُونِ مَنْ رَكِبَهُ، الْمَلْعُونِ مَنْ بَقِیَ

ص: 469


1- فی المصدر: لو قالوا لی: نقتلك ..
2- فی المصدر: و بیعتی إیّاهم لا تحقّ لهم باطلا و لا توجب لهم ..
3- لا یوجد فی المصدر: و لا یلزمنی رضا، و فیه: فلو كان عثمان حین قال له ..
4- لا یوجد لفظ الجلالة فی المصدر، و هو الظّاهر.
5- فی المصدر: فلم نهاهم .. و فی بعض النّسخ: ینهاهم ..
6- فی كتاب سلیم: بویع أبو بكر أربعین ..

بَعْدَهُ (1) لَا تَائِباً وَ لَا مُسْتَغْفِراً؟! فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا أَنْصَارِی، وَ نَكَثُوا بَیْعَتِی، وَ مَثَّلُوا بِعَامِلِی، وَ بَغَوْا عَلَیَّ، وَ سِرْتُ إِلَیْهِمْ فِی اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفاً- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ- وَ هُمْ نَیِّفٌ عَلَی عِشْرِینَ وَ مِائَةِ أَلْفٍ- وَ فِی رِوَایَةٍ: زِیَادَةً عَلَی خَمْسِینَ أَلْفاً- فَنَصَرَنِیَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ قَتَلَهُمْ بِأَیْدِینَا وَ شَفَی صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ وَ كَیْفَ رَأَیْتَ- یَا ابْنَ قَیْسٍ- وَقْعَتَنَا بِصِفِّینَ، وَ مَا (2) قَتَلَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِأَیْدِینَا خَمْسِینَ أَلْفاً فِی صَعِیدٍ وَاحِدٍ إِلَی النَّارِ- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: زِیَادَةً عَلَی سَبْعِینَ أَلْفاً-، وَ كَیْفَ رَأَیْتَنَا یَوْمَ النَّهْرَوَانِ إِذْ لَقِیتُ الْمَارِقِینَ وَ هُمْ مُسْتَبْصِرُونَ مُتَدَیِّنُونَ؟! قَدْ:

ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً (3) فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ فِی صَعِیدٍ وَاحِدٍ إِلَی النَّارِ لَمْ یَبْقَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَ لَمْ یَقْتُلُوا مِنَ الْمُؤْمِنِینَ عَشَرَةً.

وَیْلَكَ- یَا ابْنَ قَیْسٍ- هَلْ رَأَیْتَ لِی لِوَاءً رُدَّ؟ أَوْ رَایَةً رُدَّتْ؟ إِیَّایَ تُعَیِّرُ یَا ابْنَ قَیْسٍ؟!. وَ أَنَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی جَمِیعِ مَوَاطِنِهِ وَ مَشَاهِدِهِ، وَ الْمُتَقَدِّمُ إِلَی الشَّدَائِدِ بَیْنَ یَدَیْهِ، وَ لَا أَفِرُّ وَ لَا أَلُوذُ وَ لَا أَعْتَلُّ وَ لَا أَنْحَازُ (4) وَ لَا أَمْنَحُ الْیَهُودَ (5) دُبُرِی، إِنَّهُ لَا یَنْبَغِی لِلنَّبِیِّ وَ لَا لِلْوَصِیِّ إِذَا لَبِسَ لَامَتَهُ وَ قَصَدَ لِعَدُوِّهِ أَنْ یَرْجِعَ أَوْ یَنْثَنِیَ حَتَّی یُقْتَلَ أَوْ یَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ.

یَا ابْنَ قَیْسٍ! هَلْ سَمِعْتَ لِی بِفِرَارٍ قَطُّ أَوْ نَبْوَةٍ؟.

یَا ابْنَ قَیْسٍ! أَمَا وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ وَجَدْتُ یَوْمَ بُویِعَ أَبُو بَكْرٍ- الَّذِی عَیَّرْتَنِی بِدُخُولِی فِی بَیْعَتِهِ- أَرْبَعِینَ (6) رَجُلًا كُلُّهُمْ عَلَی مِثْلِ بَصِیرَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِینَ وَجَدْتُ لَمَا كَفَفْتُ یَدِی، وَ لَنَاهَضْتُ الْقَوْمَ، وَ لَكِنْ لَمْ أَجِدْ خَامِساً!.

قَالَ الْأَشْعَثُ: وَ مَنِ الْأَرْبَعَةُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ؟.

ص: 470


1- فی المصدر: من قتل حوله، الملعون من رجع بعده ..
2- فی مطبوع البحار وضع علی: و ما، رمز نسخة بدل.
3- الكهف: 104.
4- انحاز عنه: عدل، قاله فی مجمع البحرین 4- 17 و غیره.
5- كذا، و فی المصدر و نسخة علی البحار: العدوّ، و هو الظّاهر.
6- لا توجد كلمة: أربعین فی (س).

قَالَ: سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ الزُّبَیْرُ بْنُ صَفِیَّةَ قَبْلَ نَكْثِهِ بَیْعَتِی، فَإِنَّهُ بَایَعَنِی مَرَّتَیْنِ، أَمَّا بَیْعَتُهُ الْأُولَی الَّتِی وَفَی بِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا بُویِعَ أَبُو بَكْرٍ أَتَانِی أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَبَایَعُونِی وَ فِیهِمُ الزُّبَیْرُ، فَأَمَرْتُهُمْ أَنْ یُصْبِحُوا عِنْدَ بَابِی مُحَلِّقِینَ رُءُوسَهُمْ عَلَیْهِمُ السِّلَاحُ، فَمَا وَافَی مِنْهُمْ (1) أَحَدٌ وَ لَا صَبَّحَنِی مِنْهُمْ غَیْرُ أَرْبَعَةٍ: سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ الزُّبَیْرُ، وَ أَمَّا بَیْعَتُهُ الْأُخْرَی: فَإِنَّهُ أَتَانِی هُوَ وَ صَاحِبُهُ طَلْحَةُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ فَبَایَعَانِی طَائِعِینَ غَیْرَ مُكْرَهِینَ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ دِینِهِمَا مُرْتَدِّینَ نَاكِثِینَ مُكَابِرِینَ مُعَانِدِینَ حَاسِدِینَ، فَقَتَلَهُمَا اللَّهُ إِلَی النَّارِ، وَ أَمَّا الثَّلَاثَةُ: سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ فَثَبَتُوا عَلَی دِینِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مِلَّةِ إِبْرَاهِیمَ (علیه السلام) حَتَّی لَقُوا اللَّهَ، یَرْحَمُهُمُ اللَّهُ.

یَا ابْنَ قَیْسٍ! فَوَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعِینَ الَّذِینَ بَایَعُونِی وَفَوْا لِی وَ أَصْبَحُوا عَلَی بَابِی مُحَلِّقِینَ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ لِعَتِیقٍ فِی عُنُقِی بَیْعَةٌ (2) لَنَاهَضْتُهُ وَ حَاكَمْتُهُ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ لَوْ وَجَدْتُ قَبْلَ بَیْعَةِ عُثْمَانَ (3) أَعْوَاناً لَنَاهَضْتُهُمْ وَ حَاكَمْتُهُمْ إِلَی اللَّهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَوْفٍ جَعَلَهَا لِعُثْمَانَ، وَ اشْتَرَطَ عَلَیْهِ فِیمَا بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُ أَنْ یَرُدَّهَا عَلَیْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ بَیْعَتِی إِیَّاهُمْ فَلَیْسَ إِلَی مُجَاهَدَتِهِمْ سَبِیلٌ.

فَقَالَ الْأَشْعَثُ: وَ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ لَقَدْ هَلَكَتِ الْأُمَّةُ غَیْرَكَ وَ غَیْرَ شِیعَتِكَ! فَقَالَ: إِنَّ الْحَقَّ وَ اللَّهِ مَعِی یَا ابْنَ قَیْسٍ كَمَا أَقُولُ، وَ مَا هَلَكَ مِنَ الْأُمَّةِ إِلَّا النَّاصِبِینَ وَ الْمُكَاثِرِینَ (4) وَ الْجَاحِدِینَ وَ الْمُعَانِدِینَ، فَأَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْحِیدِ وَ الْإِقْرَارِ بِمُحَمَّدٍ وَ الْإِسْلَامِ وَ لَمْ یَخْرُجْ مِنَ الْمِلَّةِ، وَ لَمْ یُظَاهِرْ عَلَیْنَا الظَّلَمَةَ، وَ لَمْ یَنْصِبْ لَنَا الْعَدَاوَةَ، وَ شَكَّ فِی الْخِلَافَةِ، وَ لَمْ یَعْرِفْ أَهْلَهَا وَ وُلَاتَهَا، وَ لَمْ یَعْرِفْ لَنَا وَلَایَةً، وَ لَمْ یَنْصِبْ لَنَا عَدَاوَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْلِمٌ مُسْتَضْعَفٌ یُرْجَی لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ یُتَخَوَّفُ عَلَیْهِ ذُنُوبُهُ.

ص: 471


1- فی المصدر: فما وفی منهم.
2- فی المصدر: قبل أنّ نجب لعتیق فی عنقی بیعته ..
3- فی كتاب سلیم: بیعة عمر .. بدلا من عثمان.
4- فی المصدر: المكابرین.

قَالَ أَبَانٌ: قَالَ سُلَیْمُ بْنُ قَیْسٍ: فَلَمْ یَبْقَ یَوْمَئِذٍ مِنْ شِیعَةِ (1) عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَحَدٌ إِلَّا تَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَ فَرِحَ بِمَقَالَتِهِ، إِذْ شَرَحَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْأَمْرَ وَ بَاحَ بِهِ، وَ كَشَفَ الْغِطَاءَ، وَ تَرَكَ التَّقِیَّةَ، وَ لَمْ یَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مِمَّنْ كَانَ یَشُكُّ فِی الْمَاضِینَ وَ یَكُفُّ عَنْهُمْ وَ یَدَعُ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَرِعاً وَ تَأَثُّماً إِلَّا اسْتَیْقَنَ وَ اسْتَبْصَرَ وَ حَسُنَ وَ تَرَكَ الشَّكَّ وَ الْوُقُوفَ، وَ لَمْ یَبْقَ أَحَدٌ حَوْلَهُ أَتَی بَیْعَتَهُ (2) عَلَی وَجْهِ مَا بُویِعَ عُثْمَانُ وَ الْمَاضُونَ قَبْلَهُ إِلَّا رُئِیَ ذَلِكَ فِی وَجْهِهِ وَ ضَاقَ بِهِ أَمْرُهُ، وَ كَرِهَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ اسْتَبْصَرَ عَامَّتُهُمْ (3) وَ ذَهَبَ شَكُّهُمْ.

قَالَ أَبَانٌ، عَنْ سُلَیْمٍ: فَمَا شَهِدْتُ یَوْماً قَطُّ عَلَی رُءُوسِ الْعَامَّةِ أَقَرَّ لِأَعْیُنِنَا مِنْ ذَلِكَ الْیَوْمِ لَمَّا كَشَفَ لِلنَّاسِ مِنَ الْغِطَاءِ، وَ أَظْهَرَ فِیهِ مِنَ الْحَقِّ، وَ شَرَحَ فِیهِ مِنَ الْأَمْرِ، وَ أَلْقَی فِیهِ التَّقِیَّةَ وَ الْكِتْمَانَ (4)، وَ كَثُرَتِ الشِّیعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مُذْ ذَلِكَ الْیَوْمِ، وَ تَكَلَّمُوا وَ قَدْ كَانُوا أَقَلَّ أَهْلِ عَسْكَرِهِ، وَ صَارَ النَّاسُ یُقَاتِلُونَ مَعَهُ عَلَی عِلْمٍ بِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ صَارَتِ الشِّیعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَجَلَّ النَّاسِ وَ أَعْظَمَهُمْ- وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: جُلُّ النَّاسِ وَ أَعْظَمُهُمْ- وَ ذَلِكَ بَعْدَ (5) وَقْعَةِ النَّهْرَوَانِ، وَ هُوَ یَأْمُرُ بِالتَّهْیِئَةِ وَ الْمَسِیرِ إِلَی مُعَاوِیَةَ، ثُمَّ لَمْ یَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ، قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ غِیلَةً وَ فَتْكاً (6)، وَ قَدْ كَانَ سَیْفُهُ مَسْمُوماً قَبْلَ ذَلِكَ (7).

ص: 472


1- فی (س): شیعته، و هو غلط، و لعلّه بدون علیّ علیه السّلام.
2- فی المصدر: و لم یبق حوله ممّن أبی بیعته.
3- فی كتاب سلیم: ثمّ أنّه استبصر عادتهم ..
4- لا یوجد فی المصدر: و الكتمان، و فیه: من التّقیّة.
5- فی (ك): و بعد ذلك.
6- قال فی النّهایة 3- 409: الإیمان قید الفتك .. الفتك: أنّ یأتی الرّجل صاحبه و هو غار غافل فیشدّ علیه فیقتله، و الغیلة: أنّ یخدعه ثمّ یقتله فی موضع خفیّ.
7- سمّه قبل ذلك، كذا فی المصدر. أقول: : أورد هذه الخطبة الشیخ المفید فی المجالس : ١٤٥ _ ١٤٩ : المجلس الثامن عشر : ٦ ، وجاءت فی نهج البلاغة فی آخر خطبة ٣٤ صبحی الصالح : ٧٨ _ ٧٩ ، محمد عبده : ١ _ ٨٢ _ ٨٤ ، وخطبة ٩٧ ، صبحی الصالح : ١٤١ _ ١٤٣ ، محمد عبده : ٢ _ ١٨٧ _ ١٩٠ ، مع اختلاف واختصار. وانظر : منهاج البراعة ١ _ ٢٣٤ _ ٢٤٤ ، وشرح ابن أبی الحدید للنهج ٢ _ ١٨٩ _ ٢٠٣ ، وشرح نهج البلاغة لابن میثم ٢ _ ٨٠ _ ٨٢ ، وغیرها.

توضیح:

قوله علیه السلام: تبّت أیدیكم .. التّباب: الخسران و الهلاك (1)، و فی بعض النسخ- كما فی النهج- تربت، و هی كلمة یدعی علی الإنسان بها، أی لا أصبتم (2) خیرا و أصل ترب: أصابه التّراب، فكأنّه یدعو علیه بأن یفتقر (3).

قوله علیه السلام: حمس (4) الوغاء .. أی اشتدّ الحرب (5)، و أصل الوغاء:

الصّوت و الجلبة، سمّیت الحرب بها لما فیها من الأصوات و الجلبة (6).

قوله علیه السلام: و احمرّ الموت .. قال فی النهایة: فیه .. الموت الأحمر یعنی القتل لما فیه من حمرة الدّم أو لشدّته، یقال موت أحمر: أی شدید (7).

و فی النهج: و استحر الموت .. قال فی النّهایة: أی اشتدّ و كثر، و هو استفعل من الحرّ: الشّدّة، و منه حدیث علیّ علیه السّلام: حمس الوغا و استحرّ الموت (8).

و قیل: یحتمل أن یكون المراد شدته الشبیهة بالحرارة مجازا أو خلوصه و حضوره، فیكون اشتقاقه من الحریة.

قوله علیه السلام: انفراج الرأس .. أی تتفرّقون عنّی أشدّ تفرّق، و هو مثل (9)، و قیل أوّل من تكلّم به أكثم بن صیفی فی وصیّته: یا بنی! لا تتفرّقوا فی

ص: 473


1- قاله فی مجمع البحرین 2- 12، و الصحاح 1- 90، و غیرها.
2- فی (س): لأصبتم، و ما أثبت هو الظاهر.
3- جاء فی الصحاح 1- 91، و قریب منه فی مجمع البحرین 2- 13.
4- فی (ك): خمس، و هو غلط.
5- قال فی النهایة 1- 440: حدیث علی (علیه السلام) حمس الوغی و استحر الموت .. أی اشتدّ الحرب. و نحوه فی لسان العرب 6- 57.
6- ذكره فی الصحاح 6- 2526، و لسان العرب 15- 398.
7- النهایة 1- 438.
8- النهایة 1- 364.
9- لم نجده فیما بأیدینا من كتب الأمثال و اللغة.

الشدائد انفراج الرأس، فإنّكم بعد ذلك لا تجتمعون علی عسر. و فی معناه أقوال:

أحدها (1): ما ذكره ابن درید، و هو أنّ المراد به انفراج الرأس عن البدن، فإنّه لا یقبل الالتئام و لا یكون بعده اتّصال.

ثانیها: قال المفضّل: الرأس اسم رجل ینسب إلیه قریة من قری الشام، یقال لها: بیت الرأس، و فیها یباع الخمر، قال حسّان:

كأنّ سبیئته من بیت رأس*** یكون مزاجها عسل و ماء (كذا)

و هذا الرجل كان قد انفرج عن قومه و مكانه فلم یعد إلیه، فضرب به المثل فی المفارقة (2).

ثالثها: قال بعضهم معناه أنّ الرأس إذا انفرج بعض عظامه عن بعض كان ذلك بعد الالتئام و العود إلی الصحّة.

رابعها: قال القطب الراوندی (3) رحمه اللَّه: معناه: انفرجتم عنّی رأسا أی بالكلیّة (4).

و اعترض علیه ابن أبی الحدید (5) بأنّه لا یعرف، و فیه نظر.

خامسها: ما قاله الراوندی- أیضا- أی انفراج من أدلی (6) برأسه إلی غیره ثم حرف (7) رأسه عنه (8).

ص: 474


1- فی (ك): إحداها.
2- كذا ذكره ابن میثم فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 80.
3- كما فی منهاج البراعة 1- 239.
4- فی المصدر: أی قطعا، ثمّ قال: فلما أعاد الكلام عنه صار معرفا.
5- فی شرحه علی نهج البلاغة 2- 191 قال: و عرفه- بالألف و اللام- و هذا غیر صحیح، لأنّ (رأسا) لا یعرف.
6- فی المصدر: من أدنی.
7- فی منهاج البراعة: ثم انفرج.
8- هذا ثانی محتملات القطب رحمه اللّٰه، و ثالثها ما ذكره بقوله: أن یرید بانفراج الرأس: انفراج من یرید أن ینجو برأسه. و قد حكی الثانی ابن میثم فی شرحه علی النهج 1- 80.

و اعترض ابن أبی الحدید (1) بأنّه لا خصوصیّة للرأس فی ذلك، و لا یخفی ضعفه، فإنّ وجه التخصیص ظاهر، و هو مثل مشهور بین العرب و العجم.

سادسها: إنّ معناه انفراج المرأة عن رأس ولدها حالة الوضع، فإنّه یكون فی غایة الشدّة و تفرّق الاتّصال و الانفراج (2).

و أمّا انفراج المرأة عن قبلها، فقیل: انفراج المرأة البغیّة و تسلیمها لقبلها.

و قیل: أرید انفراجها وقت الولادة.

و قیل: وقت الطعان، و الأوسط أظهر. و علی التقدیر إنّما شبّه علیه السلام هذا التشبیه لیرجعوا إلی الأنفة (3).

قوله علیه السلام: یجزّ لحمه .. فی النهج: یعرق لحمه، یقال: عرق اللّحم: إذا لم یبق علی العظم منه شیئا (4).

و الفری: القطع (5).

و الهشم: كسر (6) العظام (7).

ص: 475


1- فی شرح الخطبة (34) من 2 نهج البلاغة 2- 191 قال: و هذا أیضا غیر صحیح، لأنّه لا خصوصیة للرأس فی ذلك، فإنّ الید و الرجل إذا أدنیتهما من شخص ثمّ حرفتهما عنه فقد انفرج ما بین ذلك العضو و بینه، فأیّ معنی لتخصیص الرأس بالذكر!.
2- كما ذكره ابن میثم فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 80.
3- فی (س): الأنقة. قال فی الصحاح 4- 1447: الأنق: الفرح و السرور .. و شی ء أنیق .. أی حسن معجب، و لا تكون للكلمة مناسبة مع المقام، نعم الأنفة لها مدلول، قال فی الصحاح- أیضا-:٤ _ ١٣٣٣ : أنف من الشیء یأنف أنفا وأنفة .. أی استنكف.
4- قال فی الصحاح 4- 1523: و العرق- بالفتح- مصدر قولك عرقت العظم أعرقه .. إذا أكلت ما علیه من اللحم .. و تعرقت العظم مثل عرقته. و قال فی النهایة 3- 220: یقال عرقت العظم و اعترقته و تعرّقته: إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك.
5- فی (س): و القطع. انظر: مجمع البحرین 1- 329- 330، و الصحاح 6- 2454 و غیرهما.
6- إلی هنا فی كتب اللغة كما فی مجمع البحرین 6- 186، و الصحاح 5- 2058 و غیرهما.
7- لا توجد كلمة: العظام، فی (س)، و هو الظاهر.

و الجوانح: الأضلاع ممّا یلی الصّدر، الواحد جانحة (1).

و فراش الهام: العظام الرّفیعة (2) علی القحف (3)، و هو- بالكسر- العظم فوق الدّماغ (4).

و طاح یطوح و یطیح: هلك و أشرف علی الهلاك، و ذهب و سقط و تاه فی الأرض (5).

و المعاصم- جمع معصم- بالكسر- و هو موضع السّوار (6) من السّاعد (7).

و فی النهج: تطیح السواعد و الأقدام.

و نابذه (8) الحرب: كاشفه (9).

و النّیّف ..- ككیّس، و قد یخفّف-: الزّیادة: بین (10) العددین (11).

قوله: أو نبوة .. أی كلالا و تقصیرا، یقال نبأ السّیف عن الضّریبة .. أی كلّ، و السّهم عن الهدف (12) أی قصّر (13).

ص: 476


1- كما جاء فی القاموس 1- 219، و الصحاح 1- 360.
2- فی (ك): الرقیعة، و هو غلط ظاهرا.
3- نصّ علیه فی مجمع البحرین 4- 149، و الصحاح 3- 1015، و جاء فی الأول: عظام رقیقة تلی ..، و فی الثانی: عظام رقاق تلی.
4- قاله فی مجمع البحرین 5- 108، و الصحاح 4- 1412 و غیرهما.
5- كذا ورد فی القاموس 1- 238، و تاج العروس 2- 193، و قریب منهما فی لسان العرب 2- 535.
6- فی (س): السواد.
7- جاء فی مجمع البحرین 6- 117، و مثله فی المصباح المنیر 2- 74- بدون ذكر جمع المعصم-.
8- فی (ك): نابدة.
9- قاله فی مجمع البحرین 3- 189، و الصحاح 2- 571 و غیرهما.
10- فی (س): و بین: .. و هو غلط.
11- صرّح به فی مجمع البحرین 5- 127، و الصحاح 4- 1436- 1437 و غیرهما.
12- فی (س): الهدر، و لا معنی لها.
13- كذا جاء فی القاموس 4- 393، و لسان العرب 15- 301- 302، و فیهما: .. و السهم عن الهدف- لا الهدر-.

و فی بعض النسخ: أو سوأة .. أی قبیحا (1).

أقول: أورده الدیلمی فی إرشاد القلوب (2) مع اختصار.

ص: 477


1- صرّح به فی الصحاح 1- 56، و لسان العرب: 1- 96 و غیرهما.
2- إرشاد القلوب: 394- 398 باختلاف یسیر.

ص: 478

14- باب العلّة التی من أجلها ترك الناس علیّا علیه السلام

«1»-ع، لی (1): أَحْمَدُ بْنُ یَحْیَی الْمُكَتِّبُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دُرَیْدٍ (2)، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَرَجِ الرِّیَاشِیِّ، عَنْ أَبِی زَیْدٍ النَّحْوِیِّ قَالَ: سَأَلْتُ الْخَلِیلَ بْنَ أَحْمَدَ الْعَرُوضِیَّ فَقُلْتُ (3): لِمَ هَجَرَ النَّاسُ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قُرْبَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قُرْبَاهُ، وَ مَوْضِعُهُ مِنَ الْمُسْلِمِینَ مَوْضِعُهُ، وَ عَنَاؤُهُ فِی الْإِسْلَامِ عَنَاؤُهُ؟!. فَقَالَ: بَهَرَ- وَ اللَّهِ- نُورُهُ أَنْوَارَهُمْ، وَ غَلَبَهُمْ عَلَی صَفْوِ كُلِّ مَنْهَلٍ، وَ النَّاسُ إِلَی أَشْكَالِهِمْ أَمْیَلُ، أَ مَا سَمِعْتَ الْأَوَّلَ حَیْثُ یَقُولُ (4):

وَ كُلُّ شَكْلٍ لِشَكْلِهِ إلْفٌ ***أَ مَا تَرَی الْفِیلَ یَأْلَفُ الْفِیلَا

قَالَ: وَ أَنْشَدَنَا الرِّیَاشِیُّ فِی مَعْنَاهُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ:

ص: 479


1- علل الشّرائع 1- 145 حدیث 1، باختلاف و اختصار فی السّند. أمالی الشیخ الصدوق : ١٩٠ حدیث ١٤. وأوردها شیخنا ابن شهرآشوب فی مناقبه ٣ _ ٢١٣ ٢١٤.
2- فی (س): روید، و هو غلط ظاهرا. و فی العلل: درید الأزدیّ العمّانیّ، و فی الأمالی: درید الأزدیّ المعانی.
3- لا توجد: فقلت، فی (س)، و فی العلل: فقلت له: ..
4- فی العلل: قول الأوّل یقول ..

وَ قَائِلٌ كَیْفَ تَهَاجَرْتُمَا*** فَقُلْتُ قَوْلًا فِیهِ إِنْصَافٌ

لَمْ یَكُ مِنْ شَكْلِی فَهَاجَرْتُهُ*** وَ النَّاسُ أَشْكَالٌ وَ أُلَّافٌ

بیان: القربی- بالضم: مصدر- بمعنی القرابة (1).

و العناء: التّعب و النّصب (2).

و بهره بهرا: غلبه (3).

و المنهل: عین ماء ترده الإبل فی المراعی (4)، أی أخذ منهم من كلّ منهل من مناهل الخیرات و السعادات صفوه و خالصه. و الإلف- بالكسر-: الألیف، و الألّاف- بالضم و التشدید-: جمع آلف، ككافر و كفّار (5).

«2»-ن، ع (6): الطَّالَقَانِیُّ، عَنْ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِیِّ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ (7)، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَیْفَ مَالَ النَّاسُ عَنْهُ إِلَی غَیْرِهِ، وَ قَدْ عَرَفُوا فَضْلَهُ وَ سَابِقَتَهُ وَ مَكَانَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ؟. فَقَالَ: إِنَّمَا مَالُوا عَنْهُ إِلَی غَیْرِهِ وَ قَدْ عَرَفُوا فَضْلَهُ (8) لِأَنَّهُ قَدْ (9) كَانَ قَتَلَ مِنْ (10) آبَائِهِمْ وَ أَجْدَادِهِمْ وَ إِخْوَانِهِمْ (11) وَ أَعْمَامِهِمْ وَ أَخْوَالِهِمْ

ص: 480


1- كما فی القاموس 1- 114، و الصحاح 1- 199، و غیرهما.
2- ذكره فی مجمع البحرین 1- 308، و الصحاح 6- 2440.
3- جاء فی المصباح المنیر 1- 80، و لسان العرب 4- 81، و غیرهما.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 5- 488، و الصحاح 5- 1837.
5- صرّح به فی الصحاح 4- 1332، و لسان العرب 9- 11.
6- علل الشّرائع 1- 146 حدیث 3، عیون أخبار الرّضا علیه السّلام 2- 81 حدیث 15.
7- جاء السّند فی المصدرین: حدّثنا محمّد بن إبراهیم بن إسحاق الطّالقانیّ رضی اللّٰه عنه، قال حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعید الكوفیّ، قال: حدّثنا علیّ بن الحسن بن علیّ بن فضّال.
8- لا توجد فی العلل: و قد عرفوا فضله.
9- خطّ علی: قد، فی (س)، و هی مثبتة فی العیون دون العلل، و كأنّ العلّامة المجلسیّ أخذ الرّوایة من العیون.
10- لا توجد: من، فی العلل.
11- لا توجد فی العلل: و إخوانهم.

وَ أَقْرِبَائِهِمُ الْمُحَادِّینَ (1) لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ عَدَداً كَثِیراً، وَ كَانَ حِقْدُهُمْ عَلَیْهِ لِذَلِكَ فِی قُلُوبِهِمْ فَلَمْ یُحِبُّوا أَنْ یَتَوَلَّی عَلَیْهِمْ، وَ لَمْ یَكُنْ فِی قُلُوبِهِمْ عَلَی غَیْرِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ یَكُنْ (2) لَهُ فِی الْجِهَادِ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِثْلُ مَا كَانَ (3)، فَلِذَلِكَ عَدَلُوا عَنْهُ وَ مَالُوا إِلَی سِوَاهُ (4).

«3»-قب (5): سَأَلَ أَبُو زَیْدٍ النَّحْوِیُّ الْخَلِیلَ بْنَ أَحْمَدَ: مَا بَالُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَأَنَّهُمْ بَنُو أُمٍّ وَاحِدَةٍ وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ ابْنُ عَلَّةٍ؟!. قَالَ: تَقَدَّمَهُمْ إِسْلَاماً، وَ بَذَّهُمْ (6) شَرَفاً، وَ فَاقَهُمْ عِلْماً، وَ رَجَّحَهُمْ حِلْماً، وَ كَثَّرَهُمْ هُدًی، فَحَسَدُوهُ، وَ النَّاسُ إِلَی أَمْثَالِهِمْ وَ أَشْكَالِهِمْ أَمْیَلُ ...

وَ قِیلَ لِمَسْلَمَةَ بْنِ نَمِیلَ: مَا لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ رَفَضَهُ الْعَامَّةُ وَ لَهُ فِی كُلِّ خَیْرٍ ضِرْسٌ قَاطِعٌ؟. فَقَالَ: لِأَنَّ ضَوْءَ عُیُونِهِمْ قَصِیرٌ (7) عَنْ نُورِهِ، وَ النَّاسُ إِلَی أَشْكَالِهِمْ أَمْیَلُ ... (8).

قال الشعبی: ما ندری ما نصنع بعلیّ بن أبی طالب (علیهما السلام)، إن أحببناه افتقرنا (9)، و إن أبغضناه كفرنا؟!.

و قال النظام: علیّ بن أبی طالب محنة علی المتكلّم، إن وفی حقّه غلا، و إن بخسه حقّه أساء، و المنزلة الوسطی دقیقة الوزن، حادّة الشّاف (10)، صعب الترقّی

ص: 481


1- فی (ك) نسخة بدل: المحاربین، و هی الّتی جاءت فی العلل.
2- فی (س): یكون.
3- فی المصدرین: ما كان له.
4- فی العلل: مالوا إلی غیره، و جاءت كلمة (غیره) نسخة بدل علی مطبوع البحار.
5- المناقب لابن شهرآشوب 3- 213- 215، باختلاف یسیر.
6- قال فی مجمع البحرین 3- 177: فی الحدیث: إذا قال بذّ القائلین .. أیّ سبقهم و غلبهم.
7- فی المناقب: قصر.
8- هنا أبیات و كلمات جاءت فی المناقب 3- 214 أسقطها شیخنا المجلسیّ طاب ثراه اختصارا.
9- فی (ك): افتقرناه، و هو غلط.
10- توجد فی حاشیة (ك) نسخة بدل: الشأن، و هی التی جاءت فی المناقب. قال فی الصحاح ٢ _ ٤٦٣ : وحد كل شیء : شباته .. وحد الشراب : صلابته .. وقد حد السیف یحد حدة .. أی صارت حادا وحدیدا. وقال فی لسان العرب ٩ _ ١٦٨ : الشأفة : الأصل. وقال فیه ٩ _ ١٨٤ : شاف الشیء شوفا : جلاه ، والشوف : الجلو ، والمشوف : المجلو .. وتشوف الشیء وأشاف : ارتفع. وقال فی هذا المجلد صفحة ١٦٨ : شئفت من فلان شأفا _ بالتسكین _ : إذا أبغضته .. وشئفت یده شأفا : شعث ما حول أظفارها وتشقق .. ورجل شأفة : عزیز منیع ، وشئف شأفا : فزع.

إلّا علی الحاذق الدیّن.

و قال أبو العیناء لعلیّ بن الجهم: إنّما تبغض علیّا علیه السلام لأنّه كان یقتل الفاعل و المفعول و أنت أحدهما. فقال له: یا مخنّث! فقال أبو العیناء: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِیَ خَلْقَهُ (1).

بیان: قال فی النهایة: أولاد العلّات: الّذین أمّهاتهم مختلفة و أبوهم واحد (2).

«4»-قب (3): قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: كَیْفَ تُحِبُّكَ قُرَیْشٌ وَ قَدْ قَتَلْتَ فِی یَوْمِ بَدْرٍ وَ أُحُدٍ مِنْ سَادَاتِهِمْ سَبْعِینَ سَیِّداً تَشْرَبُ أُنُوفُهُمُ الْمَاءَ قَبْلَ شِفَاهِهِمْ؟!.

فَقَالَ (4) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

مَا تَرَكَتْ بَدْرٌ لَنَا مَذِیقاً*** وَ لَا لَنَا مِنْ خَلْفِنَا طَرِیقاً

وَ سُئِلَ زَیْنُ الْعَابِدِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَیْضاً: لِمَ أَبْغَضَتْ قُرَیْشٌ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ؟. قَالَ: لِأَنَّهُ أَوْرَدَ أَوَّلَهُمُ النَّارَ وَ قَلَّدَ آخِرَهُمُ الْعَارَ.

مَعْرِفَةُ الرِّجَالِ، عَنِ الْكَشِّیِّ: أَنَّهُ كَانَتْ عَدَاوَةُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّ جَدَّهُ ذَا الثُّدَیَّةِ قَتَلَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ النَّهْرَوَانِ (5).

ص: 482


1- یس: 78. و إلی هنا نقله ابن شهرآشوب فی المناقب.
2- النهایة 3- 291. و قال فی الصحاح 5- 1773: بنو العلات: هم أولاد الرجل من نسوة شتّی، سمیت بذلك لأنّ الذی تزوّجها علی أولی قد كانت قبلها ثمّ علّ من هذه.
3- المناقب لابن شهرآشوب 3- 220- 221.
4- فی المصدر: و قال.
5- جاءت علّة عداوة أحمد بن حنبل لأمیر المؤمنین علیه السّلام فی علل الشّرائع 467 باب 222 حدیث 23 أیضا.

كَامِلُ الْمُبَرَّدِ: أَنَّهُ كَانَ أَصْمَعُ بْنُ مُظْهِرٍ جَدُّ الْأَصْمَعِیِّ قَطَعَهُ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی السَّرِقَةِ (1)، فَكَانَ الْأَصْمَعِیُّ یُبْغِضُهُ، قِیلَ لَهُ: مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ؟.

قَالَ: مَنْ قَالَ:

كَأَنَّ أَكُفَّهُمُ الْهُمَامُ (2) تَهْوِی*** عَنِ الْأَعْنَاقِ تَلْعَبُ بِالْكُرِینَا

فَقَالُوا: السَّیِّدُ الْحِمْیَرِیُّ. فَقَالَ: هُوَ وَ اللَّهِ أَبْغَضُهُمْ إِلَیَّ! (3).

بیان: شرب أنوفهم الماء قبل شفاههم .. كنایة عن طول أنوفهم لبیان حسنهم، فإنّ العرب تمتدح بذلك، و قد روی نحوه فی أوصاف النبیّ صلّی اللَّه علیه و آله، أو لبیان شرفهم و فخرهم فإنّهما ممّا ینسب إلی الأنف، و الأول أظهر.

و المذیق: اللّبن الممزوج بالماء، و قد مذقت اللّبن فهو ممذوق و مذیق، و رجل مماذق: غیر مخلص فی الودّ (4). و فی الدیوان: صدیقا، مكان: مذیقا (5).

و الكرین- بضم الكاف و كسرها- جمع كرة (6).

«5»-ع، لی (7): الْحُسَیْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (8) الْعَسْكَرِیُّ، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ رَعْدٍ الْعَبْشَمِیِّ (9)، عَنْ ثُبَیْتِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِی الْأَحْوَصِ الْمِصْرِیِّ (10)، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ

ص: 483


1- فی المصدر: قطع علیّ علیه السّلام یده فی السّرقة.
2- قال فی القاموس 4- 192: و الهمام- كغراب-: الملك العظیم الهمّة، و السّیّد الشّجاع السّخیّ، خاصّ بالرّجال كالهمهام جمعه- ككتاب-. و قد تقرأ فی البحار: الهام، و هو جمع الهامة، بمعنی رأس كلّ شی ء.
3- إلی هنا جاء فی المناقب 3- 240- 241.
4- نصّ علیه فی الصحاح 4- 1553، و القاموس 3- 282 و جاء فی غیرهما.
5- دیوان الإمام علیّ علیه السلام: 54.
6- صرّح به فی القاموس 4- 383، و غیره.
7- علل الشّرائع 1- 145 حدیث 2، أمالی الشّیخ الصّدوق: 494 حدیث 5، باختلاف كثیر و المعنی مقارب.
8- فی (س): عبید اللّٰه، و هناك اختلاف فی الاسم فی المصدرین.
9- فی (ك): العیشمی.
10- توجد فی المطبوع هنا عبارة: عمّن حدّثه، عن آبائه، عن أبی محمّد الحسن بن علیّ علیهما السّلام، كتب علیها: نسخه، و فی (س) وضع بعدها: صحّ. و أدرجت فی متن (ك). أقول: : ولا یخفی عدم اجتماع السندین معا ، فتدبر.

أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: بَیْنَمَا (1) أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فِی أَصْعَبِ مَوْقِفٍ بِصِفِّینَ إِذْ قَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِی دُودَانَ فَقَالَ: مَا بَالُ قَوْمِكُمْ دَفَعُوكُمْ (2) عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً، وَ أَشَدُّ نَوْطاً بِالرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ فَهْماً بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ؟! فَقَالَ:

سَأَلْتَ یَا أَخَا بَنِی دُودَانَ وَ لَكَ حَقُّ الْمَسْأَلَةِ (3) وَ ذِمَامُ الصِّهْرِ، وَ إِنَّكَ لَقَلِقُ (4) الْوَضِینِ تُرْسِلُ عَنْ ذِی مَسَدٍ، إِنَّهَا امْرَأَةٌ (5) شَحَّتْ عَلَیْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِینَ، وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ، فَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِیحَ فِی حَجَرَاتِهِ (6)، وَ هَلُمَّ الْخَطْبَ فِی ابْنِ أَبِی سُفْیَانَ، فَلَقَدْ أَضْحَكَنِی الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ (7).

وَ لَا غَرْوَ (8) إِلَّا جَارَتِی وَ سُؤَالُهَا*** أَلَا هَلْ لَنَا (9) أَهْلٌ سَأَلَتْ كَذَلِكَ

بِئْسَ الْقَوْمُ مَنْ خَفَضَنِی وَ حَاوَلُوا الْإِدْهَانَ فِی دِینِ اللَّهِ، فَإِنْ تُرْفَعْ عَنَّا مِحَنُ

ص: 484


1- جاء السّند فی علل الشّرائع هكذا: حدّثنا أبو أحمد الحسن بن عبد اللّٰه بن سعید بن الحسن بن إسماعیل بن حكیم العسكریّ، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهیم رعل العبشمیّ، قال: حدّثنا ثبیت ابن محمّد، قال: حدّثنی أبو الأحوص عمّن حدّثه، عن آبائه، عن أبی محمّد الحسن بن علیّ علیه السّلام، قال: بینما .. و السّند المذكور هنا جاء فی أمالی الشّیخ الصّدوق، فتدبّر.
2- فی العلل: دفعكم.
3- جاءت نسخة بدل فی المطبوع من البحار و المصدر: المساءلة.
4- فی (ك) نسخة: لفلق.
5- فی نسخة من الأمالی: إمرة، و فی العلل: كانت إمرة .. و هو الظّاهر. و سیأتی قریبا.
6- هذا صدر بیت، و عجزه كما جاء فی متن نهج البلاغة- صبحی الصّالح-، و فی حاشیة طبعة محمّد عبده: و هات حدیثا ما حدیث الرّواحل ..
7- فی الأمالی: بعد بكائه .. و لا معنی له.
8- فی الأمالی: لا غرو- بدون الواو-، و فی (س) و لا أغرو، و الظّاهر زیادة الهمزة بعد: لا. و جاء فی حاشیة (ك): الغرو: العجب، و غروت: أیّ عجبت، و لا غرو أیّ لیس بعجب .. نهایة. انظر النهایة : ٣ _ ٣٦٥.
9- فی (ك): لأهل.

الْبَلْوَی أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَی مَحْضِهِ، وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَی فَلا تَأْسَ عَلَی الْقَوْمِ الْفاسِقِینَ (1)، إِلَیْكَ عَنِّی یَا أَخِی بَنِی سِیدَانَ (2).

«6»-نهج (3): وَ مِنْ كَلَامٍ لَهُ (علیه السلام) لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَ قَدْ سَأَلَهُ: كَیْفَ دَفَعَكُمْ قَوْمُكُمْ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ وَ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ؟ فَقَالَ:

یَا أَخَا بَنِی أَسَدٍ! إِنَّكَ لَقَلِقُ (4) الْوَضِینِ تُرْسِلُ فِی غَیْرِ سَدَدٍ، وَ لَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وَ حَقُّ الْمَسْأَلَةِ، وَ قَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ: أَمَّا (5) الِاسْتِبْدَادُ عَلَیْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ وَ نَحْنُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً، وَ الْأَشَّدُّ (6) بِالرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ نَوْطاً، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ (7) عَلَیْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِینَ، وَ الْحَكَمُ اللَّهُ، وَ الْمَعْوَدُ إِلَیْهِ الْقِیَامَةُ (8) .. وَ دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِیحَ فِی حَجَرَاتِهِ .. وَ هَلُمَّ الْخَطْبَ فِی ابْنِ أَبِی سُفْیَانَ فَلَقَدْ (9) أَضْحَكَنِی الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ، وَ لَا غَرْوَ وَ اللَّهِ، فَیَا لَهُ خَطْباً یَسْتَفْرِغُ الْعُجْبَ وَ یُكْثِرُ الْأَوَدَ! حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ، وَ سَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ یَنْبُوعِهِ، وَ جَدَحُوا بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ شِرْباً وَبِیئاً، فَإِنْ یَرْتَفِعْ (10) عَنَّا وَ عَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَی، أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَی مَحْضِهِ، وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَی، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ (11)..

ص: 485


1- فی (س): عن، بدلا من: علی.
2- كذا، و فی (ك) و المصدر نسخة: بنی دودان، و هو الظّاهر.
3- نهج البلاغة- محمّد عبده- 2- 62، صبحی الصّالح: 231- 232 خطبة: 162.
4- توجد حاشیة فی (ك) غیر معلمة، و محلّها هنا، و هی: القلق- بالتّحریك-: الانزعاج، قلق قلقا- من باب تعب- اضطرب، و أقلقه الهمّ و غیره: أزعجه .. مجمع. انظر: مجمع البحرین 5- 231.
5- فی (س): إن.
6- توجد نسخة فی (ك): و الأشدّون، و فی النّهج- بطبعتیه-: و الأشدّون برسول اللّٰه.
7- الكلمة فی (س) مشوّشة.
8- فی (ك) نسخة: یوم القیامة.
9- فی نسخة فی حاشیة (ك): و لقد.
10- فی (ك) نسخة: ترتفع، و هی الّتی فی طبعتی النّهج.
11- فاطر: 8.

و لنوضح روایتی الصدوق و السیّد رضی اللَّه عنهما: قال الفیروزآبادی:

دودان (1) .. ابن أسد: أبو قبیلة (2) فلا ینافی ما فی النهج أنّه كان من بنی أسد.

و قال الجوهری: ناط الشیّ ء ینوطه نوطا: علّقه (3).

قوله علیه السلام: ذمام الصهر .. الذّمام- بالكسر- الحرمة (4)، و أمّا (5) كونه صهرا فقیل لأنّ زینب بنت جحش زوجة النبیّ صلّی اللَّه علیه و آله كانت أسدیّة، و نقل الراوندی رحمه اللَّه أنّه كان متزوّجا فی بنی أسد (6)، و أنكره ابن أبی الحدید (7). و قال فی النهایة- فی

حدیث علیّ (علیه السلام)- «إنّك لقلق الوضین».

الوضین: بطان منسوج بعضه علی بعض یشدّ به الرّحل علی البعیر كالحزام للسّرج، أراد به (8) أنّه سریع الحركة، یصفه، بالخفّة و قلّة الثّبات، كالحزام إذا كان رخوا (9).

قوله علیه السلام: ترسل فی غیر سدد .. الإرسال: الإطلاق و الإهمال و التّوجیه (10)، و السّدد و السداد: الاستقامة و الصّواب (11) .. أی تطلق عنان دابّتك أو تهملها و توجّهها فی غیر مواضعها، أی تتكلّم فی غیر موضع الكلام، و تسأل مثل هذا الأمر الذی لا یمكن التصریح بمخّ الحقّ فیه فی مجمع النّاس.

ص: 486


1- فی (ك): دوران، و فی المصدر: دودان- بالدالین-.
2- القاموس 1- 292، و قال فی صحاح اللغة 2- 471: و دودان. أبو قبیلة من أسد، و هو دودان بن أسد بن خزیمة ..
3- الصحاح 3- 1165، و انظر: مجمع البحرین 4- 277.
4- كما فی مجمع البحرین 6- 66، و الصحاح 5- 1926، و غیرهما.
5- فی (س): فأما.
6- كما فی منهاج البراعة 2- 123.
7- فی شرحه علی النهج 9- 242 خطبة 163.
8- لم یرد فی المصدر لفظ: به، و كذا لم یأت فی لسان العرب 13- 450.
9- قاله فی النهایة 5- 199، و فی لسان العرب 13- 450 عینه، و انظر: مجمع البحرین 6- 326.
10- كذا فی القاموس 3- 384، و لسان العرب 11- 283 و 285، و غیرهما.
11- جاء فی الصحاح 2- 485، و القاموس 1- 300، و جملة من كتب اللغة.

و فی روایة الصدوق: عن ذی مسد .. و المسد: الحبل الممسود- أی المفتول- من نبات أو لحاء شجرة، و قیل: المسد: المرود (1) البكرة الّذی تدور علیه- ذكرهما فی النهایة (2)

فیمكن أن یقرأ علی بناء المعلوم .. أی ترسل الكلام كما یرسل البكرة علی المرود عند الاستقاء، أو المعنی تطلق حیوانا له مسد ربط به، كنایة عن التكلّم بما له مانع عن التكلّم به، و (3) علی المجهول .. أی تنطق بالكلام عن غیر تأمّل ثم (4) تصیر معلّقا بالحبل بین السماء و الأرض لا تدری الحیلة فیه، أو بتشدید الدال .. أی ترسل الماء عن مجری له محل سدّ أو وسّد (5)، و الأظهر أنّه تصحیف، و فیما سیأتی من روایة المفید: من غیر ذی مسد، و هو أظهر.

و الاستبداد بالشّی ء: التّفرّد به (6)، و الضمیر فی قوله علیه السلام: فإنّها ..

راجعة إلی الخلافة أو الدنیا لظهورهما بقرینة المقام. و قیل: إلی الأثرة المفهومة من الاستبداد، و هو بعید.

و فی الأمالی: امرأة، و كأنّه تصحیف إمرة- بالكسر- أی إمارة (7).

قوله علیه السلام: شحّت .. أی بخلت (8)، و النفوس الشاحّة: نفوس أهل السقیفة.

ص: 487


1- فی المصدر: مرود- بدون الألف و اللام-.
2- النهایة 4- 329، و انظر: لسان العرب 3- 403، و غیره.
3- فی (ك): أو، بدل الواو.
4- لا توجد: ثم، فی (س).
5- كذا، و الظاهر أنّها: مسد .. أی قتل و طوی كما مرّ بیانه من المصنّف قدّس سرّه، و أمّا كلمة:وسد ، فقال فی لسان العرب ٣ _ ٤٥٩ : وقد توسد ووسده إیاه فتوسد : إذا جعله تحت رأسه ، وقال فیه ٣ _ ٤٦٠ : والتوسید : أن تمد الثلام (كذا) طولا حیث تبلغه البقر.
6- قاله فی القاموس 1- 276، و النهایة 1- 105.
7- صرّح به فی الصحاح 2- 581، و المصباح المنیر 1- 29، و غیرهما.
8- كذا جاء فی مجمع البحرین 2- 379، و القاموس 1- 230، و الصحاح 1- 378، و زاد فی الأخیر:

قوله علیه السلام: و المعود إلیه .. اسم مكان (1)، و یروی یوم (2) القیامة بالنصب- علی أن یكون ظرفا، و العامل فیه المعود علی أن یكون مصدرا.

قوله علیه السلام:

دع عنك نهبا صیح فی حجراته

البیت لإمرئ القیس و تمامه:

و لكن حدیثا ما حدیث الرواحل

(3)، و كان من قصّة هذا الشعر أنّ إمرأ القیس لمّا انتقل فی أحیاء العرب بعد قتل أبیه نزل علی رجل من جدیلة (4) طی یقال له: طریف، فأحسن جواره، فمدحه و أقام عنده، ثم إنّه خاف أن لا یكون له منعة فتحول و نزل علی خالد بن سدوس النبهانی فأغارت بنو جدیلة (5) علی إمرئ القیس- و هو فی جوار خالد- فذهبوا بإبله، فلمّا أتاه الخبر ذكر ذلك لجاره فقال له: أعطنی رواحلك ألحق علیها القوم فأردّ علیك (6) إبلك ففعل، فركب خالد فی أثر القوم حتی أدركهم، فقال: یا بنی جدیلة (7): أغرتم علی إبل جاری؟. فقالوا: ما هو لك بجار؟. قال: بلی و اللَّه و هذه (8) رواحله. قالوا:

كذلك. قال: نعم. فرجعوا إلیه و أنزلوه عنهنّ و ذهبوا بهنّ و بالإبل. و قیل: بل انطوی خالد علی الإبل فذهب بها، فقال إمرؤ القیس:

ص: 488


1- قال فی النهایة 3- 316: و منه حدیث علی (علیه السلام) : و الحكم اللّٰه و المعود إلیه یوم القیامة .. أی المعاد ، هكذا جاء المعود علی الأصل ، وهو مفعل من عاد یعود ، ومن حق أمثاله أن تقلب واوه ألفا كالمقام والمراح ، ولكنه استعمله علی الأصل ، ونحوه فی لسان العرب ٣ _ ٣١٧.
2- خطّ فی (س) علی كلمة: یوم.
3- دیوان إمرئ القیس: 146.
4- فی (س): جذیلة، و جاء فی حاشیة (ك): و الجدیلة: القبیلة: و النّاحیة. و جدیلة: حیّ من طیّ، و هو اسم أمّهم، و هی جدیلة بنت سبیع بن عمرو .. صحاح. انظر الصحاح ٤ _ ١٦٥٤.
5- فی (س): فأعادت بنو جذیلة، و الظاهر ما أثبتناه.
6- لا توجد: علیك، فی (س).
7- فی (س): جذیلة.
8- فی (س): هذا.

دع عنك .. إلی آخر القصیدة، و المعنی دع عنك نهبا .. أی اتركه (1).

و النّهب: الغنیمة (2).

و الحجرات: النّواحی جمع حجرة كجمرة و جمرات (3).

و الصیاح: صیاح الغارة.

و الرّواحل- جمع راحلة- و هی النّاقة التیّ تصلح لأن یشدّ الرّحل علی ظهرها (4)، و انتصب حدیثا بإضمار فعل .. أی حدّثنی أو هات أو اسمع، و یروی بالرفع .. أی غرضی حدیث فحذف المبتدأ، و (ما) هاهنا تحتمل أن تكون (5) إبهامیّة، هی التی إذا اقترنت بنكرة زادته إبهاما، أو صلة مؤكّدة كما فی قوله تعالی:

فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ (6).

و أمّا حدیث الثانی: فقد ینصب علی البدل من الأول، و قد یرفع علی أن یكون (ما) موصولة و صلتها الجملة .. أی الذی هو حدیث الرواحل، ثم حذف صدرها كما حذف فی: تَماماً عَلَی الَّذِی أَحْسَنَ (7)، أو علی أن تكون استفهامیّة بمعنی أیّ.

و قوله علیه السلام: و هلمّ الخطب .. یؤیّد أنّه علیه السلام لم یستشهد إلّا بصدر البیت، فإنّه قائم مقام قول إمرئ القیس: و لكن حدیثا (8) ما.

ص: 489


1- جاء فی مجمع البحرین 4- 400 و غیره.
2- ذكر فی مجمع البحرین 2- 178.
3- صرّح به فی القاموس 2- 4، و انظر: الصحاح 2- 623.
4- قاله فی مجمع البحرین 5- 381، و الصحاح 5- 1707 و غیرهما.
5- فی (س): أن یكون.
6- النساء: 155، المائدة: 13.
7- الأنعام: 154.
8- توجد حاشیة فی (ك)، لعل محلها هنا و هی: هذا یقوی روایة من روی عنه علیه السلام: لم یستشهد إلّا لصدر البیت، لأنّه قال: دع عنك ما مضی و هلمّ ما نحن الآن فیه من أمر معاویة ..قائما مقام قول إمرئ القیس : ولكن حدیثا ما حدیث الرواحل .. ابن أبی الحدید.

و هلمّ یستعمل لازما و متعدّیا، فاللّازم بمعنی تعال، و یستوی فیه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث فی لغة أهل الحجاز، و أهل نجد یقولون: هلمّا و هلمّوا (1)، و المتعدّی بمعنی هات، قال تعالی: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ (2) و هنا یحتمل الوجهین، و إن كان الثانی أظهر، أی لا تسأل عن اللصوص الثلاثة الماضیة، فإنّهم نهبوا الخلافة و صاحوا فی حجراته و مضوا، و لكن هات ما نحن فیه الآن من خطب (3) ابن أبی سفیان لنتكلّم فیه و نشتغل بدفعه، فإنّه أعجب و أغرب، و التعرّض له أهمّ.

و الخطب: الحادث الجلیل و الأمر العظیم (4).

قوله علیه السلام: بعد إبكائه .. قیل: الإبكاء إشارة إلی ما كان علیه من الكآبة لتقدّم الخلفاء، و الضحك للتعجب من أنّ الدهر لم یقنع بذلك حتی جعل معاویة منازعا له فی الخلافة، و الأظهر أنّ كلیهما فی أمر معاویة، أو فی أمره و أمر من تقدّمه فإنّها محل للحزن و التعجب معا.

و الغرو- بالغین المعجمة المفتوحة و الراء المهملة الساكنة- العجب (5) أی لا عجب و اللَّه (6)، ثم فسّره بما بعده فقال: یستفرغ العجب .. أی لم یبق منه ما

ص: 490


1- جاء فی مجمع البحرین 6- 187، و الصحاح 5- 2060، و لكنهما اقتصرا علی بیان المعنی اللازم له.
2- الأنعام: 150. أقول: : قال الشیخ الرضی فی شرحه ٢ _ ٦٨ : ومما جاء متعدیا ولازما : هلم بمعنی أقبل فیتعدی ب : إلی ، قال تعالی : « هلم إلینا » ، وبمعنی أحضره ، نحو قوله تعالی : « هلم شهداءكم » ، فلم یتصرف فیه أهل الحجاز ... وبنو تمیم یصرفونه ... ولیست بالفصیحة نحو : هلما هلموا هلمی هلما هلممن.
3- فی طبعتی البحار: خطیب.
4- هذا المعنی بملاحظة القرائن فی الكلام، و أمّا معنی نفس الخطب فهو الأمر الذی یقع فیه المخاطبة، و الشأن، و الحال، ذكرها علماء اللغة كما فی مجمع البحرین 1- 51، و النهایة 2- 45.
5- جاء فی مجمع البحرین 1- 315، و النهایة 2- 365، و غیرها.
6- لا توجد: و اللّٰه، فی (س).

یطلق علیه لفظ التعجب، و هذا من المبالغة فی المبالغة، أی هذا أمر یجلّ عن التعجب كقول ابن هانی المغربی (1):

قد سرت فی المیدان یوم طرادهم*** فعجبت حتی كدت لا أتعجّب

(2) و الأود: العوج «3»، و یحتمل أن یكون لا غرو، معناه: أنّ ما ورد علیّ لیس بعجب من تقلّبات الدنیا و أحوالها، و قوة الباطل و غلبة أهله فیها، فیكون قوله علیه السلام: فیا له .. استئنافا لاستعظام الأمر، أو المعنی: لا غرو فی أن أضحكنی و أبكانی لأمر واحد.

و أمّا روایة الصدوق، فلعلّ المعنی لا عجب إلّا من جارتی، و سؤالها عنّی (3) لم لم تنتصر ممّن ظلمك؟ هل كان لی أهل یعیننی فأسأل عن ذلك؟ أی مع علمك بتفرّدی و تخذّل الناس عنّی ما كنت تحتاج إلی السؤال عن علّة الأمر.

و فوّار الینبوع- بالفتح و تشدید الواو-: ثقب البئر، و الفوار- بالضم و التخفیف-: ما یفور من حرّ القدر (4)، و قرئ بهما، و الأول أظهر.

و جدحوا .. أی خلطوا (5) و مزجوا و أفسدوا.

و الوبیّ: ذو الوباء و المرض (6).

ص: 491


1- لا توجد: المغربی فی (س).
2- دیوان ابن هانی الأندلسی: 44، و فیه هكذا:
3- فی (س): أعنی.
4- قال فی القاموس 2- 112: الفوّارة .. منبع الماء. و فوارة القدر- بالضم و التخفیف-: ما یفور من حرّها. و انظر: الصحاح 2- 783، و لسان العرب 5- 68.
5- نصّ إلی هنا فی النهایة 1- 243، و لسان العرب 5- 421.
6- جاء فی مجمع البحرین 1- 429، و قال فی النهایة 5- 144: الوبی- بالقصر و المدّ و الهمزة-:الطاعون ، والمرض العام ، وقد أوبأت الأرض فهی موبئة وبئت فهی وبیئة ، ووبئت أیضا فهی موبوءة.

و الشّرب- بالكسر- الحظّ من الماء (1)، و الشرب الوبی هو الفتنة الحاصلة من عدم انقیادهم له علیه السلام كالشرب المخلوط بالسمّ.

قوله علیه السلام: فإن یرتفع .. أی بأن یتّبعوا أمری.

«7»-قل (2): حَكَی أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِیُّ فِی كِتَابِ الْأَوَائِلِ (3) عِنْدَ ذِكْرِ أَبِی الْهَیْثَمِ بْنِ التَّیِّهَانِ (4): إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ عَلَی یَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی ابْتِدَاءِ أَمْرِ نُبُوَّتِهِ.

ثُمَّ قَالَ- بِإِسْنَادِهِ-: إِنَّ أَبَا الْهَیْثَمِ قَامَ خَطِیباً (5) بَیْنَ یَدَیْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ (6) فَقَالَ: إِنَّ حَسَدَ قُرَیْشٍ إِیَّاكَ عَلَی وَجْهَیْنِ: أَمَّا خِیَارُهُمْ، فَتَمَنَّوْا أَنْ یَكُونُوا مِثْلَكَ مُنَافَسَةً (7) فِی الْمَلَإِ وَ ارْتِفَاعِ الدَّرَجَةِ، وَ أَمَّا شِرَارُهُمْ، فَحَسَدُوا (8) حَسَداً أَثْقَلَ الْقُلُوبَ وَ أَحْبَطَ الْأَعْمَالَ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ رَأَوْا (9) عَلَیْكَ نِعْمَةً قَدَّمَهَا (10) إِلَیْكَ الْحَظُّ (11) وَ أَخَّرَهُمْ عَنْهَا الْحِرْمَانُ، فَلَمْ یَرْضَوْا أَنْ یَلْحَقُوا (12) حَتَّی طَلَبُوا أَنْ یَسْبِقُوكَ،

ص: 492


1- كما قاله فی مجمع البحرین 2- 87، و الصحاح 1- 153، و غیرهما.
2- إقبال الأعمال: 460.
3- كتاب الأوائل: 150.
4- لا توجد: ابن التّیّهان، فی طبعة (س)، و فی الإقبال جعل: أبی الهیثم، نسخة و المتن: ابن الهیثم، و فی الأوائل: أبو الهیثم، و هو الظّاهر.
5- فی المصدر: بإسناده إلی الهیثم بن التّیّهان خطیبا (كذا) ..
6- فی طبعة (س): بین یدی أمیر المؤمنین علیه السّلام، و لا یوجد لفظ أمیر المؤمنین فی المصدر.
7- جعلها فی المصدر نسخة، و أثبت كلمة: مناقشة.
8- فی الأوائل: فحسدوك، و هو الظّاهر.
9- فی طبعة (ك): ولّوا. و فی طبعة (س): دلوا. و ما أوردناه جاء فی المصدر.
10- فی الأوائل: قدمك.
11- جاءت نسخة بدل فی المصدر: الخبط.
12- فی الأوائل: یلحقوك، و هو الظّاهر.

فَبَعُدَتْ- وَ اللَّهِ- عَلَیْهِمُ (1) الْغَایَةُ، وَ قُطِعَتِ الْمِضْمَارُ (2)، فَلَمَّا تَقَدَّمْتَهُمْ (3) بِالسَّبْقِ وَ عَجَزُوا عَنِ اللَّحَاقِ بَلَغُوا مِنْكَ مَا رَأَیْتَ، وَ كُنْتَ- وَ اللَّهِ- أَحَقَّ قُرَیْشٍ بِشُكْرِ قُرَیْشٍ، نَصَرْتَ نَبِیَّهُمْ حَیّاً (4)، وَ قَضَیْتَ عَنْهُ الْحُقُوقَ مَیِّتاً، وَ اللَّهِ مَا بَغْیُهُمْ إِلَّا عَلَی أَنْفُسِهِمْ، وَ لَا نَكَثُوا إِلَّا بَیْعَةَ اللَّهِ، یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فِیهَا، وَ نَحْنُ (5) مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ أَیْدِینَا وَ أَلْسِنَتُنَا مَعَكَ (6)، فَأَیْدِینَا عَلَی مَنْ شَهِدَ وَ أَلْسِنَتُنَا عَلَی مَنْ غَابَ (7).

