بطاقة تعريف: مجلسي محمد باقربن محمدتقي 1037 - 1111ق.
عنوان واسم المؤلف: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار المجلد 21: تأليف محمد باقربن محمدتقي المجلسي.
عنوان واسم المؤلف: بيروت داراحياء التراث العربي [ -13].
مظهر: ج - عينة.
ملاحظة: عربي.
ملاحظة: فهرس الكتابة على أساس المجلد الرابع والعشرين، 1403ق. [1360].
ملاحظة: المجلد108،103،94،91،92،87،67،66،65،52،24(الطبعة الثالثة: 1403ق.=1983م.=[1361]).
ملاحظة: فهرس.
محتويات: ج.24.كتاب الامامة. ج.52.تاريخ الحجة. ج67،66،65.الإيمان والكفر. ج.87.كتاب الصلاة. ج.92،91.الذكر و الدعا. ج.94.كتاب السوم. ج.103.فهرست المصادر. ج.108.الفهرست.-
عنوان: أحاديث الشيعة — قرن 11ق
ترتيب الكونجرس: BP135/م3ب31300 ي ح
تصنيف ديوي: 297/212
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1680946
ص: 1
الآیات؛
الفتح: «سَیَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلی مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ یُرِیدُونَ أَنْ یُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَیَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا یَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِیلًا»(15)
(و قال تعالی): «فَأَنْزَلَ السَّكِینَةَ عَلَیْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِیباً* وَ مَغانِمَ كَثِیرَةً یَأْخُذُونَها وَ كانَ اللَّهُ عَزِیزاً حَكِیماً* وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِیرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَ كَفَّ أَیْدِیَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَ لِتَكُونَ آیَةً لِلْمُؤْمِنِینَ وَ یَهْدِیَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِیماً»(18-20)
تفسیر:
أقول: قد مر تفسیر الآیات فی باب نوادر الغزوات و باب غزوة الحدیبیة.
و قال الطبرسی رحمه اللّٰه: لما قدم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المدینة من الحدیبیة مكث بها عشرین لیلة ثم خرج منها غادیا إلی خیبر.
وَ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی مَرْوَانَ الْأَسْلَمِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ (1) قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی خَیْبَرَ حَتَّی إِذَا كُنَّا قَرِیباً مِنْهَا وَ أَشْرَفْنَا عَلَیْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قِفُوا فَوَقَفَ النَّاسُ فَقَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَ مَا أَظْلَلْنَ وَ رَبَّ الْأَرَضِینَ السَّبْعِ وَ مَا أَقْلَلْنَ وَ رَبَّ الشَّیَاطِینِ وَ مَا أَضْلَلْنَ (2) إِنَّا نَسْأَلُكَ خَیْرَ هَذِهِ الْقَرْیَةِ وَ خَیْرَ أَهْلِهَا وَ خَیْرَ مَا فِیهَا وَ نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْقَرْیَةِ وَ شَرِّ أَهْلِهَا وَ شَرِّ مَا فِیهَا قَدِّمُوا (3)
ص: 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ.
وَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی خَیْبَرَ فَسِرْنَا لَیْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ أَ لَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَیْهَاتِكَ (1) وَ كَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِراً فَجَعَلَ یَقُولُ:
لَاهُمَّ لَوْ لَا أَنْتَ مَا اهْتَدَیْنَا (2)*** وَ لَا تَصَدَّقْنَا وَ لَا صَلَّیْنَا (3)
فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَنَیْنَا*** وَ ثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَیْنَا
وَ أَنْزِلَنْ سَكِینَةً عَلَیْنَا*** إِنَّا إِذَا صِیحَ بِنَا أَنَیْنَا
وَ بِالصِّیَاحِ عَوَّلُوا عَلَیْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرٌ قَالَ یَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ عُمَرُ وَ هُوَ عَلَی جَمَلٍ وَجَبَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ لَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا اسْتَغْفَرَ لِرَجُلٍ قَطُّ یَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ قَالُوا فَلَمَّا جَدَّ الْحَرْبُ وَ تَصَافَّ الْقَوْمُ خَرَجَ یَهُودِیٌّ وَ هُوَ یَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَیْبَرُ أَنِّی مَرْحَبُ*** شَاكِی السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَبَرَزَ (4) إِلَیْهِ عَامِرٌ وَ هُوَ یَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَیْبَرُ أَنِّی عَامِرٌ*** شَاكِی السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَیْنِ فَوَقَعَ سَیْفُ الْیَهُودِیِّ فِی تُرْسِ عَامِرٍ وَ كَانَ سَیْفُ عَامِرٍ فِیهِ قِصَرٌ فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ الْیَهُودِیِّ لِیَضْرِبَهُ فَرَجَعَ ذُبَابُ سَیْفِهِ فَأَصَابَ عَیْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ سَلَمَةُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُونَ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ قَالَ فَأَتَیْتُ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَنَا أَبْكِی فَقُلْتُ قَالُوا إِنَّ عَامِراً بَطَلَ
ص: 2
عَمَلُهُ فَقَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قُلْتُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِكَ فَقَالَ كَذَبَ أُولَئِكَ بَلْ أُوتِیَ مِنَ الْأَجْرِ مَرَّتَیْنِ قَالَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّی إِذَا أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِیدَةٌ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَیْنَا وَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله أَعْطَی اللِّوَاءَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (1) وَ نَهَضَ مَنْ نَهَضَ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ فَلَقُوا أَهْلَ خَیْبَرَ فَانْكَشَفَ عُمَرُ وَ أَصْحَابُهُ فَرَجَعُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُجَبِّنُهُ أَصْحَابُهُ وَ یُجَبِّنُهُمْ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَخَذَتْهُ الشَّقِیقَةُ فَلَمْ یَخْرُجْ إِلَی النَّاسِ فَقَالَ حِینَ أَفَاقَ مِنْ وَجَعِهِ مَا فَعَلَ النَّاسُ بِخَیْبَرَ فَأُخْبِرَ فَقَالَ لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ كَرَّاراً غَیْرَ فَرَّارٍ لَا یَرْجِعُ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ.
وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ وَ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَیْبَةَ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِسْكَنْدَرَانِیِّ عَنْ أَبِی حَازِمٍ عَنْ سَعِیدِ بْنِ سَهْلٍ (2) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ یَوْمَ خَیْبَرَ لَأُعْطِیَنَّ هَذِهِ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا یَفْتَحُ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ یَدُوكُونَ بِجُمْلَتِهِمْ (3) أَیُّهُمْ یُعْطَاهَا (4) فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كُلُّهُمْ یَرْجُونَ أَنْ یُعْطَاهَا فَقَالَ أَیْنَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ یَشْتَكِی عَیْنَیْهِ (5) قَالَ فَأَرْسِلُوا إِلَیْهِ فَأُتِیَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی عَیْنَیْهِ وَ دَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ یَكُنْ بِهِ وَجَعٌ (6) فَأَعْطَاهُ الرَّایَةَ فَقَالَ عَلِیٌّ یَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّی یَكُونُوا مِثْلَنَا قَالَ (7) انْفِذْ عَلَی رِسْلِكَ حَتَّی تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ أَخْبِرْهُمْ بِمَا یَجِبُ عَلَیْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ (8) فَوَ اللَّهِ لَأَنْ یَهْدِیَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِداً خَیْرٌ مِنْ أَنْ یَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. (9)
ص: 3
قَالَ سَلَمَةُ فَبَرَزَ مَرْحَبٌ وَ هُوَ یَقُولُ قَدْ عَلِمَتْ خَیْبَرُ أَنِّی مَرْحَبٌ الْأَبْیَاتِ.
فَبَرَزَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السلام وَ هُوَ یَقُولُ
أَنَا الَّذِی سَمَّتْنِی أُمِّی حَیْدَرَةَ ***كَلَیْثِ غَابَاتٍ كَرِیهِ الْمَنْظَرَةِ
أُوفِیهِمُ بِالصَّاعِ كَیْلَ السَّنْدَرَةِ
(1) فَضَرَبَ مَرْحَباً فَفَلَقَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ وَ كَانَ الْفَتْحُ عَلَی یَدِهِ (2)
أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِی الصَّحِیحِ.
وَ رَوَی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی رَافِعٍ مَوْلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَلِیٍّ علیه السلام حِینَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَیْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْیَهُودِ فَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ یَدِهِ فَتَنَاوَلَ عَلِیٌّ علیه السلام بَابَ الْحِصْنِ فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ یَزَلْ فِی یَدِهِ وَ هُوَ یُقَاتِلُ حَتَّی فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِ ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ یَدِهِ فَلَقَدْ رَأَیْتُنِی فِی سَبْعَةِ نَفَرٍ أَنَا مِنْهُمْ (3) نَجْهَدُ عَلَی أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَقْلِبَهُ.
و بإسناده عن لیث بن أبی سلیم (4) عن أبی جعفر محمد بن علی علیهم السلام قال حدثنی جابر بن عبد اللّٰه أن علیا علیه السلام حمل الباب یوم خیبر حتی صعد المسلمون علیه فاقتحموها ففتحوها و أنه حرك بعد ذلك فلم یحمله أربعون رجلا..
قال و روی من وجه آخر عن جابر ثم اجتمع علیه سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب.
وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی لَیْلَی قَالَ كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام یَلْبَسُ فِی الْحَرِّ وَ الشِّتَاءِ الْقَبَاءَ الْمَحْشُوَّ الثَّخِینَ وَ مَا یُبَالِی الْحَرَّ فَأَتَانِی أَصْحَابِی فَقَالُوا إِنَّا رَأَیْنَا مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ شَیْئاً فَهَلْ رَأَیْتَ قُلْتُ وَ مَا هُوَ قَالُوا رَأَیْنَاهُ یَخْرُجُ عَلَیْنَا فِی الْحَرِّ الشَّدِیدِ فِی الْقَبَاءِ الْمَحْشُوِّ الثَّخِینِ وَ مَا یُبَالِی الْحَرَّ وَ یَخْرُجُ عَلَیْنَا
ص: 4
فِی الْبَرْدِ الشَّدِیدِ فِی الثَّوْبَیْنِ الْخَفِیفَیْنِ وَ مَا یُبَالِی الْبَرْدَ فَهَلْ سَمِعْتَ فِی ذَلِكَ شَیْئاً فَقُلْتُ لَا فَقَالُوا فَسَلْ لَنَا أَبَاكَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ یَسْمُرُ (1) مَعَهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مَا سَمِعْتُ فِی ذَلِكَ شَیْئاً فَدَخَلَ عَلَی عَلِیٍّ علیه السلام فَسَمَرَ مَعَهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَ وَ مَا شَهِدْتَ مَعَنَا خَیْبَرَ قُلْتُ بَلَی قَالَ أَ وَ مَا رَأَیْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ دَعَا أَبَا بَكْرٍ فَعَقَدَ لَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَی الْقَوْمِ فَانْطَلَقَ فَلَقِیَ الْقَوْمَ ثُمَّ جَاءَ بِالنَّاسِ وَ قَدْ هُزِمُوا (2) فَقَالَ بَلَی قَالَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَی عُمَرَ فَعَقَدَ لَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَی الْقَوْمِ فَانْطَلَقَ فَلَقِیَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ وَ قَدْ هُزِمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ الْیَوْمَ رَجُلًا یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ یَفْتَحُ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ كَرَّاراً غَیْرَ فَرَّارٍ فَدَعَانِی فَأَعْطَانِی الرَّایَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اكْفِهِ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ فَمَا وَجَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ حَرّاً وَ لَا بَرْداً.
- و هذا كله منقول من كتاب دلائل النبوة للإمام أبی بكر البیهقی.
ثُمَّ لَمْ یَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَفْتَحُ الْحُصُونَ حِصْناً فَحِصْناً وَ یَحُوزُ الْأَمْوَالَ حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی حِصْنِ الْوَطِیحِ وَ السَّلَالِمِ وَ كَانَ آخِرَ حُصُونِ خَیْبَرَ افْتَتَحَ وَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ بِضْعَ عَشَرَ لَیْلَةً.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَ لَمَّا افْتُتِحَ الْقَمُوصُ حِصْنُ ابْنُ أَبِی الْحُقَیْقِ أُتِیَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِصَفِیَّةَ بِنْتِ (3) حُیَیِّ بْنِ أَخْطَبَ وَ بِأُخْرَی مَعَهَا فَمَرَّ بِهِمَا بِلَالٌ وَ هُوَ الَّذِی جَاءَ بِهِمَا عَلَی قَتْلَی مِنْ قَتْلَی الْیَهُودِ (4) فَلَمَّا رَأَتْهُمُ الَّتِی مَعَهَا صَفِیَّةُ صَاحَتْ وَ صَكَّتْ وَجْهَهَا وَ حَثَتِ التُّرَابَ عَلَی رَأْسِهَا فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ أَعْزِبُوا (5) عَنِّی هَذِهِ الشَّیْطَانَةَ وَ أَمَرَ بِصَفِیَّةَ فَحِیزَتْ خَلْفَهُ وَ أَلْقَی عَلَیْهَا رِدَاءَهُ فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ قَدِ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله لِبِلَالٍ لَمَّا رَأَی مِنْ تِلْكَ الْیَهُودِیَّةِ مَا رَأَی أَ نُزِعَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ یَا بِلَالُ حَیْثُ تَمُرُّ بِامْرَأَتَیْنِ عَلَی قَتْلَی رِجَالِهِمَا.
وَ كَانَتْ صَفِیَّةُ قَدْ رَأَتْ فِی الْمَنَامِ وَ هِیَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِیعِ بْنِ أَبِی الْحُقَیْقِ
ص: 5
أَنَّ قَمَراً وَقَعَ فِی حَجْرِهَا فَعَرَضَتْ رُؤْیَاهَا عَلَی زَوْجِهَا فَقَالَ مَا هَذَا إِلَّا أَنَّكَ تَتَمَنَّیْنَ مَلِكَ الْحِجَازِ مُحَمَّداً وَ لَطَمَ عَلَی وَجْهِهَا لَطْمَةً اخْضَرَّتْ عَیْنُهَا مِنْهَا فَأَتَی بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بِهَا أَثَرٌ مِنْهَا فَسَأَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا هُوَ فَأَخْبَرَتْهُ.
وَ أَرْسَلَ ابْنُ أَبِی الْحُقَیْقِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله انْزِلْ لِأُكَلِّمَكَ (1) قَالَ نَعَمْ فَنَزَلَ وَ صَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِی حُصُونِهِمْ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَ تَرَكَ الذُّرِّیَّةَ لَهُمْ وَ یَخْرُجُونَ مِنْ خَیْبَرَ وَ أَرْضِهَا بِذَرَارِیِّهِمْ وَ یُخَلُّونَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَیْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَ أَرْضٍ وَ عَلَی الصَّفْرَاءِ وَ الْبَیْضَاءِ وَ الْكُرَاعِ وَ عَلَی الْحَلْقَةِ وَ عَلَی الْبَزِّ إِلَّا ثوب (2) (ثَوْباً) عَلَی ظَهْرِ إِنْسَانٍ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَ ذِمَّةُ رَسُولِهِ إِنْ كَتَمْتُمُونِی شَیْئاً فَصَالَحُوهُ عَلَی ذَلِكَ فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا بَعَثُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَسْأَلُونَهُ أَنْ یُسَیِّرَهُمْ (3) وَ یَحْقُنَ دِمَاءَهُمْ وَ یُخَلُّونَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْأَمْوَالِ فَفَعَلَ وَ كَانَ مِمَّنْ مَشَی بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَیْنَهُمْ فِی ذَلِكَ مُحَیَّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَحَدُ بَنِی حَارِثَةَ فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَیْبَرَ عَلَی ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یُعَامِلَهُمُ الْأَمْوَالَ عَلَی النِّصْفِ وَ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَ أَعْمَرُ لَهَا فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَی النِّصْفِ عَلَی أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ وَ صَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكَ عَلَی مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَتْ أَمْوَالُ خَیْبَرَ فَیْئاً بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ وَ كَانَتْ فَدَكُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَنَّهُمْ لَمْ یُوجِفُوا عَلَیْهَا بِخَیْلٍ وَ لَا رِكَابٍ.
وَ لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَهْدَتْ لَهُ زَیْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ وَ هِیَ ابْنَةُ أَخِی مَرْحَبٍ شَاةً مَصْلِیَّةً (4) وَ قَدْ سَأَلَتْ أَیُّ عُضْوٍ مِنَ الشَّاةِ أَحَبُّ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقِیلَ لَهَا الذِّرَاعُ فَأَكْثَرَتْ فِیهَا السَّمَّ وَ سَمَّتْ (5) سَائِرَ الشَّاةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِهَا فَلَمَّا وَضَعَتْهَا بَیْنَ یَدَیْهِ تَنَاوَلَ الذِّرَاعَ فَأَخَذَهَا فَلَاكَ مِنْهَا مَضْغَةً وَ انْتَهَشَ (6)
ص: 6
مِنْهَا وَ مَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَتَنَاوَلَ عَظْماً فَانْتَهَشَ مِنْهُ (1) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ارْفَعُوا أَیْدِیَكُمْ فَإِنَّ كَتِفَ هَذِهِ الشَّاةِ تُخْبِرُنِی أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ فَدَعَاهَا (2) فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ مَا حَمَلَكِ عَلَی ذَلِكِ فَقَالَتْ بَلَغْتَ مِنْ قَوْمِی مَا لَمْ یَخْفَ عَلَیْكَ فَقُلْتُ إِنْ كَانَ نَبِیّاً فَسَیُخْبَرُ وَ إِنْ كَانَ مَلِكاً اسْتَرَحْتُ مِنْهُ فَتَجَاوَزَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ أَكَلْتِهِ الَّتِی أَكَلَ قَالَ وَ دَخَلَتْ أُمُّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَعُودُهُ فِی مَرَضِهِ الَّذِی تُوُفِّیَ فِیهِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أُمَّ بِشْرٍ مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَیْبَرَ الَّتِی أَكَلْتُ بِخَیْبَرَ مَعَ ابْنِكَ تُعَاوِدُنِی فَهَذَا أَوَانُ قُطِعَتْ (3) أَبْهَرِی فَكَانَ (4) الْمُسْلِمُونَ یَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَاتَ شَهِیداً مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ (5).
بیان: قوله من هنیهاتك قال الجزری أی من كلماتك أو من أراجیزك قوله وجبت أی الرحمة أو الشهادة فی مجمع البحار أی وجبت له الجنة و المغفرة التی ترحمت بها علیه و إنه یقتل شهیدا و قال النووی فی شرح الصحیح أی ثبتت له الشهادة و ستقع قریبا و كان معلوما عندهم أنه كل من دعا له النبی صلی اللّٰه علیه و آله هذا الدعاء فی هذا الموطن استشهد.
و فی النهایة فی حدیث ابن الأكوع قالوا یا رسول اللّٰه لو لا متعتنا به أی هلا تركتنا ننتفع به انتهی و قال النووی أی وددنا أنك أخرت الدعاء له فنتمتع بمصاحبته مدة و قال غیره أی لیتك أشركتنا فی دعائه.
و قال الجزری فی النهایة فی حدیث خیبر لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یَفْتَحُ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ.
فبات الناس یدوكون تلك
ص: 7
اللیلة أی یخوضون و یموجون فیمن یدفعها إلیه یقال وقع الناس فی دوكة أی خوض و اختلاط و قال النهس أخذ اللحم بأطراف الأسنان و النهش الأخذ بجمیعها. أقول: قال الطبرسی قدس اللّٰه روحه فی قوله تعالی إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً (1) قیل إن المراد بالفتح هنا فتح خیبر.
و روی عن مجمع بن حارثة الأنصاری و كان أحد القراء قال شهدنا الحدیبیة مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما انصرفنا عنها إذا الناس یهزون الأباعر فقال بعض الناس لبعض ما بال الناس قالوا أوحی إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فخرجنا نوجف فوجدنا النبی صلی اللّٰه علیه و آله واقفا علی راحلته عند كراع الغمیم فلما اجتمع الناس علیه قرأ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً السورة فقال عمر أ فتح هو یا رسول اللّٰه قال نعم فقال (2) و الذی نفسی بیده إنه لفتح فقسمت خیبر علی أهل الحدیبیة لم یدخل فیها أحد إلا من شهدها. (3).
بیان: فی النهایة إذا الناس یهزون الأباعر أی یحثونها و یدفعونها و الوهز شدة الدفع و الوطء انتهی و قد یقرأ بتشدید الزای من الهز و هو إسراع السیر و كراع الغمیم كغراب موضع علی ثلاثة أمیال من عسفان ذكره الفیروزآبادی.
«1»-نَوَادِرُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ التَّمِیمِیِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّیبَاجِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَزِیزٍ عَنْ سَلَامَةَ بْنِ عَقِیلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (4) فَقَامَ فَتَلَقَّاهُ فَقَبَّلَ بَیْنَ عَیْنَیْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ مَا أَدْرِی بِأَیِّهِمَا أَنَا أَسَرُّ بِافْتِتَاحِی خَیْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ ابْنِ عَمِّی جَعْفَرٍ (5).
«2»-وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ أَهْلَ خَیْبَرَ یُرِیدُونَ أَنْ یَلْقَوْكُمْ فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَیْنَا فَمَا ذَا نَرُدُّ عَلَیْهِمْ
ص: 8
قَالَ تَقُولُونَ وَ عَلَیْكُمْ (1).
«3»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْمُفِیدُ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمَّارِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَاهَانَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ خَیْبَرَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْیَهُودِ یُقَالُ لَهُ مَرْحَبٌ وَ كَانَ طَوِیلَ الْقَامَةِ عَظِیمَ الْهَامَةِ وَ كَانَتِ الْیَهُودُ تُقَدِّمُهُ لِشَجَاعَتِهِ وَ یَسَارِهِ قَالَ فَخَرَجَ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ إِلَی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَمَا واقَفَهُ قِرْنٌ إِلَّا قَالَ أَنَا مَرْحَبٌ ثُمَّ حَمَلَ عَلَیْهِ فَلَمْ یَثْبُتْ لَهُ قَالَ وَ كَانَتْ لَهُ ظِئْرٌ وَ كَانَتْ كَاهِنَةً تَعْجَبُ بِشَبَابِهِ وَ عِظَمِ خَلْقِهِ (2) وَ كَانَتْ تَقُولُ لَهُ قَاتِلْ كُلَّ مَنْ قَاتَلَكَ وَ غَالِبْ كُلَّ مَنْ غَالَبَكَ إِلَّا مَنْ تَسَمَّی عَلَیْكَ بِحَیْدَرَةَ فَإِنَّكَ إِنْ وَقَفْتَ لَهُ هَلَكْتَ قَالَ فَلَمَّا كَثُرَ مُنَاوَشَتُهُ وَ جَزِعَ (3) النَّاسُ بِمُقَاوَمَتِهِ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ سَأَلُوهُ أَنْ یُخْرِجَ إِلَیْهِ عَلِیّاً علیه السلام فَدَعَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً وَ قَالَ لَهُ یَا عَلِیُّ اكْفِنِی مَرْحَباً فَخَرَجَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ مَرْحَبٌ یُسْرِعُ إِلَیْهِ فَلَمْ یَرَهُ یَعْبَأُ بِهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَ أَحْجَمَ عَنْهُ ثُمَّ أَقْدَمَ وَ هُوَ یَقُولُ
أَنَا الَّذِی سَمَّتْنِی أُمِّی مَرْحَباً
فَأَقْبَلَ عَلِیٌّ علیه السلام (4) وَ هُوَ یَقُولُ
أَنَا الَّذِی سَمَّتْنِی أُمِّی حَیْدَرَةَ
فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ مَرْحَبٌ هَرَبَ وَ لَمْ یَقِفْ خَوْفاً مِمَّا حَذَّرَتْهُ مِنْهُ ظِئْرُهُ فَتَمَثَّلَ لَهُ إِبْلِیسُ فِی صُورَةِ حِبْرٍ مِنْ أَحْبَارِ الْیَهُودِ فَقَالَ إِلَی أَیْنَ یَا مَرْحَبُ فَقَالَ قَدْ تَسَمَّی عَلَیَّ هَذَا الْقِرْنُ بِحَیْدَرَةَ فَقَالَ لَهُ إِبْلِیسُ فَمَا حَیْدَرَةُ فَقَالَ إِنَّ فُلَانَةَ ظِئْرِی كَانَتْ تُحَذِّرُنِی مِنْ مُبَارَزَةِ رَجُلٍ اسْمُهُ حَیْدَرَةُ وَ تَقُولُ إِنَّهُ قَاتِلُكَ فَقَالَ لَهُ إِبْلِیسُ شَوْهاً لَكَ لَوْ لَمْ یَكُنْ حَیْدَرَةُ إِلَّا هَذَا وَحْدَهُ لَمَا كَانَ مِثْلُكَ یَرْجِعُ عَنْ مِثْلِهِ تَأْخُذُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَ هُنَّ یُخْطِئْنَ أَكْثَرَ مِمَّا یُصِبْنَ وَ حَیْدَرَةُ فِی الدُّنْیَا كَثِیرٌ فَارْجِعْ فَلَعَلَّكَ تَقْتُلُهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ سُدْتَ قَوْمَكَ وَ أَنَا فِی ظَهْرِكَ أَسْتَصْرِخُ الْیَهُودَ لَكَ فَرَدَّهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا كَفُوَاقِ نَاقَةٍ حَتَّی ضَرَبَهُ عَلِیٌّ ضَرْبَةً سَقَطَ مِنْهَا لِوَجْهِهِ وَ انْهَزَمَ الْیَهُودُ یَقُولُونَ قُتِلَ مَرْحَبٌ قُتِلَ مَرْحَبٌ
ص: 9
قَالَ وَ فِی ذَلِكَ یَقُولُ الْكُمَیْتُ بْنُ یَزِیدَ الْأَسَدِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی مَدْحِهِ علیه السلام شِعْراً:
سَقَی جُرَعَ الْمَوْتِ ابْنُ عُثْمَانَ بَعْدَ مَا*** تَعَاوَرَهَا مِنْهُ وَلِیدٌ وَ مَرْحَبٌ
وَ الْوَلِیدُ هُوَ ابْنُ عُتْبَةَ خَالُ مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ وَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ (1) مِنْ قُرَیْشٍ وَ مَرْحَبٌ مِنَ الْیَهُودِ (2).
یج، الخرائج و الجرائح عن مكحول مثله مع اختصار و لم یذكر البیتین (3).
«4»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی أَبُو عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبِی شِهَابٍ الزُّهْرِیِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَیْرِ وَ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ نَبِیَّ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا افْتَتَحَ خَیْبَرَ وَ قَسَّمَهَا عَلَی ثَمَانِیَةَ عَشَرَ سَهْماً كَانَتِ الرِّجَالُ أَلْفاً وَ أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ وَ الْخَیْلُ مِائَتَا (4) فَرَسٍ وَ أَرْبَعُمِائَةِ سَهْمٍ لِلْخَیْلِ كُلُّ سَهْمٍ مِنَ الثَّمَانِیَةَ عَشَرَ سَهْماً مِائَةُ سَهْمٍ وَ لِكُلِّ مِائَةِ سَهْمٍ رَأْسٌ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَأْساً وَ عَلِیٌّ رَأْساً (5) وَ الزُّبَیْرُ رَأْساً وَ عَاصِمُ بْنُ عَدِیٍّ رَأْساً فَكَانَ سَهْمُ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله مَعَ عَاصِمِ بْنِ عَدِیٍّ (6).
«5»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی الْفَوَارِسِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ عَنْ قُتَیْبَةَ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ حَاتِمٍ عَنْ بُكَیْرِ بْنِ یَسَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ لِعَلِیٍّ ثَلَاثٌ فَلَأَنْ یَكُونَ لِی وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ لِعَلِیٍّ وَ خَلَّفَهُ فِی بَعْضِ مَغَازِیهِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ تُخَلِّفُنِی مَعَ النِّسَاءِ وَ الصِّبْیَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی وَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ یَوْمَ خَیْبَرَ لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ رَجُلًا یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لِهَذَا قَالَ ادْعُوا لِی عَلِیّاً فَأَتَی عَلِیٌّ أَرْمَدَ الْعَیْنِ فَبَصَقَ فِی عَیْنَیْهِ وَ دَفَعَ إِلَیْهِ الرَّایَةَ فَفَتَحَ عَلَیْهِ وَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ نَدْعُ أَبْناءَنا وَ
ص: 10
أَبْناءَكُمْ (1) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ وَ حَسَناً وَ حُسَیْناً علیهم السلام وَ قَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِی (2).
«6»-فس، تفسیر القمی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَتَبَیَّنُوا وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقی إِلَیْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَیاةِ الدُّنْیا (3) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ غَزْوَةِ خَیْبَرَ وَ بَعَثَ أُسَامَةَ بْنَ زَیْدٍ فِی خَیْلٍ إِلَی بَعْضِ قُرَی الْیَهُودِ فِی نَاحِیَةِ فَدَكٍ لِیَدْعُوَهُمْ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْیَهُودِ یُقَالُ لَهُ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِیكٍ الْفَدَكِیُّ فِی بَعْضِ الْقُرَی فَلَمَّا أَحَسَّ بِخَیْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله جَمَعَ أَهْلَهُ وَ مَالَهُ وَ صَارَ فِی نَاحِیَةِ الْجَبَلِ فَأَقْبَلَ یَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَمَرَّ بِهِ أُسَامَةُ بْنُ زَیْدٍ فَطَعَنَهُ وَ قَتَلَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَتَلْتَ رَجُلًا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذاً مِنَ الْقَتْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَا شَقَقْتَ الْغِطَاءَ عَنْ قَلْبِهِ لَا مَا قَالَ بِلِسَانِهِ قَبِلْتَ وَ لَا مَا كَانَ فِی نَفْسِهِ عَلِمْتَ فَحَلَفَ أُسَامَةُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا یُقَاتِلُ أَحَداً شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَتَخَلَّفَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی حُرُوبِهِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِی ذَلِكَ وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقی إِلَیْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَیاةِ الدُّنْیا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِیرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَیْكُمْ فَتَبَیَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً (4).
«7»-ج، الإحتجاج عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ سَعْدَ بْنَ (5) مُعَاذٍ بِرَایَةِ الْأَنْصَارِ إِلَی خَیْبَرَ فَرَجَعَ مُنْهَزِماً ثُمَّ بَعَثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِرَایَةِ الْمُهَاجِرِینَ فَأُتِیَ بِسَعْدٍ جَرِیحاً وَ جَاءَ عُمَرُ یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ یُجَبِّنُونَهُ فَقَالَ رَسُولُ
ص: 11
اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَكَذَا تَفْعَلُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ حَتَّی قَالَهَا ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ رَجُلًا لَیْسَ بِفَرَّارٍ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ الْخَبَرَ.
بیان: لعله كان سعد بن عبادة فصحف إذ الفرار منه بعید مع أنه مات یوم قریظة و لم یبق إلی تلك الغزوة.
«8»-لی، الأمالی للصدوق أَخْبَرَنِی سُلَیْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ اللَّحْمِیُّ (1) فِیمَا كَتَبَ إِلَیَّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رماخس [رُمَاحِسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حَبِیبِ بْنِ قَیْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ بْنِ غَزِیَّةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بِرَمَادَةِ الْقُلَّیْسِیِّینَ رَمَادَةِ الْعُلْیَا وَ كَانَ فِیمَا ذُكِرَ ابْنَ مِائَةٍ وَ عِشْرِینَ سَنَةً قَالَ حَدَّثَنَا زِیَادُ بْنُ طَارِقٍ الْجُشَمِیِّ وَ كَانَ ابْنَ تِسْعِینَ سَنَةً قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّی أَبُو جَرْوَلٍ زُهَیْرٌ وَ كَانَ رَئِیسَ قَوْمِهِ قَالَ: أَسَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ فَتْحِ خَیْبَرَ (2) فَبَیْنَا هُوَ یَمِیزُ الرِّجَالَ مِنَ النِّسَاءِ إِذْ وَثَبْتُ حَتَّی جَلَسْتُ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَسْمَعْتُهُ شِعْراً أُذَكِّرُهُ حِینَ شَبَّ فِینَا وَ نَشَأَ فِی هَوَازِنَ وَ حِینَ أَرْضَعُوهُ فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ:
امْنُنْ عَلَیْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِی كَرَمٍ*** فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَ نَنْتَظِرُ
امْنُنْ عَلَی بَیْضَةٍ قَدْ عَاقَهَا قَدَرٌ*** مُفَرَّقٍ شَمْلُهَا فِی دَهْرِهَا عِبَرٌ (3)
أَبْقَتْ لَنَا الْحَرْبُ هُتَّافاً عَلَی حَزَنٍ*** عَلَی قُلُوبِهِمُ الْغَمَّاءُ وَ الْغَمَرُ
إِنْ لَمْ تَدَارَكْهُمُ نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا*** یَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْماً حِینَ یُخْتَبَرُ (4)
امْنُنْ عَلَی نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا*** إِذْ فُوكَ یَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا (5) الدُّرَرُ
إِذْ أَنْتَ طِفْلٌ صَغِیرٌ كُنْتَ تَرْضَعُهَا*** وَ إِذْ یَزِینُكَ (6) مَا تَأْتِی وَ مَا تَذَرُ
ص: 12
یَا خَیْرَ مَنْ مَرِحَتْ كُمْتُ الْجِیَادِ بِهِ*** عِنْدَ الْهِیَاجِ إِذَا مَا اسْتَوْقَدَ الشَّرَرُ
لَا تَتْرُكَنَّا (1) كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ ***وَ اسْتَبْقِ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زُهَرُ
إِنَّا لَنَشْكُرُ لِلنَّعْمَاءِ وَ قَدْ كُفِرَتْ (2)*** وَ عِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْیَوْمِ مُدَّخَرٌ
فَأَلْبِسِ الْعَفْوَ مَنْ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهُ*** مِنْ أُمَّهَاتِكَ إِنَّ الْعَفْوَ مُشْتَهَرٌ (3)
إِنَّا نُؤَمِّلُ عَفْواً مِنْكَ تُلْبِسُهُ*** هَادِیَ الْبَرِیَّةِ أَنْ تَعْفُوَ وَ تَنْتَصِرَ (4)
فَاعْفُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا أَنْتَ رَاهِبُهُ*** یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِذْ یُهْدَی لَكَ الظَّفَرُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَّا مَا كَانَ لِی وَ لِبَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لِلَّهِ وَ لَكُمْ وَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ فَرَدَّتِ الْأَنْصَارُ مَا كَانَ فِی أَیْدِیهِمَا مِنَ الذَّرَارِیِّ وَ الْأَمْوَالِ (5).
بیان: البیضة الأصل و العشیرة و مجتمع القوم و موضع سلطانهم و یقال شالت نعامتهم إذا ماتوا و تفرقوا كأنهم لم یبق منهم إلا بقیة و النعامة الجماعة ذكره الجزری ثم إن الظاهر أنه كان یوم فتح حنین فصحف كما سیظهر مما سیأتی فی تلك الغزاة.
«9»-ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام بِإِسْنَادِ التَّمِیمِیِّ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیهم السلام قَالَ: دَفَعَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الرَّایَةَ یَوْمَ خَیْبَرَ إِلَیَّ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّی فَتَحَ اللَّهُ عَلَیَّ (6).
«10»-ع، علل الشرائع ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا مَرَّ بِالنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَیْهِ مِنْ یَوْمِ خَیْبَرَ وَ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَبَاغَتْ عَلَیْهِ (7).
بیان: الأظهر أنه كان یوم حنین كما فی بعض النسخ أو یوم الأحزاب فصحف.
ص: 13
«11»-شا، الإرشاد ثم تلت الحدیبیة خیبر و كان الفتح فیها لأمیر المؤمنین علیه السلام بلا ارتیاب و ظهر من فضله فی هذه الغزاة ما أجمع علی نقله الرواة و تفرد فیها من المناقب ما لم یشركه فیها (1) أحد من الناس فَرَوَی یَحْیَی بْنُ (2) مُحَمَّدٍ الْأَزْدِیُّ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ الْیَسَعَ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِیمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْآثَارِ قَالُوا لَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ خَیْبَرَ قَالَ لِلنَّاسِ قِفُوا فَوَقَفَ النَّاسُ فَرَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَ مَا أَظْلَلْنَ وَ رَبَّ الْأَرَضِینَ السَّبْعِ (3) وَ مَا أَقْلَلْنَ وَ رَبَّ الشَّیَاطِینِ وَ مَا أَضْلَلْنَ أَسْأَلُكَ خَیْرَ (4) هَذِهِ الْقَرْیَةِ وَ خَیْرَ مَا فِیهَا وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَ شَرِّ مَا فِیهَا. (5) ثُمَّ نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فِی الْمَكَانِ ثُمَّ (6) أَقَامَ وَ أَقَمْنَا بَقِیَّةَ یَوْمِنَا وَ مِنْ غَدِهِ فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ النَّهَارِ نَادَی مُنَادِی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَاجْتَمَعْنَا إِلَیْهِ فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ إِنَّ هَذَا جَاءَنِی وَ أَنَا نَائِمٌ فَسَلَّ سَیْفِی وَ قَالَ یَا مُحَمَّدُ مَنْ یَمْنَعُكَ مِنِّی الْیَوْمَ قُلْتُ اللَّهُ یَمْنَعُنِی مِنْكَ فَشَامَ السَّیْفَ وَ هُوَ جَالِسٌ كَمَا تَرَوْنَ لَا حَرَاكَ بِهِ فَقُلْنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ لَعَلَّ فِی عَقْلِهِ شَیْئاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَعَمْ دَعُوهُ ثُمَّ صَرَفَهُ وَ لَمْ یُعَاقِبْهُ وَ حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ خَیْبَرَ بِضْعاً وَ عِشْرِینَ لَیْلَةً وَ كَانَتِ الرَّایَةُ یَوْمَئِذٍ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَلَحِقَهُ رَمَدٌ فَمَنَعَهُ (7) مِنَ الْحَرْبِ وَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ یُنَاوِشُونَ (8) الْیَهُودَ مِنْ بَیْنِ أَیْدِی حُصُونِهِمْ وَ جَنْبَاتِهَا فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ یَوْمٍ فَتَحُوا الْبَابَ وَ قَدْ كَانُوا خَنْدَقُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ خَنْدَقاً وَ خَرَجَ مَرْحَبٌ بِرِجْلِهِ یَتَعَرَّضُ لِلْحَرْبِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ص
ص: 14
أَبَا بَكْرٍ (1) فَقَالَ لَهُ خُذِ الرَّایَةَ فَأَخَذَهَا فِی جَمْعٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ (2) فَاجْتَهَدَ فَلَمْ یُغْنِ شَیْئاً فَعَادَ (3) یُؤَنِّبُ الْقَوْمَ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَ یُؤَنِّبُونَهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ تَعَرَّضَ لَهَا عُمَرُ فَسَارَ بِهَا غَیْرَ بَعِیدٍ ثُمَّ رَجَعَ یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ یُجَبِّنُونَهُ فَقَالَ النَّبِیُّ (4) صلی اللّٰه علیه و آله لَیْسَتْ هَذِهِ الرَّایَةُ لِمَنْ حَمَلَهَا جِیئُونِی بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقِیلَ لَهُ إِنَّهُ أَرْمَدُ (5) قَالَ أَرُونِیهِ تُرُونِی رَجُلًا یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ یَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا لَیْسَ بِفَرَّارٍ فَجَاءُوا بِعَلِیٍّ علیه السلام یَقُودُونَهُ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَا تَشْتَكِی یَا عَلِیُّ قَالَ رَمَدٌ مَا أُبْصِرُ مَعَهُ وَ صُدَاعٌ بِرَأْسِی فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ وَ ضَعْ رَأْسَكَ عَلَی فَخِذِی فَفَعَلَ عَلِیٌّ علیه السلام ذَلِكَ فَدَعَا لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَتَفَلَ (6) فِی یَدِهِ فَمَسَحَ (7) بِهَا عَلَی عَیْنَیْهِ وَ رَأْسِهِ فَانْفَتَحَتْ عَیْنَاهُ وَ سَكَنَ مَا كَانَ یَجِدُهُ مِنَ الصُّدَاعِ وَ قَالَ فِی دُعَائِهِ (8) اللَّهُمَّ قِهِ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ وَ أَعْطَاهُ الرَّایَةَ وَ كَانَتْ رَایَةً بَیْضَاءَ وَ قَالَ لَهُ خُذِ الرَّایَةَ وَ امْضِ بِهَا فَجَبْرَئِیلُ (9) مَعَكَ وَ النَّصْرُ أَمَامَكَ وَ الرُّعْبُ مَبْثُوثٌ فِی صُدُورِ الْقَوْمِ وَ اعْلَمْ یَا عَلِیُّ أَنَّهُمْ یَجِدُونَ فِی كِتَابِهِمْ أَنَّ الَّذِی یُدَمِّرُ عَلَیْهِمْ اسْمُهُ إِیلِیَا فَإِذَا لَقِیتَهُمْ فَقُلْ أَنَا عَلِیٌّ فَإِنَّهُمْ یُخْذَلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (10) علیه السلام فَمَضَیْتُ بِهَا حَتَّی أَتَیْتُ الْحُصُونَ (11) فَخَرَجَ مَرْحَبٌ وَ عَلَیْهِ مِغْفَرٌ وَ حَجَرٌ قَدْ ثَقَبَهُ مِثْلَ الْبَیْضَةِ عَلَی رَأْسِهِ وَ هُوَ یَرْتَجِزُ وَ یَقُولُ
قَدْ عَلِمَتْ خَیْبَرُ أَنِّی مَرْحَبٌ*** شَاكِ السِّلَاحِ (12) بَطَلٌ مُجَرَّبٌ
فَقُلْتُ
أَنَا الَّذِی سَمَّتْنِی أُمِّی حَیْدَرَةَ (13)*** كَلَیْثِ غَابَاتٍ (14) شَدِیدٍ قَسْوَرَةٍ
أَكِیلُكُمْ بِالسَّیْفِ كَیْلَ السَّنْدَرَةِ
ص: 15
وَ اخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَیْنِ فَبَدَرْتُهُ وَ ضَرَبْتُهُ فَقَدَدْتُ الْحَجَرَ وَ الْمِغْفَرَ وَ رَأْسَهُ حَتَّی وَقَعَ السَّیْفُ فِی أَضْرَاسِهِ فَخَرَّ صَرِیعاً. (1).
وَ جَاءَ فِی الْحَدِیثِ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لَمَّا قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ قَالَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْقَوْمِ غُلِبْتُمْ وَ مَا أُنْزِلَ عَلَی مُوسَی (2) فَدَخَلَ فِی قُلُوبِهِمْ (3) مِنَ الرُّعْبِ مَا لَمْ یُمْكِنْهُمْ مَعَهُ الِاسْتِیطَانُ بِهِ وَ لَمَّا قَتَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام مَرْحَباً رَجَعَ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَ أَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ عَلَیْهِمْ دُونَهُ فَصَارَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِلَیْهِ فَعَالَجَهُ حَتَّی فَتَحَهُ وَ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ جَانِبِ الْخَنْدَقِ لَمْ یَعْبُرُوا مَعَهُ فَأَخَذَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام بَابَ الْحِصْنِ فَجَعَلَهُ عَلَی الْخَنْدَقِ جِسْراً لَهُمْ حَتَّی عَبَرُوا فَظَفِرُوا (4) بِالْحِصْنِ وَ نَالُوا الْغَنَائِمَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنَ الْحِصْنِ أَخَذَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام بِیُمْنَاهُ فَدَحَا (5) بِهِ أَذْرُعاً مِنَ الْأَرْضِ وَ كَانَ الْبَابُ یُغْلِقُهُ عِشْرُونَ رَجُلًا (6) وَ لَمَّا فَتَحَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام الْحِصْنَ وَ قَتَلَ مَرْحَباً وَ أَغْنَمَ اللَّهُ الْمُسْلِمِینَ أَمْوَالَهُمُ اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِیُّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَقُولَ فِیهِ شِعْراً فَقَالَ لَهُ (7) قُلْ فَأَنْشَأَ یَقُولُ:
وَ كَانَ عَلِیٌّ أَرْمَدَ الْعَیْنِ یَبْتَغِی*** دَوَاءً فَلَمَّا لَمْ یُحِسَّ مُدَاوِیاً
شَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ مِنْهُ بِتَفْلِهِ*** فَبُورِكَ مَرْقِیّاً وَ بُورِكَ رَاقِیاً
وَ قَالَ سَأُعْطِی الرَّایَةَ الْیَوْمَ صَارِماً*** كَمِیّاً مُحِبّاً لِلرَّسُولِ مُوَالِیاً
یُحِبُّ إِلَهِی وَ الْإِلَهُ یُحِبُّهُ*** بِهِ یَفْتَحُ اللَّهُ الْحُصُونَ الأَوَابِیَا
فَأَصْفَی بِهَا دُونَ الْبَرِیَّةِ كُلِّهَا*** عَلِیّاً وَ سَمَّاهُ الْوَزِیرَ الْمُوَاخِیَا
وَ قَدْ رَوَی أَصْحَابُ الْآثَارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِی (8) إِسْحَاقَ
ص: 16
عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِیِّ (1) قَالَ سَمِعْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَقُولُ لَمَّا عَالَجْتُ بَابَ خَیْبَرَ جَعَلْتُهُ مِجَنّاً لِی فَقَاتَلْتُهُمْ (2) بِهِ فَلَمَّا أَخْزَاهُمُ اللَّهُ وَضَعْتُ الْبَابَ عَلَی حِصْنِهِمْ طَرِیقاً ثُمَّ رَمَیْتُ بِهِ فِی خَنْدَقِهِمْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ لَقَدْ حَمَلْتَ مِنْهُ ثِقَلًا فَقَالَ مَا كَانَ إِلَّا مِثْلَ جُنَّتِیَ الَّتِی فِی یَدِی فِی غَیْرِ ذَلِكَ الْمُقَامِ..
و ذكر أصحاب السیرة أن المسلمین لما انصرفوا من خیبر راموا حمل الباب فلم یقله منهم إلا سبعون (3) رجلا.
و فی حمل أمیر المؤمنین علیه السلام الباب یقول الشاعر:
إن امرأ حمل الرتاج (4) بخیبر*** یوم الیهود بقدرة لمؤید
حمل الرتاج رتاج باب قموصها*** و المسلمون و أهل خیبر حشد
فرمی به و لقد تكلف رده*** سبعون شخصا كلهم متشدد (5)
ردوه بعد تكلف و مشقة*** و مقال بعضهم لبعض ارددوا
و فیه أیضا قال شاعر من شعراء الشیعة یمدح أمیر المؤمنین علیه السلام و یهجو أعداءه علی ما رواه أبو محمد الحسن بن محمد بن جمهور قال قرأت علی أبی عثمان المازنی:
بعث النبی برایة منصورة ***عمر بن حنتمة الدلام الأدلما (6)
فمضی بها حتی إذا برزوا له*** دون القموص نبا (7) و هاب و أحجما
فأتی النبی برایة مردودة*** أ لا تخوف عارها فتذمما
فبكی النبی له و أنبه بها ***و دعا امرأ حسن البصیرة مقدما
فغدا بها فی فیلق و دعا له*** ألا یصد بها و ألا یهزما
فزوی الیهود إلی القموص و قد كسا*** كبش الكتیبة ذا غرار مخذما
ص: 17
و ثنی بناس بعدهم فقراهم*** طلس الذئاب و كل نسر قشعما
ساط الإله بحب آل محمد*** و بحب من والاهم منی الدما
بیان: قال الجوهری شمت السیف أغمدته و شمته سللته من الأضداد قوله یجبن أصحابه أی ینسبهم إلی الجبن
و قال الجزری فی حدیث علی علیه السلام
أكیلكم بالسیف كیل السندرة
أی أقتلكم قتلا واسعا ذریعا و السندرة مكیال واسع و قیل یحتمل أن یكون اتخذ من السندرة و هی شجرة تعمل منها النبل و القسی و السندرة أیضا العجلة.
أَقُولُ فِی الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَیْهِ علیه السلام:
أَنَا الَّذِی سَمَّتْنِی أُمِّی حَیْدَرَةَ*** ضِرْغَامُ آجَامٍ وَ لَیْثٌ قَسْوَرَةٌ
عَبْلُ الذِّرَاعَیْنِ شَدِیدُ الْقِصَرَةِ*** كَلَیْثِ غَابَاتٍ كَرِیهِ الْمَنْظَرَةِ
أَكِیلُكُمْ بِالسَّیْفِ كَیْلَ السَّنْدَرَةِ*** أَضْرِبُكُمْ ضَرْباً یُبِینُ الْفِقَرَةَ
وَ أَتْرُكُ الْقِرْنَ بِقَاعٍ جَزَرَةٍ*** أَضْرِبُ بِالسَّیْفِ رِقَابَ الْكَفَرَةِ
ضَرْبَ غُلَامٍ مَاجِدٍ حَزَوَّرَهْ ***مَنْ تَرَكَ (2) الْحَقَّ یَقُومُ صَغَرَةً
أَقْتُلُ مِنْهُمْ سَبْعَةً أَوْ عَشَرَةً*** فَكُلُّهُمْ أَهْلُ فُسُوقٍ فَجَرَةٍ
(3).
العبل: الضخم من كل شی ء و القصرة بالتحریك: أصل العنق و جزر السباع: اللحم الذی تأكله و الحزور كجعفر و بتشدید الواو و فتح الزاء أیضا الغلام إذا اشتد و قوی و خدم و صغرة جمع صاغر بمعنی الذلیل و الفیلق الجیش و الغرار بالكسر حد الرمح و السهم و السیف و المخذم بالكسر السیف القاطع و القری الضیافة و الطلس بالكسر الذئب الأمعط أی المتساقط الشعر و القشعم المسن من النسور و الضخم و السوط الخلط.
«12»-قب، المناقب لابن شهرآشوب أَرْكَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ خَیْبَرَ وَ عَمَّمَهُ بِیَدِهِ وَ أَلْبَسَهُ ثِیَابَهُ وَ أَرْكَبَهُ بَغْلَتَهُ ثُمَّ قَالَ امْضِ یَا عَلِیُّ وَ جَبْرَئِیلُ عَنْ یَمِینِكَ وَ مِیكَائِیلُ عَنْ یَسَارِكَ وَ
ص: 18
عِزْرَائِیلُ أَمَامَكَ وَ إِسْرَافِیلُ وَرَاءَكَ وَ نَصْرُ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ دُعَائِی خَلْفَكَ وَ خَبَّرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله رَمْیَهُ بَابَ خَیْبَرَ أَرْبَعِینَ ذِرَاعاً فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَقَدْ أَعَانَهُ عَلَیْهِ أَرْبَعُونَ (1) مَلَكاً.
«13»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی فِی خَبَرِ الشُّورَی بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی ذَرٍّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَهَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ احْتَمَلَ بَابَ خَیْبَرَ یَوْمَ فَتَحْتُ حِصْنَهَا ثُمَّ مَشَی بِهِ سَاعَةً ثُمَّ أَلْقَاهُ فَعَالَجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَلَمْ یُقِلُّوهُ مِنَ الْأَرْضِ (2) قَالُوا لَا (3).
«14»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَیْمَانَ الْأَزْدِیِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْأَزْدِیِّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْهَمَّامِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ أَبِی هَارُونَ الْعَبْدِیِّ عَنْ رَبِیعَةَ السَّعْدِیِّ عَنْ حُذَیْفَةَ بْنِ الْیَمَانِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَدِمَ جَعْفَرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِأَرْضِ خَیْبَرَ فَأَتَاهُ بِالْفَرْعِ مِنَ الْغَالِیَةِ وَ الْقَطِیفَةِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لَأَدْفَعَنَّ هَذِهِ الْقَطِیفَةَ إِلَی رَجُلٍ یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ فَمَدَّ أَصْحَابُ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَعْنَاقَهُمْ إِلَیْهَا فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَیْنَ عَلِیٌّ فَوَثَبَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَدَعَا عَلِیّاً علیه السلام فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ خُذْ هَذِهِ الْقَطِیفَةَ إِلَیْكَ فَأَخَذَهَا عَلِیٌّ علیه السلام وَ أَمْهَلَ حَتَّی قَدِمَ الْمَدِینَةَ فَانْطَلَقَ إِلَی الْبَقِیعِ وَ هُوَ سُوقُ الْمَدِینَةِ فَأَمَرَ صَائِغاً فَفَصَّلَ الْقَطِیفَةَ سِلْكاً سِلْكاً فَبَاعَ الذَّهَبَ وَ كَانَ أَلْفَ مِثْقَالٍ فَفَرَّقَهُ عَلِیٌّ علیه السلام فِی فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی مَنْزِلِهِ وَ لَمْ یَتْرُكْ (4) مِنَ الذَّهَبِ قَلِیلًا وَ لَا كَثِیراً فَلَقِیَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ غَدٍ فِی نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِیهِمْ حُذَیْفَةُ وَ عَمَّارٌ فَقَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّكَ أَخَذْتَ بِالْأَمْسِ أَلْفَ مِثْقَالٍ فَاجْعَلْ غَدَائِی الْیَوْمَ وَ أَصْحَابِی هَؤُلَاءِ عِنْدَكَ وَ لَمْ یَكُنْ عَلِیٌّ علیه السلام یَرْجِعُ یَوْمَئِذٍ إِلَی شَیْ ءٍ مِنَ الْعُرُوضِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَقَالَ حَیَاءً مِنْهُ وَ تَكَرُّماً نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ فِی الرَّحْبِ وَ السَّعَةِ ادْخُلْ یَا نَبِیَّ اللَّهِ أَنْتَ
ص: 19
وَ مَنْ مَعَكَ قَالَ فَدَخَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ لَنَا ادْخُلُوا قَالَ حُذَیْفَةُ وَ كُنَّا خَمْسَةَ نَفَرٍ أَنَا وَ عَمَّارٌ وَ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَدَخَلْنَا وَ دَخَلَ عَلِیٌّ عَلَی فَاطِمَةَ علیهما السلام یَبْتَغِی عِنْدَهَا شَیْئاً مِنْ زَادٍ فَوَجَدَ فِی وَسَطِ الْبَیْتِ جَفْنَةً مِنْ ثَرِیدٍ تَفُورُ وَ عَلَیْهَا عُرَاقٌ كَثِیرٌ وَ كَأَنَّ رَائِحَتَهَا الْمِسْكُ فَحَمَلَهَا عَلِیٌّ علیه السلام حَتَّی وَضَعَهَا بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا حَتَّی تَمَلَّأْنَا وَ لَا یَنْقُصُ مِنْهَا قَلِیلٌ وَ لَا كَثِیرٌ وَ قَامَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی دَخَلَ عَلَی فَاطِمَةَ علیه السلام وَ قَالَ أَنَّی لَكِ هَذَا الطَّعَامُ یَا فَاطِمَةُ فَرَدَّتْ عَلَیْهِ وَ نَحْنُ نَسْمَعُ قَوْلَهُمَا فَقَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ بِغَیْرِ حِسابٍ فَخَرَجَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَیْنَا مُسْتَعْبِراً وَ هُوَ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یُمِتْنِی حَتَّی رَأَیْتُ لِابْنَتِی مَا رَأَی زَكَرِیَّا لِمَرْیَمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَیْها ... الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً فَیَقُولُ لَهَا یا مَرْیَمُ أَنَّی لَكِ هذا فَتَقُولُ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ بِغَیْرِ حِسابٍ (1).
بیان: فی القاموس فرع كل شی ء أعلاه و من القوم شریفهم و المال الطائل المعد.
«15»-ل، الخصال بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِیّاً علیه السلام یَقُولُ یَوْمَ الشُّورَی نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ رَجَعَ عُمَرُ یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ یُجَبِّنُونَهُ قَدْ رَدَّ رَایَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُنْهَزِماً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا لَیْسَ بِفَرَّارٍ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَا یَرْجِعُ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ ادْعُوا لِی عَلِیّاً فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ رَمِدٌ مَا یَطْرِفُ فَقَالَ جِیئُونِی بِهِ فَلَمَّا قُمْتُ بَیْنَ یَدَیْهِ تَفَلَ فِی عَیْنِی وَ قَالَ اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّیَ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ إِلَی سَاعَتِی هَذِهِ فَأَخَذْتُ الرَّایَةَ وَ هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِینَ وَ أَظْفَرَنِی بِهِمْ غَیْرِی قَالُوا اللَّهُمَّ لَا قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ حِینَ جَاءَ مَرْحَبٌ وَ هُوَ یَقُولُ:
أَنَا الَّذِی سَمَّتْنِی أُمِّی مَرْحَبٌ***شَاكِی السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبٌ
أَطْعَنُ أَحْیَاناً وَ حِیناً أَضْرِبُ
ص: 20
فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ فَضَرَبَنِی وَ ضَرَبْتُهُ وَ عَلَی رَأْسِهِ نَقِیرٌ مِنْ جَبَلٍ (1) لَمْ یَكُنْ (2) تَصْلُحُ عَلَی رَأْسِهِ بَیْضَةٌ مِنْ عِظَمِ رَأْسِهِ فَفَلَقْتُ النَّقِیرَ وَ وَصَلَ السَّیْفُ إِلَی رَأْسِهِ فَقَتَلَهُ فَفِیكُمْ أَحَدٌ فَعَلَ هَذَا قَالُوا اللَّهُمَّ لَا (3).
«16»-ج، الإحتجاج عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی حَدِیثِ الشُّورَی قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَیْنَیْهِ وَ أَعْطَاهُ الرَّایَةَ یَوْمَ خَیْبَرَ فَلَمْ یَجِدْ حَرّاً وَ لَا بَرْداً غَیْرِی قَالُوا لَا قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ قَتَلَ مَرْحَباً الْیَهُودِیَّ مُبَارَزَةً فَارِسَ الْیَهُودِ غَیْرِی قَالُوا لَا قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ احْتَمَلَ بَابَ خَیْبَرَ حِینَ فَتَحَهَا فَمَشَی بِهِ مِائَةَ ذِرَاعٍ ثُمَّ عَالَجَهُ بَعْدَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَلَمْ یُطِیقُوهُ غَیْرِی قَالُوا لَا (4).
«17»-عم، إعلام الوری ثم كانت غزوة خیبر فی ذی الحجة من سنة ست و ذكر الواقدی أنها كانت أول سنة سبع من الهجرة و حاصرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بضعا و عشرین لیلة و بخیبر أربعة عشر ألف یهودی فی حصونهم فجعل رسول اللّٰه علیه السلام یفتحها حصنا حصنا و كان من أشد حصونهم و أكثرها رجالا القموص فأخذ أبو بكر رایة المهاجرین فقاتل بها ثم رجع منهزما ثم أخذها عمر من الغد فرجع منهزما یجبن الناس و یجبنونه حتی ساء رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذلك فَقَالَ لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا كَرَّاراً غَیْرَ فَرَّارٍ یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ لَا یَرْجِعُ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ فغدت قریش یقول بعضهم لبعض أما علی فقد كفیتموه فإنه أرمد لا یبصر موضع قدمه وَ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لَمَّا سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ لَا مُعْطِیَ لِمَا مَنَعْتَ وَ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَیْتَ فأصبح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و اجتمع إلیه الناس قال سعد جلست نصب عینیه ثم جثوت علی ركبتی ثم قمت علی رجلی قائما رجاء أن یدعونی فقال ادعوا لی علیا فصاح الناس من كل جانب إنه أرمد رمدا لا یبصر موضع قدمه فقال أرسلوا إلیه و ادعوه فأتی به یقاد فوضع رأسه علی فخذه
ص: 21
ثم تفل فی عینیه فقام و كأن (1) عینیه جزعتان ثم أعطاه الرایة و دعا له فخرج یهرول هرولة فو اللّٰه ما بلغت أخراهم حتی دخل الحصن قال جابر فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا و صاح سعد (2) أربع یلحق بك الناس فأقبل حتی ركزها قریبا من الحصن فخرج إلیه مرحب فی عادته بالیهود فبارزه فضرب رجله فقطعها و سقط و حمل علی علیه السلام و المسلمون علیهم فانهزموا.
قَالَ أَبَانٌ وَ حَدَّثَنِی زُرَارَةُ قَالَ قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام انْتَهَی إِلَی بَابِ الْحِصْنِ وَ قَدْ أُغْلِقَ فِی وَجْهِهِ فَاجْتَذَبَهُ اجْتِذَاباً وَ تَتَرَّسَ بِهِ ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَی ظَهْرِهِ وَ اقْتَحَمَ الْحِصْنَ اقْتِحَاماً وَ اقْتَحَمَ الْمُسْلِمُونَ وَ الْبَابُ عَلَی ظَهْرِهِ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا لَقِیَ عَلِیٌّ مِنَ النَّاسِ تَحْتَ الْبَابِ أَشَدَّ مِمَّا لَقِیَ مِنَ الْبَابِ ثُمَّ رَمَی بِالْبَابِ رَمْیاً وَ خَرَجَ الْبَشِیرُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّ عَلِیّاً علیه السلام دَخَلَ الْحِصْنَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ فَخَرَجَ عَلِیٌّ علیه السلام یَتَلَقَّاهُ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله بَلَغَنِی (3) نَبَؤُكَ الْمَشْكُورُ وَ صَنِیعُكَ الْمَذْكُورُ قَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنْكَ فَرَضِیتُ أَنَا (4) عَنْكَ فَبَكَی عَلِیٌّ علیه السلام فَقَالَ لَهُ مَا یُبْكِیكَ یَا عَلِیُّ فَقَالَ فَرَحاً بِأَنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ عَنِّی رَاضِیَانِ قَالَ وَ أَخَذَ عَلِیٌّ فِیمَنْ أَخَذَ صَفِیَّةَ بِنْتَ حُیَیٍّ فَدَعَا بِلَالًا فَدَفَعَهَا إِلَیْهِ وَ قَالَ لَهُ لَا تَضَعْهَا إِلَّا فِی یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی یَرَی فِیهَا رَأْیَهُ فَأَخْرَجَهَا بِلَالٌ وَ مَرَّ بِهَا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی الْقَتْلَی وَ قَدْ كَادَتْ تَذْهَبُ رُوحُهَا (5) فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله أَ نُزِعَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ یَا بِلَالُ ثُمَّ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَ تَزَوَّجَهَا.
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ خَیْبَرَ عَقَدَ لِوَاءً ثُمَّ قَالَ مَنْ یَقُومُ إِلَیْهِ (6) فَیَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ وَ هُوَ یُرِیدُ أَنْ یَبْعَثَ بِهِ إِلَی حَوَائِطِ فَدَكَ فَقَامَ الزُّبَیْرُ إِلَیْهِ فَقَالَ أَنَا فَقَالَ أَمِطْ عَنْهُ ثُمَّ قَامَ إِلَیْهِ (7) سَعْدٌ فَقَالَ أَمِطْ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ
ص: 22
یَا عَلِیُّ قُمْ إِلَیْهِ فَخُذْهُ فَأَخَذَهُ فَبَعَثَ بِهِ إِلَی فَدَكَ فَصَالَحَهُمْ عَلَی أَنْ یَحْقُنَ دِمَاءَهُمْ فَكَانَتْ حَوَائِطُ فَدَكَ لِرَسُولِ اللَّهِ خَاصّاً خَالِصاً فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَأْمُرُكَ أَنْ تُؤْتِیَ ذَا الْقُرْبَی حَقَّهُ قَالَ یَا جَبْرَئِیلُ وَ مَنْ قُرْبَایَ (1) وَ مَا حَقُّهَا قَالَ فَاطِمَةُ فَأَعْطِهَا حَوَائِطَ فَدَكَ وَ مَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ فِیهَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَاطِمَةَ وَ كَتَبَ لَهَا كِتَاباً جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِیهَا إِلَی أَبِی بَكْرٍ وَ قَالَتْ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِی وَ لِابْنَیَّ.
قَالَ: وَ لَمَّا افْتَتَحَ (2) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْبَرَ أَتَاهُ الْبَشِیرُ بِقُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ أَصْحَابِهِ مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَی الْمَدِینَةِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله مَا أَدْرِی بِأَیِّهِمَا أَنَا (3) أَسَرُّ بِفَتْحِ خَیْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ.
وَ عَنْ سُفْیَانَ الثَّوْرِیِّ عَنْ أَبِی الزُّبَیْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ تَلَقَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا نَظَرَ جَعْفَرٌ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَجَّلَ یَعْنِی مَشَی عَلَی رِجْلٍ وَاحِدَةٍ إِعْظَاماً لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ بَیْنَ عَیْنَیْهِ (4).
وَ رَوَی زُرَارَةُ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا اسْتَقْبَلَ جَعْفَراً الْتَزَمَهُ ثُمَّ قَبَّلَ بَیْنَ عَیْنَیْهِ (5) قَالَ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ قَبْلَ أَنْ یَسِیرَ إِلَی خَیْبَرَ عَمْرَو بْنَ أُمَیَّةَ الضَّمْرِیَّ (6) إِلَی النَّجَاشِیِّ عَظِیمِ الْحَبَشَةِ (7) وَ دَعَاهُ إِلَی الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَ كَانَ أَمَرَ عَمْراً أَنْ یَتَقَدَّمَ بِجَعْفَرٍ وَ أَصْحَابِهِ فَجَهَّزَ النَّجَاشِیُّ جَعْفَراً وَ أَصْحَابَهُ بِجَهَازٍ حَسَنٍ وَ أَمَرَ لَهُمْ بِكِسْوَةٍ وَ حَمَلَهُمْ فِی سَفِینَتَیْنِ (8).
بیان: قال الجزری الجزع بالفتح الخرز الیمانی و یقال ربع یربع
ص: 23
أی وقف و انتظر و قال فی حدیث خیبر إنه أخذ الرایة فهزها ثم قال من یأخذها بحقها فجاء فلان فقال أنا فقال أمط ثم جاء آخر فقال أمط أی تنح و اذهب و قال الحجل أن یرفع رجلا و یقفز علی الأخری من الفرح و قد یكون بالرجلین إلا أنه قفز و قیل الحجل مشی المقید.
«18»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ یَحْیَی الْحَلَبِیِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِجَعْفَرٍ یَا جَعْفَرُ أَ لَا أَمْنَحُكَ أَ لَا أُعْطِیكَ أَ لَا أَحْبُوكَ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ بَلَی یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ یُعْطِیهِ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً فَتَشَوَّفَ النَّاسُ لِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ إِنِّی أُعْطِیكَ شَیْئاً إِنْ أَنْتَ صَنَعْتَهُ فِی كُلِّ یَوْمٍ كَانَ خَیْراً لَكَ مِنَ الدُّنْیَا وَ مَا فِیهَا ثُمَّ عَلَّمَهُ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَاةَ جَعْفَرٍ عَلَی مَا سَیَأْتِی إِنْ شَاءَ اللَّهُ (1).
بیان: تشوف للشی ء أی طمح إلیه بصره.
«19»-ل، الخصال ن، عیون أخبار الرضا علیه السلام الْمُفَسِّرُ بِإِسْنَادِهِ إِلَی أَبِی مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِیِّ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیهم السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا جَاءَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مِنَ الْحَبَشَةِ قَامَ إِلَیْهِ وَ اسْتَقْبَلَهُ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ خُطْوَةً وَ قَبَّلَ مَا بَیْنَ عَیْنَیْهِ وَ بَكَی وَ قَالَ لَا أَدْرِی بِأَیِّهِمَا أَنَا أَشَدُّ سُرُوراً بِقُدُومِكَ یَا جَعْفَرُ أَمْ بِفَتْحِ اللَّهِ عَلَی أَخِیكَ خَیْبَرَ وَ بَكَی فَرَحاً بِرُؤْیَتِهِ (2).
«20»-یب، تهذیب الأحكام الْحُسَیْنُ بْنُ سَعِیدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ بِسْطَامَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ یَلْتَزِمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَالَ نَعَمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ افْتَتَحَ خَیْبَرَ أَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ جَعْفَراً قَدْ قَدِمَ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی بِأَیِّهِمَا أَنَا أَشَدُّ سُرُوراً بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَوْ بِفَتْحِ خَیْبَرَ قَالَ فَلَمْ یَلْبَثْ أَنْ جَاءَ جَعْفَرٌ قَالَ فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَالْتَزَمَهُ وَ قَبَّلَ مَا بَیْنَ عَیْنَیْهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ الْأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ الَّتِی بَلَغَنِی أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَ جَعْفَراً أَنْ یُصَلِّیَهَا فَقَالَ لَمَّا قَدِمَ علیه السلام عَلَیْهِ قَالَ لَهُ یَا جَعْفَرُ أَ لَا أُعْطِیكَ أَ لَا أَمْنَحُكَ أَ لَا أَحْبُوكَ قَالَ فَتَشَوَّفَ النَّاسُ وَ رَأَوْا
ص: 24
أَنَّهُ یُعْطِیهِ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً قَالَ بَلَی یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ صَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مَتَی مَا صَلَّیْتَهُنَّ غُفِرَ لَكَ مَا بَیْنَهُنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ كُلَّ یَوْمٍ وَ إِلَّا فَكُلَّ یَوْمَیْنِ أَوْ كُلَّ جُمْعَةٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ فَإِنَّهُ یُغْفَرُ لَكَ مَا بَیْنَهُمَا الْخَبَرَ (1).
«21»-قب، المناقب لابن شهرآشوب فُتِحَ خَیْبَرُ فِی الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَ لَمَّا رَأَتْ أَهْلُ خَیْبَرَ عَمَلَ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ ابْنُ أَبِی الْحُقَیْقِ لِلنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله انْزِلْ فَأُكَلِّمَكَ قَالَ نَعَمْ فَنَزَلَ وَ صَالَحَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِی حُصُونِهِمْ وَ یَخْرُجُونَ مِنْهَا بِثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ فَدَكٍ قِصَّتَهُمْ بَعَثُوا مُحَیَّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یَسْأَلُونَهُ أَنْ یَسْتُرَهُمْ بِأَثْوَابٍ فَلَمَّا نَزَلُوا سَأَلُوا النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یُعَامِلَهُمُ الْأَمْوَالَ عَلَی النِّصْفِ فَصَالَحَهُمْ عَلَی ذَلِكَ وَ كَذَلِكَ فَعَلَ بِأَهْلِ خَیْبَرَ (2).
«22»-ل، الخصال الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی الْعَلَوِیُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زَیْدٍ قَالَ سَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ بَیْتِی یَقُولُونَ إِنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِی طَالِبٍ لَمَّا قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَ كَانَ بِهَا مُهَاجِراً وَ ذَلِكَ یَوْمُ فَتْحِ خَیْبَرَ قَامَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَبَّلَ بَیْنَ عَیْنَیْهِ ثُمَّ قَالَ مَا أَدْرِی بِأَیِّهِمَا أَنَا أَسَرُّ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَوْ بِفَتْحِ خَیْبَرَ (3).
«23»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبِی الْفَضْلِ قَالَ: كُنْتُ مُجَاوِراً بِمَكَّةَ فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مِنْ أَیْنَ أُحْرِمُ بِالْحَجِّ فَقَالَ مِنْ حَیْثُ أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ الْجِعْرَانَةِ (4) أَتَاهُ فِی ذَلِكَ الْمَكَانِ فُتُوحٌ الطَّائِفُ وَ فَتْحُ خَیْبَرَ وَ الْفَتْحُ (5).
بیان: لعل خیبر هنا تصحیف حنین كما فی بعض النسخ و یمكن أن یقال كانت البشارة بفتح خیبر فی الحدیبیة و هو قریب من الجعرانة.
ص: 25
«24»-لی، الأمالی للصدوق الصَّائِغُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ بَسَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ سُوَیْدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِیعَةَ عَنِ ابْنِ قُنْبُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دَفَعَ الرَّایَةَ یَوْمَ خَیْبَرَ إِلَی رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَرَجَعَ مُنْهَزِماً فَدَفَعَهَا إِلَی آخَرَ فَرَجَعَ یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ یُجَبِّنُونَهُ قَدْ رَدَّ الرَّایَةَ مُنْهَزِماً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ لَا یَرْجِعُ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ ادْعُوا لِی عَلِیّاً فَقِیلَ لَهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ رَمِدٌ فَقَالَ ادْعُوهُ فَلَمَّا جَاءَ تَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی عَیْنَیْهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنْهُ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ ثُمَّ دَفَعَ الرَّایَةَ إِلَیْهِ وَ مَضَی فَمَا رَجَعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا بِفَتْحِ خَیْبَرَ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ لَمَّا دَنَا مِنَ الْقَمُوصِ أَقْبَلَ أَعْدَاءُ اللَّهِ مِنَ الْیَهُودِ یَرْمُونَهُ بِالنَّبْلِ وَ الْحِجَارَةِ فَحَمَلَ عَلَیْهِمْ عَلِیٌّ علیه السلام حَتَّی دَنَا مِنَ الْبَابِ فَثَنَی رِجْلَهُ (1) ثُمَّ نَزَلَ مُغْضَباً إِلَی أَصْلِ عَتَبَةِ الْبَابِ فَاقْتَلَعَهُ ثُمَّ رَمَی بِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَرْبَعِینَ ذِرَاعاً قَالَ ابْنُ عَمْرٍو مَا عَجِبْنَا مِنْ فَتْحِ اللَّهِ خَیْبَرَ عَلَی یَدَیْ عَلِیٍّ علیه السلام وَ لَكِنَّا عَجِبْنَا مِنْ قَلْعِهِ الْبَابَ وَ رَمْیِهِ خَلْفَهُ أَرْبَعِینَ ذِرَاعاً وَ لَقَدْ تَكَلَّفَ حَمْلَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَمَا أَطَاقُوهُ فَأُخْبِرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِذَلِكَ فَقَالَ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَقَدْ أَعَانَهُ عَلَیْهِ أَرْبَعُونَ مَلَكاً (2).
«25»-لی، الأمالی للصدوق الدَّقَّاقُ عَنِ الصُّوفِیِّ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَی الْحَبَّالِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ الْخَشَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِحْصَنٍ عَنِ ابْنِ ظَبْیَانَ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ فِی رِسَالَتِهِ إِلَی سَهْلِ بْنِ حُنَیْفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ اللَّهِ مَا قَلَعْتُ بَابَ خَیْبَرَ وَ رَمَیْتُ بِهِ خَلْفَ ظَهْرِی أَرْبَعِینَ ذِرَاعاً بِقُوَّةٍ جَسَدِیَّةٍ وَ لَا حَرَكَةٍ غِذَائِیَّةٍ لَكِنِّی أُیِّدْتُ بِقُوَّةٍ مَلَكُوتِیَّةٍ وَ نَفْسٍ بِنُورِ رَبِّهَا مُضِیئَةٍ (3) وَ أَنَا مِنْ أَحْمَدَ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَی قِتَالِی لَمَا وَلَّیْتُ وَ لَوْ أَمْكَنَتْنِی الْفُرْصَةُ مِنْ رِقَابِهَا لَمَا بَقَّیْتُ وَ مَنْ لَمْ یُبَالِ مَتَی حَتْفُهُ عَلَیْهِ سَاقِطٌ فَجَنَانُهُ فِی الْمُلِمَّاتِ رَابِطٌ (4).
ص: 26
«26»-ل، الخصال فِیمَا أَجَابَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام الْیَهُودِیَّ الَّذِی سَأَلَ عَنْ عَلَامَاتِ الْأَوْصِیَاءِ أَنْ قَالَ وَ أَمَّا السَّادِسَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّا وَرَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَدِینَةَ أَصْحَابِكَ خَیْبَرَ عَلَی رِجَالٍ مِنَ الْیَهُودِ وَ فُرْسَانِهَا مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهَا فَتَلَقَّوْنَا بِأَمْثَالِ الْجِبَالِ مِنَ الْخَیْلِ وَ الرِّجَالِ وَ السِّلَاحِ وَ هُمْ فِی أَمْنَعِ دَارٍ وَ أَكْثَرِ عَدَدٍ كُلٌّ یُنَادِی یَدْعُو (1) وَ یُبَادِرُ إِلَی الْقِتَالِ فَلَمْ یَبْرُزْ إِلَیْهِمْ مِنْ أَصْحَابِی أَحَدٌ إِلَّا قَتَلُوهُ حَتَّی إِذَا احْمَرَّتِ الْحَدَقُ وَ دُعِیتُ إِلَی النِّزَالِ وَ أَهَمَّتْ كُلَّ امْرِئٍ نَفْسُهُ وَ الْتَفَتَ بَعْضُ أَصْحَابِی إِلَی بَعْضٍ وَ كُلٌّ یَقُولُ یَا أَبَا الْحَسَنِ انْهَضْ فَأَنْهَضَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی دَارِهِمْ فَلَمْ یَبْرُزْ إِلَیَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ وَ لَا یَثْبُتُ لِی فَارِسٌ إِلَّا طَحَنْتُهُ ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَیْهِمْ شِدَّةَ اللَّیْثِ عَلَی فَرِیسَتِهِ حَتَّی أَدْخَلْتُهُمْ جَوْفَ مَدِینَتِهِمْ مُسَدِّداً عَلَیْهِمْ فَاقْتَلَعْتُ بَابَ حِصْنِهِمْ بِیَدِی حَتَّی دَخَلْتُ عَلَیْهِمْ مَدِینَتَهُمْ وَحْدِی أَقْتُلُ مَنْ یَظْهَرُ فِیهَا مِنْ رِجَالِهَا وَ أَسْبِی مَنْ أَجِدُ مِنْ نِسَائِهَا حَتَّی افْتَتَحْتُهَا وَحْدِی وَ لَمْ یَكُنْ لِی فِیهَا مُعَاوِنٌ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ (2).
«27»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی ابْنُ الْحَمَّامِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَیْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّی عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِی عَوَانَةَ عَنْ سُهَیْلٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَا یَرْجِعُ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِ قَالَ عُمَرُ مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَبْلَ یَوْمِئِذٍ فَدَعَا عَلِیّاً علیه السلام فَبَعَثَهُ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَقَاتِلْ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْكَ وَ لَا تَلْتَفِتْ فَمَشَی سَاعَةً أَوْ قَالَ قَلِیلًا ثُمَّ وَقَفَ وَ لَمْ یَلْتَفِتْ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَی مَا أُقَاتِلُ النَّاسَ قَالَ قَاتِلْهُمْ حَتَّی یَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَ حِسَابُهُمْ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (3).
«28»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی ابْنُ الصَّلْتِ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ
ص: 27
بْنِ شَیْبَانَ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دَفَعَ خَیْبَرَ إِلَی أَهْلِهَا بِالشَّطْرِ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصِّرَامِ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَیْهِمْ ثُمَّ قَالَ إِنْ شِئْتُمْ أَخَذْتُمْ بِخَرْصِنَا وَ إِنْ شِئْنَا أَخَذْنَا وَ احْتَسَبْنَا لَكُمْ فَقَالُوا هَذَا الْحَقُّ بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ (1).
«29»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا إِلَی خَیْبَرَ فَإِذَا نَحْنُ بِوَادٍ ملأ (2) [مَلْآنَ مَاءً فَقَدَّرْنَاهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (3) قَامَةً فَقَالَ النَّاسُ یَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَدُوُّ مِنْ وَرَائِنَا وَ الْوَادِی أَمَامَنَا كَمَا قالَ أَصْحابُ مُوسی إِنَّا لَمُدْرَكُونَ فَنَزَلَ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ (4) اللَّهُمَّ إِنَّكَ جَعَلْتَ لِكُلِّ مُرْسَلٍ عَلَامَةً فَأَرِنَا قُدْرَتَكَ (5) فَرَكِبَ وَ عَبَرَتِ الْخَیْلُ وَ الْإِبِلُ لَا تَنْدَی حَوَافِرُهَا وَ أَخْفَافُهَا (6) فَفَتَحُوهُ ثُمَّ أُعْطِیَ بَعْدَهُ فِی أَصْحَابِهِ حِینَ عُبُورِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِیكَرِبَ الْبَحْرَ (7) بِالْمَدَائِنِ بحبشه (8) [بِجَیْشِهِ .
«30»-یج، الخرائج و الجرائح مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ لَمَّا سَارَ إِلَی خَیْبَرَ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الرَّایَةَ إِلَی بَابِ الْحِصْنِ فَحَارَبَهُمْ فَحَمَلَتِ الْیَهُودُ فَرَجَعَ مُنْهَزِماً یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ یُجَبِّنُونَهُ وَ لَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَخَذَ عُمَرُ الرَّایَةَ فَخَرَجَ بِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ یُجَبِّنُ النَّاسَ (9) فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ یَرْجِعُونَ مُنْهَزِمِینَ یُجَبِّنُونَ أَصْحَابَهُمْ أَمَا لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ كَرَّاراً غَیْرَ فَرَّارٍ لَا یَرْجِعُ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَلَی یَدِهِ (10) وَ كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام أَرْمَدَ الْعَیْنِ فَتَطَاوَلَ جَمِیعُ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا أَمَّا عَلِیٌّ فَإِنَّهُ لَا یُبْصِرُ شَیْئاً لَا سَهْلًا وَ لَا جَبَلًا
ص: 28
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ الْخَیْمَةِ وَ الرَّایَةُ فِی (1) یَدِهِ فَرَكَزَهَا وَ قَالَ أَیْنَ عَلِیٌّ فَقِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ رَمِدٌ مَعْصُوبُ الْعَیْنَیْنِ قَالَ هَاتُوهُ إِلَیَّ فَأُتِیَ بِهِ یُقَادُ فَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَیْنَیْهِ ثُمَّ تَفَلَ فِیهِمَا فَكَأَنَّ عَلِیّاً (2) لَمْ تَرْمَدْ عَیْنَاهُ قَطُّ (3) ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ فَكَانَ عَلِیٌّ یَقُولُ مَا وَجَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ حَرّاً وَ لَا بَرْداً فِی صَیْفٍ وَ لَا شِتَاءٍ ثُمَّ دَفَعَ إِلَیْهِ الرَّایَةَ وَ قَالَ لَهُ سِرْ فِی الْمُسْلِمِینَ إِلَی بَابِ الْحِصْنِ وَ ادْعُهُمْ إِلَی إِحْدَی ثَلَاثِ خِصَالٍ إِمَّا أَنْ یَدْخُلُوا فِی الْإِسْلَامِ وَ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِینَ وَ عَلَیْهِمْ مَا عَلَیْهِمْ وَ أَمْوَالُهُمْ لَهُمْ وَ إِمَّا أَنْ یُذْعِنوا لِلْجِزْیَةِ (4) وَ الصُّلْحِ وَ لَهُمُ الذِّمَّةُ وَ أَمْوَالُهُمْ لَهُمْ وَ إِمَّا الْحَرْبِ فَإِنِ (5) اخْتَارُوا الْحَرْبَ فَحَارِبْهُمْ فأخذها و سار بها و المسلمون خلفه حتی وافی باب الحصن فاستقبله حماة الیهود و فی أولهم مرحب یهدر (6) كما یهدر البعیر فدعاهم إلی الإسلام فأبوا ثم دعاهم إلی الذمة فأبوا فحمل علیهم أمیر المؤمنین علیه السلام فانهزموا بین یدیه و دخلوا الحصن و ردوا بابه و كان الباب حجرا منقورا فی صخر و الباب من الحجر فی ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحی و فی وسطه ثقب لطیف فرمی أمیر المؤمنین علیه السلام بقوسه من یده الیسری و جعل یده الیسری فی ذلك الثقب الذی فی وسط الحجر دون الیمنی لأن السیف كان فی یده الیمنی ثم جذبه إلیه فانهار الصخر المنقور و صار الباب فی یده الیسری فحملت علیه الیهود فجعل ذلك ترسا له و حمل علیهم فضرب مرحبا فقتله و انهزم الیهود من بین یدیه فرمی عند ذلك الحجر بیده الیسری إلی خلفه فمر الحجر الذی هو الباب علی رءوس الناس من المسلمین إلی أن وقع فی آخر العسكر قال المسلمون فذرعنا المسافة التی مضی فیها الباب فكانت أربعین ذراعا ثم اجتمعنا علی الباب (7) لنرفعه من الأرض و كنا أربعین رجلا حتی تهیأ لنا أن نرفعه قلیلا من الأرض.
ص: 29
«31»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ خَیْبَرَ رَاجِعاً إِلَی الْمَدِینَةِ قَالَ جَابِرٌ وَ صِرْنَا (1) عَلَی وَادٍ عَظِیمٍ قَدِ امْتَلَأَ بِالْمَاءِ فَقَاسُوا عُمْقَهُ بِرُمْحٍ فَلَمْ یَبْلُغْ قَعْرَهُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ اللَّهُمَّ أَعْطِنَا الْیَوْمَ آیَةً مِنْ آیَاتِ أَنْبِیَائِكَ وَ رُسُلِكَ ثُمَّ ضَرَبَ الْمَاءَ بِقَضِیبِهِ وَ اسْتَوَی عَلَی رَاحِلَتِهِ ثُمَّ قَالَ سِیرُوا خَلْفِی بِاسْمِ اللَّهِ (2) فَمَضَتْ رَاحِلَتُهُ عَلَی وَجْهِ الْمَاءِ فَاتَّبَعَهُ (3) النَّاسُ عَلَی رَوَاحِلِهِمْ وَ دَوَابِّهِمْ فَلَمْ تَتَرَطَّبْ (4) أَخْفَافُهَا وَ لَا حَوَافِرُهَا (5).
«32»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا صَارَ (6) إِلَی خَیْبَرَ كَانُوا قَدْ جَمَعُوا حُلَفَاءَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ غَطَفَانَ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ فَلَمَّا نَزَلَ صلی اللّٰه علیه و آله بِخَیْبَرَ سَمِعَتْ غَطَفَانُ صَائِحاً یَصِیحُ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ یَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ الْحَقُوا حَیَّكُمْ فَقَدْ خُولِفْتُمْ إِلَیْهِمْ وَ رَكِبُوا مِنْ لَیْلَتِهِمْ وَ صَارُوا إِلَی حَیِّهِمْ مِنَ الْغَدِ فَوَجَدُوهُمْ سَالِمِینَ قَالُوا فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ لِیَظْفَرَ مُحَمَّدٌ بِیَهُودِ خَیْبَرَ فَنَزَلَ صلی اللّٰه علیه و آله تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ نَادَی مُنَادِیهِ قَالُوا فَاجْتَمَعْنَا إِلَیْهِ فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ عَلَیْكُمْ هَذَا جَاءَنِی وَ أَنَا نَائِمٌ وَ سَلَّ سَیْفِی وَ قَالَ مَنْ یَمْنَعُكَ مِنِّی قُلْتُ اللَّهُ یَمْنَعُنِی مِنْكَ فَصَارَ كَمَا تَرَوْنَ لَا حَرَاكَ بِهِ فَقَالَ دَعُوهُ وَ لَمْ یُعَاقِبْهُ وَ لَمَّا فَتَحَ عَلِیٌّ علیه السلام حِصْنَ خَیْبَرَ الْأَعْلَی بَقِیَتْ لَهُمْ قَلْعَةٌ فِیهَا جَمِیعُ أَمْوَالِهِمْ وَ مَأْكُولِهِمْ وَ لَمْ یَكُنْ عَلَیْهَا حَرْبٌ بِوَجْهٍ (7) مِنَ الْوُجُوهِ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ مُحَاصِراً لِمَنْ فِیهَا فَصَارَ إِلَیْهِ یَهُودِیٌّ مِنْهُمْ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ تُؤْمِنُنُی عَلَی نَفْسِی وَ أَهْلِی وَ مَالِی وَ وُلْدِی حَتَّی أَدُلَّكَ عَلَی فَتْحِ الْقَلْعَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْتَ آمِنٌ فَمَا دَلَالَتُكَ قَالَ تَأْمُرُ أَنْ یُحْفَرَ هَذَا الْمَوْضِعُ فَإِنَّهُمْ یَصِیرُونَ إِلَی مَاءِ أَهْلِ الْقَلْعَةِ فَیَخْرُجُ وَ یَبْقَوْنَ بِلَا مَاءٍ (8) وَ یُسَلِّمُونَ إِلَیْكَ الْقَلْعَةَ طَوْعاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَوْ یُحْدِثَ اللَّهُ غَیْرَ هَذَا وَ قَدْ أَمَنَّاكَ فَلَمَّا
ص: 30
كَانَ مِنَ الْغَدِ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ بَغْلَتَهُ وَ قَالَ لِلْمُسْلِمِینَ اتَّبِعُونِی وَ سَارَ نَحْوَ الْقَلْعَةِ فَأَقْبَلَتِ السِّهَامُ وَ الْحِجَارَةُ نَحْوَهُ وَ هِیَ تَمُرُّ عَنْ یَمْنَتِهِ وَ یَسْرَتِهِ فَلَا تُصِیبُهُ وَ لَا أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِینَ شَیْ ءٌ مِنْهَا حَتَّی وَصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَابِ الْقَلْعَةِ فَأَشَارَ بِیَدِهِ إِلَی حَائِطِهَا فَانْخَفَضَ الْحَائِطُ حَتَّی صَارَ مِنَ (1) الْأَرْضِ وَ قَالَ لِلنَّاسِ ادْخُلُوا الْقَلْعَةَ مِنْ رَأْسِ الْحَائِطِ بِغَیْرِ كُلْفَةٍ (2).
بیان: فقد خولفتم إلیهم أی أتی عدوكم حیكم مخالفین لكم فی الطریق فی القاموس هو یخالف فلانة أی یأتیها إذا غاب زوجها.
«33»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِیِّ قَالَ أَخْبَرَنِی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّ أَبَاهُ علیه السلام حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَعْطَی خَیْبَرَ بِالنِّصْفِ أَرْضَهَا وَ نَخْلَهَا فَلَمَّا أَدْرَكَتِ الثَّمَرَةُ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَقَوَّمَ عَلَیْهِمْ قِیمَةً فَقَالَ لَهُمْ إِمَّا أَنْ تَأْخُذُوهُ وَ تُعْطُونِی نِصْفَ الثَّمَرِ (3) وَ إِمَّا أَعْطَیْتُكُمْ نِصْفَ الثَّمَرِ (4) وَ آخُذُهُ فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ (5).
«34»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی الصَّبَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ إِنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا افْتَتَحَ خَیْبَرَ تَرَكَهَا فِی أَیْدِیهِمْ عَلَی النِّصْفِ فَلَمَّا بَلَغَتِ الثَّمَرَةُ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَیْهِمْ فَخَرَصَ عَلَیْهِمْ فَجَاءُوا إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا لَهُ إِنَّهُ قَدْ زَادَ عَلَیْنَا فَأَرْسَلَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ مَا یَقُولُ هَؤُلَاءِ قَالَ قَدْ خَرَصْتُ عَلَیْهِمْ بِشَیْ ءٍ فَإِنْ شَاءُوا یَأْخُذُونَ بِمَا خَرَصْتُ وَ إِنْ شَاءُوا أَخَذْنَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْیَهُودِ بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ (6).
«35»- أقول قال الكازرونی فی سنة سبع من الهجرة كانت غزوة خیبر فی جمادی الأولی و خیبر علی ثمانیة برد من المدینة و ذلك أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لما
ص: 31
رجع من الحدیبیة أقام بالمدینة بقیة ذی الحجة و بعض المحرم ثم خرج فی بقیة المحرم لسنة سبع و استخلف علی المدینة سباع بن عرفطة الغفاری (1) و أخرج معه أم سلمة فلما نزل بساحتهم أصبحوا و غدوا (2) إلی أعمالهم معهم المساحی و المكاتل فلما نظروا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قالوا محمد و الخمیس (3) فولوا هاربین إلی حصونهم و جعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقول اللّٰه أكبر خزیت (4) خیبر إنا جیش إذا نزلنا (5) بساحة قوم فساء صباح المنذرین فقاتلوهم أشد القتال و فتحها حصنا حصنا و هی حصون ذوات عدد و أخذ كنز (6) آل أبی الحقیق و كان قد غیبوه فی خربة فدله اللّٰه علیه فاستخرجه و قتل منهم ثلاثة و تسعین (7) رجلا من یهود حتی ألجأهم إلی قصورهم و غلبهم علی الأرض و النخل فصالحهم علی أن یحقن دماءهم و لهم ما حملت ركابهم و للنبی صلی اللّٰه علیه و آله الصفراء و البیضاء و السلاح و یخرجهم و شرطوا للنبی صلی اللّٰه علیه و آله أن لا یكتموه شیئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم و لا عهد فلما وجد المال الذی غیبوه فی مسك الجمال (8) سبی نساءهم و غلب علی الأرض و النخل و دفعها إلیهم علی الشطر.
ثم ذكر حدیث الرایة و رجوع أبی بكر و عمر و انهزامهما.
وَ قَوْلَهُ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَا وَ اللَّهِ لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ یَأْخُذُهَا إلی آخر ما مر.
ص: 32
ثم قال قال ابن عباس لما أراد النبی صلی اللّٰه علیه و آله أن یخرج من خیبر قال القوم الآن نعلم أ سریة صفیة أم امرأة فإن كانت امرأة فسیحجبها و إلا فهی سریة فلما خرج أمر بستر فستر دونها فعرف الناس أنها امرأة فلما أرادت أن تركب أدنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فخذه منها لتركب علیها فأبت و وضعت ركبتها علی فخذه ثم حملها فلما كان اللیل نزل فدخل الفسطاط و دخلت معه و جاء أبو أیوب فبات عند الفسطاط معه السیف واضع رأسه علی الفسطاط فلما أصبح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله سمع صوتا فقال من هذا فقال أنا أبو أیوب فقال ما شأنك قال یا رسول اللّٰه جاریة شابة حدیثة عهد بعرس و قد صنعت بزوجها ما صنعت فلم آمنها قلت إن تحركت كنت قریبا منك فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله رحمك اللّٰه یا أبا أیوب مرتین و كانت صفیة عروسا بكنانة بن الربیع بن أبی الحقیق حین نزل رسول اللّٰه خیبر فرأت فی المنام كأن الشمس نزلت حتی وقعت علی صدرها فقصت ذلك علی زوجها فقال و اللّٰه ما تمنیت (1) إلا هذا الملك الذی نزل بنا ففتحها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ضرب عنق زوجها فتزوجها.
-و فی بعض الروایات أن صفیة كانت قد رأت فی المنام و هی عروس بكنانة بن الربیع أن قمرا وقع فی حجرها فعرضت رؤیاها علی زوجها فقال ما هذا إلا أنك تمنین ملك الحجاز فلطم وجهها لطمة اخضرت عینها منها فأتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بها و بها أثر منها فسألها ما هو فأخبرته هذا الخبر.
و أتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بزوجها كنانة و كان عنده كنز بنی النضیر فسأله فجحده أن یكون یعلم مكانه فأتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله برجل من الیهود فقال لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إنی قد رأیت كنانة یطیف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول اللّٰه أ رأیت إن وجدناه عندك أ نقتلك قال نعم فأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقی فأبی أن یؤدیه فأمر صلی اللّٰه علیه و آله الزبیر بن العوام قال عذبه حتی تستأصل ما عنده و كان الزبیر یقدح بزند فی
ص: 33
صدره حتی أشرف علی نفسه ثم دفعه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخیه محمود بن مسلمة.
و بإسناده عن أنس قال لما افتتح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خیبر قال الحجاج بن علاط یا رسول اللّٰه إن لی بمكة مالا و إن لی بها أهلا أرید أن آتیهم فأنا فی حل إن أنا نلت منك و قلت (1) شیئا فأذن له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یقول ما شاء فأتی امرأته حین (2) قدم و قال اجمعی لی ما كان عندك فإنی أرید أن أشتری من غنائم محمد و أصحابه فإنهم قد استبیحوا و قد أصیبت أموالهم و فشا ذلك فی مكة فانقمع المسلمون و أظهر المشركون فرحا و سرورا فبلغ الخبر العباس بن عبد المطلب فعقر و جعل لا یستطیع أن یقوم ثم أرسل الغلام إلی الحجاج ویلك ما ذا جئت به و ما ذا تقول فما وعد اللّٰه خیر مما جئت به فقال الحجاج اقرأ علی أبی الفضل السلام و قل له فلیخل لی بعض بیوته لآتیه فإن الخبر علی ما یسره قال فجاء غلامه فلما بلغ الباب قال أبشر یا أبا الفضل قال فوثب العباس فرحا حتی قبل بین عینیه فأخبره بما قال الحجاج فأعتقه قال ثم جاء الحجاج فأخبره أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد افتتح خیبر و غنم أموالهم و جرت سهام اللّٰه تعالی فی أموالهم و اصطفی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله صفیة و اتخذها لنفسه و خیرها بین أن یعتقها و تكون زوجته أو تلحق بأهلها فاختارت أن یعتقها و تكون زوجته و لكن جئت (3) لمال لی هاهنا أردت أن أجمعه فأذهب به فاستأذنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأذن لی أن أقول ما شئت فاخف علی ثلاثا ثم اذكر ما بدا لك قال فجمعت امرأته ما كان عندها من حلی و متاع فدفعته إلیه ثم انشمر به فلما كان بعد ثلاث أتی العباس امرأة الحجاج فقال ما فعل زوجك فأخبرته أنه ذهب یوم كذا و كذا و قالت لا یحزنك اللّٰه یا أبا الفضل لقد شق علینا الذی بلغك قال أجل لا یحزننی اللّٰه تعالی و لم یكن بحمد اللّٰه إلا ما أحببنا فتح اللّٰه خیبر
ص: 34
علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و اصطفی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله صفیة لنفسه فإن كان لك حاجة فی زوجك فالحقی به قالت أظنك و اللّٰه صادقا قال فو اللّٰه إنی لصادق و الأمر علی ما أخبرتك قال ثم ذهب حتی أتی مجلس قریش (1) و هم یقولون إذا مر بهم لا یصیبك إلا خیر یا أبا الفضل قال لم یصبنی إلا خیر بحمد اللّٰه لقد أخبرنی الحجاج أن خیبر فتح اللّٰه علی رسوله و جرت سهام اللّٰه فیها و اصطفی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله صفیة لنفسه و قد سألنی أن أخفی عنه ثلاثا و إنما جاء لیأخذ ماله و ما كان له من شی ء هاهنا ثم یذهب قال فرد اللّٰه الكأبة التی بالمسلمین علی المشركین و خرج من كان دخل بیته مكتئبا حتی أتوا العباس فأخبرهم الخبر فسر المسلمون و رد اللّٰه ما كان من كأبة أو غیظ أو حزن علی المشركین. (2).
قوله (3) فانقمع أی انكسر و عقر أی دهش من كراهة الخبر الذی سمعه و انشمر به أی خف به و أسرع به.
«36»-مِنَ الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام مِمَّا أَنْشَدَهُ فِی غَزَاةِ خَیْبَرَ:
سَتَشْهَدُ لِی بِالْكَرِّ وَ الطَّعْنِ رَایَةٌ ***حَبَانِی بِهَا الطُّهْرُ النَّبِیُّ الْمُهَذَّبُ
وَ تَعْلَمُ أَنِّی فِی الْحُرُوبِ إِذَا الْتَظَتْ*** بِنِیرَانِهَا اللَّیْثُ الْهَمُوسُ الْمُجَرَّبُ
وَ مِثْلِیَ لَاقَی الْهَوْلَ فِی مَفْظِعَاتِهِ ***وَ قَلَّ لَهُ الْجَیْشُ الْخَمِیسُ الْعَطَبْطَبُ (4)
وَ قَدْ عَلِمَ الْأَحْیَاءُ أَنِّی زَعِیمُهَا*** وَ أَنِّی لَدَی الْحَرْبِ الْعُذَیْقُ الْمُرَجَّبُ (5)
بیان: الالتظاء الاشتعال و الالتهاب و قال الجوهری الأسد الهموس الخفی الوطء و قل المضبوط فی النسخ بالقاف و لعل الفاء أنسب من قولهم فل الجیش إذا هزمهم و العطبطب لم أجده فی اللغة و فی الشرح المهلك و الزعیم سید القوم و رئیسهم و العذیق تصغیر العذق بالفتح و هی النخلة و هو
ص: 35
تصغیر تعظیم و الرجبة هو أن تعمد النخلة الكریمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خیف علیها لطولها و كثرة حملها أن تقع و قد یكون ترجیبها بأن یجعل حولها شوك لئلا یرقی إلیها و من الترجیب أن تعمد بخشبة ذات شعبتین و قیل أراد بالترجیب التعظیم كل ذلك ذكره فی النهایة.
وَ مِنْهُ فِیهَا:
أَنَا عَلِیٌّ وَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ***مُهَذَّبٌ ذُو سَطْوَةٍ وَ ذُو غَضَبٍ
غُذِّیتُ (1) فِی الْحَرْبِ وَ عِصْیَانِ النُّؤَبِ*** مِنْ بَیْتِ عِزٍّ لَیْسَ فِیهِ مُنْشَعَبُ
وَ فِی یَمِینِی صَارِمٌ یَجْلُو (2) الْكُرَبَ*** مَنْ یَلْقَنِی یَلْقَی الْمَنَایَا وَ الْعَطَبَ
إِذْ كَفُّ مِثْلِی بِالرُّءُوسِ یَلْتَعِبُ (3)
بیان: و عصیان النؤب أی عدم إطاعة نوائب الدهر لی و غلبتها علی و المنشعب مصدر میمی أو اسم مكان و الانشعاب التفرق و إذ للتعلیل أو ظرف لیلقی.
وَ مِنْهُ فِیهَا مُخَاطِباً لِیَاسِرٍ وَ غَیْرِهِ:
هَذَا لَكُمْ مِنَ الْغُلَامِ الْغَالِبِ ***مِنْ ضَرْبِ صِدْقٍ وَ قَضَاءِ الْوَاجِبِ (4)
وَ فَالِقِ الْهَامَاتِ وَ الْمَنَاكِبِ*** أَحْمِی بِهِ قَمَاقِمَ الْكَتَائِبِ (5)
بیان: القمقام السید و العدد الكثیر و الكتیبة الجیش.
وَ مِنْهُ فِیهَا مُخَاطِباً لِعَنْتَرٍ وَ سَائِرِ عَسْكَرِ خَیْبَرَ:
هَذَا لَكُمْ مَعَاشِرَ الْأَحْزَابِ*** مِنْ فَالِقِ الْهَامَاتِ وَ الرِّقَابِ
فَاسْتَعْجِلُوا لِلطَّعْنِ وَ الضِّرَابِ*** وَ اسْتَبْسِلُوا لِلْمَوْتِ وَ الْمَآبِ
صَیَّرَكُمْ سیفی إلَی الْعَذَابِ***بِعَوْنِ رَبِّی الْوَاحِدِ الْوَهَّابِ(6)
بیان: استبسل طرح نفسه فی الحرب و یرید أن یقتل أو یقتل لا محالة و
ص: 36
المآب المرجع فی الآخرة.
وَ مِنْهُ فِیهِ مُخَاطِباً لِرَبِیعِ بْنِ أَبِی الْحُقَیْقِ:
أَنَا عَلِیٌّ وَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ***أَحْمِی ذِمَارِی وَ أَذُبُّ عَنْ حَسَبٍ
وَ الْمَوْتُ خَیْرٌ لِلْفَتَی مِنَ الْهَرَبِ (1)
وَ مِنْهُ فِیهَا مُخَاطِباً لِجَمَاهِیرِ أَهْلِ خَیْبَرَ:
أَنَا عَلِیٌّ وَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ*** مُهَذَّبٌ ذُو سَطْوَةٍ وَ ذُو حَسَبٍ
قِرْنٌ إِذَا لَاقَیْتُ قِرْناً لَمْ أَهَبْ ***مَنْ یَلْقَنِی یَلْقَی الْمَنَایَا وَ الْكُرَبَ (2)
وَ مِنْهُ فِیهَا مُخَاطِباً لِمُرَّةَ بْنِ مَرْوَانَ:
أَنَا عَلِیٌّ وَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ*** أَخُو النَّبِیِّ الْمُصْطَفَی الْمُنْتَجَبِ
رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِینَ قَدْ غَلَبَ*** بَیَّنَهُ رَبُّ السَّمَاءِ فِی الْكُتُبِ
وَ كُلُّهُمْ (3) یَعْلَمُ لَا قَوْلَ كَذِبٍ*** وَ لَا بِزُورٍ حِینَ یدء (4) (یَدْوِی) بِالنَّسَبِ
صَافِی الْأَدِیمِ وَ الْجَبِینِ كَالذَّهَبِ*** الْیَوْمَ أُرْضِیهِ بِضَرْبٍ وَ غَضَبٍ
ضَرْبَ غُلَامٍ أَرِبٍ مِنَ الْعَرَبِ*** لَیْسَ بِخَوَّارٍ یُرَی عِنْدَ النُّكَبِ
فَاثْبُتْ لِضَرْبٍ مِنْ حُسَامٍ كَاللَّهَبِ (5)
بیان: حین یدء قال الشارح الداو و الدای الحكایة و لم أجده فیما عندنا من الكتب و فی القاموس دأیت الشی ء كسعیت ختلته و یحتمل أن یكون بالباء الموحدة من الابتداء.
وَ مِنْهُ فِیهَا مُخَاطِباً لِمَرْحَبٍ:
نَحْنُ بَنُو الْحَرْبِ بِنَا سَعِیرُهَا*** حَرْبَ عَوَانٍ حَرُّهَا نَذِیرُهَا
تَحُثُّ رَكْضَ الْخَیْلِ فِی زَفِیرِهَا (6)
وَ مِنْهُ فِیهَا مُجِیباً لِیَاسِرٍ الْخَیْبَرِیِ:
ص: 37
تَبّاً وَ تَعْساً لَكَ یَا ابْنِ الْكَافِرِ*** أَنَا عَلِیٌّ هَازِمُ الْعَسَاكِرِ
أَنَا الَّذِی أَضْرِبُكُمْ وَ نَاصِرِی*** إِلَهُ حَقٍّ وَ لَهُ مُهَاجَرِی
أَضْرِبُكُمْ بِالسَّیْفِ فِی الْمَصَاغِرِ*** أَجُودُ بِالطَّعْنِ وَ ضَرْبٍ طاهر (1) (ظَاهِرٍ)
مَعَ ابْنِ عَمِّی وَ السِّرَاجِ الزَّاهِرِ*** حَتَّی تَدِینُوا لِلْعَلِیِّ الْقَاهِرِ
ضَرْبَ غُلَامٍ صَارِمٍ مُمَاهِرِ (2)
وَ أَیْضاً فِی جَوَابِهِ:
یَنْصُرُنِی رَبِّی خَیْرُ نَاصِرٍ*** آمَنْتُ بِاللَّهِ بِقَلْبٍ شَاكِرٍ
أَضْرِبُ بِالسَّیْفِ عَلَی الْمَغَافِرِ*** مَعَ النَّبِیِّ الْمُصْطَفَی الْمُهَاجِرِ (3)
وَ مِنْهُ فِیهَا مُجِیباً لِأَبِی الْبُلَیْتِ عَنْتَرٍ:
أَنَا عَلِیٌّ الْبَطَلُ الْمُظَفَّرُ*** غَشَمْشَمُ الْقَلْبِ بِذَاكَ أُذْكَرُ
وَ فِی یَمِینِی لِلِّقَاءِ أَخْضَرُ ***یَلْمَعُ مِنْ حافته (حَافَیْهِ) بَرْقٌ یَزْهَرُ (4)
لِلطَّعْنِ وَ الضَّرْبِ الشَّدِیدِ مُحْضَرُ*** مَعَ النَّبِیِّ الطَّاهِرِ الْمُطَهَّرِ
اخْتَارَهُ اللَّهُ الْعَلِیُّ الْأَكْبَرُ*** الْیَوْمَ یُرْضِیهِ وَ یُخْزِی عَنْتَرٌ (5)
بیان: قال الجوهری الغشمشم الذی یركب رأسه لا یثنیه شی ء عما یرید و یهوی من شجاعته و إنما عبر عن السیف بالأخضر لأنه من الحدید و هو أسود و العرب یعبر عن السواد بالخضرة أو لكثرة مائه كما یسمی البحر الأخضر.
وَ مِنْهُ فِیهَا قَالَ ارْتَجَزَ دَاوُدُ بْنُ قَابُوسَ فَقَالَ:
یَا أَیُّهَا الْحَامِلُ (6) بِالتَّرَغُّمِ ***مَا ذَا تُرِیدُ مِنْ فَتًی غَشَمْشَمِ
أَرْوَعَ مِفْضَالٍ هَصُورٍ هَیْصَمٍ*** مَا ذَا تَرَی بِبَازِلِ مُعْتَصَمٍ (7)
وَ قَاتِلِ الْقِرْنِ الْجَرِی ءِ الْمُقْدِمِ*** وَ اللَّهِ لَا أُسْلِمُ حَتَّی تُحْرَمِ
ص: 38
فَأَجَابَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ:
اثْبُتْ لَحَاكَ اللَّهُ إِنْ لَمْ تُسْلِمِ*** لِوَقْعِ سَیْفٍ عَجْرَفِیٍّ خِضْرَمٍ
تَحْمِلُهُ مِنِّی بَنَانُ الْمِعْصَمِ*** أَحْمِی بِهِ كَتَائِبِی وَ أَحْتَمِی
إِنِّی وَ رَبِّ الْحَجَرِ الْمُكَرَّمِ*** قَدْ جُدْتُ لِلَّهِ بِلَحْمِی وَ دَمِی (1)
بیان: الترغم التغضب و الغشمشم الشجاع الذی لا یرده شی ء و الأروع الذی یعجبك حسنه و الهصور الأسد و الهیصم الأسد و القوی من الرجال و بزل البعیر انشق نابه لحاك اللّٰه أی لعنك اللّٰه و یقال جمل فیه عجرفة أی قلة مبالاة لسرعته و فلان یتعجرف علی إذا كان یركبه بما یكره و لا یهاب شیئا و عجارف الدهر حوادثه و قال الجوهری الخضرم بالكسر الكثیر العطیة مشبه بالبحر الخضرم و هو الكثیر الماء و كل شی ء كثیر واسع خضرم و المعصم موضع السوار من الساعد و الحجر المكرم الحجر الأسود.
وَ مِنْهُ فِیهَا: مُخَاطِباً لِلْیَهُودِ:
هَذَا لَكُمْ مِنَ الْغُلَامِ الْهَاشِمِیِّ*** مِنْ ضَرْبِ صِدْقٍ فِی ذُرَی الْكَمَائِمِ
ضَرْبَ یقود (2) (نُفُوذٍ) شَعَرَ الْجَمَاجِمِ*** بِصَارِمٍ أَبْیَضَ أَیِّ صَارِمِ
أَحْمِی بِهِ كَتَائِبَ الْقَمَاقِمِ*** عِنْدَ مَجَالِ الْخَیْلِ بِالْأَقَادِمِ (3)
بیان: الكمة القلنسوة المدورة و یقال سید قماقم بالضم لكثرة خیره و بالفتح جمع القمقام و هو السید.
وَ مِنْهُ عِنْدَ قَتْلِ الْخَیْبَرِیِ:
أَنَا عَلِیٌّ وَلَدَتْنِی هَاشِمٌ ***لَیْثٌ حَرُوبٌ لِلرِّجَالِ قَاصِمٌ
مُعْصَوْصَبٌ فِی نَقْعِهَا مَقَادِمُ*** مَنْ یَلْقَنِی یَلْقَاهُ مَوْتٌ هَاجِمٌ (4)
بیان: قصمت الشی ء قصما كسرته و اعصوصب القوم اجتمعوا و النقع الغبار و المقادم جمع مقدام كمفاتح و مفتاح.
ص: 39
«37»-الْبُرْسِیُّ فِی مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ قَالَ: لَمَّا جَاءَتْ صَفِیَّةُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً فَرَأَی فِی وَجْهِهَا شَجَّةً فَقَالَ مَا هَذِهِ وَ أَنْتِ ابْنَةُ الْمُلُوكِ فَقَالَتْ إِنَّ عَلِیّاً علیه السلام لَمَّا قَدِمَ إِلَی الْحِصْنِ هَزَّ الْبَابَ فَاهْتَزَّ الْحِصْنُ وَ سَقَطَ مَنْ كَانَ عَلَیْهِ مِنَ النَّظَّارَةِ (1) وَ ارْتَجَفَ بِیَ السَّرِیرُ فَسَقَطْتُ لِوَجْهِی فَشَجَّنِی جَانِبُ السَّرِیرِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا صَفِیَّةُ إِنَّ عَلِیّاً عَظِیمٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ إِنَّهُ لَمَّا هَزَّ الْبَابَ اهْتَزَّ الْحِصْنُ وَ اهْتَزَّتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ غَضَباً لِعَلِیٍّ وَ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ لَمَّا سَأَلَهُ عُمَرُ فَقَالَ یَا أَبَا الْحَسَنِ لَقَدِ اقْتَلَعْتَ مَنِیعاً (2) وَ أَنْتَ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ خَمِیصاً فَهَلْ قَلَعْتَهَا بِقُوَّةٍ بَشَرِیَّةٍ فَقَالَ مَا قَلَعْتُهَا بِقُوَّةٍ بَشَرِیَّةٍ وَ لَكِنْ قَلَعْتُهَا بِقُوَّةٍ إِلَهِیَّةٍ وَ نَفْسٍ بِلِقَاءِ رَبِّهَا مُطْمَئِنَّةٍ رَضِیَّةٍ وَ فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ لَمَّا شَطَرَ مَرْحَباً شَطْرَیْنِ وَ أَلْقَاهُ مُجَدَّلًا جَاءَ جَبْرَئِیلُ مِنَ السَّمَاءِ مُتَعَجِّباً فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مِمَّ تَعَجَّبْتَ فَقَالَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُنَادِی فِی صَوَامِعِ جَوَامِعِ (3) السَّمَاوَاتِ لَا فَتَی إِلَّا عَلِیٌّ لَا سَیْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ أَمَّا إِعْجَابِی فَإِنِّی لَمَّا أُمِرْتُ أَنْ أُدَمِّرَ قَوْمَ لُوطٍ حَمَلْتُ مَدَائِنَهُمْ وَ هِیَ سَبْعُ مَدَائِنَ مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَی إِلَی الْأَرْضِ السَّابِعَةِ الْعُلْیَا عَلَی رِیشَةٍ مِنْ جَنَاحِی وَ رَفَعْتُهَا حَتَّی سَمِعَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ صِیَاحَ دِیَكَتِهِمْ وَ بُكَاءَ أَطْفَالِهِمْ وَ وَقَفْتُ بِهَا إِلَی الصُّبْحِ أَنْتَظِرُ الْأَمْرَ وَ لَمْ أُثْقَلْ بِهَا وَ الْیَوْمَ لَمَّا ضَرَبَ عَلِیٌّ ضَرْبَتَهُ الْهَاشِمِیَّةَ وَ كَبَّرَ أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ فَاضِلَ سَیْفِهِ حَتَّی لَا یَشُقَّ الْأَرْضَ وَ تَصِلَ إِلَی الثَّوْرِ الْحَامِلِ لَهَا فَیَشْطُرَهُ شَطْرَیْنِ فَتَنْقَلِبَ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا فَكَانَ فَاضِلُ سَیْفِهِ عَلَیَّ أَثْقَلَ مِنْ مَدَائِنِ لُوطٍ هَذَا وَ إِسْرَافِیلُ وَ مِیكَائِیلُ قَدْ قَبَضَا عَضُدَهُ فِی الْهَوَاءِ (4).
ص: 40
أقول: سیأتی بعض ما یتعلق بتلك الغزوة فی باب أحوال جعفر بن أبی طالب علیهما السلام و فی أبواب فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام و فی احتجاج الحسن علیه السلام علی معاویة و احتجاج سعد علیه.
«1»-قب، المناقب لابن شهرآشوب عم، إعلام الوری ثم بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعد غزوة خیبر فیما رواه الزهری عبد اللّٰه بن رواحة فی ثلاثین راكبا فیهم عبد اللّٰه بن أنیس إلی البشیر بن رازم الیهودی لما بلغه أنه یجمع غطفان لیغزو بهم فأتوه فقالوا أرسلنا (1) إلیك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لیستعملك علی خیبر فلم یزالوا به حتی تبعهم فی ثلاثین رجلا مع كل رجل منهم ردیف من المسلمین فلما صاروا ستة أمیال ندم البشیر فأهوی بیده إلی سیف عبد اللّٰه بن أنیس ففطن له عبد اللّٰه فزجر بعیره ثم اقتحم یسوق بالقوم حتی إذا استمكن من البشیر ضرب رجله فقطعه (2) فاقتحم البشیر و فی یده مخرش من شوحط فضرب به وجه عبد اللّٰه فشجه مأمومة و انكفأ (3) كل رجل من المسلمین علی ردیفه فقتله غیر رجل واحد من الیهود أعجزهم شدا و لم یصب من المسلمین أحد و قدموا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فبصق فی شجة عبد اللّٰه بن أنیس فلم تؤذه حتی مات.
و بعث غالب بن عبد اللّٰه الكلبی إلی أرض بنی مرة فقتل و أسر.
و بعث عیینة بن حصن البدری إلی أرض بنی العنبر فقتل و أسر.
ثم كانت عمرة القضاء سنة سبع اعتمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الذین شهدوا معه الحدیبیة و لما بلغ قریشا ذلك خرجوا متبددین فدخل مكة و طاف بالبیت علی بعیره بیده محجن یستلم به الحجر و عبد اللّٰه بن رواحة أخذ بخطامه و هو یقول:
ص: 41
خلوا بنی الكفار عن سبیله*** خلوا فكل الخیر فی رسوله
إلی آخر ما مر من الأبیات.
و أقام بمكة ثلاثة أیام تزوج بها میمونة بنت الحارث الهلالیة ثم خرج فابتنی بها بسرف و رجع إلی المدینة فأقام بها حتی دخلت سنة ثمان. (1).
بیان: المخرش عصاء معوجة الرأس كالصولجان و الشوحط ضرب من شجر الجبال یتخذ منه القسی و المأمومة الشجة التی بلغت أم الرأس.
«2»- أقول قال الكازرونی فی حوادث سنة سبع و فیها نام رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عن صلاة الصبح حتی طلعت الشمس.
بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَبِی هُرَیْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَیْبَرَ سَارَ حَتَّی إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَی عَرَّسَ (2) وَ قَالَ لِبِلَالٍ اكْلَأْ لَنَا اللَّیْلَ فَصَلَّی بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ وَ نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا تَقَارَبَ الْفَجْرُ اسْتَنَدَ بِلَالٌ إِلَی رَاحِلَتِهِ مُوَاجِهَ الْفَجْرِ فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَیْنُهُ وَ هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَی رَاحِلَتِهِ فَلَمْ یَسْتَیْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَا بِلَالٌ وَ لَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ حَتَّی ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَوَّلَهُمُ اسْتِیقَاظاً فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ أَیْ بِلَالُ فَقَالَ بِلَالٌ أَخَذَ بِنَفْسِیَ الَّذِی أَخَذَ بِنَفْسِكَ بِأَبِی أَنْتَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ اقْتَادُوا فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَیْئاً ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَ صَلَّی بِهِمُ الصُّبْحَ فَلَمَّا قَضَی الصَّلَاةَ قَالَ مَنْ نَسِیَ صَلَاةً فَلْیُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِی (3).
أقول: قد مضی الكلام فیه فی باب سهوه صلی اللّٰه علیه و آله.
ثم قال و فیها طلعت الشمس بعد ما غربت لعلی علیه السلام علی ما أَوْرَدَهُ الطَّحَاوِیُّ فِی مُشْكِلِ الْحَدِیثِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ مِنْ (4) طَرِیقَیْنِ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یُوحَی
ص: 42
إِلَیْهِ وَ رَأْسُهُ فِی حَجْرِ عَلِیٍّ علیه السلام فَلَمْ یُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّی غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ صَلَّیْتَ یَا عَلِیُّ قَالَ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِی طَاعَتِكَ وَ طَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَیْهِ الشَّمْسَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَرَأَیْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَیْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ وَ وَقَعَتْ عَلَی الْجَبَلِ وَ الْأَرْضِ وَ ذَلِكَ بِالصَّهْبَاءِ فِی خَیْبَرَ.
و هذا حدیث ثابت رواته ثقات.
و حكی الطحاوی أن أحمد بن صالح كان یقول لا ینبغی لمن سبیله العلم التخلف عن حفظ حدیث أسماء لأنه من علامات النبوة.
قصة أم حبیبة كانت قد خرجت مهاجرة إلی أرض الحبشة مع زوجها عبید اللّٰه بن جحش فتنصر (1) و ثبتت علی الإسلام روی عن سعید بن العاص قال قالت أم حبیبة رأیت فی المنام كأن عبید اللّٰه بن جحش زوجی أسوأ صورة و أشوهها ففزعت فقلت تغیرت و اللّٰه حاله فإذا هو یقول حین أصبح یا أم حبیبة إنی نظرت فی الدین فلم أر دینا خیرا من النصرانیة و كنت قد دنت بها ثم دخلت فی دین محمد قد رجعت (2) إلی النصرانیة فقلت و اللّٰه ما خیر لك و أخبرته بالرؤیا التی رأیت له فلم یحفل بها (3) و أكب علی الخمر حتی مات فأری فی المنام كأن آتیا یقول یا أم المؤمنین ففزعت فأولتها أن رسول اللّٰه یتزوجنی قالت فما هو إلا أن انقضت عدتی فما شعرت إلا برسول النجاشی علی بابی یستأذن فإذا جاریة له یقال لها أبرهة كانت تقوم علی ثیابه و دهنه فدخلت علی فقالت إن الملك یقول لك إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كتب إلی أن أزوجكه فقلت بشرك اللّٰه بخیر قالت یقول لك الملك وكلی من یزوجك فأرسلت إلی خالد بن سعید بن العاص فوكلته فأعطت (4) أبرهة سوارین من فضة و خدمتین كانتا فی رجلیها و خواتیم (5) فضة كانت فی أصابع رجلیها سرورا بما بشرتها فلما كان العشی
ص: 43
أمر النجاشی جعفر بن أبی طالب و من هناك من المسلمین فحضروا فخطب النجاشی فقال الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهیمن العزیز الجبار أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا عبده و رسوله و أنه الذی بشر به عیسی ابن مریم أما بعد فإن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كتب إلی أن أزوجه أم حبیبة بنت أبی سفیان فأجبت إلی ما دعا إلیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قد أصدقتها أربعمائة دینار.
ثم سكب الدنانیر بین یدی القوم فتكلم خالد بن سعید فقال الحمد لله أحمده و أستعینه و أستغفره و أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ أما بعد فقد أجبت إلی ما دعا إلیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و زوجته أم حبیبة بنت أبی سفیان فبارك اللّٰه لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله.
و دفع الدنانیر إلی خالد بن سعید فقبضها ثم أرادوا أن یقوموا فقال اجلسوا فإن سنة الأنبیاء إذا تزوجوا أن یؤكل طعام علی التزویج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا قالت أم حبیبة فلما أتی بالمال أرسلت إلی أبرهة التی بشرتنی فقلت لها إنی كنت أعطیتك ما أعطیتك یومئذ و لا مال بیدی فهذه خمسون مثقالا فخذیها فاستعینی بها فأخرجت حقا فیه كل ما كنت أعطیتها فردته علی و قالت عزم علی الملك أن لا أرزأك (1) شیئا و أنا الذی أقوم علی ثیابه و دهنه و قد اتبعت دین محمد رسول اللّٰه و أسلمت لله و قد أمر الملك نساءه أن یبعثن إلیك بكل ما عندهن من العطر قالت فلما كان الغد جاءتنی بعدد ورس و عنبر و زباد (2) كثیر فقدمت بكله علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و كان یراه علی و عندی و لا ینكره ثم قالت أبرهة حاجتی إلیك أن تقرئی علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله منی السلام و تعلیمه أنی قد اتبعت دینه قالت و كانت هی التی جهزتنی و كانت كلما دخلت علی
ص: 44
تقول لا تنسی (1) حاجتی إلیك فلما قدمت علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أخبرته كیف كانت الخطبة و ما فعلت بی أبرهة فتبسم و أقرأته منها السلام فقال و علیها السلام و رحمة اللّٰه و بركاته و كان لأم حبیبة حین قدم بها المدینة بضع و ثلاثون سنة و لما بلغ أبا سفیان تزویج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أم حبیبة قال ذاك الفحل لا یقرع أنفه.
و قیل إن هذه القصة فی سنة ست.
و فیها قتل شیرویه أباه قال الواقدی كان ذلك فی لیلة الثلاثاء لعشر (2) مضین من جمادی الآخرة سنة سبع لست ساعات مضین من اللیل و روی أنه لما قتل أباه قتل معه سبعة عشر أخا له ذوی أدب و شجاعة فابتلی بالأسقام فبقی بعده ثمانیة أشهر فمات. (3) و فیها وصلت هدیة المقوقس و هی ماریة و سیرین أخت ماریة و یعفور و دلدل كانت بیضاء فاتخذ لنفسه ماریة و وهب سیرین لحسان بن وهب و كان معهم خصی یقال له مایوشنج (4) كان أخا ماریة و بعث ذلك كله (5) مع حاطب بن أبی بلتعة فعرض حاطب الإسلام علی ماریة و رغبها فیه فأسلمت و أسلمت أختها و أقام الخصی علی دینه حتی أسلم بالمدینة (6) و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله معجبا بأم إبراهیم و كانت بیضاء جمیلة و ضرب علیها الحجاب و كان یطؤها بملك الیمین فلما حملت و وضعت إبراهیم قبلتها (7) سلمی مولاة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فجاء أبو رافع زوج سلمی فبشر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بإبراهیم فوهب له عبدا و ذلك فی ذی الحجة سنة ثمان فی روایة أخری.
ص: 45
و فیها كانت عمرة القضاء و ذلك أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أمر أصحابه حین رأوا هلال ذی القعدة أن یعتمروا قضاء لعمرتهم التی صدهم المشركون عنها بالحدیبیة و أن لا یتخلف أحد ممن شهد الحدیبیة فلم یتخلف منهم أحد إلا من استشهد منهم بخیبر و من مات و خرج مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قوم من المسلمین عمارا و كانوا فی عمرة القضیة ألفین و استخلف علی المدینة أبا رهم الغفاری (1) و ساق رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ستین بدنة و جعل علی هدیه ناجیة بن جندب الأسلمی و حمل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله السلاح و الدروع و الرماح و قاد مائة فرس و خرجت قریش من مكة إلی رءوس الجبال و أخلوا مكة فدخل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من الثنیة بطلعة الحجون و عبد اللّٰه بن رواحة أخذ بزمام راحلته (2) فلم یزل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یلبی حتی استلم الركن بمحجنه و أمر النبی صلی اللّٰه علیه و آله بلالا فأذن علی ظهر الكعبة و أقام بمكة ثلاثا فلما كان عند الظهر من الیوم الرابع أتاه سهیل بن عمرو و حویطب بن عبد العزی فقالا قد انقضی أجلك فاخرج عنا فأمر أبا رافع ینادی بالرحیل و لا یمسین بها أحد من المسلمین و ركب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی نزل بسرف و هی علی عشرة أمیال من مكة.
و فیها تزوج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله میمونة بنت الحارث زوجه إیاها العباس و كان یلی أمرها و هی أخت أم ولده و كان هذا التزویج بسرف حین نزل بها مرجعه من عمرة القضیة و كانت آخر امرأة تزوجها صلی اللّٰه علیه و آله و بنی بها بسرف. (3) ثم ذكر فی حوادث السنة الثامنة فیها أسلم عمرو بن العاص و خالد بن الولید و عثمان بن طلحة قدموا المدینة فی صفر.
و فیها تزوج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فاطمة بنت الضحاك الكلابیة فلما دخلت
ص: 46
علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و دنا منها قالت أعوذ باللّٰه منك فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عذت بعظیم الحقی بأهلك.
و فیها اتخذ المنبر لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قیل كان ذلك فی سنة سبع و الأول أصح.
وَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَخْطُبُ عَلَی جِذْعِ نَخْلَةٍ (1) فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَهَا غُلَامٌ نَجَّارٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِی غُلَاماً نَجَّاراً أَ فَلَا آمُرُهُ یَتَّخِذْ لَكَ مِنْبَراً تَخْطُبُ عَلَیْهِ قَالَ بَلَی قَالَ فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَراً فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ الْجُمُعَةِ خَطَبَ عَلَی الْمِنْبَرِ قَالَ فَأَنَّ الْجِذْعُ الَّذِی كَانَ یَقُومُ عَلَیْهِ كَأَنِینِ الصَّبِیِّ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ هَذَا بَكَی لِمَا فُقِدَ مِنَ الذِّكْرِ وَ اسْمُ تِلْكَ الْأَنْصَارِیَّةِ عَائِشَةُ وَ اسْمُ غُلَامِهَا النَّجَّارِ یَاقُومُ الرُّومِیُّ (2).
وَ فِی رِوَایَةٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ إِلَیْهِ وَ فِیهَا أَنَّهُ صُنِعَ لَهُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ وَ فِیهَا أَنَّهُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّی تَصَدَّعَ وَ انْشَقَّ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَمْسَحُهُ بِیَدِهِ حَتَّی سَكَنَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی الْمِنْبَرِ فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ وَ غُیِّرَ ذَلِكَ أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَیُّ بْنُ كَعْبٍ وَ كَانَ عِنْدَهُ فِی تِلْكَ الدَّارِ حَتَّی بَلِیَ وَ أَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَ عَادَ رُفَاتاً (3).
بیان: فی النهایة قاد البعیر و اقتاده جره خلفه و منه حدیث الصلاة اقتادوا رواحلهم و قال الخدمة بالتحریك الخلخال و قال القدع الكف و المنع و منه حدیث زواجه بخدیجة قال ورقة بن نوفل محمد یخطب خدیجة هو الفحل لا یقدع أنفه یقال قدعت الفحل و هو أن یكون غیر كریم فإذا أراد ركوب الناقة الكریمة ضرب أنفه بالرمح أو غیره حتی یرتدع و ینكف و یروی بالراء (4) أی إنه كفو كریم لا یرد
«3»-و قال ابن الأثیر فی حوادث السنة السابعة و فیها قدم حاطب من عند
ص: 47
المقوقس بماریة و أختها (1) و بغلته دلدل و حماره یعفور. (2) و فیها كانت سریة بشیر بن سعد والد النعمان بن بشیر الأنصاری إلی بنی مرة (3) فی شعبان فی ثلاثین رجلا أصیب أصحابه و ارتث (4) فی القتلی ثم رجع إلی المدینة.
و فیها كانت سریة غالب بن عبد اللّٰه اللیثی إلی أرض بنی مرة فأصاب مرداس بن بهل (5) حلیفا لهم من جهینة قتله أسامة و رجل من الأنصار قال أسامة لما غشیناه قال أشهد أن لا إله إلا اللّٰه فلم ننزع عنه حتی قتلناه فلما قدمنا علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله أخبرناه الخبر فقال كیف نصنع بلا إله إلا اللّٰه.
و فیها كانت سریة غالب بن عبد اللّٰه أیضا فی مائة و ثلاثین راكبا إلی بنی عبد بن تغلبة (6) فأغار علیهم و استاق الغنم إلی المدینة. (7) و فیها كانت سریة بشیر بن سعد إلی نمر و صاب فی شوال.
و فیها كانت عمرة القضاء و تزوج فی سفره هذا بمیمونة بنت الحارث. (8) و فیها كانت غزوة ابن أبی العوجاء السلمی إلی بنی سلیم (9) فلقوه و أصیب هو و أصحابه و قیل بل نجا و أصیب أصحابه.
و قال فی حوادث السنة الثامنة و فیها توفیت زینب بنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله.
و فیها كانت سریة غالب بن عبد اللّٰه اللیثی إلی بنی الملوح (10) فلقیهم الحارث
ص: 48
بن البرصاء اللیثی فأخذوه أسیرا فقال إنما جئت لأسلم فقال له غالب إن كنت صادقا فلن یضرك رباط لیلة و إن كنت كاذبا استوثقنا منك و وكل به بعض أصحابه و قال له إن نازعك فخذ رأسه و أمره بالقیام (1) إلی أن یعود ثم ساروا حتی أتوا بطن الكدید فنزلوا بعد العصر و أرسل جندب الجهنی رئیة (2) لهم قال فقصدت تلا هناك یطلعنی علی الحاضر فانبطحت علیه فخرج منهم رجل فرآنی و معه قوسه و سهمان (3) فرمانی بأحدهما فوضعه فی جنبی قال فنزعته و لم أتحول (4) ثم رمانی بالثانی فوضعه فی رأس منكبی قال فنزعته فلم أتحول (5) فقال أما و اللّٰه لقد خلطه سهمای و لو كان رئیة لتحرك (6) قال فأمهلناهم حتی راحت مواشیهم و احتلبوا و شننا علیهم الغارة فقتلنا منهم و استقنا النعم و رجعنا سراعا و إذا بصریخ القوم فجاءنا ما لا قبل لنا به حتی إذا لم یكن بیننا إلا بطن الوادی بعث اللّٰه بسیل لا یقدر أحد أن یجوزه (7) فلقد رأیتهم ینظرون إلینا لا یقدر أحد أن یتقدم و قدمنا المدینة و كان شعار المسلمین أمت أمت و كان عدتهم بضعة عشر رجلا.
و فیها بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله العلاء بن الحضرمی إلی البحرین و بها المنذر بن شاوی (8) و صالحه المنذر علی أن علی المجوس الجزیة و لا یؤكل ذبائحهم و لا ینكح نساؤهم و قیل إن إرساله كان سنة ست من الهجرة مع الرسل الذین أرسلهم
ص: 49
رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی الملوك. (1) و فیها كانت سریة عمرو بن كعب الغفاری (2) إلی ذات أطلاح فی خمسة عشر رجلا فوجد بها جمعا كثیرا فدعاهم إلی الإسلام فأبوا أن یجیبوا و قتلوا أصحاب عمرو (3) و نجا حتی قدم إلی المدینة و ذات أطلاح من ناحیة الشام (4).