أقول: رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِ النَّهْجِ (8): عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی سَیْفٍ (9) الْمَدَائِنِیِّ، عَنْ فُضَیْلِ بْنِ الْجَعْدِ، قَالَ: آكَدُ الْأَسْبَابِ كَانَ فِی تَقَاعُدِ الْعَرَبِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَمْرُ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ یَكُنْ یُفَضِّلُ شَرِیفاً عَلَی مَشْرُوفٍ، وَ لَا عَرَبِیّاً عَلَی عَجَمِیٍّ، وَ لَا یُصَانِعُ الرُّؤَسَاءَ وَ أُمَرَاءَ الْقَبَائِلِ كَمَا یَصْنَعُ الْمُلُوكُ، وَ لَا یَسْتَمِیلُ أَحَداً إِلَی نَفْسِهِ، وَ كَانَ مُعَاوِیَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَتَرَكَ النَّاسُ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْتَحَقُوا بِمُعَاوِیَةَ، فَشَكَا عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی الْأَشْتَرِ تَخَاذُلَ أَصْحَابِهِ وَ فِرَارَ بَعْضِهِمْ إِلَی مُعَاوِیَةَ، فَقَالَ الْأَشْتَرُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنَّا قَاتَلْنَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَ رَأْیُ النَّاسِ وَاحِدٌ، وَ قَدِ اخْتَلَفُوا بَعْدُ وَ تَعَادَوْا وَ ضَعُفَتِ (10) النِّیَّةُ وَ قَلَّ الْعَدَدُ، وَ أَنْتَ تَأْخُذُهُمْ بِالْعَدْلِ، وَ تَعْمَلُ فِیهِمْ بِالْحَقِّ،

ص: 493


1- جاءت العبارة فی الأوائل للعسكریّ هكذا: فبعدت علیهم و اللّٰه.
2- فی المصدر و الأوائل: أسقط المضمار، و قد تقرأ: أسفط.
3- فی طبعة (س): تقدّمهم.
4- لا توجد: حیّا، فی أوائل العسكریّ.
5- فی الأوائل: فها نحن ..، بدلا من: فیها و نحن .. و هو الظّاهر.
6- فی الأوائل: لك، بدلا من: معك.
7- نسخة جاءت فی طبعة (ك): من عاب.
8- شرح نهج البلاغة 2- 197- 198 بتصرف.
9- فی المصدر: أبی یوسف، و هو الظّاهر.
10- العبارة فی (ك) مشوّشة، و علیها نسخة بدل: ضعفا أو ضعّفت، و فی (س): و ضعف، و ما أثبت أخذناه من المصدر.

وَ تُنْصِفُ لِلْوَضِیعِ مِنَ الشَّرِیفِ، فَلَیْسَ لِلشَّرِیفِ عِنْدَكَ فَضْلُ مَنْزِلَةٍ (1)، فَضَجَّتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ تَبِعَكَ (2) مِنَ الْحَقِّ إِذْ عَمَوْا بِهِ وَ اغْتَمُّوا (3) مِنَ الْحَقِّ (4) إِذْ صَارُوا فِیهِ، وَ رَأَوْا صَنَائِعَ مُعَاوِیَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْغَنَاءِ وَ الشَّرَفِ، فَتَاقَتْ (5) أَنْفُسُ النَّاسِ إِلَی (6) الدُّنْیَا، وَ قَلَّ مَنْ لَیْسَ لِلدُّنْیَا (7)، وَ أَكْثَرُهُمْ یَجْتَوِی (8) الْحَقَّ وَ یَشْتَرِی الْبَاطِلَ، وَ یُؤْثِرُ الدُّنْیَا، فَإِنْ تَبْذُلِ الْمَالَ- یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ- تَمِلْ إِلَیْكَ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَ تَصْفُو نَصِیحَتُهُمْ، وَ یَسْتَخْلِصُ وُدُّهُمْ لَكَ یَا (9) أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! وَ كُبِتَ (10) أَعْدَاؤُكَ، وَ فُضَّ (11) جَمْعُهُمْ، وَ أُوْهِنَ كَیْدُهُمْ، وَ شُتِّتَ أُمُورُهُمْ، إِنَّهُ بِما یَعْمَلُونَ خَبِیرٌ فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عِلْمِنَا (12) وَ سِیرَتِنَا بِالْعَدْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَیْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ

ص: 494


1- فی شرح النّهج: منزلة علی الوضیع.
2- فی شرح النّهج: من معك.
3- قال فی الصّحاح 5- 1997: الغمّ: واحد الغموم، تقوم منه غمّه فاغتمّ.
4- فی شرح النّهج: من العدل، بدلا من: من الحقّ.
5- فی (س): فتافت. أقول: : قال فی مجمع البحرین ٥ _ ١٤٣ : تاقت نفسه إلی الشیء تتوق توقا وتوقانا : اشتاقت ونازعت إلیه. قال فی القاموس ٣ _ ١٢١ : تاق بصره یتوق : تاه.
6- لا توجد: النّاس إلی، فی (س).
7- فی شرح النّهج: للدّنیا بصاحبها.
8- قال فی مجمع البحرین 1- 92: اجتویت البلد: كرهت المقام فیه و إن كنت فی نعمة.
9- فی شرح النّهج: صنع اللّٰه لك یا ..
10- قال فی الصّحاح 1- 207: كبّه اللّٰه لوجهه .. أیّ صرعه فأكبّ علی وجهه، و هذا من النّوادر أنّ یقال: أفعلت أنا و فعلت غیری. و قال فیه 1- 263: الكبت: الصّرف و الإذلال ..، و كبته لوجهه .. أی صرعه. أقول: و لعلّ لفظ الجلالة قد سقط هنا من طبعتی البحار، لاقتضاء السّیاق إیّاه.
11- قال فی مجمع البحرین 4- 222: فضضت القوم فانفضوا .. أیّ فرّقتهم فتفرّقوا .. و أصل الفض:الكسر.
12- فی شرح النّهج: عملنا.

لِلْعَبِیدِ (1)، وَ أَمَّا (أَنَا) (2) مِنْ أَنْ أَكُونَ مُقَصِّراً فِیمَا ذَكَرْتَ أَخْوَفُ. وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ ثَقِیلٌ عَلَیْهِمْ فَفَارَقُوا بِذَلِكَ (3)، فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَمْ یُفَارِقُونَا مِنْ جَوْرٍ وَ لَا لَجَئُوا إِذْ فَارَقُونَا إِلَی عِدْلٍ، وَ لَمْ یَلْتَمِسُوا إِلَّا دُنْیَا زَائِلَةً عَنْهُمْ كَانَ قَدْ فَارَقُوهَا، وَ لَیُسْأَلُنَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ: أَ لِلدُّنْیَا أَرَادُوا أَمْ لِلَّهِ عَمِلُوا؟.

وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَ اصْطِنَاعِ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ لَا یَسَعُنَا أَنْ نُؤْتِیَ امْرَأً مِنَ الْفَیْ ءِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ (4) وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِیرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ (5) وَ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَحْدَهُ، وَ كَثَّرَهُ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَ أَعَزَّ فِئَتَهُ بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَ إِنْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یُوَلِّیَنَا هَذَا الْأَمْرَ یُذَلِّلْ لَنَا صَعْبَهُ، وَ یُسَهِّلْ لَنَا حَزْنَهُ، وَ أَنَا قَابِلٌ مِنْ رَأْیِكَ مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ رِضًی، وَ أَنْتَ مِنْ آمَنِ النَّاسِ عِنْدِی، وَ أَنْصَحِهِمْ لِی، وَ أَوْثَقِهِمْ فِی نَفْسِی إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَ رَوَی أَیْضاً فِی الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ (6)، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ (7) قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! لَوْ أَمَرْتَ لِی بِمَعُونَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ! فَوَ اللَّهِ مَا لِی نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ أَبِیعَ دَابَّتِی. فَقَالَ: لَا وَ اللَّهِ، مَا أَجِدُ لَكَ شَیْئاً إِلَّا أَنْ تَأْمُرَ عَمَّكَ یَسْرِقُ (8) فَیُعْطِیكَ..

«8»-ما (9): جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ النَّحْوِیِّ، عَنِ

ص: 495


1- فصّلت: 46.
2- فی شرح النّهج: و أنا.
3- فی شرح النّهج: ثقل علیهم ففارقونا لذلك.
4- فی شرح النّهج: سبحانه و تعالی.
5- البقرة: 249.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2- 200 بتصرف.
7- فی المصدر: سعید.
8- فی شرح النّهج: أنّ یسرق.
9- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 2- 221.

الْخَلِیلِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِی یُونُسُ (1) بْنُ حَبِیبٍ النَّحْوِیُّ- وَ كَانَ عُثْمَانِیّاً- قَالَ: قُلْتُ لِلْخَلِیلِ بْنِ أَحْمَدَ: أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَتَكْتُمُهَا عَلَیَّ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْلَكَ یَدُلُّ عَلَی أَنَّ الْجَوَابَ أَغْلَظُ مِنَ السُّؤَالِ، فَتَكْتُمُهُ أَنْتَ أَیْضاً؟

قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ أَیَّامَ حَیَاتِكَ. قَالَ: سَلْ (2). قَالَ: مَا بَالُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ رَحِمِهِمْ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُو أُمٍّ وَاحِدَةٍ وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنْ بَیْنِهِمْ كَأَنَّهُ ابْنُ عَلَّةٍ؟. قَالَ: مِنْ أَیْنَ لَكَ هَذَا السُّؤَالُ؟. قَالَ: قُلْتُ:

قَدْ وَعَدْتَنِی الْجَوَابَ. قَالَ: قَدْ ضَمِنْتَ لِیَ الْكِتْمَانَ (3). قَالَ: قُلْتُ أَیَّامَ حَیَاتِكَ.

فَقَالَ: إِنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ تَقَدَّمَهُمْ إِسْلَاماً وَ فَاقَهُمْ عِلْماً، وَ بَذَّهُمْ (4) شَرَفاً، وَ رَجَّحَهُمْ زُهْداً، وَ طَالَهُمْ جِهَاداً، فَحَسَدُوهُ، وَ النَّاسُ إِلَی أَشْكَالِهِمْ وَ أَشْبَاهِهِمْ أَمْیَلُ مِنْهُمْ إِلَی مَنْ بَانَ مِنْهُمْ، فَافْهَمْ.

ص: 496


1- اختصر السّند، و فی المصدر جاء هكذا: أخبرنا جماعة عن أبی المفضّل، قال: حدّثنا محمّد بن العبّاس بن الیزیدیّ النّحویّ أبو عبد اللّٰه، قال: حدّثنا أبو الأسود الخلیل بن أسد النّوشجانی، قال: حدّثنی محمّد بن سلّام الجمحیّ، قال: حدّثنی یونس .. إلی آخره.
2- خطّ فی (س) علی جملة: قال سل ..
3- فی المصدر: و قد ضمنت الكتمان.
4- قال فی مجمع البحرین 3- 177: بذه یبذه بذاذا .. أیّ غلبه و فاقه.

15- باب شكایة أمیر المؤمنین صلوات اللَّه علیه عمّن تقدّمه

اشارة

«1»-مع، ع (1): مَاجِیلَوَیْهِ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ الْبَرْقِیِّ (2)، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذَكَرْتُ الْخِلَافَةَ عِنْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا أَخُو تَیْمٍ (3) وَ إِنَّهُ لَیَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَی، یَنْحَدِرُ عَنِّی (4) السَّیْلُ وَ لَا یَرْقَی إِلَیَّ الطَّیْرُ (5)، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَ طَوَیْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِی بَیْنَ أَنْ أَصُولَ بِیَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَی طَخْیَةٍ عَمْیَاءَ، یَشِیبُ فِیهَا الصَّغِیرُ، وَ یَهْرَمُ فِیهَا الْكَبِیرُ، وَ یَكْدَحُ فِیهَا مُؤْمِنٌ حَتَّی یَلْقَی رَبَّهُ (6)، فَرَأَیْتُ أَنَّ الصَّبْرَ

ص: 497


1- معانی الأخبار 243- 244 باب معانی خطبة لأمیر المؤمنین علیه السّلام. علل الشرائع ١ _ ١٥٠ _ ١٥١ حدیث ١٢ ، وذكرنا الاختلاف بینهما وبین المتن.
2- جاء السّند فی العلل: و حدّثنا محمّد بن علیّ ماجیلویه عن عمّه محمّد بن أبی القاسم عن أحمد بن أبی عبد اللّٰه البرقیّ .. و ذكر فی معانی الأخبار هذا السّند و سندا آخر سیأتی.
3- فی العلل: ابن أبی قحافة أخو تیم.
4- فی (س): علیّ، و فی معانی الأخبار: عنه.
5- فی المعانی: و لا یرتقی إلیه الطّیر ..
6- فی المعانی: یلقی اللّٰه. و ذكر: ربّه نسخة بدل.

عَلَی هاتی (هَاتَا) (1) أَحْجَی، فَصَبَرْتُ وَ فِی الْقَلْبِ قَذًا (2)، وَ فِی الْحَلْقِ شَجًا، أَرَی تُرَاثِی نَهْباً، حَتَّی إِذَا مَضَی الْأَوَّلُ (3) لِسَبِیلِهِ فَأَدْلَی بِهَا إِلَی فُلَانٍ بَعْدَهُ، عَقَدَهَا لِأَخِی (4) عَدِیٍّ بَعْدَهُ (5)، فَیَا عَجَباً بَیْنَا هُوَ یَسْتَقِیلُهَا فِی حَیَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا الآخر (لِآخَرَ) بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَصَیَّرَهَا وَ اللَّهِ (6) فِی حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ، یَخْشُنُ مَسُّهَا، وَ یَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَ یَكْثُرُ الْعِثَارُ فِیهَا (7) وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا (8)، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ (9)، إِنْ عَنَّفَ بِهَا حَرَنَ وَ إِنْ أَسْلَسَ (10) بِهَا غَسَقَ، فَمُنِیَ النَّاسُ- لَعَمْرُ اللَّهِ- بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ (11)، وَ تَلَوُّنٍ (12) وَ اعْتِرَاضٍ، وَ بَلْوَی وَ هُوَ (13) مَعَ هَنٍ وَ هُنَیٍّ، فَصَبَرْتُ عَلَی طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ، حَتَّی إِذَا مَضَی لِسَبِیلِهِ جَعَلَهَا فِی جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّی مِنْهُمْ (14)، فَیَا لَلَّهِ (15) وَ لِلشُّورَی! مَتَی اعْتَرَضَ الرَّیْبُ (16) فِیَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّی صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَی هَذِهِ النَّظَائِرِ (17)؟

ص: 498


1- فی (ك) جاءت نسخة بدل: هاة، و كتبت فی المصدرین: هاتا.
2- فی المصدرین: و فی العین قذا .. و هو الظّاهر. و هی قد ذكرت نسخة بدل فی حاشیة (ك).
3- لا توجد: الأوّل، فی علل الشّرائع.
4- لا توجد فی معانی الأخبار: إلی فلان بعده عقدها .. و فی العلل: فأدلی بها لأخی عدیّ بعده.
5- خطّ علی كلمة: بعده، فی (ك).
6- لا توجد: و اللّٰه، فی (س) و لا فی العلل.
7- لا توجد: فیها، فی (س).
8- فی معانی الأخبار: منها نسخة بدل.
9- فی طبعة (س): الصّعب.
10- فی معانی الأخبار: سلس.
11- لا یوجد فی المصدرین: لعمر اللّٰه بخبط و شماس و ..
12- فی المصدرین: بتلون.
13- لا یوجد فی العلل و المعانی: و هو.
14- جاءت نسخة بدل فی (ك): أحدهم.
15- فی معانی الأخبار: فیا للّٰه لهم ..
16- فی (س): الرّقیب.
17- فی معانی الأخبار: بهذه النّظائر.

فَمَالَ رَجُلٌ بِضَبْعِهِ (1)، وَ أَصْغَی آخَرُ لِصِهْرِهِ، وَ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَیْهِ بَیْنَ نَشِیلِهِ (2) وَ مُعْتَلَفِهِ، وَ قَامُوا مَعَهُ بنی (بَنُو) أَبِیهِ (3) یَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ (4) خَضْمَ (5) الْإِبِلِ نَبْتَ (6) الرَّبِیعِ، حَتَّی أَجْهَزَ عَلَیْهِ عَمَلُهُ، وَ كَسَبَتْ بِهِ مَطِیَّتُهُ (7)، فَمَا رَاعَنِی إِلَّا وَ النَّاسُ إِلَیَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ قَدِ انْثَالُوا عَلَیَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)، حَتَّی لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ، وَ شُقَّ عِطْفَایَ، حَتَّی إِذَا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَ فَسَقَتْ (9) أُخْرَی، وَ مَرَقَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ یَسْمَعُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی یَقُولُ: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (10)، بَلَی وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا لَكِنِ احْلَوْلَتِ (11) الدُّنْیَا فِی أَعْیُنِهِمْ، وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا، وَ الَّذِی (12) فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ (13) وَ قِیَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ (14)، وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ (15) عَلَی الْعُلَمَاءِ أَنْ لَا یَقِرُّوا (16) عَلَی كِظَّةِ ظَالِمٍ

ص: 499


1- فی علل الشّرائع: لضغنه.
2- جاءت نسخة بدل فی (ك): ثیله.
3- فی المصدرین: و قام معه بنو أمیّة.
4- فی (ك): اللّٰه تعالی.
5- فی نسخة جاءت هكذا: یهضمون مال اللّٰه هضم.
6- فی معانی الأخبار، و (ك) من البحار: نبتة.
7- لا یوجد فی معانی الأخبار: و كسبت به مطیّته، و فی العلل: كبّت به مطیّته.
8- خ. ل: وجه، كذا جاء فی حاشیة (ك).
9- خ. ل: و مرقت، كذا جاء فی حاشیة (ك).
10- القصص: 83.
11- فی معانی الأخبار: لقد سمعوا و لكنّ احلولت، و فی العلل: .. لكنّهم احلولت.
12- فی العلل: أمّا و الّذی.
13- فی معانی الأخبار: حضور النّاصر.
14- لا توجد: بوجود النّاصر .. فی معانی الأخبار.
15- فی معانی الأخبار: اللّٰه تعالی.
16- لا یقارّوا .. نهج، كذا فی حاشیة (ك)، و جعل فی معانی الأخبار علی كلمة: علی رمز النّسخة.

وَ لَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَیْتُ حَبْلَهَا عَلَی غَارِبِهَا، وَ لَسَقَیْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَ لَأَلْفَیْتُمْ دُنْیَاكُمْ هَذِهِ عِنْدِی أَزْهَدَ مِنْ خَبْقَةِ (1) عَنْزٍ .. وَ نَاوَلَهُ (2) رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ كِتَاباً فَقَطَعَ كَلَامَهُ وَ تَنَاوَلَ الْكِتَابَ، فَقُلْتُ (3): یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! لَوْ أَطْرَدْتَ مَقَالَتَكَ إِلَی حَیْثُ بَلَغَتْ؟! فَقَالَ: هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ (4) یَا ابْنَ عَبَّاسٍ، تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ .. فَمَا (5) أَسِفْتُ عَلَی كَلَامٍ قَطُّ كَأَسَفِی عَلَی كَلَامِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِذْ لَمْ یَبْلُغْ (6) حَیْثُ أَرَادَ..

قال الصدوق نوّر اللَّه ضریحه (7): سألت الحسین (8) بن عبد اللَّه بن سعید العسكری عن تفسیر هذا الخبر ففسّره لی قال (9): تفسیر الخبر:

قوله علیه السلام: لقد تقمّصها .. أی لبسها مثل القمیص، یقال تقمّص الرجل و تدرّع (10) و تردّی و تمندل.

و قوله: محل القطب من الرحی .. أی تدور علیّ كما تدور الرحی علی قطبها.

قوله (11) علیه السلام ینحدر عنه السیل و لا یرتقی إلیه الطیر .. یرید أنّها

ص: 500


1- فی (س): حبقة، و كتب فی حاشیة (ك): عفطة. نهج.
2- فی معانی الأخبار: .. دنیاكم أزهد عندی من عفطة عنز قال: و ناوله ..، و فی العلل نفس العبارة إلّا إن فیها: دنیاكم هذه.
3- كتب فی (ك) تحت كلمة فقلت: ابن عبّاس.
4- لا توجد: هیهات، الثّانیة فی معانی الأخبار.
5- فی العلل: قال ابن عبّاس فما، و فی (س): فلمّا.
6- فی العلل: لم یبلغ به.
7- علل الصدوق 1- 152، و فیه: قال مصنّف هذا الكتاب، و كذا فی معانی الأخبار: 344.
8- فی المصدرین: الحسن.
9- فی معانی الأخبار: و قال ..
10- فی معانی الأخبار: أو تدرع ..
11- فی المصدرین: و قوله.

ممتنعة علی غیری و لا یتمكّن منها و لا تصلح له (1).

و قوله: فسدلت دونها ثوبا .. أی أعرضت عنها و لم أكشف وجوبها لی، و الكشح: الجنب و الخاصرة.

فمعنی (2) قوله: طویت عنها كشحا (3) .. أی أعرضت عنها، و الكاشح الذی یولیك كشحه .. أی جنبه.

و قوله: طفقت .. أی أقبلت و أخذت أرتئی .. أی أفكّر و أستعمل الرأی و أنظر فی أن أصول بید جذاء- و هی المقطوعة- و أراد قلّة الناصر.

و قوله: أو أصبر علی طخیة .. فللطخیة موضعان: فأحدهما (4) الظلمة، و الآخر: الغمّ و الحزن، یقال: أجد علی قلبی طخاء (5) .. أی حزنا و غمّا، و هو هاهنا یجمع الظلمة و الغمّ و الحزن.

و قوله: یكدح مؤمن .. أی یدأب (6) و یكسب لنفسه و لا یعطی حقّه.

و قوله: أحجی .. أی أولی، یقال: هذا أحجی من هذا و أخلق و أحری و أوجب كلّه قریب المعنی.

و قوله: فی حوزة .. أی فی ناحیة (7)، یقال: حزت الشی ء أحوزه حوزا إذا جمعته، و الحوزة ناحیة الدار و غیرها.

و قوله: كراكب الصعبة .. یعنی الناقة التی لم ترض.

إن عنف بها، العنف (8) ضدّ الرفق.

ص: 501


1- فی المصدرین: و لا یصلح لها.
2- فی العلل: بمعنی، و یمكن تصحیح كلا اللفظین.
3- لا توجد: كشحا، فی معانی الأخبار، و فی العلل: كشحها.
4- فی معانی الأخبار: أحدهما.
5- فی معانی الأخبار: طخیا، و فی العلل: طنخیا ..
6- قال فی الصحاح 1- 123: دأب فلان فی عمله .. أی جدّ و تعب.
7- فی (س): ناحیته.
8- فی المصدرین: و العنف.

و قوله: حرن .. أی وقف فلم (1) یمش، و إنّما یستعمل الحران فی الدواب، فأمّا فی (2) الإبل فیقال: خلات (3) الناقة و بها خلاء، و هو مثل حران الدواب، إلّا أنّ العرب ربّما (4) تستعیره فی الإبل.

و قوله: و إن أسلس بها غسق (5) .. أی أدخله فی الظلمة.

و قوله: مع هن و هنی (6) .. یعنی الأدنیاء من الناس، تقول العرب فلان هنی و هو تصغیر هن .. أی هو (7) دون من الناس .. و یریدون بذلك تصغیر أموره (8).

و قوله: فمال رجل بضبعه .. و یروی بضلعه (9)، و هما قریب، و هو أن یمیل بهواه و نفسه إلی الرجل (10) بعینه.

و قوله: و أصغی آخر لصهره .. فالصغو (11): المیل، یقال: صغوك مع فلان أی .. میلك معه.

و قوله: نافجا حضینه (12) .. یقال فی الطعام و الشراب و ما أشبههما قد انتفج بطنه- بالجیم-، و یقال فی كلّ داء یعتری الإنسان: قد انتفخ بطنه- بالخاء-، و الحضنان جانبا الصدر.

ص: 502


1- فی المصدرین: و لم.
2- لا توجد: فی، فی (س).
3- فی معانی الأخبار: أخلت، و فی عیون الأخبار: خلت.
4- فی العلل: إنّما.
5- فی معانی الأخبار: إن سلس غسق، و فی العلل: أسلس بها غسق ..
6- فی العلل: و هن ..
7- وضع فی المطبوع من البحار علی: هو رمز النسخة.
8- فی معانی الأخبار: أمره.
9- فی العلل: لضغنه و یروی لضلعه.
10- فی المصدرین: رجل ..
11- فی معانی الأخبار: و الصغو ..
12- فی العلل: حضینه فیقال ..، و فی معانی الأخبار: حصنیه. و الظاهر: حضنیه.

و قوله: بین ثیله و معتلفه .. فالثیل (1): قضیب الجمل و إنّما استعاره للرجل (2) هاهنا، و المعتلف: الموضع الذی یعتلف فیه .. أی یأكل، و معنی الكلام بین (3) مطعمه و منكحه.

و قوله: یخضمون .. أی یكثرون و ینقضون، و منه قوله: خضمنی الطعام .. أی نقض (4).

و قوله: أجهز (5) .. أی أتی علیه و قتله، یقال: أجهزت علی الجریح إذا كانت به جراحة فقتله (6).

و قوله: كعرف الضبع .. شبّههم به لكثرته، و العرف: الشعر الذی یكون علی عنق الفرس، فاستعاره للضبع.

و قوله: و (7) قد انثالوا .. أی انصبّوا علیّ و كثروا، و یقال: انتثلت (8) ما فی كنانتی من السهام إذا صببته (9).

و قوله: و راقهم زبرجها .. أی أعجبهم حسنها، و أصل الزبرج النقش، و هو هاهنا زهرة الدنیا و حسنها.

و قوله: أن لا یقرّوا علی كظة ظالم .. فالكظة: الامتلاء، یعنی أنّهم لا

ص: 503


1- فی المصدرین: نثیله و معتلفه .. فالنثیل.
2- فی معانی الأخبار: الرجل.
3- فی معانی الأخبار: أنه بین.
4- جاءت العبارة فی معانی الأخبار هكذا: و قوله: یهضمون .. أی یكسرون و ینقضون، و منه قولهم: هضمنی الطعام .. أی نقضنی ، وفی العلل : أی نقض.
5- فی معانی الأخبار: حتی أجهز.
6- فی المصدرین: فقتلته.
7- لا توجد الواو فی المصدرین.
8- فی المصدرین: انثلت.
9- هنا سقط موجود فی المصدرین و هو: و قوله: و شق عطافی .. یعنی رداءه، و العرب تسمی الرداء:العطاف.

یصبرون (1) علی امتلاء الظالم من المال الحرام و لا یقارّوه علی ظلمه.

و قوله: و لا سغب مظلوم .. فالسغب: الجوع، و معناه منعه من الحقّ الواجب له.

و قوله: لألقیت حبلها علی غاربها .. مثل (2) تقول العرب ألقیت حبل البعیر علی غاربه لیرعی كیف شاء.

و معنی قوله: و لسقیت آخرها بكأس أوّلها .. أی (3) لتركتهم فی ضلالهم (4) و عماهم.

و قوله: أزهد عندی .. فالزهید: القلیل.

قوله (5): من حبقة عنز .. فالحبقة ما یخرج من دبر العنز من الریح، و العفطة ما یخرج من أنفها.

و قوله: تلك شقشقة هدرت (6) .. فالشقشقة: ما یخرجه البعیر من جانب فیه (7) إذا هاج و سكر.

«2»-مع، ع (8): الطَّالَقَانِیُّ، عَنِ الْجَلُودِیِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمَّارِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ یَحْیَی بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ الْحِمَّانِیِّ، عَنْ عِیسَی بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ حُذَیْفَةَ (9)، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.

«3»-ا (10): الْحَفَّارُ، عَنْ أَبِی الْقَاسِمِ الدِّعْبِلِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَخِی دِعْبِلٍ،

ص: 504


1- وضع علی: لا یصبرون، فی مطبوع البحار رمز نسخة بدل.
2- فی المصدرین: هذا مثل .. و سیأتی مصدره.
3- لا توجد: أی فی (س).
4- فی المصدرین: فی ضلالتهم.
5- فی المصدرین: و قوله ..
6- لا توجد: هدرت .. فی معانی الأخبار.
7- فی معانی الأخبار: فمه.
8- معانی الأخبار: 343 حدیث 1، علل الشّرائع 1- 153 حدیث 13.
9- فی معانی الأخبار: خزیمة.
10- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 382 بتصرف.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الشَّامِیِّ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، وَ الْبَاقِرِ عَلَیْهِ السَّلَامُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (1) قَالَ: ذَكَرْتُ الْخِلَافَةَ عِنْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ .. وَ ذَكَرَ نَحْوَهُ بِأَدْنَی تَغْیِیرٍ.

شا (2): رَوَی جَمَاعَةٌ عَنْ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالرَّحَبَةِ فَذَكَرْتُ (3) الْخِلَافَةَ وَ تَقْدِیمَ (4) مَنْ تَقَدَّمَ عَلَیْهِ، فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ: أَمَ وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ ..

و ساق الخبر إلی آخره.

إیضاح:

هذه الخطبة من مشهورات خطبه صلوات اللَّه علیه روتها الخاصّة و العامّة فی كتبهم و شرحوها و ضبطوا كلماتها، كما عرفت روایة الشیخ الجلیل المفید و شیخ الطائفة و الصدوق، و رواها السیّد الرّضی فی نهج البلاغة (5) و الطبرسی فی الإحتجاج (6) قدّس اللَّه أرواحهم، و

رَوَی الشَّیْخُ قُطْبُ الدِّینِ الرَّاوَنْدِیُّ قُدِّسَ سِرُّهُ فِی شَرْحِهِ عَلَی نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (7) بِهَذَا السَّنَدِ: أَخْبَرَنِی الشَّیْخُ أَبُو نَصْرٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ (8)، عَنِ الْحَاجِبِ أَبِی الْوَفَا مُحَمَّدِ بْنِ بَدِیعٍ وَ الْحُسَیْنِ (9) بْنِ أَحْمَدَ بْنِ

ص: 505


1- بتقدیم و تأخیر فی الإسناد مع اختصار له.
2- الإرشاد للشّیخ المفید: 152- 153.
3- فی (س): ذكر.
4- فی المصدر: و تقدّم ..
5- نهج البلاغة:- محمّد عبده- 1- 30، صبحی صالح: 48، خطبة 3.
6- الاحتجاج: 191- 194.
7- نهج البلاغة 1- 131- 133.
8- فی المصدر: إبراهیم بن الیونارتی. و یونارت: قریة علی باب أصفهان، و هو من الحفاظ المكثرین، ولد آخر سنة 466 ه، و توفّی فی شوّال سنة 527 ه، انظر: تذكرة الحفاظ 4- 1286، و معجم البلدان 5- 1044، و سنة وفاته هناك سهو قطعا.
9- فی منهاج البراعة: و أبی الحسین أحمد بن عبد الرّحمن الذكوانی عن الحافظ أبی بكر بن مردویه الأصبهانیّ.

بَدِیعٍ وَ الْحُسَیْنِ بْنِ أَحْمَدَ (1) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَافِظِ أَبِی بَكْرِ بْنِ مَرْدَوَیْهِ الْأَصْفَهَانِیِّ، عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِیِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِیٍّ الْأَبَّارِ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ سَعِیدٍ أَبِی سَلَمَةَ الدِّمَشْقِیِّ، عَنْ خُلَیْدِ بْنِ دِعْلِجٍ، عَنْ عطان (عَطَاءِ) (2) بْنِ أَبِی رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِالرَّحَبَةِ فَجَرَی ذِكْرُ الْخِلَافَةِ وَ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَیْهِ فِیهَا، فَقَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ ..

إلی آخر الخطبة (3).

و من أهل الخلاف رواها ابن الجوزی فی مناقبه (4)، و ابن عبد ربّه فی الجزء الرابع من كتاب العقد (5)، و أبو علیّ الجبائی فی كتابه (6)، و ابن الخشّاب فی درسه (7)

علی ما حكاه بعض الأصحاب- و الحسن بن عبد اللَّه بن سعید العسكری فی كتاب المواعظ و الزواجر- علی ما ذكره صاحب الطرائف (8)

، و فسّر ابن الأثیر فی النهایة لفظ الشقشقة، ثم قال: و منه

حَدِیثُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی خُطْبَةٍ لَهُ: تِلْكَ

ص: 506


1- .. بن بدیع و الحسین بن أحمد .. هذه العبارة لا توجد فی (س).
2- فی المصدر: عطا.
3- قال ابن میثم فی الشرح 1- 251: أقول: إنّ هذه الخطبة و ما فی معناها ممّا یشتمل علی شكایته علیه السلام و تظلّمه فی أمر الإمامة، و هو محل الخلاف بین الشیعة و جماعة من مخالفیهم ..
4- المناقب لابن الجوزی. أقول: : والذی وجدناه لأبی مظفر سبط ابن الجوزی ( المتوفی سنة ٦٥٤ ه ) ما ذكره فی تذكرته : ٧٣ من طریق شیخه أبی القاسم النفیس الأنباری بإسناده عن ابن عباس ، فقال : تعرف بالشقشقیة ، ذكر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخل بالبعض ، وقد أتیت بها مستوفاة .. ثم ذكرها مع اختلاف ألفاظها.
5- العقد الفرید 4- 71- 72، و هی بمضمون الشقشقیة لا نفسها، فراجع.
6- كتب أبی علیّ الجبائی كلّها مفقودة الأثر كما صرّح فی ترجمته. و هو شیخ المعتزلة، توفّی سنة 303 ه كما فی الفرقة الناجیة للشیخ إبراهیم القطیفی.
7- و قد حكاه عن مجلس درسه ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 1- 205، و هو أبو محمّد عبد اللّٰه بن أحمد البغدادیّ المتوفّی سنة 567 ه و لا نعرف له كتابا مطبوعا.
8- الطرائف: 417- 419.

شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ (1) ..

و شرح كثیرا من ألفاظها (2).

و قال الفیروزآبادی فی القاموس- عند تفسیرها-: الشّقشقة- بالكسر- شی ء- كالرّئة- یخرجه البعیر من فیه إذا هاج، و الخطبة الشقشقیّة العلویّة لقوله لابن عبّاس- لما قال (3): لو اطّردت مقالتك من حیث أفضیت-: یا ابن عبّاس! هیهات تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت (4).

و قال عبد الحمید بن أبی الحدید (5)

ردّا علی من قال إنّها تألیف السیّد الرضی-: قد وجدت أنا كثیرا من هذه الخطبة فی تصانیف شیخنا أبی القاسم البلخیّ- إمام البغدادیّین من المعتزلة-، و كان فی دولة المقتدر قبل أن یخلق السیّد الرضیّ بمدّة طویلة، و وجدت أیضا كثیرا منها فی كتاب أبی جعفر بن قبّة أحد متكلّمی الإمامیّة (6)، و كان من تلامذة الشیخ أبی القاسم البلخی، و مات (7) قبل أن یكون الرضیّ موجودا ..

ثم حكی (8) عن شیخه مصدّق الواسطی أنّه قال: لمّا قرأت هذه الخطبة علی

ص: 507


1- النّهایة 2- 490.
2- و سنشیر إلی مواضعها عند توضیح المصنّف قدّس سرّه لمفردات الخطبة.
3- فی المصدر: قال له ..
4- القاموس 3- 251. وقال ابن منظور الأفریقی المصری ( المتوفی سنة ٧١١ ه ) فی مادة ( شقشق ) من كتابه لسان العرب ١٢ _ ٥٣ : .. وفی حدیث علی رضوان اللّٰه علیه فی خطبة له : تلك شقشقة هدرت ثم قرت .. إلی آخره. وقال المیدانی ( المتوفی سنة ٥١٨ ه ) فی مجمع الأمثال ٣٨٣ (١ _ ٤٦٦) : ولأمیر المؤمنین علی رضی اللّٰه عنه خطبة تعرف بالشقشقیة ، لأن ابن عباس رضی اللّٰه عنهما قال له حین قطع كلامه .. إلی آخره.
5- فی شرحه علی النهج 1- 205- 206، بتصرّف یسیر.
6- فی المصدر: و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب «الإنصاف»، و كان أبو جعفر هذا من ..
7- فی شرح النهج: و مات فی ذلك العصر.
8- ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 1- 205 بتصرّف.

الشیخ أبی محمّد عبد اللَّه بن أحمد المعروف ب: ابن الخشّاب، قلت له: أ تقول إنّها منحولة؟!. فقال: لا و اللَّه! و إنّی لأعلم أنّها كلامه كما أعلم أنّك مصدّق .. قال:

فقلت له: إنّ كثیرا من الناس یقولون إنّها من كلام الرضیّ. فقال لی: أنّی للرضیّ و لغیر الرضیّ هذا النّفس و هذا الأسلوب! قد وقفنا علی رسائل الرضیّ، و عرفنا طریقته و فنّه فی الكلام المنثور .. ثم قال: و اللَّه لقد وقفت علی هذه الخطبة فی كتب قد صنّفت قبل أن یخلق الرضیّ بمائتی سنة، و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرف أنّها خطوط من هی (1) من العلماء و أهل الأدب قبل أن یخلق النقیب أبو أحمد والد (2) الرضیّ.

و قال ابن میثم البحرانی قدّس سرّه: وجدت هذه الخطبة بنسخة علیها خطّ الوزیر أبی الحسن علیّ بن محمد بن الفرات وزیر المقتدر باللَّه، و ذلك قبل مولد الرضیّ بنیّف و ستین سنة. انتهی (3).

و من الشواهد علی بطلان تلك الدعوی الواهیة الفاسدة أنّ القاضی عبد الجبّار- الذی هو من متعصّبی المعتزلة- قد تصدّی فی كتاب المغنی (4) لتأویل بعض كلمات الخطبة، و منع دلالتها علی الطعن فی خلافة من تقدّم علیه، و لم ینكر استناد الخطبة إلیه.

و ذكر السیّد المرتضی رضی اللَّه عنه كلامه فی الشافی (5) و زیفه، و هو أكبر من أخیه الرضیّ قدّس اللَّه روحهما، و قاضی القضاة متقدّم علیهما، و لو كان یجد للقدح فی استناد الخطبة إلیه علیه السلام مساغا لما تمسّك بالتأویلات الركیكة فی مقام الاعتذار، و قدح فی صحّتها كما فعل فی كثیر من الروایات المشهورة، و كفی

ص: 508


1- فی المصدر: أعرفها و أعرف خطوط من هو ..
2- فی نسخة جاءت فی (ك): والدی.
3- شرح نهج البلاغة لابن میثم 1- 252- 253 بتصرّف.
4- المغنی 20- 295.
5- الشافی 3- 267- 268.

للمنصف وجودها فی تصانیف الصدوق رحمه اللَّه (1)، و كانت وفاته سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة، و كان مولد الرضیّ رضی اللَّه عنه سنة تسع و خمسین و ثلاثمائة (2).

و لنشرح الخطبة ثانیا لمزید الإیضاح و التبیین، و للإشارة إلی ما ذكره فی تفسیرها و شرحها بعض المحقّقین، و نبنی الشرح علی ما أورده السیّد قدّس سرّه فی النهج، لیظهر مواضع الاختلاف بینه و بین ما سلف من الروایات، مستعینا بخالق البریّات.

قَالَ السَّیِّدُ (3): وَ مِنْ خُطْبَتِهِ (4) لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْمَعْرُوفَةِ بِ: الشِّقْشِقِیَّةِ: أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ ...

أی اتّخذها قمیصا (5)، و فی التشبیه بالقمیص الملاصق للبدن دون سائر الأثواب تنبیه علی شدّة حرصه علیها، و الضمیر راجع إلی الخلافة كما ظهر من سائر الروایات، و فلان كنایة عن أبی بكر (6)، و كان فی نسخة ابن أبی الحدید (7): ابن أبی قحافة- بضم القاف و تخفیف الحاء- كما فی بعض الروایات الأخر، و فی بعضها أخو تیم، و الظاهر أنّ التعبیر بالكنایة نوع تقیّة

ص: 509


1- كذا، و هذه سنة وفاة ثقة الإسلام الكلینی طاب ثراه، و وفاة الشیخ الصدوق سنة 381 ه.
2- قال العلّامة الأمینی- رحمه اللّٰه- فی غدیره 7- 82- 87: .. و قد كثر الكلام حولها، فأثبتها مهرة الفن من الفریقین، و رواها من خطب مولانا أمیر المؤمنین الثابتة التی لا مغمز فیها، فلا یسمع أذن قول الجاهل بأنّها من كلام الشریف الرضی، و قد رواها غیر واحد فی القرون الأولی قبل أن تنعقد للرضیّ نطفته، كما جاءت بإسناد معاصریه و المتأخّرین عنه من غیر طریقه .. ثم عدّ أكثر من ثمانیة و عشرین مصدرا و شیخا، و انظر نصّها فی الغدیر 9- 380- 381.
3- فی نهج البلاغة- محمّد عبده-: 1- 30، صبحی صالح: 48 خطبة: 3.
4- كذا، و الظّاهر زیادة الضّمیر الغائب.
5- قال فی مجمع البحرین 4- 181: تقمّص القمیص: لبسه، و تقمّص الخلافة .. أی لبسها كالقمیص. و قال فی القاموس 2- 315: قمّصه تقمیصا: ألبسه قمیصا فتقمّص هو، و نحوه فی المصباح المنیر 2- 200.
6- كما صرّح بذلك كلّ الشرّاح للنهج و من تعرّض للخطبة إمّا جزما أو وجها و احتمالا، كمحمد عبده فی شرحه 1- 31، و غیره.
7- فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 151.

من السیّد رحمه اللَّه، و النسخة المقروءة علیه (1) كانت متعدّدة، فلعلّه عدل فی بعضها عن الكنایة لزوال الخوف، و یمكن أن تكون التقیّة من النسّاخ، و یدلّ علی أنّ الكنایة لیست من لفظه علیه السلام أنّ قاضی القضاة فی المغنی (2) تصدّی لدفع دلالة تعبیره (3) علیه السلام عن أبی بكر بابن أبی قحافة دون الألقاب المادحة علی استخفاف به، بأنّه: قد كانت العادة فی ذلك الزمان أن یسمّی أحدهم صاحبه و یكنّیه و یضیفه إلی أبیه، حتی كانوا ربّما قالوا (4) لرسول اللَّه صلّی اللَّه علیه (و آله) :

یا محمّد (5)! فلیس فی ذلك استخفاف و لا دلالة علی الوضع.

فأجاب السیّد رضی اللَّه عنه بما فی الشافی (6) عنه: بأنّه لیس ذلك صنع من یرید التعظیم و التبجیل، و قد كانت لأبی بكر عندهم من الألقاب الجمیلة ما یقصد إلیه من یرید تعظیمه، و قوله إنّ رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله كان (7) ینادی باسمه، فمعاذ اللَّه، ما كان ینادی باسمه إلّا شاكّ فیه، أو جاهل من طغام (8) الأعراب (9). و قوله: إنّ ذلك عادة العرب .. فلا شكّ أنّ ذلك عادتهم فیمن (10) لا یكون له من الألقاب أفخمها و أعظمها كالصدّیق .. و نحوه.

و إنّه لیعلم أنّ محلّی منها محلّ القطب من الرحی.

الواو للحال، و قطب

ص: 510


1- فی مطبوع البحار هنا نسخة بدل و هی: و النسخة المعروضة علیه .. و قد وضع بعدها فی (ك) رمز:
2- المغنی- الجزء المتمّم العشرین-: 295.
3- فی (س): تغییره.
4- فی المصدر: نادوا.
5- فی المغنی: باسمه.
6- الشافی: 215 حجریة (الطبعة الجدیدة 3- 268).
7- لا توجد: كان، فی المصدر.
8- قال فی الصحاح 5- 1975: الطّغام: أوغاد الناس .. الواحد و الجمع فیه سواء، و الطغام أیضا: رذال الطیر. وقال فیه ٢ _ ٥٥٢ : الوغد : الرجل الدنیء الذی یخدم بطعام بطنه.
9- جاء فی المصدر هنا: الذین لا یعرفون ما یجب علیهم فی هذا الباب.
10- فی المصدر: فلا شكّ فی أنّ هذه عادة القوم فیمن ..

الرّحی: الحدیدة المنصوبة فی وسط السّفلی من حجری الرّحی الّتی تدور حولها العلیا (1)، أی تقمّص الخلافة مع علمه بأنّی مدار أمرها، و لا تنتظم إلّا بی، و لا عوض لها عنّی، كما أنّ الرحی لا تدور إلّا بالقطب و لا عوض لها عنه.

و قال ابن أبی الحدید (2): عندی أنّه أراد أمرا آخر، و هو أنّی من الخلافة فی الصمیم و فی وسطها و بحبوحتها (3)، كما أنّ القطب وسط دائرة الرحی.

و لا یخفی نقصان التشبیه حینئذ.

و قال فی المغنی (4): أراد أنّه أهل لها و أنّه أصلح منه للقیام بها، یبیّن (5) ذلك أنّ القطب من الرحی لا یستقلّ (6) بنفسه و لا بدّ فی تمامه من الرحی، فنبّه (7) بذلك علی أنّه أحقّ و إن كان قد تقمّصها.

و ردّه السیّد رضی اللَّه عنه (8) بأنّ هذا التأویل- مع أنّه لا یجری فی غیر هذا اللفظ من الألفاظ المرویّة عنه علیه السلام- فاسد، لأنّ مفادّ هذا الكلام لیس إلّا التفرّد فی الاستحقاق، و أنّ غیره لا یقوم مقامه لا أنّه أهل للأمر و موضع له، و قوله: إنّ القطب لا یستقلّ بنفسه .. تأویل علی عكس المراد، فإنّ المستفاد من هذا الكلام عند من یعرف اللغة عدم انتظام دوران الرحی بدون القطب، لا عدم استقلال القطب بدون الرحی (9).

ص: 511


1- كما ذكره فی النهایة 4- 79، و لسان العرب 1- 682.
2- فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 153 بتصرّف.
3- قال فی مجمع البحرین 2- 341: البحبوحة- بضم الباءین الموحدتین و بالحاءین المهملتین-: وسط الشی ء.
4- المغنی- الجزء المتمّم للعشرین-: 295.
5- جاء فی المصدر: فالمراد بها أنّه أهل لذلك و أنّه أصلح منه، یبین.
6- فی المغنی: لا یشتغل، بدلا من: لا یستقل.
7- فی المصدر: فسسه، و فی الهامش علیه: فتشبه.
8- الشافی: 215 حجریة (الطبعة الجدیدة 3- 268) و قد ذكر مضمونه.
9- رأینا نقل نصّ عبارة السیّد فی الشافی ردا علی صاحب المغنی و هی: فأوّل ما فیه أنّه تأوّل فی اللغة، و تحمّل الألفاظ ما لم توضع له، لأنّ عرف أهل اللغة جاء باستعمال لفظ القطب فی الموضع الذی ذكرناه، و عند إرادة أحدهم أن یخبر عن نهایة الاستحقاق و التفرّد بالأمر الذی لا یقع فیه مشاركة، فتأوّله مع المعرفة بمرادهم فی هذه اللفظة لا معنی له، علی أنّ القطب أشدّ استقلالا بنفسه من باقی الرحی، لأنّه یمكن أن یتحرك و یدور من غیر أن یتّصل به شی ء، و باقی الرحی لا یمكن ذلك فیه علی سبیل الدور إلّا بقطب.

ینحدر عنّی السیل و لا یرقی إلیّ الطیر.

انحدار السیل لعلّه كنایة عن إفاضة العلوم و الكمالات و سائر النعم الدنیویّة و الأخرویّة علی المواد القابلة.

و قیل: المعنی أنّی فوق السیل بحیث لا یرتفع إلیّ، و هو كما تری.

ثم إنّه علیه السلام ترقّی فی الوصف بالعلوّ بقوله: و لا یرقی إلیّ الطیر، فإنّ مرقی الطیر أعلی من منحدر السیل فكیف ما لا یرقی إلیه؟ و الغرض إثبات أعلی مراتب الكمال للدلالة علی بطلان خلافة من تقمّصها، لقبح تفضیل المفضول.

فسدلت دونها ثوبا و طویت عنها كشحا.

یقال: سدل الثّوب یسدله بالضم- أی أرخاه و أرسله (1)، و دون الشّی ء: أمامه و قریب منه (2)، و المعنی:

ضربت بینی و بینها حجابا و أعرضت عنها و یئست منها، و الكشح: ما بین الخاصرة إلی أقصر الأضلاع (3)، و یقال: فلان طوی كشحه .. أی أعرض مهاجرا و مال عنّی.

و قیل: أراد غیر ذلك، و هو أنّ من أجاع نفسه فقد طوی كشحه كما أنّ من أكل و شبع فقد ملأ كشحه.

و طفقت أرتئی بین أن أصول بید جذّاء أو أصبر علی طخیة عمیاء ..

یقال (4): طفق فی كذا .. أی أخذ (5) و شرع، و أرتئی فی الأمر .. أی أفكر فی طلب

ص: 512


1- كما جاء فی مجمع البحرین 5- 394، و القاموس 3- 395، و غیرهما.
2- قاله فی مجمع البحرین 6- 248، و انظر: القاموس 4- 223، و الصحاح 5- 2115، ذكر الأول فی الأول و الثانی فی الثانی.
3- كذا جاء فی مجمع البحرین 2- 407، و القاموس 1- 245، إلّا أنّ فیهما: الضلع الخلف، بدلا من أقصر الأضلاع. و قالا فیهما: طوی فلان عنّی كشحه: إذا قطعك.
4- لا توجد: یقال، فی (س).
5- كما فی لسان العرب 10- 225، و النهایة 3- 129، و غیرهما.

الأصلح، و هو افتعل من رؤیة القلب أو من الرّأی (1)، و الصّولة: الحملة و الوثبة (2)، و الجذّاء- بالجیم و الذال المعجمة- المقطوعة و المكسورة أیضا- كما ذكره الجوهری (3)

، و قال فی النهایة: فی حدیث علیّ علیه السّلام (4):

أصول بید جذّاء.

كنّی به عن قصور أصحابه و تقاعدهم عن الغزو، فإنّ الجند للأمیر كالید (5)، و یروی بالحاء المهملة (6) و فسّره فی موضعه بالید القصیرة الّتی لا تمدّ (7) إلی ما یراد. قال: و كأنّها بالجیم أشبه (8).

و الطخیة- بالضم، كما صحّح فی أكثر النسخ- الظلمة أو الغیم، و فی بعضها بالفتح: فی (9) القاموس: الطّخیة .. الظّلمة، و یثلّث (10)، و لم یذكر الجوهری سوی الضّم، و فسّره بالسّحاب (11)، و فی النهایة: الطّخیة: الظّلمة و الغیم (12)، و العمیاء: تأنیث الأعمی (13)، و وصف الطخیة بها لأنّ الرائی لا یبصر فیها شیئا. یقال: مفازة عمیاء .. أی لا یهتدی فیها الدلیل (14)، و هی مبالغة فی وصف الظلمة بالشدّة، و حاصل المعنی، إنّی لمّا رأیت الخلافة فی ید من لم یكن

ص: 513


1- كما جاء فی لسان العرب 14- 299، و النهایة 2- 178.
2- قاله فی النهایة 3- 61، و اقتصر فی لسان العرب 11- 387 علی المعنی الثانی.
3- قال فی الصحاح 2- 561: جذذت الشّی ء: كسرته و قطعته .. یقال: رحم جذّاء و حذّاء- بالجیم و الحاء- ممدودان، و ذلك إذا لم توصل.
4- ذكر فی المصدر الترضی بدلا من السلام.
5- فی (ك): كالسیّد، و لا معنی له.
6- النهایة 1- 250.
7- فی المصدر: لا تمتدّ إلی ما أرید.
8- النهایة 1- 356.
9- كذا، و الظاهر: و فی ..
10- القاموس 4- 356.
11- الصحاح 6- 2412.
12- النهایة 3- 116.
13- نصّ علیه فی مجمع البحرین 1- 308، و النهایة 3- 305، و غیرهما.
14- قال فی لسان العرب 15- 98: و أرض عمیاء و عامیّة، و مكان أعمی: لا یهتدی فیه.

أهلا لها كنت متفكّرا مردّدا بین قتالهم بلا أعوان و بین معاینة الخلق علی جهالة و ضلالة و شدّة.

یهرم فیها الكبیر و یشیب فیها الصغیر و یكدح فیها مؤمن حتّی یلقی ربّه ..

یقال: هرم- كفرح- أی بلغ أقصی الكبر (1)، و الشّیب- بالفتح- بیاض الشّعر (2)، و الكدح: الكدّ و العمل و السّعی (3)، و الجمل الثلاثة أوصاف للطخیة (4) العمیاء، و إیجابها لهرم الكبیر و شیب الصغیر إمّا لكثرة الشدائد فیها، فإنّها ممّا یسرع بالهرم و الشیب، أو لطول مدّتها و تمادی أیّامها و لیالیها، أو للأمرین جمیعا، و علی الوجهین الأوّلین فسّر قوله تعالی: یَوْماً یَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِیباً (5). و كدح المؤمن یمكن أن یراد به لازمه أعنی التعب و مقاساة الشدّة فی الوصول إلی حقّه ..

و قیل: یسعی فلا یصل إلی حقّه، فالكدح بمعناه.

و قیل: المراد به أنّ المؤمن المجتهد فی الذبّ عن الحقّ و الأمر بالمعروف یسعی فیه و یكدّ و یقاسی الشدائد حتی یموت.

و فی روایة الشیخ (6) و الطبرسی (7):

یرضع فیها الصغیر و یدبّ فیها الكبیر ..

و هو كنایة عن طول المدّة- أیضا- أی یمتدّ إلی أن یدبّ كبیرا من كان یرضع صغیرا، یقال: دبّ یدبّ دبیبا: أی مشی علی هنیئة (8).

فرأیت أنّ الصبر علی هاتا أحجی، فصبرت و فی العین قذی و فی الحلق

ص: 514


1- صرّح بذلك فی لسان العرب 12- 607، و القاموس 4- 189.
2- كما جاء فی مجمع البحرین 2- 95، و الصحاح 1- 159، و غیرهما.
3- كذا قال فی مجمع البحرین 2- 406، و الصحاح 1- 398.
4- فی (ك): المطخیة.
5- المزّمّل: 17.
6- أمالی الشیخ الطوسیّ 1- 382 و فیه: ضیع فیها الصغیر و .. إلی آخره.
7- الاحتجاج: 191 (النجف 1- 283) و فیه: یشیب فیها الصغیر، و یهرم فیها الكبیر ..
8- قاله فی القاموس 1- 64، و لسان العرب 1- 369. و فی (ك): هینته. أقول: : الهنیئة : التؤدة والرفق ، انظر : القاموس ٤ _ ٢٧٨ و ٣ _ ٣٨٤.

شجا أری تراثی نهبا.

كلمة (ها) فی هاتا للتّنبیه، و تا للإشارة إلی المؤنّث (1)، أشیر بها إلی الطخیة الموصوفة، و أحجی .. أی أولی و أجدر و أحقّ، من قولهم:

حجی بالمكان إذا أقام و ثبت، ذكره فی النهایة (2).

و قیل: أی ألیق و أقرب بالحجی و هو العقل (3). و القذی: جمع قذاة و هی ما یسقط فی العین و فی الشّراب أیضا من تبن أو تراب أو وسخ (4)، و الشّجا: ما اعترض فی الحلق و نشب من عظم و نحوه (5)، و التّراث: ما یخلفه الرّجل لورثته، و التّاء فیه بدل من الواو (6). و النّهب: السّلب و الغارة (7) و الغنیمة (8)، و الجملة بیان لوجود القذی و الشجا.

و فی روایة الشیخین (9) و الطبرسی (10): فرأیت الصبر ..

و فی روایة الشیخ (11): تراث محمّد صلّی اللَّه علیه و آله نهبا.

و فی تلخیص الشافی: من أن أری تراثی نهبا (12).

و الحاصل أنّی بعد التردّد فی القتال استقرّ رأیی علی أنّ الصبر أجدر، و ذلك

ص: 515


1- كما جاء فی القاموس 4- 408- 409، و الصحاح 6- 2547- 2548.
2- النهایة 1- 348، و مثله فی لسان العرب 14- 167.
3- كما صرّح بذلك فی القاموس 6- 2309، و النهایة 1- 348، و غیرهما.
4- نصّ علیه فی النهایة 4- 30، و لسان العرب 15- 174.
5- كما فی القاموس 4- 347، و الصحاح 6- 2389، و لیس فیهما: و نشب، و فی الصحاح: ینشب، بدلا من: اعترض.
6- ذكره فی لسان العرب 2- 201، و مجمع البحرین 2- 267، و غیرهما.
7- جاء فی النهایة 5- 133، و لسان العرب 1- 773.
8- كما فی مجمع البحرین 2- 178، و القاموس 1- 135، و الصحاح 1- 229.
9- الإرشاد للشیخ المفید: 152، و أمالی الشیخ الطوسیّ 1- 382.
10- الاحتجاج للطبرسیّ 1- 283 (حجریة: 192) و فیه: فرأیت أن الصبر.
11- الأمالی 1- 382.
12- تلخیص الشافی 3- 53 و فیه: أری تراثی نهبا .. و فی نسخة فی مكتبة السیّد النجفیّ المرعشیّ برقم 24 ردیف 8- قسم 153 صفحة 393: من أری تراثی .. إلی آخره.

لأداء القتال إلی استئصال آل الرسول صلّی اللَّه علیه و آله و اضمحلال كلمة الإسلام لغلبة الأعداء.

و قال بعض الشارحین (1): فی الكلام تقدیم و تأخیر، و التقدیر (2): و لا یرقی إلیّ الطیر فطفقت أرتئی بین كذا .. و كذا، فرأیت الصبر علی هاتا أحجی فسدلت دونها ثوبا و طویت عنها كشحا، و صبرت و فی العین قذی .. إلی آخر الفصل (3)، لأنّه لا یجوز أن یسدل دونها ثوبا و یطوی عنها كشحا، ثم یرتئی ..

و التقدیم و التأخیر شائع فی (4) لغة العرب، قال اللَّه تعالی: أَنْزَلَ عَلی عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَیِّماً (5). انتهی (6).

و یمكن أن یقال: سدل الثوب و طیّ الكشح لم یكن علی وجه البت و تصمیم العزم علی الترك، بل المراد ترك العجلة و المبادرة إلی الطلب من غیر تدبّر فی عاقبة الأمر، و لعلّ الفقرتین بهذا المعنی أنسب.

حتی مضی الأوّل لسبیله فأدلی بها إلی فلان بعده.

قیل: تقدیره مضی علی سبیله و أدلی بها إلی فلان .. أی ألقاها إلیه (7) و دفعها (8)، و التعبیر بلفظ فلان كما مرّ، و فی نسخة ابن أبی الحدید بلفظ: ابن الخطاب (9)، و فی بعض الروایات:

إلی عمر (10)، و إدلاؤه إلیه بها نصبه للخلافة.

ص: 516


1- قاله ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 1- 155.
2- فی شرح النهج: و تقدیره.
3- فی شرح النهج: ثم فصبرت و فی العین قذی .. إلی آخر القصة.
4- فی شرح ابن أبی الحدید: .. و التأخیر طریق لاحب، و سبیل مهیع فی ..
5- الكهف: 1 و 2.
6- إلی هنا كلام ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 1- 155 بتصرّف و اختصار.
7- كما جاء فی مجمع البحرین 1- 145، و لسان العرب 14- 267، و غیرهما.
8- قاله فی الصحاح 6- 2340، و القاموس 4- 328.
9- فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 162.
10- كما فی الاحتجاج 1- 284، و الإرشاد: 153، و تلخیص الشافی 3- 53، و غیرها.

و كان ابن الخطاب یسمّی نفسه خلیفة أبی بكر، و یكتب إلی عمّاله من خلیفة أبی بكر حتی جاءه لبید بن أبی (1) ربیعة و عدیّ بن حاتم فقالا لعمرو بن العاص: استأذن لنا علی أمیر المؤمنین .. فخاطبه عمرو بن العاص بأمیر المؤمنین فجری (2) ذلك فی المكاتیب من یومئذ، ذكر ذلك ابن عبد البرّ فی الإستیعاب (3).

ثم تمثّل علیه السلام بقول الأعشی:

شتّان (4) بما یومی علی كورها*** و یوم حیّان أخی جابر (5)

تمثّل بالبیت: أنشده للمثل (6).

و الأعشی: میمون بن جندل (7)، و شتّان- اسم فعل- بمعنی بعد (8) و فیه معنی التّعجّب (9)، و الكور- بالضم- رحل البعیر بأداته (10)، و الضمیر راجع إلی الناقة، و حیّان كان صاحب حصن بالیمامة، و كان من سادات بنی حنیفة، مطاعا فی قومه یصله كسری فی كلّ سنة، و كان فی رفاهیّة و نعمة مصونا من وعثاء السفر، لم یكن یسافر أبدا، و كان الأعشی، ینادمه، و كان أخوه جابر أصغر سنّا منه،

ص: 517


1- لا توجد: أبی، فی (س).
2- فی (ك): و جری.
3- الاستیعاب- المطبوع علی هامش الإصابة- 2- 466 باختصار.
4- خ. ل: شبان، جاءت فی حاشیة مطبوع البحار. و فی المصادر و شروحه: شتان ما ..
5- دیوان الأعشی: 96.
6- كما جاء فی القاموس 4- 49، و غیره.
7- هو: میمون بن قیس بن جندل، من بنی قیس بن ثعلبة الوائلی، أبو بصیر، المعروف ب: أعشی قیس، أعشی بكر بن وائل، الأعشی الكبیر، من أصحاب المعلّقات فی الجاهلیة، توفی جاهلا فی السنة السابعة من الهجرة، ترجم فی المجامیع الأدبیة كما فی الشعر و الشعراء 79، الأغانی 9- 108- طبعة الدار-، آداب اللغة 1- 109، خزانة الأدب للبغدادی 1- 48، و غیرها.
8- قاله فی مجمع البحرین 2- 207، و الصحاح 1- 255، و غیرهما. و لا توجد كلمة: بمعنی بعد، فی (س).
9- كما ذكره الشیخ الرضی فی شرحه علی الكافیة 2- 69.
10- نصّ علیه فی مجمع البحرین 3- 483، و الصحاح 2- 810، و غیرهما.

و یروی أنّ حیّان عاتب الأعشی فی نسبته إلی أخیه فاعتذر بأنّ الروی اضطرّنی إلی ذلك فلم یقبل عذره (1).

و معنی البیت- كما أفاده السیّد المرتضی رضی اللَّه عنه (2)

إظهار البعد بین یومه و یوم حیّان لكونه فی شدّة من حرّ الهواجر (3)، و كون حیّان فی راحة و خفض، و كذا غرضه علیه السلام بیان البعد بین یومه صابرا علی القذی و الشجا و بین یومهم فائزین بما طلبوا من الدنیا، و هذا هو الظاهر المطابق للبیت التالی له، و هو ممّا تمثّل به علیه السلام- علی ما فی بعض النسخ- و هو قوله:

أرمی بها البید إذا هجّرت***و أنت بین القرو و العاصر (4)

و البید- بالكسر-: جمع البیداء و هی المفازة (5)، و التّهجیر: السّیر فی الهاجرة، و هی نصف النّهار عند شدّة الحرّ (6)، و القرو: قدح من الخشب (7)، و قیل: إناء صغیر أو إجانة للشّرب (8)، و العاصر: الّذی یعصر العنب للخمر (9) .. أی أنا فی شدّة حرّ الشمس أسوق ناقتی فی الفیافی (10) و أنت فی عیش

ص: 518


1- و قال له: و اللّٰه لا نازعتك كأسا أبدا ما عشت، كما صرّح بذلك ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 1- 167.
2- رسائل الشریف المرتضی 2- 110، و حكاه عنه ابن میثم فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 257.
3- الهواجر: جمع الهاجرة، و هی نصف النهار عند اشتداد الحرّ، قاله فی مجمع البحرین 3- 516.
4- لم یرد هذا البیت فی دیوان الأعشی. و جاء فی اللسان 2- 34، و روایته: ارمی بها البیداء إذا عرضت.
5- كما ذكره فی القاموس 1- 279، و الصحاح 2- 450.
6- قاله فی الصحاح 2- 851، و النهایة 5- 446، و غیرهما.
7- صرّح به فی الصحاح 6- 2460، و النهایة 4- 57.
8- جاء فی القاموس 4- 377، و غیره.
9- نصّ علیه فی مجمع البحرین 3- 406.
10- قال فی النهایة 3- 485: الفیافی: هی البراری الواسعة، جمع فیفاء. و قال فی مجمع البحرین 5- 107: الفیفاء: الصخرة الملساء و الجمع فیافی- كصحاری-.

و شرب.

و قال بعض الشارحین (1) المعنی: ما أبعد ما بین یومی علی كور الناقة أدأب و أنصب و بین یومی (2) منادما حیّان أخی جابر فی خفض و دعة.

فالغرض من التمثیل (3) إظهار البعد بین یومه علیه السلام بعد وفاة الرسول صلّی اللَّه علیه و آله مقهورا ممنوعا عن حقّه و بین یومه فی صحبة النبیّ صلّی اللَّه علیه و آله (4).

فیا عجبا بینا هو یستقیلها فی حیاته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ..

أصل: یا عجبا: یا عجبی، قلبت الیاء ألفا، كأنّ المتكلّم ینادی عجبه و یقول له احضر فهذا أوان حضورك.

و بینا: هی بین الظّرفیّة أشبعت فتحتها فصارت ألفا (5)، و تقع بعدها إذا الفجائیّة غالبا (6)، و الاستقالة: طلب الإقالة و هو فی البیع فسخه للندم، و تكون فی البیعة و العهد (7) أیضا، و استقالته قوله بعد ما بویع: أقیلونی فلست بخیركم و علیّ فیكم.

و قد روی خبر الاستقالة الطبری فی تاریخه (8)، و البلاذری فی أنساب

ص: 519


1- المراد به هو ابن میثم، قاله فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 257 بتصرّف.
2- فی المصدر: یومی- یوم علی كور المطیّة أدأب و أنصب فی الهواجر، و بین یومی ..
3- فی (س): فالغرض عن التمثیل. و من هنا شرع كلام المصنّف رحمه اللّٰه و قد انتهی كلام ابن میثم رحمه اللّٰه.
4- و قال ابن أبی الحدید فی شرحه: 1- 168: یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: شتّان بین یومی فی الخلافة مع ما انتقض علیّ من الأمر و منیت به من انتشار الحبل و اضطراب أركان الخلافة، و بین یوم عمر حیث ولیها علی قاعدة ممهّدة، و أركان ثابتة، و سكون شامل، فانتظم أمره، و اطّرد حاله، و سكنت أیّامه.
5- كما صرّح به فی النهایة 1- 176، و لسان العرب 13- 66.
6- نصّ علیه فی مجمع البحرین 6- 220 و غیره.
7- جاء فی النهایة 4- 134، و لسان العرب 11- 580.
8- تاریخ الطبریّ 2- 450.

الأشراف (1)، و السمعانی فی الفضائل (2)، و أبو عبیدة فی بعض مصنّفاته- علی ما حكاه بعض أصحابنا (3)

و لم یقدح الفخر الرازی فی نهایة العقول (4) فی صحّته، و إن أجاب عنه بوجوه ضعیفة، و كفی كلامه علیه السلام شاهدا علی صحّته، و كون العقد لآخر بین أوقات الاستقالة لتنزیل اشتراكهما فی التحقیق و الوجود منزلة اتّحاد الزمان، أو لأنّ الظاهر من حال المستقبل لعلمه بأنّ الخلافة حقّ لغیره بقاء ندمه و كونه متأسّفا دائما خصوصا عند ظهور أمارة الموت.

و قوله: بعد وفاته، لیس ظرفا لنفس العقد بل لترتّب الآثار علی المعقود بخلاف قوله: فی حیاته.

و المشهور (5) أنّه لمّا احتضر أحضر عثمان و أمره أن یكتب عهدا، و كان یملیه علیه، فلمّا بلغ قوله: أمّا بعد .. أغمی علیه، فكتب عثمان: قد استخلفت علیكم عمر بن الخطاب .. فأفاق أبو بكر فقال: اقرأ، فقرأه فكبّر أبو بكر و قال:

أراك خفت أن یختلف الناس إن متّ فی غشیتی؟! قال: نعم. قال: جزاك اللَّه

ص: 520


1- أنساب الأشراف: و لم نحصل علیه فیما هو المطبوع منه.
2- الفضائل للسمعانی.
3- حدیث الاستقالة تضافرت مصادره بل تواترت ألفاظه إجمالا، فقد ذكره الطبریّ فی تاریخه 2- 450 (4- 52) و فیه: فإنّی قد ولیت علیكم و لست بخیركم ..، و قاله ابن قتیبة فی الإمامة و السیاسة 1- 14- 16 و 18، و المسعودی فی مروج الذهب 1- 414، و ابن عبد البرّ فی العقد الفرید 2- 254، و التمهید للباقلانی: 195، و الیعقوبی فی تاریخه 2- 107، و ابن أبی الحدید فی شرح النهج 3- 14، و جاء فی أعلام النساء 3- 1214، و الریاض النظرة 1- 251- 252، و الصواعق المحرقة: 51، و البدایة و النهایة 6- 305، و كنز العمّال 5- 590 و 601 و 607 و 631 و 636 و 656، حدیث 14062، 14073 و 14081 و 14118، 14121، و بهذا المضمون فی الروایات الواردة فی قول أبی بكر فی الثلاث اللاتی قال فیها وددت أنّی تركتهنّ ... وددت أنّی یوم سقیفة بنی ساعدة كنت قذفت الأمر فی عنق أحد الرجلین- یرید بهما عمر و أبا عبیدة- فكان أحدهما أمیرا و كنت وزیرا.
4- نهایة العقول:.
5- كما فی شرح النهج لابن أبی الحدید 1- 165، و تاریخ الطبریّ 2- 618- 619، و مرّت و ستأتی مصادر أخری.

خیرا عن الإسلام و أهله .. ثم أتمّ العهد و أمره أن یقرأه علی الناس.

و ذهب فی لیلة الثلاثاء لثمان بقین من جمادی الآخرة من سنة ثلاث عشرة علی ما ذكره ابن أبی الحدید (1).

و قال فی الإستیعاب (2): قول الأكثر أنّه توفی عشیّ یوم الثلاثاء المذكور، و قیل لیلته، و قیل عشیّ یوم الإثنین، قال: و مكث فی خلافته سنتین و ثلاثة أشهر إلّا خمس لیال أو سبع لیال، و قیل: أكثر من ذلك إلی عشرین یوما (3).

و السبب- علی ما حكاه عن الواقدی (4)

أنّه اغتسل فی یوم بارد، فحمّ (5) و مرض خمسة عشر یوما.

و قیل: سلّ (6).

و قیل: سمّ (7)، و غسّلته زوجته أسماء بنت عمیس، و صلّی علیه عمر بن الخطاب، و دفن لیلا فی بیت عائشة (8).

لشدّ ما تشطّرا ضرعیها.

اللام جواب القسم المقدّر، و شدّ .. أی صار شدیدا، و كلمة ما مصدریة، و المصدر فاعل شدّ، و لا یستعمل هذا الفعل إلّا فی التعجب.

ص: 521


1- فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 166.
2- الاستیعاب- المطبوع بهامش الإصابة- 2- 256- 257.
3- ترجمته فی جلّ كتب التاریخ و الرجال و التراجم نذكر منها: طبقات ابن سعد 9- 26- 28، الإصابة ترجمة رقم: 4808، تاریخ ابن الأثیر 2- 160، تاریخ الطبریّ 4- 46، تاریخ الیعقوبی 2- 106، صفة الصفوة 1- 88، حلیة الأولیاء 4- 93، الریاض النظرة: 44 و 187، و تاریخ الإسلام- عهد الخلفاء الراشدین-: 5- 41، و غیرها. و فی تاریخ الخمیس 2- 199: قیل: و كان اسمه فی الجاهلیّة عبد الكعبة، فغیّره رسول اللّٰه.
4- الاستیعاب- المطبوع فی هامش الإصابة- 2- 256- 257.
5- فی (ك): فخم، و هو غلط.
6- قال الزبیر بن بكار: كان به طرف من السل .. و حكاه فی الاستیعاب.
7- القائل هو سلام بن أبی مطیع.
8- انظر: تاریخ الطبریّ 2- 612، و تاریخ الخلفاء: 62.

و تشطّرا: إمّا مأخوذ من الشطر- بالفتح- بمعنی النّصف، یقال: فلان شطّر ماله .. أی نصّفه (1)، فالمعنی أخذ كلّ واحد منهما نصفا من ضرعی الخلافة، و أما منه بمعنی خلف النّاقة- بالكسر- أی حلمة ضرعها (2)، یقال: شطّر ناقته تشطیرا: إذا صرّ خلفین من أخلافها (3) .. أی شدّ علیهما الصّرار، و هو خیط یشدّ فوق الخلف لئلّا یرضع منه الولد (4)، و للنّاقة أربعة أخلاف، خلفان قادمان- و هما اللّذان یلیان السّرّة-، و خلفان آخران (5).

و سمّی علیه السلام خلفین منها ضرعا لاشتراكهما فی الحلب دفعة، و لم نجد التشطّر علی صیغة التفعّل فی كلام اللغویّین.

و فی روایة المفید رحمه اللَّه (6) و غیره (7): شاطرا- علی صیغة المفاعلة- یقال:

شاطرت ناقتی، إذا احتلبت شطرا و تركت الآخر (8)، و شاطرت فلانا مالی: إذا ناصفته (9).

وَ فِی كَثِیرٍ مِنْ رِوَایَاتِ السَّقِیفَةِ أَنَّهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ- لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ یَوْمِ السَّقِیفَةِ-: احْلِبْ حَلْباً لَكَ شَطْرُهُ، اشْدُدْ لَهُ الْیَوْمَ یَرُدَّهُ عَلَیْكَ غَداً (10).

ص: 522


1- كما ذكره فی القاموس 2- 58، و لسان العرب 4- 406.
2- نصّ علیه فی لسان العرب 9- 92، و الصحاح 4- 1355.
3- كما فی صحاح اللغة 2- 697، و لسان العرب 4- 407.
4- كذا فی الصحاح 2- 711، و اللسان 4- 451، و غیرهما.
5- قال فی الصحاح 4- 1355: و الخلف- بالكسر-: حلمة ضرع الناقة القادمان و الآخران.
6- الإرشاد 153، و فیه: تشطرا.
7- و جاء فی الاحتجاج 1- 191، و تلخیص الشافی 3- 54 نظیر ما ذكره فی الإرشاد، و فی الأمالی:١ _ ٣٨٣ : شطر.
8- صرّح به فی الصحاح 2- 697، و غیره.
9- كما فی القاموس 2- 58، و الصحاح 2- 697.
10- كما ذكره ابن قتیبة فی الإمامة و السّیاسة: 12 و غیره، و سیأتی نصّ كلامه. قال فی مجمع الأمثال ١ _ ٢٥٥ برقم ١٠٢٩ : .. یضرب فی الحث علی الطلب والمساواة فی المطلوب.

و قد مهّد عمر أمر البیعة لأبی بكر یوم السقیفة، ثم نصّ أبو بكر علیه لمّا حضر أجله، و كان قد استقضاه فی خلافته و جعله وزیرا فی أمرها مساهما (1) فی وزرها، فالمشاطرة تحتمل الوجهین.

وَ فِی رِوَایَةِ الشَّیْخِ (2) وَ الطَّبْرِسِیِّ (3) ذَكَرَ التَّمَثُّلَ فِی هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْدَ قَوْلِهِ:

ضَرْعَیْهَا.

فَصَیَّرَهَا فِی حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ یَغْلُظُ كَلْمُهَا وَ یَخْشُنُ مَسُّهَا وَ یَكْثُرُ الْعِثَارُ فِیهَا وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا ..

و لیست (فیها) فی كثیر من النسخ (4).

و الحوزة- بالفتح-: النّاحیة و الطّبیعة (5). و الغلظ: ضدّ الرّقّة (6)، و الكلم بالفتح- الجرح (7)، و فی الإسناد توسّع، و خشونة المسّ: الإیذاء و الإضرار و هو (8) غیر ما یستفاد من الخشناء، فإنّها عبارة عن كون الحوزة بحیث لا ینال ما عندها و لا یفوز بالنجاح من قصدها، كذا قیل.

و قال بعض الشرّاح: یمكن أن یكون (من) فی «الاعتذار منها» للتعلیل، أی و یكثر اعتذار الناس عن أفعالهم و حركاتهم لأجل تلك الحوزة (9).

و قال بعض الأفاضل: الظاهر أنّ المفاد علی تقدیر إرادة الناحیة تشبیه المتولّی

ص: 523


1- فی (س): مساوما.
2- فی أمالیه: 1- 383: قال ثمّ تمثّل .. و ذكر البیت الشّیخ المفید فی الإرشاد: 153، من دون قوله:تمثّل.
3- الاحتجاج: 192 (النّجف 1- 284) قال: ثمّ تمثّل بقول الأعشی .. و كذا ذكره الشّیخ فی تلخیص الشّافی 3- 54 أیضا.
4- كما فی أمالی الشیخ 1- 383، و معانی الأخبار: 343، و غیرهما.
5- نصّ علیه فی القاموس 2- 174، و قریب منه ما فی لسان العرب 5- 342- 343.
6- كما ذكره فی القاموس 2- 397، و لسان العرب 7- 449.
7- جاء فی مجمع البحرین 6- 157، و الصحاح 5- 2023، و غیرهما.
8- جاءت نسخة بدل فی حاشیة المطبوع من البحار: و هی.
9- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1- 171.

للخلافة بالأرض الخشناء فی ناحیة الطریق المستوی، و تشبیه الخلافة بالراكب السائر فیها أو بالناقة .. أی أخرجها عن مسیرها المستوی و هو من یستحقّها إلی تلك الناحیة الحزنة، فیكثر عثارها، أو عثار مطیّتها (1) فیها، فاحتاجت إلی الاعتذار من عثراتها الناشئة من خشونة الناحیة، و هو فی الحقیقة اعتذار من الناحیة، فالعاثر و المعتذر حینئذ هی الخلافة توسّعا، و الضمیر المجرور فی (منها) راجع إلی الحوزة أو إلی العثرات المفهومة من كثرة العثار، و من صلة للاعتذار أو للصفة المقدّرة صفة (2) للاعتذار، أو حالا عن (یكثر) .. أی الناشئ أو ناشئا منها، و علی ما فی كثیر من النسخ یكون الظرف المتضمّن لضمیر الموصوف أعنی فیها محذوفا، و العثار و الاعتذار علی النسختین إشارة إلی الخطإ فی الأحكام و غیرها، و الرجوع عنها كقصّة الحاملة و المجنونة و میراث الجدّ .. و غیرها (3).

و فی الإحتجاج (4): فصیّرها و اللَّه (5) فی ناحیة خشناء، یجفو مسّها، و یغلظ كلمها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها حزم (6)، و إن أسلس لها تقحّم، یكثر فیها العثار، و یقلّ فیها الاعتذار (7) ...

فالمعنی أنّه كان یعثر كثیرا و لا یعتذر منها لعدم المبالاة، أو للجهل، أو لأنّه لم یكن لعثراته عذر حتی یعتذر، فالمراد بالاعتذار إبداء العذر ممّن كان معذورا و لم یكن مقصّرا.

ص: 524


1- فی (س): مطیها.
2- لا توجد: صفة، فی (ك).
3- جاء بألفاظ متقاربة ذكرها ابن میثم فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 258- 259.
4- الاحتجاج: 192 (النجف 1- 284- 285).
5- لا یوجد لفظ الجلالة فی الطبعتین من الاحتجاج، و جاء فی الأمالی للشیخ الطوسیّ 1- 383، و الإرشاد للمفید: 153 .. و جملة من المصادر.
6- فی المصدر: خرم.
7- فی المصدر بتقدیم جملة: و یكثر العثار فیها و الاعتذار منها، علی قوله: فصاحبها كراكب .. إلی آخره.

و فی روایة الشیخ (1) رحمه اللَّه: فعقدها و اللَّه فی ناحیة خشناء، یخشن مسّها- و فی بعض النسخ: یخشی مسّها-، و یغلظ كلمها، و یكثر العثار و الاعتذار فیها، صاحبها منها كراكب الصعبة إن شنق لها حزم، و إن أسلس لها عصفت به (2).

فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها تقحّم ..

الصّعبة من النّوق: غیر المنقادة (3)، و اشنق بعیره .. أی جذب رأسها بالزّمام، و یقال: اشنق البعیر بنفسه: إذا رفع رأسه، یتعدّی و لا یتعدّی (4)، و اللّغة المشهورة: شنق كنصر متعدّیا بنفسه، و یستعملان باللّام، كما صرّح به فی النّهایة (5).

قال السیّد رحمه اللَّه فی النهج (6)

بعد إتمام الخطبة- قوله علیه السلام: فی هذه الخطبة-

كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها تقحّم.

یرید أنّه إذا شدّد علیها فی جذب الزّمام و هی تنازعه رأسها خرم أنفها، و إن أرخی لها شیئا مع صعوبتها تقحّمت به فلم یملكها، یقال: أشنق النّاقة إذا جذب رأسها بالزّمام فرفعه و شنقها أیضا، ذكر ذلك ابن السّكّیت فی إصلاح المنطق (7)، و إنّما قال: أشنق لها و لم یقل أشنقها لأنّه جعله فی مقابلة قوله: أسلس لها، فكأنّه علیه

ص: 525


1- أمالی الشیخ 1- 383.
2- فی الأمالی: عسفت به- بالسین-.
3- قال فی مجمع البحرین 2- 100: و الناقة الصعبة: خلاف الذلول. و قال فی النهایة 3- 29: من كان مصعبا .. أی من كان بعیره صعبا غیر منقاد و لا ذلول.
4- كما فی الصحاح 4- 1504، و لسان العرب 10- 187.
5- النهایة 2- 506، و مثله فی لسان العرب 10- 187، و فیهما: و فی حدیث علیّ (علیه السلام) : إن أشنق لها خرم.
6- نهج البلاغة- محمّد عبده-: 1- 37- 38، صبحی صالح: 50 ذیل خطبة 3.
7- إصلاح المنطق: 36.

السّلام قال: إن رفع لها رأسها بالزّمام (1) بمعنی أمسكه علیها (انتهی).

فاللّام (2) للازدواج، و الخرم: الشّقّ، یقال: خرم فلانا- كضرب- .. أی شقّ وترة أنفه، و هی ما بین منخریه فخرم هو كفرح (3)، و المفعول محذوف و هو ضمیر الصعبة كما یظهر من كلام بعض اللغویّین، أو أنفها كما یدلّ علیه كلام السیّد و ابن الأثیر و بعض الشارحین، و أسلس لها .. أی أرخی زمامها لها (4)، و تقحّم .. أی رمی نفسه فی مهلكة، و تقحّم الإنسان الأمر .. أی رمی نفسه (5) فیها من غیر رویّة (6).

و ذكروا فی بیان المعنی وجوها:

منها: أنّ الضمیر فی صاحبها یعود إلی الحوزة المكنّی بها عن الخلیفة أو أخلاقه (7)، و المراد بصاحبها من یصاحبها كالمستشار و غیره، و المعنی أنّ المصاحب للرجل المنعوت حاله فی صعوبة الحال كراكب الناقة الصعبة، فلو تسرّع إلی إنكار القبائح من أعماله أدّی إلی الشقاق بینهما و فساد الحال، و لو سكت و خلّاه و ما یصنع أدّی إلی خسران المال.

و منها: أنّ الضمیر راجع إلی الخلافة أو إلی الحوزة، و المراد بصاحبها نفسه علیه السلام، و المعنی أنّ قیامی فی طلب الأمر یوجب مقاتلة ذلك الرجل و فساد أمر الخلافة رأسا، و تفرّق نظام المسلمین، و سكوتی (8) عنه یورث التقحّم فی موارد

ص: 526


1- لا توجد: بالزمام، فی طبعة محمّد عبده، و فی طبعة صبحی صالح: أمسكه علیها بالزمام.
2- یعنی اللام فی قوله: أشنق لها ..
3- كما فی القاموس 4- 104، و تاج العروس 8- 271، و قریب منهما ما فی لسان العرب 12- 170.
4- قال فی مجمع البحرین 4- 78، و المصباح المنیر 1- 344: سلس سلسا- من باب تعب-: سهل و لان، و علیه فإنّ ما ذكره قدّس سرّه لازم للمعنی لا نفسه.
5- لا توجد: نفسه، فی طبعة (س).
6- كما جاء فی النهایة 4- 18، و لسان العرب 12- 462- 463، و غیرها.
7- فی (ك): أخلافه.
8- فی (ك): سكونی.

الذلّ و الصغار.

و منها: أنّ الضمیر راجع إلی الخلافة، و صاحبها من تولّی أمرها مراعیا للحقّ و ما یجب علیه، و المعنی أنّ المتولّی لأمر الخلافة إن أفرط فی إحقاق الحقّ و زجر الناس عمّا یریدونه بأهوائهم أوجب ذلك نفار طباعهم و تفرّقهم عنه، لشدّة المیل إلی الباطل، و إن فرّط فی المحافظة علی شرائطها ألقاه التفریط فی موارد الهلكة، و ضعف هذا الوجه و بعده واضح.

هذا ما قیل فیه (1) من الوجوه، و لعلّ الأول أظهر (2).

و یمكن فیه تخصیص الصاحب به علیه السلام، فالغرض بیان مقاساته الشدائد فی أیّام تلك الحوزة الخشناء للمصاحبة، و قد كان یرجع إلیه علیه السلام بعد ظهور الشناعة فی العثرات، و یستشیره فی الأمور للأغراض.

و یحتمل عندی وجها (كذا) آخر و هو: أن یكون المراد بالصاحب عمر، و بالحوزة سوء أخلاقه، و یحتمل إرجاع الضمیر إلی الخلافة.

و الحاصل: أنّه كان لجهله بالأمور، و عدم استحقاقه للخلافة، و اشتباه الأمور علیه كراكب الصعبة، فكان یقع فی أمور لا یمكنه التخلّص منها أو لم یكن شی ء من أموره خالیا عن المفسدة، فإذا استعمل الجرأة و الجلادة (3) و الغلظة كانت علی خلاف الحقّ، و إن استعمل اللین كان للمداهنة فی الدین.

فمنی الناس- لعمر اللَّه- بخبط و شماس و تلوّن و اعتراض ..

منی- علی المجهول- أی ابتلی (4)، و العمر- بالضم و الفتح-: مصدر عمر الرّجل- بالكسر- إذا عاش زمانا طویلا (5)، و لا یستعمل فی القسم إلّا العمر

ص: 527


1- لا توجد: فیه، فی (س).
2- ذكر هذه الوجوه مفصلا ابن میثم فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 259- 260، فلاحظ.
3- الجلادة: الصلابة، كما فی الصحاح 2- 458 و غیره.
4- كما جاء فی القاموس 4- 391، و لسان العرب 15- 293.
5- قاله فی مجمع البحرین 3- 413، و الصحاح 2- 756.

- بالفتح-، فإذا أدخلت علیه اللّام رفعته بالابتداء، و اللّام لتوكید الابتداء، و الخبر محذوف، و التّقدیر لعمر اللَّه قسمی، و إن لم تأت باللّام نصبته نصب المصادر، و المعنی علی التّقدیرین (1) أحلف ببقاء اللَّه و دوامه (2)، و الخبط- بالفتح-: السّیر علی غیر معرفة و فی غیر جادّة (3)، و الشّماس- بالكسر- النغار (4) یقال: شمس الفرس شموسا و شماسا .. أی منع ظهره، فهو فرس شموس- بالفتح- و به شماس (5)، و التّلوّن فی الإنسان: أن لا یثبت علی خلق واحد (6)، و الاعتراض: السّیر علی غیر استقامة كأنّه یسیر عرضا (7).

و الغرض بیان شدّة ابتلاء الناس فی خلافته بالقضایا الباطلة لجهله و استبداده برأیه مع تسرّعه إلی الحكم و إیذائهم بحدّته و بالخشونة فی الأقوال و الأفعال الموجبة لنفارهم عنه، و بالنفار عن الناس كالفرس الشموس، و التلوّن فی الآراء و الأحكام لعدم ابتنائها علی أساس قوی، و بالخروج عن الجادة المستقیمة التی شرّعها اللَّه لعباده، أو بالوقوع فی الناس فی مشهدهم و مغیبهم، أو بالحمل علی الأمور الصعبة، و التكالیف الشاقّة. و یحتمل أن یكون الأربعة أوصافا للناس

ص: 528


1- أی علی تقدیر دخول اللام و عدمها.
2- نصّ علیه فی الصحاح 2- 752، و لسان العرب 4- 601- 602.
3- قال فی مجمع البحرین 4- 244: و الخبط: حركة علی غیر النحو الطبیعی و علی غیر اتّساق، و الخبط: المشی علی غیر الطریق. و قال فی القاموس 2- 356: خبط اللیل: سار فیه علی غیر هدی.
4- قال فی النهایة 2- 501: شمس- جمع شموس- و هو النفور من الدوابّ الذی لا یستقرّ لشغبه و حدّته، و بنصّه فی لسان العرب 6- 113. أقول: : إن ملاحظة اللغة والسیاق یقوی فی النظر أن : النغار _ بالغین المعجمة _ صحیحها النفار _ بالفاء _ ، ولعله یقرأ بالفاء فی ( ك ).
5- ذكره فی الصحاح 2- 940، و قریب منه فی مجمع البحرین 4- 80.
6- كما فی مجمع البحرین 6- 316، و الصحاح 6- 2197، و غیرهما.
7- قال فی القاموس 2- 335: و الاعتراض: المنع، و الأصل فیه أنّ الطریق إذا اعترض فیه بناء أو غیره منع السابلة من سلوكه مطاوع العرض. و قال فی الصحاح 3- 1084: و اعترض الشی ء: صار عارضا كالخشبة المعترضة فی النهر .. و اعترض الفرس فی رسنه: لم یستقم لقائده.

فی مدّة خلافته، فإنّ خروج الوالی عن الجادة یستلزم خروج الرعیّة عنها أحیانا، و كذا تلوّنه و اعتراضه یوجب تلوّنهم و اعتراضهم علی بعض الوجوه، و خشونته یستلزم نفارهم، و سیأتی تفاصیل تلك الأمور فی الأبواب الآتیة إن شاء اللَّه تعالی.

فصبرت علی طول المدّة و شدّة المحنة، حتّی إذا مضی لسبیله جعلها فی جماعة زعم أنّی أحدهم ..

و فی تلخیص الشافی: زعم أنّی سادسهم (1).

و المحنة: البلیّة الّتی یمتحن بها الإنسان (2).

و الزّعم (3)

مثلثة- قریب من الظّنّ (4). و قال ابن الأثیر: إنّما یقال زعموا فی حدیث لا سند له و لا ثبت فیه (5). و قال الزمخشری: هی ما لا یوثق به من الأحادیث (6).

وَ رُوِیَ عَنِ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ زَعْمٍ فِی الْقُرْآنِ كَذِبٌ (7).

و كانت مدّة غصبه للخلافة- علی ما فی الإستیعاب- عشر سنین و ستة أشهر. و قال: قتل یوم الأربعاء لأربع بقین من ذی الحجة سنة ثلاث و عشرین، و قال الواقدی و غیره: لثلاث بقین منه، طعنه أبو لؤلؤة فیروز غلام المغیرة بن شعبة (8).

ص: 529


1- تلخیص الشافی 3- 54.
2- كما جاء فی الصحاح 6- 2201، و لسان العرب 13- 401، و غیرهما.
3- كررت كلمة: و الزعم فی (س)، و قد خطّ علی الثانیة فی (ك)، و هو الظاهر.
4- قال فی القاموس 4- 124: الزعم- مثلثة- القول الحق و الباطل و الكذب، ضد، و أكثر ما یقال فیما یشكّ فیه، و نحوه جاء فی لسان العرب 12- 264.
5- صرّح بذلك فی النهایة 2- 303، و نحوه فی لسان العرب 12- 267.
6- قال فی لسان العرب 12- 267: و قال: الزمخشری: معناه أنّهما یتحادثان بالزعمات و هی .. إلی آخر ما فی المتن. و قال فی كتاب العین 1- 364: «هذه للّٰه بزعمهم» و یقرأ بزعمهم أی بقولهم الكذب.
7- قال فی مجمع البحرین 6- 79: و فی الحدیث: كلّ زعم فی القرآن كذب.
8- الاستیعاب المطبوع علی هامش الإصابة 2- 467.

و اشتهر بین الشیعة أنّه قتل فی التاسع من ربیع الأوّل، و سیأتی فیه بعض الروایات.

و الجماعة الذین أشار علیه السلام إلیهم أهل مجلس الشوری، و هم ستة علی المشهور-: علیّ علیه السلام و عثمان و طلحة و الزبیر و سعد بن أبی وقّاص و عبد الرحمن بن عوف.

و قال الطبری (1): لم یكن طلحة ممّن ذكر فی الشوری و لا كان یومئذ بالمدینة.

و قال أحمد بن أعثم (2): لم یكن بالمدینة. فقال عمر: انتظروا بطلحة ثلاثة أیّام، فإن جاء و إلّا فاختاروا رجلا من الخمسة.

فیا للَّه و للشوری ..

الشّوری- كبشری، مصدر- بمعنی المشورة (3)، و اللّام فی فیا للَّه: مفتوحة لدخولها علی المستغاث، أدخلت للدلالة علی اختصاصها بالنداء للاستغاثة، و أمّا فی: و للشّوری فمكسورة دخلت علی المستغاث له (4)، و الواو زائدة أو عاطفة علی محذوف مستغاث (5) له أیضا، قیل: كأنّه قال: فیا لعمر و للشوری .. أو: لی و للشوری .. و نحوه، و الأظهر فیا للَّه لما أصابنی عنه، أو لنوائب الدهر عامّة و للشوری خاصّة، و الاستغاثة للتألّم من الاقتران بمن لا یدانیه فی الفضائل، و لا یستأهل للخلافة، و سیأتی قصّة الشوری فی بابها.

متی (6) اعترض الریب فیّ مع الأوّل منهم حتی صرت أقرن إلی هذه

ص: 530


1- فی تاریخه 3- 292 باب قصّة الشوری.
2- فی الفتوح 2- 327، و انظر تاریخ الإسلام للذهبی- عهد الخلفاء الراشدین-: 281، و طبقات ابن سعد 3- 344 و غیرها.
3- نصّ علیه فی الصحاح 2- 705، و لسان العرب 4- 437.
4- كما فی مجمع البحرین 6- 170، و الصحاح 5- 2035، و غیرهما.
5- هنا كلمة: لیس، وضعت فی حاشیة (ك) و أرجعت إلی هنا و بعدها: صح. و لم نجد لها وجها مناسبا.
6- فی (س): مع.

النظائر ..

وَ فِی رِوَایَةِ الشَّیْخِ (1) وَ غَیْرِهِ: فَیَا لَلشُّورَی وَ اللَّهِ (2)، مَتَی اعْتَرَضَ الرَّیْبُ (3) فِیَّ مَعَ الْأَوَّلَیْنِ، فَأَنَا الْآنَ أُقْرَنُ ..

و فی الإحتجاج (4): مع الأوّلین منهم حتی صرت الآن یقرن بی هذه (5) النظائر.

و یقال (6): اعترض الشّی ء .. أی صار عارضا كالخشبة المعترضة فی النّهر (7)، و الرّیب: الشّكّ (8)، و المراد بالأوّل أبو بكر.

و أقرن إلیهم- علی لفظ المجهول- أی أجعل قرینا لهم و یجمع بینی و بینهم.

و النظائر الخمسة: أصحاب الشوری، و قیل: الأربعة كما سیأتی، و التعبیر عنهم بالنظائر لأنّ عمر جعلهم نظائر له علیه السلام، أو لكون كلّ منهم نظیر الآخرین.

لكنّی أسففت أن (9) أسفّوا و طرت إذ طاروا ..

و فی روایة الشیخ (10): و (11) لكنّی أسففت مع القوم حیث أسفّوا و طرت مع القوم حیث طاروا ..

قال فی النهایة- فی شرح هذه الفقرة-: أسفّ الطّائر: إذا دنا من

ص: 531


1- الأمالی 1- 383.
2- فی المصدر: و للّٰه.
3- لا توجد: الرّیب، فی (س).
4- الاحتجاج: 193 (طبعة النجف 1- 286).
5- فی المصدر: مع الأول منهم حتّی صرت أقرن إلی هذه ..
6- خطّ علی الواو، فی (ك).
7- صرّح به فی الصحاح 3- 1083، و لسان العرب 7- 168 و غیرهما.
8- نصّ علیه فی مجمع البحرین 2- 76، و الصحاح 1- 141.
9- فی (ك): إذ.
10- أمالی الشیخ الطوسیّ 1- 383.
11- لا توجد الواو فی (ك).

الأرض، و أسفّ الرّجل للأمر: إذا قاربه (1)، و طرت .. أی ارتفعت استعمالا للكلّی فی أكمل الأفراد بقرینة المقابلة.

و قال بعض الشارحین (2): أی لكنّی طلبت الأمر إن كان المنازع فیه جلیل القدر أو صغیر المنزلة لأنّه حقّی و لم أستنكف من طلبه.

و الأظهر أنّ المعنی أنّی جریت معهم علی ما جروا، و دخلت فی الشوری مع أنّهم لم یكونوا نظراء لی، و تركت المنازعة للمصلحة أو الأعمّ من ذلك بأنّ تكلّمت معهم فی الإحتجاج أیضا بما یوافق رأیهم، و بیّنت الكلام علی تسلیم حقیّة ما مضی من الأمور الباطلة، و أتممت الحجة علیهم علی هذا الوجه.

فصغی رجل منهم لضغنه و مال الآخر لصهره مع هن و هن.

الصّغی: المیل، و منه أصغیت إلیه: إذا ملت بسمعك نحوه (3). و الضّغن- بالكسر- الحقد و العداوة (4)، و الصّهر- بالكسر-: حرمة الختونة (5). و قال الخلیل: الأصهار: أهل بیت المرأة، و من العرب من یجعل الصّهر من الأحماء و الأختان (6) جمیعا (7).

و هن علی وزن أخ: كلمة كنایة و معناه شی ء و أصله هنو (8).

و قال الشیخ الرضی رضی اللَّه عنه: الهن: الشّی ء المنكر الّذی یستهجن

ص: 532


1- النهایة 2- 275، و انظر: لسان العرب 9- 154.
2- شرح النهج لابن أبی الحدید 1- 184 بتصرّف فی النقل.
3- كما فی الصحاح 6- 2401، و فی القاموس 4- 352 نحوه، إلّا أن كلمة نحوه لا توجد فیه.
4- ذكره فی النهایة 3- 91، و قریب منه ما فی مجمع البحرین 6- 275.
5- جاء فی القاموس 2- 74، و لسان العرب 4- 471، و كتاب العین 3- 411.
6- إلی هنا نقل فی مجمع البحرین 3- 370 عن الخلیل.
7- و حكاه عنه فی الصحاح 2- 717 بنصّه. و فی كتاب العین 3- 411 نصّ بقوله: و لا یقال لأهل بیت الختن إلّا أختان، و لأهل بیت المرأة الأصهار، و من العرب من یجعلهم (و فی نسخة مكتبة المتحف و فی نسخة الصدر و طهران: یجعله.) كلّهم أصهارا.
8- صرّح به فی مجمع البحرین 1- 479، و الصحاح 6- 2536.

ذكره من العورة و الفعل القبیح أو غیر ذلك (1)، و الذی مال للضغن سعد بن أبی وقّاص، لأنّه علیه السلام قتل أباه یوم بدر، و سعد أحد (2) من قعد عن بیعة أمیر المؤمنین علیه السلام عند رجوع الأمر إلیه، كذا قال الراوندی رحمه اللَّه (3).

و ردّه ابن أبی الحدید (4) بأنّ أبا وقّاص- و اسمه مالك بن وهیب (5)

مات فی الجاهلیة حتف أنفه، و قال: المراد به طلحة، و ضغنه لأنّه تیمیّ و ابن عمّ أبی بكر، و كان فی نفوس بنی هاشم حقد (6) شدید من بنی تیم لأجل الخلافة و بالعكس، و الروایة التی جاءت بأنّ طلحة لم یكن حاضرا یوم الشوری- إن صحّت فذو الضغن هو سعد، لأنّ أمّه حمنة (7) بنت سفیان بن أمیّة بن عبد شمس، و الضغنة التی كانت عنده من قبل أخواله الذین قتلهم علیّ علیه السلام، و لم یعرف أنّه علیه السلام قتل أحدا من بنی زهرة لینسب الضغن إلیه، و الذی مال لصهره هو عبد الرحمن لأنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبی معیط كانت زوجة عبد الرحمن، و هی أخت عثمان من أمّه أروی (8) بنت كویز (9) بن ربیعة بن حبیب بن عبد شمس.

و فی بعض نسخ كتب الصدوق رحمه اللَّه (10)

فمال رجل بضبعه.

- بالضاد المعجمة و الباء- و فی بعضها: باللام (11).

و قال الجوهری: الضّبع: العضد .. و ضبعت الخیل .. مدّت أضباعها فی

ص: 533


1- نصّ علیه فی شرح الرضی 1- 25.
2- فی (ك): واحد، و الظاهر أنّ الواو زائدة.
3- فی شرحه علی النهج، منهاج البراعة 1- 127.
4- فی شرح النهج 1- 189، و جاء بهذا المضمون من نفس المجلد: 187- 188، فراجع.
5- فی المصدر: أهیب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤی بن غالب.
6- فی شرح النهج 1- 188: حنق، و هی نسخة فی مطبوع البحار.
7- الكلمة فی (س) مشوّشة.
8- فی (س): أدوی.
9- فی (ك) جاءت نسخة بدل: كریز .. و هی كذلك فی شرح النهج.
10- كما فی معانی الأخبار: 344.
11- علل الشرائع 1- 151.

سیرها ..، و قال الأصمعی: الضّبع: أن یهوی بحافره إلی عضده، و كنّا فی ضبع فلان- بالضم- أی فی كنفه و ناحیته (1). و قال: یقال ضلعك مع فلان ..

أی میلك معه و هواك .. و یقال: خاصمت فلانا فكان ضلعك علیّ .. أی میلك (2).

و فی روایة الشیخ (3): فمال رجل لضغنه و أصغی آخر لصهره ..

و لعلّ المراد بالكنایة رجاؤه أن ینتقل الأمر إلیه بعد عثمان، و ینتفع بخلافته و الانتساب إلیه باكتساب الأموال و الاستطالة و الترفّع علی الناس، أو نوع من الانحراف عنه علیه السلام، و قد عدّ من المنحرفین، أو غیر ذلك ممّا هو علیه السلام أعلم به، و یحتمل أن یكون الظرف متعلقا بالمعطوف و المعطوف علیه كلیهما، فالكنایة تشتمل ذا الضغن أیضا.

إلی أن قام ثالث القوم نافجا حضنیه بین نثیله و معتلفه، و قام معه بنو أبیه یخضمون مال اللَّه خضم الإبل نبتة الربیع.

وَ فِی رِوَایَةِ الشَّیْخِ (4): إِلَی أَنْ قَامَ الثَّالِثُ نَافِجاً حِضْنَیْهِ بَیْنَ نَثِیلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ مِنْهَا، وَ أَسْرَعَ مَعَهُ بَنُو أَبِیهِ فِی مَالِ اللَّهِ یَخْضَمُونَهُ ..

و الحضن- بالكسر- ما دون الإبط إلی الكشح (5)، و النّفج- بالجیم-:

الرّفع (6) یقال: بعیر منتفج الجنبین: إذا امتلأ من الأكل فارتفع جنباه (7)، و رجل

ص: 534


1- كما صرّح بذلك فی الصحاح 3- 1247.
2- الصحاح 3- 1251.
3- أمالی الشیخ الطوسیّ 1- 383.
4- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 383.
5- قاله فی الصحاح 5- 2101، و القاموس 4- 215، و غیرهما.
6- كما فی الصحاح 1- 345، و القاموس 1- 210.
7- قال فی الصحاح 1- 346: و انتفج جنبا البعیر: ارتفعا. و قال فی النهایة 5- 89: إذا ارتفعا و عظما خلقة، و نفجت الشی ء فانتفج .. أی رفعته و عظّمته.

منتفج (1) الجنبین: إذا افتخر بما لیس فیه (2)، و ظاهر المقام التشبیه بالبعیر. و قال ابن الأثیر: كنی به (3) عن التّعاظم و الخیلاء (4)، قال: و یروی نافخا- بالخاء المعجمة (5)

أی منتفخا مستعدّا (6) لأن یعمل عمله من الشّرّ (7)، و الظاهر علی هذه الروایة أنّ المراد كثرة الأكل.

و النّثیل: الرّوث- بالفتح (8)

، و المعتلف- بالفتح- موضع الاعتلاف، و هو أكل الدّابة العلف .. (9) أی كان همّه الأكل و الرجع كالبهائم، و قد مرّ تفسیر ما فی روایة الصدوق رحمه اللَّه (10).

قال فی القاموس: النّثیل- بالفتح و الكسر (11)

وعاء قضیب البعیر .. أو القضیب نفسه (12)، و الخضم: الأكل بجمیع الفم و یقابله القضم .. أی بأطراف الأسنان (13).

وَ قَالَ فِی النِّهَایَةِ- فِی حَدِیثِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (14)

فَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِیهِ (15)

ص: 535


1- فی (س): منتفخ.
2- قال فی القاموس 1- 210: النفاج: المتكبّر كالمنتفج .. و تنفّج: افتخر بأكثر ممّا عنده. و قال فی المصباح المنیر 2- 324: نفج الإنسان- من باب قتل- فخر بما لیس عنده فهو نفّاج.
3- أی بقوله علیه السلام: نافجا حضنیه.
4- النهایة 5- 89.
5- لا توجد: بالخاء المعجمة، فی المصدر.
6- فی المصدر: منتفخ مستعد، و كلاهما بالرفع.
7- النهایة 5- 90.
8- صرّح به فی مجمع البحرین 5- 477، و الصحاح 5- 1825.
9- جاء فی لسان العرب 9- 256، و تاج العروس 6- 205.
10- فی صفحة: 503 من هذا المجلد.
11- فی (س): بالكسر، فحسب.
12- القاموس 3- 344، باختلاف یسیر.
13- كما فی مجمع البحرین 6- 59، و الصحاح 5- 1913 و 2013.
14- فی المصدر: الترضیة، بدلا من: التّسلیم.
15- فی النّهایة: بنو أمیّة، بدلا من: بنو أبیه.

یَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خَضْمَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِیعِ ..

الخضم: الأكل بأقصی الأضراس، و القضم بأدناها، و منه حدیث أبی ذرّ: تأكلون خضما و نأكل قضما (1)، و قیل: الخضم خاصّ بالشّی ء الرّطب (2) و القضم بالیابس، و الفعل خضم- كعلم- علی قول الجوهری (3) و ابن الأثیر (4). و فی القاموس: كسمع و ضرب (5)، و أعرب المضارع فی النسخ علی الوجهین جمیعا. و قالوا: النّبتة بالكسر- ضرب من فعل النّبات یقال: إنّه لحسن النّبتة (6)، و الكلام إشارة إلی تصرّف عثمان و بنی أمیّة فی بیت مال المسلمین و إعطائه الجوائز و إقطاعه القطائع (7) كما سیأتی إن شاء اللَّه.

إلی أن انتكث علیه فتله، و أجهز علیه عمله، و كبت به بطنته ..

و فی الإحتجاج (8)

إلی أن كبت به (9) بطنته و أجهز علیه عمله ..

و الانتكاث: الانتقاض، یقال: نكث فلان العهد و الحبل فانتكث .. أی نقضه فانتقض (10)، و فتل الحبل: برمه و لیّ شقّیه (11). و الإجهاز: إتمام قتل

ص: 536


1- النهایة 2- 44.
2- كما نصّ علیه فی مجمع البحرین 6- 59، و القاموس 4- 107.
3- الصحاح 5- 1913.
4- النهایة 2- 44.
5- القاموس 4- 107.
6- قال فی لسان العرب 2- 96: و النّبتة: شكل النبات و حالته التی ینبت علیها، و النبتة: الواحدة من النبات، حكاه أبو حنیفة، فقال: العقیفاء: نبتة ورقها مثل ورق السذّاب، و قال فی موضع آخر: إنّما قدّمناها لئلّا یحتاج إلی تكریر ذلك عند ذكر كلّ نبت. أراد عند كلّ نوع من النبت. ونحوه فی تاج العروس ١ _ ٥٩٠.
7- فی (ك) نسخة بدل: القواطع.
8- الاحتجاج 1- 287.
9- فی المصدر: إلی أن انتكث علیه فتله و كبت به .. إلی آخره.
10- نصّ علیه فی الصحاح 1- 295، و المصباح المنیر 2- 335.
11- قال فی لسان العرب 11- 514: الفتل: لیّ الشی ء كلیّك الحبل. و قال فی القاموس 4- 28: فتله یفتله .. لواه .. و الفتلة .. برمة العرفط. و قال فیه أیضا 4- 78: و أبرم الحبل: جعله طاقین ثمّ فتله. و قال فی مجمع البحرین 6- 16: الإبرام- فی الأصل- فتل الحبل، و النقض- بالضاد المعجمة:نقیضه.

الجریح و إسراعه (1)، و قیل: فیه (2) إیماء إلی ما أصابه قبل القتل من طعن أسنّة الألسنة و سقوطه عن أعین الناس.

و كبا الفرس: سقط علی وجهه (3)، و كبا به: أسقطه.

و البطنة: الكظّة، أی: الامتلاء من الطّعام (4).

و الحاصل أنّه استمرّت أفعالهم المذكورة إلی أن رجع علیه حیله و تدابیره و لحقه وخامة العاقبة فوثبوا علیه و قتلوه، كما سیأتی بیانه.

فما راعنی إلّا و الناس ینثالون علیّ من كلّ جانب ..

و فی الإحتجاج (5)

إلا و الناس رسل إلیّ كعرف الضبع یسألون أن أبایعهم و انثالوا علی حقّی (6) ..

و فی روایة الشیخ (7)

فما راعنی من الناس إلّا و هم رسل كعرف الضبع یسألونی أبایعهم و أبی ذلك (8)، و انثالوا علیّ ..

و الروع- بالفتح- الفزع و الخوف، یقال: رعت فلانا و روّعته فارتاع .. أی أفزعته ففزع، و راعنی الشّی ء أی أعجبنی (9)، و الأوّل هنا أنسب.

ص: 537


1- صرّح بذلك فی المصباح المنیر 1- 139، و قریب منه فی لسان العرب 5- 325.
2- لا توجد فی (س): فیه.
3- كما فی مجمع البحرین 1- 356، و مثله فی القاموس 4- 381، قال: كبا كبوا و كبّوا: انكبّ علی وجهه .. و كبا الكوز: صبّ ما فیه.
4- جاء فی الصحاح 5- 2080، و زاد فیه: امتلاء شدیدا، و نحوه فی لسان العرب 13- 52- 53.
5- الاحتجاج 1- 287.
6- فی المصدر: .. الضبع ینثالون علیّ من كلّ جانب حتّی ..
7- فی أمالیه 1- 383.
8- كذا، و الظاهر: و آبی ذلك.
9- نصّ علیه فی الصحاح 3- 1223، و لسان العرب 8- 136.

و الثّول: صبّ ما فی الإناء، و انثال: انصبّ (1).

و فی بعض النسخ الصحیحة: و الناس إلیّ كعرف الضبع ینثالون (2) ..

و العرف: الشّعر الغلیظ النّابت (3) علی عنق الدّابة (4)، و عرف الضّبع (5) ممّا یضرب به المثل فی الازدحام.

و فی القاموس: الرّسل- محركة- القطیع من كلّ شی ء .. و الرّسل- بالفتح- ..

المترسّل من الشّعر، و قد رسل- كفرح- رسلا .. (6) أی ما أفزعنی حالة إلّا حالة ازدحام الناس للبیعة، و ذلك لعلمهم بقبح العدول عنه علیه السلام إلی غیره.

حتی لقد وطئ الحسنان و شقّ عطفای ...

الوطء: الدّوس بالقدم (7)، و الحسنان السبطان صلوات اللَّه علیهما، و نقل عن السیّد المرتضی رضی اللَّه (8) عنه أنّه قال: روی أبو عمر (9): و أنّهما الإبهامان، و أنشد للشفری (10):

ص: 538


1- صرّح به فی النهایة 1- 230، و لسان العرب 11- 95. و فی (ك): و انصبّ.
2- كما فی تلخیص الشافی للشیخ الطوسیّ 3- 56 و غیره، و قریب منه فی علل الشرائع للشیخ الصدوق 1- 151.
3- فی (ك): الثابت.
4- قاله فی المصباح المنیر 2- 62، إلّا أنّه لم یصف الشعر بالغلیظ، و مثله فی القاموس 3- 173، قال:
5- قال فی لسان العرب 8- 241: و الضّبع یقال لها: عرفاء، لطول عرفها و كثرة شعرها.
6- القاموس 3- 384.
7- كما جاء فی النهایة 5- 200، و لسان العرب 1- 197، و غیرهما.
8- كما حكاه ابن میثم فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 265.
9- هو أبو عمر محمّد بن عبد الواحد بن أبی هاشم الباوردی (261- 345 ه) المعروف ب: غلام ثعلب، من أئمّة اللغة، له جملة مصنّفات، انظر عنه: وفیات الأعیان 1- 500، تاریخ بغداد 2- 356، لسان المیزان 5- 268، تذكرة الحفّاظ 3- 86، الوافی بالوفیات 4- 72 و غیرها.
10- فی شرح النهج: المشنفری، الظاهر: الشنفری.

مهضومة الكشحین حزماء (1) الحسن*** ..........

وَ رَوَی أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ كَانَ یَوْمَئِذٍ جَالِساً مُحْتَبِیاً- وَ هِیَ جِلْسَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ الْمُسَمَّاةُ بِالْقُرْفُصَاءِ (2)

فَاجْتَمَعُوا لِیُبَایِعُوهُ زَاحَمُوا حَتَّی وَطِئُوا إِبْهَامَیْهِ، وَ شَقُّوا ذَیْلَهُ.

، قال (3): و لم یعن الحسن و الحسین علیهما السلام و هما رجلان كسائر الحاضرین.

و عطفا الرّجل- بالكسر- جانباه (4)، فالمراد شقّ جانبی قمیصه علیه السلام أو ردائه علیه السلام لجلوس الناس أو وضع الأقدام و زحامهم حوله.

و قیل (5): أراد خدش جانبیه علیه السلام لشدّة الاصطكاك و الزحام. و فی بعض النسخ الصحیحة: و شقّ عطافی، و هو- بالكسر- الرّداء (6)، و هو أنسب.

مجتمعین حولی كربیضة (7) الغنم ..

الرّبیض و الرّبیضة: الغنم المجتمعة فی مربضها (8) .. أی مأواها (9).

و قیل: إشارة إلی بلادتهم و نقصان عقولهم، لأنّ الغنم توصف بقلّة الفطنة.

ص: 539


1- فی المصدر: خرماء.
2- القرفصاء: هی جمع الرّكبتین و جمع الذّیل، تعدّ من السّنن. قال فی القاموس 2- 312: و القرفصی- مثلّثة القاف، و الفاء مقصورة- و القرفصاء- بالضّمّ-، و القرفصاء- بضمّ القاف و الرّاء علی الإتباع-: أنّ یجلس علی ألیتیه و یلصق فخذیه ببطنه و یحتبی بیدیه یضعهما علی ساقیه، أو یجلس علی ركبتیه منكبّا و یلصق بطنه بفخذیه، و مثله فی الصّحاح 3- 1051.
3- الكلام لابن میثم فی شرحه علی النهج 1- 265، و هو مقول القول.
4- كما صرّح به فی مجمع البحرین 5- 101، و الصحاح 4- 1405، و غیرهما.
5- ذكره فی الصحاح 4- 1405، و مجمع البحرین 5- 101.
6- القائل هو ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 1- 200.
7- قال فی النهایة 2- 185: الربیض: الغنم نفسها، و الرّبض: موضعها الذی تربض فیه .. و منه حدیث علیّ (علیه السلام) : و الناس حولی كربیضة الغنم .. أی كالغنم الرّبض.
8- قال فی الصحاح 3- 1076، و القاموس 2- 331: الربیض: الغنم و رعاتها المجتمعة فی مرابضها.
9- ذكره فی لسان العرب 7- 149، و المصباح المنیر 1- 261. و زاد فی اللسان: الربضة: الجماعة من الغنم و الناس .. و الأصل للغنم.

فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، و مرقت أخری، و فسق آخرون ..

و فی روایة الشیخ (1) و الإحتجاج (2): و قسط آخرون.

نهض- كمنع- قام (3)، و النّكث: النّقض (4)، و المروق: الخروج (5)، و فسق الرجل- كنصر و ضرب- فجر (6) و أصله الخروج (7)، و القسط: العدل و الجور (8)، و المراد به هنا الثانی.

و المراد بالناكثة: أصحاب الجمل (9)،

و قد روی (10) أنّه علیه السلام كان یتلو وقت مبایعتهم: و فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ (11).

و بالمارقة: أصحاب النهروان (12).

و بالفاسقة أو القاسطة: أصحاب صفّین (13) و سیأتی أخبار النبیّ صلّی اللَّه

ص: 540


1- أمالی الشیخ الطوسیّ 1- 383.
2- الاحتجاج 1- 288، و فیه: و فسق آخرون ..!. و لعلّ المصنّف رحمه اللّٰه أراد إرشاد الشیخ المفید:١٥٣ ، أو شرح النهج لابن میثم ١ _ ٢٥١ ، أو تلخیص الشافی ٣ _ ٥٦ ، أو غیرها ، فتدبر.
3- نصّ علیه فی مجمع البحرین 4- 233، و القاموس 2- 347، و غیرهما.
4- صرّح به فی الصحاح 1- 295، و مجمع البحرین 2- 266.
5- كما فی القاموس 3- 282، و مجمع البحرین 5- 235.
6- جاء فی القاموس 3- 276، و الصحاح 4- 1543.
7- مجمع البحرین 5- 228، و المصباح المنیر 2- 146 قالا: الفسق: الخروج علی وجه الفساد.
8- ذكره فی المصباح المنیر 2- 184، و مجمع البحرین 4- 268.
9- قال فی النهایة 5- 114: فی حدیث علیّ (علیه السلام) : أمرت بقتال الناكثین و القاسطین و المارقین .. و أراد بهم أهل وقعة الجمل لأنّهم كانوا بایعوه ثمّ نقضوا بیعته و قاتلوه، و أراد بالقاسطین: أهل الشام، و بالمارقین: الخوارج، و عینه فی لسان العرب 2- 196- 197. و فی تاج العروس 1- 651: و فی حدیث علیّ كرّم اللّٰه وجهه: أمرت بقتال الناكثین .. و ذكر نظیر كلام ابن الأثیر فی نهایته إلی قوله: و قاتلوه.
10- كما جاء فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1- 201.
11- الفتح: 10.
12- قال فی النهایة 4- 230- بعد ذكر حدیث علیّ علیه السلام-: المارقین .. یعنی الخوارج. و عینه فی لسان العرب 10- 341، و تاج العروس 7- 68.
13- قال فی النهایة 4- 60 بعد ذكر حدیث علیّ علیه السلام: و القاسطین أهل صفّین، و مثله فی لسان العرب 7- 378، و تاج العروس 5- 206.

علیه و آله بهم و بقتاله علیه السلام معهم.

كأنّهم لم یسمعوا اللَّه سبحانه یقول: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (1). الظاهر رجوع ضمیر الجمع (2) إلی الخلفاء الثلاثة لا إلی الطوائف- كما توهّم (3)

إذ الغرض من الخطبة ذكرهم لا الطوائف، و هو المناسب لما بعد الآیة، لا سیّما ضمیر الجمع فی سمعوها و وعوها (4). و الغرض تشبیههم فی الإعراض عن الآخرة و الإقبال علی الدنیا و زخارفها للأغراض الفاسدة بمن أعرض عن نعیم الآخرة لعدم سماع الآیة و شرائط الفوز بثوابها، و المشار إلیها فی الآیة هی الجنّة، و الإشارة للتعظیم .. أی تلك الدار التی بلغك وصفها.

و العلوّ: هو التّكبّر (5) علی عباد اللَّه و الغلبة علیهم، و الاستكبار عن العبادة.

و الفساد: الدعاء إلی عبادة غیر اللَّه، أو أخذ المال و قتل النفس بغیر حقّ، أو العمل بالمعاصی و الظلم علی الناس، و الآیة لمّا كانت بعد قصّة قارون و قبله قصّة فرعون فقیل إنّ العلوّ إشارة إلی كفر فرعون، لقوله تعالی فیه (6): عَلا فِی الْأَرْضِ (7) و الفساد إلی بغی قارون لقوله تعالی: وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِی الْأَرْضِ (8) ففی كلامه علیه السلام یحتمل كون الأوّل إشارة إلی

ص: 541


1- القصص: 83.
2- أی قوله علیه السلام: لم یسمعوا ..
3- قال ابن میثم فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 266: تنبیه لأذهان الطوائف الثلاث المذكورة (أی الناكثین و القاسطین و المارقین) و من عساه یتخیّل أنّ الحقّ فی سلوك مسالكهم .. إلی آخره. و نظیره فی شرح ابن أبی الحدید.
4- فی (ك): و دعوها، و هو غلط، لما سیأتی.
5- كما نصّت علیه كتب اللغة. انظر: مجمع البحرین 1- 302، و الصحاح 6- 2435، و غیرهما.
6- لا توجد فی (س): فیه.
7- القصص: 4.
8- القصص: 77.

الأوّلین، و الثانی إلی الثالث، أو الجمیع إلیهم جمیعا، أو إلی جمیع من ذكر فی الخطبة كما قیل.

بلی و اللَّه لقد سمعوها و وعوها و لكنّهم حلیت الدنیا فی أعینهم و راقهم زبرجها ..

و فی روایة الشیخ (1)

بلی و اللَّه لقد سمعوها و لكن راقتهم دنیاهم و أعجبهم زبرجها ..

وعی الحدیث- كرمی-: فهمه و حفظه (2).

و حلی فلان بعینی و فی عینی- بالكسر-: إذا أعجبك، و كذلك حلی- بالفتح یحلو حلاوة (3).

و راقنی الشّی ء: أعجبنی (4).

و الزّبرج: الزّینة من وشی (5) أو جوهر أو نحو ذلك (6)، قال الجوهری: و یقال الزّبرج (7): الذّهب (8)، و فی النهایة: الزّینة و الذّهب و السّحاب (9).

أما و الذی فلق الحبّة و برأ النسمة لو لا حضور الحاضر و قیام الحجّة بوجود الناصر ..

وَ فِی رِوَایَةِ الشَّیْخِ (10): لَوْ لَا حُضُورُ النَّاصِرِ وَ لُزُومُ الْحُجَّةِ وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ

ص: 542


1- أمالی الشیخ الطوسیّ 1- 383.
2- جاء فی لسان العرب 15- 396، و النهایة 5- 207، و فیهما: حفظه و فهمه.
3- صرّح به فی الصحاح 6- 2318، و لسان العرب 14- 196، و غیرهما.
4- كما فی مجمع البحرین 5- 173، و الصحاح 4- 1486.
5- جاء فی حاشیة (ك): الوشی: نقش الثوب و یكون من كلّ لون. (ق). انظر : القاموس ٤ _ ٤٠٠.
6- ذكره فی القاموس 1- 191، و الصحاح 1- 318.
7- لا توجد: الزبرج، فی (س).
8- الصحاح 1- 318، و مثله فی القاموس 1- 191.
9- النهایة 2- 292، و مثله فی القاموس 1- 191.
10- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 1- 383.