«1»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْمُفِیدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَرْزُبَانِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَیْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَیْحٍ عَنْ مُوسَی بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِیِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی مُؤْتَةَ وَ اسْتَعْمَلَ عَلَی الْجَیْشِ مَعَهُ زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَمَضَی النَّاسُ مَعَهُمْ حَتَّی كَانُوا بِنَحْوِ الْبَلْقَاءِ فَلَقِیَهُمْ جُمُوعُ هِرَقْلٍ مِنَ الرُّومِ وَ الْعَرَبِ فَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَی قَرْیَةٍ یُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ فَالْتَقَی النَّاسُ عِنْدَهَا وَ اقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِیداً وَ كَانَ اللِّوَاءُ یَوْمَئِذٍ مَعَ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّی شَاطَ فِی رِمَاحِ الْقَوْمِ ثُمَّ أَخَذَهُ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهِ قِتَالًا شَدِیداً ثُمَّ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا وَ قَاتَلَ حَتَّی قُتِلَ قَالَ وَ كَانَ جَعْفَرٌ أَوَّلَ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ عَقَرَ فَرَسَهُ فِی الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقُتِلَ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ (5) فَنَاوَشَ الْقَوْمَ
ص: 50
وَ رَاوَغَهُمْ حَتَّی انْحَازَ بِالْمُسْلِمِینَ مُنْهَزِماً وَ نَجَا بِهِمْ مِنَ الرُّومِ وَ أَنْفَذَ رَجُلًا (1) یُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْخَبَرِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسِرْتُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا وَصَلْتُ إِلَی الْمَسْجِدِ قَالَ لِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی رِسْلِكَ یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله أَخَذَ اللِّوَاءَ زَیْدٌ فَقَاتَلَ بِهِ فَقُتِلَ رَحِمَ اللَّهُ زَیْداً ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ وَ قَاتَلَ وَ قُتِلَ رَحِمَ اللَّهُ جَعْفَراً ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَ قَاتَلَ فَقُتِلَ فَرَحِمَ اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ فَبَكَی أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُمْ حَوْلَهُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَا یُبْكِیكُمْ فَقَالُوا وَ مَا لَنَا لَا نَبْكِی وَ قَدْ ذَهَبَ خِیَارُنَا وَ أَشْرَافُنَا وَ أَهْلُ الْفَضْلِ مِنَّا فَقَالَ لَهُمْ صلی اللّٰه علیه و آله لَا تَبْكُوا فَإِنَّمَا مَثَلُ أُمَّتِی مَثَلُ حَدِیقَةٍ قَامَ عَلَیْهَا صَاحِبُهَا فَأَصْلَحَ رَوَاكِبَهَا وَ بَنَی مَسَاكِنَهَا وَ حَلَقَ سَعَفَهَا فَأَطْعَمَتْ عَاماً فَوْجاً ثُمَّ عَاماً فَوْجاً ثُمَّ عَاماً فَوْجاً (2) فَلَعَلَّ آخِرَهَا طَعْماً أَنْ یَكُونَ أَجْوَدَهَا قِنْوَاناً وَ أَطْوَلَهَا شِمْرَاخاً وَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالْحَقِّ نَبِیّاً لَیَجِدَنَّ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ فِی أُمَّتِی خَلَفاً (3) مِنْ حَوَارِیِّهِ قال و قال كعب بن مالك یرثی جعفر بن أبی طالب رضی اللّٰه عنه و المستشهدین معه
هدت العیون (4) و دمع عینك یهمل*** سحا كما و كف الضباب (5) المخضل
و كان ما بین الجوانح و الحشا*** مما تأوبنی شهاب مدخل
وجدا علی النفر الذین تتابعوا*** یوما (6) بمؤتة أسندوا لم ینقلوا (7)
فتغیر القمر المنیر لفقدهم*** و الشمس قد كسفت و كادت تأفل
قوم بهم نصر الإله (8) عباده*** و علیهم نزل الكتاب المنزل
ص: 51
قوم علا بنیانهم من هاشم (1) ***فرع أشم و سودد ما ینقل (2)
و لهدیهم (3) رضی الإله لخلقه*** و بجدهم نصر النبی المرسل
بیض الوجوه تری بطون أكفهم*** تندی إذا اغبر (4) الزمان الممحل (5)
بیان: شاط فلان هلك و فی بعض النسخ بالسین المهملة و السوط الخلط و ساطت نفسی تقلصت و الأول أصح قال فی النهایة فی حدیث زید بن حارثة یوم مؤتة إنه قاتل برایة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی شاط فی رماح القوم أی هلك.
و قال فی جامع الأصول أراد بالاقتحام هنا نزوله عن فرسه مسرعا.
و فی القاموس راغ الرجل و الثعلب روغا و روغانا حاد و مال و المراوغة المصارعة و أن یطلب بعض القوم بعضا و قال انحاز عنه عدل و القوم تركوا مراكزهم و الراكب و الراكبة و الراكوب و الراكوبة و الركابة فسیلة فی أعلی النخل متدلیة لا تبلغ الأرض قوله و حلق سعفها بالحاء المهملة أی أزال زوائدها أو بالمعجمة من خلق العود بتخفیف اللام و تشدیده إذا سواه و السح الصب و السیلان من فوق و الضباب ندی كالغیم أو سحاب رقیق و فی روایة ابن أبی الحدید الرباب مكان الضباب و هو السحاب الأبیض و أخضله بله و تأوبه أتاه لیلا و فرع كل شی ء أعلاه و من القوم شریفهم و الشمم ارتفاع فی الجبل و الأشم السید ذو الأنفة و النفل العطاء و انتفل طلب و منه تبرأ و انتفی (6) و فی بعض النسخ بالغین من نغل الأدیم كفرح إذا فسد و فی بعضها بالقاف.
«2»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ زَیْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِمُؤْتَةَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْمَدِینَةِ قُتِلَ
ص: 52
زَیْدٌ وَ أَخَذَ الرَّایَةَ جَعْفَرٌ ثُمَّ قَالَ قُتِلَ جَعْفَرٌ وَ تَوَقَّفَ وَقْفَةً ثُمَّ قَالَ وَ أَخَذَ الرَّایَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ یُسَارِعْ فِی أَخْذِ الرَّایَةِ كَمُسَارَعَةِ جَعْفَرٍ ثُمَّ قَالَ وَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی بَیْتِ جَعْفَرٍ إِلَی أَهْلِهِ ثُمَّ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهُمْ قَدْ قُتِلُوا عَلَی تِلْكَ الْهَیْئَةِ (1).
«3»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَسْكَراً إِلَی مُؤْتَةَ وَلَّی عَلَیْهِمْ زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَ دَفَعَ الرَّایَةَ إِلَیْهِ وَ قَالَ إِنْ قُتِلَ زَیْدٌ فَالْوَالِی عَلَیْكُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ إِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَالْوَالِی عَلَیْكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الْأَنْصَارِیُّ وَ سَكَتَ فَلَمَّا سَارُوا وَ قَدْ حَضَرَ هَذَا التَّرْتِیبَ فِی الْوِلَایَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قال رَجُلٌ مِنَ الْیَهُودِ (2) (قَالَ) إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِیّاً كَمَا یَقُولُ سَیُقْتَلُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ فَقِیلَ لَهُ لِمَ قُلْتَ هَذَا قَالَ لِأَنَّ أَنْبِیَاءَ بَنِی إِسْرَائِیلَ كَانُوا إِذَا بَعَثَ نَبِیٌّ مِنْهُمْ بَعْثاً فِی الْجِهَادِ فَقَالَ (3) إِنْ قُتِلَ فُلَانٌ فَالْوَالِی فُلَانٌ بَعْدَهُ عَلَیْكُمْ فَإِنْ سَمَّی لِلْوِلَایَةِ كَذَلِكَ اثْنَیْنِ (4) أَوْ مِائَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ قُتِلَ جَمِیعُ مَنْ ذَكَرَ فِیهِمُ الْوِلَایَاتِ قَالَ جَابِرٌ فَلَمَّا كَانَ الْیَوْمُ الَّذِی وَقَعَ فِیهِ حَرْبُهُمْ صَلَّی النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِنَا الْفَجْرَ (5) ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ قَدِ الْتَقَی إِخْوَانُكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ (6) لِلْمُحَارَبَةِ فَأَقْبَلَ یُحَدِّثُنَا بِكَرَّاتِ بَعْضِهِمْ عَلَی بَعْضٍ إِلَی أَنْ قَالَ قُتِلَ زَیْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَخَذَهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ تَقَدَّمَ لِلْحَرْبِ بِهَا (7) ثُمَّ قَالَ قَدْ قُطِعَتْ یَدُهُ وَ قَدْ أَخَذَ الرَّایَةَ بِیَدِهِ الْأُخْرَی ثُمَّ قَالَ قُطِعَتْ (8) یَدُهُ الْأُخْرَی وَ قَدْ أَخَذَ (9) الرَّایَةَ فِی صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ قُتِلَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ سَقَطَتِ الرَّایَةُ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَ قَدْ قُتِلَ مِنَ
ص: 53
الْمُشْرِكِینَ كَذَا وَ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ كَذَا فُلَانٌ وَ فُلَانٌ (1) إِلَی أَنْ ذَكَرَ جَمِیعَ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ بِأَسْمَائِهِمْ ثُمَّ قَالَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَ أَخَذَ الرَّایَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فَانْصَرَفَ (2) الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَ صَارَ إِلَی دَارِ جَعْفَرٍ فَدَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَأَقْعَدَهُ فِی حَجْرِهِ وَ جَعَلَ یَمْسَحُ عَلَی رَأْسِهِ فَقَالَتْ وَالِدَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَمْسَحُ عَلَی رَأْسِهِ كَأَنَّهُ یَتِیمٌ قَالَ قَدِ اسْتُشْهِدَ جَعْفَرٌ فِی هَذَا الْیَوْمِ وَ دَمَعَتْ عَیْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ قُطِعَتْ یَدَاهُ قَبْلَ أَنْ استشهد (3) (یُسْتَشْهَدَ) وَ قَدْ أَبْدَلَهُ اللَّهُ مِنْ یَدَیْهِ جَنَاحَیْنِ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ فَهُوَ الْآنَ یَطِیرُ بِهِمَا فِی الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَیْفَ یَشَاءُ (4).
«4»-سن، المحاسن النَّوْفَلِیُّ عَنِ السَّكُونِیِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ مُؤْتَةَ كَانَ جَعْفَرٌ عَلَی فَرَسِهِ فَلَمَّا الْتَقَوْا نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَرْقَبَهَا (5) بِالسَّیْفِ وَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرْقَبَ فِی الْإِسْلَامِ (6).
«5»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّوْفَلِیِّ مِثْلَهُ (7).
«6»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی الْحُسَیْنُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ الْقَزْوِینِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الزَّعْفَرَانِیِّ عَنِ الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا مَاتَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَاطِمَةَ علیها السلام أَنْ تَتَّخِذَ طَعَاماً لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ وَ تَأْتِیَهَا وَ نِسَاؤُهَا (8) ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ فَجَرَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ أَنْ یُصْنَعَ لِأَهْلِ الْمَیِّتِ (9) ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ طَعَامٌ (10).
سن، المحاسن أبی عن ابن أبی عمیر مثله (11)
ص: 54
- كا، الكافی علی عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن حفص بن البختری و هشام بن سالم عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام مثله (1).
«7»-سن، المحاسن بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِی علیه السلام عَنِ الْمَأْتَمِ (2) فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا انْتَهَی إِلَیْهِ قَتْلُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ دَخَلَ عَلَی أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ امْرَأَةِ جَعْفَرٍ فَقَالَ أَیْنَ (3) بَنِیَّ فَدَعَتْ بِهِمْ وَ هُمْ ثَلَاثَةٌ عَبْدُ اللَّهِ وَ عَوْنٌ وَ مُحَمَّدٌ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رُءُوسَهُمْ فَقَالَتْ إِنَّكَ تَمْسَحُ رُءُوسَهُمْ كَأَنَّهُمْ أَیْتَامٌ فَعَجِبَ (4) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ عَقْلِهَا فَقَالَ یَا أَسْمَاءُ أَ لَمْ تَعْلَمِی أَنَّ جَعْفَراً رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَیْهِ اسْتُشْهِدَ فَبَكَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا تَبْكِی فَإِنَّ اللَّهَ (5) أَخْبَرَنِی أَنَّ لَهُ جَنَاحَیْنِ فِی الْجَنَّةِ مِنْ یَاقُوتٍ أَحْمَرَ فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَمَعْتَ النَّاسَ وَ أَخْبَرْتَهُمْ بِفَضْلِ جَعْفَرٍ لَا یُنْسَی فَضْلُهُ فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ عَقْلِهَا ثُمَّ قَالَ (6) ابْعَثُوا إِلَی أَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً فَجَرَتِ السُّنَّةُ (7).
«8»-یه، من لا یحضره الفقیه قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام إِنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ جَاءَتْهُ وَفَاةُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ كَانَ إِذَا دَخَلَ بَیْتَهُ كَثُرَ بُكَاؤُهُ عَلَیْهِمَا جِدّاً وَ یَقُولُ كَانَا یُحَدِّثَانِی وَ یُؤْنِسَانِی فَذَهَبَا جَمِیعاً (8).
«9»-عم، إعلام الوری و كانت غزوة مؤتة فی جمادی من سنة ثمان بعث جیشا عظیما و أمر علی الجیش زید بن حارثة ثم قال فإن أصیب زید فجعفر فإن أصیب جعفر فعبد اللّٰه بن رواحة فإن أصیب فلیرتض المسلمون واحدا فلیجعلوه علیهم.
وَ فِی رِوَایَةِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَلَیْهِمْ جَعْفَراً فَإِنْ قُتِلَ فَزَیْدٌ فَإِنْ قُتِلَ فَابْنُ رَوَاحَةَ ثُمَّ خَرَجُوا حَتَّی نَزَلُوا مَعَانَ فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ مَلِكَ
ص: 55
الرُّومِ قَدْ نَزَلَ بِمَأْرِبَ (1) فِی مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ وَ مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُسْتَعْرِبَةِ.
و فی كتاب أبان بن عثمان بلغهم كثرة عدد الكفار من العرب و العجم من لخم و حذام و بلی و قضاعة (2) و انحاز المشركون إلی أرض یقال لها المشارف و إنما سمیت السیوف المشرفیة لأنها طبعت لسلیمان بن داود بها فأقاموا بمعان یومین فقالوا نبعث إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فنخبره بكثرة عدونا حتی یری فی ذلك رأیه فقال عبد اللّٰه بن رواحة یا هؤلاء إنا و اللّٰه ما نقاتل الناس بكثرة و إنما نقاتلهم بهذا الدین الذی أكرمنا اللّٰه به فقالوا صدقت فتهیئوا و هم ثلاثة آلاف حتی لقوا (3) جموع الروم بقریة من قری البلقاء یقال لها شرف ثم انحاز المسلمون إلی مؤتة قریة فوق الأحساء.
وَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: نَعَی النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله جَعْفَراً وَ زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَ ابْنَ رَوَاحَةَ نَعَاهُمْ قَبْلَ أَنْ یَجِی ءَ خَبَرُهُمْ وَ عَیْنَاهُ تَذْرِفَانِ- رواه البخاری فی الصحیح.
قَالَ أَبَانٌ وَ حَدَّثَنِی الْفُضَیْلُ بْنُ یَسَارٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: أُصِیبَ یَوْمَئِذٍ جَعْفَرٌ وَ بِهِ خَمْسُونَ جِرَاحَةً خَمْسٌ وَ عِشْرُونَ مِنْهَا فِی وَجْهِهِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا أَحْفَظُ حِینَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی أُمِّی فَنَعَی لَهَا أَبِی فَأَنْظُرُ إِلَیْهِ وَ هُوَ یَمْسَحُ عَلَی رَأْسِی وَ رَأْسِ أَخِی وَ عَیْنَاهُ تهراقان [تُهْرِقَانِ الدُّمُوعَ حَتَّی تَقْطُرَ (4) لِحْیَتُهُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ جَعْفَراً قَدْ قَدِمَ إِلَیْكَ إِلَی أَحْسَنِ الثَّوَابِ فَاخْلُفْهُ فِی ذُرِّیَّتِهِ بِأَحْسَنِ مَا خَلَفْتَ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ فِی ذُرِّیَّتِهِ ثُمَّ قَالَ یَا أَسْمَاءُ
ص: 56
أَ لَا أُبَشِّرُكِ قَالَتْ بَلَی بِأَبِی وَ أُمِّی (1) یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَیْنِ یَطِیرُ بِهِمَا فِی الْجَنَّةِ قَالَتْ فَأَعْلِمِ النَّاسَ ذَلِكَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخَذَ بِیَدِی یَمْسَحُ بِیَدِهِ رَأْسِی حَتَّی رَقِیَ إِلَی الْمِنْبَرِ وَ أَجْلَسَنِی أَمَامَهُ عَلَی الدَّرَجَةِ السُّفْلَی وَ الْحُزْنُ یُعْرَفُ عَلَیْهِ فَقَالَ إِنَّ الْمَرْءَ كَثِیرٌ [حُزْنُهُ بِأَخِیهِ (2) وَ ابْنِ عَمِّهِ أَلَا إِنَّ جَعْفَراً قَدِ اسْتُشْهِدَ وَ جُعِلَ لَهُ جَنَاحَانِ یَطِیرُ بِهِمَا فِی الْجَنَّةِ ثُمَّ نَزَلَ صلی اللّٰه علیه و آله وَ دَخَلَ بَیْتَهُ وَ أَدْخَلَنِی مَعَهُ وَ أَمَرَ بِطَعَامٍ یُصْنَعُ لِأَجْلِی وَ أَرْسَلَ إِلَی أَخِی فَتَغَدَّیْنَا عِنْدَهُ غَدَاءً (3) طَیِّباً مُبَارَكاً وَ أَقَمْنَا ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ فِی بَیْتِهِ نَدُورُ مَعَهُ كُلَّمَا صَارَ فِی بَیْتِ إِحْدَی نِسَائِهِ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَی بَیْتِنَا فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَنَا أُسَاوِمُ شَاةَ أَخٍ لِی فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِی صَفْقَتِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَمَا بِعْتُ شَیْئاً وَ لَا اشْتَرَیْتُ شَیْئاً إِلَّا بُورِكَ لِی فِیهِ.
قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِفَاطِمَةَ اذْهَبِی فَابْكِی عَلَی ابْنِ عَمِّكِ فَإِنْ لَمْ تَدْعِی بِثُكْلٍ فَمَا قُلْتِ فَقَدْ صَدَقْتِ.
و ذكر محمد بن إسحاق عن عروة قال لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمون معه فجعلوا یحثون علیهم التراب و یقولون یا فرار فررتم (4) فی سبیل اللّٰه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَیْسُوا بِفَرَّارٍ وَ لَكِنَّهُمُ الْكَرَّارُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (5).
بیان: قال الفیروزآبادی المعان موضع بطریق حاج الشام و قال مؤتة موضع بمشارف الشام قتل فیه جعفر بن أبی طالب و فیه كان تعمل السیوف.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله إن المرء كثیر (6) لعل المراد بالكثرة هنا العزة كما یكنی عن الذلة بالقلة أی عزة المرء و كثرة أعوانه إنما یكون بأخیه و ابن عمه قوله إن لم تدعی بثكل أی لا تقولی وا ثكلاه ثم كل ما قلت فیه من الفضائل فقد صدقت لكثرة فضائله و قیل المعنی لا تقولی إلا صدقا و لا یخفی بعده.
ص: 57
«10»-كا، الكافی حُمَیْدُ بْنُ زِیَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِیِّ عَنْ أَحْمَدَ الْمِیثَمِیِّ (1) عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: بَیْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْمَسْجِدِ إِذْ خُفِضَ لَهُ كُلُّ رَفِیعٍ وَ رُفِعَ لَهُ كُلُّ خَفِیضٍ حَتَّی نَظَرَ إِلَی جَعْفَرٍ یُقَاتِلُ الْكُفَّارَ قَالَ فَقُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قُتِلَ جَعْفَرٌ وَ أَخَذَهُ الْمَغْصُ فِی بَطْنِهِ (2).
بیان: المغص بالفتح و یحرك وجع فی البطن و الأظهر إرجاع الضمیر فی أخذه إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و إرجاعه إلی جعفر بعید.
أقول: سیأتی بعض أخبار شهادته علیه السلام فی باب فضائله.
«11»-وَ رُوِیَ فِی جَامِعِ الْأُصُولِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَمَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَیْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ إِنْ قُتِلَ زَیْدٌ فَجَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَكُنْتُ مَعَهُمْ فِی تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَراً فَوَجَدْنَاهُ فِی الْقَتْلَی وَ وَجَدْنَا فِیمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ بِضْعاً وَ تِسْعِینَ مِنْ طَعْنَةٍ وَ رَمْیَةٍ وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی أَنَّهُ وَقَفَ عَلَی جَعْفَرٍ یَوْمَئِذٍ وَ هُوَ قَتِیلٌ فَعَدَدْتُ خَمْسِینَ بَیْنَ طَعْنَةٍ وَ ضَرْبَةٍ لَیْسَ مِنْهَا شَیْ ءٌ فِی دُبُرِهِ.
«12»-و قال عبد الحمید بن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة روی الواقدی عن عمر بن الحكم (3) قال بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الحارث بن عمیر الأزدی فی سنة ثمان إلی ملك بصری بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبیل بن عمرو الغسانی فقال أین ترید قال الشام قال لعلك من رسل محمد قال نعم فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه صبرا و لم یقتل لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله رسول غیره و بلغ ذلك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فاشتد علیه و ندب الناس و أخبرهم بقتل الحارث فأسرعوا و خرجوا فعسكروا بالجرف فلما صلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الظهر جلس و جلس أصحابه حوله و جاء النعمان بن مهض الیهودی فوقف مع الناس فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 58
زَیْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَمِیرُ النَّاسِ فَإِنْ قُتِلَ زَیْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَإِنْ أُصِیبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَإِنْ أُصِیبَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَلْیَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ بَیْنَهُمْ رَجُلًا فَلْیَجْعَلُوهُ عَلَیْهِمْ فقال النعمان بن مهض یا أبا القاسم إن كنت نبیا فسیصاب من سمیت قلیلا كانوا أو كثیرا إن الأنبیاء فی بنی إسرائیل كانوا إذا استعملوا الرجل علی القوم ثم قالوا إن أصیب فلان فلو سمی مائة أصیبوا جمیعا ثم جعل الیهودی یقول لزید بن حارثة اعهد فلا ترجع إلی محمد أبدا إن كان نبیا قال زید أشهد أنه نبی صادق فلما أجمعوا المسیر و عقد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لهم اللواء بیده دفعه إلی زید بن حارثة و هو لواء أبیض و مشی الناس إلی أمراء رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یودعونهم و یدعون لهم و كانوا ثلاثة آلاف فلما ساروا فی معسكرهم ناداهم المسلمون دفع اللّٰه عنكم و ردكم صالحین غانمین. (1).
قلت اتفق المحدثون علی أن زید بن حارثة هو كان الأمیر الأول و أنكرت الشیعة و قالوا كان جعفر بن أبی طالب هو الأمیر الأول فإن قتل فزید بن حارثة فإن قتل فعبد اللّٰه و رووا فی ذلك روایات.
وَ رَوَی الْوَاقِدِیُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَیْدِ بْنِ أَرْقَمَ (2) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَطَبَهُمْ فَأَوْصَاهُمْ فَقَالَ أُوصِیكُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ بِمَنْ مَعَكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِینَ خَیْراً اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَ لَا تَغُلُّوا وَ لَا تَقْتُلُوا وَلِیداً وَ إِذَا لَقِیتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَادْعُهُمْ إِلَی إِحْدَی ثَلَاثٍ فَأَیَّتُهُنَّ [مَا] أَجَابُوكَ إِلَیْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَ اكْفُفْ عَنْهُمْ ادْعُهُمْ إِلَی الدُّخُولِ فِی الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَعَلُوهُ فَاقْبَلْ وَ اكْفُفْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَی التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَی دَارِ الْمُهَاجِرِینَ فَإِنْ فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِینَ وَ عَلَیْهِمْ مَا عَلَی الْمُهَاجِرِینَ وَ إِنْ دَخَلُوا فِی الْإِسْلَامِ وَ اخْتَارُوا دَارَهُمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ یَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِینَ یَجْرِی عَلَیْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ وَ لَا یَكُونُ لَهُمْ فِی الْفَیْ ءِ وَ لَا فِی الْغَنِیمَةِ شَیْ ءٌ إِلَّا أَنْ
ص: 59
یُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِینَ فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إِلَی إِعْطَاءِ الْجِزْیَةِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَ اكْفُفْ عَنْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَ قَاتِلْهُمْ وَ إِنْ أَنْتَ حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِینَةٍ فَأَرَادُوا أَنْ تَسْتَنْزِلَهُمْ عَلَی حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَسْتَنْزِلْهُمْ عَلَی حُكْمِ اللَّهِ وَ لَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَی حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِی أَ تُصِیبُ حُكْمَ اللَّهِ فِیهِمْ أَمْ لَا وَ إِنْ حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِینَةٍ فَأَرَادُوا أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَ ذِمَّةَ رَسُولِهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَ ذِمَّةَ رَسُولِهِ وَ لَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَ ذِمَّةَ أَبِیكَ وَ ذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَ ذِمَمَ آبَائِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَ ذِمَّةَ رَسُولِهِ.
قَالَ الْوَاقِدِیُّ وَ رَوَی أَبُو صَفْوَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ بُرَیْدٍ (1) قَالَ: خَرَجَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مُشَیِّعاً لِأَهْلِ مُؤْتَةَ حَتَّی بَلَغَ ثَنِیَّةَ الْوَدَاعِ فَوَقَفَ وَ وَقَفُوا حَوْلَهُ فَقَالَ اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فَقَاتِلُوا عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ بِالشَّامِ وَ سَتَجِدُونَ فِیهَا رِجَالًا فِی الصَوَامِعِ مُعْتَزِلِینَ النَّاسَ فَلَا تَعَرَّضُوا لَهُمْ وَ سَتَجِدُونَ آخَرِینَ لِلشَّیْطَانِ فِی رُءُوسِهِمْ مَفَاحِصُ (2) فَاقْلَعُوهَا بِالسُّیُوفِ لَا تَقْتُلُنَّ امْرَأَةً وَ لَا صَغِیراً ضَرِعاً وَ لَا كَبِیراً فَانِیاً وَ لَا تَقْطَعُنَّ نَخْلًا وَ لَا شَجَراً وَ لَا تَهْدِمُنَّ بِنَاءً قَالَ فَلَمَّا وَدَّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ لَهُ مُرْنِی (3) بِشَیْ ءٍ أَحْفَظْهُ عَنْكَ قَالَ إِنَّكَ قَادِمٌ غَداً بَلَداً السُّجُودُ بِهِ قَلِیلٌ فَأَكْثِرِ (4) السُّجُودَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ زِدْنِی یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اذْكُرِ اللَّهَ فَإِنَّهُ عَوْنٌ لَكَ عَلَی مَا تَطْلُبُ فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّی إِذَا مَضَی ذَاهِباً رَجَعَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ یُحِبُّ الْوَتْرَ فَقَالَ یَا ابْنَ رَوَاحَةَ مَا عَجَزْتَ فَلَا تَعْجَزْ إِنْ أَسَأْتَ عَشْراً أَنْ تُحْسِنَ وَاحِدَةً فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ لَا أَسْأَلُكَ عَنْ شَیْ ءٍ بَعْدَهَا.
ص: 60
قال الواقدی و مضی المسلمون و نزلوا وادی القری (1) فأقاموا به أیاما و ساروا حتی نزلوا بمؤتة و بلغهم أن هرقل ملك الروم قد نزل ماء من میاه البلقاء فی بكر و بهراء (2) و لخم و جذام و غیرهم مائة ألف مقاتل و علیهم رجل من بلی فأقام المسلمون لیلتین ینظرون فی أمرهم و قالوا نكتب إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فنخبره الخبر فإما أن یردنا أو یزیدنا رجالا فبینا الناس علی ذلك إذ جاءهم عبد اللّٰه بن رواحة فشجعهم و قال و اللّٰه ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد (3) و لا كثرة سلاح و لا كثرة خیل إلا بهذا الدین الذی أكرمنا اللّٰه به انطلقوا فقاتلوا فقد و اللّٰه رأیتنا (4) یوم بدر ما معنا إلا فرسان إنما هی إحدی الحسنیین إما الظهور علیهم فذاك ما وعدنا اللّٰه و رسوله و لیس لوعده خلف و إما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم فی الجنان فشجع الناس علی قول ابن رواحة. قال و روی أبو هریرة قال شهدت مؤتة فلما رأینا المشركین رأینا ما لا قبل لنا به من العدد و السلاح و الكراع و الدیباج و الحریر و الذهب فبرق بصری فقال لی ثابت بن أقرم (5) ما لك یا با هریرة كأنك تری جموعا كثیرة قلت نعم قال لم تشهدنا ببدر إنا لم ننصر بالكثرة.
قال الواقدی فالتقی القوم فأخذ اللواء زید بن حارثة فقاتل حتی قتل طعنوه بالرماح ثم أخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها فقاتل حتی قتل قیل إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفین فوقع أحد نصفیه فی كرم هناك فوجد فیه ثلاثون أو بضع و ثلاثون جرحا.
قال و قد روی نافع عن ابن عمر أنه وجد فی بدن جعفر بن أبی طالب اثنتان و سبعون ضربة و طعنة بالسیوف و الرماح.
ص: 61
و قال البلاذری قطعت یداه و لذلك
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَقَدْ أَبْدَلَهُ اللَّهُ بِهِمَا جَنَاحَیْنِ یَطِیرُ بِهِمَا فِی الْجَنَّةِ.
و لذلك سمی الطیار.
قال ثم أخذ الرایة عبد اللّٰه بن رواحة فنكل (1) یسیرا ثم حمل فقاتل حتی قتل فلما قتل انهزم المسلمون أسوأ هزیمة كانت فی كل وجه ثم تراجعوا فأخذ اللواء ثابت بن أقرم (2) و جعل یصیح یا للأنصار فثاب إلیهم (3) منهم قلیل فقال لخالد بن الولید خذ اللواء یا أبا سلیمان قال خالد لا بل خذه أنت فلك سن و قد شهدت بدرا قال ثابت خذه أیها الرجل فو اللّٰه ما أخذته إلا لك فأخذه خالد و حمل به ساعة و جعل المشركون یحملون علیه حتی دهمه منهم بشر كثیر فانحاز بالمسلمین و انكشفوا راجعین.
قال الواقدی و قد روی أن خالدا ثبت بالناس فلم ینهزموا و الصحیح أن خالدا انهزم بالناس. (4) و روی محمد بن إسحاق قال لما أخذ جعفر بن أبی طالب الرایة قاتل قتالا شدیدا حتی إذا أثخنه (5) القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتی قتل فكان جعفر علیه السلام أول رجل عقر فی الإسلام. (6) قال الواقدی و قال عبید اللّٰه بن عبد اللّٰه (7) ما لقی جیش بعثوا مبعثا ما لقی أصحاب مؤتة من أهل المدینة لقوهم بالشر حتی إن الرجل لینصرف إلی بیته و أهله فیدق علیهم فیأبون أن یفتحوا له یقولون أ لا تقدمت مع أصحابك فقتلت و جلس الكبراء منهم فی بیوتهم استحیاء من الناس حتی أرسل النبی صلی اللّٰه علیه و آله رجلا رجلا یقول لهم أنتم الكرار فی سبیل اللّٰه فخرجوا.
ص: 62
و روی الواقدی بإسناده (1) عن أسماء بنت عمیس قالت أصبحت فی الیوم الذی أصیب فیه جعفر و أصحابه فأتانی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قد منأت أربعین منا من أدم و عجنت عجینی و أخذت بنی فغسلت وجوههم و دهنتهم فدخل علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا أسماء أین بنو جعفر فجئت بهم إلیه فضمهم و شمهم ثم ذرفت عیناه فبكی فقلت یا رسول اللّٰه لعله بلغك عن جعفر شی ء قال نعم إنه قتل الیوم فقمت أصیح و اجتمعت إلی النساء فجعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یقول یا أسماء لا تقولی هجرا و لا تضربی صدرا ثم خرج حتی دخل علی ابنته فاطمة علیها السلام و هی تقول وا عماه فقال علی مثل جعفر فلتبك الباكیة ثم قال اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم الیوم. (2).
و روی أبو الفرج فی كتاب مقاتل الطالبیین أن كنیة جعفر بن أبی طالب أبو المساكین و كان ثالث الإخوة من ولد أبی طالب أكبرهم طالب و بعده عقیل و بعده جعفر و بعده علی علیه السلام و كل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنین و أمهم جمیعا فاطمة بنت أسد (3) و هی أول هاشمیة ولدت لهاشمی و فضلها كثیر و قربها من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و تعظیمه لها معلوم عند أهل الحدیث قال أبو الفرج و لجعفر علیه السلام فضل (4).
وَ قَدْ وَرَدَ فِیهِ حَدِیثٌ كَثِیرٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا فَتَحَ خَیْبَرَ قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مِنَ الْحَبَشَةِ فَالْتَزَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ جَعَلَ یُقَبِّلُ بَیْنَ عَیْنَیْهِ وَ یَقُولُ مَا أَدْرِی بِأَیِّهِمَا أَنَا أَشَدُّ فَرَحاً بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَمْ بِفَتْحِ خَیْبَرَ.
وَ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْرُ النَّاسِ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ وَ عَلِیٌّ علیهم السلام.
قَالَ وَ قَدْ رَوَی جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 63
خُلِقَ النَّاسُ مِنْ أَشْجَارٍ شَتَّی وَ خُلِقْتُ أَنَا وَ جَعْفَرٌ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَالَ مِنْ طِینَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَ بِالْإِسْنَادِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ (1) خَلْقِی وَ خُلُقِی.
و قال ابن عبد البر فی الاستیعاب كانت سن جعفر علیه السلام یوم قتل إحدی و أربعین سنة.
وَ قَدْ رَوَی سَعِیدُ بْنُ الْمُسَیَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: مُثِّلَ لِی جَعْفَرٌ وَ زَیْدٌ وَ عَبْدُ اللَّهِ فِی خَیْمَةٍ مِنْ دُرٍّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَی سَرِیرٍ فَرَأَیْتُ زَیْداً وَ ابْنَ رَوَاحَةَ فِی أَعْنَاقِهِمَا صُدُودٌ وَ رَأَیْتُ جَعْفَراً مُسْتَقِیماً لَیْسَ فِیهِ صُدُودٌ فَسَأَلْتُ فَقِیلَ لِی إِنَّهُمَا حِینَ غَشِیَهُمَا الْمَوْتُ أَعْرَضَا وَ صَدَّا بِوَجْهِهِمَا وَ أَمَّا جَعْفَرٌ فَلَمْ یَفْعَلْ.
و روی الشعبی قال سمعت عبد اللّٰه بن جعفر یقول كنت إذا سألت عمی علیا علیه السلام شیئا فمنعنی أقول له بحق جعفر فیعطینی..
وَ رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا أَتَاهُ قَتْلُ جَعْفَرٍ وَ زَیْدٍ بِمُؤْتَةَ بَكَی وَ قَالَ أَخَوَایَ وَ مُؤْنِسَایَ وَ مُحَدِّثَایَ (2).
«13»-وَ قَالَ الْكَازَرُونِیُّ بَعْدَ إِیرَادِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فِی حَوَادِثِ السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ سَرِیَّةُ الْخَبْطِ رُوِیَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ وَ أَمِیرُنَا أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِی طَلَبِ عِیرِ قُرَیْشٍ فَأَقَمْنَا عَلَی السَّاحِلِ حَتَّی فَنِیَ زَادُنَا وَ أَكَلْنَا الْخَبَطَ ثُمَّ إِنَّ الْبَحْرَ أَلْقَی إِلَیْنَا دَابَّةً یُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ حَتَّی صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا وَ أَخَذَ أَبُو عُبَیْدَةَ ضِلْعاً مِنْ أَضْلَاعِهَا فَنَصَبَهَا وَ نَظَرَ إِلَی أَطْوَلِ بَعِیرٍ فِی الْجَیْشِ وَ أَطْوَلِ رَجُلٍ فَحَمَلَهُ عَلَیْهِ فَجَازَ تَحْتَهُ وَ قَدْ كَانَ رَجُلٌ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْهُ أَبُو عُبَیْدَةَ وَ كَانُوا یَرَوْنَهُ قَیْسَ بْنَ سَعْدٍ (3).
أَقُولُ وَ رَوَی فِی جَامِعِ الْأُصُولِ بِأَسَانِیدَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ قَالَ: بَعَثَنَا
ص: 64
رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْحُرُقَاتِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَ لَحِقْتُ أَنَا وَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِینَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَكَفَّ الْأَنْصَارِیُّ وَ طَعَنْتُهُ بِرُمْحِی حَتَّی قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا أُسَامَةُ أَ قَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قُلْتُ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذاً فَقَالَ أَ قَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَا زَالَ یُكَرِّرُهَا حَتَّی تَمَنَّیْتُ أَنِّی لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْیَوْمِ.
وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی سَرِیَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَیْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِی نَفْسِی مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ أَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ قَتَلْتَهُ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفاً مِنَ السِّلَاحِ قَالَ أَ فَلَا شَقَقْتَ قَلْبَهُ حَتَّی تَعْلَمَ أَ قَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ یُكَرِّرُهَا حَتَّی تَمَنَّیْتُ أَنِّی أَسْلَمْتُ یَوْمَئِذٍ (1).
أقول: أورد تلك القصة بعد غزوة مؤتة.
بیان: فی النهایة الضارع النحیف الضاوی الجسم یقال ضرع یضرع فهو ضارع و ضرع بالتحریك و قال منأت الأدیم إذا ألقیته فی الدباغ و یقال له ما دام فی الدباغ منیئة و منه حدیث أسماء بنت عمیس و هی تمعس منیئة لها و فی القاموس صد عنه صدودا أعرض و قال الخبط محركة ورق ینفض بالمخابط و یجفف و یطحن و یخلط بدقیق أو غیره و یوخف بالماء فیؤجره الإبل و كل ورق مخبوط و الجزائر جمع الجزور و هو البعیر.
ص: 65
الآیات؛
وَ الْعادِیاتِ* ضَبْحاً فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً* فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (1)
تفسیر:
قال الطبرسی رحمه اللّٰه: قیل: بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله سریة إلی حی من كنانة فاستعمل علیهم المنذر بن عمرو الأنصاری أحد النقباء فتأخر رجوعهم فقال المنافقون قتلوا جمیعا فأخبر اللّٰه تعالی عنها بقوله وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً
عن مقاتل وَ قِیلَ نَزَلَتِ السُّورَةُ لَمَّا بَعَثَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً إِلَی ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَوْقَعَ بِهِمْ وَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَ إِلَیْهِمْ مِرَاراً غَیْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ الْمَرْوِیُّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی حَدِیثٍ طَوِیلٍ قَالَ وَ سُمِّیَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ ذَاتَ السَّلَاسِلِ لِأَنَّهُ أَسَرَ مِنْهُمْ وَ قَتَلَ وَ سَبَی وَ شَدَّ أُسَارَاهُمْ فِی الْحِبَالِ مُكَتَّفِینَ كَأَنَّهُمْ فِی السَّلَاسِلِ وَ لَمَّا نَزَلَتِ السُّورَةُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی النَّاسِ فَصَلَّی بِهِمُ الْغَدَاةَ وَ قَرَأَ فِیهَا وَ الْعادِیاتِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُهُ هَذِهِ السُّورَةُ لَمْ نَعْرِفْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَعَمْ إِنَّ عَلِیّاً قَدْ ظَفِرَ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ وَ بَشَّرَنِی بِذَلِكَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ فَقَدِمَ عَلِیٌّ علیه السلام بَعْدَ أَیَّامٍ بِالْأُسَارَی وَ الْغَنَائِمِ.
وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً قیل هی الخیل فی الغزو تعدو فی سبیل اللّٰه عن ابن عباس و أكثر المفسرین قالوا أقسم بالخیل العادیة لغزو الكفار و هی تضبح ضبحا و ضبحها صوت أجوافها إذا عدت لیس بصهیل و لا حمحمة و لكنه صوت نفس و قیل هی الإبل حین ذهبت إلی غزوة بدر تمد أعناقها فی السیر فهی تضبح أی تضبع (2) و هی أن یمد ضبعه فی السیر حتی لا یجد مزیدا روی ذلك عن علی علیه السلام و ابن مسعود (3) و روی
ص: 66
أیضا أنها إبل الحاج تعدو من عرفة إلی المزدلفة و من المزدلفة إلی منی فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً هی الخیل توری النار بحوافرها إذا سارت فی الحجارة و الأرض المخصبة و قال مقاتل یقدحن بحوافرهن النار فی الحجارة قال ابن عباس یرید ضرب الخیل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزناد إذا قدح و قال مجاهد یرید مكر الرجال فی الحروب تقول العرب إذا أراد الرجل أن یمكر بصاحبه أما و اللّٰه لأورین لك بزند وار و لأقدحن لك و قیل هی ألسنة الرجال توری النار من عظیم ما یتكلم (1) به فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً یرید الخیل تغیر بفرسانها علی العدو وقت الصبح و إنما ذكر الصبح (2) لأنهم كانوا یسیرون إلی العدو لیلا فیأتونهم صبحا و قیل یرید الإبل ترفع ركبانها (3) یوم النحر من جمع إلی منی و السنة أن لا ترفع (4) بركبانها حتی تصبح و الإغارة سرعة السیر فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً یقال ثار الغبار أو الدخان و أثرته أی هیجته و الهاء فی به عائد إلی معلوم یعنی بالمكان أو بالوادی فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً أی صرن بعدوهن أو بذلك المكان وسط جمع العدو و قیل یرید جمع منی (5).
«1»-نَوَادِرُ الرَّاوَنْدِیِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ مَعَ عَلِیٍّ علیه السلام ثَلَاثِینَ فَرَساً فِی غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَ قَالَ أَتْلُو عَلَیْكَ آیَةً فِی نَفَقَةِ الْخَیْلِ الَّذِینَ (6) یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِیَةً هِیَ النَّفَقَةُ عَلَی الْخَیْلِ سِرّاً وَ عَلَانِیَةً (7).
«2»-فس، تفسیر القمی وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً- حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عُبَیْدِ بْنِ مُوسَی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِهِ وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً قَالَ هَذِهِ السُّورَةُ
ص: 67
نَزَلَتْ فِی أَهْلِ وَادِی یَابِسٍ (1) قَالَ قُلْتُ (2) وَ مَا كَانَ حَالُهُمْ وَ قِصَّتُهُمْ قَالَ إِنَّ أَهْلَ وَادِی یَابِسٍ (3) اجْتَمَعُوا اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ وَ تَعَاقَدُوا وَ تَعَاهَدُوا وَ تَوَاثَقُوا (4) أَنْ لَا یَتَخَلَّفَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ وَ لَا یَخْذُلَ أَحَدٌ أَحَداً وَ لَا یَفِرَّ رَجُلٌ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّی یَمُوتُوا كُلُّهُمْ عَلَی خُلُقٍ وَاحِدٍ (5) وَ یَقْتُلُوا مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام (6) فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام عَلَی مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله (7) فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِمْ وَ مَا تَعَاقَدُوا عَلَیْهِ وَ تَوَافَقُوا (8) وَ أَمَرَهُ أَنْ یَبْعَثَ أَبَا بَكْرٍ إِلَیْهِمْ فِی أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ إِنَّ جَبْرَئِیلَ أَخْبَرَنِی أَنَّ أَهْلَ وَادِی الْیَابِسِ اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفاً (9) قَدِ اسْتَعَدُّوا وَ تَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا أَنْ لَا یَغْدِرَ رَجُلٌ بِصَاحِبِهِ (10) وَ لَا یَفِرَّ عَنْهُ وَ لَا یَخْذُلَهُ حَتَّی یَقْتُلُونِی وَ أَخِی (11) عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ أَمَرَنِی أَنْ أُسَیِّرَ إِلَیْهِمْ أَبَا بَكْرٍ فِی أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ فَخُذُوا (12) فِی أَمْرِكُمْ وَ اسْتَعِدُّوا لِعَدُوِّكُمْ وَ انْهَضُوا إِلَیْهِمْ عَلَی اسْمِ اللَّهِ وَ بَرَكَتِهِ یَوْمَ الِاثْنَیْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ عُدَّتَهُمْ (13) وَ تَهَیَّئُوا وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَبَا بَكْرٍ بِأَمْرِهِ وَ كَانَ فِیمَا أَمَرَهُ بِهِ أَنْ إِذَا رَآهُمْ (14) أَنْ یَعْرِضَ عَلَیْهِمُ الْإِسْلَامَ
ص: 68
فَإِنْ تَابَعُوا (1) وَ إِلَّا وَاقَعَهُمْ (2) فَقَتَلَ مُقَاتِلِیهِمْ وَ سَبَی ذَرَارِیَّهُمْ وَ اسْتَبَاحَ أَمْوَالَهُمْ وَ خَرَّبَ ضِیَاعَهُمْ وَ دِیَارَهُمْ فَمَضَی أَبُو بَكْرٍ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فِی أَحْسَنِ عُدَّةٍ وَ أَحْسَنِ هَیْئَةٍ یَسِیرُ بِهِمْ سَیْراً رَفِیقاً حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی أَهْلِ وَادِی الْیَابِسِ فَلَمَّا بَلَغَ الْقَوْمَ نُزُولُ الْقَوْمِ عَلَیْهِمْ وَ نَزَلَ أَبُو بَكْرٍ وَ أَصْحَابُهُ قَرِیباً مِنْهُمْ خَرَجَ إِلَیْهِمْ مِنْ أَهْلِ وَادِی الْیَابِسِ مِائَتَا رَجُلٍ مُدَجَّجِینَ بِالسِّلَاحِ (3) فَلَمَّا صَادَفُوهُمْ قَالُوا لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ وَ مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتُمْ وَ أَیْنَ تُرِیدُونَ لِیَخْرُجْ إِلَیْنَا صَاحِبُكُمْ حَتَّی نُكَلِّمَهُ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فِی نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُسْلِمِینَ فَقَالَ لَهُمْ أَنَا أَبُو بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالُوا مَا أَقْدَمَكَ عَلَیْنَا قَالَ أَمَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ أَعْرِضَ عَلَیْكُمُ الْإِسْلَامَ وَ أَنْ تَدْخُلُوا (4) فِیمَا دَخَلَ فِیهِ الْمُسْلِمُونَ وَ لَكُمْ مَا لَهُمْ وَ عَلَیْكُمْ مَا عَلَیْهِمْ وَ إِلَّا فَالْحَرْبُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَكُمْ قَالُوا لَهُ أَمَا وَ اللَّاتِ وَ الْعُزَّی لَوْ لَا رَحِمٌ (5) مَاسَّةٌ وَ قَرَابَةٌ قَرِیبَةٌ لَقَتَلْنَاكَ وَ جَمِیعَ أَصْحَابِكَ (6) قَتْلَةً تَكُونُ حَدِیثاً لِمَنْ یَكُونُ بَعْدَكُمْ فَارْجِعْ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَكَ وَ ارْتَجُوا (7) الْعَافِیَةَ فَإِنَّا إِنَّمَا نُرِیدُ (8) صَاحِبَكُمْ بِعَیْنِهِ وَ أَخَاهُ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِأَصْحَابِهِ یَا قَوْمِ الْقَوْمُ أَكْثَرُ مِنْكُمْ أَضْعَافاً وَ أَعَدُّ مِنْكُمْ (9) وَ قَدْ نَأَتْ دَارُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِینَ فَارْجِعُوا نُعْلِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِحَالِ الْقَوْمِ فَقَالُوا لَهُ جَمِیعاً خَالَفْتَ یَا أَبَا بَكْرٍ رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا أَمَرَكَ بِهِ فَاتَّقِ اللَّهَ وَ
ص: 69
وَاقِعِ الْقَوْمَ وَ لَا تُخَالِفْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ الشَّاهِدُ (1) یَرَی مَا لَا یَرَی الْغَائِبُ فَانْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ فَأُخْبِرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَقَالَةِ الْقَوْمِ لَهُ وَ مَا رَدَّ عَلَیْهِمْ أَبُو بَكْرٍ (2) فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله یَا بَا بَكْرٍ خَالَفْتَ أَمْرِی (3) وَ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ وَ كُنْتَ لِی وَ اللَّهِ عَاصِیاً فِیمَا أَمَرْتُكَ فَقَامَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ (4) فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ (5) یَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِینَ إِنِّی أَمَرْتُ أَبَا بَكْرٍ أَنْ یَسِیرَ إِلَی أَهْلِ وَادِی الْیَابِسِ وَ أَنْ یَعْرِضَ عَلَیْهِمُ الْإِسْلَامَ وَ یَدْعُوَهُمْ إِلَی اللَّهِ فَإِنْ أَجَابُوا (6) وَ إِلَّا وَاقَعَهُمْ فَإِنَّهُ (7) سَارَ إِلَیْهِمْ وَ خَرَجَ مِنْهُمْ إِلَیْهِ مِائَتَا رَجُلٍ فَإِذَا سَمِعَ (8) كَلَامَهُمْ وَ مَا اسْتَقْبَلُوهُ بِهِ انْتَفَخَ صَدْرُهُ (9) وَ دَخَلَهُ الرُّعْبُ مِنْهُمْ وَ تَرَكَ قَوْلِی وَ لَمْ یُطِعْ أَمْرِی وَ إِنَّ جَبْرَئِیلَ علیه السلام أَمَرَنِی عَنِ اللَّهِ أَنْ أَبْعَثَ إِلَیْهِمْ عُمَرَ مَكَانَهُ فِی أَصْحَابِهِ فِی أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ فَسِرْ یَا عُمَرُ عَلَی اسْمِ اللَّهِ وَ لَا تَعْمَلْ كَمَا (10) عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ أَخُوكَ فَإِنَّهُ قَدْ عَصَی اللَّهَ وَ عَصَانِی وَ أَمَرَهُ بِمَا أَمَرَ بِهِ أَبَا بَكْرٍ فَخَرَجَ عُمَرُ وَ الْمُهَاجِرُونَ (11) وَ الْأَنْصَارُ الَّذِینَ كَانُوا مَعَ أَبِی بَكْرٍ یَقْتَصِدُ بِهِمْ فِی سَیْرِهِمْ (12) حَتَّی شَارَفَ الْقَوْمَ وَ كَانَ قَرِیباً مِنْهُمْ حَیْثُ یَرَاهُمْ وَ یَرَوْنَهُ وَ خَرَجَ (13) إِلَیْهِمْ مِائَتَا رَجُلٍ فَقَالُوا لَهُ وَ لِأَصْحَابِهِ مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ لِأَبِی بَكْرٍ فَانْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ مَعَهُ وَ كَادَ
ص: 70
أَنْ یَطِیرَ قَلْبُهُ مِمَّا رَأَی مِنْ عُدَّةِ الْقَوْمِ وَ جَمْعِهِمْ وَ رَجَعَ یَهْرُبُ مِنْهُمْ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام فَأَخْبَرَ مُحَمَّداً (1) بِمَا صَنَعَ عُمَرُ وَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ (2) فَصَعِدَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ أَخْبَرَهُمْ بِمَا صَنَعَ عُمَرُ وَ مَا كَانَ مِنْهُ وَ أَنَّهُ قَدِ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ مُخَالِفاً لِأَمْرِی عَاصِیاً لِقَوْلِی فَقَدِمَ عَلَیْهِ فَأَخْبَرَهُ بِمَقَالَةِ (3) مَا أَخْبَرَهُ بِهِ صَاحِبُهُ فَقَالَ لَهُ یَا عُمَرُ عَصَیْتَ اللَّهَ فِی عَرْشِهِ وَ عَصَیْتَنِی وَ خَالَفْتَ قَوْلِی وَ عَمِلْتَ بِرَأْیِكَ لَأَقْبَحَ (4) اللَّهُ رَأْیَكَ وَ إِنَّ جَبْرَئِیلَ علیه السلام قَدْ أَمَرَنِی أَنْ أَبْعَثَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فِی هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِینَ فَأَخْبَرَنِی (5) أَنَّ اللَّهَ یَفْتَحُ عَلَیْهِ وَ عَلَی أَصْحَابِهِ فَدَعَا عَلِیّاً وَ أَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَی بِهِ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ أَصْحَابَهُ الْأَرْبَعَةَ آلَافٍ وَ أَخْبَرَهُ أَنَّ اللَّهَ سَیَفْتَحُ عَلَیْهِ وَ عَلَی أَصْحَابِهِ فَخَرَجَ عَلِیٌّ وَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَسَارَ بِهِمْ سَیْراً غَیْرَ سَیْرِ أَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَعْنَفَ بِهِمْ فِی السَّیْرِ حَتَّی خَافُوا أَنْ یَنْقَطِعُوا (6) مِنَ التَّعَبِ وَ تَحْفَی دَوَابُّهُمْ فَقَالَ لَهُمْ لَا تَخَافُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أَمَرَنِی بِأَمْرٍ (7) وَ أَخْبَرَنِی أَنَّ اللَّهَ سَیَفْتَحُ عَلَیَّ وَ عَلَیْكُمْ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّكُمْ عَلَی خَیْرٍ وَ إِلَی خَیْرٍ فَطَابَتْ (8) نُفُوسُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ وَ سَارُوا عَلَی ذَلِكَ السَّیْرِ (وَ) التَّعَبِ (9) حَتَّی إِذَا كَانُوا قَرِیباً مِنْهُمْ حَیْثُ یَرَوْنَهُ وَ یَرَاهُمْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ یَنْزِلُوا وَ سَمِعَ أَهْلُ وَادِی الْیَابِسِ بِمَقْدَمِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ أَصْحَابِهِ
ص: 71
فَخَرَجُوا (1) إِلَیْهِ مِنْهُمْ مِائَتَا رَجُلٍ شَاكِینَ بِالسِّلَاحِ (2) فَلَمَّا رَآهُمْ عَلِیٌّ علیه السلام خَرَجَ إِلَیْهِمْ فِی نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا لَهُمْ (3) مَنْ أَنْتُمْ وَ مِنْ أَیْنَ أَنْتُمْ وَ مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتُمْ (4) وَ أَیْنَ تُرِیدُونَ قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخُوهُ وَ رَسُولُهُ إِلَیْكُمْ أَدْعُوكُمْ إِلَی شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ (5) وَ لَكُمْ (6) مَا لِلْمُسْلِمِینَ وَ عَلَیْكُمْ مَا عَلَیْهِمْ (7) مِنْ خَیْرٍ وَ شَرٍّ فَقَالُوا لَهُ إِیَّاكَ أَرَدْنَا وَ أَنْتَ طَلَبْتَنَا قَدْ سَمِعْنَا مَقَالَتَكَ فَاسْتَعِدَّ (8) لِلْحَرْبِ الْعَوَانِ وَ اعْلَمْ أَنَّا (9) قَاتِلِیكَ وَ قَاتِلِی (10) أَصْحَابِكَ وَ الْمَوْعُودُ فِیمَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَكَ غَداً ضَحْوَةً وَ قَدْ أَعْذَرْنَا فِیمَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَكَ فَقَالَ لَهُمْ عَلِیٌّ علیه السلام وَیْلَكُمْ تُهَدِّدُونِّی بِكَثْرَتِكُمْ وَ جَمْعِكُمْ فَأَنَا (11) أَسْتَعِینُ بِاللَّهِ وَ مَلَائِكَتِهِ وَ الْمُسْلِمِینَ عَلَیْكُمْ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِیِّ الْعَظِیمِ فَانْصَرَفُوا إِلَی مَرَاكِزِهِمْ (12) وَ انْصَرَفَ عَلِیٌّ علیه السلام إِلَی مَرْكَزِهِ (13) فَلَمَّا جَنَّهُ اللَّیْلُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ یُحْسِنُوا إِلَی دَوَابِّهِمْ وَ یُقْضِمُوا وَ یُسْرِجُوا (14) فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ صَلَّی بِالنَّاسِ بِغَلَسٍ ثُمَّ غَارَ عَلَیْهِمْ بِأَصْحَابِهِ فَلَمْ یَعْلَمُوا حَتَّی وَطِئَتْهُمُ الْخَیْلُ فَمَا أَدْرَكَ آخِرُ أَصْحَابِهِ حَتَّی قَتَلَ مُقَاتِلِیهِمْ وَ سَبَی ذَرَارِیَّهُمْ وَ اسْتَبَاحَ أَمْوَالَهُمْ وَ خَرَّبَ (15) دِیَارَهُمْ وَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَی (16) وَ الْأَمْوَالِ مَعَهُ وَ نَزَلَ (17) جَبْرَئِیلُ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَی عَلِیٍّ علیه السلام (18) وَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِینَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ
ص: 72
وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ أَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَی الْمُسْلِمِینَ وَ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَمْ یُصَبْ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ وَ نَزَلَ فَخَرَجَ (1) یَسْتَقْبِلُ عَلِیّاً فِی جَمِیعِ أَهْلِ الْمَدِینَةِ مِنَ الْمُسْلِمِینَ حَتَّی لَقِیَهُ عَلَی أَمْیَالٍ (2) مِنَ الْمَدِینَةِ فَلَمَّا رَآهُ عَلِیٌّ مُقْبِلًا نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَ نَزَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی الْتَزَمَهُ وَ قَبَّلَ مَا بَیْنَ عَیْنَیْهِ فَنَزَلَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِینَ إِلَی عَلِیٍّ علیه السلام حَیْثُ (3) نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ وَ أَقْبَلَ بِالْغَنِیمَةِ وَ الْأُسَارَی وَ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ وَادِی الْیَابِسِ ثُمَّ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ علیهما السلام مَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهَا قَطُّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ خیبرا (مِنْ خَیْبَرَ) (4) فَإِنَّهَا مِثْلُ خَیْبَرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ (5) وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً یَعْنِی بِالْعَادِیَاتِ الْخَیْلَ تَعْدُو بِالرِّجَالِ وَ الضَّبْحُ ضَبْحُهَا فِی أَعِنَّتِهَا وَ لُجُمِهَا فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً فَقَدْ أَخْبَرَكَ أَنَّهَا غَارَتْ عَلَیْهِمْ صُبْحاً قُلْتُ قَوْلُهُ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً قَالَ یَعْنِی الْخَیْلَ (6) یَأْثَرْنَ بِالْوَادِی نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قُلْتُ قَوْلُهُ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ قَالَ لَكَفُورٌ وَ إِنَّهُ عَلی ذلِكَ لَشَهِیدٌ قَالَ یَعْنِیهِمَا (7) جَمِیعاً قَدْ شَهِدَا جَمِیعاً وَادِیَ الْیَابِسِ وَ كَانَا لِحُبِّ الْحَیَاةِ حَرِیصَیْنِ قُلْتُ قَوْلُهُ (8) أَ فَلا یَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِی الْقُبُورِ وَ حُصِّلَ ما فِی الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ یَوْمَئِذٍ لَخَبِیرٌ قَالَ نَزَلَتِ الْآیَتَانِ فِیهِمَا خَاصَّةً كَانَا یُضْمِرَانِ ضَمِیرَ السَّوْءِ وَ یَعْمَلَانِ بِهِ فَأَخْبَرَ اللَّهُ خَبَرَهُمَا وَ فِعَالَهُمَا فَهَذِهِ قِصَّةُ أَهْلِ وَادِی الْیَابِسِ وَ تَفْسِیرُ الْعَادِیَاتِ (9)
ص: 73
ثُمَّ قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی قَوْلِهِ وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً أَیْ عَدْواً عَلَیْهِمْ فِی الضَّبْحِ ضُبَاحُ الْكِلَابِ صَوْتُهَا فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً كَانَتْ بِلَادُهُمْ فِیهَا حِجَارَةٌ فَإِذَا وَطِئَهَا سَنَابِكُ الْخَیْلِ كَانَ (1) یَنْقَدِحُ مِنْهَا النَّارُ فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً أَیْ صَبَّحَهُمْ بِالْغَارَةِ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً قَالَ ثَارَتِ الْغُبْرَةُ مِنْ رَكْضِ الْخَیْلِ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قَالَ تَوَسَّطَ الْمُشْرِكِینَ بِجَمْعِهِمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أَیْ كَفُورٌ وَ هُمُ الَّذِینَ أَمَرُوا وَ أَشَارُوا (2) عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنْ یَدَعَ الطَّرِیقَ مِمَّا حَسَدُوهُ (3) وَ كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام أَخَذَ بِهِمْ عَلَی غَیْرِ الطَّرِیقِ الَّذِی أَخَذَ (4) فِیهِ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ فَعَلِمُوا (5) أَنَّهُ یَظْفَرُ بِالْقَوْمِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِأَبِی بَكْرٍ إِنَّ عَلِیّاً غُلَامٌ حَدَثٌ لَا عِلْمَ لَهُ بِالطَّرِیقِ وَ هَذَا طَرِیقٌ مُسْبِعٌ لَا نَأْمَنُ فِیهِ مِنَ السِّبَاعِ فَمَشَوْا (6) إِلَیْهِ فَقَالُوا یَا أَبَا الْحَسَنِ هَذَا الطَّرِیقُ الَّذِی أَخَذْتَ فِیهِ طَرِیقٌ مُسْبِعٌ فَلَوْ رَجَعْتَ إِلَی الطَّرِیقِ فَقَالَ لَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام الْزَمُوا رِحَالَكُمْ وَ كُفُّوا عَمَّا لَا یَعْنِیكُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِیعُوا فَإِنِّی أَعْلَمُ بِمَا أَصْنَعُ فَسَكَتُوا (7) وَ إِنَّهُ عَلی ذلِكَ لَشَهِیدٌ أَیْ عَلَی الْعَدَاوَةِ وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ یَعْنِی حُبَّ الْحَیَاةِ حَیْثُ خَافُوا السِّبَاعَ عَلَی أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ اللَّهُ أَ فَلا یَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِی الْقُبُورِ وَ حُصِّلَ ما فِی الصُّدُورِ أَیْ یُجْمَعُ وَ یُظْهَرُ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ یَوْمَئِذٍ لَخَبِیرٌ (8).
فر، تفسیر فرات بن إبراهیم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحْرِ بْنِ طَیْفُورٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام مِثْلَهُ (9) إِلَی قَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بیان رجل مدجج و مدجج أی شاك فی السلاح و حفی من كثرة المشی
ص: 74
أی رقت قدمه أو حافره و العوان من الحروب التی قوتل فیها مرة كأنهم جعلوا الأولی بكرا و أقضم القوم امتاروا شیئا فی القحط و فی بعض لغة الفرس القضم خوردن اسب جو را. (1) قوله علیه السلام یعنیهما أی مصداق الإنسان فی هذه الآیة أبو بكر و عمر.
قال البیضاوی لَكَنُودٌ لكفور من كند النعمة كنودا أو لعاص بلغة كندة أو لبخیل بلغة بنی مالك و هو جواب القسم وَ إِنَّهُ عَلی ذلِكَ و إن الإنسان علی كنوده لَشَهِیدٌ یشهد علی نفسه لظهور أثره علیه أو إن اللّٰه علی كنوده لشهید فیكون وعیدا وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ المال لَشَدِیدٌ لبخیل أو لقوی مبالغ فیه قوله بُعْثِرَ أی بعث و حُصِّلَ جمع محصلا فی الصحف أو میز.
«3»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی قَالَ شَیْخُ الطَّائِفَةِ قُرِئَ (2) عَلَی أَبِی الْقَاسِمِ بْنِ شِبْلٍ وَ أَنَا أَسْمَعُ حَدَّثَنَا ظَفَرُ بْنُ حُمْدُونِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَحْمَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ وَ أَبِی الْمَغْرَاءِ الْعِجْلِیِّ قَالا حَدَّثَنَا الْحَلَبِیُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً قَالَ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِی سَرِیَّةٍ فَرَجَعَ مُنْهَزِماً یُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ یُجَبِّنُونَهُ (3) أَصْحَابُهُ فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ لِعَلِیٍّ أَنْتَ صَاحِبُ الْقَوْمِ فَتَهَیَّأْ أَنْتَ وَ مَنْ تُرِیدُ مِنْ فُرْسَانِ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ سِرِ اللَّیْلَ (4) وَ لَا یُفَارِقْكَ الْعَیْنُ قَالَ فَانْتَهَی عَلِیٌّ إِلَی مَا
ص: 75
أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَارَ إِلَیْهِمْ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ وَجْهِ الصُّبْحِ أَغَارَ عَلَیْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی نَبِیِّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً إِلَی آخِرِهَا (1).
بیان: لا یفارقك العین أی لیكن معك جواسیس ینظرون لئلا یكمن لك العدو أو كنایة عن ترك النوم أو عن ترك الحذر و النظر إلی مظان الریبة أو المعنی لا یفارقك عسكرك و كن معهم قال الجوهری جاء فلان فی عین أی فی جماعة.
«4»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا بَعَثَ سَرِیَّةَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَ عَقَدَ الرَّایَةَ وَ سَارَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ حَتَّی إِذَا صَارَ بِهَا بِقُرْبِ الْمُشْرِكِینَ اتَّصَلَ خَبَرُهُمْ فَتَحَرَّزُوا وَ لَمْ یَصِلِ الْمُسْلِمُونَ إِلَیْهِمْ فَأَخَذَ الرَّایَةَ عُمَرُ وَ خَرَجَ مَعَ السَّرِیَّةِ فَاتَّصَلَ بِهِمْ خَبَرُهُمْ (2) فَتَحَرَّزُوا وَ لَمْ یَصِلِ الْمُسْلِمُونَ إِلَیْهِمْ فَأَخَذَ (3) الرَّایَةَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَخَرَجَ فِی السَّرِیَّةِ فَانْهَزَمُوا فَأَخَذَ الرَّایَةَ لِعَلِیٍّ وَ ضَمَّ إِلَیْهِ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ مَنْ كَانَ مَعَهُ (4) فِی تِلْكَ السَّرِیَّةِ وَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ أَقَامُوا رُقَبَاءَ عَلَی جِبَالِهِمْ یَنْظُرُونَ إِلَی كُلِّ عَسْكَرٍ یَخْرُجُ إِلَیْهِمْ مِنَ الْمَدِینَةِ عَلَی الْجَادَّةِ فَیَأْخُذُونَ حِذْرَهُمْ وَ اسْتِعْدَادَهُمْ فَلَمَّا خَرَجَ عَلِیٌّ علیه السلام تَرَكَ الْجَادَّةَ وَ أَخَذَ بِالسَّرِیَّةِ فِی الْأَوْدِیَةِ بَیْنَ الْجِبَالِ فَلَمَّا رَأَی عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ قَدْ فَعَلَ عَلِیٌّ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُ سَیَظْفَرُ بِهِمْ فَحَسَدَهُ فَقَالَ لِأَبِی بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ وُجُوهِ السَّرِیَّةِ إِنَّ عَلِیّاً رَجُلٌ غِرٌّ (5) لَا خِبْرَةَ لَهُ بِهَذِهِ الْمَسَالِكِ وَ نَحْنُ أَعْرَفُ بِهَا مِنْهُ وَ هَذَا الطَّرِیقُ الَّذِی تَوَجَّهَ فِیهِ كَثِیرُ السِّبَاعِ وَ سَیَلْقَی النَّاسُ مِنْ مَعَرَّتِهَا أَشَدَّ مَا یُحَاذِرُونَهُ مِنَ الْعَدُوِّ فَسَأَلُوهُ أَنْ یَرْجِعَ عَنْهُ إِلَی الْجَادَّةِ فَعَرَّفُوا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام ذَلِكَ قَالَ مَنْ كَانَ طَائِعاً لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ مِنْكُمْ فَلْیَتَّبِعْنِی وَ مَنْ أَرَادَ الْخِلَافَ عَلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَلْیَنْصَرِفْ عَنِّی فَسَكَتُوا وَ سَارُوا مَعَهُ فَكَانَ یَسِیرُ بِهِمْ
ص: 76
بَیْنَ الْجِبَالِ فِی اللَّیْلِ (1) وَ یَكْمُنُ فِی الْأَوْدِیَةِ بِالنَّهَارِ وَ صَارَتِ السِّبَاعُ الَّتِی فِیهَا كَالسَّنَانِیرِ إِلَی أَنْ كَبَسَ (2) الْمُشْرِكِینَ وَ هُمْ غَارُّونَ آمِنُونَ وَقْتَ الصُّبْحِ فَظَفِرَ بِالرِّجَالِ وَ الذَّرَارِیِّ وَ الْأَمْوَالِ فَحَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَ شَدَّ الرِّجَالَ فِی الْحِبَالِ كَالسَّلَاسِلِ فَلِذَلِكَ سُمِّیَتْ غَزَاةَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَلَمَّا كَانَتِ الصَّبِیحَةُ الَّتِی أَغَارَ فِیهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَلَی الْعَدُوِّ وَ مِنَ الْمَدِینَةِ إِلَی هُنَاكَ خَمْسُ مَرَاحِلَ خَرَجَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَصَلَّی (3) بِالنَّاسِ الْفَجْرَ وَ قَرَأَ وَ الْعادِیاتِ فِی الرَّكْعَةِ الْأُولَی وَ قَالَ هَذِهِ سُورَةٌ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَیَّ فِی هَذَا الْوَقْتِ یُخْبِرُنِی فِیهَا بِإِغَارَةِ عَلِیٍّ عَلَی الْعَدُوِّ وَ جَعَلَ حَسَدَهُ لِعَلِیٍّ حَسَداً لَهُ (4) فَقَالَ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَ الْكَنُودُ الْحَسُودُ وَ هُوَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ هَاهُنَا إِذْ هُوَ كَانَ یُحِبُّ الْخَیْرَ وَ هُوَ الْحَیَاةُ حِینَ (5) أَظْهَرَ الْخَوْفَ مِنَ السِّبَاعِ ثُمَّ هَدَّدَهُ اللَّهُ (6).
«5»-شا، الإرشاد ثم كان (7) غزاة السلسلة و ذلك أن أعرابیا جاء عند النبی صلی اللّٰه علیه و آله (8) فجثا بین یدیه و قال له جئتك لأنصح لك قال و ما نصیحتك قال قوم من العرب قد اجتمعوا بوادی الرمل و عملوا علی أن یبیتوك بالمدینة و وصفهم له فأمر النبی صلی اللّٰه علیه و آله أن ینادی ب الصلاة جامعة فاجتمع المسلمون و صعد المنبر فحمد اللّٰه و أثنی علیه ثم قال أیها الناس إن هذا عدو اللّٰه و عدوكم قد عمل علی أن یبیتكم فمن له (9) فقام جماعة من أهل الصفة فقالوا نحن نخرج إلیهم (10) فول علینا من شئت فأقرع بینهم فخرجت القرعة علی ثمانین رجلا منهم و من غیرهم فاستدعی أبا بكر فقال له خذ اللواء و امض إلی بنی سلیم فإنهم قریب من الحرة فمضی
ص: 77
و معه القوم حتی قارب أرضهم و كانت كثیرة الحجارة و الشجر و هم ببطن الوادی و المنحدر إلیه صعب فلما صار أبو بكر إلی الوادی و أراد الانحدار خرجوا إلیه فهزموه و قتلوا من المسلمین جمعا كثیرا فانهزم أبو بكر من القوم فلما ورد (1) علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله عقد لعمر بن الخطاب و بعثه إلیهم فكمنوا له تحت الحجارة و الشجر فلما ذهب لیهبط خرجوا إلیه فهزموه فساء رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذلك فقال له عمرو بن العاص ابعثنی یا رسول اللّٰه إلیهم فإن الحرب خدعة فلعلی (2) أخدعهم فأنفذه مع جماعة و وصاه فلما صار إلی الوادی خرجوا إلیه فهزموه و قتلوا من أصحابه جماعة و مكث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أیاما یدعو علیهم ثم دعا أمیر المؤمنین علیه السلام (3) فعقد له ثم قال أرسلته كرارا غیر فرار ثم رفع یدیه إلی السماء و قال اللّٰهم إن كنت تعلم أنی رسولك فاحفظنی فیه و افعل به و افعل فدعا له ما شاء اللّٰه و خرج علی بن أبی طالب علیهما السلام و خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لتشییعه و بلغ معه إلی مسجد الأحزاب و علی علی فرس أشقر مهلوب علیه بردان یمانیان و فی یده قناة خطیة فشیعه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و دعا له و أنفذ معه فیمن أنفذ أبا بكر و عمر و عمرو بن العاص فسار بهم علیه السلام نحو العراق متنكبا للطریق حتی ظنوا أنه یرید بهم غیر ذلك الوجه ثم انحدر (4) بهم علی محجة غامضة فسار بهم حتی استقبل الوادی من فمه و كان یسیر اللیل و یكمن النهار فلما قرب من الوادی أمر أصحابه أن یعكموا الخیل و وقفهم مكانا و قال لا تبرحوا و انتبذ (5) أمامهم فأقام ناحیة منهم فلما رأی عمرو بن العاص ما صنع لم یشك أن الفتح یكون له فقال لأبی بكر أنا أعلم بهذه البلاد من علی و فیها ما هو أشد علینا من بنی سلیم و هی الضباع و الذئاب فإن خرجت علینا خفت أن تقطعنا فكلمه یخل عنا نعلو الوادی قال فانطلق أبو بكر فكلمه (6) فأطال فلم یجبه أمیر المؤمنین علیه السلام
ص: 78
حرفا واحدا فرجع إلیهم فقال لا و اللّٰه ما أجابنی حرفا واحدا فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب أنت أقوی علیه فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثل ما صنع بأبی بكر فرجع إلیهم فأخبرهم أنه لم یجبه فقال عمرو بن العاص إنه لا ینبغی لنا أن نضیع أنفسنا انطلقوا بنا نعلو الوادی فقال له المسلمون و اللّٰه (1) ما نفعل أمرنا رسول اللّٰه أن نسمع لعلی و نطیع فنترك أمره و نطیع لك و نسمع فلم یزالوا كذلك حتی أحس أمیر المؤمنین علیه السلام بالفجر فكبس القوم و هم غارون (2) فأمكنه اللّٰه تعالی منهم فنزلت علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً إلی آخرها فَبَشَّرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَصْحَابَهُ بِالْفَتْحِ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَسْتَقْبِلُوا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَاسْتَقْبَلُوهُ وَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَقْدُمُهُمْ فَقَامُوا لَهُ صَفَّیْنِ فَلَمَّا بَصُرَ بِالنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله تَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ (3) فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ارْكَبْ فَإِنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ عَنْكَ رَاضِیَانِ فَبَكَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَرَحاً فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ لَوْ لَا أَنَّنِی أُشْفِقُ أَنْ تَقُولَ فِیكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِی مَا قَالَتِ النَّصَارَی فِی الْمَسِیحِ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ لَقُلْتُ فِیكَ الْیَوْمَ مَقَالًا لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَیْكَ.
و كان الفتح فی هذه الغزاة لأمیر المؤمنین علیه السلام خاصة بعد أن كان لغیره فیها من الإفساد (4) ما كان و اختص علیه السلام من مدیح النبی صلی اللّٰه علیه و آله فیها بفضائل لم یحصل منها شی ء لغیره و بان له من المنقبة فیها ما لم یشركه فیه (5) سواه. (6) بیان المهلبة ما غلظ من شعر الذنب و هلبت الفرس نتفت هلبه فهو مهلوب ذكره الجوهری و قال الخط موضع بالیمامة تنسب إلیه الرماح الخطیة لأنها تحمل من بلاد الهند فتقوم به و یقال عكمت المتاع أی شددته و المراد هنا شد أفواه الدواب لترك صهیلها قوله فكبس القوم أی هجم علیهم
ص: 79
«6»- أقول: ذكر المفید رحمه اللّٰه هذه الغزوة علی هذا الوجه بعد غزوة تبوك و ذكرها علی وجه آخر علی ما فی بعض النسخ القدیمة بعد غزوة بنی قریظة و قبل غزوة بنی المصطلق قال و قد كان من أمیر المؤمنین علیه السلام فی غزوة وادی الرمل و یقال إنها كانت تسمی بغزوة السلسلة (1) ما حفظه العلماء و دونه الفقهاء و نقله أصحاب الآثار و رواه نقلة الأخبار مما ینضاف إلی مناقبه علیه السلام فی الغزوات و یماثل فضائله فی الجهاد و ما توحد به فی معناه من كافة العباد و ذلك.
أن أصحاب السیر ذكروا أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله كان ذات یوم جالسا إذ جاء أعرابی فجثا بین یدیه ثم قال إنی جئت (2) لأنصحك قال و ما نصیحتك قال قوم من العرب قد عملوا علی أن یبیتوك بالمدینة و وصفهم له قال فأمر أمیر المؤمنین علیه السلام أن ینادی ب الصلاة جامعة فاجتمع المسلمون فصعد المنبر فحمد اللّٰه و أثنی علیه ثم قال أیها الناس إن هذا عدو اللّٰه و عدوكم قد أقبل علیكم (3) یزعم أنه یبیتكم بالمدینة فمن للوادی فقام رجل من المهاجرین فقال أنا له یا رسول اللّٰه فناوله اللواء و ضم إلیه سبعمائة رجل و قال له امض علی اسم اللّٰه فمضی فوافی القوم ضحوة فقالوا له من الرجل قالوا (4) رسول لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إما أن تقولوا لا إله إلا اللّٰه وحده لا شریك له و أن محمدا عبده و رسوله أو لأضربنكم بالسیف قالوا له ارجع إلی صاحبك فإنا فی جمع لا تقوم له فرجع الرجل فأخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بذلك فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله من للوادی فقام رجل من المهاجرین فقال أنا له یا رسول اللّٰه قال فدفع إلیه الرایة و مضی ثم عاد بمثل (5) ما عاد به صاحبه الأول فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أین علی بن أبی طالب فقام أمیر المؤمنین علیه السلام فقال أنا ذا یا رسول اللّٰه قال (6)
ص: 80
امض إلی الوادی قال نعم و كانت له عصابة لا یتعصب بها حتی یبعثه النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی وجه شدید فمضی إلی منزل فاطمة علیها السلام فالتمس العصابة منها فقالت أین ترید و أین (1) بعثك أبی قال إلی وادی الرمل فبكت إشفاقا علیه فدخل النبی صلی اللّٰه علیه و آله و هی علی تلك الحال فقال لها ما لك تبكین أ تخافین أن یقتل بعلك كلا إن شاء اللّٰه فقال له علی علیه السلام لا تنفس علی بالجنة یا رسول اللّٰه ثم خرج و معه لواء النبی صلی اللّٰه علیه و آله فمضی حتی وافی القوم بسحر فأقام حتی أصبح ثم صلی بأصحابه الغداة و صفهم صفوفا و اتكأ علی سیفه مقبلا علی العدو فقال لهم یا هؤلاء أنا رسول رسول اللّٰه إلیكم أن تقولوا لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا (2) عبده و رسوله و إلا أضربنكم بالسیف قالوا (3) ارجع كما رجع صاحباك قال أنا أرجع (4) لا و اللّٰه حتی تسلموا أو أضربكم بسیفی هذا أنا علی بن أبی طالب بن عبد المطلب فاضطرب القوم لما عرفوه ثم اجترءوا علی مواقعته فواقعهم علیه السلام فقتل منهم ستة أو سبعة و انهزم المشركون و ظفر المسلمون و حازوا الغنائم و توجه إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله.
فَرُوِیَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ نَبِیُّ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَائِلًا فِی بَیْتِی إِذَا انْتَبَهَ فَزِعاً مِنْ مَنَامِهِ فَقُلْتُ لَهُ اللَّهُ جَارُكَ قَالَ صَدَقْتِ اللَّهُ جَارِی لَكِنْ هَذَا جَبْرَئِیلُ علیه السلام یُخْبِرُنِی أَنَّ عَلِیّاً علیه السلام قَادِمٌ ثُمَّ خَرَجَ إِلَی النَّاسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ یَسْتَقْبِلُوا عَلِیّاً علیه السلام فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ لَهُ صَفَّیْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا بَصُرَ بِالنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله تَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ وَ أَهْوَی إِلَی قَدَمَیْهِ یُقَبِّلُهُمَا فَقَالَ لَهُ صلی اللّٰه علیه و آله ارْكَبْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی وَ رَسُولَهُ عَنْكَ رَاضِیَانِ فَبَكَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَرَحاً وَ انْصَرَفَ إِلَی مَنْزِلِهِ وَ تَسَلَّمَ (5) الْمُسْلِمُونَ الْغَنَائِمَ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لِبَعْضِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِی الْجَیْشِ كَیْفَ رَأَیْتُمْ أَمِیرَكُمْ قَالُوا لَمْ نُنْكِرْ مِنْهُ شَیْئاً إِلَّا أَنَّهُ لَمْ یَؤُمَّ بِنَا فِی صَلَاةٍ إِلَّا قَرَأَ
ص: 81
فِیهَا (1) بِقُلْ هُوَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَسْأَلُهُ (2) عَنْ ذَلِكَ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ لِمَ لَمْ تَقْرَأْ بِهِمْ فِی فَرَائِضِكَ إِلَّا بِسُورَةِ الْإِخْلَاصِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْبَبْتُهَا قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ یَا عَلِیُّ لَوْ لَا أَنِّی (3) أُشْفِقُ أَنْ تَقُولَ فِیكَ طَوَائِفُ مَا قَالَتِ النَّصَارَی فِی عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ لَقُلْتُ فِیكَ الْیَوْمَ مَقَالًا لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنْهُمْ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَیْكَ.
و قد ذكر كثیر من أصحاب السیر أن فی هذه الغزاة نزل علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً إلی آخرها فتضمنت ذكر الحال فیما فعله أمیر المؤمنین علیه السلام فیها. (4) أقول ذكر فی إعلام الوری تلك القصة علی هذا الوجه مع اختصار (5).
«7»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم فُرَاتُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ مُعَنْعَناً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَبَا بَكْرٍ إِلَی غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَعْطَاهُ الرَّایَةَ فَرَدَّهَا ثُمَّ دَعَا عُمَرَ فَأَعْطَاهُ الرَّایَةَ فَرَدَّهَا ثُمَّ دَعَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ فَأَعْطَاهُ الرَّایَةَ فَرَجَعَ فَدَعَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَأَمْكَنَهُ مِنَ الرَّایَةِ فَسَیَّرَهُمْ مَعَهُ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَسْمَعُوا لَهُ وَ یُطِیعُوهُ قَالَ فَانْطَلَقَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام بِالْعَسْكَرِ وَ هُمْ مَعَهُ حَتَّی انْتَهَی إِلَی الْقَوْمِ فَلَمْ یَكُنْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُمْ إِلَّا جَبَلٌ قَالَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ یَنْزِلُوا فِی أَسْفَلِ الْجَبَلِ فَقَالَ لَهُمُ ارْكَبُوا دَوَابَّكُمْ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ یَا أَبَا بَكْرٍ وَ أَنْتَ یَا عُمَرُ مَا تَرَوْنَ إِلَی هَذَا الْغُلَامِ أَیْنَ أَنْزَلَنَا فِی وَادٍ كَثِیرِ الْحَیَّاتِ كَثِیرِ الْهَامِّ كَثِیرِ السِّبَاعِ نَحْنُ مِنْهُ عَلَی إِحْدَی ثَلَاثِ خِصَالٍ إِمَّا سَبُعٌ یَأْكُلُنَا وَ یَأْكُلُ دَوَابَّنَا وَ إِمَّا حَیَّاتٌ تَعْقِرُنَا وَ تَعْقِرُ دَوَابَّنَا وَ إِمَّا یَعْلَمُ بِنَا عَدُوُّنَا فَیَقْتُلُنَا قُومُوا بِنَا إِلَیْهِ قَالَ فَجَاءُوا إِلَی عَلِیٍّ علیه السلام وَ قَالُوا (6) یَا عَلِیُّ أَنْزَلْتَنَا فِی وَادٍ كَثِیرِ السِّبَاعِ كَثِیرِ الْهَامِ
ص: 82
كَثِیرِ الْحَیَّاتِ نَحْنُ مِنْهُ عَلَی إِحْدَی ثَلَاثِ خِصَالٍ إِمَّا سَبُعٍ یَأْكُلُنَا وَ یَأْكُلُ دَوَابَّنَا أَوْ حَیَّاتٍ تَعْقِرُنَا وَ تَعْقِرُ دَوَابَّنَا أَوْ یَعْلَمُ بِنَا عَدُوُّنَا فَیُبَیِّتُنَا فَیَقْتُلُنَا قَالَ فَقَالَ لَهُمْ عَلِیٌّ علیه السلام أَ لَیْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ تَسْمَعُوا لِی وَ تُطِیعُوا (1) قَالُوا بَلَی قَالَ فَانْزِلُوا فَرَجَعُوا قَالَ فَأَبَوْا أَنْ یَنْقَادُوا وَ اسْتَفَزَّهُمْ خَالِدٌ ثَانِیَةً فَقَالُوا لَهُ ذَلِكَ الْكَلَامَ (2) فَقَالَ لَهُمْ أَ لَیْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ تَسْمَعُوا لِی وَ تُطِیعُوا (3) قَالُوا بَلَی قَالَ فَانْزِلُوا بَارَكَ اللَّهُ فِیكُمْ لَیْسَ عَلَیْكُمْ بَأْسٌ قَالَ فَنَزَلُوا وَ هُمْ مَرْعُوبُونَ قَالَ وَ مَا زَالَ عَلِیٌّ لَیْلَتَهُ قَائِماً یُصَلِّی حَتَّی إِذَا كَانَ فِی السَّحَرِ قَالَ لَهُمُ ارْكَبُوا بَارَكَ اللَّهُ فِیكُمْ قَالَ فَرَكِبُوا وَ طَلَعَ الْجَبَلُ حَتَّی إِذَا انْحَدَرَ عَلَی الْقَوْمِ فَأَشْرَفَ عَلَیْهِمْ قَالَ لَهُمُ انْزِعُوا عَكْمَةَ دَوَابِّكُمْ قَالَ فَشَمَّتِ الْخَیْلُ رِیحَ الْإِنَاثِ فَصَهَلَتْ فَسَمِعَ الْقَوْمُ صَهِیلَ خَیْلِهِمْ (4) فَوَلَّوْا هَارِبِینَ قَالَ فَقَتَلَ مُقَاتِلِیهِمْ وَ سَبَی ذَرَارِیَّهُمْ قَالَ فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُخَالِطُ (5) الْقَوْمَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ وَ جَاءَتِ الْبِشَارَةُ (6).
«8»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم الْحُسَیْنُ بْنُ سَعِیدٍ وَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِیُّ مُعَنْعَناً عَنْ أَبِی ذَرٍّ الْغِفَارِیِّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ وَ غَیْرِهِ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أَقْرَعَ بَیْنَ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَبَعَثَ مِنْهُمْ ثَمَانِینَ رَجُلًا وَ مِنْ غَیْرِهِمْ إِلَی بَنِی سُلَیْمٍ وَ وَلَّی عَلَیْهِمْ وَ انْهَزَمُوا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَلَبِثَ بِذَلِكَ أَیَّاماً یَدْعُو عَلَیْهِمْ قَالَ ثُمَّ دَعَا بِلَالًا فَقَالَ لَهُ ایتِنِی بِبُرْدِیَ النَّجْرَانِیِّ وَ
ص: 83
قَنَاتِیَ الْخَطِّیَّةِ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَدَعَا عَلِیّاً وَ بَعَثَهُ فِی جَیْشٍ إِلَیْهِمْ وَ قَالَ لَقَدْ وَجَّهْتُهُ كَرَّاراً غَیْرَ فَرَّارٍ قَالَ فَسَرَّحَ (1) عَلِیّاً قَالَ وَ خَرَجَ مَعَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یُشَیِّعُهُ فَكَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْهِمْ (2) عِنْدَ مَسْجِدِ الْأَحْزَابِ وَ عَلِیٌّ عَلَی فَرَسٍ أَشْقَرَ وَ هُوَ یُوصِیهِ ثُمَّ وَدَّعَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ انْصَرَفَ قَالَ وَ سَارَ عَلِیٌّ فِیمَنْ مَعَهُ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ الْعِرَاقِ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ یُرِیدُ بِهِمْ غَیْرَ ذَلِكَ الْوَجْهِ حَتَّی أَتَی فَمَ الْوَادِی ثُمَّ جَعَلَ یَسِیرُ اللَّیْلَ وَ یَكْمُنُ النَّهَارَ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَعَكَمُوا الْخَیْلَ (3) وَ أَوْقَفَهُمْ وَ قَالَ لَا تَبْرَحُوا وَ انْتَبَذَ أَمَامَهُمْ (4) فَرَامَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الْخِلَافَ وَ أَبَی بَعْضٌ حَتَّی إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَغَارَ عَلَیْهِمْ عَلِیٌّ فَمَنَحَهُ اللَّهُ أَكْتَافَهُمْ وَ أَظْهَرَهُ عَلَیْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی نَبِیِّهِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله الْآیَةَ (5) وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً فَخَرَجَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَ هُوَ یَقُولُ صَبَّحَ وَ اللَّهِ جَمْعَ الْقَوْمِ ثُمَّ صَلَّی بِالْمُسْلِمِینَ فَقَرَأَ وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً قَالَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مِائَةً وَ عِشْرِینَ (6) رَجُلًا وَ كَانَ رَئِیسُ الْقَوْمِ الْحَارِثَ بْنَ بِشْرٍ وَ سَبَی مِنْهُ مِائَةً وَ عِشْرِینَ نَاهِداً (7).
بیان: الناهد الجاریة أول ما یرتفع ثدیها.
«9»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الزُّهْرِیُّ (8) مُعَنْعَناً عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَیْنَمَا أَجْمَعُ مَا كُنَّا حَوْلَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله مَا خَلَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ (9) علیه السلام إِذْ (10) أَقْبَلَ أَعْرَابِیٌّ بَدَوِیٌّ فَتَخَطَّی (11) صُفُوفَ الْمُهَاجِرِینَ وَ
ص: 84
الْأَنْصَارِ حَتَّی جَثَا بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ یَقُولُ السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِی وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَیْكَ السَّلَامُ مَنْ أَنْتَ یَا أَعْرَابِیُّ قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی لُجَیْمٍ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَا وَرَاكَ بِمَا جَاءَ لُجَیْمٌ (1) قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ خَلَّفْتُ خَثْعَمَ (2) وَ قَدْ تَهَیَّئُوا وَ عَبَّئُوا كَتَائِبَهُمْ وَ خَلَّفْتُ الرَّایَاتِ تَخْفِقُ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ یَقْدُمُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ مَكِیدَةَ الْخَثْعَمِیُّ فِی خَمْسِمِائَةٍ مِنْ رِجَالِ خَثْعَمَ یَتَأَلَّوْنَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّی أَنْ لَا یَرْجِعُوا حَتَّی یَرِدُوا الْمَدِینَةَ فَیَقْتُلُوكَ (3) وَ مَنْ مَعَكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَدَمَعَتْ عَیْنَا النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی أَبْكَی جَمِیعَ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ یَا مَعْشَرَ النَّاسِ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ الْأَعْرَابِیِّ قَالُوا كُلٌّ قَدْ سَمِعْنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ مِنْكُمْ یَخْرُجُ إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ قَبْلَ أَنْ یَطَئُونَا فِی دِیَارِنَا وَ حَرِیمِنَا لَعَلَّ اللَّهَ یَفْتَحُ عَلَی یَدَیْهِ وَ أَضْمَنُ لَهُ عَلَی اللَّهِ الْجَنَّةَ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا قَالَ أَحَدٌ أَنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَامَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی قَدَمَیْهِ وَ هُوَ یَقُولُ مَعَاشِرَ أَصْحَابِی هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ الْأَعْرَابِیِّ قَالُوا كُلٌّ قَدْ سَمِعْنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ مِنْكُمْ یَخْرُجُ إِلَیْهِمْ قَبْلَ أَنْ یَطَئُونَا (4) فِی دِیَارِنَا وَ حَرِیمِنَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ یَفْتَحَ عَلَی یَدَیْهِ وَ أَضْمَنُ لَهُ عَلَی اللَّهِ اثْنَیْ عَشَرَ قَصْراً فِی الْجَنَّةِ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا قَالَ أَحَدٌ أَنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَبَیْنَمَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَاقِفٌ إِذْ أَقْبَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَلَمَّا نَظَرَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَاقِفاً وَ دُمُوعُهُ (5) تَنْحَدِرُ كَأَنَّهَا جُمَانٌ انْقَطَعَ سِلْكُهُ عَلَی خَدَّیْهِ لَمْ یَتَمَالَكْ أَنْ رَمَی بِنَفْسِهِ عَنْ بَعِیرِهِ إِلَی الْأَرْضِ ثُمَّ أَقْبَلَ یَسْعَی نَحْوَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یَمْسَحُ بِرِدَائِهِ الدُّمُوعَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ یَقُولُ مَا الَّذِی أَبْكَاكَ لَا أَبْكَی اللَّهُ عَیْنَیْكَ یَا حَبِیبَ اللَّهِ هَلْ نَزَلَ فِی أُمَّتِكَ شَیْ ءٌ مِنَ السَّمَاءِ قَالَ یَا عَلِیُّ مَا نَزَلَ فِیهِمْ إِلَّا خَیْرٌ وَ لَكِنْ هَذَا الْأَعْرَابِیُّ حَدَّثَنِی عَنْ رِجَالِ خَثْعَمَ بِأَنَّهُمْ قَدْ عَبَّئُوا كَتَائِبَهُمْ وَ خَفَقَتِ الرَّایَاتُ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ یُكَذِّبُونَ
ص: 85
قَوْلِی وَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا یَعْرِفُونَ رَبِّی یَقْدُمُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ مَكِیدَةَ الْخَثْعَمِیُّ فِی خَمْسِمِائَةٍ مِنْ رِجَالِ خَثْعَمَ یَتَأَلَّوْنَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّی لَا یَرْجِعُونَ حَتَّی یَرِدُوا الْمَدِینَةَ فَیَقْتُلُونِی وَ مَنْ مَعِی وَ إِنِّی قُلْتُ لِأَصْحَابِی مَنْ مِنْكُمْ یَخْرُجُ إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَطَئُونَا فِی دِیَارِنَا وَ حَرِیمِنَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ یَفْتَحَ عَلَی یَدَیْهِ وَ أَضْمَنُ لَهُ عَلَی اللَّهِ اثْنَیْ عَشَرَ قَصْراً فِی الْجَنَّةِ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فِدَاكَ أَبِی وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْ لِی هَذِهِ الْقُصُورَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ بِنَاءُ هَذِهِ الْقُصُورِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ مِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَ الْعَنْبَرُ حَصْبَاؤُهَا (1) الدُّرُّ وَ الْیَاقُوتُ تُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ كُثُبُهَا (2) الْكَافُورُ فِی صَحْنِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْ هَذِهِ الْقُصُورِ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهَرٌ مِنْ عَسَلٍ وَ نَهَرٌ مِنْ خَمْرٍ وَ نَهَرٌ مِنْ لَبَنٍ وَ نَهَرٌ مِنْ مَاءٍ مَحْفُوفٍ بِالْأَشْجَارِ وَ الْمَرْجَانِ عَلَی حَافَتَیْ كُلِّ نَهَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ خَیْمَةٌ (3) مِنْ دُرَّةٍ بیْضَاءَ لَا قَطْعَ فِیهَا وَ لَا فَصْلَ قَالَ لَهَا كُونِی فَكَانَتْ یُرَی بَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا وَ ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا فِی كُلِّ خَیْمَةٍ سَرِیرٌ مُفَصَّصٌ (4) بِالْیَاقُوتِ الْأَحْمَرِ قَوَائِمُهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ عَلَی كُلِّ سَرِیرٍ حَوْرَاءُ مِنَ الْحُورِ الْعِینِ عَلَی كُلِّ حَوْرَاءَ سَبْعُونَ حُلَّةً خَضْرَاءَ وَ سَبْعُونَ حُلَّةً صَفْرَاءَ وَ یُرَی مُخُّ سَاقِهَا خَلْفَ عَظْمِهَا (5) وَ جِلْدِهَا وَ حُلِیِّهَا وَ حُلَلِهَا كَمَا تُرَی الْخَمْرَةُ الصَّافِیَةُ فِی الزُّجَاجَةِ الْبَیْضَاءِ مُكَلَّلَةً بِالْجَوَاهِرِ لِكُلِّ حَوْرَاءَ سَبْعُونَ ذُؤَابَةً كُلُّ ذُؤَابَةٍ بِیَدِ وَصِیفٍ (6) وَ بِیَدِ كُلِّ وَصِیفٍ مِجْمَرٌ یُبَخِّرُ تِلْكَ الذُّؤَابَةَ (7) یَفُوحُ مِنْ ذَلِكَ الْمِجْمَرِ بُخَارٌ لَا یَفُوحُ بِنَارٍ وَ لَكِنْ بِقُدْرَةِ الْجَبَّارِ قَالَ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فِدَاكَ أُمِّی وَ أَبِی (8) یَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا لَهُمْ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ هَذَا لَكَ وَ أَنْتَ لَهُ انْجُدْ إِلَی الْقَوْمِ فَجَهَّزَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی
ص: 86
خَمْسِینَ وَ مِائَةِ رَجُلٍ (1) مِنَ الْأَنْصَارِ وَ الْمُهَاجِرِینَ فَقَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ وَ قَالَ فِدَاكَ أَبِی وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ تُجَهِّزُ ابْنَ عَمِّی فِی خَمْسِینَ وَ مِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ إِلَی خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ (2) وَ فِیهِمُ الْحَارِثُ بْنُ مَكِیدَةَ یُعَدُّ بِخَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَمِطْ عَنِّی یَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَوَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالْحَقِّ لَوْ كَانُوا عَلَی عَدَدِ الثَّرَی وَ عَلِیٌّ وَحْدَهُ لَأَعْطَی اللَّهُ عَلَیْهِمُ النَّصْرَ (3) حَتَّی یَأْتِیَنَا بِسَبْیِهِمْ أَجْمَعِینَ فَجَهَّزَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ یَقُولُ اذْهَبْ یَا حَبِیبِی حِفْظُ اللَّهِ مِنْ تَحْتِكَ وَ مِنْ فَوْقِكَ وَ عَنْ یَمِینِكَ وَ عَنْ شِمَالِكَ اللَّهُ خَلِیفَتِی عَلَیْكَ فَسَارَ عَلِیٌّ علیه السلام بِمَنْ مَعَهُ حَتَّی نَزَلُوا بِوَادٍ خَلْفَ الْمَدِینَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْیَالٍ یُقَالُ لَهُ وَادِی ذِی خُشُبٍ قَالَ فَوَرَدُوا (4) الْوَادِیَ لَیْلًا فَضَلُّوا الطَّرِیقَ قَالَ فَرَفَعَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ هُوَ یَقُولُ یَا هَادِیَ كُلِّ ضَالٍّ وَ یَا مُفَرِّجَ كُلِّ مَغْمُومٍ لَا تُقَوِّ عَلَیْنَا ظَالِماً وَ لَا تُظْفِرْ بِنَا عَدُوَّنَا وَ اعهدنا (5)(اهْدِنَا) إِلَی سَبِیلِ الرَّشَادِ قَالَ فَإِذَا الْخَیْلُ یُقْدَحُ بِحَوَافِرِهَا مِنَ الْحِجَارَةِ النَّارُ حَتَّی عَرَفُوا الطَّرِیقَ فَسَلَكُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی نَبِیِّهِ مُحَمَّدٍ وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً یَعْنِی الْخَیْلَ فَالْمُورِیاتِ قَدْحاً قَالَ قَدَحَتِ الْخَیْلُ بِحَوَافِرِهَا مِنَ الْحِجَارَةِ النَّارَ فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً قَالَ صَبَّحَهُمْ عَلِیٌّ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَ كَانَ لَا یَسْبِقُهُ (6) أَحَدٌ إِلَی الْأَذَانِ فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ الْأَذَانَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ رَاعِی فِی رُءُوسِ هَذِهِ الْجِبَالِ یَذْكُرُ اللَّهَ فَلَمَّا أَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ الرَّاعِی مِنْ أَصْحَابِ السَّاحِرِ الْكَذَّابِ وَ كَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام لَا یُقَاتِلُ حَتَّی تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَ تَنْزِلَ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ قَالَ فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ النَّهَارُ الْتَفَتَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیٌّ علیه السلام إِلَی صَاحِبِ رَایَةِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ ارْفَعْهَا فَلَمَّا أَنْ رَفَعَهَا وَ رَآهَا الْمُشْرِكُونَ عَرَفُوهَا وَ قَالَ
ص: 87
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هَذَا عَدُوُّكُمُ الَّذِی جِئْتُمْ تَطْلُبُونَهُ هَذَا مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ قَالَ فَخَرَجَ غُلَامٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ مِنْ أَشَدِّهِمْ بَأْساً وَ أَكْفَرِهِمْ كُفْراً (1) فَنَادَی أَصْحَابَ النَّبِیِّ یَا أَصْحَابَ السَّاحِرِ الْكَذَّابِ أَیُّكُمْ مُحَمَّدٌ فَلْیَبْرُزْ إِلَیَّ فَخَرَجَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام وَ هُوَ یَقُولُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَنْتَ السَّاحِرُ الْكَذَّابُ مُحَمَّدٌ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ قَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ زَوْجُ ابْنَتِهِ قَالَ لَكَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ مِنْ مُحَمَّدٍ قَالَ لَهُ عَلِیٌّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْتَ وَ مُحَمَّدٌ شَرَعٌ وَاحِدٌ مَا كُنْتُ أُبَالِی لَقِیتُكَ أَوْ لَقِیتُ مُحَمَّداً ثُمَّ شَدَّ عَلَی عَلِیٍّ وَ هُوَ یَقُولُ
لَاقَیْتَ (لَیْثاً) یَا عَلِیُّ ضَیْغَماً ***قرم (قَرْماً) كریم (كَرِیماً)فِی الْوَغَی (2) (مُشَرِّماً)
لَیْثٌ شَدِیدٌ مِنْ رِجَالِ خَثْعَمَا (3)*** یَنْصُرُ دِیناً مُعْلَماً وَ مُحْكَماً
فَأَجَابَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام وَ هُوَ یَقُولُ:
لَاقَیْتَ قِرْناً حَدَثاً وَ ضَیْغَماً (4)*** لَیْثاً شَدِیداً فِی الْوَغَی غَشَمْشَماً
أَنَا عَلِیٌّ سَأُبِیرُ (5) خَثْعَمَا*** بِكُلِّ خَطِّیٍّ یُرِی النَّقْعَ دَماً
وَ كُلِّ صَارِمٍ یُثْبِتُ الضَّرْبَ فَیَنْعَمَا (6) (وَ كُلِّ صَارِمٍ ضَرُوبٍ قِمَماً)
ثُمَّ حَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَی صَاحِبِهِ فَاخْتَلَفَ بَیْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ فَضَرَبَهُ عَلِیٌّ علیهما السلام ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ وَ عَجَّلَ اللَّهُ بِرُوحِهِ إِلَی النَّارِ ثُمَّ نَادَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَبَرَزَ أَخٌ لِلْمَقْتُولِ وَ حَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَی صَاحِبِهِ فَضَرَبَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ وَ عَجَّلَ اللَّهُ بِرُوحِهِ إِلَی النَّارِ ثُمَّ نَادَی عَلِیٌّ علیه السلام هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَبَرَزَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ مَكِیدَةَ وَ كَانَ صَاحِبَ الْجَمْعِ وَ هُوَ یُعَدُّ بِخَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ وَ هُوَ
ص: 88
الَّذِی أَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ قَالَ كَفَوْرٌ وَ إِنَّهُ عَلی ذلِكَ لَشَهِیدٌ قَالَ شَهِیدٌ عَلَیْهِ بِالْكُفْرِ وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام یَعْنِی بِاتِّبَاعِهِ مُحَمَّداً فَلَمَّا بَرَزَ (1) الْحَارِثُ حَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَی صَاحِبِهِ فَضَرَبَهُ عَلِیٌّ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ وَ عَجَّلَ اللَّهُ بِرُوحِهِ إِلَی النَّارِ ثُمَّ نَادَی عَلِیٌّ علیه السلام هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَبَرَزَ إِلَیْهِ ابْنُ عَمِّهِ یُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْفَتَّاكِ (2) وَ هُوَ یَقُولُ:
أَنَا عَمْرٌو وَ أَبِی الْفَتَّاكُ (3)*** وَ بِیَدِی نَصْلُ سَیْفٍ (بِیَدِی) هَتَّاكٌ
أَقْطَعُ بِهِ الرُّءُوسَ لِمَنْ أَرَی كَذَاكَ
فَأَجَابَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ هُوَ یَقُولُ:
هاكها (فَهَاكَهَا) مُتْرَعَةً دِهَاقَا*** كَأْسٌ دِهَاقٌ مُزِجَتْ زُعَاقَا
أَبِی امْرُؤٌ إِذَا مَا لَاقَا*** أَقُدُّ الهام (هَاماً) وَ أَجُدُّ سَاقَا (4)
ثُمَّ حَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَی صَاحِبِهِ فَضَرَبَهُ عَلِیٌّ علیه السلام ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ وَ عَجَّلَ اللَّهُ بِرُوحِهِ إِلَی النَّارِ ثُمَّ نَادَی عَلِیٌّ علیه السلام هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَلَمْ یَبْرُزْ إِلَیْهِ أَحَدٌ فَشَدَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَلَیْهِمْ حَتَّی تَوَسَّطَ جَمْعَهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
ص: 89
فَقَتَلَ عَلِیٌّ علیه السلام مُقَاتِلِیهِمْ وَ سَبَی ذَرَارِیَّهُمْ وَ أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَ أَقْبَلَ بِسَبْیِهِمْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ وَ جَمِیعَ أَصْحَابِهِ حَتَّی اسْتَقْبَلَ علی (عَلِیّاً) علیه السلام (1) عَلَی ثَلَاثَةِ أَمْیَالٍ مِنَ الْمَدِینَةِ وَ أَقْبَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام بِرِدَائِهِ وَ یُقَبِّلُ بَیْنَ عَیْنَیْهِ وَ یَبْكِی وَ هُوَ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ یَا عَلِیُّ الَّذِی شَدَّ بِكَ أَزْرِی وَ قَوَّی بِكَ ظَهْرِی یَا عَلِیُّ إِنَّنِی سَأَلْتُ اللَّهَ فِیكَ كَمَا سَأَلَ أَخِی مُوسَی بْنُ عِمْرَانَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَیْهِ أَنْ یُشْرِكَ هَارُونَ فِی أَمْرِهِ وَ قَدْ سَأَلْتُ رَبِّی أَنْ یَشُدَّ بِكَ أَزْرِی ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی أَصْحَابِهِ وَ هُوَ یَقُولُ مَعَاشِرَ أَصْحَابِی لَا تَلُومُونِی فِی حُبِّ (2) عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَإِنَّمَا حُبِّی عَلِیّاً مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ اللَّهُ أَمَرَنِی أَنْ أُحِبَّ عَلِیّاً وَ أُدْنِیهِ یَا عَلِیُّ مَنْ أَحَبَّكَ فَقَدْ أَحَبَّنِی وَ مَنْ أَحَبَّنِی فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ وَ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَ حَقِیقٌ (3) عَلَی اللَّهِ أَنْ یُسْكِنَ مُحِبِّیهِ الْجَنَّةَ یَا عَلِیُّ مَنْ أَبْغَضَكَ فَقَدْ أَبْغَضَنِی وَ مَنْ أَبْغَضَنِی فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ وَ مَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ أَبْغَضَهُ وَ لَعَنَهُ وَ حَقِیقٌ (4) عَلَی اللَّهِ أَنْ یَقِفَهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مَوْقِفَ الْبَغْضَاءِ وَ لَا یَقْبَلَ مِنْهُ صَرْفاً وَ لَا عَدْلًا (5).
بیان: خفقت الرایة تخفق بالضم و الكسر اضطربت و آلی و تألی أی حلف و الجمان بالضم جمع الجمانة و هی حبة تعمل من الفضة كالدرة و الملاط بالكسر الطین الذی یجعل بین سافتی البناء و قال الفیروزآبادی أنجد عرق و أعان و ارتفع و الدعوة أجابها و النجدة القتال و الشجاعة و الشدة و الضیغم الأسد و القرم بالفتح الفحل و السید و الغشمشم من یركب رأسه فلا یثنیه عن مراده شی ء.
أقول: إنما أوردت تلك الغزوة فی هذا الموضع تبعا للمؤرخین و قد مر أن المفید رحمه اللّٰه ذكرها فی موضعین غیر هذا و اللّٰه أعلم.
ص: 90
الآیات؛
الأسری: «وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِیراً* وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً»(80-81)
القصص: «إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلی مَعادٍ»(85)
التنزیل: «وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِینَ* قُلْ یَوْمَ الْفَتْحِ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ كَفَرُوا إِیمانُهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ* فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ»(28-30)
الفتح: «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً* لِیَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ یُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْكَ وَ یَهْدِیَكَ صِراطاً مُسْتَقِیماً* وَ یَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِیزاً* هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ السَّكِینَةَ فِی قُلُوبِ الْمُؤْمِنِینَ لِیَزْدادُوا إِیماناً مَعَ إِیمانِهِمْ وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِیماً حَكِیماً»(1-4)
الممتحنة: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِیَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِی سَبِیلِی وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِی تُسِرُّونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَیْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ یَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِیلِ* إِنْ یَثْقَفُوكُمْ یَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ یَبْسُطُوا إِلَیْكُمْ أَیْدِیَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ* لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَفْصِلُ بَیْنَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ* قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِی إِبْراهِیمَ وَ الَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّی تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْ ءٍ رَبَّنا عَلَیْكَ تَوَكَّلْنا وَ إِلَیْكَ أَنَبْنا وَ إِلَیْكَ الْمَصِیرُ* رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِینَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْ
ص: 91
لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ* لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِیهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ مَنْ یَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ* عَسَی اللَّهُ أَنْ یَجْعَلَ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَ الَّذِینَ عادَیْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَ اللَّهُ قَدِیرٌ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ* لا یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِیارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ* إِنَّما یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قاتَلُوكُمْ فِی الدِّینِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِیارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلی إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(1-9)
(إلی قوله تعالی): «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ عَلی أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ»(12)
النصر: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ* وَ رَأَیْتَ النَّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً»(1-3)
تفسیر:
قال الطبرسی رحمه اللّٰه: فی قوله تعالی رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ قیل معناه أدخلنی المدینة و أخرجنی منها إلی مكة للفتح
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ غَیْرِهِ (1) قَالَ وَ رُوِیَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ وَ حَوْلَ الْبَیْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتُّونَ صَنَماً فَجَعَلَ یَطْعَنُهَا وَ یَقُولُ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً- أورده البخاری فی الصحیح.
و قال الكلبی فجعل ینكب (2) لوجهه إذا قال ذلك و أهل مكة یقولون ما رأینا رجلا أسحر من محمد. (3) قوله تعالی لَرادُّكَ إِلی مَعادٍ روی عن ابن عباس و غیره أنه وعد بفتح مكة و عوده صلی اللّٰه علیه و آله إلیها.
قوله تعالی قُلْ یَوْمَ الْفَتْحِ قال البیضاوی هو یوم القیامة فإنه یوم نصر المسلمین علی الكفرة و الفصل بینهم و قیل یوم بدر أو یوم فتح مكة و المراد بالذین كفروا المقتولون منهم فیه فإنه لا ینفعهم إیمانهم حال القتل و لا
ص: 92
یمهلون و انطباقه جوابا عن سؤالهم من حیث المعنی باعتبار ما عرف من غرضهم (1) فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذیبا و استهزاء أجیبوا بما یمنع الاستعجال فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ و لا تبال بتكذیبهم و قیل هو منسوخ بآیة السیف وَ انْتَظِرْ النصرة علیهم إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ الغلبة علیك. (2) قوله تعالی إِنَّا فَتَحْنا قال الطبرسی رضی اللّٰه عنه أی قضینا علیك قضاء ظاهرا أو یسرنا لك یسرا بینا أو أعلمناك علما ظاهرا فیما أنزلنا علیك من القرآن و أخبرناك به من الدین أو أرشدناك إلی الإسلام و فتحنا لك أمر الدین ثم اختلف فی هذا الفتح علی وجوه أحدها أن المراد به فتح مكة وعده اللّٰه ذلك عام الحدیبیة عند انصرافه منها (3) و تقدیره قضینا لك بالنصر علی أهلها و عن جابر قال ما كنا نعلم فتح مكة إلا یوم الحدیبیة. و ثانیها أنه صلح الحدیبیة و ثالثها أنه فتح خیبر و رابعها أن الفتح الظفر علی الأعداء كلهم بالحجج و المعجزات الظاهرة و إعلاء كلمة الإسلام. (4)
و قال فی قوله تعالی لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ نزلت فی حاطب بن أبی بلتعة و ذلك أن سارة مولاة أبی عمرو بن صیفی بن هشام أتت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من مكة إلی المدینة بعد بدر بسنتین فقال لها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أ مسلمة جئت قالت لا قال أ مهاجرة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت كنتم الأصل و العشیرة و الموالی و قد ذهبت موالی و احتجت حاجة شدیدة فقدمت علیكم لتعطونی و تكسونی و تحملونی قال فأین أنت من شبان (5) مكة و كانت مغنیة نائحة قالت ما طلب منی بعد وقعة بدر فحث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علیها بنی عبد المطلب فكسوها و حملوها و أعطوها نفقة و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یتجهز (6) لفتح مكة
ص: 93
فأتاها حاطب بن أبی بلتعة فكتب معها كتابا إلی أهل مكة و أعطاها عشرة دنانیر عن ابن عباس و عشرة دراهم عن مقاتل و كساها بردا علی أن توصل الكتاب إلی أهل مكة و كتب فی الكتاب من حاطب بن أبی بلتعة إلی أهل مكة أن رسول اللّٰه یریدكم فخذوا حذركم.
فخرجت سارة و نزل جبرئیل علیه السلام فأخبر النبی صلی اللّٰه علیه و آله بما فعل فبعث (1) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علیا و عمارا و عمر و الزبیر و طلحة و المقداد بن الأسود و أبا مرثد و كانوا كلهم فرسانا و قال لهم انطلقوا حتی تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعینة معها كتاب من حاطب إلی المشركین فخذوه منها فخرجوا حتی أدركوها فی ذلك المكان الذی ذكره رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقالوا لها أین الكتاب فحلفت باللّٰه ما معها من كتاب فنحوها و فتشوا متاعها فلم یجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علی علیه السلام و اللّٰه ما كذبنا و لا كذبنا و سل سیفه و قال (2) أخرجی الكتاب و إلا و اللّٰه لأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأتها (3) فی شعرها فرجعوا بالكتاب إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأرسل إلی حاطب فأتاه فقال له هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك علی ما صنعت فقال یا رسول اللّٰه و اللّٰه ما كفرت منذ أسلمت (4) و لا غششتك منذ صحبتك (5) و لا أجبتهم منذ فارقتهم و لكن لم یكن أحد من المهاجرین إلا و له بمكة من یمنع عشیرته و كنت عزیزا (6) فیهم أی غریبا و كان أهلی بین ظهرانیهم (7) فخشیت علی أهلی فأردت أن أتخذ عندهم یدا و قد علمت أن اللّٰه ینزل بهم بأسه و أن كتابی لا یغنی عنهم شیئا فصدقه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و عذره فقام عمر بن الخطاب و قال دعنی یا رسول اللّٰه أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول اللّٰه و ما یدریك یا عمر لعل اللّٰه اطلع علی أهل
ص: 94
بدر فغفر لهم فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
وَ رَوَی الْبُخَارِیُّ وَ مُسْلِمٌ فِی صَحِیحِهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (1) بْنِ أَبِی رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً علیه السلام یَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَا وَ الْمِقْدَادَ وَ الزُّبَیْرَ وَ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّی تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِینَةً مَعَهَا (2) كِتَابٌ.
و ذكر نحوه. (3) تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ قال البیضاوی أی تقضون إلیهم المودة بالمكاتبة و الباء مزیدة أو إخبار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بسبب المودة وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ حال من فاعل أحد الفعلین (4) یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِیَّاكُمْ أی من مكة و هو حال من كفروا أو استئناف لبیانه أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ لأن تؤمنوا به إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ عن أوطانكم جِهاداً فِی سَبِیلِی وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِی علة للخروج و عمدة للتعلیق (5) و جواب الشرط محذوف دل علیه لا تتخذوا تُسِرُّونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ بدل من تلقون أو استئناف معناه أی طائل لكم فی إسرار المودة أو الإخبار بسبب المودة وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَیْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ أی منكم و قیل أعلم مضارع و الباء مزیدة و ما موصولة أو مصدریة وَ مَنْ یَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أی یفعل الاتخاذ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِیلِ أخطأه إِنْ یَثْقَفُوكُمْ یظفروا بكم (6) یَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً لا ینفعكم (7) إلقاء المودة إلیهم وَ یَبْسُطُوا إِلَیْكُمْ أَیْدِیَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ بما یسوؤكم كالقتل و الشتم وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ و تمنوا ارتدادكم و مجیؤه وحده بلفظ الماضی للإشعار بأنهم ودوا ذلك قبل كل شی ء و أن ودادتهم حاصلة و إن لم یثقفوكم لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ قراباتكم وَ لا أَوْلادُكُمْ الذین توالون المشركین لأجلهم یَوْمَ الْقِیامَةِ یَفْصِلُ بَیْنَكُمْ یفرق بینكم بما عراكم من الهول فیفر بعضكم من بعض وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ فیجازیكم علیه قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قدوة اسم لما یؤتسی به فِی إِبْراهِیمَ وَ الَّذِینَ مَعَهُ صفة ثانیة
ص: 95
أو خبر كان و لكم لغو أو حال من المستكن فی حسنة أو صلة لها لا لأسوة لأنها وصفت إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ ظرف لخبر كان إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ جمع بری ء كظریف و ظرفاء وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ أی بدینكم أو بمعبودكم أو بكم و به فلا نعتد بشأنكم و آلهتكم وَ بَدا بَیْنَنا إلی قوله وَحْدَهُ فتنقلب العداوة و البغضاء ألفة و محبة إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ استثناء من قوله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ رَبَّنا عَلَیْكَ تَوَكَّلْنا متصل بما قبل الاستثناء أو أمر من اللّٰه للمؤمنین بأن یقولوه (1) فِتْنَةً لِلَّذِینَ كَفَرُوا بأن تسلطهم علینا فیفتنونا بعذاب لا نتحمله لَقَدْ كانَ لَكُمْ تكریر لمزید الحث علی التأسی بإبراهیم و لذلك صدر بالقسم و أبدل قوله لِمَنْ كانَ یَرْجُوا اللَّهَ من لَكُمْ فإنه یدل علی أنه لا ینبغی لمؤمن أن یترك التأسی بهم و أن تركه مؤذن بسوء العقیدة و لذلك عقبه بقوله وَ مَنْ یَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ فإنه جدیر بأن یوعد به الكفرة. (2) قوله تعالی وَ بَیْنَ الَّذِینَ عادَیْتُمْ مِنْهُمْ قال الطبرسی أی من كفار مكة مَوَدَّةً بالإسلام قال مقاتل لما أمر اللّٰه سبحانه المؤمنین بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم فنزلت و المعنی أن موالاة الكفار لا تنفع و اللّٰه سبحانه قادر علی أن یوفقهم للإیمان و یحصل المودة بینكم و بینهم و قد فعل ذلك حین أسلموا عام الفتح (3) وَ اللَّهُ قَدِیرٌ علی نقل القلوب من العداوة إلی المودة وَ اللَّهُ غَفُورٌ لذنوب عباده رَحِیمٌ بهم إذا تابوا و أسلموا لا یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ أی لیس ینهاكم عن مخالطة أهل العهد الذین عاهدوكم علی ترك القتال و برهم و معاملتهم بالعدل و هو قوله أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ أی و تعدلوا فیما بینكم و بینهم من الوفاء بالعهد و قیل إن المسلمین استأمروا النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی أن یبروا أقرباءهم
ص: 96
من المشركین و ذلك قبل أن یؤمروا بقتال جمیع المشركین فنزلت هذه الآیة و هی منسوخة بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ عن ابن عباس و غیره و قیل إنه عنی بالذین لم یقاتلوكم من آمن من أهل مكة و لم یهاجر (1) إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ أی العادلین و قیل الذین یجعلون لقراباتهم قسطا مما فی بیوتهم من المطعومات إِنَّما یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قاتَلُوكُمْ فِی الدِّینِ من أهل مكة و غیرهم وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِیارِكُمْ أی منازلكم و أملاككم وَ ظاهَرُوا عَلی إِخْراجِكُمْ أی العوام و الأتباع الذین عاونوا رؤساءهم علی الباطل أَنْ تَوَلَّوْهُمْ أی ینهاكم عن أن تولوهم و توادوهم و تحبوهم و المعنی أن مكاتبتكم (2) بإظهار سر المؤمنین موالاة لهم. (3) و قال رحمه اللّٰه فی قوله تعالی یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ ثم ذكر سبحانه بیعة النساء و كان ذلك یوم فتح مكة لما فرغ النبی صلی اللّٰه علیه و آله من بیعة الرجال و هو علی الصفا جاءته النساء یبایعنه فنزلت الآیة فی مبایعتهن أن یأخذ علیهن هذه الشروط و هی (4) عَلی أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً من الأصنام و الأوثان وَ لا یَسْرِقْنَ لا من أزواجهن و لا من غیرهم وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ لا بالوأد و لا بالإسقاط وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ أی بكذب یكذبنه فی مولود یوجد بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ أی لا یلحقن بأزواجهن غیر أولادهم عن ابن عباس و قال الفراء كانت المرأة تلتقط (5) المولود فتقول لزوجها هذا ولدی منك فذلك البهتان المفتری بین أیدیهن و أرجلهن و ذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بین یدیها و رجلیها و لیس المعنی نهیهن من أن یأتین بولد من الزنا فینسبنه إلی الأزواج لأن الشرط بنهی الزنا قد تقدم و قیل البهتان الذی نهین عنه قذف المحصنات و الكذب علی الناس و إضافة الأولاد إلی الأزواج علی البطلان فی
ص: 97
الحاضر و المستقبل من الزمان لا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوفٍ و هو جمیع ما یأمرهن به لأنه صلی اللّٰه علیه و آله لا یأمر إلا بالمعروف و قیل عنی بالمعروف النهی عن النوح و تمزیق الثیاب و جز الشعر و شق الجیب و خمش الوجه و الدعاء بالویل فَبایِعْهُنَّ علی ذلك وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ من ذنوبهن إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ أی صفوح عنهن رَحِیمٌ منعم علیهن.
وَ رُوِیَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله بَایَعَهُنَّ وَ كَانَ عَلَی الصَّفَا وَ كَانَ عُمَرُ أَسْفَلَ مِنْهُ وَ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ مُتَنَقِّبَةً مُتَنَكِّرَةً مَعَ النِّسَاءِ خَوْفاً أَنْ یَعْرِفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ أُبَایِعُكُنَّ عَلَی أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً فَقَالَتْ هِنْدٌ إِنَّكَ لَتَأْخُذُ عَلَیْنَا أَمْراً مَا رَأَیْنَاكَ أَخَذْتَهُ عَلَی الرِّجَالِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَایَعَ الرِّجَالَ یَوْمَئِذٍ عَلَی الْإِسْلَامِ وَ الْجِهَادِ فَقَطْ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَا تَسْرِقْنَ فَقَالَتْ هِنْدٌ إِنَّ أَبَا سُفْیَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ وَ إِنِّی أَصَبْتُ مِنْ مَالِهِ هَنَاتٍ فَلَا أَدْرِی أَ یَحِلُّ لِی أَمْ لَا فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ مَا أَصَبْتِ مِنْ شَیْ ءٍ (1) فِیمَا مَضَی وَ فِیمَا غَبَرَ فَهُوَ لَكِ حَلَالٌ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَرَفَهَا فَقَالَ لَهَا وَ إِنَّكِ لَهِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ قَالَتْ نَعَمْ فَاعْفُ عَمَّا سَلَفَ یَا نَبِیَّ اللَّهِ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ فَقَالَ وَ لَا تَزْنِینَ فَقَالَتْ هِنْدٌ أَ وَ تَزْنِی الْحُرَّةُ فَتَبَسَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِمَا جَرَی بَیْنَهُ وَ بَیْنَهَا فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ فَقَالَتْ هِنْدٌ رَبَّیْنَاهُمْ صِغَاراً وَ قَتَلْتُمُوهُمْ كِبَاراً فَأَنْتُمْ وَ هُمْ أَعْلَمُ وَ كَانَ ابْنُهَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ قَتَلَهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام یَوْمَ بَدْرٍ فَضَحِكَ عُمَرُ حَتَّی اسْتَلْقَی وَ تَبَسَّمَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَمَّا قَالَ وَ لَا تَأْتِینَ بِبُهْتَانٍ قَالَتْ هِنْدٌ وَ اللَّهِ إِنَّ الْبُهْتَانَ قَبِیحٌ وَ مَا تَأْمُرُنَا إِلَّا بِالرُّشْدِ وَ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَ لَمَّا قَالَ وَ لا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوفٍ قَالَتْ هِنْدٌ مَا جَلَسْنَا مَجْلِسَنَا هَذَا وَ فِی أَنْفُسِنَا أَنْ نَعْصِیَكَ فِی شَیْ ءٍ.
وَ رَوَی الزُّهْرِیُّ عَنْ عَرَفَةَ (2) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یُبَایِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآیَةِ أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ مَا مَسَّتْ یَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إِلَّا امْرَأَةً یَمْلِكُهَا- رَوَاهُ الْبُخَارِیُّ فِی الصَّحِیحِ.
ص: 98
وَ رُوِیَ أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ إِذْ بَایَعَ النِّسَاءَ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ یَدَهُ فِیهِ ثُمَّ غمس [غَمَسْنَ أَیْدِیَهُنَّ فِیهِ و قیل إنه كان یبایعهن من وراء الثوب- عن الشعبی.
و الوجه فی بیعة النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة هو أخذ العهد علیهن بما یصلح من شأنهن فی الدین و الأنفس (1) و الأزواج و كان ذلك فی صدر الإسلام و لئلا ینفتق بهم فتق لما ضیع من الأحكام (2) فبایعهن النبی صلی اللّٰه علیه و آله حسما (3) لذلك. (4) و قال رضی اللّٰه عنه فی قوله سبحانه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ علی من عاداك و هم قریش وَ الْفَتْحُ یعنی فتح مكة و هذه بشارة من اللّٰه سبحانه لنبیه بالفتح و النصر قبل وقوع الأمر وَ رَأَیْتَ النَّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللَّهِ أَفْواجاً أی جماعة بعد جماعة و زمرة بعد زمرة و المراد بالدین الإسلام و التزام أحكامه و اعتقاد صحته و توطین النفس علی العمل به قال الحسن لما فتح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم و قد أجارهم اللّٰه من أصحاب الفیل فلیس لكم به ید (5) فكانوا یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللَّهِ أَفْواجاً أی جماعات كثیرة بعد أن كانوا یدخلون فیه واحدا واحدا و اثنین و اثنین فصارت القبیلة تدخل بأسرها فی الإسلام و قیل فی دین اللّٰه أی فی طاعة اللّٰه و طاعتك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ هذا أمر من اللّٰه سبحانه بأن ینزهه عما لا یلیق به من صفات النقص و أن یستغفره و وجه وجوب ذلك بالنصر و الفتح أن النعمة تقتضی القیام بحقها و هو شكر المنعم و تعظیمه و الایتمار بأوامره و الانتهاء عن معاصیه (6) فكأنه قال قد حدث أمر یقتضی الشكر و الاستغفار و إن لم یكن ثم ذنب فإن الاستغفار قد یكون عند ذكر المعصیة بما ینافی الإصرار و قد یكون علی وجه التسبیح و الانقطاع إلی اللّٰه سبحانه إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً یقبل توبة من بقی كما یقبل توبة من مضی
قال مقاتل لما نزلت هذه السورة قرأها علی أصحابه
ص: 99
ففرحوا و استبشروا و سمعها العباس فبكی فقال صلی اللّٰه علیه و آله ما یبكیك یا عم فقال أظن أنه قد نعیت إلیك نفسك یا رسول اللّٰه فقال إنه لكما تقول فعاش بعدها سنتین و ما رئی فیهما ضاحكا مستبشرا.
قال و هذه السورة تسمی سورة التودیع
وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله نُعِیَتْ إِلَیَّ نَفْسِی بِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِی هَذِهِ السَّنَةِ.
و اختلف فی أنهم من أی وجه علموا ذلك و لیس فی ظاهره نعی فقیل لأن التقدیر فسبح بحمد ربك فإنك حینئذ لاحق باللّٰه و ذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل و عند الكمال یرقب الزوال كما قیل:
إذا تم أمر دنا (1) نقصه***توقع زوالا إذا قیل تم
و قیل لأنه سبحانه أمره بتجدید التوحید و استدراك الفائت بالاستغفار و ذلك مما یلزم عند الانتقال من هذه الدار إلی دار الأبرار.
وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ السُّورَةُ كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ كَثِیراً سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَ بِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ.
وَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِآخِرِهِ لَا یَقُومُ وَ لَا یَقْعُدُ وَ لَا یَجِی ءُ وَ لَا یَذْهَبُ إِلَّا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ بِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ أَتُوبُ إِلَیْهِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّی أُمِرْتُ بِهَا ثُمَّ قَرَأَ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ.
وَ فِی رِوَایَةِ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ یَقُولُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَ بِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَ أَتُوبُ إِلَیْكَ.
ثم قال رحمه اللّٰه لما صالح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قریشا عام الحدیبیة كان فی أشراطهم أنه من أحب أن یدخل فی عهد (2) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله دخل فیه فدخلت خزاعة فی عهد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و دخلت بنو بكر فی عهد (3) قریش و كان بین القبیلتین شر قدیم ثم وقعت فیما بعد بین بنی بكر و خزاعة مقاتلة و رفدت قریش بنی بكر بالسلاح و قاتل معهم من قریش من قاتل باللیل مستخفیا و كان ممن أعان
ص: 100
بنی بكر علی خزاعة بنفسه عكرمة بن أبی جهل و سهیل بن عمرو فركب عمرو بن سالم الخزاعی حتی قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المدینة و كان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف علیه و هو فی المسجد بین ظهرانی القوم فقال:
لا هم إنی ناشد محمدا*** حلف أبینا و أبیه الأتلدا
إن قریشا أخلفوك الموعدا*** و نقضوا میثاقك المؤكدا
و قتلونا ركعا و سجدا
فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حسبك یا عمرو ثم قام فدخل دار میمونة و قال اسكبی لی ماء فجعل یغتسل و هو یقول لا نصرت إن لم أنصر بنی كعب و هم رهط عمرو بن سالم ثم خرج بدیل بن الورقاء الخزاعی فی نفر من خزاعة حتی قدموا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأخبروه بما أصیب منهم و مظاهرة قریش بنی بكر علیهم ثم انصرفوا راجعین إلی مكة و قد كان صلی اللّٰه علیه و آله قال للناس كأنكم بأبی سفیان قد جاء لیشدد العقد و یزید فی المدة و سیلقی بدیل بن ورقاء فلقوا أبا سفیان بعسفان و قد بعثته قریش إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله لیشدد العقد فلما لقی أبو سفیان بدیلا قال من أین أقبلت یا بدیل قال سرت فی هذا الساحل و فی بطن هذا الوادی قال ما أتیت محمدا قال لا فلما راح بدیل إلی مكة قال أبو سفیان لئن كان جاء من المدینة لقد علف بها النوی فعمد إلی مبرك ناقته فأخذ (1) من بعرها ففت فرأی فیه (2) النوی فقال أحلف باللّٰه لقد جاء بدیل محمدا ثم خرج أبو سفیان حتی قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا محمد احقن دم قومك و أجر بین قریش و زدنا فی المدة فقال أ غدرتم یا أبا سفیان قال لا قال فنحن علی ما كنا علیه فخرج فلقی أبا بكر فقال یا أبا بكر أجر بین قریش قال ویحك و أحد یجیر علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثم لقی عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك ثم خرج فدخل علی أم حبیبة فذهب لیجلس علی الفراش فأهوت إلی الفراش فطوته فقال یا بنیة أ رغبة (3) بهذا الفراش عنی فقالت نعم هذا فراش رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ما
ص: 101
كنت لتجلس علیه و أنت رجس مشرك ثم خرج فدخل علی فاطمة فقال یا بنت سید العرب تجیرین بین قریش و تزیدین فی المدة فتكونین أكرم سیدة فی الناس فقالت جواری جوار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال أ تأمرین ابنیك أن یجیرا بین الناس قالت و اللّٰه ما بلغ ابنای أن یجیرا بین الناس و ما یجیر علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أحد (1) فقال یا أبا الحسن إنی أری الأمور قد اشتدت علی فانصحنی فقالت أنت شیخ قریش فقم علی باب المسجد و أجر بین قریش ثم الحق بأرضك قال و تری ذلك مغنیا عنی شیئا قال لا و اللّٰه ما أظن ذلك و لكن لا أجد لك غیر ذلك فقام أبو سفیان فی المسجد فقال یا أیها الناس إنی قد أجرت بین قریش ثم ركب بعیره فانطلق فلما أن قدم علی قریش قالوا ما وراك فأخبرهم بالقصة فقالوا و اللّٰه إن زاد ابن أبی طالب علی أن لعب (2) بك فما یغنی عنا ما قلت قال لا و اللّٰه ما وجدت غیر ذلك قال فأمر رسول اللّٰه بالجهاز لحرب مكة و أمر الناس بالتهیؤ و قال اللّٰهم خذ العیون و الأخبار عن قریش حتی نبغتها فی بلادها و كتب حاطب بن أبی بلتعة إلی قریش فأتی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الخبر من السماء فبعث علیا علیه السلام و الزبیر حتی أخذا كتابه من المرأة و قد مضت هذه القصة فی سورة الممتحنة.