أَوْلِیَاءِ الْأَمْرِ ..

الفلق: الشّقّ (1)، و برأ ... أی خلق، و قیل: قلّما یستعمل فی غیر الحیوان (2)، و النّسمة- محركة- الإنسان أو النّفس و الرّوح (3).

و الظاهر أنّ المراد بفلق الحبّة شقّها و إخراج النبات منها.

و قیل: خلقها (4).

و قیل: هو الشقّ الذی فی الحبّ (5).

و حضور الحاضر .. أمّا وجود من حضر للبیعة فما بعده كالتفسیر له، أو تحقّق البیعة- علی ما قیل-، أو حضوره سبحانه و علمه، أو حضور الوقت الذی وقّته الرسول صلّی اللَّه علیه و آله للقیام بالأمر.

و ما أخذ اللَّه علی العلماء أن لا یقارّوا علی كظّة ظالم و لا سغب مظلوم ..

كلمة ما مصدریّة، و الجملة (6) فی محلّ النصب لكونها مفعولا لأخذ أو موصولة و العائد مقدّر، و الجملة بیان لما أخذه اللَّه بتقدیر حرف الجر أو بدل منه أو عطف بیان له.

و العلماء: إمّا الأئمّة علیهم السلام أو الأعمّ، فیدلّ علی وجوب الحكم بین الناس فی زمان الغیبة لمن جمع الشرائط.

و فی الإحتجاج (7): علی أولیاء الأمر أن لا یقرّوا ..

ص: 543


1- نصّ علیه فی مجمع البحرین 5- 229، و غیره.
2- صرّح به فی مجمع البحرین 1- 48، و غیره.
3- قال فی النهایة 5- 49: النسمة: النفس و الروح .. النّسمة: النّفس- بالتحریك-، و راجع:الصحاح ٥ _ ٢٠٤٠ ، والقاموس ٤ _ ١٨٠ ، والمصباح المنیر ٢ _ ٣١٠.
4- نسب هذا القول إلی ابن عبّاس و الضحّاك قالا: فالق الحبّة .. أی خالقه .. كما حكاه عنهما فی شرح النهج لابن میثم 1- 267.
5- قال ابن میثم فی شرح النهج 1- 267: و هو الذی علیه جمهور المفسّرین.
6- أی جملة: أن لا یقارّوا علی ..
7- الاحتجاج 1- 288.

و المقارّة- علی ما ذكره الجوهری-: أن تقرّ مع صاحبك و تسكن (1). و قیل:

إقرار كلّ واحد صاحبه علی الأمر و تراضیهما به.

و الكظّة: ما یعتری الإنسان من الامتلاء من الطّعام (2)، و السّغب بالتحریك- الجوع (3).

لألقیت حبلها علی غاربها (4)

و لسقیت آخرها بكأس أوّلها ..

الضمائر راجعة إلی الخلافة، و الغارب: ما بین السّنام و العنق (5) أو مقدّم السّنام (6)، و إلقاء الحبل ترشیح (7) لتشبیه الخلافة بالناقة التی یتركها راعیها لترعی حیث تشاء و لا یبالی من یأخذها و ما یصیبها، و ذكر الحبل تخییل (8). و الكأس إناء فیه شراب أو مطلقا (9).

و سقیها بكأس أوّلها تركها و الإعراض عنها لعدم الناصر.

و قال بعض الشارحین: التعبیر بالكأس لوقوع الناس بذلك الترك فی حیرة تشبه السكر (10).

ص: 544


1- الصحاح 2- 790، و مثله فی لسان العرب 5- 85.
2- كما جاء فی مجمع البحرین 4- 290، و الصحاح 3- 1178، و غیرهما.
3- نصّ علیه فی مجمع البحرین 2- 83، و الصحاح 1- 147.
4- هذا مثل، قال فی مجمع الأمثال 1- 196: حبلك علی غاربك .. الغارب: أعلی السنام، و هذا كنایة عن الطلاق .. أی اذهبی حیث شئت، و أصله أنّ النّاقة إذا رعت و علیها الخطام ألقی علی غاربها لأنّها إذا رأت الخطام لم یهنئها شی ء. و نحوه فی فوائد اللئال 1- 162، و المستقصی للزمخشری 2- 56.
5- كما ذكره فی مجمع البحرین 2- 131، و القاموس 1- 111.
6- صرّح به فی النهایة 3- 350.
7- لأنّه علیه السلام استعار الناقة للخلافة ثمّ فرّع علیها ما یلائم الناقة من الغارب.
8- أی تخییل أنّ الخلافة من جنس الناقة بذكر الحبل الذی كان یخصّ الناقة.
9- كما فی مجمع البحرین 4- 99، و النهایة 4- 137، و القاموس 2- 244.
10- شرح نهج البلاغة لابن میثم 1- 268، بتصرّف.

و لألفیتم دنیاكم هذه أزهد عندی (1) عن عفطة عنز ..

وَ فِی الْإِحْتِجَاجِ (2): وَ لَأَلْفَوْا دُنْیَاكُمْ أَهْوَنَ عِنْدِی ..

قوله علیه السلام: ألفیتم .. أی وجدتم (3)، و إضافة الدنیا إلی المخاطبین لتمكّنها فی ضمائرهم و رغبتهم فیها (4)، و الإشارة للتحقیر.

و الزّهد: خلاف الرّغبة، و الزّهید: القلیل (5)، و صیغة التفضیل علی الأوّل علی خلاف القیاس كأشهر و أشغل.

و العنز- بالفتح- أنثی المعز (6)، و عفطتها: ما یخرج ما أنفها عند النثرة، و هی منها شبه العطسة (7)، كذا قال بعض الشارحین (8)، و أورد علیه أنّ المعروف فی العنز النفطة- بالنون- و فی النّعجة: العفطة- بالعین- صرّح به الجوهری (9) و الخلیل فی العین (10). و قال بعض الشارحین: العفطة من الشاة كالعطاس من الإنسان، و هو غیر معروف، و قال ابن الأثیر: أی ضرطة عنز (11).

ص: 545


1- لا توجد فی (س): عندی. و فی النهج: عندی من .. و هو الأنسب.
2- الاحتجاج 1- 288، و فیه: و لألفیتم دنیاكم عندی أهون من عفطة عنز .. و فی الإرشاد للشّیخ المفید 153: و لألفوا دنیاهم أزهد عندی .. و نظیره فی الأمالی للشّیخ الطّوسیّ 1- 383.
3- كما فی مجمع البحرین 1- 377، و الصحاح 6- 2484.
4- لا توجد فی (س): فیها.
5- جاء فی مجمع البحرین 3- 59، و الصحاح 2- 481، و غیرهما.
6- قاله فی مجمع البحرین 4- 27، و الصحاح 3- 887، و غیرهما.
7- قال فی مجمع البحرین 4- 261: العفطة: عطسة عنز. و قال فی لسان العرب 7- 352: قال الأصمعی: العافطة: الضائنة، و النافطة: الماعزة، و قال غیر الأصمعی من الأعراب: العافطة:الماعزة إذا عطست .. وقیل : العفط والعفیط : عطاس المعز.
8- قال ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 1- 203: و عفطة عنز: ما تنثره من أنفها .. و أكثر ما یستعمل ذلك فی النعجة، فأمّا العنز فالمستعمل الأشهر فیها: النفطة ... فإن صحّ أنّه لا یقال فی العطسة عفطة إلّا للنعجة، قلنا: إنّه استعمله فی العنز مجازا.
9- فی صحاحه 3- 1143 و 1165.
10- كتاب العین 2- 18.
11- النهایة 3- 264، و نظیره فی مجمع البحرین 4- 261. أقول: إنهما ذكرا ذلك المعنی بعد ذكر جملة من هذه الخطبة الشریفة .. أعنی قوله علیه السلام: و لكانت دنیاكم هذه أهون علیّ من عفطة عنز ..

قَالُوا: وَ قَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَی هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً (1)، فَأَقْبَلَ یَنْظُرُ فِیهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ، قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ

ص: 546


1- قال ابن میثم فی شرحه علی النّهج 1- 269- 270: قال أبو الحسن الكیدریّ- رحمه اللّٰه- وجدت فی الكتب القدیمة أنّ الكتاب الّذی دفعه الرّجل إلی أمیر المؤمنین علیه السّلام كان فیه عدّة مسائل: أحدها : ما الحیوان الذی خرج من بطن حیوان آخر ولیس بینهما نسب؟. فأجاب علیه السّلام : أنه یونس بن متی علیه السّلام خرج من بطن الحوت. الثانیة : ما الشیء الذی قلیله مباح وكثیره حرام؟. فقال علیه السّلام : هو نهر طالوت ، لقوله تعالی : « إلا من اغترف غرفة بیده ». الثالثة : ما العبادة الذی (كذا) لو فعلها واحد استحق العقوبة وإن لم یفعلها استحق أیضا العقوبة؟. فأجاب ب : أنها صلاة السكاری. الرابعة : ما الطائر الذی لا فرخ له ولا فرع ولا أصل؟. فقال : هو طائر عیسی علیه السّلام فی قوله : « وإذ تخلق من الطین كهیئة الطیر بإذنی فتنفخ فیها فتكون طیرا بإذنی ». الخامسة : رجل علیه من الدین ألف درهم وله فی كیسه ألف درهم فضمنه ضامن بألف درهم ، فحال علیه الحول فالزكاة علی أی المالین تجب؟. فقال : إن ضمن الضامن بإجازة من علیه الدین فلا یكون علیه ، وإن ضمنه من غیر إذنه فالزكاة مفروضة فی ماله. السادسة : حج جماعة ونزلوا فی دار من دور مكة وأغلق واحد منهم باب الدار وفیها حمام فمتن من العطش قبل عودهم إلی الدار فالجزاء علی أیهم یجب؟. فقال علیه السّلام : علی الذی أغلق الباب ولم یخرجهن ولم یضع لهن ماء. السابعة : شهد شهداء أربعة علی محضر بالزنا فأمرهم الإمام برجمه فرجمه واحد منهم دون الثلاثة الباقین ، ووافقهم قوم أجانب فی الرجم فرجع من رجمه عن شهادته والمرجوم لم یمت ، ثم مات فرجع الآخرون عن شهادتهم علیه بعد موته ، فعلی من یجب دیته؟. فقال : یجب علی من رجمه من الشهود ومن وافقه. الثامنة : شهد شاهدان من الیهود علی یهودی أنه أسلم فهل تقبل شهادتهما أم لا؟. فقال : لا تقبل شهادتهما لأنهما یجوزان تغییر كلام اللّٰه وشهادة الزور. التاسعة : شهد شاهدان من النصاری علی نصرانی أو مجوسی أو یهودی أنه أسلم؟ فقال : تقبل شهادتهما لقول اللّٰه سبحانه : « ولتجدن أقربهم مودة للذین آمنوا الذین قالوا إنا نصاری » ... الآیة ، ومن لا یستكبر عن عبادة اللّٰه لا یشهد شهادة الزور. العاشرة : قطع إنسان ید آخر فحضر أربعة شهود عند الإمام وشهدوا علی قطع یده ، وأنه زنا وهو محصن ، فأراد الإمام أن یرجمه فمات قبل الرجم. فقال : علی من قطع یده دیة ید حسب ، ولو شهدوا أنه سرق نصابا لم یجب دیة یده علی قاطعها. واللّٰه اعلم.

عَلَیْهِ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ! لَوِ اطَّرَدَتْ (1) مَقَالَتُكَ مِنْ حَیْثُ أَفْضَیْتَ. فَقَالَ لَهُ (2): هَیْهَاتَ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ، تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ.

أهل السّواد: ساكنو القری (3)، و تسمّی القری سوادا لخضرتها بالزرع و الأشجار، و العرب تسمّی الأخضر: أسود.

و ناوله: أعطاه (4).

و یحتمل أن یكون اطّردت- علی صیغة الخطاب من باب الإفعال- و نصب المقالة علی المفعولیّة أو علی صیغة المؤنّث الغائب من باب الافتعال، و رفع المقالة علی الفاعلیّة، و الجزاء محذوف .. أی كان حسنا، و كلمة لو للتمنّی، و قد مرّ (5)

ص: 547


1- قال فی الصّحاح 2- 502: و اطّرد الشّی ء: تبّع بعضه بعضا و جری. و قال- قبل ذلك-: و فلان أطرده السّلطان .. أیّ أمره بإخراجه عن بلده.
2- لا توجد فی (س): له. و قد وضع علیها رمز نسخة بدل فی (ك).
3- قال الجوهریّ فی الصحاح 2- 492: سواد الكوفة و البصرة: قراهما، و قال فی القاموس 1- 304:سواد البلدة : قراها. وقال ابن میثم فی شرحه علی النهج ١ _ ٢٦٩ : .. فأراد بأهل السواد سواد العراق.
4- كما جاء فی الصحاح 5- 1837، و مجمع البحرین 5- 488، و غیرهما.
5- قد مرّ فی صفحه: 504، قال فی النهایة 2- 489: الشقشقة: الجلدة الحمراء التی یخرجها الجمل العربی من جوفه ینفخ فیها فتظهر من شدقه (أی من جانب فمه) و لا تكون إلّا للعربی .. و منه حدیث علیّ (علیه السلام) فی خطبة له: تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت. و مثله فی مجمع البحرین 5- 195. و قال فی الصحاح 4- 1503: و الشقشقة- بالكسر-: شی ء كالرئة یخرجه البعیر من فیه إذا هاج. و مثله فی القاموس 3- 251 و زاد فیه: و الخطبة الشقشقیة العلویة لقوله لابن عبّاس ... الی آخره.

تفسیر الشقشقة- بالكسر-.

و هدیر الجمل: تردیده الصّوت فی حنجرته (1) و إسناده إلی الشقشقة تجوّز.

و قرّت .. أی سكنت (2). و قیل: فی الكلام إشعار بقلّة الاعتناء بمثل هذا الكلام إمّا لعدم التأثیر فی السامعین كما ینبغی، أو لقلّة الاهتمام بأمر الخلافة من حیث إنّها سلطنة، أو للإشعار بانقضاء مدّته علیه السلام، فإنّها كانت فی قرب شهادته علیه السلام، أو لنوع من التقیّة أو لغیرها.

قال ابن عباس: فو اللَّه ما أسفت علی كلام قطّ كأسفی علی ذلك الكلام أن لا یكون أمیر المؤمنین علیه السلام بلغ منه حیث أراد ..

الأسف- بالتحریك-: أشدّ الحزن، و الفعل كعلم (3)، و قطّ من الظّروف الزمانیّة بمعنی أبدا (4).

و حكی ابن أبی الحدید، عن ابن الخشّاب (5) أنّه قال: لو سمعت ابن عباس یقول هذا لقلت له: و هل بقی فی نفس ابن عمّك أمر لم یبلغه لتتأسّف (6)؟! و اللَّه ما رجع عن الأوّلین و لا عن الآخرین (7).

أقول: إنّما أطنبت الكلام فی شرح تلك الخطبة الجلیلة لكثرة جدواها و قوّة الاحتجاج بها علی المخالفین، و شهرتها بین جمیع المسلمین، و إن لم نوف فی كلّ فقرة حقّ شرحها حذرا من كثرة الإطناب، و تعویلا علی ما بیّنته فی سائر الأبواب.

ص: 548


1- كما فی مجمع البحرین 3- 518، و الصحاح 2- 853، و فیهما: البعیر، بدلا من: الجمل.
2- جاء فی مجمع البحرین 3- 456، و القاموس 2- 115، و غیرهما.
3- كما جاء فی القاموس 3- 117 و غیره.
4- قال فی الصحاح 3- 1153: و قطّ معناها: الزمان، یقال ما رأیته قط. و قال فی المصباح المنیر 2- 191: ما فعلت ذلك قطّ .. أی فی الزمان الماضی.
5- ابن الخشاب، و هو أبو محمّد عبد اللّٰه بن أحمد.
6- فی المصدر: لم یبلغه فی هذه الخطبة للتأسّف أن لا یكون بلغ من كلامه ما أراد.
7- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1- 205، و جاء فی ذیل كلامه: .. و لا بقی فی نفسه أحد لم یذكره إلّا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم ..!.

«6»-شف (1): مِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ (2) بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِیِّ الْمَعْرُوفِ بِالْخَلِیلِیِّ، عَنْ أَحْمَدَ (3) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الخمانی (الْحِمَّانِیِ) ، عَنْ مُخَوَّلِ (4) بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَتَتَبَّعُ (5) غَضَبَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِذَا ذَكَرَ شَیْئاً أَوْ هَاجَهُ خَبَرٌ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ یَوْمٍ كَتَبَ إِلَیْهِ بَعْضُ شِیعَتِهِ مِنَ الشَّامِ یَذْكُرُ فِی كِتَابِهِ أَنَّ مُعَاوِیَةَ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ وَ الْوَلِیدَ بْنَ عُقْبَةَ وَ مَرْوَانَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ مُعَاوِیَةَ فَذَكَرُوا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَعَابُوهُ وَ أَلْقَوْا فِی أَفْوَاهِ النَّاسِ أَنَّهُ یَنْتَقِصُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ یَذْكُرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا هُوَ أَهْلُهُ، وَ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ (6) بِالانْتِظَارِ لَهُ بِالنُّخَیْلَةِ فَدَخَلُوا الْكُوفَةَ فَتَرَكُوهُ (7)، فَغَلَظَ ذَلِكَ عَلَیْهِ وَ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ فَأَتَیْتُهُ (8) بَابَهُ فِی اللَّیْلِ، فَقُلْتُ: یَا قَنْبَرُ! أَیُّ شَیْ ءٍ خَبَرُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ؟

قَالَ: هُوَ نَائِمٌ، فَسَمِعَ كَلَامِی.

فَقَالَ (علیه السلام): مَنْ هَذَا؟ قَالَ (9): ابْنُ عَبَّاسٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

قَالَ: ادْخُلْ! فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ نَاحِیَةً عَنْ فِرَاشِهِ فِی ثَوْبٍ جَالِسٌ (10)

ص: 549


1- كشف الیقین: 100- 104، باختلاف فی الإسناد و المتن نذكرهما.
2- فی المصدر: فیما نذكره عن أحمد ..
3- فی كشف الیقین: بالخلیلیّ المقدم ذكره من كتابه المشار إلیه من تسمیة مولانا علیّ علیه السّلام أمیر المؤمنین فی حیاة النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) و أمره بالتّسلیم علیه بذلك، فقال ما هذا لفظه: أخبرنا أحمد بن محمّد ابن الطّبریّ المعروف ب: الخلیلی قال: أخبرنا أحمد ..
4- فی المصدر: الحمّانیّ، قال: حدّثنا محول .. أیّ كلّا اللفظین بالحاء المهملة.
5- فی كشف الیقین: أتّبع.
6- فی المصدر: إخوانه، بدلا من: أصحابه.
7- فی المصدر و نسخة علی (ك): و تركوه.
8- فی كشف الیقین: فأتیت.
9- فی المصدر: فقال.
10- فی المصدر: جائس، و هو بمعنی الطّالب كما فی كتب اللّغة مثل مجمع البحرین 4- 60، و الصّحاح 3- 915، و غیرهما.

كَهَیْئَةِ الْمَهْمُومِ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ اللَّیْلَةَ؟.

فَقَالَ: وَیْحَكَ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! وَ كَیْفَ تَنَامُ عَیْنَا (1) قَلْبٍ مَشْغُولٍ، یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! مَلِكُ جَوَارِحِكَ قَلْبُكَ فَإِذَا أَرْهَبَهُ (2) أَمْرٌ طَارَ النَّوْمُ عَنْهُ، هَا أَنَا ذَا (3) كَمَا تَرَی مُذْ أَوَّلِ (4) اللَّیْلِ اعْتَرَانِی الْفِكْرُ وَ (5) السَّهَرُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْضِ عَهْدِ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُقَدَّرِ عَلَیْهَا نَقْضُ عَهْدِهَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَمَرَ مَنْ أَمَرَ مِنْ (6) أَصْحَابِهِ بِالسَّلَامِ عَلَیَّ فِی حَیَاتِهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ فَكُنْتُ أُؤَكِّدُ أَنْ أَكُونَ كَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَنَا أَوْلَی النَّاسِ بِالنَّاسِ بَعْدَهُ وَ لَكِنْ أُمُورٌ اجْتَمَعَتْ عَلَی (7) رَغْبَةِ النَّاسِ فِی الدُّنْیَا وَ أَمْرِهَا وَ نَهْیِهَا وَ صَرْفِ قُلُوبِ أَهْلِهَا عَنِّی، وَ أَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَی فِی كِتَابِهِ (8): أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهِیمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَیْناهُمْ مُلْكاً عَظِیماً (9)، فَلَوْ لَمْ یَكُنْ ثَوَابٌ وَ لَا عِقَابٌ لَكَانَ بِتَبْلِیغِ (10) الرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فُرِضَ عَلَی النَّاسِ اتِّبَاعُهُ، وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (11)، أَ تَرَاهُمْ نُهُوا عَنِّی فَأَطَاعُوهُ (12)! وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ وَ غَدَا (13) بِرُوحِ أَبِی الْقَاسِمِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 550


1- قوله: تنام عینا .. تنام فعل مبنیّ للفاعل، و عینا فاعل مضاف، و القلب مضاف إلیه.
2- فی المصدر: أدهاه، بدلا من: أرهبه.
3- كذا، و لعلّه: أنا ذا- بألف بعد النّون-.
4- فی المصدر: من أوّل ..
5- لا توجد الواو فی المصدر.
6- فی المصدر: أمر أصحابه ..، و الظّاهر سقوط كلمة: من، منه، و من (ك).
7- كلمة: علی هنا بمعنی: مع.
8- فی المصدر: قال اللّٰه عزّ و جلّ فی كتابه.
9- النّساء: 54.
10- فی كشف الیقین: لكان تبلیغ.
11- الحشر: 7.
12- فی المصدر: فأطاعوا- بلا ضمیر-.
13- قال فی مجمع البحرین 1- 314: و غدا غدوّا- من باب قعد-: ذهب غدوة، هذا أصله، ثمّ كثر حتّی استعمل فی الذّهاب و الانطلاق أیّ وقت كان.

عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی الْجَنَّةِ لَقَدْ قُرِنْتُ (1) بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَیْثُ یَقُولُ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً (2)، وَ لَقَدْ طَالَ- یَا ابْنَ عَبَّاسٍ- فِكْرِی وَ هَمِّی وَ تَجَرُّعِی غُصَّةً بَعْدَ غُصَّةٍ لِأَمْرٍ (3) أَوْ قَوْمٍ عَلَی مَعَاصِی اللَّهِ وَ حَاجَتُهُمْ (4) إِلَیَّ فِی حُكْمِ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ حَتَّی إِذَا أَتَاهُمْ مِنَ الدُّنْیَا (5) أَظْهَرُوا الْغِنَی عَنِّی، كَأَنْ لَمْ یَسْمَعُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَ إِلی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (6). وَ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمُ احْتَاجُوا إِلَیَّ وَ لَقَدْ غَنِیتُ عَنْهُمْ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها (7) فَمَضَی مَنْ مَضَی قَالٍ عَلَیَّ بِضِغْنِ الْقُلُوبِ وَ أَوْرَثَهَا (8) الْحِقْدَ عَلَیَّ، وَ مَا ذَاكَ (9) إِلَّا مِنْ أَجْلِ طَاعَتِهِ فِی قَتْلِ الْأَقَارِبِ مُشْرِكِینَ فَامْتَلَوْا غَیْظاً وَ اعْتِرَاضاً، وَ لَوْ صَبَرُوا فِی ذَاتِ اللَّهِ (10) لَكَانَ خَیْراً لَهُمْ (11)، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ (12) فَأَبْطَنُوا مِنْ تَرْكِ الرِّضَا (13) بِأَمْرِ اللَّهِ، مَا أَوْرَثَهُمُ النِّفَاقَ!،

ص: 551


1- فی (ك) نسخة: قربت.
2- الأحزاب: 33. و لم یذكر فی المصدر ذیل الآیة: «وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً».
3- فی (ك): لإصر.
4- فی المصدر: تقدیم و تأخیر و اختلاف، و العبارة جاءت فیه هكذا: ورود قوم علی معاصی اللّٰه و تجرعی غصّة بعد غصّة و حاجتهم ..
5- فی كشف الیقین: أمن الدّنیا.
6- النّساء: 83. و فی المصدر بعد لفظ: منهم، توجد كلمة: الآیة.
7- سورة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله): 24.
8- فی المصدر: و أوریها. أقول: لعلّها من وری الزّند .. أیّ خرجت ناره، و المراد من قوله علیه السّلام: أنّه أوقد نار الحقد علیّ فی القلوب.
9- فی كشف الیقین: و ما ذلك.
10- وضع فی مطبوع البحار علی: ذات اللّٰه، رمز نسخة بدل.
11- لا توجد: لكان خیرا لهم، فی المصدر.
12- المجادلة: 22. و توجد فی المصدر إضافة كلمة الآیة بعد: و رسوله.
13- فی المصدر: الرّضی. أقول: أیّ جعلوا من ترك الرّضی بأمر اللّٰه بطانة، ما أورثهم النّفاق؟!.

وَ أَلْزَمَهُمْ بِقِلَّةِ الرِّضَا الشَّقَاءَ (1)! وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: فَلا تَعْجَلْ عَلَیْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (2) فَالْآنَ- یَا ابْنَ عَبَّاسٍ- قُرِنْتُ بِابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ وَ عَمْرٍو وَ عُتْبَةَ وَ الْوَلِیدِ وَ مَرْوَانَ وَ أَتْبَاعِهِمْ (3)، فَمَتَی اخْتَلَجَ فِی صَدْرِی وَ أُلْقِیَ فِی رُوعِی أَنَّ الْأَمْرَ یَنْقَادُ إِلَی دُنْیَا (4) یَكُونُ هَؤُلَاءِ فِیهَا رُؤَسَاءَ (5) یُطَاعُونَ فَهُمْ (6) فِی ذِكْرِ أَوْلِیَاءِ الرَّحْمَنِ یَثْلِبُونَهُمْ (7) وَ یَرْمُونَهُمْ بِعَظَائِمِ الْأُمُورِ مِنْ أنك (إِفْكٍ) (8) مُخْتَلِفٍ (9)، وَ حِقْدٍ قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ (10) مِمَّنْ بَقِیَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّ عَامَّةَ أَعْدَائِی مِمَّنْ أَجَابَ الشَّیْطَانَ (11) عَلَیَّ وَ زَهَّدَ النَّاسَ فِیَّ، وَ أَطَاعَ هَوَاهُ فِیمَا یَضُرُّهُ (12) فِی آخِرَتِهِ وَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْغِنَی، وَ هُوَ الْمُوفِّقُ لِلرَّشَادِ وَ السَّدَادِ.

یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! وَیْلٌ لِمَنْ ظَلَمَنِی، وَ دَفَعَ حَقِّی، وَ أَذْهَبَ عَظِیمَ مَنْزِلَتِی، أَیْنَ كَانُوا أُولَئِكَ وَ أَنَا أُصَلِّی مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ صَغِیراً لَمْ یُكْتَبْ عَلَیَّ صَلَاةٌ وَ هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَ عُصَاةُ الرَّحْمَنِ، وَ بِهِمْ تُوقَدُ (13) النِّیرَانُ؟! فَلَمَّا قَرُبَ إِصْعَارُ الْخُدُودِ، وَ إِتْعَاسُ الْجُدُودِ (14)، أَسْلَمُوا كَرْهاً، وَ أَبْطَنُوا غَیْرَ مَا أَظْهَرُوا، طَمَعاً فِی أَنْ

ص: 552


1- فی (س) نسخة: الشّقاق، و فی المصدر: الشفاق.
2- مریم: 84.
3- فی المصدر زیادة: و صار معهم فی الحدیث.
4- فی كشف الیقین: أنّ الانقیاد إلی ربّنا، بدلا من: أنّ الأمر .. إلی آخره.
5- لا توجد: رؤساء، فی المصدر.
6- فی المصدر: فیهم.
7- فی كشف الیقین: یسلبونهم.
8- كذا، و الصّحیح: إفك.
9- خ. ل: مختلق، كذا فی المصدر.
10- فی المصدر: من أنّك مختلق و عقد قد سبق و لقد علم المحفوظون.
11- فی كشف الیقین: و من حارب الشّیطان. أقول: الظّاهر زیادة الواو و كون الشّیطان منصوبا بنزع الخافض .. أیّ من حارب للشّیطان علیّ.
12- فی المصدر: فی نصرته.
13- فی كشف الیقین: و لهم یوقد.
14- فی كشف الیقین: و إصغار الحدود.

یُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ (1) وَ تَرَبَّصُوا انْقِضَاءَ أَمْرِ (2) الرَّسُولِ وَ فَنَاءَ مُدَّتِهِ، لِمَا أَطْمَعُوا أَنْفُسَهُمْ فِی قَتْلِهِ، وَ مَشُورَتِهِمْ فِی دَارِ نَدْوَتِهِمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَیْرُ الْماكِرِینَ (3)، وَ قَالَ (4): یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ یَأْبَی اللَّهُ إِلَّا أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ (5) وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! نَدَبَهُمْ (6) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی (7) حَیَاتِهِ بِوَحْیٍ مِنَ اللَّهِ یَأْمُرُهُمْ بِمُوَالاتیِ، فَحَمَلَ الْقَوْمُ مَا حَمَلَهُمْ مِمَّا حُقِدَ عَلَی أَبِینَا آدَمَ مِنْ حَسَدِ (8) اللَّعِینِ لَهُ، فَخَرَجَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَ رِضْوَانِهِ، وَ أُلْزِمَ اللَّعْنَةَ لِحَسَدِهِ (9) لِوَلِیِّ اللَّهِ، وَ مَا ذَاكَ بِضَارِّی إِنْ شَاءَ اللَّهُ شَیْئاً.

یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَرَادَ كُلُّ امْرِئٍ أَنْ یَكُونَ رَأْساً مُطَاعاً یَمِیلُ (10) إِلَیْهِ الدُّنْیَا وَ إِلَی أَقَارِبِهِ فَحَمَلَهُ هَوَاهُ وَ لَذَّةُ (11) دُنْیَاهُ وَ اتِّبَاعُ النَّاسِ إِلَیْهِ أَنْ یَغْصِبَ (12) مَا جُعِلَ لِی (13)، وَ لَوْ لَا اتِّقَایَ (14) عَلَی الثَّقَلِ الْأَصْغَرِ أَنْ یُنْبَذَ (15) فَیَنْقَطِعَ شَجَرَةُ الْعِلْمِ وَ زَهْرَةُ الدُّنْیَا وَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِینِ، وَ حِصْنُهُ الْأَمِینُ، وَلَدُ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِینَ لَكَانَ طَلَبُ الْمَوْتِ

ص: 553


1- فی المصدر: نور اللّٰه بأفواههم.
2- فی المصدر: انقضاء عمر ..
3- آل عمران: 54.
4- لا توجد: قال، فی المصدر.
5- سورة التّوبة، آیة: 32.
6- فی كشف الیقین: هداهم.
7- لا توجد: فی، فی المصدر.
8- فی المصدر: جسد- بالجیم- و هو اشتباه.
9- فی (س): لجسده- بالجیم- و هو أیضا سهو.
10- فی المصدر: تمیل.
11- فی كشف الیقین: ولدة. قال فی القاموس 1- 347: و اللدة: التّرب، و هو الّذی ولد معك أو تربّی معك.
12- فی المصدر: إن نوزعت.
13- فی (ك): ولیّ، و الواو زائدة.
14- فی المصدر: اتقائی، و هو الظّاهر.
15- فی كشف الیقین: أنّ یبید.

وَ الْخُرُوجِ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَلَذَّ عِنْدِی مِنْ شَرْبَةِ ظَمْآنَ وَ نَوْمِ وَسْنَانَ، وَ لَكِنِّی صَبَرْتُ وَ فِی الصَّدْرِ (1) بَلَابِلُ (2)، وَ فِی النَّفْسِ وَسَاوِسُ، فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ (3)، وَ لَقَدِیماً ظُلِمَ الْأَنْبِیَاءُ، وَ قُتِلَ الْأَوْلِیَاءُ قَدِیماً فِی الْأُمَمِ الْمَاضِیَةِ وَ الْقُرُونِ الْخَالِیَةِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ (4)، وَ بِاللَّهِ أَحْلِفُ- یَا ابْنَ عَبَّاسٍ- إِنَّهُ كَمَا فُتِحَ بِنَا یُخْتَمُ بِنَا، وَ مَا أَقُولُ لَكَ إِلَّا حَقّاً.

یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! إِنَّ الظُّلْمَ یَتَّسِقُ (5) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَ یَطُولُ الظُّلْمُ، وَ یَظْهَرُ الْفِسْقُ، وَ تَعْلُو كَلِمَةُ الظَّالِمِینَ، وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَی أَوْلِیَاءِ الدِّینِ أَنْ لَا یُقَارُّوا أَعْدَاءَهُ (6)، بِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ فِی كِتَابِهِ عَلَی لِسَانِ الصَّادِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ:

تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (7).

یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! ذَهَبَ الْأَنْبِیَاءُ فَلَا تَرَی نَبِیّاً، وَ الْأَوْصِیَاءُ وَرَثَتُهُمْ، عَنْهُمْ أَخَذُوا (8) عِلْمَ الْكِتَابِ، وَ تَحْقِیقَ الْأَسْبَابِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ كَیْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلی عَلَیْكُمْ آیاتُ اللَّهِ وَ فِیكُمْ رَسُولُهُ (9)، فَلَا یَزَالُ الرَّسُولُ بَاقِیاً مَا نَفِدَتْ (مَا نَفَذَتْ) (10) أَحْكَامُهُ، وَ عُمِلَ بِسُنَّتِهِ، وَ دَارُوا حَوْلَ أَمْرِهِ (11) وَ نَهْیِهِ، وَ بِاللَّهِ أَحْلِفُ- یَا ابْنَ عَبَّاسٍ لَقَدْ نُبِذَ الْكِتَابُ، وَ تُرِكَ قَوْلُ الرَّسُولِ إِلَّا مَا لَا یُطِیقُونَ تَرْكَهُ مِنْ حَلَالٍ وَ حَرَامٍ، وَ لَمْ

ص: 554


1- فی المصدر: و فی الصّدور.
2- ذكر فی مجمع البحرین 5- 325 أنّ البلابل بمعنی الهموم و الأحزان.
3- یوسف: 18.
4- التّوبة: 24.
5- الاتساق: الانتظام، كما نصّ علیه فی الصّحاح 4- 1566 و غیره.
6- قال فی الصّحاح 2- 790: قاره: قرّ معه و سكن.
7- المائدة: 2. و فی المصدر زیادة: الآیة، بعد كلمة: العدوان.
8- لا یوجد لفظ: أخذوا، فی المصدر.
9- آل عمران: 101. و لم تذكر الواو فی أوّل الآیة، فی المصدر.
10- كذا، و لعلّ الأظهر بالذّال المعجمة.
11- فی المصدر: و دار أحوال أمره.

یَصْبِرُوا (1) عَلَی كُلِّ أَمْرِ (2) نَبِیِّهِمْ (3): وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (4) أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَیْنا لا تُرْجَعُونَ (5)، فَبَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمُ الْمَرْجِعُ إِلَی اللَّهِ: وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (6).

یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! عَامِلِ اللَّهَ فِی سِرِّهِ وَ عَلَانِیَتِهِ (7) تَكُنْ مِنَ الْفَائِزِینَ، وَ دَعْ مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (8)، وَ یُحْسِبُ مُعَاوِیَةَ مَا عَمِلَ وَ مَا یُعْمَلُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَ لْیُمِدَّهُ ابْنُ الْعَاصِ فِی غَیِّهِ، فَكَأَنَّ عُمُرَهُ قَدِ انْقَضَی، وَ كَیْدَهُ قَدْ هَوَی، وَ سَیَعْلَمُ الْكَافِرُ لِمَنْ عُقْبَی الدَّارِ وَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَالَ: الصَّلَاةَ! یَا ابْنَ عَبَّاسٍ لَا تَفُتْ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَكَ وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِیلُ، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِیِّ الْعَظِیمِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَغَمَّنِی انْقِطَاعُ اللَّیْلِ وَ تَلَهَّفْتُ (9) عَلَی ذَهَابِهِ.

بیان:

ثلبه: تنقّصه و صرّح بعیبه (10).

قوله علیه السلام: و بهم توقد النیران.

أی نیران الفتن و الحروب. و فی القاموس: صعّر خدّه تصعیرا و صاعره و أصعره: أماله عن النّظر إلی النّاس تهاونا من كبر و ربّما یكون خلقة (11). و قال: التّعس: الهلاك و العثار و السّقوط و الشّرّ و البعد

ص: 555


1- فی كشف الیقین: و لم یصبر.
2- فی (س): أمر كلّ. بتقدیم و تأخیر.
3- فی المصدر: بینهم، بدلا من: نبیّهم.
4- العنكبوت: 43.
5- المؤمنون: 115.
6- الشّعراء: 227.
7- فی المصدر: و علانیة- بدون ضمیر-.
8- الكهف: 28. قال فی مجمع البحرین 4- 264: و أمر فرط: مجاوز فیه الحدّ.
9- لهف یلهف لهفا: حزن و تحسّر، و كذلك التلهف علی الشّی ء، قاله فی صحاح اللّغة 4- 1429، و غیره.
10- صرّح به فی الصحاح 1- 94، و لسان العرب 1- 241، و غیرهما.
11- القاموس 2- 69، و انظر: لسان العرب 3- 456، و غیرهما.

و الانحطاط و الفعل: كمنع و سمع، و تعسه اللَّه و أتعسه (1). انتهی.

و الجدود- جمع الجدّ بالفتح- و هو الحظّ و البخت، أو بالكسر و هو الاجتهاد فی الأمور (2)، فیمكن أن یكون إصعار الخدود من المسلمین كنایة عن غلبتهم، و إتعاس الجدود للكافرین، أو كلاهما للكافرین .. أی اجتمع فیهم التكبّر و الاضطرار، و یكون المراد بالإصعار (3) صرف وجوههم عمّا قصدوه علی وجه الإجبار، و الأوّل أظهر. و الوسنان عن غلبة النّوم (4).

قوله علیه السلام: فلا یزال الرسول .. یدلّ علی عدم اختصاص الآیة بزمن الرسول صلّی اللَّه علیه و آله.

قوله: یُحْسِبُ معاویةَ .. أی یكفیه، و فی بعض النسخ بالباء الموحّدة فتكون زائدة، قَالَ فِی النِّهَایَةِ: فِی

قَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) : یُحْسِبُكَ أَنْ تَصُومَ فِی (5) كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَیَّامِ ..

أَیْ یَكْفِیكَ، وَ لَوْ رُوِیَ (بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ) .. أَیْ كِفَایَتُكَ أَوْ كَافِیكَ كَقَوْلِهِمْ بِحَسْبِكَ قَوْلُ السُّوءِ، وَ الْبَاءُ زَائِدَةٌ لَكَانَ وَجْهاً (6) انتهی. و الأمر فی قوله و لیمدّه للتهدید (7).

«7»-شا (8): رَوَی الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِیُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: قَالُوا: سَمِعْنَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: مَا رَأَیْتُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ

ص: 556


1- القاموس 2- 203، و قریب منه فی لسان العرب 6- 32.
2- ذكره فی مجمع البحرین 3- 21، و الصحاح 2- 452.
3- لا توجد: بالإصعار، فی (س).
4- قال فی القاموس 4- 275: الوسن: شدّة النوم، أو أوله، أو النعاس، و وسن- كفرح- فهو وسن و وسنان. و قال فی لسان العرب 13- 449 بعد ذكره ما فی القاموس-: وسن فلان: إذا أخذته سنة النعاس. و وسن الرجل فهو وسن .. أی غشی علیه من نتن البئر مثل: أسن.
5- فی المصدر: من، بدلا من: فی.
6- النهایة 1- 381، و انظر: لسان العرب 1- 312.
7- یحتمل- قویّا- أن یكون قوله: و لیمده .. إخبارا لا إنشاء، و تكون اللام فیه لام الابتداء و التأكید، أی و الحال یمده فی غیّه.
8- إرشاد الشّیخ المفید: 151.

مُحَمَّداً (1) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ رَخَاءً، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَ اللَّهِ لَقَدْ خِفْتُ صَغِیراً (2) وَ جَاهَدْتُ كَبِیراً، أُقَاتِلُ الْمُشْرِكِینَ وَ أُعَادِی الْمُنَافِقِینَ حَتَّی قَبَضَ اللَّهُ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَكَانَتِ الطَّامَّةُ (3) الْكُبْرَی فَلَمْ أَزَلْ حَذِراً رَجُلًا أَخَافُ (4) أَنْ یَكُونَ مَا لَا یَسَعُنِی مَعَهُ الْمُقَامُ، فَلَمْ أَرَ- بِحَمْدِ اللَّهِ- إِلَّا خَیْراً، وَ اللَّهِ مَا زِلْتُ أَضْرِبُ بِسَیْفِی صَبِیّاً حَتَّی صِرْتُ شَیْخاً، وَ إِنَّهُ لَیُصَبِّرُنِی عَلَی مَا أَنَا فِیهِ إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِی اللَّهِ (5)، وَ أَنَا أَرْجُو أَنْ یَكُونَ الرَّوْحُ عَاجِلًا قَرِیباً، فَقَدْ رَأَیْتُ أَسْبَابَهُ.

قَالُوا: فَمَا بَقِیَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إِلَّا یَسِیراً حَتَّی أُصِیبَ عَلَیْهِ السَّلَامُ.

«8»-شا (6): رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُكَیْرٍ الْغَنَوِیُّ، عَنْ حَكِیمِ بْنِ جُبَیْرٍ، قَالَ:

حَدَّثَنَا مَنْ شَهِدَ عَلِیّاً بِالرَّحَبَةِ یَخْطُبُ، فَقَالَ فِیمَا قَالَ:: أَیُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُمْ قَدْ أَبَیْتُمْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ! أَمَا وَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ لَقَدْ عَهِدَ إِلَیَّ خَلِیلِی أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ (7).

«9»-شا (8): رَوَی نَقَلَةُ الْآثَارِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِی أَسَدٍ وَقَفَ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَالَ (9): یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام)! الْعَجَبُ مِنْكُمْ (10) یَا بَنِی هَاشِمٍ، كَیْفَ عَدَلَ هَذَا (11) الْأَمْرُ عَنْكُمْ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً (12) وَ نَوْطاً بِالرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ

ص: 557


1- فی المصدر: محمّد ..- بالرّفع- و هو سهو.
2- فی (ك): خفت اللّٰه صغیرا.
3- الطّامّة: الدّاهیة، كما فی مجمع البحرین 6- 107، و القاموس 4- 145.
4- فی المصدر: وجلا أخاف، و هو أظهر.
5- فی المصدر: فی اللّٰه و رسوله.
6- إرشاد الشّیخ المفید: 151.
7- فی المصدر: بك من بعدی.
8- إرشاد الشّیخ المفید: 156.
9- فی المصدر: وقف علی أمیر المؤمنین علیه السّلام فقال له ..
10- فی الإرشاد: العجب فیكم ..
11- فی المصدر: عدل بهذا ..
12- فی الإرشاد: نسبا و سببا ..

وَ آلِهِ، وَ فَهْماً لِلْكِتَابِ؟!. فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا ابْنَ دُودَانَ! إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِینِ، ضَیِّقُ الْمَخْزَمِ، تُرْسِلُ مِنْ غَیْرِ (1) ذِی مَسَدٍ، لَكَ ذِمَامَةُ (2) الصِّهْرِ وَ حَقُّ الْمَسْأَلَةِ، وَ قَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ، كَانَتْ أَثَرَةٌ سَخَتْ بِهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ شَحَّتْ عَلَیْهَا نُفُوسُ آخَرِینَ

(فَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِیحَ فِی حَجَرَاتِهِ)

وَ هَلُمَّ الْخَطْبَ فِی أَمْرِ ابْنِ أَبِی سُفْیَانَ، فَلَقَدْ أَضْحَكَنِی الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ، وَ لَا غَرْوَ، بِئْسَ (3) الْقَوْمُ- وَ اللَّهِ- مَنْ خَفَّضَنِی و هینی (4) وَ حَاوَلُوا الْإِدْهَانَ فِی ذَاتِ اللَّهِ، هَیْهَاتَ ذَلِكَ مِنِّی (5)! فَإِنْ تَنْحَسِرْ عَنَّا مِحَنُ الْبَلْوَی أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَی مَحْضِهِ، وَ إِنْ تَكُنِ (6) الْأُخْرَی فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ وَ لا تَأْسَ عَلَی الْقَوْمِ الْفاسِقِینَ (7)..

«10»-د (8): فِی كِتَابِ الْإِرْشَادِ لِكَیْفِیَّةِ الطَّلَبِ فِی أَئِمَّةِ الْعِبَادِ تَصْنِیفِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، قَالَ: وَ قَدْ كَفَانَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ الْمَئُونَةَ (9) فِی خُطْبَةٍ خَطَبَهَا، أَوْدَعَهَا مِنَ الْبَیَانِ وَ الْبُرْهَانِ مَا یُجْلِی الْغِشَاوَةَ عَنْ أَبْصَارِ مُتَأَمِّلِیهِ، وَ الْعَمَی عَنْ عُیُونِ مُتَدَبِّرِیهِ، وَ حَلَّیْنَا هَذَا الْكِتَابَ بِهَا (10) لِیَزْدَادَ الْمُسْتَرْشِدُونَ فِی هَذَا الْأَمْرِ بَصِیرَةً، وَ هِیَ مِنَّةُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَیْنَا وَ عَلَیْهِمْ یَجِبُ شُكْرُهَا .. خَطَبَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَقَالَ: مَا لَنَا وَ لِقُرَیْشٍ! وَ مَا تُنْكِرُ مِنَّا قُرَیْشٌ غَیْرَ أَنَّا أَهْلُ بَیْتٍ شَیَّدَ اللَّهُ فَوْقَ بُنْیَانِهِمْ بُنْیَانَنَا، وَ أَعْلَی فَوْقَ رُءُوسِهِمْ رُءُوسَنَا، وَ اخْتَارَنَا اللَّهُ عَلَیْهِمْ، فَنَقَمُوا عَلَی اللَّهِ

ص: 558


1- فی المصدر: ضیّق المخرم ترسل غیر ..
2- فی (س): زمانة ..
3- فی المصدر: و یئس، بدلا من: بئس.
4- فی المصدر: من حفضی و منیّتی. و فی (ك): من خفضی و هنیتی، و تقرأ ما فی (ك): و هینتی. قال فی القاموس 2- 328: حفضه: ألقاه و طرحه من یدیه .. و العود: حنّاه و عطفه.
5- فی المصدر: و هیهات ذلك منّی و قد جدحوا بینی و بینهم شربا وبیئا ..
6- فی (ك): و إن لم تكن.
7- فاطر: 8، المائدة: 6، و فی المصدر: فلا تأس.
8- العدد القویّة: 189- 199، حدیث 19.
9- فی المصدر: المئونة. و المعنی واحد.
10- فی (ك) توجد تحت كلمة (بها) لفظة: خطبة. و لعلّها لبیان مرجع الضّمیر.

أَنِ اخْتَارَنَا عَلَیْهِمْ، وَ سَخِطُوا مَا رَضِیَ (1) اللَّهُ، وَ أَحَبُّوا مَا كَرِهَ اللَّهُ (2)، فَلَمَّا اخْتَارَنَا اللَّهُ (3) عَلَیْهِمْ شَرِكْنَاهُمْ فِی حَرِیمِنَا، وَ عَرَّفْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَ النُّبُوَّةَ، وَ عَلَّمْنَاهُمُ الْفَرْضَ وَ الدِّینَ (4)، وَ حَفَّظْنَاهُمُ الصُّحُفَ وَ الزُّبُرَ، وَ دَیَّنَّاهُمُ الدِّینَ وَ الْإِسْلَامَ، فَوَثَبُوا عَلَیْنَا، وَ جَحَدُوا فَضْلَنَا، وَ مَنَعُونَا حَقَّنَا، وَ أَلَتُونَا أَسْبَابَ أَعْمَالِنَا وَ أَعْلَامِنَا، اللَّهُمَّ فَإِنِّی أَسْتَعْدِیكَ عَلَی قُرَیْشٍ فَخُذْ لِی بِحَقِّی مِنْهَا، وَ لَا تَدَعْ مَظْلِمَتِی لَدَیْهَا، وَ طَالِبْهُمْ- یَا رَبِّ- بِحَقِّی، فَإِنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ، فَإِنَّ قُرَیْشاً صَغَّرَتْ عَظِیمَ أَمْرِی (5)، وَ اسْتَحَلَّتِ الْمَحَارِمَ مِنِّی، وَ اسْتَخَفَّتْ بِعِرْضِی وَ عَشِیرَتِی، وَ قَهَرَتْنِی عَلَی مِیرَاثِی مِنِ ابْنِ عَمِّی (6) وَ أَغْرَوْا بِی (7) أَعْدَائِی، وَ وَتَرُوا بَیْنِی وَ بَیْنَ الْعَرَبِ وَ الْعَجَمِ، وَ سَلَبُونِی مَا مَهَّدْتُ لِنَفْسِی مِنْ لَدُنْ صِبَایَ بِجُهْدِی وَ كَدِّی (8)، وَ مَنَعُونِی مَا خَلَّفَهُ أَخِی وَ جِسْمِی (9) وَ شَقِیقِی، وَ قَالُوا: إِنَّكَ لَحَرِیصٌ مُتَّهَمٌ! أَ لَیْسَ بِنَا اهْتَدَوْا مِنْ مَتَاهِ (10) الْكُفْرِ، وَ مِنْ عَمَی الضَّلَالَةِ وَ عِیِّ (11) الظَّلْمَاءِ (12)، أَ لَیْسَ أَنْقَذْتُهُمْ (13) مِنَ الْفِتْنَةِ الصَّمَّاءِ، وَ الْمِحْنَةِ الْعَمْیَاءِ؟ وَیْلَهُمْ (14)! أَ لَمْ أُخَلِّصْهُمْ مِنْ نِیرَانِ الطُّغَاةِ، وَ كَرَّةِ الْعُتَاةِ،

ص: 559


1- فی المصدر: ما رضا.
2- لا یوجد لفظ الجلالة فی (س).
3- لا یوجد لفظ الجلالة فی (س).
4- فی (ك): الفرائض و السّنن و الدّین.
5- فی (ك) نسخة: قدریّ.
6- فی (س) نسخة: و أبی، و خطّ علیها فی (ك)، و هو الظّاهر.
7- فی المصدر: و أعزوا بی. و فی (س): و أغزوا ..
8- فی (س): و وكدی.
9- فی نسخة فی (ك): و حمیمی.
10- جاء رمز نسخة بدل علی كلمة: متاه. و تعرض المصنّف رحمه اللّٰه لها فی بیانه الآتی.
11- العیّ: التّحیّر فی الكلام، كما فی مجمع البحرین 1- 311. و قال فی القاموس 4- 368: عیّ بالأمر: لم یهتد لوجه مراده أو عجز عنه و لم یطق أحكامه .. و عییّ فی المنطق عیّا: حصر.
12- نسخة فی (ك): الجهالة.
13- فی (س) الكلمة مشوّشة، و لعلّها انقذتهم أیضا.
14- فی المصدر: وبلهم. كذا.

وَ سُیُوفِ الْبُغَاةِ، وَ وَطْأَةِ الْأَسَدِ، وَ مُقَارَعَةِ الطَّمَاطِمَةِ، وَ مُمَاحَكَةِ (1) الْقَمَاقِمَةِ (2)، الَّذِینَ كَانُوا عُجْمَ الْعَرَبِ، وَ غُنْمَ الْحُرُوبِ، وَ قُطْبَ الْإِقْدَامِ، وَ جِبَالَ الْقِتَالِ، وَ سِهَامَ الْخُطُوبِ (3)، وَ سَلَّ السُّیُوفِ، أَ لَیْسَ بِی (4) كَانَ یَقْطَعُ الدُّرُوعَ الدِّلَاصَ، وَ تَصْطَلِمُ الرِّجَالَ الْحِرَاصَ، وَ بِی كَانَ یَفْرِی جَمَاجِمَ الْبُهَمَ، وَ هَامَ الْأَبْطَالِ، إِذَا فَزِعَتْ (5) تَیْمٌ إِلَی الْفِرَارِ، وَ عَدِیٌّ إِلَی الِانْتِكَاصِ؟! أَمَا وَ إِنِّی لَوْ أَسْلَمْتُ قُرَیْشاً لِلْمَنَایَا وَ الْحُتُوفِ، وَ تَرَكْتُهَا فَحَصَدَتْهَا سُیُوفُ الْغَوَانِمِ، وَ وَطَأَتْهَا خُیُولُ (6) الْأَعَاجِمِ، وَ كَرَّاتُ الْأَعَادِی، وَ حَمَلَاتُ الْأَعَالِی، وَ طَحَنَتْهُمْ سَنَابِكُ الْصَافِنَاتِ، وَ حَوَافِرُ الصَّاهِلَاتِ، فِی مَوَاقِفِ الْأَزْلِ (7) وَ الْهَزْلِ فِی ظِلَالِ الْأَعِنَّةِ (8) وَ بَرِیقِ الْأَسِنَّةِ، مَا بَقُوا لِهَضْمِی، وَ لَا عَاشُوا لِظُلْمِی، وَ لَمَا قَالُوا: إِنَّكَ لَحَرِیصٌ مُتَّهَمٌ! الْیَوْمَ نَتَوَاقَفُ عَلَی حُدُودِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، اللَّهُمَّ افْتَحْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ، فَإِنِّی مَهَّدْتُ مِهَادَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ رَفَعْتُ أَعْلَامَ دِینِكَ، وَ أَعْلَنْتُ مَنَارَ رَسُولِكَ، فَوَثَبُوا عَلَیَّ وَ غَالَبُونِی وَ نَالُونِی وَ وَاتَرُونِی ..

فَقَامَ إِلَیْهِ أَبُو حَازِمٍ الْأَنْصَارِیُّ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام)! أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ ظَلَمَاكَ؟ أَ حَقَّكَ أَخَذَا؟ وَ عَلَی الْبَاطِلِ مَضَیَا؟ أَ عَلَی حَقٍّ كَانَا؟ أَ عَلَی صَوَابٍ أَقَامَا؟ أَمْ مِیرَاثَكَ غَصَبَا؟ أَفْهِمْنَا لِنَعْلَمَ بَاطِلَهُمْ مِنْ حَقِّكَ؟ أَوْ نَعْلَمَ حَقَّهُمَا مِنْ حَقِّكَ؟

ص: 560


1- فی (ك) نسخة: و مجادلة.
2- فی المصدر: القمامة.
3- فی المصدر: الخطّاب.
4- هنا سقط جاء فی المصدر: تسمّوا الشّرف، و بی نالوا الحقّ و النّصف. أ لست آیة نبوّة محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله) و دلیل رسالته، و علامة رضاه و سخطه؟ أ لیس بی .. و فی (ك): أ لیس فی.
5- فی (س): فرغت.
6- لا توجد: خیول فی المصدر.
7- فی (س): الأراذل.
8- الأعنة- جمع العنان- للفرس كما فی الصّحاح 6- 2166.

أَ بَزَّاكَ أَمْرَكَ؟ أَمْ غَصَبَاكَ إِمَامَتَكَ؟ أَمْ غَالَبَاكَ فِیهَا عَزّاً (1)؟ أَمْ سَبَقَاكَ إِلَیْهَا عِجْلًا فَجَرَتِ الْفِتْنَةُ وَ لَمْ تَسْتَطِعْ مِنْهَا اسْتِقْلَالًا؟! فَإِنَّ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارَ یَظُنَّانِ أَنَّهُمَا كَانَا عَلَی حَقٍّ وَ عَلَی الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ مَضَیَا.

فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ: یَا أَخَا الْیَمَنِ! لَا بِحَقٍّ أَخَذَا، وَ لَا عَلَی إِصَابَةٍ أَقَامَا، وَ لَا عَلَی دِیْنٍ مَضَیَا، وَ لَا عَلَی فِتْنَةٍ خَشِیَا، یَرْحَمُكَ اللَّهُ، الْیَوْمَ نَتَوَاقَفُ عَلَی حُدُودِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ! أَ تَعْلَمُونَ- یَا إِخْوَانِی- أَنَّ بَنِی یَعْقُوبَ عَلَی حَقٍّ وَ مَحَجَّةٍ كَانُوا حِینَ بَاعُوا أَخَاهُمْ، وَ عَقُّوا أَبَاهُمْ، وَ خَانُوا خَالِقَهُمْ، وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ؟!.

فَقَالُوا: لَا.

فَقَالَ: رَحِمَكُمُ اللَّهُ (2)، أَ یَعْلَمُ إِخْوَانُكَ هَؤُلَاءِ أَنَّ ابْنَ آدَمَ- قَاتِلَ الْأَخِ- كَانَ عَلَی حَقٍّ وَ مَحَجَّةٍ وَ إِصَابَةٍ وَ أَمْرَهُ مِنْ رِضَی اللَّهِ؟.

فَقَالُوا: لَا.

فَقَالَ: أَ وَ لَیْسَ كُلٌّ فَعَلَ بِصَاحِبِهِ مَا فَعَلَ لِحَسَدِهِ إِیَّاهُ وَ عُدْوَانِهِ وَ بَغْضَائِهِ (3) لَهُ؟.

فَقَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: وَ كَذَلِكَ فَعَلَا بِی مَا فَعَلَا حَسَداً، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ یَتُبْ عَلَی وُلْدِ یَعْقُوبَ إِلَّا بَعْدَ اسْتِغْفَارٍ وَ تَوْبَةٍ، وَ إِقْلَاعٍ وَ إِنَابَةٍ، وَ إِقْرَارٍ، وَ لَوْ أَنَّ قُرَیْشاً تَابَتْ إِلَیَّ وَ اعْتَذَرَتْ مِنْ فِعْلِهَا لَاسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَهَا.

ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَیَانِ، وَ أُفْصِحُ الْخَرْسَاءَ ذَاتَ

ص: 561


1- قال فی الصّحاح 3- 886: عزّ- أیضا- یعزّه عزّا: غلبه، و فی المثل: من عزّ بزّ .. أی من غلب سلب.
2- فی المصدر: یرحمكم اللّٰه.
3- فی المصدر: و بغضانه له.

الْبُرْهَانِ، لِأَنِّی فَتَحْتُ الْإِسْلَامَ، وَ نَصَرْتُ الدِّینَ، وَ عَزَزْتُ (1) الرَّسُولَ، وَ ثَبَّتُّ (2) أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ، وَ بَیَّنْتُ (3) أَعْلَامَهُ، وَ عَلَیْتُ (4) مَنَارَهُ، وَ أَعْلَنْتُ أَسْرَارَهُ، وَ أَظْهَرْتُ آثَارَهُ وَ حَالَهُ، وَ صَفَّیْتُ الدَّوْلَةَ، وَ وَطَّئْتُ لِلْمَاشِی وَ الرَّاكِبِ، ثُمَّ قُدْتُهَا صَافِیَةً، عَلَی أَنِّی بِهَا مُسْتَأْثِراً.

ثُمَّ قَالَ- بَعْدَ كَلَامٍ-: ثُمَّ سَبَقَنِی إِلَیْهِ التَّیْمِیُّ وَ الْعَدَوِیُّ كَسُبَّاقِ الْفَرَسِ احْتِیَالًا وَ اغْتِیَالًا، وَ خُدْعَةً وَ غَلَبَةً.

ثُمَّ قَالَ- بَعْدَ كَلَامٍ-: الْیَوْمَ أُنْطِقُ الْخَرْسَاءَ ذَاتَ الْبُرْهَانِ، وَ أُفْصِحُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَیَانِ، فَإِنَّهُ شَارَطَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی كُلِّ مَوْطِنٍ مِنْ مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ، وَ صَافَقَنِی عَلَی أَنْ أُحَارِبَ لِلَّهِ (5) وَ أُحَامِیَ لِلَّهِ، وَ أَنْصُرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جُهْدِی وَ طَاقَتِی وَ كَدْحِی، وَ كَدِّی، وَ أُحَامِیَ عَنْ حَرِیمِ الْإِسْلَامِ، وَ أَرْفَعَ عَنْ إِطْنَابِ الدِّینِ (6)، وَ أُعِزَّ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ، عَلَی أَنَّ مَا فَتَحْتُ وَ بَیَّنْتُ (7) عَلَیْهِ دَعْوَةَ الرَّسُولِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ قَرَأْتُ فِیهِ الْمَصَاحِفَ، وَ عُبِدَ فِیهِ الرَّحْمَنُ، وَ فُهِمَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَلِی إِمَامَتُهُ وَ حَلُّهُ وَ عَقْدُهُ، وَ إِصْدَارُهُ وَ إِیرَادُهُ، وَ لِفَاطِمَةَ فَدَكُ وَ مِمَّا خَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ النِّصْفُ، فَسَبَقَانِی إِلَی جَمِیعٍ نِهَایَةَ الْمَیْدَانِ یَوْمَ الرِّهَانِ، وَ مَا شَكَكْتُ فِی الْحَقِّ مُنْذُ رَأَیْتُهُ، هَلَكَ قَوْمٌ أُرْجِفُوا عَنِّی (8) أَنَّهُ لَمْ یُوجِسْ مُوسَی فِی

ص: 562


1- قد تقرأ فی (ك): عزوت، أو: غروت، و كلتاها لا تناسبان المقام.
2- فی (س): ثبتت.
3- قد تقرأ فی المطبوع: بنیت- بتقدیم النّون علی الیاء-.
4- فی المصدر: و أعلیت.
5- فی المصدر: أحارب اللّٰه. و ما فی المتن هو الظّاهر. و یوجّه ما فی المصدر بكون لفظة الجلالة منصوبة بنزع الخافض .. أیّ أحارب المشركین و الكافرین للّٰه .. أیّ لوجه اللّٰه.
6- مفعول (أرفع) محذوف و التّقدیر: أرفع عن إطناب الدّین ما یقطعها أو یوهنها.
7- فی المصدر: بنیت.
8- أیّ تزلزلوا و اضطربوا و أعرضوا عنّی، بتضمین معنی الأعراض فی كلمة: أرجفوا.