ثم استخلف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أبا دهم (3) الغفاری و خرج عامدا إلی مكة لعشر مضین من شهر رمضان سنة ثمان فی عشرة آلاف من المسلمین و نحو من أربعمائة فارس و لم یتخلف من المهاجرین و الأنصار عنه أحد و قد كان أبو سفیان بن الحارث بن عبد المطلب و عبد اللّٰه بن أمیة بن المغیرة قد لقیا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بنیق العقاب فیما بین مكة و المدینة فالتمسا الدخول علیه فلم یأذن لهما فكلمته أم سلمة فیهما فقالت یا رسول اللّٰه ابن عمك و ابن عمتك و صهرك قال لا حاجة لی فیهما أما ابن عمی فهو (4) الذی هتك عرضی و أما ابن عمتی و صهری فهو الذی قال لی بمكة ما قال قال فلما خرج (5) الخبر إلیهما بذلك و مع أبی سفیان
ص: 102
بنی له فقال و اللّٰه لیأذنن لی أو لآخذن بید بنی هذا ثم لنذهبن فی الأرض حتی نموت عطشا و جوعا فلما بلغ ذلك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله رق لهما فأذن لهما فدخلا علیه فأسلما فلما نزل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مر الظهران و قد غمت (1) الأخبار عن قریش فلا یأتیهم عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خبر خرج فی تلك اللیلة أبو سفیان بن حرب و حكیم بن حزام و بدیل بن ورقاء یتجسسون الأخبار و قد قال العباس للبید (2) یا سوء صباح (3) قریش و اللّٰه لئن بغتها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی بلادها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قریش إلی آخر الدهر فخرج العباس علی بغلة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قال أخرج إلی الأراك لعلی أری حطابا أو صاحب لبن أو داخلا یدخل مكة فیخبرهم بمكان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فیأتونه و یستأمنونه (4) قال العباس فو اللّٰه إنی لأطوف فی الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبی سفیان و حكیم بن حزام و بدیل بن ورقاء و سمعت أبا سفیان یقول و اللّٰه ما رأیت كالیوم قط نیرانا فقال بدیل هذه نیران خزاعة فقال أبو سفیان خزاعة ألأم من ذلك قال فعرفت صوته فقلت یا أبا حنظلة یعنی أبا سفیان فقال أبو الفضل فقلت نعم قال لبیك فداك أبی و أمی ما وراك فقلت هذا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وراك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمین قال فما تأمرنی قلت تركب عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فو اللّٰه لئن ظفر بك لیضربن عنقك فردفنی فخرجت أركض به بغلة رسول اللّٰه فكلما مررت بنار من نیران المسلمین قالوا هذا عم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی بغلة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی مررت بنار عمر بن الخطاب فقال یعنی عمر یا أبا سفیان الحمد لله الذی أمكن منك بغیر عهد و لا عقد ثم اشتد نحو رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و ركضت البغلة حتی اقتحمت باب القبة و سبقت عمر بما یسبق به الدابة البطیئة الرجل البطی ء فدخل عمر فقال یا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هذا أبو سفیان عدو اللّٰه قد أمكن اللّٰه منه بغیر عهد و لا عقد فدعنی أضرب عنقه فقلت یا رسول اللّٰه
ص: 103
إنی قد أجرته ثم جلست (1) إلی رسول اللّٰه و أخذت برأسه و قلت و اللّٰه لا یناجیه الیوم أحد دونی فلما أكثر فیه عمر قلت مهلا یا عمر فو اللّٰه ما تصنع هذا بالرجل (2) إلا أنه رجل من بنی عبد مناف و لو كان من عدی بن كعب ما قلت هذا قال مهلا یا عباس فو اللّٰه لإسلامك یوم أسلمت كان أحب إلی من إسلام الخطاب لو أسلم فقال صلی اللّٰه علیه و آله اذهب فقد آمناه حتی تغدو به علی بالغداة.
قال فلما أصبح غدوت به علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما رآه قال ویحك یا أبا سفیان أ لم یأن لك أن تعلم أن لا إله إلا اللّٰه فقال بأبی أنت و أمی ما أوصلك و أكرمك و أرحمك و أحلمك و اللّٰه لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنی یوم بدر و یوم أحد فقال ویحك یا با سفیان أ لم یأن لك أن تعلم أنی رسول اللّٰه فقال بأبی أنت و أمی أما هذه فإن فی النفس منها شیئا قال العباس فقلت له ویحك (3) اشهد بشهادة الحق قبل أن یضرب عنقك فتشهد فقال صلی اللّٰه علیه و آله للعباس انصرف یا عباس فاحبسه عند مضیق الوادی حتی تمر علیه جنود اللّٰه قال فحبسته عند خطم الجبل بمضیق الوادی و مر علیه القبائل قبیلة قبیلة و هو یقول من هؤلاء و من هؤلاء و أقول أسلم و جهینة و فلان حتی مر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی الكتیبة الخضراء من المهاجرین و الأنصار فی الحدید لا یری منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء یا أبا الفضل قلت هذا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی المهاجرین و الأنصار فقال یا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخیك عظیما فقلت ویحك إنها النبوة فقال نعم إذا و جاء حكیم بن حزام و بدیل بن ورقاء رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأسلما و بایعاه فلما بایعاه بعثهما رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بین یدیه إلی قریش یدعوانهم إلی الإسلام و قال من دخل دار أبی سفیان و هو (4) بأعلی مكة فهو آمن و من دخل دار حكیم و هو (5) بأسفل مكة فهو آمن و من أغلق بابه و كف یده فهو آمن.
ص: 104
و لما خرج أبو سفیان و حكیم من عند رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عامدین إلی مكة بعث فی أثرهما الزبیر بن العوام و أمره أن یغرز رایته بأعلی مكة بالحجون و قال لا تبرح حتی آتیك ثم دخل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مكة و ضرب (1) خیمته هناك و بعث سعد بن عبادة فی كتیبة الأنصار فی مقدمته و بعث خالد بن الولید فیمن كان أسلم من قضاعة و بنی سلیم و أمره أن یدخل من أسفل مكة و أن یغرز رایته دون البیوت و أمرهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله جمیعا أن یكفوا أیدیهم و لا یقاتلوا إلا من قاتلهم و أمرهم بقتل أربعة نفر عبد اللّٰه بن سعد بن أبی سرح و الحویرث بن نفیل و ابن خطل (2) و مقیس (3) بن صبابة و أمرهم بقتل قینتین كانتا تغنیان بهجاء رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قال اقتلوهم و إن وجدتموهم متعلقین بأستار الكعبة فقتل علی علیه السلام الحویرث بن نفیل و إحدی القینتین و أفلتت الأخری و قتل مقیس بن صبابة فی السوق و أدرك ابن خطل و هو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إلیه سعید بن حریث و عمار بن یاسر فسبق سعید عمارا فقتله قال و سعی أبو سفیان إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أخذ غرزه فقبله و قال (4) بأبی أنت و أمی أ ما تسمع ما یقول سعد إنه یقول:
الیوم یوم الملحمة*** الیوم تسبی الحرمة
فقال صلی اللّٰه علیه و آله لعلی علیه السلام أدركه فخذ الرایة منه و كن أنت الذی یدخل بها و أدخلها إدخالا رفیقا فأخذها علی علیه السلام و أدخلها كما أمر و لما دخل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مكة دخل صنادید قریش الكعبة و هم یظنون أن السیف لا یرفع عنهم فَأَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ وَقَفَ قَائِماً عَلَی بَابِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ (5) أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَ نَصَرَ عَبْدَهُ وَ هَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ (6) أَلَا إِنَّ كُلَّ مَالٍ وَ مَأْثُرَةٍ (7)
ص: 105
وَ دَمٍ یُدَّعَی تَحْتَ قَدَمَیَّ هَاتَیْنِ إِلَّا سَدَانَةَ الْكَعْبَةِ وَ سِقَایَةَ الْحَاجِّ فَإِنَّهُمَا مَرْدُودَتَانِ إِلَی أَهْلِیهِمَا أَلَا إِنَّ مَكَّةَ مُحَرَّمَةٌ بِتَحْرِیمِ اللَّهِ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِی وَ لَمْ تَحِلَّ لِی إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَ هِیَ مُحَرَّمَةٌ إِلَی أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ لَا یُخْتَلَی خَلَاهَا وَ لَا یُقْطَعُ شَجَرُهَا وَ لَا یُنَفَّرُ صَیْدُهَا وَ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ثُمَّ قَالَ أَلَا لَبِئْسَ جِیرَانُ النَّبِیِّ كُنْتُمْ لَقَدْ كَذَّبْتُمْ وَ طَرَدْتُمْ وَ أَخْرَجْتُمْ وَ آذَیْتُمْ ثُمَّ مَا رَضِیتُمْ حَتَّی جِئْتُمُونِی فِی بِلَادِی تُقَاتِلُونِی (1) اذْهَبُوا (2) فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ (3) فیخرج القوم فكأنما (4) أنشروا من القبور و دخلوا فی الإسلام و قد كان اللّٰه سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة و كانوا له فیئا فلذلك سمی أهل مكة الطلقاء و جاء ابن الزبعری إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أسلم و قال:
یا رسول الملیك (5) إن لسانی*** راتق ما فتقت (6) إذ أنا بور
إذ أباری الشیطان فی سنن الغی*** و من مال میله مبثور (7)
آمن اللحم و العظام لربی*** ثم نفسی (8) الشهید أنت النذیر (9)
وَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ الْفَتْحِ وَ حَوْلَ الْبَیْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتُّونَ صَنَماً فَجَعَلَ یَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِی یَدِهِ وَ یَقُولُ جاءَ الْحَقُّ وَ ما یُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما یُعِیدُ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.
وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ أَبَی أَنْ یَدْخُلَ الْبَیْتَ وَ فِیهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِیمَ وَ إِسْمَاعِیلَ وَ فِی أَیْدِیهِمَا الْأَزْلَامُ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ یَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ.
انتهی
ص: 106
كلام الطبرسی رحمه اللّٰه. و قال عبد الحمید بن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة لما حبس العباس أبا سفیان عند الجبل مرت به القبائل علی رایاتها فكان أول من مر به خالد بن الولید فی بنی سلیم و هم ألف لهم لواءان یحمل أحدهما العباس بن مرداس و آخر (1) حفاف بن ندیة و رایة یحملها المقداد فقال أبو سفیان یا أبا الفضل من هؤلاء قال بنو سلیم و علیهم خالد بن الولید قال الغلام قال نعم فلما حاذی خالد العباس و أبا سفیان كبر ثلاثا و كبروا (2) ثم مضوا و مر علی أثره الزبیر بن العوام فی خمسمائة منهم جماعة من المهاجرین و قوم من أفناء العرب (3) و معه رایة سوداء فلما حاذاهما كبر ثلاثا و كبر أصحابه فقال من هذا قال هذا الزبیر قال ابن أختك قال نعم ثم مرت بنو غفار فی ثلاثمائة یحمل رایتهم أبو ذر (4) فلما حاذوهما كبروا ثلاثا قال یا أبا الفضل من هؤلاء قال بنو غفار قال ما لی و لبنی غفار ثم مرت أسلم فی أربعمائة یحمل لوائها بریدة بن الحصیب و لواء آخر مع ناجیة بن الأعجم فلما حاذوه كبروا ثلاثا فسأل عنهم فقال هؤلاء أسلم فقال ما لی و لأسلم ما كان بیننا و بینهم ترة قط ثم مرت بنو كعب بن عمرو بن خزاعة فی خمسمائة یحمل رایتهم بشر بن سفیان (5) فقال من هؤلاء قال كعب بن عمرو قال نعم هؤلاء حلفاء محمد فلما حاذوه كبروا ثلاثا ثم مرت مزینة فی ألف فیها ثلاثة ألویة (6) مع النعمان بن مقرن و بلال بن الحارث و عبد اللّٰه بن عمرو فلما حاذوهما كبروا قال من هؤلاء قال مزینة قال ما لی و لمزینة قد جاءت (7) تقعقع من شواهقها ثم مرت جهینة فی ثمانمائة فیها
ص: 107
أربعة ألویة مع معبد بن خالد و سوید بن صخر و رافع بن مكتب (1) و عبد اللّٰه بن بدر فلما حاذوه كبروا ثلاثا فسأل عنهم فقیل جهینة ثم مرت بنو كنانة بنو لیث و ضمرة و سعد و بكر (2) فی مائتین یحمل لواءهم أبو واقد اللیثی فلما حاذوه (3) كبروا ثلاثا فقال من هؤلاء قال بنو بكر قال نعم هل أهل سوء (4) هؤلاء الذین غزانا محمد لأجلهم أما و اللّٰه ما شوورت فیهم و لا علمته و لقد كنت له كارها حیث بلغنی و لكنه أمر حتم (5) قال العباس لقد خار اللّٰه لك فی غزو محمد إیاكم دخلتم (6) فی الإسلام كافة (7) ثم مرت أشجع و هم ثلاثمائة یحمل لواءهم معقل بن سنان و لواء آخر مع نعیم بن مسعود فكبروا قال من هؤلاء قال أشجع فقال هؤلاء كانوا أشد العرب علی محمد قال العباس نعم و لكن اللّٰه أدخل الإسلام قلوبهم و ذلك من فضل اللّٰه فسكت فقال أ ما مر محمد بعد قال لا و لو رأیت الكتیبة التی هو فیها لرأیت الحدید و الخیل و الرجال و ما لیس لأحد به طاقة فلما طلعت كتیبة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الخضراء طلع سواد شدید و غبرة من سنابك الخیل و جعل الناس یمرون كل ذلك یقول أ ما مر محمد فیقول العباس لا حتی مر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یسیر علی ناقته القصواء بین أبی بكر و أسید بن حضیر و هو یحدثهما فقال له العباس هذا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی كتیبته الخضراء فانظر قال و كان فی تلك الكتیبة وجوه المهاجرین و الأنصار و فیها الألویة و الرایات و كلهم منغمسون فی الحدید لا یری منهم إلا الحدق و كان فی الكتیبة
ص: 108
ألفا درع (1) و رایة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مع سعد بن عبادة و هو أمام الكتیبة فلما حاذاهما سعد نادی یا أبا سفیان:
الیوم یوم الملحمة الیوم تستحل الحرمة
(2) الیوم أذل اللّٰه قریشا فلما حاذاهما رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ناداه أبو سفیان یا رسول اللّٰه أمرت بقتل قومك إن سعدا قال كذا و إنی أنشد اللّٰه فی قومك فأنت أبر الناس و أرحم الناس و أوصل الناس فقال عثمان و عبد الرحمن بن عوف یا رسول اللّٰه إنا لا نأمن سعدا أن یكون منه فی قریش صولة فوقف النبی صلی اللّٰه علیه و آله و ناداه یا أبا سفیان بل الیوم یوم الرحمة الیوم أعز اللّٰه قریشا و أرسل إلی سعد فعزله عن اللواء. (3)
بیان: الرفد بالكسر العطاء و الإرفاد الإعانة و الحلف بالكسر العهد بین القوم و الحلیف و الأتلد الأقدم و فی بعض الكتب بعد قوله میثاقك المؤكدا:
و زعموا أن لست تدعو أحدا*** فانصر هداك اللّٰه نصرا أیدا
و ادع عباد اللّٰه یأنوا مددا*** فیهم رسول اللّٰه قد تجردا
أبیض كالبدر ینمی أبدا*** إن سیم خسفا وجهه تربدا
قوله أیدا أی قویا ینمی یرتفع و یزداد و سامه خسفا أورد علیه ذلا تربد تغیر و فی القاموس نیق العقاب بالكسر موضع بین الحرمین و فی النهایة فی حدیث الفتح قال للعباس احبس أبا سفیان عند حطم الجبل هكذا جاءت فی كتاب أبی موسی و قال حطم الجبل الموضع الذی حطم منه أی ثلم فبقی منقطعا قال و یحتمل أن یرید عند مضیق الجبل حیث یزحم بعضهم بعضا
ص: 109
و رواه أبو نصر الحمیدی فی كتابه بالخاء المعجمة و فسرها فی غریبه فقال الخطم و الخطمة رعن الجبل و هو الأنف النادر منه و الذی جاء فی كتاب البخاری و هو الذی أخرج الحدیث فیما قرأناه و رأیناه من نسخ كتابه عند حطم الخیل هكذا مضبوطا فإن صحت الروایة به و لم یكن تحریفا من الكتبة فیكون معناه و اللّٰه أعلم أنه یحبسه فی الموضع المتضایق الذی یتحطم فیه الخیل أی یدوس بعضها بعضا و یزحم بعضها بعضا فیراها جمیعها و تكثر فی عینه بمرورها فی ذلك الموضع الضیق و كذلك أراد بحبسه عند خطم الجبل علی ما شرحه الحمیدی فإن الأنف النادر من الجبل یضیق الموضع الذی یخرج فیه.
و قال مر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی كتیبته الخضراء كتیبة خضراء إذا غلب علیها لبس الحدید شبه سواده بالخضرة و العرب تطلق الخضرة علی السواد و قال مآثر العرب مكارمها و مفاخرها التی تؤثر عنها أی تروی و تذكر تحت قدمی هاتین أراد خفاءها و إعدامها و إذلال أمر الجاهلیة و نقض سنتها و قال الخلی مقصورا النبات الرقیق ما دام رطبا و اختلاؤه قطعه انتهی.
و البور بالضم الهالك یستوی فیه الواحد و الكثیر و المذكر و المؤنث و المباراة المجاراة و المسابقة و الثبور الهلاك و الویل و الإهلاك.
«1»-أَقُولُ رَوَی السَّیِّدُ فِی سَعْدِ السُّعُودِ مِنْ تَفْسِیرِ الْكَلْبِیِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ وَجَدَ فِی الْحِجْرِ أَصْنَاماً مَصْفُوفَةً حَوْلَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتِّینَ صَنَماً صَنَمُ كُلِّ قَوْمٍ بِحِیَالِهِمْ وَ مَعَهُ مِخْصَرَةٌ بِیَدِهِ فَجَعَلَ یَأْتِی الصَّنَمَ فَیَطْعَنُ فِی عَیْنِهِ (1) أَوْ فِی بَطْنِهِ ثُمَّ یَقُولُ جاءَ الْحَقُّ یَقُولُ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَ زَهَقَ الْباطِلُ یَقُولُ وَ هَلَكَ الشِّرْكُ وَ أَهْلُهُ وَ الشَّیْطَانُ وَ أَهْلُهُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً یَقُولُ هَالِكاً فَجَعَلَ الصَّنَمُ یَنْكَبُّ لِوَجْهِهِ إِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِكَ فَجَعَلَ أَهْلُ مَكَّةَ یَتَعَجَّبُونَ وَ یَقُولُونَ فِیمَا بَیْنَهُمْ مَا رَأَیْنَا رَجُلًا أَسْحَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ (2).
ص: 110
«2»-كِتَابُ صِفَاتِ الشِّیعَةِ، لِلصَّدُوقِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الْحِمْیَرِیِّ (1) عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ قَامَ عَلَی الصَّفَا فَقَالَ یَا بَنِی هَاشِمٍ یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْكُمْ وَ إِنِّی شَفِیقٌ عَلَیْكُمْ لَا تَقُولُوا (2) إِنَّ مُحَمَّداً مِنَّا فَوَ اللَّهِ مَا أَوْلِیَائِی مِنْكُمْ وَ لَا مِنْ غَیْرِكُمْ إِلَّا الْمُتَّقُونَ فَلَا أَعْرِفُكُمْ (3) تَأْتُونِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ تَحْمِلُونَ الدُّنْیَا عَلَی رِقَابِكُمْ وَ یَأْتِی النَّاسُ یَحْمِلُونَ الْآخِرَةَ أَلَا وَ إِنِّی قَدْ أَعْذَرْتُ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ وَ فِیمَا بَیْنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ بَیْنَكُمْ وَ إِنَّ لِی عَمَلِی وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ (4).
«3»-د، العدد القویة فِی یَوْمِ الْعِشْرِینَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ (5).
«4»-ب، قرب الإسناد أَبُو الْبَخْتَرِیِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْبَیْتَ یَوْمَ الْفَتْحِ فَرَأَی فِیهِ صُورَتَیْنِ فَدَعَا بِثَوْبٍ فَبَلَّهُ فِی مَاءٍ ثُمَّ مَحَاهُمَا قَالَ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِقَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ وَ إِنْ وُجِدَ فِی جَوْفِ الْبَیْتِ وَ بِقَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ وَ قَتْلِ مِقْیَسِ بْنِ صُبَابَةَ (6) وَ بِقَتْلِ قرسا (فَرْتَنَا) (7) وَ أُمِّ سَارَةَ (8) قَالَ وَ كَانَتَا قَیْنَتَیْنِ تَزْنِیَانِ (9) وَ تُغَنِّیَانِ بِهِجَاءِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ تُحَضِّضَانِ یَوْمَ أُحُدٍ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (10).
ص: 111
«5»-فس، تفسیر القمی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ نَزَلَتْ فِی حَاطِبِ بْنِ أَبِی بَلْتَعَةَ وَ لَفْظُ الْآیَةِ عَامٌّ وَ مَعْنَاهُ خَاصٌّ وَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِی بَلْتَعَةَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَ هَاجَرَ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ كَانَ عِیَالُهُ بِمَكَّةَ وَ كَانَتْ قُرَیْشٌ یَخَافُ (1) [تَخَافُ أَنْ یَغْزُوَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَصَارُوا إِلَی عِیَالِ حَاطِبٍ وَ سَأَلُوهُمْ أَنْ یَكْتُبُوا إِلَی حَاطِبٍ یَسْأَلُوهُ عَنْ خَبَرِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله هَلْ (2) یُرِیدُ أَنْ یَغْزُوَ مَكَّةَ فَكَتَبُوا إِلَی حَاطِبٍ یَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَیْهِمْ حَاطِبٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُرِیدُ ذَلِكَ وَ دَفَعَ الْكِتَابَ إِلَی امْرَأَةٍ تُسَمَّی صَفِیَّةَ (3) فَوَضَعَتْهُ فِی قُرُونِهَا (4) وَ مَرَّتْ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ الزُّبَیْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فِی طَلَبِهَا فَلَحِقَاهَا (5) فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَیْنَ الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعِی شَیْ ءٌ فَفَتَّشَاهَا (6) فَلَمْ یَجِدَا (7) مَعَهَا شَیْئاً فَقَالَ الزُّبَیْرُ مَا نَرَی مَعَهَا شَیْئاً فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ اللَّهِ مَا كَذَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی جَبْرَئِیلَ علیه السلام وَ لَا كَذَبَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام عَلَی اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَ اللَّهِ لَتُظْهِرَنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَأُورِدَنَّ (8) رَأْسَكِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَتْ تَنَحَّیَا حَتَّی أُخْرِجَهُ فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ مِنْ قُرُونِهَا (9) فَأَخَذَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ جَاءَ بِهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ یَا حَاطِبُ مَا هَذَا فَقَالَ حَاطِبٌ وَ اللَّهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَافَقْتُ وَ لَا غَیَّرْتُ وَ لَا بَدَّلْتُ وَ إِنِّی أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقّاً وَ لَكِنْ أَهْلِی وَ عِیَالِی كَتَبُوا إِلَیَّ بِحُسْنِ صَنِیعِ قُرَیْشٍ إِلَیْهِمْ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُجَازِیَ قُرَیْشاً بِحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (10) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إِلَی قَوْلِهِ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَفْصِلُ بَیْنَكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ (11).
ص: 112
أقول: قد أوردنا نحوه بأسانید فی كتاب أحوال أمیر المؤمنین علیه السلام فی باب تنمره فی ذات اللّٰه.
روی فی كشف الغمة عن الواحدی أنه ذكر فی أسباب نزول القرآن نحوا من ذلك. (1) و روی فی الخرائج نحوه بأدنی تغییر فتركناها حذرا من زیادة التكرار.
«6»-فس، تفسیر القمی یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ إِلَی قَوْلِهِ تَعَالَی إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِی یَوْمِ (2) فَتْحِ مَكَّةَ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَعَدَ فِی الْمَسْجِدِ یُبَایِعُ الرِّجَالَ إِلَی صَلَاةِ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَعَدَ لِبَیْعَةِ النِّسَاءِ وَ أَخَذَ قَدَحاً مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَ یَدَهُ فِیهِ ثُمَّ قَالَ لِلنِّسَاءِ مَنْ أَرَادَ أَنْ تُبَایِعَ فَلْتُدْخِلْ یَدَهَا فِی الْقَدَحِ (3) فَإِنِّی لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ ثُمَّ قَرَأَ عَلَیْهِنَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْبَیْعَةِ عَلَیْهِنَّ فَقَالَ عَلی أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ فَقَامَتْ أُمُّ حَكِیمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الْمَعْرُوفُ الَّذِی أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ لَا نَعْصِیَكَ (4) فِیهِ فَقَالَ أَلَّا تَخْمِشْنَ (5) وَجْهاً وَ لَا تَلْطِمْنَ (6) خَدّاً وَ لَا تَنْتِفْنَ (7) شَعْراً وَ لَا تَمْزِقْنَ (8) جَیْباً وَ لَا تُسَوِّدْنَ (9) ثَوْباً وَ لَا تَدْعُونَ (10) بِالْوَیْلِ وَ الثُّبُورِ وَ لَا تُقِمْنَ (11) عِنْدَ قَبْرٍ فَبَایَعَهُنَّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی (12) هَذِهِ الشُّرُوطِ (13).
ص: 113
«7»-فس، تفسیر القمی وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِیراً فَإِنَّهَا نَزَلَتْ یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دُخُولَهَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَ قُلْ یَا مُحَمَّدُ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِیراً أَیْ مُعِیناً (1) وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (2) فَارْتَجَّتْ مَكَّةُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (3).
«8»-فس، تفسیر القمی وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی أُمَیَّةَ أَخِ (4) أُمِّ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهَا وَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی فَتْحِ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَ (5) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی أُمَیَّةَ فَسَلَّمَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمْ یَرُدَّ عَلَیْهِ السَّلَامَ فَأَعْرَضَ (6) عَنْهُ وَ لَمْ یُجِبْهُ بِشَیْ ءٍ وَ كَانَتْ أُخْتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَدَخَلَ إِلَیْهَا فَقَالَ یَا أُخْتِی إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ قَبِلَ إِسْلَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَ رَدَّ إِسْلَامِی فَلَیْسَ یَقْبَلُنِی كَمَا قَبِلَ غَیْرِی فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی أُمِّ سَلَمَةَ (7) قَالَتْ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِدَ بِكَ جَمِیعُ النَّاسِ إِلَّا أَخِی مِنْ بَیْنِ قُرَیْشٍ وَ الْعَرَبِ رَدَدْتَ إِسْلَامَهُ وَ قَبِلْتَ إِسْلَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ (8) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّ أَخَاكِ كَذَّبَنِی تَكْذِیباً لَمْ یُكَذِّبْنِی أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ هُوَ الَّذِی قَالَ لِی لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً إِلَی قَوْلِهِ كِتاباً نَقْرَؤُهُ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَمْ تَقُلْ إِنَّ الْإِسْلَامَ یَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ قَالَ نَعَمْ
ص: 114
فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِسْلَامَهُ (1).
بیان: قال الجزری فیه الإسلام یجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها أی یقطعان و یمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصی و الذنوب.
«9»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ عَلِیٍّ الدِّعْبِلِیِّ عَنْ أَبِی عَلِیِّ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَلِیِّ بْنِ رَزِینٍ عَنْ أَبِیهِ رَزِینِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِیهِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِیهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَیْلِ بْنِ وَرْقَاءَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِی بُدَیْلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِیَّ یَقُولُ لَمَّا كَانَ یَوْمُ الْفَتْحِ وَقَّفَنِی الْعَبَّاسُ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا یَوْمٌ قَدْ شَرَّفْتَ فِیهِ قَوْماً فَمَا بَالُ خَالِكَ بُدَیْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَ هُوَ قَعِیدُ حَیِّهِ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله احْسِرْ عَنْ حَاجِبَیْكَ یَا بُدَیْلُ فَحَسَرْتُ عَنْهُمَا وَ حَدَرْتُ لِثَامِی فَرَأَی سَوَاداً بِعَارِضِی فَقَالَ كَمْ سِنُوكَ یَا بُدَیْلُ فَقُلْتُ سَبْعٌ وَ تِسْعُونَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَبَسَّمَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ زَادَكَ اللَّهُ جَمَالًا وَ سَوَاداً وَ أَمْتَعَكَ وَ وُلْدَكَ لَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ نَیَّفَ عَلَی السِّتِّینَ وَ قَدْ أَسْرَعَ الشَّیْبُ فِیهِ ارْكَبْ جَمَلَكَ هَذَا الْأَوْرَقَ وَ نَادِ فِی النَّاسِ إِنَّهَا أَیَّامُ أَكْلٍ وَ شَرْبٍ وَ كُنْتُ جَهِیراً فَرَأَیْتُنِی بَیْنَ خِیَامِهِمْ وَ أَنَا أَقُولُ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ لَكُمْ إِنَّهَا أَیَّامُ أَكْلٍ وَ شَرْبٍ وَ هِیَ لُغَةُ خُزَاعَةَ یَعْنِی الِاجْتِمَاعَ وَ مِنْ هَاهُنَا قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فَشَارِبُونَ شَرْبَ الْهِیمِ (2).
بیان: و هو قعید حیه أی قاعد فی قبیلته یجالسهم و لا ینهض لأمر قال الجوهری القعید المقاعد و الجراد الذی لم یستو جناحه بعد و قال قال الأصمعی الأورق من الإبل الذی فی لونه بیاض إلی سواد.
قوله یعنی الاجتماع لم أعرف لهذا الكلام معنی و لعله سقط قوله و بعال كما فی سائر الروایات و الاجتماع تفسیر له لكن قوله و من هاهنا قرأ یدل
ص: 115
علی أنه تفسیر للشرب و لم أر الشرب بهذا المعنی (1) و أما القراءة فلم أعثر إلا علی قراءة شُرْبَ بالضم مصدرا و بالفتح جمع شارب ثم المشهور أن هذا النداء كان فی حجة الوداع لا عام الفتح قال الجزری فی حدیث التشریق إنها أیام أكل و شرب و بعال البعال النكاح و ملاعبة الرجل أهله و المباعلة المباشرة.
«10»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی ابْنُ الصَّلْتِ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّحَّانِ عَنْ هَارُونَ بْنِ عِیسَی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیهم السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَافَرَ إِلَی بَدْرٍ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ افْتَتَحَ مَكَّةَ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ (2).
«11»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی ابْنُ الصَّلْتِ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ثَبِیرِ (3) بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنِ الرِّضَا (4) علیه السلام قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَ الْأَصْنَامُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَ كَانَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّینَ صَنَماً فَجَعَلَ یَطْعَنُهَا بِمِخْصَرَةٍ فِی یَدِهِ وَ یَقُولُ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاءَ الْحَقُّ وَ ما یُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما یُعِیدُ فَجَعَلَتْ تَكُبُّ (5) لِوَجْهِهَا (6).
«12»-قب، المناقب لابن شهرآشوب تَفْسِیرُ الثَّعْلَبِیِّ وَ الْقُشَیْرِیِّ وَ الْوَاحِدِیِّ وَ الْقَزْوِینِیِّ وَ مَعَانِی الزَّجَّاجِ وَ مُسْنَدُ الْمَوْصِلِیِّ وَ أَسْبَابُ نُزُولِ الْقُرْآنِ عَنِ الْوَاحِدِیِّ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ یَوْمَ الْفَتْحِ غَلَّقَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِی طَلْحَةَ (7) الْعَبْدِیُّ بَابَ الْبَیْتِ وَ صَعِدَ السَّطْحَ فَطَلَبَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِفْتَاحَ مِنْهُ فَقَالَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أَمْنَعْهُ فَصَعِدَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام السَّطْحَ وَ لَوَی یَدَهُ وَ أَخَذَ الْمِفْتَاحَ مِنْهُ وَ فَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْبَیْتَ فَصَلَّی فِیهِ رَكْعَتَیْنِ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلَهُ الْعَبَّاسُ أَنْ یُعْطِیَهُ الْمِفْتَاحَ
ص: 116
فَنَزَلَ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها فَأَمَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَرُدَّ الْمِفْتَاحَ إِلَی عُثْمَانَ وَ یَعْتَذِرَ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ یَا عَلِیُّ أَكْرَهْتَ وَ أدیت (آذَیْتَ )(1) ثُمَّ جِئْتَ بِرِفْقٍ قَالَ لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِی شَأْنِكَ وَ قَرَأَ عَلَیْهِ الْآیَةَ فَأَسْلَمَ عُثْمَانُ فَأَقَرَّهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی یَدِهِ (2).
«13»-ل، الخصال أَبِی عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْأَصْفَهَانِیِّ عَنِ الْمِنْقَرِیِّ عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ أَبِیهِ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ یَسْبِ لِأَهْلِهَا ذُرِّیَّةً وَ قَالَ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ وَ أَلْقَی سِلَاحَهُ أَوْ دَخَلَ دَارَ أَبِی سُفْیَانَ فَهُوَ آمِنٌ الْخَبَرَ (3).
«14»-ف، تحف العقول عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام قَالَ: كَانَتْ مُبَایَعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله النِّسَاءَ أَنْ یَغْمِسَ یَدَهُ فِی إِنَاءٍ فِیهِ مَاءٌ ثُمَّ یُخْرِجَهَا فَتَغْمِسَ النِّسَاءُ أَیْدِیَهُنَّ فِی ذَلِكَ الْإِنَاءِ بِالْإِقْرَارِ وَ الْإِیمَانِ بِاللَّهِ وَ التَّصْدِیقِ بِرَسُولِهِ عَلَی مَا أَخَذَ عَلَیْهِنَّ (4).
«15»-شا، الإرشاد یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ كَانَ فِی الْمَسْجِدِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتُّونَ صَنَماً وَ قَالَ بَعْضُهَا (5) فِیمَا یَزْعُمُونَ مَشْدُودٌ بِبَعْضِهَا بِالرَّصَاصِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَفّاً مِنْ حَصًی فَرَمَاهَا (6) فِی عَامِ الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ (7) جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فَمَا بَقِیَ فِیهَا (8) صَنَمٌ إِلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَطُرِحَتْ (9) فَكُسِرَتْ (10).
ص: 117
«16»-یج، الخرائج و الجرائح فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِلَالًا فَصَعِدَ عَلَی الْكَعْبَةِ فَقَالَ عِكْرِمَةُ أَكْرَهُ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَ أَبِی رَبَاحٍ یَنْهَقُ عَلَی الْكَعْبَةِ وَ حَمِدَ خَالِدُ بْنُ أَسِیدٍ أَنَّ أَبَا عَتَّابٍ تُوُفِّیَ وَ لَمْ یَرَ ذَلِكَ وَ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ لَا أَقُولُ شَیْئاً لَوْ نَطَقْتُ لَظَنَنْتُ أَنَّ هَذِهِ الْجُدُرَ سَتُخْبِرُ بِهِ مُحَمَّداً فَبَعَثَ إِلَیْهِمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأُتِیَ بِهِمْ فَقَالَ عَتَّابٌ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ نَتُوبُ إِلَیْهِ قَدْ وَ اللَّهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْنَا فَأَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُ فَوَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ.
«17»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله خَرَجَ قَاصِداً مَكَّةَ فِی عَشَرَةِ آلَافٍ (1) مِنَ الْمُسْلِمِینَ فَلَمْ یَشْعُرْ أَهْلُ مَكَّةَ حَتَّی نَزَلَ تَحْتَ الْعَقَبَةِ وَ كَانَ أَبُو سُفْیَانَ وَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ خَرَجَا إِلَی الْعَقَبَةِ یَتَجَسَّسَانِ خَبَراً وَ نَظَرَا إِلَی النِّیرَانِ فَاسْتَعْظَمَا فَلَمَّا یَعْلَمَا لِمَنِ النِّیرَانُ وَ كَانَ الْعَبَّاسُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُسْتَقْبِلًا إِلَی الْمَدِینَةِ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَعَهُ وَ الصَّحِیحُ أَنَّهُ مُنْذُ یَوْمِ بَدْرٍ كَانَ بِالْمَدِینَةِ فَلَمَّا نَزَلَ تَحْتَ الْعَقَبَةِ رَكِبَ الْعَبَّاسُ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ صَارَ إِلَی الْعَقَبَةِ طَمَعاً أَنْ یَجِدَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَنْ یُنْذِرُهُمْ إِذْ سَمِعَ كَلَامَ أَبِی سُفْیَانَ یَقُولُ لِعِكْرِمَةَ مَا هَذِهِ النِّیرَانُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ یَا أَبَا سُفْیَانَ نَعَمْ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ مَا تَرَی أَنْ أَصْنَعَ قَالَ تَرْكَبُ خَلْفِی فَأَصِیرُ بِكَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَآخُذُ لَكَ الْأَمَانَ قَالَ وَ تَرَاهُ یُؤْمِنُنِی قَالَ نَعَمْ فَإِنَّهُ إِذَا سَأَلْتُهُ شَیْئاً لَمْ یَرُدَّنِی فَرَكِبَ أَبُو سُفْیَانَ خَلْفَهُ فَانْصَرَفَ (2) عِكْرِمَةُ إِلَی مَكَّةَ فَصَارَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ الْعَبَّاسُ هَذَا أَبُو سُفْیَانَ صَارَ مَعِی إِلَیْكَ فَتُؤْمِنُهُ بِسَبَبِی فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله أَسْلِمْ تَسْلَمْ یَا أَبَا سُفْیَانَ فَقَالَ یَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَكْرَمَكَ وَ أَحْلَمَكَ قَالَ أَسْلِمْ تَسْلَمْ قَالَ مَا أَكْرَمَكَ وَ أَحْلَمَكَ قَالَ أَسْلِمْ تَسْلَمْ فَوَكَزَهُ الْعَبَّاسُ وَ قَالَ وَیْلَكَ إِنْ قَالَهَا الرَّابِعَةَ وَ لَمْ تُسْلِمْ قَتَلَكَ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله خُذْهُ یَا عَمِّ إِلَی خَیْمَتِكَ وَ كَانَتْ قَرِیبَةً فَلَمَّا جَلَسَ فِی الْخَیْمَةِ نَدِمَ عَلَی مَجِیئِهِ مَعَ الْعَبَّاسِ وَ قَالَ فِی نَفْسِهِ مَنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ أَنَا جِئْتُ فَأَعْطَیْتُ بِیَدِی وَ لَوْ كُنْتُ انْصَرَفْتُ
ص: 118
إِلَی مَكَّةَ فَجَمَعْتُ الْأَحَابِیشَ وَ غَیْرَهُمْ فَلَعَلِّی كُنْتُ أَهْزِمُهُ فَنَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ خَیْمَتِهِ فَقَالَ إِذاً كَانَ اللَّهُ یُخْزِیكَ فَجَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ یُرِیدُ أَبُو سُفْیَانَ أَنْ یَجِیئَكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَاتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ أَ لَمْ یَأْنِ أَنْ تُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ قُلْ وَ إِلَّا فَیَقْتُلُكَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَحِكَ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ رُدَّهُ إِلَی عِنْدِكَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِنَّ أَبَا سُفْیَانَ یُحِبُّ الشَّرَفَ فَشَرِّفْهُ فَقَالَ مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَ مَنْ أَلْقَی سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَلَمَّا صَلَّی بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ خُذْهُ إِلَی رَأْسِ الْعَقَبَةِ فَأَقْعِدْهُ هُنَاكَ لِیَرَاهُ النَّاسُ (1) جُنُودُ اللَّهِ وَ یَرَاهَا فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ مَا أَعْظَمَ مُلْكَ ابْنِ أَخِیكَ قَالَ الْعَبَّاسُ یَا أَبَا سُفْیَانَ هِیَ نُبُوَّةٌ قَالَ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَقَدَّمْ إِلَی مَكَّةَ فَأَعْلِمْهُمْ بِالْأَمَانِ فَلَمَّا دَخَلَهَا قَالَتْ هِنْدٌ اقْتُلُوا هَذَا الشَّیْخَ الضَّالَّ فَدَخَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ وَ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَصَعِدَ عَلَی ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَأَذَّنَ فَمَا بَقِیَ صَنَمٌ بِمَكَّةَ إِلَّا سَقَطَ عَلَی وَجْهِهِ فَلَمَّا سَمِعَ وُجُوهُ قُرَیْشٍ الْأَذَانَ قَالَ بَعْضُهُمْ فِی نَفْسِهِ الدُّخُولُ فِی بَطْنِ الْأَرْضِ خَیْرٌ (2) مِنْ سَمَاعِ هَذَا وَ قَالَ آخَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ (3) الَّذِی لَمْ یَعِشْ وَالِدِی إِلَی هَذَا الْیَوْمِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَا فُلَانُ قَدْ قُلْتَ فِی نَفْسِكَ كَذَا وَ یَا فُلَانُ قُلْتَ فِی نَفْسِكَ كَذَا فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّی لَمْ أَقُلْ شَیْئاً قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِی فَإِنَّهُمْ لَا یَعْلَمُونَ (4).
«18»-شا، الإرشاد مِنْ مَنَاقِبِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا أَرَادَ فَتْحَ مَكَّةَ سَأَلَ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ أَنْ یُعَمِّیَ أَخْبَارَهُ عَلَی قُرَیْشٍ لِیَدْخُلَهَا بَغْتَةً وَ كَانَ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ بَنَی الْأَمْرَ فِی مَسِیرِهِ إِلَیْهَا عَلَی الِاسْتِسْرَارِ بِذَلِكَ فَكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِی بَلْتَعَةَ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ یُخْبِرُهُمْ بِعَزِیمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی فَتْحِهَا وَ أَعْطَی الْكِتَابَ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ وَرَدَتِ الْمَدِینَةَ تَسْتَمِیحُ (5) النَّاسَ وَ تَسْتَبِرُّهُمْ وَ جَعَلَ لَهَا جُعْلًا أَنْ تُوصِلَهُ إِلَی قَوْمٍ سَمَّاهُمْ لَهَا
ص: 119
مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَ أَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ عَلَی غَیْرِ الطَّرِیقِ فَنَزَلَ الْوَحْیُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِذَلِكَ فَاسْتَدْعَی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ قَالَ لَهُ إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِی قَدْ كَتَبَ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ یُخْبِرُهُمْ بِخَبَرِنَا وَ قَدْ كُنْتُ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ یُعَمِّیَ أَخْبَارَنَا عَلَیْهِمْ وَ الْكِتَابُ مَعَ امْرَأَةٍ سَوْدَاءَ قَدْ أَخَذَتْ عَلَی غَیْرِ الطَّرِیقِ فَخُذْ سَیْفَكَ وَ الْحَقْهَا وَ انْتَزِعِ الْكِتَابَ مِنْهَا وَ خَلِّهَا وَ صِرْ بِهِ إِلَیَّ ثُمَّ اسْتَدْعَی الزُّبَیْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَ قَالَ لَهُ امْضِ مَعَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فِی هَذَا الْوَجْهِ فَمَضَیَا وَ أَخَذَا عَلَی غَیْرِ الطَّرِیقِ فَأَدْرَكَا الْمَرْأَةَ فَسَبَقَ إِلَیْهَا الزُّبَیْرُ فَسَأَلَهَا عَنِ الْكِتَابِ الَّذِی مَعَهَا فَأَنْكَرَتْ (1) وَ حَلَفَتْ أَنَّهُ لَا شَیْ ءَ مَعَهَا وَ بَكَتْ فَقَالَ الزُّبَیْرُ مَا أَرَی یَا أَبَا الْحَسَنِ مَعَهَا كِتَاباً فَارْجِعْ بِنَا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نُخْبِرْهُ (2) بِبَرَاءَةِ سَاحَتِهَا فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یُخْبِرُنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّ مَعَهَا كِتَاباً وَ یَأْمُرُنِی بِأَخْذِهِ مِنْهَا وَ تَقُولُ أَنْتَ إِنَّهُ لَا كِتَابَ مَعَهَا ثُمَّ اخْتَرَطَ السَّیْفَ وَ تَقَدَّمَ إِلَیْهَا فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُخْرِجِی الْكِتَابَ لَأَكْشِفَنَّكِ ثُمَّ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكِ فَقَالَتْ (3) إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَعْرِضْ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ بِوَجْهِكَ عَنِّی فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ عَنْهَا فَكَشَفَتْ قِنَاعَهَا وَ أَخْرَجَتِ الْكِتَابَ مِنْ عَقِیصَتِهَا (4) فَأَخَذَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ صَارَ بِهِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَمَرَ أَنْ یُنَادَی الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَنُودِیَ فِی النَّاسِ فَاجْتَمَعُوا إِلَی الْمَسْجِدِ حَتَّی امْتَلَأَ بِهِمْ ثُمَّ صَعِدَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی (5) الْمِنْبَرِ وَ أَخَذَ الْكِتَابَ بِیَدِهِ وَ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی كُنْتُ سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ یُخْفِیَ أَخْبَارَنَا (6) عَنْ قُرَیْشٍ وَ إِنَّ رَجُلًا مِنْكُمْ كَتَبَ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ یُخْبِرُهُمْ بِخَبَرِنَا فَلْیَقُمْ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَ إِلَّا فَضَحَهُ الْوَحْیُ فَلَمْ یَقُمْ أَحَدٌ فَأَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَقَالَتَهُ ثَانِیَةً وَ قَالَ لِیَقُمْ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَ إِلَّا فَضَحَهُ الْوَحْیُ فَقَامَ حَاطِبُ بْنُ أَبِی بَلْتَعَةَ وَ هُوَ یُرْعَدُ كَالسَّعَفَةِ فِی
ص: 120
یَوْمِ الرِّیحِ الْعَاصِفِ فَقَالَ أَنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَ مَا أَحْدَثْتُ نِفَاقاً بَعْدَ إِسْلَامِی وَ لَا شَكّاً بَعْدَ یَقِینِی فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَمَا الَّذِی حَمَلَكَ عَلَی أَنْ كَتَبْتَ هَذَا الْكِتَابَ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِی أَهْلًا بِمَكَّةَ وَ لَیْسَ لِی بِهَا عَشِیرَةٌ فَأَشْفَقْتُ أَنْ تَكُونَ دَائِرَةٌ لَهُمْ عَلَیْنَا فَیَكُونُ كِتَابِی هَذَا كَفّاً لَهُمْ عَنْ أَهْلِی وَ یَداً لِی عِنْدَهُمْ وَ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ لِلشَّكِّ (1) فِی الدِّینِ فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِی بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ (2) مُنَافِقٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَی اطَّلَعَ عَلَیْهِمْ فَغَفَرَ لَهُمْ أَخْرِجُوهُ مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ فَجَعَلَ النَّاسُ یَدْفَعُونَ فِی ظَهْرِهِ حَتَّی أَخْرَجُوهُ وَ هُوَ یَلْتَفِتُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله لِیَرِقَّ عَلَیْهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِرَدِّهِ وَ قَالَ لَهُ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ وَ عَنْ جُرْمِكَ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ وَ لَا تَعُدْ بِمِثْلِ مَا جَنَیْتَ (3).
«19»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ الْفَتْحُ فِی سَنَةِ ثَمَانٍ وَ بَرَاءَةُ فِی سَنَةِ تِسْعٍ وَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِی سَنَةِ عَشْرٍ (4).
«20»-م، تفسیر الإمام علیه السلام قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ یُذْكَرَ فِیهَا اسْمُهُ وَ سَعی فِی خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ یَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِینَ لَهُمْ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ (5) قَالَ الْإِمَامُ قَالَ الْحَسَنُ (6) بْنُ عَلِیٍّ علیهما السلام لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله بِمَكَّةَ وَ أَظْهَرَ بِهَا دَعْوَتَهُ وَ نَشَرَ بِهَا كَلِمَتَهُ وَ عَابَ أَعْیَانَهُمْ (7) فِی عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ وَ أَخَذُوهُ وَ أَسَاءُوا مُعَاشَرَتَهُ وَ سَعَوْا فِی خَرَابِ الْمَسَاجِدِ الْمَبْنِیَّةِ كَانَتْ لِلْقَوْمِ (8) مِنْ خِیَارِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَ شِیعَةِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام كَانَ بِفِنَاءِ
ص: 121
الْكَعْبَةِ مَسَاجِدُ یُحْیُونَ فِیهَا مَا أَمَاتَهُ الْمُبْطِلُونَ فَسَعَی هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِی خَرَابِهَا وَ أَذَی (1) مُحَمَّدٍ وَ أَصْحَابِهِ (2) وَ إِلْجَائِهِ إِلَی الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ نَحْوَ الْمَدِینَةِ الْتَفَتَ خَلْفَهُ إِلَیْهَا وَ قَالَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَنَّنِی (3) أُحِبُّكِ وَ لَوْ لَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِی عَنْكِ لَمَا آثَرْتُ عَلَیْكِ بَلَداً وَ لَا ابْتَغَیْتُ عَلَیْكِ بَدَلًا (4) وَ إِنِّی لَمُغْتَمٌّ عَلَی مُفَارَقَتِكِ فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِ یَا مُحَمَّدُ الْعَلِیُّ الْأَعْلَی یَقْرَأُ (5) عَلَیْكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ سَنَرُدُّكَ إِلَی هَذَا الْبَلَدِ ظَافِراً غَانِماً سَالِماً قَادِراً قَاهِراً وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلی مَعادٍ یَعْنِی إِلَی مَكَّةَ غَانِماً ظَافِراً فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَصْحَابَهُ فَاتَّصَلَ بِأَهْلِ مَكَّةَ فَسَخِرُوا مِنْهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَی لِرَسُولِهِ سَوْفَ یُظْفِرُكَ اللَّهُ بِمَكَّةَ (6) وَ یَجْرِی عَلَیْهِمْ حُكْمِی وَ سَوْفَ أَمْنَعُ عَنْ دُخُولِهَا الْمُشْرِكِینَ حَتَّی لَا یَدْخُلُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا خَائِفاً أَوْ دَخَلَهَا مُسْتَخْفِیاً مِنْ أَنَّهُ إِنْ عُثِرَ عَلَیْهِ قُتِلَ فَلَمَّا حُتِمَ قَضَاءُ اللَّهِ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَ اسْتَوْسَقَتْ لَهُ أَمَّرَ عَلَیْهِمْ عَتَّابَ بْنَ أَسِیدٍ فَلَمَّا اتَّصَلَ بِهِمْ خَبَرُهُ قَالُوا إِنَّ مُحَمَّداً لَا یَزَالُ یَسْتَخِفُّ بِنَا حَتَّی وَلَّی عَلَیْنَا غُلَاماً حَدَثَ السِّنِّ ابْنَ ثَمَانِیَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ نَحْنُ مَشَایِخُ ذوی (ذَوُو) الْأَسْنَانِ (7) وَ جِیرَانُ حَرَمِ اللَّهِ الْأَمْنِ (8) وَ خَیْرِ بُقْعَةٍ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ وَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَتَّابِ بْنِ أَسِیدٍ عَهْداً عَلَی مَكَّةَ (9) وَ كَتَبَ فِی أَوَّلِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی جِیرَانِ بَیْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَ سُكَّانِ حَرَمِ اللَّهِ أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِاللَّهِ مُؤْمِناً وَ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِهِ فِی أَقْوَالِهِ مُصَدِّقاً وَ فِی أَفْعَالِهِ مُصَوِّباً وَ لِعَلِیٍّ أَخِی مُحَمَّدٍ رَسُولِهِ وَ نَبِیِّهِ وَ صَفِیِّهِ وَ وَصِیِّهِ وَ خَیْرِ خَلْقِ اللَّهِ (10) بَعْدَهُ مُوَالِیاً فَهُوَ مِنَّا وَ
ص: 122
إِلَیْنَا وَ مَنْ كَانَ لِذَلِكَ أَوْ لِشَیْ ءٍ مِنْهُ مُخَالِفاً فَسُحْقاً وَ بُعْداً لِأَصْحابِ السَّعِیرِ لَا یَقْبَلُ اللَّهُ شَیْئاً مِنْ أَعْمَالِهِ وَ إِنْ عَظُمَ وَ كَبُرَ (1) یُصْلِیهِ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً (2) مُخَلَّداً أَبَداً وَ قَدْ قَلَّدَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَتَّابَ بْنَ أَسِیدٍ أَحْكَامَكُمْ وَ مَصَالِحَكُمْ وَ قَدْ فَوَّضَ إِلَیْهِ تَنْبِیهَ غَافِلِكُمْ وَ تَعْلِیمَ جَاهِلِكُمْ وَ تَقْوِیمَ أَوَدِ (3) مُضْطَرِبِكُمْ وَ تَأْدِیبَ مَنْ زَالَ عَنْ أَدَبِ اللَّهِ مِنْكُمْ لِمَا عَلِمَ مِنْ فَضْلِهِ عَلَیْكُمْ مِنْ مُوَالاةِ (4) مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مِنْ رُجْحَانِهِ فِی التَّعَصُّبِ لِعَلِیٍّ وَلِیِّ اللَّهِ فَهُوَ لَنَا خَادِمٌ وَ فِی اللَّهِ أَخٌ وَ لِأَوْلِیَائِنَا مُوَالٍ وَ لِأَعْدَائِنَا مُعَادٍ وَ هُوَ لَكُمْ سَمَاءٌ ظَلِیلَةٌ وَ أَرْضٌ زَكِیَّةٌ وَ شَمْسٌ مُضِیئَةٌ (5) قَدْ فَضَّلَهُ اللَّهُ عَلَی كَافَّتِكُمْ بِفَضْلِ مُوَالاتِهِ وَ مَحَبَّتِهِ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِیٍّ وَ الطَّیِّبِینَ مِنْ آلِهِمَا وَ حَكَّمَهُ (6) عَلَیْكُمْ یَعْمَلُ بِمَا یُرِیدُ اللَّهُ فَلَنْ یُخْلِیَهُ مِنْ تَوْفِیقِهِ كَمَا أَكْمَلَ مِنْ مُوَالاةِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِیٍّ علیهما السلام شَرَفَهُ وَ حَظَّهُ لَا یُؤَامِرُ رَسُولَ اللَّهِ وَ لَا یُطَالِعُهُ (7) بَلْ هُوَ السَّدِیدُ الْأَمِینُ فَلْیَطْمَعِ الْمُطِیعُ مِنْكُمْ بِحُسْنِ مُعَامَلَتِهِ شَرِیفَ الْجَزَاءِ وَ عَظِیمَ الْحِبَاءِ وَ لْیَتَوَقَّی الْمُخَالِفُ لَهُ شَدِیدَ الْعَذَابِ (8) وَ غَضَبَ الْمَلِكِ الْعَزِیزِ الْغَلَّابِ (9) وَ لَا یَحْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِنْكُمْ فِی (10) مُخَالَفَتِهِ بِصِغَرِ سِنِّهِ فَلَیْسَ الْأَكْبَرُ هُوَ الْأَفْضَلَ بَلِ الْأَفْضَلُ هُوَ الْأَكْبَرُ وَ هُوَ الْأَكْبَرُ فِی مُوَالاتِنَا وَ مُوَالاةِ أَوْلِیَائِنَا وَ مُعَادَاةِ أَعْدَائِنَا فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُ الْأَمِیرَ عَلَیْكُمْ وَ الرَّئِیسَ عَلَیْكُمْ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَمَرْحباً بِهِ وَ مَنْ خَالَفَهُ فَلَا یُبَعِّدِ اللَّهُ غَیْرَهُ قَالَ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَیْهِمْ عَتَّابٌ وَ قَرَأَ عَهْدَهُ وَ وَقَفَ فِیهِمْ مَوْقِفاً ظَاهِراً نَادَی فِی جَمَاعَتِهِمْ حَتَّی حَضَرُوهُ وَ قَالَ لَهُمْ مَعَاشِرَ أَهْلِ مَكَّةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَمَانِی بِكُمْ
ص: 123
شِهَاباً مُحْرِقاً لِمُنَافِقِكُمْ (1) وَ رَحْمَةً وَ بَرَكَةً عَلَی مُؤْمِنِكُمْ (2) وَ إِنِّی أَعْلَمُ النَّاسِ بِكُمْ وَ بِمُنَافِقِكُمْ (3) وَ سَوْفَ آمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ فَیُقَامُ (4) بِهَا ثُمَّ أَتَخَلَّفُ (5) أُرَاعِی النَّاسَ فَمَنْ وَجَدْتُهُ قَدْ لَزِمَ الْجَمَاعَةَ الْتَزَمْتُ لَهُ حَقَّ الْمُؤْمِنِ عَلَی الْمُؤْمِنِ وَ مَنْ وَجَدْتُهُ قَدْ بَعُدَ عَنْهَا فَتَّشْتُهُ (6) فَإِنْ وَجَدْتُ لَهُ عُذْراً عَذَرْتُهُ (7) وَ إِنْ لَمْ أَجِدْ لَهُ عُذْراً ضَرَبْتُ عُنُقَهُ حُكْماً (8) مِنَ اللَّهِ مَقْضِیّاً عَلَی كَافَّتِكُمْ لِأُطَهِّرَ حَرَمَ اللَّهِ مِنَ الْمُنَافِقِینَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الصِّدْقَ أَمَانَةٌ وَ الْفُجُورَ خِیَانَةٌ وَ لَنْ تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی قَوْمٍ إِلَّا ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ قَوِیُّكُمْ عِنْدِی ضَعِیفٌ حَتَّی آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ وَ ضَعِیفُكُمْ عِنْدِی (9) قَوِیٌّ حَتَّی آخُذَ الْحَقَّ لَهُ اتَّقُوا اللَّهَ وَ شَرِّفُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ أَنْفُسَكُمْ وَ لَا تُذِلُّوهَا بِمُخَالَفَةِ رَبِّكُمْ فَفَعَلَ وَ اللَّهِ كَمَا قَالَ وَ عَدَلَ وَ أَنْصَفَ وَ أَنْفَذَ الْأَحْكَامَ مُهْتَدِیاً بِهُدَی اللَّهِ غَیْرَ مُحْتَاجٍ إِلَی مُؤَامَرَةٍ وَ لَا مُرَاجَعَةٍ (10).
«21»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ ابْنِ أَبِی یَعْفُورٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا (11) قَالَ لَمَّا كَانَ یَوْمُ الْفَتْحِ أَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَصْنَاماً مِنَ الْمَسْجِدِ وَ كَانَ مِنْهَا صَنَمٌ عَلَی الْمَرْوَةِ وَ طَلَبَتْ إِلَیْهِ قُرَیْشٌ أَنْ یَتْرُكَهُ وَ كَانَ اسْتَحْیَا فَهَمَّ بِتَرْكِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِكَسْرِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ (12).
«22»-عم، إعلام الوری كانت غزوة الفتح فی شهر رمضان من سنة ثمان و ذلك أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لما صالح قریشا عام الحدیبیة دخلت خزاعة فی حلف النبی صلی اللّٰه علیه و آله و عهده و دخلت كنانة فی حلف قریش فلما مضت سنتان من القضیة قعد رجل من كنانة
ص: 124
یروی هجاء رسول اللّٰه فقال له رجل من خزاعة لا تذكر هذا (1) قال و ما أنت و ذاك فقال لئن أعدت لأكسرن فاك فأعادها فرفع الخزاعی یده فضرب بها فاه فاستنصر الكنانی قومه و الخزاعی قومه و كانت كنانة أكثر فضربوهم حتی أدخلوهم الحرم و قتلوا منهم و أعانهم قریش بالكراع و السلاح فركب عمرو بن سالم إلی رسول اللّٰه فخبره الخبر و قال أبیات شعر منها:
لا هم إنی ناشد محمدا*** حلف أبینا و أبیه الأتلدا
إن قریشا أخلفوك الموعدا*** و نقضوا میثاقك المؤكدا
و قتلونا ركعا و سجدا
فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حسبك یا عمرو ثم قام فدخل دار میمونة و قال اسكبوا لی ماء فجعل یغتسل و یقول لا نصرت إن لم أنصر بنی كعب ثم أجمع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی المسیر إلی مكة و قال اللّٰهم خذ العیون عن قریش حتی نأتیها فی بلادها فكتب حاطب بن أبی بلتعة مع سارة مولاة أبی لهب إلی قریش أن رسول اللّٰه خارج إلیكم یوم كذا و كذا فخرجت و تركت الطریق ثم أخذت ذات الیسار فی الحرة فنزل جبرئیل علیه السلام فأخبره فدعا علیا علیه السلام و الزبیر فقال لهما أدركاها و خذا منها الكتاب فخرج علی و الزبیر لا یلقیان أحدا حتی وردا ذا الحلیفة و كان النبی صلی اللّٰه علیه و آله وضع حرسا علی المدینة و كان علی الحرس حارثة بن النعمان فأتیا الحرس فسألاهم فقالوا ما مر بنا أحد ثم استقبلا حطابا فسألاه فقال رأیت امرأة سوداء انحدرت من الحرة فأدركاها فأخذ علی منها الكتاب و ردها إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال فدعا حاطبا فقال له انظر ما صنعت قال أما و اللّٰه إنی لمؤمن باللّٰه و رسوله ما شككت و لكنی رجل لیس لی بمكة عشیرة (2) و لی بها أهل فأردت أن أتخذ عندهم یدا لیحفظونی فیهم فقال عمر بن الخطاب دعنی یا رسول اللّٰه أضرب عنقه فو اللّٰه لقد نافق فقال صلی اللّٰه علیه و آله إنه من أهل بدر و لعل اللّٰه اطلع علیهم
ص: 125
فغفر لهم أخرجوه من المسجد فجعل الناس یدفعون فی ظهره و هو یلتفت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لیرق علیه فأمر صلی اللّٰه علیه و آله برده و قال قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربك و لا تعدل لمثل ما جنیت فأنزل اللّٰه سبحانه یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ إلی صدر السورة.
قَالَ أَبَانٌ وَ حَدَّثَنِی عِیسَی بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّیٌّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا انْتَهَی الْخَبَرُ إِلَی أَبِی سُفْیَانَ وَ هُوَ بِالشَّامِ بِمَا صَنَعَتْ قُرَیْشٌ بِخُزَاعَةَ أَقْبَلَ (1) حَتَّی دَخَلَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ احْقُنْ دَمَ قَوْمِكَ وَ أَجِرْ بَیْنَ قُرَیْشٍ (2) وَ زِدْنَا فِی الْمُدَّةِ قَالَ أَ غَدَرْتُمْ یَا بَا سُفْیَانَ قَالَ لَا قَالَ فَنَحْنُ عَلَی مَا كُنَّا عَلَیْهِ فَخَرَجَ فَلَقِیَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ یَا أَبَا بَكْرٍ أَجِرْ بَیْنَ قُرَیْشٍ قَالَ وَیْحَكَ وَ أَحَدٌ یُجِیرُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ لَقِیَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَی أُمِّ حَبِیبَةَ فَذَهَبَ لِیَجْلِسَ عَلَی الْفِرَاشِ فَأَهْوَتْ إِلَی الْفِرَاشِ فَطَوَتْهُ فَقَالَ یَا بُنَیَّةِ أَ رَغْبَةً بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنِّی قَالَتْ نَعَمْ هَذَا فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا كُنْتَ لِتَجْلِسَ عَلَیْهِ وَ أَنْتَ رِجْسٌ مُشْرِكٌ ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَی فَاطِمَةَ علیها السلام فَقَالَ یَا بِنْتَ سَیِّدِ الْعَرَبِ تُجِیرِینَ بَیْنَ قُرَیْشٍ وَ تَزِیدِینَ فِی الْمُدَّةِ فَتَكُونِینَ أَكْرَمَ سَیِّدَةٍ فِی النَّاسِ قَالَتْ جِوَارِی فِی جِوَارِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَتَأْمُرِینَ ابْنَیْكِ أَنْ یُجِیرَا بَیْنَ النَّاسِ قَالَتْ وَ اللَّهِ مَا یَدْرِی ابْنَایَ مَا یُجِیرَانِ مِنْ قُرَیْشٍ فَخَرَجَ فَلَقِیَ عَلِیّاً علیه السلام فَقَالَ أَنْتَ أَمَسُّ الْقَوْمِ بِی رَحِماً وَ قَدِ اعْتَسَرَتْ عَلَیَّ الْأُمُورُ فَاجْعَلْ لِی مِنْهَا وَجْهاً قَالَ أَنْتَ شَیْخُ قُرَیْشٍ تَقُومُ عَلَی بَابِ الْمَسْجِدِ فَتُجِیرُ بَیْنَ قُرَیْشٍ ثُمَّ تَقْعُدُ عَلَی رَاحِلَتِكَ وَ تَلْحَقُ بِقَوْمِكَ (3) قَالَ وَ هَلْ تَرَی ذَلِكَ نَافِعِی قَالَ لَا أَدْرِی فَقَالَ یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی قَدْ أَجَرْتُ بَیْنَ قُرَیْشٍ (4) ثُمَّ رَكِبَ بَعِیرَهُ وَ انْطَلَقَ فَقَدِمَ عَلَی قُرَیْشٍ فَقَالُوا مَا وَرَاكَ قَالَ جِئْتُ
ص: 126
مُحَمَّداً فَكَلَّمْتُهُ فَوَ اللَّهِ مَا رَدَّ عَلَیَّ شَیْئاً ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ أَبِی قُحَافَةَ فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ خَیْراً ثُمَّ جِئْتُ إِلَی ابْنِ الْخَطَّابِ فَكَانَ كَذَلِكَ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَی فَاطِمَةَ فَلَمْ تُجِبْنِی ثُمَّ لَقِیتُ عَلِیّاً فَأَمَرَنِی أَنْ أُجِیرَ بَیْنَ النَّاسِ فَفَعَلْتُ قَالُوا هَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ قَالَ لَا قَالُوا وَیْحَكَ لَعِبَ بِكَ الرَّجُلُ أَ وَ أَنْتَ تُجِیرُ بَیْنَ قُرَیْشٍ.
قَالَ وَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ الْجُمُعَةِ حِینَ صَلَّی الْعَصْرَ لِلَیْلَتَیْنِ مَضَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَاسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَ دَعَا رَئِیسَ كُلِّ قَوْمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ یَأْتِیَ قَوْمَهُ فَیَسْتَنْفِرَهُمْ.
قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَصَامَ وَ صَامَ النَّاسُ حَتَّی نَزَلَ كُرَاعَ الْغَمِیمِ فَأَمَرَ بِالْإِفْطَارِ فَأَفْطَرَ وَ أَفْطَرَ النَّاسُ وَ صَامَ قَوْمٌ فَسُمُّوا الْعُصَاةَ لِأَنَّهُمْ صَامُوا ثُمَّ سَارَ علیه السلام حَتَّی نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ وَ مَعَهُ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ رَجُلٍ وَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ فَارِسٍ وَ قَدْ عَمِیَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ قُرَیْشٍ فَخَرَجَ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ أَبُو سُفْیَانَ وَ حَكِیمُ بْنُ حِزَامٍ وَ بُدَیْلُ بْنُ وَرْقَاءَ هَلْ یَسْمَعُونَ خَبَراً وَ قَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَرَجَ یَتَلَقَّی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَعَهُ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی أُمَیَّةَ وَ قَدْ تَلَقَّاهُ بِثَنِیَّةِ الْعِقَابِ.
وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی قُبَّتِهِ وَ عَلَی حَرَسِهِ یَوْمَئِذٍ زِیَادُ بْنُ أَسِیدٍ فَاسْتَقْبَلَهُمْ زِیَادٌ فَقَالَ أَمَّا أَنْتَ یَا أَبَا الْفَضْلِ فَامْضِ إِلَی الْقِبْلَةِ وَ أَمَّا أَنْتُمَا فَارْجِعَا فَمَضَی الْعَبَّاسُ حَتَّی دَخَلَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَسَلَّمَ عَلَیْهِ وَ قَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی هَذَا ابْنُ عَمِّكَ قَدْ جَاءَ تَائِباً وَ ابْنُ عَمَّتِكَ قَالَ لَا حَاجَةَ لِی فِیهِمَا إِنَّ ابْنَ عَمِّی انْتَهَكَ عِرْضِی وَ أَمَّا ابْنُ عَمَّتِی فَهُوَ الَّذِی یَقُولُ بِمَكَّةَ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً فَلَمَّا خَرَجَ الْعَبَّاسُ كَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ وَ قَالَتْ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی ابْنُ عَمِّكَ قَدْ جَاءَ تَائِباً لَا یَكُونُ أَشْقَی النَّاسِ بِكَ وَ أَخِی ابْنُ عَمَّتِكَ وَ صِهْرُكَ فَلَا یَكُونَنَّ شَقِیّاً بِكَ وَ نَادَی أَبُو سُفْیَانَ بْنُ الْحَارِثِ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله كُنْ (1) لَنَا كَمَا
ص: 127
قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ لا تَثْرِیبَ عَلَیْكُمُ فَدَعَاهُ وَ قَبِلَ مِنْهُ وَ دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِی أُمَیَّةَ فَقَبِلَ مِنْهُ.
وَ قَالَ الْعَبَّاسُ هُوَ وَ اللَّهِ هَلَاكُ قُرَیْشٍ إِلَی آخِرِ الدَّهْرِ إِنْ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْوَةً قَالَ فَرَكِبْتُ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْبَیْضَاءَ وَ خَرَجْتُ أَطْلُبُ الْحَطَّابَةَ أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ لَعَلِّی آمُرُهُ أَنْ یَأْتِیَ قُرَیْشاً فَیَرْكَبُونَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَسْتَأْمِنُونَ إِلَیْهِ إِذْ لَقِیتُ أَبَا سُفْیَانَ وَ بُدَیْلَ بْنَ وَرْقَاءَ وَ حَكِیمَ بْنَ حِزَامٍ وَ أَبُو سُفْیَانَ یَقُولُ لِبُدَیْلٍ مَا هَذِهِ النِّیرَانُ قَالَ هَذِهِ خُزَاعَةُ قَالَ خُزَاعَةُ أَقَلُّ وَ أَقَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِیرَانُهُمْ وَ لَكِنْ لَعَلَّ هَذِهِ تَمِیمٌ أَوْ رَبِیعَةُ قَالَ الْعَبَّاسُ فَعَرَفْتُ صَوْتَ أَبِی سُفْیَانَ فَقُلْتُ أَبَا حَنْظَلَةَ قَالَ لَبَّیْكَ فَمَنْ أَنْتَ قُلْتُ أَنَا الْعَبَّاسُ قَالَ فَمَا هَذِهِ النِّیرَانُ فِدَاكَ أَبِی وَ أُمِّی قُلْتُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ فِی عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ قَالَ فَمَا الْحِیلَةُ قَالَ تَرْكَبُ فِی عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ فَأَسْتَأْمِنُ لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ فَأَرْدَفْتُهُ خَلْفِی ثُمَّ جِئْتُ بِهِ فَكُلَّمَا انْتَهَیْتُ إِلَی نَارٍ قَامُوا إِلَیَّ فَإِذَا رَأَوْنِی قَالُوا هَذَا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَلُّوا سَبِیلَهُ حَتَّی انْتَهَیْتُ إِلَی بَابِ عُمَرَ فَعَرَفَ أَبَا سُفْیَانَ فَقَالَ عَدُوُّ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَمْكَنَ مِنْكَ فَرَكَضْتُ الْبَغْلَةَ حَتَّی اجْتَمَعْنَا عَلَی بَابِ الْقُبَّةِ وَ دَخَلَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ هَذَا أَبُو سُفْیَانَ قَدْ أَمْكَنَكَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَیْرِ عَهْدٍ وَ لَا عَقْدٍ فَدَعْنِی أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ الْعَبَّاسُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقُلْتُ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی أَبُو سُفْیَانَ وَ قَدْ أَجَرْتُهُ قَالَ أَدْخِلْهُ فَدَخَلَ فَقَامَ (1) بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ وَیْحَكَ (2) یَا بَا سُفْیَانَ أَ مَا آنَ لَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ قَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی مَا أَكْرَمَكَ وَ أَوْصَلَكَ وَ أَحْلَمَكَ أَمَّا اللَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ لَأَغْنَی یَوْمَ بَدْرٍ وَ یَوْمَ أُحُدٍ وَ أَمَّا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ إِنَّ فِی نَفْسِی مِنْهَا لَشَیْئاً قَالَ الْعَبَّاسُ یَضْرِبُ وَ اللَّهِ عُنُقَكَ السَّاعَةَ (3) أَوْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ
ص: 128
فَإِنِّی أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ (1) تَلَجْلَجَ بِهَا فُوهُ (2) فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ لِلْعَبَّاسِ فَمَا نَصْنَعُ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّی فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اسْلَحْ (3) عَلَیْهِمَا قَالَ أَبُو سُفْیَانَ أُفٍّ لَكَ مَا أَفْحَشَكَ مَا یُدْخِلُكَ یَا عُمَرُ فِی كَلَامِی وَ كَلَامِ ابْنِ عَمِّی فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ مَنْ تَكُونُ اللَّیْلَةَ قَالَ عِنْدَ أَبِی الْفَضْلِ قَالَ فَاذْهَبْ بِهِ یَا أَبَا الْفَضْلِ فَأَبِتْهُ عِنْدَكَ اللَّیْلَةَ وَ اغْدُ بِهِ عَلَیَّ فَلَمَّا أَصْبَحَ سَمِعَ بِلَالًا یُؤَذِّنُ قَالَ مَا هَذَا الْمُنَادِی یَا أَبَا الْفَضْلِ قَالَ هَذَا مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ قُمْ فَتَوَضَّ (4) وَ صَلِّ قَالَ كَیْفَ أَتَوَضَّأُ فَعَلَّمَهُ قَالَ وَ نَظَرَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ یَتَوَضَّأُ وَ أَیْدِی الْمُسْلِمِینَ تَحْتَ شَعْرِهِ فَلَیْسَ قَطْرَةٌ یُصِیبُ (5) رَجُلًا مِنْهُمْ إِلَّا مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ فَقَالَ بِاللَّهِ إِنْ رَأَیْتُ كَالْیَوْمِ قَطُّ كِسْرَی وَ لَا قَیْصَرَ فَلَمَّا صَلَّی غَدَا بِهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِی إِلَی قَوْمِكَ فَأُنْذِرَهُمْ وَ أَدْعُوَهُمْ إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ كَیْفَ أَقُولُ لَهُمْ بَیِّنْ لِی مِنْ ذَلِكَ أَمْراً یَطْمَئِنُّون إِلَیْهِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله تَقُولُ لَهُمْ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ وَ شَهِدَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ كَفَّ یَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَ وَضَعَ سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ الْعَبَّاسُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْیَانَ رَجُلٌ یُحِبُّ الْفَخْرَ فَلَوْ خَصَصْتَهُ بِمَعْرُوفٍ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِی سُفْیَانَ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ دَارِی قَالَ دَارُكَ ثُمَّ قَالَ وَ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
وَ لَمَّا مَضَی أَبُو سُفْیَانَ قَالَ الْعَبَّاسُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْیَانَ رَجُلٌ مِنْ شَأْنِهِ الْغَدْرُ وَ قَدْ رَأَی مِنَ الْمُسْلِمِینَ تَفَرُّقاً قَالَ فَأَدْرِكْهُ وَ احْبِسْهُ فِی مَضَایِقِ الْوَادِی حَتَّی یَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ قَالَ فَلَحِقَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ أَبَا حَنْظَلَةَ قَالَ أَ غَدْراً یَا بَنِی هَاشِمٍ قَالَ سَتَعْلَمُ أَنَّ الْغَدْرَ لَیْسَ مِنْ شَأْنِنَا وَ لَكِنْ أَصْبِحْ حَتَّی تَنْظُرَ إِلَی جُنُودِ
ص: 129
اللَّهِ قَالَ الْعَبَّاسُ فَمَرَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لَا وَ لَكِنْ هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فِی الْمُقَدِّمَةِ ثُمَّ مَرَّ الزُّبَیْرُ فِی جُهَیْنَةَ وَ أَشْجَعَ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ یَا عَبَّاسُ هَذَا مُحَمَّدٌ قَالَ لَا هَذَا الزُّبَیْرُ فَجَعَلَتِ الْجُنُودُ تَمُرُّ بِهِ حَتَّی مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْأَنْصَارِ ثُمَّ انْتَهَی إِلَیْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِیَدِهِ رَایَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا بَا حَنْظَلَةَ:
الْیَوْمُ یَوْمُ الْمَلْحَمَةِ*** الْیَوْمُ تُسْبَی الْحُرَمَةُ.
یَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ ثَارُكُمْ یَوْمَ الْجَبَلِ فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْ سَعْدٍ خَلَّی الْعَبَّاسَ وَ سَعَی إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ زَاحَمَ (1) حَتَّی مَرَّ تَحْتَ الرِّمَاحِ فَأَخَذَ غَرْزَهُ فَقَبَّلَهَا ثُمَّ قَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی أَ مَا تَسْمَعُ مَا یَقُولُ سَعْدٌ وَ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله لَیْسَ مِمَّا قَالَ سَعْدٌ شَیْ ءٌ.
ثُمَّ قَالَ لِعَلِیٍّ علیه السلام أَدْرِكْ سَعْداً فَخُذِ الرَّایَةَ مِنْهُ وَ أَدْخِلْهَا إِدْخَالًا رَفِیقاً فَأَخَذَهَا عَلِیٌّ وَ أَدْخَلَهَا كَمَا أَمَرَ. (2) قَالَ وَ أَسْلَمَ یَوْمَئِذٍ حَكِیمُ بْنُ حِزَامٍ وَ بُدَیْلُ بْنُ وَرْقَاءَ وَ جُبَیْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَ أَقْبَلَ أَبُو سُفْیَانَ یَرْكُضُ حَتَّی دَخَلَ مَكَّةَ وَ قَدْ سَطَحَ الْغُبَارُ مِنْ فَوْقِ الْجِبَالِ وَ قُرَیْشٌ لَا تَعْلَمُ وَ أَقْبَلَ أَبُو سُفْیَانَ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِی یَرْكُضُ فَاسْتَقْبَلَهُ قُرَیْشٌ وَ قَالُوا مَا وَرَاكَ وَ مَا هَذَا الْغُبَارُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِی خَلْقٍ ثُمَّ صَاحَ یَا آلَ غَالِبٍ الْبُیُوتَ الْبُیُوتَ مَنْ دَخَلَ دَارِی فَهُوَ آمِنٌ فَعَرَفَتْ هِنْدٌ فَأَخَذَتْ تَطْرُدُهُمْ ثُمَّ قَالَتْ اقْتُلُوا الشَّیْخَ الْخَبِیثَ لَعَنَهُ اللَّهُ مِنْ وَافِدِ قَوْمٍ (3) وَ طَلِیعَةِ قَوْمٍ قَالَ وَیْلَكِ إِنِّی رَأَیْتُ ذَاتَ الْقُرُونِ وَ رَأَیْتُ فَارِسَ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ وَ رَأَیْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ وَ فِتْیَانَ حِمْیَرٍ یُسْلِمْنَ (4) آخِرَ النَّهَارِ وَیْلَكِ
ص: 130
اسْكُتِی فَقَدْ وَ اللَّهِ جَاءَ الْحَقُّ وَ دَنَتِ الْبَلِیَّةُ.
قَالَ وَ كَانَ قَدْ عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمُسْلِمِینَ أَنْ لَا یَقْتُلُوا بِمَكَّةَ إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ سِوَی نَفَرٍ كَانُوا یُؤْذُونَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْهُمْ مِقْیَسُ بْنُ صُبَابَةَ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ وَ قینتین (قَیْنَتَانِ) كَانَتَا تُغَنِّیَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ اقْتُلُوهُمْ وَ إِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِینَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَأُدْرِكَ ابْنُ خَطَلٍ وَ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَیْهِ سَعِیدُ بْنُ حُرَیْثٍ وَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِیدٌ عَمَّاراً فَقَتَلَهُ وَ قُتِلَ مِقْیَسُ بْنُ صُبَابَةَ فِی السُّوقِ وَ قَتَلَ عَلِیٌّ علیه السلام إِحْدَی الْقَیْنَتَیْنِ وَ أَفْلَتَتِ الْأُخْرَی وَ قَتَلَ علیه السلام أَیْضاً الْحُوَیْرِثَ بْنَ نُفَیْلِ بْنِ كَعْبٍ (1) وَ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ (2) بِنْتَ أَبِی طَالِبٍ قَدْ آوَتْ نَاساً مِنْ بَنِی مَخْزُومٍ مِنْهُمُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَ قَیْسُ بْنُ السَّائِبِ (3) فَقَصَدَ نَحْوَ دَارِهَا مُقَنَّعاً بِالْحَدِیدِ فَنَادَی أَخْرِجُوا مَنْ آوَیْتُمْ فَجَعَلُوا یَذْرِقُونَ كَمَا یَذْرِقُ الْحُبَارَی خَوْفاً مِنْهُ فَخَرَجَتْ إِلَیْهِ أُمُّ هَانِئٍ وَ هِیَ لَا تَعْرِفُهُ فَقَالَتْ یَا عَبْدَ اللَّهِ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ وَ أُخْتُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ انْصَرِفْ عَنْ دَارِی فَقَالَ عَلِیٌّ أَخْرِجُوهُمْ فَقَالَتْ وَ اللَّهِ لَأَشْكُوَنَّكَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ فَنَزَعَ الْمِغْفَرَ عَنْ رَأْسِهِ فَعَرَفَتْهُ فَجَاءَتْ تَشْتَدُّ حَتَّی الْتَزَمَتْهُ فَقَالَتْ فَدَیْتُكَ حَلَفْتُ لَأَشْكُوَنَّكَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهَا فَاذْهَبِی فَبَرِّی قَسَمَكِ فَإِنَّهُ بِأَعْلَی الْوَادِی قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ فَجِئْتُ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ فِی قُبَّةٍ یَغْتَسِلُ وَ فَاطِمَةُ علیها السلام یستره (تَسْتُرُهُ) فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَلَامِی قَالَ مَرْحَباً بِكِ یَا أُمَّ هَانِئٍ قُلْتُ بِأَبِی وَ أُمِّی مَا لَقِیتُ مِنْ عَلِیٍّ الْیَوْمَ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أَجَرْتُ مَنْ أَجَرْتِ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ إِنَّمَا جِئْتِ یَا أُمَّ هَانِئٍ تَشْكِینَ عَلِیّاً (4) فِی أَنَّهُ أَخَافَ أَعْدَاءَ اللَّهِ وَ أَعْدَاءَ رَسُولِهِ
ص: 131
فَقُلْتُ احْتَمِلِینِی فَدَیْتُكِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ شَكَرَ اللَّهُ تَعَالَی سَعْیَهُ وَ أَجَرْتُ مَنْ أَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ لِمَكَانِهَا مِنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ.
قَالَ أَبَانٌ وَ حَدَّثَنِی بَشِیرٌ النَّبَّالُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عِنْدَ مَنِ الْمِفْتَاحُ قَالُوا عِنْدَ أُمِّ شَیْبَةَ فَدَعَا شَیْبَةَ فَقَالَ اذْهَبْ إِلَی أُمِّكَ فَقُلْ لَهَا تُرْسِلْ بِالْمِفْتَاحِ فَقَالَتْ قُلْ لَهُ قَتَلْتَ مُقَاتِلَنَا وَ تُرِیدُ أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا مَكْرُمَتَنَا فَقَالَ لَتُرْسِلِنَّ بِهِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكِ فَوَضَعَتْهُ فِی یَدِ الْغُلَامِ فَأَخَذَهُ وَ دَعَا عُمَرَ فَقَالَ لَهُ هَذَا تَأْوِیلُ رُؤْیَایَ مِنْ قَبْلُ.
ثُمَّ قَامَ صلی اللّٰه علیه و آله فَفَتَحَهُ وَ سَتَرَهُ فَمِنْ یَوْمِئِذٍ یُسْتَرُ ثُمَّ دَعَا الْغُلَامَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ فَجَعَلَ فِیهِ الْمِفْتَاحَ وَ قَالَ رُدَّهُ إِلَی أُمِّكَ قَالَ وَ دَخَلَ صَنَادِیدُ قُرَیْشٍ الْكَعْبَةَ وَ هُمْ یَظُنُّونَ أَنَّ السَّیْفَ لَا یُرْفَعُ عَنْهُمْ فَأَتَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْبَیْتَ وَ أَخَذَ بِعِضَادَتَیِ (1) الْبَابِ ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَ نَصَرَ عَبْدَهُ وَ غَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ مَا تَظُنُّونَ وَ مَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ فَقَالَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو نَقُولُ خَیْراً وَ نَظُنُّ خَیْراً أَخٌ كَرِیمٌ وَ ابْنُ عَمٍّ قَالَ فَإِنِّی أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ أَخِی یُوسُفُ لا تَثْرِیبَ عَلَیْكُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ وَ مَالٍ وَ مَأْثُرَةٍ كَانَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَیَّ إِلَّا سِدَانَةَ (2) الْكَعْبَةِ وَ سِقَایَةَ الْحَاجِّ فَإِنَّهُمَا مَرْدُودَتَانِ إِلَی أَهْلِیهِمَا أَلَا إِنَّ مَكَّةَ مُحَرَّمَةٌ بِتَحْرِیمِ اللَّهِ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِی وَ لَمْ تَحِلَّ لِی إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهِیَ مُحَرَّمَةٌ إِلَی أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ لَا یُخْتَلَی خَلَاهَا وَ لَا یُقْطَعُ شَجَرُهَا وَ لَا یُنَفَّرُ صَیْدُهَا وَ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ثُمَّ قَالَ أَلَا لَبِئْسَ جِیرَانُ النَّبِیِّ كُنْتُمْ لَقَدْ كَذَّبْتُمْ وَ طَرَدْتُمْ وَ أَخْرَجْتُمْ وَ فَلَلْتُمْ ثُمَّ مَا رَضِیتُمْ حَتَّی جِئْتُمُونِی فِی بِلَادِی تُقَاتِلُونِی فَاذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ فَخَرَجَ الْقَوْمُ كَأَنَّمَا أُنْشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ وَ دَخَلُوا فِی الْإِسْلَامِ.
قَالَ وَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ بِغَیْرِ إِحْرَامٍ وَ عَلَیْهِمُ السِّلَاحُ وَ دَخَلَ
ص: 132
الْبَیْتَ لَمْ یَدْخُلْهُ فِی حَجٍّ وَ لَا عُمْرَةٍ وَ دَخَلَ وَقْتَ الظُّهْرِ (1) فَأَمَرَ بِلَالًا فَصَعِدَ عَلَی الْكَعْبَةِ وَ أَذَّنَ فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَكْرَهُ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَ ابْنِ رِیَاحٍ یَنْهَقُ عَلَی الْكَعْبَةِ وَ قَالَ خَالِدُ بْنُ أَسِیدٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَكْرَمَ أَبَا عَتَّابٍ مِنْ هَذَا الْیَوْمِ أَنْ یَرَی ابْنَ رِیَاحٍ قَائِماً عَلَی الْكَعْبَةِ قَالَ سُهَیْلٌ هِیَ كَعْبَةُ اللَّهِ وَ هُوَ یَرَی وَ لَوْ شَاءَ لَغَیَّرَ قَالَ وَ كَانَ أَقْصَدَهُمْ (2) وَ قَالَ أَبُو سُفْیَانَ أَمَّا أَنَا فَلَا أَقُولُ شَیْئاً وَ اللَّهِ لَوْ نَطَقْتُ لَظَنَنْتُ أَنَّ هَذِهِ الْجُدُرَ تُخْبِرُ بِهِ مُحَمَّداً وَ بَعَثَ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَیْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالُوا فَقَالَ عَتَّابٌ قَدْ وَ اللَّهِ قُلْنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ ذَلِكَ فَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ نَتُوبُ إِلَیْهِ فَأَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَ وَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ قَالَ وَ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ دَخَلُوا فِی أَسْفَلِ مَكَّةَ وَ أَخْطَئُوا الطَّرِیقَ فَقُتِلُوا. (3).
أقول: ذكر المفید رحمه اللّٰه فی الإرشاد أكثر تلك (4) القصص بأدنی تغییر (5) تركناها حذرا من التكرار.
بیان: إلی صدر السورة أی إلی آخر الآیات من أول السورة و الصدر أیضا الطائفة من الشی ء و لكن أصبح أی أصبر حتی یتنور الصبح و الإصباح الدخول فی الصباح و یطلق علی الإسفار قال الراغب الصباح أول النهار و هو وقت ما احمر الأفق بحاجب الشمس قوله ثاركم یوم الجبل أی اطلبوا دماءكم التی أریقت یوم أحد و الغرز بالفتح ركاب من جلد و الذرق بالذال و الزای بمعنی و الحباری معروف بالحمق و الجبن و فی المصباح احتملت ما كان منه بمعنی العفو و الإغضاء و الفل الكسر و الضرب و فل الجیش هزمه فقال عتاب أی معتذرا عن أخیه و یحتمل أن یكون هو أیضا قال شیئا.
ص: 133
«23»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ بَایَعَ الرِّجَالَ ثُمَّ جَاءَهُ النِّسَاءُ یُبَایِعْنَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ عَلی أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ فَقَالَتْ هِنْدٌ أَمَّا الْوُلْدَ فَقَدْ رَبَّیْنَا صِغَاراً وَ قَتَلْتَهُمْ (1) كِبَاراً وَ قَالَتْ أُمُّ حَكِیمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَ كَانَتْ عِنْدَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِی جَهْلٍ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ الَّذِی أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ لَا نَعْصِیَكَ فِیهِ فَقَالَ لَا تَلْطِمْنَ خَدّاً وَ لَا تَخْمِشْنَ وَجْهاً وَ لَا تَنْتِفْنَ شَعْراً وَ لَا تَشْقُقْنَ جَیْباً وَ لَا تُسَوِّدْنَ ثَوْباً وَ لَا تَدْعِینَ بِوَیْلٍ فَبَایَعَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی هَذَا فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ كَیْفَ نُبَایِعُكَ قَالَ إِنَّنِی لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَ یَدَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَقَالَ أَدْخِلْنَ أَیْدِیَكُنَّ فِی هَذَا الْمَاءِ فَهِیَ الْبَیْعَةُ (2).
كا، الكافی علی عن أبیه عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام مثله (3).
«24»-كا، الكافی أَبُو عَلِیٍّ الْأَشْعَرِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَ تَدْرِی كَیْفَ بَایَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله النِّسَاءَ قُلْتُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ قَالَ جَمَعَهُنَّ حَوْلَهُ ثُمَّ دَعَا بِتَوْرِ بِرَامٍ فَصَبَّ فِیهِ نَضُوحاً ثُمَّ غَمَسَ یَدَهُ فِیهِ ثُمَّ قَالَ اسْمَعْنَ یَا هَؤُلَاءِ أُبَایِعُكُنَّ عَلَی أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لَا تَسْرِقْنَ وَ لَا تَزْنِینَ وَ لَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ وَ لَا تَأْتِینَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیكُنَّ وَ أَرْجُلِكُنَّ وَ لَا تَعْصِینَ بُعُولَتَكُنَّ فِی مَعْرُوفٍ أَقْرَرْتُنَّ قُلْنَ نَعَمْ فَأَخْرَجَ یَدَهُ مِنَ التَّوْرِ ثُمَّ قَالَ لَهُنَّ اغْمِسْنَ أَیْدِیَكُنَّ فَفَعَلْنَ فَكَانَتْ یَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الطَّاهِرَةُ أَطْیَبَ مِنْ أَنْ یَمَسَّ بِهَا كَفَّ أُنْثَی لَیْسَتْ لَهُ بِمَحْرَمٍ (4).
بیان: التور إناء من صُفْر أو حجارة كالإِجَّانة ذكره الجزریُّ و قال
ص: 134
البُرْمة القِدْر مطلقا و جمعها بِرَام و هی فی الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز و الیمن و قال النضوح بالفتح ضرب من الطیب.
«25»-كا، الكافی عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ یُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ضُرِبَتْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَیْمَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ شَعْرٍ بِالْأَبْطَحِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَیْهِ الْمَاءَ مِنْ جَفْنَةٍ یُرَی فِیهَا أَثَرُ الْعَجِینِ ثُمَّ تَحَرَّی الْقِبْلَةَ ضُحًی فَرَكَعَ ثَمَانِیَ رَكَعَاتٍ لَمْ یَرْكَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَبْلَ ذَلِكَ وَ لَا بَعْدُ (1).
«26»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِیزٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ یَوْمَ افْتَتَحَهَا فَتَحَ بَابَ الْكَعْبَةِ فَأَمَرَ بِصُوَرٍ فِی الْكَعْبَةِ فَطُمِسَتْ ثُمَّ أَخَذَ بِعِضَادَتَیِ الْبَابِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَ نَصَرَ عَبْدَهُ وَ هَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ مَا ذَا تَقُولُونَ وَ مَا ذَا تَظُنُّونَ قَالُوا نَظُنُّ خَیْراً وَ نَقُولُ خَیْراً أَخٌ كَرِیمٌ وَ ابْنُ أَخٍ كَرِیمٍ وَ قَدْ قَدَرْتَ قَالَ فَإِنِّی أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِی یُوسُفُ لا تَثْرِیبَ عَلَیْكُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ أَلَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ مَكَّةَ یَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فَهِیَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ لَا یُنَفَّرُ صَیْدُهَا وَ لَا یُعْضَدُ شَجَرُهَا وَ لَا یُخْتَلَی خَلَاهَا وَ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِلْقَبْرِ وَ الْبُیُوتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا الْإِذْخِرَ (2).
بیان: الطموس الدروس و الانمحاء و عضادتا الباب هما خشبتاه من جانبیه و التثریب التعییر و العضد القطع و الخلی مقصورا النبات الرقیق ما دام رطبا و اختلاؤه قطعه و إنشاد الضالة تعریفها.
«27»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِنَ
ص: 135
اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ یَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ هِیَ حَرَامٌ إِلَی أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ قَبْلِی وَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِی وَ لَمْ تَحِلَّ (1) لِی إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ (2).
«28»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ الْقَاسَانِیِّ جَمِیعاً عَنِ الْأَصْفَهَانِیِّ عَنِ الْمِنْقَرِیِّ عَنْ فُضَیْلِ بْنِ عِیَاضٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ یَسْبِ لَهُمْ ذُرِّیَّةً وَ قَالَ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَ مَنْ أَلْقَی سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ (3).
«29»- یب، تهذیب الأحكام الطَّاطَرِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ لَا تُصَلِّ الْمَكْتُوبَةَ فِی جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمْ یَدْخُلْهَا فِی حَجٍّ وَ لَا عُمْرَةٍ وَ لَكِنْ دَخَلَهَا فِی فَتْحِ مَكَّةَ فَصَلَّی فِیهَا رَكْعَتَیْنِ بَیْنَ الْعَمُودَیْنِ وَ مَعَهُ أُسَامَةُ (4).
«30»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم أَبُو الْقَاسِمِ الْعَلَوِیُّ مُعَنْعَناً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ قَالَ قَدِمَتْ سَارَةُ مَوْلَاةُ بَنِی هَاشِمٍ إِلَی الْمَدِینَةِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ إِنِّی مَوْلَاتُكُمْ وَ قَدْ أَصَابَنِی جَهْدٌ وَ أَتَیْتُكُمْ (5) أَتَعَرَّضُ لِمَعْرُوفِكُمْ فَكُسِیَتْ وَ حُمِلَتْ وَ جُهِّزَتْ وَ عَمَدَتْ حَاطِبَ بْنَ أَبِی بَلْتَعَةَ أَخَا بَنِی أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّی فَكَتَبَ مَعَهَا كِتَاباً لِأَهْلِ مَكَّةَ (6) بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ یُجَهِّزُوا وَ عَرَفَ حَاطِبٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُرِیدُ أَهْلَ مَكَّةَ فَكَتَبَ إِلَیْهِمْ یُحَذِّرُهُمْ وَ جَعَلَ لِسَارَةَ جُعْلًا عَلَی أَنْ تَكْتُمَ عَلَیْهِ وَ تُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ فَفَعَلَتْ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام عَلَی نَبِیِّ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَجُلَیْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ
ص: 136
فِی أَثَرِهَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام وَ زُبَیْرَ بْنَ (1) الْعَوَّامِ وَ أَخْبَرَهُمَا خَبَرَ الصَّحِیفَةِ فَقَالَ إِنْ أَعْطَتْكُمُ (2) الصَّحِیفَةَ فَخَلُّوا سَبِیلَهَا وَ إِلَّا فَاضْرِبُوا عُنُقَهَا فَلَحِقَا سَارَةَ فَقَالا أَیْنَ الصَّحِیفَةُ الَّتِی كُتِبَتْ مَعَكِ یَا عَدُوَّةَ اللَّهِ فَحَلَفَتْ بِاللَّهِ مَا مَعِی (3) كِتَابٌ فَفَتَّشَاهَا فَلَمْ یَجِدَا مَعَهَا شَیْئاً فَهَمَّا بِتَرْكِهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا وَ اللَّهِ مَا كَذَبْنَا وَ لَا كُذِبْنَا فَسَلَّ سَیْفَهُ فَقَالَ أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَا أَغْمِدُهُ حَتَّی تُخْرِجِینَ الْكِتَابَ أَوْ یَقَعَ فِی رَأْسِكِ فَزَعَمُوا أَنَّهُ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ قَالَتْ فَلِلَّهِ عَلَیْكُمَا الْمِیثَاقُ إِنْ أُعْطِكُمَا الْكِتَابَ لَا تَقْتُلَانِی وَ لَا تَصْلِبَانِی وَ لَا تَرُدَّانِی إِلَی الْمَدِینَةِ قَالا نَعَمْ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ شَعْرِهَا فَخَلَّیَا سَبِیلَهَا ثُمَّ رَجَعَا إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَعْطَیَاهُ الصَّحِیفَةَ فَإِذَا فِیهَا مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِی بَلْتَعَةَ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ إِنَّ مُحَمَّداً قَدْ نَفَرَ فَإِنِّی لَا أَدْرِی إِیَّاكُمْ أَرَادَ أَوْ غَیْرَكُمْ فَعَلَیْكُمْ بِالْحَذَرِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَیْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ تَعْرِفُ هَذَا الْكِتَابَ یَا حَاطِبُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَیْهِ فَقَالَ أَمَا وَ الَّذِی أَنْزَلَ عَلَیْكَ الْكِتَابَ مَا كَفَرْتُ مُنْذُ آمَنْتُ وَ لَا أَجَبْتُهُمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ وَ لَكِنْ لَمْ یَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا وَ لَهُمْ (4) بِمَكَّةَ عَشِیرَةٌ غَیْرِی فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ یَداً وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ بِهِمْ بَأْسَهُ وَ نَقِمَتَهُ وَ أَنَّ كِتَابِی لَا یُغْنِی عَنْهُمْ شَیْئاً فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَذَّرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (5).31- كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَنَانٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِنْبَرَ یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِیَّةِ وَ تَفَاخُرَهَا بِآبَائِهَا أَلَا إِنَّكُمْ مِنْ آدَمَ وَ آدَمُ مِنْ طِینٍ أَلَا إِنَّ خَیْرَ عِبَادِ اللَّهِ عَبْدٌ اتَّقَاهُ إِنَّ الْعَرَبِیَّةَ لَیْسَتْ بِأَبٍ وَالِدٍ وَ لَكِنَّهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ فَمَنْ قَصَرَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ یُبْلِغْ حَسَبُهُ أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ أَوْ إِحْنَةٍ وَ الْإِحْنَةُ الشَّحْنَاءُ فَهِیَ تَحْتَ قَدَمِی هَذِهِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ (6).
ص: 137
«32»-ین، كتاب حسین بن سعید و النوادر ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِی عُبَیْدَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: لَمَّا كَانَ یَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی النَّاسِ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ لِیُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ بِالْإِسْلَامِ نَخْوَةَ الْجَاهِلِیَّةِ وَ التَّفَاخُرَ بِآبَائِهَا وَ عَشَائِرِهَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مِنْ آدَمَ وَ آدَمُ مِنْ طِینٍ أَلَا وَ إِنَّ خَیْرَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَ أَكْرَمَكُمْ عَلَیْهِ الْیَوْمَ أَتْقَاكُمْ وَ أَطْوَعُكُمْ لَهُ أَلَا وَ إِنَّ الْعَرَبِیَّةَ لَیْسَتْ بِأَبٍ وَالِدٍ وَ لَكِنَّهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ فَمَنْ طُعِنَ بَیْنَكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّهُ یُبْلِغُهُ رِضْوَانَ اللَّهِ حَسَبَهُ أَلَا وَ إِنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَظْلِمَةٍ أَوْ إِحْنَةٍ كَانَتْ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَهِیَ مَطْلٌ (1) تَحْتَ قَدَمَیَّ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ (2).
«33»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِینٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَیْشٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ فِی مَسْجِدِ الْخَیْفِ (3) نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِی فَوَعَاهَا وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ یَبْلُغْهُ یَا أَیُّهَا النَّاسُ لِیُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَیْسَ بِفَقِیهٍ وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَی مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلَاثٌ لَا یُغِلُّ عَلَیْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَ النَّصِیحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِینَ وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِیطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ یَدٌ عَلَی مَنْ سِوَاهُمْ یَسْعَی بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ (4).
ص: 138
«34»-كا، الكافی الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُعَلَّی عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَبَانٍ عَنِ الثُّمَالِیِّ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام إِنَّ عَلِیّاً علیه السلام سَارَ فِی أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ سِیرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی أَهْلِ الشِّرْكِ قَالَ فَغَضِبَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ سَارَ وَ اللَّهِ فِیهِمْ بِسِیرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ الْفَتْحِ إِنَّ عَلِیّاً علیه السلام كَتَبَ إِلَی مَالِكٍ وَ هُوَ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ یَوْمَ الْبَصْرَةِ بِأَنْ لَا یَطْعُنَ فِی غَیْرِ مُقْبِلٍ وَ لَا یَقْتُلَ مُدْبِراً وَ لَا یُجَهِّزَ عَلَی جَرِیحٍ وَ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ (1).
«1»-شا، الإرشاد ثم اتصل بفتح مكة إنفاذ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خالد بن الولید إلی بنی جذیمة (2) بن عامر و كانوا بالغمیصاء یدعوهم إلی اللّٰه عز و جل و إنما أنفذه إلیهم للترة التی كانت بینه و بینهم و ذلك أنهم كانوا أصابوا فی الجاهلیة نسوة من بنی المغیرة و قتلوا الفاكه بن المغیرة عم خالد بن الولید و قتلوا عوفا أبا عبد الرحمن بن عوف و أنفذه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لذلك و أنفذ معه عبد الرحمن بن عوف للترة أیضا التی كانت بینه و بینهم و لو لا ذلك لما رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خالدا أهلا للإمارة علی المسلمین فكان من أمره ما كان و خالف فیه عهد اللّٰه و عهد رسوله و عمل فیه علی سنة الجاهلیة (3) فبرئ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من صنعه (4) و تلافی فارطه بأمیر المؤمنین علیه السلام. (5) بیان فی القاموس الغمیصاء موضع أوقع فیه خالد بن الولید ببنی جذیمة.
ص: 139
«2»-عم، إعلام الوری بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله السَّرَایَا فِیمَا حَوْلَ مَكَّةَ یَدْعُونَ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَمْ یَأْمُرْهُمْ بِقِتَالٍ فَبَعَثَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَی بَنِی مُدْلِجٍ فَقَالُوا لَسْنَا عَلَیْكَ وَ لَسْنَا مَعَكَ فَقَالَ النَّاسُ اغْزُهُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ لَهُمْ سَیِّداً أَدِیباً أَرِیباً وَ رُبَّ غَازٍ مِنْ بَنِی مُدْلِجٍ شَهِیدٌ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَیَّةَ الضَّمْرِیَّ إِلَی بَنِی الدِّیلِ فَدَعَاهُمْ إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَأَبَوْا أَشَدَّ الْإِبَاءِ فَقَالَ النَّاسُ اغْزُهُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَتَاكُمُ الْآنَ سَیِّدُهُمْ قَدْ أَسْلَمَ فَیَقُولُ لَهُمْ أَسْلِمُوا فَیَقُولُونَ نَعَمْ وَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سُهَیْلِ بْنِ عَمْرٍو إِلَی بَنِی مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فَأَسْلَمُوا وَ جَاءَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ إِلَی بَنِی جُذَیْمَةَ بْنِ عَامِرٍ وَ قَدْ كَانُوا أَصَابُوا فِی الْجَاهِلِیَّةِ مِنْ بَنِی الْمُغِیرَةِ نِسْوَةً وَ قَتَلُوا عَمَّ خَالِدٍ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَ عَلَیْهِمُ السِّلَاحُ وَ قَالُوا یَا خَالِدُ إِنَّا لَمْ نَأْخُذِ السِّلَاحَ عَلَی اللَّهِ وَ عَلَی رَسُولِهِ وَ نَحْنُ مُسْلِمُونَ فَانْظُرْ فَإِنْ كَانَ بَعَثَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَاعِیاً فَهَذِهِ إِبِلُنَا وَ غَنَمُنَا فَاغْدُ عَلَیْهَا فَقَالَ ضَعُوا السِّلَاحَ قَالُوا إِنَّا نَخَافُ مِنْكَ أَنْ تَأْخُذَنَا بِإِحْنَةِ الْجَاهِلِیَّةِ وَ قَدْ أَمَاتَهَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ بِمَنْ مَعَهُ فَنَزَلُوا قَرِیباً ثُمَّ شَنَّ عَلَیْهِمُ الْخَیْلَ فَقَتَلَ وَ أَسَرَ مِنْهُمْ رِجَالًا ثُمَّ قَالَ لِیَقْتُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أَسِیرَهُ فَقَتَلُوا الْأَسْرَی وَ جَاءَ رَسُولُهُمْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَهُ بِمَا فَعَلَ خَالِدٌ بِهِمْ فَرَفَعَ علیه السلام یَدَهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَبْرَأُ إِلَیْكَ مِمَّا فَعَلَ خَالِدٌ وَ بَكَی ثُمَّ دَعَا عَلِیّاً علیه السلام فَقَالَ اخْرُجْ إِلَیْهِمْ وَ انْظُرْ فِی أَمْرِهِمْ وَ أَعْطَاهُ سَفَطاً مِنْ ذَهَبٍ فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ وَ أَرْضَاهُمْ (1).
«3»-أقول قال ابن الأثیر فی الكامل، و فی هذه السنة یعنی سنة ثمان بعد الفتح كانت غزاة خالد بن الولید بنی جذیمة و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد بعث السرایا بعد الفتح فیما حول مكة یدعون الناس إلی اللّٰه و لم یأمرهم بقتال و كان ممن بعث خالد بن الولید بعثه داعیا و لم یبعثه مقاتلا فنزل علی الغمیصاء ماء من میاه بنی جذیمة بن عامر و كانت جذیمة أصابت فی الجاهلیة عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن و الفاكه بن المغیرة عم خالد و أخذوا ما معهما (2) فلما نزل خالد ذلك الماء أخذ
ص: 140
بنو جذیمة السلاح فقال خالد اخلعوا السلاح (1) فإن الناس قد أسلموا فوضعوا فأمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم علی السیف فقتل من قتل منهم فلما انتهی الخبر إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله رفع یدیه ثم قال اللّٰهم إنی أبرأ إلیك مما صنع خالد ثم أرسل علیا علیه السلام و معه مال و أمره أن ینظر فی أمرهم فودی لهم النساء و الأموال حتی إنه لیدی میلغة (2) الكلب ففضل معه من المال فضلة فقال لهم علی علیه السلام هل بقی لكم مال أو دم لم یؤد قالوا لا قال إنی أعطیكم هذه البقیة احتیاطا لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ففعل ثم رجع إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأخبره فقال أصبت و أحسنت (3).
«4»-ل، الخصال بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَوْمَ الشُّورَی نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ علیه السلام بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ إِلَی بَنِی خُزَیْمَةَ (4) فَفَعَلَ مَا فَعَلَ فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْمِنْبَرَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَبْرَأُ إِلَیْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ یَا عَلِیُّ فَذَهَبْتُ فَوَدَیْتُهُمْ ثُمَّ نَاشَدْتُهُمْ بِاللَّهِ هَلْ بَقِیَ شَیْ ءٌ فَقَالُوا إِذْ نَشَدْتَنَا بِاللَّهِ فَمِیلَغَةُ كِلَابِنَا وَ عِقَالُ بَعِیرِنَا فَأَعْطَیْتُهُمْ لَهُمَا وَ بَقِیَ مَعِی ذَهَبٌ كَثِیرٌ فَأَعْطَیْتُهُمْ إِیَّاهُ وَ قُلْتُ هَذَا لِذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لِمَا تَعْلَمُونَ وَ لِمَا لَا تَعْلَمُونَ وَ لِرَوْعَاتِ النِّسَاءِ وَ الصِّبْیَانِ ثُمَّ جِئْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَا یَسُرُّنِی (5) یَا عَلِیُّ أَنَّ لِی بِمَا صَنَعْتَ حُمْرَ النَّعَمِ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ (6).
ص: 141
«5»-ل، الخصال لی، الأمالی للصدوق ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ عَنِ ابْنِ مَهْزِیَارَ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ علیهما السلام قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ إِلَی حَیٍّ یُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ بَنِی جُذَیْمَةَ وَ كَانَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ بَنِی مَخْزُومٍ إِحْنَةٌ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَلَمَّا وَرَدَ عَلَیْهِمْ كَانُوا قَدْ أَطَاعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَخَذُوا مِنْهُ كِتَاباً فَلَمَّا وَرَدَ عَلَیْهِمْ خَالِدٌ أَمَرَ مُنَادِیاً فَنَادَی بِالصَّلَاةِ فَصَلَّی وَ صَلَّوْا فَلَمَّا كَانَ صَلَاةُ الْفَجْرِ أَمَرَ مُنَادِیَهُ فَنَادَی فَصَلَّی وَ صَلَّوْا ثُمَّ أَمَرَ الْخَیْلَ فَشَنُّوا فِیهِمُ الْغَارَةَ فَقَتَلَ وَ أَصَابَ فَطَلَبُوا كِتَابَهُمْ فَوَجَدُوهُ فَأَتَوْا بِهِ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ حَدَّثُوهُ بِمَا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ فَاسْتَقْبَلَ صلی اللّٰه علیه و آله الْقِبْلَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَبْرَأُ إِلَیْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ قَالَ ثُمَّ قُدِّمَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تِبْرٌ وَ مَتَاعٌ فَقَالَ لِعَلِیٍّ علیه السلام یَا عَلِیُّ ائْتِ بَنِی جُذَیْمَةَ مِنْ بَنِی الْمُصْطَلِقِ فَأَرْضِهِمْ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ثُمَّ رَفَعَ علیه السلام قَدَمَیْهِ فَقَالَ یَا عَلِیُّ اجْعَلْ قَضَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِیَّةِ تَحْتَ قَدَمَیْكَ فَأَتَاهُمْ عَلِیٌّ علیه السلام فَلَمَّا انْتَهَی إِلَیْهِمْ حَكَمَ فِیهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ یَا عَلِیُّ أَخْبِرْنِی بِمَا صَنَعْتَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ عَمَدْتُ فَأَعْطَیْتُ لِكُلِّ دَمٍ دِیَةً وَ لِكُلِّ جَنِینٍ غُرَّةً وَ لِكُلِّ مَالٍ مَالًا وَ فَضَلَتْ مَعِی فَضْلَةٌ فَأَعْطَیْتُهُمْ لِمِیلَغَةِ كِلَابِهِمْ وَ حَبَلَةِ رُعَاتِهِمْ وَ فَضَلَتْ مَعِی فَضْلَةٌ فَأَعْطَیْتُهُمْ لِرَوْعَةِ نِسَائِهِمْ وَ فَزَعِ صِبْیَانِهِمْ وَ فَضَلَتْ مَعِی فَضْلَةٌ فَأَعْطَیْتُهُمْ لِمَا یَعْلَمُونَ وَ لِمَا لَا یَعْلَمُونَ وَ فَضَلَتْ مَعِی فَضْلَةٌ فَأَعْطَیْتُهُمْ لِیَرْضَوْا عَنْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ أَعْطَیْتَهُمْ لِیَرْضَوْا عَنِّی رَضِیَ اللَّهُ عَنْكَ یَا عَلِیُّ إِنَّمَا أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی (1).
بیان: قال الجزری فی حدیث علی علیه السلام إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعثه لیدی قوما قتلهم خالد بن الولید فأعطاهم میلغة الكلب هی الإناء الذی یلغ فیه الكلب یعنی أعطاهم قیمة كل ما ذهب لهم حتی قیمة المیلغة انتهی و الحبلة هنا الرسن أو بالتحریك أی الجنین الساقط من دوابهم و مواشیهم و الأول أظهر.
ص: 142
«6»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِیَّا (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ تَسْنِیمٍ الْحَضْرَمِیِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِیهِ مُوسَی علیه السلام عَنْ أَبِیهِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ علیهم السلام عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ عَلَی صَدَقَاتِ بَنِی الْمُصْطَلِقِ حَیٍّ مِنْ خُزَاعَةَ وَ كَانَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُمْ فِی الْجَاهِلِیَّةِ ذَحْلٌ فَأَوْقَعَ بِهِمْ خَالِدٌ فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَ اسْتَاقَ أَمْوَالَهُمْ فَبَلَغَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله مَا فَعَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَبْرَأُ إِلَیْكَ (2) مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ وَ بَعَثَ إِلَیْهِمْ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام بِمَالٍ وَ أَمَرَهُ أَنْ یُؤَدِّیَ إِلَیْهِمْ دِیَاتِ رِجَالِهِمْ (3) وَ مَا ذَهَبَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَ بَقِیَتْ مَعَهُ مِنَ الْمَالِ زَعْبَةٌ فَقَالَ لَهُمْ هَلْ تَفْقِدُونَ شَیْئاً مِنْ مَتَاعِكُمْ (4) فَقَالُوا مَا نَفْقِدُ شَیْئاً إِلَّا مِیلَغَةَ كِلَابِنَا فَدَفَعَ إِلَیْهِمْ مَا بَقِیَ مِنَ الْمَالِ فَقَالَ هَذَا لِمِیلَغَةِ كِلَابِكُمْ وَ مَا أُنْسِیتُمْ مِنْ مَتَاعِكُمْ وَ أَقْبَلَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ مَا صَنَعْتَ فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِهِ حَتَّی أَتَی عَلَی حَدِیثِهِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَرْضَیْتَنِی رَضِیَ اللَّهُ عَنْكَ یَا عَلِیُّ أَنْتَ هَادِی أُمَّتِی أَلَا إِنَّ السَّعِیدَ كُلَّ السَّعِیدِ مَنْ أَحَبَّكَ وَ أَخَذَ بِطَرِیقَتِكَ أَلَا إِنَّ الشَّقِیَّ كُلَّ الشَّقِیِّ مَنْ خَالَفَكَ وَ رَغِبَ عَنْ طَرِیقِكَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ (5).
بیان: الذحل العداوة و طلب المكافاة بالجنایة و الزعبة بفتح الزای المعجمة و ضمها القطعة من المال.
«7»- أقول قَالَ الْكَازِرُونِیُّ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرٍ بَقِینَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَیْلَةً یُصَلِّی رَكْعَتَیْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَی حُنَیْنٍ وَ قَالَ فِی حَوَادِثِ السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَ فِی هَذِهِ السَّنَةِ أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ رُوِیَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَیْرِ قَالَ لَمَّا كَانَ یَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ هَرَبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ إِلَی الْیَمَنِ وَ خَافَ أَنْ یَقْتُلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَانَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَكِیمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةً
ص: 143
لَهَا عَقْلٌ وَ كَانَتْ قَدِ اتَّبَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَتْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَتْ إِنَّ ابْنَ عَمِّی عِكْرِمَةَ قَدْ هَرَبَ مِنْكَ إِلَی الْیَمَنِ وَ خَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَآمِنْهُ قَالَ قَدْ آمَنْتُهُ بِأَمَانِ اللَّهِ فَمَنْ لَقِیَهُ فَلَا یَتَعَرَّضْ لَهُ فَخَرَجَتْ فِی طَلَبِهِ فَأَدْرَكَتْهُ فِی سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ تِهَامَةَ وَ قَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ فَجَعَلَتْ تُلَوِّحُ إِلَیْهِ وَ تَقُولُ یَا ابْنَ عَمِّ جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النَّاسِ وَ أَبَرِّ النَّاسِ وَ خَیْرِ النَّاسِ لَا تَهْلِكْ نَفْسَكَ وَ قَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ فَآمَنَكَ فَقَالَ أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ قلت (1) [قَالَتْ نَعَمْ أَنَا كَلَّمْتُهُ فَآمَنَكَ فَرَجَعَ مَعَهَا فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَصْحَابِهِ یَأْتِیكُمْ عِكْرِمَةُ مُهَاجِراً (2) فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ فَإِنَّ سَبَّ الْمَیِّتِ یُؤْذِی الْحَیَّ وَ لَا یَبْلُغُ قَالَ فَقَدِمَ عِكْرِمَةُ فَانْتَهَی إِلَی بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ زَوْجَتُهُ مَعَهُ مُتَنَقِّبَةً قَالَتْ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَدَخَلْتُ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِقُدُومِ عِكْرِمَةَ فَاسْتَبْشَرَ وَ قَالَ أَدْخِلِیهِ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ أَخْبَرَتْنِی أَنَّكَ آمَنْتَنِی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله صَدَقَتْ (3) فَأَنْتَ آمِنٌ قَالَ عِكْرِمَةُ فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ وَ أَنَّكَ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ قُلْتُ أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَ أَوْفَی النَّاسِ أَقُولُ ذَلِكَ وَ إِنِّی لَمُطَأْطِئُ الرَّأْسِ اسْتِحْیَاءً مِنْهُ ثُمَّ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِی كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَیْتُكَهَا أَوْ مَرْكَبٍ أَوْضَعْتُ فِیهِ أُرِیدُ بِهِ إِظْهَارَ الشِّرْكِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعِكْرِمَةَ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِیهَا أَوْ مَنْطِقٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَوْ مَرْكَبٍ أَوْضَعَ فِیهِ یُرِیدُ أَنْ یَصُدَّ عَنْ سَبِیلِكَ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُرْنِی بِخَیْرِ مَا تَعْلَمُ فَأَعْمَلَهُ (4) قَالَ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ جَاهِدْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ أَمَا وَ اللَّهِ (5) لَا أَدَعُ نَفَقَةً كُنْتُ أُنْفِقُهَا فِی صَدٍّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ إِلَّا أَنْفَقْتُ ضِعْفَهَا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لَا قِتَالًا كُنْتُ أُقَاتِلُ فِی صَدٍّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ إِلَّا أَبْلَیْتُ ضِعْفَهُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ ثُمَّ اجْتَهَدَ فِی الْقِتَالِ حَتَّی قُتِلَ فِی خِلَافَةِ أَبِی بَكْرٍ.
ص: 144
و عن أبی ملیكة قال لما كان یوم الفتح ركب عكرمة البحر هاربا فخب (1) بهم البحر فجعل من فی السفینة یدعون اللّٰه عز و جل و یوحدونه فقال ما هذا قالوا هذا مكان لا ینفع فیه إلا اللّٰه عز و جل قال فهذا إله محمد الذی یدعونا إلیه فارجعوا بنا فرجع فأسلم و كانت امرأته أسلمت قبله فكانا علی نكاحهما.
و فیها بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خالد بن الولید إلی العزی لخمس بقین من رمضان لیهدمها فخرج حتی انتهی إلیها فی ثلاثین فهدمها ثم رجع إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأخبره فقال هل رأیت شیئا قال لا قال فإنك لم تهدمها (2) فرجع متغیظا فجرد سیفه فخرجت إلیه امرأة عریانة سوداء ثائرة الرأس فجعل السادن یصیح بها فضربها خالد فقطعها (3) باثنین و رجع فأخبره النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقال تلك العزی و قد یئست أن تعبد ببلادكم أبدا و كانت بنخلة و كانت لقریش و جمیع بنی كنانة و كانت أعظم أصنامهم و سدنتها بنو شیبان و قد اختلف فی العزی فقیل إنها شجرة كانت لغطفان یعبدونها و قیل إنها صنم.
و فیها بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عمرو بن العاص إلی سواع و هو صنم هذیل لیهدمه قال عمرو فانتهیت إلیه و عنده السادن فقال ما ترید قلت أمرنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن أهدمه قال لا تقدر قلت لم قال تمنع قلت ویحك هل یسمع أو یبصر فكسرته و أمرت أصحابی فهدموا بیت خزانته فقلت للسادن كیف رأیت (4) قال أسلمت لله.
و فیها بعث سعد بن زید إلی مناة بالمشلل لیهدمها و كانت للأوس و الخزرج و سنان (5) فخرج فی عشرین و ذلك حین فتح مكة فقال السادن ما ترید قال
ص: 145
هدمها قال أنت و ذاك فأقبل یمشی إلیها و خرجت امرأة عریانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالویل و تضرب صدرها فضربها سعد فقتلها و هدموا الصنم (1).
الآیات؛
التوبة: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِی مَواطِنَ كَثِیرَةٍ وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَیْئاً وَ ضاقَتْ عَلَیْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ عَذَّبَ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِینَ* ثُمَّ یَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ»(25-27)
(و قال تعالی): «وَ مِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُكَ فِی الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ»(58)
تفسیر:
قوله فِی مَواطِنَ كَثِیرَةٍ
قَالَ الطَّبْرِسِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَدَ عَنِ الصَّادِقِینَ علیهما السلام أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهَا كَانَتِ الْمَوَاطِنُ ثَمَانِینَ.
وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ أی فی یوم حنین إِذْ
ص: 146
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ أی سرتكم و صرتم معجبین بكثرتكم و كان سبب انهزام المسلمین یوم حنین أن بعضهم قال حین رأی كثرة المسلمین لن نغلب الیوم من قلة فانهزموا بعد ساعة و كانوا اثنی عشر ألفا و قیل عشرة آلاف و قیل ثمانیة آلاف و الأول أصح فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَیْئاً أی فلم تدفع عنكم كثرتكم سوءا وَ ضاقَتْ عَلَیْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أی برحبها (1) و الباء بمعنی مع و المعنی لم تجدوا من الأرض موضعا للفرار إلیه ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ أی ولیتم عن عدوكم منهزمین ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِینَتَهُ أی رحمته التی تسكن إلیها النفس و یزول معها الخوف عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ حین رجعوا إلیهم و قاتلوهم و قیل علی المؤمنین الذین ثبتوا مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی و العباس فی نفر من بنی هاشم عن الضحاك
وَ رَوَی الْحَسَنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: السَّكِینَةُ رِیحٌ مِنَ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ طَیِّبَةً لَهَا صُورَةٌ كَصُورَةِ وَجْهِ الْإِنْسَانِ فَتَكُونُ مَعَ الْأَنْبِیَاءِ- أورده العیاشی مسندا.
وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها أراد به جنودا من الملائكة و قیل إن الملائكة نزلوا یوم حنین لتقویة قلوب المؤمنین و تشجیعهم و لم یباشروا القتال یومئذ و لم یقاتلوا إلا یوم بدر خاصة وَ عَذَّبَ الَّذِینَ كَفَرُوا بالقتل و الأسر و سلب الأموال و الأولاد وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِینَ أی ذلك العذاب جزاؤهم علی كفرهم ثُمَّ یَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلی مَنْ یَشاءُ أی یقبل توبة من تاب عن الشرك و رجع إلی طاعة اللّٰه و الإسلام و ندم علی ما فعل من القبیح أو توبة من انهزم من بعد هزیمته. (2) و فی قوله تعالی وَ مِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُكَ قال نزلت فی قسمة غنائم حنین (3) و ذكر روایة أبی سعید الخدری كما سیأتی بروایته فی إعلام الوری و سیأتی تفسیر الآیة فی باب جمل ما جری بینه و بین أصحابه صلی اللّٰه علیه و آله.
«1»-فس، تفسیر القمی وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَیْئاً وَ ضاقَتْ
ص: 147
عَلَیْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ غَزَاةِ (1) حُنَیْنٍ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی فَتْحِ مَكَّةَ أَظْهَرَ أَنَّهُ یُرِیدُ هَوَازِنَ وَ بَلَغَ الْخَبَرُ الْهَوَازِنَ (2) فَتَهَیَّئُوا وَ جَمَعُوا الْجُمُوعَ وَ السِّلَاحَ وَ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ هَوَازِنَ إِلَی مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّضْرِیِّ (3) فَرَأَّسُوهُ عَلَیْهِمْ وَ خَرَجُوا وَ سَاقُوا مَعَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَ نِسَاءَهُمْ وَ ذَرَارِیَّهُمْ وَ مَرُّوا حَتَّی نَزَلُوا بَأَوْطَاسٍ وَ كَانَ دُرَیْدُ بْنُ الصِّمَّةِ الْجُشَمِیُّ فِی الْقَوْمِ وَ كَانَ رَئِیسَ جُشَمَ وَ كَانَ شَیْخاً كَبِیراً قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ (4) فَلَمَسَ الْأَرْضَ بِیَدِهِ فَقَالَ فِی أَیِّ وَادٍ أَنْتُمْ قَالُوا بِوَادِی أَوْطَاسٍ قَالَ نِعْمَ مَجَالُ خَیْلٍ لَا حَزْنٌ ضِرْسٌ وَ لَا سَهْلٌ دَهْسٌ مَا لِی أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِیرِ وَ نَهِیقَ الْحِمَارِ وَ خُوَارَ الْبَقَرِ وَ ثُغَاءَ الشَّاةِ وَ بُكَاءَ الصَّبِیِّ فَقَالُوا (5) إِنَّ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ سَاقَ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَ نِسَاءَهُمْ وَ ذَرَارِیَّهُمْ لِیُقَاتِلَ كُلُّ امْرِئٍ عَنْ نَفْسِهِ وَ مَالِهِ وَ أَهْلِهِ فَقَالَ دُرَیْدٌ رَاعِی ضَأْنٍ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ مَا لَهُ وَ لِلْحَرْبِ ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِی مَالِكاً فَلَمَّا جَاءَ (6) قَالَ لَهُ یَا مَالِكُ مَا فَعَلْتَ قَالَ سُقْتُ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَ نِسَاءَهُمْ وَ أَبْنَاءَهُمْ لِیَجْعَلَ كُلُّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَ مَالَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَیَكُونَ أَشَدَّ لِحَرْبِهِ فَقَالَ یَا مَالِكُ إِنَّكَ أَصْبَحْتَ رَئِیسَ (7) قَوْمٍ وَ إِنَّكَ تُقَاتِلُ رَجُلًا كَرِیماً وَ هَذَا الْیَوْمُ لِمَا بَعْدَهُ (8) وَ لَمْ تَصْنَعْ فِی تَقْدِمَةِ بَیْضَةِ هَوَازِنَ إِلَی نُحُورِ الْخَیْلِ شَیْئاً وَیْحَكَ وَ هَلْ یَلْوِی الْمُنْهَزِمُ عَلَی شَیْ ءٍ ارْدُدْ بَیْضَةَ هَوَازِنَ إِلَی عُلْیَا بِلَادِهِمْ وَ مُمْتَنَعِ مَحَالِّهِمْ وَ الْقَ الرِّجَالَ عَلَی مُتُونِ الْخَیْلِ فَإِنَّهُ لَا یَنْفَعُكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَیْفِهِ وَ فَرَسِهِ فَإِنْ كَانَ (9) لَكَ لَحِقَ بِكَ مِنْ وَرَائِكَ وَ إِنْ كَانَتْ عَلَیْكَ لَا تَكُونُ قَدْ فُضِحْتَ فِی أَهْلِكَ وَ عِیَالِكَ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ إِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ وَ كَبِرَ
ص: 148
عِلْمُكَ (1) فَلَمْ یَقْبَلْ مِنْ دُرَیْدٍ فَقَالَ دُرَیْدٌ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَ كِلَابٌ قَالُوا لَمْ یَحْضُرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَالَ غَابَ الْجِدُّ وَ الْحَزْمُ لَوْ كَانَ یَوْمُ عَلَاءٍ وَ سَعَادَةٍ مَا كَانَتْ تَغِیبُ كَعْبٌ وَ لَا كِلَابٌ فَمَنْ حَضَرَهَا مِنْ هَوَازِنَ قَالَ (2) عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ وَ عَوْفُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ ذینك (ذَانِكَ) الْجَذَعَانِ (3) لَا یَنْفَعَانِ وَ لَا یَضُرَّانِ ثُمَّ تَنَفَّسَ دُرَیْدٌ وَ قَالَ حَرْبٌ عَوَانٌ:
(یَا) لَیْتَنِی (4) فِیهَا جَذَعٌ*** أَخُبُّ فِیهَا وَ أَضَعُ
أَقُودُ واطفاء (5) (وَطْفَاءَ) الزَّمَعِ*** كَأَنَّهَا شَاةٌ صَدَعٌ
وَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اجْتِمَاعُ هَوَازِنَ بِأَوْطَاسٍ فَجَمَعَ القَبَائِلَ وَ رَغَّبَهُمْ فِی الْجِهَادِ وَ وَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَهُ أَنْ یَغْنِمَهُ أَمْوَالَهُمْ وَ نِسَاءَهُمْ وَ ذَرَارِیَّهُمْ فَرَغِبَ النَّاسُ وَ خَرَجُوا عَلَی رَایَاتِهِمْ وَ عَقَدَ اللِّوَاءَ الْأَكْبَرَ وَ دَفَعَهُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِرَایَةٍ أَمَرَهُ أَنْ یَحْمِلَهَا وَ خَرَجَ فِی اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ عَشَرَةِ آلَافٍ مِمَّنْ كَانُوا مَعَهُ.
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: وَ كَانَ مَعَهُ مِنْ بَنِی سُلَیْمٍ أَلْفُ رَجُلٍ رَئِیسُهُمْ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِیُّ وَ مِنْ مُزَیْنَةَ أَلْفُ رَجُلٍ قَالَ فَمَضَوْا حَتَّی كَانَ مِنَ الْقَوْمِ عَلَی مَسِیرَةِ بَعْضِ لَیْلَةٍ قَالَ وَ قَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ لِقَوْمِهِ لِیُصَیِّرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أَهْلَهُ وَ مَالَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَ اكْسِرُوا جُفُونَ سُیُوفِكُمْ وَ اكْمُنُوا (6) فِی شِعَابِ هَذَا الْوَادِی وَ فِی الشَّجَرِ فَإِذَا كَانَ فِی غَبَشِ الصُّبْحِ (7) فَاحْمِلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَ هُدُّوا الْقَوْمَ فَإِنَّ مُحَمَّداً لَمْ یَلْقَ أَحَداً یُحْسِنُ الْحَرْبَ قَالَ فَلَمَّا صَلَّی
ص: 149
رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْغَدَاةَ انْحَدَرَ فِی وَادِی حُنَیْنٍ وَ هُوَ وَادٍ لَهُ انْحِدَارٌ بَعِیدٌ وَ كَانَتْ بَنُو سُلَیْمٍ عَلَی مُقَدِّمَتِهِ فَخَرَجَ عَلَیْهِمْ (1) كَتَائِبُ هَوَازِنَ مِنْ كُلِّ نَاحِیَةٍ فَانْهَزَمَتْ بَنُو سُلَیْمٍ وَ انْهَزَمَ مَنْ وَرَاءَهُمْ وَ لَمْ یَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا انْهَزَمَ وَ بَقِیَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یُقَاتِلُهُمْ فِی نَفَرٍ قَلِیلٍ (2) وَ مَرَّ الْمُنْهَزِمُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا یَلْوُونَ عَلَی شَیْ ءٍ وَ كَانَ الْعَبَّاسُ آخِذاً بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْ یَمِینِهِ وَ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ یَسَارِهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُنَادِی یَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَیْنَ إِلَیَّ (3) أَنَا رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ یَلْوِ أَحَدٌ عَلَیْهِ وَ كَانَتْ نَسِیبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِیَّةُ تَحْثُو فِی وُجُوهِ الْمُنْهَزِمِینَ التُّرَابَ وَ تَقُولُ أَیْنَ (4) تَفِرُّونَ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ مَرَّ بِهَا عُمَرُ فَقَالَتْ لَهُ وَیْلَكَ مَا هَذَا الَّذِی صَنَعْتَ فَقَالَ لَهَا هَذَا أَمْرُ اللَّهِ فَلَمَّا رَأَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْهَزِیمَةَ رَكَضَ نَحْوَ عَلِیٍّ بَغْلَتَهُ فَرَآهُ (5) قَدْ شَهَرَ سَیْفَهُ فَقَالَ (6) یَا عَبَّاسُ اصْعَدْ هَذَا الظَّرِبَ وَ نَادِ یَا أَصْحَابَ الْبَقَرَةِ (7) وَ یَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ إِلَی أَیْنَ تَفِرُّونَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَهُ فَقَالَ- اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَ إِلَیْكَ الْمُشْتَكَی وَ أَنْتَ الْمُسْتَعَانُ فَنَزَلَ (8) جَبْرَئِیلُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ بِمَا دَعَا بِهِ مُوسَی حَیْثُ فَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ وَ نَجَّاهُ مِنْ فِرْعَوْنَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَبِی سُفْیَانَ بْنِ الْحَارِثِ نَاوِلْنِی كَفّاً مِنْ حَصًی فَنَاوَلَهُ فَرَمَاهُ فِی وُجُوهِ الْمُشْرِكِینَ ثُمَّ قَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَمْ تُعْبَدْ
ص: 150
وَ إِنْ شِئْتَ أَنْ لَا تُعْبَدَ لَا تُعْبَدُ فَلَمَّا سَمِعَتِ الْأَنْصَارُ نِدَاءَ الْعَبَّاسِ عَطَفُوا وَ كَسَرُوا جُفُونَ سُیُوفِهِمْ وَ هُمْ یَقُولُونَ لَبَّیْكَ وَ مَرُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ اسْتَحْیَوْا أَنْ یَرْجِعُوا إِلَیْهِ وَ لَحِقُوا بِالرَّایَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْعَبَّاسِ مَنْ هَؤُلَاءِ یَا أَبَا الْفَضْلِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْآنَ حَمِیَ الْوَطِیسُ (1) وَ نَزَلَ النَّصْرُ مِنَ السَّمَاءِ وَ انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ وَ كَانُوا یَسْمَعُونَ قَعْقَعَةَ السِّلَاحِ فِی الْجَوِّ وَ انْهَزَمُوا (2) فِی كُلِّ وَجْهٍ وَ غَنَّمَ اللَّهُ (3) رَسُولَهُ أَمْوَالَهُمْ وَ نِسَاءَهُمْ وَ ذَرَارِیَّهُمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَی لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِی مَواطِنَ كَثِیرَةٍ وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ (4).
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ عَذَّبَ الَّذِینَ كَفَرُوا وَ هُوَ الْقَتْلُ وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِینَ (5) قَالَ وَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی نَضْرِ بْنِ مُعَاوِیَةَ یُقَالُ لَهُ شَجَرَةُ بْنُ رَبِیعَةَ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ هُوَ أَسِیرٌ فِی أَیْدِیهِمْ أَیْنَ الْخَیْلُ الْبُلْقُ وَ الرِّجَالُ عَلَیْهِمُ الثِّیَابُ الْبِیضُ فَإِنَّمَا كَانَ قَتْلُنَا بِأَیْدِیهِمْ وَ مَا كُنَّا نَرَاكُمْ فِیهِمْ إِلَّا كَهَیْئَةِ الشَّامَةِ (6) قَالُوا تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ (7).
بیان: أوطاس موضع علی ثلاث مراحل من مكة و الحزن ما غلظ من الأرض و الضرس بالكسر الأكمة الخشنة و الدهس بالفتح المكان السهل اللین و الرغاء بالضم صوت البعیر و الثغاء بالفتح صوت الشاة و المعز و ما شاكلهما و بیضة القوم مجتمعهم و موضع سلطانهم و یقال لا یلوی أحد علی أحد أی لا یلتفت و لا یعطف علیه و قوله و كبر علمك أی ضعف علمك و أصابه ضعف الكبر و فی بعض النسخ و ساخ علمك أی غار و فی مجمع البیان و ذهب علمك (8) و قال الجزری فیه لیتنی فیها جذعا أی لیتنی كنت شابا عند
ص: 151
ظهور النبوة حتی أبالغ فی نصرتها (1) و قال الجوهری الخبب ضرب من العدو تقول خب الفرس یخب خبا و خبیبا إذا راوح بین یدیه و رجلیه و أخبه صاحبه و قال وضع البعیر و غیره أسرع فی سیره و قال درید:
یا لیتنی فیها جذع*** أخبّ فیها و أضع
و قال الفیروزآبادی الزمع محركة شبه الرعدة تأخذ الإنسان و الدهش و الخوف و قال الصدع محركة من الأوعال و الظباء و الحمر و الإبل الفتی الشاب القوی و تسكن الدال و الغبش محركة بقیة اللیل أو ظلمة آخره و الكتائب جمع كتیبة و هی الجیش و الظرب ككتف الجبل المنبسط أو الصغیر.