نَفْسِهِ خِیفَةً ارْتِیَاباً وَ لَا شَكّاً فِیمَا أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ لَمْ أَشْكُكْ (1) فِیمَا أَتَانِی مِنْ حَقِّ اللَّهِ، وَ لَا ارْتَبْتُ فِی إِمَامَتِی وَ خِلَافَةِ ابْنِ عَمِّی وَ وَصِیَّةِ الرَّسُولِ، وَ إِنَّمَا أَشْفَقَ أَخُو مُوسَی (2) مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ، وَ دُوَلِ الضُّلَّالِ، وَ غَلَبَةِ الْبَاطِلِ عَلَی الْحَقِّ، وَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (3): وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (4) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ فَنَحَلَهَا فَدَكَ (5) وَ أَقَامَنِی لِلنَّاسِ عَلَماً وَ إِمَاماً، وَ عَقَدَ لِی وَ عَهِدَ إِلَیَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ:

أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْكُمْ (6) فَقَاتَلْتُ حَقَّ الْقِتَالِ، وَ صَبَرْتُ حَقَّ الصَّبْرِ، عَلَی أَنَّهُ أَعَزَّ تَیْماً وَ عَدِیّاً (7) عَلَی دِیْنٍ أَتَتْ بِهِ تَیْمٌ وَ عَدِیٌّ، أَمْ عَلَی دِیْنٍ أَتَی بِهِ ابْنُ عَمِّی وَ صِنْوِی (8) وَ جِسْمِی، عَلَی أَنْ أَنْصُرَ تَیْماً وَ عَدِیّاً أَمْ أَنْصُرَ ابْنَ عَمِّی وَ حَقِّی وَ دِینِی وَ إِمَامَتِی؟ وَ إِنَّمَا قُمْتُ تِلْكَ الْمَقَامَاتِ، وَ احْتَمَلْتُ تِلْكَ الشَّدَائِدَ، وَ تَعَرَّضْتُ لِلْحُتُوفِ عَلَی أَنْ یُصِیبَنِی (9) مِنَ الْآخِرَةِ مُوَفَّراً، وَ إِنِّی صَاحِبُ مُحَمَّدٍ وَ خَلِیفَتُهُ، وَ إِمَامُ أُمَّتِهِ بَعْدَهُ، وَ صَاحِبُ رَایَتِهِ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ.

الْیَوْمَ أَكْشِفُ السَّرِیرَةَ عَنْ حَقِّی، وَ أُجْلِی الْقَذَی عَنْ ظُلَامَتِی، حَتَّی یَظْهَرَ لِأَهْلِ اللُّبِّ وَ الْمَعْرِفَةِ أَنِّی مُذَلَّلٌ مُضْطَهَدٌ مَظْلُومٌ مَغْصُوبٌ مَقْهُورٌ مَحْقُورٌ، وَ أَنَّهُمُ ابْتَزُّوا حَقِّی، وَ اسْتَأْثَرُوا بِمِیرَاثِی!

ص: 563


1- فی (س) نسخة: أشكّ.
2- فی المصدر: أخی موسی.
3- فی المصدر: جلّ و عزّ.
4- الإسراء: 26.
5- انظر: الغدیر 7- 191 حوّل فدك، و قد سلفت مصادره.
6- النّساء: 59.
7- فی المصدر: أعربتما و عربا ..
8- الصنوان: نخلتان و ثلاث من أصل واحد، فكلّ واحدة منهنّ صنو، قاله فی مجمع البحرین 1- 269.
9- فی المصدر: علی أنّ نصیبی.

الْیَوْمَ نَتَوَاقَفُ (1) عَلَی حُدُودِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ (2)، مَنِ اسْتَوْدَعَ خَائِناً فَقَدْ غَشَّ نَفْسَهُ، مَنِ اسْتَرْعَی ذِئْباً فَقَدْ ظَلَمَ، مَنْ وَلِیَ غَشُوماً فَقَدِ اضْطَهَدَ، هَذَا (3) مَوْقِفُ صِدْقٍ، وَ مَقَامٌ أَنْطِقُ فِیهِ بِحَقِّی، وَ أَكْشِفُ السِّتْرَ وَ الْغُمَّةَ عَنْ ظُلَامَتِی! یَا مَعْشَرَ الْمُجَاهِدِینَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ! أَیْنَ كَانَتْ سِبْقَةُ تَیْمٍ وَ عَدِیٍّ إِلَی سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ؟! أَلَا كَانَتْ یَوْمَ الْأَبْوَاءِ (4) إِذْ تكانفت (تَكَاثَفَتِ) (5) الصُّفُوفُ، وَ تَكَاثَرَتِ (6) الْحُتُوفُ، وَ تَقَارَعَتِ السُّیُوفُ؟ أَمْ هَلَّا خَشِیَا فِتْنَةَ الْإِسْلَامِ یَوْمَ ابْنِ عَبْدِ وُدٍّ وَ قَدْ نَفَخَ بِسَیْفِهِ، وَ شَمَخَ بِأَنْفِهِ، وَ طَمَحَ بِطَرْفِهِ؟! وَ لِمَ لَمْ یُشْفِقَا عَلَی الدِّینِ وَ أَهْلِهِ یَوْمَ بُوَاطَ (7) إِذَا اسْوَدَّ لَوْنُ الْأُفُقِ، وَ اعْوَجَّ عَظْمُ الْعُنُقِ، وَ انْحَلَّ سَیْلُ الْغَرَقِ (8)؟ وَ لَمْ یُشْفِقَا یَوْمَ رَضْوَی إِذِ السِّهَامُ تَطِیرُ، وَ الْمَنَایَا تَسِیرُ، وَ الْأَسَدُ تَزْأَرُ؟

وَ هَلَّا بَادَرَا یَوْمَ الْعَشِیرَةِ إِذَا (9) الْأَسْنَانُ تَصْطَكُّ، وَ الْآذَانُ تَسْتَكُّ، وَ الدُّرُوعُ تُهْتَكُ؟

وَ هَلَّا كَانَتْ مُبَادَرَتُهُمَا یَوْمَ بَدْرٍ، إِذِ الْأَرْوَاحُ فِی الصُّعَدَاءِ تَرْتَقِی، وَ الْجِیَادُ بِالْصَنَادِیدِ تَرْتَدِی، وَ الْأَرْضُ مِنْ دِمَاءِ (10) الْأَبْطَالِ تَرْتَوِی؟ وَ لِمَ لَمْ یُشْفِقَا عَلَی الدِّینِ یَوْمَ بَدْرِ

ص: 564


1- فی العدد القویّة: نتوافق.
2- فی المصدر زیادة هنا، و هی: من وثق بما لم یضمّ .. و لا معنی لها.
3- فی المصدر: هذا هذا.
4- فی العدد القویّة: الإیواء. و سیأتی بیانه، و أمّا الأبواء- بفتح أوّله و سكون ثانیه و مدّ آخره-: مكان بین الحرمین عن المدینة نحوا من ثلاثین میلا، قاله فی مجمع البحرین 1- 18.
5- فی (ك) نسخة: تكاثفت.
6- فی (ك): نسخة: تكاتفت.
7- بواط- كغراب- جبال جهینة علی أبراد من المدینة، منه غزوة بواط، اعترض فیها رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه (و آله) و سلم لعیر قریش، قاله فی القاموس 2- 352.
8- فی العدد القویّة: العرق- بالعین المهملة-.
9- فی المصدر: إذ.
10- فی (ك) نسخة: رماء.

الثَّانِیَةِ، وَ الرَّعَابِیبُ (1) تَرْعَبُ، وَ الْأَوْدَاجُ تَشْخُبُ، وَ الصُّدُورُ تُخْضَبُ (2)؟ أَمْ هَلَّا بَادَرَا یَوْمَ ذَاتِ اللُّیُوثِ، وَ قَدْ أُبِیحَ المتولب (التَّوْلَبُ) (3)، وَ اصْطَلَمَ الشَّوْقَبُ، وَ ادْلَهَمَّ الْكَوْكَبُ؟! وَ لِمَ لَا كَانَتْ شَفَقَتُهُمَا عَلَی الْإِسْلَامِ یَوْمَ الْكَدِرِ (4)، وَ الْعُیُونُ تَدْمَعُ، وَ الْمَنِیَّةُ تَلْمَعُ، وَ الصَّفَائِحُ تَنْزِعُ ..

ثُمَّ عَدَّدَ وَقَائِعَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كُلَّهَا عَلَی هَذَا النَّسَقِ، وَ قَرَعَهُمَا بِأَنَّهُمَا فِی هَذِهِ الْمَوَاقِفِ كُلِّهَا كَانَا مَعَ النَّظَّارَةِ وَ الْخَوَالِفِ وَ الْقَاعِدِینَ، فَكَیْفَ بَادَرَا الْفِتْنَةَ بِزَعْمِهِمَا یَوْمَ السَّقِیفَةِ وَ قَدْ تَوَطَّأَ الْإِسْلَامُ بِسَیْفِهِ، وَ اسْتَقَرَّ قَرَارَهُ، وَ زَالَ حِذَارُهُ (5).

ثُمَّ قَالَ- بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ (6)

مَا هَذِهِ الدَّهْمَاءُ وَ الدَّهْیَاءُ الَّتِی وَرَدَتْ عَلَیْنَا مِنْ قُرَیْشٍ؟! أَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ، وَ أَبُو هَذِهِ الْمَوَاقِفِ، وَ ابْنُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ. یَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ! إِنِّی عَلَی بَصِیرَةٍ مِنْ أَمْرِی، وَ عَلَی ثِقَةٍ مِنْ دِینِی، الْیَوْمَ أَنْطَقْتُ الْخَرْسَاءَ الْبَیَانَ، وَ فَهَّمْتُ الْعَجْمَاءَ الْفَصَاحَةَ، وَ أَتَیْتُ الْعَمْیَاءَ بِالْبُرْهَانِ، هذا یَوْمُ یَنْفَعُ الصَّادِقِینَ صِدْقُهُمْ (7) قَدْ تَوَافَقْنَا عَلَی حُدُودِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَ أَخْرَجْتُكُمْ مِنَ الشُّبْهَةِ إِلَی الْحَقِّ، وَ مِنَ الشَّكِّ إِلَی الْیَقِینِ، فَتَبَرَّءُوا (8)

رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِمَّنْ نَكَثَ (9) الْبَیْعَتَیْنِ، وَ غَلَبَ الْهَوَی بِهِ (10) فَضَلَّ، وَ أَبْعِدُوا- رَحِمَكُمُ اللَّهُ- مِمَّنْ

ص: 565


1- فی المناقب: و الدّعّاس. و فی (ك) نسخة: و الدماس، و ستأتی إشارة المصنّف طاب ثراه لها.
2- فی المصدر: تخصب. و كذا فی (ك).
3- فی (ك) و المصدر: التولب.
4- فی المصدر: یوم الكدّ. و فی (ك) نسخة: الأیكدر.
5- فی (س): حذاده.
6- فی المصدر: كلمة، بدل: كلّه.
7- المائدة: 119.
8- فی المصدر: فتبرءوا. و لیس بینهما فرقّ إلّا فی الكتابة.
9- فی المصدر: نكثوا.
10- فی (ك) نسخة: علیه، بدلا من: به.

أَخْفَی الْغَدْرَ (1) وَ طَلَبَ الْحَقَّ مِنْ غَیْرِ أَهْلِهِ فَتَاهَ، وَ (2) الْعَنُوا- رَحِمَكُمُ اللَّهُ- مَنِ انْهَزَمَ الْهَزِیمَتَیْنِ إِذْ یَقُولُ اللَّهُ: إِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (3)، وَ قَالَ: وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَیْئاً وَ ضاقَتْ عَلَیْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ (4). وَ اغْضِبُوا (5)

رَحِمَكُمُ اللَّهُ- عَلَی مَنْ غَضَبَ اللَّهُ (6) عَلَیْهِمْ، وَ تَبَرَّءُوا- رَحِمَكُمُ اللَّهُ- مِمَّنْ یَقُولُ فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَرْتَفِعُ (7) یَوْمَ الْقِیَامَةِ رِیحٌ سَوْدَاءُ تَخْتَطِفُ (8) مِنْ دُونِی قَوْماً مِنْ أَصْحَابِی مِنْ عُظَمَاءِ الْمُهَاجِرِینَ، فَأَقُولُ: أُصَیْحَابِی. فَیُقَالُ: یَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ لَا تَدْرِی مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. وَ تَبَرَّءُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّفْسِ الضَّالِّ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ: یَوْمٌ لا بَیْعٌ فِیهِ وَ لا خِلالٌ (9) فَیَقُولُوا: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَیْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِیَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِینَ (10) وَ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَقُولُوا: یا حَسْرَتی عَلی ما فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِینَ (11) أَوْ یَقُولُوا: وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (12) أَوْ یَقُولُوا: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا

ص: 566


1- فی المصدر: العذر.
2- لا توجد: الواو فی (س).
3- الأنفال: 15- 16.
4- التّوبة: 25.
5- فی المصدر: اغضبوا، بلا واو.
6- لا یوجد لفظ الجلالة فی (س).
7- فی المصدر: ترتفع.
8- فی (ك): تخطف.
9- إبراهیم: 31.
10- فصّلت: 29.
11- الزّمر: 56.
12- الشّعراء: 99. و فی المصدر: إلّا المجرمین.

السَّبِیلَا (1)، إِنَّ قُرَیْشاً طَلَبَتِ السَّعَادَةَ فَشَقِیَتْ (2)، وَ طَلَبَتِ النَّجَاةَ فَهَلَكَتْ، وَ طَلَبَتِ الْهِدَایَةَ فَضَلَّتْ. إِنَّ قُرَیْشاً قَدْ أَضَلَّتْ أَهْلَ دَهْرِهَا وَ مَنْ یَأْتِی مِنْ بَعْدِهَا مِنَ الْقُرُونِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَضَعَ إِمَامَتِی فِی قُرْآنِهِ فَقَالَ: وَ الَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِیاماً (3) وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّیَّاتِنا قُرَّةَ أَعْیُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِینَ إِماماً (4)، وَ قَالَ: الَّذِینَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (5) ..

وَ هَذِهِ خُطْبَةٌ طَوِیلَةٌ (6).

وَ قَدْ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ فِی بَعْضِ مَقَامَاتِهِ كَلَاماً لَوْ لَمْ یَقُلْ غَیْرَهُ لَكَفَی قَوْلُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ: أَنَا وَلِیُّ هَذَا الْأَمْرِ دُونَ قُرَیْشٍ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِعِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ النَّارِ، وَ بِعِتْقِهَا مِنَ السَّیْفِ، وَ هَذَانِ لَمَّا اجْتَمَعَا كَانَا أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ الرِّقِّ، فَمَا كَانَ لِقُرَیْشٍ عَلَی الْعَرَبِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَانَ لِبَنِی هَاشِمٍ عَلَی قُرَیْشٍ، وَ مَا كَانَ لِبَنِی هَاشِمٍ عَلَی قُرَیْشٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ كَانَ لِی عَلَی بَنِی هَاشِمٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَوْمَ غَدِیرِ خُمٍّ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِیٌّ مَوْلَاهُ»..

ص: 567


1- الأحزاب: 67. و لا توجد: إنّا، فی المصدر.
2- فی المصدر: فسقیت. و ما فی المتن هو الظّاهر.
3- الفرقان: 64.
4- الفرقان: 74.
5- الحجّ: 41.
6- قال فی العدد القویّة- بعد كلمة طویلة-: و اعلم أنّ كلّ ما احتججنا به و سائر الشّیعة إنّما أصله من كلامه صلوات اللّٰه علیه هو الّذی أعطاه اللّٰه من الفضل و القوّة ما صلح به أنّ یصیر أخا لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه و آله: تلك المكارم لا قیعان من لبن***شیبا بماء ، فعادوا بعد أبوالا

بیان:

دیّنّاهم- علی بناء التفعیل- .. أی جعلنا الإسلام دینهم و قرّرناهم (1) علیه.

قال الفیروزآبادی: دان (2) فلانا: حمله علی ما یكره و أذلّه، و دیّنه تدیینا (3):

وكله إلی دینه (4).

و فی المناقب (5): و علّمناهم الفرائض و السنن، و حفّظناهم الصدق و اللین، و ورّثناهم الدین (6).

قوله علیه السلام: و ألتونا .. أی نقصونا (7) و منعونا ما هو من أسباب قوّتنا و اقتدارنا.

و أعلامنا- بالفتح- .. أی ما هو علامة لإمامتنا و دولتنا، أو بالكسر .. أی ما هو سبب تعلیمنا، كما قال تعالی: وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ (8).

و فی المناقب (9): و التوونا .. من التوی عن الأمر .. أی تثاقل (10).

و لَیُّ الْغَرِیمِ معروف (11)، و یقال: استعدیت علی فلان الأمیر فأعدانی ..

ص: 568


1- فی (ك): قهرناهم.
2- فی طبعتی البحار: و إن. و لا معنی لها.
3- فی (س): بدنیاه.
4- القاموس 4- 225، و مثله فی الصحاح 6- 2118- 2119.
5- مناقب ابن شهرآشوب 2- 201- 203.
6- جاء فی المناقب بدل الجملة الأخیرة: و دیّناهم الإسلام.
7- ذكره فی مجمع البحرین 2- 189، و الصحاح 1- 241، و زاد فی الأخیر: و ألته أیضا: حبسه عن وجهه و صرفه.
8- الطور: 21.
9- المناقب 2- 202.
10- قاله فی لسان العرب 15- 263، و القاموس 4- 387، و تاج العروس 10- 332.
11- قال فی مجمع البحرین 1- 381: و فی الخبر: لیّ الواجد یحلّ عقوبته و عرضه .. اللیّ: المطل. ولاحظ : القاموس ٤ _ ٣٨٧ ، ولسان العرب ١٥ _ ٢٦٢ ، وغیرهما.

أی استعنت به علیه فأعاننی علیه (1).

قوله: و وتروا (2) .. أی ألقوا الجنایات و الدخول (3) بینی و بین العرب و العجم، فإنّهم غصبوا خلافتی و أجروا الناس علی الباطل، فصار ذلك سببا للحروب و سفك الدماء، و الوتر- بالكسر-: الجنایة، و الموتور: الّذی له قتیل فلم یدرك بدمه (4). و المتاه: اسم مكان، أو مصدر میمیّ من التّیه (5): و هو الحیرة و الضّلالة (6).

و قال فی النهایة: (7): فیه .. «الفتنة الصّمّاء العمیاء» .. أی (8) الّتی لا سبیل إلی تسكینها لتناهیها فی رهانها (9)، لأنّ الأصمّ لا یسمع الاستغاثة و لا (10) یقلع عمّا یفعله، و قیل: هی كالحیّة الصّمّاء الّتی لا تقبل الرّقی.

قوله علیه السلام: و وطأة الأسد .. قال الجزری: الوطء- فی الأصل-:

الدّوس بالقدم فسمّی به الغزو و القتل، لأنّ من یطأ علی الشّی ء برجله فقد استقصی فی هلاكه و إهانته .. و منه الحدیث (11): «

اللّٰهمّ اشدد وطأتك علی

ص: 569


1- كما صرّح به فی مجمع البحرین 1- 287، و الصحاح 6- 2421. أعنی الثار.
2- قال فی مجمع البحرین 3- 508: الوتر- بالفتح-: الذحل .. ونص علی ما فی المتن فی ٣ _ ٥٠٩ ، ولاحظ ما ذكره الفیروزآبادی فی القاموس المحیط ٢ _ ١٥٢.
3- كذا، و الظاهر: الذحول- بالذال المعجمة-.
4- انظر: الصحاح 2- 843، و النهایة 5- 148.
5- فی (س): المتیه. و هو غلط.
6- جاء فی النهایة 1- 203، و لسان العرب 13- 482، و غیرهما.
7- النهایة 3- 54، و انظر: لسان العرب 12- 343.
8- فی المصدر: هی، بدلا من: أی.
9- فی (ك): زمانها. و فی المصدر: دهائها. و فی لسان العرب 12- 343 .. ذهابها.
10- فی المصدر: فلا، بدلا من: و لا. و جاء فی لسان العرب كما فی المتن.
11- فی المصدر: حدیثه الآخر.

مضر».

أی خذهم أخذا شدیدا (1).

و الطّمطام: معظم ماء البحر، و قد یستعار لمعظم النّار (2)، و استعیر هنا لعظماء أهل الشرّ و الفساد.

و قال الجوهری: المحك: اللّجاج .. و المماحكة: الملاجّة (3).

و القمقام: البحر و الأمر الشّدید و السّیّد و العدد الكثیر (4).

قوله علیه السلام: و عجم العرب .. أی كانوا من العرب بمنزلة الحیوانات العجم (5).

قوله علیه السلام: و غنم الحرب .. أی أهل غنم الحرب الذین لهم غنائمها أو یغتنمونها، و یمكن أن یقرأ الحرب- بالتحریك- و هو سلب المال (6)، و فی بعض النسخ الحروب.

قوله علیه السلام: و قطب الإقدام .. لعلّه بكسر الهمزة .. أی كانوا كالقطب للإقدام علی الحروب، أو بالفتح أی بهم كانت الأقدام تستقرّ فی الحروب، أو كانت أقدامهم بمنزلة القطب لرحا الحرب، و القطب أیضا: سیّد

ص: 570


1- النهایة 5- 200، و قریب منه فی لسان العرب 1- 195- 197.
2- نصّ علیه فی النهایة 2- 139، و مثله فی لسان العرب 12- 371.
3- فی الصحاح 4- 1607، و نحوه فی لسان العرب 10- 486. أقول: : فی طبعتی البحار : الملاحة _ بالحاء المهملة _ ، وقد سقطت النقطة عن الجیم كما هو ظاهر.
4- ذكره فی القاموس 4- 167- 168، و لسان العرب 12- 494، إلّا أنّ فیهما: و الأمر العظیم.
5- قال فی مجمع البحرین 6- 111: و الحیوانات العجم- بالضم فالسكون-: جمع أعجم، و هو من لا یقدر علی الكلام، و منه: اتّقوا اللّٰه فی العجم من أموالكم، قیل: و ما العجم؟. قال: الشاة و البقرة و الحمام .. و أشباه ذلك. و ذكر فی الصحاح 5- 1980: و العجم- أیضا- صغار الإبل نحو بنات اللبون إلی الجذع .. و العجماء: البهیمة .. و إنّما سمّیت عجماء: لأنّها لا تتكلّم، فكلّ من لا یقدر علی الكلام أصلا فهو أعجم و مستعجم.
6- نصّ علیه فی مجمع البحرین 2- 38، و الصحاح 1- 108.

القوم و ملاك الشّی ء و مداره، ذكره الفیروزآبادی (1).

قوله علیه السلام: و سلّ السیوف (2) .. الحمل علی المبالغة أی سلّال السّیوف، و لعلّه تصحیف، و فی بعض النسخ: سیل السیوف.

و الدلاص- بالكسر-: اللیّن (3) البرّاق، یقال: درع دلاص و أدرع دلاص (4).

قوله علیه السلام: یفری جماجم البهم .. و فی بعض النسخ: یبرئ بالباء- الفری: الشّقّ (5) و البری: النّحت (6)، و البهم- كصرد-: جمع بهمة، و هو الفارس الّذی لا یدری من أین یؤتی من شدّة بأسه (7)، و الجمجمة- بالضم-:

القحف أو العظم فیه الدّماغ (8)، و الهام- جمع هامة-: و هو رأس كلّ شی ء (9)، و الأبطال: الشّجعان (10)، و النّكص: الإحجام عن الأمر و الرّجوع عنه (11)، و الحتوف- بالضم-: جمع الحتف- بالفتح- و هو الموت (12)، و الغوانم: الجیوش الغانمة (13)، و فی بعض النسخ: العرازم: جمع عرزم و هو الشّدید و الأسد (14)، و فی

ص: 571


1- القاموس 1- 118، و قارن به لسان العرب 1- 682.
2- قال فی القاموس 3- 397: السّلّ: انتزاعك الشی ء و إخراجه فی رفق كالاستلال، و سیف سلیل:مسلول.
3- فی (س): اللبن.
4- ذكره فی الصحاح 3- 1040، و لسان العرب 7- 37، و غیرهما.
5- جاء فی الصحاح 6- 2454، و القاموس 3- 373.
6- كما فی مجمع البحرین 1- 52، و القاموس 3- 303. و فی (ك): و النحت، بالواو و هی زائدة.
7- قاله فی الصحاح 5- 1875، و تاج العروس 8- 207، و غیرهما.
8- صرّح به فی القاموس 4- 92، و تاج العروس 8- 233، و لسان العرب 12- 110.
9- نصّ علیه فی القاموس 4- 193، و لسان العرب 12- 624، و زاد فی الأخیر: من الروحانیین.
10- ذكره فی القاموس 3- 335، و لسان العرب 11- 56.
11- قاله فی مجمع البحرین 4- 189، و الصحاح 3- 1060.
12- جاء فی مجمع البحرین 5- 34، و الصحاح 4- 1340، و غیرهما.
13- الغوانم: جمع غانمة، و هی صفة و موصوفها محذوف و هو: الجیوش.
14- ذكره فی القاموس 4- 149، إلّا أنّه لم یذكر أنّه جمع عرزم بل جعله كالعرزم، و مثله فی تاج العروس 8- 396.

بعضها: الغراة (1)، و السّنبك- بالضم-: طرف الحافر (2)، و صفن الفرس: قام علی ثلاثة قوائم و طرف حافر الرّابعة (3)، و الأذل: الضّیق و الشّدّة (4).

قوله علیه السلام: و الهزل .. لعلّ المراد أنّهم لم یكونوا یثبتون فی مقام الهزل فكیف فی مقام الجدّ؟، و فی بعض النسخ: و الزلزال.

قوله علیه السلام: فی ظلال الأعنّة و فی (5) بعض النسخ: فی طلاب الأعنّة .. أی مطالبتها، و فی بعضها: فی إطلاق الأعنّة، و هو أصوب.

قوله علیه السلام: نتواقف .. أی وقفت علی حدّ الحقّ و وقفتم علی حدّ الباطل.

قوله علیه السلام: و نالونی .. أی أصابونی (6) بالمكاره، و فی بعض النسخ: قالونی .. من القلاء: و هو البغض (7)، و یقال: بزّه ثیابه و ابتزّه: إذا سلبه إیّاها (8).

قوله علیه السلام: العجماء ذات البیان .. قیل: كنّی علیه السلام بها عن العبر الواضحة و ما حلّ بقوم فسقوا عن أمر ربّهم، و عمّا هو واضح من كمال فضله علیه السلام، و عن حال الدین، و مقتضی أوامر اللَّه تعالی، فإنّ هذه الأمور عجماء لا نطق لها.

ص: 572


1- فی (ك): الغواة. الغراة _ لعلها جمع الغری _ وهو البناء الجید.
2- كما فی القاموس 3- 307، و لسان العرب 10- 444.
3- جاء فی القاموس 4- 242، و لسان العرب 13- 248، و غیرها.
4- قاله فی القاموس 3- 328، و النهایة 1- 46. أقول: : ما ذكراه منطبق علی كلمة : الأزل _ بالزاء المعجمة _ ، فی (س) : الأذل ، وفی ( ك ) : الأزل.
5- لا توجد الواو فی (س).
6- كما فی لسان العرب 11- 685، و النهایة 5- 141، و القاموس 4- 62.
7- ذكره فی مجمع البحرین 1- 349، و القاموس 4- 380، و غیرهما.
8- نصّ علیه فی النهایة 1- 124، و لسان العرب 5- 312.

بیان:ا .. ذات البیان حالا (كذا)، و لمّا بیّنها علیه السلام فكأنّه أنطقها لهم.

و قیل: العجماء صفة لمحذوف .. أی الكلمات العجماء، و المراد ما فی هذه الخطبة من الرموز التی لا نطق لها مع أنّها ذات بیان عند أولی الألباب.

قوله علیه السلام: علی أنّی بها مستأثر .. علی بناء المفعول، و الاستئثار:

الاستبداد و الانفراد بالشّی ء (1)، و الكلام مسوق علی المجاز .. أی ثم تصرفوا فی الخلافة علی وجه كأنّی فعلت جمیع ذلك لیأخذوها منّی مستبدّین بها، و یحتمل الاستفهام الإنكاری، و یمكن أن یقرأ علی بناء اسم الفاعل.

و الكدح: العمل و السّعی (2).

و الغشم: الظّلم (3).

و اكتنفه: أحاط به، و كانفه: عاونه (4). و قال الجوهری: نفحه (5) بالسّیف:

تناوله من بعید (6).

قوله علیه السلام: تزأر .. الزّرء (7) و الزّئیر: صوت الأسد من صدره، و الفعل كضرب و منع و سمع (8)، و فی بعض النسخ بالیاء (9)، و لعلّه علی التخفیف بالقلب لرعایة السجع.

و الاستكاك: الصّمم (10).

ص: 573


1- ذكره فی مجمع البحرین 3- 199، و انظر: الصحاح 2- 575، و النهایة 1- 22.
2- قاله فی مجمع البحرین 2- 406، و الصحاح 1- 391.
3- جاء فی القاموس 4- 156، و الصحاح 5- 1996، و غیرهما.
4- نصّ علیه فی القاموس 3- 192، و الصحاح 4- 1424.
5- فی (ك): نفجه- بالجیم-.
6- الصحاح 1- 412، و لسان العرب 2- 624.
7- كذا، و الصحیح: الزأر- بتقدیم الهمزة علی الراء-.
8- نصّ علیه فی القاموس 2- 36، و مثله فی لسان العرب 4- 314، إلّا أنّه لم یذكر مجیئه من باب سمع.
9- أی تزیر، قلبت الهمزة یاء علی التخفیف.
10- صرّح به فی القاموس 3- 306، و الصحاح 4- 1590.

و الصّعدا: المشقّة، أو هو بالمدّ: بمعنی ما یصعد علیه (1).

قوله علیه السلام: ترتدی .. لعلّه علیه السلام شبّه وقوعهم بعد القتل علی أعناق الجیاد بارتدائها (2) بهم، أو هو افتعال من الردی و هو الهلاك و إن لم یأت فیما عندنا من كتب اللغة (3)، و فی بعض النسخ: تردی، فالباء زائدة أو بمعنی مع، أو للتعدیة إذا قرئ علی بناء المجرّد، و یقال: ردی الفرس- كرمی-: إذا رجمت الأرض بحوافرها، أو بین (4) العدو و المشی، و الشی ء: كسره، و فلانا: صدمه و ردی ردی: هلك (5).

قوله علیه السلام: و الرعابیب ترعب .. قال الفیروزآبادی: الرّعبوب:

الضّعیف الجبان، و جاریة رعبوبة و رعبوب و رعبیب- بالكسر- شطبة تارّة أو بیضاء حسنة رطبة حلوة أو ناعمة، و من النّوق طیّاشة (6).

و فی المناقب: و الدعاس ترعب .. من الدّعس و هو الطّعن، و المداعسة:

المطاعنة (7).

قوله علیه السلام: و قد أبیح التّولب .. التّولب: ولد الحمار (8)، و هو كنایة

ص: 574


1- قال فی القاموس 1- 307: و الصّعداء: المشقّة كالصّعدد، و كالبرحاء: تنفّس طویل. و زاد فی لسان العرب 3- 251: و الصعود: الطریق صاعدا .. و الصعود و الصعوداء: العقبة الشاقّة .. والصعود : المشقة. هذا ولم نجد فیما بأیدینا من كتب اللغة ( صعدا ) _ بالقصر _ كما فی (س). و ( صعد ) كما فی ( ك ).
2- أی بلبسها الرداء بهم.
3- كذا، و مراده أنّه لم یأت فیها بمعنی الهلاك، و أمّا ما ذكر له من المعنی فقد قال فی الصحاح 6- 2355: تردی و ارتدی .. أی لبس الرداء، و قال فی تاج العروس 10- 148- بعد نقل عبارة الصحاح-: و ارتدی فلان: تقلّد بالسیف و ارتدت الجاریة: رفعت رجلا و مشت علی رجل تلعبه، نقله الأزهری.
4- أی الردی هو بین ..
5- قاله فی القاموس 4- 333، و قارن به تاج العروس 10- 147.
6- القاموس 1- 74 بتقدیم و تأخیر، و مثله فی لسان العرب 1- 421- 422.
7- صرّح به فی الصحاح 3- 929، و القاموس 2- 215.
8- نصّ علیه فی الصحاح 1- 91، و القاموس 1- 40.

عن كثرة الغنائم أو الأساری علی الاستعارة.

و فی المناقب (1): و قد أمج التّولب .. أمّا بتشدید الجیم من أمجّ الفرس:

إذا بدأ بالجری قبل أن یضطرم، و أمجّ الرّجل: إذا ذهب فی البلاد (2)، أو بالتخفیف من أمج- كفرح- إذا سار شدیدا (3)، و لعلّه علی الوجهین كنایة عن الفرار، و النسخة الأولی أظهر و أنسب.

و الاصطلام: الاستئصال (4).

و الشّوقب (5): الرّجل الطّویل، و الواسع من الحوافر.

و خشبتا القتب اللّتان تعلّق فیهما الحبال (6).

قوله علیه السلام: و الصفائح تنزع .. فی بعض النسخ: تربع .. من ربع الإبل: إذا سرحت فی المرعی و أكلت حیث شاءت و شربت، و كذلك الرّجل بالمكان (7).

ثم إنّ غزوة الأبواء وقعت بعد اثنی عشر شهرا من الهجرة، خرج رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله من المدینة یرید قریشا و بنی ضمرة، قالوا: ثم رجع و لم یلق كیدا.

، و غزوة بواط كانت فی السنة الثانیة فی ربیع الأوّل (8) و بعدها فی جمادی (9) الآخرة كانت غزوة العشیرة، و الرّضوی: جبل بالمدینة (10)، و لا یبعد كونه إشارة إلی

ص: 575


1- المناقب 2- 203.
2- ذكره فی القاموس 1- 206، و الصحاح 1- 340، و غیرهما.
3- قاله فی القاموس 1- 177، و لسان العرب 2- 208.
4- كما فی مجمع البحرین 6- 102، و الصحاح 5- 1967.
5- فی (ك): الشوقب.
6- جاء فی القاموس 1- 89، و لسان العرب 1- 506.
7- صرّح به فی القاموس 3- 25، و تاج العروس 5- 339.
8- وضع علیها رمز نسخة، فی (ك).
9- كذا، و الظاهر جمادی.
10- ذكره فی مجمع البحرین 1- 188، و القاموس 4- 335، و غیرهما.

غزوة أحد، و ذات اللیوث إلی غزوة حنین، و الكدو (1)

و فی بعض النسخ: الأكیدر إلی غزوة دومة الجندل، و قد مرّ تفصیلها فی المجلد السادس (2).

و فی القاموس: وطّأه: هیّأه و دمّثه و سهّله .. فاتّطأ (3) .. و واطأه علی الأمر:

وافقه كتواطأه و توطّأه .. و ایتطأ- كافتعل-: استقام و بلغ نهایته و تهیّأ (4).

و الدّهماء: الفتنة المظلمة (5)، و الدّهیاء: الدّاهیة الشّدیدة (6).

أقول:

أورد ابن شهرآشوب فی المناقب (7): الخطبة الأولی إلی قوله: و أین هذه الأفعال الحمیدة.

مع اختصار فی بعض المواضع.

«11»-فس (8): قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَیُّهَا النَّاسُ! إنَّ أَوَّلَ (9) مَنْ بَغَی عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، خَلَقَ اللَّهُ لَهَا عِشْرِینَ إِصْبَعاً، فِی كُلِّ (10) إِصْبَعٍ مِنْهَا ظُفُرَانِ طَوِیلَانِ كَالْمِنْجَلَیْنِ (11) الْعَظِیمَیْنِ،

ص: 576


1- قد مرّ فی أصل الخطبة: الكدر. و هو الظاهر.
2- بحار الأنوار 20- 14- 146 فی غزوة أحد، و نفس المجلد: 293- 295 فی غزوة دومة الجندل، و من صفحة: 146 الی 168 فی غزوة حنین.
3- و تقرأ فی (ك): فأیطأ، أیضا و الكلمة مشوشة.
4- كما فی القاموس 1- 32، و تاج العروس 1- 135، و قال فیه أیضا: هیاه و دمثه و سهله الثلاثة بمعنی. و فی المصدر: استطأ، بدلا من: ایتطأ، و جاءت نسخة فی هامش القاموس: ایتطأ، كمتن البحار.
5- نصّ علیه فی النهایة 2- 146، و قارن به لسان العرب 12- 211.
6- قال فی مجمع البحرین 1- 152: عن ابن سكّیت: داهیة دهیاء و دهوا- أیضا- و هی توكید لها، و مثله فی الصحاح 6- 2344.
7- المناقب 2- 201- 203.
8- تفسیر القمّیّ 2- 134.
9- فی المصدر: یا أیّها النّاس أوّل ..
10- فی المصدر: لكلّ.
11- فی المصدر: المخلبین. أقول: : هنا حاشیة جاءت فی ( ك ) وهی : المنجل _ بكسر المیم _ : ما یحصد به الزرع. مجمع. انظر : مجمع البحرین ٥ _ ٤٧٨.

وَ كَانَ مَجْلِسُهَا فِی الْأَرْضِ مَوْضِعَ جَرِیبٍ، فَلَمَّا بَغَتْ بَعَثَ اللَّهُ لَهَا أَسَداً كَالْفِیلِ وَ ذِئْباً كَالْبَعِیرِ وَ نَسْراً كَالْحِمَارِ وَ كَانَ ذَلِكَ فِی الْخَلْقِ الْأَوَّلِ، فَسَلَّطَهُمُ اللَّهُ عَلَیْهَا فَقَتَلُوهَا، أَلَا وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ خَسَفَ بِقَارُونَ (1)، وَ إِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ لِأَعْدَائِهِ الَّذِینَ غَصَبُوا حَقَّهُ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ.

ثُمَّ قَالَ عَلِیٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ- عَلَی إِثْرِ هَذَا الْمَثَلِ الَّذِی ضَرَبَهُ-: وَ قَدْ كَانَ لِی حَقٌّ حَازَهُ دُونِی مَنْ لَمْ یَكُنْ لَهُ، وَ لَمْ أَكُنْ أُشْرِكُهُ فِیهِ، وَ لَا تَوْبَةَ لَهُ إِلَّا بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ، أَوْ بِرَسُولٍ (2) مُرْسَلٍ، وَ أَنَّی لَهُ بِالرِّسَالَةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ (3) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ لَا نَبِیَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ أَنَّی یَتُوبُ (4) وَ هُمْ (5) فِی بَرْزَخِ الْقِیَامَةِ غَرَّتْهُ الْأَمَانِیُّ وَ غَرَّهُ بِاللَّهِ الْغَرُورُ*، قَدْ أَشْفَی عَلی شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِی نارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ (6) (7) (8).

«12»-ما (9): أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ الصَّلْتِ، عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ (10)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَیْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِیكٍ، عَنْ أَبِیهِ، قَالَ: صَعِدَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ الْمِنْبَرَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِ

ص: 577


1- فی المصدر: خسف اللّٰه بقارون.
2- فی التّفسیر: و برسول ..
3- فی المصدر: بعد رسول اللّٰه .. و فیه نسخة بدل: النّبیّ محمّد (صلی اللّٰه علیه و آله).
4- وضع رمز نسخة بدل فی (س): علی یتوب. و ذكر فی (ك) نسخة بدل: فإنّی، بدلا من: و إنّی، و كلتا الكلمتین لا توجدان فی المصدر. و من هنا إلی آخر الحدیث ذكر فی حاشیة المصدر علی أنّه نسخة بدل.
5- فی هامش المصدر: و هو.
6- فی هامش التّفسیر: و قد أشرف علی جرف.
7- لا توجد فی هامش المصدر: فی نار.
8- التّوبة: 109.
9- أمالی الشّیخ الطّوسیّ 2- 336.
10- فی المصدر: قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعید، بدلا من: عن ابن عقدة.

اللَّهِ (1) لَا یَقُولُهَا بَعْدِی إِلَّا كَذَّابٌ، مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، أَمَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِقِتَالِ النَّاكِثِینَ: طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ، وَ الْقَاسِطِینَ: مُعَاوِیَةَ وَ أَهْلِ الشَّامِ، وَ الْمَارِقِینَ: وَ هُمْ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ، وَ لَوْ أَمَرَنِی بِقِتَالِ الرَّابِعَةِ لَقَاتَلْتُهُمْ.

«13»-قب (2): الْبُخَارِیُّ وَ مُسْلِمٌ بِالْإِسْنَادِ، قَالَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ: قَالَ عَلِیٌّ (علیه السلام): إن (أَنَا) (3) أَوَّلُ مَنْ یحثو (یَجْثُو) (4) لِلْحُكُومَةِ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ (5).

«14»-جا (6): الْكَاتِبُ، عَنِ الزَّعْفَرَانِیِّ، عَنِ الثَّقَفِیِّ، عَنِ الْمَسْعُودِیِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ رَزِینٍ (7) بَیَّاعِ الْأَنْمَاطِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَیْدَ بْنَ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ یَقُولُ: حَدَّثَنِی أَبِی، عَنْ أَبِیهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَخْطُبُ النَّاسَ قَالَ (8) فِی خُطْبَتِهِ: وَ اللَّهِ لَقَدْ بَایَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَ أَنَا أَوْلَی النَّاسِ بِهِمْ مِنِّی بِقَمِیصِی هَذَا، فَكَظَمْتُ غَیْظِی، وَ انْتَظَرْتُ أَمْرَ رَبِّی، وَ أَلْصَقْتُ كَلْكَلِی بِالْأَرْضِ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ هَلَكَ وَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ، وَ قَدْ عَلِمَ- وَ اللَّهِ- أَنِّی أَوْلَی النَّاسِ بِهِمْ مِنِّی بِقَمِیصِی هَذَا، فَكَظَمْتُ غَیْظِی، وَ انْتَظَرْتُ أَمْرَ رَبِّی، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ هَلَكَ وَ قَدْ جَعَلَهَا شُورَی، فَجَعَلَنِی سَادِسَ سِتَّةٍ،

ص: 578


1- فی الأمالی: یوم جمعة .. و أخو رسوله. و فی (س) الكلمة مشوّشة.
2- المناقب 3- 204.
3- كذا، و فی المصدر و حاشیة البحار: أنا، وضع بعدها رمز: ظاهرا، و هو الصّواب، إلّا أن یكون متنا مبتورا بلا خبر.
4- فی (س): یجثو.
5- صحیح البخاریّ، كتاب المغازی و تفسیر سورة الحجّ (22) حدیث 3 (6- 124) عن علیّ بن أبی طالب رضی اللّٰه عنه قال: أنا أوّل من یجثو بین یدی الرّحمن للخصومة یوم القیامة.
6- أمالی الشّیخ المفید: 153- 154، حدیث 5.
7- هكذا جاء السّند فی المصدر: قال: أخبرنی أبو الحسن علیّ بن محمّد الكاتب، قال: أخبرنی الحسن ابن علیّ الزّعفرانیّ، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهیم بن محمّد الثّقفیّ، قال: حدّثنی المسعودیّ، قال: حدّثنا الحسن بن حمّاد، عن أبیه، قال: حدّثنی رزین ..
8- فی المصدر: فقال.

كَسَهْمِ الْجَدَّةِ وَ قَالَ: اقْتُلُوا الْأَقَلَّ وَ مَا أَرَادَ غَیْرِی، فَكَظَمْتُ غَیْظِی، وَ انْتَظَرْتُ أَمْرَ رَبِّی، وَ أَلْصَقْتُ كَلْكَلِی بِالْأَرْضِ، ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْقَوْمِ بَعْدَ بَیْعَتِهِمْ لِی مَا كَانَ، ثُمَّ لَمْ أَجِدْ إِلَّا قِتَالَهُمْ أَوِ الْكُفْرَ بِاللَّهِ.

بیان: الكلكل: الصّدر (1).

«15»-جا (2): ابْنُ قُولَوَیْهِ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلَوِیَّةَ، عَنِ الثَّقَفِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ (3) بْنِ عَمْرٍو الرَّازِیِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ مَسِیرُ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ وَ عَائِشَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَی الْبَصْرَةِ نَادَی الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی لَمَّا قَبَضَ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قُلْنَا: نَحْنُ أَهْلُ بَیْتِهِ وَ عَصَبَتُهُ وَ وَرَثَتُهُ وَ أَوْلِیَاؤُهُ وَ أَحَقُّ خَلَائِقِ اللَّهِ بِهِ، لَا نُنَازَعُ حَقَّهُ وَ سُلْطَانَهُ، فَبَیْنَمَا نَحْنُ إِذْ (4) نَفَرَ الْمُنَافِقُونَ فَانْتَزَعُوا سُلْطَانَ نَبِیِّنَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِنَّا وَ وَلَّوْهُ غَیْرَنَا، فَبَكَتْ لِذَلِكَ- وَ اللَّهِ- الْعُیُونُ وَ الْقُلُوبُ مِنَّا جَمِیعاً، وَ خَشُنَتْ- وَ اللَّهِ الصُّدُورُ، وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ لَا مَخَافَةُ الْفُرْقَةِ مِنَ الْمُسْلِمِینَ أَنْ یَعُودُوا (5) إِلَی الْكُفْرِ، وَ یَعُودَ الدِّینُ (6)، لَكُنَّا قَدْ غَیَّرْنَا ذَلِكَ مَا اسْتَطَعْنَا، وَ قَدْ وَلِیَ ذَلِكَ وُلَاةٌ وَ مَضَوْا لِسَبِیلِهِمْ وَ رَدَّ اللَّهُ الْأَمْرَ إِلَیَّ، وَ قَدْ بَایَعَانِی وَ قَدْ (7) نَهَضَا إِلَی الْبَصْرَةِ لِیُفَرِّقَا جَمَاعَتَكُمْ، وَ یُلْقِیَا بَأْسَكُمْ

ص: 579


1- قاله فی مجمع البحرین 5- 465، و الصحاح 5- 1812، و غیرهما.
2- أمالی الشّیخ المفید: 154- 156، حدیث 6.
3- جاء السّند فی المصدر هكذا: قال: أخبرنی أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه- رحمه اللّٰه-، عن أبیه، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن أحمد بن علویّة، عن إبراهیم بن محمّد الثّقفیّ، قال: أخبرنا محمّد ..
4- فی المصدر: نحن علی ذلك إذ ..
5- فی المصدر: مخافة الفرقة بین المسلمین و أنّ یعودوا ..
6- فی الأمالی: و یعوّر الدّین. و جاء فی هامشه: فی بعض نسخ الحدیث: (و أن یعود الكفر و یبور الدّین) و فی بعضها: (یعود الدّین) .. أیّ ارتدّ إلی ما كان علیه فی الجاهلیّة بعد ما كان أعرض عنها.
7- فی الأمالی زیادة و تغییر، و هی: و قد بایعنی هذان الرّجلان طلحة و الزّبیر فیمن بایعنی و قد ..

بَیْنَكُمْ، اللَّهُمَّ فَخُذْهُمَا لِغِشِّهِمَا (1) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَ سُوءِ نَظَرِهِمَا لِلْعَامَّةِ.

فَقَامَ أَبُو الْهَیْثَمِ ابْنُ التَّیِّهَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ (2): یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنَّ حَسَدَ قُرَیْشٍ إِیَّاكَ عَلَی وَجْهَیْنِ، أَمَّا خِیَارُهُمْ فَحَسَدُوكَ مُنَافَسَةً فِی الْفَضْلِ وَ ارْتِفَاعاً فِی الدَّرَجَةِ، وَ أَمَّا شِرَارُهُمْ (3) فَحَسَدُوكَ حَسَداً أَحْبَطَ اللَّهُ بِهِ أَعْمَالَهُمْ وَ أَثْقَلَ بِهِ أَوْزَارَهُمْ، وَ مَا رَضُوا أَنْ یُسَاوُوكَ حَتَّی أَرَادُوا أَنْ یَتَقَدَّمُوكَ، فَبَعُدَتْ عَلَیْهِمُ الْغَایَةُ، وَ أَسْقَطَهُمُ الْمِضْمَارُ، وَ كُنْتَ أَحَقَّ قُرَیْشٍ بِقُرَیْشٍ، نَصَرْتَ نَبِیَّهُمْ حَیّاً، وَ قَضَیْتَ عَنْهُ الْحُقُوقَ مَیِّتاً، وَ اللَّهِ مَا بَغْیُهُمْ إِلَّا عَلَی أَنْفُسِهِمْ، وَ نَحْنُ أَنْصَارُكَ وَ أَعْوَانُكَ، فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ، ثُمَّ أَنْشَأَ یَقُولُ:

إِنَّ قَوْماً بَغَوْا عَلَیْكَ وَ كَادُوكَ*** وَ عَابُوكَ بِالْأُمُورِ الْقِبَاحِ

لَیْسَ مِنْ عَیْبِهَا جَنَاحُ بَعُوضٍ*** فِیكَ حَقّاً وَ لَا كَعُشْرِ جَنَاحٍ

أَبْصَرُوا نِعْمَةً عَلَیْكَ (4) مِنَ اللَّهِ*** وَ قوما (قَرْماً) (5) یَدُقُّ قَرْنَ النِّطَاحِ

وَ إِمَاماً تَأْوِی الْأُمُورُ إِلَیْهِ*** وَ لِجَاماً لمن (یَلِینُ) (6) غَرْبَ (7) الْجِمَاحِ

كلما (حَاكِماً) (8) تُجْمَعُ الْإِمَامَةُ فِیهِ*** هَاشِمِیّاً لَهَا عُرَاضُ الْبِطَاحِ

حَسَداً لِلَّذِی أَتَاكَ مِنَ اللَّهِ*** وَ عَادُوا إِلَی قُلُوبٍ قِرَاحٍ

وَ نُفُوسٍ هُنَاكَ أَوْعِیَةُ الْبُغْضِ*** عَلَی الْخَیْرِ لِلشَّقَاءِ شِحَاحٍ

مِنْ مَسِیرٍ یَكُنُّهُ حُجُبُ الْغَیْبِ*** وَ مِنْ مُظْهِرِ الْعَدَاوَةِ لَاحٍ

یَا وَصِیَّ النَّبِیِّ نَحْنُ مِنَ الْحَقِّ*** عَلَی مِثْلِ بَهْجَةِ الْإِصْبَاحِ

ص: 580


1- فی المصدر: بغشهما، و فی (ك): لعنتهما.
2- فی الأمالی: و قال.
3- فی المصدر: أشرارهم.
4- فی (س): علیك نعمة.
5- كذا، و فی المصدر: و ما یأتی من بیان المصنّف- رحمه اللّٰه-: قرما.
6- فی المصدر: یلیّن، و فی (س): إن بدلا من: لمن.
7- فی (ك): عزب.
8- فی المصدر و نسخة جاءت فی (س): حاكما.

فَخُذِ الْأَوْسَ وَ الْقَبِیلَ مِنَ الْخَزْرَجِ*** بِالطَّعْنِ فِی الْوَغَا وَ الْكَفَاحِ

لَیْسَ مِنَّا مَنْ (1) لَمْ یَكُنْ لَكَ فِی اللَّهِ*** وَلِیّاً عَلَی الْهُدَی وَ الْفَلَاحِ

فَجَزَاهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ خَیْراً، ثُمَّ قَامَ النَّاسُ بَعْدَهُ فَتَكَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمِثْلِ مَقَالِهِ.

بیان:

القرم: السّید (2).

و النّطاح- بالكسر-: الكباش النّاطحة بالقرن (3)، استعیرت هذا للشجعان.

و جماح الفرس: امتناعه من راكبه (4).

قوله: قراح .. أی مقروحة بالحسد (5).

قوله: علی الخیر متعلّق بالشحاح كقوله (6) تعالی: أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ (7)، و اللاحی: اللائم، و الملاحی: المنازع (8)، و یقال: كافحوهم: إذا استقبلوهم فی الحرب بوجوههم لیس دونها ترس و لا غیره (9).

ص: 581


1- فی (س): من أمن.
2- ذكره فی الصحاح 5- 2009، و القاموس 4- 163، و غیرهما.
3- قال فی لسان العرب 2- 621: النطح للكباش و نحوها .. و كبش نطّاح .. و كبش نطیح ... فالناطح : الكبش. ونحوه فی تاج العروس ٢ _ ٢٤٠. والناطح : الكبش الذی ینطح بالقرن.
4- قال فی القاموس 1- 218، و الصحاح 1- 360: جماع الفرس: اعتزازه و غلبته من راكبه.
5- قال فی الصحاح 1- 395: و قرحه قرحا: جرحه فهو قریح. و قال فی لسان العرب 2- 558: قریح- فعیل بمعنی المفعول-، قرح البعیر فهو مقروح و قریح. أقول: : لعله _ رحمه اللّٰه _ جعل القراح جمع القریح _ ككرام وكریم _.
6- فی (ك): قوله.
7- الأحزاب: 19.
8- كما فی مجمع البحرین 1- 374، و الصحاح 6- 2481.
9- صرّح به فی مجمع البحرین 2- 407، و الصحاح 1- 399.

«16»-جا (1): الْكَاتِبُ، عَنِ الزَّعْفَرَانِیِّ، عَنِ الثَّقَفِیِّ، عَنِ الْمَسْعُودِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ (2) بْنِ كَثِیرٍ، عَنْ یَحْیَی بْنِ حَمَّادٍ الْقَطَّانِ، عَنْ أَبِی مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِیِّ، عَنْ أَبِی عَلِیٍّ الْهَمْدَانِیِّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِی لَیْلَی قَامَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنِّی سَائِلُكَ لِآخُذَ عَنْكَ، وَ قَدِ انْتَظَرْنَا أَنْ تَقُولَ مِنْ أَمْرِكَ شَیْئاً فَلَمْ تَقُلْهُ، أَ لَا تُحَدِّثُنَا عَنْ أَمْرِكَ هَذَا .. أَ كَانَ بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (3) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَوْ شَیْ ءٌ رَأَیْتَهُ؟ فأما (فَإِنَّا) (4) قَدْ أَكْثَرْنَا فِیكَ الْأَقَاوِیلَ وَ أَوْثَقَهُ عِنْدَنَا مَا قَبِلْنَاهُ عَنْكَ (5) وَ سَمِعْنَاهُ مِنْ فِیكَ، إِنَّا كُنَّا نَقُولُ لَوْ رَجَعَتْ إِلَیْكُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَمْ یُنَازِعْكُمْ فِیهَا أَحَدٌ، وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی إِذَا سُئِلْتُ مَا أَقُولُ؟ أَزْعَمُ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَوْلَی بِمَا كَانُوا فِیهِ مِنْكَ؟ فَإِنْ قُلْتَ ذَلِكَ فَعَلَامَ (6) نَصَبَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِیٌّ مَوْلَاهُ؟!. وَ إِنْ تَكُ أَوْلَی مِنْهُمْ بِمَا كَانُوا فِیهِ فَعَلَامَ (7) نَتَوَلَّاهُمْ؟.

فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَبَضَ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَنَا یَوْمَ قَبَضَهُ أَوْلَی بِالنَّاسِ مِنِّی بِقَمِیصِی هَذَا، وَ قَدْ كَانَ مِنْ نَبِیِّ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) إِلَیَّ عَهْدٌ لَوْ خَزَمْتُمُونِی بِأَنْفِی لَأَقْرَرْتُ سَمْعاً لِلَّهِ وَ طَاعَةً، وَ إِنَّ أَوَّلَ مَا انْتَقَصْنَاهُ (8) بَعْدَهُ إِبْطَالُ حَقِّنَا فِی الْخُمُسِ، فَلَمَّا رَقَّ أَمْرُنَا طَمِعَتْ رِعْیَانُ الْبُهَمِ

ص: 582


1- أمالی الشّیخ المفید: 223- 224، حدیث 2.
2- جاء السّند فی المصدر هكذا: أخبرنی أبو الحسن علیّ بن محمّد الكاتب، قال: حدّثنا الحسن بن علیّ الزّعفرانیّ، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهیم بن محمّد الثّقفیّ، قال: حدّثنا المسعودیّ، قال:حدّثنا محمد..
3- فی نسخة من المصدر، و فی (س): كان بعهد من رسول اللّٰه.
4- فی أمالی المفید: فإنّا، و هو الظّاهر.
5- خطّ فی (س) علی لفظة: عنك.
6- فی المصدر: فعلی م. و لیس الفرق إلّا فی الكتابة.
7- فی الأمالی: فعلی م. و لیس الفرق إلّا فی الكتابة.
8- فی المصدر: انتقصنا، و فیه نسخة: انتقصناه، و فی (س): انتقضا.

مِنْ قُرَیْشٍ فِینَا، وَ قَدْ كَانَ لِی عَلَی النَّاسِ حَقٌّ لَوْ رَدُّوهُ إِلَیَّ عَفْواً قَبِلْتُهُ وَ قُمْتُ بِهِ، فَكَانَ (1) إِلَی أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَ كُنْتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَی النَّاسِ حَقٌّ إِلَی أَجَلٍ، فَإِنْ عَجَّلُوا لَهُ مَالَهُ أَخَذَهُ وَ حَمِدَهُمْ عَلَیْهِ، وَ إِنْ أَخَّرُوهُ أَخَذَهُ غَیْرَ مَحْمُودٍ (2)، وَ كُنْتُ كَرَجُلٍ یَأْخُذُ السُّهُولَةَ وَ هُوَ عِنْدَ النَّاسِ مَحْزُونٌ، وَ إِنَّمَا یُعْرَفُ الْهُدَی بِقِلَّةِ مَنْ یَأْخُذُهُ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا سَكَتُّ فَأَعْفُونِی، فَإِنَّهُ لَوْ جَاءَ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ (3) فِیهِ إِلَی الْجَوَابِ أَجَبْتُكُمْ، فَكُفُّوا عَنِّی مَا كَفَفْتُ عَنْكُمْ.

فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! فَأَنْتَ- لَعَمْرُكَ- كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:

لَعَمْرِی (4) لَقَدْ أَیْقَظْتَ مَنْ كَانَ نَائِماً*** وَ أَسْمَعْتَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أُذُنَان

بیان:

خزمت البعیر بالخزامة و هی حلقة من شعر تجعل فی وترة أنفه یشدّ فیها الزمام (5).

قوله علیه السلام: رعیان البهم .. أی رعاة البهائم و الأنعام (6).

و قال الجوهری: یقال: أعطیته عفو المال: یعنی بغیر مسألة (7).

و قال فی النهایة- فی حدیث المغیرة-: محزون اللّٰهزمة .. أی خشنها .. و منه الحدیث (8): أحزن بنا المنزل .. أی صار ذا حزونة (9) .. و یجوز أن یكون من قولهم

ص: 583


1- فی الأمالی: و كان.
2- فی المصدر: محمودین، و كذلك فی (ك).
3- جاءت فی طبعتی البحار: خ. ل: تحتاجونی.
4- فی المصدر: لعمرك.
5- ذكره فی الصحاح 5- 1911، و لسان العرب 12- 175، و غیرهما.
6- قاله فی الصحاح 6- 2358، و القاموس 4- 335.
7- كما فی الصحاح 6- 2432، و القاموس 4- 364، و غیرهما.
8- فی المصدر: و منه حدیث الشعبی.
9- فی (ك): ذو حزونة، و هو سهو.

أحزن الرّجل و أسهل: إذا ركب الحزن و السّهل (1).

«17»-كا (2): فِی الرَّوْضَةِ، عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ رِئَابٍ وَ یَعْقُوبَ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمَّا بُویِعَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی عَلَا فَاسْتَعْلَی، وَ دَنَا فَتَعَالَی، وَ ارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِیِّینَ، وَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَی الْعَالَمِینَ، مُصَدِّقاً لِلرُّسُلِ الْأَوَّلِینَ، وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِینَ رَءُوفاً رَحِیماً، فَصَلَّی اللَّهُ وَ مَلَائِكَتُهُ عَلَیْهِ وَ عَلَی آلِهِ.

أَمَّا بَعْدُ، أَیُّهَا النَّاسُ! فَإِنَّ الْبَغْیَ یَقُودُ أَصْحَابَهُ إِلَی النَّارِ، وَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَغَی عَلَی اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ، وَ أَوَّلَ قَتِیلٍ قَتَلَهُ اللَّهُ عَنَاقُ، وَ كَانَ مَجْلِسُهَا جَرِیباً مِنَ الْأَرْضِ (3) فِی جَرِیبٍ، وَ كَانَ لَهَا عِشْرُونَ إِصْبَعاً فِی كُلِّ إِصْبَعٍ ظُفُرَانِ مِثْلَ الْمِنْجَلَیْنِ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهَا أَسَداً كَالْفِیلِ وَ ذِئْباً كَالْبَعِیرِ وَ نَسْراً مِثْلَ الْبَغْلِ فَقَتَلُوهَا، وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ الْجَبَابِرَةَ عَلَی أَفْضَلِ أَحْوَالِهِمْ، وَ آمَنِ مَا كَانُوا، وَ أَمَاتَ هَامَانَ، وَ أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ، وَ قَدْ قَتَلَ عُثْمَانَ، أَلَا وَ إِنَّ بَلِیَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَیْئَتِهَا یَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَةَ الْقِدْرِ حَتَّی یَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وَ أَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَ لَیَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَ لَیُقَصِّرَنَّ سَابِقُونَ (4) كَانُوا سَبَقُوا، وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَ لَا كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْیَوْمِ، أَلَا وَ إِنَّ الْخَطَایَا خَیْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ أَهْلُهَا عَلَیْهَا (5)، وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِی النَّارِ، أَلَا وَ إِنَّ التَّقْوَی مَطَایَا

ص: 584


1- النهایة 1- 380، و انظر: لسان العرب 13- 113.
2- الكافی 8- 67- 68، حدیث 23.
3- فی المصدر: من الأرض، نسخة بدل.
4- فی (ك) نسخة: سبّاقون.
5- فی المصدر: علیها أهلها، بتقدیم و تأخیر.

ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَیْهَا أَهْلُهَا وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا، فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ، وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُهَا، وَجَدُوا رِیحَهَا وَ طِیبَهَا، وَ قِیلَ لَهُمْ: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِینَ (1)، أَلَا وَ قَدْ سَبَقَنِی إِلَی هَذَا الْأَمْرِ مَنْ لَمْ أُشْرِكْهُ فِیهِ، وَ مَنْ لَمْ أَهَبْهُ لَهُ، وَ مَنْ لَیْسَتْ لَهُ مِنْهُ نَوْبَةٌ (2) إِلَّا نَبِیٌّ (3) یُبْعَثُ، أَلَا وَ لَا نَبِیَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلَهُ، أَشْرَفَ مِنْهُ عَلی شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِی نارِ جَهَنَّمَ (4) حَقٌّ وَ بَاطِلٌ، وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ، فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِیماً مَا (5) فَعَلَ، وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَیْ ءٌ فَأَقْبَلَ، وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَیْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ سُعَدَاءُ، وَ مَا عَلَیَّ إِلَّا الْجُهْدُ، وَ إِنِّی لَأَخْشَی أَنْ تَكُونُوا عَلَی فَتْرَةٍ مِلْتُمْ عَنِّی مَیْلَةً كُنْتُمْ فِیهَا عِنْدِی غَیْرَ مَحْمُودِی الرَّأْیِ، وَ لَوْ أَشَاءُ لَقُلْتُ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، سَبَقَ فِیهِ الرَّجُلَانِ وَ قَامَ الثَّالِثُ كَالْغُرَابِ هَمُّهُ بَطْنُهُ، وَیْلَهُ! لَوْ قُصَّ جَنَاحَاهُ وَ قُطِعَ رَأْسُهُ كَانَ خَیْراً لَهُ، شُغِلَ عَنِ الْجَنَّةِ وَ النَّارُ أَمَامَهُ، ثَلَاثَةٌ وَ اثْنَانِ، خَمْسَةٌ لَیْسَ لَهُمْ سَادِسٌ، مَلَكٌ یَطِیرُ بِجَنَاحَیْهِ، وَ نَبِیٌّ أَخَذَ اللَّهُ بِضَبْعَیْهِ، وَ سَاعٍ مُجْتَهِدٌ، وَ طَالِبٌ یَرْجُو، وَ مُقَصِّرٌ فِی النَّارِ، الْیَمِینُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِیقُ الْوُسْطَی هِیَ الْجَادَّةُ، عَلَیْهَا یَأْتِی الْكِتَابُ (6) وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ، هَلَكَ مَنِ ادَّعَی، وَ خابَ مَنِ افْتَری إِنَّ اللَّهَ أَدَّبَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّیْفِ وَ السَّوْطِ وَ لَیْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَ الْإِمَامِ فِیهِمَا هَوَادَةٌ، فَاسْتَتِرُوا فِی بُیُوتِكُمْ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِكُمْ، وَ التَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، مَنْ أَبْدَی (7) صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ.

ص: 585


1- الحجر: 46.
2- فی بعض النّسخ: توبة، و هی الّتی ستأتی فی بیان المصنّف قدّس سرّه.
3- كذا، و فی (ك) نسخة: بنتی، و فی المصدر: إلّا بنبیّ ..
4- التّوبة: 109.
5- لا توجد فی المصدر: ما، و وضع علیها رمز نسخة بدل فی مطبوع البحار.
6- فی (س) هنا نسخة بدل: علیها ما فی الكتاب، ذكرها فی هامش مطبوع الرّوضة.
7- فی (ك): أیدی، و لا معنی لها هنا ظاهرا.

بیان:

قوله علیه السلام: علا فاستعلی .. الاستعلاء هنا مبالغة فی العلو، أی علا عن رتبة المخلوقین فاستعلی عن التشبّه بصفاتهم، أو كان عالیا بالذات و الصفات فأظهر و بیّن علوّه بالإیجاد، أو طلب علوّه من العباد بأن یخضعوا عنده و یعبدوه، و علی الأخیرین یكون الاستفعال للطلب بتقدیر أو تجوّز.

قوله علیه السلام: و دنا فتعالی .. أی دنا من كلّ شی ء فتعالی أن یكون فی مكان، إذ لا یمكن أن یكون للمكانی الدنّو (1) من كلّ شی ء، أو دنوّه دنوّ علم و قدرة و إیجاد و تربیة، و هو عین علوّه و شرافته و رفعته، فلیس دنوّه دنوّا منافیا للعلوّ، بل مؤیّد له، و یحتمل فی الفقرتین أن یكون الفاء بمعنی الواو .. أی علا و كثر علاؤه، و دنا و تعالی أن یكون دنوّه كدنوّ المخلوقین.

قوله علیه السلام: و ارتفع فوق كلّ منظر .. المنظر: النّظر (2) و الموضع المرتفع (3) و كلّ ما نظرت إلیه فسرّك أو ساءك (4)، فالمراد (5) أنّه- تعالی- ارتفع عن كلّ محلّ یمكن أن ینظر إلیه، أی لیس بمرئیّ و لا مكانی، أو ارتفع عن كلّ نظر فلا یمكن لبصر الخلق النظر إلیه، أو ارتفع عن محالّ (6) النظر و الفكر فلا یحصل فی وهم و لا خیال و لا عقل، و یحتمل معنی دقیقا بأن یكون المراد بالارتفاع فوقه:

الكون علیه و التمكّن فیه مجازا .. أی ظهر لك فی كلّ ما نظرت إلیه بقدرته و صنعه و حكمته.

ص: 586


1- فی (ك) وضع علی كلمة: الدنو، رمز نسخة بدل.
2- ذكره فی القاموس 2- 144، و تاج العروس 3- 573، و لسان العرب 5- 215.
3- قال فی مجمع البحرین 3- 498: المنظر: المرقب. و فی الصحاح 2- 831: المنظرة: المرقبة. و ذكر فی لسان العرب 5- 217- 218-: و المنظرة موضع فی رأس جبل فیه رقیب ینظر العدوّ و یحرسه ..والمناظر : أشراف الأرض لأنه ینظر منها.
4- كما فی القاموس 2- 144، و تاج العروس 3- 573، و لسان العرب 5- 217.
5- فی (ك): و المراد.
6- فی نسخة علی (ك): محل.

قوله علیه السلام: خاتم النبیّین ..- بفتح التاء و كسرها (1)

.. أی آخرهم (2).

قوله علیه السلام: فإنّ البغی .. أی الظّلم و الفساد و الاستطالة (3).

قوله علیه السلام: و إنّ أوّل من بغی .. كأنّها كانت مقدّمة علی قابیل.

قوله علیه السلام: و أوّل قتیل قتله اللَّه .. أی بالعذاب.

قوله علیه السلام: فی جریب .. لعلّ المراد أنّها كانت تملأ مجموع الجریب بعرضها و ثخنها.

و فی تفسیر علیّ بن إبراهیم: و كان مجلسها فی الأرض موضع جریب (4).

، و فیما رواه ابن میثم (5)

بتغییر ما-: كان مجلسها من الأرض جریبا.

قوله علیه السلام: مثل المنجلین .. المنجل- كمنبر- ما یحصد به (6).

قوله علیه السلام: و أمات هامان .. أی رمع ، و أهلك فرعون .. یعنی أبا فصیل ، و یحتمل العكس. و یدلّ علی أنّ المراد هذان الأشقیان:

قوله علیه السلام: و قد قتل عثمان .. و یمكن أن یقرأ قتل- علی بناء المعلوم و المجهول-، و الأوّل أنسب بما تقدّم.

قوله علیه السلام: ألا و إن بلیّتكم .. أی ابتلاءكم و امتحانكم بالفتن (7).

قوله علیه السلام: لتبلبلنّ بلبلة .. البلبلة: الاختلاط، و تبلبلت الألسن .. أی اختلطت (8).

ص: 587


1- فی (س): و كسر التاء.
2- صرّح به فی القاموس 4- 102، و تاج العروس 8- 267، و لسان العرب 12- 164.
3- قاله فی القاموس 4- 304، و انظر: لسان العرب 14- 78.
4- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2- 134.
5- فی شرحه علی نهج البلاغة 1- 297.
6- كما فی مجمع البحرین 5- 478، و الصحاح 5- 1826.
7- ذكره فی مجمع البحرین 1- 60، و نحوه فی القاموس 4- 305.
8- كما فی لسان العرب 11- 68، و انظر: القاموس 3- 337، و مجمع البحرین 5- 325.

و قال ابن میثم: و كنّی بها عمّا یوقع بهم بنو أمیّة و غیرهم من أمراء الجور من الهموم المزعجة، و خلط بعضهم ببعض، و رفع أراذلهم، و حطّ أكابرهم عمّا یستحقّ كلّ من المراتب (1).

و قال الجزری: فیه: دنت الزلازل، و البلابل: هی الهموم و الأحزان، و بلبلة الصّدور (2): وسواسه ..،

وَ مِنْهُ الْحَدِیثُ: «إِنَّمَا عَذَابُهَا فِی الدُّنْیَا الْبَلَابِلُ وَ الْفِتَنُ».

یعنی هذه الأمّة،

وَ مِنْهُ خُطْبَةُ عَلِیٍّ (علیه السلام): «لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً» (3).

انتهی. و الأظهر أنّ المراد اختلاطهم و اختلاف أحوالهم و درجاتهم فی الدین بحسب ما یعرض لهم من الفتن.

قوله علیه السلام: لتغربلنّ غربلة .. الظاهر أنّها مأخوذة من الغربال الّذی یغربل به الدّقیق، و یجوز أن تكون من قولهم: غربلت اللّحم .. أی قطعته (4)، فعلی الأول الظاهر أنّ المراد تمییز جیّدهم من ردیّهم، و مؤمنهم من منافقهم، و صالحهم من طالحهم، بالفتن التی تعرض (5) لهم، كما أنّ فی الغربال یتمیّز اللبّ من النخالة، و قیل: المراد خلطهم، لأنّ غربلة الدقیق تستلزم خلط بعضه ببعض.

و قال ابن میثم: هو كنایة عن التقاط آحادهم و قصدهم بالأذی و القتل، كما فعل بكثیر من الصحابة و التابعین (6)، و لا یخفی ما فیه.

و علی الثانی، فلعلّ المراد تفریقهم و قطع بعضهم عن بعض.

قوله علیه السلام: و لتساطنّ سوط القدر .. قال الجزری: ساط القدر

ص: 588


1- شرح النهج لابن میثم 1- 300، خطبة 15.
2- فی المصدر: الصدر.
3- النّهایة 1- 150، و قریب منه فی لسان العرب 11- 69.
4- قاله فی مجمع البحرین 5- 433، و مثله فی الصحاح 5- 1780.
5- فی (س): یعرض.
6- شرح نهج البلاغة لابن میثم 1- 300، أورده بقوله: و كأنّها .. بنحو الاحتمال.

بالمسوط و المسواط (1) بسوط، و هو خشبة یحرّك بها ما فیها لیختلط، و منه حدیث علیّ (علیه السلام) (2): لتساطنّ سوط القدر (3).

قوله علیه السلام: حتی یعود أسفلكم أعلاكم .. أی كفّاركم مؤمنین، و فجّاركم متّقین، و بالعكس، أو ذلیلكم عزیزا و عزیزكم ذلیلا، موافقا لبعض الاحتمالات السابقة.

قوله علیه السلام: و لیسبقنّ سابقون كانوا قصّروا .. یعنی علیه السلام به قوما قصّروا فی أوّل الأمر فی نصرته ثم نصروه و اتّبعوه، أو قوما قصّروا فی نصرة الرسول صلّی اللَّه علیه و آله و أعانوه صلوات اللَّه علیه.

قوله علیه السلام: و لیقصّرنّ سابقون كانوا سبقوا .. یجری فیه الاحتمالان السابقان، و الأول فیهما أظهر كطلحة و الزبیر و أضرابهما، حیث كانوا عند غصب الخلافة یدّعون أنّهم من أعوانه صلوات اللَّه علیه، و عند البیعة أیضا ابتدوا بالبیعة و كان مطلوبهم الدنیا، فلمّا لم یتیسّر لهم كانوا أوّل من خالفه و حاربه.

قوله علیه السلام: و اللَّه ما كتمت وشمة .. أی كلمة (4) ممّا أخبرنی به الرسول صلّی اللَّه علیه و آله فی هذه الواقعة، أو ممّا أمرت بإخباره مطلقا، و یمكن أن یقرأ علی البناء للمجهول، أی لم یكتم عنّی رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله شیئا، و الأول أظهر.

قال الجزری: فی حدیث علیّ (علیه السلام) (5): و اللَّه ما كتمت وشمة .. أی كلمة (6) انتهی. و فی بعض الروایات: وسمة- بالسین المهملة-، أی ما كتمت علامة (7)

ص: 589


1- فی (س) الكلمة مشوّشة، و لا توجد فیه: بالمسوط و المسواط.
2- فی المصدر جاءت الترضیة بدلا من: التسلیم، و فی لسان العرب التكریم بدلا منه.
3- النهایة 2- 421، و انظر: لسان العرب 7- 326.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 6- 184، و الصحاح 5- 2052.
5- لا یوجد التسلیم فی النهایة.
6- النهایة 5- 189.
7- قال فی الصحاح 5- 2051: وسمته وسما و سمة: إذا أثرت فیه بسمة وكیّ، و الهاء عوض من الواو. و الوسمة- بكسر السین-، ... و العظلم، یختضب به، و تسكینها لغة. و مثله فی مجمع البحرین 6- 183- 184. أقول: : إن الكلمة ( وسمة ) فی المتن إما أصلها سمة والواو زائدة ، وهی بمعنی العلامة ، كما ذكره المصنف ; ، أو هی _ كما فی المتن _ وبمعنی النبت الذی یختضب بورقه ، ولا یكون لها مناسبة فی المقام.

تدلّ علی سبیل الحقّ، و لكن عمیتم عنها، و لا یخفی لطف ضمّ الكتم مع الوسمة، إذ الكتم- بالتحریك- نبت یخلط بالوسمة یختضب به (1).

قوله علیه السلام: و لقد نبّئت بهذا المقام .. أی أنبأنی الرسول صلّی اللَّه علیه و آله بهذه البیعة و بنقض هؤلاء بیعتی.

قوله علیه السلام: شمس .. هو بالضّمّ: جمع شموس، و هی الدّابة تمنع ظهرها و لا تطیع راكبها، و هو مقابل الذّلول (2)، فشبّه علیه السلام الخطایا بخیل صعاب إذا ركبها الناس لا یستطیعون منعها عن أن توردهم المهالك، و التقوی بمطایا زلل (3) مطیعة منقادة أزمّتها بید ركّابها (4) یوجّهونها حیث ما یریدون.

و قوله علیه السلام: و أعطوا أزمّتها .. علی البناء المفعول (كذا) .. أی أعطاهم من أركبهم أزمّتها، و یمكن أن یقرأ علی البناء للفاعل .. أی أعطی الركّاب أزمّة المطایا إلیها، فهنّ لكونهنّ ذللا لا یخرجن عن طریق الحقّ إلی أن یوصلن ركّابهن إلی الجنّة.

و التّقحّم: الدّخول فی الشّی ء مبادرة من غیر تأمّل (5).

قوله علیه السلام: بسلام .. أی سالمین من العذاب، أو مسلّما علیكم،

ص: 590


1- ذكره فی النهایة 4- 150، و لسان العرب 12- 508.
2- قاله فی مجمع البحرین 4- 80، و قریب منه فی القاموس 3- 379، و الصحاح 4- 1071، و لسان العرب 6- 113.
3- كذا، و الظاهر: ذلل.
4- فی (ك) نسخة: راكبها، ثمّ كتب: ظاهرا. أقول: : لا معنی للاستظهار كما یظهر من السیاق.
5- كما ذكره فی النهایة: 4- 18، و القاموس 4- 161، و غیرهما.

آمنین من الآفة و الزوال.

قوله علیه السلام: لم أشركه فیه.

أی فی الخلافة، و لم أهب كلّه له، أو لم أهب جرم هذا الغصب له.

قوله علیه السلام: و من لیست له توبة إلّا بنبیّ یبعث.

أی لا یعلم قبول توبة من فعل مثل (1) هذا الأمر القبیح، و أضلّ هذه الجماعات الكثیرة إلّا بنبیّ یبعث فیخبره بقبول توبته.

و فی بعض النسخ: نوبة .. أی لیست له نوبة فی الخلافة إلّا بنبیّ یبعث فیخبر عن اللَّه أنّ له حصّة فی الخلافة.

و فی أكثر النسخ: إلّا نبیّ- بدون الباء- فالمراد بالتوبة ما یوجب قبولها، أی لیس له سبب قبول توبة إلّا بنبیّ (2)، و لعلّه من تصحیف النسّاخ.

قوله علیه السلام: أشرف منه.

أی بسبب غصبه الخلافة.

قوله علیه السلام: علی شفا جرف.

قال الجوهری (3): شفا كلّ شی ء:

حرفه (4)، قال اللَّه تعالی: وَ كُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ (5).

و (6) قال: و الجرف و الجرف مثل عسر و عسر: ما تجرّفته السّیول و أكلته من الأرض، و منه قوله تعالی: عَلی شَفا جُرُفٍ هارٍ (7).

و قال: هار الجرف یهور هورا و هئورا فهو هائر، و یقال- أیضا- جرف هار خفضوه فی موضع الرّفع و أرادوا هائر، و هو مقلوب من الثّلاثیّ إلی الرّباعیّ كما

ص: 591


1- لا توجد: مثل فی (س).
2- فی (ك): نبی.
3- الصحاح 4- 1336، و انظر: لسان العرب 9- 25.
4- فی (ك): جرفه.
5- آل عمران: 103، و قد ذكره الجوهریّ فی الصحاح 6- 2339، و انظر: لسان العرب 14- 436.
6- لا توجد الواو فی (ك).
7- التوبة: 109.

قلبوا شائك (1) السّلاح إلی شاكی السّلاح، و هوّرته فتهوّر: و انهار .. أی انهدم (2).

قوله علیه السلام: حقّ و باطل.

أی فی الدنیا، أو هنا، أو بین الناس حقّ و باطل.

قوله علیه السلام: فلئن أمر الباطل.

أی كثر، قال الفیروزآبادی:

أَمِرَ- كفرح- أمرا و إمرة: كثر (3).

قوله علیه السلام: فلقدیما فعل.

أی فو اللَّه لقد فعل الباطل ذلك فی قدیم الأیّام، أی لیس كثرة الباطل ببدیع حتی تستغرب أو یستدلّ بها علی حقیّة أهله.

قوله علیه السلام: و لئن قلّ الحقّ فلربّما.

أی فو اللَّه كثیرا ما یكون الحقّ كذلك، و لعلّ، أی لا ینبغی أن یؤیس من الحقّ لقلّته، فلعلّه یعود كثیرا بعد قلّته، و عزیزا بعد ذلّته.

قوله علیه السلام: و لقلّما أدبر شی ء فأقبل.

لعلّ المراد أنّه إذا أقبل الحقّ و أدبر الباطل فهو لا یرجع، إذ رجوع الباطل بعد إدباره قلیل، أو المراد بیان أنّ رجوع الحقّ إلینا بعد الإدبار أمر غریب یفعله اللَّه بفضله و لطفه و حكمته، أو المراد بیان أنّه لا یرجع عن قریب، بل إنّما یكون فی زمن القائم علیه السلام.

قوله علیه السلام: و لئن ردّ إلیكم أمركم.

أی فی هذا الزمان.

قوله علیه السلام: و ما علیّ إلّا الجهد.

أی بذل الطاقة، قال الجوهری:

الجهد و الجهد: الطّاقة، و قرئ: وَ الَّذِینَ لا یَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (4) و (جهدهم).

ص: 592


1- فی (س): سائك.
2- الصحاح 2- 856، و نقله عن الجوهریّ فی لسان العرب 5- 267- 268، و أشكل علیه فی تعبیره بالثلاثی و الرباعی.
3- القاموس: 1- 365، و قال فی لسان العرب 4- 29: أمر ماله: كثر .. ثم ذكر شواهد مختلفة فی إفادة ذلك المعنی.
4- هی الآیة: 79 من سورة التوبة.

قال الفرّاء: الجهد- بالضم-: الطّاقة، و الجهد- بالفتح- من قولك اجهد جهدك فی هذا الأمر .. أی ابلغ غایتك، و لا یقال: اجهد جهدك. و الجهد:

المشقّة (1).

قوله علیه السلام: أن تكونوا علی فترة.

قال فی النهایة: فی حدیث ابن مسعود: أنّه مرض فبكی، فقال: إنّما أبكی لأنّه أصابنی علی حال فترة و لم یصبنی فی حال اجتهاد .. أی فی حال سكون و تقلیل من العبادات و المجاهدات، و الفترة فی غیر هذا: ما بین الرّسولین من رسل اللَّه تعالی من الزّمان الّذی انقطعت فیه الرّسالة (2) انتهی، فالمعنی أخشی أن تكونوا علی فترة و سكون و فتور عن نصرة الحقّ، أو أن تكونوا كأناس كانوا بین النبیّین لا یظهر فیهم الحقّ و یشتبه علیهم الأمور.

قوله علیه السلام: ملتم عنّی میلة.

أی فی أوّل الأمر بعد الرسول صلّی اللَّه علیه و آله.

قوله علیه السلام: و لو أشاء لقلت.

أی بیّنت بطلان الرجلین اللذین اتّبعتموهما و كفرهما، لكن لا تقتضیه مصلحة الحال.

قوله علیه السلام: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ

أی لمن تاب (3) فی هذا الزمان.

قوله علیه السلام: كان خیرا له، قصّ الجناحین.

كنایة عن منعه و رفع استیلائه و قبض یده عن أموال المسلمین و دمائهم و فروجهم، و قطع رأسه كنایة عن قطع ما هو بمنزلة رأسه من الخلافة، أو المراد قتله ابتداء قبل ارتكاب هذه الأمور.

قوله علیه السلام: شغل.

أی بالدنیا عن تحصیل الجنّة و الحال أنّ النار

ص: 593


1- الصحاح 2- 460، و مثله فی لسان العرب 3- 31.
2- النهایة 3- 408، و نحوها فی لسان العرب 5- 44 بتقدیم و تأخیر.
3- فی (س): ناب، و هو غلط.

كانت أمامه، فكان ینبغی أن لا یشتغل مع هذا بشی ء آخر سوی تحصیل الجنّة و التخلّص من النار.

قوله علیه السلام: ثلاثة و اثنان.

الحاصل أنّ أحوال المخلوقین المكلّفین تدور علی خمسة، و إنّما فصل الثلاثة عن الاثنین لأنّهم من المقرّبین المعصومین الناجین من غیر شكّ، فلم یخلطهم بمن سواهم.

الأوّل: ملك أعطاه اللَّه جناحین یطیر بهما فی درجات الكمال صورة و معنی.

و الثانی: نبیّ أخذ اللَّه بضبعیه ..

الضّبع- بسكون الباء-: وسط العضد، و قیل: هو ما تحت الإبط (1) ..

أی رفعه اللَّه بقدرته و عصمته من بین الخلق و اختاره و قرّبه كأنّه أخذ بعضده و قرّبه إلیه، و یحتمل أن یكون كنایة عن رفع یده و أخذها عن المعاصی بعصمته، و أن یكون كنایة عن تقویته، و الأول أظهر.

و الثالث: ساع مجتهد فی الطاعات غایة جهده .. و المراد إمّا الأوصیاء علیهم السلام أو أتباعهم الخلّص (2)، فالأوصیاء داخلون فی الثانی علی سبیل التغلیب، أو المراد بالثالث أعمّ منهما.

و الرابع: عابد طالب للآخرة بشی ء من السعی مع (3) صحّة إیمانه، و بذلك یرجو فضل ربّه.

و الخامس: مقصّر ضالّ عن الحقّ كافر، فهو فی النار.

قوله علیه السلام: الیمین و الشمال مضلّة.

أی كلّ ما خرج عن الحقّ فهو ضلال، أو المراد بالیمین ما یكون بسبب الطاعات و البدع فیها، و بالیسار ما یكون بسبب المعاصی.

قوله علیه السلام: علیها یأتی الكتاب.

أی علی هذه الجادّة أتی كتاب

ص: 594


1- قاله فی النهایة 3- 73، و انظر: لسان العرب 8- 216.
2- نسخة فی (ك): الخاص.
3- نسخة فی (ك): أما مع. و زیادة (أما) ظاهرة.

اللَّه و حثّ علی سلوكها، و فی بعض النسخ: ما فی الكتاب، و فی نسخ نهج البلاغة (1): باقی الكتاب، و لعلّ المراد ما بقی من الكتاب فی أیدی الناس.

قوله علیه السلام: هلك من ادّعی.

أی من ادّعی مرتبة لیس بأهل لها كالإمامة.

قوله علیه السلام: و لیس لأحد عند الإمام فیها هوادة.

قال الجزریّ فیه:

«لا تأخذه فی اللَّه هوادة» أی لا یسكن عند وجوب حدود اللَّه (2) و لا یحابی فیه (3) أحدا، و الهوادة: السّكون و الرّخصة و المحاباة (4) انتهی.

قوله علیه السلام: و التوبة من ورائكم.

قال ابن میثم: تنبیه للعصاة علی الرجوع إلی التوبة عن الجری فی میدان المعصیة و اقتفاء أثر الشیطان، و كونها وراء، لأنّ الجواذب الإلهیّة إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصیة حتی أعرض عنها و التفت بوجه نفسه إلی ما كان معرضا عنه من الندم علی المعصیة، و التوجّه إلی القبلة الحقیقیّة، فإنّه یصدق علیه إذن أنّ التوبة وراءه، أی وراء عقلیّا، و هو أولی من قول من قال من المفسّرین: إنّ وراءكم بمعنی أمامكم (5).

قوله علیه السلام: من أبدی صفحته للحقّ هلك.

قال فی النهایة:

صفحة (6) كلّ شی ء: وجهه و ناصیته (7).

أقول:

المراد و مواجهة الحقّ و مقابلته و معارضته، فالمراد بالهلاك الهلاك فی الدنیا و الآخرة، أو المراد إبداء الوجه للخصوم و معارضتهم لإظهار الحقّ فی كلّ

ص: 595


1- نهج البلاغة- محمّد عبده- 1- 50، و ذكره صبحی صالح: 58، برقم 16.
2- فی المصدر: حدّ اللّٰه تعالی.
3- فی (س): فیها.
4- النهایة 5- 281، و قریب منه فی مجمع البحرین 3- 170.
5- كما فی شرح ابن میثم علی النهج 1- 308- 309، خطبة 15.
6- فی المصدر: صفح.
7- النهایة 3- 34، و قارن بتاج العروس 2- 180.

مكان و موطن من غیر تقیّة و رعایة مصلحة فیكون مذموما، و الهلاك بالمعنی الذی سبق، و یؤیّد هذا قوله علیه السلام: استتروا فی بیوتكم .. أو المراد معارضته أهل الباطل علی الوجه المأمور به، و المراد بالهلاك مقاساة المشاق و المفاسد و المضارّ من جهّال الناس، و یؤیّده ما فی نسخ نهج البلاغة (1): هلك عند جهلة الناس.

«18»-نهج (2): وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَا یَشْغَلُهُ شَأْنٌ، وَ لَا یُغَیِّرُهُ زَمَانٌ، وَ لَا یَحْوِیهِ مَكَانٌ، وَ لَا یَصِفُهُ لِسَانٌ، وَ (3) لَا یَعْزُبُ عَنْهُ عَدَدُ (4) قَطْرِ الْمَاءِ، وَ لَا نُجُومِ السَّمَاءِ، وَ لَا سَوَافِی (5) الرِّیحِ فِی الْهَوَاءِ، وَ لَا دَبِیبُ النَّمْلِ عَلَی الصَّفَا (6)، وَ لَا مَقِیلُ الذَّرِّ (7) فِی اللَّیْلَةِ الظَّلْمَاءِ، یَعْلَمُ مَسَاقِطَ الْأَوْرَاقِ، وَ خَفِیَّ طَرْفِ الْأَحْدَاقِ (8)، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ غَیْرَ مَعْدُولٍ بِهِ وَ لَا مَشْكُوكٍ فِیهِ وَ لَا مَكْفُورٍ دِینُهُ، وَ لَا مَجْحُودٍ (9) تَكْوِینُهُ، شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِیَّتُهُ، وَ صَفَتْ دُخْلَتُهُ، وَ خَلَصَ یَقِینُهُ، وَ ثَقُلَتْ مَوَازِینُهُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، الَمْجُتْبَیَ مِنْ خَلَائِقِهِ، وَ الْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ، وَ الْمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ، وَ الْمُصْطَفَی لِكَرَائِمِ (10)

ص: 596


1- لم نجد الجملة و لا مقارباتها فی ما هو مطبوع من نهج البلاغة.
2- نهج البلاغة- محمّد عبده- 2- 97- 99، صبحی صالح: 256- 257، خطبة 178، باختلاف كثیر.
3- لا توجد الواو فی (ك).
4- لا توجد: عدد، فی (س). و لا یعزب .. أیّ لا یخفی و لا یغیب، قاله فی مجمع البحرین 2- 120.
5- سوافی الرّیح، جمع سافیة، من سفت الرّیح التّراب: ذرته أو حملته، ذكره فی القاموس 4- 343.
6- الصّفا- مقصورا جمع صفاة-: الحجر الصّلة الضّخم، كما فی القاموس 4- 352. و الدبیب:السیر اللین ، نص علیه فی مجمع البحرین ٢ _ ٥٥.
7- الذّرّ: صغار النّمل، صرّح به فی القاموس 1- 34. و المقیل: محلّ استراحتها و مبیتها، كما جاء فی مجمع البحرین 5- 459.
8- طرف الحدقة: تحرّكها، ذكره فی مجمع البحرین 5- 89، و الحدقة: سواد العین الأعظم، كما فی مجمع البحرین 5- 144.
9- فی حاشیة (ك): محجوب، و وضع بعدها: نهج.
10- فی (ك) نسخة: مكارم.

رِسَالاتِهِ، وَ الْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَی، وَ الْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِیبُ الْعَمَی.

أَیُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الدُّنْیَا تَغُرُّ الْمُؤَمِّلَ لَهَا وَ الْمُخْلِدَ إِلَیْهَا، وَ لَا تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِیهَا، وَ تَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَیْهَا، وَ ایْمُ اللَّهِ مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِی غَضِّ نِعْمَةٍ مِنْ عَیْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوبٍ اجْتَرَحُوهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَی (1) لَیْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ (2)، وَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ حِینَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وَ تَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ، فَزِعُوا إِلَی رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِیَّاتِهِمْ، وَ وَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ، لَرَدَّ عَلَیْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ، وَ أَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ، وَ إِنِّی لَأَخْشَی عَلَیْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِی فَتْرَةٍ وَ قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ عِنْدِی (3) مَضَتْ، مِلْتُمْ فِیهَا مَیْلَةً كُنْتُمْ فِیهَا عِنْدِی غَیْرَ مَحْمُودِینَ، وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَیْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ، وَ مَا عَلَیَّ إِلَّا الْجُهْدُ، وَ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ (4).

بیان:

قد مرّ شرح صدر الخطبة فی كتاب التوحید (5).

قوله علیه السلام: غیر معدول به .. أی لا یعادل و یساوی به أحد (6)، كما قال تعالی: بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ (7).

و الدّخلة- بالكسر و الضّم-: باطن الأمر (8).

و المعتام: أی المختار، و التّاء تاء الافتعال، ذكره فی النهایة (9)، و العقائل جمع عقیلة- و هی كریمة كلّ شی ء (10).

ص: 597


1- لا توجد لفظة: تعالی، فی المصدر.
2- آل عمران: 182، الأنفال: 51، الحجّ: 10.
3- وضع علی: عندی، فی (ك) نسخة، و لا توجد فی طبعتی نهج البلاغة.
4- المائدة: 95.
5- بحار الأنوار 4- 313.
6- قال فی الصحاح 5- 1761، و القاموس 4- 13: عدلت فلانا بفلان: إذا سوّیت بینهما.
7- الأنعام: 150.
8- قاله فی لسان العرب 11- 240، و قریب منه فی القاموس 3- 375. و قال: دخلة الرجل- مثلثة ... نیّته و مذهبه و جمیع أمره و خلده و بطانته.
9- النهایة 3- 331، و مثله فی لسان العرب 12- 433.
10- نصّ علیه فی القاموس 4- 19، و الصحاح 5- 1770، و فیهما: اكرم، بدلا من: كریمة.

و الأشراط: العلامات جمع شرط- بالتحریك (1)

و الغربیب- بالكسر-: الأسود الشّدید السّواد (2) .. أی المكشوف به ظلم الظلام (3).

و أخلد إلیه: مال (4).

قوله علیه السلام: و لا تنفس .. أی لا ترغب (5) إلی من یرغب إلیها بل ترمیه بالنّوائب.

قوله علیه السلام: من غلب علیها.

أی من غلب إلیها و أخذها قهرا فسوف تغلب الدنیا علیه، أو المراد بمن غلب علیها من أراد الغلبة علیها.

قوله علیه السلام: فی غضّ نعمة.

أی فی نعمة غضّة: طریّة (6).

قوله علیه السلام: لیس بظلّام.

أی لو فعله اللَّه بقوم لفعله بالجمیع، لأنّ حكمه فی الجمیع واحد، فیكون ظلّاما، أو المعنی إنّ ذلك ظلم شدید، و یقال: فزعت إلیه فأفزعنی .. أی استغثت إلیه فأغاثنی (7).

و الوله: الحزن و الحیرة و الخوف و ذهاب العقل حزنا (8).

و الشّارد: النّافر (9).

ص: 598


1- كما فی مجمع البحرین 4- 257، و الصحاح 3- 1136، و غیرهما.
2- ذكر فی مجمع البحرین 2- 131، و الصحاح 1- 192: الغربیب: شدید السواد.
3- فی (ك): الضلال، نسخة بدل، و وضع بعدها: ظاهرا.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 3- 44، و القاموس 1- 292.
5- جاء فی الصحاح 3- 985، و النهایة 5- 95- 96، و غیرهما، و قال الأول: و أنفسنی فلان فی كذا .. أی رغّبنی فیه، و نفس به .. أی ضمّن، و نافست فی الشی ء منافسة و نفاسا: إذا رغبت فیه علی وجه المباراة فی الكرم.
6- ذكره فی مجمع البحرین 4- 219، و المصباح المنیر 2- 117.
7- كما فی النهایة 4- 444، و لسان العرب 8- 252، و غیرهما.
8- قاله فی القاموس 4- 295، و نحوه فی لسان العرب 13- 561.
9- جاء فی مجمع البحرین 3- 77، و الصحاح 2- 494.

قوله علیه السلام: فی فترة.

الفترة: الانكسار و الضّعف و ما بین الرّسولین (1)، و كنّی علیه السلام بها هنا عن أمر الجاهلیّة .. أی إنّی لأخشی أن یكون أحوالكم فی التعصّبات الباطلة و الأهواء المختلفة كأحوال أهل الجاهلیّة.

قوله علیه السلام: ملتم فیها میلة.

إشارة إلی میلهم عنه علیه السلام إلی الخلفاء الثلاثة.

و قول ابن أبی الحدید (2)

إشارة إلی اختیارهم عثمان یوم الشوری- یبطله قوله علیه السلام: أمور و غیر ذلك.

قوله علیه السلام: و لئن ردّ علیكم.

أی أحوالكم التی كانت أیّام رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله.

قوله علیه السلام: و لو أشاء.

أی لو أشاء أن أقول فیما ملتم عن الحقّ و نبذتم الآخرة وراء ظهوركم بلفظ صریح لقلت، لكنّی طویت عن ذكره و أعرضت عنه لعدم المصلحة فیه (3)، و لم أصرّح بكفركم و ما یكون إلیه مصیر أمركم و ما أكننتم (4) و أخفیتم فی ضمائركم لذلك.

و قوله علیه السلام: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ

أی عفا عمّن تاب و أناب و رجع، و یحتمل أن یكون من الدعاء الشائع فی أواخر الخطب، كقوله علیه السلام: غفر اللَّه لنا و لكم .. و أمثاله، و هذه الأدعیة مشروطة بشرائط، و قیل:

یحتمل أن یكون المعنی لو أشاء أن أقول قولا یتضمّن العفو عنكم لقلت، لكنّی لا أقول ذلك، إذ لا مجال للعفو هنا، و لا یخفی بعده..

ص: 599


1- صرّح به فی مجمع البحرین 3- 434، و الصحاح 2- 777، و غیرهما.
2- فی شرحه علی نهج البلاغة 10- 62، خطبة 179.
3- وضع فی (ك) علی: فیه، ح، أی رمز نسخة بدل.
4- فی (ك): اكتتم، و هی مشوّشة فی الطبعتین.

«19»-نهج (1): قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِینَاهُ (2) وَ إِلَّا رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَ إِنْ طَالَ السُّرَی (3).

و هذا القول (4) من لطیف الكلام و فصیحه، و معناه إنّا إن لم نعط حقّنا كنّا أذلّاء، و ذلك أنّ الرّدیف یركب عجز البعیر، كالعبد و الأسیر و من یجری مجراهما (5).

«20»-نهج (6): وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ نَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِیبِ بِهِ یُبْصِرُ أَمَدَهُ، وَ یَعْرِفُ غَوْرَهُ وَ نَجْدَهُ. دَاعٍ دَعَا، وَ رَاعٍ رَعَی، فَاسْتَجِیبُوا لِلدَّاعِی (7)، وَ اتَّبِعُوا الرَّاعِیَ، قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ، وَ أَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ، وَ أَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ، وَ نَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ، نَحْنُ الشِّعَارُ وَ الْأَصْحَابُ (8)، وَ الْخَزَنَةُ وَ الْأَبْوَابُ (9)، وَ لَا تُؤْتَی الْبُیُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَیْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّیَ سَارِقاً.

ص: 600


1- نهج البلاغة- محمّد عبده- 4- 142، صبحی صالح: 472، الكلمة برقم: 22.
2- فی (س): أعطینا.
3- إلی هنا كلامه علیه السّلام، و ما یأتی من السّیّد الرّضیّ- رحمه اللّٰه-.
4- لا یوجد: القول، فی المصدر.
5- جاء أیضا فی مجمع البحرین 4- 24، و قال فی النهایة 3- 185: و منه حدیث علیّ (علیه السلام) : لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السری .. الركوب علی أعجاز الإبل شاق .. أی إن منعنا حقنا ركبنا مركب المشقة صابرین علیها وإن طال الأمد ، وقیل : ضرب أعجاز الإبل مثلا لتأخره عن حقه الذی كان یراه له وتقدم غیره علیه ، وإنه یصبر علی ذلك وإن طال أمده.
6- نهج البلاغة- محمّد عبده- 2- 43- 45، صبحی صالح: 215- 216، خطبة 154.
7- فی (ك): الدّاعی.
8- الشّعار ما یلی شعر الجسد من اللّباس. قاله فی مجمع البحرین 3- 349، و المراد بطانة النّبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم.
9- فی طبعة صبحی صالح من النّهج: و الأصحاب.

مِنْهَا: فِیهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ (1) وَ هُمْ كَنْزُ (2) الرَّحْمَنِ، إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وَ إِنْ صَمَتُوا لَمْ یُسْبَقُوا، فَلْیَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، وَ لْیُحْضِرْ عَقْلَهُ، وَ لْیَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَ إِلَیْهَا یَنْقَلِبُ، فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ یَكُونُ مُبْتَدَأُ (3) عَمَلِهِ أَنْ یَعْلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَیْهِ أَمْ لَهُ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَی فِیهِ، وَ إِنْ كَانَ عَلَیْهِ وَقَفَ عَنْهُ، فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَی غَیْرِ (4) طَرِیقٍ فَلَا یَزِیدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِیقِ (5) إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ، وَ الْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَی الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ، فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ؟ وَ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَی مِثَالِهِ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ، وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ، وَ قَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْعَبْدَ وَ یُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَ یُحِبُّ الْعَمَلَ وَ یُبْغِضُ بَدَنَهُ.

وَ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ نَبَاتٌ (6)، وَ كُلَّ نَبَاتٍ لَا غِنَی بِهِ عَنِ الْمَاءِ، وَ الْمِیَاهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا طَابَ سَقْیُهُ طَابَ غَرْسُهُ، وَ حَلَتْ ثَمَرَتُهُ، وَ مَا خَبُثَ سَقْیُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ، وَ أَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ.

توضیح:

قال الجوهری: النّاظر من (7) المقلة: السّواد الأصغر الّذی فیه إنسان (8) العین (9) .. أی أنّ قلب اللبیب له عین یبصر بها غایته التی تجری إلیها و یعرف من أحواله المستقبلة ما كان مرتفعا شریفا أو منخفضا ساقطا.

ص: 601


1- فی نسخة جاءت فی (ك): الإیمان.
2- فی النّهج: كنوز.
3- فی (ك) نسخة: مبدأ.
4- فی (س): بغیر، و كتب فوقها: علی غیر.
5- فی النّهج: عن الطّریق الواضح.
6- فی النّهج: إن لكلّ عمل نباتا، و هو الظّاهر.
7- فی المصدر: فی. و فی مجمع البحرین كما فی المتن.
8- إنسان العین: المثال الذی یری فی السواد .. أی فی سواد العین، قاله فی الصحاح 3- 904 و 905.
9- الصحاح 2- 831، و مثله فی مجمع البحرین 3- 498.

و النّجد: المرتفع من الأرض (1)، و لعلّ المراد بالداعی الرسول صلّی اللَّه علیه و آله، و بالراعی نفسه علیه السلام.

و قوله علیه السلام: قد خاضوا .. كلام منقطع عمّا قبله و متّصل بكلام أسقطه السیّد رضی اللَّه عنه تقیّة للتصریح بذمّ الخلفاء الثلاثة فیه.

و أرز- بالفتح و الكسر-: انقبض (2).

و المؤمنون: هو علیه السلام و شیعته، و الضالون خلفاء الجور و أتباعهم.

و قال ابن أبی الحدید (3) فی قوله علیه السلام: و الخزنة و الأبواب .. أی (4) خزنة العلم و أبوابه، أو خزنة الجنّة و أبوابها.

قال (5) رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله:

أنا مدینة العلم و علیّ بابها، و من أراد الحكمة فلیأت الباب.

و قال فیه: خازن علمی.

و تارة أخری: عیبة علمی.

و قال صلّی اللَّه علیه و آله فی الخبر المستفیض (6) إنّه: قسیم الجنّة و النار (7)، یقول للنار هذا لی فدعیه، و هذا لك فخذیه.

ثم ذكر (8) أربعة و عشرین حدیثا من فضائله صلوات اللَّه علیه من طرق

ص: 602


1- قاله فی مجمع البحرین 3- 148، و الصحاح 2- 542، و غیرهما.
2- كما فی القاموس 2- 165، و قال فی مجمع البحرین 4- 5: أرز: ینضم و یجتمع بعضه إلی بعض، و مثله فی الصحاح 3- 864.
3- فی شرحه علی النهج 9- 65.
4- فی المصدر: یمكن أن یعنی به، بدلا من: أی.
5- فی شرح النهج: و أبواب العلم لقول ..
6- جاء فی شرح النهج: و یمكن أن یرید خزنة الجنّة و أبواب الجنّة .. أی لا یدخل الجنّة إلّا من وافی بولایتنا، و قد جاء فی حقّه الخبر الشائع المستفیض.
7- سبق منّا جملة من مصادر هذه الروایات، و انظر: الغدیر 1- 161، و 2- 324، و 3- 96 و 328، و 6- 79- 81 و 95- 96، و 7- 182- 183 تجد جملة وافیة من مصادرها.
8- أی ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج 9- 175- 176.

المخالفین.

قوله علیه السلام: فیهم كرائم القرآن.

ضمیر الجمع راجع إلی آل محمّد علیهم السلام الذین عناهم علیه السلام بقوله: نحن الشعار، و المراد بكرائم القرآن: مدائحهم التی ذكرها اللَّه فیه، أو علومه المخزونة عندهم، و هم كنوز الرحمن .. أی خزائن علومه و حكمه و قربه.

قوله علیه السلام: لم یسبقوا.

أی لیس صمتهم عن عیّ و عجز حتی یسبقهم أحد، بل لمحض الحكمة.

قوله علیه السلام: فلیصدق رائد أهله.

یحتمل أن یكون المراد بالرائد الإنسان نفسه، فإنّه كالرائد لنفسه فی الدنیا یطلب فیه لآخرته ماء و مرعی .. أی لینصح نفسه و لا یغشّها بالتسویف و التعلیل، أو المعنی لیصدق كلّ منكم أهله و عشیرته و من یعنیه أمره، و لیبلّغهم ما عرف من فضلنا و علوّ درجتنا (1).

قوله: فإنّه منها قدم.

لخلق روحه قبل بدنه من عالم الملكوت، أو لخروج أبیهم من الجنّة.

و قیل: الآخرة: الحضرة الإلهیّة التی منها مبدأ الخلق و إلیها معادهم.

فالناظر بالقلب .. أی من لا یقتصر فی نظره علی ظواهر الأمور.

العامل بالبصر .. أی من یعمل بما یبصر بعین بصیرة .. أی إذا علم الحقّ لا یتعدّاه.

و یروی: العالم بالبصر .. أی من كان إبصاره سببا لعلمه.

قوله علیه السلام: و اعلم أنّ لكلّ ظاهر باطنا.

أقول: قد یتوهّم التنافی بین هاتین الكلمتین و بین الخبر المرویّ ظاهرا، و یخطر بالبال دفعه بوجوه:

ص: 603


1- أقول: لعلّه إشارة إلی المثل المعروف: لا یكذب الرائد أهله .. أی أنّه و إن كان كاذبا فإنّه لا یكذب أهله.

الأوّل: أن یكون الخبر فی قوّة الاستثناء لبیان أنّ المقدّمتین لیستا كلیّتین، بل هما لبیان الغالب، و قد یتخلّف كما ورد فی الخبر.

الثانی: أن یكون الخبر استشهادا للمقدّمتین، و بیانه إنّ العمل ظاهرا و باطنا، و للشخص ظاهرا و باطنا، و ظاهر الشخص مطابق لباطنه، و لذا یحبّ اللَّه ظاهر الشخص لما یعلم من حسن باطنه و عاقبته، و یبغض ظاهر الشخص إذا علم سوء باطنه و رداءة عاقبته.

الثالث: أن یكون المراد أنّه لا یمكن أن لا یظهر سوء الباطن من الأخلاق الردیّة و الاعتقادات الباطلة و الطینات الفاسدة و إن كان فی آخر العمر، و لا حسن الباطن من الأخلاق الحسنة و الاعتقادات (1) الحقّة و الطینات الطیّبة، فالذی یحبّه اللَّه و یبغض عمله ینقلب حاله فی آخر العمر و یظهر منه حسن العقائد و الأعمال، و كذا العكس، فظهر أنّ حسن الباطن و الظاهر متطابقان (2) و كذا سوؤهما، و لعلّ ما یذكر بعده یؤیّد هذا الوجه فی الجملة.

الرابع: ما ذكره ابن أبی الحدید (3)، حیث قال: هو مشتقّ من قوله تعالی:

وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ (4)، و المعنی إنّ لكلتا (5) حالتی الإنسان الظاهرة أمرا باطنا یناسبها من أحواله، و الحالتان الظاهرتان: میله إلی العقل و میله إلی الهوی، فالمتّبع لعقله (6) یرزق السعادة و الفوز، فهذا هو الذی طاب ظاهره و طاب باطنه، و المتّبع لمقتضی هواه .. یرزق الشقاوة و العطب، و هذا هو الذی خبث ظاهره و خبث باطنه.

ص: 604


1- وضع فی (ك) علی كلمة: الاعتقادات رمز نسخة بدل.
2- قد تقرأ فی (س): متطابقتان، و لا یستقیم المعنی.
3- فی شرحه علی النهج 9- 178- 179، باختلاف كثیر و سقط.
4- الأعراف: 58.
5- فی شرح نهج البلاغة: و الذی خبث لا یخرج إلّا نكدا .. ثم ذكر كلاما لم یورده المصنّف رحمه اللّٰه، و قال: و یقول إنّ لكلتا ..، و فی (س): لكائنا، بدلا من: لكلتا.
6- فی المصدر: لمقتضی عقله.

الخامس: ما قیل: إنّ المراد بطیب الظاهر حسن الصورة و الهیئة و بخبثه قبحهما، و قال: هما یدلّان علی حسن الباطن و قبحه، و حمل خبث العبد مع قبح الفعل علی ما إذا كان مع حسن الصورة و الآخر علی ما إذا كان مع قبح الصورة.

و لا یخفی بعد (1) و لعلّ (2) الأوّل أظهر الوجوه.

و أمرّت .. أی صارت مرّا (3)..

«21»-نهج (4): مِنْ كَلَامٍ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ قَدْ قَالَ لِی قَائِلٌ (5): إِنَّكَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ لَحَرِیصٌ!! فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتُمْ وَ اللَّهِ أَحْرَصُ (6) وَ أَبْعَدُ، وَ أَنَا أَخَصُّ وَ أَقْرَبُ، وَ إِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِی وَ أَنْتُمْ تَحُولُونَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ، وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِی دُونَهُ. فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِی الْمَلَإِ الْحَاضِرِینَ بُهِتَ لَا یَدْرِی (7) مَا یُجِیبُنِی بِهِ. اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیكَ (8) عَلَی قُرَیْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی، وَ صَغَّرُوا عَظِیمَ مَنْزِلَتِیَ، وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی أَمْراً هُوَ لِی، ثُمَّ قَالُوا: أَلَا إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ نَأْخُذَهُ (9) وَ فِی الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ.

ص: 605


1- كذا، و الظاهر: بعده- بالضمیر-.
2- لا توجد: لعلّ، فی (س).
3- كما فی مجمع البحرین 3- 481، و انظر: القاموس 2- 132.
4- نهج البلاغة- محمّد عبده- 2- 84- 85، صبحی الصّالح: 246- 247، خطبة 172.
5- لا توجد: لی، فی النّهج- طبعة صبحی الصّالح-، و فی طبعة محمّد عبده: و قال قائل.
6- فی النّهج: لأحرص.
7- فی طبعة محمّد عبده من النّهج: هب لا یدری، و فی طبعة صبحی الصّالح: هب كأنّه بهت لا یدری ..
8- فی نهج البلاغة طبعة محمّد عبده: أستعینك، بمعنی أستنصرك و أطلب منك المعونة. كما سیأتی فی بیان المصنّف رحمه اللّٰه. و فی (ك): أستعیدك.
9- فی النّهج: تأخذه.

بیان:

قال ابن أبی الحدید (1): هذا الفصل من خطبة یذكر فیها أمر الشوری (2)، و الذی قال له: إنّك علی هذا الأمر لحریص! هو سعد بن أبی وقّاص مع روایته فیه:

(أنت منّی بمنزلة هارون من موسی) (3).

، و هذا عجیب (4)، و قد رواه الناس كافّة.

و قالت الإمامیّة: هذا الكلام كان یوم السقیفة، و القائل (5) أبو عبیدة بن الجرّاح.

و قرعته بالحجّة: صدمته بها (6).

قوله علیه السلام: بهت .. فی بعض النسخ: هبّ .. أی استیقظ (7).

و قال الجوهری: العدوی: طلبك إلی وال لیعدیك علی من ظلمك .. أی ینتقم منه، یقال: استعدیت علی فلان الأمیر فأعدانی: استعنت به (8) فأعاننی علیه (9).

فإنّهم قطعوا رحمی .. لأنّهم لم یراعوا قربه علیه السلام من رسول اللَّه صلّی

ص: 606


1- فی شرحه علی النهج 9- 305- 306، بتصرف.
2- فی المصدر: هذا من خطبة یذكر فیها ما جری یوم الشوری بعد مقتل عمر.
3- كما جاءت روایة سعد بن أبی وقاص فی صحیح مسلم 7- 120، و صحیح الترمذی 13- 171، و مستدرك الحاكم 3- 109، و تاریخ ابن كثیر 8- 77، و مروج الذهب 1- 61، و تذكرة سبط ابن الجوزی 12 و غیرها.
4- فی المصدر: و هذا عجب فقال لهم: بل أنتم و اللّٰه أحرص و أبعد .. الكلام المذكور.
5- فی شرح النهج: الذی قال له إنّك علی هذا الأمر لحریص .. ثم قال: و الروایة الأولی أظهر و أشهر.
6- قال فی الصحاح 3- 1261: و قرعت رأسه بالعصا قرعا: مثل فرعت، و قال فی 3- 1256:وفرعت رأسه بالعصا .. أی علوته ، وبالقاف أیضا. وقال فی القاموس ٣ _ ٦٦ : قرع _ كمنع _ :دقه ، ورأسه بالعصاء : ضربه.
7- نصّ علیه فی القاموس 1- 138، و لسان العرب 1- 778، و غیرهما.
8- فی المصدر: أی استعنت علیه.
9- الصحاح 6- 2421، و مثله فی لسان العرب 15- 39.

اللَّه علیه و آله أو منهم، أو الأعمّ.

ألا إنّ فی الحقّ أن (1) نأخذه- بالنون- و فی الحقّ أن تتركه- بالتاء- .. أی إنّهم لم یقصّروا علی أخذ حقّی ساكتین عن دعوی كونه حقّا لهم، و لكنّهم أخذوه مع دعواهم أنّ الحقّ لهم، و أنّه یجب علیّ أن أترك المنازعة فیه، فلیتهم أخذوا معترفین بأنّه حقّ لی، فكانت المصیبة أهون.

و روی بالنون فیهما (2)، فالمعنی إنّا نتصرّف فیه كما نشاء بالأخذ و الترك دونك.

و فی بعض النسخ فیهما بالتاء (3) .. أی یعترفون أنّ الحقّ لی ثم یدّعون أنّ الغاصب أیضا علی الحقّ، أو یقولون لك الاختیار فی الأخذ و الترك، و كذا فی الروایة الأخری قرئ بالنون و بالتاء (4).

و قال القطب الراوندی: إنّها فی خطّ الرضی رضی اللَّه عنه بالتاء (5) .. أی إن ولیت كانت ولایتك حقّا، و إن ولی غیرك كانت حقّا علی مذهب أهل الاجتهاد..

«22»-نهج (6): وَ مِنْ كَلَامٍ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیكَ عَلَی قُرَیْشٍ (7) فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِی، وَ أَكْفَئُوا إِنَائِی، وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی حَقّاً كُنْتُ

ص: 607


1- لا توجد: أن، فی (س).
2- كما فی منهاج البراعة 2- 359، خطبة: 217.
3- كما قاله القطب الراوندیّ فی شرحه للنهج: 2- 152، قال: ثم قالوا: ألا إنّ فی الحقّ أن تأخذه، و فی الحقّ أن تتركه. و انظر: منهاج البراعة 2- 359.
4- فی (ك): و التاء.
5- منهاج البراعة 2- 359، خطبة 217: قال و بخطّ الرضی- رضی اللّٰه عنه- كان بالتاء، و روی بالنون.
6- نهج البلاغة- محمّد عبده- 2- 202، صبحی صالح: 336- 337، خطبة 217.
7- فی طبعة صبحی صالح زیادة: و من أعانهم، بعد قوله: علی قریش.

أَوْلَی بِهِ مِنْ غَیْرِی، وَ قَالُوا: أَلَا إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ نَأْخُذَهُ (1) وَ فِی الْحَقِّ أَنْ نَمْنَعَهُ (2)، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً، فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ لِی رَافِدٌ وَ لَا ذَابٌّ وَ لَا مُسَاعِدٌ إِلَّا أَهْلُ بَیْتِی، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِیَّةِ، فَأَغْضَیْتُ (3) عَلَی الْقَذَی، وَ جَرِعْتُ رِیقِی عَلَی الشَّجَا، وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَیْظِ عَلَی أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ، وَ أَلَمَّ لِلْقَلْبِ مِنْ حَزِّ الشِّفَارِ.

بیان:

قال الجوهری: كفأت الإناء: كببته و قلبته، فهو مكفوء. و زعم ابن الأعرابی أنّ أكفأته لغة (4)، و یروی: كفّوا- بدون الهمزة- و هو أفصح.

و قال الجوهری: رفدته أرفده رفدا: .. إذا أعنته ..، و الإرفاد ...

الإعانة (5).

و قال: الذّبّ: الدّفع و المنع (6).

و قال: ضننت بالشّی ء .. بخلت به ... و قال الفرّاء: ضننت- بالفتح- ..

لغة فیه (7).

و الإغضاء: أدناء الجفون (8)، و القذی فی العین: ما یسقط فیها فیؤذیها (9).

و الشّجا: ما ینشب فی الحلق من عظم و غیره (10).

ص: 608


1- فی (ك): تأخذه.
2- فی (ك): تمنعه.
3- فی (ك) نسخة بدل: و أغضیت.
4- الصحاح 1- 68، و مثله فی تاج العروس 1- 108.
5- الصحاح 2- 475، و مثله فی تاج العروس 2- 355، و غیرهما.
6- الصحاح 1- 126، و مثله فی تاج العروس 1- 249.
7- الصحاح 6- 2159، و مثله فی تاج العروس 9- 266، و غیرهما.
8- كما فی مجمع البحرین 1- 318، و القاموس 4- 370، و غیرهما.
9- نصّ علیه فی مجمع البحرین 1- 243، و فی القاموس 4- 376 قالا: القذی: ما یقع فی العین.
10- ذكره فی مجمع البحرین 1- 243، و فی القاموس 4- 347، و غیرهما.

و العلقم: شجر مرّ، و یقال للحنظل، و كلّ شی ء مرّ: علقم (1).

و الحزّ: القطع، حزّه و احتزّه: قطعه (2).

و الشّفرة- بالفتح- السّكّین العظیم، و الجمع شفار (3)..

«23»-نهج (4): مِنْ كَلَامِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَا عَجَبَاهْ أَ تَكُونُ الْخِلَافَةُ بِالصَّحَابَةِ وَ لَا تَكُونُ بِالصَّحَابَةِ (5) وَ الْقَرَابَةِ؟!.

قَالَ السَّیِّدُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ: وَ رُوِیَ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ شِعْرٌ فِی هَذَا الْمَعْنَی، وَ هُوَ قَوْلُهُ:

فَإِنْ كُنْتَ بِالشُّورَی مَلَكْتَ أُمُورَهُمْ*** فَكَیْفَ بِهَذَا وَ الْمُشِیرُونَ غُیَّبٌ

وَ إِنْ كُنْتَ بِالْقُرْبَی حَجَجْتَ خَصِیمَهُمْ*** فَغَیْرُكَ أَوْلَی بِالنَّبِیِّ وَ أَقْرَبُ

بیان: قوله علیه السلام: فكیف بهذا .. أی كیف تملكها بهذا.

قوله علیه السلام: خصیمهم .. أی من كان خصما لك منهم فی دعوی الخلافة.

وَ قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (6): حَدِیثُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی النَّثْرِ وَ النَّظْمِ الْمَذْكُورَیْنِ مَعَ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ، أَمَّا النَّثْرُ فَمُوَجَّهٌ إِلَی عُمَرَ (7) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا (8) قَالَ لِعُمَرَ: امْدُدْ یَدَكَ.

ص: 609


1- قاله فی مجمع البحرین 6- 124، و الصحاح 5- 1991، و جملة كتب اللغة.
2- صرّح به فی مجمع البحرین 4- 15، و فی الصحاح 3- 873، و غیرهما.
3- جاء فی القاموس 2- 61، و لسان العرب 4- 420، و عدّة مصادر.
4- نهج البلاغة- محمّد عبده- 4- 179، صبحی صالح: 502، برقم 190، بتصرف.
5- جاء كلامه علیه السّلام بنصه فی شرح النّهج لابن أبی الحدید 18- 416 برقم: 185، و فی الشّرح للخوئی رحمه اللّٰه 21- 262، و فی الشّرح للفیض: 1163، برقم: 181، و تقدّم فی الحاشیة السّابقة عن طبعة محمّد عبده أیضا، و لكن فی طبعة صبحی صالح من النّهج لا توجد: و لا تكون بالصّحابة، و لا یتمّ المعنی بدونها، و لعلّ الحذف نشأ من غرض أو مرض أو هما معا، فتدبّر.
6- فی شرحه علی النّهج 18- 416 بتصرف.
7- فی المصدر: فإلی عمر توجیهه، بدلا من: فموجه ..
8- لا توجد: لمّا، فی (س).

قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) فِی الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا شِدَّتِهَا وَ رَخَائِهَا فَامْدُدْ أَنْتَ یَدَكَ. فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِذَا احْتَجَجْتَ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمْرَ بِصُحْبَتِهِ إِیَّاهُ فِی الْمَوَاطِنِ .. فَهَلَّا سَلَّمْتَ الْأَمْرَ إِلَی مَنْ قَدْ شَرِكَهُ فِی ذَلِكَ، وَ قَدْ زَادَ عَلَیْهِ بِالْقَرَابَةِ؟!.