«2»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی بْنِ خَلَفٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فَضْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (2) بْنِ مُوسَی الْعَبْسِیِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ خَیْرٍ (3) الْمَكِّیِّ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ انْصَرَفَ إِلَی الطَّائِفِ یَعْنِی إِلَی حُنَیْنٍ فَحَاصَرَهُمْ ثَمَّ إِلَی عَشَرَةٍ أَوْ سَبْعَ عَشَرَةَ فَلَمْ یَفْتَحْهَا ثُمَّ أَوْغَلَ رَوْحَةً أَوْ غَدْوَةً (4) ثُمَّ نَزَلَ ثُمَّ هَجَرَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی لَكُمْ فَرَطٌ وَ إِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ وَ أُوصِیكُمْ بِعِتْرَتِی خَیْراً ثُمَّ قَالَ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَتُقِیمُنَّ الصَّلَاةَ وَ لَتُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَیْكُمْ رَجُلًا مِنِّی أَوْ كَنَفْسِی فَلَیَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَ مُقَاتِلِیكُمْ وَ لَیَسْبِیَنَّ ذَرَارِیَّكُمْ فَرَأَی أُنَاسٌ أَنَّهُ یَعْنِی أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ فَأَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ علیه السلام فَقَالَ هُوَ هَذَا قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ لِمُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَمَا حَمَلَ أَبَاكَ عَلَی مَا صَنَعَ قَالَ أَنَا وَ اللَّهِ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ (5).
و أخبرنا جماعة عن أبی المفضل عن محمد بن إسحاق بن فروخ عن محمد بن
ص: 152
عثمان بن كرامة فی مسند عبید اللّٰه بن موسی قال و حدثنی محمد بن أحمد بن عبد اللّٰه بن صفوة الضریر و كتبه من أصل كتابه عن یوسف بن سعید بن مسلم المصیصی عن عبید اللّٰه بن موسی عن علی بن خیر (1) عن المطلب بن عبد اللّٰه عن مصعب عن أبیه و ذكر نحوه (2).
«3»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ حَفْصٍ الْعَسْكَرِیِّ عَنْ عُبَیْدِ بْنِ الْهَیْثَمِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَیْبٍ الْكَلْبِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ قَالَ: لَمَّا أَوْقَعَ وَ رُبَّمَا قَالَ فَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ هَوَازِنَ سَارَ حَتَّی نَزَلَ الطَّائِفَ فَحَصَرَ أَهْلَ وَجَّ (3) أَیَّاماً فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ أَنْ یَبْرَحَ (4) عَنْهُمْ لِیَقْدَمَ عَلَیْهِ وَفْدُهُمْ فَیَشْتَرِطَ لَهُ وَ یَشْتَرِطُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَسَارَ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی نَزَلَ مَكَّةَ فَقَدِمَ عَلَیْهِ نَفَرٌ مِنْهُمْ بِإِسْلَامِ قَوْمِهِمْ وَ لَمْ یَبْخَعِ الْقَوْمُ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَ لَا الزَّكَاةِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ لَا خَیْرَ فِی دِینٍ لَا رُكُوعَ فِیهِ وَ لَا سُجُودَ أَمَا وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَیُقِیمُنَّ الصَّلَاةَ وَ لَیُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَیْهِمْ رَجُلًا هُوَ مِنِّی كَنَفْسِی فَلَیَضْرِبُ (5) أَعْنَاقَ مُقَاتِلِیهِمْ وَ لَیَسْبِیَنَّ ذَرَارِیَّهُمْ هُوَ هَذَا وَ أَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ علیه السلام فَأَشَالَهَا (6) فَلَمَّا صَارَ الْقَوْمُ إِلَی قَوْمِهِمْ بِالطَّائِفِ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَقَرُّوا لَهُ بِالصَّلَاةِ وَ أَقَرُّوا لَهُ بِمَا شَرَطَ عَلَیْهِمْ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله مَا اسْتَعْصَی عَلَیَّ أَهْلُ مَمْلَكَةٍ وَ لَا أُمَّةٌ إِلَّا رَمَیْتُهُمْ بِسَهْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا سَهْمُ اللَّهِ قَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ مَا بَعَثْتُهُ فِی سَرِیَّةٍ إِلَّا رَأَیْتُ جَبْرَئِیلَ عَنْ یَمِینِهِ وَ مِیكَائِیلَ عَنْ یَسَارِهِ وَ مَلَكاً أَمَامَهُ وَ سَحَابَةً تُظِلُّهُ حَتَّی یُعْطِیَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ حَبِیبِی النَّصْرَ وَ الظَّفَرَ (7).
بیان: قال الجوهری بخع بالحق بخوعا أقر به و خضع له.
ص: 153
«4»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ شَیْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِی طَلْحَةَ قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَیَّ مِنْ مُحَمَّدٍ وَ كَیْفَ لَا یَكُونُ وَ قَدْ قَتَلَ مِنَّا ثَمَانِیَةً كُلٌّ مِنْهُمْ یَحْمِلُ اللِّوَاءَ فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ آیَسْتُ مِمَّا كُنْتُ أَتَمَنَّاهُ مِنْ قَتْلِهِ وَ قُلْتُ فِی نَفْسِی قَدْ دَخَلَتِ الْعَرَبُ فِی دِینِهِ فَمَتَی أُدْرِكُ ثَارِی مِنْهُ فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ هَوَازِنُ بِحُنَیْنٍ قَصَدْتُهُمْ لِآخُذَ (1) مِنْهُ غِرَّةً فَأَقْتُلَهُ وَ دَبَّرْتُ فِی نَفْسِی كَیْفَ أَصْنَعُ فَلَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ وَ بَقِیَ مُحَمَّدٌ وَحْدَهُ وَ النَّفَرُ الَّذِینَ مَعَهُ جِئْتُ مِنْ وَرَائِهِ وَ رَفَعْتُ السَّیْفَ حَتَّی إِذَا كِدْتُ أَحُطُّهُ غُشِیَ فُؤَادِی فَلَمْ أُطِقْ ذَلِكَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَ رُوِیَ أَنَّهُ قَالَ رُفِعَ إِلَیَّ شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ حَتَّی كَادَ أَنْ یُمْحِیَنِی (2) ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَیَّ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لِی ادْنُ یَا شَیْبَةُ فَقَاتِلْ وَ وَضَعَ یَدَهُ فِی صَدْرِی فَصَارَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَیَّ وَ تَقَدَّمْتُ (3) وَ قَاتَلْتُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَلَوْ عَرَضَ لِی أَبِی لَقَتَلْتُهُ فِی نُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا انْقَضَی الْقِتَالُ دَخَلْنَا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لِی الَّذِی أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَیْرٌ مِمَّا أَرَدْتَهُ لِنَفْسِكَ وَ حَدَّثَنِی بِجَمِیعِ مَا رَوَیْتُهُ (4) فِی نَفْسِی فَقُلْتُ مَا اطَّلَعَ عَلَی هَذَا إِلَّا اللَّهُ وَ أَسْلَمْتُ (5).
بیان: قوله أن یمحینی أی یبطلنی و یذهب بأثری یقال محاه یمحوه محوا و یمحیه محیا و یمحاه و فی بعض النسخ یحمسنی بالحاء المهملة أی یقلینی و یحرقنی و هو أظهر و فی بعضها یمحشنی كما سیأتی.
«5»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا حَاصَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَهْلَ الطَّائِفِ قَالَ (6) عُتْبَةُ بْنُ الْحُصَیْنِ ائْذَنْ لِی حَتَّی آتِیَ حِصْنَ الطَّائِفِ فَأُكَلِّمَهُمْ فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَهُمْ فَقَالَ أَدْنُو مِنْكُمْ وَ أَنَا آمِنٌ قَالُوا نَعَمْ وَ عَرَفَهُ أَبُو مِحْجَنٍ فَقَالَ ادْنُ (7) فَدَخَلَ
ص: 154
عَلَیْهِمْ فَقَالَ فِدَاكُمْ أَبِی وَ أُمِّی لَقَدْ سَرَّنِی مَا رَأَیْتُ مِنْكُمْ وَ مَا فِی الْعَرَبِ أَحَدٌ غَیْرُكُمْ وَ اللَّهِ مَا فِی مُحَمَّدٍ مِثْلُكُمْ وَ لَقَدْ قَلَّ الْمَقَامُ وَ طَعَامُكُمْ كَثِیرٌ وَ مَاؤُكُمْ وَافِرٌ لَا تَخَافُونَ قَطْعَهُ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ ثَقِیفٌ لِأَبِی مِحْجَنٍ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا دُخُولَهُ وَ خَشِینَا أَنْ یُخْبِرَ مُحَمَّداً بِخَلَلٍ إِنْ رَآهُ فِینَا أَوْ فِی حِصْنِنَا فَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ أَنَا كُنْتُ أَعْرَفَ بِهِ لَیْسَ أَحَدٌ مِنَّا أَشَدَّ عَلَی مُحَمَّدٍ مِنْهُ وَ إِنْ كَانَ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ قُلْتُ لَهُمُ ادْخُلُوا فِی الْإِسْلَامِ فَوَ اللَّهِ لَا یَبْرَحُ مُحَمَّدٌ مِنْ عُقْرِ دَارِكُمْ حَتَّی تَنْزِلُوا فَخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَمَاناً فَخَذَلْتُهُمْ مَا اسْتَطَعْتُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَقَدْ كَذَبْتَ لَقَدْ قُلْتَ لَهُمْ كَذَا وَ كَذَا وَ عَاتَبَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ أَتُوبُ إِلَیْهِ وَ لَا أَعُودُ أَبَداً.
بیان: عقر الدار بالضم وسطها و أصلها و قد یفتح.
«6»-شا، الإرشاد ثم كانت غزاة (1) حنین حین استظهر رسول اللّٰه فیها بكثرة الجمع فخرج صلی اللّٰه علیه و آله متوجها إلی القوم فی عشرة آلاف من المسلمین فظن أكثرهم أنهم لم یغلبوا (2) لما شاهدوه من جمعهم و كثرة عدتهم (3) و سلاحهم و أعجب أبا بكر الكثرة یومئذ فقال لن نغلب الیوم من قلة و كان الأمر فی ذلك بخلاف ما ظنوا (4) و عانهم أبو بكر بعجبه بهم فلما التقوا مع المشركین لم یلبثوا حتی انهزموا بأجمعهم و لم یبق منهم مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلا عشرة أنفس (5) تسعة من بنی هاشم خاصة و عاشرهم أیمن ابن أم أیمن فقتل أیمن رحمة اللّٰه علیه و ثبتت التسعة (6) الهاشمیون حتی ثاب إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من كان انهزم فرجعوا أولا فأولا حتی تلاحقوا و كانت لهم الكرة علی المشركین و فی ذلك أنزل اللّٰه تعالی و فی إعجاب أبی بكر بالكثرة وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَیْئاً وَ ضاقَتْ عَلَیْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِینَتَهُ عَلی
ص: 155
رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ (1) یعنی أمیر المؤمنین علیا علیه السلام و من ثبت معه من بنی هاشم و هم یومئذ ثمانیة أمیر المؤمنین علیه السلام تاسعهم العباس (2) بن عبد المطلب عن یمین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الفضل بن العباس عن یساره و أبو سفیان بن الحارث ممسك بسرجه عند نفر بغلته (3) و أمیر المؤمنین علیه السلام بین یدیه یضرب بالسیف و نوفل بن الحارث و ربیعة بن الحارث و عبد اللّٰه بن الزبیر بن عبد المطلب و عتبة و معتب ابنا أبی لهب حوله و قد ولت الكافة مدبرین سوی من ذكرناه و فی ذلك یقول مالك بن عبادة الغافقی:
لم یواس النبی غیر بنی هاشم*** عند السیوف یوم حنین
هرب الناس غیر تسعة رهط*** فهم یهتفون بالناس أین (4)
ثم قاموا مع النبی علی الموت*** فآتوا زینا لنا غیر شین
و سوی أیمن الأمین من القوم*** شهیدا فاعتاض قرة عین.
و قال العباس بن عبد المطلب فی هذا المقام:
نصرنا رسول اللّٰه فی الحرب تسعة*** و قد فر من قد فر عنه فأقشعوا
و قولی إذا ما الفضل شد بسیفه*** علی القوم أخری یا بنی لیرجعوا
و عاشرنا لاقی الحمام بنفسه*** لما ناله فی اللّٰه لم یتوجع
(5) یعنی به أیمن ابن أم أیمن رحمه اللّٰه و لما رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هزیمة القوم عنه قال للعباس و كان رجلا جهوریا صیتا ناد بالقوم و ذكرهم العهد فنادی العباس بأعلی صوته یا أهل بیعة الشجرة یا أصحاب سورة البقرة إلی أین تفرون اذكروا العهد الذی عاهدتم علیه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و القوم علی وجوههم قد ولوا مدبرین و كانت لیلة ظلماء و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی الوادی و المشركون قد خرجوا علیه من شعاب الوادی و جنباته و مضایقه مصلتین سیوفهم (6) و عمدهم و قسیهم
ص: 156
قال فنظر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی الناس ببعض وجهه فی الظلماء فأضاء كأنه القمر لیلة البدر (1) ثم نادی المسلمین أین ما عاهدتم اللّٰه علیه فأسمع أولهم و آخرهم فلم یسمعها رجل إلا رمی بنفسه إلی الأرض فانحدروا (2) إلی حیث كانوا من الوادی حتی لحقوا بالعدو فقاتلوه.
قال (3) و أقبل رجل من هوازن (4) علی جمل (5) أحمر بیده رایة سوداء فی رأس رمح طویل أمام القوم إذا أدرك ظفرا من المسلمین أكب علیهم و إذا فاته الناس رفعه لمن وراءه (6) من المشركین فاتبعوه و هو یرتجز و یقول
أنا أبو جرول لا براح*** حتی نبیح القوم (7) أو نباح.
فصمد له أمیر المؤمنین علیه السلام فضرب عجز بعیره فصرعه ثم ضربه فقطره ثم قال
قد علم القوم لدی الصباح*** أنی فی الهیجاء (8) ذو نصاح
فكانت هزیمة المشركین بقتل أبی جرول لعنه اللّٰه ثم التأم الناس (9) و صفوا للعدو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَذَقْتَ أَوَّلَ قُرَیْشٍ نَكَالًا فَأَذِقْ آخِرَهَا نَوَالًا وَ تَجَالَدَ الْمُسْلِمُونَ وَ الْمُشْرِكُونَ فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قَامَ فِی رِكَابَیْ سَرْجِهِ حَتَّی أَشْرَفَ عَلَی جَمَاعَتِهِمْ ثُمَّ قَالَ الْآنَ حَمِیَ الْوَطِیسُ:
أَنَا النَّبِیُّ لَا كَذِبَ*** أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ وَلَّی الْقَوْمُ أَدْبَارَهُمْ (10) وَ جِی ءَ بِالْأَسْرَی (11) إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُكَتَّفِینَ (12) و لما قتل أمیر المؤمنین علیه السلام أبا جرول و خذل القوم بقتله (13)
ص: 157
وضع القوم (1) سیوفهم فیهم و أمیر المؤمنین علیه السلام یقدمهم حتی قتل بنفسه أربعین رجلا من القوم ثم كانت الهزیمة و الأسر حینئذ و كان أبو سفیان صخر بن حرب بن أمیة فی هذه الغزاة فانهزم فی جملة من انهزم من المسلمین.
و روی (2) عن معاویة بن أبی سفیان أنه قال لقیت أبی منهزما مع بنی أمیة من أهل مكة فصحت به یا ابن حرب و اللّٰه ما صبرت (3) من ابن عمك و لا قاتلت عن دینك و لا كففت هؤلاء الأعراب عن حریمك فقال من أنت قلت معاویة قال ابن هند قلت نعم قال بأبی و أمی ثم وقف و اجتمع (4) معه الناس من أهل مكة و انضمت إلیهم ثم حملنا علی القوم فضعضعناهم و ما زال المسلمون یقتلون المشركین و یأسرون منهم حتی ارتفع النهار فأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالكف (5) و نادی أن لا یقتل أسیر من القوم و كانت هذیل بعث رسولا (6) یقال له ابن الأكوع (7) أیام الفتح عینا علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله حتی علم علمه فجاء إلی هذیل بخبره و أسر یوم حنین فمر به عمر بن الخطاب فلما رآه أقبل علی رجل من الأنصار و قال هذا عدو اللّٰه الذی كان علینا عینا ها هو أسیر فاقتله فضرب الأنصاری عنقه و بلغ ذلك النبی صلی اللّٰه علیه و آله فكره ذلك و قال أ لم آمركم أن لا تقتلوا أسیرا و قتل بعده جمیل بن معمر بن زهیر و هو أسیر فبعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی الأنصار و هو مغضب فقال ما حملكم علی قتله و قد جاءكم الرسول أن لا تقتلوا أسیرا فقالوا إنما قتلناه بقول عمر فأعرض رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی كلمه عمیر بن وهب فی الصفح عن ذلك و قسم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله غنائم حنین فی قریش خاصة و أجزل القسم (8) للمؤلفة قلوبهم كأبی سفیان صخر بن حرب و عكرمة
ص: 158
بن أبی جهل و صفوان بن أمیة و الحارث بن هشام و سهیل بن عمرو و زهیر بن أبی أمیة و عبد اللّٰه بن أبی أمیة و معاویة بن أبی سفیان و هشام بن المغیرة و الأقرع بن حابس و عیینة بن حصن فی أمثالهم و قیل إنه جعل للأنصار شیئا یسیرا و أعطی الجمهور لمن سمیناه فغضب قوم من الأنصار لذلك و بلغ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عنهم مقال أسخطه فنادی فیهم فاجتمعوا و قال (1) لهم اجلسوا و لا یقعد معكم أحد من غیركم فَلَمَّا قَعَدُوا جَاءَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَتْبَعُهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا حَتَّی جَلَسَ (2) وَسْطَهُمْ وَ قَالَ لَهُمْ إِنِّی سَائِلُكُمْ عَنْ أَمْرٍ فَأَجِیبُونِی عَنْهُ فَقَالُوا قُلْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَ لَسْتُمْ كُنْتُمْ ضَالِّینَ فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِی فَقَالُوا بَلَی (3) فَلِلَّهِ الْمِنَّةُ وَ لِرَسُولِهِ قَالَ أَ لَمْ تَكُونُوا عَلَی شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمُ اللَّهُ بِی قَالُوا بَلَی فَلِلَّهِ الْمِنَّةُ وَ لِرَسُولِهِ قَالَ أَ لَمْ تَكُونُوا قَلِیلًا فَكَثَّرَكُمُ اللَّهُ بِی قَالُوا بَلَی فَلِلَّهِ الْمِنَّةُ وَ لِرَسُولِهِ قَالَ أَ لَمْ تَكُونُوا أَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَیْنَ قُلُوبِكُمْ بِی قَالُوا بَلَی فَلِلَّهِ الْمِنَّةُ وَ لِرَسُولِهِ ثُمَّ سَكَتَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله هُنَیْئَةً (4) ثُمَّ قَالَ أَ لَا تُجِیبُونِی بِمَا عِنْدَكُمْ قَالُوا بِمَ نُجِیبُكَ فِدَاؤُكَ آبَاؤُنَا وَ أُمَّهَاتُنَا قَدْ أَجَبْنَاكَ بِأَنَّ لَكَ الْفَضْلَ وَ الْمَنَّ وَ الطَّوْلَ عَلَیْنَا قَالَ أَمَا لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ وَ أَنْتَ قَدْ كُنْتَ جِئْتَنَا طَرِیداً فَآوَیْنَاكَ وَ جِئْتَنَا خَائِفاً فَآمَنَّاكَ وَ جِئْتَنَا مُكَذَّباً فَصَدَّقْنَاكَ فَارْتَفَعَتْ (5) أَصْوَاتُهُمْ بِالْبُكَاءِ وَ قَامَ شُیُوخُهُمْ وَ سَادَاتُهُمْ إِلَیْهِ فَقَبَّلُوا (6) یَدَیْهِ وَ رِجْلَیْهِ ثُمَّ قَالُوا رَضِینَا بِاللَّهِ وَ عَنْهُ وَ بِرَسُولِهِ وَ عَنْهُ وَ هَذِهِ أَمْوَالُنَا بَیْنَ یَدَیْكَ فَإِنْ شِئْتَ فَاقْسِمْهَا عَلَی قَوْمِكَ وَ إِنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَّا عَلَی غَیْرِ وَغْرِ (7) صَدْرٍ وَ غِلٍّ فِی قَلْبٍ وَ لَكِنَّهُمْ ظَنُّوا سَخَطاً عَلَیْهِمْ وَ تَقْصِیراً (8) لَهُمْ وَ قَدِ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ فَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَ لِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَ
ص: 159
لِأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ یَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ یَرْجِعَ غَیْرُكُمْ بِالشَّاءِ وَ النَّعَمِ وَ تَرْجِعُونَ (1) أَنْتُمْ وَ فِی سَهْمِكُمْ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا بَلَی رَضِینَا قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَئِذٍ الْأَنْصَارُ كَرِشِی وَ عَیْبَتِی لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِیاً وَ سَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ.
وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَعْطَی الْعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ أَرْبَعاً (2) مِنَ الْإِبِلِ فَسَخِطَهَا وَ أَنْشَأَ یَقُولُ:
أَ تَجْعَلُ نَهْبِی وَ نَهْبَ الْعُبَیْدِ*** بَیْنَ عُیَیْنَةَ وَ الْأَقْرَعِ
فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَ لَا حَابِسٌ*** یَفُوقَانِ شَیْخِی فِی الْمَجْمَعِ
وَ مَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا*** وَ مَنْ تَضَعِ الْیَوْمَ لَمْ یُرْفَعِ.
(3) فَبَلَغَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَوْلُهُ فَاسْتَحْضَرَهُ وَ قَالَ لَهُ أَنْتَ الْقَائِلُ أَ تَجْعَلُ نَهْبِی وَ نَهْبَ الْعُبَیْدِ بَیْنَ الْأَقْرَعِ وَ عُیَیْنَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی لَسْتَ بِشَاعِرٍ فَقَالَ وَ كَیْفَ قَالَ قَالَ بَیْنَ عُیَیْنَةَ وَ الْأَقْرَعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قُمْ یَا عَلِیُّ وَ اقْطَعْ لِسَانَهُ قَالَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ وَ اللَّهِ (4) لَهَذِهِ الْكَلِمَةُ كَانَتْ أَشَدَّ عَلَیَّ مِنْ یَوْمِ خَثْعَمٍ حِینَ أَتَوْنَا فِی دِیَارِنَا فَأَخَذَ بِیَدِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَانْطَلَقَ بِی وَ لَوْ أَدْرِی (5) أَنَّ أَحَداً یُخَلِّصُنِی مِنْهُ لَدَعَوْتُهُ فَقُلْتُ یَا عَلِیُّ إِنَّكَ لَقَاطِعٌ لِسَانِی قَالَ إِنِّی لَمُمْضٍ فِیكَ مَا أُمِرْتُ قَالَ ثُمَّ مَضَی بِی فَقُلْتُ یَا عَلِیُّ إِنَّكَ لَقَاطِعٌ لِسَانِی قَالَ إِنِّی لَمُمْضٍ فِیكَ مَا أُمِرْتُ قَالَ فَمَا زَالَ بِی حَتَّی أَدْخَلَنِی الْحَظَائِرَ فَقَالَ لِی اعْقِلْ (6) مَا بَیْنَ أَرْبَعٍ إِلَی مِائَةٍ قَالَ فَقُلْتُ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی مَا أَكْرَمَكُمْ وَ أَحْلَمَكُمْ وَ أَعْلَمَكُمْ قَالَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَعْطَاكَ أَرْبَعاً وَ جَعَلَكَ مَعَ الْمُهَاجِرِینَ فَإِنْ شِئْتَ فَخُذْهَا وَ إِنْ شِئْتَ فَخُذِ الْمِائَةَ وَ
ص: 160
كُنْ مَعَ أَهْلِ (1) الْمِائَةِ قَالَ قُلْتُ أَشِرْ عَلَیَّ قَالَ فَإِنِّی آمُرُكَ أَنْ تَأْخُذَ مَا أَعْطَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ تَرْضَی قُلْتُ فَإِنِّی أَفْعَلُ وَ لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله غَنَائِمَ حُنَیْنٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ طَوِیلٌ (2) آدَمُ أَحْنَی بَیْنَ عَیْنَیْهِ أَثَرُ السُّجُودِ فَسَلَّمَ وَ لَمْ یَخُصَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ قَدْ رَأَیْتُكَ وَ مَا صَنَعْتَ فِی هَذِهِ الْغَنَائِمِ قَالَ (3) وَ كَیْفَ رَأَیْتَ قَالَ لَمْ أَرَكَ عَدَلْتَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ وَیْلَكَ إِذَا لَمْ یَكُنِ الْعَدْلُ عِنْدِی فَعِنْدَ مَنْ یَكُونُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ أَ لَا نَقْتُلُهُ قَالَ (4) دَعُوهُ فَإِنَّهُ سَیَكُونُ لَهُ أَتْبَاعٌ یَمْرُقُونَ مِنَ الدِّینِ كَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ یَقْتُلُهُمْ اللَّهُ عَلَی یَدِ أَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَیْهِ مِنْ بَعْدِی فَقَتَلَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فِیمَنْ قَتَلَ یَوْمَ النَّهْرَوَانِ مِنَ الْخَوَارِجِ (5).
بیان: عانه یعینه عینا أصابه بالعین و أقشع الریح السحاب كشفته فأقشع و انقشع و قولی مبتدأ و أخری خبره أی أحمل حملة أخری و الجملة حالیة أو التقدیر كان قولی و الحمام ككتاب الموت أو قدره و فی النهایة جهوری أی شدید عال و الواو زائدة قوله یا أصحاب سورة البقرة كأنه وبخهم بذلك لقوله تعالی فیها فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِیلًا مِنْهُمْ (6) أو لاختتامها بقوله فَانْصُرْنا عَلَی الْقَوْمِ الْكافِرِینَ (7) أو لاشتمالها علی آیات الجهاد كقوله تعالی وَ اقْتُلُوهُمْ حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (8) و قوله وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (9) كما ورد فی أخبار العامة هذا مقام الذی أنزل علیه سورة البقرة و قالوا حضها (10) لأن معظم أحكام المناسك فیها سیما ما یتعلق بوقت الرمی انتهی أو لأن أكثر آیات النفاق و ذم المنافقین فیها أو لأنها أول سورة ذكر فیها قصة مخالفة بنی إسرائیل موسی بعبادة العجل و ترك دخول باب حطة و الجهاد مع
ص: 161
العمالقة أو أراد جماعة حفظوا سورة البقرة تعریضا بأنه لا یناسب حالهم تلك فعلهم ذلك هذه الوجوه خطر بالبال فی ذلك و فی أكثر روایات المخالفین یا أصحاب السمرة فقط و هی الشجرة التی بایعوا تحتها بیعة الرضوان و یقال طعنه فقطره تقطیرا أی ألقاه علی أحد قطریه و هما جانباه فتقطر أی سقط.
و قال الجزری فی حدیث حنین الآن حمی الوطیس الوطیس التنور و هو كنایة عن شدة الأمر و اضطرام الحرب و یقال إن هذه الكلمة أول من قالها النبی صلی اللّٰه علیه و آله لما اشتد البأس یومئذ و لم تسمع قبله و هی من أحسن الاستعارات و قال فی موضع آخر الوطیس شبه التنور و قیل هو الضراب فی الحرب و قیل هو الوطء الذی یطس الناس أی یدقهم و قال الأصمعی هو حجارة مدورة إذا حمیت لم یقدر أحد أن یطأها عبر به عن اشتباك الحرب و قیامها علی ساق و قال فیه الأنصار كرشی و عیبتی أراد أنهم بطانته و موضع سره و أمانته و الذین یعتمد علیهم فی أموره و استعار الكرش و العیبة لذلك لأن المجتر یجمع علفه فی كرشه و الرجل یضع ثیابه فی عیبته و قیل أراد بالكرش الجماعة أی جماعتی و صحابتی یقال علیه كرش من الناس أی جماعة.
و قال الفیروزآبادی الكرش بالكسر و ككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان قوله صلی اللّٰه علیه و آله بین الأقرع و عیینة لعله صلی اللّٰه علیه و آله إنما تعمد ذلك لئلا یجری علی لسانه الشعر فلم یفهم أبو بكر و الآدم من الناس الأسمر.
أقول: زاد الطبرسی رحمه اللّٰه بعد قوله صلی اللّٰه علیه و آله لسلكت شعب الأنصار و لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار و ساق القصة نحوه فی التفسیر. (1).
«7»- شا، الإرشاد لما فض اللّٰه تعالی جمع المشركین بحنین تفرقوا فرقتین فأخذت الأعراب و من تبعهم إلی أوطاس و أخذت ثقیف و من تبعها إلی الطائف فبعث
ص: 162
النبی صلی اللّٰه علیه و آله أبا عامر الأشعری إلی أوطاس فی جماعة منهم أبو موسی الأشعری و بعث أبا سفیان صخرا (1) إلی الطائف فأما أبو عامر فإنه تقدم بالرایة و قاتل حتی قتل دونها فقال المسلمون لأبی موسی أنت ابن عم الأمیر و قد قتل فخذ الرایة حتی نقاتل دونها فأخذها أبو موسی فقاتل المسلمون (2) حتی فتح اللّٰه علیهم و أما أبو سفیان فإنه لقیته ثقیف فضربوه علی وجهه فانهزم و رجع إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقال بعثتنی مع قوم لا یرفع بهم الدلاء من هذیل و الأعراب فما أغنوا عنی شیئا فسكت النبی صلی اللّٰه علیه و آله عنه ثم سار بنفسه إلی الطائف فحاصرهم أیاما و أنفذ أمیر المؤمنین علیه السلام فی خیل و أمره أن یطأ ما وجده (3) و یكسر كل صنم وجده فخرج حتی لقیته خیل خثعم فی جمع كثیر فبرز لهم رجل من القوم یقال له شهاب فی غبش الصبح (4) فقال هل من مبارز فقال أمیر المؤمنین علیه السلام من له فلم یقم إلیه أحد فقام إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام فوثب أبو العاص بن الربیع زوج بنت النبی (5) صلی اللّٰه علیه و آله فقال تكفاه أیها الأمیر فقال لا و لكن إن قتلت فأنت علی الناس فَبَرَزَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَیْهِ وَ هُوَ یَقُولُ:
إِنَّ عَلَی كُلِّ رَئِیسٍ حَقَّا*** أَنْ یَرْوِیَ الصَّعْدَةَ أَوْ یُدَقَّا
(6) ثم ضربه و قتله (7) و مضی فی تلك الخیل حتی كسر الأصنام و عاد إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو محاصر أهل الطائف (8) فلما رآه النبی صلی اللّٰه علیه و آله كبر للفتح و أخذ بیده فخلا به و ناجاه طویلا.
فَرَوَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَیَابَةَ وَ الْأَجْلَحُ جَمِیعاً عَنْ أَبِی الزُّبَیْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا خَلَا بِعَلِیٍ
ص: 163
علیه السلام یَوْمَ الطَّائِفِ أَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَ تُنَاجِیهِ دُونَنَا وَ تَخْلُو بِهِ دُونَنَا فَقَالَ یَا عُمَرُ مَا أَنَا انْتَجَیْتُهُ بَلِ اللَّهُ انْتَجَاهُ قَالَ فَأَعْرَضَ عُمَرُ وَ هُوَ یَقُولُ هَذَا كَمَا قُلْتَ لَنَا قَبْلَ (1) الْحُدَیْبِیَةِ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِینَ فَلَمْ نَدْخُلْهُ وَ صُدِدْنَا عَنْهُ فَنَادَاهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنَّكُمْ تَدْخُلُونَهُ فِی ذَلِكَ الْعَامِ ثم خرج من حصن الطائف نافع بن غیلان بن معتب فی خیل من ثقیف فلقیه أمیر المؤمنین علیه السلام ببطن وج فقتله و انهزم المشركون و لحق القوم الرعب فنزل منهم جماعة إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأسلموا و كان حصار النبی صلی اللّٰه علیه و آله للطائف بضعة (2) عشر یوما. (3).
توضیح: قال الجزری فی حدیث الأحنف
إن علی كل رئیس حقا*** أن یخضب الصعدة أو تندقا
الصعدة القناة التی تنبت مستقیمة و وج بالتشدید اسم بلد بالطائف.
«8»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: ذَكَرَ أَحَدُهُمَا أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ غَنِیمَةِ حُنَیْنٍ وَ كَانَ یُعْطِی الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ یُعْطِی الرَّجُلَ مِنْهُمْ مِائَةَ رَاحِلَةٍ وَ نَحْوَ ذَلِكَ وَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَیْثُ أُمِرَ فَأَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَدْ أَزَاغَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَ رَانَ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ مَا عَدَلْتَ حِینَ قَسَمْتَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَیْلَكَ مَا تَقُولُ أَ لَا تَرَی قَسَمْتُ الشَّاةَ حَتَّی لَمْ یَبْقَ مَعِی شَاةٌ أَ وَ لَمْ أَقْسِمِ الْبَقَرَ حَتَّی لَمْ یَبْقَ مَعِی بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ أَ وَ لَمْ أَقْسِمِ الْإِبِلَ حَتَّی لَمْ یَبْقَ مَعِی بَعِیرٌ وَاحِدٌ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَهُ اتْرُكْنَا یَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّی نَضْرِبَ عُنُقَ هَذَا الْخَبِیثِ فَقَالَ لَا هَذَا یَخْرُجُ فِی قَوْمٍ یَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا یَجُوزُ تَرَاقِیَهُمْ بَلَی قَاتِلُهُمْ غَیْرِی (4).
«9»- عم، إعلام الوری كان سبب غزوة حنین أن هوازن جمعت له جمعا كثیرا فذكر لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن صفوان بن أمیة عنده مائة درع فسأله ذلك فقال أ غصبا یا محمد
ص: 164
قال لا و لكن عاریة مضمونة (1) قال لا بأس بهذا فأعطاه فخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی ألفین من مكة و عشرة آلاف كانوا معه فقال أحد أصحابه لن نغلب الیوم من قلة فشق ذلك علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأنزل اللّٰه سبحانه وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ الآیة.
و أقبل مالك بن عوف النصری فیمن معه من قبائل قیس و ثقیف فبعث رسول اللّٰه عبد اللّٰه بن أبی حدرد عینا فسمع ابن عوف یقول یا معشر هوازن إنكم أحد العرب و أعده و إن هذا الرجل (2) لم یلق قوما یصدقونه القتال فإذا لقیتموه فاكسروا جفون سیوفكم و احملوا علیه حملة رجل واحد فأتی ابن أبی حدرد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأخبره فقال (3) عمر أ لا تسمع (4) یا رسول اللّٰه ما یقول ابن أبی حدرد فقال قد كنت ضالا فهداك اللّٰه یا عمر و ابن أبی حدرد صادق.
قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام وَ كَانَ مَعَ هَوَازِنَ دُرَیْدُ بْنُ صحة (الصِّمَّةِ) (5) خَرَجُوا بِهِ شَیْخاً كَبِیراً یَتَیَمَّنُونَ بِرَأْیِهِ فَلَمَّا نَزَلُوا بِأَوْطَاسٍ قَالَ نِعْمَ مَجَالُ الْخَیْلِ لَا حَزْنٌ ضِرْسٌ وَ لَا سَهْلٌ دهسن (دَهْسٌ) مَا لِی أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِیرِ وَ نُهَاقَ الْحَمِیرِ وَ بُكَاءَ الصَّغِیرِ قَالُوا سَاقَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَ نِسَاءَهُمْ وَ ذَرَارِیَّهُمْ قَالَ فَأَیْنَ مَالِكٌ فَدُعِیَ مَالِكٌ لَهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ یَا مَالِكُ أَصْبَحْتَ رَئِیسَ قَوْمِكَ وَ إِنَّ هَذَا یَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَیَّامِ مَا لِی أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِیرِ وَ نُهَاقَ الْحَمِیرِ وَ بُكَاءَ الصَّغِیرِ وَ ثُغَاءَ الشَّاءِ (6) قَالَ أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ
ص: 165
كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَ مَالَهُ لِیُقَاتِلَ عَنْهُمْ قَالَ وَیْحَكَ لَمْ تَصْنَعْ شَیْئاً قَدَّمْتَ بَیْضَةَ هَوَازِنَ فِی نُحُورِ الْخَیْلِ وَ هَلْ یَرُدُّ وَجْهَ الْمُنْهَزِمِ شَیْ ءٌ إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ یَنْفَعْكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَیْفِهِ وَ رُمْحِهِ وَ إِنْ كَانَتْ عَلَیْكَ فُضِحْتَ فِی أَهْلِكَ وَ مَالِكَ قَالَ إِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ وَ كَبِرَ عَقْلُكَ فَقَالَ دُرَیْدٌ إِنْ كُنْتُ قَدْ كَبِرْتُ فَتُورِثُ غَداً قَوْمَكَ ذُلًّا بِتَقْصِیرِ رَأْیِكَ وَ عَقْلِكَ هَذَا یَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَ لَمْ أَغِبْ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ حَرْبٌ عَوَانٌ:
یَا لَیْتَنِی فِیهَا جَذَعٌ*** أَخِبُّ فِیهَا وَ أَضَعُ (1)
قال جابر فسرنا حتی إذا استقبلنا وادی حنین كان القوم قد كمنوا فی شعاب الوادی و مضایقه فما راعنا إلا كتائب الرجال بأیدیها السیوف و العمد و القنی فشدوا علینا شدة رجل واحد فانهزم الناس راجعین لا یلوی أحد علی أحد و أخذ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذات الیمین و أحدق ببغلته تسعة من بنی عبد المطلب و أقبل مالك بن عوف یقول أرونی محمدا فأروه فحمل علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كان رجلا أهوج فلقیه رجل من المسلمین فالتقیا فقتله مالك و قیل إنه أیمن ابن أم أیمن ثم أقدم فرسه فأبی أن یقدم نحو رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و صاح كلدة بن الحنبل (2) و هو أخو صفوان بن أمیة لأمه و صفوان یومئذ مشرك ألا بطل السحر الیوم فقال صفوان اسكت فض اللّٰه فاك فو اللّٰه لأن یربنی (3) رجل من قریش أحب إلی من أن یربنی رجل من هوازن.
قال محمد بن إسحاق و قال شیبة بن عثمان بن أبی طلحة أخو بنی عبد الدار الیوم أدرك ثاری و كان أبوه قتل یوم أحد الیوم أقتل محمدا قال فأدرت برسول اللّٰه لأقتله فأقبل شی ء حتی تغشی فؤادی فلم أطق ذلك فعرفت أنه ممنوع.
و روی عكرمة عن شیبة قال لما رأیت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم حنین قد عری ذكرت أبی و عمی و قتل علی و حمزة إیاهما فقلت أدرك ثاری الیوم من محمد فذهبت لأجیئه عن یمینه فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائما علیه درع بیضاء
ص: 166
كأنها فضة یكشف عنها العجاج فقلت عمه و لن یخذله ثم جئته عن یساره فإذا أنا بأبی سفیان بن الحارث بن عبد المطلب فقلت ابن عمه و لن یخذله ثم جئته من خلفه فلم یبق إلا أن أسوره سورة بالسیف إذ رفع لی شواظ من نار بینی و بینه كأنه برق فخفت أن یمحشنی فوضعت یدی علی بصری و مشیت القهقری وَ الْتَفَتَ رَسُولُ (1) اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ یَا شَیْبُ یَا شَیْبُ ادْنُ مِنِّی اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّیْطَانَ قَالَ فَرَفَعْتُ إِلَیْهِ بَصَرِی وَ لَهُوَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ سَمْعِی وَ بَصَرِی وَ قَالَ یَا شَیْبُ قَاتِلِ الْكُفَّارَ.
وَ عَنْ مُوسَی بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الرِّكَابَیْنِ وَ هُوَ عَلَی الْبَغْلَةِ فَرَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی اللَّهِ یَدْعُو وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّی أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَنِی اللَّهُمَّ لَا یَنْبَغِی لَهُمْ أَنْ یَظْهَرُوا عَلَیْنَا وَ نَادَی أَصْحَابَهُ وَ ذَمَرَهُمْ یَا أَصْحَابَ الْبَیْعَةِ یَوْمَ الْحُدَیْبِیَةِ اللَّهَ اللَّهَ الْكَرَّةَ عَلَی نَبِیِّكُمْ وَ قِیلَ إِنَّهُ قَالَ یَا أَنْصَارَ اللَّهِ وَ أَنْصَارَ رَسُولِهِ (2) یَا بَنِی الْخَزْرَجِ وَ أَمَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَنَادَی فِی الْقَوْمِ بِذَلِكَ (3) فَأَقْبَلَ إِلَیْهِ أَصْحَابُهُ سِرَاعاً یَبْتَدِرُونَ.
وَ رُوِیَ أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ الْآنَ حَمِیَ الْوَطِیسُ
أَنَا النَّبِیُّ لَا كَذِبٌ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
قال سلمة بن الأكوع و نزل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم و قال شاهت الوجوه فما خلق اللّٰه منهم إنسانا إلا ملأ عینه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرین و اتبعهم (4) المسلمون فقتلوهم و غنمهم اللّٰه نساءهم و ذراریهم و شاءهم و أموالهم و فر مالك بن عوف حتی دخل حصن الطائف فی ناس من أشراف قومه (5) و أسلم عند ذلك كثیر من أهل مكة حین رأوا نصر اللّٰه و إعزاز دینه.
ص: 167
قَالَ أَبَانٌ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِیَادٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَبَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ حُنَیْنٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ رَأْسٍ وَ اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ نَاقَةٍ سِوَی مَا لَا یُعْلَمُ مِنَ الْغَنَائِمِ وَ خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْأَنْفَالَ وَ الْأَمْوَالَ وَ السَّبَایَا بِالْجِعْرَانَةِ وَ افْتَرَقَ الْمُشْرِكُونَ فِرْقَتَیْنِ فَأَخَذَتِ الْأَعْرَابُ وَ مَنْ تَبِعَهُمْ [إِلَی أَوْطَاسٍ وَ أَخَذَتْ ثَقِیفٌ وَ مَنْ تَبِعَهُمُ الطَّائِفَ وَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِیَّ إِلَی أَوْطَاسٍ فَقَاتَلَ حَتَّی قُتِلَ فَأَخَذَ (1) الرَّایَةَ أَبُو مُوسَی الْأَشْعَرِیُّ وَ هُوَ ابْنُ عَمِّهِ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّی فَتَحَ عَلَیْهِ.
ثم كانت غزوة الطائف سار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی الطائف فی شوال سنة ثمان فحاصرهم بضعة عشر یوما و خرج نافع بن غیلان بن معتب فی خیل من ثقیف فلقیه علی صلی اللّٰه علیه و آله فی خیله فالتقوا ببطن وج فقتله علی علیه السلام و انهزم المشركون و نزل من حصن الطائف إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله جماعة من أرقائهم منهم أبو بكرة و كان عبدا للحارث بن كلدة و المنبعث و كان اسمه المضطجع فسماه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المنبعث و وردان و كان عبدا لعبد اللّٰه بن ربیعة (2) فأسلموا فلما قدم وفد الطائف علی رسول اللّٰه فأسلموا قالوا (3) یا رسول اللّٰه رد علینا رقیقنا الذین أتوك فقال لا أولئك عتقاء اللّٰه.
و ذكر الواقدی عن شیوخه قال شاور رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أصحابه فی حصن الطائف فقال له سلمان الفارسی یا رسول اللّٰه أری أن تنصب المنجنیق علی حصنهم فأمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فعمل منجنیق و یقال قدم بالمنجنیق یزید بن زمعة و دبابتین (4)
ص: 168
و یقال خالد بن سعید فأرسل علیهم ثقیف سكك (1) الحدید محماة بالنار فأحرقت الدبابة فأمر رسول اللّٰه بقطع أعنابهم و تحریقها فنادی سفیان بن عبد اللّٰه الثقفی لم تقطع أموالنا إما أن تأخذها إن ظهرت علینا و إما أن تدعها لله و الرحم فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فإنی أدعها لله و الرحم فتركها.
و أنفذ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علیا فی خیل عند محاصرته أهل الطائف و أمر (2) أن یكسر كل صنم وجده فخرج فلقیته (3) جمع كثیر من خثعم فبرز له رجل من القوم و قال هل من مبارز فلم یقم أحد (4) فقام إلیه علی علیه السلام فوثب أبو العاص بن الربیع زوج بنت النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقال تكفاه أیها الأمیر فقال لا و لكن إن قتلت فأنت علی الناس فَبَرَزَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ علیه السلام وَ هُوَ یَقُولُ:
إِنَّ عَلَی كُلِّ رَئِیسٍ حَقَّا*** أَنْ تَرْوِیَ الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا
ثم ضربه فقتله و مضی حتی كسر الأصنام و انصرف إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو بعد محاصر لأهل الطائف ینتظره فلما رآه كبر و أخذ بیده و خلا به.
فَرَوَی جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا خَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام یَوْمَ الطَّائِفِ أَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَ تُنَاجِیهِ دُونَنَا وَ تَخْلُو بِهِ دُونَنَا فَقَالَ یَا عُمَرُ مَا أَنَا انْتَجَیْتُهُ بَلِ اللَّهُ انْتَجَاهُ قَالَ فَأَعْرَضَ وَ هُوَ یَقُولُ هَذَا كَمَا قُلْتَ لَنَا یَوْمَ الْحُدَیْبِیَةِ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ مُحَلِّقِینَ فَلَمْ نَدْخُلْهُ وَ صُدِدْنَا عَنْهُ فَنَادَاهُ صلی اللّٰه علیه و آله لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنَّكُمْ تَدْخُلُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ. قال فلما قدم علی فكأنما كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی وجل فارتحل فنادی سعید بن عبید ألا إن الحی مقیم فقال لا أقمت و لا ظعنت فسقط فانكسر فخذه.
و عن محمد بن إسحاق قال حاصر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أهل الطائف ثلاثین لیلة أو قریبا من ذلك ثم انصرف عنهم و لم یؤذن فیهم فجاءه وفده فی شهر رمضان فأسلموا.
ثم رجع رسول اللّٰه إلی الجعرانة بمن معه من الناس و قسم بها ما أصاب من
ص: 169
الغنائم (1) یوم حنین فی المؤلفة قلوبهم من قریش و من سائر العرب و لم یكن فی الأنصار منها شی ء قلیل و لا كثیر قیل إنه جعل للأنصار شیئا یسیرا و أعطی الجمهور للمتألفین (2).
قال محمد بن إسحاق و أعطی (3) أبا سفیان بن حرب مائة بعیر و معاویة ابنه مائة بعیر و حكیم بن حزام من بنی أسد بن عبد العزی (4) مائة بعیر و أعطی النضر بن الحارث بن كلدة (5) مائة بعیر و أعطی العلاء بن حارثة الثقفی حلیف بنی وهدة مائة بعیر (6) و أعطی الحارث بن هشام من بنی مخزوم مائة و جبیر بن مطعم من بنی نوفل بن عبد مناف مائة و مالك بن عوف النصری (7) مائة فهؤلاء أصحاب المائة و قیل إنه أعطی علقمة بن علاثة مائة و الأقرع بن حابس مائة و عیینة بن حصن مائة و أعطی العباس بن مرداس (8) أربعا فتسخطها و أنشأ یقول:
أ تجعل نهبی (9) و نهب العبید*** بین عیینة و الأقرع
ص: 170
فما كان حصن و لا حابس*** یفوقان مرداس فی مجمع (1)
و ما كنت دون امرئ منهما*** و من تضع الیوم لا یرفع
و قد كنت فی الحرب ذا تدرأ*** فلم أعط شیئا و لم أمنع
فقال له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أنت القائل أ تجعل نهبی و نهب العبید بین الأقرع و عیینة فقال أبو بكر بأبی أنت و أمی لست بشاعر قال كیف قال فأنشده أبو بكر (2) فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یا علی قم إلیه فاقطع لسانه قال عباس فو اللّٰه لهذه الكلمة كانت أشد علی من یوم خثعم فأخذ علی بیدی فانطلق بی و قلت یا علی إنك لقاطع لسانی قال إنی ممض فیك ما أمرت حتی أدخلنی الحظائر فقال اعقل ما بین أربعة إلی مائة قال قلت بأبی أنتم و أمی ما أكرمكم و أحلمكم و أجملكم و أعلمكم فقال لی إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أعطاك أربعا و جعلك مع المهاجرین فإن شئت فخذها و إن شئت فخذ المائة و كن مع أهل المائة فقال فقلت لعلی علیه السلام أشر أنت علی قال فإنی آمرك أن تأخذ ما أعطاك و ترضی قال فإنی أفعل.
قال و غضب قوم من الأنصار لذلك و ظهر منهم كلام (3) قبیح حتی قال قائلهم لقی الرجل أهله و بنی عمه و نحن أصحاب كل كریهة.
فلما رأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ما دخل علی الأنصار من ذلك أمرهم أن یقعدوا و لا یقعد معهم غیرهم ثم أتاهم شبه المغضب یتبعه علی علیه السلام حتی جلس وسطهم فقال أ لم آتكم و أنتم علی شفا حفرة من النار فأنقذكم اللّٰه منها بی
ص: 171
قالوا بلی و لله و لرسوله المن و الطول و الفضل علینا قال أ لم آتكم و أنتم أعداء فألف اللّٰه بین قلوبكم بی قالوا أجل ثم قال أ لم آتكم و أنتم قلیل فكثركم اللّٰه بی و قال ما شاء اللّٰه أن یقول ثم سكت ثم قال أ لا تجیبونی قالوا بم نجیبك یا رسول اللّٰه فداك أبونا و أمنا لك المن و الفضل و الطول قال بل لو شئتم قلتم جئتنا طریدا مكذبا فآویناك و صدقناك و جئتنا خائفا فآمناك فارتفعت أصواتهم (1) و قام إلیه شیوخهم فقبلوا یدیه و رجلیه و ركبتیه ثم قالوا رضینا عن اللّٰه و عن رسوله و هذه أموالنا أیضا بین یدیك فاقسمها بین قومك إن شئت فقال یا معشر الأنصار أ وجدتم فی أنفسكم إذ قسمت مالا أتألف به قوما و وكلتم إلی إیمانكم أ ما ترضون أن یرجع غیركم بالشاء و النعم و رجعتم أنتم و رسول اللّٰه فی سهمكم ثم قال صلی اللّٰه علیه و آله الأنصار كرشی و عیبتی لو سلك الناس وادیا و سلك ِ الْأَنْصَار شعبا لسلكت شعب الأنصار اللّٰهم اغفر للأنصار و لأبناء الأنصار و لأبناء أبناء الأنصار قال و قد كان فیما سبی أخته بنت حلیمة فلما قامت علی رأسه قالت یا محمد أختك سبی بنت حلیمة قال فنزع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله برده فبسطه لها فأجلسها علیه ثم أكب علیها (2) یسائلها و هی التی كانت تحضنه إذا كانت (3) أمها ترضعه.
و أدرك وفد هوازن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالجعرانة و قد أسلموا فقالوا یا رسول اللّٰه لنا أصل و عشیرة و قد أصابنا من البلاء ما لم یخف علیك فامنن علینا من اللّٰه علیك و قام خطیبهم زهیر بن صرد فقال یا رسول اللّٰه إنا لو ملحنا الحارث بن أبی شمر أو النعمان بن المنذر ثم ولی منا مثل الذی ولیت لعاد علینا بفضله و عطفه و أنت خیر المكفولین و إنما فی الحظائر (4) خالاتك و بنات خالاتك و حواضنك و بنات حواضنك اللاتی أرضعنك و لسنا نسألك مالا إنما نسألكهن و قد كان
ص: 172
رسول اللّٰه قسم منهن ما شاء اللّٰه فلما كلمته أخته قال أما نصیبی و نصیب بنی عبد المطلب فهو لك و أما ما كان للمسلمین فاستشفعی بی علیهم فلما صلوا الظهر قامت فتكلمت و تكلموا فوهب لها الناس أجمعون (1) إلا الأقرع بن حابس و عیینة بن حصن فإنهما أبیا أن یهبا و قالوا یا رسول اللّٰه إن هؤلاء قوم قد أصابوا من نسائنا فنحن نصیب من نسائهم مثل ما أصابوا فأقرع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بینهم ثم قال اللّٰهم توه سهمیهما فأصاب أحدهما خادما لبنی عقیل و أصاب الآخر خادما لبنی نمیر فلما رأیا ذلك وهبا ما منعا قال و لو لا أن النساء وقعن فی القسمة لوهبهن لها كما وهب ما لم یقع فی القسمة و لكنهن وقعن فی أنصباء (2) الناس فلم یأخذ منهم إلا بطیبة النفس.
وَ رُوِیَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: مَنْ أَمْسَكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتُّ فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ فَیْ ءٍ یُصِیبُهُ فردوا إلی الناس نساءهم و أبناءهم قال و كلمته أخته فی مالك بن عوف فقال إن جاءنی فهو آمن فأتاه فرد علیه ماله و أعطاه مائة من الإبل..
وَ رَوَی الزُّهْرِیُّ عَنْ أَبِی سَلَمَةَ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ: بَیْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَ هُوَ یَقْسِمُ إِذْ أَتَاهُ ذُو الْخُوَیْصِرَةِ (3) رَجُلٌ مِنْ بَنِی تَمِیمٍ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَیْلَكَ مَنْ یَعْدِلُ إِنْ أَنَا لَمْ أَعْدِلْ وَ قَدْ خِبْتُ أَوْ خَسِرْتُ إِنْ أَنَا لَمْ أَعْدِلْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ یَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِی فِیهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَاباً یُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِ وَ صِیَامَهُ مَعَ صِیَامِهِ (4) یَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا یُجَاوِزُ تَرَاقِیَهُمْ یَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا یَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِیَّةِ یَنْظُرُ إِلَی نَصْلِهِ فَلَا یُوجَدُ فِیهِ شَیْ ءٌ ثُمَّ یَنْظُرُ إِلَی رِصَافِهِ فَلَا یُوجَدُ فِیهِ شَیْ ءٌ ثُمَّ یَنْظُرُ إِلَی نَضِیِّهِ وَ هُوَ قِدْحُهُ فَلَا یُوجَدُ فِیهِ شَیْ ءٌ ثُمَّ یَنْظُرُ فِی قُذَذِهِ فَلَا
ص: 173
یُوجَدُ فِیهِ شَیْ ءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَ الدَّمَ آیَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَی عَضُدَیْهِ مِثْلُ ثَدْیِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ یَخْرُجُونَ عَلَی خَیْرِ فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ.
قَالَ أَبُو سَعِیدٍ فَأَشْهَدُ أَنِّی سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام قَاتَلَهُمْ وَ أَنَا مَعَهُ وَ أَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلَ فَالْتُمِسَ فَوُجِدَ فَأُتِیَ بِهِ حَتَّی نَظَرْتُ إِلَیْهِ عَلَی نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِی نَعَتَ- رَوَاهُ الْبُخَارِیُّ فِی الصَّحِیحِ. (1) قَالُوا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ اتَّبَعَهُ النَّاسُ یَقُولُونَ یَا رَسُولَ اللَّهِ اقْسِمْ عَلَیْنَا فَیْئَنَا حَتَّی أَلْجَئُوهُ إِلَی شَجَرَةٍ فَانْتَزَعَ عَنْهُ رِدَاؤُهُ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسِ رُدُّوا عَلَیَّ رِدَائِی فَوَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَوْ كَانَ عِنْدِی عَدَدُ شَجَرَتِهَا نَعَماً لَقَسَمْتُهُ عَلَیْكُمْ ثُمَّ مَا أَلْفَیْتُمُونِی بَخِیلًا وَ لَا جَبَاناً ثُمَّ قَامَ إِلَی جَنْبِ بَعِیرٍ وَ أَخَذَ مِنْ سَنَامِهِ وَبَرَةً فَجَعَلَهَا بَیْنَ إِصْبَعَیْهِ فَقَالَ یَا أَیُّهَا النَّاسُ وَ اللَّهِ مَا لِی مِنْ فَیْئِكُمْ هَذِهِ الْوَبَرِةِ إِلَّا الْخُمُسُ وَ الْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَیْكُمْ فَأَدُّوا الْخِیَاطَ وَ الْمَخِیطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَ نَارٌ وَ شَنَارٌ عَلَی أَهْلِهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ مِنْ خُیُوطِ شَعْرٍ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذْتُ هَذَا لِأَخِیطَ بِهَا بَرْذَعَةَ بَعِیرٍ لِی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَّا حَقِّی مِنْهَا فَلَكَ فَقَالَ الرَّجُلُ أَمَّا إِذَا بَلَغَ الْأَمْرُ هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِی بِهَا وَ رَمَی بِهَا مِنْ یَدِهِ.
ثم خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من الجعرانة (2) فی ذی القعدة إلی مكة فقضی بها عمرته ثم صدر (3) إلی المدینة و خلیفته علی أهل مكة معاذ بن جبل و قال محمد بن إسحاق استخلف عتاب بن أسید و خلف معه معاذا یفقه الناس فی الدین و یعلمهم و حج بالناس فی تلك السنة و هی سنة ثمان عتاب بن أسید و أقام صلی اللّٰه علیه و آله بالمدینة ما بین ذی الحجة إلی رجب. (4).
ص: 174
بیان: قال الجوهری یقال صدقوهم القتال و یقال للرجل الشجاع و الفرس الجواد إنه لذو مصدق بالفتح أی صادق الحملة و صادق الجری كأنه ذو صدق فیما یعدك من ذلك.
و فی القاموس أبو حدرد الأسلمی صحابی و لم یجئ فعلع بتكریر العین غیره و الحدرد القصیر كذا فی التسهیل قوله صلی اللّٰه علیه و آله قد كنت ضالا لعله كان یكذبه لكونه جدید الإسلام فقال صلی اللّٰه علیه و آله أنت أیضا كنت كذلك و النهیق بالفتح و النهاق بالضم صوت الحمار لم أشهده و لم أغب عنه أی أنا حاضر بنفسی لكن لما لم یمكننی القتال فیه و لا تعملون برأیی فكأنی غائب أو إنی و إن لم أر مثل هذا القوم لكن أعلم عاقبة الأمر فیه و العوان من الحرب التی قوتل فیها مرة و كأنه لیس من المصرع.
و فی الدر النظیم أخب فیها تارة ثم أقع.
و فی النهایة فلم یرعنی إلا رجل أخذ بمنكبی أی لم أشعر و إن لم یكن من لفظه كأنه فاجأه بغتة من غیر موعد و لا معرفة فراعه ذلك و أفزعه.
و قال الجوهری رجل أهوج أی طویل و به تسرع و حمق و قال ربیت القوم سستهم أی كنت فوقهم و منه قول صفوان لأن یربنی رجل من قریش أحب إلی من أن یربنی رجل من هوازن.
قوله فأدرت أی رأیی أو نظری أو هو بمعنی درت.
قد عری أی بقی بلا أعوان إلا أن أسوره هكذا فیما عندنا من النسخ بالسین یقال سار الرجل إلیه سورا أی وثب و سرت الحائط أی تسلقته و لعل الأصوب أنه بالصاد من صار الشی ء أی قطعه و فصله و الشواظ بالضم و الكسر لهب لا دخان فیه أو دخان النار و حرها ذكره الفیروزآبادی و قال الماحش المحرق كالممحش و امتحش احترق و قال الذمر الملامة.
و قال الجوهری الذمر الشجاع و ذمرته أذمره ذمرا حثثته و فلان حامی الذمار أی إذا ذمر و غضب حمی.
ص: 175
اللّٰه أی أذكركم اللّٰه فی الكرة و الرجعة إلیه أو أسألكم الكرة.
و قال الفیروزآبادی الدبابة مشددة آلة تتخذ للحروب فتدفع فی أصل الحصن فینقبون و هم فی جوفها قوله علی وجل كنایة عن سرعة ارتحاله صلی اللّٰه علیه و آله بعد مجیئه ألا إن الحی مقیم أی من كان حیا ینبغی أن لا یزول حتی یفتح أو المراد بالحی القبیلة إظهارا لعدم براحه.
و قوله صلی اللّٰه علیه و آله لا أقمت و لا ظعنت دعاء علیه بعدم قدرته علی الإقامة كما یرید و لا الظعن بنفسه فصار كذلك و قال الجوهری الملح الرضاع و الملح بالفتح مصدر قولك ملحنا لفلان ملحا أرضعناه قوله صلی اللّٰه علیه و آله توه سهمیهما أی أهلك و ضیع من التوی و هو الهلاك و الهاء للسكت أو من التوه و هو الهلاك و الذهاب.
و قال الجزری فی حدیث الخوارج یمرقون من الدین مروق السهم من الرمیة أی یجوزونه و یخرقونه و یبعدونه كما یمرق السهم الشی ء المرمی به و یخرج منه و قال الرصاف هو عقب یلوی علی مدخل النصل فیه و قال فی حدیث الخوارج فینظر فی نضیه النضی نصل السهم و قیل هو السهم قبل أن ینحت إذا كان قدحا و هو أولی لأنه جاء فی الحدیث ذكر النصل بعد النضی و هو من السهم ما بین الریش و النصل و القذذ ریش السهم واحدتها قذة انتهی.
أقول: شبه صلی اللّٰه علیه و آله خروجهم من الدین و عدم انتفاعهم بشی ء منه بسهم رمی به حیوان فخرج منه بحیث لم یبق فی شی ء من أجزاء السهم أثر من أجزاء الحیوان و قال الجزری تدردر أی ترجرج تجی ء و تذهب و الأصل تتدردر فحذف إحدی التاءین تخفیفا و قال الجزری الجعرانة موضع قریب من مكة و هو فی الحل و میقات الإحرام و هی بتسكین العین و التخفیف و قد تكسر و تشدد الراء.
«10»-كا، الكافی حُمَیْدُ بْنُ زِیَادٍ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّهْقَانِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِیَادٍ بَیَّاعِ السَّابِرِیِّ عَنْ أَبَانٍ (1) عَنْ عَجْلَانَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ قَتَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ بِیَدِهِ یَوْمَ حُنَیْنٍ أَرْبَعِینَ (2).
ص: 176
«11»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْمُؤَلَّفَةِ (1) قُلُوبُهُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ وَحَّدُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ خَلَعُوا عِبَادَةَ مَنْ یُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُمْ فِی ذَلِكَ شُكَّاكٌ فِی بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِیَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَتَأَلَّفَهُمْ بِالْمَالِ وَ الْعَطَاءِ لِكَیْ یَحْسُنَ إِسْلَامُهُمْ وَ یَثْبُتُوا عَلَی دِینِهِمُ الَّذِی دَخَلُوا فِیهِ وَ أَقَرُّوا بِهِ وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ حُنَیْنٍ تَأَلَّفَ رُؤَسَاءَ الْعَرَبِ (2) (وَ) مِنْ قُرَیْشٍ وَ سَائِرِ مُضَرَ مِنْهُمْ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ وَ عُیَیْنَةُ بْنُ حُصَیْنٍ (3) الْفَزَارِیُّ وَ أَشْبَاهُهُمْ مِنَ النَّاسِ فَغَضِبَتِ الْأَنْصَارُ وَ اجْتَمَعَتْ (4) إِلَی سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْجِعْرَانَةِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ تَأْذَنُ لِی فِی الْكَلَامِ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِی قَسَمْتَ بَیْنَ قَوْمِكَ شَیْئاً أَنْزَلَ اللَّهُ (5) رَضِینَا وَ إِنْ كَانَ غَیْرَ ذَلِكَ لَمْ نَرْضَ.
قَالَ زُرَارَةُ وَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَ كُلُّكُمْ عَلَی قَوْلِ سَیِّدِكُمْ (6) فَقَالُوا سَیِّدُنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ قَالُوا فِی الثَّالِثَةِ (7) نَحْنُ عَلَی مِثْلِ قَوْلِهِ وَ رَأْیِهِ قَالَ زُرَارَةُ فَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ فَحَطَّ اللَّهُ نُورَهُمْ وَ فَرَضَ اللَّهُ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ سَهْماً فِی الْقُرْآنِ (8).
ص: 177
«12»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ زُرَارَةَ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ زُرَارَةُ (1) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام فَلَمَّا كَانَ فِی قَابِلٍ جَاءُوا بِضِعْفِ الَّذِی أَخَذُوا وَ أَسْلَمَ نَاسٌ كَثِیرٌ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَطِیباً فَقَالَ هَذَا خَیْرٌ أَمِ الَّذِی قُلْتُمْ قَدْ جَاءُوا مِنَ الْإِبِلِ بِكَذَا وَ كَذَا ضِعْفَ مَا أَعْطَیْتُهُمْ وَ قَدْ أَسْلَمَ لِلَّهِ عَالَمٌ وَ نَاسٌ كَثِیرٌ وَ الَّذِی نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِیَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِی مَا أُعْطِی كُلَّ إِنْسَانٍ دِیَتَهُ عَلَی أَنْ یُسْلِمَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ.
- ثم روی العیاشی بسند آخر عن زرارة عنه علیه السلام مثله (2).
«13»-ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَی وَ مِنْ غَیْرِ هَذَا الْوَجْهِ رَفَعَهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حِینَ قَسَمَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله غَنَائِمَ حُنَیْنٍ مَا هَذِهِ الْقِسْمَةُ (3) مَا یُرِیدُ اللَّهُ بِهَا فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ یَا عَدُوَّ اللَّهِ تَقُولُ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ جَاءَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخْبَرَهُ بِمَقَالَتِهِ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ أُوذِیَ أَخِی مُوسَی بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ قَالَ وَ كَانَ یُعْطِی لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِائَةَ رَاحِلَةٍ (4).
«14»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جماعة عن أبی المفضل عن أحمد بن عبید اللّٰه بن عمار الثقفی (5) عن علی بن محمد بن سلیمان النوفلی سنة خمس و أربعین و مائتین عن أبیه عن یزید بن عبد الملك النوفلی عن أبیه عن المغیرة بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن أبیه عن جده نوفل أنه كان یحدث عن یوم حنین قال:
فر الناس جمیعا و أعروا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلم یبق معه إلا سبعة نفر من بنی عبد المطلب العباس و ابنه الفضل و علی و أخوه عقیل و أبو سفیان و ربیعة و نوفل بنو الحارث بن عبد المطلب و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مصلت سیفه فی المجتلد و هو علی
ص: 178
بغلته الدلدل و هو یقول:
أنا النبی لا كذب*** أنا ابن عبد المطلب
قال الحارث بن نوفل فحدثنی الفضل بن العباس قال التفت العباس یومئذ و قد أقشع (1) الناس عن بكرة أبیهم فلم یر علیا فیمن ثبت فقال شوهة بوهة (2) أ فی مثل هذه الحال یرغب ابن أبی طالب بنفسه عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو صاحب ما هو صاحبه یعنی المواطن المشهورة له فقلت نقص قولك لابن أخیك یا أبة قال ما ذاك یا فضل قلت أ ما تراه فی الرعیل الأول أ ما تراه فی الرهج قال أشعره لی یا بنی قلت ذو كذا (3) ذو البردة قال فما تلك البرقة قلت سیفه یزیل به بین الأقران فقال بر بن بر فداه عم و خال قال فضرب علی یومئذ أربعین مبارزا كلهم یقده حتی أنفه و ذكره قال و كانت ضرباته مبتكرة. (4).
بیان: قال الفیروزآبادی أعروا صاحبهم تركوه و قال قشع القوم كمنع فرقهم فأقشعوا و هو نادر قوله عن بكرة أبیهم أی عن آخرهم و قد مر و قال الفیروزآبادی شاه وجهه شوها و شوهة قبح و قال البوهة بالضم الصقر سقط ریشه و الرجل الطائش و الأحمق و البوه بالفتح اللعن و الرعیل جماعة الخیل و الرهج و یحرك الغبار و زیله فرقه و قال فی النهایة فی الحدیث كانت ضربات علی مبتكرات لا عوانا أی إن ضربته كانت بكرا یقتل بواحدة منها لا یحتاج أن یعید الضربة ثانیا یقال ضربة بكر إذا كانت قاطعة لا تثنی.
«15»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ سَعِیدٍ الْحَضْرَمِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِیَّا بْنِ سَارِیَةَ الْمَكِّیِّ الْقُرَشِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ كَثِیرِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ عَنْ أَبِی ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَدْ
ص: 179
قَدِمَ عَلَیْهِ وَفْدُ أَهْلِ الطَّائِفِ یَا أَهْلَ الطَّائِفِ وَ اللَّهِ لَتُقِیمُنَّ الصَّلَاةَ وَ لَتُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ عَلَیْكُمْ (1) رَجُلًا كَنَفْسِی یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ یَقْصَعُكُمْ بِالسَّیْفِ فَتَطَاوَلَ لَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ فَأَشَالَهَا (2) ثُمَّ قَالَ هُوَ هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ مَا رَأَیْنَا كَالْیَوْمِ فِی الْفَضْلِ قَطُّ (3).
بیان: القصع شدة المضغ و قصع الغلام كمنع ضرب ببسط كفه علی رأسه (4).
«16»-ع، علل الشرائع ابْنُ الْوَلِیدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا مَرَّ بِالنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَیْهِ مِنْ یَوْمِ حُنَیْنٍ وَ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَبَاغَتْ عَلَیْهِ (5).
«17»-ل، الخصال بِالْإِسْنَادِ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام یَوْمَ الشُّورَی نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَیَنْتَهِیَنَّ بَنُو وَلِیعَةَ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَیْهِمْ رَجُلًا كَنَفْسِی طَاعَتُهُ كَطَاعَتِی وَ مَعْصِیَتُهُ كَمَعْصِیَتِی یَغْشَاهُمْ بِالسَّیْفِ غَیْرِی قَالُوا اللَّهُمَّ لَا (6).
«18»-ج، الإحتجاج عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَالَ یَوْمَ الشُّورَی نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ نَاجَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ الطَّائِفِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ نَاجَیْتَ (7) عَلِیّاً دُونَنَا فَقَالَ لَهُمَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَا أَنَا نَاجَیْتُهُ بَلِ اللَّهُ أَمَرَنِی بِذَلِكَ غَیْرِی قَالُوا لَا قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِیكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَأَبْعَثَنَّ إِلَیْكُمْ رَجُلًا امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِیمَانِ (8) (غَیْرِی) قَالُوا لَا (9).
ص: 180
«19»-أقول: قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی مجمع البیان، ذكر أهل التفسیر و أصحاب السیر أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لما افتتح مكة خرج منها متوجها إلی حنین لقتال هوازن و ثقیف فی آخر شهر رمضان أو فی شوال سنة ثمان من الهجرة و ذكر القصة نحوا مما مر إلی أن ذكر هزیمة المسلمین و نداء العباس ثم قال فلما سمع المسلمون صوت العباس تراجعوا و قالوا لبیك لبیك و تبادر الأنصار خاصة و نزل النصر من عند اللّٰه و انهزمت هوازن هزیمة قبیحة فمروا فی كل وجه و لم یزل المسلمون فی آثارهم و مر مالك بن عوف فدخل حصن الطائف و قتل منهم زهاء مائة رجل و أغنم اللّٰه المسلمین أموالهم و نساءهم و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالذراری و الأموال أن تحدر إلی الجعرانة و ولی علی الغنائم بدیل بن ورقاء الخزاعی و مضی علیه السلام فی أثر القوم فوافی الطائف فی طلب مالك بن عوف و حاصر أهل الطائف بقیة الشهر فلما دخل ذو القعدة انصرف إلی (1) الجعرانة و قسم بها غنائم حنین و أوطاس قال سعید بن المسیب حدثنی رجل كان فی المشركین یوم حنین قال لما التقینا نحن و أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لم یقفوا لنا حلب شاة فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم حتی انتهینا إلی صاحب البغلة الشهباء یعنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فتلقانا رجال بیض الوجوه فقالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا و ركبوا أكتافنا فكانوا إیاها یعنی الملائكة:.
قال الزهری و بلغنی أن شیبة بن عثمان قال: استدبرت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم حنین و أنا أرید أن أقتله بطلحة بن عثمان و عثمان بن طلحة و كانا قد قتلا یوم أحد فأطلع اللّٰه رسوله علی ما فی نفسی فالتفت إلی و ضرب فی صدری و قال أعیذك باللّٰه یا شیبة فأرعدت فرائصی فنظرت إلیه و هو أحب إلی من سمعی و بصری فقلت أشهد أنك رسول اللّٰه و أن اللّٰه أطلعك علی ما فی نفسی
ص: 181
و قسم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الغنائم بالجعرانة و كان معه من سبی هوازن ستة آلاف من الذراری و النساء و من الإبل و الشاء ما لا یدری عدته قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَ مُنَادِیاً فَنَادَی یَوْمَ أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَی حَتَّی یَضَعْنَ وَ لَا الْحَیَالَی (1) حَتَّی یُسْتَبْرَأْنَ بِحَیْضَةٍ (2) ثُمَّ أَقْبَلَتْ وُفُودُ هَوَازِنَ وَ قَدِمَتْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْجِعْرَانَةِ مُسْلِمِینَ وَ قَامَ خَطِیبُهُمْ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مَا فِی الْحَظَائِرِ مِنَ السَّبَایَا خَالاتُكَ وَ حَوَاضِنُكَ اللَّاتِی كُنَّ یَكْفُلْنَكَ فَلَوْ أَنَّا مَلَحْنَا ابْنَ أَبِی شِمْرٍ أَوِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ ثُمَّ أَصَابَنَا مِنْهُمَا مِثْلُ الَّذِی أَصَابَنَا مِنْكَ رَجَوْنَا عَائِدَتَهُمَا وَ عَطْفَهُمَا وَ أَنْتَ خَیْرُ الْمَكْفُولِینَ ثُمَّ أَنْشَدَ أَبْیَاتاً (3) فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله أَیُّ (4) الْأَمْرَیْنِ أَحَبُّ إِلَیْكُمْ السَّبْیُ أَمِ الْأَمْوَالُ قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ خَیَّرْتَنَا بَیْنَ الْحَسَبِ وَ بَیْنَ الْأَمْوَالِ وَ الْحَسَبُ أَحَبُّ إِلَیْنَا وَ لَا نَتَكَلَّمُ فِی شَاةٍ وَ لَا بَعِیرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَمَّا الَّذِی لِبَنِی هَاشِمٍ فَهُوَ لَكُمْ وَ سَوْفَ أُكَلِّمُ لَكُمُ الْمُسْلِمِینَ وَ أَشْفَعُ لَكُمْ فَكَلِّمُوهُمْ وَ أَظْهِرُوا إِسْلَامَكُمْ فَلَمَّا صَلَّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْهَاجِرَةَ قَامُوا فَتَكَلَّمُوا فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ رَدَدْتُ الَّذِی لِبَنِی هَاشِمٍ وَ الَّذِی بِیَدِی عَلَیْهِمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ یُعْطِیَ غَیْرَ مُكْرَهٍ فَلْیَفْعَلْ وَ مَنْ كَرِهَ أَنْ یُعْطِیَ فَلْیَأْخُذِ الْفِدَاءَ وَ عَلَیَّ فِدَاؤُهُمْ فَأَعْطَی النَّاسُ مَا كَانَ بِأَیْدِیهِمْ إِلَّا قَلِیلًا مِنَ النَّاسِ سَأَلُوا الْفِدَاءَ. (5).
ص: 182
بیان: قال الجوهری قولهم هم زهاء مائة قدر مائة.
«20»-قب، المناقب لابن شهرآشوب عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام سَبَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ حُنَیْنٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ رَأْسٍ وَ اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ نَاقَةٍ سِوَی مَا لَا یُعْلَمُ مِنَ الْغَنَائِمِ وَ قَالَ الزُّهْرِیُّ سِتَّةَ آلَافٍ مِنَ الذَّرَارِیِّ وَ النِّسَاءِ وَ مِنَ الْبَهَائِمِ مَا لَا یُحْصَی وَ لَا یُدْرَی (1).
«21»-أقول قَالَ الْكَازِرُونِیُّ فِی الْمُنْتَقَی بَعْدَ تِلْكَ الْغَزَوَاتِ: وَ فِی تِلْكَ السَّنَةِ یَعْنِی الثَّامِنَةَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ مَلِیكَةَ الْكِنْدِیَّةِ وَ كَانَ قَتَلَ أَبَاهَا یَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَتْ لَهَا بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَ لَا تَسْتَحِینَ تَزَوَّجِینَ (2) رَجُلًا قَتَلَ أَبَاكِ فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهَا فَفَارَقَهَا وَ فِیهَا وُلِدَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ مَارِیَةَ فِی ذِی الْحِجَّةِ وَ كَانَتْ قَابِلَتُهَا مَوْلَاةَ (3) رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَتْ إِلَی زَوْجِهَا أَبِی رَافِعٍ فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا قَدْ وَلَدَتْ غُلَاماً فَجَاءَ أَبُو رَافِعٍ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَبَشَّرَهُ بِأَنَّهَا قَدْ وَلَدَتْ غُلَاماً فَوَهَبَ لَهُ عَبْداً وَ سَمَّاهُ إِبْرَاهِیمَ وَ عَقَّ عَنْهُ یَوْمَ سَابِعِهِ وَ حَلَقَ رَأْسَهُ فَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَی الْمَسَاكِینِ وَ أَمَرَهُ بِشَعْرِهِ فَدُفِنَتْ فِی الْأَرْضِ وَ تَنَافَسَتْ فِیهِ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ أَیُّهُنَّ تُرْضِعُهُ فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی أُمِّ بُرْدَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَیْدٍ وَ زَوْجُهَا الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسٍ وَ كَانَ صلی اللّٰه علیه و آله یَأْتِی أُمَّ بُرْدَةَ فَیَقِیلَ عِنْدَهَا وَ یُؤْتَی بِإِبْرَاهِیمَ وَ غَارَتْ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ اشْتَدَّ عَلَیْهِنَّ حِینَ رُزِقَ مِنْهَا الْوَلَدَ.
وَ رُوِیَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ إِبْرَاهِیمَ جَاءَ جَبْرَئِیلُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ السَّلَامُ عَلَیْكَ یَا أَبَا إِبْرَاهِیمَ.
وَ رُوِیَ عَنْهُ أَیْضاً قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وُلِدَ اللَّیْلَةَ لِی غُلَامٌ فَسَمَّیْتُهُ بِاسْمِ أَبِی إِبْرَاهِیمَ قَالَ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَی أُمِّ سَیْفٍ امْرَأَةِ قَیْنٍ بِالْمَدِینَةِ یُقَالُ لَهُ أَبُو یُوسُفَ (4).
و فیها ماتت زینب بنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كانت أكبر بناته و أول من تزوجت
ص: 183
منهن تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربیع قبل النبوة فولد له علیا و أمامة أما علی فمات فی ولایة عمر و أما أمامة فماتت سنة خمسین. (1) 22 و قال ابن الأثیر فی الكامل،: و فیها بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عمرو بن العاص إلی جیفر و عمرو (2) ابنی الجلندی فأخذ الصدقة من أغنامهم و ردها علی فقرائهم و فیها بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كعب بن عمیر إلی ذات اطلاع من الشام فأصیب هو و أصحابه و فیها بعث أیضا عیینة بن حصن الفزاری إلی بنی العنبر من تمیم فأغار علیهم و سبی منهم نساء. (3).
«23»-وجدت بخط الشیخ محمد بن علی الجبعی رحمه اللّٰه نقلا من خط الشیخ الشهید قدس اللّٰه روحه من طرق العامة مرفوعا إلی أبی عمرو زیاد بن طارق عن أبی جرول (4) زهیر الجشمی قال لما أسرنا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم هوازن و ذهب یفرق السبی و النساء أتیته فأنشدته:
امنن علینا رسول اللّٰه فی كرم*** فإنك المرء نرجوه و ننتظر (5)
امنن علی بیضة قد عاقها قدر*** مشتت شملها فی دهرها غیر (6)
أبقت لنا الدهر هتافا علی حزن*** علی قلوبهم الغماء و الغمر
إن لم تداركهم نعماء تنشرها*** یا أرجح الناس حلما حین تختبر (7)
امنن علی نسوة قد كنت ترضعها*** إذ فوك یملؤه من مخضها الدرر
ص: 184
إذ أنت (1) طفل صغیر كنت ترضعها*** و إذ یریبك (2) ما تأتی و ما تذر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته*** و استبق منا فإنا معشر زهر
إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت (3)*** و عندها بعد هذا الیوم مدخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه*** من أمهاتك إن العفو منتشر (4)
یا خیر من مرحت كمت الجیاد به*** عند الهیاج إذا ما استوقد الشرر
إنا نؤمل عفوا منك تلبسه*** هذی البریة إذ تعفو و تنتصر
فاعف (5) عفا اللّٰه عما أنت راهبه*** یوم القیامة إذ یهدی لك الظفر(6)
قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا الشِّعْرَ قَالَ صلی اللّٰه علیه و آله مَا كَانَ لِی وَ لِبَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَهُمْ وَ قَالَ قُرَیْشٌ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ.
قال ابن عساكر هذا غریب تفرد به زیاد بن طارق عن زهیر و هو معدود فی السباعیات.
الآیات؛
التوبة: «قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لا یُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا یَدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ»(29)
ص: 185
(و قال سبحانه): «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِیلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَی الْأَرْضِ أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ* إِلَّا تَنْفِرُوا یُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِیماً وَ یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَیْئاً وَ اللَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ *إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِینَ كَفَرُوا (إلی قوله): انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِیباً وَ سَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَیْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ یُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَكَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِینَ *لا یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ أَنْ یُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ* إِنَّما یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِی رَیْبِهِمْ یَتَرَدَّدُونَ* وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِیلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِینَ* لَوْ خَرَجُوا فِیكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ یَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِیكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ* لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّی جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ* وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی وَ لا تَفْتِنِّی أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِینَ* إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِیبَةٌ یَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ یَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ* قُلْ لَنْ یُصِیبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ* قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَی الْحُسْنَیَیْنِ وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ یُصِیبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَیْدِینا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ* قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ یُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِینَ* وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لا یَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالی وَ لا یُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ* فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ* وَ یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ
ص: 186
مِنْكُمْ وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ یَفْرَقُونَ* لَوْ یَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَیْهِ وَ هُمْ یَجْمَحُونَ»(37-57)
(إلی قوله سبحانه): «وَ مِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَ یَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَیْرٍ لَكُمْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ یُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِینَ»(61)
(إلی قوله): «یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِیُرْضُوكُمْ وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ یُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِینَ»(63)
(إلی قوله): «یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِی قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ* وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آیاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِینَ»(66)
(إلی قوله): «یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ یَتُوبُوا یَكُ خَیْراً لَهُمْ وَ إِنْ یَتَوَلَّوْا یُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِیماً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِی الْأَرْضِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا نَصِیرٍ»(74)
(و قال تعالی): «فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ یُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِی الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا یَفْقَهُونَ* فَلْیَضْحَكُوا قَلِیلًا وَ لْیَبْكُوا كَثِیراً جَزاءً بِما كانُوا یَكْسِبُونَ* فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلی طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِینَ* وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلی قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ* وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الدُّنْیا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ* وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِینَ* رَضُوا بِأَنْ یَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ* لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ
ص: 187
وَ أَنْفُسِهِمْ وَ أُولئِكَ لَهُمُ الْخَیْراتُ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ* وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِیُؤْذَنَ لَهُمْ وَ قَعَدَ الَّذِینَ كَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ سَیُصِیبُ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ* لَیْسَ عَلَی الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَی الْمَرْضی وَ لا عَلَی الَّذِینَ لا یَجِدُونَ ما یُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ* وَ لا عَلَی الَّذِینَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَیْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْیُنُهُمْ تَفِیضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا یَجِدُوا ما یُنْفِقُونَ* إِنَّمَا السَّبِیلُ عَلَی الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِیاءُ رَضُوا بِأَنْ یَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَعْلَمُونَ* یَعْتَذِرُونَ إِلَیْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَیْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَ سَیَرَی اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلی عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ فَیُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَیْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا یَكْسِبُونَ* یَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یَرْضی عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِینَ»(81-96)
(إلی قوله سبحانه): «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَیِّئاً عَسَی اللَّهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ»(102)
(إلی قوله): «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ»(106)
(إلی قوله سبحانه): «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَی النَّبِیِّ وَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ فِی ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ یَزِیغُ (1) قُلُوبُ فَرِیقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِیمٌ* وَ عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا حَتَّی إِذا ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَیْهِ ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ»(118)
ص: 188
(إلی قوله): «ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِینَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ یَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ لا یَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا یُصِیبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لا یَطَؤُنَ مَوْطِئاً یَغِیظُ الْكُفَّارَ وَ لا یَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَیْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ* وَ لا یُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِیرَةً وَ لا كَبِیرَةً وَ لا یَقْطَعُونَ وادِیاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا یَعْمَلُونَ»(120-121)
تفسیر:
قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی قوله تعالی: قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ قیل نزلت هذه الآیة حین أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بحرب الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك عن مجاهد و قیل هی علی العموم وَ لا یُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أی موسی و عیسی من كتمان بعث محمد (1) صلی اللّٰه علیه و آله أو ما حرمه محمد صلی اللّٰه علیه و آله وَ لا یَدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ أی دین اللّٰه أو لا یعترفون بالإسلام الذی هو الدین الحق مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ وصف الذین ذكرهم بأنهم من أهل الكتاب (2) حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ أی نقدا من یده إلی ید من یدفعه إلیه من غیر نائب أو عن قدرة لكم علیهم و قهر لهم أو ید لكم علیهم و نعمة تسدونها إلیهم بقبول الجزیة منهم وَ هُمْ صاغِرُونَ أی ذلیلون مقهورون. (3) و قال فی قوله تعالی انْفِرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أی اخرجوا إلی مجاهدة المشركین قال المفسرون لما رجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم و ذلك فی زمان إدراك الثمرات (4) فأحبوا المقام فی المسكن و المال و شق علیهم الخروج إلی القتال و كان صلی اللّٰه علیه و آله قل ما خرج فی غزوة إلا كنی عنها و وری بغیرها إلا غزوة تبوك لبعد شقتها و كثرة العدو لیتأهب الناس فأخبرهم بالذی یرید
ص: 189
فلما علم اللّٰه سبحانه تثاقل الناس أنزل الآیة و عاتبهم علی التثاقل أَ رَضِیتُمْ استفهام إنكار أی آثرتم الحیاة الدنیا الفانیة علی الحیاة فی الآخرة الباقیة فَما مَتاعُ أی فما فوائد الدنیا و مقاصدها فی فوائد الآخرة و مقاصدها إِلَّا قَلِیلٌ لانقطاع هذه و دوام تلك یُعَذِّبْكُمْ أی فی الآخرة أو فی الدنیا وَ یَسْتَبْدِلْ بكم قَوْماً غَیْرَكُمْ لا یتخلفون عن الجهاد قیل هم أبناء فارس و قیل أهل الیمن و قیل هم الذین أسلموا بعد نزول هذه الآیة وَ لا تَضُرُّوهُ أی و لا تضروا اللّٰه بهذا القعود شَیْئاً لأنه غنی أو لا تضروا الرسول لأن اللّٰه عاصمه و ناصره بالملائكة أو بقوم آخرین (1) انْفِرُوا أی اخرجوا إلی الغزو خِفافاً وَ ثِقالًا أی شبانا و شیوخا و قیل نشاطا و غیر نشاط أو مشاغیل و غیر مشاغیل أو أغنیاء و فقراء و قیل أراد بالخفاف أهل العسرة من المال و قلة العیال و بالثقال أهل المیسرة فی المال و كثرة العیال و قیل ركبانا و مشاة و قیل ذا ضیعة و غیر ذی ضیعة (2) و قیل عزابا و متأهلین و الوجه أن یحمل علی الجمیع وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ و هذا یدل علی أن الجهاد بالنفس و المال واجب علی من استطاع بهما و من لم یستطع علی الوجهین فعلیه أن یجاهد بما استطاع ذلِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ من التثاقل إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أن اللّٰه صادق فی وعده و وعیده قال السدی لما نزلت هذه الآیة اشتد شأنها علی الناس فنسخها اللّٰه بقوله لَیْسَ عَلَی الضُّعَفاءِ الآیة.
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِیباً أی لو كان ما دعوتهم إلیه غنیمة حاضرة وَ سَفَراً قاصِداً أی قریبا هینا و قیل أی ذا قصد و قیل سهلا متوسطا غیر شاق لَاتَّبَعُوكَ طمعا فی المال وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَیْهِمُ الشُّقَّةُ أی المسافة یعنی غزوة تبوك أمروا فیها بالخروج إلی الشام وَ سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ فیه دلالة علی صحة نبوته صلی اللّٰه علیه و آله إذ
ص: 190
أخبر بحلفهم قبل وقوعه یُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بما أسروه من الشرك (1) و قیل بالیمین الكاذبة و العذر الباطل وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فی هذا الاعتذار و الحلف عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فی التخلف عنك حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَكَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِینَ أی حتی تعرف من له العذر منهم فی التخلف و من لا عذر له فیكون إذنك لمن أذنت له علی علم قال ابن عباس و ذلك أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لم یكن یعرف المنافقین یومئذ و قیل إنه إنما خیرهم بین الظعن و الإقامة متوعدا لهم و لم یأذن لهم فاغتنم القوم ذلك و فی هذا إخبار من اللّٰه سبحانه أنه كان الأولی أن یلزمهم الخروج معه حتی إذا لم یخرجوا ظهر نفاقهم لأنه متی أذن لهم ثم تأخروا لم یعلم أن للنفاق (2) كان تأخرهم أم لغیره و كان الذین استأذنوه منافقین و منهم الجد بن قیس و معتب بن قشیر و هما من الأنصار. (3)
أقول: قد مر الكلام فی هذه الآیة فی باب عصمته صلی اللّٰه علیه و آله.
و قال فی قوله تعالی لا یَسْتَأْذِنُكَ أی فی القعود و قیل فی الخروج لأنه مستغن عنه بدعائك بل یتأهب له أَنْ یُجاهِدُوا أی فی أن یجاهدوا وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ أی اضطربت و شكت فَهُمْ فِی رَیْبِهِمْ یَتَرَدَّدُونَ أی فی شكهم یذهبون و یرجعون و یتحیرون و أراد به المنافقین أی یتوقعون الإذن لشكهم فی دین اللّٰه و فیما وعد المجاهدون و لو كانوا مخلصین لوثقوا بالنصر و بثواب اللّٰه فبادروا إلی الجهاد و لم یستأذنوك فیه وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ فی الجهاد كالمؤمنین لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً أی أهبة الحرب (4) من الكراع و السلاح وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ أی خروجهم إلی الغزو لعلمه أنهم لو خرجوا لكانوا یمشون بالنمیمة بین المسلمین و كانوا عیونا للمشركین و كان الضرر فی خروجهم أكثر من الفائدة فَثَبَّطَهُمْ عن
ص: 191
الخروج الذی عزموا علیه لا عن الخروج الذی أمرهم به لأن الأول كفر و الثانی طاعة وَ قِیلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِینَ أی مع النساء و الصبیان و القائلون أصحابهم الذین نهوهم عن الخروج مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله للجهاد أو النبی صلی اللّٰه علیه و آله علی وجه التهدید و الوعید لا علی وجه الإذن و یجوز أن یكون علی وجه الإذن لهم فی القعود الذی عاتبه اللّٰه علیه إذ كان الأولی أن لا یأذن لهم لیظهر للناس نفاقهم ثم بین سبحانه وجه الحكمة فی كراهیة انبعاثهم و تثبیطهم عن الخروج فقال لَوْ خَرَجُوا فِیكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا أی شرا و فسادا و قیل غدرا و مكرا و قیل عجزا و جبنا أی أنهم كانوا یجبنونكم عن لقاء العدو بتهویل الأمر علیكم وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ أی لأسرعوا فی الدخول بینكم بالتضریب و الإفساد و النمیمة یرید و لسعوا فیما بینكم بالتفریق بین المسلمین و قیل أی لأوضعوا إبلهم خلالكم یتخلل الراكب الرجلین حتی یدخل بینهما فیقول ما لا ینبغی یَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ بعدو الإبل وسطكم و معنی یبغونكم یبغون لكم أو فیكم أی یطلبون لكم المحنة باختلاف الكلمة و الفرقة و قیل أی یبغونكم أن تكونوا مشركین و الفتنة الشرك و قیل أی یخوفونكم بالعدو و یخبرونكم أنكم منهزمون (1) و أن عدوكم سیظهر علیكم وَ فِیكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أی و فیكم عیون للمنافقین ینقلون إلیهم ما یسمعون منكم و قیل معناه و فیكم قابلون منهم عند سماع قولهم یرید ضعفة المسلمین وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ أی بهؤلاء المنافقین الذین ظلموا أنفسهم لما أضمروا علیه من الفساد منهم عبد اللّٰه بن أبی و جد بن قیس و أوس بن قبطی (2) ثم أقسم اللّٰه سبحانه فقال لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ الفتنة اسم یقع علی كل سوء و شر و المعنی لقد طلب هؤلاء المنافقون اختلاف كلمتكم و تشتیت أهوائكم و افتراق آرائكم من قبل غزوة تبوك أی فی یوم أحد حین انصرف عبد اللّٰه بن أبی بأصحابه و خذل النبی صلی اللّٰه علیه و آله فصرف اللّٰه سبحانه عن المسلمین فتنتهم و قیل أراد
ص: 192
بالفتنة صرف الناس عن الإیمان و إلقاء الشبهة إلی ضعفاء المسلمین و قیل أراد بالفتنة الفتك بالنبی صلی اللّٰه علیه و آله فی غزوة تبوك لیلة العقبة و كانوا اثنی عشر رجلا من المنافقین وقفوا علی الثنیة لیفتكوا بالنبی صلی اللّٰه علیه و آله عن ابن جبیر و ابن جریح (1) وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ أی احتالوا فی توهین أمرك و إیقاع الاختلاف بین المؤمنین و فی قتلك بكل ما أمكنهم فیه فلم یقدروا علیه و قیل إنهم كانوا یریدون فی كیده وجها من التدبیر فإذا لم یتم ذلك فیه تركوه و طلبوا المكیدة فی غیره فهذا تقلیب الأمور حَتَّی جاءَ الْحَقُّ أی النصر و الظفر وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ أی دینه و هو الإسلام و ظفر المسلمین وَ هُمْ كارِهُونَ أی فی حال كراهتهم لذلك وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی قیل إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لما استنفر الناس إلی تبوك قال انفروا لعلكم تغنمون بنات الأصفر فقام جد بن قیس أخو بنی سلمة من بنی الخزرج فقال یا رسول اللّٰه ائذن لی و لا تفتنی ببنات الأصفر فإنی أخاف أن أفتن (2) بهن فقال قد أذنت لك فنزلت
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ مُجَاهِدٍ فَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِبَنِی سَلَمَةَ مَنْ سَیِّدُكُمْ قَالُوا جَدُّ بْنُ قَیْسٍ غَیْرَ أَنَّهُ بَخِیلٌ جَبَانٌ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَیُّ دَاءٍ أَدْوَی مِنَ الْبُخْلِ بَلْ سَیِّدُكُمُ الْفَتَی الْأَبْیَضُ الْجَعْدُ بِشْرُ بْنُ بَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ (3).
وَ لا تَفْتِنِّی أی ببنات الأصفر قال الفراء سمیت الروم أصفر لأن حبشیا غلب علی ناحیة الروم فكان له بنات قد أخذن من بیاض الروم و سواد الحبشیة فكن صفرا لعسا (4) و قیل معناه لا تؤثمنی بمخالفة أمرك فی الخروج
ص: 193
و ذلك غیر متیسر لی (1) أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا أی فی العصیان و الكفر وقعوا بمخالفتهم أمرك (2) و قیل معناه لا تعذبنی بتكلیف الخروج فی شدة الحر ألا قد سقطوا فی حر أعظم من ذلك و هو حر جهنم وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِینَ أی ستحیط بهم فلا مخلص لهم منها إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ أی نعمة من اللّٰه و فتح و غنیمة تَسُؤْهُمْ یحزن المنافقون بها وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِیبَةٌ أی شدة و نكبة یَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ أی أخذنا حذرنا و احترزنا بالقعود من قبل هذه المصیبة وَ یَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ بما أصاب المؤمنین قُلْ لَنْ یُصِیبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا أی كل ما یصیبنا من خیر أو شر فهو مما كتبه اللّٰه لنا فی اللوح المحفوظ من أمرنا و لیس علی ما تظنون من إهمالنا و قیل لن یصیبنا فی عاقبة أمرنا إلا ما كتبه اللّٰه لنا فی القرآن من النصر الذی وعدنا و إنا نظفر بالأعداء فتكون النصرة حسنی لنا أو نقتل فتكون الشهادة حسنی لنا أیضا فقد كتب اللّٰه لنا ما یصیبنا و عملنا (3) ما لنا فیه الحظ هُوَ مَوْلانا أی مالكنا و نحن عبیده أو ولینا و ناصرنا وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أمر من اللّٰه تعالی بالتوكل قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا أی هل تنتظرون لنا إِلَّا إِحْدَی الْحُسْنَیَیْنِ أی إحدی الخصلتین الحمیدتین إما الغلبة و الغنیمة فی العاجل و إما الشهادة و الثواب الدائم فی الآجل وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أی نتوقع لكم أَنْ یُصِیبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَیْدِینا أی یوقع اللّٰه بكم عذابا من عنده یهلككم به أو بأن ینصرنا علیكم فیقتلكم بأیدینا فَتَرَبَّصُوا أمر للتهدید إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ أی منتظرون إما الشهادة و الجنة و إما الغنیمة و الأجر لنا و إما البقاء فی الذل و الخزی و إما الموت و القتل (4) مع المصیر إلی النار لكم.
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً أی طائعین أو مكرهین لَنْ یُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ
ص: 194
كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِینَ أی إنما لم یتقبل منكم لأنكم كنتم متمردین عن طاعة اللّٰه وَ ما مَنَعَهُمْ أی ما یمنع هؤلاء المنافقین أن یثابوا علی نفقاتهم إلا كفرهم باللّٰه و برسوله و ذلك مما یحبط الأعمال وَ لا یَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالی أی متثاقلین وَ لا یُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ لذلك لأنهم إنما یصلون و ینفقون للریاء و التستر بالإسلام لا لابتغاء مرضاة اللّٰه فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ الخطاب للنبی صلی اللّٰه علیه و آله و المراد جمیع المؤمنین و قیل لا تعجبك أیها السامع أی لا تأخذ (1) بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقین و أولادهم (2) و لا تنظر إلیهم بعین الإعجاب إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا فیه وجوه أحدها أن فیه تقدیما و تأخیرا أی لا تسرك أموالهم (3) و أولادهم فی الحیاة الدنیا إنما یرید اللّٰه لیعذبهم بها فی الآخرة عن ابن عباس و قتادة. و ثانیها إنما یرید اللّٰه أن یعذبهم بها فی الدنیا بالتشدید علیهم فی التكلیف و أمرهم بالإنفاق فی الزكاة و الغزو فیؤدونها علی كره منهم و مشقة إذ لا یرجون به ثوابا فی الآخرة فیكون ذلك عذابا لهم.
و ثالثها أن معناه إنما یرید اللّٰه لیعذبهم بها فی الدنیا أی بسبی الأولاد و غنیمة الأموال عند تمكن المؤمنین من أخذها و غنمها فیتحسرون علیها و یكون ذلك جزاء علی كفرهم.
و رابعها أن المراد یعذبهم بجمعها و حفظها و حبها و البخل بها و الحزن علیها و كل هذا عذاب و كذلك خروجهم عنها بالموت لأنهم یفارقونها و لا یدرون إلی ما ذا یصیرون.
و خامسها إنما یرید اللّٰه لیعذبهم بحفظها و المصائب فیها مع حرمان المنفعة بها (4) و اللام فی قوله لِیُعَذِّبَهُمْ یحتمل أن یكون لام العاقبة (5) و التقدیر إنما
ص: 195
یرید اللّٰه أن یملی لهم فیها لیعذبهم وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ أی تهلك وَ هُمْ كافِرُونَ فی موضع الحال وَ یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ أی یقسم هؤلاء المنافقون أنهم من جملتكم أی مؤمنون أمثالكم وَ ما هُمْ مِنْكُمْ أی لیسوا مؤمنین باللّٰه وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ یَفْرَقُونَ أی یخافون القتل و الأسر إن لم یظهروا الإیمان لَوْ یَجِدُونَ مَلْجَأً أی حرزا أو حصنا أَوْ مَغاراتٍ أی غیرانا فی الجبال أو سرادیب أَوْ مُدَّخَلًا أی موضع دخول یأوون إلیه و قیل نفقا كنفق الیربوع و قیل أسرابا فی الأرض عن ابن عباس و أبی جعفر علیه السلام و قیل وجها یدخلونه علی خلاف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لَوَلَّوْا إِلَیْهِ أی لعدلوا إلیه و قیل لأعرضوا عنكم إلیه وَ هُمْ یَجْمَحُونَ أی یسرعون فی الذهاب إلیه (1) وَ مِنْهُمُ الَّذِینَ قیل إنها نزلت فی رهط من المنافقین تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول اللّٰه أتوا المؤمنین یعتذرون إلیهم من تخلفهم و یعتلون و یحلفون فنزلت. (2)
أقول: سیأتی تفسیر الآیات فی باب جمل ما جری بینه و بین أصحابه صلی اللّٰه علیه و آله.
و قال رحمه اللّٰه فی قوله تعالی یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ قیل نزلت فی اثنی عشر رجلا وقفوا علی العقبة لیفتكوا برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عند رجوعه من تبوك فأخبر جبرئیل علیه السلام رسول اللّٰه بذلك و أمره أن یرسل إلیهم و یضرب وجوه رواحلهم و عمار كان یقود دابة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و حذیفة یسوقها فقال لحذیفة اضرب وجوه رواحلهم فضربها حتی نحاهم
فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ لِحُذَیْفَةَ مَنْ عَرَفْتَ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ لَمْ أَعْرِفْ مِنْهُمْ أَحَداً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّهُ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ حَتَّی عَدَّهُمْ كُلَّهُمْ فَقَالَ حُذَیْفَةُ أَ لَا تَبْعَثُ إِلَیْهِمْ فَتَقْتُلَهُمْ فَقَالَ أَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ لَمَّا ظَفِرَ بِأَصْحَابِهِ أَقْبَلَ یَقْتُلُهُمْ.
عن ابن كیسان وَ رُوِیَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ ائْتَمَرُوا بَیْنَهُمْ لِیَقْتُلُوهُ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنْ فَطَنَ نَقُولُ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ وَ إِنْ لَمْ یَفْطُنْ نَقْتُلُهُ.
و قیل إن جماعة من المنافقین قالوا فی غزوة تبوك
ص: 196
ظن (1) هذا الرجل أن یفتح قصور الشام و حصونها هیهات هیهات فأطلع اللّٰه نبیه صلی اللّٰه علیه و آله علی ذلك فقال احبسوا علی الركب فدعاهم فقال لهم قلتم كذا و كذا فقالوا یا نبی اللّٰه إنما كنا نخوض و نلعب و حلفوا علی ذلك فنزلت الآیة وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ عن الحسن و قتادة و قیل كان ذلك عند منصرفه من تبوك إلی المدینة فكان بین یدیه أربعة نفر أو ثلاثة نفر یستهزءون و یضحكون واحدهم یضحك و لا یتكلم فنزل جبرئیل و أخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بذلك فدعا عمار بن یاسر و قال إن هؤلاء یستهزءون بی و بالقرآن أخبرنی جبرئیل بذلك و لئن سألتهم لیقولن كنا نتحدث بحدیث الركب فأتبعهم عمار و قال لهم لم تضحكون (2) قالوا نتحدث بحدیث الركب فقال عمار صدق اللّٰه و صدق رسوله احترقتم أحرقكم اللّٰه فأقبلوا إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله یعتذرون فأنزل اللّٰه الآیات عن الكلبی و علی بن إبراهیم و أبی حمزة و قیل إن رجلا قال فی غزوة تبوك ما رأیت أكذب لسانا و لا أجبن عند اللقاء من هؤلاء یعنی رسول اللّٰه و أصحابه فقال له عوف بن مالك كذبت و لكنك منافق و أراد أن یخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بذلك فجاءه و قد سبقه الوحی فجاء الرجل معتذرا و قال إنما كنا نخوض و نلعب ففیه نزلت الآیة عن ابن عمر و زید بن أسلم و محمد بن كعب و قیل إن رجلا من المنافقین قال یحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادی كذا و كذا أ و ما یدریه ما أمر الغیث (3) فنزلت الآیة عن مجاهد و قیل نزلت فی عبد اللّٰه بن أبی و رهطه عن الضحاك أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِی قُلُوبِهِمْ فیه قولان أحدهما أنه إخبار بأنهم یخافون أن یفشوا (4) سرائرهم و قیل إن ذلك الحذر أظهروه علی وجه الاستهزاء.
ص: 197
و الثانی أن لفظه الخبر و معناه الأمر قُلِ اسْتَهْزِؤُا أمر علی الوعید إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أی مبین لنبیه صلی اللّٰه علیه و آله باطن حالكم و نفاقكم وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ عن طعنهم فی الدین و استهزائهم بالنبی صلی اللّٰه علیه و آله و بالمسلمین لَیَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ اللام للتأكید و القسم أی لقالوا كنا نخوض خوض الركب فی الطریق لا علی طریق الجد قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آیاتِهِ أی حججه و بیناته و كتابه وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ثم أمر اللّٰه نبیه أن یقول لهم لا تَعْتَذِرُوا بالمعاذیر الكاذبة قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِكُمْ أی بعد إظهاركم الإیمان إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ إذا تابوا نُعَذِّبْ طائِفَةً لم یتوبوا بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِینَ أی كافرین مصرین علی النفاق. (1) قوله تعالی یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا أقول قد مر فی باب إعجاز القرآن أنها نزلت فی غزوة تبوك و قصصها قال یعنی أنهم حلفوا كاذبین ما قالوا ما حكی عنهم ثم حقق علیهم و أقسم بأنهم قالوا ذلك وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ یعنی ظهر كفرهم بعد أن كان باطنا وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا فیه أقوال أحدها أنهم هموا بقتل النبی صلی اللّٰه علیه و آله لیلة العقبة و التنفیر بناقته.
و ثانیها أنهم هموا بإخراج الرسول صلی اللّٰه علیه و آله من المدینة فلم یبلغوا ذلك.
و ثالثها أنهم هموا بالفساد و التضریب بین أصحابه و نقم منه شیئا أی أنكر و عاب فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ أی المنافقون الذین خلفهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله و لم یخرجهم معه إلی تبوك لما استأذنوه فی التأخر بِمَقْعَدِهِمْ أی بقعودهم عن الجهاد خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ أی بعده و قیل بمخالفتهم له (2) وَ قالُوا أی للمسلمین أو بعضهم لبعض لا تَنْفِرُوا أی لا تخرجوا إلی الغزو فِی الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ التی وجبت لهم بالتخلف عن أمر اللّٰه أَشَدُّ حَرًّا من هذا الحر لَوْ كانُوا یَفْقَهُونَ أو أمر اللّٰه و وعده و وعیده فَلْیَضْحَكُوا قَلِیلًا وَ لْیَبْكُوا كَثِیراً هذا تهدید لهم فی
ص: 198
صورة الأمر أی فلیضحك هؤلاء المنافقون فی الدنیا قلیلا لأن ذلك یفنی و إن دام إلی الموت و لأن الضحك فی الدنیا قلیل لكثرة أحزانها و همومها و لیبكوا كثیرا فی الآخرة لأن ذلك یوم مقداره خمسون ألف سنة فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ أی ردك اللّٰه عن غزوتك هذه و سفرك هذا إِلی طائِفَةٍ مِنْهُمْ أی من المنافقین الذین تخلفوا عنك و عن الخروج معك فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك إلی غزوة أخری فَقُلْ لهم لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً إلی غزوة وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا ثم بین تعالی سبب ذلك فقال إِنَّكُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ أی عن غزوة تبوك فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِینَ فی كل غزوة.
و اختلف فی المراد بالخالفین فقیل معناه مع النساء و الصبیان و قیل مع الرجال الذین تخلفوا من غیر عذر و قیل مع المخالفین قال الفراء یقال فلان عبد خالف و صاحب خالف إذا كان مخالفا و قیل مع الخساس و الأدنیاء یقال فلان خالفة أهله إذا كان أدونهم و قیل مع أهل الفساد من قولهم خلف الرجل علی أهله خلوفا فسد (1) و قیل مع المرضی و الزمنی و كل من تأخر لنقص وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ أی من المنافقین ماتَ أَبَداً أی بعد موته وَ لا تَقُمْ عَلی قَبْرِهِ للدعاء فإنه صلی اللّٰه علیه و آله كان إذا صلی علی میت یقف علی قبره ساعة و یدعو له فما صلی بعد ذلك علی منافق حتی قبض.
وَ رُوِیَ أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله صَلَّی عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَیٍّ وَ أَلْبَسَهُ قَمِیصَهُ قَبْلَ أَنْ یُنْهَی عَنِ الصَّلَاةِ عَلَی الْمُنَافِقِینَ وَ قِیلَ أَرَادَ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یُصَلِّیَ عَلَیْهِ فَأَخَذَ جَبْرَئِیلُ بِثَوْبِهِ وَ تَلَا عَلَیْهِ لا تُصَلِّ (2) عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً.
وَ رُوِیَ أَنَّهُ قِیلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِمَ وَجَّهْتَ بِقَمِیصِكَ إِلَیْهِ یُكَفَّنُ فِیهِ وَ هُوَ كَافِرٌ فَقَالَ إِنَّ قَمِیصِی لَنْ یُغْنِیَ عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً وَ إِنِّی أُؤَمِّلُ مِنَ اللَّهِ أَنْ یَدْخُلَ بِهَذَا السَّبَبِ فِی الْإِسْلَامِ خَلْقٌ كَثِیرٌ.
فیروی أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه یطلب الاستشفاع (3) بثوب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذكره الزجاج
ص: 199
و قال الأكثر فی الروایة إنه لم یصل علیه وَ لا تُعْجِبْكَ إنما كرر للتذكیر فی موطنین مع بعد أحدهما من الآخر و یجوز أن تكون الآیتان فی فریقین من المنافقین اسْتَأْذَنَكَ أی فی القعود أُولُوا الطَّوْلِ أی أولو المال و القدرة مِنْهُمْ أی من المنافقین مَعَ الْقاعِدِینَ أی المتخلفین عن الجهاد من النساء و الصبیان مَعَ الْخَوالِفِ أی النساء و الصبیان و المرضی و المقعدین وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ أی المقصرون الذین یعتذرون و لیس لهم عذر و قیل هم المعتذرون الذین لهم عذر و هم نفر من بنی غفار عن ابن عباس لِیُؤْذَنَ لَهُمْ فی التخلف وَ قَعَدَ الَّذِینَ كَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أی و قعدت طائفة من المنافقین من غیر اعتذار لَیْسَ عَلَی الضُّعَفاءِ قیل نزلت فی عبد اللّٰه بن زائدة و هو ابن أم مكتوم و كان ضریر البصر جاء إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا نبی اللّٰه إنی شیخ ضریر (1) ضعیف الحال نحیف الجسم و لیس لی قائد فهل لی رخصة فی التخلف عن الجهاد فسكت النبی صلی اللّٰه علیه و آله فأنزل اللّٰه الآیة و قیل نزلت فی عائذ بن عمرو و أصحابه و الضعفاء هم الذین قوتهم ناقصة بالزمانة و العجز عن ابن عباس و قیل هم الذین لا یقدرون علی الخروج وَ لا عَلَی الْمَرْضی و هم أصحاب العلل المانعة من الخروج وَ لا عَلَی الَّذِینَ لا یَجِدُونَ ما یُنْفِقُونَ أی من لیست معه نفقة الخروج و آلة السفر حَرَجٌ أی ضیق و جناح فی التخلف و ترك الخروج إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ بأن یخلصوا العمل من الغش ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ أی لیس علی من یفعل (2) الحسن الجمیل فی التخلف عن الجهاد أو مطلقا طریق للتقریع فی الدنیا و العذاب فی الآخرة وَ لا عَلَی الَّذِینَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ أی یسألونك مركبا یركبونه فیخرجون معك قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَیْهِ أی مركبا و لا ما أسوی به أمركم حَزَناً أَلَّا یَجِدُوا أی لحزنهم علی أن لا یجدوا یَعْتَذِرُونَ إِلَیْكُمْ من تأخرهم عنكم بالأباطیل و الكذب إِذا رَجَعْتُمْ إِلَیْهِمْ من غزوة تبوك لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ أی لا نصدقكم علی ما تقولون قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ ما علمنا به كذبكم و قیل أراد به قوله لَوْ خَرَجُوا فِیكُمْ ما زادُوكُمْ
ص: 200
إِلَّا خَبالًا الآیة وَ سَیَرَی اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ أی سیعلم اللّٰه فیما بعد و رسوله عملكم هل تتوبون من نفاقكم أم تتمون (1) علیه و قیل سیعلم اللّٰه أعمالكم و عزائمكم فی المستقبل و یظهر ذلك لرسوله فیعلمه الرسول بإعلامه إیاه ثُمَّ تُرَدُّونَ بعد الموت إِلی عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ أی الذی یعلم ما غاب و ما حضر و لا یخفی علیه السر و العلانیة فَیُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أی فیخبركم بأعمالكم كلها حسنها و قبیحها فیجازیكم علیها أجمع سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ أی سیقسم هؤلاء المنافقون المتخلفون فیما یعتذرون به إلیكم إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَیْهِمْ أنهم إنما تخلفوا بعذر (2) لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ أی لتصفحوا عن جرمهم و لا توبخوهم فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إعراض رد و إنكار و تكذیب إِنَّهُمْ رِجْسٌ أی نجس و معناه أنهم كالشی ء المنتن الذی یجب الاجتناب عنه. (3)
وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ- قال أبو حمزة الثمالی بلغنا أنهم ثلاثة نفر من الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر و ثعلبة بن ودیعة و أوس بن حذام تخلفوا عن رسول اللّٰه عند مخرجه إلی تبوك فلما بلغهم ما أنزل فیمن تخلف عن نبیه صلی اللّٰه علیه و آله أیقنوا بالهلاك فأوثقوا أنفسهم بسواری المسجد فلم یزالوا كذلك حتی قدم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فسأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا لا یحلون أنفسهم حتی یكون رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله محلهم (4) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَنَا أُقْسِمُ لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ حَلَّهُمْ إِلَّا أَنْ أُؤْمَرَ فِیهِمْ بِأَمْرٍ فَلَمَّا نَزَلَ عَسَی اللَّهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ عَمَدَ (5) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَیْهِمْ فَحَلَّهُمْ فَانْطَلَقُوا فَجَاءُوا بِأَمْوَالِهِمْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا هَذِهِ أَمْوَالُنَا الَّتِی خَلَّفَتْنَا عَنْكَ فَخُذْهَا وَ تَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله مَا أُمِرْتُ فِیهَا بِأَمْرٍ فنزل خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً الآیات.
و قیل إنهم كانوا عشرة رهط منهم أبو لبابة عن ابن عباس (6)
ص: 201
و قیل كانوا ثمانیة منهم أبو لبابة و هلال و كردم و أبو قیس عن ابن جبیر و زید بن أسلم و قیل كانوا سبعة و قیل خمسة و
رُوِیَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهَا نَزَلَتْ فِی أَبِی لُبَابَةَ.
و لم یذكر معه غیره و سبب نزولها فیه ما جری منه فی بنی قریظة حین قال إن نزلتم علی حكمه فهو الذبح (1) و به قال مجاهد
و قیل نزلت فیه خاصة حین تأخر عن النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی غزوة تبوك فربط نفسه بساریة علی ما تقدم ذكره عن الزهری قال ثم قال أبو لبابة یا رسول اللّٰه إن من توبتی أن أهجر دار قومی التی أصبت فیها الذنب و أن أنخلع من مالی كله قَالَ یُجْزِیكَ یَا أَبَا لُبَابَةَ الثُّلُثُ.
و فی جمیع الأقوال أخذ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثلث أموالهم و ترك الثلثین لأن اللّٰه تعالی قال خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ و لم یقل خذ أموالهم وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ أی مؤخرون موقوفون لما یرد من أمر اللّٰه فیهم
قال مجاهد و قتادة نزلت الآیة فی هلال بن أمیة الواقفی و مرارة بن الربیع و كعب بن مالك و هم من الأوس و الخزرج و كان كعب رجل صدق غیر مطعون علیه و إنما تخلف توانیا عن الاستعداد حتی فاته المسیر و انصرف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال و اللّٰه ما لی من عذر و لم یعتذر إلیه بالكذب فقال صلی اللّٰه علیه و آله صدقت قم حتی یقضی اللّٰه فیك أمره و جاء الآخران فقالا مثل ذلك و صدقا فنهی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عن مكالمتهم و أمر نساءهم باعتزالهم حتی ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ فأقاموا علی ذلك خمسین لیلة و بنی كعب خیمة علی سلع یكون فیها وحده و قال فی ذلك:
أبعد دور بنی القین الكرام و ما*** شادوا (2) علی بنیت البیت من سعف
ثم نزلت التوبة علیهم بعد الخمسین فی اللیل و هی قوله وَ عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا الآیة فأصبح المسلمون یبتدرونهم و یبشرونهم قال كعب فجئت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی المسجد و كان صلی اللّٰه علیه و آله إذا سر یستبشر كأن وجهه فلقة قمر فقال لی و وجهه یبرق من السرور أبشر بخیر یوم طلع علیك شرفه (3) مذ ولدتك أمك
ص: 202
قال كعب فقلت له أ من عند اللّٰه أم من عندك یا رسول اللّٰه فقال من عند اللّٰه و تصدق كعب بثلث ماله شكرا لله علی توبته. (1).
لَقَدْ تابَ اللَّهُ نزلت فی غزاة تبوك و ما لحق المسلمین فیها من العسرة حتی هم قوم بالرجوع ثم تداركهم لطف اللّٰه سبحانه
قال الحسن كان العشرة من المسلمین یخرجون علی بعیر یعتقبونه بینهم یركب الرجل ساعة ثم ینزل (2) فیركب صاحبه كذلك و كان زادهم الشعیر المسوس و التمر المدود و الإهالة السنخة (3) و كان النفر منهم یخرجون ما معهم من التمرات بینهم فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمر فلاكها حتی یجد طعمها ثم یعطیها صاحبه فیمصها ثم یشرب علیها جرعة من ماء كذلك حتی یأتی علی آخرهم فلا یبقی من التمرة إلا النواة.
قالوا و كان أبو خیثمة عبد اللّٰه بن خیثمة تخلف إلی أن مضی من مسیر (4) رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عشرة أیام ثم دخل یوما علی امرأتین له فی یوم حار فی عریشین لهما قد رشتاهما (5) و بردتا الماء و هیأتا له الطعام فقام علی العریشین و قال سبحان اللّٰه رسول اللّٰه قد غفر اللّٰه له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر فی الضح و الریح و الحر و القر (6) یحمل سلاحه علی عاتقه و أبو خیثمة فی ظلال باردة و طعام مهیإ و امرأتین حسناوین ما هذا بالنصف ثم قال و اللّٰه لا أكلم (7) واحدة منكما كلمة و لا أدخل عریشا حتی ألحق بالنبی صلی اللّٰه علیه و آله فأناخ ناضحه و اشتد (8) علیه و تزود و ارتحل و امرأتاه تكلمانه و لا یكلمهما ثم سار حتی إذا دنا من تبوك
ص: 203
قال الناس هذا راكب علی الطریق فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله كن أبا خیثمة أولی لك (1) فلما دنا قال الناس هذا أبو خیثمة یا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأناخ راحلته و سلم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال أولی لك فحدثه الحدیث فقال له خیرا و دعا له و هو الذی زاغ قلبه للمقام ثم ثبته اللّٰه عَلَی النَّبِیِّ وَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ.
إنما ذكر اسم النبی صلی اللّٰه علیه و آله مفتاحا للكلام و تحسینا له و لأنه سبب توبتهم و إلا فلم یكن منه ما یوجب التوبة
وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ الرِّضَا علیه السلام أَنَّهُ قَرَأَ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ بِالنَّبِیِّ عَلَی الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ.
الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ فی الخروج معه إلی تبوك فِی ساعَةِ الْعُسْرَةِ (2) و هی صعوبة الأمر قال جابر یعنی عسرة الزاد و عسرة الظهر و عسرة الماء و المراد وقت العسرة لأن الساعة تقع علی كل زمان مِنْ بَعْدِ ما كادَ یَزِیغُ (3) قُلُوبُ فَرِیقٍ مِنْهُمْ عن الجهاد فهموا بالانصراف فعصمهم (4) اللّٰه ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ بعد ذلك الزیغ وَ عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا أی عن قبول التوبة بعد قبول توبة من قبل توبتهم (5) من المنافقین كما قال وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ أو خلفوا عن غزاة تبوك لما تخلفوا و أما قراءة أهل البیت علیهم السلام خالفوا فإنهم قالوا لو كانوا خلفوا لما توجه علیهم العتب و لكنهم خالفوا و هذه الآیة نزلت فی شأن كعب بن مالك و مرارة بن الربیع و هلال بن أمیة و ذلك أنهم تخلفوا عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و لم یخرجوا معه لا عن نفاق و لكن عن توان ثم ندموا فلما قدم النبی صلی اللّٰه علیه و آله المدینة جاءوا إلیه و اعتذروا فلم یكلمهم
ص: 204
النبی صلی اللّٰه علیه و آله و تقدم إلی المسلمین بأن لا یكلمهم أحد منهم فهجرهم الناس حتی الصبیان و جاءت نساؤهم إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقلن یا رسول اللّٰه نعتزلهم فقال لا و لكن لا یقربوكن فضاقت علیهم المدینة فخرجوا إلی رءوس الجبال و كان أهالیهم یجیئون لهم بالطعام و لا یكلمونهم فقال بعضهم لبعض قد هجرنا الناس و لا یكلمنا أحد (1) فهلا نتهاجر نحن أیضا فتفرقوا و لم یجتمع منهم اثنان و بقوا علی ذلك خمسین یوما یتضرعون إلی اللّٰه و یتوبون إلیه فقبل اللّٰه توبتهم و أنزل فیهم هذه الآیة حَتَّی إِذا ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أی برحبها و هذه صفة من بلغ غایة الندم حتی كأنه لا یجد لنفسه مذهبا لأنه كان نزلت توبة الناس و لم تنزل توبتهم لتشدید المحنة علیهم و استصلاحهم و استصلاح غیرهم لئلا یعودوا إلی مثله وَ ضاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ عبارة عن المبالغة فی الغم حتی كأنهم لم یجدوا لأنفسهم موضعا یخفونها فیه.
و قیل معنی ضیق أنفسهم ضیق صدورهم بالهم الذی حصل لهم فیها وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَیْهِ أی أیقنوا و علموا أن لا معتصم من اللّٰه إلا به ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا أی سهل اللّٰه علیهم التوبة حتی تابوا و قیل لیعودوا إلی حالتهم الأولی قبل المعصیة و قیل أنزل توبة الثلاثة لیتوب المؤمنون من ذنوبهم ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِینَةِ ظاهره خبر و معناه نهی أی ما كان یجوز وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ قیل إنهم مزینة و جهینة و أشجع و غفار و أسلم أَنْ یَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أی فی غزوة تبوك وَ لا یَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ أی یطلبوا نفع نفوسهم بتوقیتها دون نفسه و قیل و لا یرضوا لأنفسهم بالحفظ (2) و الدعة و رسول اللّٰه فی الحر و المشقة یقال رغبت بنفسی عن هذا الأمر أی ترفعت عنه بل علیهم أن یجعلوا أنفسهم وقایة للنبی صلی اللّٰه علیه و آله ذلِكَ أی ذلك النهی و الزجر عن التخلف بِأَنَّهُمْ لا یُصِیبُهُمْ ظَمَأٌ أی عطش وَ لا نَصَبٌ و لا تعب فی أبدانهم وَ لا مَخْمَصَةٌ و هی شدة الجوع فِی سَبِیلِ اللَّهِ أی فی طاعته وَ لا یَطَؤُنَ مَوْطِئاً یَغِیظُ الْكُفَّارَ أی لا یضعون أقدامهم موضعا یغیظ
ص: 205
الكفار وطؤهم إیاه أی دار الحرب وَ لا یَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَیْلًا أی و لا یصیبون من المشركین أمرا من قتل أو جراحة أو مال أو أمر یغمهم و یغیظهم إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ و طاعة رفیعة إِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ أی الذین یفعلون الأفعال الحسنة وَ لا یُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِیرَةً وَ لا كَبِیرَةً فی الجهاد و لا فی غیره من سبل الخیر و المعروف وَ لا یَقْطَعُونَ وادِیاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ثواب ذلك لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا یَعْمَلُونَ أی یكتب طاعاتهم لیجزیهم علیها بقدر استحقاقهم و یزیدهم من فضله حتی یصیر الثواب أكثر و أحسن من عملهم و قیل إن الأحسن من صفة فعلهم لأن الأعمال علی وجوه واجب و مندوب و مباح و إنما یجازی علی الواجب و المندوب دون المباح فیقع الجزاء علی أحسن الأعمال. (1)
بیان: قال فی القاموس اللعس بالتحریك سواد مستحسن فی الشفة لعس كفرح و النعت العس و لعساء من لعس و السرب الحفیر تحت الأرض و القین الحداد و بنو القین حی من أسد و شاد الحائط یشیده طلاه بالشید و هو ما طلی به حائط من جص و نحوه و قوله علی متعلق بقوله بنیت أو حال عن الدور و فی بعض النسخ شاروا بالراء من قولهم شرت الدابة شورا عرضتها علی البیع فالظرف متعلق بقوله شاروا و الشورة و الشارة الحسن و الهیئة و اللباس و الزینة و الشوار متاع البیت و الدال أنسب.
و فی النهایة كل شی ء من الأدهان مما یؤتدم به إهالة و قیل هو ما أذیب من الألیة و الشحم و قیل الدسم الجامد و السنخة المتغیرة الریح و قال فی حدیث أبی خیثمة یكون رسول اللّٰه فی الضح و الریح و أنا فی الظل أی یكون بارزا لحر الشمس و هبوب الریاح و الضح ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض هكذا هو أصل الحدیث و معناه و ذكره الهروی فقال أراد كثرة الخیل و الجیش یقال جاء فلان بالضح و الریح أی بما طلعت علیه الشمس و هبت علیه الریح یعنون المال الكثیر و الأول أشبه بهذا الحدیث.
ص: 206
و قال فی قوله كن أبا خیثمة أی صر یقال للرجل یری من بعد كن فلانا أی أنت فلان أو هو فلان و قال أولی لك أی قرب منك ما تكره و هی كلمة تلهف یقولها الرجل إذا أفلت من عظیمة و قیل هی كلمة تهدد و وعید قال الأصمعی معناه قاربه ما یهلكه. 1: شا، الإرشاد ثم كانت غزاة تبوك
فأوحی اللّٰه عز اسمه إلی نبیه صلی اللّٰه علیه و آله أن یسیر إلیها بنفسه و یستنفر الناس للخروج معه و أعلمه أنه لا یحتاج فیها إلی حرب و لا یمنی (1) بقتال عدو و أن الأمور تنقاد له بغیر سیف و تعیده بامتحان أصحابه بالخروج معه و اختبارهم لیتمیزوا بذلك و تظهر به سرائرهم فاستنفرهم النبی صلی اللّٰه علیه و آله إلی بلاد الروم و قد أینعت ثمارهم و اشتد القیظ علیهم فأبطأ أكثرهم عن طاعته رغبة فی العاجل و حرصا علی المعیشة و إصلاحها و خوفا من شدة القیظ و بعد المسافة (2) و لقاء العدو ثم نهض بعضهم علی استثقال للنهوض و تخلف آخرون و لما أراد النبی صلی اللّٰه علیه و آله (3) الخروج استخلف أمیر المؤمنین فی أهله و ولده و أزواجه و مهاجره و قال (4) یا علی إن المدینة لا تصلح إلا بی أو بك (5).
و ذلك أنه صلی اللّٰه علیه و آله علم خبث (6) نیات الأعراب و كثیر من أهل مكة و من حولها ممن غزاهم و سفك دماءهم فأشفق (7) أن یطلبوا المدینة عند نأیه عنها (8) و حصوله ببلاد الروم أو نحوها فمتی لم یكن فیها من یقوم مقامه لم یؤمن من معرتهم (9) و إیقاع الفساد فی دار هجرته و التخطی إلی ما یشین أهله و مخلفیه و علم صلی اللّٰه علیه و آله أنه لا یقوم مقامه فی إرهاب العدو و حراسة دار الهجرة و حیاطة من فیها إلا أمیر المؤمنین علیه السلام فاستخلفه استخلافا ظاهرا و
ص: 207
نص علیه بالإمامة من بعده نصا جلیا و ذلك فیما تظاهرت به الروایة (1) أن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علیا علی المدینة حسدوه لذلك و عظم علیهم مقامه فیها بعد خروجه و علموا أنها تتحرس به (2) و لا یكون فیها للعدو مطمع فساءهم ذلك و كانوا یؤثرون خروجه معه لما یرجونه من وقوع الفساد و الاختلاط عند نأی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (3) عن المدینة و خلوها من مرهوب مخوف یحرسها و غبطوه علیه السلام علی الرفاهیة و الدعة بمقامه فی أهله و تكلف من خرج منهم المشاق بالسفر و الخطر فأرجفوا (4) به علیه السلام و قالوا لم یستخلفه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إكراما له و إجلالا و مودة و إنما خلفه استثقالا له فبهتوا بهذا الإرجاف كبهت قریش للنبی صلی اللّٰه علیه و آله بالجنة تارة و بالشعر أخری و بالسحر مرة و بالكهانة أخری و هم یعلمون ضد ذلك و نقیضه كما علم المنافقون ضد ما أرجفوا به علی أمیر المؤمنین علیه السلام و خلافه و أن النبی صلی اللّٰه علیه و آله كان أخص الناس بأمیر المؤمنین علیه السلام و كان هو أحب الناس إلیه و أسعدهم عنده و أفضلهم لدیه (5)
فَلَمَّا بَلَغَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِرْجَافُ الْمُنَافِقِینَ بِهِ أَرَادَ تَكْذِیبَهُمْ وَ إِظْهَارَ فَضِیحَتِهِمْ فَلَحِقَ بِالنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّكَ خَلَّفْتَنِی (6) اسْتِثْقَالًا وَ مَقْتاً فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ارْجِعْ یَا أَخِی إِلَی مَكَانِكَ فَإِنَّ الْمَدِینَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِی أَوْ بِكَ فَأَنْتَ خَلِیفَتِی فِی أَهْلِ بَیْتِی (7) وَ دَارِ هِجْرَتِی وَ قَوْمِی أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی.
فتضمن هذا القول من رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نصه علیه بالإمامة و إبانته من الكافة بالخلافة و دل به علی فضل لم یشركه فیه أحد سواه و أوجب له به جمیع منازل هارون من موسی إلا ما خصه العرف من
ص: 208
الأخوة (1) و استثناه هو من النبوة أ لا تری أنه صلی اللّٰه علیه و آله جعل له كافة منازل هارون من موسی إلا المستثنی منها لفظا و عقلا و قد علم (2) من تأمل معانی القرآن و تصفح الروایات و الأخبار أن هارون كان أخا موسی علیه السلام لأبیه و أمه و شریكه فی أمره و وزیره علی نبوته و تبلیغه رسالات ربه و إن اللّٰه سبحانه شد به أزره و أنه كان خلیفته علی قومه و كان له من الإمامة علیهم و فرض الطاعة كإمامته و فرض طاعته و أنه كان أحب قومه إلیه و أفضلهم لدیه قال اللّٰه عز و جل حاكیا عن موسی علیه السلام (3) رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِی یَفْقَهُوا قَوْلِی وَ اجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی هارُونَ أَخِی اشْدُدْ بِهِ أَزْرِی وَ أَشْرِكْهُ فِی أَمْرِی (4) الآیة فأجاب اللّٰه تعالی مسألته و أعطاه أمنیته (5) حیث یقول (6) قَدْ أُوتِیتَ سُؤْلَكَ یا مُوسی (7) و قال تعالی حاكیا عن موسی وَ قالَ مُوسی لِأَخِیهِ هارُونَ اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِیلَ الْمُفْسِدِینَ (8) فلما جعل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علیا علیه السلام منه بمنزلة هارون من موسی أوجب له بذلك جمیع ما عددناه إلا ما خصه العرف من الأخوة (9) و استثناه من النبوة لفظا و هذه فضیلة لم یشرك فیها أحد من المخلوقین (10) أمیر المؤمنین و لا ساواه فی معناها و لا قاربه فیها علی حال و لو علم اللّٰه عز و جل أن لنبیه صلی اللّٰه علیه و آله فی هذه الغزاة حاجة إلی الحرب و الأنصار لما أذن له فی تخلیف أمیر المؤمنین علیه السلام عنه
ص: 209
حسب ما قدمناه بل علم أن المصلحة فی استخلافه و أن إقامته فی دار هجرته مقامه أفضل الأعمال فدبر الخلق و الدین بما قضاه فی ذلك و أمضاه علی ما بیناه و شرحنا. (1)
أقول: سیأتی تمام القول فی هذا الخبر و كونه نصا علی إمامته علیه السلام فی أبواب النصوص علیه صلوات اللّٰه علیه.
«2»-فس، تفسیر القمی انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا قَالَ شَبَاباً وَ شُیُوخاً یَعْنِی إِلَی غَزْوَةِ تَبُوكَ وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ فِی قَوْلِهِ لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِیباً یَقُولُ غَنِیمَةً قَرِیبَةً لَاتَّبَعُوكَ قَوْلُهُ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَیْهِمُ الشُّقَّةُ یَعْنِی إِلَی تَبُوكَ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ یُسَافِرْ سَفَراً أَبْعَدَ مِنْهُ وَ لَا أَشَدَّ مِنْهُ وَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّیَّافَةَ (2) كَانُوا یَقْدَمُونَ الْمَدِینَةَ مِنَ الشَّامِ مَعَهُمُ الدُّرْنُوكُ وَ الطَّعَامُ وَ هُمُ الْأَنْبَاطُ (3) فَأَشَاعُوا بِالْمَدِینَةِ أَنَّ الرُّومَ قَدِ اجْتَمَعُوا یُرِیدُونَ غَزْوَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی عَسْكَرٍ عَظِیمٍ وَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ سَارَ فِی جُنُودِهِ (4) وَ جَلَبَ مَعَهُمْ غَسَّانَ وَ جُذَامَ وَ فِهْراً وَ عَامِلَةَ وَ قَدْ قَدِمَ عَسَاكِرُهُ الْبَلْقَاءَ وَ نَزَلَ هُوَ حِمْصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَصْحَابَهُ التَّهَیُّؤَ إِلَی تَبُوكَ وَ هِیَ مِنْ بِلَادِ الْبَلْقَاءِ وَ بَعَثَ إِلَی القَبَائِلِ حَوْلَهُ وَ إِلَی مَكَّةَ وَ إِلَی مَنْ أَسْلَمَ مِنْ خُزَاعَةَ وَ مُزَیْنَةَ وَ جُهَیْنَةَ فَحَثَّهُمْ عَلَی الْجِهَادِ وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِعَسْكَرِهِ فَضَرَبَ فِی ثَنِیَّةِ الْوَدَاعِ (5) وَ أَمَرَ أَهْلَ الْجِدَةِ أَنْ یُعِینُوا مَنْ لَا قُوَّةَ بِهِ وَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَیْ ءٌ أَخْرَجُوا (6) وَ حَمَلُوا وَ قَوَّوْا وَ حَثُّوا عَلَی ذَلِكَ.
وَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی (7)
ص: 210
عَلَیْهِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِیثِ كِتَابُ اللَّهِ وَ أَوْلَی الْقَوْلِ (1) كَلِمَةُ التَّقْوَی (2) وَ خَیْرَ الْمِلَلِ مِلَّةُ إِبْرَاهِیمَ وَ خَیْرَ السُّنَّةِ سُنَنُ مُحَمَّدٍ (3) وَ أَشْرَفَ الْحَدِیثِ ذِكْرُ اللَّهِ وَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ وَ خَیْرَ الْأُمُورِ عَزَائِمُهَا (4) وَ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَ أَحْسَنَ الْهَدْیِ هَدْیَ الْأَنْبِیَاءِ وَ أَشْرَفَ الْقَتْلِ قَتْلُ الشُّهَدَاءِ وَ أَعْمَی الْعَمَی الضَّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَی وَ خَیْرَ الْأَعْمَالِ مَا نَفَعَ وَ خَیْرَ الْهُدَی مَا اتُّبِعَ وَ شَرَّ الْعَمَی عَمَی الْقَلْبِ وَ الْیَدَ الْعُلْیَا خَیْرٌ مِنَ الْیَدِ السُّفْلَی وَ مَا قَلَّ وَ كَفَی خَیْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَ أَلْهَی وَ شَرَّ الْمَعْذِرَةِ حِینَ یَحْضُرُ الْمَوْتُ وَ شَرَّ النَّدَامَةِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا یَأْتِی الْجُمُعَةَ إِلَّا نَزْراً وَ مِنْهُمْ مَنْ لَا یَذْكُرُ اللَّهَ إِلَّا هَجْراً وَ مِنْ أَعْظَمِ الْخَطَایَا اللِّسَانَ الْكَذِبَ (5) وَ خَیْرَ الْغِنَی غِنَی النَّفْسِ وَ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوَی وَ رَأْسَ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَّهِ وَ خَیْرَ مَا أُلْقِیَ فِی الْقَلْبِ الْیَقِینُ وَ الِارْتِیَابَ مِنَ الْكُفْرِ وَ التَّبَاعُدَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِیَّةِ (6) وَ الْغُلُولَ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ (7) وَ السُّكْرَ جَمْرُ النَّارِ (8) وَ الشِّعْرَ مِنْ إِبْلِیسَ وَ الْخَمْرَ جِمَاعُ الْإِثْمِ (9) وَ النِّسَاءَ حَبَائِلُ إِبْلِیسَ (10) وَ الشَّبَابَ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ وَ شَرَّ الْمَكَاسِبِ كَسْبُ الرِّبَا وَ شَرَّ الْمَآكِلِ أَكْلُ مَالِ الْیَتِیمِ (11) وَ السَّعِیدَ مَنْ وُعِظَ بِغَیْرِهِ وَ الشَّقِیَ
ص: 211
مَنْ شَقِیَ فِی بَطْنِ أُمِّهِ وَ إِنَّمَا یَصِیرُ أَحَدُكُمْ إِلَی مَوْضِعِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَ الْأَمْرَ إِلَی آخِرِهِ وَ مِلَاكَ الْعَمَلِ خَوَاتِیمُهُ وَ أَرْبَی الرِّبَا الْكَذِبُ (1) وَ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِیبٌ وَ شَنَآنَ (2) الْمُؤْمِنِ فِسْقٌ وَ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ وَ أَكْلَ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِیَةِ اللَّهِ وَ حُرْمَةَ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ وَ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَی اللَّهِ كَفَاهُ وَ مَنْ صَبَرَ ظَفِرَ وَ مَنْ یَعْفُ یَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ (3) وَ مَنْ كَظَمَ الْغَیْظَ یَأْجُرْهُ اللَّهُ وَ مَنْ یَصْبِرْ عَلَی الرَّزِیَّةِ (4) یُعَوِّضْهُ اللَّهُ وَ مَنْ یَتَّبِعِ السُّمْعَةَ یُسَمِّعِ اللَّهُ بِهِ وَ مَنْ یَصُمْ (5) یُضَاعِفِ اللَّهُ لَهُ وَ مَنْ یَعْصِ اللَّهَ یُعَذِّبْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی وَ لِأُمَّتِی اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی وَ لِأُمَّتِی أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَكُمْ (6) قَالَ فَرَغِبَ النَّاسُ فِی الْجِهَادِ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَدِمَتِ القَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ مِمَّنِ اسْتَنْفَرَهُمْ وَ قَعَدَ عَنْهُ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِینَ وَ غَیْرِهِمْ وَ لَقِیَ رَسُولُ اللَّهِ الْجَدَّ بْنَ قَیْسٍ فَقَالَ لَهُ یَا بَا وَهْبٍ أَ لَا تَنْفِرُ مَعَنَا فِی هَذِهِ الْقُرَی (7) لَعَلَّكَ أَنْ تَحْتَفِدَ بَنَاتِ (8) الْأَصْفَرِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمِی لَیَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَیْسَ فِیهِمْ أَحَدٌ أَشَدُّ عَجَباً بِالنِّسَاءِ مِنِّی وَ أَخَافُ إِنْ خَرَجْتُ مَعَكَ أَنْ لَا أَصْبِرَ إِذَا رَأَیْتُ
ص: 212
بَنَاتِ الْأَصْفَرِ فَلَا تَفْتِنِّی وَ ائْذَنْ لِی أَنْ أُقِیمَ وَ قَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ لَا تَخْرُجُوا فِی الْحَرِّ فَقَالَ ابْنُهُ تَرُدُّ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ تَقُولُ لَهُ مَا تَقُولُ ثُمَّ تَقُولُ لِقَوْمِكَ لَا تَنْفِرُوا فِی الْحَرِّ وَ اللَّهِ لَیُنْزِلَنَّ اللَّهُ فِی هَذَا قُرْآناً یَقْرَؤُهُ النَّاسُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی رَسُولِهِ فِی ذَلِكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی وَ لا تَفْتِنِّی أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِینَ ثُمَّ قَالَ الْجَدُّ بْنُ قَیْسٍ أَ یَطْمَعُ مُحَمَّدٌ أَنَّ حَرْبَ الرُّومِ مِثْلُ حَرْبِ غَیْرِهِمْ لَا یَرْجِعُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ أَبَداً.
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِهِ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِیبَةٌ أَمَّا الْحَسَنَةُ فَالْغَنِیمَةُ وَ الْعَافِیَةُ وَ أَمَّا الْمُصِیبَةُ فَالْبَلَاءُ وَ الشِّدَّةُ یَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ یَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ إِلَی قَوْلِهِ وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَ قَوْلِهِ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَی الْحُسْنَیَیْنِ یَقُولُ الْغَنِیمَةَ وَ الْجَنَّةَ إِلَی قَوْلِهِ إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ وَ نَزَلَ (1) أَیْضاً فِی الْجَدِّ بْنِ قَیْسٍ فِی رِوَایَةِ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ (2) لَمَّا قَالَ لِقَوْمِهِ لَا تَخْرُجُوا فِی الْحَرِّ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی قَوْلِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ (3) فَفَضَحَ اللَّهُ الْجَدَّ بْنَ قَیْسٍ وَ أَصْحَابَهُ فَلَمَّا اجْتَمَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْخُیُولُ رَحَلَ (4) مِنْ ثَنِیَّةِ الْوَدَاعِ وَ خَلَّفَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَلَی الْمَدِینَةِ فَأَرْجَفَ الْمُنَافِقُونَ بِعَلِیٍّ علیه السلام فَقَالُوا مَا خَلَّفَهُ إِلَّا تَشَؤُّماً بِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِیّاً علیه السلام فَأَخَذَ سَیْفَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالْجُرْفِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ أَ لَمْ أُخَلِّفْكَ عَلَی الْمَدِینَةِ قَالَ نَعَمْ وَ لَكِنِ الْمُنَافِقُونَ زَعَمُوا أَنَّكَ خَلَّفْتَنِی تَشَؤُّماً بِی فَقَالَ كَذَبَ الْمُنَافِقُونَ یَا عَلِیُّ أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ أَخِی وَ أَنَا أَخُوكَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی (5)
ص: 213
إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی وَ أَنْتَ خَلِیفَتِی فِی أُمَّتِی وَ أَنْتَ وَزِیرِی وَ أَخِی فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ فَرَجَعَ عَلِیٌّ علیه السلام إِلَی الْمَدِینَةِ.
وَ جَاءَ الْبَكَّاءُونَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ وَ هُمْ سَبْعَةٌ مِنْ بَنِی عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ سَالِمُ بْنُ عُمَیْرٍ فَقَدْ شَهِدَ بَدْراً لَا اخْتِلَافَ فِیهِ وَ مِنْ بَنِی وَاقِفٍ هَرَمِیُّ بْنُ (1) عُمَیْرٍ وَ مِنْ بَنِی حَارِثَةَ عُلَیَّةُ بْنُ زَیْدٍ (2) وَ هُوَ الَّذِی تَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَ بِصَدَقَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ یَأْتُونَ بِهَا فَجَاءَ عُلَیَّةُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ اللَّهِ مَا عِنْدِی مَا أَتَصَدَّقُ بِهِ وَ قَدْ جَعَلْتُ عِرْضِی حِلًّا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ قَبِلَ اللَّهُ صَدَقَتَكَ وَ مِنْ بَنِی مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ أَبُو لَیْلَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ وَ مِنْ بَنِی سَلِمَةَ (3) عُمَرُ بْنُ غَنَمَةَ وَ مِنْ بَنِی زُرَیْقٍ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ وَ مِنْ بَنِی الغر [الْعِرْبَاضِ نَاصِرُ (4) بْنُ سَارِیَةَ السُّلَمِیُّ هَؤُلَاءِ جَاءُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَبْكُونَ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ لَیْسَ بِنَا قُوَّةٌ أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِمْ لَیْسَ عَلَی الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَی الْمَرْضی وَ لا عَلَی الَّذِینَ لا یَجِدُونَ ما یُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ إِلَی قَوْلِهِ أَلَّا یَجِدُوا ما یُنْفِقُونَ قَالَ وَ إِنَّمَا سَأَلُوا هَؤُلَاءِ الْبَكَّاءُونَ نَعْلًا یَلْبَسُونَهَا ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا السَّبِیلُ عَلَی الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِیاءُ رَضُوا بِأَنْ یَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ الْمُسْتَأْذِنُونَ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّی وَ الْخَوَالِفُ النِّسَاءُ.
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَكَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِینَ یَقُولُ تَعْرِفُ أَهْلَ الْعُذْرِ وَ الَّذِینَ جَلَسُوا بِغَیْرِ عُذْرٍ.
قَوْلُهُ لا یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ أَنْ یُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ إِلَی قَوْلِهِ لَوْ خَرَجُوا فِیكُمْ
ص: 214
ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا أَیْ وَبَالًا وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ أَیْ یَهْرُبُوا عَنْكُمْ وَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَوْمٌ أَهْلُ نِیَّاتٍ وَ بَصَائِرَ لَمْ یَكُنْ یَلْحَقُهُمْ شَكٌّ وَ لَا ارْتِیَابٌ وَ لَكِنَّهُمْ قَالُوا نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْهُمْ أَبُو خَیْثَمَةَ وَ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ وَ عَرِیشَتَانِ (1) فَكَانَتَا (2) [فَكَانَتْ زَوْجَتَاهُ قَدْ رَشَّتَا عَرِیشَتَیْهِ (3) وَ بَرَّدَتَا لَهُ الْمَاءَ وَ هَیَّأَتَا لَهُ طَعَاماً فَأَشْرَفَ عَلَی عَرِیشَتَیْهِ (4) فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِمَا قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا هَذَا بِإِنْصَافٍ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ قَدْ خَرَجَ فِی الضِّحِّ (5) وَ الرِّیحِ وَ قَدْ حَمَلَ السِّلَاحَ یُجَاهِدُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ أَبُو خَیْثَمَةَ قَوِیٌّ قَاعِدٌ فِی عَرِیشَتِهِ (6) وَ امْرَأَتَیْنِ حَسْنَاوَیْنِ لَا وَ اللَّهِ مَا هَذَا بِإِنْصَافٍ ثُمَّ أَخَذَ نَاقَتَهُ فَشَدَّ عَلَیْهَا رَحْلَهُ فَلَحِقَ (7) بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَی رَاكِبٍ عَلَی الطَّرِیقِ فَأَخْبَرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كُنْ أَبَا خَیْثَمَةَ- أَقْبَلَ (8) فَأَخْبَرَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَا كَانَ (9) فَجَزَاهُ خَیْراً وَ دَعَا لَهُ وَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ وَ ذَلِكَ أَنَّ جَمَلَهُ كَانَ أَعْجَفَ (10) فَلَحِقَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَیَّامٍ (11) وَ وَقَفَ عَلَیْهِ جَمَلُهُ فِی بَعْضِ الطَّرِیقِ فَتَرَكَهُ وَ حَمَلَ ثِیَابَهُ عَلَی ظَهْرِهِ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَی شَخْصٍ مُقْبِلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ كُنْ أَبَا ذَرٍّ فَقَالُوا هُوَ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَدْرِكُوهُ بِالْمَاءِ فَإِنَّهُ عَطْشَانُ فَأَدْرَكُوهُ بِالْمَاءِ وَ وَافَی أَبُو ذَرٍّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَعَهُ إِدَاوَةٌ فِیهَا مَاءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا بَا ذَرٍّ مَعَكَ مَاءٌ وَ عَطِشْتَ فَقَالَ نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِی أَنْتَ
ص: 215
وَ أُمِّی انْتَهَیْتُ إِلَی صَخْرَةٍ عَلَیْهَا (1) مَاءُ السَّمَاءِ فَذُقْتُهُ فَإِذَا هُوَ عَذْبٌ بَارِدٌ فَقُلْتُ لَا أَشْرَبُهُ حَتَّی یَشْرَبَهُ حَبِیبِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا بَا ذَرٍّ (2) رَحِمَكَ اللَّهُ تَعِیشُ وَحْدَكَ وَ تَمُوتُ وَحْدَكَ وَ تُبْعَثُ وَحْدَكَ وَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَحْدَكَ یَسْعَدُ بِكَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ یَتَوَلَّوْنَ غُسْلَكَ وَ تَجْهِیزَكَ وَ الصَّلَاةَ عَلَیْكَ وَ دَفْنَكَ (3).
بیان: أقول سیأتی تمام الكلام فی أحوال أبی ذر رضی اللّٰه عنه و قال الجوهری عاملت الرجل مصایفة أی أیام الصیف و صائفة القوم میرتهم فی الصیف و الصائفة غزوة الروم لأنهم یغزون صیفا لمكان البرد و الثلج و قال الدرنوك ضرب من البسط ذو خمل و تشبه به فروة البعیر و قال النبط و النبیط قوم ینزلون البطائح بین العراقین و الجمع أنباط و تبوك أرض بین الشام و المدینة و بلقاء بلد بالشام.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله و أولو القربی لعل هذه الفقرة زیدت هنا من النساخ و علی تقدیرها فیه تقدیر مضاف أی قول أولی القربی أو مودتهم.
و قال فی النهایة فیه خیر الأمور عوازمها أی فرائضها التی عزم اللّٰه تعالی علیك بفعلها و المعنی ذوات عزمها التی فیها عزم و قیل هی ما وكدت رأیك و عزمك علیه و وفیت بعهد اللّٰه فیه و العزم الجد و الصبر و قال فیه إیاكم و محدثات الأمور جمع محدثة بالفتح و هی ما لم یكن معروفا فی كتاب و لا سنة و لا إجماع و قال الید العلیا المعطیة و قیل المتعففة و السفلی السائلة و قیل المانعة.
و قال الفیروزآبادی النزر القلیل و الإلحاح فی السؤال و الاحتثاث و الاستعجال و ما جئت إلا نزرا أی بطیئا و فلان لا یعطی حتی ینزر أی حتی یلح علیه و یهان و قال فی النهایة فی الحدیث و من الناس من لا یذكر اللّٰه إلا
ص: 216
مهاجرا یرید هجران القلب و ترك الإخلاص فی الذكر فكأن قلبه مهاجر للسانه غیر مواصل له و منه الحدیث و لا یسمعون القرآن إلا هجرا یرید الترك و الإعراض عنه.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله و التباعد أی من الحق أو المؤمنین و الجمرة النار المتقدة و الجمع جمر و السكر محركة الخمر و كل ما یسكر.
و فی النهایة الخمر جماع الإثم أی مجمعه و مظنته قوله صلی اللّٰه علیه و آله و الأمر إلی آخره أی الأمر إنما ینفع إذا انتهی إلی آخره أو الأمر ینسب فی الخیر و الشر و السعادة و الشقاوة إلی آخره و علی التقدیرین الفقرة الثانیة كالتفسیر لها و فی النهایة الملاك بالكسر و الفتح قوام الشی ء و نظامه و ما یعتمد علیه.
قَوْلُهُ صلی اللّٰه علیه و آله أَرْبَی الرِّبَا الْكَذِبُ.
الربا الزیادة و النمو أی لا یزید و لا ینمو عقاب معصیة كما ینمو عقاب الكذب أو المراد أن عقابه أكثر من الربا فالمناسبة من جهة أن الربا زیادة فی المال بغیر حق و الكذب زیادة فی القول بغیر حق و فی روایات العامة شر الروایا روایا الكذب (1) قوله و أكل لحمه أی بالغیبة.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله و من یتبع السمعة أی یعمل العمل لیسمعه الناس أو یذكر عمله للناس و یحب ذلك یسمع اللّٰه به علی بناء التفعیل أی یشهره اللّٰه تعالی بمساوی عمله و سوء سریرته قوله تحتفد أی تجعلهن حفدة لك أی أعوانا و خدما و فی بعض النسخ تستحفد و لعله أصوب.
و قال فی القاموس بنو الأصفر ملوك الروم أولاد الأصفر بن روم بن عیصو بن إسحاق بن إبراهیم أو لأن جنسا من الحبش غلب علیهم فوطئ نساءهم فولد لهم أولاد صفر و قال الجوهری الضح الشمس.
ص: 217
أقول: قال الطبرسی رحمه اللّٰه: البكاءون كانوا سبعة نفر منهم عبد الرحمن بن كعب و علیة بن زید (1) و عمرو بن غنیمة (2) و هؤلاء من بنی النجار و سالم بن عمیر و هرم (3) بن عبد اللّٰه و عبد اللّٰه بن عمرو من بنی عمرو بن عوف و عبد اللّٰه بن معقل (4) من بنی مزینة جاءوا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقالوا یا رسول اللّٰه احملنا فإنه لیس لنا ما نخرج علیه فقال لا أجد ما أحملكم علیه عن أبی حمزة الثمالی و قیل نزلت فی سبعة نفر من قبائل شتی أتوا النبی صلی اللّٰه علیه و آله فقالوا احملنا علی الخفاف و البغال (5) و قیل كانوا جماعة من مزینة و قیل كانوا سبعة من فقراء الأنصار فلما بكوا حمل عثمان منهم رجلین و العباس بن عبد المطلب رجلین و یاسر (6) بن كعب النضیری ثلاثة عن الواقدی قال و كان الناس بتبوك مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثلاثین ألفا منهم عشرة آلاف فارس. (7).
«3»-فس، تفسیر القمی: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِتَبُوكَ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ الْمُضَرَّبُ مِنْ كَثْرَةِ ضَرَبَاتِهِ الَّتِی أَصَابَتْهُ بِبَدْرٍ وَ أُحُدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عُدَّ لِی أَهْلَ الْعَسْكَرِ فَعَدَّدَهُمْ (8) فَقَالَ هُمْ خَمْسَةٌ وَ عِشْرُونَ أَلْفَ رَجُلٍ سِوَی الْعَبِیدِ وَ التِّبَاعِ فَقَالَ عُدَّ الْمُؤْمِنِینَ فَعَدَّدَهُمْ (9) فَقَالَ هُمْ خَمْسَةٌ وَ عِشْرُونَ رَجُلًا وَ قَدْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِینَ وَ قَوْمٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ مُسْتَبْصِرِینَ لَمْ یُعْثَرْ عَلَیْهِمْ فِی نِفَاقٍ
ص: 218
مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الشَّاعِرُ وَ مَرَارَةُ بْنُ الرَّبِیعِ وَ هِلَالُ بْنُ أُمَیَّةَ الرَّافِقِیُّ (1) فَلَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ قَالَ كَعْبٌ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَی مِنِّی فِی ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِی خَرَجَ (2) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی تَبُوكَ وَ مَا اجْتَمَعَتْ لِی رَاحِلَتَانِ قَطُّ إِلَّا فِی ذَلِكَ الْیَوْمِ فَكُنْتُ أَقُولُ أَخْرُجُ غَداً أَخْرُجُ بَعْدَ غَدٍ فَإِنِّی مُقَوًّی (3) وَ تَوَانَیْتُ وَ بَقِیتُ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَیَّاماً أَدْخُلُ السُّوقَ وَ لَا أَقْضِی (4) حَاجَةً فَلَقِیتُ هِلَالَ بْنَ أُمَیَّةَ وَ مَرَارَةَ بْنَ الرَّبِیعِ وَ قَدْ كَانَا تَخَلَّفَا أَیْضاً (5) فَتَوَافَقْنَا أَنْ نُبَكِّرَ إِلَی السُّوقِ فَلَمْ تُقْضَ لَنَا حَاجَةٌ (6) فَمَا زِلْنَا نَقُولُ نَخْرُجُ غَداً وَ بَعْدَ غَدٍ حَتَّی بَلَغَنَا إِقْبَالُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَنَدِمْنَا فَلَمَّا وَافَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اسْتَقْبَلْنَاهُ نُهَنِّیهِ بِالسَّلَامَةِ فَسَلَّمْنَا عَلَیْهِ فَلَمْ یَرُدَّ عَلَیْنَا السَّلَامَ وَ أَعْرَضَ عَنَّا وَ سَلَّمْنَا عَلَی إِخْوَانِنَا فَلَمْ یَرُدُّوا عَلَیْنَا السَّلَامَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلُونَا فَقَطَعُوا كَلَامَنَا وَ كُنَّا نَحْضُرُ الْمَسْجِدَ فَلَا یُسَلِّمُ عَلَیْنَا أَحَدٌ وَ لَا یُكَلِّمُنَا فَجِئْنَ نِسَاؤُنَا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقُلْنَ قَدْ بَلَغَنَا سَخَطُكَ عَلَی أَزْوَاجِنَا أَ فَنَعْتَزِلُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا تَعْتَزِلْنَهُمْ وَ لَكِنْ لَا یَقْرَبُونَكُنَّ فَلَمَّا رَأَی كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَ صَاحِبَاهُ مَا قَدْ حَلَّ بِهِمْ قَالَ مَا یُقْعِدُنَا بِالْمَدِینَةِ وَ لَا یُكَلِّمُنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَا إِخْوَانُنَا وَ لَا أَهْلُونَا (7) فَهَلُمُّوا نَخْرُجْ إِلَی هَذَا الْجَبَلِ فَلَا نَزَالُ فِیهِ حَتَّی یَتُوبَ اللَّهُ عَلَیْنَا أَوْ نَمُوتَ فَخَرَجُوا إِلَی ذِنَابِ (8) جَبَلٍ بِالْمَدِینَةِ فَكَانُوا یَصُومُونَ وَ كَانَ أَهْلُوهُمْ یَأْتُونَهُمْ بِالطَّعَامِ فَیَضَعُونَهُ نَاحِیَةً ثُمَّ یُوَلُّونَ عَنْهُمْ فَلَا یُكَلِّمُونَهُمْ (9) فَبَقُوا عَلَی هَذَا (10) أَیَّاماً كَثِیرَةً یَبْكُونَ اللَّیْلَ (11) وَ النَّهَارَ وَ یَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ یَغْفِرَ لَهُمْ فَلَمَّا
ص: 219
طَالَ عَلَیْهِمُ الْأَمْرُ (1) قَالَ لَهُمْ كَعْبٌ یَا قَوْمُ قَدْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَیْنَا وَ رَسُولُهُ قَدْ سَخِطَ عَلَیْنَا وَ إِخْوَانُنَا سَخِطُوا (2) عَلَیْنَا وَ أَهْلُونَا سَخِطُوا (3) عَلَیْنَا فَلَا یُكَلِّمُنَا أَحَدٌ فَلِمَ لَا یَسْخَطُ بَعْضُنَا عَلَی بَعْضٍ فَتَفَرَّقُوا فِی اللَّیْلِ (4) وَ حَلَفُوا أَنْ لَا یُكَلِّمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ حَتَّی یَمُوتَ أَوْ یَتُوبَ اللَّهُ عَلَیْهِ فَبَقُوا عَلَی هَذِهِ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِی نَاحِیَةٍ مِنَ الْجَبَلِ لَا یَرَی أَحَدٌ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ وَ لَا یُكَلِّمُهُ فَلَمَّا كَانَ فِی اللَّیْلَةِ الثَّالِثَةِ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی بَیْتِ أُمِّ سَلَمَةَ نَزَلَتْ تَوْبَتُهُمْ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ قَوْلُهُ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ بِالنَّبِیِّ عَلَی الْمُهَاجِرِینَ (5) وَ الْأَنْصَارِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ فِی سَاعَةِ الْعُسْرَةِ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام هَكَذَا نَزَلَتْ وَ هُوَ أَبُو ذَرٍّ وَ أَبُو خَیْثَمَةَ وَ عَمْرُو بْنُ (6) وَهْبٍ الَّذِینَ تَخَلَّفُوا ثُمَّ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ فِی هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَ عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا فَقَالَ الْعَالِمُ إِنَّمَا نَزَلَ وَ عَلَی الثَّلَاثَةِ الَّذِینَ خَالَفُوا (7) وَ لَوْ خُلِّفُوا لَمْ یَكُنْ عَلَیْهِمْ عَتْبٌ (8) حَتَّی إِذا ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ حَیْثُ لَمْ یُكَلِّمْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَا إِخْوَانُهُمْ وَ لَا أَهْلُوهُمْ فَضَاقَتِ الْمَدِینَةُ عَلَیْهِمْ حَتَّی خَرَجُوا مِنْهَا وَ ضاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ حَیْثُ حَلَفُوا أَنْ لَا یُكَلِّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَتَفَرَّقُوا وَ تَابَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ لِمَا عَرَفَ مِنْ صِدْقِ نِیَّاتِهِمْ. (9).
«4»-فس، تفسیر القمی قَوْلُهُ فِی الْمُنَافِقِینَ قُلْ لَهُمْ یَا مُحَمَّدُ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً
ص: 220
إِلَی قَوْلِهِ وَ هُمْ كافِرُونَ (1) وَ كَانُوا یَحْلِفُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَ یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ یَفْرَقُونَ لَوْ یَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ یَعْنِی غَارَاتٍ فِی الْجِبَالِ أَوْ مُدَّخَلًا قَالَ مَوْضِعاً یَلْتَجِئُونَ إِلَیْهِ لَوَلَّوْا إِلَیْهِ وَ هُمْ یَجْمَحُونَ (2) أَیْ یُعْرِضُونَ عَنْكُمْ قَوْلُهُ یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِیُرْضُوكُمْ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِی الْمُنَافِقِینَ الَّذِینَ كَانُوا یَحْلِفُونَ لِلْمُؤْمِنِینَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ لِكَیْ یَرْضَی عَنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَ اللَّهُ وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ یُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِینَ (3) وَ قَوْلُهُ یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِی قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (4) قَالَ كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِینَ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی تَبُوكَ كَانُوا یَتَحَدَّثُونَ فِیمَا بَیْنَهُمْ وَ یَقُولُونَ أَ یَرَی مُحَمَّدٌ أَنَّ حَرْبَ الرُّومِ مِثْلُ حَرْبِ غَیْرِهِمْ لَا یَرْجِعُ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَبَداً فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا أَخْلَقَهُ (5) أَنْ یُخْبِرَ اللَّهُ مُحَمَّداً بِمَا كُنَّا فِیهِ وَ بِمَا فِی قُلُوبِنَا وَ یُنَزِّلَ عَلَیْهِ بِهَذَا قُرْآناً یَقْرَؤُهُ (6) النَّاسُ وَ قَالُوا هَذَا عَلَی حَدِّ الِاسْتِهْزَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ الْحَقِ الْقَوْمَ فَإِنَّهُمْ قَدِ احْتَرَقُوا فَلَحِقَهُمْ عَمَّارٌ فَقَالَ مَا قُلْتُمْ قَالُوا مَا قُلْنَا شَیْئاً إِنَّمَا كُنَّا نَقُولُ شَیْئاً عَلَی حَدِّ اللَّعِبِ وَ الْمِزَاحِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آیاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِینَ.
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِهِ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِكُمْ قَالَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَانُوا مُؤْمِنِینَ صَادِقِینَ ارْتَابُوا وَ شَكُّوا وَ نَافَقُوا بَعْدَ إِیمَانِهِمْ وَ كَانُوا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَ قَوْلُهُ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ كَانَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ
ص: 221
مُخْتَبِرُ بْنُ الْحُمَیِّرِ (1) فَاعْتَرَفَ وَ تَابَ وَ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلَكَنِی اسْمِی فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ یَا رَبِّ اجْعَلْنِی شَهِیداً حَیْثُ لَا یَعْلَمُ أَحَدٌ أَیْنَ أَنَا فَقُتِلَ یَوْمَ الْیَمَامَةِ وَ لَمْ یَعْلَمْ أَحَدٌ أَیْنَ قُتِلَ فَهُوَ الَّذِی عَفَا اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ تَبُوكَ كَانَ أَصْحَابُهُ الْمُؤْمِنُونَ یَتَعَرَّضُونَ لِلْمُنَافِقِینَ وَ یُؤْذُونَهُمْ فَكَانُوا یَحْلِفُونَ لَهُمْ أَنَّهُمْ عَلَی الْحَقِّ وَ لَیْسُوا بِمُنَافِقِینَ لِكَیْ یُعْرِضُوا عَنْهُمْ (2) وَ یَرْضَوْا عَنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَیْهِمْ (3) الْآیَةَ قَوْلُهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا یُصِیبُهُمْ ظَمَأٌ أَیْ عَطَشٌ وَ لا نَصَبٌ أَیْ عَنَاءٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَیْ جُوعٌ وَ لا یَطَؤُنَ مَوْطِئاً یَغِیظُ الْكُفَّارَ یَعْنِی یَدْخُلُونَ بِلَادَ الْكُفَّارِ وَ لا یَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَیْلًا (4) یَعْنِی قَتْلًا وَ أَسْراً (5).
أقول: سیأتی أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لعن أبا سفیان فی سبعة مواطن أحدها یوم حملوا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی العقبة و هم اثنا عشر رجلا من بنی أمیة و خمسة من سائر الناس فلعن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من علی العقبة غیر النبی صلی اللّٰه علیه و آله و ناقته و سائقه و قائده.
«5»-ل، الخصال الْعِجْلِیُّ عَنِ ابْنِ زَكَرِیَّا الْقَطَّانِ عَنِ ابْنِ حَبِیبٍ عَنِ ابْنِ بُهْلُولٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ زِیَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ (6) قَالَ حَدَّثَنِی جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَشِیخَةِ عَنْ حُذَیْفَةَ بْنِ الْیَمَانِ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِینَ نَفَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ
ص: 222
نَاقَتَهُ فِی مُنْصَرَفِهِ مِنْ تَبُوكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَبُو الشُّرُورِ وَ أَبُو الدَّوَاهِی وَ أَبُو الْمَعَازِفِ وَ أَبُوهُ وَ طَلْحَةُ وَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ وَ أَبُو الْأَعْوَرِ وَ الْمُغِیرَةُ وَ سَالِمٌ مَوْلَی أَبِی حُذَیْفَةَ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ أَبُو مُوسَی الْأَشْعَرِیُّ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ هُمُ الَّذِینَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِیهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا (1).
بیان: أبو الشرور و أبو الدواهی و أبو المعازف أبو بكر و عمر و عثمان فیكون المراد بالأب الوالد المجازی أو لأنه كان ولد زنا أو المراد بأبی المعازف معاویة و أبوه أبو سفیان و لعله أظهر و یؤیده الخبر السابق.
«6»-م، تفسیر الإمام علیه السلام ج، الإحتجاج بِالْإِسْنَادِ إِلَی أَبِی مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِیِّ علیه السلام قَالَ: لَقَدْ رَامَتِ الْفَجَرَةُ الْكَفَرَةُ (2) لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ قَتْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی الْعَقَبَةِ وَ رَامَ مَنْ بَقِیَ مِنْ مَرَدَةِ الْمُنَافِقِینَ بِالْمَدِینَةِ قَتْلَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَمَا قَدَرُوا عَلَی مُغَالَبَةِ رَبِّهِمْ حَمَلَهُمْ عَلَی ذَلِكَ حَسَدُهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی عَلِیٍّ علیه السلام لِمَا فَخَّمَ مِنْ أَمْرِهِ وَ عَظَّمَ مِنْ شَأْنِهِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْمَدِینَةِ وَ قَدْ كَانَ خَلَّفَهُ عَلَیْهَا وَ قَالَ لَهُ إِنَّ جَبْرَئِیلَ أَتَانِی وَ قَالَ لِی یَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْعَلِیَّ الْأَعْلَی یُقْرِؤُكَ السَّلَامَ (3) وَ یَقُولُ لَكَ یَا مُحَمَّدُ إِمَّا أَنْتَ تَخْرُجُ (4) وَ یُقِیمُ عَلِیٌّ أَوْ تُقِیمُ أَنْتَ وَ یَخْرُجُ عَلِیٌّ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلِیّاً قَدْ نَدَبْتُهُ (5) لِإِحْدَی اثْنَتَیْنِ لَا یَعْلَمُ أَحَدٌ كُنْهَ جَلَالِ مَنْ أَطَاعَنِی فِیهِمَا وَ عَظِیمَ (6) ثَوَابِهِ غَیْرِی فَلَمَّا خَلَّفَهُ أَكْثَرَ الْمُنَافِقُونَ الْأَقْوَالَ فِیهِ قَالُوا (7) مَلَّهُ وَ سَئِمَهُ وَ كَرِهَ صُحْبَتَهُ فَتَبِعَهُ عَلِیٌّ علیه السلام حَتَّی لَحِقَهُ وَ قَدْ وَجَدَ بِمَا قَالُوا فِیهِ (8)
ص: 223
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا أَشْخَصَكَ عَنْ مَرْكَزِكَ قَالَ بَلَغَنِی عَنِ النَّاسِ كَذَا وَ كَذَا فَقَالَ لَهُ أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی فَانْصَرَفَ عَلِیٌّ إِلَی مَوْضِعِهِ فَدَبَّرُوا عَلَیْهِ أَنْ یَقْتُلُوهُ وَ تَقَدَّمُوا فِی أَنْ یَحْفِرُوا لَهُ فِی طَرِیقِهِ حَفِیرَةً طَوِیلَةً بِقَدْرِ (1) خَمْسِینَ ذِرَاعاً ثُمَّ غَطَّوْهَا بِحُصُرٍ دِقَاقٍ (2) وَ نَثَرُوا فَوْقَهَا یَسِیراً مِنَ التُّرَابِ بِقَدْرِ مَا غَطَّوْا وُجُوهَ الْحُصُرِ (3) وَ كَانَ ذَلِكَ عَلَی طَرِیقِ عَلِیٍّ الَّذِی لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سُلُوكِهِ لِیَقَعَ هُوَ وَ دَابَّتُهُ فِی الْحَفِیرَةِ الَّتِی قَدْ عَمَّقُوهَا وَ كَانَ مَا حَوَالَیِ الْمَحْفُورِ أَرْضاً (4) ذَاتَ حِجَارَةٍ (5) دَبَّرُوا عَلَی أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ مَعَ دَابَّتِهِ فِی ذَلِكَ الْمَكَانِ كَبَسُوهُ بِالْأَحْجَارِ (6) حَتَّی یَقْتُلُوهُ فَلَمَّا بَلَغَ عَلِیٌّ علیه السلام قُرْبَ الْمَكَانِ لَوَی فَرَسُهُ عُنُقَهُ وَ أَطَالَهُ اللَّهُ فَبَلَغَتْ جَحْفَلَتُهُ أُذُنَهُ (7) وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ حُفِرَ هَاهُنَا (8) وَ دُبِّرَ عَلَیْكَ الْحَتْفُ وَ أَنْتَ أَعْلَمُ لَا تَمُرَّ فِیهِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السلام جَزَاكَ اللَّهُ مِنْ نَاصِحٍ خَیْراً كَمَا تُدَبِّرُ تَدْبِیرِی (9) فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا یُخْلِیكَ مِنْ صُنْعِهِ الْجَمِیلِ وَ سَارَ حَتَّی شَارَفَ الْمَكَانَ فَتَوَقَّفَ (10) الْفَرَسُ خَوْفاً
ص: 224
مِنَ الْمُرُورِ عَلَی الْمَكَانِ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام سِرْ بِإِذْنِ اللَّهِ سَالِماً سَوِیّاً عَجِیباً شَأْنُكَ بَدِیعاً أَمْرُكَ فَتَبَادَرَتِ الدَّابَّةُ فَإِذَا رَبُّكَ (1) عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ مَتَّنَ (2) الْأَرْضَ وَ صَلَّبَهَا وَ لَأَمَ حُفَرَهَا وَ جَعَلَهَا كَسَائِرِ الْأَرْضِ فَلَمَّا جَاوَزَهَا عَلِیٌّ علیه السلام لَوَی الْفَرَسُ عُنُقَهُ وَ وَضَعَ جَحْفَلَتَهُ عَلَی أُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ (3) مَا أَكْرَمَكَ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ أَجَازَكَ (4) عَلَی هَذَا الْمَكَانِ الْخَاوِی فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام جَازَاكَ اللَّهُ بِهَذِهِ السَّلَامَةِ عَنْ تِلْكَ النَّصِیحَةِ الَّتِی نَصَحْتَنِی (5) ثُمَّ قَلَّبَ وَجْهَ الدَّابَّةِ إِلَی مَا یَلِی كَفَلَهَا وَ الْقَوْمُ مَعَهُ بَعْضُهُمْ كَانَ أَمَامَهُ وَ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ وَ قَالَ اكْشِفُوا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ فَكَشَفُوا عَنْهُ فَإِذَا هُوَ خَاوٍ وَ لَا یَسِیرُ عَلَیْهِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَعَ فِی الْحُفْرَةِ (6) فَأَظْهَرَ الْقَوْمُ الْفَزَعَ وَ التَّعَجُّبَ مِمَّا رَأَوْا (7) فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لِلْقَوْمِ أَ تَدْرُونَ مَنْ عَمِلَ هَذَا قَالُوا لَا نَدْرِی قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لَكِنْ فَرَسِی هَذَا یَدْرِی یَا أَیُّهَا الْفَرَسُ كَیْفَ هَذَا وَ مَنْ دَبَّرَ هَذَا فَقَالَ الْفَرَسُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یُبْرِمُ مَا یَرُومُ جُهَّالُ الْخَلْقِ نَقْضَهُ أَوْ كَانَ یَنْقُضُ مَا یَرُومُ جُهَّالُ الْخَلْقِ إِبْرَامَهُ فَاللَّهُ هُوَ الْغَالِبُ وَ الْخَلْقُ هُمُ الْمَغْلُوبُونَ فَعَلَ هَذَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ (8) وَ فُلَانٌ إِلَی أَنْ ذَكَرَ الْعَشَرَةَ بِمُوَاطَاةٍ عَنْ أَرْبَعَةٍ وَ عِشْرِینَ (9) هُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَرِیقِهِ ثُمَّ دَبَّرُوا هُمْ عَلَی أَنْ یَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی الْعَقَبَةِ وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ وَرَاءِ حِیَاطَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ وَلِیُّ اللَّهِ لَا یَغْلِبُهُ الْكَافِرُونَ فَأَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام عَلَیْهِ بِأَنْ یُكَاتِبَ رَسُولَ
ص: 225
اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی ذَلِكَ (1) وَ یَبْعَثَ رَسُولًا مُسْرِعاً فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ إِلَی مُحَمَّدٍ (2) أَسْرَعُ وَ كِتَابَهُ إِلَیْهِ أَسْبَقُ فَلَا یُهِمَّنَّكُمْ (3) فَلَمَّا قَرُبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنَ الْعَقَبَةِ الَّتِی بِإِزَائِهَا فَضَائِحُ الْمُنَافِقِینَ وَ الْكَافِرِینَ نَزَلَ دُونَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ جَمَعَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ هَذَا جَبْرَئِیلُ الرُّوحُ الْأَمِینُ یُخْبِرُنِی أَنَّ عَلِیّاً دُبِّرَ عَلَیْهِ كَذَا وَ كَذَا فَدَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْهُ مِنْ أَلْطَافِهِ (4) وَ عَجَائِبِ مُعْجِزَاتِهِ بِكَذَا وَ كَذَا أَنَّهُ صَلَّبَ الْأَرْضَ تَحْتَ حَافِرِ دَابَّتِهِ وَ أَرْجُلِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ انْقَلَبَ عَلَی ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلِیٌّ علیه السلام وَ كَشَفَ عَنْهُ فَرُئِیَتِ الْحَفِیرَةُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَاءَمَهَا كَمَا كَانَتْ لِكَرَامَتِهِ عَلَیْهِ وَ إِنَّهُ قِیلَ لَهُ كَاتِبْ بِهَذَا وَ أَرْسِلْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (5) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ أَسْرَعُ وَ كِتَابُهُ إِلَیْهِ أَسْبَقُ وَ لَمْ یُخْبِرْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَا قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام عَلَی بَابِ الْمَدِینَةِ أَنَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (6) مُنَافِقِینَ سَیَكِیدُونَهُ وَ یَدْفَعُ اللَّهُ تَعَالَی عَنْهُ فَلَمَّا سَمِعَ الْأَرْبَعَةُ وَ الْعِشْرُونَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ مَا قَالَهُ صلی اللّٰه علیه و آله فِی أَمْرِ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا أَمْهَرَ مُحَمَّداً بِالْمَخْرَقَةِ إِنَّ فَیْجاً (7) مُسْرِعاً أَتَاهُ أَوْ طَیْراً مِنَ الْمَدِینَةِ مِنْ بَعْضِ أَهْلِهِ وَقَعَ عَلَیْهِ أَنَّ عَلِیّاً قُتِلَ بِحِیلَةِ كَذَا (8) فَهُوَ الَّذِی وَاطَأَنَا عَلَیْهِ أَصْحَابُنَا فَهُوَ الْآنَ لَمَّا بَلَغَهُ كَتَمَ الْخَبَرَ وَ قَلَبَهُ إِلَی ضِدِّهِ یُرِیدُ أَنْ یُسَكِّنَ مَنْ مَعَهُ لِئَلَّا یَمُدُّوا أَیْدِیَهُمْ عَلَیْهِ وَ هَیْهَاتَ وَ اللَّهِ مَا لَبَّثَ عَلِیّاً بِالْمَدِینَةِ إِلَّا حِینُهُ (9) وَ لَا أَخْرَجَ مُحَمَّداً إِلَی هَاهُنَا إِلَّا حِینُهُ (10) وَ قَدْ هَلَكَ عَلِیٌّ علیه السلام وَ هُوَ هَاهُنَا هَالِكٌ لَا مَحَالَةَ وَ لَكِنْ تَعَالَوْا حَتَّی نَذْهَبَ إِلَیْهِ وَ نُظْهِرَ لَهُ السُّرُورَ بِأَمْرِ عَلِیٍّ لِیَكُونَ أَسْكَنَ لِقَلْبِهِ إِلَیْنَا إِلَی
ص: 226
أَنْ نُمْضِیَ فِیهِ تَدْبِیرَنَا فَحَضَرُوهُ وَ هَنَّئُوهُ عَلَی سَلَامَةِ عَلِیٍّ مِنَ الْوَرْطَةِ الَّتِی رَامَهَا أَعْدَاؤُهُ ثُمَّ قَالُوا لَهُ أَخْبِرْنَا عَنْ عَلِیٍّ أَ هُوَ أَفْضَلُ أَمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هَلْ شُرِّفَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا بِحُبِّهَا لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِیٍّ وَ قَبُولِهَا لِوَلَایَتِهِمَا إِنَّهُ لَا أَحَدَ مِنْ مُحِبِّی عَلِیٍّ علیه السلام نُظِّفَ (1) قَلْبُهُ مِنْ قَذَرِ (2) الْغِشِّ وَ الدَّغَلِ وَ الْغِلِّ وَ نَجَاسَةِ (3) الذُّنُوبِ إِلَّا كَانَ أَطْهَرَ وَ أَفْضَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ هَلْ أَمْرُ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ إِلَّا لِمَا كَانُوا قَدْ وَضَعُوهُ فِی نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ لَا یَصِیرُ فِی الدُّنْیَا خَلْقٌ بَعْدَهُمْ إِذَا رَفَعُوهُمْ (4) عَنْهَا إِلَّا وَ هُمْ یَعْنُونَ أَنْفُسَهُمْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ (5) فِی الدِّینِ فَضْلًا وَ أَعْلَمَ بِاللَّهِ وَ بِدِینِهِ عِلْماً فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ یُعَرِّفَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ أَخْطَئُوا فِی ظُنُونِهِمْ وَ اعْتِقَادَاتِهِمْ فَخَلَقَ آدَمَ وَ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَیْهِمْ فَعَجَزُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا فَأَمَرَ آدَمَ أَنْ یُنْبِئَهُمْ بِهَا وَ عَرَّفَهُمْ فَضْلَهُ فِی الْعِلْمِ عَلَیْهِمْ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ ذُرِّیَّةً (6) مِنْهُمُ الْأَنْبِیَاءُ وَ الرُّسُلُ وَ الْخِیَارُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَفْضَلُهُمْ مُحَمَّدٌ ثُمَّ آلُ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مِنَ الْخِیَارِ الْفَاضِلِینَ مِنْهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ وَ خِیَارُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَ عَرَّفَ الْمَلَائِكَةَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِذَا احْتَمَلُوا مَا حَمَلُوهُ مِنَ الْأَثْقَالِ وَ قَاسُوا مَا هُمْ فِیهِ بِعَرَضٍ (7) مِنْ أَعْوَانِ الشَّیَاطِینِ وَ مُجَاهَدَةِ النُّفُوسِ وَ احْتِمَالِ أَذَی ثِقْلِ الْعِیَالِ وَ الِاجْتِهَادِ فِی طَلَبِ الْحَلَالِ وَ مُعَانَاةِ مُخَاطَرَةِ الْخَوْفِ مِنَ الْأَعْدَاءِ مِنْ لُصُوصٍ مُخَوِّفِینَ وَ مِنْ سَلَاطِینَ جَوَرَةٍ قَاهِرِینَ وَ صُعُوبَةٍ فِی الْمَسَالِكِ (8) فِی الْمَضَایِقِ وَ الْمَخَاوِفِ وَ الْأَجْزَاعِ وَ الْجِبَالِ وَ التِّلَالِ (9)
ص: 227
لِتَحْصِیلِ أَقْوَاتِ الْأَنْفُسِ وَ الْعِیَالِ مِنَ الطَّیِّبِ الْحَلَالِ عَرَّفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّ خِیَارَ الْمُؤْمِنِینَ سَیَحْتَمِلُونَ هَذِهِ الْبَلَایَا وَ یَتَخَلَّصُونَ مِنْهَا وَ یُحَارِبُونَ الشَّیَاطِینَ وَ یَهْزِمُونَهُمْ وَ یُجَاهِدُونَ أَنْفُسَهُمْ بِدَفْعِهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا وَ یَغْلِبُونَهَا مَعَ مَا رُكِّبَ فِیهِمْ مِنْ شَهْوَةِ (1) الْفُحُولَةِ وَ حُبِّ اللِّبَاسِ وَ الطَّعَامِ وَ الْعِزِّ وَ الرِّئَاسَةِ وَ الْفَخْرِ وَ الْخُیَلَاءِ وَ مُقَاسَاةِ الْعَنَاءِ (2) وَ الْبَلَاءِ مِنْ إِبْلِیسَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ عَفَارِیتِهِ وَ خَوَاطِرِهِمْ وَ إِغْوَائِهِمْ وَ اسْتِهْوَائِهِمْ وَ دَفْعِ مَا یُكَابِدُونَهُ (3) مِنْ أَلَمِ الصَّبْرِ عَلَی سِمَاعِ الطَّعْنِ (4) مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ سِمَاعِ الْمَلَاهِی وَ الشَّتْمِ لِأَوْلِیَاءِ اللَّهِ وَ مَعَ مَا یُقَاسُونَهُ فِی أَسْفَارِهِمْ لِطَلَبِ أَقْوَاتِهِمْ وَ الْهَرَبِ مِنْ أَعْدَاءِ دِینِهِمْ وَ الطَّلَبِ لِمَا یَأْمُلُونَ مُعَامَلَتَهُ مِنْ مُخَالِفِیهِمْ فِی دِینِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَا مَلَائِكَتِی وَ أَنْتُمْ مِنْ جَمِیعِ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ لَا شَهَوَاتُ الْفُحُولَةِ تُزْعِجُكُمْ وَ لَا شَهْوَةُ الطَّعَامِ تَحْفِزُكُمْ (5) وَ لَا خَوْفٌ مِنْ أَعْدَاءِ دِینِكُمْ (6) وَ دُنْیَاكُمْ یَنْخُبُ فِی قُلُوبِكُمْ وَ لَا لِإِبْلِیسَ فِی مَلَكُوتِ سَمَاوَاتِی وَ أَرْضِی شُغُلٌ (7) عَلَی إِغْوَاءِ مَلَائِكَتِیَ الَّذِینَ قَدْ عَصَمْتُهُمْ مِنْهُمْ یَا مَلَائِكَتِی فَمَنْ أَطَاعَنِی مِنْهُمْ وَ سَلِمَ دِینُهُ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ وَ النَّكَبَاتِ فَقَدِ احْتَمَلَ فِی جَنْبِ مَحَبَّتِی مَا لَمْ تَحْتَمِلُوا وَ اكْتَسَبَ مِنَ الْقُرُبَاتِ إِلَی مَا لَمْ تَكْتَسِبُوا فَلَمَّا عَرَّفَ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ فَضْلَ خِیَارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ شِیعَةِ عَلِیٍّ وَ خُلَفَائِهِ (8) علیهم السلام وَ احْتِمَالَهُمْ فِی جَنْبِ مَحَبَّةِ رَبِّهِمْ مَا لَا تَحْتَمِلُهُ (9) الْمَلَائِكَةُ أَبَانَ بَنِی آدَمَ الْخِیَارَ الْمُتَّقِینَ بِالْفَضْلِ عَلَیْهِمْ ثُمَّ قَالَ فَلِذَلِكَ فَاسْجُدُوا لآِدَمَ لِمَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَی أَنْوَارِ هَذِهِ الْخَلَائِقِ الْأَفْضَلِینَ وَ لَمْ یَكُنْ سُجُودُهُمْ لآِدَمَ إِنَّمَا كَانَ آدَمُ قِبْلَةً لَهُمْ
ص: 228
یَسْجُدُونَ نَحْوَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ كَانَ بِذَلِكَ مُعَظَّماً لَهُ مُبَجَّلًا وَ لَا یَنْبَغِی لِأَحَدٍ أَنْ یَسْجُدَ لِأَحَدٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ یَخْضَعُ لَهُ خُضُوعَهُ لِلَّهِ وَ یُعَظِّمُ بِهِ (1) السُّجُودَ كَتَعْظِیمِهِ لِلَّهِ وَ لَوْ أَمَرْتُ أَحَداً أَنْ یَسْجُدَ هَكَذَا لِغَیْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ ضُعَفَاءَ شِیعَتِنَا وَ سَائِرَ الْمُكَلَّفِینَ أَنْ یَسْجُدُوا لِمَنْ تَوَسَّطَ فِی عُلُومِ عَلِیٍّ وَصِیِّ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَحَضَ وِدَادَ خَیْرِ خَلْقِ اللَّهِ عَلِیٍّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ احْتَمَلَ الْمَكَارِهَ وَ الْبَلَایَا فِی التَّصْرِیحِ بِإِظْهَارِ حُقُوقِ اللَّهِ وَ لَمْ یُنْكِرْ عَلَیَّ حَقّاً أَرْقُبُهُ عَلَیْهِ قَدْ كَانَ جَهِلَهُ أَوْ أَغْفَلَهُ (2) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَصَی اللَّهَ إِبْلِیسُ فَهَلَكَ لِمَا كَانَتْ مَعْصِیَتُهُ بِالْكِبْرِ عَلَی آدَمَ وَ عَصَی اللَّهَ آدَمُ بِأَكْلِ الشَّجَرَةِ فَسَلِمَ وَ لَمْ یَهْلِكْ لِمَا لَمْ یُقَارِنْ بِمَعْصِیَتِهِ التَّكَبُّرَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّیِّبِینَ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَالَ لَهُ یَا آدَمُ عَصَانِی فِیكَ إِبْلِیسُ وَ تَكَبَّرَ عَلَیْكَ فَهَلَكَ وَ لَوْ تَوَاضَعَ لَكَ بِأَمْرِی وَ عَظَّمَ عِزَّ جَلَالِی لَأَفْلَحَ كُلَّ الْفَلَاحِ كَمَا أَفْلَحْتَ وَ أَنْتَ عَصَیْتَنِی بِأَكْلِ الشَّجَرَةِ وَ بِالتَّوَاضُعِ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ تُفْلِحُ كُلَّ الْفَلَاحِ وَ تَزُولُ عَنْكَ وَصْمَةُ (3) الزَّلَّةِ فَادْعُنِی بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّیِّبِینَ علیهم السلام لِذَلِكَ فَدَعَا بِهِمْ فَأَفْلَحَ كُلَّ الْفَلَاحِ لِمَا تَمَسَّكَ بِعُرْوَتِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَ بِالرَّحِیلِ فِی أَوَّلِ نِصْفِ اللَّیْلِ الْأَخِیرِ وَ أَمَرَ مُنَادِیَهُ فَنَادَی أَلَا لَا یَسْبِقَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَحَدٌ إِلَی الْعَقَبَةِ وَ لَا یَطَؤُهَا حَتَّی یُجَاوِزَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ أَمَرَ حُذَیْفَةَ أَنْ یَقْعُدَ فِی أَصْلِ الْعَقَبَةِ فَیَنْظُرَ مَنْ یَمُرُّ بِهِ (4) وَ یُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَهُ أَنْ یَتَشَبَّهَ (5) بِحَجَرٍ فَقَالَ حُذَیْفَةُ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنِّی أَتَبَیَّنُ الشَّرَّ فِی وُجُوهِ رُؤَسَاءِ عَسْكَرِكَ وَ إِنِّی أَخَافُ إِنْ قَعَدْتُ فِی أَصْلِ الْجَبَلِ وَ جَاءَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَافُ أَنْ یَتَقَدَّمَكَ إِلَی هُنَاكَ لِلتَّدْبِیرِ عَلَیْكَ یُحِسُّ بِی فَیَكْشِفُ عَنِّی فَیَعْرِفُنِی وَ مَوْضِعِی
ص: 229
مِنْ نَصِیحَتِكَ فَیَتَّهِمُنِی وَ یَخَافُنِی فَیَقْتُلُنِی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّكَ إِذَا بَلَغْتَ أَصْلَ (1) الْعَقَبَةِ فَاقْصِدْ أَكْبَرَ صَخْرَةٍ هُنَاكَ إِلَی جَانِبِ أَصْلِ الْعَقَبَةِ وَ قُلْ لَهَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَأْمُرُكِ أَنْ تَنْفَرِجِی لِی حَتَّی أَدْخُلَ جَوْفَكِ ثُمَّ یَأْمُرُكِ أَنْ یَنْثَقِبَ فِیكِ ثُقْبَةً (2) أَبْصُرُ مِنْهَا الْمَارِّینَ وَ یَدْخُلُ عَلَیَّ مِنْهَا الرَّوْحُ لِئَلَّا أَكُونَ مِنَ الْهَالِكِینَ فَإِنَّهَا تَصِیرُ إِلَی مَا تَقُولُ لَهَا بِإِذْنِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ فَأَدَّی حُذَیْفَةُ الرِّسَالَةَ وَ دَخَلَ جَوْفَ الصَّخْرَةِ وَ جَاءَ الْأَرْبَعَةُ وَ الْعِشْرُونَ عَلَی جِمَالِهِمْ وَ بَیْنَ أَیْدِیهِمْ رَجَّالَتُهُمْ (3) یَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَنْ رَأَیْتُمُوهُ هَاهُنَا كَائِناً مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ لِئَلَّا یُخْبِرُوا مُحَمَّداً أَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْنَا هُنَا فَیَنْكُصَ مُحَمَّدٌ وَ لَا یَصْعَدَ هَذِهِ الْعَقَبَةَ إِلَّا نَهَاراً فَیَبْطُلَ تَدْبِیرُنَا عَلَیْهِ فَسَمِعَهَا حُذَیْفَةُ وَ اسْتَقْصَوْا فَلَمْ یَجِدُوا أَحَداً وَ كَانَ اللَّهُ قَدْ سَتَرَ حُذَیْفَةَ بَالْحَجَرِ عَنْهُمْ فَتَفَرَّقُوا فَبَعْضُهُمْ صَعِدَ عَلَی الْجَبَلِ وَ عَدَلَ عَنِ الطَّرِیقِ الْمَسْلُوكِ وَ بَعْضُهُمْ وَقَفَ عَلَی سَفْحِ (4) الْجَبَلِ عَنْ یَمِینٍ وَ شِمَالٍ وَ هُمْ یَقُولُونَ أَ لَا تَرَوْنَ (5) حَیْنَ مُحَمَّدٍ كَیْفَ أَغْرَاهُ بِأَنْ یَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ صُعُودِ الْعَقَبَةِ (6) حَتَّی یَقْطَعَهَا هُوَ لِنَخْلُوَ بِهِ هَاهُنَا فَیَمْضِیَ (7) فِیهِ تَدْبِیرُنَا وَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ بِمَعْزِلٍ وَ كُلُّ ذَلِكَ یُوصِلُهُ اللَّهُ مِنْ قَرِیبٍ أَوْ بَعِیدٍ إِلَی أُذُنِ حُذَیْفَةَ وَ یَعِیهِ حُذَیْفَةُ فَلَمَّا تَمَكَّنَ الْقَوْمُ عَلَی الْجَبَلِ حَیْثُ أَرَادُوا كَلَّمَتِ الصَّخْرَةُ حُذَیْفَةَ وَ قَالَتِ انْطَلِقِ الْآنَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا رَأَیْتَ وَ مَا سَمِعْتَ قَالَ حُذَیْفَةُ كَیْفَ أَخْرُجُ عَنْكِ وَ إِنْ رَآنِی الْقَوْمُ قَتَلُونِی مَخَافَةً عَلَی أَنْفُسِهِمْ مِنْ نَمِیمَتِی عَلَیْهِمْ قَالَتِ الصَّخْرَةُ إِنَّ الَّذِی مَكَّنَكَ فِی جَوْفِی (8) وَ أَوْصَلَ إِلَیْكَ الرَّوْحَ مِنَ الثُّقْبَةِ الَّتِی أَحْدَثَهَا فِیَّ هُوَ الَّذِی
ص: 230
یُوصِلُكَ إِلَی نَبِیِّ اللَّهِ وَ یُنْقِذُكَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَنَهَضَ حُذَیْفَةُ لِیَخْرُجَ وَ انْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ (1) فَحَوَّلَهُ اللَّهُ طَائِراً فَطَارَ فِی الْهَوَاءِ مُحَلِّقاً حَتَّی انْقَضَّ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ أُعِیدَ إِلَی صُورَتِهِ (2) فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَا رَأَی وَ سَمِعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ وَ عَرَفْتَهُمْ بِوُجُوهِهِمْ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ كَانُوا مُتَلَثِّمِینَ وَ كُنْتُ أَعْرِفُ أَكْثَرَهُمْ بِجِمَالِهِمْ فَلَمَّا فَتَّشُوا الْمَوْضِعَ (3) فَلَمْ یَجِدُوا أَحَداً أَحْدَرُوا (4) اللِّثَامَ فَرَأَیْتُ وُجُوهَهُمْ فَعَرَفْتُهُمْ (5) بِأَعْیَانِهِمْ وَ أَسْمَائِهِمْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ حَتَّی عَدَّ أَرْبَعَةً وَ عِشْرِینَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا حُذَیْفَةُ إِذَا كَانَ اللَّهُ یُثَبِّتُ مُحَمَّداً لَمْ یَقْدِرْ هَؤُلَاءِ وَ لَا الْخَلْقُ أَجْمَعُونَ أَنْ یُزِیلُوهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی بَالِغٌ فِی مُحَمَّدٍ أَمْرَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ثُمَّ قَالَ یَا حُذَیْفَةُ فَانْهَضْ بِنَا أَنْتَ وَ سَلْمَانُ وَ عَمَّارٌ وَ تَوَكَّلُوا عَلَی اللَّهِ فَإِذَا جُزْنَا الثَّنِیَّةَ الصَّعْبَةَ فَأْذَنُوا لِلنَّاسِ أَنْ یَتَّبِعُونَا فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ عَلَی نَاقَتِهِ وَ حُذَیْفَةُ وَ سَلْمَانُ أَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ یَقُودُهَا وَ الْآخَرُ خَلْفَهَا یَسُوقُهَا وَ عَمَّارٌ إِلَی جَانِبِهَا وَ الْقَوْمُ عَلَی جِمَالِهِمْ وَ رَجَّالَتُهُمْ مُنْبَثُّونَ حَوَالَیِ الثَّنِیَّةِ عَلَی تِلْكَ الْعَقَبَاتِ وَ قَدْ جَعَلَ الَّذِینَ فَوْقَ الطَّرِیقِ حِجَارَةً فِی دِبَابٍ فَدَحْرَجُوهَا مِنْ فَوْقٍ لِیُنَفِّرُوا النَّاقَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِتَقَعَ (6) فِی الْمَهْوَی الَّذِی یَهُولُ النَّاظِرَ النَّظَرُ إِلَیْهِ مِنْ بُعْدِهِ فَلَمَّا قَرُبَتِ الدِّبَابُ مِنْ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَی لَهَا فَارْتَفَعَتْ ارْتِفَاعاً عَظِیماً فَجَاوَزَتْ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ سَقَطَتْ فِی جَانِبِ الْمَهْوَی وَ لَمْ یَبْقَ مِنْهَا شَیْ ءٌ إِلَّا صَارَ كَذَلِكَ وَ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَأَنَّهَا لَا تُحِسُّ بِشَیْ ءٍ مِنْ تِلْكَ الْقَعْقَعَاتِ الَّتِی كَانَتْ لِلدِّبَابِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَمَّارٍ اصْعَدِ الْجَبَلَ فَاضْرِبْ بِعَصَاكَ هَذِهِ وُجُوهَ رَوَاحِلِهِمْ فَارْمِ بِهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمَّارٌ فَنَفَرَتْ بِهِمْ (7) وَ سَقَطَ بَعْضُهُمْ فَانْكَسَرَ عَضُدُهُ
ص: 231
وَ مِنْهُمْ مَنِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ وَ مِنْهُمْ مَنِ انْكَسَرَ جَنْبُهُ وَ اشْتَدَّتْ لِذَلِكَ أَوْجَاعُهُمْ فَلَمَّا جَبَرَتْ وَ انْدَمَلَتْ بَقِیَتْ عَلَیْهِمْ آثَارُ الْكَسْرِ إِلَی أَنْ مَاتُوا وَ لِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی حُذَیْفَةَ وَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِنَّهُمَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمُنَافِقِینَ لِقُعُودِهِ فِی أَصْلِ الْجَبَلِ (1) وَ مُشَاهَدَتِهِ مَنْ مَرَّ سَابِقاً لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَفَی اللَّهُ رَسُولَهُ أَمْرَ مَنْ قَصَدَ لَهُ وَ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْمَدِینَةِ (2) فَكَسَی اللَّهُ الذُّلَّ وَ الْعَارَ مَنْ كَانَ قَعَدَ عَنْهُ وَ أَلْبَسَ الْخِزْیَ مَنْ كَانَ دَبَّرَ (3) عَلَی عَلِیٍّ علیه السلام مَا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ (4).
بیان: كبست البئر طممتها و الجحفلة للحافر كالشفة للإنسان و المخرقة الكذب و الحین بالفتح الهلاك و حفزه دفعه من خلفه و النخب النزع و فی بعض النسخ بالحاء المهملة و هو السیر السریع.
«7»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّ النَّاسَ فِی غَزَاةِ تَبُوكَ لَمَّا سَارُوا یَوْمَهُمُ نَالَهُمْ عَطَشٌ كَادَتْ تَنْقَطِعُ أَعْنَاقُ الرُّجَّالِ وَ الْخَیْلِ وَ الرُّكَّابِ عَطَشاً فَدَعَا بِرَكْوَةٍ فَصَبَّ فِیهَا مَاءً قَلِیلًا مِنْ إِدَاوَةٍ كَانَتْ مَعَهُ وَ وَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَیْهَا فَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ فَاسْتَقَوْا وَ ارْتَوَوْا وَ الْعَسْكَرُ ثَلَاثُونَ أَلْفَ رَجُلٍ سِوَی الْخَیْلِ وَ الْإِبِلِ.
«8»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی أَبُو عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ یَحْیَی عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِیَّةَ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فِی غَزْوَةِ تَبُوكَ اخْلُفْنِی فِی أَهْلِی فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی أَكْرَهُ أَنْ تَقُولُ الْعَرَبُ خَذَلَ ابْنَ عَمِّهِ وَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَقَالَ أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی قَالَ بَلَی قَالَ فَاخْلُفْنِی (5).
«9»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی ابْنُ الصَّلْتِ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ جَعْفَرِ
ص: 232
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (1) بْنِ عَلِیٍّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِیٍّ علیهم السلام قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً فِی غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ تُخَلِّفُنِی بَعْدَكَ قَالَ أَ لَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی (2).
«10»-ص، قصص الأنبیاء علیهم السلام الصَّدُوقُ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مَهْزِیَارَ عَنْ أَخِیهِ عَلِیٍّ عَنِ النَّضْرِ عَنْ مُوسَی بْنِ بَكْرٍ قَالَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَسْمَاءَ الْمُنَافِقِینَ فَقَالَ لَا وَ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا كَانَ فِی غَزْوَةِ تَبُوكَ كَانَ یَسِیرُ عَلَی نَاقَتِهِ وَ النَّاسُ أَمَامَهُ فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی الْعَقَبَةِ وَ قَدْ جَلَسَ عَلَیْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةٌ مِنْ قُرَیْشٍ وَ ثَمَانِیَةٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ أَوْ عَلَی عَكْسِ هَذَا (3) فَأَتَاهُ جَبْرَئِیلُ علیه السلام فَقَالَ إِنَّ فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً فَقَدْ قَعَدُوا (4) لَكَ عَلَی الْعَقَبَةِ لِیُنَفِّرُوا نَاقَتَكَ فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا فُلَانُ وَ یَا فُلَانُ وَ یَا فُلَانُ أَنْتُمُ الْقُعُودُ لِتُنَفِّرُوا نَاقَتِی وَ كَانَ حُذَیْفَةُ خَلْفَهُ فَلَحِقَ (5) بِهِمْ فَقَالَ یَا حُذَیْفَةُ سَمِعْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ اكْتُمْ (6).
«11»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَا زَالَ الْقُرْآنُ یَنْزِلُ بِكَلَامِ الْمُنَافِقِینَ حَتَّی تَرَكُوا الْكَلَامَ وَ اقْتَصَرُوا بِالْحَوَاجِبِ یَغْمِزُونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَأْمَنُونَ (7) أَنْ تُسَمَّوْا (8) فِی الْقُرْآنِ فَتَفْتَضِحُوا أَنْتُمْ وَ عَقِبُكُمْ هَذِهِ عَقَبَةٌ بَیْنَ أَیْدِینَا لَوْ رَمَیْنَا (9) بِهِ مِنْهَا یَنْقَطِعُ (10) فَقَعَدُوا عَلَی الْعَقَبَةِ وَ یُقَالُ لَهَا عَقَبَةُ ذِی فَتْقٍ (11) وَ قَالَ حُذَیْفَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ عَلَی نَاقَتِهِ اقْتَصَدَتْ فِی السَّیْرِ فَقَالَ حُذَیْفَةُ قُلْتُ لَیْلَةً
ص: 233
مِنَ اللَّیَالِی لَا وَ اللَّهِ لَا أُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ فَجَعَلْتُ أَحْبِسُ نَاقَتِی عَلَیْهِ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ هَذَا فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ حَتَّی عَدَّهُمْ قَدْ قَعَدُوا یَنْفِرُونَ بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ یَا فُلَانُ یَا فُلَانُ یَا فُلَانُ یَا أَعْدَاءَ اللَّهِ حَتَّی سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ كُلِّهِمْ ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا حُذَیْفَةُ فَقَالَ عَرَفْتَهُمْ قُلْتُ نَعَمْ بِرَوَاحِلِهِمْ وَ هُمْ مُتَلَثِّمُونَ فَقَالَ لَا تُخْبِرْ بِهِمْ أَحَداً فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ فَلَا تَقْتُلُهُمْ قَالَ إِنِّی أَكْرَهُ أَنْ یَقُولَ النَّاسُ قَاتَلَ بِهِمْ حَتَّی ظَفِرَ فَقَتَلَهُمْ (1) فَكَانُوا مِنْ قُرَیْشٍ.
«12»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَی تَبُوكَ ضَلَّتْ نَاقَتُهُ الْقُصْوَی وَ عِنْدَهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ قَالَ كَالْمُسْتَهْزِئِ یُخْبِرُنَا مُحَمَّدٌ بِخَبَرِ السَّمَاءِ وَ لَا یَدْرِی أَیْنَ نَاقَتُهُ فَقَالَ علیه السلام إِنِّی لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِیَ اللَّهُ وَ قَدْ أَخْبَرَنِی الْآنَ أَنَّهَا بِشِعْبِ كَذَا وَ كَذَا وَ زِمَامُهَا مُلْتَفٌّ بِشَجَرَةٍ فَكَانَ كَمَا قَالَ (2).
«13»-یج، الخرائج و الجرائح مِنْ مُعْجِزَاتِهِ أَنَّهُ لَمَّا غَزَا بِتَبُوكَ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِینَ خَمْسَةٌ وَ عِشْرُونَ أَلْفاً سِوَی خَدَمِهِمْ فَمَرَّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی مَسِیرِهِ بِجَبَلٍ یَرْشَحُ الْمَاءُ مِنْ أَعْلَاهُ إِلَی أَسْفَلِهِ مِنْ غَیْرِ سَیَلَانٍ فَقَالُوا مَا أَعْجَبَ رَشْحَ هَذَا الْجَبَلِ فَقَالَ إِنَّهُ یَبْكِی قَالُوا وَ الْجَبَلُ یَبْكِی قَالَ أَ تُحِبُّونَ أَنْ تَعْلَمُوا ذَلِكَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ أَیُّهَا الْجَبَلُ مِمَّ بُكَاؤُكَ فَأَجَابَهُ الْجَبَلُ وَ قَدْ سَمِعَهُ الْجَمَاعَةُ بِلِسَانٍ (3) فَصِیحٍ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَرَّ بِی عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ وَ هُوَ یَتْلُو نَارٌ وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ فَأَنَا أَبْكِی مُنْذُ ذَلِكَ الْیَوْمِ خَوْفاً مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنْ تِلْكَ الْحِجَارَةِ فَقَالَ (4) اسْكُنْ مَكَانَكَ (5) فَلَسْتَ مِنْهَا إِنَّمَا تِلْكَ الْحِجَارَةُ الْكِبْرِیتُ فَجَفَّ ذَلِكَ الرَّشْحُ مِنَ الْجَبَلِ فِی الْوَقْتِ حَتَّی لَمْ یُرَ شَیْ ءٌ مِنْ ذَلِكَ الرَّشْحِ وَ مِنْ تِلْكَ الرُّطُوبَةِ الَّتِی كَانَتْ (6).
ص: 234
«14»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ صَارَ بِتَبُوكَ فَاخْتَلَفَ (1) الرُّسُلُ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَلِكِ الرُّومِ فَطَالَتْ فِی ذَلِكَ الْأَیَّامُ حَتَّی نَفِدَ الزَّادُ فَشَكَوْا إِلَیْهِ نَفَادَهُ فَقَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ شَیْ ءٌ مِنَ الدَّقِیقِ أَوِ التَّمْرِ أَوِ السَّوِیقِ (2) فَلْیَأْتِنِی فَجَاءَ أَحَدٌ بِدَقِیقٍ (3) وَ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ وَ الْآخَرُ بِكَفِّ سَوِیقٍ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ وَ جَعَلَ ذَلِكَ عَلَیْهِ وَ وَضَعَ یَدَهُ عَلَی كُلِّ وَاحِدٍ (4) مِنْهَا ثُمَّ قَالَ نَادُوا فِی النَّاسِ مَنْ أَرَادَ الزَّادَ فَلْیَأْتِ فَأَقْبَلَ النَّاسُ یَأْخُذُونَ الدَّقِیقَ وَ التَّمْرَ وَ السَّوِیقَ حَتَّی مَلَئُوا جَمِیعَ مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْأَوْعِیَةِ وَ ذَلِكَ الدَّقِیقُ وَ التَّمْرُ وَ السَّوِیقُ عَلَی حَالِهِ مَا نَقَصَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا شَیْ ءٌ وَ لَا زَادَ عَمَّا (5) كَانَ ثُمَّ سَارَ إِلَی الْمَدِینَةِ فَنَزَلَ یَوْماً عَلَی وَادٍ كَانَ یُعْرَفُ فِیهِ الْمَاءُ فِیمَا تَقَدَّمَ فَوَجَدُوهُ یَابِساً لَا مَاءَ فِیهِ فَقَالُوا لَیْسَ فِی الْوَادِی مَاءٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخَذَ (6) سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَالَ لِرَجُلٍ خُذْهُ فَانْصِبْهُ فِی أَعْلَی الْوَادِی (7) فَنَصَبَ فَتَفَجَّرَتْ مِنْ حَوْلِ السَّهْمِ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَیْناً تَجْرِی فِی الْوَادِی مِنْ أَعْلَاهُ إِلَی أَسْفَلِهِ وَ ارْتَوَوْا (8) وَ مَلَئُوا الْقِرَبَ (9).
«15»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِهِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّیْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قَالَ هُمْ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ (10).
«16»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِیباً وَ سَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ الْآیَةَ إِنَّهُمْ یَسْتَطِیعُونَ وَ قَدْ كَانَ فِی عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِیباً وَ سَفَراً قَاصِداً لَفَعَلُوا (11).
بیان: كأن المعنی أن الغرض بیان أنهم كانوا مستطیعین للفعل و لم یفعلوا إذ كان فی علم اللّٰه أنه لو كان موافقا لأغراضهم لفعلوا.
«17»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الْمُغِیرَةِ قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ فِی قَوْلِ اللَّهِ وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ
ص: 235
لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً قَالَ یَعْنِی بِالْعُدَّةِ النِّیَّةَ یَقُولُ لَوْ كَانَ لَهُمْ نِیَّةٌ لَخَرَجُوا (1).
بیان: لا یبعد أن یكون النیّة تصحیف التهیئة.
«18»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ إِلَی قَوْلِهِ نُعَذِّبْ طائِفَةً قَالَ قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام تَفْسِیرُ هَذِهِ الْآیَةِ قَالَ تَفْسِیرُهَا وَ اللَّهِ مَا نَزَلَتْ آیَةٌ قَطُّ إِلَّا وَ لَهَا تَفْسِیرٌ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ نَزَلَتْ فِی عَدَدِ بَنِی أُمَیَّةَ وَ الْعَشَرَةِ (2) مَعَهُمْ إِنَّهُمْ اجْتَمَعُوا اثْنَا عَشَرَ فَكَمَنُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْعَقَبَةِ وَ ائْتَمَرُوا بَیْنَهُمْ لِیَقْتُلُوهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنْ فَطَنَ نَقُولُ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ وَ إِنْ لَمْ یَفْطُنْ لَنَقْتُلَنَّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآیَةَ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِیِّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آیاتِهِ وَ رَسُولِهِ یَعْنِی مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ یَعْنِی عَلِیّاً إِنْ یَعْفُ عَنْهُمَا فِی أَنْ یَلْعَنَهُمَا عَلَی الْمَنَابِرِ وَ یَلْعَنَ غَیْرَهُمَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً (3).
بیان: لعل المعنی أن العفو و العذاب اللذین نسبهما إلی نفسه إنما هو عفو علی علیه السلام و انتقامه إذ كانا بأمره تعالی و قد عفا أمیر المؤمنین علیه السلام عن اثنین منهم یعنی أبا بكر و عمر فلم یجاهر بلعنهما و البراءة منهما و جاهر بسبّ العشرة الباقیة و حاربهم و تبرأ منهم.
«19»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِهِ تَعَالَی رَضُوا بِأَنْ یَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ قَالَ مَعَ النِّسَاءِ (4).
«20»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ الْحَلَبِیِّ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ رَضُوا بِأَنْ یَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ فَقَالَ النِّسَاءُ إِنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ وَ كَانَتْ بُیُوتُهُمْ فِی أَطْرَافِ
ص: 236
الْبُیُوتِ حَیْثُ یَتَقَرَّرُ (1) النَّاسُ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ قَالَ وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ إِنْ یُرِیدُونَ إِلَّا فِراراً وَ هِیَ رَفِیعَةُ السَّمْكِ حَصِینَةٌ.
بیان: لعلهم فی تلك الغزوة أیضا قالوا إن بیوتنا عورة و إن لم یذكر اللّٰه تعالی فیها مع أنه علیه السلام إنما فسر الآیتین و لا یلزم أن تكونا فی غزوة واحدة و یحتمل أن یكون الاختصار المخل من الراوی.
«21»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَ عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا قَالَ كَعْبٌ وَ مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِیعِ (2) وَ هِلَالُ بْنُ أُمَیَّةَ (3).
«22»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ فَیْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام كَیْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآیَةَ فِی التَّوْبَةِ وَ عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا قَالَ قُلْتُ خُلِّفُوا قَالَ لَوْ خُلِّفُوا لَكَانُوا فِی حَالِ طَاعَةٍ وَ زَادَ الْحُسَیْنُ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْهُ لَوْ كَانُوا خُلِّفُوا مَا كَانَ عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ وَ لَكِنَّهُمْ خَالَفُوا عُثْمَانُ وَ صَاحِبَاهُ أَمَا وَ اللَّهِ مَا سَمِعُوا صَوْتَ حَافِرٍ وَ لَا قَعْقَعَةَ سِلَاحٍ إِلَّا قَالُوا أُتِینَا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ الْخَوْفَ حَتَّی أَصْبَحُوا قَالَ صَفْوَانُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ كَانَ أَبُو لُبَابَةَ أَحَدَهُمْ یَعْنِی فِی وَ عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا (4).
«23»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ سَلَّامٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِهِ ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا قَالَ أَقَالَهُمْ فَوَ اللَّهِ مَا تَابُوا (5).
بیان: علی هذا یكون المراد بقوله تعالی تابَ عَلَیْهِمْ دعاهم إلی التوبة.
«24»-م، تفسیر الإمام علیه السلام قَالَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ علیهما السلام لَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِینَ وَ الضُّعَفَاءِ مِنْ
ص: 237
أَشْبَاهِ الْمُنَافِقِینَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیْضاً قَصْدٌ (1) إِلَی تَخْرِیبِ الْمَسَاجِدِ بِالْمَدِینَةِ وَ إِلَی تَخْرِیبِ مَسَاجِدِ الدُّنْیَا كُلِّهَا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ قَتْلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام بِالْمَدِینَةِ وَ مِنْ قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی طَرِیقِهِمْ إِلَی الْعَقَبَةِ وَ لَقَدْ زَادَ اللَّهُ فِی ذَلِكَ السَّیْرِ إِلَی تَبُوكَ فِی بَصَائِرِ الْمُسْتَبْصِرِینَ وَ فِی قَطْعِ مَعَاذِیرِ مُتَمَرِّدِیهِمْ زِیَادَاتٍ تَلِیقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَ طَوْلِهِ (2) عَلَی عِبَادِهِ مِنْهَا لَمَّا كَانُوا (3) مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی مَسِیرِهِ (4) إِلَی تَبُوكَ قَالُوا لَنْ نَصْبِرَ عَلی طَعامٍ واحِدٍ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِیلَ لِمُوسَی علیه السلام وَ كَانَتْ آیَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الظَّاهِرَةُ لَهُمْ فِی ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنَ الْآیَةِ الظَّاهِرَةِ لِقَوْمِ مُوسَی وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا أُمِرَ بِالْمَسِیرِ إِلَی تَبُوكَ أُمِرَ بِأَنْ یُخَلِّفَ عَلِیّاً بِالْمَدِینَةِ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَتَخَلَّفَ عَنْكَ فِی شَیْ ءٍ مِنْ أُمُورِكَ وَ أَنْ أَغِیبَ عَنْ مُشَاهَدَتِكَ وَ النَّظَرِ إِلَی هَدْیِكَ وَ سَمْتِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی (5) وَ أَنَّ لَكَ فِی مُقَامِكَ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ الَّذِی یَكُونُ لَكَ لَوْ خَرَجْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَكَ مِثْلَ أُجُورِ كُلِّ مَنْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُوفِیاً (6) طَائِعاً وَ أَنَّ لَكَ عَلَی اللَّهِ یَا عَلِیُّ لِمَحَبَّتِكَ (7) أَنْ تُشَاهِدَ مِنْ مُحَمَّدٍ سَمْتَهُ فِی سَائِرِ أَحْوَالِهِ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ جَبْرَئِیلَ فِی جَمِیعِ مَسِیرِنَا هَذَا أَنْ یَرْفَعَ الْأَرْضَ الَّتِی نَسِیرُ عَلَیْهَا وَ الْأَرْضَ الَّتِی تَكُونُ أَنْتَ عَلَیْهَا وَ یُقَوِّیَ بَصَرَكَ حَتَّی تُشَاهِدَ مُحَمَّداً وَ أَصْحَابَهُ فِی سَائِرِ أَحْوَالِكَ وَ أَحْوَالِهِ فَلَا یَفُوتُكَ الْأُنْسُ مِنْ رُؤْیَتِهِ وَ رُؤْیَةِ أَصْحَابِهِ وَ یُغْنِیكَ ذَلِكَ عَنِ الْمُكَاتَبَةِ وَ الْمُرَاسَلَةِ فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِ زَیْنِ الْعَابِدِینَ علیه السلام لَمَّا ذَكَرَ هَذَا وَ قَالَ (8) یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَیْفَ یَكُونُ هَذَا لِعَلِیٍّ إِنَّمَا یَكُونُ هَذَا لِلْأَنْبِیَاءِ دُونَ غَیْرِهِمْ (9)
ص: 238
فَقَالَ زَیْنُ الْعَابِدِینَ علیه السلام هَذَا هُوَ مُعْجِزَةٌ لِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا لِغَیْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا رَفَعَهُ بِدُعَاءِ مُحَمَّدٍ زَادَ فِی نُورِهِ (1) وَ ضِیَائِهِ (2) بِدُعَاءِ مُحَمَّدٍ حَتَّی شَاهَدَ مَا شَاهَدَ وَ أَدْرَكَ مَا أَدْرَكَ ثُمَّ قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام یَا عِبَادَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ ظُلْمَ كَثِیرٍ مِنْ (3) هَذِهِ الْأُمَّةِ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام وَ أَقَلَّ إِنْصَافَهُمْ لَهُ یَمْنَعُونَ هَذَا (4) مَا یُعْطُونَهُ سَائِرَ الصَّحَابَةِ وَ عَلِیٌّ علیه السلام أَفْضَلُهُمْ فَكَیْفَ یُمْنَعُ (5) مَنْزِلَةً یُعْطُونَهَا غَیْرَهُ قِیلَ وَ كَیْفَ ذَلِكَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ إِنَّكُمْ (6) تَتَوَلَّوْنَ مُحِبِّی أَبِی بَكْرِ بْنِ أَبِی قُحَافَةَ وَ تَتَبَرَّءُونَ مِنْ أَعْدَائِهِ كَائِناً مَنْ كَانَ وَ تَتَوَلَّوْنَ (7) مُحِبِّی عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ تَتَبَرَّءُونَ مِنْ أَعْدَائِهِ كَائِناً مَنْ كَانَ وَ تَتَوَلَّوْنَ مُحِبِّی عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ تَتَبَرَّءُونَ مِنْ أَعْدَائِهِ كَائِناً مَنْ كَانَ حَتَّی إِذَا صَارَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام قَالُوا نَتَوَلَّی مُحِبِّیهِ وَ لَنْ نَتَبَرَّأَ (8) مِنْ أَعْدَائِهِ بَلْ نُحِبُّهُمْ وَ كَیْفَ یَجُوزُ (9) هَذَا لَهُمْ وَ رَسُولُ اللَّهِ یَقُولُ (10) اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ فَتَرَوْنَهُمْ (11) لَا یُعَادُونَ مَنْ عَادَاهُ وَ لَا یَخْذُلُونَ مَنْ خَذَلَهُ لَیْسَ هَذَا بِإِنْصَافٍ ثُمَّ أُخْرَی إِنَّهُمْ إِذَا ذُكِرَ لَهُمْ مَا اخْتَصَّ اللَّهُ بِهِ عَلِیّاً علیه السلام بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَرَامَتِهِ (12) عَلَی رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ جَحَدُوهُ وَ هُمْ یَقْبَلُونَ مَا یُذْكَرُ لَهُمْ فِی غَیْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَا الَّذِی مَنَعَ عَلِیّاً علیه السلام مَا جَعَلُوهُ لِأَصْحَابِ (13) رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَذَا
ص: 239
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا قِیلَ لَهُمْ إِنَّهُ كَانَ عَلَی الْمِنْبَرِ بِالْمَدِینَةِ یَخْطُبُ إِذْ نَادَی فِی خِلَالِ خُطْبَتِهِ یَا سَارِیَةُ الْجَبَلَ وَ عَجِبَتِ الصَّحَابَةُ (1) وَ قَالُوا مَا هَذَا الْكَلَامُ الَّذِی فِی هَذِهِ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا قَضَی الْخُطْبَةَ وَ الصَّلَاةَ قَالُوا مَا قَوْلُكَ فِی خُطْبَتِكَ یَا سَارِیَةُ الْجَبَلَ فَقَالَ اعْلَمُوا أَنَّنِی كُنْتُ أَخْطُبُ (2) رَمَیْتُ (3) بِبَصَرِی نَحْوَ النَّاحِیَةِ الَّتِی خَرَجَ فِیهَا إِخْوَانُكُمْ إِلَی غَزْوِ الْكَافِرِینَ بِنَهَاوَنْدَ وَ عَلَیْهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ فَفَتَحَ اللَّهُ لِیَ الْأَسْتَارَ وَ الْحُجُبَ وَ قَوَّی بَصَرِی حَتَّی رَأَیْتُهُمْ وَ قَدِ اصْطَفُّوا بَیْنَ یَدَیْ جَبَلٍ هُنَاكَ وَ قَدْ جَاءَ بَعْضُ الْكُفَّارِ لِیَدُورَ خَلْفَ سَارِیَةٍ فَیَهْجُمُوا عَلَیْهِ وَ عَلَی سَائِرِ مَنْ (4) مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِینَ فَیُحِیطُوا بِهِمْ فَیَقْتُلُونَهُمْ (5) فَقُلْتُ یَا سَارِیَةُ الْجَبَلَ لِیَتَنَحَّی عَنْهُمْ (6) فَیَمْنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ یُحِیطُوا بِهِمْ (7) ثُمَّ یُقَاتِلُوا وَ مَنَحَ اللَّهُ (8) إِخْوَانَكُمُ الْمُؤْمِنِینَ أَكْتَافَ الْكَافِرِینَ (9) وَ فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ بِلَادَهُمْ فَاحْفَظُوا هَذَا الْوَقْتَ فَسَیَرِدُ عَلَیْكُمُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ وَ كَانَ بَیْنَ الْمَدِینَةِ وَ نَهَاوَنْدَ مَسِیرَةُ أَكْثَرِ مِنْ خَمْسِینَ یَوْماً قَالَ الْبَاقِرُ علیه السلام فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لِعُمَرَ فَكَیْفَ لَا یَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْآخَرِ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام (10) وَ لَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا یُنْصِفُونَ بَلْ یُكَابِرُونَ ثُمَّ عَادَ الْبَاقِرُ علیه السلام إِلَی حَدِیثِهِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام قَالَ وَ كَانَ (11) تَعَالَی یَرْفَعُ الْبِقَاعَ الَّتِی كَانَ عَلَیْهَا مُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَسِیرُ فِیهَا لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام حَتَّی یُشَاهِدَهُمْ عَلَی أَحْوَالِهِمْ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ كُلَّمَا أَرَادَ غَزْوَةً
ص: 240
وَرَّی بِغَیْرِهَا إِلَّا غَزَاةَ تَبُوكَ فَإِنَّهُ عَرَّفَهُمْ أَنَّهُ یُرِیدُهَا (1) وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَتَزَوَّدُوا لَهَا فَتَزَوَّدُوا لَهَا دَقِیقاً كَثِیراً یَخْتَبِزُونَهُ فِی طَرِیقِهِمْ وَ لَحْماً مَالِحاً وَ عَسَلًا وَ تَمْراً وَ كَانَ زَادُهُمْ كَثِیراً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ حَثَّهُمْ عَلَی التَّزَوُّدِ لِبُعْدِ الشُّقَّةِ وَ صُعُوبَةِ الْمَفَاوِزِ وَ قِلَّةِ مَا بِهَا مِنَ الْخَیْرَاتِ فَسَارُوا أَیَّاماً وَ عَتَقَ طَعَامُهُمْ وَ ضَاقَتْ مِنْ بَقَایَاهُ صُدُورُهُمْ فَأَحَبُّوا طَعَاماً طَرِیّاً فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَشِمْنَا (2) هَذَا الَّذِی مَعَنَا مِنَ الطَّعَامِ فَقَدْ عَتَقَ وَ صَارَ یَابِساً (3) وَ كَادَ یُرِیحُ وَ لَا صَبْرَ لَنَا عَلَیْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا مَعَكُمْ قَالُوا خُبْزٌ وَ لَحْمٌ قَدِیدٌ مَالِحٌ (4) وَ عَسَلٌ وَ تَمْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَنْتُمُ الْآنَ كَقَوْمِ مُوسَی لَمَّا قَالُوا (5) لَنْ نَصْبِرَ عَلی طَعامٍ واحِدٍ فَمَا (6) الَّذِی تُرِیدُونَ قَالُوا نُرِیدُ لَحْماً طَرِیّاً قَدِیداً وَ لَحْماً مَشْوِیّاً مِنْ لَحْمِ الطُّیُورِ (7) وَ مِنَ الْحَلْوَاءِ الْمَعْمُولِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَكِنَّكُمْ تُخَالِفُونَ فِی هَذِهِ الْوَاحِدَةِ بَنِی إِسْرَائِیلَ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا الْبَقْلَ وَ الْقِثَّاءَ وَ الْفُومَ وَ الْعَدَسَ وَ الْبَصَلَ فَاسْتَبْدَلُوا الَّذِی هُوَ أَدْنی بِالَّذِی هُوَ خَیْرٌ وَ أَنْتُمْ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِی هُوَ أَفْضَلُ بِالَّذِی هُوَ دُونَهُ وَ سَوْفَ أَسْأَلُهُ (8) لَكُمْ رَبِّی قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فِینَا مَنْ یَطْلُبُ مِثْلَ مَا طَلَبُوا مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها فَقَالَ (9) رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَوْفَ یُعْطِیكُمُ اللَّهُ ذَلِكَ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (10) یَا عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمَ عِیسَی لَمَّا سَأَلُوا عِیسَی أَنْ یُنَزِّلَ عَلَیْهِمْ مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اللَّهُ إِنِّی مُنَزِّلُها عَلَیْكُمْ فَمَنْ یَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّی أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِینَ (11) فَأَنْزَلَهَا عَلَیْهِمْ فَمَنْ
ص: 241
كَفَرَ بَعْدُ مِنْهُمْ مَسَخَهُ اللَّهُ إِمَّا خِنْزِیراً وَ إِمَّا قِرْداً (1) وَ إِمَّا دُبّاً وَ إِمَّا هِرّاً (2) وَ إِمَّا عَلَی صُورَةِ بَعْضِ الطُّیُورِ وَ الدَّوَابِّ الَّتِی فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّی مُسِخُوا عَلَی أَرْبَعِمِائَةِ نَوْعٍ مِنَ الْمَسْخِ وَ إِنَّ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا یَسْتَنْزِلُ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمُوهُ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّی یَحِلَّ بِكَافِرِكُمْ (3) مَا حَلَّ بِكُفَّارِ قَوْمِ عِیسَی علیه السلام وَ إِنَّ مُحَمَّداً أَرْأَفُ بِكُمْ مِنْ أَنْ یُعَرِّضَكُمْ لِذَلِكَ ثُمَّ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی طَائِرٍ فِی الْهَوَاءِ فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ قُلْ لِهَذَا الطَّائِرِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ یَأْمُرُكَ أَنْ تَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ فَقَالَهَا (4) فَوَقَعَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَیُّهَا الطَّائِرُ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ (5) أَنْ تَكْبُرَ فَازْدَادَ عِظَماً (6) حَتَّی صَارَ كَالتَّلِّ الْعَظِیمِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَصْحَابِهِ أَحِیطُوا بِهِ فَأَحَاطُوا بِهِ وَ كَانَ عِظَمُ ذَلِكَ (7) الطَّیْرِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ وَ هُمْ فَوْقَ عَشَرَةِ آلَافٍ اصْطَفُّوا حَوْلَهُ فَاسْتَدَارَ صَفُّهُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَیُّهَا الطَّائِرُ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ أَنْ تُفَارِقَكَ (8) أَجْنِحَتُكَ وَ زَغَبُكَ وَ رِیشُكَ فَفَارَقَهُ ذَلِكَ أَجْمَعُ وَ بَقِیَ الطَّائِرُ لَحْماً عَلَی عَظْمٍ (9) وَ جِلْدُهُ فَوْقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ أَنْ تُفَارِقَ (10) عِظَامُ بَدَنِكَ وَ رِجْلَیْكَ وَ مِنْقَارُكَ فَفَارَقَهُ ذَلِكَ أَجْمَعُ وَ صَارَ حَوْلَ الطَّائِرِ (11) وَ الْقَوْمُ حَوْلَ ذَلِكَ أَجْمَعَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَأْمُرُ هَذِهِ الْعِظَامَ أَنْ تَعُودَ قثّا [قِثَّاءً] فَعَادَتْ كَمَا قَالَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ هَذِهِ الْأَجْنِحَةَ وَ الزَّغَبَ وَ الرِّیشَ أَنْ یَعُودَ (12) بَقْلًا وَ بَصَلًا وَ فُوماً وَ أَنْوَاعَ الْبُقُولِ فَعَادَتْ كَمَا قَالَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 242
یَا عِبَادَ اللَّهِ ضَعُوا الْآنَ أَیْدِیَكُمْ عَلَیْهَا فَمَزِّقُوا مِنْهَا بِأَیْدِیكُمْ وَ قَطِّعُوا مِنْهَا بِسَكَاكِینِكُمْ فَكُلُوهُ (1) فَفَعَلُوا فَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِینَ وَ هُوَ یَأْكُلُ إِنَّ مُحَمَّداً یَزْعُمُ أَنَّ فِی الْجَنَّةِ طُیُوراً یَأْكُلُ مِنْهُ الْجِنَانِیُّ مِنْ جَانِبٍ لَهُ قَدِیداً وَ مِنْ جَانِبٍ مَشْوِیّاً (2) فَهَلَّا أَرَانَا نَظِیرَ ذَلِكَ فِی الدُّنْیَا فَأَوْصَلَ اللَّهُ تَعَالَی عِلْمَ ذَلِكَ إِلَی قَلْبِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ عِبَادَ اللَّهِ لِیَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لُقْمَتَهُ (3) وَ لْیَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّیِّبِینَ وَ لْیَضَعْ لُقْمَتَهُ فِی فِیهِ فَإِنَّهُ یَجِدُ طَعْمَ مَا شَاءَ قَدِیداً وَ إِنْ شَاءَ مَشْوِیّاً وَ إِنْ شَاءَ مَرَقاً طَبِیخاً وَ إِنْ شَاءَ سَائِرَ مَا شَاءَ مِنْ أَلْوَانِ الطَّبِیخِ أَوْ مَا شَاءَ مِنْ أَلْوَانِ الْحَلْوَاءِ فَفَعَلُوا (4) فَوَجَدُوا الْأَمْرَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی شَبِعُوا فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شَبِعْنَا وَ نَحْتَاجُ إِلَی مَاءٍ نَشْرَبُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ وَ لَا تُرِیدُونَ اللَّبَنَ أَ وَ لَا تُرِیدُونَ سَائِرَ الْأَشْرِبَةِ قَالُوا بَلَی یَا رَسُولَ اللَّهِ فِینَا مَنْ یُرِیدُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِیَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لُقْمَةً مِنْهَا فَیَضَعُ (5) فِی فِیهِ وَ لْیَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّیِّبِینَ فَإِنَّهُ یَسْتَحِیلُ فِی فِیهِ مَا یُرِیدُ إِنْ أَرَادَ لَبَناً (6) وَ إِنْ أَرَادَ شَرَاباً آخَرَ مِنَ الْأَشْرِبَةِ فَفَعَلُوا فَوَجَدُوا (7) الْأَمْرَ عَلَی مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَأْمُرُكَ أَیُّهَا الطَّائِرُ أَنْ تَعُودَ كَمَا كُنْتَ وَ یَأْمُرُ هَذِهِ الْأَجْنِحَةَ وَ الْمَنَاقِیرَ وَ الرِّیشَ وَ الزَّغَبَ الَّتِی قَدِ اسْتَحَالَتْ إِلَی الْبَقْلِ وَ الْقِثَّاءِ (8) وَ الْبَصَلِ وَ الْفُومِ أَنْ تَعُودَ جَنَاحاً وَ رِیشاً وَ عَظْماً كَمَا كَانَتْ عَلَی قَدْرِ قِلَّتِهَا (9) فَانْقَلَبَتْ وَ عَادَتْ أَجْنِحَةً وَ رِیشاً وَ زَغَباً وَ عَظْماً (10) ثُمَّ تَرَكَّبَتْ عَلَی قَدْرِ الطَّائِرِ كَمَا كَانَتْ ثُمَّ قَالَ
ص: 243
رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیُّهَا الطَّائِرُ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ الرُّوحَ الَّتِی كَانَتْ فِیكَ فَخَرَجَتْ أَنْ تَعُودَ إِلَیْكَ فَعَادَتْ رُوحُهُ فِی جَسَدِهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَیُّهَا الطَّائِرُ إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكَ أَنْ تَقُومَ وَ تَطِیرَ كَمَا كُنْتَ تَطِیرُ فَقَامَ وَ طَارَ فِی الْهَوَاءِ وَ هُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْهِ ثُمَّ نَظَرُوا إِلَی مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ فَإِذَا لَمْ یَبْقَ هُنَاكَ مِنْ ذَلِكَ الْبَقْلِ وَ الْقِثَّاءِ (1) وَ الْبَصَلِ وَ الْفُومِ شَیْ ءٌ (2).
ج، الإحتجاج بِالْإِسْنَادِ إِلَی أَبِی مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِیِّ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ علیهما السلام قَالَ یَوْماً فِی مَجْلِسِهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا أُمِرَ بِالْمَسِیرِ إِلَی تَبُوكَ أُمِرَ بِأَنْ یُخَلِّفَ عَلِیّاً علیه السلام بِالْمَدِینَةِ.
أَقُولُ وَ سَاقَ الْحَدِیثَ مِثْلَ مَا مَرَّ إِلَی قَوْلِهِ وَ لَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا یُنْصِفُونَ بَلْ یُكَابِرُونَ (3).
«25»-عم، إعلام الوری تهیأ رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی رجب (4) لغزو الروم و كتب إلی قبائل العرب ممن قد دخل فی الإسلام و بعث إلیهم الرسل یرغبهم فی الجهاد و الغزو و كتب إلی تمیم و غطفان و طیئ و بعث إلی عتّاب بن أسید عامله علی مكة (5) یستنفرهم لغزو الروم فلما تهیأ للخروج قام خطیبا فحمد اللّٰه تعالی و أثنی علیه و رغب فی المواساة و تقویة الضعیف و الإنفاق فكان أول من أنفق فیها عثمان بن عفان جاء بأواقی من فضة فصبها فی حجر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فجهز ناسا من أهل الضعف و هو الذی یقال إنه جهز جیش العسرة و قدم العباس علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فأنفق نفقة حسنة و جهز و سارع فیها الأنصار و أنفق عبد الرحمن و الزبیر و طلحة و أنفق ناس من المنافقین ریاء و سمعة فنزل القرآن بذلك و ضرب رسول
ص: 244
اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عسكره فوق ثنیة الوداع بمن تبعه من المهاجرین و قبائل العرب و بنی كنانة و أهل تهامة و مزینة و جهینة و طیئ و تمیم و استعمل علی المدینة علیا و قال إنه لا بد للمدینة منی أو منك و استعمل الزبیر علی رایة المهاجرین و طلحة بن عبید اللّٰه علی المیمنة و عبد الرحمن بن عوف علی المیسرة و سار رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حتی نزل الجرف فرجع عبد اللّٰه بن أبی بغیر إذن فقال (1) علیه السلام حسبی اللّٰه هو الذی أیدنی بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِینَ وَ أَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ (2) الآیة فلما انتهی إلی الجرف لحقه علی علیه السلام و أخذ بغرز (3) رحله و قال یا رسول اللّٰه زعمت قریش أنك إنما خلفتنی استثقالا لی (4) فقال علیه السلام طال ما آذت الأمم أنبیاءها أ ما ترضی أن تكون منی بمنزلة هارون من موسی فقال قد رضیت قد رضیت ثم رجع إلی المدینة و قدم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله تبوك فی شعبان یوم الثلاثاء و أقام بقیة شعبان و أیاما من شهر رمضان و أتاه و هو بتبوك نحبة بن روبة (5) صاحب أیلة (6) فأعطاه الجزیة و كتب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله له كتابا (7) و الكتاب عندهم و كتب أیضا
ص: 245
لأهل جرباء (1) و أذرح كتابا (2) و بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو بتبوك أبا عبیدة بن الجراح إلی جمع من جذام مع زنباع بن روح الجذامی فأصاب منهم طرفا و أصاب منهم سبایا و بعث سعد بن عبادة إلی ناس من بنی سلیم و جموع من بلی فلما قارب القوم هربوا و بعث خالدا إلی الأكیدر صاحب دومة الجندل و قال له لعل اللّٰه یكفیكه بصید البقر فتأخذه فبینا خالد و أصحابه فی لیلة إضحیان إذ أقبلت البقر (3) تنتطح فجعلت تنتطح باب حصن أكیدر و هو مع امرأتین له یشرب الخمر فقام فركب هو و حسان أخوه و ناس من أهله فطلبوها و قد كمن له خالد و أصحابه فتلقاه أكیدر و هو یتصید البقر فأخذوه و قتلوا حسانا أخاه و علیه قباء مخوص بالذهب و أفلت أصحابه فدخلوا الحصن (4) و أغلقوا الباب دونهم فأقبل خالد بأكیدر و سار معه أصحابه فسألهم أن یفتحوا له فأبوا (5) فقال أرسلنی فإنی أفتح الباب فأخذ علیه موثقا و أرسله فدخل و فتح الباب حتی دخل خالد و أصحابه و أعطاه ثمانمائة رأس و ألفی بعیر و أربعمائة درع و أربعمائة رمح
ص: 246
و خمسمائة سیف فقبل ذلك منه و أقبل به إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فحقن دمه و صالحه علی الجزیة.
و فی كتاب دلائل النبوة للشیخ أبی بكر أحمد البیهقی أخبرنا أبو عبد اللّٰه الحافظ و ذكر الإسناد مرفوعا إلی أبی الأسود عن عروة قال لما رجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قافلا من تبوك إلی المدینة حتی إذا كان ببعض الطریق مكر به ناس من أصحابه فتأمروا (1) أن یطرحوه من عقبة فی الطریق أرادوا أن یسلكوها معه فأخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خبرهم فقال من شاء منكم أن یأخذ بطن الوادی فإنه أوسع لكم فأخذ النبی صلی اللّٰه علیه و آله العقبة و أخذ الناس بطن الوادی إلا النفر الذین أرادوا المكر به استعدوا و تلثموا و أمر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله حذیفة بن الیمان و عمار بن یاسر فمشیا معه مشیا و أمر عمارا أن یأخذ بزمام الناقة و أمر حذیفة بسوقها فبینا هم یسیرون إذ سمعوا وكزة (2) القوم من ورائهم قد غشوه فغضب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أمر حذیفة أن یراهم (3) فرجع و معه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم و ضربها ضربا (4) بالمحجن و أبصر القوم و هم متلثمون فرعبهم اللّٰه حین أبصروا حذیفة و ظنوا أن مكرهم قد ظهر علیه فأسرعوا حتی خالطوا الناس و أقبل حذیفة حتی أدرك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلما أدركه قال اضرب الراحلة یا حذیفة و امش أنت یا عمار فأسرعوا فخرجوا من العقبة ینتظرون الناس فقال النبی صلی اللّٰه علیه و آله یا حذیفة هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا فقال حذیفة عرفت راحلة فلان و فلان و كان ظلمة اللیل غشیتهم و هم متلثمون فقال صلی اللّٰه علیه و آله هل علمتم ما شأن الركب و ما أرادوا قالوا لا یا رسول اللّٰه قال فإنهم مكروا لیسیروا معی حتی إذا أظلمت بی العقبة طرحونی منها قالوا أ فلا تأمر بهم یا رسول اللّٰه إذا جاءوك الناس فتضرب أعناقهم قال أكره أن یتحدث الناس و یقولون إن محمدا قد وضع یده فی أصحابه فسماهم لهما ثم قال اكتماهم.
ص: 247
و فی كتاب أبان بن عثمان قال الأعمش و كانوا اثنی عشر سبعة من قریش قال و قدم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المدینة وَ كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ اسْتَقْبَلَ بِالْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ علیهما السلام فَأَخَذَهُمَا إِلَیْهِ وَ حَفَّ الْمُسْلِمُونَ بِهِ حَتَّی یَدْخُلَ عَلَی فَاطِمَةَ علیها السلام وَ یَقْعُدُونَ بِالْبَابِ وَ إِذَا خَرَجَ مَشَوْا مَعَهُ وَ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ تَفَرَّقُوا عَنْهُ.
وَ عَنْ أَبِی حُمَیْدٍ السَّاعِدِیِّ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّی إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَی الْمَدِینَةِ قَالَ هَذِهِ طَابَةُ وَ هَذَا أُحُدٌ جَبَلٌ یُحِبُّنَا وَ نُحِبُّهُ.
وَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِینَةِ قَالَ إِنَّ بِالْمَدِینَةِ لَأَقْوَاماً مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِیرٍ وَ لَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ فِیهِ قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ هُمْ بِالْمَدِینَةِ قَالَ نَعَمْ وَ هُمْ بِالْمَدِینَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ.
و كان تبوك آخر غزوات رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و مات عبد اللّٰه بن أبی بعد رجوع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من غزوة تبوك. (1)
بیان: فی النهایة جربی (2) و أذرح هما قریتان بالشام بینهما مسیرة ثلاث لیال و كتب لهما النبی صلی اللّٰه علیه و آله أمانا انتهی و زنباع كقنطار و الطرف جمع الطرفة نفائس الأموال و غرائبها و لیلة إضحیانة بالكسر مضیئة لا غیم فیها و قال الجزری فیه علیه دیباج مخوص بالذهب أی منسوج به كخوص النخل و هو ورقه و الوكز العدو و فی بعض النسخ بالراء المهملة بمعناه و فی بعضها بالراء أولا ثم الزای و هو بالكسر الصوت الخفی و الحس و لعله أنسب و فی النهایة غشوه أی ازدحموا علیه و كثروا و المحجن كمنبر العصا المعوجة و طیبة و طابة من أسماء المدینة و فی النهایة فی حدیث جبل أحد هو جبل یحبنا و نحبه هذا محمول علی المجاز أراد أنه جبل یحبنا أهله و نحب أهله و هم الأنصار و یجوز أن یكون من باب المجاز الصریح أی إننا نحب الجبل بعینه لأنه فی أرض من نحب انتهی و قال الطیبی و الأولی أنه علی ظاهره
ص: 248
و لا ینكر حب الجمادات للأنبیاء و الأولیاء كما حنت الأسطوانة علی مفارقته و كان یسلم الحجر علیه و قیل أراد به أرض المدینة و خص الجبل لأنه أول ما یبدو منها و لعله حبب إلیه بدعائه اللّٰهم حبب إلینا المدینة انتهی و أقول سیأتی تحقیق منا فی ذلك فی المجلد السابع إن شاء اللّٰه.
«26»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ یَزِیدَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِیدِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا نَفَّرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَاقَتَهُ قَالَتْ لَهُ النَّاقَةُ وَ اللَّهِ لَا أَزَلْتُ خُفّاً عَنْ خُفٍّ وَ لَوْ قُطِّعْتُ إِرْباً إِرْباً (1).
«27»-أَقُولُ قَالَ فِی الْمُنْتَقَی كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی غَزْوَةِ تَبُوكَ قَدْ ظَهَرَ مِنْهُ مُعْجِزَاتٌ شَتَّی فَمِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَی وَادِی الْقُرَی وَ قَدْ أَمْسَی بِالْحِجْرِ قَالَ إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّیْلَةَ رِیحٌ شَدِیدَةٌ فَلَا یَقُومَنَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا مَعَ صَاحِبِهِ وَ مَنْ كَانَ لَهُ بَعِیرٌ فَلْیُوثِقْهُ بِعِقَالِهِ فَهَاجَتْ رِیحٌ شَدِیدَةٌ أَفْزَعَتِ النَّاسَ فَلَمْ یَقُمْ أَحَدٌ إِلَّا مَعَ صَاحِبِهِ إِلَّا رَجُلَیْنِ مِنْ بَنِی سَاعِدَةَ خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ وَ آخَرُ لِطَلَبِ (2) بَعِیرٍ لَهُ فَأَمَّا الْخَارِجُ لِحَاجَتِهِ فَقَدْ خُنِقَ فِی مَذْهَبِهِ وَ أَمَّا الَّذِی خَرَجَ فِی طَلَبِ الْبَعِیرِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرِّیحُ فَطَرَحَتْهُ فِی جَبَلَیْ (3) طَیِّئٍ ثُمَّ دَعَا صلی اللّٰه علیه و آله لِلَّذِی أُصِیبَ فِی مَذْهَبِهِ فَعَادَ إِلَیْهِ وَ أَمَّا الَّذِی وَقَعَ بِجَبَلَیْ (بِجَبَلِ) طَیِّئٍ فَإِنَّ طَیِّئاً أَهْدَتْهُ لِلنَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ قَدِمَ الْمَدِینَةَ.
وَ مِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا ارْتَحَلَ عَنِ الْحِجْرِ أَصْبَحَ وَ لَا مَاءَ مَعَهُ وَ لَا مَعَ أَصْحَابِهِ وَ نَزَلُوا عَلَی غَیْرِ مَاءٍ فَشَكَوْا إِلَیْهِ الْعَطَشَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَ دَعَا وَ لَمْ تَكُنْ فِی السَّمَاءِ سَحَابَةٌ فَمَا زَالَ یَدْعُو حَتَّی اجْتَمَعَتِ السَّحَائِبُ (4) مِنْ كُلِّ نَاحِیَةٍ فَمَا بَرِحَ مِنْ مَقَامِهِ حَتَّی سَحَّتْ بِالرَّوَاءِ (5) فَانْكَشَفَتِ السَّحَابَةُ مِنْ سَاعَتِهَا فَسُقِیَ النَّاسُ وَ ارْتَوَوْا (6) وَ
ص: 249
مَلَئُوا الْأَسْقِیَةَ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ (1) قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِینَ وَیْلَكَ أَ بَعْدَ هَذَا شَیْ ءٌ فَقَالَ سَحَابَةٌ مَارَّةٌ ثُمَّ ارْتَحَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مُتَوَجِّهاً إِلَی تَبُوكَ فَأَصْبَحَ فِی مَنْزِلٍ فَضَلَّتْ نَاقَةُ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ مُنَافِقٌ (2) یَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ نَبِیٌّ وَ یُخْبِرُكُمْ بِخَبَرِ السَّمَاءِ وَ لَا یَدْرِی أَیْنَ نَاقَتُهُ فَخَرَجَ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ یَزْعُمُ مُنَافِقٌ أَنَّ مُحَمَّداً صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ إِنَّهُ نَبِیٌّ وَ یُخْبِرُكُمْ بِخَبَرِ السَّمَاءِ وَ لَا یَدْرِی أَیْنَ نَاقَتُهُ وَ إِنِّی وَ اللَّهِ لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِیَ اللَّهُ وَ لَقَدْ أَعْلَمَنِیَ الْآنَ وَ دَلَّنِی عَلَیْهَا وَ أَنَّهَا فِی الْوَادِی فِی شِعْبِ كَذَا وَ أَشَارَ إِلَی الشِّعْبِ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا فَذَهَبُوا وَ جَاءُوا بِهَا.
وَ مِنْهَا أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَیْنَ تَبُوكَ وَ إِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا إِلَّا حِینَ یَضْحَی النَّهَارُ (3) فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا یَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَیْئاً حَتَّی آتِیَ قَالَ مُعَاذٌ فَجِئْنَاهَا وَ قَدْ سَبَقَ إِلَیْهَا رَجُلَانِ (4) وَ الْعَیْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ یَبِضُّ (5) بِشَیْ ءٍ یَسِیرٍ مِنَ الْمَاءِ فَسَأَلَهُمَا هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَیْئاً فَقَالا نَعَمْ فَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ أَنْ یَقُولَ ثُمَّ أَمَرَ فَغَرَفُوا مِنَ الْعَیْنِ قَلِیلًا قَلِیلًا حَتَّی اجْتَمَعَ شَیْ ءٌ ثُمَّ غَسَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فِیهِ وَجْهَهُ وَ یَدَیْهِ ثُمَّ أَعَادَهُ فِیهَا فَجَاءَتِ الْعَیْنُ بِمَاءٍ كَثِیرٍ فَاسْتَقَی النَّاسُ وَ كَفَاهُمْ.
وَ مِنْهَا أَنَّ ذَا الْبِجَادَیْنِ (6) لَمَّا أَسْلَمَ وَ لَبِثَ زَمَاناً وَ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ خَرَجَ مَعَهُ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی تَبُوكَ فَلَمَّا حَصَلَ بِتَبُوكَ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ادْعُ اللَّهَ لِی بِالشَّهَادَةِ فَقَالَ ائْتِنِی بِلِحَاءِ سَمُرَةٍ فَأَتَاهُ بِهِ فَرَبَطَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی عَضُدِهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ حَرِّمْ دَمَهُ عَلَی الْكُفَّارِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا أَرَدْتُ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّكَ إِذْ خَرَجَتْ غَازِیاً فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَأَخَذَتْكَ الْحُمَّی وَ قَتَلَتْكَ فَأَنْتَ شَهِیدٌ فَلَمَّا أَقَامُوا بِتَبُوكَ أَیَّاماً أَخَذَتْهُ الْحُمَّی فَتُوُفِّیَ.
وَ مِنْهَا أَنَّهُ صلی اللّٰه علیه و آله فِی تَبُوكَ دَعَا مِرَاراً كَثِیرَةً بِالطَّعَامِ فَجَاءَهُ بِلَالٌ بِبَقِیَّةٍ مِنَ
ص: 250
الطَّعَامِ قَلِیلَةٍ وَ كَانَتْ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ كَثِیرَةٌ فَمَسَّ بِیَدِهِ الطَّعَامَ وَ كَانَ تَمْراً وَ غَیْرَهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ جَمِیعاً حَتَّی شَبِعُوا وَ بَقِیَ مِنَ الطَّعَامِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا.
و قد ظهر علی یده من المعجزات فی هذه السفرة أكثر من ذلك لكنا ذكرنا منها لمعا.
و لما نزل النبی صلی اللّٰه علیه و آله تبوك أقام بها شهرین و كان ما أخبر به النبی صلی اللّٰه علیه و آله من بعث (1) هرقل أصحابه و دنوه إلی أدنی الشام و عزمه علی قتال النبی صلی اللّٰه علیه و آله و المسلمین باطلا و بعث هرقل رجلا من غسان إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله ینظر إلی صفته و علاماته و إلی حمرة فی عینیه و إلی خاتم النبوة (2) و سأل فإذا هو لا یقبل الصدقة فوعی أشیاء من صفات النبی صلی اللّٰه علیه و آله ثم انصرف إلی هرقل فذكرها له فدعا هرقل قومه إلی التصدیق به فأبوا علیه حتی خافهم علی ملكه و أسلم هو سرا منهم و امتنع من قتال النبی صلی اللّٰه علیه و آله فلم یؤذن النبی صلی اللّٰه علیه و آله لقتاله فرجع قالوا و هاجت ریح شدیدة بتبوك فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هذا لموت منافق عظیم النفاق فقدموا المدینة فوجدوا منافقا قد مات ذلك الیوم (3).
ثم ذكر قصة العقبة و قصة أكیدر.
توضیح: الحجر بالكسر دیار ثمود خنق أی خنقته الجن فی خلائه حتی غشی علیه أو مات و علی التقدیرین أفاق أو حیی بدعائه صلی اللّٰه علیه و آله حتی سحت بتشدیده الحاء أی صبت و السح الصب أو السیلان من فوق و الرواء بالفتح و المد الماء الكثیر و قیل العذب الذی للواردین فیه ری و یقال بض الماء إذا قطر و سال.
«28»-مِنَ الدِّیوَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام:
أَلَا بَاعَدَ اللَّهُ أَهْلَ النِّفَاقِ*** وَ أَهْلَ الْأَرَاجِیفِ وَ الْبَاطِلِ
یَقُولُونَ لِی قَدْ قَلَاكَ الرَّسُولُ (4)*** فَخَلَّاكَ فِی الْخَالِفِ الْخَاذِلِ
وَ مَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ النَّبِیَّ*** جَفَاكَ وَ مَا كَانَ بِالْفَاعِلِ
فَسِرْتُ وَ سَیْفِی عَلَی عَاتِقِی*** إِلَی الرَّاحِمِ الْحَاكِمِ الْفَاضِلِ (5)
ص: 251
فَلَمَّا رَآنِی هَفَا قَلْبُهُ*** وَ قَالَ مَقَالَ الْأَخِ السَّائِلِ
أَ مِمَّ ابْنَ عَمِّی فَأَنْبَأْتُهُ*** بِإِرْجَافِ ذِی الْحَسَدِ الدَّاغِلِ
فَقَالَ أَخِی أَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ*** كَهَارُونَ مُوسَی وَ لَمْ یَأْتَلِ (1)
بیان: الخالف المتأخر لنقصان أو قصور و قال الأصمعی إذا تخلف الظبی عن القطیع قیل خذل و هفا الطائر أی خفق و طار و یقال ائتلی فی الأمر إذا قصر.
الآیات؛
التوبة: «وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِیقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنی وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِیهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَی التَّقْوی مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِیهِ فِیهِ رِجالٌ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُطَّهِّرِینَ* أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی تَقْوی مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَیْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِی نارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ* لا یَزالُ بُنْیانُهُمُ الَّذِی بَنَوْا رِیبَةً فِی قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ»(107-110)
تفسیر:
قال الطبرسی قدس اللّٰه روحه فی قوله تعالی: وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً، قال المفسرون: إن بنی عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء و بعثوا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أن یأتیهم فأتاهم فصلی فیه فحسدهم جماعة من المنافقین من بنی غنم بن عوف فقالوا (2) نبنی مسجدا نصلی فیه و لا نحضر جماعة محمد صلی اللّٰه علیه و آله و كانوا
ص: 252
اثنی عشر رجلا و قیل خمسة عشر رجلا منهم ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشیر و نبتل بن الحارث فبنوا مسجدا إلی جنب مسجد قباء فلما فرغوا منه أتوا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و هو یتجهز (1) إلی تبوك فقالوا یا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إنا قد بنینا مسجدا لذی العلة و الحاجة و اللیلة المطیرة و اللیلة الشاتیة و إنا نحب أن تأتینا فتصلی لنا فیه و تدعو بالبركة فقال صلی اللّٰه علیه و آله إنی علی جناح السفر (2) و لو قدمنا أتیناكم (3) إن شاء اللّٰه فصلینا لكم (4) فلما انصرف رسول اللّٰه من تبوك نزلت علیه الآیة (5) فی شأن المسجد ضِراراً.
أی مضارة بأهل مسجد قباء (6) أو مسجد الرسول صلی اللّٰه علیه و آله لیقل الجمع فیه وَ كُفْراً أی و لإقامة الكفر فیه أو كان اتخاذهم ذلك كفرا أو لیكفروا فیه بالطعن علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و الإسلام وَ تَفْرِیقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ أی لاختلاف الكلمة و إبطال الألفة و تفریق الناس عن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ و هو أبو عامر الراهب و كان من قصته أنه كان قد ترهب فی الجاهلیة و لبس المسوح فلما قدم النبی صلی اللّٰه علیه و آله المدینة حزب علیه الأحزاب ثم هرب بعد فتح مكة إلی الطائف فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام و خرج إلی الروم و تنصر و هو أبو حنظلة غسیل الملائكة الذی قتل مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله یوم أحد و كان جنبا فغسلته الملائكة و سمی رسول اللّٰه أبا عامر الفاسق و كان قد أرسل إلی المنافقین أن استعدوا و ابنوا مسجدا فإنی أذهب إلی قیصر و آتی من عنده بجنود و أخرج محمدا من المدینة فكان هؤلاء المنافقون یتوقعون أن یجیئهم أبو عامر فمات قبل أن یبلغ ملك الروم وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنی أی یحلفون كاذبین ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا
ص: 253
الفعلة الحسنی من التوسعة علی أهل الضعف و العلة من المسلمین فاطلع اللّٰه نبیه علی خبث سریرتهم فقال وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ
فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ تَبُوكَ عَاصِمَ بْنَ عَوْفٍ الْعَجْلَانِیَّ وَ مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ وَ كَانَ مَالِكٌ مِنْ بَنِی عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ لَهُمَا انْطَلِقَا إِلَی هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ وَ حَرِّقَاهُ.
وَ رُوِیَ أَنَّهُ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ وَ وَحْشِیّاً فَحَرَّقَاهُ وَ أَمَرَ بِأَنْ یُتَّخَذَ كُنَاسَةً تُلْقَی فِیهِ الْجِیَفُ.
ثم نهی اللّٰه نبیه أن یقوم فی هذا المسجد فقال لا تَقُمْ فِیهِ أَبَداً أی لا تصل ثم أقسم فقال لَمَسْجِدٌ أی و اللّٰه لمسجد أُسِّسَ عَلَی التَّقْوی أی بنی أصله علی تقوی اللّٰه و طاعته مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ أی منذ أول یوم وضع أساسه أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِیهِ أی أولی بأن تصلی فیه و اختلف فی هذا المسجد فقیل هو مسجد قباء و قیل مسجد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قیل كل مسجد بنی للإسلام و أرید به وجه اللّٰه تعالی فِیهِ أی فی هذا المسجد رِجالٌ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا أی یصلوا لله متطهرین بأبلغ الطهارة و قیل یحبون أن یتطهروا من الذنوب و قیل یحبون أن یتطهروا بالماء عن الغائط و البول و هو المروی عن السیدین الباقر و الصادق علیهما السلام
وَ رُوِیَ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ قُبَاءَ مَا ذَا تَفْعَلُونَ فِی طُهْرِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَدْ أَحْسَنَ عَلَیْكُمُ الثَّنَاءَ قَالُوا نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِطِ فَقَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِیكُمْ وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُطَّهِّرِینَ.
أی المتطهرین أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ إلی قوله شَفا جُرُفٍ هارٍ الشفا حرف الشی ء و شفیره و جرف الوادی جانبه الذی ینحفر بالماء أصله و هار الجرف یهور هورا فهو هائر و تهور و انهار و هار أصله هائر و هو من المقلوب كما یقال شاكی السلاح أی شائك و تهور البناء تساقط فاللّٰه تعالی شبه بنیانهم علی نار جهنم بالبناء علی جانب نهر هذه صفته فَانْهارَ بِهِ فِی نارِ جَهَنَّمَ أی یوقعه ذلك البناء فی نار جهنم و روی عن جابر بن عبد اللّٰه أنه قال رأیت المسجد الذی بنی ضرارا یخرج منه الدخان لا یَزالُ بُنْیانُهُمُ الَّذِی بَنَوْا رِیبَةً فِی قُلُوبِهِمْ أی شكا فی قلوبهم فیما كان من إظهار إسلامهم و ثباتا علی
ص: 254
النفاق و قیل حزازة فی قلوبهم و قیل حسرة یترددون فیها (1) إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ أی إلا أن یموتوا و قیل إلا أن یتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما و أسفا علی تفریطهم وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بنیتهم فی بناء المسجد حَكِیمٌ فی أمره بنقضه (2).
«1»-فس، تفسیر القمی قَوْلُهُ الَّذِینَ (3) اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ جَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِینَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ تَأْذَنُ لَنَا فَنَبْنِیَ مَسْجِداً فِی بَنِی سَالِمٍ لِلْعَلِیلِ وَ اللَّیْلَةِ الْمَطِیرَةِ وَ الشَّیْخِ الْفَانِی فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ عَلَی الْخُرُوجِ إِلَی تَبُوكَ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَتَیْتَنَا فَصَلَّیْتَ فِیهِ قَالَ أَنَا عَلَی جَنَاحِ الطَّیْرِ (4) فَإِذَا وَافَیْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَتَیْتُهُ فَصَلَّیْتُ فِیهِ فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ تَبُوكَ نَزَلَتْ عَلَیْهِ هَذِهِ الْآیَةُ فِی شَأْنِ الْمَسْجِدِ وَ أَبِی عَامِرٍ الرَّاهِبِ وَ قَدْ كَانُوا حَلَفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُمْ یَبْنُونَ ذَلِكَ لِلصَّلَاحِ وَ الْحُسْنَی فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی رَسُولِهِ وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً إِلَی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ یَعْنِی أَبَا عَامِرٍ الرَّاهِبَ كَانَ یَأْتِیهِمْ فَیَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ وَ أَصْحَابَهُ قَوْلُهُ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَی التَّقْوی یَعْنِی مَسْجِدَ قُبَاءَ قَوْلُهُ فِیهِ رِجالٌ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا قَالَ كَانُوا یَتَطَهَّرُونَ بِالْمَاءِ.
وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی الْجَارُودِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: مَسْجِدُ الضِّرَارِ الَّذِی أُسِّسَ عَلی شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِی نارِ جَهَنَّمَ قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ إِلَّا فِی مَوْضِعٍ حَتَّی (5) فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَالِكَ بْنَ دَخْشَمٍ الْخُزَاعِیَّ وَ عَامِرَ بْنَ عَدِیٍّ أَخَا بَنِی عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَی أَنْ یَهْدِمُوهُ وَ یُحْرِقُوهُ فَجَاءَ مَالِكٌ فَقَالَ لِعَامِرٍ انْتَظِرْنِی حَتَّی أُخْرِجَ نَاراً مِنْ مَنْزِلِی فَدَخَلَ وَ جَاءَ بِنَارٍ وَ أَشْعَلَ (6) فِی سَعَفِ النَّخْلِ ثُمَّ أَشْعَلَهُ فِی الْمَسْجِدِ فَتَفَرَّقُوا
ص: 255
وَ قَعَدَ زَیْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّی احْتَرَقَتِ الْبِنْیَةُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَدْمِ حَائِطِهِ (1).
كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَی وَ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ جَمِیعاً عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام لَا تَدَعْ إِتْیَانَ الْمَشَاهِدِ كُلِّهَا مَسْجِدِ قُبَاءَ فَإِنَّهُ الْمَسْجِدُ الَّذِی أُسِّسَ عَلَی التَّقْوی مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ (2)
«3»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ابْدَأْ بِقُبَا فَصَلِّ فِیهِ وَ أَكْثِرْ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَسْجِدٍ صَلَّی فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی هَذِهِ الْعَرْصَةِ (3).
«4»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الْحَلَبِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِی أُسِّسَ عَلَی التَّقْوی مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ فَقَالَ مَسْجِدُ قُبَاءَ (4).
«5»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِهِ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَی التَّقْوی مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ قَالَ مَسْجِدُ قُبَاءَ وَ أَمَّا قَوْلُهُ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِیهِ یَعْنِی مِنْ مَسْجِدِ النِّفَاقِ وَ كَانَ عَلَی طَرِیقِهِ إِذَا أَتَی مَسْجِدَ قُبَاءَ فَكَانَ یَنْضَحُ (5) بِالْمَاءِ وَ السِّدْرِ وَ یَرْفَعُ ثِیَابَهُ عَنْ سَاقَیْهِ وَ یَمْشِی عَلَی حَجَرٍ فِی نَاحِیَةِ الطَّرِیقِ وَ یُسْرِعُ الْمَشْیَ وَ یَكْرَهُ أَنْ یُصِیبَ ثِیَابَهُ مِنْهُ شَیْ ءٌ فَسَأَلْتُهُ هَلْ كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یُصَلِّی فِی مَسْجِدِ قُبَاءَ قَالَ نَعَمْ كَانَ مَنْزِلُهُ عَلَی سَعْدِ بْنِ خَیْثَمَةَ الْأَنْصَارِیِّ (6).
«6»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الْحَلَبِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ فِیهِ رِجالٌ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا قَالَ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا نُظْفَ الْوُضُوءِ وَ هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ فِی أَهْلِ قُبَاءَ.
ص: 256
وَ فِی رِوَایَةِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْهُ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ مَا ذَلِكَ الطُّهْرُ قَالَ نُظْفُ الْوُضُوءِ إِذَا خَرَجَ أَحَدُهُمْ مِنَ الْغَائِطِ فَمَدَحَهُمُ اللَّهُ بِتَطَهُّرِهِمْ (1).
بیان: نظف الوضوء كان المراد بالوضوء الاستنجاء أی النظافة الحاصلة بالاستنجاء أو المراد بالنظف المبالغة فی إزالة الغائط من قولهم استنظف الشی ء إذا أخذه كله و یحتمل الوضوء المصطلح أی التنظف قبل الوضوء و لأجله.
«7»-م، تفسیر الإمام علیه السلام لَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بَعْدَ أَنْ شُفِیَ مِنْ بَنِی قُرَیْظَةَ بِأَنْ قُتِلُوا أَجْمَعِینَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَرْحَمُكَ اللَّهُ یَا سَعْدُ فَلَقَدْ كُنْتَ شَجًا فِی حُلُوقِ الْكَافِرِینَ لَوْ بَقِیتَ لَكَفَفْتَ الْعِجْلَ الَّذِی یُرَادُ نَصْبُهُ فِی بَیْضَةِ الْإِسْلَامِ كَعِجْلِ قَوْمِ مُوسَی قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ وَ عِجْلٌ یُرَادُ أَنْ یُتَّخَذَ فِی مَدِینَتِكَ هَذِهِ قَالَ بَلَی وَ اللَّهِ یُرَادُ وَ لَوْ كَانَ لَهُمْ سَعْدٌ حَیّاً مَا (2) اسْتَمَرَّ تَدْبِیرُهُمْ وَ یَسْتَمِرُّونَ بِبَعْضِ تَدْبِیرِهِمْ ثُمَّ اللَّهُ یُبْطِلُهُ قَالُوا أَ تُخْبِرُنَا (3) كَیْفَ یَكُونُ ذَلِكَ قَالَ دَعُوا ذَلِكَ لِمَا یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُدَبِّرَهُ.
قَالَ مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ علیهما السلام وَ لَقَدِ اتَّخَذَ الْمُنَافِقُونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله بَعْدَ مَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَ بَعْدَ انْطِلَاقِ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی تَبُوكَ أَبَا عَامِرٍ الرَّاهِبَ أَمِیراً وَ رَئِیساً وَ بَایَعُوا لَهُ وَ تَوَاطَئُوا عَلَی إِنْهَابِ الْمَدِینَةِ وَ سَبْیِ ذَرَارِیِّ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ سَائِرِ أَهْلِهِ وَ صَحَابَتِهِ وَ دَبَّرُوا التَّبْیِیتَ عَلَی مُحَمَّدٍ لِیَقْتُلُوهُ فِی طَرِیقِهِ إِلَی تَبُوكَ فَأَحْسَنَ اللَّهُ الدِّفَاعَ عَنْ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ فَضَحَ الْمُنَافِقِینَ وَ أَخْزَاهُمْ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ لَتَسْلُكُنَّ سُبُلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّی لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ قَالُوا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ كَانَ هَذَا الْعِجْلُ وَ مَا ذَا كَانَ هَذَا التَّدْبِیرُ فَقَالَ علیه السلام اعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَأْتِیهِ الْأَخْبَارُ عَنْ صَاحِبِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَ كَانَ مَلِكُ تِلْكَ النَّوَاحِی لَهُ مَمْلَكَةٌ (4) عَظِیمَةٌ مِمَّا یَلِی الشَّامَ وَ كَانَ یُهَدِّدُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 257
بِأَنَّهُ یَقْصِدُهُ وَ یَقْتُلُ أَصْحَابَهُ وَ یُبِیدُ خَضْرَاءَهُمْ وَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ خَائِفِینَ وَجِلِینَ مِنْ قِبَلِهِ حَتَّی كَانُوا یَتَنَاوَبُونَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كُلَّ یَوْمٍ عِشْرُونَ مِنْهُمْ وَ كُلَّمَا صَاحَ صَائِحٌ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ أَوَائِلُ رِجَالِهِ وَ أَصْحَابِهِ وَ أَكْثَرَ الْمُنَافِقُونَ الْأَرَاجِیفَ وَ الْأَكَاذِیبَ وَ جَعَلُوا یَتَخَلَّلُونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَقُولُونَ إِنَّ أُكَیْدِرَ قَدْ أَعَدَّ (1) مِنَ الرِّجَالِ كَذَا وَ مِنَ الْكُرَاعِ كَذَا وَ مِنَ الْمَالِ كَذَا وَ قَدْ نَادَی فِیمَا یَلِیهِ مِنْ وِلَایَتِهِ أَلَا قَدْ أَبَحْتُكُمُ النَّهْبَ وَ الْغَارَةَ فِی الْمَدِینَةِ ثُمَّ یُوَسْوِسُونَ إِلَی ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِینَ یَقُولُونَ لَهُمْ فَأَیْنَ یَقَعُ (2) أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مِنْ أَصْحَابِ أُكَیْدِرَ یُوشِكُ أَنْ یَقْصِدَ الْمَدِینَةَ فَیَقْتُلَ رِجَالَهَا وَ یَسْبِیَ ذَرَارِیَّهَا (3) وَ نِسَاءَهَا حَتَّی آذَی ذَلِكَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِینَ فَشَكَوْا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا هُمْ عَلَیْهِ مِنَ الْخِدْعِ (4) ثُمَّ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ اتَّفَقُوا وَ بَایَعُوا أَبَا عَامِرٍ الرَّاهِبَ الَّذِی سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْفَاسِقَ وَ جَعَلُوهُ أَمِیراً عَلَیْهِمْ وَ بَخَعُوا (5) لَهُ بِالطَّاعَةِ فَقَالَ لَهُمْ الرَّأْیُ أَنْ أَغِیبَ عَنِ الْمَدِینَةِ لِئَلَّا أُتَّهَمَ بِتَدْبِیرِكُمْ (6) وَ كَاتَبُوا أُكَیْدِرَ فِی دُومَةِ الْجَنْدَلِ لِیَقْصِدَ الْمَدِینَةَ لِیَكُونُوا هُمْ عَلَیْهِ وَ هُوَ یَقْصِدُهُمْ فَیَصْطَلِمُوهُ فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَی مُحَمَّدٍ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَرَّفَهُ مَا اجْتَمَعُوا عَلَیْهِ (7) مِنْ أَمْرِهِمْ وَ أَمَرَهُ بِالْمَسِیرِ إِلَی تَبُوكَ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا أَرَادَ (8) غَزْواً وَرَّی بِغَیْرِهِ إِلَّا غَزَاةَ تَبُوكَ فَإِنَّهُ أَظْهَرَ مَا كَانَ یُرِیدُهُ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یَتَزَوَّدُوا لَهَا وَ هِیَ الْغَزَاةُ الَّتِی افْتَضَحَ فِیهِ الْمُنَافِقُونَ وَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَی فِی تَثْبِیطِهِمْ عَنْهَا وَ أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا أُوحِیَ إِلَیْهِ أَنْ سَیُظْفِرَهُ (9) بِأُكَیْدِرَ حَتَّی یَأْخُذَهُ وَ یُصَالِحَهُ عَلَی أَلْفِ أُوقِیَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِی صَفَرٍ وَ أَلْفِ أُوقِیَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِی رَجَبٍ وَ مِائَتَیْ حُلَّةٍ فِی صَفَرٍ وَ مِائَتَیْ حُلَّةٍ فِی رَجَبٍ وَ یَنْصَرِفَ سَالِماً إِلَی ثَمَانِینَ یَوْماً فَقَالَ لَهُمْ
ص: 258
رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ مُوسَی وَعَدَ (1) قَوْمَهُ أَرْبَعِینَ لَیْلَةً وَ إِنِّی (2) أَعِدُكُمْ ثَمَانِینَ لَیْلَةً ثُمَّ أَرْجِعُ سَالِماً غَانِماً ظَافِراً بِلَا حَرْبٍ یَكُونُ وَ لَا أَحَدٌ یُسْتَأْسَرُ (3) مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ لَا وَ اللَّهِ وَ لَكِنَّهَا آخِرُ كَسْرَاتِهِ الَّتِی لَا یَنْجَبِرُ بَعْدَهَا إِنَّ أَصْحَابَهُ لَیَمُوتُ بَعْضُهُمْ فِی هَذَا الْحَرِّ وَ رِیَاحِ الْبَوَادِی وَ مِیَاهِ الْمَوَاضِعِ الْمُؤْذِیَةِ الْفَاسِدَةِ وَ مَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَبَیْنَ أَسِیرٍ فِی یَدِ أُكَیْدِرَ وَ قَتِیلٍ وَ جَرِیحٍ وَ اسْتَأْذَنَهُ الْمُنَافِقُونَ بِعِلَلٍ ذَكَرُوهَا بَعْضُهُمْ یَعْتَلُّ بِالْحَرِّ وَ بَعْضُهُمْ بِمَرَضٍ یَجِدُهُ (4) وَ بَعْضُهُمْ بِمَرَضِ عِیَالِهِ وَ كَانَ یَأْذَنُ لَهُمْ فَلَمَّا صَحَّ (5) عَزْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی الرِّحْلَةِ إِلَی تَبُوكَ عَمَدَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ فَبَنَوْا مَسْجِداً خَارِجَ الْمَدِینَةِ وَ هُوَ مَسْجِدُ الضِّرَارِ یُرِیدُونَ الِاجْتِمَاعَ فِیهِ وَ یُوهِمُونَ (6) أَنَّهُ لِلصَّلَاةِ وَ إِنَّمَا كَانَ لِیَجْتَمِعُوا فِیهِ لِعِلَّةِ الصَّلَاةِ فَیَتِمَّ لَهُمْ بِهِ مَا یُرِیدُونَ (7) ثُمَّ جَاءَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بُیُوتَنَا قَاصِیَةٌ عَنْ مَسْجِدِكَ وَ إِنَّا نَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِی غَیْرِ جَمَاعَةٍ وَ یَصْعُبُ عَلَیْنَا الْحُضُورُ وَ قَدْ بَنَیْنَا مَسْجِداً فَإِنْ رَأَیْتَ أَنْ تَقْصِدَهُ وَ تُصَلِّیَ فِیهِ لِنَتَیَمَّنَ وَ نَتَبَرَّكَ بِالصَّلَاةِ فِی مَوْضِعِ مُصَلَّاكَ فَلَمْ یُعَرِّفْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا عَرَّفَهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ نِفَاقِهِمْ وَ قَالَ ائْتُونِی بِحِمَارِی فَأُتِیَ بِالْیَعْفُورِ فَرَكِبَهُ یُرِیدُ نَحْوَ مَسْجِدِهِمْ فَكُلَّمَا (8) بَعَثَهُ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ لَمْ یَنْبَعِثْ وَ لَمْ یَمْشِ فَإِذَا صُرِفَ (9) رَأْسُهُ إِلَی غَیْرِهِ سَارَ أَحْسَنَ سَیْرٍ وَ أَطْیَبَهُ قَالُوا لَعَلَّ هَذَا الْحِمَارَ قَدْ رَأَی فِی هَذَا (10) الطَّرِیقِ شَیْئاً كَرِهَهُ فَلِذَلِكَ لَا یَنْبَعِثُ نَحْوَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ایتُونِی
ص: 259
بِفَرَسٍ (1) فَرَكِبَهُ فَكُلَّمَا (2) بَعَثَهُ نَحْوَ مَسْجِدِهِمْ لَمْ یَنْبَعِثْ وَ كُلَّمَا حَرَّكُوهُ (3) نَحْوَهُ لَمْ یَتَحَرَّكْ حَتَّی إِذَا وَلَّوْا رَأْسَهُ إِلَی غَیْرِهِ سَارَ أَحْسَنَ سَیْرٍ فَقَالُوا لَعَلَّ هَذَا الْفَرَسَ قَدْ كَرِهَ شَیْئاً فِی هَذَا الطَّرِیقِ فَقَالَ تَعَالَوْا نَمْشِ (4) إِلَیْهِ فَلَمَّا تَعَاطَی هُوَ وَ أَصْحَابُهُ (5) الْمَشْیَ نَحْوَ الْمَسْجِدِ جَفُّوا (6) فِی مَوَاضِعِهِمْ وَ لَمْ یَقْدِرُوا عَلَی الْحَرَكَةِ وَ إِذَا هَمُّوا بِغَیْرِهِ مِنَ الْمَوَاضِعِ خَفَّتْ حَرَكَاتُهُمْ وَ حَنَّتْ (7) أَبْدَانُهُمْ وَ نَشِطَتْ قُلُوبُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ كَرِهَهُ اللَّهُ فَلَیْسَ یُرِیدُهُ الْآنَ وَ أَنَا عَلَی جَنَاحِ سَفَرٍ فَأَمْهِلُوا حَتَّی أَرْجِعَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی ثُمَّ أَنْظُرَ فِی هَذَا نَظَراً یَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَی وَ جَدَّ فِی الْعَزْمِ عَلَی الْخُرُوجِ إِلَی تَبُوكَ وَ عَزَمَ الْمُنَافِقُونَ عَلَی اصْطِلَامِ مُخَلَّفِیهِمْ إِذَا خَرَجُوا فَأَوْحَی اللَّهُ تَعَالَی إِلَیْهِ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْعَلِیَّ الْأَعْلَی یَقْرَأُ عَلَیْكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ لَكَ إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ أَنْتَ وَ یُقِیمَ عَلِیٌّ وَ إِمَّا أَنْ یَخْرُجَ عَلِیٌّ وَ تُقِیمَ أَنْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَاكَ لِعَلِیٍّ فَقَالَ عَلِیٌّ السَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَ أَمْرِ رَسُولِهِ وَ إِنْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ لَا أَتَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی فَقَالَ رَضِیتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ لَكَ أَجْرَ خُرُوجِكَ مَعِی فِی مُقَامِكَ بِالْمَدِینَةِ وَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَكَ أُمَّةً وَحْدَكَ كَمَا جَعَلَ إِبْرَاهِیمَ أُمَّةً تَمْنَعُ جَمَاعَةَ الْمُنَافِقِینَ وَ الْكُفَّارِ هَیْبَتُكَ عَنِ الْحَرَكَةِ عَلَی الْمُسْلِمِینَ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ شَیَّعَهُ عَلِیٌّ علیه السلام خَاضَ الْمُنَافِقُونَ وَ قَالُوا إِنَّمَا خَلَّفَهُ مُحَمَّدٌ بِالْمَدِینَةِ لِبُغْضِهِ لَهُ وَ مَلَالَةٍ (8) مِنْهُ وَ مَا أَرَادَ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ یُبَیِّتَهُ (9) الْمُنَافِقُونَ فَیَقْتُلُوهُ وَ یُحَارِبُوهُ فَیُهْلِكُوهُ فَاتَّصَلَ (10)
ص: 260
ذَلِكَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام تَسْمَعُ مَا یَقُولُونَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ مَا یَكْفِیكَ أَنَّكَ جِلْدَةُ مَا بَیْنَ عَیْنِی وَ نُورُ بَصَرِی وَ كَالرُّوحِ فِی بَدَنِی.
ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِأَصْحَابِهِ وَ أَقَامَ علی (عَلِیّاً) علیه السلام بِالْمَدِینَةِ (1) وَ كَانَ كُلَّمَا دَبَّرَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ یَقَعُوا بِالْمُسْلِمِینَ فَزِعُوا مِنْ عَلِیٍّ علیه السلام وَ خَافُوا أَنْ یَقُومَ مَعَهُ عَلَیْهِمْ مَنْ یَدْفَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَ جَعَلُوا یَقُولُونَ فِیمَا بَیْنَهُمْ هِیَ كَرَّةُ مُحَمَّدٍ الَّتِی لَا یَئُوبُ مِنْهَا فَلَمَّا صَارَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ بَیْنَ أُكَیْدِرَ مَرْحَلَةٌ قَالَ تِلْكَ الْعَشِیَّةُ یَا زُبَیْرَ بْنَ الْعَوَّامِ یَا سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ (2) امْضِیَا فِی عِشْرِینَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ إِلَی بَابِ قَصْرِ أُكَیْدِرَ فَخُذَاهُ وَ ائْتِیَانِی بِهِ قَالَ الزُّبَیْرُ وَ كَیْفَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَأْتِیكَ بِهِ وَ مَعَهُ مِنَ الْجَیْشِ الَّذِی قَدْ عَلِمْتَ (3) وَ مَعَهُ فِی قَصْرِهِ سِوَی حَشَمِهِ أَلْفٌ مَا دُونَ (4) عَبْدٍ وَ أَمَةٍ وَ خَادِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَحْتَالانِ عَلَیْهِ وَ تَأْخُذَانِهِ قَالَ (5) یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ كَیْفَ هَذِهِ لَیْلَةٌ (6) قَمْرَاءُ وَ طَرِیقُنَا أَرْضٌ مَلْسَاءُ وَ نَحْنُ فِی الصَّحْرَاءِ لَا نَخْفَی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ تُحِبَّانِ أَنْ یَسْتُرَكُمَا اللَّهُ عَنْ عُیُونِهِمْ وَ لَا یَجْعَلَ لَكُمَا ظِلًّا إِذَا سِرْتُمَا وَ یَجْعَلَ لَكُمَا نُوراً كَنُورِ الْقَمَرِ لَا تَتَبَیَّنَانِ مِنْهُ (7) قَالا بَلَی قَالَ عَلَیْكُمَا بِالصَّلَاةِ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّیِّبِینَ مُعْتَقِدَیْنِ أَنَّ أَفْضَلَ آلِهِ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ تَعْتَقِدُ یَا زُبَیْرُ أَنْتَ خَاصَّةً أَنْ لَا یَكُونَ عَلِیٌّ علیه السلام فِی قَوْمٍ إِلَّا كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِالْوَلَایَةِ عَلَیْهِمْ لَیْسَ لِأَحَدٍ أَنْ یَتَقَدَّمَهُ فَإِذَا أَنْتُمَا فَعَلْتُمَا ذَلِكَ وَ بَلَغْتُمَا الظِّلَّ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْ قَصْرِهِ مِنْ حَائِطِ قَصْرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَیَبْعَثُ الْغِزْلَانَ وَ الْأَوْعَالَ إِلَی بَابِهِ فَتَحُكُّ (8) قُرُونَهَا بِهِ فَیَقُولُ مَنْ لِمُحَمَّدٍ (9) فِی مِثْلِ هَذَا
ص: 261
فَیَرْكَبُ فَرَسَهُ لِیَنْزِلَ فَیَصْطَادَ فیقول (1) (فَتَقُولُ) لَهُ امْرَأَتُهُ إِیَّاكَ وَ الْخُرُوجَ فَإِنَّ مُحَمَّداً قَدْ أَنَاخَ بِفِنَائِكَ وَ لَسْتُ آمَنُ أَنْ یَحْتَالَ عَلَیْكَ وَ دَسَّ مَنْ یَغْزُونَكَ (2) فَیَقُولُ لَهَا إِلَیْكِ عَنِّی فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ یَفْصِلُ (3) عَنْهُ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ لَتَلَقَّاهُ فِی هَذَا الْقَمَرِ عُیُونُ أَصْحَابِنَا فِی الطَّرِیقِ (4) وَ هَذِهِ الدُّنْیَا بَیْضَاءُ لَا أَحَدَ فِیهَا فَلَوْ كَانَ فِی ظِلِّ قَصْرِنَا هَذَا إِنْسِیٌّ لَنَفَرَتْ مِنْهُ الْوَحْشُ (5) فَیَنْزِلُ لِیَصْطَادَ الْغِزْلَانَ وَ الْأَوْعَالَ فَتَهْرُبُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ یَتْبَعُهَا فَتُحِیطَانِ بِهِ (6) وَ تَأْخُذَانِهِ (7) وَ كَانَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخَذُوهُ فَقَالَ لِی إِلَیْكُمْ حَاجَةٌ قَالُوا مَا هِیَ فَإِنَّا نَقْضِیهَا إِلَّا أَنْ تَسْأَلَنَا أَنْ نُخَلِّیَكَ قَالَ تَنْزِعُونَ عَنِّی ثَوْبِی هَذَا وَ سَیْفِی وَ مِنْطَقَتِی وَ تَحْمِلُونَهَا إِلَیْهِ وَ تَحْمِلُونِی (8) فِی قَمِیصِی لِئَلَّا یَرَانِی فِی هَذَا الزِّیِّ بَلْ یَرَانِی فِی زِیِّ تَوَاضُعٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ یَرْحَمَنِی فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ وَ الْأَعْرَابُ یَلْبَسُونَ ذَلِكَ الثَّوْبَ (9) وَ یَقُولُونَ هَذَا مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ وَ هَذَا مِنْ حُلِیِّ الْجَنَّةِ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَ لَكِنَّهُ ثَوْبُ أُكَیْدِرَ وَ سَیْفُهُ وَ مِنْطَقَتُهُ وَ لَمِنْدِیلُ ابْنِ عَمَّتِی الزُّبَیْرِ وَ سِمَاكٍ فِی الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا إِنِ اسْتَقَامَا عَلَی مَا أَمْضَیَا مِنْ عَهْدِی إِلَی أَنْ یَلْقَیَانِی (10) عِنْدَ حَوْضِی فِی الْمَحْشَرِ قَالُوا وَ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا قَالَ بَلْ خَیْطٌ مِنْ مِنْدِیلٍ بِأَیْدِیهِمَا فِی الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ مِلْ ءِ الْأَرْضِ إِلَی السَّمَاءِ مِثْلَ هَذَا الذَّهَبِ فَلَمَّا أُتِیَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ یَا مُحَمَّدُ أَقِلْنِی وَ خَلِّنِی عَلَی أَنْ أَدْفَعَ عَنْكَ مَنْ وَرَائِی مِنْ أَعْدَائِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ (11) لَمْ تَفِ بِهِ قَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنْ لَمْ أَفِ لَكَ فَإِنْ
ص: 262
كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فَسَیُظْفِرُكَ بِی مَنْ مَنَعَ ظِلَالَ أَصْحَابِكَ أَنْ یَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ حَتَّی أَخَذُونِی وَ مَنْ سَاقَ الْغِزْلَانَ إِلَی بَابِی حَتَّی اسْتَخْرَجَتْنِی مِنْ قَصْرِی وَ أَوْقَعَتْنِی فِی أَیْدِی أَصْحَابِكَ وَ إِنْ كُنْتَ غَیْرَ نَبِیٍّ فَإِنَّ دَوْلَتَكَ الَّتِی أَوْقَعَتْنِی فِی یَدِكَ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْعَجِیبَةِ وَ السَّبَبِ اللَّطِیفِ سَتُوقِعُنِی فِی یَدِكَ بِمِثْلِهَا قَالَ فَصَالَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی أَلْفِ أُوقِیَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِی رَجَبٍ وَ مِائَتَیْ حُلَّةٍ وَ أَلْفِ أُوقِیَّةٍ فِی صَفَرٍ وَ مِائَتَیْ حُلَّةٍ وَ عَلَی أَنَّهُمْ یُضِیفُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْعَسَاكِرِ (1) ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ وَ یُزَوِّدُونَهُمْ إِلَی الْمَرْحَلَةِ الَّتِی تَلِیهَا (2) عَلَی أَنَّهُمْ إِنْ نَقَضُوا شَیْئاً مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَ ذِمَّةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثُمَّ كَرَّ رَسُولُ اللَّهِ رَاجِعاً إِلَی الْمَدِینَةِ إِلَی إِبْطَالِ كَیْدِ الْمُنَافِقِینَ فِی نَصْبِ ذَلِكَ الْعِجْلِ الَّذِی هُوَ أَبُو عَامِرٍ الَّذِی سَمَّاهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْفَاسِقَ وَ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله غَانِماً ظَافِراً (3) وَ أَبْطَلَ اللَّهُ كَیْدَ الْمُنَافِقِینَ وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِإِحْرَاقِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِیقاً الْآیَاتِ.
وَ قَالَ مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ علیهما السلام فَهَذَا الْعِجْلُ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دَمَّرَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ أَصَابَهُ بِقُولَنْجٍ وَ فَالِجٍ وَ جُذَامٍ وَ لَقْوَةٍ (4) وَ بَقِیَ أَرْبَعِینَ صَبَاحاً فِی أَشَدِّ عَذَابٍ صَارَ إِلَی عَذَابِ اللَّهِ. (5).
بیان: قال الجوهری قولهم أباد اللّٰه خضراءهم أی سوادهم و معظمهم قوله و حنت أبدانهم لعله من الحنین بمعنی الشوق و فی بعض النسخ خبت بالخاء المعجمة و الباء الموحدة و لعله من الخبب و هو ضرب من العدو و الأوعال جمع الوعل بالفتح و ككتف و هو تیس الجبل.
ص: 263
الآیات؛
التوبة: «بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِی الْكافِرِینَ* وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِی ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ وَ رَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَیْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذِینَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِیمٍ* إِلَّا الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ ثُمَّ لَمْ یَنْقُصُوكُمْ شَیْئاً وَ لَمْ یُظاهِرُوا عَلَیْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلی مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ* فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِیلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ* وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّی یَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْلَمُونَ* كَیْفَ یَكُونُ لِلْمُشْرِكِینَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِینَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِیمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ *كَیْفَ وَ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْكُمْ لا یَرْقُبُوا فِیكُمْ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً یُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبی قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ* اشْتَرَوْا بِآیاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا یَعْمَلُونَ* لا یَرْقُبُونَ فِی مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ* فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِی الدِّینِ وَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ *وَ إِنْ نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِی دِینِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَیْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَنْتَهُونَ* أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ* قاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَیْدِیكُمْ
ص: 264
وَ یُخْزِهِمْ وَ یَنْصُرْكُمْ عَلَیْهِمْ وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ* وَ یُذْهِبْ غَیْظَ قُلُوبِهِمْ وَ یَتُوبُ اللَّهُ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ»(1-15)
(و قال تعالی): «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَیْلَةً فَسَوْفَ یُغْنِیكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ حَكِیمٌ»(28)
تفسیر:
قال الطبرسی رحمه اللّٰه: بَراءَةٌ أی هذه براءة مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ أی انقطاع العصمة و رفع الأمان و خروج عن العهود إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ الخطاب للنبی صلی اللّٰه علیه و آله و للمسلمین و المعنی تبرؤا ممن كان بینكم و بینهم عهد من المشركین فإن اللّٰه و رسوله بریئان منهم و إذا قیل كیف یجوز أن ینقض النبی صلی اللّٰه علیه و آله العهد فالقول فیه أنه یجوز أن ینقض ذلك علی أحد ثلاثة أوجه إما أن یكون العهد مشروطا بأن یبقی إلی أن یرفعه اللّٰه بوحی و إما أن یكون قد ظهر من المشركین خیانة و نقض فأمر اللّٰه سبحانه بأن ینبذ إلیهم عهدهم و إما أن یكون مؤجلا إلی مدة فتنقضی المدة و ینتقض العهد و قد وردت الروایة بأن النبی صلی اللّٰه علیه و آله شرط علیهم ما ذكرناه و روی أیضا أن المشركین كانوا قد نقضوا العهد أو هموا بذلك فأمر اللّٰه سبحانه أن ینقض عهودهم ثم خاطب اللّٰه سبحانه المشركین فقال فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أی سیروا فی الأرض علی وجه المهل و تصرفوا فی حوائجكم آمنین من السیف أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فإذا انقضت هذه المدة و لم تسلموا انقطعت العصمة عن دمائكم و أموالكم وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ أی غیر فائتین عن اللّٰه كما یفوت ما یعجز عنه لأنكم حیث كنتم فی سلطان اللّٰه و ملكه وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِی الْكافِرِینَ أی مذلهم و مهینهم و اختلف فی هذه الأشهر الأربعة
فقیل كان ابتداؤها یوم النحر إلی العاشر من شهر ربیع الآخر- و هو المروی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام.
و قیل إنما ابتداء الأشهر الأربعة من أول الشوال (1) إلی آخر المحرم و قیل كان ابتداء الأشهر الأربعة یوم
ص: 265
النحر لعشر من ذی القعدة إلی عشر من شهر ربیع الأول لأن الحج فی تلك السنة كان فی ذلك الوقت ثم صار فی السنة الثانیة فی ذی الحجة و فیها حجة الوداع و كان سبب ذلك النسی ء و اعلم أنه
أجمع المفسرون و نقلة الأخبار أنه لما نزلت براءة دفعها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی أبی بكر ثم أخذها منه و دفعها إلی علی بن أبی طالب علیهما السلام و اختلفوا فی تفصیل ذلك فَقِیلَ إِنَّهُ بَعَثَهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَقْرَأَ عَشْرَ آیَاتٍ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَ أَنْ یَنْبِذَ إِلَی كُلِّ ذِی عَهْدٍ عَهْدَهُ ثُمَّ بَعَثَ عَلِیّاً علیه السلام خَلْفَهُ لِیَأْخُذَهَا وَ یَقْرَأَهَا عَلَی النَّاسِ (1) فَخَرَجَ عَلَی نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْعَضْبَاءِ حَتَّی أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِذِی الْحُلَیْفَةِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَ قِیلَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ فَقَالَ هَلْ نَزَلَ فِیَّ شَیْ ءٌ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله لَا إِلَّا خَیْراً وَ لَكِنْ لَا یُؤَدِّی عَنِّی إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّی و قیل إنه قرأ علی علیه السلام براءة علی الناس و كان أبو بكر أمیرا علی الموسم و قیل إنه أخذها من أبی بكر قبل الخروج و دفعها إلی علی و قَالَ لَا یُبَلِّغْ عَنِّی إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّی.
وَ رَوَی أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله وَلَّاهُ أَیْضاً الْمَوْسِمَ وَ أَنَّهُ حِینَ أَخَذَ الْبَرَاءَةَ مِنْ أَبِی بَكْرٍ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ.
وَ رَوَی الْحَاكِمُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِیُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ بَرَاءَةَ مَعَ أَبِی بَكْرٍ إِلَی أَهْلِ مَكَّةَ فَلَمَّا بَلَغَ ذَا الْحُلَیْفَةِ بَعَثَ إِلَیْهِ فَرَدَّهُ وَ قَالَ لَا یَذْهَبُ بِهَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی فَبَعَثَ عَلِیّاً.
وَ رَوَی الشَّعْبِیُّ عَنْ مُحْرِزٍ عَنْ أَبِیهِ أَبِی هُرَیْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُنَادِی مَعَ عَلِیٍّ حِینَ أَذَّنَ الْمُشْرِكِینَ وَ كَانَ إِذَا صَحِلَ (2) صَوْتُهُ فِیمَا یُنَادِی دَعَوْتُ مَكَانَهُ قَالَ فَقُلْتُ یَا أَبَهْ أَیَّ شَیْ ءٍ كُنْتُمْ
ص: 266
تَقُولُونَ قَالَ كُنَّا نَقُولُ لاَ یَحُجَّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ وَ لاَ یَطُوفَنَّ (1)بِالْبَیْتِ عُرْیَانٌ وَ لاَ یَدْخُلِ اَلْبَیْتَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَ مَنْ كَانَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ مُدَّةٌ فَإِنَّ أَجَلَهُ إِلَی أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (2)فَأَنَّ اللَّهَ بَرِیءٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ وَ رَسُولُهُ .
وَ رَوَی عَاصِمُ بْنُ حُمَیْدٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: خَطَبَ عَلِیٌّ علیه السلام النَّاسَ وَ اخْتَرَطَ سَیْفَهُ فَقَالَ لاَ یَطُوفَنَّ بِالْبَیْتِ عُرْیَانٌ وَ لاَ یَحُجَّنَّ اَلْبَیْتَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ كَانَتْ لَهُ مُدَّةٌ فَهُوَ إِلَی مُدَّتِهِ وَ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُدَّةٌ فَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ . و كان خطب یوم النحر و كانت عشرون من ذی الحجة و محرم و صفر و شهر ربیع الأول و عشر من شهر ربیع الآخر و قال یوم النحر یوم الحج الأكبر
وَ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَیْدِ بْنِ بَقِیعٍ (3)قَالَ: سَأَلْنَا عَلِیّاً بِأَیِّ شَیْءٍ بُعِثْتَ فِی ذِی الْحِجَّةِ قَالَ بُعِثْتُ بِأَرْبَعَةٍ لاَ تَدْخُلُ اَلْكَعْبَةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ وَ لاَ یَطُوفُ بِالْبَیْتِ عُرْیَانٌ وَ لاَ یَجْتَمِعُ مُؤْمِنٌ وَ كَافِرٌ فِی اَلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا وَ مَنْ كَانَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَی مُدَّتِهِ وَ مَنْ لَمْ یَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ .
وَ رُوِیَ: أَنَّهُ علیه السلام قَامَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَ قَالَ یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَیْكُمْ بِأَنْ لاَ یَدْخُلَ اَلْبَیْتَ كَافِرٌ وَ لاَ یَحُجَّ اَلْبَیْتَ مُشْرِكٌ وَ لاَ یَطُوفَ بِالْبَیْتِ عُرْیَانٌ وَ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَهُ عَهْدُهُ إِلَی أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَ مَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ فَلَهُ مُدَّةُ بَقِیَّةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَ قَرَأَ عَلَیْهِمْ سُورَةَ بَرَاءَةَ .
و قیل قرأ علیهم ثلاث عشرة آیة من أول براءة و روی أنه علیه السلام لما نادی فیهم إن اللّٰه بریء من كل مشرك (4)قال المشركون نحن نتبرأ من عهدك
ص:267
و عهد ابن عمك ثم لما كانت السنة المقبلة و هی سنة عشر حج النبی صلی اللّٰه علیه و آله حجة الوداع و قفل (1) إلی المدینة و مكث بقیة ذی الحجة و المحرم و صفر و لیالی من ربیع الأول حتی لحق باللّٰه عز و جل وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ أی و إعلام و فیه معنی الأمر أی آذنوا الناس یعنی أهل العهد و قیل أراد بالناس المؤمن و المشرك لأن الكل داخلون فی هذا الإعلام یَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فیه ثلاثة أقوال أحدها أنه یوم عرفة- روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام،
قال عطا: الحج الأكبر الذی فیه الوقوف و الحج الأصغر الذی لیس فیه وقوف و هو العمرة و ثانیها
أنه یوم النحر- عن علی علیه السلام و ابن عباس و هو المروی عن أبی عبد اللّٰه علیه السلام،
قال الحسن و سمی الحج الأكبر لأنه حج فیه المسلمون و المشركون و لم یحج بعدها مشرك و ثالثها أنه جمیع أیام الحج كما یقال یوم الجمل و یوم صفین یراد به الحین و الزمان أَنَّ اللَّهَ بَرِی ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ أی من عهدهم وَ رَسُولِهِ معناه و رسوله أیضا بری ء منهم و قیل إن البراءة الأولی لنقض العهد و الثانیة لقطع الموالاة و الإحسان فلیس بتكرار فَإِنْ تُبْتُمْ عن الشرك فَهُوَ خَیْرٌ لَكُمْ لأنكم تنجون به من خزی الدنیا و عذاب الآخرة وَ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ عن الإیمان فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ عن تعذیبكم فی الدنیا وَ بَشِّرِ الَّذِینَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِیمٍ فی الآخرة إِلَّا الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ قال الفراء استثنی اللّٰه تعالی من براءته و براءة رسوله من المشركین قوما من بنی كنانة و بنی ضمرة كان قد بقی من أجلهم تسعة أشهر أمر بإتمامها لهم لأنهم لم یظاهروا علی المؤمنین و لم ینقضوا عهد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قال ابن عباس عنی به كل من كان بینه و بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عهد قبل براءة و ینبغی أن یكون أراد بذلك من كان بینه و بینه عهد و هدنة و لم یتعرض له بعداوة و لا ظاهر علیه عدوا لأن النبی صلی اللّٰه علیه و آله صالح أهل هجر و أهل البحرین و أیلة و دومة الجندل و له عهود بالصلح و
ص: 268
الجزیة و لم ینبذ إلیهم بنقض عهد و لا حاربهم بعد و كانوا أهل ذمة إلی أن مضی لسبیله صلی اللّٰه علیه و آله و وفی لهم بذلك من بعده ثُمَّ لَمْ یَنْقُصُوكُمْ شَیْئاً من شروط العهد و قیل لم یضروكم شیئا وَ لَمْ یُظاهِرُوا أی لم یعاونوا عَلَیْكُمْ أَحَداً من أعدائكم فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلی مُدَّتِهِمْ أی إلی انقضاء مدة المعاهدة إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ لنقض العهود فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ و هی ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب و قیل الأشهر الأربعة التی جعل اللّٰه للمشركین أن یسیحوا فی الأرض علی ما مر فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ هذا ناسخ لكل آیة وردت فی الصلح و الإعراض عنهم وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ أی احبسوهم و استرقوهم أو فادوهم بمال و قیل و امنعوهم دخول مكة و التصرف فی بلاد الإسلام وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أی بكل طریق و بكل مكان تظنون أنهم یمرون فیه فَإِنْ تابُوا من الشرك وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ أی قبلوا الإتیان بهما فَخَلُّوا سَبِیلَهُمْ إلی بلاد الإسلام أو إلی البیت وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ اسْتَجارَكَ أی طلب منك الأمان من القتل لیسمع دعوتك و احتجاجك علیه بالقرآن فَأَجِرْهُ حَتَّی یَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ و إنما خص كلام اللّٰه لأن معظم الأدلة فیه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ معناه فإن دخل فی الإسلام نال خیر الدارین و إن لم یدخل فی الإسلام فلا تقتله فتكون قد غدرت به و لكن أوصله إلی دیار قومه التی یأمن فیها علی نفسه و ماله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْلَمُونَ أی ذلك الأمان لهم بأنهم قوم لا یعلمون الإیمان و الدلائل فآمنهم حتی یسمعوا و یتدبروا كَیْفَ یَكُونُ لِلْمُشْرِكِینَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ أی عهد صحیح مع إضمارهم الغدر و النكث علی التعجب أو علی الجحد و قیل كیف یأمر اللّٰه و رسوله بالكف عن دماء المشركین ثم استثنی سبحانه فقال إِلَّا الَّذِینَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فإن لهم عهدا عند اللّٰه لأنهم لم یضمروا الغدر بك و الخیانة لك و اختلف فی هؤلاء من هم فقیل هم قریش عن ابن عباس و قیل هم أهل مكة الذین عاهدهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم الحدیبیة فلم یستقیموا و نقضوا العهد بأن أعانوا بنی بكر علی خزاعة فضرب لهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 269
بعد الفتح أربعة أشهر یختارون أمرهم إما أن یسلموا و إما أن یلحقوا بأی بلاد شاءوا فأسلموا قبل الأربعة أشهر (1) و قیل هم من قبائل بكر بنو خزیمة و بنو مدلج و بنو ضمرة و بنو الدئل و هم الذین كانوا قد دخلوا فی عهد قریش یوم الحدیبیة إلی المدة التی كانت بین رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و بین قریش فلم یكن نقضها إلا قریش و بنو الدئل من بكر فأمر بإتمام العهد لمن لم یكن له نقض إلی مدته و هذا أقرب إلی الصواب فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ علی العهد فَاسْتَقِیمُوا لَهُمْ كذلك إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ للنكث و الغدر كَیْفَ وَ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْكُمْ أی كیف یكون لهم عهد أو كیف لا تقتلونهم و هم بحال إن یظفروا بكم لا یَرْقُبُوا أی لا یحفظوا و لا یراعوا فِیكُمْ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً أی قرابة و لا عهدا و الآل القرابة أو الحلف و قیل الآل اسم اللّٰه یُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبی قُلُوبُهُمْ أی یتكلمون بكلام الموالین لكم لترضوا عنهم و تأبی قلوبهم إلا العداوة و الغدر وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ أی متمردون فی الشرك و قیل أراد كلهم و قیل المعنی أكثرهم خارجون عن طریق الوفاء بالعهد و أراد بذلك رؤساءهم اشْتَرَوْا بِآیاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِهِ أی أعرضوا عن دین اللّٰه و صدوا الناس عنه بشی ء یسیر نالوه من الدنیا ورد فی قوم من العرب جمعهم أبو سفیان علی طعامه لیستمیلهم إلی عداوة النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قیل ورد فی الیهود الذین كانوا یأخذون الرشاء من العوام علی الحكم بالباطل إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا یَعْمَلُونَ أی بئس العمل عملهم لا یَرْقُبُونَ إلی قوله هُمُ الْمُعْتَدُونَ أی المجاوزون الحد فی الكفر و الطغیان و كرر للتأكید أو الأولی فی طائفة و الثانیة فی أخری فَإِنْ تابُوا إلی قوله فَإِخْوانُكُمْ فِی الدِّینِ أی فعاملوهم معاملة إخوانكم من المؤمنین وَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ أی نبینها لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ ذلك و یبینونه (2) وَ إِنْ (3) نَكَثُوا أی نقضوا أَیْمانَهُمْ أی عهودهم و ما حلفوا علیه مِنْ بَعْدِ
ص: 270
عَهْدِهِمْ أی من بعد أن عقدوه وَ طَعَنُوا فِی دِینِكُمْ أی عابوه و قدحوا فیه فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أی رؤساء الكفر و الضلالة و خصهم لأنهم یضلون أتباعهم قال الحسن أراد به جماعة الكفار و كل كافر إمام لنفسه فی الكفر و لغیره فی الدعاء إلیه و قال ابن عباس و قتادة أراد به رؤساء قریش مثل الحارث بن هشام و أبی سفیان بن حرب و عكرمة بن أبی جهل و سائر رؤساء قریش الذین نقضوا العهد و كان حذیفة یقول لم یأت أهل هذه الآیة بعد و قال مجاهد هم أهل فارس و الروم
وَ قَرَأَ عَلِیٌّ علیه السلام هَذِهِ الْآیَةَ یَوْمَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ یَا عَلِیُّ لَتُقَاتِلَنَّ الْفِئَةَ النَّاكِثَةَ وَ الْفِئَةَ الْبَاغِیَةَ وَ الْفِئَةَ الْمَارِقَةَ.
إِنَّهُمْ لا أَیْمانَ لَهُمْ
قرأ ابن عامر لا إیمان لهم بكسر الهمزة- و رواه ابن عقدة بإسناده عن عزیز بن الوضاح الجعفی (1) عن جعفر بن محمد علیهما السلام.
و الباقون بفتحها فمن قرأ بالفتح فمعناه أنهم لا یحفظون العهد و الیمین و من قرأ بالكسر فمعناه لا تؤمنوهم بعد نكثهم العهد أو أنهم إذا آمنوا إنسانا لا یفون به أو أنهم كفروا فلا إیمان لهم لَعَلَّهُمْ یَنْتَهُونَ أی قاتلوهم لینتهوا عن الكفر أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَیْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ الألف للاستفهام و المراد به التحضیض و الإیجاب و معناه هلا تقاتلونهم و قد نقضوا عهودهم التی عقدوها و اختلف فیهم فقیل هم الیهود الذین نقضوا العهد و خرجوا مع الأحزاب و هموا بإخراج الرسول صلی اللّٰه علیه و آله من المدینة كما أخرجه المشركون من مكة و قیل هم مشركو قریش و أهل مكة وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بنقض العهد أو بالقتال یوم بدر أو بقتال حلفاء النبی صلی اللّٰه علیه و آله من خزاعة أَ تَخْشَوْنَهُمْ أن ینالكم من قتالهم مكروه فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ أی تخافوا عقابه فی ترك أمره بقاتلهم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ بعقابه و ثوابه قاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَیْدِیكُمْ قتلا و أسرا وَ یُخْزِهِمْ أی و یذلهم وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ یعنی بنی خزاعة الذین بیت علیهم (2) بنو بكر و یُذْهِبْ غَیْظَ قُلُوبِهِمْ لكثرة ما نالهم من الأذی من جهتهم
ص: 271
وَ یَتُوبُ اللَّهُ عَلی مَنْ یَشاءُ أی و یقبل توبة من تاب (1) فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا أی فامنعوهم عن المسجد الحرام و قیل المراد منعهم من دخول الحرم فإن الحرم كله مسجد و قبلة و العام الذی أشار إلیه سنة تسع الذی نادی فیه علی علیه السلام بالبراءة و قال لا یحجن بعد العام (2) مشرك وَ إِنْ خِفْتُمْ عَیْلَةً أی فقرا و حاجة و كانوا خافوا انقطاع المتاجر بمنع المشركین عن دخول الحرم فَسَوْفَ یُغْنِیكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إن شاء من جهة أخری بأن یرغب الناس من أهل الآفاق فی حمل المیرة إلیكم قال مقاتل أسلم أهل جدة و صنعا و حرش (3) من الیمن و حملوا الطعام إلی مكة علی ظهور الإبل و الدواب و كفاهم اللّٰه سبحانه ما كانوا یتخوفون و قیل یغنیكم بالجزیة المأخوذة من أهل الكتاب و قیل بالمطر و النبات و قیل بإباحة الغنائم (4).
«1»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ یَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ هُوَ یَوْمُ النَّحْرِ وَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ (5).
«2»-كا، الكافی أَبُو عَلِیٍّ الْأَشْعَرِیُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ ذَرِیحٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ یَوْمُ النَّحْرِ (6).
«3»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِیِّ جَمِیعاً عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ فُضَیْلِ بْنِ عِیَاضٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ یَقُولُ یَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام الْحَجُّ الْأَكْبَرُ یَوْمُ النَّحْرِ وَ یَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَی فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ هُوَ (7) عِشْرُونَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ وَ الْمُحَرَّمُ وَ صَفَرٌ وَ شَهْرُ رَبِیعٍ الْأَوَّلِ وَ عَشْرٌ مِنْ رَبِیعٍ الْآخِرِ وَ لَوْ كَانَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ یَوْمَ عَرَفَةَ لَكَانَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ یَوْماً (8).
ص: 272
بیان: قوله علیه السلام الحج الأكبر أی یوم الحج الأكبر یوم النحر و مبنی الاحتجاج علی ما كان مسلما عندهم من أن أشهر السیاحة تنتهی فی العاشر من ربیع الآخر.
«4»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ الْفَتْحُ فِی سَنَةِ ثَمَانٍ وَ بَرَاءَةُ فِی سَنَةِ تِسْعٍ وَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِی سَنَةِ عَشْرٍ (1).
«5»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ حَرِیزٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ مَعَ بَرَاءَةَ إِلَی الْمَوْسِمِ لِیَقْرَأَهَا عَلَی النَّاسِ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ لَا یُبَلِّغْ عَنْكَ إِلَّا عَلِیٌّ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً فَأَمَرَهُ أَنْ یَرْكَبَ نَاقَتَهُ الْعَضْبَاءَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَلْحَقَ أَبَا بَكْرٍ فَیَأْخُذَ مِنْهُ بَرَاءَةَ وَ یَقْرَأَهُ عَلَی النَّاسِ بِمَكَّةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَ سَخْطَةٌ فَقَالَ لَا إِلَّا أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَیْهِ أَنَّهُ لَا یُبَلِّغْ إِلَّا رَجُلٌ مِنْكَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلِیٌّ علیه السلام مَكَّةَ وَ كَانَ یَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَ هُوَ یَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَامَ ثُمَّ قَالَ إِنِّی رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَیْكُمْ فَقَرَأَ عَلَیْهِمْ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عِشْرِینَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ وَ الْمُحَرَّمِ وَ صَفَرٍ وَ شَهْرِ رَبِیعٍ الْأَوَّلِ وَ عَشْرٍ مِنْ شَهْرِ رَبِیعٍ (2) الْآخِرِ وَ قَالَ لَا یَطُوفُ بِالْبَیْتِ عُرْیَانٌ وَ لَا عُرْیَانَةٌ وَ لَا مُشْرِكٌ أَلَا (3) وَ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَمُدَّتُهُ إِلَی هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَ فِی خَبَرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَقَالَ یَا عَلِیُّ هَلْ نَزَلَ فِیَّ شَیْ ءٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ لَا وَ لَكِنْ أَبَی اللَّهُ أَنْ یُبَلِّغَ عَنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا رَجُلٌ مِنْهُ فَوَافَی الْمَوْسِمَ فَبَلَّغَ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ بِعَرَفَةَ وَ الْمُزْدَلِفَةِ وَ یَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجِمَارِ وَ فِی أَیَّامِ التَّشْرِیقِ كُلِّهَا یُنَادِی بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ لَا یَطُوفَنَّ بِالْبَیْتِ عُرْیَانٌ (4).
ص: 273
«6»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ وَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنْ قَوْلِهِ فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ عِشْرِینَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ وَ الْمُحَرَّمِ وَ صَفَرٍ وَ شَهْرِ رَبِیعٍ الْأَوَّلِ وَ عَشْرٍ مِنْ شَهْرِ رَبِیعٍ الْآخِرِ (1).
«7»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ حَكِیمِ بْنِ جُبَیْرٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام قَالَ: وَ اللَّهِ إِنَّ لِعَلِیٍّ لَإِسْماً فِی الْقُرْآنِ مَا یَعْرِفُهُ النَّاسُ قَالَ قُلْتُ وَ أَیُّ شَیْ ءٍ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ لِی وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَالَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام هُوَ وَ اللَّهِ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ بِأَذَانِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فِی الْمَوَاقِفَ كُلِّهَا فَكَانَ مَا نَادَی بِهِ أَلَا لَا یَطُوفُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ عُرْیَانٌ وَ لَا یَقْرَبُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ (2).
«8»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِ اللَّهِ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قَالَ هِیَ یَوْمُ النَّحْرِ إِلَی عَشْرٍ مَضَیْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِیعٍ الْآخِرِ (3).
«9»-عم، إعلام الوری نَزَلَتْ سُورَةُ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ فِی سَنَةِ تِسْعٍ- فَدَفَعَهَا إِلَی أَبِی بَكْرٍ فَسَارَ بِهَا فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام فَقَالَ إِنَّهُ لَا یُؤَدِّی عَنْكَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ عَلِیٌّ فَبَعَثَ عَلِیّاً علیه السلام عَلَی نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ فَلَحِقَهُ فَأَخَذَ مِنْهُ الْكِتَابَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ أَ نَزَلَ فِیَّ شَیْ ءٌ قَالَ لَا وَ لَكِنْ لَا یُؤَدِّی عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا هُوَ أَوْ أَنَا فَسَارَ بِهَا عَلِیٌّ علیه السلام حَتَّی أَذَّنَ بِمَكَّةَ یَوْمَ النَّحْرِ وَ أَیَّامَ التَّشْرِیقِ وَ كَانَ فِی عَهْدِهِ أَنْ یُنْبَذَ إِلَی الْمُشْرِكِینَ عَهْدُهُمْ وَ أَنْ لَا یَطُوفَ بِالْبَیْتِ عُرْیَانٌ وَ لَا یَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مُشْرِكٌ وَ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ فَإِلَی مُدَّتِهِ وَ مَنْ لَمْ یَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (4) فَإِنْ أَخَذْنَاهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قَتَلْنَاهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ إِلَی قَوْلِهِ
ص: 274
كُلَّ مَرْصَدٍ وَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ اخْتَرَطَ سَیْفَهُ وَ قَالَ وَ اللَّهِ لَا یَطُوفُ بِالْبَیْتِ عُرْیَانٌ إِلَّا ضَرَبْتُهُ بِالسَّیْفِ حَتَّی أَلْبَسَهُمُ الثِّیَابَ فَطَافُوا وَ عَلَیْهِمُ الثِّیَابُ (1).
«10»-شا، الإرشاد من فضائله علیه السلام ما جاء فی قصة براءة وَ قَدْ دَفَعَهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی أَبِی بَكْرٍ لِیَنْبِذَ بِهَا عَهْدَ الْمُشْرِكِینَ فَلَمَّا سَارَ غَیْرَ بَعِیدٍ نَزَلَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ یُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ لَكَ لَا یُؤَدِّی عَنْكَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْكَ فَاسْتَدْعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً علیه السلام وَ قَالَ لَهُ ارْكَبْ نَاقَتِیَ الْعَضْبَاءَ وَ الْحَقْ أَبَا بَكْرٍ فَخُذْ بَرَاءَةَ مِنْ یَدِهِ وَ امْضِ بِهَا إِلَی مَكَّةَ وَ انْبِذْ (2) بِهَا عَهْدَ الْمُشْرِكِینَ إِلَیْهِمْ وَ خَیِّرْ أَبَا بَكْرٍ بَیْنَ أَنْ یَسِیرَ مَعَ رِكَابِكَ أَوْ یَرْجِعَ إِلَیَّ فَرَكِبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْعَضْبَاءَ وَ سَارَ حَتَّی لَحِقَ بِأَبِی بَكْرٍ (3) فَلَمَّا رَآهُ فَزِعَ مِنْ لُحُوقِهِ بِهِ وَ اسْتَقْبَلَهُ وَ قَالَ فِیمَ جِئْتَ یَا أَبَا الْحَسَنِ أَ سَائِرٌ أَنْتَ مَعِی أَمْ لِغَیْرِ ذَلِكَ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَنِی أَنْ أَلْحَقَكَ فَأَقْبِضَ مِنْكَ الْآیَاتِ مِنْ بَرَاءَةَ (وَ) أَنْبِذَ بِهَا (4) عَهْدَ الْمُشْرِكِینَ إِلَیْهِمْ وَ أَمَرَنِی أَنْ أُخَیِّرَكَ بَیْنَ أَنْ تَسِیرَ مَعِی (5) أَوْ تَرْجِعَ إِلَیْهِ فَقَالَ بَلْ أَرْجِعُ إِلَیْهِ وَ عَادَ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا دَخَلَ عَلَیْهِ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَهَّلْتَنِی لِأَمْرٍ طَالَتِ الْأَعْنَاقُ إِلَیَّ (6) فِیهِ فَلَمَّا تَوَجَّهْتُ لَهُ رَدَدْتَنِی عَنْهُ مَا لِی أَ نَزَلَ فِیَّ قُرْآنٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لَا وَ لَكِنَّ الْأَمِینَ جَبْرَئِیلَ علیه السلام (7) هَبَطَ إِلَیَّ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِأَنَّهُ لَا یُؤَدِّی عَنْكَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْكَ وَ عَلِیٌّ مِنِّی وَ لَا یُؤَدِّی عَنِّی إِلَّا عَلِیٌّ.
فی حدیث مشهور و كان (8) نبذ العهد مختصا بمن عقده أو بمن یقوم مقامه فی فرض الطاعة و جلالة القدر و علو الرتبة و شرف المقام و من لا یرتاب بفعاله و لا یعترض علیه فی مقاله و من هو كنفس العاقد و أمره أمره فإذا حكم بحكم مضی و استقر و أمن الاعتراض
ص: 275
فیه و كان بنبذ العهد قوة الإسلام و كمال الدین و صلاح أمر المسلمین و تمام فتح مكة و اتساق أحوال الصلاح و أحب (1) اللّٰه أن یجعل ذلك فی (2) ید من ینوه باسمه و یعلی ذكره و ینبه علی فضله و یدل علی علو قدره و یبینه به عمن سواه و كان ذلك أمیر المؤمنین علیه السلام و لم یكن لأحد من القوم فضل یقارب الفضل الذی وصفناه و لا یشركه (3) فیه أحد منهم علی ما بیناه. (4) أقول سیأتی أكثر الأخبار المتعلقة بتلك القصة و بسط القول فی الاستدلال بها علی إمامته و فضله فی أبواب الآیات النازلة فی شأنه فی باب مفرد فمن أراد الاطلاع علیها فلیرجع إلیه.
«11»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ شَمُّونٍ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ مِسْمَعٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِبَرَاءَةَ مَعَ عَلِیٍّ علیه السلام بَعَثَ مَعَهُ أُنَاساً وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَنِ اسْتَأْسَرَ مِنْ غَیْرِ جِرَاحَةٍ مُثْقِلَةٍ فَلَیْسَ مِنَّا (5).
الآیات؛
آل عمران: «إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِینَ* فَمَنْ حَاجَّكَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ»(59-61)
ص: 276
تفسیر:
قال الطبرسی رحمه اللّٰه فی نزول الآیات: قیل: نزلت فی وفد نجران السید و العاقب و من معهما قالوا لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله هل رأیت ولدا من غیر ذكر فنزلت إِنَّ مَثَلَ عِیسی الآیات فقرأها علیهم
عن ابن عباس و قتادة و الحسن فلما دعاهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی المباهلة استنظروه إلی صبیحة غد من یومهم ذلك فلما رجعوا إلی رحالهم قال لهم الأسقف انظروا محمدا فی غد فإن غدا بولده و أهله فاحذروا مباهلته و إن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه علی غیر شی ء فلما كان من الغد جاء النبی صلی اللّٰه علیه و آله آخذا بید علی بن أبی طالب علیهما السلام و الحسن و الحسین علیهما السلام بین یدیه یمشیان و فاطمة علیها السلام تمشی خلفه و خرج النصاری یقدمهم أسقفهم فلما رأی النبی قد أقبل بمن معه سأل عنهم فقیل له هذا ابن عمه و زوج ابنته و أحب الخلق إلیه و هذان ابنا بنته من علی و هذه الجاریة بنته فاطمة أعز الناس علیه و أقربهم إلیه (1) و تقدم رسول اللّٰه فجثا علی ركبتیه فقال أبو حارثة الأسقف جثا و اللّٰه كما جثا الأنبیاء للمباهلة فرجع (2) و لم یقدم علی المباهلة فقال له السید ادن یا حارثة للمباهلة قال لا إنی لأری رجلا جریئا علی المباهلة و أنا أخاف أن یكون صادقا و لئن كان صادقا لم یحل علینا الحول و اللّٰه و فی الدنیا نصرانی یطعم الماء فقال الأسقف یا أبا القاسم إنا لا نباهلك و لكن نصالحك فصالحنا علی ما ننهض به فصالحهم رسول اللّٰه علی ألفی حلة من حلل الأواقی قیمة كل حلة أربعون درهما فما زاد أو نقص فعلی حساب ذلك و علی عاریة ثلاثین درعا و ثلاثین رمحا و ثلاثین فرسا إن كان بالیمن كید و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ضامن حتی یؤدیها و كتب لهم بذلك كتابا و روی أن الأسقف قال لهم إنی لأری وجوها لو سألوا اللّٰه أن یزیل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا یبقی علی وجه الأرض نصرانی إلی یوم القیامة و قال النبی صلی اللّٰه علیه و آله و الذی نفسی بیده لو لاعنونی لمسخوا قردة و خنازیر و لاضطرم الوادی علیهم نارا و لما حال الحول علی
ص: 277
النصاری حتی هلكوا كلهم (1) قالوا فلما رجع وفد نجران لم یلبث السید و العاقب إلا یسیرا حتی رجعا إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و أهدی العاقب له حلة و عصا و قدحا و نعلین و أسلما.
فرد اللّٰه سبحانه علی النصاری قولهم فی المسیح إنه ابن اللّٰه فقال إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ أی فی خلق اللّٰه إیاه من غیر أب كَمَثَلِ آدَمَ فی خلق اللّٰه إیاه من غیر أب و لا أم فلیس هو بأبدع و لا أعجب من ذلك فكیف أنكروا ذا و أقروا بذلك خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ أی خلق عیسی من الریح و لم یخلق قبله أحدا من الریح كما خلق آدم من التراب و لم یخلق أحدا قبله من التراب ثُمَّ قالَ لَهُ أی لآدم كما قیل لعیسی (2) كُنْ فَیَكُونُ أی فكان فی الحال كما أراد الْحَقُّ أی هذا هو الحق مِنْ رَبِّكَ أضافه إلی نفسه تأكیدا و تعلیلا فَلا تَكُنْ أیها السامع مِنَ الْمُمْتَرِینَ الشاكین فَمَنْ حَاجَّكَ أی جادلك و خاصمك فِیهِ أی فی عیسی مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أی من البرهان الواضح علی أنه عبدی و رسولی و قیل معناه فمن حاجك فی الحق فَقُلْ یا محمد لهؤلاء النصاری تَعالَوْا أی هلموا إلی حجة أخری فاصلة بین الصادق و الكاذب نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ أجمع المفسرون علی أن المراد بأبنائنا الحسن و الحسین علیهما السلام قال أبو بكر الرازی هذا یدل علی أن الحسن و الحسین ابنا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أن ولد الابنة ابن علی الحقیقة و قال ابن أبی علان و هو أحد أئمة المعتزلة هذا یدل علی أنهما علیهما السلام كانا مكلفین فی تلك الحال لأن المباهلة لا یجوز إلا مع البالغین و قال (3) إن صغر السن و نقصانها عن حد بلوغ الحلم لا ینافی كمال العقل و إنما جعل بلوغ الحلم حدا لتعلق الأحكام الشرعیة و كان سنهما علیهما السلام فی تلك الحال سنا لا یمتنع معها أن یكونا كاملی العقل علی أن عندنا یجوز أن یخرق اللّٰه العادات للأئمة
ص: 278
و یخصهم بما لا یشركهم فیه غیرهم فلو صح أن كمال العقل غیر معتاد فی تلك السن لجاز ذلك فیهم إبانة لهم عمن سواهم و دلالة علی مكانهم من اللّٰه و اختصاصهم به و مما یؤیده من الأخبار
قَوْلُ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله ابْنَایَ هَذَانِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا.
وَ نِساءَنا اتفقوا علی أن المراد به فاطمة علیها السلام لأنه لم یحضر المباهلة غیرها من النساء و هذا یدل علی تفضیل الزهراء علیها السلام علی جمیع النساء و یعضده ما جاء فی الخبر
أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّی یُرِیبُنِی مَا رَابَهَا.
وَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ یَغْضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ وَ یَرْضَی لِرِضَاهَا.
وَ قَدْ صَحَّ عَنْ حُذَیْفَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله یَقُولُ أَتَانِی مَلَكٌ فَبَشَّرَنِی أَنَّ فَاطِمَةَ سَیِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ نِسَاءِ أُمَّتِی.
وَ عَنِ الشَّعْبِیِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَسَرَّ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی فَاطِمَةَ شَیْئاً فَضَحِكَتْ فَسَأَلْتُهَا قَالَتْ (1) قَالَ لِی أَ لَا تَرْضَیْنَ أَنْ تَكُونِی سَیِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِینَ (2) فَضَحِكْتُ لِذَلِكِ.
وَ نِساءَكُمْ أی من شئتم من نسائكم وَ أَنْفُسَنا یعنی علیا علیه السلام خاصة و لا یجوز أن یكون المعنی به النبی صلی اللّٰه علیه و آله لأنه هو الداعی و لا یجوز أن یدعو الإنسان نفسه و إنما یصح أن یدعو غیره و إذا كان قوله وَ أَنْفُسَنا لا بد أن یكون إشارة إلی غیر الرسول وجب أن یكون إشارة إلی علی علیه السلام لأنه لا أحد یدعی دخول غیر أمیر المؤمنین و زوجته و ولدیه علیهم السلام فی المباهلة و هذا یدل علی غایة الفضل و علو الدرجة و البلوغ منه إلی حیث لا یبلغه أحد إذ جعله اللّٰه سبحانه نفس الرسول و هذا ما لا یدانیه فیه أحد و لا یقاربه و مما یعضده فی الروایات
مَا صَحَّ عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَعَلِیٌّ فَقَالَ إِنَّمَا سَأَلْتَنِی عَنِ النَّاسِ وَ لَمْ تَسْأَلْنِی عَنْ نَفْسِی..
وَ قَوْلُهُ صلی اللّٰه علیه و آله لِبُرَیْدَةَ (3) لَا تُبْغِضْ عَلِیّاً فَإِنَّهُ مِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ وَ إِنَّ النَّاسَ
ص: 279
خُلِقُوا مِنْ شَجَرٍ شَتَّی وَ خُلِقْتُ أَنَا وَ عَلِیٌّ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَ قَوْلُهُ صلی اللّٰه علیه و آله بِأُحُدٍ وَ قَدْ ظَهَرَ مِنْ نِكَایَتِهِ (1) فِی الْمُشْرِكِینَ وَ وِقَایَتِهِ إِیَّاهُ بِنَفْسِهِ حَتَّی قَالَ جَبْرَئِیلُ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ لَهِیَ الْمُوَاسَاةُ فَقَالَ یَا جَبْرَئِیلُ إِنَّهُ لَمِنِّی وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِیلُ وَ أَنَا مِنْكُمَا.
وَ أَنْفُسَكُمْ یعنی من شئتم من رجالكم ثُمَّ نَبْتَهِلْ أی نتضرع فی الدعاء عن ابن عباس و قیل نلتعن فنقول لعن اللّٰه الكاذب فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ منا و فی هذه الآیة دلالة علی أنهم علموا أن الحق مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله لأنهم امتنعوا من المباهلة و أقروا بالذل و الخزی و انقادوا لقبول الجزیة فلو لم یعلموا ذلك لباهلوه و كان یظهر ما زعموا من بطلان قوله فی الحال و لو لم یكن النبی صلی اللّٰه علیه و آله متیقنا بنزول العقوبة بعدوه دونه لو باهلوه لما أدخل أولاده و خواص أهله فی ذلك مع شدة إشفاقه علیهم انتهی كلامه رفع اللّٰه مقامه. (2) و لنذكر هنا بعض ما ذكره المخالفون فی تفسیر تلك الآیة لیكون أجلی للعمی و أبعد عن الارتیاب قال الزمخشری فی الكشاف فَمَنْ حَاجَّكَ من النصاری فِیهِ فی عیسی مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أی من البینات الموجبة للعلم تَعالَوْا هلموا و المراد المجی ء بالرأی و العزم كما تقول تعال نفكر فی هذه المسألة نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ أی یدع كل منی و منكم أبناءه و نساءه و نفسه إلی المباهلة ثُمَّ نَبْتَهِلْ ثم نتباهل بأن نقول بهله اللّٰه علی الكاذب منا و منكم و البهلة بالفتح و الضم اللعنة و بهله اللّٰه لعنه و أبعده من رحمته من قولك أبهله إذا أهمله و ناقة باهل لا صرار علیها (3) و أصل الابتهال هذا ثم استعمل فی كل دعاء یجتهد فیه و إن لم یكن التعانا.
وَ رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَی الْمُبَاهَلَةِ قَالُوا حَتَّی نَرْجِعَ وَ نَنْظُرَ فَلَمَّا تَخَالَوْا قَالُوا لِلْعَاقِبِ وَ كَانَ ذَا رَأْیِهِمْ یَا عَبْدَ الْمَسِیحِ مَا تَرَی فَقَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ یَا مَعْشَرَ
ص: 280
النَّصَارَی أَنَّ مُحَمَّداً نَبِیٌّ مُرْسَلٌ وَ لَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكُمْ وَ اللَّهِ مَا بَاهَلَ قَوْمٌ نَبِیّاً قَطُّ فَعَاشَ كَبِیرُهُمْ وَ لَا ثَبَتَ صَغِیرُهُمْ وَ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَتَهْلِكُنَّ فَإِنْ أَبَیْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِینِكُمْ وَ الْإِقَامَةَ عَلَی مَا أَنْتُمْ عَلَیْهِ فَوَادِعُوا الرَّجُلَ وَ انْصَرِفُوا إِلَی بِلَادِكُمْ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَدْ غَدَا مُحْتَضِناً الْحُسَیْنَ آخِذاً بِیَدِ الْحَسَنِ وَ فَاطِمَةُ تَمْشِی خَلْفَهُ وَ عَلِیٌّ خَلْفَهَا وَ هُوَ یَقُولُ إِذَا أَنَا دَعَوْتُ فَأَمِّنُوا فَقَالَ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ یَا مَعْشَرَ النَّصَارَی إِنِّی لَأَرَی وُجُوهاً لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ یُزِیلَ جَبَلًا مِنْ مَكَانِهِ لَأَزَالَهُ بِهَا فَلَا تُبَاهِلُوا فَتَهْلِكُوا وَ لَا یَبْقَ (1) عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ نَصْرَانِیٌّ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَقَالُوا یَا أَبَا الْقَاسِمِ رَأَیْنَا أَنْ لَا نُبَاهِلَكَ وَ أَنْ نُقِرَّكَ عَلَی دِینِكَ وَ نَثْبُتَ عَلَی دِینِنَا فَقَالَ فَإِنْ أَبَیْتُمُ (2) الْمُبَاهَلَةَ فَأَسْلِمُوا یَكُنْ لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِینَ وَ عَلَیْكُمْ مَا عَلَیْهِمْ فَأَبَوْا قَالَ فَإِنِّی أُنَاجِزُكُمْ فَقَالُوا مَا لَنَا بِحَرْبِ الْعَرَبِ طَاقَةٌ وَ لَكِنْ نُصَالِحُكَ عَلَی أَنْ لَا تَغْزُوَنَا وَ لَا تُخِیفَنَا وَ لَا تَرُدَّنَا عَنْ دِینِنَا عَلَی أَنْ نُؤَدِّیَ إِلَیْكَ كُلَّ عَامٍ أَلْفَیْ حُلَّةٍ أَلْفٌ فِی صَفَرٍ وَ أَلْفٌ فِی رَجَبٍ وَ ثَلَاثِینَ دِرْعاً عَادِیَةً مِنْ حَدِیدٍ فَصَالَحَهُمْ عَلَی ذَلِكَ وَ قَالَ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ إِنَّ الْهَلَاكَ قَدْ تَدَلَّی عَلَی أَهْلِ نَجْرَانَ وَ لَوْ لَاعَنُوا لَمُسِخُوا قِرَدَةً وَ خَنَازِیرَ وَ لَاضْطَرَمَ عَلَیْهِمُ الْوَادِی نَاراً وَ لَاسْتَأْصَلَ اللَّهُ نَجْرَانَ وَ أَهْلَهُ حَتَّی الطَّیْرَ عَلَی رُءُوسِ الشَّجَرِ وَ لَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَی النَّصَارَی كُلِّهِمْ حَتَّی یَهْلِكُوا.
وَ عَنْ عَائِشَةَ (3)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَرَجَ وَ عَلَیْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ (4) مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ فَجَاءَ الْحَسَنُ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ جَاءَ الْحُسَیْنُ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ فَاطِمَةُ ثُمَّ عَلِیٌّ ثُمَّ قَالَ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً.
فإن قلت ما كان دعاؤه إلی المباهلة إلا لیتبین الكاذب منه و من خصمه و
ص: 281
ذلك أمر یختص به و بمن یكاذبه فما معنی ضم الأبناء و النساء قلت ذلك آكد فی الدلالة علی ثقته بحاله و استیقانه بصدقه حیث استجرأ علی تعریض أعزته و أفلاذ كبده و أحب الناس إلیه لذلك و لم یقتصر علی تعریض نفسه له و علی ثقته بكذب خصمه حتی یهلك خصمه مع أحبته و أعزته هلاك الاستیصال إن تمت المباهلة و خص الأبناء و النساء لأنهم أعز الأهل و ألصقهم بالقلوب و ربما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتی یقتل و من ثم كانوا یسوقون مع أنفسهم الظعائن فی الحروب لتمنعهم من الهرب و یسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق و قدمهم فی الذكر علی الأنفس لینبه علی لطف مكانهم و قرب منزلتهم و لیؤذن بأنهم مقدمون علی الأنفس مفدون بها و فیه دلیل لا شی ء أقوی منه علی فضل أصحاب الكساء علیهم السلام و فیه برهان واضح علی صحة نبوة النبی صلی اللّٰه علیه و آله لأنه لم یرو أحد من موافق و لا مخالف أنهم أجابوا إلی ذلك انتهی. (1) و روی إمامهم الرازی فی تفسیره الروایتین فی المباهلة و الكساء مثل ما رواه الزمخشری إلی قوله وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً ثم قال و اعلم أن هذه الروایة كأنها متفق (2) علی صحتها بین أهل التفسیر و الحدیث ثم قال هذه الآیة دلت علی أن الحسن و الحسین علیهما السلام كانا ابنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثم قال كان فی الری رجل یقال له محمود بن الحسن الخصیمی (3) و كان متكلم الاثنی عشریة و كان یزعم أن علیا علیه السلام أفضل من جمیع الأنبیاء سوی محمد صلی اللّٰه علیه و آله قال و الذی یدل علیه قوله تعالی وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ و لیس المراد بقوله وَ أَنْفُسَنا نفس محمد صلی اللّٰه علیه و آله لأن الإنسان لا یدعو نفسه بل المراد به غیره و أجمعوا علی أن ذلك الغیر كان علی بن أبی طالب علیهما السلام فدلت الآیة علی أن نفس علی هی نفس محمد و لا یمكن أن یكون المراد أن هذه النفس هی عین تلك النفس فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس و ذلك
ص: 282
یقتضی الاستواء فی جمیع الوجوه ترك العمل بهذا العموم فی حق النبوة و فی حق الفضل لقیام الدلائل علی أن محمدا صلی اللّٰه علیه و آله كان نبیا و ما كان علی كذلك و لانعقاد الإجماع علی أن محمدا صلی اللّٰه علیه و آله كان أفضل من علی فیبقی فیما سواه معمولا به ثم الإجماع دل علی أن محمدا صلی اللّٰه علیه و آله كان أفضل من سائر الأنبیاء (1) فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الآیة ثم قال و تأكد الاستدلال بهذه الآیة بالحدیث المقبول عند الموافق و المخالف و هو
قَوْلُهُ علیه السلام مَنْ أَرَادَ أَنْ یَرَی آدَمَ فِی عِلْمِهِ وَ نُوحاً فِی طَاعَتِهِ وَ إِبْرَاهِیمَ فِی خَلَّتِهِ وَ مُوسَی فِی قُرْبَتِهِ وَ عِیسَی فِی صَفْوَتِهِ فَلْیَنْظُرْ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام.
فالحدیث دل علی أنه اجتمع فیه ما كان متفرقا فیهم و ذلك یدل علی أن علیا أفضل من جمیع الأنبیاء سوی محمد صلی اللّٰه علیه و آله و أما سائر الشیعة فقد كانوا قدیما و حدیثا یستدلون بهذه الآیة علی أن علیا صلی اللّٰه علیه و آله أفضل من سائر الصحابة و ذلك لأن الآیة لما دلت علی أن نفس علی مثل نفس محمد صلی اللّٰه علیه و آله إلا فیما خصه الدلیل و كان نفس محمد صلی اللّٰه علیه و آله أفضل من الصحابة فوجب أن یكون نفس علی أفضل من سائر صحابته و الجواب كما أنه انعقد الإجماع بین المسلمین علی أن محمدا صلی اللّٰه علیه و آله أفضل من علی علیه السلام فكذلك انعقد الإجماع بینهم قبل ظهور هذا الإنسان (2) علی أن النبی أفضل ممن لیس بنبی و أجمعوا علی أن علیا ما كان نبیا فلزم القطع بأن ظاهر الآیة مخصوص (3) فی حق محمد صلی اللّٰه علیه و آله فكذلك مخصوص فی حق سائر الأنبیاء علیهم السلام انتهی. (4)
ص: 283
أقول: انعقاد الإجماع علی كون النبی أفضل ممن لیس بنبی مطلقا ممنوع كیف و أكثر علماء الإمامیة بل كلهم قائلون بأن أئمتنا علیهم السلام أفضل من سائر الأنبیاء سوی نبینا صلی اللّٰه علیه و آله و لو سلم فلا نسلم حجیة مثل هذا الإجماع الذی لم یتحقق دخول المعصوم فیه كیف و أخبار أئمتنا علیهم السلام مستفیضة (1) بخلافه و لنعم ما فعل حیث أعرض عن الجواب فی حق الصحابة إذ لم یجد عنه محیصا.
ثم قال هذه الآیة دلت علی صحة نبوة النبی صلی اللّٰه علیه و آله من وجهین أحدهما أنه صلی اللّٰه علیه و آله خوفهم بنزول العذاب و لو لم یكن واثقا بذلك لكان ذلك منه سعیا فی إظهار كذب نفسه لأن بتقدیر أن رغبوا فی مباهلته ثم لا ینزل العذاب فحینئذ كان یظهر كذبه فلما أصر (2) علی ذلك علمنا أنه إنما أصر علیه لكونه واثقا بنزول العذاب علیهم.
و الثانی أن القوم لما تركوا مباهلته فلو لا أنهم عرفوا من التوراة و الإنجیل ما یدل علی نبوته لما أحجموا عن مباهلته.
فإن قیل لعلهم كانوا شاكین فتركوا مباهلته خوفا من أن یكون صادقا فینزل بهم ما ذكر من العذاب قلنا هذا مدفوع من وجهین الأول أن القوم كانوا یبذلون النفوس و الأموال فی المنازعة مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلو كانوا شاكین لما فعلوا ذلك.
الثانی فقد نقل عن تلك النصاری أنهم قالوا و اللّٰه هو النبی المبشر به فی التوراة و الإنجیل و إنه (3) لو باهلتموه لحصل الاستیصال و كان ذلك تصریحا منهم بأن الامتناع عن المباهلة كان لأجل علمهم بأنه نبی مرسل من عند اللّٰه تعالی انتهی كلامه. (4)
ص: 284
و أما النیشابوری فقد ذكر فی تفسیره الروایتین مثل ما مر ثم قال بعد قوله وَ یُطَهِّرَكُمْ تَطْهِیراً و هذه الروایة كالمتفق علی صحتها ثم ساق الكلام نحوا مما ساقه الرازی فی الاستدلال و الجواب ثم قال و أما فضل أصحاب الكساء فلا شك فی دلالة الآیة علی ذلك و لهذا ضمهم إلی نفسه بل قدمهم فی الذكر و فیها أیضا دلالة علی صحة نبوته صلی اللّٰه علیه و آله فإنه لو لم یكن واثقا بصدقه لم یتجرأ علی تعریض أعزته و خویصته و أفلاذ كبده فی معرض الابتهال و مظنة الاستیصال.
و قال البیضاوی بعد تفسیر الآیة و إیراد خبر المباهلة و هو دلیل علی نبوته و فضل من أتی بهم من أهل بیته. (1)
أقول: سیأتی تمام القول فی الاستدلال بالآیة و الأخبار علی إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام و سائر الأخبار المرویة فی هذا الباب فی أبواب الآیات النازلة فی شأنه علیه السلام.
وَ قَالَ السَّیُوطِیُّ فِی الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَخْرَجَ الْبَیْهَقِیُّ فِی الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِیقِ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ یَشُوعَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَتَبَ إِلَی أَهْلِ نَجْرَانَ قَبْلَ أَنْ یَنْزِلَ عَلَیْهِ طس سُلَیْمَانَ بِسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِیمَ وَ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی أُسْقُفِّ نَجْرَانَ وَ أَهْلِ نَجْرَانَ إِنْ أَسْلَمْتُمْ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْكُمُ اللَّهَ إِلَهَ إِبْرَاهِیمَ وَ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أَدْعُوكُمْ إِلَی عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ وَ أَدْعُوكُمْ إِلَی وَلَایَةِ اللَّهِ مِنْ وَلَایَةِ الْعِبَادِ فَإِنْ أَبَیْتُمْ فَالْجِزْیَةُ فَإِنْ أَبَیْتُمْ فَقَدْ آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ وَ السَّلَامُ فلما قرأ الأسقف الكتاب قطع به و ذعر ذعرا شدیدا فبعث إلی رجل من أهل نجران یقال له شرحبیل بن وداعة فدفع إلیه كتاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقرأه فقال له الأسقف ما رأیك فقال شرحبیل قد علمت ما وعد اللّٰه إبراهیم فی ذریة إسماعیل من النبوة فما یؤمن أن یكون هذا الرجل لیس لی فی النبوة رأی لو كان أمر من أمور الدنیا أشرت علیك فیه و جهدت لك فبعث الأسقف إلی واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبیل فاجتمع رأیهم علی أن
ص: 285
یبعثوا شرحبیل و عبد اللّٰه بن شرحبیل و جبار بن فیض فیأتونهم بخبر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فانطلق الوفد حتی أتوا رسول اللّٰه فساءلهم و ساءلوه فلم یزل به و بهم المسألة حتی قالوا له ما تقول فی عیسی ابن مریم فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ما عندی فیه شی ء یومی هذا فأقیموا حتی أخبركم بما یقال لی فی عیسی صبح الغد فأنزل اللّٰه هذه الآیة إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ إلی قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ (1) فأبوا أن یقروا بذلك فلما أصبح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا علی الحسن و الحسین فی خمیلة (2) له و فاطمة تمشی عند ظهره و خلفها علی للملاعنة و له یومئذ عدة نسوة فقال شرحبیل لصاحبیه إنی أری امرأ مقبلا إن كان الرجل نبیا مرسلا فلعناه لا یبقی علی وجه الأرض منا شعر و لا ظفر إلا هلك فقالا له ما رأیك فقال رأیی أن أحكمه فإنی أری رجلا لا یحكم شططا أبدا فقالا له أنت و ذاك فتلقی شرحبیل رسول اللّٰه فقال إنی قد رأیت خیرا من ملاعنتك قال و ما هو قال حكمك الیوم إلی اللیل و لیلتك إلی الصباح فمهما حكمت فینا جائز فرجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و لم یلاعنهم و صالحهم علی الجزیة. (3).
و قال السید ابن طاوس رحمه اللّٰه فی كتاب إقبال الأعمال روینا بالأسانید الصحیحة و الروایات الصریحة إلی أبی المفضل محمد بن عبد المطلب الشیبانی رحمه اللّٰه من كتاب المباهلة و من أصل كتاب الحسن بن إسماعیل بن أَشناس من كتاب عمل ذی الحجة فیما رویناه بالطرق الواضحة عن ذوی الهمم الصالحة لا حاجة إلی ذكر أسمائهم لأن المقصود ذكر كلامهم قالوا لما فتح النبی صلی اللّٰه علیه و آله مكة و انقادت له العرب و أرسل رسله و دعاته إلی الأمم و كاتب الملكین كسری و قیصر یدعوهما إلی الإسلام و إلا أقرا بالجزیة و الصغار و إلا أذنا بالحرب العوان (4) أكبر شأنه نصاری نجران و خلطاؤهم من بنی عبد المدان و جمیع بنی الحارث بن كعب و من
ص: 286
ضوی إلیهم و نزل بهم من دهماء الناس علی اختلافهم هناك فی دین النصرانیة من الأروسیة (1) و السالوسیة (2) و أصحاب دین الملك (3) و المارونیة و العباد و النسطوریة و أملأت (4) قلوبهم علی تفاوت منازلهم رهبة منه و رعبا فإنهم كذلك (5) من شأنهم إذ وردت علیهم رسل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بكتابه و هم عتبة بن غزوان و عبد اللّٰه بن (6) أمیة و الهدیر بن عبد اللّٰه أخو تیم بن مرة و صهیب بن سنان أخو النمر بن قاسط یدعوهم إلی الإسلام فإن أجابوا فإخوان و إن أبوا و استكبروا فإلی حظة المخزیة إلی أداء الجزیة عن ید فإن رغبوا عما دعاهم إلیه من أحد (7) المنزلین و عندوا فقد آذنهم علی سواء و كان فی كتابه صلی اللّٰه علیه و آله قُلْ یا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلی كَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَیْئاً وَ لا یَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (8) قالوا و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لا یقاتل قوما حتی یدعوهم فازداد القوم لورود رسل نبی اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كتابه نفورا و امتزاجا (9) ففزعوا لذلك إلی بِیعَتِهِمُ (10) العظمی و أمروا ففرش أرضها و ألبس جدرها بالحریر و الدیباج و رفعوا الصلیب الأعظم (11) و كان من ذهب مرصع أنفذه إلیهم قیصر الأكبر و حضر ذلك بنو الحارث (12) بن كعب و كانوا لیوث الحرب و فرسان الناس قد عرفت العرب ذلك لهم فی قدیم أیامهم فی الجاهلیة (13) فاجتمع
ص: 287
القوم جمیعا للمشورة و النظر فی أمورهم و أسرعت إلیهم القبائل من مذحج و عك و حمیر و أنمار و من دنا منهم نسبا و دارا من قبائل سبإ و كلهم قد ورم أنفه أنفة و غضبا لقومهم و نكص من تكلم منهم بالإسلام ارتدادا فخاضوا (1) و أفاضوا فی ذكر المسیر بنفسهم و جمعهم إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و النزول به بیثرب لمناجزته فلما رأی أبو حارثة (2) حصین بن علقمة أسقفهم الأول و صاحب مدارسهم و علامهم و كان رجلا من بنی بكر بن وائل ما أزمع القوم علیه من إطلاق الحرب دعا بعصابة فرفع بها حاجبیه عن عینیه و قد بلغ یومئذ عشرین و مائة سنة ثم قام فیهم خطیبا معتمدا علی عصا و كانت فیه بقیة و له رأی و رویة و كان موحدا یؤمن بالمسیح و بالنبی علیه السلام و یكتم ذلك (3) من كفرة قومه و أصحابه فقال مهلا بنی عبد المدان مهلا استدیموا العافیة و السعادة فإنهما مطویان فی الهوادة دبوا إلی (4) قوم فی هذا الأمر دبیب الذر و إیاكم و السورة العجلی فإن البدیهة بها لا تنجب إنكم و اللّٰه علی فعل ما لم تفعلوا أقدر منكم علی رد ما فعلتم ألا إن النجاة مقرونة بالأناة ألا رب إحجام أفضل من إقدام و كأین من قول أبلغ من صول ثم أمسك فأقبل علیه كرز بن سبرة (5) الحارثی و كان یومئذ زعیم بنی الحارث بن كعب و فی بیت شرفهم و المعصب (6) فیهم و أمیر حروبهم فقال لقد انتفخ سحرك و استطیر قلبك أبا حارثة فظلت كالمسبوع الیراعة المهلوع (7) تضرب لنا الأمثال و تخوفنا النزال لقد علمت و حق المنان بفضیلة الحفاظ بالنوء بالعب ء و هو عظیم و نلقح (8) الحرب و هی عقیم نثقف أود الملك الجبار و لنحن أركان الرائس (9) و ذی المنار اللذین شددنا ملكهما (10)
ص: 288
فأی أیامنا (1) تنكر أم لأیها ویك تلمز (2) فما أتی علی آخر كلامه حتی انتظم نصل نبلة كانت فی یده بكفه غیظا و غضبا و هو لا یشعر فلما أمسك كرز بن سبرة أقبل علیه العاقب و اسمه عبد المسیح بن شرجیل (3) و هو یومئذ عمید القوم و أمیر رأیهم و صاحب مشورتهم الذی لا یصدرون جمیعا إلا عن قوله فقال له أفلح وجهك و أنس ربعك و عز جارك و امتنع ذمارك ذكرت و حق مغبرة (4) الجباه حسبا صمیما و عیصا (5) كریما و عزا قدیما و لكن أبا سبرة لكل مقام مقال و لكل عصر رجال و المرء بیومه أشبه منه بأمسه و هی الأیام تهلك جیلا و تدیل قبیلا (6) و العافیة أفضل جلباب و للآفات أسباب فمن أوكد أسبابها التعرض لأبوابها ثم صمت العاقب مطرقا فأقبل علیه السید و اسمه أهتم بن النعمان و هو یومئذ أسقف نجران و كان نظیر العاقب فی علو المنزلة و هو رجل من عامله و عداده فی لخم فقال له سعد جدك و سما جدك أبا وائلة (7) إن لكل لامعة ضیاء و علی كل صواب نورا و لكن لا یدركه و حق واهب العقل إلا من كان بصیرا أنك أفضیت و هذان فیما تصرف بكما (8) الكلمة إلی سبیلی حزن و سهل و لكل علی تفاوتكم حظ من الرأی الربیق (9) و الأمر الوثیق إذا أصیب به مواضعه ثم إن أخا قریش قد نجدكم (10) لخطب عظیم و أمر جسیم فما عندكم فیه قولوا و أنجزوا أ بخوع و إقرار أم نزوع قال عتبة و الهدیر و النفر من أهل نجران فعاد كرز بن سبرة لكلامه و كان كمیا أبیا فقال أ نحن نفارق دینا رسخت علیه عروقنا و مضی علیه آباؤنا و عرف ملوك الناس ثم العرب ذلك (11) أ نتهالك إلی ذلك أم نقر بالجزیة و هی الخزیة حقا لا و اللّٰه حتی نجرد البواتر من أغمادها و
ص: 289
تذهل الحلائل عن أولادها أو نشرق نحن و محمد (1) بدمائنا ثم یدیل اللّٰه عز و جل بنصره من یشاء قال له السید اربع علی نفسك و علینا أبا سبرة فإن سل السیف یسل السیوف و إن محمدا قد بخعت له العرب و أعطته طاعتها و ملك رجالها و أعنتها و جرت أحكامه فی أهل الوبر منهم و المدر و رمقه الملكان العظیمان كسری و قیصر فلا أراكم و الروح لو نهد لكم إلا و قد تصدع عنكم من حف معكم من هذه القبائل فصرتم جفاء كأمس الذاهب أو كلحم علی وضم و كان فیهم رجل یقال له جهیر بن سراقة البارقی من زنادقة نصاری العرب و كان له منزلة من ملوك النصرانیة و كان مثواه بنجران فقال له أبا سعاد (2) قل فی أمرنا و أنجدنا (3) برأیك فهذا مجلس له ما بعده فقال فإنی أری لكم أن تقاربوا محمدا و تطیعوه فی بعض ملتمسه عندكم و لینطلق وفودكم إلی ملوك أهل ملتكم إلی الملك الأكبر بالروم قیصر و إلی ملوك هذه الجلدة السوداء الخمسة یعنی ملوك السودان ملك النوبة و ملك الحبشة و ملك علوة (4) و ملك الرعاوة (5) و ملك الراحات (6) و مریس و القبط و كل هؤلاء كانوا نصاری قال و كذلك من ضوی إلی الشام و حل بها من ملوك غسان و لخم و جذام و قضاعة و غیرهم من ذوی یمنكم فهم لكم عشیرة و موالی و أعوان و فی الدین إخوان یعنی أنهم نصاری و كذلك نصاری الحیرة من العباد و غیرهم فقد صبت (7) إلی دینهم قبائل تغلب بنت (8) وائل و غیرهم من ربیعة بن نزار لتسر وفودكم ثم لتخرق إلیهم البلاد أغذاذا فیستصرخونهم لدینكم فستنجدكم الروم و تسیر إلیكم الأساودة مسیر أصحاب الفیل و تقبل
ص: 290
إلیكم نصاری العرب من ربیعة الیمن فإذا وصلت الأمداد واردة سرتم أنتم فی قبائلكم و سائر من ظافركم (1) و بذل نصره و موازرته لكم حتی تضاهئون من أنجذكم و أصرخكم من الأجناس و القبائل الواردة علیكم فأموا محمدا حتی تنیخوا (2) به جمیعا فسیعتق (3) إلیكم وافدا لكم من صبا إلیه مغلوبا مقهورا و ینعق (4) به من كان منهم فی مدرته مكثورا فیوشك أن تصطلموا حوزته و تطفئوا جمرته و یكون لكم بذلك الوجه و المكان فی الناس فلا تتمالك العرب حینئذ حتی تتهافت دخولا فی دینكم ثم لتعظمن بیعتكم هذه و لتشرفن حتی تصیر كالكعبة المحجوجة بتهامة هذا الرأی فانتهزوه فلا (5) رأی لكم بعده فأعجب القوم كلام جهیر بن سراقة و وقع منهم كل موقع فكاد أن یتفرقوا علی العمل به و كان فیهم رجل من ربیعة بن نزار من بنی قیس بن ثعلبة یدعی حارثة بن أثال (6) علی دین المسیح علیه السلام فقام حارثة علی قدمیه و أقبل علی جهیر و قال متمثلا:
متی ما تقد بالباطل الحق یأبه (7)*** و إن قدت بالحق الرواسی تنقد
إذا ما أتیت الأمر من غیر بابه ***ضللت و إن تقصد إلی الباب تهتدی
ثم استقبل (8) السید و العاقب و القسیسین و الرهبان و كافة نصاری نجران بوجهه لم یخلط معهم غیرهم فقال سمعا سمعا یا أبناء الحكمة و بقایا حملة الحجة إن السعید و اللّٰه من نفعته الموعظة و لم یعش عن التذكرة ألا و إنی أنذركم و أذكركم قول مسیح اللّٰه عز و جل ثم شرح وصیته و نصه علی وصیه شمعون بن یوحنا و ما یحدث علی أمته من الافتراق ثم ذكر عیسی علیه السلام و قال إن اللّٰه جل جلاله أوحی إلیه فخذ یا ابن أمتی كتابی بقوة ثم فسره لأهل سوریا بلسانهم و أخبرهم أنی أنا اللّٰه لا إله إلا أنا الحی القیوم البدیع الدائم الذی لا أحول
ص: 291
و لا أزول إنی بعثت رسلی و نزلت (1) كتبی رحمة و نورا و عصمة لخلقی ثم إنی باعث بذلك نجیب رسالتی أحمد صفوتی و خیرتی من بریتی البارقلیطا عبدی أرسله فی خلو (2) من الزمان أبتعثه (3) بمولده فاران من مقام إبراهیم علیه السلام (4) أنزل علیه توراة (5) حدیثة أفتح بها أعینا عمیاء و آذانا صماء و قلوبا (6) غلفا طوبی لمن شهد أیامه و سمع كلامه فآمن به و اتبع النور الذی جاء به فإذا ذكرت یا عیسی ذلك النبی فصل علیه فإنی و ملائكتی نصلی علیه قالوا فما أتی حارثة بن أثال (7) علی قوله هذا حتی أظلم بالسید و العاقب مكانهما و كرها ما قام به فی الناس معربا و مخبرا عن المسیح علیه السلام بما أخبر و قدم (8) من ذكر النبی محمد صلی اللّٰه علیه و آله لأنهما كانا قد أصابا بموضعهما من دینهما شرفا بنجران و وجها عند ملوك النصرانیة جمیعا و كذلك عند سوقتهم و عربهم فی البلاد فأشفقا أن یكون ذلك سببا لانصراف قومهما عن طاعتهما لدینهما و فسخا لمنزلتهما فی الناس.
فأقبل العاقب علی حارثة فقال أمسك علیك یا حار فإن راد هذا الكلام علیك أكثر من قابله و رب قول یكون بلیة علی قائله و للقلوب نفرات عند الإصداع بمضنون الحكمة فاتق نفورها فلكل نبإ أهل و لكل خطب محل و إنما الذرك ما أخذ لك بمواضی (9) النجاة و ألبسك جنة السلامة فلا تعدلن بهما حظا فإنی لم آلك لا أبا لك نصحا (10) ثم أرم یعنی أمسك فأوجب السید أن یشرك العاقب فی كلامه فأقبل علی حارثة فقال إنی لم أزل أتعرف لك فضلا تمیل إلیه (11)
ص: 292
الألباب فإیاك أن تقتعد مطیة اللجاج و أن توجف (1) إلی آل السراب فمن عذر بذلك فلست فیه أیها المرء بمعذور و قد أغفلك أبو واثلة و هو ولی أمرنا و سید حضرنا (2) عتابا فأوله إعتابا ثم تعلم أن ناجم قریش یعنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یكون رزه (3) قلیلا ثم ینقطع و یكون بعد ذلك قرن (4) یبعث فی آخره النبی المبعوث بالحكمة و البیان و السیف و السلطان یملك ملكا مؤجلا تطبق فیه أمته المشارق و المغارب و من ذریته الأمیر الظاهر یظهر علی جمیع الملكات و الأدیان و یبلغ ملكه ما طلع علیه اللیل و النهار و ذلك یا حار أمل من ورائه أمد و من دونه (5) أجل فتمسك من دینك بما تعلم و تمنع لله أبوك من أنس متصرم بالزمان أو لعارض من الحدثان فإنما نحن لیومنا و لغد أهله.
فأجابه حارثة بن أثال فقال إیه (6) علیك أبا قرة فإنه لا حظ فی یومه لمن لا درك له فی غده و اتق اللّٰه تجد اللّٰه جل و تعالی بحیث لا مفزع إلا إلیه و عرضت مشیدا بذكر أبی واثلة فهو العزیز المطاع الرحب الباع و إلیكما معا ملقی الرجال فلو أضربت التذكرة عن أحد لتبریز فضل لكنتماه لكنها أبكار الكلم تهدی لأربابها و نصیحة كنتما أحق من أصفی (7) بها إنكما ملیكا ثمرات قلوبنا و ولیا طاعتنا فی دیننا فالكیس الكیس یا أیها المعظمان علیكما به أرمقا ما بدهكما نواحیه (8) و اهجرا سنة التسویف فیما أنتما بعرضه آثرا اللّٰه فیما آتاكما یؤثركما (9) بالمزید من فضله و لا تخلدا فیما أظلكما إلی الونیة فإنه من أطال عنان الأمن أهلكته العزة (10) و من اقتعد مطیة الحذر كان بسبیل أمن من المتالف
ص: 293
و من استنصح عقله كانت العبرة له لا به و من نصح لله عز و جل آنسه اللّٰه جل و تعالی بعز الحیاة و سعادة المنقلب.
ثم أقبل علی العاقب معاتبا فقال و زعمت أبا واثلة أن راد ما قلت أكثر من قابله و أنت لعمرو اللّٰه حری أن لا یؤثر هذا عنك فقد علمت و علمنا أمة الإنجیل معا بسیرة (1) ما قام به المسیح علیه السلام فی حواریه (2) و من آمن له من قومه و هذه منك فهة لا یرحضها إلا التوبة و الإقرار بما سبق به الإنكار فلما أتی علی هذا الكلام صرف إلی السید وجهه فقال لا سیف إلا ذو نبوة و لا علیم إلا ذو هفوة فمن نزع عن وهله (3) و أقلع فهو السعید الرشید و إنما الآفة فی الإصرار و عرضت (4) بذكر نبیین یخلقان زعمت بعد ابن البتول فأین یذهب بك عما خلد (5) فی الصحف من ذكری ذلك أ لم تعلم ما انتبأ (6) به المسیح علیه السلام فی بنی إسرائیل و قوله لهم كیف بكم إذا ذهب بی إلی أبی و أبیكم و خلف بعد أعصار تخلو من بعدی و بعدكم صادق و كاذب قالوا و من هما یا مسیح اللّٰه قال نبی من ذریة إسماعیل علیه السلام صادق و متنبئ من بنی إسرائیل كاذب فالصادق منبعث منهما برحمة و ملحمة یكون له الملك و السلطان ما دامت الدنیا و أما الكاذب فله نبز (7) یذكر به المسیح الدجال یملك فواقا ثم یقتله اللّٰه بیدی إذا رجع بی.
قال حارثة و أحذركم یا قوم أن یكون من قبلكم من الیهود أسوة لكم إنهم أنذروا بمسیحین مسیح رحمة و هدی و مسیح ضلالة و جعل لهم علی كل واحد منهما آیة و أمارة فجحدوا مسیح الهدی و كذبوا به و آمنوا بمسیح الضلالة الدجال و أقبلوا علی انتظاره و أضربوا فی الفتنة و ركبوا نتجها (8) و من
ص: 294
قبل ما نبذوا كتاب اللّٰه وراء ظهورهم و قتلوا أنبیاءه و القوامین بالقسط من عباده فحجب (1) اللّٰه عز و جل عنهم البصیرة بعد التبصرة بما كسبت أیدیهم و نزع ملكتهم (2) منهم ببغیهم و ألزمهم الذلة و الصغار و جعل منقلبهم إلی النار. قال العاقب فما أشعرك یا حار أن یكون هذا النبی المذكور فی الكتب هو قاطن یثرب و لعله ابن عمك صاحب الیمامة فإنه یذكر من النبوة ما یذكر منها أخو قریش و كلاهما من ذریة إسماعیل و لجمیعهما أتباع و أصحاب یشهدون بنبوته و یقرون له برسالته فهل تجد بینهما فی ذلك من فاصلة (3) فتذكرها.
قال حارثة أجل و اللّٰه أجدها و اللّٰه أكبر و أبعد مما بین السحاب و التراب و هی الأسباب التی بها و بمثلها تثبت حجة اللّٰه فی قلوب المعتبرین من عباده لرسله و أنبیائه و أما صاحب الیمامة فلیكفك (4) فیه ما أخبركم به سفهاؤكم (5) و عیركم و المنتجعة منكم أرضه و من قدم من أهل الیمامة علیكم أ لم تخبركم (6) جمیعا عن رواد مسیلمة و سماعیه و من أوفده (7) صاحبهم إلی أحمد بیثرب فعادوا إلیه جمیعا بما تعرفوا (8) هناك فی بنی قیلة (9) و تبینوا به قالوا قدم علینا أحمد یثرب و بئارنا ثماد و میاهنا ملحة و كنا من قبله لا نستطیب و لا نستعذب فبصق فی بعضها و مج فی بعض فعادت عذابا محلولیة و جاش منهما ما كان ماؤها ثمادا فحار بحرا قالوا و تفل محمد فی عیون رجال ذوی رمد و علی كلوم رجال ذوی جراح فبرأت لوقته عیونهم فما اشتكوها و اندملت جراحهم فما ألموها فی كثیر مما أدوا و نبئوا عن محمد صلی اللّٰه علیه و آله من دلالة و آیة و أرادوا صاحبهم مسیلمة علی بعض ذلك فأنعم لهم كارها و أقبل بهم إلی بعض بئارهم فمج فیها و كانت الركی معذوذبة (10) فحارت
ص: 295
ملحا لا یستطاع و بصق فی بئر كان ماؤها وشلا فعادت (1) فلم تبض (2) بقطرة من ماء و تفل فی عین رجل كان بها رمد فعمیت و علی جراح أو قالوا جراح آخر فاكتسی جلده برصا فقالوا لمسیلمة فیما أبصروا فی ذلك منه و استبرءوه (3) فقال ویحكم بئس الأمة أنتم لنبیكم و العشیرة لابن عمكم إنكم تحیفتمونی (4) یا هؤلاء من قبل أن یوحی إلی فی شی ء مما سألتم و الآن فقد أذن لی فی أجسادكم و أشعار دون بئاركم و میاهكم هذا لمن كان منكم بی مؤمنا و أما من كان مرتابا فإنه لا یزیده تفلتی (5) علیه إلا بلاء فمن شاء الآن منكم فلیأت لأتفل فی عینه و علی جلده قالوا ما فینا و أبیك أحد یشاء ذلك إنا نخاف أن یشمت بك أهل یثرب و أضربوا (6) عنه حمیة لنسبه فیهم و تذمما لمكانه منهم.
فضحك السید و العاقب حتی فحصا الأرض بأرجلهما و قالا ما النور و الظلام و الحق و الباطل بأشد تباینا (7) و تفاوتا مما بین هذین الرجلین صدقا و كذبا.
قالوا و كان العاقب أحب مع ما تبین من ذلك أن یشید ما فرط من تقریظه مسیلمة و یؤثل منزلته لیجعله لرسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كفؤا (8) استظهارا بذلك فی بقاء عزه و ما طار له من السمو فی أهل ملته فقال و لئن فجر أخو بنی حنیفة فی زعمه أن اللّٰه عز و جل أرسله و قال من ذلك ما لیس له بحق فلقد بر فی أن نقل قومه من عبادة الأوثان إلی الإیمان بالرحمن.
قال حارثة أنشدك باللّٰه الذی دحاها و أشرق باسمه قمراها هل تجد فیما أنزل اللّٰه عز و جل فی الكتب السالفة یقول اللّٰه عز و جل أنا اللّٰه لا إله إلا أنا دیان
ص: 296
یوم الدین أنزلت كتبی و أرسلت رسلی لأستنقذ بهم عبادی من حبائل الشیطان و جعلتهم فی بریتی و أرضی كالنجوم الدراری فی سمائی یهدون بوحیی و أمری من أطاعهم أطاعنی و من عصاهم فقد عصانی و إنی لعنت و ملائكتی فی سمائی و أرضی و اللاعنون من خلقی من جحد ربوبیتی أو عدل بی شیئا من بریتی أو كذب بأحد من أنبیائی و رسلی أو قال أوحی إلی و لم أوح إلیه (1) شیئا أو غمص سلطانی أو تقمصه متبرئا أو أكمه (2) عبادی و أضلهم عنی ألا و إنما یعبدنی من عرف ما أرید من عبادتی (3) و طاعتی من خلقی فمن لم یقصد إلی من السبیل (4) التی نهجتها برسلی لم یزدد فی عبادته منی إلا بعدا.
قال العاقب رویدك فأشهد لقد نبأت حقا.
قال حارثة فما دون الحق من مقنع و لا بعده (5) لامرئ مفزع و لذلك قلت الذی قلت.
فاعترضه السید و كان ذا محال و جدال شدید فقال ما أحری (6) و ما أری أخا قریش مرسلا إلا إلی قومه بنی إسماعیل دینه كذا و هو مع ذلك یزعم أن اللّٰه عز و جل أرسله إلی الناس جمیعا.
قال حارثة أ فتعلم أنت یا با قرة أن محمدا مرسل من ربه إلی قومه خاصة قال أجل قال أ تشهد له بذلك قال ویحك و هل یستطاع دفع الشواهد نعم أشهد غیر مرتاب بذلك و بذلك شهدت له الصحف الدارسة و الأنباء الخالیة فأطرق حارثة ضاحكا ینكت الأرض بسبابته.
قال السید ما یضحكك یا ابن أثال (7) قال عجبت فضحكت قال
ص: 297
أ و عجب ما تسمع قال نعم العجب أجمع أ لیس بالإله بعجیب من رجل أوتی أثرة من علم و حكمة یزعم أن اللّٰه عز و جل اصطفی لنبوته و اختص برسالته و أید بروحه و حكمته رجلا خراصا یكذب علیه و یقول أوحی إلی و لم یوح إلیه فیخلط كالكاهن كذبا بصدق و باطلا بحق فارتدع السید و علم أنه قد وهل (1) فأمسك محجوجا.
قالوا و كان حارثة بنجران جنیبا یعنی غریبا فأقبل العاقب علیه و قد قطعه ما فرط إلی السید من قوله فقال له علیك أخا بنی قیس بن ثعلبة و احبس علیك ذلق لسانك و ما لم تزل تستحم (2) لنا من مثابة سفهك فرب كلمة یرفع صاحبها بها رأسا (3) قد ألقته فی قعر مظلمة و رب كلمة لامت و رابت قلوبا نغلة فدع عنك ما یسبق إلی القلوب إنكاره و إن كان عندك ما یتان (4) اعتذاره ثم اعلم أن لكل شی ء صورة و صورة الإنسان العقل و صورة العقل الأدب و الأدب أدبان طباعی و مرتاضی فأفضلهما أدب اللّٰه جل جلاله و من أدب اللّٰه سبحانه و حكمته أن یری لسلطانه حق لیس لشی ء من خلقه لأنه الحبل بین اللّٰه و بین عباده و السلطان اثنان سلطان ملكة (5) و قهر و سلطان حكمة و شرع فأعلاهما فوقا سلطان الحكمة و قد تری یا هذا أن اللّٰه عز و جل قد صنع لنا حتی جعلنا حكاما و قواما علی ملوك ملتنا و من بعدهم من حشوتهم و أطرافهم فاعرف لذی الحق حقه أیها المرء و خلاك ذم ثم قال و ذكرت أخا قریش و ما جاء به من الآیات و النذر فأطلت و أعرضت و لقد بررت (6) فنحن بمحمد عالمون و به جدا موقنون شهدت لقد انتظمت له الآیات و البینات سالفها و آنفها إلا آیة هی أشفاها (7) و
ص: 298
أشرفها و إنما مثلها فیما جاء به كمثل الرأس للجسد فما حال جسد لا رأس له فأمهل رویدا نتجسس الأخبار و نعتبر الآثار و نستشف ما ألفینا مما أفضی إلینا فإن آنسنا الآیة الجامعة الخاتمة لدیه فنحن إلیه أسرع و له أطوع و إلا فاعلم ما تذكر به النبوة و السفارة عن الرب الذی لا تفاوت فی أمره و لا تغایر فی حكمه.
قال له حارثة قد نادیت فأسمعت و قرعت فصدعت و سمعت و أطعت فما هذه الآیة التی أوحش بعد الآنسة (1) فقدها و أعقب الشك بعد البینة عدمها.
قال له العاقب قد أثلجك (2) أبو قرة بها فذهبت عنها فی غیر مذهب و حاورتنا فأطلت فی غیر ما طائل حوارنا. (3) قال حارثة و أنی ذلك فجلها الآن لی فداك أبی و أمی.
قال العاقب أفلح من سلم للحق و صدع به و لم یرغب عنه و قد أحاط به علما فقد علمنا و علمت من أنباء الكتب المستودعة علم القرون و ما كان و ما یكون فإنها استهلت (4) بلسان كل أمة منهم معربة مبشرة و منذرة بأحمد النبی العاقب الذی تطبق أمته المشارق و المغارب یملك و شیعته من بعده ملكا مؤجلا یستأثر مقتبلهم (5) ملكا علی الأحم منهم بذلك النبی تباعة و بیتا و یوسع من بعدهم أمتهم عدوانا و هضما فیملكون بذلك سبتا طویلا حتی لا یبقی بجزیرة العرب بیت إلا و هو راغب إلیهم أو راهب لهم ثم یدال بعد لأی (6) منهم و یشعث سلطانهم حدا حدا (7) و بیتا فبیتا حتی تجی ء أمثال النغف من الأقوام فیهم ثم یملك أمرهم
ص: 299
علیهم عبداؤهم (1) و قنهم (2) یملكون جیلا فجیلا یسیرون فی الناس بالقعسریة (3) خیطا خیطا (4) و یكون سلطانهم سلطانا عضوضا ضروسا فتنتقص الأرض حینئذ من أطرافها و یشتد البلاء و تشتمل (5) الآفات حتی یكون الموت أعز من الحیاة الحمر (6) أو أحب حینئذ إلی أحدهم من الحیاة إلی المعافاة السلیم و ما ذلك إلا لما یدهون (7) به من الضر و الضراء و الفتنة العشواء و قوام الدین یومئذ و زعماؤه یومئذ أناس لیسوا من أهله فیمج الدین بهم (8) و تعفو آیاته و یدبر تولیا و امحاقا فلا یبقی منه إلا اسمه حتی ینعاه ناعیه و المؤمن یومئذ غریب و الدیانون قلیل ما هم حتی یستأیس الناس من روح اللّٰه و فرجه إلا أقلهم و تظن أقوام أن لن ینصر اللّٰه رسله و یحق وعده فإذا بهم الشصائب و النقم و أخذ من جمیعهم بالكظم تلافی اللّٰه دینه و راش عباده (9) من بعد ما قنطوا برجل من ذریة نبیهم أحمد و نجله یأتی اللّٰه عز و جل به من حیث لا یشعرون تصلی علیه السماوات و سكانها و تفرج به الأرض و ما علیها من سوام و طائر و أنام و تخرج له أمكم یعنی الأرض بركتها و زینتها و تلقی إلیه كنوزها و أفلاذ كبدها حتی تعود كهیئتها علی عهد آدم و ترفع عنهم المسكنة و العاهات فی عهده و النقمات التی كانت تضرب بها الأمم من قبل و تلقی فی البلاد الأمنة و تنزع حمة كل ذات حمة و مخلب كل ذی مخلب و ناب كل ذی ناب حتی إن الجویریة اللكاع لتلعب بالأفعوان فلا یضرها شیئا و حتی یكون الأسد فی الباقر كأنه راعیها و الذئب فی البهم كأنه ربها و یظهر اللّٰه عبده علی الدین كله فیملك مقالید الأقالیم إلی بیضاء الصین حتی لا یكون علی عهده فی الأرض أجمعها إلا دین اللّٰه الحق الذی ارتضاه لعباده و بعث به آدم بدیع فطرته و أحمد خاتم رسالته (10) و من بینهما من أنبیائه و رسله
ص: 300
فلما أتی العاقب علی اقتصاصه (1) هذا أقبل علیه حارثة مجیبا فقال أشهد باللّٰه البدیع یا أیها النبیه الخطیر و العلیم الأثیر لقد ابتسم الحق بقیلك و أشرق الجناب (2) بعدل منطقك و تنزلت كتب اللّٰه التی جعلها نورا فی بلاده و شاهدة علی عباده بما اقتصصت (3) من مسطورها حقا فلم یخالف طرس منها طرسا و لا رسم من آیاتها رسما فما بعد هذا قال العاقب فإنك زعمته (4) أخا قریش فكنت بما تأثر من هذا حق غالط قال و بم أ لم تعترف له لنبوته و رسالته الشواهد قال العاقب بلی لعمرو اللّٰه و لكنهما نبیان رسولان یعتقبان بین مسیح اللّٰه عز و جل و بین الساعة اشتق اسم أحدهما من صاحبه محمد و أحمد بشر بأولهما موسی علیه السلام و بثانیهما عیسی علیه السلام فأخو قریش هذا مرسل إلی قومه و یقفوه من بعده ذو الملك الشدید و الأكل الطویل یبعثه اللّٰه عز و جل خاتما للدین و حجة علی الخلائق أجمعین ثم یأتی من بعده فترة تتزایل فیها القواعد من مراسیها فیعیدها اللّٰه (5) عز و جل (6) علی الدین كله فیملك هو و الملوك الصالحون من عقبه جمیع ما طلع علیه اللیل و النهار من أرض و جبل و بر و بحر یرثون أرض اللّٰه عز و جل ملكا كما ورثها و ملكا (7) الأبوان آدم و نوح علیهما السلام یلقون (8) و هم الملوك الأكابر فی مثل هیئة المساكین بذاذة و استكانة فأولئك الأكرمون الأماثل لا یصلح عباد اللّٰه و بلاده إلا بهم علیهم ینزل عیسی بن البشر علیه السلام (9) علی آخرهم بعد مكث طویل و ملك شدید لا خیر فی العیش بعدهم و تردفهم رجراحة (10) طغام
ص: 301
فی مثل أحلام العصافیر علیهم تقوم الساعة و إنما تقوم علی شرار الناس و أخابثهم فذلك الوعد الذی صلی به اللّٰه عز و جل علی أحمد كما صلی به علی خلیله إبراهیم فی كثیر مما لأحمد صلی اللّٰه علیه من البراهین و التأیید الذی خبرت به كتب اللّٰه الأولی.
قال حارثة فمن الأثر المستقر عندك أبا واثلة فی هذین الاسمین أنهما لشخصین لنبیین مرسلین فی عصرین مختلفین قال العاقب أجل قال فهل یتخالجك فی ذلك ریب أو یعرض لك فیه ظن قال العاقب كلا و المعبود أن هذا لأجلی من بوح (1) و أشار له إلی جرم الشمس المستدیر فأكب حارثة مطرقا و جعل ینكت فی الأرض عجبا ثم قال إنما الآفة أیها الزعیم المطاع أن یكون المال عند من یخزنه لا من ینفقه و السلاح عند من یتزین به لا من یقاتل به و الرأی عند من یملكه (2) لا من ینصره.
قال العاقب لقد أسمعت یا حویرث فأقذعت و طفقت فأقدمت فمه قال أقسم بالذی قامت السماوات و الأرض بإذنه و غلب (3) الجبابرة بأمره أنهما اسمان مشتقان لنفس واحدة و لنبی واحد و رسول واحد أنذر (4) به موسی بن عمران و بشر به عیسی ابن مریم و من قبلهما أشار به فی صحف إبراهیم علیه السلام.
فتضاحك السید یری قومه و من حضرهم أن ضحكه هزء من حارثة و تعجبا (5) و انتشط العاقب ذلك (6) فأقبل علی حارثة مؤنبا فقال لا یغررك باطل أبی قرة فإنه و إن ضحك لك فإنما یضحك منك قال حارثة لئن فعلها لأنها لإحدی الدهارس أو سوءة (7) أ فلم تتعرفا راجع اللّٰه بكما من موروث الحكمة لا ینبغی
ص: 302
للحكیم أن یكون عباسا فی غیر أرب (1) و لا ضحاكا من غیر عجب أ و لم یبلغكما عن سیدكما المسیح قال فضحك العالم فی غیر حینه غفلة من قلبه أو سكرة ألهته عما فی غده قال السید یا حارثة إنه لا یعیش و اللّٰه أحد بعقله حتی یعیش بظنه و إذا أنا لم أعلم إلا ما رویت فلا علمت أ و لم یبلغك أنت عن سیدنا المسیح علینا سلامه أن لله عبادا ضحكوا جهرا من سعة رحمة ربهم و بكوا سرا من خیفة ربهم قال إذا كان هذا فنعم قال فما هنا فلتكن (2) مراجم ظنونك بعباد ربك و عد بنا إلی ما نحن بسبیله فقد طال التنازع و الخصام بیننا یا حارثة قالوا و كان مجلسا ثالثا فی یوم ثالث من اجتماعهم للنظر فی أمرهم.
فقال السید یا حارثة أ لم ینبئك أبو واثلة بأفصح لفظ اخترق (3) أذنا و عاد لك (4) بمثله مخبرا فألفاك مع عزماتك (5) بموارده حجرا و ها أنا ذا أؤكد علیك التذكرة بذلك من معدن ثالث فأنشدك اللّٰه و ما أنزل إلی كلمة من كلماته هل تجد فی الزاجرة المنقولة من لسان أهل سوریا (6) إلی لسان العرب یعنی صحیفة شمعون بن حمون (7) الصفا التی توارثها عنه أهل نجران قال السید أ لم یقل بعد نبذ طویل من كلام فإذا طبقت و قطعت الأرحام و عفت (8) الأعلام بعث اللّٰه (9) عبده الفارقلیطا (10) بالرحمة و المعدلة قالوا و ما الفارقلیطا (11) یا مسیح اللّٰه قال أحمد النبی الخاتم الوارث ذلك الذی یصلی علیه حیا و یصلی علیه بعد ما یقبضه إلیه بابنه الطاهر الخابر (12) ینشره اللّٰه فی آخر الزمان بعد ما انفصمت (13) عری الدین و خبت مصابیح الناموس و أفلت نجومه فلا یلبث ذلك العبد الصالح إلا
ص: 303
أمما حتی یعود الدین به كما بدأ و یقر اللّٰه عز و جل سلطانه فی عبده ثم فی الصالحین من عقبه و ینشر منه حتی یبلغ ملكه منقطع التراب قال حارثة قد أشدتما (1) بهذه المأثرة لأحمد صلی اللّٰه علیه و آله و كررتما بها القول و هی حق لا وحشة مع الحق و لا أنس فی غیره فمه قال السید فإن من الحق أن لا حظ فی هذه الأكرومة لأبتر قال حارثة إنه لكذلك و لیس بمحمد صلی اللّٰه علیه و آله (2) قال السید إنك ما عملت (3) إلا لدا أ لم یخبرنا سفرنا و أصحابنا فیما تجسسنا من خبره أن ولدیه الذكرین القرشیة و القبطیة بادا یعنی هلكا و غودر محمد كقرن الأعضب مؤف علی ضریحة فلو كان له بقیة لكان لك بذلك مقالا إذا ولیت (4) أبناؤه الذی تذكر (5) قال حارثة العبر لعمرو اللّٰه كثیرة و الاعتبار بها قلیل و الدلیل مؤف (6) علی سنن السبیل إن لم یعش (7) عنه ناظر و كما أن الأبصار الرمدة لا تستطیع النظر فی قرص الشمس لسقمها فكذلك البصائر القصیرة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها ألا و من كان كذلك فلستماه و أشار إلی السید و العاقب أنكما و یمین اللّٰه لمحجوجان بما آتاكم اللّٰه عز و جل من میراث الحكمة و استودعكما من بقایا الحجة ثم بما أوجب لكما من الشرف و المنزلة فی الناس فقد جعل اللّٰه عز و جل من آتاه (8) سلطانا ملوكا للناس و أربابا و جعلكما حكما (9) و قواما علی ملوك (10) ملتنا و ذادة لهم یفزعون إلیكما فی دینهم و لا تفزعان إلیهم و تأمرانهم فیأتمرون (11) لكما و حق لكل ملك أو موطئ الأكناف (12) أن یتواضع لله عز و جل إذ رفعه
ص: 304
و أن ینصح لله عز و جل فی عباده و لا یدهن فی أمره و ذكرتما محمدا بما حكمت له به الشهادات الصادقة و بینته فیه الأسفار المستحفظة و رأیتماه مع ذلك مرسلا إلی قومه لا إلی الناس جمیعا و أن لیس بالخاتم الحاشر و لا الوارث العاقب لأنكما زعمتماه أبتر أ لیس كذلك قالا نعم قال أ رأیتكما لو كان له بقیة و عقب هل كنتما ممتریین (1) لما تجدان و بما تكذبان (2) من الوراثة و الظهور علی النوامیس أنه النبی الخاتم و المرسل إلی كافة البشر قالا لا قال أ فلیس هذا القیل لهذه الحال مع طول اللوائم و الخصائم عندكما مستقر (3) قالا أجل قال اللّٰه أكبر قالا كبرت تكبیرا فما دعاك إلی ذلك قال حارثة الحق أبلج و الباطل لجلج و لنقل ماء البحر و لشق الصخر أهون من إماتة ما أحیاه اللّٰه عز و جل و إحیاء (4) ما أماته الآن فاعلما أن محمدا غیر أبتر (5) و أنه الخاتم الوارث و العاقب الحاشر حقا فلا نبی بعده و علی أمته تقوم الساعة و یرث اللّٰه الأرض و من علیها و أن من ذریته الأمیر الصالح الذی بینتما و نبأتما أنه یملك مشارق الأرض و مغاربها و یظهره عز و جل بالخفیة (6) الإبراهیمیة علی النوامیس كلها قالا أولی لك یا حارثة لقد أغفلناك (7) و تأبی إلا مراوغة كالثعالبة (8) فما تسأم المنازعة و لا تمل من المراجعة و لقد زعمت مع ذلك عظیما فما برهانك به قال أما و جدكما لأنبئكما (9) ببرهان یجیر من الشبهة و یشفی به جوی الصدور ثم أقبل علی أبی حارثة حصین بن علقمة شیخهم و أسقفهم الأول فقال إن رأیت أیها الأب الأثیر أن تؤنس قلوبنا و تثلج صدورنا بإحضار الجامعة و الزاجرة قالوا
ص: 305
و كان هذا المجلس الرابع من الیوم الرابع و ذلك لما حلقت الشمس و ركدت و فی زمن قیظ شدید فأقبلا علی حارثة فقالا أرج هذا إلی غد فقد بلغت القلوب منا الصدور فتفرقوا علی إحضار الزاجرة و الجامعة من غد للنظر فیهما و العمل بما یتراءان (1) منهما فلما كان من الغد صار أهل نجران إلی بِیعَتِهِمْ لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة علی اقتباسه و تبینه (2) من الجامعة و لما رأی السید و العاقب اجتماع الناس لذلك قطع بهما لعلمهما بصواب قول حارثة و اعترضاه لیصدانه عن تصفح الصحف علی أعین الناس و كانا من شیاطین الإنس فقال السید إنك قد أكثرت و أمللت فض (3) الحدیث لنا مع فضه (4) و دعنا من تبیانه فقال حارثة و هل هذا إلا منك و صاحبك فمن الآن فقولا ما شئتما فقال العاقب ما من مقال إلا ما قلنا (5) و سنعود فنخبر بعد ذلك لك تخبیرا غیر كاتمین لله عز و جل من حجة و لا جاحدین له آیة و لا مفترین مع ذلك علی اللّٰه عز و جل لعبد أنه مرسل منه و لیس برسوله فنحن نعترف یا هذا بمحمد صلی اللّٰه علیه و آله أنه رسول من اللّٰه عز و جل إلی قومه من بنی إسماعیل علیه السلام فی غیر (6) أن یجب له بذلك علی غیرهم من عرب الناس و لا أعاجمهم تباعة و لا طاعة بخروج له عن ملة و لا دخول معه فی ملة إلا الإقرار له بالنبوة و الرسالة إلی أعیان قومه و دینه.
قال حارثة و بم شهدتما له بالنبوة و الأمر قالا حیث جاءتنا فیه البینة من تباشیر الأناجیل و الكتب الخالیة فقال منذ وجب هذا لمحمد صلی اللّٰه علیه و آله علیكما فی طویل الكلام و قصیره و بدئه و عوده فمن أین زعمتما أنه لیس بالوارث الحاشر و لا المرسل إلی كافة البشر قالا لقد علمت و علمنا فما نمتری بأن حجة اللّٰه
ص: 306
عز و جل لن ینتهی (1) أمرها و إنها كلمة اللّٰه جاریة فی الأعقاب ما اعتقب اللیل و النهار و ما بقی من الناس شخصان و قد ظننا من قبل أن محمدا صلی اللّٰه علیه و آله ربها و أنه القائد بزمامها فلما أعقمه اللّٰه عز و جل بمهلك الذكورة من ولده علمنا أنه لیس به لأن محمدا أبتر و حجة اللّٰه عز و جل الباقیة و نبیه الخاتم بشهادة كتب اللّٰه عز و جل المنزلة لیس بأبتر فإذا هو نبی یأتی (2) و یخلد بعد محمد صلی اللّٰه علیه و آله اشتق اسمه من اسم محمد و هو أحمد الذی نبأ المسیح علیه السلام باسمه و بنبوته و رسالاته الخاتمة و بملكة (3) ابنه القاهرة الجامعة للناس جمیعا علی ناموس اللّٰه عز و جل الأعظم لیس بظهرة دینه (4) و لكنه من ذریته و عقبه یملك قری الأرض و ما بینهما (5) من لوب و سهل و صخر و بحر ملكا مورثا موطأ و هذا نبأ أحاطت سفرة الأناجیل به علما و قد أوسعناك بهذا القیل سمعا و عدنا لك به آنفة بعد سالفة فما إربك إلی تكراره. قال حارثة قد أعلم أنا (6) و إیاكما فی رجع من القول منذ ثلاث و ما ذاك إلا لیذكر ناس و یرجع فارط و یطمئن (7) لنا الكلم و ذكرتما نبیین یبعثان یعتقبان بین مسیح اللّٰه عز و جل و الساعة قلتما و كلاهما من بنی إسماعیل أولهما محمد بیثرب و ثانیهما أحمد العاقب و أما محمد صلی اللّٰه علیه و آله أخو قریش هذا القاطن بیثرب فإنا به حق مؤمن أجل و هو و المعبود أحمد الذی نبأت به كتب اللّٰه عز و جل و دلت علیه آیاته و هو حجة اللّٰه عز و جل و رسوله صلی اللّٰه علیه و آله الخاتم الوارث حقا و لا نبوة و لا رسول لله عز و جل و لا حجة بین ابن البتول و الساعة غیره بلی و من كان منه من ابنته البهلولة (8) الصدیقة فأنتما ببلاغ اللّٰه إلیكما (9) من
ص: 307
نبوة محمد صلی اللّٰه علیه و آله فی أمر مستقر و لو لا انقطاع نسله لما ارتبتما فیما زعمتما به أنه السابق العاقب قالا أجل إن ذلك لمن أكبر أماراته عندنا قال فأنتما و اللّٰه فیما تزعمان من نبی ثان من بعده فی أمر ملتبس و الجامعة فی ذلك یحكم (1) بیننا فتنادی الناس من كل ناحیة و قالوا الجامعة یا با حارثة الجامعة و ذلك لما مسهم فی طول تحاور الثلاثة من السامة و الملل و ظن القوم مع ذلك أن الفلج (2) لصاحبهما (3) بما كانا یدعیان فی تلك المجالس من ذلك فأقبل (4) أبو حارثة إلی علج واقف منه أمما فقال امض یا غلام فأت بها فجاء بالجامعة یحملها علی رأسه و هو لا یكاد یتماسك بها لثقلها.
قال فحدثنی رجل صدق من النجرانیة ممن كان یلزم السید و العاقب و یخف لهما فی بعض أمورهما و یطلع علی كثیر من شأنهما قال لما حضرت الجامعة بلغ ذلك من السید و العاقب كل مبلغ لعلمهما بما یهجمان علیه فی تصفحها من دلائل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و صفته و ذكر أهل بیته و أزواجه و ذریته و ما یحدث فی أمته و أصحابه من بوائق الأمور من بعده إلی فناء الدنیا و انقطاعها فأقبل أحدهما علی صاحبه فقال هذا یوم ما بورك لنا فی طلوع شمسه لقد شهدته أجسامنا و غابت عنه آراؤنا بحضور طغامنا (5) و سفلتنا و لقلما شهد سفهاء قوم مجمعة (6) إلا كانت لهم الغلبة قال الآخر فهم شر غالب لمن غلب إن أحدهم لیفتق بأدنی كلمة و یفسد فی بعض ساعته (7) ما لا یستطیع الآسی الحلیم له رتقا و لا الخولی النفیس إصلاحا له فی حول مجرم ذلك لأن السفیه هادم و الحلیم بان و شتان بین البناء و الهدم قال فانتهز حارثة الفرصة فأرسل فی خفیة (8) و
ص: 308
سر إلی النفر من أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فاستحضرهم استظهارا بمشهدهم فحضروا فلم یستطمع الرجلان فض ذلك المجلس و لا إرجاءه و ذلك لما تبینا من تطلع عامتهما من نصاری نجران إلی معرفة ما تضمنت الجامعة من صفة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و انبعاثهم (1) له مع حضور رسل رسول اللّٰه لذلك و تألیب حارثة علیهما فیه و صغو أبی حارثة شیخهم إلیه قال قال لی ذلك الرجل النجرانی فكان الرأی عندهما أن ینقاد المائد همهما (2) من هذا الخطب و لا یظهران شماسا منه (3) و لا نفورا حذار (4) أن یطرقا الظنة فیه إلیهما و أن یكونا أیضا أول معتبر للجامعة و مستحث لها لئلا یفتات فی شی ء من ذلك المقام و المنزلة علیهما ثم یستبینان الصواب فی الحال و یستنجدانه لیأخذان بموجبه فتقدما لما تقدم فی أنفسهما من ذلك إلی الجامعة و هی بین یدی أبی حارثة و حاذاهما حارثة بن أثال (5) و تطاولت إلیهما فیه الأعناق و حفت رسل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بهم فأمر أبو حارثة بالجامعة ففتح طرفها (6) و استخرج منها صحیفة آدم الكبری المستودعة علم ملكوت اللّٰه عز و جل جلاله و ما ذرأ و ما برأ فی أرضه و سمائه و ما وصلهما جل جلاله به من ذكر عالمیه و هی الصحیفة التی ورثها شیث من أبیه آدم علیه السلام عما دعا من الذكر المحفوظ فقرأ (7) القوم السید و العاقب و حارثة فی الصحیفة تطلبا لما تنازعوا فیه من نعت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و صفته و من حضرهم یومئذ من الناس إلیهم
ص: 309
مضجون (1) مرتقبون لما یستدرك من ذكری ذلك
فألفوا فی المسباح (2) الثانی من فواصلها (3) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا الْحَیُّ الْقَیُّومُ مُعَقِّبُ الدُّهُورِ وَ فَاصِلُ الْأُمُورِ سَبَقْتُ (4) بِمَشَیِّتِی الْأَسْبَابَ وَ ذَلَّلْتُ بِقُدْرَتِی الصِّعَابَ فَأَنَا الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ أَرْحَمُ وَ أَتَرَحَّمُ (5) سَبَقَتْ رَحْمَتِی غَضَبِی وَ عَفْوِی عُقُوبَتِی خَلَقْتُ عِبَادِی لِعِبَادَتِی وَ أَلْزَمْتُهُمْ حُجَّتِی أَلَا إِنِّی بَاعِثٌ فِیهِمْ رُسُلِی وَ مُنْزِلٌ عَلَیْهِمْ كُتُبِی أُبْرِمُ (6) ذَلِكَ مِنْ لَدُنْ أَوَّلِ مَذْكُورٍ مِنْ بَشَرٍ إِلَی أَحْمَدَ نَبِیِّی وَ خَاتَمِ رُسُلِی ذَاكَ الَّذِی أَجْعَلُ عَلَیْهِ صَلَوَاتِی (7) وَ أَسْلُكُ فِی قَلْبِهِ بَرَكَاتِی وَ بِهِ أُكَمِّلُ أَنْبِیَائِی وَ نُذُرِی قَالَ آدَمُ علیه السلام إِلَهِی مَنْ هَؤُلَاءِ الرُّسُلُ وَ مَنْ أَحْمَدُ هَذَا الَّذِی رَفَعْتَ وَ شَرَّفْتَ قَالَ كُلٌّ مِنْ ذُرِّیَّتِكَ وَ أَحْمَدُ عَاقِبُهُمْ وَ وَارِثُهُمْ (8) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْتَ بَاعِثُهُمْ وَ مُرْسِلُهُمْ قَالَ بِتَوْحِیدِی ثُمَّ أُقَفِّی ذَلِكَ بِثَلَاثِمِائَةٍ (9) وَ ثَلَاثِینَ شَرِیعَةً أُنَظِّمُهَا وَ أُكَمِّلُهَا لِأَحْمَدَ جَمِیعاً فَأَذِنْتُ (10) لِمَنْ جَاءَنِی بِشَرِیعَةٍ مِنْهَا مَعَ الْإِیمَانِ بِی وَ بِرُسُلِی أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.
ثم ذكر ما جملته أن اللّٰه تعالی عرض علی آدم علیه السلام معرفة الأنبیاء علیهم السلام و ذریتهم و نظر (11) إلیهم آدم علیه السلام ثم قال ما هذا لفظه ثم نظر آدم علیه السلام إلی نور قد لمع فسد الجو المنخرق فأخذ بالمطالع من المشارق ثم سری كذلك حتی طبق المغارب ثم سما حتی بلغ ملكوت السماء فنظر فإذا هو نور محمد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و إذا الأكناف به قد تضوعت طیبا و إذا أنوار أربعة قد اكتنفته عن یمینه
ص: 310
و شماله و من خلفه و أمامه أشبه شی ء به أرجا و نورا و یتلوها أنوار من بعدها تستمد منها و إذا هی شبیهة بها فی ضیائها و عظمها و نشرها ثم دنت منها فتكللت علیها و حفت بها و نظر فإذا أنوار من بعد ذلك فی مثل عدد الكواكب و دون منازل الأوائل جدا جدا و بعض هذه أضوأ من بعض و هم فی ذلك متفاوتون (1) جدا ثم طلع علیه سواد كاللیل و كالسیل ینسلون من كل وجهة و أوب فأقبلوا كذلك حتی ملئوا القاع (2) و الأكم فإذا هم أقبح شی ء صورا و هیئة و أنتنه ریحا فبهر آدم صلی اللّٰه علیه ما رأی من ذلك و
قَالَ یَا عَالِمَ الْغُیُوبِ وَ غَافِرَ الذُّنُوبِ (3) وَ یَا ذَا الْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ (4) وَ الْمَشِیَّةِ الْغَالِبَةِ مَنْ هَذَا الْخَلْقُ السَّعِیدُ الَّذِی كَرَّمْتَ وَ رَفَعْتَ عَلَی الْعَالَمِینَ وَ مَنْ هَذِهِ الْأَنْوَارُ الْمُكْتَنِفَةُ لَهُ فَأَوْحَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِ یَا آدَمُ هَذَا وَ هَؤُلَاءِ وَسِیلَتُكَ وَ وَسِیلَةُ مَنْ أَسْعَدْتُ مِنْ خَلْقِی هَؤُلَاءِ السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ وَ الشَّافِعُونَ الْمُشَفَّعُونَ وَ هَذَا أَحْمَدُ سَیِّدُهُمْ وَ سَیِّدُ بَرِیَّتِی اخْتَرْتُهُ بِعِلْمِی وَ اشْتَقَقْتُ (5) اسْمَهُ مِنِ اسْمِی فَأَنَا الْمَحْمُودُ وَ هُوَ مُحَمَّدٌ (6) وَ هَذَا صِنْوُهُ وَ وَصِیُّهُ آزَرْتُهُ (7) بِهِ وَ جَعَلْتُ بَرَكَاتِی وَ تَطْهِیرِی فِی عَقِبِهِ وَ هَذِهِ سَیِّدَةُ إِمَائِی وَ الْبَقِیَّةُ فِی عِلْمِی مِنْ أَحْمَدَ نَبِیِّی وَ هَذَانِ السِّبْطَانِ وَ الْخَلَفَانِ لَهُمْ وَ هَذِهِ الْأَعْیَانُ الضَّارِعُ (8) نُورُهَا أَنْوَارُهُمْ بَقِیَّةٌ مِنْهُمْ أَلَا إِنَّ كُلًّاًّ اصْطَفَیْتُ وَ طَهَّرْتُ وَ عَلَی كُلٍّ بَارَكْتُ وَ تَرَحَّمْتُ فَكُلًّا بِعِلْمِی جَعَلْتُ قُدْوَةَ عِبَادِی وَ نُورَ بِلَادِی وَ نَظَرَ فَإِذَا شَبَحٌ (9) فِی آخِرِهِمْ یَزْهَرُ فِی ذَلِكَ الصَّفِیحِ كَمَا یَزْهَرُ كَوْكَبُ الصُّبْحِ لِأَهْلِ الدُّنْیَا فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی وَ بِعَبْدِی هَذَا السَّعِیدِ أَفُكُّ عَنْ عِبَادِیَ الْأَغْلَالَ وَ أَضَعُ عَنْهُمُ الْآصَارَ وَ أَمْلَأُ أَرْضِی
ص: 311
بِهِ حَنَاناً وَ رَأْفَةً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ مِنْ قَبْلِهِ قَسْوَةً وَ قَشْعَرِیَّةً (1) وَ جَوْراً قَالَ آدَمُ رَبِّ إِنَّ الْكَرِیمَ (2) مَنْ كَرَّمْتَ وَ إِنَّ الشَّرِیفَ (3) مَنْ شَرَّفْتَ وَ حَقٌّ یَا إِلَهِی لِمَنْ رَفَعْتَ وَ أَعْلَیْتَ أَنْ یَكُونَ كَذَلِكَ فَیَا ذَا النِّعَمِ الَّتِی لَا تَنْقَطِعُ وَ الْإِحْسَانِ الَّذِی لَا یُجَازَی (4) وَ لَا یَنْفَدُ بِمَ بَلَغَ عِبَادُكَ هَؤُلَاءِ الْعَالُونَ (5) هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ مِنْ شَرَفِ عَطَائِكَ وَ عَظِیمِ فَضْلِكَ وَ حِبَائِكَ كَذَلِكَ (6) مَنْ كَرَّمْتَ مِنْ عِبَادِكَ الْمُرْسَلِینَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی إِنِّی أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ عَالِمُ الْغُیُوبِ وَ مُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ أَعْلَمُ مَا لَمْ یَكُنْ مِمَّا یَكُونُ كَیْفَ یَكُونُ وَ مَا لَا یَكُونُ كَیْفَ لَوْ كَانَ یَكُونُ وَ إِنِّی اطَّلَعْتُ یَا عَبْدِی فِی عِلْمِی عَلَی قُلُوبِ عِبَادِی فَلَمْ أَرَ فِیهِمْ أَطْوَعَ لِی وَ لَا أَنْصَحَ لِخَلْقِی مِنْ أَنْبِیَائِی وَ رُسُلِی فَجَعَلْتُ لِذَلِكَ فِیهِمْ رُوحِی وَ كَلِمَتِی وَ أَلْزَمْتُهُمْ عِبْ ءَ حُجَّتِی (7) وَ اصْطَفَیْتُهُمْ عَلَی الْبَرَایَا بِرِسَالَتِی (8) وَ وَحْیِی ثُمَّ أَلْقَیْتُ بِمَكَانَاتِهِمْ (9) تِلْكَ فِی مَنَازِلِهِمْ حَوَامَّهُمْ (10) وَ أَوْصِیَاءَهُمْ مِنْ بَعْدُ فَأَلْحَقْتُهُمْ بِأَنْبِیَائِی وَ رُسُلِی وَ جَعَلْتُهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَدَائِعَ حُجَّتِی (11) وَ الْأُسَاةَ (12) فِی بَرِیَّتِی لِأَجْبُرَ بِهِمْ كَسْرَ عِبَادِی وَ أُقِیمَ بِهِمْ أَوَدَهُمْ ذَلِكَ أَنِّی بِهِمْ وَ بِقُلُوبِهِمْ لَطِیفٌ خَبِیرٌ ثُمَّ اطَّلَعْتُ فِی قُلُوبِ (13) الْمُصْطَفَیْنَ مِنْ رُسُلِی فَلَمْ أَجِدْ فِیهِمْ أَطْوَعَ لِی وَ لَا أَنْصَحَ لِخَلْقِی مِنْ مُحَمَّدٍ خِیَرَتِی وَ خَالِصَتِی فَاخْتَرْتُهُ عَلَی عِلْمٍ (14) وَ رَفَعْتُ ذِكْرَهُ إِلَی ذِكْرِی ثُمَّ وَجَدْتُ (15)
ص: 312
قُلُوبَ حَامَّتِهِ اللَّاتِی مِنْ بَعْدِهِ عَلَی صِبْغَةِ (1) قَلْبِهِ فَأَلْحَقْتُهُمْ (2) بِهِ وَ جَعَلْتُهُمْ وَرَثَةَ كِتَابِی وَ وَحْیِی وَ أَوْكَارَ (3) حِكْمَتِی وَ نُورِی وَ آلَیْتُ بِی أَنْ لَا أُعَذِّبَ بِنَارِی مَنْ لَقِیَنِی مُعْتَصِماً بِتَوْحِیدِی وَ حَبْلِ مَوَدَّتِهِمْ أَبَداً.