وَ أَمَّا النَّظْمُ: فَمُوَجَّهٌ إِلَی أَبِی بَكْرٍ، لِأَنَّهُ (1) حَاجَّ الْأَنْصَارَ فِی السَّقِیفَةِ فَقَالَ:

نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) وَ بَیْضَتُهُ الَّتِی تَفَقَّأَتْ (2) عَنْهُ، فَلَمَّا بُویِعَ احْتَجَّ عَلَی النَّاسِ بِالْبَیْعَةِ، وَ أَنَّهَا صَدَرَتْ عَنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَ الْعَقْدِ، فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا احْتِجَاجُكَ عَلَی الْأَنْصَارِ بِأَنَّكَ مِنْ بَیْضَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ مِنْ قَوْمِهِ فَغَیْرُكَ أَقْرَبُ نَسَباً مِنْكَ إِلَیْهِ، وَ أَمَّا احْتِجَاجُكَ بِالاخْتِیَارِ وَ رِضَی الْجَمَاعَةِ (3)، فَقَدْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَجِلَّةِ (4) الصَّحَابَةِ غَائِبِینَ لَمْ یَحْضُرُوا الْعَقْدَ، فَكَیْفَ ثَبَتَ (5)؟!..

«24»-نهج (6): قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَوَ اللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّی: مُسْتَأْثَراً عَلَیَّ، مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (7) صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی یَوْمِ (8) النَّاسِ هَذَا.

«25»-نهج (9): مِنْ كَلَامِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ مُعِینٌ إِلَّا أَهْلُ بَیْتِی، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ، وَ أَغْضَیْتُ عَلَی الْقَذَی، وَ شَرِبْتُ عَلَی الشَّجَا، وَ صَبَرْتُ عَلَی أَخْذِ الْكَظَمِ وَ عَلَی (10) أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ.

ص: 610


1- فی المصدر: لأنّ أبا بكر ..
2- یقال: تفقأت السّحابة عن مائها: تشقّقت، قاله فی الصّحاح 1- 63.
3- فی المصدر و (ك): الجماعة بك.
4- فی المصدر: من جملة، بدلا من: من أجلّة.
5- فی شرح النّهج: یثبت.
6- نهج البلاغة- محمّد عبده- 1- 41، صبحی صالح: 53، خطبة 6، باختلاف یسیر.
7- فی المصدر: قبض اللّٰه نبیّه.
8- فی النّهج: حتّی یوم.
9- نهج البلاغة- محمّد عبده- 1- 66، صبحی صالح: 68، خطبة 26.
10- لا توجد: و علی، فی (س).

«26»-وَ قَالَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی مَوْضِعٍ آخَرَ (1): قَالُوا: لَمَّا انْتَهَتْ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَنْبَاءُ السَّقِیفَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا قَالَتِ الْأَنْصَارُ؟ قَالُوا: قَالَتْ: مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْكُمْ أَمِیرٌ.

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ (2) عَلَیْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَصَّی بِأَنْ یُحْسَنَ إِلَی مُحْسِنِهِمْ وَ یُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِیئِهِمْ؟ قَالُوا: وَ مَا فِی هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَیْهِمْ؟.

قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: لَوْ كَانَتِ الْإِمَارَةُ (3) فِیهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِیَّةُ بِهِمْ.

ثُمَّ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَیْشٌ؟!. قَالُوا: احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ (صلی اللّٰه علیه و آله).

فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَ أَضَاعُوا الثَّمَرَةَ!..

بیان: الكظم- بفتح الظاء- مخرج النّفس (4).

قوله علیه السلام: احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة .. المراد بالثمرة إمّا الرسول صلّی اللَّه علیه و آله و الإضاعة عدم اتّباع نصبه (5)، أو أمیر المؤمنین و أهل البیت علیهم السلام تشبیها له صلّی اللَّه علیه و آله بالأغصان، أو اتّباع الحقّ الموجب للتمسّك به دون غیره كما قیل، و الغرض إلزام قریش بما تمسّكوا به من قرابته صلّی اللَّه علیه و آله، فإن تمّ فالحقّ لمن هو أقرب و أخصّ، و إلّا فالأنصار

ص: 611


1- فی نهج البلاغة- طبعة محمّد عبده- 1- 116، و فی طبعة صبحی صالح: 97- 98، خطبة 67، و انظر: شرح النّهج لابن أبی الحدید 6- 3- 4.
2- فی طبعة محمّد عبده من النّهج: احتجتم، و لعلّه حذف إحدی الجیمین تخفیفا.
3- فی النّهج- صبحی صالح-: إمامة.
4- نصّ علیه فی مجمع البحرین 6- 154، و القاموس 4- 172، و لم یصرّح فی الصحاح 5- 2023 بفتح الظاء.
5- فی (ك) نسخة بدل: نصّه.

علی دعواهم.

«27»-نهج (1): مِنْ كَلَامِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ- لَمَّا عَزَمُوا عَلَی بَیْعَةِ عُثْمَانَ-: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی أَحَقُّ بِهَا (2) مِنْ غَیْرِی، وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِینَ وَ لَمْ یَكُنْ فِیهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَیَّ خَاصَّةً، الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ، وَ زُهْداً فِیمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ (3).

بیان: قوله علیه السلام: أنّی أحقّ بها .. أی بالخلافة و التفضیل، كما فی قوله تعالی: قُلْ أَ ذلِكَ خَیْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ (4)، و الجور علیه علیه السلام خاصّة غصب حقّه، و فیه دلالة علی أنّ خلافة غیره جور مطلقا، و التسلیم علی التقدیر المفروض- و هو سلامة (5) أمور المسلمین- و إن لم یتحقّق الفرض- لرعایة مصالح الإسلام و التقیّة. و التماسا مفعولا له للتسلیم.

و التّنافس: الرّغبة فی النّفیس المرغوب للانفراد به (6).

و الزّخرف- بالضم-: الذّهب و كمال حسن الشّی ء (7).

و الزّبرج- بالكسر- الزّینة (8).

«28»-نهج (9): وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: .. بَعَثَ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ

ص: 612


1- نهج البلاغة- محمّد عبده- 1- 124، صبحی صالح: 102، خطبة 74.
2- فی النّهج: أحقّ النّاس بها.
3- هنا حاشیة مفصّلة علی نهج البلاغة لمحمّد عبده حریّة بالملاحظة.
4- الفرقان: 15. أقول: : مراده قدّس سرّه إن كلمة ( أحق ) لم تستعمل فی التفضیل.
5- فی (س): سلالة.
6- قال فی النهایة 5- 95، و لسان العرب 6- 238: التنافس من المنافسة و هی الرغبة فی الشی ء و الانفراد به، و هو من الشی ء النفیس الجیّد فی نوعه.
7- ذكره فی القاموس 3- 147، و لسان العرب 9- 133، و غیرهما.
8- كما فی مجمع البحرین 2- 303، و القاموس 1- 191.
9- نهج البلاغة- محمّد عبده- 2- 27، صبحی صالح: 200- 202، خطبة 144، باختلاف كثیر و تخالف بین الطبعتین.

مِنْ وَحْیِهِ، وَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَی خَلْقِهِ، لِئَلَّا تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الْإِعْذَارِ إِلَیْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَی سَبِیلِ الْحَقِّ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَشَفَ الْحَقَّ (1) كَشْفَةً، لَا أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَ مَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ، وَ لَكِنْ لِیَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، فَیَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَ الْعِقَابُ بَوَاءً.

أَیْنَ الَّذِینَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَ بَغْیاً عَلَیْنَا؟! أَنْ رَفَعَنَا اللَّهُ وَ وَضَعَهُمْ، وَ أَعْطَانَا وَ حَرَمَهُمْ، وَ أَدْخَلَنَا وَ أَخْرَجَهُمْ، بِنَا یُسْتَعْطَی الْهُدَی وَ یُسْتَجْلَی (2) الْعَمَی: إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَیْشٍ غُرِسُوا فِی هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لَا تَصْلُحُ عَلَی سِوَاهُمْ، وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَیْرِهِمْ.

مِنْهَا: آثَرُوا عَاجِلًا، وَ أَخَّرُوا آجِلًا، وَ تَرَكُوا صَافِیاً، وَ شَرِبُوا آجِناً، كَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی فَاسِقِهِمْ وَ قَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ، وَ بَسِئَ بِهِ وَ وَافَقَهُ حَتَّی شَابَتْ عَلَیْهِ مَفَارِقُهُ، وَ صُبِغَتْ بِهِ خَلَائِقُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً (3) كَالتَّیَّارِ لَا یُبَالِی مَا غَرِقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ فِی الْهَشِیمِ لَا یَحْفِلُ مَا حَرَّقَ، أَیْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِیحِ الْهُدَی، وَ الْأَبْصَارُ اللَّامِحَةُ إِلَی مَنَارِ التَّقْوَی؟ أَیْنَ الْقُلُوبُ الَّتِی وُهِبَتْ لِلَّهِ! وَ عُوقِدَتْ عَلَی طَاعَةِ اللَّهِ؟

ازْدَحَمُوا عَلَی الْحُطَامِ، وَ تَشَاحُّوا عَلَی الْحَرَامِ، وَ رُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وَ أَقْبَلُوا إِلَی النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ، دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَ وَلَّوْا، وَ دَعَاهُمُ الشَّیْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَ أَقْبَلُوا!.

إیضاح:

الكشف .. أرید به هنا الابتلاء الذی هو سببه. و قال فی النهایة:

الجراحات بواء .. أی سواء فی القصاص .. و منه حَدِیثُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (4)،

ص: 613


1- فی النّهج: كشف الخلق .. و هو الظّاهر، أیّ علم حالهم فی جمیع أطوارهم.
2- فی (ك): و بنا یستجلی.
3- قال فی الصّحاح 2- 480: بحر مزبد: مائج یقذف بالزّبد. و فی (س): مزیدا، بدلا من:مزیداً.
4- ذكر الترضیة فی المصدر بدلا من التّسلیم.

وَ الْعِقَابُ بَوَاءً، و أصل البواء: اللّزوم (1).

أین الذین زعموا ..؟ أی الخلفاء الجائرون المتقدّمون.

قوله علیه السلام: إن رفعنا اللَّه .. تعلیل لدعوتهم (2) الكاذبة .. أی كانت العلّة الحاملة لهم علی هذا الكذب أنّ اللَّه رفع قدرنا فی الدنیا و الآخرة و أعطانا ..

أی الملك و النبوّة، و أدخلنا .. أی فی دار قربه و عنایاته الخاصّة. و إنّ هاهنا للتعلیل .. أی لأن، فحذف اللام، و یحتمل أن یكون المعنی أین الذین زعموا عن أن یروا أن رفعنا اللَّه و أورثنا الخلافة و وضعهم بأخذهم بأعمالهم السیّئة.

و البطن: ما دون القبیلة و فوق الفخذ (3).

قوله علیه السلام: لا تصلح علی سواهم.

أی لا یكون لها صلاح علی ید غیرهم، و لا یكون الولاة (4) من غیرهم صالحین.

و الآجن: الماء المتغیّر (5).

قوله علیه السلام: كأنّی أنظر.

قال ابن أبی الحدید: هو إشارة إلی قوم یأتی من الخلف بعد السلف (6).

قیل: و الأظهر أنّ المراد بهم من تقدّم ذكرهم من الخلفاء و غیرهم من ملاعین الصحابة، كما قال علیه السلام- فی الفصل السابق-: أین الذین زعموا؟

فیكون قوله علیه السلام: كأنّی أنظر .. إشارة إلی ظهور اتّصافهم بالصفات حتی كأنّه یراه عیانا.

ص: 614


1- النهایة 1- 160، و انظر: لسان العرب 1- 38.
2- فی (ك): لدعواهم.
3- ذكره فی النهایة 1- 137، و تاج العروس 9- 141، و أضاف فی الثانی: و مرّ عن الجوهریّ فی الراء:أول العشیرة الشعب ، ثم القبیلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ.
4- فی (ك): الولادة، و لا معنی لها.
5- كما فی مجمع البحرین 6- 197، و الصحاح 5- 2067، و غیرهما.
6- فی شرح النهج 9- 89.

و قال فی النهایة: بسأت- بفتح السین و كسرها-: أی اعتادت و استأنست (1).

شابت علیه مفارقه .. أی ابیضّ شعره (2) و فنی عمره فی صحبة المنكر.

و صبغت به خلائقه .. أی صار المنكر عادته حتّی تلوّنت خلائقه به (3).

و التّیّار: موج البحر (4) و لجّته.

و كلمة ثمّ للترتیب الحقیقی أو الذكری، و لعلّ المراد بالفاسق: عمر.

و قوله علیه السلام: لا یحفل .. أی لا یبالی (5)، و اللّامحة: النّاظرة (6).

«29»-نهج (7): مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی الْمَلَاحِمِ: وَ أَخَذُوا یَمِیناً وَ شِمَالًا ظَعْناً (8) فِی مَسَالِكِ الْغَیِّ، وَ تَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ، فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ، وَ لَا تَسْتَبْطِئُوا مَا یَجِی ءُ بِهِ الْغَدُ، فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ یُدْرِكْهُ، وَ مَا أَقْرَبَ الْیَوْمَ مِنْ تَبَاشِیرِ غَدٍ. یَا قَوْمِ! هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ (9) كُلِّ مَوْعُودٍ،

ص: 615


1- النهایة 1- 126، و قارنه بلسان العرب 1- 34.
2- كما فی لسان العرب 1- 513، و الصحاح 1- 159، و غیرهما.
3- قال فی القاموس 3- 109: صبغه بها- كمنعه و ضربه و نصره- صبغا و صبغا- كعنب- لوّنه. وقریب منه ما فی لسان العرب ٨ _ ٤٣٨ قال : .. والصبغ _ فی كلام العرب _ التغییر ، ومنه بغ الثوب : إذا غیر لونه وأزیل عن حاله إلی حال سواد أو حمرة أو صفرة.
4- صرّح به فی مجمع البحرین 3- 234، و الصحاح 2- 602.
5- نصّ علیه فی القاموس 3- 358، و الصحاح 4- 1671، و غیرهما.
6- قال فی القاموس 1- 247: لمح إلیه- كمنع-: اختلس النظر .. و هو لامح و لموح. و نحوه فی لسان العرب 2- 584.
7- نهج البلاغة- محمّد عبده- 2- 35- 36، صبحی صالح: 208- 209، خطبة 150، مع اختلاف بینهما.
8- فی نهج البلاغة- محمّد عبده-: طعنا. قال فی مجمع البحرین 6- 278: یقال: ظعن ظعنا و ظعنا- بالإسكان و التّحریك من باب نفع- .. أیّ سار و ارتحل. و قال فیه أیضا 6- 277: طعن فی المفازة: ذهب.
9- لا توجد فی (س): ورود.

وَ دُنُوٌّ مِنْ (1) طَلْعَةِ مَا لَا تَعْرِفُونَ، أَلَا وَ إِنَّ (2) مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا یَسْرِی فِیهَا بِسِرَاجٍ مُنِیرٍ، وَ یَحْذُوا فِیهَا عَلَی مِثَالِ الصَّالِحِینَ، لِیَحُلَّ فِیهَا رِبْقاً، وَ یُعْتِقَ رِقّاً (3)، وَ یَصْدَعَ شُعَباً، وَ یَشْعَبَ صَدْعاً، فِی سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ، لَا یُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَ لَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ، ثُمَّ لَیُشْحَذَنَّ فِیهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَیْنِ النَّصْلَ، تُجْلَی بِالتَّنْزِیلِ أَبْصَارُهُمْ، وَ یُرْمَی بِالتَّفْسِیرِ فِی مَسَامِعِهِمْ، وَ یُغْبَقُونَ (4) كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ.

مِنْهَا: وَ طَالَ الْأَمَدُ بِهِمْ لِیَسْتَكْمِلُوا الْخِزْیَ وَ یستوجب (یَسْتَوْجِبُوا) (5) الْغِیَرَ، حَتَّی إِذَا اخْلَوْلَقَ الْأَجَلُ، وَ اسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَی الْفِتَنِ، وَ اشْتَالُوا (6) عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ، لَمْ یَمُنُّوا عَلَی اللَّهِ بِالصَّبْرِ، وَ لَمْ یَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِی الْحَقِّ، حَتَّی إِذَا (7) وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلَاءِ، حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَی أَسْیَافِهِمْ، وَ دَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ، حَتَّی إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ رَجَعَ قَوْمٌ عَلَی الْأَعْقَابِ، وَ غَالَتْهُمُ (8) السُّبُلُ، وَ اتَّكَلُوا عَلَی الْوَلَائِجِ (9)، وَ وَصَلُوا غَیْرَ الرَّحِمِ، وَ هَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِی أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ، وَ نَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ (10) فِی غَیْرِ

ص: 616


1- فی (س): و دومن .. و لعلّها: و دنوّ من، سقطت نونها.
2- لا توجد: إن، فی طبعة محمّد عبده من النّهج.
3- فی طبعة صبحی صالح من النّهج: و یعتق فیها رقّا.
4- فی (س) نسخة: تغبقون.
5- فی المصدر: و یستوجبوا. و هو الّذی یقتضیه السّیاق.
6- فی المصدر: و أشالوا.
7- لا توجد: إذا، فی (س).
8- فی (س): عالتهم.
9- قال فی مجمع البحرین 2- 334: قوله تعالی: «وَ لَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً»، أیّ بطانة و دخلا من المشركین .. و الولیجة: كلّ شی ء أدخلته فی شی ء و لیس منه، و الرّجل یكون فی القوم و لیس منهم. أقول: : لعل الامام علیه السلام أشار إلی بعض مصادیق الآیة.
10- لا توجد: فبنوه، فی (س).

مَوْضِعِهِ، مَعَادِنُ كُلِّ خَطِیئَةٍ، وَ أَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِی غَمْرَةٍ (1). قَدْ مَارُوا فِی الْحَیْرَةِ، وَ ذَهَلُوا عَنِ (2) السَّكْرَةِ عَلَی سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَی الدُّنْیَا رَاكِنٍ، أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّینِ مُبَایِنٍ.

بیان:

نصب (ظعنا) و (تركا) علی المصدر و العامل فیهما من غیر لفظهما، أو مصدران قاما مقام الفاعل.

قوله علیه السلام: مرصد .. علی المفعول .. أی مترقّب معدّ (3) لا بدّ من كونه.

و تباشیر كلّ شی ء: أوائله (4).

و إبّان الشّی ء- بالكسر و التشدید-: وقته و زمانه (5)، و لعلّه إشارة إلی ظهور القائم علیه السلام.

قوله علیه السلام: إنّ من أدركها منّا.

أی قائم آل محمّد صلّی اللَّه علیه و آله.

و سری- كضرب- و أسری .. أی سار باللّیل (6).

و الرّبق- بالفتح: شدّ الشّاة بالربق و هو الخیط (7).

ص: 617


1- قال فی المجمع 3- 428: الغمرة: الشدّة، قوله تعالی: «فَذَرْهُمْ فِی غَمْرَتِهِمْ» .. أیّ فی حیرتهم و جهلهم.
2- فی طبعتی النّهج و فی نسخة جاءت فی (ك): فی، بدلا من: عن.
3- ذكره فی مجمع البحرین 3- 52، و الصحاح 2- 474.
4- كما فی مجمع البحرین 3- 222، و الصحاح 2- 591، و غیرهما.
5- جاء فی مجمع البحرین 6- 197، و الصحاح 5- 2066.
6- نصّ علیه فی القاموس 4- 341، و الصحاح 6- 2376، و غیرهما.
7- قال فی القاموس 3- 234، الرّبق- بالكسر-: حبل فیه عدّة عری یشدّ به البهم، كلّ عروة ربقة- بالكسر- .. و ربقه یربقه و یربقه: جعل رأسه فی الربقة. و قال أیضا: الرّبق- و یكسر-: الشدّ. وقریب منه فی الصحاح ٤ _ ١٤٨٠.

و الصّدع: التّفریق (1) و الشّقّ (2).

و الشّعب: الجمع (3).

قوله علیه السلام: فی سترة.

أشار علیه السلام به إلی غیبة القائم علیه السلام.

و القائف: الّذی یتّبع الآثار و یعرفها (4).

و شحذت السّكّین: حددته (5) .. أی لیحرصنّ فی تلك الملاحم قوم علی الحرب، و یشحذ عزائمهم فی قتل أهل الضلال كما یشحذ القین- و هو الحدّاد (6) النّصل: كالسّیف و غیره (7).

و یجلی بالتّنزیل: .. أی یكشف (8) الرین و الغطاء عن قلوبهم بتلاوة القرآن و إلهامهم تفسیره و معرفة أسراره، و كشف الغطاء عن مسامع قلوبهم.

و الغبوق: الشّرب بالعشیّ، تقول منه (9) غبقت الرّجل أغبقه- بالضم فاغتبق هو (10) .. أی تفاض علیهم المعارف صباحا و مساء، و القوم: أصحاب القائم علیه السلام.

قوله علیه السلام: و طال الأمد بهم.

هذا متّصل بكلام قبله لم یذكره.

ص: 618


1- قال فی كتاب العین 1- 292: صدّعتهم فتصدّعوا .. أی فرّقتهم فتفرّقوا. و نحوه فی الصحاح 3- 1242.
2- كما فی مجمع البحرین 4- 358، و الصحاح 3- 1241، و القاموس 3- 49.
3- صرّح به فی مجمع البحرین 2- 90، و الصحاح 1- 156، و غیرهما.
4- قاله فی النهایة 4- 121، و لسان العرب 9- 293.
5- ذكره فی مجمع البحرین 3- 182، و الصحاح 2- 565، و غیرهما.
6- جاء فی الصحاح 6- 2185، و القاموس 4- 262.
7- صرّح به فی الصحاح 5- 1830، و قال فی مجمع البحرین 5- 484: النصل: حدیدة السهم و الرمح و السكین و السیف ما لم یكن له مقبض.
8- صرّح به فی مجمع البحرین 1- 90، و انظر: القاموس 4- 313.
9- لا توجد: منه، فی (س).
10- نصّ علیه فی الصحاح 4- 1535، و قریب منه فی لسان العرب 10- 281.

السیّد رضی اللَّه عنه، و الأمد: الغایة (1).

و الغیر: اسم من قولك غیّرت الشّی ء فتغیّر .. أی تغیّر الحال و انتقالها من الصّلاح إلی الفساد (2).

و اخلولق الأجل .. أی قرب انقضاء أمرهم (3)، من اخلولق السّحاب ..

أی استوی و صار خلیقا بأن یمطر، و اخلولق الرّسم: استوی بالأرض (4).

و استراح قوم .. أی مال قوم (5) من شیعتنا إلی هذه الفئة الضالّة و اتّبعوها تقیّة أو لشبهة دخلت علیهم.

و اشتالوا .. أی رفعوا أیدیهم (6) و سیوفهم، و استعار اللّقاح- بفتح اللام (7) لإثارة الحرب لشبهها بالناقة.

و قوله علیه السلام: حتّی (8) إذا قبض اللَّه .. لعلّه منقطع عمّا قبله إلّا أن یحمل (من طال الأمد بهم) فی الكلام المتقدّم علی من كان من أهل الضلال قبل الإسلام، و لا یخفی بعده.

و بالجملة، الكلام صریح فی شكایته علیه السلام عن (كذا) الذین غصبوا الخلافة منه.

ص: 619


1- جاء فی مجمع البحرین 3- 8، و المصباح المنیر 1- 29، و غیرهما.
2- نصّ علیه فی النهایة 3- 401، و انظر: الصحاح 2- 776، و مجمع البحرین 3- 432.
3- قال فی مجمع البحرین 5- 158: و اخلولق الأجل: إذا تقادم عهده. و قال فی لسان العرب 10- 91: اخلولقت السماء أن تمطر .. أی قاربت و شابهت.
4- كما فی القاموس 3- 229، و الصحاح 4- 1472، و غیرهما.
5- قال فی القاموس 1- 224، و استراح إلیه: استنام. و قال فی لسان العرب 2- 461: و الراحة: ضدّ التعب، و استراح الرجل من الراحة. أقول: : استفادة المیل من هذه الكلمة بتضمین هذا المعنی فیه.
6- فی الصحاح 5- 1742، و لسان العرب 11- 374: الشول و الإشالة بمعنی الرفع. و أمّا الاشتیال من باب الافتعال و مشتقاته فلم نجده فی كتب اللغة التی بأیدینا، فتأمّل.
7- لا توجد: اللام، فی (س).
8- فی (س) لا توجد: حتی.

و غالتهم السّبل .. أی أهلكتهم (1).

و وصلوا غیر الرحم .. أی غیر رحم رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله.

و السبب الذی أمروا بمودّته أهل البیت علیهم السلام كما

قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: خَلَّفْتُ فِیكُمُ الثَّقَلَیْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَیْتِی حَبْلَانِ مَمْدُودَانِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَی الْأَرْضِ لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ (2).

كلّ ضارب فی غمرة .. أی سائر فی غمرة (3) الضلالة و الجهالة.

قد ماروا فی الحیرة .. أی تردّدوا و اضطربوا فیها (4).

و المنقطع إلی الدّنیا: هو المنهمك فی لذاتها (5) و المفارق للدین هو الزاهد الذی یترك الدنیا للدنیا، أو یعمل علی الضلالة و الردی، و سیأتی فیما سنورده من كتبه علیه السلام و غیرها ما هو صریح فی الشكایة.

«30»-مِنْهَا (6): مَا كَتَبَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی كِتَابٍ لَهُ إِلَی مُعَاوِیَةَ: وَ كِتَابُ اللَّهِ یَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا (7) وَ هُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ (8): وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ (9)، وَ قَوْلُهُ تَعَالَی: إِنَّ أَوْلَی النَّاسِ بِإِبْراهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ

ص: 620


1- كما فی القاموس 4- 26، و لسان العرب 11- 507، و غیرهما.
2- هذا الحدیث قد مرّت مصادره منّا مجملا و جاء بألفاظ متعدّدة، و انظر أیضا: تفسیر البرهان 1- 9 14، و الغدیر 3- 65، 80، 297، و 6- 330 و 7- 176، و 10- 278 و غیرها.
3- كما فی مجمع البحرین 2- 104، و الصحاح 1- 168.
4- ذكره فی القاموس 2- 136، و لسان العرب 5- 186، و غیرهما.
5- قال فی مجمع البحرین 4- 381: و فلان منقطع إلی فلان .. أی لم یأنس بغیره، و جاء فی تاج العروس 5- 476: و انقطع فلان إلی فلان: إذا انفرد بصحبته خاصّة، و هو مجاز.
6- نهج البلاغة- محمّد عبده- 3- 32- 34، و صبحی صالح: 387- 388، ضمن كتاب رقم 28 بإسقاط فقرة عند النّقل.
7- جاء فی مجمع البحرین 3- 182 ما نصّه: فی الحدیث: الشّاذّ عنك یا علیّ فی النّار .. أیّ المنفرد المعتزل عنك و لم یتبع أمرك و حكمك فی النّار، یقال: شذّ عنه یشذّ شذوذا: انفرد عنه.
8- فی نهج البلاغة- صبحی صالح-: سبحانه و تعالی.
9- الأنفال: 75.

وَ هذَا النَّبِیُّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِیُّ الْمُؤْمِنِینَ (1) فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَی بِالْقَرَابَةِ وَ تَارَةً بِالطَّاعَةِ، وَ لَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَی الْأَنْصَارِ یَوْمَ السَّقِیفَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَلَجُوا عَلَیْهِمْ، فَإِنْ یَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ (2) فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ، وَ إِنْ یَكُنْ بِغَیْرِهِ فَالْأَنْصَارُ عَلَی دَعْوَاهُمْ (3).

وَ قُلْتُ إِنِّی كُنْتُ أُقَادُ كَمَا یُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ (4) حَتَّی أُبَایِعَ، وَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ، وَ أَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ، وَ مَا عَلَی الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ (5) فِی أَنْ یَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ یَكُنْ شَاكّاً فِی دِینِهِ وَ لَا مُرْتَاباً بِیَقِینِهِ ...

«31»-وَ مِنْهَا (6): مَا كَتَبَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی جَوَابِ عَقِیلٍ: .. فَدَعْ عَنْكَ قُرَیْشاً وَ تَرْكَاضَهُمْ (7) فِی الضَّلَالِ، وَ تَجْوَالَهُمْ فِی الشِّقَاقِ، وَ جِمَاحَهُمْ فِی التِّیهِ (8)، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَی حَرْبِی كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَی حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (9) قَبْلِی فَجَزَتْ قُرَیْشاً عَنِّی الْجَوَازِی، فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِی، وَ سَلَبُونِی سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّی.

ص: 621


1- آل عمران: 68.
2- الفلج: الظّفر و الفوز، و قد فلج الرّجل علی خصمه یفلج فلجا. نصّ علیه فی الصّحاح 1- 335.
3- هنا سقط جاء فی النّهج: و زعمت أنّی لكلّ الخلفاء حسدت، و علی كلّهم بغیت، فإن یكن ذلك كذلك فلیس الجنایة علیك فیكون العذر إلیك. *** وتلك شكاة ظاهر عنك عارها .. أقول: : وصدر البیت هكذا :و عیرها الواشون أنی أحبها. وهذا البیت لأبی ذؤیب.
4- قال فی النّهایة 4- 119: قاد البعیر و اقتاده بمعنی: جرّه خلفه، و قال فیه 2- 34: البعیر المخشوش: هو الّذی جعل فی أنفه الخشاش، و قال فی صفحة 33 من هذا المجلّد: الخشاش:
5- جاء فی مجمع البحرین 4- 218: غضاضة .. أیّ ذلّة و منقصة.
6- نهج البلاغة- محمّد عبده- 3- 61، و صبحی صالح: 409 ضمن كتاب برقم 36.
7- تركاض- تفعال من الركض- و هو تحریك الرّجل، قاله فی القاموس 2- 332، و نحوه: التجوال.
8- قال فی صحاح اللّغة 1- 360: جمح الفرس جموحا و جماحا: إذا اعتزّ فارسه و غلبه. و ذكر فی الصّحاح 6- 2229: تاه فی الأرض: ذهب متحیّرا، یتیه تیها و تیهانا.
9- فی طبعة صبحی صالح من النّهج: و آله و سلم.

وَ فِی كِتَابِ الْإِمَامَةِ وَ السِّیَاسَةِ لِابْنِ قُتَیْبَةَ (1): فَإِنَّ قُرَیْشاً قَدِ اجْتَمَعَتْ عَلَی حَرْبِ أَخِیكَ اجْتِمَاعَهَا عَلَی حَرْبِ (2) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) (3) قَبْلَ الْیَوْمِ..

«32»-وَ مِنْهَا (4): مَا كَتَبَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی كِتَابٍ لَهُ إِلَی أَهْلِ مِصْرَ- وَ هُمُ الْعُمْدَةُ فِی قَتْلِ عُثْمَانَ-: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی الْقَوْمِ الَّذِینَ غَضِبُوا لِلَّهِ حِینَ عُصِیَ فِی أَرْضِهِ وَ ذُهِبَ بِحَقِّهِ وَ ضَرَبَ (5) الْجَوْرُ (6) سُرَادِقَهُ عَلَی الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ الْمُقِیمِ وَ الظَّاعِنِ، فَلَا مَعْرُوفٌ یُسْتَرَاحُ إِلَیْهِ وَ لَا مُنْكَرٌ یُتَنَاهَی عَنْهُ..

«33»-وَ مِنْهَا (7): مَا كَتَبَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی كِتَابٍ لَهُ إِلَی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ الْأَنْصَارِیِّ: .. بَلَی كَانَتْ فِی أَیْدِینَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَیْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِینَ (8)، وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ ...

«34»-وَ مِنْهَا (9): مَا كَتَبَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی كِتَابٍ لَهُ إِلَی أَهْلِ مِصْرَ: .. فَلَمَّا مَضَی (10) تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ یُلْقَی فِی رُوعِی وَ لَا یَخْطُرُ عَلَی بَالِی (11) أَنَّ الْعَرَبَ تُعَرِّجُ (12) هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) عَنْ أَهْلِ بَیْتِهِ، وَ لَا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّی مِنْ بَعْدِهِ ...

ص: 622


1- الإمامة و السّیاسة: 55- طبعة مؤسّسة الوفاء، بیروت-.
2- لا توجد: حرب، فی المصدر.
3- فی النّهج لصبحی صالح: و آله و سلم.
4- نهج البلاغة- محمّد عبده- 3- 63، و صبحی صالح: 410- 411، ضمن كتاب برقم 38.
5- فی المصدر: فضرب.
6- فی (ك) نسخة: الحذر.
7- نهج البلاغة- محمّد عبده- 3- 71، و صبحی صالح: 417 ضمن كتاب برقم 45.
8- فی المصدر: نفوس قوم آخرین.
9- نهج البلاغة- محمّد عبده- 3- 118- 119، و صبحی صالح: 451 ضمن كتاب برقم 62.
10- فی المصدر: مضی علیه السّلام.
11- فی المصدر: و لا یخطر ببالی.
12- فی النّهج: تزعج.

«35»-ثُمَّ كَتَبَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ بَیْعَةَ النَّاسِ لَهُ (1): .. فَنَهَضْتُ فِی تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّی زَاحَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ، وَ اطْمَأَنَّ الدِّینُ وَ تَنَهْنَهَ (2) ...

«36»-وَ مِنْهَا: قَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ (3): قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ وَ لَمَعَ لَامِعٌ وَ لَاحَ لَائِحٌ، وَ اعْتَدَلَ مَائِلٌ، وَ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وَ بِیَوْمٍ یَوْماً وَ انْتَظَرْنَا الْغِیَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ، وَ إِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَی خَلْقِهِ وَ عُرَفَاؤُهُ (4) عَلَی عِبَادِهِ، لَا یَدْخُلُ (5). الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ، وَ لَا یَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ ..

«37»-وَ مِنْهَا: قَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی الْبَیْعَةِ (6): .. فَنَظَرْتُ فِی أَمْرِی فَإِذَا طَاعَتِی قَدْ سَبَقَتْ بَیْعَتِی، وَ إِذَا الْمِیثَاقُ فِی عُنُقِی لِغَیْرِی.

و قد مرّ فی هذا الكتاب و سیأتی (7) من تظلّمه علیه السلام منهم و شكایته علیه السلام عنهم، و قدحه فیهم، لا سیّما ما أوردناه فی باب غصب الخلافة (8)، و باب مثالب الثلاثة، و باب ما جری بینه و بین عثمان، و ما ذكره فی الإحتجاج علی من یطلب ثاره، و ما ذكره لأبی ذرّ عند إخراجه .. ما لو أعدناه لكان أكثر ممّا أوردنا بكثیر، لكن الأمر علی الطالب یسیر، و الجرعة تدلّ علی الغدیر، و الحبّة علی البیدر الكبیر.

و قد قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (9) فِی شَرْحِ قَوْلِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیكَ

ص: 623


1- نهج البلاغة- محمّد عبده- 3- 119، و صبحی صالح: 451 ضمن كتاب برقم 62.
2- قال فی القاموس 4- 294: نهنه عن الأمر فتنهنه: كفّه و زجره فكفّ. أراد علیه السّلام أنّه قد ثبت فی موضعه.
3- نهج البلاغة- محمّد عبده- 2- 40- 41، و صبحی صالح: 212 ضمن خطبة 152.
4- فی (ك) نسخة: عرفا.
5- فی نهج صبحی صالح: و لا یدخل.
6- نهج البلاغة- محمّد عبده- 1- 89، و صبحی صالح: 81 ذیل خطبة 37.
7- بحار الأنوار 8- 651 و 669 و ما بعدهما- طبعة كمبانی- الحجریة- و یكون أوّل المجلد الرابع و الثلاثین- الذی لم یطبع إلی هذا التاریخ ..
8- بحار الأنوار 28- 85 و 175.
9- فی شرحه علی النّهج 11- 111، بتصرف یسیر.

عَلَی قُرَیْشٍ .. قَدْ رَوَی كَثِیرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِینَ أَنَّهُ عَقِیبَ یَوْمِ السَّقِیفَةِ تَأَلَّمَ وَ تَظَلَّمَ وَ اسْتَنْجَدَ (1) وَ اسْتَصْرَخَ حَتَّی سَئِمُوهُ الْحُضُورَ وَ الْبَیْعَةَ، وَ أَنَّهُ قَالَ- وَ هُوَ یُشِیرُ إِلَی الْقَبْرِ-:

یَ: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ كادُوا یَقْتُلُونَنِی (2) وَ أَنَّهُ قَالَ: وَا جَعْفَرَاهْ! وَ لَا جَعْفَرَ لِیَ الْیَوْمَ، وَا حَمْزَتَاهْ! وَ لَا حَمْزَةَ لِیَ الْیَوْمَ.

وَ قَالَ (3) فِی شَرْحِ قَوْلِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَ قَدْ قَالَ لِی قَائِلٌ: إِنَّكَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ لَحَرِیصٌ، وَ هُوَ قَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: إِنَّ لَنَا حَقّاً، إِنْ نُعْطَهُ نَأْخُذْهُ وَ إِلَّا نَرْكَبُ لَهُ أَعْجَازَ (4) الْإِبِلِ وَ إِنْ طَالَ السُّرَی.

و قد ذكره الهروی فی الغریبین (5)، و فسّره بوجهین (6).

و قال الجزری فی النهایة: منه حدیث علیّ علیه السلام: لنا حقّ .. و ذكر الخبر ثم قال: الرّكوب علی أعجاز الإبل شاقّ .. أی منعنا (7) حقّنا ركبنا مركب المشقّة صابرین علیها و إن طال الأمد.

ص: 624


1- استنجدنی فأنجدته: استعان بی فأعنته، قاله فی الصّحاح 2- 542.
2- الأعراف: 150.
3- فی شرحه علی نهج البلاغة 9- 307، بتصرف.
4- فی المصدر: و إن نمنعه نركب أعجاز ..
5- كتاب الغریبین- لم یطبع- و لا نعرف له نسخة صحیحة إلّا قطعة منه فی المكتبة الرضویة علی صاحبها آلاف التحیة فی خراسان، و لعلّ شیخنا المجلسی أخذه عن شرح ابن أبی الحدید، و إن عدّه فی المجلد الأول من جملة مصادره. أقول: : الوجهان : أحدهما : إن راكب عجز البعیر یلحقه مشقة وضرر ، فأراد أنا إذا منعنا حقنا صبرنا علی المشقة والمضرة كما یصبر راكب عجز البعیر .. وهذا التفسیر قریب مما فسره الرضی. والوجه الثانی : أن راكب عجز البعیر إنما یكون إذا كان غیره قد ركب علی ظهر البعیر ، وراكب ظهر البعیر متقدم علی راكب عجز البعیر ، فأراد أنا إذا منعنا حقنا تأخرنا وتقدم غیرنا علینا ، فكنا كالراكب ردیفا لغیره ، وأكد المعنی علی كلا التفسیرین بقوله : وإن طال السری .. إلی آخره.
6- كما فی شرح النهج لابن أبی الحدید 1- 195.
7- فی المصدر: أی إن منعنا، و هو الظاهر.

و قال (1): ضرب أعجاز الإبل مثلا لتأخّره عن حقّه الّذی كان یراه له، و تقدّم غیره علیه، و أنّه یصیر علی ذلك و إن طال أمده .. أی إن قدّمنا للإمامة تقدّمنا و إن أخّرنا صبرنا علی الأثرة و إن طالت الأیّام.

و قیل: یجوز أن یریدوا إن تمنعه ببذل (2) الجهد فی طلبه فعل من یضرب فی طلبته (3) أكباد الإبل و لا یبالی باحتمال طول السّری، و الأوّلان أوجه، لأنّه سلّم و صبر علی التّأخّر و لم یقاتل، و إنّما قاتل بعد انعقاد الإمامة له (4). انتهی.

و رواه ابن قتیبة (5)، و قال: معناه ركبنا مركب الضیم و الذلّ، لأنّ راكب عجز البعیر یجد مشقّة، لا سیّما إذا تطاول به الركوب علی تلك الحال، و یجوز أن یكون أراد نصبر علی أن نكون أتباعا لغیرنا، لأنّ راكب عجز البعیر یكون ردفا لغیره.

وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (6) أَیْضاً أَنَّ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهَا حَرَّضَتْهُ یَوْماً عَلَی النُّهُوضِ وَ الْوُثُوبِ، فَسَمِعَ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ لَهَا: أَ یَسُرُّكَ زَوَالُ هَذَا النِّدَاءِ مِنَ الْأَرْضِ؟! قَالَتْ: لَا. قَالَ:

فَإِنَّهُ مَا أَقُولُ لَكِ.

وَ رَوَی- أَیْضاً- (7)، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ قَالَ: قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا رَأَیْتُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ

ص: 625


1- فی النهایة: و قیل.
2- فی المصدر: إن یرید و أن نمنعه نبذل .. و هو الظاهر.
3- فی نهایة ابن الأثیر: فی ابتغاء طلبته.
4- النهایة 3- 185- 186.
5- راجعنا الإمامة و السیاسة أكثر من مرّة، و كذا عیون الأخبار، و تأویل مختلف الحدیث فلم نجد العبارة فیها، فلاحظ.
6- فی شرحه علی نهج البلاغة 11- 113 بنصه.
7- ابن أبی الحدید فی شرحه 4- 108 بتصرف.

رَخَاءً، لَقَدْ أَخَافَتْنِی قُرَیْشٌ صَغِیراً وَ أَنْصَبَتْنِی كَبِیراً حَتَّی قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَتِ (1) الطَّامَّةُ الْكُبْرَی، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ (2)..

وَ رَوَی ابْنُ قُتَیْبَةَ- وَ هُوَ مِنْ أَعَاظِمِ رُوَاةِ الْمُخَالِفِینَ- فِی كِتَابِ الْإِمَامَةِ وَ السِّیَاسَةِ (3)

أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ أُتِیَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ (4) وَ هُوَ یَقُولُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ! فَقِیلَ لَهُ: بَایِعْ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ، وَ (5) لَا أُبَایِعُكُمْ وَ أَنْتُمْ أَوْلَی بِالْبَیْعَةِ لِی، أَخَذْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَ احْتَجَجْتُمْ عَلَیْهِمْ (6) بِالْقَرَابَةِ مِنَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ تَأْخُذُونَهُ (7) مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتَ غَصْباً، أَ لَسْتُمْ زَعَمْتُمْ لِلْأَنْصَارِ أَنَّكُمْ أَوْلَی بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ لِمَكَانِ (8) مُحَمَّدٍ (صلی اللّٰه علیه و آله) مِنْكُمْ؟! فَأَعْطَوْكُمُ الْمَقَادَةَ (9)، وَ سَلَّمُوا إِلَیْكُمُ الْإِمَارَةَ، فَأَنَا (10) أَحْتَجُّ عَلَیْكُمْ بِمِثْلِ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَی الْأَنْصَارِ، نَحْنُ أَوْلَی بِرَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله) حَیّاً وَ مَیِّتاً فَأَنْصِفُونَا إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (11)، وَ إِلَّا فَبُوءُوا بِالظُّلْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ لَسْتَ مَتْرُوكاً حَتَّی تُبَایِعَ!. فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ (علیه السلام): احْلِبْ حَلْباً لَكَ شَطْرُهُ اشْدُدْهُ لَهُ الْیَوْمَ (12)

ص: 626


1- فی المصدر: حتّی قبض اللّٰه رسوله فكانت.
2- یوسف: 18.
3- فی الإمامة و السّیاسة: 11- 12، بإجمال.
4- فی المصدر: ثمّ إنّ علیّا كرّم اللّٰه وجهه أتی به إلی أبی بكر ..
5- لا توجد الواو فی المصدر.
6- فی (س): علیه، بدلا من: علیهم.
7- فی الإمامة و السّیاسة: و تأخذونه.
8- فی الإمامة و السّیاسة: لمّا كان.
9- فی (س): المفادة، و لم نجد له معنی مناسبا فیما بأیدینا من كتب اللّغة، و المقادة بمعنی القیادة، فراجع القاموس 1- 330، و الصّحاح 2- 528.
10- فی المصدر: و أنا.
11- فی المصدر: تؤمنون، بدلا من: تخافون اللّٰه من أنفسكم.
12- فی الإمامة و السّیاسة: و اشدد له الیوم أمره.

یَرْدُدْهُ (1) عَلَیْكَ غَداً، ثُمَّ قَالَ: وَ اللَّهِ یَا عُمَرُ لَا أَقْبَلُ قَوْلَكَ، وَ لَا أُبَایِعُهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ لَمْ تُبَایِعْنِی فَلَا أُكْرِهُكَ. فَقَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: یَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ! اللَّهَ .. اللَّهَ لَا (2) تُخْرِجُوا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی الْعَرَبِ مِنْ دَارِهِ وَ قَعْرِ بَیْتِهِ إِلَی دُورِكُمْ وَ قُعُورِ بُیُوتِكُمْ، وَ تَدْفَعُوا أَهْلَهُ عَنْ مَقَامِهِ مِنَ النَّاسِ وَ حَقِّهِ، فَوَ اللَّهِ یَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ- لَنَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ، مَا كَانَ فِیهَا الْقَارِئُ لِكِتَابِ اللَّهِ، الْفَقِیهُ فِی دِینِ اللَّهِ، الْعَالِمُ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

ثم

قَالَ ابْنُ قُتَیْبَةَ (3): وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی: أَخْرِجُوا عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فَمَضَوْا بِهِ إِلَی أَبِی بَكْرٍ، فَقَالُوا لَهُ: بَایِعْ. فَقَالَ: إِنْ أَنَا لَمْ أَفْعَلْ فَمَهْ؟!. فَقَالُوا: إِذًا وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ نَضْرِبَ عُنُقَكَ. قَالَ (4): إِذًا تَقْتُلُونَ عَبْدَ اللَّهِ وَ أَخَا رَسُولِهِ.

فَقَالَ (5) عُمَرُ: أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَنَعَمْ، وَ أَمَّا أَخَا رَسُولِ اللَّهِ فَلَا، وَ أَبُو بَكْرٍ سَاكِتٌ لَا یَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَ لَا تَأْمُرُ فِیهِ بِأَمْرِكَ؟. فَقَالَ: لَا أُكْرِهُهُ عَلَی شَیْ ءٍ مَا كَانَتْ فَاطِمَةُ إِلَی جَنْبِهِ، فَلَحِقَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَصِیحُ وَ یَبْكِی وَ یُنَادِی یَ: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ كادُوا یَقْتُلُونَنِی (6) ..

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ قُتَیْبَةَ: (7) أَنَّهُمَا جَاءَا إِلَی فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ مُعْتَذِرِینَ، فَقَالَتْ:

نَشَدْتُكُمَا بِاللَّهِ (8) أَ لَمْ تَسْمَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: رِضَا فَاطِمَةَ مِنْ

ص: 627


1- فی (ك): یردّه.
2- لا توجد: لا، فی (س).
3- الإمامة و السّیاسة: 13.
4- فی (ك): فقال.
5- فی المصدر: قال.
6- الأعراف: 150.
7- الإمامة و السّیاسة: 13- 14.
8- فی المصدر: اللّٰه.

رِضَایَ وَ سَخَطُ فَاطِمَةَ ابْنَتِی (1) مِنْ سَخَطِی؟. وَ مَنْ أَحَبَّ فَاطِمَةَ ابْنَتِی فَقَدْ أَحَبَّنِی (2)، وَ مَنْ أَسْخَطَ فَاطِمَةَ فَقَدْ أَسْخَطَنِی؟. قَالا: نَعَمْ، سَمِعْنَاهُ (3). قَالَتْ:

فَإِنِّی أُشْهِدُ اللَّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ أَنَّكُمَا أَسْخَطْتُمَانِی وَ مَا أَرْضَیْتُمَانِی، وَ لَئِنْ لَقِیتُ النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَأَشْكُوَنَّكُمَا إِلَیْهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا عَائِذٌ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِهِ وَ سَخَطِكِ یَا فَاطِمَةُ.

ثُمَّ انْتَحَبَ أَبُو بَكْرٍ بَاكِیاً تَكَادُ نَفْسُهُ (4) أَنْ تَزْهَقَ، وَ هِیَ تَقُولُ: وَ اللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَلَیْكَ فِی كُلِّ صَلَاةٍ، وَ أَبُو بَكْرٍ یَبْكِی وَ یَقُولُ: وَ اللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ اللَّهَ لَكِ فِی كُلِّ صَلَاةٍ (5) أُصَلِّیهَا .. ثُمَّ خَرَجَ بَاكِیاً.

«38»-وَ رَوَی أَیْضاً ابْنُ قُتَیْبَةَ (6) أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ: فَاجْزِ قُرَیْشاً عَنِّی بِفِعَالِهَا، فَقَدْ قَطَعَتْ رَحِمِی، وَ ظَاهَرَتْ عَلَیَّ، وَ سَلَبَتْنِی سُلْطَانَ ابْنِ عَمِّی، وَ سَلَّمَتْ ذَلِكَ مِنْهَا (7) لِمَنْ لَیْسَ فِی قَرَابَتِی وَ حَقِّی فِی الْإِسْلَامِ، وَ سَابِقَتِیَ الَّتِی لَا یَدَّعِی مِثْلَهَا مُدَّعٍ إِلَّا أَنْ یَدَّعِیَ مَا لَا أَعْرِفُهُ (8)، وَ لَا أَظُنُّ اللَّهَ یَعْرِفُهُ.

«39»-وَ رَوَی أَیْضاً (9) أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ عَلَیْهِمَا السَّلَامُ: وَ ایْمُ اللَّهِ- یَا بُنَیَّ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً (10) مَبْغِیّاً عَلَیَّ مُنْذُ هَلَكَ جَدُّكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

ص: 628


1- لا توجد: ابنتی، فی (س) و لا فی المصدر.
2- فی الإمامة و السّیاسة زیادة: و من أرضی فاطمة فقد أرضانی.
3- فی المصدر: قال: نعم، سمعناه من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه علیه (و آله) و سلم.
4- فی الإمامة و السّیاسة: أبو بكر یبكی حتّی كادت نفسه.
5- قوله: صلاة، و أبو بكر یبكی و یقول: و اللّٰه لأدعونّ اللّٰه لك فی كلّ .. لا توجد فی المصدر. و لا یخفی أنّ طبعتی الإمامة و السّیاسة فی بیروت محرّفة جدّا و أسقط الكثیر من أمثال هذه المطالب منها، و یوجد بعضها فی طبعة القاهرة، فراجع.
6- فی الإمامة و السّیاسة: 55- 56 تحت عنوان: خروج علیّ من المدینة.
7- لا توجد: منها فی المصدر، و هو الظّاهر.
8- فی الإمامة و السّیاسة: ما لا أعرف.
9- الإمامة و السّیاسة: 49.
10- لا توجد: فی المصدر: مظلوما.

«40»-وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1) أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ قَالَ:- وَ قَدْ سَمِعَ صَارِخاً یُنَادِی أَنَا مَظْلُومٌ-، فَقَالَ: هَلُمَّ فَلْنَصْرَخْ مَعاً، فَإِنِّی مَا زِلْتُ مَظْلُوماً.

«41»-وَ قَالَ (2): قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا زِلْتُ مُسْتَأْثَراً عَلَیَّ مَدْفُوعاً عَمَّا أَسْتَحِقُّهُ وَ أَسْتَوْجِبُهُ.

«42»-وَ قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ اجْزِ قُرَیْشاً فَإِنَّهَا مَنَعَتْنِی حَقِّی وَ غَصَبَتْنِی أَمْرِی (3).

«43»-وَ رَوَی (4) أَیْضاً، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیكَ عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی، وَ غَصَبُونِی حَقِّی، وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی أَمْراً كُنْتُ أَوْلَی بِهِ.

«44»-وَ (5) عَنِ الشَّعْبِیِّ، عَنْ شُرَیْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: قَالَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیكَ عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی وَ وَضَعُوا (6) إِنَائِی، وَ صَغَّرُوا عَظِیمَ مَنْزِلَتِی، وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی.

«45»-وَ رَوَی السَّیِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ فِی كِتَابِ الطَّرَائِفِ (7) مِنَ الصَّحِیحَیْنِ

ص: 629


1- فی شرحه علی نهج البلاغة 9- 307، و بهذا المضمون عدّة روایات ذكرها ابن أبی الحدید فی مواطن متعدّدة فی شرحه علی النّهج، جملة منها فی 4- 106 و ما بعدها نذكر واحدة منها مثالا، قال: و روی شیخنا أبو القاسم البلخیّ، عن سلمة بن كهیل، عن المسیّب بن نجبة، قال: بینا علیّ علیه السّلام یخطب إذ قام أعرابیّ فصاح: وا مظلمتاه! فاستدناه علیّ علیه السّلام، فلمّا دنا قال له: إنّما لك مظلمة واحدة، و أنا قد ظلمت عدد المدر و الوبر، قال: و فی روایة عبّاد بن یعقوب، إنّه دعاه فقال له: ویحك! و أنا و اللّٰه مظلوم أیضا، هات فلندع علی من ظلمنا.
2- ابن أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغة 9- 307 ..
3- كما فی شرح ابن أبی الحدید 9- 306 و فیه: أخز، بدلا من: اجز.
4- ابن أبی الحدید فی شرحه علی النّهج 4- 104.
5- كما رواه ابن أبی الحدید فی شرح النّهج 4- 103- 104.
6- فی المصدر: و أصغوا.
7- الطّرائف 1- 270 حدیث 369، باب ما جری علی فاطمة سلام اللّٰه علیها من الأذی و الظّلم و منعها من فدك.

وَ الْجَمْعِ بَیْنَهُمَا (1) لِلْحَمِیدِیِّ بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ وَ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مَا هَذَا لَفْظُهُ: فَلَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِیُّ رَسُولِ اللَّهِ .. فَجِئْتُمَا، أَنْتَ تَطْلُبُ مِیرَاثَكَ مِنِ ابْنِ أَخِیكَ، وَ یَطْلُبُ هَذَا مِیرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِیهَا ..

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِیَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَرَأَیْتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً، وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ؟! ثُمَّ تُوُفِّیَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِیُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ وَلِیُّ أَبِی بَكْرٍ فَرَأَیْتُمَانِی كَاذِباً (2) آثِماً غَادِراً خَائِناً؟! وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنِّی لَصَادِقٌ بَارٌّ تَابِعٌ لِلْحَقِّ! فَوُلِّیتُهَا، ثُمَّ جِئْتَ أَنْتَ وَ هَذَا وَ أَنْتُمَا جَمِیعٌ وَ أَمْرُكُمَا وَاحِدٌ فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَیْنَا.

أقول:: قد رأیت هذا الخبر فی الصحیحین (3) و حكاه فی جامع الأصول (4) عنهما (5) و عن الترمذی (6) و النسائی (7) و أبی داود (8)، عن الحمیدی بألفاظ مختلفة ..

من أراد الاطّلاع علیه فلیراجعه.

ص: 630


1- الجمع بین الصّحیحین، لا نعلم بطبعه، و قد بحثنا عنه.
2- لا توجد: كاذبا، فی (س).
3- صحیح مسلم 3- 1377 كتاب الجهاد باب 15 حكم الفی ء حدیث 49، و صحیح البخاریّ 8- 185 كتاب الفرائض باب قول النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله: لا نورث.
4- جامع الأصول 2- 697- 709 حدیث 1202 باب الفی ء، و 4- 104 حدیث 2078، و 4- 636 و 637 و 639 حدیث 7438 و 7439 و 7441. و انظر: صحیح مسلم 3- 1377 كتاب الجهاد باب 15 حكم الفی ء حدیث 49، و صحیح البخاریّ 8- 158 كتاب الفرائض، و سنن البیهقیّ 6- 296 كتاب قسم الفی ء و الغنیمة. و قد مرّ الحدیث بمصادره.
5- فی (س): فیهما، و هو غلط.
6- صحیح الترمذی 4- 158 كتاب السیر باب 44 حدیث 1610.
7- سنن النسائی 7- 128- 137 باب الفی ء.
8- سنن أبی داود: 3- 139- 140 حدیث 2963، و ذكر القصّة مفصّلا، فراجع.

«46»-وَ قَالَ السَّیِّدُ الْمُرْتَضَی عَلَمُ الْهُدَی رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی الشَّافِی (1): قَدْ رَوَی جَمِیعُ أَهْلِ السِّیَرِ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسَ لَمَّا تَنَازَعَا فِی الْمِیرَاثِ وَ تَخَاصَمَا إِلَی عُمَرَ، قَالَ عُمَرُ: مَنْ یَعْذِرُنِی مِنْ (2) هَذَیْنِ، وُلِّیَ أَبُو بَكْرٍ (3). فَقَالا: عَقَّ وَ ظَلَمَ، وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ بَرّاً تَقِیّاً، ثُمَّ وُلِّیتُ فَقَالا: عَقَّ وَ ظَلَمَ (4). وَ غَیْرُ خَافٍ عَلَیْهِمْ وَ إِنَّمَا كَانُوا یُجَامِلُونَهُ وَ یُجَامِلُهُمْ (5).

«47»-وَ رَوَی أَحْمَدُ بْنُ أَعْثَمَ الْكُوفِیُّ فِی تَارِیخِهِ (6)، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْحَسَدَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِیكَ وَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِی سَائِرِ النَّاسِ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ یَلِ أُمُورَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ بَعْدَ (7) النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) إِلَّا وَ لَهُ قَدْ حَسَدْتَ، وَ عَلَیْهِ تَعَدَّیْتَ (8)، وَ عَرَفْنَا ذَلِكَ مِنْكَ فِی النَّظَرِ الشَّزْرِ (9)، وَ قَوْلِكَ الْهَجْرِ، وَ تَنَفُّسِكَ الصُّعَدَاءَ، وَ إِبْطَائِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ، تُقَادُ إِلَی الْبَیْعَةِ كَمَا یُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ (10) حَتَّی تُبَایِعَ وَ أَنْتَ كَارِهٌ، ثُمَّ إِنِّی لَا أَنْسَی فِعْلَكَ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَلَی قِلَّةِ الشَّرْحِ وَ الْبَیَانِ، وَ وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَنَطْلُبَنَّ قَتَلَةَ

ص: 631


1- الشّافی 3- 227 (الحجریة: 204).
2- فی (ك): فی بدلا من: من.
3- كان فی المتن و المغنّی: لأبو بكر، و هو غلط، و ما أثبتناه من المصدر.
4- هنا سقط جاء فی المصدر و هو: و هذا الكلام من أوضح دلیل علی أنّ تظلمه (علیه السلام) من القوم كان ظاهرا لهم.
5- و انظر: تلخیص الشّافی 3- 52.
6- الفتوح 2- 578- 579 باختلاف یسیر.
7- فی المصدر: لم تكن أمور هذه الأمّة لأحد بعد .. و المعنی واحد.
8- فی الفتوح: و علیه قد بغیت ..
9- فی المصدر: فی نظرك الشّزر. قال فی الصّحاح 2- 696: نظر إلیه شزرا: و هو نظر الغضبان بمؤخّر العین.
10- فی المصدر: كما یقاد الجمل الشّارد. قال فی الصّحاح 3- 1004: الخشاش: الّذی یدخل فی عظم أنف البعیر و هو من خشب. قال: و الإبل المخشوش: هی الّتی فی أنفها الخشاش.

عُثْمَانَ (1) فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ الْجِبَالِ وَ الرِّمَالِ حَتَّی نَقْتُلَهُمْ أَوْ لَنُلْحِقَنَّ أَرْوَاحَنَا بِاللَّهِ، وَ السَّلَامُ.

فَكَتَبَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ أَتَانِی كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِیهِ حَسَدِی لِلْخُلَفَاءِ، وَ إِبْطَائِی عَلَیْهِمْ، وَ النَّكِیرَ لِأَمْرِهِمْ (2) فَلَسْتُ أَعْتَذِرُ مِنْ ذَلِكَ إِلَیْكَ وَ لَا إِلَی غَیْرِكَ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قُبِضَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ اخْتَلَفَ الْأُمَّةُ، قَالَتْ قُرَیْشٌ: مِنَّا الْأَمِیرُ، وَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: بَلْ مِنَّا الْأَمِیرُ، فَقَالَتْ قُرَیْشٌ: مُحَمَّدٌ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) (3) مِنَّا، وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَسَلَّمَتِ الْأَنْصَارُ لِقُرَیْشٍ الْوِلَایَةَ وَ السُّلْطَانَ، فَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّهَا قُرَیْشٌ بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) دُونَ الْأَنْصَارِ، فَنَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ غَیْرِنَا .. إِلَی قَوْلِهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ:

وَ قَدْ كَانَ أَبُوكَ (4) أَبُو سُفْیَانَ جَاءَنِی فِی الْوَقْتِ الَّذِی بَایَعَ النَّاسُ فِیهِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ لِی: أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَیْرِكَ، وَ أَنَا یَدُكَ عَلَی مَنْ خَالَفَكَ، وَ إِنْ شِئْتَ لَأَمْلَأَنَّ الْمَدِینَةَ خَیْلًا وَ رَجِلًا عَلَی ابْنِ أَبِی قُحَافَةَ، فَلَمْ أَقْبَلْ ذَلِكَ، وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَنَّ أَبَاكَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فَكُنْتُ أَنَا الَّذِی أَبَیْتُ عَلَیْهِ مَخَافَةَ الْفُرْقَةِ بَیْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ تَعْرِفْ مِنْ حَقِّی مَا كَانَ أَبُوكَ یَعْرِفُهُ لِی فَقَدْ أَصَبْتَ رُشْدَكَ، وَ إِنْ أَبَیْتَ فَهَا أَنَا قَاصِدٌ إِلَیْكَ، وَ السَّلَامُ (5)..

«48»-وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (6)، عَنِ الْكَلْبِیِّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ

ص: 632


1- كأنّ فی المصدر سقط، إذ لا توجد فیه عبارة: علی قلّة الشّرح و البیان، و و اللّٰه الّذی لا إله إلّا هو لنطلبنّ قتلة عثمان ..
2- فی المصدر زیادة و تغییر: و إبطائی عنهم، فأمّا الحسد فمعاذ اللّٰه أن یكون ذلك، و أمّا الإبطاء عنهم و الكره لأمرهم ..
3- توجد هنا زیادة: دون الأنصار، فی (س).
4- فی طبعة (س): أباك، و یمكن توجیه العبارة.
5- انظر: المستدرك للحاكم 3- 78، و الاستیعاب 4- 87، و كنز العمّال 3- 141 .. و غیرها.
6- فی شرحه علی النّهج 1- 308 (و فی طبعة أخری: 1- 102) بتصرف.

الْمَسِیرَ إِلَی الْبَصْرَةِ، قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ- بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ-: .. إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَبَضَ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ اسْتَأْثَرَتْ عَلَیْنَا قُرَیْشٌ بِالْأَمْرِ، وَ دَفَعَتْنَا عَنْ حَقٍّ نَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ النَّاسِ كَافَّةً، فَرَأَیْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَی ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِیقِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِینَ، وَ سَفْكِ دِمَائِهِمْ، وَ النَّاسُ حَدِیثُو عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَ الدِّینُ یَمْخَضُ مَخْضَ (1) الْوَطْبِ (2) یُفْسِدُهُ أَدْنَی وَهْنٍ، وَ یَعْتِكُهُ (3) أَقَلُّ خُلْفٍ (4)، فَوُلِّیَ الْأَمْرَ قَوْمٌ لَمْ یَأْلُوا فِی أَمْرِهِمْ اجْتِهَاداً، ثُمَّ انْتَقَلُوا إِلَی دَارِ الْجَزَاءِ، وَ اللَّهُ وَلِیُّ تَمْحِیصِ سَیِّئَاتِهِمْ، وَ الْعَفْوِ عَنْ هَفَوَاتِهِمْ (5).

«49»-وَ رَوَی- أَیْضاً (6)

، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِیِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنَادَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ الْحِجَازِ أُرِیدُ الْعِرَاقَ فِی أَوَّلِ إِمَارَةِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَمَرَرْتُ بِمَكَّةَ فَاعْتَمَرْتُ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِینَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِذَا (7) نُودِیَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَ خَرَجَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ مُتَقَلِّداً سَیْفَهُ، فَشَخَصَتِ الْأَبْصَارُ نَحْوَهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ

ص: 633


1- فی (س): یمحّض محض.
2- ورد فی حاشیة (ك) هنا ما یلی: و فیه: أنّه أتی بوطب فیه لبنّ .. الوطب: الزّقّ الّذی یكون فیه السّمن و اللّبن، و هو جلد الجذع فما فوقه، و جمعه أوطاب و وطاب، و منه حدیث أم زرع: خرج أبو زرع و الأوطاب تمخض لیخرج زبدها. النّهایة. انظر : النهایة ٥ _ ٢٠٣. وسیأتی للمصنف قدّس سرّه بیان فیها.
3- فی حاشیة (ك): و عتك اللّبن و النّبیذ: اشتدّت حموضته. قاموس. انظر : القاموس ٣ _ ٣١٢. وسیأتی لها مزید بیان : وقد تقرأ فی (س) : یعكسه. وفی المصدر :یعكه.
4- فی الغدیر و (س): خلق. و ورد فی حاشیة (ك): خلف فم الصّائم خلوفا- من باب قعد-: تغیّرت ریحه .. و خلّفت الطّعام خلوفا: تغیّرت ریحه أو طعمه. مصباح المنیر. انظر : المصباح المنیر ١ _ ٢١٦ ، وفیه : وخلف الطعام : تغیرت ..
5- انظر: الغدیر 9- 381 و قد حكاه عن شرح النّهج.
6- فی شرح النّهج لابن أبی الحدید 1- 307، بتصرف.
7- فی المصدر: إذ .. و هو الظّاهر.

عَلَیْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قُلْنَا: نَحْنُ أَهْلُهُ وَ وَرَثَتُهُ وَ عِتْرَتُهُ وَ أَوْلِیَاؤُهُ دُونَ النَّاسِ، لَا یُنَازِعُنَا سُلْطَانَهُ أَحَدٌ، وَ لَا یَطْمَعُ فِی حَقِّنَا طَامِعٌ، إِذِ انْتَزَی (1) لَنَا قَوْمُنَا فَغَصَبُونَا سُلْطَانَ نَبِیِّنَا، فَصَارَتِ الْإِمْرَةُ لِغَیْرِنَا، وَ صِرْنَا سُوقَةً (2) یَطْمَعُ فِینَا الضَّعِیفُ وَ یَتَغَزَّرُ (3) عَلَیْنَا الذَّلِیلُ (4)، فَبَكَتِ الْأَعْیُنُ مِنَّا لِذَلِكَ، وَ خَشُنَتِ (5) الصُّدُورُ، وَ جَزِعَتِ النُّفُوسُ، وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ لَا مَخَافَةُ الْفُرْقَةِ بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ، وَ أَنْ یَعُودَ الْكُفْرُ، وَ یَبُورَ الدِّینُ، لَكُنَّا عَلَی غَیْرِ مَا كُنَّا لَهُمْ عَلَیْهِ، فَوَلِیَ النَّاسَ (6) وُلَاةٌ لَمْ یَأْلُوا النَّاسَ خَیْراً، ثُمَّ اسْتَخْرَجْتُمُونِی- أَیُّهَا النَّاسُ- مِنْ بَیْتِی فَبَایَعْتُمُونِی (7)..

«50»-وَ قَالَ السَّیِّدُ الْجَلِیلُ ابْنُ طَاوُسٍ فِی كِتَابِ الطَّرَائِفِ (8): رَوَی أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَرْدَوَیْهِ (9) فِی كِتَابِهِ- وَ هُوَ مِنْ أَعْیَانِ أَئِمَّتِهِمْ-، وَ رَوَاهُ أَیْضاً الْمُسَمَّی عِنْدَهُمْ صَدْرَ الْأَئِمَّةِ أَخْطَبُ خُطَبَاءِ خُوارِزْمَ مُوَفَّقُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَكِّیُّ ثُمَّ الْخُوارِزْمِیُّ فِی كِتَابِ الْأَرْبَعِینَ، قَالَ: عَنِ الْإِمَامِ الطَّبَرَانِیِّ (10)، عَنْ سَعِیدٍ الرَّازِیِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَیْدٍ، عَنْ زَافِرِ بْنِ سُلَیْمَانَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ (11)، قَالَ: كُنْتُ عَلَی الْبَابِ یَوْمَ الشُّورَی فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ بَیْنَهُمْ، فَسَمِعْتُ عَلِیّاً عَلَیْهِ

ص: 634


1- فی شرح النّهج: انبری. قال فی الصّحاح 6- 2280: انبری له: اعترض له.
2- السّوقة: الرّعیّة للواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث، ذكره فی القاموس 3- 248.
3- فی المصدر: یتعزز، و فی (ك): یتعرز: قال فی الصّحاح 2- 744: التّعزیر: التّعظیم و التّوقیر. ویتغزر _ من الغزارة _ .. أی الكثرة ، كما فی الصحاح ٢ _ ٧٧٠.
4- فی (س): الضّعیف.
5- فی المصدر: خشیت.
6- فی المصدر: فولی الأمر.
7- فی شرح النّهج: فبایعتمونی علی شین منّی لأمركم و .. إلی آخره.
8- الطّرائف: 411.
9- فی المصدر: أحمد بن موسی بن مردویه.
10- فی مطبوع البحار: البطرانی، و هو غلط.
11- فی الطّرائف: عن أبی الطّفیل عامر بن واثلة.

السَّلَامُ یَقُولُ: بَایَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَ أَنَا- وَ اللَّهِ- أَوْلَی بِالْأَمْرِ مِنْهُ وَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ (1)، فَسَمِعْتُ وَ أَطَعْتُ مَخَافَةَ أَنْ یَرْجِعَ الْقَوْمُ كُفَّاراً یَضْرِبُ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ بِالسَّیْفِ، ثُمَّ بَایَعَ أبا (أَبُو) بَكْرٍ (2) لِعُمَرَ وَ أَنَا أَوْلَی بِالْأَمْرِ مِنْهُ، فَسَمِعْتُ وَ أَطَعْتُ مَخَافَةَ أَنْ یَرْجِعَ الْقَوْمُ كُفَّاراً، ثُمَّ أَنْتُمْ تُرِیدُونَ أَنْ تَبَایِعُوا عُثْمَانَ إِذَنْ لَا أَسْمَعُ وَ لَا أُطِیعُ (3).

«51»-وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی رَوَاهَا ابْنُ مَرْدَوَیْهِ أَیْضاً .. وَ سَاقَ قَوْلَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَنْ مُبَایَعَتِهِمْ لِأَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِی الرِّوَایَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ سَوَاءً، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِی عُثْمَانَ: ثُمَّ أَنْتُمْ تُرِیدُونَ أَنْ تُبَایِعُوا عُثْمَانَ إِذَنْ لَا أَسْمَعُ وَ لَا أُطِیعُ، إِنَّ عُمَرَ جَعَلَنِی فِی خَمْسَةِ نَفَرٍ أَنَا سَادِسُهُمْ لَا یَعْرِفُ لِی فَضْلًا فِی الصَّلَاحِ وَ لَا یَعْرِفُونَهُ لِی، كَأَنَّمَا نَحْنُ فِیهِ شَرَعٌ سَوَاءٌ، وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لَتَكَلَّمْتُ ثُمَّ لَا یَسْتَطِیعُ عَرَبِیُّكُمْ وَ لَا عَجَمِیُّكُمْ وَ لَا الْمُعَاهِدُ مِنْكُمْ وَ لَا الْمُشْرِكُ رَدَّ خَصْلَةٍ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ:

أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَیُّهَا الْخَمْسَةُ أَ مِنْكُمْ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ غَیْرِی؟! قَالُوا: لَا .. (4).

، ثم ساق الحدیث فی ذكر مناقبه علیه السلام إلی آخر ما سیأتی فی باب الشوری بأسانید جمّة و طرق مختلفة.

ثم قال السیّد رضی اللَّه عنه: و من طرائف ما نقلوه فی كتبهم المعتبرة بروایة رؤسائهم من إظهار علیّ بن أبی طالب علیه السلام الكراهیّة من (5) تقدّم أبی بكر و عمر و عثمان فی الخلافة، و أنّه كان أحقّ بها منهم بمحضر الخلق الكثیر علی المنابر و علی رءوس الأشهاد ما (6) ذكره جماعة من أهل التواریخ و العلماء (7).

ص: 635


1- لا توجد: منه، فی (س)، و المصدر كالمتن.
2- كذا، و الظّاهر: بایع أبو بكر أیّ أخذ البیعة لعمر.
3- الطّرائف: 411- 412.
4- الطّرائف: 412.
5- فی المصدر: للتألّم من ..
6- فی (ك): و ما.
7- الطرائف: 416.

«52»-وَ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ فِی الْجُزْءِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْعِقْدِ (1)، وَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِیُّ فِی كِتَابِ الْأَوَائِلِ (2) فِی الْخُطْبَةِ الَّتِی خَطَبَ بِهَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ عَقِیبَ مُبَایَعَةِ النَّاسِ لَهُ- وَ هِیَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا- فَقَالَ، بَعْدَ إِشَارَاتٍ ظَاهِرَةٍ وَ بَاطِنَةٍ إِلَی التَّأَلُّمِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ وَ مِمَّنْ وَافَقَهُمْ- مَا هَذَا لَفْظُهُ-: وَ قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ مِلْتُمْ فِیهَا عَنِ الْحَقِّ مَیْلًا كَثِیراً كُنْتُمْ فِیهَا غَیْرَ مَحْمُودِینَ.

و قال ابن عبد ربّه: لم تكونوا فیها محمودین.،

أما إنّی لو أشاء أن أقول لقلت عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، سبق الرجلان و قام (3) الثالث كالغراب همّته بطنه، ویله! لو قصّ جناحاه و قطع رأسه لكان خیرا له، انظروا فإن أنكرتم فأنكروا و إن عرفتم فاعرفوا ..

ثُمَّ یَقُولُ فِی آخِرِهَا مَا هَذَا لَفْظُهُ- عَلَی مَا حَكَاهُ صَاحِبُ كِتَابِ الْعِقْدِ-: أَلَا إِنَّ الْأَبْرَارَ مِنْ (4) عِتْرَتِی وَ أَطَایِبِ أَرُومَتِی أَحْلَمُ النَّاسِ صِغَاراً وَ أَعْلَمُهُمْ كِبَاراً، أَلَا وَ إِنَّا أَهْلُ بَیْتٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلِمْنَا، وَ بِحُكْمِ اللَّهِ حَكَمْنَا، وَ مِنْ قَوْلِ صَادِقٍ سَمِعْنَا، فَإِنْ تَتَّبِعُوا آثَارَنَا تَهْتَدُوا بِبَصَائِرِنَا، مَعَنَا رَایَةُ الْحَقِّ مَنْ تَبِعَهَا لَحِقَ وَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا غَرِقَ، أَلَا وَ بِنَا یُرَدُّ تِرَةُ (5) كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَ بِنَا تُخْلَعُ رِبْقَةُ الذُّلِّ مِنْ أَعْنَاقِهِمْ، وَ بِنَا فُتِحَ، وَ بِنَا یُخْتَمُ (6).

أقول:و ممّا یؤیّد شكایته علیه السلام عنهم ما سیأتی من سوء معاشرتهم له علیه السلام و سعیهم فی إطفاء نوره و إضمار ذكره.

ص: 636


1- العقد الفرید 4- 66، فی وسط خطبة.
2- الأوائل- القسم الأوّل-: 290.
3- فی العقد: و نام.
4- لا توجد: من، فی المصدر.
5- قال فی القاموس 2- 152: الوتر- بالكسر و یفتح-: الذّحل .. كالترة. و فی المصدر: بنا ترد ترة كلّ ..
6- العقد الفرید 4- 66- 67 باختلاف یسیر (دار الكتب العلمیة- بیروت: 4- 157).

«53»-وَ رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ (1)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ یَوْماً عَلَی عُمَرَ، فَقَالَ لِی: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! لَقَدْ أَجْهَدَ هَذَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِی الْعِبَادَةِ حَتَّی نحلت (نَحَلَتْهُ) (2) رِیَاءً.

قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟.

قَالَ عُمَرُ (3): الْأَجْلَحُ (4)

یَعْنِی عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ-.

قُلْتُ: وَ مَا یَقْصِدُ بِالرِّیَاءِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ؟.

قَالَ: یُرَشِّحُ (5) نَفْسَهُ بَیْنَ النَّاسِ لِلْخِلَافَةِ.

قُلْتُ: وَ مَا یَصْنَعُ بِالتَّرْشِیحِ؟! قَدْ رَشَّحَهُ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَصُرِفَتْ عَنْهُ.

قَالَ: إِنَّهُ كَانَ شَابّاً حَدَثاً فَاسْتَصْغَرَتِ الْعَرَبُ سِنَّهُ، وَ قَدْ كَمَلَ الْآنَ، أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ یَبْعَثْ نَبِیّاً إِلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِینَ؟!.

قُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! أَمَّا أَهْلُ الْحِجَی وَ النُّهَی فَإِنَّهُمْ مَا زَالُوا یَعُدُّونَهُ كَامِلًا مُنْذُ رَفَعَ اللَّهُ مَنَارَ الْإِسْلَامِ، وَ لَكِنَّهُمْ یَعُدُّونَهُ مَحْرُوماً مَحْدُوداً (6).

فَقَالَ (7): أَمَا إِنَّهُ سَیَلِیهَا بَعْدَ هِیَاطٍ وَ مِیَاطٍ، ثُمَّ تَزِلُّ فِیهَا قَدَمُهُ، وَ لَا یَقْضِی

ص: 637


1- فی شرح النّهج 12- 80، بتصرف.
2- فی المصدر: نحلته.
3- فی المصدر: فقال: هذا ابن عمّك.
4- الجلح: فوق النّزع، و هو انحسار الشّعر عن جانبی الرّأس، أوّله النّزع، ثمّ الجلح، ثمّ الصّلع، و قد جلح الرّجل- بالكسر- فهو أجلح: بین الجلح، ذكره فی الصّحاح 1- 359. و لا یوجد فی المصدر: الأجلح.
5- قال فی الصّحاح 1- 365: فلان یرشح للوزارة .. أیّ یربّی و یؤهّل لها.
6- فی المصدر: مجدودا. أقول: جدّدت الشّی ء أجده- بالضّمّ- جدّا: قطعته، و ثوب جدید، و هو فی معنی مجدود، و یراد به حین جدّه الحائك .. أیّ قطعه، قاله فی الصّحاح 2- 454.
7- فی (ك): فقال له.

فِیهَا (1) إِرْبَهُ (2)، وَ لَتَكُونَنَّ شَاهِداً ذَلِكَ (3) یَا عَبْدَ اللَّهِ، ثُمَّ یَتَبَیَّنُ الصُّبْحُ لِذِی عَیْنَیْنِ، وَ یَعْلَمُ الْعَرَبُ صِحَّةَ رَأْیِ الْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ الَّذِینَ صَرَفُوكَهَا عَنْهُ بَادِئَ بَدْءٍ، فَلَیْتَنِی أَرَاكُمْ بَعْدِی- یَا عَبْدَ اللَّهِ- إِنَّ الْحِرْصَ مُحَرَّمَةٌ، وَ إِنَّ الدُّنْیَا (4) كَظِلِّكَ كُلَّمَا هَمَمْتَ بِهِ ازْدَادَ عَنْكَ بُعْداً..

قَالَ: وَ نَقَلْتُ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَمَالِی مُحَمَّدِ بْنِ حَبِیبٍ (5).

وَ رَوَی- أَیْضاً (6)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ إِلَی الشَّامِ (7) فَانْفَرَدَ یَوْماً یَسِیرُ عَلَی بَعِیرِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ لِی: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَشْكُو إِلَیْكَ ابْنَ عَمِّكَ، سَأَلْتُهُ أَنْ یَخْرُجَ مَعِی فَلَمْ یَفْعَلْ، وَ لَا أَزَالُ أَرَاهُ وَاجِداً، فَبِمَا (8) تَظُنُّ مَوْجِدَتَهُ (9)؟.

قُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ! إِنَّكَ لَتَعْلَمُ.

قَالَ: أَظُنُّهُ لَا یَزَالُ كَئِیباً لِفَوْتِ الْخِلَافَةِ.

قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، إِنَّهُ یَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَرَادَ الْأَمْرَ لَهُ.

فَقَالَ: یَا ابْنَ عَبَّاسٍ! وَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (10) فَكَانَ مَا ذَا إِذَا لَمْ یُرِدِ اللَّهُ تَعَالَی ذَلِكَ! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِذَا أَرَادَ أمر (أَمْراً) (11) وَ أَرَادَ اللَّهُ غَیْرَهُ، نَفَذَ مُرَادُ اللَّهِ وَ لَمْ یَنْفُذْ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ، أَ وَ كُلَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ

ص: 638


1- فی المصدر: منها.
2- الإرب: الحاجة، كما فی الصّحاح 1- 87.
3- لا توجد: ذلك، فی (س).
4- فی المصدر: دنیاك.
5- شرح النّهج لابن أبی الحدید 12- 81، بتصرف.
6- شرح ابن أبی الحدید علی النّهج 12- 78- 79، بتصرف، و فیه: و روی ابن عبّاس قال: ..
7- فی المصدر: فی إحدی خرجاته.
8- فی المصدر: فیم ..
9- فی مطبوع البحار: بوجدته.
10- فی المصدر زیادة هنا: الأمر له ..
11- كذا، و فی شرح النّهج: أراد أمرا. و هو الصّحیح.

كَانَ؟! إِنَّهُ أَرَادَ إِسْلَامَ عَمِّهِ وَ لَمْ یُرِدْهُ اللَّهُ فَلَمْ یُسْلِمْ!.

«54»-قَالَ (1): وَ قَدْ رُوِیَ مَعْنَی هَذَا الْخَبَرِ بِغَیْرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَ هُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَرَادَ أَنْ یُذَكِّرَهُ لِلْأَمْرِ فِی مَرَضِهِ فَصَدَدْتُهُ عَنْهُ (2) خَوْفاً مِنَ الْفِتْنَةِ وَ انْتِشَارِ (3) أَمْرِ الْإِسْلَامِ، فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا فِی نَفْسِی وَ أَمْسَكَ، وَ أَبَی اللَّهُ إِلَّا إِمْضَاءَ مَا حُتِمَ.

أقول: قد سبق و سیأتی فی أخبار فدك و غیرها ما یؤیّد ذلك.

توضیح:

قوله علیه السلام: وضعوا إنائی.

الظاهر: أكفئوا كما مرّ، و علی تقدیره لعلّ المعنی وضعوا عندهم للأكل أو ضیّعوه و حقّروه، و الأصوب: أصغوا- كما فی بعض النسخ- .. أی أمالوه (4) لینصبّ ما فیه، و هذا مثل شائع.

قال الجوهری: أصغیت إلی فلان: إذا ملت بسمعك نحوه، و أصغیت الإناء: أملته، یقال: فلان مصغی إناؤه: إذا نقص حقّه (5).

و قال فی النهایة: الوطب: الزّق الّذی یكون (6) فیه السّمن و اللّبن .. و منه الحدیث (7) و الأوطاب تمخض لیخرج (8) زبدها (9).

ص: 639


1- أیّ ابن أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغة 12- 79.
2- لا توجد: عنه، فی (س).
3- فی (ك): انتثار، و ورد فی حاشیتها ما یلی: نثرته نثرا- من باب قتل و ضرب- رمیت به متفرّقا فانتثر. انظر : المصباح المنیر ٢ _ ٢٩٥.
4- كما فی مجمع البحرین 1- 263، و المصباح المنیر 1- 466، و غیرها.
5- الصحاح 6- 2401.
6- لا توجد: یكون، فی (س).
7- فی المصدر: حدیث أم زرع.
8- لا توجد فی (س): لیخرج.
9- النهایة 5- 203، و مثله فی لسان العرب 1- 798.

و عتك: اللّبن- كضرب-: اشتدّت حموضته (1).

و الانتزاء: تسرّع الإنسان إلی الشّرّ، افتعال من النّزو، و هو الوثوب (2).

و السوقة- بالضّمّ-: الرّعیّة، و من دون الملك من النّاس (3)، و ما یظنّ أنّهم أهل الأسواق فهو وهم.

و قال الفیروزآبادی: ما زال فی هیاط و میاط- بكسرهما-: دنوّ و تباعد.

و قال: تهایطوا: اجتمعوا و أصلحوا أمرهم (4). و قال: المیاط- ككتاب-: الدّفع و الزّجر و المیل و الإدبار، و أشدّ الشّوق (5) فی الصّدر (6).

تذییل:

اشارة

أقول: لا یخفی علی المنصف- بعد ما أوردناه من الأخبار.-

بطلان خلافة الغاصبین زائدا علی ما قدّمناه، و لنوضّح ذلك بوجوه:
الأوّل:

إنّ الجمهور تمسّكوا فی ذلك بما ادّعوه من الإجماع و اعترفوا بعدم النصّ، فإذا ثبت تألّمه و تظلّمه علیه السلام قبل البیعة و بعدها ثبت عدم انعقاد الإجماع علی خلافة أبی بكر، و كیف یدّعی عاقل- بعد الإطّلاع علی تظلّماته علیه السلام و إنكاره لخلافتهم قبل البیعة و بعدها- كونها علی وجه الرضا دون الإجبار و الإكراه؟!.

الثانی:

إنّ إجباره صلوات اللّٰه علیه و آله علی البیعة علی الوجه الشنیع الذی رویناه من طریق المؤالف و المخالف و تهدیده بالقتل، و تشبیهه علیه السلام بثعلب یشهد له ذنبه، و بأمّ طحال، و إسناد ملازمة كلّ فتنة إلیه علی رءوس الأشهاد و ..

ص: 640


1- جاء فی القاموس 3- 312، و نظیره فی لسان العرب 10- 464.
2- ذكره فی مجمع البحرین 1- 413، و القاموس 4- 395، و غیرهما.
3- صرّح به فی النهایة 2- 424، و لسان العرب 10- 170.
4- القاموس 2- 393، و نحوه فی لسان العرب 7- 424.
5- فی (ك): السوق.
6- القاموس 2- 378، و مثله فی لسان العرب 7- 409- 410.

غیر ذلك من غصب حقّ فاطمة علیها السلام و ما جری من المشاجرات بینه علیه السلام و بینهم كما مرّ و سیأتی، و أشباه ذلك إیذاء له علیه السلام و إعلان لبغضه و عداوته و شتم له.

و سیأتی (1) أخبار متواترة من طرق الخاصّ و العامّ تدلّ علی كفر من سبّه و نفاق من أبغضه و عاداه، و أنّه عدوّ اللّٰه و عدوّ رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله، و لا ریب أنّ الهمّ بدفع أحد عن (2) مقامه اللّائق به و حطّه عن درجته و إتیان ما ینافی احترامه من أشنع المعاداة، مع أنّه قال عمر: إذن نضرب عنقك، و كذّبه علیه السلام فی دعوی المؤاخاة ..

و لا ریب ذو مسكة من العقل فی أنّ الكافر و المنافق و من یحذو حذوهما لا یصلحان لخلافة سیّد المرسلین صلّی اللّٰه علیه و آله.

«55»-وَ قَدْ رَوَی فِی الْمِشْكَاةِ (3)

الَّذِی هُوَ مِنْ أُصُولِهِمُ الْمُتَدَاوِلَةِ الْیَوْمَ- عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَیْشٍ (4) قَالَ: قَالَ لِی (5) عَلِیٌّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ: وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهِدَ إِلَیَّ النَّبِیُّ الْأُمِّیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ (6) أَنْ لَا یُحِبَّنِی إِلَّا مُؤْمِنٌ وَ لَا یُبْغِضَنِی إِلَّا مُنَافِقٌ (7).

«56»-وَ رَوَی- أَیْضاً (8)

بِأَسَانِیدَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَا یُحِبُّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ مُنَافِقٌ وَ لَا یُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ.

ص: 641


1- كذا، و انظر: بحار الأنوار 39- 246- 332.
2- فی (س): من، بدلا من: عن.
3- مشكاة المصابیح 3- 242 حدیث 6079 (الأولی: 563)، و انظر لمزید الاطّلاع: الغدیر 3- 183.
4- فی (ك): زرین جیش، و هو سهو.
5- لا توجد: لی، فی المشكاة.
6- فی المشكاة: .. لعهد النّبیّ (صلی اللّٰه علیه و آله) إلیّ- بتقدیم و تأخیر-.
7- جاء فی (ك): منافق، بدلا من: كافر، علی أنّه نسخة.
8- فی المشكاة 3- 245 حدیث 6091 (الأولی: 564)، و انظر: الغدیر 3- 185.

قَالَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ (1) وَ التِّرْمِذِیُّ (2) عَنْهَا (3) رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا أَیْضاً قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنْ سَبَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَدْ سَبَّنِی (4).

، قال:

رواه أحمد (5).

«57»-وَ رَوَی ابْنُ شِیرَوَیْهِ الدَّیْلَمِیُّ- وَ هُوَ مِنْ مَشَاهِیرِ مُحَدِّثِیهِمْ- فِی كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ (6) فِی بَابِ الْمِیمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: مَنْ سَبَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ فَقَدْ سَبَّنِی وَ مَنْ سَبَّنِی فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ، وَ مَنْ سَبَّ اللَّهَ أَدْخَلَهُ نَارَ جَهَنَّمَ، وَ لَهُ عَذَابٌ عَظِیمٌ.

«58»-وَ عَنْ سَلْمَانَ (7)، قَالَ: قَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا عَلِیُّ! مُحِبُّكَ مُحِبِّی وَ مُبْغِضُكَ مُبْغِضِی.

«59»-وَ عَنْ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (8)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: یَا عَلِیُّ! مَا یُبْغِضُكَ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا مُنَافِقٌ وَ مَنْ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَ هِیَ حَائِضٌ.

«60»-وَ رَوَی أَیْضاً (9) فِی بَابِ الثَّاءِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِیهِ فَلَیْسَ مِنِّی وَ لَا أَنَا مِنْهُ: مَنْ أَبْغَضَ عَلِیّاً

ص: 642


1- مسند أحمد بن حنبل 6- 292.
2- سنن التّرمذیّ 5- 643 باب 21، كتاب المناقب، حدیث 3736.
3- أیّ عن أمّ سلمة أم المؤمنین.
4- الرّوایة جاءت بمضامین مختلفة و أسانید متظافرة، انظرها فی الغدیر 10- 371 و ما بعدها، و غیره.
5- مسند أحمد بن حنبل 6- 323.
6- الفردوس 5- 410 حدیث 8319 (5- 319، حدیث 8313) و لاحظ ذیل الحدیث و ما یتلوه، و قد حكاه فی الغدیر 2- 300، و 10- 279 باختلاف و جملة أسانید، فلاحظ. و راجع مستدرك الحاكم 3- 121، و الجامع الصّغیر للسّیوطیّ 2- 608، حدیث 8736.
7- الفردوس 3- 542، حدیث 5689 (و لم نجده فی الطّبعة الأخری للفردوس) ، و انظر ذیل 542 حیث ذكر له مصادر جمّة.
8- كما فی الفردوس 5- 316، حدیث 8304 (طبعة أخری: 5- 408، حدیث 83313).
9- فی الفردوس 2- 85، حدیث 2459 (طبعة أخری 2- 134، حدیث 2278)، و انظر: كنز العمّال 11- 623، حدیث 33031، و ما یتلوه من الأحادیث كلّها فی هذا الباب.

وَ نَصَبَ لِأَهْلِ بَیْتِی، وَ مَنْ قَالَ: الْإِیمَانُ كَلَامٌ.

«61»-وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ (1)، عَنْ أَبِی سَلَمَةَ (2)، قَالَ: إِنَّا (3) كُنَّا لَنَعْرِفُ الْمُنَافِقِینَ- نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ- بِبُغْضِهِمْ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ (عَلَیْهِ السَّلَامُ) ،.

قال: أخرجه الترمذی (4).

«62»-وَ عَنْ (5) أَبِی سَعِیدٍ، قَالَ (6): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: لَا یُحِبُّ عَلِیّاً (عَلَیْهِ السَّلَامُ) مُنَافِقٌ وَ لَا یُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ.

، قال: أخرجه الترمذی (7).

وَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَیْشٍ (8)، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِیّاً (عَلَیْهِ السَّلَامُ) یَقُولُ: وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهِدَ النَّبِیُّ الْأُمِّیُّ إِلَیَّ أَنَّهُ لَا یُحِبُّنِی إِلَّا مُؤْمِنٌ وَ لَا یُبْغِضُنِی إِلَّا مُنَافِقٌ (9).

قال: أخرجه مسلم (10) و الترمذی (11) و النسائی (12).

ص: 643


1- جامع الأصول 8- 656، حدیث 6499.
2- كذا، و الصّحیح: أم سلمة، كما فی المصدر، و هی روایة للرّوایة التّالیة الّتی رواها المصنّف- طاب ثراه- عن أبی سعید، و قد وقع هنا خلط بین السندین، فراجع.
3- فی المصدر: أنّ، بدلا من: إنّا.
4- صحیح الترمذی فی كتاب المناقب منه 5- 635، حدیث 3718 باب 21، و قد ذكر له العلّامة الأمینی- رحمه اللّٰه- فی الغدیر 3- 182 جملة مصادر.
5- جامع الأصول 8- 656، حدیث 6498، و انظر بقیّة روایات الباب، و هناك جملة من المصادر جاءت فی الغدیر 9- 267.
6- فی المصدر: أم سلمة- رضی اللّٰه عنها- قالت .. كما مرّ فی تعلیقة رقم (2).
7- صحیح الترمذی 5- 635، حدیث 3719، باب 21، كتاب المناقب، و انظر ما سبقها و ما یلحقها من الروایات.
8- فی جامع الأصول: زر بن حبیس- بالسّین المهملة-.
9- جامع الأصول 8- 656، حدیث 6500.
10- صحیح مسلم 1- 86، حدیث 78 و 131، كتاب الإیمان، باب 33.
11- صحیح الترمذی 5- 643، حدیث 3737، من كتاب المناقب.
12- سنن النسائی 8- 117، كتاب الإیمان، باب علامة المنافق، و ذكرها و غیرها العلّامة الأمینی فی غدیره 3- 183 و غیره.

«63»-وَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِی الْإِسْتِیعَابِ (1)

وَ هُوَ مِنْ كُتُبِهِمُ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُتَدَاوِلَةِ الَّتِی عَلَیْهَا اعْتِمَادُهُمْ- رَوَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ قَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (2): لَا یُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَ لَا یُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ (3).

«64»-قَالَ (4): وَ كَانَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ یَقُولُ: وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَعَهِدَ النَّبِیُّ الْأُمِّیُّ إِلَیَّ أَنَّهُ لَا یُحِبُّنِی إِلَّا مُؤْمِنٌ وَ لَا یُبْغِضُنِی إِلَّا مُنَافِقٌ (5).

«65»-وَ قَالَ (6): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ: مَنْ أَحَبَّ عَلِیّاً فَقَدْ أَحَبَّنِی وَ مَنْ أَبْغَضَ عَلِیّاً فَقَدْ أَبْغَضَنِی، وَ مَنْ آذَی عَلِیّاً فَقَدْ آذَانِی، وَ مَنْ آذَانِی فَقَدْ آذَی اللَّهَ (7).

«66»-وَ قَالَ (8): رَوَی عَمَّارٌ الدُّهْنِیُّ، عَنِ الزُّبَیْرِ (9)، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِینَ إِلَّا بِبُغْضِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ (10).

، ثم قال- بعد ذكر أخبار كثیرة

ص: 644


1- الاستیعاب المطبوع بهامش الإصابة 3- 37.
2- فی المصدر: الترضیة، بدلا من التّسلیم.
3- جاء فی مصادر جمّة، كما فی كنز العمّال 11- 598، حدیث 32878، و صفحة: 622 من ذلك المجلّد، حدیث 33028، و صحیح التّرمذیّ 5- 643، حدیث 3736، و لاحظ بقیّة روایات الباب، و مجمع الزّوائد 9- 133، و ما سبقها و یلحقها من روایات، و حلیة الأولیاء 1- 98 و 4- 95 و 7- 195 فی فضائل علیّ علیه السّلام، و انظر مصادر أخری فی الغدیر 10- 278 و غیره.
4- ابن عبد البرّ فی الاستیعاب المطبوع علی هامش الإصابة 3- 37.
5- و انظر: صحیح البخاریّ 5- 22، باب مناقب علیّ بن أبی طالب علیه السّلام، و صحیح مسلم 4- 1870، حدیث 2404، و كتاب 44، باب 4، حدیث 30 و ما بعده، و صحیح التّرمذیّ 5- 632، حدیث 3712 و ما یلیه، و سنن سعید بن منصور 2- 178، حدیث 2472.
6- الاستیعاب المطبوع بهامش الإصابة 3- 46.
7- و جاء بهذا المضمون فی الجامع الصّغیر للسّیوطیّ 2- 554، حدیث 8319، و ذكر له فی الغدیر 3- 35 مصادر أخّر.
8- فی الاستیعاب 3- 46 المطبوع علی هامش الإصابة.
9- فی المصدر: روی عمّار الذهبی، عن ابن الزّبیر.
10- و صرّح به فی مجمع الزّوائد 9- 132، و مستدرك الحاكم 3- 129، و لاحظ ما بعده من الرّوایات، و فصلّها و مصادرها فی الغدیر 3- 183.

أخری فی فضائله علیه السلام-: و لهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها فی موضعها (1).

«67»-رَوَی ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِ النَّهْجِ (2)، عَنْ شَیْخِهِ أَبِی الْقَاسِمِ الْبَلْخِیِّ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِ اتَّفَقَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِیحَةُ الَّتِی لَا رَیْبَ عِنْدَ الْمُحَدِّثِینَ فِیهَا أَنَّ (3) النَّبِیَّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَالَ لِعَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ (4): لَا یُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ وَ لَا یُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ (5).

أقول:: سنورد فی المجلد التاسع فی أبواب فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام و مناقبه (6) تلك الأخبار و غیرها ممّا یدلّ علی ما نحن بصدده من طریق الخاصّة و العامّة، و إنّما أوردت هاهنا قلیلا منها من كتبهم المعتبرة المتداولة لئلّا یحتاج الناظر فی هذا المجلد إلی الرجوع إلی غیره، و كفی فی ذلك

مِمَّا (7) ذَكَرُوهُ مُتَوَاتِراً عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ یَوْمَ غَدِیرِ خُمٍّ: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ (8)

الثالث:
اشارة

إنّه علیه السلام صرّح فی كثیر من الروایات السالفة بأنّ الخلافة

ص: 645


1- قال فی الاستیعاب المطبوع بهامش الإصابة 3- 51: .. و فضائله لا یحیط بها كتاب، و قد أكثر الناس فی جمعها، و قال قبل ذلك: 48: .. و خطبه و مواعظه و وصایاه لعمّاله- إذا كان یخرجهم إلی أعماله- كثیرة مشهورة لم أر التعرض لذكرها لئلّا یطول الكتاب .. و هی حسان كلّها .. إلی آخره.
2- شرح النّهج 4- 83 بتصرف.
3- فی المصدر: لا ریب فیها عند المحدّثین علی أنّ ..
4- لا توجد: لعلیّ علیه السّلام، فی شرح النّهج، و لكنّ السّیاق دالّ علیه.
5- انظر: الغدیر 10- 278، و قال فی النّهایة 1- 161: و فیه: أنّ داود سأل سلیمان علیهما السّلام و یبتار علمه .. أیّ یختبره و یمتحنه، و منه الحدیث: كنّا نبور أولادنا بحبّ علیّ رضی اللّٰه عنه.
6- بحار الأنوار 37- 290- إلی آخر المجلد-، و المجلد الثامن و الثلاثون طرا.
7- إن مادّة الكفایة تستعمل بالباء كقوله تعالی: «كَفی بِاللَّهِ شَهِیداً»*، و تستعمل ب: من، كقولهم: كفاك من رجل .. أی حسبك ، لاحظ القاموس ٤ _ ٣٨٣.
8- و انظر كنز العمّال 13- 104، حدیث 36340 و ما یتلوه من أحادیث، و قد مرّت مصادر حدیث الغدیر مفصّلا، و ذكر بعضها العلّامة الأمینیّ فی الغدیر 1- 186، 193، 204، و 3- 25، فراجع.

كانت حقّا له، و إنّه كان مظلوما فیها، فلو كان علیه السلام یری إمامتهم حقّا و خلافتهم صحیحة و مع ذلك یتألّم و یتظلّم و یقول إنّما طلبت حقّا لی و أنتم تحولون بینی و بینه، و یصرّح بأنّه لو كان له أعوان لقاتلهم و لم یقعد عن طلب حقّه، لزمه إنكار الحقّ و الردّ علی اللّٰه و علی رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله، و الحسد (1) علیهم ب ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، و الجمهور- مع علوّ درجتهم فی النصب- لا یمكنهم التزام ذلك، فبعد ثبوت التألّم و التظلّم لا تبقی لأحد شبهة فی أنّه علیه السلام كان معتقدا لبطلان خلافتهم، و قد تواترت الأخبار بیننا و بینهم فی أنّه علیه السلام لم یفارق الحقّ و لم یفارقه- كما سیأتی فی أبواب فضائله علیه السلام- (2) و قد اعترف ابن أبی الحدید (3) و غیره بصحّة هذا الخبر بل تواتره.

و قَالَ الشَّهْرَسْتَانِیُّ (4) فِی جَوَابِ اسْتِدْلَالِ الْعَلَّامَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِقَوْلِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ: اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَیْثُ مَا دَارَ (5) ..

و غیره ممّا سبق ما هذا لفظه: إنّ هذا شی ء لا یرتاب فیه حتی یحتاج إلی دلیل.

و حدیث الثقلین أیضا متواتر كما ستعرف فی بابه (6)، و هو كاف فی هذا الباب.

و هل كان غصبهم الخلافة و صرفها عن أهل بیت النبیّ صلّی اللّٰه علیه و آله

ص: 646


1- لعلّها تقرأ فی (س): الحقد.
2- بحار الأنوار 38- 26- 40.
3- فی شرحه علی نهج البلاغة 2- 297.
4- شرح كشف الحقّ.
5- نهج الحقّ و كشف الصّدق 1- 224، و عد له مصادر فی الغدیر 10- 48. وقال الشهرستانی فی الملل والنحل : ٢٧ : .. وبالجملة كان علی رضی اللّٰه عنه مع الحق والحق معه. وانظر : أسد الغابة ٤ _ ٢٠ ، السیرة النبویة لابن هشام ٢ _ ١٠٠ ، تاریخ الطبری ٢ _ ١٩٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ٢ _ ٥٦١ و ٣ _ ٢٣٦ ، الفصول المهمة : ٣٨ ، وغیرها.
6- بحار الأنوار 23- 104- 166، و 5- 68، و انظر: إحقاق الحقّ 4- 436- 443، 6- 341 344، و 7- 472، و 9- 309- 375، و غیرها.

قبل دفنه، و همّهم بإحراق بیتهم، و سوقهم لأمیر المؤمنین علیه السلام بأعنف العنف إلی البیعة، و تكذیبه فی شهادته، و دعوی المؤاخاة، و تهدیده بالقتل و إیذاءه فی جمیع المواطن، و غصب حقّ فاطمة علیها السلام و تكذیبها و قتل ولدها، و قتل الحسن و الحسین صلوات اللّٰه علیهما .. من مقتضیات وصیّة نبیّهم صلّی اللّٰه علیه و آله فیهم؟!!.

و لعمری ما أظنّ عاقلا یرتاب بعد التأمّل فیما جری فی ذلك الزمان فی أنّ القول بخلافتهم و خلافته علیه السلام متناقضان، و كیف یرضی عاقل بإمامة إمامین یحكم كلّ منهما بضلال الآخر؟!.

وَ قَدْ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی تَارِیخِهِ (1): أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ یَقُولُ یَوْمَ السَّقِیفَةِ: أَیُّهَا النَّاسُ! بَایِعُوا خَلِیفَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ مَنْ بَاتَ لَیْلَةً بِغَیْرِ إِمَامٍ كَانَ عَاصِیاً، و لا ریب فی تخلّفه علیه السلام عن بیعتهم مدّة طویلة كما عرفت.

حكایة ظریفة تناسب المقام:

رَوَی فِی كِتَابِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ (2) وَ غَیْرِهِ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِیِّ قَالَ یَوْماً عَلَی مِنْبَرِهِ: سَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی، فَسَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَمَّا رُوِیَ أَنَّ عَلِیّاً عَلَیْهِ السَّلَامُ سَارَ فِی لَیْلَةٍ إِلَی سَلْمَانَ فَجَهَّزَهُ وَ رَجَعَ؟ فَقَالَ: رُوِیَ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَعُثْمَانُ ثَمَّ (3) ثَلَاثَةَ أَیَّامِ مَنْبُوذاً فِی الْمَزَابِلِ (4) وَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ حَاضِرٌ؟. قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَقَدْ لَزِمَ الْخَطَأُ لِأَحَدِهِمَا. فَقَالَ: إِنْ كُنْتِ خَرَجْتِ مِنْ بَیْتِكِ بِغَیْرِ إِذْنِ زَوْجِكِ (5) فَعَلَیْكِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَ إِلَّا فَعَلَیْهِ. فَقَالَتْ: خَرَجَتْ عَائِشَةُ إِلَی حَرْبِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِإِذْنِ النَّبِیِ

ص: 647


1- بحثنا فی تاریخ الطّبریّ أكثر من مرّة و فی غالب الموارد المحتملة و فی عدّة طبعات فلم نجدها، فلاحظ.
2- الصّراط المستقیم 1- 218، الباب السّابع، الفصل التّاسع عشر.
3- فی المصدر: تمّ، و المعنی واحد.
4- فی الصّراط المستقیم: مزابل البقیع.
5- فی المصدر: بعلك، بدلا من: زوجك.

صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَوْ لَا؟ فَانْقَطَعَ وَ لَمْ یُحِرْ جَوَاباً.

حكایة أخری:

قَالَ ابْنُ أَبِی الْحَدِیدِ فِی شَرْحِ النَّهْجِ (1): حَدَّثَنِی یَحْیَی بْنُ سَعِیدِ بْنِ عَلِیٍّ الْحَنْبَلِیِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ عَالِیَةَ (2)، قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ إِسْمَاعِیلَ بْنِ عَلِیٍّ الْحَنْبَلِیِّ الْفَقِیهِ- وَ كَانَ مُقَدَّمَ الْحَنَابِلَةِ بِبَغْدَادَ (3)

إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ قَدْ كَانَ لَهُ دَیْنٌ عَلَی بَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَانْحَدَرَ إِلَیْهِ یُطَالِبُهُ فِیهِ (4)، وَ اتَّفَقَ أَنْ حَضَرَ یَوْمَ زِیَارَةِ الْغَدِیرِ (5)

وَ الْحَنْبَلِیُّ الْمَذْكُورُ بِالْكُوفَةِ (6)

وَ یَجْتَمِعُ بِمَشْهَدِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ مِنَ الْخَلَائِقِ جُمُوعٌ عَظِیمَةٌ تَتَجَاوَزُ حَدَّ الْإِحْصَاءِ.

قَالَ ابْنُ عَالِیَةَ: فَجَعَلَ الشَّیْخُ إِسْمَاعِیلُ یُسَائِلُ ذَلِكَ الرَّجُلَ مَا فَعَلْتَ ..؟

مَا رَأَیْتَ ..؟ هَلْ وَصَلَ مَالُكَ إِلَیْكَ ..؟ هَلْ بَقِیَ (7) مِنْهُ بَقِیَّةٌ عِنْدَ غَرِیمِكَ ..؟

وَ ذَلِكَ الرَّجُلُ یُجَاوِبُهُ، حَتَّی قَالَ لَهُ: یَا سَیِّدِی لَوْ شَاهَدْتَ یَوْمَ الزِّیَارَةِ یَوْمَ الْغَدِیرِ، وَ مَا یَجْرِی عِنْدَ قَبْرِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ مِنَ الْفَضَائِحِ وَ الْأَقْوَالِ الشَّنِیعَةِ، وَ سَبِّ الصَّحَابَةِ جِهَاراً (8) مِنْ غَیْرِ مُرَاقَبَةٍ وَ لَا خِیفَةٍ.

فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِیلُ: أَیُّ ذَنْبٍ لَهُمْ، وَ اللَّهِ مَا جَرَّأَهُمْ (9) عَلَی ذَلِكَ وَ لَا فَتَحَ لَهُمْ هَذَا الْبَابَ إِلَّا صَاحِبُ ذَلِكَ الْقَبْرِ. فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: وَ مَنْ هُوَ صَاحِبُ الْقَبْرِ؟.

ص: 648


1- فی شرح النّهج 9- 307- 309، باختصار و اختلاف.
2- فی المصدر زیادة: من ساكن قطفتا بالجانب الغربیّ من بغداد، و أحد الشّهود المعدّلین بها.
3- فی شرح النّهج: المعروف بغلام بن المنی، و كان الفخر إسماعیل بن علیّ مقدّم الحنابلة ببغداد فی الفقه و الخلاف .. و هناك سقط كثیر.
4- فی المصدر: یطالبه به، و هی نسخة علی (ك).
5- فی المصدر: إن حضرت زیارة یوم الغدیر.
6- فی النّهج زیادة: و هذه الزّیارة هی الیوم الثّامن عشر من ذی الحجّة.
7- لا توجد: بقی، فی (س). و فی المصدر: هل بقی لك منه.
8- فی المصدر: جهارا بأصوات مرتفعة.
9- فی (ك): جزاهم، و لا معنی لها.

قَالَ: عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ. قَالَ: یَا سَیِّدِی! هُوَ الَّذِی سَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ وَ عَلَّمَهُمْ إِیَّاهُ وَ طَرَّقَهُمْ إِلَیْهِ؟!. قَالَ: نَعَمْ وَ اللَّهِ. قَالَ: یَا سَیِّدِی! فَإِنْ كَانَ مُحِقّاً فَمَا لَنَا نَتَوَلَّی فُلَاناً وَ فُلَاناً، وَ إِنْ كَانَ مُبْطِلًا فَمَا لَنَا نَتَوَلَّاهُ! یَنْبَغِی أَنْ نَبْرَأَ إِمَّا مِنْهُ أَوْ مِنْهُمَا.

قَالَ ابْنُ عَالِیَةَ: فَقَامَ إِسْمَاعِیلُ مُسْرِعاً فَلَبِسَ نَعْلَیْهِ وَ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ إِسْمَاعِیلَ الْفَاعِلَ بْنَ الْفَاعِلِ (1) إِنْ كَانَ یَعْرِفُ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَ دَخَلَ دَارَ حَرَمِهِ، وَ قُمْنَا نَحْنُ فَانْصَرَفْنَا.

الرابع:

أنّ إیذاءه و غصب حقّه علیه السلام علی الوجه الذی یكشف تظّلماته عنه لا ریب فی أنّه تخلّف عن أهل البیت الذین أذهب اللّٰه (2) عنهم الرجس و طهّرهم تطهیرا، و الروایات من الجانبین متواطئة علی أنّ المتخلّف عنهم هالك (3)، و أنّهم سفینة النجاة، (4) و سیأتی فی بابه نقلا من كتبهم المعتبرة كالمشكاة و فضائل السمعانی و غیرهما.

«68»-وَ قَالَ الْعَلَّامَةُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِی كَشْفِ الْحَقِّ (5): رَوَی الزَّمَخْشَرِیُّ (6) وَ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عِنَاداً لِأَهْلِ الْبَیْتِ (علیهم السلام) وَ هُوَ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِإِسْنَادِهِ قَالَ (7): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ (وَ آلِهِ) : فَاطِمَةُ مُهْجَةُ قَلْبِی وَ ابْنَاهَا ثَمَرَةُ فُؤَادِی، وَ بَعْلُهَا نُورُ بَصَرِی، وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِهَا أُمَنَاءُ رَبِّی، وَ حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ، مَنِ اعْتَصَمَ بِهِمْ نَجَا، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ هَوَی (8)..

ص: 649


1- لا توجد فی شرح النّهج: بن الفاعل.
2- لا یوجد لفظ الجلالة فی (س).
3- بحار الأنوار 10- 101 و 104، و 23- 104- 166 باب 7.
4- بحار الأنوار 77- 276، و قد تقدّم فی المجلد الثالث و العشرین باب 7: 104- 106.
5- نهج الحقّ و كشف الصّدق: 227.
6- فی مناقبه: 213، و هو مخطوط.
7- فی المصدر: قال بإسناده- بتقدیم و تأخیر-.
8- نقل الحدیث عن جملة مصادر من عدّة من أئمّتهم فی إحقاق الحقّ 4- 288 و 9- 198، و جاء فی ینابیع المودّة: 82، و مقتل الحسین علیه السّلام للخوارزمیّ: 59، و غیرها.
تتمیم:

ینبغی أن یعلم أنّ من أقوی الحجج علی خلفائهم الثلاثة إنكار أئمّتنا علیهم السلام لهم، و قولهم فیهم بأنّهم علی الباطل، لاعتراف جمهور علماء أهل الخلاف بفضلهم و علوّ درجتهم، و لو وجدوا سبیلا إلی القدح فیهم و الطعن علیهم لسارعوا إلی ذلك مكافاة الطعن (1) الشیعة فی أئمّتهم، و ذلك من فضل اللّٰه تعالی علی أئمّتنا صلوات اللّٰه علیهم، حیث أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهیرا، حتی أنّ الناصب المعاند اللغوی الشهرستانی قال فی مفتتح شرح كتاب كشف الحق (2) بعد ما بالغ فی ذمّ المصنّف قدّس اللّٰه روحه-: و من الغرائب أنّ ذلك الرجل و أمثاله ینسبون مذهبهم إلی الأئمّة الاثنی عشر رضوان اللّٰه علیهم أجمعین و هم صدور إیوان الاصطفاء، و بدور سماء الاجتباء، و مفاتیح أبواب الكرم، و مجاریح (3) هواطل (4) النعم، و لیوث غیاض (5) البسالة، و غیوث ریاض الأیالة (6)، و سبّاق مضامیر السماحة، و خزّان نفوذ (7) الرجاحة، و الأعلام الشوامخ فی الإرشاد و الهدایة، و الجبال الرواسخ فی الفهم و الدرایة ..

ص: 650


1- كذا، و الظاهر: لطعن ..
2- كما حكاه فی إحقاق الحقّ 1- 27- 28، ثمّ أجابه قدّس سرّه بما لا مزید علیه.
3- فی الإحقاق: مجادیح. أقول: : المجادیح .. جمع المجداح ، ومجادیح السماء : أنواؤها ، كما فی القاموس ١ _ ٢١٧ ، وفی الصحاح ١ _ ٣٥٨ : والمجدح _ أیضا _ نجم یقال له الدبران ، لأنه یطلع آخرا ، ویسمی : حادی النجوم ، وانظر : القاموس مادة ( جدح ) ٦ _ ٣٣٥ _ دار الهدایة _ فقد فصل فی معناه والأول أولی.
4- الهطل: تتابع المطر كما فی القاموس 4- 69، و الصحاح 5- 1850، و جمعه: الهواطل.
5- قال فی مجمع البحرین 4- 220: الغیضة: الأجمة، و هی مغیض ماء یجتمع فیه الشجر، و الجمع:غیاض وأغیاض.
6- الأیالة: السیاسة، كما فی مجمع البحرین 5- 315.
7- فی (ك): نقود.

ثم ذكر (1) أبیاتا أنشدها فی مدحهم، ثم ذكر أنّ الأئمّة علیهم السلام كانوا یثنون علی الصحابة، و استشهد بروایة نقلها من كتاب كشف الغمّة، و زعم أنّ الباقر علیه السلام سمی فیها أبا بكر: صدّیقا (2).

«69»-وَ قَالَ صَاحِبُ إِحْقَاقِ الْحَقِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی: إِنَّ الْحِكَایَةَ عَنْ كَشْفِ الْغُمَّةِ افْتِرَاءٌ عَلَی صَاحِبِهِ، وَ لَیْسَ فِیهِ مِنَ الرِّوَایَةِ عَیْنٌ وَ لَا أَثَرٌ .. (3).

ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلَ الصَّادِقِ عَلَیْهِ السَّلَامُ: وَلَدَنِی أَبُو بَكْرٍ مَرَّتَیْنِ (4).

، وَ زَادَ فِیهِ لَفْظاً: الصِّدِّیقَ.

ص: 651


1- شرح كتاب كشف الحقّ. و نقله عنه فی إحقاق الحقّ 1- 27- 29، و الأبیات هی: شم المعاطس من أولاد فاطمة***علوا رواسی طود العز والشرف فاقوا العرانین فی نشر الندی كرما***بسمح كف خلا من هجنة السرف تلقاهم فی غداة الروح إذ رجفت***أكتاف أكفائهم من رهبة التلف مثل اللیوث إلی الأهوال سارعة***حماسة النفس لا میلا إلی الصلف بنو علی وصی المصطفی حقا***أخلاف صدق نموا من أشرف السلف ولا نطیل بشرح الأبیات ، فراجعها فی مظانها.
2- هو ما ذكره فی كشف الغمّة 2- 360، عن ابن الجوزی، و الروایة عامیّة، و قد رویت عن عروة ابن عبد اللّٰه- و هو مهمل رجالیّا- قال: سألت أبا جعفر محمّد بن علیّ علیهما السلام عن حلیة السیوف، فقال: لا بأس به، قد حلّی أبو بكر الصدّیق سیفه، قلت: فتقول الصدّیق؟! قال: فوثب وثبة و استقبل القبلة و قال: نعم الصدّیق، نعم الصدّیق، نعم الصدّیق، فمن لم یقل له الصدّیق فلا صدّق اللّٰه له قولا فی الدنیا و لا فی الآخرة!!. وهی كما تری قاصرة سندا ودلالة وإسنادا ، ولا نعلم كیف أنكرها صاحب إحقاق الحق ، ولعله افتراء فی النسبة إلی صاحب كشف الغمة. وانظر إحقاق الحق ١ _ ٢٧ _ ٢٩.
3- قال فی إحقاق الحقّ 1- 64 ما نصّه: و أمّا ما ذكر- من أنّ ما ذكر صاحب كتاب كشف الغمّة فیه إنّما ذكره نقلا عن كتب الشّیعة لا عن كتب السّنّة- فهو أوّل أكاذیبه الصّریحة، و مفتریاته الفضیحة الّتی حاول بها ترویج مذهبه الفاسد، و تصحیح مطلبه الكاسد: «و من أظلم ممّن افتری علی اللّٰه كذبا لیضلّ النّاس بغیر علم إن اللّٰه لا یهدی القوم الظّالمین».
4- قال فی كشف الغمّة 2- 378 نقلا عن الحافظ عبد العزیز بن الأخضر الجنابذیّ- و هو من أعلام العامّة- قال فی ترجمة الإمام الصّادق علیه السّلام: .. و أمّه أمّ فروة، و اسمها: قریبة بنت القاسم ابن محمّد بن أبی بكر الصّدّیق، و أمّها: أسماء بنت عبد الرّحمن بن أبی بكر الصّدّیق، و لذلك قال جعفر علیه السّلام: و لقد ولدنی أبو بكر مرّتین. و انظر: إحقاق الحقّ 1- 64 و 66- 67. فلفظ الصّدّیق من الحافظ لا الصّادق علیه السّلام.

و لا یرتاب عاقل فی أنّ القول بأنّ أئمّتنا سلام اللّٰه علیهم كانوا یرون خلافتهم حقّا من الخرافات الواهیة التی لا یقبلها و لا یصغی إلیها من له أدنی حظّ من العقل و الإنصاف، و لو أمكن القول بذلك لأمكن إنكار جمیع المتواترات و الضروریات، و لجاز للیهودی أن یدّعی أنّ عیسی علیه السلام لم یدع النبوّة بل كان یأمر الناس بالتهوّد، و للنصرانیّ أن یقول مثل ذلك فی نبیّنا صلّی اللّٰه علیه و آله، و بعد ثبوت كون أهل البیت علیهم السلام ذاهبین إلی بطلان خلافتهم، و إلی أنّهم كانوا ضالّین مضلّین، ثبت بطلان خلافتهم بالإجماع منّا و من الجمهور، إذ لم یقل أحد من الفریقین بضلال أهل البیت علیهم السلام سیّما فی مسألة الإمامة، و إذا ثبت بطلانهم ثبت خلافة أمیر المؤمنین علیه السلام بالإجماع أیضا منّا و منهم، بل باتّفاق جمیع المسلمین.

و أمّا ما حكی من القول بخلافة العباس فقد صرّح جماعة من أهل السیر بأنّه ممّا وضعه الجاحظ تقرّبا إلی العباسیّین و لم یقل به أحد قبل زمانهم، و مع ذلك فقد انقرض القائلون به و لم یبق منهم أحد، فتحقّق الإجماع علی ما ادّعیناه بعدهم.

و یدلّ علی بطلانه- أیضا- ما وعده اللّٰه علی لسان رسوله صلّی اللّٰه علیه و آله من بقاء الحقّ إلی یوم الدین (1)، كما هو المسلّم بیننا و بین المخالفین.

ص: 652


1- فی قوله عزّ اسمه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» الحجر: 9.

الفهرس

الموضوع/ الصفحه

الباب الخامس احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام علی أبی بكر و غیره فی أمر البیعة 3

الباب السادس منازعة أمیر المؤمنین صلوات اللّٰه علیه العباس فی المیراث 67

الباب السابع نوادر الاحتجاج علی أبی بكر 77

الباب الثامن احتجاج سلمان و أبیّ بن كعب و غیرهما علی القوم 79

الباب التاسع ما كتب أبو بكر إلی جماعة یدعوهم إلی البیعة و فیه بعض أحوال أبی قحافة 91

الباب العاشر إقرار أبی بكر بفضل أمیر المؤمنین و خلافته بعد الغصب 99

الباب الحادی العشر نزول الآیات فی أمر فدك و قصصه و جوامع الاحتجاج فیه و فیه قصّة خالد و عزمه علی قتل أمیر المؤمنین علیه السلام بأمر المنافقین 105

فصل: نورد فیه خطبة خطبتهاسیّدة النساء فاطمة الزهراء صلوات اللّٰه علیها احتجّت بها علی من غصب فدك منها. 215

فصل: فی الكلام علی ما یستفاد من أخبار الباب و التنبیه علی ما ینتفع به طالب الحقّ و الصواب و هو مشتمل علی فوائد 335

الأولی: فی عصمة الزهراء سلام اللّٰه علیها 335

الثانیة: أنّها سلام اللّٰه علیها محقّة فی دعوی فدك 342

الثالثة: فدك نحلة للزهراء علیها السلام ظلمت بمنعها 346

الرابعة: بطلان دعوی أبی بكر من عدم توریث الأنبیاء 351

الباب الثانی عشر العلّة التی من أجلها ترك أمیر المؤمنین علیه السلام فدك لما الباب الثالث عشر علّة قعوده علیه السلام عن قتال من تأمّر علیه من الأوّلین، و قیامه إلی قتال من بغی علیه من الناكثین و القاسطین و المارقین، و علّة إمهال اللّٰه من تقدّم علیه، و فیه علّة قیام من قام من سائر الأئمّة و قعود من قعد منهم علیهم السلام. 417

ص: 653

الباب الرابع عشر العلّة التی من أجلها ترك الناس علیّا علیه السلام 479

الباب الخامس عشر شكایة أمیر المؤمنین صلوات اللَّه علیه عمّن تقدّمه من المتغلّبین الغاصبین 497

الخطبة الشقشقیة 499

شكایته من الغاصبین 549

حكایة ظریفة تناسب المقام 647

حكایة أخری 648

تتمیم 650

الفهرس 653

ص: 654

ص: 655

عن الصادق علیه السلام قال من جالس لنا عائبا أو مدح لنا قالیا أو واصل لنا قاطعا أو قطع لنا واصلا أو والی لنا عدوا أو عادی لنا ولیا فقد كفر بالذی أنزل السبع المثانی و القرآن العظیم

بحار الأنوار 27/ 52- 53 حدیث (4) و صفحة 55/ باب 13- حدیث (7) و أمالی الشیخ الصدوق 34- 35

ص: 656

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.