ثم أمرهم أبو حارثة أن یصیروا إلی صحیفة شیث الكبری التی انتهی میراثها إلی إدریس النبی صلی اللّٰه علیه قال و كان كتابتها (4) بالقلم السریانی القدیم و هو الذی كتب به من بعد نوح علیه السلام من ملوك الهیاطلة و هم النماردة قال فاقتص (5) القوم الصحیفة و أفضوا منها إلی هذا الرسم قالوا (6) اجتمع إلی إدریس علیه السلام قومه و صحابته و هو (7) یومئذ فی بیت عبادته من أرض كوفان فخبرهم فیما اقتص (8) علیهم قال إن بنی أبیكم آدم علیه السلام لصلبه (9) و بنی بنیه و ذریته (10) اختصموا فیما بینهم و قالوا أی الخلق عندكم أكرم علی اللّٰه عز و جل و أرفع لدیه مكانة و أقرب منه منزلة فقال بعضهم أبوكم آدم علیه السلام خلقه اللّٰه عز و جل بیده و أسجد له ملائكته و جعله الخلیفة فی أرضه و سخر له جمیع خلقه و قال آخرون بل الملائكة الذین لم یعصوا اللّٰه عز و جل و قال بعضهم لا بل حملة العرش الثمانیة العظماء من الملائكة المقربین (11) و قال بعضهم لا بل رؤساء الملائكة الثلاثة (12) جبرئیل و میكائیل و إسرافیل علیهم السلام
و قال بعضهم لا بل أمین اللّٰه جبرئیل علیه السلام فانطلقوا إلی آدم صلی اللّٰه علیه فذكروا الذی (13) قالوا و اختلفوا فیه فَقَالَ یَا بَنِیَّ أَنَا (14) أُخْبِرُكُمْ بِأَكْرَمِ الْخَلَائِقِ جَمِیعاً عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّهُ وَ اللَّهِ لَمَّا (15) أَنْ نَفَخَ فِیَ
ص: 313
الرُّوحَ حَتَّی اسْتَوَیْتُ جَالِساً فَبَرَقَ لِیَ (1) الْعَرْشُ الْعَظِیمُ فَنَظَرْتُ فِیهِ فَإِذَا فِیهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فُلَانٌ أَمِینُ اللَّهِ فُلَانٌ أَمِینُ (2) اللَّهِ فُلَانٌ خِیَرَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَذَكَرَ عِدَّةَ أَسْمَاءٍ (3) مَقْرُونَةٍ بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمْ قَالَ آدَمُ علیه السلام ثُمَّ لَمْ أَرَ فِی السَّمَاءِ مَوْضِعَ أَدِیمٍ أَوْ قَالَ صَفِیحٍ مِنْهَا إِلَّا وَ فِیهِ مَكْتُوبٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ مَا مِنْ مَوْضِعٍ فِیهِ مَكْتُوبٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا وَ فِیهِ مَكْتُوبٌ خَلْقاً لَا خَطّاً مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ مَا مِنْ مَوْضِعٍ فِیهِ مَكْتُوبٌ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا وَ فِیهِ مَكْتُوبٌ فُلَانٌ (4) خِیَرَةُ اللَّهِ فُلَانٌ (5) صَفْوَةُ اللَّهِ فُلَانٌ (6) أَمِینُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَذَكَرَ عِدَّةَ أَسْمَاءٍ یَنْتَظِمُ (7) الْحِسَابُ الْمَعْدُودُ (8) قَالَ آدَمُ علیه السلام فَمُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله یَا بُنَیَّ وَ مَنْ خُطَّ مِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مَعَهُ أَكْرَمُ الْخَلَائِقِ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ جَمِیعاً.
ثم ذكر أن أبا حارثة سأل السید و العاقب أن یقفا علی صلوات إبراهیم علیه السلام الذی جاء بها الأملاك من عند اللّٰه عز و جل فقنعوا بما وقفوا علیه فی الجامعة قال أبو حارثة لا بل شارفوها بأجمعها و اسبروها فإنه أصرم للغدور (9) و أرفع لحكة (10) الصدور و أجدر أن لا ترتابوا فی الأمر من بعد فلم یجدا من المصیر إلی قوله من بد فعمد القوم إلی تابوت إبراهیم علیه السلام قال (11) و كان اللّٰه عز و جل بفضله علی من یشاء من خلقه قد اصطفی إبراهیم علیه السلام بخلته و شرفه بصلواته و بركاته و جعله قبلة و إماما لمن یأتی من بعده و جعل النبوة و الإمامة و الكتاب فی ذریته یتلقاها آخر عن أول و ورثه تابوت آدم علیه السلام المتضمن للحكمة و العلم الذی فضله اللّٰه عز و جل به علی الملائكة طرا فنظر إبراهیم
ص: 314
علیه السلام فی ذلك التابوت فأبصر فیه بیوتا بعدد ذوی العزم من الأنبیاء المرسلین و أوصیائهم من بعدهم و نظر فإذا بیت محمد صلی اللّٰه علیه و آله آخر الأنبیاء عن یمینه علی بن أبی طالب علیهما السلام آخذ بحجزته فإذا شكل عظیم یتلألأ نورا فیه هذا صنوه و وصیه المؤید بالنصر
فَقَالَ إِبْرَاهِیمُ علیه السلام إِلَهِی وَ سَیِّدِی مَنْ هَذَا الْخَلْقُ الشَّرِیفُ فَأَوْحَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذَا عَبْدِی وَ صَفْوَتِی الْفَاتِحُ الْخَاتِمُ وَ هَذَا وَصِیُّهُ الْوَارِثُ قَالَ رَبِّ مَا الْفَاتِحُ الْخَاتِمُ قَالَ هَذَا مُحَمَّدٌ خِیَرَتِی وَ بِكْرُ فِطْرَتِی وَ حُجَّتِیَ الْكُبْرَی فِی بَرِیَّتِی نَبَّأْتُهُ وَ اجْتَبَیْتُهُ إذ [إِذَا] آدَمُ (1) بَیْنَ الطِّینِ وَ الْجَسَدِ ثُمَّ إِنِّی بَاعِثُهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الزَّمَانِ لِتَكْمِلَةِ دِینِی وَ خَاتِمٌ (2) بِهِ رِسَالاتِی وَ نُذُرِی وَ هَذَا عَلِیٌّ أَخُوهُ وَ صِدِّیقُهُ الْأَكْبَرُ آخَیْتُ بَیْنَهُمَا وَ اخْتَرْتُهُمَا وَ صَلَّیْتُ وَ بَارَكْتُ عَلَیْهِمَا وَ طَهَّرْتُهُمَا وَ أَخْلَصْتُهُمَا وَ الْأَبْرَارَ مِنْهُمَا وَ ذُرِّیَّتَهُمَا قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَائِی وَ أَرْضِی وَ مَا فِیهِمَا وَ بَیْنَهُمَا مِنْ خَلْقِی ذَلِكَ (3) لِعِلْمِی بِهِمْ وَ بِقُلُوبِهِمْ إِنِّی بِعِبَادِی عَلِیمٌ خَبِیرٌ قَالَ وَ نَظَرَ إِبْرَاهِیمُ علیه السلام فَإِذَا اثْنَا عَشَرَ عَظِیماً تَكَادُ تَلَأْلَأُ أَشْكَالُهُمْ بِحُسْنِهَا (4) نُوراً فَسَأَلَ رَبَّهُ جَلَّ وَ تَعَالَی فَقَالَ رَبِّ نَبِّئْنِی بِأَسْمَاءِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَقْرُونَةِ بِصُورَتَیْ مُحَمَّدٍ وَ وَصِیِّهِ وَ ذَلِكَ لِمَا رَأَی مِنْ رَفِیعِ دَرَجَاتِهِمْ وَ الْتِحَاقِهِمْ بِشَكْلَیْ مُحَمَّدٍ وَ وَصِیِّهِ علیه السلام فَأَوْحَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِ هَذِهِ أَمَتِی وَ الْبَقِیَّةُ مِنْ نَبِیِّی فَاطِمَةُ الصِّدِّیقَةُ الزَّاهِرَةُ (5) وَ جَعَلْتُهَا مَعَ خَلِیلِهَا عُصْبَةً (6) لِذُرِّیَّةِ نَبِیِّی هَؤُلَاءِ وَ هَذَانِ الْحَسَنَانِ وَ هَذَا فُلَانٌ وَ هَذَا فُلَانٌ وَ هَذَا (7) كَلِمَتِیَ الَّتِی أَنْشُرُ بِهِ رَحْمَتِی فِی بِلَادِی وَ بِهِ أَنْتَاشُ (8) دِینِی وَ عِبَادِی ذَلِكَ بَعْدَ إِیَاسٍ مِنْهُمْ وَ قُنُوطٍ مِنْهُمْ مِنْ غِیَاثِی فَإِذَا ذَكَرْتَ مُحَمَّداً نَبِیِّی بِصَلَوَاتِكَ فَصَلِّ عَلَیْهِمْ مَعَهُ یَا إِبْرَاهِیمُ قَالَ فَعِنْدَهَا صَلَّی
ص: 315
عَلَیْهِمْ إِبْرَاهِیمُ علیه السلام فَقَالَ رَبِّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا اجْتَبَیْتَهُمْ وَ أَخْلَصْتَهُمْ إِخْلَاصاً فَأَوْحَی عَزَّ وَ جَلَّ لِیَهْنِئْكَ (1) كَرَامَتِی وَ فَضْلِی عَلَیْكَ فَإِنِّی صَائِرٌ بِسُلَالَةِ مُحَمَّدٍ وَ مَنِ اصْطَفَیْتُ مَعَهُ مِنْهُمْ إِلَی قَنَاةِ صُلْبِكَ وَ مُخْرِجُهُمْ مِنْكَ ثُمَّ مِنْ بِكْرِكَ إِسْمَاعِیلَ علیه السلام فَأَبْشِرْ یَا إِبْرَاهِیمُ فَإِنِّی وَاصِلٌ صَلَوَاتِكَ بِصَلَوَاتِهِمْ وَ مُتَّبِعٌ ذَلِكَ بَرَكَاتِی وَ تَرَحُّمِی عَلَیْكَ وَ عَلَیْهِمْ وَ جَاعِلٌ حَنَانِی (2) وَ حُجَّتِی إِلَی الْأَمَدِ الْمَعْدُودِ وَ الْیَوْمِ الْمَوْعُودِ الَّذِی أَرِثُ فِیهِ سَمَائِی وَ أَرْضِی وَ أَبْعَثُ لَهُ خَلْقِی بِفَصْلِ قَضَائِی (3) وَ إِفَاضَةِ رَحْمَتِی وَ عَدْلِی.
قال فلما سمع أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ما أفضی إلیه القوم من تلاوة ما تضمنت الجامعة و الصحف الدارسة من نعت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و صفة أهل بیته المذكورین معه بما هم به منه و بما شاهدوا من مكانتهم عنده ازداد القوم بذلك یقینا و إیمانا و استطیروا له فرحا.
قال ثم صار القوم إلی ما نزل علی موسی علیه السلام فألفوا فی السفر الثانی من التوراة إنی باعث فی الأمیین من ولد إسماعیل رسولا أنزل علیه كتابی و أبعثه بالشریعة القیمة إلی جمیع خلقی أوتیه حكمتی و أؤیده بملائكتی (4) و جنودی تكون ذریته من ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلین لها كإسماعیل و إسحاق أصلین لشعبین عظیمین (5) أكثرهم جدا جدا یكون منهم اثنا عشر قیما أكمل بمحمد صلی اللّٰه علیه و آله و بما أرسله به من بلاغ و حكمة دینی و أختم به أنبیائی و رسلی فعلی محمد و أمته تقوم الساعة.
فقال حارثة الآن اسفر الصبح لذی عینین و وضح الحق لمن رضی به دینا فهل فی أنفسكما من مرض تستشفیان به فلم یرجعا إلیه قولا.
ص: 316
فقال أبو حارثة اعتبروا الأمارة الخاتمة من قول سیدكم المسیح علیه السلام فصار القوم (1) إلی الكتب و الأناجیل التی جاء بها عیسی صلی اللّٰه علیه
فَأَلْفَوْا فِی الْمِفْتَاحِ الرَّابِعِ مِنَ الْوَحْیِ إِلَی الْمَسِیحِ علیه السلام یَا عِیسَی یَا ابْنَ الطَّاهِرِ الْبَتُولِ (2) اسْمَعْ قَوْلِی وَ جِدَّ فِی أَمْرِی إِنِّی خَلَقْتُكَ مِنْ غَیْرِ فَحْلٍ وَ جَعَلْتُكَ آیَةً لِلْعَالَمِینَ فَإِیَّایَ فَاعْبُدْ وَ عَلَیَّ فَتَوَكَّلْ وَ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ثُمَّ فَسِّرْهُ لِأَهْلِ سُورِیَا وَ أَخْبِرْهُمْ أَنِّی أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا الْحَیُّ الْقَیُّومُ الَّذِی لَا أَحُولُ وَ لَا أَزُولُ فَآمِنُوا بِی وَ بِرَسُولِی النَّبِیِّ الْأُمِّیِّ الَّذِی یَكُونُ فِی آخِرِ الزَّمَانِ نَبِیِّ الرَّحْمَةِ وَ الْمَلْحَمَةِ الْأَوَّلِ وَ الْآخِرِ قَالَ (3) أَوَّلُ النَّبِیِّینَ خُلْقاً وَ آخِرُهُمْ مَبْعَثاً ذَلِكَ الْعَاقِبُ الْحَاشِرُ فَبَشِّرْ بِهِ بَنِی إِسْرَائِیلَ قَالَ عِیسَی علیه السلام یَا مَالِكَ الدُّهُورِ وَ عَلَّامَ الْغُیُوبِ مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِی قَدْ أَحَبَّهُ قَلْبِی وَ لَمْ تَرَهُ عَیْنِی قَالَ ذَاكَ خَالِصَتِی وَ رَسُولِی الْمُجَاهِدُ بِیَدِهِ فِی سَبِیلِی یُوَافِقُ (4) قَوْلُهُ فِعْلَهُ وَ سَرِیرَتُهُ عَلَانِیَتَهُ أُنْزِلُ عَلَیْهِ تَوْرَاةً (5) حَدِیثَةً أَفْتَحُ بِهَا أَعْیُناً عُمْیاً وَ آذَاناً صُمّاً وَ قُلُوباً غُلْفاً فِیهَا یَنَابِیعُ الْعِلْمِ وَ فَهْمُ الْحِكْمَةِ وَ رَبِیعُ الْقُلُوبِ وَ طُوبَاهُ وَ طُوبَی أُمَّتِهِ قَالَ رَبِّ مَا اسْمُهُ وَ عَلَامَتُهُ وَ مَا أَكَلَ أُمَّتُهُ یَقُولُ مَلَكَ أُمَّتَهُ (6) وَ هَلْ لَهُ مِنْ بَقِیَّةٍ یَعْنِی ذُرِّیَّةً قَالَ سَأُنَبِّئُكَ بِمَا سَأَلْتَ اسْمُهُ أَحْمَدُ مُنْتَخَبٌ (7) مِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْرَاهِیمَ وَ مُصْطَفًی مِنْ سُلَالَةِ إِسْمَاعِیلَ ذُو الْوَجْهِ الْأَقْمَرِ وَ الْجَبِینِ الْأَزْهَرِ رَاكِبُ الْجَمَلِ تَنَامُ عَیْنَاهُ وَ لَا یَنَامُ قَلْبُهُ یَبْعَثُهُ اللَّهُ فِی أُمَّةٍ أُمِّیَّةٍ مَا بَقِیَ اللَّیْلُ وَ النَّهَارُ مَوْلِدُهُ فِی بَلَدِ أَبِیهِ إِسْمَاعِیلَ یَعْنِی مَكَّةَ كَثِیرُ الْأَزْوَاجِ قَلِیلُ الْأَوْلَادِ نَسْلُهُ مِنْ مُبَارَكَةٍ صِدِّیقَةٍ یَكُونُ لَهُ مِنْهَا ابْنَةٌ لَهَا فَرْخَانِ سَیِّدَانِ یُسْتَشْهَدَانِ أَجْعَلُ نَسْلَ أَحْمَدَ مِنْهُمَا فَطُوبَاهُمَا وَ لِمَنْ أَحَبَّهُمَا وَ شَهِدَ أَیَّامَهُمَا فَنَصَرَهُمَا قَالَ عِیسَی علیه السلام إِلَهِی وَ مَا طُوبَی قَالَ شَجَرَةٌ فِی الْجَنَّةِ سَاقُهَا وَ أَغْصَانُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَرَقُهَا حُلَلٌ وَ حَمْلُهَا
ص: 317
كَثَدْیِ الْأَبْكَارِ أَحْلَی مِنَ الْعَسَلِ وَ أَلْیَنُ مِنَ الزُّبْدِ وَ مَاؤُهَا مِنْ تَسْنِیمٍ لَوْ أَنَّ غُرَاباً طَارَ وَ هُوَ فَرْخٌ لَأَدْرَكَهُ الْهَرَمُ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَقْطَعَهَا وَ لَیْسَ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَ ظِلَالُهُ فَنَنٌ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ.
قال فلما أتی القوم علی دراسة ما أوحی اللّٰه عز و جل إلی المسیح علیه السلام من نعت محمد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و صفته و ملك أمته و ذكر ذریته و أهل بیته أمسك الرجلان مخصومین و انقطع التحاور بینهم فی ذلك قال فلما فلج (1) حارثة علی السید و العاقب بالجامعة و ما تبینوه (2) فی الصحف القدیمة و لم یتم لهما ما قدروا (3) من تحریفها و لم یمكنهما أن یلبسا علی الناس فی تأویلهما (4) أمسكا عن المنازعة من هذا الوجه و علما أنهما قد أخطئا سبیل الصواب بذلك (5) فصارا إلی بِیعَتِهِمْ آسفین لینظرا و یرتئیا (6) و فزع إلیهما نصاری نجران فسألوهما عن رأیهما و ما یعملان فی دینهما فقالا ما معناه تمسكوا بدینكم حتی یكشف (7) دین محمد و سنسیر إلی بنی قریش إلی یثرب و ننظر ما جاء به و إلی ما یدعو إلیه قال فلما تجهز السید و العاقب للمسیر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالمدینة انتدب معهما أربعة عشر راكبا من نصاری نجران هم من أكابرهم فضلا و علما فی أنفسهم و سبعون رجلا من أشراف بنی الحارث بن كعب و سادتهم قال و كان قیس بن الحصین ذو الغصة (8) و یزید بن عبد المدان ببلاد حضرموت فقدما نجران علی تفیئة (9) مسیر قومهم فشخصا معهم فاعترز القوم فی ظهور (10) مطایاهم و جنبوا (11) خیلهم و أقبلوا لوجوههم حتی وردوا المدینة.
ص: 318
قال و لما استراث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله خبر أصحابه أنفذ إلیهم خالد بن الولید فی خیل سرحها معه لمشارفة أمرهم فألفوهم و هم عامدون إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله. قال و لما دنوا من المدینة أحب السید و العاقب أن یباهیا المسلمین و أهل المدینة بأصحابهما و بمن حف (1) من بنی الحارث معهما فاعترضاهم فقالا لو كففتم صدور ركابكم و مسستم الأرض فألقیتم عنكم تفثكم و ثیاب سفركم و شننتم علیكم من باقی میاهكم كان ذلك أمثل فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا من شعثهم و ألقوا عنهم ثیاب بذلتهم و لبسوا ثیاب صونهم من الأتحمیات (2) و الحریر و الحبر و ذروا المسك فی لممهم و مفارقهم ثم ركبوا الخیل و اعترضوا بالرماح علی مناسج خیلهم و أقبلوا یسیرون رزدقا واحدا و كانوا من أجمل العرب صورا و أنمهم أجساما و خلقا فلما تشوفهم الناس أقبلوا نحوهم فقالوا ما رأینا وفدا أجمل من هؤلاء فأقبل القوم حتی دخلوا علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی مسجده و حانت صلاتهم
فقاموا یصلون إلی المشرق فأراد الناس أن ینهوهم عن ذلك فكفهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثم أمهلهم و أمهلوه ثلاثا فلم یدعهم و لم یسألوه لینظروا إلی هدیه و یعتبروا ما یشاهدون منه مما یجدون (3) من صفته فلما كان بعد ثالثة (4) دعاهم صلی اللّٰه علیه و آله إلی الإسلام فقالوا یا أبا القاسم ما أخبرتنا كتب اللّٰه عز و جل بشی ء من صفة النبی المبعوث من بعد الروح عیسی علیه السلام إلا و قد تعرفناه فیك إلا خلة هی أعظم الخلال آیة و منزلة و أجلاها أمارة و دلالة قال و ما هی قالوا إنا نجد فی الإنجیل من صفة النبی الغابر من بعد المسیح أنه یصدق به و یؤمن به و أنت تسبه و تكذب به و تزعم أنه عبد قال فلم تكن خصومتهم و لا منازعتهم للنبی صلی اللّٰه علیه و آله إلا فی عیسی علیه السلام فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لَا بَلْ أُصَدِّقُهُ وَ أُصَدِّقُ بِهِ وَ أُؤْمِنُ بِهِ وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ
ص: 319
النَّبِیُّ الْمُرْسَلُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَقُولُ إِنَّهُ عَبْدٌ لَا یَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَ لَا ضَرّاً وَ لَا مَوْتاً وَ لَا حَیَاةً وَ لَا نُشُوراً قَالُوا وَ هَلْ تَسْتَطِیعُ الْعَبِیدُ أَنْ تَفْعَلَ (1) مَا كَانَ یَفْعَلُ وَ هَلْ جَاءَتِ الْأَنْبِیَاءُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ أَ لَمْ یَكُنْ یُحْیِی الْمَوْتَی وَ یُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ یُنَبِّئُهُمْ بِمَا یُكِنُّونَ فِی صُدُورِهِمْ وَ مَا یَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِهِمْ فَهَلْ یَسْتَطِیعُ هَذَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَوِ ابْنُ اللَّهِ وَ قَالُوا فِی الْغُلُوِّ فِیهِ وَ أَكْثَرُوا تَعَالَی اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِیراً فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ كَانَ عِیسَی أَخِی كَمَا قُلْتُمْ یُحْیِی الْمَوْتَی وَ یُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ یُخْبِرُ قَوْمَهُ بِمَا فِی نُفُوسِهِمْ وَ بِمَا یَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِهِمْ وَ كُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ هُوَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَبْدٌ وَ ذَلِكَ عَلَیْهِ غَیْرُ عَارٍ وَ هُوَ مِنْهُ غَیْرُ مُسْتَنْكِفٍ فَقَدْ كَانَ لَحْماً وَ دَماً وَ شَعْراً وَ عَظْماً وَ عَصَباً وَ أَمْشَاجاً یَأْكُلُ الطَّعَامَ وَ یَظْمَأُ وَ یَنْصَبُ وَ اللَّهِ (2) بِأَرْبِهِ وَ رَبُّهُ الْأَحَدُ الْحَقُّ الَّذِی لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَ لَیْسَ لَهُ نِدٌّ قَالُوا فَأَرِنَا مِثْلَهُ (3) جَاءَ مِنْ غَیْرِ فَحْلٍ وَ لَا أَبٍ قَالَ هَذَا آدَمُ علیه السلام أَعْجَبُ مِنْهُ خَلْقاً جَاءَ مِنْ غَیْرِ أَبٍ وَ لَا أُمٍّ وَ لَیْسَ شَیْ ءٌ مِنَ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی قُدْرَتِهِ مِنْ شَیْ ءٍ وَ لَا أَصْعَبَ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ و تلا علیهم إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ (4) قالا فما نزداد منك فی أمر صاحبنا إلا تباینا و هذا الأمر الذی لا نقره لك فهلم فلنلاعنك أینا أولی بالحق فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ فإنها مثلة و آیة معجلة فأنزل اللّٰه عز و جل آیة المباهلة علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فَمَنْ حَاجَّكَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ (5) فتلا علیهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ما نزل علیه فی ذلك من القرآن فقال إن اللّٰه قد أمرنی أن أصیر
ص: 320
إلی ملتمسكم و أمرنی بمباهلتكم إن أقمتم و أصررتم علی قولكم قالا و ذلك آیة ما بیننا و بینك إذا كان غدا باهلناك ثم قاما و أصحابهما من النصاری معهما فلما أبعدا و قد كانوا نزلوا (1) بالحرة أقبل بعضهم علی بعض فقالوا قد جاءكم هذا بالفصل من أمره و أمركم فانظروا أولا بمن یباهلكم أ بكافة أتباعه أم بأهل الكتابة (2) من أصحابه أو بذوی التخشع و التمسكن (3) و الصفوة دینا و هم القلیل منهم عددا فإن جاءكم بالكثرة و ذوی الشدة منهم فإنما جاءكم مباهیا كما یصنع الملوك فالفلج إذا لكم دونه و إن أتاكم بنفر قلیل ذوی تخشع فهؤلاء سجیة (4) الأنبیاء و صفوتهم و موضع بهلتهم فإیاكم و الإقدام إذا علی مباهلتهم فهذه لكم أمارة و انظروا حینئذ ما تصنعون بینكم و بینه (5) فقد أعذر من أنذر فأمر صلی اللّٰه علیه و آله بشجرتین فقصدتا و كسح ما بینهما و أمهل حتی إذا كان من الغد أمر بكساء أسود رقیق فنشر علی الشجرتین فلما أبصر السید و العاقب ذلك خرجا بولدیهما صبغة المحسن و عبد المنعم و سارة و مریم و خرج معهما نصاری نجران و ركب فرسان بنی الحارث بن كعب فی أحسن هیئة و أقبل الناس من أهل المدینة من المهاجرین و الأنصار و غیرهم من الناس فی قبائلهم و شعارهم من رایاتهم و ألویتهم و أحسن شارتهم (6) و هیئتهم لینظروا ما یكون من الأمر و لبث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی حجرته حتی متع النهار ثم خرج آخذا بید علی و الحسن و الحسین أمامه و فاطمة علیهم السلام من خلفهم فأقبل بهم حتی أتی الشجرتین فوقف بینهما (7) من تحت الكساء علی مثل الهیئة التی خرج بها من حجرته فأرسل إلیهما یدعوهما إلی ما دعواه إلیه من المباهلة فأقبلا إلیه فقالا بمن تباهلنا یا أبا القاسم قال بخیر أهل الأرض و أكرمهم علی اللّٰه عز و جل بهؤلاء و أشار لهما إلی علی و فاطمة و الحسن و الحسین صلوات اللّٰه علیهم قالا فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر و لا من
ص: 321
الكثر و لا أهل الشارة ممن نری ممن آمن بك و اتبعك و ما نری هاهنا معك إلا هذا الشاب و المرأة و الصبیین أ فبهؤلاء تباهلنا قال نعم أ و لم أخبركم بذلك آنفا نعم بهؤلاء أمرت و الذی بعثنی بالحق أن أباهلكم فاصفارت حینئذ ألوانهما و كرا (1) و عادا إلی أصحابهما و موقفهما فلما رأی أصحابهما ما بهما و ما دخلهما قالوا ما خطبكما فتماسكا و قالا ما كان ثم (2) من خطب فنخبركم و أقبل علیهم شاب كان من خیارهم قد أوتی فیهم علما فقال ویحكم لا تفعلوا و اذكروا ما عثرتم علیه فی الجامعة من صفته (3) فو اللّٰه إنكم لتعلمون حق العلم أنه لصادق (4) و إنما عهدكم بإخوانكم حدیث قد مسخوا قردة و خنازیر فعلموا أنه قد نصح لهم فأمسكوا قال و كان للمنذر بن علقمة (5) أخی أسقفهم أبی حارثة حظ من العلم فیهم یعرفونه له و كان نازحا عن نجران فی وقت تنازعهم فقدم و قد اجتمع القوم علی الرحلة إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فشخص معهم فلما رأی المنذر انتشار أمر القوم یومئذ و ترددهم فی رأیهم أخذ بید السید و العاقب و أقبل علی أصحابه فقال اخلونی و هذین فأعتزل بهما ثم أقبل علیهما فقال إن الرائد لا یكذب أهله و أنا لكما حق نصیح و علیكما جد شفیق (6) فإن نظرتما لأنفسكما نجیتما (7) و إن تركتما ذلك هلكتما و أهلكتما قالا أنت الناصح جیبا المأمون عیبا فهات قال أ تعلمان أنه ما باهل قوم نبیا قط إلا كان مهلكهم كلمح البصر و قد علمتما و كل ذی إرب من ورثة الكتب معكما أن محمدا أبا القاسم هذا هو الرسول الذی بشرت به الأنبیاء علیهم السلام و أفصحت بنعته و أهل بیته الأمناء (8)
ص: 322
و أخری أنذركما بها فلا تعشوا عنها قالا و ما هی یا أبا المثنی قال انظرا إلی النجم قد استطلع (1) علی الأرض و إلی خشوع الشجر و تساقط الطیر بإزائكما لوجوهها (2) قد نشرت علی الأرض أجنحتها و قاءت (3) ما فی حواصلها و ما علیها لله عز و جل من تبعة لیس ذلك إلا لما قد أظل من العذاب و انظرا إلی اقشعرار الجبال (4) و إلی الدخان المنتشر (5) و قزع السحاب هذا و نحن فی حمارة القیظ و إبان الهجیر و انظرا إلی محمد صلی اللّٰه علیه و آله رافعا یده و الأربعة من أهله معه إنما ینتظر ما تجیبان (6) به ثم اعلموا أنه إن نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا و لم نرجع إلی أهل و لا مال فنظرا فأبصرا أمرا عظیما فأیقنا أنه الحق من اللّٰه عز و جل فزلزلت أقدامهما و كادت أن تطیش عقولهما و استشعرا أن العذاب واقع بهما فلما أبصر المنذر بن علقمة ما قد لقیا من الخیفة و الرهبة قال لهما إنكما إن أسلمتما له سلمتما فی عاجلة و آجلة (7) و إن آثرتما دینكما و غضارة أیكتكما و شححتما بمنزلتكما (8) من الشرف فی قومكما فلست أحجر علیكما الضن (9) بما نلتما من ذلك و لكنكما بدهتما محمدا صلی اللّٰه علیه و آله یتطلب (10) المباهلة له و جعلتماها حجازا و آیة بینكما و بینه و شخصتما من نجران و ذلك من بالكما (11) فأسرع محمد صلی اللّٰه علیه و آله إلی ما بغیتما منه و الأنبیاء إذا أظهرت (12) بأمر لم ترجع إلا بقضائه و فعله فإذ نكلتما عن ذلك و أذهلتكما مخافة ما تریان فالحظ فی النكول
ص: 323
لكما فالوحا یا إخوتی الوحا صالحا محمدا صلی اللّٰه علیه و آله و ارضیاه و لا ترجئا ذلك فإنكما و أنا معكما بمنزلة قوم یونس لما غشیهم العذاب قالا فكن (1) یا أبا المثنی أنت الذی تلقی محمدا صلی اللّٰه علیه و آله بكفالة ما یبتغیه لدینا و التمس لنا إلیه ابن عمه هذا لیكون هو الذی یبرم الأمر بیننا و بینه فإنه ذو الوجه و الزعیم عنده و لا تبطئن لنطمأن بما ترجع إلینا به و انطلق المنذر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال السلام علیك یا رسول اللّٰه أشهد أن لا إله إلا اللّٰه الذی ابتعثك و أنك و عیسی عبدان لله عز و جل مرسلان فأسلم و بلغه ما جاء له فأرسل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علیا لمصالحة القوم فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام بِأَبِی أَنْتَ عَلَی مَا أُصَالِحُهُمْ فَقَالَ لَهُ رَأْیَكَ یَا أَبَا الْحَسَنِ فِیمَا تُبْرِمُ مَعَهُمْ رَأْیِی فَصَارَ إِلَیْهِمْ فَصَالَحَاهُ عَلَی أَلْفِ حُلَّةٍ وَ أَلْفِ دِینَارٍ خَرَجَا فِی كُلِّ عَامٍ یُؤَدِّیَانِ شَطْرَ ذَلِكَ فِی الْمُحَرَّمِ وَ شَطْراً فِی رَجَبٍ فَصَارَ عَلِیٌّ علیه السلام بِهِمَا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ذَلِیلَیْنِ صَاغِرَیْنِ وَ أَخْبَرَهُ بِمَا صَالَحَهُمَا عَلَیْهِ وَ أَقَرَّا لَهُ بِالْخَرْجِ وَ الصَّغَارِ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْكُمْ أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ بَاهَلْتُمُونِی بِمَنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ لَأَضْرَمَ اللَّهُ عَلَیْكُمُ الْوَادِیَ نَاراً تَأَجَّجُ ثُمَّ لَسَاقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (2) فِی أَسْرَعِ مِنْ طَرْفِ الْعَیْنِ إِلَی مَنْ وَرَاءَكُمْ فَحَرَقَهُمْ تَأَجُّجاً فَلَمَّا رَجَعَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِأَهْلِ بَیْتِهِ وَ صَارَ إِلَی مَسْجِدِهِ هَبَطَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ لَكَ إِنَّ عَبْدِی مُوسَی علیه السلام بَاهَلَ عَدُوَّهَ قَارُونَ بِأَخِیهِ هَارُونَ وَ بَنِیهِ فَخَسَفْتُ بِقَارُونَ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ وَ بِمَنْ آزَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَ بِعِزَّتِی أُقْسِمُ وَ بِجَلَالِی یَا أَحْمَدُ لَوْ بَاهَلْتَ بِكَ وَ بِمَنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ مِنْ أَهْلِكَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَ الْخَلَائِقَ جَمِیعاً لَتَقَطَّعَتِ السَّمَاءُ كِسَفاً وَ الْجِبَالُ زُبُراً وَ لَسَاخَتِ الْأَرْضُ فَلَمْ تَسْتَقِرَّ أَبَداً إِلَّا أَنْ أَشَاءَ ذَلِكَ فَسَجَدَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ وَضَعَ عَلَی الْأَرْضِ وَجْهَهُ ثُمَّ رَفَعَ یَدَیْهِ حَتَّی تَبَیَّنَ لِلنَّاسِ عُفْرَةُ إِبْطَیْهِ فَقَالَ شُكْراً لِلْمُنْعِمِ شُكْراً لِلْمُنْعِمِ قَالَهَا ثَلَاثاً فَسُئِلَ نَبِیُّ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 324
عَنْ سَجْدَتِهِ وَ عَمَّا رَأَی مِنْ تَبَاشِیرِ السُّرُورِ فِی وَجْهِهِ فَقَالَ شُكْراً لِلَّهِ (1) عَزَّ وَ جَلَّ لِمَا أَبْلَانِی مِنَ الْكَرَامَةِ فِی أَهْلِ بَیْتِی ثُمَّ حَدَّثَهُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ جَبْرَئِیلُ علیه السلام. (2).
بیان: و إلا أذنا كعلما بمعناه قال تعالی فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ (3) و یقال ضویت إلیه أضوی ضویا إذا آویت إلیه و انضممت ذكره الجوهری و قال دهماء الناس جماعتهم و قال الخطة بالضم الأمر و القصة و قال حفزه یحفزه دفعه من خلفه و بالرمح طعنه و عن الأمر أعجله و أزعجه و قال یقال أزمعت علی أمر إذا ثبت علیه عزمه و كانت فیه بقیة أی من القوة أو شفقة و إبقاء علی قومه فی القاموس أبقیت ما بیننا لم أبالغ فی إفساده و الاسم البقیة و أُولُوا بَقِیَّةٍ یَنْهَوْنَ (4) أی إبقاء أو فهم و الهوادة الصلح قوله دبوا إلی قوم لعله بتشدید الباء و رفع قوم من قبیل أكلونی البراغیث أو بالتخفیف و جر قوم أی دب قوم إلی قوم فی هذا الأمر كدبیب النمل من غیر رویة و تأمل و فی بعض النسخ القدیمة أی قوم حرف نداء فدبوا أمر و المراد به التأنی و التثبت و ترك الاستعجال و هو أظهر و السورة الشدة و الحدة و السطوة و الاعتداء قوله فإن البدیهة بها أی المفاجاة بالسورة من غیر تأمل لا ینجب و لا یحسن و الأناة كقناة الترفق و الحلم و الإحجام الكف و الصول الاستطالة و الحملة و المعصب كمحدث السید المطاع لأنه یعصب بالتاج أو تعصب به أمور الناس أی تردد إلیه و السحر بالفتح و الضم و التحریك الریة و یقال للجبان انتفخ سحره و فی القاموس استطار الفجر انتشر و الحائط انصدع و استطیر طیر و فلان ذعر و المسبوع الذی افترسه السبع أو افترس ولده و الیراعة الأحمق و الجبان و النعامة و الهلع أفحش الجزع قوله بالنوء بالعب ء أی حمل الأثقال العظیمة یقال ناء بالحمل إذا نهض
ص: 325
به مثقلا و العب ء بالكسر الحمل قوله و تلقیح الحرب أی جعل الحرب ذات حمل أی فائدة و هو عقیم أی معطلة غیر قائمة و غیر مفیدة و فی بعض النسخ نلقح بصیغة المتكلم و تثقیف الرماح تسویتها و الأود بالتحریك الاعوجاج.
و قوله ویك بمعنی ویلك و اللمز العیب و الربع بالفتح الدار و المحلة و المنزل و الذمار بالكسر ما یلزمك حفظه و حمایته و فی القاموس العیص بالكسر الشجر الكثیر الملتف و الأصل و ما اجتمع و تدانی من العضاة و فی بعض النسخ عصبا و هو بالتحریك خیار القوم.
قوله و المرء بیومه أی ینبغی للإنسان أن ینظر إلی أحوال زمانه فیعمل ما یناسبه و لا یقیس علی الأزمنة السالفة و الجیل بالكسر الصنف من الناس و الجلباب الملحفة.
قوله من الرأی الربیق أی الرأی الذی عزم علیه كأنه مشدود فی ربقة أو یلزم العمل به كأنه یجعل عنق الإنسان فی ربقة و هی العروة التی یشد بها البهیمة یقال ربقه یربقه بالضم و الكسر إذا جعل رأسه فی الربقة و الربیقة كسفینة البهیمة المربوقة و فی بعض النسخ القدیمة بالتاء من الرتق ضد الفتق و هو أصوب.
و قال الفیروزآبادی النجد الغلبة و أنجد ارتفع و الدعوة أجابها و النجدة القتال و الشجاعة و الشدة و الهول و نجد الأمر وضح و استبان و التنجید العدو و التزیین و استنجد استعان و قوی بعد ضعف و فی بعض النسخ بالذال المعجمة یقال نجذه أی ألح علیه و نجز كفرح و نصر انقضی و فنی و الوعد حضر و الكلام انقطع و أنجز حاجته قضاها و الوعد وفی به و بخع بالحق بخوعا أقر به و خضع له و نزع عن الأمر انتهی عنه و الكمی الشجاع.
قوله أ نتهالك أی نسرع إلی هذا الدین فندخل فیه من غیر رویة من قولهم تهالك الفراش إذا تساقط و البواتر السیوف القاطعة.
قوله أو نشرق علی المجرد أی نظهر أو علی التفعیل من قولهم شرق
ص: 326
إذا أخذ فی ناحیة المشرق و لعله تصحیف.
و قولهم اربع علی نفسك بفتح الباء أی ارفق بنفسك و كف و رمقته أرمقه نظرت إلیه قوله و الروح أقسم بروح القدس و نهد إلی العدو كمنع أی نهض و الجفاء بالضم ما قذفه السیل و الوضم (1) بالتحریك كل شی ء یجعل علیه اللحم من خشب أو باریة یوقی به من الأرض و الخرق قطع المفاوز و الإغذاذ الإسراع فی السیر و أعنق أسرع فی السیر و فی نسخة قدیمة بالتاء المثناة الفوقانیة من عتق الفرس كضرب أی سبق فنجا و نعق الراعی بغنمه یعنق بالكسر أی صاح بها و زجرها و المدرة البلدة و المكثور المغلوب بالكثرة و الحوزة الناحیة و انتهزه اغتنمه.
و قال الجوهری عشوت إلی النار أعشو إلیها عشوا إذا استدللت علیها ببصر ضعیف و إذا صدرت عنه إلی غیره قلت عشوت عنه و منه قوله تعالی وَ مَنْ یَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ (2) و الخلق بالتحریك البالی و هنا كنایة عن فساد الزمان و امتداد الفترة و فی القدیمة فی خلو بالواو المشددة أی عند خلو الزمان من الحجج و آثار الهدایة و فاران اسم جبل بمكة كما مر و السوقة خلاف الملك و الصدع الشق و صدع بالأمر تكلم به جهارا و الدرك بالتحریك اللحاق و الوصول إلی الشی ء و أرم القوم أی سكتوا و القعدة بالضم من الإبل الذی یركبه الراعی فی كل وجه و اقتعده اتخذه قعدة و الآل الذی تراه أول النهار و آخره كأنه یرفع الشخوص و لیس بالسراب و أغفلت الشی ء إذا تركته علی ذكر منك و أغفله أی غفل عنه عتابا تمیز عن نسبة أغفل أو حضر و الحاصل حضرنا و عاتبنا فأوله إعتابا أی أعطه ما یصیر سببا لرضاه یقال أعتبه أی أعطاه العتبی و هو الرضا و نجم الشی ء ظهر و طلع.
ص: 327
قوله یكون رزه قلیلا فی بعض النسخ بتقدیم المهملة و هو بالكسر الصوت و فی بعضها بتأخیرها و هو بالفتح العض و فی النسخة القدیمة بتقدیم المهملة و ضمها مهموزا بمعنی المصیبة و هو أصوب و إیه بكسر الهمزة و الهاء منونا و غیر منون استزادة فی الكلام فإذا أسكته و كففته قلت إیها عنا و إذا أردت التبعید قلت أیها بفتح الهمزة بمعنی هیهات ذكره الجوهری.
و قال برز الرجل فاق علی أصحابه و الحاصل أنه لو كان تفوق رجل و فضله مانعا من التذكیر لكنتما مصداق ذلك لكن لیس كذلك قوله أصغی بها أی إلیها و فی القدیمة بالفاء من قولهم أصفی فلانا بكذا أی آثره و یقال رمقه أی لحظه لحظا خفیفا و بدهه أمر فجأه و النواحی الجوانب و فی بعض النسخ بواجبة أی بما یجب و یلزم من الرمق سنة التسویف أی الغفلة الداعیة إلی تأخیر النظر أو هو بالضم و التشدید أی طریقته و أخلدت إلی فلان أی ركنت إلیه و یقال ونیت فی الأمر ونیة أی ضعفت قوله أن لا یؤثر أی یروی و یذكر عنك و الفهة بالفتح و تشدید الهاء السقطة و الجهلة و الرحض بالحاء المهملة و الضاد المعجمة غسل الثوب و الجسد و یقال نبا السیف إذا لم یعمل فی الضریبة و الهفوة الزلة و یقال وهل كفرح ضعف و فزع و عنه غلط فیه و نسیه و توهله عرضه لأن یغلط و خلد خلودا دام و بالمكان أقام و الملحمة القتال و النبز بالفتح مصدر نبزه ینبزه أی لقبه و بالتحریك اللقب و الفواق بالضم و الفتح ما بین الحلبتین من الوقت و هو كنایة عن قلة زمان ملكه.
قوله و أضربوا فی الفتنة لعله من قولهم أضرب الرجل الفحل الناقة فضربها و فیه استعارة بلیغة و قطن بالمكان أقام به و النجعة طلب الكلاء فی موضعه تقول منه انتجعت و انتجعت فلانا إذا أتیته تطلب معروفه و الرواد جمع الرائد و هو الذی یبعث لاستعلام الأمر و فی الأصل هو الذی یتقدم القوم یبصر لهم الكلاء و مساقط الغیث و منه قولهم الرائد لا یكذب أهله و وفد فلان علی
ص: 328
الأمیر ورد رسولا و أوفدته أرسلته و المراد بصاحبهم مسیلمة و بنو قیلة الأنصار و الثمد بالفتح و التحریك و ككتاب الماء القلیل الذی لا مادة له و ماء ملح بالكسر أی لیس بعذب و استعذب القوم ماءهم إذا استقوه عذبا و مج الماء من فیه رمی به و احلولی أی صار حلوا و جاش الوادی كثر ماؤه و زخر و امتد و حار أی رجع و تحیر الماء اجتمع و دار و الجراح جمع الجراحة بكسرهما و الكلم الجراحة و قال الجوهری الألم الوجع و قد ألم یألم ألما و قولهم ألمت بطنك كقولهم رشدت أمرك أی ألم بطنك و أنعم له أی قال له نعم و الركی جمع الركیة و هی البئر و الوشل بالتحریك الماء القلیل و بض الماء یبض بالكسر أی سال قلیلا قلیلا و تحیفته تنقصته من حیفه أی من نواحیه قوله و أبیك الواو للقسم و التذمم الاستنكاف و فرط إلیه منی قول أی سبق و التقریظ المدح بباطل أو حق و التأثیل التأصیل قوله دحاها أی الأرض و القمران الشمس و القمر و الكوكب الدری الثاقب المضی ء.
و قال الفیروزآبادی غمصه كضرب و سمع و فرح احتقره كاغتمصه و عابه و تهاون بحقه و النعمة لم یشكرها و التقمص لبس القمیص أی ادعی سلطان اللّٰه و خلافته متبرئا من صاحبه أو من شرائطه أو بغیر همز من قولهم تبریت له أی تعرضت لمعروفه و الأظهر أنه كان مبتزا بالزاء أی غاصبا من قولهم ابتز الشی ء أی سلبه و الكمه العمی قوله رویدك أی أمهل و المقنع بالفتح ما یقنع به و المحال ككتاب الكید و المكر و القدرة و الجدال و المعاداة قوله الدارسة أی القدیمة من درست الآثار عفت و درس الثوب خلق و الخالیة الماضیة و النكت أن تضرب فی الأرض بقضیب فیؤثر فیها.
قوله أثرة من علم بالتحریك أی بقیة و الخراص الكذاب و المحجوج المغلوب بالحجة و یقال جنب أی نزل غریبا. قوله ما لم تزل تستخم فی بعض النسخ بالخاء المعجمة من قولهم خم
ص: 329
البئر و البیت أی كنسها و الناقة حلبها و فی بعضها بالمهملة یقال استحم أی اغتسل أو عرق و حم حمة قصده و التنور سجره و الماء سخنه و فی بعضها بالجیم و لعله من قولهم استجم الفرس إذا استراح و قال الجوهری یقال إنی لأستجم قلبی بشی ء من اللّٰهو لأقوی به علی الحق أی لم تزل تستریح و تتقوی لنا فی بیتك و تهیئ لنا الحشو من الكلام لتجادلنا به و المثابة المرجع و المنزل و موضع حبالة الصائد و یقال لامت بین القوم أی أصلحت و جمعت و رابت الإناء شعبته و أصلحته و منه قولهم اللّٰهم ارأب بینهم أی أصلح و نغل قلبه علی أی ضغن و یقال نغلت نیاتهم أی فسدت ما یتسان بتشدید النون من السنن و هو الطریقة أی لم یتطرق و یقال من حشوة بنی فلان بالكسر أی من رذالهم و الأطراف جمع طرف بالكسر و هو الكریم الطرفین و خلاك ذم أی أعذرت و سقط عنك الذم و یقال استشفه أی نظر ما وراءه و قد أثلجك كذا فی النسخ القدیمة من قولهم ثلجت نفسی أی اطمأنت و الإثلاج الإفلاج و المجاوبة المحاورة و تجلیة الشی ء كشفه و إیضاحه قوله یستأثر مقتبلهم الاستیثار الاستبداد و اقتبل أمره استأنفه و اقتبل الخطبة ارتجلها أو المراد بالمقتبل من یقبل الدین بكراهة اضطرارا و الأحم الأقرب و تباعة و بیتا تمیزان أی علی من كان أقرب منهم من جهة المتابعة و البیت أی النسب و هذا إشارة إلی غصب الخلافة أی یستبد بأمر الخلافة من لم یسبق له نص و لا فضیلة علی من هو أقرب من ذلك النبی نسبا و فضلا من كل أحد و السبت الدهر و النغف بالتحریك الدود الذی یكون فی أنوف الإبل و الغنم و فی حدیث یأجوج و مأجوج فیرسل علیهم النغف و العبداء بالقصر و المد جمع العبد كالعبدان و العبدان بالضم و الكسر و القن بالكسر عبد ملك هو و أبواه للواحد و الجمع و القعسرة الصلابة و الشدة.
قوله خیطا بالیاء المثناة و هو السلك و الجماعة من النعام و الجراد أو بالموحدة من قولهم خبط خبط عشواء و یقال أتوا خبطة أی جماعة جماعة.
ص: 330
و قال الجزری فیه ثم یكون ملك عضوض أی یصیب الرعیة فیه عسف و ظلم كأنهم یعضون فیه عضا.
و قال الفیروزآبادی الضرس كالضرب العض الشدید بالأضراس و اشتداد الزمان و قال الجمر من حر الغیظ أشده و من الرجل شره و قوله إلی المعافا كأنه بدل من قوله إلی أحدهم قوله لما یدهون علی بناء المجهول أی یصابون بالدواهی و الأمور العظیمة و العشواء الناقة التی لا تبصر أمامها فهی تخبط بیدیها كل شی ء و ركب فلان العشواء إذا خبط أمره علی غیر بصیرة و الشصائب الشدائد و یقال أخذت بكظمه بالتحریك أی بمخرج نفسه و رشت فلانا أصلحت حاله.
و قال الجزری فی أشراط الساعة و تقی ء الأرض أفلاذ كبدها أی تخرج كنوزها المدفون فیها و هو استعارة و الأفلاذ جمع فلذ و الفلذ جمع فلذة و هی القطعة المقطوعة طولا.
و الحمة بضم الحاء و تخفیف المیم و قد یشدد السم و رجل لكع أی لئیم و یقال هو ذلیل النفس و امرأة لكاع مثال قطام و الأفعوان بضم الهمزة و العین ذكر الأفاعی و الباقر جماعة البقر مع رعاتها و البهم بالفتح جمع بهمة و هی أولاد الضأن و بالضم جمع البهیمة و البیضاء كورة بالمغرب و یقال فلان أثیری أی من خلصائی و الجناب الفناء و الرحل و الناحیة و الطرس بالكسر الصحیفة.
قوله فمما بعد هذا أی فمن أی شی ء و لأی سبب تتأمل فی الإیمان بعد هذا البیان.
و البذاذة هیئة أهل الفقر و الأمثل الأفضل و الرجرجة الاضطراب و الجماعة الكثیرة فی الحرب و من لا عقل له و الطغام كسحاب رذال الناس و بوح بالباء الموحدة المضمومة و یوح بالیاء المثناة التحتانیة المضمومة كلاهما اسم للشمس و الزعیم سید القوم و رئیسهم و المتكلم عنهم و قذعه كمنعه و أقذعه رماه
ص: 331
بالفحش و سوء القول و طفق فی الفعل شرع و طفق الموضع لزمه و الدهارس جمع الدهرس كجعفر و هو الداهیة و الخفة و النشاط.
قوله حتی یعیش بظنه لعل المعنی أن الذین یعیشون بعقولهم و یستبدون بها یتبعون الظنون الفاسدة أو المعنی أن العاقل لا یكون عاقلا إلا أن یجد أشیاء بظنه و فهمه و لا یتوقف فهمه علی الروایة و الأثر و لعله كان فی الموضعین یغتر من الاغترار قوله إلا ما رویت لعله علی الخطاب أی إن كنت لا أعلم إلا روایتك التی رویت فلست من أهل العلم قوله إذا كان هذا فنعم أی إذا كانت تلك الروایة مرویة فضحكك حسن أو إذا كان ضحكك علی هذا الوجه فله وجه قوله فما هنا أی فما قلت فی هذا المقام من الظنون التی رجمت بها عباد ربك و فی بعض النسخ فكف مراجم و هو أظهر فقوله فما هنا أی أی شی ء كان هاهنا غیر هذا الوجه علی الوجه الثانی و علی الوجه الأول لما كان كلامه مشعرا بعدم صحة الخبر قال فما هنا أی انتسب إلی الكذب و فی النسخة القدیمة فهاهنا فلتكن و كأنه أصوب و الفصم الكسر و خبت النار سكنت و طفئت و أفل كضرب و نصر و علم غاب و الأمم بالتحریك القرب و الیسیر و البین من الأمر و لده خصمه و الألد الخصم الذی لا یزیغ إلی الحق و لددت لدا صرت ألد و المغادرة الترك و الأعضب المكسور القرن و الأعضب من الرجال من لا ناصر له قوله موف علی ضریحه أی مشرف علی الموت من أوفی علی الشی ء أشرف علیه فلا یترقب له بعد ذلك ولد و ذدت الإبل سقتها و طردتها و رجل ذائد و ذواد أی حامی الحقیقة دفاع.
قوله أو موطأ الأكناف الأكناف الجوانب و هو إما كنایة عن حسن الخلق من قولهم فراش وطی ء أی لا یؤذی جنب النائم أو عن الكرم و العز و كثرة ورود الأضیاف و غیرهم علیهم. (1)
ص: 332
و قال الجوهری البلوج الإشراف و بلج الحق إذا اتضح یقال الحق أبلج و الباطل لجلج و قال التلجلج التردد فی الكلام و الباطل لجلج أی یردد من غیر أن ینفذ و قولهم أولی لك تهدد و وعید قوله أغفلناك أی تركناك و فی بعض النسخ أعقلناك من أعقله أی وجده عاقلا و فی بعضها أعضلناك یقال أعضلنی فلان أی أعیانی أمره و عضلت علیه تعضیلا إذا ضیقت علیه فی أمره و راغ الرجل و الثعلب مال و حاد عن الشی ء و المراوغة المصارعة و الجوی داء الجوف إذا تطاول و یقال ثلجت نفسی كنصرت اطمأنت و تحلیق الشمس ارتفاعها و یقال أرجأت الأمر و أرجیته أی أخرته و قطع بفلان إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت أو قامت علیه راحلته أو أتاه أمر لا یقدر أن یتحرك قوله فض الحدیث بالفاء و الضاد المعجمة و الفض الكسر أو بالقاف و الصاد المهملة من قص الجناح أو القطع أو من القصة أو بالقاف و الضاد المعجمة من قض اللؤلؤة ثقبها و الشی ء دقه و الوتد قطعه و جاءوا قضهم و قضیضهم أی جمیعهم.
قوله فنخبر بالخاء المعجمة بمعنی الإخبار أو الاختبار أو بالمهملة من تحبیر الكلام تحسینه و التباشیر البشری و تباشیر الصبح أوائله.
قوله لیس بظهرة دینه أی لیس هذا الرجل من أعوان دینه و أمته بل من ذریته و اللوب بالضم جمع اللوبة و اللابة و هی الحرة قوله موطأ أی متهیأ له و الإرب بالكسر الحاجة و الفارط المقصر و المضیع.
قوله البهلولة البهلول بالضم السید الجامع لكل خیر و فی بعض النسخ البتولة و هو أظهر و الآسی كالقاضی الطبیب و الخائل الحافظ للشی ء یقال هو خولی مال أی حسن القیام به.
و فی القاموس حول مجرم كمعظم تام.
و التألیب التحریض و الصغو بالفتح و الكسر المیل و تقول أصغیت إلی فلان إذا ملت بسمعك نحوه و شمس الفرس شموسا و شماسا منع ظهره.
ص: 333
قوله لئلا یفتات فی القاموس لا یفتات علیه لا یعمل دون أمره.
و استنجدنی فأنجدته أی استعان بی فأعنته.
و قال أبو عبید أضج القوم إضجاجا إذا جلبوا و صاحوا فإذا جزعوا من شی ء و غلبوا قیل ضجوا.
و استدرك الشی ء بالشی ء حاول إدراكه به و ضاع المسك و تضوع أی تحرك فانتشرت رائحته و أرج الطیب یأرج أرجا بالتحریك فاح و تضوع و التكلل الإحاطة و نسل كنصر و ضرب أسرع و الأوب الناحیة و القاع المستوی من الأرض و الأكم بالتحریك التلال و بهره غلبه و ناف الشی ء أی طال و ارتفع و أناف علی الشی ء أی أشرف و الصفیح السماء و وجه كل شی ء عریض و الإصر الذنب و الثقل.
و قال الفیروزآبادی اقشعر جلده أخذته قشعریرة أی رعدة و السنة أمحلت و كعلابط الخشن المس.
و قال الهیاطلة جنس من الترك و الهند كانت لهم شوكة.
و شارفه و علیه اطلع من فوقه و السبر امتحان غور الشی ء و الصرم القطع قوله لحكة الصدور أی لخلجان الشبه فیها و فی بعض النسخ لحسكة الصدور و هی نبات تعلق ثمرته بالصوف و الحقد و العداوة قوله طرا بالضم أی جمیعا و العصبة قوم الرجل الذین یتعصبون له بما هم به منه أی الذین ذكروا بنعت هم متلبسون به من قرابة الرسول و نسبه و قناة الظهر التی تنتظم الفقار و البكر بالكسر أول كل شی ء و أول ولد الأبوین و الانتیاش التناول و الإخراج و الفنن الغصن و الأسف أشد الحزن و قد أسف علی ما فاته تلهف و أسف علیه غضب و ارتأی افتعال من الرأی و ندبه الأمر فانتدب له أی دعاه فأجابه و تفیئة الشی ء حینه و إبانه و یقال غرز رجله فی الغرز و هو ركاب من جلد وضعها فیه كاغترز و اغترز السیر دنا و راث علی خبرك أبطأ و الاستراثة الاستبطاء و التفث الشعث و الكثافات و شن الماء صبه و فرقه
ص: 334
و أماط أبعد و البذلة بالكسر ما لا یصان من الثیاب و الأتحمیة نوع من البرد و ذر الملح و الطیب نثره و فرقه و اللمم كعنب جمع اللمة بالكسر و هی الشعر یجاوز شحمة الأذن و منسج الفرس أسفل من حاركه (1) و الرزدق الصف من الناس و تشوقت إلی الشی ء أی تطلعت و الغابر الماضی و الباقی و كننت الشی ء سترته و أكننته فی نفسی أسررته و الأمشاج الأخلاط قوله و ینصب و اللّٰه بأربه أی یتعب بسبب حاجته و یمكن أن یكون كنایة عن الذهاب إلی الخلاء.
فهؤلاء سجیة الأنبیاء أی المباهلة بهم طریقتهم و الأظهر شجنة بالشین المعجمة و النون كما فی بعض النسخ قال فی النهایة الرحم شجنة من الرحمن أی قرابة مشتبكة كاشتباك العروق شبهه بذلك مجازا و اتساعا و أصل الشجنة بالكسر و الضم شعبة من غصن من غصون الشجرة انتهی.
و سیأتی وشیج و له أیضا وجه و فی نسخة قدیمة وشجة. و الشارة اللباس و الهیئة و متع النهار كمنع ارتفع و النازح البعید و رجل ناصح الجیب أی أمین و القزع بالتحریك قطع من السحاب رقیقة و حمارة القیظ بفتح الحاء و تشدید الراء شدته و الهجیر و الهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر و إبان الشی ء بالكسر و التشدید وقته و الغضارة طیب العیش و فی القاموس الأیك الشجر الكثیر و الواحدة أیكة و الشح البخل مع حرص تقول شححت بالكسر و الفتح و حجر علیه منعه و الضن بالكسر البخل و بدهه بأمر استقبله به و بادهه فاجأه.
من بالكما فی القاموس البال الحال و الخاطر و القلب و فی بعض النسخ من تألیكما و التألی التقصیر و الحلف و فی الحدیث من یتألی علی اللّٰه بكذبه أی من حكم علیه و حلف و الوحا السرعة یقال الوحا الوحا
ص: 335
البدار البدار و الكسف بكسر الكاف و فتح السین القطع و كذا الزبر بضم الزاء و فتح الباء و ساخت قوائمه فی الأرض دخلت و غابت و العفرة بالضم البیاض لیس بالشدید.
«1»- عم، إعلام الوری قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وفد نجران فیهم بضعة عشر رجلا من أشرافهم و ثلاثة نفر یتولون أمورهم العاقب و هو أمیرهم و صاحب مشورتهم الذی لا یصدرون إلا عن رأیه و أمره و اسمه عبد المسیح و السید و هو ثمالهم و صاحب رحلهم و اسمه الأیهم و أبو حارثة بن علقمة الأسقف و هو حبرهم و إمامهم و صاحب مدارسهم و له فیهم شرف و منزلة و كانت ملوك الروم قد بنوا له الكنائس و بسطوا علیه الكرامات لما یبلغهم من علمه و اجتهاده فی دینهم فلما وجهوا إلی رسول اللّٰه جلس أبو حارثة علی بغلة و إلی جنبه أخ له یقال له كرز أو بشر بن علقمة (1) یسایره إذ عثرت بغلة أبی حارثة فقال كرز تعس الأبعد یعنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و قال له أبو حارثة بل أنت تعست قال له و لم یا أخی فقال و اللّٰه إنه للنبی الذی كنا ننتظر (2) فقال كرز فما یمنعك أن تتبعه فقال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا و مولونا و أكرمونا و قد أبوا إلا خلافه و لو فعلت نزعوا منا كل ما تری فأضمر علیها منه أخوه كرز حتی أسلم ثم مر یضرب راحلته و یقول
إلیك تغدو (3) قلقا وضینها*** معترضا فی بطنها جنینها
مخالفا دین النصاری دینها
فلما قدم علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله أسلم قال فقدموا علی رسول اللّٰه وقت العصر و فی لباسهم الدیباج و ثیاب الحیرة (4) علی هیئة لم یقدم بها أحد من العرب فقال أبو بكر بأبی أنت و أمی یا رسول اللّٰه لو لبست حلتك التی أهداها لك قیصر
ص: 336
فرأوك فیها قال ثم أتوا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فسلموا علیه فلم یرد علیه السلام و لم یكلمهم فانطلقوا یبتغون (1) عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و كانا معرفة لهم فوجدوهما فی مجلس من المهاجرین فقالوا إن نبیكم كتب إلینا بكتاب (2) فأقبلنا مجیبین له فأتیناه فسلمنا (3) علیه فلم یرد سلامنا و لم یكلمنا فما الرأی فقالا لعلی بن أبی طالب ما تری یا أبا الحسن فی هؤلاء القوم قال أری أن یضعوا حللهم هذه و خواتیمهم (4) ثم یعودون إلیه ففعلوا ذلك فسلموا فرد سلامهم (5) ثم قال وَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالْحَقِّ لَقَدْ أَتَوْنِی الْمَرَّةَ الْأُولَی وَ إِنَّ إِبْلِیسَ لَمَعَهُمْ ثُمَّ سَاءَلُوهُ وَ دَارَسُوهُ یَوْمَهُمْ وَ قَالَ الْأُسْقُفُّ مَا تَقُولُ فِی السَّیِّدِ الْمَسِیحِ یَا مُحَمَّدُ قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَ رَسُولُهُ قَالَ بَلْ هُوَ كَذَا وَ كَذَا فَقَالَ علیه السلام بَلْ هُوَ كَذَا وَ كَذَا فترادا فنزل علی رسول اللّٰه من صدر سورة آل عمران نحو من سبعین آیة یتبع بعضها بعضا و فیما أنزل اللّٰه إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ إلی قوله عَلَی الْكاذِبِینَ (6) فقالوا للنبی صلی اللّٰه علیه و آله نباهلك غدا و قال أبو حارثة لأصحابه انظروا فإن كان محمد غدا بولده (7) و أهل بیته فاحذروا مباهلته و إن غدا بأصحابه و أتباعه فباهلوه.
ص: 337
- قَالَ أَبَانٌ حَدَّثَنِی الْحُسَیْنُ بْنُ دِینَارٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِیِّ قَالَ: غَدَا رَسُولُ اللَّهِ آخِذاً بِیَدِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ تَتْبَعُهُ فَاطِمَةُ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ عَلِیٌّ وَ غَدَا الْعَاقِبُ وَ السَّیِّدُ بِابْنَیْنِ عَلَی أَحَدِهِمَا دُرَّتَانِ كَأَنَّهُمَا بَیْضَتَا حَمَامٍ فَحَفُّوا بِأَبِی حَارِثَةَ فَقَالَ أَبُو حَارِثَةَ مَنْ هَؤُلَاءِ مَعَهُ قَالُوا هَذَا ابْنُ عَمِّهِ زَوْجُ ابْنَتِهِ وَ هَذَانِ ابْنَا ابْنَتِهِ وَ هَذِهِ بِنْتُهُ أَعَزُّ النَّاسِ عَلَیْهِ وَ أَقْرَبُهُمْ إِلَی قَلْبِهِ وَ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَثَا عَلَی رُكْبَتَیْهِ فَقَالَ أَبُو حَارِثَةَ جَثَا وَ اللَّهِ كَمَا جَثَا الْأَنْبِیَاءُ لِلْمُبَاهَلَةِ فَكَعَّ وَ لَمْ یُقْدِمْ عَلَی الْمُبَاهَلَةِ فَقَالَ لَهُ السَّیِّدُ ادْنُ یَا بَا حَارِثَةَ لِلْمُبَاهَلَةِ فَقَالَ لَا إِنِّی لَأَرَی رَجُلًا جَرِیئاً عَلَی الْمُبَاهَلَةِ وَ أَنَا أَخَافُ أَنْ یَكُونَ صَادِقاً فَلَا یَحُولُ وَ اللَّهِ عَلَیْنَا الْحَوْلُ وَ فِی الدُّنْیَا نَصْرَانِیٌّ یَطْعَمُ الْمَاءَ قَالَ وَ كَانَ نَزَلَ الْعَذَابُ مِنَ السَّمَاءِ لَوْ بَاهَلُوهُ فَقَالُوا یَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّا لَا نُبَاهِلُكَ وَ لَكِنْ نُصَالِحُكَ فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَی أَلْفَیْ حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْأَوَاقِیِّ قِیمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَماً جِیَاداً وَ كَتَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ كِتَاباً (1) وَ قَالَ لِأَبِی حَارِثَةَ الْأُسْقُفِّ لَكَأَنَّنِی بِكَ قَدْ ذَهَبْتَ إِلَی رَحْلِكَ وَ أَنْتَ وَسْنَانُ (2) فَجَعَلْتَ مُقَدَّمَهُ مُؤَخَّرَهُ فَلَمَّا رَجَعَ قَامَ یُرَحِّلُ رَاحِلَتَهُ فَجَعَلَ رَحْلَهُ مَقْلُوباً فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله. (3).
ص: 338
بیان: یقال فلان ثمال قومه بالكسر أی غیاث لهم یقوم بأمرهم التعس الهلاك و العثار و السقوط و الشر و البعد و الانحطاط و الفعل كمنع و سمع فإذا خاطبت قلت تعست كمنع و إذا حكیت قلت تعس كسمع و الأبعد الخائن و المتباعد عن الخیر
و قال الجزری فِی حَدِیثِ عَلِیٍّ علیه السلام إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِینِ.
القلق الانزعاج و الوضین بطان منسوج بعضه علی بعض یشد به الرحل علی البعیر كالحزام للسرج أراد أنه سریع الحركة یصفه بالخفة و قلة الثبات كالحزام إذا كان رخوا و منه حدیث ابن عمر
إلیك تعدو قلقا وضینها***مخالفا دین النصاری دینها
أراد أنها هزلت و دقت للسیر علیها و قال یقال كع الرجل عن الأمر إذا جبن عنه و أحجم.
«2»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی أَبُو عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَیْنِ (1) عَنْ أَبِیهِ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْحُصَیْنِ عَنْ أَبِی صَادِقٍ عَنْ رَبِیعَةَ بْنِ نَاجِدٍ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ خَرَجَ لِمُبَاهَلَةِ النَّصَارَی بِی وَ بِفَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ (2).
«3»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی أَبُو عَمْرٍو وَ ابْنُ الصَّلْتِ مَعاً عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ یَحْیَی (3) عَنْ یَعْقُوبَ بْنِ یُوسُفَ الضَّبِّیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَیُّوبَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِیمِ عَنْ أَبِی أُمَیَّةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَنِ الَّذِینَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یُبَاهِلَ بِهِمْ قَالَ عَلِیٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ الْأَنْفُسُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیٌّ علیه السلام (4).
«4»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی الْفَوَارِسِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
ص: 339
إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ عَنْ قُتَیْبَةَ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ حَاتِمٍ عَنْ بُكَیْرِ بْنِ یَسَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: (1) لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ وَ حَسَناً وَ حُسَیْناً علیهم السلام وَ قَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَیْتِی الْخَبَرَ (2).
أقول: قد مر فیما احتج به الرضا علیه السلام فی مجلس المأمون فی فضل العترة الاحتجاج بالمباهلة.
«5»-فس، تفسیر القمی أَبِی عَنِ النَّضْرِ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّ نَصَارَی نَجْرَانَ لَمَّا وَفَدُوا عَلَی رَسُولِ اللَّهِ وَ كَانَ سَیِّدُهُمْ الْأَهْتَمَ (3) وَ الْعَاقِبَ وَ السَّیِّدَ وَ حَضَرَتْ صَلَوَاتُهُمْ فَأَقْبَلُوا یَضْرِبُونَ بِالنَّاقُوسِ وَ صَلُّوا فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا فِی مَسْجِدِكَ فَقَالَ دَعُوهُمْ فَلَمَّا فَرَغُوا دَنَوْا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا إِلَی مَا تَدْعُو (4) فَقَالَ إِلَی شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَنَّ عِیسَی عَبْدٌ مَخْلُوقٌ یَأْكُلُ وَ یَشْرَبُ وَ یُحْدِثُ قَالُوا فَمَنْ أَبُوهُ فَنَزَلَ الْوَحْیُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ قُلْ لَهُمْ مَا یَقُولُونَ (5) فِی آدَمَ أَ كَانَ عَبْداً مَخْلُوقاً یَأْكُلُ وَ یَشْرَبُ وَ یُحْدِثُ وَ یَنْكِحُ فَسَأَلَهُمُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ فَمَنْ أَبُوهُ فَبَقُوا (6) سَاكِتِینَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ الْآیَةَ إِلَی قَوْلِهِ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ (7) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَبَاهِلُونِی إِنْ كُنْتُ صَادِقاً أُنْزِلَتِ اللَّعْنَةُ عَلَیْكُمْ وَ إِنْ كُنْتُ كَاذِباً أُنْزِلَتْ عَلَیَّ (8) فَقَالُوا أَنْصَفْتَ فَتَوَاعَدُوا
ص: 340
لِلْمُبَاهَلَةِ (1) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَی مَنَازِلِهِمْ قَالَ رُؤَسَاؤُهُمْ السَّیِّدُ وَ الْعَاقِبُ وَ الْأَهْتَمُ إِنْ بَاهَلَنَا بِقَوْمِهِ بَاهَلْنَاهُ فَإِنَّهُ لَیْسَ بِنَبِیٍّ وَ إِنْ بَاهَلَنَا بِأَهْلِ بَیْتِهِ خَاصَّةً فَلَا نُبَاهِلُهُ فَإِنَّهُ لَا یُقْدِمُ عَلَی أَهْلِ بَیْتِهِ إِلَّا وَ هُوَ صَادِقٌ فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءُوا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَعَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ علیهم السلام فَقَالَ النَّصَارَی مَنْ هَؤُلَاءِ فَقِیلَ لَهُمْ هَذَا ابْنُ عَمِّهِ وَ وَصِیُّهُ وَ خَتَنُهُ (2) عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ هَذِهِ ابْنَتُهُ (3) فَاطِمَةُ وَ هَذَانِ ابْنَاهُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ فَفَرِقُوا وَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نُعْطِیكَ الرِّضَا فَأَعْفِنَا عَنِ الْمُبَاهَلَةِ فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی الْجِزْیَةِ وَ انْصَرَفُوا (4).
«6»-یج، الخرائج و الجرائح رُوِیَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ دَعَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْعَاقِبَ وَ الطَّیِّبَ (5) رَئِیسَیْهِمْ إِلَی الْإِسْلَامِ فَقَالا أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ فَقَالَ كَذَبْتُمَا یَمْنَعُكُمَا مِنْ ذَلِكَ حُبُّ الصَّلِیبِ وَ شُرْبِ الْخَمْرِ فَدَعَاهُمَا إِلَی الْمُلَاعَنَةِ فَوَاعَدَاهُ عَلَی أَنْ یُغَادِیَاهُ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَقَدْ أَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ وَ فَاطِمَةَ فَقَالا أَتَی بِخَوَاصِّهِ وَاثِقاً بِدِیَانَتِهِمْ فَأَبَوُا الْمُلَاعَنَةَ فَقَالَ صلی اللّٰه علیه و آله لَوْ فَعَلَا لَأَمْطَرَ الْوَادِی عَلَیْهِمْ (6) نَاراً.
«7»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ حَرِیزٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام سُئِلَ عَنْ فَضَائِلِهِ فَذَكَرَ بَعْضَهَا (7) ثُمَّ قَالُوا لَهُ زِدْنَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَتَاهُ حِبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ النَّصَارَی مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ فَتَكَلَّمَا فِی أَمْرِ عِیسَی فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآیَةَ إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ (8) إِلَی آخِرِ الْآیَةِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ وَ فَاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ وَ رَفَعَ كَفَّهُ إِلَی السَّمَاءِ وَ فَرَّجَ بَیْنَ أَصَابِعِهِ وَ دَعَاهُمْ إِلَی الْمُبَاهَلَةِ.
ص: 341
قَالَ وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام وَ كَذَلِكَ الْمُبَاهَلَةُ یَشْبِكُ یَدَهُ فِی یَدِهِ یَرْفَعُهُمَا إِلَی السَّمَاءِ فَلَمَّا رَآهُ الْحِبْرَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِیّاً لَنَهْلِكَنَّ وَ إِنْ كَانَ غَیْرَ نَبِیٍّ كَفَانَا قَوْمُهُ فَكَفَّا وَ انْصَرَفَا (1).
«8»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ الْأُرْدُنِیِّ (2) عَنْ مُوسَی بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا عَنْ أَخِیهِ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ فِی هَذِهِ الْآیَةِ فَقُلْ (3) تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ (4) وَ لَوْ قَالَ تَعَالَوْا نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ لَمْ یَكُونُوا یُجِیبُونَ لِلْمُبَاهَلَةِ وَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ نَبِیَّهُ مُؤَدٍّ عَنْهُ رِسَالاتِهِ وَ مَا هُوَ مِنَ الْكَاذِبِینَ (5).
«9»-شی، تفسیر العیاشی عَنِ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِیٌّ علیه السلام قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الْآیَةَ قَالَ أَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ ابْنَیْهِمَا (6) علیهم السلام فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْیَهُودِ (7) لَا تَفْعَلُوا فَتُصِیبَكُمْ عَنَتٌ فَلَمْ یَدْعُوهُ (8).
«10»-شی، تفسیر العیاشی عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ مُعَاوِیَةُ لِأَبِی مَا یَمْنَعُكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ قَالَ لِثَلَاثٍ رَوَیْتُهُنَّ (9) عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله لَمَّا نَزَلَتْ آیَةُ الْمُبَاهَلَةِ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الْآیَةَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِیَدِ عَلِیٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ علیهم السلام قَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلِی (10).
«11»-قب، المناقب لابن شهرآشوب تَفْسِیرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ قَتَادَةَ وَ مُجَاهِدٍ وَ ابْنِ جُبَیْرٍ وَ الْكَلْبِیِّ وَ الْحَسَنِ وَ أَبِی صَالِحٍ وَ الْقَزْوِینِیِّ وَ الْمَغْرِبِیِّ وَ الْوَالِبِیِّ وَ فِی صَحِیحِ مُسْلِمٍ وَ شَرَفِ الْخَرْكُوشِیِ
ص: 342
وَ اعْتِقَادِ الْأُشْنُهِیِّ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ كَانَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام فَقَطْ- وَ هُوَ الْمَرْوِیُّ عَنِ الصَّادِقِ وَ سَائِرِ أَهْلِ الْبَیْتِ علیهم السلام (1)
«12»-قب، المناقب لابن شهرآشوب حَدِیثُ الْمُبَاهَلَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِیُّ فِی جَامِعِهِ وَ قَالَ هَذَا حَدِیثٌ حَسَنٌ صَحِیحٌ وَ ذَكَرَ مُسْلِمٌ أَنَّ مُعَاوِیَةَ أَمَرَ سَعْدَ بْنَ أَبِی وَقَّاصٍ أَنْ یَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ فَذَكَرَ قَوْلَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله أَ مَا تَرْضَی أَنْ تَكُونَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی الْخَبَرَ وَ قَوْلَهُ لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا الْخَبَرَ وَ قَوْلَهُ تَعَالَی نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الْقِصَّةَ.
وَ قَدْ رَوَاهُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی الْفَوَارِسِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ قَالَ: لِعَلِیٍّ ثَلَاثٌ فَلَأَنْ تَكُونَ لِی وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ثُمَّ رَوَی الْخَبَرَ بِعَیْنِهِ.
وَ فِی أُخْرَی لِمُسْلِمٍ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ لَمَّا نَزَلَتْ قَوْلُهُ تَعَالَی فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ علیهم السلام وَ قَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِی.
أَبُو نُعَیْمٍ الْأَصْفَهَانِیُّ فِیمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ الشَّعْبِیُّ قَالَ جَابِرٌ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ وَ عَلِیٌّ وَ أَبْناءَنا الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ نِساءَنا فَاطِمَةُ.
وَ رَوَی الْوَاحِدِیُّ فِی أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِیهِ وَ رَوَی ابْنُ الْبَیِّعِ فِی مَعْرِفَةِ عُلُومِ الْحَدِیثِ عَنِ الْكَلْبِیِّ عَنْ أَبِی صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ رَوَی مُسْلِمٌ فِی الصَّحِیحِ وَ التِّرْمِذِیُّ فِی الْجَامِعِ وَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِی الْمُسْنَدِ وَ فِی الْفَضَائِلِ أَیْضاً وَ ابْنُ بَطَّةَ فِی الْإِبَانَةِ وَ ابْنُ مَاجَةَ الْقَزْوِینِیُّ فِی السُّنَنِ وَ الْأُشْنُهِیُّ فِی اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَ الْخَرْكُوشِیُّ فِی شَرَفِ النَّبِیِّ وَ قَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَ قُتَیْبَةُ بْنُ سَعِیدٍ وَ الْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ وَ مَحْمُودٌ الزَّمَخْشَرِیُّ وَ ابْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ وَ الْقَاضِی أَبُو یُوسُفَ وَ الْقَاضِی الْمُعْتَمَدُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَ رُوِیَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ سَعِیدِ
ص: 343
بْنِ جُبَیْرٍ وَ مُجَاهِدٍ وَ قَتَادَةَ وَ الْحَسَنِ وَ أَبِی صَالِحٍ وَ الشَّعْبِیِّ وَ الْكَلْبِیِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ زُبَیْرٍ وَ أَسْنَدَ أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْفَهَانِیُّ فِی الْأَغَانِی عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِیٍّ وَ عَنِ الْكَلْبِیِّ وَ عَنْ أَبِی صَالِحٍ وَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ عَنِ الشَّعْبِیِّ وَ عَنِ الثُّمَالِیِّ وَ عَنْ شَرِیكٍ وَ عَنْ جَابِرٍ وَ عَنْ أَبِی رَافِعٍ وَ عَنِ الصَّادِقِ وَ عَنِ الْبَاقِرِ وَ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیهم السلام وَ قَدِ اجْتَمَعَتِ الْإِمَامِیَّةُ وَ الزَّیْدِیَّةُ مَعَ اخْتِلَافِ رِوَایَاتِهِمْ عَلَی ذَلِكَ وَ مَجْمَعِ الْحَدِیثِ مِنَ الطُّرُقِ جَمِیعاً أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ كَانُوا أَرْبَعِینَ رَجُلًا وَ فِیهِمُ السَّیِّدُ وَ الْعَاقِبُ وَ قَیْسٌ وَ الْحَارِثُ وَ عَبْدُ الْمَسِیحِ بْنُ یُونَانَ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ فَقَالَ الْأُسْقُفُّ یَا أَبَا الْقَاسِمِ مُوسَی مَنْ أَبُوهُ قَالَ عِمْرَانُ قَالَ فَیُوسُفُ مَنْ أَبُوهُ قَالَ یَعْقُوبُ قَالَ فَأَنْتَ مَنْ أَبُوكَ قَالَ أَبِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ فَعِیسَی مَنْ أَبُوهُ فَأَعْرَضَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْهُمْ فَنَزَلَ إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ الْآیَةَ فَتَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ فَغُشِیَ عَلَیْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَی إِلَیْكَ أَنَّ عِیسَی خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ مَا نَجِدُ هَذَا فِیمَا أُوحِیَ إِلَیْكَ وَ لَا نَجِدُهُ فِیمَا أُوحِیَ إِلَیْنَا وَ لَا یَجِدُهُ هَؤُلَاءِ الْیَهُودُ فِیمَا أُوحِیَ إِلَیْهِمْ فَنَزَلَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الْآیَةَ قَالُوا أَنْصَفْتَنَا یَا أَبَا الْقَاسِمِ فَمَتَی نُبَاهِلُكَ فَقَالَ بِالْغَدَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ انْصَرَفَ النَّصَارَی فَقَالَ السَّیِّدُ لِأَبِی الْحَارِثِ مَا تَصْنَعُونَ بِمُبَاهَلَتِهِ إِنْ كَانَ (1) كَاذِباً مَا نَصْنَعُ بِمُبَاهَلَتِهِ شَیْئاً وَ إِنْ كَانَ صَادِقاً لَنَهْلِكَنَّ فَقَالَ الْأُسْقُفُّ إِنْ غَدَا فَجَاءَ بِوُلْدِهِ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ فَاحْذَرُوا مُبَاهَلَتَهُ وَ إِنْ غَدَا بِأَصْحَابِهِ فَلَیْسَ بِشَیْ ءٍ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُحْتَضِناً الْحُسَیْنَ آخِذاً بِیَدِ الْحَسَنِ وَ فَاطِمَةُ تَمْشِی خَلْفَهُ وَ عَلِیٌّ خَلْفَهَا وَ فِی رِوَایَةٍ آخِذاً بِیَدِ عَلِیٍّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ فَاطِمَةُ تَتْبَعُهُ ثُمَّ جَثَا بِرُكْبَتَیْهِ وَ جَعَلَ عَلِیّاً علیه السلام أَمَامَهُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ فَاطِمَةَ بَیْنَ كَتِفَیْهِ وَ الْحَسَنَ عَنْ یَمِینِهِ وَ الْحُسَیْنَ عَنْ یَسَارِهِ وَ هُوَ یَقُولُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْتُ فَأَمِّنُوا فَقَالَ الْأُسْقُفُّ جَثَا وَ اللَّهِ مُحَمَّدٌ كَمَا یَجْثُو الْأَنْبِیَاءُ لِلْمُبَاهَلَةِ وَ
ص: 344
خَافُوا فَقَالُوا یَا أَبَا الْقَاسِمِ أَقِلْنَا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَكَ فَقَالَ نَعَمْ قَدْ أَقَلْتُكُمْ فَصَالَحُوهُ عَلَی أَلْفَیْ حُلَّةٍ وَ ثَلَاثِینَ دِرْعاً وَ ثَلَاثِینَ فَرَساً وَ ثَلَاثِینَ جَمَلًا وَ لَمْ یَلْبَثِ السَّیِّدُ وَ الْعَاقِبُ إِلَّا یَسِیراً حَتَّی رَجَعَا إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَسْلَمَا وَ أَهْدَی الْعَاقِبُ لَهُ حُلَّةً وَ عَصاً وَ قَدَحاً وَ نَعْلَیْنِ.
وَ رُوِیَ أَنَّهُ قَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ إِنَّ الْعَذَابَ قَدْ تَدَلَّی عَلَی أَهْلِ نَجْرَانَ وَ لَوْ لَاعَنُوا لَمُسِخُوا قِرَدَةً وَ خَنَازِیرَ وَ لَأُضْرِمَ عَلَیْهِمُ الْوَادِی نَاراً وَ لَاسْتَأْصَلَ اللَّهُ نَجْرَانَ وَ أَهْلَهُ حَتَّی الطَّیْرَ عَلَی رُءُوسِ الشَّجَرِ وَ لَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَی النَّصَارَی كُلِّهِمْ حَتَّی یَهْلِكُوا.
وَ فِی رِوَایَةٍ لَوْ بَاهَلْتُمُونِی بِمَنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ لَأَضْرَمَ اللَّهُ عَلَیْكُمْ نَاراً تَتَأَجَّجُ ثُمَّ سَاقَهَا إِلَی مَنْ وَرَاءَكُمْ فِی أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَیْنِ فَأَحْرَقَتْهُمْ تَأَجُّجاً.
وَ فِی رِوَایَةٍ لَوْ لَاعَنُونِی لَقَلَعْتُ دَارَ كُلِّ نَصْرَانِیٍّ فِی الدُّنْیَا.
وَ فِی رِوَایَةٍ أَمَا وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَوْ لَاعَنُونِی مَا حَالَ الْحَوْلُ وَ بِحَضْرَتِهِمْ مِنْهُمْ بَشَرٌ.
وَ كَانَتِ الْمُبَاهَلَةُ یَوْمَ الرَّابِعِ وَ الْعِشْرِینَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ وَ رُوِیَ یَوْمَ الْخَامِسِ وَ الْعِشْرِینَ (1) وَ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ (2).
«13»-ضه، روضة الواعظین قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِی قَوْلِهِ تَعَالَی فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ قَالَ وَفَدَ وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَی نَبِیِّ اللَّهِ وَ فِیهِمُ السَّیِّدُ وَ الْعَاقِبُ وَ أَبُو الْحَارِثِ وَ هُوَ عَبْدُ الْمَسِیحِ بْنُ یَوْمَانَ (3) أُسْقُفُّ نَجْرَانَ سَادَةُ أَهْلِ نَجْرَانَ فَقَالُوا لِمَ تَذْكُرُ صَاحِبَنَا قَالَ وَ مَنْ صَاحِبُكُمْ قَالُوا عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ تَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَجَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ قَالُوا فَأَرِنَا فِیمَنْ خَلَقَ اللَّهُ عَبْداً مِثْلَهُ فَأَعْرَضَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَنْهُمْ فَنَزَلَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام بِقَوْلِهِ تَعَالَی إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ إِلَی قَوْلِهِ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ
ص: 345
فَقَالَ لَهُمْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ قَالُوا نَعَمْ نُلَاعِنُكَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ وَ مَعَهُ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هَؤُلَاءِ أَبْنَاؤُنَا وَ نِسَاؤُنَا وَ أَنْفُسُنَا فَهَمُّوا أَنْ یُلَاعِنُوهُ ثُمَّ إِنَّ السَّیِّدَ قَالَ لِأَبِی الْحَارِثِ وَ الْعَاقِبِ مَا تَصْنَعُونَ بِمُلَاعَنَةِ هَذَا إِنْ كَانَ (1) كَاذِباً مَا تَصْنَعُ بِمُلَاعَنَتِهِ شَیْئاً وَ إِنْ كَانَ صَادِقاً لَنَهْلِكَنَّ فَصَالَحُوهُ عَلَی الْجِزْیَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمَا وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَوْ لَاعَنُونِی مَا حَالَ الْحَوْلُ وَ بِحَضْرَتِهِمْ بَشَرٌ قَالَ الصَّادِقُ علیه السلام إِنَّ الْأُسْقُفَّ قَالَ لَهُمْ إِنْ غَدَا فَجَاءَ بِوُلْدِهِ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ فَاحْذَرُوا مُبَاهَلَتَهُ وَ إِنْ غَدَا (2) بِأَصْحَابِهِ فَلَیْسَ بِشَیْ ءٍ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله آخِذاً بِیَدِ عَلِیٍّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ فَاطِمَةُ تَتْبَعُهُ وَ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَثَا لِرُكْبَتَیْهِ فَقَالَ الْأُسْقُفُّ جَثَا وَ اللَّهِ مُحَمَّدٌ كَمَا یَجْثُو الْأَنْبِیَاءُ لِلْمُبَاهَلَةِ وَ كَاعَ عَنِ التَّقَدُّمِ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَوْ لَاعَنُونِی یَعْنِی النَّصَارَی لَقَطَعَتْ دَابِرَ كُلِّ نَصْرَانِیٍّ فِی الدُّنْیَا (3).
«14»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم الْحُسَیْنُ بْنُ سَعِیدٍ مُعَنْعَناً عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام فِی قَوْلِهِ تَعَالَی أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءِ علیها السلام (4).
«15»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ الْأَحْمَسِیُّ مُعَنْعَناً عَنْ أَبِی رَافِعٍ قَالَ قَالَ: مَرَّ صُهَیْبٌ مَعَ أَهْلِ نَجْرَانَ- (5) فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا خَاصَمُوهُ بِهِ مِنْ أَمْرِ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ عَلَیْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ أَنَّهُمْ دَعَوْهُ وَلَدَ اللَّهِ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَاصَمَهُمْ وَ خَاصَمُوهُ فَقَالَ تَعالَوْا (6) نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ إِلَی آخِرِ الْآیَةِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً فَأَخَذَ بِیَدِهِ فَتَوَكَّأَ عَلَیْهِ وَ مَعَهُ ابْنَاهُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ علیهما السلام وَ فَاطِمَةُ علیها السلام خَلْفَهُمْ فَلَمَّا رَأَی النَّصَارَی (7)
ص: 346
أَشَارَ عَلَیْهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ مَا أَرَی لَكُمْ تُلَاعِنُوهُ (1) فَإِنْ كَانَ نَبِیّاً هَلَكْتُمْ وَ لَكِنْ صَالِحُوهُ قَالَ فَصَالَحُوهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَوْ لَاعَنُونِی مَا وُجِدَ لَهُمْ أَهْلٌ وَ لَا وُلْدٌ وَ لَا مَالٌ (2).
«16»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم الْحُسَیْنُ بْنُ سَعِیدٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ مُعَنْعَناً عَنِ الشَّعْبِیِّ قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَ السَّیِّدُ النَّجْرَانِیَّانِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَدَعَاهُمْ (3) إِلَی الْإِسْلَامِ فَقَالا إِنَّنَا مُسْلِمَانِ فَقَالَ إِنَّهُ یَمْنَعُكُمَا مِنَ الْإِسْلَامِ ثَلَاثٌ أَكْلُ الْخِنْزِیرِ (4) وَ تَعْلِیقُ الصَّلِیبِ وَ قَوْلُكُمْ فِی عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ فَقَالا وَ مِنْ أَیْنَ عِیسَی (5) فَسَكَتَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ إِلَی آخِرِ الْقِصَّةِ (6) فَنَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ فَقَالا فَنُبَاهِلُكَ فَتَوَاعَدُوا لِغَدٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لَا تُلَاعِنْهُ فَوَ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِیّاً لَا تَرْجِعُ إِلَی أَهْلِكَ وَ لَكَ (7) عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ أَهْلٌ وَ لَا مَالٌ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَخَذَ بِیَدِ عَلِیٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ وَ قَدَّمَهُمْ وَ جَعَلَ فَاطِمَةَ وَرَاءَهُمْ ثُمَّ قَالَ لَهُمَا تَعَالَیَا فَهَذَا أَبْنَاؤُنَا الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ هَذَا نِسَاؤُنَا فَاطِمَةُ وَ أَنْفُسُنَا عَلِیٌّ فَقَالا لَا نُلَاعِنُكَ (8).
«17»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ مُعَنْعَناً عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله قَدِمَ فِیهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ النَّصَارَی مِنْ كِبَارِهِمْ الْعَاقِبُ وَ مُحَسِّنٌ (9) وَ الْأُسْقُفُّ فَجَاءُوا إِلَی الْیَهُودِ وَ هُمْ فِی بَیْتِ الْمَدَارِسِ فَصَاحُوا بِهِمْ یَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَ الْخَنَازِیرِ هَذَا الرَّجُلُ بَیْنَ ظَهْرَانَیْكُمْ قَدْ غَلَبَكُمْ انْزِلُوا إِلَیْنَا فَنَزَلَ إِلَیْهِمْ مَنْصُورٌ الْیَهُودِیُّ وَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ الْیَهُودِیُّ (10) فَقَالُوا لَهُمْ احْضُرُوا غَداً نَمْتَحِنْهُ قَالَ وَ كَانَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِذَا صَلَّی الصُّبْحَ قَالَ هَاهُنَا مِنَ الْمُمْتَحِنَةِ أَحَدٌ فَإِنْ وَجَدَ أَحَداً أَجَابَهُ وَ إِنْ لَمْ یَجِدْ
ص: 347
أَحَداً قَرَأَ عَلَی أَصْحَابِهِ مَا نَزَلَ عَلَیْهِ فِی تِلْكَ اللَّیْلَةِ فَلَمَّا صَلَّی الصُّبْحَ جَلَسُوا بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ یَا أَبَا الْقَاسِمِ فَذَاكَ مُوسَی مَنْ أَبُوهُ قَالَ عِمْرَانُ قَالَ فَیُوسُفُ مَنْ أَبُوهُ قَالَ یَعْقُوبُ قَالَ فَأَنْتَ فِدَاكَ أَبِی وَ أُمِّی مَنْ أَبُوكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ فَعِیسَی مَنْ أَبُوهُ قَالَ فَسَكَتَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَا احْتَاجَ إِلَی (1) شَیْ ءٍ مِنَ الْمَنْطِقِ فَیَنْقَضُّ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ علیه السلام مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَیَصِلُ لَهُ مَنْطِقُهُ فِی أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَیْنِ فَذَاكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَی وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (2) قَالَ فَجَاءَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام فَقَالَ هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ یَكُونُ رُوحٌ بِلَا جَسَدٍ قَالَ فَسَكَتَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ فَأُوحِیَ إِلَیْهِ إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ قَالَ فَنَزَا الْأُسْقُفُّ نَزْوَةً إِعْظَاماً لِعِیسَی أَنْ یُقَالَ لَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ مَا نَجِدُ هَذَا یَا مُحَمَّدُ فِی التَّوْرَاةِ وَ لَا فِی الْإِنْجِیلِ وَ لَا فِی الزَّبُورِ وَ لَا تَجِدُ هَذَا عِنْدَكَ (3) قَالَ فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ فَقَالُوا أَنْصَفْتَنَا یَا أَبَا الْقَاسِمِ فَمَتَی مَوْعِدُكَ قَالَ بِالْغَدَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ فَانْصَرَفَ وَ هُمْ یَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا نُبَالِی أَیُّهُمَا أَهْلَكَ اللَّهُ النَّصْرَانِیَّةَ وَ الْحَنِیفِیَّةَ (4) إِذَا هَلَكُوا غَداً قَالَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فَلَمَّا صَلَّی النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الصُّبْحَ أَخَذَ بِیَدِی فَجَعَلَنِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ أَخَذَ فَاطِمَةَ علیها السلام فَجَعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَ أَخَذَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ عَنْ یَمِینِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ (5) ثُمَّ بَرَكَ لَهُمْ بَارِكاً فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ نَدِمُوا وَ تَآمَرُوا فِیمَا بَیْنَهُمْ وَ قَالُوا وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَنَبِیٌّ وَ لَئِنْ بَاهَلَنَا لَیَسْتَجِیبَنَّ (6) اللَّهُ لَهُ عَلَیْنَا فَیُهْلِكَنَا وَ لَا یُنْجِینَا شَیْ ءٌ مِنْهُ إِلَّا أَنْ نَسْتَقِیلَهُ قَالَ فَأَقْبَلُوا حَتَّی جَلَسُوا (7) بَیْنَ
ص: 348
یَدَیْهِ ثُمَّ قَالُوا یَا أَبَا الْقَاسِمِ أَقِلْنَا قَالَ نَعَمْ قَدْ أَقَلْتُكُمْ أَمَا وَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالْحَقِّ لَوْ بَاهَلْتُكُمْ مَا تَرَكَ اللَّهُ عَلَی ظَهْرِ الْأَرْضِ نَصْرَانِیَّةً إِلَّا أَهْلَكَهُ (1).
«18»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ بْنِ صَبِیحٍ مُعَنْعَناً عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَبْدُ الْمَسِیحِ بْنُ أَبْقَی وَ مَعَهُ الْعَاقِبُ وَ قَیْسٌ أَخُوهُ وَ مَعَهُ حَارِثُ (2) بْنُ عَبْدِ الْمَسِیحِ وَ هُوَ غُلَامٌ وَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ حِبْراً فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ كَیْفَ تَقُولُ فِی الْمَسِیحِ فَوَ اللَّهِ إِنَّا لَنُنْكِرُ (3) مَا تَقُولُ قَالَ فَأَوْحَی اللَّهُ تَعَالَی إِلَیْهِ إِنَّ مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ فَقَالَ إِجْلَالًا لَهُ (4) مِمَّا یَقُولُ بَلْ هُوَ وَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فَمَنْ حَاجَّكَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ إِلَی آخِرِ الْآیَةِ فَلَمَّا سَمِعَ ذِكْرَ الْأَبْنَاءِ غَضِبَ غَضَباً شَدِیداً وَ دَعَا الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ وَ عَلِیّاً وَ فَاطِمَةَ علیهم السلام فَأَقَامَ الْحَسَنَ عَنْ یَمِینِهِ وَ الْحُسَیْنَ عَنْ یَسَارِهِ وَ عَلِیٌّ إِلَی صَدْرِهِ وَ فَاطِمَةُ إِلَی وَرَائِهِ فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَبْنَاؤُنَا وَ نِسَاؤُنَا وَ أَنْفُسُنَا فَأْتِیَا لَهُمْ بِأَكْفَاءٍ قَالَ فَوَثَبَ الْعَاقِبُ فَقَالَ أُذَكِّرُكَ اللَّهَ أَنْ تُلَاعِنَ هَذَا الرَّجُلَ فَوَ اللَّهِ إِنْ كَانَ كَاذِباً مَا لَكَ فِی مُلَاعَنَتِهِ خَیْرٌ وَ إِنْ كَانَ (5) صَادِقاً لَا یَحُولُ الْحَوْلُ وَ مِنْكُمْ نَافِخُ ضَرَمَةٍ قَالَ فَصَالَحُوهُ كُلَّ الصُّلْحِ (6).
بیان: قال الجزری فی حدیث علی ود معاویة أنه ما بقی من بنی هاشم نافخ ضرمة أی أحد لأن النار ینفخها الصغیر و الكبیر و الذكر و الأنثی.
«19»-فر، تفسیر فرات بن إبراهیم أَحْمَدُ بْنُ یَحْیَی مُعَنْعَناً عَنِ الشَّعْبِیِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ الْآیَةُ (7) فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِیَدِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ (8) وَ تَبِعَتْهُمْ فَاطِمَةُ قَالَ فَقَالَ هَذِهِ أَبْنَاؤُنَا
ص: 349
وَ هَذِهِ نِسَاؤُنَا وَ هَذِهِ أَنْفُسُنَا (1) علیهم السلام فَقَالَ رَجُلٌ لِشَرِیكٍ (2) یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِینَ یَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدی (3) إِلَی آخِرِ الْآیَةِ قَالَ یَلْعَنُهُمْ كُلُّ شَیْ ءٍ حَتَّی الْخَنَافِسِ فِی جُحْرِهَا ثُمَّ غَضِبَ شَرِیكٌ وَ اسْتَشَاطَ فَقَالَ یَا مُعَافَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ ابْنُ الْمُقْعَدِ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّهُ لَمْ یُعِنْكَ فَقَالَ أَنْتَ لَهُ أَنْفَعُ إِنَّمَا أَرَادَنِی تَرَكْتَ ذِكْرَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام (4).
«20»-أَقُولُ قَالَ السَّیِّدُ بْنُ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِی كِتَابِ سَعْدِ السُّعُودِ رَأَیْتُ فِی كِتَابِ تَفْسِیرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَهْلِ بَیْتِهِ تَأْلِیفِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ رَوَی خَبَرَ الْمُبَاهَلَةِ مِنْ أَحَدٍ وَ خَمْسِینَ طَرِیقاً عَمَّنْ سَمَّاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَ غَیْرِهِمْ رَوَاهُ عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ وَ عَنْ جَرِیرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السِّجِسْتَانِیِّ وَ عَنْ أَبِی قَیْسٍ الْمَدَنِیِّ وَ عَنْ أَبِی أُوَیْسٍ (5) الْمَدَنِیِّ وَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَوْلَانَا عَلِیٍّ علیه السلام وَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ وَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَمَّالٍ وَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ عَنِ الزُّبَیْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ عَنْ أَبِی رَافِعٍ مَوْلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَ عَنِ الْمُنْكَدِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ وَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهما السلام وَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ علیهم السلام وَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ علیه السلام وَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِیِّ وَ عَنْ قَتَادَةَ وَ عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ وَ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِیلٍ الشَّعْبِیِّ وَ عَنْ یَحْیَی بْنِ یَعْمُرَ وَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَ نَحْنُ نَذْكُرُ حَدِیثاً وَاحِداً فَإِنَّهُ أَجْمَعُ وَ هُوَ مِنْ أَوَّلِ الْوِجْهَةِ الْأَوَّلَةِ مِنَ الْقَائِمَةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِی بلفظه (6) (بِلَفْظَةِ) الْمُنْكَدِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ الْبَزَّازُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَیْضِ
ص: 350
بْنِ فَیَّاضٍ أَبُو الْحَسَنِ بِدِمَشْقَ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِیهِ (1) قَالَ: لَمَّا قَدِمَ السَّیِّدُ وَ الْعَاقِبُ أُسْقُفَّا نَجْرَانَ فِی سَبْعِینَ رَاكِباً وَفَدَا (2) عَلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله كُنْتُ مَعَهُمْ وَ كُرْزٌ یَسِیرُ وَ كُرْزٌ (3) صَاحِبُ نَفَقَاتِهِمْ فَعَثَرَتْ بَغْلَتُهُ فَقَالَ تَعِسَ مَنْ نَأْتِیهِ (4) یُرِیدُ بِذَلِكَ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَ هُوَ الْعَاقِبُ بَلْ تَعِسْتَ وَ انْتَكَسْتَ فَقَالَ وَ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ لِأَنَّكَ أَتْعَسْتَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ أَحْمَدَ قَالَ وَ مَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ قَالَ أَ مَا تَقْرَأُ الْمِصْبَاحَ (5) الرَّابِعَ مِنَ الْوَحْیِ إِلَی الْمَسِیحِ أَنْ قُلْ لِبَنِی إِسْرَائِیلَ مَا أَجْهَلَكُمْ تَطَیَّبُونَ بِالطِّیبِ لِتَطَیَّبُوا بِهِ فِی الدُّنْیَا عِنْدَ أَهْلِهَا (6) وَ أَهْلِكُمْ وَ أَجْوَافُكُمْ عِنْدِی جِیَفٌ (7) (كَجِیفَةِ) الْمِیتَةِ یَا بَنِی إِسْرَائِیلَ آمِنُوا بِرَسُولِی النَّبِیِّ الْأُمِّیِّ الَّذِی یَكُونُ فِی آخِرِ الزَّمَانِ صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَقْمَرِ وَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ الْمُشْرَبِ بِالنُّورِ ذِی الْجَنَابِ (8) الْحَسَنِ وَ الثِّیَابِ الْخَشِنِ سَیِّدِ الْمَاضِینَ عِنْدِی وَ أَكْرَمِ الْبَاقِینَ عَلَیَّ الْمُسْتَنِّ بِسُنَّتِی وَ الصَّابِرِ فِی ذَاتِ نَفْسِی (9) وَ الْمُجَاهِدِ بِیَدِهِ الْمُشْرِكِینَ مِنْ أَجْلِی فَبَشِّرْ بِهِ بَنِی إِسْرَائِیلَ وَ مُرْ بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنْ یُعَزِّرُوهُ وَ یَنْصُرُوهُ قَالَ عِیسَی قُدُّوسٌ مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِی قَدْ أَحَبَّهُ قَلْبِی وَ لَمْ تَرَهُ عَیْنِی قَالَ هُوَ مِنْكَ وَ أَنْتَ مِنْهُ وَ هُوَ صِهْرُكَ عَلَی أُمِّكَ قَلِیلُ الْأَوْلَادِ كَثِیرُ الْأَزْوَاجِ یَسْكُنُ مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعِ أَسَاسِ
ص: 351
وَطْءِ (1) إِبْرَاهِیمَ علیه السلام نَسْلُهُ مِنْ مُبَارَكَةٍ وَ هِیَ ضَرَّةُ أُمِّكَ فِی الْجَنَّةِ لَهُ شَأْنٌ مِنَ الشَّأْنِ تَنَامُ عَیْنَاهُ وَ لَا یَنَامُ قَلْبُهُ یَأْكُلُ الْهَدِیَّةَ وَ لَا یَأْكُلُ الصَّدَقَةَ (2) لَهُ حَوْضٌ مِنْ شَفِیرِ زَمْزَمَ إِلَی مَغْرِبِ (3) الشَّمْسِ حَیْثُ یُعْرَفُ فِیهِ شَرَابَانِ (4) مِنَ الرَّحِیقِ وَ التَّسْنِیمِ فِیهِ أَكَاوِیبُ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَا یَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَداً وَ ذَلِكَ بِتَفْضِیلِی إِیَّاهُ عَلَی سَائِرِ الْمُرْسَلِینَ یُوَافِقُ قَوْلُهُ فِعْلَهُ وَ سَرِیرَتُهُ عَلَانِیَتَهُ فَطُوبَاهُ وَ طُوبَی (5) أُمَّتِهِ الَّذِینَ عَلَی مِلَّتِهِ یَحْیَوْنَ وَ عَلَی سُنَّتِهِ یَمُوتُونَ وَ مَعَ أَهْلِ بَیْتِهِ یَمِیلُونَ آمِنِینَ مُؤْمِنِینَ مُطْمَئِنِّینَ مُبَارَكِینَ یَكُونُ (6) فِی زَمَنِ قَحْطٍ وَ جَدْبٍ فَیَدْعُونِی فَیُرْخِی السَّمَاءُ عَزَالِیَهَا (7) حَتَّی یُرَی أَثَرُ بَرَكَاتِهَا فِی أَكْنَافِهَا وَ أُبَارِكُ فِیمَا یَصْنَعُ یَدُهُ فِیهِ قَالَ إِلَهِی سَمِّهِ قَالَ نَعَمْ هُوَ أَحْمَدُ وَ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولِی إِلَی الْخَلْقِ كَافَّةً أَقْرَبُهُمْ مِنِّی مَنْزِلَةً وَ أَخَصُّهُمْ مِنِّی شَفَاعَةً (8) لَا یَأْمُرُ إِلَّا بِمَا أُحِبُّ وَ لَا یَنْهَی إِلَّا عَمَّا أَكْرَهُ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ فَأَنَّی (9) تَقْدِمُ بِنَا عَلَی مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ قَالَ نَشْهَدُ أَقْوَالَهُ (10) وَ نَنْظُرُ آیَاتِهِ (11) فَإِنْ یَكُنْ هُوَ هُوَ سَاعَدْنَاهُ بِالْمُسَالَمَةِ وَ نَكُفُّهُ بِأَمْوَالِنَا عَنْ أَهْلِ دِینِنَا مِنْ حَیْثُ لَا یَشْعُرُ بِنَا وَ إِنْ یَكُنْ كَذَّاباً (12) كَفَیْنَاهُ بِكَذِبِهِ عَلَی اللَّهِ قَالَ
ص: 352
لَهُ صَاحِبُهُ وَ لِمَ إِذَا رَأَیْتَ الْعَلَامَةَ (1) لَا تَتَّبِعُهُ قَالَ أَ مَا رَأَیْتَ مَا فَعَلَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ كَرَّمُونَا وَ مَوَّلُونَا وَ نَصَبُوا لَنَا كَنَائِسَنَا (2) وَ أَعْلَوْا فِیهَا ذِكْرَنَا فَكَیْفَ تَطِیبُ النَّفْسُ بِدِینٍ (3) یَسْتَوِی فِیهِ الشَّرِیفُ وَ الْوَضِیعُ فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِینَةَ قَالَ مَنْ یَرَاهُمْ (4) مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا رَأَیْنَا وَفْداً مِنْ وُفُودِ الْعَرَبِ كَانُوا أَجْمَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَهُمْ شُعُورٌ (5) وَ عَلَیْهِمْ ثِیَابُ الْحَبِرِ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُتَنَاءٍ عَنِ الْمَسْجِدِ فَحَضَرَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا یُصَلُّونَ فِی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تِلْقَاءَ الْمَشْرِقِ فَهَمَّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَنْعِهِمْ (6) فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ دَعُوهُمْ فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ جَلَسُوا إِلَیْهِ وَ نَاظَرُوهُ فَقَالُوا یَا أَبَا الْقَاسِمِ حَاجِّنَا فِی عِیسَی فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَ رَسُولُهُ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَی مَرْیَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ بَلْ هُوَ وَلَدُهُ وَ ثَانِی اثْنَیْنِ وَ قَالَ آخَرُ بَلْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَبٍ وَ ابْنٍ وَ رُوحِ قُدْسٍ وَ قَدْ سَمِعْنَا (7) فِی قُرْآنٍ نَزَلَ عَلَیْكَ یَقُولُ فَعَلْنَا وَ جَعَلْنَا وَ خَلَقْنَا وَ لَوْ كَانَ وَاحِداً لَقَالَ خَلَقْتُ وَ جَعَلْتُ وَ فَعَلْتُ فَتَغَشَّی النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله الْوَحْیُ وَ نَزَلَ عَلَی صَدْرِهِ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ (8) إِلَی قَوْلِهِ رَأْسِ السِّتِّینَ مِنْهَا فَمَنْ حَاجَّكَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَی الْكاذِبِینَ الْآیَةَ (9) فَقَصَّ عَلَیْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْقِصَّةَ وَ تَلَا عَلَیْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَدْ وَ اللَّهِ أَتَاكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ وَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِی بِمُبَاهَلَتِكُمْ فَقَالُوا إِذَا كَانَ غَداً بَاهَلْنَاكَ فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ حَتَّی نَنْظُرَ بِمَنْ یُبَاهِلُنَا غَداً بِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ
ص: 353
مِنْ أَوْبَاشِ النَّاسِ أَمْ بِأَهْلِهِ (1) مِنْ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُمْ وَشِیجُ الْأَنْبِیَاءِ وَ مَوْضِعُ بَهْلِهِمْ (2) فَلَمَّا كَانَ مِنْ غَدٍ غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِیَمِینِهِ عَلِیٌّ وَ بِیَسَارِهِ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ وَ مِنْ وَرَائِهِمْ فَاطِمَةُ علیها السلام عَلَیْهِمُ الْحُلَلُ (3) النَّجْرَانِیَّةُ وَ عَلَی كَتِفِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كِسَاءٌ قَطَوَانِیٌّ (4) رَقِیقٌ خَشِنٌ لَیْسَ بِكَثِیفٍ وَ لَا لَیِّنٍ فَأَمَرَ بِشَجَرَتَیْنِ فَكَسَحَ مَا بَیْنَهُمَا وَ نَشَرَ الْكِسَاءَ عَلَیْهِمَا وَ أَدْخَلَهُمْ تَحْتَ الْكِسَاءِ وَ أَدْخَلَ مَنْكِبَهُ الْأَیْسَرَ مَعَهُمْ تَحْتَ الْكِسَاءِ مُعْتَمِداً عَلَی قَوْسِهِ النَّبْعِ وَ رَفَعَ یَدَهُ الْیُمْنَی إِلَی السَّمَاءِ لِلْمُبَاهَلَةِ وَ أَشْرَفَ (5) النَّاسُ یَنْظُرُونَ وَ اصْفَرَّ لَوْنُ السَّیِّدِ وَ الْعَاقِبِ وَ زُلْزِلَا (6) حَتَّی كَادَ أَنْ یَطِیشَ عُقُولُهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَ نُبَاهِلُهُ قَالَ أَ وَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ مَا بَاهَلَ قَوْمٌ قَطُّ نَبِیّاً فَنَشَأَ صَغِیرُهُمْ وَ بَقِیَ كَبِیرُهُمْ وَ لَكِنْ أَرِهِ أَنَّكَ غَیْرُ مُكْتَرِثٍ وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَالِ وَ السِّلَاحِ مَا أَرَادَ فَإِنَّ الرَّجُلَ مُحَارِبٌ وَ قُلْ لَهُ أَ بِهَؤُلَاءِ تُبَاهِلُنَا لِئَلَّا یَرَی أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَتْ مَعْرِفَتُنَا بِفَضْلِهِ وَ فَضْلِ أَهْلِ بَیْتِهِ فَلَمَّا رَفَعَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَهُ إِلَی السَّمَاءِ لِلْمُبَاهَلَةِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَیُّ رَهْبَانِیَّةٍ (7) دَارِكِ الرَّجُلَ فَإِنَّهُ إِنْ فَاهَ (8) بِبُهْلَةٍ لَمْ نَرْجِعْ إِلَی أَهْلٍ وَ لَا مَالٍ فَقَالا یَا أَبَا الْقَاسِمِ أَ بِهَؤُلَاءِ تُبَاهِلُنَا قَالَ نَعَمْ هَؤُلَاءِ أَوْجَهُ مَنْ عَلَی وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدِی إِلَی اللَّهِ وِجْهَةً وَ أَقْرَبُهُمْ إِلَیْهِ وَسِیلَةً قَالَ فَبَصْبَصَا یَعْنِی ارْتَعَدَا وَ كَرَّا وَ قَالا لَهُ یَا أَبَا الْقَاسِمِ نُعْطِیكَ أَلْفَ سَیْفٍ وَ أَلْفَ دِرْعٍ وَ أَلْفَ حَجَفَةٍ (9) وَ أَلْفَ دِینَارٍ كُلَّ عَامٍ عَلَی أَنَّ الدِّرْعَ وَ السَّیْفَ وَ الْحَجَفَ عِنْدَكَ إِعَارَةٌ حَتَّی نَأْتِیَ مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا فَنُعْلِمَهُمْ بِالَّذِی رَأَیْنَا وَ شَاهَدْنَا فَیَكُونَ الْأَمْرُ عَلَی
ص: 354
مَلَاءٍ مِنْهُمْ فَإِمَّا الْإِسْلَامُ وَ إِمَّا الْجِزْیَةُ وَ إِمَّا الْمُقَاطَعَةُ فِی كُلِّ عَامٍ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ قَبِلْتُ مِنْكُمَا أَمَا وَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالْكَرَامَةِ لَوْ بَاهَلْتُمُونِی بِمَنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ لَأَضْرَمَ اللَّهُ عَلَیْكُمُ الْوَادِیَ نَاراً تَأَجَّجُ ثُمَّ سَاقَهَا (1) إِلَی مَنْ وَرَاءَكُمْ فِی أَسْرَعَ مِنْ طَرْفِ الْعَیْنِ فَحَرَقَتْهُمْ (2) تَأَجُّجاً فَهَبَطَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ الرُّوحُ الْأَمِینُ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ یُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ یَقُولُ لَكَ وَ عِزَّتِی وَ جَلَالِی (3) لَوْ بَاهَلْتَ بِمَنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ أَهْلَ السَّمَاءِ وَ أَهْلَ الْأَرْضِ لَتَسَاقَطَتْ عَلَیْهِمُ السَّمَاءُ كِسَفاً مُتَهَافِتَةً وَ لَتَقَطَّعَتِ (4) الْأَرَضُونَ زُبُراً سَائِحَةً (5) فَلَمْ یَسْتَقِرَّ عَلَیْهَا (6) بَعْدَ ذَلِكَ فَرَفَعَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَیْهِ حَتَّی رُئِیَ بَیَاضُ إِبْطَیْهِ ثُمَّ قَالَ عَلَی مَنْ ظَلَمَكُمْ حَقَّكُمْ وَ بَخَسَنِیَ الْأَجْرَ الَّذِی افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَلَیْهِمْ فِیكُمْ بُهْلَةُ اللَّهِ تَتَابَعُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ (7).
ختص، الإختصاص أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ الْعَلَّافُ الْهَمْدَانِیُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُوسَی بْنِ شَاذَانَ الْبَزَّازِ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ الْبَزَّازِ وَ جَعْفَرٍ الدَّقَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَیْضِ بْنِ فَیَّاضٍ الدِّمَشْقِیِّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِی عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِیِّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ مِثْلَهُ. (8)
بیان: قال فی النهایة الوشیج هو ما التف من الشجر و الوشیجة عرق الشجرة و لیف یفتل ثم یشد به ما یحمل و الوشیج جمع وشیجة وشجت العروق و الأغصان اشتبكت.
و فی القاموس الوشیج اشتباك القرابة و الواشجة الرحم المشتبكة و قال
ص: 355
النمرة كفرحة الحبرة و شملة فیها خطوط بیض و سود و قال قطوان محركة موضع بالكوفة منه الأكسیة.
و فی بعض النسخ قرطق بالقافین و فی بعضها قرطف بالفاء أخیرا فی القاموس القرطق كجندب لبس معروف معرب كرته و قال القرطف كجعفر القطیفة و قال النبع شجر القسی و السهام و قال البصیص الرعدة و بصبص الكلب حرك ذنبه.
«1»-شا، الإرشاد: لما عاد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من تبوك إلی المدینة قدم إلیه عمرو بن معدیكرب فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَسْلِمْ یَا عَمْرُو یُؤْمِنْكَ اللَّهُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ قَالَ یَا مُحَمَّدُ وَ مَا الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فَإِنِّی لَا أَفْزَعُ فَقَالَ یَا عَمْرُو إِنَّهُ لَیْسَ كَمَا تَظُنُّ وَ تَحْسَبُ إِنَّ النَّاسَ یُصَاحُ بِهِمْ صَیْحَةً وَاحِدَةً فَلَا یَبْقَی مَیِّتٌ إِلَّا نُشِرَ وَ لَا حَیٌّ إِلَّا مَاتَ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ یُصَاحُ بِهِمْ صَیْحَةً أُخْرَی فَیُنْشَرُ مَنْ مَاتَ وَ یَصُفُّوْنَ جَمِیعاً وَ تَنْشَقُّ السَّمَاءُ وَ تَهُدُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً وَ تَرْمِی النَّارُ بِمِثْلِ الْجِبَالِ شَرَراً فَلَا یَبْقَی ذُو رُوحٍ إِلَّا انْخَلَعَ قَلْبُهُ (1) وَ ذَكَرَ ذَنْبَهُ وَ شُغِلَ بِنَفْسِهِ إِلَّا مَنْ (2) شَاءَ اللَّهُ فَأَیْنَ أَنْتَ یَا عَمْرُو مِنْ هَذَا قَالَ أَلَا إِنِّی أَسْمَعُ أَمْراً عَظِیماً فَآمَنَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ (3) وَ آمَنَ مَعَهُ (4) مِنْ قَوْمِهِ نَاسٌ وَ رَجَعُوا إِلَی قَوْمِهِمْ ثُمَّ إِنَّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِیكَرِبَ نَظَرَ إِلَی أُبَیِّ بْنِ عَثْعَثٍ الْخَثْعَمِیِّ فَأَخَذَ بِرَقَبَتِهِ ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله (5) فَقَالَ
ص: 356
أَعْدِنِی (1) عَلَی هَذَا الْفَاجِرِ الَّذِی قَتَلَ وَالِدِی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَهْدَرَ (2) الْإِسْلَامُ مَا كَانَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فانصرف عمرو مرتدا فأغار علی قوم من بنی الحارث بن كعب و مضی إلی قومه فاستدعی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی بن أبی طالب علیهما السلام و أمره علی المهاجرین و أنفذه إلی بنی زبید و أرسل خالد بن الولید فی الأعراب و أمره أن یعمد لجعفی (3) فإذا التقیا فأمیر الناس أمیر المؤمنین علیه السلام فسار أمیر المؤمنین علیه السلام و استعمل علی مقدمته خالد بن سعید بن العاص و استعمل خالد علی مقدمته أبا موسی الأشعری فأما جعفی فإنها لما سمعت بالجیش افترقت فرقتین فذهبت فرقة إلی الیمن و انضمت الفرقة الأخری إلی بنی زبید فبلغ ذلك أمیر المؤمنین علیه السلام فكتب إلی خالد بن الولید أن قف حیث أدركك رسولی فلم یقف فكتب إلی خالد بن سعید بن العاص تعرض له حتی تحبسه فاعترض له خالد حتی حبسه و أدركه أمیر المؤمنین علیه السلام فعنفه علی خلافه ثم سار حتی لقی بنی زبید بواد یقال له كثیر (4) فلما رآه بنو زبید قالوا لعمرو كیف أنت یا با ثور إذا لقیك هذا الغلام القرشی فأخذ منك الأتاوة قال (5) سیعلم إن لقینی قال و خرج عمرو فقال من یبارز فنهض إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام و قام (6) إلیه خالد بن سعید و قال له دعنی یا أبا الحسن بأبی أنت و أمی أبارزه فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِنْ كُنْتَ تَرَی أَنَّ لِی عَلَیْكَ طَاعَةً فَقِفْ مَكَانَكَ (7) فوقف ثم برز إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام فصاح به صیحة فانهزم عمرو و قتل أخاه (8) و ابن أخیه و أخذت امرأته ركانة بنت سلامة و سبی منهم نسوان و انصرف أمیر المؤمنین علیه السلام و خلف علی بنی زبید خالد بن سعید لیقبض صدقاتهم و یؤمن من عاد إلیه من هرابهم مسلما فرجع عمرو بن معدیكرب و استأذن علی
ص: 357
خالد بن سعید فأذن له فعاد إلی الإسلام فكلمه (1) فی امرأته و ولده فوهبهم له و قد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعید وجد جزورا قد نحرت فجمع قوائهما ثم ضربها بسیفه فقطعها جمیعا و كان یسمی سیفه الصمصامة فلما وهب خالد بن سعید لعمرو امرأته و ولده وهب له عمرو الصمصامة و كان أمیر المؤمنین علیه السلام قد اصطفی من السبی جاریة فبعث خالد بن الولید بریدة الأسلمی إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قال له تقدم الجیش إلیه فأعلمه بما فعل علی من اصطفائه الجاریة من الخمس لنفسه و قع فیه فسار بریدة حتی انتهی إلی باب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فلقیه عمر بن الخطاب فسأله عن حال غزوتهم و عن الذی أقدمه فأخبره أنه إنما جاء لیقع فی علی علیه السلام و ذكر له اصطفاءه الجاریة من الخمس لنفسه فقال له عمر امض لما جئت له فإنه سیغضب لابنته مما صنع علی علیه السلام فدخل بریدة علی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و معه كتاب من خالد بما أرسل به بریدة فجعل یقرؤه و وجه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یتغیر فقال بریدة یا رسول اللّٰه إنك إن رخصت للناس فی مثل هذا ذهبت فیئهم فَقَالَ (2) النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَیْحَكَ یَا بُرَیْدَةُ أَحْدَثْتَ نِفَاقاً إِنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام یَحِلُّ لَهُ مِنَ الْفَیْ ءِ مَا یَحِلُّ لِی إِنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ خَیْرُ النَّاسِ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ خَیْرُ مَنْ أُخَلِّفُ بَعْدِی لِكَافَّةِ أُمَّتِی یَا بُرَیْدَةُ احْذَرْ أَنْ تُبْغِضَ عَلِیّاً فَیُبْغِضَكَ اللَّهُ قال بریدة فتمنیت أن الأرض انشقت لی فسخت فیها و قلت أعوذ باللّٰه من سخط اللّٰه و سخط رسول اللّٰه (3) یا رسول اللّٰه استغفر لی فلن أبغضن (4) علیا أبدا و لا أقول فیه إلا خیرا فاستغفر له النبی صلی اللّٰه علیه و آله (5).
عم، إعلام الوری: مثله مع اختصار. (6) بیان الأتاوة بالفتح الخراج.
«2»-فی الدیوان المنسوب إلی أمیر المؤمنین علیه السلام و شرحه أن عمرو بن معدی
ص: 358
كرب خاطب علیّا:
الآن حین تقلصت منك الكلی***إذ حر نارك فی الوقیعة یسطع
و الخیل لاحقة الأیاطل شزّب*** قب البطون ثنیها و الأقرع
یحملن فرسانا كراما فی الوغی*** لا ینكلون إذا الرجال تكعكع
إنی امرؤ أحمی حمای بعزّة*** و إذا تكون شدیدة لا أجزع
و أنا المظفر فی المواطن كلها*** و أنا شهاب فی الحوادث یلمع
من یلقنی یلقی المنیة و الردی*** و حیاض موت لیس عنه مذیع (1)
فاحذر مصاولتی و جانب موقفی*** إنی لدی الهیجا أضر و أنفع
(2) فَأَجَابَهُ علیه السلام:
یَا عَمْرُو قَدْ حَمِیَ الْوَطِیسُ وَ أُضْرِمَتْ*** نَارٌ عَلَیْكَ وَ هَاجَ أَمْرٌ مُفْظَعٌ
وَ تَسَاقَتِ الْأَبْطَالُ كَأْسَ مَنِیَّةٍ*** فِیهَا ذَرَارِیحُ وَ سَمٌّ مُنْقَعٌ
فَإِلَیْكَ عَنِّی لَا یَنَالُكَ مَخْلَبِی*** فَتَكُونَ كَالْأَمْسِ الَّذِی لَا یَرْجِعُ
إِنِّی امْرُؤٌ أَحْمِی حِمَایَ بِعِزَّةٍ ***وَ اللَّهُ یَخْفِضُ مَنْ یَشَاءُ وَ یَرْفَعُ
إِنِّی إِلَی قَصْدِ الْهُدَی وَ سَبِیلِهِ*** وَ إِلَی شَرَائِعِ دِینِهِ أَتَسَرَّعُ
وَ رَضِیتُ بِالْقُرْآنِ وَحْیاً مُنْزَلًا*** وَ بِرَبِّنَا رَبّاً یَضُرُّ وَ یَنْفَعُ
فِینَا رَسُولُ اللَّهِ أُیِّدَ بِالْهُدَی*** فَلِوَاؤُهُ حَتَّی الْقِیَامَةِ یَلْمَعُ
(3).
توضیح: تقلص انضم و انزوی و الوقیعة القتال و لحق لحوقا ضمر و الأیطل الخاصرة و الشزب الضوامر و الأقب الضامر البطن و الثنی ما دخل فی الثالثة فی غیر الإبل و فیها فی السادسة و الأقرع التام و التكعكع الجبن و الاحتباس و أذاع الناس ما فی الحوض شربوه و الوطیس التنور و التساقی أن یسقی كل منهما صاحبه و الذراح و الذروح بالضم دویبة حمراء منقوطة بسواد تطیر و هی من السموم و الجمع ذراریح.
ص: 359
«1»-عم، إعلام الوری بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً علیه السلام إِلَی الْیَمَنِ لِیَدْعُوَهُمْ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ قِیلَ لِیُخَمِّسَ رِكَازَهُمْ وَ یُعَلِّمَهُمُ الْأَحْكَامَ وَ یُبَیِّنَ لَهُمُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ وَ إِلَی أَهْلِ نَجْرَانَ لِیَجْمَعَ صَدَقَاتِهِمْ وَ یُقَدِّمَ عَلَیْهِ بِجِزْیَتِهِمْ.
وَ رَوَی الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ رَفَعَهُ إِلَی عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسْلَمِیِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام فِی جُمْلَةٍ (1) فَجَفَانِی عَلِیٌّ علیه السلام بَعْضَ الْجَفَاءِ فَوَجَدْتُ عَلَیْهِ فِی نَفْسِی فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِینَةَ اشْتَكَیْتُهُ عِنْدَ مَنْ لَقِیتُهُ فَأَقْبَلْتُ یَوْماً وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله جَالِسٌ فِی الْمَسْجِدِ فَنَظَرَ إِلَیَّ حَتَّی جَلَسْتُ إِلَیْهِ فَقَالَ یَا عَمْرَو بْنَ شَاسٍ لَقَدْ آذَیْتَنِی فَقُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَ الْإِسْلَامِ أَنْ أُوذِیَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَنْ آذَی عَلِیّاً فَقَدْ آذَانِی وَ قَدْ كَانَ بَعَثَ قَبْلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ إِلَی أَهْلِ الْیَمَنِ یَدْعُوهُمْ إِلَی الْإِسْلَامِ فَلَمْ یُجِیبُوهُ قَالَ الْبَرَاءُ فَكُنْتُ مَعَ عَلِیٍّ علیه السلام فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ خَرَجُوا إِلَیْنَا فَصَلَّی بِنَا عَلِیٌّ علیه السلام ثُمَّ صَفَّنَا صَفّاً وَاحِداً ثُمَّ تَقَدَّمَ بَیْنَ أَیْدِینَا فَقَرَأَ عَلَیْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ كُلُّهَا فَكَتَبَ عَلِیٌّ علیه السلام إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ خَرَّ سَاجِداً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ علیه السلام السَّلَامُ عَلَی هَمْدَانَ السَّلَامُ عَلَی هَمْدَانَ (2).
أخرجه البخاری فی الصحیح.
وَ رَوَی الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِی الْبَخْتَرِیِّ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام قَالَ: بَعَثَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْیَمَنِ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْعَثُنِی وَ أَنَا شَابٌّ أَقْضِی بَیْنَهُمْ وَ لَا أَدْرِی مَا الْقَضَاءُ قَالَ فَضَرَبَ بِیَدِهِ فِی صَدْرِی وَ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَ ثَبِّتْ
ص: 360
لِسَانَهُ فَوَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ مَا شَكَكْتُ فِی قَضَاءٍ بَیْنَ اثْنَیْنِ (1).
«2»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِیعاً عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سُلَیْمَانَ الْجَعْفَرِیِّ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ أَهْدَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَرْبَعَةَ أَفْرَاسٍ مِنَ الْیَمَنِ فَقَالَ سَمِّهَا لِی فَقَالَ هِیَ أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ فَقَالَ فَفِیهَا وَضَحٌ قَالَ نَعَمْ فِیهَا أَشْقَرُ بِهِ وَضَحٌ قَالَ فَأَمْسِكْهُ عَلَیَّ قَالَ وَ فِیهَا كُمَیْتَانِ أَوْضَحَانِ فَقَالَ أَعْطِهِمَا ابْنَیْكَ قَالَ وَ الرَّابِعُ أَدْهَمُ بَهِیمٌ قَالَ بِعْهُ وَ اسْتَخْلِفْ بِهِ نَفَقَةً لِعِیَالِكَ إِنَّمَا یُمْنُ الْخَیْلِ فِی ذَوَاتِ الْأَوْضَاحِ (2).
«3»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ النَّوْفَلِیِّ عَنِ السَّكُونِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام بَعَثَنِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی الْیَمَنِ وَ قَالَ لِی یَا عَلِیُّ لَا تُقَاتِلَنَّ أَحَداً حَتَّی تَدْعُوَهُ وَ ایْمُ اللَّهِ لَأَنْ یَهْدِیَ اللَّهُ عَلَی یَدَیْكَ رَجُلًا خَیْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَیْهِ الشَّمْسُ وَ غَرَبَتْ وَ لَكَ وَلَاؤُهُ یَا عَلِیُّ (3).
بیان: قوله صلی اللّٰه علیه و آله و لك ولاؤه أی لك میراثه إن لم یكن له وارث و علیك خطاؤه.
«4»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِی الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الْفَضْلِ الْأَشْعَرِیِّ (4) عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ عَلِیّاً علیه السلام إِلَی الْیَمَنِ فَقَالَ لَهُ وَ هُوَ یُوصِیهِ یَا عَلِیُّ أُوصِیكَ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّ مَعَهُ الْإِجَابَةَ وَ بِالشُّكْرِ فَإِنَّ مَعَهُ الْمَزِیدَ وَ إِیَّاكَ عَنْ أَنْ تَخْفِرَ عَهْداً وَ تُعِینَ عَلَیْهِ وَ أَنْهَاكَ عَنِ الْمَكْرِ فَإِنَّهُ لا یَحِیقُ الْمَكْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ وَ أَنْهَاكَ عَنِ الْبَغْیِ فَإِنَّهُ مَنْ بُغِیَ عَلَیْهِ لَیَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ (5).
ص: 361
«5»-ص، قصص الأنبیاء علیهم السلام الصَّدُوقُ عَنِ ابْنِ مُوسَی عَنِ الْأَسَدِیِّ عَنِ النَّخَعِیِّ عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ جُبَیْرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ الْبَاقِرِ علیه السلام قَالَ: بَعَثَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله عَلِیّاً إِلَی الْیَمَنِ فَانْفَلَتَ فَرَسٌ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْیَمَنِ فَنَفَحَ رَجُلًا (1) فَقَتَلَهُ فَأَخَذَهُ أَوْلِیَاؤُهُ وَ رَفَعُوا إِلَی عَلِیٍّ علیه السلام فَأَقَامَ صَاحِبُ الْفَرَسِ الْبَیِّنَةَ أَنَّ الْفَرَسَ انْفَلَتَ مِنْ دَارِهِ فَنَفَحَ الرَّجُلُ بِرِجْلِهِ فَأَبْطَلَ عَلِیٌّ علیه السلام دَمَ الرَّجُلِ فَجَاءَ أَوْلِیَاءُ الْمَقْتُولِ مِنَ الْیَمَنِ إِلَی النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله یَشْكُونَ عَلِیّاً فِیمَا حَكَمَ عَلَیْهِمْ فَقَالُوا إِنَّ عَلِیّاً ظَلَمَنَا وَ أَبْطَلَ دَمَ صَاحِبِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ عَلِیّاً لَیْسَ بِظَلَّامٍ وَ لَمْ یُخْلَقْ عَلِیٌّ لِلظُّلْمِ وَ إِنَّ الْوَلَایَةَ مِنْ بَعْدِی لِعَلِیٍّ وَ الْحُكْمَ حُكْمُهُ وَ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لَا یَرُدُّ حُكْمَهُ وَ قَوْلَهُ وَ وَلَایَتَهُ إِلَّا كَافِرٌ وَ لَا یَرْضَی بِحُكْمِهِ وَ وَلَایَتِهِ إِلَّا مُؤْمِنٌ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ رَضِینَا بِقَوْلِ عَلِیٍّ وَ حُكْمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله هُوَ تَوْبَتُكُمْ مِمَّا قُلْتُمْ (2).
«6»-یر، بصائر الدرجات أَحْمَدُ بْنُ مُوسَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِغَزَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْجُرْجَانِیِّ یَرْفَعُهُ إِلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ السَّلْمَانِیِّ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام قَالَ: دَعَانِی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَوَجَّهَنِی إِلَی الْیَمَنِ لِأُصْلِحَ بَیْنَهُمْ فَقُلْتُ لَهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ قَوْمٌ كَثِیرٌ وَ أَنَا شَابٌّ حَدَثٌ فَقَالَ لِی یَا عَلِیُّ إِذَا صِرْتَ بِأَعْلَی عَقَبَةِ فِیقَ (3) فَنَادِ بِأَعْلَی صَوْتِكَ یَا شَجَرُ یَا مَدَرُ یَا ثَرَی مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ قَالَ فَذَهَبْتُ فَلَمَّا صِرْتُ بِأَعْلَی عَقَبَةِ فِیقَ (4) أَشْرَفْتُ عَلَی الْیَمَنِ فَإِذَا هُمْ بِأَسْرِهِمْ مُقْبِلُونَ نَحْوِی مُشْرِعُونَ أَسِنَّتَهُمْ مُتَنَكِّبُونَ قِسِیَّهُمْ شَاهِرُونَ سِلَاحَهُمْ فَنَادَیْتُ بِأَعْلَی صَوْتِی یَا شَجَرُ یَا مَدَرُ یَا ثَرَی مُحَمَّدٌ صلی اللّٰه علیه و آله یُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ قَالَ فَلَمْ یَبْقَ شَجَرَةٌ وَ لَا مَدَرَةٌ وَ لَا ثَرًی إِلَّا ارْتَجَّتْ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَ عَلَی مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَ عَلَیْكَ السَّلَامُ فَاضْطَرَبَتْ قَوَائِمُ الْقَوْمِ وَ ارْتَعَدَتْ رُكَبُهُمْ وَ وَقَعَ السِّلَاحُ مِنْ أَیْدِیهِمْ وَ أَقْبَلُوا مُسْرِعِینَ فَأَصْلَحْتُ بَیْنَهُمْ وَ انْصَرَفْتُ (5).
ص: 362
بیان: قال الفیروزآبادی أفیق كأمیر قریة بین حوران و الغور و منه عقبة أفیق و لا تقل فیق و أشرعت الرمح قبله سددت و تنكب القوس ألقاها علی منكبه.
أقول: سیأتی بأسانید فی أبواب معجزات أمیر المؤمنین.
«7»-شا، الإرشاد مِنْ فَضَائِلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مَا أَجْمَعَ عَلَیْهِ أَهْلُ السِّیرَةِ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ إِلَی أَهْلِ الْیَمَنِ یَدْعُوهُمْ إِلَی الْإِسْلَامِ وَ أَنْفَذَ مَعَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْمُسْلِمِینَ فِیهِمُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ أَقَامَ خَالِدٌ عَلَی الْقَوْمِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ یَدْعُوهُمْ فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَسَاءَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَدَعَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وَ أَمَرَهُ أَنْ یُقْفِلَ خَالِداً وَ مَنْ مَعَهُ وَ قَالَ لَهُ إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَعَ خَالِدٍ أَنْ یُعَقِّبَ مَعَكَ فَاتْرُكْهُ قَالَ الْبَرَاءُ فَكُنْتُ مِمَّنْ (1) عَقَّبَ مَعَهُ فَلَمَّا انْتَهَیْنَا إِلَی أَوَائِلِ أَهْلِ الْیَمَنِ وَ بَلَغَ الْقَوْمَ الْخَبَرُ فَجَمَعُوا (2) لَهُ فَصَلَّی بِنَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام الْفَجْرَ ثُمَّ تَقَدَّمَ بَیْنَ أَیْدِینَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَرَأَ عَلَی الْقَوْمِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ كُلُّهَا فِی یَوْمٍ وَاحِدٍ وَ كَتَبَ بِذَلِكَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَبْشَرَ وَ ابْتَهَجَ وَ خَرَّ سَاجِداً شُكْراً لِلَّهِ تَعَالَی ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ جَلَسَ (3) وَ قَالَ السَّلَامُ عَلَی هَمْدَانَ (4) ثُمَّ تَتَابَعَ بَعْدَ إِسْلَامِ هَمْدَانَ أَهْلُ الْیَمَنِ عَلَی الْإِسْلَامِ (5).
د، العدد القویة عن البراء بن عازب مثله. (6)
بیان: القفول الرجوع و أقفله رده و أرجعه.
أقول: و ذكر ابن الأثیر فی الكامل هذه القصة فی وقائع السنة العاشرة نحوا مما ذكره المفید رحمه اللّٰه.
ص: 363
«1»-عم، إعلام الوری قال بعد ذكر نزول براءة ثم قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عروة بن مسعود الثقفی مسلما و استأذن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی الرجوع إلی قومه فقال إنی أخاف أن یقتلوك فقال إن وجدونی نائما ما أیقظونی فأذن له رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فرجع إلی الطائف و دعاهم إلی الإسلام و نصح لهم فعصوه و أسمعوه الأذی حتی إذا طلع الفجر قام فی غرفة من داره فأذن و تشهد فرماه رجل بسهم فقتله و أقبل بعد قتله من وفد ثقیف بضعة عشر رجلا هم أشراف ثقیف فأسلموا فأكرمهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و حباهم و أمر علیهم عثمان بن أبی العاص بن بشر (1) و قد كان تعلم سورا من القرآن و قد ورد فی الخبر عنه أنه قال قلت یا رسول اللّٰه إن الشیطان قد حال بین صلاتی و قراءتی قال ذَاكَ شَیْطَانٌ یُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا خَشِیتَ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَ اتْفُلْ عَنْ یَسَارِكَ ثَلَاثاً قال ففعلت فأذهب اللّٰه عنی- رواه مسلم فی الصحیح.
فلما أسلمت ثقیف ضربت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وفود العرب فدخلوا فی دین اللّٰه أفواجا كما قال اللّٰه سبحانه (2) فقدم علیه صلی اللّٰه علیه و آله عطارد بن حاجب بن زرارة فی أشراف من بنی تمیم منهم الأقرع بن حابس و الزبرقان بن بدر و قیس بن عاصم و عیینة بن حصن الفزاری و عمرو بن الأهتم و كان الأقرع و عیینة شهدا مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فتح مكة و حنینا و الطائف فلما قدم وفد تمیم دخلا معهم فأجارهم رسول اللّٰه و أحسن جوارهم و ممن قدم علیه وفد بنی عامر فیهم عامر
ص: 364
بن الطفیل و أربد بن قیس أخو لبید بن ربیعة لأمه و كان عامر قد قال لأربد إنی شاغل عنك وجهه فإذا فعلته فأعله بالسیف فلما قدموا علیه قال عامر یا محمد خالنی (1) فقال لا حتی تؤمن باللّٰه وحده قالها مرتین فلما أبی علیه رسول اللّٰه قال و اللّٰه لأملأنها علیك خیلا حمرا و رجالا فلما ولی قال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُمَّ اكْفِنِی عَامِرَ بْنَ الطُّفَیْلِ فلما خرجوا قال عامر لأربد أین ما كنت أمرتك به قال و اللّٰه ما هممت بالذی أمرتنی به إلا دخلت بینی و بین الرجل أ فأضربك بالسیف و بعث اللّٰه علی عامر بن الطفیل فی طریقه ذلك الطاعون فی عنقه فقتله فی بیت امرأة من سلول و خرج أصحابه حین واروه إلی بلادهم و أرسل اللّٰه علی أربد و علی جمله صاعقة فأحرقتهما.
و فی كتاب أبان بن عثمان أنهما قدما علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعد غزوة بنی النضیر قال و جعل یقول عامر عند موته أ غدة (2) كغدة البكر و موت فی بیت سلولیة قال وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ علیه السلام قَالَ فِی عَامِرٍ وَ أَرْبَدَ اللَّهُمَّ أَبْدِلْنِی بِهِمَا فَارِسَیِ الْعَرَبِ فقدم علیه زید بن مهلهل الطائی و هو زید الخیل و عمرو بن معدیكرب.
و ممن قدم علی رسول اللّٰه وفد طیئ فیهم زید الخیل و عدی بن حاتم فعرض علیهم الإسلام فأسلموا و حسن إسلامهم و سماه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله زید الخیر و قطع له أرضین معه (3) و كتب له كتابا فلما خرج زید من عند رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله راجعا إلی قومه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنْ یَنْجُ زَیْدٌ مِنْ حُمَّی الْمَدِینَةِ أَوْ مِنْ أُمِّ مِلْدَمٍ
ص: 365
فلما انتهی من بلد نجد إلی ماء یقال له قردة (1) أصابته الحمی فمات بها و عمدت امرأته إلی ما كان معه من الكتب فأحرقتها.
و ذكر محمد بن إسحاق أن عدی بن حاتم فر و أن خیل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد أخذوا أخته فقدموا بها علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أنه من علیها و كساها و أعطاها نفقة فخرجت مع ركب حتی قدمت الشام و أشارت علی أخیها بالقدوم فقدم و أسلم و أكرمه رسول اللّٰه و أجلسه علی وسادة رمی بها إلیه بیده. (2).
بیان: فی النهایة فی حدیث الصلاة ذلك شیطان یقال له خنزب قال أبو عمر و هو لقب له و الخنزب قطعة لحم منتنة و یروی بالكسر و الضم قوله خالنی أمر من المخالة و هی المحبة الخالصة و أم ملدم كنیة الحمی و لعل التردید (3) من الراوی أو المراد نوع منها.
«2»- أقول: قال فی المنتقی فی سیاق حوادث السنة التاسعة و فیها قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كتاب ملوك حمیر مقدمه من تبوك و رسولهم إلیه بإسلامهم الحارث بن عبد كلال و نعیم بن كلال (4) و غیرهما.
و فیها رجم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله الغامدیة
عَنْ بَشِیرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ (5) عَنْ أَبِیهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ فَقَالَتْ یَا نَبِیَّ اللَّهِ إِنِّی قَدْ زَنَیْتُ وَ أُرِیدُ (6) أَنْ تُطَهِّرَنِی فَقَالَ لَهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ارْجِعِی فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ فَاعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی قَدْ زَنَیْتُ وَ أُرِیدُ (7)
ص: 366
أَنْ تُطَهِّرَنِی فَقَالَ لَهَا فَارْجِعِی فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ (1) فَاعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا فَقَالَتْ یَا نَبِیَّ اللَّهِ طَهِّرْنِی فَلَعَلَّكَ تُرِیدُ أَنْ تَرُدَّنِی كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَحُبْلَی فَقَالَ لَهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله ارْجِعِی حَتَّی تَلِدِینَ فَلَمَّا وَلَدَتْ جَاءَتْ بِالصَّبِیِّ تَحْمِلُهُ قَالَتْ یَا نَبِیَّ اللَّهِ هَذَا قَدْ وَلَدْتُ قَالَ فَاذْهَبِی فَأَرْضِعِیهِ حَتَّی تَفْطِمِیهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ جَاءَتْ بِالصَّبِیِّ فِی یَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ قَالَتْ یَا نَبِیَّ اللَّهِ هَذَا فَطَمْتُهُ فَأَمَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بِالصَّبِیِّ فَدُفِعَ إِلَی رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ وَ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا حُفْرَةٌ فَجُعِلَتْ فِیهَا إِلَی صَدْرِهَا ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ یَرْجُمُوهَا فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ بِحَجَرٍ فَرَمَی رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَی وَجْنَةِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله سَبَّهُ إِیَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا یَا خَالِدُ لَا تَسُبَّهَا فَوَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ فَأَمَرَ بِهَا فَصَلَّی عَلَیْهَا فَدُفِنَتْ.
و فیها لاعن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بین عویمر بن الحارث العجلانی و بین امرأته بعد العصر فی مسجده صلی اللّٰه علیه و آله و كان قد قذفها بشریك بن سحماء
عَلَی مَا رُوِیَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ (2) الْآیَةَ قَرَأَهَا النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله یَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَی الْمِنْبَرِ فَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِیٍّ الْأَنْصَارِیُّ وَ قَالَ جَعَلَنِیَ اللَّهُ فِدَاكَ إِنْ رَأَی رَجُلٌ مِنَّا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَأَخْبَرَ بِمَا رَأَی جُلِدَ ثَمَانِینَ وَ سَمَّاهُ الْمُسْلِمُونَ فَاسِقاً لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَداً فَكَیْفَ لَنَا بِالشُّهَدَاءِ وَ نَحْنُ إِذَا الْتَمَسْنَا الشُّهَدَاءَ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ وَ مَرَّ وَ كَانَ لِعَاصِمٍ هَذَا ابْنُ عَمٍّ یُقَالُ لَهُ عُوَیْمِرٌ وَ لَهُ امْرَأَةٌ یُقَالُ لَهَا خَوْلَةُ بِنْتُ قَیْسِ بْنِ مِحْصَنٍ فَأَتَی عُوَیْمِرٌ عَاصِماً وَ قَالَ قَدْ رَأَیْتُ شَرِیكَ بْنَ السَّحْمَاءِ عَلَی بَطْنِ امْرَأَتِی خَوْلَةَ فَاسْتَرْجَعَ عَاصِمٌ وَ أَتَی رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی الْجُمُعَةِ الْأُخْرَی فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَا أَسْرَعَ مَا ابْتُلِیتُ بِالسُّؤَالِ الَّذِی سَأَلْتُ فِی الْجُمُعَةِ الْمَاضِیَةِ فِی أَهْلِ بَیْتِی وَ كَانَ عُوَیْمِرٌ وَ خَوْلَةُ وَ الشَّرِیكُ كُلُّهُمْ بَنُو عَمٍّ لِعَاصِمٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِهِمْ جَمِیعاً وَ قَالَ لِعُوَیْمِرٍ اتَّقِ اللَّهَ فِی زَوْجَتِكَ وَ ابْنَةِ عَمِّكَ فَلَا تَقْذِفْهَا بِالْبُهْتَانِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أُقْسِمُ بِاللَّهِ أَنِّی رَأَیْتُ شَرِیكاً عَلَی بَطْنِهَا
ص: 367
وَ أَنِّی مَا قَرِبْتُهَا مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَ أَنَّهَا حُبْلَی مِنْ غَیْرِی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِلْمَرْأَةِ اتَّقِی اللَّهَ وَ لَا تُخْبِرِینِی إِلَّا بِمَا صَنَعْتِ فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عُوَیْمِراً رَجُلٌ غَیُورٌ وَ إِنَّهُ رَآنِی وَ شَرِیكاً نُطِیلُ السَّمَرَ وَ نَتَحَدَّثُ فَحَمَلَتْهُ الْغِیرَةُ عَلَی مَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لِشَرِیكٍ مَا تَقُولُ فَقَالَ مَا تَقُولُهُ الْمَرْأَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (1) الْآیَةَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی نُودِیَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَصَلَّی الْعَصْرَ ثُمَّ قَالَ لِعُوَیْمِرٍ قُمْ فَقَامَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ خَوْلَةَ زَانِیَةٌ وَ أَنِّی لَمِنَ الصَّادِقِینَ ثُمَّ قَالَ فِی الثَّانِیَةِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّی رَأَیْتُ شَرِیكاً عَلَی بَطْنِهَا وَ أَنِّی لَمِنَ الصَّادِقِینَ ثُمَّ قَالَ فِی الثَّالِثَةِ أَشْهَدُ أَنَّهَا حُبْلَی مِنْ غَیْرِی وَ أَنِّی لَمِنَ الصَّادِقِینَ ثُمَّ قَالَ فِی الرَّابِعَةِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّی مَا قَرَبْتُهَا مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَ أَنِّی لَمِنَ الصَّادِقِینَ ثُمَّ قَالَ فِی الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی عُوَیْمِرٍ یَعْنِی نَفْسَهُ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِینَ فِیمَا قَالَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْقُعُودِ وَ قَالَ لِخَوْلَةَ قُومِی فَقَامَتْ فَقَالَتْ أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَا أَنَا بِزَانِیَةٍ وَ أَنَّ عُوَیْمِراً لَمِنَ الْكَاذِبِینَ ثُمَّ قَالَتْ فِی الثَّانِیَةِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّهُ مَا رَأَی شَرِیكاً عَلَی بَطْنِی وَ أَنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِینَ ثُمَّ قَالَتْ فِی الثَّالِثَةِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّهُ مَا رَآنِی قَطُّ عَلَی فَاحِشَةٍ وَ أَنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِینَ ثُمَّ قَالَتْ فِی الرَّابِعَةِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّی حُبْلَی مِنْهُ وَ أَنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِینَ ثُمَّ قَالَتْ فِی الْخَامِسَةِ إِنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَی خَوْلَةَ یَعْنِی نَفْسَهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِینَ فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَهُمَا وَ قَالَ لَوْ لَا هَذِهِ الْأَیْمَانُ لَكَانَ فِی أَمْرِهَا رَأْیٌ وَ قَالَ تَحَیَّنُوا بِهَا الْوِلَادَةَ فَإِنْ جَاءَتْ بِأَصْهَبَ أُثَیْبِجَ (2) یَضْرِبُ إِلَی السَّوَادِ فَهُوَ لِشَرِیكٍ وَ إِنْ جَاءَتْ بِأَوْرَقَ جَعْداً جُمَالِیّاً خَدَلَّجَ السَّاقَیْنِ فَهُوَ لِغَیْرِ الَّذِی رُمِیَتْ (3) (بِهِ) قال ابن عباس فجاءت بأشبه خلق بشریك.
و فی هذه السنة توفی النجاشی و اسمه أصحمة و هو الذی هاجر إلیه المسلمون و أسلم و توفی فی رجب هذه السنة فنعاه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی المسلمین و خرج إلی المصلی و صف أصحابه خلفه و صلی علیه. (4)
ص: 368
و روی عن عائشة قالت لما مات النجاشی كنا نتحدث (1) أنه لا یزال یری علی قبره نور. و فیها ماتت أم كلثوم بنت رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كانت تزوجها عتبة بن أبی لهب قبل النبوة فلما نزلت تَبَّتْ یَدا أَبِی لَهَبٍ (2) قال له أبوه رأسی من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته ففارقها و لم یكن دخل بها فلم تزل بمكة مع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ثم هاجرت فلما توفیت رقیة خلف علیها عثمان فی ربیع الأول سنة ثلاث من الهجرة و أدخلت علیه فی جمادی الآخرة فماتت عنده فی شعبان من هذه السنة فغسلتها أسماء بنت عمیس و صفیة بنت عبد المطلب و أم عطیة و نزل فی حفرتها أبو طلحة.
و فیها مات عبد اللّٰه بن عبدبهم (3) بن عفیف ذو البجادین.
و فیها مات عبد اللّٰه بن سلول المنافق. (4)
ثم ذكر فی وقائع السنة العاشرة فیها بعث خالد بن الولید إلی بنی الحارث بن كعب و ذلك أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعث فی ربیعها الآخر (5) من سنة عشر خالدا إلی بنی الحارث بنجران و أمره أن یدعوهم إلی الإسلام قبل أن یقاتلهم ثلاثا فإن استجابوا فاقبل منهم و أقم فیهم و علمهم كتاب اللّٰه و سنة نبیه و معالم الإسلام و إن لم یفعلوا فقاتلهم فخرج خالد حتی قدم علیهم فبعث الركبان یضربون فی كل ناحیة یدعون (6) الناس إلی الإسلام و یقولون یا أیها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس و دخلوا فیما دعاهم إلیه فأقام خالد فیهم یعلمهم الإسلام و كتاب اللّٰه
ص: 369
و سنة نبیه ثم كتب إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ لمحمد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من خالد بن الولید السلام علیك یا رسول اللّٰه و رحمة اللّٰه و بركاته فإنی أحمد إلیك اللّٰه الذی لا إله إلا هو أما بعد یا رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیك فإنك بعثتنی إلی بنی الحارث بن كعب و أمرتنی إذا أتیتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أیام و أن أدعوهم إلی الإسلام ثلاثة أیام فإن أسلموا قبلت منهم و إنی قدمت علیهم و دعوتهم إلی الإسلام فأسلموا و أنا مقیم أعلمهم معالم الإسلام.
فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ سَلَامٌ عَلَیْكَ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْكَ اللَّهَ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ كِتَابَكَ جَاءَنِی مَعَ رَسُولِكَ یُخْبِرُنِی أَنَّ بَنِی الْحَارِثِ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ یُقَاتَلُوا فَبَشِّرْهُمْ وَ أَنْذِرْهُمْ وَ أَقْبِلْ مَعَهُمْ وَ لْیُقْبِلْ مَعَكَ وَفْدُهُمْ وَ السَّلَامُ عَلَیْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
فأقبل خالد بن الولید إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و أقبل معه وفد بنی الحارث فیهم قیس بن الحصین فسلموا علیه و قالوا نشهد أنك رسول اللّٰه و أن لا إله إلا اللّٰه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ و أمر علیهم قیسا فلم یمكثوا فی قومهم إلا أربعة أشهر حتی توفی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و بعث إلی بنی الحارث بعد أن ولی وفدهم عمرو بن حزم الأنصاری لیفقههم و یعلمهم السنة و الإسلام (1) و یأخذ منهم صدقاتهم.
و فیها قدم وفد سلامان فی شوالها و هم سبعة نفر رأسهم حبیب السلامانی.
و فیها قدم وفد محارب فی حجة الوداع و هم عشرة نفر فیهم سواء بن الحارث و ابنه خزیمة و لم یكن أحد أفظ و لا أغلظ علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله منهم و كان فی الوفد رجل منهم فعرفه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال الحمد لله الذی أبقانی حتی صدقت بك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ بِیَدِ اللَّهِ و مسح وجه خزیمة فصارت له غرة بیضاء و أجازهم كما یجیز الوفد و انصرفوا.
ص: 370
و فیها قدم وفد الأزد رأسهم صرد بن عبد اللّٰه الأزدی فی بضعة عشر.
و فیها قدم وفد غسان و وفد عامر كلاهما فی شهر رمضان.
و فیها قدم وفد زبید علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فیهم عمرو بن معدیكرب فأسلم فلما توفی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ارتد عمرو ثم عاد إلی الإسلام.
و فیها قدم وفد عبد القیس و الأشعث بن قیس فی وفد كندة و وفد بنی حنیفة معهم مسیلمة الكذاب ثم ارتد بعد أن رجع إلی وطنه.
و فیها قدم وفد بجیلة قدم جریر بن عبد اللّٰه البجلی و معه من قومه مائة و خمسون رجلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَطْلُعُ عَلَیْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مَنْ خَیْرُ ذِی یُمْنٍ عَلَی وَجْهِهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ فطلع جریر علی راحلته و معه قومه فأسلموا و بایعوا قال جریر و بسط رسول اللّٰه یده فبایعنی و قَالَ عَلَی أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ وَ تُقِیمَ الصَّلَاةَ وَ تُؤْتِیَ الزَّكَاةَ وَ تَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَ تَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِینَ وَ تُطِیعَ الْوَالِیَ وَ إِنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِیّاً فقلت نعم فبایعته و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یسأله عما وراءه فقال یا رسول اللّٰه قد أظهر اللّٰه الإسلام و الأذان و هدمت القبائل أصنامهم (1) التی تعبد قال فما فعل ذو الخلصة (2) قال هو علی حاله فبعثه رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی هدم ذی الخلصة و عقد له لواء فقال إنی لا أثبت علی الخیل فمسح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله صدره و قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِیاً مَهْدِیّاً فخرج فی قومه و هم زهاء مائتین فما أطال الغیبة حتی رجع فقال رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أهدمته قال نعم و الذی بعثك بالحق و أحرقته بالنار فتركته كما یسوء أهله فبرك رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی خیل أخمس (3) و رجالها.
ص: 371
و فیها قدم السید و العاقب من نجران فكتب لهم رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله كتاب صلح.
و فیها قدم وفد عبس و وفد خولان و هم عشرة و كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إذا قدم الوفد لبس أحسن ثیابه و أمر أصحابه بذلك.
و فیها قدم وفد عامر بن صعصعة و فیهم عامر بن الطفیل و أربد بن ربیعة و كانا قد أقبلا یریدان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقیل یا رسول اللّٰه هذا عامر بن الطفیل قد أقبل نحوك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دَعْهُ فَإِنْ یُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَیْراً یَهْدِهِ فَأَقْبَلَ حَتَّی قَامَ عَلَیْهِ فَقَالَ یَا مُحَمَّدُ مَا لِی إِنْ أَسْلَمْتُ قَالَ لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِینَ وَ عَلَیْكَ مَا عَلَیْهِمْ قَالَ تَجْعَلُ لِیَ الْأَمْرُ بَعْدَكَ قَالَ لَیْسَ (1) ذَلِكَ إِلَیَّ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَی اللَّهِ یَجْعَلُهُ حَیْثُ شَاءَ قَالَ فَتَجْعَلُنِی عَلَی الْوَبَرِ وَ أَنْتَ عَلَی الْمَدَرِ قَالَ لَا قَالَ فَمَا ذَا تَجْعَلُ لِی قَالَ أَجْعَلُ لَكَ أَعِنَّةَ الْخَیْلِ تَغْزُو عَلَیْهَا قال أ و لیس ذلك إلی الیوم و كان عامر قد قال لأربد إذا رأیتنی أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسیف فدار أربد لیضربه فاخترط من سیفه شبرا ثم حبسه اللّٰه فیبست یده علی سیفه و لم یقدر علی سله فعصم اللّٰه نبیه فرأی أربد و ما یصنع بسیفه قال اكفنیهما بما شئت فأرسل اللّٰه تعالی علی أربد صاعقة فأحرقته و ولی عامر هاربا و قال یا محمد دعوت ربك فقتل أربد و اللّٰه لأملأنها علیك خیلا جردا و فتیانا مردا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَمْنَعُكَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَ أَبْنَاءُ قَیْلَةَ یعنی الأوس و الخزرج فنزل عامر بیت امرأة سلولیة فلما أصبح ضم علیه سلاحه و خرج و هو یقول و اللّٰه (2) لئن أصحر إلی محمد و صاحبه یعنی ملك الموت لأنفذهما (3) برمحی فأرسل اللّٰه تعالی ملكا فأثراه فی التراب (4) و خرجت علیه غدة كغدة البعیر عظیمة فعاد إلی بیت السلولیة و هو یقول أ غدة كغدة البعیر و موت فی بیت سلولیة.
ثم ركب فرسه فمات علی ظهر الفرس فأنزل اللّٰه تعالی وَ یُرْسِلُ الصَّواعِقَ
ص: 372
فَیُصِیبُ بِها مَنْ یَشاءُ (1).
و فیها خرج بدیل بن أبی ماریة (2) مولی العاص بن وائل فی تجارة إلی الشام و صحبه نمیم الداری و عدی بن بداء و هما علی النصرانیة فمرض ابن أبی ماریة و قد كتب وصیة و جعلها فی ماله فقدموا بالمال و الوصیة ففقدوا جاما أخذه تمیم و عدی و أحلفهما رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بعد العصر ثم ظهر علیه فحلف عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص و المطلب بن أبی وداعة و استحقا. (3).
«3»- و قال فی الكامل و فی السنة العاشرة بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أمراءه علی الصدقات فبعث المهاجر بن أبی أمیة بن المغیرة إلی صنعاء فخرج علیه العبسی (4) و هو بها و بعث زیاد بن أسد الأنصاری (5) إلی حضرموت علی صدقاتها و بعث عدی بن حاتم الطائی علی صدقة طیئ و أسد و بعث مالك بن نویرة علی صدقات حنظلة و جعل الزبرقان بن بدر و قیس بن عاصم علی صدقات زید بن مناة بن (6) تمیم و بعث العلاء بن الحضرمی إلی البحرین و بعث علی بن أبی طالب علیهما السلام إلی نجران لیجمع صدقاتهم و جزیتهم ففعل و عاد فلقی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (7) فی حجة الوداع و استخلف علی الجیش الذین معه رجلا من أصحابه و سبقهم إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله فلقیه بمكة فعمد الرجل إلی الجیش فكساهم كل رجل حلة من البرد الذی مع علی علیه السلام فلما دنا الجیش خرج علی علیه السلام لیتلقاهم فرأی علیهم الحلل فنزعها عنهم فشكاه الجیش إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله خَطِیباً
ص: 373
فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ لَا تَشْكُوا عَلِیّاً فَإِنَّهُ وَ اللَّهِ لَأَخْشَنُ (1) فِی ذَاتِ اللَّهِ أَوْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ. (2).
بیان: قوله صاحب مكس أی عشار و قال الجزری فی حدیث الأذان كانوا یتحینون وقت الصلاة أی یطلبون حینها و الحین الوقت و قال الأصهب الذی یعلو لونه صهبة و هی كالشقرة و قال فی حدیث اللعان إن جاءت به أثیبج فهو لهلال تصغیر الأثبج و هو الناتئ الثبج أی ما بین الكتفین و الكاهل و رجل أثبج أیضا عظیم الجوف و قال الأورق الأسمر و الجعد شدید الخلق أو مجتمعة الخلق أو جعد الشعر ضد السبوطة و قال الجمالی بالتشدید الضخم الأعضاء التام الأوصال یقال ناقة جمالیة شبیهة بالجمل عظما و بدانة و قال خدلج الساقین عظیمهما و قال البجاد الكساء و منه تسمیة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عبد اللّٰه بن عبدبهم ذا البجادین لأنه حین أراد المصیر إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله قطعت أمه بجادا قطعتین فارتدی بإحداهما و ائتزر بالأخری و قال یقال علی وجهه مسحة ملك و مسحة جمال أی أثر ظاهر منه و لا یقال ذلك إلا فی المدح و قال فی صفة المهدی قرشی یمان لیس من ذی و لا ذو أی لیس فیه نسب أذواء الیمن و هم ملوك حمیر منهم ذو یزن و ذو رعین و منه حدیث جریر یطلع علیكم رجل من ذی یمن علی وجهه مسحة من ذی ملك كذا أورده أبو عمر الزاهد و قال ذی هاهنا صلة أی زائدة و قال ذو الخلصة هو بیت كان فیه صنم لدوس و خثعم و بجیلة و غیرهم و قیل ذو الخلصة الكعبة الیمانیة التی كانت بالیمن فأنفذ إلیها رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله جریر بن عبد اللّٰه البجلی فخربها و قیل ذو الخلصة اسم الصنم و فیه نظر لأن ذو لا یضاف إلا إلی أسماء الأجناس و فی القاموس فرس أجرد قصیر الشعر رقیقة و الأجرد السباق.
و فی النهایة أخیشن فی ذات اللّٰه هو تصغیر الأخشن للخشن.
ص: 374
«4»-قب، المناقب لابن شهرآشوب: بعث صلی اللّٰه علیه و آله رسله إلی الآفاق فی سنة عشر و بین فتح مكة و وفاته كانت الوفود منهم بنو سلیم و فیهم العباس بن مرداس و بنو تیم و فیهم عطارد بن زرارة (1) و بنو عامر و فیهم عامر بن الطفیل و أربد بن قیس و بنو سعد بن بكر و فیهم ضمام بن ثعلبة و عبد القیس و الجارود بن عمرو و بنو حنیفة و فیهم مسیلمة الكذاب و طیئ و فیهم زید الخیل و عدی بن حاتم و زبید و فیهم عمرو بن معدیكرب و كندة و فیهم الأشعث بن قیس و نجران و فیهم السید و العاقب و أبو الحارث و الأزد و بعث حمیر إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بإسلامهم و بعث فروة الجذامی رسولا باسمه و بنو الحارث بن كعب و فیهم قیس بن الحصین و یزید بن عبد المدان و ثقیف و سیدهم عبد نائل بنو أسد و أسلم (2).
«5»-كَنْزُ الْكَرَاجُكِیِّ، رُوِیَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَوْماً جَالِساً فِی نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَدْ صَلَّی الْغَدَاةَ إِذْ أَقْبَلَ أَعْرَابِیٌّ عَلَی نَاقَةٍ لَهُ حَتَّی وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَأَنَاخَهَا ثُمَّ عَقَلَهَا وَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ یَتَخَطَّی النَّاسَ وَ النَّاسُ یُوَسِّعُونَ لَهُ وَ إِذَا هُوَ رَجُلٌ مَدِیدُ الْقَامَةِ عَظِیمُ الْهَامَةِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَةٍ فَلَمَّا مَثُلَ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَسْفَرَ عَنْ لِثَامِهِ ثُمَّ هَمَّ أَنْ یَتَكَلَّمَ فَأُرْتِجَ ثُمَّ هَمَّ أَنْ یَتَكَلَّمَ فَأُرْتِجَ (3) حَتَّی اعْتَرَضَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَآهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَدْ رَكِبَهُ الزَّمَعُ لَهَی عَنْهُ بِالْحَدِیثِ لِیَذْهَبَ عَنْهُ بَعْضُ الَّذِی أَصَابَهُ وَ قَدْ كَسَا اللَّهُ نَبِیَّهُ جَلَالَةً وَ هَیْبَةً فَلَمَّا أَنِسَ وَ فَرَّخَ رَوْعُهُ قَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قُلْ لِلَّهِ أَنْتَ مَا أَنْتَ قَائِلٌ فَأَنْشَدَ أَبْیَاتاً اعْتِذَاراً عَمَّا أَصَابَهُ فَاسْتَوَی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله (4) وَ كَانَ مُتَّكِئاً فَقَالَ أَنْتَ أُهَیْبُ بْنُ سَمَاعٍ وَ لَمْ یَرَهُ قَطُّ قَبْلَ وَقْتِهِ ذَلِكَ (5) فَقَالَ أَنَا أُهَیْبُ بْنُ سَمَاعٍ الْآبِیُّ الدَّفَّاعُ الْقَوِیُّ الْمَنَّاعُ قَالَ أَنْتَ الَّذِی ذَهَبَ جُلُّ قَوْمِكَ بِالْغَارَاتِ وَ لَمْ یَنْفُضُوا رُءُوسَهُمْ مِنَ الْهَفَوَاتِ إِلَّا مُنْذُ أَشْهُرٍ وَ سَنَوَاتٍ قَالَ أَنَا ذَاكَ قَالَ أَ تَذْكُرُ الْأَزْمَةَ الَّتِی أَصَابَتْ قَوْمَكَ
ص: 375
احْرَنْجَمَ لَهَا الذِّیخُ وَ أَخْلَفَ نَوْءُ الْمِرِّیخِ وَ امْتَنَعَتِ (1) السَّمَاءُ وَ انْقَطَعَتِ الْأَنْوَاءُ وَ احْتَرَقَتِ الْعَنَمَةُ وَ خَفَّتِ الْبُرْمَةُ حَتَّی إِنَّ الضَّیْفَ لَیَنْزِلُ بِقَوْمِكَ وَ مَا فِی الْغَنَمِ عَرَقٌ وَ لَا غَزَرٌ فَتَرْصُدُونَ الضَّبَّ الْمَكْنُونَ فَتَقْتَنِصُونَهُ (2) وَ كَأَنَّكَ قُلْتَ فِی طَرِیقِكَ إِلَیَّ لِتَسْأَلَنِی عَنْ حِلِّ ذَلِكَ وَ عَنْ حَرَجِهِ (3) أَلَا وَ لَا حَرَجَ عَلَی مُضْطَرٍّ وَ مِنْ كَرَمِ الْأَخْلَاقِ بِرُّ الضَّیْفِ قَالَ فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ لَا أَطْلُبُ أَثَراً بَعْدَ عَیْنٍ لَكَأَنَّكَ كُنْتَ مَعِی فِی طَرِیقِی وَ شَرِیكِی فِی أَمْرِی أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِی شَرْحاً وَ بَیَاناً أَزْدَدْ بِكَ إِیمَاناً فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَ تَذْكُرُ إِذْ أَتَیْتَ صَنَمَكَ فِی الظَّهِیرَةِ فَعَتَرْتَ لَهُ الْعَتِیرَةَ فقال نعم بأبی أنت و أمی یا رسول اللّٰه إن الحارث بن أبی ضرار المصطلقی جمع لك جموعا لیدهمك بالمدینة و استعان بی علی حربك و كان لی صنم یقال له واقب (4) فرقبت خلوته و قممت ساحته ثم نفضت التراب عن رأسه ثم عترت له عتیرة فإنی لأستخبره فی أمری و أستشیره فی حربك (5) إذ سمعت له صوتا قف له شعری و اشتد منه ذعری فولیت عنه و هو یقول:
أهیب ما لك تجزع*** لا تنأ عنی و ارجع
و اسمع مقالا ینفع*** جاءك ما لا یدفع
نبی صدق أروع*** فاقصد إلیه و اسرع
تأمن وبال المصرع
قال أهیب فأتیت أهلی و لم أطلع أحدا علی أمری فلما كان من الغد أتیته فی الظهیرة فرقبت خلوته و قممت ساحته و عترت له عتیرة ثم جسدته بدمها فبینا أنا كذلك إذ سمعت منه صوتا هائلا فولیت عنه هاربا و هو یقول كلاما فی معنی كلامه الأول قال فلما كان من غد ركبت ناقتی و لبست لامتی و
ص: 376
تكبدت الطریق حتی أتیتك فأنر لی سراجك و أوضح لی منهاجك قال فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ وَ إِنِّی مُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ فَقَالَهَا غَیْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَ أَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَ وَقَرَ حُبُّ الْإِسْلَامِ فِی قَلْبِهِ فَقَالَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السلام خُذْ بِیَدِهِ فَعَلِّمْهُ الْقُرْآنَ فَأَقَامَ عِنْدَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَلَمَّا حَذِقَ شَیْئاً مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ یَا نَبِیَّ اللَّهِ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ أَبِی ضِرَارٍ قَدْ جَمَعَ لَكَ جُمُوعاً لِیَدْهَمَكَ بِالْمَدِینَةِ فَلَوْ وَجَّهْتَ مَعِی قَوْماً بِسَرِیَّةٍ تَشُنُّ عَلَیْهِمُ الْغَارَةَ فَوَجَّهَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مَعَهُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ جَمَاعَةً مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (1) فَظَفِرُوا بِهِمْ وَ اسْتَاقُوا إِبِلَهُمْ وَ مَاشِیَتَهُمْ (2).
توضیح: یقال ارتج علی القاری علی ما لم یسم فاعله إذا لم یقدر علی القراءة و الزمع بالتحریك الدهش و فرخ الروع تفریخا ذهب كأفرخ و الأزمة الشدة و الضیق و احرنجم أراد الأمر ثم رجع عنه و القوم أو الإبل اجتمع بعضها و ازدحموا و الذیخ بالكسر الذئب و الجری ء و الفرس الحصان و ذكر الضباع الكثیر الشعر و النوء سقوط نجم من المنازل فی المغرب مع الفجر و طلوع رقیبه من المشرق یقابله من ساعته فی كل لیلة إلی ثلاثة عشر یوما و هكذا كل نجم منها إلی انقضاء السنة ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر یوما و كانت العرب تضیف الأمطار و الریاح و الحر و البرد إلی الساقط كذا ذكر الجوهری و قال العنم شجر لین الأعضاء یشبه به بنان الجواری و قال البرم ثمر العضاة الواحدة برمة و فی بعض النسخ بالزاء یقال بزم علیه أی عض بمقدم أسنانه و البزمة فی الأكل هو أن یأكل فی الیوم و اللیل مرة و العرق اللبن و لعل المراد هنا اللبن القلیل و بالغزر الكثیر قال فی القاموس الغزیر الكثیر من كل شی ء و الغزیرة الكثیرة الدر و اقتنصه اصطاده قوله لا أطلب أثرا بعد عین الأثر الخبر أی لا أنتظر سماع خبر بحقیتك بعد ما عاینت من معجزاتك
ص: 377
و العتیرة الذبیحة كانت تذبح للأصنام فیصب دمها علی رأسها و قف شعره قام فزعا و الأروع من الرجال الذی یعجبك حسنه و جسد الدم به كفرح لصق و ثوب مجسد مجسد مصبوغ بالزعفران و اللأمة الدرع أو جمیع أدوات الحرب و الكبد الشدة و قال الجوهری حذق الصبی القرآن و العمل یحذق حذقا و حذقا إذا مهر و حذق بالكسر حذقا لغة فیه.
الآیات؛
الحج: «وَ أَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلی كُلِّ ضامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ* لِیَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ یَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِی أَیَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِیرَ* ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْیُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ»(27-29)
تفسیر:
قال الطبرسی رحمه اللّٰه اختلف فی المخاطب به علی قولین أحدهما أنه إبراهیم علیه السلام و الثانی أن المخاطب به نبینا صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَذِّنْ یا محمد فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ فأذن صلی اللّٰه علیه و آله فی حجة الوداع أی أعلمهم بوجوب الحج رِجالًا أی مشاة علی أرجلهم وَ عَلی كُلِّ ضامِرٍ أی ركبانا قال ابن عباس یرید الإبل و لا یدخل بعیر و لا غیره الحرم إلا و قد هزل (1) و سیأتی تفسیر الآیة فی كتاب الحج إن شاء اللّٰه تعالی.
«1»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ
ص: 378
أَبَانٍ الْكَلْبِیِّ قَالَ: ذَكَرْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام الْمُسْتَحَاضَةَ فَذَكَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَیْسٍ فَقَالَ إِنَّ أَسْمَاءَ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَكْرٍ بِالْبَیْدَاءِ وَ كَانَ فِی وِلَادَتِهَا الْبَرَكَةُ لِلنِّسَاءِ لِمَنْ وَلَدَتْ مِنْهُنَّ أَوْ طَمِثَتْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَاسْتَثْفَرَتْ (1) وَ تَنَطَّقَتْ بِمِنْطَقَةٍ وَ أَحْرَمَتْ (2).
«2»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِیزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَیْسٍ نَفِسَتْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَكْرٍ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ أَرَادَتِ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِی الْحُلَیْفَةِ أَنْ تَحْتَشِیَ بِالْكُرْسُفِ وَ الْخِرَقِ وَ تُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ وَ قَدْ نَسَكُوا الْمَنَاسِكَ وَ قَدْ أَتَی لَهَا ثَمَانِیَةَ عَشَرَ یَوْماً فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ تَطُوفَ بِالْبَیْتِ وَ تُصَلِّیَ وَ لَمْ یَنْقَطِعْ عَنْهَا الدَّمُ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ (3).
«3»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله التَّلْبِیَةَ حِینَ زَاغَتِ الشَّمْسُ یَوْمَ عَرَفَةَ (4).
«4»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنَّ الْمُشْرِكِینَ كَانُوا یُفِیضُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَغِیبَ الشَّمْسُ فَخَالَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَفَاضَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْحَجَّ لَیْسَ بِوَجِیفِ الْخَیْلِ وَ لَا إِیضَاعِ (5) الْإِبِلِ وَ لَكِنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَ سِیرُوا سَیْراً جَمِیلًا وَ لَا تُوَطِّئُوا ضَعِیفاً وَ لَا تُوَطِّئُوا مُسْلِماً وَ كَانَ صلی اللّٰه علیه و آله یَكُفُّ نَاقَتَهُ
ص: 379
حَتَّی یُصِیبَ رَأْسُهَا مُقَدِّمَ الرَّحْلِ وَ یَقُولُ أَیُّهَا النَّاسُ عَلَیْكُمْ بِالدَّعَةِ وَ الْخَبَرُ مُخْتَصَرٌ (1).
«5»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ عَنِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا كَانَ یَوْمُ النَّحْرِ أَتَاهُ طَوَائِفُ مِنَ الْمُسْلِمِینَ فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نَرْمِیَ وَ حَلَقْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذْبَحَ وَ لَمْ یَبْقَ شَیْ ءٌ مِمَّا یَنْبَغِی لَهُمْ أَنْ یُقَدِّمُوهُ إِلَّا أَخَّرُوهُ وَ لَا شَیْ ءٌ مِمَّا یَنْبَغِی لَهُمْ أَنْ یُؤَخِّرُوهُ إِلَّا قَدَّمُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ (2).
«6»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّامٍ قَالَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام دَخَلَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله الْكَعْبَةَ فَصَلَّی فِی زَوَایَاهَا الْأَرْبَعِ صَلَّی فِی كُلِّ زَاوِیَةٍ رَكْعَتَیْنِ (3).
«7»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ (4) عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمْ یَدْخُلِ الْكَعْبَةَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَّا یَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (5).
«8»-ل، الخصال الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِیدٍ الْعَسْكَرِیُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِیمِ (6) عَنِ ابْنِ عَوْفٍ عَنْ مَكِّیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ مُوسَی بْنِ عُبَیْدَةَ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ یَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ (7) عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی أَوْسَطِ أَیَّامِ التَّشْرِیقِ فَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ الْعَضْبَاءَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ یَا أَیُّهَا النَّاسُ كُلُّ دَمٍ كَانَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَهُوَ هَدَرٌ وَ أَوَّلُ دَمٍ هُدِرَ دَمُ الْحَارِثِ بْنِ رَبِیعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعاً فِی هُذَیْلٍ (8) فَقَتَلَهُ
ص: 380
بَنُو اللَّیْثِ أَوْ قَالَ كَانَ مُسْتَرْضِعاً فِی بَنِی لَیْثٍ فَقَتَلَهُ هُذَیْلٌ وَ كُلُّ رِباً كَانَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَمَوْضُوعٌ وَ أَوَّلُ رِباً وُضِعَ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ فَهُوَ الْیَوْمَ كَهَیْئَةِ یَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِینَ وَ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِی كِتابِ اللَّهِ یَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ رَجَبُ مُضَرٍ الَّذِی بَیْنَ جُمَادَی وَ شَعْبَانَ وَ ذُو الْقَعْدَةِ وَ ذُو الْحِجَّةِ وَ الْمُحْرَّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِیهِنَّ أَنْفُسَكُمْ فَإِنَّ النَّسِی ءَ زِیادَةٌ فِی الْكُفْرِ یُضَلُّ بِهِ الَّذِینَ كَفَرُوا یُحِلُّونَهُ عاماً وَ یُحَرِّمُونَهُ عاماً لِیُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ كَانُوا (1) یُحَرِّمُونَ الْمُحَرَّمَ عَاماً وَ یَسْتَحِلُّونَ (2) صَفَرَ وَ یُحَرِّمُونَ صَفَرَ عَاماً وَ یَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّیْطَانَ قَدْ یَئِسَ أَنْ یُعْبَدَ فِی بِلَادِكُمْ آخِرَ الْأَبَدِ وَ رَضِیَ مِنْكُمْ بِمُحَقَّرَاتِ (3) الْأَعْمَالِ أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِیعَةً فَلْیُؤَدِّهَا إِلَی مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَیْهَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ النِّسَاءَ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لَا یَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ ضَرّاً وَ لَا نَفْعاً أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَ اسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ فَلَكُمْ عَلَیْهِنَّ حَقٌّ وَ لَهُنَّ عَلَیْكُمْ حَقٌّ وَ مِنْ حَقِّكُمْ عَلَیْهِنَّ أَنْ لَا یُوَاطِئُوا (4) فُرُشَكُمْ وَ لَا یَعْصِینَكُمْ فِی مَعْرُوفٍ فَإِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَا تَضْرِبُوهُنَّ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی قَدْ تَرَكْتُ فِیكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَاعْتَصِمُوا بِهِ یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَیُّ یَوْمٍ هَذَا قَالُوا یَوْمٌ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ یَا أَیُّهَا النَّاسُ فَأَیُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ أَیُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَرَّمَ عَلَیْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ وَ أَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ یَوْمِكُمْ هَذَا فِی شَهْرِكُمْ هَذَا فِی بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَی یَوْمِ تَلْقَوْنَهُ أَلَا فَلْیُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ لَا نَبِیَّ بَعْدِی وَ لَا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ ثُمَّ رَفَعَ یَدَیْهِ حَتَّی إِنَّهُ لَیُرَی بَیَاضُ إِبْطَیْهِ ثُمَّ قَالَ
ص: 381
اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّی قَدْ بَلَّغْتُ (1).
بیان: قال الجزری فیه إن الزمان قد استدار كهیئة یوم خلق اللّٰه السماوات و الأرض یقال دار یدور و استدار یستدیر بمعنی إذا طاف حول الشی ء و إذا عاد إلی الموضع الذی ابتدأ منه و معنی الحدیث أن العرب كانوا یؤخرون المحرم إلی صفر و هو النسی ء لیقاتلوا فیه فینتقل المحرم من شهر إلی شهر حتی یجعلوه فی جمیع شهور السنة فلما كانت تلك السنة كان قد عاد إلی زمنه المخصوص به قبل النقل و دارت السنة كهیئتها الأولی و قال أضاف رجبا إلی مضر لأنهم كانوا یعظمونه خلاف غیرهم فكأنهم اختصوا به و قوله بین جمادی و شعبان تأكید للبیان و الإیضاح لأنهم كانوا ینسئونه و یؤخرونه من شهر إلی شهر فیتحول عن موضعه المختص به فبین لهم أنه الشهر الذی بین جمادی و شعبان لا ما كانوا یسمونه علی حساب النسی ء و قال العانی الأسیر و كل من ذل و استكان و خضع فهو عان و المرأة عانیة و جمعها عوان
وَ مِنْهُ الْحَدِیثُ اتَّقُوا اللَّهَ فِی النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ.
أی أسراء أو كالأسراء.
قوله صلی اللّٰه علیه و آله بأمانة اللّٰه أی بأن جعلكم أمینا علیهن و أمركم بحفظهن فهن ودائع اللّٰه عندكم.
و قال الطیبی فی شرح المشكاة أی بعهده و هو ما عهد إلیهم من الرفق و الشفقة و قال فی قوله بكلمات اللّٰه هو قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ و قیل بالإیجاب و القبول و قیل بكلمة التوحید إذ لا تحل المسلمة لكافر.
أقول: سیأتی معنی آخر فی الخبر فی كتاب النكاح و سیأتی تلك الخطبة بأسانید فی باب خطب النبی صلی اللّٰه علیه و آله و باب المناهی إن شاء اللّٰه تعالی.
«9»-ما، الأمالی للشیخ الطوسی حَمَّوَیْهِ بْنُ عَلِیٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ حُبَابٍ عَنْ مَكِّیِّ بْنِ مَرْوَكٍ (2) الْأَهْوَازِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ بَحْرٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
ص: 382
مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ علیهما السلام قَالَ: دَخَلْنَا عَلَی جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا انْتَهَیْنَا إِلَیْهِ سَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّی انْتَهَی إِلَیَّ فَقُلْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ فَأَهْوَی بِیَدِهِ إِلَی رَأْسِی فَنَزَعَ زِرِّیَ الْأَعْلَی وَ زِرِّیَ الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَیْنَ ثَدْیِی وَ قَالَ مَرْحَباً بِكَ وَ أَهْلًا یَا ابْنَ أَخِی سَلْ مَا شِئْتَ فَسَأَلْتُهُ وَ هُوَ أَعْمَی فَجَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِی نِسَاجَةٍ فَالْتَحَفَ بِهَا فَلَمَّا وَضَعَهَا (1) عَلَی مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَیْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَ رِدَاؤُهُ إِلَی جَنْبِهِ عَلَی الْمِشْجَبِ فَصَلَّی بِنَا فَقُلْتُ أَخْبِرْنِی عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ بِیَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعاً وَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَثَ تِسْعَ سِنِینَ لَمْ یَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِی النَّاسِ فِی الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِینَةَ بَشَرٌ كَثِیرٌ كُلُّهُمْ یَلْتَمِسُ أَنْ یَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَعْمَلَ مَا عَمِلَهُ فَخَرَجَ وَ خَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّی أَتَیْنَا ذَا الْحُلَیْفَةِ فَذَكَرَ الْحَدِیثَ وَ قَدِمَ عَلِیٌّ مِنَ الْیَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَوَجَدَ فَاطِمَةَ فِیمَنْ أَحَلَّ وَ لَبِسَتْ ثِیَاباً صَبِیغاً وَ اكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ عَلِیٌّ ذَلِكَ عَلَیْهَا فَقَالَتْ أَبِی صلی اللّٰه علیه و آله أَمَرَنِی بِهَذَا وَ كَانَ عَلِیٌّ علیه السلام یَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُحَرِّشاً عَلَی فَاطِمَةَ بِالَّذِی صَنَعَتْ (2) مُسْتَفْتِیاً رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِالَّذِی ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ قَالَ صَدَقَتْ صَدَقَتْ (3).
بیان: قال الجزری النساجة ضرب من الملاحف منسوجة كأنها سمیت بالمصدر و قال المشجب بكسر المیم عیدان تضم رءوسها و تفرج بین قوائمها و توضع علیها الثیاب و قال فی حدیث علی علیه السلام فی الحج فذهبت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله محرشا علی فاطمة أراد بالتحریش هاهنا ذكر ما یوجب عتابه لها و أصله الإغراء و التهییج.
«10»-عم، إعلام الوری شا، الإرشاد (4): لما أراد رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله التوجه إلی الحج و أداء فرض اللّٰه
ص: 383
تعالی فیه (1) أذن فی الناس به و بلغت دعوته إلی أقاصی بلاد الإسلام (2) فتجهز الناس للخروج معه و حضر المدینة من ضواحیها و من حولها و یقرب (3) منها خلق كثیر و تهیئوا (4) للخروج معه فخرج صلی اللّٰه علیه و آله بهم لخمس بقین من ذی العقدة و كاتب أمیر المؤمنین علیه السلام بالتوجه إلی الحج من الیمن و لم یذكر له نوع الحج الذی قد عزم علیه و خرج صلی اللّٰه علیه و آله قارنا للحج بسیاق الهدی و أحرم علیه السلام من ذی الحلیفة و أحرم الناس معه و لبی من عند المیل الذی بالبیداء فاتصل ما بین الحرمین بالتلبیة حتی انتهی إلی كراع الغمیم و كان الناس معه ركبانا و مشاة فشق علی المشاة المسیر و أجهدهم السیر و التعب (5) فشكوا ذلك إلی النبی صلی اللّٰه علیه و آله و استحملوه فأعلمهم أنه لا یجد لهم ظهرا و أمرهم أن یشدوا علی أوساطهم و یخلطوا الرمل بالنسل ففعلوا ذلك و استراحوا إلیه و خرج أمیر المؤمنین علیه السلام بمن معه من العسكر الذی كان صحبه إلی الیمن و معه الحلل الذی (6) كان أخذها من أهل نجران فلما قارب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی مكة من طریق المدینة قاربها أمیر المؤمنین علیه السلام من طریق الیمن و تقدم الجیش للقاء النبی صلی اللّٰه علیه و آله و خلف علیهم رجلا منهم فأدرك النبی صلی اللّٰه علیه و آله و قد أشرف علی مكة فسلم علیه و خبره بما صنع و بقبض ما قبض و أنه سارع للقائه أمام الجیش فسر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لذلك (7) و ابتهج بلقائه و قَالَ لَهُ بِمَ أَهْلَلْتَ یَا عَلِیُّ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمْ تَكْتُبْ لِی (8) بِإِهْلَالِكَ وَ لَا عَرَفْتُهُ (9) فَعَقَدْتُ نِیَّتِی بِنِیَّتِكَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ إِهْلَالًا كَإِهْلَالِ نَبِیِّكَ وَ سُقْتُ مَعِی مِنَ الْبُدْنِ
ص: 384
أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِینَ بَدَنَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ سُقْتُ أَنَا سِتّاً وَ سِتِّینَ وَ أَنْتَ شَرِیكِی فِی حَجِّی وَ مَنَاسِكِی وَ هَدْیِی فَأَقِمْ عَلَی إِحْرَامِكَ وَ عُدْ إِلَی جَیْشِكَ فَعَجِّلْ بِهِمْ إِلَیَّ حَتَّی نَجْتَمِعَ بِمَكَّةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فودعه أمیر المؤمنین علیه السلام و عاد إلی جیشه فلقیهم عن قرب فوجدهم قد لبسوا الحلل التی كانت معهم فأنكر ذلك علیهم و قال للذی كان استخلفه علیهم (1) ویلك ما دعاك إلی أن تعطیهم الحلل من قبل أن ندفعها إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله (2) و لم أكن أذنت لك فی ذلك فقال سألونی أن یتجملوا بها و یحرموا فیها ثم یردوها علی فانتزعها أمیر المؤمنین علیه السلام من القوم و شدها فی الأعدال فاضطغنوا ذلك (3) علیه فلما دخلوا مكة كثرت شكایاهم (4) من أمیر المؤمنین علیه السلام فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُنَادِیاً (5) فَنَادَی فِی النَّاسِ ارْفَعُوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَإِنَّهُ خَشِنٌ فِی ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ غَیْرُ مُدَاهِنٍ فِی دِینِهِ فكف القوم عن ذكره و علموا مكانه من النبی صلی اللّٰه علیه و آله و سخطه علی من رام الغمیزة فیه و أقام أمیر المؤمنین علیه السلام علی إحرامه تأسیا برسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كان قد خرج مع النبی صلی اللّٰه علیه و آله كثیر من المسلمین بغیر سیاق هدی فأنزل اللّٰه تعالی وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ (6) وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِی الْحَجِّ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ شَبَّكَ إِحْدَی أَصَابِعِ یَدَیْهِ عَلَی الْأُخْرَی (7) ثُمَّ قَالَ علیه السلام لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُهُ (8) مَا سُقْتُ الْهَدْیَ ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِیَهُ أَنْ یُنَادِیَ (9) مَنْ لَمْ یَسُقْ مِنْكُمْ هَدْیاً فَلْیُحِلَّ وَ لْیَجْعَلْهَا عُمْرَةً وَ مَنْ سَاقَ مِنْكُمْ هَدْیاً فَلْیُقِمْ عَلَی إِحْرَامِهِ فأطاع فی ذلك بعض الناس و خالف بعض و جرت خطوب بینهم فیه و قال منهم قائلون إن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أشعث أغبر نلبس الثیاب
ص: 385
و نقرب النساء و ندهن و قال بعضهم أ ما تستحیون تخرجون (1) رءوسكم تقطر من الغسل و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی إحرامه فأنكر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی من خالف فی ذلك و قَالَ لَوْ لَا أَنِّی سُقْتُ الْهَدْیَ لَأَحْلَلْتُ وَ جَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ لَمْ یَسُقْ هَدْیاً فَلْیُحِلَّ فَرَجَعَ قَوْمٌ وَ أَقَامَ آخَرُونَ عَلَی الْخِلَافِ (2) وَ كَانَ فِیمَنْ أَقَامَ عَلَی الْخِلَافِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَدْعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَالَ مَا لِی أَرَاكَ یَا عُمَرُ مُحْرِماً أَ سُقْتَ هَدْیاً (3) قَالَ لَمْ أَسُقْ قَالَ فَلِمَ لَا تُحِلُّ وَ قَدْ أَمَرْتُ مَنْ لَمْ یَسُقْ (4) بِالْإِحْلَالِ فَقَالَ وَ اللَّهِ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَحْلَلْتُ وَ أَنْتَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّكَ لَنْ تُؤْمِنَ بِهَا حَتَّی تَمُوتَ فَلِذَلِكَ أَقَامَ عَلَی إِنْكَارِ مُتْعَةِ الْحَجِّ حَتَّی رَقِیَ الْمِنْبَرَ فِی إِمَارَتِهِ فَنَهَی عَنْهُ نَهْیاً مُجَدَّداً وَ تَوَعَّدَ عَلَیْهَا بِالْعِقَابِ.
و لما قضی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله نسكه أشرك علیا علیه السلام فی هدیه و قفل إلی المدینة و هو معه و المسلمون حتی انتهی إلی الموضع المعروف بغدیر خم و لیس بموضع إذ ذاك یصلح للمنزل (5) لعدم الماء فیه و المرعی فنزل علیه السلام فی الموضع و نزل المسلمون معه و كان سبب نزوله فی هذا المكان نزول القرآن علیه بنصبه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیهما السلام خلیفة فی الأمة من بعده و قد كان تقدم الوحی إلیه فی ذلك من غیر توقیت له فأخره لحضور وقت یأمن فیه الاختلاف منهم علیه و علم اللّٰه عز و جل أنه إن تجاوز غدیر خم انفصل عنه كثیر من الناس إلی بلدانهم (6) و أماكنهم و بوادیهم فأراد اللّٰه أن یجمعهم لسماع النص علی أمیر المؤمنین علیه السلام و تأكید الحجة علیهم (7) فیه فأنزل اللّٰه تعالی (8) یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ
ص: 386
إِلَیْكَ مِنْ رَبِّكَ یعنی فی استخلاف علی علیه السلام و النص بالإمامة علیه وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ یَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (1) فأكد الفرض علیه بذلك و خوفه من تأخیر الأمر فیه و ضمن له العصمة و منع الناس منه فنزل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله المكان الذی ذكرناه لما وصفناه من الأمر له بذلك و شرحناه و نزل المسلمون حوله و كان یوما قائظا شدید الحر فأمر علیه السلام بدوحات (2) فقم ما تحتها و أمر بجمع الرحال فی ذلك المكان و وضع بعضها فوق بعض ثم أمر منادیه فنادی فی الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا من رحالهم إلیه و إن أكثرهم لیلف رداءه علی قدمیه من شدة الرمضاء (3) فلما اجتمعوا صعد علی تلك الرحال حتی صار فی ذروتها و دعا أمیر المؤمنین علیه السلام فرقی معه حتی قام عن یمینه ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ وَعَظَ فَأَبْلَغَ فِی الْمَوْعِظَةِ وَ نَعَی إِلَی الْأُمَّةِ نَفْسَهُ وَ قَالَ قَدْ دُعِیتُ (4) وَ یُوشِكُ أَنْ أُجِیبَ وَ قَدْ حَانَ مِنِّی خُفُوقٌ مِنْ بَیْنِ أَظْهُرِكُمْ وَ إِنِّی مُخَلِّفٌ فِیكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا مِنْ بَعْدِی (5) كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی فَإِنَّهُمَا (6) لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ ثُمَّ نَادَی بِأَعْلَی صَوْتِهِ أَ لَسْتُ أَوْلَی بِكُمْ مِنْكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ (7) قَالُوا اللَّهُمَّ بَلَی فَقَالَ لَهُمْ عَلَی النَّسَقِ مِنْ غَیْرِ فَصْلٍ وَ قَدْ أَخَذَ بِضَبْعَیْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (8) علیه السلام فَرَفَعَهُمَا حَتَّی بَانَ بَیَاضُ إِبْطَیْهِمَا (9) فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِیٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ ثم نزل صلی اللّٰه علیه و آله و كان وقت الظهیرة فصلی ركعتین ثم زالت الشمس فأذن مؤذنه لصلاة الظهر (10) فصلی بهم الظهر و جلس علیه السلام فی خیمته و أمر علیا علیه السلام أن یجلس فی خیمة له بإزائه ثم أمر المسلمین أن یدخلوا علیه فوجا فوجا فیهنئوه
ص: 387
بالمقام و یسلموا علیه بإمرة المؤمنین ففعل الناس ذلك كلهم ثم أمر أزواجه و سائر نساء (1) المؤمنین معه أن یدخلن علیه و یسلمن علیه بإمرة المؤمنین ففعلن و كان فیمن (2) أطنب فی تهنئته بالمقام عمر بن الخطاب و أظهر له من المسرة به و قال فیما قال بخ بخ لك یا علی أصبحت مولای و مولی كل مؤمن و مؤمنة و جاء حسان بن ثابت إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فقال یا رسول اللّٰه أ تأذن (3) لی أن أقول فی هذا المقام ما یرضاه اللّٰه فقال له قل یا حسان علی اسم اللّٰه فوقف علی نشز من الأرض و تطاول المسلمون (4) لسماع كلامه فأنشأ یقول:
ینادیهم یوم الغدیر نبیهم*** بخم و أسمع بالرسول (5) منادیا
و قال فمن مولاكم و ولیكم؟*** فقالوا و لم یبدوا هناك التعادیا
إلهك مولانا و أنت ولینا*** و لن تجدن منا لك الیوم عاصیا
فقال له قم یا علی فإننی*** رضیتك من بعدی إماما و هادیا
فمن كنت مولاه فهذا ولیه*** فكونوا له أتباع (6) صدق موالیا
هناك دعا اللّٰهم وال ولیه*** و كن للذی عادی علیا معادیا
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا تَزَالُ یَا حَسَّانُ مُؤَیَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا نَصَرْتَنَا بِلِسَانِكَ.
و إنما اشترط رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی الدعاء له لعلمه علیه السلام بعاقبة أمره فی الخلاف و لو علم سلامته فی مستقبل الأحوال لدعا له علی الإطلاق و مثل ذلك ما اشترط اللّٰه تعالی فی مدح أزواج النبی صلی اللّٰه علیه و آله و لم یمدحهن بغیر اشتراط لعلمه أن منهن من تتغیر بعد الحال عن الصلاح الذی تستحق علیه المدح و الإكرام فقال یا نِساءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ (7) و لم یجعلهن فی ذلك حسب ما جعل أهل بیت النبی صلی اللّٰه علیه و آله فی محل الإكرام و المدحة حیث بذلوا قوتهم للیتیم و المسكین (8) و الأسیر فأنزل اللّٰه سبحانه فی علی و فاطمة و الحسن و
ص: 388
الحسین علیهم السلام و قد آثروا علی أنفسهم مع الخصاصة التی كانت بهم فقال تعالی وَ یُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْكِیناً وَ یَتِیماً وَ أَسِیراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِیدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا یَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِیراً فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْیَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِیراً (1) فقطع لهم بالجزاء و لم یشترط لهم كما اشترط لغیرهم لعلمه باختلاف الأحوال علی ما بیناه. (2) بیان ضاحیة كل شی ء ناحیته البارزة و قال الجزری رمل یرمل رملا أسرع فی السیر و هز منكبه و قال النسل و النسلان الإسراع فی المشی و خفق النجم خفوقا غاب و الضبع العضد و النشز بالفتح المرتفع من الأرض قوله و أسمع صیغة تعجب كقوله تعالی أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ (3).
«11»-سر، السرائر قال ابن محبوب فی كتابه: خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من المدینة لأربع بقین من ذی القعدة و دخل لأربع مضین من ذی الحجة و دخل من أعلی مكة من عقبة المدنیین و خرج من (4) أسفلها.
«12»-عم، إعلام الوری: خرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من المدینة متوجها إلی الحج فی السنة العاشرة لخمس بقین من ذی القعدة و أذن فی الناس بالحج فتجهز الناس للخروج معه و حضر المدینة من ضواحیها و من جوانبها خلق كثیر فلما انتهی إلی ذی الحلیفة ولدت هناك أسماء بنت عمیس محمد بن أبی بكر فأقام تلك اللیلة من أجلها و أحرم من ذی الحلیفة و أحرم الناس معه و كان قارنا للحج بسیاق الهدی ساق معه ستا و ستین بدنة و حج علی علیه السلام من الیمن و ساق معه أربعا و ثلاثین بدنة.
وَ قَدْ رُوِیَ أَیْضاً عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سَاقَ فِی حَجِّهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ نَیِّفاً وَ سِتِّینَ ثُمَّ أَعْطَی عَلِیّاً فَنَحَرَ نَیِّفاً وَ ثَلَاثِینَ.
ص: 389
أقول: و ساق الخبر بتمامه من قصة الجیش و الأمر بالعدول إلی العمرة و إنكار عمر ذلك و قصة الغدیر مثل ما ساقه المفید رحمه اللّٰه إلی أن قال و لم یبرح رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من المكان حتی نزل الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْكُمْ نِعْمَتِی وَ رَضِیتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِیناً (1) فقال الحمد لله علی كمال الدین و تمام النعمة و رضا الرب برسالتی و الولایة لعلی من بعدی (2).
«13»-كا، الكافی عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَقَامَ بِالْمَدِینَةِ عَشْرَ سِنِینَ لَمْ یَحُجَّ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهِ وَ أَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلی كُلِّ ضامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ (3) فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنِینَ أَنْ یُؤَذِّنُوا بِأَعْلَی أَصْوَاتِهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ یَحُجُّ فِی عَامِهِ هَذَا فَعَلِمَ بِهِ مَنْ حَضَرَ الْمَدِینَةَ وَ أَهْلُ الْعَوَالِی وَ الْأَعْرَابُ وَ اجْتَمَعُوا لِحَجِّ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ إِنَّمَا كَانُوا تَابِعِینَ یَنْظُرُونَ مَا یُؤْمَرُونَ بِهِ وَ یَتَّبِعُونَهُ (4) أَوْ یَصْنَعُ شَیْئاً فَیَصْنَعُونَهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی أَرْبَعٍ بَقِینَ مِنْ ذِی الْقَعْدَةِ فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی ذِی الْحُلَیْفَةِ زَالَتِ الشَّمْسُ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّی أَتَی الْمَسْجِدَ الَّذِی عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَصَلَّی فِیهِ الظُّهْرَ ثُمَّ عَزَمَ بِالْحَجِّ مُفْرِداً (5) وَ خَرَجَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی الْبَیْدَاءِ عِنْدَ الْمِیلِ الْأَوَّلِ فَصُفَّ لَهُ سِمَاطَانِ فَلَبَّی بِالْحَجِّ مُفْرِداً وَ سَاقَ الْهَدْیَ سِتّاً وَ سِتِّینَ أَوْ أَرْبَعاً وَ سِتِّینَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی مَكَّةَ فِی سَلْخِ أَرْبَعٍ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ (6) فَطَافَ بِالْبَیْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ صَلَّی رَكْعَتَیْنِ خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ علیه السلام ثُمَّ عَادَ إِلَی الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ وَ قَدْ كَانَ اسْتَلَمَهُ فِی أَوَّلِ طَوَافِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَأَبْدَأُ (7) بِمَا بَدَأَ اللَّهُ
ص: 390
عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ وَ إِنَّ الْمُسْلِمِینَ كَانُوا یَظُنُّونَ أَنَّ السَّعْیَ بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ شَیْ ءٌ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما (1) ثُمَّ أَتَی الصَّفَا فَصَعِدَ عَلَیْهِ وَ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ الْیَمَانِیَّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ دَعَا مِقْدَارَ مَا یُقْرَأُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ مُتَرَسِّلًا ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَی الْمَرْوَةِ فَوَقَفَ عَلَیْهِمَا كَمَا وَقَفَ عَلَی الصَّفَا ثُمَّ انْحَدَرَ وَ عَادَ إِلَی الصَّفَا فَوَقَفَ (2) عَلَیْهَا ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَی الْمَرْوَةِ حَتَّی فَرَغَ مِنْ سَعْیِهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ سَعْیِهِ وَ هُوَ عَلَی الْمَرْوَةِ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا جَبْرَئِیلُ وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَی خَلْفِهِ یَأْمُرُنِی أَنْ آمُرَ مَنْ لَمْ یَسُقْ هَدْیاً أَنْ یُحِلَّ وَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ لَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا أَمَرْتُكُمْ وَ لَكِنِّی سُقْتُ الْهَدْیَ وَ لَا یَنْبَغِی لِسَائِقِ الْهَدْیِ أَنْ یُحِلَّ حَتَّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ (3) مِنَ الْقَوْمِ لَنَخْرُجَنَّ حُجَّاجاً وَ رُءُوسُنَا وَ شُعُورُنَا تَقْطُرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَمَا إِنَّكَ لَنْ تُؤْمِنَ (4) بِهَذَا أَبَداً فَقَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْكِنَانِیُّ یَا رَسُولَ اللَّهِ عُلِّمْنَا دِینَنَا كَأَنَّا (5) خُلِقْنَا الْیَوْمَ فَهَذَا الَّذِی أَمَرْتَنَا بِهِ أَ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِمَا یَسْتَقْبِلُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَلْ هُوَ لِلْأَبَدِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ ثُمَّ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَ قَالَ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِی الْحَجِّ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ قَالَ وَ قَدِمَ عَلِیٌّ علیه السلام مِنَ الْیَمَنِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ هُوَ بِمَكَّةَ فَدَخَلَ عَلَی فَاطِمَةَ علیها السلام وَ هِیَ قَدْ أَحَلَّتْ فَوَجَدَ رِیحاً طَیِّباً وَ وَجَدَ عَلَیْهَا ثِیَاباً مَصْبُوغَةً فَقَالَ مَا هَذَا یَا فَاطِمَةُ فَقَالَتْ أَمَرَنَا بِهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَخَرَجَ عَلِیٌّ علیه السلام إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُسْتَفْتِیاً فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی رَأَیْتُ فَاطِمَةَ قَدْ أَحَلَّتْ وَ عَلَیْهَا ثِیَابٌ مَصْبُوغَةٌ
ص: 391
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنَا أَمَرْتُ النَّاسَ بِذَلِكَ فَأَنْتَ یَا عَلِیُّ بِمَا أَهْلَلْتَ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِهْلَالٌ (1) كَإِهْلَالِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قِرَّ عَلَی إِحْرَامِكَ مِثْلِی وَ أَنْتَ شَرِیكِی فِی هَدْیِی قَالَ وَ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِمَكَّةَ بِالْبَطْحَاءِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ وَ لَمْ یَنْزِلِ الدُّورَ فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ التَّرْوِیَةِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ یَغْتَسِلُوا وَ یُهِلُّوا بِالْحَجِّ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِی أَنْزَلَهُ عَلَی نَبِیِّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ أَبِیكُمْ إِبْراهِیمَ- (2) فَخَرَجَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ أَصْحَابُهُ مُهِلِّینَ بِالْحَجِّ حَتَّی أَتَوْا (3) مِنًی فَصَلَّی الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ وَ الْمَغْرِبَ وَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَ الْفَجْرَ ثُمَّ غَدَا وَ النَّاسُ مَعَهُ وَ كَانَتْ قُرَیْشٌ تُفِیضُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَ هِیَ جَمْعٌ وَ یَمْنَعُونَ النَّاسَ أَنْ یُفِیضُوا مِنْهَا فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قُرَیْشٌ تَرْجُو أَنْ تَكُونَ إِفَاضَتُهُ مِنْ حَیْثُ كَانُوا یُفِیضُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْهِ ثُمَّ أَفِیضُوا مِنْ حَیْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ (4) یَعْنِی إِبْرَاهِیمَ وَ إِسْمَاعِیلَ وَ إِسْحَاقَ فِی إِفَاضَتِهِمْ مِنْهَا وَ مَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ فَلَمَّا رَأَتْ قُرَیْشٌ أَنَّ قُبَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَدْ مَضَتْ كَأَنَّهُ دَخَلَ فِی أَنْفُسِهِمْ شَیْ ءٌ لِلَّذِی كَانُوا یَرْجُونَ مِنَ الْإِفَاضَةِ مِنْ مَكَانِهِمْ حَتَّی انْتَهَی إِلَی نَمِرَةَ وَ هِیَ بَطْنُ عُرَنَةَ بِحِیَالِ الْأَرَاكِ فَضُرِبَتْ قُبَّتُهُ وَ ضَرَبَ النَّاسُ أَخْبِیَتَهُمْ عِنْدَهَا فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَعَهُ قُرَیْشٌ وَ قَدِ اغْتَسَلَ وَ قَطَعَ التَّلْبِیَةَ حَتَّی وَقَفَ بِالْمَسْجِدِ فَوَعَظَ النَّاسَ وَ أَمَرَهُمْ وَ نَهَاهُمْ ثُمَّ صَلَّی الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَ إِقَامَتَیْنِ ثُمَّ مَضَی إِلَی الْمَوْقِفِ فَوَقَفَ بِهِ فَجَعَلَ النَّاسُ یَبْتَدِرُونَ أَخْفَافَ نَاقَتِهِ یَقِفُونَ إِلَی جَانِبِهَا فَنَحَّاهَا فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ لَیْسَ مَوْضِعُ أَخْفَافِ نَاقَتِی بِالْمَوْقِفِ وَ لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَی الْمَوْقِفِ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِالْمُزْدَلِفَةِ (5)
ص: 392
فَوَقَفَ النَّاسُ حَتَّی وَقَعَ الْقُرْصُ قُرْصُ الشَّمْسِ ثُمَّ أَفَاضَ وَ أَمَرَ النَّاسَ بِالدَّعَةِ (1) حَتَّی انْتَهَی إِلَی الْمُزْدَلِفَةِ وَ هُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ فَصَلَّی الْمَغْرِبَ وَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَ إِقَامَتَیْنِ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّی صَلَّی فِیهَا الْفَجْرَ وَ عَجَّلَ ضُعَفَاءَ بَنِی هَاشِمٍ بِلَیْلٍ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا یَرْمُوا الْجَمْرَةَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّی تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلَمَّا أَضَاءَ لَهُ النَّهَارُ أَفَاضَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی مِنًی فَرَمَی جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَ كَانَ الْهَدْیُ الَّذِی جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَرْبَعَةً وَ سِتِّینَ أَوْ سِتَّةً وَ سِتِّینَ وَ جَاءَ عَلِیٌّ علیه السلام بِأَرْبَعَةٍ وَ ثَلَاثِینَ أَوْ سِتَّةٍ وَ ثَلَاثِینَ فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله سِتَّةً وَ سِتِّینَ وَ نَحَرَ عَلِیٌّ علیه السلام أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِینَ بَدَنَةً وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنْهَا جَذْوَةٌ مِنْ لَحْمٍ ثُمَّ تُطْرَحَ فِی بُرْمَةٍ ثُمَّ تُطْبَخَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیٌّ وَ حَسَیَا مِنْ مَرَقِهَا وَ لَمْ یُعْطِیَا الْجَزَّارِینَ (2) جُلُودَهَا وَ لَا جِلَالَهَا وَ لَا قَلَائِدَهَا وَ تَصَدَّقَ بِهِ وَ حَلَقَ وَ زَارَ الْبَیْتَ وَ رَجَعَ إِلَی مِنًی وَ أَقَامَ بِهَا حَتَّی كَانَ الْیَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ آخِرِ أَیَّامِ التَّشْرِیقِ ثُمَّ رَمَی الْجِمَارَ وَ نَفَرَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی الْأَبْطَحِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ أَ تَرْجِعُ (3) نِسَاؤُكَ بِحَجَّةٍ وَ عُمْرَةٍ مَعاً وَ أَرْجِعُ بِحَجَّةٍ فَأَقَامَ بِالْأَبْطَحِ وَ بَعَثَ صلی اللّٰه علیه و آله مَعَهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِی بَكْرٍ إِلَی التَّنْعِیمِ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ جَاءَتْ وَ طَافَتْ بِالْبَیْتِ وَ صَلَّتْ رَكْعَتَیْنِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ وَ سَعَتْ بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَتِ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله فَارْتَحَلَ مِنْ یَوْمِهِ وَ لَمْ یَدْخُلِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامِ وَ لَمْ یَطُفْ بِالْبَیْتِ وَ دَخَلَ مِنْ أَعْلَی مَكَّةَ مِنْ عَقَبَةِ الْمَدَنِیِّینَ وَ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلَ مَكَّةَ مِنْ ذَوِی طُوًی (4).
بیان: العوالی أماكن بأعالی أراضی المدینة و أدناها من المدینة علی أربعة أمیال و أبعدها من جهة نجد ثمانیة قوله منفردا أی عن العمرة و سماط القوم بالكسر صفهم قوله أو أربعا التردید باعتبار اختلاف الروایات كما أومأ إلیه فی السند قوله فاتبعوا ملة أبیكم أقول لیس فی القرآن هكذا
ص: 393
بل فی آل عمران فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ (1) إلی آخر آیات الحج و فی سورة الحج وَ ما جَعَلَ عَلَیْكُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیكُمْ إِبْراهِیمَ (2) الآیة فیمكن أن یكون فی مصحفهم علیه السلام الآیة الأولی هكذا أو تكون زیادة أبیكم من النساخ أو یكون نقلا بالمعنی جمعا بین الآیتین و فی بعض النسخ فاتبعوه فیكون إشارة إلی قوله تعالی وَ أَنَّ هذا صِراطِی مُسْتَقِیماً فَاتَّبِعُوهُ (3) أو إلی قوله وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ (4) و ما بعده إلی آیة الحج (5) أو هو بصیغة الماضی عطفا علی أنزله من كلامه صلی اللّٰه علیه و آله و سلخ الشهر مضی كانسلخ قوله صلی اللّٰه علیه و آله بالدعة أی بالسكون و التأنی و ترك الإیجاف و الجذوة مثلثة القطعة و البرمة بالضم قدر من الحجارة و حسا المرق شربه شیئا بعد شی ء.
«14»-كا، الكافی الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُعَلَّی عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ سَعِیدٍ الْأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام یَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَجَّلَ النِّسَاءَ لَیْلًا مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَی مِنًی وَ أَمَرَ مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ عَلَیْهَا هَدْیٌ أَنْ تَرْمِیَ وَ لَا تَبْرَحَ حَتَّی تَذْبَحَ وَ مَنْ لَمْ یَكُنْ عَلَیْهَا مِنْهُنَّ هَدْیٌ أَنْ تَمْضِیَ إِلَی مَكَّةَ حَتَّی تَزُورَ (6).
«15»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِیدٍ الْأَعْرَجِ عَنْهُ علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَرْسَلَ مَعَهُنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَیْدٍ (7).
«16»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ (8) وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ وَ صَفْوَانُ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ
ص: 394
نَحَرَ أَنْ یُؤْخَذَ (1) مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ جَذْوَةٌ مِنْ لَحْمِهَا ثُمَّ تُطْرَحَ فِی بُرْمَةٍ ثُمَّ تُطْبَخَ وَ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ عَلِیٌّ مِنْهَا وَ حَسَیَا مِنْ مَرَقِهَا (2).
«17»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ غَدَا مِنْ مِنًی فِی طَرِیقِ ضَبٍّ وَ رَجَعَ مَا بَیْنَ الْمَأْزِمَیْنِ وَ كَانَ إِذَا سَلَكَ طَرِیقاً لَمْ یَرْجِعْ فِیهِ (3).
«18»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ خَرَجَ فِی أَرْبَعٍ بَقِینَ مِنْ ذِی الْقَعْدَةِ حَتَّی أَتَی الشَّجَرَةَ فَصَلَّی بِهَا ثُمَّ قَادَ رَاحِلَتَهُ حَتَّی أَتَی الْبَیْدَاءَ فَأَحْرَمَ مِنْهَا وَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَ أَحْرَمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِالْحَجِّ لَا یَنْوُونَ عُمْرَةً وَ لَا یَدْرُونَ مَا الْمُتْعَةُ حَتَّی إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَّةَ طَافَ بِالْبَیْتِ وَ طَافَ النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّی رَكْعَتَیْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ وَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ قَالَ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ فَأَتَی الصَّفَا فَبَدَأَ بِهَا ثُمَّ طَافَ بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ سَبْعاً فَلَمَّا قَضَی طَوَافَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ قَامَ خَطِیباً فَأَمَرَهُمْ أَنْ یُحِلُّوا وَ یَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَ هُوَ شَیْ ءٌ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ فَأَحَلَّ النَّاسُ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَوْ كُنْتُ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ لَفَعَلْتُ كَمَا أَمَرْتُكُمْ وَ لَمْ یَكُنْ یَسْتَطِیعُ أَنْ یُحِلَّ مِنْ أَجْلِ الْهَدْیِ الَّذِی كَانَ مَعَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ (4) مَحِلَّهُ فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْكِنَانِیُّ یَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْیَوْمَ أَ رَأَیْتَ هَذَا الَّذِی أَمَرْتَنَا بِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَوْ لِكُلِّ عَامٍ (5) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله لَا بَلْ لِلْأَبَدِ الْأَبَدِ (6) وَ إِنَّ رَجُلًا (7) قَامَ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ نَخْرُجُ حُجَّاجاً وَ رُءُوسُنَا تَقْطُرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله
ص: 395
إِنَّكَ لَنْ تُؤْمِنَ بِهَذَا (1) أَبَداً قَالَ وَ أَقْبَلَ عَلِیٌّ علیه السلام مِنَ الْیَمَنِ حَتَّی وَافَی الْحَجَّ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ علیها السلام قَدْ أَحَلَّتْ وَ وَجَدَ رِیحَ الطِّیبِ فَانْطَلَقَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُسْتَفْتِیاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا عَلِیُّ بِأَیِّ شَیْ ءٍ أَهْلَلْتَ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ لَا تُحِلَّ أَنْتَ فَأَشْرَكَهُ فِی الْهَدْیِ وَ جَعَلَ لَهُ سَبْعاً (2) وَ ثَلَاثِینَ وَ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثَلَاثاً (3) وَ سِتِّینَ وَ نَحَرَهَا بِیَدِهِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بَضْعَةً فَجَعَلَهَا فِی قِدْرٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَطُبِخَ فَأَكَلَ مِنْهُ وَ حَسَا مِنَ الْمَرَقِ وَ قَالَ قَدْ أَكَلْنَا مِنْهَا الْآنَ جَمِیعاً وَ الْمُتْعَةُ خَیْرٌ مِنَ الْقَارِنِ السَّائِقِ وَ خَیْرٌ مِنَ الْحَاجِّ الْمُفْرِدِ قَالَ وَ سَأَلْتُهُ لَیْلًا أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَمْ نَهَاراً فَقَالَ نَهَاراً قُلْتُ أَیَّ سَاعَةٍ (4) قَالَ صَلَاةَ الظُّهْرِ (5).
«19»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَیْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الْحَجَّ فَكَتَبَ إِلَی مَنْ بَلَغَهُ كِتَابُهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِی الْإِسْلَامِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُرِیدُ الْحَجَّ یُؤْذِنُهُمْ بِذَلِكَ لِیَحُجَّ مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ فَأَقْبَلَ النَّاسُ فَلَمَّا نَزَلَ الشَّجَرَةَ أَمَرَ النَّاسَ بِنَتْفِ الْإِبْطِ وَ حَلْقِ الْعَانَةِ وَ الْغُسْلِ وَ التَّجَرُّدِ فِی إِزَارٍ وَ رِدَاءٍ أَوْ إِزَارٍ وَ عِمَامَةٍ وَ یَضَعُهَا (6) عَلَی عَاتِقِهِ لِمَنْ لَمْ یَكُنْ لَهُ رِدَاءٌ وَ ذَكَرَ أَنَّهُ حَیْثُ لَبَّی قَالَ لَبَّیْكَ اللَّهُمَّ لَبَّیْكَ لَبَّیْكَ لَا شَرِیكَ لَكَ لَبَّیْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ لَكَ وَ الْمُلْكَ لَا شَرِیكَ لَكَ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یُكْثِرُ مِنْ ذِی الْمَعَارِجِ وَ كَانَ یُلَبِّی كُلَّمَا لَقِیَ رَاكِباً أَوْ عَلَا أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِیاً وَ مِنْ آخِرِ اللَّیْلِ وَ فِی أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِنْ أَعْلَاهَا مِنَ الْعَقَبَةِ وَ خَرَجَ حِینَ خَرَجَ مِنْ ذِی طُوًی فَلَمَّا انْتَهَی إِلَی بَابِ الْمَسْجِدِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَ ذَكَرَ ابْنُ سِنَانٍ أَنَّهُ بَابُ بَنِی شَیْبَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی أَبِیهِ إِبْرَاهِیمَ ثُمَّ أَتَی الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ فَلَمَّا
ص: 396
طَافَ بِالْبَیْتِ صَلَّی رَكْعَتَیْنِ خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ علیه السلام وَ دَخَلَ زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً وَ رِزْقاً وَاسِعاً وَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ سُقْمٍ فَجَعَلَ یَقُولُ ذَلِكَ وَ هُوَ مُسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةِ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ لِیَكُنْ آخِرُ عَهْدِكُمْ بِالْكَعْبَةِ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَی الصَّفَا ثُمَّ قَالَ أَبْدَأُ (1) بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ثُمَّ صَعِدَ عَلَی الصَّفَا (2) فَقَامَ عَلَیْهِ مِقْدَارَ مَا یَقْرَأُ الْإِنْسَانُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ (3).
«20»-كا، الكافی الْحُسَیْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّی بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بِیَدِهِ ثَلَاثاً (4) وَ سِتِّینَ وَ نَحَرَ عَلِیٌّ علیه السلام مَا غَبَرَ قُلْتُ سَبْعاً (5) وَ ثَلَاثِینَ قَالَ نَعَمْ (6).
بیان: لعل الاختلاف الواقع فی عدد هدیهما صلوات اللّٰه علیهما من الرواة أو ورد بعضها تقیة أو موافقة لروایات العامة إلزاما علیهم و أما الاختلاف فی سیاق أمیر المؤمنین علیه السلام و عدمه فیحتمل ذلك و یحتمل أن یكون المراد بالسیاق من مكة إلی المواقف و بعدمه عدم السیاق من الیمن أو أنه علیه السلام جاء بها معه و لكن لم یشعرها عند الإحرام لعدم علمه علیه السلام بنوع الحج فلذا أشركه صلی اللّٰه علیه و آله فی هدیه و كذا الاختلاف فی عدد ما ساقه النبی صلی اللّٰه علیه و آله من المائة و بضع و ستین فیمكن أن یكون المراد بالمائة جمیع ما ساقه و بالستین ما ساقه لنفسه لأنه صلی اللّٰه علیه و آله كان یعلم أن أمیر المؤمنین علیه السلام یهل كإهلاله فساق البقیة لأجله.
«21»-ل، الخصال ابْنُ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِی الْعَبَّاسِ الْحَمَّادِیِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِیِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ عُمْرَةَ الْحُدَیْبِیَةِ وَ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ مِنْ قَابِلٍ وَ الثَّالِثَةَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَ الرَّابِعَةَ مَعَ حَجَّتِهِ (7).
ص: 397
«22»-ع، علل الشرائع السِّنَانِیُّ وَ الدَّقَّاقُ وَ الْمُكَتِّبُ وَ الْوَرَّاقُ وَ الْقَطَّانُ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ زَكَرِیَّا الْقَطَّانِ عَنِ ابْنِ حَبِیبٍ عَنِ ابْنِ بُهْلُولٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْعَبْدِیِّ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام كَمْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ عِشْرِینَ حَجَّةً مُسْتَسِرّاً (1) فِی كُلِّ حَجَّةٍ یَمُرُّ بِالْمَأْزِمَیْنِ فَیَنْزِلُ فَیَبُولُ فَقُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ لِمَ كَانَ یَنْزِلُ هُنَاكَ فَیَبُولُ قَالَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَوْضِعٍ عُبِدَ فِیهِ الْأَصْنَامُ وَ مِنْهُ أُخِذَ الْحَجَرُ الَّذِی نُحِتَ مِنْهُ هُبَلُ الَّذِی رَمَی بِهِ عَلِیٌّ علیه السلام مِنْ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ لَمَّا عَلَا ظَهْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَمَرَ بِدَفْنِهِ عِنْدَ بَابِ بَنِی شَیْبَةَ فَصَارَ الدُّخُولُ إِلَی الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِی شَیْبَةَ سُنَّةً لِأَجْلِ ذَلِكَ الْخَبَرَ (2).
بیان: لعل الاستسرار بالحج من قومه مع أنهم كانوا لا ینكرون الحج للنسی ء لأنهم كانوا یحجون فی غیر أوانه أو لمخالفة أفعاله لأفعالهم للبدع التی أبدعوها فی حجهم و الأول أظهر.
«23»-قب، المناقب لابن شهرآشوب الْبُخَارِیُّ حَجَّ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَ بَعْدَهَا لَا یُعْرَفُ عَدَدُهَا وَ لَمْ یَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ.
وَ عَنْ جَابِرٍ الْأَنْصَارِیِّ أَنَّهُ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَجَّتَیْنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ.
الْعَلَاءُ بْنُ رَزِینٍ وَ عُمَرُ بْنُ یَزِیدَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عِشْرِینَ حَجَّةً.
الطَّبَرِیُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ اعْتَمَرَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله أَرْبَعَ عُمَرٍ الْحُدَیْبِیَةَ وَ الْقَضَاءَ وَ الْجِعْرَانَةَ وَ الَّتِی مَعَ حَجَّتِهِ.
مُعَاوِیَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثَلَاثَ عُمَرٍ مُتَفَرِّقَاتٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْحُدَیْبِیَةَ وَ الْقَضَاءَ وَ الْجِعْرَانَةَ وَ أَقَامَ بِالْمَدِینَةِ عَشْرَ سِنِینَ ثُمَّ حَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَ نَصَبَ عَلِیّاً إِمَاماً یَوْمَ غَدِیرِ خُمٍّ (3).
ص: 398
«24»-سر، السرائر مِنْ جَامِعِ الْبَزَنْطِیِّ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام (1) یَقُولَانِ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عِشْرِینَ حَجَّةً مُسْتَسِرّاً مِنْهَا عَشْرَةُ حِجَجٍ أَوْ قَالَ سَبْعَةٌ (2) الْوَهَمُ مِنَ الرَّاوِی قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَ قَدْ كَانَ صَلَّی قَبْلَ ذَلِكَ وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِینَ وَ هُوَ مَعَ أَبِی طَالِبٍ فِی أَرْضِ بُصْرَی وَ هُوَ مَوْضِعٌ كَانَتْ قُرَیْشٌ تَتَّجِرُ إِلَیْهِ مِنْ مَكَّةَ (3).
«25»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَی عَنْ غِیَاثِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ جَعْفَرٍ (4) علیه السلام قَالَ: لَمْ یَحُجَّ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِینَةَ إِلَّا وَاحِدَةً وَ قَدْ حَجَّ بِمَكَّةَ مَعَ قَوْمِهِ حَجَّاتٍ (5).
«26»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ عِیسَی الْفَرَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی یَعْفُورٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَشْرَ حَجَّاتٍ مُسْتَسِرّاً فِی كُلِّهَا یَمُرُّ بِالْمَأْزِمَیْنِ فَیَنْزِلُ وَ یَبُولُ (6).
بیان: الظاهر أنه كان عشرین فوقع التصحیف من النساخ أو الرواة كما روی هذا الخبر بعینه ابن فضال عن هذا الراوی بعینه و فیه عشرین علی أنه یمكن أن یكون العشرون الحج و العمرة معا تغلیبا أو یكون المراد بالعشر ما كان بكلها مستسرا بسبب النسی ء و بالعشرین أعم منها و مما كان ببعض أعمالها مستسرا بسبب البدع.
«27»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ یُونُسَ بْنِ یَعْقُوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عِشْرِینَ حَجَّةً (7).
«28»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الَّذِی كَانَ عَلَی بُدْنِ
ص: 399
رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله نَاجِیَةُ بْنُ جُنْدَبٍ الْخُزَاعِیُّ الْأَسْلَمِیُّ وَ الَّذِی حَلَقَ رَأْسَ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فِی حَجَّتِهِ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرَابَةَ (1) بْنِ نَصْرِ بْنِ غَوْثِ بْنِ عَوِیجِ بْنِ عَدِیِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ وَ لَمَّا كَانَ فِی حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَ هُوَ یَحْلِقُهُ قَالَتْ قُرَیْشٌ أَیْ مَعْمَرُ أُذُنُ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی یَدِكَ وَ فِی یَدِكَ الْمُوسَی فَقَالَ مَعْمَرٌ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَعُدُّهُ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا عَظِیماً عَلَیَّ قَالَ وَ كَانَ مَعْمَرٌ هُوَ الَّذِی یَرْحَلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَا مَعْمَرُ إِنَّ الرَّحْلَ اللَّیْلَةَ لَمُسْتَرْخًی فَقَالَ مَعْمَرٌ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی لَقَدْ شَدَدْتُهُ كَمَا كُنْتُ أَشُدُّهُ وَ لَكِنْ بَعْضُ مَنْ حَسَدَنِی مَكَانِی مِنْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَرَادَ أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِی فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ (2).
بیان: موسی كفعلی ما حلق به و رحل البعیر أصغر من القتب و رحلت البعیر أرحله رحلا شددت علی ظهره الرحل.
«29»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِیعاً عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله ثَلَاثَ عُمَرٍ مُتَفَرِّقَاتٍ عُمْرَةً فِی ذِی الْقَعْدَةِ أَهَلَّ مِنْ عُسْفَانَ وَ هِیَ عُمْرَةُ الْحُدَیْبِیَةِ وَ عُمْرَةً أَهَلَّ مِنَ الْجُحْفَةِ وَ هِیَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَ عُمْرَةً أَهَلَّ مِنَ الْجِعْرَانَةِ بَعْدَ مَا رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ مِنْ غَزْوَةِ حُنَیْنٍ (3).
بیان: المراد هنا العمر التی لم یكن مع الحج لكن ظاهر أكثر أخبارنا أنه صلی اللّٰه علیه و آله لم یعتمر فی حجة الوداع و خبر الأربع عامی و رووه أیضا عن عائشة و رووا موافقا لهذا الخبر أیضا بأسانید.
«30»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِی نَجْرَانَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِینٍ عَنْ
ص: 400
عُمَرَ بْنِ یَزِیدَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله غَیْرَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ نَعَمْ عِشْرِینَ حَجَّةً (1).
«31»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عِیسَی الْفَرَّاءِ عَنِ ابْنِ أَبِی یَعْفُورٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عِشْرِینَ حَجَّةً مُسْتَسِرَّةً كُلَّهَا یَمُرُّ بِالْمَأْزِمَیْنِ (2) فَیَنْزِلُ فَیَبُولُ (3).
«32»-كا، الكافی حُمَیْدُ بْنُ زِیَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَمَاعَةَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ جَمِیعاً عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عُمْرَةَ الْحُدَیْبِیَةِ وَ قَضَی الْحُدَیْبِیَةَ مِنْ قَابِلٍ وَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ حِینَ أَقْبَلَ مِنَ الطَّائِفِ ثَلَاثَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِی ذِی الْقَعْدَةِ (4).
«33»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله اعْتَمَرَ فِی ذِی الْقَعْدَةِ ثَلَاثَ عُمَرٍ كُلَّ ذَلِكَ یُوَافِقُ عُمْرَتُهُ ذَا الْقَعْدَةِ (5).
«34»-یب، تهذیب الأحكام أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ یُونُسَ بْنِ یَعْقُوبَ عَنْ أَسْلَمَ الْمَكِّیِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّهُ قِیلَ لَهُ كَمْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله قَالَ عَشْراً أَ مَا سَمِعْتُمْ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ فَهَلْ یَكُونُ وَدَاعٌ إِلَّا وَ قَدْ حَجَّ قَبْلَهُ (6).
«35»-كا، الكافی الْعِدَّةُ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِهِمْ علیهم السلام قَالَ: أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِی ثَوْبَیْ كُرْسُفٍ (7).
«36»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: كَانَ ثَوْبَا رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله الَّذِی أَحْرَمَ فِیهِمَا یَمَانِیَّیْنِ عِبْرِیٌّ وَ أَظْفَارٌ وَ فِیهِمَا كُفِّنَ (8).
ص: 401
«37»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِیزٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَ الْقَمْلُ تَتَنَاثَرُ مِنْ رَأْسِهِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لَهُ أَ یُؤْذِیكَ هَوَامُّكَ فَقَالَ نَعَمْ فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1) فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَنْ یَحْلِقَ رَأْسَهُ وَ جَعَلَ الصِّیَامَ ثَلَاثَةَ أَیَّامٍ وَ الصَّدَقَةَ عَلَی سِتَّةِ مَسَاكِینَ لِكُلِّ مِسْكِینٍ مُدَّیْنِ وَ النُّسُكَ شَاةً (2).
«38»-كا، الكافی مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْكَاهِلِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله عَلَی نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ وَ جَعَلَ یَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ وَ یُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ (3).
بیان: المحجن كمنبر عصا معوجة الرأس.
«39»-كا، الكافی عَلِیٌّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ وَ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حِینَ فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَ رَكْعَتَیْهِ قَالَ أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إِتْیَانِ الصَّفَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (4) وَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَقِفُ عَلَی الصَّفَا بِقَدْرِ مَا یُقْرَأُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ مُتَرَسِّلًا (5).
أقول: سیأتی سائر الأخبار فی كتاب الحج و باب نص الغدیر إن شاء اللّٰه تعالی.
«40»-وَ رَوَی فِی الْمُنْتَقَی بِإِسْنَادِهِ إِلَی جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَنْ أَبِیهِ أَبِی جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمَا قَالَ: دَخَلْتُ (6) عَلَی جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ فَسَأَلَ عَنِ
ص: 402
الْقَوْمِ حَتَّی انْتَهَی إِلَیَّ فَقُلْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ فَأَهْوَی بِیَدِهِ إِلَی رَأْسِی فَنَزَعَ زِرِّیَ الْأَعْلَی ثُمَّ نَزَعَ زِرِّیَ الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَیْنَ ثَدْیَیَّ وَ أَنَا یَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ فَقَالَ مَرْحَباً بِكَ یَا ابْنَ أَخِی سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَسَأَلْتُهُ وَ هُوَ أَعْمَی وَ حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِی النِّسَاجَةِ مُلْتَحِفاً بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَی مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفُهَا (1) إِلَیْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَ رِدَاؤُهُ عَلَی الْمِشْجَبِ (2) فَصَلَّی بِنَا فَقُلْتُ أَخْبِرْنِی عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَقَالَ بِیَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعاً فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَكَثَ تِسْعَ سِنِینَ لَمْ یَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِی النَّاسِ فِی الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِینَةَ بَشَرٌ كَثِیرٌ كُلُّهُمْ یَلْتَمِسُ أَنْ یَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ یَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّی إِذَا أَتَیْنَا ذَا الْحُلَیْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله كَیْفَ أَصْنَعُ قَالَ اغْتَسِلِی وَ اسْتَثْفِرِی بِثَوْبٍ وَ أَحْرِمِی فَصَلَّی رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله رَكْعَتَیْنِ فِی الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّی اسْتَوَتْ (3) نَاقَتُهُ عَلَی الْبَیْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَی مَدِّ بَصَرِی بَیْنَ یَدَیْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَ مَاشٍ وَ عَنْ یَمِینِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَ عَنْ یَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَ مِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله بَیْنَ أَظْهُرِنَا وَ عَلَیْهِ یَنْزِلُ الْقُرْآنُ (4) وَ هُوَ یَعْرِفُ تَأْوِیلَهُ وَ مَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَیْ ءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِیدِ لَبَّیْكَ اللَّهُمَّ لَبَّیْكَ لَبَّیْكَ لَا شَرِیكَ لَكَ لَبَّیْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ لَكَ وَ الْمُلْكَ لَا شَرِیكَ لَكَ وَ أَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِی یُهِلُّونَ فَلَمْ یَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله شَیْئاً (5) مِنْهُ وَ لَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله تَلْبِیَتَهُ قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِی إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّی إِذَا أَتَیْنَا الْبَیْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثاً وَ مَشَی أَرْبَعاً ثُمَّ نَفَذَ إِلَی مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ فَقَرَأَ وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی (6) فَصَلَّی فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْبَیْتِ
ص: 403
فَكَانَ أَبِی یَقُولُ وَ لَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله كَانَ یَقْرَأُ فِی الرَّكْعَتَیْنِ قُلْ یَا أَیُّهَا الْكَافِرُونَ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَی الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَی الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (1) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِیَ عَلَیْهِ حَتَّی رَأَی الْبَیْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَ كَبَّرَهُ وَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَ نَصَرَ عَبْدَهُ وَ هَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَیْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَی الْمَرْوَةِ حَتَّی انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِی بَطْنِ الْوَادِی حَتَّی إِذَا صَعِدَتَا مَشَی حَتَّی أَتَی الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَی الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَی الصَّفَا حَتَّی إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ (2) عَلَی الْمَرْوَةِ قَالَ لَوْ أَنِّی اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِی مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْیَ وَ جَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَیْسَ مَعَهُ هَدْیٌ فَلْیُحِلَّ وَ لْیَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِی الْأُخْرَی وَ قَالَ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِی الْحَجِّ مَرَّتَیْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ وَ قَدِمَ عَلِیٌّ مِنَ الْیَمَنِ بِبُدْنٍ النَّبِیِّ صلی اللّٰه علیه و آله فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ أَحَلَّ وَ لَبِسَتْ ثِیَاباً صَبِیغاً وَ اكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَیْهَا فَقَالَتْ أَبِی أَمَرَنِی بِهَذَا قَالَ فَكَانَ عَلِیٌّ یَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مُحَرِّشاً عَلَی فَاطِمَةَ لِلَّذِی صَنَعَتْ وَ مُسْتَفْتِیاً لِرَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فِیمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّی أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَیْهَا فَقَالَ صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَا ذَا قُلْتَ حِینَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّی أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ قَالَ فَإِنَّ مَعِیَ الْهَدْیَ فَلَا تُحِلَّ قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْیِ الَّذِی قَدِمَ (3) بِهِ عَلِیٌّ مِنَ الْیَمَنِ وَ الَّذِی أَتَی بِهِ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله مِائَةً قَالَ فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَ قَصَّرُوا إِلَّا النَّبِیَّ صلی اللّٰه علیه و آله وَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْیٌ فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ التَّرْوِیَةِ تَوَجَّهُوا إِلَی مِنًی فَأَهَلُّوا بِالْحَجِ
ص: 404
وَ رَكِبَ النَّبِیُّ صلی اللّٰه علیه و آله فَصَلَّی بِهَا الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ وَ الْمَغْرِبَ وَ الْعِشَاءَ وَ الْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِیلًا حَتَّی طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَ أَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ لَا تَشُكُّ قُرَیْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَیْشٌ تَصْنَعُ فِی الْجَاهِلِیَّةِ فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی أَتَی عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ (1) بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّی إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرَحَلَتْ لَهُ فَأَتَی بَطْنَ الْوَادِی فَخَطَبَ النَّاسَ وَ قَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَیْكُمْ كَحُرْمَةِ یَوْمِكُمْ هَذَا فِی شَهْرِكُمْ هَذَا فِی بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَیْ ءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِیَّةِ تَحْتَ قَدَمَیَّ مَوْضُوعٌ وَ دِمَاءُ الْجَاهِلِیَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَ إِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ فِی دِمَائِنَا (2) دَمُ ابْنِ رَبِیعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعاً فِی بَنِی سَعْدٍ فَقَتَلَهُ هُذَیْلٌ وَ رِبَا الْجَاهِلِیَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَ أَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِی النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَ اسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ (3) وَ لَكُمْ عَلَیْهِنَّ أَنْ لَا یُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَیْرَ مُبَرِّحٍ وَ لَهُنَّ عَلَیْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ قَدْ تَرَكْتُ فِیكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَنْتُمْ تَسْأَلُونَ عَنِّی فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ أَدَّیْتَ وَ نَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ یَرْفَعُهَا إِلَی السَّمَاءِ وَ یَنْكُتُهَا إِلَی النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّی الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّی الْعَصْرَ وَ لَمْ یُصَلِّ بَیْنَهُمَا شَیْئاً ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی أَتَی الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ إِلَی الصَّخَرَاتِ وَ جَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ یَزَلْ وَاقِفاً حَتَّی غَرَبَتِ الشَّمْسُ (4) وَ أَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله وَ قَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّی إِنَّ رَأْسَهَا لَیُصِیبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَ یَقُولُ بِیَدِهِ الْیُمْنَی أَیُّهَا النَّاسُ السَّكِینَةَ السَّكِینَةَ كُلَّمَا أَتَی حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَی لَهَا قَلِیلًا حَتَّی أَتَی الْمُزْدَلِفَةَ (5) فَصَلَّی
ص: 405
بِهَا الْمَغْرِبَ وَ الْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَ إِقَامَتَیْنِ وَ لَمْ یُسَبِّحْ بَیْنَهُمَا شَیْئاً ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله حَتَّی طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّی الْفَجْرَ حِینَ تَبَیَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَ إِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّی أَتَی الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَ كَبَّرَهُ وَ هَلَّلَهُ وَ وَحَّدَهُ فَلَمْ یَزَلْ وَاقِفاً حَتَّی أَسْفَرَ جِدّاً فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ كَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْیَضَ وَسِیماً فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مَرَّتْ ظَعْنٌ یَجْرِینَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ یَنْظُرُ إِلَیْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَهُ عَلَی وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَی الشِّقِّ الْآخَرِ یَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله یَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَی وَجْهِ الْفَضْلِ فَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ یَنْظُرُ حَتَّی أَتَی بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِیلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِیقَ الْوُسْطَی الَّتِی تَخْرُجُ عَلَی الْجَمْرَةِ الَّتِی عِنْدَ الشَّجَرَةِ (1) فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَیَاتٍ یُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا حَصَی الْخَذْفِ رَمَی مِنْ بَطْنِ الْوَادِی ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَی الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثاً وَ سِتِّینَ بَدَنَةً بِیَدِهِ ثُمَّ أَعْطَی عَلِیّاً فَنَحَرَ مَا غَبَرَ (2) وَ أَشْرَكَهُ فِی هَدْیِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِی قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا عَنْ لَحْمِهَا وَ شَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَأَفَاضَ إِلَی الْبَیْتِ وَ صَلَّی (3) بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَی عَلَی بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ یَسْقُونَ عَلَی زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْ لَا أَنْ یَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَی سِقَایَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْواً فَشَرِبَ مِنْهُ (4).
بیان: قال الكازرونی النساجة الطیلسان و فی بعض الروایات الساجة قوله و استثفری مأخوذ من ثفر الدابة و هو الذی یشد تحت ذنبها قوله
ص: 406
انصبت أی انحدرت أی حتی إذا بلغ إلی موضع مستو یستوی قدماه علی الأرض بعد ما انحدر من العلو إلی الحدور قوله دم ابن ربیعة قیل هو ابن الحارث بن عبد المطلب أخو أبی سفیان بن الحارث ابن عم النبی صلی اللّٰه علیه و آله كان مسترضعا فی بنی سعد كما كان رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله مسترضعا فیهم و هو حارثة بن ربیعة و قیل إیاس بن ربیعة و إنما بدأ بإبطال الدم و الربا من أهله و قرابته لیعلم أن لیس فی الدین محاباة و النكت الضرب علی الوجه بشی ء یؤثر فیها و كأنه یرید به هاهنا الإشارة و قال الجزری حبل المشاة أی طریقهم الذی یسلكونه فی الرمل و قیل أراد صفهم و مجتمعهم فی مشیهم تشبیها بحبل الرمل قوله شنق أی جذب زمامها إلیه و المورك ثوب أو شی ء یجعل بین یدی الرحل یوضع علیه الرحل و الحبل بالحاء المهملة و الباء الموحدة المستطیل من الرمل و الضخم منه و الظعن النساء واحدتها ظعینة.
«41»-و قال الكازرونی فی حجة الوداع جی ء بصبی إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله یوم ولد فقال من أنا فقال رسول اللّٰه فقال صدقت بارك اللّٰه فیك ثم إن الغلام لم یتكلم بعدها حتی شب و كان یسمی مبارك الیمامة.
ثم قال فی حوادث السنة العاشرة و فیها مات باذان والی الیمن ففرق رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله عملها بین شهر بن باذان (1) و عامر بن شهر الهمدانی و أبی موسی الأشعری و خالد بن سعید بن العاص و یعلی بن أمیة و عمرو بن حزم و زیاد بن لبید البیاضی علی حضرموت و عكاشة بن ثور علی السكاسك و السكون و بعث معاذ بن جبل لأهل البلدین الیمن و حضرموت و قَالَ لَهُ یَا مُعَاذُ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَی قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ وَ إِنَّهُمْ سَائِلُوكَ عَنْ مَفَاتِیحِ الْجَنَّةِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ مَفَاتِیحَ الْجَنَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّهَا تَخْرِقُ كُلَّ شَیْ ءٍ حَتَّی تَنْتَهِیَ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَا تُحْجَبُ دُونَهُ مَنْ جَاءَ بِهَا یَوْمَ الْقِیَامَةِ مُخْلِصاً رَجَحَتْ بِكُلِّ ذَنْبٍ فَقُلْتُ (2) أَ رَأَیْتَ مَا سُئِلْتُ عَنْهُ وَ اخْتُصِمَ
ص: 407
إِلَیَّ فِیهِ مِمَّا لَیْسَ فِی كِتَابِ اللَّهِ وَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْكَ سُنَّةً فَقَالَ تَوَاضَعْ لِلَّهِ یَرْفَعْكَ اللَّهُ وَ لَا تَقْضِیَنَّ إِلَّا بِعِلْمٍ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَیْكَ أَمْرٌ فَسَلْ وَ لَا تَسْتَحْیِ وَ اسْتَشِرْ ثُمَّ اجْتَهِدْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِنْ یَعْلَمْ مِنْكَ الصِّدْقَ یُوَفِّقْكَ فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَیْكَ فَقِفْ حَتَّی تَثَبَّتَهُ أَوْ تَكْتُبَ إِلَیَّ فِیهِ وَ احْذَرِ الْهَوَی فَإِنَّهُ قَائِدُ الْأَشْقِیَاءِ إِلَی النَّارِ وَ عَلَیْكَ (1) بِالرِّفْقِ.
أقول: هذا الخبر حجتهم فی الاجتهاد و أنت تری عدم صراحته فیه فإنه یحتمل أن یكون المراد السعی فی تحصیل مدرك الحكم مع أن الخبر ضعیف تفردوا بروایته.
ثم قال و فیها بعث رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله جریر بن عبد اللّٰه البجلی إلی ذی الكلاع بن ناكور بن حبیب بن مالك بن حسان بن تبع فأسلم و أسلمت امرأته ضریبة بنت أبرهة بن الصباح.
و روی الریاشی عن الأصمعی قال كاتب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ذا الكلاع من ملوك الطائف علی جریر بن عبد اللّٰه یدعوه إلی الإسلام و كان قد استقل أمره حتی ادعی الربوبیة (2) فأطیع.
و مات النبی صلی اللّٰه علیه و آله فوفد علی عمر و معه ثمانیة عشر آلاف عبد فأسلم علی یده و أعتق من عبیده أربعة آلاف.
و فیها أسلم فروة الجذامی.
روی عن راشد بن عمرو الجذامی قال كان فروة بن عمرو الجذامی عاملا للروم فأسلم و كتب إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بإسلامه و بعث به مع رجل من قومه یقال له مسعود بن سعد و بعث له بغلة بیضاء مع فرس و حمار و أثواب و قباء سندس مخوص (3) بالذهب و كَتَبَ إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِلَی فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَدِمَ عَلَیْنَا رَسُولُكَ وَ بَلَّغَ مَا أَرْسَلْتَ بِهِ وَ خَبَّرَ عَمَّا قَبْلَكُمْ وَ أَتَانَا بِإِسْلَامِكَ وَ أَنَّ اللَّهَ هَدَاكَ بِهُدَاهُ. (4)
ص: 408
و أمر بلالا فأعطی رسوله اثنتی عشرة أوقیة و نشا (1) و بلغ ملك الروم إسلام فروة فدعاه فقال له ارجع عن دینك نملكك قال لا أفارق دین محمد فإنك تعلم أن عیسی قد بشر به و لكنك تضن بملكك فحبسه ثم أخرجه فقتله و صلبه..
و فیها توفی إبراهیم بن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله ولد فی ذی الحجة من سنة ثمان و توفی فی ربیع الأول من هذه السنة و دفن بالبقیع و انكسفت الشمس یوم موته
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله إِنَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ آیَتَانِ مِنْ آیَاتِ اللَّهِ لَا یَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَیْتُمُوهَا (2) فَعَلَیْكُمْ بِالدُّعَاءِ حَتَّی تُكْشَفَ (3).
و قال فی وقائع السنة الحادیة عشر فی هذه السنة قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله وفد النخع من الیمن للنصف من المحرم و هم مائتا رجل مقرین بالإسلام و قد كانوا بایعوا معاذ بن جبل بالیمن و هم آخر من قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من الوفد. (4) و فی هذه السنة استغفر رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله لأهل البقیع.
روی عن أبی مویهبة مولی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قال أهبنی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فی المحرم مرجعه من حجه و لم أدر ما مضی من اللیل أو ما بقی (5) فقال انطلق فإنی أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقیع فخرجت معه فاستغفر لهم طویلا ثم قال لِیَهْنِكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِیهِ أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّیْلِ الْمُظْلِمِ یَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الْأُولَی یَا بَا مُوَیْهِبَةَ أُعْطِیتُ خَزَائِنَ الدُّنْیَا وَ الْخُلْدَ فِیهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ فَخُیِّرْتُ بَیْنَ ذَلِكَ وَ الْجَنَّةِ وَ بَیْنَ لِقَاءِ رَبِّی وَ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی خُذْ خَزَائِنَ الدُّنْیَا وَ الْخُلْدَ فِیهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ
ص: 409
فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ یَا بَا مُوَیْهِبَةَ لَقَدِ اخْتَرْتُ (1) لِقَاءَ رَبِّی وَ الْجَنَّةَ و اشتكی بعد ذلك بأیام.
و فی روایة عنه أیضا فما لبث بعد ذلك الاستغفار إلا سبعا أو ثمانیا حتی قبض.
و فی هذه السنة كانت سریة أسامة بن زید و ذلك
أن رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أمر الناس بالتهیؤ لغزو الروم (2) لأربع لیال بقین من صفر سنة إحدی عشرة فلما كان من الغد دعا أسامة بن زید فَقَالَ سِرْ إِلَی مَوْضِعِ مَقْتَلِ أَبِیكَ وَ أَوْطِئْهُمُ الْخَیْلَ فَقَدْ وَلَّیْتُكَ هَذَا الْجَیْشَ فَأَغِرْ صَبَاحاً عَلَی أَهْلِ أُبْنَی وَ حَرِّقْ عَلَیْهِمْ فَإِنْ أَظْفَرَكَ اللَّهُ بِهِمْ فَأَقْلِلِ اللَّبْثَ فِیهِمْ خُذْ مَعَكَ الْأَدَاءَ وَ الْعُیُونَ (3) وَ الطَّلَائِعَ أَمَامَكَ فَلَمَّا كَانَ یَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّٰه علیه و آله فَحُمَّ وَ صُدِعَ فَلَمَّا أَصْبَحَ یَوْمَ الْخَمِیسِ عَقَدَ لِأُسَامَةَ لِوَاءً بِیَدِهِ ثُمَّ قَالَ اغْزُ بِسْمِ اللَّهِ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَقَاتِلْ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ فخرج و عسكر بالجرف فلم یبق أحد من وجوه المهاجرین و الأنصار إلا انتدب فی تلك الغزاة فیهم أبو بكر و عمر و سعد بن أبی وقاص و سعید بن زید و أبو عبیدة و قتادة بن النعمان فتكلم قوم و قالوا یستعمل هذا الغلام علی المهاجرین الأولین فغضب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله غضبا شدیدا فخرج و قد عصب علی رأسه عصابة و علیه قطیفة فصعد المنبر فحمد اللّٰه و أثنی علیه ثم قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَیُّهَا النَّاسُ فَمَا مَقَالَةٌ بَلَغَنِی عَنْ بَعْضِكُمْ فِی تَأْمِیرِ أُسَامَةَ (4) وَ لَئِنْ طَعَنْتُمْ فِی تَأْمِیرِی أُسَامَةَ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِی تَأْمِیرِی أَبَاهُ قَبْلَهُ وَ ایْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لِلْإِمَارَةِ خَلِیقاً وَ إِنَّ ابْنَهُ مِنْ بَعْدِهِ لَخَلِیقٌ لِلْإِمَارَةِ وَ إِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَیَّ فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَیْراً فَإِنَّهُ مِنْ خِیَارِكُمْ ثم نزل فدخل بیته و ذلك یوم السبت لعشر خلون من ربیع الأول و جاء المسلمون الذین یخرجون مع أسامة یودعون رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و یمضون علی العسكر (5).
ص: 410
ثم ذكر تخلف القوم علی ما سیأتی بیانه.
قال فلما بویع لأبی بكر أمر بریدة باللواء إلی أسامة لیمضی لوجهه فمضی بریدة إلی معسكرهم الأول فلما كان هلال ربیع الآخر سنة إحدی عشرة خرج أسامة فسار إلی أهل أبنی عشرین لیلة فشن علیهم الغارة فقتل من أشرف (1) له و سبی من قدر علیه و قتل قاتل أبیه و رجع إلی المدینة فخرج أبو بكر فی المهاجرین و أهل المدینة یتلقونهم سرورا لسلامتهم و فی مدة مرضه صلی اللّٰه علیه و آله جاء الخبر بظهور مسیلمة و العنسی و كانا یستغویان أهل بلادهما إلا أنه لم یظهر أمرهما إلا فی حال مرض رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله و كان صلی اللّٰه علیه و آله قد لحقه مرض بعید عوده من الحج ثم عوفی ثم عاد فمرض مرض الموت قال أبو مویهبة لما رجع رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله من حجه طارت الأخبار بأنه قد اشتكی فوثب الأسود بالیمن و مسیلمة بالیمامة فأما الأسود العنسی فاسمه عهیلة (2) بن كعب و كان كاهنا یشعبذ و یریهم الأعاجیب و یسبی منطقه قلب من یسمعه و كان أول خروجه بعد حجة رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فسار إلی صنعاء فأخذها فكتب فروة بن مسیك إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بخبره و كان عامل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی مراد و خرج معاذ بن جبل هاربا حتی مر بأبی موسی الأشعری و هو بمارت (3) فاقتحما حضرموت و رجع عمرو بن خالد إلی المدینة و قتل شهر بن باذام (4) و تزوج امرأته و كانت ابنة عم فیروز فأرسل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی نفر من الأبناء رسولا و كتب إلیهم أن یحاولوا الأسود إما غیلة و إما مصادمة و أمرهم أن یستنجدوا رجالا سماهم لهم ممن حولهم من حمیر و همدان و أرسل إلی أولئك النفر أن ینجدوهم فدخلوا علی زوجته فقالوا هذا قد قتل أباك و زوجك فما عندك قالت هو أبغض خلق اللّٰه إلی و هو مجرد و الحرس محیطون بقصره إلا هذا البیت فانقبوا علیه فنقبوا و دخل فیروز الدیلمی فخالطه فأخذ برأسه فقتله فخار خوار ثور فابتدر الحرس الباب فقالوا ما هذا فقالت النبی
ص: 411
یوحی إلیه (1) ثم خمد و قد كان یجی ء إلیه شیطان فیوسوس له فیغط و یعمل بما قاله فلما طلع الفجر نادوا بشعارهم الذی بینهم ثم بالأذان و قالوا فیه أشهد أن محمدا رسول اللّٰه و أن عهیلة (2) كذاب و شنوها غارة و تراجع أصحاب رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله إلی أعمالهم و كتبوا إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بالخبر فسبق خبر السماء إلیه
فخرج رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قبل موته بیوم أو بلیلة فأخبر الناس بذلك فَقَالَ قُتِلَ الْأَسْوَدُ الْبَارِحَةَ قَتَلَهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتٍ مُبَارَكِینَ قیل و من هو قال فیروز فاز فیروز.
و وصل الكتاب و رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله قد مات إلی أبی بكر و كان من أول خروجه إلی أن قتل نحو أربعة أشهر و فیروز قیل إنه ابن أخت النجاشی و قیل هو من أبناء فارس.
و أما مسیلمة بن حبیب الكذاب فكان یقال له رحمان الیمامة لأنه كان یقول الذی یأتینی اسمه رحمان و قدم علی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله فیمن أسلم ثم ارتد لما رجع إلی بلده و كتب إلی رسول اللّٰه من مسیلمة رسول اللّٰه إلی محمد رسول اللّٰه أما بعد فإن الأرض لنا نصف و لقریش نصف و لكن قریش قوم یعتدون (3) و بعث الكتاب مع رجلین فقال لهما رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أ تشهدان أنی رسول اللّٰه قالا نعم قال أ تشهدان أن مسیلمة رسول اللّٰه قالا نعم إنه قد أشرك معك فقال لو لا أن الرسول لا یقتل لضربت أعناقكما ثُمَّ كَتَبَ إِلَیْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَی مُسَیْلَمَةَ الْكَذَّابِ أَمَّا بَعْدُ فَ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ وَ قَدْ أَهْلَكْتَ أَهْلَ حِجْرٍ أَبَادَكَ اللَّهُ وَ مَنْ صَوَّبَ مَعَكَ. (4).
و ادعی مسیلمة أنه قد اشترك مع محمد صلی اللّٰه علیه و آله فی النبوة فأتته امرأة فقالت ادع اللّٰه لنخلنا و لمائنا فإن محمدا دعا لقومه فجاشت آبارهم قال و كیف صنع
ص: 412
قالت دعا بسجل فدعا لهم فیه ثم تمضمض و مجه فیه فأفرغوه فی تلك الآبار ففعل هو كذلك فغارت تلك المیاه و قال رجل برك علی ولدی فإن محمدا یبرك علی أولاد أصحابه فلم یؤت بصبی مسح رأسه إلا قرع (1) و توضأ مسیلمة فی حائط فصب وضوءه فیه فلم ینبت و وضع فی الآخر عنهم الصلاة و أحل لهم الخمر و الزنا و نحو ذلك فاتفقت معه بنو حنیفة إلا القلیل و غلب علی حجر الیمامة و أخرج ثمامة بن أثال و كتب ثمامة إلی رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله بخبره و كان عامل رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله علی الیمامة فلما مات رسول اللّٰه صلی اللّٰه علیه و آله أرسل أبو بكر خالد بن الولید إلی مسیلمة فلما بلغ الیمامة تقاتلوا و كان عدد بنی حنیفة یومئذ أربعین ألف مقاتل فقتل من المسلمین ألف و مائتان و من المشركین نحو عشرین ألفا و كانت بنو حنیفة حین رأت خذلانها تقول لمسیلمة أین ما كنت تعدنا فیقول قاتلوا عن أحسابكم و قتل اللّٰه عز و جل مسیلمة اشترك فی قتله وحشی و أبو دجانة فكان وحشی یقول قتلت خیر الناس و شر الناس حمزة و مسیلمة. (2) بیان فی القاموس السكاسك حی بالیمن و قال الجوهری السكون بالفتح حی من الیمن و فی النهایة فی حدیث أسامة أغر علی أبنی صباحا هی بضم الهمزة و القصر اسم موضع من فلسطین بین عسقلان و الرملة و یقال لها یبنی بالیاء و العنس بالعین المهملة و النون أبو قبیلة من الیمن و بالباء الموحدة أیضا أبو قبیلة و كذا فی أكثر النسخ لكن ابن الأثیر ضبطه بالنون و باذام فی أكثر النسخ بالمیم معرب بادام و صححه الفیروزآبادی بالنون و قال الأبناء قوم من العجم سكنوا الیمن و قال الجوهری صوبت الفرس إذا أرسلته فی الجری و صوبه أی قال له أصبت و استصوب فعله.
ص: 413
بسم اللّٰه الرحمن الرحیم و الحمد للّٰه ربّ العالمین و الصلاة علی سیّدنا محمّد و آله الطاهرین
اما بعد: فقد وفّقنا اللّٰه تعالی- و له الشكر و المنّة- لتصحیح الكتاب و تنمیقه و تحقیق نصوصه و أسانیده و مراجعة مصادره و مآخذه، مزداناً بتعالیق مختصرة لا غنی عنها و كان مرجعنا فی المقابلة و التصحیح مضافاً إلی أصول الكتاب و النسخة المطبوعة المشهورة بطبعة أمین الضرب، الطبعة الحروفیّة عدّة نسخ مخطوطة جیّدة فی غایة الدقّة و الإتقان:
منها النسخة الثمینة الأصلیّة التی هی بخطّ المؤلّف رضوان اللّٰه علیه تفضّل بها العالم العامل حجّة الإسلام الحاجّ السیّد مهدیّ الصدر العاملیّ الأصبهانیّ صاحب الوعظ و إمام الجماعة فی عاصمة طهران و هی ممّا ورثه من أبیه الفقید السعید الخطیب المشهور الحاجّ السیّد صدر الدین العاملیّ رحمة اللّٰه علیه.
و منها نسخة مخطوطة بخطّ نعمة اللّٰه بن محمّد مهدیّ الإصطهباناتیّ استكتبها عام 1278 ه و قد رمزنا إلیها ب «ألف».
و منها نسخة مخطوطة أخری مصحّحة بتصحیح محمّد محسن ابن أبی تراب مؤرّخة بعام 1226 و قد رمزنا إلیها ب «ب»
تفضّل بهما الفاضل البارع الأستاذ المعظّم السیّد جلال الدین الأرمویّ الشهیر بالمحدّث و یأتی مزید توضیح بالنسبة إلی هاتین النسختین فی الجزء الثانی و العشرین الذی یتمّ به تاریخ نبیّنا الأكرم صّلی الّله علیه و آله إنشاء اللّٰه تعالی.
و كان مرجعنا فی تخریج أحادیثه و تعالیقه كتباً أوعزنا إلیها فی المجلّدات السابقة
قم المشرفة- عبد الرحیم الربانیّ الشیرازیّ
ص: 414
بسمه تعلی و له الحمد
إلی هنا انتهی الجزء الحادی و العشرون من كتاب بحار الأنوار من هذه الطبعة النفیسة و هو الجزء السابع من المجلّد السادس فی تاریخ نبیّنا الأكرم صّلی الّله علیه و آله حسب تجزئة المصنّف أعلی اللّٰه مقامه.
و قد قابلناه و صحّحناه عند طبعها طبقاً للنسخة التی صحّحها الفاضل المكرّم الشیخ عبد الرحیم الربّانیّ المحترم بما فیها من التعلیق و التنمیق و اللّٰه ولیّ التوفیق.
محمد باقر البهبودیّ من لجنة التحقیق و التصحیح لدار الكتب الإسلامیّة
ص: 415
الموضوع/ الصفحه
الباب 22 غزوة خیبر وفدك و قدوم جعفر بن أبی طالب علیهما السلام 41- 1
الباب 23 ذكر الحوادث بعد غزوة خیبر إلی غزوة مؤتة 50- 41
الباب 24 غزوة مؤتة و ما جری بعدها إلی غزوة ذات السلاسل 65- 50
الباب 25 غزوة ذات السلاسل 90- 66
الباب 26 فتح مكة 139- 91
الباب 27 ذكر الحوادث بعدالفتح إلی غزوة حنین 146- 139
الباب 28 غزوة حنین و الطائف و أوطاس و سائر الحوادث إلی غزوة تبوك 185- 146
الباب 29 غزوة تبوك و قصّة العقبة 252- 185
الباب 30 قصة أبی عامر الراهب و مسجد الضرار و فیه ما یتعلق بغزوة تبوك 263- 252
الباب 31 نزول سورة براءة و بعث النبی صّلی الّله علیه و آله علیا علیه السلام بها لیقرأها علی الناس فی الموسم بمكة 276- 264
الباب 32 المباهلة و ما ظهر فیها من الدلائل و المعجزات 356- 276
الباب 33 غزوة عمرو بن معدیكرب 359- 356
الباب 34 بعث أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الیمن 363- 360
الباب 35 قدوم الوفود علی رسول اللّٰه صّلی الّله علیه و آله و سائر ما جری إلی حجة الوداع 378- 364
الباب 36 حجة الوداع و ما جری فیها إلی الرجوع إلی المدینة و عدد حجّه و عمرته صّلی الّله علیه و آله و سائر الوقائع إلی وفاته صّلی الّله علیه و آله 413- 378
ص: 416
ب: لقرب الإسناد.
بشا: لبشارة المصطفی.
تم: لفلاح السائل.
ثو: لثواب الأعمال.
ج: للإحتجاج.
جا: لمجالس المفید.
جش: لفهرست النجاشیّ.
جع: لجامع الأخبار.
جم: لجمال الأسبوع.
جُنة: للجُنة.
حة: لفرحة الغریّ.
ختص: لكتاب الإختصاص.
خص: لمنتخب البصائر.
د: للعَدَد.
سر: للسرائر.
سن: للمحاسن.
شا: للإرشاد.
شف: لكشف الیقین.
شی: لتفسیر العیاشیّ
ص: لقصص الأنبیاء.
صا: للإستبصار.
صبا: لمصباح الزائر.
صح: لصحیفة الرضا (علیه السلام).
ضا: لفقه الرضا (علیه السلام).
ضوء: لضوء الشهاب.
ضه: لروضة الواعظین.
ط: للصراط المستقیم.
طا: لأمان الأخطار.
طب: لطبّ الأئمة.
ع: لعلل الشرائع.
عا: لدعائم الإسلام.
عد: للعقائد.
عدة: للعُدة.
عم: لإعلام الوری.
عین: للعیون و المحاسن.
غر: للغرر و الدرر.
غط: لغیبة الشیخ.
غو: لغوالی اللئالی.
ف: لتحف العقول.
فتح: لفتح الأبواب.
فر: لتفسیر فرات بن إبراهیم.
فس: لتفسیر علیّ بن إبراهیم.
فض: لكتاب الروضة.
ق: للكتاب العتیق الغرویّ
قب: لمناقب ابن شهر آشوب.
قبس: لقبس المصباح.
قضا: لقضاء الحقوق.
قل: لإقبال الأعمال.
قیة: للدُروع.
ك: لإكمال الدین.
كا: للكافی.
كش: لرجال الكشیّ.
كشف: لكشف الغمّة.
كف: لمصباح الكفعمیّ.
كنز: لكنز جامع الفوائد و تأویل الآیات الظاهرة معا.
ل: للخصال.
لد: للبلد الأمین.
لی: لأمالی الصدوق.
م: لتفسیر الإمام العسكریّ (علیه السلام).
ما: لأمالی الطوسیّ.
محص: للتمحیص.
مد: للعُمدة.
مص: لمصباح الشریعة.
مصبا: للمصباحین.
مع: لمعانی الأخبار.
مكا: لمكارم الأخلاق.
مل: لكامل الزیارة.
منها: للمنهاج.
مهج: لمهج الدعوات.
ن: لعیون أخبار الرضا (علیه السلام).
نبه: لتنبیه الخاطر.
نجم: لكتاب النجوم.
نص: للكفایة.
نهج: لنهج البلاغة.
نی: لغیبة النعمانیّ.
هد: للهدایة.
یب: للتهذیب.
یج: للخرائج.
ید: للتوحید.
یر: لبصائر الدرجات.
یف: للطرائف.
یل: للفضائل.
ین: لكتابی الحسین بن سعید او لكتابه و النوادر.
یه: لمن لا یحضره الفقیه.
ص: 417